الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسكان
التعريف اللغوى
(1)
:
اسكان مصدر فعله أسكن المزيد بالهمزة لافادة التعدية فأصل مادته سكن.
جاء فى لسان العرب: سكن الشئ يسكن سكونا اذا ذهبت حركته ومنه قوله تعالى «وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ»
(2)
قال ابن الاعرابى: معناه وله ما حل فى الليل والنهار، والسكنى أن يسكن الرجل موضعا بلا كروة كالعمرى.
وقال اللحيانى: والسكن: أيضا سكنى الرجل فى الدار، والسكن: أن تسكن انسانا منزلا بلا كراء، والسكن: العيال أهل البيت، وسكنى المرأة: المسكن الذى يسكنها الزوج اياه، ويقال: دارى هذه سكنى اذا أعاره مسكنا يسكنه.
وقد ذكر صاحب القاموس لهذه المادة معانى كثيرة يربط بينها الاستعمال على طريق المجاز، يقال سكن يسكن سكونا اذا أقر.
التعريف الشرعى:
لا يكاد يخرج التعريف الشرعى للاسكان عند الفقهاء عن الاستعمال اللغوى، فقد قال صاحب بدائع الصنائع: السكنى:
(3)
هى الكون فى المكان على طريق الاستقرار، ولا يكون السكون على هذا الوجه الا بما يسكن به عادة من أهل ومتاع يتأثث به ويستعمله فى منزله.
وفى البجرمى للشافعية: السكنى مشتقة من السكون، وأريد به الحلول
(1)
انظر لسان العرب للعلامة ابن منظور ج 5 ص 211 الى ص 213 مادة سكن طبع دار صادر دار بيروت وترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير لطاهر أحمد الزاوى الطرابلسى ج 2 ص 43 مادة سكن الطبعة الاولى مطبعة الرسالة سنة 1959.
(2)
الآية رقم 13 من سورة الأنعام.
(3)
للحنفية كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 72 طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.
وللمالكية كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لابى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 3 ص 297 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1238 هـ الطبعة الأولى.
وللشافعية حاشية العلامة البجرمى للشيخ سليمان البجرمى على شرح منهج الطلاب وبهامشه مع الشرح نفائس ولطائف للشيخ المرصفى ج 4 ص 323 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1344 هـ والمهذب ج 2 ص 333
وللحنابلة كشاف القناع على متن الاقناع ج 4 ص 152.
وللظاهرية المحلى للعلامة أبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 8 ص 59، ص 60 مسألة رقم 1158.
وللزيدية شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 21 والتاج المذهب ج 3 ص 419.
وللامامية شرائع الاسلام فى الفقه الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 122.
وللإباضية كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 468.
لا ضد الحركة كما فى الروضة، ومثل ذلك عند بقية المذاهب.
سكنى الزوجة
مذهب الحنفية:
جاء فى البحر
(1)
الرائق: أنه يجب السكنى للزوجة على الزوج فى بيت خال عن أهله وأهلها، لأن السكنى من كفايتها، وقد أوجبها الله تعالى بقوله {(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)}
(2)
أى من طاقتكم أى مما تطيقونه سواء كان ملكا أو اجارة أو اعارة اجماعا، واذا وجبت السكنى حقا للزوجة فليس له أن يشرك معها غيرها فى المسكن اذا لم توافق عليه، لأنها تتضرر به فانها - من جهة - لا تأمن على متاعها، ثم ان ذلك من جهة أخرى يمنعها من المعاشرة مع زوجها ومن الاستمتاع، أما ان رضيت به فانه يجوز، لأنها رضيت بانتقاص حقها - ودخل فى الاهل: الولد من غيرها اذا كان كبيرا، أما ان كان صغيرا لا يفهم الجماع فله اسكانه معها، وخرج عن الأهل أمة الرجل وأم ولده، فليس للمرأة الامتناع من اسكانهما معها على المختار، لأنه يحتاج الى استخدام فلا يستغنى عنهما.
ونقل ابن عابدين عن الذخيرة أنه مشكل على المعنيين جميعا، أما على الأول فلأنها لا تأمن على متاعها، وأما على المعنى الثانى فلأنه تكره المجامعة بين يدى أمة الرجل، هذا هو قول محمد آخرا، وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف.
ونقل صاحب البحر عن الهداية أنه لو أسكنها فى بيت من الدار مفرد وله غلق كفاها، لأن المقصود حصل، ثم عقب على ذلك فقال: وقد اقتصر على الغلق فأفاد أنه يكفيها ولو كان الخلاء مشتركا بعد أن يكون له غلق يخصه، وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر، وبه قال الامام، لأن الضرر بالخوف على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال.
ثم قال: ولا بد من كون المراد كون الخلاء مشتركا بينهم وبين غير الأجانب.
والذى فى شرح المختار: ولو كان فى الدار بيوت وأبت أن تسكن مع ضرتها أو مع أحد من أهله ان أخلى لها بيتا وجعل له مرافق وغلقا على حدة ليس لها أن تطلب بيتا، وكذا فى فتح القدير وهو يفيد أنه لا بد للبيت من بيت الخلاء ومن مطبخ بخلاف ما فى الهداية، وينبغى الافتاء بما فى شرح المختار.
ونقل ابن عابدين عن الذخيرة، أنه اذا كان للرجل والدة وأخت أو ولد
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج 4 ص 210.
(2)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
من غيرها أو ذو رحم من الزوجة فقالت أنا لا أنزل مع أحد منهم، فان كان فى الدار بيوت فأعطاها بيتا يغلق عليه ويفتح لم يكن لها المطالبة بمنزل آخر والا فلها المطالبة بمنزل آخر لأنها تخاف على أمتعتها ولأنها تكره المجامعة ومعها فى البيت غيرهما.
وذكر الخصاف أنه ان كانت له امرأتان فأسكنهما فى بيت واحد فطلبت احداهما بيتا على حدة فلها ذلك، لأن فى اجتماعهما فى بيت واحد ضررا بهما والزوج مأمور بازالة الضرر عن المرأة، هكذا حكى عن الشيخ أبى بكر محمد ابن الفضل.
وجاء فى البحر الرائق
(1)
: أن للزوج أن يسكن زوجته حيث أحب، ولكن على أن يكون بين جيران صالحين.
ولو قالت الزوجة للقاضى: انه يضربنى ويؤذينى فمره أن يسكننى بين قوم صالحين، فان علم القاضى ذلك زجره ومنعه عن التعدى فى حقها، والا يسأل الجيران عن صنيعه فان صدقوها منعه عن التعدى، وان لم يكن فى جوارها من يوثق به أو كانوا يميلون الى الزوج أمره باسكانها بين قوم صالحين.
ثم قال صاحب البحر وقد علم من كلامهم أن البيت الذى ليس له جيران ليس بمسكن شرعى.
ثم قال: واعلم أن المسكن لا بد من أن يكون بقدر حالهما، فليس مسكن الاغنياء كمسكن الفقراء.
ونقل صاحب البحر عن البزازية: أن الرجل لو تزوج امرأة وبنى بها فى منزل كانت فيه بأجر ومضى عليه سنة فطالب المؤجر المرأة بالأجر فقالت لزوجها: أخبرتك أن المنزل بالكراء فعليك الأجر فلا يلتفت الى مقالتها، والأجر عليها لا على الزوج، لأنها العاقدة، قال صاحب البحر: ومفهومه أنها لو سكنت بغير اجارة فى وقف أو مال يتيم أو ما كان معدا للاستغلال فالأجرة عليه.
وفى البزازية أجرت دارها من زوجها وهما يسكنان فيه لا أجر عليه، وعلق ابن عابدين على ذلك فى الحاشية بقوله أقول: هذا خلاف المفتى به كما ذكره فى اجارات الدر المختار عن الخانية.
ونقل صاحب البحر
(2)
عن الذخيرة أن على الزوج مؤنة سكنى الزوجة فان لم يكن له منزل مملوك وجب عليه أن
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق لابن عابدين ج 4 ص 211 الطبعة الاولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 216 الطبعة السابقة.
يكترى منزلا لها ويكون الكراء عليه فان كان معسرا تؤمر المرأة أن تستدين الكراء ثم ترجع على الزوج اذا أيسر، هذا اذا كان الزوج حاضرا أما ان كان الزوج غائبا فان على القاضى أن يفرض لزوجه السكنى من ماله بشرطين.
أولهما: أن يكون من عنده المال للزوج الغائب مقرا به.
والشرط الثانى: أن يكون الزوج مقرا بالزوجية، لأنه لما أقر بها فقد أقر بأن حق الأخذ لها لأن لها أن تأخذ من مال الزوج حقها من غير رضاه واقرار صاحب اليد مقبول فى حق نفسه لا سيما
(1)
هنا.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل للمواق
(2)
، نقلا عن المدونة أن وجوب الاسكان على الزوج لزوجته كالنفقة، وأن حال السكنى قدرا وصفة ومكانا تكون باعتبار حال الزوجين.
وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح
(3)
الكبير: أنه اذا كان للزوج زوجتان أو أكثر جاز له أن يجمعهما أو يجمعهن فى منزلين مستقلين من دار واحدة أو منازل كذلك مادام ذلك برضاهن أو برضاهما، وقد اعترض الشيخ أحمد بابا على ما ذكره المصنف بأنه لا نص فى كلامهم يوافقه بل نصوص المذهب تدل على أن له جبرهن على ذلك حيث كان كل منزل مستقلا بمنافعه والجواز بالرضا انما هو حيث لم يكن كل منزل مستقلا بأن كان للمنزلين مرحاض واحد ومطبخ واحد، أما اذا أراد اسكانهما أو اسكانهن فى منزل واحد فقد ذكر فى التوضيح أنه لا يجوز ان رضيتا، واعترضه الشيخ أحمد بابا أيضا بأن النصوص تدل على جواز سكناهما بمنزل واحد ان رضيتا ولا يقال جمعهما فى منزل واحد يستلزم وط ء احداهما بحضرة الأخرى، لأنه يمكن أن يطأها فى غيبة الأخرى.
قال البنانى: وقد بحثت كثيرا عن النصوص فلم أجد ما يشهد للمصنف غير أنه تبع ابن عبد السّلام وقد ذكر شيخنا العدوى أنها لا تجاب بعد رضاها بسكناها مع ضرتها أو مع أهله فى دار لسكناها وحدها.
وذكر الحطاب
(4)
: ان ابن فرحون قال: ان من حقها ألا تسكن مع ضرتها ولا مع أهل زوجها ولا مع
(1)
البحر الرائق لابن نجيم ج 4 ص 213، ص 214 الطبعة السابقة.
(2)
مواهب الجليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 4 ص 182 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير وبهامشه الشرح الكبير وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 2 ص 342 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(4)
الحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 4 ص 13، ص 14 الطبعة السابقة.
أولاده فى دار واحدة فان أفرد لها بيتا فى الدار ورضيت فذلك جائز والا قضى عليه بمسكن يصلح لها
وفى التاج
(1)
والاكليل: وللزوجة الامتناع من أن تسكن مع أقاربه الا الوضيعة.
قال ابن سلمون: من تزوج امرأة وأسكنها مع أبيه وأمه وأهله فشكت الضرر لم يكن له أن يسكنها معهم، وان احتج بأن أباه أعمى نظر فى ذلك فان رأى ضررا منع.
وقال فى الشرح الكبير على الدسوقى
(2)
ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه كأبويه فى دار واحدة لما فيه من الضرر عليهم باطلاعهم على حالها، إلا الوضيعة فليس لها الامتناع من السكني معهم، وكذا الشريفة إن اشترطوا عليها سكناها معهم، ومحل ذلك فيهما ما لم يطلعوا على عوراتها.
وعلق الدسوقى فى حاشيته على ذلك فى قوله الا الوضيعة أى ذات الصداق القليل وكذا الشريفة اذا اشترط عليها سكناها معهم، أى فليس لواحدة منهما الامتناع، وقوله ما لم يطلعوا الخ أى والا كان لكل منهما الامتناع، ومثل الاطلاع المذكور ثبوت الضرر بغيره، وأما غيرهما فلا يلزمها السكنى مع أهله وان لم يثبت ضرر.
وليس للزوج أن يسكن أولاده من امرأة أخرى مع زوجته فى مسكن واحد يجمعهم الا أن ترضى بذلك، سمعه ابن القاسم، كولد صغير لأحدهما ان كان له حاضن الا أن يبنى وهو معه.
قال ابن زرب: اذا كان لأحد الزوجين ابن صغير لم يكن له حاضن أجبر من أبى منهما على البقاء معه، فان أراد اخراجه بعد ذلك لم يكن ذلك لواحد منهما لدخوله عليه.
واختصره ابن عرفة بما نصه ابن زرب من تزوج امرأة وله ولد صغير من غيرها فأراد امساكه بعد البناء وأبت ذلك ان كان له من يدفعه اليه من أهله ليحضنه له ويكفله أجبر على اخراجه والا أجبرت على بقائه، ولو بنى بها والصبى معها ثم أرادت اخراجه لم يكن لها ذلك وكذلك الزوجة ان كان لها ولد صغير مع الزوج حرف بحرف.
وقال ابن عبد السّلام أما الجمع بينهن فى دار واحدة ويكون لكل واحدة منهن بيت فذلك من حقهن فان رضين به جاز وان أبين منه أو كرهته واحدة لم يمكن منه وهكذا ينبغى ان سكنتا معا باختيارهما أن يكون القول قول من أرادت الخروج منهما وأما الجمع بينهما فى بيت واحد فلا ينبغى ذلك ولو رضيت به.
(1)
التاج والاكليل ج 4 ص 186 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 512 وص 513 الطبعة السابقة.
قال ابن عرفة وليس عليه ابعاد الدار بينهن.
ثم ذكر فى التاج والاكليل
(1)
: أن المتيطى قال ولا يجمع بينهن فى منزل واحد الا برضاهن.
وقال ابن رشد: ويقضى عليه أن يسكن كل واحدة بيتا ويقضى عليه أن يدور عليهن فى بيوتهن ولا يأتينه الا أن يرضين.
وقال ابن عرفة
(2)
أن شقاق الزوجين ان ثبت فيه ظلم أحدهما الآخر حكم القاضى بدرء ظلم الظالم منهما وأسكنها بين قوم صالحين ان لم تكن بينهم.
قال المتيطى اذا اشتكت المرأة اضرار زوجها بها ورفعت الى الحاكم امرها وتكررت بالشكوى وعجزت عن اثبات الدعوى فان الحاكم يأمر زوجها باسكانها بين قوم صالحين ويكلفهم تفقد خبرهما واستعلام ضررهما فان كانت ساكنة معه فى مثل هؤلاء القوم لم يلزمه نقلها الى غيرهم.
وجاء فى حاشية الدسوقى
(3)
على الشرح الكبير: أنه ان ثبت تعدى كل من الزوجين على صاحبه وعظهما ثم ضربهما باجتهاده فان لم يثبت فالوعظ فقط واسكنها بين قوم صالحين، وهم من تقبل شهادتهم ان لم تكن بينهم، هذا فيما اذا ادعت الضرر وتكررت شكواها وعجزت عن اثبات دعواها وفيما اذا ادعى كل منهما الضرر وتكرر منهما الشكوى وعجزا عن اثباته فمحل تسكينها بينهم انما هو عند الاشكال، وان استمر الاشكال بعد تسكينها بين قوم صالحين، أو كانت بينهم ابتداء، أو لم يمكن السكنى بينهم بعث الحاكم أو من يقوم مقامه حكمين من أهلهما، وان لم يدخل الزوج بها فقد يكونان فى بيت واحد أو جارين فيتنازعان على أن يكون أحد الحكمين من أهله والآخر من أهلها ان أمكن.
وجاء فى حاشية الدسوقى
(4)
: أنه تصح هبة زوجة دار سكناها لزوجها أو لبنيه ولو استمرت ساكنة فيها حتى ماتت اذا أشهدت ولو شرطت عليه أن ألا يخرجها منها وأن لا يبيعها فقال ابن رشد فى نوازل أصبغ من العتبية لا يجوز ذلك ولا يكون سكناه معها فيها حيازة له لا العكس وهو هبة الزوج لزوجته دار سكناه فلا يصح اذا استمر ساكنا فيها معها حتى مات، وهذا اذا كانت الهبة مجردة عن شائبة المعاوضة، وأما لو التزم الزوج لزوجته النصرانية ان أسلمت فالدار الساكن فيها معها تكون لها فأسلمت
(1)
التاج والاكليل بهامش الحطاب ج 4 ص 14 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 16 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 343، ص 344 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 106 الطبعة السابقة.
فهى لها ولو مات قبل الحوز، لأن ذلك معاوضة قاله ابن حبيب عن ابن الماجشون وعيسى عن ابن القاسم وابن أبى حازم فى المدونة ورجحه ابن رشد وابن الحاج.
وجاء فى حاشية
(1)
الدسوقى: أنه ان تزوج رجل امرأة رشيدة ذات بيت وان ملكت منفعته بكراء لازم وجيبة أو مشاهرة ونقدت جملة فلا كراء على الزوج لها لأن النكاح مبنى على المكارمة الا أن تبين ولو بعد العقد والعبرة بوقت البيان فيكون لها الكراء من ذلك الوقت لا ما تقدمه.
وبيت أمها أو أبيها كبيتها فلا يلزمه كراؤه الا اذا حصل بيان فيلزمه من وقت البيان لا ما قبله، والمراد ببيت أبيها وأمها ما يملكان ذاته أو منفعته وجيبة أو مشاهرة ونقدا جملة وكذا يقال فيما بعد.
وأما سكنى الزوج بالزوجة فى بيت أخيها أو عمها فقال اللخمى أرى أن طالت المدة فلا شئ لهما عليه وان قصرت حلفا أنهما لم يسكناه الا بأجرة وأخذاها منه.
وسكناه بها فى بيت أبويه كسكناه بها فى بيت أبوى الزوجة.
وأما سكناه بها فى بيت أخيه أو عمه فينبغى أن يكون لهما عليه الأجرة اذا قالا انما أسكناه بالأجرة طالت المدة أو قصرت بخلاف ما سبق فى أخيها وعمها، لأن العادة ضمها لهما عند الخوف عليها حفظا لعرضها، ولم تجر العادة بضمها لأخيه وعمه عند الخوف عليها.
واشتراط الزوج حين العقد سكناه ببيتها بلا كراء لا يوجب فساد العقد كما هو ظاهر اطلاقهم هنا، قاله عبد الباقى.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(2)
: أنه يجب للزوجة على الزوج مسكن تأمن فيه لو خرج عنها على نفسها، فلو لم تأمن أبدل لها المسكن بما تأمن على نفسها فيه ومالها وان قل للحاجة بل الضرورة اليه وكالمعتدة بل أولى يليق بها عادة لعدم ملكها ابداله اذ هو امتاع.
ولو سكن معها فى منزلها باذنها أو لامتناعها من النقلة معه أو فى منزل نحو أبيها باذنه أو منعه من النقلة لم يلزمه أجرة، اذ الاذن العارى عن ذكر عوض منزل على الاعارة والاباحة بخلافه مع السكوت، أى بخلاف ما لو سكن معها
(1)
حاشية الدسوقى ج 4 ص 55 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى وبهامشه المغربى ج 7 ص 186 طبع شركة مكتبة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.
مع سكوتها ان كان المسكن لها، وسكوت أبيها ان كان المسكن له فتلزم الأجرة فيما ذكر، لكن هذا لم يتقدم فيما نقله قبيل الاستبراء، وانما تقدم أنه اذا سكن بالاذن لا أجرة عليه، ولا يشترط أن يكون هذا المنزل ملك الزوج لحصول المقصود بغيره كمعار ومستأجر ولا يثبت فى الذمة أى لا يثبت بدل المسكن وهو الأجرة اذا لم يسكنها مدة لأنه امتاع.
وجاء فى موضع آخر
(1)
: ويجب فى المسكن امتاع لأنه لمجرد الانتفاع فأشبه الخادم المعلوم مما قدمه أنه كذلك.
وذكر ابن الصلاح أن له نقل زوجته من حضر لبادية وان خشن عيشها لأن نفقتها مقدرة أى لا تزيد ولا تنقص وأما خشونة عيش البادية فهى بسبيل الخروج عنها بالابدال.
قال: وليس له سد طاق مسكنها عليها وله اغلاق الباب عليها عند خوف لحوق ضرر له من فتحه وليس له منعها من نحو غزل وخياطة فى منزله وما ذكره آخرا يتعين حمله على غير زمن الاستمتاع الذى يريده أو على ما اذا لم يتعذر به، وفى سد الطاقات محمول على طاقات لا ريبة فى فتحها والا فله السد بل يجب عليه كما افتى به الوالد رحمه الله أخذا من افتاء ابن عبد السّلام بوجوبه فى طلقات ترى الاجانب منها أى وعلم منها تعمد رؤيتهم.
وذكر صاحب المهذب
(2)
: أنه لا يصح أن يجمع بين امرأتين فى مسكن الا برضاهما، لأن ذلك ليس من العشرة بالمعروف، ولأنه يؤدى الى الخصومة، ولا يطأ احداهما بحضرة الأخرى، لأنه دناءة وسوء عشرة، ولا يستمتع بها الا بالمعروف، فان كانت نضو الخلق ولم تحتمل الوط ء لم يجز وطؤها لما فيه من الاضرار.
وعماد القسم الليل لقوله عز وجل «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ 3 لِباساً» قيل فى التفسير الايواء الى المساكن، ولأن النهار للمعيشة والليل للسكون، ولهذا قال الله تعالى «أَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا 4 فِيهِ» فان كانت معيشته بالليل فعماد قسمه النهار، لأن نهاره كليل غيره، والأولى أن يقسم ليلة ليلة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن ذلك أقرب الى التسوية فى ايفاء الحقوق.
وفى نهاية المحتاج: وينفسخ النكاح بعجزه عن المسكن كما ينفسخ بعجزه عن النفقة فى الأصح، لتعذر الصبر على دوام فقده وامكان المسكن بنحو مسجد
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 188 وهامشه الطبعة السابقة.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 2 ص 66 طبع مطبعة عيسى الحلبى وشركاه بمصر.
(3)
الآية رقم 10 من سورة النبا.
(4)
الآية رقم 86 من سورة النمل.
كامكان تحصيل القوت بالسؤال فلا يصح شئ من هذا
(1)
.
وجاء فى كفاية الأخيار
(2)
: أنه اذا أعسر الزوج بالمسكن كان كما لو أعسر بالنفقة ان قدم لها مسكن المعسر فلا فسخ.
وفى نهاية المحتاج: وتستحق القسم مريضة ما لم يسافر بهن وتتخلف بسبب المرض فلا قسم لها، وان استحقت النفقة كما نقله البلقينى عن الماوردى وأقره، ورتقاء وقرناء ومجنونة يؤمن منها ومراهقة وحائض ونفساء ومحرمة ومول أو مظاهر منها وكل ذات عذر شرعى أو طبعى، لأن المقصود الأنس لا الوط ء وكما تستحق كل النفقة لا ناشزة أى خارجة عن طاعته بأن تخرج بغير اذنه أو تمنعه من التمتع بها أو تغلق الباب فى وجهه ولو مجنونة أو تدعى الطلاق كذبا، أو معتدة عن وط ء شبهة، وصغيرة لا تطيق الوط ء، ومغصوبة، ومحبوسة وأمة لم يتم تسليمها، ومسافرة باذنه وحدها لحاجتها كما لا نفقة لهن.
ومن امتنعت من النساء يسقط حقها ان ضلح محله لسكنى مثلها فيما يظهر، فان لم ينفرد بمسكن وأراد القسم دار عليهن فى بيوتهن توفية لحقهن، وأن انفرد بمسكن فالأفضل المضى اليهن صونا لهن وله دعاؤهن بمسكنه وعليهن الاجابة، لأن ذلك حقه، فمن امتنعت أى وقد لاق مسكنه بها فيما يظهر فهى ناشزة الا ذات خفر لم تعتد البروز فيذهب لها كما قاله الماوردى واستحسنه الأذرعى وغيره وان استغربه الرويانى والا نحو معذورة بمرض فيذهب أو يرسل مركبا ان أطاقت مع ما يقيها من نحو مطر، والاصح تحريم ذهابه الى بعض ودعاء بعض الى مسكنه لما فيه من الايحاش، ولما فى تفضيل بعضهن على بعض. من ترك العدل والثانى لا، كما له المسافرة ببعض دون بعض الا لغرض كقرب مسكن من مضى اليها أو خوف عليها لنحو شباب دون غيرها فلا يحرم لانتفاء الايحاش حينئذ، فمن امتنعت فناشزة.
قال الأذرعى لو كان الغرض ذهابه للبعيدة للخوف عليها ودعاؤه للقريبة للأمن عليها اعتبر عكس ما فى كلام المصنف.
والضابط ألا يظهر منه التفضيل والتخصيص، وقوله أو خوف عليها عطف على قرب.
ويحرم أن يقيم بمسكن واحدة سواء ملكها أو ملكه أو غيرهما ولو لم تكن هى فيه حال دعائهن فيما يظهر ويدعوهن أى الباقيات اليه بغير رضاهن فان أجبن فلها المنع، وحينئذ يصح عود
(1)
نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 7 ص 204 الطبعة السابقة.
(2)
كفاية الاخيار فى حل غاية الاختصار للامام تقى الدين أبى بكر الدمشقى ج 2 ص 149 طبع مطبعة دار أحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
قوله الا برضاهما لهذه أيضا بأن يجعلن قسما وهى قسم آخر، وان يجمع ضرتين أو زوجة وسرية فى مسكن متحد المرافق أو بعضها كخيمة فى حضر ولو ليلة أو دونها لما بينهما من التباغض الا برضاهما، لأن الحق لهما، ولهما الرجوع نعم لا يعتبر رضا السرية بل المعتبر رضا الزوجة فقط
(1)
.
قال فى مغنى المحتاج
(2)
: لأن السرية لا يعتبر رضاها لأن له جمع امائه بمسكن وهى أمة، ولو اشتملت دار على حجرات مفردة المرافق جاز اسكان الضرات فيها من غير رضاهن والعلو والسفل ان تميزت المرافق مسكنان.
وللحرة
(3)
الرجوع هنا أيضا أما خيمة السفر فله جمعهما فيها لعسر أفراد كل بخيمة مع عدم دوام الاقامة، ويؤخذ منه عدم جمعهما فى محل واحد من سفينة ما لم يتعذر أفراد كل بمحل لصغرها مثلا، أما اذا تعدد المسكن وانفرد كل بجميع مرافقه نحو مطبخ وحش وسطح ورحبته وبئر ماء ولاق بها فلا امتناع لهما وان كانا من دار واحدة كعلو وسفل وان اتحدا غلقا ودهليزا فيما يظهر، اذ الغرض عدم اشتراكهما فيما يؤدى الى التخاصم ونحو الدهليز الخارج عن المسكنين لا يؤدى اتحاده اليه كاتحاد الممر من أول باب الى باب كل منهما.
والأوجه أن اتحاد الرحا فى بلد اعتيد فيه أفراد كل مسكن برحا كاتحاد بعض المرافق، لأن الاشتراك فيها يؤدى الى التخاصم كما هو ظاهر.
ويكره وط ء واحدة مع علم الأخرى، ولا تلزمها الاجابة، لأن الحياء والمروءة يأبيان ذلك، ومن ثم صوب الأذرعى التحريم، ويمكن حمله على ما اذا أدى الى رؤية عورة محرمة أو قصد به الاضرار، والأول على خلافه.
وله أن يرتب القسم على ليلة وأولها مختلف باختلاف أهل الحرف فيعتبر فى حق أهل كل حرفة عادتهم الغالبة كما قاله ابن الرفعة وآخرها الفجر خلافا للسرخسى حيث حدها بغروب الشمس وطلوعها ويوم قبلها أو بعدها، لأن المقصود حاصل بكل، لكن تقديم الليل أولى للخروج من خلاف من عينه، لأنه الذى عليه التواريخ الشرعية والأصل لمن عمله بالنهار الليل، لأن الله جعله سكنا والنهار تبع، لأنه وقت التردد، فان عمل ليلا وسكن نهارا كحارس وأتونى - بفتح أوله وضم الفوقية مع تشديدها وقد تخفف - وهو وقاد الحمام أو غيره نسبة الى الأتون، وهو أخدود الخباز والجصاص ذكره فى القاموس فعكسه كعكسه
(1)
نهاية المحتاج للرملى ج 6 ص 374، ص 375 وهامشه الطبعة السابقة.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 3 ص 239 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.
(3)
نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبر املى عليه ج 6 ص 374 وص 375 الطبعة السابقة.
ما ذكر، فان كان يعمل تارة ليلا وتارة نهارا لم يجزه نهاره عن ليله ولا عكسه، أى والأصل فى حقه وقت السكون لتفاوت الغرض، ولو كان يعمل بعض الليل وبعض النهار، فالأوجه أن محل السكون، هو الاصل، والعمل هو التبع، وأنه لا يجزى أحدهما عن الأخر، وأنه لو كان عمله فى بيته كخياطة وكتابة فظاهر تمثيلهم بالحارس والأتونى عدم الاعتبار بهذا العمل، فيكون الليل فى حقه هو الأصل، اذ القصد الأنس وهو حاصل.
أما المسافر فعماده وقت نزوله ما لم تكن خلوته فى سيره فهو العماد كما بحثه الأذرعى.
وعماده فى المجنون وقت افاقته أى وقت كان، وليس للأول وهو من عماده الليل، ويقاس به فى جميع ما يأتى من عماده النهار، أو وقت النزول، أو السكون، أو الافاقة دخول فى نوبة على أخرى ليلا ولو لحاجة الا لضرورة كمرضها المخوف ولو ظنا، وان طالت مدته وان نظر فيه الأذرعى، أو احتمالا كما نقلاه عن الغزالى، ليعرف الحال.
ومما يدفع تنظيره قول التهذيب وغيره:
لو مرضت أو ولدت ولا متعهد لها قال الرافعى: أولها
(1)
متعهد كمحرم اذ لا يلزمه اسكانه فله أن يديم البيتوتة عندها ويقضى.
وقياسه ان مسكن أحداهن لو اختص بخوف ولم تأمن على نفسها الا به جاز له البيتوتة عندها مادام الخوف موجودا ويلزمه القضاء نعم ان سهل نقلها لمنزل لا خوف فيه لم يبعد تعيينه عليه وحينئذ أى حين اذ دخل لضرورة كما هو صريح السياق. ان طال مكثه قضى والا فلا
وللزوج الدخول نهارا لحاجة، لأنه يتسامح فيه ما لا يتسامح فى الليل فيدخل لوضع أو أخذ متاع ونحوه، كتسليم نفقة وتعرف خبر، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ الى التى جاءت نوبتها فيبيت عندها، وينبغى ألا يطول مكثه على قدر الحاجة، أى يجوز له تطويل المكث، لكنه خلاف الأولى.
ثم قال
(2)
: والكتابية المنكوحة الاسرائيلية وغيرها كمسلمة منكوحة فى نفقة وكسوة وسكن وقسم وطلاق وغيرها، ما عدا نحو التوارث والحد بقذفها، لاشتراكهما فى الزوجية المقتضية لذلك.
ثم قال فى نهاية المحتاج
(3)
: واذا زوج السيد أمته غير المكاتبة كتابة صحيحة سواء كانت محرمه وغيرها استخدمها بنفسه أو نائبه، أما هو فلأنه يحل له نظر ما عدا ما بين السرة والركبة والخلوة بها، وأما نائبه
(1)
نهاية المحتاج للرملى ج 6 ص 376، ص 377 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 286 الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 6 ص 324، ص 325 الطبعة السابقة.
الأجنبى فلأنه لا يلزم من الاستخدام نظر ولا خلوة نهارا أو آجرها ان شاء لبقاء ملكه، وهو لم ينقل للزوج الا منفعة الاستمتاع خاصة وسلمها للزوج ليلا، لأنه يملك منفعتى استخدامها والتمتع بها، وقد نقل الثانية للزوج فتبقى له الأخرى يستوفيها فى النهار دون الليل، لأنه محل الاستراحة والاستمتاع، أما المكاتبة فليس له استخدامها، لأنها مالكة لأمرها.
قال الأذرعى وغيره والقياس فى المبعضة أنه ان كان ثم مهايأة فهى فى نوبتها كالحرة، وفى نوبة سيدها كالقنة، والا فكالقنة، ومراده بالليل وقت فراغها من الخدمة عادة.
فقول الشافعى فى البويطى: أن وقت أخذها مضى ثلث الليل تقريب وان كانت محترفة، ولا نفقة ولا كسوة على الزوج حينئذ، أى حين استخدامها فى الأصح، لانتفاء التسليم والتمكين التام.
والثانى تجب، لوجود التسليم الواجب.
والثالث يجب شطرها توزيعا لها على الزمان، فلو سلمها ليلا ونهارا وجبت قطعا.
ولو أخلى السيد فى داره أو فى محل غيره بيتا وقال للزوج تخلو بها فيه لم يلزمه ذلك فى الأصح، لأن الحياء والمروءة يمنعانه من دخول ذلك، لو فعل ذلك فلا نفقة.
أما لو عين السيد بيتا بجواره مستقلا وجب على الزوج السكنى فيه، لانتفاء ما علل به من أن المروءة والحياة
…
الخ سيما عليه.
اذا كان الزوج اذا بعد بها سكن بالأجرة، وكان المحل الذى عينه السيد مما جرت العادة بايجاره أيضا، وطلب منه أن يسكن فيه ويدفع الأجرة لصاحبه على العادة ولعله غير مراد.
والثانى وهو ما يقابل الأصح - يلزمه لتدوم يد السيد على ملكه مع تمكن الزوج من الوصول الى حقه، وعلى هذا تلزمه النفقة، نعم لو كان زوجها ولد سيدها وكان لأبيه ولاية اسكانه لسفه أو مرودة وخيف عليه من انفراده فيشبه أن للسيد ذلك لانتفاء المعنى المعلل به فى حق ولده مع ضميمة عدم الاستقلال، ولو قال لا أسلمها للزوج الا نهارا لم يلزمه اجابته.
وبحث الأذرعى لزومها اذا كان الزوج ممن لا يأوى الى أهله ليلا كالحارس اذ نهاره كليل غيره فامتناعه عناد، فلو قال السيد أسلمها ليلا على عادة الناس الغالبة وطلب زوجها ذلك نهارا لراحته فيه فالظاهر كما قاله الجلال البلقينى. اجابة الزوج.
وجاء فى المهذب
(1)
: أن للزوج أن يمنع الزوجة من الخروج الى المساجد وغيرها، لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: رأيت امرأة أتت النبى صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته، قال: حقه عليها ألا تخرج من بيتها الا باذنه، فان فعلت لعنها الله وملائكة الرحمة وملائكة الغضب حتى تتوب
(1)
المهذب للشيرازى ج 2 ص 66 الطبعة السابقة.
أو ترجع، قالت: يا رسول الله وان كان لها ظالما، قال: وان كان لها ظالما، ولأن حق الزوج واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجب.
ويكره منعها من عيادة أبيها اذا أثقل وحضور مواراته اذا مات، لأن منعها من ذلك يؤدى الى النفور ويغريها بالعقوق.
وجاء فى نهاية المحتاج
(1)
وهامشه: أنها لو خرجت لا على وجه النشوز فى غيبته عن البلد بلا اذنه لزيارة لقريب لا أجنبى أو أجنبية فيما يظهر أى حيث كان هناك ريبة أو لم يدل العرف على رضاه بذلك والا فلها الخروج وكذا عيادة لمن ذكر بشرط عدم ريبة فى ذلك بوجه كما هو ظاهر لم تسقط مؤنها بذلك الخروج لأنه لا يعد فى العرف نشوزا.
وجاء فى مغنى المحتاج
(2)
: أنه يحق للزوج أن يمنع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها، والأولى خلافه، أما ان منعها حقا لها كقسم ونفقة ألزمه القاضى توفيته اذا طلبته لعجزها عنه بخلاف نشوزها فان له أن يجبرها على ايفاء حقه لقدرته، فان لم يكن الزوج مكلفا أو كان محجورا عليه الزم وليه توفيته بشرطه، فان ساء
(3)
خلقه واذاها بضرب أو غيره بلا سبب نهاه عن ذلك ولا يعزره، فان عاد اليه وطلبت تعزيره من القاضى عزره بما يليق به لتعديه عليها، وانما لم يعزره فى المرة الأولى وان كان القياس جوازه اذا طلبته قال السبكى ولعل ذلك لأن اساءة الخلق تكثر بين الزوجين والتعزير عليها يورث وحشة بينهما فيقتصر أولا على النهى لعل الحال يلتئم بينهما، فان عاد عزره وأسكنه بجنب ثقة يمنع الزوج من التعدى عليها.
وهل يحال بين الزوجين؟ قال الغزالى:
يحال بينهما حتى يعود الى العدل، ولا يعتمد قوله فى العدل، وانما يعتمد قولها وشهادة القرائن.
وفصل الامام فقال: ان ظن الحاكم تعديه ولم يثبت عنده لم يحل بينهما، وان تحققه أو ثبت عنده وخاف أن يضربها ضربا مبرحا لكونه جسورا حال بينهما حتى يظن أنه عدل اذ لو لم يحل بينهما واقتصر على التعزير لربما بلغ منها مبلغا لا يستدرك، وهذا ظاهر، فمن لم يذكر الحيلولة أراد الحال الأول، ومن ذكرها كالغزالى والحاوى الصغير والمصنف فى تنقيحه أراد الثانى.
والظاهر كما قال شيخنا أن الحيلولة بعد التعزير والاسكان وان كان لا يتعدى
(1)
نهاية المحتاج للرملى وهامشه ج 7 ص 197 الطبعة السابقة.
(2)
مغنى المحتاج للشربينى الخطيب ج 3 ص 243 الطبعة السابقة.
(3)
الخلق بضم اللام واسكانها السجية والطبع ولهما أوصاف حسنة وأوصاف قبيحة وقد روى أكمل المؤمنين؟ أحسنهم خلقا.
عليها، لكنه يكره صحبتها لكبر أو مرض أو نحوه ويعرض عنها فلا شئ عليه.
ويسن لها أن تستعطفه بما يحب كأن تسترضيه بترك بعض حقها كما تركت سودة نوبتها لعائشة رضى الله عنها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لها يومها ويوم سودة، كما أنه يسن اذا كرهت صحبته لما ذكر أن يستعطفها بما تحب من زيادة نفقة ونحوها.
وان قال كل من الزوجين: ان صاحبه يتعدى عليه
(1)
، وأشكل الأمر بينهما تعرف القاضى الحال الواقع بينهما بثقة واحد بخبرهما، ويكون الثقة جارا لهما فان لم يتيسر أسكنهما فى جنب ثقة يتعرف حالهما ثم ينهى اليه ما يعرفه واكتفى هنا بثقة واحد تنزيلا لذلك منزلة الرواية لما فى اقامة البينة عليه من العسر.
وظاهر هذا أنه لا يشترط فى الثقة ان يكون عدل شهادة بل يكفى عدل الرواية ولهذا قال الزركشى والظاهر من كلامهم اعتبار من تسكن النفس بخبره لأنه من باب الخبر لا الشهادة واذا تبين له حالهما منع الظالم منهما من عوده لظلمه وطريقه فى الزوج ما سلف وفى الزوجة بالزجر والتأديب كغيرها فان اشتد الشقاق بعث القاضى حكما من أهله وحكما من أهلها لينظر فى أمرها بعد اختلاء حكمه به وحكمها بها ومعرفة ما عندهما فى ذلك ولا يخفى حكم عن حكم شيئا اذا اجتمعا ويصلحا بينهما أو يفرقا بطلقة ان عسر الاصلاح على ما يأتى لقول الله تعالى «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما} .. الآية»
(2)
«والخطاب فيها للحكام وقيل للأولياء والبعث واجب كما صححه فى زيادة الروضة وجزم به الماوردى وان صحح فى المهمات الاستحباب لنقل البحر له عن نص الشافعى.
وقال الأذرعى بل ظاهر نص الأم الوجوب وأما كونهما من أهلهما فمستحب غير مستحق اجماعا كما فى النهاية لأن القرابة لا تشترط فى الحاكم ولا فى الوكيل.
وجاء فى الفتاوى الكبرى أنه يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها بغير اذن للضرورة كخوف هدم وعدو وحريق وغرق وللحاجة
(3)
للتكسب
(1)
مغنى المحتاج للشربينى الخطيب ج 3 ص 243، 244.
(2)
الآية رقم 35 من سورة النساء.
(3)
الفتاوى الكبرى الفقهية لابن حجر السبكى الهيثمى وبهامشه باقى فتاوى العلامة الرملى ج 4 ص 205 طبع مطبعة عبد الحميد أحمد حنفى بمصر سنة 1357 هـ.
بالنفقة اذا لم يكفها الزوج، وللحاجة الشرعية كالاستفتاء ونحوه، الا أن يفتيها الزوج أو يسأل لها، لا لعيادة مريض وان كان أباها، ولا لموته وشهود جنازته، قاله الحموى فى شرح التنبيه، واستدل له بأن امرأة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عيادة أبيها وكان زوجها غائبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اتقى الله سبحانه وتعالى، وأطيعى زوجك، فلم تخرج، وجاء جبريل فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها.
وجاء فى الفتاوى
(1)
الكبرى: أن المرأة المزوجة اذا لم يسكنها الزوج فى بيته بل كانت ساكنة هى وهو فى بيتها أو فى بيت أبيها أو فى بيت أحدهما فان للأصحاب فى ذلك عبارتين.
احداهما: يلزمها أن تلازم بيت الزوج.
والثانية يلزمها أن تلازم بيت سكنها.
وبهذه الثانية يتبين أن من عبر ببيت الزوج أو منزله انما يريد ماله عليه ولاية الاسكان لكونه مالكه أو مستأجره أو مستعيره أو نحو ذلك.
ومما يصرح بذلك قولهم لو كان المنزل لغير الزوج، فأزعجت منه لم يكن ذلك نشوزا فتأمل قولهم لغير الزوج.
واشتراطهم فى عدم سقوط نفقتها بالخروج منه أن تزعج منه، بأن يخرجها منه مالكه، بدليل تعبير آخرين بأن من الأعذار ازعاج المالك، فعلم أنه لا يشترط كونه ملك الزوج وأنها اذا خرجت من سكنها المملوك لغير الزوج فاذا كان ذلك لاخراج مالكه لها منه لم تسقط نفقتها والا سقطت ووقع فى قوت الأذرعى ان من الأعذار أن يكون لغيره فتخرج منه ومراده بدليل عبارة الباقين خروجها منه لاخراج مالكه ونحوه وأما خروجها منه لغير ذلك ونحوه فنشوز بدليل قول الأذرعى نفسه بعد تلك الصورة وصور أخر وغير ذلك مما يعد الخروج به عذرا فبان بهذا أن قوله أو يكون لغيره فتخرج منه محمول على ما اذا عذرت بالخروج منه وبحث فيه أنها لو جرت على مقتضى العرف المعتاد فى حقها وحق أمثالها بالخروج فى حوائجها لتعود عن قرب أو لحمام ونحوه فليس بنشوز للعرف فى رضا أمثاله به.
وفيما بحثه نظر ظاهر.
أما أولا فلأنه منابذ لاطلاقهم سقوط النفقة بالخروج بلا اذنه بأنها فى قبضته وبأن له عليها حق الحبس فى مقابلة وجوب النفقة.
وأما ثانيا فلأن العرف هنا غير مطرد، لأن رضا الزوج بخروج زوجته وعدمه يرجع الى ما عنده من الأنفة والغيرة، ولا
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 208، ص 209 الطبعة السابقة.
شك فى أن ذلك يختلف فى الناس اختلافا كثيرا، فكم من يرضى بالخروج ولو مع الريبة، وكم من لا يرضى به وأن تحقق عدم الريبة سواء أكانت المرأة قبل نكاحه تعتاده أم لا.
فالوجه خلاف ما بحثه الأذرعى، وأنه لا يجوز لها الخروج من بيته الذى رضى بسكناها فيه سواء أكان ملكه أم غير ملكه الا بأذنه سواء اعتادت الخروج أم لا.
نعم جوزوا لها الخروج لأعذار كخوف من نحو انهدام أو فسقة وكخراب المحلة حول بيتها حتى صار منفردا وكازعاج مالك المنزل كما مر وكالخروج لاستفتاء لم يكفها الزوج مؤنته وغير ذلك مما فى معناه كما مر.
ثم قال
(1)
: ويجوز للزوج أن يمنع ولد الزوجة من الدخول اليها ان كانت ساكنة بمحل يستحق منفعته، دون ما اذا كانت ساكنة بملكها ان تبرعت له بالسكنى فيه، وسواء فى الحالة الأولى كان الزوج غائبا أم حاضرا، فان أدخلته بغير رضاه أثمت ولا تكون ناشزة كما هو ظاهر، نعم ان كان اخراجه لغير المميز يضره لزمه رفع الأمر للقاضى، فان تعدى وأخرجه فكسره أو قتله جان آخر أثم الزوج، والضمان على الجانى أو مالكه المقصر.
لأنه المباشر.
وجاء فى نهاية المحتاج
(2)
: أنه لو خالع الرجل زوجه على أنه برئ من سكناها امتنع كما فى البحر لحرمة اخراجها من المسكن فلها السكنى وعليها فيهما مهر المثل وتحمل الدراهم فى الخلع المنجز على نقد البلد وفى المعلق على دراهم الاسلام الخالصة لا على غالب نقد البلد ولا على الناقصة أو الزائدة وان غلب التعامل بها.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(3)
: للزوج منع زوجته من الخروج من منزله الى مالها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما أو غير ذلك.
ويحرم عليها الخروج بلا أذنه، فان فعلت فلا نفقة لها اذن، هذا اذا قام بحوائجها، والا فلا بد لها.
قال الشيخ فيمن حبسته امرأته بحقها ان خاف خروجها بلا اذنه أسكنها حيث
(1)
الفتاوى الكبرى لابن حجر ج 4 ص 213، ص 214 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج للرملى ج 6 ص 391 وهامشه الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 3 ص 117 طبع المطبعة الشرفية بمصر سنة 3319 هـ الطبعة الاولى والاقناع فى فقه الامام 1 أحمد بن حنبل للشيخ شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 3 ص 243 طبع المطبعة المصرية سنة 1351 هـ.
لا يمكنها الخروج، فان لم يكن له من يحفظها غير نفسه حبست معه ليحفظها. يعنى اذا كان الحبس مسكن مثلها ولم يفض الى اختلاطها بالرجال.
فان عجز عن حفظها بالحبس أو خيف حدوث شر بسبب حبسها معه اسكنت فى رباط ونحوه دفعا للمفسدة.
وفيه أيضا
(1)
: لا تملك الزوجة المسكن وأوعية الطعام والماعون والمشط ونحو ذلك، لأنه امتاع، قاله فى الرعاية.
وجاء فى موضع آخر
(2)
: لا يجوز الجمع بين زوجتيه فأكثر فى مسكن واحد أى بيت واحد بغير رضاهما، لأن على كل واحدة منهما ضررا لما بينهن من الغيرة، واجتماعهن يثير الخصومة، لأن كل واحدة منهما تسمع حسه اذا أتى الأخرى، أو ترى ذلك، فان رضيتا ذلك أو رضيتا بنومه بينهما فى لحاف واحد جاز، لأن الحق لهما لا يعدوهما فلهما المسامحة بتركه، وان أسكنهما فى دار واحدة كل واحدة منهما فى بيت جاز اذا كان بيت كل واحدة منهما مسكن مثلها، لأنه لا جمع فى ذلك، وكذلك الجمع بين الزوجة والسرية فى بيت واحد فلا يجوز الا برضا الزوجة.
وقال فى الاقناع
(3)
: ان كانت زوجاته جميعا فى رحلة فلا قسم الا فى الفراش فلا يحل أن يخص فراش واحدة بالبيتوتة فيه دون فراش الأخرى، ويحرم دخوله فى ليلتها الى غيرها الا لضرورة، مثل أن تكون منزولا بها، أو توصى اليه، أو ما لا بد منه، فان لم يلبث عندها لم يقض شيئا، وان لبث أو جامع لزمه ان يقضى لها مثل ذلك من حق الأخرى، ولو قيل أو باشر أو نحوه لم يقض والعدل القضاء، وكذا يحرم دخوله نهارا الى غيرها الا لحاجة ويجوز أن يقضى ليلة صيف عن ليلة شتاء وأول الليل عن آخره وعكسه.
قال: والأولى لكل واحدة من نسائه مسكن يأتيها فيه لفعله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أصون لهن وأستر، حتى لا يخرجن من بيوتهن، فان اتخذ الزوج لنفسه مسكنا غير مساكن زوجاته يدعو اليه كل واحدة فى ليلتها ويومها ويخليه من ضرتها جاز له ذلك، لأن له نقل زوجته حيث شاء بمسكن يليق بها، وله دعاء البعض الى مسكنه ويأتى البعض، لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء، وان امتنعت من دعاها عن اجابته وكان ما دعاها
(1)
كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 3 ص 304 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 3 ص 243 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 117، الطبعة السابقة.
(3)
الاقناع ج 3 ص 246، ص 247 الطبعة السابقة 3 الطبعة السابقة وكشاف القناع ج 3 ص 120، ص 121 الطبعة السابقة.
اليه مسكن مثلها سقط حقها من القسم لنشوزها، وان أقام عند واحدة من زوجاته ودعا الباقيات الى بيتها لم يجب عليهن الاجابة، لما بينهن من الغيرة والاجتماع يزيدها.
وان حبس الزوج فاستدعى كل واحدة من زوجاته فى الحبس فى ليلتها فعليهن طاعته ان كان الحبس مسكن مثلهن ولا مفسدة كما لو لم يكن محبوسا، والا أى وان لم يكن الحبس مسكن مثلهن لم يلزمهن طاعته، كما لو دعاهن الى غير الحبس الى ما ليس مسكنا لمثلهن، فان أطعنه فى الاتيان الى الحبس سواء كان مسكن مثلهن أو لا لم يكن له أن يترك العدل بينهن لأنه جور ولاستدعاء بعضهن دون البعض لما فيه من ترك التسوية بلا عذر كما فى غير الحبس.
وفيه أيضا
(1)
أن أعسر الزوج بالسكنى خيرت المرأة على التراخى بين الفسخ من غير انتظار. أى تأجيل ثلاثا، خلافا لابن البناء وبين المقام معه على النكاح، وهذا قول عمر وعلى وأبى هريرة لقوله تعالى «فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ 2 بِإِحْسانٍ» وليس الامساك مع ترك الانفاق والسكنى امساكا بمعروف فتعين التسريح. وان اختارت المقام فلها تمكينه وتكون النفقة أى نفقة الفقير والكسوة والمسكن دينا فى ذمته ما لم تمنع نفسها لأن ذلك واجب على الزوج فاذا رضيت بتأخير حقها فهو فى ذمته كما لو رضيت بتأخير مهرها، ولها المقام على النكاح ومنعه من نفسها فلا يلزمها تمكينه ولا الاقامة فى منزله، وعليه أن لا يحبسها بل يدعها تكتسب ولو كانت موسرة، لأنه لم يسلم اليها عوض الاستمتاع.
وجاء فى موضع
(3)
آخر: ان ادعى كل من الزوجين ظلم صاحبه أسكنهما الحاكم الى جانب ثقة يشرف عليهما ويكشف حالهما كما يكشف عن عدالة وافلاس من خبرة باطنة ويلزمهما الانصاف، لأن ذلك طريق الى الانصاف فتعين بالحكم كالحق ويكون الاسكان المذكور قبل بعث الحكمين لأنه أسهل منه.
وفيه أيضا
(4)
: وان شرطت المرأة على زوجها أن يسكن بها حيث شاءت أو حيث شاء أبوها أو حيث شاء غيره من قريب أو أجنبى بطل الشرط، لأنه ينافى مقتضى العقد ويتضمن اسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع وصح العقد لأن هذه الشروط تعود الى معنى زائد فى العقد
(1)
كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 3 ص 310 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 229 من سورة البقرة.
(3)
كشاف القناع لابن أدريس الحنبلى ج 3 ص 125 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 3 ص 251 الطبعة السابقة.
(4)
كشاف القناع ج 3 ص 57 الطبعة السابقة والاقناع ج 3 ص 193 الطبعة السابقة.
لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به فلم يبطله كما لو شرط فيه صداقا محرما ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتق.
وجاء فى موضع
(1)
آخر: لو شرط لها أن لا يخرجها من منزل أبويها فمات الأب أو الأم بطل الشرط لأن المنزل صار لأحدهما بعد أن كان لهما فاستحال اخراجها من منزل أبويها فبطل الشرط.
ولو تعذر سكنى المنزل التى اشترطت سكناه بخراب وغيره سكن بها الزوج حيث أراد وسقط حقها من الفسخ لأن الشرط عارض وقد زال فرجعنا الى الأصل والسكنى محض حقه.
وقال الشيخ فيمن شرط لها أن يسكنها بمنزل أبيه فسكنت ثم طلبت سكنى منفردة وهو عاجز فلا يلزمه ما عجز عنه بل لو كان قادرا فليس لها فى أحد القولين فى مذهب أحمد غير ما شرط لها، قال فى الفروع: كذا قال، ومراده صحة الشرط فى الجملة بمعنى ثبوت الخيار لها بعدمه، لا أنه يلزمها، لأنه شرط لحقها لمصلحتها لا حقه لمصلحته حتى يلزمه فى حقها، ولهذا لو سلمت نفسها من شرطت دارها فيها أو فى داره لزم أى لزمه تسليمها ولهذا قال فى المنتهى ومن شرطت سكناها مع أبيه ثم أرادتها منفردة فلها ذلك.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(2)
أنه يجب على الزوج مذ يعقد النكاح اسكان زوجته صغيرة كانت أو كبيرة ذات أب أو يتيمة غنية أو فقيرة دعى إلى البناء أو لم يدع، نشزت أو لم تنشز حرة كانت أو أمة بوأت معه بيتا أو لم تبوأ.
هذا والذى يلزم الزوج اسكان
(3)
زوجته على قدر طاقته لقول الله تعالى «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
(4)
».
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج
(5)
المذهب: ان السكنى التى تجب للزوجة تكون على قدر حال الزوج والزوجة وما جرى به العرف فى البلد فى اليسار والاعسار لقول الله تعالى: «عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ 6 قَدَرُهُ» }.
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 53 الطبعة السابقة والاقناع ج 3 ص 190 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى الامام ابى محمد على بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 9 ص 510 مسألة رقم 1850 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ الطبعة الاولى.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 91 مسألة رقم 1925 الطبعة السابقة سنة 1352 هـ
(4)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
(5)
التاج المذهب لاحكام المذهب متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 2 ص 280 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار أحياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.
(6)
الآية رقم 236 من سورة البقرة.
وجاء فى شرح الأزهار
(1)
: اختلف بعض أئمة الزيدية فيما اذا أعسر الزوج بالسكنى هل يفسخ النكاح أم لا أصحهما عدم الفسخ.
وجاء فى البحر الزخار
(2)
:
يكره الجمع بين ضرتين فى مسكن ويجوز كون الدار واحدة حيث لكل منهما ما يكفيه منفردا وله فى القسمة أن يأتيهن أو يأتينه.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(3)
: الواجب على الزوج القيام بما تحتاج اليه المرأة التى تجب نفقتها من الاسكان وجنس المسكن يتبع عادة أمثالها فى بلد السكنى لا فى بيت اهلها.
ولها المنع من مشاركة غير الزوج فى المسكن بأن تنفرد ببيت صالح لها ولو فى دار لا بدار لما فى مشاركة غيره من الضرر.
واعلم أن المعتبر من المسكن الامتاع اتفاقا.
مذهب الإباضية:
جاء
(4)
فى كتاب شرح النيل: أنه يلزم الزوج سكنى زوجته وتكون السكنى كما يليق صيفا أو شتاء كسكون داخل البيت فى الشتاء وخارجه أو فوقه فى الصيف أو يبدل لها مسكنا لشتاء أو صيف وأن لاق موضع واحد شتاء وصيفا فذاك، لأن لها ما يكنها من حر وبرد، وان تشاحا فليس له أن يبدل بيتا غير الذى هو فيه حتى ينهدم، وتكون السكنى بلا اضرار به أو بها على عادة البلد.
وجاء فى موضع آخر
(5)
: وتكون سكنى الزوجة فى بيت أمين تكون عنده فى بيته أو بيت سكناها ويكون معها ثالث ولو طفلا أو طفلة مميزين، لئلا يكون الشيطان ثالثهما وذلك ان خافت شره كضرب.
وعلى الزوج أن يؤنسها بنفسه ان طلبت ذلك ويعذر به عن حضور الجماعة ان خافت والا حضرها ورجع أو يؤنسها بغيره ممن يخاف منه.
ولزم الزوج أن يسكن زوجته بيتا غير مظلم ولا موحش لا ساكن بجوانبه بأن يكون حوله بيوت خربة أو لا بيوت حوله أو قريبا من العدو وليس له جار يؤذيها باجتماع الناس عنده حيث يرونها ان خرجت أو يسمعون صوتها اذا
(1)
شرح الأزهار للعلامة أبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 2 ص 543 وهامشه الطبعة السابقة.
(2)
كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للامام أحمد بن يحى المرتضى ج 3 ص 92، ص 93 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ، 1948 م الطبعة الأولى.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجبعى العاملى ج 2 ص 143 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.
(4)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 298، ص 299 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 3 ص 308 الطبعة السابقة.
غفلت فرفعته أو اذا رفعته كما يجوز لها أو بأصواتهم أو بصوت عمله كعمل الحداد والنجار، وذلك كصانع يجتمع عنده أو معصرة للزيتون أو العنب مثلا أو قرب سوق غير مفصول عنها بشارع وان قرب من سوق لكن ليس بابها من حيث يظهر للسوق ولا تحتاج دخول السوق اذا أرادت دخول بيتها فذلك بيت مجز لها، وان فصله ثلاثة بيوت أو مقدارها فذلك بيت لا تجد غيره، وكذا يشترط فى ذلك المسكن ألا يكون فى طريق غير مستتر وان لا يكون ظاهرا للفسقة أو العدو أو السارق أو للسباع.
ثم قال: ويجب على الزوج اذا تعددت زوجاته أن يعدل بينهن فى المسكن فلو كانت له بيوت متفاوتة فليسكن ساكنة الأعلى فى الأدنى الذى سكنته الاخرى بالمدة فان العدل واجب.
وفى موضع آخر
(1)
: واذا أسكنهما فى بيت واحد فلا يجامعهن فيه ولو فى ظلمة أو كانتا عمياوين أو كانت احداهما عمياء، أو كانتا نائمتين أو احداهما، أو كانت احداهما أو كلتاهما سكرى، لا مكان حدوث ضوء بفتح الباب أو بغيره ولئلا تسمع أو تستمع لصوت الجماع فانه لا يجوز ولو لنفسه أو نفسها بفتح الفاء، فلو كانت الأخرى عمياء صماء لم يمنع الجماع بحضرتها، وكذا غيرها من اناث وذكور، وكذا لا يجامع واحدة والأخرى تراها أو يراهما من يميز أمر الجماع ولو ثيابهما.
ثم قال
(2)
: ولا يسكنهن فى بيت واحد ما وجد سبيلا وان اضطر رقد مع كل فى نوبتها.
وسكنى الزوجة
(3)
تكون على قدر سكنى الشتاء والصيف، وليس لها حد محدود الا ما يستغنى به فى السكنى ويكن به من الحر والبرد سواء جمع ذلك البيت أو استغنت بسكناه فى الصيف والشتاء أو يبدل لها مسكنا فى الصيف والشتاء على قدر البيوت وما يصلح لسكناها فى الزمان كله فيما لم تبلغ اليها مضرة فى الحر والبرد.
وان وقعت المشاحة بين امرأة وزوجها فليس لها أن يبدل لها بيتا غير البيت الذى هى فيه ولزوم المسكن يكون على الزوج ويكون على قدر عسره ويسره قال الله تعالى: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
(4)
» وذلك أيضا على قدر سيرة أهل بلده كما فى الديوان.
كما قال: ولزم الزوج على عادة بلده ثم ان كان من أهل البيوت بيوت البناء فلها بيت البناء أو بيوت الشعر ونحوه وان كان من أهل الخصوص فلها الخص،
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لا طفيش ج 3 ص 315 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 349 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 330، ص 331 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
أو من أهل الأخبية فلها الخباء، فان ردها لضيق بعد وسع فى سكناها لم يجده أى الضيق أو الرد ان أبته حتى ينهدم المسكن أو يزول، لأنه قد مكنها منه بالاسكان فيه، فهو كطعام أو لباس قبضته منه فى أنه لا يملك تبديله وجوز أن يجده بالنظر، نظر المسلمين أو الحاكم أو غيره حين لا ضير عليها فى التبديل للمسكن، لأن المسكن لم يدخل ملكها، وانما لها التمتع منه فله تمتيعها بما شاء مما لا ضير عليها فيه.
ثم قال: ولا من المساكن ما يمكن فيه مرقدها بمد رجل، والمراد رجليها فكأنه قال بمد رجليها، وصلاتها أى وتمكن فيه صلاتها قائمة بركوع وسجود للطول والعرض ولكونه أرضه مما تجوز فيه الصلاة ولا مانع من الصلاة فيه وان لم تكن أرضه كذلك أو منع من الصلاة فيه جوار كنيف وهيأ لها مصلى أو ما تجعل سترا يكفى أو منعها غير ذلك وهيأ لها ما تكتفى به جاز ان لم يلحقها ضرر بذلك ولها الكنيف بحسب العادة وأن يكون المسكن مما يمكن أن تضع فيه ما تحتاج اليه من آنية غسل وشرب وآنية طعام وطبخ وعمل وما أشبه ذلك مما لا بد منه مثل ما تغسل فيه ثوبها ان كانت تغسله فيه ولا تجد بيتا لخزن مالها الا أن شاء ولا تخرج من بيتها الا باذنه ان أتاها هو أو ولده أو عبده أو أهلها أو غيرهم بما تستحقه من جهة الدين والدنيا فلو منعها شيئا مما تستحقه أو لم يطق عليه لضيق ماله أو حدث بها مالا يحتمل التأخير لحضوره وقد غاب عن البيت ولم يوجد من تستعمله فى ذلك كما تشتهى الحامل شيئا ولو أخرته لخافت سقطا أو ضرا أولم يعلمها دينها ولم يأتها بمن يعلمها ولم تجد من تستعمله فى السؤال لجاز لها الخروج فى ذلك ولو أبى، ولكن اذا خرجت لا تعامل الرجل ما وجدت امرأة فى ذلك كله الا ان لم تجد من تكتفى به فى السؤال لها من النساء، أو كان زوجها يقبل أن يسأل لها، لكن لا تطمئن اليه لسوء حفظه أو عدم ورعه فلتسأل هى.
ويحجر عليها زوجها عند الحاكم أو الامام أو جماعة المسلمين لا تخرج، فان حجروا عليها لكونه يأتيها بما تستحقه فلا تخرج، وتؤدب ان كسرت الحجر وتضرب تسع عشرة ضربة أو أقل، ولها أن تخرج من البيت فى الدار كلها اذا كان البيت أو الخص فى الدار ولا تخرج من الدار.
ثم قال: وللزوج أن يغلق على زوجته باب مسكنها فى وقته أى وقت الغلق كالليل، والقائلة، وحالة الخوف، ونحو ذلك ولو لم يكن معها فيه، وحالة الجماع.
وان كانت فى الخص أى كانت من أهل الأخصاص فأرادت فتح أبوابه كلها أو أرادت فتح ما لم يرد فتحه، أو أرادت أن تفتح أكثر مما أراد هو فتحه نظر المسلمون فى ذلك، فان رأوا أن يجعلوا لها بابا واحدا أو اثنين فليفعلوا بجهد أرائهم، وان رأوا أكثر من اثنين جاز، ولا تجد رقودا خارجه صيفا أو غيره لا صحنا أو سقفا ولا غيرهما،
واقتصر على الصيف، لأنه الداعى الى خارج البيت، الا لضرر كهوام وحر شديد لا يطاق فلها الرقود خارجا بنظر من المسلمين فى ذلك الذى تحتج به هل هو عذر، وان كان للبيت سطح أعلى يلى السماء تصعد اليه من داخل البيت فلها الرقود فيه ان كان لا ضرر يلحقها ولا يصدق عليها أنها خرجت من البيت أو رقدت خارجه حينئذ ولا سيما سطح لم يكشف للسماء.
ثم قال: ولا تسكن فى طرف المنزل، أو حيث خافت مضرة من الناس، كقتل وضرب وسرقة وغصب لها أو لما لها ونظر وصوت رحى أو حداد أو مجمع ناس أو من السباع أو الدواب أو حريق أو هدم أو سيل، وله منع من يحدثها، وله أن يؤنسها ولو من خارج البيت أو يدخل اليها، وان اشتكت بالوحشة أمره المسلمون أن يؤنسها أو يجعل من يؤنسها من الناس ممن لا تخاف منه المضرة كطفل أو طفلة أو امرأة ورجل لا أرب له بالنساء أو قريب لها محرم منها، وانما يبنى لها خصا بنظر المسلمين عند أمين يحفظها اذا تبين له الضرر من أحدهما للآخر أخبر به المسلمين، فان لم يجدوا الأمين فالأمينة وجاز بيت كراء أو عارية لا مضرة فيه كجذام وبرص أو غير ذلك
(1)
.
ولها الخروج
(2)
من بيت أو مسكن ظهر به مخوف كهدم أو حرق أو مؤذ كحية أو عقرب لم تطق قتلها أو لم يكن فيه ضوء، ولا يدرك أن يسكن معها فى بيتها غيرها كضرة وأبيه وأمه وولدها أو ولده، وغير ذلك، فان رضيت جاز، وان كان له أب أو أم كبير ومريض لا يطيق السكنى وحده نظر المسلمون فى ذلك، فان لم تكن عليها مضرة سكن معها.
وان تشاجر
(3)
أى اختلف مع امرأته على أولادها وقالت: لا أسكن معهم ولا أعمل لهم طعاما أو غيره. ولا أخدمهم ولا آكل معهم قبل قولها، ولا يلزمها ذلك المذكور من السكنى معهم والعمل لهم والاكل معهم وغير ذلك ولا سيما أولاده من غيرها، وان أبت أن تؤاكل أبويه أو نساءه أو ولده من غيرها أو عبده فلها ذلك أيضا، وان أرادته أى أرادت ذلك فأبى هو نظر فيه أى نظر فيه الحاكم أو الجماعة أو الامام.
وجاء فى موضع
(4)
آخر فى شرح النيل:
وان تزوج رجل له ولد - امرأة لها ولد - لم يجد احدهما اخراج ولد الآخر عنه ان علم ذلك، وكذا الأم أو الجدة اذا سكنت مع احدهما لا يجد الآخر اخراجه وأما الأب فتجد منع مساكنته وقيل ينظر هل فى مساكنته ضرر والمذهب منع مساكنة الأب والأم ان شاءت.
ثم قال: وليس له أن يسكنها مع أبويه
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 7 ص 332، ص 333 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 334 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 7 ص 324، ص 325 الطبعة السابقة.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 569، ص 570 الطبعة السابقة.
الا برضاها ولو كان معهما حال البناء، وكذا غيرهما كالأخت والعمة لما على الزوجة من ضرر اطلاعهم على أمرها وقيل الوضيعة لا تمنع من مساكنة أبويه الا لمضرة.
ثم قال
(1)
: ولزم انفاق جاحدة للزوجية وسكناها وغير ذلك من الحقوق على مدعيها زوجة لأنها ولو جحدت وتعاصت لا يبطل ذلك حقوقها لأنه قد عطلها بادعائه الزوجية ولا يحل لها ماله ان صدقت فى جحودها الا أن لم يخل سبيلها.
وان أدعى
(2)
اثنان أو ثلاثة فصاعدا امرأة كل يدعى أنها زوجته فاختصما أو اختصموا ولم تكذبهم ولم تصدقهم أنفقها كل منهم نفقة واحدة بينهم ينفقها الاثنان أنصافا والثلاثة أثلاثا وهكذا. وكذا السكنى وغير ذلك من الحقوق حتى يأتى كل ببيان مبطل لبيان خصمه بأن تقاومت بيناتهم ولم يتبين تقديم عقد أحدهما أو اتحد وقته فيأخذهما أو يأخذهم الحاكم أو نحوه.
حكم اسكان المعتدة وما يتعلق بذلك
فى مذهب الحنفية:
جاء فى البدائع
(3)
: العدة اما أن تكون بسبب طلاق أو عن فرقة بغير طلاق واما أن تكون عن وفاة، وفى كل اما أن تكون معتدة من نكاح صحيح أو نكاح فاسد وما هو فى معنى النكاح الفاسد.
فان كانت المرأة معتدة من نكاح صحيح عن طلاق وكانت حرة فان كان الطلاق رجعيا فلها النفقة والسكنى بلا خلاف، لأن ملك النكاح قائم، فكان الحال بعد الطلاق كالحال قبله، وان كان الطلاق ثلاثا أو بائنا فلها السكنى ان كانت حاملا بالاجماع، وان كانت حائلا فعلى ما ذكر ابن أبى ليلى: لا سكنى لها، لما روى عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: طلقنى زوجى ثلاثا فلم يجعل لى النبى صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى.
أما أصحابنا فيرون أن لها السكنى لقول الله تعالى: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
(4)
» وأما حديث فاطمة بنت قيس فانه روى أنها لما روت ذلك قال عمر ابن الخطاب رضى الله عنه: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا ونأخذ بقول امرأة لا ندرى لعلها نسيت، وكان قد روى عن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لها النفقة والسكنى، وسواء كانت المعتدة عن طلاق كبيرة كانت أو صغيرة مسلمة كانت أو كتابية.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 264 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 317 الطبعة السابقة.
(3)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 3 ص 209 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
وجاء فى
(1)
فى الفتاوى الهندية: أنه لو طلق رجل امرأته ثلاثا بعد الدخول فتزوجت من زوج آخر قبل انقضاء العدة ودخل بها الثانى ثم فرق القاضى بينهما كان لها السكنى على الزوج الأول فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.
أما ان كانت
(2)
المعتدة أمة فلا سكنى للمعتدة من طلاق اذا لم يبوئها المولى بيتا لأنه اذا لم يبوئها المولى بيتا فحق الحبس لم يثبت للزوج، فان كان المولى قد بوأها بيتا فلها السكنى، لثبوت حق الحبس للزوج، وكذلك المدبرة وأم الولد اذا طلقتا وبوأهما المولى بيتا أو لم يبوئهما، لأن كل واحدة منهما أمة، وكذا المكاتبة والمستسعاة على أصل أبى حنيفة (أى أن المدبرة وأم الولد كالأمة تجب لهما السكنى أن بوأهما المولى ولا تجب أن لم يبؤهما - وكذا المكاتبة والمستسعاة عند أبى حنيفة) وان أعتقت أم الولد أو مات عنها مولاها فلا سكنى لها لأنها غير محبوسة فلا تجب لها السكنى كالمعتدة من نكاح فاسد.
وما مر انما هو فى المعتدة عن طلاق من نكاح صحيح، فان كانت معتدة من نكاح فاسد فلا سكنى لها، لأن حال العدة معتبرة بحال النكاح، ولا سكنى لها فى النكاح الفاسد فكذا لا سكنى لها فى العدة منه.
وجاء فى الفتاوى الهندية
(3)
: أنه لو تزوج رجل من أمة ولم يبوئها بيتا حتى طلقها طلاقا رجعيا كان لمولاها أن يأمر الزوج ليتخذ لها بيتا وينفق عليها، وان كان الطلاق بائنا ليس للمولى أن يخلى بينها وبين زوجها، وليس له أن يطلب النفقة، ولو طلقها الزوج طلاقا رجعيا ثم أعتقها المولى كان لها أن تطلب من الزوج حتى يبوئها بيتا وينفق عليها، لأنها ملكت أمر نفسها، وان كان الطلاق بائنا فالزوج لا يخلو بها فى بيت واحد وهى لا تأخذه بالسكنى.
ونقل صاحب البحر الرائق عن الذخيرة
(4)
أنه متى وجبت السكنى فان على الزوج مؤنة سكنى المعتدة فان لم يكن له منزل مملوك يكترى منزلا لها ويكون الكراء عليه، فان كان معسرا تؤمر المرأة أن تستدين الكراء ثم ترجع على الزوج اذا أيسر.
وان
(5)
كانت المرأة معتدة عن فرقة بغير طلاق من نكاح صحيح فان كانت الفرقة من قبل الزوج فلها السكنى كيفما كانت
(1)
الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للاوزجندى ج 1 ص 559 الطبعة الثانية طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1310 هـ.
(2)
البدائع للكاسانى ج 3 ص 209، ص 210 الطبعة السابقة.
(3)
الفتاوى الهندية للأوزجندى ج 1 ص 559 الطبعة السابقة.
(4)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 4 ص 216 الطبعة السابقة.
(5)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 3 ص 210، ص 211 الطبعة السابقة.
الفرقة. وان كانت الفرقة من قبل الزوجة، فان كانت بسبب ليس بمعصية كالأمة اذا أعتقت فاختارت نفسها وامرأة العنين اذا اختارت الفرقة فانه فى ذلك لها السكنى، وان كانت الفرقة من قبل الزوجة بسبب هو معصية كالمسلمة قبلت ابن زوجها بشهوة قالوا: لا نفقة لها ولها السكنى، لأن السكنى فيها حق الله تعالى وهى مسلمة مخاطبة بحقوق الله تعالى، أما اذا كانت المرأة معتدة عن وفاة فلا سكنى لها فى مال الزوج سواء كانت حائلا أو حاملا، لأن الزوج اذا مات انتقل ملك أمواله الى الورثة فلا يجوز أن تجب السكنى فى مال الورثة سواء كانت حرة أو أمة وسواء كانت كبيرة أو صغيرة مسلمة أو كتابية لأن الحرة المسلمة الكبيرة لما لم تستحق السكنى فى عدة الوفاة فهؤلاء أولى وكذا المعتدة من نكاح فاسد فى الوفاة لا سكنى لها لأنها لا تستحق بالنكاح الصحيح فى هذه العدة فبالنكاح الفاسد أولى.
وجاء فى البدائع
(1)
: أنه اذا وجبت لها السكنى فانه لا يصح الخلع على السكنى والابراء عنه لأن السكنى تجب حقا لله تعالى لقوله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ»
(2)
وذكر صاحب البحر الرائق
(3)
: ان سكناها فى غير بيت الطلاق معصية الا أن أبرأته من مؤنة السكنى بأن كانت ساكنة فى بيت نفسها أو تعطى الأجرة من مالها فيصبح التزامها ذلك.
ونقل ابن عابدين
(4)
عن فتح القدير أنها لو اختلعت على أن لا سكنى لها فان مؤنة السكنى تسقط عن الزوج ويلزمها أن تكترى بيت الزوج ولا يحل لها أن تخرج منه.
حكم خروج المعتدة من بيت سكناها
أو الانتقال منه
ذكر صاحب بدائع
(5)
الصنائع:
أن المعتدة لا تخلو اما أن تكون معتدة من نكاح صحيح، واما أن تكون معتدة من نكاح فاسد، ولا يخلو اما أن تكون حرة أو أمة بالغة أو صغيرة، عاقلة أو مجنونة مسلمة أو كتابية مطلقة أو متوفى عنها زوجها، والحال حال الاختيار أو حال الاضطرار.
فان كانت معتدة من نكاح صحيح وهى حرة مطلقة بالغة عاقلة مسلمة والحال حال
(1)
المرجع السابق للكاسانى ج 3 ص 152 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 1 من سورة الطلاق.
(3)
البحر الرائق لابن نجيم ج 4 ص 97 الطبعة السابقة.
(4)
الدر المختار شرح تنوير الابصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 2 ص 78 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة 132 هـ.
(5)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 205، ص 206 الطبعة السابقة.
الاختيار فانها لا تخرج ليلا ولا نهارا سواء كان الطلاق ثلاثا أو بائنا أو رجعيا، أما فى الطلاق الرجعى فلقوله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» وقوله تعالى «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ» والأمر بالاسكان نهى عن الاخراج.
وأما المتوفى عنها زوجها فلا تخرج ليلا ولا بأس بأن تخرج نهارا فى حوائجها، لأنها تحتاج الى الخروج نهارا لاكتساب ما تنفقه لأنه لا نفقة لها من الزوج المتوفى، ولا تخرج بالليل لعدم الحاجة الى الخروج بالليل بخلاف المطلقة فان نفقتها على الزوج فلا تحتاج الى الخروج حتى لو اختلعت بنفقة عدتها فقال بعض مشايخنا يباح لها الخروج بالنهار للاكتساب لأنها بمعنى المتوفى عنها زوجها.
وبعضهم قالوا: لا يباح لها الخروج لأنها هى التى أبطلت النفقة باختيارها، والنفقة حق لها فتعذر على ابطاله، فأما لزوم البيت فحق عليها فلا تملك ابطاله.
واذا خرجت بالنهار فى حوائجها لا تبيت بعيدا عن منزلها التى تعتد فيه، والأصل فيه ما روى أن فريعة أخت أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه لما قتل زوجها أتت النبى صلى الله عليه وسلم فأستأذنته فى الانتقال الى بنى خدرة فقال لها: امكثى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله فأفادنا الحديث حكمين، اباحة الخروج بالنهار وحرمة الانتقال.
وروى عن محمد أنه قال: لا بأس أن تنام بعيدا عن بيتها أقل من نصف الليل، لأن البيتوتة فى العرف عبارة عن السكنى فى البيت أكثر الليل فما دونه لا يسمى بيتوتة، ومنزلها الذى تؤمر بالسكون فيه للاعتداد:
هو الموضع الذى كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها وقبل موته سواء كان الزوج ساكنا فيه أو لم يكن، لأن الله تعالى أضاف البيت اليها بقوله عز وجل «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ» ،} والبيت المضاف اليها هو الذى تسكنه، ولهذا قال أصحابنا: أنها اذا زارت أهلها فطلقها زوجها كان عليها أن تعود الى منزلها الذى كانت تسكن فيه فتعتد ثمة لأن ذلك هو الموضع الذى يضاف اليها وان كانت هى فى غيره، هذا كله فى حالة الاختيار.
أما فى حالة الضرورة فان اضطرت الى الخروج من بيتها بأن خافت سقوط منزلها أو خافت على متاعها، أو كان المنزل بأجرة ولا تجد ما تؤديه فى أجرته فى عدة الوفاة، فلا بأس عند ذلك أن تنتقل وان كانت تقدر على الأجرة لم تنتقل وان كان المنزل ملكا لزوجها وقد مات عنها فلها أن تسكن فى نصيبها ان كان نصيبها من ذلك ما تكتفى به فى السكنى وتستتر عن سائر الورثة ممن ليس بمحرم لها وان كان نصيبها لا يكفيها أو خافت على متاعها منهم فلا بأس أن تنتقل.
وانما كان كذلك لأن السكنى وجبت بطريق العبادة حقا لله تعالى عليها، والعبادات تسقط
بالأعذار، وقد روى أن عائشة رضى الله عنها نقلت أختها أم كلثوم بنت أبى بكر رضى الله عنه لما قتل طلحة رضى الله تعالى عنه ونقل على رضى الله عنه أم كلثوم رضى الله عنها لما قتل عمر رضى الله عنه، لأنها كانت فى دار الاجارة فدل ذلك على جواز الانتقال للعذر واذا كانت تقدر على أجرة البيت فى عدة الوفاة فلا عذر فلا تسقط عنها العبادة، واذا انتقلت لعذر يكون سكناها فى البيت الذى انتقلت اليه كما لو كانت فى المنزل الذى انتقلت منه فى حرمة الخروج عنه، لأن الانتقال من البيت الأول اليه كان لعذر فصار المنزل الذى انتقلت اليه كأنه منزلها من الأصل فلزمها المقام فيه حتى تنقضى العدة.
وكذا ليس للمعتدة من طلاق ثلاث أو بائن أن تخرج من منزلها الذى تعتد فيه الى سفر اذا كانت معتدة من نكاح صحيح ولا يجوز للزوج أن يسافر بها أيضا لقول الله تعالى: «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ» .
وكذا المعتدة من طلاق رجعى ليس لها أن تخرج الى سفر، سواء كان سفر حج فريضة أو غير ذلك لا مع زوجها ولا مع محرم حتى تنقضى عدتها أو يراجعها لعموم قوله تعالى: «لا تُخْرِجُوهُنَّ.}.
الآية ولأن المقام فى منزلها واجب لا يمكن تداركه بعد انقضاء العدة وسفر الحج واجب يمكن تداركه بعد انقضاء العدة، لأن جميع العمر وقته.
وليس لزوجها أن يسافر بها عند أصحابنا الثلاثة لقوله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» فقد نهى الأزواج عن الاخراج والنساء عن الخروج وقال زفر له ذلك.
واذا خرج
(1)
الزوج مع زوجته مسافرا فطلقها فى بعض الطريق، أو مات عنها، فان كان بينها وبين مصرها الذى خرجت منه أقل من ثلاثة أيام وبينها وبين مقصدها ثلاثة أيام فصاعدا رجعت الى مصرها، لأنها لو مضت لاحتاجت الى انشاء سفر وهى معتدة، ولو رجعت ما احتاجت الى ذلك فكان الرجوع أولى، كما اذا طلقت فى المصر وهى خارج بيتها فانها تعود الى بيتها، كذا هنا، وان كان بينها وبين مصرها ثلاثة أيام فصاعدا وبينها وبين مقصدها أقل من ثلاثة أيام، فانها تمضى، لأنه ليس فى المضى انشاء سفر، وفى الرجوع انشاء سفر، والمعتدة ممنوعة عن السفر، وسواء كان الطلاق فى موضع لا يصلح للاقامة كالمفازة ونحوها، أو فى موضع يصلح لها كالمصر ونحوها، وان كان بينها وبين مصرها ثلاثة أيام وبينها وبين مقصدها ثلاثة أيام فصاعدا، فان كان الطلاق فى المفازة أو فى موضع لا يصلح للاقامة بأن خافت على نفسها أو متاعها فهى
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 207 الطبعة السابقة.
بالخيار ان شاءت مضت وان شاءت رجعت، لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر سواء كان معها محرم أو لم يكن واذا عادت أو مضت فبلغت أدنى المواضع فهى بالخيار ان شاءت مضت وان شاءت رجعت الى التى تصلح للاقامة فى مضيها أو رجوعها أقامت فيه واعتدت ان لم تجد محرما بلا خلاف.
وان كان الطلاق فى المصر أو فى موضع يصلح للاقامة اختلف فيه، فقال أبو حنيفة: تقيم فيه حتى تنقضى عدتها.
وقال أبو يوسف ومحمد ان كان معها محرم مضت على سفرها، هذا اذا كانت معتدة من نكاح صحيح.
أما المعتدة من نكاح فاسد فلها أن تخرج، لأن أحكام العدة مرتبة على احكام النكاح، والنكاح الفاسد لا يفيد المنع من الخروج، فكذا العدة الا اذا منعها الزوج لتحصين مائه فله ذلك.
وأما الأمة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة على أصل أبى حنيفة فيخرجن فى ذلك كله من الطلاق والوفاة.
أما الأمة فلأن حال العدة مبنية على حال النكاح، ولا يلزمها المقام فى منزل زوجها فى حال النكاح، فكذا فى حال العدة، لأن خدمتها حق المولى، فلو منعناها من الخروج لأبطلنا حق المولى فى الخدمة من غير رضاه، وهذا لا يجوز الا اذا بوأها مولاها منزلا فحينئذ لا تخرج ما دامت على ذلك، لأنه رضى بسقوط حق نفسه وان أراد المولى أن يخرجها فله ذلك، لأن الخدمة للمولى، وانما كان أعارها للزوج وللمعير أن يسترد عاريته.
وروى ابن سماعة عن محمد فى الأمة اذا طلقها زوجها وكان المولى مستغنيا عن خدمتها فلها أن تخرج وان لم يأمرها لأنه قال اذا جاز لها أن تخرج باذنه جاز لها أن تخرج بكل وجه ألا ترى أن حرمة الخروج لحق الله تعالى، فلو لزمها لم يسقط باذنه، وكذا المدبرة لما ذكرنا وكذا أم الولد اذا طلقها زوجها أو مات عنها، لأنها أمة المولى، وكذا اذا عتقت أو مات عنها سيدها لها أن تخرج، لأن عدتها عدة وط ء فكانت كالمنكوحة نكاحا فاسدا.
وأما المكاتبة فلأن سعايتها حق المولى اذ بها يصل المولى الى حقه فلو منعناها الخروج لتعذرت عليها السعاية والمعتق بعضها بمنزلة المكاتبة عند أبى حنيفة وعندهما حرة.
وأما الصغيرة
(1)
فلها أن تخرج من منزلها اذا كانت الفرقة لا رجعة فيها سواء اذن الزوج لها أو لم يأذن لأن وجوب السكنى فى البيت على المعتدة لحق
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 208 الطبعة السابقة.
الله تعالى وحق الزوج، وحق الله عز وجل لا يجب على الصبى وحق الزوج فى حفظه الولد ولا ولد منها، وان كانت الفرقة رجعية فلا يجوز لها الخروج بغير اذن الزوج، لأنها زوجته، وله أن يأذن لها بالخروج.
وكذا المجنونة لها أن تخرج من منزلها لأنها غير مخاطبة كالصغيرة الا أن لزوجها أن يمنعها من الخروج، لتحصين مائة بخلاف الصغير فان الزوج لا يملك منعها، لأن المنع فى حق المجنونة لصيانة الماء لاحتمال الحبل، والصغيرة لا تحبل.
وأما الكتابية فلها أن تخرج، لأن السكنى فى العدة حق الله تعالى من وجه فتكون عبادة من هذا الوجه والكفار لا يخاطبون بشرائع هى عبادات الا اذا منعها الزوج من الخروج لتحصين مائه.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى
(1)
: أن للمعتدة المطلقة سواء كانت بائنا أو رجعيا السكنى وجوبا على الزوج فان مات استمرت فى البائن، وكذا فى الرجعى، ومثلها المحبوسة فان لها السكنى فى حياته، والمحبوسة هى الممنوعة من النكاح بسببه بغير طلاق كالمزنى بها غير عالمة ومعتقة ومن فسخ نكاحها لفساد أو قرابة أو صهر أو رضاع أو لعان، واعترض على التقييد بقوله فى حياته بأن ظاهر المدونة أن السكنى لا تقيد بذلك، بل لو اطلع على موجب الفسخ ولو بعد الموت لوجب لها السكنى فكان عليه حذفه.
وذكر صاحب التاج
(2)
والاكليل: ان ابن عرفة قال: يلزم المعتدة مقامها فى مسكنها حين وقوع سبب عدتها من طلاق أو وفاة، والتهمة على نقلها منه لطلاقها بغيره يوجب ردها اليه.
ومن اكترى منزلا نقل اليه زوجته فلما سكنه طلقها لزمه ردها لمسكنها الأول.
قال المتيطى: كل معتدة أو مستبرأة من فسخ أو لعان أو طلاق أى نوع كان يجب لها جميع الصداق فان لها على الزوج السكنى الى انقضاء العدة، مسلمة كانت أو كتابية، حرة أو أمة اذا كانت الأمة تبيت عند الزوج، فان كانت تبيت عند أهلها فتعتد عندهم ولا سكنى على الزوج، فان ارتابت المعتدة انتظرت سنة، فان زعمت أن الريبة متمادية بها نظر النساء اليها.
وللمتوفى عنها ان دخل بها قال المتيطى كل معتدة من وفاة مدخول بها فلها
(1)
حاشية الدسوقى للعالم محمد عرفه الدسوقى على الشرح الكبير لابى البركات سيد أحمد الدردير وبهامشه شرح تقريرات الشيخ محمد عليش ج 3 ص 483، ص 484 طبع مطبعة أحياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1219.
(2)
التاج والاكليل للمواق على هامش الحطاب شرح مختصر خليل ج 4 ص 162، 163 الطبعة السابقة.
السكنى فى دار الزوج، وهى أحق بسكناها من ورثته وغرمائه، فان بيعت استثنى سكناها الى انقضاء عدتها، هذا قول ابن القاسم ومالك وعليه العمل، فان ارتابت لزم السكنى الى تمام خمسة أعوام من يوم وفاة الميت، ولا حجة للمبتاع لأنه قد علم أنه أقصى أمد الحمل.
قال مالك: وهى أحق بالمقام حتى تنقضى الريبة وأحب الينا أن يكون للمبتاع الخيار فى فسخ البيع أو امضائه ولا يرجع بشئ، لأنه دخل على العدة المعتادة.
قال أبو عمران: ان كان المسكن لزوجها، لم يجز لورثته أن يخرجوها منه حتى تنقضى عدتها، وكذلك ان كان مستأجرا وكان زوجها قد أدى أجرته فان كان ذلك كانت أحق بسكناه من سائر ورثته، وان لم يكن المسكن له ولم يؤد أجرته كان لأربابه اخراجها منه، ويستحب لهم أن لا يفعلوا ذلك فان أخرجوها جاز لها أن تسكن غيره حتى تتم عدتها فيه ولم يكن على الورثة استئجار مسكن غيره لها، وسواء كان للميت مال أو لم يكن وعليها أن تستأجر لنفسها من مالها.
وقال عبد الحق قول المدونة: ان كان نقد الكراء فهى أحق بالمسكن، والا فلا سكنى لها معناه أنه أكرى (أى استأجر) كل شهر بكذا، وأما ان كان اكراها (أى استأجرها) سنة معينة فهى أحق بالسكنى وان لم يكن نقد.
وفى المدونة: أنه لا سكنى لمعتدة غير مدخول بها الا أن يكون أسكنها مسكنا له ولو بكراء نقد عوضه.
ومن دخل بصغيرة لا يجامع مثلها فلا عدة عليها ولا سكنى لها فى طلاق وعليها عدة الوفاة ولها السكنى ان كان ضمها اليه وان لم يكن نقلها اعتدت عند أهلها.
قال ابن القاسم فان أراد أبوها الحج أو السفر فليس له أن يخرجها.
قال ابن عبد الرحمن ان أخذ الصغيرة ليكفلها فقط فلا سكنى لها.
وجاء فى المدونة أن المعتدة تبيت من دارها حيث كانت تبيت.
قال أبو عمران كل ما يقطع فيه أن سرقت منه مما هو محجور عليها لا تبيت فيه وما لا تقطع فيه تبيت فيه قال ابن عرفه هذا تعريف بمساو أو أخفى منه.
وقال اسماعيل تبيت فى جميع ما كانت تسكنه فى حياة زوجها.
هذا وقد نقل ابن عرفه أن التهمة على نقلها توجب ردها وان نقلها لمنزل اكتراه ثم طلقها لزمه ردها قال أبو اسحاق انظر لو
كان مقامها فيه حق آدمى كظئر استؤجرت بشرط مكثها بدار أبوى الصبى فمات زوجها فالذى أعرفه فى هذا فسخ اجارتها وترجع الى بيتها بخلاف حق الله فى الاحرام والاعتكاف.
وجاء فى المدونة أن كل من أمرت بالرجوع وان كانت لا تصل حتى تنقضى عدتها لم ترجع وروى عن المدونة أنه ان مات أو طلق فى سيرهما الى الحج رجعت فيما قرب كثلاثة أيام الا أن أحرمت أو بعدت كالمدينة من مصر.
قال ابن عبد الرحمن وهذا فى حج الفرض وترجع فى حج التطوع والرباط ولو بعدت.
قال اللخمى واذا كان الحكم أن ترجع لم ترجع الا مع ولى أو جماعة ناس لا بأس بحالهم والا أقامت فى موضعها وان لم تكن فى موضع مستعتب تمادت مع الرفقة.
وجاء فى المدونة الكبرى أن ابن القاسم قال ان مات فى خروجه بها لغزو أو غيره أو الى الجهاد أو الى الرباط لاقامة الأشهر لا للانتقال رجعت ولو وصلا لتمام عدتها، قال محمد وهذا أحب الى.
قال وروى أيضا عن مالك: أن من خرج الى المصيصة بعياله ليقيم بها الأشهر أو السنة اعتدت امرأته بها.
قال اللخمى رأى مالك مرة أن لطول الاقامة تأثيرا وهو أحسن وقال فى المدونة أن نقلها على رفض سكنى موضعه فمات فى مسيرهما وهى أقرب الى الموضع الأول أو الثانى فلها المشى الى أيتهما شاءت أو المقام بموضع موته أو تعدل الى حيث شاءت فتتم هنالك عدتها، لأنه مات ولا قرار لها وهى كمعتدة أخرجها أهل الدار.
قال أبو عمران: واما أن طلقها فى سفره فلزمها الرجوع الى وطنها فعليه كراء رجوعها لأنها انما رجعت من أجله وحبست له فذلك بمنزلة ما يجب لها من المسكن عليه.
واذا طلقها فى الموضع الذى انتقل اليه بها قال المتيطى: اذا شرط ألا يرحلها الا باذنها فأذنت له فرحلها، ثم ابتدأ طلاقها، أو طلقت هى نفسها بشرطها لم يلزمه مؤنة ردها، الا أن كان شرط ذلك.
قال بعض الموثقين ولا أعلم أحدا يقول ان عليه مؤنة ارتجاعها الا ما حكاه ابن العطار.
وروى عن المدونة الكبرى أن الامام مالكا رحمه الله تعالى قال: اذا طلقت المعتكفة أو مات زوجها فلتمض على اعتكافها، فاذا تمت رجعت الى بيت زوجها فتتم فيه باقى العدة.
ونص المدونة: ان مات أو طلق فى سيرهما الى الحج رجعت الا أن أحرمت وفى الموطأ كان عمر يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج قال الباجى قال مالك فان أحرمن نفذن وبئس ما صنعن.
ثم «قال
(1)
: والمتوفى عنها اذا لم يكن لها السكنى فى مال الميت فلا تخرج الا أن يخرجها رب الدار ويطلب من الكراء ما لا يشبه.
قال فى المدونة فى الكلام على المتوفى عنها:
ان كانت الدار بكراء ولم ينقد الزوج الكراء وهو موسر فلا سكنى لها فى ماله وتؤدى الكراء من مالها ولا تخرج الا أن يخرجها رب الدار ويطلب من الكراء ما لا يشبه.
واحتج بعض القرويين على تأويله المتقدم بقوله الا أن يطلب منها رب الدار ما لا يشبه فان ذلك يدل على أن الكراء لم يكن سنة بعينها لأنه لو أكرى سنة بعينها كان الكراء لزم بما تعاقداه وليس لرب الدار أن يطلب غيره.
وحملها الأولون على أن مدة الكراء قد انقضت واذا كان الكراء وجيبة ولم ينقد وقلنا لا سكنى لها فتسكن فى حصتها وتسلم الكراء.
وروى عن المدونة أن مالكا
(2)
رضى الله عنه قال: تعتد الأمة المتوفى عنها زوجها حيث كانت تبيت ولأهلها نقلها معهم.
وفى الموازية أن بوئت مع زوجها بيتا لم يجز لأهلها نقلها حتى تنقضى عدتها قال أبو عمران هذا معنى المدونة وقبله ابن عات قال ابن عرفه فيه نظر لقولها ان انتجع سيدها لبلد آخر فله أن يخرجها معه.
وقال اللخمى ان كانت الأمة غير مبوأة انتقلت مع سيدها حيث انتقل وحكمها بعد العدة كما كان قبلها وكان الحكم قبل العدة أن يتبعها زوجها.
قال وعدة البدويات أهل العمود والخصوص والشعر فى البيوت اللائى يكن فيها قبل الطلاق والوفاة، فان انثوى أهلها انثوت معهم، لأنها لو كلفت أن تبقى فى بيتها، وتنثوى مع أهل زوجها كان عليها مشقة وضرورة باللحاق بأهلها عند انقضاء العدة وان انثوى أهل زوجها خاصة لم تنثو معهم.
وقال أبو عمر يستحب ألا تغرب لها الشمس الا فى بيتها ولا يجوز لها أن تبيت الا فى منزلها، فان خرجت فى ليلة من عدتها فباتت فى غير منزلها أثمت فى فعلها ولا يجوز لها أن تفعل ذلك فى باقى
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى خليل وبهامشه التاج والاكليل ج 4 ص 163 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل هامش الحطاب ج 4 ص 163، ص 164 الطبعة السابقة.
عدتها، ولها أن تبنى على ما مضى منها ولا تستأنف العدة ولا يحل لها الانتقال من دارها حتى تنقضى عدتها الا أن تخاف عورة منزلها أو شبه ذلك مما لا يمكنها المقام معه فتنتقل حينئذ ثم تقيم حيث انتقلت حتى تنقضى عدتها.
وجاء فى المدونة أنه لا يجوز لها أن تنتقل الا لضرر لاقرار معه كخوف سقوط المسكن أو لصوص بقرية لا مسلمين فيها وان كانت بمدينة لم تنتقل لضرر جوار ولترفع ذلك الى الامام.
وجاء فى المدونة أن حكمها فيما انتقلت اليه كما انتقلت عنه وان انتقلت لغير عذر ردها الامام.
ثم قال:
(1)
ان اللازم للمعتدة هو المبيت فى مسكنها وأما عدا ذلك فلها الخروج فى حوائجها فى طرفى النهار وأخرى فى وسط النهار، وسواء كانت معتدة من طلاق أو وفاة.
قال فى كتاب الطلاق: السنة على ما جاءت به المدونة أنه لا يصح أن تبيت معتدة من وفاة أو طلاق سواء كان بائنا أو غير بائن الا فى بيتها ولها التصرف نهارا والخروج سهرا قرب الفجر وترجع ما بينها وبين العشاء الآخرة.
وقال ابن عرفة وسمع ابن القاسم أنه يصح للمتوفى عنها أن تخرج للعرس ولا تبيت الا فى بيتها بما لا تتهيأ به الحاد.
قال ابن رشد هذا ان لم يكن فيها من اللهو الا ما أجيز فى العرس.
قال فى المسائل الملقوطة قال عيسى فى كتاب ابن مزين اذا أنهى الى الامام أن المعتدة تبيت فى غير بيتها أرسل اليها وأعلمها بما جاء فى ذلك وأمرها بالكف فان أبت أدبها على ذلك وأجبرها عليه.
قال ابن عرفة ولا تنتقل من مسكنها الا لضرر لا تقدر معه كخوف سقوط أو لصوص بقرية لا مسلمون بها، وان كانت بمدينة لا تنتقل لضرر جوار ولترفع ذلك الى الامام.
قال ابن عرفة قلت ضابطه ان قدرت على رفع ضررها بوجه ما لم تنتقل.
وحملها ابن عات على الفرق بين القرية والمدينة لأن بها من ترفع اليه أمرها بخلاف القرية غالبا.
قال اللخمى: ان وقع بينها وبين من ساكنها شر فان كان منها أخرجت عنه، وفى مثله جاء حديث فاطمة بنت قيس، وان كان من غيرها أخرج عنها فان أشكل لأمر أقرع بينهم قلت انما يقع الاخراج لشر بعد الاياس من رفعه بزجر من هو منه.
(1)
الحطاب مع التاج والاكليل ج 4 ص 164، 165 الطبعة السابقة.
وقبل ابن عات وابن عبد السّلام وغيرهما قوله أقرع بينهم.
والصواب اخراج غير المعتدة لأن اقامة المعتدة فى مسكنها حق لله تعالى وهو مقدم على حق الآدمى حسبما تقدم عن قرب.
قلت وفيه نظر لأنه قد ثبت جواز اخراجها لشرها من حديث فاطمة بنت قيس.
وروى الحطاب أن الزوجة اذا أسكنت زوجها ثم طلقها ففى حكم اسكانها قولان قيل: لا سكنى لها وقيل لها السكنى.
قال بالأول ابن المكوى وضعفه ابن رشد.
قال ابن عرفه عن ابن عات قال ابن رشد قول ابن المكوى وهم.
ثم قال ولو كتبت له اسقاط خراج دارها أمد العصمة وتوابعها لم يكن عليه شئ ولو قال أمد العصمة فقط لزمه اتفاقا فيهما.
ثم ذكر المواق أن اللخمى
(1)
قال: اذا كان سكنى الزوج فى مسكن الزوجة بملك أو كراء ولم تكن طلبته فى حال الزوجية بكرائه مكارمة ثم طلقها الزوج فلها أن تطلبه بالكراء للعدة، لأنهما بالطلاق خرجا عن المكارمة فلا يلزمها أن تكارمه فى المستقبل، ولا شئ لها ان كانت فى عدة وفاة وبذلك أيضا قال ابن عتاب وابن زرب.
وقال بعض الموثقين وهو أقيس.
وقال المتيطى وهو الحق ان شاء الله تعالى.
وذكر ابن سلمون القولين قال والأظهر وجوب الكراء عليه.
ثم روى الحطاب عن
(2)
خليل أنه قال:
وتسقط سكنى المعتدة اذا أقامت بغير المسكن الذى كان يسكن به الزوج من غير عذر ولو طلبت كراء الموضع الذى هربت عنه فلا كراء لها قاله فى التوضيح.
وظاهر المدونة وكلام ابن الحاجب أنه لا فرق بين أن يكرى الزوج الموضع الذى هربت منه أو بتركه خاليا.
وقال اللخمى أن خرجت لغير عذر فطلبت كراء المسكن الذى انتقلت عنه لم يكن لها ذلك وان خرجت عن مسكن يملكه الزوج أو اكتراه وحبسه لم يكره بعد خروجها وان اكراه رجعت بالأقل مما اكترت أو أكرى به ونقله ابن عرفه وقبله.
(1)
التاج والاكليل ج 4 ص 164 الطبعة السابقة.
(2)
الحطاب وهامشه ج 4 ص 165 الطبعة السابقة.
ثم نقل
(1)
عن المدونة أن الزوجة أن انتقلت لغير عذر ردها الامام بالقضاء الى بيتها ولا كراء لها فيما لو اقامت فى غيره.
وقد فرق ابن عبد الرحمن بين هذا وبين ما اذا هربت من زوجها فجعل لها النفقة لأن السكنى حق لها تركته والهاربة كان له أن يرفعها الى حاكم يردها الى بيته.
وروى عن المدونة أن مالكا قال:
والمعتدة أحق بسكنى دار الميت من غرمائه وتباع للغرماء ويشترط اسكانها على المشترى.
قال ابن المواز قال مالك وان ارتابت فهى أحق بالمقام حتى تنقضى الريبة وتحل وأحب الينا أن يرجع المشترى على البائع فان شاء فسخ بيعه وأخذ الثمن وان شاء تماسك بغير شئ يرجع به، لأن البيع انما وقع على استثناء العدة المعروفة أربعة أشهر وعشر ولو وقع بشرط زوال الريبة لكان فاسدا.
وجاء فى العتيبة أن ابن القاسم قال لا حجة للمبتاع قال سحنون وان تمادت الريبة الى خمس سنين فلا حجة للمبتاع لأنه قد علم أن أقصى العدة خمس سنين، فكأنه دخل على علم.
وروى الحطاب
(2)
أن أبا الحسن قال:
اختلف هل للورثة بيع الدار واستثناء العدة فأجازه اللخمى ومنعه غيره، لأنه غرر لا يدرى من المشترى متى يتصل بقبض الدار وانما رخص فيه فى الدين.
وقال فى التوضيح فى قول ابن الحاجب والحكم فى المتوفى عنها الجواز بعد قوله وليس للزوج بيع الدار لدين عليه الا فى ذات الأشهر ما نصه هذه المسألة ذكرها فى المدونة فى كتاب العدة والغرر، وفرضها فى بيع الغرماء دار الميت لدين عليه، وفرضها الباجى فى بيع الورثة قال ابن عبد السّلام: وهو ظاهر كلام المصنف.
واعترض بعضهم كلام الباجى لما توهمه من اجازة بيعهم اياها اختيارا فقال: انما أجاز ابن القاسم هذا البيع اذا بيع للغرماء، وأما اذا أراد الورثة البيع فى غير دين فلم ينص عليه ابن القاسم، قال: وعندى أنه غير جائز انظر ما حكاه عن الباجى مع ما نقله ابن عرفة ونصه قال ابن ناجى: انما يجوز هذا فى عدة الوفاة، لأنها أيام محصلة، وذلك اذا دعا الغرماء الورثة ببيعها، ولا يجوز فى عدة الطلاق، وأبدلت فى المنهدم والمعار والمستأجر اذا امتنع ربها من كرائه وكان لامتناعه وجه والا فليس له الامتناع.
وفى التاج
(3)
والاكليل: أن ابن عرفة
(1)
التاج والاكليل ج 4 ص 165 الطبعة السابقة.
(2)
الحطاب ج 4 ص 165 الطبعة السابقة.
(3)
التاج والاكليل ج 4 ص 165 الطبعة السابقة.
قال على الزوج أن تعذر مسكنها لهدم أو انتهاء مدة معار أو مكرى بدله.
وروى الحطاب
(1)
: أنه جاء فى المدونة أن المسكن اذا انهدم فدعت المرأة الى سكنى موضع ودعا الزوج الى غيره فذلك لها الا أن تدعوه الى ما يضر به لكثرة كراء أو سكنى فتمنع، مثل أن تدعوه الى موضع بعيد منه أو فيه جيران سوء ونحو ذلك، لأن له التحفظ لنفسه، ولو أسقطت الكراء سكنت حيث شاءت بحيث يعرف أنها معتدة لا فى موضع يخفى عنه خبرها.
وجاء فى التاج والاكليل
(2)
: أن اللخمى قال اذا كانت المعتدة امرأة الأمير ونحوه فلا يخلو المسكن الذى تعتد فيه من ثمانية أقسام.
منها أن يكون الزوج أميرا أو قاضيا بسكن لأجل ما كان يقوم به من أمور المسلمين ثم عزل أو مات.
ثم قال بعد ذلك: وأما دار الامارة فالأمر فيها أوسع من الحبس، لأنها ليست لأحد.
وقال فى المدونة لا تخرج معتدة أمير لوال بدله قبل تمامها كذى الحبس حياته.
قال المتيطى: ولا يكون لمن رجعت اليه الدار اخراجها الا بعد العدة.
قال ابن المواز ولو تأخرت حتى تنقضى الريبة ولوالى خمس سنين، لان العدة من أسباب أمر الميت وكذلك زوجة امام المسجد الساكن فى داره تعتد فيها الا أن يرى جيران المسجد اخراجها من النظر لهم فذلك لهم قاله ابن العطار.
وقال غيره ليس هذا بجيد ولا فرق بين الأمير والامام.
قال ابن زرقون قول ابن العطار انما هو اذا كانت الدار حبسا على المسجد حبسا مطلقا وأما ان حبست على أئمة المسجد فهى كدار الامارة قال ابن عرفة قبله ابن عبد السّلام وفيه نظر.
وقال ابن عرفة لزوم سكنى أم الولد مدة حيضها لموت سيدها عليه خمسة أقوال.
القول الأول ظاهر المدونة وجاء فى المدونة أنه لا احداد على أم الولد من وفاة سيدها لأنها ليست بزوجة ولا أحب لها المواعدة فيها ولا تبيت الا فى بيتها.
وقال ابن عرفة أيضا فى التهذيب لأم الولد سكنى حيضتها ان مات سيدها أو أعتقت.
وروى عن المدونة أنه يكون للمرتدة النفقة والسكنى ان كانت حاملا لأن الولد يلحقه.
(1)
الحطاب ج 4 ص 165، ص 166 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل ج 4 ص 165، ص 166 الطبعة السابقة 10
وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح
(1)
الكبير أن المرتدة الحامل لها السكنى ونفقة الحمل فان لم تكن حاملا لم تؤخر واستبرئت ان كانت ذات زوج ولها السكنى فقط أى على زوجها فى مدة استبرائها لأنها محبوسة بسببه.
واستشكل شيخنا العدوى ثبوت السكنى للمرتدة بأنها تسجن حتى تتوب أو تقتل وأجاب بأنه يفرض فيما اذا غفل عن سجنها أو كان السجن فى بيتها.
ثم قال والمشتبهة أى الموطوءة وط ء شبهة اما غلطا ولا زوج لها أو لها زوج لم يدخل بها واما بنكاح فاسد يدرأ الحد كمن نكح ذات محرم جهلا فحملت فلها النفقة والسكنى فلو علم بالحرمة دونها فلها السكنى فقط لأنها محبوسة بسببه فان علمت أيضا فزانية لا سكنى لها ولا نفقة.
وحاصل ما فى هذه المسألة أن المرأة التى غلط بها تارة تكون لا زوج لها وتارة تكون لها زوج، واذا كان لها زوج فتارة تكون مدخولا بها وتارة لا، فان لم تكن ذات زوج، فان حملت فالنفقة والسكنى على الغالط وان لم تحمل فالسكنى عليه والنفقة عليها، وان كانت ذات زوج ولم يدخل بها، فان حملت من الغالط فسكناها ونفقتها على الغالط وان لم تحمل فالسكنى على الغالط والنفقة عليها لا على الغالط على الراجح.
وأما لو بنى بها زوجها فنفقتها وسكناها على زوجها حملت أم لا الا أن ينفى الزوج حملها بلعان فلا نفقة لها عليه ولها السكنى على الزوج ما لم يلتحق بالغالط فان لحق به فالنفقة والسكنى حينئذ على الغالط.
وروى صاحب التاج والاكليل
(2)
: وعن المدونة أنه اذا فرق بين الزوجين باسلام أحدهما وقد بنى بها فرفعتها حيضتها فلها السكنى لأن ما فى بطنها يتبعه وكذا من نكح ذات محرم منه ولم يعلم ففرق بينهما فلها السكنى.
وقال ابن عرفة وسكنى المغلوط بها قبل بناء زوجها على الغالط لأن كل من تحبس له فعليه سكناها.
وروى الحطاب
(3)
عن الشيخ أبى بكر ابن عبد الرحمن أنه انما فرق بين المرأة تسكن فى غير بيت الزوج أنها لا كراء لها فى ذلك وبين ما اذا هربت منه أن لها أن تطلبه بالنفقة لأن السكنى حق لها فتركته وسكنت فى موضع آخر وأما التى هربت منه فقد كان له أن يرجعها الى الحاكم ويردها الى بيتها فحكم النفقة قائم عليه غير ساقط
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 489 الطبعة السابقة.
(2)
الحطاب وهامشه التاج والأكليل ج 4 ص 166 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 188 الطبعة السابقة.
عنه ولو كان لا يعلم أين هربت أو تعذر عليه رفعها للحاكم ونحو هذا من الأعذار التى يظهر أنه غير قادر على ردها فلا شئ عليه فيستوى حكم ذلك وحكم السكنى.
وقال ابن فرحون فى شرح ابن الحاجب ولا خلاف أنها اذا خرجت وسكنت فى موضع فلا كراء لها على زوجها وهذا بخلاف النفقة.
وفى المتيطية عن كتاب محمد: اذا غلبت امرأة زوجها وخرجت من منزله وأرسل اليها فلم ترجع وامتنع من النفقة عليها حتى ترجع فأنفقت على نفسها ثم طلبته بذلك قال مالك ذلك عليه لها وترجع عليه وتغرمه قال ولو خرجت من مسكنه وسكنت سواه لم يكن عليه كراء قال ابن المواز وذلك لا يشبه النفقة.
ثم قال وكل
(1)
مطلقة لها السكنى وكل بائنة بطلاق بتات أو خلع أو مبارأة أو لعان أو نحوه فلها السكنى ولا نفقة لها.
ثم قال وتجب السكنى فى فسخ النكاح الفاسد أو ذات محرم بقرابة أو رضاع سواء كانت حاملا أم لا لأنه نكاح يلحق فيه الولد وتعتد فيه حيث كانت تسكن ولا نفقة عليه ولا كسوة الا أن تكون حاملا فذلك عليه.
وقال ابن المنذر: أجمع من أحفظ عنهم على أن المعتدة التى تملك رجعتها لها السكنى والنفقة اذ أحكامها أحكام الأزواج فى عامة أمورها.
وفى التاج
(2)
والاكليل قال ابن الحاجب البائن فى السكنى ونفقة الحمل كالرجعية فلو مات فالمشهور وجوبهما فى ماله.
والذى فى المدونة كل حامل بانت من زوجها ولم يتبرأ من نفقة حملها فلها النفقة فى الحمل والسكنى والكسوة، فان مات قبل أن تضع حملها انقطعت نفقتها.
وقال ابن يونس أنه يلزم ابن القاسم أن يقول فى السكنى أنه كذلك، ثم نقل عن بعضهم أنه لا يلزم ابن القاسم هذا، لأن النفقة انما سقطت بموته، لأنها بسبب الحمل وقد صار الحمل الآن وارثا فوجب لذلك سقوط النفقة، وأما السكنى فهى للمرأة وقد وجبت عليه فى صحته فلزمه كدين لها فلا يسقط ذلك موته قال ابن يونس لأن السكنى لا تسقط بالموت ولا بالطلاق البائن وتسقط فى ذلك النفقة فدل على أن السكنى أقوى.
وفى التاج والاكليل: قال
(3)
ابن الحاجب وللملاعنة السكنى لا نفقة الحمل كالمتوفى عنها، وروى عن المدونة أنه لا سكنى على معدم فى عدة ولا نفقة فى حمل
(1)
التاج والاكليل ج 4 ص 149 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 189 الطبعة السابقة.
(3)
التاج والاكليل ج 4 ص 192 الطبعة السابقة.
الا أن ييسر فى حملها فتأخذه بنفقته ما بقى وكذلك السكنى.
وجاء فى حاشية الدسوقى على
(1)
الشرح الكبير: أن الزوجة اذا خالعت زوجها على خروجها من مسكنها الذى طلقها فيه فانه يرد بأن ترد الزوجة له لأنه حق لله لا يجوز اسقاطه وبانت منه ولا شئ عليها للزوج اللهم الا أن يريد أنها تتحمل بأجرة المسكن زمن العدة من مالها فيجوز.
وفى التاج
(2)
والاكليل: أنه لا يجوز للزوج أن يخالع زوجته على خروجها من مسكنها.
وقال المتيطى لا يجوز أن يتفقا على أن تخرج من داره وتعتد فى سواه فان وقع ذلك نفذ الخلع وصرفها الامام الى داره واعتدت فيها دون شئ.
قال الحطاب: قال فى ارخاء الستور من المدونة: وان خالعها على أن لا سكنى لها عليه، فان أراد الزامها كراء المسكن جاز ذلك، سواء كان المسكن لغيره أو كان له وسمى الكراء وان كان على أن تخرج من منزله تم الخلع ولم تخرج ولا كراء له عليها.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(3)
: تجب سكنى لمعتدة عن طلاق حائل أو حامل ولو كانت بائنا، ويستمر وجوبها الى انقضاء عدتها لقول الله تعالى {(أَسْكِنُوهُنَّ 4 مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ)} وقوله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ 5 بُيُوتِهِنَّ» أى بيوت أزواجهن، وأضافها اليهن للسكنى، اذ لو كانت اضافة ملك لم تختص بالمطلقات.
ولو أسقطت مؤنة المسكن عن الزوج لم تسقط، كما أفتى به المصنف، لوجوبها يوما بيوم واسقاط ما لم يجب لاغ، وأفهم تقييده بالمعتدة عن طلاق عدم السكنى لمعتدة عن وط ء شبهة، ولو فى نكاح فاسد، ولأم ولد عتقت.
ولا سكنى لناشزة، سواء أكان ذلك قبل طلاقها كما صرح به القاضى وغيره، أم فى أثناء العدة كما صرح به المتولى، فانها لا سكنى لها فى العدة، فان عادت الى الطاعة عاد حق السكنى كما صرح به المتولى.
وفى مدة النشوز يرجع عليها مستحق المسكن بأجرته، وقياسه أنه لو كان ملك الزوج رجع هو عليها بذلك، والا صغيرة لا تحتمل الوط ء بأن استدخلت ماءه المحترم، فلا سكنى لها كالنفقة، والا أمة لم تسلم ليلا ونهارا، والا من وجبت العدة لقولها بأن طلقت ثم أفرت بالاصابة وأنكرها الزوج، فلا نفقة ولا سكنى وعليها العدة.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 350 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل ج 4 ص 24 الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج للرملى ج 7 ص 144 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 1 من سورة الطلاق.
(5)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
وجاء فى المهذب
(1)
: أنها ان طلقت وهى فى مسكن لها لزمها أن تعتد به لأنه مسكن وجبت فيه العدة، ولها أن تطالب الزوج بأجرة المسكن، لأن سكناها عليه فى العدة.
وان مات الزوج وهى فى العدة قدمت على الورثة، لأنها استحقتها فى حال الحياة فلم تسقط بالموت، كما لو أجر داره ثم مات، فان أراد الورثة قسمة الدار لم يكن لهم ذلك، لأن فيها اضرارا بها فى التضييق عليها، وان أرادوا التمييز بأن يعلموا عليها بخطوط من غير نقض ولا بناء فان قلنا ان القسمة تمييز الحقين جاز، لأنه لا ضرر عليها، وان قلنا انها بيع فعلى ما بيناه.
وذكر
(2)
صاحب نهاية المحتاج: أنها ان كانت معتدة عن وفاة ففى وجوب اسكانها قولان.
قيل: لا سكنى لها كما أنه لا نفقة لها.
وقيل: بل تجب السكنى لها حيث وجدت تركة، وتقدم على الديون المرسلة فى الذمة فى الأظهر، لأمر النبى صلى الله عليه وسلم فريعة - بضم الفاء - بنت مالك أخت أبى سعيد الخدرى لما قتل زوجها أن تمكث فى بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله، فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرا، صححه الترمذى وغيره، ولأن السكنى لصيانة مائه، وهى موجودة بعد الوفاة كالحياة والنفقة لسلطنته عليها وقد انقطعت، وبأن النفقة حقها فسقطت الى الميراث، والسكنى حق الله تعالى فلم تسقط.
ومحل الخلاف كما حكاه فى المطلب عن الأصحاب ما لم يطلقها قبل الوفاة رجعيا والا لم تسقط قطعا، لأنها استحقتها بالطلاق فلم تسقط بالموت، لكن حكى الجرجانى طرد القولين فيها ويوافقه اطلاق الكتاب هنا.
ويجب لمعتدة فسخ بعيب أو ردة أو اسلام أو رضاع أيضا على المذهب، لأنها معتدة عن نكاح صحيح بفرقة فى الحياة فأشبهت المطلقة تحصينا للماء والطريق الثانى على قولين كالمعتدة عن وفاة وتجب السكنى للملاعنة كما نقل فى الروضة عن البغوى القطع به.
وفى المهذب
(3)
: أما سكنى الملاعن منها بعد الدخول ففيها وجهان.
أحدهما: أنها تجب، لأنها معتدة عن فرقة فى حال الحياة، فوجب لها السكنى كالمطلقة.
والثانى: لا تجب لها السكنى، لما روى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى ألا تثبت لها
(1)
المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم على بن يوسف الفيروزابادى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب ج 2 ص 147 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر دار أحياء الكتب العربية.
(2)
نهاية المحتاج للرملى ج 7 ص 145، ص 146 الطبعة السابقة.
(3)
المهذب للشيرازى ج 2 ص 165 الطبعة السابقة.
من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق ولا هى متوفى عنها زوجها، ولأنها لم تحصن ماءه فلم يلزمه سكناها.
وفى نهاية المحتاج
(1)
: ولو طلب الزوج اسكان معتدة لم تجب سكناها لزمتها الاجابة حفظا لمائه ويقوم وارثه مقامه، لأن له غرضا فى صون ماء مورثه بل غير الوارث فى ذلك كالوارث كما قاله الرويانى تبعا للماوردى أى حيث لا ريبة ويفارق عدم لزوم اجابة أجنبى بوفاء دين ميت أو مفلس بخلاف الوارث بأن ملازمة المعتدة للسكنى حق لله تعالى لا بدل له فلزم القبول، لئلا يتعطل، وبأن حفظ الأنساب من مهمات الأمور المطلوبة بخلاف الدين، وبأنه انما يرد لو كان التبرع عليها وهو انما توجه على الميت، فان لم يوجد متبرع سن للامام اسكانها من بيت المال، حيث لا تركة لا سيما عند اتهامها بريبة، وان لم يسكنها أحد سكنت حيث شاءت وانما تسكن - بضم أوله - أى المعتدة حيث وجب سكناها فى مسكن مستحق للزوج لائق بها كانت فيه عند الفرقة بموت أو غيره، للآية وحديث فريعة المارين.
وليس لزوج وغيره اخراجها، ولا لها خروج منه وان رضى به الزوج، حيث لا عذر، لأن فى العدة حقا له تعالى وهو لا يسقط بالتراضى لقوله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ»
(2)
وشمل كلامه الرجعية وبه صرح فى النهاية ونص عليه فى الأم كما قاله ابن الرفعة وغيره.
وقال السبكى أنه أولى، لاطلاق الآية.
والأذرعى أنه المذهب المشهور.
والزركشى أنه الصواب، ولأنه يمتنع على المطلق الخلوة بها فضلا عن الاستمتاع فليست كالزوجة.
لكن فى حاوى الماوردى والمهذب وغيرهما من كتب العراقيين: أن له أن يسكنها حيث شاء وجزم به المصنف فى نكته.
وللمعتدة الخروج فى عدة وفاة وشبهة نكاح فاسد، وكذا بائن ومفسوخ نكاحها، وضابطه كل معتدة لم تجب نفقتها وفقدت من يتعاطى حاجتها لها الخروج فى النهار، لشراء طعام وبيع أو شراء غزل ونحوه ككتان وقطن لحاجتها لذلك، لما رواه مسلم عن جابر قال «طلقت خالتى سلمى، فأرادت أن تجذ نخلها، فزجرها رجل
(1)
نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 7 ص 146، ص 147 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 1 من سورة الطلاق.
أن تخرج، فأتت النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: جذى عسى أن تصدقى أو تفعلى معروفا، قال الشافعى:
ونخل الأنصار قريب من منازلهم والجذاذ لا يكون الا نهارا، ورد ذلك فى البائن ويقاس بها المتوفى عنها زوجها، وكذا لها الخروج ليلا الى دار جارة، لغزل وحديث ونحوهما للتأنس بشرط أن ترجع وتبيت فى بيتها، لما رواه الشافعى والبيهقى رحمهما الله تعالى: أن رجالا استشهدوا بأحد، فقالت نساؤهم:
يا رسول الله: انا نستوحش فى بيوتنا فنبيت عند احدانا، فأذن لهن صلى الله عليه وسلم أن يتحدثن عند احداهن فاذا كان وقت النوم تأوى كل واحدة، الى بيتها.
أما الرجعية فلا تخرج الا باذنه، لأنها مكفية بالنفقة، وكذا لو كانت حاملا، لوجوب نفقتها، فلا تخرج الا لضرورة أو باذنه، وكذا لبقية حوائجها، كشراء قطن، كما قاله السبكى، ولو كانت للبائن من يقضى حوائجها لم تخرج الا لضرورة.
ويجوز الخروج ليلا لمن احتاجت اليه ولم يمكنها نهارا، والأشبه كما بحثه ابن شهبة فى الرجوع الى محلها العادة.
ومعلوم أن شرط الخروج مطلقا أمنها.
وتنتقل من المسكن
(1)
لخوف من هدم أو غرق على نفسها، أو مالها وان قل، أو اختصاصها فيما يظهر، أو خوف على نفسها من فساق لجوارها، فقد أرخص صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس فى الانتقال حيث كانت فى مكان مخيف كما رواه أبو داود أو تأذت بالجيران أو تأذوا هم بها أذى شديدا الا يحتمل عادة كما هو ظاهر والله أعلم للحاجة الى ذلك.
وقد فسر ابن عباس وغيره قوله تعالى «إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» بالبذاءة على الأحماء أو غيرهم، وفى رواية لمسلم أن فاطمة بنت قيس كانت تبذو على أحمائها، فنقلها النبى صلى الله عليه وسلم الى بيت أم مكتوم، وحيث نقلت سكنت فى أقرب الأماكن الى الأول، كما قاله الرافعى عن الجمهور.
وقال الزركشى: المنصوص فى الأم أن الزوج يحصنها حيث رضى لا حيث شاءت.
وأفهم تقييد الأذى بالشديد عدم اعتبار القليل وهو كذلك، اذ لا يخلو منه أحد، ومن الجيران الأحماء، وهم أقارب الزوج، نعم ان اشتد أذاها بهم أو عكسه، وكانت الدار ضيقة نقلهم الزوج عنها، كما لو كان المسكن لها، وكذا لو كانت بدار أبويها وبذت عليهم نقلوا دونها، لأنها أحق بدار أبويها، كما قاله الأذرعى، ولعل المراد أن الأولى نقلهم دونها.
(1)
نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 7 ص 147، ص 148 الطبعة السابقة.
وخرج بالجيران ما لو طلقت ببيت أبويها وتأذت بهم، أو هم بها فلا نقل، اذ الوحشة لا تطول بينهم، والا أجبرت هى على تركه ولم يحل لها الانتقال حينئذ كما هو ظاهر، ولا يختص الخروج بما ذكر بل لو لزمها حد، أو يمين فى دعوى خرجت له، ان كانت برزة، فان كانت مخدرة حدت وحلفت فى مسكنها بأن يحضر الحاكم لها أو يبعث نائبه اليها أو لزمها العدة بدار الحرب هاجرت منها الى دار الاسلام ما لم تأمن على نفسها أو غيرها مما مر فلا تهاجر حتى تعتد أوزنت المعتدة وهى بكر غربت ولا يؤخر تغريبها الى انقضائها ولا تعذر فى الخروج لتجارة وزيارة وتعجيل حجة اسلام ونحوها من الأغراض المعدة من الزيادات دون المهمات.
ثم قال:
(1)
ولو انتقلت الى مسكن فى البلد باذن الزوج فوجبت العدة فى أثناء الطريق بطلاق أو فسخ أو موت قبل وصولها اليه أى المسكن اعتدت فيه لا فى الأول على النص فى الأم، لأنها مأمورة بالمقام فيه ممنوعة من الاول.
وقيل تعتد فى الأول، لأن الفرقة لم تحصل فى الثانى.
وقيل تتخير بينهما.
أما اذا وجبت العدة بعد وصولها فتعتد فيه جزما.
والعبرة فى النقلة ببدنها وان لم تنقل الأمتعة والخدم وغيرهما من الأول، حتى لو عادت لنقل متاعها أو خدمها فطلقها فيه اعتدت فى الثانى، أو انتقلت من الأول بغير اذن من الزوج فوجبت العدة ولو بعد وصولها الى الثانى ولم يأذن لها فى المقام فيه، ففى الأول يلزمها الاعتداد وان لم تجب العدة الا بعد وصولها للثانى، لعصيانها بذلك، نعم ان أذن لها بعد الوصول اليه فى المقام فيه كان كالنقلة باذنه، وكذا تعتد أيضا فى الأول لو أذن لها فى الانتقال منه ثم وجبت عليها قبل الخروج منه وان بعثت أمتعتها وخدمها الى الثانى، لأنه المنزل الذى وجبت فيه العدة ولو أذن لها فى الانتقال الى بلد فكمسكن فيما ذكر.
قال الأذرعى وغيره: وقضية كلامهم أن ذلك مرتب على مجرد الخروج من البلد، والمتجه اعتبار موضع الترخص أو أذن لها فى سفر حج أو عمرة أو تجارة أو استحلال مظلمة أو نحوها، ثم وجبت عليها العدة فى أثناء الطريق فلها الرجوع الى الأول والمضى فى السفر، لأن فى قطعها عن السفر مشقة اذا بعدت عن البلد وخافت الانقطاع عن الرفقة، والأفضل لها الرجوع، لتعتد فى منزلها كما نقلاه
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 149 الطبعة السابقة.
عن الشيخ أبى حامد وأقراه وهى معتدة
(1)
فى سيرها.
وخرج بالطريق ما لو وجبت قبل الخروج من المنزل فلا تخرج قطعا، وما لو وجبت فيه ولم تفارق عمران البلد، فيجب العود فى الأصح عند الجمهور كما فى أصل الروضة، اذ لم تشرع فى السفر، فان مضت لمقصدها وبلغته أقامت فيه، لقضاء حاجتها من غير زيادة عملا بحسب الحاجة وان زادت اقامتها على مدة المسافرين كما شمله كلامهم، وأفهم أنه لو انقضت (أى حاجتها) قبل ثلاثة أيام امتنع عليها استكمالها، وهو الأصح فى زيادة الروضة، وبه قطع فى المحرر، وان اقتضى كلام الشرحين خلافه.
ثم بعد قضاء حاجتها يجب الرجوع حالا لتعتد البقية منها فى المسكن الذى فارقته، لأنه الأصل فى ذلك، فان لم تمض اعتدت البقية فى مسكنها، وسواء فى وجوب رجوعها أدركت شيئا منها فيه، أم كانت تنقضى فى الرجوع كما فى الشرح والروضة، لعدم اذنه فى اقامتها وعودها مأذون فيه من جهته.
أما سفرها لنزهة أو زيارة أو سافر بها الزوج لحاجته فلا تزيد على مدة اقامة المسافرين ثم تعود، فان قدر لها مدة فى نقله أو سفر حاجة أو فى غيره كاعتكاف استوفتها وعادت لتمام العدة وان انقضت فى الطريق كما مر، وتعصى بالتأخير بغير عذر كخوف فى الطريق وعدم رفقة.
ولو جهل أمر سفرها بأن أذن لها ولم يذكر حاجة ولا نزهة ولا اقامة ولا رجوعا حمل على سفر النقلة كما قاله الرويانى وغيره.
ولو أحرمت بحج أو قران باذنه أو بغير اذنه ثم طلقها أو مات وخافت فوت الحج لضيق الوقت وجب عليها أن تخرج وهى معتدة لتقدم الأحرام وان أمنت الفوات لسعة الوقت جاز لها أن تخرج الى ذلك، لما فى تعين التأخير من مشقة مصابرة الاحرام، وان أذن لها فيه ثم طلقها أو مات عنها قبله وقبل خروجها من البلد بطل الاذن فلا تسافر، وان أحرمت لم تخرج قبل انقضاء العدة، وان فات الحج فاذا انقضت عدتها أتمت نسكها أن بقى وقته، والا تحللت بأعمال عمرة، ولزمها القضاء ودم الفوات.
ولو خرجت الى غير الدار المألوفة لها للسكنى فيها فطلق وقال ما أذنت لك فى الخروج، وادعت هى اذنه فيه صدق هو وكذا وارثه بيمينه، لأن الأصل عدم الاذن فيجب عليها الرجوع حالا الى المألوفة، فان وافقها على الاذن فى الخروج لم يجب الرجوع حالا واختلافهما فى اذنه فى الخروج لغير البلد المألوفة كالدار.
(1)
نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ح 7 ص 149، ص 150.
ولو قالت له نقلتنى أى أذنت لى فى النقلة الى محل كذا فالعدة فيه فقال لها بل أذنت لك فى الخروج اليه لحاجة عينها فتلزمك العدة فى الأول صدق بيمينه على المذهب، لأنه أعلم بقصده وارادته، ولأن القول قوله فى أصل الاذن فكذا فى صفته ومقابله تصديقها بيمينها، لأن الظاهر معها بكونها فى الثانى، ولأنها تدعى سفرا واحدا وهو يدعى سفرين، والأصل عدم الثانى، وهما قولان محكيان فيما اذا اختلفت هى ووارث الزوج فى كيفية الاذن.
والمذهب تصديقها بيمينها، لأن كونها فى المنزل الثانى يشهد بصدقها، ورجح جانبها على جانب الوارث دون الزوج، لتعلق الحق بهما والوارث أجنبى عنها، ولأنها أعرف بما جرى من الوارث.
ومنزل
(1)
بدوية وبيتها من نحو شعر كصوف مثل منزل حضرية فى لزوم ملازمته فى العدة، ولو ارتحل فى أثنائها كل الحى ارتحلت معهم للضرورة أو بعضهم وفى المقيمين قوة ومنعة امتنع ارتحالها، وان ارتحل أهلها وفى الباقين قوة ومنعة خيرت بين الاقامة والارتحال، لأن مفارقة الأهل عسرة موحشة، وهذا مما تخالف فيه البدوية الحضرية، فان أهلها لو ارتحلوا لم ترتحل معهم مع أن التعليل يقتضى عدم الفرق.
وقول البلقينى محل التخيير فى المتوفى عنها زوجها والبائن بالطلاق أما الرجعية فلمطلقها طلب اقامتها اذا كان فى المقيمين كما هو ظاهر نص كلام الأم وفيه توقف لتقصيره بترك الرجعة مبنى على أن له أن يسكن الرجعية حيث شاء.
والمشهور أنها كغيرها، وحينئذ فليس له منعها ولها فى حالة ارتحالها معهم الاقامة متخلفة دونهم فى نحو قرية فى الطريق لتعتد فانه أليق بحال المعتدة من سيرها.
وان هرب أهلها خوفا من عدو وأمنت امتنع عليها الهرب لعودهم بعد أمنهم.
ومقتضى الحاق البدوية بالحضرية مجئ ما مر فيها من أنه لو أذن لها فى الانتقال من بيت فى الحلة الى آخر منها فخرجت منه ولم تصل الى الآخر هل يجب عليها المضى أو الرجوع؟ أو أذن لها فى الانتقال من تلك الحلة الى حلة أخرى فوجد سبب العدة من موت أو طلاق بين الحلتين أو بعد خروجها من منزله وقبل مفارقة حلتها فهل تمضى أو ترجع؟ على التفصيل السابق فى الحضرية وسكت فى الروضة كأصلها عن جميع ذلك.
ولو طلقها ملاح فى سفينة أو مات، وكان مسكنها السفينة اعتدت فيها أن
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 150، 151 الطبعة السابقة.
انفردت عن مطلقها بمسكن بمرافقه فيها لاتساعها مع اشتمالها على بيوت متميزة المرافق، لأن ذلك كبيت من خان، وان لم تنفرد بذلك فان صحبها محرم لها يمكنه أن يقوم بتسيير السفينة أخرج الزوج منها واعتدت هى فيها، وان لم تجد محرما متصفا بذلك خرجت الى أقرب القرى الى الشط واعتدت فيه، فان تعذر خروجها تسترت وتنحت عنه بحسب الامكان.
واذا كان المسكن ملكا له ويليق بها بأن يسكن مثلها فى مثله، تعين استدامتها فيه، وليس لأحد اخراجها منه بغير عذر، نعم لو رهنه على دين قبل ذلك ثم حل الدين بعد طلاقها وتعين بيعه فى وفائه جاز ونقلت ان لم يرض المشترى باقامتها فيه بأجرة مثله كما بحثه الأذرعى، وأما غير اللائق بها فلا يكلفه (أى لا يلزم به) كالزوجة، خلافا لمن فرق، وفى ما ذكر اشارة الى اعتبار اللائق بها فى المسكن لا به كما فى حال الزوجية، وقول الماوردى يراعى حال الزوجة لا حال الزوج، معترض، فقد قال الأذرعى: لا أعرف التفرقة لغيره.
وجاء
(1)
فى المهذب وان حجر على الزوج بعد الطلاق لديون عليه لم يبع المسكن حتى تنقضى العدة لأن حقها يختص بالعين فقدمت كما يقدم المرتهن على سائر الغرماء.
وان حجر عليه ثم طلق ضاربت المرأة الغرماء بحقها، فان بيعت الدار استؤجر لها بحقها مسكن تسكن فيه، لأن حقها وان ثبت بعد حقوق الغرماء الا أنه يستند الى سبب متقدم وهو الحبس فى النكاح، فان كانت لها عادة فيما تنقضى به عدتها ضاربت بالسكنى فى تلك المدة فان انقضت العدة فيما دون ذلك ردت الفاضل على الغرماء فان زادت مدة العدة على العادة ففيه ثلاثة أوجه.
أحدها: أنها ترجع على الغرماء بما بقى لها كما ردت الفاضل اذا انقضت عدتها فيما دون العادة.
