الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاريخ الهجرات العربية إلى مصر
يلخص لنا الدكتور إبراهيم رزقانة تاريخ الهجرات العربية إلى مصر بقوله: "إن دخول العرب مصر مرَّ بالمراحل الآتية":
المرحلة الأولى:
شغلت القرون الأربعة أو الخمسة السابقة لظهور الإسلام، وكانت القبائل في هذه المرحلة تفد من الحجاز ومق جنوب غرب الجزيرة إلى الشمال حيث تستقر بالقرب من حدود مصر الشرقية، إلى أن اشتركت في عملية التعريب النشطة التي شغلت الفترة التالية لذلك.
المرحلة الثانية:
كانت الهجرات تفد فيها بلا انقطاع من أجزاء مختلفة من بلاد العرب، وقد أدخلت هذه الهجرات بالفعل دماء جديدة بمصر فبدأت هذه المرحلة بفتح المسلمين لمصر في القرن السابع الميلادي، واستمرت حتى أواخر القرن الثالث عشر حينما تغيرت النظرة إلى العرب.
المرحلة الثالثة:
لم تصل فيها هجرات عربية جديدة إلى مصر وأصبح الاتجاه نحو وقف هذه الهجرات؛ لأن حكام مصر لم يصبحوا من العرب. وقد استمر النفوذ العربي قويا حتى أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر، واستمرت الأفواج العربية يتلو بعضها بعصًا ثم تغير نوع الحاكم في مصر فلم يعد عربيا بل أصبح مملوكًا، فتوقفت هجرات العرب إلى مصر.
ومن الملاحظ أن العرب الذين استقروا في أرض الكنانة قد مارسوا الزراعة وأقدم الذين مارسوها من العرب هم قبائل قيس في منطقة بلبيس، وأما قبائل شمال شرق الحوف (شرق الدلتا) فرغم قدمهم بهذه الجهات فإنهم لم يمارسوا الزراعة إلا بعد حكم المماليك، ويعتبر العبابدة في جنوب الحوف آخر من اشتغل بالزراعة وعاش معيشة الاستقرار
(1)
.
(1)
دكتور إبراهيم رزقانة العائلة البشرية ص 643 - 743.
أما المقريزي فإنه تحدث بإسهاب عن هذه الهجرات في كتابه "البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب"، وقد عدَّد لنا القبائل العربية بمصر بقوله: "ولما قدم الغز صحبة أسد الدين شيركوه إلى مصر كان بأرض مصر من العرب طلحة وجعفر وبلِّي وجُهينة ولخم وجُذام وشيبان وعُذرة وطيئ وسُنبس وحنيفة ومخزوم، وفي جرائد الدولة الفاطمية منهم ألوف
(1)
.
ومن النصوص التي تؤكد نزول أعداد هائلة من القبائل العربية في أرض الكنانة ما قاله الكندي في كتابه "الولاة والقضاة":
"إنه على عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك قدمت إلى مصر جموع من القبائل القيسية، فقد وفد عليها مائة أهل بيت من بني نصر، ومائة أهل بيت من بني عامر، ومائة أهل بيت من أفناء هوازن، ومائة أهل بيت من بني سُلَيْم، ونزلوا بلبيس وقد أمرهم هشام بالزرع واشترط عليهم ألا ينزلوا الفسطاط. وعندما مات هشام كان ببلبيس وحدها الف وخمسمائة أهل بيت "من قيس"، ثم أردف الكندي بقوله: "إنه على عهد الخليفة الأموي مروان بن محمد نزل مصر ثلاثة آلاف أهل بيت"
(2)
.
ولكي تكون دراستنا لموضوع هجرات هذه القبائل دراسة وافية ينبغي أن نرتب مراحل الهجرات ترتيبًا زمنيا.
أولًا - في العصور القديمة
لاحظ "أليت سميث" أن التكوين الجسماني للعرب الحديثين الذين يسكنون اليمن والحجاز والبدو الرحَّل الذين يفدون إلى مصر بين آن وآخر لا يختلف عن النماذج الجنسية التي عرفت من البقايا العظمية لسكان مصر في عصر ما قبل الأسرات، فإذا كان هؤلاء العرب الحديثون هم سلالة أولئك الذين كانوا يسكنون شبه جزيرة العرب منذ أقدم العصور البشرية، فإنه من الصعب أن نميز بين الهياكل البشرية المصرية وبين الهياكل العربية. وقد لوحظ فوق هذا أن جزءًا كبيرًا من العرب الحديثين يتفق في شكله مع سكان مصر في عصر ما قبل الأسرات، ومن
(1)
المقريزي: البيان والإعراب ص 33.
(2)
الكندي: الولاة والقضاة ص 26 - 77.
ثم ليس هناك شك في أن اتصالًا وجد بين العنصرين منذ أقدم العصور البشرية
(1)
.
وقد ظهر أن العرب كانوا قبل الإسلام يسكنون مدينة قفط، وفي ذلك قال أسترابون المؤرخ اليوناني أن نصف سكانها منهم، وربما أخذوا كلمة "قِبَط" من النسبة إلى هذه المدينة القديمة الواقعة في طريق الحجاز.
كما ذهب بعض المؤرخين العرب الحديثين الذين توفروا على دراسة تاريخ عمرو بن العاص إلى أنه سلك طريقًا بدويا يستطيعه البدو واستطاعوه في قديم الزمن، ولا يزال سكانه منذ عرفه التاريخ بدوًا يشعرون بعصبية القرابة لهذا الفاتح الجديد.
ومن الجماعات العربية التي استقرت قبل الإسلام في شرق الدلتا قوم يقال لهم "اليشموريون" انحدروا على أرجح الأقوال من سلالة العمالقة الأقدمين، وقد كان لهؤلاء اليشموريين مواقع استطلاع وعبور في هذه المنطقة، إذ كانوا يسكنون المراعي الواسعة على تخوم الصحراء بين البحيرات الشمالية وأودية الجنوب، وكان اليشموريون يعاونون العرب الفاتحين كما عاونهم عرب الصحراء في الشام على اختلاف العقيدة والمقام، وإذا لاحظنا أن بادية الفيوم كان يسكنها أناس يتكلمون بلهجة يشمورية علمنا أن أقسام البادية العربية لم تتغير كثيرًا من قديم الزمن، وأن عمرو بن العاص قصد إلى الفيوم قبل فتح منف على علم بأصول هذه السلالة كما يقول العقاد في كتابه "عمرو بن العاص" ص 77، 97، 104، 105.
هذا الإضافة إلى ما ذكره عباس عمار في كتابه "المدخل الشرقي لمصر أو أهمية شبه جزيرة سيناء كطريق للمواصلات ومعبر للهجرات البشرية"، من أنه:
"يأتي الإسلام وسيناء ينزل على حدودها ويمتد إلى بعض نواحيها الشرقية قبائل كهلانية من غسَّان ولخْم وجُذام. فلما امتدت الفتوحات الإسلامية شمالًا كان لا بد أن يتفرق النصارى من أولئك العرب، ومنهم غالبية غسان فينزل جزء منهم أرض الجفار في شمال سيناء حتى كان منهم حكام تنيس نفسها. وقد ذكر مؤرخو الفتح الإسلامي لمصر كيف أن الحصون على طريق الرمل الشمالي في سيناء كرفح
(1)
دكتور رزقانه: العائلة البشرية ص 345، 346.
والعريش والواردة والبقارة وغيرها قد سكنها قوم من هؤلاء العرب المتنصرة يؤدون المال للمقوقس، كما ذكروا أن النجدة التي أرسلها عمر بن الخطاب عبر وسط سيناء لمساعدة عمرو بن العاص قد قابلت جمعًا هائلًا يقرب من ثلاثة آلاف سألوهم فإذا هم من عرب غسان ولخم وعاملة"
(1)
.
ولعلَّ الامتزاج التاريخي الطويل مدى الآف السنين بين جنوب غرب آسيا وشمال شرق إفريقيا مما جعل أهل المنطقة كلها شعبًا واحدًا، يحس بشعور واحد متجاوب، لعلَّ هذا الامتزاج هو الذي جعل أقباط مصر يستقبلون قدوم العرب بمثل ذلك الترحاب رغم اختلاف الدين. بينما وقف هؤلاء الأقباط قبل ذلك بقرنين اثنين موقفا عدائيا جبارًا من حكام مصر المسيحيين البيزنطيين عقب نفي البطريق المصري عام 451 م وموته في المنفى عام 454 م، وتعيين أحد أعوان البيزنطيين "بروتيريوس" خلفًا له بين عامي 452، 457 م رئيسًا لكرسي الإسكندرية، إذ إن المصريين أبوا الرضوخ لذلك واختاروا مصريا لتولي الكرسي البطريركي هو ثيموثاوس، ولما عزل بالقوة اشتعلت ثورة المصريين، وكادوا يجهزون على الإسكندرية ثم اغتالوا بروتيريوس صنيعة الغاصب وجرّو جثمانه في طرقات الإسكندرية وأحرقوه وذروا رماده في الهواء
(2)
.
وهكذا يبدو لنا الفرق واضحًا بين معاملة المصريين للعرب الفاتحين وبين معاملتهم لغير العرب من فرس أو روم.
ومما لا شك فيه أن العرب الفاتحين هم أول من تسمَّى بالمصريين ولم يأنفوا من مساواة أبناء البلاد بالانتساب إليها كما أنف الرومان واليونان من قبلهم
(3)
.
ولعلَّ حديث هاجر أم إسماعيل عليه السلام، ومارية القبطية زوجة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلَّ هذا الحديث هو خير ما يؤكد صلات الأرحام التي ربطت بين القبط والعرب على طول فترات التاريخ ووشائج القربى التي جمعت بينهم منذ أقدم العصور البشرية.
(1)
محمود كامل: عروبتنا ص 50، 51.
(2)
محمود كامل: عروبتنا ص 52، 53.
(3)
محمود كامل: نفس المصدر 5.
فإن هاجر أم إسماعيل مصرية صميمة، ونحن نعرف أن إبراهيم عليه السلام ارتحل مع زوجته سارة من العراق إلى فلسطين ثم إلى مصر فأهدى إليه ملكها هاجر فتزوجها وولدت له إسماعيل، فصاحب إبراهيم هاجر وابنها إلى بلاد العرب وأنزلهما بالوادي الذي تقوم به مكة اليوم، وتزوج إسماعيل فتاة من جُرهُم ولدت له اثنى عشر ولدًا هم آباء العرب المستعربة أو القيسية، وهؤلاء ينتمون من ناحية خؤولتهم في جُرهُم إلى العرب أبناء يعرب بن قحطان، وينتمي أبوهم إسماعيل من ناحية خؤولته إلى مصر.
وفي سنة 726 م عندما أرسل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه إلى الأمراء والملوك يدعوهم إلى الدين الجديد، كان المقوقس حاكم مصر صاحب أجمل رد على رسالة النبي وكان أكثرهم ودا ومجاملة، فقد بعث مع حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى رسول الله يقول له فيه: إنه يعتقد أن نبيا سيظهر كما بعث بهدايا كثيرة، وقد اصطفى الرسول صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وتزوجها، فولدت له إبراهيم
(1)
.
ثانيًا - في العصور الوسطى
بالفتح العربي الإسلامي بدأت مصر تدخل في مرحلة هامة من تاريخها. فمنذ ذلك الوقت بدأت ترسخ فيها دعائم القومية العربية على أسس متينة وقواعد مكينة، ولعلَّ من أهم الأسس التي أعطت لمصر وجهها العربي المشرق تلك اللهجات العربية النشطة التي شغلت الفترة التالية للفتح.
وإذا أردنا أن نتتبع حركة توافد العرب على مصر في هذه المرحلة الهامة لوجدنا أنه عندما تقدم عمرو بن العاص إلى أرض الكنانة فاتحًا كان معه جيش يتراوح عدده بين ثلاثة وأربعة آلاف ثم لحقت به أربعة آلاف أخرى، ثم وصل الزبير بن العوام ومعه اثنا عشر ألف مقاتل. وكانت قبيلتا لخَمْ وجُذَام ممثلتين في الجيش العربي أظهر تمثيل، ثم أرسل عمر بن الخطاب، عبد الله بن سعد بن أبي سرح لغزو النوبة وكان معه عشرون ألف مقاتل، وخلال حكم 83 حاكمًا عربيا
(1)
محمد فرج: عمرو بن العاص 146، 147. (طبع ونشر دار الفكر العربي 1379 هـ/1960 م).
توالت هجرات القبائل
(1)
وفي ذلك يقول عباس عمار في كتابه "المدخل الشرقي لمصر" ص 104، 107: إن سيناء أصبحت طوال القرون الإسلامية الأولى طريق مرور فقط تعبرها القبائل بشكل لم تعهده في فترات التاريخ السابقة، وكان من الاسباب الهامة الدافعة إلى تدفق القبائل إلى مصر عبر شبه الجزيرة مجيء الوالي الجديد الذي كان يرافقه جيش يقرب من 20000 مقاتل غالبيتهم من العرب؛ والذي كان وجوده في الحكم مشجعًا للقبائل التي ينتمي إليها على أن تهاجر إلى مصر كما يدل على ذلك تحليل القبائل المختلفة التي هبطت مصر في عهود الولاة المتتابعين
…
"
(2)
.
ومن المعروف أنه في عهد الدولة الأموية وفدت إلى مصر جموع من قريش معظمهم من بني أمُية وجموع من قَيْس عَيْلان ومن جُهَيْنة ومن الأَزْد ومن حِمْيَر ومن لخَمْ.
وفي العهد العباسي وفدت جموع من بني العباس ومن تَمِيم ومن الأَزْد ومن طَيِّئ ومن لخَمْ ومن مَذْحِج ومن بُجَيْلة ومن حِمْيَر
(3)
. ولما بدأت العناصر غير العربية تحكم مصر بعد ذلك وبالتالي لم يعد هؤلاء الحكام يحابون العرب كما حدث أثناء حكم أحمد بن طولون 257 - 271 هـ (870 - 884 م) بدأت القبائل العربية التي كانت قد هاجرت إلى مصر تهاجر من جديد إلى شمال إفريقيا وإلى السودان.
ولما تولى الفاطميون حكم مصر سنة 363 هـ (973 م) عاد الحكم العربي الصميم ورأى الخلفاء الفاطميون في القبائل العربية المستقرة بسورية على حدود مصر الشرقية مصدر خطر على حكمهم الجديد في شمال وادي النيل، فانتهوا إلى تشجيع القبائل على الهجرة إلى مصر
(4)
.
ولكن عندما قبض المماليك على زمام الحكم في مصر بعد انتزاعه من العرب اصحاب السلطان أصلًا، بدأت تنقلب الأحوال وتتغير معايير الأمور، فإن المماليك
(1)
أحمد لطفي السيد، قبائل العرب في مصر ج 1 ص 9، 10.
(2)
محمود كامل: عروبتنا، ص 57.
(3)
أحمد لطفي السيد: قبائل العرب في مصر، ج 1 س 9، 10.
(4)
محمود كامل - عروبتنا، ص 58.
وبخاصة المماليك البحرية نظروا إلى العرب كعنصر غير مرغوب في بقائه في البلد الذي آلت إليهم مقاليد حكمه، فقد تملك المماليك خوفًا وقلقًا من قيام العرب بإشاعة الفتن والثورات.
وبذلك فإننا نجد أن الهجرات العربية إلى مصر في هذه الفترة لم تنعدم فحسب، بل تحولت إلى موجات من الفارين منها بسبب اضطهاد المماليك للعناصر العربية
(1)
.
ولعلَّ من أهم المراجع التي يمكن الاعتماد عليها في موضوع الهجرات العربية كتاب "البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب"، الذي كتبه المقريزي وعثرت عليه الحملة الفرنسية فأخذت النسخة معها، ولخص كاترميرا (Quateremere) ما فيه في كتابه: Memoire sur les Tribus Arabes etablis en Egypt " مذكرة عن القبائل العربية المقيمة في مصر" ثم أصبحت هذه الوثيقة عمدة الكُتَّاب الأجانب عن القبائل العربية في مصر
(2)
.
لقد قسَّم المقريزي هذه القبائل في مصر إلى ثلاثة أقسام، ويمكننا عند دراسة هذه القبائل أن نسير على نهجه في هذا التقسيم:
(أ) القبائل القحطانية (اليمنية)
.
(ب) القبائل العدنانية (القيسية).
(جـ) قريش.
(أ) القبائل القحطانية (اليمنية).
1 -
جُذام بن عدي وقد جاءت جُذام في الفتح مع عمرو بن العاص وسكنت في ضنطفة شرق الدلتا وكانت هي أكبر أنداد قيس في هذه المنطقة، ومن بطون قبيلة جُذام بنو حرام الذين يقطنون في الوقت الحاضر محافظة المنيا
(3)
.
(1)
محمود كامل: عروبتا، ص 59
(2)
محمود كامل: نفس المصدر، ص 58
(3)
عمر رضا كحالة: معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، ج 1 ص 752.
2 -
طَيِّئ وهي من أكبر القبائل التي نزلت بمصر.
3 -
بلِّي وجُهَيْنة وترجع القبائل الجُهَنية بنسبها إلى عبد الله الجهني الصحابي، وجُهَيْنة وبلي من قُضَاعة اليمنية
(1)
.
4 -
لخَمْ وهو أخو جُذَام، وكان للخميين مُلك بالحيرة وهم ينسبون إلى كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ومن بطون لخم قبيلة بني مُر التي نزلت بأسيوط
(2)
، وما زالت قرية بني مُر في محافظة أسيوط تحمل اسم هذه القبيلة حتى اليوم، وإليها ينسب رائد القومية العربية وزعيم نهضتنا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وكذلك هبطت مصر مع الفتح قبائل قحطانية عديدة منهم بنو حمدان من ذي الأصبح، ويذهب أبو صالح الأرمني إلى أن الجيزة بنيت خصيصًا لهم، ومنهم الأنصار من الأزد وكانت ديارهم بحري منفلوط وما زالت حتى الوقت الحاضر إحدى قرى محافظة أسيوط تحمل اسم الأنصار
(3)
. ومن القبائل اليمنية أيضًا بنو كِنَانة عُذرة وكانوا في الدقهلية، ومنهم بنو بهراء
(4)
الذين ينسب إليهم المقداد بن الأسود أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ب) القبائل العدنانية (القيسية):
1 -
قَيْس عَيْلان، وقد نزل من القبائل القيسية عدد كبير وخاصة على عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك وواليه ابن الحبحاب الذي أقطعهم أرضا في بلبيس.
2 -
فَزَارَة، وقد رافقت فزارة بني هلال في دخولهم مصر في القرن الحادي عشر الميلادي.
3 -
هلَال وسُلَيْم، وينتسب الهلاليون إلى هِلَال بن عَامِر بن صَعْصَعة بن مُعاوية بن بَكر هوَازن بن منصُور بن عكْرمَة بن خَصَفَة بن قَيسْ عَيلان بن مُضَر،
(1)
دكتور محمد عوض محمد: السودان الشمالي (سكانه وقبائله) ص 210.
(2)
عمر رضا كحالة: معجم قبائل العرب، ج 1 ص 1063.
(3)
خريطة طرق مواصلات الوجه القبلي مصلحة المساحة 1955 (52/ 279).
(4)
أحمد لطفي السيد: قبائل العرب في مصر ج 1 ص 41 - 51.
أما قبائل سُلَيْم فإنها تنتسب إلى سُلَيْم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مُضَر.
وقد دعاهم الخليفة الفاطمي للنزول بمصر في أواخر القرن الرابع الهجري فهبطوها وأنزلهم الصعيد، غير أن بعض الإضرابات والقلاقل حدثت بعد ذلك في بلاد المغرب ضد الحكم الفاطمي فوجه المستنصر بالله أحد الخلفاء الفاطميين جموعًا غفيرة من بني هلال وبني سُلَيْم ومعهم عديد من القبائل العربية بمصر، وجههم جميعًا نحو المغرب وقال لهم:"قد أعطيتكم المغرب ومُلك المعز بن باديس العبد الآبق، كما كتب الوزير اليازوري إلى المغرب "أما بعد .. فقد أنفذنا إليكم خيولًا، وأرسلنا عليها رجالًا كهولًا، ليقضي الله أمرًا كان مفعولا".
فانتشروا كالجراد واستقر كثير منهم في طول شمال إفريقيا
(1)
. ولكن كثيرًا من قبائل هلال وسُلَيْم عادت مرة أخرى إلى مصر في مطلع القرن الثاني عشر الهجري (القرن الثامن عشر الميلادي) حيث استقرت على ضفاف النيل مرة ثانية
(2)
.
4 -
ربيعة وكنز وأصلهم من ربيعة بن نزار، وقد بسطت ربيعة نفوذها على سكان منطقة النوبة حتى كونوا هناك شبه أرستقراطية حربية، وفي سنة 412 هـ (1020 م) ظفر شيخهم أبو المكارم هبة الله "الأهوج المُطاع" بأبي ركوة الأموي الخارج على الحاكم بأمر الله الفاطمي فمنحه الحاكم لقب "كنز الدولة" وأضحت ربيعة تسمي نفسها بني كنز
(3)
. وقد ذكر الدكتور/ محمد عوض: "كما أننا نجد بين الكنوز في الوقت الحاضر في كثير من الأحيان أشخاصًا يمتازون بالملامح العربية الوسيمة"
(4)
.
(جـ) قريش:
وقد تكلمنا عنهم في فصل خاص (انظر عنهم في المجلَّد الأول من موسوعة القبائل العربية).
(1)
الحبوني: أنساب قبائل العرب ص 41 - 18.
(2)
أحمد لطفي السيد: قبائل العرب في مصر ج 1 ص 19 - 22.
(3)
أحمد لطفي السيد: قبائل العرب في مصر ج 1 ص 25 - 61.
(4)
دكتور محمد عوض محمد: السودان الشمالي (سكان وقبائله) ص 304.
القبائل العربية القديمة في مصر بعد الفتح العربي
(1)
القبائل العدنانية
تمهيد:
تنسب القبائل العربية التي عاشت في النصف الشمالي من شبه جزيرة العرب، والتي تتكون من العرب المستعربة، إلى عدنان، باعتباره جدها الأعلى. وكان ذلك القسم الشمالي من الشعب العربي ينقسم بدوره إلى قسمين عظيمين هما: مُضَر، وربيعة. ثم يعود كل من هذين القسمين فينقسم أقساما أخرى أصغر. ونتناول بالحديث الآن هذه الاقسام جميعا مرتبة ترتيبا تنازليا:
القسم الأول: قبائل مُضَر
امتاز هذا القسم بالضخامة حتى لقد قيل: أكثر من ربيعة ومضر
(2)
، وهيأت هذه الكثرة العددية التفوق المادي والأدبي لقبائل مضر، فكانت أهل الكثرة والغلب بالحجاز من سائر بني عدنان، وكانت لهم الرياسة بمكة والحرم
(3)
. وفي الإسلام ظهر منهم جماعة من العلماء والمحدثين من المتقدمين والمتأخرين
(4)
.
وقدمت قبائل من مضر، كما سنرى في جيش عمرو الذي فتح به مصر. وقد اختطت هذه القبائل - أي اتخذت مساكنها - بالفسطاط في أسفل الشرف - أو
(1)
قبائل مصر في القرون الثلاثة الأولى للهجرة للدكتور عبد الله عمر خورشيد.
(2)
السمعاني - الأنساب: ص 533 أ.
(3)
القلقشندي. نهاية الأرب ص 340.
(4)
السمعاني: الأنساب ص 533 أ.
التل - المطل على بركة الحبش، وهو التل الذي أقامت على سفحه. قبائل حِمْيَر والمعافر القحطانية
(1)
.
ويبدو أن قبائل مُضَر بعامة فقدت جانبا من قوتها مع الزمن، أو أنها كانت بإقامتها في مصر أسرع من غيرها إلى التخلص من عنف البداوة، والأخذ بأسباب النظام والقانون، فحينما رفضت قبيلة المعافر استعمال المدى الذي أراد الخليفة هشام أن يوحد به المكيال في خلافته سنة 117 هـ وكحسرته افتخر الشاعر المعافري بهذا السلوك العنيف ضد الخليفة القوي.
من بعد ما ذلت له
…
أعناق يعرب بل مُضَر
(2)
وقد حفظ لنا اسم أحد عرفاء مضر، شعبة بن عثمان التميمي (ت 133 هـ) أول من قدم مصر من قواد المسودة (العباسيين)، وكان على مقدمة عامر بن إسماعيل المرادي الجرجاني. ولا نستطيع اتخاذ هذا دليلا على انحياز مُضَر إلى العباسيين عند ذاك، فإن شعبة نفسه قد ضرب صالح بن علي - أمير مُضَر - عنقه سنة 133 هـ؛ لأنه تستر على أحد الأمويين الهاربين
(3)
.
وفي كل حال فإن بعض القبائل المُضَرية كان من بين القبائل العربية الكثيرة التي سارت إلى الجنوب بحثا عن الذهب في منطقة العلاقي
(4)
، والتي أقامت بأسوان وملكت الضياع في بلاد النوبة منذ صدر الإسلام في دولة بني أمية وبني العباس
(5)
.
هذا عن قبائل مُضَر ككل. ونناولها الآن بالتفصيل الذي يتيح لنا أن نرى إلى نسبتها العددية، وتحركاتها، وأثرها في الحياة المصرية في الفترة التي نعني ببحثها.
تنقسم مضر قسمين كبيرين هما: خِنْدف، وقيس.
(1)
ابن عبد الحكم. فتوح مصر ص 126 - 127، علي بهجت: حفريات الفسطاط ص 22.
(2)
الكندي: الولاة: ص 79.
(3)
الولاة ص 99، وابن تغري بردي: النجوم الزاهرة ج 1 ص 2 - 3.
(4)
اليعقوبي: كتاب البلدان: ص 123.
(5)
الخطط ج 1 ص 197 - 198.
أولا - خِنْدف
تنقسم بدورها قسمين كذلك:
بنو مدركة
، وبنو طابخة.
1 -
بنو مدركة
جاء إلى مصر من بني مدركة القبائل الآتية:
هُذَيل:
تفرقت هذه القبيلة في البلاد بعد الإسلام
(1)
. وجاء قسم منها إلى مصر، فكان لها خطة بالفسطاط
(2)
، في الحمراوات الثلاث
(3)
، وهي خطط القبائل من غير الجنس العربي من الروم والفرس
(4)
.
وكانت هذيل تترك خطتها هذه مرة على الأقل كل عام، وتتجه نحو الشمال ذاهبة إلى بنا وبوصير
(5)
(مركز سمنود، محافظة الغربية)
(6)
، حيث كانت تأخذ مرتبعها أي ترعى دوابها في الربيع. في حين اتجهت طائفة منها - في وقت متأخر أغلب الظن أنه يقع فيما بين منتصف القرنين الرابع والخامس - إلى الجنوب حيث أقامت في طوخ الخيل
(7)
، قرية بالصعيد في غربي النيل (مركز المنيا)
(8)
. وعلى شواهد القبور ما يشير إلى ذلك. فهناك شاهدان يرجعان إلى أواسط القرن الثالث الهجري، لاثنين من هذيل أحدهما بالفسطاط والثاني بالصعيد
(9)
.
(1)
الأنساب ص 588 ب.
(2)
فتوح مصر ص 117.
(3)
ابن دقماق: الانتصار ج 4 ص 5.
(4)
فتوح مصر ص 129، وحفريات الفسطاط ص 22.
(5)
فتوح مصر ص 141.
(6)
Amelineau. P.9 والدليل الجغرافى ص 177، ويلاحظ أننا استبدلنا كلمة "محافظة" لكلمة "مديرية" تمشيا مع القانون الخاص بذلك، قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 196.
(7)
نهاية الأرب ص 348.
(8)
ياقوت معجم البلدان ج 6 ص 66 والدليل الجغرافي ص 293
(9)
200 - 199 - 32 - 31 Rep . chro ll.pp.
ومن شخصيات هذيل البارزة بمصر بدر بن عامر وهو شاعر مخضرم
(1)
، ومنصف بن خليفة له شعر في مدح ابن طولون سنة 269 هـ
(2)
.
وكان لهُذَيْل في مصر بطون انتسب إليها أبناؤها بالرغم مما زعمه ابن عبدربه من أن بطون هذيل كلها لا تنتسب إلى شيء منها، وانما تنتسب إلى هذيل لأنها - أي هذيل - ليست جمجمة
(3)
.
وبطون هذيل بمصر في كل حال هي:
(أ) زليقة:
منها عطاء بن رافع (ت 84 هـ)، كان من قواد الأسطول المصري
(4)
.
(ب) خناعة:
منها عطاء بن دينار (ت 126 هـ) من صغار التابعين بمصر من الموالي
(5)
.
والذي نستطيع أن ندركه بعد هذا هو أن قبيلة هذيل كانت بمصر محدودة الأهمية، مثلما كلانت محدودة العدد، وأنها ظلت ظاهرة بمصر حتى القرن الثالث.
كنانة:
قبيلة عربية كبيرة كانت مضاربها عند بدء الإسلام في المنطقة حول مكة
(6)
. وتستمد كنانة أهميتها من أن قبيلة قريش؛ والنبي بالتالي؛ منها. وبالرغم من أن بطوفا مختلفة من كنانة قد هاجرت في فترات متفاوتة - كان آخرها في القرن السادس الهجري - إلى مصر، حيث أقامت في غربي الدلتا وفي الصعيد قرب
(1)
السيوطي: حسن المحاضرة ج 1 ص 76.
(2)
الولاة ص 228.
(3)
العقد الفريد ج 2 ص 218.
(4)
الأنساب ص 277 أ.
(5)
المصدر نفسه ص 208 أ، ونهاية الأرب ص 208، وحسن المحاضرة ج 1 ص 109.
(6)
1018 - 1017 Ency. Isl. II. p.p
إخميم
(1)
، فإن هذه القبيلة - إذا نظرنا إليها في غير بطونها التي مثلتها في مصر - تبدو في الفترة التي ندرسها غامضة غير محسوسة الأثر. فليس لدينا من شخصياتها التاريخية سوى رجل واحد هو الدحامس بن عبد العزيز الذي قاد جماعة من قيس منضما إلى عمرو بن سهيل الأموي في الثورة على مروان الحمار سنة 132 هـ ونزلوا الحوف الشرقي وأظهروا الفساد
(2)
. وحتى هذا الرجل نشك في كونه من كنانة مدركة التي نتحدث عنها الآن، ونميل - اعتمادا على ما نعرف من طبيعة ثورات أهل الحوف التي كان يقوم بها قبائل قيسية ويمنية بالذات - إلى الظن بأن الدماحس هذا كان من كنانة كلب القبيلة القضاعية. أما شواهد القبور فتشير إلى وجود عدد كبير نسبيا من هذه القبيلة بمصر في أواسط القرن الثالث الهجري
(3)
.
وبالرغم مما يلاحظه مكمايل
(4)
من أن تاريخ هجرة كنانة إلى مصر ومداها كليهما غير مؤكد فإننا نستطيع أن نطمئن إلى وجودها من بين قبائل الفتح على الأقل ممثلة في بطونها
(5)
التي سوف نتحدث عنها بالتفصيل بعد قليل. ثم كانت كنانة من القبائل التي هاجرت - ولو جزئيا - من الفسطاط إلى منطقة الأشمونين، حيث أقامت مع قريش التي تركزت في هذه المنطقة منذ القرن الثالث على الأقل
(6)
.
وفي تاريخ يجيء بعد قيام الدولة الفاطمية، أي بعد منتصف القرن الرابع الهجري، هاجرت كنانة بصورة واسعة من الحجاز - ومعها جماعة من أخلاط
(1)
1018 - 1017. Ency. Isl. II.P.1017
(2)
الولاة ص 64.
(3)
208 - 158، 109 - 108، 9. Rep.Chro.II PP.
(4)
.141. Macmichael.I.P
(5)
نهاية الأرب ص 330.
(6)
أوراق البردي ج 1 ص 74، وتناولنا مسألة تحرك قريش بالتفصيل ص 86 - 9 من هذا البحث.
العرب - إلى مصر. ويبدو أن كنانة اتجهت عند ذاك مباشرة إلى بلاد قريش أي منطقة الأشمونين اعتمادا على الصلات القديمة بينها وبين قريش. ولكن قريشا لم تمكنهم من التعدية إلى بلاذها إلا بوساطة بني إبراهيم بن محمد وهم من سلالة جعفر الطيار
(1)
. ويبدو أن هذه الهجرة كانت بداية، أو إحدى الهجرات التي انتشرت كنانة عن طريقها في غربي مصر وفي صعيدها كما سبق القول.
ولكنانة بطون كبيرة بلغت درجة القبائل الكبرى التي تتكون من عدة بطون، ولكننا نرجئ الحديث عنها لحظة لنذكر البطون الصغيرة الآتية:
(أ) العقب:
يظن السمعاني
(2)
أنه بطن من كنانة، ويذكر منه فضل بن عمير (ت 197 هـ) من أهل مصر، محدث، ولي القضاء بإحدى كور مصر.
(ب) كنانة طلحة:
ذكرهم القضاعي في خطط مصر، وقال: إن منهم أخلاطا في بلاد قريش
(3)
.
(جـ) جرش:
لا نعرف عن هذا البطن سوى ما ذكره ابن دقماق (ج 4 ص 3) من أنه من كنانة، من أهل الراية.
وننتقل إلى بطون كنانة الكبرى، وسنعاملها من حيث الترقيم معاملة القبائل المستقلة.
فهر:
ليس لدينا قبيلة ذات كيان خاص تحمل هذا الاسم، فالمعروف أن فهرًا هو
(1)
البيان والإعراب ص 40.
(2)
الأنساب ص 394 ب.
(3)
نهاية الأرب ص 330.
جماع قريش منه تفرقت بطونها
(1)
. وعندما نتحدث عن الفهريين، أو بني فهر، فإنما نعني في الواقع ذرية الحارث ومحارب ابني فهر وهم قريش الظواهر لأنهم نزلوا حول مكة وليست لهم
(2)
. أما ذرية الابن الثالث، غالب، فهم قريش، قريش البطاح
(3)
.
يبدأ موكب الفهرين في مصر منذ اللحظة الأولى. فهم لهم دار باسمهم في الفسطاط
(4)
. ونرى من شخصيات الفتح يزيد بن أنيس وولديه
(5)
، والمستورد بن سلامة الصحابي (ت 45 هـ بالإسكندرية)
(6)
، وعقبة بن الحارث (ت 58 هـ بمصر) الصحابي المقرئ الفقيه المحدث الأمير
(7)
. ولعل عبد الرحمن بن جحدم هو أهم الفهريين في مصر على الإطلاق وإن كان لم يقم بها، فإن حروبه بها واستيلاءه عليها باسم ابن الزبير (64 - 65 هـ) من أهم الحوادث في تاريخها
(8)
.
ومن بني فهر كانت في مصر أسرة نشأت بها مع الفتح، وظل أفرادها حتى أوائل القرن الثالث يلعبون على مسرح الحياة المصرية أهم الأدوار أولئك هم بنو نافع بن عبد قيس. وكان نافع نفسه ممن شهد الفتح
(9)
. وشهده معه ابنه عقبة (ت 63 هـ)، الذي اختط بمصر، واضطلع بالمهمات الحربية الخطيرة، وولي المغرب
(10)
. وكان ابنه عياض ممن لحق بابن الزبير من أهل مصر سنة 64 هـ
(11)
.
(1)
البيان والإعراب ص 40.
(2)
العقد الفريد ج 2 ص 206.
(3)
المصدر نفسه ج 2 ص 307.
(4)
الانتصار: ج 4 ص 11، 12.
(5)
فتوح مصر: ص 135 - 136 وحسن المحاضرة ج 1 ص 93، 100.
(6)
حسن المحاضرة ج 1 ص 98.
(7)
المصدر نفسه 1: 92. ويلحظ أن السيوطي يذكره خطأ بدلا من عُقبة بن عامر الجهني.
(8)
الولاة ص 41 - 43، والخطط ج 4 ص 340.
(9)
النجوم ج 1 ص 20، 21.
(10)
فتوح مصر ص 194 - 199، والولاة 32 - 33. والأنساب 497 ب.
(11)
الولاة: ص 41.
وكذلك فعل ابنه أبو عبيدة الذي كان قائدًا للمصريين في غزوة القسطنطينية سنة 100 هـ
(1)
، فضلًا عن أنه كان من مشاهير التابعين بمصر
(2)
. وكان نافع بن أبي عبيدة قائدًا بحريا كأبيه
(3)
. ثم لعب آل نافع بن عبد قيس هؤلاء دورا مهما في الصراع الأخير بين الأمويين والعباسيين، فقد لحق الأسود بن نافع - أحد أحفاد نافع بالإسكندرية - فسود بها - أي لبس السواد علامة انضمامه إلى العباسيين - سنة 132 هـ، واشتبك مع قائد مروان الحمار في معركة دارت رحاها في الكريون (ذو القعدة سنة 132 هـ) وقتل فيها عمه عيسى بن عبدة
(4)
. وقد أحسن العباسيون مكافأة الأسود بعد انتصارهم
(5)
. وإذا كانت أسرة نافع التي بدأت أموية قد انتهت بالتحول إلى جانب العباسيين فإن الأدوار التي مرت بها الحياة المصرية بعد ذلك جعلت أحد أفرادها - ابن عبيدس
(6)
، من ولد عُقبة بن نافع - يتزعم أهل نتوتمي - بحوف مصر الشرقي، من أسفل الأرض
(7)
- في ثورة أسفل الأرض الكبرى سنة 216 هـ
(8)
، وأن اشتراك ابن عبيدس في هذه الثورة التي ضمت سكان الدلتا جميعهم - عربا وقبطا - لدليل على مدى اقتراب هذه الأسرة بخاصة والعرب بعامة من الشعب المصري - القبط - اقترابا يظهر في وحدة المصالح التي دفعتهم إلى التشارك في الثورة على أداة الحكم.
وإلى جانب هذه الشخصيات البارزة من الفهريين الأصليين نجد بعض الشخصيات المهمة من مواليهم. فهناك يعقوب القبطي رسول المقوقس إلى
(1)
المصدر نفسه: 41، 69.
(2)
حسن المحاضرة ج 1 ص 107.
(3)
الولاة ص 80.
(4)
الولاة ص 65 - 96، 101.
(5)
المصدر نفسه: ص 101.
(6)
ذكر باسمه عبدوس الفهري في الطبري ج 7 ص 191، 192 والنجوم ج 2 ص 216.
(7)
معجم البلدان ج 2 ص 366، 412.
(8)
الطبري ج 7 ص 191، 192، الولاة ص 109، 192، والنجوم ج 2 ص 215، 216.
النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
. وولده مسلم
(2)
، وحفيده إبراهيم كان فقيها
(3)
. ولكن لا جدال في أن عبد الله بن وهب - الفقيه المالكي المصري العظيم (125 - 197 هـ)
(4)
- هو أعظم موالي فهر على الإطلاق. وهناك كذلك ابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب (ت 264 هـ) كان محدثا ثقة
(5)
.
لعل لنا الحق، بعد هذا العرض السريع لبني فهر في مصر أن نحكم بأنهم كان لهم طوال القرنين الأولين أثر بارز موجه في الحياة المصرية سياسيا ودينيا وفكريا واجتماعيا، ومن الواضح أن نفوذهم هذا كان نتيجة مركزهم الأدبي الرفيع، إلى جانب إقامتهم المستمرة في مصر، واتصالهم بالمصرين اتصالا يبدو في أن معظم مواليهم من أصل مصري.
قريش:
قبيلة من كنانة انفصلت عنها قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الوقت
(6)
.
والمعروف أن قصي بن كلاب قام بجمع أولاد فهر بن مالك - وكانوا متفرقين في بني كنانة - إلى مكة من كل أرب، فأصبحوا عندئذ قبيلة واحدة يطلق عليها اسم قريش
(7)
لم تلبث أن تغلبت على خُزاعة وانتزعت منها سدانة الكعبة وحكم مكة
(8)
. فذلك الاسم هو في الواقع جماع نسب، وليس بأب ولا أم ولا حاضن ولا حاضنة
(9)
، فكما تدل كلمة قريش على البطون الكثيرة التي تنضوي تحتها تدل
(1)
الانتصار ج 4 ص 6، والأنساب ص 441 ب، وحسن ج 1 ص 100.
(2)
،
(3)
الأنساب ص 441 ب.
(4)
القضاة ص 410، 414، 417 - 418 وفيات الأعيان: ج 1 ص 312 والأنساب ص 434 ب وحسن ج 1 ص 121.
(5)
الأنساب ص 586 ب وطبقات الشافعية ج 1 ص 199.
(6)
نهاية الأرب ص 321 و 140 Mac. I.p.
(7)
العقد ج 2 ص 202 - 203.
(8)
نهاية الأرب ص 323 و 984. Ency.Isl.II.P.
(9)
البيان والإعراب ص 31.
على نسب عام كذلك؛ ولذلك نبدأ بالحديث عن قريش في مصر بما هي نسب عام يدل على جملة القبائل القرشية التي أقامت بمصر وينتسب إليه بعض الأفراد، فإذا فرغنا من هذا تحدثنا عن القبائل أو البطون القرشية في مصر.
كان عمر بن الخطاب قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلا بإذن وأجل، وقال في تعليل ذلك:"إلا وأن قريشا يريدون أن يتخذوا مال الله معونات دون عباده، إلا فأما وابن الخطاب حي فلا. إني قائم دون شعب الحرَّة آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار"
(1)
. وربما كان هذا هو السبب الحقيقي لقلة القرشيين الذين شهدوا فتح مصر مع عمرو وأقاموا بها على نحو ما سنرى عند دراسة بطون قريش في مصر. ويكفي دليلا على قلتهم أول الأمر أنهم كانوا من أهل الراية
(2)
، أي العرب الذين لم يكن من قبائلهم في جيش الفتح عدد يكفي لاعتبار كل منها وحدة مستقلة فجمعهم عمرو معا وجعل لهم راية خاصة بهم يقفون تحتها
(3)
. أما ما يراه مكمايل من أن القرشيين كانوا ممثلين تمثيلا طيبا عند فتح مصر اعتمادا على أن عمرو بن العاص والزبير بن العوام وآخرين كثيرين من مشاهير الزعماء في الجيش ومعظم الصحابة الذين جاءوا مع عمرو - كانوا من قريش
(4)
فهو أمر لا نميل إلى الأخذ به بعد ما قدمناه.
على أن الأمر لم يستمر هكذا، فإن عثمان بن عفان لم يأخذ قريشا بالذي كان يأخذهم به عمر فانساحوا في البلاد
(5)
. وهنا قد نجد فرصة لما يقوله مكمايل من أن آخرين كثيرين من قريش هاجروا مع الولاة الأمويين والعباسيين المتعاقبين وأن فرقة واحدة منهم على الأقل قد عبرت البحر الأحمر إلى السودان في القرن الثامن الميلادي (82 - 184 هـ)
(6)
.
(1)
الطبري ج 3 ص 427.
(2)
الانتصار ج 4 ص 3.
(3)
فتوح مصر ص 98، 116 - 117.
(4)
141 .. Mac.I.P
(5)
الطبري ج 3 ص 428.
(6)
142 - 141 .. Mac.I.PP
والمسألة البالغة الأهمية في كل حال هي مسألة تحرك قريش في مصر. فمن الثابت أن قريشا اختطت بالفسطاط حول عمرو والمسجد هم والأنصار وبقية أهل الراية (أسلم، وغفار، وجهينة، إلخ
…
)
(1)
وربما كانت قريش تأخذ مرتبعها في كورة منف ووسيم القريبة من الفسطاط حيث كان آل عمرو بن العاص وآل عبد الله بن سعد يرتبعون
(2)
.
وبدأت قريش منذ الربع الأخير من القرن الأول تزحف نحو الجنوب وتقيم في مدن الصعيد الأدنى القريبة من الفسطاط مثل حلوان وأسكر. وكان بنو أمية هم الذين مثلوا قريشا في هذا الزحف. ولما انتهت الدولة الأموية 133 هـ كان للأمويين مراكز ثابتة في الصعيد مثل بوصير قوريدس (محافظة بني سويف) التي قتل فيها آخر خلفائهم. وربما كان فرار الأمويين من وجه العباسيين حينذاك والتجاؤهم إلى مدن الصعيد فرصة كذلك لانتشار القرشيين به. وفي خروج دحية بن مصعب الأموي سنة 167 هـ بأهناس (محافظة بني سويف) وتغلبه على عامة الصعيد دليل على وجود عصبية قرشية قوية هناك
(3)
.
فلما كان القرن الثالث كانت قريش قد تكاثرت في الصعيد تكاثرا ملحوظا، ويقابلنا منها ومن مواليها شخصيات كثيرة طوال ذلك القرن منهم: عبد الواحد الطحاوي (ت 223 هـ)
(4)
وابنه أحمد (ت 244 هـ)
(5)
من طحا (مركز قلوصنا بالمنيا)
(6)
، والبويطي الفقيه الشافعي العظيم (ت 231 هـ) من بويط بصعيد مصر
(7)
وذو النون الأخميمي الزاهد (ت 245 هـ) من إخميم
(8)
. وما كان الثوار العلويون
(1)
فتوح مصر 98، 127.
(2)
المصدر نفسه ص 141.
(3)
انظر بني أمية ص 85 وما بعدها من هذا البحث.
(4)
،
(5)
الأنساب 368 ب.
(6)
Ame.p.472
(7)
الدليل الجغرافي ص 300.
(8)
القضاة ص 433 - 435، 447، معجم البلدان ج 2 ص 311 - 312، وفيات الأعيان ج 2 ص 457، حسن المحاضرة ج 1 ص 123، طبقات الشافعية ج 1 ص 275 - 277.
الثلاثة - ابن الصوفي، وبغا الأكبر، وبغا الأصغر - ليخرجوا في الصعيد ما بين عامي 253 و 255 هـ
(1)
لولا وجود عدد كبير من قريش بخاصة ومن العرب بعامة في الصعيد حينذاك. وإذ كانت شواهد القبور تقوم
(2)
دليلا ماديا على تكاثر قريش بمصر في القرنين الثاني والثالث، فإن أوراق البردي
(3)
تقدم الدليل نفسه على وجودها بالصعيد في القرن الثالث بخاصة.
نستطيع بعد هذا أن نطمئن إلى أن قريشا. كانت في القرن الثالث تقيم إقامة فعلية في الصعيد الأدنى. ولكن في أي أجزاء هذا الصعيد؟
هنا نحب أن نشير إلى أنه أقام بأسوان خلق كثير من قريش ملكوا الضياع بأرض النوبة في صدر الإسلام: في دولة بني أمية وبني العباس
(4)
، كما أن منطقة الأشمونين (في مركز الروضة: محافظة أسيوط)
(5)
أصبح يطلق عليها في وقت متأخر اسم بلاد قريش. وذلك لما سكنتها قريش بعد أن طردت منها قبيلة جهينة بمساعدة الفاطميين. وبما أن هذه التسمية مألوفة جدا لدى القضاعي (ت 454 هـ) في كتابه "المختار في ذكر الخطط والآثار" فإننا نرجح أن تكون هجرة قريش هذه إلى بلاد الأشمونين تمت فيما بين أواسط القرن الرابع (وقت دخول الفاطميين مصر) وأواسط الخامس (زمن وفاة القضاعي) ولكننا نتساءل عما إذا كانت تلك الهجرة فعلية. وأن رواية الحمداني الخاصة بهذه الهجرة
(6)
تجعلنا نظن أن قريشا - أو جزءا منها على الأقل - كانت تقيم بمنطقة الأشمونين فعلا من قبل. ثم حدث خلاف بين قريش وبلي وجهينة سكان تلك المنطقة، فانتهزت الدولة الفاطمية
(1)
الولاة: ص 211 - 214.
(2)
- Rep. Chro. I.pp.50. 54. 57. 76. 109. 124. 222. 294 & II PP. 14. 27. 61. 121. 202. 203. 273.
(3)
أوراق البردي ج 1 ص 73، 105 - 106، 113، 114، 117 وج 2 ص 101.
(4)
الخطط ج 1 ص 197 - 198.
(5)
170. Amelineau. p
(6)
راجع هذه الرواية في نهاية الأرب ص 186 والبيان ص 31.
الفرصة للتخلص من قبائل بلي وجهينة المشاغبة، ولكن بليا خافت بمجرد سماعها بتحرك جنود الحكومة فانهزمت إلى الصعيد. أما جهينة فانتظرت حتى طردت طردا وبذلك بقيت قريش وحدها بالأشمونين التي سارع إلى الانتقال إليها عند ذلك سائر البطون القرشية التي لم تكن أقامت بها بعد.
ومن المهم أن نلاحظ أن هناك بطونا من قريش، لا ذكر لها في أخبار الفتح، نفاجأ بظهورها فيما بعد بصورة قوية. وهذه البطون هي: بنو مخزوم، وبنو تيِّم بن مُرة (البكريون)، وبنو رهرة، وبنو شيبة (من بني عبد الدار)، بنو أسد ابن عبد العزى (الزبيريون)، وبنو مسلمة وبنو حبيب (من المروانيين والجعافرة). وبتأمل هذه البطون - وقد نتحدث عنها في الصفحات القادمة - نلاظ أنها جميعا كانت من سكان منطقة الأشمونين، أو هي بمعنى أصح من القبائل التي هاجرت إلى تلك المنطقة في هجرة قريش الكبرى إليها. ونحن نتساءل: من أين هاجرت هذه القبائل؟ إذا كانت هاجرت من الفسطاط أو غيرها من بلاد مصر فكيف لا نجد لها ذكرا فيما قبل هجرتها تلك التي حددناها بالفترة الواقعة بين أواسط القرنين الرابع - والخامس؟ إن ذلك يحملنا على أن نظن ظنا قويا أن بطونا من قريش قامت بهجرة واسعة النطاق من الحجار إلى مصر بعد الفتح. ولكن متى على وجه التحديد؟ لا نستطيع أن نحدد تاريخا بعينه، ولكننا نستطيع أن نختار القرن الثالث لذلك. وليس بعيدا أن البطون التي كانت تصل إلى مصر عند ذاك كانت تتجه مباشرة إلى بلاد الأشمونين حيث لم نزل تتكاثر إلى أن طردت قبائل بلي وجهينة من هناك واستأثرت هي بالمنطقة.
والذي ننتهي إليه من ذلك كله هو أن قبيلة قريش اتجهت نحو الصعيد منذ القرن الأول اتجاها ظل موصولا طوال القرن الثاني. فلما كان القرن الثالث كانت قريش تقيم في الصعيد الأدنى ابتداء من حلوان حتى الأشمونين. مع ملاحظة أن إقامتها في الأشمونين كانت حتى ذلك الوقت إقامة جزئية، ففي خلال القرنين الرابع والخامس أصبحت قريش جميعها تقيم في منطقة الأشمونين التي أصبحت
منذ ذلك الوقت تعرف باسم بلاد قريش. وأخبار بطون قريش لدى القلقشندي توحي بهذه النقطة الاخيرة إيحاءً قويا
(1)
.
وسوف نرى عند الحديث عن بطون قريش أن هذه القبيلة ظلت تتمتع في مصر بمركز قوي ممتاز. ويكفي أن الولاة كانوا طوال معظم القرون الثلاثة الأولى قرشيين، بل إن حديث القلقشندي والمقريزي عن بطون قريش يظهر في وضوح أن هذه البطون ظلت محتفظة بكيانها ونفوذها حتى وقتهما أي القرن التاسع.
وننتقل الآن إلى ذكر بطون قريش التي أقامت في مصر:
(أ) بنو سامة بن لؤي:
لم يبق لنا من أخبارهم سوى زياد بن ذهل الذي شهد الفتح واختط بالفسطاط
(2)
.
(ب) بنو عامر بن لؤي:
أظهر من كان بمصر منهم بنو مالك بن حسل بن عامر رهط سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
. وأول شخصيات بني مالك هؤلاء وأخطرها هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي دخل مصر مع عمرو بن العاص على ميمنته، ثم شارك عمرا في حكم مصر واليا على الصعيد سنة 23 هـ، ثم انتهى إليه أمر مصر كله صلاتها وخراجها سنة 25 هـ. ومثلما كان حاكما رشيدا كان قائدا عظيما انتصر في ثلاث حروب كبار ضد البربر في إفريقية سنة 27 هـ، وضد الأساود في النوبة سنة 31 هـ وضد البيزنطيين في البحر سنة 34 هـ. ثم رأس وفدا من وجوه مصر إلى عثمان سنة 35 هـ لما أطلت الفتنة الكبرى برأسها. وحال دون تطور الحوادث بعد ذلك بينه وبين العودة إلى مصر
(4)
.
(1)
نهاية الأرب ص 63، 185 - 186 و 262 و 330 و 331.
(2)
الانتصار ج 4 ص 106.
(3)
نسب عدنان ص 4.
(4)
فتوح مصر ص 58 و 173 - 174 و 183 - 188 و 190 - 191 والولاة ص 10 - 14.
وبالرغم من أن عبد الله بن سعد توفي خارج مصر
(1)
فإن أسرته ظلت مقيمة بها، حيث نظل نقابل أفرادا منها حتى أواخر القرن الثالث. وقد اختط عبد الله دارين له في الفسطاط، ثم بنى لنفسه (27 هـ) قصرا كبيرا يعرف بقصر الجن
(2)
. وكان آل عبد الله بن سعد من أهل الراية
(3)
، ولكن يبدو أنهم كانوا كثيرين نسبيا. وقد أقاموا معه في الفيوم التي يبدو أنه اتخذها مقرا حكم منه الصعيد
(4)
. فلما عاد إلى مصر واليا بدلا من عمرو بن العاص "وصل ومعه خلق كثير"
(5)
. وكان آل عبد الله في كل حال يرتبعون مع آل عمرو بن العاص في منف ووسيم
(6)
القريبتين من الفسطاط. ومن آل عبد الله هؤلاء نجد أخاه أويس بن سعد شهد فتح مصر واختط بها
(7)
. ثم نجد طائفة يعرفون بالسرحيين يقيمون بمصر، وهم من أولاد عبد الله بن سعد وقد انتسبوا إلى جده سرح. ومن هؤلاء السرحيين سعد بن عمرو (ت 287 هـ) وأبو الفيداق (291 هـ)
(8)
.
وكان لعبد الله بن سعد موال نصارى ولكنه أعتقهم
(9)
. ومن مواليه وردان الذي تنسب إليه خطة بني وردان بمصر، وعيسى ابنه الذي ينسب إليه حيمن - أي وقف - وردان بمصر كذلك
(10)
.
ومن بني مالك بن حسل كان بمصر - سوى آل عبد الله بن سعد - طائفة من
(1)
فتوح مصر ص 263.
(2)
المصدر نفسه ص 110.
(3)
المصدر نفسه ص 141.
(4)
انظر المصدر نفسه ص 173 - 174.
(5)
ساويريس الأشموني: سير الآباء البطاركة - المجلد الأول ص 237.
(6)
فتوح مصر ص 141.
(7)
الأنساب 53 ب.
(8)
المصدر نفسه ص 296 أ.
(9)
فتوح مصر ص 156.
(10)
معجم البلدان ج 5 ص 127.
كبار الموظفين منهم هشام بن كنانة (25 هـ)
(1)
وابنه السائب بن هشام بن كنانة (37 - 65 هـ)
(2)
والسائب بن هشام بن عمرو (40 - 49 هـ)
(3)
.
ومن سائر العامريين بمصر: بشر بن أبي أرطأة من رجال الفتح. وكان قائدا بحريا لمعاوية
(4)
. ويحيى بن حنظلة الذي أشوف على إصلاح المسجد الجامع (93 - 94 هـ)
(5)
وهرم بن سليم الذي اتهم بالقدر (169 - 171 هـ)
(6)
.
نرى من هذا أن بني عامر ظهر منهم بمصر عدد كبير نسبيا من الشخصيات المهمة. ولكن من الواضح أن تفوق بني عامر لم يستمر طويلا وكأنما كانوا يستمدون قوتهم في شخصية عبد الله بن سعد الجبارة.
(جـ) بنوسهم:
ممن انتهى إليه الشرف في الجاهلية فوصله بالإسلام، كانت إليهم الحكومة والأموال المحجرة التي سموها لآلهتهم
(7)
. حضر بعضهم فتح مصر فلما تم الفتح قدم على عمرو منهم من لم يكن شهده
(8)
. ويبدو أن قد جاء منهم عدد كبير، فقد اضطر عمرو إلى أن يبني لهم دار السلسلة التي في غربي المسجد، والأرجح أنها دار بني سهم بالفسطاط التي أشار إليها الكندي
(9)
في حركة العلويين بمصر سنة 145 هـ. فنحن نعرف أن دور بني سهم كانت حول جامع عمرو بالفسطاط
(10)
. وإذا دلت هذه الإشارة على وجود بني سهم بالفسطاط حتى أواسط القرن الثاني الهجري فإن شواهد القبور تشير إلى وجودهم بمصر طوال القرن الثالث
(11)
.
(1)
الولاة ص 11.
(2)
المصدر نفسه ص 13، 20، 38، 39، 43.
(3)
فتوح مصر ص 107، وحسن المحاضرة ج 1 ص 87.
(4)
فتوح مصر ص 190، 194، 260، الولاة ص 17 - 18، والانتصارج 4 ص 106 وحسن ج 1 ص 75.
(5)
الولاة: ص 65.
(6)
المصدر نفسه ص 131.
(7)
العقد: ج 2 ص 203، 204.
(8)
فتوح مصر: ص 108.
(9)
الولاة ص 114.
(10)
نهاية الأرب: ص 246، والبيان ص 38.
(11)
Rep. Chro. I.PP. 195. 213. 224 & II.PP. 15. 149. 168 - 169.262.
ومن رجال الفتح من بني سهم قيس بن أبي العاص أول قاض بمصر (ت 20 - 23 هـ)
(1)
، وعثمان ابنه (ت 35 هـ) القاضي كذلك
(2)
.
وكان من مواليهم يحيى بن حنظلة (90 هـ)
(3)
الذي يبدو أنه كان تابعا لعبد الله بن عبد الملك أمير مصر (86 - 90 هـ)، والذي نميل إلى أن يحيى بن حنظلة - الذي ذكرناه في العامريين - ليس شخصا آخر سواه. ومنهم عبد الرحمن بن عمرو (160 - 234 هـ) من الفقهاء المالكية بمصر
(4)
. أما يزيد بن سعد الإسكندراني (ت 259 هـ) آخر من حدث عن مالك بمصر والذي يذكره السمعاني
(5)
على أنه من موالي بني سهم، فالأرجح أنه منسوب إلى قبيلة أصبح، وسوف نذكره هناك.
ومثلما كان آل عبد الله بن سعد أبرر بني عامر بمصر، كان آل عمرو بن العاص أبرز بني سهم بها. وهم من أهل الراية
(6)
. وكانوا يرتبعون مع آل عبد الله في منف ووسيم كما ذكرنا من قبل. ولعلنا في غنى عن الحديث عن عمرو بن العاص فاتح مصر وأميرها (20 - 23 هـ - 38 - 43 هـ)
(7)
. ويأتي بعده ابنه عبد الله (ت 65 هـ) محدث مصر الأول وأول من تفقه عليه أهلها واتبعوا فتاواه
(8)
.
ومما يذكر أن بنت عبد الله هذا قد تزوجها عبد العزيز بن مروان أمير مصر الأموي (65 - 86 هـ)
(9)
.
وكان لآل عمرو بن العاص مواليهم كذلك، وأولهم وأشهرهم وردان الرومي مولى عمرو (ت 53 هـ) وهو من الشخصيات الإسلامية البارزة في عصر
(1)
القضاة: ص 301 وفتوح مصر ص 103.
(2)
القضاة: ص 302، 306 والخطط ج 1 ص 461 وحسن ج 1 ص 65، 92.
(3)
الولاة: ص 62.
(4)
حسن ج 1 ص 190.
(5)
الأنساب: 349 أ.
(6)
فتوح مصر: ص 141.
(7)
فتوح مصر ص 180 - 181 و 248 والولاة ص 7، 10، 11، 28، 31 - 34 والنجوم ج 1 ص 3 - 116.
(8)
فتوح مصر: ص 97، 245، والولاة ص 10، 31، 34، 39، 46 والخطط ج 4 ص 143، Ency. Isl.: Egypt. P.20.
(9)
فتوح مصر: ص 112.
الفتح
(1)
. ومن موالي عمرو كذلك أبو قيس (ت 54 هـ) كان من مشاهير التابعين بمصر
(2)
ويزيد بن رباح له رواية
(3)
. وهناك كذلك أبو هبيرة الكحلاني مولى عبد الله بن عمرو له رواية
(4)
. ودراج بن سمعان (ت 126 هـ) مولى عبد الرحمن بن عمرو من صغار تابعي مصر
(5)
.
لعلنا على حق في أن نقول أن آل عمرو بن العاص كانوا الشطر الأكبر من بني سهم في مصر. بل إن المقريزي حين يتحدث عن بني سهم في مصر، فإنما يعني بهم ولد عمرو بن العاص
(6)
. ولا نزاع في أن آل عمرو هؤلاء تمتعوا بمركز ممتاز في مصر منذ البداية. وكانت لهم حصة في وقف عمرو على أهله بفسطاط مصر
(7)
. وظلوا يعيشون في الفسطاط ولكن كان فرق منهم أشتات بالصعيد
(8)
. وقد ذكرهم المقريزي ممن كان بالصعيد من قريش
(9)
وأغلب الظن أنهم أقاموا في منطقة الأشمونين منذ هجرة قريش هناك التي سبق الحديث عنها
(10)
.
وثمة ملاحظة أخيرة علي بني سهم بعامة وآل عمرو بخاصة تلك هي أنهم يغلب عليهم دائما الطابع الديني.
(د) بنو جُمَح:
أبناء عم بني سهم، وهم مثلهم ممن انتهى إليه الشرف من قريش في الجاهلية فوصله بالإسلام وكانت إليهم الأيسار وهي الأزلام
(11)
. أمر عمرو بن العاص أن تكون خطتهم بالفسطاط بجوار داره
(12)
. وينتهي القرن الأول دون أن نقابل منهم بمصر سوى بضعة أفراد منهم وهب بن عمير الذي شهد الفتح
(13)
، ومحمد بن
(1)
فتوح مصر: ص 73 - 74، 93، 136 والولاة ص 38 والانتصار ج 4 ص 6 و 32 ومعجم البلدان ج 5 ص 177.
(2)
فتوح مصر ص 250 وحسن ج 1 ص 105.
(3)
فتوح مصر ص 49، 183، 250.
(4)
المصدر نفسه ص 258.
(5)
حسن ج 1 ص 108.
(6)
البيان ص 37.
(7)
،
(8)
المصدر نفسه ص 38.
(9)
المصدر نفسه ص 36.
(10)
انظر ص 89 - 90 من البحث.
(11)
العقد ج 2 ص 203 - 204.
(12)
فتوح مصر: ص 108.
(13)
المصدر نفسه ص 108 ويلاحظ أنه مذكور بالاسم نفسه في الانتصار ج 4 ص 8 أما في النجوم ج 1 ص 4 و 23 فيذكر باسم عمير بن وهب الجمحي.
حاطب (ت 74 هـ) من الصحابة
(1)
، وهذا في الواقع من شخصيات عصر الفتح. فإذا كان القرن الثاني قابلنا في ثلثه الأول أولاد ابن حاطب الذين ظلوا بمصر حتى نهاية الدولة الأموية (132 هـ)
(2)
. وفي أواسطه نقابل الحارث بن الحارث من كبار الموظفين
(3)
. وفي أواخره ابن عبد الغفار الجُمَحي (109 هـ) من القواد
(4)
، وفي أوراق البردي وثيقة بتاريخ (159 هـ) - يحتمل أنها كشفت في الأشمونين بلاد قريش - تحمل اسم رجل من جُمَح
(5)
. وشواهد القبور تحمل أسماء بضعة أفراد آخرين توفوا في النصف الأول من القرن الثالث
(6)
.
أما موالي بني جُمَح فمنهم أبو فراس من عصر الفتح
(7)
. وخالد (ت 139 هـ) من الأئمة المجتهدين بمصر
(8)
. ثم أبنه عبد الرحيم (ت 163 هـ) أول من قَدِمَ بعلم مالك إلى مصر
(9)
.
هذا الفقر في الشخصيات - عادية كانت أو ممتازة، مع استثناء عبد الرحيم الفقيه - دليل على قلة بني جُمَح في مصر، وعلى ضعف تأثيرهم فيها بالتالي، ولعلهم ذابوا لقلتهم تلك في غيرهم من بطون قريش وأقاموا معهم في الأشمونين.
(هـ) بنو عدي بن كعب:
رهط عمر بن الخطاب
(10)
، وعدي بن كعب نفسه هو جد عمر. ورهط عمر وعشيرته وأولاده من بعده ومواليه ينتسبون إليه، وفيهم كثرة وشهرة
(11)
. وهم ممن انتهى إليه الشرف من قريش في الجاهلية فوصله بالإسلام، فإن عمر بن الخطاب كانت إليه السفارة في الجاهلية
(12)
.
(1)
الولاة ص 120 - 121.
(2)
،
(3)
الانتصار ج 4 ص 8.
(4)
المصدر نفسه ص 157.
(5)
Arabie Papyrl. III P. 93 .
(6)
Rep. chro.I. PP. 241. 264 & II.P 30.
(7)
الانتصار: ج 4 ص 8.
(8)
حسن: ج 1 ص 120.
(9)
خطط: ج 4 ص 145.
(10)
نسب عدنان ص 3.
(11)
الأنساب: ص 386 أ.
(12)
العقد: ج 2 ص 203.
والذي يلفت النظر فيمن كان بمصر من هؤلاء العدويين انقسامهم إلى قسمين أو على الأصح أسرتين واضحتين هما: أولاد عمر بن الخطاب ويسمون العمريين، وأولاد خارجة بن حذافة. ونتكلم فيما يلي عن كل منهما:
1 -
العمريون:
نرى منهم عند الفتح عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب الذي شرب الخمر بمصر
(1)
وأخاه عبد الله (ت 73 هـ بمكة) الذي أختط بمصر وحدث بها وإن كان لم يقم فيها
(2)
. ويسود بعد ذلك صمت طويل حتى تكون أواسط القرن الثالث فتحدثنا شواهد القبور عن اثنين من العمريين
(3)
، ويظهر في الوقت نفسه أبو عبد الله العمري (256 هـ) الذي وضع حدا لغارات البجه على حدود مصر، وحارب أهل النوبة وهزم ابن الصوفي العلوي الثائر في أسوان سنة 259 هـ
(4)
. أما عبد الرحمن بن عبد الله العمري قاضي مصر (185 - 194 هـ) فلم يكن من أهل مصر ولكن شخصيته الغريبة أثارت اهتمام المصريين طوال إقامته بينهم
(5)
.
ومن موالي العمريين لدينا العجلان مولى عمر، كان له دار بالفسطاط
(6)
. وسارية مولى عمر كذلك، أقطعه معاوية في الفسطاط
(7)
ونافع مولى ابن عمر (ت 110 هـ) بعثه عمر بن عبد العزيز إلى مصر يعلمهم السنن فأقام بها مدة
(8)
.
نرى من هذا أن العمريين مروا بمصر عابرا يعطينا الحق في ألا نعدهم من المصريين ويجعلنا نؤيد الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة
(9)
في تكذيبه القوم الذين بأرض مصر ينسبون أنفسهم إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب ويطلقون على أنفسهم اسم العمريين.
(1)
الطبري: ج 3 ص 227.
(2)
الانتصار: ج 4 ص 6 وحسن ج 1 ص 90.
(3)
Rep. chro.II. PP.165.269.
(4)
الولاة ص 214 والخطط ج 4 ص 335.
(5)
القضاة ص 394 - 413.
(6)
الانتصار ج 4 ص 66.
(7)
فتوح مصر: ص 133.
(8)
حسن المحاضرة ج 1 ص 119.
(9)
البيان والإعراب ص 37.
2 -
بنو خارجة بن حذافة.
كان خارجة نفسه ممن لعبوا دورا مهما في مصر إلى جانب عمرو بن العاص منذ الفتح حتى اغتيل بدلا منه سنة 40 هـ
(1)
. وليس بمستغرب أن يكون لعشيرة خارجة بعد هذا حظوة لدى الأمويين تظهر في معاملة معاوية لهم بشأن القصاص من قاتل خارجة
(2)
. وكان خارجة من أوائل العرب الذين أقاموا مع المصريين صلات اجتماعية فإنه تزوج امرأة قبطية من سلطيس - سنطيس الحالية مركز دمنهور محافظة البحيرة
(3)
- وأنجب منها ولده عونا
(4)
. وظل آل خارجة يتمتعون فيما يبدو بمركز طيب في مصر فقد كان حفيد خارجة - الربيع بن عون - أحد وجوه مصر الذين خرجوا ببيعة أهلها إلى يزيد بن الوليد سنة 126 هـ
(5)
.
ولئن كان بنو خارجة أبقى أثرا في مصر من العمريين فإن هذا لا يمنع من أن بني عدي بن كعب بعامة كانوا ذوي أهمية جد محدودة بالنسبة إلى الحياة المصرية.
(و) بنو مخزوم:
ممن انتهى إليه الشرف من قريش في الجاهلية فوصله بالإسلام. فإن خالد بن الوليد - وهو منهم - كانت إليه القبة والأعنة
(6)
. كما كان منهم أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
(7)
. وليس لدينا ما ينبئ بقدومهم إلى مصر كقبيلة في عصر الفتح. بل ليس لدينا منهم سوى سعيد بن هشام بن صالح نزيل الفيوم الذي رفض أن يتولى قضاء الفيوم نائبا للقاضي العمري (185 - 194 هـ)
(8)
.
(1)
فتوح مصر: ص 104، 107، 145، 260 والولاة ص 15، 31 ووفيات الأعيان ج 2 ص 538 والانتصارج 4 ص 6 وحسن ج 1 ص 59، 83.
(2)
فتوح مصر: ص 106.
(3)
الدليل الجغرافي: ص 234.
(4)
فتوح مصر: ص 84.
(5)
الولاة ص 84 والأنساب ص 386 ب.
(6)
العقد ج 2 ص 203.
(7)
نسب عدنان: ص 3.
(8)
القضاة: هامش ص 411.
أما مواليهم فنجد منهم مهاجر بن القبطية مولى أم سلمة
(1)
، ويحيى بن عبد الله بكير (ت 231 هـ) المصري الأصل، راوي الموطأ
(2)
. وهو نفس يحيى بن عبد الله بن أبي بكر المخزومي المصري الذي ذكره ابن دقماق على أنه صاحب مالك وله زقاق ابن بكر (كذا) في الفسطاط
(3)
. ومن الطريف أن شواهد القبور حفظت لنا اسم حفيدة له تُدعى زينب بنت عبد الملك (ت 276 هـ)
(4)
.
والمقريزي يذكر بني مخزوم فيمن كان بالصعيد من قريش
(5)
. وحديثه يفيد أنهم كانوا في وقته (التاسعالهجري) يقيمون بالبهنسا، وكانوا أكثر قريش بقية وفيهم بأس ونجدة
(6)
.
ونحن الآن نتساءل: متى قدم بنو مخزوم إلى مصر؟
واضح مما سبق أنهم عاشوا في مصر كقبيلة. ونستطيع أن نقرر أنهم لم يدخلوها وقت الفتح،. فإن الأخبار التي حفظت لنا أسماء بطون صغيرة لا أهمية لها لا يعقل أن تغفل قبيلة كهذه من قبائل قريش المرموقة. ولذلك نرجح أنهم دخلوا مصر في وقت متأخر وهو قبل هجرة قريش إلى الأشمونين في كل حال.
(ز) بنو تيِّم بن مُرَّة:
ممن انتهى إليه الشرف من قريش في الجاهلية فوصله بالإسلام، فإن أبا بكر الصديق - وهم رهطه - كانت إليه في الجاهلية الأشناق وهي الديات والمغرم
(7)
. وهم كأبناء عمهم بني مخزوم ليس لدينا ما يدل على قدومهم إلى مصر زمن الفتح بشكل قبلي ولكنهم يظهرون بعد ذلك. وإذا نحن استثنينا أبا عقيل التيمي (ت 135 هـ)
(8)
الصالح الزاهد، نزيل مصر، ومن صغار التابعين بها، كان
(1)
فتوح مصر: ص 311 والأنساب ص 411 ب وحسن ج 1 ص 9.
(2)
القضاة ص 395 - 396، 404، 423، 433 وحسن المحاضرة ج 1 ص 146 ومقدمة كست للولاة ص 24 - 25.
(3)
الانتصار: ج 4 ص 14.
(4)
Rep.Chro.ll،p.243
(5)
البيان: 36.
(6)
المصدر نفسه: ص 37.
(7)
العقد ج 2 ص 203.
(8)
حسن المحاضرة ج 1 ص 108 و 218.
البكريون - أي بنو أبي بكر الصديق - هم الذين مثلوا بني تيِّم في مصر تمثيلا فعليا. والواقع أن حديثنا عن بني تيِّم في مصر لن يكون سوى حديثنا عمن عاش بمصر من بني أبي بكر هؤلاء.
وأول من نلقى من البكريين هو محمد بن أبي بكر الذي كان من زعماء حركة اغتيال عثمان في المدينة سنة 35 هـ، ثم ولي مصر لعلي بن أبي طالب سنة 37 هـ وظل بها حتى خاض المعركة الفاصلة - موقعة المسناة - بينه كقائد لأنصار علي وبين عمرو بن العاص قائد لأنصار معاوية، فهزم وقتل سنة 38 هـ
(1)
.
ثم نلقى أخاه عبد الرحمن بن أبي بكر - (ت 53 هـ بمكة)
(2)
في نفس وقت معركة المسناة، سواء كان من جند عمرو
(3)
، أو لأنه دخل مصر بسبب أخيه محمد
(4)
. وقد حدث أهل مصر عنه حديثا واحدا
(5)
مما يدل على أنه أقام بها زمنا ما. أما هاشم بن أبي بكر قاضي مصر النزيه الحازم (194 - 196 هـ) الذي أصلح ما أفسده سلفه القاضي العمري فنذكره بالرغم من أنه كوفي لأنه لعب بمصر، حيث مات، دورا مهما بالرغم من قصره
(6)
.
والذي يعنينا الآن هو أن البكريين الذين عاشوا بمصر إنما هم، فيما يقال، ولد محمد وعبد الرحمن هذين، والأول هم المعروفون ببني محمد في حين يعرف الآخرون ببني طلحة. ونتكلم عن كل منهما على حدة:
1 -
بنو محمد:
كل من القلقشندي والمقريزي يذكرهم مرة بما يفيد أنهم من ولد محمد بن أبي بكر
(7)
، ثم يعود كل منهما فيذكر أنهم من بني طلحة الآتي
(1)
الولاة ص 27 - 29، الطبري ج 3 ص 411.
(2)
النجوم: ج 1 ص 144، وحسن المحاضرة ج 1 ص 91.
(3)
النجوم ج 1 ص 110.
(4)
حسن المحاضرة ج 1 ص 91.
(5)
حسن المحاضرة ج 1 ص 91.
(6)
القضاة: ص 403، 404، 411 - 417.
(7)
نهاية الإرب ص 106، والبيان ص 27.
ذكرهم
(1)
. وهذا الاضطراب في تعيين أبيهم، يضاف إليه ما نعلمه من أن عائشة لما بلغها قتل أخيها محمد بن أبي بكر وجدت عليه وجدا عظيما وأخذت أولاده وعياله وتولت تربيتهم
(2)
، يجعلنا نرجح أن بني محمد الذين يذكرون على أنهم من البكريين هم في الواقع فرقة من بني طلحة.
2 -
بنو طلحة:
هم بنو طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر
(3)
. وبما أن جدهم عبد الرحمن لم يقض حياته بمصر، فاغلب الظن أنهم هاجروا إليها في وقت متأخر وأقاموا بمصر الوسطى وبالأشمونين بخاصة
(4)
. وبنو طلحة هؤلاء بطون كثيرة منهم بنو إسحق
(5)
وبنو فضالة
(6)
وكانت مساكنهم ببلاد الأشمونين.
ولعله من المهم أن شواهد القبور تشير إلى اثنين من ذرية عبد الرحمن بن أبي بكر توفيا بمصر في أوائل النصف الثاني من القرن الثالث
(7)
. وهما ليسا من بني طلحة ولكنهما من أبناء عمومتهم.
ونستطيع بعد هذا أن نزعم أن من عاش بمصر من ولد أبي بكر إنما هم من ذرية ابنه عبد الرحمن فقط، وأنهم انتقلوا إلى مصر في وقت متأخر نسبيا. وليس لدينا في كل حال ما يدل على الأثر الخاص الذي تركه البكريون بعامة في الحياة المصرية فيما عدا محمد بن أبي بكر الذي فشل في إبقاء مصر في قبضة علي بن أبي طالب، فانتقلت بهزيمته سنة 38 هـ إلى سيطرة الأمويين، الأمر الذي كان له أثره في التعجيل بإنهاء الصراع بين علي ومعاوية سنة 40 هـ.
(1)
نهاية الأرب: 334 والبيان: 27.
(2)
النجوم ج 1 ص 111.
(3)
نهاية الأرب ص 267 والبيان ص 26.
(4)
نهاية الأرب ص 267 والبيان ص 26.
(5)
نهاية الأرب ص 34 والبيان ص 36.
(6)
نهاية الأرب ص 318.
(7)
Rep.Chro.ll،pp.52،190 - 191
(ح) بنو زهرة:
قبيلة كبيرة من قريش، ومنها آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلق كثير من الصحابة وغيرهم
(1)
. وليس لدينا كذلك ما يدل على أنهم كانوا من جيش الفتح، ولكننا نجد حليفا لهم في مصر في أواخر القرن الأول هو عمران بن عبد الرحمن قاضي مصر (86 - 89 هـ)
(2)
. وفي القرنين التاليين - والثالث منهما بخاصة - يزدادون ظهورا بمصر، منهم الزهري القائد الذي حارب دحية بن مصعب الثائر الأموي سنة 169 هـ
(3)
، وعبد الوهاب - بن موسى (182 - 210 هـ) من كبار الموظفين
(4)
، وأبو ضمرة (212 هـ) ويبدو أنه كان من وجوه المصريين وذوي الرأي فيهم
(5)
، وهارون بن عبد الله (217 - 226 هـ) قاضي مصر الحازم القوي
(6)
. وعلى شواهد القبور أسماء ثلاثة من بني زهرة توفي أولهم بالصعيد في 213 هـ
(7)
وثانيهم بالفسطاط في 239 هـ
(8)
وثالثهم في 260 هـ
(9)
.
أما موالي بني زهرة فنجد منهم ليثا القيسي
(10)
، وعمرو بن السائب
(11)
من محدثي القرن الثاني. على أن بني الأشج هم أهم موالي بني زهرة إن لم يكونوا من أهم موالي مصر جميعا. وتبدأ هذه الأسرة في الظهور بيحيى بن مسلم بن الأشج الذي سود بأسوان 132 هـ عندما تفشت حركة التسويد في مصر
(12)
. والمفهوم من سياق الكلام أن يحيي هذا كان مقيما بأسوان. وشواهد القبور التي
(1)
نسب عدنان ص 3 ووفيات الأعيان ج 1 ص 572.
(2)
الولاة ص 58 والقضاة ص 326.
(3)
الولاة ص 129.
(4)
المصدر نفسه: 139، القضاة: 392، الخطط - 3:185.
(5)
القضاة ص 432 - 434.
(6)
المصدر نفسه ص 441 و 443 و 450.
(7)
Rep.Chro.p.144 - 145
(8)
lbid،I،p - 281
(9)
lbid،ll،p،67
(10)
الأنساب ص 467 ب.
(11)
حسن المحاضرة ج 1 ص 109.
(12)
الولاة ص 95.
تحمل عددا كبيرا نسييا من أسماء بني الأشج، والتي ترجع إلى القرن الثالث الهجري، تزيد إقامتهم في الصعيد وفي أسوان بخاصة (1). ولكن هذا لم يمنع بني ميمون بن يحيى (ت 190)
(2)
- وهم الذين يجعلون اسم بني الأشج - أن يكون لهم زقاق باسمهم في الفسطاط
(3)
مما يدل على إقامة عدد كبير منهم بهذه المدينة. ولكننا نتساءل في كل حال عما إذا كان بعض بني زهرة قد أقام إذن بأسوان حيث أقام مواليهم أولئك؟!.
نستطيع بعد هذا أن نرى في وضوح أن الزهريين أقاموا بمصر إقامة فعلية منذ القرن الثاني في الأقل. والمقريزي يحسبهم ممن كان بالصعيد من قريش
(4)
، في حين يحدد الحمداني مكانهم ببلاد الأشمونين وما حولها من صعيد مصر
(5)
، ويفهم من هذا أنهم ذهبوا للإقامة في بلاد قريش منذ هجرة الأشمونين المشهورة التي مر ذكرها.
وإذا أردنا أن نرى هذه القبيلة وجدنا أن من ظهر بمصر من أبنائها ومن مواليهم يهيئ لها مكانة طيبة بين العرب في مصر. وهنا يجب ألا ننسى أن اثنين من القضاة - أي من كبار الموظفين ورجال الدولة في مصر - وهما عمران بن عبد الرحمن الكندي الذي مر ذكره، وإبراهيم بن إسحق القارئ (204 - 205 هـ)
(6)
قد حالفا بني زهرة. هذا؛ ومن المعروف أن ليثا - من كنانة - والقارة - من خزيمة بن مدركة - حلفاء لهم
(7)
.
(ط) بنو عبد الدار
ممن انتهى إليه الشرف من قريش في الجاهلية فوصله بالإسلام، فقد كانوا سدنة البيت وأصحاب الألوية
(8)
. وليس لدينا ما ينص صراحة على أنهم ممن كان
Rep.Chro.l.p.292≪،pp - 39،113 - 139(1)
(2)
الانتصار ج 4 ص 18.
(3)
الانتصار ج 4 ص 18.
(4)
البيان ص 26.
(5)
نهاية الأرب ص 228.
(6)
القضاة ص 427.
(7)
العقد ج 2 ص 220، والنجوم ج 1 ص 87، والأنساب ص 497 ب.
(8)
نسب عدنان ص 3 والعقد ج 2 ص 203.
من قريش في جيش الفتح. ولكن أحدهم - زكريا بن جهم العبدري - شغل في مصر منذ البداية منصبا خطيرا هو منصب صاحب الشرطة لعمرو
(1)
. وكان ابنه عبد الحميد يروى عنه
(2)
. وفي هذا ما يجعلنا نحتمل دخولهم مصر زمن الفتح كقبيلة ولكنها صغيرة.
ولكن هناك ما هو أهم من ذلك. فالمقريزي يذكر قوما من بني عبد الدار هؤلاء باسم بني شيبة، ويعدهم ممن كانوا بالصعيد من قريش، وكانت ديارهم بنواحي سفط
(3)
. والمرجح أن سفطا هذه هي إحدى البلاد الكثيرة التي تحمل اليوم اسم صفط في محافظة المنيا بالذات
(4)
. وتأتي شواهد القبور فتشير إلى مولى لبني شيبة هؤلاء توفي بالصعيد في 242 هـ
(5)
. ونحن نعرف أن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري - وهو الذي ينتسب إليه بنو شيبة - كان حاجب الكعبة، وتوفي سنة 59 هـ
(6)
. وأرسل واحدا من أبنائه دخل مصر مع بني عبد الدار وقت الفتح، أو هو الأرجح فيما نرى - هاجر إليها فيما بعد فأقام بها وترك ذريته. والمهم هو أن بني شيبة كانوا في مصر منذ منتصف القرن الثالث في الأقل.
(ى) بنو أسد بن عبد العزى:
هم رهط خديجة روج النبي صلى الله عليه وسلم، والزبير بن العوام
(7)
:
ونرى منهم بمصر الزبير بن العوام نفسه في معارك الفتح قائدا للمدد سنة 19 هـ. وإليه يرجع الفضل في الاستيلاء على حصن بابليون
(8)
. وقد اختط بمصر دارا وهبها فيما بعد لمواليه واختط غيرها
(9)
. وقد صادر المروانيون هذه الدار من
(1)
فتوح مصر ص 179 والولاة ص 10 و 22.
(2)
الأنساب ص 380 ب.
(3)
البيان ص 36 و 37.
(4)
انظر الدليل الجغرافي ص 53.
(5)
Rep.Chro،l.pp.298 - 299
(6)
النجوم ج 1 من 118 و 153.
(7)
نسب عدنان ص 3 والعقد ج 2 ص 205.
(8)
فتوح مصر ص 96 و 114 والولاة ص 8.
(9)
فتوح مصر ص 114 والخطط ج 4 ص 10.
بني الزبير بن العوام ثم ردها أبو جعفر المنصور عليهم
(1)
. وفي رواية أن عبد الله بن الزبير كان يأتي إلى مصر وينزل هذه الدار
(2)
.
من الحق أن الزبيريين هم الذين مثلوا بني أسد بن عبد العزى في مصر تمثيلا فعليا. وما مر من سيرة الزبير يعطينا الحق في أن نفترض إقامة بعض بنيه في مصر إقامة مستمرة منذ الفتح. ولكن القلقشندي والمقريزي يذكران أن بمصر جماعة من الزبيريين، من بني عبد الله بن الزبير وبني أخيه عروة، يقيمون بالصعيد في البهنسا والأشمونين، وقد تحول أكثرهم - على عهدهما طبعا، أي القرن التاسع - إلى فلاحين محكومين
(3)
. ولكن هذا لا يمنعنا من أن نلاحظ أن عبد الله بن الزبير بالرغم من أنه شهد فتح مصر وكان مع ابن أبي سرح في غزوه إفريقية سنة 27 هـ
(4)
فإنه انتقل إلى الحجاز بعد ذلك، وانغمس في الصراع الحزبي، ودعا لنفسه بالخلافة، وقاد صراعا مريرا ضد المروانيين انتهى بقتله سنة 73 هـ. ولم يكن له علاقة بمصر في خلال ذلك كله إلا استيلاءه قصير العمر عليها بوساطة قائده ابن جحدم (64 - 65 هـ)
(5)
وإن كانت الرواية تدل على أنه كان معروفا للمصريين ومحبوبا منهم
(6)
. أما أخوه عروة (ت 94 هـ) فهو من أهل المدينة وفقهائها الأكابر
(7)
.
وهنا نصطدم بالسؤال نفسه الذي قابلناه في البطون السابقة وهو: متى قدم هؤلاء الزبيريون - أي بنو عبد الله وبثو عروة - إلى مصر وأقاموا بصعيدها؟.
(ك) بنو نوفل بن عبد مناف:
ممن انتهى إليه الشرف من قريش في الجاهلية فوصله بالإسلام. وكانت إليهم الرفادة وهي ما كانت قريش تخرجه من أموالها وترفد به منقطع الحاج
(8)
.
(1)
فتوح مصر ص 114.
(2)
فتوح مصر ص 114.
(3)
نهاية الأرب ص 117 - 119، 267، 293 والبيان ص 36 و 37.
(4)
النجوم ج 1 ص 25، 85، 105، 158، 168، 186، 189.
(5)
الولاة ص 41 - 44 والنجوم ج 1 ص 158 و 165.
(6)
الولاة ص 41 - 44 وسير الأباء البطاركة م 1 ص 266.
(7)
نهاية الأرب ص 293 والنجوم ج 1 ص 228 و 229.
(8)
العقد ج 2 ص 203.
يبدو أنهم كانوا ممن جاء مصر من قريش في جيش الفتح. فعندنا أبو سروعة الصحابي، شهد فتح مصر واختط بالفسطاط
(1)
، وهو الذي شرب الخمر مع عبد الرحمن بن عمر
(2)
.
وهناك كذلك مجاهد بن جبر مولاهم، اختط بمصر، واستخلفه عمرو بن العاص على خراج مصر عند قدمته الأولى على عمر
(3)
.
ولكن من الواضح قلة عددهم بمصر وقلة أهميتهم بالتالي.
(ل) بنو المطلب بن عبد مناف:
يبدو أن عددا منهم شهد فتح مصر، وقد بقي لنا منهم ذكر: الحكم بن الصلت بن مخزمة، كان من رجال قريش، شهد الفتح، وكان من أنصار محمد بن أبي حذيفة الذي اغتصب الحكم في مصر (35 - 36 هـ)
(4)
.
ولا نصادف أحدا منهم بعد ذلك حتى قرب نهاية القرن الثاني عندما يأتي الإمام الشافعي إلى مصر سنة 198 هـ ويظل بها حتى وفاته سنة 204
(5)
. وعندئذ تصبح أسرة الشافعي هي الممثلة لهذا البطن. ونرى منها محمد بن عبد الله ابن عم الشافعي (ت 231 هـ) من الأئمة المجتهدين بمصر، وزوجته زيثب بنت الشافعي، وابنه أحمد من أئمة مصر المجتهدين لم يكن في آل شافع بعد الإمام أجل منه
(6)
.
(م) بنو أمية:
ليس لهم ذكر في أخبار الفتح، وربما كان ذلك لأنهم بقوا بالشام تحت إمرة معاوية بن أبي سفيان. ويبدأ اتصال الأمويين بمصر بعد مقتل عثمان (35 هـ)
(1)
الانتصار ج 4 ص 6 وحسن ج 1 ص 92.
(2)
الطبري ج 3 ص 227.
(3)
فتوح مصر ص 179.
(4)
الولاة ص 19 وحسن ج 1 ص 82.
(5)
الولاة: ص 154، وحسن ج 1 ص 122 وطبقات الشافعية ج 1 ص 100.
(6)
حسن المحاضرة ج 1 ص 123 و 167.
ونشوب الصراع بين علي معاوية. وقد انتهى الأمر بسيطرة الأمويين على مصر سنة 38 هـ
(1)
سيطرة لم تنته إلا بانتهاء الدولة الأموية نفسها (132 هـ).
ومع أن الأمويين ملكوا مصر في ذلك الوقت المبكر، فإن إقامتهم الفعلية بمصر لم تبدأ إلا منذ النصف الثاني من القرن الأول. وإن الوحشة التي كان يشعر بها عبد العزيز بن مروان وهو يستقبل حكمه لمصر - وهي بلد ليس به أحد من بني أبيه
(2)
- سنة 65 هـ لدليل قوي على خلو مصر آنذاك من بني أمية. وتومئ شواهد القبور وأوراق البردي - وهي لا تتناسب مع ضخامة عدد الأمويين بمصر - إلى وجود أمويين بالصعيد في القرنين الثاني والثالث
(3)
.
ومن الأفضل في كل حال عند الحديث عن بني أمية تقسيمهم إلى الفرعين المشهورين: العنابس
(4)
، ومنهم معاوية بن أبي سفيان، والأعياص
(5)
، ومنهم عثمان بن عفان ومروان بن الحكم.
1 -
العنابس:
ويعنينا منهم في هذا المقام آل معاوية. وقد أقام معاوية نفسه بمصر إقامة خاطفة في سلمنت من كورة عين شمس - وهي سلمنت الحالية مركز بلبيس محافظة الشرقية
(6)
- في أواخر سنة 36 هـ طلبا للثأر من قتلة عثمان
(7)
، ولم يزل معاوية يتدخل منذ ذاك عن طريق رسله وعيونه في سياسة مصر عاملا على إخراجها من قبضة علي وضمها إلى صفه إلى أن نجح في أن ملكها سنة 38 هـ قبل أن يصبح خليفة
(8)
. ومع ذلك لا نرى بمصر من أسرته سوى أخيه عتبة الذي حكم مصر (43 - 44 هـ) وتوفي بها
(9)
.
(1)
الولاة: ص 28 والنجوم ج 1 ص 108 - 110.
(2)
الولاة: ص 47.
(3)
Ara.pap.lll،79&Rep.Chro.ll،p.218
(4)
نسب عدنان ص 2 و 3.
(5)
نسب عدنان ص 2 و 3.
(6)
الدليل الجغرافي: ص 124.
(7)
الولاة: ص 19.
(8)
انظر تفصيل مؤامرات معاوية وعمرو بن العاص في هذا السبيل في النجوم الزاهرة ج 1 ص 96 - 111.
(9)
الولاة ص 35 - 36.
على أن الممثلين الحقيقيين للعنابس هم بنو خالد بن يزيد بن معاوية الذين كانوا ينزلون أرض دلجة
(1)
، قرية بصعيد مصر من غربي النيل في الجبل بعيدة عن الشاطئ
(2)
، وهي دلجا الحالية مركز ديروط محافظة أسيوط
(3)
. كما يبدو أن جزءا آخر منهم كان يقيم في تندة - مركز ملوي محافظة أسيوط
(4)
- مع فروع أخرى من بني أمية
(5)
- وأغلب الظن في كل حال أنهم انتقلوا إلى بلاد الأشمونين تلك في هجرة قريش إليها.
2 -
الأعياص:
وهم في مصر قسمان: آل عثمان بن عفان، وآل مروان بن الحكم.
ونتحدث عنهما فيما يلي:
(أ) العثمانيون:
المراد بهم هنا ذرية عثمان بن عفان ومواليه. وأول من نرى بمصر منهم هو عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، من الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة، وتوفي بسكر بصعيد مصر سنة 96 هـ
(6)
مما يدل على انتقاله إليها. أما أبان بن عثمان بن عفان (ت 104 هـ) فهو من أهل المدينة وولي إمرتها لعبد الملك بن مروان من 76 هـ إلى 82 هـ
(7)
. وكان كثير العقب
(8)
. وقد قدمت جماعة من أبنائه وأقامت مع سائر بني أمية وقريش في منطقة تندة بالأشمونين
(9)
. وأغلب الظن أن ذلك حدث وقت هجرة قريش إلى الأشمونين.
(1)
الخطط ج 1 ص 239.
(2)
معجم البلدان ج 4 ص 67.
(3)
Ame.pp.176،488 والدليل الجغرافي ص 315.
(4)
الدليل الجغرافي ص 318
(5)
نهاية الأرب ص 74 والبيان ص 37، و Ara.pap.lllmp.92.
(6)
معجم البلدان ج 5 ص 98 والنجوم ج 1 ص 234
(7)
النجوم ج 1 ص 195 و 24
(8)
نهاية الأرب ص 128
(9)
المصدر نفسه ص 128 والبيان ص 37، و Ara.pap.lll.p.92
ولكن موالي عثمان بن عفان هم في الواقع أهم من أقام بمصر من المنتسبين إليه ويمتازون بأنهم ثلاث طوائف
1 -
أهل أيلة:
كانت هذه المدينة الواقعة على بحر القلزم - وهي العقبة حاليا - وبها مجتمع حاج الشام وحاج مصر منزلا لبني أمية، وأاكثرهم موالي عثمان بن عفان، وكانوا سقاة الحاج
(1)
.
واشتهر من هؤلاء الموالي عدة محدثين يحمل كل منهم النسبة: الإيلي عنهم: عقيل بن خالد (ت 141 هـ)
(2)
، ويونس بن يزيد (ت 152 هـ)
(3)
وابن أخيه عتبة بن خالد (ت 197 هـ)
(4)
، وهارون بن سعيد (170 - 253 هـ) ممن أخذ بمحنة خلق القرآن سنة 227 هـ
(5)
، وإسحق بن إسماعيل (ت 258 هـ)
(6)
، وحسان بن أبان (ت 322 هـ)
(7)
.
2 -
أهل غيفة:
غيفة قرية تقارب بلبيس، وأغلب الظن أنها غيتة الحالية مركز بلبيس محافظة الشرقية
(8)
، ينزل فيها الحاج إذا خرجوا من مصر
(9)
وكان بها موال لعثمان بن عفان منهم محدثون مثل حسين بن إدريس
(10)
وعمرو بن إدريس (ت 329 هـ)
(11)
.
(1)
كتاب البلدان ص 129، ومعجم البلدان ج 1 ص 291، والمقريزي ج 1 ص 184.
(2)
الأنساب ص 55 أ.
(3)
نفس المرجع.
(4)
نفس المرجع.
(5)
القضاة ص 541 - 453.
(6)
،
(7)
معجم البلدان ج 1 ص 392.
(8)
الدليل الجغرافي ص 125.
(9)
معجم البلدان ج 6 ص 318.
(10)
،
(11)
الأنساب ص 414 ب.
3 -
بنو عبد الحكم:
وهم هذه الأسرة الكبيرة الشهيرة التي لمعت في مصر ما بين منتصف القرن الثاني ومنتصف الثالث، وظهر منها عدد من الفقهاء الممتازين، إلى جانب المؤرخ المصري العظيم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم (ت 257 هـ) صاحب كتاب فتوح مصر
(1)
.
وفي ولاء بني عبد الحكم خلاف
(2)
ولكن إذا لاحظنا أن جدهم أعين بن الليث أصله من حقل
(3)
، وهي قرية بجنب إيلة على البحر في الطريق من مصر إلى مكة
(4)
. وأن حفيده عبد الله بن عبد الحكم (224 هـ) هو مولى رافع مولى عثمان بن عفان
(5)
، أصبح من المحتمل اعتبارهم من موالي عثمان.
(ب) المروانيون:
المراد بهم هنا بنو مروان بن الحكم ومواليهم بمصر.
أما مروان نفسه فقد أقام بمصر شهرين سنة 65 هـ بعد أن استخلصها من يد ابن جحدم والي ابن الزبير عليها وردها إلى سيطرة بني أمية
(6)
. وعاد مروان إلى عاصمته دمشق تاركا ابنه عبد العزيز أميرا على مصر
(7)
. وقبل أن يموت عبد العزيز سنة 86 هـ استخلف أخاه محمدا القائد
(8)
(ت 102 هـ) - والدمروان الحمار - الذي حالفه النصر طويلا في بلاد الروم
(9)
. ولكن يبدو أن ذلك كان استخلافا اسميا. فإن محمدًا لم يدخل مصر قط فيما يبدو من أخباره. ومن المروانيين الذين لفتوا النظر في مصر عبد الله بن عبد الملك أميرها (86 - 90 هـ) الذي جعل
(1)
حسن المحاضرة ج 1 ص 190 ومقدمة كست ص 22.
(2)
الأنساب ص 172 أ.
(3)
الأنساب ص 172 أ.
(4)
المسالك والممالك ص 149 ومعجم البلدان ج 3 ص 306.
(5)
معجم البلدان ج 3 ص 316 والأنساب ص 172 أ.
(6)
الولاة ص 42 - 46.
(7)
المصدر نفسه ص 47 - 48.
(8)
المصدر نفسه ص 55.
(9)
النجوم ج 1 ص 190، 193، 195، 204، 207، 209.
اللغة الرسمية في مصر هي اللغة العربية سنة 78 هـ. ولكن المصريين سخطوا عليه وهجوه لسوء سيرته
(1)
، وهناك أخوه محمد بن عبد الملك المحدث الناسك ولي مصر شهرا (105 هـ) ثم تركها إلى الأردن فرارا من الوباء ومن مسئوليات الحكم
(2)
.
أولئك أفراد من آل مروان أقاموا بمصر - باستثناء عبد العزيز بن مروان - إقامة عابرة، ولكن هناك بطون - أو أسر - جماملة أقامت إقامة دائمة حفظها التاريخ. هذه البطون هي:
1 -
بنو مسلمة:
هم بنو مسلمة بن عبد الملك (ت 122 هـ) الأمير القائد الذي تتابعت غزواته من 86 حتى 122 هـ
(3)
، وكانت مساكن بنيه هؤلاء مع قومهم بني أمية بتندة وما حولها من بلاد الأشمونين
(4)
، مما يرجح انتقالهم هناك في هجرة الأشمونين. هذا إلى أنهم كانوا - وهو عجيب - حلفاء بني جعفر بن أبي طالب
(5)
.
2 -
بنو حبيب:
أبوهم حبيب بن الوليد بن عبد الملب، كانت ديارهم كذلك بتندة
(6)
وما حولها وأغلب الظن أنهم هم بنو حيدر الذين ذكرهم القلقشندي
(7)
.
3 -
بنو عبد العزيز:
هو عبد العزيز بن مروان أمير مصر (65 - 86 هـ). أسس في مصر أسرة كبيرة هي الممثلة الفعلية بها للمروانيين بل لبني أمية جميعا، وكما استمتعت هذه
(1)
الولاة من 58 - 64 والقضاة ص 327 - 329.
(2)
الولاة ص 72 - 73 والنجوم ج 1 ص 257.
(3)
النجوم ج 1 ص 289.
(4)
نهاية الأرب ص 339 والبيان ص 37.
(5)
الخطط ج 1 ص 239.
(6)
البيان ص 37.
(7)
نهاية الأرب ص 203.
الأسرة بكل روعة المجد الذي بلغه الأمويون دفعت الجانب الأضخم من ضريبة الدم الرهيبة التي جباها منهم العباسيون الذين أسقطوا دولتهم سنة 132 هـ.
والواقع أن المروانيين - أو بني عبد العزيز في الأصح - عاشوا الفترة الأولى من حياتهم في مصر (65 - 132 هـ) أمراء. وأن حياة عبد العزيز نفسه القريبة من حياة الخلفاء خير نموذج لعصر المروانيين الذهبي هناك
(1)
. فإذا ما سقطت الدولة الأموية وأسدل الستار عليها في بوصير بمصر سنة 132 هـ بدأت الفترة الثانية من حياة بني عبد العزيز التي كانوا فيها شهداء. وفي صفحات متتابعة يصور الكندي
(2)
عملية الإبادة التي شنها العباسيون عليهم فكانوا يعدمونهم بالجملة. فإذا ما انجلى غبار المعركة وانصرف العباسيون إلى جني الثمر، وسكتوا عن فلول الأمويين عاد هؤلاء يطلون برأسهم وقد تحركت فيهم غريزة الثأر العربية. وهناك يظهر بنو عبد العزيز الثوار على مسرح الحياة المصرية. ودحية بن مصعب (145 - 169 هـ)
(3)
- من أحفاد عبد العزيز - نموذج كامل لأمويي ذلك العصر. وأغلب الظن أن الأمويين كانوا في تلك المرحلة فن حياتهم بمصر قد دنوا كبيرا من عامة المصريين، فما كان لهم أن يقودوا تلك الحركات الثورية العنيفة بدون سند شعبي ضخم.
لعل لنا الحق بعد هذا كله في أن نحكم بأن الأمويين الذين عاشت أعداد كبيرة منهم بمصر طوال أكثر من قرن، والذين تحكموا في مصائرهم كل ذلك الزمن يعدون من أهم العناصر العربية بها.
(ن) بنو هاشم:
هم بنو هاشم بن عبد مناف، وكل علوي وعباسي فهو هاشمي
(4)
. وكان بنو هاشم. بمصر أقساما هي: العلويون، والجعافرة، والعباسيون. وتدل شواهد
(1)
الولاة ص 49 - 58 والنجوم ج 1 ص 171 - 178.
(2)
الولاة ص 94 - 100.
(3)
المصدر نفسه ص 112، 134 و 126 و 128 - 13 والمقريزي ج 1 ص 308 والنجوم ج 2 ص 49 و 57 و 60 و 61.
(4)
الأنساب 587 ب.
القبور وأوراق البردي على وجود الهاشميين ومواليهم في مصر في القرنين الثاني والثالث
(1)
.
1 -
العلويون:
ونعنيهم هنا بمعناهم الجنسي لا السياسي. فنحن نفصد ذرية علي بن أبي طالب. ومن الطبيعي أن يتأخر ظهورهم بمصر. ولا نجد معنى لما يقوله ياقوت من أن مدينة قفط وقف على العلوية من أيام علي وليس في ديار مصر ضيعة وقف ولا ملك لأحد غيرها
(2)
. والمعروف أن العلويين ينتمون إلى الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب. ونتكلم عن كل قسم منهما على حدة:
(1)
الحسنيون:
أول من ظهر بمصر منهم بخاصة ومن العلويين بعامة هو علي بن محمد بن عبد الله عندما ظهرت دعوة بني الحسن بها (144 - 145 هـ) - وكانت البيعة باسمه في هذه الحركة التي أوشكت أن تنجح، ولكنه اضطر إلى الاختفاء في إحدى قرى الصعيد حتى مات
(3)
. ثم حضر إلى مصر إدريس بن عبد الله بعد فشل إحدى محاولات العلويين بمكة سنة 169 هـ، وتستروا عليه كما تستروا على سلفه حتى هرب إلى المغرب
(4)
. أما السيدة نفيسة بغت الحسن بن زيد (ت 208 هـ) فقد أقامت بمصر حيث كسبت منزلة روحية عالية ما زال المصريون يحفظونها لها حتى اليوم
(5)
. وفي 253 هـ أعلن ابن الصوفي العلوي ثورة لم تزل مشبوبة حتى سنة 259 هـ عندما هزمه أبو عبد الله العمري بأسوان
(6)
. وفي تلك الأثناء خرج بغا الأكبر بالصعيد سنة 254 هـ
(7)
. ثم تلاه بغا الأصغر فخرج سنة 255 هـ فيما
(1)
Rep.Chro.l،pp.5299
137≪،pp.21،90،249 - 250&Ara.pap.lll.p.93 - .
(2)
معجم البلدان ج 7 ص 139.
(3)
الولاة ص 111 و 115، ومعجم البلدان ج 6 ص 66، 67 والنجوم ج 2 ص 1 - 3.
(4)
الولاة ص 131 والنجوم ج 1 ص 59 و ج 2 ص 40 - 41.
(5)
وفيات الأعيان: ج 2 ص 223 - 224 والخطط ج 4 ص 313 - 316 وحسن المحاضرة ج 1 ص 218.
(6)
الولاة: ص 213 - 214.
(7)
المصدر نفسه: ص 211.
بين الإسكندرية وبرقة، وانتقل بثورته إلى الصعيد حيث قتل في نفس العام
(1)
. وفي سنة 270 هـ - في عهد الطولونيين - نجد علي بن الحسن بن طباطبا نقيبا للطالبيين بمصر
(2)
.
أما شواهد القبور فتؤيد وجود هؤلاء الحسنيين بمصر في القرن الثالث
(3)
.
(ب) الحسينيون:
يعد أولهم ظهورا بمصر زيد بن علي الإمام الذي تنسب إليه الزيدية من طوائف الشيعة. وقد بعث الأمويون برأسه إلى مصر سنة 122 هـ، فسرقه أهك مصر ودفنوه وبنوا عليه مشهدا
(4)
. ومع أن عليا الرضى (ت 203 هـ) لم يأت إلى مصر فإن توليته عهد المأمون أحدث فتنة كبيرة (202 - 203 هـ)
(5)
-. وكان إسحق المؤتمن بن جعفر الصادق، زوج السيدة نفيسة التي ذكرت في بني الحسن، من أهل الصلاح والفضل والخير والدين بمصر. وكان له بها عقب منهم بنو الرقي
(6)
. وفي سنة 248 هـ كشف أمر ابن الخزري الجلوي الذي كان يمارس الدعوة في الخفاء بمصر، فقبض عليه وأرسل هو وجمع من آل أبي طالب إلى العراق
(7)
. وانضم ابن الأرقط العلوي إلى جابر المدلجي في ثورته (252 - 253 هـ)
(8)
. وهناك أخيرا السيدة أم كلثوم بنت القاسم، كانت من الزاهدات العابدات، ومشهدها بمقابر قريش بمصر بجوار الخندق
(9)
.
وعلى شواهد القبور نجد طائفة من أسماء بني الحسين الذين توفوا بمصر حوالي منتصف القرن الثالث
(10)
.
(1)
المصدر نفسه: ص 212.
(2)
القضاة ص 509، 513.
(3)
Rep.Chop.l،p.128≪،p.205.
(4)
الولاة ص 81 والخطط ج 4 ص 306 و 307 و 309 و 313.
(5)
الولاة: ص 167 - 170 والنجوم ج 2 ص 174.
(6)
الخطط: ج 4 ص 314 - 315.
(7)
الولاة ص 203 - 204 والخطط 4 ص 153 - 154.
(8)
الولاة: 206 - 208.
(9)
الخطط 4 ص 316.
(10)
Rep.Chro.ll،pp.35،63،175،187،188،189.
أما موالي العلويين فكان بمصر منهم: عبد الله بن محمد بن صالح (ت 204 هـ) مولى سكينة بنت الحسين، ينسب إليه درب الزجاج بالفسطاط
(1)
. مما يدل على إقامته به. وعبد الله بن ميمون (ت 207 هـ) مولى علي بن أبي طالب
(2)
. ومحمد بن روح (ت 254 هـ) مولى بني قنبر مولى علي
(3)
.
وباستقراء أخبار العلويين في مصر بعامة - حسنيين وحسينيين - يتضح لنا أنهم أقاموا بمصر طوال القرنين الثاني والثالث. وكان لهم بحكم مركزهم الروحي عكانة شعبية رفيعة ذات أثر خطير في الحياة المصرية. ولا يبدو هذا الأثر في الحركات والثورات المختلقة التي قادوها في مصر وتابعهم فيها المصريون فحسب، بل يبدو كذلك في الذكرى العزيزة التي لا يزال المصريون يحملونها لهم حتى اليوم.
وتنتقل إلى القسم الثاني من الهاشميين بمصر:
2 -
الجعافرة:
بنو جعفر الطيار بن أبي طالب
(4)
، والمقريزي
(5)
لا يعطينا فكرة واضحة عن أول إقامتهم بمصر، ولكنه في موضع آخر يذكر أن عدة بطون منهم كانت تتزل بأرض الأشمونين، وأنهم كانوا بادية أصحاب شوكة يحالفون الأموين المقيمين هناك
(6)
. في حين يرى مكمايكل أن هؤلاء الجعافرة هاجروا إلى مصر لما طردوا من مكة في القرن العاشر الميلادي
(7)
، أي ما بين أواخر القرنين الثالث والرابع الهجريين (289 - 291 هـ). وتحفظ شواهد القبور اسم سيدة بالفسطاط هي أم لأحد أفراد الجيل الثامن من ذرية جعفر الطيار، أي أنها تعد معاصرة للجيل السابق
(1)
الانتصار ج 4 ص 29.
(2)
Rep.Chro،l،p.118.
(3)
الأنساب ص 463 أ.
(4)
البيان ص 32.
(5)
المصدر نفسه: ص 32 - 34.
(6)
الخطط ج 1 ص 339.
(7)
Mac.l.p.142.
منهم، ومع ذلك فسنة وفاتها هي 282 هـ
(1)
. والعباس بن أحمد القماح (ت 363 هـ)، محدث راوية من أهل مصر، يكتفي السمعاني
(2)
. بأن يذكر أنه مولى الجعافرة مما يدل على أنهم كانوا في ذلك الوقت مالوفين في مصر.
نستطيع أن نخرج من هذا بأن الجعافرة عاشوا في مصر منذ القرن الثالث على الأقل، وأنهم هاجروا إلى الأشمونين في هجرة قريش الكبرى إلى تلك المنطقة.
يبقى بعد ذلك القسم الأخير من الهاشميين، وهم:
3 -
العباسيون:
في وقت مبكر جدا، وفي خلافة عثمان (23 - 35 هـ)، دخل مصر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب (ت 68 هـ بالطائف)
(3)
. جد السفاح أول خلفاء الدولة العباسية. ويبدو أنه أقام بمصر زمنا فقد روى أهلها عنه أحاديث
(4)
. وبعده ظل بنو العباس لا يدخلون مصر حتى كان سقوط الدولة الأموية وقيام دولتهم، هذه العملية التي اختتمت في صعيد مصر 132 هـ. ومنذ ذلك الحين حتى حوالي منتصف القرن الثالث يتتابع على مسرح الحياة في مصر عدد كبير من العباسيين يقيمون بها إقامة تطول حينا وتقصر في أغلب الأحيان، ولكنها تنتهي في كل الأحوال بخروجهم من مصر. هؤلاء هم الأمراء من بني العباس الذين حكموا مصر، وكانوا في حكمهم بعيدين عن المصريين، بل كان منهم من يظل يؤجل حضوره إلى مقر حكمه مستخلفا من ينوب عنه، بل كان منهم من حكم مصر دون أن يدخلها مطلقا (عبد الملك بن صالح بن علي سنة 178 هـ)
(5)
.
ولئن كان العباسيون قد أثروا في مصائر الأمور في مصر بما هم سادة حاكمون، فإنهم قد أثروا فيها كذلك من الناحية التي نعني بها في البحث: ناحية
(1)
Rep.Chro.llmp.262 - 263.
(2)
الأنساب ص 460 ب.
(3)
حسن المحاضرة ج 1 ص 10.
(4)
حسن المحاضرة ج 1 ص 10.
(5)
الولاة ص 136 - 173 والنجوم ج 2 ص 90 - 91.
الجنس والدم. من ذلك ما أتاه صالح بن علي - فاتح مصر وأول والٍ عباسي بها من إلحاق ألفي مقاتل بأهلها
(1)
.
ومن موالي العباسيين لدينا ثلاثة ولاؤهم لأبي جعفر المنصور بالذات، كان أولهم (مطر: 157 - 159 هـ) على خراج مصر
(2)
، في حين كان الثاني والثالث (واضح المنصوري: 162 - 169 هـ)
(3)
، و (الحسين بن جميل: 190 - 192 هـ)
(4)
، أميرين على مصر صلاتها وخراجها.
وبذلك ننتهي من الحديث عن قريش وقبائلها، فنواصل الحديث عن قبائل كنانة.
مدلج:
بطن من كنانة فيهم القيافة، ومنهم سراقة بن مالك الذي طارد النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر
(5)
. وهم من قبائل الفتح، فقد اختط بنو معاذ - منهم - دارين بمصر
(6)
، وكانوا مع عمرو بن العاص في غزوة طرابلس سنة 23 هـ
(7)
. ولم تطل إقامتهم بالفسطاط فالظاهر أنهم كانوا يترددون على خربتا - وهي خربتا الحالية مركز كوم حمادة محافظة البحيرة
(8)
- للارتباع، ثم لم يلبثوا أن أقاموا بها فاتخذوها منزلا هم وذبحان حلفاؤهم الحِمْيريون
(9)
. وكانت إقامتهم تلك مخالفة صريحة للأسس التي وضعها عمر بن الخطاب لإقامة العرب في بلاد الفتوح. ولكن الولاة اضطروا إزاء قوتهم ونزعتهم إلى التمرد إلى التغاضي عنهم. بل إن أحدهم، وهو قيس بن سعد الأنصاري (37 هـ) صارح محمد بن أبي بكر خليفته
(1)
الولاة ص 103.
(2)
الطبري ج 6 ص 302، 356 وابن دقماق ج 4 ص 51.
(3)
الولاة ص 121 والنجوم ج 2 ص 40 - 41.
(4)
الولاة ص 142 - 144 والنجوم ج 2 ص 134.
(5)
نسب عدنان ص 5، والعقد ج 2 ص 219، ونهاية الأرب ص 335.
(6)
فتوح مصر ص 115.
(7)
المصدر نفسه: ص 171.
(8)
الدليل الجغرافي ص 244.
(9)
فتوح مصر ص 142.
على حكم مصر، (37 - 38 هـ)، بتجنبهم اتقاءً لشرهم
(1)
. ومن مظاهر قوتهم أن نزل عليهم في خربتا شيعة عثمان من أهل مصر الذين غضبوا لقتل عثمان وطالبوا بثأره. ووسط هؤلاء الثوار بنو مدلج بينهم وبين أمير مصر قيس بن سعد
(2)
ولكن خربتا لم تكن أكثر من نقطة ارتكاز اتجهوا منها نحو الغرب. فعلى الطريق من مصر إلى المغرب منازل لبني مدلج في البرية بعضها على الساحل وبعضها بالقرب من الساحل
(3)
. وفي أداني قرى كورتي لوبية ومراقية قوم منهم يعيشون مع لسكانها الأصليين البربر
(4)
، وفي الرمادة في عمل لوبية وهي أول منازل البربر، قوم منهم كذلك
(5)
. كما أقاموا في وادي هبيب - بالجانب الغربي من مصر، فيما بين مريوط والفيوم
(6)
- حيث عملوا خفراء لدياراته الكثيرة
(7)
. ومع هذا فقد أقام جانب ضخم منهم بالإسكندرية حيث نقابلهم منذ أخريات القرن الثاني حتى منتصف الثالث يقومون بأعنف الثورات
(8)
.
وبالرغم من الطابع الثوري العنيف الذي يسم حياة بني مدلج بمصر نجد منهم شخصيات سلمية مثل الخيار بن خالد (ت 115 هـ) قاضي مصر، كان رجلا صالحا محمودا جميل المذهب
(9)
. ويعمر بن أبي خالد الذي روى عنه الليث بن سعد
(10)
..
(1)
الولاة ص 27.
(2)
الولاة ص 20، 21، 27 والنجوم ج 1 ص 68.
(3)
كلتاب البلدان ص 128، 131.
(4)
المرجع نفسه.
(5)
المرجع نفسه.
(6)
خطط المقريزي (بولاق) ج 1 ص 186.
(7)
سير الآباء البطاركة - مجلد أول ص 568.
(8)
الولاة ص 153، 164، 166، 170، 191، 205 - 210 و 212 وسير البطاركة مجلد أول ص 544 و 565.
(9)
فتوح مصر ص 240 والقضاة 343 والأنساب 515 أ، ب.
(10)
الأنساب ص 515 ب.
وكان مواليهم يشاركونهم تصرفاتهم، فقد اجتمع كثير منهم إلى جابر المدلجي في ثورته الكبيرة بالإسكندرية (252 - 253 هـ)
(1)
. ومع هذا كان من مواليهم أبو محمد المراقي المحدث أصله من مراقية وسكن الإسكندرية
(2)
.
ويبدو أن المدالجة كانوا كثيرين بمصر، فقد كان منهم البطنان الآتيان:
(أ) بنو معاذ:
مر ذكرهم، وأنهم اختطوا بمصر دارين.
(ب) بنو الهجيم بن عثوارة:
منهم جابر المدلجي زعيم ثورة الإسكندرية
(3)
.
- ليث:
بطن من كنانة
(4)
. وحلفاء لبني زهرة
(5)
. وهم من قبائل الفتح، واختطوا بالفسطاط عند أصحاب القراطيس
(6)
. ويبدو أنه لم يجئ منهم في جيش الفتح سوى أسرة واحدة هي آل عروة بن شييم
(7)
. وهذا سبب قلتهم فهم من أهل الراية
(8)
. وكانوا يتركون الفسطاط إلى أتريب - كورة في شرقي مصر قصبتها عين شمس
(9)
، حيث كانت تشغل الجزء الشمالي من محافظة القليوبية
(10)
- يرتبعون مع بني عمهم: غفار
(11)
.
(1)
الولاة ص 205.
(2)
الأنساب 519 ب.
(3)
الولاة ص 205.
(4)
نسب عدنان ص 4.
(5)
الأنساب ص 497 ب.
(6)
فتوح مصر ص 115.
(7)
المصدر نفسه ص 115 مع ملاحظة أنه مذكور في الولاة على أنه ابن شتيم وفي الخطط ابن سليم.
(8)
الانتصار ج 4 ص 3.
(9)
معجم البلدان ج 1 ص 102 و 103.
(10)
Toussoun.p.51.
(11)
فتوح ص 142.
وليس لدينا من شخصيات هذه القبيلة في عصر الفتح سوى عروة بن شييم نفسه عميد البطن الذي مثل ليثا في مصر. وكان عروة هذا ضد عثمان فإنه كان أحد القواد الستة للجيش المصري الذي أرسله ابن أبي حذيفة إلى عثمان سنة 35 هـ ليشترك في التخلص منه
(1)
. وعلى شواهد القبور وفي أوراق البردي أسماء لأفراد من ليث طوال القرن الثاني، بعضهم بالصعيد
(2)
، مما يدل على تحرك هذه القبيلة نحو الجنوب - ربما إلى الأشمونين - منذ ذلك الوقت.
وكان بنو ليث مع بطون كنانة الأخرى التي هاجرت من الحجاز إلى مصر، تلك الهجرة التي ذكرناها من قبل. وقد سكنوا ساقية قلتة - والأرجح أنها ساقلتة الحالية مركز أخميم محافظة سوهاج
(3)
- وما يليها
(4)
.
ولم تتح قلة الليثيين لهم أن يتركوا بمصر أثرا مذكورا. وكان منهم بمصر البطن الآتي:
- عثوارة:
يظنها السمعاني بطنا من الأزد
(5)
، في حين ينص القلقشندي على أنها من كنانة من ليث بن بكر
(6)
. وكان من عثوارة أبو الهيثم من محدثي القرن الأول
(7)
.
غفار:
بطن من كنانة
(8)
، كانت تعيش في الحجاز واشتركت في فتح مكة سنة 8 هـ مع مُزينة وجُهينة وسُليم وأسد وقيس وقبائل أخرى تحت قيادة خالد بن الوليد
(9)
.
(1)
الولاة ص 17.
(2)
Rep.Chro.lp.48& Ara.Pap.lll،pp.79،93.
(3)
الدليل الجعرافي ص 326.
(4)
البيان ص 40 و Ara.pap.lll،p.91 - 92.
(5)
الأنساب ص 384 أ.
(6)
نهاية الأرب ص 528.
(7)
الأنساب ص 384 أ.
(8)
نسب عدنان ص 5 والعقد ج 2 ص 218 - 219.
(9)
Ency.lsl.ll،p.159
وسجل الرسول ثناءه عليها في حديثه: "غفار غفر الله لها"
(1)
. ويبدو أنها كانت جديرة بهذا الثناء فإنها اعترفت بالخليفة أبي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وحاربت في صفه ضد القبائل الثائرة
(2)
.
وكانت غفار من قبائل الفتح. وقد اختطت بالفسطاط حول عمرو والمسجد مع قريش والأنصار وأسلم وجُهينة، وغيرهم من أهل الراية
(3)
. وكانت خطتهم في الزقاق الذي عُرف فيما بعد بزقاق ابن بلادة
(4)
. وكونهم من أهل الراية دليلا على قلتهم. وكانوا يتجهون دائما نحو الشمال الشرقي، فكان لهم مرتبع مع ليث في أتريب كما سبق
(5)
. وكذلك كانوا يرتبعون هم وأسلم مع قبائل أخرى من جُذام في كل من كورة بسطة التي كانت تشغل جزءا من مركز الزقارين الحالي
(6)
، وكورة فريبط وهي مركز كفر صقر حاليا
(7)
، وكورة طرابية التي كانت تشغل مركز فاقوس الحالي ووادي الطميلات
(8)
.
ومن الغريب أن الذين ظهروا بمصر من بني غفار كلهم من الصحابة من جهة ومن عصر الفتح، بل من وقت الفتح ذاته، من جهة ثانية. وقد اختطوا جميعا بمصر، وحدثوا بها، وسكنوها ما عدا أباذر (32 هـ بالربذة)
(9)
، وهبيب بن مغفل الذي ينسب إليه وادي هبيب لأنه اعتزل به في فتنة عثمان وظل فيه حتى توفي
(10)
.
ومن مواليهم جبر بن عبد الله القبطي (ت 62 هـ) رسول المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهو الذي تفخر القبط بسببه بأن منهم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم
(11)
.
(1)
البخاري ج 5 ص 17 - فتوح مصر - ص 138 والأنساب ص 410 ب.
(2)
Eney.lsl،ll،p.159 .
(3)
فتوح مصر ص 98.
(4)
الانتصار ج 4 ص 15.
(5)
فتوح مصر ص 142 وص 95 من هذا البحث.
(6)
فتوح مصر ص 142 و Toussoun،p.17.
(7)
فتوح مصر ص 142 و 23 p . Toussoun.
(8)
فتوح مصر ص 142 و Toussoun،p.14.
(9)
فتوح مصر: 286 وحسن ج 1 ص 101.
(10)
فتوح مصر: 94 والخطط ج 1 ص 186 وحسن ج 1 ص 100.
(11)
فتوح مصر: ص 109 وحسن ج 3 ص 79 - 80.
إن اختفاء غفار المبكر شاهد إما على انقراضهم وإما على انعدام التفوق فيهم. ومن المحتمل أنهم هم بنو ضمرة الذين يذكر القضاعي في خططه أن منهم أناسا ببلاد قريش يعني بلاد الأشمونين
(1)
.
وبذلك ننتهي من قبائل كنانة لنواصل الحديث عن قبائل مدركة:
أسد:
ليس لدينا مطلقا ما يتصل بحضورهم إلى مصر وقت الفتح أبو بعده. وكل ما لدينا هو اسم اثنين من أسد توفيا بمصر في الربع الأول من القرن الثالث
(2)
. ولسنا نستبعد أن يكونا من بني أسد بن عبد العُزّى الذين مروا في قريش.
القارة:
اشتهروا بأنهم أمهر العرب جميعا في الرماية
(3)
. وكانوا حلفاء بني زهرة
(4)
. وليس لهم ذكر في أخبار الفتح أو ما بعده. ولعلهم لم يذكروا لأنهم لم يكونوا قبيلة قائمة بذاتها، وإنما كانوا حلفاء لغيرهم.
وأول من نقابله منهم بمصر في كل حال هو يعقوب بن عبد الرحمن المحدث (ت 181 هـ)، سكن الإسكندرية وتوفي بها، ولكنه ليس مصريا أصلا
(5)
. أما إبراهيم بن إسحق قاضي مصر (204 - 205 هـ) الذي استقال احتجاجا على تدخل والي مصر في عمله
(6)
، فيبدو أنه مصري. وربما كان يحيى بن جابر، قاضي رشيد وأحد المحدثين الذين خرجوا منها
(7)
دليلا على إقامة بني القارة أو بعضهم في تلك المدينة.
فرغنا الآن من بني مدركة الذين يمثلون القسم الأول من خندف. وننتقل إلى القسم الثاني.
(1)
نهاية الأرب ص 262.
(2)
Rep.Chro.I.pp.144،151.
(3)
العقد: ج 2 ص 220.
(4)
النجوم ج 1 ص 87.
(5)
الأنساب ص 437 ب.
(6)
القضاة ص 427.
(7)
معجم البلدان ج 4 ص 252.
2 -
بنو طابخة
جاء إلى مصر من بني طابخة القبائل الآتية:
تميم:
يبدأ ظهور هذه القبيلة بمصر مع قيام الدولة العباسية سنة 132 هـ ولعلها دخلت مع جيوش العباسيين التي فتحت مصر وقضت على آخر الخلفاء الأمويين بها، فإن أول من قدم من قواد العباسيين (شنعبة بن عثمان ت 133 هـ) من بني تميم
(1)
. وربما كان تولي اثنين من تميم (موسى بن كعب سنة 141 هـ)
(2)
، وسالم بن سوادة (سنة 164 هـ)
(3)
حكم مصر فرصة متاحة لدخول آخرين من بني تميم.
والهذيل بن مسلم الفقيه (ت 189 هـ) الذي سكن مصر وملك فيها دارا باسمه
(4)
، شاهد على إقامة بني تميم بمصر في القرن الثاني. أما القرن الثالث ففي شواهد القبور
(5)
دليل على أنه - أو نصفه الأول على الأقل - كان حافلا بالتميميين الذين عاشوا في مصر وماتوا بها.
نستطيع أن نطمئن إلى أن قبيلة تميم أقامت إقامة فعلية في مصر حيث تمتعت بمركز قوي استمدته من أبنائها الذين ولوا الحكم فيها، بل إن من مواليها (موسى بن زريق سنة 162 هـ)
(6)
. من كبار الموظفين.
مُزينة:
هم الذين منهم زهير بن أبي سُلْمى الشاعر المشهور
(7)
. ومن القبائل التي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم مواليه
(8)
. وكانوا من قبائل الفتح، إلا أنهم كانوا قلة، فهم
(1)
الولاة ص 99 والنجوم ج 1 ص 302.
(2)
الولاة ص 106 - 108 والنجوم ج 1 ص 342 - 345.
(3)
الولاة ص 123 والنجوم ج 2 ص 47.
(4)
الانتصار ج 4 ص 8.
(5)
Rep.Chro.I،pp.106،110 - 111،153،247 - 248،260≪،pp.69 - 97
(6)
الولاة ص 121.
(7)
العقد ج 2 ص 221.
(8)
البخاري ج 5 ص 14.
من أهل الراية
(1)
. وفي العصر الأموي نقابل منها بشير بن النضر قاضي مصر (69 - 68)
(2)
. ولا يظهر من مُزينة بعد ذلك أحد حتى يكون القرن الثالث فيتألق الإمام أبو إبراهيم المزني (175 - 264 هـ) الفقيه الشافعي العظيم
(3)
.
وهكذا نفرغ من بني طابخة، فنفرغ من خندف جميعا أي من القسم الأول من قبائل مضر، ويبقى أمامنا القسم الثاني منها:
ثانيا: قيس عيلان
تشتمل قيس على ثلاثة أقسام كبيرة: سعد، وجديلة، وخصفة. وسنتكلم عن كل قسم وما يضم من قبائل بعد أن نتحدث عن قيس القبيلة العامة.
قيس:
خضعت هذه القبائل في الجاهلية لإمبراطورية كِنْدة قصيرة العمر، مثلها في ذلك مثل قبائل وسط شبه الجزيرة، ولما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عادته أول الأمر عداءً تاما، ولكنها كانت عندما مات قد خضعت لشريعة الإسلام. إلا أن معظمها عاد فانضم انضماما صريحا أو ضمنيا إلى حركة الردة التي فشت في جزيرة العرب جميعها. ولكنهم عادوا مسلمين طيبين منذ أن هزمهم خالد بن الوليد، واشتركت جماعات منهم في المعارك ضد الفُرس. وفي موقعة الجمل وفي صفين حاربوا إلى جانب علي
(4)
.
كتب عبيد الله بن الحبحاب صاحب خراج مصر (103 - 116 هـ) إلى الخليفة هشام أن ليس في مصر من قيس سوى قليل من بني جديلة وهم: فهم وعدوان. وتناقل المؤرخون
(5)
هذا الزعم ما عدا ابن عبد الحكم
(6)
. الذي نفى
(1)
الانتصار ج 4 ص 3.
(2)
القضاة ص 313 - 314 والانتصار ج 4 ص 39.
(3)
القضاة ص 461 و 508 و 511 و 671، وحسن ج 1 ص 123، وطبقات الشافعيةج 1 ص 238 و 241.
(4)
Ency.IsI.II،pp.654 - 655
(5)
الولاة ص 76 والبيان ص 50.
(6)
فتوح مصر ص 143.
وجود قيس بالحوف الشرقي بخاصة - لا بمصر كلها - قبل زمن ابن الحبحاب. ولكن من الثابت أن قبيلتي فهم وعدوان اشتركتا في الفتح واختطتا بالفسطاط. ومن الثابت كذلك أن قبائل أشجع وعبس وثقيف - وكلها من قيس - شهدت فتح مصر وأقامت بها. وقد وضحنا هذا عند حديثنا عن هذه البطون
(1)
. ومن الثابت أيضا أنه كان لقيس داران بالفسطاط: دار كعب ابن ضنة ودار الزبير
(2)
. كما كان لها - شأنها شأن القبائل الأخرى - مجلس في جامع عمرو تحده أربعة أعمدة مذهبة الرءوس ذهَّبها قُرة بن شُريك العبسي
(3)
أمير مصر القيسي (90 - 96 هـ) محاباة لقبيلته، وفي هذا المجلس قضى عبد الملك بن رفاعة الفهمي، أمير مصر القيسي كذلك، بعض الوقت يوم عزله سنة 99 هـ
(4)
.
عاشت قيس إذن في مصر منذ الفتح ممثلة في خمس من قبائلها. وشاركت طوال القرن الأول في الحياة المدنية لمصر. وظهر منها الوجوه والأمراء وكبار الموظفين: كعب بن يسار العبسي (20 هـ)، خالد بن ثابت الفهمي (20 - 64 هـ)، حبيب بن أوس الثقفي (20 - 65 هـ)، ابن يربوع الفزاري (87 هـ) بنو رفاعة (89 - 119 هـ) قُرَّة بن شُريك
(5)
. ولكن عدم تجاوب قبائل قيس المصرية مع حركة قيس العامة ضد الخلافة بالانضمام إلى ابن الزبير ومحاربة الأمويين منذ 64 هـ حتى 73 هـ
(6)
دليل على أن قيسا لم يكن لها بمصر من القوة ما يمكنها من القيام بمثل هذه الحركة.
وفي سنة 109 هـ طلب ابن الحبحاب من هشام الموافقة على انتقال عدد من قيس إلى مصر
(7)
. ولم يتردد هشام في الموافقة بسبب قوة مركز قيس في بلاد
(1)
انظر الصفحات التالية من البحث.
(2)
فتوح مصر ص 111.
(3)
الخطط ج 4 ص 6.
(4)
الولاة ص 67.
(5)
تحدثنا عن هذه الشخصيات بالتفصيل في قبائلها في الصفحات القادمة.
(6)
Ency.IsI.ll،p.655، وبروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية ج 1 ص 156 و 157.
(7)
الولاة ص 76.
الخلافة. ومنذ ذلك الوقت بدأت هجرة قيس الكبرى إلى مصر، فما زالوا ينتقلون إليها ويتكاثرون بها حتى بلغوا في حوالي نصف القرن (109 - 154 هـ) خمسة آلاف نسمة، فقد قدم منهم أول الأمر سنة 109 هـ أربعمائة أهل بيت لم يلبثوا أن بلغوا في سنة 125 هـ - سنة موت هشام - ألفا وخمسمائة. وكان تولى الأمير القيسي؛ الحوثرة بن سهيل الباهلي (128 - 131 هـ) فرصة جديدة لتدفق القيسية حتى أنهم تضاعفوا في هذه الفترة القصيرة فأصبحوا وقت موت مروان الحمار (132 هـ) ثلاثة آلاف. ولم يتوقف نموهم عند هذا الحد، فإنهم قد "توالدوا وقدم عليهم من البادية من قدم" فإذا بهم بعد حوالي جيل - في ولاية محمد بن سعيد صاحب خراج مصر ما بين 142 و 152 هـ - قد قاربوا الضعف من جديد، فكانوا صغيرهم وكبيرهم وكل من جمعت الدار منهم خمسة آلاف
(1)
. وليس لنا أن نشك في معدل الزيادة هذا إذا وضعنا في اعتبارنا نظرية مالتوس التي تقول بزيادة عدد السكان وفق متوالية هندسية: 21: 4: 6: 8
…
إلخ مرة كل 25 سنة
(2)
، وإذا راعينا كذلك العلاقة الطردية بين زيادة السكان وبين ارتفاع مستوى المعيشة وهو ما حدث لهذه القبائل بما هيأ لهم ابن الحبحاب من الرخاء والانتعاش الاقتصادي عندما أمرهم باشتراء الخيول والإبل التي سهل عليهم تربيتها لجودة مرعاهم، ثم استغلوها في حمل الطعام إلى القلزم (السويس حاليا)
(3)
"فكان الرجل يصيب في الشهر العشرة دنانير وأكثر وأقل"
(4)
ولا شك في أنه كان لهذه الخيول أثرها في الدور الخطير الذي لم تلبث قيس أن لعبته في حياة مصر سياسيا وحربيا. فالواقع أن هجرة قيس تلك إلى مصر وإقامتها بمنطقة الحوف كانت بداية مرحلة جديدة من مراحل حياتها هناك غلب عليها طابع العنف على نحو ما سنرى.
(1)
مراحل هذه الهجرة مذكورة في الولاة ص 76 - 77 والبيان ص 51.
(2)
مصطفى كمال فريد: أصول المذاهب الاقتصادية ص 82 وصلاح العبد: مبادئ علم الاجتماع ص 36.
(3)
Ame.p.227.
(4)
الولاة ص 77 والبيان ص 51.
لم تكد قيس تستقر في مقامها الجديد - بلبيس إحدى كور الحوف - حتى تهيأت لها فرصة لرد جميل الأمويين، فخرج جمع منهم سنة 127 هـ مع زبان بن عبد العزيز بن مروان لمنع ثابت بن نعيم الجذامي، الثائر على مروان بن محمد من دخول مصر. ولقوه وهزموه
(1)
. وفي 128 هـ أخمد الحوثرة بن سهيل حركة خلع مروان التي ظهرت بمصر، وجعل زبان بن عبد العزيز على رأس ألف من قيس يتناولون أرفع درجات العطاء وهو عطاء الخاصة
(2)
. ولعل هؤلاء الألف هم نفس الذين اشتركوا مع زبان في قتال ابن نعيم في العام السابق وكان ذلك الصنيع من الحوثرة مكافاة لهم على أن ذلك الولاء للأمويين لم يطل أجله فقد تفشت الدعوة العباسية فاشترك جمع منهم مع أحد الأمويين في الثورة على مروان سنة 122 هـ
(3)
ثم لم يلبثوا أن انضموا إلى العباسيين وسودوا
(4)
.
ولكن هذا الولاء للعباسيين لم يكن أطول أجلا من الولاء للأمويين، فإن قيسا قد تحالفت مع القبائل اليمنية الموجودة بالحوف، فاختلط تاريخهم منذ ذلك الوقت، وأصبح لهم اسم واحد، يجمعهم هو أهل الحوف، وكونوا بتحالفهم ذلك قوة هائلة قاومت الدولة مقاومة عنيفة في عدد كبير من المعارك المريرة التي نشبت لأسباب تعود في معظمها إلى سوء معاملة الولاة وجشعهم في أخذ الخراج وخيانة الموظفين. وهذا يبدو واضحا عند النظر في ثورات أهل الحوف في الأعوام 168
(5)
، 172 - 173
(6)
، 178
(7)
، 179 - 180
(8)
، 186
(9)
،
(1)
الولاة ص 87.
(2)
المصدر نفسه ص 90.
(3)
المصدر نفسه ص 64.
(4)
المصدر نفسه ص 95 والنجوم ج 1 ص 316.
(5)
الولاة ص 125 - 127.
(6)
النجوم ج 2 ص 71.
(7)
الولاة ص 136 والنجوم ج 2 ص 87 - 88.
(8)
النجوم ج 2 ص 98.
(9)
الولاة ص 140 والنجوم ج 2 ص 114.
190
(1)
، 194
(2)
، 198 - 109
(3)
، 214
(4)
، 215
(5)
، 216 - 217
(6)
، 253
(7)
.
ولا عجب في هذا فقد كانوا باعتمادهم على الزراعة واهتمامهم بها يمثلون مصلحة طبقة المزارعين في مصر. بل لقد انتهى بهم الأمر إلى أن اشتركوا مع القبط في ثورة أسفل الأرض (216 - 217)
(8)
التي كانت ثورة المصريين بعامة، بل الفلاحين بالذات، على أنهم لم ينسوا عروبتهم وظلوا يمثلون مصالح الطبقة العربية؛ ولذلك وقفوا إلى جانب الأمين ضد المأمون في الصراع الذي دار بينهما، وكانت مصر مسرحا لفصول منه طوال المدة من 196 إلى 198
(9)
.
وكانت الدولة تقابل ثورات أهل الحوف بكل ما تملك من قوة وقسوة وحين كان الجيش المحلي - أهل الديوان - يعجز عن قهرهم كان الخليفة يضطر إلى إرسال جيش من عاصمته
(10)
. بل لقد اضطر المعتصم - وهو أمير بعد - إلى مقاتلتهم بنفسه في جيش هائل من أتراكه
(11)
. ولقد لقيت الدولة عنتا شديدا في إخضاعهم لغلبة البداوة عليهم وكثرتهم العديدة وثرائهم، فلم يكونوا ينهزمون إلا ليعاودوا التمرد من جديد. وكان انتصار الدولة عليهم يقابل بالتهليل من الشعراء باعتباره من الأمور الجديرة بالتمجيد والتسجيل
(12)
.
على أن أعجب ما في تاريخ أهل الحوف كله هو شهادتهم لأهل الحرس القبط بأنهم عرب. على أن الذي يبدو من ملابسات هذه القضية التي شغلت
(1)
الولاة ص 143 والنجوم ج 2 ص 135.
(2)
الولاة ص 147.
(3)
المصدر نفسه ص 153 - 155.
(4)
المصدر نفسه ص 185 - 188 والنجوم ج 2 ص 250، 207 - 208.
(5)
النجوم ج 2 ص 212.
(6)
الولاة ص 191 والنجوم ج 2 ص 215 - 216.
(7)
الولاة ص 208 - 209.
(8)
المصدر نفسه ص 190 - 192 والنجوم ج 2 ص 215 - 216.
(9)
الولاة ص 149 - 151.
(10)
المصدر نفسه ص 136، 144، 147.
(11)
المصدر نفسه 188 - 189 والنجوم ج 2 ص 8 - 2 - 209.
(12)
الولاة ص 145.
الرأي العام في مصر زمنا طويلا (185 - 194 هـ)
(1)
أن اليمانية وقُضاعة منهم بالذات، هم الذين وقفوا إلى جانب أهل الحرس لا القيسية، فقد كان من شهودهم حوى بن حوى العذري (ت 200 هـ) أحد أشراف مصر
(2)
. هذا إلى أننا نستطيع اعتبار موقف الشاعر طاهر القيسي العدائي من هذه القضية صدى لموقف القبيلة كلها
(3)
.
ولعله من الطريف أن كان من موالي هذه القبيلة أحد كبار الموظفين الذين ولوا أمر الخراج بالذات (محمد بن زياد بن طبق القيسي ت 221 هـ)
(4)
.
وهكذا نرى أن قيسا التي سارت في القرن الأول في طريق المدنية عندما عاشت في الفسطاط، لم تستطع أن تتخلص من بداوتها وعنفها وقسوتها لما أقامت في الحوف وبذلك كتب عليها أن يكون دورها على مسرح الحياة المصرية دورا دمويا هداما أكثر مما كان مدنيا سلميا بناءً.
نتحدث الآن عن القبائل القيسية في مصر متبعين ما أشرنا إليه من تفرع قيس إلى ثلاثة أقسام.
1 -
بنو سعد
وهم بنو سعد بن قيس عيلان.
عاش منهم بمصر القبائل الآتية:
باهلة:
كان العرب ينظرون باحتقار إلى هذه القبيلة، وأورد ابن خلكان طائفة من النوادر في السخرية منها
(5)
. وجاءت باهلة إلى مصر في وقت متأخر ليس
(1)
انظر تفاصيل هذه القضية المهمة في الكندي: الولاة ص 397 - 400.
(2)
القضاة ص 398.
(3)
المصدر نفسه ص 413، 415.
(4)
الولاة ص 147 والانتصار ج 4 ص 25.
(5)
وفيات الأعيان ج 1 ص 542 - 543.
قبل 128 هـ على أية حال وذلك عندما ولى أحد أفرادها (الحوثرة بن سهيل) حكم مصر (128 - 131 هـ) فقد قال الكندي
(1)
، وهو يسرد مراحل قدوم قيس مصر، أن قيسا مالت إلى الحوثرة لما ولي مصر في زمن مروان بن محمد، فنتج عن هذا أن ارتفع عدد قيس إلى ثلاثة آلاف، بعد أن كانوا ألفا وخمسمائة، فكأن هذه الدفعة الجديدة لم تكن لتقل عن ألف نسمة، وكون الحوثرة باهليا يجعلنا نرجح أن تلك الدفعة كانت كلها أو معظمها من نفس قبيلته، لا سيما وأنه كان من أهل قنسرين والجيش الذي دخل مصر به لتأديب الثوار فيها كان قسم منه من أهل قنسرين
(2)
.
ولسنا نعرف لباهلة دورا خاصا قامت به في مصر، ولكننا نجد أحد العمال بمصر منها (190 - 192 هـ)
(3)
، وقد ظل الاحتقار القديم يلاحقها فوصف سعيد بن عفير الشاعر المصري الباهليين بأنهم مأوى اللؤم من مُضَر
(4)
. وتحفظ شواهد القبور اسم مولاة لرجل باهلي توفيت بالصعيد سنة 215 هـ
(5)
.
أشجع:
كانوا أهم عرب المدينة النبوية
(6)
، إذ كانوا يسكنون شمالها الشرقي
(7)
. وقد اشتركت مع قيس في معاداة النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر، ولكنها وجدت المستصوب بعد غزوة الخندق (سنة 6 هـ) أن تعقد مع النبي صلى الله عليه وسلم، من ناحية سياسية صرف، معاهدة تحالف، واشترك عدد منهم في فتح مكة (سنة 9 هـ) في صف النبي صلى الله عليه وسلم
(8)
.
وظلت أشجع محافظة على إيمانها، فكانت القبيلة الوحيدة من غطفان التي لم تشترك في الهجوم الذي قامت به القبائل البدوية على المدينة في حروب الردة
(9)
.
(1)
الولاة ص 77 - انظر كذلك: البيان ص 51.
(2)
الولاة ص 88.
(3)
المصدر نفسه ص 142.
(4)
المصدر نفسه ص 143.
(5)
Rep.Chro.I،p.159.
(6)
نهاية الأرب ص 37.
(7)
Ency.Isl.ll،p.566.
(8)
Ency.tsI.II،p.566.
(9)
lbid،I.p.966.
واشتركت أشجع في فتح مصر، ولكنهم كانوا قلة فهم من أهل الراية
(1)
. ومن المحتمل إن لم يحضر منهم إلى مصر سوى بطن واحد هو دهمان الذي تنتسب إليه عفيرة الأشجعية زوجة توبة بن نمر الحضرمي قاضي مصر (115 - 120 هـ)
(2)
.
فزارة:
عاش أفراد هذه القبيلة - كلهم من كبار الموظفين - بمصر. فكان ابن يربوع أول عربي ولي ديوان مصر بعد أن جعلت العربية لغته الرسمية سنة 87 هـ
(3)
. وحكم المغيرة بن عبيد الله مصر (131 - 132 هـ)، وجعل ابنه عبد الله (ت 132 هـ) على شرطه، واستخلف ابنه الثاني الوليد عند موته سنة 132 هـ
(4)
.
ولسنا نستطيع اعتبار هذه القبيلة مصرية، فابن يربوع من أهل حمص
(5)
، والمغيرة وولده قدموا إلى مصر بحكم الوظيفة، ولم يكن لهم عصبية بها، بدليل أن جند مصر فرضوا على الوليد موظفا معينا للشرطة
(6)
.
عبس:
كانت من الجمرات الثلاث، أي القبائل التي لم تتحالف قط
(7)
. وكانت محترمة بالرغم من صغرها، ودخلت في منازعات، أشهرها حرب داحس، مع عدد كبير من القبائل
(8)
. وتزعم عبس أن كان فيها رجل موحد في رمن الإلحاد، اسمه خالد بن سنان يقال فيه أنه كان نبيا
(9)
. واشتركوا في حركة الردة بعد تردد كثير
(10)
. وانتقل كثير منهم إلى المدائن، وإلى الكوفة حيث كان لهم مسجدهم
(1)
الانتصار ج 4 ص 3.
(2)
القضاة ص 342 - 343 والأنساب ص 235 أ.
(3)
الولاة ص 59.
(4)
الولاة ص 93.
(5)
المصدر نفسه ص 59.
(6)
المصدر نفسه 93.
(7)
العقد ج 2 ص 223؛ و Ency.IsI.I.p.
(8)
Ency.IsI.I،p.37.
(9)
.Ency.IsI.I،p.73
(10)
Ency.IsI.I،p.73.
الخاص في الحي الذي يسمى باسمهم
(1)
. وتحسنت أحوالهم في عهد المروانيين لأن عبد الملك بن مروان كانت زوجته ولادة منهم
(2)
.
وشهدت عبس فتح مصر مع عمرو، وكانت من أهل الراية وكان لهم شأنهم شأن العرب الآخرين مكانهم الخاص بهم في الفسطاط
(3)
. ويبدو أن كل من جاء منهم هم آل يسار بن ضنة
(4)
.
وكانت عبس تترك الفسطاط إلى أتريب حيث تأخذ مرتبعها
(5)
. ولكننا نراهم منذ أواخر القرن الثاني في الحوف الشرقي
(6)
. وقد اشتهروا بإقامتهم في بلبيس بالذات
(7)
. حتى أن المتنبي (ت 354 هـ) نص على ذلك في مدحه إياهم
(8)
. فمتى انتقلوا إلى هناك؟ لعلهم ذهبوا إلى هناك ليعيشوا مع قبائل قيس الأخرى التي هاجرت إلى تلك المنطقة في أوائل القرن الثاني كما سبق القول.
وأول من ظهر منهم بمصر كعب بن يسار (20 هـ) الذي أرغم على تولي القضاء وكان كثير البربر من الموالي. وهو حفيد خالد بن سنان
(9)
. الذي مر ذكره. ودخل عمار بن ياسر (ت 37 هـ بصفين) مصر رسولا من عثمان في بداية الفتنة، ولكنه انضم إلى الثوار بها
(10)
. ولا شك في أن قرة بن شريك، أمير مصر (90 - 96 هـ)، هو أشهر العبسيين فيها
(11)
. وكان عثمان بن بلادة (ت 198 هـ) أحد قواد أهل الحوف في المعركة ضد أهل الفسطاط في حركة خلع الأمين (196 - 198 هـ)
(12)
.
(1)
Ency.lsl.l.p.73.
(2)
Ency.lsl.l.p.73.
(3)
الانتصار ج 4 ص 3، و Ency.lsl.I.p.73
(4)
فتوح مصر ص 42.
(5)
فتوح مصر ص 42.
(6)
الولاة ص 150 - 154 والانتصار ج 4 ص 15.
(7)
Ency.lsl.l.p.37
(8)
معجم البلدان: ج 2 ص 262.
(9)
القضاة ص 31 - 35.
(10)
حسن ج 1 ص 93، 13 والطبري ج 3 ص 379.
(11)
فتوح مصر ص 131 والولاة ص 62 - 65 والنجوم ج 1 ص 217 - 22.
(12)
الولاة ص 15 - 154 والانتصار ج 4 ص 15.
والذي يلوح لنا هو أن دور عبس في مصر كان - كدور قيس بعامة - دورا ثوريا في معظمه.
2 -
بنو جديلة
وهم بنو عمرو بن قيس نسبوا إلى أمهم "جديلة".
حضر إلى مصر منذ الفتح فرعاها كلاهما وهما: فهم، وعدوان
(1)
. وقد وضحنا بُطلان ما زعمه عبيد الله بن الحبحاب من أن جديلة كانت بفرعيها هذين الممثلة الوحيدة لقيس في مصر منذ الفتح حتى سنة 109 هـ
(2)
.
فهم:
شهدت الفتح واختطت بمصر
(3)
. وكانت خطتها بالفسطاط في الحمراوات الثلاث على ما يبدو من ظاهر كلام ابن دقماق
(4)
. وكانت تأخذ مرتبعها في أتريب وعين شمس ومنوف
(5)
. وسنرى أن قد جاء منهم إلى مصر بطون كثيرة، وظهر منهم على مسرح الحياة المصرية طوال الفترة التي ندرسها شخصيات مهمة. وقد أعجب قُرة بن شريك لحظة وصوله إلى مصر سنة 90 هـ بواحد من أفرادها كان على الشرط، فمدحها بقوله:
ولن تجد الفهمي إلا محافظا
…
على الخلق الأعلى وبالحق عالما
سأثني على فهم ثناء يسرها
…
أوافي به أهل القرى والمواسما
(6)
وهذه هي بطون فهم في مصر:
(1)
الولاة ص 76.
(2)
انظر ص 121 - 122 من هذا البحث.
(3)
فتوح مصر 113 - 117 ونهاية الأرب ص 319.
(4)
الانتصار ج 4 ص 5.
(5)
فتوح مصر ص 142.
(6)
فتوح مصر ص 239 والولاة ص 62 - 36 مع ملاحظة أن هذين البيتين مكتوبان على أنهما سطور من النثر.
(أ) بنو رفاعة:
هم في الواقع أسرة من بطن بني العجلان. وجدهم خالد بن ثابت الذي رفض أن يتولى المكس، وكان من وجوه شيعة عثمان سنة 35 هـ ثم من شيعة مروان بن الحكم سنة 64 هـ
(1)
. وقد تداول أفراد هذه الأسرة شرطة مصر وإمرتها حوالي ثلاثين عاما (89 - 119 هـ) فكان منها عبد الأعلى بن خالد (89 - 90 هـ)
(2)
، وعبد الملك بن رفاعة (96 - 99 هـ)
(3)
، وأخوه الوليد (96 - 117 هـ)
(4)
، وعبد الرحمن بن خالد (109 - 119 هـ)
(5)
، وغيرهم. وكان الليث بن سعد الإمام الفقيه المحدث (94 - 175 هـ) من موالي هذه الأسرة
(6)
.
(ب) بنو شبابة:
اختطوا بالفسطاط، وكان لهم المسجد الذي له المنارة
(7)
.
وليس لدينا منهم سوى أحد مواليهم، هانئ بن المتوكل، كان فقيها، ونزل الإسكندرية
(8)
.
(ج) بنو بلبلة:
من مواليهم عبد الله بن محمد البيطاري (ت 231 هـ)، محدث من أهل مصر
(9)
.
(1)
فتوح مصر 112، 231 والولاة ص 15، 42 وحسن ج 1 ص 83.
(2)
الولاة ص 60 - 64.
(3)
المصدر نفسه 64 - 67، 75.
(4)
المصدر نفسه ص 66 - 67، 75 - 79.
(5)
المصدر نفسه ص 76، 79 - 80 والنجوم ج 1 ص 278 وحسن ج 1 ص 111.
(6)
الولاة 89، 134 والقضاء ص 365 - 366، 372 - 373 - 384 ومعجم البلدان ج 7 ص 58 - 59 ووفيات الأعيان ج 1 ص 554 - 555 ونهاية الأرب 319 - 320 والنجوم ج 2 ص 82 وحسن ج 1 ص 120 - 121 ومقدمة كست ص 29 - 31.
(7)
فتوح مصر ص 120.
(8)
الأنساب ص 328 ب.
(9)
المصدر نفسه ص 89 أ، 89 ب.
(د) كنانة فهم:
لا نعلم عنها سوى أنها شرعت مع فهم إلى القنطرة
(1)
.
عدوان
كانت تتولى الإفاضة، أي الإشراف على سعي الحجيج بين عرفات والمزدلفة
(2)
، وسرعان ما نلاحظ قلة أهميتهم بالنسبة إلى إخوتهم بني فهم وكل ما بقي عنهم أنهم اختطوا بمصر
(3)
، وكانوا يرتبعون في بوصير
(4)
، والأرجح أنها بوصير بنا
(5)
، ولهم سويقة باسمهم بالفسطاط، وهي السويقة التي عند زقاق المكي
(6)
.
3 -
بنو خَصَفَة
جاء منهم إلى مصر القبائل الآتية:
بنو سُلَيم:
قبيلة قوية نشيطة، كان في منطقتها - عالية نجد - بالحجار سلسلة من الحرَّات البركانية ومراكز التعدين والواحات. وكان لهم مركز ممتاز بين عرب الحجاز لسيطرتهم على الطريق إلى المدينة ونجد والخليج الفارسي، وغنى إقليمهم بالثروة المعدنية والزراعية
(7)
.
(1)
فتوح مصر ص 116، 118.
(2)
Ency.lsl.ll،p.655.
(3)
فتوح مصر ص 118.
(4)
فتوح مصر ص 141.
(5)
Ame.p.9.
(6)
فتوح مصر ص 117.
(7)
Ency.lsl.tv.p.518، والبيان ص 51 ونهاية الأرب ص 243.
وتفرق بنو سُلَيْم في البلاد، ونزلت جماعة كثيرة منهم حمص
(1)
. والذي يهمنا أن مائة أسرة منهم قدمت إلى مصر ونزلت بلبيس في هجرة قيس الكبرى إلى مصر سنة 109 هـ
(2)
.
ويبدو أن سُلَيْما حافظت على أسلوب حياتها في الجزيرة، فواصلت اشتغالها بالزراعة وتربية الخيل، وهو ما كانت تجيده هناك
(3)
. قال الحمداني: فيهم الأبطال الأنجاد والخيل الجياد"
(4)
. بل إنها لم تستطع أن تنسى التعدين فهاجر قوم منهم قبل نهاية القرن الثالث قطعا إلى منطقة العلاقي لاستخراج الذهب
(5)
.
ولعل سُلَيْما كانت تفضل الاشتغال بالزراعة والتجارة على الاشتغال بالسياسة، إذ لم يظهر منهم على مسرح الحياة العامة سوى يزيد بن أسيد الذي يتفرد ابن خلكان بذكر أن المنصور ولاه مصر سنة 154 هـ لما عقد لأميرها يزيد بن حاتم على إفريقية
(6)
.
هوازن:
قبيلة كبيرة. كانوا متفرقين في نجد على حدود اليمن وشرقي الحجاز قرب مكة. كانت الطرف الآخر في حرب الفجار التي نشبت في التسعينيات من القرن السادس الميلادي بينها وبين قريش وقبائل أخرى من كنانة. هاجموا المسلمين في حنين سنة 8 هـ وانتصروا أول الأمر ثم هُزِموا هزيمة منكرة. ثاروا في حركة الردة ولكنهم عادوا فأسلموا
(7)
.
قدم من أفنائها مائة أسرة إلى مصر سنة 109 هـ، ونزلوا بلبيس
(8)
وليس لهم ذكر في الحياة العامة بمصر.
(1)
الأنساب ص 303.
(2)
الولاة ص 77 والبيان ص 51.
(3)
Ency.IsI.Iv،p.518.
(4)
نهاية الأرب ص 243.
(5)
كتاب البلدان ص 123.
(6)
وفيات الأعيان ج 2 ص 322.
(7)
Ency.IsI.II،p.293 - 294
(8)
الولاة ص 77 والبيان ص 51.
ثقيف:
بطن من هوازن. زعم بعض النسابين أنهم من بقايا ثمود
(1)
. كانت منازلهم بالطائف وربما قيل أنهم موالي لهوازن
(2)
.
قدموا إلى مصر قبل مقدم هوازن بزمن كبير فقد كانوا في جيش الفتح واختطوا في ركن المسجد الشرقي
(3)
. ولا شك في قلتهم فهم من أهل الراية
(4)
.
أول من ظهر منهم بمصر حبيب بن أوس، سيد ثقيف، وهو من شخصيات الفتح، وقد اختط بالفسطاط، وعليه نزل يوسف بن الحكم ومعه ابنه الحجاج عندما قدما إلى مصر مع مروان بن الحكم
(5)
. ولا يظهر منهم بعد ذلك سوى زرعة بن سهيل - من قراء الكوفة - الذي كشف غلطة في مصحف عبد العزير بن مروان
(6)
. وعبد الوهاب بن عبد المجيد (110 - 194 هـ) كان من المحدثين الثقات
(7)
.
ومن مواليهم راشد مولى حبيب سالف الذكر، كان من صغار التابعين بمصر
(8)
.
بنو نصر:
بطن من هوازن
(9)
. قدم منهم مائة أسرة إلى مصر سنة 109 هـ ونزلوا بلبيس مع بطون قيس الأخرى
(10)
.
لم يظهر منهم أحد بمصر.
(1)
ذهب رأي أن ثقيف من بني إياد بن نزار بن معد بن عدنان.
(2)
نهاية الأرب ص 168.
(3)
فتوح مصر ص 109،108.
(4)
الانتصار ج 4 ص 3.
(5)
فتوح مصر ص 109 والانتصار ج 4 ص 9.
(6)
القضاة هامش ص 315 والانتصار ج 4 ص 72.
(7)
الأنساب ص 115 ب.
(8)
فتوح مصر ص 252 - 253 وحسن ج 1 ص 108.
(9)
نهاية الأرب ص 347.
(10)
الولاة ص 76 والبيان ص 51.
سَلُول:
بطن من هَوَازِن، لَمْ تحضر هذه القبيلة إلى مصر، ولكن عاش بها منهم أفراد ذوو أثر في الحياة المصرية. هؤلاء هم في الواقع أسرة عبيد الله بن الحبحاب مولى سلول، صاحب خراج مصر (102 - 116 هـ)
(1)
. وكان لابن الحبحاب نفوذ ضخم في شئون مصر اقتصاديًا وسياسيًا. وحسبه أنه هو الذي حصل من هشام على الإذن بهجرة قيس الكبرى سنة 109 هـ إلى مصر، تلك الهجرة التي كان لها أعمق الأثر في مجرى الأمور بمصر من بعد. وهناك ابنه القاسم الذي ولي خراج مصر كذلك (116 - 124 هـ) والظاهر أنه كون ثروة طائلة مكنته من أن يبني قرية في الجيزة
(2)
.
ويبدو أن المصريين والوا هذه الأسرة عند إقامتها بمصر، فهناك سعيد بن سابق الرشيدي المحدث مولى عبيد الله بن الحبحاب
(3)
.
ولا شك في قدوم أفراد مختلفين من بني سلول إلى مصر منذ ذلك الحين فعلي شواهد القبور اسم اثنين منها توفيا بمصر في القرن الثالث
(4)
.
بنو عامر بن صعصعة:
من مجموعة هَوَازِن الكبرى، أسلمت عام الوفود. وظلوا محتفظين بالهدوء في الثورة العامة على أبي بكر. وفي معركة مرج راهط (65 هـ) قاتلوا مع ابن الزبير هم وقبائل قيسية أخرى
(5)
.
كان أول قدومهم إلى مصر سنة 109 هـ في الهجرة المعروفة
(6)
. وواضح من أخبارهم أنه قد قدم منهم إلى مصر قبيلتان كبيرتان هما:
(1)
الولاة ص 74 - 77 والقضاة ص 341 - 342 والخطط ج 1 ص 208.
(2)
الخطط ج 1 ص 208.
(3)
معجم البلدان ج 4 ص 252.
(4)
Rep. Chro - . I، p. 228 & Il، p. 71)
(5)
Ency. Isl. I، pp. 329 - 339)
(6)
الولاة ص 76 - 77 والبيان ص 51.
(1)
بنو هِلال:
ظهر منهم عبد الله بن حليس الذي قاد ثورات أهل الخوف ضد الدولة طوال سنة 214 هـ
(1)
وقد انتشروا في وقت متأخر في الصعيد
(2)
.
(ب) بنو كعب:
كان منهم في مصر البطون التالية:
1 -
الحُرَيش:
نزل أكثرهم البصرة ومنها تفرقوا إلى البلاد
(3)
.
وأول من ظهر بمصر منهم أبو الجراح بشر بن أوس، رسول الحوثرة بن سهيل إلى أهل مصر سنة 128 هـ، وقد ولي مصر استخلافًا سنة 131
(4)
. وكان ربيعة بن قيس بن الزبير أظهر بني الحريش، بل كان أبرز قيس كلها، فقد كان طوال حركة الأمين (196 - 198 هـ) رئيسها الذي قادها في خلال المعارك العنيفة الطويلة ضد أنصار المأمون
(5)
.
ومن مواليهم مبارك الأسود الذي اغتال سنة 214 هـ عمير بن الوليد أمير مصر وهو يطارد أهل الحوف
(6)
.
2 -
عُقيل:
يقال: البيت في قُشَير، والعدد في عُقَيْل
(7)
.
ظهر منهم بمصر مسلم بن بكار (177 - 178 هـ) من كبار الموظفين
(8)
. وعلى شواهد القبور اسم واحد منهم توفي بالفسطاط في 246 هـ
(9)
.
(1)
الولاة ص 185 - 189.
(2)
نهاية الأرب ص 270 والبيان ص 29.
(3)
الأنساب ص 163 أ.
(4)
الولاة ص 88، 92 - 93. والخطط (بولاق) ج 1 ص 303 والنجوم ج 1 ص 314.
(5)
الولاة ص 149 - 153.
(6)
المصدر نفسه ص 186.
(7)
نسب عدنان ص 14.
(8)
الولاة ص 236 والنجوم ج 2 ص 87.
(9)
Rep. Chro. li، p. 38
3 -
قُشَيْر:
لَمْ يظهر منهم بمصر شخصيات عامة، ولكن تدل شواهد القبور على إقامتهم بمصر في أواسط القرن الثالث
(1)
.
4 -
جِعْدَة:
ظهر منها بمصر عبد العزيز بن داود الشاعر
(2)
، وابنه أشهب (140 - 204 هـ) الفقيه المالكي العظيم
(3)
.
5 -
بنو البكَّاء:
ظهر منهم بمصر معاوية بن صرد (177 - 192 هـ) من كبار الموظفين بها
(4)
.
وبالفراغ من قيس نفرغ من قبائل مُضَر التي تمثل القسم الأول الكبير من القبائل العدنانية، ويبقى أمامنا قبائل ربيعة التي تمثل القسم الثاني من عرب الشمال.
(1)
Ibid. I. p. 304، 310 g، II، p. 22
(2)
معجم البلدان ج 6 ص 81 - 82 ووفيات الأعيان ج 1 ص 97 والانتصار ج 4 ص 23.
(3)
القضاة ص 395 - 398، ووفيات الأعيان ج 1 ص 97 - 98 والانتصار ج 4 ص 23 والسمعاني ص 378 ب وحسن ج 1 ص 122.
(4)
الولاة ص 126 - 138 و 141 - 142.
القسم الثاني: قبائل ربيعَة
يبدو أن بطنا منها جاءت إلى مصر وقت الفتح
(1)
، ثم جاء منها جيش سنة 207 هـ مع خالد الشيباني الذي ولي مصر حينذاك
(2)
. ولكن الهجرة الفعلية لربيعَة إلى مصر تمت في خلافة المتوكل أعوام بضع وأربعين ومائتين. وقدم حينذاك عدد كبير وانتشروا في النواحي
(3)
. ولما كانت القبائل العربية القديمة قد اتخذ كلّ منها لنفسه موطنًا فإن ربيعة لَمْ تجد بدا من الذهاب إلى أعالي الصعيد حيث سكنوا بيوت الشعر في براريها الجنوبية وأوديتها
(4)
، وخلعوا اسمهم على القرية الكبيرة الجامعة - قرية بني ربيعة في أقصى الصعيد بين أسوان وبلاق
(5)
(بلد في آخر عمل الصعيد وأول بلاد النوبة كالحد بينهما
(6)
، وهي جزيرة فيلة الشهيرة
(7)
.
وارتفع نجم ربيعة عندما استطاعت بقيادة أبي عبد الرَّحمن العمري سنة 255 هـ أن تضع حدًا لغارات البجة على القرى الشرقية. فقد اتصلت ربيعة منذ ذلك الحين بالبجة وأصهروا اليهم، فقويت ربيعة بذلك إلى حد استطاعت معه أن تحتل وادي العلاقي (مركز الدر - محافظة أسوان
(8)
وتسيطر على معادن الذهب به)
(9)
.
عَنَزة:
يبدو أنَّها جاءت مع جيش الفتح، فابن عبد الحكم يذكر أن لها بمصر دورا مجتمعة نحوا من عشر - وفي هذا ما يدلُّ على كثرتها - ومسجدا في أصل العقبة التي عند دار ابن صامت
(10)
.
(1)
انظر: عَنَزة من بطون ربيعة.
(2)
الولاة ص 174.
(3)
البيان ص 38.
(4)
البيان ص 38.
(5)
معجم البلدان ج 4 ص 225.
(6)
المصدر نفسه ج 2 ص 261.
(7)
347. Ame.P.
(8)
الدليل الجغرافي ح 357.
(9)
الخطط ج 1 ص 196 - 197 والبيان ص 38.
(10)
فتوح مصر ص 116.
وتاريخ مصر خال تمامًا من شخصياتها.
بنو شيبان:
نقابل منهم بمصر سنة (127 - 128 هـ) عمرو بن يزيد الذي كان من رؤساء فتنة خلع مروان بن محمد ووجوهها
(1)
. ولكننا لا نستطيع أن نجزم بمصريته ولا بوجود غيره من بني شيبان في مصر حينذاك. ولكن في 207 هـ قدم إلى مصر والٍ جديد، هو خالد بن يزيد الشيباني، على رأس جيش من ربيعة وأفناء النّاس ليأخذها من يد عبيد الله بن السرى. وفشل خالد في مهمته التي كلفه بها المأمون بل إنه أسر واستأمن معظم جيشه وخرج من مصر إلى مكة
(2)
. ولكن يبدو أن جيشه استطاب المقام بمصر. بل لعل قبيلته بل أسرته الخاصة لَمْ توافقه على ترك مصر. ذلك بأننا لا نلبث حتى نجد أحد بني شيبان (عسامة بن الوزير) يقود مراكب عبد الله بن السرى الثائر ضد ابن طاهر (210 - 211 هـ)
(3)
. وفي ثورة أسفل الأرض (216 - 217 هـ) ذهب عبيد الله بن يزيد - أخو خالد سالف الذكر - إلى الإسكندرلة لإخضاعها من قبل الأفشين
(4)
. أما ابنه محمد فكان أميرًا للإسكندرية ذاتها سنة 252 هـ
(5)
.
لعل لنا الحق بعد هذا في أن نعد بني شيبان من بطون ربيعة التي أقامت بمصر إقامة فعلية. ومن الطريف أنه ظهر منهم عدد من القواد حالفتهم الهزيمة جميعًا.
بنو حنيفة:
من أهل اليمامة. وكانوا يمثلون أغلبية سكان وادي العلاقي - وأغلبية ربيعة بالتالي - فقد انتقلوا إليه بالعيلات والذرية. وأقاموا هناك بأحد المراكز المهمة لاستخراج التبر
(6)
.
(1)
الولاة ص 90.
(2)
المصدر نفسه ص 174 - 176.
(3)
المصدر نفسه ص 180
(4)
المصدر نفسه ص 191.
(5)
المصدر نفسه ص 205.
(6)
كتاب البلدان ص 123.
وليس لدينا أخبار عن شخصياتهم.
بنو غبر:
هم بطن من يشكر من ربيعة
(1)
.
ظهر منهم بمصر أحمد بن العباس (ت 283 هـ) وهو محدث فيما يبدو، وحمزة ابن أخيه (ت 307 هـ) سمع من يونس بن عبد الأعلى
(2)
أما الكروس الشاعر فلا نجزم بمصريته
(3)
.
بنو يونس:
قدموا مع ربيعة من اليمامة في هجرتهم الكبرى أيام المتوكل وملكوا عيذاب وسكنوها. ثم جرى بينهم وبين ربيعة العلاقي حروب انهزموا فيها، فرضوا من الغنيمة بالإياب، ومضوا إلى الحجاز من عيذاب
(4)
خلاصة:
بذلك ننتهي من القبائل الشمالية جميعًا. ونحب، قبل الانتقال إلى القبائل الجنوبية، أن نلقي نظرة خاطفة على حياة تلك القبائل الشمالية في مصر ككل.
قدم من تلك القبائل ثلاثون قبيلة يضم بعضها (قريش، فهم، عامر) كثيرًا من البطون. وقد عاش معظم هذه القبائل في مصر منذ اللحظات الأولى للفتح محتفظًا بوجوده بها في خلال القرن الثالث. وقد أقامت أول الأمر في الفسطاط ثم انتقلت شمالًا وجنوبًا سواء لرعي دوابها في فصل الربيع (الارتباع) أو للإقامة الدائمة. وتنحصر الجهات التي انتقلوا إليها في الدلتا في البلاد الآتية:
عين شمس، أتريب، منوف (محافظة القليوبية)، بلبيس، بسطة، فربيط، طرابية (محافظة الشرقية)، بنا وبوصير (محافظة الغربية) خربتا (محافظة البحيرة)، الإسكندرية.
(1)
نسب عدنان ص 17. والأنساب ص 406 أ.
(2)
الأنساب ص 406 أ.
(3)
الأنساب ص 406 أ.
(4)
البيان ص 18.
أما في الصعيد فقد انتقلوا إلى البلاد الآتية:
حلوان، وسيم، منف، سكر (محافظة الجيزة)، بويط، بوصير، أهناس (محافظة بني سويف)، طحا، طوخ الخيل (محافظة المنيا)، الأشمونين، تندة، دلجة (محافظة أسيوط). أخميم (محافظة سوهاج)، أسوان، العلاقي (محافظة أسوان).
وكان أثرهم واضحًا في الحياة المصرية بنواحيها المختلفة. فقد كان منهم معظم أمراء مصر وعدد كبير من كبار الموظفين (أصحاب الشرط، القضاة، القادة) الذين حكموها ودبروا أمورها. كما أن منهم أو من مواليهم معظم الفقهاء الكبار الذين تركوا أعمق الآثار في المجتمع المصري فكريا ودينيا واجتماعيا (الليث بن سعد الفهمي، أشهب العامري، عبد الله بن وهب، والإمام الشافعي، والبويطي القرشيون، المزني). بل كان منهم كثير من الثوار الذين تدخلوا في مصائر الأمور بها (ابن عبيدس الفهري، دحية بن مصعب الأموي، العلويون، أهل الخوف من قيس، جابر المدلجي).
ولم يكن مواليهم أقلّ أثرًا في الحياة المصرية وبخاصة من الناحية الفكرية ذو النون مولي قريش، بنو الأشج موالي زهرة، موالي عثمان بن عفان، بنو عبد الحكم موالي عثمان كذلك).
ولا شك في أن سيطرة بني عدنان بمصر على المناصب العليا، وتنقلهم في أنحائها على نطاق واسع، وإقامتهم المبكرة بالكور المختلفة .. لا شك في أن هذه أمور ساعدت بني عدنان على أن يتركوا أثرًا قويا في الحياة المصرية.
القبائل القحطانية
تمهيد:
تنتسب القبائل العربية التي عاشت في النصف الجنوبي من شبه جزيرة العرب، والتي تتكون من العرب العاربة، أي الحقيقيين. إلى قحطان باعتباره جدها الأعلى. وكان ذلك القسم الجنوبي من الشعب العربي ينقسم بدوزه قسمين عظيمين هما: كهلان، وحِمْيَر. ثم يعود كلّ من هذين القسمين فينقسم أقسامًا أخرى أصغر. ونتناول بالحديث هذه الأقسام جميعًا متبعين نفس النظام الذي اتبع عند الحديث عن أقسام عدنان فنرتبها ترتيبا تنازليا.
ولكن من الضروري أن نتوقف قليلًا عند مجموعة من القبائل نستطيع اعتبارها قسما ثالثا مستقلا من القبائل القحطانية، تلك هي القبائل المنسوبة إلى سبأ.
سبأ
من الحق أن كهلان، وحِمْيَر ابنا سبأ الذي تزعم الرواية أنه "رجل ولد عامة قبائل اليمن"
(1)
. ولكن الذي حدث هو أن حِمْيَر وكهلان، كاثرتا تكاثرًا ضخما، وتفرع عنهما قبائل كثيرة جدًّا تكون في مجموعها القبائل اليمنية، أي القسم الجنوبي من الشعب العربي، في حين انطوت سبأ على نفسها، ولم تصبح أكثر من عدد من القبائل أو الأسر في الأصح - إذ ليس لسائر بني سبأ قبائل يعرفون بها
(2)
- جمعها اسم ذلك الأب القديم.
(1)
الانتصار ج 4 ص 4.
(2)
نسب عدنان ص 18.
وكان نتيجة ذلك أن أصبح يقال لبني سبأ كلهم السبئيون إلَّا حِمْيَر، وكهلان. فإذا سألت الرجل: من أنت؟ فقال: سبئي، فليس بحِمْيَر ولا كَهْلان
(1)
.
وفي كلّ حال فقد شهد هؤلاء السبئيون فتح مصر، واختطوا شرقي جنب، وكان لهم مسجد بالفسطاط
(2)
.
واشتهر منهم وقت الفتح أسميقع بن وعلة إذ كان أول من شد على باب حصن بابليون حتى اقتحمه واتبعه المسلمون فكان الفتح
(3)
. ويبدو أن اسميقع أقام بمصر فقد ترك بها ثلاثة أولاد حدثوا بها وكان أولهم من أشرافها وهم: عبد الرَّحمن، وعلقمة، وشرحبيل
(4)
.
وعاش بمصر حتى القرن الثالث طائفة أخرى منهم كلهم من الرواة
(5)
.
أما مواليهم فكان منهم عبد الله بن يزيد بن خذامر قاضي مصر (100 - 105 هـ)
(6)
والقاسم بن أبي القاسم صاحب الشرط (103 - 105 هـ)
(7)
.
من هذا نرى أن السبئيين كانوا قلة بمصر، وكانوا منصرفين إلى العلم والدين بها.
والآن نتفرغ للحديث عن القسمين الحقيقيين لقحطان: كَهْلان وحِمْيَر:
(1)
العقد ج 2 ص 234.
(2)
فتوح مصر ص 126 و 127 والانتصار ج 4 ص 4.
(3)
حسن المحاضرة ج 1 ص 56 عن القضامي عن الكندي.
(4)
الأنساب ص 288 أ.
(5)
الأنساب ص 288 أ.
(6)
القضاة ص 337، 340.
(7)
الولاة ص 71.
القسم الأول: قبائل كهلان
تتفرع كهلان فرعين رئيسيين: مالك، وعريب.
أولًا - مالك
كان منهم بمصر الأقسام الآتية:
1 -
الأزد
الأزد
من أعظم الأحياء، وأكثرها بطونا، وأمدها فرعًا
(1)
. وكان بعض أقسامها موضع السخرية من العرب، فكانت قريش تأنف من اعتبار أزد عُمان - وعُمان ثغر بالبحرين نزلها فرقة منهم فعرفوا بها - عربا، وكان عملهم الرئيسي صيد السمك
(2)
. أما أزد السراة - في جبال السراة بأطراف اليمن، وهم وأزد شنوءة شيء واحد فيما يبدو - فكانوا موضع السخرية لاشتغالهم بالنساجة
(3)
. ولعلَّ هذا هو أهم ما قصد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه: "الأزد أزد الله في الأرض، يريد النّاس أن يضعوهم، ويأبى الله إلَّا أن يرفعهم"
(4)
وقد أرغم تحطم سد مأرب الأزد على النزوح من سبأ إلى مواطنهم الجديدة في عمان والسراة ومكة ويثرب والشام، وكان ذلك قبيل القرن الخامس الميلادي على وجه التقريب
(5)
. وفي الإسلام نزحت أعداد كبيرة من أزد السراة وأزد عُمان إلى الكوفة والبصرة حيث قاموا بدور البطولة الرئيسي بين العرب الجنوبيين في المعارك التي دارت بين عرب الشمال وعرب الجنوب. وفي خراسان، بحيث قدموا من البصرة، كانوا أهم قبيلة بعد تميم القيسية، وازدادت أهميتهم بعد قيام المهلب الأزدي (ت 83 هـ) وأسرته. ولكنهم ذاقوا مرارة الاضطهاد في عهد قتيبة بن مسلم
(1)
نهاية الأرب ص 78 - 79.
(2)
المصدر نفسه ص 79 و 529. Ency.IsI.I،P
(3)
نفس المرجع.
(4)
طبقات الشافعية ج 1 ص 101.
(5)
Ency. Isl. II، p. 984
الباهلي أمير خراسان زمن عبد الملك بن مروان (85 - 96 هـ) والخليفة يزيد الثاني (101 - 105 هـ)
(1)
.
أما في مصر فالأزد يظهرون منذ الفتح. منهم عمرو بن حمالة؛ قائد قبائل "اللفيف" إلى الإسكندرية في فترة الفتح
(2)
، وشريك بن الطفيل الذي كان يزيد بن أبي حبيب فقيه مصر العظيم من موالي ابنته عائشة
(3)
. ويبدو أنه كان للأزديين سمعة طيبة فقد كتب معاوية بن أبي سفيان إلى مسلمة بن مخلد وهو على مصر (47 - 62 هـ): "لا تول عملك إلَّا أزدي أو حضرمي فإنهم أهل الأمانة"
(4)
.
ولما كان زياد بن أبيه يحكم البصرة (45 - 53 هـ) اتهم قومًا من الأزد بأنهم من الخوارج ونفاهم إلى مصر، فنزلوا في الفسطاط بموضع يقال له الظاهر.
فأمسوا بدار لا يفزع أهلها
…
وجيرانهم فيها تجيب وغافق
على قول عمران بن حطان الشاعر الذي رحب بخروجهم
(5)
. وأطلق المصريون عليهم اسم العراقيين لمجيئهم من العراق
(6)
.
لما ولي مصر الحاكم الأزدي يزيد بن حاتم (144 - 152 هـ) جاء معه عدد من الأزد من أهل خراسان منهم العلاء بن رزين القاثد الذي اشترك في إخماد حركة العلويين بمصر (145 هـ)
(7)
، وعبد الجبار بن عبد الرَّحمن الذي عين حاكمًا لكورة سخا وثار عليه القبط هناك وقتلوه سنة 150 هـ
(8)
. واستمر آل عبد الجبار بمصر بعد مصرع عميدهم فكانوا وجوه آل خراسان وبها. ووهب لهم إبراهيم بن صالح العباسي أمير مصر داره العظمى التي بناها، وذلك عند مغادرته مصر سنة
(1)
530. Ency.IsI.I،P
(2)
الانتصار ج 4 ص 3.
(3)
المصدر نفسه ج 4 ص 17.
(4)
فتوح مصر ص 125.
(5)
معجم البلدان ج 2 ص 21.
(6)
الانتصار ج 4 ص 34.
(7)
الولاة ص 113.
(8)
المصدر نفسه ص 116 - 117.
167 هـ
(1)
. وكان عبد العزيز بن عبد الجبار من القواد الذين أخمدوا ثورة أهل نتوتمي سنة 194 هـ
(2)
.
وقد لعب آل عبد الجبار بقيادة عبد العزيز هذا دورا مهمًا في سياسة مصر يدلُّ على بعد نفوذهم، فقد تزعموا الجند في الثورة على السرى بن الحكم أمير مصر فخلعوه سنة 201 وولوا غيره
(3)
. وتزعموا العناصر العربية الأخرى واستجابوا لإبراهيم بن المهدي الذي دعا سنة 202 هـ إلى خلع المأمون وولي عهده علي بن موسى العلوي. ولكن أمير مصر هزمهم وظفر بعبد العزيز وبجمع من أهل بيته وقتلهم جميعًا
(4)
.
وكان منهم كذلك محمد بن زهير الذي حكم مصر سنة 173 هـ وأكثر من عزل أصحاب الشرط
(5)
. وابن الأبرش الذي ادعى ملكية القطاس - خصم ابن أبي الليث قاضي مصر مسنة 228 هـ - وباعه
(6)
.
وتشهد شواهد القبور بإقامة أشخاص من الأزد بمصر في القرنين الثاني والثالث
(7)
.
أما موالي الأزد فأهمهم يزيد بن أبي حبيب (52 - 128 هـ) فقيه مصر وشيخها ومفتيها، وأول من أوجد فيها طريقة ثابتة بين فيها أسس الحلال والحرام
(8)
. ومنهم الربيع بن سليمان الجيزي (ت 256 هـ) الفقيه الشافعي
(9)
، وابنه محمد المؤلف (239 - 324 هـ)
(10)
.
(1)
المصدر نفسه ص 124 و 165.
(2)
المصدر نفسه ص 147.
(3)
المصدر نفسه ص 165.
(4)
الولاة ص 168.
(5)
المصدر نفسه ص 133.
(6)
القضاة ص 457.
(7)
Rep. Chro. I، pp. 64، 178،249 & II، p. 201
(8)
حسن المحاضرة ج 1 ص 119 - 120 ومقدمة كست ص 34 - 35.
(9)
طبقات الشافعية ج 1 ص 259.
(10)
مقدمة كست ص 20.
ونتحدث الآن بالتفصيل عن قبائل الأزد في مصر:
1 -
غسان:
نزلوا الشام، وكان منهم ملوكها
(1)
. وكان بعضهم من اللفيف أي من هؤلاء الأفراد من القبائل المختلفة الذي انضم بعضهم إلى بعض وتعاقدوا على اللحاق بعمرو بن حمالة الأزدي لما بعثه عمرو إلى الإسكندرية
(2)
.
ظهر منهم في الحياة العامة شخصيات قليلة هم: يزيد بن عبد العزيز صاحب شرطة (181 - 182 هـ)
(3)
، والغمر بن الحصين (ت 206 هـ) من ولد السموأل بن عاديا اليهودي، له دار في الفسطاط باسمه
(4)
، وإبراهيم بن الغمر من شخصيات القرن الثالث
(5)
.
2 -
الأنصار:
وهم قبائل الأوس والخزرج، كان لهم ملك يثرب، نزلوها عند قدومهم من اليمن
(6)
. شهدوا الفتح، وكانوا من أهل الراية
(7)
، وكان منهم بشر كثير في غزوة إفريقية سنة 34 هـ بقيادة معاوية بن حديج
(8)
.
نرى منهم بمصر محمد بن مسلمة الذي قاسم عمرا ماله بأمر من عمر
(9)
، وجبلة بن عمرو من فقهاء الصحابة
(10)
، وقيس بن سعد (ت 59 هـ بالمدينة) الذي حكم مصر سنة 27 هـ
(11)
، ومسلمة بن مخلد أمير مصر (47 - 62 هـ)
(12)
،
(1)
العقد الفريد: ج 2 ص 245 الأنساب ص 408 ب.
(2)
الانتصار ج 4 ص 3 - 4.
(3)
الولاة ص 138.
(4)
الانتصار ج 4 ص 10.
(5)
القضاة ص 454.
(6)
نهاية الأرب ص 47 و 81.
(7)
الانتصار ج 4 ص 3.
(8)
فتوح مصر ص 193.
(9)
فتوح مصر ص 93 و 146.
(10)
حسن المحاضرة ج 1 ص 80.
(11)
الولاة ص 20 - 21 وحسن ج 1 ص 95.
(12)
فتوح مصر ص 100 والولاة 37 - 40.
وأم كلثوم زوجته وزوجة عبد العزيز بن مروان من بعده
(1)
، وابنته أم عبد الله
(2)
. وكان محمد بن بشير ممن اختط بالفسطاط من الأنصار كذلك
(3)
. ومن مشاهيرهم سعيد بن كثير بن عفير (146 - 226 هـ) الفقيه النسَّابة الأخباري الشاعر
(4)
. ومنهم الحسن بن عبيد بن لوط الذي دفع حياته (199 هـ) ثمنا لاستبداده
(5)
. وعبد الملك بن محمد الحزمي (170 - 174 هـ) قاضي مصر النزيه
(6)
.
وتدل شواهد القبور على استمرار الأنصار بمصر في القرن الثالث
(7)
.
أما موالي الأنصار فهم كثير، منهم الحرث بن بعقوب التابعي العابد
(8)
.
وأبو المهاجر دينار (ت 63 هـ) أول من أقام بإفريقية حين غزاها
(9)
. ويمتاز مسلمة بن مخلد بكثرة مواليه الذين كان منهم أبو منصور
(10)
، والسمط
(11)
، وعثيم
(12)
، وبنو منير الحمصي الذين ظهروا في القرن الثالث
(13)
. ومن مشاهير هؤلاء الموالي عمرو بن الحارث الفقيه (ت 148 هـ) من الأئمة المجتهدين بمصر
(14)
. ويبدو أن موالي الأنصار بعامة كانوا كثيرين بمصر، وقد اتخذ القاضي العمري (185 - 194 هـ) الشهود منهم فهجاهم يحيى الخولاني ووصفهم بأنهم "المدينيون أصحاب البلح"
(15)
.
(1)
الولاة ص 54.
(2)
الانتصار ج 4 ص 34.
(3)
المصدر نفسه ج 4 ص 6.
(4)
حسن المحاضرة ج 1 ص 123 - 124، 238 ومقدمة كست ص 25 - 26.
(5)
الولاة 153 - 155.
(6)
القضاة ص 383 - 385.
(7)
Rep. Chro. I، pp. 123 - 155 - 156، 177، 205 - 206، 234 - 235
(8)
حسن المحاضرة ج 1 ص 108.
(9)
فتوح مصر 197 - 199.
(10)
الانتصار ج 4 ص 6.
(11)
فتوح مصر ص 98.
(12)
القضاة ص 474، 503 - 504.
(13)
معجم البلدان ج 3 ص 342 والأنساب ص 176 ب.
(14)
الولاة ص 84، 89، 105 والقضاة ص 357، 359 والذهبي: تذكرة - 1 ص 165. وابن حجر: ت. التهذيب 8: 141 وابن تغري بردي: النجوم 2: 10 والسيوطي: حسن 1: 120.
(15)
القضاة ص 396.
نرى من هذا أن الأنصار عاشوا في مصر طوال القرون الثلاثة الأولى. وكانوا ما بين أمراء وفقهاء. ولا شك في أنهم تمتعوا بمركز ممتاز. وكانوا محل الرعاية من أولي الأمر، وقد أوصى بهم عمر وصيته المشهورة:"وأوصى الخليفة من بعدي بالأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان أن يحسن إلى محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم"
(1)
. ولكن ذلك لَمْ يعصمهم في كلّ حال من المصير الذي انتهى إليه العرب في مصر بعامة، فقد منع الحارث بن مسكين قاضي مصر (237 - 245 هـ) أن يدفع إليهم - هم وقريش - من طعمة رمضان شيئًا
(2)
.
3 -
خُزاعة
(3)
:
انتقلت من الجنوب في هجرة الأزد الكبرى قبيل القرن الخامس الميلادي إلى الشمال حيث أقامت بالقرب من مكة، ثم دارت معارك بينها وبين جرهم انتهت بزوال سيطرة جرهم من مكة وانتقال سدانة الكعبة وحكم مكة إلى خُزَاعَة. وظل الأمر كذلك حتى اختلف قُصي - سيد قريش ورئيسهم - مع خُزَاعَة بسبب سدانة الكعبة اختلافًا سألت فيه الدماء وانتهى بانتقال السدانة وحكم مكة لقُصى والسماح لخزاعة بالإقامة مع قريش في أرباض البقعة المقدسة، ومن الجائز أن قريشًا عادت فزحزحتها خارج تلك الأرباض في وقت ظهور الإسلام
(4)
.
ولما كان فتح مصر والمغرب قد قام به محاربون جندوا من غربي شبه الجزيرة فقد اشتركت خُزَاعَة في فتح مصر
(5)
. وزعم بعضهم أن كان لها داران بالفسطاط
(6)
. ولكنها كانت من أهل الراية على كلّ حال
(7)
.
ووقفت خُزَاعَة في مصر ضد عثمان فقد كان منها عمرو بن الحمق الذي دخلها في خلافة عثمان ثم خرج منها ليعين على قتله
(8)
، وابن ورقاء الذي
(1)
الطبري ج 3 ص 264 - 265.
(2)
القضاة ص 469.
(3)
ذهب رأي من بعض العلماء أن خُزَاعَة من عمرو بن لحي من مُضَر العدنانية.
(4)
نهاية الأرب ص 323 و 984 p. .ll . Isl . Ency .
(5)
Ency. Isl. II، p. 984 - 985
(6)
فتوح مصر ص 115.
(7)
الانتصار ج 4 ص 3.
(8)
حسن المحاضرة ج 1 ص 93 - 94.
كان على رأس مائة في الجيش الذي سيَّره ابن أبي حذيفة إلى عثمان سنة 35 هـ
(1)
.
وتختفي خُزاعة منذ ذلك الوقت فلا تظهر إلى أواسط القرن الثاني إذ يتتابع أفراد منها حتى نهاية القرن على حكم مصر. فكان منهم: محمد بن الأشعث أمير مصر (141 - 143 هـ)
(2)
، المهاجر بن عثمان صاحب شرطة (141 هـ)
(3)
، الفضل بن غانم قاضي مصر (198 - 199 هـ)
(4)
، المطلب بن عبد الله (198 - 200 هـ) أمير مصر الذي وليها في أكثر أوقاتها اضطرابًا
(5)
، هارون والفضل أخوا المطلب
(6)
، عمرو بن وهب (201 هـ) من قواد السرى بن الحكم
(7)
، وعوف بن وهب (ت 204 هـ) كان من وجوه الجند وولي مصر استخلافا مرتين
(8)
.
ومن المهم أن نذكر أن قوما من خُزَاعَة صحبوا المطلب لما ولي مصر سنة 199 هـ، وسكنوا الفسطاط، وسمي زقاق المطلبية باسمهم لأنهم سكنوا فيه
(9)
.
وأهم موالي خُزَاعَة عبد العزيز بن عمران (ت 234 هـ) الفقيه الزاهد
(10)
.
وكان من خُزَاعَة في مصر البطن الآتي:
أسلم:
الواقع أن أسلم اسم لبطون من كلّ من: الأزد، خُزاعة، قُضاعة، حِمْيَر. ونحن نرجح أن أسلم المذكورة في أخبار مصر هم أسلم خُزاعة اعتمادا على أن
(1)
الولاة ص 17، 27 والطبري ج 2 ص 402 و 403.
(2)
الولاة ص 108 - 109 والنجوم ج 1 ص 347.
(3)
النجوم في ح 346.
(4)
القضاة ص 420 - 421.
(5)
الولاة ص 152 - 161.
(6)
المصدر نفسه ص 153 - 158.
(7)
المصدر نفسه ص 155.
(8)
المصدر نفسه ص 147، 171.
(9)
الانتصار ج 4 ص 23.
(10)
حسن المحاضرة ج 1 ص 167 وطبقات الشافعية ج 1 ص 265.
أسلم تلك هي الوحيدة التي ذكرها ابن عبد ربه
(1)
، كما أنَّها هي التي ينسب إليها دون غيرها فيما يبدو من كلام السمعاني
(2)
.
وأثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على أسلم في حديثه الذي ذكر فيه القبائل التي سارعت إلى الإسلام: "أسلم سالمها الله .. إلخ"
(3)
. وقد شهدت أسلم فتح مصر، واختطت حول عمرو والمسجد مع أهل الراية فقد كانت هي من أهل الراية. وكانت خطتها مما يلي دار أبي ذر. وكانوا يرتبعون هم وغفار مع وائل من جُذام وسعد في بسطة وقربيط وطرابية
(4)
. وفي كلّ حال يبدو أن أسلم كانت قليلة العدد جدًّا بحيث لَمْ يظهر منها أحد من ذوي الشهرة.
نستطيع أن نستنتج مما سبق أن خُزاعة خملت في مصر بعد مقتل عثمان. ثم عادت إلى الظهور والتحكم في مصائر الأمور طوال النصف الأخير من القرن الثاني بفضل أبنائها الذين قدموا من الخارج - - من مكة والعراق - وحكموا مصر. والواقع أن شواهد القبور وأوراق البردي لا تدل على إقامة خُزاعة بمصر في القرن الثاني فحسب بل في الثالث كذلك
(5)
.
4 -
العتيك:
رهط المهلب بن أبي صفرة
(6)
. عاش بمصر منهم أسرتان متميزتان:
(أ) المهالبة:
آل المهلب بن أبي صفرة أمير خراسان (83 هـ)، وهم أهل بيت اجتمع فيه خلق كثير من الأعيان والامجاد النجباء
(7)
. أول من ظهر منهم بمصر يزيد بن حاتم (ت 170 هـ بالقيروان) من أحفاد المهلب، حكم مصر (144 - 152 هـ) وقاوم
(1)
نسب عدنان ص 22
(2)
الأنساب ص 35 ب
(3)
فتوح مصر ص 138، 303.
(4)
المصدر نفسه ص 98، 115، 143 والانتصار ج 4 ص 3.
(5)
RepChro. I. pp. 87. 138، 308 & Ar. Pap. III، p. 79
(6)
نسب عدنان ص 22 والعقد ج 2 ص 243.
(7)
وفيات الأعيان ج 2 ص 371.
ثورات العلويين والأحباش والقبط والخوارج
(1)
. وكان نصر بن حبيب من قواده
(2)
. وحكم ابنه داود بن يزيد مصر كذلك (174 - 175 هـ)
(3)
. في حين كان حفيده المهلب بن داود من أعوانه
(4)
. وولي خالد بن يزيد شرط مصر سنة 176 هـ
(5)
، كما وليها سليمان بن الصمة سنة 181 هـ
(6)
. وكان أبو خالد المهلبي من قواد المأمون ورسولا من لدنه سنة 214 هـ إلى اليمانيين من أهل الأحواف يدعوهم إلى السلام
(7)
.
ظهر المهالبة بمصر إذن طوال النصف الأخير من القرن الثاني أفراء وقادة وموظفين كبارا، وفي هذا ما يغني عن النص على أهميتهم الرسمية بمصر، فهم فيما يبدو لَمْ يختلطوا بالمصريين خارج نطاق الطبقة الأرستقراطية الحاكمة.
(ب) بنو المغيرة:
أسرة من العتيك يبدو أنَّها كانت تقيم في القرن الثاني بصعيد مصر في كورة البهنسا (مركز بني مزار محافظة المنيا)
(8)
، فإن عميدها زياد بن المغيرة أنشأ جامعا بدروط بلهاسة (الأرجح أنَّها بلهاسة الحالية مركز مغاغة، محافظة المنيا)
(9)
من مدن تلك الكورة
(10)
.
ويبدو أنَّها كانت أسرة غنية ماجدة فقد رثى الشعراء زيادا ذلك عندما مات سنة 191 هـ، كما رثوا أخاه إبراهيم (ت 197 هـ)، وابنه أحمد (ت 236 هـ) من بعده
(11)
.
(1)
الولاة ص 111 - 117 ووفيات الأعيان ج 2 ص 371 - 374 والنجوم ج 2 ص 1 - 3.
(2)
الولاة ص 113، 116. 117.
(3)
المصدر نفسه ص 133 - 134.
(4)
المصدر نفسه ص 116.
(5)
المصدر نفسه ص 135.
(6)
المصدر نفسه ص 138.
(7)
المصدر نفسه ص 186.
(8)
92. p ، Ame والدليل الجغرافي ص 294.
(9)
الدليل الجغرافي ح 2 - 3.
(10)
الخطط ج 1 ص 205.
(11)
الخطط ج 1 ص 205.
وفي حياة هذه الأسرة دليل جديد على أنَّ قبيلة العتيك التي ظهرت متأخرة بمصر كانت قبيلة ممتازة تتمتع بالثراء والنفوذ.
5 -
الحجر:
شهدوا فتح مصر وكانوا من اللفيف
(1)
، وقد اختطوا بالفسطاط خطة يبدو أنَّها كانت كبيرة
(2)
. وكانوا من القبائل التي جعلها عمرو بن العاص تعسكر في الجيزة خوفا من عدو يغشاهم من تلك الناحية
(3)
. والواقع أن بطنا منهم فقط - هم بنو كعب بن مالك بن الحجر - هو الذي - أقام بالجيزة واختط بها فيما بين بكيل ويافع من همدان
(4)
، وهذا سوى خطتهم الأنجرى بالفسطاط أسفل من عُقبة تنوخ
(5)
.
ومن بني كعب بن مالك هؤلاء أول حجري نقابله بمصر، علقمة بن جنادة (ت 59 هـ) الصحابي الذي شهد الفتح وولي البحر لمعاوية
(6)
.
ويسود الصمت الحجريين تمامًا حتى أول القرن الثالث حين يظهر سلامة بن عبد الملك الطحاوي بالصعيد متحالفا مع العناصر العربية الأخرى في الثورة على المأمون وولي عهده العلوي. وانتهت هذه الثورة الطويلة الفاشلة (202 - 204 هـ) بمصرع سلامة وابنه إبراهيم
(7)
. ولكن ظهر بعد ذلك حفيده أبو جعفر الطحاوي (228 - 321 هـ) رئيس الأحناف بمصر
(8)
. وكان محمد بن أحمد يروي عن عمه أبي جعفر
(9)
.
(1)
الانتصار ج 4 ص 3.
(2)
فتوح مصر ص 117.
(3)
الانتصار ج 4 ص 126 والخطط ج 1 ص 206.
(4)
المصدر نفسه.
(5)
فتوح مصر 129.
(6)
المصدر نفسه ص 129 وحسن المحاضرة ج 1 ص 93.
(7)
الولاة ص 168 - 171.
(8)
وفيات الأعيان ج 1 ص 23 وحسن المحاضرة ج 1 ص 147 ومقدمة كست ص 17 - 18.
(9)
القضاة ص 436 مقدمة كست ص 18.
وإقامة هذه الأسرة في طحا دليل على انتقال القبيلة أو بعضها إلى تلك المنطقة الواقعة في محافظة المنيا الحالية منذ القرن الثاني الهجري. وكأنما قارب هذا الانتقال بينها وبين المصريين مع احتفاظها بمركز الزعامة في كلّ حال، فإن "الفقراء" - وهم العامة - قد انضموا إلى سلامة في ثورته.
وراسله من كان يحفي بفاقة
…
وأصبح ذا ميل إليه مماليا
(1)
وفي جمع أفراد هذه الأسرة بين الانتساب إلى القبيلة والانتساب إلى البلد ما يشير إلى سيرهم في طريق التمصر والأخذ بعادات المصريين.
6 -
دوس:
شهدوا الفتح، وكانوا من أهل الراية
(2)
.
ويبدو أنهم كانوا قليلين جدًّا في مصر، فليس لدينا منهم سوى ابن فاطمة الصحابي الذي اختط بالفسطاط ثم صارت خطته إلى عبد العزيز بن مروان
(3)
. وقدم أبو هريرة الصحابي الشهير مصر على مسلمة بن مخلد في خلافة معاوية، ويبدو أنه أقام بمصر زمنا فقد روى عنه أهل مصر ثلاثة وثلاثين حديثًا
(4)
. وهناك شفيق بن ثور (ت 64 هـ) من مشاهير التابعين بمصر
(5)
.
وهكذا تختفي دوس بعد عصر الفتح اختفاء تاما، وفي أوائل القرن الثالث يظهر على شواهد القبور اسم أحد أفرادها
(6)
. فلعلها كانت ما تزال تقيم في خمول بمصر حتى ذلك الوقت.
7 -
هناءة:
ليس هناك ما يدلُّ على قدومها كقبيلة إلى مصر. ولكن ولي مصر حوالي سبع سنوات 133 - 136 و 137 - 141 هـ - أبو عون من مواليها
(7)
. وفي 190 هـ كان كامل الهنائي على شرط مصر
(8)
.
(1)
الولاة ص.
(2)
الانتصار ج 4 ص 3.
(3)
المصدر نفسه ج 4 ص 6.
(4)
حسن المحاضرة ج 1 ص 103.
(5)
المصدر نفسه ج 1 ص 105.
(6)
Rep. Chro. I، p. 100
(7)
الولاة ص 101 - 103، 105 - 106.
(8)
المصدر نفسه 142 - 143.
وقد هجا سعيد بن عفير الشاعر المصري هذه القبيلة ووصفها بأنها "ظلف ذي يمن"
(1)
.
8 -
عك:
بلادهم جنوبي جزيرة العرب، وهي تهامة اليمن، وتمتد مساكنهم شمالًا حتى إقليم جدة، وتتبع بلادهم الجنوب من ناحية الإدارة، ولكنها كانت تخضع أحيانًا لحكومة مكة
(2)
.
اشترك العكيون في مساكنهم مع قبائل أخرى كالخولانيين، وإن كانوا ظلوا في مخلافهم لا يشترك معهم سوى الأشعريين الذين تربطهم بهم صلات وثيقة لا سيما وأن القبيلتين تنتميان إلى أصل واحد، وغالبا ما يظهر العكيون والأشعريون مشتركين في العمل فكان لهم مثلا حكام مشتركون، كما أن بعض الخصائص اللغوية تشترك بينهما
(3)
.
وكان العكيون من أوائل الذين خرجوا عن نطاق الإسلام بعد وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ولكنهم هُزموا هم وحلفاؤهم الأشعريون في أقصى الشمال من بلادهم
(4)
.
وكان للعكيين دور بارز في فتح عمرو لمصر. وفي حروب علي مع معاوية استحقوا ثناء الأخير لأنهم خاضوا تحت إمرته موقفا من أخطر المواقف في معركة صفين. وفي سنة 207 هـ يشار إلى رجل علوي يثير الاضطراب بين العكيين، ولكن المأمون سرعان ما قمعه في كلّ حال
(5)
.
اشتركت عك في فتح مصر كما قلنا، ويقول ابن عبد الحكم
(6)
- وهو قول فيه نظر - أن الجيش الأول الذي سار به عمرو لفتح مصر بعد موافقة عمر،
(1)
المصدر نفسه ص 143.
(2)
Ency. Isl. I، p. 240
(3)
. Ency. Isl. I، p. 240
(4)
Ibid. I، p. 241
(5)
. Ibid. I ، p. 241
(6)
فتوح مصر ص 56.
ويتراوح عدده ما بين ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة آلاف رجل، كان كله من عك. وهذا هو ما هيأ لها الدور البارز في عملية الفتح. والأرجح أن العكيين كانوا يمثلون جانبا كبيرًا نسبيا من هذا الجيش، وكان معظمهم من غافق التي سنتحدث عنها بعد ذلك.
وأن ارتباع جند عك في أماكن كثيرة هي: بوصير، منوف، ودسبندس (من مصر القديمة)
(1)
، وأتريب لدليل في كلّ حال على كثرة أفراد القبيلة بمصر
(2)
.
وكانت فرسهم "عجلى" من خيل مصر المشهورة التي شاركت في الفتح
(3)
.
ولا شك في أن "عك" كانت ذات مكان ممتاز في مصر لكثرتها العددية من جهة ولضخامة نصيبها في عمليات الفتح من جهة أخرى. وفي فتنة عثمان كان أحد أفرادها (الغافقي بن حرب العكي) القائد العام للجيش الذي وجهه ابن أبي حذيفة سنة 35 هـ إلى عثمان، وهو الذي حكم المدينة بعد مصرع الخليفة
(4)
. وهذا الموقف لا يتفق مع موقف عك في الشام الذي ذكرناه من قبل.
واستمرت عك طوال القرن الأول محتفظة بمكانتها مزهوة بمجدها على ما يبدو من رد نمر بن أيفع العكي عندما حاول عبد الرَّحمن بن معاوية بن حديج (ت 95 هـ) قاضي مصر وصاحب شرطها الاستهزاء بعك وفرسها عجلي
(5)
.