والثانى: لا ترجع عليهم، لأن الذى استحقت الضرب فيه قدر عادتها.
والثالث: ان كانت عدتها بالاقراء لم ترجع، لأن ذلك لا يعلم الا من جهتها وهى متهمة وان كانت بوضع الحمل أقامت البينة على وضع الحمل ورجعت عليهم لأنه لا يلحقها فيه تهمة.
فان لم يكن لها عادة فيما تنقضى به عدتها ضربت معهم بأجرة أقل مدة تنقضى بها العدة لأنه يقين فلا يجب ما زاد بالشك فان زادت العدة على أقل ما تنقضى به العدة كان الحكم فى الرجوع بالزيادة على ما ذكرناه اذا زادت على العادة.
(1)
المهذب للشيرازى ج 2 ص 146، ص 147 الطبعة السابقة.
وجاء فى نهاية المحتاج
(1)
: ولا يصح بيع سكن المعتدة ما لم تنقض عدتها حيث كانت باقراء أو حمل لأن المنفعة مستحقة وآخر المدة غير معلوم الا فى عدة ذات أشهر فكمستأجر بفتح الجيم - فيصح فى الأظهر.
وقيل بيع مسكنها باطل أى قطعا.
وفرق بأن المستأجر يملك المنفعة والمعتدة لا تملكها فيصير كأن المطلق باعه واستثنى منفعته لنفسه مدة معلومة وذلك باطل، ومحل الخلاف حيث لم تكن المعتدة هى المستأجرة والا صح جزما أو كان مستعارا لزمتها العدة فيه، لأن السكنى ثابتة فى المستعار كالمملوك فشملتها الآية وليس للزوج نقلها لتعلق حقه تعالى بذلك فان رجع المعير فيه ولم يرض بأجرة لمثل مسكنها بأن طلب أكثر منها أو امتنع من اجارته نقلت الى أقرب ما يوجد وأفهم كلامه امتناع النقل مع رضاه بأجرة المثل فيجبر الزوج على بذلها كما نقلاه عن المتولى وأقراه وان توقف فيه الأذرعى فيما لو قدر على مسكن مجانا بعارية أو وصية أو نحوهما.
وخروج المعير عن أهلية التبرع بجنون وسفه أو زوال استحقاق كرجوعه.
قال فى المطلب ولم يفرقوا بين كون الاعارة قبل وجوب العدة أو بعدها.
فان كان بعدها وعلم بالحال لزمت لحق الله تعالى كما تلزم فى نحو دفن ميت.
وفرق الرويانى بين لزومها فى نحو الاعارة للبناء وعدمها هنا بأنه لا مشقة ولا ضرورة فى انتقالها هنا لو رجع بخلاف نحو الهدم ثم فيقال بمثله هنا.
والحاصل حينئذ جواز رجوع المعير للمعتدة مطلقا وانما تكون لازمة من جهة المستعير.
والأوجه أن المعير الراجع لو رضى بسكناها اعارة بعد انتقالها لمعار أو مستأجر لم يلزمها العود للأول لأنها غير آمنة من رجوعه بعد.
وكذا مستأجر انقضت مدته فلتنتقل منه حيث لم يرض مالكه بتجديد اجارة بأجرة مثل بخلاف ما اذا رضى بذلك فلا تنتقل.
وفى معنى المستأجر الموصى له بالسكنى مدة وانقضت.
أو لزمتها العدة وهى بمسكن مستحق لها استمرت فيه وجوبا أن طلبت النقلة لغيره والا فجوازا واذا اختارت الاقامة فيه طلبت الأجرة منه أو من تركته ان شاءت، لأن السكنى عليه، فان مضت مدة قبل طلبها سقطت كما لو سكن معها فى
(1)
نهاية المحتاج للرملى ج 7 ص 151، ص 152 الطبعة السابقة.
منزلها باذنها وهى فى عصمته على النص، وبه أفتى ابن الصلاح، ووجهه بأن الاذن المطلق عن ذكر العوض ينزل على الاعارة والاباحة أى مع كونه تابعا لها فى السكنى، ولا بد من اعتبار كونها مطلقة التصرف ومن ثم بحث بعض الشراح أن محله ان لم تتميز أمتعته بمحل منها والا لزمته أجرته ما لم تصرح له بالاباحة لكن ظاهر كلامهم يخالفه فان كان مسكن النكاح نفيسا لا يليق بها فله النقل لها منه الى مسكن آخر لائق بها، لأن ذلك النفيس غير واجب عليه، ويتحرى أقرب صالح اليه وجوبا كما هو ظاهر كلامهم ويؤيده أنه قياس نقل الزكاة وتقليلا لزمن الخروج ما أمكن وان ذهب الغزالى الى الندب وقال الأذرعى: انه الحق، أو كان خسيسا غير لائق بها فلها الامتناع لأنه دون حقها وليس له مساكنتها ومداخلتها أى دخول محل هى فيه وان لم يكن على جهة المساكنة مع انتفاء نحو المحرم فيحرم عليه ذلك ولو أعمى.
وان كان الطلاق رجعيا ورضيت لأن ذلك يجر للخلوة المحرمة بها.
والكلام هنا حيث لم يزد مسكنها على سكنى مثلها فان كان فى الدار التى ليس فيها سوى مسكن واحد محرم لها بصير كما قاله الزركشى مميز بأن كان يحتشمه ويمنع وجوده وقوع خلوة بها باعتبار العادة الغالبة فيما يظهر من كلامهم ذكر أو أنثى من زوجته وأمته بالأولى
(1)
أو محرم له مميز بصير أنثى أو زوجة أخرى كذلك أو أمة أو امرأة أجنبية كذلك، وكل منهن ثقة يحتشمها بحيث يمنع وجودها وقوع فاحشة بحضرتها، وكالأجنبية ممسوح أو عبدها بشرط التمييز والبصر والعدالة والأوجه أن الأعمى الفطن ملحق بالبصير حيث أدت فطنته لمنع وقوع ريبة بل هو أقوى من المميز السابق جاز مع كراهة كل من مساكنتها ان وسعتهما الدار والا وجب انتقالها ومداخلتها ان كانت ثقة للأمن من المحذور حينئذ بخلاف ما اذا انتفى شرط مما ذكر.
وانما حلت خلوة رجل بامرأتين ثقتين يحتشمهما بخلاف عكسه لما فى وقوع فاحشة من امرأة بحضور مثلها من البعد لأنها تحتشمها ولا كذلك الرجل مع مثله.
ومنه يؤخذ امتناع خلوة رجل بمرد يحرم عليه نظرهم بل ولا أمرد بمثله وهو ظاهر.
ويمتنع خلوة رجل بغير ثقات وان كثرن.
ولو كان فى الدار حجرة وهى كل بناء محوط أو نحوها كطبقة فسكنها أحدهما أى الزوجين وسكن الآخر الحجرة الأخرى من الدار، فان اتحدت المرافق لها وهى ما يرتفق به فيها كمطبخ ومستراح ومصب ماء ومرقى سطح ونحو ذلك اشترط محرم أو نحوه ممن ذكر، فلو لم يكن فى الدار الا
(1)
نهاية المحتاج للرملى ج 7 ص 153 الطبعة السابقة.
بيت وصفة فانه لا يجوز له أن يساكنها ولو مع محرم لأنها لا تتميز من المسكن بموضع نعم ان بنى بينهما حائل وبقى لها ما يليق بها سكنى جاز والا بأن لم تتحد المرافق بل اختصت كل من الحجرتين بمرافق فلا يشترط نحو محرم اذ لا خلوة ولكن ينبغى أن يشترط كما فى الشرح الصغير ونقله فى الروضة وأصلها عن البغوى أن يغلق قال القاضى أبو الطيب والماوردى ويسمر ما بينهما من باب وأولى من اغلاقه سده وأن لا يكون ممر أحدهما يمر به على الأخرى حذرا من وقوع خلوة وسفل كدار وحجرة فيما ذكر فيهما والأولى ان تكون فى العلو حتى لا يمكنه الاطلاع عليها قاله فى التجريد.
وفى نهاية المحتاج
(1)
: ولو فارقت المعتدة المسكن الذى يجب عليها ملازمته بلا عذر فانها تعصى وتنقضى عدتها.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(2)
: أنه تجب عدة الوفاة فى المنزل الذى وجبت فيه العدة وهو المنزل الذى مات فيه زوجها وهى ساكنة فيه، فقد روى عن عمر وابنه وابن مسعود وأم سلمة وغيرهم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لفريعة اسكنى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله فاعتدت أربعة أشهر وعشرا فلما كان عثمان أرسل الى فسألنى عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به، رواه مالك وأحمد وأبو داود وصححه الترمذى، سواء كان المنزل لزوجها أو كان باجارة أو عارية اذا تطوع الورثة باسكانها فيه، أو تطوع به السلطان، أو تطوع به أجنبى، لعموم ما سبق.
وان انتقلت المعتدة الى غيره أى غير المنزل الذى وجبت فيه العدة لزمها العود اليه، لتقضى عدتها به، الا أن تدعو الضرورة الى خروجها منه بأن يحولها مالك المنزل منه أو تخشى على نفسها من هدم أو غرق أو عدو أو غير ذلك كخروجها لحق عليها أو لكونها لا تجد ما تكترى به فتنتقل، لأنها حالة عذر أو لا تجد ما تكترى به الا من مالها، لأن الواجب عليها السكنى لا تحصيل المسكن.
وفى المغنى وغيره أو يطلب منها فوق أجرته فتسقط السكنى وتسكن حيث شاءت، لأن الواجب سقط بخلاف نقل الزكاة، لأن القصد نفع الأقرب ولو اتفق الوارث والمرأة على نقلها لم يجز لأن السكنى هنا حق الله تعالى بخلاف سكنى النكاح ولا سكنى للمتوفى عنها ولا نفقة فى مال الميت ولا على الورثة اذا لم تكن حاملا لأن ذلك يجب
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 143 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع على متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يوسف البهوتى ج 3 ص 273، ص 275، ص 276 طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ الطبعة الأولى والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل لقاضى دمشق أبو النجا شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 4 ص 117 طبعة المطبعة المصرية بمصر سنة 1351 هـ.
للتمكن والاستمتاع وقد فات ويأتى فى النفقات.
وللورثة اخراجها لأذاها لهم بالسب أو غيره وطول لسانها لأن الحاجة تدعو الى ذلك ولا تخرج المعتدة من مسكن وجبت فيه ليلا ولو لحاجة لما روى مجاهد رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال تحدثن عند احداكن حتى اذا أردتن النوم فلتأت كل واحدة الى بيتها ولأن الليل مظنة الفساد بل تخرج ليلا لضرورة كانهدام المنزل.
وللمعتدة أن تخرج نهارا لقضاء حوائجها من بيع وشراء ونحوهما فقط فلا تخرج لغير حاجة وتخرج لحاجتها ولو وجدت من يقضيها لها لا لحوائج غيرها.
وليس لها المبيت فى غير بيتها لخبر مجاهد.
فلو تركت الاعتداد فى المنزل أو لم تحد عصت لمخالفتها الأوامر وتمت العدة بمضى الزمان كيف كانت كالصغيرة والأمة كالحرة فى الاحداد والاعتداد فى منزلها، لعموم الخبر الا أن سكناها فى العدة كسكناها فى حياة زوجها للسيد امساكها نهارا للخدمة ويرسلها ليلا لتبيت بمسكن الزوج فان أرسلها ليلا ونهارا اعتدت زمانها كله فى المنزل الذى مات زوجها به لاسقاط السيد حقه فزال العارض.
والبدوية كالحضرية فى لزوم الموضع الذى مات زوجها وهى به، فان انتقلت الحلة انتقلت معهم للضرورة، وان انتقل غير أهل المرأة لزمها المقام مع أهلها لعدم الحاجة الى انتقالها وان انتقل أهلها انتقلت معهم للحاجة الا أن يبقى من الحلة ما لا تخاف على نفسها معهم فتخير بين الاقامة لتعتد بمحل زوجها وبين الرحيل معهم.
وان هرب أهلها فخافت على نفسها هربت معهم للحاجة فان أمنت أقامت لقضاء العدة فى منزلها لعدم الحاجة الى الانتقال.
وان مات صاحب السفينة وامرأته فيها أى فى السفينة ولها مسكن فى البر فكمسافرة فى البر، وان لم يكن لها مسكن سوى السفينة وكان لها فيها بيت يمكنها المسكن فيه بحيث لا تجتمع مع الرجال وأمكنها المقام فيه أى فى مسكنها بالسفينة بحيث تأمن على نفسها ومعها محرمها لزمها أن تعتد (أى فيه)، لأنه كالمنزل الذى مات زوجها وهى به، وان كانت السفينة ضيقة وليس معها محرم، أو لا يمكنها الاقامة فيها الا حيث تختلط مع الرجال لزمها الانتقال عنها الى غيرها لتعذر الاقامة بها عليها.
واذا أذن للمرأة زوجها فى النقلة من بلد الى بلد أو فى النقلة من دار الى دار فمات الزوج قبل خروجها من الدار أو البلد قبل نقل متاعها من الدار أو بعده لزمها الاعتداد فى الدار، لأنها مقيمة بعد. والاعتداد فى منزل الزوج واجب.
وان مات الزوج بعد انتقالها الى الدار الثانية اعتدت فيها وكذلك ان مات الزوج
بعد وصولها الى البلد الآخر فانها تعتد بها، لأنها محل اقامتها.
وان مات الزوج وهى بين الدارين أو البلدين خيرت بينهما، لتساويهما، ولأن فى وجوب الرجوع مشقة.
وان سافر الزوج بها أى بزوجته لغير النقلة فمات الزوج فى الطريق قريبا، وهى دون مسافة القصر لزمها العود، لأنها فى حكم الاقامة، وان كان بعدها فوق مسافة القصر - خيرت بين البلدين، لتساويهما - وكل موضع يلزمها السفر فهو مشروط بوجود محرم يسافر معها للخبر.
واذا مضت المعتدة الى مقاصدها فلها الاقامة حتى تقضى ما خرجت اليه وتقضى حاجتها من تجارة أو غيرها دفعا للحرج والمشقة وان كان خروجها لنزهة أو زيارة ولم يكن الزوج قبل موته قدر لها مدة أقامت ثلاث ليال بأيامها، لأنها مدة الضيافة، وان كان قبل موته قدر لها مدة أقامتها استصحابا للاذن، فاذا مضت مدتها التى قدر لها أو ثلاث اذا لم يكن قدر لها مدة أو قضت حاجتها اذا كان السفر لحاجة ولم يمكنها الرجوع لخوف أو غيره كعدم محرم اذا كانت مسافة قصر أتمت العدة فى مكانها للعذر وان أمكنها الرجوع لكن لا يمكنها الرجوع الى منزلها حتى تنقضى العدة لكون السفر يستوعب ما بقى منها لزمتها الاقامة فى مكانها حتى تنقضى عدتها، وان كانت تصل الى منزلها وقد بقى من العدة شئ لزمها العود، لتأتى به فى مكانها.
وان أذن لها زوجها فى الحج وكانت حجتها حجة الاسلام فأحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج ان قعدت مضت فى سفرها لأنهما عبادتان استوتا فى الوجوب وضيق الوقت فوجب تقديم الأسبق منهما كما لو سبقت العدة ولأن الحج آكد، لأنه أحد أركان الاسلام، والمشقة بتقويته تعظم فوجب تقديمه، وان لم تخش فوات الحج وهى فى بلدها أو قريبة منها - أى دون مسافة القصر - ويمكنها العود أقامت لتقضى العدة فى منزلها، لأنه أمكنها الجمع بين الحقين من غير ضرر بالرجوع فلم يجز اسقاط أحدهما، ولأنها فى حكم المقيمة، وان لم تكن فى بلدها ولا قريبة منه أو لم يمكنها العود مضت فى سفرها، لأن فى الرجوع عليها حرجا ومشقة وهو منتف شرعا.
ولو كان عليها حجة الاسلام فمات زوجها لزمتها العدة فى منزلها وان فاتها الحج، لأن العدة فى المنزل تفوت ولا بدل لها، والحج يمكن الاتيان به بعدها.
وان أحرمت قبل موته أو بعده وأمكن الجمع بينهما بأن تأتى بالعدة فى منزلها وتحج لزمها العود ولو تباعدت، لأنه أمكنها الجمع بين الواجبين من غير ضرر، وقيل ان ذلك مقيد بما اذا كان قبل مسافة القصر، وان لم يمكن الجمع قدمت مع البعد الحج، لأنه وجب بالاحرام، وفى منعها من تمام سفرها ضرر عليها بتضييع الزمان والنفقة ومنع أداء الواجب فلا يجب الرجوع لذلك
ومع القرب
(1)
بأن كانت دون مسافة القصر قدمت العدة، لأنها فى حكم المقيمة كما لو لم تكن أحرمت وتتحلل بفوت الحج بعمرة وحكمها فى القضاء حكم من فاته الحج وان لم يمكنها السفر فهى كالمحصر، ذكره فى الشرح.
ومتى كان عليها فى الرجوع خوف أو ضرر فلها المضى فى سفرها كالبعيدة للحرج ومتى رجعت وبقى عليها شئ منها - أى العدة أتت به فى منزل زوجها، لأنه الواجب وقد زال المزاحم.
قال
(2)
صاحب كشاف القناع: يجب على الزوج مسكن المطلقة الرجعية كالزوجة وكذلك البائن بفسخ أو طلاق ان كانت حاملا فلها السكنى لقوله تعالى «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
(3)
».
ثم قال: ولو غاب من
(4)
لزمته السكنى لزوجته أو مطلقته أو البائن الحامل ونحوها أو منعها من السكنى الواجبة عليه اكتراه الحاكم من ماله ان وجد له مالا لقيامه مقام الغائب والممتنع أو فرض الحاكم أى أجرة ما وجب على الغائب من المسكن لتأخذ منه اذا حضر نظير ما فرضه، وان اكترته أى اكترت من وجبت لها السكنى مسكنا باذنه أى أذن من وجبت عليه أو باذن حاكم، أو اكترته بدونهما للعجز عن اذن أحدهما رجعت عليه بنظير ما اكترت به، كما لو قام بذلك أجنبى بنية الرجوع، ومع القدرة على استئذان الحاكم ان نوت الرجوع رجعت كمن قام عن غيره بواجب، ولو سكنت ملكها مع غيبة من وجبت عليه السكنى أو امتناعه فلها أجرته، لأنه يجب عليه اسكانها فوجبت عليه أجرته، ولو سكنته مع حضوره وسكوته أو اكترت مع حضوره وسكوته فلا أجرة لها، لأنه ليس بممتنع ولا غائب ولا أذن كما لو أنفق على نفسه من لزمت غيره نفقته فى مثل هذه الحالة.
ثم قال
(5)
: فان أراد المبين اسكان البائن فى منزله أو غيره مما يصلح لها تحصينا لفراشه ولا محذور فيه لزمها ذلك، لأن الحق له فيه وضرره عليه فكان الى اختياره كسائر الحقوق ولو لم تلزمه نفقة كمعتدة لشبهة أو نكاح فاسد أو مستبرأة بعتق فيلزمهن السكنى اذا طلبها الواطئ والسيد مع أنه لا يلزمهما اسكانهن.
ثم قال
(6)
: وان تزوجت المرأة فى عدتها فنكاحها باطل لقول الله تعالى «وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ 7»
(1)
كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 3 ص 275، ص 276 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 3 ص 301 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
(4)
كشاف القناع لابن ادريس الحنبلى ج 3 ص 276 والاقناع لابى النجا شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 4 ص 120 الطبعة السابقة.
(5)
كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 3 ص 276، ص 277 الطبعة السابقة والاقناع للمقدسى ج 4 ص 120 الطبعة السابقة.
(6)
كشاف القناع لابن ادريس الحنبلى ج 3 ص 269، ص 270 الطبعة السابقة والاقناع ج 4 ص 115 الطبعة السابقة.
(7)
الآية رقم 235 من سورة البقرة.
ولأن العدة انما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم لئلا يفضى الى اختلاط المياه واشتباه الانساب ويجب أن يفرق بينهما لأنهما أجنبيان وتسقط نفقة الرجعية وسكناها عن الزوج الأول لنشوزها ولم تنقطع عدتها حتى يطأ الثانى.
وجاء فى كشاف القناع
(1)
: وان خالعها على سكنى دار معينة مدة معلومة صح الخلع سواء قلت المدة أو كثرت لأن ذلك مما تصح المعاوضة عليه فى غير الخلع ففيه أولى فان خربت الدار رجع المخالع بأجرة المثل لباقى المدة يوما فيوما لأنه ثبت منجما فلا يستحقه معجلا.
ثم قال
(2)
: هذا وحكم الرجعية فى العدة حكم المتوفى عنها فى لزوم المنزل لقول الله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ 3» وسواء أذن لها الزوج فى الخروج أو لم يأذن، لأن ذلك من حقوق العدة وهى حق الله تعالى، فلا يملك الزوج اسقاط شئ من حقوقها، كما لا يملك اسقاطها.
أما البائن
(4)
فانها تعتد حيث شاءت من بلدها فى مكان مأمون، ولا يجب عليها العدة فى منزله، لما روت فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل اليها بشئ فسخطته فقال: والله مالك علينا من شئ، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها: ليس لك عليه نفقة ولا سكنى، وأمرها أن تعتد عند أم شريك ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابى، اعتدى فى بيت أم كلثوم، متفق عليه، وانكار عمر وعائشة ذلك يجاب عنه والمستحب اقرارها بمسكنها لقول الله عز وجل «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ» الآية، ولا تسافر قبل انقضاء عدتها، لما فيه من التبرج والتعرض للريبة ولا تبيت الا فى منزلها أى المكان المأمون الذى شاءته وجوبا، فلو كانت دار المطلق متسعة لهما وأمكنها السكنى فى موضع منفرد كالحجرة وعلو الدار وبينهما باب يغلق ولها موضع تستتر فيه بحيث لا يراها مبينها ومعها محرم تتحفظ به جاز أيضا فان لم يكن معها محرم لم يجز اذن.
مذهب الظاهرية:
فرق الظاهرية فى حكم اسكان المعتدة بين المعتدة من طلاق رجعى، وبين من عداها، فقد قال ابن حزم فى المحلى:
(5)
كل مطلقة للذى طلقها عليها الرجعة ما دامت فى العدة فلا يحل لها الخروج من بيتها الذى كانت فيه اذ طلقها، فان كان خوف شديد، أو
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 131 الطبعة السابقة والاقناع ج 3 ص 256 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 3 ص 277، ص 301 الطبعة السابقة والاقناع ج 4 ص 120 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 1 من سورة الطلاق.
(4)
كشاف القناع ج 3 ص 276 الطبعة السابقة والاقناع ج 4 ص 119، ص 120 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لابى محمد على بن أحمد سعيد بن حزم الظاهرى المتوفى سنة 456 هـ ج 10 ص 282 مسألة رقم 2004 الطبعة الاولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.
لزمها حد فلها أن تخرج حينئذ، والا فلا أصلا، لا ليلا ولا نهارا البتة الا لضرورة لا حيلة فيها.
برهان ذلك قول الله عز وجل «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}
…
الخ».
وكذا
(1)
من خالع امرأته خلعا صحيحا لم يسقط بذلك عنه نفقتها وكسوتها واسكانها فى العدة الا أن تكون ثلاثة مجموعة أو مفرقة، وذلك لأن
(2)
المختلعة مطلقة طلاقا رجعيا فهى لا تخرج فيه من موضعها الذى طلقها فيه حتى تتم عدتها.
أما المتوفى عنها زوجها
(3)
والمطلقة ثلاثا أو آخر ثلاث والمعتقة تختار فراق زوجها تعتد كل منهن حيث أحبت ولا سكنى لها لا على المطلق ولا على ورثة الميت ولا على الذى اختارت فراقه، ولهن أن يحججن فى عدتهن، وأن يرحلن حيث شئن.
برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم باسناده عن الشعبى عن فاطمة بنت قيس عن النبى صلى الله عليه وسلم فى المطلقة ثلاثا ليس لها سكنى ولا نفقة، قال الشعبى:
دخلت على فاطمة بنت قيس فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:
طلقها زوجها البتة فقالت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السكنى والنفقة، فلم يجعل لى سكنى ولا نفقة، وأمرنى أن أعتد فى بيت ابن أم مكتوم.
وروى عن جابر بن عبد الله قال طلقت خالتى ثلاثا فخرجت تجذ نخلها فنهاها رجل فأتت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: اخرجى فجذى نخلك فعسى أن تصدقى منه أو تفعلى خيرا.
قال أبو محمد: أما خبر فاطمة فمنقول نقل الكافة قاطع للعذر، وأما خبر جابر ففى غاية الصحة، وقد سمعه منه أبو الزبير ولم يخص لها أن لا تبيت هنالك «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ 4 وَحْيٌ يُوحى» «وَما كانَ رَبُّكَ 5 نَسِيًّا» ولا يسع أحد الخروج عن هذين الأثرين لبيانهما وصحتهما ولم يصح فى وجوب السكنى للمتوفى عنها أثر أصلا.
ثم ان المنزل لا يخلو من أن يكون ملكا للميت أو ملكا لغيره، فان كان ملكا لغيره وهو مكترى أو مباح، فقد بطل العقد بموته، فلا يحل لأحد سكناه الا باذن صاحبه وطيب نفسه، وان كان ملكا للميت فقد صار للغرماء أو للورثة أو للوصية، فلا يحل لها مال الغرماء والورثة
(1)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى مسألة رقم 1980 ج 10 ص 244 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 10 ص 284 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 282 وص 283 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 3، 4 من سورة النجم.
(5)
الآية رقم 64 من سورة مريم.
والموصى لهم، وانما لها منه مقدار ميراثها ان كانت وارثة، وهذا برهان قاطع، وما عدا هذا فظلم لا خفاء فيه
(1)
.
مذهب الزيدية:
قال صاحب شرح الازهار
(2)
المتوفى عنها لا تستحق سكنى لأنها قد صارت أجنبية وتستحق النفقة وقال زيد بن على والمؤيد بالله لا نفقة لها ولا سكنى.
أما المطلقة طلاقا
(3)
رجعيا فيجب على الزوج لها السكنى وهى أحق من الغرماء بسكنى الدار اذا أفلس.
وروى صاحب الأزهار عن الهادى عليه السلام أنه قال البائن لا يجب لها السكنى وقال القاسم لا نفقة لها ولا سكنى.
وقال الناصر: ان لها النفقة والسكنى.
هذا ويجب اعتداد
(4)
الحرة حيث وجبت يعنى حيث طلقت أو علمت.
وأما الأمة والمدبرة وأم الولد فانه لا يلزمها ذلك، لكن اذا كان الطلاق رجعيا فلها أن تنتقل باذن زوجها.
ولو وجبت العدة فى سفر فانه يلزمها أن تعتد فى ذلك الموضع ولا يجوز لها أن ترجع الى بلدها اذا كان بينها وبينه بريد فصاعدا فان كان بينها وبينه دون البريد وجب عليها الرجوع لتعتد فى بيتها. وهذا فى المطلقة، لأنها يلزمها الوقوف فى منزلها اذا كان الطلاق بائنا أو فى منزل زوجها اذا كان رجعيا.
وأما المتوفى عنها فتقف فى مكانها أو فى غيره، لأنه لا يتعين منزلها، ولفظ البيان:
وتعتد حيث شاءت من منزلها أو منزل زوجها اذا رضى الورثة أو ورثته منه، وانما يتعين عليها الوقوف فيما ابتدأت العدة فيه فيجب عليها الاستمرار فيه.
ولا تبيت المعتدة الا فى منزلها الذى اعتدت فيه فى سفر أو حضر، ويعنى بالمنزل الدار، فانها لو كان لها دار وفيها منازل عدة جاز لها التنقل فيها من بيت الى بيت فى البيتوتة وغيرها ما لم تخرج من الدار.
والمتوفى عنها زوجها يجوز لها الخروج - قيل دون ميل وقيل بريد وقيل ولو فوق البريد - بالنهار دون الليل، قال على عليه السلام وقد أشرنا اليه
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 283 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار مع حواشيه للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 470 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(3)
المرجع السابق وحاشيته ج 2 ص 467، ص 468، ص 469 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الأزهار وهامشه ج 2 ص 473، 474 الطبعة السابقة.
حيث قلنا: ولا تبيت الا فى منزلها فمفهومه أنه يجوز لها الخروج بالنهار دون الليل الا لعذر فيهما أى فى حق المقيمة والمسافرة فاذا عرض لهما عذر مانع من الاعتداد فى ذلك الموضع جاز لهما الانتقال منه.
أما المقيمة فنحو أن يكون البيت لزوجها - والطلاق بائن أو تخاف سقوطه عليها أو نحو ذلك.
وأما المسافرة فنحو أن لا تجد فى ذلك الموضع ماء أو لا تأمن ان وقفت فيه فان كان بينها وبين منزلها وبين الموضع الذى أرادت أن تسافر اليه بريد أو أكثر فهى مخيرة ان شاءت رجعت الى بيتها وان شاءت خرجت الى الموضع الذى أرادت وان شاءت عدلت الى المأمن.
وقال البعض انما تخير اذا لم تكن قد أحرمت بالحج اذ لو قد أحرمت به لم تخير بل تمضى فيه.
وجاء فى البحر الزخار
(1)
: أن البدوية تلزم خيمتها حتى تنقضى عدتها ما لم ينقل أهلها وتخاف التخلف عنهم.
وامرأة الملاح تعتد فى بيتها فى البر ان كان والا ففى منزل مستقل فى السفينة والا فمعه فى السفينة ان كان ثم محرم والا لزمه الخروج منها وتبقى هى اذ لها السكنى.
ثم قال ووجوب السكنى للأمة تابع للنفقة.
ثم قال
(2)
: ليس للمبتوتة الخروج من منزلها الا لعذر لقول الله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» قال بعض: يجوز فى النهار كعدة الوفاة ولقوله صلى الله عليه وسلم فى المثلثة: أخرجى فجذى نخلك، الخبر قلنا الجذاذ عذر والوفاة صيرتها كالأجنبية.
وفى التاج المذهب
(3)
: وأما الخلع على سكنى منزل فانه يجوز كالخلع على المنافع .. نحو أن يقول طلقتك على سكنى دارك سنة.
(1)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحى المرتضى المتوفى سنة 840 هـ ومعه كتاب جواهر الاخبار والاثار المستخرجة من لجنة البحر الزخار لمحمد بن يحى بهران الصعدى المتوفى سنة 957 هـ ج 3 ص 213، ص 214 طبع بمطبعة أنصار السنة المحمدية مكتبة الخانجى بمصر سنة 1368 هـ، سنة 1949 م الطبعة الاولى.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 217 الطبعة السابقة.
(3)
التاج المذهب لاحكام المذهب شرح متن الأزهار ج 2 ص 175 الطبعة السابقة.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(1)
: أنه يجب الانفاق على الزوجة فى العدة الرجعية كما كان فى صلب النكاح شروطا وكمية وكيفية، ويحرم عليها الخروج من منزل الطلاق وهو المنزل الذى طلقت وهى فيه اذا كان مسكن أمثالها وان لم يكن سكنها الأول فان كان دون حقها فلها طلب المناسب أو فوقه فله ذلك وانما يحرم الخروج مع الاختيار.
ولا فرق بين منزل الحضرية والبدوية البرية والبحرية، ولو اضطرت اليه لحاجة خرجت بعد انتصاف الليل وعادت قبل الفجر مع تأذيها بذلك، والا خرجت بحسب الضرورة.
ولا فرق فى تحريم الخروج بين اتفاقهما عليه وعدمه على الأقوى، لأن ذلك حق الله تعالى وقد قال الله تعالى «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ» بخلاف زمن الزوجية فان الحق لهما واستقرب فى التحرير جوازه باذنه وهو بعيد.
ولو لم تكن حال الطلاق فى مسكن وجب العود اليه على الفور الا أن تكون فى واجب كحج فتتمه كما يجوز لها ابتداؤه.
ولو كانت فى سفر مباح أو مندوب ففى وجوب العود ان أمكن ادراكها جزءا من العدة أو مطلقا أو تتخير بينه وبين الاعتداد فى السفر أوجه من اطلاق النهى عن الخروج من بيتها، فيجب عليها تحصيل الكون به، ومن عدم صدق النهى هنا، لأنها غير مستوطنة، وللمشقة فى العود، وانتفاء الفائدة حيث لا تدرك جزءا من العدة، كل ذلك مع امكان الرجوع وعدم الضرورة الى عدمه.
وكما يحرم عليها الخروج يحرم عليه الاخراج، لتعلق النهى بهما فى الآية الا أن تأتى بفاحشة مبينة ويجب بها الحد أو تؤذى أهله بالقول أو الفعل فتخرج فى الأول لاقامته ثم ترد اليه عاجلا، وفى الثانى تخرج الى مسكن آخر يناسب حالها من غير عود ان لم تتب والا فوجهان أجودهما جواز ابقائها فى الثانى للاذن فى الاخراج معها مطلقا ولعدم الوثوق بثبوتها لنقصان عقلها ودينها نعم يجوز الرد فان استمرت عليها والا أخرجت هكذا ويجب الانفاق
(2)
فى العدة الرجعية على الأمة كما يجب على الحرة اذا أرسلها مولاها ليلا ونهارا ليتحقق به تمام التمكين، كما يشترط ذلك فى وجوب الانفاق عليها قبل الطلاق، فلو منعها ليلا أو
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 160 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1378 هـ.
(2)
الروضة البهية ج 2 ص 160، ص 161 الطبعة السابقة.
نهارا أو بعض واحد منهما فلا نفقة لها ولا سكنى، لكن يحرم عليه امساكها نهارا للخدمة وان توقفت عليه النفقة وانما يجب عليه ارسالها ليلا وكذا الحكم قبل الطلاق.
ولا نفقة للبائن طلاقها الا أن تكون حاملا فتجب لها النفقة والسكنى حتى تضع، لقول الله تعالى «وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ 1» ولا شبهة فى كون النفقة بسبب الحمل، لكن هل هى له أو لها؟ قولان أشهرهما الأول، للدوران وجودا وعدما كالزوجية.
ولو انهدم المسكن الذى طلقت فيه أو كان مستعارا فرجع مالكه فى العارية أو مستأجرا انقضت مدته أخرجها الى مسكن يناسبها، ويجب تحرى الأقرب الى المنتقل عنه فالأقرب اقتصارا على موضع الضرورة وظاهره كغيره أنه لا يجب استئجاره ثانيا وان أمكن وليس ببعيد وجوبه مع امكانه تحصيلا للواجب بحسب الامكان.
وقد قطع فى التحرير بوجوب تحرى الأقرب وهو الظاهر فتحصيل نفسه أولى.
وكذا لو طلقت فى مسكن لا يناسبها أخرجها الى مسكن مناسب متحريا للأقرب فالأقرب كما ذكر.
ولو مات فورث المسكن جماعة لم يكن لهم قسمته حيث ينافى القسمة سكناها، لسبق حقها الا مع انقضاء عدتها، هذا اذا كانت حاملا وقلنا لها السكنى مع موته كما هو أحد القولين فى المسألة.
وأشهر الروايتين أنه لا نفقة للمتوفى عنها زوجها ولا سكنى مطلقا فيعطل حقها من المسكن.
وجمع فى المختلف بين الاخبار بوجوب نفقتها من مال الولد لا من مال المتوفى.
والا تكن حاملا أو قلنا لا سكنى للحامل المتوفى عنها جازت القسمة لعدم المانع منها حينئذ.
وجاء فى شرائع الاسلام
(2)
: ولو طلقت فى مسكن مستحق لها جاز لها الخروج عند الطلاق الى مسكن يناسبها وفيه تردد، وان طلقها ثم باع المنزل فان كانت معتدة بالأقراء لم يصح البيع لأنها تستحق سكنى غير معلومة فيتحقق الجهالة ولو كانت معتدة بالشهور صح لارتفاع الجهالة.
(1)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 66، 67 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.
ولو طلقها ثم حجر عليه الحاكم قيل هى أحق بالسكنى لتقدم حقها على الغرماء وقيل تضرب مع الغرماء بمستحقها من أجرة المثل والأول أشبه، أما لو حجر عليه ثم طلق كانت أسوة مع الغرماء اذ لا مزية لها.
ولو طلقها فى مسكن لغيره استحقت السكنى فى ذمته، فان كان له غرماء ضربت مع الغرماء بأجرة مثل سكناها، فان كانت معتدة بالأشهر فالقدر معلوم، وان كانت معتدة بالاقراء أو بالحمل ضربت مع الغرماء بأجرة سكنى أقل الحمل أو أقل الاقراء، فان اتفق والا أخذت نصيب الزائد، وكذا لو فسد الحمل قبل أقل المدة رجع عليها بالتفاوت، ولو أمرها بالانتقال فنقلت رحلها وعيالها ثم طلقت وهى فى الأول اعتدت فيه، ولو انتقلت وبقى عيالها ورحلها ثم طلقت اعتدت فى الثانى، ولو انتقلت الى الثانى ثم رجعت الى الأول لنقل متاعها ثم طلقت اعتدت فى الثانى، لأنه صار منزلها، ولو خرجت من الأول فطلقت قبل الوصول الى الثانى اعتدت فى الثانى، لأنها مأمورة بالانتقال اليه.
واذا كانت بدوية فانها تعتد فى المنزل الذى طلقت فيه، فلو ارتحل النازلون به ارتحلت معهم، دفعا لضرر الانفراد، وان بقى أهلها فيه أقامت معهم ما لم يغلب الخوف بالاقامة، ولو ارتحل أهلها وبقى من فيه منعة فالأشبه جواز النقل دفعا لضرر الوحشة بالانفراد.
ولو طلقها فى السفينة فان لم تكن مسكنا أسكنها حيث شاء وان كانت مسكنا اعتدت فيها.
واذا سكنت فى منزلها ولم تطالب بمسكن فليس لها المطالبة بالأجرة، لأن الظاهر منها التطوع بالأجرة، وكذا لو استأجرت مسكنا فسكنت فيه لأنها تستحق السكنى حيث يسكنها لا حيث تتخير، هذا ولا سكنى
(1)
للمختلعة ولا نفقة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: أنه تجب سكنى زوجة ذات طلاق رجعى ولو أمة على زوجها فى العدة وغير ذلك من الحقوق ولو سنة أو أكثر، كما لها من ذلك قبل الطلاق.
ولا سكنى للمطلقة قبل المس لجواز تزوجها فى الحين اذ لا عدة عليها.
ولا سكنى للحامل ذات الثلاث أو البائن، بل لها النفقة فقط كما أثبتها الله سبحانه وتعالى للمطلقة على عمومها.
ووجه ذلك أنه شغل بطنها بالحمل وقد يمنعها الحمل من الاكتساب أو بعضه.
(1)
من لا يحضره الفقيه لابى جعفر الصدوق محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى المتوفى سنة 381 هـ ج 3 ص 339 طبع النجف سنة 1377، سنة 1957 م الطبعة الرابعة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 3 ص 560، ص 561 طبع على ذمة صاحب الامتياز محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.
وقال أبو يعقوب يوسف بن ابراهيم:
أجمع أهل العلم على أن للمطلقة الحامل ولو طلقت ثلاثا النفقة والسكنى.
وأما المطلقة ثلاثا غير حامل فقال ابن عباد وأهل المدينة: لها السكنى فقط، لقول النبى صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: لما طلقت ثلاثا لا نفقة لك ولم يذكر اسقاط السكنى، فبقى الحكم على عمومه فى قوله تعالى «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ»
(1)
الآية.
وقال الربيع لها النفقة والسكنى أى لهذه الآية الكريمة والنفقة تابعة للسكنى.
وقد روى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لها النفقة والسكنى.
واحتج البرادى للنفقة بقول الله تعالى «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ 2 .. }.
الآية لعمومه لكن تعارضه رواية فاطمة المذكورة.
ثم قال فى موضع آخر
(3)
: وقال قوم لا نفقة لها ولا سكنى لقولها أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لى سكنى ولا نفقة قال عمر بن الخطاب لا ندع كتاب الله الى قول امرأة لا ندرى أصدقت أم كذبت يشير الى قوله تعالى «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ» ولم ينكر عليه أحد، وسواء فى ذلك الحر والعبد فيعطى عنه سيده.
ثم قال: وكذلك الحامل المفتدية لها السكنى.
ثم قال وللزوج منع حامل بانت منه أو حرمت ولا سيما ان لم تبن ولم تحرم من تنقل لبلادها أو بلاد غيرها ببعد أى فى مكان بعد من بلده ولو أقل من فرسخين ان ارادته أى التنقل.
وقيل له منعها ولو قرب البلد حتى تضع ولها عليه مسكن أيضا وغير ذلك من الحقوق الا الكسوة.
والحامل البائن لها نفقة على العبد ان عتق، لأن الولد له، وقيل لا، وكذا السكنى على الخلاف السابق.
وان بانت أمة حامل من حر وعتق حملها فلا نفقة لها وقيل لها والأكثر على الاول.
وفى السكنى فى هذه المسائل ونحوهن بما فيه الطلاق بائنا الخلف السابق.
ثم قل
(4)
: وفى السكنى بالنسبة للمتوفى عنها زوجها قولان.
وجاء فى النيل
(5)
: ولا حق من سكنى وغير ذلك من الحقوق المرتدة وناشزة مترفعة عن زوجها لبغض أو كبر ممتنعة عن النكاح
(1)
الآية رقم 6 من سورة الطلاق.
(2)
الآية رقم 7 من سورة الطلاق.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل لا طفيش ج 3 ص 562، ص 563 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 3 ص 575 الطبعة السابقة.
(5)
شرح النيل ج 7 ص 291، ص 292 الطبعة السابقة.
لذلك وعاصية فى حق من حقوق الزوج مطلقا، العاصية الغالبة له على حقوقها والناشزة المستعصية على زوجها فلا ينال منها الا بشدة وهاربة أو مغصوبة أو مسروقة من زوج، لأنه ممنوع من التمتع بها.
وقيل يلزم حق المغصوبة والمسروقة ان لم تطاوع والمظاهر منها والمولى منها ما لم تبن منه بمضى أربعة أشهر لكن حق المظاهر منها هو حقوق الزوجة كلها ما خلا الجماع لأنه ان جامعها قبل الكفارة حرمت وحق المولى منها حقوق الزوجة كلها حتى الجماع.
ثم قال ولزمت السكنى وغيرها من الحقوق لذات محرم أى محرمة عليه بنسب أو صهر أو رضاع أو زنا أو سبب كجماع فى دبر أو حيض أو نفاس بعد وط ء حتى تعتد ولا حق لها ان تعمدت أو جهلت ما يدرك بالعلم ولو حملت وهو ابن أمه.
ثم قال ولزم الحق من سكنى وغيرها عنينا ونحوه كمجبوب ومن لا يصل الى نكاح زوجته حتى ينقطع العقد ويسقط بعد السنة المؤجلة للرتقاء أن افترقا وكذا ما له شبه ذلك.
وقال ولزمت
(1)
السكنى وغيرها لصغيرة لا يمكن وطئها لصغرها وقال ابن عبد العزيز لا حق لها.
حكم الاسكان بالنسبة للحاضنة
والمرضعة
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار
(2)
: أن سكنى المحضون تجب على الأب، فقد سئل أبو حفص عمن لها امساك الولد وليس لها مسكن مع الولد؟ فقال: على الأب سكناهما جميعا.
وقال نجم الأئمة المختار أن الأب عليه السكنى فى الحضانة.
وقال ابن عابدين فى حاشيته: لا تجب فى الحضانة أجرة المسكن.
وقال آخرون: تجب اجرة المسكن أن كان للصبى مال، والا فتجب على من تجب عليه نفقته.
وروى عن النهر أنه ينبغى ترجيح عدم الوجوب، لأن وجوب الأجر لا يستلزم وجوب المسكن بخلاف النفقة.
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 295 الطبعة السابقة.
(2)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار المعروف بحاشية ابن عابدين للشيخ محمد أمين المشهور بابن عابدين ج 2 ص 877 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1323 هـ.
ثم علق ابن عابدين على ذلك بقوله: ان صاحب النهر ليس من أهل الترجيح، فلا يعارض ترجيحه ترجيح نجم الائمة ولا سيما مع ضعف تعليله، فان القول بوجوب أجرة المسكن ليس مبنيا على وجوب الأجر على الحضانة بل على وجوب نفقة الولد فقد تكون الحاضنة لا مسكن لها أصلا، بل تسكن عند غيرها فكيف يلزمها أجرة مسكن لتحضن فيه الولد؟ بل الوجه لزومه على من تلزمه نفقته.
ونقل الخير الرملى عن المصنف أنه اختلف فى لزومه والأظهر اللزوم كما فى بعض المعتبرات قال الرملى وهذا يعلم من قولهم اذا احتاج الصغير الى خادم يلزم الأب فان احتياجه الى المسكن مقرر، قال ابن عابدين واعتمده ابن الشحنة مخالفا لما اختاره ابن وهبان وشيخه الطرسوسى.
والحاصل أن الأوجه لزومه لما قلنا، لكن هذا انما يظهر لو لم يكن لها مسكن، أما لو كان لها مسكن يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعا لها فلا، لعدم احتياجه اليه، فينبغى أن يكون ذلك توفيقا بين القولين، ويشير اليه قول أبى حفص: وليس لها مسكن، ولا يخفى أن هذا هو الأرفق للجانبين فليكن عليه العمل.
ثم قال صاحب الدر المختار: واذا بلغت
(1)
: الجارية مبلغ النساء ولم يكن لها أب ولا جد ولا غيرهما من العصبات أو كان لها عصبة مفسدة فان الحاكم ينظر، فان كانت مأمونة على نفسها خلاها تنفرد بالسكنى، والا وضعها عند امرأة أمينة قادره على الحفظ بلا فرق فى ذلك بين بكر وثيب، لأنه جعل ناظرا للمسلمين ذكره العينى وغيره
وجاء فى الفتاوى الهندية
(2)
: أن مكان الحضانة هو مكان الزوجين اذا كانت الزوجية بينهما قائمة حتى لو أراد الزوج أن يخرج من البلد فأراد أن يأخذ ولده الصغير ممن له الحضانة من النساء فليس له ذلك حتى يستغنى عنها، وان أرادت المرأة أن تخرج من المصر الذى هو فيه الى غيره فللزوج أن يمنعها من الخروج وكذلك اذا كانت معتدة لا يجوز لها الخروج مع الولد.
واذا وقعت الفرقة بين الرجل وامرأته فأرادت أن تخرج بالولد عند انقضاء عدتها الى مصرها، فان كان النكاح وقع فى مصرها فلها ذلك، وان كان النكاح وقع فى غير مصرها فليس لها ذلك الا أن يكون بين موضع الفرقة وبين مصرها قرب بحيث لو خرج الأب لمطالعة الولد يمكنه الرجوع الى منزله قبل الليل فحينئذ هذه بمنزلة محال مختلفة فى مصر ولها أن تتحول
(1)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار مع حاشية ابن عابدين ج 2 ص 883 الطبعة السابقة.
(2)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية ج 1 ص 543 الطبعة السابقة.
من محلة الى محلة أخرى ولو أرادت أن تنتقل ببلد ليس ببلدها ولم يقع فيه النكاح فليس لها ذلك الا اذا كان بين البلدين قرب على التفصيل الذى سبق.
وجاء فى الدر المختار
(1)
أنه يجب على الحاضنة أن لا تكون سكناها عند من يبغض المحضون، وعلى ذلك فان الحاضنة يسقط حقها فى الحضانة بسكناها عند المبغضين له على ما جاء فى القنية من أنه لو تزوجت الأم من آخر فأمسكته أم الأم فى بيت الراب - وهو زوج الأم والولد ربيب له - فللأب أن يأخذ ابنه، قال ابن عابدين: أى الا اذا لم يكن لها مسكن وطلبت من الأب أن يسكنها فى مسكن فان السكنى فى الحضانة عليه كما مر.
وقال صاحب البحر الرائق
(2)
معلقا:
على ذلك لكن وقع لى تردد فى أن الخالة ونحوها اذا سكنت عند أجنبى من الصغير ولم تكن متزوجة هل تسقط حضانتها قياسا على الجدة اذا سكنت فى بيت بنتها المتزوجة أو هذا خاص ببيت زوج الام باعتبار بغضه له كما هو العادة، والذى يظهر الاول، لانه يتضرر بالسكنى فى بيت أجنبى عنه.
قال صاحب الدر المختار: لكن فى النهر والظاهر عدم سقوط الحضانة للفرق البين بين زوج الأم والأجنبى وعلق ابن عابدين فى حاشيته على ذلك بقوله استظهر هذا الخير الرملى أيضا بقولهم ان زوج الأم الأجنبى يطعمه نذرا أى قليلا وينظر اليه شزرا أى نظر البغض وهذا مفقود فى الاجنبى عن الحاضنة
(3)
.
مذهب المالكية:
ذكر الدسوقى فى حاشيته
(4)
على الشرح الكبير: أن مذهب المدونة الذى به الفتوى أن السكنى على الأب للمحضون والحاضنة معا ولا اجتهاد فيه وقال سحنون سكنى الطفل على أبيه وعلى الحاضنة ما يخص نفسها بالاجتهاد فيهما أى فيما يخص الطفل وما يخص الحاضن وقيل توزع على الرءوس فقد يكون المحضون متعددا وكلاهما ضعيف ولا شئ لحاضن زيادة على السكنى لأجل الحضانة وأما بقطع النظر عن الحضانة فقد يجب لها شئ كالأم الفقيرة فى مال ولدها المحضون والله أعلم.
وقال فى التاج
(5)
والاكليل الصواب أن الأب يلزمه اخدام ابنه اذا اتسعت حاله لذلك وكذلك يلزمه الكراء على مسكنه وهذا هو القول المشهور المعمول به المذكور
(1)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج 2 ص 880 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الرائق لابن نجيم ج 4 ص 183 الطبعة السابقة.
(3)
الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ج 2 ص 880 الطبعة السابقة.
(4)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 533، ص 534 الطبعة السابقة.
(5)
الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 4 ص 220 الطبعة السابقة.
فى المدونة وغيرها قال سحنون ويكون عليه من الكراء على قدر ما يجتهد.
قال ابن عرفه فى سكنى الولد رابع الأقوال قول المدونة على الأب السكنى.
ثم قال: وتكون السكنى بالاجتهاد، قال فى التوضيح: والمشهور أن على الأب السكنى وهو مذهب المدونة، خلافا لابن وهب.
وعلى المشهور فقال سحنون تكون السكنى على حسب الاجتهاد، ونحوه لابن القاسم فى الدمياطية، وهو قريب مما فى المدونة.
وقال يحيى بن عمر أن السكنى تكون على قدر الجماجم.
وروى أنه لا شئ على المرأة ما كان الأب موسرا.
وقيل انها على الموسر من الاب والحاضنة.
وحكى ابن بشير قولا بأنه لا شئ على الأم من السكنى.
ورأى اللخمى أن الأب ان كان فى مسكن يملكه أو بكراء ولو كان ولده معه لم يزد عليه فى الكراء أن لا شئ عليه، لأنه فى مندوحة عن دفع الأجرة فى سكناه وان كان يزاد عليه فى الكراء أو عليها هى لأجل الولد فعليه الأقل مما يزاد عليه أو عليها لأجله، فان كان ما زيد عليها أقل أخذته، لأنه القدر الذى أضر بها وان كان ما يزاد عليه غرمه، لأنه مما لم يكن له بد لو كان عنده.
وفى الطرر لا سكنى للرضيع على أبيه مدة الرضاع فاذا خرج من الرضاعة كان عليه أن يسكنه، قال خليل ولا أظنهم يختلفون فى الرضيع ثم ذكر المسائل التى اختلف فيها هل هى على الرءوس أولا؟ فقال فى المذهب مسائل اختلف فيها هل هى على الرءوس أو لا منها هذه يعنى أجرة المسكن الذى فيه المحضون.
وجاء فى الشرح الصغير للدردير
(1)
: أن للأنثى الحاضنة عدم السكنى مع من سقطت حضانتها فلا حضانة للحدة اذا سكنت مع بنتها أم الطفل اذا تزوجت الا اذا انفردت بالسكنى عنها والخلو عن زوج دخل بها.
وجاء فى التاج والاكليل
(2)
نقلا عن المدونة أنه ان خرج ولى المحضون وصيا أو غيره لسكنى غير بلد حاضنته فله أخذ الولد ان كان معه فى كفاية ويقول لحاضنته اتبعى ولدك ان شئت، ولا يأخذه ان سافر لغير سكنى.
قال مالك: وليس العبد فى انتقاله بولده كالحر والأم أحق كانت أمة أو حرة لأن العبد لاقرار له ولا مسكن.
قال ابن القاسم اذا انتقل لا يأخذ ولده الا أن يكون فطيما، وقال أيضا يأخذه وان كان رضيعا اذا كان يقبل غير أمه.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج
(3)
: أن المطلقة تستحق الحضانة فى الحال قبل انقضاء
(1)
بلغة السالك لاقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير لسيدى أحمد الدردير ج 1 ص 491 طبع المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
(2)
الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 4 ص 217 الطبعة السابقة.
(3)
مغنى المحتاج لمعرفة معانى الفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 3 ص 419 وما بعدها الطبعة السابقة.
العدة على المذهب، ويشترط فى استحقاق المطلقة الحضانة رضا الزوج بدخول المحضون بيته ان كان له فان لم يرض لم تستحق، وهذا بخلاف الزوج الأجنبى اذا رضى بذلك فى أصل النكاح فانها لا تستحق.
وان غابت الأم أو امتنعت من الحضانة فللجدة مثلا أم الأم على الصحيح، كما لو ماتت أو جنت وضابط ذلك أن القريب اذا امتنع كانت الحضانة لمن يليه.
والثانى تكون الولاية للسلطان كما لو غاب الولى فى النكاح أو عضل.
وأجاب الأول بأن القريب أشفق وأكثر فراغا من السلطان وقضية كلامه عدم اجبار الام عند الامتناع، وهو مقيد بما اذا لم تجب النفقة عليها للولد المحضون فان وجبت كأن لم يكن له أب ولا مال أجبرت كما قاله ابن الرفعة، لأنها من جملة النفقة فهى حينئذ كالأب، هذا كله فى غير المميز - وهو من لا يستقل كطفل ومجنون بالغ، أما المميز الصادق بالذكر والانثى فان افترق أبواه من النكاح وصلحا للحضانة ولو فضل أحدهما الآخر دينا أو مالا أو محبة كان عند من اختار منهما، لأن النبى صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه رواه الترمذى وحسنه. والغلامة كالغلام فى الانتساب ولأن القصد بالكفالة الحفظ للولد والمميز أعرف بحظه فيرجع اليه.
وسن التمييز غالبا سبع سنين أو ثمان تقريبا وقد يتقدم على السبع وقد يتأخر عن الثمان والحكم مداره عليه لا على السن.
وقال ابن الرفعة ويعتبر فى تمييزه أن يكون عارفا بأسباب الاختيار والا أخر الى حصول ذلك وهو موكول الى اجتهاد القاضى، وظاهر كلامه أن الولد يتخير ولو أسقط أحدهما حقه قبل التخيير وهو كذلك وان قال الماوردى والرويانى أن الآخر كالعدم.
ولو اختار أحدهما فامتنع من كفالته كفله الآخر، فان رجع الممتنع أعيد التخيير، وان امتنعا وبعدهما مستحقان لها كجد وجدة خير بينهما والا أجبر عليها من تلزمه نفقته، لأنها من جملة الكفاية، اما اذا صلح أحدهما فقط كما نبه على ذلك بقوله: فان كان فى أحدهما أى الأبوين جنون أو كفر أو رق أو فسق أو نكحت أى الأنثى أجنبيا فالحق للآخر فقط فلا تخيير لوجود المانع به، فان عاد صلاح الآخر أنشأ التخيير.
ويخير المميز أيضا عند فقد الأب أو عدم أهليته بين أم وجد أبى أب وان علا، لأنه بمنزلة الأب لولادته وولايته والجدة أم الأم عند فقد الأم أو عدم أهليتها كالأم فيخير الولد بينها وبين الأب، وكذا أخ أو عم أو غيرهما من حاشية النسب مع أم تخير بين
كل وبين الأم فى الأصح، لأن كلا منهما قائم مقام الأم.
والثانى تقدم فى الأوليين الأم وفى الأخريين الأب.
فان اختار المميز أحدهما أى الأبوين أو من ألحق بهما ثم اختار الآخر حول اليه، لأنه قد يظهر له الأمر بخلاف ما ظنه أو يتغير حال من اختاره أولا، ولأن المتبع شهوته كما قد يشتهى طعاما فى وقت وغيره فى آخر، ولأنه قد يقصد مراعاة الجانبين.
فان اختار الأب ذكر لم يمنعه زيارة أمه، ولا يكلفها الخروج لزيارته، لئلا يكون ساعيا فى العقوق وقطع الرحم، وهو أولى منها بالخروج، لأنه ليس بعورة وهل هذا على سبيل الوجوب أو الاستحباب قال فى الكفاية الذى صرح به البندنيجى ودل عليه كلام الماوردى الأول.
ويمنع الأب أنثى اذا اختارته من زيارة أمها لتألف الصيانة وعدم البروز، والأم أولى منها بالخروج، لزيارتها لسنها وخبرتها، وأما الخنثى فالظاهر أنه كالانثى، وظاهر كلامه أنه لا فرق فى الأم بين المخدرة وغيرها وهو كذلك وان بحث الأذرعى الفرق، وظاهر كلامهم أنه لو مكنها من زيارتها لم يحرم عليه وخرج بزيارتها عيادتها فليس له المنع منها لشدة الحاجة اليها.
ولا يمنع الأم من الدخول على ولديها الذكر والأنثى أو الخنثى زائرة، لأن فى ذلك قطعا للرحم، لكن لا تطيل المكث.
وعبر الماوردى بأنه يلزم الاب أن يمكنها من الدخول ولا يولهها على ولدها.
وفى كلام بعضهم ما يفهم عدم اللزوم وبه أفتى ابن الصلاح فقال: فان بخل الأب بدخولها الى منزله أخرجه اليها وهذا هو الظاهر، لأن المقصود يحصل بذلك والزيارة على العادة مرة فى أيام أى يومين فأكثر لا فى كل يوم، نعم ان كان منزلها قريبا فلا بأس أن يدخل كل يوم كما قاله الماوردى، فان مرضا فالأم أولى بتمريضهما، لأنها أهدى اليه وأصبر عليه من الأب ونحوه، فان رضى به فى بيته فذاك ظاهر، والا ففى بيتها يكون التمريض ويعودهما ويجب الاحتراز فى الحالين من الخلوة بها وان اختارها أى الأم ذكر فعندها ليلا وعند الأب نهارا وما قاله فى الليل والنهار قال الأذرعى جرى على الغالب فلو كانت حرفة الأب ليلا كالأتونى فالأقرب ان الليل فى حقه كالنهار فى حق غيره حتى يكون عند الأب ليلا، لأنه وقت التعلم والتعليم وعند الأم نهارا، كما قالوا فى القسم بين الزوجات أو كان الذى اختار الأم أنثى أو خنثى كما بحثه شيخنا، فعندها ليلا ونهارا لاستواء الزمانين فى حقها طلبا لسترها، ولا يطلب الأب احضارها بل يزورها الأب لتألف الستر والصيانة على العادة مرة فى يومين فأكثر لا فى كل يوم، وقوله على العادة يقتضى منعه من زيارتها ليلا وبه صرح بعضهم لما فيه من التهمة
والريبة، وظاهر أنها لو كانت بمسكن زوج لها لم يجز لها أن تدخله الا باذن منه فان لم يأذن أخرجتها اليه ليراها، ويتفقد حالها، ويلاحظها بقيام تأديبها وتعليمها وتحمل مؤنتها.
وكذا حكم الصغير غير المميز والمجنون الذى لا تستقل الأم بضبطه فيكونان عند الأم ليلا ونهارا ويزورهما الأب ويلاحظهما وان اختار الولد المميز أبويه أقرع بينهما قطعا للنزاع ويكون عند من خرجت قرعته منهما فان لم يختر واحدا منهما فالأم أولى لأن الحضانة لها ولم يختر غيرها وقيل يقرع بينهما وبه أجاب البغوى، لأن الحضانة لكل منهما، ولو اختار غيرهما فالأم أولى أيضا استصحابا لما كان.
ثم ما تقدم فى أبوين مقيمين فى بلد واحدة، وحينئذ لو أراد أحدهما سفر حاجة كتجارة وحج. طويلا كان السفر أم لا كان الولد المميز وغيره مع المقيم من الأبوين حتى يعود المسافر منهما، لما فى السفر من الخطر والضرر.
تنبيه: لو كان المقيم الأم وكان فى مقامه معها مفسدة أو ضياع مصلحة كما لو كان يعلمه القرآن أو الحرفة وهما ببلد لا يقوم غيره مقامه فى ذلك فالمتجه كما قاله الزركشى تمكين الأب من السفر به لا سيما ان اختاره الولد.
ولو أراد كل منهما السفر لحاجة واختلف طريقهما ومقصدهما فللرافعى فيه احتمالان.
أحدهما: يدام حق الأم.
والثانى: أن يكون مع الذى مقصده أقرب أو مدة سفره أقصر.
والمختار الأول وهو مقتضى كلام الأصحاب.
وفى موضع
(1)
آخر ان بلغ المحضون نظر، فان كان غلاما وبلغ رشيدا ولى أمر نفسه لاستغنائه عمن يكفله فلا يجبر على الاقامة عند أحد أبويه، والأولى أن لا يفارقهما ليبرهما.
قال الماوردى وعند الأب أولى للمجانسة.
نعم ان كان أمرد أو خيف من انفراده ففى العدة عن الأصحاب أنه يمنع من مفارقة الأبوين.
أما ان بلغ عاقلا غير رشيد فأطلق مطلقون أنه كالصبى.
وقال ابن كج ان كان لعدم اصلاح ماله فكذلك، وان كان لدينه فقيل تدام حضانته الى ارتفاع الحجر.
والمذهب أن يسكن حيث شاء.
قال الرافعى: وهذا التفصيل حسن.
وان كان أنثى فان بلغت رشيدة فالأولى أن تكون عند أحدهما حتى تتزوج ان كانا مفترقين وبينهما ان كانا مجتمعين، لأنه أبعد عن التهمة، ولها أن تسكن حيث شاءت ولو بأجرة، هذا اذا لم تكن ريبة فان كانت فللأم اسكانها معها، وكذا للولى من العصبة اسكانها معه اذا كان محرما لها، والا ففى
(1)
مغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 3 ص 422 الطبعة السابقة.
موضع لائق بها يسكنها ويلاحظها دفعا لعار النسب كما يمنعها نكاح غير الكفء ويجبر على ذلك والأمرد مثلها فيما ذكر كما مرت الاشارة اليه.
ويصدق الولى بيمينه فى دعوى الريبة ولا يكلف بينة، لأن اسكانها فى موضع البراءة أهون من الفضيحة لو أقام بينة وان بلغت غير رشيدة ففيها التفصيل المار.
وجاء فى الفتاوى الكبرى
(1)
: أن الأم الحاضنة اذا طلبت أجرة المسكن الذى تحضن فيه أولادها نظرنا، فان كانت فى عصمة الزوج الأب فالاسكان عليه والا فليس لها الا أجرة الحضانة فتستأجر منها مسكنا ان شاءت ولا تسقط حضانتها بعدم ملكها أو نحوه لمسكن.
ويحق للرجل أن ينتزع بنت عمه من أمها التى لا حضانة لها ويسكنها عنده لكن بشرط أن لا يخلو بها، بأن تكون عنده زوجته أو أمته أو بعض محارمه أو محارمها، سواء أبعدت بلده عن بلد الأم أم لا، وهذا ان كانت غير رشيدة أو كان هناك ريبة والا سكنت حيث شاءت.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف
(2)
القناع: متى أراد أحد الأبوين النقلة الى بلد مسافة قصر فأكثر آمن هو - أى البلد والطريق ليسكنه فالأب أحق بالحضانة، سواء كان المقيم هو الأب أو المنتقل، لأن الأب فى العادة هو الذى يقوم بتأديب الصغير وحفظ نسبه، فاذا لم يكن الولد فى بلد الأب ضاع، قال فى الهدى: هذا كله ما لم يرد المنتقل بالنقلة مضارة الآخر، أى ما لم يرد الأب بالانتقال مضارة الأم وانتزاع الولد منها، فاذا أراد ذلك لم يجب اليه بل يعمل ما فيه مصلحة الولد، قال فى المبدع وهو مراد الأصحاب، قال فى الانصاف أما صورة المضارة فلا شك فيها وأنه لا يوافق على ذلك.
وان كان البلد المنتقل اليه قريبا أى دون مسافة القصر للسكنى فالأم أحق لأنها أتم شفقة والسفر القريب كلا سفر، وان كان السفر بعيدا لحاجة ثم يعود ولو لحج أو كان السفر قريبا لحاجة ثم يعود، أو كان السفر بعيدا للسكنى لكنه مخوف هو أو الطريق فالمقيم منهما أولى لأن فى المسافرة بالطفل أضرارا به مع الحاجة اليه.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى المحلى
(3)
: الأم أحق بحضانة الولد الصغير والابنة الصغيرة حتى يبلغا المحيض أو الاحتلام أو الا نبات مع التمييز وصحة الجسم، سواء كانت أمة أو حرة تزوجت أو لم تتزوج رحل الأب عن ذلك البلد أو لم يرحل، ولم يأت نص
(1)
الفتاوى الكبرى ج 4 ص 216 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع مع منتهى لارادات ج 3 ص 329 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد ابن حنبل ج 4 ص 159، 160 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 323 مسألة رقم 2014 الطبعة السابقة.
صحيح قط بأن الأم ان تزوجت يسقط حقها فى الحضانة ولا بأن الأب ان رحل عن ذلك البلد سقط حق الأم فى الحضانة.
ثم قال
(1)
وأما مدة الرضاع فلا نبالى عن ذلك لقول الله تعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ 2 حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ} .. الآية» .
ثم
(3)
قال: واذا بلغ الولد أو الابنة عاقلين فهما أملك بأنفسهما ويسكنان أينما أحبا، فان لم يؤمنا على معصية من شرب خمر أو تبرج أو تخليط فللأب أو غيره من العصبة أو للحاكم أو للجيران أن يمنعاهما من ذلك ويسكناهما حيث يشرفان على أمورهما.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(4)
: يجوز للمرضعة أن تنقل الطفل الى مقرها ترضعه هناك ان لم يشترط عليها أن ترضعه فى منزلها غالبا أى اذا لم يكن مقرها دار حرب أو دار فسق أو يخاف على الولد فيه، أو تكون فيه غريبة ليست بين أهلها، فان كان مقرها واحدا مما ذكر - مثلا فليس لها أن تنقله.
قال البعض الا أن تنقله من دار الحرب الى دار الاسلام فانه يجوز ولو كانت غريبة.
ولا خلاف فى أنه يجوز لها ذلك الانتقال فيما دون البريد.
ولا خلاف كذلك فى أنه لا يجوز لها الانتقال فى الصور التى احترز منها.
واختلفوا فيما عدا ذلك، فالمذهب أن لها نقله الى مقرها سواء وقع العقد فى بلدها أم لا وسواء كان بلدها مصرا أو سوادا.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل
(5)
وشرحه أنه لا حد فى نفقة الرضيع ولا الطفل بل ذلك بنظر العدول لاختلاف أحوال الناس والأزمنة والأمكنة، وكذا فى المسكن والكسوة، وان أرادت جدة الطفل لأمه حضانته على بيع دار سكناه وانفاقه منها وأرادت جدته لأبيه حضانته على أن تنفق عليه من مالها فتبقى له داره فقيل هى أولى لبقاء ماله.
وقيل جدته من قبل الأم أولى، لأن الأم أولى.
وليس للرضيع سكنى بالقضاء على أبيه لأنه فى حجر من يرضعه.
وان سافر الولى الذى ينفق المال ستة برد فصاعدا للاستطانة لا لتجر أو نحو ذلك
(1)
المرجع السابق ج 10 ص 324 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 331 مسألة رقم 2015 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الازهار للحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 530 وهامشه الطبعة السابقة.
(5)
شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 566 الطبعة السابقة.
فله أن يأخذ الولد معه ولا حق للحاضنة الا ان سافرت وسكنت معه قيل ولو كانت الحاضنة أما
(1)
.
اسكان القريب
مذهب الحنفية:
ذكر صاحب البحر
(2)
الرائق: أنه تجب على الأب النفقة والسكنى والكسوة للولد الصغير الفقير لقول الله تعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ 3 رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» فالأب ينفرد بتحمل نفقة الابن، ولا يشاركه فيها أحد، والولد اذا كان غنيا والأب محتاجا لم يشارك الولد أحد فى نفقة الوالد، وقيد بالصغير، لأن البالغ القادر على التكسب لا تجب نفقته على أبيه وهذا بالنسبة للذكر.
أما الأنثى فتجب نفقتها مطلقا، لأن الانوثة عجز وقيد بالفقير، لأن الصغير اذا كان له مال فنفقته فى ماله ويقيد أيضا بالحرية، لأن الولد المملوك نفقته على مالكه لا على أبيه هذا، والولد يشمل أولاده وأولاد البنات وأولاد البنين واذا كان من وجب
(4)
عليه السكنى لقريبه غائبا فرض القاضى لطفل الغائب وأبويه السكنى من ماله بشرطين.
أولهما أن يكون من عنده المال مقرا به.
والثانى أن يكون مقرا بالنسب، لأنه لما أقر بهما فقد أقر بأن حق الأخذ لهم، ولأن لهم أن يأخذوا من ماله بغير قضاء ولا رضا وكان القضاء فى حقهم اعانة وفتوى من القاضى، وحكم الولد الكبير الزمن أو الأنثى مطلقا كالصغير.
وكذلك تجب على الابن
(5)
النفقة لأبويه وأجداده وجداته لو فقراء.
وجميع ما وجب للزوجة يجب للأب والأم على الولد من طعام وشراب وكسوة وسكنى حتى الخادم.
ثم قال
(6)
: وكذلك تجب السكنى للمملوك على سيده.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى
(7)
: تجب بالقرابة على الولد الحر الموسر صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى مسلما أو كافرا صحيحا أو مريضا نفقة الوالدين الحرين ولو كافرين والولد مسلم أو بالعكس. المعسرين بنفقتهما كلا أو بعضا فيجب عليه تمام الكفاية حيث عجز عن الكسب، والا لم تجب على الولد،
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 569 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الرائق لابن نجيم ج 4 ص 218، ص 219 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 236 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الرائق لابن نجيم ج 4 ص 223، ص 224 الطبعة السابقة.
(6)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 4 ص 213، ص 214 الطبعة السابقة.
(7)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 522، ص 523، ص 524، ص 525 الطبعة السابقة.
وأجبر على الكسب على المعتمد، كما أن الولد انما تجب نفقته على أبيه عند عجزه عن التكسب.
ولا يجب على الولد المعسر أن يتكسب بصنعة أو غيرها لينفق على أبويه ولو كان له صنعة وكذا عكسه وأثبتا أى الوالدان العدم بالفتح أى الفقر عند ادعاء الولد يسرهما بعدلين لا بشاهد وامرأتين أو أحدهما ويمين «لا بيمين» أى لا مع يمين منهما مع العدلين.
وهل الابن اذا طولب من والده بالنفقة وادعى العدم محمول على الملاء فعليه اثبات العدم أو على العدم فاثبات ملائه عليهما؟ قولان: محلهما اذا كان الولد منفردا ليس له أخ، أو له أخ وادعى العدم أيضا، وأما لو كان له أخ موسر فعلى من ادعى العدم اثباته ببينة باتفاق القولين.
ويجب على الولد الموسر نفقة خادمهما أى خادم الوالدين وظاهره وان كانا غير محتاجين اليه لقدرتهما على الخدمة بأنفسهما حرا كان الخادم أو رقيقا لهما، بخلاف خادم الولد فلا يلزم الأب نفقته ولو احتاج له ونفقة خادم زوجة الأب المتأهلة لذلك وظاهره ولو تعدد.
وعلق الدسوقى فى حاشيته على قوله المتأهلة لذلك أى التى هى أهل للاخدام والا فلا، ولو تعدد الخادم الذى لزوجة الأب وهذا الظاهر مسلم.
وقال خليل: ويجب على الولد الموسر اعفاف الأب بزوجة واحدة لا أكثر ان أعفته الواحدة.
قال الدسوقى: فان لم تعفه الواحدة زيد عليها من يحصل به العفاف - ولا تتعدد النفقة على الولد لزوجتى الأب ان كانت احداهما أمه على ظاهرها، وأولى ان كانتا أجنبيتين، والقول للأب فيمن ينفق عليها الابن حيث لم تكن احداهما أمه، والا تعينت الأم ولو غنية، وعلق الدسوقى على قوله وأولى ان كانتا أجنبيتين، وانما قيد بقوله ان كانت احداهما أمه، لأجل قوله على ظاهرها، وأما لو كانتا أجنبيتين فانها لا تتعدد على ظاهرها وعلى غير ظاهرها، وقوله ولا تتعدد ان كانت احداهما أمه وأولى ان كانتا أجنبيتين، مقيد بما اذا كان العفاف يحصل بواحدة، والا تعددت النفقة على الولد، وتجب النفقة فى هذا المقام على الأم ولو غنية، لأن النفقة هنا للزوجية لا للقرابة.
وما فى الشيخ أحمد من أنه ينفق على أمه ان كانت فقيرة اما ان كانت غنية فهى كالأجنبية فغير معول عليه.
ثم قال: ولا تجب على الولد نفقة زوج أمه الفقير، ولا نفقة جد وجدة مطلقا، ولا نفقة ولد ابن ذكر أو أنثى على جده.
ولا يسقطها عن الولد تزويجها أى الأم بفقير أو كان غنيا فافتقر وكذا البنت تتزوج بفقير لم تسقط عن الأب، وكذا من التزم نفقة أجنبية فتزوجت بفقير لم تسقط عن
الملتزم بخلاف تزوجها بغنى فتسقط الا أن تقوم قرينة على الاطلاق.
ووزعت نفقة الأبوين على الأولاد الموسرين، وهل على الرءوس الذكر كالأنثى ولو تفاوتوا فى اليسار؟ أو على الارث الذكر كأنثيين؟ أو على اليسار حيث اختلفوا؟ فيه أقوال، أرجحها الأخير.
وتجب نفقة الولد على أبيه الحر الموسر بما فضل عن قوته وقوت زوجته أو زوجاته، وهذا مجمل فصله بقوله الذكر الحر الفقير العاجز عن الكسب حتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب فتسقط عن الأب ولا تعود بعد أن طرأ جنون أو عجز كعمى أو زمانة، وكذا تجب نفقة الأنثى الحرة على أبيها حتى يدخل بها زوجها البالغ، واستظهر القول بأنه ان دخل لم يشترط بلوغه ولو غير مطيقة أو يدعى للدخول وهى مطيقة فتجب على الزوج ولو لم يطأ، فالمراد بالدخول مجرد الخلوة.
وتسقط نفقة الولد وكذا نفقة الوالدين عن المنفق الموسر بمضى الزمن، فاذا مضى زمن وهو يأكل عند غير من وجبت عليه مثلا فليس له الرجوع على من وجبت عليه لأنها لسد الخلة وقد حصلت فليست كنفقة الزوجة لأنها فى مقابلة الاستمتاع وقد استثنى من مسألة السقوط مسألتين لا تسقط فيهما النفقة.
احداهما: أن تجب لقضية معناه أنها تجمدت فى الماضى فرفع مستحقها لحاكم لا يرى السقوط بمضى الزمن فحكم بلزومها وليس معناه أنه فرضها وقدرها للزمن المستقبل لأن حكم الحاكم لا يدخل المستقبلات نص عليه القرافى اذ لا يجوز للحاكم أن يفرض شيئا واحدا على الدوام قبل وقته لأنه يختلف باختلاف الأوقات المسألة الثانية قوله أو ينفق على الولد خاصة شخص غير متبرع على الصغير فيرجع على أبيه لأن وجود الأب موسرا كالمال لا ان أنفق متبرع أو كان الأب معسرا فلا يرجع كما تقدم عند قوله وعلى الصغير ان كان له مال ولا ان أنفق شخص على والدين لا حد فلا رجوع له على ولدهما الا لقضية كما تقدم، فالاستثناء الأول عام، والثانى خاص بالولد واستمرت نفقة الأنثى على أبيها بمعنى عادت عليه ان دخل بها الزوج زمنة واستمرت بها الزمانة، ثم طلق أو مات وهى زمنة فقيرة ولو بالغا لا ان تزوجها صحيحة عادت للاب بطلاق أو موت بالغة ثيبا صحيحة قادرة على الكسب فلا تعود على الأب، بخلاف ما لو رجعت صغيرة ثيبا فتعود وهل الى البلوغ أو الى دخول زوج بها؟ قولان، ولو عادت بكرا فالى دخول زوج أو دخل الزوج بها زمنة فصحت وعادت الزمانة عند الزوج ثم تأيمت زمنة ثيبا بالغة فلا تعود على أبيها وأولى لو تزوجت صحيحة فزمنت عند زوجها فتأيمت.
والحاصل أن النفقة لا تعود على الأب الا اذا عادت لأبيها صغيرة أو بكرا أو بالغا زمنة، وقد كان الزوج دخل بها كذلك، واستمرت على ذلك حتى تأيمت زمنة فقيرة.
وقيل أن مفاد النقل أنها ان رجعت زمنة عادت على أبيها مطلقا وعلى المكاتبة نفقة أولادها الارقاء ان دخلوا معها بشرط أو كانت حاملا بهم وقت الكتابة أو حدثوا بعدها لا على أبيهم ولا سيدهم ان لم يكن الأب معها فى الكتابة بأن كان حرا أو رقيقا أو فى كتابة أخرى، فان كان معها فنفقتها ونفقة أولادها عليه، وليس عجزه أى المكاتب الشامل للأب وللمكاتبة عنها أى عن النفقة على نفسه أو ولده عجزا عن الكتابة، لأن النفقة شرطها اليسار فى الحال وأما الكتابة فمنوطة بالرقبة الى أجلها فلا تلازم بينهما.
مذهب الشافعية:
ذكر صاحب نهاية
(1)
المحتاج: أن الفرع الحر أو المبعض ذكرا كان أو أنثى تلزمه نفقة الوالد المعصوم الحر وأن علا وقنه المحتاج له وزوجته ان وجب اعفافه ولو أنثى غير وارثة اجماعا ويدخل فى النفقة معه نحو دواء وأجرة طبيب، لقوله تعالى «وَصاحِبْهُما 2 فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» وللخبر الصحيح «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه، ويلزم
(3)
الأصل الحر أو المبعض ذكرا أو أنثى نفقة الولد المعصوم الحر وان سفل ولو أنثى كذلك لقول الله تعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ» الآية ومعنى، وعلى الوارث مثل ذلك الذى أخذ منه أبو حنيفة رضى الله عنه وجوب نفقة المحارم عدم المضارة كما قيده ابن عباس رضى الله عنهما وهو أعلم بالقرآن من غيره. وقوله عز وجل «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» فاذا لزمه أجرة الرضاع فكفايته ألزم، ومن ثم أجمعوا على ذلك فى طفل لا مال له، وألحق به بالغ عاجز كذلك، لخبر هند «خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف وان اختلف دينهما، بشرط عصمة المنفق عليه، لا نحو مرتد وحربى كما جرى عليه جمع اذ لا حرمة لهما لأنه مأمور بقتلهما وذلك لعموم الأدلة وكالعتق ورد الشهادة بخلاف الارث فانه مبنى على المناصرة وهى مفقودة حينئذ، وانما تجب بشرط يسار المنفق، لأنها مواساة، ونفقة الزوج معاوضة ويقبل قوله بيمينه فى اعساره حيث لم يكذبه ظاهر حاله، والا طولب ببينة تشهد له بفاضل عن قوته وقوت عياله من زوجته وخادمها وأم ولده كما ألحقهما بها الأذرعى بحثا، وعن سائر مؤنهم.
وخص القوت، لأنه أهم، لا عن دينه كما صرح به الأصحاب فى باب الفلس، وذلك لخبر مسلم «ابدأ بنفسك فتصدق عليها» فان فضل شئ فلأهلك فان فضل عن أهلك شى فلذى قرابتك.
ويباع فيها ما يباع فى الدين من عقار وغيره كمسكن وخادم ومركوب ان احتاجهما لتقدمها على وفائه فيباع فيها ما يباع فيه بالأولى، فسقط ما قيل كيف يباع مسكنه لاكتراء مسكن لأصله، ويبقى هو بلا مسكن مع خبر ابدأ بنفسك، على أن الخبر انما يأتى فيما اذا لم يبق معه بعد بيع مسكنه الا
(1)
نهاية المحتاج للرملى ج 7 ص 207، ص 208 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 15 من سورة لقمان.
(3)
نهاية المحتاج لشهاب الدين الرملى ج 7 ص 209، ص 210 الطبعة السابقة.
ما يكفى أجرة مسكنه، أو مسكن والده، وحينئذ المقدم مسكنه، فذكر الخبر تأكيدا للاشكال وهم وكيفية بيع العقار لها كما سيأتى فى نفقة العبد، وصححه المصنف، وصوبه الأذرعى، والحق غير العقار به فى ذلك مما يشق بيعه شيئا فشيئا أنه يستدان لها الى اجتماع ما يسهل بيعه فيباع، فان تعذر بيع الجزء ولم يوجد من يشترى الا الكل أما ما لا يباع فيه فلا يباع فيها بل يترك له ولممونه.
ويلزم كسوبا كسبها أى المؤن ولو لحليلة الأصل كالأدم والسكنى والاخدام حيث وجب فى الأصح (أى يلزم الفرع القادر على الكسب ان يكسب نفقة الأصل بأنواعها ولو لزوجة هذا الأصل) ان حل ولاق به وان لم تجر به عادته، لأن القدرة بالكسب كهى بالمال فى تحريم الزكاة، وانما لم يلزمه لوفاء دين لم يعص به، لأنه على التراخى وهذه فورية.
ثم قال: وتجب لفقير غير مكتسب ان كان زمنا أو أعمى أو مريضا أو صغيرا أو مجنونا، لعجزه عن كفاية نفسه، ومن ثم لو أطاق صغير الكسب أو تعلمه ولاق به جاز للولى أن يحمله عليه وينفق منه عليه فان امتنع أو هرب لزم الولى انفاقه والا بأن قدر على الكسب ولم يفعله ولم يكن كما ذكر فأقوال.
أحسنها تجب للأهل والفرع ولا يكلفان الكسب لحرمتهما.
وثانيهما لا تجب لأنه غنى.
والثالث تجب، لأصل ولا يكلف كسبا لا رع بل يكلف الكسب، قلت الثالث أظهر والله أعلم، لتأكد حرمة الأصل، ولأن تكليفه الكسب مع كبر سنه ليس من المعاشرة بالمعروف المأمور بها، ومحل ذلك حيث لم يشتغل بمال ولده ومصالحه والا وجبت نفقته جزما.
وهى أى نفقة القريب الكفاية لخبر «خذى من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف» فيجب اعطاؤه كسوة وسكنى تليق بحاله وقوتا وأدما يليق بسنه كمؤنة الرضاع حولين وتعتبر رغبته وزهادته بحيث يتمكن معه من التردد على العادة ويدفع عنه ألم الجوع لاتمام الشبع كما قاله الغزالى، أى المبالغة فيه، وأما اشباعه فواجب كما صرح به ابن يونس وغيره.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(1)
: المراد بالأقارب من يرثه بفرض أو تعصيب فيدخل فيهم العتيق تجب عليه نفقة والديه وان علوا لقول الله تعالى «وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً 2» ومن الاحسان الانفاق عليهما عند حاجتهما ولقول الله عز وجل «وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا 3 مَعْرُوفاً» ومن المعروف القيام بكفايتهما رواه أبو داود والترمذى وحسنه.
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 313، ص 314، ص 315 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 23 من سورة الاسراء.
(3)
الآية رقم 15 من سورة لقمان.
وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة فى مال الولد.
ويجب عليه أيضا نفقة ولده وان سفل لقول الله تبارك وتعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ 1 بِالْمَعْرُوفِ» ولأن الانسان يجب عليه أن ينفق على نفسه وزوجته، فكذا على بعضه وأصله أو بعضها أى لو وحد والده أو ولده بعض النفقة وعجزوا عن اتمامها وجب عليه اكمالها، لما سبق حتى ذوى الأرحام منهم أى من والديه وان علوا وولده وان سفلوا ولو حجبه معسر كجد موسر مع أب معسر وكابن معسر وابن ابن موسر فتجب النفقة على الموسر فى المثالين، ولا أثر لكونه محجوبا، لأن بينهما قرابة قوية توجب العتق ورد الشهادة فأشبه القريب.
وتجب النفقة لمن ذكر بالمعروف أى بحسب ما يليق بهم من حلال لا من حرام اذا كانوا أى الاصول والفروع فقراء، فان كانوا أغنياء لم يجب عليه نفقتهم.
وله أى المنفق ما ينفق عليهم فاضلا عن نفسه وامرأته ورقيقه يومه وليلته وعن كسوتهم وسكناهم من ماله وأجرة ملكه ونحوه كتجارته أو من كسبه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» ولأنها مواساة فلا تجب على المحتاج كالبر.
ولا يجب الانفاق على من ذكر من أصل البضاعة التى يتجر بها ولا من ثمن الملك وآلة العمل، لحصول الضرر بذلك لفوات ما يتحصل منه قوته وقوت زوجته ونحوها.
ويجبر قادر على التكسب من عمودى النسب، ولا تجب نفقته اذن، لأن كسبه الذى يستغنى به كالمال.
ويلزمه أيضا نفقة كل من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سواه أى سوى عمودى النسب سواء ورثه الآخر كأخيه أو لا كعمته وبنت أخيه ونحوه كبنت عمه، لقول الله تعالى «وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» أوجب النفقة على الأب، ثم عطف الوارث عليه، وذلك يقتضى الاشتراك فى الوجوب.
فأما ذوو الأرحام وهم من ليس بذى فرض ولا عصبة من غير عمودى النسب فلا نفقة لهم ولا عليهم، لعدم النص فيهم، ولأن قرابتهم ضعيفة، وانما يأخذون ماله فهم كسائر المسلمين فى أن المال يصرف إليهم إذا لم يكن للميت وارث بدليل تقديم الرد عليهم.
واختار الشيخ تقى الدين الوجوب، لأنه من صلة الرحم وهو عام ويتلخص لوجوب الانفاق على القريب ثلاثة شروط.
أحدها: أن يكون المنفق عليهم فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن
(1)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
انفاق غيرهم والكسوة والسكن كالنفقة وشرطه الحرية فمتى كان أحدهما رقيقا فلا نفقة فان كانوا. أى المنفق عليهم موسرين بمال أو كسب يكفيهم فلا نفقة لهم لفقد شرطه فان لم يكفهم ذلك وجب اكمالها.
الثانى: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم منه فاضل عن نفقة نفسه وزوجته وقنه. اما من ماله أو اما من كسبه فمن لا يفضل عنه شئ لا يجب عليه شئ لأنها وجبت مواساة وليس من أهلها اذن.
الثالث: أن يكون المنفق وارثا للمنفق عليه بفرض أو تعصيب ان كان من غير عمودى النسب، اما عمود النسب فتجب ولو من ذوى الارحام أو حجبه معسر.
قال فى الاختيارات: وعلى المولود الموسر أن ينفق على أبيه المعسر وزوجة أبيه، وعلى اخوته الصغار، وان كان للفقير ولو حملا وارث غير أب فنفقته عليهم على قدر ارثهم عنه لأن الله تعالى رتب النفقة على الارث فيجب أن يرتب المقدار عليه فأم وجد لأب على الأم الثلث والباقى على الجد، لأنهما يرثان كذلك وجدة وأخ لغير أم أى شقيق أو لأب على الجدة السدس والباقى على الأخ كارثهما له وأم وبنت النفقة بينهما أرباعا كما يرثانه فرضا وردا وابن وبنت النفقة بينهما أثلاثا لما سبق فان كان أحدهم. أى الوراث موسرا لزمه بقدر ارثه من غير زيادة، لأن الموسر منهما انما يجب عليه مع يسار الآخر ذلك القدر فلا يتحمل عن غيره اذا لم يجد الغير ما يجب عليه ما لم يكن من عمودى النسب فتجب النفقة كلها على الموسر لقوة القرابة بدليل عدم اشتراط الارث.
وعلى هذا المعنى السابق حساب النفقات يعنى أن ترتيب النفقات على ترتيب الميراث فكما أن للجدة السدس من الميراث كذلك عليها السدس من النفقة.
ولو اجتمع بنت وأخت لغير أم أو بنت وأخ أو ثلاث أخوات متفرقات فالنفقة بينهم على قدر الميراث
(1)
فى ذلك سواء كان ردا أو كان عولا أولا.
ولو اجتمع أم أم وأم أب فهما سواء فى النفقة، لاستوائهما فى الميراث الا أن يكون له أى المنفق عليه أب فينفرد بالنفقة بالمعروف وأم أم وأبو أم الكل على أم الأم لأنها وارثة بخلاف أبى الأم.
ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما، أما الابن فلعسرته، وأما الأخ، فلعدم ميراثه.
ومن له أم فقيرة وجدة موسرة فالنفقة على الجدة الموسرة وان كانت محجوبة لقوة القرابة.
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 314، ص 315، ص 316 وما بعدها الطبعة السابقة.
وكذا أب فقير وجد موسر النفقة على الجد.
وأبوان وجد والأب معسر على الأم الموسرة ثلث النفقة، لأنها ترث الثلث والباقى على الجد، لأنه يرثه كذلك لولا الأب، وان كان معهم زوجة فكذلك، لأنه لا مدخل لها فى وجوب النفقة بل نفقتها تابعة لنفقته.
وأبوان وأخوان وجد والأب معسر فلا شئ على الأخوين، لأنهما محجوبان، وليسا من عمودى النسب، ويكون على الأم الثلث من النفقة قياس القاعدة السابقة السدس فقط كالارث، لحجب الأخوين لها عن الثلث، وان كانا محجوبين بالأب، والباقى على الجد، كما لو لم يكن أخوان، وان لم يكن فى المسألة جد، فالنفقة كلها على الأم وحدها دون الأب، لعسرته ودون الأخوة لحجبهم.
وتجب نفقة من لا حرفة له ولو كان صحيحا مكلفا ولو كان من غير الوالدين، لقول النبى عليه الصلاة والسلام لهند «خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف» ولم يستثن منهم بالغا ولا صحيحا، ولأنه فقير يستحق النفقة على قريبه أشبه الزمن، فان كان له حرفة لم تجب نفقته، قال فى المبدع بغير خلاف، لأن الحرفة تعينه، ونفقة القريب لا تجب الا مع الفقر، ولا بد أن تكون الحرفة يحصل بها غناه، والا وجب الاكمال.
ويلزمه. أى المنفق خدمة قريب وجبت نفقته فيخدمه بنفسه أو غيره لحاجة الى الخدمة كزوجة، لأنه من تمام الكفاية.
ويبدأ من لم يفضل عنه ما يكفى جميع من تجب نفقتهم بالانفاق على نفسه لحديث «ابدأ بنفسك» فان فضل عنه نفقة واحد فأكثر بدأ بامرأته، لأنها واجبة على سبيل المعاوضة فقدمت على المواساة ولذلك وجبت مع اليسار والاعسار، ثم بالأقرب فالأقرب لحديث طارق المحاربى «ابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك أى الأدنى فالأدنى، ولأن النفقة صلة وبر ومن قرب أولى بالبر ممن بعد، ثم يبدأ بالعصبة مع الاستواء فى الدرجة كأخوين لأم أحدهما ابن عم ثم التساوى، لعدم المرجح.
وان فضل عنه ما يكفى واحدا لزمه بذله لمن وجبت نفقته لحديث: اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، فان كان له أبوان قدم الأب على الأم لفضيلته وانفراده بالولاية، واستحقاق الاخذ من ماله، فان كان معهما أى الأبوين ابن قدمه عليهما لوجوب نفقته بالنص.
نقل أبو طالب الابن أحق بالنفقة منها وهى أحق بالبر.
وقال القاضى فيما اذا اجتمع الأبوان والابن ان كان الابن صغيرا أو مجنونا
قدم، لأن نفقته وجبت بالنص مع أنه عاجز، وان كان الابن كبيرا والأب زمنا فهو أى الأب أحق، لأن حرمته آكد وحاجته أشد.
وفى المستوعب يقدم الأحوج ممن تقدم فى هذه المسائل لشدة حاجته.
وان كان أب وجد أو ابن وابن ابن قدم الأب والابن لأنه أقرب.
ويقدم جد على أخ لأن له مزية الولادة والابوة، وأب على ابن ابن، لقربه، ولأنه لا يسقط ارثه بحال.
ويقدم أبو أب على أبى أم لامتيازه بالعصوبة، والجد أبو الأم مع أبى أبى أب يستويان، لأن أب الأم امتاز بالقرب وأبا أبى الأب امتاز بالعصوبة فتساويا لذلك وظاهر كلامهم قال فى الفروع وظاهر كلام أصحابنا يأخذ من وجبت له النفقة بغير اذنه أى اذن من وجبت عليه ان امتنع من الانفاق لزوجة.
نقل ابناه والجماعة: يأخذ من مال والده بلا اذنه بالمعروف اذا احتاج ولا يتصدق ولا تجب نفقة لقريب مع اختلاف دين أى اذا كان دين القريبين مختلف فلا نفقة لأحدهما على الآخر لأنه لا توارث بينهما ولا ولاية أشبه ما لو كان أحدهما رقيقا الا بالولاء لثبوت ارثه من عتيقه مع اختلاف الدين أو بالحاق القافة فتجب النفقة مع اختلاف الدين ذكره فى الوجيز والرعاية.
وقال فى الانصاف ولا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدين هذا هو المذهب مطلقا وقطع به كثير منهم ومن ترك الانفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه أطلقه الأكثر وجزم به فى الفصول، لأن نفقة القريب وجبت لدفع الحاجة واحياء النفس وقد حصل ذلك فى الماضى بدونها وذكر جماعة الا ان فرضها حاكم لأنها تأكدت بفرضه كنفقة الزوجة أو استدان باذنه.
قال فى المحرر وأما نفقة أقاربه فلا تلزمه لما مضى وان فرضت الا أن
(1)
يستدين عليه باذن الحاكم لكن لو غاب زوج فاستدانت لها ولأولادها الصغار رجعت بما استدانته نقله أحمد بن هاشم.
قلت وكذا لو كان أولادها مجانين أو وجبت نفقتهم لعجزهم عن التكسب.
ولو امتنع زوج أو قريب من نفقة واجبة بأن تطلب منه النفقة فيمتنع فقام بها غيره رجع عليه منفق عليه بنية الرجوع، لأنه قام عنه بواجب كقضاء دينه، ويلزمه نفقة زوجة من تلزمه مؤنته، لأنه لا يتمكن من الاعفاف الا به.
ويجب أيضا على من وجبت عليه النفقة لقريبه اعفاف من وجبت له نفقة من
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 316، ص 317 الطبعة السابقة.
أب وان علا ومن ابن وان نزل وغيرهم، كأخ وعم اذا احتاج الى النكاح لزوجة حرة أو سرية تعفه أو يدفع المنفق اليه ما لا يتزوج به حرة أو يشترى به أمة، لأن ذلك مما تدعو حاجته اليه ويستضر بفقده فلزم على من تلزمه نفقته ولا يشبه ذلك الحلوى فانه لا يستضر بتركها.
والتخيير فيما ذكر للملزوم بذلك، لأنه المخاطب به فكانت الخيرة اليه فيه فيقدم تعيينه على تعيين المعفوف، وليس له أن يزوجه قبيحة ولا أن يملكه اياها. أى أمة قبيحة لعدم حصول الاعفاف بها، ولا يزوجه ولا يملكه كبيرة لا استمتاع بها لعدم حصول المقصود بها، ولا أن يزوجه أمة، لما فيه من الضرر عليه ولاسترقاق أولاده.
ولا يملك القريب استرجاع ما دفع اليه من جارية ولا عوض ما زوجه به اذا أيسر، لأنه واجب عليه كالنفقة لا يرجع بها بعد ويقدم تعيين قريب اذا استوى المهر على تعيين زوج لما سبق ويصدق المنفق عليه اذا ادعى أنه تائق بلا يمين، لأنه الظاهر بمقتضى الجبلة.
وان ماتت التى أعفه بها من زوجة أو أمة أعفه ثانيا، لأنه لا صنع له فى ذلك الا ان يطلق لغير عذر أو أعتق السرية مجانا بأن لم يجعل عتقها صداقها فلا يلزمه اعفافه ثانيا، لأنه الذى فوت على نفسه.
وان اجتمع جدان ولم يملك ولد ولدهما الا اعفاف أحدهما قدم الأقرب كالنفقة الا أن يكون أحدهما من جهة الاب فيقدم وان بعد على الذى من جهة الأم لامتيازه بالعصوبة ولم يظهر لى تحقيق الفرق بين النفقة والاعفاف.
ويلزمه اعفاف أمه كأبيه اذا طلبت ذلك وخطبها كفؤ.
قال القاضى ولو سلم فالأب آكد لأنه لا يتصور لأن الاعفاف لها بالتزويج ونفقتها على الزوج قال فى الفروع ويتوجه تلزمه نفقته ان تعذر تزويج بدونها وهو ظاهر القول الاول.
والواجب فى نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة والمسكن بقدر العادة، لأن الحاجة انما تندفع بذلك كما ذكرنا فى الزوجة ويجب على المعتق نفقة عتيقه لأنه يرثه فدخل فى عموم قوله تعالى «وَعَلَى 1 الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» ولقوله عليه الصلاة والسلام «أمك وأباك وأختك وأخاك أدناك ادناك ومولاك الذى يلى ذاك حقا واجبا ورحما موصولا» رواه أبو داود.
فان مات مولاه فالنفقة على الوارث من عصباته على ما ذكر من أن النفقة تتبع الارث ويجب عليه أى المولى نفقة أولاد معتقه اذا كان أبوهم عبدا، لأن ولاءهم
(1)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
حينئذ لمولى أبيهم فهو الوارث لهم فنفقتهم عليه فان أعتقه أبوهم أى أعتقه سيده فانجر الولاء الى معتقه، صار ولاؤهم لمعتق أبيهم ونفقتهم عند عدم أبيهم عليه، لأنه مولاهم الوارث لهم وليس على العتيق نفقة معتقه، لأنه لا يرثه وان كان كل واحد منهما مولى الآخر، فعلى كل واحد منهما نفقة الآخر من حيث كونه عتيقا لا من حيث كونه معتقا كما يرثه كذلك.
وليس على العبد نفقة ولده حرة كانت الزوجة أو أمة، لأن أولاد الحرة أحرار، ولا يلزمه نفقة قريبه الحر وأولاد الأمة عبيد لسيدها فنفقتهم عليه، ولا نفقة أقاربه الاحرار، لأنه لا يملك وان ملك فهو ضعيف لا يحتمل المواساة كالزكاة.
ونفقة أولاد المكاتب الاحرار ونفقة أقاربه لا تجب عليه لأنه ملك ضعيف لا يحتمل المواساة وحاجته الى فك رقبته أشد.
وتجب عليه نفقة ولده من أمته لأنه تابع له وكسبه له وان كانت زوجته أى المكاتب حرة فنفقة أولادها عليها اذا كانت موسرة وانفردت لأنها الوارثة لهم دونه فان كان لهم أقارب أحرار كجد وأخ مع أم انفق كل واحد منهم بحسب ميراثه.
والمكاتب كالمعدوم بالنسبة الى النفقة والارث والحجب، فان أراد المكاتب التبرع بالنفقة على ولده من أمة لغير سيده أو من مكاتبة لغير سيده أو من حرة فليس له ذلك، لأنه محجور عليه لحق سيده فلا يتبرع بغير اذنه وان كان ولد المكاتب من أمة لسيده جاز للمكاتب التبرع بنفقته لأن نفقته على سيده فلم يتبرع لأجنبى ولا يتبرع بنفقة ولده من مكاتبة لسيده لأن نفقة ولدها عليها فتبرعه بنفقته تبرع لغير سيده وهو ممنوع منه لحقه.
ثم قال فى موضع آخر
(1)
: يلزم السيد نفقة رقيقه قدر كفايتهم بالمعروف ولو مع اختلاف الدين ولو كان رقيقه آبقا أو نشزت الأمة أو عمى أو زمن أو مرض أو انقطع كسبه وتكون النفقة من غالب قوت البلد وأدم مثله ويلزمه كسوتهم من غالب الكسوة لامثال العبيد فى ذلك البلد الذى هو به ويلزمه غطاء ووطاء ومسكن وما عون لرقيقه لحديث أبى هريرة مرفوعا للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى المحلى
(2)
: فرض على كل أحد من الرجال والنساء الكبار والصغار أن يبدأ بما لا بد له منه ولا غنى عنه به من نفقة وكسوة على حسب حاله وماله ثم بعد ذلك يجبر كل أحد على النفقة على من لا مال له ولا عمل
(1)
كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 3 ص 320 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 100 المسألة رقم 1933 الطبعة السابقة.
بيده مما يقوم منه على نفسه من أبويه وأجداده وجداته وان علوا، وعلى البنين والبنات وبنيهم وأن سفلوا والاخوة والأخوات والزوجات كل هؤلاء يسوى بينهم فى ايجاب النفقة عليهم، ولا يقدم منهم أحد على أحد سواء قل ما بيده بعد موته أو كثر لكن يتواسون فيه، فإن فضل عن هؤلاء بعد كسوتهم ونفقتهم شئ أجبر على النفقة على ذوى رحمه المحرمة وموروثيه ان كان من ذكرنا لا شئ لهم ولا عمل بأيديهم تقوم مؤنتهم منه.
ثم قال
(1)
: ابن حزم: كل من عدا الزوجة لا نفقة لهم ولا كسوة ولا اسكان الا أن لا يكون لهم من المال أو الصنعة ما يقومون منه على أنفسهم ولا معنى لمراعاة الزمانة فى ذلك اذ لم يأت به قرآن ولا سنة، فان قاموا ببعض ذلك وعجزوا عن البعض وجب أن يقوموا بما عجزوا عنه فقط.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أنه
(2)
يجب على كل موسر نفقة كل معسر بشرطين.
أحدهما: أن يكون على ملته وهذا الشرط فى غير الأبوين وأما هما فلا يعتبر فيهما.
الشرط الثانى: أن يكون الموسر يرثه أى يرث المعسر - بالنسب فيجب عليه من النفقة على قدر ارثه اذا لم يسقطه وارث آخر قال عليه السلام وقولنا بالنسب احترازا من أن يرثه بالولى أو نحو ذلك فان النفقة لا تلزم المعتق.
وقال البعض لا يجب الا على الولد للابوين وعلى الوالد للولد.
وقال البعض تجب للاباء وان علوا وللابناء وان سفلوا فقط.
وقال البعض تجب للاباء وسائر الارحام المحارم ان كانوا اناثا وان كانوا ذكورا وجبت لمن زمن أو ضعف لا للصحيح.
فان تعدد الوارث فحسب الارث أى لزم كل واحد منهم من النفقة بقدر حصته من الارث.
مثال ذلك: معسر له ثلاث أخوات متفرقات فعلى التى لأب وأم ثلاثة أخماس وعلى التى لأب خمس وعلى التى لأم خمس.
مثال آخر أم وأخ لأم موسران وجد معسر فالكل على الأم لان الاخ لام ساقط لا ميراث له مع الجد.
مثال آخر: امرأة معسرة لها بنت معسرة وأم موسرة وأخ لأب موسر كان على الأم ثلثها وعلى الأخ لاب ثلثاها وذلك على قدر ارثهما بعد تقدير عدم البنت
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 108 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 2 ص من 549 الى ص 554 الطبعة السابقة.
لانها صارت كالمعدومة لاعسارها ويقاس على ذلك غيره من المسائل.
وقال فى المنتخب: بل يلزم الموسر بقدر حصته من الارث وحصة المعسر تكون على الله تعالى، وقوله غالبا احتراز من صورة واحدة، وذلك نحو معسر له بنت وابن موسران فان النفقة ليست على حسب الارث فيها، بل تكون نصفين:
على الابن نصف وعليها نصف.
وعند البعض أنها عليهما أثلاثا حسب الارث.
ويجب للمعسر على الموسر من الانفاق الاطعام والادام والدواء ذكره البعض، وكسوته وسكناه واخدامه للعجز عن خدمة نفسه لصغر أو كبر أو مرض.
قال البعض فان أطاق لم يخدمه، ولو كان عادته أنه لا يخدم نفسه.
واذا عجل شيئا من نفقة القريب فضاع عليه لزم المنفق أن يعوض ما ضاع وانما فرق بين نفقة القريب ونفقة الزوجة فى هذا الحكم لأن نفقة الزوجة كالدين فلا يعوض سواء ضاعت بتفريط أم بغيره ونفقة القريب من باب الصلة والمواساة فتبدل ولو أتلفها هو أو فرط فيها.
وقال المنصور بالله لا يعوض ما ضاع ان كان بتفريط ولو مطل الموسر المعسر ما وجب عليه حتى مضت مدته فانه يسقط عنه الواجب الماضى زمانه بالمطل وكان الموسر عاصيا، قال فى اللمع: سواء كان ولدا أم غيره، وعن الاستاذ: ولو حكم بها حاكم.
والحيلة فى منع سقوط نفقة الماضى أن يأمره الحاكم أن يستقرض للغائب مقدار قوته كل يوم ثم ينفقه على نفسه.
وحد الموسر الذى تلزمه نفقة المعسر هو من يملك من المال الكفاية له وللاخص به من الغلة الى الغلة ان كانت له غلة أو الى وقت الدخل ان كان له دخل من يوم أو شهر أو اسبوع وينفق من الزائد على ما يكفيه ولو لم يكف القريب الى الغلة فان لم يكن له مال يكفيه الى الغلة أو الدخل لم يلزمه شئ سواء كان كسوبا أم لا.
وقال المنصور بالله ان حد اليسار أن يكون معه ما يكفيه وأهل بيته الى ادراك الغلة أو نفاق السلعة ان كان تاجرا أو تمام المصنوع ان كان ذا مهنة بعد أن يكون له مال اذا بيع أو قوم بلغ مائتى درهم قفلة
(1)
وان كان لا يملك الا دون النصاب لزمته المواساة على الامكان دون التعيين، قال مولانا عليه السلام وهو موافق لتحديدنا الا فى زيادة ملك النصاب.
(1)
القفلة: اعطاؤك انسانا شيئا بمرة.
يقال اعطاه ألفا قفلة: ابن دريد ودرهم قفلة أى وازن والهاء أصلية قال الأزهرى هذا من كلام أهل اليمن. قال ولا أدرى ما أراد بقوله الهاء أصلية - لسان العرب ج 47 ص 562 مادة قفل
وعن زيد بن على والوافى وأبى يحيى أن الموسر هو الغنى غنى شرعيا وقال البعض انه ينفق الفضلة على قوت اليوم.
وحد المعسر الذى تجب نفقته هو من لا يملك قوت عشر ليالى غير ما استثنى له من الكسوة والمنزل والأثاث والخادم وآلة الحرب من فرس أو غيره، فاذا لم يملك قوت العشر لزم قريبه أن ينفقه.
وقال المؤيد بالله أن المعسر من لا يملك ما يتقوت به وفسر بالغداء والعشاء.
وقال زيد بن على والوافى انه من لا يملك النصاب.
واذا ادعى الاعسار ليأخذ النفقة من الموسر وأنكر الموسر اعساره وجبت البينة عليه. أى على مدعى الاعسار.
أما نفقة الارقاء فاعلم أنه يجب على السيد شبع رقه من أى طعام كان من ذرة أو شعير أو غير ذلك، وانما تجب نفقة العبد الخادم لسيده حيث كان يطيقها، فلو امتنع من الخدمة سقط وجوب انفاقه، وأما لو كان عاجزا عن الخدمة لزمن أو مرض أو عمى لم يجب الشبع بل التقدير المستحسن كنفقة سائر الاقارب، ويجب له من الكسوة ما يستر عورته ويقيه الحر والبرد من أى لباس كان، من صوف أو قطن، فيكون السيد مخيرا بين القيام بمؤنته أو تخلية القادر يتكسب لنفسه، فان تمرد السيد أجبره الحاكم على أحدهما، فأما لو لم يكن ثم حاكم، أو كان لا يستطيع اجباره فللعبد أن يدفع الضرر عن نفسه بالانضواء الى حيث يمكنه المراجعة بالانصاف، فان أنصف والا تكسب بقدر ما يستطيع من الخدمة فينفق نفسه ويدفع الفضلة الى سيده فان نقص كسبه عن الانفاق وفاه السيد وان لا يكن العبد قادرا على التكسب ولم ينفقه سيده كلف ازالة ملكه بعتق أو بيع أو نحوهما، فان تمرد السيد عن ذلك فالحاكم يبيعه عليه.
قال البعض وليس له أن يعتقه لأنه تفويت منافع من دون استحقاق وللحاكم أن يستدين له عنه أو ينفقه من بيت المال دينا أو مواساة على ما يراه.
ولا يلزم السيد اذا اضطر العبد أو الأمة الى النكاح أن يعفه بالانكاح.
ويجب سد رمق من خشى عليه التلف من بنى آدم وهو محترم الدم كالمسلم والذمى لا الحربى فلا يجب اذ ليس بمحترم الدم.
قال البعض يجب سد رمق محترم الدم اللقيط وغيره ولو بنية الرجوع عليه.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: تجب النفقة على الابوين فصاعدا، وهم آباء الأب وأمهاته وان علوا، وآباء الأم وأمهاتها وان علوا والأولاد فنازلا، ذكورا كانوا أم اناثا، لابن المنفق أم لبنته.
ويستحب النفقة على باقى الاقارب من الاخوة والأخوات وأولادهم والأعمام والأخوال ذكورا واناثا وأولادهم، ويتأكد الاستحباب فى الوارث منهم فى أصح القولين.
وقيل تجب النفقة على الوارث لقول الله تعالى «وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» بعد قوله تعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» ،} واذا وجب على الوارث والعلة هى الارث ثبت من الطرفين لتساويهما فيه، ولا فرق فى المنفق بين الذكر والانثى ولا بين الصغير والكبير عملا بالعموم.
وانما يجب الانفاق على الفقير العاجز عن التكسب، فلو كان مالكا مؤنة سنة أو قادرا على تحصيلها بالكسب تدريجا لم يجب الانفاق عليه، ولا يشترط عدالته ولا اسلامه، بل يجب وان كان فاسقا أو كافرا، للعموم، ويجب تقييد الكافر بكونه محقون الدم، فلو كان حربيا لم تجب، لجواز اتلافه فترك الانفاق لا يزيد عنه، وأما الحرية فهى شرط، لأن المملوك نفقته على مولاه نعم لو امتنع منها، أو كان معسرا أمكن وجوبه على القريب عملا بالعموم.
وقيل لا يجب بل يلزم ببيعه أو الانفاق عليه وهو حسن.
ويشترط فى المنفق أن يفضل عن قوته وقوت زوجته ليومه الحاضر وليلته، ليصرف الى من ذكر، فان لم يفضل شئ فلا شئ عليه، لأنها مواساة، وهو ليس من أهلها.
والواجب منها قدر الكفاية للمنفق عليه من الاطعام والكسوة والمسكن بحسب زمانه ومكانه
(1)
.
وجاء فى شرائع
(2)
الاسلام: تجب النفقة وهى قدر الكفاية من الاطعام والكسوة والمسكن وما يحتاج اليه من زيادة الكسوة على ما يملكه الانسان من رقيق وبهيمة
أما العبد والأمة فمولاهما بالخيار فى الانفاق عليهما من خاصته أو من كسبهما ولا تقدير لنفقتهما بل الواجب قدر الكفاية.
مذهب الإباضية:
ذكر صاحب شرح النيل
(3)
: لا تجب النفقة لمحتاج ملك سلاحا وبيتا يسكنه فقط ولا سيما أن ملك غير ذلك أيضا بل يبيع مسكنه وسلاحه ويأكل ويكترى مسكنا مثلا ان لم يكن أبا أو أما وان كان أبا أو أما لم يدرك عليه بيع مسكنه أو سلاحه بل يترك له ذلك وأدرك النفقة أيضا، ولو كان المنزل رفيعا جدا أو واسعا لمزية الأبوين وقيل يبيعان ذلك ويشتريان ما يكفيهما بلا مضايقة، ويأكلان ما يبقى، واذا احتاجا أنفقهما (أى أنفق عليهما) وان لم يكن لهما مسكن أدركاه (أى استحقاه) على
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للحلى ج 2 ص 143، ص 144 الطبعة السابقة.
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الجعفرى ج 2 ص 49 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 215، ص 216 الطبعة السابقة.
الولد لكن ان افترقا بنحو طلاق أدرك كل واحد مسكنا، والا فلهما عليه مسكن واحد.
وانما يدركان فى ذلك كله بيتا يكفى لجميع ما يحتاج اليه بلا مضرة لا دارا.
والجد والجدة كالأب والأم ولا تدركها محتاجة ملكت بيتا تسكنه على وليها، ولا سيما ان ملكت غيره أيضا، بل تؤمر ببيع البيت فتأكل منه، وتكترى آخر مثلا، فاذا انقضى ثمنه واحتاجت أدركت عليه النفقة والسكنى فيسكنها حيث شاء بلا مضرة تلحقها فى دينها، أو دنياها يسكنها وحدها أو مع عياله أو غيرهم فى ملكه أو فى ملك غيره بعارية أو غيرها، وان احتاجت لها ولمسكن من أول الأمر أيضا أدركتهما على وليها.
وانما أدركت المسكن لأن المرأة مأمورة بالستر والتحرز عن ملاقاة الرجال والبروز حيث يخشى عليها وهو عارية فلا ينافى من أن لا تدرك النفقة ان كان لها بيت.
ثم قال
(1)
ولزمت السكنى لأنثى بأن يسكنها فى مسكن وحدها ان لم يطلبها وليها أن تسكن معه أو مع غيره ولم تخف منه اذا سكنت معه أو من غيره اذا سكنت مع غيره أن يزنى بها أو ينظر اليها، كما لا يحل أو يقتلها أو يضربها أو يفعل مثل ذلك، وكذا الكلام فى بيت الشعر أو نحوه ان كانوا بدوا. لا لذكر، لأنه غير مأمور بالاستتار الا ستر العورة من السرة للركبة مع أنه لا يخاف من المبيت وحده فى المسجد، أو بيت غير مسكون، أو حيث أمكن، وان تعذر ذلك لخوف عليه أو هرم أو مرض أو نحوه فعلى وليه عندى اسكانه.
وألزم الشيخ أحمد بن محمد بن بكر رحمهم الله فى الجامع السكنى لهؤلاء اذ قال: وليس عليه من سكنى الولى شئ الا أن كان امرأة أو كان شيخا هرما أو مريضا ضعيفا أو طفلا صغيرا أو لا يستطيع أن يحتال لنفسه ولا يستغنى عنها على حال، فعليه أن يسكنه فى بيت يكنه من الحر والبرد، وفى الأثر لا يدرك الولى السكنى، لأنهم قالوا: يأكل فى الغفير ويرقد فى المسجد (ومعنى الغفير الفخار) الا ان كان شيخا كبيرا أو امرأة فانهما يدركان بيتا لسكناهما.
ثم قال ويجوز
(2)
لأب سكنى دار ولده أو بيته أو نحوهما.
الحلف على السكنى
مذهب الحنفية:
قال صاحب بدائع
(3)
الصنائع: اذا حلف شخص لا يسكن هذه الدار فاما أن يكون ساكنا فيها واما أن لا يكون ساكنا فيها، فان لم يكن فيها ساكنا فالسكنى فيها أن يسكنها بنفسه وينقل اليها من متاعه ما يتأثث
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لا طفيش ج 7 ص 222، ص 223 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 262 الطبعة السابقة.
(3)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 3 ص 72، ص 73 الطبعة السابقة.
به ويستعمله فى منزله فاذا فعل ذلك فهو ساكن وحانث فى يمينه، لأن السكنى هى الكون فى المكان على طريق الاستقرار فان من جلس فى المسجد وبات فيه لا يسمى ساكن المسجد، وان كان فى الدار ساكنا فحلف لا يسكنها فانه لا يبر حتى ينتقل عنها بنفسه وأهله وولده الذين معه ومتاعه ومن كان يأويها لخدمته والقيام بأمره فى منزله، فان لم يفعل ذلك ولم يأخذ فى النقلة من ساعته وهى ممكنة حنث وههنا ثلاثة فصول.
أحدها: اذا حلف لا يسكن فانتقل بأهله ومتاعه فى الحال لم يحنث فى قول أصحابنا الثلاثة وعند زفر يحنث.
والثانى: اذا انتقل بنفسه ولم ينتقل بأهله ومتاعه، قال أصحابنا،: يحنث لأن سكنى الدار انما يكون بما يسكن به فى العادة، لما ذكرنا من أن السكنى اسم للكون على وجه الاستقرار ولا يكون الكون على هذا الوجه الا بما يسكن به عادة فاذا حلف لا يسكنها وهو فيها فالبر فى ازالة ما كان به ساكنا، فاذا لم يفعل حنث وهذا لأنه بقوله لا أسكن هذه الدار فقد منع نفسه عن سكنى الدار وكره سكناها لمعنى يرجع الى الدار والانسان كما يصون نفسه عما يكره يصون أهله عنه عادة وكانت يمينه واقعة على السكنى وعلى ما يسكن به عادة فاذا خرج بنفسه وترك أهله ومتاعه فيه لم يوجد شرط البر فيحنث ولأن من حلف لا يسكن هذه الدار فخرج بنفسه وترك أهله ومتاعه فيها يسمى فى العرف والعادة ساكن الدار ألا ترى أنه اذا قيل له وهو فى السوق أين تسكن؟ يقول فى موضع كذا وان لم يكن هو فيه.
والثالث: اذا انتقل بنفسه وأهله وماله ومتاعه وترك من أثاثه شيئا يسيرا قال أبو حنيفة يحنث، لأن شرط البر ازالة ما به صار ساكنا فاذا بقى منه شئ لم يوجد شرط البر بكماله فيحنث.
وقال أبو يوسف اذا كان المتاع المتروك لا يشغل بيتا ولا بعض الدار لا يحنث، لأن اليسير من الاثاث لا يعتد به، لأنه لا يسكن بمثله فصار كالوتد، ولست أجد فى هذا حدا وانما هو على الاستحسان، وعلى ما يعرفه الناس.
وقيل معنى قول أبى حنيفة اذا ترك شيئا يسيرا يعنى ما لا يعتد به ويسكن بمثله فاذا خلف فيها وتدا أو مكنسة لا يحنث، فان منع من الخروج والتحول بنفسه ومتاعه وأوقعوه وقهروه لا يحنث وان أقام على ذلك أياما، لأنه ما يسكنها بل أسكن فيها فلا يحنث، ولأن البقاء على السكنى يجرى مجرى الابتداء.
ومن حلف لا يسكن هذه الدار وهو خارج الدار فحمل اليها مكرها لم يحنث وكذا البقاء اذا كان باكراه.
وقال محمد اذا خرج من ساعته وخلف متاعه كله فى المسكن فمكث فى طلب المنزل أياما ثلاثا فلم يجد ما يستأجره وكان يمكنه أن يخرج من المنزل ويضع متاعه خارج
الدار لا يحنث، لأن هذا من عمل النقلة اذ النقلة محمولة على العادة والمعتاد هو الانتقال من منزل الى منزل، ولأنه ما دام فى طلب المنزل فهو متشاغل بالانتقال كما لو خرج يطلب من يحمل رحله.
وقال محمد: ان كان الساكن موسرا وله متاع كثير وهو يقدر على أنه يستأجر من ينقل متاعه فى يوم فلم يفعل وجعل ينقل بنفسه الأول فالأول فمكث فى ذلك سنة قال:
ان كان النقلان لا يفتر أنه لا يحنث لأن الحنث يقع بالاستقرار بالدار والمتشاغل بالانتقال غير مستقر، ولأنه لا يلزمه الانتقال على أسرع الوجوه ألا يرى أنه بالانتقال المعتاد لا يحنث وان كان غيره أسرع منه، فان تحول ببدنه وقال ذلك أردت فان كان حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكن فيها لا يدين فى القضاء، لأنه خلاف الظاهر، ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل، لأنه نوى ما يحتمله كلامه.
وان كان حلف وهو غير ساكن وقال:
نويت الانتقال ببدنى دين، لأنه نوى ما يحتمله وفيه تشديد على نفسه وأما المساكنة فاذا كان رجل ساكنا مع رجل فى دار فحلف أحدهما أن لا يساكن صاحبه فان أخذ فى النقلة وهى ممكنة والا حنث والنقلة كما مر.
والمساكنة هى أن يجمعهما منزل واحد، فاذا لم ينتقل فى الحال فالبقاء على المساكنة مساكنة فيحنث، فان وهب الحالف متاعه للمحلوف عليه أو أودعه أو أعاره، ثم خرج فى طلب منزل فلم يجد منزلا أياما ولم يأت الدار التى فيها صاحبه.
قال محمد: ان كان وهب له المتاع وقبضه منه وخرج من ساعته وليس من رأيه العود اليه فليس بمساكن له فلا يحنث وكذلك ان أودعه المتاع ثم خرج لا يريد العود الى ذلك المنزل وكذلك العارية، لأنه اذا وهبه وأقبضه وخرج فليس بمساكن اياه بنفسه ولا بماله واذا أودعه فليس بساكن به فلا يحنث وكذلك ان أودعه المتاع ثم خرج وانما هو فى يد المودع، وكذلك اذا أعاره فلا يحنث ولو كان فى الدار زوجة فراودها على الخروج فأبت وامتنعت وحرص على خروجها واجتهد فلم تنقل فانه لا يحنث اذا كانت هذه حالها، لأنه لو بقى هو فى الدار مكرها لم يحنث لعدم اختياره السكنى به فكذا اذا بقى ما يسكن به بغير اختياره.
واذا حلف لا يساكن فلانا فساكنه فى عرصة دار أو بيت أو غرفة حنث لأن المساكنة هى القرب والاختلاط فاذا ساكنه فى موضع يصلح للسكنى فقد وجد الفعل المحلوف عليه فيحنث فان ساكنه فى دار، هذا فى حجرة وهذا فى حجرة أو هذا فى منزل وهذا فى منزل حنث الا أن يكون دارا كبيرة، قال أبو يوسف:
مثل دار الرقيق ونحوها ودار الوليد بالكوفة
فانه لا يحنث وكذا كل دار عظيمة فيها مقاصير ومنازل، لأن المساكنة هى الاختلاط والقرب، فاذا كانا فى حجرتين فى دار صغيرة فقد وجد القرب فهو كبيتين من دار، وان كانا فى حجرتين من دار عظيمة فلا يوجد القرب فهو كدارين فى محلة.
وقال هشام عن محمد: اذا حلف لا يساكن فلانا ولم يسم دارا فسكن هذا فى حجرة وهذا فى حجرة لم يحنث الا أن يساكنه فى حجرة واحدة قال هشام قلت: فان حلف لا يساكنه فى هذه الدار فسكن هذا فى حجرة وهذا فى حجرة قال يحنث.
ولمحمد أن الحجرتين المختلقتين كالدارين بدليل أن السارق من احداهما اذا نقل المسروق الى الأخرى قطع وليس كذلك اذا حلف لا يساكنه فى دار لأنه حلف على أن لا يجمعهما دار واحدة وقد جمعتهما وان كانا فى حجرها.
ولأبى يوسف أن المساكنة هى الاختلاط والقرب فاذا كانا فى حجرتين فى دار صغيرة فقد وجد القرب فهو كبيتين من دار وان كانا فى حجرتين من دار عظيمة فلا يوجد القرب فهو كدارين فى محلة، فان سكن هذا فى بيت من دار وهذا فى بيت وقد حلف لا يساكنه ولم يسم دارا حنث فى قولهم لأن بيوت الدار الواحدة كالبيت الواحد ألا ترى أن السارق لو نقل المسروق من أحد البيتين الى الآخر لم يقطع.
وقال أبو يوسف: فان ساكنه فى حانوت فى السوق يعملان فيه عملا أو يبيعان فيه تجارة فانه لا يحنث.
ثم قال
(1)
: وانما اليمين على المنازل التى هى المأوى وفيها الأهل والعيال فأما حوانيت البيع والعمل فليس يقع اليمين عليها الا أنه ينوى أو يكون بينهما قبل اليمين بدل يدل عليها فتكون اليمين على ما تقدم من كلامهما ومعانيهما، لأن السكنى عبارة عن المكان الذى يأوى اليه الناس فى العادة، ألا ترى أنه لا يقال: فلان يسكن السوق، وان كان يتجر فيها، فان جعل السوق مأواه قيل أنه يسكن السوق، فان كان هناك دلالة تدل على أنه أراد باليمين ترك المساكنة فى السوق حملت اليمين على ذلك وان لم يكن هناك دلالة فقال نويت المساكنة فى السوق أيضا فقد شدد على نفسه.
قالوا: اذا حلف لا يساكن فلانا بالكوفة ولا نية له فمكن أحدهما فى دار والاخر فى دار أخرى فى قبيلة واحدة أو محلة واحدة أو درب فانه لا يحنث حتى تجمعهما السكنى فى دار لأن المساكنة هى المقاربة والمخالطة ولا يوجد ذلك اذا كانا فى دارين وذكر الكوفة لتخصيص اليمين بها حتى لا يحنث بمساكنته فى غيرها.
فان قال: نويت أن لا أسكن الكوفة والمحلوف عليه بالكوفة صدق لأنه شدد على نفسه.
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 3 ص 74 الطبعة السابقة.
وكذلك اذا حلف لا يساكنه فى الدار فاليمين على المساكنة فى دار واحدة.
ولو أن ملاحا حلف لا يساكن فلانا فى سفينة واحدة ومع كل واحد منهما أهله ومتاعه واتخذها منزله فانه يحنث.
وكذلك أهل البادية اذا جمعتهم خيمة، وان تفرقت الخيام لم يحنث وان تقاربت، لأن السكنى محمولة على العادة، وعادة الملاحين السكنى فى السفن، وعادة أهل البادية السكنى فى الاخبية فتحمل يمينهم على عاداتهم.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج
(1)
والاكليل للمواق: جاء فى المدونة أن مالكا قال: من حلف لا يسكن بيتا فسكن بيت شعر وهو باد أو حضرى ولا نية له حنث لأن الله تعالى قال «وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً 2 إِلى حِينٍ» قال ابن المواز الا أن يكون ليمينه معنى يستدل به عليه مثل أن يسمع بقوم انهدم عليهم المسكن فحلف عند ذلك فلا يحنث بسكنى بيت الشعر.
وجاء فى الشرح
(3)
الكبير: وحنث الحالف بدخوله الحمام فى حلفه على ترك دخول البيت أو حلفه لا أدخل على فلان بيتا فدخل عليه بالحمام أو الخان الا لنية أو عرف وعرف مصر أنهم لا يطلقون على الحمام اسم البيت. أو حلف لا أدخل عليه بيته فدخل عليه فى دار جاره لأن للجار على جاره من الحقوق ما ليس لغيره فأشبهت داره داره أو لأن الجار لا يستغنى عن جاره غالبا فكأنه المحلوف عليه غالبا عرفا والظاهر فى هذا عدم الحنث.
ثم قال ولا يحنث الحالف فى حبس أكره عليه فى حلفه لا أدخل عليه بيتا أو لا يجتمع معه فى بيت فحبس عنده كرها فى حق لأن الاكراه بحق كالطوع.
وروى فى التاج
(4)
والاكليل بهامش الحطاب عن المدونة قال مالك من حلف أن لا يسكن هذه الدار وهو فيها خرج منها فورا وان كان فى جوف الليل، فان أخر الى الصباح حنث الا أن ينوى ذلك فليجتهد اذا أصبح فى مسكن وينتقل فان تعالى عليه فى الكراء أو وجد منزلا لا يوافقه فلينتقل اليه حتى يجد سواه، فان لم يفعل حنث وقال أشهب يخرج ساعة حلف ولكن لا يحنث فى اقامة أقل من يوم وليلة وكان القابسى ربما استحسن قول أشهب وأفتى به مع أنه كان
(1)
الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 3 ص 297 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 80 من سورة النحل.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 145 الطبعة السابقة.
(4)
الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 3 ص 303 الطبعة السابقة.
يقول لا أعلم أحدا غير أشهب وأصبغ وسع عليه تأخير ذلك.
ثم قال: ان ما فى المدونة يأتى على اعتبار اللفظ قال ووجه القول الاخر انه راعى مقصد الحالف دون الاعتبار بمقتضى لفظه لأن من حلف أن لا يساكن رجلا فمعنى يمينه لينتقل عنه فى أعجل ما يقدر فاذا لم يفرط فى ارتياد منزل والانتقال اليه لم يحنث.
هذا بخلاف ما اذا حلف لأنتقلن وأنظر قول خليل أنه يحنث بالبقاء فى حلفه لاسكنت لا فى حلفه لأنتقلن كذلك وهناك أيضا بينهما فرق آخر فى وجه.
قال اللخمى: ان حلف لاسكنت فخرج ثم رجع فسكن حنث وان حلف لينتقلن فانتقل ثم رجع لم يحنث لأن الأول حلف أن لا يوجد منه سكنى فمتى وجد ذلك منه حنث والآخر حلف لينتقلن فاذا فعل ذلك مرة بر.
ثم قال اللخمى أن حلف أن لا يسكن الدار فاختزن فيها حنث عند ابن القاسم ولم يحنث عند أشهب.
قال ابن بشير لعل ابن القاسم يوافق أنه لا يحنث لأن الخزن اذا انفرد لا يعد سكنى وانما يعد ابن القاسم بقاء المتاع سكنى اذا كان تابعا لسكنى الأهل واذا انفرد لم يعده سكنى وانتقل فى لا أساكنه عما كانا.
قال ابن بشير ومما ينظر فيه الى المقاصد والى السبب المحرك على اليمين أن يحلف أن لا يساكن انسانا فانه ينتقل عن مساكنته حتى تنتقل حالته عن الحالة الأولى التى كان عليها فان كان معه أولا فى بلد وظهر أنه قصد الانتقال عنه وجب عليه ذلك وان كان معه فى قرية فكذلك أيضا وان كان فى حارة انتقل عنها أو ضربا جدارا ولو جريدا بهذه الدار.
قال ابن بشير ان كان فى دار وجب الانتقال عنها وهل يكفى فى هذا أن يضربا بينهما حائطا حتى يصيرا دارين؟ شك مالك وخاف الحنث ورأى ابن القاسم أنه لا يحنث.
وعبارة المدونة أن حلف أن لا يساكنه فى دار سماها أم لا فقسمت وضرب بين النصيبين بحائط وجعل لكل نصيب مدخل على حدة فسكن هذا فى نصيب وهذا فى نصيب فكرهه مالك وقال لا يعجبنى ذلك قال ابن القاسم لا أرى يه بأسا ولا حنث عليه.
قال ابن عرفه قوله سماها أم لا خلاف قول ابن رشد لو عين الدار لم يبر بالجدار اتفاقا.
ثم قال
(1)
: من المدونة قال مالك ان حلف أن لا يساكنه فزاره فليست الزيارة سكنى وينظر الى ما كانت عليه يمينه فان كان بما يدخل بين العيال أو الصبيان فهو أخف وان أراد التنحى فهو أشد - قال التونسى
(1)
التاج والاكليل مع الحطاب فى كتاب ج 3 ص 304 الطبعة السابقة.
يريد بقوله أشد حنثه بزيارته وبقوله أخف عدمه.
واذا حلف لا أساكنه وهما فى دار لم يحنث اذا ساكنه فى بلد قاله البساطى، وهذا اذا لم تكن له نية ولا بساط والا عمل على ذلك.
قال ابن عرفة وسماع ابن القاسم لا يحنث فى لا أساكنه بسفره معه وينوى قال ابن القاسم: ان لم تكن له نية لا شئ عليه، ومثله لمحمد عن أشهب.
قال ابن رشد الا أن ينوى التنحى عنه.
وقال ابن عبد السّلام: قال ابن المواز من آذاه جاره فحلف لا ساكنتك أو قال:
جاورتك فى هذه الدار فلا بأس أن يساكنه فى غيرها ولا يحنث اذا لم تكن له نية أما ان كره مجاورته أبدا فانه يحنث قال وكذلك ان قال لا ساكنتك بمصر فساكنه بغيرها مثل ذلك سواء.
ثم
(1)
قال ابن عبد السّلام وفى كتاب محمد فيمن سكن منزلا لامرأته فمنت عليه فحلف بالطلاق لينتقلن ولم يؤجل فأقام ثلاثة أيام يطلب منزلا فلم يجده فأرجو أن لا شئ عليه قيل ان أقام شهرا قال ان توانى فى الطلب خفت أن يحنث قال ابن عبد السّلام وليس هذا خلافا لما. تقدم عند الواضحة لما فى هذا من بساط المنة لأنه اذا توانى شهرا قويت منتها عليه ولا يحنث بثلاثة أيام يطلب فيها منزلا لأن هذا المقدار لا يحصل به منة البتة.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية
(2)
المحتاج: اذا حلف لا يسكن هذه الدار أو لا يقيم فيها وهو فيها عند الحلف فليخرج منها حالا بنية التحول فى كل من مسألة الاقامة والسكنى فيما يظهر من كلامهم ان أراد عدم الحنث، ومحل ذلك كما قاله الاذرعى حيث كان متوطنا فيه قبل حلفه، فلو دخله لنحو تفرج فحلف لا يسكنه لم يحتج لنية التحول قطعا فى الحال، ويتحول ببدنه فقط وان ترك أمتعته، لأنه المحلوف عليه، ولا يكلف العدو ولا الخروج من أقرب البابين، نعم لو عدل لباب السطح مع تمكنه من غيره حنث كما قاله الماوردى، لأنه بصعوده فى حكم المقيم، ولا نظر لتساوى المسافتين، ولا لأقربية، طريق السطح على ما أطلقه لأنه بمشيه الى الباب آخذ فى سبب الخروج، وبالعدول عنه الى الصعود غير آخذ فى ذلك عرفا، أما خروجه بغير نية التحول فيحنث معه، لأنه مع ذلك يسمى ساكنا أو مقيما عرفا، فان مكث بلا عذر ولو لحظة حنث وان بعث متاعه وأهله، لأن المحلوف عليه سكناه وهو موجود اذ السكنى تطلق على الدوام كالابتداء، فان كان لعذر كان أغلق
(1)
الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 3 ص 305 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 8 ص 176 وما بعدها الطبعة السابقة.
عليه الباب لم يحنث، وجعل الماوردى من ذلك ضيق وقت الصلاة وقد علم انه لو اشتغل بالخروج لفاتته فان طرأ العجز بعد الحلف فكالمكره وان نوى التحول لكنه اشتغل بأسباب الخروج كجمع متاع واخراج أهل وليس ثوب يعتاد لبسه فى الخروج لم يحنث، لأنه لا يعد ساكنا وان طال مقامه بسبب ذلك، وكذا لو طرأ عليه عقب حلفه نحو مرض منعه من خروجه ولم يجد من يخرجه أو خاف على نفسه أو ماله لو خرج فمكث ولو ليلة أو أكثر فلا حنث، ويتجه ضبط المرض هنا بما يشق معه الخروج مشقة لا تحتمل غالبا، نعم لو أمكنه استئجار من يحمله بأجرة مثله ووجدها فترك ذلك حنث، وقليل المال ككثيره كما اقتضاه اطلاقهم، ولو خرج ثم عاد اليها لنحو عيادة أو زيارة لم يحنث ما دام يطلق عليه زائرا وعائدا عرفا والا حنث، وقيد عدم الحنث بمقامه بجمع متاع ونحوه بما اذا لم تمكنه الاستنابة والا حنث وبه صرح الماوردى والشاشى.