ولكن يبدو أن العكيين لَمْ يكونوا أكثر من جنوب، فلسنا نقابل منهم أحدًا في الحياة العامة ولا المناصب العالية في مصر.
ومن الطبيعي أن تهيئ لهم كثرتهم العددية الاحتفاظ بالبقاء في مصر حتى القرن الثالث، تشهد بذلك شواهد القبور
(6)
.
(1)
معجم البلدان ج 4 ص 58.
(2)
فتوح مصر ص 142.
(3)
المصدر نفسه ص 144.
(4)
الطبري ج 3 ص 385 و 421 و 454.
(5)
فتوح مصر ص 144.
(6)
Rep. Chro. I، pp. 207، 246 & II. p. 42
9 -
غافق:
بطن من عك، فهم منسوبون إلى غافق بن الحارث بن عك
(1)
.
وقد روينا سابقًا أن الجيش الأول الذي توجه به عمرو لفتح مصر كان كله من عك، والآن نضيف أن ثلث هذا الجيش - أي ما لا يقل عن ألف جندي - كان من قبيلة غافق بالذات
(2)
. وقد نص ابن عبد الحكم على هذه الحقيقة بقوله: كانت غافق ثلث النّاس مدخل عمرو بن العاص مصر
(3)
. ولعلَّ غافقا هي التي يقصدها المؤرخون حين يذكرون "عك".
وليس أدل على ضخامة غافق من مساحة خطتها. فقد اختطت بالفسطاط بين مهرة ولحم فاتسعت خطتها لكثرتهم، واستغرق وصف هذه الخطة حوالي الصفحتين عند ابن عبد الحكم الذي ختم حديثه عنها بقوله:"ولغافق من الخطة أكثر مما ذكرنا غير أن هذه جملها"
(4)
. ونستطيع أن نقول أن غافقا كانت ترتبع في نفس الأماكن التي كانت عك ترتبع فيها.
ومثلما كانت ميول عك في مصر ضد عثمان كانت غافق كذلك. ومن الطبيعي أن نعتقد أنَّها حاربت مع محمد بن أبي بكر سنة 38 هـ ضد جيوش معاوية التي وجهها بقيادة عمرو لفتح مصر وانتزاعها من سلطان علي ولما هزم ابن أبي بكر في هذه الحرب هرب إلى خطة غافق واختفى في دار أحد أفرادها
(5)
.
وظلت غافق محتفظة بميولها تلك التي جعلتها تتخذ موقفا عدائيا من الأمويين؛ ولذلك اختار العراقيون الذين نفاهم زياد (45 - 53 هـ) إلى مصر لميولهم المعادية للأمويين أن يكونوا جيران غافق بالفسطاط.
(1)
الانتصار ج 4 ص 4 ونهاية الأرب ص 312 - 313.
(2)
فتوح مصر ص 56 والولاة ص 8.
(3)
فتوح مصر ص 121.
(4)
المصدر نفسه ص 121 - 122.
(5)
المصدر نفسه ص 122 والولاة ص 28.
ولما ولي ابن جحدم مصر سنة 64 هـ من قبل ابن الزبير انضمت غافق إليه استمرارا منها في عدائها للأمويين وتحملت معه أهوال القتال ضد مروان بن الحكم سنة 65 هـ
(1)
، في حين كان العكيون يشتركون في إحراق الكعبة في أثناء حصار مكة.
ومن شخصيات غافق في مصر أبو مسلم الصحابي، كان يؤذن لعمرو ويبخر المسجد
(2)
. وابن هجالة الذي اختفى محمد بن أبي بكر في داره بعد هزيمته
(3)
. وإياس بن عامر من مشاهير تابعي مصر، وحضر معارك علي في صفه
(4)
. وعبد الله بن زرير (ت 80 هـ) من مشاهير التابعين كذلك ومن أنصار علي
(5)
.
ومن مواليهم عباس بن الوليد المعروف بالتقي (232 هـ)، كان أحد الشهود بمصر
(6)
. أما عبد الواحد بن يحيى بن خالد مولى عمر بن عبد العزيز، وهو من محدثي القرن الثاني ويعرف بسوادة، فقد نسب إلى غافق لسكناه في خطتها بمصر
(7)
.
ونتحدث الآن عن بطون غافق في مصر:
(أ) حمد:
كان لهم زقاق باسمهم في الفسطاط. منهم أبو موسى الصحابي، كان له مسجد باسمه في زقاق عشيرته، وروى أهله مصر عنه حديثين
(8)
.
(1)
الولاة ص 44.
(2)
فتوح مصر ص 92.
(3)
المصدر نفسه ص 122.
(4)
حسن المحاضرة ج 1 ص والأنساب ص 405 ب.
(5)
حسن المحاضرة ج 1 ص 105.
(6)
القضاة ص 405 والأنساب ص 568 أ.
(7)
الأنساب 405 ب.
(8)
فتوح مصر ص 121.
(ب) حذران:
ذكره السمعاني باسم: جذران بالجيم
(1)
.
كان لهم مسجدان بالفسطاط مما يدلُّ على كثرة عددهم
(2)
.
من مواليهم يعقوب بن إسحق (ت 225 هـ) كان مؤذنا في المسجد الجامع العتيق، وكان مقبول الشهادة عند القضاة
(3)
.
(جـ) دهنة:
لهم خطة بالفسطاط
(4)
.
ظهر منهم بمصر عفيف بن حبان (ت 181 هـ) من المحدثين، وخالد بن زياد
(5)
.
من مواليهم أبو حكيم كان عريف دهنة، وكان مقبولا عند القضاة
(6)
.
(د) الحرقة:
من مواليهم عثمان بن عتيق (ت 183 هـ) أول من رحل من أهل مصر إلى العراق في طلب الحديث
(7)
.
(هـ) تيم:
منهم الماضي بن محمد بن مسعود (ت 183 هـ) كان وراقا يكتب المصاحف، وروى الموطأ عن مالك، وروى عنه ابن وهب
(8)
.
(1)
الأنساب ص 125 أ.
(2)
فتوح مصر ص 121.
(3)
الأنساب ص 125 أ.
(4)
فتوح مصر ص 122.
(5)
الأنساب ص 235 أ.
(6)
المصدر نفسه ص 235 أ.
(7)
الخطط ج 4 ص 143 والأنساب ص 164 ب.
(8)
الأنساب ص 113 ب.
(و) قيانة:
ذكره السمعاني بالنون مُرّة وبالفاء مُرّة أخرى
(1)
.
ظهر منهم حماد بن صفوان بن عتاب كان جليسا لليث بن سعد، وعبدوس بن علي من المحدثين
(2)
.
(ز) أحدب:
من مواليهم عيسى بن إبراهيم بن عيسى (170 - 261 هـ) روى عن ابن وهب وغيره
(3)
.
(ح) بنو عبد الجبار:
كانت لهم دار بالفسطاط
(4)
.
(ط) الربانيون:
لَمْ يحفظ لنا منهم أحد
(5)
.
نستطيع بعد هذا كله أن نقول أن غافقا ظلت تحيا في مصر منذ اللحظات الأولى للفتح حتى أواخر القرن الثالث، وهذا ما تشهد به شخصيات غافق وبطونها من جهة وشواهد القبور من جهة أخرى
(6)
. وإذا كانت غافق قد لعبت أدوارا حربية كان لها أثرها في مصير مصر فإن الطابع الذي غلب على أبنائها ومواليها طابع ديني في معظمه. ولعلَّ في هذا ما يتفق مع التصريح العجيب الذي اتهم عمرو بن العاص غافقا فيه بأنهم قوم يُقتلون (بضم الياء) ولا يَقتلون (بفتحها)
(7)
. ولكن أهم ما يلحظ على غافق في حياتها في مصر هو عداؤها للأمويين والمروانيين وموالاتها للعلويين بخاصة - كان إياس بن عامر وعبد الله بن
(1)
المصدر نفسه ص 467 ب.
(2)
المصدر نفسه ص 467 ب.
(3)
المصدر نفسه ص 19 ب.
(4)
فتوح مصر ص 120.
(5)
المصدر نفسه ص 22 أ.
(6)
272. Rep. Chro. I، pp. 56، 140، 141، 272
(7)
فتوح مصر ص 76 - 77.
زرير التابعيان من جنود علي - وخصوم الأمويين بعامة. وكان هذا الموقف مناقضًا لموقف العكيين في الشام والحجاز
(1)
.
ونواصل الحديث عن قبائل الأزد في مصر:
10 -
سلامان:
بطن من الأزد
(2)
. والواقع أن سلامان اسم لبطن من خُزَاعَة
(3)
، والآخر من شنوءة
(4)
، وليس في استطاعتنا رد بني سلامان المذكورين في مصر إلى أحدهما.
وقد اختطوا في كلّ حال بالفسطاط، في الحمراوات الثلاث، ثم شرعت طائفة منهم إلى البحر
(5)
.
وهم في مصر منذ الفتح، شهده منهم سعد بن مالك، الذي أصبح من شيعة عثمان واعتزل ابن أبي حذيفة عندما ثار بمصر، وظل محافظا على اتجاهه هذا وأصبح من شيعة بني أمية، ولما استولى ابن جحدم على مصر سنة 64 هـ تظاهر بموالاته وهو في الواقع مع مروان. ومن العجيب أن ظل من ولده بقية بمصر حتى زمن السيوطي (القرن التاسع الهجري)
(6)
.
ومن بني سلامان عابد بن هشام الشاعر الذي حيا مسلمة بن مخلد عندما نظم أذان الفجر بالفسطاط بطريقة تجمع بين النظام والروعة
(7)
. وكان منه عياض بن عبيد الله ولي قضاء مصر مرتين (93 - 97، 99 - 100 هـ)
(8)
.
ومن مواليهم ابن قديد (229 - 312 هـ) مولى عبد الملك بن سعد بن مالك، من مشاهير الرواة المصريين، وهو صاحب نصف روايات كتاب الولاة وصاحب أكثر من ثلث روايات كتاب القضاة
(9)
.
(1)
Ency، Isl. 1، p. 241
(2)
الأنساب ص 320 أ.
(3)
العقد ج 4 ص 243.
(4)
نسب عدنان ص 22.
(5)
فتوح مصر ص 116 والانتصار ج 4 ص 5.
(6)
الولاة ص 15، 42 وحسن ج 1 ص 87.
(7)
الخطط ج 4 ص 7.
(8)
القضاة ص 232 - 237.
(9)
الأنساب ص 32 أ. ومقدمة كست ص 18.
11 -
غنث:
اختطوا بالفسطاط
(1)
. ولابد أنهم كانوا كثيرين بمصر فقد حضر سبعمائة منهم غزوة إفريقيا سنة 27 هـ
(2)
.
12 -
ميدعان:
كان منهم سبعمائة جندي كذلك في غزوة إفريقية سنة 27 هـ وكان على مقاسمها شريك بن سُمي
(3)
.
13 -
بنو الحارث بن زهران:
إما أن يكونوا فرع من بني زهران من أرد مزيقياء، وإما أن يكونوا من بني زهران من أزد شنوءة
(4)
. وكان منهم على كلّ حال ناشر الأزدي ممن حضر فتح مصر
(5)
. ومن أحفاد ناشر هذا كان فتح بن الصلت المساعد الأكبر لدحية بن مصعب الأموي في ثورته بالصعيد سنة 169 هـ. وتد بدا نجم دحية في الأفول بعد مقتل فتح في هذه الثورة
(6)
.
14 -
بنو بحر:
هم قوم من الأزد. كانت خطتهم بالحمراوات الثلاث
(7)
.
ومما يذكر أن دار عطاء بن دينار الفقيه المصري (ت 126 هـ) كانت في خطتهم
(8)
.
15 -
ثراد:
بطن من الأزد نزلوا مصر عند الفتح، واختطوا بها وذكرهم القضاعي في خططه
(9)
. كانت خطتهم في الحمراوات الثلاث على ما يبدو من ظاهر كلام ابن دقماق
(10)
.
(1)
فتوح مصر ص 119 - 120.
(2)
المصدر نفسه ص 184.
(3)
المصدر نفسه ص 184.
(4)
نهاية الأرب ص 228.
(5)
الولاة ص 130.
(6)
الولاة ص 130.
(7)
فتوح مصر ص 116 والانتصار ج 4 ص 5 والقلقشندي ص 149.
(8)
الأنساب ص 208 أ.
(9)
نهاية الأرب ص 163.
(10)
الانتصار ج 4 ص 5.
16 -
بنو شبابة الأزد:
اختطوا بالفسطاط، وكان لهم المسجد الذي له المنارة
(1)
.
17 -
خثيم:
اختطت بالفسطاط
(2)
.
18 -
مازن:
اختطت بالفسطاط
(3)
.
وهكذا نفرغ من قبائل الأزد جميعًا، ولكننا نحب قبل أن نتركها أن نلحظ أن الأزد أقاموا بمصر منذ الفتح حتى أواخر القرن الثالث، وكانوا طوال تلك المدة ظاهرين على مسرح الحياة المصرية يقومون عليه بأهم الأدوار إذ كان منهم ومن مواليهم الولاة وأصحاب الشرط والقضاة والفقهاء والرواة، فأتيح لهم بذلك أن يؤثروا في الحياة المصرية من نواحيها المختلفة.
ولا ريب في أن كثرة الأزد العددية قد ساعدتهم على التفوق والسيطرة في مصر، فقد رأينا كيف كان جيش الفتح يتكون منهم بصفة عامة أول الأمر. ثم إن هجرتهم إلى مصر قد استمرت بعد ذلك فجاء منهم العراقيون الذين نفاهم زياد، ثم جاءت طائفة من أهل خراسان مع المهالبة، ثم جاءت طائفة من خُزاعة (المطلبية) مع أحد الولاة.
وبالرغم من أن الأزد كانوا أهل حرفة وصناعة في ماضي أيامهم، أي أنهم كانوا يمارسون الحياة المدنية، فإنهم كانوا في مصر أميل إلى التمرد على السلطة الحاكمة. ويلاحظ أنهم كانوا بوجه عام ضد العمانيين والأمويين باستثناء بني سلامان. ولما جاء العباسيون وثاروا عليهم مرّة عندما تألبت العناصر العربية في مصر ضد المأمون سنة 202 هـ بدافع من العصبية فيما يبدو.
ننتقل الآن إلى القسم الثاني من قبائل مالك.
(1)
فتوح مصر ص 120.
(2)
المصدر نفسه ص 119.
(3)
المصدر نفسه ص 119.
2 -
بنو عمرو بن الغوث
عاش منهم بمصر أفراد من القبيلتين الآتيتين:
(أ) بُجيلة
(1)
:
ليس هناك ما يدلُّ على قدومها إلى مصر كقبيلة. ولكن يبدأ ظهور البجليين فيها بولاية أحدهم مصر (مسلمة بن يحيى 172 - 173 هـ)
(2)
. ومن المهم أن نلحظ أنه دخل مصر في عشرة آلاف من الجند
(3)
. ولنا الحق في أن نعتقد أن عددًا كبيرًا منهم كان من قبيلة بُجيلة. وقد ظلوا ظاهرين بمصر طوال مائة عام بعد ذلك التاريخ فكان منهم عدد من أصحاب الشرط بخاصة: عبد الرَّحمن بن مسلمة (172 - 173 هـ)
(4)
، وحبيب بن أبان (173 هـ)
(5)
، وسليمان بن غالب (192 - 196 هـ)
(6)
. وابنه محمد بن سليمان (236 - 238 هـ)
(7)
. كما كان منهم إبراهيم ابن البكاء قاضي مصر (195 - 196 هـ)
(8)
. بل إن اشتراك سليمان بن غالب صاحب الشرط في الحوادث العنيفة الدائرة حينذاك، واستيلاءه على حكم مصر بإرادة الجند وتأييدهم سنة 201 هـ، ثم اشتراكه في الثورة العربية ضد المأمون (202 - 204 هـ)
(9)
- أن هذا كله لَمْ يكن ليتم لولا وجود جماعة قوية من بُجيلة بمصر.
(1)
ذهب رأي من النسَّابين أن بُجيلة وخَثْعم من أنمار بن نزار بن مَعْد بن عدنان.
(2)
الولاة ص 132 - 133 والنجوم ج 2 ص 71 - 72.
(3)
الولاة ص 133.
(4)
الولاة ص 133.
(5)
الولاة ص 133.
(6)
المصدر نفسه ص 146، 148.
(7)
المصدر نفسه ص 199.
(8)
القضاة ص 417.
(9)
الولاة ص 165 - 168.
ويبدو أن البجليين انتشروا بمصر، فقد أقام بشر بن بكر (ت 305 هـ)، من صغار أتباع التابعين، بتنيس ونسب إليها
(1)
.
وفي شواهد القبور دليل جديد على إقامة البجليين بمصر وانتشارهم بها في القرن الثالث
(2)
.
(ب) خَثْعم:
لَمْ تأت إلى مصر في حورة قبيلة كذلك، وإنما هم أفراد ظهروا منها أولهم عثمان بن أبي نسعة من قواد مروان الحمار، وقد قتله العباسيون لما فتحوا مصر
(3)
. أما المثنى بن زياد (136 هـ) فكان من قواد العباسيين أو موظفيهم الكبار
(4)
. في حين ولي مصر سنة 167 هـ موسى بن مصعب مولي خَثْعم الذي انتهى به ظلمه وسوء سلوكه إلى أن قتله أهل الحوف سنة 168 هـ
(5)
.
ثم ننتقل إلى القسم الثالث من قبائل مالك في مصر.
3 -
همدان
همدان
قبيلة كبيرة، كانت بلادها إحدى مراكز الحضارة في بلاد العرب القديمة، وقد تصدت للحاكم الحبشي أبرهة عندما حاول تدمير الكعبة في عام الفيل. ومع ذلك كانت من أخريات القبائل التي اعترفت بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقد نزلت الكوفة وحارب اثنا عشر ألفًا منها في جانب الخليفة علي في العراق سنة 27 هـ
(6)
، فإن همدان كانت شيعة على عند وقوع الفتن بين الصحابة
(7)
.
(1)
حسن المحاضرة ج 4 ص 114.
(2)
Rep. Chro. I، p. 258 & II، pp. 143، 183
(3)
الولاة ص 96، 98.
(4)
المصدر نفسه ص 103.
(5)
الولاة ص 124 - 128 والنجوم ج 2 ص 54 - 55.
(6)
الأنساب ص 591 ب، 246. . Ency . Isl . II، p
(7)
نهاية الأرب ص 352.
شهدت همدان فتح مصر، ويبدو أنَّها بذلت في الهجوم على حصن بابليون جهدا ملحوظا سجله عمرو في رجزه:
يوم لهمدان ويوم للصدف
…
والمنجنيق في بلِّي تختلف
عمرو يرقل أرقال الشيخ الخرف
(1)
ولما عادت من فتح الإسكندرية أمرها عمرو أن تعسكر في الجيزة هي وقبائل أخرى من الأزد وحِمْيَر والحبشة لتحمي جيش المسلمين من ناحية الغرب. ورفضت هذه القبائل العودة إلى الفسطاط، وأقامت بصفة دائمة بالجيزة، واختطت بها
(2)
.
ومن شخصيات همدان وقت الفتح أحمد بن عجيبان الصحابي
(3)
. وفي القرن الثاني يقابلنا منها عُقبة بن مسلم الذي تولى القصص بالمسجد الجامع
(4)
. وتشير شواهد القبور وأوراق البردي إلى إقامة همدان بالفسطاط والأشمونين في القرن الثالث
(5)
.
وكان ناعم بن أحيل التابعي المصري الشهير
(6)
. وأزهر بن عبد الله بن سالم الجيزي (ت 220 هـ)
(7)
من مواليهم.
وهذه بطون همدان في مصر:
1 -
حران:
منها عبد الرَّحمن بن أوس من محدثي مصر في القرن الثاني (126 هـ)، كان في ثلاثين من العطاء
(8)
.
(1)
فتوح مصر ص 62.
(2)
المصدر نفسه ص 128 - 129 والخطط ج 1 ص 206 والانتصار ج 4 ص 126.
(3)
حسن المحاضرة ج 1 ص 18.
(4)
الخطط ج 4 ص 18.
(5)
172. p ،. I .Chro. Rep وأوراق البردي ج 1 ص 113، 114، 117.
(6)
حسن المحاضرة ج 1 ص 107.
(7)
الأنساب ص 147 ب.
(8)
الأنساب ص 161 أ، ب.
2 -
الأحروج:
منها ثمامة بن شفي (ت قبل 120 هـ) من محدثي مصر
(1)
.
3 -
بكيل:
إحدى مجموعتي همدان القويتين. وكانت تسكن القسم الشرقي من بلاد همدان باليمن. وهي كثيرة البطون. ومن بلادها كان يبتاع السم الذي يقتل به الملوك
(2)
.
شهدت بكيل فتح مصر، وعسكرت بالجيزة ثم أقامت بها واختطت في جنوبها الشرقي
(3)
.
وكان من بكيل في مصر البطنان الآتيان:
(أ) أرحب:
قبيلة كبيرة تنسب إليها الإبل الأرحبية
(4)
، شهد منهم فتح مصر بنو عوف أو بنو حجر الذين عسكروا بالجيزة ثم اختطوا في قبليها
(5)
.
(ب) الحياوية:
وهم من بني عامر بن بكيل. شهدوا فتح مصر، وعسكروا بالجيزة، ثم اختطوا في قَبَليها
(6)
. وكان منهم مزاحف بن عامر صاحب مسجد جامع همدان بالجيزة. ويبدو أن همدان كانت تعبر النيل وتذهب لصلاة الجمعة في جامع عمرو بالفسطاط حتى كان عُقبة بن عامر (44 - 47 هـ) فأمرهم بأن يجمعوا في مسجد مزاحف هذا
(7)
.
(1)
المصدر نفسه ص 12 أ.
(2)
معجم البلدان ج 2 ص 257، و 246 Ency.IsI.I،P
(3)
الانتصار ج 4 ص 126 والخطط ج 1 ص 206.
(4)
معجم البلدان ج 1 ص 182، نهاية الأرب ص 33، الأنساب ص 24 ب.
(5)
الانتصار ج 4 ص 126 والخطط ج 1 ص 206.
(6)
المصدر نفسه.
(7)
الخطط ج 4 ص 123.
4 -
حاشد:
تمثل المجموعة الثانية من همدان، وكانت تسكن القسم الغربي من بلاد همدان باليمن. ولم يكن هذا يعني انفصال حاشد وبكيل فالواقع أن بطون كلّ منهما كانت تعيش في منازل بطون الأخرى
(1)
.
وشهدت حاشد فتح مصر، وعسكرت مع همدان بالجيزة، ثم اختطت بها ولكن في شمالها الغربي
(2)
.
بذلك تنتهي قبائل مالك التي يتكون منها القسم الأول من كهلان ننتقل إلى القسم الثاني.
ثانيا - عريب
قبائل عريب أربعة أفرع: مُرّة، مَذْحِج، طيئ، الأشعر.
مُرَّة
تتفرع مُرّة فرعين: عدي، ومالك.
(أ) عدي
تنقسم إلى قبائل كبيرة هي:
1 -
كِنْدة
وتدعى أيضًا كندة الملوك. غير كثيرة العدد فيما يحتمل. كانت تقيم في الوقت السابق لظهور الإسلام في البلاد الواقعة غربي حضرموت. والواقع أنَّها هاجرت وقت مولد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تقريبًا إلى حضرموت في أكثر من ثلاثين ألف رجل وألحقت نفسها بالصدف الذين كانوا سبقوها إلى الإقامة ببلاد حضرموت. وكان
(1)
246 Ency. Isl. II، p .
(2)
الانتصار ج 4 ص 126 والخطط ج 1 ص 206.
من أهم بطونها عند ذاك تجيب. وتذكر لأول مرّة في التاريخ في القرن الرابع من العصر المسيحي. وقد حكمت القبائل العربية المختلفة المقيمة في وسط شبه جزيرة العرب: أسد، وبكر، وتغلب، وقيس، وكنانة، وغيرها. وكان الدين اليهودي يسودها في الجاهلية. فلما ظهر الإسلام قاوموه أول الأمر، ثم شغلوا مناصب بارزة في البلاط كنبلاء ذوي أهمية كبيرة في وقت متأخر في العصر الإسلامي. وأطلق اسم كندة على مقاطعة في الشام وخطة (حي) في البصرة لإقامة جانب منها هناك طبعًا
(1)
. وقد تفرقت كندة في البلاد، وكان لأبنائها الصدارة في كلّ بلد انتقلوا إليه حتى صرخ هشام بن عبد الملك: يا لكندة! عندما لاحظ أن سادة فلسطين وحمص والجزيرة كلهم من كندة
(2)
.
شهدت كندة فتح مصر، في عدد كبير فيما يبدو فقد ظلت مهرة - من قُضاعة من حِمْير - تتبعها في الديوان حتى سنة 102 هـ
(3)
. ويبدو أنه كان لها هي وغافق مقابر واحدة هي التي دفن فيها الكندي (283 - 350 هـ) صاحب كتاب الولاة والقضاة
(4)
.
وأول من نقابل من كندة بمصر هو غرفة بن الحارث الصحابي، شهد فتح مصر وسكنها وحدث بها
(5)
. وكان حجر بن عدي رسول محمد بن أبي بكر أمير مصر سنة 37 هـ إلى الثوار من أنصار عثمان الذين اعتصموا بخربتا
(6)
. وكانت ليلي، أم عبد العزيز بن مروان، كندية
(7)
. وهناك كذلك جعفر بن ربيعة (ت 136 هـ) زميل يزيد بن أبي حبيب في النظر في الفتيا بمصر
(8)
. ويحيى بن عبد الله بن العباس من وجوه قواد يزيد بن حاتم في إخماد حركة العلويين بمصر
(1)
Ency.IsI.I،P.207،1018 - 1019، ومقدمة كست ص 5 - 6.
(2)
الأنساب ص 489 أ.
(3)
الولاة ص 70 - 71.
(4)
المصدر نفسه ص 5.
(5)
حسن المحاضرة ج 1 ص 94.
(6)
الولاة ص 28.
(7)
الخط ج 1 ص 208.
(8)
المصدر نفسه ج 4 ص 143 وحسن المحاضرة ج 1 ص 110 ومقدمة كست ص 35.
سنة 145 هـ
(1)
. وكان أبناء كندة يأتون إلى مصر ويقيمون بها إقامة مؤقتة أو دائمة فولي إسماعيل بن اليسع الكوفي قضاء مصر (164 - 167 هـ)
(2)
، كما نزل حسان بن عبد الله بن سهل الواسطي (ت 222 هـ) مصر وحدث بها حتى وفاته
(3)
.
وهكذا كان الكنديون في مصر ما بين قائد وفقيه وقاض ومحدث. ولم يكن مواليهم بأقل منهم، فقد لعب عبَّاد بن محمد بن حيَّان دورا بارعا في سياسة مصر حتى وليها من قبل المأمون (196 - 198 هـ)
(4)
. وكان يحيى بن زكريا من الشهود عند القضاة في النصف الأول من القرن الثالث
(5)
.
ومن الواضح أن كندة ظلت حية بمصر منذ الفتح حتى القرن الثالث. وشواهد القبور تؤيد ذلك بالنسبة إلى القرنين الثاني والثالث
(6)
.
وكان لكندة بطون في مصر هي:
(أ) السكاسك:
جدهم سكسك ملك
(7)
. وكانوا ممن ساعدوا معاذا الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجاب أهل اليمن إلى الإسلام، فدعا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالمغفرة، وعدَّهم في خير القبائل
(8)
.
قدموا الشام رمن عمر بن الخطاب ونزلوا وادي السكاسك بالأردن
(9)
. وشهدوا فتح مصر، واختطوا في المعافر. ولكن لَمْ يظهر منهم أحد بمصر
(10)
.
(1)
الولاة ص 113.
(2)
فتوح مصر ص 244 والقضاة ص 371 - 373.
(3)
حسن المحاضرة ج 1 ص 115.
(4)
الولاة ص 148 - 155، 166 - 167، 171.
(5)
القضاة ص 459 - 460.
(6)
Rep. Chro. I، p.79،119 - 120&II،P.140.
(7)
القاموس المحيط مادة (السك).
(8)
فتوح مصر ص 127.
(9)
الأنساب ص 300 ب.
(10)
فتوح مصر ص 126، 128.
(ب) بريح:
بطن من كندة، من بني الحارث بن معاوية.
نعرف منهم أبا القاسم بن عبيد الله، من التابعين، أدرك عبد الله بن عمرو بن العاص
(1)
.
(ج) السكون:
من القريب جدًّا أنَّها كانت تعتنق اليهودية التي كانت تسود كندة كلها في الجاهلية. ومن المهم أن نلحظ في هذا الصدد أن محمد بن أبي بكر سب معاوية بن حديج، زعيم السكون في مصر، بعد موقعة المسناة سنة 38 هـ بقوله:"يابن اليهودية النساجة"
(2)
.
ولكن لما ظهر الإسلام ساعدت في إدخاله إلى اليمن، فعدها الرسول صلى الله عليه وسلم في خير القبائل التي مدحها
(3)
، وإن كان عدم قيام الملوك منها جعلها في مركز أدنى بالنسبة إلى سائر القبيلة
(4)
. ثم اشترك منها في فتح فارس فرقة حربية كبيرة يحتمل أنَّها أو جزءًا منها قد انضم بعد ذلك إلى جيش عمرو الذي سار لفتح مصر
(5)
.
ومن الواضح لدينا أن لَمْ يحضر من هذه القبيلة إلى مصر - باستثناء تجيب - عدد كبير، فإن كلّ من ظهر منها بمصر هم الحديجيون ذرية معاوية بن حديج (ت 52 هـ) الذي لعب في فتنة عثمان دورا غيَّر مجرى التاريخ في مصر إن لَمْ يكن في العالم الإسلامي كله، فبفضله خرجت مصر من سلطان علي إلى سلطان معاوية
(6)
.
(1)
الأنساب 172 أ والقاموس المحيط مادة: (البرح).
(2)
النجوم ج 1 ص 110.
(3)
فتوح مصر ص 389.
(4)
القضاة ص 389.
(5)
مقدمة كست ص 5.
(6)
الولاة ص 15، 18 - 21، 27 - 30.
ونحب أن نلحظ أولًا أن معاوية بن حديج هذا غالبًا ما يذكر منسوبًا إلى تجيب ولا ينسب إلى السكون إلَّا نادرًا. وهذا من باب الخطأ المشهور. وقد نبه ابن الأثير الجزري
(1)
. إلى ما في نسبه من اختلاف ونص على أنَّ النسبة إلى السكون هي الصواب.
بمراجعة تاريخ الحديجيين في مصر يتضح في الحال أن أسرتهم كانت من أهم أسر الأشراف أو الطبقة الأرستقراطية في المجتمع المصري طوال الفترة التي ندرس، فقد ظهر بعد عميدهم معاوية ابنه عبد الرَّحمن (ت 95 هـ) الذي كان من كبار رجال الدولة إلى جانب كونه من أئمة مصر المجتهدين
(2)
. ولعلَّ عبد الواحد بن عبد الرَّحمن هذا الذي ولي قضاء مصر (89 - 90 هـ) من أندر القضاة الذين عرفهم التاريخ، فقد ولي القضاء وعمره خمس وعشرون سنة فما تعلق عليه بشيء
(3)
. وولي أخوه عبد الله بن عبد الرَّحمن إمرة مصر (152 - 155 هـ) بعد أن تقلب في مناصب الشرطة ابتداء من 119 هـ وأخمد الحركة العلوية التي تزعمها خالد بن سعيد الصدفي في الفسطاط سنة 145 هـ
(4)
.
وكان أخوهما محمد بن عبد الرَّحمن من أشراف مصر وقوادها وكبار موظفيها، وقد انتهى إلى أن ولي إمرة مصر سنة 155 هـ
(5)
. أما هشام بن عبد الله بن عبد الرَّحمن، فإنه إلى جانب كونه من كبار الموظفين
(6)
. قد لعب دورًا مهما في قضية أهل الحرس (185 - 194 هـ)
(7)
وفي الدعوة إلى خلع الأمين (195 - 198 هـ)
(8)
وكان أخوه محمد بن عبد الله (ت 221 هـ) - وكان يعرف بزنين - صاحب دربين بالفسطاط وضيعة بالجيزة
(9)
. وبدأ هبيرة بن هشام بن عبد الله
(1)
أسد الغابة ج 4 ص 383.
(2)
الولاة ص 53، 58، 64 والقضاة ص 324 - 326 وحسن المحاضرة ج 1 ص 118.
(3)
القضاة ص 328، 330.
(4)
الولاة ص 81، 93، 98، 110 - 114، 117 - 118.
(5)
المصدر نفسه ص 101، 116 - 118.
(6)
المصدر نفسه ص 121، 139، 142.
(7)
القضاة ص 397 - 413.
(8)
الولاة ص 148.
(9)
الانتصار ج 4 ص 29.
حياته العامة بالاشتراك مع أبيه في الدعوة إلى خلع الأمين سنة 195 هـ، ثم ولي الشرط ثلاث مرات
(1)
. وربما كان موقفه الرائع إلى جانب إبراهيم الطائي الذي استجاره سببًا في وصوله إلى مركز الزعامة بين المصريين، هذه الزعامة التي انتهت بقتله سنة 200 هـ في الصراع بين المصريين والخرسانيين
(2)
. وولي حديج بن عبد الواحد الإسكندرية سنة 198 هـ
(3)
. ووليها عمر بن هلال سنة 199 هـ كذلك
(4)
، ثم عاد فوثب عليها لصالح عبد العزيز الجروي، واشترك في الحوادث العنيفة التي قام بها الأندلسيون هناك وقتذاك، وانتهى الأمر بقتله على صورة تجمع بين البطولة والمأساة
(5)
. أما معاوية بن عبد الواحد فولي الإسكندرية (202 - 203 هـ)، ثم كان الرئيس العام لأهلها في ثورة أسفل الأرض سنة 216 هـ
(6)
. وولي معاوية بن معاوية بن نعيم الشرط مرتين (226 - 228 هـ)، (234 - 235 هـ)
(7)
.
أما مواليهم فيكفي أن كان منهم إسحق بن الفرات (ت 204 هـ)، أول من ولي قضاء مصر من الموالي
(8)
.
هذا العرض لشخصيات الحديجيين في مصر يبين أهمية هذه الأسرة، فقد حفلت بعدد كبير من رجال الدولة والحرب والعلم وأثرت في مختلف نواحي الحياة المصرية. أما من الناحية السياسية فقد أشرنا منذ قليل إلى الدور الخطير الذي لعبه معاوية بن حديج فحول مصر إلى ولاية أموية، والواقع أن رجالات السكون قد ظلوا منذ ذلك التاريخ حتى نهاية الدولة الأموية يرسون قواعد الحكم العربي في مصر ويثبتون دعائمه ويدافعون عن سلطان الدولة بعامة، وذلك عن طريق الوظائف الكبرى التي تولوها ونهضوا بأعبائها في كفاءة وإخلاص. ولا شك في
(1)
الولاة ص 148، 149، 152.
(2)
انظر تفصيلات هذه الحوادث المثيرة في الولاة ص 152 - 153، 159 - 161.
(3)
المصدر نفسه ص 153.
(4)
الولاة ص 157 - 158.
(5)
المصدر نفسه ص 157 - 158، 161 - 163.
(6)
المصدر نفسه ص 170، 191.
(7)
المصدر نفسه ص 196، 197.
(8)
القضاة ص 392، 394.
أن العباسيين كانوا يعلمون قدر رجال هذه الأسرة الذين كانوا "من أكابر المصريين من أعوان بني أمية"
(1)
. فأبقوا عليهم بالرغم من هذا، وأعطوهم الأمان عندما طلبوه منهم
(2)
. لما فتحوا مصر سنة 132 هـ. ويبدو أن الحديجيين كانوا، نتيجة لممارستهم الحياة المنظمة منذ أمد طويل، يتمتعون بوعي سياسي رفيع جعلهم يفوقون غيرهم من العرب في إدراك معنى الدولة ووجوب إقامة سلطانها، فقد ظلوا على حالهم في الدولة العباسية يلون المناصب الكبرى في كفاءة وإخلاص ويتعرضون للموت في سبيل الدولة. وفي الصراع بين الأمين والمأمون وقفوا في الناحية الأخرى المقابلة للعنصر الفوضوي المعادي للدولة (أهل الحروف). ولا شك أن من آيات الثقة بالنفس والإيمان بسلطة الدولة إقدامهم على ولاية الإسكندرية التي كانت تعج بالفتن في أواخر القرن الثاني. ثم كان اشتراكهم في ثورة أسفل الأرض - وهي ثورة كان لها مبرراتها من فساد أداة الحكم في مصر باعتراف الخليفة المأمون نفسه
(3)
. مظهرًا جديدًا لحرصهم على سلامة الدولة.
لَمْ يكن أثر الحديجيين في الحياة الاجتماعية أقلّ بروزا من أثرهم السياسي فقد ظلوا طوال حياتهم يحافظون على تقاليد الأرستقراطية العربية، وهي تقاليد النبالة بعامة. فقد حرص عميدهم معاوية على الثأر لعثمان، كما حرص على حفظ روح الفروسية الحقيقية في أولاده الذين لَمْ تكن لسروجهم ركب إنما يثبون على الخيل وثبا
(4)
. أما تحرش هاشم بن عبد الله بأهل الحرس وتمسكه بإلغاء نسبهم المزور فدليل على حدة عصبيته الطبقية والجنسية معا. أما تفضيل هبيرة بن هاشم الموت على تسليم جاره الطائي فمثل من أروع أمثلة الخلق العربي الأصيل الذي يعيد إلى الأذهان قصة السموأل على نحو ما التفت سعيد بن عفير الذي أعجب بهذا الصنيع - وهو الشاعر العربي القح - إعجابا شديدًا
(5)
. ولا يقل روعة عن هذا حمية عمر بن هلال الذي آثر هو وأقاربه الرجال أن يدلوا أنفسهم
(1)
النجوم ج 2 ص 17.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
الولاة ص 192 والنجوم ج 2 ص 216.
(4)
فتوح مصر ص 143.
(5)
الولاة ص 152 - 153.
من القصر، وهو غير منيع، إلى أعدائهم على أن يقاوموا فيدخل الأعداء القصر ويفضحوا حرمهم. وكان لهذا السلوك صدى عميق سجله ابن عفير كَذلك في شعره مقرونا بالإعجاب والتمجيد
(1)
.
(د) تجيب:
بطن من السكون
(2)
. وقد ذكرنا عند الحديث عن كندة أن تجيب كانت من أهم بطونها عندما هاجرت إلى حضرموت وقت مولد النبي صلى الله عليه وسلم تقريبًا. ويبدو أنها سارعت إلى الإسلام فقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث له بأنها "أجابت الله ورسوله"
(3)
.
وأغلب الظن أنها كانت جزءا من الفرقة الحربية المكونة من السكون والتي شاركت في فتح فارس. ثم سارت تجيب من هناك إلى غزو مصر. ومن الواضح أنها كانت إحدى الوحدات الكبرى في الجش العربي الذي فتح به عمرو مصر
(4)
. ويبدو أنها قامت بنصيب كبير في الاستيلاء على بابليون دعا شاعرها إلى الفخر:
وبابليون قد سعدنا بفتحها
…
وحزنا لعمر الله فيئا ومغنما
(5)
لم تكتف تجيب بالإقامة في مصر فقد اتجهت نحو الغرب، فكان منها قوم في جبل برقة الغربي مع غيرهم من بطون العرب اليمنيين
(6)
. ثم ساروا إلى إسبانيا حيث أصبح لهم نفوذ كبير في فترة ملوك الطوائف وفي عهد الخلفاء الأمويين سواء بسواء
(7)
.
(1)
المصدر نفسه ص 162 - 163.
(2)
العقد ج 2 ص 248.
(3)
فتوح مصر ص 138 والأنساب ص 103 ب.
(4)
مقدمة كست ص 5.
(5)
الخط ج 4 ص 5.
(6)
كتاب البلدان ص 132.
(7)
Ency. Isl. II. p. 1019 & IV، p. 819
كانت تجيب في كلّ حال من أوليات القبائل التي أقامت بمصر واختطت بها
(1)
. ولما كانوا هم أخوال الحضارمة فقد أقام هؤلاء معهم أول الأمر
(2)
. ولكبر تجيب كان لها مرتبعان: الأول - وكان لمعظمهم - في تمي (تمي الأمديد، مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية حاليًا)
(3)
. وبسطة ووسيم. والثاني - لطائفة منهم مع مراد - في البدقون
(4)
(كانت هذه الكورة تقع في محافظة البحيرة الحالية شاغلة جزءًا من جعيف والجزء الشمالي من مركز إيتاي البارود والجزء الجنوبي من مركز شبراخيت)
(5)
. والذي يلفت النظر هنا، سوى تعدد أماكن ارتباع تجيب، تباعدها، فهي متناثرة في محافظات الدقهلية والشرقية والجيزة والبحيرة.
ومن الطبيعي أن نلتقي بشخصيات تجيب منذ اللحظات الأولى. فهناك أبو قبان الشاعر
(6)
، وعمار بن سعد التابعي (ت 105 هـ)
(7)
، وبجاد الذي تولى إحراق محمد بن أبي بكر سنة 38 هـ
(8)
، وسليم بن عتر قاص مصر وقاضيها (ت 75 هـ)
(9)
. وهؤلاء جميعًا من شخصيات الفتح.
ومن شخصيات القرن الأول عياض بن غنم أمير الإسكندرية سنة 84 هـ
(10)
، وابن أبي أرطأة أحد شراة الإسكندرية الذين حاولوا اغتيال قرة بن شريك سنة 91 هـ
(11)
، وأبو عمران التابعي كان الأمراء يقترضون منه
(12)
، وشريح بن صفوان الذي قاد القراء في ثورتهم على أمير مصر سنة 117 هـ
(13)
، وابنه
(1)
فتوح مصر ص 125.
(2)
فتوح مصر ص 123.
(3)
34 Toussoun،p. ، والدليل الجغرافي ح 148.
(4)
فتوح مصر ص 142.
(5)
16 Toussoun،p.
(6)
الخطط ج 4 ص 5
(7)
حسن المحاضرة ج 1 ص 106.
(8)
الولاة ص 29.
(9)
القضاة ص 203 - 131 وحسن المحاضرة ج 1 ص 118.
(10)
النجوم ج 1 ص 8 - 2.
(11)
الولاة ص 64.
(12)
حسن المحاضرة ج 1 ص 105.
(13)
الولاة ص 78.
حيوة الفقيه (ت 158 هـ)
(1)
وخالد بن يزيد (ت 168 هـ) كان من رجال الدولة المستبدين
(2)
وبينما كان يوسف بن نصير (ت 168 هـ)
(3)
من قواد دحية الثائر الأموي كان بحر بن شراحيل
(4)
. في جيش الدولة ضد دحية. ومحمد بن مسروق قاضي مصر القاسي (177 - 184 هـ)
(5)
، ودراج بن السمح التابعي (124 - 182 هـ)
(6)
.
أما موالي تجيب فمنهم سعيد بن شريح
(7)
وأبو شبيب
(8)
. وهما من شعراء القرن الثاني، وإبراهيم بن عبد الله الخفاف المحدث (ت 205 هـ)
(9)
ومحمد بن رمح الحافظ (ت 242 هـ)
(10)
.
والآن نتحدث عن بطون تجيب في مصر.
المعروف أن قبيلة تجيب تتكون من أبناء سعد وعدي ابني أشرس
(11)
وليست بطون تجيب في الواقع سوى الأسر التي تفرعت إليها ذرية سعد وعدي هذين. وهذه الأسر هي التي نتكلم عنها الآن.
1 -
بنو سعد:
شهدوا فتح مصر واختطوا بها
(12)
. وكانت لهم مرحلة باسمهم في الطريق إلى الفسطاط. وبهذه المرحلة نزل سعد بن أبي وقاص عندما قدم إلى مصر سنة 35 هـ رسولا من عثمان إلى الثوار المصريين. وذهب إلى ابن أبي حذيفة زعيم
(1)
فتوح مصر ص 241، والولاة ص 79 والقضاة ص 363 وحسن المحاضرة ج 1 ص 120.
(2)
الولاة ص 126 - 127.
(3)
المصدر نفسه ص 126، 128.
(4)
المصدر نفسه ص 130.
(5)
القضاة ص 288 - 292.
(6)
الأنساب ص 103 ب.
(7)
الولاة ص 87.
(8)
القضاة ص 423 - 424.
(9)
الأنساب ص 1204.
(10)
معجم البلدان ج 2 ص 367 وحسن المحاضرة ج 1 ص 146،
(11)
العقد ج 2 ص 248 ونهاية الأرب ص 37، 158.
(12)
فتوح مصر ص 122.
الثوار، يصحبه مائة منهم، فقابله مقابلة عنيفة أرغمت ابن أبي وقاص على العودة إلى المدينة ساخطا
(1)
.
وكان بنو عتاهية أهمهم وأظهرهم بمصر. منهم مالك بن عتاهية الصحابي شهد الفتح
(2)
. وعبد الرَّحمن بن حسان صاحب شرط عبد العزيز بن مروان (76 - 84 هـ)
(3)
، وأخته أمينة والدة زرعة بن معاوية الخولاني أحد أشراف مصر
(4)
، وحفيده حسان بن عتاهية الصغير الذي ولي مصر سنة 127 هـ، ح وضرب العباسيون عنقه لما فتحوا مصر إذ كان من أمراء بني أمية
(5)
.
ومن الواضح أهميتهم ومكانتهم بمصر.
2 -
آل أيدعان بن سعد:
بطن من تجيب، شهدوا فتح مصر واختطوا بها
(6)
.
أهم من ظهر منهم بمصر كِنَانة بن بشر (ت 36 هـ). كانت له خطة وكان يملك "المقلد" أحد سيفي تجيب. وكان من أبرر الثائرين على عثمان في مصر، فقد كان "رأس الشيعة الأولى" كما كان أحد القواد الستة للجيش المصري الذي سيره ابن أبي حذيفة إلى عثمان سنة 35 هـ
(7)
.
وقد ظلوا مقيمين بمصر، ولكن دون أن يبرز منهم أحد بعد ذلك سوى أبي شجرة المحدث (ت 268 هـ)
(8)
.
والواقع أن موالي أيدعان هم الم ثر أهمية والأبقى أثرًا في الحياة المصرية. وقد لمعت منهم أسرة سليمان بن برد الشاهد الفقيه
(9)
. طوال القرن الثالث. وظهر
(1)
الولاة ص 160.
(2)
حسن المحاضرة ج 1 ص 96.
(3)
الولاة ص 10.
(4)
القضاة ص 326.
(5)
الولاة ص 85، 86، 89، 92، 98.
(6)
فترح مصر ص 122. والأنساب ص 54 ب.
(7)
فتوح مصر ص 125، والولاة ص 17 - 20 والخطط ج 4 ص 148.
(8)
الأنساب ص 54 ب.
(9)
القضاة ص 422، 436 والأنساب ص 54 ب.
منهم بعد سليمان ابنه أحمد (ت 257 هـ)
(1)
. وحفيده القاسم بن حبيش (ت 245 هـ)
(2)
، وحفيده أيضًا أحمد بن الرقاع (ت 286 هـ)
(3)
. وكلهم من أهل الرواية والعلم والشهادة.
3 -
خلاوة:
وتذكر بالحاء المهملة. من بني سعد كذلك
(4)
.
ظهر منهم بمصر زياد بن حناطة (ت 75 هـ). كان له قصر باسمه في خطة تجيب. وكان من شيعة بني أمية، وأحد الأشراف الذين قاموا في الصلح بين أهل مصر وبين مروان في ثورة ابن جحدم سنة 650 هـ. وكان من كبار موظفي عبد العزيز بن مروان
(5)
. وهناك كذلك ابن أخيه سعد بن مالك المحدث
(6)
، وقيس بن الأشعث (ت 124 هـ) من كبار الموظفين بمصر
(7)
.
4 -
بنو الأعجم:
من بني سعد. وقد شهدوا الفتح. واختطوا بالفسطاط
(8)
. ولسنا نعرف منهم سوى مواليهم الذين كان منهم أبو المهاجر البلهيبي من الموالي الأشراف وعريف موالي تجيب رمن معاوية
(9)
. وعبد العزيز بن سويد (ت 204 هـ) كان شريفا ومن كبار الموظفين
(10)
. وعبد رب بن خالد (ت 259 هـ) من الرواة
(11)
.
(1)
القضاة ص 468، 469 والأنساب ص 54 ب.
(2)
الأنساب 73 أ.
(3)
المصدر نفسه ص 54 ب.
(4)
المصدر نفسه ص 1182، 213 ب.
(5)
فتوح مصر ص 124 والولاة ص 42، 45، 49، 51.
(6)
الأنساب ص 1182، 213 ب.
(7)
الولاة ص 81 والأنساب 213 ب.
(8)
معجم البلدان ج 2 ص 282 والأنساب ص 44 أ.
(9)
فتوح مصر ص 84 ومعجم البلدان ج 2 ص 282 والانتصار ج 4 ص 24.
(10)
الأنساب ص 144.
(11)
المصدر نفسه.
5 -
بنو سوم:
من بني عدي، الفرع الآخر لتجيب
(1)
. شهدوا فتح مصر واختطوا بها. وكانوا يملكون اثنين من أشهر خيل مصر: الدعلوق والخطار
(2)
.
أشهرهم قيسبة بن كلثوم الذي جاء مع جيش الفتح في عدد كبير من أهله وعبيده وخيله. ثم تنازل بلا مقابل عن المكان الذي احتله بجوار الحصن ليبني فيه المسلمون مسجدهم الجامع. وكان هذا الصنيع سخاء استحق لأجله هو وابنه مدح الشعراء
(3)
.
ومع أنهم وقفوا مع ابن جحدم ضد مروان بن الحكم سنة 65 هـ
(4)
. فإن أحدهم (إبراهيم بن الأومر) كان في جيش الدولة ضد دحية بن مصعب الثائر الأموي سنة 169 هـ
(5)
.
وكان مواليهم من أهل العلم والفقه، منهم سليمان بن يحيى بن وزير (كان ظاهرا في أواخر القرن الثاني)
(6)
، وأبو زرعة المحدث الذي قيل أنه قتل في فتنة القراء سنة 217 هـ
(7)
، وأحمد بن يحيى بن وزير (171 - 250 هـ) من فقهاء مصر وعلمائها الكبار
(8)
.
6 -
بنو اندي:
والأرجح أنهم هم الذين ذكر السمعاني اسمهم مصَحَّفًا إلى أبذو
(9)
.
وهم من بني عدي في كلّ حال
(10)
.
(1)
الولاة ص 130 والأنساب ص 318 أ.
(2)
فتوح مصر ص 14.
(3)
الخطط ج 4 ص 5.
(4)
فتوح مصر ص 145.
(5)
الولاة ص 130.
(6)
القضاة ص 421.
(7)
معجم البلدان ج 2 ص 155 والأنساب ص 67 ب، 177.
(8)
طبقات الشافعية ج 1 ص 223 وبغية الوعاة ص 174 وحسن المحاضرة ج 1 ص 117 ومقدمة كست ص 21.
(9)
الأنساب ص 16 أ.
(10)
الولاة ص 51 والأنساب ص 50 أ.
منهم أبو سويد بن قيس كانت له من عبد العزيز بن مروان منزلة
(1)
وكان عُقبة بن مسلم (ت 120 هـ) القاص حليفًا لهم
(2)
.
أما مواليهم فكان منهم عبد الرَّحمن بن يحنس الذي قتل عبد الله بن الزبير سنة 73 هـ فكافأه عبد العزيز بن مروان بسخاء
(3)
. وسالم بن غيلان (ت 153 هـ) كان من قواد مصر البحريين
(4)
.
7 -
بنو فهم:
يذكر الكندي أنهم بنو "اذاة" - والأرجح أنه تحريف اندي - ابن عدي بن تجيب
(5)
. فهم على هذا بطن من عدي كذلك.
كان منهم قيس بن سلامة من أعوان محمد بن أبي بكر
(6)
. والمهاجر بن أبي المثني زعيم الشراة الذين تعاقدوا بالإسكندرية على قتل قرة بن شريك سنة 91 هـ.
(7)
8 -
بنو عامر:
من بني عدي. شهدوا الفتح واختطوا شرقي الحصن بمصر
(8)
.
وكان عبد الله بن المهاجر الذي أخمد ثورة القبط سنة 156 هـ حليفًا لهم
(9)
.
9 -
زميلة:
بطن من تجيب، يذكرون أحيانًا باسم زميل
(10)
.
(1)
الأنساب ص 50 أ.
(2)
الولاة ص 71 حسن المحاضرة ج 1 ص 109.
(3)
الولاة ص 51، القضاة 321 والأنساب ص 50 أ.
(4)
الأنساب ص 50 أ.
(5)
الولاة ص 28، 64.
(6)
المصدر نفسه ص 28.
(7)
المصدر نفسه ص 64.
(8)
فتوح مصر: ص 125 والولاة ص 119 والأنساب ص 378 ب.
(9)
الولاة ص 119.
(10)
المصدر نفسه ص 15، وفيات الأعيان ج 1 ص 160، الأنساب ص 278.
يبدو أنهم كانوا من شيعة عثمان ثم الأمويين من بعد، فإن سلمة بن مخزمة الذي شهد فتح مصر منهم، وعميد أهم أسر هذا البطن، أبى أن يأخذ عطاء من ابن أبي حذيفة لما اغتصب حكم مصر، وذهب إلى عثمان رسولا من قبل شيعته بمصر ليخبره بأمرهم وبصنيع ابن أبي حذيفة
(1)
. أما عبد الله بن قيس فقد استخلفه عتبة بن أبي سفيان على مصر سنة 44 هـ، وكانت فيه شدة على بعض أهلها
(2)
. وكان سعيد بن سلمة بن مخزمة (ت 152 هـ) من محدثي مصر
(3)
.
أما موالي رميلة فأهمهم أسرة حرملة بن عمران المحدث المصري (80 - 160 هـ)
(4)
. وكان ولاؤها لأسرة سلمة. ومنهم حفيد حرملة يحيى بن عبد الله صاحب مسائل العمري قاضي مصر (185 - 194 هـ)
(5)
. أما حرملة بن يحيى الفقيه الكبير صاحب الشافعي (166 - 243 هـ) فلم يكن أهم أفراد هذه الأسرة فقط بل كان من أهم الشخصيات العلمية المصرية
(6)
.
وكان عبد الوهاب بن خلف المحدث المصري (ت بعد 270 هـ) من مواليهم أيضًا
(7)
.
10 -
قتيرة:
هم من تجيب. الأرجح أن مقسم بن بجرة، أحد وجوه شيعة عثمان بمصر سنة 35 هـ، وشيعة بني أمية سنة 64 هـ، واحد منهم
(8)
. ومنهم كذلك حبيب بن الشهيد (ت 109 هـ)
(9)
. ومن أئمة مصر المجتهدين وفقيه طرابلس والمغرب كذلك
(10)
.
(1)
الولاة ص 15، 16 الأنساب ص 278 أ.
(2)
الولاة ص 35.
(3)
الأنساب ص 278 أ.
(4)
وفيات الأعيان ج 1 ص 160 حسن المحاضرة ج 1 ص 110.
(5)
القضاة ص 395، 418.
(6)
وفيات الأعيان ج 1 ص 159 حسن المحاضرة ج 1 ص 123 الأنساب 278 أ، طبقات الشافعية ج 1 ص 257.
(7)
الأنساب ص 229 ب.
(8)
المصدر نفسه 443 أ.
(9)
الولاة ص 15، 42.
(10)
حسن المحاضرة ج 1 ص 11 الأنساب ص 443 أ.
11 -
عبَّاد:
بطن من تجيب نزل مصر
(1)
.
نعرف منهم يحيى بن السائب روى عن مالك. وابنه شعيب (ت 211 هـ)، كان رجلًا صالحا غلبت عليه العبادة
(2)
.
ومن مواليهم سليمان بن أبي صالح كان من عمال الخراج بمصر زمن ابن الحبحاب. وابنه سلمة كان عاملا كذلك في أيام المنصور
(3)
.
12 -
بنو القرناء:
بطن من تجيب، ومن الغريب أن يذكر السمعاني النسبة إليهم على أنَّها القرماني. والأرجح أن هذا تصحيف لكلمة: القرناني
(4)
.
وكان منهم شريك بن سويد شهد فتح مصر
(5)
. وعميرة بن تميم ابن جزء صاحب الجب المعروف بجب عميرة، وهو قريب من القاهرة يبرز إليه الحاج والعساكر. ومن المهم أن نلحظ أن الفرسان المصريين الذين اشتركوا في معركة الخندق التي دارت بين ابن جحدم ومروان بن الحكم كانوا من جب عميرة هذا، مما يدلُّ على إقامة بعض بني القرناء هناك .. وكان عميرة نفسه من بين هؤلاء الفرسان وقد قتل في تلك المعارك
(6)
.
13 -
بنو الفصال:
يؤخذ من كلام الكندي أنهم من تجيب
(7)
.
منهم العباس بن عبد الرَّحمن صاحب شرطة مصر سنة 155 هـ
(8)
.
14 -
بنو فردم:
بطن من تجيب
(9)
.
(1)
الأنساب ص 380 أ.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
المصدر نفسه ص 448 ب.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
كتاب البلدان ص 129 معجم البلدان ج 3 ص 46 الحطط ج 3 ص هـ 36 الأنساب ص 448 ب.
(7)
الولاة ص 118.
(8)
المصدر نفسه.
(9)
الأنساب ص 423 أ.
منهم أبو الدهمج، رياح بن ذوابة، الذي كان تحرشه هو وآخرين من أشراف العرب بأهل الحرس من أسباب إقدام أولئك على تزوير نسب عربي لأنفسهم (185 - 194 هـ)
(1)
.
نستطيع الآن أن نرى في وضوح إلى حياة تجيب بمصر، أن كثرة عدد بطونها دليل بارز على ضخامة عدد من جاء منها. ولم تكن تجيب متفوقة من حيث العدد فحسب، فإن امتلاكها المقلد وعريض بني حديج، وهما من أشهر سيوف العرب، وامتلاكها الخطار والذعلوق من أشهر خيلهم
(2)
.. كان ذلك يهيئ لها تفوقا من نوع آخر. وكان إعفاء مسلمة بن مخلد إياها من الأمر الذي أصدره سنة 53 هـ إلى القبائل ببناء منار المساجد كلها آية أخرى من آيات تميزها
(3)
. ولكن تفوق هذه القبيلة يظهر في أحسن صورة في تلك الحياة القوية المنتجة الفعَّالة التي ظلت تجيب تمارسها في مصر طوال القرون الثلاثة الأولى. تقابل منها ومن مواليها في تلك الفترة حشدا كبيرًا من الصحابة والتابعين والأمراء والموظفين الكبار والقادة والقضاة والفقهاء والرواة والشعراء والثوار. وشواهد القبور تشير في سخاء إلى كثرتهم بمصر في القرن الثالث
(4)
، مما يدلُّ على أنَّهم أفلحوا في الاحتفاظ ببقائهم على نحو قوي حتى ذلك الحين. ولكن مما يلفت النظر أن مشاهير القرن الثالث هم في الواقع من مواليها.
من الطبيعي إذن أن تتمتع تجيب بالشهرة بين القبائل الأخري، حتى أنَّها كانت قريبة إلى ألسنة الشعراء حين يتحدثون عن مصر. وقد رأينا عمران بن حطان يذكرها وهو يرحب بالخوارج من أهل العراق الذين نفاهم زياد إلى مصر (45 - 53 هـ)
(5)
. وذكرها جميل وهو يتحدث عن بثينة حين سكنت مصر.
مجاورة بمسكنها تجيبا
…
وما هي حين تسأل من مجيب
(6)
(1)
القضاة 397 الأنساب 423 أ.
(2)
فتوح مصر ص 125، 144.
(3)
الولاة 38، 39 الانتصار ج 4 ص 63.
(4)
Rep Chro. I، pp. 126 - 127، 131، 169 - 170، 177، 209، 321، 323، 260، 267، 180 & II، pp. 94، 87، 89، 124، 155 - 156، 170.
(5)
انظر ص 150، 151 من هذا البحث.
(6)
معجم البلدان ج 8 ص 76 - 77.
كما ذكرها عبد الرَّحمن بن الحكم وهو يصف هول المعارك بين أخيه وبين ابن جحدم سنة 65 هـ:
وجاشت لنا الأرض من نحوهم
…
بحيي تجيب ومن غافق
(1)
وقد اتصلت تجيب بالحياة في مصر اتصالا قويا منذ البداية. فهي قد اشتركت بقسط كبير في الفتح. ولما كانت فتنة عثمان سنة 35 هـ لعبت تجيب دورا رئيسيا. فكان منها كِنَانة بن بشر الأيدعي أحد كبار زعماء الفتنة. وكان في زقاق زويلة بالفسطاط المسجد الذي يقال أن تجيب تعاقدت فيه على قتل عثمان
(2)
. ووقف بنو سعد موقفا سلبيا من اعتداء ابن أبي حذيفة جملى ضيفهم سعد بن أبي وقاص. وكان أحدهم (قيس بن سلامة، من بني فهم بن أندى) من أعوان محمد بن أبي بكر (37 - 38 هـ). وفي سنة 65 هـ اشتركت تجيب بحييها كليهما: سعد وعدي، على ما ذكر عبد الرَّحمن بن الحكم في قصيدته، مع ابن جحدم ضد مروان بن الحكم. أما الشراة الذين تآمروا على اغتيال أمير مصر قرة بن شريك بالإسكندرية سنة 91 هـ فكان زعيمهم المهاجر بن أبي المثني وأحدهم، ابن أبي أرطاة، كلاهما من تجيب. ولما قتل الوالي الوليد بن رفاعة وهيبا الشاري سنة 117 هـ ثار القراء عليه وحاربوه يتزعمهم واحد من تجيب هو شريح بن صفوان. وكان من ضحايا هذه الثورة أبو زرعة المحدث مولى تجيب. وفي 129 - 130 هـ بايع ناس منها للثائر الأباضي عبد الله بن يحيى طالب الحق، وكان نصيبهم القتل
(3)
.
ومما لا يتفق مع اتجاهها العام انضمامها إلى السرى بن الحكم سنة 202 هـ ضد الثائرين على المأمون وولي عهده العلوي، ولكنها سرعان ما تخلت عنه
(4)
.
وإلى جانب هذا الاتجاه الثوري نجد اتجاها مدنيا مثله سلمة بن مخزمة الزميلي الذي وقف ضد ابن أبي حذيفة ومقسم بن بجرة الفتيري الذي كان من
(1)
الولاة ص 44.
(2)
الانتصار ج 4 ص 17.
(3)
الولاة ص 92 والخطط ج 4 ص 152، النجوم ج 1 ص 39 - 311.
(4)
الولاة ص 169.
وجوه العثمانيين (35 - 64 هـ). في حين كان زياد بن حناطة الخلاوي (ت 75 هـ) من شيعة بني أمية وكبار موظفيهم. وكان بنو عتاهية السعديون من كبار أتباع الأمويين. بل كان عبد الرحمن بن يحنس قاتل ابن الزبير (73 هـ) من مواليهم.
نفهم من هذا أن تجيب، شأنها شأن معظم القبائل المصرية، ثارت على عثمان متأثرة بدعاية الجماعة التي كان ينتمي إليها ابن أبي حذيفة، والواقع أن الأمر انتهى بأهل مصر جميعًا إلى أن أصبجوا من شيعة علي فيما عدا أنصار عثمان الذين اعتصموا بخربتا
(1)
. ولكن معاوية، زعيم العثمانيين في العالم الإسلامي حينذاك، لَمْ يلبث أن انتزع مصر من سلطان علي سنة 38 هـ وانتقم من أهلها، وقتل ثمانين من تجيب، وبذلك تعادل العلويون والعثمانيون فيها، فكان جندها وأهل شوكتها عثمانية، وكثير من أهلها علوية
(2)
. والأرجح أن تجيب ظلت في معظمها محتفظة بميولها العلوية. وجعلت فكرة الخوارج تتسرب بعد ذلك إلى مصر، ويبدو أن نشاطها اشتد فيما بين 47 - 62 هـ
(3)
. ولم يكن ابن الزبير يظهر ويدعو لنفسه حتى استعلن خوارج مصر المستترون وانضموا إلى ابن الزبير وهم يظنونه من مذهبهم، واشتركت قبائل مصر، ومن بينها تجيب مع ابن جحدم والي مصر من قبل ابن الزبير، ضد مروان بن الحكم. والحق أننا لا نستطيع أن نعين ما إذا كان اتجاه تجيب علويا أو خارجيا حينذاك. فالاتجاهان كلاهما كان بارزا ومتحدا في مقاومة الاتجاه العثماني الذي كان يمثله مروان وعدد من أشراف مصر كان بعضهم من تجيب. وبذلك صار أهل مصر حينذاك ثلاث طوائف متعادلة: علوية وعثمانية وخوارج
(4)
ولكن انتصار مروان أخلى السبيل للعثمانية فغلبت على مصر، وانكفت السنة العلوية والخوارج
(5)
. ويبدو أن تجيب سايرت الوضع الجديد وإن ظل جزء محتفظا بميوله الخارجية ليثور على الدولة بين الحين والحين.
(1)
الخطط ج 4 ص 146 النجوم ج 1 ص 107.
(2)
الولاة ص 28 - 30، الخطط ج 4 ص 51 النجوم ج 1 ص 109 - 111.
(3)
الخطط ج 4 ص 151.
(4)
الولاة ص 40 - 44 الخطط: ج 4 ص - 151 النجوم ج 1 ص 165 - 167.
(5)
الخطط ج 4 ص 152.
كان لتجيب أثرها كذلك في الجانب العلمي من الحياة في مصر، فأسرتان من مواليها - أسرة حرملة بن عمران (القرن الثاني والثالث)، وأسرة سليمان بن برد (القرن الثالث) - حفلتا بالفقهاء والشهود.
كما أنَّها شاركت في الحياة الفنية بشعراء ثلاثة: أبو قبان، سعيد بن شريح، وأبو شبيب.
وهكذا نستطيع أن نجزم بأن تجيب كانت من قبائل مصر البارزة التي أثرت في مجرى الأمور بها وتركت طابعها في كثير من جوانب حياتها.
بهذا تفرغ من القبيلة الأولى من عدي.
2 -
لَخْم
كانت لخم قد انتشرت قبل الإسلام بقرنين فوق الأراضي الواقعة شمالي شبه الجزيرة في الشام وفلسطين والعراق
(1)
؛ ولذلك كانت قبائل منها تقيم، في الوقت الذي سار فيه عمرو إلى مصر، في جبل الحلال الواقع دون العريش من ناحية الشامء ولما مر عمرو بهذا الجبل في طريقه إلى مصر انضم إليه بعض هذه القبائل
(2)
. وهكذا دخلت لخم مصر منذ أول لحظة مع جيش الفتح.
ومن الثابت أن لخما كانت كثيرة العدد، فإن خطتها تبدو في وصف ابن عبد الحكم كبيرة جدًّا. والواقع أنَّها كانت ثلاث خطط و لا واحدة
(3)
. وقد جعلوا يتحركون - اعتمادا على كثرتهم وقوتهم - من خطتهم الأصلية وهي في جبل، متجهين نحو الأرض الخصبة "أرض الحرث والزرع"، مصطدمين في أثناء ذلك بالقبائل الأخرى ويحصب بالذات
(4)
.
(1)
Ency. Isl. IIl، p. II
(2)
فتوح مصر ص 58، معجم البلدان ج 3 ص 309.
(3)
فتوح مصر ص 119؛ الانتصار ج 4 ص 3، حفريات الفسطاط ص 22.
(4)
فتوح مصر 128.
ومما امتازت به لخم أول الأمر أن كان منها نفر من اللفيف
(1)
. وكان لها فرس يقال له "أبلق لخم" من خيول مصر المشهورة
(2)
.
ومن آيات كثرتها أن كانت ترتبع في كور ثلاث: الفيوم وطرابية وفربيط
(3)
. أن قبيلة خشين - من قُضَاعة، من حِمْيَر - ظلت تتبعها في الديوان حتى سنة 102 هـ
(4)
.
وكانت لخم كثيرة الحركة، فقد نزلت طائفة منها هي وجُذام وخشين مناف صان (الكورة التي تحمل عاصمتها اسم صان الحجر الحالي بمركز فاقوس محافظة الشرقية)
(5)
وأبليل (كورة مجاورة لصان وتذكر معها دائما)
(6)
وطرابية. ويبدو أنهم اندمجوا في المصريين، فانقطعت صلتهم بزملائهم العرب، فإنهم "لَمْ يحفظوا"
(7)
. وأقام جانب ضخم منهم بالإسكندرية حيث لعبوا أخطر الأدوار في تاريخها وتاريخ مصر بعامة في أواخر القرن الثاني وأوائل الثالث
(8)
. كما أقام قوم منهم بصعيد مصر بالبر الشرقي
(9)
. وسوف يتضح هذا عند الحديث عن بطون لخم. بل إنهم زحفوا غربًا فأقاموا في جبل برقة الشرقي مع آخرين من أهل اليمن
(10)
.
ظهرت شخصيات لخم على مسرح الحياة بمصر منذ اللحظة الأول، فكان هناك لقيط بن عدي الصحابي من قواد عمرو
(11)
. والقائد عمرو بن قيس الذي قتل "في جمع من النّاس كثيرًا لما نزلت الروم البرلس سنة 53 هـ
(12)
.
(1)
الانتصار ج 4 ص 4.
(2)
فتوح مصر ص 144.
(3)
المصدر نفسه ص 142.
(4)
الولاة ص 71.
(5)
33. Toussoun،p. ، والدليل الجغرافي ح 128.
(6)
معجم البلدان ج 1 ص 91، ج 5 ص 324.
(7)
فتوح مصر ص 142 - 143.
(8)
الولاة ص 153، 162 - 163 وسير الآباء البطاركة: المجلد الأول، ص 542، 544.
(9)
نهاية الأرب ص 232.
(10)
كتاب البلدان ص 132.
(11)
حسن المحاضرة ج 1 ص 96.
(12)
فتوح مصر ص 124، الولاة ص 38.
وكانت لخم علوية الهوى. فكان منها قيس بن حرمل من قادة ابن أبي حذيفة
(1)
. وحمام بن عامر الذي حضر الدار وحكم مصر نيابة عن الأشتر النخعي سنة 37 هـ
(2)
. أما الأكدر ابنه، سيد لخم وشيخها، فقد حضر الدار مع أبيه وقاوم مروان بن الحكم مقاومة عنيفة جعلت مروان يبدأ بالتخلص منه بمجرد فراغه من أمر ابن جحدم سنة 65 هـ
(3)
.
وكان للخم شعراؤها. ومنهم زياد بن قائد من المخضرمين، شهد الفتح وعاش حتى رثى الأكدر
(4)
.
ولما فتح مروان مصر استسلمت لخم وأصبحت - ولا سيما مواليها النصيريين - من أنصار الأمويين. فلما بدأت الدعوة العباسية تهز أركان الدولة الأموية شاركت لخم في إسقاط الأخيرة. فكان أيوب بن برغوث من رؤساء فتنة خلع مروان بمصر (127 - 128 هـ)
(5)
. ووالوا العباسيين، فكان الضحاك بن محمد - أحد أشراف أهل مصر - من أعوان العباسيين وقادتهم (126 - 137 هـ)
(6)
.
ويبدو أن العباسيين قد استحضروا عددًا منهم إلى مصر من فلسطين سنة 169 هـ
(7)
. وظلت لخم طوال ربع القرن المحصور بين أواخر القرن الثاني وأوائل الثالث تلعب دورا ثوريا عنيفا بمصر وبالإسكندرية بالذات التي كانت لخم أعز من في ناحيتها. فقد استولوا (196 - 198 هـ) على الإسكندرية. ولما. نزل الأندلسيون الإسكندرية حالفتهم لخم ثم عادوا فانقلبوا عليهم وحاربوهم سنة 200 هـ. وكان أبو ثور اللخمي زعيم العرب المقيمين في محلة أبي الهيثم من شرقيون (مدينة بحوف مصر
(8)
، يضعها كست في كورة سخا بأسفل الأرض)، واشترك في ثورات
(1)
الولاة ص 19.
(2)
المصدر نفسه ص 26.
(3)
المصدر نفسه ص 26، 43 - 46 حسن المحاضرة ج 1 ص 74 - 75.
(4)
الولاة ص 46 حسن المحاضرة ج 1 ص 86.
(5)
الولاة ص 90.
(6)
المصدر نفسه ص 102، 103.
(7)
الولاة ص 129.
(8)
معجم البدان ج 5 ص 255.
ابن الجروي (205 - 206 هـ) ثم في ثورة أسفل الأرض سنة 216 هـ، التي اشترك فيها اللخميون المقيمون بالإسكندرية كذلك
(1)
. هذا، وقد كان قوم من لخم ثاروا بالحوف سنة 215 هـ فهزمهم والي الحوف
(2)
.
وبالرغم من الطابع العربي الذي ساد لخما ظهر فيها بعض رجال الفكر مثل طليب بن كامل (ت 173 هـ) من أئمة مصر المجتهدين وقد سكن الإسكندرية
(3)
. وطلق بن السمح النفاط (ت 211 هـ بالإسكندرية) محدث ومن رجالي الأسطول المصري، وابنه إبراهيم، روى عن أبيه وكان من رجال الأسطول كذلك
(4)
.
وكما كانت لخم من قبائل مصر القوية كان مواليها كذلك. وكان النصيريون - أولاد موسى بن نصير - أهم هؤلاء الموالي. أما موسى نفسه (97 هـ) فقد أقام بمصر زمنا مع عبد العزيز بن مروان وزيرا له ومشيرا ثم انطلق إلى المغرب يفتتحه
(5)
، بينما ظل أحفاده بمصر يلعبون بها أهم الأدوار. فولى عبد الملك بن مروان خراج مصر، ثم ولي صلاتها سنة 132 هـ
(6)
في تلك الفترة الدقيقة عندما كانت الأمور تتسرب من أيدي الأمويين إلى العباسيين. وولي أخاه معاوية الشرط
(7)
. كما استعان بموسى بن المهند القائد لإخماد ثورة القيسية في الحوف الشرقي سنة 132 هـ ضد الأمويين
(8)
. وقد بلغ هؤلاء النصيريون من الكفاءة والملهارة مبلغا جعل العباسيين يبقون عليهم ويحفظون عليهم مكانتهم الرفيعة في الدولة. على نحو ما فعلوا مع الحديجيين
(9)
. وكان للنصيريين مواليهم شانهم شأن
(1)
الولاة ص 153، 163، 173، 191 والآباء البطاركة الأول: ص 542، 544.
(2)
الولاة ص 189.
(3)
حسن المحاضرة ج 1 ص 121.
(4)
الأنساب ص 565 ب - 566 أ.
(5)
فتوح مصر ص 203 - 204 الولاة ص 47، 52 - 53.
(6)
الولاة ص 92 - 94، 96، 98، 101.
(7)
المصدر نفسه ص 93.
(8)
المصدر نفسه ص 94.
(9)
المصدر نفسه ص 98، 101.
الأشراف أهل الطبقة الأرستقراطية في المجتمع العربي. وكان لموالي النصيريين زقاق باسمهم في الفسطاط
(1)
.
والآن نتحدث عن بطون لخم في مصر.
(1)
راشدة:
من أبرز القبائل التي انضمت إلى جيش عمرو عندما مر بجبل الحلال
(2)
. وشهدت الفتح من أوله طبعًا. واختطت بمصر. ويبدو أن خطتها كانت بظاهر، أي خارج، الفسطاط حيث كان مسجد راشدة المنسوب إليهم
(3)
.
ويبدو أنَّها كانت كثيرة العدد، إذ كان منها في مصر عدد كبير من البطون. وكانت تمثل جانبا كبيرًا من القسم الذي عاش من لخم بالصعيد فقد أقامت بطونها بالبر الشرقي من صعيد مصر فيما بين مسجد موسى وأسكر من عمل أطفيح
(4)
، وهي المنطقة التي كان الأمويون يكثرون من التردد عليها.
وانضمت راشدة، شأنها شأن لخم كلها، إلى علي بن أبي طالب، وحاربت مع محمد بن أبي بكر ضد جيوش معاوية العثمانية. فلما انهزم المصريون في المسناة سنة 38 هـ لجاوا إلى حصن بابليون وولوا أمرهم واحدًا من راشدة (قيس بن عدي بن خيمة)
(5)
.
(ب) بنو القشيب:
يبدو أنهم أقاموا منذ وقت مبكر جدًّا في بركوت من شرقية أرض مصر
(6)
.
(1)
الانتصار ج 4 ص 19.
(2)
فتوح مصر ص 28.
(3)
المصدر نفسه ص 128 ونهاية الأرب ص 315.
(4)
نهاية الأرب ص 40، 188، 190، 215.
(5)
الولاة ص 29 - 30.
(6)
الأنساب ص 75 ب.
وأهم - إن لَمْ يكن كلّ - من عاش منهم بمصر هم رباح بن قصير
(1)
. وذريته الذين كان منهم علي بن رباح (ت 114 هـ) كان من علماء زمانه
(2)
. أما ولده موسى بن علي (ت 163 هـ) فكان من مشاهير أتباع التابعين بمصر إلى جانب كونه من كبار رجال الدولة، وقد حكم مصر (155 - 161 هـ) وكان من سكان الإسكندرية
(3)
. مما يدلُّ على وجود صلة مستمرة بين أهل الصعيد وأهل الإسكندرية من لخم. وكال ابنه عبد الرحمن بن موسى (168 - 186 هـ) من رجال الدولة البارزين في العصر العباسي كذلك
(4)
.
(ج) يشكر:
شهدت فتح مصر. وإليهم ينسب جبل يشكر الذي بني عليه جامع أحمد بن طولون فيما بعد (263 هـ)، لأنهم اختطوا عليه. وكانت خطتهم تلك تقع عند ذاك في الحمراوات الثلاث وهي خطط القبائل من غير الجنس العربي
(5)
.
(د) بنو حدير:
بطن من بني جعد، من لخم.
مساكنهم بالأطفيحية بالبر الشرقي
(6)
.
(هـ) بنو عدي:
مساكنهم بساحل أطفيح كذلك
(7)
.
وننتقل إلى القبيلة التالية من عدي.
(1)
معجم البلدان ج 2 ص 151 الأنساب ص 75 ب.
(2)
فتوح مصر ص 118، الولاة ص 54 حسن المحاضرة ج 1 ص 119 الأنساب ص 553 أ.
(3)
الولاة ص 118 - 120، حسن المحاضرة ج 1 ص 13 الأنساب ص 495 أ، ب.
(4)
الولاة ص 126، 13، 134، 140.
(5)
فتوح مصر ص 161، الانتصار ج 4 ص 5، نهاية الأرب ص 360 الخطط ج 4 ص 35 حفريات الفسطاط ص 12، 22.
(6)
نهاية الأرب ص 192.
(7)
المصدر نفسه ص 291.
3 -
جُذام
كانت جُذام عصبة من البدو يحتلون الصحاري الواقعة فيما بين الحجاز والشام ومصر. وكانوا يرتزقون من إرشاد القوافل في الطرق التجارية التي تربط ما بين جزيرة العرب والشام ومصر.
وأدى اختلاطهم المستمر بالشام ومصر إلى انتشار الأفكار المسيحية بينهم منذ زمن مبكر. وفي السنين الأولى للهجرة نجدهم على رأس المستعربة أو العرب المتنصرة حلفاء البيزنطيين. وكانت مسيحيتهم في كلّ حال سطحية. وكانت علاقاتهم الأولى بالإسلام غير ودية على الإطلاق، ولكنهم أثبتوا بعد إحراز المسلمين النصر النهائي على البيزنطيين أنهم حلفاء مخلصون للعرب، وساعدوهم مساعدة عظيمة في إكمال فتح الشام. وكان نتيجة ذلك أن عوملوا كمهاجرين
(1)
.
وجُذام من قدماء عربان مصر، قدموا مع عمرو بن العاص
(2)
. وهم يتفقون مع لخم في أمور كثيرة بحكم الصلة القديمة القوية بينهما فقد كان نفر منهم معها في خطتها
(3)
. وكان نفر منهم في اللفيف مثلها
(4)
. وكانوا يرتبعون في طرابية وفربيط
(5)
. وهما جزء من مرتبع لخم. وكذلك نزل قوم منهم أكناف صان وأبليل وطرابية مع خشين ولخم فلم يحفظوا
(6)
. ويذكر الكندي أن نفرا منهم اختصموا إلى عبد الله بن سعد أمير مصر فحولهم إلى عثمان بن قيس يقضي بينهم
(7)
. وقد تحركوا من مصر نحو الغرب فاقام بعضهم في جبلي برقة الشرقي والغربي، كما كان بعضهم يسكن العريش
(8)
.
(1)
Ency. Isl. I، p. 1058 - 1059
(2)
نهاية الأرب ص 174 البيان ص 27.
(3)
فتوح مصر ص 119.
(4)
الانتصار ج 4 ص 4.
(5)
فتوح مصر ص 142 - 143.
(6)
المصدر نفسه.
(7)
القضاة ص 302.
(8)
كتاب البلدان ص 118، 132.
ليس لدينا معلومات عن جُذام مصر وقت الفتح وطوال القرن الأول أكثر من تلك ولكن الصلة القوية القديمة بينها وبين لخم تعطينا الحق في أن نفترض أنَّها سلكت نفس الطريق الذي سلكت لخم، بمعنى أنَّها كانت علوية الهوي، اشتركت في التخلص من عثمان وقاومت الأمويين حتى عاد مروان ففتح مصر سنة 65 هـ. ومن المهم أن نلحظ أن روح بن زنباع، زعيم جُذام بفلسطين والشام وأحد كبار رجال الدولة الأموية، كان في جيش مروان الذي غزا به مصر وقتذاك
(1)
. ويبدو أن روحا هذا خلف عددًا من بنيه بمصر كانوا يؤيدون السياسة الأموية بها.
وكانت الصلة قائمة وقوية بين من بفلسطين ومن بمصر من جُذام فلما ثار ابن نعيم الجُذامي على مروان الحمار بفلسطين سنة 127 هـ دعا المصريين إلى مشاركتهم وأرسل إليهم رسولا حرضهم على خلع مروان. فلما فشلت حركته أراد الالتجاء إلى مصر
(2)
. ولما ثار ابن ضبعان الجذامي سنة 137 هـ بفلسطين كذلك يبدو أن الجذاميين بمصر أيدوه فإن العباسيين تتبعوا ذرية روح بن زنباع بمصر حينذاك وأبادوهم
(3)
.
ومنذ أواخر القرن الثاني جعلت جُذام تلعب نفس الدور الثوري الفوضوي الذي لعبته لخم في مصر. فظهر منها (190 - 191 هـ) المنذر بن عابس قاطع الطريق
(4)
. وقاد أحدهم (عثمان بن مستنير) أهل نتوتمي في ثورتهم على الدولة سنة 194 هـ
(5)
. كما اشترك عثمان هذا في مقاومة الدعوة إلى المأمون بمصر سنة 196 هـ
(6)
. وحرضوا عبد العزيز الجروي على أن يجرب حظه في السياسة المصرية ووقفوا وراءه في جميع أدواره العنيفة الماكرة التي مثلها على مسرح الحياة في مصر (191 - 205 هـ)
(7)
. كما اشتركوا في الفتن التي ظلت تضطرم في الإسكندرية منذ
(1)
الولاة ص 43 النجوم ج 1 ص 205.
(2)
الولاة ص 85 - 87.
(3)
المصدر نفسه ص 103 - 105.
(4)
المصدر نفسه ص 143 - 144.
(5)
المصدر نفسه ص 147.
(6)
المصدر نفسه ص 149.
(7)
المصدر نفسه ص 151 - 172 وسير الآباء: مجلد أول، ص 542، 544.
سنة 196 هـ حتى ثورة أسفل الأرض الكبرى سنة 216 هـ
(1)
. ثم عادوا فاشتركوا مع يحيى الجروي في ثورته سنة 218 هـ بسبب قطع العطاء عن العرب
(2)
.
وبالرغم من الطابع العنيف الذي وَسْم حياة جُذام بمصر، ظهر منها بكر بن سوادة (ت 128 هـ)
(3)
وعثمان بن الحكم (ت 163 هـ)
(4)
من أئمة مصر المجتهدين.
أما مواليهم فكان أشهرهم ابن سندر الخصي، قدم مصر سنة 22 هـ، وأقطعه عمر بن الخطاب أرضًا واسعة ودارا
(5)
.
وعاش من جُذام في مصر البطون الآتية:
(أ) جرَي:
ويسمون عرب القاطع كذلك، كانوا يقيمون بالفرما والبقارة والورادة
(6)
.
ظهر منهم بمصر معاوية بن مالك الذي رأس قيسا واليمانية في حلفهم ضد الوالي سنة 168 هـ
(7)
. ولكن لا شك في أن عبد العزيز بن الوزير - ملك الساحل
(8)
- وذريته هم - أهم هذا البطن إن لَمْ يكونوا أهم جُذام جميعًا. وقد ظل عبد العزيز من 191 هـ حتى 205 هـ العامل الرئيسي في السياسة المصرية
(9)
. وظل - ابنه علي حتى 216 هـ يواصل سياسة أبيه
(10)
. وثار أخوه يحيى بن الوزير على الدولة لما قطع العطاء عن العرب سنة 218 هـ. ومن العجيب أن ابنه الحسن بن عبد العزيز (ت 257 هـ) كان من حفاظ الحديث ونقاده، كما كان من أهل الورع
(1)
الولاة ص 151 - 172 وسير الآباء ج 1 ص 542 - 544.
(2)
الولاة ص 194.
(3)
حسن المحاضرة ج 1 ص 119 السمعاني: الأنساب. ص 125 أ.
(4)
حسن المحاضرة ج 1 ص 121.
(5)
فتوح مصر ص 137 - 138 الخطط ج 3 ص 222 - 223.
(6)
الخطط ج 1 ص 212 والسمعاني ص 128 ب النجوم ج 2 ص 223.
(7)
الولاة ص 125.
(8)
الانتصار ج 5 ص 82.
(9)
الولاة ص 143 - 172 وسير الآباء - مجلد أول ص 542، 569 - 573.
(10)
الولاة ص 169، 172 - 180، 189 - 190.
والفقر والعبادة
(1)
. ومن أهم شخصيات جري، عبد السلام بن أبي الماضي الذي ظل يتزعم ثورات اليمانية من أهل الخوف طوال سنة 214
(2)
.
(ب) سعد:
في جُذام خمس سعود
(3)
. ولسنا نستطيع تحديد من أقام منها بمصر، وإن كان المقريزي
(4)
. يذكر أنَّها كلها اختطت بمصر، ولكنه يتحدث عن وقت متأخر.
وفي كلّ حال شهدت سعد جُذام فتح مصر، وكانت ترتبع في بسطة وفربيط وطرابية
(5)
، أي في المرتبع العام للخم وجذام.
وظلت سعد محتفظة ببقائها في مصر منذ الفتح حتى اشتركت في الأدوار التي قامت بها جُذام ممثلة في الجروين، وسجل الشعراء ذلك
(6)
. وكان ابن غصين السعدي من قواد علي بن عبد العزيز الجروي سنة 210 هـ
(7)
.
(ب) وائل:
حضروا الفتح، واختطوا بمصر
(8)
. وقد نزل الفرس بناحيتهم
(9)
وكانوا يرتبعون مع سعد في مرتبعها
(10)
.
ويبدو أنَّها اشتركت في فتنة خلع مروان بمصر (127 - 128 هـ) فقد كان أحد أفرادها (محمود - أو عمرو - بن سليط) من رؤسائها ووجوهها
(11)
. كما كان معروف بن سليط، من رواة القرن الثاني، منها
(12)
.
(1)
حسن المحاضرة ج 1 ص 146.
(2)
الولاة ص 186 - 189.
(3)
البيان ص 26.
(4)
المصدر نفسه.
(5)
فتوح مصر ص 142.
(6)
الولاة ص 177، 179.
(7)
المصدر نفسه ص 179.
(8)
فتوح مصر ص 128 الانتصار ج 4 ص 4.
(9)
فتوح مصر ص 129.
(10)
المصدر نفسه ص 578 أ.
(11)
الولاة ص 90.
(12)
الأنساب ص 578 أ.
يؤخذ من كلام المؤرخين أن لخما فنيت في جُذام بحيث أصبحتا شيئًا واحدًا يطلق عليه اسم جُذام فقط
(1)
. والواقع أننا نلحظ في مصر الاشتراك التام بين القبيلتين ولكن في حورة عكسية تستقل فيها لخم بالكثرة والسيطرة والزعامة، مع ملاحظة أن هذا الاشتراك لَمْ يلغ شخصية أي منهما إلى الحد الذي تفنى عنده في صاحبتها. ويذكر المؤرخون كذلك أن القبيلتين قد كانتا في صف معاوية بما. هما من قبائل الشام
(2)
. وفي مصر لا يستقيم هذا القول على علاته. فقد رأينا أن لخما ظلت علوية الهوى حتى مجيء مروان على الأقل. ثم رأينا القبيلتين كلتيهما تعملان على إسقاط الدولة الأموية، وإن كان يبدو أنهما آثرتا الهدوء طوال العهد المرواني، ونستطيع الآن بعد معرفتنا لأماكن ارتباع لخم وجذام والمنطقة التي أقام فيها بعضهم إقامة دائمة أن ندرك أنهم كانوا من أحل الحوف، وأنهم هم اليمانية الذين يعنيهم المؤرخون حين يتحدثون عن يمانية أهل الحوف وتحالفهم مع قيس.
بذلك ننتهي من قبائل عدي جميعًا التي تمثل الفرع الأول من مُرّة، وننتقل إلى الفرع الثاني:
(ب) مالك
تنقسم إلى قبيلتين كبيرتين هما:
1 -
المعافر
المعافر
قبيلة كبيرة قوية. ويبدو أنهم كانوا يقيمون من اليمن في مكان ممتاز وكانوا أهل جد ونجدة، فكانوا أقوياء منأضلين مثلما كانوا مهرة ينتجون الثياب المعافرية التي اشتهروا بها
(3)
.
شهدوا فتح مصر، واختطوا إلى جنب عمرو بن العاص حول الجامع، فآذاهم البعوض زمن الفيضان، نقلهم عمرو إلى الجبل المشرف على البركة التي
(1)
Ency. Isl. 1، p. 1058 & III، pp. 11 - 12
(2)
Ibid، I. p. 1059 & III، p. 11
(3)
فتوح مصر ص 303 معجم البلداد ج 7 ص 402 ج 8 ص 92 وفيات الأعيان ج 1 ص 365 نهاية الأرب ص 341.
أطلق اسمهم عليها. وبذلك أصبحوا في موقع ممتاز يشبه في ارتفاعه مسكنهم القديم باليمن، كما أصبحوا يشرفون على قبائل مصر - وفيها قريش - التي كانت تسكن تحت أقدامهم حول الجامع. ولكنهم لَمْ يكونوا وحدهم في مسكنهم هذا في كلّ حال، فقد كان معهم قبائل من حِمْيَر
(1)
.
كانوا يتحركون سنويا إلى مرتبعهم في أتريب، وسخا (كورة عاصمتها هي مدينة سخا الحالية بكفر الشيخ)
(2)
، ومنوف
(3)
. ولكن يبدو أن جانبا منهم أقام بالإسكندرية
(4)
، يؤيد هذا كثرة من سنقابل منهم بها بعد لحظات.
وليس تعدد مرتبعات المعافر هو الدليل الوحيد على كبر عددها، فقد ذكر القضاعي أنَّها كانت في حرب ابن جحدم ضد مروان 64 - 65 هـ "أكثر قبائل أهل مصر عددًا، كانوا عشرين ألفًا"
(5)
. ومع ما في هذا الرقم من مبالغة واضحة فإنه يصور ضخامة هذه القبيلة في مصر.
ولا تكاد المعافر تظهر في عصر الفتح حيث لا نصادف منها سوى عبيد بن عمرو الصحابي الذي شهد الفتح، ويقال أنه أول من أقرأ - أو قرأ - القرآن بمصر
(6)
. وعامر - رجل نكرة - كان أول من دفن بالقرافة
(7)
.
ويبدأ ظهور المعافر الفعلي في الحياة العامة في حركة ابن جحدم التي اشتركوا فيها اشتراكا يدلُّ على أهمية الرقم الذي ذكرناه منذ لحظة، إلى جانب الصورة القوية التي سجلها عبد الرَّحمن بن الحكم في قوله:
وسدت معافر أفق البلاد
…
بمرعد جيش لها مبرق
(8)
(1)
فتوح مصر ص 126 - 127.
(2)
Amé p. 410 & Toussoun، p. 32
(3)
فتوح مصر ص 142.
(4)
المصدر نفسه ص 127.
(5)
الخطط ج 4 ص 340.
(6)
الخطط ج 4 ص 143 حسن المحاضرة ج 1 ص 92.
(7)
الخطط ج 4 ص 318.
(8)
الولاة ص 44.
وهذا الاشتراك دليل على ميولهم المعادية للأمويين، ويعطينا الحق في اعتبارهم إما علويين في ما خوارج. وهم على كلّ حال قد حملوا نصيبا ضخما من هذا الصراع، وقتل منهم جمع كبير، ولذلك فإنه من العجيب أن يكون أحدهم (عبد الرَّحمن بن موهب) من بين الأشراف الذين قاموا في الصلح بين أهل مصر وبين مروان
(1)
.
ولكن جزءًا من القبيلة رفض ذلك الصلح، فقد اضطر مروان إلى قتل ثمانين رجلًا منها أبوا أن يخلعوا بيعة ابن الزبير ليبابحموه هو
(2)
. ومما له أهميته ما يقال من أن مروان إنما قتلهم لأنهم رفضوا إعلافي البراءة من علي
(3)
. وسوف نرى بعد قليل ما يشير إلى ميول المعافر العلوية.
وكما لفتت المعافر الأنظار بهذه الحوادث في القرن الأول عادت فلفتتها في القرن الثاني (سنة 117 هـ) عندما تحدث الخليفة نفسه إذ رفضت استعمال المدى الذي أراد توحيد المكيال به في بلاد خلافته، مؤثرة عليه المكيال المحلي من الويبة والأردب
(4)
. وقد أثبتوا بهذا السلوك أنهم ظلوا على ما اشتهروا "مشاقين للملوك، لقاحا، لا يدينون لأحد"
(5)
. وقد افتخر شاعرهم بتعصب قومه وتمردهم على الخليفة.
من بعد ما ذلت له
…
أعناق يعرب بل مُضَر
(6)
تعطينا هذه الحوادث الحق في أن نحكم على المعافر بأنها ظلت تعادي الأمويين طوال حكمهم. ولكن يبدو أن جزءًا منها كان خارجا على هذه السياسة. ومن هذا الجزء عبد الرَّحمن بن وهب الذي سبق ذكره، ويزيد ابن أبي أمية الرجل الوحيد الذي خالف إجماع أهل مصر على خلع مروان بن محمد لما دعاهم إلى
(1)
الولاة ص 45.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
الخطط ج 4 ص 321.
(4)
الولاة ص 78 - 79.
(5)
معجم البلدان ج 7 ص 403.
(6)
الولاة ص 79.
ذلك الثوار اليمانيون سنة 127 هـ
(1)
، وعبد الرَّحمن بن عتبة الذي أخمد ثورة يحنس القبطي بسمنود سنة 132 هـ ثم ثورة أبي مينا بها كذلك سنة 135 هـ
(2)
.
ولسنا نعرف موقف المعافر في حركة التسويد بمصر، ولكننا نعرف أنهم ظلوا محتفظين بميولهم العلوية، فإن أحدهم (عامة بن عمرو) استقبل في منزله علي بن محمد بن عبد الله أول علوي قدم مصر سنة 144 هـ يدعو لبني الحسن، وزوجه ابنته وأخفاه عنده لما فشلت حركته. وحبس عسامة لهذا السبب، ثم عفا عنه المهدي، وأصبح حتى مات سنة 176 هـ من كبار رجال الدولة
(3)
: ومما يدلُّ على قوة المعافر الحربية والسياسية من جهة وعلى ميولهم العلورة من جهة أخرى أن أمير مصر اطمأن لما عرف أن أبا حزن المعافري لَمْ ينضم إلى الحركة العلوية التي ظهرت سنة
(4)
. وفي ثورة المدلجي (252 - 253 هـ) انضم ابن عسامة المعافري إلى ابن الأرقط العلوي في محاربة قوات الدولة، ولكنه استسلم ولبس السواد لما فشلت الثورة
(5)
.
ومع هذا ظهر من المعافر عدد من رجال الدولة في العصر العباسي منهم، بكار بن عمرو الذي قتل وهو يحارب دحية بن مصعب سنة 168 هـ
(6)
. ومحمد بن عسامة الذي ولي الشرط لأربعة من أمراء مصر (190 - 201 هـ)
(7)
. وأبو بكر بن جنادة الذي ولي الإسكندرية سنة 199 هـ وولي الشرط سنة 201 هـ
(8)
، وغيرهم.
بل ظهر من المعافر نفر من العلماء منهم بكار بن عمرو الذي سبق ذكره وسعيد بن عبد الله بن أسعد من كبار أصحاب مالك (ت 173 هـ
(1)
المصدر نفسه ص 85، 86، 90.
(2)
المصدر نفسه ص 94، 102.
(3)
الولاة ص 111، 115، 121، 122 وغيرها. معجم البلدان ج 6 ص 66 - 67.
(4)
الولاة ص 113.
(5)
الولاة ص 206 - 207.
(6)
المصدر نفسه ص 126، 128 حسن المحاضرة ج 1 ص 108.
(7)
المصدر نفسه ص 142، 152، 154، 161، 167.
(8)
المصدر نفسه ص 158، 161، 166، 167.
بالإسكندرية
(1)
. وعبد الله بن يحيى من صغار أتباع التابعين بمصر (ت 212 هـ)
(2)
. وضمام بن إسماعيل من مشاهير محدثي مصر (ت 185 هـ الإسكندرية)
(3)
.
ظلت المعافر حية بمصر إذن طوال الفترة التي ندرس. ومن الواضح أن نشاطها كان يزداد بتقدم الزمن، فالواقع أن العصر العباسي بخاصة كان المسرح الذي لعبت عليه شخصياتها المختلفة في الحياة المصرية. وكان الولاة يترضونها. فقد بنى أمير مصر لهم فسقية خاصة بهم (حوالي 146 هـ) لما شكوا إليه بعد الماء عنهم
(4)
. ثم حفر ابن طولون عينا كانت تمر بأرضهم كذلك ذكرها سعيد القاص وهو يبكي الدولة الطولونية بقوله:
يمر على أرض المعافر كلها
…
وشعبان والأخمور والحي من بشر
قبائل لا نوء السماء يمدها
…
ولا النيل يرويها ولا جدول يجري
(5)
وشواهد القبور وأوراق البردي تسجل وجودهم في مصر في القرنين الثاني والثالث
(6)
.
وهذه بطون المعافر في مصر:
(أ) بنو موهب:
اختطوا في المعافر
(7)
. منهم عمارة بن الحكم المحدث (247 هـ) من أهل الإسكندرية
(8)
.
(1)
حسن المحاضرة ج 1 ص 190.
(2)
معجم البلدان ج 1 ص 261 السمعاني ص 535 أ حسن المحاضرة ج 1 ص 113.
(3)
الأنساب ص 76 أ حسن المحاضرة ج 1 ص 115.
(4)
الولاة ص 115.
(5)
المصدر نفسه ص 255 - 260.
(6)
Rep. Chro. I، pp. 58 - 117 & II. pp. 64 - 65 & Ar. Pap. III
(7)
فتوح مصر ص 126 - 180.
(8)
الأنساب ص 545 أ.
(ب) - بنو كاسر المدى:
كاسر المدى هو عبد الرَّحمن بن حيويل بن ناشرة أطلق عليه هذا اللقب لما كسر مدى هشام سنة 117 هـ وصار نسبًا لبنيه
(1)
.
أما والده حيويل فهو من رجال الفتح، كان ممن وكل إليهم عمرو بن العاص تقسيم الخطط سنة 21 هـ
(2)
. وكان مُرّة بن عبد الرَّحمن (ت 157 هـ) عن محدثي مصر
(3)
.
(ج) بنو خليف:
منهم صل بن عوف أحد أشراف أهل مصر في وفد عتبة بن أبي سفيان على أخيه معاوية سنة 43 هـ
(4)
.
(د) شعبان:
كانت تمر بها العين التي تسقي المعافر
(5)
.
منها شعبة شهد فتح مصر
(6)
. وسعيد بن يعقوب ولي الحرس والأعوان لعبد العزيز بن مروان
(7)
. وعبد الرَّحمن بن زياد المحدث (ت 156 هـ)
(8)
.
(هـ) بشر:
هي القبيلة المذكورة في شعر سعيد القاص
(9)
. ولعلها من المعافر.
(1)
الولاة ص 78 - 79.
(2)
فتوح مصر ص 188 الولاة ص 12 الانتصار ج 4 ص 3.
(3)
الأنساب ص 535 أ.
(4)
الولاة ص 36.
(5)
المصدر نفسه 225 - 256.
(6)
الأنساب ص 334 أ.
(7)
الولاة ص 53.
(8)
الأنساب ص 46 ب، ص 234 أ.
(9)
الولاة ص 255 - 256.
(و) القرافة:
بطن من المعافر، أطلق اسمهم على موضعين نزلوا بهما: الأول بالإسكندرية، والثاني بالقاهرة وهو الذي أصبح المقبرة المشهورة
(1)
.
منهم علقمة بن عاصم المحدث (القرن الثاني)، وأبو دجانة (ت 199 هـ) محدث كذلك
(2)
.
(ز) بنو سريع:
كان لهم مسجد في القرافة يقال له المسجد العتيق
(3)
. أشهرهم أبو قبيل (ت 128 هـ) من أئمة مصر المجتهدين
(4)
.
(ح) الأخمور:
كانت في خطة المعافر، وكان عندها كوم الزينة
(5)
. وذكرها سعيد القاص في الشعر الذي سبق
(6)
.
لَمْ يبق منهم سوى زيد بن شعيب بن كليب
(7)
.
(ط) الأعموق:
كان منها بطن يقال له: لبوان، منهم عقبة بن نافع المحدث (ت 196 هـ) بالإسكندرية
(8)
.
(ي) الأهجور:
كان لهم مسجد في خطة المعافر.
(1)
الخطط ج 4 ص 318، 319، 321 الأنساب 445 ب النجوم ج 1 ص 26 القاموس: مادة القرف.
(2)
الأنساب ص 445 ب معجم البلدان ج 7 ص 43 - 44.
(3)
الخطط ج 4 ص 332.
(4)
الولاة ص 83، 164 الأنساب ص 297 ب، 535 أ حسن المحاضرة ج 1 ص 119.
(5)
الانتصار ج 4 ص 53.
(6)
الولاة ص 255 - 256.
(7)
الأنساب ص 22 أ، 186 ب.
(8)
الأنساب ص 45، 494.
منهم أبو الفرج بهد بن منصور (148 هـ) كان يحدث في مسجد الأهجور
(1)
.
(ك) ثوجم:
منهم عمرو بن مُرّة، من أهل مصر، من رجال القرن الأول
(2)
.
(ل) فوى:
منهم سفيان بن هانئ بن خير
(3)
.
(م) بنو كمونة:
جرت دعوتهم في المعافر، فلعلهم منهم.
منهم علي بن الحسن الكموني (ت 298 هـ)
(4)
.
وننتقل إلى القبيلة الثانية من مالك:
2 -
خولان
امتازت بلادهم في اليمن بالعمران وكثرة الحبوب. وكانت صعدة، أكبر مدنهم، مركزا مهما للدباغة في الجاهلية، واعتنقوا الإسلام سنة 10 هـ، وعدَّهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في خير القبائل، ولكنهم ارتدوا ثم أعادهم أبو بكر إلى الإسلام
(5)
. وقد افترقت خولان في الفتوحات
(6)
. فنزل كثير منهم الشام
(7)
، ولعب آخرون منهم دورًا مهما بين العرب الجنوبيين الذين اشتركوا في فتح مصر وأقاموا فيها
(8)
.
(1)
المصدر نفسه ص 53 ب.
(2)
الأنساب ص 117 أ.
(3)
المصدر نفسه ص 434 أ.
(4)
المصدر نفسه ص 487 أ.
(5)
معجم البلدان ج 7 ص 405 - 406 فتوح مصر ص 128، Ency، Isl. II، p. 933
(6)
نهاية الأرب ص 208.
(7)
وفيات الأعيان ج 1 ص 55 الأنساب ص 212 ب.
(8)
Ency، Isl. II، p. 933
فهم في مصر منذ الفتح، واختطوا بالفسطاط وكانوا يرتبعون في قرى إهناس، والبهنسا، والقيس
(1)
. (هي نفس القيس الحالية في مركز بني مزار محافظة المنيا، وكانت فيما مضى جزءًا من إقليم البهنسا)
(2)
. وهم أصحاب مصلى خولان الشهيرة
(3)
. وكانوا كثيرين بمصر. وعلى شواهد القبور أسماء عدد ضخم منهم من القرن الثالث بخاصة
(4)
. كما أنهم مذكورون بكثرة في أوراق البردي
(5)
.
وعمرو بن قحزم وذريته ممن اشتهر من الخولانيين في مصر. أما عمرو نفسه فمن أهل الفتح، وأحد من أشرفوا على تخطيط الفسطاط، وكان من وجوه شيعة عثمان الذين اعتزلوا ابن أبي حذيفة سنة 35 هـ
(6)
. وكان ابنه عبد الرَّحمن من رجال الدولة في العهد المرواني
(7)
. ولما قامت الدولة العباسية كانوا من رجالها كذلك. فكان عكرمة بن عبد الله بن عمرو يلي الشرط ويستخلفه الأمراء (133 - 141 هـ)
(8)
. وفي فتنة الأمين والمأمون وقفوا ضد العنصر العربي فكان زرعة بن معاوية بن عبد الرَّحمن وابنه الحارث ممن دعوا إلى خلع الأمين سنة 195 هـ
(9)
.
ومن غير آل عمرو بن قحزم نجد من خولان في مصر أروى بنت راشد إحدى زوجتي مسلمة بن مخلد أمير مصر (47 - 62 هـ) وقد شفعت في قومها عنده لما أمر القبائل ببناء المنار في جميع المساجد سنة 53 هـ فاستثناهم مسلمة
(10)
. وكان عبد الرَّحمن بن حجيرة (69 - 83 هـ) من أفقه النّاس، جمع له القضاء
(1)
فتوح مصر ص 125، 142.
(2)
397 Ame.p. الدليل الجغرافي ص 295.
(3)
الخطط ج 1 ص 234.
(4)
Rep. Chro. I، pp. 59، 72، 86، 89، 123، 168، 170، 198 - 199، 228، 248،278،285،288،301&
& II. pp. 54، 6 A، 80، 114، 129، 162 - 163، 203 - 204، 211 ، 212
(5)
Ar. pap. II، p. 181 .
(6)
فتوح مصر. ص 123، 124 الولاة ص 15 الانتصار ج 4 ص 3.
(7)
الولاة ص 59 القضاة ص 326.
(8)
الولاة ص 93، 101، 102، 106، 107.
(9)
المصدر نفسه ص 148.
(10)
فتوح مصر ص 121 الولاة ص 38، 54 الانتصار ج 4 ص 13.
والقصص وبيت المال
(1)
. وكان ابنه عبد الله قاضيًا لمصر كأبيه (90 - 98 هـ)
(2)
. وكان مالك بن شراحيل (ت 85 هـ) من أهم رجال الدولة بمصر، فكان يقود بعث البحر الذي سيّره عبد العزيز بن مروان من مصر إلى مكة سنة 72 هـ لقتال ابن الزبير، ثم ولي القضاء سنة 83 هـ. وكان الحجاج بن يوسف يبعث في كُلّ سنة إليه بحلة وثلاثة آلاف درهم
(3)
.
وكما حفلت خولان بالقادة والقضاة ورجال الدولة ظهر فيها الشعراء. منهم مسرور الخولاني الذي رثى حفص بن الوليد ورجاء بن الأشيم لما قتلهما الحوثرة بن سهيل سنة 128 هـ
(4)
. ويحيى الخولاني كان متخصصًا في الهجاء، ومن الدعاة إلى العصبية العربية
(5)
. ويبدو أن خولان كانت تتمتع بموهبة الشعر، فمنها رجل لَمْ يعن التاريخ بتسجيل اسمه قام بالرد على شاعر يدعى ابن جذل الطعان عرض بخولان في شعر له
(6)
. وحتى في القرن الثالث كانت هذه الموهبة لا تزال حية لديهم فعندما مات أحد الأطفال غرقا سنة 259 هـ أبى أبواه إلَّا أن يسجلا رثاءهما إياه على شاهد قبره شعرًا
(7)
.
وقد رأينا أن خولان كانت ترتبع بالصعيد، ويبدو أنَّها أقامت هناك فقد ظهر من مواليها عمران بن أيوب السمسطائى (ت 304 هـ) ينسب إلى سمسطا وهي قرية من قرى صعيد مصر الأدنى
(8)
(والأرجح أنَّها سمسطا الحالية مركز ببا محافظة بني سويف)
(9)
. أما إنصنا (الشيخ عبادة حاليًا، مركز ملوي، محافظة المنيا)
(10)
. فقد خرج منها جماعة من أهل العلم كان منهم: علي بن عبد الله بن محمد بن
(1)
فتوح مصر ص 235 القضاة ص 214 - 219.
(2)
القضاة ص 331 - 333.
(3)
الولاة ص 51 القضاة ص 320 - 322 حسن المحاضرة ج 1 ص 118.
(4)
الولاة ص 91.
(5)
القضاة ص 396، 399، 400 - 403، 412 - 415.
(6)
فتوح مصر ص 125 - 126.
(7)
Rep.Chro.II.PP.162.163
(8)
الأنساب ص 307 ب.
(9)
الدليل الجغرافي ح 276.
(10)
Ame.P.51
حيون (ت 287 هـ) والحسين بن أحمد بن حيون (ت 298 هـ) وهما من موالي خولان
(1)
.
وكان لخولان بطون في مصر هي:
(أ) الجديدة:
هم ولد رزاح بن مالك بن خولان
(2)
. يبدو أنهم شهدوا الفتح. وقد ظلوا محتفظين ببقائهم في مصر حتى عهد السمعاني صاحب الأنساب. ومن المهم ملاحظة أنهم ينسبون إلى هذه القبيلة بقولهم: الجدادي
(3)
.
ظهر منهم بمصر عبد الله بن الأسد ممن شهد الفتح
(4)
. ولكن يبدو أن آل عاصم بن العلاء هم أهمهم. أما عاصم نفسه (ت 17 هـ) فكان على قصص مصر سنة 174 هـ
(5)
. وكان الليث ابنه إمام جامع مصر زمن الرشيد (170 - 194 هـ)
(6)
. وتولى أخوه العلاء بن عاصم إمامة جامع مصر كذلك، وكان من أشراف مصر الذين سعوا حتى ألغوا أنساب أهل الحرس العربية المزورة (194 - 196 هـ)
(7)
. وكان رازح بن رحب (ت 230 هـ) يروى عن عمه عاصم بن العلاء
(8)
.
(ب) سعد:
هم سعد خولان
(9)
.
(1)
السمعاني ص 51 أ.
(2)
هو رازح في القاموس المحيط مادة: رزح.
(3)
الأنساب ص 123 ب.
(4)
المصدر نفسه.
(5)
القضاة ص 384 الأنساب ص 123 ب.
(6)
حسن المحاضرة ج 1 ص 115.
(7)
القضاة ص 413 حسن المحاضرة ج 2 ص 136.
(8)
السمعاني ص 123 ب.
(9)
السمعاني ص 298 أ.
ظهر منهم عبيد الله بن سعيد، كان من وجوه أهل مصر في عهد عبد العزيز بن مروان
(1)
.
وكان من مواليهم عمر بن أبي مدرك البربري (ت 127 هـ) من الرواة ومن موظفي حكومة عبد العزيز بن مروان
(2)
. وبحر بن نصر بن سابق (180 - 267 هـ) من رواة مصر
(3)
.
(ج) بنو عبد الله:
بطن من خولان، والنسبة إليه: العبدلي
(4)
. ويبدو أنهم أقاموا في الصعيد وفي بركوت - قرية من كورة الشرقية - بالذات.
بقي لنا منهم ذكر علي بن محمد بن عبد الرَّحمن المحدث (ت 329 هـ)
(5)
.
(د) بنو جعل:
يبدو أنهم شهدوا الفتح، فلهم مكان معروف باسمهم في الفسطاط عده ابن دقماق من الأماكن المهمة
(6)
.
منهم حيي الخولاني، يروي عن أبي ذر فهو من أهل الفتح
(7)
، وكان مَعْد ابنه يروي عنه
(8)
. واحتفظت شواهد القبور باسم واحد منهم توفي بالفسطاط سنة 200 هـ
(9)
، مما يدلُّ على استمرارهم بمصر حتى ذلك الوقت.
(1)
القضاة ص 326.
(2)
الأنساب ص 69 ب، 71 ب.
(3)
المصدر نفسه: ص 298 ب وطبقات الشافعية ج 1 ص 247 - 248.
(4)
الأنساب ص 380 ب.
(5)
معجم البلدان ج 2 ص 151 الأنساب ص 75 ب، 380 ب.
(6)
الانتصار ج 4 ص 35.
(7)
الأنساب ص 132 أ.
(8)
المصدر نفسه.
(9)
Rep. Chro. I. p. 85
(هـ) الأديم:
ظهر منهم أبو سعيد بن عبد العزيز (ت 288 هـ)، كان أفقه أهل مصر في أيامه
(1)
.
ومن مواليهم عبد الله بن أبي رفاعة (ت 200 هـ بالإسكندرية) من محدثي الإسكندرية
(2)
.
(و) الحيا:
بطن من خولان
(3)
.
بقي لنا منهم ذكر رائم بن ثعلبة، ويبدو أن نسبه كان موضع مناقشة
(4)
.
(ز) حدس:
هو بطن من خولان، وقد قيل بطن من لخم
(5)
.
منه إبراهيم بن أحمد بن أسد المحدث
(6)
.
نستطيع بعد هذا أن نلخص السمات البارزة لقبيلة خولان بمصر في أنَّها كانت كثيرة العدد، وظلت محتفظة ببقائها طوال الفترة التي ندرس، وتحركت إلى الصعيد الأدنى وأقامت به، وكانت ميولها أموية، كما كانت في جملتها تميل إلى السلم وتتجه اتجاها مدنيا. ويبدو أن هذا الاتجاه من الخصائص الأصلية في خولان فمثلما ظهر جماعة من الزهاد والعلماء ممن نزل منها الشام
(7)
. ظهر منها بمصر جماعة من القضاة والعلماء، كما رأينا.
(1)
الأنساب 23 ب.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
الأنساب ص 182 أ.
(4)
فتوح مصر ص 125.
(5)
السمعاني ص 159 ب.
(6)
المصدر نفسه.
(7)
المصدر نفسه ص 213 ب.
ومن المهم أن نلحظ ميل خولان إلى الشعر كذلك. ولا شك في أن ميول خولان المدنية تعود إلى حياتها الأولى قبل الإسلام في اليمن إذ كانت تعرف الاستقرار والزراعة والصناعة، كما قلنا من قبل.
بذلك تفرغ من مالك، فنفرغ أيضًا من مُرّة الفوع الأول الكبير من قبائل عريب وننتقل إلى الفرع الكبير الثاني.
مَذْحِج
كانت مَذْحِج في حرب مع عامر بن صعصعة حوالي الوقت الذي ظهر فيه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وانتقل جانب منها إلى الكوفة حيث كانت أسر منها ذات سيطرة مع أسر كندة وهمدان
(1)
.
أما بالنسبة إلى مصر فمذحج من قبائل الفتح. واختطت بين خولان وتجيب
(2)
، ويبدو أنَّها لعبت دورا خطيرا في السياسة المصرية. فكانت ميولها علوية، وكان منها الأشتر النخعي أمير مصر لعلي، الذي سُمّ عند جسر القلزم في أول رجب سنة 37 هـ قبل أن يدخل مصر
(3)
. كما كان منها حجر بن الحارث بن قيس، الذي كان علويا أول الأمر شهد صفين مع علي، ثم صار من الخوارج وحضر مع الحرورية النهروان، ثم خرج وصار إلى مصر برأي الخوارج، وكان أول من قدمها برأيهم وظل فيها حتى خرج منها إلى ابن الزبير في إمارة مسلمة بن مخلد على مصر (47 - 62 هـ)
(4)
. وأغلب الظن أن حجرًا هذا جعل ينشر مبادئ الخوارج بين المصريين طوال إقامته بينهم، وأنه كان يفعل ذلك في الخفاء، وأن المصريين أقبلوا على دعوته تلك إقبالا شديدًا. وكانت قبيلته ممن اعتنق مبادئه، فإنها اشتركت مع ابن جحدم ضد مروان بن الحكم، وسجل عبد الرَّحمن بن الحكم ذلك لها في قوله:
وأحياء مَذْحِج والأشعرين
…
وحِمْيَر كاللهب المحرق
(5)
ونتحدث الآن عن القبائل التي مثلت مَذْحِج في مصر.
(1)
فتوح مصر ص 126 الأنساب ص 517، 82. Ency.IsI.I،P
(2)
فتوح مصر ص 126 الانتصار ج 4 ص 4.
(3)
الولاة ص 23 - 25.
(4)
الخطط ج 4 ص 151.
(5)
الولاة ص 44.
(أ) مراد
احتفظت مراد دائما بطابع بدوي نموذجي بالرغم من أنَّها كانت تجاور حضارة جنوبي الجزيرة. ويبدو أن بلادهم الجرداء المجدبة كانت مسئولة عن سمعتهم السيئة وكونهم قطاع طرق. وفي نفس العام الذي وقعت فيه غزوة بدر (سنة 3 هـ) تكبدت مراد على يد همدان هزيمة ساحقة أصابتها بالضعف الشديد. واشتركت مراد في حركة الردة ولكن أبا بكو هزمهم وعفا عن زعيمهم فلعبوا دورهم في الفتوح ببسالة. وخرج من مراد خلق كثير، ولكن الجزء الأكبر منهم أقام في الكوفة حيث ظهر منهم عبد الرَّحمن بن ملجم، قاتل علي بن أبي طالب
(1)
.
واشتركت مراد في فتح مصر. واختطت بها. وكانت تأخذ مرتبعها في منف والفيوم. كما كانت طائفة منهم ترتبع مع تجيب البدقون (في محافظة البحيرة حاليًا)
(2)
. ويبدو أن عددًا كبيرًا منهم قد انتقل إلى أتريب حيث كان يقيم في منتصف القرن الثاني
(3)
.
وبرزت مراد في مصر بوجه خاص عندما حاربت قبيلة يحصب لما اختلفتا بسبب سباق أجري بين فرسين لهما (183 - 187 هـ)
(4)
.
ولا شك في أنهم كانوا كثيرين في مصر، فعلى شواهد القبور أسماء طائفة من القرنين الثاني والثالث
(5)
، كما أن النسبة "المرادي" كثيرة الاستعمال في أوراق البردي
(6)
.
ومن الطبيعي أن تظهر شخصيات مراد منذ اللحظات الأولي، فهناك شراحيل بن حجية الذي نصب سلمًا. آخر على حصن بابليون غير سلم الزبير بن
(1)
وفيات الأعيان ج 1 ص 230، Ency.IsI.III،P.726
(2)
فتوح مصر ص 142،126.
(3)
القضاة ص 365.
(4)
القضاة ص 402.
(5)
Rép. Chro. I، pp. 51، 73 - 74، 127 - 128، 134 - 135 & II. pp. 48 - 49، 62، 144، 237
(6)
أوراق البردي ج 1 ص 110.
العوام
(1)
، وسالم بن عامر أول من عُرِّف على المؤذنين بجامع عمرو، وكان الأذان في ولده حتى انقرضوا
(2)
. وشرحبيل بن عامر أخوه (ت 65 هـ) كان عَرِّيف مؤذني مصر كذلك في عهد مسلمة بن مخلد
(3)
. وابن مسلمة أمير تنيس الذي قتله الروم في جمع من الموالي في هجومهم الكبير على المدينة سنة 101 هـ
(4)
. وابن شجرة الذي حاول اغتيال صاحب خراج مدينة أتريب سنة 144 هـ لما أساء معاملة أهلها الذين يبدو أنهم كانوا من قبيلة مراد
(5)
.
وكان فراس المرادي من شعراء مراد في القرن الثاني
(6)
.
ويبدو أن بعضهم سكن رشيد، فإن عبد الوارث بن إبراهيم بن فراس - أحدهم - من أهل رشيد، وكان قاضيها، ويعد من المحدثين الذين خرجوا منها
(7)
.
وامتاز موالي مراد بظهور بعض ذوي الأهمية منهم. فكان عبد الأعلى بن الهجرس عريف الموالي بالإسكندرية، ويبدو أنه سود بها سنة 132 هـ ولذلك قتله الكوثر قائد مروان الحمار، بعد أن انتصر على المسودة ودخل الإسكندرية سنة 132
(8)
. وكان عطاء بن شرحبيل من كبار الموظفين في الشئون المالية في أوائل الدولة العباسية (135 - 141 هـ)
(9)
. ومن موالي مراد كذلك الربيع بن سليمان (174 - 270 هـ) التلميذ العظيم للشافعي
(10)
.
وهذه بطون مراد في مصر:
(1)
فتوح مصر ص 58 - 59 (ط. ماسيه).
(2)
الخطط ج 4 ص 44.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
الولاة ص 70.
(5)
القضاة ص 365.
(6)
المصدر نفسه ص 419 - 420.
(7)
معجم البلدان ج 4 ص 252.
(8)
الولاة ص 96.
(9)
المصدر نفسه ص 102، 106.
(10)
وفيات الأعيان ج 1 ص 229 - 230 وطبقات الشافعية ج 1 ص 259 - 260 حسن المحاضرة ج 1 ص 146.
1 -
رضا:
هو رضا - كسدى - بن زاهر بن عامر
(1)
. صاحب منامة - لعلها بمعنى فندق - مراد بالفسطاط
(2)
. ويبدو أن رضا هذا ترك ذرية كثيرة بمصر كانت كافية لاعتبارهم بطنا من بطون مراد.
وليس لدينا خبر عن أحد من هؤلاء الرضائيين، ولكننا نعرف من مواليهم عبد الله بن كليب بن كيسان الفقيه (100 - 193 هـ) وعمر بن ثواب بن عمران (ت 207 هـ)، وأحمد ومحمد ابناه، وكانوا جميعًا من الشهود المقبولين عند القضاة
(3)
.
2 -
زوف:
هو زوف بن زاهر بن عامر
(4)
والمفهوم أن خطتهم ومرتبعهم كانا مع مراد
(5)
. كما يفهم من شعر يحيى الخولاني أنهم أصحاب الزعفران فرس مراد الذي سرقت يحصب سبقه
(6)
.
ويظهر هذا البطن في مصر منذ الفتح. ومن المهم أن نعرف أن أحدهم (رشد بن يزيد) كان فيمن وفد إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أهل مصر، وقد قطع يده عبد العزيز ابن مروان لسبب نجهله
(7)
. ومما يلفت النظر أن جميع من بقي لنا خبرهم من هذا البطن من رجال الرواية والحديث. منهم: عبد الله بن أبي مُرّة من رجال الفتجي، وأحمد بن شعيب بن سعيد (ت 118 هـ)، وأحمد بن سوار (من رجال القرن الثاني)، وأحمد بن عمرو بن شجرة (ت 263 هـ)، وإبراهيم بن عمرو بن ثور (ت 303 هـ)
(8)
.
(1)
الانتصار ج 4 ص 35 الأنساب ص 125 القاموس المحيط مادة: رضى.
(2)
الانتصار ج 4 ص 35.
(3)
الأنساب ص 255 أ.
(4)
الانتصار ج 4 ص 35.
(5)
فتوح مصر ص 255 أ.
(6)
القضاة ص 402.
(7)
الأنساب ص 281 أ، ب.
(8)
المصدر نفسه.
3 -
عبس:
هم عبس بن زوف، عبس مراد، وهم غير عبس قيس، ولا ينسب إليهم فالأشهر الانتساب إلى عبس غَطَفان
(1)
.
شهدوا فتح مصر، واختطوا في مراد، وكانوا يرتبعون مع مراد في منف والفيوم
(2)
.
وهم أصحاب رقاق بني عبس بالفسطاط. وقد غلط بعض النّاس في هؤلاء العبسيين وقال: هم عبس قيس، وليس كما قال
(3)
.
ظهر منهم بمصر ليث بن قيس، وأمين بن مسلم، وهما من محدثي القرن الثاني
(4)
. أما الحسن بن يزيد بن نافع (ت 309 هـ) فهو من مواليهم
(5)
.
4 -
غطيف:
ذكرهم السمعاني خطأ في باب القاف والظاء باسم قطيف
(6)
. وهم بطن من مراد كان لهم مخلاف باسمهم من مخاليف اليمن. نزل أكثرهم مصر
(7)
. واختطوا هم ووعلان في مراد
(8)
.
ظهر منهم بمصر عدد من الشخصيات المهمة فكان منهم شريك بن سمي الذي كان على مقدمة عمرو يوم الفتح، وهو الذي سُمي كوم شريك باسمه
(9)
. وسهل بن سعيد الصحابي
(10)
. وعلقمة بن يزيد من رجال الفتح وأحد كبار القواد
(1)
فتوح مصر ص 126 الانتصار ج 4 ص 35 الأنساب ص 381 ب.
(2)
فتوح مصر ص 142،126.
(3)
فتوح مصر ص 126.
(4)
الأنساب ص 382 أ.
(5)
المصدر نفسه ص 419 ب.
(6)
المصدر نفسه ص 459 ب.
(7)
فتوح مصر: ص 125، العقد: ج 4 ص 251، أحسن التقاسيم ص 89، الأنساب ص 459 ب.
(8)
فتوح مصر ص 126.
(9)
المصدر نفسه ص 73 معجم البلدان ج 7 ص 203 حسن المحاضرة ج 1 ص 88.
(10)
الأنساب ص 410 ب، 459 ب.
طوال عهد الفتح
(1)
. وعابس بن سعيد الذي ظل منذ سنة 49 هـ حتى وفاته سنة 68 هـ يتقلب في مناصب الشرطة والقضاء. وكان من شيعة بني أمية بمصر
(2)
.
وكان عبد العزيز بن سهل بن سعد المحدث (ت 220 هـ) من مواليهم
(3)
.
5 -
بنو جمل:
هم من بني ناجية بن مراد
(4)
. ويبدو أن معظمهم نزل الكوفة مع سائر مراد، فإن السمعاني ذكر كثيرين منهم من أهل تلك المدينة
(5)
. ولم يكن منهم بمصر كثير في كل حال، فلسنا نقابل سوى يزيد بن عروة الذي كان من جند عبد العزيز بن مروان
(6)
.
والواقع أن مواليهم هم الذين ظهروا بمصر ظهورا فعليا. وأهم هؤلاء الموالي عامر جمل الذي كان من رجال عمرو بن العاص، وبشر معاوية بقتل محمد بن أبي بكر. ومما يدل على أهميته أنه كان عريف موالي مذحج جميعا
(7)
. بل كان له هو نفسه مواليه، ومنهم محمد بن سلمة من محدثي القرن الثالث وكان يقوم بالكتابة للحارث بن مسكين قاضي مصر (237 - 245 هـ)
(8)
. وكان ابنه إبراهيم (ت 285 هـ) من محدثي مصر كذلك
(9)
.
6 -
وعلان:
اختطت بالفسطاط مما يلي القصر (حصن بابليون) ثم مضوا ينازلون خولان وتجيب هم وبنو غطيف
(10)
.
(1)
فتوح مصر ص 190 - 192، والولاة ص 36.
(2)
الولاة ص 38 - 42، 45، 48 والقضاة ص 310 - 313.
(3)
الأنساب ص 410 ب.
(4)
نسب عدنان ص 19، العقد ج 4 ص 251 الأنساب ص هـ 135 أ.
(5)
الأنساب ص 135 أ، ب.
(6)
الولاة ص 50 الخطط ج 1 ص 209.
(7)
الأنساب 135 ب.
(8)
القضاة ص 468 الأنساب ص 135 ب.
(9)
الأنساب 135 ب.
(10)
فتوح مصر ص 125، 126 الأنساب ص 585 أ.
ويبدو أنها كانت قليلة الأهمية إذ لم يبق لنا منها سوى مولاهم إبراهيم بن نشيط (ت 123 هـ) كان من الثقات
(1)
. وكانت مولاته زوجة لعبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني قاضي مصر (90 - 93 هـ)
(2)
.
7 -
تدؤل:
لهذا البطن شهرة تاريخية لكون عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب منه
(3)
.
وقد شهد عبد الرحمن هذا فتح مصر، واختط بها خطتين، وكان له مسجد معروف، وكان فارس تدؤل المعدود فيهم بمصر
(4)
.
وربما كان هذا البطن ظل مقيما بمصر بعد ذلك، إذ تقابل في القرن الثالث أحد مواليهم: النضر بن عبد الجبار (ت 219 هـ) الزاهد العابد الذي استكتبه ابن المنكدر قاضي مصر (202 - 214 هـ)
(5)
.
8 -
سلهم:
سلهم كجعفر، لهم خطة بمصر
(6)
.
ظهر منهم عمار بن سعد، كان هو وابنه عبد الكريم من محدثي القرن الثاني بمصر
(7)
.
وكان حجاج بن ريان مولاهم (ت 205 هـ) من محدثي مصر أيضا
(8)
.
(1)
الأنساب ص 585 أ.
(2)
القضاة ص 321.
(3)
الأنساب ص 104 أ.
(4)
الانتصار ج 4 ص 6 الأنساب ص 104.
(5)
القضاة 435 - 436 حسن المحاضرة ج 1 ص 115، 218 الأنساب ص 104 أ.
(6)
فتوح مصر ص 123 الأنساب ص 304 أ القاموس مادة: السلهم.
(7)
الأنساب ص 304 أ.
(8)
المصدر نفسه.
9 -
كعب:
بقى ذكر اثنين منها من شخصيات الفتح. وهما جديع خادم النبي صلى الله عليه وسلم الذي شهد الفتح
(1)
وقيس بن الحارث كان يفتي الناس في زمانه وتزعم الرواية أنه فتح القرية بصعيد مصر المعروفة بالقيس فنسبت إليه
(2)
. ولكن أملينو قد رد اسم هذه القرية إلى أصله الهيروغليفي
(3)
.
10 -
ونبة (بفتح الواو وكسر النون)
(4)
:
منهم ثابت بن طريف، شهد فتح مصر وحدث بها
(5)
. وعمار بن صفوان (ت 207 هـ) من أهل مصر، وله ابن يقال له سالم الشاعر. وعبد السلام بن محمد بن بكر (ت 260 هـ) من محدثي مصر
(6)
. نستطيع الآن أن نرى في وضوح أن مرادا ظلت محتفظة بقبائلها في مصر طوال الفترة التي نعني بها. وأنها كانت من القبائل متوسطة العدد. وكانت ميولها أموية. وقد انتشرت بمصر فسكنت الفسطاط وأتريب والإسكندرية ورشيد والصعيد. وغلب عليها الاشتغال بالعلم والدين. وظهر من مواليها بعض النابهين.
وننتقل إلى القبيلة الثانية من مذحج في مصر.
(ب) سعد العشيرة
يبدو أنهم كانوا قليلين جدا بمصر وكان بعضهم يمثل جزءا من العتقاء أي من هؤلاء الذين كانوا يقطعون الطريق على من يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إليهم فأتي بهم أسرى فأعتقهم. ومن كان من سعد العشيرة من هؤلاء العتقاء كان من أهل الراية
(7)
.
(1)
الأنساب ص 484 ب.
(2)
الخطط ج 1 ص 204 الأنساب ص 485 أ، 468 ب.
(3)
397 - 395. Ame. P.
(4)
الأنساب ص 586 أ.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
المصدر نفسه.
(7)
وفيات الأعيان ج 1 ص 347 نهاية الأرب ص 127.
وكان منهم بمصر بطن واحد في كل حال هو:
زبيد:
كانت زبيد تعيش في اليمن مع الأشعريين في مخلاف واحد اسمه الحصيب
(1)
، وقد شهدت فتح مصر. وكل من بقي لنا من شخصياتها من أهل الفتح، منهم حومل الذي بارز البطريق الرومي وقتله
(2)
، وزياد بن جزء
(3)
، ومحمية بن جزء الصحابي حليف بني جمح
(4)
، وعبد الله بن الحارث بن جزء الصحابي (ت 86 هـ) لأهل مصر عنه عشرون حديثا
(5)
.
ويبدو أن عبد الله بن عبد الرحمن - أحد سبي بلهيب - قد والى زبيدا وأصبح عريف مواليهم بعد أن اعتنق الإسلام
(6)
.
أما القبيلة الثالثة من مذحج في مصر فكانت قبيلة.
(ج) جلد
وظهر منها بمصر البطون الآتية:
1 -
بنو الحارث بن كعب:
هناك بطنان بهذا الاسم، أحدهما من تميم من عدنان
(7)
، والثاني من مذحج من قحطان
(8)
. ونحن نرجح أن بني الحارث بن كعب المذكورين في الولاة ص 169، ومنهم أبو بجاد الحارثي الشاعر، هم ذلك البطن من مذحج. وذلك لأن شعر أبي بجاد الذي يسخر فيه من ميمون بن السرى لما قتل في معركة شطنوف ضد عبد العزير الجروي سنة 203 هـ يدل على يمنيته
(9)
.
(1)
كتاب البلدان ص 106.
(2)
فتوح مصر ص 175 - 176.
(3)
الطبري ج 3 ص 196، 197.
(4)
الأنساب 270 ب حسن المحاضرة ج 1 ص 97.
(5)
فتوح مصر ص 94، 103، 253، 298، 300، 301 حسن المحاضرة ج 1 ص 89.
(6)
الطبري ج 3 ص 197.
(7)
نسب عدنان ص 8، 9 نهاية الأرب ص 42.
(8)
نهاية الأرب ص 44 الأنساب ص 149 ب.
(9)
الولاة ص 169 - 170.
2 -
النخع
(1)
:
قبيلة كبيرة، وقد نزلت الكوفة
(2)
. والواقع أن ليس لدينا ما يدل على أنها دخلت مصر بصورة قبلية سواء وقت الفتح أو بعده. وكل ما نعرف عنها هو أن الأشتر النخعي الذي أرسله علي ليحكم مصر سنة 37 هـ مات قبل أن يدخلها
(3)
.
ولكن يبدو أن أفرادا، أو أسرا دخلوا مصر فيما بعد، فعلى شواهد القبور أسماء أفراد منهم من أهل القرن الثالث
(4)
.
3 -
جنب:
هم الإخوة الستة الذين جانبوا أخاهم، وحالفوا سعد العشيرة
(5)
.
شهدت جنب الفتح، واختطت بمصر
(6)
. وتشير شواهد القبور إلى وجودهم بمصر في القرن الثالث
(7)
.
ولكن يبدو أنهم كانوا قليلين جدا. فلسنا نقابل منهم سوى عبد الله بن علي الذي بعث به والي مصر في جمع كثير لقتال دحية بن مصعب وأهل الواحات سنة 167 - 169 هـ
(8)
.
ومن مواليهم عبد الملك بن نصير (ت 211 هـ) كان مفرض أهل مصر في زمانه
(9)
.
(1)
يذهب رأي لبعض النسابة إلى أن النخع من إياد العدنانية.
(2)
وفيات الأعيان ج 1 ص 3 الأنساب ص 557 أ.
(3)
الولاة ص 23 - 25 النجوم ج 1 ص 102 - 105.
(4)
108،150،183. Rep، Chro، I. pp.
(5)
نسب عدنان ص 20 العقد ج 4 ص 249.
(6)
فتوح مصر ص 126.
(7)
Rep. Chro. I. p. 161.
(8)
الولاة ص 130.
(9)
الأنساب ص 538 ب.
(د) بديعة
كل ما نعرف عنها أنها قبيلة من مذحج اختطت بمصر
(1)
. والأرجح أنها أحد البطون.
بذلك نفرغ من قبائل مذحج الفرع الثاني الكبير من عريب، وننتقل إلى الفرع الثالث.
3 -
الأشعريون
كانت تعيش مع زبيد في مخلاف الحصيب باليمن كما قلنا
(2)
. وقد أسلم جماعة منهم مبكرين وشاركوا في نشر الإسلام باليمن فاستحقوا ثناء النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
شهد الأشعريون فتح مصر. وكانت خطتهم جزءا من خطة المعافر
(4)
.
وكانت ميولهم ضد الأمويين فقد اشتركوا مع ابن جحدم في حربه ضد مروان سنة 65 هـ. وقد سجل عبد الرحمن بن الحكم لها ذلك في قوله:
وأحياء مذحج والأشعرين
…
وحِمْيَر كاللهب المحرق
(5)
ولكن يبدو أنهم كانوا قليلين جدا بمصر، ولم يظهر منهم أحد في الحياة العامة بها.
وكان منهم البطنان الآتيان:
1 -
بنو صنم:
بطن من الأشعريين في المعافر
(6)
.
منهم ربيعة بن سيف الإسكندراني المحدث (ت 120 هـ)
(7)
.
(1)
فتوح مصر ص 126.
(2)
راجع ص 223 من هذا البحث.
(3)
فتوح مصر ص 127 - 128.
(4)
فتوح مصر ص 126.
(5)
الولاة ص 44.
(6)
الأنساب ص 355 ب.
(7)
المصدر نفسه ص 355 ب حسن المحاضرة ج 1 ص 108.
2 -
الأكنوع:
كل ما نعرفه عنهم أنهم من الأشعريين، واختطوا معهم في المعافر
(1)
.
والذي يهمنا أن نلحظه في هذا المقام، هو اختلاط الأشعريين بالمعافر، اختلاطا يكاد يجعلهم بطنا منهم، فقد كانت خطتهم جزءا من خطة المعافر، وكان ديوانهم مضموما فيما يبدو إلى ديوان المعافر، فالسمعاني يقول عن ربيعة بن سيف الذي تقدم ذكره أن "اسمه في ديوان المعافر بمصر في بني صنم"
(2)
. ويضيف إليه هو والسيوطي النسبة: المعافري
(3)
.
أما الفرع الأخير من عريب في مصر فهو:
طيئ
لم تكن من قبائل الفتح، ولم تظهر في مصر إلا في أواسط القرن الثاني. ونحن نعرف أن حميد بن قحطبة الطائي لما ولي مصر سنة 143 هـ دخلها في عشرين ألفا من الجند
(4)
، فأغلب الظن أن قبيلته كانت ممثلة في هذا الجيش. والواقع أنها تظل ظاهرة على المسرح منذ ذلك التاريخ حتى القرن الثالث الذي تدل شواهد القبور على وجود هذه القبيلة بمصر في أثنائه
(5)
.
وكل من ظهر من طيئ بمصر كانوا من الشخصيات البارزة فهناك بعد حميد بن قحطبة، يزيد بن عمران كان صاحب البريد سنة 174 هـ
(6)
. وفي سنة 195 هـ ولي مصر والٍ آخر من طيئ هو جابر بن الأشعب
(7)
. ومن المهم أن نعرف أن جابرا استخلف أحد أبناء قبيلته المقيمين بمصر (عبد الله بن إبراهيم) إلى أن
(1)
فتوح مصر ص 126.
(2)
الأنساب ص 255 ب.
(3)
المصدر نفسه: ص 355 ب حسن المحاضرة ج 1 ص 108.
(4)
الولاة ص 110.
(5)
Rep. Chro. I، p. 186 & II، p. 68.
(6)
القضاة ص 384.
(7)
الولاة ص 147 - 149.
جاء
(1)
. وشارك إبراهيم بن نافع، باعتباره من وجوه مصر، في السياسة المصرية مشاركة كلفته حياته سنة 199 هـ
(2)
.
وكان معلى بن العلي الطائي - الشاعر الذي لا مبدأ له - من أظهر شخصيات طيئ في مصر في أواخر القرن الثاني وأوائل الثالث
(3)
. وكان هناك في الوقت نفسه الشاعر الناشي أبو تمام (ت 231 هـ) الذي قضى صدر حياته في مصر ثم تركها ليصبح أحد الشعراء الخالدين
(4)
.
وكان في مصر من طيئ البطن الآتي:
الغوث:
وكان منهم عمار بن مسلم بن عبد الله الذي ولي الشرطة عدة مرات فيما بين سنتي 165، 181 هـ
(5)
.
بذلك تنتهي قبائل كهلان جميعا التي تكون القسم الأول من قحطان أي عرب الجنوب. وننتقل إلى القسم الثاني.
(1)
الولاة ص 148.
(2)
الولاة ص 512، 155 - 156.
(3)
المصدر نفسه: ص 155، 166، 170، 171، 174، 175، 176، 177، 178، 179، 188 - 189 القضاة ص 414 معجم البلدان ج 4 ص 84.
(4)
في نشأة أبي تمام في مصر وتفصيلات علاقاته بوجوهها وأمرائها وشعرائها انظر: محمد كامل حسين: أدب مصر الإسلامية ص 200 - 208.
(5)
الولاة ص 124، 133، 137، 138.
القسم الثاني: قبائل حِمْيَر
تتفرع حمير فرعين: مالك، والهميع. وقبل أن نتناولهما بالبحث نتحدث عن حِمْيَر بوجه عام.
عرفت حِمْيَر الحياة المدنية منذ زمن بعيد وكان منها ملوك اليمن من التبابعة إلا من تخلل في خلال ملكهم في قليل من الزمن
(1)
. وعندما دخلت المسيحية بلادها في القرن الرابع الميلادي كانت هناك مجامع يهودية عديدة، وقد غزاها الأحباش في القرن الثالث، وظلوا يحكمونها حتى بداية الثلث الأخير من القرن السادس عندما سقط حكمهم وقام الاحتلال الفارسي العسكري الذي قضى عليه الإسلام. وعلى كل حال فالنبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل رسوله الأول إلى اليمن كانت مملكة حِمْيَر قد دالت منذ زمن بعيد، وتقبل زعماء حِمْيَر الدين الجديد بغير معارضة جديرة بالذكر
(2)
.
واشتركت حِمْيَر في فتح مصر، واختطت بالفسطاط قبلي خولان وشرقيها. ومن المهم أن نلحظ أنها سكنت مع المعافر في موقعها الممتاز فوق الجبل. وكانت تذهب إلى الصعيد الأدني ترتبع في بوصير وقرى أهناس. في حين ذهبت طائفة منهم إلى خربتا فأقامت بها مع مدلج وحالفتهم فيها فهي منازلهم
(3)
.
ووقفت حِمْيَر، شأنها شأن معظم القبائل اليمنية، مع ابن جحدم ضد مروان بن الحكم. ويبدو أنها قاتلت بعنف جعل عبد الرحمن بن الحكم يقول عنها أنها "كاللهب المحرق"
(4)
.
(1)
نهاية الأرب ص 200.
(2)
Ency. IsI. II، pp. 310 - 311.
(3)
فتوح مصر ص 142،126.
(4)
الولاة ص 44.
وهم يظهرون في مصر طوال فترة البحث. ولكن كان أهمهم الغطريف الشاعر (127 هـ)
(1)
، وعبد العزيز بن ودعة (133 هـ) من وجوه المصريين
(2)
، وابن هشام صاحب السيرة النبوية (ت 218 هـ)
(3)
.
وتدل شواهد القبور على أنهم كانوا ما يزالون كثيرين بمصر في القرن الثالث
(4)
.
ونتحدث الآن عن فرعي حِمْيَر.
أولا - مالك
إن الأقسام الرئيسية التي تنقسم إليها القبائل المنتسبة إلى مالك هي في الواقع فروع لقضاعة بن مالك. فلكي نتحدث عن مالك يجب أن نتحدث عن قضاعة بما هي الممثل الفعلي لمالك.
قُضَاعة
شهدت قُضَاعة فتح مصر واختطت بها. وبالرغم من أن عمر بن الخطاب حول قبيلة بلِّي - وكانت تمثل ثلث قضاعة بالشام - إلى مصر
(5)
ظلت قضاعة قليلة العدد إلى حد بصوره أنها لم تكن صاحبة دعوة مفردة في الديوان، أي لم تكن ذات سجل خاص بها يشتمل على أسماء الأفراد الموجودين منها في مصر، وإنما كانت موزعة في القبائل الأخرى، بمعنى أن كل بطن منها كان ملحقا بديوان قبيلة من القبائل. فكانت مهرة مثلا مسجلة في ديوان كندة. وتنوخ في الأزد، وجهينة في أهل الراية .. إلخ، وظلت قضاعة على هذا الوضع حتى حكم مصر أحد أبنائها (بشر بن صفوان الكلبي) فأعاد تنظيم الديوان بأن استخرج بطون
(1)
المصدر نفسه ص 87.
(2)
المصدر نفسه ص 98.
(3)
وفيات الأعيان ج 1 ص 365، حسن ج 1 ص 228 بغية الوعاة ص 315.
(4)
. REP. Chro. I، pp. 191، 254، 275 &Ii، pp. 27 - 28، 66
(5)
فتوح مصر ص 116، البيان ص 30.
قضاعة من القبائل الملحقة بها وجعلهم دعوة مفردة. وكان هذا هو التدوين الرابع للعرب المقيمين في مصر، وقد تم في سنة 102 هـ
(1)
.
ويبدو أن جانبا من قضاعة أقام في بلاد الحوف حيث كان لهم، قبل منتصف القرن الثالث على كل حال، بلدة باسم (مسجد قضاعة) على الطريق - طريق الصيف - من الفرما إلى مصر. وكانت في منتصف المسافة بين فاقوس وبلبيس
(2)
.
وفي القرن الثاني كانت قضاعة بارزة على مسرح الحياة المصرية يتحدث عنها الشعراء
(3)
.
والآن نتحدث عن أقسام قضاعة وبطونها في مصر.
تنقسم قضاعة ثلاثة أقسام رئيسية:
عمرو
، وعمران، وأسلم.
ونتحدث الآن عن كل قسم وما كان من بطونه في مصر.
1 -
عمرو
كان من هذا القسم بمصر القبائل الآتية:
مهرة:
المهربون شعب قديم من شعوب جنوبي الجزيرة، يتكلم لغة تختلف اختلافا أساسيا من اللغة العربية. وقد ارتدوا عن الإسلام، ولكن أبا بكر أخضعهم بسهولة فعادوا إلى الإسلام واشتركوا في حركة الفتح الكبرى التي بدأت في عهد عمر بن الخطاب
(4)
.
وتظهر مهرة في معارك فتح مصر. ويبدو أنها امتازت بالبراعة في القتال امتيازا نجعل عمرو بن العاص يصف المهريين بأنهم "قوم يَقتلون - بفتح الياء - ولا
(1)
الولاة ص 70 - 71.
(2)
المسالك والممالك ص 220.
(3)
الولاة ص 150 القضاة ص 399.
(4)
Ency. Isl.III. pp. 138 - 144.
يُقتلون"
(1)
. كما أن تمسكهم بأن ينال أحدهم (تميم بن فرع) نصيبه من الغنائم بعد فتح الإسكندرية تمسكا أوشك أن يجرهم إلى النزاع الفعلي مع قريش دليل على اعتدادهم بأنفسهم
(2)
. وقد اختطت مهرة على سفح جبل يشكر، ثم نقلهم عمرو بن العاص إلى جانبه
(3)
. وكان لهم بالفسطاط مسجد ذو قبة سوداء
(4)
. وكانوا يرتبعون في توتمي
(5)
.
وظلت مهرة مضمومة إلى كندة في الديوان شأنها شأن كل قبائل قضاعة حتى استخرجت سنة 102 هـ في التدوين الرابع
(6)
.
ويبدو أن مهرة كانت قبيلة كثيرة العدد قوية الجانب بمصر فقد عدها عمرو بن العاص من القبائل المصرية. هذا إلى أنه قد اشترك منهم وحدهم ستمائة رجل في غزو إفريقية سنة 27 هـ بقيادة عبد الله بن سعد
(7)
.
وتشهد شواهد القبور بأن مهرة احتفظت ببقائها في مصر حتى القرن الثالث
(8)
.
ومن شخصيات الفتح نرى من مهرة تميم بن فرع الذي سبقت الإشارة إليه
(9)
، وبرح بن حسكل الذي اعترض على خروج مال مصر إلى معاوية
(10)
.
ونرى منهم بعد ذلك شريح بن ميمون كان من قادة الأسطول المصري سنة 98 هـ
(11)
وكان ابنه محمد من رؤساء فتنة خلع مروان الحمار بمصر (127 - 128 هـ)
(12)
.
(1)
فتوح مصر ص 76 - 77.
(2)
المصدر نفسه ص 178.
(3)
المصدر نفسه ص 118، 119 الانتصار ج 4 ص 3.
(4)
فتوح مصر ص 118.
(5)
المصدر نفسه ص 142.
(6)
الولاة ص 70 - 71.
(7)
فتوح مصر ص 184،77.
(8)
Rep. Chro. I، pp. 102، 146.
(9)
فتوح مصر ص 178 الأنساب ص 424 أ، 546 أ.
(10)
فتوح مصر ص 94، 102، 216.
(11)
المصدر نفسه ص 118 - 119.
(12)
الولاة ص 90.
ويبدو أنهم أقاموا بالحوف فإن واحدا منهم (مهدي بن زياد) هو الذي قتل موسى بن مصعب أمير مصر في معركة العريرار ذكرها ياقوت باسم الغريراء بالغين المعجمة وقال إنها موضع بحوف مصر)
(1)
. التي دارت بينه وبين أهل الحوف سنة 168 هـ
(2)
.
ومثلما ظهر من مهرة رجال الحرب ظهر منها رجال العلم ورجال الدين مثل خالد بن حميد الإسكندراني (ت 169 هـ بالإسكندرية) من مشاهير أتباع التابعين بمصر
(3)
، ورشدين بن سعد (ت 188 هـ) لم يكن محدثا دقيقا
(4)
، وسليمان بن داود (ت 352 هـ) من أصاغر أتباع التابعين بمصر
(5)
.
وهكذا نرى أن مهرة كانت قبيلة على حظ من القوة والشهرة بمصر، واستطاعت أن تظهر على مسرح الحياة العامة وتؤثر فيها حربيا وسياسيا وعلميا.
بلِّي:
بلِّي قبيل عظيم فيه بطون كثيرة. وكانت مساكنها على حدود الشام بين أراضي جهينة وجذام. وكانوا قبل ذلك جنوبي جزيرة العرب
(6)
.
وظلت بلي تقاوم الإسلام منضمة إلى هرقل حتى تمكن المسلمون من هزيمتها هي واليونانيين في معركة اليرموك 15 هـ ولكن هذا لم يمنع أنها - أو جزءا منها - قدم خضوعه للنبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة سنة 9 هـ، وإن كانوا حاولوا التمرد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
(7)
.
وقد نزل أكثرهم مصر بعد معركة اليرموك بإذن الخليفة عمر
(8)
. وقد قاموا في عمليات الفتح بدور مهم، إذ يبدو أنهم تولوا ضرب حصن بابليون بالمنجنيق، فسجل عمرو ذلك لهم في رجزه المشهور:
(1)
معجم البلدان ج 6 ص 286.
(2)
الولاة ص 126 - 127.
(3)
حسن المحاضرة ج 1 ص 13.
(4)
الأنساب ص 546 أ، مقدمة كست ص 33.
(5)
حسن المحاضرة ج 1 ص 117.
(6)
البيان ص 30،. Mac، I. p. 137 & Ency. Isl. I، p. 618
(7)
.Ency. Isl. I. p. 618
(8)
الأنساب ص 191، و Ency. Isl. I. p. 618 .
يوم لهمدان ويوم للصدف
…
والمنجنيق في بلِّي تختلف
(1)
ويبدو أن عمرا كان يحابي بليا لأن أمه وأباه كانا منهم، فكانت بلي تقف في المعارك عن يمين رايته
(2)
. بل زعم قوم أن عمرا كان يقف تحت رايتهم هم
(3)
. ثم أنه وصف بليا بأنها تمتاز من بين قبائل مصر بكثرة من ظهر من أبنائها من الصحابة والفرسان الممتازين
(4)
.
ولا شك في أن بليا كانت كثيرة العدد بمصر، فقد عدها عمرو من بين القبائل المصرية
(5)
، كما أنها اختطت بالفسطاط خطة كبيرة
(6)
، وكانت هذه الخطة في الحمراوات الثلاث
(7)
.
وقد تنازعوا في أول إقامتهم بمصر مع جهينة الذين تبعوهم إلى هنا، ولكن سرعان ما اتفقوا اتفاقا أقامت بلي بمقتضاه في البلاد الواقعة بين مصر وميناء عيذاب (شرقي أسوان)
(8)
. وكانوا يرتبعون في منف وطرابية
(9)
.
ولم تستقر بلي بمصر استقرارا تاما، فقد ذهب قوم منهم إلى معادن التبر في أقصى الجنوب يبحثون عن الثروة
(10)
. كما أقام بعضهم في الرمادة من لوبية مع آخرين من جهينة وبني مدلج
(11)
.
وكان من بلي من الصحابة بمصر مسعود بن أوس
(12)
، وجبارة بن زرارة
(13)
، شهدا الفتح واختطا بها. ولا شك في أن بليا كانت علوية الهوى فكان
(1)
فتوح مصر ص 62.
(2)
المصدر نفسه ص 116.
(3)
المصدر نفسه ص 62.
(4)
المصدر نفسه ص 77.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
المصدر نفسه ص 116.
(7)
الانتصار ج 4 ص 5.
(8)
Mac. I، p. 137 & Ency. Isl. I.p. 618.
(9)
فتوح مصر ص 142.
(10)
كتاب البلدان ص 121، 122، 123.
(11)
المصدر نفسه ص 121.
(12)
الانتصار ج 4 ص 106.
(13)
الأنساب ص 120 ب.
منها ابن الجثما من رجال ابن أبي حذيفة سنة 36 هـ
(1)
، وعبد الرحمن بن عديس الذي قام بالدور الرئيسي في مصرع عثمان
(2)
. ثم كان عبد الله بن أبي حرملة صاحب الشرطة لمحمد بن أبي بكر الصديق
(3)
. واستمرت ميول بلي ضد الأموين فكان زهير بن قيس من قواد ابن جحدم في حربه ضد مروان سنة 65 هـ
(4)
.
وكان عايذ بن ثعلبة (ت 53 هـ)
(5)
، ووحوح بن ثابت من أشراف أهل مصر
(6)
.
ومن شعراء بلي أبو المصعب صاحب القصيدة المشهورة التي هجا فيها أشراف أهل مصر
(7)
.
وكان من موالي بلي شعيب بن حميد من أصحاب الشرط (101 هـ)
(8)
، وأبو الندى قاطع الطريق الرهيب (191 - 192 هـ) في الصحراء ما بين مصر والحجاز والشام
(9)
.
وكان من بلي بمصر البطون الآتية:
(أ) فاران:
هو فاران بن بلي. منه فرح بن سهيل (ت 238 هـ) من محدثي مصر
(10)
.
(ب) عترة:
عترة اسم لبطون في قبائل كثيرة منها بلي
(11)
.
(1)
الولاة ص 19.
(2)
انظر بطن عترة فيما يلي.
(3)
الولاة ص 27.
(4)
فتوح مصر ص 202 - 203 الولاة ص 43.
(5)
فتوح مصر ص 123 - 124 والولاة ص 38.
(6)
الولاة ص 102، 103.
(7)
فتوح مصر ص 123 - 124.
(8)
الولاة ص 70.
(9)
المصدر نفسه ص 143 - 144.
(10)
الأنساب ص 436 ب.
(11)
المصدر نفسه ص 383 ب.
وعترة بلي منها عبد الرحمن بن عديس الصحابي، شهد فتح مصر واختط بها، وكان أحد فرسان بلي المعدودين بمصر، وكان القائد العام للجيش المصري الذي سيّره ابن إبي حذيفة إلى عثمان سنة 35 هـ
(1)
.
(ج) بلي جزاء:
من بلي. لهم خطة بالفسطاط
(2)
.
(د) بلي أهل الراية:
يبدو أنهم هم الجزء الذي أقام مع أهل الراية من بلي
(3)
.
(هـ) الوحاوحة:
قوم من بلي كانت لهم خطة بمصر. بني في خطتهم عبد العزيز بن مروان قيسارية الكباش
(4)
.
من الواضح الآن أن الدور الرئيسي الذي قامت به بلي في الحياة المصرية يكاد ينحصر في عملية الفتح نفسها ثم في الثورة على عثمان .. ومنذ ذلك التاريخ عاشت بلي بمصر في خمول يكاد يكون مطلقا بالرغم من العدد الكبير الذي أقام منهم بمصر.
وننتقل في كل حال إلى القسم الثاني من قضاعة.
2 -
عمران
كان من هذا القسم بمصر القبائل الآتية:
سليح:
ويبدو أنها كانت قليلة الأهمية. ولم يظهر منهم سوى عبد الملك بن مليل المحدث
(5)
.
(1)
الطبري ج 3 ص 407، 411 الولاة ص 17، 19، 20 الأنساب ص 19 أ.
(2)
فتوح مصر ص 116.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
المصدر نفسه ص 126.
(5)
الأنساب ص 304 أ.
كلب:
مجموعة من القبائل الرعوية الشامية، جعلهم فتح الشام في المقدمة بسبب التحالف الوثيق الذي عقده معاوية مع قبيلتهم. وقد سما بهم هذا التحالف إلى مرتبة عالية في البلاط والجيش. وقد ظلوا إلى جانب الامويين يمدونهم بالمساعدات الحربية الفعالة في المناسبات المختلفة حتى أصبح اسم الكلبي مرادفا للمتعصب للأمويين. وكانوا في أثناء ذلك كله يناصبون قبيلة قيس العداء التقليدي المستحكم
(1)
.
ولم تظهر كلب في مصر إلا في وقت متأخر على كل حال، وإذا استثنينا دحية بن خليفة مبعوث النبي صلى الله عليه وسلم الديبلوماسي الذي يبدو أن إقامته بمصر كانت قصيرة
(2)
، كان بشر بن صفوان والي مصر (101 - 102 هـ)، وصاحب التدوين الرابع المشهور، هو أول الكلبيين ظهورا بها
(3)
. وبناء على ما مر بنا من سوابق نستطيع أن نفترض قدوم عدد من قبيلة كلب إلى مصر مع ذلك الوالي. والواقع أننا نجد أخاه حنظلة يلي له الشرط سنة 101 هـ ثم يحكم مصر نفسها مرتين (102 - 105، 119 - 124 هـ)
(4)
. وكذلك عياض بن حريبة صاحب شرط حنظلة هذا (119 - 122 هـ)، الذي ظل مقيما بمصر حتى قامت الدولة العباسية وخرج مع صالح بن علي العباسي في عشرة من أهل مصر سنة 133 هـ
(5)
. بل إن جانبا من كلب أقام في الحوف الشرقي مع القبائل اليمانية الأخرى المقيمة به، حيث ظهر منهم شرحبيل بن مذيلفة الذي قاد حركة التسويد بالحوف الشرقي سنة 132 هـ
(6)
.
ويصبح وجود الكلبيين مألوفا بمصر بعد ذلك فنرى منهم أبا كندة بن عبيد من القواد (145 هـ)
(7)
، وأبا الصهباء من أصحاب الشرط القساة (155 - 161 هـ)
(8)
، ويزيد بن الخطاب أحد زعماء الحوف في فتنة الأمين والمأمون. ومن
(1)
Ency. Isl. II، p. 688، 689.
(2)
الأنساب ص 485 ب.
(3)
الولاة ص 70 - 71.
(4)
الولاة ص 70 - 71، 80 - 82.
(5)
المصدر نفسه ص 81، 101.
(6)
المصدر نفسه 95، 101، 105 الانتصار ج 4 ص 29.
(7)
المصدر نفسه ص 113.
(8)
المصدر نفسه ص 119.
المهم أن نلحظ أن يزيدا هذا كان له مال - ولعل ذلك المال كان أرضا - في بنا وسنهور وسندفا من مدن الدلتا الشمالية
(1)
. ولعل أبا الكروس (168 - 169 هـ) كان شاعر كلب بمصر
(2)
.
وتشير شواهد القبور إلى إقامة الكلبيين بمصر في القرن الثالث
(3)
.
وكان من كلب بمصر البطن الآتي:
بنو عامر:
اشتهر هذا البطن بأن كان منه كلثم بن المنذر الذي اشترك مع خالد بن سعيد في حركته العلوية سنة 145 هـ لخصومة شخصية بينه وبين والي مصر حينذاك
(4)
.
نرى من هذا أن كلبا بالرغم من تأخر إقامتها بمصر قد ساهمت في الحياة السياسية بها مساهمة فعالة طوال القرنين الأخيرين من الفترة التي ندرسها.
تنوخ:
تنوخ قبيلة من قضاعة
(5)
. والواقع أنها ليست قبيلة واحدة، وإنما هم عدة قبائل اجتمعوا قديما بالبحرين وتحالفوا على التآزر والتناصر وأقاموا هناك
(6)
؛ ولذلك عدهم ابن حزم من بين القبائل التي لا ترجع إلى أب واحد
(7)
. هذا، وتنوخ إحدى القبائل التي هي نصارى العرب
(8)
.
وشهدت تنوخ فتح مصر، وكان نفر منهم من اللفيف
(9)
. ويبدو أن خطتهم كانت مع اللفيف، فإن عقبة تنوخ التي كانت من عقبات مصر المشهورة كانت من
(1)
المصدر نفسه ص 149 - 157.
(2)
القضاة ص 281.
(3)
Rep. Chro. p. 107 & p. 154.
(4)
الولاة ص 114.
(5)
نسب عدنان ص 24 الانتصار ج 4 ص 51.
(6)
وفيات الأعيان ج 1 ص 42 الأنساب ص 110 أ.
(7)
نهاية الأرب ص 19.
(8)
وفيات الأعيان ج 1 ص 42.
(9)
الانتصار ج 4 ص 4.
خطة اللفيف
(1)
. وكانت تنوخ مضمومة إلى الأزد في الديوان حتى استخرجها بشر بن صفوان سنة 102 هـ وجعلها هي وسائر بطون قضاعة دعوة مستقلة
(2)
.
ظهر منهم بمصر بطنان أو أسرتان هما:
(أ) بنو علقمة:
اختط جدهم بمصر
(3)
، وورث كعب بن علقمة هذه الخطة ثم وهبها لعبد العزيز بن مروان الذي حولها إلى الحمام الذي كان يعرف بحمام زبان
(4)
. وقد اتهم عبد الحميد بن كعب بالقَدَر سنة 170 هـ
(5)
.
(ب) آل كعب بن عدي:
كان جدهم كعب من أهل الحيرة، أرسله عمر إلى المقوقس سنة 15 هـ، وشهد فتح مصر
(6)
. وانضم آل كعب إلى قريش في الديوان، وظلوا كذلك حتى التدوين الرابع سنة 102 هـ فانضموا مع سائر قضاعة
(7)
.
لم تكن تنوخ على ما يبدو مما سبق من القبائل المهمة بمصر، ولكنها ظلت محتفظة ببقائها منذ دخلتها مع الفتح حتى الثلث الثانى من القرن الثاني على الأقل.
خشين:
ذكرها "كست" ناشر الولاة باسم خسين الذي عده من الأسماء المجهولة
(8)
ولكن من الواضح أنها البطن من قضاعة رهط أبي ثعلبة الخشني
(9)
.
(1)
المصدر نفسه ج 4 ص 51.
(2)
الولاة ص 70 - 71.
(3)
فتوح مصر ص 113 - 114.
(4)
المصدر نفسه ص 114.
(5)
الولاة ص 131.
(6)
حسن المحاضرة ج 1 ص 96.
(7)
الولاة ص 70 - 71.
(8)
الولاه هامش ص 71.
(9)
الأنساب ص 200 أ القاموس مادة: الخشن.
وشهدت خشين الفتح، وانضمت إلى لخم في الديوان، وظلت كذلك حتى استخرجت سنة 102 هـ
(1)
. ويبدو أنها كانت على صلة خاصة بلخم، فمثلما انضمت إليها في الديوان انضمت إلى طائفة منها ومن جذام فنزلوا أكناف صان وأبليل وطرابية وأقاموا هناك حيث ضاعت آثارهم
(2)
.
ولم يبق لنا منهم بمصر سوى ابن أبي زمزمة الشاعر الذي أعجب بالسرعة التي تم بها حفر خندق ابن جحدم في حربه مع مروان سنة 65 هـ
(3)
. والأرجح أنه هو نفسه زرعة بن سعد الله بن أبي زمزمة الذي هجا أمير مصر عبد الله بن عبد الملك سنة 88 هـ
(4)
.
ثم ننتقل إلى القسم الأخير من قضاعة.
3 -
أسلم
كان من أسلم بمصر القبائل الآتية:
عذرة:
وهم المعروفون بشدة العشق، قوم جميل صاحب بثينة
(5)
. وليس لدينا ما يدل على قدومهم إلى مصر بصورة قبلية في أثناء الفتح أو بعده. وربما كان أبو بكر بن القاسم بن قيس - ممن لحق بابن الزبير من أهل مصر سنة 64 هـ دليلا على إقامة بعضهم بمصر في أثناء القرن الأول
(6)
. ولكن الأمر الذي لا شك فيه هو أنهم جعلوا يفدون إلى مصر بصورة فردية أو جماعية منذ القرن الأول نفسه. فقد قدم جميل بثينة على عبد العزيز بن مروان فأكرمه، وظل بها حتى مات سنة 120 هـ
(7)
. وكان آل حوي بن معاذ أهم من أقام بمصر من بني عذرة على
(1)
الولاة ص 71.
(2)
فتوح مصر ص 142 - 143.
(3)
الولاة ص 42.
(4)
المصدر نفسه ص 59.
(5)
العقد ج 4 ص 238 نهاية الأرب ص 292، 293.
(6)
الولاة ص 41.
(7)
حسن المحاضرة ج 1 ص 329.
الإطلاق. كان منهم إبراهيم بن حوي الذي قتله اْهل الحوف في المعارك بينهم وبين الدولة 186 - 187 هـ
(1)
. وكان حوي بن حوي (ت 200 هـ) من أشراف أهل مصر، صاحب فندق حوي بالفسطاط، ولي أولاده الولايات بمصر
(2)
. فكان أحمد بن حوي من أصحاب الشرط (189 - 199 هـ)
(3)
، وكان أبو الكرم بن حوي من القواد، قتله أهل الحوف سنة 197 هـ
(4)
.
ويظهر بنو عذرة بمصر في القرن الثالث كذلك، فكان منهم أبو مجاهد عذرة بن مصعب (ت 252 هـ) المحدث ومؤذن المسجد الجامع بمصر
(5)
.
وقد احتفظوا ببقائهم في مصر زمنا طويلا بعد ذلك فإن الحمداني يذكر أن منهم جماعة بدمياط وما حولها بتنيس
(6)
.
والواضح في كل حال من حياة بني عذرة بمصر أنهم كانوا من أشرافها أي من الطبقة الأرستقراطية بها. وأنهم كانوا في جانب الدولة دائما، فكانوا ممن يمثلون الاتجاه المدني المضاد للاتجاه البدوي.
جُهينة:
قبيلة عظيمة، فيها بطون كثيرة، اعتنقت الإسلام واندمجت في الجماعة الإسلامية بدون مقاومة. ولم يشتركوا في الردة، بل ظلوا معاونين أقوياء للخلافة الناشئة. ونزلت جهينة الكوفة والبصرة. ولكن جمهورها هاجر إلى مصر حيث نجدها عند الفتح مع أقسام أخرى وثيقة التحالف من قضاعة
(7)
، ثم أخذوا يتقدمون بالتدريج من مصر السفلى نحو مصر العليا حيث لعبوا دورا ضخما في العصر الفاطمي عندما كانوا يقيمون في منطقة الأشمونين إلى أن طردتهم قريش
(1)
الولاة ص 149 - 150.
(2)
القضاة ص 389، 398 الانتصار ج 4 ص 40.
(3)
الولاة ص 142، 154.
(4)
المصدر نفسه ص 151.
(5)
الأنساب ص 387 أ.
(6)
نهاية الأرب ص 293.
(7)
البيان ص 31 الأنساب ص 145 ب ووفيات الأعيان ج 1 ص 183،. Ency. Isl. I، p.1060
منها بمساعدة الفاطميين ومن المهم أن نلحظ أن جهينة كانت عند الفتح من أهل الراية، وقد اختطت معهم حول عمرو والمسجد
(1)
. ولم تشترك جهينة بسبب قلتها مع أهل الراية في المسكن فحسب، بل إنها ضمت إليهم في الديوان أيضا وظلت كذلك حتى التدوين الرابع سنة 102 هـ
(2)
.
ولم تجمد جهينة في مساكنها الأولى بالفسطاط، بل إنهم أخذوا يتقدمون بالتدريج نحو مصر العليا، حيث نراهم في القرن الثالث من بين القبائل المقيمة على حدود مملكة النوبة والتي حطمت تدريجيا سلطان هذه المملكة المسيحية القديمة. وقد كانت جهينة على أية حال هي التي مهدت السبيل إلى تفكك مملكة النوبة وتحولها إلى الإسلام، وبذلك حطمت أقوى دفاع كان يقوم على أراضي أعالي النيل في وجه غارات العرب والإسلام
(3)
.
ومثلما سجل اليعقوبي إقامتهم في الجنوب في معادن التبر مع أصدقائهم بلي سجل اتجاههم نحو الغرب وإقامتهم مع بلي وبني مدلج وغيرهم في الرمادة من عمل لوبية
(4)
.
والواقع أن أهم تحركات جهينة هو ذلك الذي أدى إلى انتشارها في الصعيد. ولابد أن كثيرا من بطونها قد هاجر إلى مصر بعد الفتح وانضم إلى الفئة الأولى القليلة التي شهدت الفتح بحيث أصبحت جهينة من القبائل الكبيرة بمصر. ولا يمكن بغير هذا تفسير اشتراكهم في غزو بلاد النوبة الذي مر ذكره، ولا تفسير احتلالهم منطقة الأشمونيين وإقامتهم كأغلبية هم وبلي مع قريش التي كانت قليلة العدد بهذه المنطقة أول الأمر. فلما كان العصر الفاطمي زحفت قريش على الأشمونين واستأثرت بها دون هاتين القبيلتين على النحو الذي ذكرنا من قبل. فسارت جهينة إلى الصعيد الأعلى حيث نزلت في بلاد أخميم أعلاها وأسفلها
(5)
.
(1)
فتوح مصر ص 98 الانتصار ج 4 ص 3.
(2)
الولاة ص 71.
(3)
Ency. Isl. I، p. 1060.
(4)
كتاب البلدان ص 121 - 122، 123، 131.
(5)
نهاية الأرب ص 186 البيان ص 31، 138. Ency. Isl. I، p.1060 & Mac. I، p، ص 89 من هذا البحث.
ومما يلفت النظر أن جهينة لم يظهر منها بمصر بالرغم من كثرتها سوى عقبة بن عامر الصحابي، من كبار رجالات مصر ومحدثيها في عهد الفتح
(1)
.
وكل من ظهر منها بعد ذلك فهو من الموالي، مثل أبي الهيثم مولى عقبة
(2)
، وعبد الله بن صالح كاتب الليث (ت 223 هـ) من حفاظ الحديث ونقاده
(3)
، وسهل بن الربيع الأخميمي الشاهد المحدث (ت 249 هـ)
(4)
، وابنه أحمد بن سهل (ت 281 هـ) شاهد ومحدث كذلك
(5)
.
بذلك نفرغ من أقسام قضاعة جميعا، فنفرغ من مالك أحد فرعي حِمْيَر، وننتقل إلى الفرع الثاني.
ثانيا - الهميسع
تمثل القبائل المنتسبة إلى الهميسع بن حِمْيَر سائر حِمْيَر غير قضاعة
(6)
. وهذه القبائل هي:
1 -
حضرموت
من المهم أن نلحظ أن بلاد حضرموت الواقعة في جزيرة العرب، شرقي اليمن كان يسكنها الصدف في عصر ما قبل الإسلام
(7)
. وقد ذكرنا عند الحديث عن كندة أنها هاجرت في وقت مولد النبي صلى الله عليه وسلم تقريبا من البحرين إلى حضرموت في أكثر من ثلاثين ألف رجل وألحقت نفسها بالصدف، وكانت تجيب أخوال الحضارمة أهم بطون كندة عند ذاك. ولذلك كان لنا أن نتوقع وجود صلات كثيرة بين الحضارمة سكان البلاد الأصليين والصدف وكندة وتجيب سكانها الطارئين.
(1)
فتوح مصر ص 287، 294 الولاة ص 14، 36 - 38.
(2)
حسن المحاضرة ج 1 ص 107.
(3)
الأنساب ص 469 ب حسن المحاضرة ج 1 ص 145.
(4)
الأنساب ص 22 أ.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
نسب عدنان ص 24.
(7)
Ency. Isl. II، 207
والواقع أن ذلك الاختلاط كان له أثره البعيد في حياة الحضارمة إلى حد أن قال صاحب العبر أن أكثرهم ذهب واندرج باقيهم في كندة وصاروا في عدادهم
(1)
. وقد تأثر الحضارمة بنظام كندة في الحكم أو خضعوا لهذا النظام فكان يحكمهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم الأمراء الملقبون بالعباهلة الذين كانوا يقابلون التبابعة ملوك اليمن في علو الصيت ونباهة الذكر
(2)
. وكان هؤلاء العباهلة وائل بن حجر الذي ترك ملكه ونهض إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لما بلغه ظهوره، فبثسر النبي صلى الله عليه وسلم بقدومه الناس قبل أن يقدم بثلاثة أيام. ومن المهم أن نلحظ أن السمعاني يضيف إلى وائل هذا النسبتين الحضرمي الكندي معا
(3)
.
ويبدو أن الحضارمة شهدوا فتح مصر. فقد ذكر ابن عبد الحكم أسماء من دخل منهم الفسطاط مع عمرو. ولا شك في قلة عددهم آنذاك، فإنهم لم ينفردوا بخطة مستقلة وإنما أقاموا مع أخوالهم في تجيب. وفي آخر خلافة عثمان ركب مائة منهم إليه واستأذنوه في المسير إلى مصر فأذن لهم. وبذلك زاد عددهم في مصر بحيث أصبحوا يستحقون خطة مستقلة فاختطوا شرقي سلهم والصدف حتى أصحروا وتحول إليهم من أراد التحول ممن كان منهم بتجيب
(4)
. وصاروا يرتبعون في ببا (من كورة البهنسا)
(5)
. وعين شمس وأتريب
(6)
.
ويبدو أن طبيعة بلاد حضرموت الفقيرة ترغم أبناءها على الهجرة سعيا وراء الرزق، ويضطرهم هذا بالتالي إلى اكتساب مزايا معينة كالمهارة والأمانة تكفل لهم النجاح في كفاحهم في البلاد الغريبة عليهم. وقد ظهر هذا بوضوح في حياة الحضارمة الذين أقاموا بمصر حيث كان لهم اعتبار خاص لدى أداة الحكم، فقد كتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد والي مصر ينصحه - وربما يأمره - بأن يختار
(1)
نهاية الأرب ص 197.
(2)
المصدر نفسه ص 197، Ency. Isl. II. p. 207.
(3)
الأنساب ص 170 أ، ب.
(4)
فتوح مصر ص 123.
(5)
معجم البلدان ج 2 ص 53. الأرجح أنها كورة بنا التالية لكورتي عين شمس وأتريب.
(6)
فتوح مصر ص 142.
موظفيه من الأزد أو الحضارمة فإنهم أهل الأمانة
(1)
. وحدث أن ساء التفاهم بين عريف حضرموت (الملامس بن جذيمة) ووالي مصر (مسلمة بن مخلد) فاستأذن الملامس الخليفة معاوية في الانتقال إلى فلسطين فأذن لهم. ولكن مسلمة الذي كره ذلك لما فيه من خسارة مادية وأدبية لمصر بطبيعة الحال احتال حتى أحبط هذه المحاولة
(2)
وضرب الحضارمة الرقم القياسي في عدد من ولي القضاء منهم، ففي المدة ما بين سنة 84 وسنة 244 هـ - أي في حوالي قرن ونصف قرن - ولي القضاء بمصر تسعة من رجال حضرموت - أي بمعدل قاضٍ واحد كل ثمانية عشر عاما - أولهم يونس بن عطية (84 - 86 هـ) وآخرهم لهيعة بن عيسى (199 - 244 هـ). هؤلاء عدا من ولي القضاء منهم في الأندلس وبرقة وفلسطين وحمص ودمشق. ولا شك في أن الشاعر يزيد بن مقسم الصدفي كان على حق إذ هنأ حضرموت بما اختصت به من الحكومة بين العجم والعرب
(3)
. ولما أخمد الحوثرة بن سهيل فتنة خلع مروان بمصر سنة 128 هـ ومضى يعدم زعماءها - وكان رجلا بدويا لا يجيد إلا سفك الدماء - هم بقتل خير بن نعيم الحضرمي قاضي مصر وقتذاك، ولكن حسان بن عتاهية التجيبي صاحب شرط الحوثرة تدخل، فاكتفى الحوثرة بعزل ابن نعيم
(4)
.
والآن نتحدث عن بطون حضرموت أو الأسر التي عاشت منها في مصر.
(أ) بس:
دخل هذا البطن مصر مع عمرو، وكان أبرزهم نمر بن زرعة بن نمر
(5)
.
ومع الأيام أصبح بنو يغلب أشهر وأهم أسر هذا البطن بمصر، حتى صاروا ينتسبون إلى جدهم يغلب هذا
(6)
.
(1)
القضاة ص 426.
(2)
راجع فتوح مصر ص 124.
(3)
القضاة ص 425 - 426.
(4)
الولاة ص 90 القضاة ص 352.
(5)
فتوح مصر ص 123.
(6)
الأنساب ص 601 أ.
ومن بني يغلب توبة بن نمر (ت 120 هـ) قاضي مصر وأحد أئمتها المجتهدين
(1)
. وعمه الحارث بن حرمل كان من تابعي مصر
(2)
. واشتهر عقبة بن كليب بفرسه "الجون" كان من خيل مصر المشهورة
(3)
. وكان ابنه عياش بن عقبة (132 - 155 هـ) من رجالات العباسيين بمصر كما كان من المحدثين
(4)
.
(ب) الأعدول:
بطن من الحضارمة، اشتهر منههم لهيعة بن عقبة (ت 100 هـ) من مشاهير تابعي مصر
(5)
. أما ابنه عبد الله بن لهيعة (96 - 174 هـ) فقد ولي قضاء مصر وحدث بها
(6)
. وكان أخوه عيسى بن لهيعة (ت 145 هـ) من المحدثين كذلك
(7)
. وشاركت ذرية عيسى هذا في الحياة العامة بمصر، فولي ابنه لهيعة بن عيسى (ت 204 هـ) القضاء
(8)
، وولي عباس بن لهيعة (ت 215 هـ) الشرط. وحدّث
(9)
، كلما ولي عيسى بن لهيعة (ت 257 هـ) المظالم وحدّث
(10)
.
(جـ) الأحدوث:
بطن من ناهض، من حضرموت
(11)
.
كان أشهرهم خير بن نعيم (ت 137 هـ) قاضي مصر وأحد أئمتها المجتهدين
(12)
.
(1)
فتوح مصر ص 119، القضاة ص 342 - 347 حسن المحاضرة ج 1 ص 119 الأنساب ص 601 أ.
(2)
الأنساب ص 601 أ.
(3)
فتوح مصر ص 144 الأنساب 601 أ.
(4)
الولاة ص 97، 103، 114 القضاة: ص 369، الأنساب ص 601 أ.
(5)
الأنساب ص 44 أ حسن المحاضرة ج 1 ص 107.
(6)
القضاة ص 268 - 270 الأنساب ص 44 أ حسن المحاضرة ج 1 ص 120 مقدمة كست ص 31 - 32.
(7)
الأنساب ص 44 أ.
(8)
القضاة ص 417 - 426.
(9)
الولاة ص 166 الأنساب 44 أ.
(10)
الولاة ص 198 القضاة ص 468 الأنساب ص 44 أ.
(11)
الأنساب ص 20 أ.
(12)
الولاة ص 90 القضاة ص 347 - 356 الأنساب ص 20 أ حسن المحاضرة ج 1 ص 120.
(د) العقابة:
ظهر منهم رواة مثل: أواب بن عبد الله (مات قديما)
(1)
، وإسحق بن عمرو (ت 241 هـ)
(2)
.
(هـ) بنو عوف:
منهم ابن أمية الذي ساعد مسلمة بن مخلد على إحباط رغبة عريف حضرموت في الانتقال بالقبيلة إلى فلسطين
(3)
. ولكن أهمهم هو بلا شك حفص بن الوليد (ت 128 هـ) أمير مصر ومن أصاغر تابعيها
(4)
.
(و) الحارث:
دخلوا مع عمرو بن العاص، وكان أبررهم مالك بن عمرو بن الأجدع، وكانوا يدعون للملامس بن جذيمة عريف حضرموت
(5)
.
(ز) عيدان:
بطن من حضرموت، منهم ربيعة بن عيدان الصحابي، شهد الفتح
(6)
.
(ح) بنو سريع:
ذكرهم السمعاني باسم سليع بضم السين وفتح اللام
(7)
.
وقد دخلوا مصر مع عمرو بن العاص. وكان أشهرهم الملامس بن جذيمة عريف حضرموت في عهد الفتح
(8)
.
ولكن الذين اشتهروا منهم بمصر هم بنو الأعين بن نمر الذي دخل مصر مع عمرو
(9)
. وكان ابنه حيان بن الأعين من محدثي مصر كما كان ممن لحق بابن
(1)
الأنساب ص 394 أ، ب.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
فتوح مصر ص 124.
(4)
الولاة ص 71 - 91 النجوم ج 1 ص 292 حسن المحاضرة ج 1 ص 110.
(5)
فتوح مصر ص 123، 124.
(6)
الأنساب ص 404 أ.
(7)
المصدر نفسه ص 204 ب.
(8)
فتوح مصر ص 123 - 124.
(9)
المصدر نفسه ص 123.
الزبير من المصريين سنة 64 هـ
(1)
. وكان خالد بن حيان من وجوه أهل مصر عند الفتح العباسي ومن المحدثين
(2)
.
(ط) أسرة يونس بن عطية:
يونس هذا أول حضرمي ولي قضاء مصر (84 - 86 هـ)، وقد هاجر وهو غلام مع أبيه وأعمامه إلى مصر زمن عثمان في آخر إمرته
(3)
. واشتهر منهم كذلك ابن أخيه، أوس بن عبد الله، والذي ولي قضاء مصر سنة 86 هـ
(4)
.
(ي) آل زياد بن ربيعة:
هم من صوران قرية باليمن للحضارمة، وإليها ينتسبون
(5)
.
أما زياد نفسه (ت 95 هـ) فمن مشاهير تابعي مصر
(6)
. وابنه سليمان بن زياد (ت 117 هـ) من محدثي مصر
(7)
. ولا شك في أن غوث بن سليمان (ت 168 هـ) قاضي مصر هو أشهر هذه الأسرة
(8)
.
تلك كانت بطون حضرموت في مصر.
أما مواليهم فيظهرون كذلك منذ الحظات الأولى، فقد دخل أبو العالية مصر مع عمرو
(9)
. وكان مغيث كاتبا لتوبة بن نمر القاضي (115 - 120 هـ)
(10)
. وضرب العباسيون عنق يزيد بن مقسم سنة 133 هـ لميوله الأموية
(11)
. ولكن لا شك في أن عبد الرحمن الميسري (110 - 188 هـ) الفقيه الراوية
(12)
. وابنه
(1)
الولاة ص 41 الأنساب ص 304 ب.
(2)
الولاة ص 105 الأنساب ص 304 ب.
(3)
القضاة ص 323.
(4)
المصدر نفسه ص 324.
(5)
الأنساب ص 356 أ.
(6)
حسن المحاضرة ج 1 ص 105.
(7)
الأنساب ص 356 أ، ب.
(8)
القضاة ص 355 - 362، 374 - 376.
(9)
فتوح مصر ص 123.
(10)
القضاة ص 343.
(11)
الولاة ص 99 - 100.
(12)
المصدر نفسه ص 118، خطط ج 4 ص 143 عن الكندي ومقدمة كست ص 27، 29.
عبد العزيز (141 - 222 هـ) الراوية
(1)
. هما أشهر وأهم موالي حضرموت. وكان أبو ذؤالة (ت 204 هـ) من الشهود وصاحب رحبة باسمه في الفسطاط
(2)
.
وفي حديثنا عن موالي حضرموت لابد لنا من الوقوف عند طائفة من أهل اليمن يتردد ذكرهم في تاريخ مصر، أولئك هم الأبناء. والأبناء، فيما أجمع المؤرخون، هم نسل الجنود الفرس الذين استوطنوا اليمن بعد أن طردوا منها الحبش وحكموها وتزوجوا منها
(3)
.
وكان في حضرموت بمصر من هؤلاء الأبناء - ويذكرون في ابن عبد الحكم خطأ باسم الأشياء - عبد الله بن كليب دخل مع عمرو، وقيس أخوه حاجب مسلمة بن مخلد وعبد العزيز بن مروان. وكان هؤلاء الأبناء يدعون لعريف حضرموت الملامس بن جذيمة
(4)
.
بقي علينا أن نلقي نظرة عامة على حياة حضرموت بمصر.
إن أول ما يلفت النظر في الحضارمة غلبة الاشتغال بالعلم والدين عليهم، ويكفي أن كان منهم تسعة من القضاة. أما من اشتغل منهم بالرواية إلى جانب هؤلاء القضاة فكثير، بل إن معظم كبار الموظفين منها كانوا من رجال الحديث كذلك. وقد مرت أمثلة كثيرة من ذلك. ولكن هذا لم يمنعهم من المشاركة في شئون الدولة، فقد ظهر منهم عدد من كبار رجال الدولة.
أما ميول حضرموت السياسية فتبدو في موقفها من الحوادث السياسية المهمة.
لم تظهر حضرموت في فتنة عثمان، ولعل ذلك لأنها لم تكن قد كثرت بعد بمصر. ولكنها كانت ذات ميول ضد الأمويين على كل حال: فقد كان سخدور الصحابي من المحرضين على قتال مروان بن الحكم
(5)
، وقد ذكرنا منذ لحظة أن
(1)
الأنساب ص 546 ب - 547 أ ومقدمة كست 27 - 28.
(2)
الانتصار ج 4 ص 37.
(3)
وفيات الأعيان ج 2 ص 238 الأنساب 17 ب.
(4)
فتوح مصر ص 123 الولاة ص 54.
(5)
حسن المحاضرة ج 1 ص 87.
حيان بن الأعين كان ممن لحق بابن الزبير في الوقت نفسه سنة 64 هـ. ولما آذنت الدولة الأموية بالانتهاء وانفجرت الثورات ضد مروان الحمار كان أربعة من حضرموت هم: رجاء بن الأشيم، وفهد بن مهدي، ويزيد بن مسروق، وعبد الله بن عبد الرحمن بن عميرة من كبار رؤساء الدعوة إلى خلع مروان (127 - 128 هـ)
(1)
، وفي الحركة العلوية التي ظهرت بمصر سنة 145 هـ كان ابن عمير ويحيى بن جابر ممن أيدوها من حضرموت
(2)
. وحفل العصر العباسي بالكثير من شخصيات حضرموت البارزة مما يدل على ثقة الدولة فيهم وولائهم لها.
من الواضح بعد هذا أن حضرموت كانت من القبائل الحية البارزة التي ساهمت مساهمة إيجابية في الحياة المصرية. وقد ظلت محتفظة ببقائها في قوة طوال القرون الثلاثة التي نعني بها على ما يبدو من حياة أشخاصها الذين مروا بنا. أما شواهد القبور فتقدم الدليل في سخاء على صحة هذا بالنسبة إلى القرنين الأخيرين
(3)
.
ننتقل إلى القبيلة الثانية مع الهميسع:
2 -
الصدف
أشرنا منذ قليل إلى اختلاط كندة والصدف في بلاد حضرموت إلى جانب اختلاطهم مع الحضارمة سكان البلاد الأصليين
(4)
. ويعبر ابن دقماق عن ذلك الامتزاج الغريب بقوله عن الصدف أنهم "بطن من كندة ينسبون اليوم في حضرموت"
(5)
.
وقد شهدت الصدف في كل حال فتح مصر، وسجل عمرو دورها في مهاجمة حصن بابليون في رجزه المشهور:
(1)
الولاة ص 84 - 91، 94، 95.
(2)
المصدر نفسه ص 113، 114.
(3)
Rep. Chro. I. pp. 42 - 43، 62 - 63، 104، 179 - 180، 196، 283، 289 & II، 59، 89.
(4)
انظر ص 244، 245.
(5)
الانتصار ج 4 ص 4.
* يوم لهمدان ويوم لصدف*
(1)
واختطت قبلي مهرة
(2)
، وكانت تأخذ مرتبعها في الفيوم
(3)
. وظل الصدف محتفظين بعلاقتهم بكندة، فقد ذكر القُضاعي أن دعوتهم مع كندة
(4)
.
ويبدو أن الجانب الأعظم من هذه القبيلة ترك موجة الفتوح تحمله خارج موطنه الأصلي، فقد قال أرباب علم النسب: أكثر الصدف بمصر وبلاد المغرب
(5)
. وذكر السمعاني أن في رواة العلم جماعة صدفيين كان عامتهم بمصر
(6)
. وذكر ابن خلكان أن الصدف قبيلة كبيرة من حِمْيَر نزلت مصر
(7)
. وأشار اليعقوبي إلى أن قوما منهم كانوا بجبل برقة الشرقي مع غيرهم من أهل اليمن
(8)
. ويؤخذ من هذه الأخبار في كل حال أن مصر كانت المستقر لجانب كبير من هذه القبيلة. والواقع أن فرعيها كليهما - الأجذوم وكان منهم حيان بن يوسف عريف الصدف وقت الفتح
(9)
، والأحروم ومنهم جعشم بن الخير بن ثعلبة ممن بايع تحت الشجرة
(10)
- مثلا في مصر. ولكن من المؤسف أننا لا نستطيع رد شخصيات الصدف التي بين أيدينا إلى الفرع الذي تنتسب إليه كل شخصية منها، فقد كانوا يكتفون فيما يبدو بالانتساب إلى القبيل الأكبر. وأن الأسماء التي حفظتها شواهد القبور لمن مات بمصر من هذه القبيلة لتفوق في الكثرة الأسماء الخاصة بأية قبيلة أخرى على الإطلاق
(11)
. كما حفظت أوراق البردي بعض أسمائهم في القرن الأول
(12)
.
(1)
فتوح مصر ص 62.
(2)
المصدر نفسه ص 122.
(3)
المصدر نفسه ص 142.
(4)
وفيات الأعيان ج 2 ص 555 نهاية الأرب ص 54.
(5)
وفيات الأعيان ج 2 ص 555.
(6)
الأنساب ص 250 ب.
(7)
وفيات الأعيان ج 1 ص 250.
(8)
كتاب البلدان ص 132.
(9)
فتوح مصر ص 123.
(10)
الأنساب ص 166 أ.
(11)
Rep. Chro. I. pp. 43، 140 - 141، 145، 147، 157 - 158، 182، 213 - 214، 256، 261 . 286 & II، pp. 11، 31، 37، 67، 165
(12)
Ar. Uap. III، p. 79.
والأن ننظر في حياة الصدف بمصر.
ظهروا منذ اللحظة الأولى - كما قلنا - فكان منهم من رجال الفتح حسيم بن ثعلبة
(1)
. والأرجح أنه نفسه جعشم بن الخير بن ثعلبة الذي مر ذكره منذ لحظة، ومالك بن ناعمة صاحب الأشقر فرس الصدف المشهور الذي انقذ المسلمين من أيدي الروم عند كوم شريك
(2)
. وقتادة بن قيس الذي تعرف به جنان الحبش
(3)
، وعيسى بن هلال المحدث
(4)
.
والظاهرة التي تجذب الانتباه بمجرد النظر في حياة هذه القبيلة هي علويتها المتطرفة. فمن المدهش حقا أن يشترك من الأحروم في موقعة صفين عشرة إخوة هم أبناء يحيى بن سلمة الحريمي، قاتلوا جميعا في صف علي وقتل ثمانية منهم
(5)
. أما في مصر فقد كان ربيعة بن حبيش، عميد الأسرة الأولى المهمة من الصدف في مصر، يمثل هذا التطرف في الميول العلوية، إذ كان من خاصة علي، وحضر مقتل عثمان ثم وقف في صف ابن جحدم سنة 65 هـ وأشار عليه بحفر الخندق المشهور
(6)
. وكان ابنه عمران بن ربيعة عريفا على القبيلة
(7)
. واشتهر ابنه الثاني سعيد بن ربيعة بأنه رفض منصب القضاء سنة 114 هـ
(8)
. ولكن خالد بن سعيد بن ربيعة ورث عن جده ميوله العلوية فقد قام بأمر دعوة بني الحسن سنة 144 - 145 هـ وضم إليه بقايا العناصر الأموية المعادية للعباسيين
(9)
. واشترك مع خالد في حركته تلك ابناه إبراهيم وهدبة
(10)
. ومن المهم ملاحظة أن صاحب
(1)
الأنساب ص 250 ب.
(2)
فتوح مصر ص 73.
(3)
الخطط ج 3 ص 247.
(4)
الأنساب ص 350 ب.
(5)
الأنساب ص 166 أ.
(6)
الولاة ص 111، 112 الخطط ج 4 ص 340.
(7)
فتوح مصر ص 123 الأنساب ص 350 ب.
(8)
القضاة ص 341 - 342.
(9)
الولاة ص 111 - 115.
(10)
المصدر نفسه ص 113، 114.
شرط الفسطاط التجيبي يسر لهم الهرب لما فشلت حركتهم، كما كان الضرب العقاب الوحيد الذي أنزل بمن اشترك معهم
(1)
.
وكان عبد الأعلى بن موسى (121 - 201 هـ) عميد الأسرة الثانية المهمة من الصدف في مصر
(2)
. ولا شك في أن يونس بن عبد الأعلى (170 - 264 هـ) الفقيه الشافعي الكبير هو أهم شخصيات هذه الأسرة في الفترة التي ندرسها
(3)
. ولا بأس من أن نذكر أن هذه الأسرة ظلت حية بمصر طوال القرن الرابع حيث ظهر منها عدد كبير من أهل العلم والحديث أهمهم الحافظ أبو سعيد، عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى (240 - 249 هـ) صاحب تاريخ مصر الذي اعتمد عليه كل من جاء بعده من المؤرخين، والذي لا زلنا نعتمد اعتمادا كبيرا على ما بقي من أخباره في كتب المؤرخين
(4)
.
نرى من هذا كله أن الدور الذي لعبته ابصدف في مصر كان علميا بقدر ما كان سياسيا حربيا. ولكن الجانب العلمي كان ألمع الجانبين وأبقاهما أثرا.
ثم ننتقل إلى القبيلة الثالثة من الهميسع.
3 -
رعين
كان ذو رعين أبو القبيلة من أقيال اليمن
(5)
. فهي من الأذواء. ودخلت رعين مصر في الفتح، ونزلت بها، واختطت شرقي خولان وقبلي مذحج
(6)
.
وكان من رعين بمصر البطون الآتية:
(1)
المصدر نفسه ص 113، 114.
(2)
وفيات الأعيان ج 2 ص 554 - 555.
(3)
القضاة ص 454 - 456 وغيرها ووفيات الأعيان ج 2 ص 553 - 455 حسن المحاضرة ج 1 ص 124، 207 طبقات الشافعية ج 1 ص 279 - 281.
(4)
الأنساب ص 350 ب.
(5)
المصدر نفسه ص 255 ب العقد ج 2 ص 235.
(6)
فتوح مصر ص 125، 126 الانتصار ج 4 ص 4 نهاية الأرب ص 219.
(أ) قتبان:
شهد هذا البطن فتح مصر. وكان منهم عند ذاك جبار بن ياسر الذي ترك ذرية ظهر منها عباس وجابر ابنا عباس بن جابر من المحدثين
(1)
.
وكان جعثل بن عاهان (ت 115 هـ) من الأئمة المجتهدين بمصر
(2)
. وكان عياش بن عباس من محدثي القرن الأول
(3)
، في حين كان ابنه عبد الله بن عياش قاصا بمصر سنة 144 هـ
(4)
. وكذلك كان فضالة القتباني (ت 122 هـ) من المحدثين
(5)
، وهو والد المفضل (106 - 181 هـ) الذي ولي قضاء مصر مرتين
(6)
. وكانت الليث بن عاصم (ت 145 هـ) وابنه عبد الأحد (ت 169 هـ) من رواة مصر البارزين
(7)
. وكان سعيد بن يزيد (ت 154 هـ) من أصاغر تابعي مصر
(8)
. في حين كان سعيد بن عيسى (ت 219 هـ) من صغار أتباع التابعين
(9)
.
ومن الواضح اهتمام قتبان بالعلم وتفوقها فيه.
(ب) حجر رعين:
هم وحجر حِمْيَر شيء واحد
(10)
. كان منهم زبيد بن الحرث العنقي
(11)
. ودخر بن عامر (ت 102 هـ) من مشاهير تابعي مصر
(12)
. وكان شرحبيل بن قليب من القواد سنة 127 هـ
(13)
. كما كان عمران بن سعيد (152 هـ)، وعمرو بن عبد العزيز، وعبد الغني بن عدي (182 - 187 هـ) من كبار الموظفين
(14)
.
(1)
الأنساب ص 443 ب.
(2)
حسن المحاضرة ج 1 ص 119.
(3)
الأنساب ص 442 ب.
(4)
فتوح مصر ص 241، 243.
(5)
القضاة هامش ص 387.
(6)
المصدر نفسه ص 377 - 388 حسن المحاضرة ج 1 ص 121.
(7)
القضاة ص 410 الأنساب ص 442 ب - 443 أ ومقدمة كست ص 28.
(8)
حسن المحاضرة ج 1 ص 121.
(9)
المصدر نفسه ج 1 ص 115.
(10)
نهاية الأرب ص 127 الأنساب ص 157 أ، ب القاموس مادة: الحجر.
(11)
فتوح مصر ص 120 وفيات الأعيان ج 1 ص 247.
(12)
حسن المحاضرة ج 1 ص 105.
(13)
الولاة ص 87.
(14)
المصدر نفسه ص 117، 139.
وكان من حجر رعين في مصر البطن الآتي:
بنو بدر:
بقي لنا منهم عمير بن أبي ناجية مولاهم (153 هـ) كان ناسكا متعبدا
(1)
.
(جـ) جيشان:
دخلوا مصر مع الفتح واختطوا بها
(2)
. وظهر منهم أسرتان بارزتان. الأولى عميدها مسروق بن مسلم ممن شهد الفتح
(3)
، وكان حفيده سعيد بن عبد الله من المحدثين
(4)
. في حين كان عبد الأعلى بن سعيد (ت 163 هـ) أول من سود بالصعيد سنة 132 هـ وأصبح من رجالات الدولة العباسية بمصر
(5)
.
ومن الطريف أن الأسرة الثانية من قبيلة المعافر أصلا ولكنها حالفت جيشان وأصبح أفرادها ينتسبون إليها
(6)
. وعميد هذه الأسرة أبو سالم ممن شهد الفتح
(7)
. وكان ابنه سالم من مشاهير تابعي مصر
(8)
، في حين ولي حفيده عبد الرحمن بن سالم (ت 153 هـ) القضاء والقصص
(9)
.
وظهر من جيشان عدا هؤلاء أبو تميم (ت 77 هـ) من أئمة القراءات
(10)
. وكان كريب بن مخلد (104 هـ) من الشعراء
(11)
ومن الواضح غلبة الطابع العلمي على هذه القبيلة.
(1)
الأنساب ص 68 ب.
(2)
معجم البلدان ج 3 ص 193 الانتصار ج 4 ص 25 الأنساب ص 147 ب القاموس مادة: جاش.
(3)
الأنساب ص 147 أ.
(4)
المصدر نفسه ص 147 ب.
(5)
الولاة 95، 96، 101 وغيرها الأنساب ص 148 أ.
(6)
القضاة ص 353 الأنساب 147 ب.
(7)
الأنساب ص 147 ب حسن المحاضرة ج 1 ص 87.
(8)
حسن المحاضرة ج 1 ص 105.
(9)
القضاة 353 - 354 الأنساب ص 147 ب - 148 أ.
(10)
حسن المحاضرة ج 1 ص 118، 207.
(11)
فتوح مصر ص 114 الولاة ص 72 الانتصار ج 4 ص 39.
(د) يافع:
يافع بن الحرث. دخلت مصر في الفتح، واختطت مع رعين بالفسطاط شرقي خولان. ولكنها كانت من القبائل التي جعلها عمرو تعسكر في الجيزة، فانضمت إلى همدان ووالتها على النزول بالجيزة حتى أن ابن عبد الحكيم يعدها من رهط همدان
(1)
.
واختطت يافع في وسط الجيزة. وكانت روح البداوة متحكمة فيهم، فإنه لما أراد عمرو بناء حصن هناك لتقيم به القبائل المعسكرة بالجيزة رفضت هذه القبائل، فاضطر عمرو إلى الإقراع بينهم فوقعت القرعة على يافع فبنى الحصن في خططهم فخرجت طائفة منهم عن الحصن أنفة منه
(2)
.
ومن المهم ملاحظة أن ابن دقماق يذكر هذه القبيلة دائما باسم نافع بالنون وهو خطأ.
كان أبرز شخصيات يافع وقت الفتح فبرح بن شهاب أحد وفد رعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقائد ميسرة عمرو عند الفتح
(3)
. وكان عمرو بن سعود الصحابي من رجال الفتح أيضا
(4)
. أما درع بن يشكر فكان أحد قادة جيش ابن أبي حذيفة الستة إلى عثمان سنة 35 هـ
(5)
. وكان راشد بن جندل، وسليمان بن إبراهيم من محدثي مصر في القرنين الثاني والثالث
(6)
.
(هـ) ثنات:
مخلاف باليمن، وقبيلة من حِمْيَر
(7)
.
لم يظهر منها سوى أبي خزيمة، إبراهيم بن يزيد (ت 154 هـ) القاضي الذي لم يقبل منصب القضاء إلا بعد أن هددوه بضرب عنقه
(8)
.
(1)
فتوح مصر ص 126، 129 الانتصار ج 4 ص 126 الخطط ج 1 ص 206.
(2)
الانتصار ج 4 ص 126 الخطط ج 1 ص 206.
(3)
فتوح مصر ص 129 الأنساب ص 292 أ حسن المحاضرة ج 1 ص 97.
(4)
الأنساب ص 596 أ.
(5)
الولاة ص 17، 18.
(6)
الأنساب ص 596 أ:
(7)
فتوح مصر ص 241 المسالك والممالك ص 138 المقدسي ص 89 الأنساب ص 114 ب القاموس مادة: ثنت.
(8)
فتوح مصر ص 241 - 243 القضاة ص 358، 363 - 368 الأنساب ص 114 ب.
(و) كحلان:
بضم الكاف.
ظهر منها الحسن بن يزيد (ت 99 هـ) من أصحاب الشرط. وأبو هبيرة مولى عبد الله بن عمرو
(1)
.
(ز) ردمان:
بفتح الراء.
لم يظهر منهم سوى المنتظر بن إسماعيل (145 هـ) مولاهم، وابنه إسماعيل بن المنتظر (ت 231 هـ) من أهل مصر
(2)
.
(ح) العبل:
بفتح العين والباء.
نستطيع أن نميز منهم ثلاث أسر.
عميد الأسرة الأولى مرثد بن زيد من رجال الفتح
(3)
. وكان ابنه جناب (ت 83 هـ) صاحب الحرس والأعوان والشرط - وهي هيئات بوليسية وعسكرية - لعبد العزيز بن مروان
(4)
. ويبدو أن صاحب الشرط عقبة بن نعيم (ت 128 هـ)، أحد بني زنباع بن مرثد، ومن رؤساء فتنة خلع مروان من الأسرة نفسها
(5)
.
وزرعة بن قرة من رجال الفتح هو عميد الأسرة الثانية
(6)
، وكان أخوه نمران (ت 157 هـ) من المحدثين
(7)
.
(1)
فتوح مصر ص 258 الولاة ص 68 الأنساب ص 475 ب.
(2)
الولاة ص 112 الأنساب ص 250 ب.
(3)
الأنساب ص 382 ب.
(4)
فتوح مصر ص 236 - 237 الولاة: ص 49، 51، 53.
(5)
الولاة ص 81 - 86، 90.
(6)
الأنساب ص 382 ب.
(7)
المصدر نفسه.
أما الأسرة الثالثة فيظهر منها حميد بن هاشم من رجال القرن الثاني - الثالث
(1)
، وكان محمد بن حميد، وقرة بن محمد بن حميد، ومحمد بن قرة بن محمد بن محدثي أهل مصر
(2)
.
ويبدو أن هذا البطن كان ذا ميول أموية، إذ كان أحد أفراده (يحيى بن يعمر) ممن بايع معاوية بن حديج على الطلب بدم عثمان (35 - 36 هـ)
(3)
. كما يبدو أنهم كانوا ذوي منزلة خاصة لدى عبد العزيز بن مروان تبدو في معاملته لجناب بن مرثد الذي مر ذكره.