والأوجه أن وجود من لا يرضى بأجرة المثل أو يرضى ولا يقدر عليها بأن لم يكن معه ما يبقى له كالعدم فلا يحنث لعذره.
ولو حلف لا يساكنه فى هذه الدار فخرج أحدهما بنية التحول فى الحال لم يحنث لانتفاء المساكنة اذ المفاعلة لا تتحقق الا من اثنين ومن المكث هنا لعذر اشتغاله بأسباب الخروج، وكذا لو بنى بينهما جدار من طين أو غيره ولكل جانب مدخل فى الاصح، لاشتغاله برفع المساكنة وتبع فى ذلك المحرر.
لكن المنقول فى الشرح والروضة عن تصحيح الجمهور الحنث، وهو المعتمد، لحصول المساكنة الى تمام البناء من غير ضرورة.
ومحل الخلاف اذا كان البناء بفعل الحالف أو أمره وحده أو مع الاخر والا حنث قطعا.
وارخاء الستر بينهما وهما من أهل البادية مانع من المساكنة على ما قاله المتولى وليس منها تجاورهما ببيتين من خان وان صغر واتحد مرقاه ولو لم يكن لكل باب ولا من دار كبيرة ان كان لكل باب وغلق وكذا لو انفرد أحدهما بحجرة انفردت بجميع مرافقها وان اتحدت الدار والممر.
ولو أطلق المساكنة فان نوى معينا حملت يمينه عليه والا حنث بالمساكنة فى أى محل كان ولو حلف لا يساكنه وأطلق وكانا فى موضعين بحيث لا يعدهما العرف متساكنين لم يحنث أو حلف لا يساكن زيدا وعمرا بر بخروج أحدهما، أو زيدا ولا عمرا لم يبر بخروج أحدهما.
وجاء فى المهذب
(1)
: وان حلف لا يدخل دار زيد هذه فباعها ثم دخلها حنث، لأن اليمين على عين مضافة الى مالك فلم يسقط
(1)
المهذب للشيرازى ج 2 ص 132، ص 133 الطبعة السابقة.
الحنث فيه بزوال الملك وان حلف لا يدخل دار زيد فدخل دار الزيد وعمرو لم يحنث، لأن اليمين معقودة على دار جميعها لزيد.
وان حلف لا يدخل دار زيد فدخل دارا يسكنها زيد باعارة أو اجارة أو غصب، فان أراد مسكنه حنث لأنه يحتمل ما نوى، وان لم يكن له نية لم يحنث.
وقال أبو ثور يحنث، لأن الدار تضاف الى الساكن، والدليل عليه قول الله تعالى:
«لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ» فأضاف أزواجهن اليهن بالسكنى، وهذا خطأ، لأن حقيقة الاضافة تقتضى ملك العين، ولهذا لو قال:
هذه دار زيد جعل ذلك اقرارا له بملكها.
وان حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو بيتا فى الحمام لم يحنث، لأن المسجد وبيت الحمام لا يدخلان فى اطلاق اسم البيت، ولأن البيت اسم لما جعل للايواء والسكنى والمسجد وبيت الحمام لم يجعل لذلك فان دخل بيتا من شعر أو أدم نظرت، فان كان الحالف ممن يسكن بيوت الشعر والأدم حنث وان كان ممن لا يسكنها ففيه وجهان.
أحدهما وهو قول أبى العباس بن سريج أنه لا يحنث لأن اليمين تحمل على العرف وبيت الشعر والأدم غير متعارف للقروى فلم يحنث به.
والثانى وهو قول أبى اسحاق وغيره أنه يحنث لأنه بيت جعل للايواء والسكنى فأشبه بيوت المدر وقولهم أنه غير متعارف فى حق أهل القرى يبطل بالبيت من المدر فانه غير متعارف فى حق أهل البادية ثم يحنث به.
وفى هامش الفتاوى
(1)
: لو أن رجلا متزوجا بامرأتين قال: متى سكنت بزوجتى فاطمة فى بلد من البلاد ولم تكن زوجتى أم الخير معها كانت أم الخير طالقا، ثم سكن بالزوجتين فى بلدة أخرى انحل اليمين بسكناه بزوجتيه فى بلدة واحدة، لأنها تعلقت بسكنى واحدة اذ ليس فيها ما يقتضى التكرار فصار كما لو قيدها بواحدة لأن لهذه اليمين جهة بر وهى سكناه بزوجته فاطمة فى بلدها ومعها زوجته الاخرى أم الخير وجهة حنث وهى سكناه بزوجته فاطمة فى بلد دون أم الخير.
ولو أن رجلا حلف بالطلاق أنه ما يسكن بالدار الفلانية التى بها والده، ثم أنه أقام بها نحو شهرين ناويا بذلك زيارة والده فأنه يقع عليه الطلاق باقامته المذكورة ان كان حال حلفه ساكنا بالدار المذكورة، لأن استدامة السكنى سكنى فلا تؤثر فيها النية المذكورة وكذا ان لم يكن ساكنا بها حال حلفه عملا بالعرف فلا تؤثر أيضا نيته الزيارة مع وجود سكناه حقيقة.
(1)
هامش الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيثمى ج 3 ص 218، ص 253، ص 265 الطبعة السابقة.
ولو أن شخصا تشاجر مع غيره فقال على الطلاق الثلاث ما أنا ساكن فى بلدك هذه ان لم تكن السنة كانت الاخرى فانه لا يحنث بسكناه فى البلد السنة الأولى.
مذهب الحنابلة:
جاء فى الاقناع
(1)
أنه ان حلف شخص لا يسكن دارا هو ساكنها أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه ولم يخرج فى الحال بنفسه وأهله ومتاعه المقصود مع امكانه حنث الا أن يقيم لنقل متاعه أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم الى أن يمكنه الخروج بحسب العادة، فلو كان ذا متاع كثير فنقله قليلا قليلا على العادة بحيث لا يترك النقل المعتاد لم يحنث وان أقام أياما أو خرج طالبا النقلة فتعذرت عليه لكونه لا يجد مسكنا يتحول اليه لتعذر الكراء أو غيره لم يحنث - والزيارة ليست سكنى اتفاقا.
وان حلف لا يساكنه فانتقل أحدهما لم يحنث، وان بنيا بينهما حاجزا وهما على حالهما فى المساكنة حنث لأنهما بتشاغلهما ببناء الحاجز قد تساكنا قبل وجوده بينهما، وان كان فى الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها ومرافقها فسكن كل واحد حجرة لم يحنث، وان كانا فى حجرة دار واحدة حالة اليمين فخرج أحدهما منها وقسماها حجرتين وفتحا لكل واحد منهما بابا وبينهما حاجز ثم سكن كل واحد منهما حجرة لم يحنث، وان سكنا فى دار واحدة كل واحد فى بيت ذى باب وغلق رجع الى نيته بيمينه، أو الى سببها وما دلت عليه قرائن أحواله فى المحلوف على المساكنة فيه فان عدم ذلك حنث.
وان حلف لا ساكنت فلانا فى هذه الدار وهما غير متساكنين فبنيا بينهما حائطا وفتح كل واحد منهما بابا لنفسه وسكناها لم يحنث، وليخرجن من هذه البلدة فخرج وحده بر وليخرجن أو ليدخلن من هذه الدار فخرج دون أهله لم يبر كحلفه لا يسكنها.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم
(2)
الظاهرى فى المحلى:
من حلف أن لا يساكن من كان ساكنا معه من امرأته أو قريبه أو أجنبى فليفارق حاله التى هو فيها الى غيرها ولا يحنث، فان أقام مدة يمكنه فيها أن لا يساكنه فلم يفارقه حنث، فان رحل مدة قلت أو كثرت ثم رجع لم يحنث.
(1)
الاقناع ج 4 ص 353، ص 354 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 59، ص 60 مسألة رقم 1158 الطبعة السابقة.
وتفسير ذلك أن كانا فى بيت واحد أن يرحل أحدهما الى بيت آخر من تلك الدار أو غيرها وان كانا فى دار واحدة رحل أحدهما الى أخرى متصلة بها أو متباعدة أو اقتسما الدار، وان كانا فى مدينة واحدة أو قرية واحدة خرج أحدهما عن دور القرية أو دور المدينة لم يحنث، وان رحل أحدهما بجسمه وترك أهله وماله وولده لم يحنث الا أن يكون له نية تطابق قوله فله ما نوى، وكل ما ذكرنا مساكنة وغير مساكنة فان فارق تلك الحال فقد فارق مساكنته وقد بر ولا يقدر أحد على أكثر لان الناس مساكن بعضهم لبعض فى ساحة الأرض.
ومن حلف أن لا يجمعه مع فلان سقف فدخل بينا فوجده فيه ولم يكن عرف اذ دخل أنه فيه لم يحنث لكن ليخرج من وقته فان لم يفعل حنث.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(1)
وهامشه: أنه لو حلف أن لا يسكن دارا لم يحنث بمجرد الدخول ما لم يدخلها بنية السكنى هو أو أهله بأمره، فان كان ساكنا فيها وحلف من سكناها لم يبر حتى يخرج عند الامكان أهله وماله.
قال البعض العبرة بالاهل وبالمال.
وقال أبو جعفر من أصحابنا أنه اذا ترك ما يصلح للمساكنة حنث لا ان ترك ما لا يصلح لها.
ومن حلف من دخول الدار كانت يمينه متناولة لتواريه فى حائطها فيحنث بتواريه فى حائطها ولو دخلها تسلقا الى سطحها ذكره صاحب الوافى وذكره أيضا فى شرح الابانة للناصر.
قال البعض ان ما ذكره صاحب الوافى فيه نظر لانه لا يسمى داخلا اذا أقام على سطحها ان كانت طلوعه اليه من الحائط، فان حلف لا أساكن زيدا فى هذه الدار فميزها بحائط وبابين الا أن ينوى لا جمعتهما فانه يحنث.
قال الهادى ومن حلف لا يساكن أهله فى هذه الدار فدخلها ليلا أو نهارا أو أكل فيها أو شرب وجامع وعمل غير ذلك مما يعمل الزائر لم يحنث، وان نام فيها بالليل أو بالنهار حنث وهذا مختلف بقرب الزائر وبعده فان جاء من بعد فهو لا يسمى ساكنا وان نام ليلة أو ليلتين فيتبع العرف.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(2)
وشرائع الاسلام أنه اذا كان الشخص فى دار فحلف لا
(1)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 21، ص 22، ص 23 الطبعة السابقة.
(2)
الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 562 الطبعة السابقة مسألة رقم 39، 40 وشرائع الاسلام فى الفقه الجعفرى للحلى ج 2 ص 122 الطبعة السابقة.
سكنت هذه الدار فأقام عقيب يمينه مدة يمكنه الخروج منها فلم ينتقل حنث، لأن اليمين اذا علقت بالفعل تعلقت بأقل ما يقع عليه الاسم من ذلك كرجل حلف لا دخلت الدار حنث بأقل ما يقع عليه اسم الدخول وهو اذا عبر العتبة ولو حلف لأدخلن الدار بر بأقل ما يقع عليه اسم الدخول وان لم يدخل الى جوف الدار.
واذا كان فى دار فحلف لا سكنت هذه الدار ثم خرج عقيب اليمين بلا فصل بر فى يمينه ولم يحنث، وبه قال جميع الفقهاء، لأن الاصل براءة الذمة ولا دليل على شغلها بشئ من هذه اليمين، وأيضا اذا لم يتشاغل عقيب يمينه بغير الخروج منها لا يقال انه ساكن فيها، وكذلك لو كان فى دار مغصوبة فلما عرف ذلك لم يتشاغل عقيب يمينه بغير الخروج لم يأثم لانه تارك، واذا كان فيها فحلف لا سكنت هذه الدار ثم أقام عقيب يمينه لا للسكنى، لكن لنقل الرحل والمال والولد لم يحنث، لأن الاصل براءة الذمة وشغلها يحتاج الى دليل وأيضا فالاعتبار بالسكنى الى العادة ومن كان يجمع رحله وماله وأهله للانتقال لا يقال انه ساكن فى الدار فمن قال انه ساكن بذلك فقد ترك العرف.
ثم قال
(1)
: واذا كان فيها فحلف لا سكنت هذه الدار وانتقل بنفسه بر فى يمينه وان لم ينقل العيال والمال. لأنه أضاف السكنى الى نفسه فاذا خرج منها خرج من أن يكون ساكنا فيها.
ومن ادعى أن عياله أو ماله يكون سكنى فعليه الدلالة والاصل براءة الذمة وأيضا قول الله تعالى: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ 2 فِيها مَتاعٌ لَكُمْ» فقد أخبر أن من ترك المتاع وخرج منها يقال غير مسكونة.
وفى شرائع الاسلام
(3)
: أنه لو قال لا سكنت هذه الدار وهو ساكن بها أو لا أسكنت زيدا وزيد ساكن فيها حنث باستدامة السكنى أو الاسكان وبر بخروجه عقيب اليمين ولا يحنث بالعود لا للسكنى بل لنقل رحله.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل
(4)
وشرحه: من حلف لا يسكن الى فلان ولا يساكنه حنث باعتبار اللفظ بأقل ما يقع عليه اسم المساكنة فاذا وقف عنده أو قعد ولو قليلا حنث ولو وقف معه فى طريق.
(1)
الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 563 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 29 من سورة النور.
(3)
شرائع الاسلام للحلى ج 2 ص 122 الطبعة السابقة.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 2 ص 468، ص 469 الطبعة السابقة.
وأما العرف والعادة فالسكنى عندهم تكون بنحو وط ء الزوجة أو الاكل عندها أو النوم.
فلو حلف لا يساكن زوجته ثم وطئها أو نام أو نعس عندها أو أكل حنث ولا يحنث ان لم ينعس، وكذا ان كان فى سفر أو طريق أو فى غير بيت لا يحنث ولو جامع أو أكل أو شرب أو نام الا فى بيت أو خيمة أو قبة من جلد أو عود أو غيرهما وقيل حيثما جامعها فى السفر أو واكلها حنث وقيل لا حنث على حالف عن المساكنة الا باجتماع أكل أو شرب مع الجماع والنوم ان كان المحلوف عنه زوجة أو زوجا والا لم يشترط الجماع وخص من عموم النوم الاضطجاع حال كونه بنعاس معها أو مع غيرها ممن حلف عن مساكنته فى بيت وان نام معها أو مع غيرها فى غير بيت ونحوه لم يحنث.
وقال أبو الحوارى النوم بنعاس معها فى كبيت أنه يحنث به لا فى غير نحو البيت، ووجهه أن الجماع والمواكلة انما يجعل المسكن لهما ولنحوهما فهما مساكنة حيث وقعا ولو فى صحراء بلا ساتر فسبب الخلاف اعتبار اللفظ مع مدلوله واعتبار العرف والعادة واعتبار داعى المساكنة والسكنى فى نحو بيت وقد قال الله عز وجل «وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها 1» أى ليسكن اليها بالجماع والمؤانسة فسمى ذلك سكونا فباعتبار اللفظ أو اعتبار داعى المساكنة يحنث ولو جامع فى غير بيت ونحوه.
وقيل لا يحنث حتى يساكنها السكن المعتاد فى عرفه أو أن يجعله منزله.
وجاء فى التاج
(2)
أنه ان حلفت امرأة لا تسكن دار أبيها أو ابنها ثم تحولت عنه فكانت تزور وتقعد معه أياما أو تبيت فان نوت لا تتخذها منزلا فلا تحنث.
ومن حلف لا يسكن هذه الدار فانهدمت ولم يبق فيها سكنى ثم بناها وجعل فيها خيمة ثم سكنها فلا يحنث لأنها غير المحلوف عليها وان زال سقفها لا جدرها واعاده عليها ثم سكنها حنث.
وان حلف لا يسكن دار فلان فانهدمت الا موضعا فسكنه حنث واليمين على المقام.
ومن حلف لا يساكن فلانا فكانا فى سفينة لم يحنث، لأن ذلك سفر الا أن كانا زوجين وجامعها فيه.
ومن حلف عن مساكنة ولده وهو فى منزل كبير فيه بيوت وغرف ومنزل صغير وكبير وسكن هو والعيال لا يستأذن واحد على الآخر فهذا سكن واحد، وان وصل الى من حلف عنه لا يساكنه زائرا أو استضافه فنام عنده أو قال أو
(1)
الآية رقم 21 من سورة الروم.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 470 الطبعة السابقة.
بات أو جامع أو أكل أو شرب ثم رجع لم يحنث على هذا القول الاخير الذى هو أنه لا حنت حتى يساكنها المعتاد ولو لبث معه شهرا أو أكثر حتى ينوى مساكنة والزائر غير الساكن وكذا الضيف
(1)
.
ومن حلف لا يسكن منزلا فمرض فيه مريض فأتاه أول الليل ونام حتى أصبح لم يحنث وقيل ان أكل أو جامع ونام فقد سكن وكذا ان حلف لا يسكن قرية فدخلها لامر، ومن حلف لا ينتقل من منزل معين فلا يحنث حتى ينقل أهله وعياله كلهم ومتاعه ويبيت فى غيره وهو أى الانتقال بالأهل والمتاع والمبيت فى الغير.
حكم سكنى الدور الموقوفة
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار
(2)
نقلا عن الاسعاف: أن من وقف دوره للاستغلال فليس له أن يسكنها أحدا بلا أجر.
ثم قال صاحب الدر: ولو سكنه المشترى أو المرتهن ثم بان أنه وقف أو لصغير لزمه أجر المثل قال ابن عابدين وبه أفتى الرملى وغيره وجزم به فى الفتح.
وعلى هذا فما ذكره فى القنية من أنه لو سكن الدار سنين يدعى الملك ثم استحقت للوقف لا تلزمه أجرة ما مضى - ضعيف كما جزم به فى البحر.
ثم قال ابن عابدين ولو كان الموقوف دارا شرط الواقف سكناها لأولاده ونسله قال فى الاسعاف: تكون سكناها لهم ما بقى منهم أحد فلو لم يبق الا واحد وأراد أن يؤجرها أو أراد أن يؤجر ما فضل عنه منها فليس له ذلك وانما له السكنى فقط.
ولو كثرت أولاد الواقف وضاقت الدار عليهم فليس لهم أن يؤجروها وانما تقسط سكناها على عددهم. ومن مات منهم بطل ما كان له من سكناها ويكون لمن بقى منهم.
ولو كانوا
(3)
ذكورا واناثا وأراد كل من الرجال والنساء أن يسكنوا معهم نساءهم وأزواجهن معهن جاز لهم ذلك ان كانت الدار ذات مقاصير وحجر يغلق على كل واحدة باب. وان كانت دارا واحدة لا يمكن أن تقسط بينهم لا يسكنها الا من جعل لهم الواقف السكنى دون غيرهم من نساء الرجال ورجال النساء، لأن الواقف قصد صيانتهم وسترهم، فلو سكن زوج امرأة معها ولها فى هذه الدار أخوات مثلا كان فيه بذلة لهن بدخول الرجل
(1)
المرجع السابق لاطفيش ج 2 ص 471 الطبعة السابقة.
(2)
الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين ج 3 ص 507، ص 508 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 509 الطبعة السابقة.
عليهن كما فى الخصاف، بخلاف ما اذا كان لكل منهم حجرة لها باب يغلق فان لكل أن يسكن بأهله وحشمه وجميع من معه كما فى الخصاف أيضا.
ثم قد صرح الخصاف بأنه اذا لم يكن فيها حجر لا تقسم ولا يقع فيها مهايأة بينهم.
قال ابن عابدين: وظاهره أنه لو كان فيها حجر لا تكفيهم فهى كذلك أى يسكنها المستحقون فقط دون نساء الرجال ورجال النساء، ولذا قال فى الفتح بعد نقله كلام الخصاف وعن هذا تعرف أنه لو سكن بعضهم فلم يجد الآخر موضعا يكفيه لا يستوجب أجرة حصته على الساكنين بل ان أحب أن يسكن معه فى بقعة من تلك الدار بلا زوجة أو زوج والا ترك المتضيق وخرج أو جلسوا معا كل فى بقعة الى جنب الآخر.
ثم قال
(1)
: ولو كان الموقوف دارا فعمارته على من له السكنى أى على من يستحقها - ولو متعددا قال ابن عابدين ومفاده أنه لو كان بعض المستحقين غير ساكن فيها يلزمه التعمير مع الساكنين لأن تركه لحقه لا يسقط حق الوقف فيعمر معهم والا تؤجر حصته.
وفى الدر تكون العمارة من ماله قال ابن عابدين فاذا رم حيطانها بالآجر أو أدخل فيها جذعا ثم مات ولا يمكن نزع ذلك فليس للورثة نزعه بل يقال لمن له السكنى بعده: أضمن لورثته قيمة البناء فان أبى أو جرت الدار وصرفت الغلة اليهم بقدر قيمة البناء ثم أعيدت السكنى الى من له السكنى وليس له أن يرضى بالهدم والقلع، وان كان مارم الأول مثل تجصيص الحيطان وتطيين السطوح وشبه ذلك لم يرجع الورثة بشئ لأن ما لا يمكن أخذ عينه فهو فى حكم الهالك بخلاف الآجر والجذع.
وفى البحر عن القنية: لو بنى واحد من الموقوف عليهم بعض الدار وطين البعض وجصص البعض وبسط فيه الآجر فطلب الآخر حصته ليسكن فيها فمنعه حتى يدفع حصة ما أنفق ليس له ذلك والطين والجص صار تبعا للوقف وله نقض الآجر ان لم يضر.
وفى الدر قال: وتكون العمارة من مال مستحق السكنى لا من الغلة قال ابن عابدين: لأن من له السكنى لا يملك الاستغلال بلا خلاف.
ثم قال فى الدر: ولو أبى من له السكنى أو عجز لفقره عمر الحاكم أى أجرها الحاكم منه أو من غيره وعمرها بأجرتها كعمارة الواقف ولم يزد فى الاصح الا برضا من له السكنى.
ولا تصح اجارة من له السكنى، بل المتولى أو القاضى ثم يردها بعد التعمير الى من له حق السكنى رعاية للحقين - حق الوقف
(1)
الدر المختار ج 3 ص 526 الطبعة السابقة.
وحق صاحب السكنى، لأنه لو لم يعمرها تفوت السكنى أصلا - ولا عمارة على من له الاستغلال، لأنه لا سكنى له، فلو سكن هل تلزمه الاجرة؟ الظاهر:
لا، لعدم الفائدة الا اذ احتيج للعمارة فيأخذها المتولى ليعمر بها.
قال ابن عابدين
(1)
: قال فى البحر:
من له السكنى لا يملك الاستغلال ومن له الاستغلال لا يملك السكنى، كما صرح به فى البزازية والفتح أيضا بقوله: وليس للموقوف عليهم الدار سكناها، بل الاستغلال، كما ليس للموقوف عليهم السكنى الاستغلال.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير
(2)
: أن الواقف ان عاد لسكنى مسكنه الذى وقفه قبل عام بعد أن حيز عنه واستمر ساكنا حتى حصل المانع بطل الوقف ولا مفهوم لمسكنه ولا لسكنى اذ الانتفاع بما حبسه بغير السكنى كذلك ومفهوم قبل عام أنه لو عاد بعد عام لم يضر وان كان وقفه على محجوره وهو كذلك الا أنه جرى فيما اذا سكن ما وقفه على محجوره بعد عام حتى حصل المانع قولان مشهوران.
أحدهما: لا يبطل الوقف وهو المشهور وعليه العمل.
الثانى: يبطل الوقف وليس عليه العمل - هذا اذا عاد له بكراء.
أما اذا عاد له بارفاق أى بدون مقابل كالعارية فانه يبطل اتفاقا.
وجاء فى التاج والاكليل
(3)
بهامش الحطاب: عن ابن يونس أن مالكا رضى الله عنه قال: من حبس حبسا فسكنه زمانا ثم خرج منه بعد ذلك فلا أراه الا وقد أفسد حبسه وهو ميراث.
قال ابن القاسم ان حيز عنه بعد ذلك فى صحته حتى مات فهو نافذ فان رجع وسكن فيه بكراء بعد ما حيز عنه فان جاء بعد ذلك أمر بين من الحيازة فذلك، نافذ قاله مالك.
قال محمد: هذا اذا حاز ذلك المحبس عليه نفسه أو وكيله ولم يكن فيهم صغير ولا من لم يولد بعد فأما من جعل ذلك بيد من يحوزه على المتصدق عليه حتى يقدم أو يكبر أو يولد أو كان بيده هو يحوزه لمن يجوز له حوزه ثم سكن ذلك قبل أن يلى الصغير نفسه وقبل أن يحوزه من ذكرنا ممن حبسه عليه فذلك يبطله فقول مالك والمعلوم من قول ابن القاسم أنه ان رجع بعمرى أو كراء أو ارفاق أو غير ذلك بعد أن حازها الموقوف عليه سنة ان الوقف نافذ.
(1)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 3 ص 27 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 79، ص 80 الطبعة السابقة.
(3)
الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 6 ص 24، ص 25 الطبعة السابقة.
قال ابن رشد وأما الصغار فمتى سكن أو عمر ولو بعد عام بطل.
وجاء فى التاج
(1)
والاكليل: ان مالكا قال من حبس على صغار ولده دارا أو وهبها لهم أو تصدق عليهم فان حوزه لهم حوز الا أن يكون ساكنا فيها كلها أو جلها حتى مات فيبطل جميعها وأما الدار الكبيرة يسكن أقلها ويكرى لهم باقيها فذلك نافذ فيما سكن وفيما لم يسكن.
ومن قال تصدقت بدارى على المساكين يسكنونها أو يستغلونها فانها تكون حبسا على المساكين للسكنى والاستغلال ولاتباع.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(2)
وهامشه:
أن منافع الوقف ملك للموقوف عليه لأن ذلك مقصوده يستوفيها بنفسه وبغيره باعارة أو اجارة ان كان ناظرا والا امتنع عليه نحو الاجارة لتعلقها بالناظر أو نائبه وذلك كسائر الأملاك ومحله ان لم يشترط ما يخالف ذلك ومنه ما لو وقف داره على أن يسكنها معلم الصبيان أو الموقوف عليهم فيمتنع غير سكناه وما نقل عن النووى من أنه لما ولى دار الحديث وبها قاعة للشيخ أسكنها غيره اختيار له أو لعله لم يثبت عنده أن الواقف نص على سكنى الشيخ.
ولو تعذر سكنى من شرطت له كأن دعت ضرورة الى خروجه من بلد الوقف أو كان الموقوف عليه امرأة ولم يرض زوجها بسكناها فى المحل المشروط لها فينبغى أن يكون كمنقطع الوسط فيصرف لأقرب رحم الواقف مادام العذر موجودا، ولا تجوز له أجارته لبعد الاجارة عن غرض الواقف من السكنى.
ولو أن رجلا وقف بيتا على نفسه أيام حياته ثم من بعده على اخوته ثم انه شرط فى وقفه شروطا منها: أن لزوجته السكن والاسكان مدة حياتها عازبة كانت أو متزوجة فهل تستحق الزوجة المذكورة السكن والاسكان لجميع البيت دون الاخوة الموقوف عليهم أم لا؟ أجاب عنه شيخنا: بأن الزوجة تستحق السكنى والاسكان، فان اتفق استيعابها البيت المذكور فلا حق لأخوته معها فى البيت، فلا يزاحمونها فى شئ ما دامت ساكنة أو مسكنة لا بأنفسهم ولا بايجارهم لغيرهم، وان فضل شئ من البيت يزيد على ما هى منفعته به كان لهم التصرف فيه، واذا
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 26، ص 27 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 5، ص 386 وهامشه الطبعة السابقة.
أعرضت عن المحل أو منعها من الانتفاع مانع كان الحق لهم ما دامت تاركة له.
وجاء فى مغنى المحتاج
(1)
: أنه يجوز للواقف وللناظر الذى من جهته عزل المدرس ونحوه اذا لم يكن مشروطا فى الوقف لمصلحة ولغير مصلحة، لأنه كالوكيل المأذون له فى اسكان هذه الدار لفقير، فله أن يسكنها من شاء من الفقراء، واذا أسكنها فقيرا مدة فله أن يخرجه ويسكن غيره لمصلحة ولغير مصلحة، وليس تعيينه لذلك يصيره كأنه مراد الواقف حتى يمتنع تغييره.
وجاء فى الفتاوى
(2)
لابن حجر: واذا شرط الواقف الانتفاع بالموقوف سكنا واسكانا وشرط فيه أيضا أن يصرف من ريعه عشرة جنيهات لقارئ مثلا فاذا اتفق المستحقون على السكنى به يلزمهم أن يدفعوا العشرة الجنيهات المشروطة للقارئ ويستقر ذلك فى ذمتهم كالدين الشرعى، واذا أراد البعض السكنى والبعض الاجارة وتنازعوا وعطلوا مصالح الوقف بمقتضى ذلك فيؤجر الناظر عليهم قهرا، ويؤدى كل ذى حق حقه بعد العمارة أو يعلقوا عليهم أجمعين، فان ما قبضه الناظر من حق المستحقين يرجع به على تركته اذا مات وهو باق عنده، وما حصل من ريع الوقف جميعه أو بعضه ينظر فيه لشرط الواقف، فان شرط لذى القراءة مثلا قدرا معلوما والباقى لغيره قدم بجميع ذلك القدر ولم يستحق من بعده الا ما فضل عنه، وان شرط له قدرا معلوما من غير أن يشرط تقديمه فكل ما قبض من الغلة يوزع على المستحقين بقدر حصصهم وان فوت الموقوف عليهم غلة الوقف سكنى أو غيرها لزمهم للقارئ أجرة المثل لما فوتوه عليه فان كان بقدر أجرته فهو ظاهر، أو أكثر صرف الباقى للمستحقين، أو أقل لم يكن له غيره.
واذا أراد البعض السكنى والبعض الاجارة وتنازعوا عند الحاكم أعرض الحاكم عنهما الى أن يتفقا على شئ ولا يحكم عليهما بفعل ولا غيره بل يلزم الناظر بفعل ما فيه الأصلح من اسكان طالب السكنى.
ثم قال فى موضع آخر
(3)
: أن السبكى وغيره قد قطعا بالصحة فيما لو وقف عليه أن يسكن مكان كذا، وهذا صادق بما اذا عين مكانا لا يسكن الا بأجرة زائدة على أجرة مثله وان لم يحتج الموقوف عليه بسكناه أو زادت أجرته على ما يحصل له من غلة الوقف، فما أوجب الاستحقاق هنا السكنى بالاجرة المذكورة مع عدم الاحتياج اليها، فكذلك تجب العمارة لاستحقاق السكنى ان أرادها، والا
(1)
مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج ج 2 ص 336 الطبعة السابقة.
(2)
الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيثمى ج 3 ص 239 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 272 الطبعة السابقة.
سقط حقه منها، فعلم أن الموقوف عليه قد يغرم وقد يحصل له رفق بالموقوف وأن هذا الشرط غير مناف للوقف حتى يلغو كشرط الخيار مثلا وانما غايته أنه قيد استحقاقه لسكناه بأن يعمر ما تهدم منه فان أراد ذلك فليعمره والا فليعرض عنه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى فتاوى ابن تيمية
(1)
: أنه لو وقفت مدرسة على الفقراء والمتفقهة الفلانية برسم سكناهم واشتغالهم فيها لم تختص السكنى والارتزاق بشخص واحد وتجوز السكنى من غير ارتزاق من المال كما يجوز الارتزاق من غير سكنى ولا يجوز قطع أحد الصنفين الا بسبب شرعى اذا كان الساكن مشتغلا سواء كان يحضر الدرس أم لا.
ولو وقفت
(2)
زاوية فيها عشرة فقراء مقيمون وبتلك الزاوية مطلع به امرأة عزب وهى من أوسط النساء ولم يكن شرط الواقف لها مسكنا فى تلك الزاوية ولم تكن من أقارب الواقف ولم يكن ساكن فى المطلع سوى المرأة المذكورة، وباب المطلع المذكور يغلق عليه باب الزاوية فان كان الواقف شرط أن لا يسكنه الا الرجال سواء كانوا عزابا أو متأهلين منعت لمقتضى الشرط وكذلك سكنى المرأة بين الرجال والرجال بين النساء يمنع منه لحق الله تعالى والله أعلم.
وقال صاحب الاقناع
(3)
: لو احتاجت دار موقوفة لسكنى الحاج أو الغزاة الى مرمة أوجر منه بقدر ذلك.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(4)
: التحبيس وهو الوقف جائز فى الأصول من الدور والأرضين بما فيها من الغراس والبناء ان كانت فيها وفى الأرجاء، ثم
(5)
قال:
ومن حبس داره أو أرضه ولم يسبل على أحد فله أن يسبل الغلة ما دام حيا على من شاء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «وسبل الثمرة» .
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(6)
: من وقف دارا على الفقراء أو أرضا لم يجز لأحد من الفقراء أن يسكن تلك الدار ولا أن يزرع تلك الأرض ونحوهما الا باذن المتولى.
ثم قال
(7)
: حكى فى شرح أبى مضر عن المؤيد بالله أن من وقف أرضا - يعنى دارا - على جماعة للاستغلال لا للسكنى لم يكن له أن يقسمها ولا لهم ذلك قال
(1)
من كتاب مجموعة فتاوى شيخ الاسلام تقى الدين بن تيمية الحرانى المتوفى سنة 728 هـ ج 4 ص 11 مسألة رقم 9 طبع مطبعة كردستان العلمية بمصر سنة 1326 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 17 مسألة رقم 16 الطبعة السابقة.
(3)
الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 3 ص 13 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 175 وما بعدها مسألة رقم 1652 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 9 ص 182 مسألة رقم 1655 الطبعة السابقة.
(6)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 3 ص 500 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ج 3 ص 460.
أبو مضر وعند يحيى يجوز ذلك كما فى وقف المشاع.
وجاء فى شرح الأزهار
(1)
. أنه اذا وقف شخص على النساء فلا يجوز أن يسكنها رجل قال البعض الا أن يكون تبعا لامرأة كخادمها أو ولدها أو زوجها فانه يجوز الا أن يعرف من قصد الواقف انفراد النساء فيها ولا يجوز لرجل أن يسكنها قط الا بأجرة وتكون الأجرة للنساء.
مذهب الأمامية:
جاء فى تذكرة الفقهاء
(2)
. لو قيد السكنى فى الوقف فقال: وقفت دارى ليسكنها الموقوف عليه لم يكن له اسكان غيره، ولو قال: وقفت دارى ليسكنها من يعلم الصبيان فى هذه القرية فللمعلم أن يسكنها، وليس له أن يسكن غيره بأجرة ولا بغير أجرة عملا بمقتضى ما شرطه الواقف، ولو قيد بالاستغلال فلا يجوز أن يسكنها الموقوف عليه، فاذا قال: وقفت دارى على أن تستغل وتصرف غلتها الى فلان تعين الاستغلال ولم يجز له أن يسكنها.
ثم قال
(3)
: اذا وقف الانسان مسكنا جاز له أن يقعد فيه مع من وقفه عليهم وليس له أن يسكن غيره فيه.
وقال ابن الجنيد فان لم يشترط لنفسه السكنى فيما تصدق به لم يكن له أن يسكن.
والوجه أنه لا يجوز له السكنى مع من وقف عليهم، لأن الواقف أخرج الملك عن نفسه بالوقف فلا يجوز له الانتفاع به كغيره.
ونقل الباقر أنه ان تصدق بمسكن على ذى قرابته فان شاء سكن معهم.
قال فى تذكرة الفقهاء ورواية الباقر ضعيفة السند.
وجاء فى العروة الوثقى
(4)
: اذا وقف دارا على زيد لسكناه يتخيل أنه موجود فتبين موته قبل ذلك لا يصح لأن من شروط الموقوف عليه أن يكون موجودا فلا يصح الوقف على المعدوم.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(5)
: يجوز لمن حبس وقفا أن يشترط الانتفاع لنفسه
(1)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 3 ص 462 وهامشه الطبعة السابقة.
(2)
من كتاب تذكرة الفقهاء للعلامة الكبير جمال الدين الحسن بن يوسف بن على بن مطهر الحلى المتوفى سنة 1756 هـ المجلد الثانى ص 440 طبع المكتبة المرتضوية لاحياء الآثار الجعفرية سنة 1388 هـ بطهران.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 448 الطبعة السابقة.
(4)
العروة الوثقى للعلامة الفقيه السيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 2 ص 208 الطبعة الثانية طبع دار الكتب الاسلامية بطهران سنة 388 لمرتضى الاطونى.
(5)
شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 286، 287 الطبعة السابقة.
فى حياته وبعد موته مثل أن يوصى بأرض للدفن ويقول أدفنونى فيها.
وروى أن انسانا وقف دارا بالمدينة فكان اذا قدم المدينة مارا بها للحج نزلها.
وروى أن الزبير بن العوام تصدق بدوره وقال للمردودة من بناته أى المطلقة أن تسكن غير مضارة ولا مضر بها فاذا استغنت بزوج فليس لها حق.
وجعل عبد الله بن عمر نصيبه من دار أبيه عمر سكنى لذوى الحاجة من آل عبد الله.
سكنى أهل الذمة مع المسلمين
مذهب الحنفية:
جاء فى تنوير الأبصار وشرحه
(1)
:
أن أهل الذمة اذا تكاروا دورا فيما بين المسلمين ليسكنوا فيها فى المصر جاز لعود نفعه الينا، وليروا تعاملنا فيسلموا.
قال الامام الحلوانى بشرط عدم تقليل الجماعات لسكناهم، فان لزم ذلك من سكناهم أمروا بالاعتزال عنهم والسكنى بناحية ليس فيها مسلمون وهو محفوظ عن أبى يوسف كما فى البخر عن الذخيرة.
وفى الأشباه: واختلف فى سكناهم بيننا فى المصر والمعتمد الجواز فى محلة خاصة.
وفى حاشية الحموى: أن الجواز مقيد بما شرطه الحلوانى وقد صرح التمرتاشى فى شرح الجامع الصغير بعد ما نقل عن الشافعى أنهم يؤمرون ببيع دورهم فى أمصار المسلمين وبالخروج عنها وبالسكنى خارجها لئلا يكون لهم محلة خاصة نقلا عن النسفى والمراد بالمنع المذكور عن الأمصار أن يكون لهم فى المصر محلة خاصة يسكنونها ولهم فيها منعة عارضة كمنعة المسلمين أى جماعات يمنعونهم من وصول غيرهم اليهم، فأما سكناهم بين المسلمين لا فى محلة خاصة بل متفرقين بينهم وهم مقهورون لهم فلا يكون ممنوعا.
ثم قال فى الدر المختار
(2)
: ويمنع أهل الذمة من استيطان مكة والمدينة لأنهما من أرض العرب قال ابن عابدين: أفاد ذلك أن الحكم غير مقصور على مكة والمدينة بل يشمل جزيرة العرب كلها كذلك كما عبر به فى الفتح وغيره وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى مات فيه كما أخرجه فى الموطأ وغيره: لا يجتمع فى أرض العرب دينان.
(1)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 3 ص 380، ص 381 الطبعة السابقة.
(2)
الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين ج 3 ص 379 الطبعة السابقة.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى
(1)
: أن للامام أن يأذن للكافر أن يسكن فى غير جزيرة العرب بخلاف سكنى مكة والمدينة وما فى حكمهما من أرض الحجاز واليمن لأنه من جزيرة العرب المشار اليها بقوله عليه الصلاة والسلام «لا يبقين دينان فى جزيرة العرب» .
وفى الحطاب قال
(2)
مالك يخرج من هذه المواضع كل من كان على غير الاسلام ولا يمنعون من التردد بها مسافرين وحيث قلنا أن لهم سكنى غير ذلك وهو صحيح لكنه يشترط أن يسكن حيث يناله حكمنا ولا يسكن حيث يخشى منه أن ينكث ويؤمر بالانتقال فان أبوا قوتلوا قال بعض المحققين اذا أسلم أهل جهة وخفنا عليهم الارتداد اذا فقد الجيش فانهم يؤخذون بالانتقال قال ابن عبد السّلام وظاهر كلام خليل أن حكم العبيد حكم الأحرار فى عدم السكنى فى جزيرة العرب وهو قول عيسى خلاف قول ابن سيرين قاله فى التوضيح.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(3)
: أنه يجوز للامام أن يأذن لأهل الذمة فى الاقامة والسكنى بدار الاسلام غير الحجاز بشرط اعطاء الجزية، فان صورة عقد الجزية هو أن يقول لهم الامام: أقركم بدار الاسلام أو يقول لهم: أذنت فى اقامتكم بها على أن تبذلوا جزية وتنقادوا لحكم الاسلام، وهذا بالنسبة للرجل الحر البالغ العاقل، فالجزية
(4)
نفرض على أهل الذمة نظير سكناهم بدارنا.
أما المرأة والخنثى ومن فيه رق والصبى فانهم لا يلتزمون بالجزية نظير سكناهم، وكذلك المجنون، فان تقطع جنونه قليلا كساعة من شهر ونحو يوم من سنة لزمته أو تقطع كثيرا كيوم ويوم فالأصح تلفيق الافاقة ان أمكن، فان بلغت أيام الافاقة سنة وجبت الجزية، لسكناه سنة بدارنا وهو كامل، فان لم يمكن أجرى عليه حكم الجنون فى الجميع كما هو المتجه.
ويمنع كل كافر من استيطان الحجاز، يعنى الاقامة به ولو بلا استيطان.
وقيل له الاقامة.
وأفهم كلامه أنه يجوز شراء أرض فيه لم يقم بها وهو الأوجه.
لكن الصواب منعه، لأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه كالأوانى وآلات اللهو، واليه يشير قول الشافعى:
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 201 الطبعة السابقة.
(2)
الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 3 ص 381 الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 8 ص 80، ص 81 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق للرملى ج 8 ص 84، ص 85.
ولا يتخذ الذمى شيئا من الحجاز دارا، وان رد بأن هذا ليس من ذاك.
وانما منع من الحجاز لقوله صلى الله عليه وسلم عند موته، أخرجوا المشركين من جزيرة العرب.
وفى رواية أن آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخرجوا اليهود من الحجاز» .
وفى أخرى أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، وليس المراد جميعها بل الحجاز منها، لأن عمر أجلاهم منه وأقرهم باليمن مع أنه منها.
وهو أى الحجاز مكة والمدينة واليمامة وقراها أى الثلاثة كالطائف وجدة وخيبر والينبع.
وقيل له الاقامة فى طرقه الممتدة بين هذه البلاد لأنها التى لا تعد منها نعم التى بحرم مكة يمنعون منها قطعا.
وجاء فى الأم
(1)
: أن الامام الشافعى رحمه الله تعالى قال: ولا يبين لى أن يحرم أن يمر ذمى بالحجاز مارا لا يقيم ببلد منها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر، لأنه قد يحتمل أمر النبى صلى الله عليه وسلم باجلائهم عنها أن لا يسكنوها، ويحتمل لو ثبت عنه لا يبقين دينان بأرض العرب «لا يبقين دينان مقيمان» ، ولولا أن عمر ولى الخراج أهل الذمة لما ثبت عنده من أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم محتمل ما رأى عمر من أن أجل من قدم من أهل الذمة تاجرا ثلاث لا يقيم فيها بعد ذلك لرأيت أن لا يصالحوا بدخولها بكل حال.
قال الشافعى رحمه الله تعالى ولا يتخذ ذمى شيئا من الحجاز دارا ولا يصالح على دخولها الا مجتازا أن صولح.
قال الشافعى رحمه الله تعالى: فاذا أذن لهم أن يدخلوا الحجاز فذهب لهم بها مال أو عرض لهم بها شغل قيل لهم وكلوا بها من شئتم من المسلمين واخرجوا ولا يقيمون بها أكثر من ثلاث.
وأما مكة فلا يدخل الحرم أحد منهم بحال أبدا كان لهم بها مال أو لم يكن وان غفل عن رجل منهم فدخلها فمرض أخرج مريضا أو مات أخرج ميتا ولم يدفن بها، وان مات منهم ميت بغير مكة دفن حيث يموت أو مرض فكان لا يطيق أن يحمل الا بتلف عليه أو زيادة فى مرضه ترك حتى يطيق الحمل ثم يحمل.
قال وان صالح الامام أحدا من أهل الذمة على شئ يأخذه فى السنة منهم مما قلت لا يجوز الصلح عليه على أن
(1)
من كتاب الام للامام أبى عبد الله محمد ابن ادريس الشافعى وبهامشه مختصر الامام الجليل أبى ابراهيم اسماعيل بن يحيى المزنى الشافعى المتوفى سنة 264 ج 4 ص 99، ص 100 الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة 1311 هـ.
يدفعوا اليه شيئا فيقبض ما حل عليهم فلا يرد منه شيئا، لأنه قد وفى له بما كان بينه وبينه، وان علم بعد مضى نصف السنة نبذه اليهم مكانه وأعلم أن صلحهم لا يجوز، وقال ان رضيتم صلحا يجوز جددته لكم وان لم ترضوه أخذت منكم ما وجب عليكم وهو نصف ما صالحتكم عليه فى السنة، لأنه قد تم لكم ونبذت اليكم، وان كانوا صالحوا على أن سلفوه شيئا لسنتين رد عليهم ما صالحوه عليه الا قدر ما استحق بمقامهم ونبذ اليهم، ولم أعلم أحدا أجلى أحدا من أهل الذمة من اليمن، وقد كانت بها ذمة وليست بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن.
ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن، فأما سائر البلدان ما خلا الحجاز فلا بأس أن يصالحوا على المقام بها.
فاذا وقع لذمى حق بالحجاز وكل به ولم أحب أن يدخلها بحال، ولا يدخلها لمنفعة لأهلها، ولا غير ذلك من أسباب الدخول كتجارة يعطى منها شيئا، ولا كراء يكريه مسلم ولا غيره، فان أمر باجلائه من موضع فقد يمنع من الموضع الذى أجلى منه، وهذا اذا فعل فليس فى النفس منه شئ، واذا كان هذا هكذا فلا يتبين أن يمنعوا ركوب بحر الحجاز ويمنعون المقام فى سواحله، وكذلك ان كانت فى بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن منعوا سكناها، لأنها من أرض الحجاز، واذا دخل الحجاز منهم رجل فى هذه الحالة فان كان تقدم اليه أدب وأخرج وان لم يكن تقدم اليه لم يؤدب وأخرج وان عاد أدب.
مذهب الحنابلة:
جاء فى
(1)
المغنى: أنه لا يجوز لأحد من المشركين سكنى الحجاز، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يجتمع دينان فى جزيرة العرب» .
وروى أبو داود باسناده عن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها الا مسلما، قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال:
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء قال «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالث، رواه أبو داود» .
وجزيرة العرب ما بين الوادى الى أقصى اليمن قاله سعيد بن عبد العزيز.
قال الاصمعى وأبو عبيدة هى من ريف العراق الى عدن طولا، ومن تهامة وما وراءها الى أطراف الشام عرضا.
(1)
المغنى لابن قدامة الحنبلى ج 10 من ص 613 إلى ص 616 الطبعة السابقة.
وقال أبو عبيدة هى من حفر أبى موسى الى اليمن طولا، ومن رمل تيرين الى منقطع السماوة عرضا.
وقال أحمد جزيرة العرب المدينة وما والاها، يعنى أن الممنوع من سكن الكفار المدينة وما والاها، وهى مكة واليمامة وخيبر والينبع وفدك ومخاليفها، وما والاها، لأنهم لم يجلوا من تيماء ولا من اليمن.
وأما الحرم فليس لهم دخوله بحال ولا يستوطنون به، ولهم دخول الكعبة، والمنع من الاستيطان لا يمنع الدخول والتصرف كالحجاز لقول الله تعالى «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ 1 نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا» والمراد به الحرم بدليل قوله تعالى «وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً» يريد ضررا بتأخير الجلب عن الحرم دون المسجد.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح
(2)
الأزهار ومثله فى التاج المذهب: أنه لا يجوز أن يسكن أهل الذمة فى غير خططهم
(3)
: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أخرجوهم من جزيرة العرب يعنى اليهود والنصارى» .
وروى أنه قال صلى الله عليه وسلم «لا يجتمع دينان فى جزيرة العرب» .
وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «لأخرجن اليهود من جزيرة العرب» .
قال الامام يحيى: والمراد بجزيرة العرب هى مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها، فان هذه البلاد وان كانت لهم دون غيرهم فليس لهم أن يسكنوا غيرها من بلاد الاسلام الا باذن المسلمين، وليس لهم أن يأذنوا لهم بذلك الا لمصلحة مرجحة لتبقيتهم، اما لينتفع المسلمون بقربهم، لأجل الجزية أو لصنائع يختصون بها، أو نحو ذلك، واما لغير مصلحة فلا يجوز تقريرهم.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع
(4)
الاسلام: أنه لا يجوز استئناف البيع والكنائس فى بلاد الاسلام، ولو استجدت وجب ازالتها، سواء كان البلد مما استجده المسلمون أو فتح عنوة أو صلحا على أن تكون الأرض للمسلمين، ولا بأس بما كان قبل الفتح وبما استجدوه فى أرض فتحت صلحا على أن تكون الارض لهم، واذا انهدمت كنيسة مما لهم استدامتها جاز اعادتها.
وقيل لا: اذا كانت فى أرض المسلمين، وأما اذا كانت فى أرضهم فلا بأس.
(1)
الآية رقم 28 من سورة التوبة.
(2)
شرح الأزهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 568 الطبعة السابقة والتاج المذهب لاحكام المذهب للعنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 454 الطبعة السابقة.
(3)
الخطط هى البلد الذى اختطوه من قبل أى اتخذوه مسكنا واختطوا به وخططهم هى ايلة وهى ما بين مصر والشام وعمورية وفلسطين أى بيت القدس وخيبر والقسطنطينية وهى استنبول.
(4)
شرائع الاسلام فى الفقه الامامى الجعفرى للحلى ج 1 ص 155، ص 156 الطبعة السابقة.
وأما المساكن فكل ما يستجده الذمى لا يجوز أن يعلو به على المسلمين من مجاوريه ويجوز مساواته على الأشبه ويقر ما ابتاعه من مسلم على علوه كيف كان، ولو انهدم لم يجز أن يعلو به على المسلم ويقتصر على المساواة فما دون.
وأما المساجد فلا يجوز أن يدخل المسجد الحرام اجماعا ولا غيره من المساجد عندنا.
ولو أذن لهم لم يصح الاذن لا استيطانا ولا اجتيازا، ولا يجوز لهم استيطان الحجاز على قول مشهور.
وقيل المراد به مكة والمدينة، وفى الاجتياز به والامتياز منه تردد .. ومن أجازه جده بثلاثة أيام، ولا جزيرة العرب.
وقيل المراد بها مكة والمدينة واليمن ومخاليفها، وقيل: هى من عدن الى ريف عبادان طولا، ومن تهامة وما والاها الى أطراف الشام عرضا.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح
(1)
النيل: الجزية تفرض على أهل الذمة نظير سكناهم بدارنا، فاذا سكنوا فانهم يمنعون من أن يتطاولوا على المسلمين فى البناء، وتجوز المساواة.
وقيل: لا تجوز، وأن تملكوا دارا عالية أقروا عليها.
ثم قال ويمنعون من المقام فى أرض الحجاز، وهى مكة والمدينة واليمامة، بل من جزيرة العرب.
وفى السؤالات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا برئ من مسلم مع مشرك قيل: لم يا رسول الله قال:
لا تتراءى نارهما الا عن حرب. هذه تدعو الى الله، وهذه تدعو الى الشيطان، وأمر صلى الله عليه وسلم باخراج اليهود من جزيرة العرب».
قال بعضهم جزيرة العرب ما بين حفر أبى موسى وأقصى اليمن فى الطول، وأما العرض فمن جدة الى أطوار الشام.
وقيل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم والحجاز ومكة والطائف وهو قول مالك ابن أنس.
وقيل كل ما ملكه العرب
وقيل كل ما بلغه التوحيد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم عربى وروى عنه صلى الله عليه وسلم من طريق ابن عباس رضى الله عنهما أنه أمرهم حين احتضر بثلاث. قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم والثالثة اما أن سكت عنها واما أن قالها فنسيتها.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 10 ص 411 الطبعة السابقة.
حكم اسكان الأعيان المؤجرة
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(1)
أنه يشترط فى اجارة المنازل تسليم الدار للمستأجر على معنى أنه يجب التخلية والتمكين من الانتفاع برفع الموانع فى اجارة المنازل ونحوها، حتى لو انقضت المدة من غير تسليم المستأجر لا يستحق المؤجر شيئا من الأجر، لأن المستأجر لم يملك من المعقود عليه شيئا، فلا يملك هو أيضا شيئا من الأجر، لأنه معاوضة مطلقة، ولو مضى بعد العقد مدة ثم سلم فلا أجر له فيما مضى، لعدم التسليم فيه.
ولو أجر المنزل فارغا وسلم المفتاح الى المستأجر فلم يفتح الباب حتى مضت المدة لزمه كل الأجر، لوجود التسليم وهو التمكين من الانتفاع برفع الموانع فى جميع المدة فحدثت المنافع فى ملك المستأجر على ملكه، فلا يسقط عنه الأجر، وان لم يسلم المفتاح اليه لكنه أذن له بفتح الباب فقال: مر وافتح الباب، فان كان يقدر على فتح الباب بالمعالجة لزمه الكراء لوجود التسليم، وان لم يقدر لا يلزمه، لأن التسليم لم يوجد.
ولو أن شخصا استأجر دارا ليسكنها شهرا فسكن فى بعض الوقت ثم حدث بها مانع يمنع من الانتفاع فلا تلزمه أجرة تلك المدة، لأن المعقود عليه المنفعة فى تلك المدة، لأنها تحدث شيئا فشيئا فلا تصير منافع المدة مسلمة بتسليم محل المنفعة، لأنها معدومة والمعدوم لا يحتمل التسليم، وانما يسلمها على حسب وجودها شيئا فشيئا، فاذا اعترض مانع فقد تعذر تسليم المعقود قبل القبض فلا يجب البدل.
هذا ولا بد فى اجارة الدور والمنازل والبيوت من بيان المدة، لأن المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدونه، فترك بيانه يفضى الى المنازعة، وسواء قصرت المدة أو طالت من يوم أو شهر أو سنة أو أكثر من ذلك بعد أن كانت معلومة، وسواء عين اليوم أو الشهر أو السنة أو لم يعين ويتعين الزمان الذى يعقب العقد لثبوت حكمه، لأن التعيين قد يكون نصا، وقد يكون دلالة، وقد وجدها هنا دلالة التعيين من وجهين.
أحدهما: أن الإنسان انما يعقد عقد الإجارة للحاجة والحاجة عقيب العقد قائمة.
والثانى: ان العاقد يقصد بعقده الصحة، ولا صحة لهذا العقد الا بالعرف فى الشهر الذى يعقب العقد فيتعين.
ولو أجر داره شهرا أو شهورا معلومة فإن وقع العقد فى غرة الشهر يقع على الأهلة بلا خلاف، حتى لو نقص الشهر يوما كان عليه كمال الأجرة، لأن الشهر اسم للهلال، وإن وقع بعد ما مضى بعض الشهر ففى إجارة الشهر يقع على ثلاثين يوما بالإجماع، لتعذر اعتبار الأهلة فتعتبر بالأيام، وأما فى اجارة الشهر ففيها روايتان عن أبى حنيفة: فى رواية اعتبر الشهور كلها بالايام، وفى
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 4 ص 179 الطبعة السابقة.
رواية اعتبر تكميل هذا الشهر بالأيام من الشهر الأخير والباقى بالأهلة.
وهكذا ذكر فى الأصل فقال: اذا استأجر سنة أولها هذا اليوم، وهذا اليوم لأربعة عشر من الشهر، فإنه يسكن بقية هذا الشهر وأحد عشر شهرا بالأهلة وأربعة عشر يوما من الشهر الأخير وهو قول أبى يوسف ومحمد.
ولو قال آجرتك هذه الدار سنة كل شهر بدرهم جاز بالاجماع، لأن المدة معلومة والأجرة معلومة، ولا يملك أحدهما الفسخ قبل تمام السنة من غير عذر، ولو لم يذكر السنة فقال: آجرتك هذه الدار كل شهر بدرهم جاز فى شهر واحد عند أبى حنيفة، وهو الشهر الذى يعقب العقد، كما فى بيع العين، لأن جملة الشهور مجهولة، فأما الشهر الاول فمعلوم، وهو الذى يعقب العقد.
وذكر القدورى أن الصحيح من قول أبى يوسف ومحمد أنه لا يجوز أيضا، وفرقا بين الاجارة وبيع العين من حيث أن كل شهر لا نهاية له، فلا يكون المعقود عليه معلوما، بخلاف الصبرة، لأنه يمكن معرفة الجملة بالكيل.
وعامة مشايخنا قالوا: تجوز هذه الاجارة على قولهما كل شهر بدرهم كما فى بيع الصبرة كل قفيز بدرهم
(1)
.
ثم قال
(2)
: لو أستأجر دارا شهرا بعشرة دراهم على أنه ان سكنها يوما ثم خرج فعليه عشرة دراهم فهو فاسد، لأن المعقود عليه مجهول وهو سكنى شهر أو يوم.
ثم قال
(3)
: ولا يشترط بيان ما تستأجر له المنازل، حتى لو استأجر ولم يسم ما يعمل فيه جاز، وله أن يسكن فيه نفسه، وأن يسكن فيه معه غيره، وله أن يسكن فيه غيره بالاجارة والاعارة، وله أن يضع فيه متاعا وغيره، غير أنه لا يصح أن يجعل فيه حدادا، ولا قصارا، ولا طحانا، ولا ما يضر بالبناء ويوهنه، وانما كان كذلك، لأن الاجارة شرعت للانتفاع، والدور والمنازل والبيوت ونحوها معدة للانتفاع بها بالسكنى، ومنافع العقار المعدة للسكنى متقاربة، لأن الناس لا يتفاوتون فى السكنى فكانت معلومة من غير تسمية، وكذا المنفعة لا تتفاوت بكثرة السكان وقلتهم الا تفاوتا يسيرا، وأنه ملحق بالعدم ووضع المتاع من توابع السكنى.
وذكر فى الأصل أن له أن يربط فى الدار دابته وبعيره وشاته، لأن ذلك من توابع السكنى.
وقيل أن هذا الجواب على عادة أهل الكوفة.
(1)
المرجع السابق للكاسانى ج 4 ص 181، ص 182 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 4 ص 187 الطبعة السابقة.
(3)
البدائع للكاسانى ج 4 ص 182 الطبعة السابقة.
والجواب فيه يختلف باختلاف العادة، فان كان فى موضع جرت العادة بذلك فله ذلك والا فلا.
وانما لم يكن له أن يقعد فيه من يضر بالبناء ويوهنه من القصار والحداد والطحان، لأن ذلك اتلاف العين، وأنه لم يدخل تحت العقد اذ الاجارة بيع المنفعة لا بيع العين ولأن مطلق العقد ينصرف الى المعتاد.
ثم قال
(1)
: ولو أن شخصا أجر داره على أن يسكنها شهرا، ثم يسلمها الى المستأجر، فالاجارة فاسدة، لأن هذا شرط لا يقتضيه العقد، ولأنه شرط لا يلائم العقد، ولا بد فى ركن عقد الاجارة من أن يكون خاليا عن شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، هذا وزيادة منفعة مشروطة فى العقد لا يقابلها عوض فى معاوضة المال يكون ربا أو فيها شبهة الربا، وكل ذلك مفسد للعقد.
وقد ذكر فى الأصل أنه اذا استأجر شخص دارا معلومة بأجرة مسماة على أن لا يسكنها، فالاجارة فاسدة، ولا أجرة على المستأجر اذا لم يسكنها، وان سكنها فعليه أجر مثلها لا ينقص مما سمى.
أما فساد العقد، فلأن شرطه أن لا يسكن انما هو نفى موجب العقد - وهو الانتفاع بالعقود عليه، ثم أنه شرط يخالف مقتضى العقد ولا يلائم العقد، فكان شرطا فاسدا.
وأما عدم وجوب الأجر رأسا ان لم يسكن ووجوب أجر المثل أن سكن، فلأن أجر المثل فى الاجارات الفاسدة انما يجب باستيفاء المعقود عليه لا بنفس التسليم وهو التخلية كما فى النكاح الفاسد، لأن التخلية هى التمكين ولا يتحقق مع الفساد، لوجود المانع من الانتفاع به شرعا فأشبه المنع الحسى من العباد وهو الغصب، بخلاف الاجارة الصحيحة، لأنه لا مانع هناك فتحقق التسليم، فلئن لم ينتفع به المستأجر فقد أسقط حق نفسه فى المنفعة فلا يسقط حق الآجر فى الأجرة، واذا سكن فقد استوفى المعقود عليه بعقد فاسد، ومثله يوجب أجر المثل.
ومن استأجر دارا لم يرها، ثم رآها فلم يرض بها فله ردها، لأن الاجارة بيع المنفعة فيثبت فيها خيار الرؤية كما فى بيع العين فان رضى بها بطل خياره كما فى بيع العين.
ومن استأجر
(2)
دارا يسكنها فانهدم بعض بناء الدار فالمستأجر بالخيار ان شاء مضى على الاجارة وان شاء فسخ، لأنه اذا حدث بالعين المستأجرة عيب يخل بالانتفاع بها لم يبق العقد لازما، بخلاف البيع اذا حدث بالمبيع عيب بعد القبض انه ليس للمشترى أن يرده، لأن الاجارة بيع المنفعة والمنافع تحدث شيئا فشيئا، فكان كل جزء من أجزاء
(1)
المرجع السابق للكاسانى ج 4 ص 194، 195 الطبعة السابقة
(2)
البدائع للكاسانى ج 4 ص 195، 196 الطبعة السابقة.
المنافع معقودا مبتدأ، فاذا حدث العيب بالمستأجر كان هذا عيبا حدث بعد العقد قبل القبض، وهذا يوجب الخيار فى بيع العين.
واذا ثبت الخيار للمستأجر فان لم يفسخ ومضى على ذلك الى تمام المدة فعليه كمال الأجرة، لأنه رضى بالمعقود عليه مع العيب فيلزمه جميع البدل.
وان زال العيب قبل أن يفسخ بأن بنى المؤاجر ما سقط من الدار بطل خيار المستأجر لأن الموجب للخيار قد زال والعقد قائم فيزول الخيار.
هذا اذا كان العيب مما يضر بالانتفاع بالمستأجر فان كان لا يضر الانتفاع به بقى العقد لازما ولا خيار للمستأجر، كما اذا سقط من الدار المستأجرة حائط لا ينتفع به فى سكناها، لأن العقد ورد على المنفعة لا على العين، اذ الاجارة بيع المنفعة لا بيع العين، ولا نقصان فى المنفعة بل فى العين والعين غير معقود عليها فى باب الاجارة وتغير عين المعقود عليه لا يوجب الخيار، بخلاف ما اذا كان العيب الحادث مما يضر بالانتفاع، لأنه اذا كان يضر بالانتفاع فالنقصان يرجع الى المعقود عليه فأوجب الخيار، فله أن يفسخ.
ثم انما يلى الفسخ اذا كان المؤاجر حاضرا فان كان غائبا فحدث بالمستأجر ما يوجب حق الفسخ، فليس للمستأجر أن يفسخ، لأن فسخ العقد لا يجوز الا بحضور العاقدين أو من يقوم مقامهما.
وقال هشام: ولو انهدمت الدار كلها فقد اختلفت اشارة الروايات فيه: ذكر فى بعضها ما يدل على أن العقد ينفسخ.
فقد ذكر محمد فى اجارة الأصل اذا سقطت الدار كلها فله أن يخرج، سواء كان صاحب الدار شاهدا أو غائبا فهذا دليل الانفساخ، حيث جوز للمستأجر الخروج من الدار مع غيبة المؤاجر، ولو لم تنفسخ توقف جواز الفسخ على حضوره.
والوجه فيه أن المنفعة المطلوبة من الدار قد بطلت بالسقوط اذ المطلوب منها الانتفاع بالسكنى، وقد بطل ذلك فقد هلك المعقود عليه فيفسخ العقد.
وذكر فى بعضها ما يدل على أن العقد لا ينفسخ لكن يثبت حق الفسخ.
فانه ذكر فى كتاب الصلح: اذا صالح على سكنى دار فانهدمت لم ينفسخ الصلح.
وروى هشام عن محمد فيمن استأجر بيتا وقبضه ثم انهدم فبناه الآجر فقال المستأجر بعد ما بناه: لا حاجة لى فيه قال محمد ليس للمستأجر ذلك، وكذلك لو قال المستأجر آخذه وأبى الآجر فليس للآجر ذلك.
ووجه ذلك أن الدار بعد الانهدام بقيت منتفعا بها منفعة السكنى فى الجملة بأن يضرب
فيها خيمة فلم يفت المعقود عليه رأسا فلا ينفسخ العقد، على أنه ان فات كله لكن فات على وجه يتصور عوده وهذا يكفى لبقاء العقد، والأصل فيه أن العقد المنعقد بيقين يبقى لتوهم الفائدة لأن الثابت بيقين لا يزول بالشك.
وذكر القدورى أن الصحيح أن العقد ينفسخ، لأن المنفعة المطلوبة من الدار قد بطلت وضرب الخيمة فى الدار ليس بمنفعة مطلوبة من الدار عادة فلا يعتبر بقاؤه لبقاء العقد
وقال فيما ذكره محمد فى البيت اذا بناه المؤاجر أنه لما بناه تبين أن العقد لم ينفسخ حقيقة، وان حكم بفسخه ظاهرا فيجبر على التسليم والقبض وليس يمتنع الحكم بانفساخ عقد فى الظاهر مع التوقف فى الحقيقة.
ثم قال صاحب
(1)
البدائع: وان سلم المؤاجر الدار الا بيتا منها ثم منعه رب الدار أو غيره بعد ذلك من البيت فلا أجر على المستأجر فى البيت، لأنه استوفى بعض المعقود عليه دون بعض فلا يكون عليه حصة ما لم يستوف، وللمستأجر أن يمتنع من قبول الدار بغير البيت وأن يفسخ الاجارة اذا حدث ذلك بعد قبضه، لأن الصفقة تفرقت فى المعقود عليه وهو المنافع، وتفرق الصفقة يوجب الخيار.
ولو استأجر دارا أشهرا مسماة فلم تسلم اليه الدار حتى مضى بعض المدة، ثم أراد أن يتسلم الدار فيما بقى من المدة فله ذلك.
ولو أن المستأجر طلبها من المؤاجر فمنعه اياها ثم أراد أن يسلمها فذلك له، وليس للمستأجر أن يمتنع، لأن الخيار انما يثبت بحدوث تفرق الصفقة بعد حصولها مجتمعة، والصفقة هاهنا حينما وقعت وقعت متفرقة، لأن المنافع تحدث شيئا فشيئا، فكان كل جزء من المنافع كالمعقود عليه عقدا مبتدأ فكان أول جزء من المنفعة مملوكا بعقد، وكان الجزء الثانى مملوكا بعقد آخر.
وما ملك بعقدين فتعذر التسليم فى أحدهما لا يؤثر فى الاخر، فان استأجر دارين فسقطت احداهما، أو منعه مانع من احداهما، أو حدث فى احداهما عيب فله أن يتركهما جميعا، لأن العقد وقع عليهما صفقة واحدة، وقد تفرقت عليه فيثبت له الخيار.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل بهامش
(2)
الحطاب:
نقلا عن المدونة أنه اذا اكترى شخص دارا للسكنى سنة من غير غاصب فلم ينقده الكراء حتى استحقت الدار فى نصف السنة فكراء ما مضى للأول، وللمستحق فسخ ما بقى أو الرضا به فيكون له كراء بقية السنة فان أجاز الكراء فليس للمكترى أن يفسخ الكراء فرارا من عهدته اذ لا ضرر عليه فانه يسكن
(1)
البدائع للكاسانى ج 4 ص 197 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل بهامش الحطاب ج 5 ص 297 الطبعة السابقة.
فان عطبت الدار أدى بحساب ما سكن، ولو انتقد الأول كراء السنة كلها يدفع الى المستحق كراء باقى المدة ان كان مأمونا ولم يخف من دين أحاط به ونحوه لا يرد فى باقى الكراء على المكترى.
قال أبو محمد وغيره فان كان المستحق غير مأمون قيل للمكترى: ان شئت أن تدفع الى المستحق كراء بقية السنة وتسكن، فان أبى قيل للمستحق: ان شئت تجيز الكراء على أنك لا تأخذ الا كراء ما سكن كلما سكن شيئا أخذت بحسابه، والا فلك أن تفسخ كراء بقية المدة.
قال ابن يونس لعله يريد فى دار يخاف عليها الهدم، وأما ان كانت صحيحة البناء فله أن ينتقد، ولا حجة للمكترى من خوف الدين، لأنه أحق بالدار من جميع الغرماء.
ثم قال:
(1)
وسئل الحطاب عن جماعة ورثوا دارا كبيرة بعضها عامر وبعضها خراب وبعض الورثة حاضر وبعضهم غائب فاستولى الحاضر على الدار، وسكن العامر وعمر الخراب وسكنه، هل للغائبين الرجوع عليه بالأجرة فى هذه المدة؟ وهل لهم نقض ما عمره من الخراب لكونه بغير أذنهم؟ فأجاب بقوله: ان كان الوارث الحاضر الذى سكن لم يعلم بالغائب فلا رجوع عليه فيما سكن، وله الرجوع عليه بحصته فيما أكراه أو اغتله هذا قول ابن القاسم وروايته عن مالك قاله فى أول كتاب الصدقات من البيان وهو الذى مشى عليه خليل بعد هذا.
وأما ان علم الوارث به فانه يرجع عليه بأجرة ما سكن وبحصته من الغلة، وما عمره مما ليس بضرورى فان أراد أحد منهم القسمة قسمت الدار، فان وقع ما بناه فى حصته كان له وعليه من الكراء بقدر ما انتفع من نصيب أصحابه قبل القسمة، وان وقع فى نصيب غيره خير من وقع فى حصته بين أن يعطيه قيمته منقوضا أو يسلم اليه نقضه وعلى البانى من الكراء بقدر ما انتفع من نصيب أصحابه قبل القسمة، وان أرادوا شركته ولم يرد واحد منهم القسمة فلهم ذلك بعد أن يدفعوا حصصهم من قيمة ما عمله قيل: قائما، وقيل: منقوضا، هذا محصل كلام ابن رشد.
والقول بأنه يأخذ قيمته منقوضا هو الظاهر لقول ابن يونس.
وذكر الدردير
(2)
: أنه لا يجبر مؤجر لدار للسكنى على أن يصلح للمكترى منه اذا حصل فى الدار خلل مطلقا، سواء كان يمكن معه الانتفاع أم يضر بالمكترى أم لا باتفاق فى الكثير المضر وعلى مذهب ابن القاسم فى اليسير، فالخلاف انما هو فى اليسير ولو مضرا.
(1)
المرجع السابق ح 5 ص 299 الطبعة السابقة.
(2)
بلغة السالك لاقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير لسيدى أحمد الدردير وبهامشه شرح القطب الشهير للدردير ج 2 ص 266، ص 267 طبع المكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1221 والشرح الكبير على حاشية الدسوقى ج 4 ص 54 الطبعة السابقة.
واذا لم يجبر المكرى على الاصلاح، فاذا لم يصلح خير الساكن بين الفسخ والابقاء فى حدوث خلل مضر، ولو مع نقص منافع كتتابع المطر من السقف للخلل الحادث به، وكهدم ساتر أو بيت من بيوتها، فان بقى فالكراء كله لازم له أما اذا كان لا يضر فلا خيار، ويلزمه السكنى الا أنه اذا كان لا ينقص من الكراء شيئا فظاهر كسقوط بعض شرفات البيت ونحوه مما لا يعتنى به عادة، وان كان ينقص من الكراء حط عنه بقدره وان قل، كسقوط تجصيصها أو ذهاب بلاطها أو هدم بيت من بيوتها وكان لا يضر وسقوط شرفاتها مع تنقيصه من الكراء، فاذا أصلح المكترى بلا اذن كان متبرعا لا شئ له فى الأقسام الثلاثة، فان انقضت المدة خير رب الدار بين دفع قيمته منقوضا أو أمره بنقضه كالغاصب، بخلاف ما لو أذن فله قيمته قائما اذا لم يقل ربها عمر وما صرفته فعلى فيلزمه جميع ما صرفه وقولنا وخير الساكن فى مضر اذا لم يصلح المؤجر كما قدمنا، فان أصلح له قبل خروجه لم يكن له خيار بل يجبر على السكنى بقية المدة، وهو معنى قوله رضى الله تعالى عنه بخلاف ساكن أصلح له بقية المدة قبل خروجه، ومفهوم قوله قبل خروجه أنه لو أصلح له بعد أن خرج فلا يلزمه العود لها حتى تنقضى المدة.
ثم قال
(1)
: واذا شرط مرمة على المكترى أى اصلاح ما تحتاج اليه الدار مثلا من كراء وجب أو شرط تطيين للدار مثلا على المكترى من كراء موجب على المكترى، أما فى مقابلة سكنى مضت، أو باشتراط تعجيل الأجرة أو لجريان العرف بتعجيل جاز أما اذا شرط ذلك الآن على أن تحسبه مما سيحسب عليك، فلا يجوز لفسخ ما فى الذمة فى مؤخر، أو كان التطيين أو المرمة من عند المكترى، بأن شرط عليه ربها بأن ترمها أو تطينها من عندك بحيث لا تحسب من الأجرة، فلا يجوز وفسخ العقد للجهالة اذ الترميم فى الحقيقة من الأجرة ولا يعلم قدر ما يصرف فيه، وأما اذا لم يقع شرط فى العقد وكان الساكن يرم من عنده تبرعا فذلك جائز ..
وجاء فى الحطاب: أنه لو اكترى شخص بيتا وشرط أن لا يسكن معه أحد فتزوج أو ابتاع رقيقا فان لم يكن فى سكناهم ضرر على رب البيت لم يكن له أن يمنعه، وان كان فى سكناهم ضرر فله منعه، وقد تكون غرفة ضعيفة الخشب ونحوه فينظر فى ذلك.
وقال فى الوثائق المجموعة أنه ان اكترى غرفة فشرط عليه ربها أن لا يسكن معه غيره فيها لضعف خشب الغرفة وما أشبهه فله شرطه، فان كان اذا شرط أن لا يسكن معه غيره لا يوفى له بذلك اذا لم يكن فيه ضرر فمن باب أولى أن لا يوفى له اذا أراد أن يسكن من هو مثله فتأمله.
ومن اكترى دارا فله أن يسكنها أو يسكنها أو يؤجرها من مؤجرها أو أجنبى مثل الآجر أو أقل أو أكثر.
(1)
المرجع السابق والشرح الصغير للدردير ج 2 ص 264 الطبعة السابقة والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 47 الطبعة السابقة.
قال الشيخ سليمان فى شرح الارشاد قال فى العمدة ثم أن محل استيفاء المنفعة لا يتعين وان عين بل للمستأجر أن يستوفى المنفعة بنفسه وبغيره وله أن يؤجر مؤجره وغيره بمثل الاجارة وبالأقل والأكثر، قال فى شرحه: معناه اذا استأجر الرجل دارا ليسكنها أو دابة ليركبها ونحو ذلك لم يتعين عليه أن يسكنها أو يركبها هو بنفسه ولو عين نفسه للسكنى أو للركوب، بل له أن يسكنها أو يكريها لمن شاء ممن هو فى رفقه فى السكنى وفى خفته فى الركوب وحذقه فى المسير، وذلك لأنه قد ملك المنفعة بالعقد، فله أن يملكها لمن شاء كسائر أملاكه، ولهذا يكون له اجارة ما استأجره ممن شاء بما شاء
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(2)
أنه لا يجب بيان ما يستأجره له فى الدار لقرب التفاوت من السكنى ووضع المتاع، ومن ثم حمل العقد على المعهود فى مثلها من سكانها، ولم يشترط عدد من يسكن اكتفاء بما اعتيد فى مثلها ثم اذا توفرت الشروط فى المنفعة تارة تقدر المنفعة بزمان فقط وضابطه كل ما لا ينضبط بالعمل، وحينئذ يشترط علمه كرضاع هذا شهرا وتطيين أو تجصيص أو اكتحال أو مداواة هذا يوما وكدار وأرض وثوب وآنية.
ويقول فى دار تؤجر للسكنى: لتسكنها فلو قال: على أن تسكنها أو لتسكنها وحدك لم تصح كما فى البحر فى الاولى سنة بمائة أولها من فراغ العقد لوجوب اتصالها بالعقد، فلو لم يعلم كأجرتكها كل شهر بدينار لم تصح.
وأقل مدة تؤجر للسكنى يوم فأكثر قاله الماوردى مرة وتبعه الرويانى، ومرة أقلها ثلاثة أيام.
والاوجه كما أفاده الاذرعى جواز بعض يوم معلوم، فقد يتعلق به غرض مسافر ونحوه.
ثم قال
(3)
: للمكترى استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره الامين، لأنها ملكه، فلو شرط عليه استيفاءها بنفسه فسد العقد، كما لو شرط على مشتر أن لا يبيع فيركب ويسكن ويلبس مثله فى الضرر اللاحق بالعين ودونه بالاولى، لأن ذلك استيفاء للمنفعة المستحقة من غير زيادة، ولا يسكن حدادا ولا قصارا حيث لم يكن هو كذلك لزيادة الضرر.
قال جمع: الا اذا قال لتسكن من شئت كازرع ما شئت.
ونظر فيه الاذرعى بأن مثل ذلك يقصد به التوسعة دون الاذن فى الاضرار.
ولو قال أسكنى دارك شهرا فأسكنه لم يستحق عليه أجرة بالاجماع كما فى البحر.
(1)
الحطاب ج 5 ص 417 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 5 ص 277 وما بعدها.
(3)
المرجع السابق للرملى ج 5 ص 303، ص 304، ص 308 الطبعة السابقة.
والاوجه كما بحثه الاذرعى وجوبها فى قن ومحجوز سفه، لأنهما غير أهل للتبرع ومثلهما غير المكلف بالأولى.
وقيل له أجرة مثله لاستهلاكه منفعته.
وقيل ان كان معروفا بذلك العمل بالاجرة فله أجرة مثله، والا فلا، وقد يستحسن ترجيحه لوضوح مدركه اذ هو العرف وهو يقوم مقام اللفظ كثيرا.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(1)
: انه اذا كان عرف الدار السكنى واكتراها فله السكنى، أما اذا لم يكن للدار عرف واكتراها للسكنى فله السكنى، وله وضع متاعه فيها ويترك فيها من الطعام ما جرت عادة الساكن به.
قال فى المبدع: ويستحق ماء البئر تبعا للدار فى الاصح، وللمستأجر أن يأذن لأصحابه وأضيافه فى الدخول بها والمبيت فيها، لأنه العادة.
وقال أحمد اذا كان يجئ له زوار، فان كانوا كثيرين كان عليه أن يخبره، أما اذا كان يجيئه فى الفرد فليس عليه أن يخبره.
وليس للساكن أن يعمل فيها حدادة ولا قصارة، لأنه ليس العرف، وأيضا لأن مثل ذلك يضر بجيطانها، ولا يصح أن يجعلها مخزنا للطعام، لأنه يضر بها، والعرف لا يقتضيه، ولا يجوز له أن يسكنها دابة.
قلت ان لم تكن قرينة كالدار الواسعة التى فيها اصطبل معد للدواب عملا بالعرف.
ولا يدع المستأجر فيها رمادا ولا ترابا ولا زبالة ونحوها مما يضر بها لحديث «لا ضرر ولا ضرار» .
وللمستأجر اسكان ضيف زائر، لأنه ملك السكنى فله استيفاؤها بنفسه وبمن يقوم مقامه.
ثم قال
(2)
: ويجوز اجارة دار بسكنى دار أخرى وبخدمة عبد وبتزويج امرأة لقصة شعيب عليه الصلاة والسلام، لأنه جعل النكاح عوض الأجرة، ولأن كل ما جاز أن يكون ثمنا فى البيع جاز أن يكون عوضا فى الاجارة فكما جاز أن يكون العوض عينا جاز أن يكون منفعة سواء كان الجنس واحدا كالأول، أو مختلفا كالثانى.
ثم قال صاحب كشاف
(3)
القناع: أن تصرف المؤجر فى العين المؤجرة ويد المستأجر عليها بأن يسكن المؤجر الدار أو آجرها لغيره بعد تسليمها للمستأجر لم تنفسخ الاجارة
(1)
كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 2 ص 284 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 284 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق مع منتهى الارادات لابن ادريس الحنبلى ج 2 ص 289 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 289 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع ومنتهى الارادات فى كتاب ج 2 ص 308 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 309 الطبعة السابقة.
بذلك، وعلى المستأجر جميع الأجرة، لأن يده لم تزل عن العين، وللمستأجر على المالك أجرة المثل لما سكنه أو تصرف فيه، لأنه تصرف فيما ملكه المستأجر عليه بغير اذنه، فأشبه تصرفه فى المبيع بعد قبض المشترى له، وقبض العين هنا قام مقام قبض المنافع.
وأن تصرف المالك قبل تسليم العين المؤجرة أو امتنع من التسليم حتى انقضت المدة انفسخت الاجارة بذلك، قال فى المغنى والشرح وجها واحدا، لأن العاقد قد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فأشبه تلف الطعام قبل قبضه، وان سلم المؤجر العين المؤجرة الى المستأجر فى أثناء المدة انفسخت الاجارة وتجب أجرة الباقى بالحصة أى بالقسط من المسمى.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(1)
: أنه لا بد فى اجارة السكنى من ذكر المدة، لأن الاجارة بخلاف ذلك مجهولة فهى أكل مال بالباطل.
ثم قال
(2)
: ولا يجوز استئجار دار ليوم غير معين، ولا لشهر غير معين، ولا لعام غير معين، لأن الكراء لم يصح على شئ لم يعرف فيه المستأجر حقه فهو أكل مال بالباطل وعقد فاسد.
واذا
(3)
استأجر شخص دارا على أن يسكنها بنفسه، ثم أجرها بأكثر مما استأجرها به، أو بأقل، أو بمثله، فانه لا يجوز غير ما وقعت عليه الاجارة، أما اذا لم تكن المعاقدة على أن يسكنها بنفسه، ثم أجرها فانه يكون حلالا جائزا، لأنه لم يأت نهى عن النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهى مؤاجرة، وقد أمر عليه الصلاة والسلام بالمؤاجرة.
ويجوز تأجير سكنى دار بسكنى دار أو سكنى دار بخدمة عبد، أو بخياطة، كل ذلك جائز، لأنه لم يأت نص بالنهى عن ذلك.
مذهب الزيدية:
جاء فى
(4)
التاج المذهب: أنه اذا استأجر شخص من آخر دارا بشرط الخيار فاما أن تجعل مدة الخيار من مدة الاجارة أو من غيرها أو يطلق.
فان كانت مدة الخيار من مدة الاجارة كأن يستأجر الدار شهرا ويجعل الخيار ثلاثا من أوله صحت الاجارة، واما أن يكون الخيار لهما أو لأحدهما.
فان كان لهما فان سكن المؤجر انفسخ العقد، وان سكن المستأجر مضى العقد من جهته وعليه الأجرة ان تم العقد فالمسماة،
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 183 مسألة رقم 1288 الطبعة السابقة
(2)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 190 مسألة رقم 1298 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 197 مسألة رقم 1314 الطبعة السابقة.
(4)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 74 الطبعة السابقة.
وان لم يتم فأجرة المثل، وان تمكن المستأجر ولم يسكن لزمته الأجرة ان تم العقد، والا فلا، وان لم يسكن ولا تمكن فلا أجرة عليه تم العقد أم فسخ.
وان كان الخيار لأحدهما فان كان للمؤجر فقط فان سكن انفسخ العقد، وان لم يسكن لم ينفسخ، ويكون الكلام فى سكون المستأجر وعدمه وتمكنه من السكون وعدمه ما مر من حيث الخيار لهما، الا أنه لا معنى لقولنا مضى العقد من جهته، لأنه ماض من أول الأمر.
وان كان الخيار للمستأجر فقط فان سكن نفذ العقد، وان تمكن لزمته الاجرة بكل حال سكن أم لا، وان لم يسكن ولا تمكن فلا أجرة تمت الاجارة أم لا.
وان جعل مدة الخيار من غير مدة الاجارة لم تصح الاجارة، لأنها لا تصح على وقت مستقبل، وليس له أن يسكن فى مدة الخيار ولا بعدها أيضا الا باذن، فان سكن بغير اذن أو به لزمته أجرة المثل، لعدم صحة عقد الاجارة.
وجاء فى التاج
(1)
المذهب: أنه اذا كانت الدار المؤجرة مختلفة المنافع نحو أن يستأجر دارا تصلح للسكنى فيها وتصلح للحدادة فلا بد من تعيين المنفعة التى استؤجرت لها، لأن تعيين المنفعة شرط من شروط الاجارة.
وجاء فى البحر الزخار
(2)
: ان من اكترى دارا لم يكن لأيهما الفسخ بعد العقد، الا لعذر وفرت الأجرة أم لا، وعلى المكترى تسليم المفتاح والتخلية حتى لكنيف ليتمكن من الانتفاع، وعلى المكترى تفريغه فى مدته للرد، اذ هو الذى شغله ولا يلزم تفسير السكنى وعد الساكن لتعذر الضبط.
وليس له الحدادة والقصارة فيما اكتراه للسكنى، ولا شحن السرقين فيها لافساده.
فان اكترى ليسكن وحده لم يكن له أن يتزوج اليها.
وقال صاحب
(3)
شرح الأزهار: ان احتاج مالك العين المؤجرة اليها ليسكنها فانه لا يصح أن يترتب عليه فسخ الاجارة.
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح
(4)
الكرامة: انه ان استأجر الدار للسكنى وجب مشاهدة الدار أو وصفها بما يرفع الجهالة وضبط مدة المنفعة والأجرة، ولو سكن المالك بعض المدة تخير المستأجر فى الفسخ فى الجميع أو فى قدر ما سكنه فيسترد
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 73 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 4 ص 34 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 3 ص 296 الطبعة السابقة والتاج المذهب لاحكام المذهب ج 3 ص 120 الطبعة السابقة.
(4)
مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة لمحمد ابن محمد الحسينى العاملى طبع المطبعة الرضوية سنة 1324 هـ ج 7 ص 238، 239، 240.
نصيبه من المسمى وفى امضاء الجميع فيلزمه المسمى، وله أجرة المثل على المالك فيما سكن، فان فسخ وجب التقسيط فيسترد نصيب ما سكنه المالك وقد قضت هذه العبارة باطلاقها أنه لا فرق فى ثبوت الخيار للمستأجر بين كون سكنى المالك قبل القبض أو بعده وبه صرح فى موضعين من التذكرة.
أحدهما: قوله لو استأجر الدار سنة فسكنها شهرا ثم تركها وسكنها المالك بقية السنة أن المستأجر يتخير بين الفسخ فى باقى المدة والامضاء والزام المالك بأجرة المثل.
الثانى أنه لا فرق فى ثبوت الخيار للمستأجر بين كون سكنى المالك قبل القبض أو بعده.
وله أن يسكن المساوى، أو الأقل ضررا، الا مع التخصيص، يريد أنه لو استأجر الدار للسكنى من دون تعيين الساكن ملك منافع سكناها، فله أن يسكن بنفسه، ومن شاء معه من عياله ومن يتبعه وغيرهم ممن يساويه فى الضرر أو ينحط عنه فيه.
ولا يمنع من دخول زائر وضيف ونحوهما، لأنه لا يجب تعيين الساكنين ولا ذكر عددهم وصنفهم من رجال ونساء وصبيان.
ولا يجب ذكر السكنى وصفتها قال فى التذكرة: يجوز اطلاق العقد كأن يستأجر الدار ولا يذكر أنها للسكنى، لأنها لا تؤجر الا للسكنى فيستغنى عن ذكرها كاطلاق الثمن فى بلد معروف النقد.
قال: ولا تقدر منفعتها الا بالسكنى، لأنها غير منضبطة كذا وجدنا، والظاهر أنه أثبت السكنى بعد الزمان سهوا ونحو ذلك كله ما فى التحرير وجامع المقاصد، وأما مع التنصيص على التخصيص كأن يقول له: لتسكن أنت بنفسك لا غيرك فانه يصح الشرط قطعا، وليس له اسكان غيره أصلا ما عدا الضيف والزائر على الظاهر، وأما اذا قال له لتسكنها أنت بنفسك فظاهر العبارة كما هو صريح جامع المقاصد أن الحكم كذلك.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(1)
: أن من استأجر دارا من رجل فله أن يستنفع بما فيها من البيوت والغرف والسقوف والآبار والاهراء والأوتاد والخشب والمستراح، وغير ذلك من الآنية التى جعلت لذلك.
وان استأجر الدار أو نحوها لمعنى معلوم فلا يفعل فيها غير ذلك من سكنى العيال والبهائم، وما أشبه ذلك، وان أكراها للسكنى سكنها بعياله وحيوانه، ويدخل فيها أضيافه، الا أن يشترط سكنى شئ معلوم فلا يسكن فيها غيره.
واذا دفع له صاحب الدار مفتاحا فأمرها الى المتكارى وليس لصاحب الدار فيها حكم من استنفاع.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 5 ص 81، ص 82، ص 83 الطبعة السابقة.
ويمنع صاحب الدار أن يدخل على الساكن فيها جميع ما يضره مثل نزوع الباب وما أشبه ذلك.
ولا يجوز للساكن أيضا أن يدخل فى تلك الدار ما يضرها وكل ما جعل من المضرة لتلك الدار، فان الساكن يدرك نزوعها، ويدرك صاحب الدار نزوعها، ولا يدرك من مضرة الدار على الساكن الا ما أحدث الساكن فيها بنفسه، فانه يدرك عليه نزوعها.
وان عمر بعضا من تلك الدار ولم يعمر بعضا حتى تمت المدة فعليه الكراء كله الا ان منعه مانع من ذلك مثل الغاصب أو صاحب الدار أو انهدم ذلك ولم يصل الى الاستنفاع به، وان عمر الدار فى أول المدة أو فى آخرها فعليه الكراء كله، وان منع المفتاح له فليس عليه فى الكراء شئ.
وذكر فى الكتاب عن شريح قاضى عمر ابن الخطاب رضى الله عنه أنه احتكم اليه رجلان قد كرى أحدهما دارا للآخر مدة معلومة ولم يدفع له المفتاح حتى تمت المدة فطلبه الى الكراء، فقضى بينهما أن لا يكون عليه الكراء.
ومنهم من يقول ولو أعطى له المفتاح اذا لم يسكنها حتى تمت المدة فليس عليه شئ، وكذلك ان لم يسكنها الا فى آخر المدة فليس عليه الا قدر ما سكن.
وجائز أن يكرى داره أو دار من ولى أمره من يتيم أو مجنون أو غائب اذا رأى أن ذلك أصلح لهم، ويكرى لهم أيضا ما يسكنون فيه بأنفسهم وأموالهم على هذا الحال، وكذلك كل ما فى يده من الدور والبيوت التى لم تكن فى ملك أحد مثل حوانيت المسجد وغيرها، فجائز له أن يكريها.
وان انهدم شئ من حيطان الدور والبيوت فأراد الساكن أن يسكن كذلك أو أراد أن يبنيه فله ذلك، ولا يجوز لصاحب الدار أن يمنعه من اصلاح ما انهدم منها، أو يرد الشقاق أو ما يصلح سكناها.
فان اكترت المرأة دارا لتسكنها مدة معلومة فتزوجت رجلا فى تلك المدة فجائز لها أن تسكن مع زوجها، والكراء عليها، وكذا الرجل على هذا الحال، وكل ما دخل عليه الساكن من المضرة التى تكون فى الدار فأراد أن يخرج منها قبل المدة فلا يرد من الكراء شيئا، وان لم يعلم بالمضرة وخرج منها فليقاسمه فى الكراء.
وان كرى دارا ليسكنها فسكن فيها مع عياله فغاب الساكن فخلف فيها عياله فلا يجوز لصاحب الدار أن يخرجهم دون المدة، ولا يدرك عليهم الكراء، وان مات المتكارى فى غيبته قبل المدة ولم يعلم ورثته بموته ولا صاحب الدار فكل ما سكنوا قبل موت وارثهم فليؤدوا
حسابه على الكراء الأول، وما سكنوا بعد موته فليؤدوا كراءه على رؤوسهم بنظر أهل العدل.
وان أكرى رجل بيته أو داره لرجلين ليسكنا فيه وليعملا فيه صنايعهما الى مدة معلومة بأجرة معلومة فجائز، وتكون الأجرة بينهما على رءوسهما، اتفقت صنائعهما أو اختلفت، سواء فى ذلك الحر والعبد والبالغ والطفل عملا فيها أو لم يعملا اذا سكنا فى المدة، وان مات أحدهما قبل أن يدخلها أو منع من دخولها بمعنى من المعانى فليس عليه فى الكراء شئ، وان سكنها صاحبه حتى تمت المدة فعليه الكراء بنظر أهل العدل.
ومنهم من يقول يعطى نصف الكراء الأول ويعطى النظر فيما ناب صاحبه، وهذا اذا سكن الدار أو البيت فليس عليه الا نصف الكراء.
وان لم يمت صاحبه ولم يمنع من دخولها الا بعد ما سكن بعض المدة فعليه بقدر ما سكن.
وان اكتراها له ليضع فيها طعامه فلا يسكن ولا يدخل فيها حيوانه ولا غير الطعام وان اكتراها ليحرز فيها ماله فله أن يضع فيها ما شاء مما لا يضر بالبيت.
حكم السكنى فى الأعيان الموهوبة
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(1)
: أنه لو منح شخص لآخر دارا بأن قال هذه الدار لك منحة فهو عارية، لأن المنحة فى الأصل عبارة عن هبة المنفعة أو ما له حكم المنفعة، وقد أضيف الى ما يمكن الانتفاع به من غير استهلاكه من السكنى، فكان هذا تمليك المنفعة من غير عوض، فان كان الايجاب فى هبة الدار مقرونا بقرينة فالقرينة لا تخلو اما أن تكون وقتا، واما أن تكون شرطا، واما أن تكون منفعة.
فان كانت القرينة وقتا بأن قال:
أعمرتك هذه الدار، أو صرح فقال:
جعلت هذه الدار لك عمرى، أو قال:
جعلتها لك عمرك، أو قال: هى لك عمرك أو حياتك فاذا مت أنت فهى رد على، أو قال: جعلتها لك عمرى أو حياتى فاذا مت أنا فهى رد على ورثتى، فهذا كله هبة، وهى للمعمر له فى حياته ولورثته بعد وفاته، والتوقيت باطل.
والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها، فان من أعمر شيئا فانه لمن أعمره.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 115، ص 116، ص 117 الطبعة السابقة.
وروى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فانها للذى يعطاها، لا يرجع الى الذى أعطاها، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعمر عمرى حياته فهى له ولعقبه يرثها من يرثه بعده، فدلت هذه النصوص على جواز الهبة وبطلان التوقيت.
وان كانت القرينة شرطا نظر الى الشرط المقرون، فان كان مما يمنع وقوع التصرف تمليكا للحال يمنع صحة الهبة، والا فيبطل الشرط، وتصح الهبة.
وعلى هذا يخرج ما اذا قال: أرقبتك هذه الدار أو صرح فقال: جعلت هذه الدار لك رقبى، أو قال: هذه الدار لك رقبى ودفعها اليه فهى عارية فى يده له أن يأخذها منه متى شاء، وهذا قولى أبى حييفة ومحمد.
وقال أبو يوسف هذه هبة، وقوله رقبى باطل، واحتج أبو يوسف بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى والرقبى، ولأن قوله دارى لك تمليك العين لا تمليك المنفعة، ولما قال رقبى فقد علقه بالشرط، وأنه لا يحتمل التعليق فبطل الشرط وبقى العقد صحيحا، ولهذا لو قال: دارى لك عمرى أنه تصح الهبة، ويبطل شرط المعمر، كذا هذا.
واحتج أبو حنيفة ومحمد بما روى الشعبى عن شريح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى وأبطل الرقبى ومثلهما لا يكذب، ولأن قوله دارى لك رقبى تعليق التمليك بالخطر، لأن معنى الرقبى أن يقول: ان مت أنا قبلك فهى لك، وان مت أنت قبلى فهى لى، فلا تصح هبة وتصح عارية، لأنه دفع اليه وأطلق له الانتفاع به، وهذا معنى العارية، وهذا بخلاف العمرى، لأن هناك وقع تمليكا للحال فهو بقوله عمرى وقت التمليك، وأنه لا يحتمل التوقيت فبطل، وبقى العقد على الصحة.
ولا اختلاف بينهم فى الحقيقة ان كان الرقبى والارقاب يستعملان فى اللغة فى هبة الرقبة، وينبغى أن ينوى فان عنى به هبة الرقبة يجوز بلا خلاف، وان عنى به مراقبة الموت لا يجوز بلا خلاف.
ولو قال لرجلين دارى لأطولكما حياة فهو باطل، لأنه لا يدرى أيهما أطول حياة فكان هذا تعليق التمليك بالخطر فبطل، ولو قال دارى لك حبيس فهذا عارية عند أبى حنيفة ومحمد.
وعند أبى يوسف هو هبة وقوله حبيس باطل بمنزلة الرقبى.
ثم قال
(1)
: أما ان كانت القرينة منفعة بأن قال: دارى لك سكنى، أو عمرى سكنى، أو صدقة سكنى، أو هبة سكنى، أو سكنى هبة، أو هى لك عمرى عارية ودفعها اليه فهذا كله عارية، لأنه لما ذكر السكنى فى قوله دارى لك سكنى أو عمرى سكنى أو صدقة سكنى دل على أنه أراد تمليك المنافع، لأن قوله هذا لك ظاهره وان كان لتمليك العين لكنه يحتمل تمليك المنفعة، لأن الاضافة الى المستعير والمستأجر منفعة عرفا وشرعا وقوله «سكنى» موضوع للمنفعة لا تستعمل الا لها فكان محكما فجعل تفسيرا للمحتمل وبيانا أنه أراد به تمليك المنفعة وتمليك المنفعة بغير عوض هو تفسير العارية، وكذا قوله سكنى بعد ذكر الهبة يكون تفسيرا للهبة، لأن قوله هبة يحتمل العين، ويحتمل هبة المنافع، فاذا قال سكنى فقد عين هبة المنافع فكان بيانا لمراد المتكلم، أنه أراد هبة المنافع، وهو تفسير العارية.
ولو قال هى لك عمرى تسكنها أو صدقة تسكنها ودفعها اليه فهو هبة، لأنه فسر الهبة بالسكنى، لأنه لم يجعله نعتا فيكون بيانا للمحتمل بل وهب الدار منه ثم شاوره فيما يعمل بملكه والمشورة فى ملك الغير باطلة فتعلقت الهبة بالعين وقوله تسكنها بمنزلة قوله لتسكنها، كما اذا قال وهبتها لك لتؤاجرها.
ولو قال هى لك تسكنها كانت هبة أيضا، لأن الاضافة بحرف اللام الى من هو أهل الملك للتمليك وقوله تسكنها مشورة على ما بينا.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى
(2)
: أنه لا تصح هبة ولى لمحجوره دار سكناه اذا استمر ساكنا بها حتى مات الا أن يسكن الواهب أقلها ويكرى لمحجوره الأكثر منها فتصح الهبة فى جميعها فتكون كلها للمحجور، وان سكن النصف منها وأكرى للمحجور النصف الآخر بطل النصف الذى سكنه فقط، وصح النصف الذى أكراه له.
ثم الراجح الذى يفيده النقل أن العبرة باخلاء النصف الذى لم يسكنه من شواغل الواهب وان لم يكره للمحجور، وان سكن الأكثر وأكرى له الأقل بطل الجميع، وموضوع تفصيله فى المحجور ولو بلغ رشيدا ولم يجز بعد رشده.
وأما لو وهب دار سكناه لولده الرشيد فما حازه الولد ولو قل صح، وما لم يحزه الولد بل سكنه الأب فلا يصح.
قال البنانى وفيه نظر فان الذى فى ابن عرفة عن بعض شيوخ عبد الحق
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 118 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 107، ص 108 الطبعة السابقة.
أنه ان سكن الأب الأقل صح جميعها ولو كان الولد كبيرا، وان سكن الأكثر بطل الجميع ان كان الولد صغيرا وبطل ما سكنه فقط ان كان الولد كبيرا.
والحاصل أنه ان سكن جميعها بطل الجميع سواء كان الولد كبيرا أو صغيرا، وان أخلاها كلها من شواغله، أو سكن أقلها صح جميعها، سواء كان الولد كبيرا أو صغيرا، وان سكن الأكثر بطل الجميع ان كان الولد صغيرا، وبطل ما سكنه فقط ان كان كبيرا، فهذا القسم هو محل افتراق الكبير من الصغير.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج والمهذب
(1)
:
العمرى هو أن يقول أعمرتك هذه الدار أو جعلتها لك عمرك وفيها ثلاث مسائل.
احداها أن يقول: أعمرتك هذه الدار حياتك ولعقبك بعدك، فهذه عطية صحيحة تصح بالايجاب والقبول ويملك فيها بالقبض.
والدليل عليه ما روى جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فانها للذى أعطيها لا ترجع الى الذى أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث.
والثانية أن يقول: أعمرتك هذه الدار حياتك ولم يشرط شيئا ففيه قولان.
قال فى القديم: هو باطل، لأنه تمليك عين قدر بمدة فأشبه ما اذا قال أعمرتك سنة أو أعمرتك حياة زيد.
وقال فى الجديد هو عطية صحيحة، ويكون للمعمر فى حياته ولورثته بعده، وهو الصحيح، لما روى جابر رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعمر عمرى حياته فهى له ولعقبه من بعده يرثها من يرثه من بعده ولأن الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك وتنتقل الى الورثة فلم يكن ما جعله له فى حياته منافيا لحكم الأملاك.
والثالثة أن يقول: أعمرتك حياتك فان مت عادت الى، ان كنت حيا، والى ورثتى ان كنت ميتا فهى كالمسألة الثانية فتكون على قولين.
أحدهما تبطل.
والثانى تصح، لأنه شرط أن تعود اليه بعد ما زال ملكه أو الى وارثه، وشرطه بعد زوال الملك لا يؤثر فى حق المعمر فيصير وجوده كعدمه.
(1)
المهذب لابى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 448 ومغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 2 ص 369 وما بعدها وكفاية الاخيار ج 1 ص 326 الطبعات السابقة.
وأما الرقبى: فهو أن يقول أرقبتك هذه الدار أو دارى لك رقبى، معناه وهبت لك، وكل واحد منا يرقب صاحبه، فان مت قبلى عادت، وان مت قبلك فهى لك فتكون كالمسألة الثالثة من العمرى وقد بينا أن الثالثة كالثانية، فتكون على قولين.
وقال المزنى الرقبى أن يجعلها لآخرهما موتا.
وهذا خطأ لما روى عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من أعمر عمرى أو أرقب رقبى فهى للمعمر يرثها من يرثه.
ولو قال: أرقبتك هذه الدار وهى لك رقبى فهى كالعمرى، لقول النبى صلى الله عليه وسلم العمرى جائزة والرقبى جائزة لأهلها رواه أبو داود وغيره، وقال الترمذى حديث حسن، نعم لو قال:
جعلتها لك عمرى أو حياتى لم تصح فى الأصح.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى
(1)
: أن العمرى والرقبى جائزتان اذ هما نوعان من الهبة، وذلك بأن يقول الرجل أعمرتك دارى هذه أو هى لك عمرى، أو ما عشت، أو مدة حياتك، أو ما حييت، أو نحو هذا، سميت عمرى، لتقييدها بالعمر، وعلى هذا اذا قال دارى لك عمرى، أو هى لك عمرك فهى له ولورثته من بعده.
والرقبى أن يقول: أرقبتك هذه الدار، أو هى لك حياتك على أنك ان مت قبلى عادت الى، وان مت قبلك فهى لك ولعقبك، فكأنه يقول: لآخرنا موتا، وبذلك سميت رقبى، لأن كل واحد فيهما يرقب موت صاحبه، وكلاهما جائزة فى قول أكثر أهل العلم.
وان قال سكناها لك عمرك كان له أخذها فى أى وقت أحب، لأن السكنى ليست كالعمرى والرقبى، اما اذا قال: سكنى هذه الدار لك عمرك أو أسكنها عمرك أو نحو ذلك فليس ذلك بعقد لازم، لأنه فى التحقيق هبة المنافع، والمنافع انما تستوفى بمضى الزمان شيئا فشيئا، فلا تلزم الا فى قدر ما قبضه منها واستوفاه بالسكنى.
وللمسكن الرجوع متى شاء، وأيهما مات بطلت الاباحة وبهذا قال أكثر العلماء وجماعة أهل الفتوى، وروى معنى ذلك عن حفصة.
وقال عطاء وقتادة: هى كالعمرى تكون له ولعقبه، لأنها فى معنى العمرى فيثبت فيها مثل حكمها.
وحكى عن الشعبى أنه اذا قال: هى لك اسكن حتى تموت فهى له حياته وموته، وان قال دارى هذه اسكنها حتى تموت فانها ترجع الى صاحبها، لأنه اذا قال
(1)
المغنى لابن قدامه المقدسى الحنبلى ج 6 ص 302، 303، 313، 314، 315 الطبعة السابقة.
هى لك فقد جعل له رقبتها فتكون عمرى، فاذا قال اسكن دارى هذه فانما جعل له نفعها دون رقبتها فتكون عارية.
ولنا أن هذه اباحة المنافع فلم يقع لازما كالعارية، وفارق العمرى فانها هبة للرقبة.
فأما اذا قال هذه لك اسكنها حتى تموت فانه يحتمل لك سكناها حتى تموت، وتفسيرها بذلك دليل على أنه أراد السكنى فأشبه ما لو قال هذه لك سكناها، واذا احتمل أن يريد به الرقبة، واحتمل أن يريد السكنى، فلا نزيل ملكه بالاحتمال.
مذهب الظاهرية:
يرى
(1)
صاحب المحلى من الظاهرية أنه يجوز اباحة السكنى فى الدار كما يجوز منح دابة يبيح ركوبها، وعلى ذلك فما حازه الممنوح من كل ذلك فهو له لا طلب للمانح فيها.
وللمانح أن يسترد عين ما منح متى شاء سواء عين مدة أو لم يعين أشهد أو لم يشهد، لأنه لا يحل مال أحد بغير طيب نفس منه الا بنص ولا نص فى هذا.
وحكم ما وقع بلفظ الاسكان والاخدام والازراع كحكم المنحة والاسكان انما يكون فى البيوت وفى الدور.
واذا كانت المنحة
(2)
بلفظ العمرى والرقبى كانت هبة صحيحة تامة يملكها المعمر والمرقب كسائر ماله يبيعها ان شاء وتورث عنه، ولا ترجع الى المعمر ولا الى ورثته، سواء اشترط أن ترجع اليه أو لم يشترط، وشرطه لذلك ليس بشئ.
والعمرى هى أن يقول هذه الدار وهذه الأرض عمرى لك أو قد أعمرتك أياها أو هى لك عمرك أو قال: حياتك أو قال رقبى لك أو قد أرقبتكها، كل ذلك سواء، فقد روينا من طريق الحجاج بن المنهال قال: حدثنا هشيم حدثنا المغيرة ابن مقسم قال: سألت ابراهيم النخعى عمن أسكن آخر دارا حياته فمات المسكن والساكن قال: ترجع الى ورثة المسكن فقلت: أليس يقال: من ملك شيئا حياته فهو لورثته من بعده، فقال ابراهيم انما ذلك فى العمرى، وأما السكنى فانها ترجع الى صاحبها.
وقال على روينا عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ترقبوا ولا تعمروا
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 163 مسألة رقم 1643 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 164 وما بعدها مسألة رقم 1648 الطبعة السابقة.
فمن أرقب شيئا أو أعمر شيئا فهو لورثته.
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العمرى لمن أعمرها والرقبى لمن أرقبها والعائد فى هبته كالعائد فى قيئه.
فهذه آثار متواترة فلم يسع أحد الخروج عنها، وليس هذا الحكم الا فى الاعمار والأرقاب كما جاء النص.
أما الاسكان فيخرجه متى شاء، لأنها عدة فيما لم يجزه من السكنى بعد.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(1)
: أن السكنى فى باب العمرى والرقبى تقع على وجهين.
أحدهما: أن توقع بشرط البناء على الساكن وهذه اجارة فاسدة لأحد أمرين.
انطواؤها على جهالة المدة.
الثانى: انطواؤها على بناء مجهول، فاذا دفع الرجل عرصة وقال: ابنها واسكنها بالبناء أو اسكنها بشرط بنائها كانت اجارة فاسدة.
والوجه الثانى أن تدفع دون شرط البناء وهذه عارية نحو أن يقول: أسكنتك هذه الدار أو أسكنها فانها تكون عارية، وسواء كانت مطلقة أو مؤقتة
والسكنى حيث هى اجارة أو اعارة يجب أن تتبعها أحكامها فيتبع فى السكنى بشرط البناء أحكام الاجارة الفاسدة، ومن دون اشتراطه أحكام العارية.
أما حكم الأول فالبانى للعرصة لا يخلو اما أن يكون بناها بنقضها الأول، أو بنقض منه فان بناها بنقضها الأول فله أجرة المثل، واذا سكن فعليه أجرة المثل فيسقط المثل بمثله، ويتراجعا فى الزائد، وان بناها بنقض منه، فان سكن العرصة فعليه أجرة المثل، واذا طلب صاحب العرصة منه نقض البناء أو منعه من السكنى، فان تراضيا هو ومالك العرصة بأخذ البناء عوضا عن الأجرة جاز، والا لزمته من أحد النقدين، ويكون البانى فى البناء بالخيار ان شاء طلب قيمته قائما، وليس له حق البقاء وتركه لرب العرصة، وهذا حيث كانت السكنى مطلقة أو مؤقتة قبل انقضاء الوقت، فان كانت مؤقتة وقد انقضى الوقت فلا شئ بل يرفعها ولا خيار، وكذلك لو شرط عليه وان شاء رفعه وأخذ أرش النقصان وقيمة ما تلف من الآلة بسبب النقض - وهو ما بين القيمتين قائما ليس له حق البقاء ومنقوضا، وان لم يمنعه رب العرصة فله رفع بنائه وعليه
(1)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لابى عبد الله الحسن بن مفتاح وهامشه ج 3 ص 456، ص 457، ص 458 الطبعة السابقة.
الأجرة لما قد سكن ولا خيار له ولا أرش عليه فى العرصة.
وأما اذا مات البانى فقال فى البيان يحكم على ورثته برفع البناء ولا خيار لهم فجعل هذا كالعارية المؤقتة، وقد انقضى وقتها بموت البانى، هذا اذا لم يشرط البناء بالسكنى، أما اذا كان قد شرط فهو اجارة فاسدة لا عارية فلا تبطل بموت البانى.
وأما حكم الثانية وهى التى بمعنى العارية فحكمها أن لرب العرصة أن يرجع عنها متى شاء، فان كان المستعير قد بنى باذن أو بغير اذن كان الحكم ما تقدم فى العارية، فحيث تكون مطلقة أو مؤقتة ورجع قبل انقضاء الوقت وقد بناها المستعير فان كانت الآلة من المعير رجع بما غرم مما يعتاد مثله فى ذلك البلد، وان كانت الآلة من المستعير خير كما مر.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام
(1)
: أن السكنى والعمرى والرقبى بمعنى واحد، اذ هى عقد يفتقر الى الايجاب والقبول والقبض وفائدتها التسليط على استيفاء المنفعة مع بقاء الملك على مالكه، ويختلف عليها الأسماء بحسب الاضافة فاذا اقترنت بالعمر قيل عمرى، وبالاسكان قيل سكنى، وبالمدة قيل رقبى أما من الارتقاب أو من رقبة الملك.
والعبارة عن العقد أن يقول:
أسكنتك، أو أعمرتك، أو أرقبتك، أو ما جرى مجرى ذلك، هذه الدار، أو هذه الأرض، أو هذا المسكن عمرك وعمرى، أو مدة معينة فيلزم بالقبض.
وقيل: يلزم أن قصد به القربة.
والأول أشهر.
ولو قال: لك سكنى هذه الدار ما بقيت أو حييت جاز وترجع الى المسكن بعد موت الساكن على الأشبه.
أما لو قال: فاذا مت رجعت الى فانها ترجع قطعا.
ولو قال: أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك كان عمرى، ولم تنتقل الى المعمر، وكان كما لو لم يذكر العقب على الأشبه.
واذا عين للسكن مدة لزمت بالقبض، ولا يجوز الرجوع فيها الا بعد انقضائها، وكذا لو جعلها عمر المالك لم ترجع وان مات المعمر، وينتقل ما كان له الى ورثته حتى يموت المالك، ولو قرنها بعمر المعمر ثم مات لم تكن لوارثه ورجعت الى المالك.
ولو أطلق المدة ولم يعينها كان له الرجوع متى شاء.
(1)
شرائع الاسلام فى الفقه الامامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 252 الطبعة السابقة.
وكل ما يصح وقفه يصح اعماره من دار ومملوك وأثاث، ولا تبطل بالبيع بل يجب أن يوفى المعمر ما شرط له.
واطلاق السكنى يقتضى أن يسكن بنفسه وأهله وأولاده، ولا يجوز أن يسكن غيرهم الا أن يشترط ذلك، ولا يجوز أن يؤجر السكن، كما لا يجوز أن يسكن غيره، وغير من جرت عادته به الا باذن المسكن.
وقيل
(1)
يجوز ان مطلقا.
والأول أشهر.
وحيث تجوز الاجارة فالأجرة للساكن.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: اذا قال شخص لآخر: أعمرتك هذه الدار حياتك، أو هى لك عمرى، أو هى لك رقبى، أى فى حياة رقبتك، أو سكنى اذا كان مما يسكن كالدار فأكثر أصحابنا وأكثر قومنا على أن من عمر شيئا فهو له مدة حياته، وله بيعها ولوارثه من بعده، لما روى عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما من عمر شيئا فهو له ولورثته من بعده.
ثم قال
(3)
: والوصية بالمنافع قد اختلف فيها علماء الإباضية.
وجاء فى الأثر أنه ان أوصى رجل بسكنى دار أو بيت أو جميع ما يسكن فيه سمى الأجل أو لم يسم فذلك لا يجوز
ثم قال
(4)
: من قال: أوصيت لفلان بسكنى هذه الدار حتى أموت، أو قال له: اسكنها حتى أموت سكنها ذلك الموهوب له حتى يموت الواهب فترجع الى ورثة الواهب، وكذا ان قال له: اسكنها حتى تموت بلا ذكر أوصيت لك فاذا مات الموهوب له رجعت للواهب أو لوارث الواهب، لأن المؤمنين على شروطهم.
وقيل هى لوارثه أى لوارث الموهوب له من بعده، لدخولها ملك الوارث بمجرد موت الموهوب له، ولا يجد الواهب نزعها قبل موت الموهوب له.
وان قال: أوصيت لك أن تسكن من اليوم حتى تموت فاذا مات رجعت الى الموصى أو وارثه.
وان قال هى لك الى ما قبل موتك بشهر أو يوم أو أقل أو أكثر لم تكن لوارث الموهوب له بعد موته اجماعا.
(1)
اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد محمد جمال الدين مكى العاملى طبع مطبعة الاداب فى النجف الاشرف سنة 1387 هـ، 1967 م الطبعة الأولى ج 3 ص 199.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 6 ص 65، ص 66 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لاطفيش ج 6 ص 192 الطبعة السابقة.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 71 الطبعة السابقة.
وان قال له اسكن هذه الدار حتى أموت ومات ذلك الذى هو مأذون له أى من أذن له فى السكنى حتى يموت المالك قبل موت صاحبها لم يجد وارثه سكنها حتى يموت صاحبها، وكأنه قال: لا يصيب وارثه أن يقول ان لى سكناها الى موت صاحبها، فاذا مات رددتها لوارثه.
حكم سكنى العين المرهونة
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار
(1)
: لا يحل الانتفاع بالمرهون مطلقا باستخدام ولا سكنى الا باذن.
وقيل لا يحل للمرتهن، لأنه ربا.
وقيل ان شرطه كان ربا، والا لم يكن.
ثم قال
(2)
: فى الجواهر لو أن رجلا رهن دارا وأباح السكنى للمرتهن فوقع بسكناه خلل وخرب البعض فلا يسقط شئ من الدين، لأنه لما أباح له السكنى أخذ حكم العارية، حتى لو أراد منعه كان له ذلك.
وجاء فى حاشية ابن عابدين
(3)
: أنه لو سكن المرتهن فى دار الرهن لم تلزمه الأجرة مطلقا، سواء أذن الراهن أم لم يأذن، وسواء كانت معدة للاستغلال أو لم تكن معدة، قال بذلك فى الخيرية
وجاء فى البدائع
(4)
: أنه ليس للمرتهن أن ينتفع بالمرهون، فان كان المرهون دارا فليس له أن يسكنها، لأن عقد الرهن يفيد ملك الحبس لا ملك الانتفاع، فان انتفع به فهلك فى حال الاستعمال يضمن كل قيمته لأنه صار غاصبا.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى
(5)
: أنه اذا أذن المرتهن للراهن فى اسكان لدار مرهونة أو اجارة لذات مرهونة بطل الرهن ولو لم يسكن أو يؤاجر ويصير بلا رهن، ولا يختص به المرتهن عند المانع.
وأما عن كيفية توصل الراهن الى استيفاء المنافع حيث كان الاذن فى الاجارة والاسكان مبطلا مع أن المنافع للراهن فان المرتهن يتولاه باذن الراهن.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج
(6)
: أنه لا يصح رهن منفعة جزما، كأن يرهن سكنى
(1)
الدر المختار شرح تنوير الابصار المعروف بحاشية ابن عابدين ج 5 ص 320 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 343 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية ابن عابدين والدر المختار عليه ج 50 ص 320 الطبعة السابقة.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 146.
(5)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 241، 242.
(6)
مغنى المحتاج لمعرفة الفاظ المنهاج ج 2 ص 115، ص 116 الطبعة السابقة.
داره مدة، لأن المنفعة تتلف فلا يحصل بها استيثاق، ومحل المنع فى الابتداء فلا ينافى كون المرهون دينا أو منفعة بلا انشاء، كما لو مات عن المنفعة وعليه دين أو أتلف المرهون فبدله فى ذمة الجانى رهن على الأرجح فى زوائد الروضة.
وفى موضع آخر
(1)
وللراهن كل انتفاع لا ينقصه أى المرهون والأفصح تخفيف القاف قال الله تعالى «إِلاَّ الَّذِينَ 2 عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ» ويجوز تشديدها والانتفاع الذى لا ينقص المرهون مثل الركوب والاستخدام والسكنى.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى
(3)
: ليس للراهن أن ينتفع بالرهن باستخدام ولا وط ء ولا سكنى ولا غير ذلك ولا يملك التصرف فيه باجارة ولا اعارة ولا غيرهما بغير رضى المرتهن، وبهذا قال الثورى وأصحاب الرأى.
وقال مالك وابن أبى ليلى والشافعى وابن المنذر: للراهن اجارته مدة لا يتأخر انقضاؤها عن حلول الدين.
وأما عن حقه فى أن يسكنه بنفسه ففيه اختلاف بينهم، فان اتفقا على اجارة الرهن واعارته جاز ذلك فى ظاهر قول الخرقى، لأنه جعل غلة الدار وخدمة العبد من الرهن ولو عطلت منافعهما لم تكن لهما غلة.
وقال ابن أبى موسى ان اذن الراهن للمرتهن فى اعارته أو اجارته صح، والأجرة رهن، وان أجره الراهن باذن المرتهن خرج من الرهن فى أحد الوجهين، ولا يخرج فى الآخر كما لو أجره المرتهن.
وقال أبو الخطاب فى المشاع يؤجره الحاكم لهما.
وذكر أبو بكر فى الخلاف أن منافع الرهن تعطل مطلقا ولا يؤجراه، وهو قول الثورى وأصحاب الرأى، وقالوا اذا أجر الراهن باذن المرتهن كان اخراجا من الرهن، لأن الرهن يقتضى حبسه عند المرتهن أو نائبه على الدوام، فمتى وجد عقد يستحق به زوال الحبس زال الرهن.
ولنا أن المقصود من الرهن هو الاستيثاق بالدين واستيفاؤه من ثمنه عند تعذر استيفائه من ذمة الراهن، وهذا لا ينافى الانتفاع به، ولا اجارته، ولا اعارته فجاز اجتماعهما، كانتفاع المرتهن به، ولأن تعطيل منفعته تضييع للمال، وقد نهى النبى صلّى الله عليه
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 124 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 4 من سورة التوبة.
(3)
المغنى لابن قدامه والشرح الكبير عليه ج 4 ص 397، 398، 399 الطبعة السابقة.
وسلم عن اضاعته، ولأنه عين تعلق بها حق الوثيقة فلم تمنع اجارتها، كالعبد اذا ضمن باذن سيده، ولا تسلم أن مقتضى الرهن الحبس، بل مقتضاه تعلق الحق به على وجه تحصل به الوثيقة، وذلك غير مناف للانتفاع به، ولو سلمنا بأن مقتضاه الحبس فلا يمنع كون المستأجر نائبا عنه فى امساكه وحبسه ومستوفيا لمنفعته لنفسه.
ثم قال
(1)
: واذا انتفع المرتهن بالرهن باستخدام أو سكنى أو غير ذلك حسب من دينه بقدر ذلك قال أحمد:
يوضع عن الراهن بقدر ذلك، لأن المنافع ملك الراهن فاذا استوفاها فعليه قيمتها فى ذمته للراهن فيتقاص القيمة وقدرها من الدين ويتساقطان.
ثم قال
(2)
: ومؤنة الرهن من طعامه وكسوته ومسكنه وحافظه وغير ذلك على الراهن، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه، ولأنه نوع انفاق فكان على الراهن كالطعام، ولأن الرهن ملك للراهن فكان عليه مسكنه وحافظه كغير الرهن.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(3)
أن سكنى الدار المرهونة ومؤاجرتها تكون من حق الراهن، ولا يجوز أن ينتفع بها المرتهن لا بسكنى ولا بمؤاجرة، لأنها منفعة ومنافع الرهن كلها لصاحبه الراهن له كما كانت قبل الرهن ولا فرق، حاشا ركوب المرهونة، وحاشا لبن الحيوان المرهون.
برهان ذلك قول الله تعالى «وَلا تَأْكُلُوا 4 أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» ،} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» وحكم عليه الصلاة والسلام بأنه لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه وملك الشئ المرتهن باق لراهنه بيقين وباجماع لا خلاف فيه، فاذ هو كذلك فحق الرهن الذى حدث فيه للمرتهن ولم ينقل ملك الراهن عن الشئ المرهون لا يوجب حدوث حكم فى منعه ما للمرء أن ينتفع به من ماله بغير نص بذلك فله الوط ء والاستخدام والمؤاجرة والسكنى وسائر ما للمرء فى ملكه الا كون الرهن فى يد المرتهن فقط بحق القبض الذى جاء به القرآن ولا مزيد.
(1)
المغنى لابن قدامه المقدسى الشرح الكبير عليه ج 4 ص 434 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق والشرح الكبير عليه ج 4 ص 407، ص 408 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 89 مسألة رقم 1213 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 188 من سورة البقرة.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(1)
ليس للراهن أن يكرى داره المرهونة أو يسكنها غيره الا باذن المرتهن، فان أكراها وحصلت أجرتها كانت له.
دليلنا: اجماع الفرقة وأخبارهم، ولأنه لا دليل على جواز ذلك، ومنفعة الرهن للراهن دون المرتهن، وذلك مثل سكنى الدار وخدمة العبد وركوب الدابة وزراعة الأرض، وكذلك نماء الرهن المنفصل عن الرهن، ولا يدخل فى الرهن مثل الثمرة والصوف والولد واللبن.
وجاء فى شرائع
(2)
الاسلام: لو تصرف الراهن فى الرهن بركوب أو سكنى أو اجارة ضمن ولزمته الأجرة.
ولا يجوز التصرف فى الرهن باستخدام ولا سكنى ولا اجارة ولو باع أو وهب وقف على اجازة المرتهن.
مذهب الإباضية:
اذا سكن الشخص دارا لا بالكراء ثم ارتهنها جاز وصح، ولكن ليس له أن يستمر فى السكنى بعد الرهن، لأنه انتفاع بالعين المرهونة وهو غير جائز، ويجوز له أن يخرج متاعه الذى كان فيها قبل الارتهان ان أراد.
واذا كان له مال مخزون فى دار ثم ارتهنها فانه يجوز له ابقاء المخزون فى الدار ودخول الدار لأجل المال المخزون والتردد عليها.
والفرق بين السكنى والخزين أن الخزين لو منعه صاحب البيت من الدخول لماله قبل الرهن، لم يمنع بذلك، والساكن اذا منعه صاحب البيت له ذلك، وأيضا فان سكنى المخزون فى البيت ليس فعل الشخص، وأما سكنى الشخص فهى فعله هذا كله اذا سكن قبل الرهن بغير كراء، وأما اذا كان قد سكن قبل الرهن بالكراء، ثم ارتهن الدار التى سكن فيها، فانه يستمر على سكناه بعد الارتهان حتى تنتهى مدة الكراء
(3)
.
حكم الاقرار بالسكنى
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع
(4)
الصنائع: أنه لو قال المقر: أسكنت فلانا بيتى ثم
(1)
من كتاب الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر ابن الحسن على الطوسى ج 1 ص 615 وما بعدها مسألة رقم 59 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ والروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين ج 1 ص 250 الطبعة السابقة.
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الامامى ج 1 ص 196.
للمحقق المحلى الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل ج 5 ص 90، ص 91 الطبعة السابقة.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 218 الطبعة السابقة.
أخرجته وادعى الساكن أنه له، فالقول قول المقر عند أبى حنيفة، لأن المقر به ليس هو اليد المطلقة بل اليد بجهة الاعارة والسكنى، وهذا لأن اليد لهما ما عرفت الا باقراره فبقيت على الوجه الذى أقر به فيرجع فى بيان كيفية اليد اليه.
وعند أبى يوسف ومحمد القول قول الساكن مع يمينه، ووجه قولهما: أن قوله: أسكنته دارى ثم أخرجته اقرار منه باليد لهما ثم الاخذ منهما فيؤمر بالرد عليهما لقول النبى عليه الصلاة والسلام «على اليد ما أخذت حتى ترد، هذا اذا لم تكن الدار معروفة له، فان كانت معروفة للمقر فالقول قوله بالاجماع، لانه اذا لم يكن معروفا له كان قول صاحبه هو لى منه دعوى التملك فلا تسمع منه الا ببينة» .
ولو أقر أن فلانا ساكن فى هذا البيت والبيت لى، وادعى ذلك الرجل البيت فهو له، وعلى المقر البينة، لأن الاقرار بالسكنى اقرار باليد فصار هو صاحب يد فلا يثبت الملك للمدعى الا ببينة.
مذهب المالكية:
روى الحطاب
(1)
: أن أبا القاسم قال:
لو أن رجلا قال لآخر لم أسكنت فلانا الذى يسكن فى منزلك، فقال أسكنته بالكراء، والساكن يسمع ولا ينكر ولا يغير، ثم ادعى الساكن أن المنزل له فان سكوته لا يقطع دعواه ان أقام البينة على أن المنزل له، ولا يحلف، لأنه يقول ظننت أنه يداعبه.
وجاء فى حاشية الدسوقى
(2)
: أنه اذا أقر شخص لآخر بأن قال له: لك حق أو قدر أو شئ من هذه الدار أو من هذه الأرض أو فيها، ثم فسر ذلك الحق أو القدر بجذع أو بباب منها فلا يقبل ذلك التفسير منه ولا بد من تفسيره بجزء من الدار أو الارض كالربع أو الثمن أو النصف ولا فرق بين من هذه الدار أو فى هذه الدار على الاحسن عند الدردير كما هو قول سحنون.
وقال ابن عبد الحكم يقبل التفسير بالجذع والباب عند التعبير بفى لأنها للظرفية ولا يقبل عند التعبير بمن، ولا بد من تفسيره بجزء، لأن من للتبعيض.
وروى الحطاب
(3)
أن القرافى قال: اذا أقر الوارث بأن ما تركه ابوه ميراث بينهم
(1)
الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 5 ص 225.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 405 الطبعة السابقة والحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 5 ص 228 الطبعة السابقة.
(3)
الحطاب مع التاج والاكليل ج 5 ص 227 الطبعة السابقة.
على ما عهد فى الشريعة وعلى ما يحمل عليه الديانة، ثم جاء بشهود أخبروه أن أباهم أشهده أنه تصدق عليه فى صغره بهذه الدار وحازها له أو أقر بأنه ملكها عليه بوجه شرعى فانه اذا رجع عن اقراره بأن التركة كلها موروثة الا هذه الدار المشهود له بها دون الورثة واعتذر بأخبار البينة له وأنه لم يكن عالما بذلك، بل أقر بناء على العادة ومقتضى ظاهر الشريعة أنه تسمع دعواه ويقبل عذره ويقيم بينة ولا يكون اقراره السابق مكذبا بالبينة وقادحا فيها، لأن هذا عذر عادى يسمع مثله.
وروى عن سحنون أنه لو ادعى دارا بيد امرأة ابنه أنها لابنه تركها بين ورثته وسماهم ثم جاء ببينة أخرى أن أباه أشهد له فى صحته بنصفها صيره اليه فى حق له قبله من قبل ميراثه لأمه وذلك عند مخرجه الى الحج ثم رجع فسكنها حتى مات، فقال له الحاكم قد ادعيتها أولا ميراثا والآن لنفسك قال لم أعلم بهذه البينة الاخيرة قال سحنون لا يقبل منه لانه كذب بينته بدعواه الأولى.
مذهب الشافعية:
جاء نهاية المحتاج
(1)
: أنه يشترط فى المقربه أن يكون مما تجوز به المطالبة وأن لا يكون ملكا للمقر حين يقر، لأن الاقرار ليس ازالة عن الملك، وانما هو اخبار عن كونه ملكا للمقر فلا بد من تقديم المخبر عنه على الخبر، فلو قال دارى أو ثوبى أو دارى التى اشتريتها لنفسى لزيد أو دينى الذى على زيد لعمرو ولم يرد الاقرار فهو لغو، لان الاضافة اليه تقتضى الملك له فينافى اقراره لغيره اذ هو اخبار بسابق عليه فحمل على الوعد بالهبة، ومن ثم صح مسكنى أو ملبوسى له، لأنه قد يسكن ويلبس غير ملكه فلو أراد بالاضافة فى دارى لزيد اضافة سكنى صح كما قاله البغوى فى فتاويه، وبحث الأذرعى استفساره عند الاطلاق والعمل بقوله ولو قال الدين الذى كتبته أو الذى باسمى على زيد لعمرو صح اذ لا منافاة أيضا أو قال الدين الذى لى على زيد لعمرو لم يصح الا ان قال واسمى فى الكتاب عارية.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(2)
: أنه لو أقر بدار قال استأجرتها أو بثوب وادعى أنه قصره أو خاطه بأجر يلزم المقر له أو بعبد وادعى استحقاق خدمته
(1)
نهاية المحتاج لشهاب الدين الرملى ج 5 ص 81 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 4 ص 314 الطبعة السابقة.
سنة أو أقر بسكنى دار غيره وادعى أنه سكنها باذنه لم يقبل قوله فى ذلك.
وجاء فى المغنى
(1)
: أنه اذا قال له هذه الدار هبة أو سكنى أو عارية كان اقرارا بما أبدل به كلامه ولم يكن اقرارا بالدار، لأنه رفع بآخر كلامه بعض ما دخل فى أوله فصح كما لو أقر بجملة واستثنى بعضها.
وذكر القاضى فى هذا وجها أنه لا يصح، لأنه استثناء من غير جنس وليس هذا استثناء انما هو بدل اشتمال وهو أن يبدل من الشئ بعض ما يشتمل عليه ذلك الشئ كقول الله تعالى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ 2 الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ» فانه ابدال القتال من الشهر المشتمل عليه، وقال تعالى أخبارا عن فتى موسى عليه السلام: أنه قال «وما انسانيه الا الشيطان
(3)
أن أذكره» أى انسانى ذكره وان قال له هذه الدار ثلثها أو ربعها صح ويكون مقرا بالجزء الذى أبدله وهذا بدل البعض وليس ذلك استثناء ومنه قول الله تعالى «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 4» ولكنه فى معنى الاستثناء فى كونه يخرج من الكلام بعض ما دخل فيه لو لاه ويفارقه فى أنه يجوز أن يخرج أكثر من النصف وأنه يجوز ابدال الشئ من غيره اذا كان مشتملا عليه. ألا ترى أن الله تعالى أبدل المستطيع للحج من الناس وهو أقل من نصفهم وأبدل القتال من الشهر الحرام وهو غيره، ومتى قال له هذه الدار سكنى أو عارية ثبت فيها حكم ذلك وله أن يسكنه اياها وأن يعود فيما أعاره
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(5)
: أنه لا بد فى الاقرار من كون المقر به تحت يد المقر وهى تقتضى ظاهرا كونه ملكا له، ولأن الاضافة يكفى فيها أدنى ملابسه مثل «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ» فان المراد بيوت الازواج وأضيفت الى الزوجات بملابسة السكنى ولو كان ملكا لهن لما جاز اخراجهن عند الفاحشة، وليس منه ما لو قال مسكنى له فانه يقتضى الاقرار قطعا لان اضافة السكنى لا تقتضى ملكية العين لجواز أن يسكن مال غيره.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(6)
: أنه ان عرفت دار فى يد رجل فأقر لرجل آخر بأرضها أو بنقضها جاز لا ان لم تعرف له
(1)
المغنى لابن قدامه المقدسى ج 5 ص 323، ص 324 وهامشه الشرح الكبير الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 217 من سورة البقرة.
(3)
الآية رقم 63 من سورة الكهف.
(4)
الآية رقم 97 من سورة آل عمران.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجبعى العاملى ج 2 ص 213، 214 الطبعة السابقة.
(6)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 146 الطبعة السابقة.
وقعد فيها أقل من ثلاث سنين ولو قعد فيها المقر له بعد ذلك أكثر من ثلاث سنين ويجوز استثناء اسطوانة أو سارية أو نحو ذلك أو بئر أوجب أو نحوهما والقفل والباب وما كان غير متصل، ولا يجوز استثناء ما يعود على الاقرار بالابطال كالاقرار بالدار الا سكناها أبدا فاذا أقر بذلك صح وبطل الاستثناء، ويجوز الاقرار بالبيت واستثناء هوائه أو بقعته ومن أقر بدار فى يده لرجل ثم أقر بها لرجل آخر فهى للأول وأن كانت بيد رجلين فأقر بها أحدهما لرجل وأنكر الآخر كان نصفها للرجل والنصف للمنكر وان أقر بنصفها لرجل فأنكر الآخر فللرجل ربعها من نصيب المقر وهكذا.
حكم الوصية بالسكنى
مذهب الحنفية:
جاء فى تبيين الحقائق
(1)
: أن الوصية تصح بسكنى الدار، لأنها من الوصية بالمنافع والوصية بالمنافع جائزة، لأن المنافع يصح تمليكها فى حالة الحياة ببدل وبغير بدل فكذا بعد الممات لحاجته كما فى الأعيان ويكون محبوسا على ملك الميت فى حق المنفعة حتى يمتلكها الموصى له على ملكه كما يستوفى الموقوف عليه منافع الوقف على حكم ملك الواقف، ويجوز مؤقتا ومؤبدا كما فى العارية فانها تمليك على أصلنا بخلاف الميراث فانه خلافه فيما يتملكه المورث وذلك أن يقوم الوارث مقام المورث فيما كان له وذلك فى عين تبقى والمنفعة عرض يفنى.