(ط) القبض:
أورد السمعاني هذا بأسماء ثلاثة أولها ذلك الاسم بالقاف والباء. وثانيها القيض بالياء، وثالثها القيظ بالياء والظاء
(4)
.
والشخصيات التي تتردد فيما بين هذه الأسماء كلها أولها زياد بن نمران من رجال الفتح، ثم ابنه عبيد من المحدثين
(5)
. ثم زياد بن عبيد من محدثي القرن الأول - الثاني
(6)
.
(ي) الأضمور:
بطن من رعين ينسب إليه جماعة بالضميري (بضم الضاد وفتح الميم)
(7)
. منهم عتبة بن زياد من محدثي القرن الثاني
(8)
. وينتسب إليهم عبد الله بن محمد بن الحجاج الدهشوري (ت 323 هـ) المحدث
(9)
.
(1)
القضاة ص 436.
(2)
الأنساب ص 382 ب.
(3)
الولاة ص 18.
(4)
الأنساب ص 441 ب، 468 ب.
(5)
الأنساب ص 441 ب.
(6)
المصدر نفسه ص 468 ب.
(7)
المصدر نفسه ص 362 أ.
(8)
المصدر نفسه.
(9)
معجم البلدان ج 4 ص 114 الأنساب ص 234 ب.
(ك) ذبحان:
لهم مخلاف باسمهم في اليمن. وشهدوا فتح مصر. وحالفوا قبيلة مدلج العدنانية وأقاموا معهم في خربتا
(1)
.
كان منهم بمصر عبيد بن عمرو الصحابي شهد الفتح، وعبد الملك بن عمر بن جابر (ت 175 هـ) من المحدثين، وطاهر بن إباد (ت 304 هـ) من المحدثين
(2)
.
وربما كانت النسبة "الزنجاني" المضافة في النجوم
(3)
. إلى منصور بن يزيد بن منصور الحميري الرعيني أمير مصر سنة 162 هـ تصحيفا للنسبة: الذبحاني، فزنجان بلد بأذربيجان
(4)
. ولم تجر عادة العرب في القرن الثاني على الانتساب إلى البلدان.
(ل) عجلان:
يبدو أنها بطن من رعين
(5)
.
منها الحسن بن يزيد صاحب شرط أيوب بن شرحبيل سنة 99 هـ
(6)
.
ومن الأسر التي لم نهتد إلى البطن الذي تنتسب إليه، ولعلها كانت تنتمي إلى القبيل الأكبر مباشرة، الأسرة التي يتزعمها بحر بن أضبع الصحابي من رجال الفتح
(7)
. وكان له حفيدان أحدهما شاعر وهو مروان بن جعفر بن خليفة والثاني وهو أبو بكر بن محمد كان قائدا لمراكب دمياط في عهد عمر بن عبد العزيز
(8)
.
نستطيع الآن أن نرى في وضوح أن رعين كانت قبيلة كبيرة بمصر، وقد برز منها كثير من رجال العلم ومن رجال الدولة على حد سواء. وقد ظلت محتفظة ببقائها في قوة طوال القرون الثلاثة.
ثم ننتقل إلى القبيلة الرابعة من الهميسع:
(1)
فتوح مصر ص 142 ابن خرداذبة، المقدسي ص 90، السمعاني 239 أ، القاموس: مادة: ذبح.
(2)
الأنساب ص 239 أ.
(3)
النجوم ج 2 ص 41.
(4)
القاموس مادة: زنج.
(5)
الولاة ص 68 وهامشها.
(6)
المصدر نفسه.
(7)
حسن المحاضرة ج 1 ص 75.
(8)
المصدر نفسه.
4 -
الكلاع
من الأذواء. نزلت الشام، وأكثرهم نزل حمص
(1)
. وحضر جانب منهم إلى مصر في الفتح، واختطوا بها خطة متصلة بخطة رعين
(2)
.
ظهر منهم بمصر ضميم بن مالك قاضي الإسكندرية ومن صغار التابعين بمصر
(3)
. وهانئ بن المنذر من وجوه مصر (126 هـ)
(4)
.
ويبدو أن محمد بن معاوية، من رجالات مصر في العصر العباسي (132 - 143 هـ)
(5)
. ومحمد بن عبد الرحيم بن يحيى من المحدثين
(6)
من أسرة لعل عميدها بجير بن ريسان من رجال الفتح.
وكان من قبيلة الكلاع البطون الآتية:
(أ) السلف:
بضم السين وفتح اللام
(7)
.
شهدوا الفتح، وكانت خطتهم مع القبائل المنسوبة إلى سبأ
(8)
.
ظهر منهم حكي بن سعد بن بكر من رجال الفتح
(9)
. وكان أبو عبد الأعلى بن عبد الواحد (ت 230 هـ) من المحدثين، يقال أنه توفي بالبرلس
(10)
.
(ب) نخلان:
بفتح النون وسكون الخاء.
(1)
الأنساب ص 492 أ القاموس مادة: الكلع.
(2)
فتوح مصر ص 126 الانتصار ج 4 ص 4.
(3)
حسن المحاضرة ج 1 ص 108.
(4)
الولاة ص 84.
(5)
الولاة ص 96، 98، 104 - 105، 108 - 110.
(6)
الأنساب ص 265 أ.
(7)
المصدر نفسه ص 301 ب.
(8)
فتوح مصر ص 126 الانتصار ج 4 ص 4.
(9)
الأنساب ص 201 ب.
(10)
المصدر نفسه ص 302 أ.
كان منهم بمصر يزيد بن خالد بن مسعود من أصحاب الشرط (ت 165 هـ)
(1)
. وقد ترك ناشر الولاة نسبته (النخلاني) بدون إعجام.
(جـ) الخباير:
ظهر - منهم إياد بن ياسر بن إياد (ت 204 هـ)، وأخوه يونس بن ياسر (ت 210 هـ) وهما من المحدثين
(2)
.
(د) نعيمة:
بفتح النون وكسر العين، أو بضم النون وفتح العين. وهم والخبائر إخوان من الكلاع. كان منهم أبو الحسن بن حي، تابعي من أهل مصر
(3)
.
(هـ) زباد:
بفتح الزاي والباء.
ذكر السمعاني طائفة منهم من المحدثين، منهم يزيد بن خمير، ومالك بن خير الإسكندراني من محدثي القرن الثاني
(4)
.
(و) ميتم:
بفتح الميم وسكون الياء.
يقول السمعاني أنه بطن من الكلاع من حِمْيَر. ويسقط الكلام بعد ذلك فيما يبدو حين يتحدث عن واحد من هذا البطن يقول عنه أنه كان في الطبقة العليا من جند مصر
(5)
.
(ز) هوزن:
ظهر منهم الحسن بن ثوبان (ت 145 هـ) من أصاغر التابعين بمصر
(6)
.
(1)
الولاة ص 124 الأنساب ص 57 ب،
(2)
الأنساب ص 187 ب.
(3)
المصدر نفسه ص 565 أ.
(4)
المصدر نفسه ص 368 ب.
(5)
الأنساب ص 548 ب.
(6)
المصدر نفسه ص 593 أ حسن المحاضرة ج 1 ص 110.
(ح) الفقاعة:
هكذا اسمها في الخطط
(1)
. ولكن ابن خرداذبه
(2)
، يذكر مخلافا باسم القفاعة بينما يذكره المقدسي باسم القناعة بالنون
(3)
.
وكان لهم في كل حال مسجد باسمهم في القرافة
(4)
.
لنا الحق بعد هذا في أن نعتقد أن قبيلة الكلاع كانت من قبائل مصر الكبيرة، وإن كان من المؤسف أن الأخبار الباقية لنا عن بطونها، ومعظمها في الأنساب، يسودها التصحيف المخل. ومن الواضح في كل حال غلبة الاشتغال بالدين عليهم.
ومن المهم أن نذكر بني خنيس الدمياطيين موالي الكلاع. ويبدو أنهم مصريون أصلا. وكان لهم زقاق باسمهم في الفسطاط
(5)
.
5 -
أصبح
قبيلة كبيرة، إليها تنسب السياط الأصبحية، ومنها الإمام مالك بن أنس
(6)
. حضروا الفتح، ونزلوا الجيزة بأمر عمرو مع القبائل الأخرى، وكرهوا مثل يافع أن يُبنى الحصن فيهم
(7)
.
كان بنو أبرهة أهم من عاش منهم بمصر. ولم يكن لهم خطة بالفسطاط وإنما خطتهم بالجيزة
(8)
.
وعميدهم أبرهة بن الصباح صحابي، دخل مصر في جيش عمرو
(9)
. ويبدو أن بنيه الأربعة جميعا: كريب وأبا شمر ومعدي كرب ويكسوم دخلوا مصر
(1)
الخطط ج 4 ص 329.
(2)
المسالك والممالك ص 141.
(3)
أحسن التقاسيم ص 91.
(4)
الخطط ج 4 ص 329.
(5)
الانتصار ج 4 ص 22.
(6)
نسب عدنان ص 24 وفيات الأعيان ج 1 ص 556 الأنساب 141.
(7)
فتوح مصر ص 129 الانتصار ج 4 ص 126 الخطط ج 1 ص 206.
(8)
فتوح مصر ص 113.
(9)
الخطط ج 1 ص 211.
كذلك، وإن كان من الثابت أن الأول والثاني مثهم قد هاجرا في خلافة عمر بن الخطاب
(1)
ودخلا مصر وأقاما بها إقامة دائمة. فإن أبا شمر وهو أكبرهما كان سيد قبيلة أصبح عندما نزلت الجيزة
(2)
.
وأغلب الظن أنه هو المذكور في الولاة مرة باسم أبي سهم بن أبرهة، الذي أصيبت عينه في غزوة الأساود سنة 31 هـ
(3)
. ومرة باسم أبي شمس بن أبرهة الذي قتله معاوية سنة 36 هـ فيمن قتل من زعماء الثورة ضد عثمان من أهل مصر
(4)
. وقد بقيت ذريته في مصر على كل حال، وظهر من أحفاده إسحق بن أبرهة الذي ولي الإسكندرية سنة 199 هـ
(5)
.
أما كريب بن أبرهة (ت 78 هـ) فقد كان وقت فتح الشام غلاما لا يعي ما يسمع فلما كبر كان من أشراف مصر، ويبدو أنه كان سيد حِمْيَر جميعها فقد رآه أحدهم يخرج من عند عبد العزيز بن مروان "وأن تحت ركابه خمسمائة رجل من حِمْيَر". وبينما كان أخوه أبو شمر من الثائرين ضد عثمان كان هو من شيعة بني أمية، وممن عمل على إنهاء حركة ابن جحدم
(6)
.
وليس لدينا ذكر لمعدي كرب ولا لأحد من أولاده. أما يكسوم فقد ظهر من أولاده أيوب بن شرحبيل أمير مصر (99 - 101 هـ) الذي ألحق لأهل مصر خمسة آلاف سنة 100 هـ
(7)
.
وفيما عدا بني أبرهة هؤلاء ظهر من أصبح بمصر سودان بن أبي رومان كان من قادة جيش ابن أبي حذيفة الستة إلى عثمان
(8)
، والحارث بن داخر صاحب
(1)
فتوح مصر ص 113.
(2)
المصدر نفسه ص 129.
(3)
الولاة ص 12.
(4)
المصدر نفسه ص 129.
(5)
المصدر نفسه ص 158.
(6)
فتوح مصر ص 113 الولاة ص 42 - 46 حسن المحاضرة ج 1 ص 96.
(7)
الولاة ص 67 - 69.
(8)
المصدر نفسه ص 17.
شرط أيوب الذي مر منذ لحظة
(1)
، وأبو خالد بن يزيد بن سعيد المحدث (توفي حوالي 252 هـ)
(2)
.
وظاهر ما تدل عليه أخبار هذه القبيلة من قوتها ومكانتها في مصر. ومن المهم ملاحظة أنها بدأت حياتها السياسية بمعاداة عثمان، ثم تحولت إلى المعسكر الأموي في عهد زعيمها القوي كريب بن أبرهة. وتشير شواهد القبور إلى بقائها في مصر حتى القرن الثالث
(3)
.
6 -
يزن
من الأذواء، وإليهم تنسب الرماح اليزنية
(4)
.
لا نعرف شيئا من أخبارهم بمصر، ولم يبق لنا منهم إلا ذكر مرثد بن عبد الله (ت 90 هـ) قاضي الإسكندرية، ومن الأئمة المجتهدين
(5)
.
7 -
يحصب
امتازت بلاد يحصب في اليمن بالخصب وكثرة المياه. وهي ميزة سجلها الشاعر في قوله:
وبالربوة الخضراء من أرض يحصب
…
ثمانون سدا تقلس الماء سائلا
(6)
وقد هاجروا مع حركة الفتوح ونزل أكثرهم حمص
(7)
، ولكنهم دخلوا مصر كذلك في جيش الفتح، واختطوا قبلي المعافر، وإن كان بطن منهم قد أقام مع حضرموت في خطتها
(8)
.
(1)
المصدر نفسه ص 68.
(2)
الأنساب ص 41 أ.
(3)
Rep. Chro.I،p. 154
(4)
العقد ج 2 ص 235 الأنساب ص 599 ب.
(5)
الأنساب ص 599 ب الخطط ج 4 ص 18 حسن المحاضرة ج 1 ص 118.
(6)
معجم البلدان ج 7 ص 403.
(7)
الأنساب ص 598 أ.
(8)
فتوح مصر ص 123، 126 الانتصار ج 4 ص 4.
كان منها في عهد الفتح العوام بن حبيب صاحب "ذي الريش" أحد خيل مصر المشهورة
(1)
. وفي سنة 117 هـ عانت هذه القيلة موقفا حرجا عندما ثار وهيب اليحصبي من الخوارج، ضد والي مصر إذ أذن للنصارى ببناء إحدى الكنائس. فقبض الوالي على مروان بن عبد الرحمن، ولعله كان عريف يحصب، في جماعة من القبيلة، ولم يخل سبيلهم إلا عندما أعلنوا براءتهم من وهيب الذي لم يكن من أهل مصر، وإنما كان من اليمن قدم إلى مصر
(2)
.
وفي العقد الأخير من القرن الثاني عادت يحصب فلفتت الأنظار عندما لجأت إلى الغش في سباق للخيل أجري بينها وبين مراد. فلما عرض الأمر أمام القضاء لجأت يحصب إلى رشوة القاضي العمري (175 هـ - 194 هـ)، وكان قاضيا خرب الذمة، ليحكم لها بالنصر المسروق. ولكن القاضي الجديد صحح الأوضاع الفاسدة
(3)
.
ومن الواضح أن يحصب كانت قليلة العدد وقليلة الأهمية بمصر وتشير شواهد القبور إلى بقائها في مصر في القرن الثالث الهجري
(4)
.
8 -
سيبان
جعلهم ابن عبد الحكم من مهرة
(5)
، وجعلهم ناشر الولاة من مراد
(6)
والواقع أنه سيبان بن الغوث بطن من حِمْيَر
(7)
.
يبدو أنهم اختطوا بمصر، وكان لهم مسجد باسمهم في الفسطاط
(8)
.
(1)
فتوح مصر ص 144.
(2)
الولاة ص 77 - 78.
(3)
القضاة ص 302، 403.
(4)
Rep. Chro.I،pp. 220 - 221
(5)
فتوح مصر ص 121.
(6)
الولاة هامش ص 129.
(7)
الأنساب ص 321 أ القاموس مادة: السيب.
(8)
فتوح مصر ص 121.
ظهر منهم عبد السلام بن عبد الله بن هبيرة الذي ولي برقة لما ضمت إلى مصر سنة 148 هـ
(1)
، وابن ذي هجران السبياني الذي حارب دحية بن مصعب سنة 169 هـ
(2)
.
9 -
الرجبة
هو الرجبة - الجيم - بن زرعة بن كعب فيما ذكره ابن دقماق
(3)
. ولكن السمعاني وصاحب القاموس يقولان أنهم بنو رحبة - بالحاء - بطن من حِمْيَر
(4)
. وكل ما نعرفه عنهم أنهم اختطوا بالفسطاط
(5)
.
10 -
الوحاف
من قبائل الفتح، فقد كان نفر منهم من اللفيف
(6)
. وأغلب الظن أنهم هم وحاظة - ويقال أحاظة - البطن من حِمْيَر
(7)
.
بذلك ننتهي من قبائل حِمْيَر جميعا، فتنتهي القبائل القحطانية التي تمثل القسم الجنوبي من الشعب العربي.
ولكننا لا نستطيع أن نزعم الفراغ من القبائل العربية في مصر قبل أن نتحدث عن أمرين: الأول هو بعض التجمعات الخاصة التي ظهرت بين تلك القبائل وقت الفتح. والثاني هو القبائل المجهولة التي لم تساعدنا المصادر التي في متناولنا على تحقيقها ووضعها في مكانها الصحيح.
(1)
الولاة ص 16 أ.
(2)
المصدر نفسه ص 129.
(3)
الانتصار ج 4 ص 4.
(4)
الأنساب ص 249 ب القاموس مادة: الرحب.
(5)
الانتصار ج 4 ص 4.
(6)
المصدر نفسه ج 4 ص 4.
(7)
ابن خرداذبة ص 141 المقدسي ص 91، معجم البلدان ج 8 ص 302 الأنساب ص 578 ب القاموس مادة: وحاظة.
ما قاله ابن فضل الله العُمَري عن قبائل مصر في القرنين السابع والثامن الهجريين
(1)
:
قال عرب مصر: قيل، وبدمياط سُنبس
(2)
، وهم من الغوث بن طيئ. وكان لهم أيام الخلفاء الفاطميين شأن وأيام؛ وهم الخزاعلة، وجموح، وعبيد، وحلفاؤهم من عُذْرة فرقة غير من تقدم ذكره - ومُدْلَج. وديار هؤلاء من ثغر دمياط إلى ساحل البحر. وتجاورهم فرقة من كِنَانة بن خُزْيمة أتوا أيام الفائز الفاطمي في وزارة الصالح بن رُزيك ومقدّمهم لاحق. ومن ولده قاضي القضاة شمس الدين بن عدلان
(3)
، وفرقة من بني عدي بن كعب؛ وفيهم رجال من بني عمر بن الخطاب ومقدمهم خلف بن نصر العمري؛ فنزلوا بالبرلس وكانوا هم والكنانيون من ذوي الآثار نوبة دمياط
(4)
.
قلت: ونحن من ولد خلف بن نصر المذكور؛ وهو شمس الدولة أبو علي. وقد وجد خاصة والوفد الكناني عامة من ابن رزيك فوق الأمل، وحلّوا محلّ التكرمة عنده على مباينة الرأي ومخالفة المعتقد. وقد أتيت بذلك مفصلا في كتاب "فواضل السمر في فضائل آل عمر" قلت: إنما قدمت هذا الفصل لغرض هو تعلقه بنسبي وقومي الذين أنا منهم.
قال الحمداني: أول من سكن مصر جُذَام
(5)
حيث جاءوا مع عمرو بن العاص، وأقطعوا فيها بلادا بعضها بأيدي بنيهم إلى الآن. ثم غد من بها بالصعيد
(1)
انظر مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن يحيى (ابن فضل الله العُمَري القُرَشي) 700 - 749 هـ / 1301 - 1349 م - دراسة وتحقيق دوزوتبا كرافولسكي.
(2)
قارن بالبيان 7 - 11 = 416 - 414 Wustenfeld، والصبح 1/ 321 - 322، النهاية 296 - 297، القلائد 87، 135.
(3)
هو محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم الكناني شمس الدين بن عَدْلان (663 - 749) قارن عنه حسن المحاضرة 1/ 428.
(4)
E 12،،II،292
(5)
لقد خص Wustenfeld جذام هذه بعناية خاصة فرسم شجرة لأنسابهم إلى أيام المماليك. قارن بـ 493 Wustenfeld Uber die Araber.
من العربان في زمانه؛ فقال: أولهم
(1)
بنو هلال؛ ولهم بلاد أسوان وما تحتها. ثم بلِّي؛ ولهم بلاد إخميم وما تحتها. ثم جهينة؛ ولهم بلاد منفلوط وأسيوط. ثم قريش، ولهم بلاد الأشمونين. ثم لواثة؛ ويقال فيهم "لواثا" ولهم معظم بلاد البهنسا. ومنهم أناس بالجيزة وأناس بالمنوفية، وأناس بالبحيرة. وهم قبائل متفرهة يجمعهم لواثة. ثم بنو كلاب، ولهم بلاد الفيوم. قال: وهؤلاء القبائل المشهورة في الصعيد. ثم ذكر جملا من أحوالهم؛ وقال:
فأما بنو هلال
(2)
فيرجعون إلى عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن من قيس عيلان. وكانوا أهل بلاد الصعيد كلها إلى عيذاب. وبإخميم منهم بنو قرة. وبساقية قلتة منهم بنو عمرو وبطونهم وهم بنو رفاعة وبنو حجير وبنو غرير. وبأصفون وأسنا بنو عقبة وبنو جميلة. ثم بنو جميلة منهم نجم الدين الأصفوني الوزير
(3)
؛ وكان فقيها كاتبا عارفا بأمور الديوان، ضابطا للأموال؛ ثقل على الشجاعي
(4)
؛ وكان مشدا معه ولم تمتد له معه يد في مال السلطان. فدس له سما في كعكة وأعطى عبدا كان له مائة دينار ليُطعمها له بكرة يكون فطره عليها وأوهمه أنها عملت للتأليف بينهما! فأطعمها ذلك العبد الجاهل سيده فكان فيها حتفه. واحتاط الشجاعي تركته وأمسك العبد وقتله وأخذ ما كان يملكه، ووجد معه الدنانير بصرتها فأخذها.
وأما بلِّي
(5)
فمن قضاعة؛ وكانوا مفرقين فاتفقت هي وجهينة فصار لبلي من جسر سوهاي غربا إلى قريب قمولة. وصار لها من الشرق من عقبة قاو الخراب إلى عيذاب. قال: والموجود اليوم في هذه البلاد من أصول بلِّي بن عمرو: بنو
(1)
النص في البيان 27 - 28= 424 - 423 Wustenfeld.
(2)
النص في البيان 28= 424 Wustenfeld .
(3)
هو عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم نجم الدين الأصفوني (677 - 750)؛ حسن المحاضرة 1/ 428.
(4)
هو الأمير علم الدين سنجر الشجاعي أول من ولي الوزارة من الأمراء؛ حسن المحاضرة 2/ 222 - 223.
(5)
النص في البيان 29 - 33= 26 - 424 Wustenfeld . قارن عنهم وعن جهينة Oppenheim II، 364 - 352. يقال إنهم جاءوا إلى مصر مع جُهينة في زمن عمر بن الخطاب (البيان 29).
هني، وبنو هرم، وبنو سوادة، وبنو خارفة، وبنو رايس، وبنو ناب، وبنو شاد - وهم الأمراء الآن - وبنو عسجيل بن الذيب وهم العجلة وفيهم الإمرة أيضا. ثم قال: ويقال إن بني شاد من بني أمية - وصل؛ يعني إذ طردوا إلى القصر الخراب المعروف بهم؛ وكان معه رجل من ثقيف معه قوس فسموه القوس. وذريته يعرفون بالقوسية والقوسة. ودَعوتهم لبني شاد وهم بطوخ. وكذلك يُدعى لهم خَلْق سواهم منهم هذيل وهم بطوخ أيضا. ومنهم بنو حماد وبنو فضالة بمنفلوط، وبنو خيار بفرشوط
(1)
. وقال: إن قوما زعموا أن بني شاد من بني العجيل بن الذيب وإنما هم إخوتهم. وإنما العجيل كان قد تزوَّج أخت إبراهيم بن شاد فولدت منه ولدا سمته شاديا فوهم الجهلة لذلك. قال: وقد قال قوم إن عجيل بن الذيب من ولد الشمر قاتل الحسين رضي الله عنه وليس كذلك!.
وأما جهينة
(2)
فمن قضاعة. وهم أكثر عرب الصعيد. وكانت مساكنهم في بلاد قريش فأخرجتهم قريش بمساعدة عسكر الخلفاء المصريين فهم اليوم في بلاد إخميم أعلاها وأسفلها قال: وروي أن بليا وبطونها كانت بهذه الديار، وجهينة بالأشمونين جيرانا بمصر كما هم بالحجاز؛ فوقع بينهم واقع أدى إلى دوام الفتنة. فلما أتى العسكر المصري لإنجاد قريش على جهينة خافت بلِّي فانهزمت في أعلى الصعيد إلى أن أديلت قريش وملكت دار جهينة. ثم حصل بينهم جميعا الصلح على مساكنهم هذه التي هم بها الآن، وزالت الشحناء.
قلت؛ وفي المثل: "وعند جُهْينة الخبر اليقين"
(3)
. قال أبو عبيدة: خرج حصن بن عمرو بن معاوية بن كلاب ومعه رجل من جهينة فنزلا منزلا فقتل الجهيني الكلابي وأخذ ماله. وكانت للكلابي أخت اسمها صخرة فجعلت تبكيه في المواسم؛ فقال الأخنس الجهني فيها: (من الوافر)
(4)
.
(1)
فرجوط، أو فرشوط في Halm 1،66.
(2)
النص في البيان 32 - 33= 426 - 425 Wustenfeld.
(3)
قارن بالفاخر للمفضل بن سلمة 126، وفصل المقال 295 - 296، والمستقصى 2/ 169 - 170، والأغاني (طبعة دار الثقافة، بيروت، 1981) ص 4، ومجمع الأمثال 2/ 4 - 5.
(4)
قارن بالمستقصى 2/ 170، ومجمع الأمثال 2/ 3 - 5 رقم 2383.
كصخرة إذ تسائل في مراح
…
وفي جرم وأعلمها ظنون
تسائل عن حصين كلَّ حيٍّ
…
وعند جهينة الخبر اليقين
وقيل
(1)
: بل كان جهينة يخدم ملكا يمانيا، وكان له وزير إذا غاب الملك خلفه الوزير على بعض حظاياه فتبعه جهينة بحيث لم يره؛ فلما جلس الوزير على مقعد الملك في لبسه والحظية إلى جانبه غنى وقد أخذ منهما السكر:(من الوافر)
إذا غاب المليك خلوت ليلى
…
أضاجع عنده ليلي الطويل
كان مطارح الوشحات منها
…
هيال يطردن على وهيل
فلما دخل فيهما السكر قام جهينة فقتل الوزير ودفن رأسه تحت وسادة الملك! فلما أتى الملك وفقد الوزير جهد في تعرف خبره فلم يقف عليه حتى سكر جهينة ليلة عنده فقال: (من الوافر)
تسائل عن نجيدة كل وقت
…
وعند جهينة الخبر اليقين
فسمعه بعض الندماء؛ فأخبر الملك، فأوقفه على الخبر؛ فأمره على بلاد كثيرة وأجزل له العطاء.
وأما قريش
(2)
فمنهم الجعافرة، وهم من الزبانية
(3)
؛ ومنهم الزبانية، ومنهم الشريف تغلب صاحب ذروة سربام
(4)
؛ ومسكنهم المتمرع من بحري منفلوط إلى سملوط غربا وشرقا. قال: ولهم أيضا حدود ببلاد أخرى يسيرة. قال وبحرجة منفلوط قوم من بني الحسن بن علي
(5)
. وفي. أسيوط أناس
(1)
قارن بالروايات المختلفة في هذا المثل المصادر الآنف ذكرها (159 ح 3). أما رواية العمري هذه فمختلفة.
(2)
النص في البيان 33 - 41 - 432 - 426 Wustenfeld ؛ وقارن بجمهرة ابن حزم 464 - 468،
والقلائد 141 - 155، و د 404 - 399 PPenheim II،
(3)
يعني أولاد جعفر الطيار بل ابن ابنه علي الزينبي بن عبد الله بن جعفر الطيار الذي أمه زينب بنت علي بن أبي طالب. ورد ذكر أولاد علي الزينبي هذا في مصر في منتقلة الطالبية 240، و 304 - 305، وترجع معظم أخبار ابن طباطبا إلى أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريين. (قارن بالبيان 34).
(4)
ويقال ذروة الشريف؛ راجع 114 Halm I،
(5)
قارن بمنتقلة الطالبية 198 - 199، و 291 حيث ورد ذكر من بالصعيد وبمصر من ولد الحسن بن علي.
من أولاد إسماعيل بن جعفر الصادق
(1)
؛ ويعرفون بأولاد الشريف قاسم. ثم ذكر بطون الجعافرة فقال: منهم بو أيمن وهم الحيادرة منسوبون إلى جدهم حيدرة. ومنهم السلاطنة أولاد أبي جحيش؛ والإمرة فيهم في بني تغلب
(2)
. وسمت نفوسهم إلى الملك وخصوصا الشريف حصن الدين. وقد كان أنف من إمارة المعز والدولة التركية، وكاتب الملك الناصر ابن العزيز
(3)
؛ وأرسل إليه الفائزي الوزير وغيره في جيوش؛ وكانت له ولهم أيام. وآخر مرة نصب له الظاهر بيبرس حبائل الغدر، وصاده بغوائل المكر حتى شنقه بالإسكندرية
(4)
. قال: وهذه نبذة من أخبار الأشراف بالصعيد، وحدود بلادهم، وبلاد مواليهم وأتباعهم وحلفائهم من بلاد الأشمونين بالصعيد إلى بحري إتليدم
(5)
وما انحدر. ومعظمهم بالذروة.
قال: وأما غير الأشراف من قريش الساكنين بالصعيد فمنهم بنو طلحة وبنو الزبير، وبنو شيية، وبنو مخزوم، وبنو أمية، وبنو زهرة، وبنوسهم. ومن موالي بني هاشم بنو مر وهم بنو قنبر مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فأما بنو طلحة
(6)
؛ فمن بني طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
(7)
؛ وهم ثلاث فرق هم وأقرباؤهم، وأطلق على الكل اسم بني طلحة. فالأولى بنو إسحاق. ويقال إن اسم إسحاق ليس بجدٍّ لهم؛ ولكنه موضع تحالفوا عنده سموه إسحاق كناية - كما تحالفت الأزد عند أكمة سموها مذحجا. والثانية فضا طلحة؛ وهم بطون كثيرة وأكثرهم أشتات في البلاد
(1)
قارن بمنتقلة الطالبية 296.
(2)
عن بني تغلب في مصر قارن بعمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب 32.
(3)
هو الملك الناصر ابن الملك العزيز الأيوبي (634 - 658). قارن عن مقاومة قريش للمماليك بالسلوك 1/ 2 ص 386 (سنة 651).
(4)
قارن بالمقدمة ص 41.
(5)
راجع 122 Halm
(6)
النص في البيان 40 = 32 - 431 Wustenfeld ، والنهاية 324، والقلائد 144.
(7)
قال ابن حزم (الجمهرة 137): فولد طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر لهم بنَجْد عقب عظيم يحاربون الحسنيين والجعفريين فينتصفون؛ وقد انحدروا في وقتنا هذا إلى أعمال مصر.
لا حد لهم. والثالثة يعرفون ببني محمد من ولد محمد بن أي بكر الصديق رضي الله عنهما. ومنازل بني طلحة بالبرجين، وسفط سكرة، وطحا المدينة
(1)
.
وأما بنو الزبير
(2)
فمنهم بنو عبد الله بن الزبير؛ وهم بنو بدر، وبنو مصلح، وبنو رمضان. ومنهم بنو مصعب بن الزبير، ويعرفون بجماعة محمد بن رواق. وبنو عروة بن الزبير وهم بنو غنيّ وبلادهم بالبهنسا وما يليها؛ وأكثرهم ذوو معايش وأهل فلاحة وزرع وماشية وضرع.
وأما بنو مخزوم
(3)
فيدَّعون بنوَّة خالد بن الوليد. وكذلك ادعى ذلك خالد بالحجاز، وخالد حمص، وغير هؤلاء وقد أجمع زهل العلم بالنسب على انقراض عقبه
(4)
ولعلهم من سواهم. فهم من أكثر قريش بقية وأشرفهم جاهلية. وبلادهم متاخمة لما بينهم وفيهم بأس ونجدة.
وأما بنو شيبة
(5)
فيعرفون بجماعة نهار، وهم من جماعة شيبة بن عبد الدار، وديارهم نواحي سفط
(6)
وما يليها ويقاربها ويدانيها.
وأما بنو أمية فمن بني أبان بن عثمان بن عفان
(7)
، وبني خالد بن يزيد بن معاوية
(8)
، وبني مسلمة بن عبد الملك
(9)
، وبني حبيب بن الوليد بن
(1)
زاد في القلائد 144: وهي البرجاية! وبرجاية هذه (بضم الباء) لا تجد عن طحا المدينة الواقعة بالأشمونين إلا قليلا (قارن ب 112.134 Halm).
(2)
النص في البيان 41 - 42= 432 Wustenfeld . وقارن أيضا بالنهاية 135 - 136، 422، 265، والقلائد 148 - 150.
(3)
النص في البيان 42= 432 Wustenfeld . وقارن بالقلائد 144 - 145.
(4)
قال ابن حزم (الجمهرة 148): وكثر ولد خالد بن الوليد حتى بلغوا نحو أربعين رجلا، وكانوا كلهم بالشام؛ ثم انقرضوا كلهم في طاعون وقع؛ فلم يبق لأحد منهم عقب.
(5)
النص في البيان 43= 433 - 432 Wustenfeld ، وقارن أيضا بالنهاية 310، والقلائد 147 - 148، والصبح 1/ 356. قال ابن حزم 127: فولد شيبة جماعة مشهورون إلى اليوم.
(6)
زاد في القلائد 148، النهاية ص 310: سقط وما يليها من البهنساوية.
(7)
النص في البيان 43= 433 - 432 Wustenfeld ، وقارن بجمهرة ابن حزم 85.
(8)
قارن بجمهرة ابن حزم ص 112.
(9)
قال ابن حزم 103: كان مسلمة ولي العراقين وأرمينية، وله عقب باقٍ بقرب حران في حصن يعرف بحصن مسلمة؛ وذكر فيما يلي محدثا من ولد مسلمة دخل مصر، وبعض عقب مسلمة انتقلوا من مصر إلى الأندلس في زمن الحكم المستنصر (366 - 350/ 961 - 976).
عبد الملك
(1)
؛ وديارهم تندة
(2)
وما حولها. قال: ومن هؤلاء المراونة من ولد مروان بن الحكم؛ ولهم قرابات بالأندلس وأشتات في المغرب. ومرت الدولة الفاطمية وهم بأماكنهم من ديار مصر لم يُرَوّع لهم سرب، ولم يكدَّر لهم شرب؛ وهم إلى الآن.
وأما بنو سهم
(3)
فمن ولد عمرو بن العاص وهم بالفسطاط وفرق منهم أشتات بالصعيد ولهم حصة في وقف عموو بن العاص على أهله بمصر. قلت: وقد ذكر القضاعي في "خطط مصر" دور السهميين؛ قال: وهي حول المسجد حيث كان الفسطاط وهو موضع المحراب وما يليه من جانبيه إلى حيث السواري القبلية.
قال: وفي بلاد قريش أخلاط من الناس سواهم. وذكرهم فقال: وأما كنانة طلحة فهي من كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر؛ وهم بنو الليث، وبنو ضمرة - وهما ابنا بكر بن عبد مناة بن كنانة
(4)
؛ وبنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة
(5)
وفي بني فراس يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لبعض من كان معه: لوددت أن لي بألف منكم سبعة من بني فراس بن غنم بن ثعلبة! قال: ولم تمكّنهم قريش من التعدية إلى بلادها إذ أتوا من بلاد بادية الحجاز إلا بمراسلة بني إبراهيم بن محمد. وكان مع كنانة جماعة من أخلاط العرب دخلت في لفيفها، وديارهم ساقية قلتة
(6)
وما يليها، وبنو الليث ومنهم خاصة سكان ساقية قلتة.
وأما الأنصار
(7)
فمنهم بنو محمد وبنو عكرمة بحري منفلوط. قال: وبنو محمد من بني حسان بن ثابت رضي الله عنه وبنو عكرمة ينتمون إلى سيد الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه.
(1)
قال في الجمهرة 89: وهو جد الحبيبيين الذين بقرطبة ورية، وهم عدد.
(2)
قارن بـ 136 Halm.
(3)
النص في البيان 43= 433 - 432 Wustenfeld . وقارن بجمهرة ابن حزم 464.
(4)
قارن بجمهرة ابن حزم 465. والنص في البيان 46 - 47 = 435 - 434 Wustenfeld .
(5)
قارن بجمهرة ابن حزم 465.
(6)
قارن بـ 87 Halm.
(7)
النص إلى آخر قريش في البيان 47 - 49 = 437 - 436 Wustenfeld .
وأما عوف فمن بني سليم. وفي سليم عوف أخرى
(1)
. قال: ومنهم في الصعيد، والفيوم، والبحيرة أناس كثير، وفي برقة إلى الغرب منهم ما لا يحصى.
وأما فزارة فمن سعد بن قيس عيلان: فمنهم جماعة بالصعيد وجماعة بضواحي القاهرة في قليوب وما حولها، وبهم عرفت البلد المسماة بخراب فزارة
(2)
.
قال: وقد مضى ذكر قريش ومن ساكنها.
وأما لواثة
(3)
- وهم يقولون إنهم من قيس بن غطفان بن سعد بن قيس. وقال بعض النسابين
(4)
: هم من ولد بر من ولد قبذار بن إسماعيل كان قد ارتكب معصية فطرده أبوه وقال له: البرّ البرّ! إذهب يا بر! فما أنت بر! فأتى فلسطين فتزوج امرأة من العماليق فولد له منها أولاد منهم لواثة، ومزاتة، وزنارة
(5)
، وهوارة، وزويلة
(6)
، ومغيلة، ومليكة، وكتامة وغمارة، ونفوسة. وكانوا من ذوي جالوت؛ فلما قتل دخلوا المغرب. وقيل: إن البربر من ولد قفط بن حام! وقيل غير هذا كله.
عاد الحديث إلى لواثة. وهم بنو بلار وحدو خاص، وبنو مجدول
(7)
، وبنو حديدي، وقطوفة، وبركين، ومالو، ومزورة. قال: وبنو حديدي مجمع أولاد
(1)
عدهم المقريزي في البيان 48 = 436 Wustenfeld .
(2)
قارن بـ 327 Halm.
(3)
لواثة؛ قال في الصبح 1/ 364: بفتح اللام والواو والثاء المثلثة! وهكذا ضبطها في ص، طـ، أ. النص في البين 49 - 53= 439 - 436 Wustenfeld ، وقارن أيضا بالصبح 1/ 364 - 365.
(4)
قارن عن الاختلاف في نسب البربر بجمهرة ابن حزم 495، والصبح 1/ 360 - 361، وابن خلدون 6/ 181 - 192.
(5)
زنارة؛ ضبطها في الصبح 1/ 365: بضم الزاي وتشديد النون، وقال ابن خلدون 6/ 10 إحدى بطون لواثة.
(6)
زويلة عند مؤرخي العرب ليست بقبيلة ولكن قاعدة ملك بني خطاب الهواريين ببرقة (رحلة التجاني 112، ابن خلدون 6/ 204، 394). قال ياقوت 2/ 960 - 961: وبزويلة قبر دعبل بن علي الخزاعي الشاعر؛ قال بكر بن حماد:
الموت غادر دعبلا بزويلة
…
بأرض برقة أحمد بن خصيب
(7)
النص في البيان 53 - 56= 440 - 439 Wustenfeld ، والصبح 1/ 364 - 365، والقلائد 172 - 175.
قريش، وأولاد زعازع - وهم أشهر من في الصعيد. وقطوفة تجمع مغاغة وواهلة، وبركين تجمع بني زيد وبني روحين، ومزورة تجمع بني وركان وبني عرواس.
قال: وأما بنو بلار ففرقتان؛ فرقة بالبهنساوية، وفرقة بالجيزية. فالفرقة البهنساوية بنو محمد، وبنو علي، وبنو نزار، ونصف بني ثهلان. وأما الفرقة التي بالجيزية فبنو مجدول، وسفارة، وبنو أبي كثير، وبنو الجلاس، ونصف بني ثهلان. قال: ويقال لهذه الفرقة حدو خاص. ويقال للأولى البلارية. ومنهم مغاغة ولهم سملوط إلى الساقية. ولبني بركين أقلوسنا
(1)
وما معها إلى بحري طنبدي
(2)
. ولبني حدو خاص الكفور
(3)
، وسفط بوجرجة
(4)
إلى طنبدي وإهربت
(5)
. ومنهم بنو محمد وبنو علي المقدم ذكرهما. وأمراؤهم بنو زعازع.
قال: ومزورة
(6)
بنو وركان، وبنو عرواس، وبنو جماز، وبنو الحكم، وبنو الوليد، وبنو الحجاج، وبنو المحربية. قال: ويقال: إن بني الحجاج من بني حماس، ولهذا يؤدون معهم القطائع. وقال: وبنو نزار في إمارة بني زعازع؛ وهم من بني زربة. ومنهم نصف بني عامر، والحساسنة، والضباعنة. وأفرد قوم منهم لإمارة تاج الملك عزيز بن ضبعان ثم ولده. ومنهم أيضا بنو زيد وأمراؤهم أولاد قريش، ومساكنهم نويرة دلاص. وكان قريش عبدا صالحا كثير الصدقة؛ وهو والد سعد الملك الباقي بنوه.
قال: وفي المنوفية من لواثة أيضا جماعة يأتي ذكرهم في مكانهم.
قال: وبالصعيد من لخم
(7)
قوم سكنهم بالبر الشرقي. ومنهم من بني سماك بنو مر، وبنو مليح، وبنو نبهان، وبنو عبس، وبنو كريم، وبنو بكر.
(1)
175 Halm.
(2)
182 Halm.
(3)
الفهارس Halm.
(4)
176 Halm.
(5)
161 Halm.
(6)
قارن عنهم النهاية 420.
(7)
النص في البيان 59 - 62 = 443 - 442 Wustenfeld ، والقلائد 69 - 71، والصبح 1/ 334 - 335.
وديارهم من طارف ببا إلى منحدر دير الجميزة من البر الشرقي. ومنهم من بني حدان بنو محمد، وبنو علي، وبنو سالم، وبنو مدلج، وبنو عبس. وديارهم من دير الجميزة إلى ترعة صول. ومنهم من بني راشد بنو معمر، وبنو واصل، وبنو مرا، وبنو حبان، وبنو معاذ، وبنو البيض، وبنو حجرة، وبنو سنوة. وديارهم من مسجد موسى إلى أسكر
(1)
- ونصف بلاد أتفيح. ولبني البيض الحي الصغير
(2)
. ولبني سنوة من ترعة شريف إلى معصرة بوش. ومنهم من بني جعد بنو مسعود، وبنو جرير، وبنو زبير، وبنو نمال، وبنو نصار؛ وسكنهم ساحل أتفيح. ومنهم من بني عدي بنو موسى، وبنو محرب. ومساكنهم بالقرب منهم، و [منهم] من بني بحر بنو سهل، وبنو معطار، وبنو فهم، وبنو عشير، وبنو مسند، وبنو سباع - ومسكنهم الحي الكبير. ومنهم قسيس ومساكنهم بلاد الأُسْكر. ولبني غُنَيم منهم العدوية
(3)
ودير الطين إلى جسر مصر. ومنهم بنو عمرو، ومساكنهم من الرستق، ولهم نصف حلوان، ولبني حجرة النصف الثاني، ونصف طُرا
(4)
.
وأما عرب الحوف
(5)
فمنهم جُذَام
(6)
. وجذام من كهلان من اليمن. وقد قيل: انهم من ولد يعفر من مدين بن إبراهيم الخليل
(7)
عليه السلام. وروى محمد بن السائب أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد من جذام فقال
(8)
: "مرحبا
(1)
مسجد موسي وأسكر: قارن بـ 204، 200 haim.
(2)
198 halm.
(3)
314 Halm.
(4)
204 Halm.
(5)
قال في معجم البلدان 2/ 365: والحوف بمصر حوفان الشرقي والغربي وهما متصلان. وقارن أيضا بـ 390 Halm،
(6)
النص في البيان 11 - 19 = 420 - 416 Wustenfeld ، والصبح 1/ 330 - 334، والقلائد 54 - 69.
(7)
قال ابن حزم في الجمهرة 8 - 9: وأما الذين يسمونهم العرب والنسابون العرب العاربة كجرهم
…
فليس على أديم الأرض أحدٌ يصح أمه منهم
…
وكذلك سائر ولد إبراهيم
…
كمدين بن إبراهيم.
(8)
قارن بالطبري 1/ 1740 - 1745، وجمهرة ابن حزم 510، 333. Oppenheim II.
بقوم شعيب وأصهار موسى". وزعم بعضهم أنهم من معد؛ وفي ذلك يقول جنادة بن خشرم: (من الوافر)
ألا من مبلغ المضرين أنا
…
غضبنا كل أجوف كالهلال
(1)
وما قحطان لي بأب وأم
…
ولا يصطادني شبه الضلال
وليس إليهم نسبي ولكن
…
معديا وجدت أبي وخالي
قال: ومن إقطاعهم هربيط
(2)
، وتل بسطة
(3)
، ونوب، وأم رماد
(4)
وغير ذلك. وجميع إقطاع ثعلبة كان في مناشير جذام من زمن عمرو بن العاص، وإنما السلطان صلاح الدين وسع لثعلبة في بلاد جذام؛ ولذلك كانت فاقوس
(5)
وما حولها لهلبا سويد.
قال: ونبدأ قبل كل شيء بولد زيد بن حرام بن جذام: وهم سويد، وبعجة، وبرذعة، ورفاعة، وناتل
(6)
. ومن هؤلاء بطون كثيرة فمنهم هلبا مالك، ومالك هو ابن سويد. ومنهم الحسنيون، والغوارنة - وهم أولاد الحسن والغور ابني بكر بن موهوب بن عبيد بن مالك بن سويد. ومنهم بنو أسير؛ وهو ابن عبيد بن مالك بن سويد. ومنهم العقيليون، وهم بنو عقيل بن قرة بن موهوب بن عبيد بن مالك بن سويد - وفيهم إمرة؛ وهم في نجم وبنيه. وفيهم من أمِّر بالبوق والعلم؛ وهو أبو رشد بن حبشي بن نجم بن إبراهيم بن مسلم بن يوسف بن وافد بن غدير بن عقيل بن قرة. ودحية وثابت ابن هانى بن حوط بن نجم بن إبراهيم.
عدنا إلى بقية بطونهم. ومنهم اللبيديون، ومنهم البكريون. وعدَّ من أحلافهم أولاد الهويرية، والرداليين، والحليفيين، والحصينيين والربيعيين. قال:
(1)
البيتان الآخران في الصبح 1/ 330، والنهاية 206، القلائد 55.
(2)
636 Halm .
(3)
قال في معجم البلدان 1/ 624: بسطة بالفتح أو بالضم كورة بمصر من أسفل الأرض.
(4)
نوب، أم رماد 700، 652 Halm.
(5)
426 Halm.
(6)
قارن عن بعجة، برذعة، رفاعة، ونائل بالطبري 1/ 1743 - 1744، وجمهرة ابن حزم 477، 421.
ويعرفون بحلف بني الوليد؛ وهم أولاد شريف النجَّابين. وذكر أن لهم نسبا في قريش إلى عبد مناف بن قُصيّ. وذكر من ولد الوليد بن سويد طريف المكنون الملقَّب رزين الدولة
(1)
. قال: وكان من أكرم العرب، وكان في مضيفته أيام الغلاء اثنا عشر ألفا تأكل عنده كل يوم. وكان يهشم الثريد في المراكب. ومن أولاده فضل بن شمخ بن كمونة، وإبراهيم بن غالي، وأُمِّر كل منهما بالبوق والعلم.
عدنا إليهم. ومنهم الحيادرة من ولد حيدرة بن معروف بن حبيب بن الوليد بن سويد؛ وهم طائفة كبيرة. وبنو عمارة بن الوليد؛ وفيهم عدد. ولهم البيروم
(2)
. والحييون من بني حية بن راشد بن الوليد. وأولاد منازل - وكان منهم مُعَيد بن منازل؛ وأُمِّر ببوق وعلم.
وهلبا سويد. ومنهم العطويون، والحميديون، والجبابريون، والغثاورة. ويقال لهم أولاد طراح المكوس. وحمدان، ورومان، وحمران، وأسود - ويعرف هؤلاء الأربعة بالأُخَيْوة، واللكين، والقتلان.
قال: ومن بطون الحميديين أولاد راشد. ومنهم البراجسة، وأولاد سرير، والجواشنة، والكعوك، وأولاد غانم، وآل حمود، والأخَيْوة، والزرقان، والأساودة، والحماديون. ومن بني راشد الحراقيص، والحنافيش، وأولاد غالي، وأولاد جوال، وآل زيد. ومن النجابية أولا نجيب، وبنو فضل.
قال: ومن ولد مالك بن هلبا بن مالك بن سويد نمي أبو خثعم. وأقطع خثعم وأُمِّر، اقتنى عددا من المماليك الأتراك والروم وغيرهم، وبلغ من الملك الصالح أيوب منزلة. ثم حصل عند الملك المعز على الدرجات الرفيعة، وقدمه على عرب الديار المصرية. ولم يزل على هذا حتى قتله غلمانه؛ فجعل المعز ابنيه سلمى ودغش عوضه، فكانا له نعم الخلف. ثم قدم دغش دمشق فأمَّره
(1)
قال في القلائد 60: وبطريف هذا تعرف نوب طريف من بلاد الشرقية (قارن 662 Halm).
(2)
607 Halm.
الملك الناصر ببوق وعلم، وأمَّر المعز أخاه سُلمى كذلك فأبى حتى يؤمَّر مفرج بن سالم بن راضي مثله! فأمّره! ثم أمّر مزروع بن نجم كذلك - في جماعة كثيرة من جذام وثعلبة. قال: فهذه هلبا سويد بأنفارهم.
قال: وأما هلبا بعجة بن زيد بن سويد بن بعجة فهم هلبا، ومنظور، وردَّاد، وناتل. فمن ولد هلبا مفرج بن سالم المقدم ذكره. ثم خلفه على إمرته ولد حسان. ومنهم أولاد الهريم من بني غياث بن عصمة بن نجاد بن هلبا بن بعجة. وجوشن صاحب السراة المضروب به المثل في الكرم والشجاعة من منظور بن بعجة. والغويثية في عدد رداد بن بعجة. قال: ولناتل البئر المعروف ببئر ناتل على رأس السراة. ومن ولده مهنا بن علوان بن علي بن زبير بن حبيب بن ناتل. وكان جوادا، كريما طرقته ضيوف في شتاء ولم يكن عنده حطب يوقده لطعام أراد أن يصنعه لهم فأوقد أحمال بُرٍّ كانت عنده! وكان له كفر برسوط بنواحي مرصفا
(1)
. وبنو رديني؛ وهم من بني رديني بن زياد بن حسين بن مسعود بن مالك بن سويد. ومنهم أولاد جياش بن عمران ولهم تل محمد
(2)
.
وأما أولاد محربة أخي زيد - وهو ابن أمية، وقيل: مية، وقيل: ليس هو بأخي زيد بل هو ابن زيد بن أمية أو مية؛ وقيل: هو وزيد ابنا الضبيب. وقيل: بل الضبيب أبو أمية. ومن بني مَحْربة أخي زيد رفاعة بن زيد بن ذؤيب
(3)
جد بني رَوْح؛ وهو الذي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وعقد له على قومه فتوجه إليهم فأسلموا على يديه. ووهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدعما العبد - صاحب الشملة التي فيها الحديث
(4)
- الذي قتل بخيبر.
ومنهم الشواكرة من شاكر بن راشد بن عُقْبة بن محربة. ولهم شَنْبارة بني خصيب
(5)
. ومنهم أولاد العجاز أدلاء الحاج من زمن السلطان صلاح الدين
(1)
329 Halm.
(2)
691 Halm.
(3)
الطبري 1/ 1780 - 1781، والاستيعاب 500 رقم 776، وأسد الغابة 181.
(4)
صحيح البخاري 5/ 172.
(5)
675 Halm.
وهلم جرا إلى الآن. ومنهم حميدة بن صالح بن أسد بن عُقْبة. وفي عقبة هذا عدد يعرفون به. وفرقة منهم بالحجاز من واصل بن عُقْبة
(1)
.
قال: فيما نقله عن المحدثين من ذوي المعرفة - كما قال -؛ إن عمرو بن مالك بن الضبيب، وعسرة، وزهير، وخليفة، وحصن أفخاذ من الضبيبيين، وأن بني خليفة وحصن قد انضافوا إلى بني عبيد بالحلف؛ ولهم موضع من حقوق هربيط يعرف بالأحراز
(2)
. قال: وأما زهير فأكثرهم بالشام، والذين بمصر امتزجوا بولد زيد، وهم بحري الحوف إلى ما يلي أشموم؛ ومنهم بني عرين.
قال: ومن بني جُذَام بنو سعد. وفي جُذَام خمسة سعود: سعد بن إياس بن حرام بن جذام، وسعد بن مالك بن زيد بن أفصى بن سعد بن إياس بن حرام بن جذام؛ وإليه ينسب أكثر السعديين. وسعد بن مالك بن حرام بن جذام. وسعد بن أبامة بن عنيس بن غطفان بن سعد بن مالك بن حرام بن جذام. وسعد بن مالك بن أفصى بن سعد بن إياس بن حرام بن جذام. قال: والخمسة اختلطت عندنا بمصر وأكثرهم مشايخ بلاد وخفراؤها، ولهم مزارع، ومآكل، وفسادهم كثير. من مقدميهم أولاد فضل السلاجمة وسكنهم من منية غمر
(3)
إلى زفيتا
(4)
؛ ومنهم شاور الوزير العاضدي وإليه ينسب بنو شاور كبار منية غمر وخفراؤها. وذكر ابن خلّكان أنه من سعد حليمة مرضع النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
. ومنهم بنو عبد الظاهر الموقعين
(6)
. قلت: رأيته ينسب نفسه إلى روح بن زنباع. ومنهم أهل برهمتوش
(7)
ومشايخها؛ ومن هؤلاء بنو شاس.
(1)
قارن عن مساكن بني عقبة وانتشارهم في الشام ومصر 335 - 333 Oppenheinm II.
(2)
630 Halm.
(3)
651 Halm.
(4)
550 Halm.
(5)
وفيات الأعيان 2/ 439 رقم 285.
(6)
قارن 80 - 679 Ell III، الوافي 17/ 257 - 290.
(7)
658، 613 Halm.
قال
(1)
: وفي بني سعد عشائر كثيرة منهم بنو شاس، وجوشن، وعلان؛ وفزارة بني سعد تل طنبول إلى نوب طريف. ومنهم بدقدوس، ودمريط، ووليه، ولسوس. وهؤلاء جميعهم ديارهم ضواحي القاهرة إلى أطراف الشرقية. وبالإسكندرية من جذام ولخم أقوام ذوو عدد وعدة، وأهل شجاعة وإقدام، وضرب بالسيف ورشق بالسهام. ولهم أيام معلومة، وأخبار معروفة، ووقائع في البر والبحر مشهورة. وبرشيد
(2)
القراططة، ومصفونة من مزديش، وبالبحيرة، والغربية طوائف من مزاتة. وبقليوب طوائف من فزارة؛ ومنهم بنو بعاية؛ وفيهم أعيان ودارهم أطراف الشرقية وما أخذ شرقا وقِبلةَ.
وأما العائذ فكثير في العرب
(3)
. والمشهور منها بمصر عائذ جذام. وبالحجاز عائذ ربيعة. وأما عائذ فرير فلما تنافرت ثعلبة وجذام ادعوا في ثعلبة.
وبالمنوفية - كما تقدم - فرقة من لواتة
(4)
، منهم بنو يحيى، والوسوة، وعدة، ومصلة، وبنو مختار. قال: ومعهم في البلاد أحلاف من مزانة، وزنَّارة، وهوارة، وبني الشعرية - إلى قوم آخرين: ومن زنارة: مزديش، وبنو صالح، وبنو مسام، وزمران، وورديغة، وعرهان، ولقان. ومن هوارة بنو محريش، وبنو اشراث، وبنو قطران، وبنو كبريث.
وأما ثعلبة مصر والشام فمن طيئ
(5)
. وفي كلّ من خندف، وقيس، ومراد، ويمن - ثعلبة، قال: وكانوا كما ذكر - يعني ثعلبة مصر - يدا مع الفرنج قديما! لكنني لم أرهم إلا غزاة مجاهدين لهم آثار في الفرنج. وهي بطنان: درما، وزريق - ابنا عوف بن ثعلبة. ويقال: بل ابنا ثعلبة لصلبه، واسم درما عمرو، وإنما غلب
(1)
قارن بالبيان 22 = 421 Wustenfeld، والصبح 1/ 333، والقلائد 63.
(2)
769، 311، 45 Halm.
(3)
قارن بالبيان 19 - 20 = 420 Wustenfeld، والصبح 1/ 333، والنهاية 333، والقلائد 64 - 65.
(4)
النص في البيان 56 - 440 Wustenfeld. وقارن أيضا بالقلائد 174 - 175، والصبح 1/ 316.
(5)
مر ذكرهم فيما قبل (ط 3/ 22). النص في الصبح 1/ 322 - 323، البيان 3 - 4= 413 - 412 Wustenfeld، والقلائد 85 - 87.
عليه اسم أمه درما. ومن أفخاذ درما بمصر: سلامة، والأحمر، وعمرو، وقصير، وأويس
(1)
. ومن أفخاذ زريق بها أشعث، ولبني. قال: وثعلبة، وعنين، ونيل
(2)
إخوة؛ الثلاثة أولاد سلامان. قال: ومن درما النفعة، وشبل - ولد نافع بن مروان. والحنابلة وجدهم حسين. والمراونة جدهم مروان. والحيانيون من ولد حيان بن درما. ومن زريق بنو وهم، والطلحيون. وفي الطلحيين آل حجاج، وآل عمران، وآل حصيناة، والمصافحة؛ وكان مقدمهم سُقَير بن جرجي، وأمّر بالبوق والعلم. عدنا إلى بني زريق. ومنهم الصبيحيون. وفي الصبيحيين الغيوث، والرموث، والروايات، والنمول، والسحميين، والسعالي؛ وهم بنو حصن، والرمالي، والوريشيين، والسنديين، والبحابحة. عدنا إلى بني زريق. ومنهم العقيليون، والمساهرة، والجحافرة. ومنهم العليميون - وكان مقدمهم عمرو بن عسيلة وأُمّر بالبوق والعلم. وفي العليميين القمعة، والرياحين بني مالك، والفرقة المعروفة بالأشعث بن زريق. وفيهم رجال ذوو ذكر ونباهة؛ خدموا الدول، وعضدوا الملوك وقاموا ونصروا.
قال: ومن ثعلبة الجواهرة - جماعه سنجر بن عمر بن هندي.
وأما بنو بياضة، والأخارسة فبقطيا. وبنو صدر بالبدرية، وهو طريق البر من الشام إلى مصر.
وأما حرام ففي جذام
(3)
؛ وقليل في عرب مصر من يعرفها. وفي الخزرج حرام وحرام. قال: وما يدري أحد من أيهما هذه التي بمصر. وفي خندف حرام، وفي تميم حرام. قال: وحرام هذه القاطنة بمصر من الخزرج؛ وهم بنو حية وبنو ذبيان. قال: وهم أشتات بمصر وفيهم مشايخ بلاد، وخولة، وقضاة، وفقهاء، وعدول. وليست لهم دار خاصة ولا مكان معروف. وقد عد الحمداني جماعة منهم ليس فيهم شهير.
(1)
أما في 19/ 6. Tab : Wustenfeld: سلامة، الأجم، عمرو، قصير، أوس! لا يرد هذه الأسماء في المصادر القديمة لابن حزم، وأمثاله.
(2)
لا يرد لنيل أو نبل هذا ذكر في المصادر القديمة كابن حزم وأمثاله.
(3)
النص في البيان 62 - 63= 444 - 443 Wustenfeld.
وفي الدقهلية
(1)
، والمرتاحية عرب يدعون الجمارسة، وقوم ينسبون إلى قريش، وهم نفر من بني عذرة - وهم من كنانة بن عذرة لا كنانة بن خزيمة. ومنهم بنو شهاب، وبنو زيدة، والرواشدة؛ وهم غير رواشدة هلبا سويد، وبنو عصا، وبنو محمد، وبنو سنان، وبنو حمزة، وبنو فراس؛ وهم بمنية محمود
(2)
، ومنية عدلان
(3)
. وبنو لأم وليسوا بلأم الحجاز، وبنو شمس، والفضليون - وقرارتهم كوم الثعالب
(4)
وما داناها. وبها فرق من عمرو وزهير المقدم ذكرهم، والحصنيين، ورذالة، والأحامدة - وليسوا بأحامدة هلبا؛ والحمارنة - وهم بنو حمران، وبعضهم أصحاب إقطاع. وفي بني زهير هؤلاء من بني عزيز، وبني شبيب، وبني عبد الرحمن، وبني مالك، وبني عبيد غير عبيد المقدم الذكر، وبني عبد القوي، وبني شاكر - وهم غير شاكر عقبة، وبني حسن، وبني شماء - وهم غير شماء آل ربيعة.
بنو سُلَيْم
(5)
- وهم أكثر قبائل قيس. قال: ومساكنهم ببرقة مما يلي الغرب ومما يلي مصر. وفيهم الأبطال الأنجاد والخيل الجياد، والإمرة فيهم في أولاد عزاز بن مقدم. ومنهم مزيد بن عزاز
(6)
- وكان رجلا جليل القدر، جميل الذكر، معظما في الدول. وبنوه زايد، وحميد، وريان؛ وكلهم كرام، سراة، أماجد، وعطاء الله بن عمر بن عزاز - وكان للقرى والقراع؛ مطاعا في قومه؛ وهو أبو خالد. وهم أهل بيت فيهم عدد جم من ذوي القدر. وبنوه معز وعمر. ومن المشاهير منهم علوي بن إبراهيم بن عزاز، وسلطان بن زيدان بن عزاز، وعمر بن مشعل بن عزاز. ومن أكابر جماعاتهم جماعة ابن مليح
(1)
النص في البيان 63 - 65 - 445 - 444 Wustenfeld.
(2)
قارن بـ 738 Halm.
(3)
730 Halm.
(4)
725 Halm.
(5)
قارن عن سليم البيان 65 - 73 = 450 - 445 Wustenfeld. والصبح 1/ 345 - 346، النهاية
294 -
295، ونشوة الطرب 2/ 519 - 525، وقارن بالمقدمة ص 49، والعبر 6/ 141 - 174،: Mercier، E
L،Etablissement des Arabes 321
(6)
ذكره في الروض الزاهر (تحقيق الخويطر) ص 268، في حوادث سنة 664.
المنصوري أصحاب غازي بن نجم، وعليان بن عريف، وبلبوش - وكان قد هرب من الملك الظاهر بيبرس
(1)
فأنهد جيشا وراءه فقاتله، ثم نصر الجيش عليه وأُمْسِك واعتقل، ثم أفرج عنه. وهو والد زيد بن بلبوش؛ وجماعة سعيد بن العريب بن الأحمر يقاربه. ومن ذوي مخالفيهم جماعة محمد الهواري.
قلت: وكان آخر عهدي أن الإمرة على عربان البحيرة لقائد بن مُقَدَّم، وخالد بن أبي سلمان - وكانا أميرين سيدين جليلين، ذوي كرم وأمن يلاذ به ويتحرم إلى شجاعة وإقدام، وثبات رأي وأقدام، ثم لم أعلم ما حالت به الأحوال، وجرت بعدي به تصاريف الدهور.
فأما منازل العرب من لدن الجيزية ضاحية القاهرة على البحيرة آخذا إلى أقصى الغرب؛ فسأذكر منه ما أملاه الشيخ المقرئ الورع أبو يحيى زكرياء المغربي أحد الأئمة بقلعة الجبل - حرست. قال:
قبائل العربان من مصر إلى أقصى المغرب
(2)
:
جماعة قائد: زنارة، ومزاتة، وخفاجة، وهوَّارة، وسماك - ومنازلهم من الإسكندرية إلى العقبة الكبيرة. ثم لبيد
(3)
- وهم جماعة سلَّام: فزارة، محارب، قطَّاب، الزعاقبة، بشر، الجواشنة، البعاجنة، القبايص، أولاد سليمان، القصاص، العلاونة - ومنازلهم من العقبة الكبيرة إلى سوسة
(4)
.
ثم جماعة جعفر بن عمر وهم
(5)
: قتيل، المثانية، الباسة، عرعرة، العظمة، العكمة، المزابيل، العزة. ومن جملة هؤلاء العزة الجعافرة جماعة جعفر بن عمر. ومنهم البداري أيضا. وكذلك منهم السهاونة، والجلدة منهم أيضا، وكذلك منهم
(1)
قارن بالمقدمة ص 46.
(2)
النص في البيان 71 = 449 - 448 Wustenfeld.
(3)
عن بطون لبيد قارن بالقلائد 125 - 126. وقارن بالمقدمة ص 49.
(4)
قارن بالمقدمة ص 49.
(5)
النص في البيان 71 - 72، 449 - 448 Wustenfeld.
أولاد أحمد أيضا. ومنازلهم في سوسة إلى بئر السِدْرَة - وهي آخر حدود الديار المصرية. ومسافتها عن الإسكندرية نحو شهر بسير القوافل. ثم منها طيموم العلاونة - وهم غير أولئك، المهاملة، بنو بدر، ناصرة. وانتهاؤهم إلى قصر ابن أحمد في طرف مسراتة من الساحل. ومن القبلة أرض فزان وودَّان - وحكمها لأرض البرنو السودان. ومسافة ما بين بئر السدرة وبين مسراتة عشرة أيام.
ومنهم
(1)
من أرض مسراتة إلى بلاد طرابلس سليمان
(2)
جماعة غانم بن زايد، ولهم الأرض من مسراتة إلى باب مدينة طرابلس. ثم من طرابلس إلى قابس ذباب
(3)
؛ وهي تجمع المحاميد والجواري جماعة عبد الله بن صابر ومرغم بن صابر - وليسا بأخوين بل هم بنو عم من القبيلة.
قال الشريف أبو عمر عبد العزيز الإدريسي الحسني - وهو من أهل غرناطة وله تعلقٌ بخدمة السلطان أبي الحسن المريني؛ قال
(4)
: ذباب مشيختهم لعبد الله بن رفيعة وأخيه إبراهيم، وأصلهم من سُلَيْم، وأرضهم من طرابلس إلى قابس، ويجاورهم في هذه الأرض الجواري، والمحاميد. وشيخ الجواري عبد الله بن سعيد، وشيخ المحاميد عطية بن سعيد.
ثم تنقسم الطريق من قابس؛ فطريق جنوبية على الجَريد. وطريق شمالية على الساحل. فالجنوبية الآخذة على الجريد أول قبائلها آل حجر
(5)
وفيهم عدة أشياخ منهم مرغم وذؤيب ابنا جعفر، وسفيان بن عطاء الله ورثيمة بن يخلف - وأرضهم من قابس إلى بشرى
(6)
وتأخذ في الساحل على الثنية. وبينهم أولاد صورة ومشيختهم في ابن مهلهل وأخيه جرموز.
(1)
قارن عن سُليم بين مسراته وطرابلس 321 Mercier E:L،Etablissement des Arabes (عن ابن خلدون)، وقارن بالمقدمة ص 49.
(2)
قارن بالنهاية 112.
(3)
قال في نشوة الطرب 2/ 522: ومنازلهم برأس أفريقيا في جهة طرابلس، وقارن عنهم بالعبر 6/ 176 - 174، والمقدمة ص 50.
(4)
قارن بالمقدمة ص 50.
(5)
قارن بالمقدمة ص 51.
(6)
رحلة التجاني 142، 153، 173.
قال: وهم فرقة يسيرة وبينهم الكعبيون ويعرفون بالكعوب
(1)
- وهم أكبر بيت بإفريقية من العرب؛ ومشيختهم في قوم يعرفون بأولاد أبي الليل وهم أربعة إخوة: يعقوب، وأحمد، وخالد، وقتيبة. [ويجاورهم قوم] هم أعداء لهم يعرفون بأولاد أبي طالب، ولهم شيوخ شتى؛ يعقوب، ومحمد ابنا طالب، وبنو عمهم سُمَير بن عبد الله، ويعقوب بن الحصين، والحاج علي بن شيحة. وأرضهم من بشري إلى بسكرة. ولهم في داخل البلاد إلى باب تونس، ولهم أماكن بها.
ويليهم فرقة كبيرة تعرف برياح
(2)
. وفيهم ملك العرب القديم بالمغرب؛ وشيخهم يعقوب بن علي بن أحمد - وكان أبوه في غاية الكرم بعث إليه ملك إفريقية بثلاثين حملا من البز الرفيع والتحف السنية فوهبها ثلاثة من المستعطين لوقته. ويجاوره ابنا عمه حلوف بن علي بن جابر ونطاح أخوه - وهم أهل إبل يكون عند الرجل منهم نحو ستين ألف بعير. هكذا ذكر وعليه عهدته!.
قال: ويليهم عرب الغرب الداخل وأول بلادهم وطاة حمزة
(3)
. وسكانها فرقة يسيرة تعرف بمغراوة تنزل حول قلعة حماد. ويليهم عرب بلاد ريغو واركلة
(4)
. وهما مدينتان داخلتان في الصحراء؛ وهم من فزارة وشيخهم طلحة بن معهود. قال: وهو رجل من أولياء الله والصالحين من عباده؛ وتنتهي أرضهم إلى المدية في الساحل. ويليهم سويد
(5)
وشيخهم عريف بن عبد الله أبو زيدان، وهو رجل جليل القدر، نبيه الذكر، وافر العقل، مشارك في أنواع العلم والأدب والتاريخ والمعرفة بأيام العرب، ووقائع الناس؛ وصحبته في الحج سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، فرأيت منه ما يملأ الصدر، ويقر العين؛ وهو بمنزلة من السلطان أبي الحسن المريني لا تُطاوَل ولا تُحاوَل، ولا يطمع بها طامح ولا طامع. وينتهي حدهم إلى تافيللت من أرض سِجلماسة. قال هذا
(1)
قارن بالمقدمة ص 51 - 52.
(2)
قارن بنشوة الطرب 2/ 500، والمقدمة ص 52.
(3)
وطن حمزة في العبر 6/ 89.
(4)
قال في العبر 6/ 921: ومن بلاد الصحراوية قرى ربغة وواركلى.
(5)
قارن بالمقدمة ص 54.
الشريف. ولأبي زيدان عدو من بني عمه يسمى صقير بن عبد الله
(1)
. قال: وهو أكبر سنا منه وحسبا. ويليهم عرب تعرف بالفرايض يملكون إلى البحر المحيط وبلادهم حاحا، وركراكة، وشفشاوة، ومسوفة.
ومسوفة هذه أهل لثام وبرقع أزرق لا تزال تمشي الرجال بتلك البراقع والنساء مكشفات الوجوه. قال: وسبب براقعهم إظهار الحزن على المهدي بن تومرت.
قال: وأما الطريق الثانية الشآمية الآخذة من قابس على الساحل فغالب أهلها بربر، ومصامدة سكان مدرة وأهل زرع وحرث. قال: يلي آل حجر الآخذين من قابس إلى إسفاقس فيما هو إلى المهدية طائفة تعرف بحكيم وشيخهم سحيم
(2)
؛ وكان قد دخل الأندلس غازيا وحضر يوم طريف. ولهذه الطائفة إلى القيروان.
ويليهم دلاج. وكان شيخهم الحُميَر
(3)
، ثم قتل وقام ولداه عبد الله ويحيى ابنا الحمير. قال: وهم رماة يرمون بقوس اليد رميا صائبا، ولهم تفرد بذلك دون بقية عرب الغرب. وأرضهم من سوسة إلى الحمامات إلى الجزيرة القبلية إلى تونس.
ويليهم طائفة من البربر من تونس إلى تبسَّة إلى بلد العنَّاب. قال: وهؤلاء من هوارة، ولهم أشياخ كثيرة، ومرجعهم إلى أولاد حمزة والكعوب.
ويليهم طائفة أخرى زراع من البربر والهاصة
(4)
- وشيخهم صخر بن موسى
(5)
.
(1)
اسمه في العبر 100، 109، 132. صغير بن عامر!.
(2)
هو سحيم بن سليمان بن يعقوب بن عبد الله بن كثير بن حرقوص بن فائد
…
بن حكيم (العبر 6/ 163 - 164)؛ وقارن بالمقدمة ص 55.
(3)
ورد اسم الحمير في العبر 6/ 144 لكن ابن خلدون يذكر الحمير كاسم لبطن قبلي شقيق لدلاج وليس شيخا لهم.
(4)
الهاصة: في الجمهرة 497؛ رفاصة: في العبر (الفهارس).
(5)
قارن بالمقدمة ص 56.
ويليهم سدويكش
(1)
. وبلادهم من قسطنطينية
(2)
إلى بجاية. وشيخهم عبد الكريم بن منديل
(3)
. وله اعتلاق بخدمة السلطان أبي الحسن.
ويليهم في جبال زواوة بربر من بني حسن، وزواوة.
ويليهم أرض متيجة
(4)
، وسكانها بنو عبد الواد أصحاب تلمسان، وبنو عياد
(5)
، وفرقة تعرف بمغراوة
(6)
. قال: ومغراوة نحو ثلاثين ألف فارس.
ويليهم تُجين
(7)
وهم بأرض تلمسان على وادي شلف
(8)
. قال: وكلهم من بني عبد الواد وهم من زنانة. ويليهم بافراطة من تلمسان إلى فاس.
وأما مَسُون
(9)
فخالية من العرب.
ويليهم من فاس إلى مرّاكش رباح أيضا ثم المصامدة من مرّاكش إلى البحر المحيط.
فهذا ما ذكره الشريف أبو عمر عبد العزيز الإدريسي. وحدثني بذلك كله في صفر سنة تسع وأربعين وسبعمائة.
وأما عرب الطرق المسلوكة التي تتوجه فيها المحامل إلى مكة المعظمة. فقد ذكرنا فيما تقدم أنها أربعة طرق، ولا تُقصد مكة غالبا إلا منها. وهي أربعة جهات: مصر، ودمشق، وبغداد، وتعز. وقد ذكرنا آنفا من العربان الذين بهذه الطرق من ملاكها ومن يتحكم عليهم إذا حل بأرضهم كآل فضل، وآل مرا، وبني
(1)
قارن عن سدويكش العبر لابن خلدون 6/ 303 - 306، وقارن أيضا بالمقدمة ص 56.
(2)
ورد في المصادر بأشكال مختلفة: قسطنطينة عند الإدريسي 3/ 265، قسنطينية عند ياقوت، وقسطنطينة في العبر 6 الفهارس، وهي تنطق الآن قسنطينة وهي من كبرى مدن الجزائر.
(3)
قارن بالعبر 6/ 305.
(4)
قارن بالعبر 6/ 406.
(5)
يعزو ابن خلدون بني عياد من سدويكش (العبر 6/ 303):
(6)
قال ابن خلدون في العبر 6/ 203: "وأما المغرب الأوسط فهو في الأغلب ديار زنانة.
كان لمغراوة وبني يفرن
…
ثم صار لبني عبد الواد.
(7)
ربما تجين عند الإدريسي 3/ 257، وتوحين عند ابن خلدون (العبر 6/ الفهارس) واحد.
(8)
قارن بالإدريسي 3/ 253، والعبر 6/ الفهارس.
(9)
واد بين فاس وتلمسان (الإدريسي 3/ 247).
عقبة من لم يكن بد من ذكره فيما تقدم. ونحن الآن نسوقهم طريقا طريقا وفريقا فريقا فيكون أوضح؛ إذ ذكر هذه الطرق وعربانها من المهم المقدم.
فأما طريق الركب المصري
(1)
: من القاهرة إلى عقبة أيلة لعايذ. ومن العقبة إلى الدأماء ما دون القصب لبني عُقْبَة. ومن الدأماء إلى أكدى وهي فم الضيقة لبلِّي. ومن أكدى إلى نما - وهي آخر الوعرات - لجَهْينة. ومن نما إلى نهاية بدر على الفرعاء والى نهاية الصفراء على نقب علي لبني حسن أصحاب الينبع. ويليهم أقاربهم من بني حسن أصحاب بدر إلى رملة عالج
(2)
في طرف قاع البزوة
(3)
. ومن الصفراء إلى الجحفة ورابغ لزبيد الحجاز. ومن الجحفة على قديد وما حولها إلى الثنية المعروفة بعقبة السويق لسُلَيْم. ومن الثنية على خليص المشرفة على عسفان للشريف جسَّار من بني حسن
(4)
.
(1)
النص في البيان 449 Wustenfeld، والصبح 4/ 284.
(2)
قارن ببلاد العرب للأصفهاني 170.
(3)
العروف هو قاع البزواء. قارن بحمد الجاسر: في شمال غرب الجزيرة 196؛ ورحلة ابن بطوطة 1/ 296 - 297.
(4)
هو جسار بن أبي دعيج بن أبي نُمي محمد بن أبي سعد الحسني الملكي (العقد الثمين 411).
منازل القبائل على حسب التقسيم الإداري لمصر في القرن التاسع الهجري (القرن 15 الميلادي)
وقد استعرض القلقشندي
(1)
- الذي عاش حتى أوائل القرن التاسع الهجري (القرن الخامس عشر الميلادي) - في كتابه (صبح الأعشى) أسماء القبائل العوبية ومنازلها على حسب التقسيم الإداري لمصر في عهده، ففي الوجه القبلي قال: أننا نجد:
أولا: في بلاد الأعمال القوصية قبائل:
(أ) بنو شادي بالقصر (قصر بني كليب) وهذه القبيلة تنتسب إلى بني أمية.
(ب) العجالة وهم بنو العجيل بن الذئب.
(جـ) بنو بلي من قضاعة بن حمير بن سبأ من القحطانية (اليمنية). ويضيف المقريزي إلى بلاد الأعمال القوصية أسماء هذه القبائل.
(د) الجعافرة وهم بنو جعفر الطيار ابن أبي طالب
(2)
.
(هـ) الكنوز وهم من القبائل العدنانية (من ربيعة)، ويسكن الكنوز في منطقة النوبة
(3)
.
وقد ذكر الدكتور محمد عوض محمد من بين القبائل التي تسكن منطقة النوبة أيضا:
(ز) قبيلة البشارين وهم ينتمون إلى بني كاهل وإلى أحد أبنائه المسمى بشار أو بشارة ومنه اشتق اسم البشارين
(4)
.
(1)
القلقشندي: صبح الأعشى ج 4 ص 76 - 72.
(2)
المقريزي: البيان والإعراب ص 39.
(3)
أحمد لطفي السيد: قبائل العرب في مصر ج 1 ص 60.
(4)
دكتور محمد عوض محمد: السودان الشمالي (سكانه وقبائله) ص 70، 71.
كما أشار عمر رضا كحالة صاحب كتاب (معجم قبائل العرب القديمة والحديثة) إلى قبيلة أخرى تسكن في قنا وأسوان وهي:
(ز) قبيلة العبابدة وينتسب العبابدة إلى عرب الحجاز
(1)
.
ثانيا: في أعمال الأشمونين نجد بني ثعلب وهم أولاد أبي جحيش من الحيادرة من ولد إسماعيل بن جعفر الصادق وكانت منازلهم بدورت سريام، وغلب عليها الشريف حِصْن الدين بن ثعلب فعرفت بدروت الشريف (ديروت الشريف).
ثالثا: في أعمال البهنسا نجد:
(أ) أولاد زعازع من قيس عيلان.
(ب) أولاد قريش من أمراء بن زيد.
(جـ) عرب هوارة الذين يمتدون من بهنسا حتى أسوان وكانت أوطانهم الأولى تمتد من محافظة البحيرة ومن الإسكندرية إلى مسافة بعيدة نحو الغرب والجنوب، وظلت هذه حالهم إلى آخر المائة الثامنة هجرية (القرن الرابع عشر الميلادي)، ثم اضطروا تحت ضغوط قبائل زنارة وحلفائهم من بقية عرب البحيرة إلى الخروج عن هذه المناطق واتجهوا إلى صعيد مصر، فنزلوا بالأعمال الأخميمية في جرجا وما حولها ثم قوي أمرهم وكثر جمعهم حتى انتشروا في معظم الوجه القبلي
(2)
. ويقول المقريزي عن الهوارة إنهم من القبائل الحِميرية اليمنية وقد أنزلهم السلطان الظاهر برقوق سنة 782 هـ (1380 م) في صعيد مصر. وذلك بأن أقطع إسماعيل بن مازن الهواري ناحية جرجا وكانت خرابا فعمَّروها
(3)
. ويضيف الخالدي صاحب (كتاب المقصد الرفيع المنشا - مخطوط) على ذلك بقوله إن الإمرة كانت لبني مازن في الهوارة ثم صارت إلى أولاد غريب ثم عادت لأولاد مازن في سنة 831 هـ (1427 م)
(4)
ومن المتواتر عند بعض عائلات الهوارة أنهم ينتسبون إلى
(1)
عمر رضا كحالة: معجم قبائل العرب ج 2 ص 717.
(2)
دكتور محمد عوض محمد: السودان الشمالي (سكانه وقبائله) ص 249.
(3)
المقريزي: البيان والإعراب ص 60.
(4)
الخالدي: المقصد الرفيع المنشأ ص 143، 144 مخطوط.
دحية الكلبي، والمعروف أن بني كلب بن وبرة من قبيلة قُضاعة، وقضاعة من بني مالك بن حمير بن سبأ، أي أنهم من عرب اليمن كما قال المقريزي، وقد كان بنو كلب ينزلون في الجاهلية دومة الجندل وتبوك وأطراف الشام، ومنهم زيد بن حارثة الكلبي أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويقسم صاحب كتاب (أنساب قبائل العرب) عائلات الهوارة إلى خمسة فروع هي: أولاد علي (وهم غير أولاد علي الذين يسكنون في البحيرة) وأولاد عليوة والبلابيش وأولاد يحيي والسماعنة ثم يضيف إلى هذه الفروع أيضا الهمامية والفضيلات والوشاشات
(1)
.
وما زالت منازل الهوارة تمتد حتى اليوم فيما بين محافظتي سوهاج وقنا في قرى كثيرة منها أولاد يحيى وأولاد سالم والبلابيش بسوهاج وأبي مناع وفاو والرئيسية والشاورية والحميدات بقنا.
أما في الوجه البحري فقد قال القلقشندي إننا نجد:
أولا: في أعمال الشرقية قبائل:
(أ) ثعلبة ومنهم بنو زريق والعليميين.
(ب) جذام ومنهم بنو عقيل وبنو الوليد.
(جـ) أولاد منازل.
(د) بيت نمي بن خثعم.
(هـ) بيت مفرج بن سالم.
ثانيا: في أعمال المنوفية نجد أولاد نصير الدين من قبيلة لواتة البربرية.
ثالثا: في أعمال الغربية نجد أولاد يوسف من طيئ من القحطانية ومقرهم مدينة سخا.
(1)
الحبوني: أنساب قبائل العرب ص 149 - 196.
ويضيف القلقشندي في كتابه أيضًا عن القبائل العربية أن بني هلال بن عامر كانوا ينتشرون في الصعيد وبرقة، وكانت منازلهم تمتد بين مصر وأفريقيا، وأما بنو فزارة من غطفان فكانت منازلهم في الصعيد وقليوب. وبنو كنانة بالأخميمية، وبنو كلاب في الفيوم والأشمونين بالصعيد، وبنو شيبة بسفط بالصعيد وبنو الحسين في جرجا ومنفلوط، وأولاد الشريف قاسم في أسيوط
(1)
.
وقد أورد لنا الخالدي أسماء هذه القبائل العربية ومنازلها
(2)
على حسب التقسيم الإداري لمصر في القرن التاسع الهجري (القرن الخامس عشر الميلادي) وذلك وفقا لما أورده القلقشندي تماما.
لمحة عن القبائل العربية في مصر في القرن التاسع الهجري
1 -
قبائل طيئ القحطانية:
في مصر بطون عديدة من هذه القبيلة تنتسب إلى فرعين رئيسيين لها فرع درما وفرع زريق. ومن البطون التي تنتسب إلى فرع زريق لشعب ولُبنى وثعلبة وعنين ونبل وبنو هم والطلحيون. ومن الطلحيين آل حجاج وآل عمران والمصافحة. وكان مقدمهم مثقر قد أُمِّر بالبوق والعلم ومن أمرائهم عمر بن عسيلة وقد أُمِّر كذلك بالبوق والعلم.
ومن البطون التي تنتسب إلى فرع درما سلامة والأجم وعمرو وأوس والبقعة وشبل والحنابلة والمروانية والحبانيون وقصر.
وفي قطيَّة بشمال سيناء من ثعلبة الأخارسة وبنو بياضة (البياضية) وفي البدرية منهم بنو صدر وإليهم تنسب قلعة صدر التي في طريق البر إلى الشام، وفي القلائد أن البياضية والأخارسة من طيئ، وسياق المؤلف يفيد أن ما ذكره هو ما كان في زمنه.
(1)
القلقشندي: صبح الأعشى ج 1 ص 313 - 360.
(2)
الخالدي: المقصد الرفيع المنشأ ص 143، 144 مخطوط.
والمتبادر من عبارة "أُمِّر البوق والعلم" أن ملوك مصر مماليك الترك حينذاك كانوا يعينون أمراء العرب تعيينا وأنهم كانوا على مراتب ومنهم من كان يُعطى بوقا أو علما كعلامة من علامات مرتبته، ومن المحتمل أن تكون هذه المرتبة أعلى مراتب أمراء العرب.
والمتبادر كذلك أن هؤلاء الأمراء كانوا أصحاب الكلمة أو الحكم والسلطة في قبائلهم، ومن الطبيعي أن يكون الذين يختارهم الملوك للإمرة هم من البطون أو الأرومات القوية ذات العصبية، وتعيين أمراء للعربان من الكثافة والكثرة ما كان يقتضي ذلك. وفي الجزء الرابع من صبح الأعشى ما يفيد أن إمارات العرب كانت في كل عمل من أعمال مصر القبلية والبحرية على ما سوف نورده بعد.
ومن الزوائد الواردة في صبح الأعشى أن في بطون زريق من ثعلبة أيضا الصبحيين والسعالي والرمالي والمعامرة والسنديون والبحابحة والعقيليين
(1)
. والعلميين وأن من العلميين بطون القمعة والرياحين والفوفة، وأنهم كان فيهم رجال ذوو ذكاء ونباهة خدموا الدول وعقدوا الملوك وقاموا ونصروا وأُمِّروا بالبوق والعلم.
ومما قاله هذا المؤلف أنهم حين دخل منهم من دخل إلى مصر نزلوا في أطرفا بلاد الشرقية، والمتبادر أنهم ظلوا حيث نزلوا وهنا نموا وتكاثروا لأن المؤلف لا يذكر منازل أخرى لهم.
2 -
جرم - طيئ القحطانية:
أن المقريزي ذكر تحت هذا العنوان قبيلتين واحدة من طيئ مثل ثعلبة وأخرى من قُضاعة، وسياقه يفي أن جَرْم التي في مصر هي من الأولى، أما جرم قُضاعة
(2)
فبقيت حيث هي ببلاد غزة والداروم مما يلي الساحل إلى الخليل.
(1)
العقيليين: تنطق في شمال سيناء الآن العقايلة والآتي التفصيل عنهم.
(2)
وذكر عارف العارف أن قبيلة العزازمة في بلاد النقب بفلسطين الآن هي من بقايا جَرْم قُضاعة وهو جَرم بن رَبَّان.
ومما ذكر المؤلف أن المشهور من جِرَمْ طيئ في مصر فرع جُذَيمة ويقال إن لهم نسبا في قريش، وزعم بعضهم أنهم يرجعون إلى مخزوم، وزعم آخرون أنهم من جذيمة بن مالك المتصل بغالب بن فهر.
ومن فروع جذيمة آل عوسجة وآل حمد وآل محمود كلهم في نطاق إمارة شاور بن سنان ثم بنيه.
وكان لسنان أخوان فيهما سؤدد وهما غالب وخضر.
ومن جذيمة أيضا جماعة من الزيديين هم جماعة منصور بن جابر وجماعة عامر بن سلامة ومنه بنو أسلم في أصلهم من جذام لا من جذيمة وإنما اختلطوا مع جذيمة، ومنهم شبل ورضيعة وينغور والقدرة وجماعة علم بن رميح والأحامدة والرفت وكور.
ومن جرم جماعة جابر بن سعيد وموقع وكانوا من سنبس: ومن هولاء بطون العاجلة والضمان والعبادلة وبنو تمام وبنو جميل. ومن بني جميل بنو مقدام ومن بني غور بنو بهي وبنو خولة وبنو هرماس وبنو عيسى وبنو سهيل وأرضهم الداروم، وكانوا سفراء آل نادر وبنو غوث بين الملوك. وجاورهم قوم من زبيد يعرفون ببني فهد ثم اختلطوا بهم.
ولا يذكر المقريزي ولا القلقشندي منازل جَرْم في مصر، وما دام أنهم جاءوا مع الجماعات التي جاءت من قبيلة ثعلبة فالأرجح أنهم نزلوا في بلاد الشرقية مثلهم.
وفي السياق ما يفيد أنهم كانوا ذوي نشاط وعصبية وأن منهم من تطور من الحياة البدوية إلى حياة الحضر.
3 -
سُنْبُس - طيئ القحطانية:
قال المقريزي
(1)
إن هذه القبيلة من طيئ وإن من أفخاذها بنو لبيد وعمرو وعدي وأبان وجرم ومحصن وقنة، وإلى قنة ينسب معالي بن فريج مقدم سنبس
(1)
مؤرخ مصري شهير ألف الخطط، والبيان والإعراب، وينتمي إلى الأشراف الحسينيين، وهو تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد الحسيني.
في الجيزة وكان له جرأة ومروءة وفيه كرم وشجاعة، وقد قتل صبرا بالقاهرة، وكانت سنبس تنزل بفلسطين والداروم قريبا من غزة وكثروا هناك واشتدت - وطأتهم على الولاة وصعب أمرهم فبعث الوزير أبو محمد الحسن اليازوري وزير المستنصر الفاطمي (527 - 587 هـ) إليهم في سنة 442 هـ يستدعيهم وأقطعهم الجيزة من أرض مصر، وكانت يومئذ منازل بني قُرة من بطون خبيب بن جذام.
فأوطأهم الوزير ديار بني قُرة وأقطعهم ديارهم فاتسعت أحوالهم وفخم أمرهم وعظم في أيام الفاطميين شأنهم. وحينما نادى المعز أيبك أول ملوك الترك بديار مصر سنة 651 هـ بنفسه ملكا على أنقاض الدولية الأيوبية أنفوا من تملكه لأنه مملوك، فاجتمعوا هم وسائر العرب في مصر وبايعوا الشريف حصن الدولة ثعلب ابن الأمير الكبير نجم الدين علي ابن الأمير الشريف فخر الدين إسماعيل بن حصن الدين مجد العرب ثعلب الجعفري في سنة 651 هـ فقاتلهم المماليك الترك وقبضوا على الشريف وأصحابه ثم مضوا إلى ناحية سخا من الغربية وقد اجتمع فيها سنبس ولواتة
(1)
ومن معهم فأوقعوا بهم وقعة شنيعة قتلوا فيها رجالهم وسبوا حريمهم ونهبوا أموالهم فذلت سنبس بعد ذلك وقلت وتفرقت بالغربية.
وكان من الحلفاء سنبس عذرة ومدلج ويجاورهم فرقة من كنانة بن خزيمة ويجاورهم كذلك فرقة من عدي بن كعب ورهط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ومقدمهم خلف بن نصر بن منصور العمري ونزلوا بالبرلس وكانوا هم والكنانيون من ذوي الآثار المذكورة في نوبة دمياط، وخلف هذا هو جد نبي فضل الله بن المحلى بن عجاب بن خلف بن نصر وقد تولوا كتابة السر لملوك الترك بالقاهرة ودمشق نحو مائة سنة، وفي سياق المقريزي إشارة إلى أرومات عربية متنوعة الأصول كانت حليفة لسنبس أو مجاورة لها. ومنها ما يحتمل أن يكون جاء إلى مصر كفروع قبائل ومنها ما يحتمل أن يكون جاء كأسرة أو عشيرة. والسياق يفيد كذلك أن ممن ذكرهم من كان صاحب مكانة وسلطان ومن كان يعيش عيشة حضرية ومن كان يتولى أعمالا حكومية في دولة المماليك (الترك).
(1)
لواتة: وتذكر من بعض المؤرخين لواثة (بالثاء) قبيلة من البربر في بلاد المغرب وهاجرت إلى مصر قديما ومنها باقي للآن في بلادها.
4 -
جُذام القحطانية:
يفيد كلام المقريزي عن أصل قبيلة جذام أن هناك من ينسبها إلى سبأ. وكلتاهما قحطانية على كل حال، وقد ذكر تفرعات وبطون هذه القبيلة ممزوجة بشيء من أحوالها وتاريخها.
ومما قاله أن في جُذام عدة بطون وأفخاذ وعشائر.
ومن هذه البطون خبيب بن قرظ بن حفيدة بن نبيح، وهذا البطن متفرع إلى عدة أفخاذ وهي بنو سويد وبنو زيد وبنو بعجة وهلبا سويد وهلبا مالك وهلبا بعجة وبردعة ورفاعة ونائل وبنو مسعود وبنو منظور وبنو قرة الذين كانوا بالجيزة قبل سنبس ومحرمة رهط زيد بن روح من الصحابة. فأما سويد فإنهم بنو سعد بن أسامة بن غطفان ومنهم روح ومنهم مخرط بن حفيدة بن نبيح ومنهم حرام وجشم وغطفان ونبيح وبنو عبيد بن تعب وحطمة بن عوف بن شنوءة بن نديل بن جشم بن جُذام ومنهم طريف بن ثعلبة. ومنهم عبيد وهم بنو عبيد بن تعب بن أعلى، ومنهم بنو صليع وبنو الضبيب وبنو زيد وبنو رزالة أو رزال بن نبيح بن عبيد المذكور وهم إخوة بني حفيدة وصليع، ومنهم بنو شاكر بن الضبيب بن قريظ، ومنهم زهير ومالك وأفصى، ومنهم عمرو بن مالك بن الضبيب و بنو عمرو بن سور بن بكر، ومنهم عائدة وصبرة وجابر، وفي صبرة بنو جُذام بن صبرة بن نصرة، وكان من بني سويد الأمير المقدم زين الدين ظريف بن مكنون أحد الكرام من كبراء الأمراء الجذاميين بمصر، وكان بمضافته أيام الغلاء اثنا عشر ألفا يأكلون عنده كل يوم، وكان يهشم الثريد في المراكب، ومن أولاده فضل الله ابن شيخ بن كمونة وإبراهيم بن عالي ومنهما أُمّر بالبوق والعلم، ومن جذام كعب بن علي بن سعيد بن أسامة وهم فخذ من الضبيب وبني زيد سويد رميثة ومن بني تعب بنو صليع وبني مطرود ونفاثة ورزالة.
ومن جُذام بنو كحيل بن قرة بن موهوب وهم جماعة صلاح وطارق من قدامى جُذام بالحوف
(1)
ويساكن جُذام بالحوف بنو راشد ويجمعهم فخذان وعشيرة في جُذام من بني سويد ثم من بني عُقبة.
(1)
الحوف: بلاد شرق بلبيس في محافظة الشرقية.
فمن بني سويد راشد بن وليد بن سويد، ومن بني راشد بنو حبة بن راشد ومنهم عروة بن تمام وماضي بن الغريب وبنو عامر بن راشد ومنهم صخر بن عمارة وبنو حلمه من بني منيع إحدى بني عامر، وأما بنو عُقبة فمنهم راشد بن عُقبة أحد بني محرمة من بني رميتة من بني الضبيب. ومنهم بنو حميدة بن صالح بن راشد من عُقبة، ومنهم خوذر بن حميدة وله عقب. ومن بطون الحميديين البراجسة والجواشنة والعكوك وأولاد غانم وهلبا بعجة من نسل أبي الفوارس هلبا بن بعجة بن زيد هلبا سويد من نسل "مالك بن سويد بن زيد".
ومن جُذام منظور والعبسة وبنو ثابت وبنو قبيضة وأمراؤهم أولاد بقر بن نجم ومن هلبا سويد بنو عمرو وبنو فهم. ومنهم أولاد شاش والعطويون والحميديون والجابريون والعتاورة، ويقال لهم أولاد طواح المكوس.
ومن جُذام "عُقبة" وينسبون إلى عُقبة بن عبيد بن مالك بن سويد بن زيد بن الضبيب، وهناك من وصل عُقبة جُذام بإياد بن نزار، وإلى هذا الفخذ يرجع كل عُقبي ببلاد الشام وبحوف مصر ومما بين إيلة وحوف مصر، ولبني عُقبة من عقبة إيلة إلى قريب عينونة.
والعايد هم بطن من جُذام ينسبون إلى عائد الله وقيل إنهم ينسبون إلى عائذة إحدى بطون جُذام. وللعايد من القاهرة إلى عُقبة إيلة.
وبنو ردَّاد بن بعجة بن زيد من جُذام أيضا، ومنهم بنو دويب بن سنان المجرس وبنو داود بن سنان، ومنهم من يسكن الشام.
وبنو زيد مناة بن أفصى من جذام كذلك ومنهم بنو كنانة وبنو كلب وبنو روح وبنو سعد.
وفي جُذام خمسة سعود، وهم سعد بن رياس بن حرام، وسعد بن مالك بن زيد وإليه ينتسب أكثر السعديين، وسعد بن مالك بن حرام، وسعد بن أسامة بن غطفان، وسعد بن مالك بن أفصى، وقد اختلطت أعقابهم بمصر وأكثرهم مشايخ البلاد وخفرائها، ولهم مزارع وفسادهم كبير ومساكنهم من منية غمر إلى
زفيتا، ومنهم الوزير شاور
(1)
وإليه ينسب بنو شاور كبار منية غمر، ومنهم بنو عبد الظاهر الموقعون ومنهم أهل برهمتوش، ومن هؤلاء بنو شاش؛ ومن سعد هذه بنو الضبيب وبنو زيد وبنو سويد وبنو مية. ومن بني سويد بن زيد بنو قُرة وبنو وليد وبنو صبرة بن تصرة أولاد سطر بن مالك، وإلى بني صبرة درك بركة الحجاج إلى آخرها. ومن بني سعد بنو شاش وجوش وعلان. وبنو قُرة من قيس في هلال بن عامر، وهم بنو قرة بن عمر بن ربيعة بن عبد مناف بن هلال بن عامر، فاحذر من الخلط بينهما.
ومما قاله في صدد أحوالهم وتاريخهم بالإضافة إلى ما سبق أنه لما ما قدم الغو (عسكر الترك) صحبه أسد الدين شيركوه إلى مصر قائد الحملات التي سيرها نور الدين زنكي سلطان الشام بناء على استنجاد الوزير شاور ثم الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله (555 - 567 هـ) كان بأرض مصر من العرب قبائل طلحة وجعفر وبلِّي وجُهَينة ولَخْم وجُذَام وعُذْرة وطَيِّئ ؤسُنبس وحَنيفَة ومَخزُوم، وكان في جرائد الدولة الفاطمية - يعني كشوفها أو جداول جندها - منهم ألوف وكانت جذام من قدماء عربان مصر، قدموا مع عمرو بن العاص، وكانت لهم عدة إقطاعات منها هربيط وتل بسطة ونوب وروم وغير ذلك. وكان إقطاع ثعلبة (طيئ) جميعه في مناشير جُذام، وقد وسع السلطان صلاح الدين الأيوبي لثعلبة في بلاد جذام.
وكانت فاقوس وما حولها لهلبا سويد (جذام) وأمر جماعة منهم بالبوق والعلم، وممن أمر منهم أبو رشد حبشي بن نجم بن إبراهيم، ولم تزل الإمرة في نجم وبنيه. وكانت البرمون للحيادرة وهم أولاد حيدرة بن معروف بن حبيب بن وليد بن سويد وهم طائفة كبيرة ولبني عمارة بن الوليد بن سويد معا، وكان في هؤلاء عدد، وممن أُمِّر منهم معبد بن منازل، وممن أُمِّر وأقطع أيضا يمنى بن خشعم من ولد مالك بن هلبا، وقد اقتنى عددا من مماليك الترك والروم وبلغ من نفس الملك الصالح نجم الدين أيوب (636 - 648 هـ) منزلة عالية، وارتفع قدره في
(1)
وزير الخليفة الفاطمي الأخير العاضد لدين الله الذي تنازع مع ضرغام ثم استنجد بنور الدين زنكي ثم بالصليبيين.
سلطنة المعز أيبك وقدمهُ هذا على عرب ديار مصر، ولم يزل على هذا حتى قتله غلمانه، فأقام المعز ابنيه سِلْمي ودغمش مكانه، كذلك ممن أُمِّر بالبوق والعلم مفرح بن سالم بن راضي من هلبا بعجة، ومزروع بن نجم كذلك على جماعة كبيرة من جُذام وثعلبة، وخلف مفرجا في الإمرة ابنه حسان.
ومن رجال جُذام مهنا بن علوان بن علي بن زبير بن حبيب بن نائل من هلبا، وكان جوادا كريما، وطرقه ضيوف في الشتاء وليس عنده حطب فاوقد أحمالا من بن كانت عنده لطبخ طعامهم، وكان له كفر برسوط بنواحي مرصفا. وكان لبني رديني بن زياد بن حسن بن مسعود بن مالك بن سويد تل محمد، ومن هؤلاء أولاد جياش بن عمران.
وكان للشواكرة أولاد شاكر بن راشد بن عقبة شنبارة بن محرمة بن خصيب ومنهم أولاد العجار أدلاء الحاج من أيام صلاح الدين، ومنهم حميدة
(1)
بن صالح بن راشد بن عقبة وقد صار لهم عدد ومنهم فرقة بالحجاز من واصل بن عُقبة وكان لبني خليفة وحصن من بني عبيد موضع من حقوق هربيط يعرف بالأمرار.
ومن هؤلاء بنو زهير بالشام، وامتزج من كان بديار مصر منهم بولد زيد، وهم بحرس الحرف إلى ما يلي اشموم، وكانت قرارة بني سعد تل طنبول إلى أطراف الشرقية، وبالإسكندرية من جُذَام ولَخْم جماعة ذو عدد وشجاعة وإقدام ولهم أيام معلومة وأخبار معروفة ووقائع مشهورة.
والصورة التي احتواها سياق المقريزي عن هذه القبيلة قوية خطيرة حقا، سواء بما كان من قدمها أو نموها وتفرعها بمقياس واسع أو انتقال كثير منها إلى حياة الحضارة وبروز كثير من رجالاتها في مجال الإمرة القبلية ووصولهم إلى المركز الممتاز لدى أصحاب السلطان أو بما كان تحت أيديهم من إقطاعات ومزارع أو بمن كان منهم من مشايخ وخفراء إلخ.
(1)
وبنو حميدة في الأردن هم من أعقاب هؤلاء، وما زال بنو حميدة هؤلاء بدوا في الأردن. (انظر عنهم في بني عُقبة في المجلد الأول).
وأما قول المقريزي أن القبائل العربية التي كانت في مصر حينما جاء أسد الدين شيركوه هي قبائل طلحة وبلي وجعفر وجهينة ولخم وجذام وعذرة وطيئ وسنبس وحنيفة ومخزوم فلا يصح الأخذ به؛ لأن هناك قبائل كثيرة جاءت إلى مصر وكانت موجودة فعلا حينما جاء أسد الدين شيركوه على ما ذكره القلقشندي بل على ما ذكره المقريزي نفسه حيث ذكر أن هناك قبائل أخرى كانت موجودة في زمنه ممتدا وجودها إلى ما قبله، ولعله أراد أن يقول أن الذين ذكرهم كانوا الأكثر بروزا ونشاطا وكثافة.
ومما جاء في صبح الأعشى زيادة على ما تقدم أنه تفرع عن بني راشد الحراقيص والخنافيس وأولاد غالي وأولاد جوال وآل زيد وأولاد نجيب وبنو فيصل. وأنه تفرع من سعد بن أسامة بنو فضل والسلاحمة وبرشاش وجوش عدلان وقرارة.
5 -
هلال:
هم كما يقول المقريزي بنو هلال بن عامر بن صعصعة يتصل بمُضَر. وكانوا أهل الصعيد إلى عيذاب ومنهم بنو قُرَّة بإخميم، وبنو عمرو بساقية قلته
(1)
، ربنو هلال عدة بطون منهم بنو رفاعة وبنو حجير
(2)
وبنو عزيز وهم العزايزة، وبأصفون وإسنا بنو عُقبة وبنو جميلة.
وبنو هلال هم بقايا بني هلال في مصر بعد أن ذهب أغلبهم في أواسط القرن الخامس الهجري إلى بلاد المغرب. ولقد ذكر ابن خلدون أن العزيز بالله الفاطمي (364 - 386 هـ) بعد أن غلب القرامطة على بلاد الشام نقل أشياعهم من بني هلال وبني سُلَيْم فأنزلهم بالصعيد وبالعدوة الشرقية من بحر النيل.
ولما سَيَّر الخليفة الفاطمي المستنصر (427 - 487 هـ) في سنة 443 هـ فرقا منهم بإشراف وزيره البازوري إلى المغرب لإزعاج المعز بن باديس الذي تمرد على
(1)
وهي تسمى بالوقت الحاضر "ساقلته".
(2)
بنو حُجير ذكرهم القلقشندي في نهاية الأرب، والمقريزي في البيان والإعراب من بني عمرو من بني عامر بن صعصعة مساكنهم في الديار المصرية، قلت: ولهم نجع الحجيرات باسمهم للآن في محافظة قنا بصعيد مصر.
السلطان الفاطمي بقي من هذه القبائل فرق عديدة وانتشر كثير من الذي بقي في شمال مصر وشرق النيل والبراري الواقعة بين أرض برقة والعقبة الكبيرة والإسكندرية.
ويلاحظ أن المقريزي لم يذكر بني هلال في عداد القبائل التي قال أنها هي التي كانت موجودة حينما جاء أسد الدين شيركوه، مع أن وجودهم في مصر منذ أواخر القرن الرابع الهجري.
6 -
الأوس والخزرج:
يوجد في مصر جماعة من الأوس والخزرج الذين ينتسبون إلى قبيلة الأزد القحطانية، وهم بنو محمد الذين ينتسبون إلى حسان بن ثابت الخزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وديارهم بحري منفلوط، ثم بنو عكرمة الذين ينتسبون إلى سعد بن معاذ سيد الأوس، وهم في نفس الديار.
7 -
لواتة:
أما فروع لواتة في مصر الذي ذكرها المقريزي فهي بنو بلار وبنو مجدول وبنو حديدي وقطوفة وركين ومالوا ومزورة، ومن بني حديد أولاد قريش وأولاد زعازع وهم أشهر من في الصعيد ومن قطوفة طون مغاغة وأهله، ومن بركين بنو زيد وبنو روحين.
وبنو بلار فرقتان واحدة بالبهنساوية وأخرى بالجيزة، ومن الأولى بنو محمد وبنو علي نزار ونصف بني شهلان، ومن الثانية بنو مجدول وسقارة وبنو أبي كثير وبنو الجلاص ونصف شهلان.
ويقال للفرقة البهنساوية حد والفرقة الجيزية خاص أيضا، ولمغاغة سمالوط إلى الساقية ولبني اقوسنا وما معها إلى بحري طنبدي، ولفرقتي حد وخاص الكنور وسفط جرجا وأهريت. وأمراء بني محمد وبني علي من بني زعازع، وبطون مزورة هي بنو وركان وبنو غراس وبنو جمَّاز وبنو الحكم وبنو الوليد وبنو الحجاج وبنو المحرشة.
ويقال أن بني الحجاج من بني الحماس لأنهم كانوا يؤدون القطائع معهم، وبنو نزار في إمارة بني زعازع وهم من بني ذرية، ومنهم نصف عامر والحماسنة والضباعنة. ومن أمرائهم تاج الملك عزيز بن ضبعان ثم ولده، ومنهم بنو زيد وأمراؤهم أولاد قريش ومساكنهم نويرة دلاص. وفي المنوفية من لواتة بنو يحيى والوسوة وعبدة ومصلة وبنو مختار، ومعهم أحلاف من مزاتة وزنارة وهوارة وبني الشعرية في أقوام آخرين.
8 -
لخم
(1)
:
يوجد في صعيد مصر جماعات كثيرة من قبيلة لَخْم التي يتصل نسبها بكهلان بن سبأ القحطانية اليمانية وهم بطون كثيرة، منها بالبر الشرقي من أرض مصر بنو سماك، ومن هؤلاء بنو مُرّ
(2)
وبنو مليح وبنو نبهان وبنو عبس وبنو كريم وديارهم من طاف ببا إلى منجور دير الجميزة في البر الشرقي ومنهم حدان، ومن هؤلاء بنو محمد وبنو علي وبنو سالم وبنو مدلج وبنو رعبس وديارهم في دير الجميزة إلى ترعة صول، ومنهم بنو راشد، ومن هؤلاء بنو معمَّر واصل وبنو رامز وبنو حيان وبنو معاذ وبنو النيص وبنو حجرة وبنو اشتيوة. وديارهم من مسجد موسى إلى أسكر ونصف بلاد أطفيح، ولبني النيص الحي الصغير ولبني اشتيوة من ترعة الشريف إلى معصرة بوش، ومنهم بنو جعد ومن هؤلاء بنو مسعود وبنو جرير وبنو ثمال وبنو نصار وديارهم ساحل أطفيح، ومنهم بنو عدي ومن هؤلاء بنو موسى وديارهم تل بني جعد، ومنهم بنو بحر ومن هؤلاء بنو سهل وبنو
(1)
60 - 62 رسالة المقريزي.
(2)
في صعيد مصر الآن قرية اسمها بنو مُرّ وهي التي نشأ منها البطل العربي الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ولقد اعتاد العرب حينما ينشئون محلة جديدة أن يسموها باسمهم، ومن المحتمل جدا أن يكون فرع بني مُرّ. من بني سماك هو الذي أنشأ هذه القرية وسكن فيها وسماها باسمه، كما أن من المحتمل جدا أن يكون بطلنا من أنسال هذا الفرع وبالتالي من قبيلة لَخْم - من كَهلان القحطانية من اليمن ومن بطونها التي جاءت إلى مصر واستقرت في صعيدها. وقد ذكر بني مُر من بني سماك من لخم القلقشندي في صبح الأعشى ج 1 ص 316 - 360 وفي نهاية الأرب ص 296.
وذكر بعض الباحثين الحديثين في مصر أن عشيرة جمال عبد الناصر من الأشراف من قريش جاءت إلى بلدة بني مر من نواحي قنا مع عدة عشائر أخرى وأقامت بها وليست من أصل البلدة المنسوبة إلى لخم القحطانية.
معطار وبنو فخم وبنو عشير
(1)
وبنو مسند وبنو سباع ومسكنهم الحي الكبير، ومنهم قسيس ومسكنهم بلاد أسكر، وبنو تميم ولهم العدوية ودير الطين إلى جسر مصر، ومنهم عمرو ولهم نصف حلوان، ومنهم بنو حجرة ولهم النصف الآخر من حلوان ونصف طرة.
9 -
بنو عُذر:
في طينة تنيس جماعة من بني عُذر الذين ينتسبون إلى همدان القحطانية من اليمن.
10 -
حرام (الخزرج):
أن المقريزي ذكر حراما كأحد بطون جذام، ثم عقد نبذة خاصة بهذا الاسم وقال: إن بطون الخزرج جماعة تعرف ببني حرام بن كعب بن غنم بن سلمة الذين منهم جابر بن عبد الله الأنصاري، ويقال إن هؤلاء منهم. ومنهم صبرة بن مضرة بن غطفان وإليهم درك بركة الحاج.
قلت: ولعل هؤلاء ما ذكرهم أميديه الفرنسي باسم نصف حرام.
11 -
بنو عُذرَة:
قال المقريزي إن في الدقهلية قوما ينتسبون إلى قريش وهم نفر من بني عُذرة من كنانة وهم الحقيقة كنانة قضاعة وليسوا من كنانة خزيمة أحد أجداد قريش، ومن بطونهم بنو شهاب وبنو زيدة والرواشدة وبنو حميَّرة فراس وهم بمنية محمود ومنية عدلان، ومن بطونهم كذلك بنو لأم وليسوا بلأم الحجاز، وبنو شمس والفضليون وقرارتهم أي ديارهم كرم الثعالب.
12 -
زمر عربية أخرى في الدقهلية:
جمع المقريزي في نبذة واحدة زمرا عديدة وقال إنها بالدقهلية أيضا منهم قوم يدعون الحماسنة، ومنها طوائف من عمرو وزهير، ومنه الحصينيون ورذالة
(1)
قلت: ومن عشير عائلات في الفيوم وشمال الصعيد ويُطلق عيهم بالوقت الحاضر "العشيري".
والأحامدة وليسوا أحامدة هلبا وبنو جماز وبعضهم أصحاب إقطاع، ومن بطون زهير بنو عزيز وبنو شبيب وبنو عبد الرحمن وبنو مالك وبنو عبيد وبنو عبد القوي وبنو شاكر وبنو حسن وبنو شما.
13 -
بنو سُلَيْم:
قال المقريزي إن هذه القبيلة من القبائل التي تنتسب إلى قيس عَيْلان إلى مُضَر وأنها جاءت مع عدة قبائل من قيس إلى أرض مصر سنة 109 هـ في ولاية الوليد بن رفاعة، ولم يكن بأرض مصر أحد من قيس قبل ذلك إلا جماعات من فهم وعدوان، ثم سرد قصة مجيء قبائل قيس بطلب من عامل الخراج في رمن هشام بن عبد الملك، وهي القصة التي أوردناها في سياق سابق فلا حاجة إلى إعادتها هنا.
وقد رجع المقريزي بعد القصة إلى موضوع بني سُلَيْم فقال إن هذه القبيلة تتفرع إلى فروع بني زكوان وزُغب وعوف والحارث ورفاعة وعُصية وظَفَر وذُباب وبهز وغيرهم، ثم قال ومساكن سُلَيْم ببرقة مما يلي مصر، وكانت مساكنهم في عالية نجد بالقرب من خيبر ثم تحولوا إلى مصر وإفريقية في بلادهم وصار لهم بإفريقية عدد عظيم.
ومنهم بنو هِيب بن بُهْثَة وهم ما بين السدرة من برقة إلى حدود الإسكندرية، ومنهم بنو أحمد بإجدابية ولهم عدد، ومن بني هيب شمال ومحارب ورآستهما في بني عزاز.
وكان لبني هيب عزة لاستيلائهم على إقليم طويل وغدو ولايته لأشياخهم وفيهم الأبطال الأنجاد والخيل الجياد والإمرة فيهم في أولاد عزاز بن مقدم، ومنهم مزيد بن عزاز وكان جليل القدر معظما في الدولة، ومنهم بنو زائد وزيان وكلهم كرام، ومنهم أبو خالد عطا الله بن عمر بن عزاز، وكان كريما مطاعا في قومه، ومنهم بنو معز وعمر ومن هؤلاء علوي بن إبراهيم بن عزاز وسلطان بن زيان بن عزاز وعمر بن مشعل بن عزاز وجماعة بن مليح المنصوري أصحاب ابن غازي بن نجم وعليان بن عريف وبلبوش.
وكان الأخير قد هرب من الملك الظاهر بيبرس (659 - 676 هـ) فأرسل جيشا وراءه فقاتلوه وأخذوه أسيرا فاعتقله مدة ثم أفرج عنه وهو والد زيد، ومنهم جماعة سعيد بن العريب بن الأحمر وجماعة محمد الهواري وكانت الإمرة على عربان البحيرة في أيام الناصر محمد بن قلاوون (683 - 741 هـ)
(1)
فيهم وهي لفايد بن مقدم وخالد بن أبي سليمان، وكانا أميرين سيدين ذوي كرم وأمن وشجاعة.
والسياق يفيد أن كثر بني سُلَيْم توجهوا إلى بلاد المغرب، وأن قسما قليلا منهم تخلف في مصر وقسما آخر أقام فيما بين برقة والإسكندوية، وأن برقة التي كانت في نطاق سلطان مصر إذ ذاك منذ القرن السادس إلى القرن العاشر كانت في وقت ما تحت حكم مشايخهم، وأن من الذين بقوا في مصر من كان في منطقة البحيرة وكانت الإمارة على عربانها لرؤساء منهم.
وننبه على أن الكلام المقريزي عن مجيء بني سُلَيْم في جملة من جاء من قبائل قيس في سنة 109 هـ يتضارب مع الرواية المشهورة التي أوردناها نقلا عن ابن خلدون في الفصل السابق والتي نذكر أنهم جاءوا إلى مصر مع بني هلال في أواخر القرن الرابع الهجري بأمر العزيز الفاطمي ثم وجه معظمهم مع بني هلال أيضا إلى إفريقية في أواسط القرن الخامس لإزعاج المعز بن باديس بتدبير اليازوري وزير المستنصر الفاطمي.
وسياق المقريزي على كل حال يتضمن بيانات مفيدة عن الذين بقوا في مصر من بني سُلَيْم كما هو واضح.
وتوجد زمر عربية أخرى بين الإسكندرية والعقبة الكبرى أكثرها من سُلَيْم لأن المقريزي ذكر بعد بني سُلَيْم بدون عنوان أسماء عدد من الأرومات العربية الضاربة فيما بين الإسكندرية والعقبة الكبرى، وهي جماعات فائد وخفاجة ولبيد وسلَّام ومحارب وقطَّاب والزعاقنة وبشر والجواشنة والبعاجنة والقبايص وأولاد
(1)
هذا الملك خُلع مرتين وكان يعود مرة بعد أخرى، ومدة حكمه الأولى 693 - 694 هـ والثانية 698 - 708 هـ والثالثة 708 - 741 هـ.
سليمان والقصَّاص والعلاونة، ومنازلها من العقبة الكبيرة
(1)
إلى سوسة
(2)
، ثم جماعة جعفر بن عمرو وهم المثانية والياسة وعرعرة والعضمة والعكمة والمزايل والمعزة، ومن المعزة الجعافرة جماعة عمر، ومنهم البداري أيضا، ومنهم السهاونة والجلدة وأولاد أحمد ومنازلهم من سوسة إلى بير السدر، وهي آخر حدود ديار مصر ومسافتها من الإسكندرية نحو شهر بسير القوافل.
وقد ذكر المقريزي بعد هذا الأرومات العربية التي عليها درك طريق من القاهرة إلى مكة ومما يتصل بموضوع الرسالة منها قبيلة العايد التي عليها الدرك من القاهرة إلى عقبة إيلة (على خليج العقبة)، وبنو عُقبة الذين عليهم الدرك من عقبة إيلة إلى داما، وقبيلة بلي التي عليها الدرك من داما إلى أكرى، وقبيلة جُهينة التي عليها الدرك من أكرى إلى داما وهي آخر الوعرات. ثم استمر يذكر الأرومات التي عليها درك بقية مراحل الطريق في الحجاز مما لا يدخل في موضوع الرسالة.
وقد قال بعدها أنه يوجد في برقة أحياء لبني جعفر، وكان شيخهم أبا ذئب وأخاه حامد بن كميل، وهم ينتسبون إلى بني كعب من علاق بن عوف بن سُلَيْم. وفيما بين برقة والعقبة أولاد سلَّام، وفيما بين العقبة الكبيرة والإسكندرية أولاد مقدم، وهم بطنان أولاد التركية وأولاد فائد بن مقدم، وهم ينتسبون إلى لبيد من بني سُلَيم.
(وهنا تنتهي رسالة المقريزي).
14 -
ومما ذكر في تاريخ ابن خلدون من الزيادات عما ذكره المقريزي:
1 -
في الواحات من بلاد القبلة قبيلة مُحارب التي تنتمي إلى بني سُلَيْم، وقبيلة رواحة التي تنتمي إلى عبس من غطفان.
2 -
في نواحي الصغير قبائل من بني هلال وبني كلاب وربيعة يركبون الخيل ويحملون السلاح ويعمرون الأرض بالفلاحة ويقومون بالخراج للسلطان.
(1)
العقبة الكبيرة هي هضبة السلوم، وسوسة مدينة ليبية في برقة على شاطئ البحر المتوسط وهي بنفس الاسم القديم، وهي خلاف سوسة التونسية.
(2)
المصدر نفسه.
وفي الجزء الأول من صبح الأعشى من الزيادات:
1 -
قبيلة بَهْراء من قُضَاعة وكانت منازلها من الينبع إلى عقبة إيلة شمال منازل بلي، ثم جاوز منهم بحر القلزم خلق كثير وانتشروا ما بين بلاد الحبشة وصعيد مصر وكثروا.
2 -
بنو ذُبْيَان بن فَزَارة من غَطَفَان، منهم جماعة بالصعيد في بني سويف والفيوم وجماعة بضواحي القاهرة في قليوب وما حولها.
3 -
بنو مارن بن فزارة، منهم جماعة بالقليوبية.
4 -
بنو بدر بن فزارة، ومنهم جماعة أيضا وهم أصل قبيلة المؤلف
(1)
وقد قال إن أهل بلدتنا قلقشندة نصفهم بنو بدر والآخر بنو عمهم بني مازن.
وتنويه القلقشندي مهم حيث ينطوي. فيه صورة من صور تطور حياة من القَبَلية للمدنية وملئهم مدنا برمتها، ولا ريب في أن لهذه الصورة أمثالا لا تقع تحت حصر تلمح في ثنايا هذا الفصل.
5 -
كِنَانة بن خُزيمة، منهم جماعة بالأخميمية من صعيد مصر يعرفون بكنانة طلحة.
6 -
بنو ليث بن عبد مناة بن كنانة، منهم طائفة بساقية بالأخميمية من صعيد مصر.
7 -
بنو مُدْلَج بن مُرَّة بن عبد مناة بن كنانة، منهم طائفة بالاعمال الغربية من ديار مصر.
8 -
بنو صخرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، منهم طائفة بساقية قلته وما يليها من بلاد أخميم مصر.
9 -
بنو مالك من كنانة منهم طائفة بالأشمونين وما حولها.
(1)
وهو أبو العباس القلقشندي.
الإمارات العربية بمصر في الوجهين القبلي والبحري
وفي الجزء الرابع من صبح الأعشى نبذة هامة في صدد الإمارات العربية التي كانت زمن المؤلف (أواخر القرن الثامن الهجري) ممتدة إلى ما قبله.
ولقد نقل المؤلف (القلقشندي) عن الحمداني أن إمرة العربان بالوجه القبلي كانت في ثلاثة أعمال.
العمل الأول:
عمل قوص، وكانت الإمرة فيه في بيتين من بلي قُضاعة من حِمْيَر، وهما بنو شادي وكانت منازلهم بالقصر الخراب المعروف بقصر بني شادي بالأعمال القوصية.
وبنو العجيل بن الذيب وكانوا معهم هناك، ومما يقال أن بني شادي من بني أمية من قريش.
العمل الثاني:
عمل الأشمونين وكانت الإمرة به في بني ثعلب من السلاطنة، وهم أولاد أبي جحيش من الحيادرة من ولد إسماعيل بن جعفر الصادق من عقب الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكانت منازلهم سربام، وغلب عليها الشريف حصن الدين بن ثعلب فعرفت بدمروت الشريف من يومئذ، وحصن هذا هو الذي قاد حركة التمرد ضد سلطنة مماليك الترك.
العمل الثالث:
عمل البهنسا
(1)
وكانت الإمرة فيه في بيتين وهما أولاد زعازع من بني حديدي، وكانوا أشهر من في الصعيد وأولاد قريش
(2)
: وهم من أمراء بني زيد، ومسكنهم نويرة دلاص، وكان قريش عبدا صالحا كثير الصدقة، ومن أولاده سعد الملك المشهور بنوه هناك.
(1)
البهنسا: أجمع قبط مصر أن المسيح عليه السلام وأمه العذراء بعد قدومهم من فلسطين كانا في البهنسا ثم عادا للقدس الشريف،
(2)
أولاد قريش هنا من بني زيد وهم من لواتة البربرية - كما أسلفنا عنها.
ثم نقل القلقشندي عن كتاب التعريف للمقر الشهابي أن الإمرة بالوجه القبلي في زمنه وهو سلطنة الناصر محمد بن قلاوون 693 - 741 هـ كانت لناصر الدين عمر بن فضل، ولم يذكر مقره ومن أي العرب هو.
وأن الإمرة فيما فوق أسوان كانت لسبرة بن مالك من عرب يقال لهم الحداربة، وكان ذا عدد جم وشوكة منيعة، يغزو الحبشة أمم السودان ويأتي بالنهاب والسبايا وله أثر محمود وفضل مأثور.
قلت: والحداربة من قبائل العرب في بلاد النوبة.
وفد سبرة على السلطان فأكرم مثواه وعقد له وشرَّفه بالتشريف
(1)
وقلَّده، وكتب إلى ولاة الوجه القبلي وسائر العربان بمساعدته ومعاضدته والركوب معه للغزو متى أراد له منشورا بما يفتتحه من البلاد، وتقليده إمرة عربان القبلة مما يلي قوص إلى حيث تصل غايته وتركز رايته.
وقد قال القلقشندي بعد هذا إن الإمرة في زمنه ومنذ وجهت عرب الهوارة وجوهها من عمل البحيرة إلى الوجه القبلي، ونزلت به وانتشرت في أرجائه انتشار الجراد وبسطت يدها من الأعمال البهنساوية إلى أسوان وما أولاها، وأذعن لها سائر العربان بالوجه القبلي وانحازوا إليها وصاروا طوع قيادة في بيتين منهم هما بنو عمر محمد وإخوته ومنازلهم بجرجا ومنشأة أخميم، وأمرهم نافذ إلى أسوان من القبلة إلى آخر بلاد الأشمونين من بحري، وأولاد غريب وبيدهم بلاد البهنسا ومنازلهم دهروط وما حولها.
وأما الوجه البحري فقد نقل القلقشندي
(2)
عن الحمداني الإمرة فيه في خمسة أعمال.
العمل الأول:
الشرقية والإمرة فيها في قبيلتين إحداهما ثعلبة والإمارة لشقير بن جرجا من المصافحة من بني زريق ولعرب ابن نفيلة من العلمين، والثانية جُذام والإمرة فيها
(1)
كان يعني إلباس الخلع المطرزة بالطراز السلطاني.
(2)
ص 69 - 72.
في خمسة بيوت: الأول بيت أبي رشد بن حبشي من العقيليين من ذرية زيد بن حرام، وقد أُمّر بالبوق والعلم، والعبارة تفيد أن أبا رشد هو أول المتأمرين من هذا البيت وأن الإمرة استمرت في بيته من بعده.
والثاني طريف بن مكنون من بني الوليد بن سويد من بني زيد بن حرام، وإلى طريف ينسب بنو طريف ببلاد الشرقية وكان من أكرم العرب، وكان يأكل عنده أيام الغلاء اثنا عشر ألفا وكان يهشم الثريد في المراكب، ومن بنيه فضل بن سمح بن كمونة وإبراهيم بن غالي وقد أُمر كل منهما بالبوق والعلم، والعبارة تفيد كما هو واضح أن الإمرة استمرت في هذا البيت ولدا بعد والد إلى أمد ما.
والثالث بيت أولاد منازل ومن ولد الوليد بن سويد، وكان منهم معبد بن مبارك الذي أُمّر بالبوق والعلم.
والرابع بيت نمي بن خشعم من بني مالك بن هلبا بن سويد وقد أُقطع خشعم بن نمي وأمّر واقتنى عددا من مماليك الترك والروم وغيرهم، وبلغ من الملك الصالح أيوب (الأيوبي) 643 - 647 هـ منزلة عالية، ثم حصل عند الملك المعز أيبك على الدرجة الرفيعة وقدمه على عرب الديار المصرية، ولم يزل على ذلك حتى قتله غلمانه فعيَّن المعز ابنيه سِلْمي ودغش مكانه فكانا نعم الخلف، ثم قدم دغش على دمشق فأمره الملك الناصر صاحب دمشق يومئذ من بني بالبوق والعلم وأمر الملك أيبك أخاه سِلْمي كذلك، وعبارة بيت نمي قد تفيد أن الإمرة استمرت في هذا البيت بعد دغش وسِلْمي لأمد ما أيضا.
والبيت الخامس بيت مفرج بن سالم بن راضي من هلبا بعجة من بني زيد بن حرام.
وأمره المعز أيبك بالبوق والعلم حينما أمَّر سِلْمي بن خشعم، وكان هذا قد امتنع أن يؤمَّر حتى يؤمَّر مفرج، وعبارة بيت مفرج تفيد أن الإمرة استمرت في بيته من بعده لأمد ما.
العمال الثاني:
المنوفية والإمرة فيها لأولاد نصير الدين من لواتة (البربرية)، ولكن إمرتهم بمعنى مشيخة العرب، وقد تفيد العبارة أن مرتبتهم أقل من مرتبة السابقين.
العمل الثالث:
الغربية والإمرة فيها في أولاد يوسف من الخزاعلة من سُنبس (طيئ) ومقرهم مدينة سخا.
العمل الرابع:
البحيرة وقد نقل القلقشندي عن كتاب التعريف للشهابي أن الإمرة في الدولة الناصرية القلاوونية في هذا العمل كانت لخالد بن سليمان وفائد بن مِقْدم من هيب (بني سُلَيْم)، وقد كانا أميرين سيدين جليلين ذوي كرم وأفضال وشجَاعة وثبات رأي وإقدام كما وصفهما مؤلف مسالك الأبصار.
العمل الخامس:
برقة
(1)
: وقد قال القلقشندي إن مؤلف التعريف قال إنه لم يبق من أمراء العرب في برقة في زمانه إلا جعفر بن عمر، وكان لا يزال بين طاعة وعصيان ومخاشنة وليان، وقد كان آخر مرة أن ركب طريق الواحات حتى خرج من الفيوم وطرق بالب، السلطان لائذًا بالعفو، ووصل ولم يسبق له خبر ولم يعلم السلطان به حتى استأذن المستأذن له عليه وهو في جملة الوقوف بالباب، فأكرم أتم الإكرام وشُرِّف بأجل التشاريف وأقام مدة في قرى الإحسان وإحسان القرى وأهله لا يعلمون بما جرى له ولا أين يمم حتى أتتهم رافدات البشائر، وقد قال السلطان: لماذا لم تعلم ألك بقصدك إلينا؟ فقال له: خفت أن يثبطوني ويقولون إن السلطان يفتك بك فاستحسن قوله وأفاض عليه طوله ثم عاد إلى أهله بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء ولم يشمت به عدو.
(1)
كانت برقة في نطاق حكم ملوك مصر المماليك من الترك في هذه الحقبة كانت الإمرة من هِيب (بني سُلَيْم).
وقد قال القلقشندي بعد هذا إن الإمرة اليوم في عمر بن عريف، وهو رجل دين وكان أبوه عريف ذا دين متين، رأيته بالإسكندرية بعد الثمانين والسبعمائة واجتمعت به، فوجدت آثار الخير ظاهرة عليه.
وينتهي فصل القلقشندي عن أمراء العرب عند هذا الحد، وواضح مما احتواه منهم في صدد ما كان للأرومات العربية من بروز ومكانة في مجال الحكم السلطاني بسبب ما كان لهم من عصبيات قومهم وبيئتهم وباعتراف الملوك وتثبيتهم رسميا، ويضاف إلى هذا ما ذكر من أمراء العرب الآخرين في ثنايا النبذة السابقة من هذا الفصل فتقوى بذلك الصورة، ومن المؤسف أن يظل في الموضوع ثغرات كثيرة سواء في عدم ذكر سلسلة الذين كانوا يتولون الإمرة من الأبناء بعد الآباء أم في عدم ذكر شيء هام من سيرة الأمراء ومدى سلطانهم.
ومع أن السياق قد يفيد أن إمرة الأمواء وبيوتات الإمارة كانت في النطاق القَبَلي فإن فيه ما يفيد في الوقت نفسه أن ذلك النطاق كان يتسع حتى يشمل المنطقة وما فيها من قبائل وقرى أيضا، وكذلك فإن فيه ما يفيد أن القبائل وخاصة بيوتات الإمارة لم تكن بدوية رحالة بل كانت ريفية مستقرة في القرى والكفور، ومنهم من كان مستقرا في المدن.
وبلفت النظر خاصة إلى مدى حركة الشريف حصن الدولة الجعفري الهاشمي الطموحة في آخر الدولة الأيوبية، واجتماع العرب عليه أنفة من سلطة مماليك التُّرك، ثم إلى ما كان من مكانة ونشاط سبرة بن مالك حتى لكأنه ملك وصاحب دولة داخل دولة.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمتبادر أن ما أرده القلقشندي هو ما اطلع عليه أو سمع به خلال القرون الثلاثة السابع والثامن وبداية التاسع للهجرة، ولا يعقل أن لا يكون شيء من هذا قبل هذه القرون، كما لا يعقل أن الذي ذكره هو كل ما كان في القرون الثلاثة.
وعلى كل حال فالبيانات التي وردت في هذا الفصل تؤيد ما قلناه في ختام الفصل السابق من نمو القبائل والأرومات العربية وانتشارها في مختلف أرجاء مصر وتطور حياتها، وغمرها ريف مصر ومدنها وبواديها وطبعها إياها بطابع العروبة الصريحة الشامل الخالد.
وكما هو واضح من كثرة القبائل والعشائر والعائلات التي توطنت في الديار المصرية سواء كانت قادمة من الجزيرة العربية أو بلاد المغرب أو بلاد الشام يتبين لنا أن مصر هي أمُّ العرب جميعا، تفتح صدرها الحنون وترحب في واديها الخصب (النيل الخالد) بكل أبناء الأمة العربية المجيدة من المشرق والمغرب، وقد كان عدد سكان مصر عام 1800 م نحو 2000460" مليونين وربعمائة وستين ألفا"، وها نحن في عام 2001 م وقد زاد تعداد القطر العربي المصري خلال قرنين فأصبح يزيد عن خمسة وستين مليون نسمة!
من أين إذن هذا التزايد السريع والرهيب في سكان وادي النيل بأرض الكنانة مصر؟
وهل يا ترى هو من نتاج سكان مصر الأصليين قبل الفتح العربي؟
كلا .. إنها نتاج هجرات قبائل العرب وجاليات العرب منذ الفتح العربي لمصر عام 640 م وحتى أوائل القرن العشرين للميلاد لم تتوقف تلك الهجرات لبعض الجاليات العربية للقطر المصري.
ويكفي أن نقول إن الجالية السودانية وحدها في مصر خلال آخر القرن العشرين بلغت نحو مليوني نسمة خلاف الآلاف الذين حصلوا على الجنسية المصرية في القرنين الأخيرين منذ تولي محمد علي باشا حكم القطرين مصر والسودان (وادي النيل).
وهناك جاليات عربية من بدو وحضر نزحت وحصلت على الجنسية المصرية خلال القرنين الأخيرين .. وستظل مصر عربية أبيَّة وقلعة حصينة للأمة العربية وقلب العروبة النابض، ويكفي مصر فخرا أن ذكرها رب العزة سبحانه وتعالى في كتابه العزيز مرات ومرات، فهذا وسام تتحلى به مصر المحروسة بعناية
الرحمن. ولقد أوصى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم خيرا بمصر وأهل مصر، فالعرب كل العرب بخير ما دامت مصر بخير، هذه حقيقة ثابتة في التاريخ منذ سقوط الخلافة العباسية في بغداد على أيدي التتار (المغول) عام 656 هـ، فكانت مصر الصخرة التي تكسَّر عليها الزحف المغولي التتاري على بلاد العرب والمسلمين.
وستظلُّ مصر درعا للعرب تذود ولا تبخل، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما".
هنا يقصد النبي الكريم بالرحم أي الصهر لأن أم العرب العدنانية من ذرية نبي الله إسماعيل عليه السلام هي "هاجر المصرية". وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: "إن أجناد مصر خير أجناد أهل الأرض لما أنهم في رباط إلى يوم القيامة".
جمع الله العرب على الصفاء والوحدة والإخاء ليكونوا نِبراسا للمسلمين في بقاع الأرض، ولتكون بحول الله تعالى أمة الإسلام هي أمة القرآن العظيم والدين القويم.
ملخص ما قاله القلقشندي في نهاية الأرب عن قبائل مصر
وإتماما للفائدة أذكر ما قاله أبي العباس أحمد القلقشندي في نهاية الأرب وما ذكر من قبائل وبطون في الديار المصرية حتى بداية القرن التاسع الهجري، ولا زال الكثير من هذه القبائل باسمها للآن أو تحمل أسماء قرى ونجوع في وادي النيل.
ويمكن مطابقة هذه الأسماء على ما ذكرنا من قبائل في فصول سابقة ولم نذكر نسبها وحتى يسهل علينا معرفة جذورها.
ونذكر ما قاله القلقشندي حسب الحروف الهجائية:
1 -
بنو أبان: من ذرية عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية من قريش منهم في الصعيد خاصة تندة والأشمونين.
2 -
بنو أحمد: بطن من هيب من سُلَيْم في الصعيد.
3 -
بنو إسحاق: من ذرية أبي بكر الصديق من تيِّم بن مرة من قريش، وهم أقارب بني طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر، منازلهم في بلاد الأشمونين.
4 -
بنو أشعب: فخذ من زريق من ثعلبة طيئ، منازلهم في أطراف مصر مما يلي الشام.
5 -
بنو البيض: من بني راشد من لخم، منازلهم بالحي الصغير من الأطفيحية (أطفيح جنوب الجيزة).
6 -
بنو الجلاك: من لواتة (البربر)، منازلهم البهنسا من بلاد الصعيد.
7 -
بنو الحكم: بطن من مزورة من لواتة ديارهم في الدهناء من صعيد مصر.
8 -
بنو الشعرية: من أحلاف لواتة في المنوفية.
9 -
بنو الصدف: قبيلة من حضرموت ودعوتهم مع كندة، ويقال إنه الصدف بن مالك بن مرتع بن كندة، حضر منهم جماعة في فتح مصر.
10 -
بنو الضبيب: بطن من جُذام ومن أفخاذهم عمرو بن مالك بن الضبيب، وعشيرة، وزهير، وخليفة، وحُصين، ومساكنهم في بلاد الدقهلية، وبنو خليفة وبنو حُصين انضافوا إلى بني عبيد بالحلف ولهم موضع من حقوق هربيط بالأحزاب (وهربيطة من أعمال الشرقية).
10 -
بنو الغافق: قبيلة من علي بن عدنان ودخل في القحطانية مع أغار بن أراش من كهلان، شهدت فتح مصر ومنهم طائفة.
12 -
بنو الليث: من بني كنانة بن خزيمة بلادهم في الأشمونين وجماعة في ساقية قلتة من بلاد أخميم بصعيد مصر.
13 -
بنو الوليد: بطن من جُذام، مساكنهم الحوف من أعمال الشرقية.
14 -
بنو أمية: من قريش وفروع أبان بن عثمان، وبني خالد بن يزيد، وبني سلمة بن عبد الملك، وبني حبيب بن الوليد، وبلادهم الأشمونين من ديار قريش.
15 -
آل عمرو: من غزية طيئ في الحوف وديار بقاياهم النصيف والكمن واليحموم والأم والمعينة من مشارق الديار المصرية.
16 -
آل حجاج: بطن من الطليحيين من ثعلبة طيئ وهم قومهم ثعلبة في الشرقية وسيناء.
17 -
آل حصناة: بطن من الطليحيين من ثعلبة طيئ مع قومهم ثعلبة.
18 -
آل حمود: بطن من الحميديين من هلبا سويد من جُذام، منازلهم مع قومهم في الحوف بالشرقية.
19 -
أولاد الهبرية: بطن من أحلاف بني زيد بن حرام من جُذام في بلاد الحوف من الشرقية.
20 -
أولاد الهريم: بطن من غياث بن عصمة بن نجاد بن هلبا بعجة من جُذام في بلاد الحوف من أعمال الشرقية.
21 -
أولاد بيرين: بطن من الحميديين من هلبا سويِّد من جُذام وبلادهم في الحوف.
22 -
أولا جوال: بطن من راشد من هلبا سويِّد من جُذام في بلاد الحوف.
23 -
أولا جياش: بطن من بني نائل من جُذام ولهم تل محمد بالحوف.
24 -
أولا راشد: بطن من الحميديين من هلبا سويد من جُذام مساكنهم في بلاد الشرقية.
25 -
أولاد زعازع: بطن من لواتة في بلاد البهنسا من الصعيد وفيه الإمرة.
26 -
أولاد غالي: بطن من بني راشد من هلبا سويِّد من جُذام في الحوف من أعمال الشرقية.
27 -
أولاد منازل: بطن من زيد بن حرام بن جُذام، ومنازلهم بالحوف، وكان منهم معبد بن منازل أُمِّر بالبوق والعلم.
28 -
أولا نجيب: بطن من الحميديين من هلبا سويد من جُذام في بلاد الحوف.
29 -
البحابحة: بطن من الصبيحيين من بني زريعة من ثعلبة طيئ في مشارق الديار المصرية مع قومهم.
30 -
البراجسة: بطن من الحميديين من هلبا سويد من جُذام في بلاد الحوف من الشرقية.
31 -
البقِّعة: بطن من ثعلبة من طيئ مع قومهم.
32 -
البكريون: بطن من قريش من ولد عبد الرحمن بن أبي يكر بعضهم بناحية دهروط من البهنسا بصعيد مصر.
33 -
البكريون: بطن من زيد بن حرام. بن جُذام في بلاد الحوف.
34 -
البلارية: بطن من لواتة في البهنسا ولهم سمالوط إلى الساقية.
35 -
الثعالب: بطن من طيئ وهم بنو ثعلب بن عمرو بن غوث من طيئ ومساكنهم في صعيد مصر.
36 -
الجواشنة: بطن من الحميديين من هلبا سويد من جُذام في بلاد الحوف.
37 -
الجواشنة: بطن من لبيد من سُلَيْم، بلادهم برقة ومنهم في مصر.
38 -
الجواهرة: بطن من ثعلبة طيئ منهم في مصر والشام.
39 -
الحداربة: بطن من البجة منهم في قوص بصعيد مصر.
40 -
الحراقيص: بطن من بني راشد من الحميديين من هلبا سويد من جُذام في بلاد الحوف بالشرقية.
41 -
الحصنيون: بطن من الضبيب في الدقهلية.
42 -
الحماريون: بطن من الحميديين من هلبا سويد من جُذام في الحوف.
43 -
الحمارنة: بطن من كنانة عُذرة من القحطانية وهم بنو حران في الدقهلية.
44 -
الحماسنة: من لواتة بالبهنسا.
45 -
الحميديون: من هلبا سويد من زيد بن حرام من جُذام في الحوف.
46 -
الحيادرة: من الجعافرة من جعفر الصادق من جدهم حيدرة بن جعفر ويعرفون ببني أيمن ما بين منفلوط وسمالوط.
47 -
الحيادرة: من زيد بن حرام بن جُذام في الحوف بالشرقية.
48 -
الحيانيون: من ثعلبة طيئ في أطراف مصر مما يلي الشام.
49 -
الخزاعلة: بطن من سُنبس من طيئ في بلاد الغربية ومنهم أولاد يعمر وأولاد يوسف.
50 -
الخنافيس: من بني راشد من الحميديين من هلبا سويد من جُذام في بلاد الحوف بالشرقية.
51 -
الربيعيون: من أحلاف زيد بن حرام من جُذام في الحوف من بلاد الشرقية.
52 -
الرذاليون: من أحلاف بني زيد بن حرام من جُذام في الحوف.
53 -
الرواشد: بطن من الجمارسة من كنانة عُذرة من القحطانية في بلاد الدقهلية والمرتاحية.
54 -
الزبيريون: من قريش في البهنسا منهم بنو بدر وبنو مصلح وبنو رمضان وبنو غني وجماعة محمد بن رواق.
55 -
الرزقان: من الحميديين من هلبا سويد من جُذام بالحوف.
56 -
الزموت: من بني زريق من ثعلبة طيئ في أطراف مصر الشرقية.
57 -
الزيانبة: بطن من جعفر الصادق بين منفلوط وسمالوط.
58 -
السعالي: بطن من الصبحيين من زريق من ثعلبة طيئ مساكنهم مع قومهم في أطراف مصر الشرقية.
59 -
السنديون
(1)
: بطن من الصبحيين من زريق من ثعلبة طيئ مساكنهم مع قومهم.
60 -
السلاطنة: بطن من جعفر الصادق بين منفلوط وسمالوط.
61 -
الشواكرة: بطن من عُقبة من جُذام بالحوف.
62 -
الصبحيون: بطن من زريق من ثعلبة طيئ مع قومهم في أطراف مصر الشرقية.
63 -
الضباعنة: من لواتة في البهنسا وينسب لهم كفر الضباعنة هناك.
64 -
الطليحيون: بطن من زريق من ثعلبة في أطراف مصر الشرقية.
65 -
العطويون: بطن من هلبا سويد من جُذام في بلاد الحوف.
66 -
العقيليون: بطن من زيد بن حرام من جُذام في بلاد الحوف.
67 -
العقيليون: بطن من زريق بن ثعلبة طيئ بأطراف مصر الشرقية.
68 -
العليميون: بطن من بني زريق من ثعلبة طيئ بأطراف الديار المصرية مما يلي الشام.
69 -
العمريون: من نسل عمر بن الخطاب من بني عدي من قريش.
70 -
الغتاورة: من هلبا سويد من جُذام في الحوف.
71 -
الغوارنة: من هلبا سويد من جُذام في الحوف.
72 -
الغيوث: من زريق من ثعلبة في أطراف مصر الشرقية.
73 -
الفرع: بطن من الحماسة من كنانة عُذرة القحطانية في كوم الثعالب وما داناها.
74 -
الفواططة: من بني مزديش من البربر في رشيد؛ ومشهور بهم بلدة تعرف بالإسكندرية.
75 -
القمعة: من العليميين من زريق من ثعلبة في أطراف مصر.
(1)
يرى بعض الباحثين أن بلدة سنديون بالقليوبية هي أصلا مُسمَّاة على هذا الحي من طيئ القحطانية.
76 -
القوسية: في الأعمال القوصية وهم من ثقيف ودعوتهم مع بني شاد من بني أمية من قريش.
77 -
الكعوك: من الحميديين من هلبا سويد من جُذام في بلاد الحوف بالشرقية.
78 -
اللبيديون: من بني زيد بن حرام بن جُذام في الحوف.
79 -
المراونة: من درما من ثعلبة طيئ مع قومهم مما يلي الشام.
80 -
المساهرة: من زريق من ثعلبة طيئ في أطراف مصر مما يلي الشام.
81 -
المشاطبة: من زريق من ثعلبة طيئ في أطراف مصر مما يلي الشام.
82 -
المعديون: من الصبحيين من زريق من ثعلبة طيئ مع قومهم.
83 -
النجابية: بطن من الحميديين من هلبا سويد من جُذام في الحوف.
84 -
النمول
(1)
: من الصبحيين من ثعلبة طيئ مع قومهم.
85 -
الوسوة: بطن من لواتة في المنوفية ويقال لهم السوة.
86 -
الأحامد: من الجمارسة من كنانة عُذرة من كلب في بلاد الدقهلية مع قومهم.
87 -
الأخيوة
(2)
: من هلبا سويد من جُذام في الحوف.
88 -
الأساورة: من الحميديين من هلبا سويد من جُذام في الحوف.
89 -
بنو بحر: من لخم القحطانية في الحي الكبير من الأعمال الأطفيحية ومن فروعهم بنو سهل وبنو معطار وبنو فهم وبنو مسند وبنو عشير وبنو سباع.
90 -
بنو بدر: من الزبير بن العوام من قريش في الأشمونين.
91 -
بنو بدر
(3)
: من فزارة في قلقشندة بالقليوبية يجاورون أبناء عمومتهم من بني مازن هناك.
(1)
لعلَّ أن قرية نمول في القليوبية تُنسب لهذا الحي من طيئ.
(2)
وتنسب لهم قرية الأخيوة بمركز الحسنية في الشرقية.
(3)
وإلى هؤلاء ينسب العلامة أبو العباس القلقشندي.
92 -
بنو بردعة: من زيد بن حرام بن جُذام في الحوف.
93 -
بنو بعجة: من زيد بن حرام بن جُذام في الحوف.
94 -
بنو بعجة: من بني هلال ومنهم في مصر الغربية.
95 -
بنو بلار: من لواتة في البهنسا وهم بنو محمد وبنو علي وبنو نزار ونصف بني شهلان، ومنهم قسم في بلاد الجيزة وهم بنو مجدول وبنو أبي كثير وبنو الجلاس ونصف بني ثهلان أو شهلان. ويقال للفرقة الأولى من بلارية والفرقة الثانية جد وخاص.
96 -
بنو تجيب: قبيلة من كِنْدة وهم بنو أشرس منهم جماعة حضرت فتح مصر ولهم خطة أيام عمرو بن العاص ومنهم بنو صمادح.
97 -
ثعلبة: وهم بنو ثعلبة بن سلامان بن ثعل وهم بطنان درما وزريف، فأما ثعلبة الشام مما يلي مصر في الخروُّبة شمال سيناء وهم درما ومنهم سلامة والأحمر وعمرو وقصير وأويس وشبل والحنابلة والمراونة والحيانيون، ومن بني زريق الطليحون والصبحيون والعليميون ومنهم في بلاد الحوف بالشرقية.
98 -
بنو ثمال: من بني جعدة من لخم في بلاد أطفيح جنوب الجيزة.
99 -
بنو ثمامة: من طيئ منهم في البحيرة.
100 -
بنو جدان: بطن من لخم منازلهم بالبر الشرقي من صعيد مصر من دير الجيزة، وهم أربعة فروع بنو علي وبنو سالم وبنو مدلج وبنو رعيش.
101 -
بنو جديدي: من لواتة في الأعمال البهنساوية ومنهم أولاد قريش وأولاد زعازع وهم أشهرهم في الصعيد.
102 -
بنو جرير: من جعدة من لخم في ساحل أطفيح بالبر الشرقي من صعيد مصر.
103 -
بنو جعد بطن من لخم في ساحل أطفيح بالبر الشرقي ومنهم بنو مسعود وبنو جرير وبنو زبير وبنو ثمال وبنو نصار.
104 -
بنو جميلة: من بني هلال بن عامر من هوازن في إسنا وأسوان.
105 -
بنو حيدة: بطن من بني عامر من هوازن ومنهم في الصعيد.
106 -
بنو حبان: من بني راشد من لخم بالبر الشرقي فيما بين مسجد موسى وأسكر من أعمال أطفيح.
107 -
بنو حجرة: من بني راشد من لخم في أعمال أطفيح فيما بين مسجد موسى وأسكر ولهم نصف حلوان ونصف طرا.
108 -
بنو حجير
(1)
: من بني عمرو من هلال في ساقية قلتة من الأعمال الأخميمية.
109 -
بنو حدير: من جعد من لخم في البر الشرقي من أعمال أطفيح ويطلق عليهم الحديريون.
110 -
بنو حرام: من الخزرج. منهم أدى ودينار، منهم أناس من قضاة وفقهاء ومشايخ بلاد في مصر وليس لهم دار خاصة ولا مكان معروف.
111 -
بنو حرام: من جُذام في بلاد الحوف.
112 -
بنو حماد: من لواتة البربر.
113 -
بنو حماس: من لخم في البر الشرقي من الأعمال الأسيوطية ولهم ينسب شرق حماس البلدة المعروفة.
114 -
بنو حيدر: من قريش من بنو حيدر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي في تندة من أعمال الأشمونين.
115 -
بنو خصيب: من بني مخزوم من بني صخر عرب الكواكب منهم أشتات بمصر.
116 -
بنو خفاجة: من عُقيل من عامر بن صعصعة من هوازن منهم طائفة في البحيرة، وما بين الإسكندرية والعقبة الكبرى (السلوم).
117 -
بنو خلف: من الضبيين من جذام في الدقهلية ومضافون مع بني حُصين ولهم من حقوق هربيط يعرف بالحرار.
(1)
ولهم يُنسب نجع الحجيرات في صعيد مصر.
118 -
بنو راشد: من لخم بين مسجد موسى وأسكر من أطفيح ومنهم بنو معمَّر وبنو واصل وبنو رمزا وبنو حيان وبنو معاذ وبنو النيص وبنو حجرة وبنو اشتوة.
119 -
بنو راشدة: من لخم أيضا من عرب الفتح ولهم مسجد راشدة في الفسطاط، ومنهم حاطب بن بلتعة الصحابي وكان حليف الزبير بن العوام.
120 -
بنو ردالة: من الحماسة من كنانة عذرة في الدقهلية.
121 -
بنو رديني: من جذام من مالك بن سويد في الحوف منهم أولاد جياش ولهم تل محمد.
122 -
بنو رزاح: من عذرة كلب من قضاعة منهم في صعيد مصر وخاصة أسيوط.
123 -
بنو رفاعة: من جذام في الحوف.
124 -
بنو رفاعة: من عامر بن صعصعة في ساقية قلتة من بلاد أخميم.
125 -
بنو رمضان: من الزبير من قريش في البهنسا.
126 -
بنو رميح: من الخزاعلة من سنبس من طيئ في بلاد الغربية.
127 -
بنو روحين: من لواتة في بلاد البهنسا.
128 -
بنو ريدة: من الحماسة من كنانة عذرة في الدقهلية.
129 -
بنو زبير: من بني جعفر من لخم بساحل أطفيح.
130 -
بنو زربة: من لواتة في البهنسا ومنهم نصف بني عامر والحماسنة والضباعنة.
131 -
بنو زناتة: منهم في البحيرة وما بين الإسكندرية والعقبة الكبيرة ببرقة وهم من قبائل البربر.
132 -
بنو زهرة: من قريش في الأشمونين.
133 -
بنو زهير: من جذام في الدقهلية وأكثرهم في الشام وهم في مجرى الحوف إلى ما يلي أمتحوم الرمان، ومنهم بنو عرين.
134 -
بنو زيد: من زربة من لواتة في الأعمال البهنساوية.
135 -
بنو زيد: من جذام في الحوف بالشرقية.
136 -
بنو سالم: من لخم بالبر الشرقي من صعيد مصر فيما بين دير الجيزة وترعة هبول.
137 -
بنو سعد: ومنه السعديين في الشرقية وهم بطون من جذام.
138 -
بنو سماك: من لخم في البر الشرقي ما بين طارف ببا إلى منحدر دير الجميزة وهم بنو مر وبنو مليح وبنو نبهان وبنو عبس وبنو كريم وبنو بكر.
139 -
بنو سنبس: من طيئ فروعهم الخزاعلة والإمرة فيهم في بني يوسف ومقرهم في سخا بالغربية.
140 -
بنو سنان: من الحماسة من كنانة عُذرة بالدقهلية.
141 -
بنو سهل: من بحر من لخم في الأطفيحية.
142 -
بنو سوادة: من طيئ في أخميم بالصعيد.
143 -
بنو سويد: من جذام بالحوف في الشرقية.
144 -
بنو شادي: من جذام في ضواحي القاهرة إلى أطراف الشرقية.
145 -
بنو شادي: من بلي في القصر الخراب في الصعيد ويذكرون نسبهم إلى أمية من قريش.
146 -
بنو شاكر: من زهير
(1)
من جذام في الدقهلية.
147 -
بنو شاكر: من عقبة من جذام في الحوف ويعرفون بشواكر عقبة.
148 -
بنو شبل: من ثعلبة طيئ مع قومهم وهم من ولد نافع بن مروان.
(1)
يقال أن قرية طماي الزهايرة منسوبة إلى هذا الحي من جذام القحطانية، وهي تابعة لمركز السنبلاوين بالدقهلية.
149 -
بنو شمَّا: من أحلاف بني زهير من جذام في الدقهلية.
150 -
بنو شمس: من الحماسة من كنانة عذرة القحطانية في الدقهلية.
151 -
بنو شنوءة: من بني راشد من لخم في البر الشرقي من صعيد مصر بين ترعة شريف إلى معصرة بوش.
152 -
بنو شهاب: من الحماسة من كنانة عذرة في الدقهلية، والحماسة ينسبون أنفسهم إلى قريش.
153 -
بنو شهلان: من لواتة في البهنسا ولهم تنسب البلدة المعروفة بني شهلان.
154 -
بنو ضمرة: من كنانة العدنانية في بلاد الأشمونين.
155 -
بنو طلحة: من البكريين من قريش في البرجين وسفط سكرة وطحا المدينة بالأشمونين.
156 -
بنو عامر: بطن من لواتة في البهنسا من صعيد مصر.
157 -
بنو عائد
(1)
: من جذام في بلبيس والشرقية.
158 -
بنو عبد الله: من الزبير من قريش في البهنسا.
159 -
بنو عبيد: من جذام والإمرة فيهم في بني بقر في بلاد الحوف.
160 -
بنو عبيد: من سنبس من طيئ في بلاد الغربية.
161 -
بنو عبيد: من لواتة في المنوفية.
162 -
بنو عجرمة: من طريف من جذام وهم العجارمة بلادهم في الشرقية.
163 -
بنو عدي: من كنانة عذرة في الدقهلية.
164 -
بنو عدي: من لخم في ساحل أطفيح وهم بنو موسى وبنو محرب.
165 -
بنو عدي: من قريش في البرلس والصعيد.
(1)
وللعائد كفور العائد المعروفة حتى الآن في الشرقية.
166 -
بنو عرايا: من زنارة
(1)
في أعمال البحيرة.
167 -
بنو عرين: من زهير من جذام في الدقهلية.
168 -
بنو عزيز
(2)
: من هلال في ساقية قلتة من أعمال أخميم ببلاد الصعيد.
169 -
بنو علي: من لواتة في البهنسا.
170 -
بنو عمارة: من جذام في الحوف وفيهم كثرة.
171 -
بنو عمرو: من بلي فوق أخميم مع قومهم هناك.
172 -
بنو عمرو: من زهير من جذام في الدقهلية.
173 -
بنو عمرو: من لخم في بلاد أطفيح ولهم من الرستق إلى نصف حلوان.
174 -
بنو عنار: من سنبس من طيئ منازلهم بنواحي بطرة وبطيط ولويقة من أعمال الغربية.
175 -
بنو غرواس: من مزورة من لواتة في البهنسا.
176 -
بنو غني: من الزبير بن العوام في البهنسا.
177 -
بنو فاس: من الحماسة من كنانة عذرة من قضاعة في الدقهلية.
178 -
بنو فضاء طلحة: من بني أبي بكر الصديق في البرجين وسفط سكره وطحا المدرينة ودهروط.
189 -
بنو فضالة: من بلي في منفلوط.
180 -
بنو فهم: من بحر بن لخم مساكنهم مع قومهم الحي الكبير من الأطفيح وإليهم تنسب بلدة الفهميين.
181 -
بنو قُشير: من عامر بن صعصعة في بلاد أسيوط من صعيد مصر.
182 -
بنو قطران: من هوارة في البحيرة.
(1)
لعلَّهم دخلوا في هوارة فيما بعد وقد ذكرهم أيضا القلقشندي ضمن هوارة.
(2)
ومنهم العزايزة في صعيد مصر.
183 -
بنو قفجر: وهم قنبر مساكنهم بلاد الأشمونين مع قريش وجدهم كان مولى لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه.
184 -
بنو قيس: من لخم مساكنهم من أسكر في الأطفيح إلى دير الطين إلى جسر مصر.
185 -
بنو كريب: من هوارة في بلاد الجيزة.
186 -
بنو كريم: من سماك من لخم في طارف ببا ودير الجميزة بالبر الشرقي من بلاد الصعيد.
187 -
بنو مالك: بطن من زهير من جذام في الدقهلية.
188 -
بنو مر: من بني راشد من لخم في ساحل أطفيح بين مسجد موسى وأسكر.
189 -
بنو مسعود: من جعدة من لخم بالقرب من الحي الصغير في ساحل أطفيح.
190 -
بنو مسلَّم: من زنارة في البحيرة.
191 -
بنو مسلمة: من أمية من قريش في تندة بالأشمونين.
192 -
بنو مصعب: من الزبير بن العوام في البهنسا.
193 -
بنو مصفوفة: من قريش في البحيرة.
194 -
بنو مصلح: من الزبير بن العوام في البهنسا.
195 -
بنو مصلة: من لواتة في المنوفية.
196 -
بنو معاذ: من راشد من لخم بين أسكر ومسجد موسى بساحل أطفيح.
197 -
بنو مغيلة: من البربر في البهنسا.
198 -
بنو مهدي: من طريف من جُذام منهم في مصر بعض البطون وأهم بطونهم الشاطبة وأولاد بني عسكر والعناترة وأولاد راشد والبتيرات واليعاقبة
والمطارنة والعفير والرويم والقطاربة وأولاد الطامية وبنو دوس وآل سيار والمجابرة والسماعنة والعجارمة.
199 -
بنو موسى: من جعد من لخم قرب الحي الصغير بساحل أطفيح.
200 -
بنو ناب: من بلي فوق أخميم.
201 -
بنو نائل: من سويد بن بعجة من جذام في كفر مرصفا وكفر برسوط وبني رديني في الشرقية.
202 -
بنو نبهان: من سماك من لخم ما بين طارف البهنساوية من الديار المصرية ودير الجميزة.
203 -
بنو نزار: من بني بلار بن لواتة ومسكنهم البلدة المعروفة ببني نزار في البهنسا، ولهم نصف بني عامر والحماسنة والضباعنة وهم في إمارة بني زعازع.
204 -
بنو نصر: من لخم في البر الشرقي من أسيوط، ولهم بلدة بني نصر بالبر الشرقي من النيل.
205 -
بنو نفاية: بطن من فزارة بالأطراف الشرقية من الديار المصرية.
206 -
بنو هُذَيْل: منهم طائفة بالجبل قرب أخميم يدعون في بني شاد هناك.
207 -
بنو هرم: من بلي فوق أخميم.
208 -
بنو هلال: منهم طائفة بساقية قلتة من أخميم ومنهم بنو رفاعة وبنو حجير وبنو عزيز وبنو جميلة وبنو عُقبة.
209 -
هلبا بعجة: من جذام مساكنهم الحوف بالشرقية.
210 -
هلبا سويِّد: من جذام مساكنهم الحوف بالشرقية.
211 -
هلبا مالك: من جذام مساكنهم الحوف بالشرقية ومنهم الحسنيين والفوارنة.
212 -
هوارة: من البربر وسكنوا البحيرة ثم تغلبت عليهم زنارة ولواتة فانتقلوا إلى بلاد الصعيد في أخميم وجرجا وأعمال قوص وأعمال البهنسا والإمرة في أخميم لأولاد عمرو والبهنسا لأولاد غريب، وكان منهم بطون شتى أهمها مجريش وأسرات وقطران وكريب ثم تكاثروا فصار منهم بطون بنو محمد وأولاد مامن وبندار والعرايا والشللة وأشحوم وأولاد مؤمنين والروابع والروكة والبردكية والبهاليل والأصابغة والدناجلة والمواسية والبلازد والصوامع والسدادة والزيانية والخيافشة والطردة والأهلة وأزلتن وأسلين وبنو قمير والنية والتبابعة والغنائم وفزارة والعبابدة وساورة وغلبات وحديد والسبعة.
213 -
بنو واصل: من بني عُقبة من جذام في جرجا.
214 -
بنو واهلة: من لواتة في المنوفية وبهم بلدة باسمهم.
215 -
بنو يحيى: من لواتة في المنوفية.
مع ملاحظة أن بطون بني سُلَيْم في مصر قد تجاورنا عنها لشرحها في المجلَّد الثالث وكذلك بعض بطون قريش وقد تقدم ذكرها في المجلد الأول.
أشهر القبائل العربية في مصر بالوقت الحاضر
هوارة
ما قاله المؤرخون والنسابون في نسب هوَّارة:
(أ) ذكر الدكتور عبد المجيد عابدين في تحقيق البيان والإعراب للمقريزي التالي
(1)
:
قال: ومن هوارة بنو مجريس
(2)
وبنو سرات وبنو قطران وبنو كبريت.
وهوارة يقال إنهم من هوار واسمه المثنى، ويقال هوار بن المثنى، ويقال ابن أبي المثنى بن يحصب. وقيل المثنى بن المسوَّر بن المثنى بن خلاع بن أيمن بن رعين بن سعد بن حِمَيْر الأصغر بن سبأ الأكبر، وأنه خرج المسوَّر بن المثنى من مصر في طلب إبلٍ قد فقدها فذهبت نحو المغرب وهو في أثرها، وأنه كان من أجناد مصر الذين أسكنهم التبابعة (ملوك اليمن) بها لما طوّفوا الأرض. فلما نظر إفريقية قال لغلامه: أين نحن؟ قال: بإفريقية، فقال: تهورنا. والتهور هو الحمق. فنزل على قوم من زناتة فتزوج العرجا أم صنهاج ولمط ابني لمط الأكبر وقد مات زوجها فمات عنها وكانت جميلة فكثر نسله فهم الهواريون.
وقيل هوارة وكُتامة وصنهاجة إخوة وهم أولاد قيس بن زرعة بن زهير بن أيمن بن هميسع بن حِمْيَر الأكبر بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وقيل بل هوارة وصنهاجة وكُتامة ونهاج وتُلكّان وتُركوت وسيساج وعجيس من أولاد كاهن بن جالوت أحد بن شكلوجيم بني مصرايم بن حام بن نوح عليه السلام.
(1)
انظر البيان والإعراب عما في أرض مصر من الأعراب للمقريزي مع دراسات في تاريخ العروبة في وادي النيل تحقيق وتأليف الأستاذ الدكتور عبد المجيد عابدين ط 1989 م من ص 56 إلى ص 58.
(2)
وقيل مجريش.
وقيل أيضا هوارة من ولد قبط بن فوط بن حام بن نوح، ويقال جالوت بن بربر بن قبط بن مصر بن فوط.
وقيل إن مصر هو ابن بيصر بن حام بن نوح، وإن تُركوت هي ابنة أحد أولاد يمن، وإن بعلها كان يعرف بكاهن بن جالوت وإنه أبو البربر، وإن من ولد تُركوت هذه إبراهيم جد علي بن يوسف بن تاشفين بن إبراهيم ملك الملثمين، ومن ولد تُركوت أيضا ملوك كزولة الجبل المعروف بجبل الكسْه، وهم يزيدون على ثلاثمائة قبيلة كل قبيلة نحو ثلاثين ألف نسمة، ومنهم أنسكات ومصلات وأرنس وبنو طريف وبنو جابر وبنو وغرده وهشتوكه وارغتان. وقيل: إن من ولد صنهاج "يكتون" وهم الملثمون، وتزكيك ومسوفة ومشطوفة وهم صناع درق اللمط ومنته بنت صنهاج عرفوا بأمهم ومنير وجروم.
وهوارة يزعمون أنهم من البربر القدماء، وأن مزاته ولواته كانوا منهم وانقطعوا عنهم وفارتوا ديارهم وصاروا إلى برقة وغيرها.
وتزعم هوارة أيضا أنها من قوم من أهل اليمن جهلوا أنسابهم.
وكل هذه الأقوال لا تثبت، والأشبه بالصواب أنهم من ولد هوَّار بن أوريغ بن بُرنس بن ضَرى بن زجيك بن مادغس بن بر بن بديان بن كنعان بن حام بن نوح كما تقدم. وهوارة تتنايسب - كما تنتسب العرب - وأصل ديارها من آخر عمل سرت إلى طرابلس الغرب، ثم قدم منهم طوائف إلى أرض مصر ونزلوا بلاد البحيرة وملكوها من قبل السلطان. وهوارة التي ببلاد الصعيد أنزلهم الظاهر برقوق بعد وقعة بدر بن سلام هناك في سنة اثنين وثمانين وسبعمائة، وذلك أنه أقطع إسماعيل بن مازن من هوارة ناحية جرجا وكانت خرابا فعمروها، وأقام بها حتى قتلهُ علي بن غريب فولى بعده عمر بن عبد العزيز الهواري حتى مات. فولى بعده ابنه محمد المعروف بأبي السنون
(1)
وفخم أمره وكثرت أمواله، فإنه أكثر من زراعة النواحي وأقام دواليب السكر واعتصاره حتى مات فولى بعده أخوه يوسف بن عمر.
(1)
ذكر رفاعة الطهطاوي في مناهج الألباب أن أبا السنون عرف أيضا بأبي شوشة.
وأضاف في حاشية قائلا: بعد أن نزلت هوارة في أعمال الأخميمية قوي أمرها وانتشرت في معظم الوجه القبلي فيما بين أعمال قوص إلى غربي الأعمال البهنساوية وأقطعوا فيها الإقطاعات وصارت الإمرة في بلاد أخميم لأولاد عمر، وفي أعمال البهنسا وما حولها لأولاد غريب، وإسماعيل بن مارن المذكور في النص هو جد الموازن ومن أولاده عمر الذي توفي سنة 799 هـ وهو والد بني عمر، وقد ذكر في الخطط أن هوارة زحفت على أسوان في المحرم سنة 815 هـ وحاربت أولاد الكنز (من ربيعة العدنانية) وهزمتهم وخربوا مدينة أسوان واسترقوا من فيها. وكانت الشهرة ببلاد الصعيد لقوص وأخميم ولم تكن جرجا مشهورة حتى نزلتها هوارة في القرن الثامن الهجري.
(انتهى قول د. عبد المجيد عابدين)
قلت: ومن أهم وأقدم النصوص التي ذكرت نسب الهوارة هو نص الجمهرة لابن حزم الأندلسي
(1)
(384 - 456 هـ) حيث ذكر تحت عنوان جمهرة من نسب البربر قائلا عن البربر بصفة عامة "قال قوم: إنهم من بقايا ولد حام بن نوح عليه السلام وادَّعت طوائف منهم إلى اليمن، إلى حِمْيَر، وبعضهم إلى بر بن قيس عيلان. وهذا باطل لا شك فيه. وما علم النسابون لقيس عيلان ابنا اسمهُ بَر أصلًا، ولا كان لحِمْيَر طريق إلى بلاد البربر، إلا في تكذيب مؤرخي اليمن.
وأضاف ولد بر: مادْغِس، وبُرنُس. فولد بُرنس: كُتامة وصنهاجة وعجيسة ومصمودة وأوروبة وأزداجة وأوريغ. فولد أوريغ بن برنس "هوَّار" ولكل هؤلاء بطون عظيمة جدا.
وفي نهاية الأرب
(2)
ذكر أبو العباس القلقشندي عن هوَّارة قائلا:
بنو هوَّارة بطن من أوريغ، من البرانس، من البربر. وهم بنو هوَّارة بن أوريغ بن برنس بن بربر.
(1)
انظر الجمهرة ص 495 ط 1403 هـ / 1983 م - دار الكتب العلمية - بيروت.
(2)
انظر نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب لأبي العباس أحمد القلقشندي - تحقيق إبراهيم الإبياري - طبعة ثانية 1400 هـ/ 1980 م - دار الكتاب اللبناني - بيروت، ص 441، 442.
قال الحمداني: إنهم من ولد بر بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام.
قال ابن خلدون في العبر: وبعضهم يزعم أنهم من عرب اليمن، فتارة يقولون: إنهم من عاملة إحدى بطون قُضاعة، وتارة يقولون: إنهم من ولد المسور بن السكاسك بن وائل بن حِمْيَر؛ وتارة يقولون: إنهم من ولد السكاسك بن أشرس بن كندة، فيقولون: هوَّارة بن أوريغ بن حيور بن مثنى بن المسور. وبالمغرب منهم الجم الغفير.
وذكر في مسالك الأبصارة أن منازلهم بالديار المصرية وبالبحيرة ومن الإسكندرية غربا إلى العقبة الكبيرة من برقة.
قال القلقشندي: ولم يزل الأمر على ذلك إلى آخر المائة السابعة
(1)
(بعد الهجرة) في الدولة الظاهرية الشهيدية "برقوق" حتى غلبتهم على البحيرة زنارة وخلفاؤها وبقية عرب البحيرة، فخرجوا منها إلى صعيد مصر ونزلوا بالأعمال الإخميمية في جرجا وما حولها، ثم قوي أمرهم واشتد بأسهم وكثر جمعهم حتى انتشروا في معظم الوجه القبلي، فيما بين أعمال قوص إلى غربي الأعمال البهنساوية، وأقطعوا فيها الإقطاعات وصارت الإمرة في بلاد إخميم لأولاد عمر، وفي أعمال البهنسا وما حولها لأولاد غريب.
وقال الحمداني (القرن السابع الهجري) من هوارة بعض بطون وهم: بنو مجريش وبنو اسرات وبنو قطران وبنو كريب ولكنهم الآن قد اتسعت بطونهم وكثرت شعوبهم فلا يكلادون يحصون.
وقد صار لهم الآن بطون بالصعيد منها: بنو محمد، وأولاد مأمن، وبندار، والعرايا
(2)
، والشللة، وأشحوم، وأولاد مؤمنين، والروابع، والروكة، والبردكية، والبهاليل، والأصابغة، والدناجلة، والمواسية، والبلازد، والصوامع
(3)
،
(1)
في الأصول وصبح الأعشى "المائة الثامنة".
(2)
الصحيح: العرابا وليست العرايا وإنما هو خطأ وتصحيف في المخطوط.
(3)
الصوامع: الاسم تحرف في العصور الأخيرة إلى الصوامعة.
والسدادرة، والزيانية، والخيافشة، والطردة، والأهلة، وأزلتين، وأسلين، وبنو قمير، والنية، والتبابعة، والغنائم
(1)
، وفزارة
(2)
، والعبابدة، وساورة، وغلبان، وحديد، والسبعة.
والإمرة فيهم لأولاد عمر، وفي الأعمال البهنساوية وما معها لأولاد غريب والأمر على ذلك.
وذكر أحمد لطفي السيد في كتاب قبائل العرب
(3)
عن هوارة قائلا: هوارة من قبائل البربر في بلاد المغرب مثل صنهاجة وكتامة ولواتة ومصمودة ولمتونة ورناتة ومغيلة ونفزة وغمارة وغيرها، وأضاف أن البربر تصاهروا مع العرب وامتزجوا بهم
(4)
لدرجة أن جماعات كبيرة منهم نسيت أصولها للبربر حتى أن لواته قد ألحقت نفسها بحِمْيَر مثل صنهاجة، وقد نجحت هوارة أكثر من أي قبيلة بربرية وهبطت لمصر وكونت لها إمارة في الصعيد المصري بعد أن سكنت شمال الغربية وفي البحيرة بين الإسكندرية والعقبة الكبيرة في برقة، ولا تزال حتى اليوم لهم بقايا هناك في مريوط وما حولها يجاورون قبيلة أولاد علي، وأول من نقل هوارة مستعمرة إلى جرجا هو الظاهر برقوق أول ملوك المماليك الشراكسة في مصر عام 782 هـ - 1382 م.
وقد أصبحت الهوارة من القبائل المستقرة في جرجا بالصعيد، وكذلك منهم في البحيرة والفيوم وغيرها.
(1)
الغنائم: لهم نجوع كبيرة في صعيد مصر باسمهم حتى الوقت الحاضر.
(2)
فزارة: لعل هؤلاء من فزارة قيس ودخلوا في هوارة في عهد الحمداني (القرن السابع الهجري).
(3)
قبائل العرب لأحمد لطفي السيد طبع عام 1935 م بالقاهرة.
(4)
هذا القول صحيح لأن بعض المؤرخين على رأسهم ابن خلدون ذكر أن بعض بطون بني سُلَيْم مثل لبيد في بحيرة مصر قد اندمجوا مع الهوارة وامتزجوا بهم ويصعب التفريق بينهما، ويوجد فروع من الهوارة مثل البلابيش وأولاد سالم يرجح نسبهم لبني سُلَيْم العدنانية ورواتهم يذكرون ذلك، وهؤلاء مركزهم في أولاد طوق بمحافظة سوهاج ولهم نجوع خاصة بهم تحمل اسم نجع أولا سالم ونجع البلابيش، وذكر القلقشندى البلابيس (بالسين) من لبيد من سُلَيْم في برقة، وكذلك أولاد سالم من هيب من سُلَيْم، وفزارة وهم من غطفان. ومع الهوارة أيضا فروع من الجعافرة الأشراف من بني هاشم سيأتي ذكرها نقلا عن الحبوني وقد جاورت الهوارة من مدة طويلة وخالطتها.
نصوص تاريخية عن الهوارة
في كتاب بدائع الزهور ووقائع الدهور لابن إياس من مؤرخي القرن العاشر الهجري ذكر التالي عن الهوارة:
- في عام 881 هـ تحركت هوارة بزعامة رؤسائهم بني عمرو وكانت حركتهم مزعجة، وسيّرت عليهم الحملات مرة بعد أخرى فكانوا يهزمونها ولم تهدأ حركتهم إلا بعد عناء كبير.
- وفي عام 882 هـ تحالفت قبائل البحيرة وأعلنت تمردها وفي نفس الوقت عادت هوارة إلى التمرد.
- وفي عام 891 هـ أمر السلطان بتوسيط عزور أمير هوارة وجماعة من أقاربه بسبب حركتهم التمردية.
- وفي عام 903 هـ قامت فتنة كبيرة بين حميد بن عمرو أمير هوارة وقريبه إبراهيم.
- وفي عام 923 هـ حينما رحف السلطان سليم العثماني نحو مصر بعد معركة مرج دابق في الشام والتي انتصر فيها على السلطان قنصوه الغوري المملوكي ومقتله تحت سنابك الخيول الشام، وبالبتالي استمرار زحف العثمانيين على الشام ثم تولى الأمر طومان باي الذي تولى بعده لحكم الغوري حيث استدعاهم وطلب منهم أن يأتوا بجماعة من أشجع الفرسان حتى يتوجهوا في صحبة التجريدة التي كانت تعد لصد السلطان العثماني، وقد حضروا جميعًا في جمع غفير ونزلوا بر الجيزة ثم دخلوا الرملة حتى يستعرضهم السلطان بنفسه، وقد انحط أمر المماليك الترك عند العرب والفلاحين بسبب الهزائم التي منوا بها، وتملك ابن عثمان الشام، ومع ذلك فإن أمراء اجند أقنعوا السلطان طومان باي بضرر استصحابه فرسان العرب في التجريدة.
- في عام 924 هـ / 1518 م (في أول العهد العثماني) أرسل الأمير علي بن عمر شيخ الهوارة وحاكم الصعيد هدية للسلطان سليم العثماني ورد عليه السلطان
برسول منه إلى الأمير الهواري يحمل هدية عبارة عن قفاطين فخمة مع مرسوم باستمرار الأمير في حكم الصعيد.
وفي كتاب الخطط التوفيقية لعلي باشا مبارك ج 10 ص 53 قال عن هوارة:
- غير أن العثمانيين نزعوا حكم الصعيد من الهوارة في عام 983 هـ/ 1576 م وعهدوا بالحكم فيه إلى أحد بكاوات المماليك؛ وذلك لأن الهوارة أهملوا فيما كلفوا بأدائه من مهمات مثل جمع المال والغلال المقررة للدولة كما أهملوا في شئون الزراعة.
وذكر الجبرتي في تاريخه عن الهوارة التالي ذكره:
- في عام 1123 هـ كان نزاع بين محمد بيك حاكم الصعيد وإفرنج أحمد من أمراء الأجناد، وقد زحف الأول على الثاني لقتاله وكان معه جمع عظيم من عرب المغاربة والهوارة.
- وفي عام 1177 هـ ولما قام علي بيك كبير أمراء المماليك بحركته متضامنا مع محمد أبي الذهب اندمج في حركتهما شيخ العرب همام الهواري وأمدهما بالمال والرجال.
وفي ترجمة أبواظ بيك من كبار أمراء الجند عام 1123 هـ خبر فتنة بين أمراء الجند كان محمد بيك حاكم الصعيد طرفا فيها فجاء لقتال خصومه ومعه سواد أعظم من العرب المغاربة والهوارة، وقد قتل أبواظ بيك في هذه الفتنة.
- وفي عام 1183 هـ/ 1769 م قال الجبرتي: عاش الصعيد عصرا ذهبيا في عصر الشيخ همام بن يوسف الذي وصفته المصادر المعاصرة بأنه عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد وقد جمع فيه من الكمال ما ليس فيه لغير مثال.
- وفي عام 1191 هـ طلب الوالي في مصر من العربان والهوارة أن يذهبوا إلى الصعيد لقتال بعض الأمراء المتمردين وخلع على مشايخهم وقد ذهبوا واشتركوا في القتال ودارت الدائرة على الأمراء هناك.
- قال الجبرتي: وظل الهوارة يشتركون في الحياة السياسية (في العهد العثماني) بتأييدهم فريقا من الحكام ضد الآخر حتى عهد مراد بيك وإبراهيم بيك.
- وفى عام 1211 هـ/ 1777 م انتهى بالهوارة إلى أن قتل مراد بيك شيخهم وصادر أموالهم.
- وفي عام 1221 هـ/ 1806 م انتهاء أمر الهوارة بقدومهم إلى القاهرة أسرى ورهائن طالبين العفو والأمان من الوالي.
وذكر أميديه جوبير الفرنسي في وصف مصر عن الهوارة قائلا:
الهوارة ما بين جرجا وأسوان في صعيد مصر وعدد فرسانهم كبير عن أي قبيلة هناك وذكر أنهم كانوا ألفين على الأقل، وأضاف أنه يتم اختيار شيخ هذه القبيلة بالانتخاب وهو يقيم في فرشوط، كما ذكر أن هناك عرب الهواري في الصحراء الممتدة إلى الجنوب من دمشق وأن عددها قليل عن غيرها من قبائل سوريا.
وفي كتاب الريف المصري في القرن الثامن عشر - مكتبة جامعة عين شمس - القاهرة ط 1974 م ص 157 ذكر عن الهوارة التالي:
- ظهر تأييد عربان الهوارة بزعامة شيخ العرب همام للبيوت المملوكية التي عارضت على بيك الكبير ومنازعته الحكم؛ ولذا فإن علي بيك أدرك خطورة هذا الشيخ على مركزه بعد اتساع نفوذه فقام بالتخلص منه.
وفي كتاب الاقتصاد والإدارة في مصر في مستهل القرن التاسع عشر ذكرت هيلين عن الهوارة النصوص التالية (ترجمة د. أحمد عبد الرحيم عام 1967):
- وقد أمد همام (أمير هوارة) الحكومة بالقاهرة بحوالي مائة وخمسين ألف أردب من القمح نال في مقابلها مطلق السلطة في جباية الضرائب وحكم المنطقة.
- وجد الهوارة في مساندة الأمراء اللاجئين إلى الصعيد فرارا من وجه منافسيهم فرصة لتوطيد نفوذهم في البلاد المصرية.
- لم يلبث علي بيك (سلطان مصر المستقل عن العثمانيين) أن قرر عام 1769 م التخلص من همام زعيم الهوارة فأرسل إليه حملة عسكرية تمكنت من هزيمته بعد خيانة أحد أقاربه، وتوفي الشيخ همام عقب الهزيمة بفترة قصيرة.
وفي كتاب الصعيد في عصر شيخ العرب همام - قالت ليلى عبد اللطيف ص 104 عن الهوارة التالي:
- ولد الشيخ همام حوالي عام 1221 هـ/ 1709 م وتوفي في عام 1183 هـ/ 1769 م وكان والده الشيخ يوسف ابن الشيخ أحمد محمد همام الذي آلت إليه زعامة قبيلة هوارة في أواخر القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي.
- استقبل الشيخ همام، علي بيك الكبير الذي طلب منه أن يصلح بينه وبين زميله صالح بيك القاسمي، وقد نجح همام في إقناع الأخير بالانضمام مع علي بيك الكبير.
- عند إدخال نظام الالتزام إلى الصعيد في الربع الأول من القرن السابع عشر سيطر الهوارة على مساحات واسعة من أراضي الصعيد عن طريق حصول شيوخهم على مناصب الملتزمين في الصعيد، ويسيطر الهوارة على معظم أراضي الصعيد بالالتزام عادت إليهم السلطة والسيطرة على الصعيد ولكن في ظل الإدارة العثمانية.
وفي كتاب الأحوال الزراعية في مصر - س. ب جيرار ص 26 قال عن هوارة (ترجمة يوسف نحاس عام 1942 م):
- وتمتع الفلاحون المصريون بحماية الهوارة فمارسوا أعمالهم في اطمئنان وأمن لم يعرفهما أمثالهم في الوجه البحري، كما اهتم الهوارة في عهد همام بصيانة الجسور والترع حتى بلغت الزراعة أيامه أقصى درجات ازدهارها.
وفي كتاب الإدارة في مصر في العهد العثماني قالت ليلى عبد اللطيف عن الهوارة في ص 453:
- أصبح الصعيد في تلك الفترة نهبا لبكوات القاهرة الذين سخروا أرضه وفلاحيه لمآربهم الشخصية وأثقلوا كاهلهم بالمظالم فتدهورت الزراعة واضطرب الأمن.
وفي كتاب رحلة إلى النوبة قال بيركاردت عن الهوارة:
- كان إبراهيم باشا قد وجه عنايته لتأديب عصاة العربان فكان أن استخدم القوة العسكرية في القضاء على نفوذ الهوارة فانقض على قراهم في الصعيد وقتل العديد من شخصياتهم البارزة.
بعض ما قاله المؤرخون عن فروع وتاريخ هوارة:
(أ) ما ذكره الدكتور عبد المجيد عابدين في تحقيقه لكتاب البيان والإعراب عن هوارة
(1)
: قال: أما هوَّارة فقد كانت منازلهم في رمن الفاطميين بالبحيرة من الإسكندرية غربا إلى العقبة الكبيرة من برقة وظل الأمر على ذلك إلى أيام السلطان الظاهر برقوق (تولى العرش 784 هـ/ 1382 م) إذ أنزلهم (قبل أن يتولى السلطنة بسنتين) في منطقة الصعيد الأعلى، وأقطع إسماعيل بن مارن شيخ هوارة (وهو جد الموازن) ناحية جرجا وما حولها، وكانت عواصم الصعيد الأعلى حينئذ قوصا وإخميما، ولم تكن جرجا مشهورة شهرة غيرها، حتى نزلت هوارة بالصعيد جهة جرجا فاشتهر أمرها
(2)
، وصارت جرجا فيما بعد ولاية منذ عهد محمد علي باشا.
ولم تنتقل هوارة إلى الصعيد إلا بعد انقضاء الأحداث العنيفة التي وقعت بين المماليك وعرب الصعيد، وكان آخرها ما قام به الحلف التركي من حرب
(1)
انظر ص 134، 135، 136 كتاب البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب للمقريزي مع دراسات في تاريخ العروبة في وادي النيل - تحقيق وتأليف الأستاذ الدكتور عبد المجيد عابدين أستاذ الأدب العربي - كلية الآداب - جامعة الأسكندرية ط 1989 م - دار المعرفة الجامعية.
(2)
نص البيان والإعراب ص 54 - المقريزي.
اضطرت كثيرًا منهم إلى الاختفاء أو الهجرة إلى بلاد السودان حتى قل عدد البدو الضاربين في أرض الصعيد وأطرافها.
فلما نزحت هوارة إلى الصعيد، وسكنوا الجانب الغربي منه لَمْ يجدوا مشقة كبيرة في السيطرة على البقاع التي استوطنوها، وعظم أمرهم، واشتد بأسهم، ولا سيما بعد هذه المرحلة التي نتحدث عنها، فانتشروا في معظم الوجه القبلي فيما بين أعمال قوص إلى غربي الأعمال البهنساوية
(1)
.
وتشعبت لهم هناك فروع لا سبيل إلى حصرها، وصارت إمرة عربان الصعيد كلهم لأحد رؤساء هوارة وهو عمر بن عبد العزيز الهواري المتوفى سنة 799 هـ/ 1396 م.
يقول أبو المحاسن في النجوم الزاهرة: وعمر هذا هو والد بني عمر أمراء العربان ببلاد الصعيد في زماننا هذا، ولعلَّهُ يكون أول من ولي منهم الإمرة
(2)
.
وحدث لهوارة ما حدث لسائر القبائل المهاجرة، فاستقرت طوائف منهم واشتغلوا في زراعة النواحي بقصب السكر بنوع خاص، والعمل في دواليبه لاعتصاره. وكان محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري قد عني بهذه الزراعة وادخر من ورائها ثروة واسعة
(3)
.
وبقيت جماعات أخرى تعيش حياة تشبه حياة البدو من هوارة، وتحدثنا المصادر أنهم زحفوا جنوبًا إلى أسوان، وتحالفوا في بادئ الأمر مع بني الكنز (ربيعة) الذين دأبوا على مهاجمة مدينة أسوان منذ أن أبعدهم جيش صلاح الدين الأيوبي عنها (في عهد الدولة الأَيُّوبية)، ثم نجد هوارة في سنة 815 هـ / 1412 م تناصب بني الكنز هؤلاء العداء وتهاجم أسوان وتخربها
(4)
.
(1)
نهاية الأرب للقلقشندي.
(2)
النجوم الزاهرة 12/ 156.
(3)
راجع شهرة الصعيد بزراعة قصب السكر واستخراج منتجاته (رفاعة رافع الطهطاوي 289 - 312 - 290).
(4)
الخطط للمقريزي 1/ 321.
وفي خلال هذه الفترة (800 - 815 هـ) زحفت جموع هوَّارة إلى جنوب الوادي ودخلت سودان وادي النيل.
واستمرت بطون هوارة في نمو مطرد حتى كان لأولاد همام (فرع من الهوارة) في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) شوكة عظيمة في صعيد مصر وشمالي السودان
(1)
ولا تزال أسر من هوارة تسكن إلى يومنا هذا في صعيد مصر في قرى لا تزال تحمل أسماء فروع من قبائلهم، ولا سيما في أسيوط وما حولها، وفي نجع حمادي، فمن القرى أولاد مؤمن (في طما)، والدناجلة (بأبي تيج)، والبلازد (وتسمى الآن البلايزة) في أبي تيج، وكذلك الصوامع والغنايم وأشحوم (مركز سوهاج)، والعبابدة (مركز أسيوط) وساحل سلين (نسبة إلى سلين أو أسلين بطن من هوارة).
وفي ص 154 أضاف الدكتور عبد المجيد عابدين عن هوارة في السودان قائلًا:
تدفقت قبائل هوارة على صعيد مصر الأعلى في نهاية مرحلة الاحلاف، ودخلت منهم موجات في السودان منذ ذلك الحين إلى عهد قريب.
والهوارة الذين يعيشون الآن في شمالي السودان هم بقايا هوارة مصر والشواهد على ذلك ناطقة، ذكر بعضها ماك مايكل. ويروي هوارة السودان أنهم نزحوا من صعيد مصر، من منطقة إسنا، وهم في معظمهم بدو رحل، وقليل منهم يستقرون على ضفاف النيل في دنقلة، وفي فصل الأمطار ينتقل الهواوير الرحل بقطعانهم إلى العرب، ويرعون مع الكبابيش من وادي الكاب إلى حدود دارفور، ثم يعودون إلى الشرق في فصل الجفاف.
وهناك قسم آخر من الهوارة يقيمون الآن بالقرب من الأُبَيِّض في كردفان، حول خمى وأم دليكة وغيرهما، ويروون أنهم بطن من قبيلة الهواوير وأن أجدادهم عاشوا في صعيد مصر، وأنهم كانوا بيض الالوان. وأول من قدم منهم
(1)
ماك مايكل (1)218.
إلى الجنوب ونزل كردفان هو رجل اسمهُ الحاج عيسى ود محمد ود منصور، كان تاجرًا جوالا من منفلوط بالقرب من أسيوط، فرحيل إلى كردفان وتبعه آخرون من تجار الهوارة وتجمعت منهم طائفة ممن هاجروا من مصر، فسموا "جلابة الهوارة"
(1)
، ولقي الجيل الأول من هؤلاء بعد الحاج عيسى واسمه الحاج محمد أبو منانة.
وبعد أن قطعوا شوطًا في رحلتهم استغرق يومًا كاملًا، بلغوا قرية "دوم الخاتراب" بالقرب من "شريم" حيث لقيهم أهل المنطقة وأقنعوهم بالبقاء معهم، وولوا الشيخ محمد فقيها (بلغتهم فكي) لقريتهم وبعد وفاة الحاج محمد رجع قومه إلى خُمّى وبقوا فيها. وقد ظهرت بعض الفوارق في السحنة بين بدو الهوارة وجلابة الهوارة على مر الزمن، فقد كان جلابة الهوارة أكثر امتزاجا بالعناصر الزنجية من أقاربهم البدو
(2)
.
(ب) ما ذكرته الدكتورة إيمان محمد عبد المنعم عن هوارة في كتاب العربان ودورهم في المجتمع المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي
(3)
:
قالت: قبيلة الهوارة وهي من أهم القبائل العربية في صعيد مصر وقد حدث للهوارة عندما نزلوا جرجا ما حدث لمعظم القبائل العربية المهاجرة فاستقرت طوائف منها واشتغلت بزراعة قصب السكر. وقد ازداد نفوذهم في جرجا بعد القضاء على نفوذ عربان المغاربة والضعفا، وكانوا قد هاجروا إلى هناك من منطقة مريوط (الوجه البحري) في أيام الظاهر برقوق، وذلك بعد أن أقطع إسماعيل بن مازن الهواري ناحية جرجا وكانت خرابا فعمروها.
وقد كفل الهوارة الفلاحن في الصعيد الأمن والحماية من هجمات العربان الآخرين وكان الفلاحون التابعون للهوارة أكثر ثراءً وأمنا من فلاحي المناطق
(1)
عن ماك مايكل 219 - 220.
(2)
نفس المرجع السابق 220.
(3)
طبع عام 1997 م عن طريق الهيئة المصرية العامة للكتاب وأصل الكتاب رسالة علمية حصلت بها صاحبتها على درجة الدكتوراه، انظر ص 64.
الأخرى، ولكن تلك السيطرة والنفوذ للهوارة انتهى على يد علي بيك الكبير الذي اتبع سياسة القضاء على قوة العربان في مصر حتى لا يشكلوا خطرًا على سيادته وانتهت تلك المرحلة من حياة الهوارة بالقضاء على شيخهم همام 1183 هـ/ 1769 م. وغدا الهوارة مثلهم مثل باقي القبائل العربية القاطنة في الصعيد بعد أن كانت لهم الزعامة والسيادة عليها من قبل.
وتوجد عائلات الهوارة في خمسة فروع هي: أولاد علي
(1)
، والبلابيش، وأولاد عليو، والسماعنة، وأولاد يحيى.
وقد بقيت بقايا من الهوارة في البحيرة لَمْ تهاجر إلى الصعيد، وقد عرفت بقايا الهوارة في البحيرة باسم (هوارة بحري).
ولا تزال هناك منازل للهوارة تمتد بين سوهاج وقنا في قرى كثيرة منها البلابيش
(2)
وأولاد سالم والشاورية والحميدات.
(ج) ما ذكره عبد السلام الحبوني في أنساب قبائل العرب عن هوارة
(3)
:
قال الحبوني: أفادني حضرة الأستاذ إسماعيل كوكب وهو من الهوارة قال: الهوارة قبائل متعددة انتشرت في مديريات المنيا وأسيوط وجرجا وقنا وتشمل هذه القبائل أولًا - أولاد علي (وهي غير قبيلة أولاد علي التي تقطن البحيرة والصحراء الغربية)، وأولاد علي الهوارة هم بنو محمد وإليهم تنتمي أسرة السوادي ومنهم صاحب المجلة المشهورة. ثانيا - أولاد عليو. ثالثا - البلابيش. رابعًا - أولاد يحيى. خامسا - السماعنة. وهذه الأسماء سميت بها قرى أو نجوع في المديريات التي نزلوا بها ويجمعهم جميعًا اسم (الهوارة)، وكبار المؤرخين يقولون أنَّها قبيلة كبيرة من المغرب العربي ونزح منها البعض إلى الجهات الشرقية من الوطن العربي.
(1)
وليس المقصود هنا أولاد علي القاطنين في البحيرة وهم من السعادي من بني سُلَيْم.
(2)
البلابيش تقع في مركز البلينا محافظة سوهاج وردت في تاريخ 1230 هـ باسم الأثبير، والبلابيش حتى حذف اسم الأثبير نهائيا 1882 م، وقسمت في نفس العام إلى ناحيتين البلابيش بحري والبلابش قبلي، وهو اسم بطن من قبيلة هوارة.
(3)
انظر ص 194 وما بعدها - طبعة أولى 1379 هـ / 1960 م - عبد السلام أحمد الحبوني واعظ مرسى مطروح - دار الزيني للطباعة والنشر.
ومن هذه القبيلة توزع رجالها في الصعيد ولا تزال بنو محمد في مركز أبنوب مديرية أسيوط محط رحال القبيلة، ومن القبيلة بمديرية المنيا آل الشعراوي وبلدتهم الأصلية (المواطن) مركز طما ولا يزال أهلهم بها، وسوادة ومقرها الأصلي بني محمد الشهابية مركز أبنوب، أما في مديرية أسيوط فزعامة القبيلة كانت في آل خليفة جد مصطفى خليفة باشا، وآل عبد الوهاب وآل خشبة وآل الهلالي، أما آل غزالي وإن كانت بلدتهم الأصلية الآن بني محمد ولكنهم يقولون بأنهم من أصل تركي. أما في جرجا فالزعامة كانت في آل أبي دومة، وقد كان للشيخ السيد عبد الرَّحمن بيك أبو دومة من أشد المتعصبين لقبيلته، وكان لكل قبيلة شاعر يعبرون بالمداوي ولهم في ذلك أشعار كثيرة منها قولهم:
الشطاطرة ولد كثيرون
…
أناس بيَّض الله ثناهم
وقول آخر:
نزلت خيولهم من فرنه
…
ونزلوا مشالي مشالي
وهدوك يا قصر رنه
…
من بعد ما كنت عالي
وهنا يقول الشاعر الهواري:
شطور في بندر الغرب
…
ثبت أمرها في النخيله
لما جاءها في أبو دومة من الغرب
…
تاهت مدوه وسط خيله
ومن كبار أهل جرجا عائلة أبو حمادي، وكذلك كان أبو كريشة سيد العربان وهو من الهوارة وقد اقتنى الإقطاعيات والعبيد وكان صوته يهز أركان الصعيد كما كان يسير في ركابه ألف عبد في لباس واحد وخيول متشابهة وأسلحة متفقة.
ومن هوارة في جرجا: التمايمة وأبو حساب وأبو سباق وأبو علام والرفاف وفادات وغيرهم وكل من هؤلاء في أقاليمهم أعمال نادرة وبطولة هي موضع فخر أحفادهم حتى الوقت الحاضر.
أما هوارة في قنا فلقد كان الأمير همام رأس القبيلة الهمامية وجد الشيخ المحترم عبد السلام بيك عمران يلقّب بأمير الصعيد، وبقي متمتعًا بهذا اللقب لعهد محمد علي باشا وكانت إمارته من سواقي موسى بجوار المنيا إلى أسوان، وقد كان يسير على منوال جده محمد أبو السنون المدفون بجرجا والذي لَمْ تر البلاد أميرًا فاضلًا عالمًا ورعًا مثله. أما باقي الهوارة فقد استوطنوا مركز نجع حمادي ودشنا والجزير الشرقي من ضفة النيل بمركز البلينا وهم أربع قبائل هي البلابيش والهمامية والفضيلات والوشاشات وما تزال خيوش بعضهم موجودة إلى اليوم أما النجدية منهم فمقرهم بالمشايعة.
ومن كبار أفراد هذه القبيلة أحمد بيك عبد الله، ومحمد بيك عمرو، والأستاذ طاهر خلف الله، ومحمد بيك البربري.
هوارة الشام:
قال: وهم يقيمون في مدينة الناصرة ويعدُّون بالمئات في فلسطين وقد نزحوا من مصر مع إبراهيم باشا في فتوحه بالشام. بهذا كتب الأستاذ مطلق عبود الهواري بدائرة المالية بفلسطين.
ومن نسل مطاوع انحدر فرع الوناتنة إلى مصر وموطنهم الآن سبعة عشر بلدا بمركز طهطا ومنهم آل الزمر وآل الشريعي وآل الأعور وآل الحيني، وهؤلاء من أولاد بديني، أما آل شعراوي وآل سلطان فهما من بلدة تُسمَّى البصيلية بمركز أسوان، ثم انحدر معظم رجال القبيلة في بني محمد بابنوب ومنها تخلَّف أبو نصير بالنخيلة.
أما آل الهلالي فكانوا قضاة وفقهاء أسيوط ثم انحدروا جنوبًا وتخلف منهم في طما أبو دومة وأبو علي والعمايدة بالدوير، ثم انحدر منهم أولاد إبراهيم وهم أولاد محمد وأبو ربيعة والتمايمي. وأما أولاد مأمن فمنهم أولاد خليفة في قنا والأمير همام جد عبد الستار بيك عبد اللا ومنهم آل خلف الله وغيرهم.
هؤلاء هم مشايخ العرب الأصليين في هوارة، وعندما فتح إبراهيم باشا الشام أخذ أولاد مشايخ هوارة منهم محمد عمران آمين الملتزم وهو جد مصطفى وخال أحمد بيك همام الفاتحين مع إبراهيم باشا بلاد الشام وهم أحفاد كبر مشايخ الهوارة بمصر. وقد أثبت بعض المؤرخين أن آل خشبة وآل الهلالي وآل محفوظ من بني محمد هم من أصل جعفري نسبة إلى جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام الحسين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - كما هو مبين في كتاب (بحر الأنساب) للسيد محمد الرفاعي. ومن أشهر جعافرة أسوان الدكتور إبراهيم بيك مشالي، ومنهم الأستاذ منصور السلواوي القاضي بالمحاكم المصرية، وعائلة معوض ومنهم الشيخ السيد عبد الحفيظ بن السيد عبد السيد بن السيد موسى نقيب الأشراف بمديرية أسوان والجعافرة، وهم قبائل أشهرها بمديرية أسوان قبيلة المرعيات والسنجاب والسعيداب والحسيناب والجويلاب والأحمداب وغيرهم لا يتسع المقام لذكرهم.
وهذا ما يتعلق بنسب آل محفوظ وآل خشبة وآل الهلالي وأبناء عمومتهم الجعافرة. وعن الأسرة الهمامية (من هوارة) يقولون أن معهم إشهادات شرعية من مستخرج رسمي من محكمة إسنا الشرعية أن الأمير همام بلغت إقطاعياته مساحة كبيرة في الصعيد بلغت 242 ألف فدان.
وعن هوارة بمريوط في الوجه البحري فيقيم معظمها بجهة الذراع البحري الممتد على ساحل البحر الأبيض المتوسط من جهة بلدة الدخيلة المجاورة لمدينة الإسكندرية إلى قرب بلدة الحمام بمريوط غربًا ومحطة السكة الحديد التي تُسمّى الهوارية جنوبًا نسبة لهذه القبيلة، وهي تابعة لمركز العامرية بمحافظة مرسى مطروح، وقطعا هم جزء من هوارة الصعيد وهوارة فلسطين وهوارة المغرب العربي، وينقسمون إلى العائلات التالية سواء المقيم منهم بجهة الذراع أم بمديرية البحيرة:
- عائلة الشيخ وكبيرهم عوش وقبله كان أخوه نصر وأولاده محمود وإخوته وقد أسسوا مسجدا في هذه البقعة تقام فيه الشعائر الدينية ومدرسة ابتدائية تبرعا منهم لسكان هذه الجهة.
- عائلة أبو قمر؛ وكبيرهم سليمان رحيم.
- عائلة مصطفى؛ وكبيرهم مصطفى مفتاح.
- عائلة المويني؛ وكبيرهم عبد الونيس اللافي وعلوان الخولي.
- عائلة أبو سالم؛ وكبيرهم إبراهيم عبد الجليل.
والعائلات المتقدم ذكرها تسمى "الحمامدة" من هوارة مريوط.
- عائلة فرشاح؛ وكبيرهم عبد العاطي خميس.
- عائلة أبو حيرة؛ وكبيرهم إبراهيم أبو سلومة.
- عائلة إكعميش؛ وكبيرهم عبد الخالق إكعميش.
- عائلة أبو الطيب؛ وكبيرهم أبو فراج نجل سيدي عمر أبو فراج، وله ضريح يزار لعامة قبائل البدو وبجهة آخر ترعة النوبارية غربًا.
- عائلة الولاش، وكبيرهم عون عوض حسين الولاش.
- عائلة سالم؛ وكبيرهم حمدون خزيم.
- عائلة وحيدة؛ وكبيرهم عبد اللطيف عبد السلام وحيده.
- عائلة جابر؛ وكبيرهم عبد الحميد ضيف الله.
- عائلة القطعانية؛ وكبيرهم عمر عامر أبو عذيبة.
والعائلات السابق ذكرها تسمى (هوارة مريوط).
(د) ما ذكر اللواء صلاح التايب عن هوارة في القرن الحالي
(1)
.
قال التايب:
هوارة من أكبر القبائل المصرية وأعظمها شأنًا وأوفرها عددًا، وهم ينتشرون بالوقت الحاضر في محافظات قنا وسوهاج وأسيوط والمنيا والفيوم
(2)
والبحيرة والساحل الشمالي والصحراء الغربية وهم إخوة لأولاد علي من السعادي، ويدعي
(1)
عن كتاب القبائل المصرية - اللواء صلاح التايب.