وجاء فى البدائع
(2)
: أنه اذا جازت الوصية بالمنافع فانه يعتبر فيها خروج العين التى أوصى بمنفعتها من الثلث، وللموصى له أن ينتفع بسكنى الدار ما عاش ان كانت الوصية مطلقة عن الوقت فاذا مات الموصى له بالمنفعة انتقلت الى ملك صاحب العين لأن الوصية بالمنفعة قد بطلت بموت الموصى له، لأنها تمليك المنفعة بغير عوض كالاعارة تبطل بموت المستعير.
وان كانت العين لا تخرج من ثلث ماله جازت الوصية فى المنافع فى قدر ما تخرج العين من ثلث ماله بأن لم يكن له مال آخر سوى هذه الدار تقسم المنفعة بين الموصى له وبين الورثة أثلاثا ثلثها للموصى له وثلثاها للورثة فيسكن الموصى له ثلثها والورثة ثلثيها ما دام الموصى له حيا فاذا مات ترد المنفعة الى الورثة.
وذكر الزيلعى: أنه ليس للورثة
(3)
أن يبيعوا ما فى أيديهم من ثلثى الدار، لأن حق
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 6 ص 202، ص 203 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 7 ص 353 الطبعة السابقة.
(3)
الزيلعى ج 6 ص 203 الطبعة السابقة.
الموصى له ثابت فى سكنى جميع الدار ظاهرا بأن ظهر للميت مال آخر وتخرج الدار من الثلث وكذا له حق المزاحمة فيما فى أيديهم اذا خرب ما فى يده والبيع يتضمن ابطال ذلك فيمنعون عنه.
وروى عن أبى يوسف رحمه الله أن لهم ذلك، لأنه خالص حقهم، والظاهر الأول، ولو مات الموصى له فى حياة الموصى بطلت الوصية.
وجاء فى حاشية الشلبى: أن الفقيه أبا الليث قال فى كتاب نكت الوصايا لو كان أوصى له بغلة الدار فأراد أن يسكن هو بنفسه فان هذا الفصل لم يذكر عن أصحابنا المتقدمين، واختلف المتأخرون فيه.
ذكر عن أبى بكر الاسكافى أنه كان يقول له ذلك.
وكان أبو بكر بن سعيد يقول ليس له ذلك.
أما من قال له ذلك فلأن غيره يسكن له ولأجله، فاذا سكن بنفسه جاز أيضا.
وأما من قال ليس له ذلك فلأن فى ذلك ضررا على الميت، لأنه لو آجره وأخذ الغلة فلو ظهر على الميت دين يقضى الدين من تلك الغلة، ولو سكن هو بنفسه لا يمكن أن يقضى من السكنى.
قال شمس الأئمة فى شرح الكافى: وليس للموصى له بسكنى الدار أن يؤاجرها عندنا، لأن الموصى له يملك المنفعة بغير عوض فلا يصح تمليكها من الغير بعوض.
وجاء فى البدائع
(1)
: أنه لو أوصى شخص بسكنى داره لانسان وبرقبتها لآخر والرقبة تخرج من الثلث فالرقبة لصاحب الرقبة ويكون أحدهما موصى له بالرقبة، والآخر بالمنفعة.
وروى عن أبى حنيفة أنه قال:
لا تجوز الوصية بسكنى دار للمساكين، لأنه لا بد من أن يكون ذلك الانسان معلوما وعند صاحبيه تجوز الوصية بذلك للمساكين، كذا ذكر الكرخى فى مختصره.
وذكر فى الأصل أن الوصية بسكنى الدار لا تجوز، وجه قولهما، أن الوصية للمساكين وصية بطريق الصدقة والصدقة اخراج المال الى الله سبحانه وتعالى والله عز وجل واحد معلوم، ولهذا جازت الوصية بسائر الأعيان للمساكين فكذا بالمنافع.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الحطاب
(2)
: أن من أوصى بمنفعة معين كما اذا أوصى بخدمة عبد أو
(1)
البدائع للكاسانى ج 7 ص 354، ص 355 الطبعة السابقة.
(2)
الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 6 ص 384 الطبعة السابقة.
سكنى دار فأن الحكم فى ذلك أن ينظر الى ذلك المعين الموصى بمنفعته فان حمله الثلث نفذت الوصية وان كان الثلث لا يحمل قيمة ذلك المعين الموصى بمنفعته فانه يخير الورثة بين أن يجيزوا ما أوصى به الميت أو يخلع ثلث جميع ما ترك الميت من ذلك المعين وغيره.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(1)
وان أوصى له بسكنى دار سنة فأجرها دون السنة لم يكن ذلك رجوعا، لأنه قد تنقضى الاجارة قبل الموت فان مات قبل انقضاء الاجارة ففيه وجهان.
أحدهما: يسكن مدة الوصية بعد انقضاء الاجارة.
والثانى: أنه تبطل الوصية بقدر ما بقى من مدة الاجارة وتبقى فى مدة الباقى.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(2)
: أنه اذا سكن الموصى المكان الموصى به فلا يعتبر ذلك رجوعا منه فى وصيته لأن السكن لا يزيل الملك ولا الاسم ولا يمنع التسليم.
ثم قال
(3)
: وان أوصى ببناء بيت يسكنه المجتازون أى المارون من أهل الذمة وأهل الحرب صح، لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(4)
: أن الوصية بالسكنى لا تجوز على ما قال به ابن أبى ليلى وأبو سليمان وجميع أصحابنا، لأن الوصية فى حقيقتها تتعلق بمنافع تحدث فى ملك غير الموصى، لأن الدار والعبد والبستان منتقلة بموت المالك لها الى ما أوصى فيه بكل ذلك أو ملك الورثة ووصية المرء فى ملك غيره باطل لا تحل.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار وهامشه
(5)
: اذا أوصى بمطلق الغلة كأن يقول أجرت دارى أو أجرت أرضى أو دابتى أو نحو ذلك لفلان، لأن الغلة هى الكراء للموجودة من ذلك كله، فاذا كانت الدار مؤجرة بأجرة حال الوصية استحقها الموصى له ولا يستحق ما بعد الموجود حال الوصية وأن لا تكن ثم غلة موجودة حال الوصية المطلقة بل الدار غير مؤجرة فمؤبدة أى فالوصية بهذا مؤبدة، فكأنه قال: له ما
(1)
المهذب للامام أبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 463 طبع مطبعة دار أحيائالكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1276 هـ
(2)
كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 2 ص ص 506 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لابن يونس الحنبلى ج 2 ص 514 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 324، مسألة رقم 1757 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدار وهامشه ج 4 ص 489، 490، 491 الطبعة السابقة.
يحصل من غلة دارى أبدا، هذا قول بعضهم.
وقال البعض بل تبطل الوصية قلنا بل تصح كمطلق الخدمة والسكنى.
وجاء فى التاج
(1)
المذهب: لو أوصى بخدمة عبده لزيد فانه يستحقها مؤبدة الى موت الموصى له أو العبد وكذا فى السكنى.
ثم قال فى شرح الازهار
(2)
: اذا أوصى رجل لغيره بسكنى داره وهو لا يملك غيرها، فقد اختلف فى حكم ذلك.
فقال أبو طالب والبعض: أنه ينفذ من سكنى دار اذا أوصى بها للغير وهو لا يملك غيرها سكنى ثلثها، قيل بالمهايأة أو تقسم الدار أثلاثا، الى موت الموصى له، لأن الوصية بالسكنى تأبد.
وقال الاستاذ أبو جعفر يعتبر الثلث بالتقويم فيسكن ثلثها بالمهايأة قال البعض فى التذكرة، وكذلك قال أبو جعفر والاستاذ يسكنها كلها حتى يستغرق من أجرتها قدر ثلث قيمتها وكيفية معرفة خروج الوصية من الثلث أن تقوم الدار مسلوبة المنافع الى موت الموصى له أو خراب الدار فما زاد على قيمتها مسلوبة المنافع فهى الوصية.
واذا استغرقت الوصية جميع المدة استحقها الموصى له مثاله أن تكون قيمتها مسلوبة مائتين وغير مسلوبة ثلثمائة، فان كانت قيمتها غير مسلوبة أربعمائة استحق ثلث المدة ويتاهايا هو والورثة الى موته أو خرابها واختاره الشامى.
وقال البعض وقياس ما ذكروه فى العمرى يسكن الجميع حتى يستوفى الثلث الى أن يموت أو تنتهى أجرة سكنى ذلك الثلث قدر قيمة ثلث الدار.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام
(3)
: تصح الوصية بسكنى الدار مدة مستقبلة فلو أوصى بخدمة عبد أو ثمرة بستان أو سكنى دار أو غير ذلك من المنافع على التأييد أو مدة معينة قومت المنفعة، فان خرجت من الثلث والا كان للموصى له ما يحتمله الثلث.
وجاء فى الروضة البهية
(4)
: تصح الوصية بالمنفعة كسكنى الدار مدة معينة أو دائما ومنفعة العبد كذلك وشبهه وأن استوعبت قيمة العين.
(1)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 4 ص 381 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الأزهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 490، 491 وهامشه الطبعة السابقة.
(3)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 261 الطبعة السابقة.
(4)
الروضة البهية ج 2 ص 49 الطبعة السابقة.
وجاء فى تذكرة الفقهاء
(1)
: أنه تصح الوصية بالمنافع كخدمة عبده وغلة داره وسكناها وثمرة بستانه التى ستحدث سواء أوصى بذلك فى مدة معلومة أو بجميع الثمرة والمنفعة فى الزمان كله عند علمائنا أجمع - وهو قول عامة أهل العلم، ولو قال أوصيت لك أن تسكن هذه الدار وبأن يخدمك هذا العبد فهو اباحة عندهم لا تمليك بخلاف قوله أوصيت لك بسكناها وخدمته.
مذهب الإباضية:
اختلف علماء الإباضية فى الايصاء بالمنافع كسكنى دور وغير ذلك.
فقيل يجوز مطلقا، لأن المنفعة كنفس المال وهى ولو لم توجد لكن تعلقت الوصية لوجودها.
قال الشيخ محمد بن يوسف صاحب شرح النيل: وجواز الوصية بالمنفعة هو الصحيح عندى، وأحاديث العمرى والرقبى نص فيه.
وقيل لا يجوز مطلقا، لأن المنفعة معدومة والمعدوم غير مملوك، فاذا أوصى بها فقد أوصى بما لم يملك وكأنه أوصى بمال الغير.
وقيل أن أجل جاز وان لم يؤجل لم يجز، فمن أوصى بسكنى داره عشر سنين أو أقل أو أكثر أو بغير ذلك بتأجيل فمات الموصى فلا يحكم للموصى له بذلك سواء أجل أو لم يؤجل ولزم الوارث كله عند الله.
وأجاز بعضهم أن الحكم بذلك كله أيضا كما جاز له عند الله، وقيد الجواز ولزوم الوارث بما اذا وسعه الثلث، لأنه ان لم يسعه الثلث لم يلزم الوارث كله عند الله، ولم يجزه ذلك البعض كله بل يلزمه بعضه فيما بينه وبين الله ويجيز ذلك البعض بعضه فقط، ويأخذ الموصى له المنفعة من السكنى وغيرها فى السنين التالية لموته أن عين الموصى أنها بعد موته باتصال أو لم يعين أنها بعده باتصال ولا بانفصال ولم يبين أنها بعده كما يشاء باتصال أو انفصال وان عين فعلى ما عين، وكذا كل مدة أقل من السنة.
وان ترك السكنى فى عشر السنين أو فى بعضها أو أخذ من الموصى له محل الخدمة والسكنى ومثلهما سائر المنافع أو منعا لا بالوارث فى المدة أو فى بعضها لم يكن له بعد الاعوام العشرة شئ، أما لو منعه الوارث أو أخذه لزمه أن يجدد له ما فات.
وقيل ان لم يعين الموصى السنين التالية لموته بل أطلق فله عدده فيما بعدها كما اذا خيره بين التعقيب والتأخير أو أوصى له على التأخير، ولا خلاف أن عين التالية فى أنه لا شئ له بعدها.
(1)
تذكرة الفقهاء لجمال الدين بن محمد بن يوسف الحلى ج 2 ص 405 الطبعة السابقة.
وان أوصى بالسكنى وغيرها من المنافع من غير تأجيل ففيه خلاف: فمنعه بعض وجوزه بعض، كما يجيزه اذا أجل بالنظر الى الثلث أى باعتباره والنزول فيه بالمحاصة وينزل فى المال بالثلث مع الوصايا الأخرى ان كانت، وان لم تكن نزل بالثلث فى الثلث، لأنه ان طالت المدة فرغ الثلث، وكذا ان أجل وأحاط ما أوصى به من سكنى وغيرها بماله فانه لا يجاوز الثلث وينزل فى الثلث بالثلث مع الوصايا وان لم تكن الوصايا نزل فى الثلث بالثلث.
ومن أوصى
(1)
لآخر بسكنى داره طول حياته فان أجاز ذلك الورثة أعطى لذوى السكن سكناها، فاذا مات رجع اليهم، وان لم يجز الورثة ضرب لذى السكن قدر ما استحق من الثلث، فان كانت الدار تساوى منابه وهو مائتان وخمسون سلمت اليه يسكنها بأجر معروف كل شهر الى أن يتم منابه ثم ترد الى الورثة، وان مات قبل أن يستفرغه رد الفضل على أصحاب الوصايا الى أن يستوفوا، فان فضل شئ بعد ذلك سلم الى الورثة فهذا ان كانت قيمة الدار أكثر مما أصاب منابه كان سكنه بالحصة يحاصصه فى ذلك الورثة، فان كانت قيمتها خمسمائة كان سكنها شهرا بمعروف الى أن يستوفى ما أصاب منابه من الثلث.
ومن قال أوصيت بسكنى دارى سنة سكن ثلثها بمشاهرة أو مياومة.
وقيل يسكن ثلثها سنة.
ومن أوصى بغلة
(2)
عبده أو داره سنة فله ثلث غلة ذلك سنته، وان قال بغلة عبده وسكنى داره فليس له أن يؤاجرهما، لأن الأجرة لا يوجد فيها حق للموصى له به، وليس له اخراج العبد من مصره الا ان كان أهل الموصى له فى غيره، واختير أن يخرج من خدمته وسكنى الدار معنى الخلاف فى أن يؤاجره ويخدمه غيره أو يؤاجر سكناها ويسكنها غيره فان أوصى له أن يستخدمه أو يسكنها لم يكن له الا ذلك وبين قوله سكناها وأن يسكنها فرق.
وقيل له أن يؤاجرها اذا أوصى له بسكناها والأجرة له.
حكم اسكان العين المغصوبة
مذهب الحنفية:
جاء فى حاشية الشلبى
(3)
: أن صدر الاسلام البزدوى قال فى شرح الكافى:
ليس على الغاصب فى سكنى الدار أجر وهو مذهب علمائنا.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 192، 193، 194، 195 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 196
(3)
الشلبى على الزيلعى ج 5 ص 233، ص 234 الطبعة السابقة.
وقال صاحب الدر المختار
(1)
: اذا كان المغصوب دارا وسكنها الغاصب فنقصت بسكناه ضمن الغاصب النقصان.
ثم قال ان منافع المغصوب - سواء استوفاها الغاصب أو عطلها - غير مضمونة الا فى ثلاث فيجب فيها أجر المثل على اختيار المتأخرين، وهى أن يكون المغصوب وقفا للسكنى أو للاستغلال أو مال يتيم الا أن تكون أمه قد سكنت مع زوجها فى داره بلا أجر فليس لهما ذلك ولا أجر عليهما كذا فى الاشباه.
قلت ويستثنى أيضا سكنى شريك اليتيم بأن كانت بينه وبين بالغ فسكنها البالغ مدة فقد نقل عن القنية: أنه لا شئ عليه، وكذا الأجنبى بلا عقد أى اذا سكنها أجنبى عنه غير أمه وغير شريكه.
وقيل دار اليتيم كالوقف فى ضمان منافعها وهو قول المتأخرين وهو المعتمد.
(قلت) ويمكن حمل كلا الفرعين على قول المتقدمين بعدم أجرته.
وأما على القول المعتمد أنها كالوقف فتجب الأجرة على الشريك والزوج لكون سكنى المرأة واجبة عليه وهو غاصب لدار اليتيم فتلزمه الأجرة وبه أفتى ابن نجيم.
ونقل البيرى عن المحيط ان لم يكن لها زوج لها السكنى بحكم الحاجة وان كان فلا، كما اذا كان لها مال.
وفى الصيرفية تفصيل نصه: لو سكنت امرأة مع زوجها ببيت ابنها الصغير فان كان بحال لا يقدر على المنع، بأن كان ابن سبع سنين أو ستا فعليها أجر المثل، لأنها غير محتاجة حيث كان لها زوج، وان كان الولد بحال يقدر على المنع فلا أجر عليها.
قال ابن عابدين وما فى الصيرفية مخالف لما فى البيرى عن المحيط حيث فرض المسألة فيما اذا سكنت بغير أمر الزوج، وقدر مدى قدرة الابن على المنع بأن كان ابن عشر فأكثر، فان ظاهره انها سكنت وحدها، وأنه لو كان ابن ثمان أو تسع يلزمها الأجر، وكذلك اذا كان الوقف معدا للاستغلال ففيه ضمان المنفعة الا اذا سكن بتأويل ملك كبيت سكنه أحد الشركاء فى الملك ولو ليتيم أو سكنها بتأويل عقد، كبيت الرهن اذا سكنه المرتهن، ثم بان للغير معدا للاجارة فلا شئ عليه، وبقى لو آجر الغاصب أحدهما فعلى المستأجر المسمى لا أجر المثل ولا يلزم الغاصب الاجر، بل يرد ما قبضه للمالك.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل
(2)
: أن ابن القاسم قال: من سكن دارا غاصبا للسكنى مثل ما لو سكن السدة أى مدخل الدار فانهدمت الدار من غير فعله فلا
(1)
الدر المختار شرح تنوير الابصار ج 5 ص 135، ص 136 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل بهامش الحطاب ج 5 ص 285 الطبعة السابقة.
يضمن الا قيمة السكنى الا أن تنهدم من فعله، وأما لو غصبه رقبة الدار ضمن ما انهدم وكراء ما سكن.
وروى عن ابن يونس أنه اذا اكترى رجل دارا أو أرضا فاغتصبها منه رجل آخر فسكن أو زرع فان الكراء على المكترى الا أن يكون سلطانا، قال ابن يونس وهذا صواب، لأن منع السلطان كمنع ما هو من أمر الله كهدم الدار وقحط الارض.
وقال ابن القاسم: اذا نزل سلطان على مكتر فأخرجه وسكن الدار فان المصيبة على صاحب الدار ويسقط عن المكترى ما سكنه السلطان.
وجاء فى الشرح الكبير
(1)
: أن من غصب منفعة لذات من دابة أو دار أو غيرهما وكان يقصد بغصبه لتلك الذات أن ينتفع بها فقط كالركوب والسكنى مدة ثم يردها لربها وهو المسمى بالتعدى فتلفت الذات بسماوى فلا يضمن الذات وانما يضمن قيمة المنفعة أى ما استولى عليه منها، لأنها التى تعدى عليها.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(2)
: أنه لو دخل شخص دار غيره وأخرجه منها فهو غاصب ولو لم يقصد استيلاء، لأن وجوده مغن عن قصده، وسواء فى ذلك أكان بأهله على هيئة من يقصد السكنى أم لا، فما فى الروضة تصوير لا قيد، وكذا لو أخرجه عنها ومنعه من التصرف فيها.
وفى شرح الحاوى: اذا ساكن الداخل الساكن بالحق لا فرق بين أن يكون مع الداخل أهل مساوون لأهل الساكن أم لا، حتى لو دخل غاصب ومع الساكن من أهله عشرة لزمه النصف ولو كان الساكن بالحق اثنين كان ضامنا للثلث وان كان معه عشرة من أهله وعلى الغاصب الرد فورا عند التمكن وإن عظمت المؤنة فى رده ولو لم يكن متمولا كحبة بر أو كلب يقتنى، وسواء أكان مثليا أم متقوما ببلد الغصب أم منتقلا عنه ولو بنفسه أو فعل أجنبى لخبر «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» .
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير
(3)
، أنه اذا غصبت الدور يجب على غاصبها ضمانها، هذا ظاهر مذهب أحمد، وهو المنصوص عن أصحابه، لأنه يمكن الاستيلاء عليها على وجه يحول بينها وبين مالكها، مثل أن يسكن الدار ويمنع مالكها من دخولها، فاشبه ما لو أخذ الدابة والمتاع.
(1)
الشرح الكبير على حاشية الدسوقى ج 2 ص 452 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 5 ص 148، 149 الطبعة السابقة.
(3)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 5 ص 378، 375 الطبعة السابقة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(1)
أن من غصب دارا ففرض عليه أن يرده وأن يرد كل ما اغتل منه.
ثم قال
(2)
: ومن غصب دارا فتهدمت كلف رد بنائها كما كان ولا بد لقول الله تبارك وتعالى «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ 3» .
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(4)
أنه اذا صارت العين المغصوبة الى يد رجل لم يعلم أنها غصب فغرم فيها غرامة وطلبها مالكها فقبضها بعد التثبيت بأنه يستحقها كان لهذا المغرور الذى صارت الى يده أن يغرم الغار، الا أن المغرور لا يغرم الغار ما كان قد اعتاض منه نحو أن يشترى دارا مغصوبة وهو جاهل لغصبها فيسكنها فيطلبها المالك ويطلب أجرها فانه يلزمه تسليمها وتسليم أجرتها، ولا يرجع بالاجرة على البائع، لأنه قد استوفى بدلها وهو السكن، وأما اذا لم يسكن فان الأجرة تلزمه لمالكها ويرجع بها على من غره.
ثم قال
(5)
: واذا أمر رجل رجلا آخر أن يسكن دارا لغيره فسكنها مختارا فانه ينظر فى الآمر فان كان الآمر أقوى من المأمور بحيث أن سكون المأمور كان بقوته وجب أن يضمن آمر الضعيف اذا كان الآمر قويا فقط، والمأمور ضعيف، وللمظلوم مطالبة من شاء منهما، لكن القرار فى الضمان على المأمور، بمعنى أنه اذا طولب بالضمان لم يرجع على الآمر، وان طولب الآمر رجع عليه لأنه المستهلك، فان كانا مستويين فى القوة والضعف أو المأمور أقوى فلا ضمان على الآمر، وهذا قول البعض، وهو أحد قولى المؤيد بالله، أعنى وجوب الضمان على آمر الضعيف اذا كان قويا، لأن الساكن كالالة قال البعض وهو الذى يأتى على قول ابنى الهادى فى قولهما أن الباغى يضمن
وقال البعض وبعض الناصرية وهو أحد قولى المؤيد بالله لا يضمن الآمر، لأن الآمر بالمحظور لا يصح.
وأما اذا كان الساكن مكرها ضمن الآمر بلا أشكال.
وأما الساكن فيضمن أيضا عند المؤيد بالله.
وقال البعض وله أن يرجع على الآمر، لأن ذلك غرم لحقه بسببه.
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 135 مسألة رقم 1259 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 144 مسألة رقم 1261 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 194 من سورة البقرة.
(4)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 3 ص 543، ص 544 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 3 ص 558 الطبعة السابقة.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(1)
: أن من سكن دار غيره غلطا أو لبس ثوبه خطأ فانهم ضامنون وان لم يكونوا غاصبين، فلو منعه سكنى داره ولم يثبت المانع يده عليها أو منعه من امساك دابته المرسلة كذلك فليس بغاصب لهما فلا يضمن العين لو تلفت ولا الأجرة زمن المنع لعدم اثبات اليد الذى هو جزء مفهوم الغصب، ويشكل بأنه لا يلزم من عدم الغصب عدم الضمان لعدم انحصار السبب فيه، بل ينبغى أن يختص ذلك بما لا يكون المانع سببا فى تلف العين بذلك بأن اتفق تلفها مع كون السكنى غير معتبرة فى حفظها، ولو سكن معه قهرا فى داره فهو غاصب للنصف عينا وقيمة لاستغلاله له بخلاف النصف الذى بيد المالك، هذا اذا شاركه فى سكنى البيت على الاشاعة من غير اختصاص بموضع معين.
ولو انعكس الغرض بأن ضعف الساكن الداخل على المالك عن مقاومته ولكن لم يمنعه المالك مع قدرته ضمن الساكن أجرة ما سكن لاستيفائه منفعته بغير اذن مالكه.
وقيل ولا يضمن الساكن العين لعدم تحقق الاستقلال باليد على العين الذى لا يتحقق الغصب بدونه، ووجهه ظهور استيلائه على العين التى انتفع بسكناها وقدرة المالك على دفعه لا ترفع الغصب مع تحقق العدوان، نعم لو كان المالك القوى نائبا فلا شبهة فى الضمان، لتحقق الاستيلاء
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: أن الغاصب يغرم قيمة ما استغل من المغصوب أو مثل ما استغل اذا أمكن المثل كثمار وألبان وسكنى دور فى الاخرة لا فى الحكم عند المغاربة فان شاء النجاة منه فى الاخرة تخلص منه فى الدنيا بلا حكم عليه ويغرم ذلك فى الحكم عند المشارقة كما يغرمه فى الاخرة ان لم يغرمه فى الدنيا وهو الصحيح.
حكم بيع السكنى لمن يريد الحج:
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار:
(3)
أن الحج واجب على كل حر مكلف ذى زاد وراحلة فضلا عما لا بد منه ويعتبر مما لا بد منه المسكن ومرمته ولو كان كبيرا يمكنه الاستغناء ببعضه والحج بالفاضل فانه لا يلزمه بيع الزائد، ويستوى فى ذلك المسكن الذى يسكنه هو أو الذى يسكنه من يجب عليه اسكانه بخلاف الفاضل عنه، والافضل بيع الزائد، وعلم بذلك عدم لزوم بيع الكل والاكتفاء بسكنى الاجارة بالاولى، وكذا لو كان
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 229، ص 230 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ص 62 الطبعة السابقة.
(3)
الدر المختار شرح تنوير الابصار المعروف بحاشية ابن عابدين ج 2 ص 196 الطبعة السابقة.
عنده ما لو اشترى به مسكنا لا يبقى بعده ما يكفى للحج فانه لا يلزمه.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الحطاب
(1)
: أنه لو كانت لشخص دار يسكنها وخادم يحتاج اليه لا فضل فيهما عن كفايته واذا باعهما وجد مسكنا وخادما يكتريهما، ويفضل له من المال ما يحج به.
قال صاحب الطراز فعليه فى ظاهر المذهب أن يحج على القول بالفور، لانه يجد السبيل الى الحج فوجب عليه كما لو كان بيده مال تتعلق به حاجته على الدوام أو كان حاكما وعنده كتب لا يستغنى عنها فيجب عليه بيع ذلك ليحج به.
ولو كان يجد ببعض ثمن الدار أو الخادم دارا أو خادما دونهما لوجب عليه أن يحج من باب أولى، أما لو كان ثمن الدار أو الخادم قدر كفاية الحج ولا يجد ما يكترى به لاهله دارا ولا خادما كان الحكم فى ذلك على ما تقدم فى النفقة.
جاء فى الحطاب
(2)
: قال فى أحكام ابن سهل فى القضاء فى مسائل الغائب، رجل غاب منذ عشرين عاما وأثبت أبوه أنه فقير عديم وأن له دارا ودعا أن تباع وينفق عليه من ثمنها، فأفتى ابن عات لا سبيل الى بيع هذه الدار بسبب الاب الطالب للنفقة وهو مما لا اختلاف فيه وكان ابن مالك وابن القطان قد ماتا وأفتى غيره بأن يحلف الأب ماله مال معلوم وأنه لفقير عديم وتباع الدار وينفق من ثمنها على الاب وزوجته، فيجرى
(3)
ذلك على الخلاف فى فورية الحج وتراخيه.
قال فى الطراز فان قلنا الحج على الفور لم ينظر لذلك كما لا ينظر لنفقة الأهل.
وان قلنا على التراخى لم يجب ذلك عليه، لانه لما عجز عن الحقين كان حق الادمى فى ماله أولى من حق الحج.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج
(4)
: نقلا عن الاستذكار وغيره أن الأصح اشتراط كون الزاد والراحلة والمؤنة وغير ذلك فاضلا أيضا عن مسكنه اللائق المستغرق لحاجته فاضلا عن عبد يليق به، ويحتاج لخدمته لمنصب أو عجز كما فى الكفارة، وعلى هذا لو كان معه نقد يريد صرفه اليهما مكن منه.
والرأى الثانى لا يشترط ذلك بل يباعان قياسا على الدين، ومحل الخلاف اذا كانت الدار مستغرقة لحاجته، وكانت سكنى مثله والعبد يليق به، فاذا أمكن بيع بعض الدار ولو كانت غير نفيسة ووفى ثمنه بمؤنة الحج أو كانا نفيسين لا يليقان بمثله ولو أبدلهما لو فى التفاوت
(1)
الحطاب وشرحه التاج والاكليل ج 2 ص 504 الطبعة السابقة.
(2)
الحطاب مع شرحه ج 4 ص 203 الطبعة السابقة.
(3)
الحطاب وشرحه التاج والاكليل ج 2 ص 504 الطبعة السابقة.
(4)
مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 449.
بمؤنة الحج فانه يلزمه ذلك جزما ولو كانا مألوفين، بخلافه فى الكفارة، فانه لا يلزمه بيعهما فى هذه الحالة، لان لها بدلا والامة كالعبد ولو كانت للتمتع.
قال الاسنوى وكلامهم يشمل المرأة المكفية باسكان الزوج وأخدامه وهو متجه، لأن الزوجية قد تنقطع فتحتاج اليهما، وكذا المسكن للمتفقهة الساكنين ببيوت المدارس والصوفية بالربط ونحوهما.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى
(1)
أنه لو كان لشخص عقار يحتاج اليه لسكناه أو سكنى عياله أو يحتاج الى أجرته لنفقة نفسه أو عياله أو بضاعة متى نقصها اختل ربحها فلم يكفهم أو سائمة يحتاجون اليها لم يلزمه الحج، وان كان له من ذلك شئ فاضل عن حاجته لزمه بيعه فى الحج، فان كان له مسكن واسع يفضل عن حاجته وأمكنه بيعه وشراء ما يكفيه ويفضل قدر ما يحج به لزمه.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار
(2)
: أن ما يشترط فى الاستطاعة الزاد وهو أن يملك الحاج كفاية من المال تسده للحج فاضلة عما استثنى له وللعول.
والذى استثنى له كسوته وخادمه ومنزله مهما لم يستغن عنه واستثنى لعوله كفايتهم كسوة ونفقة وخادما ومنزلا وأثاثه مدة يمكن رجوعه فى قدرها بعد أن قضى حجه.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام
(3)
: ان الزاد والراحلة وهما يعتبران فيما يفتقر الى قطع المسافة ولا يباع ثياب مهنته ولا خادمه ولا دار سكناه والمراد بالزاد قدر الكفاية من القوت والمشروب ذهابا وعودا وبالراحلة راحلة مثله.
وجاء فى الروضة البهية
(4)
: ويستثنى له من جملة ماله داره وثيابه وخادمه ودابته وكتب علمه اللائقة بحاله كما وكيفا عينا وقيمة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(5)
: أنه لا يبيع شخص مسكنه ليحج به، لانه من مؤنة العيال اللهم الا أن يكون مسكنا عظيما يبيعه ويشترى بباقى ثمنه مسكنا ضيقا أو متوسطا وعلى التشديد يبيع المسكن ويكترى لهم مسكنا الى رجوعه أى الى الفراغ من الحج أو الى الموصول الى العيال،
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 172 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الأزهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 63، ص 64 الطبعة السابقة.
(3)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 113 الطبعة السابقة.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 159، ص 160 الطبعة السابقة.
(5)
شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 273 الطبعة السابقة.
أما منزل سكناه فلم يوجد من يقول بأنه يبيعه الا أن كثر ثمنه جدا ويمكنه شراء منزل يكفيه ويبقى له من ثمنه بقية تكفى الى رجوعه.
وقيل يبيع الاصل ولو كله ويترك من ثمنه مؤنة العيال الى رجوعه ان كان ما يتركه بلا بيع لا تكفيهم غلته أو يأمرهم أن يبيعوا منه بعده ما احتاجوا اليه.
وقيل اذا كان ماله يكفى عياله ذهابا ورجوعا وزادا وراحلة ولكنه اذا رجع لم يرجع الى شئ بل يسأل الناس لم يجب عليه الحج والصحيح أنه يجب عليه لوجود تمكنه من الحج ولا يعتبر المال مانعا بعد وصوله الى أهله فان الله أولى بذلك.
حكم بيع السكنى فى الكفارة
مذهب الحنفية:
جاء فى حاشية ابن عابدين
(1)
: لا يعتبر أن من عليه الكفارة قادرا على العتق بمسكنه، فلا يتعين عليه بيعه وشراء رقبة بل يجزئه الصوم، لان المسكن كلباسه ولباس أهله وتقييدهم بالمسكن يفيد أنه لو كان له بيت غير مسكنه لزمه بيعه.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(2)
أنه لا يجوز العدول الى الصيام الا لمن عجز عن العتق وقت الاداء للكفارة، بخلاف القادر على العتق، بأن كان عنده رقبة أو ثمنها أو ما يساوى ثمنها من شئ غير محتاج اليه.
ولا يعتبر قادرا أن كانت قدرته على العتق بملك شئ محتاج اليه من عبد أو غيره لمثل مرض ومنصب ومسكن لا فضل فيه وكتب فقه وحديث محتاج لها.
وعلق الدسوقى على قوله لا فضل فيه بقوله: أى لا زيادة فيه على ما يسكنه، ولا شك فى أن المسكن المذكور محتاج له السكنى فيه.
مذهب الشافعية:
جاء فى حاشية البجرمى
(3)
: أن من ملك رقيقا أو ملك ثمنه فاضلا عن كفاية ممونه من نفسه وغيره نفقة وكسوة وسكنى ونحوها وجب عليه أن يصرفه الى الكفارة اذ لا يلحقه بصرف ذلك الى الكفارة ضرر شديد، وانما يفوته نوع رفاهية.
قال الرافعى وسكتوا عن تقدير مدة ذلك، ويجوز أن يقدر بالعمر الغالب، وأن يقدر بسنة.
وصوب فى الروضة منهما الثانى.
وقضية ذلك أنه لا نقل فيها مع أن منقول الجمهور الاول.
(1)
حاشية ابن عابدين ج 2 ص 596 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الكبير على حاشية الدسوقى ج 2 ص 450 الطبعة السابقة والحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 4 ص 127 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية البجرمى وهامشها ج 4 ص 61 الطبعة السابقة.
وجزم البغوى فى فتاويه بالثانى، على قياس ما صنع فى الزكاة.
أما من لا يملك ذلك كمن ملك رقيقا وهو محتاج الى خدمته، لمرض، أو كبر، أو ضخامة مانعة من خدمة نفسه، أو منصب يأبى أن يخدم نفسه، فهو فى حقه كالمعدوم.
ولا يلزمه بيع ضيعة أى عقار ورأس مال لتجارة وماشية لا يفضل دخلها من غلة الضيعة وربح مال التجارة وفوائد الماشية من نتاج وغيره من تلك أى كفاية ممونة لتحصيل رقيق يعتقه لحاجة اليها، بل يعدل الى الصوم، فان فضل دخلها عن تلك لزمه بيعها. ولا بيع مسكن ورقيق نفيسين ألفهما لعسر مفارقة المألوف ونفاستهما، بأن يجد بثمن المسكن مسكنا يكفيه ورقيقا يعتقه وبثمن الرقيق رقيقا يخدمه ورقيقا يعتقه، فان لم يألفهما وجب بيعهما لتحصيل عبد يعتقه، ولا يلزمه شراء بغبن، كأن وجد رقيقا لا يبيعه مالكه الا بأكثر من ثمن مثله، ولا يعدل الى الصوم بل عليه الصبر الى أن يجده بثمن المثل.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى
(1)
: أن من له دار لا غنى له عن سكناها أو دابة يحتاج الى ركوبها أو خادم يحتاج الى خدمته أجزأه الصيام فى الكفارة.
وجملته أن الكفارة انما تجب فيما يفضل عن حاجته الاصلية والسكنى من الحوائج الاصلية، وكذلك الدابة التى يحتاج الى ركوبها، لكونه لا يطيق المشى فيما يحتاج اليه أو لم تجر عادته به، كذلك الخادم الذى يحتاج الى خدمته، لكونه ممن لا يخدم نفسه، لمرض أو كبر أو لم تجر عادته به، وهذه الثلاثة من الحوائج الاصلية لا تمنع التكفير بالصيام.
اذا ثبت هذا فانه ان كان فى شئ من ذلك فضل عن حاجته مثل من له دار كبيرة تساوى أكثر من دار مثله ودابة فوق دابة مثله وخادم فوق خادم مثله يمكن أن يحصل به قدر ما يحتاج اليه وتفضل فضلة يكفر بها، فانه يباع منه الفاضل عن كفايته، أو يباع الجميع ويبتاع له قدر ما يحتاج اليه، ويكفر بالباقى، وان تعذر بيعه، أو أمكن البيع ولم يمكن شراء ما يحتاج اليه ترك ذلك، وكان الانتقال الى الصيام، لانه تعذر الجمع بين القيام بحاجته والتكفير بالمال، فأشبه ما لو لم يكن فيه فضل، فان كان من له عقار يحتاج الى أجرته لمؤنته وحوائجه الاصلية كان له أن يكفر بالصيام، لان ذلك مستغرق لحاجته الاصلية فأشبه العدم.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار وهامشه
(2)
:
أن العبرة فى الكفارة بالوجود كما ذكره الله تعالى فى كتابه الكريم من العتق والكسوة
(1)
المغنى لابن قدامه المقدسى ج 11 ص 278، ص 279 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 43 وهامشه الطبعة السابقة.
والاطعام فمن وجدها لزمه اخراجها على كل حال، سواء كان يحتاجها أم لا، ولا يستثنى له شئ سوى المنزل وأثاثه.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع
(1)
الاسلام: أن العجز عن الكفارة يتحقق اما بعدم الرقبة أو عدم ثمنها واما بعدم التمكن من شرائها وان وجد الثمن.
وقيل حد العجز عن الاطعام أن لا يكون معه ما يفضل عن قوته وقوت عياله ليوم وليلة فلو وجد الرقبة، وكان مضطرا الى خدمتها أو ثمنها لنفقته وكسوته لم يجب العتق، ولا يباع المسكن ولا ثياب الجسد.
ويباع ما يفضل عن قدر الحاجة من المسكن، ولا يباع الخادم على المرتفع عن مباشرة الخدمة، ويباع على من جرت عادته بخدمة نفسه الا مع المرض المحوج الى الخدمة، ولو كان الخادم غاليا بحيث يتمكن من الاستبدال منه ببعض ثمنه قيل يلزم بيعه لامكان الغنى عنه، وكذا قيل فى المسكن اذا كان غاليا وأمكن تحصيل البدل ببعض الثمن.
والاشبه أنه لا يباع تمسكا بعموم النهى عن بيع المسكن.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح
(2)
النيل؟ أن من وجد رقبة أو قدر على شرائها ويبقى له قليل لا يجزئه صوم ولا اطعام ولو لم يصل حد الغنى، وانه ان لم يجد الغنى رقبة يشتريها يجزيه الصوم، ولكن يتأخر حتى لا يبقى الا مقدار الصوم، وان لم يجد الرقبة الا بأكثر من قيمتها أو بماله كله فليشتر، ورخص له أن يصوم وأن لم يجدها الا فى مسير شهر أو أكثر سار اليه ولا يجزيه الصوم، وفى الزام الشراء ولو بماله كله نظر، والاولى أن يقول يلزمه الشراء ان كان يبقى له قليل ولا يبيع مسكنه لأجل الرقبة ولا أصوله الا ما استغنى عنه.
حكم الصلح على السكنى
مذهب الحنفية:
جاء فى تبيين
(3)
الحقائق أنه يجوز الصلح عن دعوى المنفعة - ويكون بمعنى الاجارة ان وقع عنه - بمال أو بمنافع، وانما يجوز الصلح عن المنافع على المنافع اذا كان المنفعتان مختلفى الجنس بأن يصالح عن السكنى على خدمة العبد، أو زراعة
(1)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 3 ص 57 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 3 ص 413 الطبعة السابقة.
(3)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 5 ص 34، ص 35 الطبعة السابقة.
الأرض، أو لبس الثياب، أما اذا اتحد جنسهما كما اذا صالح عن السكنى على السكنى فلا يجوز.
وجاء فى البدائع
(1)
: أنه اذا كان الصلح على سكنى بيت فهلك البيت بنفسه بأن انهدم أو باستهلاك بأن هدمه غيره فلا يبطل الصلح ولكن لصاحب السكنى وهو المدعى الخيار ان شاء بنى صاحب البيت بيتا آخر يسكنه الى المدة المضروبة وان شاء نقض الصلح.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح
(2)
الكبير: أنه اذا كان المصالح به منافع فلا بد من أن يكون المدعى به معينا حاضرا ككتاب مثلا تدعيه على زيد وهو بيده فيصالحك بسكنى دار وخدمة عبد.
فلو كان المدعى به دينا فى الذمة كدراهم فلا يجوز الصلح عليها بمنافع كسكنى الدار، لأنه فسخ دين فى دين.
وأما أن كان المصالح به ذاتا فلا بد من أن يكون المدعى به معلوما والا كان بيع مجهول.
واذا كان الصلح على منافع فلا بد من أن تكون المنافع معينة كسكنى هذه الدار سنة.
مذهب الشافعية:
جاء فى
(3)
المهذب: ان صالح من دار على نصفها ففيه وجهان.
أحدهما: لا يصح، لأنه ابتاع ماله بماله.
والثانى يصح، لأنه لما عقد بلفظ الصلح صار كأنه وهب النصف وأخذ النصف، وان صالحه من الدار على سكناها سنة ففيه وجهان.
أحدهما: لا يصح لأنه ابتاع داره بمنفعتها.
والثانى: يصح، لأنه لما عقد بلفظ الصلح صار كما لو أخذ الدار وأعاره سكناها سنة.
ثم قال
(4)
: أن كان لأحدهما علو وللآخر سفل والسقف بينهما فانهدم حيطان السفل لم يكن لصاحب السفل أن يجبر صاحب العلو على البناء قولا واحدا، لأن حيطان السفل لصاحب السفل فلا يجبر صاحب العلو على بنائه وهل لصاحب
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 54 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 310 الطبعة السابقة.
(3)
المهذب لابى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 333 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 337 الطبعة السابقة.
العلو اجبار صاحب السفل على البناء فيه قولان: فان قلنا يجبر الزمه الحاكم، فان لم يفعل وله مال باع الحاكم عليه ماله وأنفق عليه، وان لم يكن له مال اقترض عليه، فاذا بنى الحائط كان الحائط ملكا لصاحب السفل، لأنه بنى له وتكون النفقة فى ذمته، ويعيد صاحب العلو غرفته عليه، وتكون النفقة على الغرفة وحيطانها من ملك صاحب العلو دون صاحب السفل، لأنها ملكه لا حق لصاحب السفل فيه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى
(1)
الاقناع: أنه ان كان الصلح ببعض بيت أقر له به، أو على أن يسكنه سنة أو يبنى له فوقه غرفة لم يصح، وان أسكنه كان تبرعا منه متى شاء أخرجه منها، وان أعطاه بعض داره بناء على هذا فمتى شاء انتزعه منه، وان فعل ذلك على سبيل المصالحة معتقدا ان ذلك وجب عليه بالصلح رجع عليه بأجرة ما سكن وأجرة ما كان فى يده من الدار وان بنى فوق البيت غرفة أجبر على نقضها وأداء أجرة السكنى مدة مقامه فى يده.
مذهب الظاهرية:
جاء فى
(2)
المحلى أنه لو كان الصلح على سكنى دار فانهدمت الدار أو استحقت بطل الصلح وعاد على حقه.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج
(3)
المذهب: أن المصالحة اما أن تكون بمنفعة من خدمة عبد أو سكنى دار كأن يقول صالحتك عن كذا بسكنى هذه الدار أو بخدمة هذا العبد أو نحو ذلك فكالاجارة حكمه حكمها يصححه ما يصححها ويفسده ما يفدسدها الا أنه يغتفر لفظ الاجارة.
وتصح بلفظ الصلح، فاذا قال.
صالحتك عن ثوبك الذى عندى أو دراهمك التى فى ذمتى أو خدمة عبدك الذى تستحق أجرته بسكنى دارى سنة فهى هنا بمعنى الاجارة فى الثلاثة الاطراف حيث يكون المصالح عنه عينا أو دينا أو منفعة والمصالح به منفعة.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أنه يصح الصلح على كل من العين،
(1)
الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 193، ص 194 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 168 مسألة رقم 1274 الطبعة السابقة.
(3)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 4 ص 168 الطبعة السابقة.
والمنفعة بمثله وجنسه ومخالفه، فلو صالح منكر الدار على سكن المدعى سنة فيها صح للاصل ويكون هنا مفيدا فائدة العارية، ولو أقر بها ثم صالحه على سكنى المقر صح أيضا ولا رجوع فى الصورتين لما تقدم من أنه عقد لازم وليس فرعا على غيره
(1)
.
إسلاف
تعريف الاسلاف فى اللغة:
اسلاف مصدر فعله أسلف:
يقال: سلف بالفتح يسلف بالضم سلوفا وسلفا تقدم وسبق، وأسلف فلان فلانا مالا أقرضه اياه وأسلف فلان الى فلان فى الشئ، أعطاه اياه فى بيع السلم. ويقال سلف فلان الشئ قدمه وسلف فلان فلانا مالا، أقرضه اياه وسلف فلان الى فلان فى الشئ، أسلف
(2)
.
والسلف محركة السلم اسم من الاسلاف والسلف القرض الذى لا منفعة فيه للمقرض وعلى المقترض رده كما أخذه
(3)
.
والسلف بفتحتين نوع من البيوع يعجل فيه الثمن، وتضبط السلعة بالوصف الى أجل معلوم
(4)
.
التعريف عند الفقهاء:
واستعمال الفقهاء للاسلاف لا يخرج عن بعض تلك الاستعمالات اللغوية، فهم يستعملونه بمعنى القرض، وهذا ينظر فى بابه، ويستعملونه بمعنى السلم على ما جاء به قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«من أسلف فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم الى أجل معلوم» .
وللسلف بمعنى السلم تعريفات عند الفقهاء يختلف بعضها عن بعض تبعا لاتجاه كل منهم فى تفهمه وما يراه فيه من شروط لصحته الى آخر ذلك.
التعريف عند الحنفية:
عرفه ابن عابدين من الحنفية بأنه بيع آجل - وهو المسلم فيه - بعاجل - وهو رأس
(5)
المال -
وقال الزيلعى
(6)
: هو أخذ عاجل بآجل، وسمى هذا العقد به لكونه
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 373 الطبعة السابقة.
(2)
المعجم الوسيط اعداد مجمع اللغة العربية بمصر مادة سلف.
(3)
القاموس المحيط للفيروزابادى مادة سلف.
(4)
مختار الصحاح مادة سلف.
(5)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار لمحمد أمين الشهير بابن عابدين ج 4 ص 281 ط المطبعة العثمانية.
(6)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين عثمان بن على الزيلعى ج 4 ص 110 ط بولاق سنة 1313 هـ.
معجلا على وقته فان أوان البيع بعد وجود المعقود عليه فى ملك العاقد.
وذكر الشلبى فى حاشيته أن صاحب التحفة قال فى السلم: هو عقد يثبت الملك فى الثمن عاجلا وفى المثمن - آجلا ويسمى سلما واسلاما وسلفا واسلافا لما فيه من تسليم رأس المال فى الحال - مع شرائط ورد الشرع بها
(1)
.
التعريف عند المالكية:
قال الخرشى من المالكية: وهو - يعنى السلم - والسلف واحد فى أن كلا منهما اثبات مال فى الذمة مبذول عوضه فى الحال
(2)
.
وقال الدردير: هو بيع يتقدم فيه رأس المال ويتأخر المثمن
(3)
لأجل.
وذكر الحطاب أن ابن عرفة حده بقوله: السلم عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير متماثل العوضين
(4)
.
التعريف عند الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج السلم ويقال له السلف - بيع شئ موصوف فى الذمة بلفظ
(5)
السلم.
أما صاحب فتح العزيز فروى أنهم ذكروا فى تفسير السلم عبارات متقاربة منها: أنه عقد على موصوف فى الذمة ببدل يعطى عاجلا.
ومنها أنه اسلاف عوض حاصر فى عوض موصوف فى الذمه.
ومنها أنه تسليم عاجل فى عوض لا يجب تعجيله
(6)
.
التعريف عند الحنابلة:
قال المقدسى من الحنابلة: هو عقد على موصوف فى الذمة مؤجل بثمن مقبوض فى المجلس
(7)
. وعرفه ابن قدامة بقوله: هو أن يسلم عوضا حاضرا فى عوض موصوف فى الذمة الى أجل
(8)
.
(1)
حاشية الشلبى مع تبيين الحقائق ج 4 ص 110 الطبعة المتقدمة.
(2)
شرح الخرشى على المختصر الجليل ج 5 ص 202 ط المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق وحاشية الشيخ على العدوى بهامشه.
(3)
الشرح الكبير للدردير فى كتاب مع حاشية الدسوقى ج 3 ص 195 ط دار أحياء الكتب العربية.
(4)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج 4 ص 514.
(5)
نهاية المحتاج شرح المنهاج ج 4 ص 178 ط الحلبى سنة 1357 هـ.
(6)
فتح العزيز شرح الوجيز للرافعى مع كتاب المجموع شرح المهذب ج 9 ص 206 ط ادارة الطباعة المنيرية.
(7)
الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل للمقدسى ج 2 ص 133 ط المطبعة المصرية بالأزهر تصحيح وتعليق الشيخ عبد اللطيف السبكى.
(8)
المغنى لابن قدامه ج 4 ص 312 الطبعة الثانية مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.
التعريف عند الظاهرية:
أما ابن حزم الظاهرى فيعرف السلم بقوله: هو أن يعطى شيئا فى شئ
(1)
.
التعريف عند الزيدية:
جاء فى التاج المذهب - السلم بفتحتين هو السلف وزنا ومعنى. وهو فى الاصطلاح عقد على موصوف فى الذمة ببدل معجل مع شروط
(2)
.
وجاء فى الروض النضير أن السلم هو السلف وهو تعجيل أحد البدلين وتأجيل الاخر مع شروط مخصوصة
(3)
.
التعريف عند الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: السلف بيع مضمون فى الذمة، مضبوط بمال معلوم مقبوض فى المجلس الى أجل معلوم، بصيغة خاصة
(4)
.
التعريف عند الإباضية:
جاء فى حاشية الايضاح للنفوسى فى فقه الإباضية: السلم هو بالفتح السلف وزنا ومعنى وهو بيع موصوف فى الذمة الى أجل معلوم
(5)
.
وفى شرح النيل: هو شراء بنقد موزون حاضر لنوع من المثمنات معلوم بعيار وأجل ومكان معلومات واشهاد
(6)
.
حكم الأسلاف
مذهب الحنفية:
قال الزيلعى من الحنفية: السلم وهو بمعنى السلف مشروع بالكتاب والسنة واجماع الأمة قال ابن عباس رضى الله عنهما: أشهد أن الله أحل السلم المؤجل وأنزل فيه أطول آية، وتلا قوله تعالى:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}
(7)
.
وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الانسان، ورخص فى السلم ..
والقياس يأبى جوازه، لأن المسلم فيه مبيع وهو معدوم وبيع موجود غير مملوك أو مملوك غير مقدور التسليم لا يجوز، فبيع
(1)
المحلى لابن حزم ج 4 ص 109 مسألة رقم 1614 طبع مطبعة الامام بمصر.
(2)
التاج المذهب لاحكام المذهب لاحمد بن قاسم الصنعانى ج 2 ص 501 ط أحياء الكتب العربية سنة 1947 م مسألة رقم 236.
(3)
الروض النضير للسياغى ج 3 ص 325 الطبعة المتقدمة.
(4)
الروض البهية شرح اللمعة الدمشقية للعاملى ج 1 ص 312 ط دار الكتب العربية بمصر
(5)
الايضاح للنفوسى ج 3 ص 222.
(6)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 4 ص 355، ص 356.
(7)
الاية رقم 282 من سورة البقرة.
المعدوم أولى أن لا يجوز ولكن تركناه بما ذكرنا
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل للحطاب:
وأما حكمه فقال المشذ الى فى حاشيته فى أول السلم: صرح فى المدونة بأنه رخصة مستثنى من بيع ما ليس عندك، وقال ابن عبد السّلام والاجماع على جوازه
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج: السلم ويقال له السلف الأصل فيه قبل الاجماع آية الدين، فسرها ابن عباس بالسلم، وخبر الصحيحين من أسلم فى شيئ فليسلم فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.
ولأن فيه رفقا، فان أرباب الضياع قد يحتاجون لما ينفقونه على مصالحها فيستسلفون على القلة، وأرباب النقود ينتفعون بالرخص، فجوز لذلك وان كان فيه غرر كالاجارة على المنافع المعدومة
(3)
».
مذهب الحنابلة:
حكى ابن قدامة من الحنابلة:
والسلم جائز بالكتاب والسنة والاجماع: أما الكتاب فقول الله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» وروى سعيد باسناده عن ابن عباس انه قال: أشهد أن السلف المضمون الى أجل مسمى قد أحله الله فى كتابه وأذن فيه ثم قرأ هذه الاية: ولأن هذا اللفظ يصلح للسلم ويشمله بعمومه.
وأما السنة فروى ابن عباس عن رسول الله صلي الله عليه وسلّم أنه قدم المدينة وهم يسلفون فى الثمار السنتين والثلاث فقال «من أسلف فى شئ فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» متفق عليه.
وروى البخارى عن محمد بن أبى المجالد قال أرسلنى أبو بردة وعبد الله ابن شداد الى عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبى أوفى فسألتهما عن السلف فقالا كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأتينا أنباط الشام فنسلفهم فى الحنطة والشعير والزبيب، فقلت أكان لهم زرع أم لم يكن لهم زرع؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك.
وأما الاجماع فقال ابن المنذر اجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز، ولأن
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 4 ص 110 طبع بولاق سنة 1313 هـ.
(2)
مواهب الجليل للحطاب ج 4 ص 514 الطبعة المتقدمة.
(3)
نهاية المحتاج ج 4 ص 178 الطبعة المتقدمة.
المثمن فى البيع أحد عوضى العقد فجاز أن يثبت فى الذمة كالثمن، ولأن بالناس حاجة اليه، لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون الى النفقة على أنفسهم وعليها لتكمل وقد تعوزهم النفقة فجوز لهم السلم ليرتفقوا ويرتفق المسلم بالاسترخاص
(1)
.
مذهب الظاهرية:
السلم لا يجوز إلا إلى أجل مسمى ولا بد - بخلاف البيع فانه يجوز فى كل متملك لم يأت النص بالنهى عن بيعه.
ولا يجوز السلم فى حيوان ولا مذروع ولا معدود، ولا فى شئ غير ما ذكرنا.
والبيع لا يجوز فيما ليس عندك - والسلم يجوز فيما ليس عندك، والبيع لا يجوز البتة الا فى شئ بعينه ولا يجوز السلم فى شئ بعينه أصلا.
وذلك لما روى من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أسلف فلا يسلف الا فى كيل معلوم ووزن معلوم «فهذا منع السلف وتحريمه البتة الا فى مكيل أو موزون» .
فطائفة كرهت السلم جملة كما روينا عن محمد بن المثنى عن ابن مسعود أنه كان يكره السلم كله.
ومن طريق ابن أبى شيبة عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: نهى عن العينة.
وقال أبو محمد: العينة هى السلم نفسه أو بيع سلعة الى أجل مسمى، ولا خلاف فى هذا فبقى السلم
(2)
.
مذهب الزيدية:
ذكر صاحب التاج المذهب: أن السلم باب من أبواب البيع ولكنه مخالف للقياس، اذ هو بيع معدوم
(3)
.
وحكى صاحب الروض النضير اجماع المسلمين على جواز السلم الا ما روى عن ابن المسيب من النهى عنه لحديث «لا تبع ما ليس عندك» .
وأجيب بأنه يحتمل أن يكون معناه: لا تبع ما ليس عندك أى ما ليس ملكك، وأن يكون المعنى: ما يكون غائبا عنك مما ليس بسلم. وتكون أدلة جواز السلم خاصة وهى صريحة فى معناها والسلم نوع من أنواع البيع الا أنه لما خالف
(1)
المغنى لابن قدامة ج 4 ص 312 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 105، 106 مسألة رقم 1612 طبع مطبعة الامام بالقاهرة.
(3)
التاج المذهب للصنعانى ج 2 ص 501 مسألة رقم 236 الطبعة المتقدمة.
البيع فى أحكامه وشرائطه خالفه فى الاسم
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى وسائل الشيعة لا بأس فى السلم بشروطه
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن العلماء اتفقوا على أن السلم مشروع بخصوصه من سنة النبى صلى الله عليه وسلم فنعلم بعد ذلك بأنه داخل فى عموم قول الله عز وجل: «وَأَحَلَّ اللهُ 3 الْبَيْعَ» الا ما روى عن ابن المسبب من أنه غير مشروع أو غير جائز أصلا.
فان صح ذلك عنه فانه لم تصله الاحاديث الصحيحة الواردة فيه
(4)
.
صيغة عقد السلم
مذهب الحنفية:
ذكر صاحب بدائع الصنائع أن السلم يكون بلفظ السلم والسلف والبيع بأن يقول رب السلم: أسلمت اليك فى كذا أو أسلفت، لأن السلم والسلف مستعملان بمعنى واحد. يقال:
سلفت وأسلفت وأسلمت بمعنى واحد، فاذا قال المسلم اليه: قبلت فقد تم الركن. وكذا اذا قال المسلم اليه:
بعت منك كذا وذكر شرائط السلم فقال رب السلم قبلت وهذا قول علمائنا الثلاثة، لأن السلم بيع فينعقد بلفظ البيع.
والدليل على أنه بيع ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الانسان، ورخص فى السلم. نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع ما ليس عند الانسان عاما ورخص السلم بالرخصة فيه فدل أن السلم بيع ما ليس عند الانسان ليستقيم تخصيصه عن عموم النهى بالترخيص فيه.
وقال زفر: لا ينعقد الا بلفظ السلم.
لأن القياس أن لا ينعقد أصلا، لأنه بيع ما ليس عند الانسان وأنه منهى عنه الا أن الشرع ورد بجوازه بلفظ السلم بقوله ورخص فى السلم
(5)
.
مذهب المالكية:
يرى المالكية أن السلم ينعقد بلفظ السلف وكذلك بلفظ السلم.
فقد ذكر الحطاب أن ابن العطار قال فى وثائقه: جائز أن يقول: سلم وأسلم. وأن محمد بن محمد الباجى قال فى وثائقه: جائز
(1)
الروض النضير للسياغى ج 3 ص 325 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1348 هـ.
(2)
وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة لمحمد بن الحسن الحر العاملى ج 3 مجلد 6 ص 54، 55 طبع فى المطبعة الاسلامية بطهران.
(3)
الآية رقم 275 من سورة البقرة.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 4 ص 356.
(5)
بدائع الصائع للكاسانى ج 5 ص 201 الطبعة الاولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.
أن يقول سلم وأسلف، ويكره أن يقول:
أسلم.
وذكر الحطاب أيضا أنه قال فى المتيطية بعد أن ذكر فى صفة الوثيقة انك تقول أسلم فلان بن فلان الفلانى الى فلان - قولنا فى أول هذا النص أسلم فلان بن فلان الى فلان هو الصواب. وان قلت سلف وكلاهما حسن.
وان شئت ابتدأت العقد بدفع فلان الى فلان كذا وكذا سلما
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب: وينعقد بلفظ السلف والسلم، وفى لفظ البيع وجهان.
من أصحابنا من قال: لا ينعقد السلم بلفظ البيع، فاذا عقد بلفظ البيع كان بيعا ولا يشترط فيه قبض العوض فى المجلس، لأن السلم غير البيع فلا ينعقد بلفظه.
ومنهم من قال: ينعقد، لأنه نوع بيع يقتضى القبض فى المجلس فانعقد بلفظ البيع كالصرف
(2)
.
ويرى الشيخ ابراهيم الباجورى أن المعتمد هو أن السلم لا ينعقد سلما الا اذا كان بلفظ السلم أو السلف.
ونقل عن الماوردى أنه قال: ليس لنا عقد يتوقف على لفظ مخصوص الا ثلاثة، وذكر فى مقدمتها السلم
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وينعقد عند الحنابلة بلفظ السلف ولفظ السلم ولفظ البيع وبكل لفظ ينعقد به البيع.
قال صاحب هداية الراغب ويصح السلم بلفظه كأسلمتك هذا الدينار فى كذا من القمح ويصح بلفظ سلف كأسلفتك كذا فى كذا، لأنهما حقيقة فيه، اذ هما اسم لبيع عجل ثمنه وأجل مثمنه، ويصح بلفظ بيع وكل ما ينعقد به البيع، لأن السلم نوع منه
(4)
.
مذهب الظاهرية:
أما ابن حزم الظاهرى فيرى أن السلم ليس بيعا، لأن التسمية فى الديانات ليست الا لله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وانما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلف أو التسليف أو السلم
(5)
.
مذهب الزيدية:
ووصفه صاحب التاج المذهب فى قوله.
وهو باب من أبواب البيع ولكنه مخالف للقياس، اذ هو بيع معدوم، ويسمى سلفا لتقدم تسليم رأس المال فى المجلس، ويسمى
(1)
مواهب الجليل للحطاب ج 4 ص 514 الطبعة المتقدمة.
(2)
المهذب للامام أبى اسحاق الفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 297.
(3)
حاشة الباجورى على شرح ابن قاسم على متن أبى شجاع ج 1 ص 383 ط المطبعة الميمنية بمصر سنة 1309 هـ.
(4)
هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص 338، 339 مطبعة المدنى
(5)
المحلى لابن حزم. ج 9 ص 91، ص 105 مسألة رقم 612 ط مطبعة الامام بالقاهرة.
سلما لتأخر قبض المسلم فيه عن المجلس.
وهو ينعقد بلفظ السلم والسلف كأسلفتك، وبألفاظ البيع العامة لا الخاصة بباب من أبوابه
(1)
، فلا ينعقد السلم بلفظ الصرف مثلا
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: وينعقد السلم بقول المسلم - وهو المشترى - أسلمت اليك أو أسلفتك أو سلفتك - بالتضعيف - كذا فى كذا الى كذا، ويقبل المخاطب وهو المسلم اليه بقوله: قبلت وشبهه. ولو جعل الايجاب منه جاز بلفظ البيع والتمليك واستلمت منك واستلفت وتسلفت
(3)
.
مذهب الإباضية:
ذكر صاحب شرح النيل أن المتعاقدين فى السلم يتلفظان بلفظ يكون به عقد السلم مثل أن يقول المسلم: أسلمت لك هذه الدنانير فى كذا، فيقول الاخر: قبلت على ذلك أو يبتدئ هو ويقول للمسلم: بعت لك كذا بكذا، ويذكر ان الشروط التى بها يصح عقد السلم على ما يرد فى بابه، وحكى خلاف الأئمة فيما اذا لم يتلفظا بذلك ولكنه رجح المنع، لأن السلم مضيق فيه.
واذا وزن المسلم الدراهم ثم دفعها الى المسلم اليه وشرط شروط السلم عليه فسكت وقبضها، ثم احتج المسلم اليه بعد الاجل بأنه لم يقبله، فان كانت الدراهم بيد المسلم عند الاشتراط ثم قبضها المسلم اليه تم السلم، وان شرطها بعد ما صارت الدراهم بيد المسلم اليه فعليه يمين أنه ما قبضها منه على قبوله.
هذا وقد روى صاحب شرح النيل عن التاج أن السلم ينعقد بلفظ السلم والسلف، لأن الشرع ورد بهما
(4)
.
شروط صحة عقد السلم
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن شرائط الركن فى الأصل نوعان نوع يرجع الى نفس العقد.
ونوع يرجع الى البدل.
أما الذى يرجع الى نفس العقد فواحد وهو أن يكون العقد باتا عاريا عن شرط الخيار للعاقدين أو لأحدهما، لأن جواز البيع مع شرط الخيار فى الاصل ثبت معدولا به عن القياس، لانه شرط يخالف مقتضى العقد بثبوت الحكم للحال وشرط الخيار يمنع انعقاد العقد فى حق الحكم، ومثل هذا الشرط مفسد للعقد فى الاصل الا أنا عرفنا جوازه بالنص. والنص ورد فى بيع العين فبقى ما وراءه على أصل القياس خصوصا
(1)
التاج المذهب لاحكام المذهب للصنعانى ج 2 ص 501 مسألة رقم 236.
(2)
المرجع السابق ص 512 مسألة رقم 237 الطبعة المتقدمة.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للعاملى ج 1 ص 312، ص 313 الطبعة المتقدمة.
(4)
الشيخ محمد أطفيش فى شرح النيل ج 4 ص 358 الطبعة المتقدمة.
اذا لم يكن فى معناه والسلم ليس فى معنى بيع العين فيما شرع له الخيار، لأنه شرع لدفع الغبن والسلم مبناه على الغبن ووكس الثمن، لأنه بيع المفاليس فلم يكن فى معنى مورد النص فورود النص هناك لا يكون ورودا ههنا دلالة فبقى الحكم فيه للقياس، ولأن قبض رأس المال من شرائط الصحة على ما نذكره ولا صحة للقبض الا فى الملك وخيار الشرط يمنع ثبوت الملك فيمنع المستحق صحة القبض بخلاف المستحق انه لا يبطل السلم حتى لو استحق رأس المال وقد افترقا عن القبض وأجاز المستحق فالسلم صحيح، لأنه لما أجاز تبين أن العقد وقع صحيحا من حين وجوده، وكذا القبض اذ الاجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة وبخلاف خيار الرؤية والعيب، لأنه لا يمنع ثبوت الملك فلا يمنع صحة القبض.
ولو أبطل صاحب الخيار خياره قبل الافتراق بابدانهما ورأس المال قائم فى يد المسلم اليه ينقلب العقد جائزا عندنا خلافا لزفر.
وان كان هالكا أو مستهلكا لا ينقلب الى الجواز بالاجماع، لأن رأس المال يصير دينا على المسلم اليه، والسلم لا ينعقد برأس مال دين، فلا ينعقد عليه أيضا.
واما الشروط التى ترجع الى البدل فأنواع ثلاثة، نوع يرجع الى رأس المال خاصة، ونوع يرجع الى المسلم فيه خاصة، ونوع يرجع اليهما جميعا.
أما الذى يرجع الى رأس المال فأنواع.
منها بيان جنسه: كقولنا دراهم أو دنانير أو حنطة أو تمر.
ومنها بيان صفته: كقولنا جيد أو وسط أو ردئ، لأن جهالة الجنس والنوع والصفة مفضية الى المنازعة وأنها مانعة صحة البيع.
ومنها بيان قدره اذا كان مما يتعلق العقد بقدره من المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة ولا يكتفى بالاشارة اليه وهذا قول أبى حنيفة وسفيان الثورى.
وقال أبو يوسف ومحمد: ليس بشرط، والتعيين بالاشارة كاف.
ولو كان رأس المال مما لا يتعلق العقد بقدره من الذرعيات والعدديات المتفاوتة لم يشترط اعلام قدره ويكتفى بالاشارة بالاجماع.
فاذا قال أسلمت اليك هذه الدراهم أو هذه الدنانير ولا يعرف وزنها أو هذه الصبرة ولا يعرف كيلها، فانه لا يجوز عند أبى حنيفة وعندهما يجوز.
ولو قال: أسلمت اليك هذا الثوب ولم يعرف ذرعه أو هذا القطيع من الغنم ولم يعرف عدده جاز بالاجماع.
وجه قولهما: أن الحاجة الى تعيين رأس المال، وأنه حصل بالاشارة اليه فلا حاجة الى اعلام قدره ولهذا لم يشترط اعلام قدر الثمن فى بيع العين ولا فى السلم اذا كان رأس المال مما يتعلق العقد بقدره.
ولأبى حنيفة رحمه الله تعالى: أن جهالة رأس المال تؤدى الى جهالة قدر
المسلم فيه وأنها مفسدة للعقد فيلزم اعلام قدره صيانة للعقد عن الفساد ما أمكن كما اذا أسلم فى المكيل بمكيال بعينه ودلالة أنها تؤدى الى ما قلنا أن الدراهم على ما عليه العادة لا تخلو عن قليل زيف وقد يرد الاستحقاق على بعضها فاذا رد الزائف ولم يستبدل فى مجلس الرد ولم يتجوز المستحق ينفسخ السلم فى المسلم فيه بقدر المردود والمستحق ويبقى فى الباقى وذلك غير معلوم فيصير المسلم فيه مجهول القدر، ولهذا لم يصح السلم فى المكيلات بقفيز بعينه، لأنه يحتمل هلاك القفيز فيصير المسلم فيه مجهول القدر فلم يصح كذا هذا، بخلاف بيع العين فان الزيف والاستحقاق هناك لا يؤثر فى العقد، لأن قبض الثمن غير مستحق وبخلاف الثياب والعدديات المتفاوتة، لأن القدر فيها ملحق بالصفة، ألا ترى أنه لو قال: أسلمت اليك هذا الثوب على أنه عشرة أذرع فوجده المسلم اليه أحد عشر سلمت الزيادة له فثبت أن الزيادة فيها تجرى مجرى الصفة واعلام صفة رأس المال ليس بشرط لصحة السلم اذا كان معينا مشارا اليه.
وعلى هذا الخلاف اذا كان رأس المال جنسا واحدا مما يتعلق العقد على قدره فأسلمه فى جنسين مختلفين كالحنطة والشعير أو نوعين مختلفين من جنس واحد كالهروى والمروى ولم يبين حصة كل واحد منهما فالسلم فاسد عند أبى حنيفة، وعندهما جائز.
ولو كان جنسا واحدا مما لا يتعلق العقد على قدره كالثوب والعددى المتفاوت فأسلمه فى شيئين مختلفين ولم يبين حصة كل واحد منهما من ثمن رأس المال فالثمن جائز بالاجماع.
ولو كان رأس المال من جنسين مختلفين أو نوعين مختلفين فأسلمهما فى جنس واحد فهو على الاختلاف.
ووجه البناء على هذا الأصل أن اعلام القدر لما كان شرطا عنده فاذا كان رأس المال واحدا وقوبل بشيئين مختلفين كان انقسامه عليهما من حيث القيمة لا من حيث الاجزاء، وحصة كل واحد منهما من رأس المال لا تعرف الا بالحزر والظن فيبقى قدر حصة كل واحد منهما من رأس المال مجهولا، وجهالة قدر رأس المال مفسدة للسلم عند ابى حنيفة.
وعندهما أعلام قدره ليس بشرط، فجهالته لا تكون ضارة.
ولو أسلم عشرة دراهم فى ثوبين جنسهما واحد، ونوعهما واحد، وصفتهما واحدة، وطولهما واحد، ولم يبين حصة كل واحد منهما من العشرة فالسلم جائز بالاجماع، أما عندهما فظاهر، لأن أعلام قدر رأس المال ليس بشرط، وأما
عنده، فلأن حصة كل واحد منهما من رأس المال تعرف من غير حزر وظن، فكان قدر رأس المال معلوما، وصار كما اذا أسلم عشرة دراهم فى قفيزى حنطة ولم يبين حصة كل قفيز من رأس المال أنه يجوز لما قلنا كذا هذا.
ولو قبض الثوبين بعد محل الاجل ليس له أن يبيع احدهما مرابحة على خمسة دراهم عند أبى حنيفة.
وعند أبى يوسف ومحمد له ذلك وله أن يبيعهما جميعا مرابحة على عشرة بالاجماع.
وكذا لو كان بين حصة كل ثوب خمسة دراهم له أن يبيع أحدهما على خمسة مرابحة بلا خلاف.
ومنها أن يكون رأس المال مقبوضا فى مجلس السلم، لأن المسلم فيه دين والافتراق لا عن قبض رأس المال يكون افتراقا عن دين بدين وانه منهى عنه، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ - أى النسيئة بالنسيئة - ولأن مأخذ هذا العقد دليل على هذا الشرط، فانه يسمى سلما وسلفا لغة وشرعا.
تقول العرب: أسلمت وأسلفت بمعنى واحد، وفى الحديث من أسلم فليسلم فى كيل معلوم وروى: من سلف فليسلف فى كيل معلوم. والسلم ينبئ عن التسليم.
والسلف ينبئ عن التقدم فيقتضى لزوم تسليم رأس المال
(1)
.
وذكر السرخسى من أئمة الحنفية أن رأس مال السلم يصح أن يكون دراهم أو دنانير ويصح أن يكون عروضا فاذا كان دراهم أو دنانير كان التعجيل فيه شرطا قياسا واستحسانا، لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان فى العقود فيكون هذا بيع الدين بالدين وذلك لا يجوز لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ.
أما اذا كان رأس المال عروضا فالقياس أنه لا يكون التعجيل شرطا، لأن العروض سلعة تتعين فى العقود بخلاف الدراهم فلو لم يشترط التعجيل لم يؤد الى بيع الدين بالدين. ولكن فى الاستحسان يكون التعجيل شرطا، لأن السلم أخذ عاجل بآجل والمسلم فيه آجل فوجب أن يكون رأس المال عاجلا
(2)
.
ويقدم قبضه على قبض المسلم فيه. وسواء قبض فى أول المجلس أو فى آخره فهو جائز، لأن ساعات المجلس لها حكم ساعة واحدة وكذا لو لم يقبض حتى قاما يمشيان فقبض قبل أن يفترقا بأبدانهما جاز، لأن ما قيل الافتراق بأبدانهما له حكم المجلس.
(1)
بدائع الصنائع ج 5 ص 201، ص 202.
(2)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 12 ص 127 طبع مطبعة السعادة بمصر.
وعلى هذا يخرج الابراء عن رأس مال السلم أنه لا يجوز بدون قبول رب السلم، لأن قبض رأس المال شرط صحة السلم، فلو جاز الابراء من غير قبوله وفيه اسقاط هذا الشرط أصلا لكان الابراء فسخا معنى، وأحد العاقدين لا ينفرد بفسخ العقد فلا يصح الابراء وبقى عقد السلم على حاله، واذا قبل جاز الابراء، لأن الفسخ حينئذ يكون بتراضيهما وأنه جائز، واذا جاز الابراء - وأنه فى معنى الفسخ - انفسخ العقد ضرورة بخلاف الابراء عن المسلم فيه فهو جائز من غير قبول المسلم اليه، لأنه ليس فى الابراء عنه اسقاط شرط، لأن قبض المسلم فيه ليس بشرط فيصح من غير قبول.
وعلى هذا يخرج الاستبدال برأس مال السلم فى مجلس العقد أنه لا يجوز، وهو أن يأخذ برأس مال السلم شيئا من غير جنسه، لأن قبض رأس المال لما كان شرطا فبالاستبدال يفوت قبضه حقيقة، وانما يقبض بدله، وبدل الشئ غيره، فان أعطى رب السلم من جنس رأس المال أجود أو أردأ ورضى المسلم اليه بالأردأ جاز، لأنه قبض جنس حقه، وانما اختلف الوصف، فان كان أجود فقد قضى حقه وأحسن فى القضاء وان كان أردأ فقد قضى حقه أيضا لكن على وجه النقصان فلا يكون أخذ الاجود والاردأ استبدالا، الا أنه لا بجبر على أخذ الأردأ، لأن فيه فوات حقه عن صفة الجودة فلا بد من رضاه، أما اذا كان أعطاه أجود من حقه فقال زفر: لا يجبر، لأن رب السلم فى اعطاء الزيادة على حقه متبرع، والمتبرع عليه لا يجبر على قبول التبرع لما فيه من الزام المنة، فلا يلزمه من غير التزامه.
وقال علماؤنا الثلاثة رحمهم الله تعالى:
يجبر عليه، لأن اعطاء الاجود مكان الجيد فى قضاء الديون لا يعد فضلا وزيادة فى العادات بل يعد من باب الاحسان فى القضاء ولواحق الايفاء، فاذا أعطاه الأجود فقد قضى حق صاحب الحق. وأجمل فى القضاء فيجبر على الأخذ.
وتجوز الحوالة برأس مال السلم على رجل حاضر والكفالة به لوجود ركن هذه العقود مع شرائطه فيجوز كما فى سائر العقود، فلو امتنع الجواز فانما يمتنع لمكان الخلل فى شرط عقد السلم وهو القبض، وهذه العقود لا تخل بهذا الشرط، بل تحققه لكونها وسائل استيفاء الحق فكانت مؤكدة له. هذا مذهب أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى.
وقال زفر: لا يجوز، لأن هذه العقود شرعت لتوثيق حق يحتمل التأخر عن المجلس فلا يحصل ما شرع له العقد فلا يصح.
وهذا غير سديد، لأن معنى التوثيق يحصل فى الحقين جميعا، فجاز العقد فيهما جميعا.
ثم اذا جازت الحوالة والكفالة فان قبض المسلم اليه رأس مال السلم من المحال عليه أو الكفيل أو من رب السلم فقد تم العقد بينهما اذا كانا فى المجلس سواء بقى الحويل والكفيل، أو افترقا بعد أن كان العاقدان فى المجلس، وان افترق العاقدان بأنفسهما قبل القبض بطل السلم وبطلت الحوالة والكفالة، وان بقى المحال عليه والكفيل فى المجلس فالعبرة لبقاء العاقدين وافتراقهما، لا لبقاء الحويل والكفيل وافتراقهما، لأن القبض من حقوق العقد، وقيام العقد بالعاقدين فكان المعتبر مجلسهما.
وأما الرهن برأس مال السلم فان هلك الرهن فى المجلس وقيمته مثل رأس المال أو أكثر فقد تم العقد بينهما، لأنه حصل مستوفيا لرأس المال، لأن قبض الراهن قبض استيفاء، لأنه قبض مضمون وقد تقرر الضمان بالهلاك وعلى الراهن مثله من جنسه فى المالية فيتقاصان فحصل الافتراق عن قبض رأس المال فتم عقد السلم، وان كانت قيمته أقل من رأس المال تم العقد بقدره ويبطل فى الباقى، لأنه استوفى من رأس المال بقدره، وان لم يهلك الرهن حتى افترقا بطل السلم لحصول الافتراق لا عن قبض رأس المال، وعليه رد الرهن على صاحبه
(1)
.
وذكر الحصكفى أنه يجب ملاحظة علتى الربا - وهما القدر المتفق والجنس - فى رأس مال السلم والمسلم فيه فاذا شمل البدلين فى السلم احدى علتى الربا هاتين لم يصح السلم، لأن حرمة النساء تتحقق به
(2)
.
وأما الذى يرجع الى المسلم فيه من شروط صحة العقد فأنواع أيضا.
منها: أن يكون معلوم الجنس، كقولنا: حنطة أو شعير أو تمر.
ومنها: أن يكون معلوم النوع كقولنا حنطة سقية أو نحسية أو تمر برنى أو فارسى، هذا اذا كان مما يختلف نوعه، فان كان مما لا يختلف فلا يشترط بيان النوع.
ومنها - أن يكون معلوم الصفة كقولنا.
جيد أو وسط أو ردئ
(3)
.
وفى ذلك روى الزيلعى أن صاحبى أبى حنيفة قالا يجوز السلم فى اللحم أن بين جنسه ونوعه وسنه وموضعه وصفته وقدره كشاة خصى ثنى سمين من الجنب أو من الفخذ مائة رطل، لأنه موزون مضبوط بالوصف ولهذا يضمن بالمثل عند الاتلاف، بخلاف لحم الطيور فانه لا يقدر على وصف موضع منه ولا بمنع جواز السلم فى اللحم أن اللحم
(1)
بدائع الصنائع ج 5 ص 202 وما بعدها الى ص 207.
(2)
الدر المختار للحصكفى ج 2 ص 270.
(3)
بدائع الصنائع ج 5 ص 207.
يتضمن شيئا غير مقصود وهو العظم، لأنه فى ذلك مثل التمر والمشمش والخوخ حيث يتضمن النوى وهو غير مقصود
(1)
.
وذكر أن أبا حنيفة لا يجيز السلم فيه، لأن اللحم يختلف باختلاف صفته من سمن وهزال ويختلف باختلاف فصول السنة فيما يعد سمينا فى الشتاء يعد مهزولا فى الصيف، ولأنه يتضمن عظاما غير معلومة وتجرى فيه المماكسة فالمشترى يأمره بالنزع والبائع يدسه فيه.
وهذا النوع من الجهالة والمنازعة لا ترتفع ببيان الموضع ولا يذكر الوزن فصار كالسلم فى الحيوان، بخلاف النوى فى الثمار أو العظم فى الالية فانه معلوم، ولهذا لا تجرى فيه المماكسة وحتى لو كان اللحم مخلوع العظم فانه لا يجوز السلم فيه، لأن الحكم اذا علل بعلتين لا ينتفى بانتفاء احداهما
(2)
.
ومنها أن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن أو العد أو الذرع، لأن جهالة النوع والجنس والصفه والقدر جهاله مفضية الى المنازعة وأنها مفسدة للعقد وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: من أسلم منكم فليسلم فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم
(3)
.
هذا ويصح السلم فى الفلس لأنه عددى يمكن ضبطه، وقيل لا يصح السلم فيه عند محمد، لأنه ثمن مادام يروج والمسلم فيه مبيع فلا يصح فيه السلم كالنقدين، أما اذا كسد فانه حينئذ يصير قطعة نحاس فلا يجوز السلم فيه عددا.
ولكن الزيلعى احتج لما رأى من صحته بأنه يمكن ضبطه بالعدد فيصح السلم فيه مثل سائر المعدودات
(4)
.
ويصح السلم فى اللبن والآجر ان سمى بلبن معلوم، لأن آحادهما لا تختلف اختلافا يفضى الى المنازعة بعد ذكر الآلة.
ويصح فى الذرعى كالثوب ان بين الذراع والصفة والصنعة، لأنه يصير معلوما بذكر هذه الاشياء فلا يؤدى الى النزاع.
وان كان الثوب حريرا يباع بالوزن فلا بد من بيان وزنه مع ذلك، لأنه يصير معلوما به
(5)
.
(1)
تبيين الحقائق ج 4 ص 113 وما بعدها.
(2)
نفس المرجع ج 4 ص 113، وص 114.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 207.
(4)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين الزيلعى طبع مطبعة بولاق سنة 1313 ج 4 ص 114.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 111 وما بعدها نفس الطبعة.
ولا يصح السلم فى الحيوان لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السلم فى الحيوان. ولأنه تتفاوت آحاده تفاوتا فاحشا بحيث لا يمكن ضبطه. ألا ترى أن العبدين يستويان فى الجنس والسن وتتفاوت قيمتهما لاختلاف المعانى الباطنة كالكياسة وحسن الخلق والخلق والسيرة والفصاحة والأمانة والشدة. ومثل ذلك سائر الحيوان فانه يختلف اختلافا يؤدى الى اختلاف المالية. ومن ثم فلا يجوز السلم فيه.
أما ما روى من أن النبى صلى الله عليه وسلم استقرض بكرا ورد رباعيا فالمراد به أنه عليه الصلاة والسلام استعجل فى الصدقة ثم لم تجب الزكاة على صاحبها فردها رباعيا، أو استقرض لبيت المال، لأنه يجوز أن يثبت حق مجهول على بيت المال كما يجب له حق مجهول.
وأما ما روى من أنه صلى الله عليه وسلم اشترى بعيرا ببعيرين الى أجل فقد كان ذلك قبل نزول آية الربا، لأن الجنس بانفراده يحرم النساء أو ان ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم فى دار الحرب، اذ لا يجرى الربا بين المسلم والحربى فى دار الحرب. وعدم صحة السلم فى الحيوان تتناول جميع أنواع الحيوانات حتى العصافير، لأن النص لم يفصل
(1)
.
وحكى الزيلعى الخلاف بين الحنفية فى أطراف الحيوان مثل الرأس والاكارع.
هل يصح السلم فيها أو لا يصح؟.
قيل: ان أبا حنيفة يرى أنه لا يصح السلم فيها، للتفاوت الفاحش وعدم الضابط.
وأن صاحبيه يريان الصحة فيها كما يصح فى اللحم.
وقيل: انهم جميعا متفقون على أنه لا يصح
(2)
.
ولا يصح السلم فى الجلود عددا كما لا يصح فى الورق، للتفاوت الفاحش فيهما.
أما ان بين فيهما ضربا معلوما وطولا معلوما وعرضا معلوما وصفة معلومة من الجودة والرداءة فحينئذ يجوز السلم فيهما لامكان ضبطهما. ويصح السلم فيهما كذلك بالوزن اذا كانا يباعان وزنا
(3)
.
ولا يصح السلم فى الحطب حزما - ولا فى الرطبة جوزا، لأنه مجهول، لا يعرف طوله ولا غلظه، أما ان أمكن تحديد ذلك فيه بأن بين فى العقد الحبل الذى يشد به الحطب والرطبة، وبين كذلك طوله وضبط ذلك بحيث لا يؤدى الى النزاع صح السلم فيه
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 112.
(2)
المرجع السابق ص 4 ج 112.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 112.
(4)
المرجع السابق.
ومن الشروط التى ترجع الى المسلم فيه أن يكون معلوم القدر بكيل أو وزن أو ذرع يؤمن عليه فقده عن أيدى الناس، فان كان لا يؤمن فالسلم فاسد بأن أعلم قدره بمكيال لا يعرف عياره بأن قال بهذا الحجر ولا يعلم كم وزنه أو بخشبة بحجر لا يعرف عياره، بأن قال:
بهذا الحجر ولا يعلم كم وزنه أو بخشبة لا يعرف قدرها، بأن قال بهذه الخشبة ولا يعرف مقدارها أو بذراع يده، وذلك لأن تسليم المسلم فيه لا يجب عقيب العقد كبيع العين: وانما يجب بعد محل الأجل فيحتمل أن يهلك الاناء قبل محل الأجل وهذا الاحتمال ان لم يكن غالبا فليس بنادر أيضا. واذا هلك يصير المسلم فيه مجهول القدر.
ومنها أن يكون مما يمكن أن يضبط قدره وصفته بالوصف على وجه لا يبقى بعد الوصف الا تفاوت يسير فان كان مما لا يمكن ويبقى بعد الوصف، تفاوت فاحش لا يجوز السلم فيه لأنه اذا لم يمكن ضبط قدره وصفته بالوصف يبقى مجهول القدر أو الوصف جهالة فاحشة مفضية الى المنازعة وأنها مفسدة للعقد
(1)
.
فيصح السلم فى المكيل والموزون المثمن أما غير المثمن مثل الدراهم والدنانير فلا يصح السلم فيهما لانهما أثمان وليسا بمثمن حتى لو أسلم فيهما لا يصح سلما لان السلم تعجيل الثمن وتأجيل المبيع. ولو جاز السلم فيه لانعكس الوضع وأصبح السلم تعجيل المبيع وتأجيل الثمن. فاذا كان مثل ذلك لا يقع سلما ففى حكمه ذكر الزيلعى رأيين:
أحدهما أنه يكون عقدا باطلا عند عيسى بن أبان.
وثانيهما أنه يكون بيعا بثمن مؤجل تحصيلا لمقصود المتعاقدين بحسب الامكان اذ العبرة فى العقود للمعانى ونسب ذلك الرأى الى الاعمش، ثم صحح قول عيسى بحجة أن المعقود عليه فى السلم هو المسلم فيه وانما يصح العقد فى محل أوجبا العقد فيه. وذلك غير ممكن ولا وجه الى تصحيحه فى محل آخر لانهما لم يوجبا العقد فيه وهذا الخلاف فيما اذا أسلم فيهما غير الاثمان.
وأما اذا أسلم الاثمان فيهما كالدراهم فى الدنانير أو بالعكس فلا يجوز مثل هذا السلم بالاجماع لما عرف أن القدر بانفراده يحرم النساء
(2)
.
ولا يصح السلم فى الجوهر ولا فى الخرز، لأن آحادها تتفاوت تفاوتا فاحشا. أما صغار اللؤلؤ التى تباع وزنا فانه يصح السلم فيها بالوزن، لانه مما يباع بالوزن فأمكن معرفة قدره به
(3)
.
(1)
بدائع الصنائع ج 5 ص 207 وما بعدها الى ص 211.
(2)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين الزيلعى طبعة مطبعة بولاق سنة 1313 هـ ج 4 ص 111.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 112، ص 113.
ومنها أن يكون موجودا من وقت العقد الى وقت الاجل فان لم يكن موجودا عند العقد أو عند محل الأجل أو كان موجودا فيهما لكنه انقطع من أيدى الناس فيما بين ذلك كالثمار والفواكه واللبن وأشباه ذلك لا يجوز السلم، لأن القدرة على التسليم ثابتة للحال وفى وجودها عند المحل شك، لاحتمال الهلاك، فان بقى حيا الى المحل ثبتت القدرة وان هلك قبل ذلك لا تثبت، والقدرة لم تكن ثابتة فوقع الشك فى ثبوتها، فلا تثبت مع الشك، ولو كان موجودا عند العقد ودام وجوده الى محل الاجل فحل الاجل ولم يقبضه حتى انقطع عن أيدى الناس، لا ينفسخ السلم، بل هو على حاله صحيح، لان السلم وقع صحيحا، لثبوت القدرة على التسليم، لكون المسلم فيه موجودا وقت العقد، ودام وجوده الى محل الأجل، الا أنه عجز عن التسليم للحال، لعارض الانقطاع مع عرضية حدوث القدرة ظاهرا بالوجود، فكان فى بقاء العقد فائدة، والعقد اذا انعقد صحيحا يبقى لفائدة محتملة الوجود والعدم على السواء كبيع الآبق اذا أبق قبل القبض فلأن يبقى لفائدة عود القدرة فى الثانى ظاهرا أولى لكن يثبت الخيار لرب السلم ان شاء فسخ العقد وان شاء انتظر وجوده لأن الانقطاع قبل القبض بمنزلة تغير المعقود عليه قبل القبض، وأنه يوجب الخيار.
ولو أسلم فى حنطة حديثة قبل حدوثها لا يصح عندنا، لأنه أسلم فى المنقطع.
وعلى هذا يخرج ما اذا أسلم فى حنطة موضع أنه ان كان مما لا يتوهم انقطاع طعامه جاز السلم فيه كما اذا اسلم فى حنطة خراسان أو العراق أو فرغانة، لأن كل واحد منها اسم لولاية فلا يتوهم انقطاع طعامها، وكذا اذا أسلم فى طعام بلدة كبيرة كسمرقند أو بخارى أو كاشان جاز، لأنه لا ينفذ طعام هذه البلاد الا على سبيل الندرة والنادر ملحق بالعدم. وقد روى أن زيد بن شعبة لما أراد أن يسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أسلم اليك فى تمر نخلة بعينها؟ فقال: النبى صلى الله عليه وسلم: أما فى تمر نخلة بعينها فلا
(1)
.
ومنها: أن يكون مما يتعين بالتعيين فان كان مما لا يتعين بالتعيين كالدراهم والدنانير فانه لا يجوز السلم فيه، لأن المسلم فيه مبيع لما روينا أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص فى السلم. سمى السلم بيعا فكان المسلم فيه مبيعا، والمبيع مما يتعين بالتعيين والدراهم والدنانير لا تتعين فى عقود المعاوضات فلم تكن مبيعة فلا يجوز السلم فيها.
(1)
بدائع الصنائع ج 5 ص 211 الى ص 212.
ومنها أن يكون مؤجلا: حتى لا يجوز السلم فى الحال لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أسلم فليسلم فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم. أوجب صلى الله عليه وسلم مراعاة الأجل فى السلم كما أوجب مراعاة القدر فيه فيدل على كونه شرطا فيه كالقدر، ولأن السلم حالا يفضى الى المنازعة، لأن السلم بيع المفاليس، فالظاهر أن يكون المسلم اليه عاجزا عن تسليم المسلم فيه.
ورب السلم يطالب بالتسليم، فيتنازعان على وجه تقع معه الحاجة الى الفسخ. وفيه الحاق الضرر برب السلم، لأنه سلم رأس المال الى المسلم اليه وصرفه فى حاجته فلا يصل الى المسلم فيه ولا الى رأس المال، فشرط الأجل حتى لا يملك المطالبة الا بعد حل الأجل.
وعند ذلك يقدر على التسليم ظاهرا فلا يؤدى الى المنازعة المفضية الى الفسخ والاضرار برب السلم. ولأنه عقد لم يشرع الا رخصة لكونه بيع ما ليس عند الانسان، لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص فى السلم. فهذا الحديث يدل على أن بيع ما ليس عند الانسان لم يشرع الا رخصة وأن السلم بيع ما ليس عند الانسان أيضا على ما ذكرنا من قبل. والرخصة فى عرف الشرع اسم لما يغير عن الأمر الاصلى بعارض عذر الى تخفيف ويسر، كرخصة تناول الميتة وشرب الخمر بالاكراه والمخمصة ونحو ذلك، فالترخص فى السلم هو تغيير الحكم الاصلى، وهو حرمة بيع ما ليس عند الانسان الى الحل بعارض عذر العدم ضرورة الافلاس فحالة الوجود والقدرة لا يلحقها اسم قدرة الرخصة فيبقى الحكم فيها على العزيمة الاصلية فكانت حرمة السلم الحال على هذا التقرير مستفادة من النص كان ينبغى أن لا يجوز السلم من القادر على تسليم المسلم فيه للحال الا أنه صار مخصوصا عن النهى العام فالحق بالعاجز عن التسليم للحال على اعتبار الاصل والحاق النادر بالعدم فى أحكام الشرع
(1)
.
ومنها أن يكون مؤجلا بأجل معلوم فان كان الاجل مجهولا فالسلم فاسد سواء كانت الجهالة متفاحشة أو متقاربة لان كل ذلك يفضى الى المنازعة وأنها مفسدة للعقد لجهالة القدر وغيرها، وأما مقدار الاجل فلم يذكر فى الاصل.
وذكر الكرخى أن تقدير الاجل الى العاقدين حتى لو قدرا نصف يوم جاز.
وقال بعض مشايخنا: أقله ثلاثة أيام قياسا على خيار الشرط.
وهذا القياس غير سديد لأن أقل مدة الخيار ليس بمقدر والثلاث أكثر المدة على أصل أبى حنيفة فلا يستقيم القياس.
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 212.
وروى عن محمد أنه قدر بالشهر وهو الصحيح، لان الاجل انما شرط فى السلم ترفيها وتيسيرا على المسلم اليه، ليتمكن من الاكتساب فى المدة والشهر مدة معتبرة يمكن فيها من الاكتساب فيتحقق معنى الترفيه فأما ما دونه ففى حد القلة فكان له حكم الحلول.
ولو مات المسلم إليه قبل الأجل حل الدين، وكذلك كل دين مؤجل سواه إذا مات من عليه الدين.
والأصل فى هذا أن موت من عليه الدين يبطل الأجل وموت من له الدين لا يبطل، لأن الأجل حق المدين لا حق صاحب الدين فتعتبر حياته وموته فى الأجل وبطلانه
(1)
.
ومنها بيان مكان ايفائه اذا كان له حمل ومؤنة عند أبى حنيفة، لأن العقد وجد مطلقا عن تعيين مكان، فلا يتعين مكان العقد للايفاء.
والدليل على أن العقد مطلق عن تعيين مكان هو الحقيقة والحكم: أما الحقيقة فلأنه لم يوجد ذكر المكان فى العقد نصا، فالقول بتعيين مكان العقد شرعا من غير تعيين العاقدين تقييد المطلق فلا يجوز الا بدليل. وأما الحكم فان العاقدين لو عينا مكانا آخر جاز، ولو كان تعيين مكان العقد من مقتضيات العقد شرعا لكان تعيين مكان آخر تغييرا لمقتضى العقد وأنه يعتبر فيه حكم الشرع فينبغى أن لا يجوز، واذا لم يتعين مكان العقد للايفاء بقى مكان الايفاء مجهولا جهالة مفضية الى المنازعة، لأن فى الأشياء التى لها حمل ومؤنة تختلف باختلاف الأمكنة لما يلزم فى حملها من مكان الى مكان آخر من المؤنة فيتنازعان.
ويرى أبو يوسف ومحمد أن بيان مكان ايفاء المسلم فيه ليس بشرط، لأن سبب وجوب الايفاء هو العقد. والعقد وجد فى هذا المكان فيتعين مكان العقد، لوجوب الايفاء فيه كما فى بيع العين اذا كان المسلم فيه شيئا له حمل ومؤنة فانه يتعين مكان العقد لوجوب الايفاء فيه.
وأما المسلم فيه اذا لم يكن له حمل ومؤنة فعن أبى حنيفة فيه روايتان
فى رواية لا يتعين مكان العقد هناك أيضا
وفى رواية يتعين مكان العقد للايفاء وهو قول أبى يوسف ومحمد.
ولو شرط رب السلم أن يكون التسليم فى بلد أو قرية فحيث سلم اليه فى ذلك الموضع فهو جائز، وليس لرب السلم أن يتخير مكانا، لأن المشروط هو التسليم فى مكان منه مطلقا وقد وجد، وان سلم فى غير المكان المشروط فلرب السلم أن بأبى،
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 212، ص 213.
لقول النبى صلى الله عليه وسلم:
المسلمون عند شروطهم
(1)
.
وأما الذى يرجع الى البدلين جميعا:
فهو أن لا يجمعهما أحد وصفى علة ربا الفضل وذلك اما الكيل واما الوزن واما الجنس، لأن أحد وصفى علة ربا الفضل هو علة ربا النساء، فاذا اجتمع أحد هذين الوصفين فى البدلين يتحقق ربا النساء والعقد الذى فيه ربا فاسد.
وعلى هذا يخرج اسلام المكيل فى المكيل أو الموزون فى الموزون والمكيل فى الموزون والموزون فى المكيل وغير المكيل والموزون بجنسهما من الثياب والعدديات المتقاربة
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أنه يشترط لصحة عقد السلم زيادة على شروط البيع سبعة شروط:
الشرط الأول:
قبض المسلم اليه رأس المال وهو المسلم - ويجوز تأخيره بعد العقد ثلاثا من الأيام ولو كان ذلك التأخير بشرط، لخفة الأمر، لأن ما قارب الشئ يعطى حكمه.
وقيل: يفسد السلم اذا أخر رأس المال ثلاثة أيام بشرط، لظهور قصد الدين بالدين مع الشرط، وعدم قصده مع عدم الشرط. واختاره عبد الحق، وابن الكاتب، وابن عبد البر. هذا اذا لم يكن أجل السلم كيومين، وذلك فيما اذا شرط قبضه ببلد آخر، والا فلا يجوز تأخيره هذه المدة، لأنه حينئذ يكون بيع الكالئ بالكالئ، أى ابتداء الدين بالدين فى غير محل الرخصة - لأن السلم رخصة مستثناه من ذلك ومن بيع الانسان ما ليس عنده - فيجب أن يقبض رأس المال بالمجلس أو ما يقرب منه
(3)
.
وقال الخرشى: اذا أخر رأس مال السلم بغير شرط - وهو نقد - أكثر من ثلاثة أيام بحيث لم تبلغ المدة وقت حلول المسلم فيه فالمعتمد من الطرق فساد السلم ولو قلت الزيادة على الثلاثة أيام، لأنه ضارع (شابه) الدين بالدين.
وقيل: لا يفسد السلم لأنه تأخير بغير شرط.
أما أن كثرت الزيادة جدا بأن أخر الى حلول أجل السلم الذى وقع عليه العقد فانه لا يختلف فى فساده.
أما ان كان رأس مال السلم حيوانا فانه يجوز تأخيره بلا شرط من غير كراهة ولو الى حلول أجل السلم
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 213، 214.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 201 الى ص 214 الطبعة السابقة.
(3)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 3 ص 195.
أما مع شرط التأخير فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام ويفسد كالعين
(1)
.
وقال الدردير: اذا كان رأس المال طعاما أو عرضا فقيل هو كذلك يجوز تأخيره بلا شرط ان كيل الطعام وأحضر العرض مجلس العقد، لانتقال ضمانهما للمسلم اليه، فكأنه قبضهما، فتركه بعد ذلك لقبضهما لا يضر، فان لم يكل الطعام ولم يحضر العرض لم يجز، لعدم دخوله فى ضمان المسلم اليه والنقل انه يكره فقط خلافا لما يوهمه كلامه ..
وقيل هو كالعين لا يجوز تأخيرهما عن الثلاثة بلا شرط مطلقا حصل كيل أو احضار أم لا .. هذا ظاهره
…
والنقل الكراهة
(2)
.
واذا وجد المسلم اليه فى رأس مال السلم دراهم زيوفا فانه يجوز له ردها سواء وجد ذلك بالقرب أو البعد كما هو ظاهرها (أى المدونة)، واذا ردها فانه يجب على المسلم أن يعجل للمسلم اليه البدل بأن لا يزيد على ثلاثة أيام، فان تأخر أكثر من ذلك فانه يفسد من السلم ما يقابل الدراهم الزائفة فقط كما عند أبى عمران واستحسنه ابن محرز
(3)
.
ويجوز للمسلم أن يزيد فى رأس المال للمسلم اليه بعد حلول الأجل ليزيده فى المسلم فيه زيادة معينة، فاذا أسلم انسان فى ثوب موصوف الى أجل معلوم فانه يجوز اذا حل الأجل أن يدفع الى المسلم اليه دراهم زيادة على رأس المال ليعطيه ثوبا أطول أو أعرض أو أصفق من ثوبه الذى أسلم فيه، سواء كان من صنفه أو من غير صنفه بشرط أن تكون تلك الزيادة معينة وأن يتعجل الجميع قبل الافتراق، لأنه ان لم تكن الزيادة معينة كانت فى الذمة فيؤدى الى السلم الحال، وان عينت ولم تقبض كان بيع معين يتأخر قبضه، وان أخر الأجل كان بيعا وسلفا ان كان على أن يعطيه من صنفه، لأن الزيادة بيع بالدراهم وتأخير ما فى الذمة سلف، وان كان على أن يعطيه من غير صنف ما عليه فهو فسخ دين فى دين.
وكذلك يجوز للمسلم أن يزيد فى رأس المال للمسلم اليه قبل حلول أجل السلم ليزيده طولا فقط فى الثوب المسلم فيه بشروط.
الأول منها: أن يعجل الدراهم، لأنه سلم.
الثانى منها: أن يكون فى الطول لا فى العرض والصفاقة، لئلا يلزم عليه فسخ الدين فى الدين لأنه أخرجه عن الصفقة الأولى الى غيرها، بخلاف
(1)
الخرشى ج 5 ص 202 وما بعدها ..
والشرح الكبير للدردير ج 3 ص 197 مع حاشية الدسوقى.
(2)
الشرح الكبير ج 3 ص 197.
(3)
الخرشى ج 5 ص 204.
زيادة الطول فانها لا تخرجه عن الصفقة، وانما هى صفقة ثانية، لأن الأذرع المشترطة قد بقيت على حالها والذى استأنفوه صفقة أخرى.
الثالث من الشروط: أن يبقى من أجل الأول مقدار أجل السلم أو يكملاه ان بقى منه أقل، لأن الثانى سلم.
الرابع: أن لا يتأخر الأول عن أجله لئلا يلزم البيع والسلف.
الخامس: أن لا يشترط فى أصل العقد أنه يزيده بعد مدة ليزيده طولا
(1)
.
هذا ولو أن رب الدين لقى المسلم اليه بغير بلد القضاء وطلب منه المسلم فيه فان كان الدين عينا فالقول قول من طلب القضاء منهما فيلزم رب الدين القبول اذا دفعه له من هو عليه، ويلزم من هو عليه أن يدفعه اذا طلبه ربه. وان كان الدين غير عين فانه لا يلزم المسلم اليه أن يدفعه فى غير محله ولو خف حمله كجواهر ولؤلؤ، لأن أجل السلم من حق كل منهما جميعا
(2)
.
الشرط الثانى:
أن يكون المسلم فيه دينا فى ذمة المسلم اليه، فلا يجوز بيع معين يتأخر قبضه، لأنه قد يهلك قبل قبضه فيدور الثمن بين السلفية ان هلك، وبين الثمنية ان لم يهلك
(3)
.
الشرط الثالث:
أن يكون المسلم فيه مؤجلا بأن يضربا له أجلا معلوما أقله نصف شهر، ليسلما من بيع ما ليس عند الإنسان المنهى عنه، بخلاف ما اذا ضرب الأجل فانه لما كان الغالب تحصيل المسلم فيه فى ذلك الأجل لم يكن من بيع الانسان ما ليس عنده، اذ كأنه انما بيع عند الأجل.
واشترط فى الأجل أن يكون معلوما، ليعلم منه الوقت الذى يقع فيه قضاء المسلم فيه فالأجل المجهول غير مقيد بل مفسد للعقد.
وانما حد أقل الأجل بخمسة عشر يوما، لأنه مظنة اختلاف الأسواق غالبا. وتحديد الأجل بخمسة عشر يوما كاف - على خلاف ما يقتضيه كلام المختصر الجليل من أن نصف الشهر غير كاف - بل أن وقوع السلم لثلاثة عشر يوما أو اثنى عشر أو أحد عشر يصح غير أنه خلاف الأولى فقط.
(1)
شرح الخرشى ج 5 ص 228.
(2)
المصدر السابق ج 5 ص 229.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 217.
ويصح تأجيل السلم الى الحصاد والدراس وقدوم الحاج ولو لم يعرفاه الا بشدة الحر لا بالحساب وبخروج العطاء، لأن ذلك أجل معلم لا يختلف، ويعتبر ميقات معظم الحصاد والدراس وقدوم الحاج ان لم توجد هذه الافعال فاذا وقع العقد على أن المسلم فيه يقبض ببلد غير بلد العقد، فلا يشترط نصف شهر، بل يكفى أن يكون الأجل ما بين المكانين بشروط خمسة.
الأول منها:
أن يشترط قبضه بمجرد الوصول.
والثانى: أن يكون على مسافة يومين فأكثر.
والثالث: أن يشترط فى العقد الخروج (أى من بلد العقد) فورا.
والرابع: أن يعزما على السفر بمجرد الخروج للبر أو الوصول الى البحر.
الخامس: أن يكون السفر ببر أو ببحر بغير ريح كالمنحدرين.
فان تخلف شرط واحد من هذه الشروط وجب ضرب الاجل.
واذا وقع عقد السلم مؤجلا الى ثلاثة أشهر وكان ذلك فى أثناء شهر، فان الشهر الثانى والثالث يحسبان بالأهلة سواء كانا كاملين أو ناقصين،، وأما الشهر الاول المنكسر فانه يكمل من الشهر الرابع ثلاثين يوما.
واذا وقع عقد السلم مؤجلا الى شهر ربيع مثلا فانه جائز، ويحل بأول جزء من ذلك الشهر، فيحل برؤية هلاله.
وقال بعضهم: يحل بأول ليلة منه ..
واقتصر المواق على الثانى، وعليه فلا يجبر المسلم اليه على الدفع برؤية الهلال للمسلم حيث طلبه.
وأما ان قال أقضيك سلمك فى ربيع مثلا فانه يفسد بذلك للجهل باحتمال أوله ووسطه وآخره على ما اختاره المازرى.
وعند ابن زرب: لا يفسد ويحكم بالشهر كله كالحصاد والدراس، وهو قياس مالك فى اليمين.
وتبع المؤلف ابن الحاجب وابن شاس ..
وقال الصفاقسى: لا أعلم لهما فيه سلفا ..
أما ابن رشد فقد قال: الذى عليه مالك وأصحابه أنه يصح ويقتضيه فى وسطه ومثل الشهر العام.
أما اذا قال: أوفيك سلمك فى اليوم الفلانى فانه يجوز لخفة الأمر فى اليوم، ويحمل على طلوع فجره
(1)
.
(1)
شرح الخرشى ج 5 ص 210 وما بعدها الطبعة السابقة.
الشرط الرابع:
أن يكون المسلم فيه مقدورا على تحصيله غالبا عند ما يحل أجله حتى لا يكون تارة سلفا وتارة ثمنا ولا يعنى هذا أنه يشترط وجوده من حين انعقاد السلم الى حلول أجل المسلم فيه، بل الشرط هو أن يكون وجوده محققا عند حلول الاجل، فاذا انقطع المسلم فيه فى اثناء الأجل ووجد عند حلوله صح.
أما ان كان وجوده، عند حلول الأجل غير محقق مثل نسل حيوان قليل معين فان كان كثيرا جاز السلم، لان الكثرة صيرتها مثل غير المعين فكان المسلم فيه فى الذمة .. مثل ذلك حكم ثمر الحائط ان عين وكان صغيرا
(1)
. ولا يجوز السلم فى الشئ الذى لا يوجد جملة لعدم القدرة على تحصيله كالكبريت الأحمر وكذا لا يجوز فى الشئ الذى يندر وجوده مثل كبار اللؤلؤ
(2)
.
الشرط الخامس:
أن يكون المسلم فيه مضبوطا بعادة أهل بلد العقد من كيل فيما يكال كالحنطة، أو وزن فيما يوزن كاللحم ونحوه، أو عدد فيما يعد كالرمان والتفاح فى بعض البلاد، فان وقع عقد السلم على ما يعد فى العادة كالرمان فانه لا بد من أن يقاس بخيط ويوضع عند أمين .. وكذلك اذا كان الرمان ونحوه غير معدود فى عادة أهل بلده بأن كان موزونا مثلا فانه لا بد فيه من أن يقاس بخيط، لأن الاغراض تختلف فيه على حسب الصغر والكبر. وكذا ان كان المسلم فيه مثل القضب - وهو بفتح القاف وسكون الضاد العشب اليابس - والبقول وما أشبه ذلك فانه لا بد من ضبطه أيضا، ويكون ضبطه بالاجمال بأن يقاس بحبل، ويقال:
أسلمتك فيما يسع هذا ويجعل تحت يد أمين، أو يكون ضبطه بالحرز وهى القبض والحزم ولا يجوز فى شئ من ذلك اشتراط فدادين معروفة بصفة طول أو عرض، وجودة أو رداءة، لأنه يختلف ولا يحاط بصفة.
ويصح أن يضبط المسلم فيه بالتحرى ولو لم تجربه عادة أهل بلد العقد .. فاذا أسلم فى لحم مثلا وضبطه بالوزن المعروف صح.
وكذلك يصح اذا اشترط فيه تحريا معروفا بأن كان له قدر قد عرفوه. ومن ثم فان السلم يفسد اذا كان المسلم فيه مضبوطا بمجهول من كيل أو وزن أو عدد، كملء وعاء، ووزن حجر، وذرع بعصا
(1)
شرح الخرشى ج 5 ص 218 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الكبير فى كتاب مع حاشية الدسوقى ج 3 ص 217 وما بعدها الطبعة المتقدمة.
(3)
شرح الخرشى ج 5 ص 213، ص 214، الطبعة السابقة.
عشرا بدينار. فان نسب المجهول للمعلوم ألغى المجهول واعتبر المعلوم، بأن قال: أسلمك فى ملء هذا الوعاء كذا كذا مرة وهو أردب، أو فى اردب وهو ملء هذا الوعاء كذا كذا مرة فانه يعتبر الاردب سواء زاد على ملء الوعاء أو نقص، ويلغى الوعاء ويكون السلم صحيحا. فاذا أسلم فى ويبات معلومات وشرط لكل ويبة حفنة ففيه قولان:
أحدهما: ما قال به أبو عمران وهو الجواز، وعليه ظاهر الموازية.
والثانى: وهو ما نقله عياض عن الأكثر وسحنون .. أنه لا يجوز
(1)
.
الشرط السادس:
أن تبين أوصاف المسلم فيه التى تختلف بها القيمة عند المتبايعين اختلافا يتغابن الناس فى مثله عادة - فيجب على المتبايعين أن يبينا ذلك، كالنوع فى كل مسلم فيه وكذا الجودة والرداءة والتوسط. ويبين اللون اذا كان المسلم فيه حيوانا ولو طيرا - كشديد السواد أو أحمر مثلا. ويبين اللون كذلك اذا كان المسلم فيه ثوبا - فيذكر ان كان أبيض أو أسود أو غير ذلك - وكونه من قطن أو كتان - ويبين طوله وقصره، وغلظه ورقته - وغير ذلك من الأوصاف التى تختلف بها الاغراض والاثمان.
واذا كان المسلم فيه عسلا وجب فيه تبيين لونه من كونه أحمر أو أبيض - بالاضافة الى تبيين نوعه من كونه مصريا أو غيره - والى تبيين الجودة والرداءة وبينهما، وخاثرا أو رقيقا أو صافيا ..
ويبين فيه زيادة على ذلك مرعى نحله ان كان قرطا أو غيره.
ويزيد فى الثمر على الاوصاف السابقة ذكر نوعه كصبحانى أو برنى أو غيره وذكر الجودة والرداءة وبينهما.
وكذلك فى الحوت - وهو ما يعم السمك -
فيذكر نوعه وجيد وردئ وبينهما، ويزيد أيضا فيهما الناحية المأخوذين منها - ككون الثمر مدنيا أو الواحيا أو بريسيا - وككون الحوت من بحر عذب، أو ملح، أو من بركة الفيوم أو نحو ذلك .. وكذلك يزيد فيهما القدر ككونه كبيرا أو صغيرا أو وسطا.
واذا كان المسلم فيه برا اشترط أن تبين فيه الأوصاف المتقدمة من نوع، وجودة أو رداءة - ولون ويزيد على ذلك بيان جدته أو قدمه، وملئه أو ضامره ان اختلف الثمن بهما حيث يراد الضامر للزراعة لا للأكل لقلة ريعه، وعكسه الممتلئ فان لم يختلف الثمن بهما فلا يحتاج الى بيانه.
ولو قال: أسلمت اليك فى قمح طيب ولم يزد (جيد) فمذهب المدونة - على ما ذكره الخرشى - الفساد، لأن الجيد أخص من الطيب.
(1)
شرح الخرشى ج 5 ص 212 وما بعدها الطبعة السابقة.
واذا كان المسلم فيه حيوانا ناطقا أو غير ناطق فانه يشترط فيه زيادة على بيان النوع والجودة أو الرداءة وبينهما بيان سنه فيقول: جذع أو مراهق أو بالغ - أو يقول: سنه سنتان مثلا، وبيان ذكورته وأنوثته وسمنه وهزاله.
واذا كان المسلم فيه لحما فانه يشترط فيه - زيادة على بيان النوع، والجودة أو الرداءة واللون والذكورة والانوثة والسمن والهزال - أن يبين ما اذا كان خصيا أو لا، وما اذا كان راعيا أو معلوفا
(1)
.
واذا كان المسلم فيه رقيقا فانه يشترط - مع الأوصاف السابقة فى الحيوان - بيان القد من طول أو قصر أو ربعة، وبيان الثيوبة والبكارة اذا كان أنثى ويذكر اللون الخاص من عرضيات الأسود كالذهبى والأحمر، وشدة البياض فى الرومى ويذكر فى الجارية ما اذا كانت دعجاء. وهو شدة سواد العين مع اتساعها وما اذا كان وجهها متكلثما - وهو كثرة لحم الخدين والوجه مع الزهاوة.
واذا كان المسلم فيه زيتا فانه لا بد من أن يذكر زيادة على ما مر من بيان النوع والجودة أو الرداءة - الحب الذى عصر منه من زيتون ونحوه، والمعصر به من معصرة أو ماء لاختلاف الثمن بذلك.
فان كان يجتمع فى بلد واحد زيت بلدين فلا بد من ذكر البلد التى يؤخذ منها ذلك.
وعلى كل فانه اذا شرط الجودة أو الرداءة فى الشئ المسلم فيه مما يحتاج الى ذكره فانه يقضى بالغالب من ذلك الذى شرطه فان لم يوجد غالب مما شرطه بل تساوت أصناف الجيد أو الردئ فى التسمية والاطلاق فانه يقضى بالوسط من ذلك الذى شرطه - ولا يقضى بالوسط ابتداء - بل يلجأ اليه اذا عدم الغالب
(2)
.
ولا يصح السلم فيما لا يمكن أن يوصف عادة وصفا كاشفا عن حقيقته مثل تراب المعادن والصواغين، لأن الصفة مجهولة ومثل ذلك فى عدم صحة السلم فيه التيلة المخلوطة بالطين، والحناء المخلوطة بالرمل كذلك.
ولا يصح السلم فى الأرض والدار لأن وصفهما مما تختلف الأغراض به فيستلزم تعيينهما، لأنه من جملة ما تختلف الأغراض به تعيين البقعة، وذلك يؤدى الى السلم فى معين.
وشرط السلم أن يكون المسلم فيه فى الذمة، ولا يجوز السلم فى الجزاف لأن جوازه مقيد برؤيته وهو مع الرؤية معين فيصير معينا يتأخر قبضه
(3)
.
(1)
شرح الخرشى ج 5 ص 213 ص 215، ص 216. وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
الخرشى ج 5 ص 213.
(3)
الشرح الكبير فى كتاب مع حاشية الدسوقى ج 3 ص 217 وما بعدها الطبعة السابقة.
الشرط السابع:
أن لا يكون رأس المال والمسلم فيه طعامين ولا نقدين، لأدائه الى ربا الفضل أو النساء، فلا تسلم فضة فى ذهب ولا عكسه ولا فضة أو ذهب فى مثله - وحكم الفلوس هنا حكم العين، لأنه صرف - ولا نخلة مثمرة فى طعام.
ولا يسلم شئ من غير الطعام فى أجود منه - ولا أكثر منه من جنسه كثوب فى ثوب أو أجود منه أو ثوب فى ثوبين مثله، لئلا يؤدى الى سلف جر منفعة، فالجودة هنا بمنزلة الكثرة.
ولا يسلم ثوبان فى ثوب مثله أو أردأ، لئلا يؤدى الى التهمة على أنه ضمان بجعل. أما اذا كانت المنفعة مختلفة فانه يصح وذلك كأن يسلم الحمار الفاره - وهو جيد السير - فى الحمارين فأكثر غير الفارهين وبالعكس، لأن اختلاف المنافع يصير الجنس الواحد كالجنسين، ومثل الحمار الفاره الفرس السابق، فانه يجوز أن يسلمه فى فرسين غير سابقين، لاختلاف المنافع، اذ المعتبر فى الخيل هو السبق لا الهملجة وهو سرعة المشى - لأن سرعة مشيه وحسن سيره لا تصيره مخالفا لأبناء جنسه حتى يجوز أن يسلم الواحد فى اثنين أو ثلاثة مما ليس له تلك السرعة الا أن يكون مع الهملجة عظيم الخلقة جافى الاعضاء مما يراد منه الحمل فيجتمع فيه الهملجة والبرذنة فيجوز حينئذ أن يسلم الواحد فى أكثر من خلافه. ومثلهما البعير كثير الحمل، فيصح أن يسلم الجمل كثير الحمل فى جملين مما ليس كذلك. وعلى ذلك اذا كان المتماثلان من جنس البقر وكانت المنفعة تختلف تبعا للقوة فانه يصح أن يسلم البقرة القوية فى الاثنين غير القويتين
(1)
.
ويصح أن يسلم الشاة كثيرة اللبن من المعز فى شاتين مما ليس كذلك هذا ويجوز أن يسلم صغيرين من الحيوان فى كبير من جنسه لاختلاف المنفعة.
وكذلك يجوز أن يسلم كبيرا فى صغيرين من جنسه اتفاقا فى هاتين الصورتين للسلامة من سلف بزيادة، ومن ضمان بجعل.
وأيضا يجوز أن يسلم حيوانا صغيرا فى كبير من جنسه وكذلك عكسه على الأصح عند ابن الحاجب .. قال فى توضيحه وهو ظاهر المدونة، وعليه حملها ابن لبابة، وأبو محمد وغيرهما، واختاره الباجى.
وقال آخرون: لا يجوز سلم حيوان صغير فى كبير من جنسه ولا عكسه، وتأولوا نص المدونة على ذلك.
(1)
شرح الخرشى ج 5 ص 206 - 207 الطبعة السابقة.
وشرط جواز الجميع - المتفق عليه والمختلف فيه - أن لا يؤدى الى المزابنة - بأن يطول الأجل المضروب الى أن يصير فيه الصغير كبيرا، أو يلد فيه الكبير صغيرا، وذلك لأنه فى الأول يؤدى الى ضمان بجعل فكأنه قال: اضمن لى هذا لاجل كذا، فان مات ففى ذمتك، وان سلم عاد الى، وكانت منفعته لك بضمانك وهو باطل ولأنه فى الثانى يؤدى الى الجهالة فكأنه قال: خذ هذا على صغير يخرج منه، ولا يدرى أيخرج منه أم لا. ويجوز أن يسلم جذعا طويلا غليظا من الخشب فى جذع ليس كذلك، أو فى جذوع - ولا بد من الوصفين (الطول والغلظ) واكتفى ابن الحاجب بواحد منهما.
ويجوز أن يسلم سيفا قاطعا فى سيفين أو أكثر دونه فى القطع، والجودة على مذهبهما ولا بد من التعدد من أحد الجانبين حيث اتحد الجنس، واختلفت المنفعة كما هو مذهبهما أيضا، فلا يجوز أن يسلم سيفا قاطعا فى سيف دونه. وكما يجوز سلم بعض الجنس الواحد فى بعضه الآخر حيث اختلفت المنفعة على ما سبق ذكره يجوز سلم الجنس فى جنس آخر ولو تقاربت منافعهما لتباين الأغراض كرقيق ثياب القطن، ورقيق ثياب الكتان فيجوز سلم أحدهما فى الآخر - ويجوز سلم غليظ ثياب الكتان فى رقيق ثياب الكتان.
ويختلف الطير بالتعليم لا بالبيض، ولا بالذكورة والانوثة كالآدمى .. فيجوز أن يسلم الطير المعلم تعليما شرعيا كالباز والصقر للصيد فى عدد من جنسه بلا تعليم، وأما من غير جنسه فيجوز سلم واحد بلا تعليم فى أكثر منه بلا تعليم كما نقله الشيخ عبد الرحمن
(1)
.
وذكر الدسوقى فى حاشيته أنه يجوز فى السلم الواقع على الخيار أن يكون رأس ماله منفعة ذات معينة غير مضمونة كسكنى دار أو خدمة عبد أو ركوب دابة معينة ان شرع فى قبضها حين العقد أو قبل مجاوزة أكثر من ثلاثة أيام ولو تأخر استيفاؤها عن قبض المسلم فيه بناء على أن قبض الأوائل هو فى الحقيقة قبض للأواخر
(2)
.
قال الخرشى: وهذا بخلاف أخذ المنافع عن الدين فانه لا يجوز، لأنه فسخ دين فى دين، أما فى السلم فهو ابتداء دين بدين وفسخ الدين فى الدين أضيق من ابتداء الدين بالدين
(3)
.
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 207 وما بعدها الى ص 209.
(2)
حاشية الدسوقى فى كتاب مع الشرح الكبير للدردير ج 3 ص 196 طبع دار أحياء الكتب العربية.
(3)
شرح الخرشى على المختصر الجليل فى كتاب بهامشه حاشية العدوى ج 5 ص 203 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق.
ويجوز أن يكون رأس مال السلم جزافا، غير أنه يعتبر فيه شروط بيعه
(1)
.
أما اذا كان رأس مال السلم من المنافع المضمونة كما اذا قال رب السلم للمسلم اليه: أحملك الى مكة مثلا فى أردب قمح فى ذمتك تدفعه لى فى وقت كذا. فاذا لم يشرع فى هذه المنفعة لم يصح أن تكون رأس مال السلم لأنه كالئ بكالئ.
واذا شرع فيها جاز أن تكون رأس مال السلم لأن قبض الأوائل مثل قبض الاواخر كما فى الاجارة
(2)
.
هذا واذا أسلم مصنوعا فى مصنوع آخر، وهما عن جنس واحد فانه ينظر للمنفعة فان تقاربت لم يجز السلم كما لو أسلم قدر نحاس فى قدر نحاس أو أسلم ثيابا رقيقة فى ثياب رقيقة، لأنه من باب سلم الشئ فى مثله أما اذا كانت المنفعة متباعدة فان الاسلام حينئذ يكون جائزا كما لو أسلم ابريق نحاس فى منارة من نحاس أو ثيابا رقيقة فى ثياب غليظة
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج أنه يشترط لصحة عقد السلم بالاضافة الى ما يشترط فى البيع أمور سبعة أخرى اختص بها وهى على ما يأتى:
الأول: تسليم رأس المال - وهو الثمن - فى المجلس الذى وقع العقد به: قبل التفرق منه أو لزومه اذ لو تأخر لكان فى معنى بيع الدين بالدين ان كان رأس المال فى الذمة، ولأن فى السلم غررا فلا يضم اليه غرر تأخير رأس المال.
والثانى: حلول رأس المال كالصرف ولا يغنى عنه شرط تسليمه فى المجلس.
فلو تفرقا قبل قبض رأس المال أو الزماه بطل العقد، أو قبل تسليم بعضه بطل فيما لم يقبض وفيما يقابله من المسلم فيه، وصح فى الباقى بقسطه.
ولو اختلفا فقال المسلم: أقبضتك بعد التفرق، وقال المسلم اليه:
بل قبله ولا بينة صدق مدعى الصحة.
فان أقاما بينتين قدمت بينة المسلم اليه، لأنها مع موافقتها للظاهر ناقلة، والأخرى مستصحبة.
ولا يكفى قبض المسم فيه الحال فى المجلس عن قبض رأس المال، لأن تسليم المسلم فيه فى المجلس تبرع، وأحكام البيع لا تبنى على التبرعات.
(1)
حاشية الدسوقى ج 3 ص 197 الطبعة المتقدمة.
(2)
شرح الخرشى ج 5 ص 203 الطبعة المتقدمة.
(3)
شرح الخرشى ج 5 ص 224 وما بعدها الطبعة المتقدمة.
ولو قال: أسلمت اليك المائة التى فى ذمتك مثلا فى كذا لا يصح السلم.
فلو أطلق رأس المال عن تعيينه فى العقد، كأسلمت اليك دينارا فى ذمتى فى كذا ثم عين وسلم فى المجلس قبل التخاير جاز، لأن المجلس حريم العقد فله حكمه.
ولو أحال المسلم برأس المال المسلم اليه على ثالث له عليه دين - أو عكسه - فالحوالة باطلة بكل تقدير حتى لو قبضه المحتال - وهو المسلم اليه فى الصورة الأولى - فى المجلس ويعلم منه حكم ما لو لم يقبض فى المجلس بالأولى، فلا يجوز - أى لا يحل ولا يصح ومن باب أولى ما اذا لم يقبض فى المجلس - - اذ المحال عليه يؤديه عن جهة نفسه لا عن جهة المسلم، ومن ثم لو قبضه المحيل من المحال عليه أو من المحتال بعد قبضه باذنه له وسلمه فى المجلس صح، بخلاف
ما لو أمره المسلم بالتسليم للمسلم اليه، لان الانسان فى ازالة ملكه لا يصير وكيلا لغيره لكن المسلم اليه حينئذ وكيل للمسلم فى القبض فيأخذه منه ثم يرده كما تقرر، ولا يصح قبضه من نفسه خلافا للقفال. ولو قبضه المسلم اليه وأودعه المسلم وهما بالمجلس جائز، ولو رده اليه قرضا أو عن دين جاز
(1)
أيضا.
واذا كان رأس المال مثليا فان رؤيته تكفى - فى الأظهر - عن معرفة قدره سواء كان سلم حالا أو مؤجلا كما هو الحال فى الثمن، ولا أثر لاحتمال الجهل بالرجوع به لو تلف، كما لا أثر له فى البيع لأن صاحب اليد مصدق فى قدره لكونه غارما. أما لو علماه قبل أن يتفرقا فقد ذكر فيه الصحة على الجزم، اذ علة القول بالبطلان هنا غير راجعة لخلل فى العقد للعلم به تخمينا برؤيته، بل فيما بعده وهو الجهل به عند الرجوع لو تلف. وبالعلم به قبل التفرق زال ذلك المحظور
(2)
.
أما اذا كان رأس المال متقوما وقد انضبطت صفاته بالرؤية، فان صاحب نهاية المحتاج: يرى فيه كفاية الرؤية جزما.
وقيل فيه على الخلاف الا أن الأظهر كفاية الرؤية، لأن الضرر فيه أقل منه فى المثلى.
ومقابل الأظهر أنه لا يكفى، بل لا بد من معرفة قدره بالكيل فى المكيل أو الوزن فى الموزون
(3)
.
ويجوز أن يكون رأس المال فى السلم من الأثمان ويجوز أن يكون عرضا.
وعلى كل فأنه يجوز أن يكون رأس المال هذا فى الذمة ثم يعينه فى المجلس ويسلمه ويجوز أن يكون معينا.
فان كان رأس المال من الأثمان وكان فى الذمة حمل على نقد البلد.
وأن كان فى البلد نقود متعددة حمل رأس المال على النقد الغالب، منها.
أما اذا لم يكن فى البلد نقد غالب فانه يجب أن يبين نقد معلوم فى العقد.
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 179، 181.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 183.
(3)
نفس المرجع ج 4 ص 183.
وأن كان رأس المال عرضا وكان فى الذمة وجب أن تبين الصفات التى تختلف بها الأثمان، لأنه عوض فى الذمة غير معلوم بالعرف فوجب بيان صفاته كالمسلم فيه.
أما أن كان معينا ففيه قولان.
أحدهما: يجب أن تذكر صفاته ومقداره، لأنه لا يؤمن أن ينفسخ السلم بانقطاع المسلم فيه فاذا لم يعرف مقداره وصفته لم يعرف ما يرده.
والثانى لا يجب أن يذكر شئ من ذلك لأنه عوض فى عقد لا يقتضى رد المثل فوجب أن تغنى المشاهدة عن ذكر صفاته ومقداره كالمهر والثمن فى البيع.
وعليه فان كان رأس المال عرضا غير أنه لا يضبط بالصفة كالجواهر وغيرها.
فعلى القول الأول لا يصح أن يجعل ذلك رأس مال فى السلم، لأنه يجب ذكر صفاته وذكر صفاته أمر غير ممكن.
وعلى القول الثانى يصح أن يجعل ذلك رأس مال لأنه معلوم بالمشاهدة
(1)
.
وكما يجوز أن يكون رأس المال فى السلم من الأثمان وأن يكون عرضا، فانه كذلك يجوز أن يكون منفعة معلومة ذكر صاحب نهاية المحتاج من الشافعية أن الرويانى صرح بأنه يجوز أن يكون رأس مال المسلم منفعة معلومة - كما يجوز جعلها ثمنا وأجرة وصداقا - فيصح أن يقول رب السلم: أسلمت اليك منفعة هذا، أو منفعة نفسى سنة، أو خدمتى شهرا أو تعليمى سورة كذا فى كذا من الوقت
(2)
.
ثم بين صاحب نهاية المحتاج كيفية قبضها فقال: وتقبض بقبض العين الحاضرة ومضى زمن يمكن فيه الوصول للغائبة وتخليتها فى المجلس، لأن القبض فيه بذلك، اذ القبض الحقيقى لما تعذر اكتفى بهذا لأنه الممكن فى قبض المنفعة
(3)
.
ولا يجوز أن يكون رأس المال دينا فى ذمة المسلم اليه، فلو قال: أسلمت اليك المائة التى فى ذمتك مثلا فى كذا لم يصح السلم
(4)
.
والثالث: أن يكون المسلم فيه دينا، فلو قال: أسلمت اليك هذا الثوب، أو دينارا فى ذمتى فى هذا العبد فقبل فليس بسلم قطعا، لانتفاء الدينية ولو أسلم اليه ما ذكر فى سكنى هذه سنة لم يصح، بخلافه فى منفعة نفسه أو قنه أو دابته كما قال الاسنوى والبلقينى وغيرهما.
ووجهه أن منفعة العقار لا تثبت فى الذمة بخلاف غيره.
ولو قال: اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم، أو بدنانير فى ذمتى فقال بعتك انعقد بيعا اعتبارا باللفظ وهو الأصح هنا كما صححه فى الروضة.
وقيل: انعقد سلما نظرا للمعنى واللفظ لا يعارضه، لأن كل سلم بيع، كما أن كل صرف بيع، واطلاق البيع على السلم اطلاق
(1)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 300.
(2)
نهاية المحتاج للشافعى الصغير ج 4 ص 181، ص 182.
(3)
نفس المرجع السابق ج 4 ص 182.
(4)
المرجع نفسه ج 4 ص 180.
له على ما يتناوله، وقد صحح هذا جمع متأخرون، وأطالوا فى الانتصار له.
وعلى الأول لا بد من تعيين رأس المال فى المجلس اذا كان فى الذمة ليخرج عن بيع الدين بالدين، ويثبت فيه خيار الشرط ويجوز الاعتياض عنه.
وعلى الثانى ينعكس الحكم. أما اذا ذكر لفظ اسم السلم بعده فى هذه الصورة فليس ثمت خلاف لأنه يكون سلما بالاتفاق لمساواة اللفظ المعنى حينئذ
(1)
.
وذكر صاحب نهاية المحتاج أن السلم فى الحيوان يقع صحيحا، لثبوته فى الذمة قرضا فى خبر مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم اقترض بكرا، الى آخر الحديث. وقيس على القرض السلم، وعلى البكر غير البكر من بقية الحيوان.
وروى أبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن يأخذ بعيرا ببعيرين الى أجل وهذا سلم وليس قرضا لما فيه من الأجل والفضل اذ أن القرض لا يقبلهما.
وروى أن الحاكم صحح النهى عن السلف فى الحيوان. ورده صاحب نهاية المحتاج فقرر أنه مردود بعدم ثبوته
(2)
.
الرابع: أن يذكر موضع تسليم المسلم فيه اذا كان محل العقد لا يصلح للتسليم سواء كان السلم حالا أو مؤجلا، وسواء كان لحمل المسلم فيه مؤنة أم لا.
وكذا يشترط ذكر موضع التسليم اذا كان محل العقد صالحا للتسليم وكان السلم مؤجلا، وهما بمحل يصلح له ولكن لحمل المسلم فيه مؤنة، أما اذا كان محل العقد صالحا للتسليم والسلم حال أو مؤجل ولا مؤنة لحمل ذلك اليه فلا يشترط ما ذكر. ويتعين محل العقد للتسليم للعرف فيه، فان عينا غيره تعين، بخلاف المبيع المعين - حيث يبطل العقد بتعيين غير محل العقد للقبض - لأن السلم لما قبل التأجيل قبل شرطا يقتضى تأخير التسليم ولو خرج المعين للتسليم عن الصلاحية - سواء كان ذلك بخراب أو خوف أو غيرهما - تعين أقرب محل صالح ولو أبعد منه ولا أجرة له فيما يظهر، لاقتضاء العقد له، فهو من تتمة التسليم الواجب، ولا يثبت للمسلم خيار، ولا يجاب المسلم اليه لو طلب الفسخ ورد رأس المال ولو لخلاص ضامن وفك رهن خلافا للبلقينى ومن تبعه.
والمراد بمحل العقد - هنا - محلته، لا خصوص محله، ولهذا: لو قال تسلمه لى فى بلد كذا وهى غير كبيرة كفى احضاره فى أولها وان بعد عن منزله، أو قال:
تسلمه لى فى أى محل شئت منه صح ما لم تتسع. ومتى اشترط التعيين فتركه لم يصح العقد.
وقال ابن الرفعة: ان محل قولهم: السلم الحال يتعين فيه موضع العقد للتسليم مطلقا حيث كان صالحا له، والا كأن أسلم فى كثير من الشعير وهما سائران فى
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 184 وما بعدها.
(2)
نهاية المحتاج للشافعى الصغير ج 4 ص 199 وما بعدها الطبعة السابقة.
البحر، فالظاهر اشتراط التعيين كما هو ظاهر كلام الأئمة وان توقف فيه بعضهم اذ هو ظاهر، وجزم به غيره: لأن من شرط الصحة القدرة على التسليم وهو حال وقد عجز عنه فى الحال وحينئذ فلا فرق بين الحال والمؤجل اذا لم يكن الموضع صالحا فى اشتراط التعيين ويدل عليه كلام الماوردى أيضا
(1)
.
الخامس: أن يكون المسلم فيه مقدورا على تسليمه بلا كبير مشقة عند وجوب التسليم، وذلك بالعقد ان كان حالا، وبالحلول ان كان مؤجلا، لأن المعجوز عن تسليمه يمتنع بيعه فيمتنع السلم فيه، فان أسلم فى منقطع عند العقد أو الحلول كرطب فى زمن الشتاء لم يصح، وكذا لو ظن حصوله عند الوجوب لكن بمشقة عظيمة كقدر كثير من الباكورة
(2)
.
وذكر الخطيب أنه لو أسلم مسلم كافرا فى عبد مسلم لم يصح كذلك الا أن يكون العبد المسلم فى يد الكافر، ويكون السلم حالا فانه حينئذ يصح
(3)
.
وروى صاحب نهاية المحتاج: أن المسلم فيه ان كان يوجد ببلد آخر ولو بعيدا صح السلم فيه ان اعتيد نقله الى محل التسليم للبيع، للقدرة عليه حينئذ، وان لم يعتد نقله للبيع ونحوه - بأن كان نقله لذلك نادرا، أو لم ينقل أصلا، أو نقل لنحو هدية - فلا يصح السلم فيه لانتفاء القدرة عليه.
ولو أسلم فيما يعم وجوده فانقطع جميعه أو بعضه لجائحة أفسدته - وان وجد ببلد آخر وكان يفسد بنقله أو لا يوجد الا عند من لا يبيعه أصلا أو يبيعه بأكثر من ثمن مثله، أو كان ذلك البلد على مسافة القصر من بلد التسليم فى وقت حلوله وكذا بعده وان كان التأخير لمطله لم ينفسح فى الأظهر، لأن المسلم فيه يتعلق بالذمة فأشبه افلاس المشترى بالثمن.
وقيل ينفسخ كما لو تلف المبيع قبل القبض .. ولو وجده يباع بثمن غال ولم يزد على ثمن مثله وجب تحصيله.
وفى معنى انقطاعه ما لو غاب المسلم اليه وتعذر الوصول الى الوفاء مع وجود المسلم فيه فيتخير المسلم - ولو مع قول المسلم اليه خذ رأس مالك - بين فسخه فى جميعه دون بعضه المنقطع فقط، وبين الصبر حتى يوجد فيطالبه به دفعا للضرر. وخياره على التراخى، فلو أجاز ثم عن له الفسخ مكن منه، ولو أسقط حقه من الفسخ لم يسقط.
ولو علم قبل وقت حلوله انقطاعه فلا خيار قبله، ولا ينفسخ بنفسه حينئذ فى الأصح فيهما، لأنه لم يدخل وقت وجوب التسليم.
(1)
نهاية المحتاج ج 1 ص 184، 185.
(2)
نهاية المحتاج ج 4 ص 188.
(3)
الاقناع ج 2 ص 21.
وقيل ينفسخ لتحقق العجز فى الحال
(1)
.
السادس: التقدير فيه بما ينفى عنه الغرر، وذلك بأن يكون المسلم فيه معلوم القدر كيلا فيما يكال أو وزنا فيما يوزن، أو عدا فيما يعد - كاللبن والحيوان - أو ذرعا فيما يذرع - للخبر الذى رواه الصحيحان «من أسلف فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم الى أجل معلوم» مع قياس ما ليس فيه بما فيه. على ما جاء فى نهاية المحتاج.
ويصح السلم فى المكيل وزنا وعكسه حيث كان الكيل يعد ضابطا فيه كجوز، وما جرمه كجرمه أو أقل، أما ما لا يعد ضابطا فيه لعظم خطره كفتات المسك والعنبر فيتعين وزنه لان يسيره مالية كثيرة.
وما علم وزنه بالاستفاضة كالنقد يكفى فيه العد عند العقد، لا عند الاستيفاء بل لا بد من وزنه حينئذ لتحقق الايفاء.
ولو أسلم فى مائة ثوب، أو صاع حنطه مثلا على أن وزنها كذا لم يصح، لعزة الوجود، بخلاف الخشب فان زائده ينحت كما نقلاه عن الشيخ أبى حامد وأقراه.
ويشترط الوزن فى كل ما لا يضبطه الكيل مثل البطيخ والباذنجان والسفرجل والرمان، لتجافيه فى المكيال ولا يكفى فيها عد، لكثرة تفاوتها، كما لا يصح فيها عد مع وزن لكل واحدة لعزة وجوده، ومن ثم امتنع فى نحو بطيخة أو سفرجلة، أو بيضة واحدة لاحتياجه الى ذكر حجمها مع وزنها، وذلك يعز وجوده، أما لو أراد الوزن التقريبى فالأوجه الصحة حينئذ فى الصورتين لانتفاء عزة الوجود اذ ذاك. وكذا يقال فيما لو جمع فى ثوب بين ذرعه ووزنه
(2)
.
أما لو أسلم فى عدد من البطيخ مثلا كمائة بالوزن فى الجميع دون كل واحدة.
فروى عن السبكى أنه حكى فيه الجواز اتفاقا .. وقال فيه صاحب نهاية المحتاج:
أنه ممنوع ويجوز السلم فى نحو المشمش كيلا ووزنا وان اختلف نواه كبرا وصغرا
(3)
.
ويجمع فى اللبن - بكسره الباء وهو الطوب الذى لم يحرق - بين العد والوزن استحبابا، فيقول مثلا عشر لبنات زنة كل واحدة منها كذا، لأنها تضرب بالاختبار، فلا تقضى الى عزة الوجود، ووزنه تقريب، والواجب فيه العد، ويشترط أن يذكر طول كل وعرضه وثخانته، وأنه من طين كذا - ولا بد أن لا يعجن بنجس.
ولو عين مكيالا أو ميزانا أو ذراعا أو صنجة فسد السلم حالا كان أو مؤجلا أن لم يكن ما عين معتادا ككوز لا يعرف قدر ما يسع، لما فيه من الغرر، لأنه قد يتلف قبل قبض ما فى الذمة فيؤدى الى التنازع، بخلاف بعتك ملء هذا الكوز من هذه الصبرة - فانه يصح لعدم
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 188 وما بعدها الى ص 190.
(2)
نهاية المحتاج ج 4 ص 190 وما بعدها الى ص 192.
(3)
نهاية المحتاج ج 4 ص 192.
الغرر .. وكذا لو شرط الذرع بذراع يده ولم يكن معلوم القدر فلا يصح، لأنه قد يموت قبل القبض.
أما أن كان الكيل الذى عينه معتادا بأن عرف قدر ما يسع فلا يفسد السلم فى الأصح ويلغو تعيينه، لعدم الغرر فيه ..
ولو شرط عدم ابداله بطل العقد.
ولو أسلم فى قدر معين من ثمر قرية فان كانت القرية صغيرة لم يصح، لأنه قد ينقطع بجائحة ونحوها فلا يحصل منه شئ، وذلك غرر، لا حاجة اليه - وظاهر كلامهم عدم الفرق بين السلم المؤجل والحال وهو كذلك - وأن كانت القرية عظيمة صح السلم فى الاصح - اذ لا ينقطع ثمرها غالبا، فالمدار على كثرة ثمرها بحيث يؤمن انقطاعه عادة، وقلته بحيث لا يؤمن كذلك - لا على كبرها وصغرها، فالتعبير به جرى على الغالب. أما السلم فى كله فغير صحيح. ولو أتى بالأجود من غير تلك القرية أجبر على قبوله فيما يظهر
(1)
.
السابع
أن تعرف الأوصاف التى تتعلق بالمسلم فيه للمتعاقدين مع عدلين، وهى الأوصاف التى ينضبط المسلم فيه بها، ويختلف بها الغرض اختلافا ظاهرا وليس الأصل عدمها لتقريبه من المعاينة، ولأن القيمة تختلف بسببها، اذ لا يخرج عن الجهل به الا بذلك، بخلاف ما يتسامح عادة باهماله كالكحل والسمن - محركتين - وما الأصل عدمه ككتابة القن، وزيادة قوته على العمل ولو شرط كونه سارقا أو زانيا مثلا صح، بخلاف كونه مغنيا أو عوادا مثلا.
والفرق أن هذه مع خطرها تستدعى طبعا قابلا، وصناعة دقيقة، فيعز وجودها مع الصفات المعتبرة، بخلاف الأول.
ويشترط ذكر الأوصاف فى العقد مقترنة به ليتميز المعقود عليه، فلا يكفى ذكرها قبله ولا بعده ولو فى مجلس العقد.
نعم لو توافقا قبل العقد، وقالا: أردنا فى حالة العقد ما كنا اتفقنا عليه صح، على ما قاله الا سنوى وهو نظير من له بنات، وقال لآخر: زوجتك بنتى ونويا معينة لكن ظاهر كلامهم يخالفه (أى يدل على عدم صحة النكاح).
ولا بد من أن تكون معرفة تلك الأوصاف على وجه لا يؤدى الى عزة الوجود، لأن السلم غرر فلا يصح فيما لا يوثق بتسليمه.
فيجوز السلم فى المقصور من الثياب، لأنه يمكن أن ينضبط. فان كانت الثياب ملبوسة لم يصح السلم فيها حتى ولو لم تغسل لأن مثلها لا يمكن أن ينضبط.
أما الجديد من الثياب مطلقا سواء غسل أو لم يغسل فانه يصح السلم فيه ولو كان قميصا وسراويل، ما دام يمكن أن يحيط بها الوصف. فان لم يمكن احاطة الوصف بها لم يجز.
ويجوز أن يسلم فى الكتان لكن بعد أن يدق بأن ينفض من الساس، فيذكر بلده ولونه، وطوله أو قصره، ونعومته،
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 193، ص 194.
أو خشونته، ودقته أو غلظه وعتقه أو حداثته أن اختلف الغرض بذلك. أما أن كان الكتان لم يدق بعد فلا يجوز أن يسلم فيه
(1)
.
ويجوز السلم فى قصب السكر وزنا أى فى قشره الأسفل على شريطة أن يقطع أعلاه الذى لا حلاوة فيه كما قاله الامام الشافعى رضى الله تعالى عنه.
وأضاف المزنى الى ذلك: أن يقطع مجامع عروقه من أسفل، وصححه صاحب نهاية المحتاج ويطرح ما عليه من قشور
(2)
.
ويصح السلم فى البقول مثل الكرات والثوم والبصل والفجل والسلق والنعناع والهندبا وزنا، فيذكر جنسها ونوعها ولونها وكبرها أو صغرها وبلدها ولا يصح السلم فى السلجم - وهو اللفت - والجزر الا بعد قطع الورق، لأن ورقها غير مقصود
(3)
.
ويصح السلم فى الاشعار والأصواف والأوبار، فيذكر نوع أصله وذكورته أو أنوثته، لأن صوف الاناث أنعم. ويذكر كذلك خشونته وبلده ولونه ووقته، وطوله أو قصره. ووزنه، ولا يقبل الا منقى من بعر ونحوه كشوك. ويجوز أن يشترط غسله.
أما القز فلا يصح السلم فيه وفيه دوده سواء كان الدود حيا أو ميتا، لأنه يمنع معرفة وزن القز - فان كان بعد خروج الدود منه، فانه يصح السلم فيه حينئذ ويصح فى أنواع العطر كزعفران، لأنها مما يمكن أن تنضبط فيذكر وصفها من لون ونحوه، ووزنها ونوعها
(4)
.
ويصح السلم فى الاسطال المربعة مثلا والمدورة كما صرح به سليم فى التقريب.
وقال الأذرعى: أنه الصواب، واقتضاه كلام الشيخ أبى حامد ولو لم تصب فى قالب، لعدم اختلافها، بخلاف ضيقة الرءوس. ومحل جواز السلم عند اتحاد معدنها، فان خالطه غيره لم يصح على الاطلاق
(5)
.
وذكر صاحب نهاية المحتاج أنه لا يصح السلم فى النحل - بالحاء المهملة - وأن جوزنا بيعه كما بحثه الأذرعى لأنه لا يمكن حصره بعدد ولا كيل ولا وزن
(6)
.
وذكر أبو الضياء أن الظاهر صحة السلم فى النخل - بالخاء المعجمة - لا مكان ضبطه بالطول ونحوه فيذكر مدة نباتها من نحو سنة مثلا.
ولا يصح السلم فى التمر المكنوز فى القواصر وهو المعروف بالعجوة، لتعذر استقصاء صفاته المشترطة حينئذ، ولأنه لا يبقى على صفة واحدة غالبا كما نقله
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 204 وما بعدها.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 206 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 206.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 208 الطبعة المتقدمة.
(5)
نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسى عليها ج 4 ص 203 الطبعة المتقدمة.
(6)
حاشية أبى الضياء للشبراملسى على نهاية المحتاج ج 4 ص 203 الطبعة المتقدمة.
الماوردى عن الاصحاب وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى
(1)
.
وأما الأرز فى قشرته العليا فللشافعية فيه رأيان أحدهما أنه لا يجوز السلم فيه على ما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى اذ لا يعرف حينئذ لونه وصغر حبه أو كبرها لاختلاف قشره خفة ورزانة.
وثانيهما: أنه يصح السلم فيه على ما جاء فى فتاوى المصنف كالبحر
(2)
.
وقال صاحب نهاية المحتاج: وبحث بعضهم صحة السلم فى النخالة وجرى عليه ابن الصباغ. وهو ظاهر أن انضبطت بالكيل ولم يكثر تفاوتها فيه بالانكباس وضده
(3)
.
ولا يصح السلم فى العقار لأنه ان عين مكانه فالمعين لا يثبت فى الذمة وان لم يعين مكانه فانه حينئذ يصبح مجهولا.
ولا يجوز السلم فى المطبوخ والمشوى وكل ما أثرت فيه النار تأثيرا غير منضبط كالخبز، لاختلاف الغرض باختلاف تأثير النار فيه، ولهذا لو انضبطت ناره أو لطفت صح السلم فيه على المعتمد، ويفارق الربا بضيقه، وذلك كسكر وفانيد - وهو السكر الخام القائم فى أعساله - خلافا لمن زعم تقومه. وكدبس ما لم يخالطه ماء.
وكلبأ وصابون لانضباط ناره وقصد أجزائه مع انضباطها وكجعل ونورة وزجاج وماء ورد كما جزم به الماوردى وغيره.
ولا يضر تأثير الشمس أو النار فى تمييز سمن أو عسل لعدم اختلافه.
ويصح السلم فى الشمع وحكى صاحب نهاية المحتاج: أن الأذرعى قال:
والظاهر جوازه فى المسموط، لأن النار لا تعمل فيه عملا له تأثير
(4)
.
هذا وذكر صاحب نهاية المحتاج فى رؤوس الحيوان رأيين للشافعية:
الأول: وقال أنه الأظهر - منع السلم فى رؤوس الحيوان، لاشتمالها على أبعاض مختلفة من المناظر والمشافر وغيرهما ويتعذر ضبطها.
والثانى: جواز السلم فيها بشرط أن تكون منقاة من الشعر والصوف، وموزونة قياسا على اللحم بعظمه أما اذا لم تنق من الشعر ونحوه فلا يصح السلم فيها جزما. وكذا لا يصح السلم فى الاكارع ولو كانت نيئة منقاة لما فيها من الأبعاض المختلفة
(5)
.
ولا يصح السلم فى مختلفة أجزاؤه كبرمة من نحو حجر معمولة - أى محفورة بالآلة - فان كانت مصبوبة فى قالب صح السلم فيها
(6)
.
ثم قال صاحب نهاية المحتاج: والأسلم أن السلم يجوز فى الأوانى المتخذه من الفخار ثم قال ولعله محمول على غير المعمولة
(7)
.
هذا واذا كان السلم مؤجلا يزاد على ما تقدم شرط ثامن وهو - على ما ذكره
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 205 الطبعة المتقدمة.
(2)
نهاية المحتاج ج 4 ص 206 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
نهاية المحتاج ج 4 ص 206.
(4)
نهاية المحتاج ج 4 ص 207.
(5)
المرجع السابق نفس الطبعة.
(6)
نهاية المحتاج ج 4 ص 207، ص 208.
(7)
المرجع السابق ج 4 ص 209.
صاحب نهاية المحتاج. أن يذكر وقت حلول الأجل اذا كان السلم مؤجلا، فيجب أن يذكر العاقد أجلا معلوما والأجل المعلوم ما يعرفه الناس، كشهور العرب أو الفرس أو الروم، لأنها معلومة مضبوطة، ويصح التأقيت بالنيروز وهو نزول الشمس برج الميزان - كما يصح التأقيت بعيد الكفار، مثل فصح النصارى وفطير اليهود أن عرفة المسلمون ولو كانا عدلين منهم أو عرفه المتعاقدان. أما اذا اختص الكفار بمعرفته فلا يصح لعدم اعتماد قولهم، الا اذا كانوا عددا كثيرا يمنع تواطؤهم على الكذب، لحصول العلم بقولهم.
وأن أطلق الشهر حمل على الهلالى - وهو ما بين الهلالين - اذ هو عرف الشرع هذا أن وقع العقد أول الشهر فإن انكسر شهر بأن وقع العقد فى أثنائه، وكان التأجيل بشهور حسب الباقى بعد الأول المنكسر بالأهلة وتمم الأول ثلاثين مما بعدها ولا يكفى الشهر المنكسر لئلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد. نعم لو عقدا فى يوم أو ليلة آخر الشهر اكتفى بالأشهر بعده بالأهلة تامة كانت أو ناقصة ولا يتمم الأول مما بعدها، لأنها مضت عربية كوامل
(1)
.
هذا وذكر الخطيب أنه أن أطلقت السنة فانها تحمل على السنة الهلالية، دون غيرها لأنها عرف الشرع قال تعالى: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ: هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ}
(2)
.
ولو قالا: الى يوم كذا، أو إلى شهر كذا، أو إلى سنة كذا حل بأول جزء منه. أما أن قالا فى يوم كذا، أو فى شهر كذا أو فى سنة كذا فقد ذكر الشيخ الخظيب أن الأصح عدم صحته
(3)
. ولو قالا: الى أول شهر كذا، أو الى آخره صح وحمل على الجزء الأول من ذلك لتحقق الاسم به.
وحكى الخطيب عن ابن الرفعة أنه لو قال - بعد عيد الفطر -: الى العيد حمل على عيد الأضحى، لأنه العيد الذى يلى العقد
(4)
.
وذكر الرملى أن الأصح صحة تأجيله بالعيد وجمادى وربيع والفطر، ويحمل على الاول من ذلك لتحقق الاسم به، فيحل بأول جزء منه.
ومقابل ذلك أنه لا يصح تأجيله بذلك بل يفسد لتردده بين الأول والثانى
(5)
.
واذا كان الأجل غير معلوم فانه لا يصح مثل قوله: الى الحصاد أو الى الميسرة، أو الى قدوم الحاج، وكذا الى أول أو آخر رمضان، لوقوعه على نصفه الأول أو الآخر كله على ما نقلاه عن الاصحاب.
لكن قالا: قال الامام والبغوى: ينبغى أن يصح، ويحمل على الجزء الأول من كل نصف كما فى النفر. قال فى الشرح الصغير:
وهو الأقوى .. وقال السبكى: أنه الصحيح. ونقله الاذرعى عمن ذكر وغيره عن نص الأم .. وقال إنه الأصح نقلا ودليلا:
(1)
الاقناع ج 2 ص 21 ونهاية المحتاج ج 4 ص 187.
(2)
الاية رقم 188 من سورة البقرة.
(3)
الاقناع ج 2 ص 21.
(4)
المرجع السابق نفس الطبعة.
(5)
نهاية المحتاج ج 4 ص 187.
وقال الزركشى أنه المذهب وما عزاه الشيخان للأصحاب تبعا فيه الامام. وقد سوى الشيخ أبو حامد بين الى رمضان، والى غرته، والى هلاله والى أوله
(1)
.
واذا اتفق المتبايعان على صحة البيع ثم اختلفا فى أصل الأجل بأن أثبت المشترى الأجل ونفاه البائع، أو اختلفا فى قدره كشهر أو شهرين ولا بينة لأحدهما يعول عليها، فإن كانت لهما بينة لا يعول عليها بأن أقام كل بينة وتعارضتا لإطلاقهما عن التاريخ أو إطلاق أحدهما فقط أو لكونهما أرخا بتارخين مختلفين فأنهما يتحالفان فى هذه الصورة لخبر مسلم اليمين على المدعى عليه وكل منهما مدع ومدعى عليه، فيحلف كل منهما على نفى قول صاحبه واثبات قوله
(2)
.
قال الامام الشافعى رحمه الله تعالى:
واذا حل حق السلم فدعاه الذى عليه الحق الى أن يأخذ حقه فامتنع الذى له الحق فعلى الوالى أن يجبره على أخذ حقه، ليبرأ ذو الدين من دينه، ويؤدى اليه ما عليه غير منتقص له بالاداء شيئا، ولا مدخل عليه ضررا الا أن يشاء رب الحق أن يبرئه من حقه بغير شئ يأخذه منه فيبرأ بأبرائه اياه فان دعا المسلم اليه رب السلم إلى أخذ حقه قبل محله وكان حقه ذهبا أو فضة أو نحاسا أو تبرا أو عرضا غير مأكول ولا مشروب ولا ذى روح يحتاج إلى العلف والنفقة جبر على أخذ حقه منه إلا أن يبرئه، لأنه قد جاءه بحقه وزيادة تعجيله قبل محله.
ثم قال: ولست انظر فى هذا إلى تغير قيمته، فإن كان يكون فى وقته أكثر قيمة أو أقل. قلت للذى له الحق إن شئت حبسته وقد يكون فى وقت أجله أكثر قيمة منه حين يدفعه أو أقل، قد أخبرنا أن أنس بن مالك كاتب غلاما له على نجوم الى أجل فأراد المكاتب أن يعجلها ليعتق فامتنع أنس من قبولها وقال لا آخذها الا عند محلها فأتى المكاتب عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فذكر ذلك له فقال عمر:
أن أنسا يريد الميراث. فكان فى الحديث فأمره عمر بأخذها منه وأعتقه قال الشافعى:
وهو يشبه القياس
(3)
.
وجاء فى نهاية المحتاج أنه اذا كان الزمان زمان نهب وأحضر المسلم اليه المسلم فيه قبل محله فان رب السلم لا يلزمه القبول كما يلزمه اذا كان ذلك فى زمن الأمن
(4)
.
فان مات الرجل وله على الناس ديون إلى أجل فهى - على ما قال الشافعى فى الأم - الى أجلها لا تحل بموته.
أما أن كانت الديون على الميت الى أجل فانها تحل بموته، وذلك لأنه لما كان غرماء الميت أحق بماله فى حياته، كانوا كذلك أحق بماله بعد وفاته من ورثته فلو تركنا ديونهم إلى حلولها كما ندعها فى الحياة كنا منعنا الميت من أن تبرأ ذمته ومنعنا
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 186 وما بعدها.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 156 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
الأم ج 3 ص 121 الطبعة الأميرية بالقاهرة.
(4)
حاشية الشيراملسى على نهاية المحتاج ج 4 ص 224 الطبعة المتقدمة.
الوارث أن يأخذ الفضل عن دين غريم أبيه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن السلم لا يصح الا بشروط ستة زيادة على ما شرط فى البيع.
أحدها أن يكون المسلم فيه مما ينضبط بالصفات التى يختلف الثمن باختلافها ظاهرا، فيصح فى الحبوب والثمار والدقيق والثياب والابريسم والقطن والكتان والصوف والشعر والكاغد والحديد والرصاص والصغر والنحاس والأدوية والطيب والخلول والأدهان والشحوم والالبان والزئبق والشب والكبريت والكحل وكل مكيل أو موزون أو مزروع وقد جاء الحديث فى الثمار، وحديث ابن أبى أوفى فى الحنطة والشعير والزبيب والزيت. وأجمع أهل العلم على أن السلم فى الطعام جائز. قاله ابن المنذر وأجمعوا على جواز السلم فى الثياب.
ويصح السلم فى الخبز واللبأ وما أمكن ضبطه مما مسته النار، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: من أسلم فليسلم فى كيل معلوم الى آخر الحديث فظاهر هذا أن السلم يباح فى كل مكيل وموزون ومعدود، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان عمل النار فى الخبز واللبأ معلوم فى العادة، يمكن ضبطه بالجفاف والرطوبة فصح السلم فيه كالمجفف فى الشمس
(2)
.
ويصح السلم فى النشاب والنبل لأنه مما يصح بيعه ويمكن ضبطه بالصفات التى لا يتفاوت الثمن معها فى الغالب، فصح السلم فيه كالخشب والقصب، ولأن ما فيه من غيره متميز يمكن ضبطه والاحاطة به ولا يتفاوت كثيرا فلا مبرر لمنع السلم فيه كالثياب المنسوجة من جنسين. وحكى ابن قدامه عن القاضى أنه قال: لا يصح السلم فيهما، لأنه يجمع أخلاطا من خشب وعقب وريش ونصل فجرى مجرى أخلاط الصيادلة ولأن فيه ريشا نجسا لأن ريشه من جوارح الطير
(3)
.
ويصح السلم فى اللحم لقول النبى صلى الله عليه وسلم «من أسلم فليسلم فى كيل معلوم
…
الى آخر الحديث
(4)
.
ولا يصح السلم فيما لا ينضبط بالصفة كالجوهر من اللؤلؤ والياقوت والفيروزج والزبرجد والعقيق والبلور لأن أثمانها تختلف اختلافا متباينا بالصغر والكبر وحسن التدوير
(5)
.
ولا يصح السلم فيما يجمع أخلاطا مقصوده غير متميزة كالغالية والند والمعاجين التى يتداوى بها للجهل بها.
ولا يصح فى الحوامل من الحيوان، لأن الولد مجهول غير متحقق.
(1)
الأم ج 3 ص 188 طبع بولاق.
(2)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 4 ص 314 نفس الطبعة السابقة.
(3)
المغنى لابن قدامة ج 4 ص 314 الطبعة السابقة.
(4)
المغنى لابن قدامة ج 4 ص 316 الطبعة السابقة.
(5)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 4 ص 313.
ولا يصح السلم فى الأوانى المختلفة الرءوس والأوساط لأن الصفة لا تأتى عليه.
وفيه وجه آخر أنه يصح السلم فيه اذا ضبط بارتفاع حائطه ودور أعلاه وأسفله، لأن التفاوت فى ذلك يسير.
ولا يصح السلم فى القسى المشتملة على الخشب والقرن والعضب والتوز اذ لا يمكن ضبط مقادير ذلك وتمييز ما فيه منها.
وذكر صاحب المغنى أن هناك قولا بجواز السلم فيها، ولكن الأولى عدم جواز ذلك
(1)
.
وذكر ابن قدامه أن القاضى قسم الذى يجمع أخلاطا أربعة أضرب بالنسبة لصحة السلم فيه وعدم صحته.
الضرب الأول: مختلط مقصود متميز كالثياب المنسوجة فيصح السلم فيها لأن ضبطها ممكن.
الضرب الثانى: ما خلطه لمصلحته وليس بمقصود فى نفسه مثل الأنفحة فى الجبن والملح فى العجين فيصح السلم فيه، لأنه يسير لمصلحته.
والضرب الثالث: أخلاط مقصودة غير متميزة كالغالية والند والمعاجين فلا يصح السلم فيها لأن الصفة لا تأتى عليها.
والضرب الرابع: ما خلطه غير مقصود ولا مصلحة فيه كاللبن المشوب بالماء فلا يصح السلم فيه
(2)
ثم قال فأما اللحم المطبوخ والشواء فقال القاضى لا يصح السلم فيه لأن ذلك يتفاوت كثيرا وعادات الناس فيه مختلفة فلم يمكن ضبطه.
وقال بعض أصحابنا يصح السلم فيه لما سبق ذكره فى الخبز واللبأ
(3)
.
واختلفت الرواية فى السلم فى الحيوان
فروى أن الثورى وأصحاب الرأى قالوا: بأنه لا يصح السلم فيه معتمدين على ما روى فى ذلك عن عمر وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن جبيرة.
فقد قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه:
أن من الربا أبوابا لا تخفى، وأن منها السلم فى السن هذا الى أن الحيوان يختلف اختلافا متباينا، فلا يمكن ضبطه. وأن استقصى صفاته التى يختلف بها الثمن مثل أزج الحاجبين أكحل العينين، أهدب الاشفار، ألمى الشفه، بديع الصفة تعذر تسليمه لندرة وجوده على هذه الصفة.
وظاهر المذهب أنه يصح السلم فيه على ما نص عليه فى رواية الأثرم، لأن أبا رافع قال: استسلف النبى صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا، ولأن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال: أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبتاع البعير بالبعيرين وبالأبعرة الى مجئ الصدقة
(4)
.
(1)
ابن قدامه فى المغنى ج 4 ص 313 الطبعة المتقدمة.
(2)
المغنى ج 4 ص 313.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 314، ص 315 الطبعة المتقدمة.
(4)
ابن قدامه فى المغنى ج 4 ص 314، ص 315 الطبعة المتقدمة.
وكذلك اختلفت الرواية فى غير الحيوان مما لا يكال أو يوزن أو يوقف عليه بحد معلوم لا يختلف كالزرع، فأما الرمان والبيض فلا أرى أن السلم يصح فيه.
وذكر صاحب المغنى أن اسماعيل ابن سعيد وابن منصور نقلا جواز السلم فى الفواكه والسفرجل والرمان والموز والخضروات ونحوها، لأن كثيرا من ذلك مما يتقارب وينضبط بالصغر والكبر ثم ان ما لا يتقارب من ذلك كالبقول ونحوها ينضبط بالوزن فيصح السلم فيه كالمزروع
(1)
.
وحكى ابن المنذر عن اسحاق أنه لا خير فى السلم فى الرمان والسفرجل والبطيخ والقتاء والخيار، لأنه لا يكال ولا يوزن، ومنه الصغير والكبير فعلى هذه الرواية لا يصح السلم فى كل معدود مختلف كالذى سميناه وكالبقول، لأنه يختلف ولا يمكن تقدير البقل بالحزم، لأن الحزم يمكن فى الصغير والكبير فلم يصح السلم فيه كالجواهر
(2)
.
وفى الرؤوس والأطراف والجلود مثل ما ذكر من الخلاف فى صحة السلم وعدم صحته فى الحيوان على ما ذكر ابن قدامه
(3)
.
الشرط الثانى: أن يضبطه بصفاته التى يختلف الثمن بها ظاهرا فان المسلم فيه عوض فى الذمة فلا بد من كونه معلوما بالوصف كالثمن. ولأن العلم شرط فى المبيع. وطريق العلم أما الرؤية وأما الوصف. والرؤية ممتنعة ههنا فيتعين الوصف.
والأوصاف على ضربين متفق على اشتراطها ومختلف فيها.
فالمتفق عليها ثلاثة أوصاف: الجنس والنوع والجوده والرداءة، فهذه لا بد منها فى كل مسلم فيه، ولا نعلم بين أهل العلم خلافا فى اشتراطها.
والضرب الثانى ما يختلف الثمن باختلافه مما عدا هذه الثلاثة الأوصاف وهذه تختلف باختلاف المسلم فيه، ونذكرها عند ذكره لأنه يبقى من الأوصاف من اللون والبلد ونحوهما ما يختلف الثمن والغرض لاجله فوجب ذكره كالنوع.
ولا يجب استقصاء كل الصفات لأن ذلك يتعذر وقد ينتهى الحال فيها الى أمر يتعذر تسليم المسلم فيه. اذ يبعد وجود المسلم فيه عند المحل بتلك الصفات كلها فيجب الاكتفاء بالأوصاف الظاهرة التى يختلف الثمن بها ظاهرا.
ولو استقصى الصفات حتى انتهى الى حال يندر وجود المسلم فيه بتلك الأوصاف بطل السلم، لأن من شرط السلم أن يكون المسلم فيه عام الوجود عند المحل واستقصاء الصفات يمنع منه. ولو شرط الأجود لم يصح أيضا، لأنه لا يقدر على الأجود، وأن
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 315.
(2)
المغنى لابن قدامة ج 4 ص 315 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 315 وما بعدها نفس الطبعة.
قدر عليه كان نادرا. وأن شرط الأردأ احتمل أن لا يصح لذلك واحتمل أن يصح لأنه يقدر على تسليم ما هو خير منه فانه لا يسلم شيئا الا كان خيرا مما شرطه فلا يعجز اذا عن تسليم ما يجب قبوله بخلاف التى قبلها.
ولو أسلم فى ثوب على صفة خرقة أحضرها لم يجز، لجواز أن تهلك الخرقة.
وهذا غرر ولا حاجة منه فمنع الصحة كما لو شرط مكيالا بعينه أو صنجة بعينها
والجنس والجودة أو ما يقوم مقامهما شرطان فى كل مسلم فيه فلا حاجة الى تكرير ذكرهما فى كل مسلم فيه، ويذكر ما سواهما، فيصف التمر بأربعة أوصاف.
النوع كبرنى أو معقلى.
والبلد أن كان يختلف فيقول بغدادى أو بصرى - فان البغدادى أحلى وأقل بقاء لعذوبة الماء والبصرى بخلاف ذلك - والقدر فيقول كبار أو صغار وحديث أو عتيق فان أطلق العتيق فأى عتيق أعطى جاز ما لم يكن مسوسا ولا حشفا ولا متغيرا وان قال عتيق عام أو عامين فهو على ما قال.
فأما اللون فان كان النوع الواحد مختلفا كالطبرز يكون أحمر ويكون أسود ذكره، والا فلا.
والرطب كالتمر فى هذه الاوصاف الا الحديث والعتيق، ولا يأخذ من الرطب الا ما أرطب كله، ولا يأخذ منه مشدخا ولا قديما قارب أن يتمر وهكذا ما جرى مجراه من العنب والفواكه.
ويصف البر بأربعة أوصاف.
النوع فيقول سبيلة أو سلمونى.
والبلد فيقول حورانى أو بلقاوى أو سمالى.
وصغار الحب أو كباره وحديث أو عتيق.
وأن كان النوع الواحد يختلف لونه ذكره، ولا يسلم فيه الا مصفى وكذلك الحكم فى الشعير والقطنيات وسائر الحبوب.
ويصف العسل بثلاثة أوصاف.
البلد فيجى أو نحوه ويجزئ ذلك عن النوع.
والزمان ربيعى أو خريفى أو صيفى
واللون أبيض أو أحمر وليس له الا مصفى من الشمع.
ولا بد فى الحيوان كله من ذكر النوع والسن والذكورية والأنوثية ويذكر اللون أن كان النوع الواحد يختلف.
فأما الابل فيضبطها بأربعة أوصاف.
فيقول من نتاج بنى فلان.
والسن فيقال: بنت مخاض أو بنت لبون
واللون فيقال: بيضاء أو حمراء أو ورقاء وذكر أو أنثى.
فان كان النتاج يختلف فيه بين مهرية وأرحبية فهل يحتاج الى ضبط ذلك؟ يحتمل وجهين.
وما زاد على هذه الأوصاف لا يفتقر الى ذكره وأن ذكر بعضه كان تأكيدا ولزمه.
وأوصاف الخيل كأوصاف الابل.
وأما البغال والحمير فلا نتاج لها فيجعل مكان ذلك نسبتها الى بلدها.
وأما البقر والغنم فان عرف لها نتاج فهى كالابل والا فهى كالحمر.
ولا بد من ذكر النوع فى هذه الحيوانات فيقول فى الابل: بختية أو عرابية، وفى الخيل: عربية أو هجين أو برذون وفى الغنم: ضأن أو معز والا الحمر والبغال فلا نوع فيهما. ويذكر فى اللحم: السن والذكورية والانوثية والسمن والهزال وراعيا أو معلوفا، ونوع الحيوان وموضع اللحم منه. ويزيد فى الذكر:
فحلا أو خصيا، وان كان من صيد لم يحتج الى ذكر العلف والخصاء، ويذكر الآلة التى يصاد بها من جارحة أو أحبولة، وفى الجارحة يذكر صيد كلب أو فهد أو صقر، فان الاحبولة يؤخذ الصيد منها سليما، وصيد الكلب خير من صيد الفهد، لكون الكلب أطيب الحيوان نكهة قيل لكونه مفتوح الفم فى أكثر الأوقات.
والصحيح أن هذا ليس بشرط، لأن التفاوت فيه يسير ولا يكاد الثمن يتباين باختلافه، ولا يعرفه الا القليل من الناس. ويلزم قبول اللحم بعظامه، لأنه هكذا يقطع فهو كالنوى فى التمر.
وان كان السلم فى لحم طير لم يحتج الا ذكر الذكورية والانوثية الا أن يختلف بذلك كلحم الدجاج. ولا الى ذكر موضع اللحم الا أن يكون كثيرا يأخذ منه بعضه ولا يلزمه قبول الرأس والساقين لأنه لا لحم عليها.
وفى السمك يذكر النوع فيقول بردى أو غيره والكبر والصغر والسمن والهزال، والطرى والملح ولا يقبل الرأس والذنب وله ما بينهما وان كان كثيرا يأخذ بعضه ذكر موضع اللحم منه.
ويضبط السمن بالنوع من ضأن أو معز أو بقر. واللون كأبيض أو أصفر.
وقال القاضى: ويذكر المرعى، ولا يحتاج الى ذكر حديث أو عتيق، لأن اطلاقه يقتضى الحديث. ولا يصح السلم فى عتيقة لأنه عيب ولا ينتهى الى حد يضبط به.
ويصف الزبد بأوصاف السمن، ويزيد زبد يومه أو أمسه، ولا يلزمه قبول متغير فى السمن أو الزبد، ولا رقيق الا أن تكون رقته للحر.
ويصف اللبن بالنوع والمرعى ولا يحتاج الى اللون ولا حلبة يومه، لأن اطلاقه يقتضى ذلك ولا يلزمه قبول متغير.
ويصف الجبن بالنوع والمرعى ورطب أو يابس.
وتضبط الثياب بستة أوصاف منها النوع ككتان أو قطن والبلد، والطول والعرض والصفاقة والرقة والغلظ والدقة، والنعومة والخشونة. ولا يذكر الوزن،
فان ذكره لم يصح، لتعذر الجمع بين صفاته المشترطة، وكونه على وزن معلوم فيكون فيه تغرير لتعذر اتفاقه.
وان ذكر خاما أو مقصورا فله ما شرط وان لم يذكره جاز وله خام لأنه الأصل وان ذكر مغسولا أو لبيسا لم يجز لأن اللبس يختلف ولا ينضبط، فان أسلم فى مصبوغ وكان مما يصبغ غزله جاز لأن ذلك من جملة صفات الثوب، وان كان مما يصبغ بعد نسجه لم يجز، لأن صبغ الثوب يمنع الوقوف على نعومته وخشونته ولأن الصبغ غير معلوم.
وان أسلم فى ثوب مختلف الغزول كقطن وابريسم أو قطن وكتان. أو صوف وكانت الغزول مضبوطة بأن يقول:
السدى ابريسم واللحمة كتان أو نحوه جاز ولهذا جاز السلم فى الخز وهو من غزلين مختلفين.
وان أسلم فى ثوب موشى وكان الوشى من تمام نسجه جاز وان كان زيادة لم يجز، لأنه لا يمكن ضبطه ويصف غزل القطن والكتان بالبلد واللون والغلظ والدقة والنعومة والخشونة، ويصف القطن بذلك ويجعل مكان الغلظ والدقة الطول والقصر وان شرط فى القطن منزوع الحب جاز وان أطلق كان له بحبه كالتمر بنواه ويصف الابريسم بالبلد واللون والغلظ والدقة.
ويصف الصويف بالبلد واللون والطول والقصر والزمان خريفى أو ربيعى، لأن صوف الخريف أنظف. قال القاضى:
ويصفه بالذكورية والانوثية، لأن صوف الاناث أنعم، ويحتمل أن لا يحتاج الى هذه الصفة، لأن التفاوت فى هذا يسير وعليه تسليمه نقيا من الشوك والبعر وان لم يشترطه وان شرطه جاز وكان تأكيدا. والشعر والوبر كالصوف.
ويضبط الكاغد بالطول والعرض والدقة والغلظ واستواء الصنعة وما يختلف به الثمن ويضبط النحاس والرصاص والحديد بالنوع.
فيقول فى الرصاص قلعى أو أسرب والنعومة والخشونة واللون ان كان يختلف، ويزيد فى الحديد ذكرا أو أنثى فان الذكر أحد وأمضى.
وان أسلم فى الأوانى التى يمكن ضبط قدرها وطولها وسمكها ودورها كالاسطال القائمة الحيطان والطسوت جاز ويضبطها بذلك كله وان أسلم فى قصاع وأقداح من الخشب جاز ويذكر نوع خشبها من جوز أو توت وقدرها فى الصغر والكبر والعمق والضيق والثخانة والرقة وأى عمل؟
وان أسلم فى سيف ضبطه بنوع حديده وطوله وعرضه ورقته وغلظه وبلده وقديم الطبع أو محدث ماض أو غيره ويصف قبضته وجفنه. والخشب على أضرب منه ما يراد للبناء فيذكر نوعه ويبسه ورطوبته وطوله ودوره أو سمكه وعرضه ويلزمه أن يدفع اليه من طرفه الى طرفه بذلك العرض والدور فان كان
أحد طرفيه أغلظ مما وصف فقد زاده خيرا وان كان أدق لم يلزمه قبوله وان ذكر الوزن أو سمحا جاز وان لم يذكره جاز وله سمح خال من العقد، لأن ذلك عيب وان كان للقسى ذكر هذه الأوصاف وزاد سهليا أو جبليا أو خوطا أو فلقة، فان الجبلى أقوى من السهلى والخوط أقوى من الفلقة ويذكر فيما للوقود الغلظة واليبس والرطوبة والوزن ويذكر فيما للنصب: النوع والغلظ وسائر ما يحتاج الى معرفته ويخرجه من الجهالة.
وان أسلم فى النشاب والنبل ضبطه بنوع جنسه وطوله وقصره ودقته وغلظه ولونه وفصله وريشه. والحجارة منها ما هو للأرحية فيضبطها بالدور والثخانة والبلد والنوع ان كان يختلف.
ومنها ما هو للبناء فيذكر النوع واللون والقدر والوزن.
ويذكر فى حجارة الانية اللون والنوع والقدر واللين والوزن.
ويصف البلور بأوصافه، ويصف الآجر واللبن بموضع التربة واللون والدور والثخانة.
وان أسلم فى الجص والنورة ذكر اللون والوزن ولا يقبل ما أصابه الماء فجف ولا ما قدم قدما يؤثر فيه ويضبط التراب بمثل ذلك ويقبل الطين الذى قد جف ان كان لا يتأثر بذلك.
ويضبط العنبر بلونه والبلد وان شرط قطعة أو قطعتين جاز وان لم يشترط فله أن يعطيه صغارا أو كبارا.
وقد قيل ان العنبر نبات يخلقه الله تعالى فى جنبات البحر، ويضبط العود الهندى ببلده وما يعرف به ويضبط المصطكا واللبان والغراء العربى وصمغ الشجر والمسك وسائر ما يجوز السلم فيه بما يختلف به
(1)
.
الشرط الثالث: معرفة قدر المسلم فيه بالكيل - ان كان مكيلا - وبالوزن ان كان موزونا - وبالعدد ان كان معدودا وبالذرع ان كان مذروعا لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «من أسلف فى شئ فليسلف فى كيل معلوم أو وزن معلوم الى أجل معلوم» . ولأنه عوض غير مشاهد يثبت فى الذمة فاشترط معرفة قدره كالثمن ولا نعلم فى اعتبار معرفة مقدار السلم فيه خلافا. ويجب أن يقدره بمكيال أو أرطال معلومة عند العامة فان قدره باناء معلوم أو صنجة معينة غير معلومة لم يصح، لأنه يهلك فيتعذر معرفة قدر المسلم فيه، وهذا غرر لا يحتاج اليه العقد.
وقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم فى الطعام لا يجوز بقفيز لا يعلم عياره ولا فى ثوب بذرع فلان، لأن المعيار لو تلف أو مات فلان بطل السلم وان عين مكيال
(1)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 4 ص 317 وما بعدها الى ص 324.
رجل أو ميزانه وكانا معروفين عند العامة جاز ولم يختص بهما وان لم يعرفا لم يجز. وان أسلم فيما يكال وزنا أو أسلم فيما يوزن كيلا ففيه روايتان.
أحداهما لا يصح السلم كما نقل عنه الأثرم فقد قال: سئل أحمد عن السلم فى التمر وزنا فقال: لا الا كيلا قلت: ان الناس ههنا لا يعرفون الكيل.
قال وان كانوا لا يعرفون الكيل فعلى هذه الرواية لا يجوز فى المكيل الا كيلا ولا فى الموزون الا وزنا ذكره القاضى وابن أبى موسى، لأنه مبيع يشترط معرفة قدره فلم يجز بغير ما هو مقدر به فى الأصل كبيع الربويات بعضها ببعض ولأنه مقدر بغير ما هو مقدر به فى الاصل فلم يجز كما لو أسلم فى المذروع وزنا.
وثانية الروايتين يجوز السلم، فقد نقل المروزى عن أحمد أن السلم يجوز فى اللبن اذا كان كيلا أو وزنا وهذا يدل على أن السلم يباع فى المكيل وزنا وفى الموزون كيلا، لأن اللبن لا يخلو من أن يكون مكيلا أو موزونا وقد أجاز السلم فيه بكل منهما.
وهذا أصح ان شاء الله تعالى لأن الغرض معرفة قدره وخروجه من الجهالة وامكان تسليمه من غير تنازع، فبأى قدر قدره جاز ويفارق بيع الربويات، فان التماثل فيها بالكيل فى المكيل والوزن فى الموزون شرط ولا نعلم هذا الشرط اذا قدرها بغير مقدارها الأصلى.
اذا ثبت هذا فان الحبوب كلها مكيلة وكذلك التمر والزبيب والفستق والبندق والملح قال القاضى: وكذلك الادهان، وقال فى اللبن والسمن والزبد يجوز السلم فيها كيلا ووزنا ولا يسلم فى اللبأ الا وزنا لأنه يجمد عقيب حلبه، فلا يتحقق الكيل فيه.
فان كان المسلم فيه مما لا يمكن وزنه بالميزان لثقله كالارحية والحجارة الكبار يوزن بالسفينة فتترك السفينة فى الماء ثم يترك ذلك فيها فينظر الى أى موضع تغوص فيعلمه، ثم يرفع ويترك مكانه رمل أو حجارة صغار الى أن يبلغ الماء موضعه الذى كان بلغه ثم يوزن بميزان فما بلغ فهو زنة ذلك الشئ الذى أريد معرفة وزنه. ولا بد من تقدير المذروع بالذرع بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز فى الثياب بذرع معلوم.
وما عدا المكيل والموزون والحيوان والمذروع فعلى ضربين. معدود وغير معدود، فالمعدود نوعان.
أحدهما لا يتباين كثيرا كالجوز والبيض ونحوهما فيسلم فيه عددا، لأن التفاوت يسير ويذهب ذلك باشتراط الكبر أو الصغر أو الوسط فيذهب التفاوت وان بقى شئ يسير عفى عنه كسائر التفاوت فى المكيل والموزون المعفو عنه ويفارق
البطيخ فانه ليس بمعدود والتفاوت فيه كثير لا ينضبط.
النوع الثانى من المعدود ما يتفاوت كثيرا كالرمان والسفرجل والقثاء والخيار فهذا حكمه حكم ما ليس بمعدود من البطيخ والبقول ففيه وجهان أحدهما: يسلم فيه عددا ويضبطه بالصغر والكبر لأنه يباع هكذا.
والثانى: لا يسلم فيه الا وزنا لأنه لا يمكن تقديره بالعدد، لأنه يختلف كثيرا ويتباين جدا. ولا يصح أن يسلم فيه بالكيل، لأنه يتجافى فى المكيال، ولا يمكن تقدير البقول بالحزم، لأنه يختلف ويمكن حزم الكبيرة والصغيرة. فلم يمكن تقديره بغير الوزن فتعين تقديره به
(1)
.
الشرط الرابع: أن يكون مؤجلا أجلا معلوما له وقع فى الثمن كالشهر ونحوه فلا يصح السلم الحال فقد نص أحمد فى رواية المروزى أنه لا يصح السلم حتى يشترط الأجل لقول النبى صلى الله عليه وسلم: من أسلف فى شئ فليسلف فى كيل معلوم أو وزن معلوم الى أجل معلوم فأمر بالأجل وأمره يقتضى الوجوب، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر بهذه الأمور تبيينا لشروط السلم ومنعا منه بدونها وكذلك لا يصح إذا انتفى الكيل والوزن فكذلك الأجل ولأن السلم انما جاز رخصة للرفق، ولا يحصل الرفق إلا بالأجل، فاذا انتفى الأجل انتفى الرفق، فلا يصح كالكتابة، ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه، أما الاسم فلأنه يسمى سلما وسلفا لتعجل أحد العوضين وتأخر الآخر، ومعناه أن الشارع أرخص فيه للحاجة الداعية إليه. ومع حضور ما يبيعه حالا لا حاجة إلى السلم، فلا يثبت ويفارق تنوع الأعيان، فانها لم تثبت على خلاف الاصل لمعنى يختص بالتأجيل، وما ذكروه من التنبيه غير صحيح، لأن ذلك انما يجزئ فيما اذا كان المعنى المقتضى موجودا فى الفرع بصفة التأكيد، وليس كذلك ههنا، فان البعد من الضرر ليس هو المقتضى لصحة السلم المؤجل، وانما المصحح له شئ آخر لم نذكر اجتماعهما فيه وقد بينا افتراقهما.
اذا ثبت هذا فانه ان باعه ما يصح السلم فيه حالا فى الذمة صح ومعناه معنى السلم، وانما افترقا فى اللفظ.
ثم أنه
(2)
لا بد من أن يكون الاجل معلوما لقول الله تبارك وتعالى: «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى»
(3)
وقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إلى أجل معلوم» ولا نعلم فى اشتراط العلم فى الجملة اختلافا.
فأما كيفيته فإنه يحتاج أن يعلمه بزمان بعينه لا يختلف، ولا يصح أن يؤجله الى الحصاد والجزاز وما أشبهه، لما روى عن ابن
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 324 وما بعدها الى ص 327.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 327 وما بعدها الى ص 329.
(3)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال:
لا تتبايعوا الى الحصاد والدياس، ولا تتبايعوا إلا إلى شهر معلوم. ولأن ذلك يختلف ويقرب ويبعد، فلا يجوز أن يكون أجلا كقدوم زيد.
وعن أحمد رواية أخرى أنه قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
وقال أحمد ان كان شئ يعرف مثل العطاء - فأرجو وكذلك إن قال إلى قدوم الغزاة وهذا محمول على أنه أراد وقت العطاء لأن ذلك معلوم فأما نفس العطاء فهو فى نفسه مجهول يختلف ويتقدم ويتأخر ويحتمل أنه أراد نفس العطاء لكونه يتفاوت أيضا فأشبه الحصاد.
ثم لا خلاف فى أنه لو جعل الأجل الى الميسرة لم يصح. واذا جعل الأجل إلى شهر تعلق بأوله. وإن جعل الأجل اسما يتناول شيئين مثل جمادى وربيع ويوم النفر تعلق بأولهما.
وإن قال: الى ثلاثة أشهر كان إلى انقضائها، لأنه إذا ذكر ثلاثة أشهر مبهمة وجب أن يكون ابتداؤها من حين لفظه بها، وكذلك لو قال الى شهر كان إلى أخره. وينصرف ذلك إلى الأشهر الهلالية بدليل قوله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}
(1)
».
وأراد الهلالية وإن كان فى أثناء شهر كملنا شهرين بالهلال وشهرا بالعدد ثلاثين يوما وقيل: تكون الثلاثة كلها عددية.
وان قال محله شهر كذا أو يوم كذا صح وتعلق بأوله.
وقيل: لا يصح لأنه جعل ذلك ظرفا فيحتمل أوله وآخره.
والصحيح الأول
(2)
.
وكذلك لا بد من أن يكون الأجل مدة لها وقع فى الثمن كالشهر وما قاربه، لأن الاجل انما اعتبر ليتحقق الرفق الذى شرع من أجله السلم ولا يحصل ذلك بالمدة التى لا وقع لها فى الثمن، ولأن السلم انما يكون لحاجة المفاليس الذين لهم ثمار أو زروع أو تجارات ينتظرون حصولها ولا تحصل هذه فى المدة اليسيرة.
واذا جعل الأجل مقدرا بغير الشهور الهلالية فذلك قسمان:
أحدهما ما يعرفه المسلمون وهو بينهم مشهور مثل كانون وشباط أو مثل عيد لا يختلف كالنيروز والمهرجان عند من يعرفهما: فظاهر كلام الخرقى وابن أبى موسى أنه لا يصح، لأنه أسلم الى غير الشهور الهلالية، فأشبه ما اذا أسلم الى الشعانين وعيد الفطير ولأن هذه لا يعرفها كثير من المسلمين.
(1)
الآية رقم 36 من سورة التوبة.
(2)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 4 ص 329، 330.
وقال القاضى يصح
والقسم الثانى ما لا يعرفه المسلمون كعيد الشعانين وعيد الفطير ونحوهما فهذا لا يجوز السلم اليه، لأن المسلمين لا يعرفونه، ولا يجوز تقليد أهل الذمة فيه، لأن قولهم غير مقبول، ولأنهم يقدمونه ويؤخرونه على حساب لهم لا يعرفه المسلمون.
وان أسلم الى ما لا يختلف مثل كانون الأول ولا يعرفه المتعاقدان أو أحدهما لم يصح لأنه مجهول عنده
(1)
.
قال ابن قدامة: فان اختلف المسلم والمسلم إليه فى حلول الأجل فالقول قول المسلم اليه لأنه منكر
(2)
.
ولو أن المسلم اليه أتى بالمسلم فيه لرب السلم قبل محله ينظر فيه فان كان فى قبضه قبل محله ضرر ما لكونه مما يتغير كالفواكه، أو كان قديمه دون حديثه كالحبوب لم يلزم المسلم قبوله، لأن له غرضا فى تأخيره بأن يحتاج إلى أكله أو إطعامه فى ذلك الوقت وكذلك الحيوان، لأنه لا يأمن تلفه فيحتاج إلى الإنفاق عليه إلى ذلك الوقت وربما يحتاج إليه فى ذلك الوقت دون ما قبله، وهكذا إن كان مما يحتاج فى حفظه إلى مؤنة كالقطن ونحوه أو كان الوقت مخوفا يخشى نهب ما يقبضه فلا يلزمه الأخذ فى هذه الأحوال كلها، لأن عليه ضررا فى قبضه ولم يأت محل استحقاقه له فجرى مجرى نقص صفة فيه وإن كان مما لا ضرر فى قبضه بأن يكون لا يتغير كالحديد والرصاص والنحاس فإنه يستوى قديمه وحديثه ونحو ذلك الزيت والعسل ولا فى قبضه ضرر لخوف ولا تحمل مؤنة فعليه قبضه، لأن غرضه حاصل مع زيادة تعجل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة وتعجيل الدين المؤجل
(3)
.
الشرط الخامس: أن يكون المسلم فيه عام الوجود فى محله. ولا نعلم فيه خلافا، وذلك لأنه اذا كان كذلك أمكن تسليمه عند وجوب تسليمه، واذا لم يكن عام الوجود لم يكن موجودا عند المحل بحكم الظاهر، فلم يمكن تسليمه فلم يصح بيعه كبيع الآبق بل أولى فان السلم احتمل فيه أنواع من الغرر للحاجة فلا يحتمل فيه غرر آخر لئلا يكثر الغرر فيه فلا يجوز أن يسلم فى العنب والرطب الى شباط أو أذار، ولا الى محل لا يعلم وجوده فيه كزمان أول العنب أو آخره الذى لا يوجد فيه الا نادرا فلا يؤمن انقطاعه.
ولا يجوز أن يسلم فى ثمرة بستان بعينه ولا قرية صغيرة لكونه لا يؤمن تلفه وانقطاعه. قال ابن المنذر: ابطال السلم اذا أسلم فى ثمرة بستان بعينه كالاجماع من أهل العلم لأنه اذا أسلم فى ثمرة بستان بعينه لم يؤمن انقطاعه وتلفه، فلم يصح، كما لو أسلم فى شئ قدره
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 330، 331.
(2)
المغنى لابن قدامة ج 4 ص 352.
(3)
المغنى لابن قدامه ج 4 ص 346.
بمكيال معين أو صنجة معينة أو أحضر خرقة وقال أسلمت اليك فى مثل هذه.
ولا يشترط كون المسلم فيه موجودا حال السلم بل يجوز أن يسلم فى الرطب فى أوان الشتاء وفى كل يوم يكون معدوما فيه اذا كان موجودا فى المحل، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون فى الثمار السنة والسنتين فقال:
«من أسلف فليسلف فى كيل معلوم أو وزن معلوم وأجل معلوم» . ولم يذكر الوجود، ولو كان شرطا لذكره ولنهاهم عن السلف سنتين، لأنه يلزم منه انقطاع المسلم فيه أوسط السنة، ولأنه يثبت فى الذمة ويوجد فى محله غالبا، فجاز السلم فيه كالموجود.
واذا تعذر تسليم المسلم فيه عند المحل - أما لغيبة المسلم اليه. أو عجزه عن التسليم - حتى عدم المسلم فيه، أو لم تحمل الثمار تلك السنة، فالمسلم بالخيار بين أن يصبر الى أن يوجد فيطالب به، وبين أن يفسخ العقد ويرجع بالثمن ان كان موجودا أو بمثله ان كان مثليا والا قيمته.
وقيل: ينفسخ العقد بنفس التعذر لكون المسلم فيه من ثمرة العام، بدليل وجوب التسليم منها، فاذا هلكت انفسخ العقد، كما لو باعه قفيزا من صبرة فهلكت.
والأول الصحيح، فان العقد قد صح، وانما تعذر التسليم، فهو كما لو اشترى عبدا فأبق قبل القبض، ولا يصح دعوى التعيين فى هذا العام، فانهما لو تراضيا على دفع المسلم فيه من غيرها جاز وانما أجبر على دفعه من ثمرة العام لتمكنه من دفع ما هو بصفة حقه، ولذلك يجب عليه الدفع من ثمرة نفسه اذا وجدها ولم يجد غيرها، وليست متعينة وان تعذر البعض فللمشترى الخيار بين الفسخ فى الكل والرجوع بالثمن وبين أن يصبر الى حين الامكان ويطالب بحقه، فان أحب الفسخ فى المفقود دون الموجود فله ذلك، لأن الفساد طرأ بعد صحة العقد فلا يوجب الفساد فى الكل كما لو باعه صبرتين فتلفت احداهما.
وقيل: ليس له الفسخ الا فى الكل أو يصبر.
واذا أسلم نصرانى الى نصرانى فى خمر، ثم أسلم أحدهما فقال ابن المنذر:
أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسلم يأخذ دراهمه، لأن الذى أسلم ان كان هو المسلم فليس له استيفاء الخمر، فقد تعذر استيفاء المعقود عليه، وان كل هو المسلم اليه فقد تعذر عليه ايفاؤه فصار الأمر الى رأس ماله
(1)
.
الشرط السادس: أن يقبض رأس مال السلم فى مجلس العقد، فان تفرقا قبل ذلك بطل العقد. وان قبض
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 332 وما بعدها الى ص 334.
بعضه ثم تفرقا فكلام الخرقى يقتضى أن لا يصح، وحكى ذلك عن ابن شبرمة والثورى.
وقد روى أبو الخطاب - فى غير المقبوض - روايتين بناء على تفريق الصفقة.
وقد نص أحمد فى رواية ابن منصور على أنه اذا أسلم ثلاثمائة درهم فى أصناف شتى، مائة فى حنطة، ومائة فى شعير ومائة فى شئ آخر، فخرج فيها زيوف، رد على الأصناف الثلاثة على كل صنف بقدر ما وجد من الزيوف، فصح العقد فى الباقى بحصته من الثمن.
وان قبض الثمن فوجده رديئا فرده والثمن معين بطل العقد برده ويبتدئان عقدا آخر ان أحبا وان كان الثمن فى الذمة فله ابداله فى المجلس. ولا يبطل العقد برده، لأن العقد انما وقع على ثمن سليم فاذا دفع اليه ما ليس بسليم كان له أن يطالبه بالسليم ولا يؤثر قبض المعيب فى العقد.
وان خرجت الدراهم مستحقة والثمن معين لم يصح العقد، لأن الثمن اذا كان معينا فقد اشترى بعين مال غيره بغير اذنه، وان كان الثمن غير معين فله أن يطالبه ببدله فى المجلس
(1)
وذكر صاحب هداية الراغب أنه يصح أن يكون رأس المال فى السلم كل ما يباح الانتفاع به فى كل حال كبغل وحمار ودود قز ونحو ذلك أما اذا كانت اباحة الانتفاع به مقيدة بحال دون حال فانه لا يصح أن يكون رأس مال فى السلم وذلك كالكلب فانه انما يقتنى لصيد أو حراسة أو نحو ذلك
(2)
.
هذه الشروط الستة التى ذكرناها لا يصح السلم الا بها، وهناك شرطان آخران اختلفت الرواية فيهما.
أحدهما: معرفة صفة الثمن المعين. ولا خلاف فى اشتراط معرفة صفته اذا كان فى الذمة لأنه أحد عوضى السلم، فاذا لم يكن معينا اشترط معرفة صفته كالمسلم فيه، الا أنه اذا أطلق وفى البلد نقد معين انصرف الاطلاق اليه وقام مقام وصفه.
فأما ان كان الثمن معينا فقال القاضى وأبو الخطاب: لا بد من معرفة وصفه، واحتجا بقول أحمد: يقول أسلمت اليك كذا وكذا درهما ويصف الثمن فاعتبر ضبط صفته. لأنه عقد لا يملك اتمامه فى الحال ولا تسليم المعقود عليه. ولا يؤمن انفساخه فوجب معرفة رأس المال فيه ليرد بدله كالقرض والشركة، ولأنه لا يؤمن أن يظهر بعض الثمن مستحقا فينفسخ العقد فى قدره فلا يدرى فى كم بقى وكم انفسخ.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 334 وما بعدها الى ص 336.
(2)
هداية الراغب للشيخ عثمان بن أحمد النجدى ص 307.
وظاهر كلام الخرقى أنه لا يشترط، لأنه ذكر شرائط السلم ولم يذكره
(1)
.
الشرط الثانى المختلف فيه: تعيين مكان الايفاء. قال القاضى: ليس بشرط، وحكاه ابن المنذر عن أحمد واسحاق وطائفة من أهل الحديث، لقول النبى صلى الله عليه وسلم:«من أسلم فليسلم فى كيل معلوم أو وزن معلوم الى أجل معلوم» ولم يذكر مكان الايفاء، فدل على أنه لا يشترط.
وفى الحديث الذى فيه أن اليهودى أسلم إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «أما من حائط بنى فلان فلا ولكن كيل مسمى الى أجل مسمى» ولم يذكر مكان الايفاء ولأنه عقد معاوضة فلا يشترط فيه ذكر مكان الايفاء كبيوع الاعيان.
وقال الثورى: يشترط ذكر مكان الايفاء، لأن القبض يجب بحلوله. ولا يعلم موضعه حينئذ فيجب شرطه لئلا يكون مجهولا.
وقال ابن أبى موسى: ان كانا فى برية لزم أن يذكر مكان الايفاء وان لم يكونا فى برية فذكر مكان الايفاء حسن، وان لم يذكراه كان الايفاء فى مكان العقد، لأنه متى كانا فى برية لم يمكن التسليم فى مكان العقد فاذا ترك ذكره كان مجهولا، وان لم يكونا فى برية اقتضى العقد التسليم فى مكانه فاكتفى بذلك عن ذكره، فان ذكره كان تأكيدا فكان حسنا فان شرط الايفاء فى مكان سواه صح، لأنه عقد بيع فصح شرط ذكر الايفاء فى غير مكانه كبيوع الاعيان، ولأنه شرط ذكر مكان الايفاء فصح كما لو ذكره فى مكان العقد.
وذكر ابن أبى موسى رواية أخرى تقول بأنه لا يصح، لأنه شرط خلاف ما اقتضاه العقد، لأن العقد يقتضى الايفاء فى مكانه.
وقال القاضى وأبو الخطاب: متى ذكر مكان الايفاء ففيه روايتان سواء شرطه فى مكان العقد أو فى غيره، لأن فيه غررا، لأنه ربما تعذر تسليمه فى ذلك المكان فأشبه تعيين المكيال واختاره أبو بكر وهذا لا يصح فان فى تعيين المكان غرضا ومصلحة لهما فأشبه تعيين الزمان وما ذكروه من احتمال تعذر التسليم فيه يبطل بتعيين الزمان، ثم لا يخلو اما أن يكون مقتضى العقد التسليم فى مكانه فاذا شرطه فقد شرط مقتضى العقد، أو لا يكون ذلك مقتضى العقد فيتعين ذكر مكان الايفاء نفيا للجهالة عنه وقطعا للتنازع فالغرر فى تركه لا فى ذكره، وفارق تعيين المكيال فانه لا حاجة اليه، ويفوت به علم المقدار المشترط لصحة العقد، ويفضى الى التنازع وفى مسألتنا لا يفوت به شرط ويقطع التنازع فالمعنى المانع من التقدير بمكيال بعينه مجهول هو المقتضى لشرط مكان الايفاء فكيف يصح قياسهم عليه
(2)
؟
(1)
المغنى لابن قدامة ج 4 ص 337.
(2)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 4 ص 339 وما بعدها الى ص 341.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم فى المحلى أنه لا بد لصحة عقد السلم من شروط.
الاول: أن يقبض رأس مال السلم جميعه فى مجلس العقد، فلا يجوز أن يكون الثمن فى السلم الا مقبوضا، فان تفرقا قبل تمام قبض جميعه بطلت الصفقة كلها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأن يسلف فى كيل معلوم أو وزن معلوم الى أجل معلوم، والتسليف فى اللغة التى بها خاطبنا النبى صلى الله عليه وسلم هو أن يعطى شيئا فى شئ فمن لم يدفع ما أسلف فلم يسلف شيئا لكن وعد بأن يسلف.
فلو دفع البعض دون البعض سواء أكثره أو أقله فهى صفقة واحدة وعقد واحد، وكل عقد واحد جمع فاسدا وجائزا فهو كله فاسد، لأن العقد لا يتبعض والتراضى منهما لم يقع حين العقد الا على الجميع لا على البعض دون البعض، فلا يحل الزامهما ما لم يتراضيا جميعا عليه، فهو أكل مال بالباطل، لا عن تراض، والسلم - وان لم يكن بيعا فهو دين تدايناه الى أجل مسمى وتجارة فلا يجوز أن يكون الا عن تراض
(1)
.
فان وجد بالثمن المقبوض عيبا، فان كان اشترط السلامة بطلت الصفقة كلها، لأن الذى أعطى غير الذى عقد عليه فصار عقد سلم لم يقبض ثمنه، فان كان لم يشترط السلامة فهو مخير بين أن يحبس ما أخذ ولا شئ له غيره أو يرد وتنتقض الصفقة كلها، لأنه ان رد المعيب صار سلما لم يستوف ثمنه فهو باطل
(2)
.
وذكر ابن حزم أنه يصح أن يكون رأس مال السلم عرضا، فأجاز أن يسلمه صاحبه فى الدنانير والدراهم، كما أجاز أن يكون الحيوان الذى يصح تملكه وتمليكه رأس مال فى السلم سواء جاز بيعه أو لم يجز فيجوز أن يسلم مثل هذا الحيوان فى لحم من صنفه ان كان يحل أكل لحمه، أو فى لحم من غير صنفه.
ويجوز أن يجعل البر رأس مال السلم فى دقيق البر، والعكس أما الزرع أى زرع كان فلا يصح أن يكون رأس مال فى السلم فى القمح.
الثانى من شروط صحته: أن لا يشترطا فى السلم أن يدفع المسلم فيه فى مكان بعينه فان فعلا فالصفقة كلها فاسدة - وكلما قلنا أو نقول: انه فاسد فهو مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب - والدليل على أن ذلك لا يجوز أنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط» لكن حق السلم قبل المسلم اليه، فحيث ما لقيه عند محل الأجل فله أخذه يدفع حقه اليه فان غاب أنصفه الحاكم من ماله ان وجد
(1)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 109، ص 110 مسألة رقم 1614 طبع مطبعة الامام بالقاهرة.
(2)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 110 وما بعدها مسألة رقم 1615 ومسألة رقم 1618 طبع مطبعة الامام بمصر.
له، لقول الله تبارك وتعالى: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها}
(1)
.
فهو مأمور بأداء أمانته حيث وجبت عليه ويسألها
(2)
.
الثالث من الشروط أن يكون السلم الى أجل مسمى لما روى من طريق أحمد بن شعيب عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أسلف سلفا فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم. «ففى هذا ايجاب الأجل المعلوم، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر وعن بيع ما ليس عند الانسان فصح ما قلنا نصا
(3)
.
والمراد بالأجل فى السلم ما وقع عليه اسم أجل كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يحد أجلا من أجل «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}
(4)
. وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى
(5)
لتبين للناس ما نزل اليهم
(6)
فالأجل ساعة فما فوقها
(7)
.
فان أراد الذى عليه الدين المؤجل أن يعجله قبل أجله بما قل أو كثر لم يجبر الذى له الحق على قبوله أصلا وكذا لو أراد الذى له الحق أن يتعجل قبض دينه قبل أجله بما قل أو كثر لم يجز أن يجبر الذى عليه الحق على أدائه سواء فى كل ذلك الدنانير والدراهم والطعام كله والعروض كلها والحيوان فلو تراضيا على تعجيل الدين أو بعضه قبل حلول أجله أو على تأخيره بعد حلول أجله أو بعضه جاز ذلك كله، وهو قول أبى سليمان وأصحابنا، واستدل على ذلك بأن شرط الأجل قد صح بالقرآن والسنة فلا يجوز إبطال ما صححه الله تعالى
(8)
.
الرابع من الشروط: أن يصف ما يسلم فيه وصفا يمكن به أن ينضبط، لأنه ان لم يفعل ذلك كان تجارة عن غير تراض، اذ لا يدرى المسلم ما يعطيه المسلم اليه، ولا يدرى المسلم اليه ما يأخذه منه المسلم فهو أكل مال بالباطل، والتراضى لا يجوز ولا يمكن الا فى معلوم
(9)
.
الخامس من الشروط: أن يكون المسلم فيه معلوم المقدار، فلو أسلم فى صنفين ولم يبين مقدار كل صنف منهما فهو باطل مفسوخ، مثل أن يسلم فى قفيزين من قمح وشعير، لأنه
(1)
الآية رقم 58 من سورة النساء.
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 110 مسألة رقم 1616 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 9 ص 106 مسألة رقم 1612.
(4)
الآية رقم 64 من سورة مريم.
(5)
الآية رقم 3، 4 من سورة النجم.
(6)
الآية رقم 44 من سورة النحل.
(7)
المرجع السابق ج 9 ص 109 مسئلة رقم 1613 الطبعة المتقدمة.
(8)
المرجع السابق ج 8 ص 81 المسئلة رقم 1200 طبعة مطبعة الامام بالقاهرة.
(9)
المرجع السابق ج 9 ص 113 مسئلة رقم 1620 الطبعة المتقدمة.
لا يدرى كم يكون منهما قمحا وكم يكون شعيرا ولا يجوز القطع بأنهما نصفان، لأنه لا دليل على ذلك، ولو أسلم اثنان الى واحد فهو جائز والسلم بينهما على قدر حصتهما فى الثمن الذى يدفعان لأن الذى أسلما فيه انما هو بازاء الثمن بلا خلاف. فلو أسلم واحد الى اثنين صفقة واحدة فهما فيما قبضا سواء، لأنهما شريكان فيه وأخذاه معا فلا يجوز أن يتفاضلا فيه الا بأن يتبين عند العقد أن لهذا ثلثه ولهذا ثلثيه أو كما يتفقون
(1)
.
قال ابن حزم: والسلم جائز فى الدنانير والدراهم اذا سلم فيهما عرضا، لأنهما وزن معلوم، فهو حلال بنص كلام النبى صلى الله عليه وسلم، ومن السلم الجائز أن يسلم الحيوان الذى يجوز تملكه وتمليكه وان لم يجز بيعه أو جاز بيعه فى لحم من صنفه ان كان يحل أكل لحمه، أو فى لحم من غير صنفه كتسليم عبد أو أمة أو كلب أو كبش أو ابل، أو غير ذلك كله فى لحم كبش أو لحم ثور أو غير ذلك، لأنه كله سلف فى وزن معلوم الى أجل معلوم ولا يجوز السلف فى الحيوان أصلا، لأنه ليس يكال ولا يوزن. وجائز أن يسلم البر فى دقيق البر، ودقيق البر فى البر متفاضلا وكيف أحبا. وكل شئ حاشا ما بينا فى كتاب الربا وهو الذهب فى الفضة أو الفضة فى الذهب فلا يحل أصلا، أو التمر والشعير والبر والملح، فلا يجل أن يسلف صنف منها لا فى صنفه ولا فى غير صنفه منها خاصة، وكلها يسلف فيما ليس منها من المكيلات والموزونات. وحاشا الزرع أى زرع كان، فلا يجوز تسليخه فى القمح أصلا. وحاشا العنب والزبيب فلا يجوز تسليف أحدهما فى الآخر كيلا ويجوز تسليف كل واحد منهما فى الآخر وزنا
(2)
.
السادس من الشروط: أن يكون المسلم فيه مما يوجد حين حلول أجله سواء كان ذلك لا يوجد حين عقد السلم أو يوجد وسواء كان عند المسلم اليه من المسلم فيه شئ أو لم يكن، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسلم وبين فى الكيل وفى الوزن والى أجل فلو كان كون السلم فى الشئ لا يجوز الا فى حال وجوده أو الى من عنده ما أسلم اليه فيه لما أغفل صلى الله عليه وسلم بيان ذلك حتى يكلنا الى غيره.
وأما السلم فيما لا يوجد حين حلول أجله فهو تكليف ما لا يطاق وهذا باطل قال الله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها 3» . فهو عقد على باطل فهو باطل
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 113 مسئلة رقم 1619 الطبعة المتقدمة.
(2)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 110 وما بعدها مسألة رقم 1618 طبعة مطبعة الامام بمصر.
(3)
الآية رقم 276 من سورة البقرة.
(4)
المرجع السابق ج 9 ص 114 مسئلة رقم 1621 نفس الطبعة.
السابع من الشروط: أن لا يشترط الكفيل فى السلم، فاشتراط الكفيل فى السلم يفسد به السلم، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل
(1)
.
مذهب الزيدية:
ذكر صاحب التاج المذهب أن عقد السلم لا يصح الا بشروط خمسة هى:
الشرط الأول: ذكر قدر المسلم فيه بالكيل والوزن، فيقول: كذا وكذا صاعا مثلا أو كذا وكذا رطلا ولا بد أيضا من ذكر جنسه فيقول: كذا وكذا برا أو شعيرا أو نحو ذلك.
ولا بد أيضا من ذكر نوعه اذا كان له نوع فيقول: كذا وكذا سمن بقر أو ضأن أو ما عز ونحو ذلك وما ليس له نوع فيكفى فيه ذكر ما عدا النوع.
ولا بد أيضا من ذكر الصفة ولكن لا يعتبر من الصفات الا ما يكون مقصودا للمنفعة وتختلف به القيمة ويكفى عند تسليمه ما يقع عليه ذلك الاسم كرطب أى اذا أسلم فى تمر مثلا فلا بد من أن تذكر صفته بأنه رطب أو يابس ونحو ذلك.
ولا بد من ذكر مدته بأنه مما قد مضى عليه أسبوع أو شهر أو عام أو نحو ذلك اذا كان لتلك المدة اعتبار فى قيمته.
فاذا كان المسلم فيه مما له طول وعرض ورقة وغلظه بينت هذه الأشياء مع ذكر الجنس فاذا كانت هذه الأشياء مقصودة بحيث يتعلق الغرض بها، وتختلف القيمة تبعا لاعتبارها أو لعدم اعتبارها - فلا بد من بيانها وذلك كالخشب والثياب والبسط. ونحو ذلك.
ويلزم فى المسلم فيه أيضا أن يذكر مقدار كيل المثلى المكيل عند العقد، ويذكر المقدار بالوزن فيما عدا المثلى المكيل ولو كان ما عداه مما لا يوزن فى العادة نحو أن يكون آجرا أو حشيشا أو أحجارا أو غير ذلك، فلا بد من ذكر مقداره بالوزن غير أنه يجوز ترك الوزن عند التسليم اذا تراضيا، فان تشاجرا وزن ولا يكفى ذكر الوزن بل لا بد من ذكر الأوصاف المقصودة كما تقدم
(2)
.
ولا يصح السلم فيما يعظم تفاوته كالحيوان وكذا الجواهر واللآلئ والفصوص، لأن ضبط هذه الأشياء لا يمكن ولعدم امكان ضبطها يصير
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 110 مسئلة رقم 1617 الطبعة السابقة.
(2)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 2 ص 503، ص 504.
المسلم فيه مجهولا وجهالته تمنع من صحة السلم. ومثل ذلك فى عدم صحة السلم فيها الجلود، لاختلافها وكثرة التفاوت فيها. ولا يصح السلم فى شئ لا ينقل كالدور والعقار كما أنه لا يصح السلم فى المنفعة مثل تعليم القرآن
(1)
أما الذهب والفضة فلا يصح أن يسلم فيهما ولو كان بالوزن، لأنهما أثمان لكل شئ
(2)
.
الشرط الثانى: أما الشرط الثانى فهو معرفة امكانه عند الحلول أى يعرف أن المسلم اليه يتمكن من المسلم فيه عند حلول الأجل، ويكفى عند العقد أن يعلم أحدهما، أو يظن من جهة العادة أن الشئ المسلم فيه يمكن تحصيله عند حصول الأجل المضروب .. أما اذا لم يعرف ذلك عند العقد، كأن أسلم آخر الشتاء فى رطل عنب، والأجل ثلاثة أيام لم يصح السلم.
ولا يصح السلم فى عين فى ملك المسلم اليه ولو كانت غائبة عن المجلس لأنه يكون حينئذ بيعا لا سلما. فلو عين من المقادير أو من المسلم فيه ما يقدر تعذره عادة عند التسليم كنسج محلة أو مكيالها أو ميزانها بطل العقد اذا ظن عند العقد تعذر ذلك عند التسليم، فلا يصح أن يعين ذراع رجل معين ولا ميزانه ولا مكياله ولا نسجه اذا لم يكن فى الناحية مثله، ولا ثمر شجرة معينة ولا فاكهة بستان معين ولا حنطة مزرعة معينة لجواز تعذر ذلك. اما اذا كان لمكيال المحلة أو لميزانها عيار موجود فى الناحية فانه يصح حينئذ أن يعين مكيال تلك المحلة أو ميزانها. وكذا لو كانت المحلة بلدة كبيرة بحيث لا يجوز جلاء أهلها عنها فى العادة كصنعاء اليمن وزبيد ونحوها فيصح.
واذا شرط فى المسلم فيه أن يكون من أجود ما يوجد أو من أردأ ما يوجد فانه لا يصح، لأن ذلك مجهول، اذ ما من شئ الا ويقال: غيره خير منه أو دونه. فان قيد ذلك بأجود ما يوجد فى البلد الفلانى صح اذا كان البلد صغيرا يمكن ضبط أجود ما يوجد فيه
(3)
.
الشرط الثالث من شروط صحة السلم:
هو أنه يلزم قبض الثمن فى مجلس العقد قبل التفرق، ولا يكفى التخلية، بل لا بد من القبض تحقيقا. فلو كان على
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 502 وما بعدها الطبعة المتقدمة.
(2)
التاج المذهب للصنعانى ج 2 ص 502 مسألة رقم 236 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 504، ص 505
المسلم اليه دين لم يصح أن يجعل رأس مال للسلم الا بعد أن يقبضه منه من له الدين، ثم يعطيه أو يوكل المسلم اليه بقبضه له من نفسه قبل أن يتفرقا. ولا بد من النقل لأن اليد لا تكون قبضا. وكذا لو كان عنده وديعة - ولو مضمونة - لم يصح جعلها رأس مال للسلم ولو كانت حاضرة الا أن يقبضها المالك، ثم يقبضها المسلم اليه قبل التفرق. ولا بد فى قبضها من النقل لأن اليد لا تكون قبضا.
وتصح الاحالة بالثمن اذا سلم فى المجلس بأن يحيل المسلم المسلم اليه على غريمه لا أن يحيل المسلم اليه غريما على المسلم بقبض رأس المال، اذ هو تصرف قبل القبض.
ولا بد أيضا من أن يكون الثمن معلوما حال العقد جملة أو تفصيلا. والمراد بالجملة الجزاف. ولو لم يفصل من بعد. نحو أن يسلم عشرين درهما فى قفيز من البر وقفيز من الشعير فانه يصح ولو لم يبين ثمن كل واحد منهما.
فلو عدم أحدهما قسم الثمن على قدر القيمة وما عدم رد حصته من الثمن وما وجد صح السلم فيه بحصته من الثمن
(1)
.
جاء فى التاج المذهب لأحكام المذهب أنه يصح السلم بكل مال، فيجوز أن يكون رأس المال نقدا، ويجوز أن يكون غير نقد ويجوز أن يكون غير النقد مثليا أو قيميا، وأن يكون حيوانا أو غير حيوان، وأن يكون منقولا أو غير منقول كالثمن فى البيع.
أما المنفعة فانها لا تصح أن تكون رأس مال السلم بخلافها فى البيع اذ يصح أن تكون ثمنا
(2)
.
الشرط الرابع من شروط صحة السلم:
هو الأجل المعلوم، فلا يصح معجلا لأنه يكون بيعا بلفظ السلم وهو لا يجوز
(3)
.
فان اختلف المتعاقدان فى الأجل فالمذهب أن القول للمسلم اليه، اذ هو الظاهر
(4)
.
ولو طلب رب السلم من المسلم اليه أن يعجل له المسلم فيه على أن يحط عنه كذا ففعل من غير شرط فى العقد صح اجماعا - على ما ذكره صاحب البحر الزخار - اذ لا مانع، اما اذا كان مع الشرط فانه لا يصح اذ يقتضى بيع الأجل فيكون كالزيادة فى الحق، لأجل الزيادة فى الأجل وهو باطل.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 505، 506.
(2)
التاج المذهب لاحكام المذهب لاحمد بن قاسم الصنعانى ج 2 ص 506 طبع دار أحياء الكتب المصرية سنة 1947 مسألة رقم 236.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 506.
(4)
البحر الزخار لاحمد بن يحيى المرتضى ج 3 ص 410 الطبعة المتقدمة.
ونقل عن الهادى وأبى طالب أنهما ممن قالوا بذلك.
وعن العباس والمؤيد بالله والإمام يحيى أنه يصح مع الشرط إذ الحط يلحق العقد وإذا جاز منفردا جاز مشروطا.
وقال صاحب البحر: أنه الأقرب، إذ الشرط لا يقتضى الربا ولا يشبهه. ثم قال: فأما الزيادة فى الحق ليزيد فى الأجل فمحرمة إجماعا، لأنه ربا الجاهلية
(1)
.
ولا يصح مؤجلا بأجل مجهول .. وكذا لو قال: الى أجل كذا ان وجد فيه (أى المسلم فيه) والا فالى أجل كذا.
فان ذلك السلم لا يصح لعدم العلم فى أى وقت سيكون التسليم. وما علق من الآجال كلها بوقت غير معلوم، كالصيف والخريف والشتاء والسراب، ومجئ القافلة ونحو ذلك كان السلم به باطلا ويفسد البيع الذى شرط فيه.
هذا وأقل زمن للأجل ثلاثة أيام، فلا يصح أن يكون الأجل أقل من ثلاثة اما أكثر الأجل فلا حد له.
ومن أسلم فى شئ كان أجله الى رأس ما هو فيه من اسبوع أو شهر أو سنة وجب أن يكون لآخره أى اذا أجله الى رأس الشهر الذى قد دخل بعضه فانه يجب أن يكون لآخره .. وكذا فى الأسبوع والسنة حيث كان الباقى من ذلك ثلاثة أيام فصاعدا ولو أسلم الى رأس الشهر المستقبل فلرؤية هلاله - وهى الليلة الأولى التى يرى فيها هلال ذلك الشهر. ولكن لا يتضيق الطلب الا بعد طلوع الشمس فى أول يوم منه.
واذا أسلم الى رأس السنة كان حلول الأجل فى الليلة التى يرى فيها هلال أول شهر من السنة كما فى الشهر سواء بسواء.
واذا جعل الأجل الى يوم كذا ولم يعين ساعة منه كان اليوم كله وقتا لايفاء السلم وله مهلة الى آخر ذلك اليوم المطلق. وكذلك الليلة المطلقة بخلاف ما لو قال إلى شهر كذا أو إلى سنة كذا لم يدخل الشهر والسنة فى الأجل فيكون حلول الأجل عند أولهما كما تقدم وكان القياس أن يكونا مثل اليوم ولكن جرى العرف بخلاف ذلك.
ويصح التعجيل للمسلم فيه قبل حلول أجله وهو أن يكون مساويا لما يلزم له قدرا وصفة وأن لا يخشى عليه من ظالم وأن لا يكون له غرض بتأخيره الى أجله ويصح التعجيل بشرط حط البعض
(2)
.
الشرط الخامس تعيين المكان الذى فيه يسلم المسلم فيه سواء كان لحمله مؤنة أم لا فاذا عين التسليم الى السوق
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 409.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 506، ص 507
وجب ايصاله اليه، وان عين الى البلد فالمتبع العرف. فلو تراضيا عند التسليم على تسليمه فى بلد غير البلد الذى شرط تسليمه فيه مع أجرة من يحمله الى البلد الذى شرط تسليمه فيه جاز أخذ الأجرة ولو أخذها المسلم اليه لنفسه وهذا هو الصحيح
(1)
.
ويشترط أيضا فى صحة السلم تجويز الربح وتجويز الخسران، على معنى أن المسلم اليه لا بد من أن يكون مجوز الربح والخسران - أو قاطعا بالربح - وأن المسلم لا بد من أن يكون مجوزا لهما أو قاطعا بالخسران فلو قطعا معا بعدم اختلاف القيمة صح - وكذا لو قطعا بالربح للمسلم اليه جاز ذلك وصح، لأنه يجوز بيع الشئ بأكثر من سعر يومه معجلا، وعندهم. أنه لا بد من أن يكون رأس المال مما يمكن أن يكون ثمنا للمسلم فيه فى بعض أحوال الأجل فان كان رخيصا رخصا لا يبلغه فى بعض أوقاته لم يصح
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أنه يشترط لصحة عقد السلم ستة شرائط هى:
الأول والثانى منها: ذكر الجنس والوصف، والضابط أن كل ما يختلف لأجله الثمن فذكره لازم، ولا يطلب فى الوصف الغاية، بل يقتصر على ما يتناوله الاسم .. ويجوز أن يشترط الجيد أو الردئ. أما لو شرط الأجود فانه لا يصح لتعذره، وكذا لو شرط الأردأ. ولو قيل فى هذا بالجواز كان حسنا لامكان التخلص.
ولا بد أن تكون العبارة الدالة على الوصف معلومة بين المتعاقدين ظاهرة فى اللغة حتى يمكن استعلامها عند اختلافهما
(3)
.
فيجوز السلم فى كل حيوان يجوز بيعه اذا سميت شيئا معلوما واذا وصفت أسنانها، لاجماع الفرقة، ولما روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص من أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره - فى سبيل تجهيز الجيش - أن يبتاع البعير بالبعيرين وبالأبعرة
(4)
.
وروى صاحب وسائل الشيعه عن أبى عبد الله عليه السلام أنه لا بأس بالسلم فى المتاع اذا وصف الطول والعرض. وأنه لا بأس بالسلم فى الفاكهة
(5)
.
وذكر فى باب جواز أسلاف العروض المختلفة بعضها فى بعض على كراهية،
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 508.
(2)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 2 ص 509 الطبعة السابقة.
(3)
شرائع الإسلام ج 1 ص 188.
(4)
الخلاف فى الفقه ج 1 ص 592 مسألة رقم 5 ووسائل الشيعة ج 3 مجلد 6 ص 56 والفروع من الكافى ج 5 ص 220 مسألة رقم 5.
(5)
وسائل الشيعة ج 3 مجلد 6 ص 54، ص 56 مسألة رقم 23670، 23680.
أنه لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال، وما يكال فيما يوزن
(1)
. ولا بأس بأن يسلم فى الطعام بكيل معلوم الى أجل معلوم
(2)
.
وأما السلم فى نحو الجوز والبيض فانه لا يصح الا اذا كان وزنا، لأن ذلك يختلف بالصغر والكبر ويختلف ثمنه بذلك فلا يمكن أن يضبط بالصفة
(3)
.
وأما السلم فى البطيخ فقد حكى صاحب كتاب الخلاف أنهم أجمعوا على أنه لا يجوز السلم فيه
(4)
.
وان كان الشئ مما لا ينضبط بالوصف لم يصح السلم فيه كاللحم نيئة ومشوية، والخبز
(5)
.
فقد ذكر صاحب الفروع أن أبا عبد الله عليه السلام قال لمن سأله عن السلف فى اللحم: لا تقربنه فانه يعطيك مرة السمين ومرة التاوى ومرة المهزول. اشتره معاينة يدا بيد
(6)
.
أما الجلود ففى حكمها تردد.
قيل لا يجوز.
وقيل: يجوز مع المشاهدة - وهو خروج عن السلم ولا يجوز السلم فى الجواهر واللآلئ ونحو ذلك لتعذر ضبطها وتفاوت الأثمان مع اختلاف أوصافها. ويجوز فى جنسين مختلفين صفقة واحدة
(7)
.
ونهى أبو عبد الله عليه السلام عن السلف فى روايا الماء فقال: لا تقربها لأنه يعطيك مرة ناقصة ومرة كاملة.
ولكن اشتره معاينة فهو أسلم لك وله
(8)
.
الشرط الثالث قبض رأس المال قبل التفرق، فلو افترقا قبل قبضه بطل، ولو قبض بعض الثمن صح السلم فى المقبوض وبطل فى الباقى.
ولو شرط أن يكون الثمن من دين عليه ففيه قولان.
قيل: يبطل السلم لأنه بيع دين بمثله: وقيل: يكره وهو الأشبه
(9)
.
وذكر صاحب شرائع الاسلام أنه يصح أن يكون رأس المال فى السلم ثمنا وعوضا غير أن الصحة ليست
(1)
المرجع السابق ج 3 مجلد 6 ص 62.
(2)
الفروع من الكافى لابى جعفر الكلينى ج 5 ص 185.
(3)
الخلاف فى الفقه ج 1 ص 596 مسألة رقم 19.
(4)
الخلاف فى الفقه لابى جعفر الطوسى ج 1 ص 596.
(5)
شرائع الاسلام ج 1 ص 188.
(6)
الفروع من الكافى ج 1 ص 222.
(7)
شرائع الاسلام فى الفقه ج 1 ص 188.
(8)
المرجع السابق ج 1 ص 222.
(9)
المرجع السابق ج 1 ص 188، ص 189 الطبعة السابقة.
على الاطلاق فيجوز أن يجعل رأس المال عوضا اذا كان المسلم فيه عوضا على أن يكونا مختلفين. ويجوز أن يجعله ثمنا اذا كان المسلم فيه عوضا أما اذا كان المسلم فيه من الأثمان فلا يصح أن يكون رأس المال من الأثمان كذلك حتى لو اختلفا
(1)
.
وذكر صاحب الخلاف فى الفقه أنه لا يجوز أن يكون رأس المال فى السلم جزافا وان كان مما يباع كذلك مثل الجواهر واللؤلؤ فانه يغنى المشاهدة عن وصفه
(2)
.
الشرط الرابع: تقدير السلم بالكيل والوزن العامين، ولو عولا على صنجة مجهولة أو مكيال مجهول لم يصح ولو كان معينا. ويجوز الاسلاف فى الثوب أذرعا .. وكذا كل مذروع.
وأما الأسلاف فى المعدود فقيل يجوز الأسلاف فيه عددا.
وقيل: لا يجوز وهو الأوجه.
ولا يجوز الاسلاف فى القصب أطنانا ولا فى الحب حزما ولا فى المجزوز جزا ولا فى الماء قربا.
وكذا لا بد من أن يكون رأس المال مقدرا بالكيل العام أو الوزن ولا يجوز الاقتصار على المشاهدة، ولا يكفى دفعه مجهولا كقبضة من دراهم أو قبضة من طعام
(3)
.
الشرط الخامس: تعيين الأجل، فلو ذكر أجلا مجهولا - كأن يقول: متى أردت - أو أجلا يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج كان باطلا. ولو اشتراه حالا ففيه قولان أحدهما أنه يبطل.
وقيل يصح وهو المروى لكن يشترط أن يكون عام الوجود فى وقت العقد
(4)
.
واذا مات المدين بدين السلم فان الديون المؤجلة تحل، أما اذا مات الدائن فان الديون لا تحل، وقيل:
يحل استنادا إلى رواية مرسلة وبالقياس على موت المدين وهو باطل
(5)
.
الشرط السادس: أن يكون وجود المسلم فيه غالبا وقت حلوله، سواء كان موجودا عند العقد أو معدوما
(6)
.
فيجوز السلم فى المعدوم اذا كان مأمون الانقطاع فى الوقت الذى يحدد لتسليمه فيه، لاجماع الفرقة على ذلك، ولما روى عبد الله بن عباس قال:
(1)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى تحقيق العلامة الشيخ محمد جواد مغنية منشورات دار مكتبة الحياة بيروت ج 1 ص 188.
(2)
أبو جعفر محمد الطوسى فى الخلاف ج 1 ص 592 مسألة رقم 4.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 189 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 189.
(5)
الروضة البهية ج 1 ص 344 الطبعة المتقدمة.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 189.
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون فى التمر السنة والسنتين والثلاث فقال النبى صلى الله عليه وسلم: من سلف فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم، وأقرهم على ما كانوا عليه من السلف فى التمر سنتين ونحن نعلم أن التمر ينقطع فى خلال هذه المدة
(1)
.
ولا بد من أن يكون الأجل معلوما للمتعاقدين فاذا قال: الى جمادى حمل على أقربهما وكذا اذا قال الى ربيع وكذا الى الخميس أو الجمعة. ويحمل الشهر عند الاطلاق على مدة بين هلالين أو ثلاثين يوما. ولو قال: الى شهر كذا حل بأول جزء من أول ليلة الهلال نظرا الى العرف .. ولو قال الى شهرين وكان فى أول الشهر عد شهرين أهلة، وان أوقع العقد فى أثناء الشهر أتم من الثلث بقدر الفائت من شهر العقد، وقيل: يتمه ثلاثين يوما وهو أشبه ..
ولو قال الى يوم الخميس حل بأول جزء منه
(2)
.
وزيد شرط سابع وهو أن يعين موضع تسليم المسلم فيه اذا كان السلم مؤجلا، لاختلاف الأغراض باختلافه الموجب لاختلاف الثمن والرغبة، ولجهالة موضع الاستحقاق لابتنائه على موضع الحلول المجهول
(3)
.
وذكر صاحب الروضة البهية أن هذا هو ما اختاره صاحب اللمعة الدمشقية فى الدروس. ثم قال مخالفا ذلك: ولو شرط موضع التسليم لزم، لوجوب الوفاء بالشرط السائغ وان لم يشترط ذلك اقتضى الاطلاق التسليم فى موضع العقد كنظائره من المبيع المؤجل.
ثم ذكر رأيا ثالثا يقول: انه يشترط تعيين موضع التسليم ان كان فى حمل المسلم فيه مؤنة، ولا يشترط تعيينه اذا لم يكن فى حمله مؤنة.
وقال آخرون يشترط التعيين ان كانا فى موضع قصدهما مفارقته، ولا يشترط ان لم يكن قصدهما ذلك
(4)
.
وجاء فى شرائع الاسلام أنه لا يشترط ذكر موضع التسليم على الأشبه وان كان فى حمله مؤنة
(5)
.
مذهب الإباضية:
ويشترط الإباضية
(6)
لصحة عقد السلم ما يشترط فى صحة عقد البيع من بلوغ، وعقل، وعدم تحجير، ومن
(1)
الخلاف فى الفقه لابى جعفر محمد الطوسى ج 1 ص 591 مسألة رقم 1.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 189.
(3)
الخلاف فى الفقه لابى جعفر محمد بن الحسن الطوسى ج 1 ص 593 مسألة رقم 9.
(4)
الروضة البهية للعاملى ج 1 ص 316 وما يعدها طبع دار الكتاب العربى بمصر.
(5)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى ج 1 ص 189 الطبعة المتقدمة.
(6)
شرح النيل وشفاء العليل ج 4 ص 356 طبعة البارونى وشركاه.
رضى، وأضافوا شروطا أخرى تخص السلم، الأول منها: أن يكون السلم بنقد مسلم فى المجلس الى البائع، أو بنقد حاضر فى المجلس وسواء كان فى حال العقد بيد المسلم أو بيد المسلم اليه ذكره صاحب التاج.
وقال صاحب شرح كتاب النيل أن الأصل كونها بيد المسلم - فاذا تم العقد قبضها المسلم اليه كسائر البيوع - وان كانت بيد المسلم اليه جاز - اما اذا لم توجد النقود فى مجلس العقد فانه حينئذ يكون من بيع الدين بالدين، فيكون باطلا
(1)
.
وذكر صاحب الايضاح أنه لا بد من أن يكون الثمن معلوما، لأن السلم عقد مخصوص مستثنى من جملة ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيع ما ليس معك. والمخصوص لا يكون الا معلوم الثمن والمثمن جميعا
(2)
.
وفى الأثر قال أبو الحسن رحمه الله فاذا أسلف دراهم عددا فذلك لا يجوز، وان أسلف دراهم ولم يزنها بين يده وقال وزنها كذا وكذا فصدقه فذلك عندهم ضعيف ولا ينقض، وان أسلفه مثقالا حاضرا بكذا وكذا من الطعام فذلك جائز
(3)
.
وان أسلم له دراهم أو دنانير فخرج فيها رداءة أو زيوف .. فالسلم فاسد، لأن الصفقة وقعت على غير ما اتفقا عليه، لأن اتفاقهم على ما يجوز - ولأن التأخير أيضا فى السلم لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم:«ونقد حاضر» .
وقال بعض الفقهاء: يبدل هذه الدراهم أو الدنانير اذا لم يكن الأجل قد حل، فان حل الأجل أخذ من المسلم فيه. ما صح له، ولا يدركه النقصان.
وعند بعض العلماء: أنه لا يفسد من ذلك الا ما قابل الدراهم الرديئة.
ثم قال صاحب الايضاح: «والذى يوجبه النظر عندى أن السلم فى هذا فاسد الا أن سمى لكل درهم كذا وكذا من الحب فانه يفسد من ذلك ما فيه الرداءة دون غيره. أما ان أسلفه عشرة دراهم فى ثوبين كل ثوب من صنف غير صنف الآخر ولم يجعل لكل ثوب رأس مال معروفا فذلك فاسد، لأن ثمن كل ثوب مجهول فى هذا، وكذلك كل شيئين مختلفين على هذا الحال مثل
(1)
المرجع السابق للشيخ محمد اطفيش ج 4 ص 356.
(2)
الايضاح للشيخ عامر بن على النفوسى ج 3 ص 224.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 224.
أن أسلم له فى تمر وبر، ولم يسم رأس مال كل صنف من ذلك
(1)
.
هذا وفى الأثر أنه ان سلف ثلاثين درهما بتمر وبر وذرة. ولم يبين ما لكل نوع فذلك فاسد. وان قال عشرة دراهم منها ببر، وعشرة دراهم منها بتمر وعشرة دراهم منها بذرة فذلك جائز ولو لم يميزها اذا سمى لكل عشرة من ذلك النوع فان كان فيها درهم ردئ وكان السلف لكل درهم شئ معروف فسد من كل نوع درهم وان لم يكن لكل درهم شئ معروف فسد السلف كله وأما ان أسلف عشرة دراهم فى ثوبين من نوع واحد فذلك جائز لأنه قد علم أن رأس مال كل واحد منهما مثل صاحبه
(2)
.
ثانيها: أن يكون السلم بوزن فى كل ما يوزن من نحو حب وصوف، وأن يكون بعيار فيما يكال كحب أيضا، فانه يكال ويوزن، وكل ما يكال يوزن، ولا يصح أن يأخذ بالكيل ما باع اليه بالوزن لئلا يأخذ أكثر من حقه.
وقيل يجوز ان رضى البائع، ويجوز أن يأخذ بالوزن ما باع اليه بالكيل
(3)
.
ثالثها: أن يكون المسلم فيه مؤجلا فيذكر فى العقد موعد تسليمه وعلل السدويكشى اشتراط الأجل بحصول مصلحتين احداهما للبائع - وهى دفع قليل ليأخذ أكثر منه وثانيتهما للمشترى وهى الانتفاع بالثمن فى أجله
(4)
.
وحكى صاحب الايضاح فى اشتراط الأجل فى عقد السلم قولين:
أحدهما أنهم قد اتفقوا على أنه لا يكون السلم بغير أجل لقوله عليه الصلاة والسلام الى أجل معلوم. وان كان بغير أجل فهو من بيع ما ليس معك. فهو لا يجوز.
وثانيهما أن بعض الفقهاء جوز السلم بغير أجل وهو الذى يسمونه بيع النقد
(5)
.
وأقل ما يجزى فى هذا من الأجل ثلاثة أيام، لأنه أقل الجمع غير أن عموم قوله عليه الصلاة والسلام: الى أجل معلوم - يقع على القليل والكثير، وأكثر الأجل فى هذا الى ما يأتيهم فى غالب الظن أنه يعيش ذلك الشئ.
وان جعلوا الأجل الى الشهر الفلانى أو الى السنة الفلانية أو اليوم الفلانى فهو جائز، وان جعلوا الأجل الى أشهر الحرم أو أشهر الحج أو أيام العيد أو
(1)
الايضاح ج 3 ص 233 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 235.
(3)
شرح النيل ج 4 ص 357.
(4)
شرح النيل ج 4 ص 357.
(5)
الايضاح للنفوسى ج 3 ص 227، ص 228.
أيام التشريق المستقبل فذلك جائز، وان لم يسم المستقبل فلا يجوز، لأنها تتكرر فى كل سنة فلا يجوز حتى يسمى المستقبل، وكذلك الى يوم الجمعة أو يوم السبت أو غيرهما من الأيام على هذا الحال. وان جعلوا الأجل الى شهر شعبان ورمضان فذلك جائز، وان جعلوا الى شهر رجب ورمضان فلا يجوز، لأنها مفترقة وغير متوالية فكأنهم جعلوا فى ذلك أجلين.
وان جعلوا أشهر العجمية أو السنة العجمية أو عيد النصارى أجلا لهما فلا يجوز ذلك، لأنه غير معروف عند عامة الناس، ومنهم من يقول جائز وكذلك أن جعلوا الأجل بينهما الى الشتاء أو الى الصيف أو الربيع أو الى الخريف على هذا الاختلاف وذلك أن هذه الفصول مختلف فيها. وكذلك أيضا أن جعلوا الأجل الى الحصاد بينهما أو الى الجذاذ فلا يجوز لأنه مجهول يقع فيه الاختلاف أكثر من الخلاف الذى يكون من قبل الزيادة والنقصان فى الشهور، لأن هذا يسير واليسير معفو عنه فى الشرع
(1)
.
رابعها وذكر صاحب شرح النيل أن من شروط صحة عقد السلم أن يحدد فى العقد المكان الذى يجلب اليه ما فيه السلم
(2)
.
وحكى صاحب الايضاح: فى ذلك اختلاف الفقهاء، اذ قال: وأما المكان المشروط فى السلم فقد اختلف العلماء فيه.
فقال بعضهم: ان لم يشترط مكانا يقبض فيه فسد السلم، فهؤلاء عندهم المكان شرط فى صحة السلم كالزمان وهو الأجل.
وقال آخرون: ليس المكان شرطا فى صحة السلم. وظاهر الحديث يدل على مذهب هؤلاء فيما يوجبه النظر ولا يدرك عليه أن يأخذ منه الا فى المكان الذى أسلم له فيه.
وفى الأثر وأما فى حفظ أبى صفرة فى رجل أسلم الى رجل طعاما بكيل معلوم - وأجل معلوم وضرب معلوم ولم يشترط المكان الذى يوفيه فيه قال بفسد السلم لأن الأصل وقع على غير مكان معلوم فقلت له: فلم لم تجعله فى المكان الذى أسلمه اليه فيه؟ قال: ان كان أسلمه اليه فى سفينة فى البحر أو فى جزيرة ينبغى له أن يوفيه فيها، فاذا لم يشترط مكانا فسد. ولهذا المعنى اشترط بعض أن يكون القبض من بلد المستلف ان لم يشترط مكان القبض
(3)
.
(1)
الايضاح للشيخ عامر النفوسى ج 3 ص 228 وما بعدها الى ص 230.
(2)
شرح النيل للشيخ محمد اطفيش ج 4 ص 357.
(3)
الايضاح ج 3 ص 230 وما بعدها الى ص 231.
فحاصل ما ذكر أنه اذا لم يشترط فى العقد مكان التسليم فهناك ثلاثة أقوال.
يبطل العقد
ويصح ويكون التسليم فى مكان الدفع.
ويصح ويكون التسليم فى بلد المستلف
(1)
.
خامسها: أن يكون المسلم فيه نوعا من المثمنات التى يصح السلم اليها من الحبوب وغيرها مما يوزن أو يكال لا مما لا يكال ولا يوزن، فانه لا يصح السلم فيه على المشهور
(2)
.
وقال صاحب الايضاح يشترط: أن يكون مما لا ينقطع من أيدى الناس، لظاهر الحديث المتقدم مثل الشعير والبر والتمر والزبيب وما أشبه ذلك من الحبوب والزيت والسمن والعسل وما أشبه ذلك مما يكال ويوزن والصوف والقطن والكتان والحرير بوزن معلوم. ويبينون الجنس فى الزيتون والقطانى والتمر فى قول بعضهم، لأن هذه الأشياء تكون أجناسا .. وأما الشعير والقمح والزيت فله الأوسط من ذلك لأنه جنس واحد. ومن ثم فلا يجوز أن يكون من الأشياء التى تزول من أيدى الناس مثل العنب والتين الطرى، لأنه غرر، ولا يؤمن أن يكون موجودا.
وقيل بجواز ذلك ويجعلون أجل السلم الى وقته.
وكذلك لا يجوز السلم فى السمك الطرى ولا لحم الصيد، لأن هذا غير مقدور عليه ولا يؤمن أن يوجد.
واتفقوا أيضا على امتناعه فيما لا يثبت فى الذمة مثل الدور والعقار وما أشبه ذلك ومثل القثاء والخيار وما يشبهه، لأنه مختلف عند العدد مستتر غائب فى الكون أيضا.
واختلفوا فيما سوى هذا من العروض والحيوان.
وأصل اختلافهم هو هل هذه الأشياء تضبط فى الذمة بصفة معلومة أم لا تضبط. فمن كانت عنده لا تضبط أبطلها. وذلك مثل أن أسلمه فى اللحم فانه ذكر فى الأثر عن الربيع وابن عبد العزيز أنهما قالا: لا خير فيه لأنه غير معروف.
وقال ابن عباد: لا بأس به. وذلك على قول ابن عباد اذا كان اللحم من جنس من الدواب معلوم يسمى له من ضأن أو معز أو غير ذلك وزنا معلوما الى أجل معلوم ولا عظام فيه، وكذلك السمك اذا كان شيئا معلوما ولا عظام فيه، وكذلك الثياب أيضا على قول من جوزها اذا كانت على صفة وذرع وجنس معلوم وكم يكون له من الأرجوان ..
(1)
حاشية الشيخ محمد أبو سته على الايضاح ج 3 ص 231، 232.
(2)
شرح النيل ج 4 ص 357.
وكذلك أيضا الخشب يسمون فيها الطول والعرض والجنس من الشجر، وكذلك الحجارة يبينون فيه العرض والطول والغلظ، وكذلك أن أسلم له القصاع فانه يبين وزنها وكم يسع عودها .. هذا كله على قول من جوز السلم فى هذا كله. وكذلك أيضا الحيوان يبينون أسنانها وجنسها وطولها ويكلون (يقدرون) من الرسغين الى الأوراك الى العظم الذى خلف الأذن، ويبينون لون الضأن وليس عليهم ذلك فى المعز، والدليل على أن الحيوان تثبت فى الذمة .. حديث أبى رافع. (مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا فلما جاءته ابل الصدقة أمرنى أن نقضى الرجل بكره فقلت يا رسول الله لم أجد فى الابل الا جملا رباعيا خيارا فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: اقضه اياه فان خير الناس أحسنهم قضاءا.
وكذلك أيضا الرقيق على هذا المعنى يبينون جنسه ولونه وطوله وليس عليه فى العرض شئ ويكيلون من العظم الذى خلف الأذن الى الكعب. والنظر يوجب عندى أن السلم لا يجوز فى الحيوان لأنها وان كانت تضبط فى صفات الخلق فانها غير مضبوطة فى صفات النفس
(1)
.
سادسها: جاء فى شرح النيل أنه يشترط لصحة عقد السلم أن يكون العقد بحضرة شاهدين أمينين أو ممن لا يتفق على بطلان شهادتهم.
ثم قال صاحب شرح النيل والحق عندى فى صحة السلم بلا شهود وانما الامر به فى الحديث بخصوصه «لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من أنه باع من أعرابى بعيرا فجحده الثمن بمشورة بعض المنافقين فلم يجد النبى صلى الله عليه وسلم بينة عليه فجاء بخزيمة بن ثابت الأنصارى فقال: أنا أشهد لك عليه يا رسول الله فقال من أين علمت ذلك فقال لأنك صادق ولأنا نصدقك فى خبر السماء فسمى ذا الشهادتين فلو كان النبى صلى الله عليه وسلم أشهد عليه لم يفزع الى طلب من لم يعلم ذلك الحق ولو كان أيضا الاشهاد واجبا لم يتركه النبى صلى الله عليه وسلم والاشهاد على الدين ليس بواجب عند جمهور العلماء من اصحابنا غير أنهم أوجبوه فى السلم، لأن السلم مخصوص والمخصوص لا يصح الا بجميع شروطه والله أعلم. وفى قوله تعالى
(2)
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ}
(1)
الايضاح ج 3 ص 225 وما بعدها الى ص 227.
(2)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
{الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».
عموما تحذير من ضياع المال بالانكار حيث لا شهادة
(1)
.
وقال صاحب الايضاح: وأما الشهود المشروطة فى السلم فالأصل فيها قول الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» الى قوله «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ»
(2)
والأمر على الوجوب الا أن يأتى دليل ينقله الى خلاف الوجوب.
وفى رواية بعض الفقهاء عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: أمر الله بالكتاب والاشهاد لكى لا يدخل فى ذلك جحود ولا نسيان فمن لم يفعل ذلك فقد عصا، فهذا يدل من ابن عباس أن الاشهاد على الدين واجب. وفى الأثر:
وان باع بغير شهود - يعنى الدين - فلا يجوز.
وكذلك ان أشهد من لا تجوز شهادته، مثل الأطفال والعبيد والمجانين.
وتجوز فيه شهادة غير الأمناء من أهل التوحيد، وشهادة الأب لابنه.
ثم قال: والاشهاد على الدين ليس بواجب عند جمهور العلماء من أصحابنا غير أنهم أوجبوه فى السلم، لأن السلم مخصوص، والمخصوص لا يصح الا بجميع شروطه
(3)
.
وذكر صاحب شرح النيل أنه يشترط فى رأس مال السلم مخالفته لجنس المسلم فيه، فلا يصح أن يكون الثمن فيه والمثمن من جنس واحد.
وروى عن التاج أن الربيع كره ثوبا بثوب وأن أبا عبد الله حرمه.
ثم قال: وأما الطعام بغيره، وغيره بغيره باختلاف الجنس فلا بأس
(4)
.
أما الشيخ عامر النفوسى فقد روى الاختلاف فى جواز السلم بغير الدنانير والدراهم، فقد قال بعض الأئمة أنه لا يجوز السلم الا بالدنانير والدراهم، وفى الأثر ومن جامع أبى الحسن. وسأل
(1)
شرح النيل ج 4 ص 357.
(2)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
(3)
الشيخ عامر النفوسى ج 3 ص 232.
(4)
شرح النيل الشيخ محمد اطفيش ج 4 ص 365.
عن السلف أهو من التجارة؟ قيل له:
نعم هو من التجارة، وهو بالدراهم وبالدنانير.
والدليل على هذا ما روى عن طريق أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون فى الثمار السنة والسنتين فقال عليه الصلاة والسلام من أسلم فليسلم فى كيل معلوم وضرب معلوم الى أجل معلوم وفى خبر آخر: ونقد حاضر الى أجل معلوم.
وقال بعض الأئمة ان السلم يجوز بغير الدنانير والدراهم ولعلهم ذهبوا الى ظاهر قول النبى صلى الله عليه وسلم: من أسلم فليسلم فى كيل معلوم وضرب معلوم الى أجل معلوم حيث لم يذكر فيه الذى يسلمه ما هو
(1)
.
وقال صاحب شرح النيل: وكذا يجوز أن يكون السمك اليابس والطرى ثمنا بالحضور فى السلم
(2)
. واذا كان لرجل على آخر دراهم فأسلمها اليه فى مكيل أو موزون فلا خير فيه، لأنه أسلم دينا فى شئ الى أجل وجاءت فيه الكراهة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ويحتمل أن يريد ابن عباس أنه مكروه ليس على الاطلاق وانما اذا كان معه دراهم أخرى حاضرة
(3)
.
واذا كان رأس مال السلم ذهبا أو فضة بلا وزن كقطعة ذهب أو فضة أو حلى منهما، أو دنانير أو دراهم مسكوكة ولم توزن وقد احتاجت الى وزن لأنها قد تزيد وتنقص، وكالسكة التى تجرى بالعدد كأدوار قسطنطينية وفرنسا والأندلس وسكة الجزائر الحادثة. اذا كان رأس مال السلم شيئا من ذلك فالصحيح عند صاحب شرح النيل أنه يجوز السلم بذلك كله بلا وزن، لأن المعاملة بها تكون بين الناس بعددها بدون اعتبار وزنها، لأن الشئ الحاضر المرئى يجوز البيع به وبيعه.
ولكن بعض الائمة لا يجيز سلمها بالعدد على حال لأن التعارف فيها - فى البيوع اذا وقعت عليها - الاجماع فيها على الوزن الا ما خص من المواضع المعروفة لا على العموم
(4)
.
حكم التوكيل فى السلم
مذهب الحنفية:
ذكر ابن نجيم من الحنفية أن التوكيل فى السلم يجوز من جانب رب السلم بدفع رأس المال أو بقبول السلم كما فى الجوهرة، ولا يجوز التوكيل من جانب المسلم اليه بأخذ رأس المال، لأن الوكيل اذا قبض رأس المال بقى المسلم فيه فى ذمته وهو مبيع ورأس المال ثمنه ولا
(1)
الايضاح للشيخ عامر النفوسى ج 3 ص 222 وما بعدها.
(2)
شرح النيل ج 4 ص 369.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 361.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 359.
يجوز أن يبيع الانسان ماله بشرط أن يكون ثمنه لغيره كما فى بيع العين واذا بطل التوكيل كان الوكيل عاقدا لنفسه فيجب المسلم فيه فى ذمته ورأس المال مملوك له واذا سلمه الى الآمر على وجه التمليك منه كان قرضا. نعم يجوز توكيل المسلم اليه بدفع المسلم فيه
(1)
.
فاذا وكل الرجل الرجل ان يسلم له عشرة دراهم فى كر حنطة فأسلمها الوكيل بشروط السلم ودفع الدراهم من عنده فهو جائز، لأن السلم عقد تمليك الآمر بمباشرته بنفسه فيجوز منه توكيل غيره به كبيع العين لأن الوكيل يقوم مقام الموكل فى تحصيل مقصوده وهذا عقد يملك المأمور مباشرته لنفسه فيصح منه مباشرته لغيره بأمره كالبيع، لأن العاقد باشر العقد بأهليته وولايته الأصلية سواء باشر لنفسه أو لغيره.
والأصل فيه قوله تعالى: «فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ»
(2)
.
ومن دفع الى آخر دراهم ليشترى بها شيئا فان المدفوع اليه يكون وكيلا من جهة الدافع، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه دفع الى حكيم بن حزام أو الى عروة البارقى رضى الله عنهما دينارا ليشترى له به أضحية فدل أن التوكيل جائز فى البيع فكذلك فى السلم، لأن السلم نوع بيع على ما عرف - وكذلك تعامل الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا على التوكيل فى البيع والسلم جميعا
(3)
.
وبناء على ما تقدم فان الوكيل فى السلم كالعاقد لنفسه فى حقوق العقد حتى تتوجه عليه المطالبة بتسليم رأس المال دون الموكل وكذلك حق قبض المسلم فيه عند حلول الأجل يكون للوكيل دون الموكل، لأن حقوق العقد فى البيع والشراء تتعلق بالوكيل عندنا وسبب تعلق حقوق العقد بالمرء هو مباشرته العقد وثبوت الحكم باعتبار السبب ولو كان الوكيل معبرا عن الموكل لم يستغن عن ذكر الموكل عند العقد ..
ومن ثم يثبت أن الوكيل عاقد حكما مباشر للعقد.
واذا تقرر أن الوكيل كالعاقد لنفسه كان هو المطالب بتسليم رأس المال، فاذا نقده من عنده رجع بمثله على الآمر، لأنه نقد مال نفسه فى عقد حصل مقصود ذلك العقد للآمر فأمره اياه بالعقد يكون أمرا بأداء رأس المال من عنده على أن يرجع عليه بمثله. وكذلك الوكيل هو الذى يقبض المسلم فيه اذا حل الأجل عملا بمبدأ الغنم بالغرم، فاذا كان هو المطالب بتسليم رأس المال كان حق قبض المسلم فيه
(1)
البحر الرائق ج 7 ص 171 وما بعدها.
(2)
الآية رقم 19 من سورة الكهف.
(3)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 12 ص 202 وما بعدها طبعة مطبعة السعادة.
اليه أيضا فاذا قبض كان له حبسه حتى يستوفى الدراهم من الموكل. خلافا لزفر الذى يرى أن الوكيل ليس له الحق فى أن يحبس المسلم فيه، لأن الموكل صار قابضا بقبض الوكيل بدليل أن هلاك المسلم فيه فى يد الوكيل كهلاكه فى يد الموكل فكأنه قبض حقيقة ثم دفعه الى الوكيل اذ المقبوض أمانة فى يد الوكيل أما الثمن فهو دين له على موكله وليس للأمين أن يحبس الأمانة بدينه على صاحبها
(1)
.
وان كان الوكيل هو الذى دفع رأس المال من مال الموكل وأخذ من أجل المسلم فيه كفيلا أو رهنا فهو جائز، لأن موجب الرهن انما يكون بثبوت حق الاستيفاء والوكيل يملك حق الاستيفاء حقيقة فيملك أخذ الرهن به، والكفالة تكون للتوثيق ولما كان الوكيل هو المطالب بالمسلم فيه فكان له أن يتوثق بأخذ الكفيل به لأنه ملك المطالبة فملك التوثق بالمطالبة.
فان حل السلم فأخره الوكيل مدة معلومة فقد ذكر السرخسى قولين للأحناف فى ذلك.
أحدهما - وهو قول أبى حنيفة ومحمد - يجوز له ذلك ويضمن طعام السلم (أى المسلم فيه) للموكل ..
وثانيهما - وهو قول أبى يوسف - لا يصح تأخيره، وكذلك ان أبرأ المسلم اليه عن طعام السلم (أى المسلم فيه) وهذا لأن طعام السلم أصل يقبل الابراء قبل القبض.
وأصل هذا فيما اذا عقد لنفسه، ثم أبرأه عن طعام السلم صح ابراؤه فى ظاهر الرواية.
وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه لا يصح ما لم يقبل المسلم اليه، فاذا قبل كان فسخا لعقد السلم، لأن المسلم فيه مبيع وتمليك المبيع من البائع قبل القبض لا يجوز ما لم يقبل فاذا قبل انفسخ العقد كالمشترى اذا وهب المبيع من البائع قبل القبض
(2)
.
وذكر السرخسى أن أبا حنيفة ومحمد قالا: أنه يصح ابراء الوكيل عن المسلم فيه ويضمن مثله للموكل.
وأن أبا يوسف قال لا يصح ابراء الوكيل.
وكذلك روى هذا الخلاف فى المتاركة اذا تارك الوكيل السلم مع المسلم اليه
(3)
.
ويجوز أن يقبل الوكيل أدون من شرط المسلم فيه، لأنه ابراء عن صفة الجودة ولو أبرأه عن أصله جاز وضمن للموكل مثل المسلم فيه عندهما فكذلك اذا رضى بدون حقه.
(1)
المرجع السابق ج 12 ص 203، ص 204
(2)
المبسوط ج 12 ص 205 وما بعدها.
(3)
المرجع السابق ج 12 ص 206.
ويصح أن يقوم الوكيل بالتأجيل والمتاركة بالثمن فى حق المسلم اليه، لأن المسلم فيه دين والثابت به حق القبض مادام فى الذمة وهو حق الوكيل
(1)
.
ونقل ابن عابدين فى حواشى البحر عن البزازية ان أقالة الوكيل بالسلم جائزة عند أبى حنيفة ومحمد. أى أن فيها خلافا. واذا قام الوكيل بعقد السلم - ثم أمر الموكل بأداء رأس المال وذهب الوكيل بطل السلم، لأن وجوب قبض رأس المال قبل الافتراق من حقوق العقد فيتعلق بالعاقد وهو الوكيل أما الموكل فى هذه الحالة فهو كأجنبى آخر فلا معتبر ببقائه فى المجلس بعد ذهاب العاقد ولا بذهابه هو اذا بقى المتعاقدان فى المجلس
(2)
.
واذا وكله فى أن يسلم له عشرة دراهم فى كر حنطة فأسلمها فى قفيز حنطة فهو جائز على الوكيل دون الموكل لأنه وكيل بالشراء - اذ المسلم فيه مبيع ورب السلم مشتر - والوكيل بالشراء لا يملك الشراء فى حق الموكل بالغبن الفاحش لما فيه من التهمة أنه باشر التصرف لنفسه ثم لما علم بالغبن أراد أن يلزمه الموكل فاذا نفذ العقد عليه ضمن للموكل كل دراهمه، لأنه قضى بدراهمه دين نفسه.
أما أن أسلمها فى حنطة يكون نقصانها عن رأس المال مما يتغابن الناس فى مثله جاز على الموكل، لأن العذر هنا لا يستطاع الامتناع عنه الا بحرج فكان عفوا فى تصرفه لغيره شراء كان أو بيعا
(3)
.
واذا دفع اليه عشرة دراهم وأمره أن يسلمها فى ثوب لم تصح الوكالة حتى يتبين الجنس، لأن الثياب أجناس مختلفة ومع جهالة الجنس لا يقدر الوكيل على تحصيل مقصود الموكل فيبطل التوكيل.
وذكر السرخسى أنه روى عن أبى يوسف قوله: ينظر الوكيل الى لباس الموكل، فاذا اشترى الوكيل من جنس لباس الموكل جاز، ويلزم الموكل، لأن الظاهر أن الانسان انما يأمر غيره بشراء الثوب ليلبسه فيعتبر بثيابه، فان سمى الموكل ثوبا يهوديا أو غيره جاز، لأن الجنس صار معلوما، وانما بقيت الجهالة فى الصفة ولا تأثير لجهالة الصفة فى العقود المبينة على التوسع والوكالة بهذه الصفة - فان خالفه الوكيل فأسلم فى غيره أو الى غير الأجل الذى سماه كان عاقدا لنفسه، وللموكل أن يضمنه دراهمه فان ضمنه اياها جاز السلم وان ضمنها المسلم اليه بطل السلم لانتقاض قبضه فى رأس المال بعد الانتقاض من الاصل
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 12 ص 208.
(2)
حاشية منحة الخالق على البحر الرائق ج 6 ص 111 الطبعة الاولى بالمطبعة العلمية.
(3)
السرخسى ج 12 ص 208.
(4)
المبسوط ج 12 ص 209 وما بعدها.
أما اذا وكله فى أن يسلم له عشرة دراهم فى طعام فالمستحسن عندنا أن ذلك جائز على أن الطعام يعنى الدقيق والحنطة، لأن الطعام اذا أطلق عند ذكر البيع والشراء يراد به الحنطة ودقيقها، وسوق الطعام هو الموضع الذى يباع فيه الحنطة ودقيقها. هذا فى حين يقع مثل هذا التوكيل فى القياس باطلا، لأن اسم الطعام حقيقة لكل مطعوم والمطعومات أجناس مختلفة وجهالة الجنس تمنع صحة الوكالة
(1)
.
واذا وكله بأن يسلم اليه عشرة دراهم من الدين الذى له عليه فى حنطة فأسلمها له فهو عاقد لنفسه حتى يقبض الطعام فيرده الى الآمر مكان دينه قال أبو حنيفة:
فحينئذ يسلم للآمر اذا تراضيا عليه.
وقال محمد وأبو يوسف رحمهما الله:
هو جائز على الآمر
(2)
.
واذا وكل الرجل رجلين فى أن يسلما له عشرة دراهم فى طعام فأسلمها أحدهما لم يجز، لأن عقد السلم يحتاج فيه الى الرأى والتدبير كبيع العين وهو انما رضى برأى المثنى ورأى الواحد لا يكون كرأى المثنى. فان أسلماها ثم تارك أحدهما مع المسلم اليه السلم لم يجز عندهم جميعا
(3)
.
واذا عقد الوكيل السلم ثم اقتضى الموكل المسلم فيه فانه لا يجوز فى القياس، لأن القبض من حكم العقد والموكل فيه كسائر الأجانب ألا ترى أن الايفاء لم يجب على المسلم اليه بطلب الموكل فكذلك لا يبرأ المسلم اليه بتسليمه اليه. ولكن هذا الاقتضاء من الموكل جائز على وجه الاستحسان، لأن بقبض الوكيل يتعين ملك الموكل فكان الموكل فى هذا القبض عاملا لنفسه فى تعيين ملكه فهو يكفى الوكيل مؤنة القبض والتسليم اليه ولا يلحق به ضرر فى تصرفه
(4)
.
وان تارك المسلم اليه مع الموكل جاز، لأن الموكل قائم مقام العاقد فى ملك المعقود عليه فتصح منه المتاركة وان لم يتاركه فأراد قبض الطعام منه فللمسلم اليه أن يمتنع من دفعه اليه، لأن المطالبة بالتسليم تتوجه بالعقد والموكل من العقد أجنبى فمطالبته لا تلزم المسلم اليه الدفع له
(5)
.
وان وكله بثوب يبيعه بدراهم فأسلمه فى طعام الى أجل فهو عاقد لنفسه، لأنه خالف ما أمره به نصا. أما ان أمره ببيعه ولم يسم له الثمن فأسلمه فى طعام جاز على الآمر على ما يرى الامام أبو حنيفة ولكن صاحبيه لا يريان جوازه
(6)
.
(1)
المرجع السابق ج 12 ص 208، 209.
(2)
المرجع السابق ج 12 ص 210.
(3)
المرجع السابق ج 12 ص 211.
(4)
المرجع السابق ج 12 ص 211 وما بعدها.
(5)
المرجع السابق ج 12 ص 212.
(6)
المرجع السابق ج 12 ص 213.
واذا وكله بالسلم فأدخل الوكيل فى العقد شرطا أفسده لم يضمنه الوكيل لأنه لم يخالف وانما يضمن الوكيل بالخلاف لا بالافساد، وهذا لأنا لو ضمناه بافساد العقد تحرز الناس عن قبول الوكالة وليس للوكيل بالسلم أن يوكل غيره به، لأن هذا عقد يحتاج فيه الى الرأى والتدبير والموكل رضى برأيه دون رأى غيره الا أن يكون الآمر قال:
ما صنعت فيه من شئ فهو جائز فيجوز حينئذ، لأنه أجاز صنيعه عاما، والتوكيل داخل فى ضمن صنيعه فيدخل فى عموم أجازته.
هذا ويصح ان يوكل المسلم ذميا فى أن يعقد له السلم غير أنه توكيل مكروه، لأن الذمى لا يتحرز عن الربا وعن مباشرة العقد الفاسد، أما لجهله بذلك، أو لاعتقاده، أو قصده أن يؤكل المسلم الحرام فلهذا يكره له أن يأتمنه على ذلك ويجوز له ان فعله، لأن عقد السلم من المعاملات وهم فى ذلك يستوون بالمسلمين. وان وكل المسلم الذمى فى أن يسلم له فى خمر ففعل ذلك مع ذمى جاز على الآمر فى قول أبى حنيفة، لأن الذى ولى الصفقة هو الوكيل، والخمر مال متقوم فى حقه يملك أن يشتريها لنفسه فيملك أن يشتريها لغيره، وهذا لأن الممتنع هنا بسبب الاسلام هو العقد على الخمر لا الملك فالمسلم من أهل أن يملك الخمر، الا ترى أنه اذا تخمر عصير المسلم يبقى مملوكا له، واذا مات قريبه عن خمر يملكها بالارث - ولو أنا اعتبرنا جانب العقد فالعاقد من أهله وهو فى حقوق العقد كالعاقد لنفسه، وان اعتبرنا جانب الملك فالمسلم من أهل ملك الخمر فيصح التوكيل.
أما أبو يوسف ومحمد فانهما يعتبر انه مشتريا لنفسه، لأن المسلم الآمر لا يملك هذا العقد لنفسه بنفسه فلا يصح توكيل غيره فيه كما لو وكل المسلم مجوسيا فى أن يزوجه مجوسية، وهذا لأنه لو نفذ عقده على الآمر ملك المسلم الخمر بالعقد ولا يجوز أن يملك المسلم الخمر بعقد التجارة
(1)
.
واذا وكل رجلان رجلا فى أن يسلم لهما فى طعام واحد ولكن من غير خلط جاز التوكيل، لأنه حصل مقصود كل واحد منهما بكماله فلا فرق بين أن يفعل ذلك فى عقدة أو عقدتين واذا خلط الدراهم ثم أسلمها فى الطعام كان مخالفا ضامنا، لأن دراهم كل واحد منهما فى يده أمانة فيصير بالخلط ضامنا متملكا كما هو أصل أبى حنيفة، ثم أضاف عقد السلم الى دراهم نفسه فكان الطعام له بخلاف الاول فلم يوجد هناك خلط موجب للضمان، وانما حصل الاختلاط فى المسلم فيه حكما لاتحاد العقد حكما وبمثله لا يصير الأمين ضامنا.
(1)
المرجع السابق ج 12 ص 215 وما بعدها.
وان أسلم دراهم كل واحد منهما على حدة الى رجل واحد ثم اقتضى شيئا فادعى كل واحد منهما أى الآمرين أنه من حقه فالقول قول المسلم اليه، لأنه هو المالك لما يوفى من الطعام فرجع فى بيان ما يتملك اليه، فان كان هو غائبا فالقول قول الوكيل، لأنه أحد المتعاقدين، ولأن كل واحد منهما انما يتملك بعقد باشره الوكيل فعند الاشتباه يرجع فى البيان اليه، فاذا قدم المسلم اليه وكذب الوكيل فالقول قول المسلم اليه، لأنه هو الأصل فى هذا البيان.
وان أسلم الوكيل الى نفسه فهو باطل لأن الواحد فى عقد التجارة لا يصلح أن يكون مباشرا للعقد من الجانبين لما فيه من تضاد الأحكام فانه يكون مملكا متملكا مسلما متسلما مخاصما متخاصما وذلك لا يجوز، هذا الى أنه متهم فى حق نفسه.
وكذلك اذا أسلم الوكيل الى شريك له مفاوض لأنهما بعقد المفاوضة صارا كشخص واحد فى عقود التجارة فكل واحد منهما مطالب بما يجب على صاحبه فهو وما لو كان أسلم الى نفسه سواء فان أسلم الى شريك له عنان جاز اذا لم يكن من تجارتهما، لأن كل واحد منهما من صاحبه كسائر الأجانب فيما ليس من تجارتهما.
أما اذا أسلم الوكيل الى عبده لم يجز، لأن كسب العبد لمولاه، فهو متهم فى ذلك وكذلك اذا أسلم الى مكاتبه، لأن له حق الملك فى كسب المكاتب.
أما لو أسلم الوكيل الى ابنه أو الى أحد أبويه أو زوجته فان أبا حنيفة يرى أنه لا يجوز، لأن مطلق الوكالة تتقيد بالتهمة وكل واحد منهما متهم فى حق صاحبه.
ويرى أبو يوسف ومحمد أنه يجوز، لأنه ليس لواحد منهما فى مال صاحبه ملك ولا حق فى ملك فكان بمنزلة ما لو أسلم الى أخيه فانه يجوز.
(1)
واذا وكل الوكيل بالسلم رجلا يقبض المسلم فيه ممن عليه فقبضه برئ المسلم اليه منه لأن الوكيل فى حق القبض كالعاقد لنفسه حتى يختص بالمطالبة به، ولو كان عاقدا لنفسه كان قبض وكيله فى براءة المسلم اليه كقبضه بنفسه.
فان كان الوكيل الثانى عبدا للوكيل الأول أو ابنه فى عياله أو أجيرا له فهو جائز على الآمر حتى لو هلك فى يده هلك من مال الآمر.
وان كان الوكيل الثانى أجنبيا فالوكيل الأول ضامن للطعام أن ضاع فى يد وكيله، لأن قبض وكيله كقبضه بنفسه ولو قبضه بنفسه ثم دفعه الى أجنبى كان ضامنا فكذلك هنا. فاذا أسلم الوكيل
(1)
المرجع السابق ج 12 ص 217 وما بعدها.
الدراهم الى امرأة جاز، وكذلك لو كان الموكل أو الوكيل امرأة فانه يجوز لأن هذا من باب المعاملات فيستوى فيه الرجال والنساء
(1)
.
مذهب المالكية:
يرى المالكية أن الوكالة فى السلم جائزة ابتداء، فيصح أن يوكل رجل رجلا فى أن يسلم له وفى أن يقبض المسلم فيه. الا أن هناك أحكاما يفرعها أئمة المذهب على صحة الوكالة فيه، نشير هنا الى بعضها ونترك التفصيل فى ذلك الى موطنه فى بحث وكالة.
فلو وكل رجلا على أن يسلم له فى شئ فانه يجوز للموكل أن يقبض ما أسلم فيه الوكيل له جبرا على المسلم اليه ويبرأ المسلم اليه بدفعه الى الموكل ان ثبت ببينة أن السلم للموكل ولو بشاهد ويمين - فان لم يثبت لم يلزم المسلم اليه أن يدفع المسلم فيه للموكل ولو أقر الوكيل بأن السلم له، لاحتمال كذبه لأمر اقتضى ذلك.