(2)
هوارة في الفيوم تسمى هوارة المقطع وهوارة عدلان.
بعض أولاد علي أن الهوارة هناك مرابطون لهم ولكن الهوارة يأنفون من ذلك بشدة ويردون على ذلك بالنفي ويردد شعراؤهم النبطيون القول:
كذَّاب العلي إن قال هم لي
…
هم عند العرب كما الطاقية!
ويعني ذلك أنهم ليسوا مرابطين أو تابعين لاولاد علي وأنهم كما الطاقية أي مكانهم على الرءوس وليسوا تابعين لأحد.
وتنقسم هوارة إلى بطون كثيرة في صعيد مصر هي:
أولاد علي
(1)
وهم غير أولاد علي من السعادي، وأولاد عليو، والبلابيش
(2)
، وأولاد يحيى، والسماعنة
(3)
، والوشيشات، والهمامية، وأولاد إسماعيل، والقليعات، والنجدية، وبني محمد.
ومن أشهر عائلات الهوارة عائلة (أبو دومة) ونذكر من رجالاتها التالي: سعد الله بيك عضو مجلس الشيوخ سابقًا، ومحمد أبو دومة رئيس المجلس المحلي القروي، والمهندس عبد العظيم أبو دومة رئيس المجلس المحلي، والشيخ ياسين نائب الطريقة الرفاعية، وأحمد ياسين عمدة كوم غريب، واللواء أمير الناظر، وعزيز الناظر وكيل وزارة في الجهار المركزي للمحاسبات، والسفير حسين الناظر، والسيد جمال الناظر وزير السياحة السابق، وعبد العزيز محمود وكيل وزارة الصناعة وحامد الناظر رئيس وحدة محلية، ومحمود غالب عمدة التل الزوكي، وعصام أبو دومة مدير عام الدمغة، ومحمد عبد الرَّحمن رئيس مجلس علي المركز، وأحمد عبد الرَّحمن الأمين المساعد بالحزب الوطني بسوهاج، وهاني أبو دومة مدير التعاون الزراعي بالجيزة، والشيخ عبد المنعم مصطفى عمدة
(1)
أولاد علي باسمهم عدة قرى في البلينا وجرجا وطهطا ونجع حمادي وسوهاج.
(2)
البلابيش ذكرناهم في بني سُلَيم وأصل تسميتهم البلابيش وسميت بلدة باسمهم في محافظة سوهاج.
(3)
السماعنة في الصعيد أصلًا ليسوا من هوارة وقد انفصموا من السماعنة في الشرقية وسيناء ونزلوا الصعيد ودخلوا في هوارة قديمًا. والسماعة ذكرهم القلقشندي من جُذام في آخر القرن الثامن الهجري ونوه عنهم في القلائد أول التاسع الهجري أنهم من بطون مهدي من عُذرة (قُضاعة) دخلوا في جُذام، ولم يذكرهم في فروع الهوارة في نهاية الأرب وقد تقدم ذكر هذا النص، قد وضحنا عن أصولهم (انظر السرد عنهم).
أم دومة، وجمال أبو دومة رئيس ديوان التفتيش بالخارجية، والدكتور سيد أنور الورير المفوض، واللواء مصطفى كامل، ويوسف عبد القادر عضو مجلس الأمة السابق، والمستشار عطية أبو دومة، والدكتور عبد العزيز بشركة النيل للأدوية، ومحمود أحمد رئيس الضرائب العقارية بصدفا، والعقيد عبد العزيز سيد جامع، والدكتور طاهر هريدي وغيرهم الكثير من المناصب القيادية.
وفي محافظة قنا يعيش عدد كبير من الهوارة وكان منهم الأمير همَّام الذي كان ملقبًا بأمير الصعيد قبل قرنين ونصف قرن، وكانت إمارته من ساقية موسى بمركز أبو قرقاص محافظة المنيا حتى أسوان، ومن رجالهم محمد أبو السنون، ومن النجدية أحمد بيك عبد الله، ومحمد بيك عمرو، ومحمد بيك البربري.
(والهمامية) أكبر بطن في الهوارة وينتشرون في محافظتي قنا وسوهاج ومنهم اللواء محمد حسن الذي كان مديرًا لأمن أسيوط، ومنهم عبد الستار عمران رحمه الله عضو مجلس الشيوخ السابق، والعقيد همام محمد حسن، والسيد فهمي عمر رئيس الإذاعة، وعبد الحميد عبد الستار عضو مجلس الشعب، وعلي شمروخ عمدة الرئيسية، ولطفي شمروخ عضو مجلس الشعب، والدكتور ماهر مهران الوزير السابق للإسكان والأسرة في مصر، ومحمود رسلان عمدة الجزيرة وأحمد الشلقامي عمدة الحلفاية، والشيخ إبراهيم الشلقامي، والمستشار عبد المعطي عبد الرحيم، والأستاذ محمد عبد الرحيم الوكيل السابق لوزارة الصناعة، والعمدة ثابت، والمستشار عبد الشافي أبو بكر، واللواء عبد الفتاح أبو بكر، واللواء/ حسني خلف الله الدكاور، والعقداء عمر طه، وسمير همام، وأحمد الدمرداش في بني مزار.
وفي الرئيسية عائلة أبو رحاب، وكان منهم خليل بيك أبو رحاب، وفي الحلفاية من فرع الهمامية أيضًا نذكر منهم الشيخ عبد الوارث أمين الحزب الوطني، والأستاذ فؤاد أحمد وكيل النيابة.
ومن الهوارة عائلة أبو سباق في بيت خلاف بجرجا، ومنها حشمت أبو سباق، وهارون أبو سباق رحمه الله مساعد وزير الداخلية.
ومن الهوارة في فاو قبلي محافظة قنا، ومنهم عبد المقصود السمان أحمد السمان رحمه الله أحد ضباط الشرطة الذي استشهد وهو يؤدي واجبه الوطني.
ومن الهوارة (بني محمد)
(1)
وهي متفرقة في الصعيد ولا تزال بني محمد اسما لبلدة في مركز أبنوب بأسيوط وهي محط رحال بني محمد، ومنهم أيضًا في محافظة المنيا آل الشعراوي، ومنهم المجاهد الموطني الكبير علي باشا شعراوي زميل سعد زغلول في الحركة الوطنية عام 1919 م في مصر وكان أحد أقطاب الوفد المصري، ومنهم حسن باشا شعراوي، وهدى هانم شعراوي زعيمة الحركة الوطنية النسائية في مصر، ومحمد بيك شعراوي، ومن بني محمد أيضًا عائلة سلطان، ومنهم عمر باشا سلطان، ومحمد بيك سلطان.
ومن فروع الهوارة عائلة خليفة بالنخيلة محافظة أسيوط، وكان منهم مصطفى باشا خليفة، ومحمد بيك مصطفي، وعبد الراضي بيك مصطفي، وعائلة الهلالي بأسيوط وكان منهم نجيب الهلالي باشا الذي كان رئيسًا لوزارة مصر وعضوًا بالوفد المصري أيام الملكية، وعائلة الأعود ومنهم حسن الأعود عضو الوفد المصري، وعائلة الحسيني بأبوان مركز مطاي، ومنهم الفريق حيدر باشا، واللواء فاروق الحسيني مساعد وزير الداخلية.
وفي طما ينتشر الهوارة وكان بها زعيمهم أبو دومة ومنهم حاليًا اللواء مصطفى أبو دومة، وفي جرجا عائلة حمادي، وفي أسيوط عائلة أبو كريشة، وفي جرجا أيضًا التمايمة، وأبو حساب، والرفاف، وأبو رحاب.
ومن أشهر بطون الهوارة (السماعنة) وينتشرون في مركز أبو تشت، ومنهم أحمد رشوان من كبار المقاولين، والدكتور حسام رشوان، وفاروق الدبري عضو مجلس الشعب، والعميد ماهر الدربي من كبار رجال الشرطة.
ومن الهوارة في قنا وسوهاج فوج آخر من الهمامية. منهم الشيخ محمود جاد، والأستاذ صبري طايع وكيل النيابة.
(1)
بني محمد فرع منفرد عن الهوارة وله شبه استقلال ذاتي.
ومن فروع الهوارة بطن (القليعات) في محافظتي سوهاج وقنا، ومنهم في مراكز أبو تشت وفرشوط ونجع حمادي، نذكر من رجالهم الشيخ مصطفى أبو زيد قاسم عضو المجلس المحلي، وأحمد بيك قاسم، ونور الدين قاسم العمدة - رحمهما الله - وأبو الوفا قاسم عمدة بخانس، ومحمد إبراهيم قاسم رئيس المجلس المحلي، والأستاذ أحمد منير رئيس المحكمة، والمستشار عبد الوهاب بربري، ولطفي محمود عمدة الشقيفي، والدكتور فتحي أحمد، وعبد الحكيم السيد عمدة القليعات، والأستاذ عبد الفتاح الأمير وكيل النيابة، والأستاذ أحمد البربري رئيس محكمة، والدكتور مختار البربري الأستاذ بجامعة القاهرة، وأحمد عيسى عضو مجلس الشعب، والشيخ علي حمادي، والرائد محمد عبد الله، والمقدم محمد فراج بالمباحث العامة، والمستشار أحمد منير، وأحمد بيك قاسم، وأبو زيد عضو مجلس النواب، وأبو الوفا قاسم العمدة، ومحمد إبراهيم رئيس المجلس المحلي، ولطفي محمود العمدة، وعبد الحكم العمدة، ومحمد حافظ ومحمد عبد الحكيم وكلاهما من الأعيان، وغيرهم الكثير من الرجالات في الدولة المصرية. وهناك عدد كبير من المهندسين والمحامين والأطباء والمحاسبين ورجال الأعمال.
ومن أشهر بطون الهوارة (الحميدات) ومنهم أولاد سالم، ولهم نجع أولاد سالم بحري غرب النيل بسوهاج، ومنهم الدكتور أبو الفتوح محمد علي.
ومن فروع الهوارة (البلابيش) ولهم نجع باسمهم في أبي طوق "دار السلام" محافظة سوهاج.
كما يوجد جزء كبير من الهوارة بالوجه البحري وهم على صلات بإخوانهم في الوجه القبلي ووسط الدلتا ونذكر من هذه الفخوذ فخذة المويني وأغلبها يقطن في الإسكندرية ومطروح والبحيرة ومنهم عائلات اللولج، وعيد، ومصطفي، وأبو حليقة، ونصير، والأمير، ودومة، وعبد العاطي، والدلاش، وأبو عكير، والعطاينة.
ومن رجالها نذكر سيدي الشيخ عمر أبو لطيعة والعمدة عطية بريك سبيتة - رحمهما الله - والعمدة عبد الكريم دومة والمهندس سعد السيد مهدي أمين الحزب الوطني بالعامرية والعقيد ممدوح بريك سبيتة والعمدة نور الدين أبو العينين والأستاذ محمود نصير العالم الإسلامي في الأزهر.
ومن الهوارة بطن (الوشاشات) ومن رجالاته محمد أبو رزق من الأعيان، وأحمد أبو رزق رئيس المجلس المحلي في مركز أبو تشت، ومجاهد من الأعيان، والمستشار فاروق توفيق، والمستشار يوسف أبو زيد، والمستشار عبد الرَّحمن السايح نائب أمين عام مجلس الشعب، وحسن عبد العزيز العمدة، وطلعت مهران مدير الثقافة بأبو تشت.
ومن الهوارة (التماتمة) ومن رجالهم محمد الطيب عضو مجلس الشعب السابق، والدكتور أحمد الطيب أستاذ الجراحة بجامعة أسيوط، والدكتور عبد ربه عبد اللطيف، والشيخ أحمد عبد العظيم عضو مجلس الشعب، وفاروق عبد العظيم عمدة نجع مازن، والدكتور أبو الفتوح حساب أستاذ الجراحة بجامعة الإسكندرية، والمستشار أحمد عبد اللطيف الراوي، والدكتور حشمت أبو ستيت أستاذ القانون، وغيرهم الكثير من المحامين والأساتذة والضباط والمهندسين.
(هـ) ما ذكره الأستاذ محمد أحمد عيد الهاشمي في كتاب الدرر الذهبية عن
قبائل هوارة:
(1)
قبيلة الهمامية فخر القبائل الهوارية
وفيهم إمارة قبائل هوارة في الصعيد المصري.
يرجع تاريخ نسب قبيلة الهمامية إلى مسرح الحياة السياسية إلى جدهم البطل الأمير شرف الدين همام بن يوسف بن أحمد بن همام بن صبيح بن سبية الهواري - أحد ولد هوارة في الديار المصرية
(1)
.
(1)
انظر الدرر الذهبية في أصول الأمة العربية (الأشراف والهوارة).
يحدثنا الجبرتي المؤرخ المشهور في وصف الأمير شرف الدين همام، بما يثلج صدر كل عربي في أن أعمال الآباء والأجداد نحو الوطن والأوطان هي فخر الأحفاد. ومنها يستلهمون العبر فيستمروا في طريق أنوار الحرية التي ما زالت تجري في عروقهم، رغم الحواجز التي فرضتها العناصر الهدَّامة.
فيقول الجبرتي: ( .. الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيلي الملكي. ملجأ الفقراء والأحرار .. وهل يلجأ الأحرار إلَّا لثائر على الطغيان لإيمانه بأن الوطن ملك للأمة صاحبة السلطان؛ لذا ثار من أجلها، فهو جدير بأن يكون فاضلًا ومحط رجال الفضلاء والكبراء شيخ العرب).
ثم قال: وقد جمع فيه من الكمال ما ليس في غيره، مات رحمه الله في سنة 1383 م ودفن في بلده شمس قموله وله من الأولاد ثلاثة: درويش، وشاهين الذي أعقب محمدًا، وعبد الكريم الذي أعقب همامًا) اهـ.
وكان لإخلاص المترجم له نحو وطنه أن دفعته نخوته العربية الأصيلة إلى السعي الجدّي نحو خلاصهم من حكم الدخلاء عليهم المماليك. فكانت له معهم مساجلات كشفت قوته وصلابته للحق.
وكان لكفاحه الطويل الشاق معهم دليل على صدق وطنيته، وإن كانت الظروف لَمْ تهيئ له أسباب النصر عليهم إلَّا أن أعماله هذه كانت بذورا للحرية ومسمارا دق في نعش الحكام الدخلاء على الأمة، فما زال أبناء الأمة من وقتها يحافظون
(1)
على هذه البذور ويتعهدونها بالري والسماد حتى كملت ونضجت. وقبيلة الهمامية تشغل رقعة فسيحة بديار مصر بمحافظات قنا وأسوان وسوهاج والمنيا فانتشروا في كثير من البلاد شأنهم في ذلك شأن بقية العربان. وبلادهم هي على سبيل المثال لا العد؛ الواقعة في كثير من المحافظات ففي قنا (الرئيسية، فرشوط - منها شيوخ العرب عبد اللاه مصطفي، وعبد الرحيم عبد المتجلي
(1)
ويذكر الدكتور عبد المجيد عابدين: كان لأولاد همام - فرع من الهوارة - في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عمر الميلادي) شوكة عظيمة في صعيد مصر وشمال السودان ص 136 البيان.
- رحمه الله والحلقاية بحري وقبلي - وجزيرة الحمودي وهو - وبهجوره - وآل بكار - وإسنا - وشتهور) وبني مزار - والقاهرة وأولاد إسماعيل بالمراغة - وسمهود - والقبلي سمهود - والحلافي بمركز البلينا منها شيوخ العرب محمود وحسن ولدي دياب بن منصور بن أحمد بن منصور وحسن بن دياب والد الأستاذ خيري.
ومنها شيخ العرب عثمان يونس همام والد همام.
ومنها الشيخ عبد الله أحمد حماد المقرئ الشهير التالي لكتاب الله ومن أبناء الطريقة الشاذلية الطماوية. ومن هذه القبيلة الشاب الغيور المغفور له أحمد عبد الله الذي تحدى الأمير السابق يوسف كمال، الذي كان يُسخّر أبناء منطقة نجع حمادي في خدمة أرضه نظير قروش زهيدة - فرأى أحمد أن ذلك إهانة لأبناء الأرض الشرعيين فكان رحمه الله يستأجرهم في زراعة أرضه ويكافئهم بما هم أهله فأجمع النّاس على خدمة أرضه وأعرضوا عن خدمة أرض الأمير. وكان لهذا التحدي أثر ظاهر في وقته.
ولهذه القبيلة ينتمي المثقف الإذاعي فهمي عمر
(1)
من بلدة الرئيسية بقنا. والخلاصة أن أبناء الهمامية أصلاء كرماء خُلُقهم عال ميالون إلى حب المعاشرة والاجتماع، وينتمي إليها أيضًا الأستاذ سليم الشاوري المحامي رحمه الله وعن الهمامية، كان كنت ذكرت أنهم أمراء العرب من هوارة فهم كذلك لأنهم تجري فيهم دماء البيت النبوي؛ يرجع ذلك إلى أن جد هذه القبيلة من السابقين الأعلين تزوج
(2)
ببنت من نسل سيدنا الحسين رضي الله عنه فهم هاشميون أمًّا هواريون أبًا.
وخلاصة ما يقال عنهم ما قاله شاعر النيل الأعظم - حافظ إبراهيم:
أب غبان عن الحسنى وبينهما
…
في رائعات المعالي ذلك النسب
ولا يمتان بالقربى وبينهما
…
تلك القرابة لَمْ يقطع لها سبب
(1)
صاحب فكرة مجلة الهواء التي تذاع بالإذاعة ولا تقرأ.
(2)
ذكر ذلك أحد عمداء هذه القبيلة أي الهمامية.
ومن يصدق عليه ذلك فهو ليس بحاجة لدعوته للعمل على وحدة أمته، وهم المنحدرون من أصلاب همام الهواري صاحب الثورة الوحدوية في عصره.
(1)
قبيلة الصوامعة
وأكثر فروعها بمحافظتي سوهاج وقنا بالوقت الحاضر.
يرجع نسب هذه القبيلة إلى الأصل الهواري كما ذكرها صبح الأعشى بـ (الصوامع) بدون هاء والعامة تنطقها الآن بالصوامعة آخرها هاء. وأبيل هذه القبيلة يستوطنون كثيرًا من البلاد في جمهورية مصر العربية لا سيما في محافظتي سوهاج وقنا. وبلاد الصوامعة التابعة لمحافظة سوهاج تنقسم إلى الصوامعة شرق والصوامعة غرب، ومن أشهر عائلاتها عائلة أبي عوف؛ منها شيوخ العرب دسوقي محمد إسماعيل العمدة السابق، والنقيب رياض أحمد إبراهيم بالجيش، والنقيب فيصل أحمد عبد الله طايع بالجيش. ولهذه القبيلة ينتمي الأستاذ الشاعر فؤاد عبد الغني المدرس بوزارة التربية والتعليم، والأستاذ أحمد حسين بوزارة الثقافة بسوهاج.
وأما المقيمون منهم بحافظة قنا فهم كثرة وبلادهم عدة، عمدها منهم وشيوخها وخفراؤها كذلك.
وإذا تتبعنا أثر هذه القبيلة العظيمة لوجدنا كثيرًا من بطونهما يستوطن القاهرة لا سيما "خرطة أبو السعود" بمصر القديمة، وضواحيها. يحترفون كثيرًا من الحرف الشريفة كالتجارة والأعمال الحرَّة وغير ذلك. هذا بجانب العاملين منهم في الإدارات الحكومية حيث يتمتعون بكفاءة العمل والإخلاص والولاء لرجال عهدنا المبارك. وإلى الشبيبة من أبناء هذه القبيلة العربية الهوارية - الذين شاهدوا على مرأى من أعينهم حلم الوجود يتحقق على يد أبناء العرب الأوفياء.
قلت: وقد كان للصوامعة من هوارة وقبيلة جُهَيْنة في الصعيد تاريخ مشرف في مقاومة الحملة الفرنسية عام 1799 م وقد كان النصر حليف المصريين في الصعيد وقد أوقفوا بالفعل تقدم الجيش الفرنسي الغازي للديار المصرية بالتعاون مع قبائل الأشراف وغيرها بعد خوضهم ملاحم رائعة مع الجنود الفرنسيين.
ومن رجالات الصوامعة أذكر ياسين عبد العزيز العمدة، وراضي عبد الموجود مدير المساحة بالإسكندرية.
وذكر أحمد لطفي السيد في قبائل العرب عام 1935 م الصوامعة
(1)
وعدَّهم في قبائل العرب المرابطين القادمين من ليبيا وهذا خطأ منه.
(3)
قبيلة البهاليل
والبهاليل، قد حدثت عنهم أمهات الكتب من عهد قديم
(2)
، وأنهم بطن من بطون هوارة استوطنوا أرض مصر من قرون عدة، وعلى أرضها ساهموا في بناء حضارة الأولين، وسكناهم الآن بجزيرة البهاليل نسبة إلى بطنهم الأول.
وتقع جزيرة البهاليل غرب جزيرة شندويل التابعة لمحافظة سوهاج.
والآن هم يمثلون بطونًا عدة ورجالهم كثرة، وإليهم ينتسب شيخ العرب باب الله غازي عمدة البهاليل، وابنه مصطفى بالجيش المصري، وابنة شيخ العرب باب الله غازي تزوج بها شيخ العرب أحمد علي عليوة من عرب العرابات بأولاد سلامة، وبين عرب البهاليل وعرب العرابات صلات قرابة ونسب وتصاهر من زمن طويل.
والبهاليل هم كما قيل من قول عربي أصيل:
بهاليلُ في الإسلام سادوا ولم يكن
…
كأولهم في الجاهلية أولُ
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دُعُوا
…
أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
(1)
يوجد نجع البطحة من الصوامعة بقوص، ونجوع للصوامعة في إخميم بجرجا محافظة سوهاج - خلاف الصوامعة شرق والصوامعة غرب في سوهاج. والمقصود بشرق أي شرق النيل وغرب أي غرب النيل.
(2)
قول الحمداني مهمندار الديار المصرية في القرن السابع الهجري عن فروع هوارة في دفاتره السلطانية، وقد ذكر البهاليل من هذه الفروع في عهده، ونقل ذلك العلَّامة أبو العباس أحمد القلقشندي في نهاية الأرب وتقدم ذكرها.
(4)
بنو محمد
من الثابت المؤكد أن أبناء قبيلة بني محمد الهواري بمركز البلينا - محافظة سوهاج - يمثلون ثلث سكانه تقريبًا. فبلادهم عديدة وجموعهم غفيرة، وهم كما يقول الشاعر:
بهم تضرب الأمثال شرقًا ومغربا
…
إذا قاتلوا قوما سريعُ انهزامها
عليهم ومن هو في حماهم تحية .... من الدهر ما غنى بأيك حمامها
وإن كانت كتب التاريخ لَمْ تحدثنا عن قبيلة بني محمد الهواري بإقليم مركز البلينا في العصور المتأخرة بالتفصيل إلَّا أن الكتب التاريخية المتقدمة جاءت مليئة بأخبار ولد محمد الهواري، وهو موضع بحثنا هذا.
فالقلقشندي في صبح الأعشى يذكر أن بني محمد هم من البطون الهوارية، وفي كتابه قلائد الجمان عام 821 هـ يذكر ذلك أيضًا.
والدكتور عبد المجيد عابدين في تحقيقه على كتاب "البيان
(1)
والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب" للمقريزي، يذكر (
…
وهوارة التي ببلاد الصعيد أنزلهم الظاهر برقوق بعد وقعة بدر بن سلَّام
…
في سنة اثنين وثمانين وسبعمائة تخمينا. وذلك أنه أقطع إسماعيل بن مازن بن هوارة (ناحية جرجا) وكانت خرابا فعمرُوها. وأقام بها حتى قتله علي بن غريب فولى بعده عمر بن عبد العزيز الهواري حتى مات. فولي بعده ابنه محمد المعروف بأبي
(2)
السنون. وفخم أمره وكثرت أمواله
…
حتى مات
(3)
فولي بعده أخوه يوسف) اهـ.
ومن هنا يمكن القول بأن أبناء بني محمد
(4)
بمركز البلينا. هم فرع من ولد محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري المستوطن ناحية جرجا وحاكمها في القرن الثامن الهجري.
(1)
ص 58.
(2)
ودفن بجرجا ص 195 (أنساب العرب) للحبوني.
(3)
المرجع السابق.
(4)
صبح الأعشى ص 69 ج 4.
وقديما كانت البلينا جزءًا من إقليم جرجا، ونحن نأخذ في اعتبارنا ما سبق من أن جد هذه الأسرة (محمد المعروف بأبي السنون) كان خلفًا للحكم عن والده الذي كان أيضًا خلفا في الحكم عن إسماعيل بن مازن المستوطن بناحية جرجا، ولا شك أن موقع سكنى بني محمد بمركز البلينا الآن هو ناحية من نواحي جرجا، لما سيأتي.
كما لا نغفل أيضًا عامل الهجرة فأبناء محمد الهواري بمركز البلينا هم بطن من ولد محمد الهواري حاكلم إقليم ناحية جرجا ثم هاجروا أي بعض منهم إلى موقع سكناهم الآن بمركز البلينا.
ومما يؤيد ذلك أن نسب المترجم عنهم يتصل بنسب أهل بندار كما يؤكد ذلك كلّ من أبناء القبيلتين أبناء قبيلة واحدة (هي بنو محمد) ومن المعلوم أن إقليم بندار من جرجا.
وبذلك يتضح أن أبناء محمد الهواري بمركز البلينا هم من هذه الدوحة العربية الأصيلة الهوارية. أقام بعضهم بنواحي جرجا والبعض الآخر بمنطقة البلينا وما جاورها من القرى والتي منها:
بلاد نجع أبو ستيت (أولاد عليو) وبها أسرة المجد والكرم أسرة (أبو ستيت) التي أشاد بذكرها علي مبارك باشا في خططه التوفيقية بالمدح والثناء.
ولهذه الأسرة ينتمي شيوخ العرب:
اللواء إبراهيم أحمد أبو ستيت بالجيش، والدكتور حشمت أمين أبو ستيت والدكتور زكريا عثمان أبو ستيت
(1)
، والأستاذ لبيب أحمد حميد أبو ستيت المحامي وعضو مجلس الأمة السابق (توفي رحمه الله سنة 1965 م)، وهو شقيق صادق أحمد عمدة أولاد عليو - سابقًا، ووالد الأستاذ أسعد صادق المحامي بالبلينا.
(1)
انتقل إلى رحمة الله تعالى في أبريل سنة 1968 م.
ومن هذه الأسرة شيخ العرب التقي الصالح أحمد عبد الرحيم حميد أبو ستيت وشهرته فايز عمدة أولاد عليو وعضو مجلس الأمة سابقًا. وللمترجم عنه من الصفات العالية جعلت أبناء المنطقة وعارفيه ألسنتهم تلهج بالثناء عليه دومًا، وكما يقول الشاعر:
فأنزلك مكانًا ليس ينزله
…
إلَّا الذي حلّ في قوم ذوي نسب
وطنية هذه الأسرة:
إن لهذه الأسرة في الماضي والحاضر أعمالا وطنية مجيدة رفعتها إلى ذروة العروبة. فمن أعمالها في الماضي أن بنيها وهم من ذوي اليسار أقاموا ببلدهم (نجع أبو ستيت) دارا لدراسة القرآن الكريم والحديث الشريف، وكتب الفقهاء، وأحضروا لذلك العلماء على نفقتهم الخاصة هذا فضلًا عن إيوائهم لطلاب العلم من المغتربين، فكانت هذه الدار بمثابة جامعة إسلامية آنذاك تخرج فيها كثير ممن حملوا لواء الإسلام من أبناء المنطقة وغيرها.
ومن وطنية عميدها حميد بيك أبو ستيت رحمه الله أنه كان يمد الثوار - أيام ثورة عرابي باشا - بكل ما يحتاجونه من مال وغلال وغيرهما ويومها تتوج باعظم تيجان العروبة والإسلام؛ حيث اعتقلته القوات الإنجليزية بعد احتلالها لمصر ضمن من اعتقلتهم من المواطنين الأحرار.
أما وطنيتها في الحاضر بأنها قدمت الشبيبة من بنيها لتخوض معركة النصر والكرامة تحت قيادة الرئيس أنور السادات.
ولهم مني ما قيل:
فأزف شكري خالصًا
…
لذوي الندى والأريحية
وبها أيضًا من الأسر والعائلات، "عائلة الجندي" منها شيخ العرب كامل محمود الجندي، وشيخ العرب أحمد الجندي.
وعائلة آل رشوان إليها ينتسب شيخ العرب الأستاذ محمود إسماعيل رشوان الموظف بوزارة التربية والتعليم، وشيخ العرب محمد إسماعيل.
وعائلة العلالة وغيرها من العائلات العديدة يجمعها نسب واحد.
ومن مشاهير عربان أولاد عليو الأستاذ محمد علي مكي بوزارة التعليم العالي، وشيخ العرب عصمت أبو الهادي.
وبالساحل قبلي؛ وبه عائلات عدة منها شيوخ العرب الشيخ العالم الفاضل الشاعر عباس يوسف سالم، وأحمد مرسي علي، وعبد اللطيف محمد نجيب
(1)
رجل الصلاح والتقوي، والأستاذ علي محمد حسين خليل وكيل وزارة السد العالي سابقًا. والأستاذ فاروق محمود مرسي من عائلة أولاد حمد؛ والمتوفي عام 1972.
وبالساحل بحري، ومنها شيوخ العرب العمدة عفيفي بخيت، وعلي حمدان.
السمسطا:
ومن عائلاتها: الحروبة، منهم شيخ العرب مصطفى محمد حرب.
وعائلة الهيومة، منها شيخ العرب فضيلة الشيخ نجيب حسب زيدان وسليمان محمد علام.
وعائلة العزازمة، منها شيخ العرب فضيلة الشيخ أحمد عبد المجيد عزام رحمه الله.
وعائلة أبو رحاب، منها شيخ العرب فضيلة الشيخ حسين أبو رحاب من العلماء.
وعائلة آل نور الدين، منها شيخ العرب علي نور الدين.
وعائلة محمد سليمان.
بلدة الشيخ بركة وما جاورها من القرى:
من عائلاتها: الجواهرة، منها شيخًا العرب الأستاذ حارث عبد اللطيف السيد حارث، وأحمد خيري عبد اللطيف العمدة، وشيخ العرب علي السيد حارث عضو مجلس الأمة سابقًا.
(1)
انتقل لرحمة الله سنة 1965 م.
وعائلة الشوافع، منها شيخ العرب محمود حريص، مأذون البلدة.
وعائلة المراعوة، منها شيخ العرب محمد أحمد محمود نجع الحضري، وبه عائلة الشيخ الورع التقي الصالح
(1)
العارف بالله الأستاذ محمد محمود بكري.
وفي بلدة الحرجة بحري ونجوعها ومنها شيخ العرب جاد الكريم المدني شيخ البلد.
نجع أبو شافع ومنه الزميل العالم الأزهري الطماوي أحمد إسماعيل.
نجع خباطة، منه شيخًا العرب إسماعيل محمود هاجر، نائب العمدة، وإسماعيل علي صدقة.
بلدة الحرجة قبلي ومن عائلاتها آل الضبع ومنهم شيوخ العرب الشيخ محمد أبو قاسم، والشيخ محمد علي الموظفان بوزارة التربية والتعليم، والشيخ علي محمد عثمان بالأزهر.
وعائلة العواطي منها شيخ العرب جاد الكريم محمد بن رشوان، حسين جاد الله عبد العاطي حميد
(2)
.
وعائلة آل رفاعي: منها شيخ العرب صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز رفاعي عثمان شقيق الشيخ عبد الواحد الموظف بوزارة التربية والتعليم.
ومن هذه البلدة ممن يجمعهم هذا النسب المترجم عنه شيخًا العرب خيامي عبد الرَّحمن علم الدين، وأحمد عبد اللطيف محمد عبد الله.
ويتبع هذه البلدة نجع ساقية المطاوعة وفيه شيخًا العرب صاحب الفضيلة الشيخ عبد اللطيف محمود الإنبابي رحمه الله شيخ معهد جرجا الديني الإسلامي سابقًا، ورشاد عبد الكريم.
بلدة الحبيل من عائلاتها الفزازعة، منها شيخ العرب السيد فزاع رجل البر والتقوى والكرم، ومن مأثوراته رحمه الله أنه كان يؤثر الغير على نفسه ولو
(1)
توفي والده في يوليو سنة 1970 م رحمه الله.
(2)
ولهذه القبيلة ينتسب شيخ العرب أحمد ماهر عبد اللاه محمد رشوان.
كانت به خصاصة رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته - وهو والد أحمد ومحمد.
وعائلة الحلايمة: منها شيخ العرب أبو الحمد فراج عبد الحليم رحمه الله ومحمود أحمد الديب التقي الصالح، ومحمود محمد عبد الحليم وشهرته الجمل، والتقي الصالح الولي العارف بالله مصطفى عبد العال رحمه الله.
بلدة الشلولية ومنها شيوخ العرب حسين
(1)
على حسن العمدة السابق رحمه الله وأخوه أمين علي حسن علي.
البلينا - المدينة - وبها عائلة التمايمة.
وبلاد الوحالي (الوحالية) يستوطنها كثير من أبناء القبيلة المترجم عنها (بني محمد الهواري).
وبلدة (برخيل) ونجوعها، وبها عائلة آل عزام دهاليها ينتسب شيوخ العرب عبد العزيز متولى مهران عمدة برجيل رحمه الله وأحمد عبد المجيد مهران نائب العمدة، والأستاذ محمد عطاية الموظف بوزارة التربية والتعليم، وفضيلة الشيخ عز الدين السيد عثمان الموظف بوزارة الأوقاف، وعلي أحمد عبد القادر، وسالم حفني عبد القادر الموظف بوزارة الأوقاف والأستاذ محمد إسماعيل عبد القادر الموظف بوزارة التربية والتعليم، وشيخ العرب عبد الشافي محمود عبد العال رحمه الله والد شاهين عبد الشافي.
وعائلة موسى منها الأستاذ شيخ العرب محمد أحمد محمد الشهير بأبي كلاب وليس هذا بعيب في الألقاب، فنظيره في العروبة قديما قبائل بني كليب، وكلاب، وكلب.
ومنها شيوخ العرب: الحاج السيد عطابة إبراهيم موسى، وأحمد عبد اللطيف عبد الفتاح شيخ البلد، ومحمد عبد الرَّحمن شقيق حسن عبد الرَّحمن.
(1)
توفي لرحمة الله يوم 21 يوليو سنة 1963 م.
وعائلة آل مغيث المغايثة، وإليها ينتسب شيوخ العرب علي أحمد مغيث رحمه الله شغل منصب عمودية بلدة برخيل وبلاد أخرى كانت آنذاك تابعة لبرخيل وتلك البلاد يستطونها بنو محمد الهواري.
اشترك علي أحمد مغيث رحمه الله في ثورة عرابي، فقدم للثوار كثيرًا من المساعدات، فكان يرسل إليهم تلك المساعدات العينية عن طريق السفن بالبحر، فكان جزاؤه أن اعتقل وزج به في السجن، وكلان يلازمه في المعتقل كثير من الأحرار.
ومن أعماله: أنه أنشأ مسجدًا
(1)
بجوار منزله ببلدة برخيل، يعتبر آية في الروعة والفن، وكان يُدرَّس فيه علوم القرآن والحديث والفقه والتوحيد وعلوم اللغة العربية، فأمَّه كثير من طلاب العلم، فأقام لهم مساكن خاصة كما كان يقوم بالنفقة على ذوي الحاجة، وكان يقوم بالتدريس في هذا المسجد نخبة ممتازة من أجلاء العلماء منهم الشيخ أحمد سعيد رحمه الله من علماء بلدة برخيل.
ومن هذه العائلة شيخ العرب أحمد شمندي رحمه الله وعز الدين مطاوع جبريل.
وعائلة آل غريب، منها شيخ العرب أبو زيد غريب شقيق عباس شيخ البلد رحمه الله ومحمد أبو زيد شيخ البلد بعد وفاة أخيه.
وعائلة أبو حمودة إليها ينتسب شيخ العرب يوسف أبو حمودة رحمه الله والد عبد الله، وكثير من العائلات الآخرى العربية الهوارية وأخرى من غير الهوارية كعائلة الركابات، ويذكر كثير من ولد هوارة ببرخيل أن هذه الأسرة الركابات تنحدر من أصل عربي عريق وبالأخص يكثر هذا القول ويشاع في أبناء عائلة موسى الهوارية.
(1)
ما زال المسجد قائما على نفقة العائلة غير أن دروس العلم غير قائمة به.
من آثار بلدة برخيل ومميزاتها:
1 -
كانت لعام 1956 م الأفاعي الموجودة بها أو التي في حيازتها (زمامها) لا تؤذي أحدًا قط؛ حتى ولو رفعها الإنسان بيديه، وحتى التاريخ المتقدم ومن بعده صارت تؤذي الإنسان مثل مثيلاتها في أي بلد آخر.
2 -
أن أهل برخيل اتصفوا بصفات كثيرة من صفات العروبة والإسلام منها: العفو عند المقدرة، ويميلون إلى عدم إثارة الشعب.
سباقون إلى الصفح، وتناسي الخلافات ويميلون إلى حل مشاكلهم بأنفسهم.
(5)
قبيلة بنو يحيى
من القبائل العربية الهوارية بوادي النيل "قبيلة بنو يحيى" التي يستوطن بنوها بمحافظات قنا وسوهاج وأسيوط
(1)
والمنوفية منذ زمن طويل.
فمن بلادهم بمحافظة قنا:
1 -
بلدة أبو مناع قبلي، منها شيخ العرب أحمد عمر العمدة.
2 -
بلدة أبو مناع بحري.
3 -
بلدة أبو مناع غرب.
4 -
بلدة أبو مناع شرق.
5 -
بلدة دياب شرق.
6 -
بلدة دياب غرب، منها شيخ العرب إبراهيم عبد الهادي.
ومن مشاهير هذه البلاد وأعلامها شيوخ العرب:
(1)
كتاب (نحن العرب) اللواء حامد صالح ص 151.
حسن محمود الوكيل
(1)
عضو مجلس الشيوخ السابق، ومحمد أحمد عمر عضو مجلس النواب السابق، ومحمد أحمد السباعي عمدة أبو مناع غرب (سابقًا)، ويحيى عبد اللطيف ثابت عمدة أبو مناع غرب، ومختار أحمد عمر، وعمر أحمد عمر، وجمعة محمد أحمد رئيس مجلس قرية أبو مناع شرق، وعباس عبد السلام عمدة أبو دياب شرق، وإبراهيم مصطفى عمدة أبو مناع بحري (سابقًا).
ومن بلادهم بمحافظة سوهاج:
1 -
أولاد يحيى قبلي.
2 -
أولاد يحيى بحري.
3 -
أولاد يحيى الحاجر، ومنها شيخ العرب عبد الحميد أحمد حسن، والشيخ حسين الصادق حسن.
4 -
بلدة الشيخ جامع.
5 -
نجع الزوازوة.
6 -
نجع العزبة.
ومن أعلام هذه البلاد شوخ العرب:
الأستاذ الشيخ محمد إبراهيم الصغير
(2)
، والشيخ محمد حافظ سليمان علي
(3)
مفتش الوعظ ثم عضو بمجلس الأمة، والأستاذ إبراهيم علي عبد الرحيم المحامي وعضو مجلس الأمة السابق، والأستاذ السيد النقر المحامي، وحلمي ثابت
(4)
عمدة الشيخ جامع؛ والد ثابت حلمي المدرس بمعهد أولاد طوق شرق الدمني.
(1)
توفي رحمه الله في 25 من ذي القعدة سنة 1383 هـ - 8/ 4/ 1964 م.
(2)
ولسيادته أخ اسمه محمد الكبير توفي سنة 1962 م والمترجم عنه توفي سنة 1973 م.
(3)
وكان فضيلته شيخا لمعهد أولاد طوق شرق الدمنى.
(4)
توفي رحمه الله في 1392 هـ - 1971 م.
وعائلة آل بهنساوي من البيوتات العريقة من بيوت قبيلة أولاد يحيى لما لهذا البيت من المآثر الوطنية الحميدة.
من مآثر أبناء هذه القبيلة:
- أنهم يُحرمون على نسائهم الخروج من الدار، كما أنهم يحرمون عليهن رؤية غير المحارم. وإن سألتهم في ذلك أجابوك بما أجاب به القرآن في قوله تعالى:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى
…
} [الأحزاب]
وإن ناظرتهم في معنى الآية أجابوك أيضًا بأن الخطاب وإن كان خاصا إلَّا أن المراد به العموم.
والحق أنهم على صواب في عملهم هذا. قال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضُّو عليها بالنواجذ".
ويمكن تمييز أبناء هذه القبيلة عن غيرهم؛ لما لأبناء قبيلة بني يحيى من خلق جم وحياء كبير، هذا مع حبهم للأناة والسكينة ومنهما ترى على وجوههم علَّامات الوقار والاحترام.
كيف ذلك؟
أولها البيئة وهي عامل هام جدًّا في تربية النشء.
ثانيها عنصرهم العربي الطيب الأصيل.
ومنها ظلت أوراق هذه الشجرة الطيبة مخضرّة لأنَّ أصلها قائم على أرض طيبة هي أرض مصر؛ أرض العروبة منذ العصور المتقدمة، وغدا إن شاء الله سوف تلتقي الأغصان المورقة المخضرة على صعيد الوحدة، ويومها يقول أبناء قبيلة يحيى مع أبناء العروبة بمصر:
إن يكن للخلود أم فمصر
…
هي أم الخلود حسنًا ومعنى
كتب التاريخ تتحدث عن قبيلة بني يحيى بمصر:
قلما تجد مؤرخًا عربيا يغفل تاريخ قبيلة بني يحيى بمصر، ويكفي أن نذكر ما ذكره اللواء حامد أحمد صالح في كتابه
(1)
عن قبيلة بني يحيى، لأن أبحاثه هذه نتيجة دراسات وأبحاث من مراجع عدة.
ولقد ذكر في فصل الأمكنة التي تنزل بها العرب من مصر حتى أول القرن العشرين في المحافظات، والمراكز. فعند ذكر محافظة جرجا "سوهاج" ذكر بني يحيى، وكذلك عند ذكره مراكز جرجا، والبلينا، وديروط، ومنفلوط.
وأيضا عدّ بني يحيى من القبائل التي تستوطن هذه الأمكنة ضمن من تستوطنها من القبائل العربية الأخري، وكذلك عدَّهم في المنوفية
(2)
.
ومن هذا نستطيع أن نقول إن قبيلة بني كحى لها بطون عدة بمصر تقيم في عدة أماكن من المحافظات والمراكز.
أولاد يحيى - بديروط، وبني يحيى:
يذكر نسابتهم أنهم من ولد عبد الرسول أحد أولاد يحيى "قبيلة بني يحيى".
ويؤكد نسابتهم أنهم جميعًا قبيلة واحدة يجمعهم نسب واحد "يحيى" المسمَّى باسمه القبيلة؛ وأولاد يحيى بديروط وبني يحيى بيوتهم كثيرة وعائلاتهم شهيرة منها:
عائلة الكيلاني، بديروط تمتاز بالشهامة والرجولة وصلابة الرأي إن رأيت أحدًا من رجالها حكمت عليه من أول نظرة أنه عربي أصيل، وإن عاملته تقول لا شك أنه ينتسب إلى أعظم القبائل التي أنجبت الأبطال والشجعان والأعلام، وإلى هذه الأسرة المترجم عنها ينتمي شيخ العرب علي كيلاني عضو مجلس الأمة السابق.
(1)
كتاب نحن العرب ص 121 - 151.
(2)
المرجع السابق.
وعائلة "فولي" إليها ينتسب شيخ العرب الأستاذ أحمد عبد الغني فولي وكيل مجلس المدينة، وأخوه عبد السميع
(1)
المقاول الخاص.
وعائلة الخشاينة، منها شيوخ العرب الوليد أحمد حلمي بوزارة الداخلية، وعبد المغيث عبد المالك إبراهيم، شيخ بني يحيى.
وعائلة المذاكرة منها شيخًا العرب الأستاذ عبد الحفيظ محمد وعبد الحافظ فياض ناظري أحد مدارس وزارة التربية والتعليم.
وعائلة أولاد يوسف، وتتفرع إلى أولاد سنان والعقايلة والرحايمة وإلى هذه العائلة ينتمي شيوخ العرب الوجهاء مخيمر محمد مخيمر - مزارع، والأستاذ عبد الله أحمد محمد مخيمر المحامي، وإخوته غازي، وعبد المنعم بوزارة الزراعة، ويحيى.
والشيخ يوسف عتمان سنان ببندر ديروط؛ والد الشيخ دياب شيخ بندر ديروط، ويونس عتمان، وعبد الحفيظ أبو جبل سنان، والضابط عبد الموجود محمد سنان رحمه الله والد محمود بالجيش.
ولأولاد سنان فروع بدمياط كما يذكر أولاد سنان بديروط ذلك.
(6)
قبيلة القليعات
من القبائل العربية الهوارية التي يتربع بنوها على أرض مصر الطيبة أبناء قبيلة القليعات ذات البطون الكثيرة المتعددة.
فبمحافظات قنا: وأسيوط، والمنصورة يقيم بنو القليعات وبالوطن العربي الكبير يقدمون له أجل الخدمات والأعمال الصالحات.
(1)
ولقد حَدَّثَنَا سيادته في حديث جرى بيننا ربينه في هذا الشأن - شأن اتصالهم ببني يحيى المترجم عنهم في الفصل السابق - من كتابنا هذا - فأكد لنا أنهم من أولاد يحيى، كما ذكر أن لهم بالوجه البحري أبناء عمومة ولهم بهم اتصالات متكررة.
المحققون من المؤرخين يتحدثون عن نسب القليعات:
يذكر اللواء حامد أحمد صالح في كتابه (فجر العروبة)
(1)
كثيرًا من القبائل العربية المختلفة والمتعددة بمصر ويذكر من ضمنها (القليعات).
وأستاذنا الشيخ منصور رجب يشيد بذكر هذه القبيلة - القليعات ويعدها من القبائل الهوارية حيث جاء من مقال لفضيلته بعنوان "سلام من هوارة مصر
(2)
إلى هوارة تونس" ذكر القليعات وأنها هوارية.
وجاء ( .. وسكنى أفرادها في مركزي نجع حمادي وأبو طشت، وجزء منهم في قرى شطب جنوب أسيوط، وجزء آخر في عزبة منصور بمحافظة المنصورة.
وجاء: أن عدد أفرادها في الانتخابات يزيد على عدد 40 ألف فرد) اهـ
(3)
.
أي من المذكور لأنَّ النساء لا يقيدون في جداول الانتخابات ويمنعن من مزاولة هذه المهمة وتلك عادة الكثير من القبائل العربية لا سيما المقيمين بصعيد مصر.
هذا، ونحن لا ننسى أن الصبيان ليس لهم حق الانتخاب فلا يشملهم الحصر المتقدم. ومنه يتضح أن أفراد قبيلة القليعات يبلغ عددهم أكثر من العدد المعتقد أضعافا مضاعفة.
مواطن سكنى أبناء القليعات:
محافظة قنا منها:
1 -
بلدة كوم البيحا وبها عائلة آل بربري، منها شيوخ العرب محمد إبراهيم بربري عضو مجلس الشيوخ السابق؛ والد الأستاذ أحمد عضو مجلس النواب السابق، ومنها الأستاذ يوسف بربري الموظف بوزارة الصحة بالقاهرة.
(1)
ص 139.
(2)
ولعلَّ أستاذنا حينما عبر بذلك عمر بالجزء - تونس - عن الكل (بلاد المغرب عامة) ولعلَّ قصده (سلام من هوارة مصر إلى هوارة بلاد المغرب).
(3)
منبر الإسلام 21 رمضان سنة 1383 هـ فبراير سنة 1964 م.
2 -
بلدة الرزقة وبها عائلة آل عيسى، ومنها شيخ العرب أحمد محمد عيسى.
3 -
الكوم الأحمر، وبها آل مراد وآل وزيري.
4 -
بلدة رفاعة: بها آل فكار، منهم شيخ العرب عبد العال فكار العمدة السابق.
5 -
بلدة الكرنك وبها عائلة فكار أيضًا وهم أبناء عمومة آل فكار ببلدة رفاعة. ومنهم بالكرنك شيخ العرب محمود فكار العمدة السابق، وشيخ العرب الأستاذ تمام حسان؛ المستشار الثقافي لنيجيريا.
6 -
بلدة القارة وبها آل غلَّاب، ومن أعلام هذه البلدة شيخ العرب الأستاذ كمال أحمد حسين.
7 -
عزبة السايح وبها آل فكار، منهم شيخ العرب صاحب الفضيلة محمد عبد العال فكار؛ المدرس بوزارة التربية والتعليم.
8 -
بلدة الحسانات بها آل الكاشف؛ منهم شيخ العرب - علام أحمد علام شيخ البلد.
9 -
بلدة جزيرة وبها آل هلالي، وآل علم الدين.
ومن العائلة الأخيرة شيخ العرب فضيلة الأخ العزيز محمد محمود علم الدين بوزارة التربية والتعليم.
أما بمحافظتي أسيوط والمنصورة ة فكما تقدم أن من بنيها من يستوطن بهاتين المحافظتين في بعض القرى التابعة لكل منهما، فهم كمن قال:
وكفاني من فخاري نسبة
…
جمعت في طرفيها العربا
(7)
قبيلة الوشاشات
الوشاشات: قبيلة من القبائل العربية الهوارية القاطنة بمحافظة قنا خاصة، وغيرها عامة. وذلك لشهرتها العظيمة. ولقد أنجبت كثيرًا من الأعلام البارزين أمثال الأستاذ الكبير صاحب الفضيلة الشيخ توفيق البتشتي؛ حيث كان له صدى في المحيط الأزهري في عصره.
مواطن سكناهم:
يستوطن أبناء الوشاشات كثيرًا من القرى والمدن بمحافظة قنا منها:
1 -
مدينة أبو طشت - مركز محافظة قنا، ويستوطن بها بعض عائلة آل سليم وهي من أعرق عائلات الوشاشات، وإلى هذه العائلة ينتسب الأستاذ أنور أحمد بن توفيق البتشتي، ومنها صاحب الفضيلة شيخ العرب فوزي محمد عبد القادر المدرس بالأزهر.
2 -
بلدة الشمارات.
3 -
بلدة الأميرية.
4 -
بلدة القصير.
5 -
بلدة الزرايب.
6 -
بندة المحارزة.
7 -
بلدة العوامر قبلي.
8 -
بلدة كوم يعقوب.
9 -
بلدة الحبيلات قبلي.
10 -
وبلدة الأوسط سمهود، منها شيخ العرب الأستاذ هارون أحمد عبد الرَّحمن المحامي بأبي طشت.
11 -
بلدة السلامات.
12 -
بلدة كوم هنديم.
13 -
بلدة الجربة.
14 -
بلدة الطوط.
وممن ينتمي إلى هذه الفبيلة - الوشاشات - (آل أبو عايد) منهم شيخ العرب محمد فؤاد عبد العال عايد عضو مجلس النواب السابق.
هذه هي بعض البلاد التي يستوطنها بعض أبناء قبيلة الوشاشات وكلها تقع بمحافظة قنا العامرة بسكان القبائل العربية العريقة من هوارة وأشراف وأنصار وعرب رحَّل.
(8)
قبيلة السماعنة
ما ذكره المحققون حول نسب السماعنة:
ذكر فضيلة الشيخ منصور رجب رحمه الله في مقال له بعنوان (رحلتي إلى تونس - سلَّام من هوارة مصر إلى تونس) بمنبر الإسلام في عددها التاسع الصادر في رمضان سنة 1383 هـ/ فبراير سنة 1964 م.
ذكر أن السماعنة
(1)
من هوارة: دم ذكر أن قبيلة السماعنة يعيش أفرادها في قرى مركزي البلينا وأبو طشت، وجزء منهم في قرى محافظة الشرقية بالوجه البحري اهـ بتصرف.
يذكر اللواء حامد أحمد صالح في كتابه (فجر العرب)
(2)
السماعنة بأنهم من القبائل العربية وأن مناطق سكناهم (فاقوس)"ولعلَّ هذه كانت أول منطقة سكناهم منذ حلولهم أرض مصر في القرون الأولى المتقدمة".
(1)
وذلك من خطاب قدمه لفضيلته أحد أبناء السماعنة ثم علَّق فضيلته عليه.
(2)
ص 33، 135.
ولذكر أيضًا أنهم كانوا ضمن القبائل العربية - الرحل - حيث جاء ذكرهم في الإحصائية الرسمية لعام 1885 م - بالوجهن القبلي والبحري على الوجه الآتي:
عددهم بالوجه البحري "1550 نسمة" وعددهم بالوجه القبلي نفس العدد السابق "1550 نسمة" اهـ بتصرف.
ومما يؤكد ما ذكره اللواء حامد صالح؛ أنه جاء ذكرهم في كتاب "قلائد الجمان في التعريف بقبائل عربان الزمان"
(1)
للقلقشندي تحقيق الأستاذ إبراهيم الإبياري؛ بأن السماعنة فرع من بطون جُذام وبالتحديد من (بني مهدي) وهم من جُذام، وذكر أن بني المهدي من بني عُذرة؛ وهم من قُضاعة من حِمْيَر وبالجملة فهم من عرب اليمن
(2)
اهـ. أي أن عُذرة وجُذام من عرب اليمن.
خلاصة هذه الآراء:
لعلَّ الذي يقرأ هذه الآراء قراءة سطحية يلحظ من خلالها اختلاف نسب السماعنة: أهم من قبائل هوارة أم من غيرهم؟؟
لكن بخلاف من قرأها قراءة تمحيص ودراسة فإنه لا يرى أي اختلاف حول نسب السماعنة.
ذلك - وكما سبق القول في فصلي نسب بلاد المغرب والهوارة - لأنَّ نسب الهوارة يرجع إلى السبئية (سبأ) كما في بعض الآراء.
ومما لا شك فيه أن جُذام من سبأ.
لذا نجد السماعنة بصعيد مصر في تعداد القبائل الهوارية كما أنهم يذكرون ذلك ويعدُّونه مفخرة لهم. انظر ص 194 أنساب قبائل العرب للحبوني.
(1)
ص 66.
(2)
ص 66 نفس المرجع.
بلاد السماعنة التي يستوطنها أبناؤها.
يستوطن أبناء قبيلة السماعنة كثيرًا من قرى محافظات الجمهورية ومدنها بمحافظة قنا.
(1)
بلدة: العمره: وبها عائلة "أبو درويش". منها شيوخ العرب عبد المجيد أبو زيد رحمه الله والد علي عبد المجيد من العلماء.
ومحمد أبو زيد درويش العمدة السابق، ولهذه العائلة: الشهرة بالجود والكرم.
(2)
بلاد المال بحري "النواهض": بها عائلة النيران ومنها شيخ العرب أحمد محمود أبو الدهب، وعائلة وهب الله منها شيخ العرب أحمد وهب الله؛ العمدة السابق.
(3)
بلاد المال قبلي "الكعيمات": بها عائلة آل رشوان إليها يعزي شيخًا العرب شمس الدين إبراهيم رشوان، وشقيقه، لأستاذ عبد العزيز إبراهيم من العلماء.
(4)
كوم جابر: وبها عائلة حسنين، ومنها شيخ العرب عبد الشافي حسنين العمدة رحمه الله، وعائلة عامر، منها شيخ العرب أبو المجد عامر العمدة السابق.
(5)
الأوسط بحري "العليمات": بها عائلة عليان منها شيخ العرب محمد سباق عضو مجلس الأمة السابق ورئيس رابطة قبيلة السماعنة بالقاهرة سابقًا.
وعائلة زغيلة منها شيخ العرب حسين عثمان العمدة السابق رحمه الله، شقيق مدني عثمان.
ويتبع هذه البلدة (نجع الزمر) منه شيخًا العرب عثمان السمان عضو محافظة قنا، والأستاذ أحمد عبد العزيز سلطان؛ وكيل نيابة محكمة شبرا للأحوال الشخصية.
(6)
العوامر منها شيخ العرب محمد عبد الغني العمدة.
ومن بلادهم التابعة لمحافظة سوهاج:
1 -
القناصية: وبها عائلة آل كمالي، منها شيوخ العرب أحمد أبو عليمي والد عليمي رحمه الله، والسيد أحمد، ومنها أحمد عبد العال
(1)
محمد كحالي. ومنها أيضًا شيخ العرب الشيخ خليفة محمد علي مأذون البلد والد أحمد الملقَّب بفندي، ومنها شيخ العرب أحمد إسماعيل كحالي رحمه الله، وعباس محمد
(2)
الطيب شيخ البلد رحمه الله، والمعلم نور الدين محمد المقاول الخاص بالإسكندرية، ويتبعها نجع زيد وبه أسرة سباق منها شيخًا العرب محمد حفني سباق، وأخوه أحمد سباق المقاول الخاص بالقاهرة.
2 -
العوكلية: بها عائلة بكار، منها شيوخ العرب محمد بكرٍ بكار المتوفي في فبراير سنة 1970 وأخوه محمود بكار، وأمين محمود بكار، أحمد أحمد بكار رحمه الله.
وهذه العائلة لها مجد قديم حيث كانت الرئاسة فيها على بلاد عدة، من بلاد السماعنة وغيرها.
وعائلة التراكرة (آل مرعي) إليها ينتسب شيوخ العرب علي حميد رحمه الله والد قناوي علي، ومنها أيضًا الأستاذ أحمد أنور موسى من العلماء.
ويتبع العوكلية نجوع منها نجع الزرابي، منه عائلة آل حماد منها شيخ العرب عبد الشافي سليمان حماد.
ونجع شاهن - عزبة شاهين - وبها آل شاهين، ومنهم شيخ العرب زكي شاهين.
3 -
الحلافي - ويتبعها بعض النجوع، منها نجع عبد السميع، ومنه شيوخ العرب عبد اللطيف علي خليفة من أعلام هذه القبيلة، وحفني محمد نائب
(1)
توفي رحمه الله في فبراير سنة 1964 م.
(2)
توفي إلى رحمة الله في نهاية سنة 1969 م.
العمدة، والشيخ فؤاد أبو القاسم ناظر عزبة السيدة حنيفة السلحدار سابقًا - الآن وزارة الإصلاح الزراعي.
وفي محافظة الشرقية بلدة تُسمَّى بالسماعنة مركز فاقوس وبها عائلة الطويل، منها الدكتور محمد الطويل بمستشفى صيدناوي بالقاهرة، والأستاذان حسن الطويل، وأحمد الطويل المبعوث بفيينا - النمسا.
(8)
أولاد ماض
وأبناء هذه القبيلة من البطون الهوارية التي ذكرها القلقشندي
(1)
منذ مئات السنين؛ فذكرنا لها اليوم إنما هو إشادة بأعمال بنيها على أرض العروبة في عصر نهضة الأمة العربية من المحيط إلى الخليج يسيرون، فعلى بركة الله. مرددين قول من قال: وقائلين نحن من بلد "مصر":
حفر الدهر للممالك قبرا
…
وبنى الله للكنانة حصنا
مواطن سكنى أبناء هذه القبيلة:
تقع مواطن سكناهم ببلدتهم المسماة ببلدة أولاد ماض إحدى قرى محافظة سوهاج. وهم الآن فروع عدة، يعمل أبناؤها من أجل التلاقي على صعيد الوحدة.
(9)
أولاد شلول
ومواطن سكناهم تقع بجوار بندار الكرمانية بمركز جرجا في محافظة سوهاج، وهم الآن يمثلون الجم الغفير من أبناء العرب العاملين من أجل إقامة صرح الغروبة والإسلام العظيم.
ومن بطونهم الكريمة: بطن آل حجازي، منه شيخًا العرب علي مصطفي، ومحمد إبراهيم.
(1)
ص 136 البيان والإعراب: الدكتور عابدين. وج 1 صبح الأعشى، ص 168 (قلائد الجمان) الإبياري.
أولاد شلول والمؤرخين:
لعلَّ القلقشندي
(1)
في ذكره: الشللة - من البطون الهوارية، هم أبناء المتحدث عنها (أولاد شلول) وسبق أن وضحنا أن كثيرًا من القبائل والبطون دخلها بعض التحريف في المسميات الأولى، ومنه نفهم أن أولاد شلول السابق ذكرهم بالشللة هم المذكورون.
(10)
الفرعان
من القبائل الهوارية قبيلة الفراعنة فهم من ولد محمد الهواري، وبلادهم التي يستوطنونها عدة وتقع بمحافظة سوهاج بمركز جرجا. منها بلدة الفرعان؛ وبها عائلة الفراعنة.
منها شيوخ العرب الأستاذ شوقي أحمد عثمان المحامي، وعضو مجلس الأمة سابقًا، والشيخ العالم الجليل والشاعر الملهم علي الراجي رحمه الله، صاحب قصيدة "أم القرى"، التي مطلعها:
ذهبت إلى أم القرى وقراها
…
نؤاخي السلامة مع من قراها
(11)
قبيله بندار
يرجع نسب أهل بندار إلى ولد بندارة، وهم بطن من بطون هوارة، ذكرتهم أمهات كتب التاريخ منذ زمن طويل لا سيما صبح الأعشى للقلقشندي وغيره.
كما يؤكد أهل بندار أنهم من ولد محمد الهواري، ولأن القلقشندي
(2)
يذكر أن "الإمرة كانت بجرجا ومنشأة أخميم لأولاد عمر بن عبد العزيز ومنازلهم بجرجا ومنشأة أخميم وأمرهم نافذ إلى أسوان" اهـ.
ولأن المقريزي
(3)
يذكر "أنه لما مات عمر بن عبد العزيز قتله
(4)
علي بن غريب من ولد هوارة وكانت الإمرة في بيته، بدهروط وما معها من البهنساوية،
(1)
ص 168 (قلائد الجنان) الإبياري.
(2)
ج 1 بتصرف.
(3)
ص 8 البيان للدكتور عبد المجيد عابدين.
(4)
ص 19 قلائد الجمان للإيباري.
ثم تولى بعده ابنه محمد بن عمر، المعروف بأبي السنون وفخم أمره وكثرت أمواله" اهـ.
وبنو محمد: هم من ولد محمد بن
(1)
عمر بن عبد العزيز الهواري من ولد إسماعيل بن مازن الذي أقطعه السلطان برقوق الإقطاعيات بناحية جرجا وما حولها فعمرها بعد أن كانت خرابا، فاتخذها موطنا لسكناه ولبنيه فيما بعد فصارت لهم أمكنة استقرار ما بين متقارب منها ومتباعد، ولا زالوا يعرفون ببني محمد حتى كتابة هذه السطور.
غير أننا نلاحظ أن المؤرخين يذكرون أن بندار بطن من بطون هوارة، كالقلقشندي والمقريزي مثلا، وزمن تأريخهم مرجعه إلى القرن الثامن الهجري ومطلع القرن التاسع الهجري.
ونحن عرفنا أن الهوارة نزحوا من البحيرة إلى الصعيد في القرن الثامن وأن الذي تولى الإمرة بجرجا وما حولها بنو عمر. وهم محمد وإخوته في القرن الثامن الهجري وما بعده، وإذا وضعنا هذا كله في اعتبارنا، مع جعل أهل بندار من نسل محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري، أمير العربان في زمانه.
قد يدور بخلد باحث مدقق سؤال هو: "كيف يلحقون أهل بندار إلى نسل محمد بن عمر الذي هو ينتسب إلى بيت من بيوت هوارة الذي جمعهم بطن واحد، هو بندار سواء روعي في تسمية هذا البطن: الحَيَّ أم الذات".
قلت: ما قاله القلقشندي: ( .. أبو القبيلة قد يكون له عدة أولاد فيحدث عن بعضهم قبيلة أو قبائل فتنسب إليه كلّ قبيلة تحدث عنه، وتترك النسبة إلى القبيلة الأولي، كحنظلة من تميم فتنسب إلى "حنظلة" ويترك "تميم". ويبقى بعضهم بلا ولد، فلا يولد له أو لَمْ يشتهر ولده، فينسب إلى القبيلة الأولى) وذكر أيضًا أن الجوهري يذكر (أن النسبة إلى الأسفل تغني عن النسبة إلى الأعلى) اهـ
(2)
.
(1)
ص 58 - 59 البيان للدكتور عبد المجيد عابدين.
(2)
ص 20 قلائد الجمان للإيباري.
وقلت أيضًا: (من الجائز أن تكون البيوتات الأخرى غير بيت محمد قد نزحت فيما بعد إلى جهات أخرى كوادي النيل مثلًا بالسودان وبأسوان وما حولها، حيث إن الرحلات مرغوب فيها عند العرب، هذا بالإضافة إلى ما يتمتع به بطن بندار من الإمارة وسطوة السلطان. والباقون الآن بنو محمد.
ولنا أن نقول أيضًا أن بطن بندار خصوا بأنهم من ولد محمد بن عمر للغلبة حيث الشهرة في بيت عمر بن عبد العزيز الهواري الذي من ولده محمد، وإذا كان تحالف القبائل المختلفة يصير فيما بعد أشهرها علمًا على هذه الجماعات المتنوعة المتحالفة؛ يكون إطلاق أهل بندار على أنهم من بني محمد لا غبار عليه الآن وما قبله وما بعده الآن.
والخلاصة أنهم من هوارة من ولد محمد بن عمر بن عبد العزيز ومنهم تفرق الكثير من الرجال في البلاد، حتى أن بني محمد يؤلفون عددًا ضخما بقرى مصر خاصة بمحافظة سوهاج وكذلك بقنا.
وبندار قسمان شرقية وغربية: يفصل بينهما شريط السكة الحديدية المصرية بالجهة الغربية من نهر النيل، ويتبعان مركز جرجا بمحافظة سوهاج.
أما بندار الشرقية فيسكنها منهم أقمار هم آل سلطان؛ خصوا بعد بالجمال. وهم أصحاب مجد وفخار من غابر الأزمان، وإليهم يعتزى شيوخ العرب عزت عبد المجيد موسى الكاشف العمدة السابق لهذه البلدة، والأستاذ أحمد محمد رضوان سلطان عضو مجلس الأمة السابق، والعالم التقي الورع الشاعر الملهم الشيخ مصطفى محمد رضوان سلطان إمام وخطيب ومدرس بمسجد (الست سالمة) بجرجا، ويوم اجتماعي بفضيلته دار الحديث بيننا حول وحدة بني الملة عامة بعد وحدة بني عدنان وقحطان خاصة تذكرنا قول الرسول عليه الصلاة والسلام:"إذا عز العرب عز الإسلام" وقوله: "أرسلت إلى العرب خاصة وإلى النّاس عامة".
وبهذا البلد (بيت أولاد حمد) منهم الشيخ حفني قناوي، والريس الطيب محمد حسين الهواري.
(وبيت البهايجه) وإليه يعتزي شيخ العرب الهواري محمد بيومي وشهرة هذا البيت (الكراسنة).
(وبيت العوايضة) وإليهم ينتسب شيخ العرب أحمد عبد العال.
وأما بندار الغربية: فيقطنها كثير من البطون الهوارية ممن لهم شرف الانتساب إليها قلوبهم مليئة بالإيمان بالله والوطن جنود وخدام. أذكر منهم على سبيل المثال شيخ العرب العالم الصوفي الروحي الشيخ عبد الله عبد العال نائب الطريقة الشاذلية رحمه الله.
وبهذا البلد عائلة "النباتات" منها شيخ العرب أحمد علي عثمان العمدة لهذا البلد. ويتبع بندار الغربية نجوع يقطنها من لهم فخر الانتساب إلى محمد الهواري ومنهم: عائلة "عبد الجواد"، وإليها يعتزي شيخ العرب أحمد خليفة عبد الجواد عمدة نجوع بندار؛ عاش عمر العشرين بعد المائة كما حدثني الشيخ مصطفى محمد رضوان وذلك في عام 1963 م.
(12)
قبيلة أبو دومة
تنتسب هذه القبيلة كما حدثني فضيلة الشيخ عبد الرَّحمن أبو النجار رحمه الله من ولد محمد الهواري. ومن بلدة المجابرة (بجرجا) إلى ولد محمد بن مطاوع المنتسب إلى الوناتنة والتي يقول عنها فضيلة الشيخ عبد السلام حمد الحبوني في كتابه (أنساب قبائل العرب) ص ما يأتي: ومن نسل مطاوع انحدر الوناتنة إلى مصر وموطنهم الآن سبعة عشر بلدا بمركز طهطا
…
ثم يستطرد فيقول: أما آل الهلالي وهم من البطون الهوارية كما ذكرهم القائل في كتابه السالف الذكر ص 194 - 195 " فكانوا قضاة وفقهاء أسيوط.
ثم انحدروا جنوبًا وتخلف منهم في طما أبو دومة) ا هـ.
وأما أبناء قبيلة أبي دومة فيذكرون أنهم ينتسبون إلى زناتة التي منها خليفة الزناتي، كما أكد لي بذلك الأستاذ أحمد سليمان أبو دومة رئيس مستخدمين بإدارة الأوقاف بأسيوط، والآن بسوهاج.
وإن كان القلقشندي يذكر زناتة ذو كثرة ببلاد المغرب، ولا يعرف منهم أحد الآن في الديار المصرية فيما أظن. ا هـ ص 176 (قلائد الجمان) تعليق وتحقيق الأستاذ إبراهيم الإبياري.
فهذا لا ينفي نسب قبيلة أبي دومة إلى زناتة لما يأتي.
1 -
أن القلشندي نفسه لَمْ يقطع بذلك
(1)
حيث قال: (وَلَا يعرف منهم أحد الآن في الديار المصرية فيما أظن) ا هـ.
2 -
احتمال نزوح أفراد قبيلة أبي دومة من موطنها ببلاد المغرب إلى مصر بعد حياة القلقشندي. ومن المعروف أن القلقشندي أتم تأليف هذا الكتاب (قلائد الجمان) سنة تسعة عشرة وثمانمائة هجرية.
3 -
واحتمال آخر هو من الجائز أن يكون أفراد هذه القبيلة جاءوا من المغرب بصحبة أفراد من قبائل أخرى، وكانوا جميعًا ينضوون تحت لواء حلف واحد، وشاع إطلاق اسم القبيلة على أشهر القبائل آنذاك والمتحالفة مع القبائل الأخرى القادمة لمصر، وبمرور الزمن صار لبني أبي دومة شهرتهم الخاصة جعلتهم يتخذون طابعهم الخاص، ومن هنا ظهر في سماء العروبة بروق اسم قبيلة أبي دومة التي نتحدث عنها.
هذا من ناحية انتسابها إلى زناتة كما يذكرونها، ومن ناحية ما يذكره المؤرخون حول عدم وجود من ينتسب إليها بالديار المصرية في العصور المتقدمة.
علمًا بأن السيد اللواء حامد صالح في كتابه (نحن العرب) ص 106 ذكر في أمهات القبائل المتفرعة والتي حصرها في ثلاثة محمد منها زناتة ثم قال: (وفي مصر كثيرون من كلّ هؤلاء).
(1)
هذا رأي صحيح من صاحب كتاب الدرر الذهبية لأنَّ زناتة منها قبيلة تحمل نفس الاسم في شمال الصعيد نواحي ببا، وذكرها اميديه جوبير الفرنسي باسم الزناتية وكانوا أعداء الفرنسيين ومنهم في الوجه البحري. كما أن فروعا من زناتة أيضًا نزلت إلى الصعيد بعد موت القلقشندي بمدة وأهمها جراوة ويطلق عليهم الجراوات وسنأتي بلمحة عنهم (انظر عنهم).
أما من ناحية الاختلاف في نسب قبيلة أبي دومة إلى الوناتنة من هوارة أو زناتة فذلك الخلاف لفظي
(1)
أكثر منه معنوي؛ لأنَّ أبناء أبي دومة سواء أكانوا زناتيون أم ونتانيون؛ فهم من أصل العروبة ينحدرون.
كما أنهم من المغرب نازحون قديمًا، وفي مصر الآن مقيمون.
مواطن سكناهم:
يقيم أبناء قبيلة أبي دومة ببلاد عدة بمركز طما في محافظة سوهاج منها:
1 -
بلد أم دومة، ومنها شيوخ العرب الأستاذ أحمد محمد عبد العال بالقضاء، والنقيب عطيه عبد العال بالجيش.
والأمير الناظر قائد المدفعية بالجيش، والأستاذ حسين الناظر برئاسة الجمهورية، والأستاذ جمال عبد القادر بوزارة الخارجية، والأستاذ عبد العزيز الناظر مدير مصنع تجفيف البصل بسوهاج، والأستاذ محمد أحمد الناظر مدير المساحة بأسيوط، والأستاذ أحمد سليمان أبو دومة رئيس المستخدمين بإدارة أوقاف أسيوط. وسيادته هو الذي ذكر هذه الأسماء المنتمية إلى قبيلتهم (أبي دومة)، والأستاذ عطية محمود هريدي بالبنك العربي بالقاهرة، والمهندس الزراعي عبد العظيم إبراهيم، والأستاذ عبد الحميد سليمان أبو دومة رئيس التنقلات بمكتب وزير العدل، والأستاذ عزيز سليمان المراجع بصندوق الدعم للمشروعات بالقاهرة.
والسادة عبد الحكيم أبو زيد، وعبد الرَّحمن محمود هريدي، وعبد الجواد أحمد.
2 -
بلدة كوم غريب منها شيوخ العرب مصطفي عطية بالجيش، وأخوه سيد عطية وكيل البنك العربي المسعودي بالقاهرة.
(1)
1 - حيث عوامل الأحلاف. 2 - تحريف بعض المسميات. 3 - تشابه الحروف بين الاسمين وناتة وزناتة. 4 - كثرة اللهجات.
3 -
بلدة جنينة أبي دومة منها: شيخًا العرب محمد أحمد عضو مجلس النواب السابق والد عصام الدين مأمور ضرائب.
4 -
بلدة منشية أبي دومة منها: شيوخ العرب أساتذة القانون يوسف عز الدين قاضي محكمة أسيوط، وعطية عبد القادر القاضي بمحاكم مصر بالقاهرة. ويوسف عبد القادر عضو مجلس الأمة السابق. ومن سبق ذكرهم علا شأنهم ومؤسسات الدولة برز عملهم.
5 -
بلدة عرب أبي دومة.
6 -
الوابور.
7 -
نزلة عويضة.
8 -
نزلة سعيد.
9 -
نجع عطية موسى وجميعها تقطنها أبي دومة، ولله در القائل وكأنه يعني أبناء هذه القبيلة:
وابعثوا في المشرفين الكرما
…
إنكم ما زلتم رسل الكرم
(13)
قبيلة الكوامل
من القبائل العربية بمحافظة سوهاج - الكوامل. ولقد جاء ذكرها في كتاب: فجر
(1)
العرب: للسيد اللواء حامد أحمد صالح.
والكوامل اسم لبلدين: الكوامل بحري، والكوامل قبلي.
ولقد ذكر السيد حسن حسين منصور وهو من أبناء هذه القبيلة: أنهم ينتسبون إلى بني محمد الهواري، كما ذكر أن أبناء الكوامل تجمعهم خمسة بلاد هي
(2)
:
(1)
ص 123 - 140.
(2)
من قرى صعيد مصر بأعمال محافظة سوهاج.
1 -
الكوامل قبلي، وبها عائلة بهاء الدين ومنها شيخ العرب أحمد خاطر أحمد وهو العمدة الآن.
وعائلة أبو صونه: منها شيخ العرب حسنين حسين أبو صونة العمدة السابق.
2 -
الكوامل بحري: وبها عائلة زيدان فيها شيخ العرب رفاعي زيدان العمدة الحالي، وهذه العائلة لها مكانتها بين العائلات الكواملية، وعائلة حزيم وفيها شيخ العرب محمد أحمد حزيم العمدة السابق.
3 -
أولاد غريب وإليهم يُعزي شيخ العرب السيد أبو الحسن التاجر بالقاهرة.
4 -
الصقرية: وبها أسرة آل علَّام، فيها شيخ العرب محمد علام العمدة السابق.
5 -
الهجارسة
(1)
. ومنها شيخ العرب فضيلة الشيخ محمد قنديل من علماء الأزهر.
(14)
قبيلة البلابيش
من القبائل العربية الأصيلة قبيلة البلابيش التي يستوطن بنوها كثيرًا من بلاد محافظتي قنا وسوهاج.
فمن بلادهم بمحافظة قنا:
1 -
بلدة فاو قبلي: منها شيوخ العرب الأستاذ قدري عثمان مفتش التحقيقات بالشئون الاجتماعية بقنا شقيق مختار.
2 -
بلدة فاو وعزب: منها شيخ العرب الأستاذ محمد عمر الهواري المحامي.
3 -
بلدة المعيصرة.
(1)
ذكر اللواء صالح حامد في كتابه فجر العرب ص 129 - 141، أن كفر صقر (الهجارسة) اسم لبطن من البطون العربية.
4 -
بلدة عزبة الألفي.
5 -
بلدة بلابيش نجع عزوز.
6 -
بلدة حمرة دووم.
7 -
بلدة أبو خزام.
8 -
بلدة الصبريات.
وأما بلادهم بمحافظة سوهاج بمركز أولاد طوق شرق (لبلينا سابقًا) فمنها:
1 -
بلدة البلابيش بحري.
2 -
بلدة البلابيش المستجدة: منها شيخ العرب عبد اللاه أحمد الصادق
(1)
؛ والد عزت.
3 -
البلابيش قبلي.
4 -
مدينة أولاد طوق شرق "الدية سابقًا"، وبها عائلة المجد والكرم عائلة آل رضوان، منها شيوخ العرب عبد الرحيم أحمد رضوان
(2)
، والد عبد الحميد
(3)
عضو مجلس النواب السابق، وعبد اللطيف
(4)
عضو مجلس الأمة السابق، ومنهم أيضًا حسين أحمد رضوان
(5)
من أهل التقوى والصلاح.
ومن هذه العائلة محمد أحمد رضوان والد عبد المجيد عضو مجلس الأمة.
ومنها أيضًا فتحي أحمد رضوان وكيل مجلس مدينة أولاد طوق ومدرس بالمعهد الديني، وإخوته الباشا أحمد وفوزي أحمد الموظفين بالأزهر بمعهد جرجا الديني.
(1)
كان رحمه الله من كبار التجار وتوفي سنة 1967 م رحمه الله.
(2)
وسيادته ممن له دراية تامة - بالقيافة - صفات العرب الأولين. توفي رحمه الله سنة 1968 م.
(3)
توفي رحمه الله في 6 من جمادي الثانية سنة 1383 هـ الموافق 23/ 9 / 1953 م.
(4)
توفي رحمه الله سنة 1967 م.
(5)
توفي رحمه الله سنة 1393 هـ / 1973 م.
وطنية آل رضوان:
من أعمالها الدينية والوطنية ما يأتي:
- إنشاؤها معهدا دينيا على نفقتهم الخاصة.
- إنشاؤها دارا للمحكمة من مالها الخاص.
- تبرعها بمنزل فسيح الحجرات لإدارة مركز أولاد طوق سنينا عديدة.
- إقامة بعض المساكن للموظفين بأجر ضئيل جدًّا، هذا فضلًا عن تسابقها إلى عمل الخير لأبناء المنطقة خاصة والعروبة عامة ما لا يمكن ذكره.
والفضل في ذلك يرجع أولًا وأخيرا إلى شيخ العرب عبد الرحيم أحمد رضوان وولديه عبد الحميد وعبد اللطيف.
قبيلة البلابيش والقومية:
تقدم حديثي عن أبناء قبيلة البلابيش في مبدأ هذا الفصل عن هوارة بما هو مفخرة لكل عربي عامة ولأبناء قبيلة البلابيش خاصة.
ومن هنا يمكن القول بأن أبناء البلابيش ورثوا هذه الصفات عن سلفهم الصالح، حيث يذكر الأستاذ إبراهيم الإبياري في تعليقه على كتاب "قلائد الجمان" للقلقشندي ما يأتي:
( .... من الموجودين "أي بأرض مصر، من قيس عَيْلان .. سُلَيم.
وهم بنو سُلَيم بن منصور بن عكرمة بن خفصة بن قيس بن عَيْلان.
وقيس عَيْلان هو
(1)
ابن مُضَر بن نزار بن مَعْد بن عدنان .. وكان
(2)
لسُلَيْم من الولد بُهثة ومنه جميع أولاده، قال في العبر وكانت مساكنهم في عالية نجد.
…
قال الحمداني ومنهم بالصعيد والفيوم والبحيرة خَلق كثير، ثم قال وبإفريقية منهم حي عظيم. وقال في مسالك الأبصار: ومنهم ببرقة مما يلي الغرب
(1)
ص 110 قلائد الجمان.
(2)
ص 123 - 125 نفس المرجع.
مما يلي مصر. قال: وفيهم الأبطال الأنجاد، والخيل الجياد. قال في العبر: وقد استولوا على برقة
…
والإمرة فيهم في بني عزار بن مقدم
…
ومنهم زيد بن عزاز وكان رجلًا جليل القدر جميل الذكر معظما في الدولة .. ومنهم بنو زيد وبنو حمدان، وزيان .. وكلهم كرام سراة أماجد ..
ومن أكبر جماعاتهم: جماعة ابن مليح المنصوري أصحاب غازي بن نجم وعليان بن عريف، وبلبوش وكان قد هرب من الملك الظاهر بيبرس، فأرسل جيشًا وراءه يقاتله، ثم انتصر الجيش عليه وأمسك به وأعتقل، ثم أفرج عنه، وهو والد زيد بن بلبوش)
(1)
.
ثم يستطرد الأستاذ الإبياري، فيذكر أن من عرب لبيد وهم بطن عظيم من سُلَيم مساكنهم أرض برقة، ولهم أفخاذ متسعة "ذكر منها" البلابيس
(2)
. "بالسين لا بالشين المعجمة"، ولقد عدَّ فضيلة الشيخ عبد السلام حمد الحبوني قبيلة البلابيش في كتابه (أنساب قبائل العرب) ص 194 ضمن القبائل الهوارية.
ويذكر الأستاذ الدكتور عبد المجيد عابدين عن المقريزي في تعليقه على كتاب (البيان
(3)
والإعراب .. ) للمقريزي. ما يتضمن المعنى الذي ذكرناه عن الأستاذ إبراهيم الإبياري، في هذا الصدد.
ولقد أوضح الدكتور عبد المجيد في كتابه سالف الذكر موطن سكنى البلابيش.
حيث قال: (وبلبوش. في مركز البلينة
(4)
أراضي البلابيش) القاموس 1: 26.
وعلى هذا قد يكون المفرد: بلبوش بالباء. إن صحت صلتهم بهذا المكان) ا هـ
(5)
.
(1)
ص 103 - 125 نفس المرجع.
(2)
ص 126 المرجع السابق ولعلَّ البلابيس سالفة الذكر في البلابيش التي نحن بصدد الحديث عنها.
(3)
ص 70 البيان والإعراب. والآن مركز أولاد طوق شرق حيث إن بلادهم وما جاورها. قد أنشيء لها مركز هو سالف الذكر وبذلك يكونون قد انفصلوا عن أعمال مركز البلينا إداريا.
(4)
المرجع السابق.
(5)
المرجع السابق.
ونحن نقول: الصحيح أن صلتهم بهذا المكان من قديم، كما أن بطونهم اتسعت فتربعت على عدة بقاع من أرض مصر بمحافظتي سوهاج وقنا. وقبيلة البلابيش بعض من الكتب التاريخية تحدثت عنها.
فيذكر اللواء حامد صالح في كتابه (نحن العرب)
(1)
القبائل العربية بأرض مصر؛ ومنها البلابيش.
ومما سبق يتضح لنا بجلاء مكانة هذه القبيلة، حيث إن جدهم بلبوش كان يبغي السيادة للعرب وما إلحاق جيش الظاهر بيبرس به والاشتباك معه في مساجلات حربية كانت نهايتها أن اعتقل إلَّا نزعة عربية دفعته للإقدام على هذه المخاطر ليسترد لوطنه الكرامة والعزة والحرية ممثلة في أن يكون الحكم بيد غيرها.
(15)
قبيلتا المجابرة والبلايزة
من القبائل العربية الهوارية قبيلة المجابرة من ولد محمد الهواري. كما حدثني بذلك كلّ من أصحاب الفضيلة الشيخ عبد الرَّحمن
(2)
أبو النجار والشيخ يوسف محمود أحمد مدير.
بلاد أبناء هذه القبيلة بمحافظة سوهاج:
1 -
المجابرة: منها أصحاب الفضيلة سالفي الذكر، والشيخ يوسف محمود، وإن كنت أراه الآن داعية كبير في مدينة أسيوط لمبادئ الثورة، إنما هو نبع أصيل فاض من منبعه العظيم، يوم أن كان فضيلته يؤمن بذلك منذ الصغر.
ومن هذه البلدة أيضًا محمد محمود ناصر العمدة، شقيق الأستاذ على محمود بوزارة العدل وعضو مجلس الأمة السابق.
ومنها الأستاذ محمد أحمد حسن ناظر مدرسة المجابرة الابتدائية.
ومنها المجاهد الوطني الكبير الدكتور الطيب ناصر
(3)
.
(1)
ص 125، 132.
(2)
توفي رحمه الله يوم 22/ 4/ 1963 م.
(3)
توفي رحمه الله يوم 23 من ذي الحجة 1391 هـ الموافق 8/ 2/ 1972.
جاءت الحرب العالمية الثانية فكانت البلاد في أشد الاحتياج إلى إخلاص بنيها ليقوموا بالدور الإيجابي تجاه قضية وطنهم العزيز، فكان الدكتور الطيب ناصر آنذاك بألمانيا يدرس الطب، ولم يعقه بعد المسافة عن بلده عن أداء واجبه الوطني نحو بلده وأمته، فلقد استطاع وهو في مقتبل العمر أن يقدم لبلاده خدمات جليلة أثناء هذه الحرب وهو بألمانيا.
2 -
بلدة البلايزة بمركز أبو تيج، محافظة أسيوط. ولعلَّ القلقشندي
(1)
في ذكره البلازد، من البطون الهوارية: تكون هي البلايزة
(2)
المتحدث عنها، ومن هذه البلدة شيخًا العرب الأستاذ محمد سالم المفتش بوزارة التربية والتعليم، والأستاذ حسن نصر ناظر إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم.
بيان نسب أبناء قبيلة المجابرة:
سبق الحديث في مبدأ كتابة هذه السطور عن هذه القبيلة في الصعيد الأعلى ضمن القبائل الهوارية (خاصة مع قبيلة البلايزة).
ومما يؤكد ذلك أن اللواء حامد صالح قد ذكر أن المجابرة من عرب الغرب
(3)
من المرابطين من صنهاجة. كما ذكر لي فضيلة الشيخ يوسف محمود أن ببلاد المغرب بلدا لا زالت حتى الآن تسمى بالمجابرة، فهم اصلا نزحوا من بلاد المغرب إلى مصر منذ زمن طويل.
ونحن لا يسعنا إلَّا أن نقول في أبناء هذه القبيلة الأصيلة، ما قاله الشاعر:
عرب موفون أبناء الديار
…
والوفاء كلّ الوفاء في العرب
(1)
ص 169 قلائد الجمان. تحليل وتعليق الأستاذ الإبياري.
(2)
والسيد الدكتور عبد المجيد عابدين يذكر ما ذكرناه حيث قال:
والبلازد: الآن تسمى البلايزة ص 136. البيان والإعراب. عابدين.
(3)
ص 110 "نحن العرب" وبرجوعنا إلى كتاب أنساب قبائل العرب ص 130 للشيخ عبد السلام حمد الحبوني نجده يذكر ما يأتي (قبيلة المجابرة هم أولاد حمد بن جبريل إخوة الجوازي والعواقير والمغاربة والعريبات من السعادي من بني سُلَيْم، وكانوا يقطنون مع إخوتهم هؤلاء (برقة) وفي القرن الحادي عشر الهجري سكنوا بواحة جالو في جنوب برقة .. إلخ)، ومن أراد الاستزادة فليرجع إليه.
(16)
العرابات
وأصل اسمها العرابا أضيفت لها تاء التأنيث بلهجة العوام كما حدث لكثير من القبائل. ذكرها القلقشندي في نهاية الأرب العرايا (بالياء) ولعلَّها صُحِّفت في الكتابة بمخطوطه المذكور والصحيح العرابا (بالباء) كما هو معروف بالوقت الحاضر.
والعرابات إن كانت في تعداد البطون الهوارية في القرون المتقدمة، إلَّا أنَّها أصبحت الآن تمثل قبيلة عظيمة من القبائل الهوارية العربية بمصر لأنَّها تشتمل على بلاد عدة بمحافظة سوهاج، وها هي نبذة من بلادهم مع ذكر مشاهيرهم.
بلدة "أولاد سلامة" وبها عائلة "أبو عميرة" منها الأستاذ شيخ العرب عيسى عوض أبو عميرة المحامي، وشيخ العرب السيد وحسن والجارحي أولاد فاضل أبو عميرة، والأستاذ محفوظ رشوان أبو عميرة المحامي.
وعائلة "آل عبدون" وإليها يعزي مشايخ العرب الأستاذ شمس الدين عبد الرحيم عبد المنعم أبو عبدون، والسيد حافظ عبد الكريم عبدون.
وعائلة "آل عليو" إليها ينتسب شيوخ العرب موسى عبد العاطي رحمه الله والد أحمد.
والشيخ محمد إسماعيل والد فؤاد، وفوزي.
والسيد أحمد علي عليو وإخوته محمود وعبد الرحيم ولدي علي عليو.
والدكتور محمد الفاتح السيد إسماعيل عليو بوزارة الصحة.
وعائلة "آل حمادي" ومنها شيوخ العرب السيد رشدي عبد اللطيف بوزارة العدل.
وعائلة "آل حسين" ومنها شيوخ العرب رجب عبد اللطيف، وعلي أحمد حسين.
وعائلة "عبد الحميد" ومنها شيخ العرب كامل عبد الهادي.
"بلدة الدناقلة" وبها عائلة "الشقيري" وإليها يعزي شيوخ العرب برعي حسن دنقل، وعمار أبو عمره "دنقل".
(بلدة الزارة) وبها عائلة "آل كريشة" المشهورة في كتب المؤرخين لا سيما الخطط التوفيقية. وبها عائلة "آل مراد" ومنها شيخ العرب حسين علي أبو مراد عمدة البلدة.
وعائلة "حجازي" منها شيخ العرب محمود عثمان حجازي من العلماء، وللمترجم له أبحاث تاريخية في قبائل العرابات والشيخ عبد العاطي حجازي.
وبلدة (الحنانسة الشرقية) وبها عائلة "عذب" منها شيخ العرب محمود فريد نائب العمدة.
وبلدة (الخنانسة الغربية) وبها عائلة "آل فرغل" ومنها محمد فرغلي "العمدة" رحمه الله.
وبلدة (أولاد علي) وبها (عائلة آل كرميشة) أيضًا، ومنها شيخ العرب الوجيه إسماعيل أحمد كرميشة "العمدة" رحمه الله، وعضو مجلس الشيوخ السابق والد مظهر وأحمد.
بلدة (الشواولة)
(1)
وبها - عائلة "آل شحاته" ومنها شيخ العرب علي عثمان شحاته.
وبلدة (العمائدة) وبها عائلة آل شيخون، منها شيخ العرب عبد اللاه أبو شيخون.
وبلدة (الدويرات) وبها عائلة "أبو حربي" إليها ينتسب شيخ العرب حافظ أبو حربي، وعائلة "آل رضوان" ومنها صاحب الفضيلة الشيخ محمد حافظ يوسف، هذا قليل من كثير في عائلات هذه البلاد ضمن العرابات.
(1)
انظر ص 123 نحن العرب.
وبلدة (عرابة أبو دهب) من أمهات بلاد العرابات وبها عائلة "أبو فقير"، وإليها يتشرف بالانتساب شيخ العرب أبو المجد أبو فقير، وأحمد أبو فقير مصطفى.
وعائلة "أبو الدهب" ولهذه العائلة ينتمي شيخ العرب محمد أبو الدهب.
وبلدة (أولاد عزاز) ومنها شيخ العرب محمود حسن.
"
بلدة العرابا المدفونة" عرابة أبيدوس:
وهذا البلد عربي منذ أن جعلها فراعنة مصر مقرا للحكم وبها أقاموا معجزات الدهر والتاريخ ما هو أعظم من محاولات الغربيين إلى الوصول للمريخ.
قال الشاعر:
وادرس "عرابة" واتعظ بمواعظ
…
وافحص "طريق جنائزي" أوحدا
تجد الرواسي شامخات للعلا
…
والرسم ممن شيده مجردا
هذه هي بلدة العرابة منذ فجر التاريخ.
وبهذه البلدة "عائلة الشحاتات" منهم شيوخ العرب حداد
(1)
محمد والد محمد الذي أعقب رشادا وأبو المواهب حسن عثمان عمدة البلدة رحمه الله وجاد الكريم حماد رحمه الله عمدة بلاد العرابات القبلية في عهده، والد عبد الشافي ورياض وحمدان، ومحمد رضا، وشيخ العرب شحاتة عبد الموجود.
ولهذه العائلة من الصفات العربية ما يعجز الواصفون عن وصفه، والقلم عن تسطيره حيث شجاعتهم وكرمهم العظيمان.
وعائلة "الجلايلة" صاحبة المكانة العالية، وإليها ينتسب شيوخ العرب العالم الفاضل الشاذلي حمد الله عبد الجليل رحمه الله والد كلّ من الأساتذة محمد القاضي بوزارة العدل وأحمد المحامي، والشيخين عبد الحميد والأمير من العلماء.
(1)
انتقل للرفيق الأعلى في يوم الثلاثاء الموافق 18 من صفر سنة 1386 هـ 7 يونيه سنة 1966 م.
ومن هذه العائلة أيضًا صاحب الفضيلة الشيخ أحمد حسين عبد الرَّحمن، والشيخ أبو الفتوح محمد المدني من علماء الأزهر الشريف.
وعائلة "الخواطر" منها العارف بالله العالم الحجة فضيلة الشيخ عثمان عبد الراضي أحمد رحمه الله، والشيخ المترجم له نال شهادة العالمية على النظام القديم ولازم منزله يدرس العلم
(1)
لأهل بلده وما جاورها طيلة حياته إلى أن توفي - رحمه الله تعالى.
وبها عائلة "الهواشم"
(2)
وعائلة علي ناجي والد الشيخ محمد.
وبها عائلة "الجبورة، ومنها شيوخ العرب علي أحمد علي خلاف المقاول المعماري الخاص بالقاهرة، وعلي يونس قاسم خلاف، ومحمد عبد الحليم مطر.
وكما في نجع علي تمام وبه عائلة "التمائمة" وبها عائلة "العشاروة" منها شيوخ العرب جابر أحمد سليمان، وإلى آل تمام ينتسب نجع تمام بالغابات، ومنهم شيخ العرب علي إسماعيل تمام.
بلدة بني منصور:
وبها عائلة من الحويطات
(3)
- وهؤلاء أبناء عمومة الحويطات بالعرابا المدفونة ومنهم شيخ العرب علي عبد اللطيف أحمد شيخ البلد.
وبها عائلة المناصير، ومنها شيوخ العرب الأستاذ عبد العظيم أحمد عويس، وهارون صبرة هارون رحمه الله نائبة العمدة - والد الشيخ أمين - من العلماء. وإلى هذه العائلة ينتسب الشاب الوطني عبد الله أحمد إبراهيم عضو المؤتمر العام للاتحاد الاشتراكي ولسيادته نهضة في مجال العمل مما جعله يشق طريق السؤدد.
وبها عائلة "آل سالم، ومنها الشيخ أحمد عبد اللطيف سالم رحمه الله مأذون بلاد العرابات والد عبد الشافي أحمد المأذون الحالي، ومحمد شيخ الطريقة
(1)
ولفضيلته كثير من المؤلفات الدينية منها ما هو مطبوع وما لَمْ يطبع، وكان يجيد نظم الشعر.
(2)
ومن هذه العائلة مؤلف كتاب الدرر الذهبية وينسب إلى الأشراف القاطنين مع الهوارة.
(3)
الحويطات هؤلاء من قبيلة الحويطات العربية الهاشمية المعروفة، وحويطات العرابا المدفونة وبلدة بني منصور هم جزء من قبيلة الحويطات المشهورة ولا ينسبون للهوارة.
السمانية وإليهم ينتسب عبد الرحيم محمد رحمه الله، ومنسي من حفاظ القرآن الكريم؛ وبلغ من العمر حول المائة سنة، توفي عام 1966 م.
وعائلة "الجوابر" ومنها شيخ العرب عبد الشافي عبد المطلب شيخ البلد وأخوه عبد الحليم عبد المطلب، ومصطفى جابر محمد.
وعائلة "البعل" ومنها شيوخ العرب عبد الظاهر أحمد عثمان البعل وشهرته حسين، والطاهر محمد أحمد البعل وأخيه محمود جميعهم من العلماء.
والحق أن هذه القبيلة أنجبت على مر العصور شخصيات بارزة في ميدان العلم والفكر والعمل.
ومن هنا كان دور قبيلة العرابات بارزا في سني ثورتنا المباركة الأولى.
هذه هي بعض بلاد العرابات الواقعة بإقليم محافظة سوهاج من الديار المصرية وأهلوها الذين سبق القول عنهم هم من ولده هوارة كما ذكر ذلك القلقشندي في كتابيه صبح الأعشي ج 1، وقلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان غير أنه ذكرهم بالعرايا - بالياء بدل الباء ولعله تحريف كما سبق التنبيه على ذلك.
وإن كنت تناولت ذكر هذه العائلات سالفة الذكر؛ لا على سبيل الحصر والبيان بل على سبيل المثال فقط حيث هناك كثير من العائلات غير ما ذكرناه تدخل في نطاق قبيلة العرابا أو العرابات.
ملاحظة عن نسب العرابات:
عرفنا أن هذه القبيلة عدها بعض المؤرخين في العصور المتقدمة أنَّها بطن من بطون هوارة.
غير أن بعض نسابتهم يذكرون أنهم من ولد محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وأيضا يؤكدون أنهم كانوا بالشرقية في الوجه البحري ثم نزحوا منها إلى البلاد الإخميمية؛ ومنها اتجهوا إلى بلادهم التي سبق الحديث عنها، وكانت أولى
البلاد التي استقروا بها بلدة أولاد سلامة، وعرابة أبو دهب، ثم اتجهوا شمالًا حتى كانت نهايتهم بلدة الغابات جنوبًا.
وإزاء هذين الرأيين: رأي المؤرخين الأول، ورأي نسابتهم - أي العرابات يمكن القول بأن كلا الرأيين صحيح، حيث عوامل الأحلاف لعبت دورًا خطيرًا في القرون الماضية في إدماج القبائل المتعددة المختلفة في قبيلة واحدة، هذا إذا ضم إلى ذلك عوامل التصاهر والمصلحة المشتركة والمكان. كلّ ذلك كفيل بمزج هذه العائلات المتحالفة في قبيلة واحدة أصبحت فيما بعد - قبيلة العرابات - التي هي أصلًا من ولد هوارة، ولذلك كثير من النظائر سبق بيانه في قبائل عديدة من العدنانيين امتزجت بهوارة وساكنتها.
والذي يؤكد وحدة هذين البطنين في وحدة جامعة أن الهواريين من بني محمد الهواري كما هي شهرتهم بذلك وأيضا العدنانيين هم من ولد محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
فالاسمان متشابهان، فتطابقا. غير أن الراجح عن أبناء هذه القبيلة "العرابات" أنهم من ولد محمد بن أبي بكر الصديق لما يذكره نسابتهم ويؤكدونه، وطباعهم وتقاليدهم تؤيد ذلك. كما في نغفل أن من بينها من ينتمي إلى القبائل الهوارية أو غيرها، وبعوامل الأحلاف والتظاهر أصبح حينا يذكر بعضهم أنهم هواريون والآخرون أنهم بكريون. "انظر البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب" تحقيق الدكتور عبد المجيد عابدين من ص 115 - 116 مرحلة الأحلاف.
(17)
الأهلة
من القبائل العربية التي تحدثت عنها أمهات الكتب التاريخية منذ مئات السنين قبيلة (عرب الأهلة) في الديار المصرية، ولسوف تظل الكتب التاريخية في كلّ عصر تتحدث عن هذه القبيلة؛ مشيدة ببطولة بنيها وعزمهم الأكيد في خوض غمار ميادين الشرف والكرامة للذود عن حمى العروبة والإسلام.
أبطالكم خاضوا الحروب وخلفوا
…
وجه الثرى بدم الجهاد خضيبا
ثاروا - وقد رأوا العدو - وأقسموا
…
ألا يروا بين البلاد غريبا
وعرب الأهلة يرجع نسبهم إلى قبائل هوارة كما ذكره القلقشندي في كتابيه. صبح الأعشى ج 1، وقلائد
(1)
الجمان (تحقيق الأستاذ إبراهيم الإبياري).
وقيل أن نسابتهم يذكرون أنهم من نسل حِمْيَر بن سبأ، وكانت سكناهم بلاد المغرب ومنها نزحوا إلى مصر في العصر المتقدم، ولا يخفى على القارئ أن هناك رأيا يرى
(2)
بأن هوارة من ولد حِمْيَر بن سبأ.
وقيل أيضًا أنهم من ولد عدنان، مع ملاحظة أن هناك بعض الآراء تميل إلى أن الهوارة من ولد عدنان"
(3)
.
والحق أن كثرة المرويات في نسب عرب الأهلة لهي آيات ناطقات بأن نسبهم في العروبة أعلى من الجبال الشاهقات. ومن المأثور أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى.
نسب به ابتهجي يا أمة العرب
…
أكرم به لصلات الود من سبب
ولنعد إلى ذكر موطن سكناهم - بمصر.
يستوطن عرب الأهلة بصعيد مصر منذ زمن بعيد، ومواقع سكناهم تقع ضمن أعمال مركز طهطا بمحافظة سوهاج.
(1)
ص 169.
(2)
ص 56 (البيان والإعراب عما نزل بأرض مصر من الأعراب) للمقريزي (تحقيق الدكتور عبد المجيد عابدين).
(3)
ص 49 المرجع المتقدم ص 168 قلائد الجمان (الإبياري).
العبابدة
أصل العبابدة:
في تقاليدهم أنهم من نسل الزبير بن عوام
(1)
القرشي أحد القواد الفاتحين الجنوب مصر. وقال أميديه جوبير: العبابدة واللبايدة كثيرو العدد في جرجا بصعيد مصر عام 1798 م.
وذكر أحمد لطفي السيد في قبائل العرب أن شيخ العبابدة عام 1935 م كان يسمى منشتح كرار ومقره إسنا في محافظة قنا.
قلت: وأغلبهم أهل إبل وغنم وهم يشغلون البراري الواقعة من شرق النيل من قنا إلى أسوان وشرقا حتى القصير على البحر الأحمر.