وان تصرف الوكيل فى مال الموكل ببيع أو غيره، وادعى الاذن فى ذلك فان خالفه الموكل فى الاذن له فى ذلك فان القول للموكل بلا يمين عليه، لأن الأصل عدم الأذن
(2)
.
واذا أمر الموكل وكيله بأن يسلم له فى عرض أو طعام عينه له فأسلم الوكيل فى غيره، فلا يجوز للموكل أن يرضى بذلك السلم أن دفع له رأس المال ليسلمه فيما عينه له فخالف وأسلمه فى غيره، لأن الوكيل لما تعدى ضمن الثمن فى ذمته فصار دينا عليه، فان رضى الموكل فقد فسخ الدين فسخ دين فى دين ويزاد (فى التعليل) فى الطعام (أى اذا كان المسلم فيه طعاما) بيعه قبل قبضه، لأنه بتعدى الوكيل صار الطعام له وقد باعه للموكل قبل قبضه بالدين الذى صار فى ذمته. (وبيع الطعام قبل قبضه غير جائز) أما اذا كان الموكل قد علم بتعدى الوكيل بعد قبضه من المسلم اليه فانه حينئذ يجوز له أن يرضى بأخذ المسلم فيه لعدم الدين بالدين، وعدم بيع الطعام قبل قبضه. وكذا اذا علم بعد حلول الأجل فانه يجوز للموكل أن يرضى فى غير الطعام اذا كان يقبضه بلا تأخير لعدم الدين بالدين. وأما فى الطعام فلا يجوز لبيعه قبل قبضه أيضا وكذا فى غير الطعام اذا كان قبضه يتأخر، ومفهوم ان دفع له الثمن أنه ان لم يدفعه له وأمره أن يسلم له فى شئ معين فخالف وأسلم فى غيره، فيجوز له الرضا بما فعل
(1)
المبسوط للسرخسى ج 12 ص 218 وما بعدها.
(2)
شرح الدردير على هامش بلغة السالك لاقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى ج 2 ص 175.
ويدفع له الثمن لأنه لم يجب للموكل على الوكيل شئ فيفسخه فى شئ لا يتعجله الآن. ويجوز له أن لا يرضى
(1)
.
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أنه لا يجوز للمسلم اليه أن يوكل رب السلم فى اشتراء مثل حقه وقبضه لنفسه فقد ذكر الشيرازى فى المهذب أنه ان دفع المسلم اليه الى رب ألسلم دراهم مثلا وقال له: اشتر لى بها مثل الذى لك على واقبضه لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه.
فان قال له: اشتر لى واقبضه لى، ثم اقبضه لنفسك ففعل صح الشراء والقبض للمسلم اليه، ولا يصح قبضه لنفسه، لأنه لا يجوز أن يكون وكيلا لغيره فى قبض حق نفسه
(2)
.
مذهب الحنابلة:
والتوكيل فى السلم جائز عند الحنابلة فلو كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه ثم قال الرجل لغريمه اقبض السلم لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه، اذ هو حالة سلم ولا يصح أيضا أن يقبض للآمر لأن الآمر لم يجعل القابض وكيلا عنه فى القبض.
وان قال الرجل اقبض السلم لى ثم اقبضه لنفسك وفعل صح القبض لكل منهما، لأنه استنابه فى قبضه له، فاذا قبضه لموكله جاز أن يقبضه لنفسه، كما لو كان له وديعة عند من له عليه دين وأذنه فى قبضها عن دينه ومن ثم فيصح قبض وكيل من نفسه لنفسه نصا الا ما كان من غير جنس ماله أى دينه فلا يصح قبضه من نفسه لنفسه لأنها معاوضة لم يأذن له فيها، ويصح عكسه أى عكس قبض الوكيل من نفسه لنفسه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم فى المحلى أن الوكالة فى البيع والشراء جائزة لما رواه مسلم عن أبى سعيد الخدرى فى حديث التمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بيعوا ثمرها واشتروا لنا من هذا»
(4)
ولا يحل للوكيل أن يتعدى ما أمره به موكله فان فعل لم ينفذ فعله، فان فات ضمن لقوله تعالى:«وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ 5» فوجب من هذا أن من أمره موكله بأن يبتاع له شيئا بثمن مسمى أو يبيعه له بثمن مسمى فباعه أو ابتاعه بأكثر أو بأقل ولو بفلس فما زاد لم يلزم الموكل ولم يكن البيع له أصلا ولم ينفذ البيع،
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 172.
(2)
المهذب لابى اسحق الشيرازى ج 1 ص 302 طبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.
(3)
كشاف القناع ج 2 ص 132، ص 133.
(4)
المحلى ج 8 ص 244 مسألة رقم 1362.
(5)
الآية رقم 190 من سورة البقرة.
لأنه لم يؤمر بذلك. فلو وكله على أن يبيع له أو يبتاع له فان ابتاع له بما يساوى أو باع بذلك لزم والا فهو مردود، ولا يحتج فى اجازة ذلك بحديث عروة البارقى وحكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر كل واحد منهما بأن يبتاع له شاة بدينار فابتاع شاتين فباع أحدهما بدينار وأتى به الى النبى صلى الله عليه وسلم وبالشاة «اذ هما خبران منقطعان لا يصحان»
(1)
.
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية: أن التوكيل فى قبض رأس مال السلم جائز حتى ولو كان الوكيل هو المسلم اليه فيصح أن يوكله فى قبضه له من نفسه قبل أن يتفرقا ولا بد من النقل لأن اليد لا تكون قبضا
(2)
.
مذهب الإمامية:
يرى الإمامية أنه يصح التوكيل فى ايفاء المسلم فيه، فيجوز للمسلم اليه فى طعام أن يوكل آخر فيبعثه بدراهم ليشترى طعاما يوفى به رب السلم غير أن صاحب الخلاف يرى أن التوكيل لا يصح أن يكون موجها الى رب السلم بل الى آخر يذهب معه رب السلم حتى يشتريه الوكيل فيقبض الذى له، ولا يتولى هو شراءه
(3)
.
مذهب الإباضية:
يجوز التوكيل فى السلم عند الإباضية، حتى ولو كان الوكيل هو رب السلم، فلو أن رب السلم طالب المسلم اليه بالمسلم فيه فوجهه اليه ثم قال له: كله أنت لنفسك فانه لا يفسد عليه ان فعل، وان كان الأحسن أن يأمر من يكيله له
(4)
.
وذكر صاحب شرح النيل: أنه ان قال المتسلف للمسلم: كل لنفسك من مالى واقض لنفسك جاز عند بعض وقيل:
لا بد من أن يقضيه المتسلف بعد ذلك
(5)
.
ويصح أن يوكل المسلم اليه انسانا فى تسلم رأس مال السلم، فقد ذكر صاحب شرح النيل أنه ان أحضر المسلم رأس المال فقال المسلم اليه سلمه لفلان وكيلى أو مأمورى أو خليفتى، أو قال سلمه لفلان وقد علم المسلم أن فلانا مأموره أو وكيله أو خليفته أو لم يعلم فسلم اليه ثم تحقق أنه مأموره أو خليفته أو وكيله من حين الأمر بالتسليم اليه صح
(6)
.
(1)
المحلى ج 8 ص 245، ص 246 مسألة رقم 1664.
(2)
التاج المذهب للصنعانى ج 2 ص 505 وما بعدها.
(3)
الفروع من الكافى لابى جعفر بن اسحق الكلينى ج 5 ص 185 طبع دار الكتب الاسلاميه سنة 1378 هـ.
(4)
شرح النيل ج 4 ص 385.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 414 وما بعدها.
(6)
المرجع السابق ج 4 ص 360.
حكم الاقالة فى السلم
مذهب الحنفية:
ذكر صاحب البحر الرائق من أئمة الحنفية أن الاقالة تصح فى السلم قبل قبض المسلم فيه سواء كان رأس المال عينا أو كان دينا وسواء كان قائما فى يد المسلم اليه أو كان هالكا، لأن المسلم فيه - وان كان دينا فى الحقيقة. له حكم العين حتى انه لا يجوز أن يستبدل به قبل قبضه. ومن ثم فأن شرط صحة الاقالة - وهو قيام المبيع - متحقق فى السلم
(1)
. وعلى ذلك فانه يصح للمسلم وللمسلم اليه أن يتفقا على رفع السلم وفسخه بأن يقول أحدهما للآخر أقلنى أو فاسختك أو تركت أو تاركتك أو نحو ذلك فيجيبه الآخر الى طلبه بقوله مثلا:
أقلتك أو ما أشبه ذلك من الأقوال والأفعال التى تفيد القبول
(2)
.
وكما تصح الاقالة فى السلم فانها تصح كذلك فى بعض السلم، فلو أقاله عن نصف المسلم فيه أو ربعه مثلا جاز ويبقى العقد فى الباقى.
أما الاقالة فى مجرد الوصف - بأن يكون المسلم فيه كله جيدا مثلا فيتفقان على أن يكون رديئا فى مقابل أن يرد المسلم اليه درهما مثلا الى رب السلم - فان هذا النوع من الاقالة لا يجوز عندهما.
أما عند أبى يوسف فقد روى أنه يجيز ذلك لكن ليس على أنه اقالة بل عن طريق الحط عن رأس المال
(3)
.
ولا يجوز لرب السلم أن يشترى شيئا من المسلم اليه برأس المال بعد الاقالة فى عقد السلم الصحيح قبل أن يقبض رب السلم رأس المال من المسلم اليه قبضا كائنا بحكم الاقالة لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تأخذ الا سلمك أو رأس مالك.
أى لا تأخذ الا سلمك فى حال قيام العقد أو رأس مالك فى حال انفساخه. فالاستبدال ممنوع ولأن رأس المال أخذ شبها بالمبيع، لأن الاقالة بيع فى حق غيرهما، ولا يمكن جعل المسلم فيه مبيعا لسقوطه فتعين أن يجعل رأس المال مبيعا وان كان دينا فى الذمة لأن كونه دينا لا ينافى أن يكون مبيعا كالمسلم فيه قبل القبض فصار رأس المال بعد الاقالة بمنزلة المسلم فيه قبل الاقالة فيأخذ حكمه من حرمة الاستبدال بغيره ولأن الاقالة لما صارت بيعا جديدا من وجه كان حكم رأس المال فيها كحكمه فى البيع الأول وهو السلم تنزيلا للخلف منزلة الأصل فيحرم استبداله بعد الاقالة كما كان يحرم قبلها. الا أنه لا يجب قبضه فى مجلس الاقالة بعدها
(1)
البحر الرائق لابن نجيم ج 6 ص 115، ص 116 الطبعة المتقدمة.
(2)
الدر المختار للحصكفى ج 2 ص 240 وما بعدها.
(3)
رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 4 ص 290.
كما كان يجب قبلها، لأن الاقالة ليست بيعا من كل وجه، ولهذا جاز ابراؤه عنه وان كان لا يجوز قبلها.
وذكر الزيلعى أن زفر أجاز بيع رأس مال السلم بعد الاقالة، وهو القياس، لأنه لما بطل السلم بقى رأس المال دينا فى ذمته فيصح الاستبدال به كسائر الديون
(1)
.
ولو أسلم أمة فى كربر وقبضها المسلم اليه ثم عادا فاتفقا على الاقالة فى السلم فماتت الأمة قبل أن يقبضها رب السلم بحكم الاقالة بقى عقد الاقالة أما لو ماتت الأمة ثم تقايلا صح عقد الاقالة لبقاء المعقود عليه لأن الجارية رأس مال السلم وهو فى حكم الثمن فى العقد والمبيع هو المسلم فيه، وانما تعتمد صحة الاقالة على قيام المبيع لا الثمن، فهلاك الأمة - رأس المال - لا يغير حال الاقالة من البقاء فى الأول والصحة فى الثانية. وعلى المسلم اليه قيمة الجارية على حسب ما كان يوم القبض فى المسئلتين، لأنه اذا انفسخ العقد فى المسلم فيه انفسخ فى الجارية تبعا فوجب عليه أن يردها ولكنه فى هذه الحالة عاجز عن ذلك ومن ثم وجب عليه أن يرد قيمتها
(2)
. ولو تقايلا السلم ثم تقايلا الاقالة لم يصح ذلك، لأن الاقالة فى السلم لا تقبل الاقالة بخلافها فى البيع مثلا حيث تصح وانما لا تصح فى السلم لأن المسلم فيه دين سقط.
والساقط لا يعود
(3)
.
مذهب المالكية:
يرى المالكية أن الاقالة فى عمومها - بيع من البيوع يحلها ما يحل البيوع، ويحرمها ما يحرم البيوع
(4)
، ومن ثم يرى المالكية ان الاقالة فى السلم جائزة على العموم، غير أن هناك أحكاما خاصة ببعض الأحوال تترتب على الاقالة. فلو أن رجلا أسلم الى رجل ثيابا فى طعام الى أجل فأقاله رب السلم من نصف الطعام الذى له على المسلم اليه قبل محل أو بعد محل الأجل على أن يرد عليه نصف الثياب التى دفعها اليه بعينها، جاز ذلك، لأن الثياب لا تشبه الدراهم اذ الدراهم ينتفع بها والثياب لا منفعة فيها اذا ردت بأعيانها والدراهم لا تعرف بأعيانها لأنه لو سلف دراهم فى طعام الى أجل فأقاله من نصف ذلك الطعام قبل أن يفترقا على أن يرد اليه نصف دراهمه لم يكن بذلك بأس فكذلك الثياب
(5)
.
ولا بأس بالاقالة اذا وقعت بين متعاقدين على سلم ثوب فى حيوان الى أجل فلما حل الأجل أو قبل أن يحل أخذ رب السلم الثوب من المسلم اليه بعينه وزاده ثوبا من صنفه أو من غير صنفه
(1)
تبيين الحقائق ج 4 ص 119.
(2)
الدر المختار ج 4 ص 292 وما بعدها.
(3)
البحر الرائق ج 6 ص 111.
(4)
المدونة ج 9 ص 76.
(5)
المدونة الكبرى للامام مالك رواية سحنون ج 9 ص 69 أول طبعة ظهرت طبعة ساس.
على أن أقاله من الحيوان الذى أسلم اليه فيه
(1)
.
وذكر سحنون أن مالكا قال فيمن أسلم دابة أو غلاما فى طعام فلم يتغير الغلام ولا الدابة فى يديه بنماء ولا نقصان فحل الأجل فأراد أن يقيله: لا بأس أن يقيله ويأخذ دابته أو غلامه ويقيله من سلمه فان أقاله قبل محل أجله فلا بأس فى ذلك أيضا. فالتغير الذى يتأثر به الحكم هو تغير البدن، أما تغير السوق فلا يؤثر فى صحة الاقالة. فقد ذكر سحنون أن مالكا لم ير بأسا فى أن يقيله من سلمه ويأخذ دابته بعد شهرين أو ثلاثة، فلو كان حكم الاقالة يتغير تبعا لتغير الأسواق لمنع مالك مثل ذلك، لأن فى شهرين أو ثلاثة ما تحول فيه أسواق الدواب
(2)
.
أما اذا تغير الغلام أو الدابة فى يدى المسلم اليه بأن دخلها نقصان أو نماء فان الاقالة فى هذه الحالة لا تصح على ما رواه سحنون فى المدونة من أن مالكا لا يعجبه الاقالة فى السلم اذا دخل المسلم العبد نقصان بين من عور أو عيب من العيوب، ولا يرى فى مثل تلك الاقالة خيرا. وأن ابن القاسم يرى النماء بمنزلة الدابة العجفاء تسمن أو الصغير يكبر، أو البيضاء العينين يذهب بياضهما والصماء يذهب صممها ان ذلك لا ينبغى فيه الاقالة، لأنه زيادة أما لو كان المسلم جارية مهزولة فسمنت فانه لا يرى به بأسا
(3)
.
واذا تقايلا السلم وكانت دراهم رب السلم فى يد المسلم اليه، فان له أن يعطيه نفس دراهمه وله أن يعطيه غيرها اذا كانت مثل دراهمه حتى ولو لم يفارقه.
فان كانت الدراهم قائمة بعينها عنده وأقاله على أن يدفع اليه دراهمه بعينها لم يلزمه الشرط وجاز له أن يدفع اليه غيرها بخلاف ما اذا كان طعاما فان لرب السلم أن يأخذه ان كان قائما بعينه اشترط أم لم يشترط، لأن الدراهم لا يشترى بأعيانها والطعام وما يوزن وما يكال مما يؤكل ويشرب أو لا يؤكل ولا يشرب قد يشترى بعينه
(4)
.
هذا والاقالة على القيمة لا تجوز، فلو أن رجلا أسلم الى رجل ثوبا فى طعام الى أجل فهلك الثوب ثم استقاله فأقاله لم تجز الاقالة لأن الثوب قد ضاع، ولا تكون الاقالة على القيمة ولا على ثوب يشتريه وانما الاقالة عليه بعينه.
ولو أسلم ثوبا فى طعام ثم تقايلا جازت الاقالة اذا رد الثوب بحضرة الاقالة ولم يؤخر دفع ذلك الثوب فان كان الثوب حين تقايلا قائما عند
(1)
المدونة ج 9 ص 78، 79.
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 69 وما بعدها.
(3)
المرجع السابق ج 9 ص 70.
(4)
المرجع السابق ج 9 ص 72.
صاحبه بعينه يعلمان ذلك فلما تقايلا بعث ليؤتى بالثوب فأصاب الثوب وقد تلف فلا اقالة بينهما، ويكونان على سلمهما، لأنه لا يصلح أن يقيله الا بنقد فلما لم ينتقد بطلت الاقالة - وانما كانت الاقالة على ثوبه بعينه فتلف فلما تلف بطلت الاقالة
(1)
.
ولا يصح أن يزيده شيئا ليرضى باقالته - فلو أسلم الى رجل ثوبا فى طعام الى أجل فلقيه فاستقاله فأبى فزاده دراهم على أن يقيله لم يصلح هذا.
ولا يجوز استبدال رأس المال بعد الاقالة فى السلم - فلو أسلم فى طعام الى أجل، ثم تقايلا فأخذ منه بالدراهم عرضا من العروض بعد ما تقايلا لم يجز ذلك حتى يأخذ رأس ماله، لأنه يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى لأنه اذا أقاله فلم يأخذ رأس ماله حتى أخذ سلعة من السلع فكأنه انما باعه سلعة الذى كان له عليه بهذا العرض وانما الاقالة لغو فيما بينهما
(2)
.
ولا يجوز للمقيل أن يؤخر حق المستقبل ساعة، بل ولا يجوز أن يتفرقا حتى يقبض صاحب الحق ماله لدى صاحبه الذى أقاله، فلو أن رجلا أسلم فى حنطة أو عروض فاستقاله المسلم اليه فأقاله فانه لا يجوز له أن يؤخره ولا يجوز أن يتفرقا حتى يقبض
(3)
.
ولا يجوز الاقالة فى السلم على أن يحضر فى رأس المال حميلا (أى ضامنا) أو رهنا أو يحيل رب السلم به على ما أفتى به الامام مالك فى المدونة، لأن هذا يصير دينا فى دين وبيع الطعام قبل أن يستوفى
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم أن الامام الشافعى رحمه الله تعالى أجاز الاقالة فى السلم فمن سلف ذهبا فى طعام موصوف ثم حل السلف كان له طعام فى ذمة بائعه، فان شاء أخذه به كله حتى يوفيه اياه، وان شاء تركه، وان شاء أقاله منه كله، واذا كان له أن يقيله من كله اذا اجتمعا على الاقالة كان له اذا اجتمعا أن يقيله من بعضه فيكون ما أقاله منه كما لم يتبايعا فيه، وما لم يقله منه، يكن كما كان لازما له بصفته فان شاء أخذه وان شاء تركه.
ثم قال معللا لجواز الاقالة مع أنه لا يصح لمن أسلف فى طعام أن يبيعه - واذا أقاله منه أو من بعضه فالاقالة ليست ببيع انما هى نقض بيع تراضيا بنقض العقدة الأولى التى وجبت لكل واحد منهما على صاحبه .. فقد أخبرنا
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 73.
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 76.
(3)
المدونة ج 9 ص 76 وما بعدها.
(4)
المرجع السابق ج 9 ص 77.
سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء كان لا يرى بأسا فى أن يقبل رأس ماله منه أو ينظره أو يأخذ بعض السلعة وينظره بما بقى
(1)
.
واذا أقال رب السلم المسلم اليه من المسلم فيه أو بعضه فله عليه من رأس المال بقدر ما أقاله على ما روى الربيع عن الشافعى قال: أخبرنا سعيد ابن سالم القداح عن ابن جريج أنه قال لعطاء أسلفت دينارا فى عشرة أفراق فحلت أفأقبض منه ان شئت خمسة أفراق وأكتب نصف الدينار عليه دينا؟ فقال: نعم قال الشافعى لأنه اذا أقاله منه فله عليه رأس مال ما أقاله منه، وسواء انتقده أو تركه، لأنه لو كان عليه مال حال جاز أن يأخذه وأن ينظره به متى شاء
(2)
.
مذهب الحنابلة:
ذكر صاحب المنتهى أنه تصح اقالة فى سلم لأنها فسخ، وتصح اقالة فى بعضه لأنها مندوب اليها وكل مندوب اليه صح فى شئ صح فى بعضه كالابراء.
والاقالة تصح فى السلم وفى بعضه بدون قبض رأس مال السلم فى مجلس الاقالة ان وجد أو بدون قبض عوض رأس مال السلم ان تعذر رأس المال لتلفه، لأن الاقالة فسخ فاذا حصلت بقى الثمن بيد البائع أو فى ذمته، فلم يشترط قبضه فى المجلس كالقرض. واذا تمت الاقالة فى السلم وفسخ عقده فانه يجب على المسلم اليه رد ما أخذ من رأس مال السلم أن بقى لرجوعه لمشتر.
وان لم يكن ما أخذ من رأس مال المسلم باقيا فعليه رد مثله ان كان مثليا، ثم قيمته ان كان متقوما، أو تعذر المثل، لأن ما تعذر رده رجع يبدله
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: ولا تجوز الاقالة فى السلم لأن الاقالة تعتبر بيعا صحيحا ولا يصح أن يبيع الانسان ما لم يقبض فقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم فهى عن بيع ما لم يقبض وعن بيع المجهول لأنه غرر
(4)
.
مذهب الزيدية:
روى صاحب الروض النضير من الزيدية: أن الاقالة تصح فى السلم سواء كان فيه جميعه أو فى بعضه
(5)
.
لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أقال نادما أقاله الله نفسه
(1)
الأم ج 3 ص 116 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة الأميرية ببولاق مصر سنة 1321 هـ.
(2)
المصدر السابق ج 3 ص 117 الطبعة السابقة.
(3)
الشيخ منصور بن يونس البهوتى فى منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 2 ص 82 الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(4)
المحلى ج 9 ص 115 مسألة رقم 1623
(5)
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير لشرف الدين الحسين بن أحمد السياغى ج 3 ص 326 وما بعدها.
يوم القيامة. فان شرط فيها خلاف الثمن الأول لم تصح الاقالة اذ لم يسقطا حقهما من الثمن والمسلم فيه الا بشرط العوض وشرط خلافه باطل. فاذا بطل الشرط بطل المشروط.
وقيل: بل تصح الاقالة ويلغو الشرط ..
وهو الأقرب للمذهب
(1)
.
وذكر صاحب التاج المذهب أنه متى بطل السلم بالفسخ بسبب الاقالة أو غيرها لم يأخذ رب السلم من المسلم اليه الا رأس مال السلم ان كان باقيا فى يده أو عوضه ان كان تالفا، ففى المثلى مثله ان وجد أو قيمته يوم القبض ان عدم المثلى أو كان قيميا سواء تلف رأس المال - ولو حكما أو خرج عن ملك المسلم اليه بأى وجه. هذا بالنسبة لرأس المال أما فوائده فلا يصح أن ترد اذا كان الفسخ بالتراضى، وان كان بالحكم ردت الفوائد الأصلية دون الفرعية وان كان الفسخ لبطلان رأس المال ردت الفرعية والأصلية سواء كان الفسخ بالحكم أم بالتراضى اذ هو نقض للعقد من أصله. ولا يصح أن يبتاع رب السلم برأس المال شيئا قبل القبض اذا بطل السلم بالفسخ
(2)
.
مذهب الإمامية:
ذكر صاحب الخلاف أن الاقالة تصح فى بعض السلم كما تصح فى جميعه، لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أقال نادما فى بيعه أقاله الله نفسه يوم القيامة
(3)
.
وذكر أنه اذا أقاله بأكثر من الثمن أو بأقل منه أو بجنس غير جنسه كانت الاقالة فاسدة وكان المبيع على ملك المشترى كما كان، وأنه اذا أقاله جاز أن يأخذ مثل الذى أعطاه من غير جنسه مثل أن يكون أعطاه دنانير فيأخذ منه دراهم، أو أن يكون أعطاه عرضا فيأخذ دراهم وما أشبه ذلك، لقول الله تعالى:
(4)
وقول النبى صلى الله عليه وسلم: اذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم ولم يفرق فهو على عمومه
(5)
.
مذهب الإباضية:
ذكر صاحب شرح النيل منسوبا الى الشيخ أن السلم لا تجوز الاقالة فيه حتى يقبض، لأن الاقالة بيع ومن ثم فصحة الاقالة فى السلم تؤدى الى بيع ما لم يقبض سواء كان طعاما أو غيره ويؤدى الى بيع الطعام قبل أن يستوفى أن كان طعاما، وقد نهى النبى صلّى الله
(1)
البحر الزخار لاحمد بن يحى بن المرتضى ج 2 ص 409.
(2)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 2 ص 509، ص 510 مسألة رقم 237.
(3)
الخلاف فى الفقه ج 1 ص 595 مسألة رقم 15.
(4)
سورة البقرة الآية رقم 275.
(5)
الخلاف فى الفقه ج 1 ص 595، ص 596.
عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض ولذلك جازت الاقالة فيه بعد القبض. وان وقعت الاقالة ممن السلم عليه لغير من السلم له مثل أن يقول: ان على لزيد عشرة أمداد سلما قيمة درهمين فخذ منى يا بكر درهمين وأعط زيدا عشرة أمداد فان ذلك يجوز عند بعض الأئمة ويمنعه البعض الآخر.
أما من يقول بأن الاقالة ليست بيعا، بل هى فسخ فانه يجيز الاقالة بين المسلم والمسلم اليه ولو قبل قبض المسلم فيه
(1)
.
وينفسخ السلم كالدين بأخذه قبل أجله ولو برضاهما. وكذا ينفسخ بأخذ البعض من الدين أو البعض من السلم قبل الأجل وسواء أخذه قبل الأجل عمدا أو غلطا فى حلوله أو لأن أحدا أوهمهما
(2)
.
كما ينفسخ اذا أخذ رب السلم رأس ماله أو بعضه ولو بجهل، كأن ظن أن السلم منتقض أو سأل أحدا فأفتى له بنقضه أو تحاكم فحكم عليه بنقضه أو قال له قائل: ان سلمك منتقض فأخذ رأس ماله والسلم فى الحقيقة ليس منتقضا لكنه جهل بما يوصل اليه بالعلم أو بما لا يوصل اليه به. وانتقاض السلم هنا يتم باعطاء المستلف وقبض المسلف فلا يرد المسلف رأس ماله الى المستلف بعد ما رده وكذا أن اتفقا على نقض السلم فنقضاه
(3)
.
وذكر صاحب النيل أن السلم اذا فسخ بموجب فسخه - ولو بأخذ رأس المال أو بالاتفاق على أن يقبضه - فلا يصح لرب السلم أن يتعرض برأس ماله ان لم يقبضه - عروضا من مسلم اليه، لئلا يكون ذلك ذريعة الى ما لا يجوز لأنه ان باع بأكثر من رأس ماله أخذ زيادة على حقه فكأنه أعطاه دراهم مثلا بزيادة والعروض ذريعة، وان باع بالمساوى ولا نقص لم يجز أيضا طردا للباب وسدا للذريعة.
ولكن شارح النيل أباح لرب السلم هذا التعرض، لأسباب.
أولها: أن ما أخذه ليس من جنس رأس ماله فلا تضر زيادته بالتقويم على رأس ماله لأن التقويم أمر آخر. ومن باب أولى أن لا تضر زيادة ما أخذ اذا باعه بعد ما أخذه.
ثانيهما: أنه قد تقرر أن من له دنانير أو دراهم له أن يأخذ ممن هى عليه ما اتفقا عليه الا الربا فان الصحيح فيه لزوم رد ما أعطى وقد قيل فيه أيضا بجواز المقاصمة والتقاضى بنوع آخر. ودعوى أن المنع مخصوص برأس مال السلف لخروجه عن الأصل
(1)
الشيخ محمد بن يوسف اطفيش فى شرح النيل ج 4 ص 531.
(2)
شرح النيل ج 4 ص 413.
(3)
شرح النيل ج 4 ص 394.
لا دليل عليها، وانما تصح هذه الدعوى اذا لم يفسخ السلم، أما اذا فسخ فقد خرجا منه بالكلية فكأنه لم يقع.
ثالثها: أنه لا شئ من الذرائع المنهى عنها حكم بأنه ذريعة وقد سبقه الفسخ وتخلل الفسخ الأمر، فان لفظ التذرع ونحوه دال على التوصل والاتصال، أما اذا وقع الفسخ كما هنا فقد انفصل ما قبل الفسخ عما يقع بعده فكل ما يقع بعده فانما هو أمر مستقل مستأنف.
رابعها: ان ذلك ان وقع بعد حلول الأجل فالتهمة بعيدة مع ذلك لحدوث الفسخ، نعم يتهمان اذا اتفقا على نقضه أو الاقالة فيه.
ثم قال: أما اذا كان رب السلم قد رجع الى رأس ماله بلا فسخ بل باقالة أو باتفاق على نقضه بدون أن يكون ثمة ما يوجب نقضه فلا اشكال حينئذ فى منع التعرض، وان كان رأس المال غير الذهب والفضة منع التعرض قطعا، سواء وقع الفسخ أو الاقالة أو غيرهما لأنه يئول الى بيع ما لم يقبض وغير ذلك
(1)
.
حكم الخيار فى السلم
الخيار أنواع: خيار الشرط، وخيار الرؤية، وخيار العيب، ولكل منها حكمه فى السلم على حسب آراء أئمة المذاهب.
مذهب الحنفية:
جاء فى فتح القدير: أنه لا يصح السلم اذا كان فيه خيار الشرط للمسلم وللمسلم اليه أو لأحدهما، لأنه يمنع من تمام القبض لكونه يمنع من الانعقاد فى حق الحكم الذى هو ثبوت الملك، والسلم لا بد فيه من تسليم رأس المال ليتقلب فيه المسلم اليه ويتصرف، اذ الفرض أنه مفلس وأنه لم يلجأ الى عقد السلم الا لافلاسه، ومن ثم فلا بد من تمكينه من رأس المال حتى يقدر على تحصيل المسلم فيه الى الأجل، وهذا لأن المعلق بالشرط معدوم قبله فلا حكم أصلا - وهو الملك - فلا قبض
(2)
.
وذكر صاحب العناية: أن السلم لا يثبت فيه خيار الرؤية كذلك لكونه غير مفيد، لأن فائدة خيار الرؤية هو الفسخ عند الرؤية، والواجب بعقد السلم الدين، وما أخذه عين، فلو رد المأخوذ عاد الى ما فى ذمته، فيثبت الخيار فيما أخذه ثانيا وثالثا الى
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 394 وما بعدها.
(2)
الهداية مع فتح القدير ج 5 ص 343.
ما لا يتناهى، فاذا لم يفد الخيار - فائدته لا يجوز اثباته بخلافه فى بيع العين حيث يفيد فائدته لأن العقد ينفسخ عند الرؤية اذا رد المبيع لأنه رد عين ما تناوله العقد فيفسخ. ثم ذكر أن خيار الرؤية يصح فى رأس مال السلم
(1)
.
وذكر صاحب البحر الرائق: أن خيار الرؤية يثبت للمسلم اليه فى رأس مال السلم اذا كان عينا مثليا كان أو قيميا لأنه لا يمنع ثبوت الملك. وأنه لا يثبت للمسلم فى المسلم فيه
(2)
.
أما خيار العيب فذكر فى العناية أنه يصح فى المسلم فيه لأنه لا يمنع تمام القبض لأن تمام القبض انما يكون بتمام الصفقة، وتمامها يكون بتمام الرضا وهو موجود وقت العقد
(3)
هذا واذا أسقط خيار الشرط ممن هو له قبل أن يفترقا فلا يخلو الحال اما أن يكون رأس المال قائما، أولا، فان لم يكن رأس المال قائما لم يصح العقد بالاسقاط لأن بالهلاك صار دينا فى ذمة المسلم اليه فلو صح بالاسقاط كان برأس مال هو دين وذلك لا يجوز وان كان رأس المال قائما جاز العقد بالاسقاط خلافا لما يراه زفر من أنه لا يجوز كذلك
(4)
.
مذهب المالكية:
ذكر الخرشى أنه يجوز الخيار فى السلم للمسلم والمسلم اليه وسواء كان الخيار فى رأس مال السلم أو فى المسلم فيه، بأن يجعل أحد المتعاقدين لصاحبه أو لأجنبى الخيار فى امضاء عقد السلم أو رده بشرطين.
أحدهما: أن يكون ذلك ثلاثة أيام فأقل وهو الأجل الذى يجوز تأخير رأس المال اليه بالشرط.
ثانيهما: أن لا ينقد رأس المال فى زمن الخيار بشرط ولا تطوع، لأنه لو نقد وتم السلم لكان فسخ دين فى دين (أى لكان رأس مال دينا فى مسلم فيه هو دين وهو لا يجوز) لاعطاء المسلم اليه سلعة موصوفة لأجل عما ترتب فى ذمته وهو حقيقة فسخ الدين فى الدين
(5)
.
وقال الدسوقى فى حاشيته بل ان شرط النقد مفسد للسلم الواقع على الخيار مطلقا سواء حصل نقد بالفعل أم لم يحصل وسواء كان مما يعرف بعينه أم لا، وسواء أسقط الشرط أم لم يسقطه
(6)
.
(1)
شرح العناية على الهداية فى كتاب مع شرح فتح القدير ج 5 ص. 343 الطبعة المتقدمة
(2)
البحر الرائق لابن نجيم ج 6 ص 28 الطبعة المتقدمة.
(3)
العناية ج 5 ص 343.
(4)
فتح القدير على الهداية ج 5 ص 344 الطبعة المتقدمة.
(5)
شرح الخرشى ج 5 ص 203.
(6)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 3 ص 196.
مذهب الشافعية:
يفرق الشافعية فى السلم بين خيار المجلس وخيار الشرط، حيث يجيزون خيار المجلس فى السلم ولا يجيزون خيار الشرط فيه.
فقد قال صاحب المهذب: «يجوز فى السلم خيار المجلس، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا»
(1)
ولا يثبت فيه خيار الشرط لأنه لا يجوز أن يفترقا قبل تمامه ولهذا لا يجوز أن يتفرقا قبل قبض العوض فلو أثبتنا فيه خيار الشرط أدى الى أن يتفرقا قبل تمامه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى الشرح الكبير أنه يثبت خيار المجلس فى السلم، لما روى ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: اذا تبايع الرجلان فلكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فان خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وان تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع.
وروى عن الامام أحمد أنه لا يثبت فيه خيار المجلس
(2)
.
أما خيار الشرط فقد قال فيه صاحب المحرر أنه لا يثبت خيار الشرط فى بيع شرط القبض لصحته كالسلم.
وسوى صاحب النكت فى ذلك بين ما اذا كان اشتراط الخيار من الطرفين أو من أحدهما، وذكر أن العقد يفسد باشتراطه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن كل بيع وقع بشرط خيار للبائع أو للمشترى أو لهما جميعا أو لغيرهما. خيار ساعة أو يوم أو ثلاثة أيام أو أكثر أو أقل فهو باطل، سواء تخيرا انفاذ هذا البيع أو لم يتخيرا انفاذه، فان قبضه المشترى باذن البائع فهلك فى يده بغير فعله فلا شئ عليه، وان قبضه بغير اذن صاحبه لكن بحكم حاكم أو بغير حكم حاكم ضمنه ضمان الغصب، وكذلك ان أحدث فيه حدثا ضمنه ضمان التعدى
(4)
.
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أن من الخيار ما يصح فى السلم ومنه ما لا يصح فيفسد به السلم.
فقد ذكر صاحب التاج المذهب أنه يثبت فى المسلم فيه خيار الرؤية وخيار
(1)
أبو اسحاق الشيرازى فى المهذب ج 1 ص 297.
(2)
الشرح الكبير لشمس الدين بن قدامه مع المغنى ج 4 ص 61، ص 120.
(3)
النكت لمجد الدين أبى البركات مع المحرر ج 1 ص 272.
(4)
المحلى لابن حزم ج 8 ص 370 مسألة رقم 1420.
العيب
(1)
، وأما رأس مال السلم فاذا كان من النقدين فلا يثبت خيار الرؤية فيه - على ما ذكره صاحب التاج المذهب الا فيما كان معيبا منها فله خيار العيب، وحيث يثبت له الخيار فلا بد من أن يكون الفسخ فى وجه البائع ان كان حاضرا أو يعلمه بكتاب أو رسول اذا كان غائبا كما هو الحال فى جميع الفسوخات
(2)
، واذا رد رب السلم بخيار العيب لزم المسلم اليه ابداله غير معيب، وان رد بخيار الرؤية انفسخ السلم ولا يبدل، لأنه يؤدى الى التسلسل بخلاف الرد بالعيب
(3)
.
ومن أحكام شروط الخيار أنه يبطل الصرف والسلم وسائر الربويات فاذا دخل فى أيها أبطله ان لم يبطل الخيار فى المجلس والمراد قبل التفرق، لأنها مبنية على الابرام، والقبض والخيار ينافيهما، فأما اذا بطل الخيار قبل التفرق صح العقد
(4)
.
مذهب الإمامية:
ذكر صاحب الروضة البهية أنه اذا انقطع المسلم فيه عند الحلول حيث يكون مؤجلا ممكن الحصول بعد الأجل عادة فاتفق عدمه تخير المسلم بين الفسخ، فيرجع برأس ماله لتعذر الوصول الى حقه وانتفاء الضرر، وبين الصبر الى أن يحصل، وله ألا يفسخ ولا يصبر، بل يأخذ قيمته حينئذ لأن ذلك هو حقه.
والأقوى أن الخيار ليس فوريا، فله الرجوع بعد الصبر الى أحد الأمرين ما لم يصرح باسقاط حقه من الخيار، ولو كان الانقطاع بعد بذله ورضاه بالتأخير سقط خياره، ولو قبض البعض تخير أيضا بين الفسخ فى الجميع والصبر، وبين أخذ ما قبضه والمطالبة بحصة غيره من الثمن أو قيمة المثمن على القول الآخر، وفى تخيير المسلم اليه مع الفسخ فى البعض وجه قوى، لتبعض الصفقة عليه الا أن يكون الانقطاع من تقصيره فلا خيار له
(5)
.
اختلاف المتبايعين فى السلم
مذهب الحنفية:
اختلاف المتبايعين فى السلم اما أن يدور حول رأس مال السلم وما يتعلق به، واما أن يدور حول المسلم فيه وما يتعلق به من الوصف والأجل والاستيفاء ونحو ذلك.
(1)
التاج المذهب لاحكام المذهب لاحمد بن قاسم الصنعانى ج 2 ص 506 طبع دار احياء الكتب العربية سنة 1947 مسألة رقم 236.
(2)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 2 ص 397، 398 الطبعة المتقدمة مسألة رقم 208.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 506 مسألة رقم 236 الطبعة المتقدمة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 411 الطبعة المتقدمة مسألة رقم 210.
(5)
ج 1 ص 317 من كتاب الروضة البهية للسعيد زين الدين الجبعى العاملى.
وفى اختلاف المتبايعين فى رأس مال السلم ذكر ابن نجيم أنه اذا اختلف رب السلم والمسلم اليه - بعد اقالة عقد السلم - فى مقدار رأس المال لم يتحالفا، والقول للمسلم اليه مع يمينه، ولا يعود السلم، لأن الاقالة فى باب السلم لا تحتمل النقض، لأنه اسقاط فلا يعود، ثم قال صاحب البحر:
وينبغى أخذا من تعليلهم - أن المتبايعين فى السلم لو اختلفا فى جنسه أو نوعه أو صفته بعد الاقالة فالقول للمسلم اليه كذلك. ولم أره صريحا
(1)
.
وفى اختلاف المتبايعين فى المسلم فيه ذكر الزيلعى أن المتبايعين اذا اختلفا فى اشتراط الوصف فى المسلم فيه بأن قال أحدهما شرطنا رديئا، وقال الآخر: لم نشترط شيئا، أو قال أحدهما شرطنا الأجل، وقال الآخر لم نشترط شيئا كان القول قول من يدعى اشتراط الوصف والأجل، لأنه يدعى الصحة اذ السلم لا يجوز الا مؤجلا موصوفا فكان الظاهر شاهدا له لأن الفاسد حرام والظاهر من حال المسلم أن يتجنب الحرام ويباشر المباح، ثم الأصل فى جنس هذه المسائل أنهما اذا اختلفا فى الصحة فان خرج كلام أحدهما مخرج التعنت كان باطلا وكان القول قول من يدعى الصحة، وان خرج مخرج الخصومة فكذلك عند أبى حنيفة أن اتفقا على عقد واحد.
أما عندهما فان القول للمنكر. فلو أسلم مثلا - دراهم الى رجل فى كر حنطة فقال المسلم اليه: شرطنا رديئا، وقال رب السلم: لم نشترط شيئا كان القول قول المسلم اليه لأن رب السلم متعنت فى انكاره الصحة - اذ الظاهر أن المسلم فيه مع رداءته يزيد على رأس المال وكلام المتعنت مردود وفى عكسه بأن ادعى رب السلم شرط الردئ وأنكر المسلم اليه الشرط أصلا كان القول لرب السلم عند أبى حنيفة لأنه يدعى الصحة.
أما عندهما فان القول للمسلم اليه لأنه منكر، ولو قال المسلم إليه لم يكن له أجل وقال رب السلم: كان له الأجل كان القول لرب السلم عندهم، لأن المسلم اليه متعنت فى انكاره ما ينفعه - وهو الأجل وهو حق له - فكان باطلا - وكما أن القول لرب السلم فى ذكر الأجل فاليه يرجع أيضا فى تحديد مقدار الأجل.
أما اذا كان الأمر على خلاف ذلك بأن ادعى المسلم اليه الأجل وأنكره رب السلم فللحنفية فى ذلك قولان.
أولهما ما يقول به الامام أبو حنيفة وهو أن القول قول المسلم اليه لأنهما اتفقا على عقد السلم، واتفاقهما على العقد اتفاق على شرائطه، لأن شرط الشئ تبع له، وثبوته بثبوت الأصل، فانكار رب السلم الأجل بعد ذلك رجوع
(1)
البحر الرائق لابن نجيم ج 7 ص 243.
منه عما أقر به فلا يقبل كالمتناكحين اذا ادعى احدهما النكاح بغير شهود وادعاه الآخر بشهود كان القول لمن يدعى النكاح بالشهود.
وثانيهما ما يقول به الصاحبان وهو أن القول قول رب السلم، لأنه ينكر حقا عليه - وهو الأجل - فكان القول له وان أنكر الصحة كرب المال يقول للمضارب: شرطت لك نصف الربح الا عشرة دراهم. وقال المضارب: بل شرطت لى نصف الربح ولم تزد كان القول لرب المال وان كان فيه فساد العقد، لأنه منكر لاستحقاق الربح عليه
(1)
.
مذهب المالكية:
ذكر الدسوقى فى حاشيته على الشرح الكبير أن المسلم والمسلم اليه اذا تنازعا فى جنس الثمن أو فى جنس المثمن أو فى نوعهما تحالفا وتفاسخا فى حالة القيام والفوات وأما اذا تنازعا فى قدر الثمن أو المثمن أو فى قدر الأجل أو فى الرهن أو الحميل فمع القيام يتحالفان ويتفاسخان ويرد ما يجب رده فى فوات رأس المال من قيمة وغيرها وهو المثل واما مع الفوات فاذا فات رأس المال عينا أو غيرها فالذى يصدق بيمينه البائع وهو المسلم اليه ان أشبه أشبه المسلم أيضا أم لا، وان انفرد المسلم بالشبه فالقول قوله بيمينه، فان لم يشبها تحالفا وتفاسخا اذا كان التنازع فى غير قدر المسلم فيه ورد المسلم ما يجب رده من قيمة رأس المال أو مثله وان كان التنازع فى قدر المسلم فيه لزم المسلم اليه سلم وسط مما اعتاد الناس أن يسلموا فيه فى تلك السلعة وزمانها عند ابن القاسم.
قال الدسوقى: وظاهر هذا الحكم أنه من غير يمين - على ما ذكره العدوى - فاذا كان بعض الناس من أهل البلد يسلم عشرة دنانير فى عشرة أرادب مثلا وبعضهم يسلمها فى ثمانية أرادب، وبعض آخر يسلم ذلك فى اثنى عشر أردبا يلزم الوسط وهو العشرة. وان اختلفا فى موضع المسلم فيه الذى يقبض فيه صدق من يدعى أنه موضع عقده بيمينه سواء كان رب السلم أو المسلم اليه، لأنهما لو سكتا عن ذكر موضع القبض لحكم بموضع العقد، وان لم يدع واحد منهما أنه موضع العقد بل ادعى كل منهما موضعا غيره فالبائع وهو المسلم اليه - يصدق أن أشبه سواء أشبه المشترى أم لا لأنه غارم ولذلك ترجح جانبه بالغرم بخلاف ما اذا أشبه المشترى وحده فانه يصدق فان لم يشبه واحد منهما تحالفا وبدأ البائع وهو المسلم اليه باليمين وفسخ.
وهذا كله مع فوات رأس المال. وهل هو بتطول الزمن أو بقبضه؟ قولان ظاهر المدونة الثانى منهما: فان تنازعا
(1)
تبيين الحقائق للزيلعى ج 4 ص 122 وما بعدها.
فى محل قبضه قبل فواته تحالفا وتفاسخا سواء ادعى أحدهما موضع عقده أو ادعيا غيره أشبه أحدهما أم لم يشبه. واحتاج الفسخ الى حكم على الأظهر فلا يحصل الفسخ بمجرد تحالفهما ما لم يتراضيا عليه لأن المواضع كالآجال - فى أن لها حصة من الثمن.
ولو كان العقد قد تم بينهما على أن المسلم يقبض المسلم فيه فى مصر وأريد بها القطر بتمامه فان العقد يفسخ لفساده بسبب الجهل بالموضع الذى يقبض فيه المسلم فيه حيث أطلق الموضع وأريد به حقيقة مصر أى القطر بتمامه.
أما ان أريد بها المدينة المعينة فان العقد يجوز بشرط أن يقبض المسلم فيه فى الفسطاط وهو مصر القديمة. واذا اشترط المسلم قبض المسلم فيه فى الفسطاط كان جائزا فان حصل تنازع بين المسلم والمسلم اليه فى محلّ القبض من الفسطاط قضى بالقبض فى سوق تلك السلعة من الفسطاط ان كان لتلك السلعة بسوق بالفسطاط، كما اذا كريت حمارا على حمل اردب مثلا الى الفسطاط فيلزم الحمار أن يحمله على حمار الى سوق تلك السلعة، وان لم يكن لتلك السلعة سوق فى تلك البلد ففى أى مكان من تلك البلد قضاه برئ من عهدته ويلزم المشترى أن يقبله منه فى ذلك المكان الا أن يكون العرف بالقضاء فى محل خاص والا عمل به
(1)
.
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أن اختلاف المتبايعين:
سواء كان فى قدر المسلم فيه أو فى نوعه أو فى أجله يترتب عليه فى كل هذه الأحوال: حلف البائع ثم تخيير المشترى بين أن يأخذ بما أقر له به البائع بلا يمين أو أن يحلف فيبرأ من دعوى البائع ويتفاسخان.
وقال الشافعى رحمه الله فى الأم:
ولو اختلف المسلف والمسلف اليه فى السلم فقال المشترى اسلفتك مائة دينار فى مائتى صاع حنطة وقال البائع:
أسلفتنى مائة دينار فى مائة صاع حنطة حلف البائع بالله ما باعه بالمائة التى قبض منه الا مائة صاع فاذا حلف قيل للمشترى ان شئت فلك عليه المائة صاع التى أقر بها وان شئت فاحلف ما ابتعت منه مائة صاع وقد كان بيعك مائتى صاع لأنه مدع عليك أنه ملك عليك المائة الدينار بالمائة الصاع وأنت منكر فان حلف تفاسخا البيع. وكذلك لو اختلفا فيما اشترى منه فقال:
أسلفتك مائتى دينار فى مائة صاع تمر وقال: بل أسلفتنى فى مائة صاع ذرة.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير فى كتاب بهامشه الشرح الكبير ج 3 ص 194.
ص 195.
أو قال: أسلفتك فى مائة صاع بردى، وقال: بل أسلفتنى فى مائة صاع عجوة.
أو قال أسلفتك فى سلعة موصوفة، وقال الآخر: بل أسلفتنى فى سلعة غير موصوفة كان القول فيه كما وصفت لك يحلف البائع ثم يخير المبتاع بين أن يأخذ بما أقر له البائع بلا يمين أو يحلف فيبرأ من دعوى البائع ويتفاسخان.
وكذلك لو تصادقا فى السلعة واختلفا فى الأجل فقال المسلف هو الى سنة، وقال البائع هو الى سنتين. حلف البائع وخير المشترى فان رضى والا حلف وتفاسخا فان كان الثمن فى هذا كله دنانير أو دراهم رد مثلها أو طعاما رد مثله فان لم يوجد رد قيمته، وكذلك لو كان سلفه سلعة غير مكيلة ولا موزونة ففاتت رد قيمتها.
ثم قال: وهكذا كل ما اختلفا فيه من كيل وجودة وأجل.
قال: ولو تصادقا على البيع والأجل فقال البائع: لم يمض من الأجل شئ أو قال: مضى منه شئ يسير وقال المشترى: بل قد مضى كله أو لم يبق منه الا شئ يسير كان القول قول البائع مع يمينه وعلى المشترى البينة.
قال الشافعى رحمه الله: ولا ينفسخ بيعهما فى هذا من قبل تصادقهما على الثمن والمشترى والأجل، فأما ما يختلفان فيه فى أصل العقد فيقول المشترى اشتريت الى شهر ويقول البائع بعتك الى شهرين فانهما يتحالفان ويترادان من قبل اختلافهما فيما يفسخ العقد
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أن المتبايعين فى السلم ان اختلفا فى قدر الأجل بأن قال المسلم أسلمت اليك الى الشهر مثلا فقال المسلم اليه بل شهرين فالقول قول المسلم اليه، أو اختلفا فى مضى الأجل أو اختلفا فى مكان التسليم فالقول قول المسلم اليه بيمينه، لأن الأصل بقاء الأجل وبراءة ذمة المسلم اليه من مؤنة نقله الى الموضع الذى يدعيه المسلم وكذا ان اختلفا فى قدر المسلم فيه، وان اختلفا فى أداء المسلم فيه فقول المسلم بيمينه لأنه منكر للقبض والأصل عدمه، أو اختلفا فى قبض الثمن الذى وقع عقد السلم عليه فقول المسلم اليه بيمينه، لأنه منكر والأصل عدم القبض.
فان اتفقا على قبض الثمن وقال أحدهما كان القبض فى المجلس قبل التفرق وقال الآخر بل كان القبض بعد التفرق فالقول قول من يدعى القبض فى المجلس بيمينه، لأنه يدعى الصحة وذاك يدعى الفساد، والظاهر فى العقود الصحة فان أقاما
(1)
الام ج 3 ص 119 وما بعدها.
بينتين بما ادعياه، أو أقام مدعى القبض فى المجلس بينة وأقام الآخر بينة بضد ذلك قدمت أيضا بينة مدعى القبض فى المجلس، لأنها مثبتة وتلك نافية ولأن معها زيادة
(1)
.
مذهب الظاهرية:
يرى الظاهرية أن المتبايعين فى السلم اذا اختلفا فيمن عليه نفقات الأداء فان الذى عليه الحق هو الذى يتحمل تلك النفقات فقد ذكر ابن حزم فى المحلى
(2)
أن من كان لآخر عنده حق من بيع أو سلم أو غير ذلك من جميع الوجوه بكيل أو وزن أو ذرع فالوزن والكيل والذرع على الذى عليه الحق. ومن كان عليه دنانير أو دراهم أو شئ بصفة من سلم أو صداق أو اجارة أو كتابة أو غير ذلك فالتقليب على الذى عليه الحق أيضا، لأن الله تعالى أوجب على كل من عليه حق أن يوفى ما عليه من ذلك من هو له عليه، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بأن يعطى كل ذى حق حقه، فمن كان حقه كيلا أو وزنا أو ذرعا أو عددا موصوفا بطيب أو بصفة ما فعليه احضار ما عليه كما هو عليه، ولا شئ على الذى له الحق، وانما الحق له ولا حق عليه، وقد قال تعالى:
«وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ»
(3)
وقال الله تعالى «وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ»
(4)
وقال تعالى: «وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ 5» فان كان مدار الاختلاف حول ما سلم فيه بأن وجد فيه عيبا أو وجده مستحقا أو وجد بعضه كذلك فليس له الا أن يستبدل فقط، لأنه ليس له عين معينة انما له صفة فالذى أعطى هو غير حقه فعليه أن يرد ما ليس له وأن يطلب ماله
(6)
.
مذهب الزيدية:
ذكر صاحب التاج
(7)
المذهب من الزيدية أنه اذا اختلف رب السلم والمسلم اليه فى جنس المسلم فيه نحو أن يقول رب السلم أسلمت اليك فى بر فيقول المسلم اليه بل أسلمت الى فى شعير، وكذا اذا اختلفا فى نوع المسلم فيه نحو أن يقول رب السلم أسلمت اليك فى زبيب أبيض فيقول المسلم اليه: بل أسلمت الى فى زبيب أسود، وكذا اذا اختلفا فى صفته نحو أن يقول رب السلم أسلمت اليك فى بر أحمر فيقول بل أسلمت الى فى بر أبيض وكذا اذا اختلفا فى مكانه نحو أن يقول رب السلم أسلمت اليك وشرطت الايفاء
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 2 ص 125 طبعة المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(2)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 81، ص 82 الطبعة الاولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ.
(3)
الآية رقم 152 من سورة الأنعام.
(4)
الآية رقم 35 من سورة الاسراء.
(5)
الآية رقم 9 من سورة الرحمن.
(6)
المحلى ج 9 ص 71 الطبعة المتقدمة.
(7)
التاج المذهب لاحمد بن قاسم الصنعانى ج 2 ص 519 وما بعدها الطبعة المتقدمة.
فى البلد الفلانى فيقول: بل شرطت الايفاء فى البلد الفلانى. فاذا لم يكن المشترى قد قبض المبيع فاختلفا فى أى من هذه الأمور ولا بينة لأحدهما كان كل واحد منهما مدعيا ومدعى عليه فيتحالفان ويحلف كل واحد منهما على النفى أنه ما شرى كذا أو ما باع كذا وبعد التحالف يبطل العقد بالتراضى بينهما على فسخه أو يفسخه الحاكم عند التشاجر، فأما اذا كان المشترى قد قبض المبيع فالظاهر معه، لأن البائع يدعى الغلط فيما سلم وأن عليه البينة فى دعوى الغلط أو الزيادة فكذا فى الجنس فان اختلفا فى شئ مما تقدم وقدم كل واحد منهما بينة على دعواه فللمشترى الحكم عملا ببينته هذا ان أمكن أن يحتمل أنه وقع بينهما عقدان وبين كل منهما على عقد أى أقام كل منهما بينة على عقد، أما اذا لم يمكن حمل البينتين على عقدين اما لكونهما أضيفتا الى وقت واحد أو لكون البيعين تصادقا على أنه عقد واحد ..
فى هذه الأحوال تبطل البينتان فيرجع الى التحالف، فاذا حلفا معا بطل العقد لجهالة المبيع.
وأما اذا اختلف البيعان فى جنس الثمن الذى عقد به فالقول لمن يدعى منهما ما يتعامل الناس به فى ذلك البلد ولو كان من غير النقدين فلو كان فى البلد نقدان فالقول لمن يدعى الأغلب من النقدين فى التعامل به.
أما اذا اختلف البيعان فى قبض ثمن السلم ففى المجلس فقط القول قول المسلم اليه فى أنه لم يقبض الثمن، لأن الأصل قبل التفرق عدم القبض. وبعد التفرق يكون القول قول رب السلم والبينة على المسلم اليه، لأن من شرط السلم أن يكون قبض الثمن قبل التفرق فاذا ادعى المسلم اليه أنه لم يقبض ثمن السلم فقد ادعى فى الحقيقة فساد السلم والقول حينئذ يكون لمن ينكر فساده.
هذا واذا بطل السلم أو تفاسخا فيه وكان رأس المال قد تلف فى يد المسلم اليه وهو قيمى واختلفا فى قدر قيمته فالبينة على رب السلم والقول للمسلم اليه فى قيمة رأس المال اذا اختلفا فيه بعد التلف حسا أو حكما اذا بطل السلم بالتفاسخ فان القول قوله ما دام لم يمكن تقويمه فى يد من قد صار اليه. فلو قال رب السلم ما أدرى ماذا كان يساوى عرضى، وقال المسلم اليه ما أدرى ماذا كان يساوى لزم أن يوصف لمن يعرف ثمن مثله ثم يقوم قيمته على الوصف ثم يحكم بذلك بينهما ولا ينظر الى قيمة ما أسلم فيه.
مذهب الإمامية:
ذكر صاحب الخلاف أن المتبايعين إذا اختلفا فى قدر المسلم فيه أو فى قدر الأجل كان القول قول المسلم اليه مع يمينه، لأنه فى هذه الحالة يصبح مدعى عليه فيجب عليه اليمين مع فقد البينة
(1)
.
وذكر صاحب شرائع الاسلام أن المتبايعين بالسلم اذا اختلفا فى قبض رأس المال هل كان قبل التفرق أو بعده فالقول قول من يدعى الصحة ولو قال المسلم اليه قبضته ثم رددته اليك قبل التفرق كان القول قوله مع يمينه مراعاة لجانب الصحة
(2)
.
وقال الطوسى: اذا كان اختلاف المتبايعين فى قدر الثمن كان القول قول المشترى مع يمينه اذا لم يكن مع أحدهما بينة لأن المسلم فى هذه الحالة يكون هو المدعى عليه فيجب عليه اليمين ما دامت البينة معدومة مع كل منهما
(3)
.
مذهب الإباضية:
ذكر صاحب شرح النيل أن المسلم والمسلم اليه اذا اختلفا فى المكيال أو الميزان الذى يستوفى به المسلم فيه اعتبر المكيال أو الميزان المستخدم فى البلد الذى وقع فيه العقد، وكذا الحكم اذا اختلفا فى صفة المسلم فيه وغيره من كل ما خالف فيه بلد المسلم على الصحيح، فلو اختلف هل المسلم فيه ثوب ورجلان أو ثوب بسكرة حكم بثوبها ان عقدا فيها ويحكم بثوب ورجلان ان عقدا فيه، والا نظر الى الثوب الذى يكثر فى بلد العقد. ومثله اذا كان المسلم فيه خلا واختلفا فيه هل هو من بر أو من شعير أو من تمر أو من عنب أو غير ذلك
(4)
.
وان وقع الاختلاف بينهما فى حلول الأجل بعد أن تم اتفاقهما على كون الأجل مدة معينة ولم يدع أحد منهما زيادة فيها أو نقصا مثل ما اذا اتفقا على أن الأجل شهر، ثم ادعى أحدهما أن الهلال مرئى وأنكر الآخر.
أو أن يتفقا على أن الأجل شهر بالأيام أو ادعى أحدهما أن العقد كان يوم كذا ولكن الآخر ينكر ذلك. ومثل أن يتفقا على أن الأجل شهران فيقول أحدهما: ان البدء كان من شهر كذا بينما الآخر ينكر ذلك. فى كل هذه الاختلافات يقبل قول من قال: ان الأجل لم يحل مع يمينه على ما يقول سواء كان هذا القائل هو المسلف أو هو المتسلف، فان المسلف قد يحب التأخير لأمر من الأمور كما أن المتسلف قد يحب التعجيل لأمر ما، وأيضا
(1)
الخلاف لابى جعفر محمد الطوسى ج 1 ص 597 مسألة رقم 24 الطبعة المتقدمة.
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 190 الطبعة المتقدمة.
(3)
الخلاف فى مسائل الفقه للطوسى ج 1 ص 597 مسألة رقم 24 الطبعة المتقدمة.
(4)
شرح النيل ج 4 ص 367 وما بعدها.
لا يلزم الانسان أن يقبل ما يسهل له اذا سمح له فيه خصمه. هذا اذا لم يبين من يدعى أن الأجل حل بشهادة مجزئة.
وان أراد المدعى أن يحلف ووافقه المنكر ففى ذلك قولان، أما اذا كان الاختلاف بينهما يدور حول زيادة الأجل أو عدم زيادته فعلى من يدعى الزيادة فيه أن يقدم البينة على أنه بالزيادة كما ادعى فان جاء بالبينة حكم له بها، وان لم يجئ بها قبل قول من يقول بالأقل - ولو كان هو المسلف - مع يمينه على أن الأجل هو كذا وكذا مما هو أقل مما يقول به خصمه مثل أن يقول أحدهما: الأجل المحدد شهر واحد، ويقول الآخر: هو شهران.
فالقول لمن قال أنه شهر ولو كان هو المتسلف
(1)
.
كيفية استيفاء المسلم فيه وقضاؤه
مذهب الحنفية:
لما كان المسلم فيه مستقرا فى ذمة المسلم اليه أصبح استيفاء رب السلم اياه ذا صور متعددة منها ما يجرى وفق قواعد المذهب ومقرراته، ومنها ما يخرج عن الأصول المرعية فى باب السلم فلا يصح أن يكون واحدا من طرق استيفاء هذا الدين. فلو أن المسلم اليه اشترى كرا وأمر رب السلم بأن يقبضه على سبيل استيفائه حقه لم يصح ذلك طريقا لتوفيته حقه. أما اذا أمره المسلم اليه - فى نفس هذه الصورة - بأن يقبض الكر نيابة عنه ثم يعود فيقبضه لنفسه ففعل ذلك صح هذا الاستيفاء، لأنه قد اجتمع فى هذه الحالة صفقتان. الأولى صفقة بين المسلم اليه وبين المشترى منه والثانية صفقة بين المسلم اليه وبين رب السلم. وكلا الصفقتين يشترط فيه الكيل، وعليه فلا بد من الكيل مرتين قضاء للصفقتين. ولذلك لم يصح الطريق الأول فى استيفاء المسلم فيه لأنه لم يشتمل على الكيل مرتين، وصح فى الحالة الثانية حيث قبضه للمسلم اليه بالكيل أولا، ثم قبضه لنفسه بالكيل ثانيا.
والأصل فى ذلك ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه صاعان، صاع البائع وصاع المشترى.
وقال الزيلعى: ومحمله - يعنى الحديث على ما اذا اجتمعت الصفقتان فيه، وأما فى صفقة واحدة فيكتفى بالكيل فيه مرة واحدة فى الصحيح، وذلك لأن ما يقبضه رب السلم هو فى الحقيقة بدل عن المسلم فيه وان كان هو عينه حكما وليس استبدالا فكان بيعا حقيقة ولما كان استيفاء المسلم فيه هنا متأخرا عن شراء المسلم اليه ما اشتراه ثبت أنه صار بيعا جديدا بعد الشراء،
(1)
شرح النيل ج 4 ص 415.
فدخل فى مضمون الحديث فوجب فيه الكيل ثانيا
(1)
.
وكذلك لا يتم استيفاء المسلم فيه اذا دفع رب السلم الى المسلم اليه ظرفا مثل الغرائر وأمر المسلم اليه أن يكيل الطعام المسلم فيه ويجعله فى هذا الظرف ففعل المسلم اليه ورب السلم غائب.
وانما لا يكون مثل ذلك استيفاء للمسلم فيه، لأن حق رب السلم مستقر فى الذمة فلا يمكن أن يملكه الا اذا قبضه، وهو هنا لما أمر المسلم اليه بأن يكيل الطعام لم يكن قد وقع ملكه بالفعل فلم يصادف أمره ملكه فلم يصح أمره، وكل ما هنالك أن المسلم اليه أصبح مستعيرا للظرف حيث جعل فيه ملك نفسه كالدائن اذا دفع كيسا الى المدين وأمره أن يزن دينه ويجعله فيه فانه لا يصح.
وبناء على ما ذكر فلو أن رب السلم أمر المسلم اليه بأن يطحن هذا الطعام أو يلقيه فى البحر ففعل لم يلتزم رب السلم بشئ ويظل حقه متعلقا بذمة المسلم اليه هذا كله اذا كان رب السلم غائبا، فان كان حاضرا وكاله المسلم اليه بحضرته وخلى بينه وبين الطعام الذى كاله بطلبه فانه يصير قابضا له لأن التخلية تسليم
(2)
.
مذهب المالكية:
ذكر الخرشى أنه يجوز للمسلم أن يقبل الشئ الموصوف الذى يشتمل على صفة المسلم فيه سواء كان طعاما أو غير طعام - قبل أن يحل أجله بشرط أن يكون ذلك فى محله وأن لا يكون أجود منه ولا أردأ ولا أكثر ولا أقل لما فيه من حط الضمان وأزيدك، أوضع وتعجل وكلاهما ممنوع فى السلم.
ويصح لرب السلم أن يمتنع من قبول الصفة قبل أن يحل الأجل، لأن الأجل فى السلم حق لكل ما لم يكن المسلم فيه من النقد والا جبر على قبوله قبل الأجل.
أما بالنسبة لقبوله قبل محله فالحكم يختلف تبعا لاختلاف المسلم فيه.
فان كان المسلم فيه عرضا جاز لرب السلم أن يقبله قبل المحل المشترط فيه القبض سواء حل الأجل أو لم يحل، ولا فرق فى العرض بين الثياب والجواهر واللآلئ على المشهور، وسواء كان للعرض كلفة أم لا.
وان كان المسلم فيه طعاما جاز لرب السلم أن يقبله قبل محله الذى اشترط عليه أن يوفيه فيه على شريطة
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 4 ص 119 وما بعدها.
(2)
المصدر السابق ج 4 ص 120 وما بعدها.
أن يحل الأجل والا فلا يحل، لأن من عجل ما فى الذمة عد مسلفا وقد ازداد الانتفاع باسقاط الضمان عنه الى الأجل فهو سلف جر نفعا. ولأنه لا يلزم القضاء فى غير بلد السلم فأشبه عدم الحلول.
ولا يصح فى هذه الحالة أن يدفع المسلم اليه لرب السلم كراء ليحمل المسلم فيه، لأن البلدان بمنزلة الآجال ويزيد فى الطعام بيعه قبل قبضه والنسيئة لأنه أخذه عن الطعام الذى يجب له ليستوفيه من نفسه فى بلد الشرط والتفاضل وفيه وفى غيره سلف جر نفعا اذا كان المأخوذ من جنس رأس المال، وبيع وسلف وحط الضمان وأزيدك اذا كان فى موضع الاشتراط
(1)
أرخص.
ويلزم رب السلم بأن يقبل المسلم فيه.
سواء كان طعاما أو غيره - حيث حل الأجل وكان رب السلم والمسلم اليه فى بلد الشرط
(2)
كما أنه يلزم المسلم اليه أن يدفع المسلم فيه لرب السلم اذا طلبه منه. ويلزم القاضى أن يقبل المسلم فيه اذا كان رب السلم غائبا عن موضع القبض وليس له وكيل يقوم باستلامه وقد جاء المسلم اليه للقاضى بالشئ المسلم فيه.
هذا ويجوز لرب السلم - بعد حلول الأجل والمحل - أن يقبل المسلم فيه اذا دفعه المسلم اليه ولو كان أجود مما فى الذمة أو أردأ، لأن ذلك حسن قضاء فى الأول، وحسن اقتضاء فى الثانى.
اما أن يأخذ رب السلم - فى النقد والطعام أقل قدرا كعشرة بدلا من أحد عشر فلا يجوز له ذلك سواء كان هذا المأخوذ الأقل موافقا لصفة ما فى الذمة أو أجود مما فى الذمة أو أردأ منه الا أن يأخذ الأقل عن مثله قدرا ويبرئ بعد ذلك مما زاد على غير شرط، لأنه على وجه المعروف وليس على وجه المكايسة.
وفى ذلك قال الامام مالك: من له عليه مائة اردب سمراء الى أجل فلما حل الأجل أخذ منه خمسين محمولة وحط ما بقى فان كان ذلك بمعنى الصلح والتبايع لم يجز، وان كان ذلك اقتضاء عن خمسين منها ثم حط بعد ذلك بغير شرط جاز.
ويجوز ذلك فى غير النقد والطعام، فيصح أن يأخذ نصف قنطار من نحاس عن قنطار سواء أبرأ مما زاد أم لا، لأنه ليس بطعام ولا نقد. ولا يجوز قضاء دقيق عن قمح وعكسه على الأصح كما قال الامام مالك مراعيا رأى من يقول بأن الطحن ناقل، فصار الدقيق
(1)
شرح الخرشى ج 5 ص 225 وما بعدها.
(2)
المصدر السابق ج 5 ص 226.
والقمح مثل جنسين ففى قضاء أحدهما عن الآخر بيع الطعام قبل قبضه
(1)
.
ويجوز للمسلم اليه أن يقضى السلم من غير جنس المسلم فيه سواء حل الأجل أم لا بشروط ثلاثة.
الأول: أن يكون المسلم فيه مما يباع قبل قبضه، كما لو أسلم ثوبا فى حيوان فأخذ عن ذلك الحيوان دراهم، اذ يجوز بيع الحيوان قبل قبضه.
فان كان المسلم فيه مما لا يصح بيعه قبل قبضه كالطعام فلا يجوز أن يأخذ عنه دراهم، لأنه يؤدى الى بيع الطعام قبل قبضه وقد وقع النهى عنه.
الثانى: أن يكون المأخوذ مما يباع فلا يجوز أن يأخذ اللحم غير المطبوخ بدلا من الحيوان الذى هو من جنس اللحم ولا العكس، لأن بيعه به يدا بيد ممنوع للنهى عن بيع اللحم بالحيوان بالسلم فيه يدا بيد، كما لو أسلم دراهم فى ثوب مثلا فأخذ عنه طشتا من النحاس، اذ يجوز بيع الطشت بالثوب يدا بيد.
الثالث: أن يكون المأخوذ مما يجوز أن يسلم فيه رأس المال، كما لو أسلم دراهم فى حيوان فأخذ عن ذلك الحيوان ثوبا فان ذلك جائز، اذ يجوز أن يسلم الدراهم فى الثوب. فلا يجوز أن يأخذ عن ذلك الحيوان ذهبا ولا عكسه، اذ لا يجوز أن تسلم الدراهم فى الدنانير ولا عكسه، لأدائه الى الصرف المتأخر، وهذا خاص بما اذا باع رب السلم المسلم فيه من غريمه أما ان باعه من أجنبى لم يراع فى ذلك رأس المال، فيجوز أن يسلم دنانير فى حيوان ثم يبيع هذا الحيوان من أجنبى بورق أو غيره لأنه لا يراعى فى البيع من زيد، ما ابتيع من عمرو
(2)
.
مذهب الشافعية:
ذكر صاحب المهذب من الشافعية أنه اذا حل دين السلم وجب على المسلم اليه تسليم المسلم فيه على ما اقتضاه العقد، فان كان المسلم فيه تمرا لزمه ما يقع عليه اسم التمر على الاطلاق، فان أحضر حشفا أو رطبا لم يقبل منه. وان كان المسلم فيه رطبا لزمه ما يقع عليه اسم الرطب على الاطلاق، ولا يقبل منه بسر ولا منصف ولا مذنب ولا مشدخ.
وان كان المسلم فيه طعام البر لزمه ما نقى من التبن فان كان فيه قليل تراب نظرت فان كان أسلم فيه كيلا قبل منه، لأن القليل من التراب لا يظهر فى الكيل. وان كان
(1)
المصدر السابق ج 5 ص 226 وما بعدها.
(2)
المصدر السابق ج 5 ص 227.
أسلم فيه وزنا لم يقبل منه، لأنه يظهر فى الوزن فيكون المأخوذ من الطعام دون حقه.
وان كان المسلم فيه عسلا لزمه ما صفى من الشمع
(1)
. فان أسلم اليه فى ثوب فأحضر ثوبا أجود منه جاز لعموم خبر: «ان خياركم أحسنكم قضاء» ويجب أن يقبله فى الأصح، لأن الامتناع من قبوله عناد، وزيادته غير متميزة والظاهر أن باذله لم يجد غيره فخف أمر المنة فيه وأجبر على قبوله.
وفى غير الأصح لا يجب عليه أن يقبله لما فيه من المنة.
فان جاءه بالأجود وطلب عن الزيادة عوضا لم يجز، لأنه بيع صفة والصفة لا تفرد بالبيع، أما ان أتاه بثوب ردئ فان رب السلم لا يجبر على قبوله، لأنه دون حقه فان قال المسلم اليه لرب السلم خذه وأعطيك للجودة درهما لم يجز لأنه بيع صفة ولأنه بيع جزء من المسلم فيه قبل قبضه
(2)
.
فان أسلم فى جنس فجاء المسلم اليه بجنس آخر كما لو قدم برا بدلا من شعير فانه لا يصح
(3)
.
أما ان أسلم فى نوع من جنس فجاءه بنوع آخر من ذلك الجنس كالمعقلى عن البرنى والهروى عن المروى ففيه وجهان.
الوجه الأول - ونسبه صاحب المهذب الى أبى اسحاق - أنه لا يجوز، لأنه غير الصنف الذى أسلم فيه فلم يجز أخذه عنه كالزبيب عن التمر.
والوجه الثانى - ونسب الى أبى على بن أبى هريرة - أنه يجوز، لأن النوعين من جنس واحد بمنزلة النوع الواحد، ولهذا يحرم التفاضل فى بيع أحدهما بالآخر، ويضم أحدهما الى الآخر فى اكمال النصاب فى الزكاة
(4)
.
قال الرملى: وعلى الرأى الذى يجيز تغيير النوع فانه لا يجب على رب السلم أن يقبله، لاختلاف الغرض
(5)
.
هذا وذكر صاحب المهذب أنه ان أسلم اليه فى طعام بالكيل فدفع اليه الطعام من غير كيل لم يصح القبض، لأن المستحق أن يقبض بالكيل فلا يصح قبض بغير الكيل
(6)
.
ولو حدث أن المسلم اليه قام باحضار المسلم فيه قبل أن يحل وقته
(1)
المهذب ج 1 ص 300، 301.
(2)
المهذب ج 1 ص 301.
(3)
نهاية المحتاج ج 4 ص 209.
(4)
أبو اسحاق الشيرازى ج 1 ص 300 وما بعدها.
(5)
نهاية المحتاج ج 4 ص 209.
(6)
أبو اسحاق الشيرازى ج 1 ص 301.
فامتنع رب السلم من قبوله لغرض صحيح بأن كان المسلم فيه حيوانا يحتاج لمؤنة قبل المحل ولهذه المؤنة وقع، واحتاج لها فى كراء محله أو حفظه أو كان رب السلم يترقب زيادة سعره عند حلول أجله فيما يظهر. أو كان ذلك الوقت وقت اغارة وان وقع العقد وقتها فيما يظهر، أو كان رب السلم يريد أن يأكله عند ما يحل وقته طريا .. اذا امتنع رب السلم من قبول المسلم فيه قبل أن يحل وقته لمثل هذه الأسباب لم يجبر على أن يقبله وان كان للمسلم اليه غرض لما يترتب عليه من الأضرار برب السلم.
فاذا لم يكن لرب السلم غرض صحيح يجعله يمتنع عن قبوله قبل أن يحل وقته وكان للمسلم اليه غرض صحيح فى أن يتعجل بأدائه مثل فك الرهن، أو براءة الضامن أو خوف انقطاع الجنس عند حلول الأجل .. «فى هذه الحالة يجبر رب السلم على قبول المسلم فيه، لأن امتناعه حينئذ تعنت» .
وكذا يجبر على القبول فى الأظهر ان كان المسلم اليه قد أتى بالمسلم فيه لرب السلم لمجرد أنه يريد أن يبرئ ذمته.
ولو لم يكن للمسلم اليه غرض أصلا من تقديم المسلم فيه قبل أن يحل وقته وليس لرب السلم غرض يمتنع من أجله عن القبول فان امتنع من قبوله مع ذلك فالأوجه - على ما ذكره الرملى - أن يجبر على القبول، لما فى رفضه من التعنت.
وقيل: لا يجبر على القبول احترازا.
من المنة.
ولو أحضر المسلم فيه الحال فى مكان التسليم لغرض سوى ابراء الذمة كفك رهن أو براءة ضامن أجبر رب السلم على أن يقبله واذا كان لغرض البراءة أجبر على قبوله أو على الابراء، لأن امتناعه - وقد وجد مكان التسليم وزمانه - محض عناد، ومن ثم ضيق عليه بطلب الابراء بخلاف المؤجل والحال المحضر فى غير محل التسليم
(1)
.
ولو تقرر أن يجبر رب السلم على قبول المسلم فيه لأى حكمة من الحكم المذكورة أو أمثالها ولكنه أصر على أن لا يقبله مع ذلك كان من حق المسلم اليه أن يسلمه الى الحاكم أمانة عنده لرب السلم وينال هو بذلك براءة ذمته.
وعلى ذلك قال الزركشى: لو أن رب السلم كان غائبا أخذ الحاكم المسلم فيه أمانة عنده لرب السلم
(2)
.
ولو كان المسلم فيه ثمرة فانقطعت فى محلها أو غاب المسلم اليه فلم يظهر حتى نفدت الثمرة ففيه قولان.
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 212 وما بعدها.
(2)
المصدر السابق ج 4 ص 213.
أحدهما: أن العقد ينفسخ لأن المعقود عليه ثمرة هذا العام وقد هلكت فانفسخ العقد كما لو اشترى قفيزا من صبرة فهلكت الصبرة.
ثانيهما: أن العقد لا ينفسخ لكن رب السلم بالخيار بين أن يفسخ وبين أن يصبر الى أن توجد الثمرة فيأخذ، لأن المعقود عليه هو ما فى الذمة وليس ثمرة هذا العام.
والدليل على ذلك أنه لو أسلم اليه فى الثمرة عامين فقدم فى العام الأول ما يجب له فى العام الثانى جاز وما فى الذمة لم يتلف وانما تأخر فثبت له الخيار
(1)
.
ولو أن رب السلم وجد المسلم اليه بعد ان حل وقت التسليم فى غير محل التسليم المتعين بالعقد أو بالشرط فمن حق رب السلم أن يقوم بالدعوى عليه بالمسلم فيه والزامه بالسفر معه الى محل التسليم، أو يوكل ولا يحبس، لأنه لو امتنع لم يلزمه الأداء ان كان لنقله من محل التسليم الى محل الظفر مؤنة ولم يتحملها رب السلم لتضرر المسلم اليه بذلك بخلاف مالا مؤنة لنقله كيسير نقد، وبخلاف ماله مؤنة وتحملها رب السلم، لانتفاء الضرر حينئذ. فان كان المسلم فيه أغلى فى ذلك المكان منه فى محل السلم لم يلزمه الأداء وان قال بعضهم بأنه يلزم بالأداء ولا نظر لذلك.
ولا يطالب بقيمته ولو للحيلولة على الصحيح، لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه لكن له أن يفسخ عقد السلم ويسترد رأس المال وان لم يكن رأس المال موجودا استرد بدله كما لو انقطع المسلم فيه.
وقيل له أن يطالبه بقيمة المسلم فيه للحيلولة بينه وبين حقه.
وان امتنع رب السلم من قبول المسلم فيه فى غير محل التسليم وقد أحضره المسلم اليه هناك لم يجبر على الاستلام ان كان لنقله مؤنة الى محل التسليم ولم يتحملها المسلم اليه بمعنى تحصيله وتحمله الزيادة لا بمعنى دفع المؤنة لرب السلم لأنه اعتياض.
وان كان الموضع أو الطريق مخوفا وامتنع رب السلم من قبوله فى غير محل التسليم لم يجبر - كذلك - على استلامه لما فى ذلك من الاضرار به فان رضى هو بأخذه لم تجب له مؤنة النقل، بل لو بدلها المسلم اليه لم يجز له قبولها، لأنه كالاعتياض. فان لم يكن لنقل المسلم فيه مؤنة، ولم يكن الموضع أو الطريق مخوفا فالأصح اجبار رب السلم على قبوله لتحصل للمسلم اليه براءة الذمة
(2)
.
(1)
المهذب ج 1 ص 302.
(2)
نهاية المحتاج ج 4 ص 214.
وان دفع المسلم اليه الى رب السلم دراهم مثلا وقال له اشترلى بها مثل الذى لك على واقبضه لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه. فان قال له: اشترلى واقبضه لى، ثم اقبضه لنفسك، ففعل صح الشراء والقبض للمسلم اليه، ولا يصح قبضه لنفسه، لأنه لا يجوز أن يكون وكيلا لغيره فى قبض حق نفسه
(1)
.
ولو اتفق أن كان رأس المال على صفة المسلم فيه فأحضره المسلم اليه وجب على رب السلم أن يقبله
(2)
.
ولو أن رب السلم قبض المسلم فيه فوجد به عيبا فله أن يرده لأن اطلاق العقد يقتضى مبيعا سليما، فلا يلزمه أن يقبل المعيب فان رده ثبت له حق المطالبة بالسليم، لأنه أخذ المعيب عما فى الذمة، فاذا رده رجع الى ماله فى الذمة، وان حدث عنده عيب رجع بالأرش لأنه لا يمكنه رده ناقصا عما أخذ، ولا يمكن اجباره على أخذه مع العيب فوجب لذلك الأرش
(3)
.
فاذا فسخ عقد السلم بأى سبب من الأسباب رجع رب السلم الى رأس المال، فان كان باقيا وجب رده، وان كان تالفا ثبت بدله فى ذمة المسلم اليه، فان أراد أن يسلمه فى شئ آخر لم يجز، لأنه بيع دين بدين. وان أراد أن يشترى به عينا نظرت فان كان يجمعهما علة واحدة فى الربا كالدراهم بالدنانير والحنطة بالشعير لم يجز أن يتفرقا قبل قبضه كما لو أراد أن يبيع أحدهما بالآخر عينا بعين، وان لم تجمعهما علة واحدة فى الربا كالدراهم بالحنطة والثوب بالثوب ففيه وجهان:
أحدهما يجوز أن يتفرقا من غير قبض كما يجوز اذا باع أحدهما بالآخر عينا بعين أن يتفرقا من غير قبض.
ثانيهما لا يجوز، لأن المبيع فى الذمة فلا يجوز أن يتفرقا قبل قبض عوضه كالمسلم فيه
(4)
.
مذهب الحنابلة:
ذكر مجد الدين أبو البركات من الحنابلة أنه يجب على المسلم اليه أن يفى بدين السلم فى مكان عقده اذا أطلقا ولم يذكرا مكانا معينا فى العقد فان شرطا مكانا للتسليم غير مكان العقد صح ووجب عليه أن يفى بالمسلم فيه هناك
(5)
.
وقال صاحب هداية الراغب: ان شرطا مكانا صح ولرب السلم أن يأخذه فى غيره ان رضيا، فان قال المسلم اليه
(1)
المهذب ج 1 ص 302.
(2)
نهاية المحتاج ج 4 ص 214.
(3)
المهذب ج 1 ص 302.
(4)
المهذب ج 1 ص 302.
(5)
المحرر لمجد الدين أبى البركات ج 1 ص 334 طبع مطبعة السنة المحمدية.
لرب السلم خذه فى غير مكانه وخذ أجرة حمله الى موضع الوفاء لم يجز
(1)
. فان لم يحددا مكانا للتسليم وكان العقد فى مكان لا يصلح للوفاء به كالبرية أو البحر مثلا فقال ابن أبى موسى: لا يصح والحالة هذه - حتى يشترطا له مكانا يسلم فيه.
وقال القاضى: يصح عقد السلم ويوفيه فى أقرب الأماكن اليه ولو أن المسلم اليه عجل دين السلم وعرض على رب السلم أن يتسلمه قبل أن يحل وقت التسليم نظر. فان لم يترتب على التعجيل بتسليمه ضرر على رب السلم من خوف أو تحمل مئونة أو اختلاف قديمه وحديثه لزمه أن يقبله، لحصول غرضه وكذا اذا أتاه من نوع المسلم فيه لكنه خير منه فانه يلزمه القبول، لأن المسلم اليه زاده خيرا أما ان تضرر بتعجيله أو أتاه بدون المسلم فيه معجلا لم يلزمه القبول
(2)
.
قال عثمان أحمد النجدى: وكذا لا يلزمه القبول ان جاءه المسلم اليه بغير نوع المسلم فيه من جنسه ولو كان أجود منه.
أما ان جاءه بجنس آخر غير جنس المسلم فيه فانه لا يجوز لرب السلم أن يقبله.
ولو أن رب السلم قبض المسلم فيه فوجده معيبا فله الحق فى أن يرده اليه أو أن يأخذ أرش العيب
(3)
.
ولو تعذر على المسلم اليه أن يوفى رب السلم بالمسلم فيه كأن كان السلم الى وقت يوجد فيه المسلم فيه غالبا غير أن الاشجار لم تحمل الاثمار فى تلك السنة، ومثله ما اذا تعذر عليه تسليم بعضه فلرب السلم فى تلك الحالة أن يصبر الى أن يوجد ما أسلم فيه فيطالب به، وله أن يفسخ فيما تعذر ويأخذ الثمن الموجود أو عوضه ان كان تالفا فبأخذ مثل المثلى وقيمة المتقوم، وان فسخ فى بعض فبقسطه
(4)
.
مذهب الظاهرية:
من الأمور المقررة أن المسلم فيه حق المسلم قبل المسلم اليه، ومن ثم فحيثما لقيه عند ما يحل وقت القضاء فللمسلم أن يستوفى هذا الحق من المسلم اليه، فان غاب أنصفه الحاكم من مال المسلم اليه ان وجد له مالا، لقوله تعالى: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ}
(1)
هداية الراغب لعثمان أحمد النجدى ص 342.
(2)
المحرر ج 1 ص 334 طبعة مطبعة السنة المحمدية وهداية الراغب ص 340، 341.
(3)
هداية الراغب ص 341.
(4)
المرجع السابق ص 341.
{تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها»
(1)
فهو مأمور بأداء أمانته حيث وجبت عليه ويسألها
(2)
.
ولو أن رب السلم لم يتمكن من استيفاء المسلم فيه لتضييع قبضه أو لاشتغال حتى فات وقته وأصبح معدوما فان صاحب الحق مخير بين أن يصبر حتى يوجد وبين أن يأخذ قيمته لو وجد فى ذلك الوقت من أى شئ تراضيا عليه لقوله تعالى:
«وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ 3» فحرمة حق صاحب السلم اذا لم يقدر على عين حقه كحرمة مثلها
(4)
.
مذهب الزيدية:
قال صاحب البحر الزخار: اذا كان المسلم فيه تمرا أو زبيبا سلم جافا اذ هو المعتاد، وان كان رطبا سلم رطبا لا بسرا أو مذنبا أو مشدخا اذ ليس مثل ذلك برطب وكذلك يقال فى العنب. واذا أسلم فى مكيل سلمه نقيا من التبن والتراب ويعفى عن اليسير فى الكيل أما فى الوزن فلا يعفى فيه عن شئ من ذلك ولو كان يسيرا. وليس له الزيادة على المعتاد فى ايفاء المكيل من زلزلة أو صك أو تلق.
ويجوز لرب السلم وللمسلم اليه أن يتصالحا على مثل رأس المال، ويعتبر من باب الاقالة، اذ هى لا تتجاوز ذلك
(5)
.
وقال أحمد بن قاسم الصنعانى:
ويصح أن يقوم المسلم اليه بتعجيل المسلم فيه قبل أن يحل أجله المتفق عليه على أن يكون مساويا لما يلزم له قدرا وصفة وألا يخشى رب السلم عليه من ظالم وألا يكون له غرض من تأخيره الى أن يحل أجله.
هذا ويصح أن يتفقا على التعجيل على شرط أن يحط بعض المسلم فيه.
واذا سلم المسلم اليه بعض الذى عليه لم يجب على رب السلم أن يقبله سواء كان الباقى ممكنا تسليمه أو متعذرا فأن رضى صاحب السلم بأن يقبض البعض خير فى الباقى بين أن يفسخ أو أن يصبر حتى يجد الباقى وذلك لأن الاقالة فى السلم تصح اتفاقا فتصح فى بعضه كما تصح فى جميعه.
واذا تراضيا على تسليم أدنى مما شرط فى النوع أو فى الصفة بدون عوض عن النقص جاز بخلاف ما اذا كان التراضى على أن يدفع المسلم اليه عوضا عن النقصان فانه لا يجوز كما
(1)
سورة النساء الآية رقم 58.
(2)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 110 مسالة رقم 1616 الطبعة المتقدمة.
(3)
سورة البقرة الآية رقم 194.
(4)
المحلى ج 9 ص 115 مسألة رقم 1622.
(5)
البحر الزخار لاحمد بن يحيى بن المرتضى ج 2 ص 408، ص 410 طبعة مطبعة أنصار السنة المحمدية سنة 1948.
أنه لا يجوز أن يتراضيا على دفع عوض عن المسلم فيه
(1)
.
ويجب على المسلم اليه أن يوفى صاحب السلم حقه فى المكان الذى اتفقا على تعيينه فلو تراضيا عند التسليم على تسليمه فى بلد غير البلد الذى شرط تسليمه فيه مع أجرة من يحمله الى البلد الذى شرط تسليمه فيه جاز أخذ الأجرة ولو أخذها المسلم اليه لنفسه
(2)
.
هذا وقد قرر صاحب التاج المذهب أن المسلم اليه اذا تعذر عليه توفية صاحب السلم حقه لعدم جنس المسلم فيه فان لهما أن يفسخا عقد السلم لتعذر الشليم الا أن يتراضيا على الانظار حتى يوجد، وكذا اذا تعذر على المسلم اليه تسليمه لاعساره.
أما لو وجد المسلم فيه فى ملك الغير وكان فى امكان المسلم اليه أن يشتريه ليقوم بتسليمه لزمه أن يحصله بما لا يجحف ولو كان ذلك من صاحب السلم شراء أو نحوه. فلو عدم نوعه أو صفته ووجد غيره فهو اما أن يكون أعلى من النوع المشروط أو أدنى منه.
فان كان النوع الموجود أعلى من النوع المشروط لم يجز لصاحب السلم أن يأخذه الا اذا رضى المسلم اليه وعندئذ يخير صاحب السلم بين قبوله أو الفسخ أو التأخير حتى يوجد.
وان كان الموجود أعلى فى الصفة من المشروط فالواجب على صاحب السلم أن يقبله ولم يبق له خيار ما لم يكن على خلاف غرضه فلا يجب عليه اذن قبوله.
وان كان الموجود أدنى من المشروط فى الصفة فلا يلزم صاحب السلم بقبوله بل يلزم المسلم اليه تسليمه ان طلب صاحب السلم لأنه قد رضى بنقصان حقه
(3)
.
ويصح من صاحب السلم أن ينظر المسلم اليه الذى عدم جنس المسلم فيه أو نوعه أو صفته اذا عدم ذلك فى البرية فله أن ينظره وللمسلم اليه أن يرضى بالانظار أو يفسخ لتعذر التسليم، واذا رضى المسلم اليه بالانظار أصبح لازما، لأنه مستند الى عقد فلا يجوز الطلب فى مدة الانظار.
ويصح من صاحب السلم والمسلم اليه الحط والابراء والاسقاط عن صاحبه سواء كان من رأس المال أو من المسلم فيه وسواء كان بعض الحق الذى وجب أو كله فيصح ذلك قبل القبض غالبا وبعده لكن بلفظ التمليك. وذلك ان كان بعد القبض صح فى البعض والكل من غير فرق بين رأس المال والمسلم فيه
(1)
التاج المذهب لاحكام المذهب لأحمد بن قاسم الصنعانى ج 2 ص 507، 508.
(2)
التاج المذهب ج 2 ص 508 الطبعة المتقدمة.
(3)
التاج المذهب لاحمد بن قاسم الصنعانى ج 2 ص 509، 510 مسألة رقم 237.
اذا كان بلفظ التمليك أو النذر أو الهبة أو الصدقة لا بلفظ الابراء ونحوه فلا يصح. وان كان قبل القبض فان كان من المسلم فيه صح فى البعض والكل اذا كان بلفظ الابراء والاسقاط أو الحط لا بلفظ التمليك فلا يصح
(1)
.
مذهب الإمامية:
اذا أسلم فى رطب الى أجل فلما حل الأجل لم يتمكن من مطالبته لغيبة المسلم اليه، أو لغيبته هو أو لهرب المسلم اليه منه أو لتواريه من سلطان أو ما أشبه ذلك. فلما قدر عليه كان الرطب قد انقطع فان المسلم فى هذه الحالة له الخيار بين أن يفسخ العقد وبين أن يصبر الى العام القابل
(2)
.
أما اذا كان عدم التمكن من التسليم راجعا الى انقطاع المسلم فيه عند ما حل أجل التسليم - وقد كان ممكن الحصول بعد الأجل فى العادة غير أنه اتفق عدمه فى هذه المرة - فى هذه الحالة يخير صاحب السلم بين أن يفسخ عقد السلم فيرجع على المسلم اليه برأس ماله لتعذر وصوله الى حقه وانتفاء الضرر وبين أن يصبر الى أن يتمكن المسلم اليه من الحصول على المسلم فيه وله كذلك ألا يفسخ ولا يصبر بل يأخذ قيمته حينئذ، لأن ذلك هو حقه.
والأقوى أن الخيار ليس فوريا فله أن يرجع بعد الصبر الى أحد الأمرين ما لم يصرح بأنه أسقط حقه من الخيار.
ولو كان انقطاع المسلم فيه انما حدث بعد أن بذله المسلم اليه ورضى رب السلم بالتأخير فان حقه فى الخيار يسقط.
ولو قبض بعض المسلم فيه كان له الخيار كذلك بين أن يفسخ فى الجميع والصبر وبين أن يأخذ ما قبضه ويطالبه بحصة غيره من الثمن أو قيمة المثمن على القول الآخر.
واذا كان الانقطاع فى البعض من غير تقصير من المسلم اليه فان الرأى القوى أن الخيار من حقه هو أيضا وذلك لتبعض الصفقة عليه. فان كان الانقطاع من تقصيره فلا خيار له
(3)
.
ويجوز لصاحب السلم أن يبيعه بعد حلول أجله وقبل قبضه على الغريم أو غيره الا أنه مكروه للنهى عن ذلك فى قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعن شيئا حتى تقبضه
(4)
» ونحوه المحمول على الكراهة.
ويجوز لصاحب السلم أن يأخذ فى المسلم فيه نوعا آخر منه آتاه
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 511، 512.
(2)
الخلاف فى الفقه ج 1 ص 591.
(3)
الروضة البهية ج 1 ص 314.
(4)
الروضة البهية للعاملى ج 1 ص 317 طبعة دار الكتاب العربى بمصر.
به المسلم اليه كما لو أسلم فى زبيب رزاقى مثلا فأتاه بزبيب خراسانى أو أسلم فى ما عز فأتاه بضأن، ما داما قد تراضيا بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:«الصلح جائز بين المسلمين الا ما حرم حلالا أو حلل حراما» وكذا اذا أسلم فى تمر فأتاه بزبيب، أو أسلم فى ثوب قطن فأتاه بكتان وتراضيا به فانه يجوز لحديثه صلى الله عليه وسلم السالف
(1)
.
فان كان ما دفعه المسلم اليه لرب السلم دون صفة المسلم فيه ورضى رب السلم به صح وبرئ المسلم اليه سواء شرط ذلك لأجل التعجيل بالتسليم قبل حلول الأجل أو لم يشترط.
أما ان كان ما أتى به المسلم اليه مثل صفة المسلم فيه فانه يجب على رب السلم أن يقبضه أو أن يبرئ المسلم اليه، ولو امتنع من قبضه قبضه الحاكم اذا سأل المسلم اليه ذلك وان كان ما أتى به المسلم فوق الصفة فانه يجب على رب السلم قبوله ولو دفع أكثر لم يجب قبول الزيادة واذا دفع المسلم اليه الى صاحب الدين عروضا على أنها قضاء ولم يساعره احتسب بقيمتها يوم القبض
(2)
. فان جاء المسلم اليه بالمسلم فيه أجود مما شرطا من الصفة وقال: خذ هذا وأعطنى بدل الجودة دراهم لم يجز، لأن الجودة صفة لا يمكن أفرادها بالبيع ولا دليل على صحة ذلك
(3)
.
ولو شرطا موضعا للتسليم ثم تراضيا بقبضه فى غيره جاز وان امتنع أحدهما لم يجز
(4)
.
قال الطوسى: فان كان موضع التسليم محددا وأتاه المسلم اليه بالمسلم فيه فى غيره وبذل له أجرة الحمل وتراضيا به كان جائزا، لأن الأصل الاباحة الا أن يمنع مانع وليس ثم مانع من ذلك.
وان أتاه بالمسلم فيه قبل أن يحل أجله لم يلزم رب السلم قبوله حتى لو كان المسلم فيه لا يخاف عليه، ولا كان مما يحتاج الى موضع كبير يحفظه فيه لانه يجوز أن يكون له غرض فى تأخيره وأخذه فى محله وان لم يظهر لنا ذلك، ولأن اجباره على ذلك يحتاج الى دليل
(5)
.
ولو أن رب السلم قبض المسلم فيه فانه يصبح معينا وتبرأ ذمة المسلم
(1)
الخلاف للطوسى ج 1 ص 597، ص 598 وما بعدها مسألة رقم 26، 27.
(2)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى منشورات دار مكتبة الحياة بيروت ج 1 ص 189 وما بعدها.
(3)
الخلاف ج 1 ص 598، 599 مسألة رقم 31.
(4)
شرائع الاسلام ج 1 ص 190.
(5)
الخلاف ج 1 ص 598 مسألة رقم 28، 29.
اليه، فان وجد به عيبا فرده الى المسلم اليه زال ملكه عنه وعاد الحق الى الذمة سليما من العيب
(1)
.
أما اذا قبض المسلم فيه وحدث فيه عيب عنده، ثم وجد فيه عيبا آخر كان به قبل أن يقبضه من المسلم اليه فليس من حقه أن يرده لكن له أن يطالبه بالأرش
(2)
.
مذهب الإباضية:
قال صاحب شرح النيل: لا يأخذ رب السلم غير ما أسلم فيه ولا يأخذ رأس ماله على أنه قيمة الحب مثلا، الذى أسلم فيه لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال:(من أسلم فى شئ فلا يصرفه فى غيره) ولأنه اذا أخذ غير ما أسلم فيه أو أخذ رأس ماله على المعنى المذكور فكأنه قد باع ما فى ذمة المسلم اليه قبل قبضه بما أخذ منه، وباع ما ليس معه وان ربح بذلك فقد ربح بما لم يضمن.
وان كان قد أسلف فى طعام فقد باع طعاما قبل أن يستوفى أيضا. وفى أخذ رأس ماله تذرع الى الربا، لأنه آل الى بيع شئ بجنسه نسيئة.
أما ان أخذ رأس ماله بعد أن يتفقا على فسخ السلم بالأقالة فلا بأس فيه.
وكذا لا يجوز أن يأخذ بعض رأس ماله على أنه قيمة الحب. مثلا - وأن يترك الباقى
(3)
.
ويجوز أن يأخذ رب السلم شعيرا فى بر - مثلا - بلا زيادة فى كيل الشعير من الشعير ولا من غيره ولا زيادة شئ آخر بل يأخذ كيل شعير بدل كيل البر ان رضى رب السلم والمسلم اليه، وعلة ذلك أن الشعير يجرى مجرى البر، ألا ترى أن نصاب أحدهما يكمل بالآخر وان بيع أحدهما بالآخر نسيئة يكون ربا. ولو زاد له مما نقص بالقيمة كان بيعا لما فى الذمة بأكثر منه.
ويجوز أن يأخذ رب السلم فى نوع من التمر نوعا منه غيره ان كان الذى يأخذه دون اشتراطه بأن لم يصل الى حد اشتراطه فى المسلم فيه مثل أن يسلم فى تمر دقل نورة فيأخذ تمر غرس مطقين أو يسلم فى تمر غرس مطقين ويأخذ تمرا دالة، وكذا أن أخذ ما دونه بمرتبتين أو بمراتب كتمر ادالة بدلا من تمر دقل نورة وكتمر سابقة ثلاث بدلا من تمر دقل نورة، وكذا يأخذ الدنئ من كل نوع بدلا من عليه كلحم معز بدلا من لحم ضأن وكذا يصح أن يأخذ رب السلم فى المسلم فيه نوعا منه غيره اذا كان يماثله.
(1)
شرائع الاسلام ج 1 ص 190.
(2)
الحلاف ج 1 ص 598 مسألة رقم 30.
(3)
شرح النيل للشيخ محمد اطفيش ج 4 ص 388.
أما اذا كان البدل أعلى من المسلم فيه فان صاحب النيل يمنعه، فلا يصح أن يأخذ رب السلم العلى بدلا من الأدنى لا سواء ولا بالتقويم والتقدير فلا يأخذ برا بدلا من شعير لما يترتب عليه من بيع ما فى الذمة بأكثر.
وقيل يجوز أن يأخذ الأعلى بدلا من الأدنى أيضا كأن يأخذ برا فى شعير، وكل أجود بدل الأردأ من نوعه اذا شرط ذلك فى عقد السلم بناء على جواز البيع والشرط ولا سيما اذا قال له ان لم تجد الأدنى أعطيتنى الأعلى.
أما أن يأخذ من النوع بعينه أجود مما عليه العقد، أو أن يأخذ الزيادة فيجوز عندنا ويدل لذلك ما روى من أن النبى صلى الله عليه وسلم اقترض بكرا فرد رباعيا. ولا يعد بيعا لما فى الذمة كما لا يعد استبدالا بل هو من حسن القضاء.
وان أعطاه من نفس ما أسلم فيه لكنه دون ما أسلم فيه فى الذات أو فى الجودة فان قبله رب السلم من غير زيادة عوض جاز وان قبله على أن يأخذ عوض ما نقص عرضا أو درهما أو دينارا أو نحو ذلك فلا يجوز قيل لأنه اذا أخذ النقص من جنس ما أسلم كالدراهم ففيه أخذ بعض رأس المال وبعض المسلم فيه.
وان أخذ غيره ففيه بيع ما لم يقبض فيصير العقد فى آخر الأمر مشتملا على ما لا يجوز فيفسد كله على الراجح وان أخذ الأفضل وتصدق عليه المتسلف بالزائد فيه أو أخذ منه قيمة ما زاد جاز
(1)
.
وذكر صاحب شرح النيل أن الربيع رحمه الله لا يجيز أن يأخذ رب السلم بعض المسلم فيه وبعض رأس المال، فان فعل ذلك فسد السلم كله ما أخذ من المسلم فيه وما أخذ من رأس المال فيرجع الى رأس ماله كله ويرد ما وصله من المسلم فيه، لأن ذلك ذريعة الى بيع وسلف بأن يكون العقد أولا على السلم وكان مرجعه آخرا الى بيع وسلم فكأنه عقد البيع أولا بسلم وغيره من البيع بأن عد قبض بعض رأس المال بيعا به لما فى الذمة من بقية المسلم فيه وكان ذلك فى معنى بيع ما لم تقبض وبيع ما ليس معك وبيع الطعام قبل أن يستوفى مثلا.
وأما أن أخذ رب السلم رأس ماله كله أو أقل ولم يأخذ بعض المسلم فيه فانه يجوز حينئذ اما أن كان ما أخذه أكثر من رأس ماله فانه لا يصح.
ويجوز على الصحيح أن يأخذ بعض رأس ماله وبعض المسلم فيه وذلك اذا فسخا عقد السلم فى بعض وأبقياه فى بعض وليس على سبيل التقويم، لأنه ذكر رأس المال، لأن التقويم بيع قبل قبض. وهذا من حسن الاقتضاء المأمور
(1)
شرح النيل ج 4 ص 388 وما بعدها.
به فى جانب البائع وفى جانب المشترى فان حسن الاقتضاء يشمل ما اذا أعطى من عليه الحق أكثر مما لزمه أو أجود منه أورد بعض الثمن، ويشمل ما اذا ترك له من له الحق بعض حقه أو زاد بعض الثمن أو أعطى أجود، كما يشمل ما اذا وافق أحدهما الآخر الى ما يسهل له مثل أن لا يجد المسلم اليه وفاء السلم كله فيضيق حاله فيرفق به رب السلم بقبول بعض الثمن ومثل أن يرغب رب السلم فى بعض الدراهم لحاجة فيرفق عليه المسلم اليه فيعطيه حقه بعضه مسلما فيه وبعضه دراهم من رأس ماله
(1)
.
هذا وقد اختلف أئمة المذهب فى مكان قبض المسلم فيه ان لم يعين مكان قبضه - على القول بعدم وجوب تعيين مكان القبض.
فقال جماعة: مكان القبض هو المكان الذى يدفع فيه الثمن.
وقال جماعة: مكان القبض هو بلد المستلف وهو الذى ترتب المسلم فيه فى ذمته.
وقالت طائفة: مكان القبض فى بلد المسلف.
وقال آخرون: مكان القبض حيث حكم به
(2)
.
إسلام
المعنى اللغوى:
فى القاموس المحيط أسلم انقاد وصار مسلما والمصدر اسلام وأسلم أمره الى الله تعالى سلمه.
وفى المصباح: أسلم لله انقاد وأسلم دخل فى دين الاسلام وأسلم دخل فى السلم وأسلم أمره الى الله تعالى سلمه أى أوصله وتركه له.
وقد جاء فى القرآن كثيرا بمعنى انقاد وخضع وأخلص كما فى قوله تعالى «بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ»
(3)
أى أخلص وجهه لله تعالى وقوله «أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ»
(4)
أى خضع وقوله «إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ»
(5)
أى انقدت وأخلصت وخضعت.
كما جاء فيه بمعنى الدخول فى دين الاسلام وذلك فى قوله تعالى «وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا»
(6)
أى أدخلتم فى دين الاسلام وقوله تعالى: «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا}
(1)
الشيخ محمد أطفيش ج 4 ص 392 وما بعدها.
(2)
شرح النيل ج 4 ص 376 وما بعدها.
(3)
الآية رقم 113 من سورة البقرة.
(4)
الآية رقم 83 من سورة آل عمران.
(5)
الآية رقم 131 من سورة البقرة.
(6)
الآية رقم 20 من سورة آل عمران.
{أَسْلَمْنا»
(1)
أى انقدنا ودخلنا فى الاسلام ظاهرا.
وكذلك جاء لفظ الاسلام فى القرآن علما على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عقائد وشرائع وأحكام كما فى قوله تعالى «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ»
(2)
(3)
وقوله «وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً»
(4)
وقوله تعالى «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»
(5)
.
ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاسلام فعرفه بما روى عنه صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم فى حديث عبد الله بن عمر عن أبيه رضى الله عنهما قال: حدثنى أبى عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم اذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس الى النبى صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه الى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال يا محمد. أخبرنى عن الاسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت ان استطعت اليه سبيلا، قال: صدقت قال: فتعجبنا له يسأله ويصدقه قال: فأخبرنى عن الايمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره
(6)
، قال: صدقت قال: فأخبرنى عن الاحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك قال فأخبرنى عن الساعة قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال: فأخبرنى عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة والعالة رعاة الشاه يتطاولون فى البنيان، قال: ثم انطلق ثم قال لى يا عمر: أتدرى من السائل قلت الله ورسوله أعلم، قال انه جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم.
وروى مسلم أيضا عن أبى هريرة قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بارزا للناس فأتاه رجل فقال:
يا رسول الله ما الايمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر قال يا رسول الله ما الاسلام قال: الاسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدى الزكاة المفروضة وتصوم رمضان
(7)
(1)
الآية رقم 14 من سورة الحجرات.
(2)
الآية رقم 19 من سورة آل عمران.
(3)
الآية رقم 85 من سورة آل عمران.
(4)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(5)
الآية رقم 14 من سورة الأنعام.
(6)
صحيح مسلم ج 1 ص 65 كتاب الايمان.
(7)
صحيح مسلم يشرح النووى ج 1 كتاب العلم ص 163.
الحديث، ثم ساق مسلم أحاديث أخرى بأسانيد مختلفة كلها تدل على أن الاسلام عبارة عن عقيدة وانقياد وخضوع لما أمر به الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من عمل يتقرب به اليه وينال به رضاه ويقرب صاحبه من الجنة.
وكان استعمال اسم الاسلام فيما ذكرنا من المعانى التى تتمثل فى الانقياد والخضوع والاخلاص لله تعالى والدخول فى الاسلام ظاهرا، وذلك باتخاذه دينا وملة استعمالا عربيا عرفه أصحاب اللغة واستعملوا اسم الاسلام فيه قبل تدوين العلوم ووضع مصطلحاتها.
وكان فيما ذكرنا ما يكفى فى التعريف بالاسلام لغة.
ولم يكن استعمال القرآن والسنة لاسم الاسلام فيما استعمل فيه من المعانى التى جاء بها القرآن ووردت بها السنة استعمالا غير عربى أو دخيلا عليها، فالقرآن انما نزل بلغة العرب بل بأفصح لغاتهم، وما كانت السنة الا حديثا لأفصح العرب لسانا وأقومهم بيانا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم نقله عنه أصحابه رضوان الله عليهم بلفظه اذا ما حفظوه، وما كان أيسر ذلك عليهم، فان رووه عنه بمعناه فقد صاغوه بلغتهم، وهى العربية التى بها ينطقون ويتفاهمون، ومن هذا يبين أن استعمال القرآن والسنة لاسم الاسلام استعمال عربى لغوى خالص.
الاستعمال الاصطلاحى:
وحين دونت العلوم الشرعية وظهرت مصطلحاتها وتبلورت كان من أثر ذلك تطور فى معانى بعض الأسماء الشرعية، يتسم تارة بالتوسع فيها، وتارة بالتحديد وضبط مدلولاتها، وتارة أخرى بتقييد ما كان منها مطلقا، وذلك عند بحث مسائل هذه العلوم، وبيان عناصرها وخصائصها، غير أنه كان ذلك تطورا محصورا فى دائرتها.
ولم يكن حظ اسم الاسلام من ذلك التطور الا شيوع اطلاقه وانتشار استعماله فى بعض ما كان مستعملا فيه وهو استعماله استعمال العلم (بفتح اللام) فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من دين يقوم على عنصرى الايمان والعمل وان شئت قلت العقيدة وشريعة المعاملة، وكان اسم الاسلام بناء على هذا الاستعمال وهذا الاعتبار دالا على الايمان والتصديق والعمل والخضوع.
ولا يكون المسلم مسلما بناء على هذا الاصطلاح الا اذا آمن بقلبه وعمل بما أمره به ربه.
ولسنا نريد بذلك أنه لم يستعمل فى عصر العلوم وفى مجالها فيما كان
يستعمل فيه من قبل من المعانى التى أشرنا اليها فيما سبق، بل ظل فى عصر العلوم وفى دائرتها مستعملا فيما كان يستعمل فيه من قبل، فكان يستعمل فى الدلالة على القيام بالعمل المطلوب دينا وان لم يصحب ذلك تصديق وايمان قلبى كما جاء فى قوله تعالى فى سورة الحجرات «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً»
(1)
فنفت الآية عنهم الايمان لعدم دخوله فى قلوبهم تصديقا واذعانا، وأثبتت لهم الاسلام وهو الانقياد والاستسلام، وذلك ما دعا كثيرا من العلماء والفقهاء الى أن يفرقوا بين الاسلام والايمان.
فكان الزهرى يقول: الاسلام الكلمة والايمان العمل، كما يرى غيره أن الاسلام اسم لما يظهر من الأعمال، والايمان اسم لما يبطن من الاعتقاد، استنادا الى تلك الآية والى ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث عمر من أن الاسلام أعمال تؤدى باللسان وبغيره من جوارح البدن، وان الايمان اذعان وتصديق والى أن أصل الاسلام الاستسلام والانقياد وأصل الايمان التصديق، وقد يكون المرء مستسلما فى الظاهر غير منقاد فى الباطن.
ولم يمنع ذلك آخرين من أن يروا أن الاسلام والايمان قد يستعملان مترادفين استنادا الى قوله تعالى «فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»
(2)
.
وجملة القول فى ذلك أن المعنى فيهما يختلف باختلاف الاستعمال ومواضعه.
وأن التحقيق فى ذلك أنهما قد يستعملان مترادفين كما ذكرنا.
وقد يستعملان على خلاف بينهما فى الدلالة غير أنه لا يستعمل الايمان الا عند التصديق والعمل، فليس بمؤمن على التحقيق من صدق بقلبه فقط ولم يعمل، لأن عدم عمله دليل على عدم تصديقه المعتبر الذى يتمثل ظاهرا فى أثره من العمل والانقياد، وأدناه نطقه بالشهادتين، وعلى ذلك يكون كل مؤمن مسلما وليس كل مسلم مؤمنا اذ قد يكون منه العمل دون أن يكون مع ذلك مصدقا مذعنا.
والاسلام كثيرا ما يستعمل للدلالة على الأمرين جميعا التصديق والعمل كما فى قوله تعالى «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً»
(3)
وقوله تعالى «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ»
(4)
وقوله
(1)
الآية رقم 14 من سورة الحجرات.
(2)
الآية رقم 36 من سورة الذاريات.
(3)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(4)
الآية رقم 85 من سورة آل عمران.
(1)
.
كما أنه قد جاء فى الكتاب الكريم اطلاق اسم الايمان على العمل كما فى قوله تعالى «وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ»
(2)
فقد أجمع المفسرون على أن المراد ليضيع صلاتكم.
واذا كان الاسلام فى بعض استعماله يراد به العمل بما كتبه الله على عباده من الأعمال فانه بناء على هذا الاعتبار يزيد وينقص وذلك بزيادة الأعمال ونقصها، وان من لم يأت بعمل ما من أعمال الاسلام التى منها النطق بالشهادتين لا يعد مسلما ولا تجرى عليه أحكام الاسلام فلا يعامل معاملة المسلمين
(3)
.
أركان الاسلام ومعانيه:
يراد بأركان الاسلام دعائمه فهى له كالدعائم للبنيان لا قيام له بدونها وذلك من قبيل التشبيه.
وفى ذلك جاء ما رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
بنى الاسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، واقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان.
واذا وازنا بين ما دل عليه هذا الحديث وما جاء فى حديث عمر من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين سأله جبريل عن الاسلام: الاسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت ان استطعت اليه سبيلا، تبينا أن هذا الحديث الذى رواه عمر قد جاء فى بيان مسمى الاسلام، وما يدل عليه هذا الاسم عند اطلاقه، وان حديث ابن عمر قد جاء ببيان ما يتحقق به الاسلام ويوجد بوجوده، فاسلام المرء يوجد ويتحقق بقيامه بهذه الأفعال التى تعد أركانا له ودعائم يقوم عليها لأنها مسماه وحقيقته وعناصره، فاذا وجدت فقد وجد.
ولسنا نعنى بذلك أن وجوده لا يتحقق ولا يكون الا بوجودها جميعها، حتى أن من ترك عملا منها لا يعد مسلما، ذلك لأن الاجماع قد انعقد على أن الانسان لا يكفر بترك العمل غير الشهادتين كالصوم ونحوه.
أما ما ذهب اليه الامام أحمد من أن من ترك الصلاة يكفر فلدليل خارجى هو قوله صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر.
(1)
الآية رقم 20 من سورة آل عمران.
(2)
الآية رقم 143 من سورة البقرة.
(3)
باب الايمان من شرح الكرمانى ج 1 وشرح فتح البارى على صحيح البخارى ج 1 وجامع العلوم لابن رجب ص 20 وما بعدها طبعة الحلبى سنة 1962.
وقد جاء من الأحاديث ما يدل على أن النطق بالشهادتين كاف فى تحقق الاسلام ووجوده ظاهرا، وان من نطق بهما حكم باسلامه فى ظاهر حاله، وعومل معاملة المسلمين، وأجريت عليه أحكام الاسلام، ويعد نطقه بالشهادتين دليل تصديقه بقلبه، أما تركه لفرائض الاسلام وواجباته من صلاة وزكاة وصيام وحج مع القدرة لا عن جحود وانكار فعصيان يؤاخذ به ويعاقب عليه، ولا يذهب باسلامه ولا يدحضه فيما بينه وبين الناس. أما فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى فقد كان هذا الأمر محل خلاف.
فالجمهور على أن الاسلام والايمان عند الله تعالى كلاهما نطق باللسان وعمل بالأركان، ويريدون بذلك أن الأعمال شرط فى كماله.
وعن هذا نشأ القول بزيادته ونقصانه.
والمرجئة يقولون هو اعتقاد ونطق بالشهادتين فقط.
والكرامية يقولون هو نطق بالشهادتين فقط.
والمعتزلة يقولون أنه العمل والنطق والاعتقاد والفارق بينهم وبين جمهور السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطا فى الصحة.
وأن السلف جعلوها شرطا فى كماله.
وهذا كله بالنظر كما أشرنا الى ما بين المرء وربه سبحانه وتعالى.
أما بالنظر الى ما هو الظاهر فى معاملاتنا فليس الا الاقرار فقط، فمن أقر أجريت عليه أحكام الاسلام فى الدنيا، ولم يحكم عليه بكفره الا ان اقترن به فعل يدل على كفره وجحوده كالسجود للأصنام فان كان الفعل لا يدل على الكفر كالفسق ففاعله مؤمن أو مسلم بالنظر الى اقراره، ومن نفى عنه الايمان أو الاسلام فقد نظر الى كماله، ومن أطلق عليه اسم الكفر فقد نظر الى أنه أتى بفعل الكافر، ومن نفى عنه الاسلام والايمان فقد نظر الى حقيقتهما.
وأثبت المعتزلة الواسطة فقالوا: ان الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر
(1)
ولكى تكون الشهادة بأن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله دليل اسلام حقيقى يجب أن تصدر عما تحويه فى طيها من اخلاص فى عبادته سبحانه وتعالى، واخلاص فى التوجه اليه، واخلاص فى حبه وطاعته وأن يكون الناطق بها قد سما بنفسه الى درجة جعلته أهلا لهذه الشهادة واعيا لمعناها، وأنه فى كل ما يأتيه ويدعه وفى حركته وسكونه وفى
(1)
باب الايمان شرح فتح البارى وما بعدها ومن الكرمانى ج 1 ص 69 وما بعدها.
فعله وتركه وفى تصريفه وتدبيره وفى ترويه ونظره غير غافل عن أمر ربه الذى يعلم منه ما يخفى وما يعلن، وله وحده العظمة والسلطان، ولا عز الا فى طاعته والتوجه اليه ولا قوة الا فى الاعتصام بحبله.
كما يجب أن تنبعث عن ايمان صادق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به عن ربه من أحكام ونظم وأوامر ونواه هى عماد الدين والحق اليقين، وحبل الله المتين الذى جعل من المؤمنين بها أخوة متحابين متعاونين رحماء فيما بينهم أشداء على غيرهم يرحم كبيرهم صغيرهم ويوقر صغيرهم كبيرهم تشيع فيهم المحبة والألفة ويتعاونون على البر والتقوى ولا يتعاونون على الاثم والعدوان، يحب أحدهم لغيره ما يحبه لنفسه ويرى الله ورسوله أحب اليه مما سواهما من نفسه وماله وولده والناس أجمعين ويتآمر بعضهم بعضا بالمعروف ويتناهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات وينأون عن المنكرات، ذلك هو الركن الأول من أركان الاسلام وهو كما يرى قول لسانى يصدر عن يقين وايمان وتصديق وتسليم واذعان وفناء فى ذات الله فناء يتمثل فى اخلاص العبودية له والحب لرسوله والحرص على متابعته.
أما الركن الثانى فهو اقامة الصلاة وهو عمل أمر به الله فى كتابه فى آيات عديدة ووصفها بأنها تنهى فاعلها عن الفحشاء والمنكر فقال فى سورة العنكبوت «وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ»
(1)
ووصفها بأنها كبيرة فقال فى سورة البقرة «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ»
(2)
.
ولا تكون كذلك الا اذا اعتضدت بالايمان الذى سبق بيانه وفيها وردت أحاديث متعددة تدل على أن من تركها يخرج عن الاسلام. منها ما فى صحيح مسلم عن جابر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (راجع مصطلح صلاة).
والركن الثالث ايتاء الزكاة وقد أمر الله بالزكاة فى كثير من آى القرآن الكريم وقرن أمره بها بأمره باقامة الصلاة حتى لا يكاد يرى أمر بالصلاة الا مصحوبا بالأمر بايتاء الزكاة (أنظر مصطلح زكاة).
والركن الرابع صوم رمضان وقد أمر به الله فى كتابه فقال تعالى:
(3)
(4)
(انظر مصطلح صوم).
(1)
الآية رقم 45 من سورة العنكبوت.
(2)
الآية رقم 45 من سورة البقرة.
(3)
الآية رقم 183 من سورة البقرة.
(4)
الآية رقم 185 من سورة البقرة.
والركن الخامس حج البيت لمن استطاع اليه سبيلا وفيه نزل قوله تعالى «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»
(1)
وقوله تعالى «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ»
(2)
.
وفى ترك بعض هذه الأركان وردت أحاديث متعددة منها ما رواه أبو هريرة قال قيل يا رسول الله الحج كل عام قال لو قلت نعم لوجب عليكم ولو وجب عليكم ما أطقتموه ولو تركتموه لكفرتم رواه الدار قطنى وغيره
(3)
(راجع مصطلح حج).
وترى طائفة من أهل الحديث أن من ترك شيئا من أركان الاسلام الخمس عمدا كفر وروى ذلك عن سعيد بن جبير ونافع وهو رواية عن الامام أحمد واختارها طائفة من أصحابه وهو قول ابن حبيب من المالكية
(4)
.
بم يكون الدخول فى الاسلام
يكون الدخول فى الاسلام بالنطق بالشهادتين والتبرؤ من الأديان كلها سوى الاسلام فان كان مرتدا عن الاسلام واعتنق دينا آخر كفاه التبرؤ منه بحصول المقصود.
وفى شرح الطحاوى سئل أبو يوسف عن الرجل كيف يسلم قال: يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقر بما جاء به من عند الله ويتبرأ من الدين الذى انتحله ويكفى النصرانى أن يتبرأ من النصرانية واليهودى أن يتبرأ من اليهودية وكذلك الحكم فى كل ملة.
وأما مجرد النطق بالشهادتين من النصرانى أو من اليهودى فلا يكفى، لأنهم يزعمون أن رسالته صلى الله عليه وسلم للعرب خاصة اذا كان الناطق بهما ممن يرى ذلك.
أما اذا كان ممن ينكر رسالته صلى الله عليه وسلم فانه يكفيه النطق بهما.
وكذلك اذا كان الناطق بهما فى دار الحرب وقت الحمل عليه فانه يكفى فى هذه الحالة قوله دخلت فى دين الاسلام أو فى دين محمد صلى الله عليه وسلم
(5)
.
واشتراط التبرى لاجراء أحكام الاسلام عليه لا لثبوت الايمان فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى والا فانه يكفيه فى ذلك نطقه بالشهادتين مع تصديق قلبه.
(1)
الآية رقم 97 من سورة آل عمران.
(2)
الآية رقم 196 من سورة البقرة.
(3)
جامع العلوم والحكم ص 39.
(4)
جامع العلوم ص 38.
(5)
الهداية وفتح القدير ج 4 ص 387.
وفى المحيط لا يكون الناطق بالشهادتين مسلما حتى يتبرأ من دينه ويقر أنه دخل فى دين الاسلام.
وذهب بعض المشايخ الى أن من قال دخلت فى دين الاسلام يحكم باسلامه وان لم يتبرأ مما كان عليه، لأنه يدل على دخول حادث فى الاسلام، ومثل ذك فى السير الكبير.
وقد ذكر بعض العلماء أن الوثنى ومن يرى أن الاسلام مما يعير ويسب به يكفى فى اسلامه أن يقول أنا مسلم أو أسلمت أو أنا على دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك لأن هؤلاء يمتنعون عن قول أنا مسلم حتى ان أحدهم اذا أراد منع نفسه عن أمر قال ان فعلته أكن مسلما فاذا قال طائعا أنا مسلم فهذا دليل اسلامه، وان لم يسمع منه نطقه بالشهادتين، كما صرح به فى السير فيمن صلى بجماعة اذ قال انه يحكم باسلامه.
والفتوى على أنه انما ينظر فى حال من نطق بهما وبما يدل عليهما، فان كان ما صدر منه صريحا فى اسلامه غير محتمل لمعنى يحول دونه عد مسلما
(1)
.
وظاهر مذهب المالكية الاكتفاء فى اثبات اسلام المرء بنطقه بالشهادتين كما يتبين ذلك من الرجوع الى كتبهم.
أما الشافعية فمذهبهم لا يخالف مذهب الحنفية
(2)
.
وكذلك مذهب الجعفرية
(3)
.
ويرى الحنابلة الاكتفاء بالشهادتين لحديث ابن عمر: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وفى كشاف القناع أن الدخول فى الاسلام يكون بالنطق بالشهادتين مع الاقرار بعموم بعثته صلى الله عليه وآله وسلم والبراءة من كل دين يخالف دين الاسلام.
قال ابن القيم فى الطرق الحكمية اذا قال الشخص: لا اله الا الله محمد رسول الله صار مسلما باتفاق
(4)
.
وهذا هو ظاهر ما ذهب اليه الزيدية كما يتبين من الرجوع الى البحر الزخار.
وهذا ما ذهب اليه أهل الظاهر أيضا كما يبدو من كلام ابن حزم فى المحلى فى المسألة 2195.
وخلاصة ما يدل عليه أقوال أصحاب المذاهب المختلفة هو وجوب النطق بالشهادتين أو بما يؤدى معناهما ويدل دلالتهما بأية لغة كانت وان كان يحسن العربية، ولا يشترط اضافة شئ
(1)
ابن عابدين ج 3 ص 314 طبعة الحلبى وص 315.
(2)
نهاية المحتاج ج 7 ص 399.
(3)
تحرير الأحكام ج 2 ص 238.
(4)
كشاف القناع ج 4 ص 106، 107.
اليها الا حيث يرى أنهما غير كافيتين بالنظر الى من نطق بهما فى أبعاد أى شك فى ايمانه وتصديقه بأن لا اله الا الله وأن محمدا رسوله الى الناس جميعا بالدين الذى أكمله لهم وأمرهم باعتناقه. هذا وقد اتفقت جميع المذاهب عدا المالكية على أن كلا من الصغير والمجنون يعد مسلما باسلام أحد أبويه.
وجاء فى ابن عابدين نقلا عن الاستروتشى الصغير تبع لأبويه أو أحدهما فى الدين فان انعدما فلذى اليد والا فللدار ولا تنقطع التبعية الا بالبلوغ أو بالاسلام بنفسه ولا يصير الولد مسلما باسلام جده ولو كان أبوه ميتا
(1)
.
وذهب المالكية الى أنه انما يتبع فى الاسلام أباه مباشرة لا جده ولا أمه
(2)
.
ويرى الشافعية تبعيته لأحد أبويه من جهة الاب أو الام وان علوا بحيث لا يكون بينهما واسطة
(3)
.
وذهب الحنابلة الى أن كلا من الصغير والمجنون يتبع أحد أبويه فى الاسلام
(4)
.
وهذا هو مذهب الجعفرية (الإمامية) والزيدية.
فان عدما كان مسلما تبعا لداره عند الزيدية وان وجد فى كنيسة أو بيعة، وعند التردد فى الامر قدم اعتباره مسلما
(5)
.
الاسلام عقائد وشرائع وفضائل وهو دين
أشهر معانى الاسلام وأكثرها ورودا فى استعمالاته وما يتبادر اليه الذهن عند اطلاقه هو الدين الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو دين الحق وهو الهدى الذى لا يخالطه ضلال وفيه نزل قوله تعالى «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ»
(6)
(7)
.
وليس هذا الدين الذى رضيه الله لعباده واتم به عليهم نعمته الا ما شرعه الله سبحانه وتعالى للناس وأوحى به الى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم والى الانبياء من قبله وهو دين الاسلام واحد فى اصوله وعقائده يتمثل فى اخلاص العبادة له وصدق التوجه
(1)
ابن عابدين ج 2 ص 428.
(2)
الشرح الكبير ج 4 ص 308.
(3)
نهاية المحتاج ج 7 ص 400.
(4)
كشاف القناع ج 4 ص 109.
(5)
التاج المذهب ج 4 ص 266 وتحرير الأحكام ج 2 ص 22.
(6)
الآية رقم 34 من سورة التوبة.
(7)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
اليه والتقرب بكل عمل صالح أمر به وبترك كل خبيث نهى عنه.
وقد جعله الله هداية للناس الى الحق والى الطريق المستقيم فيه هدايتهم وفيه نجاتهم من شرور الحياة وبوائقها وضلالات النفوس وسوء منازعها.
كما يدل على ذلك قوله تعالى:
(1)
وهو ما أمر الرسول بابلاعه الى الناس وجعله شريعة أمره باتباعها وترك ما يخالفها.
كما يدل على ذلك قوله تعالى فى سورة الجاثية «ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ»
(2)
وهو الاسلام الذى لا يقبل الله من أحد دينا سواه ولا يرضى منه بغيره كما يدل على ذلك قوله تعالى فى سورة آل عمران «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ»
(3)
(4)
.
وهو الدين القيم الذى نزل به القرآن الكريم ليكون هداية للناس أجمعين وامر الرسول صلى الله عليه وسلم بابلاغه وبيانه.
كما دل على ذلك قوله تعالى «وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً 5 لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» وقوله تعالى «يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ 6 إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» .
ونتيجة ذلك أن هذا الدين هو الاسلام وهو الشريعة وهو تلك النظم والاحكام التى شرعها الله سبحانه وتعالى وشرع أصولها وثبت قواعدها وأسسها وكلف الناس اياها ليأخذوا أنفسهم بها فى علاقتهم بربهم وعلاقتهم بعضهم ببعض أفرادا وجماعات وعلاقتهم بالكون وعلاقتهم بالحياة على وفق ما أفاد القرآن بصريح آياته أو تضمنه بعموم قواعده وكلياته، أو أشار اليه من أهداف وحكم بضروب دلالاته أو جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغه للناس من بيان وفيما صدر عنه من قول، وفيما باشره من عمل، وفيما دل عليه باجتهاده وتطبيقه، وبما
(1)
الآية رقم 13 من سورة الشورى.
(2)
الآية رقم 18 من سورة الجاثية.
(3)
الآية رقم 19 من سورة آل عمران.
(4)
الآية رقم 85 من سورة آل عمران.
(5)
الآية 64 من سورة النحل.
(6)
الآية رقم 15، 16 من سورة المائدة.
وضعه من علامات ونصب له من اشارات، وذلك ما يرتد الى طائفتين من الاحكام.
أولاها: طائفة العقائد.
وثانيها: طائفة الاحكام العملية التطبيقية.
أما طائفة العقائد فتتناول أولا الايمان بالله سبحانه وتعالى والايمان بصفاته على وفق ما جاء به - الكتاب الحكيم من ايمان بألوهيته ووحدانيته واتصافه بكل ما وصف به نفسه من صفات الكمال والتنزيه وايمان باستحقاقه وحده العبادة والتقديس والاخلاص له فيهما.
كما يدل على ذلك قوله تعالى «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ 1» .
وثانيا الايمان برسالة من اصطفاه من عباده الذين أرسلهم الى الناس والايمان بملائكته وكتبه واليوم الآخر والايمان بالبعث وبالقدر خيره وشره والايمان بالجزاء وبالجنة وبالنار وغير ذلك مما يتضمنه ما جاء به الكتاب من الايمان بالغيب ودلت عليه آيات الكتاب مثل قوله تعالى فى اليوم الاخر «اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ 2» وقوله فى الجزاء وفى الجنة والنار فى سورة هود «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ 3 عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» وقوله تعالى «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى»
(4)
وقوله تعالى فى الايمان برسله وكتبه وملائكته فى سورة البقرة «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ 5 مِنْ رُسُلِهِ» وقوله تعالى فى انفراده بالخلق «ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»
(6)
وقوله تعالى فى القضاء والقدر. «وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ»
(7)
وقوله تعالى «قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ 8 لِلّهِ» وقوله تعالى «قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ» وقوله تعالى
(1)
الآية رقم 11، 12 من سورة الزمر.
(2)
الآية رقم 87 من سورة النساء.
(3)
الآية رقم 103، 104، 105، 106، 107، 108 من سورة هود.
(4)
الآية رقم 21 من سورة النجم.
(5)
الآية رقم 285 من سورة البقرة.
(6)
الآية رقم 102، 103 من سورة الأنعام.
(7)
الآية رقم 30 من سورة الدهر.
(8)
الآية رقم 154 من سورة آل عمران.
«وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ»
(1)
وقوله تعالى «قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاّ ما شاءَ اللهُ)}
(2)
وغير ذلك من الايات كثير منثورة فى القرآن متفرقة فيه وقد تكفل بشرحه وتفصيله علماء الكلام.
والطائفة الثانية:
من الاحكام ما تضمنته تلك الاصول ودلت عليه تلك الدلائل والامارات من الاحكام والنظم التى شرعها الله ليأخذ الانسان بها نفسه فى علاقته بربه وفى علاقته بالناس، وهى نوعان فضائل وشرائع.
فأما الفضائل فهى تلك الاخلاق والفضائل التى أمر بها الله فى كتابه وحض عليها رسوله فى حديثه، وهى فضائل تنعم بها الحياة وتطيب بها ثمارها، وتكمل بها متعها وتزهو بها نضرتها وتزول معها شقاوتها فلا يرى الناس فى مجتمعهم شرورا ولا فسادا، ولا يلقون فيه ظلما ولا طغيانا بل يعمهم الاخاء ويظلهم العدل والمساواة.
وجماع هذه الفضائل ما أمر به الله فى كتابه من الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والدعوة الى الخير اذ قال فى سورة آل عمران «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» و «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» .
(3)
ومن الدعوة الى عمل الصالحات فى مثل قوله تعالى «مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ»
(4)
.
ومن الامر بالاحسان والعدل والوفاء بالعهد ومودة القربى وتجنب الفحشاء والمنكر فى قوله تعالى «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ»
(5)
وقوله «وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 6» وقوله تعالى «وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا»
(7)
وقوله تعالى {(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً)}
(8)
ومن الامر بالصبر فى قوله تعالى «وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ»
(9)
وقوله تعالى «وَاصْبِرُوا 10 إِنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ» .
ومن الامر بالزهد فى مثل قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ}
(1)
الآية 53 من سورة القمر.
(2)
الآية رقم 49 من سورة يونس.
(3)
الآية رقم 77 من سورة الحج.
(4)
الآية رقم 97 من سورة النحل.
(5)
الآية رقم 90 من سورة النحل.
(6)
الآية رقم 195 من سورة البقرة.
(7)
الآية رقم 152 من سورة الاعراف.
(8)
الآية رقم 34 من سورة الاسراء.
(9)
الآية رقم 1، 2، 3 من سورة العصر.
(10)
الآية رقم 46 من سورة الانفال.
{تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ»
(1)
.
والامر بالعفو فى مثل قوله تعالى «وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» .
(2)
ومن مقابلة السيئة بالحسنة فى مثل قوله تعالى «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 3» .
وعدم الظلم فى مثل قوله تعالى «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»
(4)
.
ومن الدعوة الى الاصلاح بين الناس فى مثل قوله تعالى «لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ»
(5)
.
ومن الأمر بالوحدة فى مثل قوله تعالى «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً 6» وقوله تعالى «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ»
(7)
.
ومن الامر بحسن السلوك فى مثل قوله تعالى «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها 8 أَوْ رُدُّوها» وقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها»
(9)
.
ومن نهيه عن سوء الظن والتجسس والغيبة فى مثل قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ»
(10)
.
ومن أمره بالتثبت من الاخبار فى مثل قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ»
(11)
الى غير ذلك مما لا يكاد يحصيه استقراء من خلق عظيم ومعاملة كريمة واجتناب لكل خبيث وفاحش.
وهذا الى ما يمتاز به الاسلام من أنه دين سعى وعمل وتهذيب يهدف الى اصلاح النفوس وتربيتها وتقدمها ودين حرية ومساواة شعاره التوفيق بين مطالب الروح، ومطالب الجسد، ومراعاة مصالح الناس والعمل للدنيا
(1)
الآية رقم 10، 11 من سورة الصف.
(2)
الآية رقم 134 من سورة آل عمران.
(3)
الآية رقم 34 من سورة فصلت.
(4)
الآية رقم 227 من سورة الشعراء.
(5)
الآية رقم 114 من سورة النساء.
(6)
الآية رقم 103 من سورة آل عمران.
(7)
الآية رقم 9 من سورة الحجرات.
(8)
الآية رقم 86 من سورة النساء.
(9)
الآية رقم 27 من سورة النور.
(10)
الآية رقم 11 من سورة الحجرات.
(11)
الآية رقم 6 من سورة الحجرات.
والآخرة يقول الله تعالى «وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ 1» ويقول صلى الله عليه وسلم «الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربى على عجمى، ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود الا بالتقوى ان أكرمكم عند الله اتقاكم، ألا هل بلغت» .
وأما الشرائع فهى الاحكام والتكاليف التى شرعها الله سبحانه وتعالى، ليأخذ الانسان بها بنفسه فى علاقته بربه وفى علاقته بالناس، وهى نوعان.
نوع يتمثل فيما كلف به الناس من أعمال يتقربون بها الى ربهم، ويستحضرون بها عظمته وألوهيته، لتكون وسيلة الى صلاح نفوسهم، وعنوانا على صدق ايمانهم، وهذا ما يسمى بالعبادات.
ونوع يتمثل فى الأحكام التى شرعت، لتكون وسيلة الى حفظ مصالح الناس، ودفع المضار عنهم وتحديد الصلات بينهم على وجه تندفع به المظالم وتصان به الحقوق وتستقر لأصحابها وينتشر العدل ويسود الامن، وهذا ما يعرف بشرائع المعاملة.
والنوع الأول يتناول الصلاة والصيام والزكاة والحج، وذلك ما جعل من أركان الاسلام.
والنوع الثانى يتناول ما يتعلق بنظام الاسرة من حيث اقامتها على أسس قويمة تكفل لها سلامتها ووحدتها وتماسكها وتضمن لها تحقيق أهدافها الاجتماعية وصيانة حقوقها الشخصية والمالية، وذلك ما تقوم به أحكام الزواج والنسب والنفقة والطلاق والولاية والميراث.
وكذلك يتناول ما يتعلق بالمعاملات المالية من التصرف فى الاموال واستثمارها وانفاقها ومنع الاعتداء عليها.
كما يتناول كل ما يتعلق بصيانة الامن وعدم الاعتداء على النفوس وحقوقها الشخصية كالحرية فى الرأى والقول والعمل.
والتشريع فى هذا المجال يقوم على أن لكل من الرجل والمرأة شخصية مستقلة لها حقوقها الشخصية والمالية من أهلية التصرف وأهلية التعاقد وأهلية الالتزام وأهلية التملك، وعلى أن القوامة فى الاسرة ونظامها للزوج، وعلى أن لكل من الزوجين شخصية وذمة مستقلة وحقوقا وواجبات محددة بحيث لا يكون لأحدهما طغيان على صاحبه، ولكل قريب أصل وفرع حقوقا وواجبات تحقق التكافل والتعاون بين اعضاء الاسرة، وذلك ما تهدف اليه قواعد التشريع الاسلامى
(1)
الآية رقم 77 من سورة القصص.
جملة، فى المجال الاقتصادى، اذ تقوم على أن العمل أساس الاقتصاد ومصدر الكسب والتملك الى جانب الميراث الذى يعد فى واقع الامر امتدادا لعمل المورث وأثره.
وعلى الجملة فقد حدد الشرع الاسلامى وسائل التملك ونظمها وطهرها من الغش والخداع والغرر والمقامرة والاضرار بالغير كما صان للنفوس حياتها ووفر لها أمنها ومنع الاعتداء عليها وذلك بما قرره من عقوبات رادعة زاجرة أوجب على أولى الأمر القيام بها.
ان الاسلام حين جاء الى الناس بشرائعه وهدايته، جاءهم بهداية شاملة تعم جميع نواحى حياتهم روحية كانت أم مادية دينية كانت أم دنيوية، فردية كانت أم اجتماعية.
فكان سبيله فى اصلاح الحياة الروحية والدينية ما هدى اليه من ايمان وما أمر به من توجه الى الله الملك الديان واخلاص فى العبادة له والتوكل عليه والاستعانة به والتقرب اليه بفعل الخير وترك الشر والبعد عن الضر.
وكان سبيله فى اصلاح الحياة الدنيوية ما شرعه من شرائع شاملة عامة عادلة أشرنا اليها وبينا عمومها وشمولها، وذلك بما حواه القرآن الكريم من أوامر ونواه، وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فى أقواله وأفعاله وتقريراته.
فآيات القرآن الكريم كما جاءت حافلة بالعقائد جاءت كذلك حافلة بما ينظم العلاقات بين الأفراد والتعامل فيما بينهم وما يقوم عليه الفصل فى الخصومات التى تنشأ بسبب هذا التعامل عند الاختلاف.
ومن الآيات الدالة على عموم ذلك التشريع قوله تعالى «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 1» فان هذه الآيات قد تناولت ثلاثة أنواع من أحكام الشريعة.
الأول: ما يتعلق بالعقيدة وذلك فى قوله تعالى «أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً» وذلك
(1)
الآيات رقم 151، 152، 153 من سورة الأنعام.
يتضمن النهى عن كل ما يتعارض مع وحدانية الله وألوهيته وذلك جماع العقائد.
الثانى: ما يتعلق بسلوك الانسان اخلاقيا اذ أوصاه بالاحسان الى والديه وحرم عليه قتل أولاده خشية الفقر وقد كان ذلك عادة شائعة وأمره بتجنب الفواحش ما ظهر منها وما بطن وذلك ما يتناول كل اثم وكل جرم وكل ما يعد فاحشة ورجسا.
الثالث: ما يتصل بالمعاملة اذ حرم على الانسان المساس بمال اليتيم الا بما فيه احسان وخير له حتى يبلغ أشده، وأمره بأن يفى الكيل والميزان وبأن يقول الحق ويتبع فى قوله العدل ولو كان ذلك فى ذوى القربى وبأن يفى بعهده، ثم وصف هذا التشريع بأنه الطريق المستقيم الواجب الاتباع الموصل الى التقوى وأنه سبيل الله وشريعته ودينه الذى دان الناس به وتعبدهم به لم يفرق بين ما كان منه عقيدة، وما كان سلوكا ومعاملة، وما كان عهدا أو جريمة، وذلك ما يبين منه أن الاسلام فى شرائعه قد تجاوز فى تنظيمه الحياة الروحية والوصايا الاخلاقية المحضة الى الحياة الاجتماعية وأن كل ما تناوله بكتاب أو بسنة هو دين وشريعة لا فرق بين حكم جاء به كتاب وحكم جاءت به سنة لقوله تعالى «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»
(1)
وقوله «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ»
(2)
ولم يغفل الكتاب ولا السنة ما يتعلق بعلاقة الحاكم والمحكوم وما يقوم عليه نظام الحكم من أحكام فقد عنى الكتاب ببيان الأسس التى يقوم عليها نظام الحكم فأوجب المشورة ولم يستثن منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذ قال له «وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ»
(3)
.
ووصف المؤمنين بقوله {(وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ}
(4)
.
وأمر بالعدل عند الحكم فقال «وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»
(5)
.
كما أمر بطاعة أولى الامر فى قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»
(6)
.
وبالوفاء بالعهود فى مثل قوله تعالى «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً»
(7)
وقوله تعالى «وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها»
(8)
.
وبالاستعداد للدفاع عن النفس والمال والوطن فى مثل قوله تعالى «وَأَعِدُّوا}
(1)
الآية رقم 7 من سورة الحشر.
(2)
الآية رقم 80 من سورة النساء.
(3)
الآية رقم 159 من سورة آل عمران.
(4)
الآية رقم 38 من سورة الشورى.
(5)
الآية رقم 58 من سورة النساء.
(6)
الآية رقم 59 من سورة النساء.
(7)
الآية رقم 34 من سورة الاسراء.
(8)
الآية رقم 91 من سورة النحل.
{لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ»
(1)
.
كما سوى بين الناس بقوله صلى الله عليه وسلم: الناس سواسية كأسنان المشط. وقرر كذلك مسئولية كل وال عن ولايته بقوله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
وكل هذه أحكام متعلقة بنظام الحكم غير انها أحكام عامة يراد بها التوجيه والارشاد عند التطبيق وقد أريد بها أن تكون مبادئ عامة مرنة لتساير كل زمن وتوافق كل أمة وجيل وتطابق كل تقليد حتى تختار كل أمة ما يلائمها من نظم الحكم وأساليبه اذ كل أمة لها ما يصلحها، وما يصلح لأمة قد لا يصلح لغيرها ولم يعرف التاريخ نظاما من أنظمة الحكم يصلح لكل زمن ولكل أمة.
وفى عصرنا هذا نجد اختلافا بينا فى أنظمة الحكم وتباينا فى صورها ولذا كان من الحكمة وقد جاءت الشريعة الاسلامية شريعة عامة دائمة أن تقتصر فى بيانها على الأسس والاهداف التى يجب أن يؤسس عليها الحكم دون التعرض للتفصيل.
ولقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أول دولة اسلامية بالمدينة حين هاجر اليها فكانت رياستها اليه بحكم رسالته ودعوته ولم يكن لها نظم الممالك القائمة فى عصره صلى الله عليه وسلم فى بلاد الفرس والروم وفى بلاد الاحباش بل كان لها نظامها الخاص بها الملائم لعادات العرب وتقاليدهم واخلاقهم القائم على الدعوة الاسلامية والاسس القرآنية والمبادئ النبوية من أهداف وأغراض وما تهدى اليه من مودة واخاء ووحدة فكان أفرادها أخوة متحابين متعاونين متكافلين يرجعون فى كل أمورهم ومنازعاتهم وخلافاتهم الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان معلمهم ورسولهم وقائدهم وحاكمهم وقاضيهم ترد اليه الاموال العامة من زكاة وغنائم يوزعها بينهم ويفصل فى خصوماتهم ويولى الصالح منهم من أمورهم ما يقوم بكفايتها ثم لم يلبث نظام هذه الدولة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ان تعرض لشئ من التحول والتغير تتطلبه اختلاف الظروف واتساع الولاية الاسلامية فكان ذلك دليلا على ما للنظام الاسلامى فى ولاية الحكم من مرونة تسمح بالتغير مسايرة للتطور واستجابة لدواعى المصلحة كما كان دليلا أيضا على أن نظام الحكم الاسلامى نظام تختلف صوره وأشكاله تبعا لاختلاف الظروف واختلاف الامم عادة وتقاليد وثقافة لا تتعارض مع نص صريح أريد به حكم عام وليس ذلك مما يبعده عن الدين وعن أن يكون شريعة شرعها الله سبحانه وتعالى فان من الاحكام الشرعية ما تتطلبه مصالح الناس العامة وتختلف باختلافها
(1)
الآية رقم 60 من سورة الانفال.
وجملة القول أن الاسلام فيما دلت عليه الاحاديث والآثار قول وتصديق وعمل فأما القول فيجب أن يكون صورة صادقة لما وقر فى النفس من تصديق واذعان وانطوت عليه من ايمان تصدر عنه افعالها وتشكل به نواياها متجهة الى الخير راغبة فى النفع مبتعدة من الضر.
وأما التصديق فهو الاذعان بما دلت عليه الدلائل السليمة من الكتاب والسنة من ايمان بالله ورسله وبكل ما جاء به من شرعه.
وأما العمل فهو ما جاء على وفق ذلك من كل عمل أريد به صلاح النفس وصلاح العيش وصلاح الحياة على تعدد ألوانها وصورها وصلاح الروابط الانسانية والاجتماعية والاقتصادية.
هذه هى صورة الاسلام الصحيح السليم وذلك مسماه وهو ما جعله الله سبحانه وتعالى طريقا الى السعادة ووسيلة الى رضاه وسبيلا الى حياة انسانية جديرة بالانسان ومكانته فى هذا الوجود.
فالاسلام باعتباره خاتم الاديان أحكامه صالحة لكل زمان ومكان فقواعده الكلية - كوجوب العدل والشورى ورفع الحرج ودفع الضرر - صالحة لتطبق فى كل عصر بما يناسب أهله.
وأحكامه الجزئية الثابتة الدائمة فيها مصلحة للناس فى جميع الازمنة والامكنة كأحكام الميراث.
أما الاحكام التى روعيت فيها مصالح الناس وعرفهم فهذه لا تعتبر قانونا دائما بل يختلف الحكم فيها تبعا لاختلاف الظروف والاحوال والحوادث التى تجد ولا نص فيها يجب وضع حكم لها فى ضوء القواعد الكلية التى جاءت بها أحكام الشريعة الاسلامية فاذا وضع كان حكما اسلاميا وعلى هذا فالقوانين التى تساس بها الامة فى كل مناحى الحياة يجب أن يكون أساسها القواعد الكلية للشريعة الاسلامية وبذلك يتحقق نفع الأمة فى الحياة الدنيا وفى الآخرة.
هذه كانت رسالة النبى صلى الله عليه وسلم وهى ما يجب أن يكون عليه أولو الامر من المسلمين من بعده.
أسير
التعريف اللغوى:
أسره يأسره أسرا واسارة: شدة بالاسار، والاسار: ما شد به، والجمع: أسر، والاسار: القيد أيضا، ويكون حبل الكتاف، ومنه سمى الأسير. وكانوا يشدونه بالقد فسمى كل أخيذ أسيرا وان لم يشد به، يقال: أسرت الرجل أسرا واسارا فهو أسير ومأسور،
والجمع أسرى وأسارى، والأسير:
الأخيذ، وأصله من ذلك، وكل محبوس فى قد أو سجن: أسير وقوله تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً» قال فيه مجاهد الأسير المسجون، والجمع:
أسراء وأسارى وأسارى وأسرى، ويقال للأسير من العدو أسير لأن آخذه يستوثق منه بالاسار وهو القد لئلا يفلت
(1)
.
التعريف الشرعى:
لا يكاد يخرج استعمال الفقهاء للفظ الأسر عما ورد فى التعريف اللغوى كما سيتضح من كلامهم.
حكمة الأسر ومشروعيته:
أجمعت الأمة على مشروعية أخذ الأسارى وتمكين المسلمين منهم، وذلك لكسر شوكة الاعداء ودفع شرهم عن البشرية، وحسم مادة الفساد من الأرض ولذلك قال تعالى:
«فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً» .
فهم فى يد الحاكم المسلم يتصرف فى شأنهم بما يراه فى صالح المسلمين.
فان شاء استرقهم لأن فى ذلك دفعا لشرهم مع وفور منفعته لأهل الاسلام.
وان شاء فادى بهم أسرى المسلمين.
وان شاء تركهم أحرارا ذمة للمسلمين كما فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه بسواد العراق بموافقة الصحابة.
وان شاء قتلهم لقوله تعالى: «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ» ولأن القتل حسم لمادة الفساد على خلاف بين الفقهاء فى بعض هذه الأمور
من يجرى عليهم الأسر فى القتال أو غيره:
مذهب الحنفية:
يجرى الأسر فى القتال على الكفار الحربيين اذا رفضوا الاسلام بعد دعوتهم اليه أو رفضوا الجزية اذا كانوا ممن تقبل منهم الجزية - وفتح المسلمون بلادهم عنوة.
فقد جاء فى فتح القدير
(2)
ومثله فى البدائع والزيلعى وابن عابدين: اذا حاصر المسلمون دار الحرب دعوا أهلها الى الاسلام وجوبا اذا كانت لم تبلغهم الدعوة لقوله تعالى: «وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً» فاذا كانت قد بلغتهم الدعوة دعوا الى الاسلام ندبا مبالغة فى الانذار، وذلك ما لم يعاجلونا بالقتال والا قوتلوا من غير دعوة الى الاسلام.
فان أسلموا كفوا عنهم القتال لقول النبى صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم
(1)
لسان العرب مادة أسر.
(2)
فتح القدير ج 4 ص 284 والبدائع ج 7 ص 10 والزيلعى ج 3 ص 243 وابن عابدين ج 2 ص 229.
وأموالهم الا بحقها، وقوله صلى الله عليه وسلم: من قال لا اله الا الله فقد عصم منى دمه وماله.
فان أبوا الاجابة الى الاسلام دعوهم الى أداء الجزية الا مشركى العرب والمرتدين.
قد أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراء الجيوش، ولأنه أحد ما ينتهى به القتال على ما نطق به النص.
فان قبلوا ذلك فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: فان قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.
وان أبوا ذلك استعان المسلمون بالله تعالى على قتالهم وحاربوهم، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: فادعهم الى اعطاء الجزية الى أن قال: فان أبوها فاستعن بالله عليهم وقاتلهم.
وقال فى الدر المختار
(1)
: واذا فتح الامام بلدة عنوة أى قهرا قسمها بين الجيش ان شاء أو أقر أهلها عليها بجزية على رءوسهم وخراج أى من عليهم برقابهم وأرضهم وأموالهم ووضع الجزية على الرؤوس والخراج على أراضيهم وأخرجهم منها وأنزل بها قوما غيرهم، ووضع عليهم الخراج والجزية لو كانوا كفارا، فلو كانوا مسلمين وضع العشر لا غير، وقتل الأسارى ان شاء ان لم يسلموا أو استرقهم أو تركهم أحرارا ذمة لنا، فلو أسلموا تعين الأسر، واسلامهم لا يمنع استرقاقهم ما لم يكن اسلامهم قبل الأخذ الا مشركى العرب والمرتدين فانهم لا يسترقون ولا يكونون ذمة لنا، بل الى الاسلام أو السيف.
وجاء فى بدائع الصنائع
(2)
: اذا حاصر الغزاة مدينة أو حصنا من حصون الكفرة فاستنزلوهم على حكم فاما أن يستنزلوهم على حكم الله سبحانه وتعالى واما أن يستنزلوهم على حكم العباد بأن يستنزلوهم على حكم رجل، فان استنزلوهم على حكم الله سبحانه وتعالى جاز انزالهم عليه عند أبى يوسف والخيار الى الامام ان شاء قتل مقاتلهم وسبى نساءهم وذراريهم، وان شاء سبى الكل، وان شاء جعلهم ذمة.
وعند محمد لا يجوز الانزال على حكم الله فلا يجوز قتلهم واسترقاقهم ولكنهم يدعون الى الاسلام فان أبوا جعلوا ذمة.
(1)
الدر المختار ج 3 ص 235 وما بعدها.
(2)
بدائع الصنائع ج 7 ص 107.
وكذلك يجرى
(1)
الأسر على الحربى اذا دخل دار الاسلام بغير أمان مع الاختلاف فى كونه لآخذه أو لجماعة المسلمين.
واختلف فى الحربى الذى دخل دار الاسلام فأسلم قبل أن يؤخذ ثم أخذه واحد من المسلمين هل يجرى الأسر عليه أم لا؟
فعند أبى حنيفة يكون فيئا لجماعة المسلمين.
وعند أبى يوسف ومحمد يكون حرا لا سبيل لأحد عليه.
ولو دخل هذا الحربى الحرم قبل أن يؤخذ فهو فئ عند أبى حنيفة ودخول الحرم لا يبطل ذلك، ولأن الاسلام لم يبطل الملك فالحرم أولى، ولأن الاسلام أعظم حرمة من الحرم.
وعندهما لا يكون فيئا الا بحقيقة الاخذ فيبقى على أصل الحرية ولا يتعرض له لكنه لا يطعم ولا يسقى ولا يؤوى ولا يبايع حتى يخرج من الحرم
(2)
.
واذا أسلم حربى ولم يهاجر الينا حتى ظهر المسلمون على الدار فما كان فى يده فهو له، ولا يكون فيئا الا عبدا يقاتل فانه يكون فيئا، لانه اذا قاتل فقد خرج من يد المولى، فلم يبق تبعا له فانقطعت العصمة لانقطاع التبعية فيكون محلا للتملك بالاستيلاء.
وأما أولاده الصغار فأحرار مسلمون تبعا له وأولاده الكبار وامرأته يكونون فيئا لأنهم فى حكم أنفسهم لانعدام التبعية.
وأما الولد الذى فى البطن فهو مسلم تبعا لأبيه ورقيق تبعا لأمه هذا اذا أسلم ولم يهاجر الينا فظهر المسلمون على الدار.
فلو أسلم وهاجر الينا ثم ظهر المسلمون على الدار فيحكم باسلام أولاده الصغار تبعا لأبيهم ولا يسترقون لأن الاسلام يمنع انشاء الرق، الا رقا ثبت حكما، بأن كان الولد فى بطن الأم.
وأما أولاده الكبار فهم فئ لأنهم فى حكم أنفسهم فلا يكونون مسلمين باسلام أبيهم، وكذلك زوجته.
ولو دخل الحربى دار الاسلام ثم أسلم ثم ظهر المسلمون على الدار فجميع ماله وأولاده الصغار والكبار وامرأته وما فى بطنها فئ، لأنه لما لم يسلم فى دار الحرب حتى خرج الينا لم تثبت العصمة.
وقال فى البدائع
(3)
: لو دخل فى دار الموادعة رجل من غير دارهم بأمان ثم خرج الى دار الاسلام بغير أمان فهو
(1)
البدائع ج 7 ص 117، ص 118.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 105.
(3)
البدائع ج 7 ص 109، ص 119.
آمن لأنه لما دخل دار الموادعين بأمانهم صار كواحد من جملتهم فلو عاد الى داره ثم دخل دار الاسلام بغير أمان كان فيئا، لنا أن نقتله ونأسره لأنه لما رجع الى داره فقد خرج من أن يكون من أهل دار الموادعة فبطل حكم الموادعة فى حقه فاذا دخل دار الاسلام فهذا حربى دخل دار الاسلام ابتداء بغير أمان.
ولا يجرى الأسر على مشركى العرب والمرتدين، فانهم لا يسترقون بل يقتلون أو يسلمون لقوله تعالى «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» الى أن قال «فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ» وهذا فى حق الرجال
أما النساء والذرارى منهم فيسترقون كما يسترق نساء مشركى العجم وذراريهم، لأن النبى صلى الله عليه وسلم استرق نساء هوازن وذراريهم وهم من صميم العرب، وكذا الصحابة استرقوا نساء المرتدين من العرب وذراريهم.
أما أهل البغى فانه يجوز أسرهم (بمعنى حبسهم) ولكن لا تسبى لهم ذرية
(1)
.
وجاء فى البدائع
(2)
: والأسر يجرى على كل من وقع فى يد المسلمين من ذكر صبيا كان أو شابا أو شيخا وكذلك المرأة والرهبان الا أن من ترك منهم فى دار الحرب لعدم المضرة من تركهم فانهم يكونون أحرارا.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى
(3)
: ويدعو الامام الكفار وجوبا الى الاسلام ثلاثة أيام بلغتهم الدعوة أم لا، ما لم يعاجلونا بالقتال والا قوتلوا، ثم ان أبوا من قبوله دعوا الى أداء جزية اجمالا، الا أن يسألوا عن تفصيلها بمحل يؤمن - متعلق بالاسلام والجزية - والا بأن لم يجيبوا أو أجابوا ولكن بمحل لا تنالهم أحكامنا فيه ولم يرتحلوا لبلادنا قوتلوا، وقتلوا:
أى جاز قتلهم الا سبعة: المرأة فلا تقتل الا فى مقاتلتها فيجوز قتلها ان قتلت أحدا أو قاتلت بسلاح كالرجال ولو بعد أسرها، لا ان قاتلت بكرمى حجر فلا تقتل ولو حال القتال، والا الصبى المطيق للقتال فلا يجوز قتله ويجرى فيه ما فى المرأة من التفصيل، والا المعتوه أى ضعيف العقل فالمجنون أولى، والشيخ الفانى الذى لا قدرة له على القتال، وزمن أى عاجز، وأعمى وراهب منعزل عن أهل دينه بدير أو صومعة، لأنهم صاروا كالنساء حال كونهم بلا رأى وتدبير.
وعلق الدسوقى على ذلك بقوله: ان محل كون الشيخ الفانى وما بعده
(1)
الفتح ج 4 ص 212 والبدائع ج 7 ص 140.
(2)
البدائع ج 7 ص 101، ص 102.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 176، ص 177.
لا يقتلون ما لم يكن لهم رأى وتدبير فى الحروب لقومهم والا قتلوا.
وانما لم يعتبر رأى المرأة لأن الرأى فى ترك رأيها، واذا لم يقتلوا ترك لهم من مال الكفار الكفاية فقط أى ما يكفيهم حياتهم على العادة وقدم مالهم على مال غيرهم ويؤخذ ما يزيد على الكفاية، فان لم يكن لهم ولا للكفار مال وجب على المسلمين مواساتهم ان أمكن.
وان تعدى أحد على قتل من ذكر استغفر وجوبا قاتلهم قبل حوزهم ولا شئ عليه من دية ولا كفارة.
وكل من لا يقتل يجوز أسره الا الراهب والراهبة بلا رأى، وان حيزوا أى من لم يجز قتلهم سوى الراهب والراهبة أى صاروا مغنما وقتلهم شخص فقيمتهم على قاتلهم يجعلها الامام فى الغنيمة، والراهب والراهبة المنعزلان بلا رأى حران فلا يؤسران ولا يقتلان وان كان لا دية على قاتلهما وقال الدسوقى: وأما غير الراهب والراهبة من المعتوه والشيخ الفانى والزمن والأعمى فانهم وان حرم قتلهم يجوز أسرهم ويجوز تركهم من غير قتل ومن غير أسر وحينئذ يترك لهم الكفاية.
وجاء فى حاشية الدسوقى
(1)
: واستتيب المرتد وجوبا ولو عبدا أو امرأة ثلاثة أيام بلياليها من يوم الثبوت لا من يوم الكفر ولا يوم الرفع، ويلغى يوم الثبوت ان سبق بالفجر بلا جوع وعطش، بل يطعم ويسقى من ماله، ولا ينفق على ولده وزوجته منه، لأنه يوقف فيكون معسرا بردته، وبلا معاقبة مثل ضرب وان لم يتب، فان تاب ترك، واذا لم يتب قتل بالسيف، ولا يترك بجزية ولا يسترق.
وجاء فى التاج والاكليل
(2)
: وان ارتد جماعة وحاربوا فكالمرتدين.
وعن ابن يونس ان منع أهل الذمة الجزية قوتلوا وسبوا.
قال ابن القاسم فى حصن مسلمين ارتدوا عن الاسلام فانهم يقتلون ويقاتلون وأموالهم فئ للمسلمين ولا تسبى ذراريهم ولا أموالهم ويقرون على جزيتهم.
قال ابن رشد قول ابن القاسم أموالهم فئ أى لا تكون غنيمة للجيش الذى قاتلهم لأن حكم أموالهم على مذهبه فى قوله ان ذراريهم لا يسبون حكم مال المرتد اذا قتل على ردته يكون لجماعة المسلمين.
والى هذا ذهب عامة العلماء وأئمة السلف.
وقال اصبغ تسبى ذراريهم وتقسم أموالهم على حكم الناقضين من أهل الذمة، وهذا الذى خالفت فيه سيرة عمر سيرة أبى بكر فى الذين ارتدوا
(1)
حاشية الدسوقى ج 4 ص 304.
(2)
التاج والاكليل ج 3 ص 386.
من العرب سار فيهم أبو بكر سيرة الناقضين فسبى النساء والصغار وجرت المقاسم فى أموالهم فلما ولى عمر بعده نقض ذلك وسار فيهم سيرة المرتدين أخرجهم من الرق وردهم الى عشائرهم والى الجزية.
قال ابن رشد حكى هذا ابن حبيب وهو خلاف ما قالوا أن القاضى لا يرد ما قضى به غيره قبله باجتهاده فتدبر ذلك، وقول أشهب أن أهل الذمة وأهل الاسلام فى ذلك سواء خلاف قول ابن القاسم فانه فرق فى ذلك وهو الصحيح من جهة النظر، لأن المرتدين أحرار من أصولهم والمعاهدين لم تتم حريتهم بالمعاهدة وانما كانت عصمة لهم من القتال فاذا نقضوها رجعوا الى الأصل فحل دمهم وسباؤهم.
ثم قال
(1)
وأهل البغى يقاتلون كقتال الكفار بأن يدعوهم الامام أولا للدخول تحت طاعته ما لم يعاجلوه بالقتال ويقاتلهم بالسيف والرمى بالنبل والمنجنيق والتغريق والتحريق وقطع الميرة والماء عنهم الا أن يكون فيهم نسوة أو ذرارى فلا نرميهم بالنار، لكن لا تسبى ذراريهم ولا أموالهم، لأنهم مسلمون كما أشار لذلك بقوله: ولا يسترقون ولا يحرق شجرهم ولا ترفع رءوسهم اذا قتلوا بأرماح أى يحرم لأنه مثلة بالمسلمين.
وعلق الدسوقى على ذلك فقال: لا ترفع رءوسهم بأرماح أى لا بمحل قتلهم ولا بغيره.
قال البنانى وفيه نظر بل انما يمنع حمل رءوسهم على الرماح لمحل آخر كبلد أو وال وأما رفعها على الرماح فى محل قتلهم فقط فجائز كالكفار فلا فرق بين الكفار والبغاة فى هذا ولهذا لم يذكره ابن شاس فى الأمور التى يمتاز فيها قتالهم عن قتال الكفار ونصه يمتاز قتال البغاة عن قتال الكفار بأحد عشر وجها: منها أن يقصد بالقتال ردعهم لا قتلهم وأن يكف عن مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا تقتل أسراهم ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(2)
: ان كان العدو ممن لم تبلغهم الدعوة لم يجز قتالهم حتى يدعوهم الى الاسلام لأنه لا يلزمهم الاسلام قبل العلم، والدليل عليه قوله عز وجل:«وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً» ولا يجوز قتالهم على ما لا يلزمهم.
وان بلغتهم الدعوة فالأحب أن يعرض عليهم الاسلام، لما روى سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى كرم الله وجهه يوم خيبر: اذا نزلت
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 299.
(2)
المهذب ج 2 ص 231، ص 232.
بساحتهم فادعهم الى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فو الله لأن يهدى الله بهداك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.
وان قاتلهم من غير أن يعرض عليهم الاسلام جاز لما روى نافع قال:
أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنى المصطلق وهم غارون، وروى وهم غافلون.
فان كانوا ممن لا يجوز اقرارهم على الكفر بالجزية قاتلهم الى أن يسلموا لقوله صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها» .
وان كانوا ممن يجوز اقرارهم على الكفر بالجزية قاتلهم الى أن يسلموا أو يبذلوا الجزية.
والدليل عليه قوله تعالى «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ» .
وروى بريدة رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا بعث أميرا على جيش أو سرية قال: اذا أنت لقيت عدوا من المشركين فادعهم الى احدى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك اليها فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم الى الدخول فى الاسلام فان أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم الى التحول من دارهم الى دار الهجرة فان فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فان دخلوا فى الاسلام وأبوا أن يتحولوا الى دار الهجرة فأخبرهم أنهم كأعراب المؤمنين الذين يجرى عليهم حكم الله تعالى ولا يكون لهم من الفئ والغنيمة شئ حتى يجاهدوا مع المؤمنين فان فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم وان أبوا فادعهم الى اعطاء الجزية فان فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم وأن أبوا فاستعن بالله عليهم ثم قاتلهم.
وجاء فى المهذب
(1)
: ان أسر امرأة حرة أو صبيا حرا رق بالأسر لأن النبى صلى الله عليه وسلم قسم سبى بنى المصطلق واصطفى صفية من سبى خيبر وقسم سبى هوازن ثم استنزلته هوازن فنزل واستنزل الناس فنزلوا.
وان أسر حر بالغ من أهل القتال فللامام أن يختار ما يرى من القتل والاسترقاق والمن والفداء، فان رأى القتل قتل لقوله عز وجل «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» .
(1)
المهذب ج 2 ص 235.
وجاء فى موضع آخر
(1)
: اذا خرجت على الامام طائفة من المسلمين ورامت خلعه بتأويل أو منعت حقا توجه عليها بتأويل وخرجت عن قبضة الامام وامتنعت بمنعة قاتلها الامام لقوله عز وجل «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ» .
ولا يقتل أسيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث عبد الله بن مسعود ولا يقتل أسيرهم فان قتله ضمنه بالدية لأنه بالأسر صار محقون الدم فصار كما لو رجع الى الطاعة فان كان أسيرا حرا بالغا فدخل فى الطاعة أطلقه، وان لم يدخل فى الطاعة حبسه الى أن تنقضى الحرب ليكف شره، ثم يطلقه ويشرط عليه ألا يعود الى القتال.
وان كان عبدا أو صبيا لم يحبسه لأنه ليس من أهل البيعة.
ومن أصحابنا من قال يحبسه لأن فى حبسه كسرا لقلوبهم.
وان استعان أهل البغى بأهل الحرب فى القتال وعقدوا لهم أمانا أو ذمة بشرط المعاونة لم ينعقد، لأن من شرط الذمة والأمان ألا يقاتلوا المسلمين فلم ينعقد على شرط القتال، فان عاونوهم جاز لأهل العدل قتلهم مدبرين، وجاز أن يذفف (أى يجهز) على جريحهم.
وان أسروا جاز قتلهم واسترقاقهم والمن عليهم والمفاداة لهم لأنه لا عهد لهم ولا ذمة فصاروا كما لو جاءوا منفردين عن أهل البغى.
ولا يجوز شئ من ذلك لمن عاونهم من أهل البغى لأنهم بذلوا لهم الذمة والأمان فلزمهم الوفاء به.
وجاء فى المهذب
(2)
: ان ارتدت طائفة وامتنعت بمنعة وجب على الامام قتالها لأن أبا بكر الصديق رضى الله عنه قاتل المرتدين ويتبع فى الحرب مدبرهم ويذفف على جريحهم لانه اذا وجب ذلك فى قتال أهل الحرب فلأن يجب ذلك فى قتال المرتدين وكفرهم أغلظ - أولى.
وان أخذ منهم أسير استتيب فان تاب والا قتل لأنه لا يجوز اقراره على الكفر.
مذهب الحنابلة:
قال فى المغنى
(3)
ان من أسر من أهل الحرب على ثلاثة أضرب.
احدها: النساء والصبيان فلا يجوز قتلهم ويصيرون رقيقا للمسلمين بنفس السبى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والولدان متفق عليه، وكان عليه السلام يسترقهم اذا سباهم.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 218، 219،
(2)
المهذب ج 2 ص 224.
(3)
المغنى لابن قدامة ج 10 ص 400، 401، ص 402.
الثانى: الرجال من أهل الكتاب والمجوس الذين يقرون بالجزية فيخير الامام فيهم بين أربعة أشياء: القتل والمن بغير عوض والمفاداة بهم واسترقاقهم.
الثالث: الرجال من عبدة الأوثان وغيرهم ممن لا يقر بالجزية فيخير الامام فيهم بين ثلاثة أشياء القتل أو المن والمفاداة ولا يجوز استرقاقهم.
وعن أحمد جواز استرقاقهم وهو مذهب الشافعى.
وبما ذكرنا فى أهل الكتاب قال الأوزاعى والشافعى وأبو ثور وعن مالك كمذهبنا.
وعنه لا يجوز المن بغير عوض لأنه لا مصلحة فيه وانما يجوز للامام فعل ما فيه المصلحة.
وحكى عن الحسن وعطاء وسعيد بن جبير كراهة قتل الأسرى.
وقالوا: لو من عليه أو فاداه كما صنع بأسارى بدر ولأن الله تعالى قال «فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً» فخير بين هذين بعد الأسر لا غير.
وقال أصحاب الرأى ان شاء ضرب أعناقهم وان شاء استرقهم لا غير، ولا يجوز من ولا فداء لأن الله تعالى قال «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» بعد قوله فامامنا بعد واما فداء.
وكان عمر بن عبد العزيز وعياض ابن عقبة يقتلان الأسارى.
وانا على جواز المن والفداء قول الله تعالى «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً» وأن النبى صلى الله عليه وسلم من على ثمامة ابن أثال وأبى عزة الشاعر وأبى العاص ابن الربيع وفادى أسارى بدر وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا كل رجل منهم بأربعمائة، وفادى يوم بدر رجلا برجلين وصاحب العضباء برجلين.
وأما القتل فلأن النبى صلى الله عليه وسلم قتل رجال ببنى قريظة وهم بين الستمائة والسبعمائة وقتل يوم بدر النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط صبرا وقتل أبا عزة يوم أحد وهذه قصص عمت واشتهرت وفعلها النبى صلى الله عليه وسلم مرات وهو دليل على جوازها، ولأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح فى بعض الأسرى فان منهم من له قوة ونكاية فى المسلمين وبقاؤه ضرر عليهم فقتله أصلح ومنهم الضعيف الذى له مال كثير ففداؤه أصلح ومنهم حسن الرأى فى المسلمين يرجى اسلامه بالمن عليه أو معونته للمسلمين بتخليص أسراهم والدفع عنهم فالمن عليه أصلح.
ومنهم من ينتفع بخدمته ويؤمن شره فاسترقاقه أصلح كالنساء والصبيان والامام أعلم بالمصلحة فينبغى أن يفوض ذلك اليه وقوله تعالى «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ» عام لا ينسخ به الخاص بل
ينزل على ما عدا المخصوص ولهذا لم يحرموا استرقاقه.
فأما عبدة الأوثان ففى استرقاقهم روايتان احداهما لا يجوز لأنه كافر لا يقر بالجزية فلم يقر بالاسترقاق كالمرتد.
والعبد يجوز استرقاقه فاذا أسر العبد صار رقيقا للمسلمين لأنه مال لهم استولى عليه فكان للغانمين كالبهيمة.
وجاء فى الاقناع
(1)
: من ارتد عن الاسلام من الرجال والنساء وهو بالغ عاقل مختار دعى اليه ثلاثة أيام وضيق عليه وحبس فان تاب والا قتل بالسيف.
والطفل الذى لا يعقل والمجنون ومن زال عقله بنوم أو اغماء أو شرب دواء مباح لا تصح ردته ولا اسلامه لأنه لا حكم لكلامه فان ارتد وهو مجنون فقتله قاتل فعليه القود، وان ارتد فى صحته ثم جن لم يقتل فى حال جنونه فاذا أفاق استتيب ثلاثا فان تاب والا قتل.
وان عقل الصبى الاسلام صح اسلامه وردته ان كان مميزا ومعنى عقل الاسلام: أن يعلم أن الله ربه لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فاذا أسلم حيل بينه وبين الكفار ويتولاه المسلمون.
ولا تقتل المرتدة الحامل حتى تضع ولا الصغير حتى يبلغ ويستتاب بعده ثلاثة أيام فان تاب والا قتل.
وجاء فى الاقناع
(2)
: من خرج على امام ولو غير عدل باغيا وجب قتاله.
ثم قال فى المغنى واذا قاتل معهم عبيد ونساء وصبيان فهم كالرجل البالغ الحر يقاتلون مقبلين ويتركون مدبرين لأن قتالهم للدفع.
ثم قال فى الاقناع
(3)
: لا يجوز أن يغنم لهم مال ولا تسبى لهم ذرية ويجب رد ذلك اليهم ان أخذ منهم.
ومن أسر من رجالهم فدخل فى الطاعة خلى سبيله وان أبى وكان جلدا حبس ما دامت الحرب قائمة، فاذا انقضت خلى سبيله وشرط عليه ألا يعود الى القتال.
ثم قال فى المغنى
(4)
: وان لم يكن الأسير من أهل القتال كالنساء والصبيان والشيوخ الفانين خلى سبيلهم ولم يحبسوا فى أحد الوجهين.
وفى الآخر يحبسون لأن فيه كسرا لقلوب البغاة.
(1)
الاقناع ج 4 ص 301، ص 302.
(2)
الاقناع ج 4 ص 293 والمغنى ج 10 ص 53، ص 56 وما بعدها.
(3)
الاقناع ج 4 ص 295.
(4)
المغنى ج 10 ص 64.
وجاء فى المغنى
(1)
: متى ارتد أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صاروا دار حرب فى اغتنام أموالهم وسبى ذراريهم الحادثين بعد الردة.
وعلى الامام قتالهم فان أبا بكر الصديق رضى الله عنه قاتل أهل الردة بجماعة الصحابة ولأن الله قد أمر بقتال الكفار فى مواضع من كتابه وهؤلاء أحقهم بالقتال، لأن تركهم ربما أغرى أمثالهم بالتشبه بهم والارتداد معهم فيكثر الضرر بهم.
واذا قاتلهم قتل من قدر عليه ويتبع مدبرهم ويجهز على جريحهم وتغنم أموالهم.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم
(2)
: لا يقبل من كافر الا الاسلام أو السيف، والرجال والنساء فى ذلك سواء، حاشا أهل الكتاب خاصة، وهم اليهود والنصارى والمجوس، فقط، فانهم ان أعطوا الجزية أقروا على ذلك مع الصغار.
وقال أبو حنيفة ومالك أما من لم يكن كتابيا من العرب خاصة فالاسلام أو السيف، وأما الاعاجم فالكتابى وغيره سواء، ويقر جميعهم على الجزية.
قال ابن حزم وهذا باطل لقول الله تعالى «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ» وقال تعالى «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ» فلم يخص الله تعالى عربيا من عجمى فى كلا الحكمين وصح أنه عليه السلام أخذ الجزية من مجوسى هجر فصح أنهم من أهل الكتاب، ولولا ذلك ما خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ربه تعالى.
وقال ابن حزم فى المحلى
(3)
: ومن سبى من صغار أهل الحرب فسواء سبى مع أبويه أو مع أحدهما أو دونهما فهو مسلم ولا بد لأن حكم أبويه قد زال عن النظر له وصار سيده أملك به فبطل إخراجهما له عن الاسلام الذى ولد عليه، لما روى أن عمر بن الخطاب كان لا يدع يهوديا ولا نصرانيا يهود ولده ولا ينصره فى ملك العرب.
وقال ابن حزم
(4)
: اذا أسلم الكافر الحربى فسواء أسلم فى دار الحرب ثم خرج إلى دار الاسلام أو لم يخرج أو خرج الى دار الاسلام ثم أسلم كل
(1)
المغنى ج 10 ص 95.
(2)
المحلى ج 7 ص 345.
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 324.
(4)
المحلى ج 7 ص 309، ص 311.
ذلك سواء، وكل ماله له، ولا حق لأحد فيه، ولا يملكه المسلمون ان غنموه، وأولاده الصغار مسلمون أحرار، وكذلك الذى فى بطن أمه.
وأما امرأته وأولاده الكبار ففئ ان سبوا وهو باق على نكاحه معها وهى رقيق لمن وقعت له فى سهمه.
وقال: فان كان الجنين لم ينفخ فيه الروح بعد فامرأته حرة لا تسترق لأن الجنين حينئذ بعضها، ولا يسترق لأنه جنين مسلم.
وقال ابن حزم
(1)
: ومن أسر من أهل البغى فان الناس قد اختلفوا فيه أيقتل أم لا؟
فقال الشافعى لا يحل أن يقتل منهم أسير أصلا ما دامت الحرب قائمة ولا بعد تمام الحرب وبهذا نقول.
وقال فى موضع آخر
(2)
: أما المرتد فانه يقتل ان لم يرجع الى الاسلام.
وقال ابن حزم
(3)
. اذا نقض أهل الذمة العهد فقد حلت دماؤهم وسبيهم.
ومن هذا يؤخذ أن الأسر يجرى على أهل الكتاب خاصة وهم اليهود والنصارى والمجوس، الرجال والنساء، سواء، مقاتل أو غير مقاتل، أو تاجر أو أجير أو شيخ كبير كان ذا رأى أو لم يكن، أو فلاح أو أسقف أو قسيس أو راهب أو أعمى أو مقعد، الا أنه لا يجرى على المرأة الحامل اذا كان الجنين لم ينفخ فيه الروح، لأن الجنين بعضها ولا يسترق لأنه جنين مسلم، ولا يجرى الأسر على الكفار والمرتدين سواء كانوا من مشركى العرب أو غيرهم لأنه لا يقبل منهم الا الاسلام أو السيف.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(4)
وهامشه: يغنم من الكفار نفوسهم ويستعبدهم المسلمون ويملكونهم الا المرتد فانه لا يغنم ولو كان المرتد أنثى فانه لا يصح غنيمتها وسبيها عندنا.
وقال البعض بل تسبى، وكذلك كل عربى ذكر من الكفار.
والوجه أنه لا يجوز سبى كفار العرب، وذلك لأن مشركى العرب عظم جرمهم بتكذيب النبى صلى الله عليه وسلم فيما جاء به وجحودهم وعنادهم ولأجل هذا أعظم الله عقوبتهم، بأنه ليس لهم الا الاسلام الذى كرهوه أو
(1)
المحلى ج 11 ص 100.
(2)
المرجع السابق ج 11 ص 192، ص 193.
(3)
المرجع السابق ج 11 ص 417.
(4)
شرح الأزهار وهامشه ج 4 ص 542، ص 408.
السيف، ليطهر الأرض منهم، الا من له كتاب كبنى تغلب وهم فرقة من النصارى وكتابهم الانجيل فيجوز أن نغنمهم.
قال فى الشرح: والعرب هم من نسب الى اسماعيل أو غيره كحمير، ويجوز سبى النساء والصبيان وكذلك المجنون من مشركى العرب، وبعد التكليف لا يقبل منه الا الاسلام أو السيف.
وقال فى الزهور بل يسترق ولو بعد التكليف، لأنه عبد مملوك، وهو لا يجوز قتله.
وينظر فى العربى الفانى والأعمى ونحوهما هل يجوز استرقاقهم أو لا يقبل منهم الا الاسلام أو السيف؟
قلت: مخير بين المن والفدى والاسترقاق لشبهتهم بالصبى، والفانى - غير الكتابى - يحترز من الكتابى، فانه يجوز سبيه وعقد الذمة عليه.
وضابط ذلك أنه يجوز سبى كل صغير وأنثى مطلقا ومن له كتاب مطلقا ولو من العرب الا الكبير من العرب فلا يجوز ولا يقبل منه الا الاسلام أو السيف، أى ليس بذى ملة مستندة الى كتاب مشهور كالتوراة والانجيل فانه لا يغنم.
والعجمى فانه يجوز سبيه سواء كان وثنيا أو كتابيا.
ثم قال:
(1)
وحكم البغاة فى المقاتلة لهم أن يصنع فى قتالهم جميع ما مر ذكره فى قتال الكفار الا فى ثلاثة أحكام.
أحدها: انهم لا يسبون لا ذكورهم ولا أناثهم ولا صبيانهم باجماع المسلمين.
والثانى: أنهم لا يقتل جريحهم اذا قدر عليه المؤمنون ووجدوه جريحا، ولا يجوز أن يقتل مدبرهم اذا انهزموا وظفر بهم المجاهدون مدبرين فانه لا يجوز لهم قتلهم فى حال ادبارهم منهزمين الا أن يكون المنهزم منهم ذا فئة ينهزم اليها من ردء أو منعة تمنعه فانه يجوز قتله حينئذ عندنا.
والثالث: أنه لا يجوز أن يغنم شيئا من أموالهم الا الامام فيجوز له أن يغنم ما أجلبوا به من مال وآلة حرب يستعينون به على الحرب ولو كان مستعارا لذلك لا اذا كان الذى أجلبوا به غصبا على غيرهم فانه لا يغنم بل يرد لمالكه.
وقال محمد بن عبد الله لا يغنم أموال أهل القبلة وهو قول الفريقين.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 556، ص 571
ولكن البعض أجاز الانتفاع بأسلحتهم وكراعهم ما دامت الحرب قائمة فاذا وضعت الحرب أوزارها ردت الى أربابها.
وقال أحمد بن عيسى والحسن بن صالح أنه يجوز لغير الامام أخذ ما أجلبوا به كما يجوز قتلهم ولا يجوز اغتنام ما عدا ذلك.
وجاء فى شرح الازهار
(1)
: أما بيان حكم المرتدين فهو أن يقتل مكلفهم ان طولب بعد الردة بالرجوع الى الاسلام ثم لم يسلم، وسواء كان المكلف رجلا أو امرأة.
وقال البعض لا تقتل المرأة بل تسبى.
ومن أحكامهم أنهم لا تغنم أموالهم اذا قهرناهم ولم يتحصنوا عنا بكثرة ولا منعة بل يكون لورثتهم.
ومن أحكام الردة أنه يسترق ولد الولد من المرتدين بلا خلاف، وفى الولد تردد أى فى أول بطن حدث بعد الردة تردد هل يجوز استرقاقه أو لا؟ والتردد لأبى طالب وفيه قولان للبعض.
أحدهما: أنه يسترق.
وثانيهما: أنه لا يسترق بل ينتظر بلوغه، فان نطق بالاسلام فمسلم والا استتيب، فان تاب والا قتل.
واعلم أن الصبى مسلم أى تثبت له أحكام الاسلام باسلام أحد أبويه وان كان الآخر كافرا.
والمجنون الأصلى والطارئ يثبت لهم أحكام الاسلام.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام
(2)
: من يجب جهاده وهم ثلاثة.
البغاة على الامام من المسلمين.
وأهل الذمة وهم اليهود والنصارى.
والمجوس اذا أخلوا بشرائط الذمة.
ومن عدا هؤلاء من أصناف الكفار وكل من يجب جهاده فالواجب على المسلمين النفور اليهم، أما لكفهم، واما لنقلهم الى الاسلام، فان بدءوا فالواجب محاربتهم، وان كفوا وجب بحسب المكنة وأقله فى كل عام مرة.
واذا اقتضت المصلحة مهادنتهم جاز، لكن لا يتولى ذلك الا الامام، أو من يأذن له الامام.
والاولى أن يبدأ بقتال من يليه الا أن يكون الأبعد أشد خطرا.
ويجب التربص اذا كثر العدو وقل المسلمون حتى تحصل الكثرة للمقاومة ثم يجب المبادرة.
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 578، 580.
(2)
شرائع الاسلام ج 1 ص 147 وما بعدها.
ولا يبدأون الا بعد الدعاء الى محاسن الاسلام، ويكون الداعى الامام أو من نصبه ويسقط اعتبار الدعوة فيمن عرفها.
ولا يجوز الفرار اذا كان العدو على الضعف من المسلمين أو أقل الا لمتحرف كطالب السعة وموارد المياه أو استدبار الشمس أو تسوية لامته أو لمتحيز الى فئة قليلة كانت أو كثيرة، ولو غلب عنده الهلاك لم يجز الفرار وقيل يجوز لقوله تعالى «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» والأول أظهر لقوله تعالى «إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا» .
واذا كان المسلمون أقل من ذلك لم يجب الثبات، ولو غلب على الظن السلامة، استحب، وان غلب العطب قيل يجب الانصراف.
وقيل يستحب وهو أشبه.
ولو انفرد اثنان بواحد من المسلمين لم يجب الثبات وقيل يجب وهو المروى.
ويجوز محاربة العدو بالانحصار ومنع السابلة دخولا وخروجا وبالمجانيق وهدم الحصون والبيوت وكل ما يرجى به الفتح.
ولو تترسوا بالنساء أو الصبيان منهم كف عنهم إلا فى حالة التحام الحرب، وكذا لو تترسوا بالأسارى من المسلمين وان قتل الأسير اذا لم يمكن جهادهم الا كذلك.
ثم قال: المشرك اذا طلب المبارزة ولم يشترط جاز معونة قرنه فان شرط ان لا يقاتله غيره وجب الوفاء به، فان فر فطلبه الحربى جاز دفعه ولو لم يطلبه لم يجز محاربته.
وقيل يجوز ما لم يشترط الأمان حتى يعود الى فئته، ولو اشترط أن لا يقاتله غير قرنه فاستنجد أصحابه فقد نقض أمانه، وان تبرعوا فمنعهم فهو فى عهدة شرطه، وان لم يمنعهم جاز قتاله معهم.
وفى الأسارى وهم ذكور وأناث والاناث يملكن بالسبى ولو كانت الحرب قائمة وكذا الذرارى.
ولو اشتبه الطفل البالغ اعتبر بالانبات فمن ينبت وجهل سنه الحق بالذرارى والذكور البالغون يتعين عليهم القتل وان كانت الحرب قائمة ما لم يسلموا.
وجاء فى شرائع الاسلام
(1)
: المرتد وهو الذى يكفر بعد الاسلام وله قسمان.
الأول من ولد على الاسلام وهذا لا نقبل اسلامه لو رجع، ويتحتم قتله، وتبين منه زوجته، وتعتد منه عدة الوفاة، وتقسم أمواله بين ورثته، وان التحق
(1)
شرائع الاسلام ج 2 ص 259 وما بعدها.
بدار الحرب أو اعتصم بما يحول بين الامام وبين قتله.
ويشترط فى الارتداد البلوغ وكمال العقل والاختيار، فلو أكره كان نطقه بالكفر لغوا ولو ادعى الاكراه مع وجود الأمارة قبل.
ولا تقتل المرأة بالردة بل تحبس دائما، وان كانت مولودة على الفطرة وتضرب أوقات الصلاة.
والقسم الثانى: من أسلم عن كفر ثم ارتد فهذا يستتاب فان امتنع قتل واستتابته واجبة، وكم يستتاب؟
قيل ثلاثة أيام.
وقيل القدر الذى يمكن معه الرجوع.
والأول مروى وهو حسن لما فيه من التأنى لازالة عذره.
وولده بحكم المسلم فان بلغ مسلما فلا بحث فان اختار الكفر بعد بلوغه استتيب فان تاب والا قتل.
ولو ولد بعد الردة وكانت أمه مسلمة كان حكمه كالأول.
وان كانت مرتدة والحمل بعد ارتدادها كان بحكمها، وهل يجوز استرقاقه؟ تردد الشيخ فتارة يجيز لأنه كافر بين كافرين وتارة يمنع لأن أباه لا يسترق لتحرمه بالاسلام وكذا الولد.
وجاء فى شرائع الاسلام
(1)
: فى قتال أهل البغى يجب قتال من خرج على امام عادل اذا ندب اليه الامام عموما أو خصوصا أو من نصبه الامام والتأخر عنه كبيرة، واذا قام به من فيه غناء سقط عن الباقين ما لم يستنهضه الامام على التعيين.
والفرار فى حربهم كالفرار فى حرب المشركين، وتجب مصابرتهم حتى يفيئوا أو يقتلوا.
ومن كان من أهل البغى له فئة يرجع اليها جاز الاجهاز على جريحهم، واتباع مدبرهم، وقتل أسيرهم.
ومن لم يكن له فئة فالقصد بمحاربتهم تفريق كلمتهم، فلا يتبع لهم مدبر، ولا يجهز على جريحهم، ولا يقتل لهم مأسور.
ولا يجوز سبى ذرارى البغاة ولا تملك نسائهم اجماعا، ولا يجوز تملك شئ من أموالهم التى لم يحوها العسكر، سواء كانت مما ينقل كالثياب والآلات أو لا ينقل كالعقارات لتحقق الاسلام المقتضى لحقن الدم والمال.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: قال أبو عبيدة عن جابر بن زيد قال بلغنى أن رسول
(1)
شرائع الاسلام ج 1 ص 157 وما بعدها.
(2)
شرح النيل ج 7 ص 426، ص 427.
الله صلى الله عليه وسلم: بعث عليا فى سرية فقال: يا على لا تقاتل القوم حتى تدعوهم وتنذرهم وبذلك أمرت، فان حصلت الدعوة والانذار ولم يستجيبوا جاز هدم حصونهم، والدخول عليهم حتى يقتلوا أو يذعنوا الى الحق حيث لا يستعبد أسير ولا صبى ولا يأثم من قتل من صودف فيهم من غيرهم لأن عليه أن يعتزل عسكره، وديته فى بيت المال.
وقد نهى عن قتل النساء والصبيان والشيخ الفانى، وجوز قتله ان كان يعود اليه الأمر ولو لم يقاتل، وكذا المرأة ان قاتلت أو أعانت وان بغير سلاح.
وروى عن ابى عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم: أياكم وقتل ذرارى المشركين ونسائهم، الا من قاتل منهن فانها تقتل.
وفى السؤالات المرأة تقتل اذا ارتدت وعند النكار لا تقتل.
وقيل له صلى الله عليه وسلم لما نهى عن قتل الذرية من يقتل من المشركات يا رسول الله قال: المرتدات ومن أعان منهن على القتال.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم يعنى - والله أعلم بالشيوخ كبار السن اذا كانوا يقاتلون أو يرجع اليهم رأى أو كيد، وبالشرخ الشباب الذين لم يبلغوا أو بلغوا وكان فى بقائهم منفعة للاسلام.
وعن ابن عمر نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة فى بعض مغازيه فأنكر قتل النساء والصبيان.
وجئ بأسارى من حى من أحياء العرب فقالوا يا رسول الله ما دعانا أحد ولا بلغنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله فقالوا: الله، فقال: خلوا سبيلهم، ثم قال: حتى تصل اليهم دعوتى، فان دعوتى تامة لا تنقطع الى يوم القيامة، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم «وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ»
(1)
.
«ثم قال: ويدفع
(2)
قاصد ببغى، ويحال بينه وبين مراده، وان مات بدفع فدمه مهدور ولا يقاتل بعد انهزام أو كف بغى، ولو بقى فى مكانه
(1)
الآية رقم 19 من سورة الأنعام.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 423، 424.
لم يهرب ولم يتب الا ان ثبت فى موضع حجر عليهم فحتى يتوبوا، لأن الحجر للبغى، ولما تابوا لم يقع عليهم الحجر، وذلك فى بغاة أهل التوحيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله يعنى ابن عمر أتدرى كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الامة قال:
الله ورسوله أعلم: قال لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها وذلك فى القتال ولا قيد فى الحديث بأن لم يكن لهم مأوى، وجوز القتال ما خيف شره أو شوكته أو له مادة أو نصرة أو يفئ الى أمر الله.
ماذا يفعل بالأسير ومعاملة الأسرى
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع:
(1)
اذا ظهر الامام على بلاد أهل الحرب فان الامام مخير فى الرقاب بين خيارات ثلاث.
ان شاء قتل الاسارى منهم وهم الرجال المقاتلة وسبى النساء والذرارى لقوله تبارك وتعالى: «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ» وهذا بعد الأخذ والأسر وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استشار الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم فى أسارى بدر فأشار بعضهم الى الفداء وأشار سيدنا عمر رضى الله عنه الى القتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو جاءت من السماء نار ما نجا الا عمر، أشار عليه الصلاة والسلام الى أن الصواب كان هو القتل وكذا روى أنه عليه الصلاة والسلام أمر بقتل عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث يوم بدر وبقتل هلال بن خطل ومقيس بن صبابة يوم فتح مكة ولأن المصلحة قد تكون فى القتل لما فيه من استئصالهم فكان للامام ذلك.
وان شاء استرق الكل فخمسهم وقسمهم لأن الكل غنيمة حقيقة لحصولها فى أيديهم عنوة وقهرا بايجاف الخيل والركاب فكان له أن يقسم الكل الا رجال مشركى العرب والمرتدين فانهم لا يسترقون بل يقتلون أو يسلمون لقوله تعالى «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الى أن قال:
{فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ» لأن ترك القتل بالاسترقاق فى حق أهل الكتاب ومشركى العجم للتوسل الى الاسلام، ومعنى الوسيلة لا يتحقق فى حق مشركى العرب والمرتدين، وأما النساء والذرارى، منهم فيسترقون كما يسترق نساء مشركى العجم وذراريهم، لأن النبى صلى الله عليه وسلم استرق نساء هوازن وذراريهم وهم من صميم العرب وكذا الصحابة
(1)
بدائع الصنائع ج 7 من ص 118 الى ص 121.
استرقوا نساء المرتدين من العرب وذراريهم.
وان شاء من الامام عليهم وتركهم أحرارا بالذمة كما فعل سيدنا عمر رضى الله عنه بسواد العراق الا مشركى العرب والمرتدين فانه لا يجوز تركهم بالذمة وعقد الجزية، كما لا يجوز بالاسترقاق لما بينا.
وليس للامام أن يمن على الأسير فيتركه من غير ذمة لا يقتله ولا يقسمه، لأنه لو فعل ذلك لرجع الى المنعة فيصير حربا علينا.
فان قيل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من على الزبير بن باطا من بنى قريظة وكذا من على أهل خيبر، فالجواب أنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من على الزبير ولم يقتله أما لأنه لم يثبت أنه ترك بالجزية أم بدونها فاحتمل أنه ترك بالجزية وبعقد الذمة، وأما أهل خيبر فقد كانوا أهل الكتاب فتركهم ومن عليهم ليصيروا أكرة للمسلمين، ويجوز المن لذلك، لأن ذلك فى معنى الجزية فيكون تركا بالجزية من حيث المعنى.
وهل للامام أن يفادى الأسارى؟ أما المفاداة بالمال فلا تجوز عند أصحابنا فى ظاهر الروايات.
وقال محمد: مفاداة الشيخ الكبير الذى لا يرجى له ولد تجوز.
والدليل على أن المفاداة بالمال لا تجوز أن قتل الأسرى مأمور به لقوله تعالى «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ» وأنه منصرف الى ما بعد الأخذ والاسترقاق وقوله سبحانه وتعالى «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» والأمر بالقتل للتوسل الى الاسلام فلا يجوز تركه الا لما شرع له القتل، وهو أن يكون وسيلة الى الاسلام، ولا يحصل معنى التوسل بالمفاداة فلا يجوز ترك المفروض لأجله ويحصل بالذمة والاسترقاق لما بينا، فكان اقامة للفرض معنى لا تركا له، ولأن المفاداة بالمال اعانة لأهل الحرب على الحراب لأنهم يرجعون الى المنعة فيصيرون حربا علينا وهذا لا يجوز.
ومحمد رحمه الله يقول: معنى الاعانة لا يحصل من الشيخ الكبير الذى لا يرجى منه ولد فجاز فداؤه بالمال.
ولكنا نقول: ان كان لا يحصل بهذا الطريق يحصل بطريق آخر وهو الرأى والمشورة وتكثير السواد.
وأما قوله تعالى «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً» فقد قال بعض أهل التفسير ان الآية منسوخة بقوله تبارك وتعالى «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ،} وقوله تعالى: «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ» .. }. الآية، لأن سورة براءة نزلت بعد سورة محمد عليه الصلاة والسلام، ويحتمل أن تكون
الآية فى أهل الكتاب فيمن من عليهم بعد أسرهم على أن يصيروا أكرة للمسلمين، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر، أو ذمة كما فعل سيدنا عمر رضى الله عنه بأهل السواد ويسترقون.
وأما أسارى بدر فقد قيل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انما فعل ذلك باجتهاده ولم ينتظر الوحى فعوقب عليه بقوله سبحانه «لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» حتى قال عليه الصلاة والسلام: لو أنزل الله من السماء نارا ما نجا الا عمر رضى الله عنه، ويحتمل أن المفاداة كانت جائزة ثم نسخت بقوله تعالى «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ:} وعتاب النبى صلى الله عليه وسلم لا لحظر المفاداة بل لعدم انتظار الوحى.
وأما مفاداة الأسير بالأسير فلا تجوز عند أبى حنيفة رحمه الله.
وعند أبى يوسف ومحمد تجوز.
ووجه قولهما أن المفاداة انقاذ المسلم وذلك أولى من اهلاك الكافر.
ووجه قول أبى حنيفة أن قتل المشركين فرض بقوله تعالى: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ» وقوله تعالى: «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ» فلا يجوز تركه الا لما شرع له اقامة الفرض وهو التوسل الى الاسلام، لأنه لا يكون تركا معنى، وذا لا يحصل بالمفاداة، ويحصل بالذمة والاسترقاق فيمن يحتمل ذلك ولأن فى ذلك اعانة لاهل الحرب على الحرب، لأنهم يرجعون الى المنعة فيصيرون حربا على المسلمين.
ثم اختلف أبو يوسف ومحمد فيما بينهما.
قال أبو يوسف تجوز المفاداة قبل القسمة ولا تجوز بعدها.
وقال محمد تجوز فى الحالين.
ووجه قول محمد أنه لما جازت المفاداة قبل القسمة فكذا بعد القسمة لأن الملك ان لم يثبت قبل القسمة فالحق ثابت، ثم قيام الحق لم يمنع جواز المفاداة، فكذا قيام الملك.
ووجه قول أبى يوسف أن المفاداة بعد القسمة ابطال ملك المقسوم له من غير رضاه وهذا لا يجوز فى الأصل، بخلاف ما قبل القسمة، لأنه لا ملك قبل القسمة، انما الثابت حق غير متقرر فجاز أن يكون محتملا للابطال بالمفاداة.
ولا يجوز أن يعطى رجل واحد من الأسارى ويؤخذ بدله رجلان من المشركين، لأن كم من واحد يغلب اثنين وأكثر من ذلك، فيؤدى الى الاعانة على الحرب وهذا لا يجوز.
واذا عزم المسلمون على قتل الاسارى فلا ينبغى أن يعذبوهم بالجوع والعطش
وغير ذلك من أنواع التعذيب، لأن ذلك تعذيب من غير فائدة، وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى بنى قريظة: لا تجمعوا عليهم حر هذا اليوم وحر السلاح، ولا يجوز التمثيل بهم لقوله عليه الصلاة والسلام فى وصايا الأمراء: ولا تمثلوا.
ولا ينبغى للرجل أن يقتل أسير صاحبه، لأنه له ضرب اختصاص به حيث أخذه وأسره، فلم يكن لغيره أن يتصرف فيه كما لو التقط شيئا، والأفضل أن يأتى به الامام ان قدر عليه حتى يكون الامام هو الحكم فيه، لتعلق حق الغزاة به فكان الحكم فيه للامام.
وأما الذى يجوز قتله من الأسارى فهو من بلغ اما بالسن أو بالاحتلام على قدر ما اختلف فيه.
فأما من لم يبلغ أو شك فى بلوغه فلا يقتل.
قال صاحب البدائع:
(1)
وأما بيان ما يحل قتله من الكفرة ومن لا يحل فنقول: اذا كان الحال بعد الفراغ من القتال وهى ما بعد الأسر والأخذ فكل من لا يحل قتله فى حال القتال لا يحل قتله بعد الفراغ من القتال، وكل من يحل قتله فى حال القتال اذا قاتل حقيقة أو معنى يباح قتله بعد الأخذ والأسر، الا الصبى والمعتوه الذى لا يعقل فانه يباح قتلهما حال القتال، اذا قاتلا حقيقة ومعنى، ولا يباح قتلهما بعد الفراغ من القتال اذا أسرا وان قتلا جماعة من المسلمين فى القتال، لأن القتل بعد الأسر بطريق العقوبة، وهما ليسا من أهل العقوبة وقتلهم حال القتال لدفع شر القتال وقد وجد الشر منهما فيباح قتلهما لدفع الشر، وقد انعدم الشر بالأسر، فكان القتل بعده بطريق العقوبة، وهما ليسا من أهلها، وبذلك فلا يجوز قتل امرأة ولا صبى ولا شيخ فان ولا مقعد ولا يابس الشق ولا أعمى ولا مقطوع اليد والرجل من خلاف ولا مقطوع اليد اليمنى ولا معتوه ولا راهب فى صومعة ولا سائح فى الجبال لا يخالط الناس وقوم فى دار أو كنيسة ترهبوا وطبق عليهم الباب، أما لو قاتل واحد من هؤلاء فى اثناء القتال، حرض على القتال أو دل على عورات المسلمين أو كان الكفرة ينتفعون برأيه أو كان مطاعا وان كان امرأة أو صغيرا لوجود القتال من حيث المعنى، فانه يجوز قتلهم بعد الأسر، الا الصبى والمعتوه الذى لا يعقل فانه لا يباح قتلهما بعد الأسر، وان كان يباح قتلهما حال القتال اذا قاتلا حقيقة أو معنى.
وجاء فى البدائع
(2)
: لو قتل رجل من المسلمين أسيرا فى دار الحرب أو فى
(1)
البدائع ج 7 ص 101.
(2)
البدائع ج 7 ص 121.
دار الاسلام فان كان قبل القسمة فلا شئ فيه من دية ولا كفارة ولا قيمة لأن دمه غير معصوم قبل القسمة فان للامام فيه خيرة القتل، وان كان بعد القسمة أو بعد البيع فيراعى فيه حكم القتل لأن الامام اذا قسمهم أو باعهم فقد صار دمهم معصوما فكان مضمونا بالقتل، الا أنه لا يجب القصاص لقيام شبهة الاباحة كالحربى المستأمن.
وقال صاحب البدائع: ان ما ذكر من خيار القتل للامام فى الأسارى قبل القسمة اذا لم يسلموا فان أسلموا قبل القسمة فلا يباح قتلهم، لأن الاسلام عاصم وللامام خياران فيهم ان شاء استرقهم فقسمهم، وان شاء تركهم أحرارا بالذمة ان كانوا بمحل الذمة والاسترقاق، لأن الاسلام لا يرفع الرق، لأن الرفع فيه ابطال حق الغزاة، وهذا لا يجوز.
وجاء فى البدائع
(1)
: أما من يسع تركه فى دار الحرب ممن لا يحل قتله ومن لا يسع فالأمر فيه لا يخلو من أحد وجهين.
اما ان يكون الغزاة قادرين على حمل هؤلاء واخراجهم الى دار الاسلام.
واما أن يكونوا غير قادرين عليه.
فان قدروا على ذلك فان كان المتروك ممن يولد له ولد فلا يجوز تركهم فى دار الحرب، لأن فى تركهم فى دار الحرب عونا على المسلمين باللقاح.
وان كان ممن لا يولد له ولد كالشيخ الفانى الذى لا قتال عنده ولا لقاح، فان كان ذا رأى ومشورة فلا يباح تركه فى دار الحرب لما فيه من المضرة بالمسلمين، لأنهم يستعينون على المسلمين برأيه، وان لم يكن له رأى فان شاءوا تركوه فانه لا مضرة عليهم فى تركه وان شاءوا أخرجوه لفائدة المفاداة على قول من يرى مفاداة الأسير بالأسير، وعلى قول من لا يرى لا يخرجونهم لأنه لا فائدة فى اخراجهم، وكذلك العجوز الذى لا يرجى ولدها، وكذلك الرهبان وأصحاب الصوامع اذا كانوا حضورا لا يلحقون.
وان لم يقدر المسلمون على حمل هؤلاء ونقلهم الى دار الاسلام لا يحل قتلهم، ويتركون فى دار الحرب، لأن الشرع نهى عن قتلهم، ولا قدرة على نقلهم فيتركون ضرورة.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى
(2)
: ووجب على الامام النظر بالمصلحة للمسلمين فى الأسرى قبل قسم الغنيمة بقتل ويحسب من رأس الغنيمة - أو من بأن يترك سبيلهم ويحسب من الخمس أو فداء من الخمس أيضا بالأسرى الذين
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 102.
(2)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 184.
عندهم أو بمال أو بضرب جزية عليهم ويحسب المضروب من الخمس أيضا أو استرقاق ويرجع للغنيمة وهذه الوجوه بالنسبة للرجال المقاتلة.
وأما النساء والذرارى فليس فيهم الا الاسترقاق أو الفداء.
ثم قال
(1)
: وفدى من أسلم ورد للكفار من رهائن أو غيرهم وأولى المسلم الأصلى الأسير بالفئ أى بيت مال المسلمين وجوبا على الامام، ثم أن لم يكن بيت مال، أو لم يمكن الوصول اليه أو قصر ما فيه عن الكفاية فدى بمال المسلمين على قدر رءوسهم، والأسير كواحد منهم، ثم ان تعذر من المسلمين فدى بماله ان كان له مال.
ثم قال
(2)
وجاز وط ء أسير مسلم زوجة أو أمة له أسرتا معه ان أيقن أنهما سلمتا من وط ء الكافر لهما، لأن سبيهم لا يهدم نكاحنا ولا يبطل ملكنا، والمراد بالجواز عدم الحرمة، والا فهو مكروه خوفا من بقاء ذريته بأرض الحرب.
ثم قال
(3)
: وحرم خيانة أسير مسلم عند الكفار أؤتمن على شئ من مالهم حال كونه طائعا بل ولو أؤتمن على نفسه بعهد منه أن لا يهرب أو لا يخونهم فى مالهم أو بلا عهد نحو: أمناك على نفسك أو على مالنا، فليس له أن يأخذ من مالهم شيئا ولو حقيرا، فان لم يؤتمن أو أؤتمن مكرها فله الهروب.
قال الدسوقى: فان تنازع الأسير ومن أمنه هل وقع الائتمان على الطوع أو الاكراه فالقول قول الأسير وله أخذ كل ما قدر عليه من مال أو نساء أو ذرية ولو بيمين، ولا حنث عليه لأن أصل يمينه الاكراه.
قال الدسوقى أى أخذوه منه على ذلك (أى حلف لهم) بأن قال لهم بعد أن أمنوه مكرها والله لا أخونكم فى مالكم أو والله لا أهرب.
وفى حاشية السيد أن الأسير اذا عاقدهم على الفداء لا يجب عليه الرجوع اذا عجز بل يسعى جهده ويوصله لهم الا أن يشترط عليه الرجوع وذكر خلافا فى وجوب الوفاء اذا اقترض الفداء من حربى.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(4)
: أن من أمن أسيرا لم يصح الأمان لأنه يبطل ما ثبت للامام فيه من الخيار بين القتل والاسترقاق والمن والفداء وان قال كنت أمنته قبل الأسر لم يقبل قوله لأنه لا يملك عقد الامان فى هذه الحال فلم يقبل اقراره به، وان أسر امرأة حرة أو صبيا حرا
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 207.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 181.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 179.
(4)
المهذب ج 2 ص 235، ص 239.
رق بالأسر لأن النبى صلى الله عليه وسلم قسم سبى بنى المصطلق واصطفى صفية من سبى خيبر وقسم سبى هوازن فنزل واستنزل الناس فنزلوا وان أسر حر بالغ من أهل القتال فللامام أن يختار ما يرى من القتل والاسترقاق والمن والفداء فان رأى القتل قتل لقوله عز وجل «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة من المشركين من قريش مطعم ابن عدى والنضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط وقتل يوم أحد أبا عزة الجمحى وقتل يوم الفتح ابن خطل وان رأى المن عليه جاز لقوله عز وجل «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً» ولأن النبى صلى الله عليه وسلم من على أبى عزة الجمحى ومن على ثمامة الحنفى ومن على أبى العاص ابن الربيع وان رأى أن يفادى بمال أو بمن أسر من المسلمين فادى به لقوله عز وجل «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً» وروى عمران بن الحصين رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم فادى أسيرا من عقيل برجلين من أصحابه أسرهما ثقيف وان رأى أن يسترقه فان كان من غير العرب نظرت فان كان ممن له كتاب أو شبه كتاب استرقه لما روى عن ابن عباس أنه قال فى قوله عز وجل «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ» وذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم أمر الله عز وجل فى الأسارى «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً» فجعل الله سبحانه وتعالى للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فى أمر الأسارى بالخيار ان شاءوا قتلوا وان شاءوا استعبدوهم وان شاءوا فادوهم فان كان من عبدة الأوثان ففيه وجهان.
أحدهما وهو قول أبى سعيد الأصطخرى أنه لا يجوز استرقاقه لأنه لا يجوز اقراره على الكفر بالجزية فلم يجز الاسترقاق كالمرتد.
والثانى أنه يجوز لما رويناه عن ابن عباس ولأن من جاز المن عليه فى الاسر جاز استرقاقه كأهل الكتاب وان كان من العرب ففيه قولان.
قال فى الجديد يجوز استرقاقه والمفاداة به وهو الصحيح لأن من جاز المن عليه والمفاداة به من الأسارى جاز استرقاقه كغير العرب.
وقال فى القديم لا يجوز استرقاقه لما روى معاذ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين لو كان الاسترقاق ثابتا على العرب لكان اليوم وانما هو أسر وفداء فان تزوج عربى بأمة فأتت منه بولد فعلى القول الجديد الولد مملوك وعلى القديم الولد حر ولا ولاء عليه لأنه حر من الأصل، ولا يختار الامام فى الأسير من القتل والاسترقاق والمن
والفداء الا ما فيه الحظ للاسلام والمسلمين لأنه ينظر لهما فلا يفعل الا ما فيه الحظ لهما فان بذل الأسير الجزية وطلب أن تعقد له الذمة ففيه وجهان.
أحدهما يجب قبولها كما يجب اذا بذل وهو فى غير الأسر وهو ممن يجوز أن تعقد لمثله الذمة.
والثانى أنه لا يجب لأنه يسقط بذلك ما ثبت من اختيار القتل والاسترقاق والمن والفداء وان قتله مسلم قبل أن يختار الامام ما يراه عزر القاتل لافتياته على الامام ولا ضمان عليه لأنه حربى لا أمان له وان أسلم حقن دمه لقوله صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها وهل يرق بالاسلام أو يبقى الخيار فيه بين الاسترقاق والمن والفداء فيه قولان.
أحدهما أنه يرق بنفس الاسلام ويسقط الخيار فى الباقى لأنه أسير لا يقتل فرق كالصبى والمرأة.
والثانى أنه لا يرق بل يبقى الخيار فى الباقى لما روى عمران بن الحصين رضى الله عنه أن الأسير العقيلى قال يا محمد انى مسلم ثم فاداه برجلين ولأن ما ثبت الخيار فيه بين أشياء اذا سقط أحدهما لم يسقط الخيار فى الباقى ككفارة اليمين اذا عجز فيها عن العتق فعلى هذا اذا اختار الفداء لم يجز أن يفادى به الا أن يكون له عشيرة يأمن معهم على دينه ونفسه وأن أسر شيخ لا قتال فيه ولا رأى له فى الحرب فان قلنا انه يجوز قتله فهو كغيره فى الخيار بين القتل والاسترقاق والمن والفداء وان قلنا لا يجوز قتله فهو كغيره اذا أسلم فى الأسر وان رأى الامام القتل ضرب عنقه لقوله عز وجل «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ» .
وجاء فى موضع آخر
(1)
: من أسلم من الكفار قبل الأسر عصم دمه وماله لما روى عمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها فان كانت له منفعة باجارة لم تملك عليه لأنها كالمال وان كانت له زوجة جاز استرقاقها على المنصوص ومن أصحابنا من قالوا لا يجوز كما لا يجوز أن يملك ماله ومنفعته وهذا خطأ لأن منفعة البضع ليست بمال ولا تجرى مجرى المال ولهذا لا يضمن بالغصب بخلاف المال والمنفعة وإن أسلم رجل وله ولد صغير تبعه الولد فى الاسلام لقوله عز وجل «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» وان أسلمت امرأة ولها ولد صغير تبعها فى الاسلام لأنها أحد الأبوين فتبعها الولد فى الاسلام كالاب وان أسلم أحدهما
(1)
المهذب ج 2 ص 239.
والولد حمل تبعه فى الإسلام لأنه لا يصح إسلامه بنفسه فتبع المسلم منهما كالولد وإن أسلم أحد الأبوين دون الأخر تبع الولد المسلم منهما لأن الإسلام أعلى فكان إلحاقه بالمسلم منهما أولى وإن لم يسلم واحد منهما فالولد كافر لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
وان سبى المسلم صبيا فان كان معه أحد أبويه كان كافرا لما ذكرنا من حديث أبى هريرة رضى الله عنه وان سبى وحده ففيه وجهان.
أحدهما أنه باق على حكم كفره ولا يتبع السابى فى الاسلام وهو ظاهر المذهب لأن يد السابى يد ملك فلا توجب اسلامه كيد المشترى.
والثانى أنه يتبعه لأنه لا يصح اسلامه بنفسه ولا معه من يتبعه فى كفره فجعل تابعا للسابى لأنه كالأب فى حضانته وكفالته فتبعه فى الاسلام وان سبيت امرأة ومعها ولد صغير لم يجز التفريق بينهما وان سبى رجل ومعه ولد صغير ففيه وجهان.
أحدهما أنه لا يجوز التفريق بينهما لأنه أحد الأبوين فلم يفرق بينه وبين الولد الصغير كالأم.
والثانى أنه يجوز أن يفرق بينهما لأن الأب لا بد أن يفارقه فى الحضانة لأنه لا يتولى حضانته بنفسه وانما يتولاها غيره فلم يحرم التفريق بينهما بخلاف الأم فانها لا تفارقه فى الحضانة فاذا فرق بينهما ولهت بمفارقته فحرم التفريق بينهما.
وان سبى الزوجان أو أحدهما انفسخ النكاح لما روى أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه قال أصبنا نساء يوم أوطاس فكرهوا أن يقعوا عليهن فأنزل الله تعالى «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» فاستحللناهن.
ثم قال
(1)
: أن أسر الكفار مسلما وأطلقوه من غير شرط فله أن يغتالهم فى النفس والمال لأنهم كفار لا أمان لهم وان أطلقوه على أنه فى أمان ولم يستأمنوه ففيه وجهان.
أحدهما وهو قول أبى على بن أبى هريرة أنه لا أمان لهم لأنهم لم يستأمنوه والثانى وهو ظاهر المذهب أنهم فى أمانه لأنهم جعلوه فى أمان فوجب أن يكونوا منه فى أمان وان كان محبوسا فأطلقوه واستحلفوه أنه لا يرجع الى دار الاسلام لم يلزمه حكم اليمين ولا كفارة عليه اذا حلف لأن ظاهره الاكراه، فان ابتدأ وحلف أنه ان أطلق لم يخرج الى دار الاسلام ففيه وجهان.
أحدهما أنها يمين اكراه فان خرج لم تلزمه كفارة لأنه لم يقدر على الخروج
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 242، ص 243.
الا باليمين فأشبه اذا حلفوه على ذلك.
والثانى أنه يمين اختيار فان خرج لزمته الكفارة لأنه بدأ بها من غير اكراه وان أطلق ليخرج الى دار الاسلام وشرط عليه أن يعود اليهم أو يحمل لهم مالا لم يلزمه العود لأن مقامه فى دار الحرب لا يجوز ولا يلزمه بالشرط ما ضمن من المال لأنه ضمان من مال بغير حق والمستحب أن يحمل لهم ما ضمن ليكون ذلك طريقا الى اطلاق الأسرى.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى
(1)
اذا سبى الامام فهو مخير ان رأى قتلهم، وان رأى من عليهم وأطلقهم بلا عوض، وان رأى أطلقهم على مال يأخذه منهم، وان رأى فادى بهم وان رأى استرقهم أى ذلك رأى فيه نكاية للعدو وحظا للمسلمين فعل.
ثم قال: اذا كان الأسير من النساء والصبيان فلا يجوز قتلهم، ويصيرون رقيقا للمسلمين بنفس السبى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والولدان.
ثم قال: وان كان الأسرى من الرجال من أهل الكتاب والمجوس الذين يقرون بالجزية فيخير الامام فيهم بين أربعة أشياء: القتل، والمن بغير عوض، والمفاداة بهم، واسترقاقهم.
وان كان الأسرى رجالا من عبدة الأوثان وغيرهم ممن لا يقر بالجزية فيتخير الامام فيهم بين ثلاثة أشياء: القتل، أو المن، أو المفاداة، ولا يجوز استرقاقهم
وعن أحمد: جواز استرقاقهم.
ولنا على جواز المن والفداء قول الله تعالى «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً» وأن النبى صلى الله عليه وسلم من على ثمامة بن أثال، وأما القتل فلأن النبى صلى الله عليه وسلم قتل رجال بنى قريظة.
وأما عبدة الأوثان ففى استرقاقهم روايتان.
احداهما لا يجوز لأنه كافر لا يقر بالجزية فلم يقر بالاسترقاق كالمرتد.
واذا أسر العبد صار رقيقا للمسلمين لأنه مال لهم استولى عليه فكان للغانمين كالبهيمة، وان رأى الامام قتله لضرر فى بقائه جاز قتله لأن مثل هذا لا قيمة له فهو كالمرتد.
وأما من يحرم قتلهم غير النساء والصبيان كالشيخ والزمن والأعمى والراهب فلا يحل سبيهم، لأن قتلهم حرام ولا نفع فى اقتنائهم.
(1)
المغنى لابن قدامه ج 10 من ص 400 الى ص 408.
ثم قال: وان أسلم الأسير صار رقيقا فى الحال وزال التخيير وصار حكمه حكم النساء، لأنه أسير يحرم قتله فصار رقيقا كالمرأة فان سأل الأسارى من أهل الكتاب تخليتهم على اعطاء الجزية لم يجز ذلك فى نسائهم وذراريهم لأنهم صاروا غنيمة بالسبى.
وأما الرجال فيجوز ذلك فيهم، ولا يزول التخيير الثابت لأنه بدل لا تلزم الاجابة اليه فلم يحرم قتلهم كبدل عبدة الأوثان.
ومن أسر أسيرا لم يكن له قتله حتى يأتى به الامام فيرى فيه رأيه، لأنه صار أسيرا فالخيرة فيه الى الامام.
وقد روى عن الامام أحمد كلام يدل على اباحة قتله فانه قال: لا يقتل أسير غيره الا أن يشاء الوالى، فمفهومه أن له قتل أسيره بغير اذن الوالى، لأن له أن يقتله ابتداء فكان له قتله دواما كما لو هرب منه أو قاتله، فان امتنع الأسير أن ينقاد معه فله اكراهه بالضرب وغيره فان لم يمكنه اكراهه فله قتله، وان خافه أو خاف هربه فله قتله أيضا، وان امتنع من الانقياد معه لجرح أو مرض فله قتله أيضا، وتوقف أحمد عن قتله، والصحيح أنه يقتله كما يذفف (أى يجهز) على جريحهم ولأن تركه حيا ضرر على المسلمين وتقوية للكفار فتعين القتل كحالة الابتداء اذا أمكنه قتله وكجريحهم اذا لم يأسره، فأما أسير غيره فلا يجوز له قتله الا أن يصير الى حال يجوز قتله لمن أسره.
وقد روى يحيى بن أبى كثير أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «لا يتعاطين أحدكم أسير صاحبه اذا أخذه فيقتله رواه سعيد، فان قتل أسيره أو أسير غيره قبل ذلك أساء ولم يلزمه ضمانه لأن عبد الرحمن بن عوف أسر أمية ابن خلف وابنه عليا يوم بدر فرآهما بلال فاستصرخ الأنصار عليهما حتى قتلوهما ولم يغرموا شيئا، ولأنه أتلف ما ليس بمال فلم يغرمه كما لو أتلفه قبل أن يأتى به الامام، ولأنه أتلف ما لا قيمة له قبل أن يأتى به الامام فلم يغرمه كما لو أتلف كلبا، فأما لو قتل امرأة أو صبيا غرمه لأنه صار رقيقا بنفس السبى.
ثم قال ومن أسر فادعى أنه كان مسلما لم يقبل قوله الا ببينة لأنه يدعى أمرا الظاهر خلافه يتعلق به اسقاط حق يتعلق برقبته فان شهد له واحد حلف معه وخلى سبيله لما روى عن عبد الله بن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «لا يبقى منهم أحد الا أن يفدى أو يضرب عنقه فقال عبد الله بن مسعود الا سهيل بن بيضاء فانى سمعته يذكر الاسلام فقال
النبى صلى الله عليه وسلم الا سهيل ابن بيضاء» فقبل شهادة عبد الله وحده.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم
(1)
: حكم الحربيين القتل فى اللقاء كيف أمكن حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
ومن كان منهم كتابيا فى قولنا وقول طوائف من الناس أو من كان منهم من أى دين كان ما لم يكن عربيا فى قول غيرنا أو يؤسر فيكون حكمه ضرب العنق فقط بلا خلاف كما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث وبنى قريظة وغيرهم أو يسترق أو يطلق الى أرضه كما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال الحنفى وأبا العاص بن الربيع وغيرهما أو يفادى به كما قال الله تعالى «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها» أو نطلقهم أحرارا ذمة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر فهذه أحكام الحربيين بنص القرآن والسنن الثابتة والاجماع المتيقن.
وقال ابن حزم
(2)
: لا يحل أن يرد صغير سبى من أرض الحرب اليهم لا بفداء ولا بغير فداء، لأنه قد لزمه حكم الاسلام بملك المسلمين له فهو وأولاد المسلمين سواء ولا فرق.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(3)
: وهامشه يجوز أن يغنم من الكفار نفوسهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبايا أوطاس وبنى المصطلق وغيرهم أى اذا قهروا وثبتت الحكمة عليهم جاز أن يستعبدهم المسلمون ويملكوهم ولا خلاف فى ذلك بين الأمة الا المكلف وهو البالغ العاقل من مرتد ولو عبدا وهو من رجع عن الاسلام بعد أن دخل فيه الى الكفر فانه لا يغنم، ولو كان ذلك المرتد أنثى فانه لا يصح غنيمتها وسبيها عندنا ان رجعت الى الاسلام، والا قتلت.
وقال البعض بل تسبى، وكذلك كل عربى من الكفار ذكر لا أنثى غير الكتابى أى ليس بذى ملة مستندة الى كتاب مشهور كالتوراة والانجيل فانه لا يغنم فالواجب على الامام والمسلمين أن يطلبوا منه الاسلام أو السيف ان لم يقبل الدخول فى الاسلام ولا يجوز أن يسبى ويملك.
(1)
المحلى ج 11 ص 304، 305.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 309.
(3)
الأزهار وهامشه ج 4 ص 542، ص 543.
ثم قال
(1)
: واذا كان فى الغنائم بعض المشركين وتعذر على الغانمين الخروج بهم الى دار الاسلام أو الى حيث يحرزونهم جاز أن يقتل منهم من كان يجوز قتله وهو من ليس بفان ولا متخل ولا أعمى ولا مقعد ولا صبى ولا امرأة ولا عبد.
وجاء فى موضع آخر
(2)
: يجوز فك أسراهم بأسرانا بلا خلاف ولا يجوز فك أسراهم من أيدينا بالمال اذا بذلوه قياسا على بيع السلاح والكراع منهم لئلا يستعينوا به وهذا أبلغ قال البعض والصحيح جواز ذلك.
ثم قيل: ويحرم أيضا رد الأسير من المشركين حربيا بالمن عليه أو مفاداته بعوض ذكر ذلك أبو طالب والبعض قال مولانا عليه السلام: والصحيح خلاف ذلك وهو أنه يجوز رده حربيا الا لمصلحة وهو خاص فى الأسير لفعله صلى الله عليه وسلم.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام
(3)
: الأسارى وهم ذكور وأناث والاناث يملكن بالسبى ولو كانت الحرب قائمة وكذا الذرارى ولو اشتبه الطفل البالغ اعتبر الانبات فمن ينبت وجهل سنه ألحق بالذرارى والذكور البالغون يتعين عليهم القتل وان كانت الحرب قائمة ما لم يسلموا، والامام مخير ان شاء ضرب أعناقهم، وان شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وتركهم ينزفون حتى يموتوا.
وان أسروا بعد نقض الحرب لم يقتلوا وكان الامام مخيرا بين المن والفداء والاسترقاق ولو أسلموا بعد الأسر لم يسقط عنهم هذا الحكم، ولو عجز الأسير عن المشى لم يجب قتله لأنه لا يدرى ما حكم الامام فيه ولو بدر مسلم فقتله كان هدرا ويجب أن يطعم الأسير ويسقى وان أريد قتله - ويكره قتله صبرا وحمل رأسه من المعركة ويجب مواراة الشهيد دون الحربى.
وحكم الطفل المسبى حكم أبويه فان أسلما أو أسلم أحدهما تبعه الولد.
ولو سبى منفردا قيل يتبع السابى فى الاسلام.
واذا أسر الزوج لم ينفسخ النكاح ولو استرق انفسخ لتجدد الملك، ولو كان الأسير طفلا أو أمرأة انفسخ النكاح لتحقق الرق بالسبى، وكذا لو أسر الزوجان ولو كان الزوجان مملوكين لم ينفسخ، لأنه لم يحدث رق ولو قيل بتخير الغانم فى الفسخ كان حسنا.
ولو سبيت امرأة فصولح أهلها على اطلاق أسير فى يد أهل الشرك
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 550.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 565، ص 566.
(3)
شرائع الاسلام ج 1 ص 150 وما بعدها.
فأطلق لم يجب اعادة المرأة، ولو أعتقت بعوض جاز ما لم يكن قد استولدها مسلم، ويلحق بهذا مسألتان.
الأولى اذا أسلم الحربى فى دار الحرب حقن دمه وعصم ماله مما ينقل كالذهب والفضة والأمتعة دون ما لا ينقل كالأرضين والعقار فانها للمسلمين، ولحق به ولده الأصاغر ولو كان فيهم حمل، ولو سبيت أم الحمل كانت رقا دون ولدها منه، وكذا لو كانت الحربية حاملا من مسلم بوط ء مباح.
ولو أعتق مسلم عبدا ذميا بالنذر فلحق بدار الحرب فأسره المسلمون جاز استرقاقه وقيل لا لتعلق ولاء المسلم به ولو كان المعتق ذميا استرق اجماعا.
الثانية اذا أسلم عبد الحربى فى دار الحرب قبل مولاه ملك نفسه بشرط أن يخرج قبله ولو خرج بعده كان على رقه ومنهم من لم يشترط خروجه والأول أصح.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(1)
: وللامام وللمسلمين بعد اثخان بقتل محاربيهم وتوهين شوكتهم أسرهم لفداء أو استعباد لبيع وخدمة وغير ذلك ولا يقتل بعد أخذ الفداء منهم ولا يستخدمون بعده وان خرجوا ممن لا يؤخذ منهم مال وقد أخذ الامام أو غيره مالهم أو لا يجوز فداؤهم وقد أخذ عنهم الفداء مثل أن يخرجوا موحدين أو ذميين قد ضربت عليهم الجزية أو قاتلوهم بلا تقدم دعوة رد لهم ما أخذ منهم ورخص فى فداء أسرى المسلمين بهم ولو لغير قومهم من المشركين بأن يكون أسرى المسلمين فى يد قومهم أو فى يد مشركين آخرين غير قومهم فيفادونهم بهم وأما أن يعطوهم لمشركين غير قومهم بمال فذلك مكروه لأنه كالبيع والعبد لا يباع لمشرك والى هذا أشار بقوله لا فى فدائهم بمال منهم أى من غير قومهم من المشركين أى لا يقبلون من المشركين غير قومهم فداء بمال لأن ذلك كبيعهم العبيد للمشركين وسواء فى ذلك كله الرجال والنساء والأطفال والبلغ ولهم أن يقبلوا المال من غير قومهم ويطلقوهم ولا يمكنوهم منهم.
وقت تملك الأسير
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(2)
: اذا استرق الامام الأسارى خمسهم وقسمهم لأنهم غنيمة حقيقة لحصولها فى أيديهم.
وقسمة الغنائم على سبيل التملك لا تجوز فى دار الحرب عند أصحابنا.
(1)
شرح النيل ج 10 ص 413.
(2)
بدائع الصنائع ج 7 ص 121، 122، ص 123.
والأصل أن الملك لا يثبت فى الغنائم فى دار الحرب للغزاة لا من كل وجه ولا من وجه ولكن ينعقد سبب الملك فيها على أن تصير علة عند الأحراز بدار الاسلام وهو تفسير حق الملك أو حق التملك.
وعلى هذا اذا مات واحد من الغانمين فى دار الحرب لا يورث نصيبه عندنا
والمدد اذا لحق الجيش فأخذوا الغنائم جملة الى دار الاسلام يشاركونهم فيها.
واذا أتلف واحد من الغانمين شيئا من الغنيمة لا يضمن.
واذا باع الامام شيئا من الغنائم لا لحاجة الغزاة لا يجوز.
واذا قسم الامام الغنائم فى دار الحرب مجازفا غير مجتهد ولا معتقد جواز القسمة لا تجوز، أما اذا رأى الامام القسمة فقسمها نفذت قسمته بالاجماع، وكذلك لو رأى البيع فباعها لأنه حكم أمضاه فى محل الاجتهاد باجتهاد فينفذ.
ودليلنا أن الاستيلاء انما يفيد الملك اذا ورد على مال مباح غير مملوك ولم يوجد هاهنا لأن ملك الكفرة قائم لأنه كان ثابتا لهم، والملك متى ثبت لانسان لا يزول الا بازالته أو يخرج المحل من أن يكون منتفعا به حقيقة بالهلاك أو بعجز المالك عن الانتفاع به دفعا للتناقض فيما شرع الملك له، ولم يوجد شئ من ذلك، أما الازالة وهلاك المحل فظاهر العدم، وأما قدرة الكفرة على الانتفاع بأموالهم، فلأن الغزاة ما داموا فى دار الحرب فالاسترداد ليس بنادر، بل هو ظاهر، أو محتمل احتمالا على السواء، والملك كان ثابتا لهم فلا يزول مع الاحتمال.
وأما قسمة النبى صلى الله عليه وسلم غنائم خيبر بخيبر وغنائم أوطاس بأوطاس فانما قسمها النبى صلى الله عليه وسلم فى تلك الديار لأنه صلى الله عليه وسلم افتتحها فصارت ديار الاسلام.
وأما غنائم بدر فقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قسمها بالمدينة.
ثم الملك ان لم يثبت للغزاة فى الغنائم فى دار الحرب فقد ثبت الحق لهم حتى يجوز لهم الانتفاع بها من غير حاجة فلو وطئ واحد من الغزاة جارية من المغنم لا يجب عليه الحد لأن له فيها حقا فأورث شبهة فى درء الحد ولا يجب عليه العقر (أى المهر) أيضا، لأنه بالوط أتلف جزءا من منافع بضعها ولو أتلفها لا يضمن، فهاهنا أولى، ولا يثبت النسب أيضا لوادعى الولد، لأن اثبات النسب يعتمد الملك أو الحق الخاص ولا ملك هاهنا والحق عام.
ولو أسلم الأسير فى دار الحرب لا يكون حرا ويدخل فى القسمة لتعلق
حق الغانمين به بنفس الأخذ والاستيلاء بخلاف ما اذا أسلم قبل الأسر فانه يكون حرا ولا يدخل فى القسمة لأنه عند الأخذ والأسر لم يتعلق به حق أحد.
أما الملك بعد الاحراز بدار الاسلام وقبل القسمة فانه يثبت أو يتأكد الحق ويتقرر، لأن الاستيلاء الثابت انعقد سببا لثبوت الملك أو تأكد الحق على أن يصير علة عند وجود شرطها، وهو الاحراز بدار الاسلام، وقد وجد، فتجوز القسمة ويجرى فيه الارث، ويضمن المتلف، وتنقطع شركة المدد ونحو ذلك، الا أنه لو أعتق واحد من الغانمين عبدا من المغنم لا ينفذ اعتاقه استحسانا، لأن نفاذ الاعتاق يقف على الملك الخاص ولا يتحقق ذلك الا بالقسمة فأما الموجود قبل القسمة فملك عام أو حق متأكد وأنه لا يحتمل الاعتاق، لكنه يحتمل الارث والقسمة، ويكفى لايجاب الضمان وانقطاع شركة المدد.
وكذلك لو استولد جارية من المغنم وادعى الولد لا تصير أم ولد استحسانا، لأن اثبات النسب وأمومية الولد يقفان على ملك خاص، وذلك بالقسمة أو حق خاص، ولم يوجد ويلزمه العقر (أى المهر)، لأن الملك العام أو الحق الخاص يكون مضمونا بالاتلاف.
وأما بعد القسمة فيثبت الملك الخاص لكل واحد منهم فى نصيبه، لأن القسمة افراز الأنصباء وتعيينها فلو قسم الامام الغنائم فوقع عبد فى سهم رجل فأعتقه لا شك أنه ينفذ اعتاقه، لأن الاعتاق صادف ملكا خاصا.
وما مر انما هو فى الغنائم المشتركة.
أما الغنائم الخاصة وهى الأنفال فهل يعتبر الاحراز بدار الاسلام شرطا لثبوت الملك أم لا يعتبر؟
قال بعض المشايخ انه شرط عند أبى حنيفة حتى لا يثبت الملك بينهما فيها قبل الاحراز بدار الاسلام.
وعند محمد ليس بشرط فيثبت الملك فيها بنفس الأخذ والاصابة استدلالا بمسألة ظهر فيها اختلاف، وهى أن الامام اذا نفل فقال: من أصاب جارية فهى له، فأصاب رجل من المسلمين جارية فاستبرأها فى دار الحرب بحيضة لا يحل له وطؤها عند أبى حنيفة وعند محمد يحل.
وقال بعضهم: الاحراز بالدار ليس بشرط لثبوت الملك فى الانفال بالاجماع
واختلافهما فى تلك المسألة لا يدل على الاختلاف فى ثبوت الملك، لأنه كما ظهر الاختلاف بينهما فى النفل فقد ظهر الاختلاف فى الغنيمة المقسومة فان
الامام اذا قسم الغنائم فى دار الحرب فأصاب رجل جارية فاستبرأها بحيضة فهو على الاختلاف.
وكذا لو رأى الامام بيع الغنائم فباع من رجل جارية فاستبرأها المشترى بحيضة فهو على الاختلاف.
ولا خلاف بين أصحابنا فى الغنائم المقسومة أنه لا يثبت الملك فيها قبل الاحراز بدار الاسلام، دل أن منشأ الخلاف هناك شئ آخر وراء ثبوت الملك وعدمه.
والصحيح أن ثبوت الملك فى النفل لا يقف على الاحراز بدار الاسلام بين أصحابنا، بخلاف الغنائم المقسومة، لأن سبب الملك قد تحقق، وهو الأخذ والاستيلاء ولا يجوز تأخير الحكم عن سببه الا لضرورة، وفى الغنائم المقسومة ضرورة وهو خوف شر الكفرة لأنه لو ثبت الملك بنفس الأخذ لاشتغلوا بالقسمة وفيه خوف توجه الشر عليهم من الكفرة.
والدليل على التفرقة بينهما أن المدد اذا لحق الجيش لا يشارك المنفل له كما بعد الاحراز بالدار بخلاف الغنيمة المقسومة.
وكذا لو مات المنفل له يورث نصيبه كما لو مات بعد الاحراز بالدار بخلاف الغنيمة المقسومة
وبذلك يثبت أن الملك فى النفل لا يقف على الاحراز بالدار بلا خلاف بين أصحابنا، الا أن هذا النوع من الملك لا يظهر فى حق حل الوط ء عند أبى حنيفة رحمه الله، وهذا لا يدل على عدم الملك أصلا.
مذهب المالكية:
جاء فى الدسوقى
(1)
: ووجب النظر من الامام بالمصلحة للمسلمين فى الأسرى قبل قسم الغنيمة بقتل أو من أو فداء أو ضرب جزية عليهم أو استرقاق.
والذى عليه علماء السلف أن القسم للغنائم يكون ببلد أهل الحرب لما فيه من تعجيل مسرة الغانمين وغيظ الكافرين.
وفى التاج والاكليل
(2)
: قال مالك من المدونة: والشأن أن تقسم الغنائم وتباع ببلد الحرب وهم أولى برخصها.
روى الأوزاعى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده لم يقسموا غنيمة قط الا فى دار الشرك.
قال ابن عرفة ظاهر المدونة أن قسم الغنيمة هو بيعها وقسم ثمنها.
(1)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 184، ص 194.
(2)
التاج والاكليل ج 3 ص 375.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(1)
: نساء الكفار وصبيانهم اذا أسروا رقوا بنفس الأسر فخمسهم لأهل الخمس وباقيهم للغانمين وكذا العبيد وان كانوا مسلمين يرقون بالأسر أى يستدام عليهم حكم الرق المنتقل الينا فيخمسون أيضا، ويجتهد الامام أو أمير الجيش فى الذكور الأحرار الكاملين أى المكلفين اذا أسروا ويفعل وجوبا الأحظ للمسلمين باجتهاده لا بالتشهى.
ولا تملك الغنيمة
(2)
الا بقسمة مع الرضا بها باللفظ لا بالاستيلاء والا لامتنع الأعراض وتخصيص كل طائفة بنوع منها ولهم أى الغانمين التملك قبلها لفظا بأن يقول بعد الحيازة وقبل القسمة أخذت ملك نصيبى فتملك بذلك أيضا.
وقيل يملكون بمجرد الحيازة لزوال ملك الكفار بالاستيلاء.
وقيل الملك موقوف فينظر ان سلمت الغنيمة الى القسمة بأن ملكهم على الاشاعة والا بأن تلفت أو أعرضوا عنها فلا لأن الاستيلاء لا يتحقق الا بالقسمة
مذهب الحنابلة:
قال فى الاقناع: وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها فى دار الحرب ويجوز قسمها وتبايعها وهى لمن شهد الواقعة من أهل القتال اذا كان قصده الجهاد قاتل أو لم يقاتل
(3)
.
وجاء فى المغنى
(4)
: يجوز قسم الغنائم فى دار الحرب والدليل على ذلك ثلاثة أمور.
الأول: ان سبب الملك الاستيلاء التام وقد وجد فاننا أثبتنا أيدينا عليها حقيقة وقهرناهم ونفيناهم عنها والاستيلاء يدل على حاجة المستولى فيثبت الملك كما فى المباحات.
الثانى أن ملك الكفار قد زال عنها بدليل أنه لا ينفذ عتقهم فى العبيد الذين حصلوا فى الغنيمة ولا يصح تصرفهم فيها ولم يزل ملكهم الى غير مالك اذ ليست فى هذه الحال مباحة علم أن ملكهم زال الى الغانمين.
الثالث: أنه لو أسلم عبد الحربى ولحق بجيش المسلمين صار حرا وهذا يدل على زوال ملك الكافر وثبوت الملك لمن قهره.
ثم قال
(5)
الغنيمة لمن حضر الوقعة فمن تجدد بعد ذلك من مدد يلحق بالمسلمين أو أسير ينفلت من الكفار
(1)
نهاية المحتاج ج 8 ص 65.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 73.
(3)
الإقناع 1 ج 4 ص 25.
(4)
المغنى لابن قدامة ج 10 ص 466، ص 467.
(5)
المغنى ج 10 ص 462، 463، 464.
فيلحق بجيش المسلمين أو كافر يسلم فلا حق لهم فيها.
لنا ما روى أبو هريرة أن أبان بن سعيد ابن العاص وأصحابه قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها فقال ابان أقسم لنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجلس يا أبان» ولم يقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: وحكم الأسير يهرب الى المسلمين حكم المدد قاتل أو لم يقاتل.
وفى موضع آخر
(1)
: اذا حاز الأمير المغانم ووكل من يحفظها لم يجز أن يؤكل منها الا أن تدعو الضرورة بأن لا يجدوا ما يأكلون.
وجملة ذلك أن المغانم اذا جمعت وفيها طعام أو علف لم يجز لأحد أخذه الا لضرورة لأننا انما أبحنا أخذه قبل جمعه، لأنه لم يثبت فيه ملك المسلمين بعد فأشبه المباحات فاذا حيزت المغانم ثبت ملك المسلمين فيها فخرجت عن حيز المباحات وصارت كسائر أملاكهم فلم يجز الأكل منها الا لضرورة وهو أن لا يجدوا ما يأكلونه فحينئذ يجوز لأن حفظ نفوسهم ودوابهم أهم وسواء حيزت فى دار الحرب أو فى دار الاسلام.
وقال القاضى ما كانت فى دار الحرب جاز الأكل منها وان حيزت لأن دار الحرب مظنة الحاجة لعسر نقل الميرة اليها بخلاف دار الاسلام.
وكلام الخرقى عام فى الموضعين، والمعنى يقتضيه فان ما ثبت عليه أيدى المسلمين وتحقق ملكهم لا ينبغى أن يؤخذ الا برضاهم كسائر أملاكهم، ولأن حيازته فى دار الحرب تثبت الملك فيه بدليل جواز قسمته وثبوت أحكام الملك فيه بخلاف ما قبل الحيازة فان الملك لم يثبت فيه بعد.
واذا قسمت الغنائم فى دار الحرب جاز لمن أخذ سهمه التصرف فيه بالبيع وغيره.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: وتقسم الغنائم كما هى بالقيمة ولا تباع، لأنه لم يأت نص ببيعها، وتعجل القسمة فى دار الحرب، وتقسم الأرض، وتخمس كسائر الغنائم ولا فرق، فان طابت نفوس جميع أهل العسكر على تركها أوقفها الامام حينئذ للمسلمين، والا فلا، ومن أسلم نصيبه كان من لم يسلم على حقه لا يجوز غير ذلك وهو قول الشافعى وأبى سليمان.
(1)
المرجع السابق ج 10 ص 498، 499، ص 500
وقال مالك تباع الغنيمة وتقسم أثمانها وتوقف الأرض ولا تقسم ولا تكون ملكا لأحد.
وقال أبو حنيفة الامام مخير ان شاء قسمها وان شاء أوقفها فان أوقفها فهى ملك للكفار الذين كانت لهم ولا تقسم الغنائم الا بعد الخروج من دار الحرب.
(1)
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار
(2)
: يجوز ان يغنم من الكفار نفوسهم أى اذا قهروا وثبتت الحكمة عليهم جاز أن يستعبدهم المسلمون ويملكونهم ولا خلاف فى ذلك بين الأمة واذا ثبت أن الغانم لا يملك ما غنم قبل قسمة الغنائم لزم من ذلك أن من وطئ سبية قبل القسمة لزمه ردها فى جملة الغنيمة ورد عقرها (أى مهرها) ورد ولدها منه فى جملة الغنائم لأنه وطئ ما لا يملك ولكن لاحد عليه لأجل الشبهة وهو كونه له نصيب فى جملة المغنم وهى من جملته فلا يحد.
ولا يجوز
(3)
أن يستبد غانم بما غنم دون سائر العسكر الذين لم يحضروا اغتنامه ولا أعانوه على الاغتنام اعانة مباشرة ولو كان ذلك الغانم طليعة من طلائع العسكر أو كان ذلك الغانم سرية أرسلها الامام فى طلب العدو والامام وجنوده باقون لم ينصرفوا مع تلك السرية فانها اذا أصابت شيئا من المغنم لم يجز لها أن تستبد به دون الامام وجنوده الذين بقوا معه الا أن يكون استبدادهم به واقعا بشرط الامام نحو أن يقول من قتل قتيلا فله سلبه أو من أصاب شيئا من المغنم فهو له فان ذلك يوجب استبداد كل غانم بما غنم على هذا الوجه ولا حق لغيره فيه، ولو لم يتمكن من الغنيمة الا بقوته أو تنفيله أى ايثاره بعض المجاهدين بأن يخصه باعطائه ما غنم وحده لأن للامام أن ينفل من شاء ولو بعد احراز الغنيمة وحوزها الى دارنا وهو غير مقدر.
ثم قال
(4)
: أعلم ان المجاهدين الجامعين لشروط الاستحقاق للغنيمة لا يستحقونها بعد جهادهم أو اعانتهم الا حيث لم يفروا عن قتال العدو قبل احرازها أى قبل احراز الغنيمة حتى حكم عليها المسلمون وصارت فى حرز من الكفار فاذا فروا قبل احرازها غير متحيزين الى فئة فقد اسقطوا حقهم منها بالفرار.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(5)
: وتملك النساء والأطفال بالسبى وان كانت الحرب قائمة والذكور البالغون يقتلون
(1)
المحلى ج 7 ص 341.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 542، ص 545.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 543، ص 544.
(4)
شرح الأزهار ج 4 ص 547، ص 548.
(5)
الروضة البهية ج 1 ص 221، ص 222.
حتما ان أخذوا والحرب قائمة الا أن يسلموا فيسقط قتلهم وان أخذوا بعد أن وضعت الحرب أوزارها أى أثقالها من السلاح وغيره وهو كناية عن تقضيها لم يقتلوا ويتخير الامام فيهم تخير نظر ومصلحة.
وجاء فى شرائع الاسلام:
(1)
الغنيمة ما تستفاد من دار الحرب وهى ثلاثة أقسام.
أحدها ما ينقل كالذهب والفضة والأمتعة.
وما لا ينقل كالأرض والعقار.
وما هو سبى كالنساء والأطفال.
والأول: ينقسم الى ما يصح تملكه للمسلم وذلك يدخل فى الغنيمة وهذا القسم يختص به الغانمون بعد الخمس والجعائل، ولا يجوز لهم التصرف فى شئ منه الا بعد القسمة والاختصاص.
وقيل يجوز لهم تناول ما لا بد منه كعلف الدابة وأكل الطعام، والى ما لا يصح تملكه كالخمر والخنزير، ولا يدخل فى الغنيمة، بل ينبغى اتلافه ان أمكن كالخنزير، ويجوز اتلافه وابقاؤه للتخليل كالخمر.
ثانيها: فى أحكام الأرضين كل أرض فتحت عنوة وكانت محياة فهى للمسلمين قاطبة والغانمون فى الجملة والنظر فيها الى الامام ولا يملكها للتصرف على الخصوص ولا يصح بيعها ولا هبتها ولا وقفها، ويصرف الامام حاصلها فى المصالح مثل سد الثغر ومعونة الغزاة وبناء القناطر.
وما كانت مواتا وقت الفتح فهو للامام خاصة ولا يجوز احياؤه الا باذنه ان كان موجودا ولو تصرف فيها من غير اذنه كان على المتصرف طسقها «أى خراجها» ويملكها المحيى عند عدمه من غير اذن وكل أرض فتحت صلحا فهى لأربابها وعليهم ما صالحهم الامام وهذه تملك على الخصوص ويصح بيعها والتصرف فيها بجميع أنواع التصرف.
ولو باعها المالك من مسلم صح وانتقل ما عليها الى ذمة البائع - هذا اذا صولحوا على أن الأرض لهم.
أما لو صولحوا على أن الأرض للمسلمين ولهم السكنى وعلى أعناقهم الجزية كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة عامرها للمسلمين ومواتها للامام.
ولو أسلم الذمى سقط ما ضرب على أرضه وملكها على الخصوص.
وكل أرض أسلم أهلها عليها فهى لهم على الخصوص وليس عليهم شئ فيها سوى الزكاة اذا حصلت شرائطها.
(1)
شرائع الاسلام ج 1 ص 151، ص 152، ص 153.
ثالثها: فى قسمة الغنيمة يجب أن يبدأ بما شرطه الامام كالجعائل والسلب اذا شرط للقاتل ولو لم يشترط لم يختص به ثم ما يحتاج اليه من النفقة مدة بقائها حتى تقسم كأجرة الحافظ والراعى والناقل وبما يرضخه للنساء والعبيد والكفار ان قاتلوا باذن الامام فانه لا يسهم للثلاثة ثم يخرج الخمس.
وقيل: بل يخرج الخمس مقدما والأول أشبه ثم تقسم أربعة أخماس بين المقاتلة ومن حضر القتال ولو لم يقاتل حتى الطفل ولو ولد بعد الحيازة وقبل القسمة وكذا من اتصل بالمقاتلة من المدد ولو بعد الحيازة وقبل القسمة ويكره تأخير قسمة الغنيمة فى دار الحرب الا لعذر.
حكم مال الاسير
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع
(1)
الصنائع: اذا ظهر الامام على بلاد أهل الحرب فاستولى عليه لا يخلو من أحد أنواع ثلاثة المتاع والأراضى والرقاب.
أما المتاع فانه يخمس ويقسم الباقى بين الغانمين ولا خيار للامام فيه.
وأما الأراضى فللامام فيها خياران ان شاء خمسها ويقسم الباقى بين الغانمين، وان شاء تركها فى يد أهلها بالخراج وجعلهم ذمة ان كانوا بمحل الذمة ووضع الجزية على رءوسهم والخراج على أراضيهم.
وأما الرقاب فقد سبق بيان الحكم فى شأنهم.
وجاء فى البدائع
(2)
أيضا: عصمة المال تثبت تابعة لعصمة النفس اذ النفس أصل فى التخلق والمال خلق بذله للنفس استبقاء لها فمتى ثبتت عصمة النفس ثبتت عصمة المال تبعا الا اذا وجد القاطع للتبعية.
وعلى هذا اذا أسلم أهل بلدة من أهل دار الحرب قبل أن يظهر عليهم المسلمون حرم قتلهم ولا سبيل لأحد على أموالهم.
وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أسلم على مال فهو له.
واذا أسلم حربى فى دار الحرب ولم يهاجر الينا فقتله مسلم عمدا أو خطأ فلا شئ عليه الا الكفارة.
وعند أبى يوسف عليه الدية فى القتل الخطأ.
وعلى هذا اذا أسلم ولم يهاجر الينا حتى ظهر المسلمون على الدار فما كان
(1)
بدائع الصنائع ج 7 ص 118.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 105.
فى يده من المنقول فهو له ولا يكون فيئا الا عبدا يقاتل فانه يكون فيئا، لأن نفسه استفادت العصمة بالاسلام وماله الذى فى يده تابع له من كل وجه فكان معصوما تبعا لعصمة النفس الا عبدا يقاتل، لأنه اذا قاتل فقد خرج من يد المولى فلم يبق تبعا له فانقطعت العصمة لانقطاع التبعية فيكون محلا للتملك بالاستيلاء وكذلك ما كان فى يد مسلم أو ذمى وديعة له فهو له ولا يكون فيئا لأن يد المودع يده (أى يد المالك) من وجه من حيث أنه يحفظ الوديعة له ويد نفسه من حيث الحقيقة وكل واحد منهما معصوم فكان ما فى يده معصوما فلا يكون محلا للتملك وأما ما كان فى يد حربى وديعة له فيكون فيئا عند أبى حنيفة.
وعندهما يكون له والصحيح قول أبى حنيفة وكذا عقاره يكون فيئا عند أبى حنيفة وأبى يوسف.
وعند محمد هو والمنقول سواء والصحيح قولهما هذا اذا أسلم ولم يهاجر الينا حتى ظهر المسلمون على الدار.
فلو أسلم وهاجر الينا ثم ظهر المسلمون على الدار فأمواله ما كان منها فى يد مسلم أو ذمى وديعة فهو له ولا يكون فيئا وما سوى ذلك فهو فئ.
وقيل ما كان فى يد حربى وديعة فهو على الخلاف ولو دخل الحربى دار الاسلام ثم أسلم ثم ظهر المسلمون على الدار فجميع ماله فئ لأنه لما لم يسلم فى دار الحرب حتى خرج الينا لم تثبت المعصمة لماله لانعدام عصمة النفس فبعد ذلك وان صارت نفسه معصومة لكن بعد تباين الدارين.
وجاء فى البدائع
(1)
: لو دخل الحربى الينا بأمان فدبر عبده فى دار الاسلام ثم رجع الى دار الحرب وخلف المدبر أو خلف أم ولده التى استولدها فى دار الإسلام أو فى دار الحرب ثم أسر يحكم بعتقهما لأنه اذا أسر فقد صار مملوكا فلم يبق مالكا ضرورة ولو كاتب عبدا فى دار الاسلام ثم لحق بدار الحرب وأسر فيعتق مكاتبه لأنه ملك بالأسر ويبطن ما كان له من الدين، لأنه بالأسر صار مملوكا فلم يبق مالكا فسقطت ديونه ضرورة ولا يصير مالكا لأنه أصبح أسيرا لأن الدين فى الذمة وما فى الذمة لا يعمل عليه الأسر وكذلك ما عليه من الديون يسقط أيضا لأنه لو بقى لتعلق برقبته فلا يخلص السبى للسابى وأما ودائعه فهى فى جماعة المسلمين.
وروى عن أبى يوسف رحمه الله أنها تكون فيئا للمودع ووجهه أن يده عن يد الغانمين أسبق والمباح مباح لمن سبق على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 133.
ووجه ظاهر الرواية أن يد المودع يده تقديرا فكان الاستيلاء عليه بالأسر استيلاء على ما فى يده تقديرا ولا يختص به الغانمون لأنه مال لم يؤخذ على سبيل القهر والغلبة حقيقة فكان فيئا حقيقة لا غنيمة فيوضع موضع الفئ.
وأما الرهن فعند أبى يوسف يكون للمرتهن بدينه والزيادة له.
وعند محمد رحمه الله يباع فيستوفى قدر دينه والزيادة فى جماعة المسلمين.
وان رجع المستأمن
(1)
الى دار الحرب وله وديعة عند مسلم أو ذمى أو دين فان أسر أو ظهر عليهم سقط دينه وصارت وديعته فيئا وان قتل ولم يظهر أو مات فقرضه ووديعته لورثته لأنه اذا رجع الى دار الحرب فان أمانه بطل فى حق نفسه فقط وأما فى حق أمواله التى فى دارنا فباق ولهذا يرد عليه ماله وعلى ورثته من بعده.
وفى السراج: لو بعث من يأخذ الوديعة والقرض وجب التسليم اليه.
وحاصل المسألة خمسة أوجه ففى ثلاثة يسقط دينه وتصير وديعته غنيمة.
الأول أن يظهروا على الدار ويأخذوه.
والثانى أن يظهروا ويقتلوه.
الثالث أن يأخذوه مسبيا من غير ظهور.
وانما صارت وديعته غنيمة لأنها فى يده تقديرا لأن يد المودع كيده فيصير فيئا تبعا لنفسه، وانما سقط الدين لأن اثبات اليد عليه بواسطة المطالبة، وقد سقطت، ويد من عليه أسبق من يد العامة فتختص به فيسقط.
وينبغى أن تكون العين المغصوبة منه كدينه لعدم المطالبة وليست يد الغاصب كيده.
وقالوا: والرهن للمرتهن بدينه عند أبى يوسف.
وعند محمد يباع ويستوفى دينه والزيادة فئ للمسلمين وينبغى ترجيحه لأن ما زاد على قدر الدين فى حكم الوديعة وهى فئ.
أما الوجهان الآخران فيبقى ماله على حاله فيأخذه ان كان حيا أو ورثته ان مات.
فالأول من الوجهين: أن يظهروا على الدار فيهرب.
والثانى أن يقتلوه ولم يظهروا على الدار أو يموت لأن نفسه لم تصر مغنومة فكذلك ماله.
وماله وان كان غنيمة لا خمس فيه وانما يصرف كما يصرف الخراج والجزية، لأنه مأخوذ بقوة المسلمين من غير قتال، بخلاف الغنيمة.
(1)
البحر الرائق ج 5 ص 111.
وفى التاتر خانية وديعته فئ لجماعة المسلمين عند أبى يوسف.
وقال محمد تكون فيئا للسرية التى أسرت الرجل.
وجاء فى الدر المختار
(1)
: وشارحه:
حربى دخل دارنا بغير أمان فأخذه أحدنا فهو وما معه فئ لكل المسلمين سواء أخذ قبل الاسلام أو بعده.
قال ابن عابدين لعله لانعقاد سبب الملك فيه للمسلمين والاسلام لا يمنع الرق السابق عليه.
وقالا: لآخذه خاصة وفى الخمس روايتان.
ثم قال
(2)
: اذا سبى كافر كافرا آخر بدار الحرب وأخذ ماله ملكه لاستيلائه على مباح.
ولو سبى أهل الحرب أهل الذمة من دارنا لا يملكونهم لأنهم أحرار وملكنا ما نجده من ذلك السبى للكافر ان غلبنا عليهم اعتبارا لسائر أملاكهم، وان غلبوا على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها ويفترض علينا اتباعهم فان أسلموا تقرر ملكهم وان غلبنا عليهم بعد ما أحرزوه بدارهم فمن وجد ملكه قبل القسمة فهو له مجانا وان وجده بعدها فهو له بالقيمة.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل
(3)
: قال ابن بشير ان مات عندنا الحربى وكان قد استأمن على رجوعه بانقضاء أربه فماله لأهل الكفر وفى رده لوارثه أو لحكامهم قولان، ولعله خلاف فى حال ان انتقل لنا حقيقة توريثهم دفع لوارثهم، والا فلحاكمهم.
قال ابن عرفة رابع الأقوال ماله لوارثه وديته لحاكمهم.
ومن المدونة قال مالك وان مات عندنا حربى مستأمن وترك مالا فليرد ماله الى ورثته ببلده وكذلك ان قتل فتدفع ديته الى ورثته ويعتق قاتله رقبة.
وكذلك فى كتاب محمد قال ودية المستأمن خمسمائة دينار.
قال ابن يونس وانما يرد ماله لورثته اذا مات عندنا اذا استأمن على أن يرجع اذا كان شأنهم الرجوع، وأما لو استأمن على المقام أو كان ذلك شأنهم، فان ما ترك يكون للمسلمين.
وكذلك فى كتاب ابن سحنون وقال فيه وان كان شأنهم الرجوع فله الرجوع وميراثه ان مات يرد الى ورثته ببلده الا أن تطول اقامته عندنا فليس له أن يرجع ولا يرد ميراثه واذا لم يعرف حالهم ولا ذكروا رجوعا فميراثه للمسلمين.
(1)
الدر المختار وشارحه ج 3 ص 240.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 250.
(3)
التاج والاكليل ج 3 ص 362، ص 363.
قال ابن المواز اذا أودع المستأمن عندنا مالا ثم رجع الى بلده فمات فليرد ماله الى ورثته، وكذلك لو قتل فى محاربته للمسلمين فانا نبعث بماله الذى له عندنا، واما لو أسر ثم قتل صار ماله فيئا لمن أسره وقتله، لأنهم ملكوا رقبته قبل قتله وقاله ابن القاسم وأصبغ.
وكذلك قال ابن حبيب: ان قتل بعد أن اسر قال: وأما ان قتل فى المعركة فهو فئ لا خمس فيه لأنه لم يوجف عليه، وقاله ابن القاسم واصبغ.
قال ابن رشد قول ابن القاسم ان الأسير اذا بيع فى المغانم أو مات أو قتل بعد الأسر يكون المال الذى كان له فى بلد الاسلام مستودعا فيئا للمسلمين معناه يكون غنيمة للجيش فيخمس وتجرى فيه السهام فهو كما أصابوا معه من ماله، وان كان عليه دين فغرماؤه أحق به من الجيش، بخلاف ما غنم معه قاله ابن القاسم.
وأما اذا قتل فى المعركة ولم يؤسر فجعله ابن القاسم بمنزلة ما اذا مات بأرضه فيرد المال المستودع الى ورثته.
وقال ابن حبيب: انه يكون فيئا لجميع المسلمين، وعزاه لابن القاسم، ولا يخمس، ولكلا القولين وجه من النظر.
وجاء فى الدسوقى
(1)
: ووديعة الحربى التى تركها عندنا وسافر الى بلده فترسل لوارثه، وهل مطلقا ان قتل فى معركة بينه وبين المسلمين من غير أسر أو هى فى هذه الحالة فئ لبيت المال لا ترسل؟ قولان، محلهما اذا دخل على التجهيز أو كانت العادة ذلك ولم تطل اقامته، فان طالت كان ماله ولو وديعة فيئا، فان أسر فى المعركة اختص به آسره ان لم يكن جيشا ولا مستندا له والا خمس.
قال الدسوقى: والقولان اللذان ذكرهما المصنف لا يختصان بالوديعة العرفية كما زعمه عبد الباقى، بل موضوعها المال المتروك عندنا مطلقا كما قال ابن عرفة.
ومن فرضهما فى الوديعة كما فى التوضيح وغيره فالظاهر أن مرادهم بالمال المستودع المتروك عند المسلمين كما يؤخذ من كلامهم، لا خصوص الوديعة العرفية.
قال: ولا ينتزع من الحربيين أحرار مسلمون أسروهم، ثم قدموا بهم بأمان عند ابن القاسم على أحد قوليه.
والقول الآخر أنهم ينتزعون منهم جبرا بالقيمة، وهو الذى عليه أصحاب مالك، وبه العمل.
وملك الحربى باسلامه جميع ما بيده مما غصبه أو سرقه أو نهبه غير الحر المسلم من رقيق ولو مسلما أو أم ولد أو معتقا لأجل وذمى وغيرهما، وأما الحر المسلم فلا يملكه ذكرا أو أنثى ولا حبسا محققا ولا ما سرقه زمن عهده ولا دينا فى ذمته ولا وديعة ولا ما استأجره منا حال كفره.
(1)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 187، 187.
وجاء فى التاج والاكليل
(1)
: قال ابن حبيب: أما من أسلم من رقيق المستأمنين فيباع عليهم كما يفعل بالذمى، ثم لا يكون ذلك نقضا العهد، وأما ما بأيديهم من سبايا المسلمين فلتؤخذ منهم ويعطوا قيمتهم وان كرهوا، وأما ما بأيديهم من أموال المسلمين أو رقيق على غير الاسلام أو أحرار ذمتنا ممن أخذوه وأسروه فلا يتعرض لهم فى شئ من ذلك بثمن ولا بغير ثمن وقاله مطرف وابن الماجشون وابن نافع وغيرهم ورووه عن مالك.
وانفرد ابن القاسم وقال: لا يعرض لهم فيما أسلم من رقيقهم أو ما بأيديهم من سبايا المسلمين وأساراهم.
ومن المدونة قال مالك من أسلم على شئ فى يده من أموال المسلمين فهو له، قال ابن يونس لأن للكافر شبهة ملك على ما حازه اذ لا خلاف أن الكافر لو استهلك فى حال شركه ثم أسلم لم يضمنه ولو أتلفه مسلم على صاحبه لضمنه.
قال ابن عرفة ما أسلم عليه حربى ان كان متمولا فله اتفاقا، وان كان ذميا قال ابن القاسم هو كذلك، وان كان حرا مسلما فقال اللخمى: ينزع منه مجانا، قال ابن رشد اتفاقا، وقال ابن بشير هو على المشهور، قال ابن المواز، من أسلم على شئ فى يده فهو أحق به من أربابه ما لم يكن حرا أو أم ولد وترد أم الولد الى سيدها ويتبعه بقيمتها، وأما المكاتب فتكون له كتابته وان عجز بقى رقيقا لهذا الحربى وان أدى كان حرا وولاؤه لسيده الذى عقد كتابته والمدبر يستخدمه ويؤاجره ما دام سيده حيا فان مات وحمله ثلثه كان حرا، قال سحنون: ولا يتبع بشئ وان رق منه شئ كان مارق منه للحربى الذى أسلم عليه، والمعتوق لأجل اذا سبى ثم أسلم عليه حربى كان له خدمته الى الأجل دون سيده فان عتق بتمام الأجل لم يتبع بشئ.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(2)
: اذا دخل الحربى دار الاسلام بأمان فى تجارة أو رسالة ثبت له الأمان فى نفسه وماله ويكون حكمه فى ضمان النفس والمال وما يجب عليه من الضمان والحدود حكم المهادن، لأنه مثله فى الامان فكان مثله فيما ذكرناه.
وان عقد الامان ثم عاد الى دار الحرب فى تجارة أو رسالة فهو على الامان فى النفس والمال كالذمى اذا خرج الى دار الحرب فى تجارة أو رسالة، وان رجع الى دار الحرب بنية المقام وترك ماله فى دار الاسلام انتقض الأمان فى نفسه ولم ينتقض فى ماله، فان قتل أو
(1)
التاج والاكليل ج 3 ص 364، 365.
(2)
المهذب ج 2 ص 263، 264.
مات انتقل المال الى وارثه، وهل يغنم أم لا؟ فيه قولان.
قال فى سير الواقدى ونقله المزنى أنه يغنم ماله وينتقل الى بيت المال فيئا وقال فى الكاتب يرد الى ورثته، فذهب أكثر أصحابنا الى أنها على قولين: أحدهما أنه يرد الى ورثته وهو اختيار المزنى، والدليل عليه ان المال لوارثه ومن ورث مالا ورثه بحقوقه، وهذا الامان من حقوق المال فوجب أن يورث.
والقول الثانى أنه يغنم وينتقل الى بيت المال فيئا، ووجهه أنه لما مات انتقل ماله الى وارثه وهو كافر لا أمان له فى نفسه ولا فى ماله فكان غنيمة.
وقال أبو على بن خيران: المسألة على اختلاف حالين فالذى قال يغنم اذا عقد الأمان مطلقا ولم يشرط لوارثه والذى قال لا يغنم اذا عقد الأمان لنفسه ولوارثه، وليس للشافعى رحمه الله ما يدل على هذه الطريقة.
واذا مات فى دار السلام فقد قال فى سير الواقدى أنه يرد الى ورثته، واختلف أصحابنا فيه.
فمنهم من قال هو أيضا على قولين كالتى قبلها، والشافعى نص على أحد القولين.
ومنهم من قال يرد الى وارثه قولا واحدا.
والفرق بين المسألتين أنه اذا مات فى دار الاسلام مات على أمانه فكان ماله على الأمان.
واذا مات فى دار الحرب فقد مات بعد زوال أمانه فبطل فى أحد القولين أمان ماله، فان استرق زال ملكه عن المال بالاسترقاق، وهل يغنم؟ فيه قولان.
أحدهما: يغنم فيئا لبيت المال.
والقول الثانى: أنه موقوف لأنه لا يمكن نقله الى الوارث لأنه حى، ولا الى مسترقه، لأنه مال له أمان، فان عتق دفع المال اليه بملكه القديم، وان مات عبدا ففى ماله قولان حكاهما أبو على بن أبى هريرة.
أحدهما: أنه يغيم فيئا ولا يكون موروثا، لأن العبد لا يورث.
والثانى: أنه لوارثه لأنه ملكه فى حريته، فان اقترض حربى من حربى مالا، ثم دخل الينا بأمان أو أسلم، فقد قال أبو العباس عليه رد البدل على المقرض، لأنه أخذه على سبيل المعاوضة فلزمه البدل، كما لو تزوج حربية ثم أسلم، ويحتمل أنه لا يلزمه البدل، فان الشافعى رحمه الله قال فى النكاح: اذا تزوج حربى حربية ودخل بها وماتت، ثم أسلم الزوج أو دخل الينا بأمان فجاء وارثها يطلب ميراثه من صداقها أنه لا شئ له، لأنه مال فائت فى حال الكفر، قال: والأول أصح، ويكون تأويل
المسألة أن الحربى تزوجها على غير مهر، فان دخل مسلم دار الحرب بأمان فسرق منهم مالا أو اقترض منهم مالا وعاد الى دار الاسلام، ثم جاء صاحب المال الى دار الاسلام بأمان وجب على المسلم رد ما سرق أو اقترض لأن الامان يوجب ضمان المال فى الجانبين فوجب رده.
وجاء فى موضع آخر
(1)
: ان غرر بنفسه من له سهم فى قتل كافر مقبل على الحرب فقتله استحق سلبه، لما روى أبو قتادة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فرأيت رجلا من المشركين علا رجلا من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه، فأقبل على، فضمنى ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قتل قتيلا نه عليه بينة فله سلبه فقصصت عليه، فقال رجل: صدق يا رسول الله وسلب ذلك الرجل عندى، فأرضه، فقال أبو بكر رضى الله عنه: لا ها الله، اذا لا يعمد الى أسد من أسد الله تعالى يقاتل عن دين الله فيعطيك سلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق فأعطه اياه، فأعطانى اياه، فبعث الدرع فابتعت به مخرفا فى بنى سلمة، وأنه لأول مال تأثلته فى الاسلام، فان كان ممن لا حق له فى الغنيمة كالمخذل والكافر اذا حضر من غير اذن لم يستحق لأنه لا حق له فى السهم الراتب فلأن لا يستحق السلب وهو غير راتب أولى، فان كان ممن يرضخ له كالصبى والمرأة والكافر اذا حضر بالاذن ففيه وجهان.
أحدهما: أنه لا يستحق لما ذكرناه.
والثانى أنه يستحق لأن له حقا فى الغنيمة فأشبه من له سهم، وان لم يغرر بنفسه فى قتله بأن رماه من وراء الصف فقتله لم يستحق سلبه، وان قتله وهو غير مقبل على الحرب كالأسير والمثخن والمنهزم لم يستحق سلبه.
وقال أبو ثور: كل مسلم قتل مشركا استحق سلبه، لما روى أنس رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من قتل كافرا فله سلبه ولم يفصل وهذا لا يصح، لأن ابن مسعود رضى الله عنه قتل أبا جهل، وكان قد أثخنه غلامان من الأنصار فلم يدفع النبى صلى الله عليه وسلم سلبه الى ابن مسعود، وان قتله وهو مول ليكر استحق السلب، لأن الحرب كر وفر، وان اشترك اثنان فى القتل اشتركا فى السلب لاشتراكهما فى القتل، وان قطع أحدهما يديه أو رجليه وقتله الآخر ففيه قولان.
أحدهما: أن السلب للأول لأنه عطله.
(1)
المهذب ج 2 ص 237.
والثانى: أن السلب للثانى، لأنه هو الذى كف شره دون الأول، لأن بعد قطع اليدين يمكنه أن يعدو، أو يجلب وبعد قطع الرجلين يمكنه أن يقاتل اذا ركب.
وان غرر ممن له سهم فأسر رجلا مقبلا على الحرب، وسلمه الى الامام حيا ففيه قولان.
أحدهما: لا يستحق سلبه لأنه لم يكف شره بالقتل.
والثانى: أنه يستحق: لأن تغريره بنفسه فى أسره، ومنعه من القتال أبلغ من القتل، وان من عليه الامام أو قتله استحق الذى أسره سلبه، وان استرقه أو فاداه بمال ففى رقبته وفى المال المفادى به قولان.
أحدهما: أنه للذى أسره.
والثانى: أنه لا يكون له، لأنه مال حصل بسبب تغريره فكان فيه قولان كالسلب.
ثم قال
(1)
: وما أصاب المسلمون من مال الكفار وخيف أن يرجع اليهم ينظر فيه فان كان غير الحيوان أتلف حتى لا ينتفعوا به ويتقووا به على المسلمين، وان كان حيوانا لم يجز اتلافه من غير ضرورة، لما روى عبد الله بن عمرو ابن العاص رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله تعالى عن قتلها، قيل:
يا رسول الله وما حقها؟ قال: أن تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فترمى بها، وأن دعت الى قتله ضرورة بأن كان الكفار لا خيل لهم، وما أصابه المسلمون خيل وخيف أن يأخذوه ويقاتلونا عليه جاز قتله، لأنه اذا لم يقتل أخذه الكفار وقاتلوا به المسلمين.
واذا أخذ المشركون مال المسلمين بالقهر لم يملكوه، واذا استرجع منهم وجب رده الى صاحبه، لقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه، وروى عمران بن الحصين رضى الله عنه قال: أغار المشركون على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبوا به وذهبوا بالعضباء وأسروا امرأة من المسلمين فركبتها وجعلت لله عليها أن نجاها الله لتنحرنها فقدمت المدينة وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
بئس ما جزيتها لا وفاء لنذر فى معصية الله عز وجل ولا فيما لا يملكه ابن آدم فان لم يعلم به حتى قسم دفع الى من وقع فى سهمه العوض من خمس الخمس ورد المال الى صاحبه لأنه يشق نقض القسمة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى
(2)
: اذا دخل حربى دار الاسلام بأمان فأودع ماله مسلما أو ذميا
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 241، 242.
(2)
المغنى ج 10 ص 437، 438، ص 439.
أو أقرضهما اياه ثم عاد الى دار الحرب نظرنا، فان دخل دار الحرب تاجرا أو رسولا أو متنزها أو لحاجة يقضيها ثم يعود الى دار الاسلام فهو على أمانه فى نفسه وماله، لأنه لم يخرج بذلك عن نية الاقامة بدار الاسلام فأشبه الذمى اذا دخل لذلك.
وان دخل مستوطنا بطل الامان فى نفسه وبقى فى ماله، لأنه بدخوله دار الاسلام بأمان ثبت الامان لماله الذى معه فاذا بطل فى نفسه بدخوله دار الحرب بقى فى ماله لاختصاص المبطل بنفسه فيختص البطلان به.
فان قيل: فانما يثبت الأمان لماله تبعا، فاذا بطل فى المتبوع بطل فى التبع، قلنا: بل يثبت له الأمان لمعنى وجد فيه، وهو ادخاله معه، وهذا يقتضى ثبوت الأمان له وان لم يثبت فى نفسه، بدليل ما لو بعثه مضارب له أو وكيل فانه يثبت الأمان ولم يثبت الأمان فى نفسه ولم يوجد فيه هاهنا ما يقتضى الأمان فيه فبقى على ما كان عليه، ولو أخذه معه الى دار الحرب لنقض الأمان فيه كما ينتقض فى نفسه، لوجود المبطل فيهما.
فاذا ثبت هذا فان صاحبه أن طلبه بعث اليه، وان تصرف فيه ببيع أو هبة أو غيرهما صح تصرفه، وان مات فى دار الحرب انتقل الى وارثه ولم يبطل الأمان فيه، لأن الامان حق له لازم متعلق بالمال، فاذا انتقل الى الوارث انتقل لحقه كسائر الحقوق من الرهن والضمين والشفعة، وهذا اختيار المزنى، ولأنه مال له أمان فينتقل الى وارثه مع بقاء الأمان فيه كالمال الذى مع مضاربه، وان لم يكن له وارث صار فيئا لبيت المال، فان كان له وارث فى دار الاسلام، فقال القاضى: لا يرثه، لاختلاف الدارين.
والأولى أنه يرثه، لأن ملتهما واحدة فيرثه كالمسلمين.
وان مات المستأمن فى دار الاسلام فهو كما لو مات فى دار الحرب سواء، لأن المستأمن حربى يجرى عليه أحكامهم.
وان رجع المستأمن الى دار الحرب فسبى واسترق فقال القاضى: يكون ماله موقوفا حتى يعلم آخر أمره بموت أو غيره، فان مات كان فيئا، لأن الرقيق لا يورث، وان عتق كان له، وان لم يسترق ولكن من عليه الامام، أو فاداه فماله له، وان قتله فماله لورثته، وان لم يسب ولكن دخل دار الاسلام بغير أمان، ليأخذ ماله، جاز قتله وسبيه، لأن ثبوت الأمان لماله لا يثبت الامان له، كما لو كان ماله وديعة بدار الاسلام وهو مقيم بدار الحرب.
واذا سرق المستأمن فى دار الاسلام أو قتل أو غصب ثم عاد الى وطنه فى دار الحرب ثم خرج مستأمنا مرة ثانية
استوفى منه ما لزمه فى أمانه الأول وان اشترى عبدا مسلما فخرج به الى دار الحرب ثم قدر عليه لم يغنم، لأنه لم يثبت ملكه عليه، لكون الشراء باطلا ويرد بائعه الثمن الى الحربى، لأنه حصل فى أمان، فان كان العبد تالفا فعلى الحربى قيمته ويترادان الفضل.
ثم قال
(1)
. اذا أسلم الحربى فى دار الحرب حقن ماله ودمه وأولاده الصغار من السبى وان دخل دار الإسلام فأسلم وله أولاد صغار فى دار الحرب صاروا مسلمين ولم يجز سبيهم، لأن أولاده أولاد مسلم فوجب أن يتبعوه فى دار الاسلام كما لو كانوا معه فى الدار، ولأن ماله مال مسلم فلا يجوز اغتنامه كما لو كان فى دار الاسلام، واذا أسلم الحربى فى دار الحرب وله مال وعقار أو دخل اليها مسلم فابتاع عقارا أو مالا فظهر المسلمون على ماله وعقاره لم يملكوه وكان له.
ثم قال: اذا استأجر المسلم أرضا من حربى ثم استولى عليها المسلمون فهى غنيمة ومنافعها للمستأجر، لأن المنافع ملك المسلم.
ثم قال: اذا أسلم عبد الحربى أو أمته وخرج الينا فهو حر اوان أسر سيده وأولاده وأخذ ماله وخرج الينا فهو حر والمال له والسبى رقيقه وان أسلم وأقام بدار الحرب فهو على رقه.
وجاء فى المغنى
(2)
ما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين وعبيدهم فأدركه صاحبه قبل قسمه فهو أحق به فان أدركه مقسوما فهو أحق به بالثمن الذى ابتاعه من المغنم فى احدى الروايتين والرواية الأخرى اذا قسم فلا حق له فيه بحال يعنى اذا أخذ الكفار أموال المسلمين ثم قهرهم المسلمون فأخذوها منهم، فان علم صاحبها قبل قسمها ردت اليه بغير شئ فى قول عامة أهل العلم منهم عمر رضى الله عنه، ولما روى ابن عمر أن غلاما له أبق الى العدو فظهر عليه المسلمون فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ابن عمر ولم يقسم.
وعنه قال: ذهب فرس له فأخذها العدو فظهر عليه المسلمون فرد عليه فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم رواهما أبو داود.
وعن جابر بن حيوة أن أبا عبيدة كتب الى عمر بن الخطاب فيما أحرز المشركون من المسلمين، ثم ظهر المسلمون عليهم بعد، قال: من وجد ماله بعينه فهو أحق به ما لم يقسم رواه سعيد
(1)
المرجع السابق ج 10 ص 475، ص 476، ص 477.
(2)
المغنى لابن قدامه ج 10 ص 478، 479، 480، ص 481.
والأثرم، فأما ما أدركه بعد أن قسم ففيه روايتان.
احداهما: أن صاحبه أحق به بالثمن الذى حسب به على من أخذه وكذلك أن بيع ثم قسم ثمنه فهو أحق به بالثمن.
والثانية: عن أحمد أنه اذا قسم فلا حق له فيه بحال نص عليه فى رواية أبى داود وغيره، لما روى أن عمر رضى الله عنه كتب الى السائب أيما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه فهو أحق به من غيره، وان أصابه فى أيدى التجار بعد ما اقتسم فلا سبيل له اليه.
ثم قال وان أخذه أحد الرعية بهبة أو سرقة أو بغير شئ فصاحبه أحق به بغير شئ، لما روى أن قوما أغاروا على سرح النبى صلى الله عليه وسلم فأخذوا ناقته وجارية من الأنصار فأقامت عندهم أياما ثم خرجت فى بعض الليل قالت فما وضعت يدى على ناقة الا رغت حتى وضعتها على ناقة ذلول فامتطيتها، ثم توجهت الى المدينة ونذرت أن نجانى الله عليها أن أنحرها فلما قدمت المدينة استعرفت الناقة فاذا هى ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها فقلت يا رسول الله انى نذرت أن أنحرها فقال «بئس ما جازيتها لا نذر فى معصية» .
فأما ان اشتراه رجل من العدو فليس لصاحبه أخذه الا بثمنه.
لما روى سعيد عن الشعبى قال أغار أهل ماه وأهل جلولاء على العرب فأصابوا سبايا من سبايا العرب ورقيقا ومتاعا.
ثم ان السائب بن الأقرع عامل عمر غزاهم ففتح ماه فكتب الى عمر فى سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم قد اشتراه التجار من أهل ماه فكتب اليه عمر أن المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يخذله فأيما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه فهو أحق به، وان أصابه فى أيدى التجار بعد ما انقسم فلا سبيل اليه.
وجاء فى موضع آخر
(1)
: اذا سبى المشركون من يؤدى الينا الجزية ثم قدر عليهم ردوا الى ما كانوا عليه ولم يسترقوا وما أخذه العدو منهم من مال أو رقيق رد اليهم اذا علم به قبل أن يقسم ويفادى بهم بعد أن يفادى بالمسلمين.
وجملة ذلك أن أهل الحرب اذا استولوا على أهل ذمتنا فسبوهم وأخذوا أموالهم ثم قدر عليهم وجب ردهم الى ذمتهم ولم يجز استرقاقهم فى قول عامة أهل العلم، لأن ذمتهم باقية ولم يوجد منهم ما يوجب نقضها، وحكم أموالهم
(1)
المرجع السابق ج 10 ص 497، 498.
حكم أموال المسلمين فى حرمتها، قال على رضى الله عنه: انما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا، فمتى علم صاحبها قبل قسمها وجب ردها اليه، وان علم بعد القسمة فعلى الروايتين.
احداهما: لا حق له فيه.
والثانية: هو له بثمنه، لأن أموالهم معصومة كأموال المسلمين، وأما فداؤهم فظاهر كلام الخرقى أنه يجب فداؤهم سواء كانوا فى معونتنا أو لم يكونوا.
ثم قال ويجب فداء أسرى المسلمين اذا أمكن، وبهذا قال عمر بن عبد العزيز.
وفى المغنى
(1)
قال: وسبيل من استرق من أهل الحرب وما أخذ منهم على اطلاقهم سبيل تلك الغنيمة يعنى من صار منهم رقيقا بضرب الرق عليه أو فودى بمال فهو كسائر الغنيمة يخمس ثم يقسم أربعة أخماسه بين الغانمين لا نعلم فى هذا خلافا فان النبى صلى الله عليه وسلم قسم فداء أسارى بدر بين الغانمين ولأنه مال غنمه المسلمون فأشبه الخيل والسلاح فان قيل فالأسر لم يكن للغانمين فيه حق فكيف تعلق حقهم ببدله قلنا انما يفعل الامام فى الاسترقاق ما يرى فيه المصلحة، لأنه لم يصر مالا فاذا صار مالا تعلق حق الغانمين به، لأنهم أسروه وقهروه، وهذا لا يمنع، ألا ترى أن من عليه الدين اذا قتل قتلا يوجب القصاص كان لورثته الخيار فاذا اختاروا الدية تعلق حق الغرماء بها.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم
(2)
تقسم الغنائم كما هى بالقيمة ولا تباع، لأنه لم يأت نص ببيعها، وتقسم الأرض وتخمس كسائر الغنائم ولا فرق.
ثم قال
(3)
أموال الكفار مغنومة ولا يعصمها الا الاسلام أو الجزية ان كانوا من أهل الكتاب والاسلام أو السيف ان كانوا من غير أهل الكتاب.
ثم قال
(4)
: واذا أسلم الكافر الحربى فسواء أسلم فى دار الحرب ثم خرج إلى دار الاسلام أو لم يخرج أو خرج الى دار الاسلام ثم أسلم كل ذلك سواء وجميع ماله الذى معه فى أرض الاسلام أو فى دار الحرب أو الذى ترك وراءه فى دار الحرب من عقار أو دار أو أرض أو حيوان أو ناض أو متاع فى منزله أو مودعا أو كان دينا هو كله له لا حق فيه ولا يملكه المسلمون ان غنموه أو افتتحوا تلك الأرض ومن غصبه منها شيئا من حربى أو مسلم أو ذمى رد الى صاحبه ويرثه ورثته ان مات.
(1)
المرجع السابق ج 10 ص 405.
(2)
المحلى ج 7 ص 341.
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 349.
(4)
المحلى ج 7 ص 309.
ثم قال
(1)
: لو نزل أهل الحرب عندنا تجارا بأمان أو رسلا أو مستأمنين مستجيرين أو ملتزمين لأن يكونوا أهل ذمة لنا فوجدنا بأيديهم مالا سلم أو لذمى فانه ينتزع كل ذلك منهم بلا عوض أحبوا أم كرهوا ويرد المال الى أصحابه ولا يحل لنا الوفاء بكل عهد أعطوه على خلاف هذا لقول النبى صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل.
ثم قال
(2)
: لا يملك أهل الكفر الحربيون مال مسلم ولا مال ذمى أبدا الا بالابتياع الصحيح أو الهبة الصحيحة أو بميراث من ذمى كافر أو بمعاملة صحيحة فى دين الاسلام فكل ما غنموه من مال ذمى أو مسلم أو آبق اليهم فهو باق على ملك صاحبه فمتى قدر عليه رد على صاحبه قبل القسمة وبعدها دخلوا به أرض الحرب أو لم يدخلوا ولا يكلف مالكه عوضا ولا ثمنا لكن يعوض الأمير من كان صار فى سهمه من كل مال لجماعة المسلمين ولا ينفذ فيه عتق من وقع فى سهمه ولا صدقته ولا هبته ولا بيعه ولا تكون له الأمة أم ولد وحكمه حكم الشئ الذى يغصبه المسلم من المسلم ولا فرق.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار وهامشه
(3)
: كما يجوز أن تغنم نفوس الكفار تغنم أموالهم كلها المنقول وغيره الحيوان والجماد وهذا مما لا خلاف فيه.
ولا يجوز أن يستبد غانم بما غنم دون سائر العسكر الذين لم يحضروا اغتنامه ولا أعانوه على الاغتنام اعانة مباشرة ولو كان ذلك الغانم طليعة من طلائع العسكر والطليعة هى التى تقدم على الجمع لتنظر من قدامهم من الخصوم أو لتخبرهم وتدرى بحالهم فى القلة والكثرة والنجدة، فان الطليعة اذا ظفرت بشئ من مال أهل الحرب فاستولت عليه لم يجز لها أن تستبد به دون الجمع المتأخر، أو كان ذلك الغانم سرية أرسلها الامام فى طلب العدو والامام وجنوده باقون لم ينصرفوا مع تلك السرية، فانها اذا أصابت شيئا من المغنم لم يجز لها أن تستبد به دون الامام وجنوده الذين بقوا معه، هذا اذا كان اقتدارهم على تلك الغنيمة انما حصل بقوة ردئهم وهيبته، والردء هو الملجأ الذى يرجع اليه المنهزم من الجند، فاذا كانت الطليعة والسرية لا يمكن من ذلك المغنم الا بهيبة ردئهما وجب عليهما تشريك الردء فيما أصاباه من المغنم ولا يستبدان به، الا أن يكون استبدادهم به واقعا بشرط الامام نحو
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 306.
(2)
المحلى ج 7 ص 300.
(3)
شرح الأزهار وهامشه ج 4 ص 543، 555.
أن يقول: من قتل قتيلا فله سلبه، أو من أصاب شيئا من المغنم فهو له، فان ذلك يوجب استبداد كل غانم بما غنم على هذا الوجه، ولا حق لغيره فيه ولو لم يتمكن الغانم من الغنيمة بقوته أو تنفيله أى ايثاره بعض المجاهدين بأن يخصه باعطائه ما غنم وحده، لأن للأمام أن ينفل من شاء ولو بعد احراز الغنيمة وحوزها الى دارنا وهو غير مقدر.
واذا ثبت أن الغانم لا يملك ما غنم قبل القسمة لزم من ذلك أن من وطئ سبية قبل القسمة لزمه ردها فى جملة الغنيمة ورد عقرها ورد ولدها منه فى جملة الغنائم لأنه وطئ ما لا يملك ولكن لا حد عليه لأجل الشبهة، وهو كونه له نصيب فى جملة المغنم وهى من جملته فلا يحد ولو علم التحريم كأحد الشريكين ولا نسب لذلك الولد من الواطئ.
واعلم أن للامام من الغنائم التى يغنمها المجاهدون ولو كان عند جهادهم غائبا عنهم ولو فى بيته الصفى وهو شئ واحد يختاره الامام كسيف أو فرس أو سبية أو نحو ذلك قال البعض وانما يستحقه بشرط أن تبلغ الغنيمة مائتى درهم فما فوق قال البعض ولم يقدر أهل المذهب شيئا وانما يكون الصفى اذا كان المغنوم شيئين فأكثر لا اذا كان شيئا واحدا.
قال أبو طالب ولا يمنع أن يكون لأمير الجيش الذى ينصبه الامام أن يصطفى لنفسه.
قال أبو طالب والامام يحيى ولا يستحق الامام سوى الصفى ونصيبه من الخمس.
قال البعض وما ادعاه البعض من اجماع أهل البيت عليهم السلام على أن للامام أن يأخذ سهما كأحد العسكر فضعيف.
وقال أكثر الفقهاء أنه لا صفى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انما كان خاصا له ثم اذا أخذ الامام الصفى فانه يقسم الباقى من الغنائم بين المجاهدين ولا يقسمه الا بعد التخميس وهو اخراج الخمس منها والتنفيل لمن يريد تنفيله.
واذا غنم المسلمون
(1)
ما يتملكونه وهو نجس فى حكم الاسلام فانه لا يطهر بالاستيلاء أى باستيلاء المسلمين عليه.
ومن وجد فى الغنيمة ما كان له مما سلبه الكفار على المسلمين فهو أولى به بلا شئ أى بلا عوض يرد فى الغنيمة اذا وجده قبل القسمة للغنيمة، وأما اذا وجده بعد القسمة فانه لا يكون أولى به الا بالقيمة أى يدفع القيمة الى من وجده فى سهمه الا العبد الآبق
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 549.
فانه اذا وجده فانه يأخذه بلا شئ قبل القسمة وبعدها.
وقال البعض بل العبد كغيره فى أنه يأخذه بعد القسمة بالقيمة.
ثم قال
(1)
: فى حكم ما تعذر حمله من الغنائم وبيان ما يملكه الكفار علينا وما تعذر حمله من الغنائم أحرق لئلا ينتفعوا به وذلك حيث يكون جمادا كالثياب والطعام ونحوها وأما الحيوان فلا يحرق الا بعد الذبح وان كان مما لا يؤكل، وانما جاز ذبحه لئلا ينتفع به الكفار.
قال البعض وانما يحرق بعد الذبح ما يستبيحون أكله، فأما ما لا يأكلونه ولا ينتفعون بشئ من ميتته فلا وجه لاحراقه.
واذا كان فى الغنائم بعض المشركين وتعذر على الغانمين الخروج بهم الى دار الاسلام أو الى حيث يحرزونهم جاز أن يقتل منهم من كان يجوز قتله، وأما السلاح فانه يدفن أو يكسر اذا تعذر حمله.
وأما بيان ما يملكه الكفار علينا فأعلم أنهم لا يملكون علينا ما لم يدخل دارهم قهرا أى ما لم يأخذوه علينا بالقهر والغلبة كالعبد الآبق والفرس النافر اليهم ونحو ذلك.
وقال البعض أنهم لا يملكون علينا شيئا، وهو أحد قولى المؤيد بالله مطلقا، أى سواء أخذوه قهرا أم لا ولو أدخلوه دارهم.
وفى الهامش: اذا دخل مسلم دار الحرب فاشترى فيها أرضا أو دارا ثم ظهرنا على بلادهم فهى فئ للمسلمين لأنها من جملة دارهم.
ثم قال
(2)
: والمستأمن من المسلمين اذا دخل دار الحرب جاز له استرجاع العبد الآبق على المسلمين الى دار الحرب، لأنهم لا يملكون علينا ما لم تدخل دارهم قهرا.
ويجوز لغير المستأمن من المسلمين اذا دخل دار الحرب أخذ ما ظفر به من أموالهم سواء أخذه قهرا أو بالتلصص أو بالسرقة أو بأى وجه أمكنه التوصل الى أخذه ولا خمس عليه فيما غنمه منهم بأى هذه الوجوه.
ثم قال
(3)
: من أسلم من الحربيين وهو عند إسلامه فى دارنا لم يحصن فى دارهم الا طفله الموجود حال الاسلام، فاذا كان له أطفال فى دار الحرب لم يجز للمسلمين سبيهم، لأنهم قد صاروا مسلمين باسلامه، وأما أمواله التى فى دار الحرب من منقول أو غيره فانها لا تحصن باسلامه فى دار الاسلام بل للمسلمين اغتنامها اذا ظفروا بتلك الدار ولو كانت وديعة عند مسلم.
وقال البعض بل يكون طفله فيئا كما له اذا أسلم فى دار الاسلام الا
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 550، ص 551
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 553.
(3)
شرح الأزهار ج 4 ص 554، ص 555.
اذا أسلم فى دارهم فطفله وماله المنقول محصنان محترمان سواء كان فى يده أو فى يد ذمى فأما غير المنقول فلا يتحصن باسلامه الا ثلاثة أشياء من المنقول.
أحدها: ما استودعه عند حربى غيره فانه لا يتحصن بل يجوز للمسلمين اغتنامه اذا ظفروا بتلك الدار.
الثانى: أم ولد المسلم اذا كانت قد استولى عليها المشركون ثم أسلم من هى فى يده فى دار الحرب فانه لا يستقر ملكه عليها باسلامه فيردها، لكن لا يجب عليه ردها بلا عوض بل بالفداء فان لم يكن مع مستولدها شئ عين من بيت المال، فان لم يكن فى بيت المال شئ بقيت فى ذمته قيمتها.
قال البعض ومن ثم قلنا ولو بقى عوضها دينا فى ذمة مستولدها.
الثالث: المدبر الذى دبره المسلم ثم استولى عليه كافر فى دار الحرب ثم أسلم ذلك الكافر فانه لا يحصن المدبر باسلامه من أن يرده بل يجب رده لمدبره من المسلمين، لكن انما يرده بالفداء كأم الولد سواء بسواء وهما يعتقان فى يد المشرك بموت السيد الاول الذى استولد ودبر.
قال البعض ولا يلزمه فداؤهما لو مات قبل اسلام الحربى الذى صارا فى يده لأنه لم يكن قد لزمه الفداء له.
وأما المكاتب الذى كاتبه مسلم ثم استولى عليه كافر فان الكافر اذا أسلم لم يلزمه رده لمكاتبه المسلم بفداء ولا غيره ولا ينقض عقدا لمكاتبه لكنه يعتق بالوفاء بمال الكتابة يدفعه للآخر أى لسيده الكافر لأنه قد ملكه فان عجز نفسه ملكه الكافر واذا أعتقت أم الولد أو المدبر أو المكاتب الذى استولى عليهم الكافر وجب أن يكون ولاؤهم للأول وهو المسلم الذى استولد أو دبر أو كاتب لأن حريتهم وقعت من جهته.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام
(1)
: اذا أسلم الحربى فى دار الحرب حقن دمه وعصم ماله مما ينقل كالذهب والفضة والامتعة دون ما لا ينقل كالأرضين والعقار فانها للمسلمين ولحق به ولده الأصاغر ولو كان فيهم حمل ولو سبيت أم الحمل كانت رقا دون ولدها منه، وكذا لو كانت الحربية حاملا من مسلم بوط ء مباح.
ولو أعتق مسلم عبدا ذميا بالنذر فلحق بدار الحرب فأسره المسلمون جاز استرقاقه.
وقيل: لا لتعلق ولاء المسلم به ولو كان المعتق ذميا استرق اجماعا.
(1)
شرائع الاسلام ج 1 ص 150.
وجاء فى موضع آخر
(1)
: الحربى لا يملك مال المسلم بالاستغنام ولو غنم المشركون أموال المسلمين وذراريهم ثم ارتجعوها فالأحرار لا سبيل عليهم أما الأموال والعبيد فلأربابها قبل القسمة ولو عرفت بعد القسمة فلأربابها القيمة من بيت المال.
وفى رواية تعاد على أربابها بالقيمة والوجه اعادتها على المالك ويرجع الغانم بقيمتها على الامام مع تفرق الغانمين.
وجاء فى شرائع
(2)
الاسلام: الذمى اذا نقض العهد ولحق بدار الحرب فأمان أمواله باق فان مات ورثه وارثه الذمى والحربى واذا انتقل الميراث الى الحربى زال الأمان عنه وأما الأولاد الأصاغر فهم باقون على الذمة ومع بلوغهم يخيرون بين عقد الذمة لهم بأداء الجزية وبين الانصراف الى مأمنهم.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(3)
: ان أتلف الامام مال المحاربين كشجر ودواب فلا ضمان عليه ثم قال
(4)
: ولا حق للمشركين وكذا غيرهم فيما أخذوا بديانة من أموال الموحدين وكذا غير الموحدين ممن لم يحل ماله ولا يصح لهم فيه عطاء ولا بيع ولا هبة ولا غير ذلك فان غنم الموحدون منهم تلك الأموال لم تحل لهم بل يحرزونها لاربابها، وان قسموها وجاء أربابها أخذوها لحديث لا حق لعرق ظالم ولا ثواب على مال امرئ مسلم ولحديث ان المشركين أغاروا على سرح المدينة وفيه العضباء ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فركبتها امرأة ليلا ونذرت لئن سلمت الى المدينة لتنحرنها فأخذها صلى الله عليه وسلم وقال: لا نذر فيما لا يملك ابن آدم فلم تملكها المرأة بأخذها من الحربيين.
وكل ما أفسده المرتد فى حال ارتداده من أموال الناس فقد ضمنه وحكى الشيخ عن أبى مجبر اذا وحد وتاب فليس عليه شئ.
ثم قال: وان دخل المشرك التاجر أرض الاسلام بلا أمن فعل معه الامام ما بان له من سبى وغنم
(5)
.
حكم نكاح الأسير وولده
مذهب الحنفية:
لا يكون السبى سببا فى الفرقة بين الزوجين عند الحنفية وانما تكون الفرقة لاختلاف الدار فقد جاء فى الفتاوى الهندية
(6)
: خرج الينا بأمان ثم قبل الذمة بانت أمراته فان سبى أحدهما وقعت البينونة بينهما لتباين
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 153.
(2)
شرائع الإسلام ج 2 ص 260.
(3)
شرح النيل ج 7 ص 426.
(4)
المرجع السابق ج 10 ص 388، ص 389، ص 390.
(5)
المرجع السابق ج 10 ص 413.
(6)
الفتاوى الهندية ج 1 ص 338.
الدارين وان سبيا معا لم تقع البينونة كذا فى السراج الوهاج.
ولو سبى وتحته أختان أو أربع أو خمس فسبين معه بطل نكاح الكل عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله سواء كان بعقود أو بعقدة، وان سبيت معه ثنتان لم يفسد نكاحهما وفسد نكاح اللتين بقيتا فى دار الحرب كذا فى السراجية.
وجاء فى المبسوط
(1)
: اذا تزوج الحر الحربى أربع نسوة ثم سبى وسبين معه فلا نكاح بينه وبينهن سواء تزوجهن فى عقدة واحدة أو فى عقد، لأن الرق المعترض فى الزوج ينافى نكاح الأربع بقاء وابتداء، وليس بعضهن بأولى من البعض فى التفريق بينه وبينهن فتقع الفرقة بينه وبينهن، فان كانت قد ماتت امرأتان منهن فنكاح الباقيتين جائز لأنه حين استرق فليس فى نكاحه الا اثنتان ورقه لا ينافى نكاح اثنين ابتداء ولا بقاء.
وأما بالنسبة للولد فقد جاء فى بدائع الصنائع
(2)
يحكم باسلام الصبى تبعا لأبويه عقل أو لم يعقل ما لم يسلم بنفسه اذا عقل ويحكم باسلامه تبعا للدار أيضا.
والجملة فى ذلك أن الصبى يتبع أبويه فى الاسلام والكفر ولا عبرة بالدار مع وجود الأبوين أو أحدهما لأنه لا بد من دين تجرى عليه أحكامه، والصبى لا يهتم لذلك أما لعدم عقله وأما لقصوره فلا بد وأن يجعل تبعا لغيره وجعله تبعا للأبوين أولى، لأنه تولد منهما، وانما الدار منشأ وعند انعدامهما فى الدار التى فيها الصبى تنتقل التبعية الى الدار، لأن الدار تستتبع الصبى فى الاسلام فى الجملة فاذا أسلم أحد الأبوين فالولد يتبع المسلم، لأنهما استويا فى جهة التبعية وهى التولد والتفرع فيرجح المسلم بالاسلام ولو كان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا فالولد كتابى لأن الكتابى الى أحكام الاسلام أقرب فكان الاسلام منه أرجى.
وبيان ذلك أن الصبى اذا سبى وأخرج الى دار الاسلام فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه: أما أن يسبى مع أبويه، وأما أن يسبى مع أحدهما وأما أن يسبى وحده، فان سبى مع أبويه فما دام فى دار الحرب فهو على دين أبويه حتى لو مات لا يصلى عليه وهذا ظاهر، وكذا أن سبى مع أحدهما، وكذلك اذا خرج الى دار الاسلام ومعه أبواه أو أحدهما لما بينا، فان مات الأبوان بعد ذلك فهو على دينهما حتى يسلم بنفسه ولا ينقطع تبعية الأبوين بموتهما، لأن بقاء الأصل ليس بشرط لبقاء الحكم فى التبع، وان أخرج الى دار الاسلام وليس معه أحدهما فهو مسلم، لأن
(1)
المبسوط ج 10 ص 96.
(2)
بدائع الصنائع ج 7 ص 104، 105.
التبعية انتقلت الى الدار على ما بينا.
ولو أسلم أحد الأبوين فى دار الحرب فهو مسلم تبعا له، لأن الولد يتبع خير الابوين دينا وكذا اذا أسلم أحد الأبوين فى دار الاسلام ثم سبى الصبى بعده وأدخل فى دار الاسلام فهو مسلم تبعا له، لأنه جمعهما دار واحدة، فأما قبل الادخال فى دار الاسلام فلا يكون مسلما لأنهما فى دارين مختلفين، واختلاف الدار يمنع التبعية فى الأحكام الشرعية.
ثم انما تعتبر تبعية الأبوين والدار اذا لم يسلم بنفسه وهو يعقل الاسلام، فأما اذا أسلم وهو يعقل الاسلام فلا تعتبر التبعية ويصح اسلامه عندنا، لأنه آمن بالله سبحانه وتعالى عن غيب فيصح ايمانه كالبالغ.
واذا أسلم حربى ولم يهاجر الينا حتى ظهر المسلمون على الدار فأولاده الصغار أحرار مسلمون تبعا له وأولاده الكبار وامرأته يكونون فيئا لأنهم فى حكم أنفسهم لانعدام التبعية.
وأما الولد الذى فى البطن فهو مسلم تبعا لأبيه ورقيق تبعا لأمه.
أما اذا أسلم وهاجر الينا ثم ظهر المسلمون على الدار فأولاده الصغار يحكم باسلامهم تبعا لأبيهم، ولا يسترقون، لأن الاسلام يمنع انشاء الرق الا رقا ثبت حكما بأن كان الولد فى بطن الأم.
وأما أولاده الكبار فهم فئ لانهم فى حكم أنفسهم فلا يكونون مسلمين باسلام أبيهم. وكذلك زوجته، والولد الذى فى البطن يكون مسلما تبعا لأبيه ورقيقا تبعا لأمه.
ولو دخل الحربى دار الاسلام ثم أسلم ثم ظهر المسلمون على الدار فجميع أولاده الصغار والكبار وامرأته وما فى بطنها فئ.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى
(1)
على الشرح الكبير: وهدم أى قطع السبى منا لزوجين كافرين النكاح بينهما سبيا معا أو مترتبين أو سبيت هى فقط قبل اسلامه أو سبى هو فقط وعليها الاستبراء بحيضة، لأنها أمة الا أن تسبى وتسلم بعده أى بعد اسلام زوجها، يعنى اذا أسلم زوجها الحربى أو المستأمن ثم سبيت وأسلمت بعد اسلامه فلا يهدم سبيها النكاح، وتصير أمة مسلمة تحت حر مسلم، ومحله أن أسلمت قبل حيضة.
وولده أى الحربى الذى أسلم وفر إلينا أو بقى حتى غزا المسلمون بلده فغنموه إن حملت به أمه قبل إسلام أبيه، وماله فئ أى غنيمة، فان حملت به بعد اسلام أبيه فحر اتفاقا، وأما زوجته فغنيمة اتفاقا، وأقر عليها ان أسلمت
(1)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 200.
قبل حيضة كما مر، مطلقا كان الولد صغيرا أو كبيرا، لا ولد صغير لكتابية حرة سبيت أى سباها حربى فأولدها، ثم غنم المسلمون الكتابية والمسلمة، وأولادهما الصغار فالأولاد أحرار تبعا لأمهم، وأما الكبار فرق وان كانوا من كتابية.
وهل كبار أولاد الحرة المسلمة فئ أى غنيمة ككبار الكتابية مطلقا أى فئ ان قاتلوا؟ تأويلان.
وولد الأمة التى سباها الحربيون منا فولدت عندهم لمالكها صغارا أو كبارا من زوج أو غيره.
وفى التاج والاكليل أنه فسر التأويلين فقال ابن يونس حكى عن أبى محمد أنه قال: واذا بلغ ولدها ولم يقاتل لم يكن فيئا حتى يقاتل بعد البلوغ.
وقال ابن شبلون اذا بلغوا فهم فئ قاتلوا أو لم يقاتلوا.
ثم قال
(1)
: قال ابن علاق: السبى الذى يهدم النكاح يشمل ثلاث صور، وهى أن تسبى الزوجة وحدها ويبقى الزوج بدار الحرب، وأن يسبى الزوج أولا ثم هى تسبى بعد ذلك، وأن يسبيا معا.
وظاهر المدونة أن السبى يهدم النكاح فى الصور الثلاث.
وقال ابن رشد رابع الأقوال قول ابن القاسم وأشهب فى المدونة أن السبى يهدم النكاح سبيا معا أو مفترقين، فكذلك على مذهبهما اذا سبى أحدهما قبل، ثم اتى الآخر بأمان، وأما ان اتى أحدهما أولا بأمان ثم سبى الثانى فلا ينهدم النكاح، ويخير هو ان كان الذى سبى بعد أن قدمت هى بأمان.
ومن المدونة: لو أسلم الزوج بدار الحرب وأقام بها أو قدم الينا مسلما بأمان فأسلم ثم سبى المسلمون زوجته فان أبت الاسلام فرق بينهما وهى وولدها وما فى بطنها وجميع ما للزوج بدار الحرب فئ لذلك الجيش، وأن أسلمت فالنكاح بينهما ثابت.
قال ابن المواز وكذا ان عتقت.
ومن كتاب سحنون اذا أسلم الكافر ببلده فدخلنا عليهم فان ماله وولده فئ عند ابن القاسم ورواه عن مالك.
وقال سحنون وأشهب أن أولاده أحرار تبع له وماله وامرأته فئ.
وكذلك لو هاجر وحده وترك ذلك بأرضه.
ومقتضى ما لابن عرفة أن مذهب المدونة أن من أسلم فماله وولده فئ ولو بقى بدار الحرب.
وفى الدسوقى قال: وجاز وط ء أسير مسلم زوجة أو أمة له أسرتا
(1)
التاج والاكليل ج 3 ص 380.
معه ان أيقن أنهما سلمتا من وط ء الكافر لهما، لأن سبيهم لا يهدم نكاحنا، ولا يبطل ملكنا وأراد بالجواز عدم الحرمة والا فهو مكروه خوفا من بقاء ذريته بأرض الحرب.
قال الدسوقى فان لم يتيقن سلامة وطئهما من الكافر بأن شك أو ظن فى وط ء الكافر لهما بأن غاب عليهما فلا يجوز له وطؤهما الا بعد الاستبراء ولا تصدق المرأة فى دعواها عدم وط ء الكافر لها عند الغيبة عليها
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(2)
: ان سبى الزوجان أو أحدهما انفسخ النكاح، لما روى أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه قال:
أصبنا نساء يوم أوطاس فكرهوا أن يقعوا عليهن فأنزل الله تعالى «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» فاستحللناهن.
قال الشافعى رحمه الله تعالى سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوطاس وبنى المصطلق وقسم الفئ وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها.
وأن كان الزوجان مملوكين فسبيا أو أحدهما فلا نص فيه.
والذى يقتضيه قياس المذهب أن لا ينفسخ النكاح، لأنه لم يحدث بالسبى رق وانما حدث انتقال الملك فلم ينفسخ النكاح، كما لو انتقل الملك فيهما بالبيع.
ومن أصحابنا من قال: ينفسخ النكاح، لأنه حدث سبى يوجب الاسترقاق وان صادف رقا كما أن الزنا يوجب الحد أن صادف حدا.
ثم قال
(3)
: من أسلم من الكفار قبل الأسر عصم دمه وماله، لما روى عمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها.
وأن كان له ولد صغير لم يجز استرقاقه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم حاصر بنى قريظة فأسلم ابنا شعبة فأحرزا باسلامهما أموالهما وأولادهما، ولأنه مسلم فلم يجز استرقاقه كالأب.
وان كان له حمل من حربية لم يجز استرقاقه، لأنه محكوم باسلامه فلم يسترق كالولد.
وهل يجوز استرقاق الحامل؟ فيه وجهان.
(1)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 181.
(2)
المهذب ج 2 ص 240.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 239.
أحدهما لا يجوز لأنه اذا لم يسترق الحمل لم يسترق الحامل ألا ترى أنه لما لم يجز بيع الحر لم يجز بيع الحامل به والثانى أنه يجوز لأنها حربية لا أمان لها.
مذهب الحنابلة
.
جاء فى المغنى
(1)
: اذا سبى المتزوج من الكفار لم يخل من ثلاثة أحوال.
احدها: أن يسبى الزوجان معا فلا ينفسخ نكاحهما، لأن الرق معنى لا يمنع ابتداء النكاح فلا يقطع استدامته كالعتق، والآية نزلت فى سبايا أوطاس، وكانوا أخذوا النساء دون أزواجهن وعموم الآية مخصوص بالمملوكة المزوجة فى دار الاسلام فيخص منه محل النزاع بالقياس عليه.
ثانيها: أن تسبى المرأة وحدها فينفسخ النكاح بلا خلاف علمناه، والآية دالة عليه وقد روى أبو سعيد الخدرى قال:
أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج فى قومهن فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم، ولأن السبب المقتضى للفسخ وجد فانفسخ النكاح كما لو سبى بعد شهر.
ثالثها: سبى الرجل وحده فلا ينفسخ النكاح، لأنه لا نص فيه ولا القياس يقتضيه، وقد سبى النبى صلى الله عليه وسلم سبعين من الكفار يوم بدر فمن على بعضهم، وفادى بعضا، فلم يحكم عليهم بفسخ أنكحتهم، ولأننا اذا لم نحكم بفسخ النكاح فيما اذا سبيا معا مع الاستيلاء على محل حقه فلأن لا ينفسخ نكاحه مع عدم الاستيلاء أولى، ولأن السبى لم يزل ملكه عن ماله فى دار الحرب فلم يزله عن زوجته كما لم يزله عن أمته.
ولم يفرق أصحابنا فى سبى الزوجين بين أن يسبيهما رجل واحد أو رجلان، وينبغى أن يفرق بينهما، فانهما اذا كانا مع رجلين كان مالك المرأة منفردا بها ولا زوج معه لها فتحل له لقوله تعالى «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً}
(2)
.
ولنا أن تجدد الملك فى الزوجين لرجل لا يقتضى جواز الفسخ، كما لو اشترى زوجين مسلمين.
اذا ثبت هذا فانه لا يحرم التفريق بين الزوجين فى القسمة والبيع، لأن الشرع لم يرد بذلك.
وقال فى المغنى
(3)
: واذا سبوا لم يفرق
(1)
المغنى ج 10 ص 473، 474، 475.
(2)
الآية رقم 24 من سورة النساء.
(3)
المغنى ج 10 ص 467، 468، 469، 472.
بين الوالد وولده ولا بين الوالدة وولدها
…
أجمع أهل العلم على أن التفريق بين الأم وولدها الطفل غير جائز قال أحمد لا يفرق بين الأم وولدها وان رضيت، وذلك والله أعلم لما فيه من الأضرار بالولد، ولأن المرأة ترضى بما فيه ضررها، ثم يتغير قلبها بعد ذلك فتندم.
ولا يجوز التفريق بين الأب وولده، لأنه أحد الأبوين فأشبه الأم.
وظاهر كلام الخرقى أنه لا فرق بين كون الولد كبيرا بالغا أو طفلا، وهذا احدى الروايتين عن أحمد، لعموم الخبر، ولأن الوالدة تتضرر بمفارقة ولدها الكبير، ولهذا حرم عليه الجهاد، بدون اذنهما.
الرواية الثانية: يختص تحريم التفريق بالصغير، وهو قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن عبد العزيز ومالك والأوزاعى والليث وأبو ثور وهو قول الشافعى، لأن سلمة بن الأكوع أتى بامرأة وابنتها فنفله أبو بكر ابنتها فاستوهبها منه صلى الله عليه وسلم فوهبها له ولم ينكر التفريق بينهما، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم أهديت اليه مارية واختها سيرين فأمسك مارية ووهب سيرين لحسان بن ثابت، ولأن الاحرار يتفرقون بعد الكبر فان المرأة تزوج ابنتها فالعبيد أولى، وبما ذكرناه يتخصص عموم حديث النهى.
واختلفوا فى حد الكبر الذى يجوز معه التفريق.
فروى عن أحمد: يجوز التفريق بينهما اذا بلغ الولد، وهو قول سعيد بن عبد العزيز وأصحاب الرأى وقول الشافعى.
وقال مالك: اذا أثغر.
وقال الاوزاعى والليث اذا استغنى عن أمه ونفع نفسه.
وقال الشافعى فى أحد قوليه اذا صار ابن سبع سنين أو ثمان سنين.
وقال أبو ثور اذا كان يلبس وحده ويتوضأ وحده، لأنه اذا كان كذلك يستغنى عن أمه.
وكذلك خير الغلام بين أمه وأبيه اذا صار كذلك، ولأنه جاز التفريق بينهما بتخييره فجاز بيعه وقسمته.
ولنا ما روى عن عبادة بن الصامت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا يفرق بين الوالدة وولدها فقيل الى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية، ولأن ما دون البلوغ مولى عليه فأشبه الطفل.
وان فرق بينهما بالبيع فالبيع فاسد وبه قال الشافعى.
وقال أبو حنيفة يصح البيع لأن النهى لمعنى فى غير المعقود عليه فأشبه البيع فى وقت النداء.
ولنا ما روى أبو داود فى سننه باسناده عن على رضى الله عنه أنه فرق بين الأم
وولدها فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع.
والأصل ممنوع، ولا يصح ما ذكروه، فانه نهى عنه، لما يلحق المبيع من الضرر فهو لمعنى فيه.
وقال فى المغنى: والجد فى ذلك كالأب والجدة فيه كالأم ومن سبى من أطفالهم منفردا. أو مع أحد أبويه فهو مسلم ومن سبى مع أبويه فهو على دينهما.
وجملته أنه اذا سبى من لم يبلغ من أولاد الكفار صار رقيقا ولا يخلو من ثلاثة أحوال.
أحدها أن يسبى منفردا عن أبويه فهذا يصير مسلما اجماعا، لأن الدين انما يثبت له تبعا وقد انقطعت تبعيته لأبويه، لانقطاعه عنهما واخراجه عن دارهما ومصيره الى دار الاسلام تبعا لسابيه المسلم فكان تابعا له فى دينه.
ثانيها: أن يسبى مع أحد أبويه فانه يحكم باسلامه أيضا لقول النبى صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهود انه أو ينصرانه أو يمجسانه» فمفهومه أنه لا يتبع أحدهما، لأن الحكم متى علق بشيئين لا يثبت بأحدهما، ولأنه يتبع سابيه منفردا فيتبعه مع أحد أبويه قياسا على ما لو أسلم أحد الابوين، يحققه أن كل شخص غلب حكم اسلامه منفردا غلب مع أحد الأبوين كالمسلم من الأبوين.
ثالثها: أن يسبى مع أبويه فانه يكون على دينهما لقوله عليه السلام «فأبواه يهودانه» .
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(1)
: من سبى من أهل الحرب من الرجال وله زوجة أو من النساء ولها زوج فسواء سبى معها أو لم يسب معها ولا سبيت معه فهما على زوجيتهما فان أسلمت انفسخ نكاحها حين تسلم.
أما بقاء الزوجية فلأن نكاح أهل الشرك صحيح وقد أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأت نص بأن سباءهما أو سباء أحدهما يفسخ نكاحهما.
وقال ابن حزم
(2)
: اذا أسلم الكافر الحربى فسواء أسلم فى دار الحرب ثم خرج إلى دار الاسلام أو لم يخرج أو خرج الى دار الاسلام ثم أسلم كل ذلك سواء فأولاده الصغار مسلمون أحرار، وكذلك الذى فى بطن امرأته، وأما امرأته وأولاده الكبار ففئ ان سبوا، وهو باق على نكاحه معها، وهى رقيق لمن وقعت له فى سهمه.
برهان ذلك أنه اذا أسلم فهو بلا شك وبلا خلاف وبنص القرآن والسنة مسلم واذ هو مسلم فهو
(1)
المحلى ج 7 ص 322.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 309.
كسائر المسلمين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» فصح أن دمه وبشرته وعرضه وماله حرام على كل أحد سواه.
ونكاح أهل الكفر صحيح، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أقرهم على نكاحهم ولو كان فاسدا لما أقره.
ثم قال: ومن سبى من صغار أهل الحرب فسواء سبى مع أبويه أو مع أحدهما أو دونهما هو مسلم ولا بد، لأن حكم أبويه قد زال عن النظر له وصار سيده أملك به فبطل إخراجهما له عن الاسلام الذى دله عليه
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(2)
: إذا حدث الرق على الزوجين بعد أن لم يكن انفسخ النكاح بينهما.
مثال ذلك أن يكونا كافرين فى دار الحرب فيسبيهما المسلمون فانهم يملكونهما فحينئذ ينفسخ النكاح عند البعض ونصره الأزرقى، وصححه المذاكرون للمذهب.
وقال البعض اذا سبيا معا فهما على نكاحهما ومثله فى شرح الابانة عن أصحابنا.
أو تجدد الرق على أحدهما فانه ينفسخ النكاح نحو أن يسبى الزوج وحده أو الزوجة وحدها، وهذا لا خلاف فيه.
قال عليه السلام وانما قلنا بتجدد الرق احترازا من انتقال الرق فانه لا يوجب انفساخ النكاح، سواء انتقل ملكهما جميعا أم أحدهما.
وجاء فى البحر الزخار
(3)
اذا أسلم الحربى وأمرأته فسبيت لم يسترق الولد اذ هو مسلم باسلام أبيه.
وقال البعض يسترق اذ هو كالجزء منها، قلنا: الاسلام يعلو وهو مسلم، وفى استرقاق الأم وجهان أصحهما يجوز وهو رأى البعض اذ هى حربية لا أمان لها.
وقيل لا كالولد قلنا ليست أبلغ حالا من الحرة الحربية.
واذا سبى صغير وحمل ثم أسلم أبوه لم يبطل رقه، وان حكم باسلامه تبعا لأبيه، اذ الاسلام طارئ على الرق.
ثم قال: ولا يتبع الصبى السابى فى الدين حيث معه أبواه أو أحدهما، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه، الخبر ولم يفصل.
(1)
المحلى ج 7 ص 324.
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 325، 326.
(3)
البحر الزخار ج 5 ص 412، 413.
ثم قال: فان سبى الصبى دون أبويه تبع السابى فى الحكم اذ لا حكم لكلامه ولا هو مستقل بنفسه فلحق بالسابى.
وقال البعض بل باق على الكفر كما لو كان فى دار الحرب ولا حكم للسابى اذ يده يد ملك كالمشترى قلنا الصبى اذا لم تكن معه قرينة تغلب كفره فحكمه حكم الملتبس، والملتبس تابع لحكم الدار فعلى هذا اذا لم يكن معه أبواه، فان كان فى دار الحرب فله حكمها وان كان فى دار الاسلام فله حكمها.
قال البعض فان سبى مع أحد أبويه ثم مات الوالد لم يحكم باسلام الصبى اذ قد كان ثبت له حكم الكفر قلت وفيه نظر.
وتحرم التفرقة بين المسبية وولدها لقوله صلى الله عليه وسلم «ملعون ملعون من يفرق بين والدة وولدها ومتى بلغ جازت التفرقة اذ هو حد الاستقلال.
قال البعض لا، لظاهر الخبر، وكذلك تفرقة الابن والأب لحنوه كالأم ولقول لا يفرق بين والدة وولدها ولا بين والد وولده وهو توقيف.
وقيل: يجوز اذ تحريم التفرقة لأجل اللبن والحضانة.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام:
(1)
اذا أسر الزوج لم ينفسخ النكاح: ولو استرق انفسخ، لتجدد الملك.
ولو كان الأسير طفلا أو امرأة انفسخ النكاح، لتحقق الرق بالسبى، وكذا لو أسر الزوجان، ولو كان الزوجان مملوكين لم ينفسخ، لأنه لم يحدث رق ولو قيل يتخير الغانم فى الفسخ كان حسنا.
ولو سبيت امرأة فصولح أهلها على اطلاق أسير فى يد أهل الشرك فأطلق لم يجب اعادة المرأة ولو أعتقت بعوض جاز ما لم يكن قد استولدها مسلم.
واذا أسلم الحربى فى دار الحرب حقن دمه وعصم ماله مما ينقل كالذهب والفضة والأمتعة دون ما لا ينقل كالأرضين والعقار فانها للمسلمين ولحق به ولده الاصاغر ولو كان فيهم حمل ولو سبيت أم الحمل كانت رقا دون ولدها منه وكذا لو كانت الحربية حاملا من مسلم بوط ء مباح.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل:
(2)
ان أسلم كتابى معاهد وترك زوجة بشرك أى كتابية معاهدة فهل يقيم عليها لجواز تزوج مسلم كتابية أو لا يقيم؟ قولان.
(1)
شرائع الإسلام ج 1 ص 150.
(2)
شرح النيل ج 3 ص 191، 193.
ظاهر الديوان اختيار الثانى اذ قال:
ان أسلم الزوج ولم تسلم المرأة فلا يقعدان على نكاحهما، بل يجددان ان شاءا.
وقيل يقعدان اذا كانت معاهدة.
وان كان الزوج غير كتابى أو كتابيا غير معاهد أو كان كتابيا معاهدا والزوجة كتابية غير معاهدة ثم عاهدت بعد اسلامه جاز القيام بلا تجدد عقد أيضا عند بعض.
ولم يجز عند بعض بل يجدد كالخلاف فى سائر المشركين اذا أسلموا أو أسلمت أزواجهم.
وان تزوج أسير مسلم نصرانية محاربة ثم هرب لم تحل له ولو أسلمت أو عاهدت، لأن ذلك زنا وان جاء بها وأراد الرجوع لم تمنع، لأنها دخلت بأمانه، ويحكم على ولدها بالاسلام.
ويجر من أسلم من الزوجين صغار أولاده وهم من لم يبلغ للاسلام ولو كان الذى أسلم منهما هو الأم وكانت أمة أو حربية.
وقال فى الديوان أن كان من أسلم منهما غير حر لم يجر الولد للاسلام.
وقيل لا يكون اسلام الام اسلاما لولدها، وبه قال بعض أصحابنا الا ان كان ابن أمة.
وأما الجد فقال فى الديوان اسلامه لا يجر أولاد بنيه الأطفال.
وقيل يجرهم ان مات أبوهم.
وبالأول قال أهل العراق، وكذا قالوا فى اسلام الجدة أم الأم.
وقيل فى اسلامها أنه يجرهم ويتبع الولد أمه فى الحرية والعبودية لا أباه.
حكم الجناية من الأسير والجناية عليه
مذهب الحنفية:
جاء فى المبسوط
(1)
: لا يحل للمسلمين قتل الأسرى بدون رأى الامام، لأن فيه افتياتا على رأيه الا أن يخاف الآسر فتنة فحينئذ له أن يقتله قبل أن يأتى به الى الامام، وليس لغير من أسره ذلك، لحديث جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يتعاطى أحدكم أسير صاحبه فيقتله وان كان لو قتله لم يلزمه شى، لأن الأسير ما لم يقسم الامام مباح الدم بدليل أن للامام أن يقتله، وقتل مباح الدم لا يوجب ضمانه، فان أسلموا لم يقتلهم، لقوله صلى اله عليه وسلم:
فاذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم.
وجاء فى بدائع الصنائع:
(2)
لو قتل رجل من المسلمين أسيرا فى دار الحرب أو فى دار الاسلام فان كان قبل القسمة
(1)
المبسوط للسرخسى ج 10 ص 63، 64.
(2)
بدائع الصنائع ج 7 ص 121.
فلا شئ فيه من دية ولا كفارة ولا قيمة، لأن دمه غير معصوم قبل القسمة فان للامام فيه خيرة القتل، وان كان بعد القسمة أو بعد البيع فيراعى فيه حكم القتل، لأن الامام اذا قسمهم أو باعهم فقد صار دمهم معصوما فكان مضمونا بالقتل، الا أنه لا يجب القصاص، لقيام شبهة الاباحة كالحربى المستأمن، وهذا اذا كانوا لم يسلموا قبل القسمة، فان أسلموا قبل القسمة فلا يباح قتلهم، لأن الاسلام عاصم، ولذلك فليس للامام فيهم الا الاسترقاق، أو تركهم أحرارا بالذمة ان كان بمحل الذمة.
ثم قال فى البدائع: الملك ان لم يثبت للغزاة فى الغنائم فى دار الحرب فقد ثبت الحق لهم، فلو وطئ واحد من الغزاة جارية من المغنم لا يجب عليه الحد، لأن له فيها حقا فأورث شبهة فى درء الحد ولا يجب عليه العقر (أى المهر) أيضا لأنه بالوط ء أتلف جزءا من منافع بضعها ولو أتلفها لا يضمن فهاهنا أولى.
وقال فى البدائع:
(1)
أيضا: الحربى اذا أسلم فى دار الحرب ولم يهاجر الينا فقتله مسلم فلا قصاص عليه عندنا لأنه وان كان مسلما فهو من أهل دار الحرب والله سبحانه وتعالى يقول «فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» .
فكونه من أهل دار الحرب أورث شبهة فى عصمته، ولأنه اذا لم يهاجر الينا فهو مكثر سواد الكفرة، ولو أن مسلمين تاجرين أو أسيرين فى دار الحرب فقتل أحدهما صاحبه فلا قصاص وتجب الدية والكفارة فى التاجرين وفى الأسيرين خلاف.
مذهب المالكية:
جاء فى بلغة السالك:
(2)
وحد زان بحربية أو جارية من جوارى السبى رجما أو جلدا أو سارق لنصاب الغنيمة بقطع يده أن حيز المغنم ولم يجعلوا كونه من الغانمين الذين لهم حق فى الغنيمة شبهة تدرأ عنه الحد
وذكر بعضهم أن الراجح أن الزانى لا يحد وأن السارق لا يحد الا اذا سرق فوق منابه (أى نصيبه) نصابا.
وجاء فى الحطاب:
(3)
اختلف فى الأسير اذا أقر أنه زنى ودام على اقراره ولم يرجع أو شهد عليه فقال ابن القاسم وأصبغ عليه الحد، سواء زنا بحرة أو بأمة.
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 237.
(2)
بلغة السالك ج 1 ص 333 والدسوقى ج 2 ص 189.
(3)
الحطاب ج 3 ص 354.
وقال عبد الملك: لا حد عليه قاله فى التوضيح.
واذا قتل الأسير أحدا من الحربيين خطأ وقد كان أسلم والأسير لا يعلم فقد قيل عليه الدية والكفارة.
وقيل عليه الكفارة فقط.
أما اذا قتله عمدا وهو لا يعلمه مسلما فعليه الدية والكفارة.
وأما اذا قتله عمدا وهو يعلم باسلامه قتل به قاله فى الكافى.
واذا جنى الاسير على أسير مثله فكغيرهما.
واذا قتل المسلم مسلما فى حال القتال وقال: ظننته من الكفار حلف ووجبت الدية والكفارة قاله البساطى.
وفى التاج والاكليل قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول فى الأسير اذا خلوه فى بلادهم على وجه المملكة والقهرة فهرب فله أخذ ما قدر عليه وليقتل ما قدر عليه منهم ويهرب ان استطاع وليسترق من ذراريهم ونسائهم ما استطاع.
قال فى سماع موسى وما خرج به من ذلك فهو له، وليس للسلطان فيه خمس، لأنه لم يوجب عليه.
وفى سماع أصبغ واذا خلوه على وجه الائتمان أن لا يهرب ولا يحدث شيئا فلا يفعل ولا يقتل منهم أحدا ولا يخنه.
قال أصبغ ولا يهرب.
قال ابن رشد قال المخزومى وابن الماجشون له أن يهرب ويأخذ من أموالهم ما قدر عليه ويقتل ان قدر وان ائتمنوه ووثقوا به واستحلفوه فهو فى فسحة من ذلك كله ولا حنث عليه فى يمينه، لأن أصل أمره الاكراه.
قال ابن رشد وقول ثالث، وهو الأصح فى النظر قاله مطرف وابن الماجشون وروياه عن مالك أنهم ان ائتمنوه على أن لا يهرب ولا يقتل ولا يأخذ من أموالهم شيئا فله أن يهرب بنفسه وليس له أن يقتل ولا أن يأخذ من أموالهم شيئا، لأن المقام عليه ببلد الحرب حرام فلا ينبغى له أن يفى بما وعدهم من ذلك بخلاف القتل وأخذ المال، لأن ذلك جائز له وليس بواجب عليه ولا خمس فيما خرج به وهو المشهور فى المذهب، وهو مثل ما تقدم فى الأسارى يغنمون من آسرهم
(1)
.
ثم قال: وان سرق مسلم من حربى دخل الينا بأمان قطع وان سرق الحربى وقد دخل بأمان قطع ويقيم أمير الجيش الحدود ببلد الحرب على أهل الجيش فى السرقة وغيرها وذلك أقوى على الحق
(2)
.
(1)
التاج والاكليل ج 3 ص 354.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 355.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب:
(1)
من قتل فى دار الحرب قتلا يوجب القصاص أو اتى بمعصية توجب الحد وجب عليه ما يجب فى دار الاسلام لأنه لا تختلف الداران فى تحريم الفعل فلم تختلفا فيما يجب به من العقوبة.
ثم قال:
(2)
ومن أتى من أهل الذمة محرما يوجب عقوبة نظرت فان كان ذلك محرما فى دينه كالقتل والزنا والسرقة والقذف وجب عليه ما يجب على المسلم.
والدليل عليه ما روى أنس رضى الله عنه أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها بحجر فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين وروى ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بيهوديين قد فجرا بعد احصانهما فأمر بهما فرجما، ولأنه محرم فى دينه وقد التزم حكم الاسلام بعقد الذمة فوجب عليه ما يجب على المسلم وان كان يعتقد اباحته كشرب الخمر لم يجب عليه الحد لأنه لا يعتقد تحريمه فلم يجب عليه عقوبة كالكفر فان تظاهر به عزر لأنه اظهار منكر فى دار الاسلام فعزر عليه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى:
(3)
من أسر أسيرا لم يكن له قتله حتى يأتى به الامام فيرى فيه رأيه، لأنه اذا صار أسيرا فالخيرة فيه الى الامام.
وقد روى عن أحمد كلام يدل على اباحة قتله فانه قال: لا يقتل أسير غيره الا أن يشاء الوالى فمفهومه أن له قتل أسيره بغير اذن الوالى، لأن له أن يقتله ابتداء فكان له قتله دواما كما لو هرب منه أو قاتله فان امتنع الأسير أن ينقاد معه فله اكراهه بالضرب وغيره فان لم يمكنه اكراهه فله قتله وان خافه أو خاف هربه فله قتله أيضا وان امتنع من الانقياد معه لجرح أو مرض فله قتله أيضا وتوقف أحمد عن قتله.
والصحيح أنه يقتله كما يذفف (أى يجهز) على جريحهم، ولأن تركه حيا ضرر على المسلمين وتقوية للكفار فتعين القتل كحالة الابتداء اذا أمكنه قتله وكجريحهم اذا لم يأسره فأما أسير غيره فلا يجوز له قتله الا أن يصير الى حال يجوز قتله لمن أسره.
وقد روى يحيى بن أبى كثير أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا يتعاطين أحدكم أسير صاحبه اذا أخذه فيقتله رواه سعيد، فان قتل أسيره وأسير غيره قبل ذلك أساء
(1)
المهذب ج 2 ص 241.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 256.
(3)
المغنى ج 10 ص 407.
ولم يلزمه ضمانه، وقيل ان قتله بعد أن أتى به الامام غرم ثمنه لأنه أتلف من الغنيمة ماله قيمة وضمنه كما لو قتل امرأة.
ولنا أن عبد الرحمن بن عوف أسر أمية ابن خلف وابنه عليا يوم بدر فرآهما بلال فاستصرخ الانصار عليهما حتى قتلوهما ولم يغرموا شيئا، ولأنه أتلف ما ليس بمال فلم يغرمه كما لو أتلفه قبل أن يأتى به الامام، ولأنه أتلف ما لا قيمة له قبل أن يأتى به الامام فلم يغرمه كما لو أتلف كلبا فاما أن قتل امرأة أو صبيا غرمه لأنه صار رقيقا بنفس السبى.
ثم قال
(1)
: اذا سرق المستأمن فى دار الاسلام أو قتل أو غصب ثم عاد الى وطنه فى دار الحرب ثم خرج مستأمنا مرة ثانية استوفى منه ما لزمه فى أمانه الأول.
وجاء فى
(2)
المحرر: من قتل أسيرا قبل تخير الامام فيه لم يضمنه الا أن يكون مملوكا.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر
(3)
الزخار: من قتل الأسير قبل أن يعين الامام اختياره فيه عزر لعصيانه ولا ضمان وقيل يضمن الدية قلنا كافر لا أمان له كالمرتد فان أسلم الاسير قبل أى الاختيارات حرم قتله لقوله صلى الله عليه وسلم «فاذا قالوها عصموا منى دماءهم» الخبر.
ثم قال
(4)
: دار الحرب دار اباحة يملك كل فيها ما ثبتت يده عليه ولا قصاص فيها ولا أرش اذ دماؤهم هدر.
ثم قال
(5)
: ولا قصاص بين المسلمين فى دار الحرب وتجب الدية والأرش قيل: الا لمن أسلم فى دار الحرب ولم يهاجر أو كانا أسيرين قتل أحدهما الاخر فلا شئ وقيل بل يلزم القصاص والارش كدار الاسلام سواء بسواء، اذ لم تفصل الأدلة.
وقال بعض أصحابنا لا أرش ولا قصاص، اذ هى دار اباحة.
لنا عموم قوله تعالى «فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» .
واذا فعل مسلم فى دار الحرب ما يوجب الحد حده الامام أو أميره حيث له ولاية على اقامته وله التأخير لمصلحة، وللمستأمن أن يسترد منهم العبد الآبق بأى وجه بسرقة أو غيرها اذ لا يملكون علينا الا ما أخذوه قهرا على الخلاف وانما يتعلق الامان بأنفسهم وأموالهم فقط ولغير المستأمن أخذ ما ظفر به من سبية وغيرها اجماعا اذ هى دار اباحة.
ثم قال
(6)
: لا يقطع من سرق من الغنيمة قبل قسمتها ان كان من الغانمين قيل الا أن يسرق نصابا فوق حصته من غير الخمس اذ لا شبهة له حينئذ قلت: فيه نظر اذ دخوله لحصته شبهة.
(1)
المرجع السابق ج 10 ص 439.
(2)
المحرر فى الفقه ج 2 ص 172.
(3)
البحر الزخار ج 5 ص 405.
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 407.
(5)
البحر الزخار ج 5 ص 409.
(6)
البحر الزخار ج 5 ص 434.
واذا وطئ المسبية قبل القسمة فلا حد اجماعا للشبهة حيث الغانمون منحصرون وكذا غير المنحصرين الا عن البعض قلنا الشبهة مانعة ويعزر أن علم التحريم ويلزمه العقر ولا يسقط بملكه اياها، كما لو وطئ أمة غيره ثم اشتراها ولا يلحقه النسب عندنا.
قيل بل يلحق للشبهة كفى نكاح فاسد ولا تصير أم ولد قيل الا بعد تملكها قلنا بناء على لحوق النسب.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة
(1)
البهية: لو عجز الاسير الذى يجوز للامام قتله عن المشى لم يجز قتله، لأنه لا يدرى ما حكم الامام فيه بالنسبة الى نوع القتل، ولأن قتله الى الامام وان كان مباح الدم فى الجملة كالزانى المحصن وحينئذ فان أمكن حمله والا ترك للخبر ولو بدر مسلم فقتله فلا قصاص ولا دية ولا كفارة وان أثم وكذا لو قتله من غير عجز.
وجاء فى شرائع الاسلام
(2)
: من شرائط الذمة أن لا يؤذوا المسلمين كالزنا بنسائهم واللواط بصبيانهم والسرقة لأموالهم وايواء عين المشركين والتجسس لهم فان فعلوا شيئا من ذلك وكان تركه مشترطا فى الهدنة كان نقضا وان لم يكن مشترطا كانوا على عهدهم وفعل بهم ما يقتضيه جنايتهم من حد أو تعزير ولو سبوا النبى صلى الله عليه وسلم قتل الساب ولو نالوه بما دونه عزروا اذا لم يكن شرط عليهم الكف، وأن لا يتظاهروا بالمنكرات كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرمات، ولو تظاهروا بذلك نقض العهد.
وقيل: لا ينقض بل يفعل معهم ما يوجبه شرع الاسلام من حد أو تعزير.
واذا فعل أهل الذمة ما هو سائغ فى شرعهم وليس بسائغ فى الاسلام لم يتعرضوا وأن تجاهروا به عمل بهم ما تقتضيه الجناية بموجب شرع الاسلام.
وان فعلوا ما ليس بسائغ فى شرعهم كالزنا واللواط فالحكم فيه كما فى المسلم وان شاء الحاكم دفعه الى أهل محلته ليقيموا الحد فيه بمقتضى شرعهم.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح
(3)
النيل: وحط عن الاسير (أى المسلم) الدفع عن نفسه ان أسر وقدر عليه ولو كان معه سلاحه لزوال قدرته وما يدفع به عنها فله المشى معهم ولا يلزمه الوقوف عنهم أو الفرار وهو لا يضيقهما بل يزجرونه ان وقف ويلحقونه ان هرب ولا يلزمه قتالهم ولو اذا أرادوا قتله أو ضره فى بدنه أو شرعوا فى ذلك ولا اثم عليه فى ذلك وانما الواجب أن لا يعينهم على قتل نفسه فان أعان هلك ولا يعطيهم سلاحه اذا أرادوا قتله به وان فعل هلك واما أن يعطيهم اياه بعد ما أسروه ولو لم يظهر له انهم أرادوا أن يقتلوه به
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 222.
(2)
شرائع الإسلام ج 1 ص 154، 155، 157.
(3)
شرح النيل ج 7 ص 481، ص 482.
فلا بأس ولو أمن أو علم انهم أرادوا نزعه منه لئلا يرد به عن نفسه، وذلك لسقوط الدفاع عنه وانما سقط الدفاع عن الاسير المقدور عليه، لأنه لا يجديه قتاله فائدة وربما رجعت عليه مضرة، ولأنه قد يكون فى نفسه الامان لهم فلم يخدعهم وربما نطق به، وان قاتل أو هرب فسلم أو قتل أو ضر فلا بأس عليه ما لم يعطهم الأمان فى قلبه أو لسانه فانه اذا أعطاهم ذلك لم يحل له القتال الا بتجديد دعوة الا الهروب فلا بأس عليه ولو أعطاهم الأمان، وذلك كمن دخلت عليه النصارى مثلا فأخذوا بلده فله أن يقتلهم ويأخذ أموالهم ما لم يعطهم الامان هو أو كبير البلد، وأن أعطى الاسير الامان خوفا أن يقتلوه ان لم يعطه فكأنه لم يعطه.
والمحتسب ان علم انه لا ينفع كلامه ويضرب ان تكلم لم يجب عليه الاحتساب ولزمه ان لا يحضر المنكر ولا يخرج الا فى مهم أو واجب ولا هجرة عليه الا ان كان يقهر على المعصية وان علم أن المنكر يترك بقوله أو بفعله ولا يناله مكروه لزمه الانكار وان علم أنه لا يفيد انكاره ولكن لا يخاف لم يلزمه النهى لعدم فائدته ولكن يستحب لاظهار الدين وتذكير الناس به وقيل يجب.
روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأب وأم وال التعريف.
وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.
بسم الله الرحمن الرحيم
«حرف الألف»
أبان بن سعيد بن العاص:
صحابى توفى سنة 13 وقيل سنة 27 هـ ابان بن سعيد بن العاص ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى قال البخارى وأبو حاتم الرازى وابن حبان له صحبة وكان أبوه من أكابر قريش وله أولاد نجباء وقد أسلم ابان أيام خيبر وشهدها مع النبى صلى الله عليه وسلم فأرسله النبى صلى الله عليه وسلم فى سرية ذكر جميع ذلك الواقدى ووافقه عليه أهل العلم بالأخبار وهو المشهور وخالفهم ابن اسحاق فعد ابانا فيمن هاجر الى الحبشة ومعه أمرأته فاطمة بنت صفوان الكنانية، وفى البخارى وأبى داود عن أبى هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابان بن سعيد بن العاص على سرية قبل نجد فقدم هو وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر «الحديث» وقال الواقدى حدثنا ابراهيم ابن جعفر عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز قال: مات النبى صلى الله عليه وسلم وابان بن سعيد على البحرين ثم قدم ابان على أبى بكر وسار الى الشام فقتل يوم أجنادين سنة ثلاث عشرة قاله موسى بن عقبة وأكثر أهل النسب وقال ابن اسحاق قتل يوم اليرموك ووافقه سيف بن عمر فى الفتوح وقيل قتل يوم مرج السفر حكاه ابن البرقى وقال أبو حسان الزيادى مات سنة 27 هـ فى خلافة عثمان.
ابراهيم الباجورى:
انظر ج 1 ص 250
ابراهيم النخعى:
انظر ج 2 ص 343
الأثرم:
انظر ج 1 ص 247
الامام أحمد:
انظر ابن حنبل ج 1 ص 255.
أحمد بابا:
توفى سنة 1036 هـ: أحمد بابا بن أحمد بن عمر التكرورى التنبكتى السودانى، أبو العباس مؤرخ، من أهل تنبكت فى افريقية الغربية أصله من صنهاجة من بيت علم وصلاح وكان عالما بالحديث والفقه، وعارض فى احتلال المراكشيين لبلدته «تنبكت» فقبض عليه وعلى أفراد أسرته واقتيد الى مراكش سنة 1002 هـ وضاع منه فى هذا الحادث 1600 مجلدا، وسقط عن ظهر جمل فى أثناء رحلته فكسرت ساقه وظل معتقلا الى سنة 1004 هـ فأقام بغاس الى سنة 1014 هـ وأذن له بالعودة الى وطنه وتوفى فى «تنبكت» له تصانيف منها «نيل الابتهاج بتطريز الديباج» تراجم، وله حواش ومختصرات تقارب عدتها الأربعين أكثرها فى الفقه والحديث والعربية، ما زال معظمها مخطوطا.
أحمد بن على بن شعيب:
انظر النسائى ج 1 ص 279
أحمد بن عيسى:
انظر ج 4 ص 359
أحمد بن قاسم الصنعانى:
هو أحمد بن قاسم العنسى الصنعانى القاضى من فقهاء الزيدية باليمن ومن العلماء الأفاضل الذين تولوا القضاء وهو صاحب كتاب التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار.
أحمد بن هاشم:
ابن الحكم بن مروان الانطاكى ذكره أبو بكر الخلال فقال شيخ جليل متيقظ رفيع القدر سمعنا منه حديثا كثيرا ونقل عن أحمد مسائل حسانا سمعناها فى سنة سبعين أو احدى وسبعين
الأذرعى:
انظر ج 1 ص 248
الأزرقى توفى سنة 250 هـ:
محمد بن عبد الله ابن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق، أبو الوليد الأزرقى، مؤرخ، يمانى الأصل، من أهل مكة. له «أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار» جزءان.
أبو اسحاق:
انظر الشيرازى ج 1 ص 263
اسماعيل:
انظر ج 3 ص 366
الاسنوى:
انظر ج 1 ص 249
أشهب:
انظر ج 1 ص 249
أصبغ:
انظر ج 1 ص 249
الأصمعى:
انظر ج 3 ص 366
ابن الاعرابى:
لغوى انظر ج 4 ص 360
أمية بن خلف:
توفى سنة 2 هـ: أمية بن خلف ابن وهب من بنى لؤى أحد جبابرة قريش فى الجاهلية ومن ساداتهم أدرك الاسلام ولم يسلم وهو الذى عذب بلالا الحبشى فى بداءة ظهور الاسلام أسره عبد الرحمن بن عوف يوم بدر فرآه بلال فصاح بالناس يجرضهم على قتله فقتلوه.
أنس بن مالك:
انظر ج 1 ص 249
ابن أبى أوفى:
انظر عبد الله ج 6 ص 387
حرف الباء:
الباجى:
انظر ج 1 ص 250
الباقر:
انظر أبو جعفر ج 2 ص 347
البرادى:
هو أبو الفضل أبو القاسم بن ابراهيم البرادى من فقهاء الإباضية وعماد أسرة البرادى وقد نشأ فى جبل دمر من الجنوب التونسى ودرس على بقية المشايخ هناك ثم ارتحل الى جبل نفوسة والتحق بمدرسة الامام الكبير ابى ساكن عامر بن على الشماخى وواصل هنالك دراسته حتى أصبح علما من الأعلام واماما من الأئمة وانتقل بعد ذلك الى جربة ليجعل من تلك الجزيرة مركزا لاقامته وميدانا لكفاحه فى سبيل الله وتصدى للتأليف والتدريس والفتوى والفصل فى مشاكل الناس ومن كتبه: الجواهر المنتقاة فيما أخل به كتاب الطبقات وغير ذلك.
أبو بردة:
انظر ج 2 ص 345
بريدة - صحابية:
انظر ج 3 ص 338
البزدوى:
انظر ج 1 ص 250
البساطى:
انظر ج 5 ص 365
ابن بشير:
انظر ج 4 ص 361
البغوى:
انظر ج 2 ص 345
أبو بكر:
الصديق: انظر ج 1 ص 250
أبو بكر: انظر ج 3 ص 345
أبو بكر الاسكافى:
انظر ج 5 ص 365
الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن انظر ج 8 ص 371
الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل انظر ج 8 ص 371
بلال «مؤذن الرسول عليه الصلاة والسلام» انظر ج 3 ص 338
البلقينى «الجلال» انظر ج 2 ص 346
ابن البناء:
انظر ج 3 ص 338
البنانى:
انظر ج 2 ص 246
البندنيجى:
انظر ج 4 ص 361
البيرى:
توفى سنة 794 هـ: على بن عبد الله بن يوسف البيرى، ثم الحلبى، علاء الدين:
أديب، من الكتاب، نشأ واشتهر بحلب، واستكتبته السلاطين، وولى كتابة السر للأمير «يلبغا الناصر» نائب حلب وجمع ماله من نظم ونثر فى كتاب سماه «تكوين الحريرى من تكوين البيرى» ولما تغير الملك الظاهر «برقوق» على يلبغا وقتله فى حلب اعتقل البيرى وأخذه معه الى القاهرة حيث قتله أيضا.
حرف التاء:
الترمذى:
انظر ج 1 ص 251
الشيخ تقى الدين:
انظر ج 5 ص 365
التمرثاشى:
انظر ج 3 ص 338
التونسى:
انظر ج 1 ص 251
حرف الثاء:
ثمامة بن أثال:
توفى سنة 12 هـ: ثمامة بن اثال النعمانى اليمامى من بنى حنيفة أبو أمامة صحابى كان سيد أهل اليمامة له شعر ولما ارتد أهل اليمامة فى فتنة «مسيلمة» ثبت هو على اسلامه ولحق بالعلاء بن الحضرمى، فى جمع ممن ثبت معه فقاتل المرتدين من أهل البحرين وقتل بعد ذلك.
أبو ثور:
انظر ج 1 ص 255
الثورى:
انظر ج 1 ص 255
حرف الجيم:
جابر بن زيد:
انظر ج 3 ص 339
جابر بن عبد الله:
صحابى انظر ج 1 ص 252
الجرجانى:
أنظر ج 1 ص 252
ابن جريج:
محدث: انظر ج 1 ص 252
أبو جعفر:
انظر ج 2 ص 347
أبو جعفر: انظر ج 7 ص 387
ابن الجنيد:
انظر ج 1 ص 253
أبو جهل:
انظر ج 6 ص 383
حرف الحاء:
ابن الحاج:
توفى سنة 737 هـ: محمد بن محمد ابن الحاج أبو عبد الله العبدرى المالكى الفاسى نزيل مصر فاضل تفقه فى بلاده وقدم مصر وحج وكف بصره فى آخر عمره وأقعد وتوفى بالقاهرة عن نحو 80 عاما، له مدخل الشرع الشريف فى ثلاثة أجزاء قال فيه ابن حجر. كثير الفوائد كشف فيه عن معايب وبدع يفعلها الناس ويتساهلون فيها وأكثرها مما ينكر وبعضها مما يحتمل وله شموس الأنوار وكنوز الأسرار، وبلوغ القصد والمنى فى خواص أسماء الله الحسنى والأزهار الطيبة النشر.
ابن الحاجب:
انظر ج 1 ص 253
ابن أبى حازم:
انظر ج 2 ص 348
الشيخ أبو حامد:
انظر ج 1 ص 270
ابن حبيب:
انظر ج 1 ص 253
الحجاج بن منهال:
توفى سنة 217 هـ: حجاج ابن منهال البصرى أبو محمد الانماطى الحافظ سمع شعبة وطائفة وكان دلالا فى الأنماط ثقة صاحب سنة.
ابن حزم:
انظر ج 1 ص 254
حسان بن ثابت:
صحابى: حسان بن ثابت المنذر ابن حرام بن عمر بن زيد مناة بن عدى ابن عمرو بن مالك بن النجار الانصارى الخزرجى ثم النجارى شاعر رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم وأمه الفريعة بالفاء والعين المهملة مصغرا بنت خالد بن حبيش ابن لوذان خزرجية أيضا أدركت الاسلام فأسلمت وبايعت وقيل هى أخت خالد لا ابنته يكنى أبا الوليد وهى الاشهر وأبا المغرب وأبا الحسام وأبا عبد الرحمن روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أحاديث رواها عنه سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير وآخرون قال أبو عبيدة فضل حسان بن ثابت على الشعراء بثلاث كان شاعر الانصار فى الجاهلية وشاعر النبى صلى الله عليه وسلم فى أيام النبوة وشاعر اليمن كلها فى الاسلام وكان مع ذلك جبانا وفى الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب قال مر عمر بحسان فى المسجد وهو ينشد فلحظ اليه فقال كنت أنشد وفيه من هو خير منك ثم التفت الى أبى هريرة فقال أنشدك الله أسمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول «أجب عنى اللهم أيده بروح القدس» وفى الصحيحين عن البراء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لحسان «اهجهم أو هاجههم وجبريل معك» وقال أبو داود حدثنا لؤى عن ابن أبى الزناد عن أبيه عن هشام بن عروة عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يضع لحسان المنبر فى المسجد يقوم عليه قائما يهجو الذين كانوا يهجون النبى صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان روح القدس مع حسان مادام ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد مات حسان قبل الاربعين فى قول خليفة وقيل سنة أربعين وقيل خمسين وقيل أربع وخمسين وهو قول ابن هشام حكاه عنه ابن البرقى وزاد وهو ابن عشرين ومائة سنة أو نحوها وذكر ابن اسحاق أن النبى صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولحسان ستون سنة.
الحسن بن صالح:
انظر ج 4 ص 362
أبو الحسن:
انظر ج 5 ص 367
الحطاب:
انظر ج 1 ص 254
حفصة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم:
انظر ج 3 ص 340
أبو حفص:
انظر ج 3 ص 341
حكيم بن حزام:
حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد ابن عبد العزى بن قصى الأزدى بن أخى خديجة زوج النبى صلى الله عليه وسلم واسم أمه صفية وقيل فاختة وقيل زينب بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى ويكنى أبا خالد له حديث فى الكتب الستة روى عنه ابنه حزام وعبد الله بن الحارث بن نوفل وسعيد بن المسيب وموسى بن طلحة وعروة وغيرهم قال موسى بن عقبة عن أبى حبيبة مولى الزبير سمعت حكيم بن حزام يقول ولدت قبل الفيل بثلاث عشرة سنة وأعقل حين أراد عبد المطلب أن يذبح عبد الله ابنه وحكى الواقدى نحوه وزاد ذلك قبل مولد النبى صلى الله عليه وسلم بخمس سنين وحكى الزبير بن بكار أن حكيما ولد فى جوف الكعبة قال وكان من سادات قريش وكان صديق النبى صلى الله عليه وسلم قبل المبعث وكان يوده ويحبه بعد البعثة ولكنه تأخر اسلامه حتى أسلم عام الفتح وثبت فى السيرة وفى الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال من دخل دار حكيم ابن حزام فهو آمن وكان من المؤلفة قلوبهم وشهد حنينا وأعطى من غنائمها مائة بعير ثم حسن اسلامه وكان قد شهد بدرا مع الكفار ونجا مع من نجا قال الزبير جاء الاسلام وفى يد حكيم الرفادة وكان يفعل المعروف ويصل الرحم وكان من العلماء بأنساب قريش وأخبارها مات سنة خمسين وقيل سنة أربع وقيل ثمان وقيل سنة ستين وهو ممن عاش مائة وعشرين سنة شطرها فى الجاهلية وشطرها فى الاسلام.
الحلوانى:
انظر ج 1 ص 255
الحموى:
انظر ج 2 ص 350
أبو حنيفة:
انظر ج 1 ص 255
أبو الحوارى توفى سنة 832 هـ:
الحوارى بن مالك من أئمة الأزد الإباضيين فى عمان بويع له سنة 809 هـ واستمر الى أن توفى بنزوى
حرف الخاء:
الخرشى:
انظر ج 2 ص 350
الخرقى:
انظر ج 1 ص 256
خزيمة بن ثابت الأنصارى صحابى:
انظر ج 8 ص 373
الخصاف:
انظر ج 1 ص 256
أبو الخطاب:
انظر ج 1 ص 256
ابن خطل:
أمر النبى صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بقتله مذكور فى باب السير من المهذب اسمه عبد العزى وقيل اسمه غالب ابن عبد الله بن مناف بن أسعد بن جابر ابن كثير بن تيم بن غالب كذا سماه ابن الكلبى وسماه محمد بن اسحاق عبد الله ابن خطل بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة قيل قتله سعيد بن حريث والسبب فى قتله أنه كان أسلم ثم ارتد وكانت له قينتان يغنيان بهجاء المسلمين.
الخطيب:
انظر ج 1 ص 256
خليل:
انظر ج 1 ص 256
الخير الرملى:
انظر ج 2 ص 351
حرف الدال:
أبو داود:
انظر ج 1 ص 257
الدردير:
انظر ج 1 ص 257
الدسوقى:
انظر ج 1 ص 257
حرف الراء:
أبو رافع:
انظر ج 1 ص 258
الرافعى:
انظر ج 1 ص 258
الربيع:
انظر ج 3 ص 344
الربيع - محدث:
انظر ج 1 ص 258
ابن رشد:
انظر ج 1 ص 258
ابن الرفعة:
انظر ج 1 ص 259
الرملى:
انظر ج 1 ص 259
الرويانى:
انظر ج 2 ص 352
حرف الزاى:
الزبير بن باطا:
الزبير بن باطا اليهودى مذكور فى المهذب فى كتاب السير فى نزول أهل القلعة على حكم حاكم هو الزبير بفتح الزاى وكسر الباء بلا خلاف بين العلماء وكلهم مصرحون به وممن نقل الاتفاق عليه صاحب مطالع الأنوار وباطا بموحدة بلا همز ولا مد قال صاحب المطالع ويقال باطيا وهو والد عبد الرحمن بن الزبير المذكور فى المهذب فى باب الرجعة وقتل الزبير بن باطا الزبير بن العوام رضى الله عنه صبرا.
الزبير بن العوام:
انظر ج 1 ص 259
أبو الزبير:
أبو الزبير مؤذن بيت المقدس - له ادراك وكان يؤذن فى زمن عمر فأخرج أبو أحمد الحاكم فى الكنى من طريق مرحوم ابن عبد العزيز العطار عن أبيه عن أبى الزبير مؤذن بيت المقدس قال جاءنا عمر ابن الخطاب فقال اذا أذنت فترسل واذا أقمت فاحدر.
ابن زرب:
توفى سنة 381 هـ: محمد بن يبقى بن زرب، أبو بكر من كبار القضاة وخطباء المنابر بالاندلس ولى القضاء بقرطبة سنة
367 هـ فى أيام المؤيد الأموى «هشام» وتتبع أصحاب ابن مسرة «راجع ترجمته محمد بن عبد الله سنة 319 هـ» لاستتابة من يعتقد مذهبه وأحرق ما وجد عندهم من كتبه، ووضع كتاب «الرد على ابن مسرة» فى نقض آرائه، وصنف «الخصال» فى فقه المالكية وتوفى بقرطبة وهو على القضاء ومدته فيه أكثر من ثلاثين عاما.
ابن زرقون:
انظر ج 4 ص 364
الزركشى:
انظر ج 1 ص 259
زفر:
انظر ج 1 ص 259
الزهرى:
انظر ج 1 ص 260
زيد بن سعيه:
الحبر الاسرائيلى أحد أحبار اليهود الذين أسلموا وحسن أسلامه وروى قصة اسلامه الطبرانى وابن حبان والحاكم وغيرهم من طريق الوليد بن مسلم عن محمد ابن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده عن عبد الله بن سلام قال: قال: زيد بن سعيه ما من علامات النبوة شئ الا وقد عرفته فى وجه محمد حين نظرت اليه الا خصلتين لم أخبرهما منه:
يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه الا حلما، وذكر الحديث وفيه مبايعته النبى صلى الله عليه وسلم التمر الى أجل ومقاضاته اياه عند استحقاقه، وفى آخر الحديث فقال زيد بن سعيه أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله وآمن وصدق وشهد مع النبى صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة وتوفى فى غزوة تبوك وهو مقبل الى المدينة.
زيد بن على:
انظر ج 1 ص 260
الزيلعى:
أنظر ج 1 ص 260.
حرف السين:
السائب بن الأقرع:
السائب بن الأقرع بن عوف ابن جابر بن سفيان بن سالم بن مالك بن جشم الثقفى قال البخارى مسح النبى صلى الله عليه وسلم رأسه وروى ابن منده من طريق أبى حمزة عن عطاء بن السائب عن بعض أصحابه عن السائب بن الأقرع أن أمه مليكة دخلت به على النبى صلى الله عليه وسلم وهو غلام فمسح رأسه ودعا له قال ابن منده ولى أصبهان ومات بها وعقبه بها منهم مصعب بن الفضل بن السائب وقال أبو عمر شهد فتح نواهند وسار بكتاب عمر الى النعمان بن مقرن واستعمله عمر على المدائن قلت أخرج ذلك ابن أبى شيبة باسناد صحيح فى قصة وقال هشام بن الكلبى عن أبيه قال ابن عباس لم يكن للعرب أمرد ولا أشيب أشد عقلا من السائب بن الأقرع وحكى الهيثم بن عدى عن الشعبى أن السائب شهد فتح مهرجان ودخل دار الهرمزان فرأى فيها ظبيا من حصن مادا يده فقال أقسم بالله انه ليشير الى شئ فنظر فاذا فيه خبيئة للهرمزان فيها شفت من جوهر وروى ابن أبى شيبة من طريق الشيبانى عن السائب بن الأقرع نحوه وقال سعيد ابن عبد العزيز عن حصين بن أبى وائل قال كان السائب بين الأقرع عاملا لعمر.
السبكى:
أنظر ج 1 ص 260.
سحنون:
انظر ج 1 ص 261.
السدويكشى:
هو أبو محمد عبد الله بن سعيد السدويكشى، عالم أباضى كان يقوم بالتدريس وكان يسجل فى جميع دروسه ملاحظات وشروحا على الكتب التى يدرسها حتى ترك ثروة علمية قيمة لا تزال سندا لمن يريد أن يطلع على كتب الإباضية، كان يتولى دروس الوعظ والارشاد فى المساجد
وتخرج عليه عدد من فحول العلم منهم أبو محمد عبد الله بن أبى حفص وكان لا تمر به مسألة الا حل مشاكلها ومن كتبه حاشية جزء الايضاح من كتاب الايضاح وحاشية كتاب الديانات.
السرخسى:
أنظر ج 1 ص 261.
سعيد بن جبير صحابى:
أنظر ج 1 ص 261.
أبو سعيد الخدرى:
أنظر ج 1 ص 261.
سعيد بن سالم القداح:
فقيه أمامى من أصحاب أبى عبد الله جعفر بن محمد الصادق.
أبو سعيد الاصطخرى:
انظر الاصطخرى ج 1 ص 249.
سعيد بن عبد العزيز تابعى:
سعيد بن عبد العزيز له أربعة أحاديث عند تقى، وصوابه سعيد أبو عبد العزيز كذا فى التجريد وأن ابن قانع نسبه أنصاريا وذكر الذهبى سعيدا الأنصارى فى ترجمة مفردة يروى عنه ابنه عبد العزيز.
سلمة بن الأكوع توفى سنة 74 هـ وقيل سنة 64 هـ:
سلمة بن عمرو بن الأكوع واسم الأكوع سنان ابن عبد الله وقيل اسم أبيه وهب وقيل غير ذلك أول مشاهدة الحديبية وكان من الشجعان ويسبق الفرسان عدوا وبايع النبى صلى الله عليه وسلم عند الشجرة على الموت رواه البخارى من حديثه، وقد روى أيضا عن أبى بكر وعمر وغيرهما روى عنه ابنه اياس والحسن بن الحنفية ويزيد ابن أسلم، نزل المدينة ثم تحول الى الربذة بعد قتل عثمان وتزوج بها وولد له حتى كان قبل أن يموت بليال نزل المدينة فمات بها رواه البخارى وكان ذلك سنة أربع وسبعين على الصحيح وقيل سنة أربع وستين.
أم سلمة صحابية:
أنظر ج 1 ص 261.
ابن سلمون:
أنظر ج 2 ص 354.
الشيخ سليمان:
أنظر ج 2 ص 366.
أبو سليمان:
أنظر ج 4 ص 365.
ابن سماعة:
أنظر ج 4 ص 365.
سهل بن سعد:
محدث: أنظر ج 3 ص 347.
ابن سهل:
أنظر ج 6 ص 385.
سهيل بن بيضاء:
توفى سنة 9 هـ: سهيل بن بيضاء وبيضاء أمه وذكر ابن اسحاق أنه شهد بدرا وتوفى سنة تسع وذكره فى البدريين أيضا موسى بن عقبة وزعم ابن الكلبى أنه الذى أسر يوم بدر فشهد له ابن مسعود ورد ذلك الواقدى وقال انما هو أخوه سهل ويؤيد قول ابن الكلبى ما رواه الطبرانى باسناد صحيح عن أبى عبيدة عن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر «لا ينفلت منكم أحد الا بفداء أو جزية» قال عبد الله فقلت الا سهيل بن بيضاء قال وقد كنت سمعته يذكر الاسلام قال «الا سهيل بن بيضاء» .
سودة. زوج الرسول صلى الله عليه وسلم:
أنظر ج 2 ص 354.
سيرين:
أخت مارية القبطية: سيرين أم ولد حسان بن ثابت وهى جارية قبطية وهبها النبى صلى الله عليه وسلم لحسان ابن ثابت فولدت لحسان ابنه عبد الرحمن وفى حديث بشر بن مهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: أهدى أمير القبط لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين أختين فأما احداهما فتسراها فولدت له ابراهيم وأما الأخرى فأعطاها حسان بن ثابت.
ابن سيرين:
أنظر ج 1 ص 262.
حرف الشين:
ابن شاس:
أنظر ج 2 ص 354.
الشاشى:
أنظر ج 1 ص 272.
الامام الشافعى:
أنظر ج 1 ص 262.
الشامى:
توفى سنة 120 هـ: على بن الحسين بن عز الدين بن الحسن بن محمد الحسنى اليمنى الشامى: فقيه، من علماء الزيدية ولد فى مسورخولان العالية، وولى الأوقاف بصنعاء، وتوفى بها له «العدل والتوحيد» فى أصول الدين.
ابن شبرمة:
أنظر ج 8 ص 376
ابن شبلون:
توفى سنة 390 وقيل سنة 391 هـ:
عبد الخالق أبو القاسم بن شبلون هو عبد الخالق بن أبى سعيد خلف تفقه بابن أبى هشام وكان الاعتماد عليه فى القيروان فى الفتوى والتدريس بعد أبى محمد بن أبى زيد سمع من ابن مسرور الحجام وألف كتاب القصد أربعين جزءا وكان يفتى فى الايمان اللازمة بطلقة واحدة توفى سنة احدى وتسعين وقيل سنة تسعين وثلاثمائة.
ابن الشحنة:
توفى سنة 882 هـ: أحمد بن محمد ابن محمد أبو الوليد لسان الدين الشحنة الثقفى الحلبى - قاض. مولده ووفاته بحلب ناب عن جده فى كتابة السر بالقاهرة وولى قضاء الحنفية ببلده ومات بالطاعون له «لسان الحكام فى معرفة الأحكام - ط - ألفه حين ولى القضاء ولم يتمه» .
ابن الشحنة الصغير:
توفى سنة 890 هـ: محمد ابن محمد بن محمد بن محمود بن غازى الثقفى الحلبى أبو الفضل بن الشحنة مؤرخ فقيه حنفى من الرؤساء فى أيام الأشرف قايتباى من أهل حلب ولى قضاءها سنة 836 هـ وانتقل الى مصر فولى بها كتابة السر وأقام أقل من سنة ونفى الى بيت المقدس وأذن له بالعودة الى حلب فعاد ثم ذهب الى مصر فأعيد الى كتابة السر وأضيف اليه قضاء الحنفية ومات بالقاهرة وله تصانيف منها طبقات الحنفية عدة مجلدات ونزهة النواظر فى روض النواظر ونهاية النهاية فى شرح الهداية وغير ذلك.
شريح:
أنظر ج 1 ص 263.
أم شريك:
صحابية: أنظر ج 8 ص 376.
الشعبى:
أنظر ج 1 ص 263.
أبنا شعبة:
والصواب سعية بفتح السين واسكان العين بعدهما ياء مثناة وحكى جماعة أنه يقال بالشين والابنان أحدهما اسمه ثعلبة والآخر اسمه أسد، وأسد بن سعيه أحد من أسلم من اليهود، روى ابن السكن من طريق سعيد بن بزيغ عن ابن اسحاق قال حدثنى عاصم بن عمرو بن قتادة أن شيخا من بنى قريظة حدثه أن اسلام ثعلبة بن سعيه وأسد بن سعيه وأسد بن عبيد انما كان عن حديث ابن الهيبان، فذكر قصته بطولها وأنه كان يعلمهم بقدوم النبى صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام فلما كانت الليلة التى فى صبحها فتح قريظة قال لهم هؤلاء الثلاثة يا معشر يهود انه والله للرجل الذى كان وصف لنا ابن الهيبان. فاتقوا الله وأتبعوه فأبوا عليهم فنزل الثلاثة الى النبى صلى الله عليه وسلم فأسلموا.
الشلبى:
أنظر ج 1 ص 263.
ابن شهبة:
توفى سنة 851 هـ: أبو بكر بن أحمد ابن محمد بن عمر الأسدى الشهبى الدمشقى، تقى الدين: فقيه الشام فى عصره ومؤرخها وعالمها من أهل دمشق اشتهر بابن قاضى شهبة لأن أبا جده «نجم الدين الأغر الأسدى» أقام قاضيا لشهبة «من قرى حوران» أربعين سنة. من تصانيفه «تاريخ كبير ابتدأ به من سنة 200 هـ الى سنة 792 هـ وله ذيل على تواريخ المتأخرين كالذهبى والبرز الى ابتدأه من سنة 741 هـ الى سنة 821 هـ فى ثمانى مجلدات، واختصره وسماه الأعلام بتاريخ أهل الاسلام» فى مجلدين وله طبقات
الشافعية ومناقب الامام الشافعى توفى فى دمشق فجأة وهو جالس يصنف ويكلم ولده.
ابن أبى شيبة:
توفى سنة 279 هـ: محمد بن عثمان بن محمد بن أبى شيبة العبسى من عبس غطفان أبو جعفر الكوفى: مؤرخ لرجال الحديث، من الحفاظ مختلف فى توثيقه قال الذهبى له تاليف مفيدة منها تاريخ كبير، مات ببغداد عن نيف وثمانين عاما.
الشيرازى:
أنظر ج 1 ص 263.
حرف الصاد:
الصفاقسى:
توفى سنة 742 هـ: ابراهيم بن محمد الصفاقسى أبو اسحاق برهان الدين فقيه مالكى تفقه فى بجاية وحج فأخذ عن علماء مصر والشام وأفتى ودرس سنين. له مصنفات منها المجيد فى اعراب القرآن المجيد - خ - ويسمى اعراب القرآن، وشرح ابن الحاجب فقه.
أبو صفرة:
أبو صفرة الأزدى والد المهلب الأمير المشهور مختلف فى صحبته وفى اسمه، قيل اسمه ظالم بن سارق وقيل ابن سراق وقيل قاطع بن سارق بن ظالم وقيل غالب بن سراق ونسبه ابن الكلبى فقال ظالم بن سارق بن صبح بن كندى بن عمرو بن عدى ابن وائل بن الحارث بن العتيك ابن الأسد وزعم بعضهم أن أصلهم من العجم وأنهم انتسبوا فى الأسد وذكره ابن السكن فى الصحابة وأخرج من طريق محمد بن عبد ابن حميد قال حدثنا محمد بن غالب بن عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بن أبى صفرة حدثنى أبى عن آبائه أن أبا صفرة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبايعه وعليه حلة صفراء نسجها خلفه ذراعان وله طول وجثة وجمال وفصاحة لسان فلما رآه أعجبه ما رأى من جماله فقال له من أنت قال أنا قاطع بن سارق ابن ظالم بن عمرو بن شهاب بن الهلثام بن الجلند بن الشكر الذى كان يأخذ كل سفينة غصبا انا الملك بن الملك فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أنت أبو صفرة دع عنك سارقا وظالما فقال أشهد أن لا اله الا الله وأنك عبده ورسوله حقا حقا يا رسول الله ان لى ثمانية عشر ذكرا ورزقت بنتا سميتها صفرة فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أنت أبو صفرة، وقال أبو الفرج فى الأغانى فى ترجمة أبى عيينه المهلبى اسمه أبى صفرة وقيل غالب وقال ابن قتيبة المهلب من أسد عمان من قرية يقال دبى أسلم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ونزل على حكم حذيفة فبعثه الى أبى بكر فأعتقه.
صفية صحابية:
زوج الرسول صلى الله عليه وسلم أنظر ج 7 ص 392.
ابن الصلاح:
أنظر ج 1 ص 264.
حرف الطاء:
طارق المحاربى:
صحابى: طارق بن عبد الله المحاربى من محارب خصفة: صحابى نزل بالكوفة وروى عنه أبو الشعثاء وربع بن خراش وأبو ضمرة قال ابن البرقى له حديثان وقال ابن السكن ثلاثة، حديثه فى الكوفيين وله صحبة ومن حديثه عند النسائى وغيره «قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم واذا هو قائم على المنبر يخطب ويقول يد المعطى العليا» الحديث وروى الترمذى من حديثه أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بذى المجاز وذكر له قصة مع عمه أبى لهب.
الطرسوسى:
توفى سنة 758 هـ: ابراهيم بن على ابن عبد الواحد بن عبد المنعم الطرسوسى، نجم الدين: قاض مصنف ولد ومات فى دمشق وولى قضاءها بعد والده سنة 746 هـ وأفتى ودرس وألف كتبا منها الاشارات فى ضبط المشكلات، والأعلام فى مصطلح الشهود والحكام، والاختلافات الواقعة فى
المصنفات، وأنفع الوسائل «ط» يعرف بالفتاوى الطرسوسية، وذخيرة الناظر فى الأشباه والنظائر، «خ» فى فقه الحنفية، والفوائد المنظومة فقه، ويسمى الفوائد البدرية «خ» .
أبو طالب:
أنظر ج 2 ص 355.
أبو طالب: أنظر ج 1 ص 264.
طلحة:
صحابى: أنظر ج 3 ص 348.
الطوسى:
أنظر ج 1 ص 265.
حرف العين:
عائشة رضى الله عنها:
أنظر ج 1 ص 265.
ابن عابدين:
أنظر ج 1 ص 265.
أبن عات:
أنظر ج 6 ص 387.
أبو العاص بن الربيع:
توفى سنة 12 هـ أو سنة 13 هـ: أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف العبشمى أمه هالة بنت خويلد وكان يلقب جرو البطحاء وقال الزبير بن بكار كان يقال له الأمين واختلف فى أسمه. قيل اسمه ياسر وأظنه محرفا من ياسم وكان قبل البعثة فيما قال الزبير عن عمه مصعب وزعمه بعض أهل العلم مواخيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان يكثر غشاءه فى منزله، وزوجه ابنته زينب أكبر بناته وهى من خالته خديجة ثم لم يتفق أنه أسلم الا بعد الهجرة وقال ابن اسحاق كان من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة. وأخرج الحاكم أبو أحمد بسند صحيح عن الشعبى قال كانت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحث أبى العاص بن الربيع فهاجرت وأبو العاص على دينه فاتفق أن خرج الى الشام فى تجارة فلما كان بقرب المدينة أراد بعض المسلمين أن يخرجوا اليه فيأخذوا ما معه ويقتلوه فبلغ ذلك زينب فقالت يا رسول الله أليس عقد المسلمين وعهدهم واحد قال «نعم» قالت فأشهد أن آجرت أبا العاص فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا اليه عزلا بغير سلاح فقالوا له يا أبا العاص انك فى شرف من قريش وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره فهل لك أن تسلم فتغتنم ما معك من أموال أهل مكة قال بئسما أمرتمونى به أن أنسخ دينى بقدرة فمضى حتى قدم مكة فدفع الى كل ذى حق حقه ثم قام فقال يا أهل مكة أوفيت ذمتى قالوا اللهم نعم فقال فانى أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ثم قدم المدينة مهاجرا فدفع اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته بالنكاح الأول. قال ابراهيم بن المنذر مات أبو العاص بن الربيع فى خلافة أبى بكر فى ذى الحجة سنة 12 هـ وشذ أبو عبيد فقال مات سنة 13 هـ.
عبادة بن الصامت:
صحابى: أنظر ج 2 ص 356
ابن عباد:
توفى سنة 575 هـ: يوسف بن عبد الله ابن سعيد بن عبد الله بن أبى زيد الأندلسى، أبو عمر، ابن عباد مؤرخ مقرئ من رجال الفقه والحديث أندلسى سكن بلنسية وأخذ عن بعض علمائها، له تصانيف، منها.
طبقات الفقهاء من عصر ابن عبد البر الى أيامه، و «تذييل كتاب ابن بشكوال» لم يكمله و «الكفاية فى مراتب الرواية» و «المنهج الرائق فى الوثائق» و «الأربعون حديثا» فى العبادات توفى شهيدا ببلده عند ما دخله العدو وقد قاتل حتى أثخن جراحا فأجهزوا عليه.
أبن عباس:
أنظر ج 1 ص 266.
أبو العباس بن سريج:
أنظر ج 7 ص 393.
عبد الباقى:
توفى سنة 1099 هـ: عبد الباقى ابن يوسف بن أحمد الزرقانى: فقيه مالكى، ولد ومات بمصر من كتبه «شرح مختصر سيدى خليل» فقه، أربعة أجزاء و «شرح الغربة» و «رسالة فى الكلام على اذا» .
ابن عبد البر:
أنظر ج 1 ص 266.
عبد الحق:
أنظر ج 6 ص 387.
ابن عبد الحكم:
أنظر ج 1 ص 266.
عبد الرحمن:
أنظر ابن القاسم ج 1 ص 271.
ابن عبد الرحمن توفى سنة 589 هـ:
قاضى الاسكندرية أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن ابن محمد المالكى الحضرمى روى عن محمد ابن أحمد الرازى وغيره.
عبد الرحمن بن أبزى:
صحابى: عبد الرحمن ابن أبزى الخزاعى مولاهم وأما عبد الرحمن فقال خليفة ويعقوب بن سفيان والبخارى والترمذى وآخرون له صحبة وقال أبو حاتم أدرك النبى صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه وقال البخارى هو كوفى وأخرج ابن سعد وأبو داود بسند حسن الى عبد الرحمن بن أبزى أنه صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم «الحديث» وقال ابن السكن أستعمله النبى صلى الله عليه وسلم على خراسان وأسند من طريق جعفر ابن أبى المغيرة عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبزى قال شهدنا مع على ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة ثمانمائة نفس بصفين فقتل منا ثلاثمائة وستون نفسا وذكره ابن سعد فيمن مات مع النبى صلى الله عليه وسلم وهم أحداث وثبت فى صحيح البخارى من رواية ابن أبى المجالد أنه سأل عبد الرحمن بن أبزى وابن أبى أوفى عن السلف فقالا كنا نصيب الغنائم مع النبى صلى الله عليه وسلم وفى صحيح مسلم أن عمر قال لنافع بن عبد الحرث الخزاعى من استعملت على مكة قال عبد الرحمن ابن أبزى قال استعملت عليهم مولى قال أنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض وأخرجه أبو على من وجه آخر وفيه انى وجدته أقرءهم لكتاب الله وفيه وأفقههم فى دين الله وسكن عبد الرحمن بعد ذلك بالكوفة.
عبد الرحمن بن عوف:
صحابى: أنظر ج 1 ص 266.
ابن عبد السّلام:
أنظر ج 1 ص 266.
ابن عبد العزيز:
توفى سنة 478 هـ: محمد ابن عبد العزيز بن عبد الرحمن أبو بكر بن عامر من ملوك الدولة العامرية فى الأندلس كانت له بلنسية ودانية ومرسية والمرية وكان أبوه قد خلع سنة 457 هـ بسبته وخرج منها وقام صاحب الترجمة فاستردها وبايعه الناس وضغط أمورها ونظر فى شأن العمال وأجزل العطاء للجند وكان فقيها عدلا متصدرا للفتيا قبل أن يلى السلطنة فلما وليها عدل وأحسن واستمر الى أن توفى ببلنسية ومدة حكمه نيف وعشر سنين قال مؤرخوه لم يكن فى أيامه ما يعاب عليه.
عبد الله بن أبى أوفى:
أنظر ج 6 ص 387.
عبد الله بن الزبير:
أنظر ج 1 ص 267.
عبد الله بن شداد توفى سنة 81 هـ:
هو عبد الله ابن شداد بن الهاد الليثى بن خالة خالد ابن الوليد وكان فقيها كثير الحديث لقى كبار الصحابة وأدرك معاذ بن جبل قتل مع ابن الأشعت.
عبد الله بن عمر:
صحابى: أنظر ج 1 ص 267.
عبد الله بن عمرو بن العاص:
صحابى: أنظر ج 1 ص 267.
عبد الملك:
أنظر ابن حبيب ج 1 ص 253.
عبد الله بن مسعود:
أنظر ج 1 ص 267.
أبو عبيدة:
أنظر ج 4 ص 368، وأنظر ج 1 ص 267.
ابن عتاب:
أنظر ج 4 ص 368.
العدوى:
أنظر الدردير ج 2 ص 257.
أبن عرفة:
أنظر ج 1 ص 268.
عروة البارقى:
صحابى: عروة بن الجعد ويقال ابن أبى الجعد البارقى مذكور فى
المختصر والمهذب فى باب الوكالة هو عروة الازدى البارقى الكوفى الصحابى وبارق بطن من الأزد وهو بارق بن عدى بن حارثة ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن بنت مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ يشحب بن يعرب بن قحطان وانما قيل له بارق لأنه نزل عند جبل يقال له بارق فنسب اليه وقيل غير ذلك سكن عروة الكوفة وروى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر حديثا اتفقا منها على حديث واستعمله عمر بن الخطاب رضى الله عنه على قضاء الكوفة قبل شريح روى عنه قيس بن أبى حازم والشعبى والسبيعى وشريح بن هانئ وآخرون وكان مرابطا معه عدة أفراس، منها فرس اشتراه بعشرة آلاف درهم وقال شيب بن عرقده رأيت فى دار عروة بن الجعد سبعين فرسا مربوطة للجهاد فى سبيل الله عز وجل.
أبو عزة الشاعر:
توفى سنة 3 هـ: «الجمحى» عمرو بن عبد الله بن عثمان الجمحى: شاعر جاهلى من أهل مكة، أدرك الاسلام وأسر على الشرك يوم بدر فأتى به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لقد علمت ما لى من مال، وانى لذو حاجة وعيال: فامنن على، ولك أن لا أظاهر عليك أحدا فامتن عليه، فنظم قصيدة يمدحه بها منها البيت المشهور «فانك من حاربته لمحارب، شقى ومن سالمته لسعيد» ثم لما كان يوم أحد دعاه صفوان بن أمية سيد بنى جمح، للخروج، فقال، ان محمدا قد من على وعاهدته أن لا أعين عليه، فلم يزل به يطمعه حتى خرج وسار فى بنى كنانة، واشترك مع عمرو بن العاص قبل اسلامه فى استنفار القبائل ونظم شعرا يحرض به على قتال المسلمين فلما كانت الواقعة أسره المسلمون. فقال: يا رسول الله من على فقال النبى صلى الله عليه وسلم «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» لا ترجع الى مكة تمسح عارضيك وتقول خدعت محمدا مرتين وأمر به عاصم بن ثابت فضرب عنقه.
أبو عزة الجمحى:
ينظر أبو عزة الشاعر.
عطاء بن أبى رباح:
أنظر ج 2 ص 258.
ابن العطار:
أنظر ج 3 ص 351.
عقبة بن أبى معيط:
عقبة بن أبى معيط الكافر قتل يوم بدر كافرا مذكور فى كتاب السير من المختصر والمهذب واسم أبى معيط ابان ابن أبى عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف القرشى.
على بن أمية بن خلف:
توفى سنة 2 هـ: على بن أمية بن خلف أحد المشركين الذين اشتركوا فى حرب بدر وأسره عبد الرحمن بن عوف مع أبيه فرآهما بلال بن رباح فاستصرخ الأنصار عليهما حتى قتلوهما.
أبو على بن خيران:
أنظر ج 4 ص 369.
على بن أبى طالب:
أنظر ج 1 ص 369.
على بن أبى هريرة:
أنظر ج 3 ص 358
عمر بن الخطاب:
أنظر ج 1 ص 269.
عمر بن عبد العزيز:
أنظر ج 1 ص 269.
عمران بن الحصين:
أنظر ج 2 ص 359.
أبو عمران:
أنظر ج 2 ص 359.
ابن عمران:
توفى سنة 269 هـ: سليمان بن عمران الأفريقى قاضى أفريقية يروى عن أسد بن الفرات توفى سنة تسع وستين ومائتين رحمه الله تعالى، ومن الطبقة الثامنة فى الأندلس.
ابن عمران توفى سنة 688 وقيل سنة 689 هـ:
محمد بن عمران بن موسى بن عبد العزيز ابن محمد ابن حزم الشريف الحسينى يكنى أبا محمد بن أبى عبد الله ويعرف بالشريف الكركى ويلقب شرف الدين الامام العلامة المتفنن ذو العلوم شيخ المالكية والشافعية
بالديار المصرية والشامية فى وقته ويقال أنه أتقن ثلاثين فنا من العلوم وأكثر من ذلك بل قال الامام العلامة شهاب الدين القرافى أنه تفرد بمعرفة ثلاثين علما وحده وشارك الناس فى علومهم قدم من المغرب فقهيا بمذهب مالك وصحبه الشيخ عز الدين ابن عبد السّلام وتفقه عليه فى مذهب الشافعى وتفقه فى مذهب مالك على الشيخ الامام أبى محمد صالح فقيه المغرب فى وقته واشتغل عليه الشهاب القرافى ومولده بمدينة فاس من بلاد المغرب وتوفى بمصر سنة 688 أو سنة 689 هـ.
أبو عمر:
أنظر ابن الحاجب ج 1 ص 253.
أبو عمرو بن حفص:
أبو عمرو بن حفص بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشى المخزومى زوج فاطمة بنت قيس وقيل هو أبو حفص بن عمرو ابن المغيرة واختلف فى اسمه فقيل أحمد وقيل عبد الحميد وقيل اسمه كنيته وأمه درة بنت خزاعى الثقفية وكان خرج مع على الى اليمن فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فمات هناك ويقال بل رجع الى أن شهد فتوح الشام ذكر ذلك على بن رباح عن ناشرة بن سمى سمعت عمر يقول انى أعتذر لكم من عزل خالد بن الوليد فقال أبو عمرو بن حفص عزلت عنا عاملا استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر القصة أخرجها النسائى وقال البغوى سكن المدينة ثم ساق من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن الزبير عن عبد الحميد عن أبى عمرو وكان تحته فاطمة بنت قيس.
عياض:
أنظر القاضى عياض ج 2 ص 362.
عياض بن عقبة:
عياض بن عقبة بن السكون ابن أشرس: جد جاهلى، بنوه بطن من كندة، منهم عبادة بن نسى.
عيسى:
أنظر ج 2 ص 359.
حرف الغين:
الغزالى:
أنظر ج 1 ص 270.
حرف الفاء:
فاطمة بنت قيس:
أنظر ج 8 ص 380.
ابن فرحون:
أنظر ج 1 ص 271.
فريعة بنت مالك:
فريعة بنت مالك بن سنان الخدرية أخت أبى سعيد ووقع فى سنن النسائى فى سياق حديثها الفارعة وعند الطحاوى الفرعة وأمها حبيبة بنت عبد الله بن أبى ومدار حديثها على سعد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهى أخت أبى سعيد الخدرى أخبرتها أنها جاءت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع الى أهلها فى بنى خدرة فان زوجها خرج فى طلب أعبد له أبقوا فقتل فذكر الحديث وفيه أمكثى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله وفيه لما كان عثمان بن عفان أرسل الى يسألنى فأخبرته فاتبعه وقضى به رواه مالك فى الموطأ عن سعد بن اسحاق.
حرف القاف:
القابسى:
أنظر ج 7 ص 388.
القاسم:
أنظر ج 1 ص 271.
أبو القاسم:
أنظر ج 2 ص 360.
ابن القاسم:
أنظر ج 1 ص 271.
القاضى أبو الطيب:
أنظر ج 3 ص 353.
القاضى:
أنظر ج 2 ص 361.
قتادة:
أنظر ج 3 ص 353.
أبو قتادة:
أنظر ج 2 ص 362.
ابن قدامة:
أنظر ج 1 ص 272.
القدورى:
أنظر ج 1 ص 272.
القرافى:
أنظر ج 1 ص 272.
ابن القطان:
أنظر ج 3 ص 354.
القفال:
أنظر ج 1 ص 272.
ابن القيم:
أنظر ج 1 ص 273.
حرف الكاف:
أبن كج:
توفى سنة 405 هـ: يوسف بن أحمد ابن يوسف بن كج الدينورى، القاضى أبو القاسم، صاحب الامام أبو الحسين ابن القطان فقيه من أئمة الشافعية من أهل الدينور ولى قضاءها وقتله العيارون فيها وكان يضرب به المثل فى حفظ مذهب الشافعى، قال ابن خلكان: صنف كتبا كثيرة انتفع بها الفقهاء وكان محتشما جوادا.
الكرخى «شمس الأئمة» :
أنظر ج 1 ص 273.
أم كلثوم «بنت أبى بكر الصديق» أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق اليتيمة - تابعية مات أبوها وهى حمل فوضعت بعد وفاة أبيها وقصتها بذلك صحيحة فى الموطأ وغيره أرسلت حديثها فذكرها بسببه ابن السكن وابن منده فى الصحابة وأخرج من طريق ابراهيم بن طهمان عن يحيى ابن سعيد عن حميد بن نافع عن أم كلثوم بنت أبى بكر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب النساء الحديث، ثم قال رواه الليث عن يحيى نحوه ورواه الثورى عن يحيى بن حميد فقال عن زينب بنت أبى سلمة «قلت» ولأم كلثوم بنت أبى بكر رواية أخرى عن عائشة فى صحيح مسلم روى عنها جابر بن عبد الله الأنصارى الصحابى وأمها حبيبة بنت خارجة وضعتها بعد موت أبى بكر.
حرف اللام:
ابن ابابة:
أنظر ج 6 ص 391.
اللحيانى:
أنظر ج 5 ص 377.
اللخمى:
أنظر ج 1 ص 274.
الليث:
أنظر ج 1 ص 274.
أبو الليث:
أنظر ج 1 ص 274.
ابن أبى ليلى:
أنظر ج 1 ص 274.
حرف الميم:
المؤيد بالله:
أنظر ج 1 ص 275.
ابن الماجشون:
أنظر ج 2 ص 363.
مارية القبطية:
التى أهديت للرسول صلى الله عليه وسلم: أنظر ج 8 ص 381.
المازرى:
أنظر ج 1 ص 274.
مالك:
أنظر ج 1 ص 275.
ابن مالك:
أنظر ج 4 ص 371.
الماوردى:
أنظر ج 1 ص 275.
المتولى:
أنظر ج 3 ص 355.
مجاهد:
أنظر ج 3 ص 355.
أبو مجبر:
عبد الرحمن بن المجبر واسمه عبد الرحمن وما فى المشايخ من اسمه عبد الرحمن بن عبد الرحمن ابن عبد الرحمن ابن عمر بن الخطاب سواه، حدث عن سالم وعنه مالك، وابنه محمد بن عبد الرحمن ابن المجبر ضعيف عن نافع وعنه حجاج بن منهال وأبو المجبر له صحبة اختلف فيه هل هو بجيم أو بمهملة، حدث عنه خليد الثورى.
مجد الدين أبو البركات:
توفى سنة 652 هـ:
عبد السّلام بن عبد الله بن أبى القاسم الخضر بن محمد بن على الامام شيخ الاسلام مجد الدين أبو البركات بن تيمية الهرانى جد الشيخ تقى الدين ولد فى حدود التسعين وخمسمائة وتوفى سنة اثنين وخمسين وستمائة تفقه فى صغره على عمه الخطيب فخر الدين ورحل الى بغداد وهو ابن بضعة عشر سنة فى صحبة ابن عمه
السيف وسمع بها وكان اماما حجة بارعا فى الفقه والحديث.
ابن محرز:
توفى سنة 516 هـ: أحمد بن محمد ابن خلف بن محرز أبو جعفر الأنصارى الأندلسى: مقرئ أستاذ له كتاب «المقنع» فى القراءات السبع، و «المقيد» فى الثمان فرغ من تأليف المقنع فى ذى الحجة سنة 516 هـ.
محمد:
أنظر ج 1 ص 275 أنظر محمد ابن الحسن.
أبو محمد:
أنظر القيروانى ج 1 ص 273.
محمد بن عبد الله:
توفى سنة 146 هـ: محمد ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبى طالب الهاشمى الحسنى أول من تكنى بالمهدى كان أشهر من أن يوصف علما وورعا وشجاعة بويع له بالخلافة بايعته الزيدية مع المعتزلة وجاهد حتى قتل شهيدا فى شهر رمضان قال الذهبى قتل محمد بسيفه سبعين فى يوم واحد، حدث عن أبى الزناد وعن أبيه وغيرهما وحدث عنه جماعة.
محمد بن الفضل «الشيخ أبو بكر» أنظر ج 8 ص 371.
محمد: أنظر ج 1 ص 275.
أبو محمد: أنظر ج 1 ص 254.
محمد بن أبى المجالد:
أورده البخارى فى باب السلم قال: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبى المجالد وقال ابن حجر فى فتح البارى كذا أبهمه أبو الوليد عن شعبة وسماه غيره عنه: محمد بن أبى المجالد، ومنهم من أورده على الشك محمد أو عبد الله، وذكر البخارى الروايات الثلاث وأورده النسائى من طريق أبى داود الطيالسى عن شعبة عن عبد الله وقال مرة محمد وقد أورده البخارى فى الباب الذى يليه باسم محمد ولم يشك فى اسمه وكذا ذكره البخارى فى تاريخه فى المحمدين وجزم أبو داود بأن اسمه عبد الله وكذا قال ابن حبان ووصفه بأنه كان صهر مجاهد وبأنه كوفى ثقة وكان مولى عبد الله بن أبى أوفى ووثقه أيضا يحيى بن معين وغيره وليس له فى البخارى سوى هذا الحديث الواحد.
أم مكتوم:
هى عاتكة بنت عبد الله بن عنكتة بمهملة ونون زائدة وهى التى أشار النبى صلى الله عليه وسلم أن تعتد فى بيتها فاطمة بنت قيس وهى والدة الصحابى عمرو ابن قيس بن زائدة بن الأصم ويقال له عبد الله.
محمد بن المثنى:
محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار أبو موسى الفنرى عالم بالحديث من الحفاظ من أهل البصرة قال الخطيب كان ثقة ثبتا زار بغداد وحدث بها وعاد الى البصرة فتوفى فيها قال ابن ناصر الدين حدث عنه الأئمة الستة وابن خزيمة وابن صاعد وخلق وقال ابن حبان كان صاحب كتاب لا يقرأ الا من كتابه روى عنه البخارى 103 أحاديث ومسلم 772 حديثا.
محمد بن يوسف أطفيش:
أنظر أطفيش ج 1 ص 249.
المخزومى:
توفى سنة 186 هـ: المغيرة ابن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش المخزومى أبو هاشم فقيه أهل المدينة بعد مالك بن أنس عرض عليه الرشيد القضاء بها فامتنع وكان مدار الفتوى فيها عليه وعلى محمد بن ابراهيم بن دينار.
المروزى:
أنظر ج 1 ص 275.
المزنى:
أنظر ج 1 ص 276.
ابن مزين:
توفى سنة 259 هـ: يحيى بن مزين أبو زكريا عالم بلغة الحديث ورجاله من أهل قرطبة رحل الى المشرق ودخل العراق أصله من طليطلة وكان جده مولى لرملة بنت
عثمان بن عفان من كتبه «تفسير الموطأ» وتسمية الرجال المذكورين بالموطأ والمستقصية فى علل الموطأ وفضائل القرآن، ورغائب العلم وفضله.
ابن مسعود:
أنظر عبد الله ج 1 ص 267.
مسلم:
أنظر ج 1 ص 276.
ابن المسيب:
أنظر ج 1 ص 276.
المشذالى:
محمد بن أبى القاسم بن محمد بن عبد الصمد أبو عبد الله المشذالى مفتى بجاية بالمغرب وخطيبها نسبته الى مشذالة من قبائل زوادة ومولده ووفاته فى بجاية من كتبه تكملة حاشية الوانوغى على المدونة فى فقه المالكية ومختصر البيان لابن رشد والفتاوى.
أبو مضر:
أنظر ج 4 ص 372.
مطرف:
أنظر ج 2 ص 364.
مطعم بن عدى:
المطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف من قريش رئيس بنى نوفل فى الجاهلية وقائدهم فى حرب الفجار سنة 33 ق هـ سنة 591 م وهو الذى أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف وعاد متوجها الى مكة ونزل بقرب حراء فبعث الى بعض خلفاء قريش ليجيروه فى دخول مكة فامتنعوا فبعث الى المطعم بن عدى بذلك فتسلح المطعم وأهل بيته وخرج بهم حتى أتوا المسجد فأرسل من يدعو النبى صلى الله عليه وسلم للدخول فدخل مكة وطاف بالبيت وصلى عنده ثم انصرف الى منزله آمنا وهو الذى أجار سعد بن عبادة وقد دخل مكة معتمرا وتعلقت به قريش فأجاره مطعم وأطلقه وكان أحد اللذين مزقوا الصحيفة التى كتبتها قريش على بنى هاشم وعمى فى كبره ومات قبل واقعة بدر وله بضع وتسعون سنة.
معاذ:
أنظر ج 1 ص 276.
المغيرة بن مقسم:
توفى سنة 136 هـ: الضبى مولى لهم ويكنى أبا هاشم وكان مكفوفا توفى سنة ست وثلاثين ومائة وكان ثقة كثير الحديث.
مقيس بن صبابة:
توفى سنة 8 هـ: مقيس ابن صبابة بن حزن بن يسار الكنانى القرشى شاعر اشتهر فى الجاهلية عداده فى أخواله بنى سهم كانت اقامته بمكة وهو ممن حرم على نفسه الخمر فى الجاهلية شهد بدرا مع المشركين ونحر على مائها تسع ذبائح وأسلم أخ له اسمه هشام فقتله رجل من الأنصار خطأ وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باخراج ديته وقدم مقيس من مكة مظهرا الاسلام فأمر له النبى صلى الله عليه وسلم بالدية فقبضها ثم ترقب قاتل أخيه حتى ظفر به وقتله وارتد ولحق بقريش وقال شعرا فى ذلك فأهدر النبى صلى الله عليه وسلم دمه فقتله نحيلة بن عبد الله الليثى يوم فتح مكة وقيل رآه المسلمون بين الصفا والمروة فقتلوه بأسيافهم.
ابن المكوى:
توفى سنة 401 هـ: أبو عمر بن المكوى أحمد بن عبد الملك الأشبيلى المالكى انتهت اليه رئاسة العلم بالأندلس فى زمانه مع الورع والصيانة دعى الى القضاء بقرطبة مرتين فامتنع وصنف كتاب الاستيعاب فى مذهب مالك فى عشر مجلدات توفى فجأة عن سبع وسبعين سنة.
ابن المنذر:
أنظر ج 1 ص 277.
ابن منصور:
أنظر ج 2 ص 364.
المنصور بالله:
أنظر ج 3 ص 357.
المواق:
أنظر ج 2 ص 365.
ابن المواز:
أنظر ج 1 ص 278.
ابن أبى موسى:
أنظر ج 2 ص 365
حرف النون:
ابن ناجى:
أنظر ج 5 ص 379.
الناصر:
أنظر ج 1 ص 278.
نافع:
أنظر ج 1 ص 278.
ابن نافع:
أنظر ج 1 ص 278.
ابن نجيم:
أنظر ج 1 ص 279.
النضر بن الحارث:
توفى سنة 2 هـ: النضر بن الحارث بن علقمة بن عبد مناف من بنى عبد الدار من قريش صاحب لواء المشركين ببدر كان من شجعان قريش ووجوهها ومن شياطينها كما يقول ابن اسحاق له اطلاع على كتب الفرس وغيرهم قرأ تاريخهم فى الحيرة وقيل هو أول من غنى على العود بألحان الفرس وهو ابن خالة النبى صلى الله عليه وسلم ولما ظهر الاسلام استمر على عقيدة الجاهلية وآذى رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا شهد وقعة بدر مع مشركى قريش فأسره المسلمون وقتلوه بالأثيل قرب المدينة بعد انصرافهم من الوقعة.
حرف الهاء:
الهادى عليه السلام:
أنظر ج 1 ص 280.
ابنى الهادى:
أحدهما توفى سنة 310 هـ: محمد ابن يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم العلوى الطالبى الملقب بالمرتضى: امام زيدى فقيه عالم بالأصول من أهل صعدة فى اليمن وهو ابن الهادى صاحب الوقائع مع القرامطة ورئيسهم على بن الفضل انتصب للأمر بعد وفاة أبيه وخوطب بالمرتضى لدين الله واستمر نحو ستة أشهر واعتزل وتوفى بصعدة ودفن الى جنب أبيه له تصانيف منها: الايضاح والنوازل وجواب مسائل مهدى كلها فى الفقه.
ثانيهما توفى سنة 325 هـ: أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم الحسنى العلوى.
الناصر لدين الله امام زيدى يمانى من علمائهم وبسلائهم ولى الامامة سنة 301 هـ بعد اعتزال أخيه محمد بن يحيى وجهز جيشا من ثلاثين ألفا دخل به عدن وقاتل القرامطة فظفر بهم واستمر موفقا الى أن توفى وله تصانيف.
أبو هريرة:
أنظر ج 1 ص 280.
هشام:
أنظر ج 2 ص 366.
هشيم:
أنظر ج 4 ص 374.
حرف الواو:
الوافى:
هو على بن بلال الآملى الزيدى مولى السيدين الأخوين المؤيد بالله وأبى طالب كان هذا الشيخ من المتبحرين المبرزين فى فنون عديدة حافظا للسنة مجتهدا محصلا للمذهب وملئت كتب الأصحاب بذكره وهو الذى يعرف بصاحب الوافى وله مصنفات نفيسه منها الوافى فى الفقه وقد أكثر الرواية منه فى شرح الأزهار ومنها شرح الأحكام من أجل الكتب مسند الأحاديث وفيه ما يكشف عن معرفته وحفظه للأسانيد واطلاعه على علم الحديث وقد نقل منه سيدى الحسين بن يوسف بن زيارة فى تتمة الاعتصام بأسانيده ومن مؤلفاته تتمة المصابيح الذى ألفه السيد أبو العباس الحسنى من خروج يحيى بن زيد الى أبى عبد الله بن الداعى وذكر فيه المتفق على أمانتهم والمختلف فيهم ولم يؤرخوا له وفاة ولا لابن اصفهان.
ابن وهب:
أنظر ج 2 ص 366.
ابن وهبان:
أنظر ج 3 ص 359.
حرف الياء:
الامام يحيى:
أنظر ج 1 ص 280.
يحيى بن أبى كثير:
توفى سنة 129 هـ: يحيى بن صالح الطائى بالولاء، اليمامى أبو نصر بن أبى كثير عالم أهل اليمامة فى عصره كان من موالى بنى طئ من أهل البصرة يقال أقام عشر سنين فى المدينة يأخذ عن أعيان التابعين وسكن اليمامة فاشتهر وغاب على بنى أمية بعض أفاعيلهم فضرب وحبس وكان من ثقات أهل الحديث رجحه بعضهم على الزهرى.
أبو يحى توفى سنة 325 هـ:
هو أحمد بن يحيى الهادى بن الحسين الحسنى الامام الناصر، ترجمان الدين، يكنى أبا يحيى نشأ على الزهادة والعبادة رجع من الحجاز سنة 301 هـ وقام بالدعوة وله مع القرامطة جهاد كبير ولم يزل ينصر الدين ويقمع المبتدعين حتى توفى بصعدة سنة 325 هـ ودفن بجنب أبيه فى القبة المعروفة.
يحيى بن عمر توفى سنة 289 هـ:
يحيى بن عمرو ابن يوسف بن عامر الكنانى الأندلسى الجيانى أبو زكريا فقيه مالكى عالم بالحديث من موالى بنى أمية نشأ بقرطبة وسكن القيروان ورحل الى المشرق ثم استوطن سوسة وبها قبره وكانت الرحلة اليه فى وقته، له مصنفات فى نحو أربعين جزءا منها المنتخبة فى اختصار المستخرجة فقه ومنها أحمية الحصون ومنها الرد على الشافعى والرد على الشكوكية والرد على المرجئة.
أبو يعقوب يوسف بن ابراهيم:
توفى سنة 570 هـ يوسف بن ابراهيم بن مياد السورانى الورجلانى أبو يعقوب، عالم بأصول الفقه. أباضى من أهل ورجلان وهى واد فى المغرب الأقصى كانت فيه عمارة ينزلها الإباضيون وخربها يحيى بن اسحاق ورحل فى شبابه الى الأندلس وسكن قرطبة ورأى مسند الربيع بن حبيب مشوشا فرتبه وسماه الجامع الصحيح، وله تصانيف منها العدل والانصاف فى أصول الفقه ثلاثة أجزاء. والدليل والبرهان فى عقائد الإباضية ثلاثة أجزاء ومرج البحرين فى المنطق والهندسة والحساب.
أبو يوسف:
أنظر ج 1 ص 281.
ابن يونس:
أنظر ج 1 ص 281.