وذكر اللواء صلاح التايب في القبائل المصرية قائلًا: العبابدة أربع عمائر وتعرف بالبدينات، والعبادة (أولاد عبَّاد) وهو جدهم المدفون في وادي عبَّاد بالقرب من مدينة إدفو بأسوان، ومن أجداد العبابدة عزاز الذي ينحدر من كھهيل وهو جد الكواهلة في كردفان بالسودان، وقد روى ابن بطوطة المغربي أنه شاهد بعض قبائل كھهيل (الكواهلة) تقيم على ساحل البحر الأحمر بالقرب من عيذاب بأسوان.
وفي الوقت الحاضر فإن العبابدة لا يُنظر إليهم كعرب حقيقيين مثل جُهَيْنة والمعازة الذين لا يختلطون بهم كما سمعت منهم أن العبابدة يشيرون لهؤلاء القبائل بكلمة عرب تمييزا لهم عن العبابدة واحدهم عبادي، والعبابدة أقرب إلى
(1)
ذكر أميديه جوبير أن العبابدة من أصل نوبي يدعون النسب إلى الزبير بن العوام.
وذكر اللواء صلاح التايب نقلًا عن شريعة الصحراء للواء رفعت الجوهري التالي: وأصبحت القبائل في مصر والسودان تفخر بالنسب إلى قريش وخاصة القادة والصحابة، وقد اختار البجا والعبابدة على الأخص الزبير لينسبوا إليه تفاخرا به؛ وذلك عقب غزوة النوبة من الزبير بن العوام على رأس اثني عشر ألف مقاتل، وقد ساعد في فتح حصن أم دنين في القاهرة وقد جعل اسمه بدوي في وادي النيل حتى بلاد البجة، كما كان وجود عبد الله بن الزبير بن العوام على رأس الحملة السبب الذي ارتكنت عليه قبائل البجة في تجاهل أصلها الحامي واصطناع النسبة إلى الزبير بن العوام.
قبائل البجة من النوبة والبشارية سواء في المنظر أو العادات وغيرها، ويفصلهم عن قبيلة المعارة (بني عطية) شمالًا خط عرض يمتد من قنا على النيل إلى بلدة الغردقة على البحر الأحمر وجنوبًا إلى حدود السودان، كما يقيم بعضهم بالقرب من شواطئ النيل بالقرب من بلدة قنا شمالًا إلى بلدة كورسكو جنوبًا، وفي شمال القطر المصري بمحافظات الشرقية والدقهلية والغربية يقطن بعض من قبائل العبابدة، ويقال إن هؤلاء انفصلوا من القبيلة الأصل في الصعيد عام 925 هـ - 1516 م عقب غزو العثمانيين لمصر مباشرة وكانوا يقطنون بصحراء البحر الأحمر ثم نزحوا شمالًا.
ويقدر الباحثون في مصر أن عدد العبابدة فقط في الصحراء الشرقية يزيد عن 15.000 نسمة خلاف من هم بالقرى على مقربة من النيل في أسوان وقنا وسوهاج.
وعمائر العبابدة يسمونها بدينات وتنتهي دائما بكلمة آب ومعناها (ابناء) فالعشباب أبناء عشاب وهكذا.
(أ) العشاباب (العبابدة)
(1)
: وهم منتشرون في الصحراء الشرقية بين قنا وكورسكو، ومركز شيخهم مدينة أسوان، وأما آبارهم الشهيرة فهي أحمير وأنفاث وأبريق ومن عشائرهم محمود آب وفيه فخوذ تبلغ 14 فخذا منها عيد ناب وعمر ناب
…
إلخ، والمكريشاب ومنه فخوذ عدة وهم صيادو أسماك على ساحل البحر الأحمر ويصيدون الأسماك بالحراب لا بالشباك! وكل معيشتهم على الأسماك حتى إن إبلهم تتغذى عليها!! ومن المعروف عن المكريشاب أنهم يشربون الماء قليل العذوبة الذي ينشلونه عند مصب الوديان في البحر الأحمر.
(ب) مليكاب (العبابدة): وهم أربع عشائر أهمها بدر باب مليكاب، وسعد حميداب، ويوسف باب ويقيمون غالبًا بين بلدة دراو وبربر بالسودان، وأشهر آبارهم بئر المرات ومركز شيخهم في بلدة دراو بأسوان وهي بحري مدينة أسوان وبها مركز تجارة الإبل المجمعة من السودان وجنوب الصعيد.
(1)
توجد نجوع للعبابدة في قنا ويُسمى نجع البرج ونجوع في الأقصر بقنا وإسنا بقنا وإدفو بأسوان، وغرب طوخ العبابدة في قوص بقنا.
(ج) الفقراء (العبابدة: وهم متفرقون في شرق النيل بين قنا وكورسكو ومركز شيخهم بلدة الرمادي قرب إدفو بأسوان.
(د) العوديين والشناتير (العبابدة): وهم شرق النيل وبين قنا وكورسكو ومركز شيخهم بلدة السيالة بحري كورسكو، وفي مركز إدفو منهم قسم آخر.
ذكر الجبرتي نصوصا عن قبيلة العبابدة نذكر منها التالي:
- تعهدت قبيلة العبابدة بنقل الحجاج من السويس مقابل أتاوات يقدمها أمير الحجِّ، ولكن في حالة الامتناع عن تقديم هذه الأموال تقوم القبيلة بالاعتداء على الحاج
(1)
.
- وصل الأمر بعربان العبابدة في عام 1202 هـ/ 1788 م أن نهبوا قافلة التجار والحجاج الواصلة من السويس وكانت بضائع تلك القافلة محمولة على ستة آلاف جمل
(2)
.
وذكر الدكتور حمدنا الله مصطفي حسن عن العبابدة
(3)
:
أصول العبابدة ومجتمعهم:
العبابدة هي واحدة من القبائل التي انتشرت في كلّ من مصر والسودان. ففي مصر احتلت مواطنهم الصحراء الشرقية جنوب خط يصل بين سفاجة وقنا شمالًا والبحر الأحمر شرقًا ووادي النيل غربًا والحدود الإدارية جنوبًا. أما في السودان فلهم مواطن أخرى امتدت عبر طريق القوافل القديمة بين بربر ودراو وأبو حمد وكورسكو. وقد تركزت مجموعات منهم في منطقة بربر وصحراء بيوضة ومنطقة بطن الحجر
(4)
.
وفي مصر تركز العبابدة في نطاقات تُسمّى بالحواجر وهي مناطق انتقال بين الهضبة الصحراوية والوادي الأخضر، وتطل حافة الهضبة على الوادي مباشرة.
(1)
الجبرتي ج 2 حوادث شوال 1202 هـ / 1788 م ص 162.
(2)
المرجع: تاريخ الجبرتي ج 1 حوادث 1183 هـ/ 1769 م.
(3)
انظر العبابدة تحت الإدارة المصرية في السودان 1820 - 1897 م.
(4)
محمد رياض: العبابدة. دراسة في الاقتصاد الصحراوي. الجمعية الجغرافية، ص 1.
وعلى هذا فقد استقر العبابدة في قنا وقوص والأقصر وأرمنت شرقي النيل، وفي إسنا وإدفو وكوم أمبو شرقي وغربي النيل، أما في أسوان وبلاد النوبة فكان تمركزهم في شرقي النيل
(1)
.
ويبدو أن اسم العبابدة قد اشتق من سلفهم عبَّاد الذي اختفى اسمه من صفحة التاريخ، إلَّا أن هذا الاسم ظل باقيًا في وادي عبَّاد المواجه لمدينة إدفو
(2)
.
أما أصول العبابدة ومدى صلتهم بالعروبة فقد كان مثار جدل بين الباحثين ممن تعرضوا لدراسة المجموعات السكانية في أفريقيا ولا سيما تلك التي استقرت في مصر والسودان. ولما كانت هذه المسألة شائكة جدًّا ويصعب القطع فيها برأي نهائي رغم تعدد وسائل المعرفة العلمية وتقدم علْمَي الأجناس والاجتماع، فإنه من الصعب الآن القطع بوجود مجموعات سكانية نقية خالصة؛ نظرا لحركة الهجرات الدائمة بين البلدان العربية والإسلامية واختلاط الأنسال والأنساب، لا سيما وأن معظم المهاجرين كانوا من المسلمين الذين لا يجدون مانعا شرعيا في الزواج من غيرهم من المسلمين أو حتى من أهل الكتاب. وعلى هذا النحو حدث نوع من الامتزاج بين القبائل أبى إلى بروز عنصر جديد ذي سمات وملامح جديدة وإن احتفظ إلى حد ما بالجذور الأولى. ومع ذلك كله ورغم هذا التعقد العرقي فقد ظلت كلّ قبيلة تحتفظ لنفسها بنسب يتوارثه أبناؤها جيلا بعد جيل.
ويؤكد العبابدة أنهم يرجعون في أصولهم إلى سلالة الزبير بن العوام أحد القواد الأربعة الذين أرسلهم عمر بن الخطاب لنجدة عمرو بن العاص الذي كان يحاصر المقوقس خلال فتح مصر
(3)
. ولا يزالون
(1)
نفس المرجع، ص 1.
(2)
محمود محمد الحريري: أسوان في العصور الوسطي، ص 250.
(3)
حسن أحمد خليفة العبَّادي - من زوايا التاريخ السوداني في القرن التاسع عشر، ص 5.
انظر أيضًا، جريدة صوت العرب، العدد الأول بتاريخ 8 نوفمبر 1948، مقال بعنوان: اعرف بلادك دراو العربية، ص 7. انظر أيضًا: نعوم شقير تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته ص 5.
حتى اليوم يحتفظون بهذا النسب رغم أن البعض لا يقرهم في ذلك
(1)
.
وقد خلط أكثر الباحثين بين قبيلة العبابدة وبين قبيلة البشارية الذين هم فرع من البيجاه؛ نظرا لتجاور أوطانهم بل واختلاطها أحيانًا كثيرة في الصحراء الشرقية على طول الحدود بين مصر والسودان.
فعند سليجمان ومحمد عوض وما جاء في الموسوعة البريطانية ومن أخذ عنهم أن العبابدة فرع من البيجاه وأنهم كانوا فيما مضى يتكلمون اللغة التربداوية Tobedawi لغة البشارية والهدندوة وهي لغة حامية غير أنهم فقدوا لسانهم القديم ويتكلمون الآن العربية
(2)
.
(1)
قلت: ذكر القلقشندي في نهاية الأرب وصبح الأعشى (العبابدة) ضمن بطون من هوارة وقال إنهم منتشرون في بلاد الصعيد في عهده (القرن الثامن الهجري).
انظر نهاية الأرب ص 441 - 442.
ولا يستبعد أن يكون العبابدة هؤلاء انفصموا عن الهوارة قبل ستة قرون وشكلوا نبيلة قائمة بذاتها وقد جاورت قبائل البيجاه في جنوب مصر وشمال السودان ثم أخذت عنهم النسب إلى الزبير بن العوام حسب تقاليدهم.
وذكر اللواء رفعت الجوهري في شريعة الصحراء عن البيجاه قائلًا:
تنقسم إلى قبائل عظيمة في مصر والسودان هي:
(أ) في مصر: قبائل العبابدة وفروعهم العشاباب والفقرا والمليكاب والعبوديين والشناتير، والبشاريين وفروعهم الحموراب والستيراب وغيرهم من النوبة وهم مؤلفون من البيجا والعريب.
(ب) في السودان: الأحرار ويسكنون الصحراء غرب البحر الأحمر أي شرق الدولة السودانية بين بربر وسواكن ومركزهم بئر أرباب وهم جملة فخوذ، والهندوة ويسكنون بين عطبرة وسواكن وهم من أقوى القبائل السودانية ومركزهم كسلا بالسودان، والحلانقة ومركزهم كسلا، والجياب وهم شرق بني عامر ويمتدون جنوب حتى دولة إيرتريا.
(2)
سليجمان، س. ج: السلالات البشرية في أفريقية. ترجمة يوسف خليل. مراجعة الدكتور محمد محمود الصياد. ص 91، 92.
وانظر أيضًا: محمد عوض محمد: السودان الشمالي. سكانه وقبائله. ص 80، 84.
وانظر أيضًا: محمد محمود الحريري: المرجع السابق. ص 252.
وانظر أيضا: Encyclopaedia of Islam ، New Edition ، Vol . I . ، London ، 1960 . P . I
وانظر أيضا:، Encyclopaedia Britannica . A new survey of Universla Knowledge Vol. I، The University of Chicago، p.5
وانظر أيضا: 137. Sudan Notes and Records ، Vol . XVI ، 1935 ، Part I ، p
وقبل أن نناقش هذا الرأي نود أن نحدد معنى العروبة الذي هو حجر الزاوية في هذه القضية وعن طريقه يمكن أن نميط اللثام حول حقيقة انتساب العبابدة إلى العروبة من عدمه.
والعروبة تحددها ثلاثة عناصر:
أولها: النسب العربي أو الدماء العربية، أي أن تكون الجماعة أو القبيلة لها صلة نسب عربي اشتق قديمًا أو حديثًا من الجزيرة العربية ولو بطريق غير مباشر.
وثانيها: الديانة، وهي في هذه الحالة الإسلام الذي حمل رسالته النَّبِيّ العربي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وانتشر على يد العرب وأتباعهم إلى سائر البلاد والأقطار.
وثالثها: اللغة العربية التي انتشرت بانتشار العرب واقتبستها وتأثرت بها شعوب كثيرة اتصلت بالعرب وصاهرتهم وأصبحت بذلك ركنا أساسيا من أركان العروبة
(1)
.
وبناء على ما تقدم يمكننا القول بأن العبابدة من القبائل العربية التي امتزجت بالقبائل الأخرى فيمن حولها واحتفظت بنسب عربي، وأنها كانت ولا تزال تتحدث العربية وتدين بالإسلام. وعلى ذلك فالأركان الثلاثة للعروبة متوفرة فيها تمامًا.
ولست مع القول الذي أورده سليجمان وغيره بأن العبابدة فرع من البيجاه. فقد استندوا جميعًا على تجاور الأوطان واختلاطها لكل من العبابدة والبيجاه. وتشابه الشكل وادعاء اللغة المشتركة. ورغم وجاهة وأهمية هذين العنصرين فإننا نتساءل متى كان لتجاور السكنى أو حتى لتشابه الملامح أثر في ذلك؟ وإلا لأصبحت قبائل كثيرة متجاورة ومتشابهة الملامح من أصل واحد!.
ودليلنا في ذلك، على سبيل المثال، قبيلة أو بلدة وادي العرب التي عاشت مئات السنين - ولا تزال - في قلب أوطان النوبيين المتسعة الأرجاء ولم تأخذ
(1)
محمد عوض محمد: الشعوب والسلالات الأفريقية. الدار المصرية للتأليف والترجمة. القاهرة، 1965. ص 308.
عنهم لغتهم ألبتة ولم تمح أصولها العربية وإن تشابهت وتطابقت - أحيانًا - ملامح أبنائها إلى حد كبير من ملامح النوبين ذوي البشرة السمراء. كذلك فإنه لَمْ يزعم أحد أن سكان بلدة وادي العرب من أصول نوبية!.
ونود أن نضيف إلى ذلك كله أن العبابدة لَمْ يتكلموا ألبتة لغة البيجاه بل تحدثوا دوما اللغة العربية بلهجة خاصة بهم كسائر القبائل العربية. لكن ذلك كله لَمْ يحل دون معرفة العبابدة بضع كلمات أو عبارات من لغة البيجاه بحكم الجوار واختلاط المعاملات وهذا شيء طبيعي لدى كافة القبائل والشعوب المتجاورة.
ويبدو أن الكُتّاب الأوربيين ومن نحا نحوهم وأخذوا عنهم - دون روية - هم الذين راحوا يشككون في النسب العربي لهذه القبائل كما حدث في السودان حين شكك"ماكمايكل" في النسب العربي لبعض القبائل العربية في السودان ولا سيما في غربه بالنسبة لقبائل البقَّارة ذات الالوان الأبنوسية
(1)
.
وإذا كانت هذه القبائل لَمْ تحتفظ بوثائق تثبت صحة أصولها العربية في هذا الشأن إلَّا أنَّها احتفظت في ذاكرتها بأصول أنسابها وتناقلته بدقة وحرصت عليه حرصها على دينها. والأهم من هذا وذاك أن السكان الآخرين المحيطين بهذه القبائل يقرون بنسبهم العربي. وهذا التشكيك والارتياب أساسا من صنع الكُتَّاب الأوربيين الذين وصلوا إلى حد الخلط بين النوبيين في جنوب مصر وشمال السودان وبين النوباويين في غربي السودان على تلال كردفان لمجرد التشابه الشكلي في الاسم!
(2)
.
ومع ذلك كله نلتمس قليلًا من العذر لهؤلاء الكُتَّاب ومن سار على دربهم دون تمحيص في أن دراساتهم قد شابها شيء من التعميم الشديد دون الأخذ في الاعتبار بعض الفروق الجوهرية فانخدعوا بالمظاهر الشكلية اللونية، ناهيك عن غياب
(1)
Mac Michael، O.S.O.: A History of the Arabs in the Sudan،
Cambridge، .1922، p. 197
(2)
انظر: السعيد إبراهيم البدوي: النوباويون. دراسة تاريخية أنثروبولوجية. مجلة الجمعية الجغرافية. العدد رقم 6 العام 1973، ص 115 وما بعدها.
الوثائق التي تؤرخ لتاريخ هذه القبائل وهي مشكلة لا تزال تؤرق الباحثين في تاريخ أفريقيا الحديث. وقد زاد المشكلة تعقيدا أن كثيرًا من الممالك الأفريقية المجاورة لبعض هذه القبائل مثل غانا ومالي والبرنو قد راحت تتلمس لنفسها أصولا وأنسابا عربية شرقية بعد انتشار الإسلام بين أبنائها ومن ثم راح المؤرخون الأوربيون يشككون في كلّ شيء.
أقسام العبابدة في صعيد مصر وشمالي السودان:
وينقسم العبابدة إلى أربع مجموعات قبلية:
1 -
العشاباب.
2 -
الفقرا.
3 -
المليكاب.
4 -
العبودية والشناطير.
وإذا حاولنا تتبع مراكز استقرار هذه المجموعات فإننا نلاحظ أنَّها موزعة على النحو التالي:
* في جنوب مركز قنا: الشناطير والعشاباب.
* في قفط وحاجرها الشرقي: العبوديون والشناطير والفقرا والمليكاب.
* في قوص وحاجرها الشرقي: توجد بيوت من جميع قبائل العبابدة.
* في شنهور وحاجرها: يوجد الفقرا والمليكاب والعبوديون والشناطير.
* الأقصر وحاجرها: معظمها من العبوديين بالإضافة إلى الشناطير والعشاباب وعدد قليل من الفقرا والمليكاب.
* إسنا وحاجرها الشرقي: العبوديون والشناطير.
* إدفو شرق وحاجرها: العبوديون والشناطير والعشاباب.
* الرديسية وحاجرها: العبوديون والشناطير والفقرا والمليكاب والعشاباب.
* قرية إقليت: بها عشاباب وفقرا ومليكاب وقليل من العبوديين بالإضافة إلى الشناطير.
* قرية الشطب: أكثرهم من العبوديين والشناطير.
* منطقة حاجر كوم أمبو: عشاباب.
* منطقة دراو: أكثرها من الفقرا والمليكاب وهي مركز كبير لهم. ويعتبر بيت آل خليفة من أكبر بيوتات العبابدة في هذه المنطقة.
* قرية بنبان: وتقع على الضفة الغربية للنيل وبها عبابدة من الفقرا والمليكاب.
* منطقة شمال أسوان: معظمها من العشاباب.
* النوبة المصرية: وبها أعداد من العشاباب ينتشرون في دهميت ومارية، وقرطة، والعلاقي، والدكة، وتوشكهـ شرق. كما توجد أعداد من المليكاب والفقرا في منطقة كرسكو، وبعض البيوت للعبوديين والشناطير في سيالة والمحرقة ووادي العرب
(1)
.
ويتركز العبابدة في السودان بوجه عام في الشمال ولا سيما في بربر وما حولها وأغلبهم من المليكاب. كذلك فقد استوطن دنقلة كثيرون منهم سكنوا الجبل الشرقي وأصابوا مالًا كثيرًا ونفوذا كبيرًا إلَّا أنه حين وصل المماليك إلى هذه المنطقة ارتد العبابدة منها إلى مصر
(2)
.
وهناك عدة ملاحظات حول التوزيع السابق للعبابدة:
أولًا: لا توجد مناطق خاصة بقبيلة عبادية بعينها، بل إنه كلما سنحت فرصة لاستقرار بعض البدو فإنهم غالبًا ما ينزحون إلى مناطق سبقهم إليها عبابدة آخرون أيا كانت تبعيتهم القبلية.
(1)
كوثر عبد الرسول: استقرار البدو في جهات الصعيد. مجلة الجمعية المصرية الجغرافية وهي محاضرة ألقيت بتاريخ 25 أبريل سنة 1962. ص 142 - 144.
انظر أيضًا: نعوم شقير: المصدر السابق. الجزء الأول. ص: 50.
(2)
بوركهارت: رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان. ص 58.
ثانيا: أصبحت مناطق شرقي النيل أكثر مناطق الاستقرار، أما مناطق غربي النيل فلم تكن مناطق جذب كثيرة للعبابدة اللهم إلَّا في منطقة إدفو، وذلك راجع إلى مرحلة استقرار متقدمة التزمت بالمناطق الزراعية وبخاصة في منطقة إدفو غربي النيل.
ثالثا: أن الكثير من مناطق الاستقرار السابق ذكرها في شرقي النيل يقع على بدايات الطرق والأودية التي تعبر الصحراء الشرقية مثل منطقة الأقصر وقوص وإدفو شرق ودراو والعلاقي وسيالة وكرسكو
(1)
.
مجتمع العبابدة:
قد يكون من الصعب الحديث عن طبقات داخل مجتمع العبابدة لأنَّ التطورات الاقتصادية والاجتماعية داخل هذا المجتمع اختلفت تمامًا عن مجتمعات أوروبا التي أخذت بهذه التقسيمات، ولكن مع ذلك يمكن الحديث عن شيء من التمايز الاجتماعي داخل هذا المجتمع على النحو التالي:
1 -
المشايخ ورؤساء القبائل:
يمكننا أن نضع المشايخ ورؤساء القبائل في أعلى السلم الاجتماعي عند العبابدة. وعادة ما يكون هؤلاء المشايخ والرؤساء من بين أكبر القبائل حجما وثروة وجاها. وتنحصر وظيفتهم في إدارة شئون القبيلة ولا سيما مسألة التحكيم بين أفراد القبيلة في المشاجرات والاختلافات التي تنشا دخل أفرادها، وهي غالبًا ما تكون بسبب المرعى والحيوانات. فالحياة في الصحراء مرتبطة بسقوط الأمطار، وسقوطها في مكان دون الآخر الأمر الذي يجعل الرعاة يتكدسون في بقعة دون أخرى فيحدث الاحتكاك والتلاحم والشجار.
والواقع أن مهمة هؤلاء المشايخ ورؤساء القبائل كانت سهلة إلى حد كبير، فنزاعات القبائل نادرة جدًّا، فالصحراء شاسعة تسع الجميع وعوامل الالتصاق والتجمع نادرة جدًّا، الأمر الذي طبع رجال العبابدة وجيرانهم من سكان الصحراء بطابع الهدوء والأمانة الشديدة فلا سرقات ولا حوادث قتل.
(1)
كوثر عبد الرسول: المرجع السابق. ص 44.
ويحتكم المشايخ والرؤساء في حل المنازعات إلى الأعراف والتقاليد وهي أعراف وتقاليد حفظوها على مر الأيام بحيث أصبحت متغلغلة في دمائهم. فمجلس التحكيم أو مجلس "الأجاويد" كما يطلق عليه أحيانًا يتكون من هؤلاء المشايخ والرؤساء وغالبا ما يكونون من كبار السن. ويمثل الطرفان المتنازعان أمام هذه المحكمة العلنية التي يحضرها رجال القبيلة من الطرفين المتنازعين ويعرض المتخاصمان كلّ على حدة قضيته أو وجهة نظره ثم يترك الحكم النهائي للمجلس الذي يصدر حكمه في نهاية الجلسة. ويتقبل الطرفان الحكم بصدر رحب ويصافح كلّ منهما الآخر إيذانا بانتهاء الخصومة وبداية صفحة جديدة. ولا يتم كتابة محضر صلح لأنَّ الصلح هنا قد جرى علانية وأمام جمع كبير من النّاس فيهم كبار السن وصغار السن وهم بمثابة شهود على ذلك. ويختتم الصلح بقراءة الفاتحة، فالنّاس هنا شديدو التدين.
وغالبا ما يكون الجزاء الموقع على المخطئ هنا هو دفع أعداد من الإبل، وفي أحيان كثيرة يتنازل صاحب الحق عن حقه بعد الإقرار به إكراما للمجلس والحاضرين فيزداد إكبارا بين أفراد القبيلة وتتوثق عرى المودة بين الطرفين المتخاصمين
(1)
.
ومن الجدير بالذكر أن العبابدة قد تمسكوا بهذا التحكيم العرفي حتى وإن تفرقوا أو أقاموا في وسط سكان من غير العبابدة. وقد حرصت الحكومة على الإفادة من تماسكهم الاجتماعي فأقرت أن يكون لهم شيخ من بني جلدتهم ينضوي تحت لوائه كافة العبابدة الموزعين في البلدان المجاورة له القيام بهذه المهمة،
(1)
لما كان للمشايخ في السودان دور كبير في حل المنازعات فقد صدرت بعد ذلك عدة تشريعات تمنحهم بعض السلطات على أفراد قبائلهم مثل قانون سلطات المشايخ الصادر في 12 يونيه سنة 1922 والذي منح هؤلاء المشايخ سلطات قضائية محدودة وتتمثل في معاقبة رجال قبائلهم رفض خصوماتهم.
وفي عام 1927 صدر قانون سلطات المشايخ الذي ألغى قانون سلطات المشايخ الأول (1922). وقد جاء الأخير عامًا يشمل القبائل الزحل وغير الرحل، وبموجبه خول للحاكم العام تعيين محاكم المشايخ في أي مكان بالسودان. وأصبح مشايخ القبائل يمارسون سلطات قضائية واسعة. (انظر: إبراهيم محمد حاج موسى: التجربة الديمقراطية وتطور نظم الحكم في السودان. ص 13 - 14) انظر أيضًا: تقرير الحاكم العام السنوي لسنة 1921.
بالإضافة إلى تكليفه بالقيام بمهمة إدارية إذ إن هؤلاء المشايخ كانوا بمثابة حلقة وصل بين العبابدة ورجال الإدارة الحكومية فهؤلاء المشايخ يعرفون كلّ كبيرة وصغيرة عن كلّ عبادي في البوادي والحضر.
ومع تطور الإدارة الحديثة في مصر واستقرار بعض العبابدة في القرى المجاورة للنيل واختلاطهم ببقية السكان الآخرين من غير العبابدة ظل العبابدة محافظين على تبعيتهم الشيخ واحد من بني جلدتهم محافظة منهم على تماسك القبيلة
(1)
.
2 -
قصاصو الأثر (الأدلاء):
ويأتي أصحاب هذه الحرفة - من حيث الأهمية - بعد المشايخ ورؤساء القبائل نظرا لأهمية الدور الذي يقومون به في هذا المجال.
ولقد ارتبطت هذه الحرفة بالبيئة التي نشأ فيها العبابدة حيث الصحراء الشاسعة والجبال والأودية، الأمر الذي يؤدي إلى مخاطر كثيرة للتجار والمسافرين عبر هذه الصحراء. وهذه الوظيفة تعد في نظرهم فنا من الفنون، ولكنه لا يندرج تحت تلك الفنون التي تهدف إلى خدمة ذاتها، بل إنه فن يخدم المجتمع الصحراوي أجلَّ الخدمات، فكثير من عابري الصحراء يَضلُّون الطريق ولا يعرف لهم سبيل وهنا تتم الاستعانة بالعبابدة فيقومون بهذه المهمة خير قيام
(2)
. كذلك
(1)
ففي شهر نوفمبر عام 1945 اعترض أفراد قبيلة "الفقرا والمليكاب" بقرية الشطب بأسوان على سعي الحكومة في فصل هذه القبيلة إلى فرعين لكل فرع عمدة خاص، والتمسوا من رئيس الديوان الملكي أن يرفع التماسهم إلى جلالة الملك فاروق. وراحوا يشرحون أسباب اعتراضهم على هذا الفصل وخطورته "
…
نظرا لما يترتب عليه من منازعات ووجود خصومات بين أفراد القبيلة الذين هم أبناء رجل واحد ولا يتفرقون في النسب".
ويمضي الالتماس في شرح القضية بأن " .... هذه القبيلة من عهد (محمد علي باشا) إلى يومنا هذا لَمْ يكن لها إلَّا عمدة واحد، كما في يوجد من أفرادها من يرغب الفصل غير شخص واحد لغرض في نفسها. وفي النهاية أكد الملتمسون أنهم ليسوا بحاجة إلى إجراء التعديل لا سيما وأن عملية القبيلة مستقرة منذ مائتي سنة ولا داعي لإجراء هذا الفصل في كيانها. (محافظ عابدين - محفظة رقم 42 التماسات 555، العربان (22/ 5/ 1903 - 18/ 1/ 1948). التماس إلى صاحب المقام الرفيع رئيس الديوان الملكي بتاريخ 30/ 11/ 1944. دار الوثائق القومية بالقاهرة.
(2)
بوركهارت: المصدر السابق. ص 128.
فإن أصحاب هذه الحرفة يقومون بدور هام في الحياة اليومية العادية حيث يقومون بتعقب العير الشاردة والنعاج الضالة. كما يساعد هذا الفن في معرفة الأخبار داخل مجتمع العبابدة. فعلى سبيل المثال إذا مر أحد الرعاة على مكان أسرة من أسر العبابدة ولم يجدها في مكانها الذي تركها فيه آخر مرّة فإنه يتمكن بسهولة من التعرف على المكان الجديد الذي ذهبوا إليه والطريق الذي سلكوه إلى هذا المستقر الجديد. كذلك يقوم أصحاب هذه الحرفة في المعاونة على اكتشاف الجرائم وتعقب المهربين وغيرهم من المجرمين الهاربين في الصحراء.
ومعروف أن لكل فن قواعد وأسس يقوم عليها. والقاعدة الأساسية لفن اقتفاء الأثر هي أن "القاطع أحدث من المقطوع" بمعنى أنك إذا وجدت أثرًا لسيارة أو لقدم آدمية مثلا تقطع أثرًا آخر فمعنى ذلك أن صاحب القاطع قد وطئ المكان بعد صاحب الأثر المقطوع وأنه مر من هذا المكان في زمن لاحق ويمكنك أن تقرأ قصصا كاملة على أرض الصحراء
(1)
.
ويستطيع القائمون على هذا الفن أن يميزوا بسهولة بين أثر المرأة وأثر الرجل والحامل والبكر والثيب. كما يمكنهم تقدير الوزن والطول وما إذا كان الرجل أعمى أو مبصرا أو يبصر بعينه اليمنى أو اليسرى فقط. كذلك فإنهم يميزون ببراعة شخصا عن آخر فيقولون هذه مشية عبادي وتلك مشية رجل غريب وهل هو كهل أو شاب، مستريح أو منهك، متردد أو واثق، خائف أو مطمئن!.
وليس بمستغرب على العبابدة من سكان الصحراء أن يصلوا إلى هذه المرحلة العالية من الخبرة في اقتفاء الأثر وقيادة القوافل فهو عالمهم الذي نشأوا فيه وخبروا دروبه وجباله؛ لهذا كله استعانت الحكومة المصرية في جيشها بهؤلاء الرجال ولا سيما في سلاح الحدود لأداء مهمة اقتفاء الأثر. وقد حافظ العبابدة على هذه المهنة وإن تغيرت وسيلة الانتقال حيث حلت السيارة محل الجمل في أحيان كثيرة.
(1)
سمير خواسك: في بلاد العبابدة، ص 64.
3 -
الرعاة:
ومن الأعمال التي اشتهر بها العبابدة أيضًا الرعي فهو يمثل حرفة هامة لدى عبابدة الصحراء. وأهم الحيوانات التي يرعاها العبابدة الماعز والإبل والضأن، وإذا كانت الماعز تأتي أهميتها في المرتبة الأولى من حيث العدد إلَّا أن الإبل تحتل المكانة الأولى من عدة جوانب، منها الثروة والنظرة الاجتماعية، فمجتمع العبابدة الصحراوي يدور في كثير من نظمه حول رعي الإبل. وإذا كان الماعز والضأن هما المصدر الأساسي للحم عند العبابدة، إلَّا أن الإبل تشارك الماعز والضأن كمصدر للألبان التي تعد الغذاء الرئيسي للعبابدة. كذلك فإن الإبل تشكل الوسيلة الوحيدة للركوب والانتقال والنقل في الصحراء المتسعة الأرجاء القليلة الماء.
ولما كان الجمل يعد مصدرا للثروة عند العبابدة في الصحراء فإنه كان محورا للتمايز الاجتماعي. فمن يمتلك رؤوسا عديدة من الإبل تصبح له مكانة خاصة بين أفراد عشيرته، وربما نشأت رئاسات ومشيخات البطون والعشائر والقبائل أصلًا عن مدى ما تتمتع به من ثروة تجعلها في موضع اجتماعي مرموق.
ولقد أدى انتقال عدد كبير من العبابدة إلى الوادي واستقرارهم فيه إلى انتقال المشيخات من الصحراء إلى الريف وأصبحت الثروة - في مراحلها الأولى - تقاس بالعشور التي يدفعها أفراد القبيلة إلى شيخهم حينما يأتون بإبلهم إلى السوق لبيعها. ثم استثمرت هذه الثروة في الأرض وأصبح كثير من رؤساء القبائل يمتلكون مساحات متفاوتة من الأرض الزراعية
(1)
.
4 -
التجار:
أصبحت التجارة جزءًا أساسيا من اقتصاديات العبابدة في الصحراء. وتأتي الجمال على قائمة الصادرات التي يقوم العبابدة بتصديرها - إذا جاز استخدام كلمة صادرات - إلى الأسواق ولا سيما سوق دراو بأسوان فهذه السوق تعتبر نهاية أهم الطرق الصحراوية بين مصر والسودان في الجزء الشرقي من الصحراء. ويعتبر تجار
(1)
محمد رياض: المرجع السابق. ص 9.
الجمال - على وجه الخصوص - من أصحاب الموارد الكبيرة نظرا لارتفاع أثمان الإبل وزيادة الطلب عليها في مصر.
كذلك فإن العبابدة يبيعون الفحم النباتي في معظم أسواق قرى أسوان وقنا والبحر الأحمر وليس لهذه السلعة موسم معين وكانوا يحملونه إلى النيل فيشحنه التجار بالمراكب إلى القاهرة
(1)
.
كذلك فقد شكلت الأعشاب الطبية جزءًا من صادراتهم. ويشتري العبابدة ولا سيما من سوق دراو وارداتهم واحتياجاتهم الضرورية والتي تتمثل في الذرة والمنسوجات والأواني النحاسية.
وقد شارك العبابدة كغيرهم من التجار في القرن التاسع عشر في تجارة الرقيق، بل وتقاضى شيوخهم ضريبة عن كلّ رقيق يمر عبر الصحراء
(2)
.
5 -
عمال التعدين:
ومع التطورات الحديثة والبحث عن المعادن في الصحراء الشرقية لمصر واقتراب هذه العمليات من مواطن العبابدة كان لابد أن يشارك العبابدة في هذه المهمة حيث تم الاستعانة ببعضهم كعمال وخفراء ومساعدين في أعمال الميكانيكا أو كسائقين أو العمل في وظيفة "ولاع ديناميت" أو "عطشجي" لقطارات المناجم.
ونتيجة لعملية الكشف أيضًا نزحت بعض الأسر العبادية إلى قرى ومدن البحر الأحمر مثل سفاجة والقصير وإلى بلاد صغيرة نشأت على أكتاف الاكتشافات والمناجم مثل "حماضات" و"الحمراوين" وهي قرى صغيرة ظهرت في الصحراء الشرقية قريبة من مناجم الفوسفات بدأت بمساكن للجيولوجيين والمهندسين والعمال الذين جاءوا لإدارتها ومعهم عائلاتهم، ثم ازدادت مقوماتها بعد أن قام البعض بفتح دكاكين صغيرة ثم بنى جامع وظهر بجواره ما يشبه المدرسة أو الوحدة الصحية. وهكذا استمر نمو المرافق حتى اكتملت القرية.
(1)
بوركهارت: المصدر السابق. ص 134.
(2)
نفس المصدر. ص 371.
وما إن يكتسب العبادي مهارة تعينه على المعيشة في البيئة الجديدة حتى ينزح إلى هذه المناطق ولكن على مشارفها. ففي الطرف الجنوبي للقصير يوجد تجمَّع للعبابدة وكذلك في حماضات بلد الفوسفات.
ومن الجدير بالذكر أن العبابدة من سكان الجبال ينظرون إلى إخوانهم من العبابدة الذين استقروا عمال في المناطق الجديدة والمتجاورة للمناجم على أنَّهم مرفهون لدرجة أن الفتاة العبادية التي تعيش في الصحراء وقسوتها تأنف أن تقترن بشاب من بين أولئك المترفين!
وضع المرأة العبادية:
ويشارك الرجل العبادي نساءه في الأعمال التي يقمن بها، فهو يستطيع تشييد الموقد الخاص بالطعام كما أنه يستطيع خبز "الرقاق" وطهي اللحوم. كذلك فهي تقوم بأعماله أيضًا إن غاب في سفره فترعى الإبل والأغنام وتجيد الاحتطاب. كما أنَّها تعرف أسماء الأودية والجبال وتهتدي في طريقها بالجبال العالية ومواقع النجوم وتصنع ثياب زوجها وتغزل صوف النعاج ووبر الإبل.
وتقوم المرأة العبادية ببناء الخيمة، لذلك فإن الخيمة تعد ملكا لها، وتقام الخيمة في الغالب في مكان مرتفع نسبيا. ولا يوجد في الواقع أي نوع من الأثاث سوى بعض الغطاءات الصوفية التي تقوم المرأة بغزلها
(1)
.
والمرأة العبادية مخلصة لزوجها فهي تتزوج عادة في سن الثانية عشرة من عمرها ولا غرابة في أن يكون زوجها صبيًا في مثل سنها أو شيخًا في عمر أجدادها، ففي كلتا الحالتين تكن له ولاء واحتراما. وإن مات لا تفكر في الزواج من غيره قبل مرور أعوام طويلة وتحت ضغط البيئة الصحراوية وضغط اجتماعي شديد. وتظل تحفظ عهده وذكراه مع زوجها الجديد الذي يشجعها بدوره على هذا ويشاركها احترام زوجها الراحل فيذهبا سويا لزيارة قبره في الوادي الذي دفن فيه مهما بعدت شقة السفر
(2)
.
وتعد المرأة العبادية في الصحراء شديدة التحفظ ليس في الجوهر فقط وإنما أيضًا في المظهر. فإن مر بها أحد الغرباء أو سمعت صوت سيارة أدارت ظهرها
(1)
محمد رياض: العبابدة. دراسة في الاقتصاد الصحراوي. ص 24.
(2)
سمير خواسك: المرجع السابق. ص 50 - 51.
وجلست القرفصاء ووضعت رأسها بين ساقيها ورمت غطاء على جسمها كله وبدت وكأنها كومة سوداء.
وإذا كان هذا التحفظ يحدث تجاه الغرباء فإن هذا التحفظ يزول في مجتمع العبابدة الداخلي. فالمرأة العبادية تقابل الرجال من العبابدة وتناقشهم في كلّ شأن من شئون الحياة. وتلتقي الفتاة المخطوبة بخطيبها أمام الأهل، ويرعيان الأغنام معا طوال النهار ويجريان ويمرحان ويتسامران سويا في أي فج من فجاج الصحراء، وقد يسافران معا من بئر إلى أخرى
(1)
.
عادات وتقاليد:
وهناك بعض العادات والتقاليد عند العبابدة حافظوا عليها. فعند ولادة طفل تذبح الذبائح ويأكل منها الجميع وكذلك عند الختان (الطهور). وأما بالنسبة للزواج فيختلف عند سكان الصحراء عن أمثالهم في الريف والمدن. ففي الصحراء يتم مبكرا جدًّا كما سبق الإشارة. وغالبا ما يكون المهر من الإبل الغنم
(2)
.
وأما مسكن الزوجية فهو كسائر مساكن العبابدة في الصحراء يتكون من خيمة تعد للعروسين وهي تتكون من "الأبراش" ووبر الجمال. ويقام احتفال للعروسين تكثر فيه الذبائح وتأتي إليه بطون القبيلة من كلّ دروب الصحراء. ويظلون يرقصون بالسيوف ولهم في ذلك جلبة شديدة.
وإذا كان هذا ما يحدث في الزواج فإن الطلاق يكاد لا يعرفه مجتمع العبابدة، بل عرف مسألة تعدد الزوجات. والأخيرة مرتبطة بالعدالة التي يحاول العبادي بقدر الإمكان أن يوفرها لزوجاته. وقد يكون مرد ذلك أن معظم الزيجات التي تتم تكون من داخل القبيلة الواحدة التي تجمع بينها أواصر القربى والجوار بالإضافة إلى عملية تبادل المصاهرة" - إن جاز هذا التعبير - فيما بين أبناء القبيلة الواحدة والتي يستحيل فيها الطلاق. فلو فرض أن طلق زوج زوجته ففي الحال سوف تلقى أخته نفس المصير. ويمكن أن نضيف سببا آخر لندرة الطلاق بين العبابدة وقبائل الصحراء يشكل عام من يجاورهم ويتمثل في شدة تمسك العبابدة
(1)
سمير خواسك: المرجع السابق. ص 51.
(2)
بوركهارت: المصدر السابق. ص 126.
بالدين الإسلامي، فعلى الرغم من ترخيصه الطلاق بشروط فهو يعتبر أبغض الحلال عند الله، ولذلك فمن النادر اللجوء إليه.
وقد لاحظ بوركهارت في رحلته إلى السودان في أوائل القرن التاسع عشر أن عبابدة القراريش برغم فقرهم يأبون أن يزوجوا بناتهم للنوبيين
(1)
.
وأما العادات المرتبطة بالوفاة وبعد مواراة المتوفي التراب يتلقى أهله العزاء المدة تصل إلى أسبوع، ثم يجدد الاحتفال بذكرى المتوفى بعد أربعين يومًا، وأخيرا بعد حول كامل، ويسمى الاحتفال الأخير باسم (الحولية)
(2)
. ففي حالة وفاة شخص عظيم يستمر العزاء لمدة أطول حتى تحضر كافة القبائل الموزعة في الصحراء حيث إنه من المتعذر أن تعلم كافة القبائل في وقت واحد، وغالبا ما يأتي هؤلاء ومعهم الهدايا من الإبل والنقود لأهل المتوفي.
والعبابدة بشكل عام لا يتكلمون كثيرًا كسائر أهل المدن أو المقيمين حول النهر. وربما يعود ذلك إلى حياة الصحراء التي علمتهم الصمت وربما تدربوا على هذه الخصلة كضرورة لحياتهم في تلك البقاع .. فالصمت يقلل من الظمأ فيوفر بعض الماء. وبالإضافة إلى هذا العامل فإن اتساع الصحراء وتفرق النّاس بين شعابها لا يتيح اللقاء كثيرًا فأصبحت الوحدة والانفراد بشكلان عالم الرجل العبَّادي والبدوي بشكل عام في الصحراء.
ومن الأمور التي يجدر الإشارة إليها الطب عند العبابدة وهو عبارة عن وصفات ورثوها عن الأجداد بعد أن أخضعوها للتجربة على مدى العصور، فهم يتداوون ببعض الأعشاب الصحراوية مثل الشيح والحرجل وحلف البر والحنظل وغيرها ولهم وصفات للعلاج من لدغ العقرب أو الثعبان.
وعلى أية حال فإنه يمكن القول بأن مجتمع العبابدة كان مجتمعا بسيطا غير معقد، يسوده الوئام. ومرد ذلك إلى طبيعة المجتمع الصحراوي المترامي الأطراف والذي يتسع للجميع، وتعارف أهله الذين تجمعهم أواصر القربى والمصاهرة والذين سرت بينهم عادات وتقاليد تناقلوها من الأجداد وأصبحت بمثابة قوانين تحكم وتربط نسيج مجتمعهم رغم اتساع المسافات فيما بينهم في الصحراء
(1)
بوركهارت: رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان. ص 27.
(2)
نعوم شقير: تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته. الجزء الأول. ص 201 - 202.
العبابدة وفتح السودان 1820 - 1821 م:
لعب العبابدة دورا رئيسيا في ضم أقاليم السودان إلى مصر
(1)
. وقد تمثل هذا الدور في إمداد الحملة التي قادها إسماعيل كامل نجل محمد علي باشا لضم سنار والحملة التي قادها محمد بيك خسرو الدفتردار لضم كردفان بالجمال لنقل المؤن والذخائر والأفراد للقتال في حفوف الجيش الزاحف صوب الأراضي السودانية، بالإضافة إلى دورهم كأدلاء أو مرشدين في دروب الصحراء ولا سيما الطريق الشرقي الذي يربط بين السودان ومصر عبر صحراء العتمور، إذ إنهم كانوا يعتبرون أنفسهم بمثابة "سلاطين الصحراء".
وإذا ما نظرنا إلى إعداد الحملة التي جهزت بقيادة إسماعيل كامل فسوف نلاحظ أنَّها كانت تتألف من أربعة آلاف مقاتل من بينها حوالي سبعمائة فرد من قبيلة العبابدة، بالإضافة إلى ثلاثة آلاف جمل قدمها أفراد هذه القبيلة تحت رئاسة الشيخ خليفة العبَّادي ووكيله داود كاشف
(2)
.
وقد شارك العبابدة في المعارك القليلة التي جرت خلال مسيرة الحملة صوب سنار ولا سيما التي جرت ضد جماعة الشايقية، كما أنهم لعبوا دورا هاما في الاتصال بأهالي المنطقة ونقل ورصد حركات المناوئين لحملة إسماعيل أو من يريد الدخول في السلم والانضواء تحت الإدارة المصرية.
(1)
في حقيقة الأمر أن علاقة العبابدة قد بدأت قبل عام 1820 حين أرسل محمد علي باشا الشيخ خليفة في عام 1813 إلى السلطنة السنارية في بعثة استطلاعية لطرد المماليك. انظر: مخطوطة كاتب الشونة في تاريخ السلطنة السنارية والإدارة المصرية ص 72).
(2)
دفتر رقم 5 معية تركي - ترجمة المكاتبة التركية رقم 46 بتاريخ 5 ذي الحجة سنة 1235 هـ. من الجناب العالي إلى منصرف جرجا. دار الوثائق القومية.
انظر أيضًا: محفظة رقم 19 بحربرا - وثيقة رقم 13 - سودان. من إسماعيل إلى الجناب العالي في 29 محرم سنة 1236 هـ. دار الوثائق القومية.
انظر أيضًا: نعوم شقير: تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته ص 4.
وأيضا: مكي شبيكهـ: السودان في القرن، ص 14.
وأيضا: عبد الرَّحمن زكي: التاريخ العربي لعصر محمد علي الكبير. ص 99.
وأيضا: عبد الرَّحمن الرافعي: عصر محمد علي. ص 14.
وأيضا: حسن أحمد خليفة العبَّادي. المرجع السابق. ص 24.
وأيضا: 50. Cailliaauld . F . Voyge a Meroe ، Tom . II ، p .
وأيضا: 59 Hill ; Egypt in the Sudan ، p .
ومع تطور العمليات العسكرية في أرجاء السودان ازدادت الحاجة إلى الكثير من الجمال المتوفرة لدى العبابدة. فقد كثرت للرسائل إلى المسئولين الإداريين على طول الطرق الموصلة بقنا والبحر الأحمر وأسوان تحثهم على "
…
إحضار الجمال اللازمة لنقل أحمال وأثقال البيادة والسواري الذين سيذهبون بطريق البر من قرية دراو ..
(1)
". كذلك فقد كانت هناك حاجة ماسة للجمال " .. لنقل الغلال والمهمات التي ستذهب إلى شونة وادي حلفا، من أراضي شلالات أسوان ووادي حلفا"
(2)
.
ولتنفيذ هذه المهمة تعهد محمود أفندي محافظ القصير بإحضار الجمال المطلوبة بواسطة "عبيد بن جبران" شيخ العبابدة وإنزالها إلى قرية دراو.
كذلك فقد أشير إلى على أغا كاشف إسنا للقيام بأمر ترتيب الجمال المطلوبة " .. والموجودة تحت أيدي فلاحي قرى إسنا وأسوان وجلب اللازم منها أولًا فأولا بالأجرة وتسليمها إلى ملا حسين أغا محافظ قنا المكلف بتنظيم مصالح وادي حلفا".
وفي سبيل إتمام هذه المهمة بنجاح طلب إلى كشف إسنا تعيين "الرجال النافعين" لقرى إسنا وأسوان وإحضار مقدار كشاف من الجمال لاستخدامها في نقل الغلال والمهمات. كذلك فقد تم التنبيه على كافة المسئولين وهم يقومون بأداء هذه المهمة بألا " .. يتسلطوا على جمال العبابدة التابعة للشيخ عبيد بن جبران"
(3)
.
ويبدو أن كثرة المطالب المتعلقة بإحضار الجمال من قبيلة العبابدة قد أصابت بعضهم بالكدر، الأمر الذي أبى إلى إصدار هذا التنبيه السابق، حيث إننا نقرأ في
(1)
دراو حاليًا هي مدينة ومركز تقع شمال مدينة أسوان بحوالي خمسة وثلاثين كيلو مترًا.
(2)
دفتر رقم 6 معية تركي - ترجمة الأمر العالي رقم 117 بتاريخ 25 ربيع أول سنة 1236 هـ. أمر عال إلى منصرف جرجا- دار الوثائق القومية.
انظر أيضًا: محافظ عابدين - محفظة رقم 555 - التماسات العربان في الفترة من 22/ 5/ 1903 إلى 18/ 1 / 1948. دار الوثائق القومية.
(3)
دفتر رقم 6 معية تركي - ترجمة الأمر العالي رقم 119 بتاريخ 25 ربيع أول سنة 1226 هـ. أمر عال إلى على أغا كاشف إسنا دار الوثائق القومية.
الوثائق بأن ملا حسين محافظ قنا حين توجه إلى جهات أسوان وأحضر عبيد بن جبران وتحدث إليه في مسألة الجمال اعتذر الأخير ذاكرا أن الجمال التي ذهبت مع إسماعيل كامل قد هلكت
(1)
.
وليس معنى ذلك توقف الاستعانة بقبيلة العبايدة من حيث الإمداد بالجمال ولكن ظلت الاستعانة بها مستمرة. وقد تم رصد عدة مبالغ لهذه المسألة حيث نقرأ أنه قد تم إرسال الشيخ جبران إلى الجبال لجلب الجمال، كما تم إرسال نجل الشيخ جبران لجمع جمال العبابدة الموجودة في إسنا وما حولها. وفي سبيل ذلك كله جرى أخذ "مبلغ خمسين ألف قرش من خزينة أسوان وتخصص مبلغ مائتين وخمسين كيسا نقديا"
(2)
.
ونظرا لأهمية الاستعانة بالجمال فقد جرى تنظيم عملية الاستعانة بها حيث حددت أجورها وفقا للمناطق الذاهبة إليها من حيث قرب وبعد المسافة التي تقطعها الجمال. فقد حددت أجرة الجمل الذاهب إلى دنقلة بتسعين قرشا والذاهب إلى بربر بمائة وعشرين قرشا والذاهب إلى شندي بمائة وثلاثين قرشا مع مراعاة أن تكون عليقتها من طرف أصحابها. وقد قبل العبابدة هذه الأسعار وبقية الشروط المنظمة لهذه العملية
(3)
.
كذلك فقد صدر أمر إلى ملا حسين محافظ قنا المعين على جهات وادي حلفا بتعويض العبابدة عن الجمال التي هلكت مع جيش إسماعيل كامل وذلك بدفع الأثمان المناسبة لها حسب أسعار تلك الجهات وبمعرفة شيخهم
(4)
.
(1)
دفتر رقم 6 معية تركي - ترجمة الأمر العالي رقم 118 بتاريخ 25 ربيع أول سنة 1236. دار الوثائق القومية.
(2)
دفتر رقم 6 معية تركي - ترجمة الأمر التركي رقم 187 بتاريخ 20 جماد أول شيبة 1236 هـ. دار الوثائق القومية.
(3)
دفتر رقم 6 معية تركي - ترجمة المكاتبة رقم 213 بتاريخ 2 جماد آخر سنة 1236 هـ. دار الوثانق القومية.
(4)
دفتر رقم 6 معية تركي - ترجمة المكاتبة رقم 328 بتاريخ 8 رجب شيبة 1236 هـ. دار الوثائق القومية.
وكلما ازداد إسماعيل كامل توغلا في أراضي السودان زادت الحاجة إلى معونة العبابدة سواء من حيث الإتيان بالعساكر المشاة المتخلفين في المؤخرة من جهة ومن جهة أخرى لجمع المزيد من الجمال الضرورية للجيش سواء أكان ذلك بالاستئجار أو الشراء
(1)
.
ولم تقف الاستعانة بالعبابدة عند حدود إمداد حملة إسماعيل كامل بالجمال والأفراد بل امتدت هذه المساعدة إلى جيش محمد بيك الدفتردار الذي قام بضم كردفان. فقد استطاع على أغا كاشف إسنا - وهو بصدد الاستعداد لذلك - تدبير ألف وأربعمائة جمل من فلاحي إقليمي إسنا وأسوان، بل إن الحاجة كانت ماسة آنذاك لجمع 2275 جملا حسب تقرير كاشف إسنا، حتى يتم وصول الفرسان والمشاة إلى محل مأموريتهم بالسودان
(2)
.
وقد طلب إلى متصرف جرجا الذهاب إلى وادي حلفا لجمع الجمال اللازمة الحملة الدفتردار بل والإقامة في أسوان " .. لغاية تدارك الجمال بالأجرة من العبابدة"
(3)
.
كذلك فقد ضمت حملة الدفتردار - بالإضافة إلى إبل العبابدة الكثير من أفراد هذه القبيلة كجنود محاربين غير نظاميين وسط الجنود الذين ضمتهم الحملة. فمن بين ثلاثة آلاف مقاتل كان هناك حوالي ثلاثمائة فرد من العبابدة
(4)
.
من ذلك كله يتبين لنا أن العبابدة قد لعبوا دورا رئيسيا وأساسيا في كلّ من حملة إسماعيل كامل لضم سنار وحملة محمد بيك خسرو الدفتردار لضم كردفان، وذلك من خلال إمداد هاتين الحملتين بالجمال والأفراد المقاتلين. وقد
(1)
محفظة رقم 19 بحريرا - ترجمة الوثيقة التركية رقم 16 بتاريخ 4 جمادى الآخرة سنة 1236 هـ. من إسماعيل (نجل ولي النعم) إلى الجناب العالي. دار الوثائق القومية.
(2)
دفتر رقم 6 معية تركي - ترجمة الأمر التركي رقم بتاريخ 10 ربيع الآخر سنة 1236 هـ. أمر إلى حضرة أحمد باشا منصرف جرجا. دار الوثائق المصرية.
(3)
دفتر رقم 6 معية تركي - ترجمة المكاتبة التركية رقم بتاريخ غرة جماد أول سنة 1236 هـ. أمر إلى متصرف جرجا المعين على وادي حلفا. دار الوثائق القومية.
(4)
عبد الرَّحمن زكي: المرجع السابق، ص 138.
أهّلهم لهذا الدور معرفتهم بدروب الصحراء وتربيتهم للإبل القادرة على اجتياز هذه المفازات بين مصر والسودان.
ولم يتوار دور العبابدة في أعقاب هاتين الحملتين المشهورتين بل ظل دورهم متصلا ومستمرا مع استمرار الإدارة المصرية في السودان. ففي عام 1842 وعلى عهد الحكمدار أحمد باشا أبو ودان قام بشاريو العمراب بحركة عصيانية مستغلين انشغاله في حرب التاكه ضد الهدندوة، فطلب هذا الحكمدار من الشيخ سليمان نمر العبَّادي القضاء على حركتهم، فخرج سليمان من بربر معقل العبابدة على رأس قوة من جماعته تقدر بنحو ألفي رجل وباغت بهم البشاريين وألحق بهم هزيمة نكراء، لكن البشاريين أعدوا كمينا لسليمان وجنوده عند بلدة مرات (Murrat) وقتلوه مع كثير من جنوده
(1)
.
دور العبابدة في التجارة بين مصر والسودان:
لعب العبابدة دورا متميزا في التجارة عبر مصر والسودان. وقد تنوع هذا الدور ما بين مهام أمنية وتجارية وإرشادية.
وقد مارس العبابدة هذه المهام بمهارة شديدة، فقاموا بتأمين القوافل التجارية المارة بالصحراء الشرقية عبر بربر مركز العبابدة الرئيسي، وإمداد هذه القوافل التجارية "بالدلالين" أو المرشدين الذين يقومون بمهمة إرشاد التجار والسائرين في الصحراء إلى الطرق الصحيحة حتى لا يضلوا أو يتعرضوا للهجوم ومخاطر الصحراء.
ولم تكن هذه المهام التي قام بها العبابدة قد بدأت مع الحكم المصري في السودان عام 1820 فحسب ولكنها سبقت ذلك بكثير، وربما لا يعنينا هنا تتبع هذا الدور في عصور سابقة لهذا التاريخ لكن تكفي الإشارة إلى أن سلطنة الفونج - منذ قيامها في القرن السادس عشر وحتى سقوطها في الربع الأول من القرن التاسع عشر (1821 هـ) على يد إسماعيل كامل بن محمد علي - قد استخدمتهم
(1)
Hill. R; op. cit.، p. 73
في مهمة حراسة طرق القواقل بين مصر والسودان ولا سيما الفرع المسمى بالفقراء والمليكاب، وكانوا سادة الطريق الصحراوي بين مصر والسودان وحماته من أخطار القبائل المجاورة ولا سيما البشاريين
(1)
.
ولقد كان من الصعب على أي تاجر في ذلك الوقت أن يقصد السودان دون أن يُعرّض نفسه وأمواله للأخطار فقلت رءوس الأموال المستثمرة في التجارة مع السودان حتى قدرها بوركهارت عند زيارته للسودان بستين أو ثمانين ألف ريال
(2)
.
وقد يُعزى هذا التدهور التجاري بين مصر والسودان قبيل عام 1820 إلى أن السودان آنذاك كان مفكك الأوصال ولم يكن يخضع لقوة سياسية قرية وموحدة تستطيع ضبط الطريق التجاري والحفاظ على أمنه وسلامته، فكان من الطبيعي - والحالة هكذا - أن يشتد نشاط اللصوص وقطاع الطرق وتتعرض التجارة - ولا سيما في شرقي النيل - لأخطار جسيمة من جانب القبائل التي تقطن تلك المنطقة
(3)
.
أما بعد عام 1820 فقد خضع السودان لإدارة موحدة من جانب محمد علي فكان لابد أن يضع حدا لمثل هذه التجاوزات الخطيرة لا سيما وأن حركة التنقل بين مديريات السودان مصر قد ازدادت بشكل كبير، فهناك أدوات وأسلحة حكومية تنقل إلى السودان، وهناك عبيد ومواش وغير ذلك تأتي إلى مصر عبر هذه الطرق
(4)
.
(1)
. Encyclopedia of lslam New Edition vol l London 1960(A ABABDA)
انظر أيضا: HiII R: ob cit b 59
انظر أيضا: نسيم مقار: أحوال السودان الاقتصادية قبيل الفتح المصري الأول 1820 - 1821. ص 251 - 252.
(2)
بوركهارت. رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان ص 238.
(3)
حسن أحمد إبراهيم: محمد علي في السودان - (دراسة لأهداف الفتح التركي - المصري). ص 27، 28.
(4)
دفتر رقم 9 معية تركي، ترجمة المكاتبة رقم 217 بتاريخ جمادى الآخرة سنة 1239 هـ. دار الوثائق القومية. انظر أيضا حسن أحمد إبراهيم المرجع السابق. ص 53
وبالإضافة إلى ذلك كثر تنقل الأفراد والحكام بين البلدين بعد ضم السودان .. كل ذلك اقتضى إعادة النظر في الاهتمام بالطرق الموصلة بين مصر والسودان ولا سيما البرية منها بعكس الطريق النيلي الذي لم يلاق اهتماما موازيا.
وربما يرجع ذلك إلى كثرة العوائق الطبيعية به مثل الجنادل وغيرها.
وقد سلكت التجارة بين مصر والسودان بوجه عام طرقا عدة أهمها طريق النوبة السفلى والعليا، والطريق الغربي أو ما عرف باسم درب الأربعين الذي يبدأ من كوبي بدارفور حتى أسيوط، وطريق سواكن - السويس.
وقد لا تعنينا كل هذه الطرق السابقة بشكل أساسي ونحن نتكلم عن قبيلة العبابدة، وإنما يعنينا منها الطريق الأول وهو طريق النوبة السفلي والعليا حيث لعب العبابدة خلاله دورا كبيرا في التجارة بين البلدين. فكان هذا الطريق بحكم موقع النوبة أقرب إلى صعيد مصر وبمثابة حلقة وصل بين البلدين، كما كانت أسواق إسنا ودراو وأسوان أماكن لتصريف سلع ومنتجات النوبة السفلى كالتمر والشب والسنامكي في مقابل الذرة والمنسوجات القطنية. أما طريق النوبة العليا أو الجنوبية فكانت بربر وشندي أهم مراكزها التجارية وكانت تتصل بمراكز التجارة في صعيد مصر عن طريق القوافل الشرقي الذي يخترق الصحراء الشرقية ثم ينقسم إلى فرعين متوازيين: الأول: يخترق صحراء العتمور (طريق أبو حمد - كرسكو) والثاني إلى الشرق قليلا ويخترق صحراء العتباي "طريق بربر - دراو". فعلى سبيل المثال يمكن لقافلة شندي المتجهة إلى مصر أن تمر ببربر ثم عليها أن تختار السير إما في محازاة النيل حتى (أبو حمد) ومنها تخترق صحراء العتمور إلى كرسكو ثم إلى دراو أو أن تسير بعد أن تغادر بربر إلى الشرق قليلا مخترقة صحراء العتباي شمالا حتى تصل إلى بلدة دراو بأسوان.
وكان التجار في الغالب يفضلون السير في طريق العتباي تاركين طريق العتمور رغم أن الأخير فصير؛ وذلك لأن القوافل كانت تعاني فيه شح المياه وقلة العشب الضروري للإبل، ناهيك عن تعرض القوافل في طريق العتمور لأعمال السلب ودفع المكوس.
وتقطع القافلة طريق العتباي من دراو إلى بربر في مدة من ستة عشر إلى سبعة عشر يوما، ومن بربر إلى دراو في مدة اثني عشر يوما؛ وذلك لأن القافلة عقب مغادرتها لبربر تكون مزودة بعدد وافر من الإبل فيمكنها بذلك إراحة الإبل المحملة بالتناوب، بالإضافة إلى جدية رجالها في السير ليلا بحيث إنهم كانوا لا ينامون إلا قليلا، وأخيرا فإن نفقات القافلة المتجهة إلى مصر تقل لتوافر الإبل. ويقال أن راكب الهجين السريع من رجال البريد في إمكانه أن يقطع المسافة ما بين بربر ودراو في ثمانية أيام
(1)
.
وتعتبر بربر - مركز العبابدة الرئيسي في ذلك الوقت - بحكم موقعها الجغرافي ملتقى للقوافل الآتية من داخل السوادن وخارجه. فهي تستقبل بحكم موقعها شمال شندي وسنار القوافل الآتية من مصر عبر صحراء العتباي قبل أن تصل إلى هذه البقاع، وتمر بها قوافل شندي وسنار في طريقها إلى مصر. وبالإضافة إلى ذلك فهي تقع على أقصر طزيق يصل النيل النوبي بساحل البحر الأحمر (طريق بربر - سواكن) عبر الصحراء الشرقية الذي ازدادت أهميته وكثر استخدامه عقب فتح الطريق البحري بين سواكن والسويس
(2)
.
وهكذا هيأ هذا الموقع شهرة تجارية شهد بها بعض الرُّحَّال الذين زاروها في النصف الأول من القرن التاسع عشر. فقد كثر تردد قوافل بربر على دنقلة بانتظام حاملة التمر والتبغ، كما كانت قوافل سنار تحمل إليها الرقيق والأسِرَّة الخشبية وجلود الثيران بالإضافة إلى البن الذي يجلبه تجار سنار من الحبشة والذي كان يباع ببربر بسعر أقل من بن مخا اليمني. وقد وجدت جماعة من تجار سنار ودنقلة كان لها نشاطها التجاري الملحوظ في بربر. كذلك فقد كان لبربر صلات تجارية نشطة مع أقاليم التاكة، فقد تردد تجار هذا الإقليم على أسواق بربر لبيع الإبل والماشية والحصول على الأقمشة القطنية (الدمور) والتوابل
(3)
.
(1)
Douin: Histoire du Soudna Egyptien - TOme l .P . 61.
(2)
حمدنا الله مصطفى: التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان. 1841 - 1881 - ص 175.
(3)
دفتر رقم 3846 صادر تحريرات مديرية بربر ودنقلة بتاريخ 5 ذي الحجة سنة 1267 هـ. دار الوثائق القومية.
كذلك فقد كانت بربر ملتقى لتجار الرقيق القادمين من سنار والخرطوم عن طريق صحراء كرسكو
(1)
.
وهكذا نرى بجلاء تام أن بربر - مركز العبابدة الرئيسي - كانت تمثل مركزا تجاريا هاما وملتقى لتجارة أقاليم السودان المحيطة بهذه البلدة بالإضافة إلى مركزها الخطير كمعبر تجاري بين مصر والسودان، الأمر الذي أضفى عليها وعلى سكانها من العبابدة دورا هاما لعبوه باقتدار طوال التاريخ.
وفي ضوء هذه الأوضاع التي وجد العبابدة أنفسهم فيها ببلدة بربر وما حولها من حيث الموقع الوسيط سوف نحاول أن نتتبع تطور دورهم التجاري من عام 1820 وحتى قرب نهاية القرن التاسع عشر.
ففي عهد محمد علي جرى تكليف مشايخ العبابدة بحراسة القوافل التجارية المارة بهم بالإضافة إلى مهمات الحكومة التي كانت تتطلبها الإدارة المصرية بأقاليم السودان.
ويمكن أن نصف العلاقة بين العبابدة وحكومة مصر طوال الفترة محل الدراسة بأنها كانت - بشكل عام - بين مد وجزر. فتارة نجدها في أبهى صورة لها طالما كانت التجارة وأدوات الحكومة ورجالها في أمان وسلام وهم يعبرون الصحراء الشرقية ما بين مصر والسودان وطالما التزمت الحكومة بتعهداتها تجاههم، وتارة أخرى يسودها التوتر إذا ما حدثت حادثة نهب أو سطو على التجارة أو حاول أحد زعماء العبابدة أن يفرض لنفسه شروطا جديدة أو حاول أن يكون له نفوذ كبير عبر هذا الطريق يعلو فوق قبضة الحكومة.
وتبدأ هذه العلاقة منذ عهد إسماعيل كامل الذي فتح سنار حيث كافأ خدمات العبابدة له بالتأكيد على الحقوق الامتيازية التي كانوا قد حصلوا عليها من حيث مرافقة القوافل عبر طريق الصحراء الشرقية. كذلك فقد منحهم امتياز جمع
(1)
تقرير هولرويد الوارد بتقرير بورنج بكتاب الدكتور محمد فؤاد شكري: بناء دولة مصر محمد علي. ص 556.
ضريبة مقدارها 10%على صادرات السودان في مقابل الالتزام بحراسة الطريق والإمداد بالجمال وحماية القوافل
(1)
.
كذلك فقد أعفتهم الحكومة من أية ضرائب مباشرة ما عدا الذين كانوا يملكون حصصا من الأرض أو السواقي، فهؤلاء عوملوا معاملة الفلاحين العاديين القاطنين على ضفاف النيل ممن كانوا يدفعون ضريبة عن كل ساقية
(2)
.
وفي عام 1838 وقعت حادثة أخلت بالأمن في طريق المواصلات عبر الصحراء النوبية أرادت من خلالها الحكومة أن تقوي قبضتها على الطريق والقائمين عليه. فقد انتهز أحد رجال قبيلة البشارية الفرصة وقام بقتل بضعة جنود واحتمى بالشيخ خليفة العبادي في بربر ظنا منه أن مكانة هذا الرجل عند الحكومة باعتباره متعهدا لطريق مرور القوافل بين مصر والسودان سوف تكون شفيعا له للعفو عنه. وطبقا للتقاليد والعادات العربية منحه الشيخ خليفة الحماية والتمس من حاكم بربر أن يقوم بدفع الدية عن الرجال القتلى. ولما كان المدير يحكم وفقا لقانون الإدارة المصرية المدون في هذا الجانب وليس وفقا للأعراف العربية أصر على أن يسلم القاتل إلى الحكومة فلم يمتثل خليفة لذلك ورفض تسليم الرجل الذي احتمى به وشعر بأن في تسليمه إهانة له
(3)
.
ويروى أحد أحفاد الشيخ خليفة أسباب وملابسات الحادث بأن مدير بربر عباس أغا الجندي قد استكثر على خليفة العبادي ما كان يأخذه من العشر على قيمة البضائع والسلع نظير تأمينه للقوافل من خطر اللصوص فأرسل كتابا إلى خليفة في أبي حمد حيث كان يقيم يأمره فيه بالتنارل عن أخذ العشر وأن يأخذ بدل ذلك ثلاثة ريالات عن كل جمل يمر بالعتمور؛ ريال من الحكومة وريال من
(1)
Hill: op.cit .. p .59
(2)
Hoskins G A: Travels in Ethiopia above the the London 1935 p 56 .second Cataract of the Nile
انظر أيضا: نسيم مقار: أحوال السودان الاقتصادية قبل الفتح المصري الأول 1820 - 1821. ص 251.
(3)
Hill: op.cit .. p .59
التاجر وريال من صاحب الجمل، فرفض الشيخ خليفة أمره؛ لأن العشر قد أصبح حقا مكتسبا من قبل أن تحل الإدارة المصرية بالسودان. ولما أصر مدير بربر على تنفيذ أمره قام الشيخ خليفة بإغلاق الطريق بين أبي حمد وكرسكو، فطلب منه المدير الحضور إلى بربر للتفاوض وجاء ومعه أناس كثيرون من قبيلته كعادة القبائل العربية. وأعاد المدير مرة أخرى مطلبه فأصر خليفة على عدم تنازله عن العشر واستمراره في إغلاق الطريق إلى أن يقوم المدير بإلغاء أمره. وقد اعتبر عباس أغا عدم تنفيذ الشيخ خليفة لأوامره، بالإضافة إلى امتناعه عن تقديم القاتل للعدالة خروجا منه على الحكومة وعصيانا لها. ولما كان المدير يعلم تماما أن الشيخ خليفة رجل قوي وأنه إذا ما اتخذ ضده إجراءات علنية فلربما يقاومه ويتغلب عليه بما عنده من رجال فقام بقتله حرقا بالنار، كما قتل معه مائة واثنين وثلاثين رجلا من قبائل مختلفة. وإضافة إلى ذلك قام عباس أغا بقتل الرجل الذي احتمى بالشيخ خليفة
(1)
.
وبالإضافة إلى هذه المتاعب التي لاقاها شيخ العبابدة فقد قام حكمدار السودان أحمد باشا أبو ودان (1839 - 1844) بتخفيض أجرة الجمل من تسعين إلى ستين قرشا فامتنع العبابدة عن تقديم إبلهم ونتج عن ذلك " .. تعطيل حركة نقل المبيعات الأميرية وسرى العطب إلى بعضها .. "
(2)
.
ومن وجهة نظر رجال الإدارة المصرية في بربر والخرطوم فقد انتهى الأمر عند هذا الحد من العقوبات لكن شقيق خليفة المقتول الذي يدعى بركة أسرّها في نفسه حتى تحين له الفرصة فيأخذ بثأر أخيه.
وكان بركة هذا قد أصبح مسئولا (ملتزما) على الطريق الصحراوي كما كان شقيقه خليفة من قبل، وأثار متاعب للسلطات الحكومية لدرجة أن محمد علي كتب غاضبا إلى مسئوليه في بربر أن يقولوا لبركة بأنه (محمد علي) هو الذي قتل
(1)
حسن أحمد حسين العبادي - المرجع السابق. ص 8 - 9.
(2)
دفتر رقم 209 معية تركي: وثيقة رقم 978 تاريخ 15 ذي الحجة 1259 هـ.
انظر أيضا: نسيم مقار: أحوال السودان الاقتصادية تحت الإدارة المصرية، ص 184.
أخاه ولسوف تكون نهايته على نفس المنوال. ويبدو أن بركة لم يذعن لهذه التهديدات فبعث محمد علي بأمر قاطع للقبض على بركة وإحلال ابن أخيه حسن خليفة محله كمسئول عن طريق التجارة. لكن بركة انسحب إلى الصحراء واستقر قرب آبار مرات يترقب الأمر، ولم ينتظر بركة طويلا. فقد توفي عباس أغا حاكم بربر الذي قام بتنفيذ قتل خليفة، وكان أخو عباس أغا يجتاز الصحراء لإحضار أسرة المتوفى إلى مصر حيث هجم عليه بركة وقتله هو وجميع الرجال الذين كانوا برفقته عدا النساء حيث خيرهن في أن يرسلن إلى كرسكو أو إلى أبي حمد فاخترن الثانية
(1)
.
وقد سارعت الحكومة بالانتقام فعلم بركة بذلك فولى هاربا حتى انتهى به المطاف إلى جبل يسمى جبل (حلوس) للاعتصام به وهو يقع على بعد مسيرة نحو سبعة أيام في الشمال الشرقي من آبار المرات. وينفي حسن أحمد حسين خليفة العبادي أن يكون غرض بركة هو التوجه إلى الحجاز كما ذكر أحد المؤرخين الإيطاليين الذي قال "أن بركة لما سمع بأن الحكومة تبحث عنه ذهب قاصدا القصير للهروب إلى الحجاز" فلو كان هذا غرضه - كما يذكر - فهناك عدة مراسي بسواحل البحر الأحمر أقرب إليه كثيرا من القصير مثل مراسي محمد قول ونقناب وحلايب
(2)
.
ولقد قام بمهمة تعقب بركة رجل من العبابدة أيضا يدعى سليمان نمر وهو من أسرة تنافس أسرة الشيخ خليفة في الرياسة. وقد تقدم سليمان إلى حكمدار السودان آنذاك وهو أحمد باشا أبو ودان وأخبره أن في مقدوره القبض على بركة وتقديمه للحكومة، فأرسله إلى صحراء عتباي وأعطاه نحو مائتي جندي من المغاربة ورافقه جماعة من قبيلة العامراب البشاريين وتم القبض على بركة عند جهة تسمى
(1)
حسن أحمد حسين العبادي - المرجع السابق، ص 9 - 10.
(2)
نفس المرجع ص 11.
وانظر أيضا: Hill: op.cit .. p .59.
(حجر الزرقاء)، وقتل بركة عقب معركة حامية وقام سليمان بقطع رأسه وإرسالها إلى الحكمدار بالخرطوم
(1)
.
وقد ضيقت الحكومة على العبابدة بعد هذه الحادثة فنزح بعضهم إلى قلب الصحراء وأمرت بالقبض على حسن خليفة العبادي اعتقادا منها أنه سوف يدبر ثورة للانتقام لقتل عمه بركة لكن نظرا لخدماته التي أداها لمحمد علي عفي عنه
(2)
.
وقد انتقلت حراسة طريق القوافل إلى حسن خليفة الذي كان شخصية بارزة ومعروفا لدى والي مصر محمد علي وكبار حاشيته. فقد كان مرافقا لمحمد علي في عودته من رحلته للسودان (أكتوبر 1838 - مارس 1839) في الطريق من برب إلى الإسكندرية وكان خبيره في عتمور أبي حمد وكرسكو
(3)
.
وقد اشترط على حسن خليفة - وهو يتولى أمور الطريق - بعدم أخذ العشر من المسافرين بل صرح له بأخذ ثلاثة ريالات عن كل جمل يمر بالعتمور. ومن الجدير بالذكر أن الحكمدار أحمد باشا أبو ودان لم يكن راضيا عن تعيين حسن خليفة شيخا للعتمور؛ ذلك لأنه كان قد وعد سليمان نمر بتعيينه في هذه الوظيفة مكافأة له على قتله لبركة
(4)
.
وعلى أية حال فقد سارت أحوال الطريق التجاري في عهد حسن خليفة - في بداية الأمر - سيرا حسنا، لكن نظرا لكثرة استخدام هذا الطريق سواء من جانب التجار أو رجال الحكومة لنقل المهمات من وإلى السودان فقد كان طبيعيا أن تحدث بعض المشاكل والتجاوزات التي أدت إلى تحذيره بل ومعاقبته.
ففي إحدى الرسائل التي بعث بها محمد علي إلى مدير دنقلة في عام 1844 نقرأ فيها أن حسن خليفة تعهد بأن يدفع على أقساط شهرية بواقع خمسة أكياس ومائة وخمسة وعشرين قرشا في الشهر تسديدا للأموال التي نهبت في الطريق.
(1)
حسن أحمد حسين العبادي: المرجع السابق. ص 11، 12.
(2)
نفس المرجع. ص 11.
(3)
نفس المرجع. ص 11.
(4)
نفس المرجع ص 11.
كذلك فإننا نقرأ في نفس الرسالة تهديدا بضرورة معاقبته فيما لو أهمل في هذا المشروع
(1)
.
وقد طفت إلى السطح مرة أخرى مشكلة وجود أو تعيين حسين خليفة كمتعهد للطريق أو إحلال شخص آخر مكانه وذلك من خلال ملتمس قدمه إلى الحكومة يطلب فيه "
…
رفع سليمان إدريس متعهد الطريق بين كرسكو والعتمور .. " ويبدو أن هذا الشخص قد وضع مكانه عقابا له لإهماله في ضبط أمور الطريق. وقد طلب مدير دنقلة مخاطبة مدير الوجه القبلي بشأن رفع سليمان إدريس المنافس لحسن خليفة
(2)
.
وقد كان هذه المشكلة مثار جدل ونقاش بين عدة أطراف: محمد علي، ومدير عموم الوجه القبلي، ومدير دنقلة وبربر وحسن خليفة. ويبدو أن الأمر كله في هذه القضية قد أحيل إلى مدير عموم الوجه القبلي للنظر فيه.
وقد تناقضت أحكام وآراء مدير عموم الوجه القبلي حول هذه القضية وهل يعود حسن خليفة إلى مباشرة وظيفته أم لا؟ فتارة نقرأ انحيازه لحسن خليفة على أن يتعهد الأخير بإدارة الطريق إدارة حسنة وأخذ شروط عليه وأن يتم ذلك كله بمعرفة مدير دنقلة وبربر. وتارة أخرى نقرأ لنفس المدير أن حسن خليفة "رجل مرتكب (مرتش) وغير قادر على إدارة الطريق ونقل المهمات في أسرع وقت"
(3)
.
وقد علل مدير عموم الوجه القبلي رفضه لتعيين حسن خليفة بأنه لو أعطى الطريق رأسا فلا يمكن بسط السلطان عليه كما كان من قبل وسيظل معطلا. ويخلص في النهاية إلى إسناد مهمة حراسة الطريق إلى مدير دنقلة وبربر. وعزز مطلبه هذا بقوله: "إن حسن خليفة وأتباعه العبابدة موجودون داخل السودان وليس في داخل مديرية عموم الوجه القبلي"
(4)
.
(1)
دفتر رقم 378 معية تركي. وثيقة رقم 593 بتاريخ 15 ذي الحجة سنة 1260 هـ. إرادة إلى مدير دنقلة. دار الوثائق القومية.
(2)
نفس الوثيقة.
(3)
محفظة رقم 19 بحربرا. وثيقة رقم 61 بتاريخ 13 محرم سنة 1261 هـ. من مدير عموم الوجه القبلي إلى كامل بيك المشرف بمعية جناب الحديد. دار الوثانق القومية.
(4)
نفس المحفظة.
ويبدو أن الشيخ حسن خليفة قد عُرف بالإسراف الشديد في إنفاق موارد القبيلة والبذخ والكرم الزائد عن الحد وحرمان كبار رجال قبيلته منها فنصح مرارا بترك البذخ فلم يستمع إلى هذه النصائح، فاجتمع رجال قبيلته وقرروا إعفاءه من الشياخة وتعيين الأرشد من إخوته مكانه فرفض التنازل عن المشيخة فتقدموا ضده بشكاوى إلى الحكومة بالخرطوم زمن الحكمدار لطيف باشا (1850 - 1851) وذلك في عام 1851 الذي حقق معه وعزله من وظيفته وعين مكانه شقيقه حسين خليفة العبادي
(1)
.
وقد ربطت الحكومة لحسين خليفة ماهية شهرية قدرها خمسة وعشرون جنيها مصريا مع أخذ ستة قروش عن كل جمل يمر بطريق كرسكو وأبي حمد، بالإضافة إلى ما يأخذه العبابدة خبراء الطريق وأصحاب الجمال أجرة لجمالهم في نقل مهمات الحكومة وبضائع التجار المسافرين وسلعهم.
وقد رافق حسين خليفة سعيد باشا والي مصر في سنة 1857 م أثناء زيارته للسودان فمنحه أراضي شاسعة في زمام إدفو بالإضافة إلى لقب البكوية. وقد عين حسين خليفة في عام 1869 مديرا لبربر. وفي سنة 1870 أصبح مديرا لبربر ودنقلة معا وأنعم عليه برتبة الباشوية، وقام بعدة إصلاحات كحفر الترع وإدخاله نظام تسجيل الأراضي بالمديريتين
(2)
.
ازدياد وتفاقم مشكلات الطريق وأهم الجهود:
إذا كان طريق التجارة الشرقي إلى السودان قد تعرض لبعض المشكلات وأشرنا إلى بعض منها، فهذا شيء طبيعي ولا سيما قبل عام 1841 أما بعد هذا العام فالأمر جد مختلف، وبالتالي فإن مشكلات الطريق قد تفاقمت بشكل بين؛ نتيجة لظروف جديدة قد يكون ظاهرها سياسيا ولكنها تحمل بين جنباتها طابعا تجاريا.
(1)
حسن أحمد حسين العبادي: المرجع السابق. ص 13.
(2)
حسن أحمد حسين العبادي: المرجع السابق. ص 14.
ففي عام 1841 جرت تسوية لندن وفتحت بابا للتدخل الأجنبي في مصر وأيضا في السودان. ليس معنى ذلك أن محمد علي قبل هذا التاريخ كان لا يشجع قدوم التجار إلى البلاد الخاضعة ولكن بشكل منظم ومحكم حين كانت سيطرته الداخلية عليهم كاملة. أما في أعقاب 1841 فبدأ التسرب الأجنبي يزداد بشكل جلي ساعد على ذلك ظروف أوروبا الاقتصادية التي كانت تعيشها في ذلك الوقت، ونعني بها الانقلاب الصناعي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، حيث بدأت أوروبا تشعر تدريجيا بحاجتها إلى مصادر جديدة للخام وأسواق خارجية أيضا لتصريف مصنوعاتها ذات الإنتاج الكبير، ووجدت في مصر بغيتها من حيث المناخ المعتدل والأرض الخصبة، والأهم من ذلك كله أن مصر بعد هذه التسوية أصبحت تطبق أو تسري فيها بنود أو معاهدات "الامتيازات الأجنبية".
وبالنسبة للسودان فقد عانى - تفريبا - نفس المعاناة التي نجمت عن هذه التسوية. فقد صدرت فرمانات: 13 فبراير 1841، 23 مايو 1841، يونيه 1841 من لدن الدولة العثمانية إلى محمد علي، وهذا كله يعني ضرورة سريان المعاهدات والقوانين التي أبرمتها أو تبرمها الدولة العثمانية مع الدول، وسريان قوانينها التي سنتها أو تسنها في السودان ومنها الامتيازات الأجنبية. كذلك فقد شجع الأجانب على القدوم إلى السودان - عدا ذلك - فتح النيل الأبيض بفضل رحلات سليم قبودان في الفترة ما بين 1839 - 1841. وإذا كان مجيء الأجانب في بادئ الأمر قد اقتصر على الرحالة والمستكشفين سواء مع جيش إسماعيل كامل أو في أعقابه، إلا أن التجار والمسافرين الذين جاسوا السودان والطرق الموصلة إليه بعد عام 1841 من خيار القوم بل كانوا - كما وصفهم القنصل الإنجليزي في مصر "كوهون Col.Quhoun" - من المغامرين الذين اقتصرت تجارتهم على الرقيق، تحميهم الامتيازات الأجنبية ويرعاهم القناصل
(1)
.
(1)
دفتر رقم 49 صادر معية عربي، صورة المكاتبة العربية نمرة 29 ص 128 بتاريخ 5 محرم سنة 1267 هـ. من المعية إلى مدير عموم قبلي. دار الوثائق القومية.
وهكذا بدأ سيل منهمر من الأجانب ولا سيما التجار والمغامرون يفدون إلى السودان ويسلكون طريق الصحراء الشرقي وازدادت بالتالي مشاكل هذا الطريق.
وقد تولت الرسائل التي تشكو مر الشكوى من الاعتداءات التي عمت طريق العتمور من جانب عربان البادية لدرجة أن مدير بربر طلب في عام 1850 "
…
بأن لا يرسل أدوات ميري ولا تجاري بالعتمور ما لم يرسل خبير". كما أن مدير إسنا طلب من حكمدار السودان النظر في " .. طريقة مستحسنة لتمشية سكة العتمور".
وفي 18 أكتوبر عام 1864 ذكر نائب القنصل الفرنسي بالخرطوم في شكوى له المخاطر التي كانت تكتنف طريق العتمور (أبو حمد - كرسكو) وطريق العتباي (بربر - دراو) حيث كانا دائما مزدحمين باحتياجات الحكومة من السلاح والمؤن الحربية الخاصة بالجيش، وكان هذين الطريقين مسخران لخدمة الجيش وحسب". ويضيف قائلا:"إن كل ذلك يترك قليلا من الأمل للتجارة التي تعاني كثيرا من المواصلات والخسائر الجسيمة الناجمة عن ذلك. فهناك على سبيل المثال بضائع فرنسية مهملة ومعطلة بكورسكو نتيجة الأزمة المستحكمة لمدة شهور بسبب قلة الإبل، ناهيك عما يلقاه التجار من شح في الاحتياجات الضرورية ووهج الشمس المحرقة والجبال الجرانيتية المطبقة عليهم من كل جانب"
(1)
.
وراح القنصل الفرنسي في السودان يردد في رسائله تلك المخاطر التي لخصها في عبارة واحدة "
…
وللتجار اليوم في السودان عدوان: الحكومة بما تقوم به من تفتيش مستمر للتجار دونما معايير ثابتة، والعدو الآخر يتمثل في جماعة الأعراب التي تُغِير على القوافل .. "
(2)
.
(1)
الأرشيف الفرنسي - محفظة رقم 59 - دار الوثائق القومية بالقاهرة. رسالة من: C.M :Thibut vice Consul de France a khartoum a m Tostu Agent et Consul General de France a Alexendrie . 404 - 409.khartoum Le 18 Octobre 1864 pp
(2)
الأرشيف الفرنسي: محفظة رقم 59 - دار الوثائق القومية بالقاهرة - انظر: a.l.Annexe NO la lettre de m : OUTREY du 19 Novembre 1865 m munzinger General du Vice .Consul General de France a Alexadrie. Cessala (Taka) 12 August 1865 p 1169
وإذا حاولنا مناقشة هاتين المشكلتين اللتين كانتا تواجهان التجارة والتجار في هذا الطريق فيمكننا القول بأنهما المشكلتان التقليديتان أمام أي تجارة في أي بقعة من العالم وإن اختلفت المسميات: فالأولى عبارة عن موقف الحكومة الرسمي من التجار سواء من ناحية تحصيل الضرائب وعمليات التفتيش، والثانية تتمثل في مشكلة الأمن المتعلقة بالتجارة والتجار.
أما المشكلة الأولى وما تقوم به الحكومة من تفتيش للتجار دون معايير ثابتة فربما يكون مرد ذلك هو بداية حدوث خلل في الأوضاع الاقتصادية في مصر، الأمر الذي استدعى تحصيل الكثير من الأموال للخروج من الضائقة الاقتصادية التي استحكمت في عهد إسماعيل. أما قبل ذلك ولا سيما في عهد محمد علي فقد كانت الأمور تسير على ما يرام حتى بعد عام 1841 حين انهال التجار على السودان وبدأ يطبق معاهدة بلطة ليمان 1838 - 1839 بشكل جدي ويضع أسسا ثابتة للتعامل مع التجار ويخفف الجمارك المتحصلة من بعضهم لا سيما المسلمون منهم
(1)
. أما في عهد إسماعيل فيبدو أن الرسوم قد وصلت إلى نسبة عالية ومبالغ فيها بلغت 8% بعد أن كانت 5% في عهد محمد علي، الأمر الذي أدى إلى شكوى التجار الأجانب ومطالبتهم بتخفيضها إلى 1%
(2)
.
ووصلت شكوى الأجانب إلى حد أن تدخل غوردون في 31 مارس عام 1877 لصالحهم طالبا استخدام موظفين أوروبيين في جمارك السودان خصوصا بجهات بربر وسواكن ومصوع وزيلع وتيجرة بالإضافة إلى أسوان. وقد وعد المسئولون ببحث هذا المطلب وإن كنا لم نقرأ في الوثائق - التي اطلعنا عليها ما يفيد تحقيق هذا المطلب
(3)
.
(1)
حمدنا الله مصطفى: التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان 1841/ 1881، ص 240.
(2)
حمدنا الله مصطفى المرجع السابق - ص 241.
(3)
دفتر رقم 34 عابدين - صادر - صورة التليغراف العربي الشفرة رقم 19 ص 164 بتاريخ الثلاثاء نمرة ذي القعدة سنة 1294 هـ إراده إلى سعادة عوزردن باشا حكمدار الأقاليم السودانية. دار الوثائق القومية بالقاهرة.
ويمكن تفسير شكوى التجار الأوروبيين من الحكومة بأنها حلقة في سلسلة الضغوط على الحكومة ومحاولة تدخلهم في شئونها سواء في مصر أو في السودان في عهد إسماعيل تمهيدا للسيطرة ثم الاحتلال. فتدخل غوردون لصالح التجار الأوروبيين يقيم الدليل على ذلك ولا سيما إذا علمنا كذلك أنه رشح للعمل في السودان من جانب أمير بريطانيا حتى يستطيع تنفيذ سياسة بريطانيا في المنطقة وإن أخذ مجيئه إلى السودان مع باقي الموظفين الأوروبيين شكل معاونة الخديو إسماعيل في حكم السودان ومقاومة تجارة الرقيق التي تبنتها إنجلترا لخدمة مصالحها. فصراخ التجار في ذلك الوقت وطلب استخدام موظفين أوروبيين على موانئ سواحل البحر الأحمر الغربي كان خطوة في الوثوب للسيطرة على هذه المنطقة .. منطقة القرن الأفريقي وما جاورها نظرا لأهميتها الإستراتيجية ومواجهة بعض هذه الموانئ لمنطقة عدن التي سيطرت عليها إنجلترا
…
فكل هذه الصراخات من جانب التجار كان تمهيدا للاحتلال أو كما يقولون Flag Follows Merchants.
أما المشكلة الثانية المتعلقة بأمن التجارة والتجار فلم تقف الحكومة إزاءها مكتوفة الأيدي، بل راحت تبذل الكثير لراحة التجار والمسافرين. ففي يولية عام 1865 طلب من حكمدار السودان تأمين هذه الطرق، والقيام بإعدام الأشخاص الذين تم القبض عليهم بتهمة ارتكاب حوادث السلب، وإرسال البعض الآخر إلى جهات جنوب السودان.
كما بعث المسئولون بمصر في أغسطس عام 1866 إلى الشيخ حسين خليفة العبادي متعهد طريق العتمور آنذاك يحثونه على أداء مهمته في حراسة طريق التجارة قائلين له: "إن من أفم الأمور المرغوبة إلينا وأعظم المواد الملتزمة لدينا التي لم نزل نداوم على رعايتها والحض على مزيد ملاحظتها هو تأمين الطرق والمعابر وتسهيل السبل لكل وارد وصادر وصيانة كل تاجر ومسافر حتى لا يضيع لأحد عقال بعير ولا يصاب أحد في نفسه ولا في ماله بقليل أو كثير .. "
(1)
.
(1)
دفتر رقم 1921 - أوامر كرام ص 189 - صورة الأمر الكريم رقم 23 - بتاريخ 9 ربيع ثاني سنة 1283 هـ. أمر كريم إلى الشيخ حسين خليفة متعهد طريق العتمور. دار الوثائق القومية بالقاهرة.
وقد وجه اللوم الشديد إلى الشيخ حسين خليفة على ذلك الإهمال الذي أدى إلى وقوع حوادث النهب والقتل محذرين ومنذرين من وقوع مثل ذلك مستقبلا
(1)
.
ومن الجهود التي بذلتها الحكومة في هذا السبيل حفر الآبار لما لها من أهمية بالغة في هذه الصحراء القاحلة الخالية من المياه. وقد نبه الحكومة إلى ذلك مشايخ العربان في هذه المنطقة أمثال العبابدة وغيرهم وغيرهم الذي حضروا إلى مدير دنقلة وبربر لاستكشاف هذه الآبار. ولما كان إسماعيل يعني بهذه الناحية ولديه هيئة أركان حرب في الجيش تقوم بهذه المهمة فقد طلب إعداد واستغلال هذه الآبار وعددها سبعة آبار بعضها عذب وبعضها مالحة تقع جميعها على طول الطريق ما بين أبي حمد (بالسودان حاليا) حتى الرديسية بأسوان
(2)
.
ومن الجهود التي يمكن الإشارة إليها قيام الشيخ حسين خليفة شيخ العبابدة ومتعهد الطريق بفتح طريق قصير وآمن من كرسكو إلى أبي حمد حيث كانت القافلة الصغيرة تقطعه في مدة من 8 - 11 يوما، كما قام بتنظيف وإعداد آبار (مرات) العذبة، وقام ببناء مركز حصين للقوافل عند أبي حمد ضد هجمات البشاريين التي هددت طريق التجار والتجارة
(3)
.
ولم يقتصر دور العبابدة في التجارة ما بين مصر والسودان على مهمة الحراسة والدلالة فحسب ولكنهم شاركوا بقدر في هذه التجارة. فقد صدر العبابدة الجمال إلى أسواق مصر ولا سيما سوق دراو الشهيرة، خصوصا إذا علمنا أن فروعا وأكداد كثيرة من الحبابدة تعيش في دراو وما حولها. ففي هذه السوق تعرض إبل العبابدة والبشارية والرشايدة الذين يقيمون حول العطبرة وكسلا.
كذلك فقد تاجر العبابدة قي السنامكة والفحم النباتي ونقلوه إلى أسوان وقنا وموانئ البحر الأحمر. وكانوا يقومون بشراء حاجياتهم من سوق دراو والتي غالبا
(1)
نفس الوثيقة.
(2)
Hill: op.cit .. p .59.
(3)
محمد رياض المرجع السابق. ص 16
ما كانت تتكون من الذرة والمنسوجات والأواني النحاسية. وقد قدر وليم هودجسون Hodgson ضرائب جمرك دراو باعتبارها سوقا تجاريا هاما ومستقرا للعبابدة بعشرة آلاف دولار في عام 1833
(1)
.
وقد ظل العبابدة محافظين على امتياز النقل عبر الطريق ما بين مصر والسودان حتى إنشاء خطوط السكة الحديدية ما بين حلفا والخرطوم حيث فقد العبابدة الأموال التي كلانت تجبى نظير حراسة ومرافقة القوافل المارة بالطريق فتفرقوا في أنحاء مصر والسودان.
العبابدة والثورة المهدية:
لعب العبابدة دورا بارزا في حوادث الثورة المهدية منذ اندلاعها وحتى استرداد السودان. وقد بدأ هذا الدور من خلال زعيمهم ومدير بربر حسين باشا خليفة ورجال العبابدة، ثم بدأ هذا الدور يتعاظم بوصول غوردون إلى بربر في 11 فبراير عام 1884 وتطور الأحداث التي أفضت إلى انتصارات المهدي ثم بداية مرحلة جديدة فيما بعد للقضاء على دولة المهدية وبداية استرداد السودان.
ولقد بدأت الثورة بتحقيق انتصارات عظيمة حيث أباد المهدي تجريدة هكس باشا في شيكان في الخامس من نوفمبر عام 1883، وأصبح الاستيلاء على الخرطوم مسألة وقت. كذلك فقد رسخت أقدام المهدية في شرقي السودان وأبيدت جيوش الحكومة المصرية في سنكات وطمانيب، كما كانت كسلا محاصرة. أما في الجزيرة بين النيل الأبيض والنيل الأزرق فإن صهر المهدي ود البصير قد أحرز عدة انتصارات. هكذا كانت حالة البلاد عند وصول غوردون إلى بربر - معقل العبابدة - في فبراير عام 1884
(2)
.
ومنذ هذا التاريخ بدأ دور العبابدة - بشكل مباشر - في أحداث الثورة المهدية حيث أرسل غوردون، وهو في أسيوط، رسالة إلى حسين باشا خليفة مدير
(1)
تقرير وليم هودجسون (1834) كما ورد بكتاب د. محمد فؤاد شكري: بناء دولة، مصر محمد علي. ص 281.
(2)
سلاطين باشا: السيف والنار في السودان. تعريف جريدة البلاغ، 1930، ص 118.
بربر طلب منه إبلاغ العمد والأعيان بأنه أصبح واليا مفوضا على السودان وأنه عند وصوله سيعزل جميع الموظفين الأتراك والمصريين ويولي حكاما من أهل البلاد ليعيد الحكم إلى ما كان عليه قبل فتح السودان، وأنه أعفاهم من الأموال المتأخرة حتى عام 1883، ومن دفع الأموال مدة سنتين في المستقبل، وأنه خفض الضرائب إلى نصف ما كانت عليه، وألغى الأوامر الصادرة بمنع تجارة الرقيق. وحين وصل غوردون إلى كرسكو أرسل إلى حسين باشا خليفة رسالة باسم محمد أحمد المهدي يسميه فيها سلطانا على كردفان، وطلب منه أن يرسل الرسالة مصحوبة بهدية عبارة عن جبة جوخ حمراء وقفطان حرير أحمر وطربوش أحمر ومركوب أحمر فقام حسين خليفة بإرسال الهدية.
وحين وصل غوردون إلى بربر عقد مجلسا من العمد والأعيان وألقى عليهم خطابا أعاد فيه ما ورد في رسالته السابقة إلى حسين خليفة وأضاف أن الجناب العالي (الخديو توفيق) ترك السودان لأهله بناء على أمر منه إلى غوردون في 26 يناير 1884، وأنه قادم إلى السودان بهدف إعادة العساكر إلى مصر ليس إلا، ثم اختار اثني عشر عمدة وأمرهم أن يشكلوا مجلسا ويحكموا فيه بالشورى وأن لا ينفذ المدير أمرا إلا بعد إقرار هذا المجلس. ثم قام بعزل الحكام الأتراك وتعيين بعض الحكام السودانيين، وأعلن أن كل من أراد العودة إلى مصر سوف يرسل على نفقة الحكومة فرحل الكثيرون. ثم أصدر منشورا صرح فيه تسمية محمد أحمد سلطانا على كردفان وفتح الطريق بينه وبين بربر بعد أن كان موصدا وألصق المنشور على باب المديرية وفي شوارع المدينة. ومن هنا بدأت الأحداث تتطور وشعر الأهالي بخطورة الموقف وربما بضعف الحكومة أمام المهدي فبدأوا يفكرون في الهجرة إلى المهدي أفواجا لا سيما بعد علمهم بعزم الحكومة على إخلاء البلاد
(1)
.
(1)
حول هذه الإجراءات التي قام بها غوردون انظر ما يلي:
- محافظ مجلس الوزراء - السودان - الثورة المهدية - محفظة رقم 9/ 1/ و شئون سكرية الفترة من (11/ 11/ 1883 - 23/ 3/ 1888) - دار الوثائق القوميه بالقاهرة.
- محافظ مجلس الوزراء - السودان - الثورة المهدية - محفظة رقم 9/ 1/ و تليغراف بشأن الإعلان المقدم من حاكم السودان عن استقلال السودان بتاريخ 22 فبراير 1884. دار الوثائق القومية. =
ولقد أدى الكشف عن الوثيقة الخاصة بإخلاء السودان إلى إثارة القلق والخوف ولا سيما عند حسين باشا خليفة وغوردون واهتزار مكانة كل منهما وسلطته. وعندئذ أبرز غوردون وثيقة أخرى وصفها حسين خليفة .. بأنها مخالفة لتلك التي عرضت في الاجتماع السابق". ومن الواضح أتها كانت إحدى الوثيقتين الأوليين اللتين خلتا من أي إشارة إلى ترك السودان. وهنا بين له حسين خليفة بأنه "ما كان يجب عليه عرض الدكريتو السابق الذكر والسماح بقراءته لسكان الإقليم وشيوخه أولا مع تأجيل الوثيقة الأخرى التي عرضت فعلا حيث إنها تسببت في إثارة كثير من القلق وتأكد بها الشعب من تنازل الخديو عن السودان لأهله". وقد أعطى حسين خليفة - بناء على طلبه - نسخة من تلك الوثيقة لنشرها. وعند عودته إلى بربر قام بعقد اجتماع قرأ فيه نسخة الوثيقة التي جاء بها تعيين غوردون حاكما عاما للسودان. ويبدو أن ذلك اعتبر مناقضا لعمل غوردون إذ لا ترد به إشارة جديدة إلى مجلس الإقليم، كما لم تكن استجابة الناس لذلك مرضية. واعتقد العامة والشيوخ أن هذه الوثيقة قد وضعت بمعرفة حسين باشا خليفة حيث إنها لم تقرأ بواسطة غوردون نفسه.
ولما وصل غوردون إلى الخرطوم صباح يوم 18 فبراير سنة 1884 أمر بهدم الحصون التي عززها عبد القادر باشا حلمي حول الخرطوم وحرق السجلات الحكومية وأباح تجارة الرقيق، كما عني بموضوع ترتيب نوع من الحكم في السودان يصاحب التخلي عنه. وأخيرا هون كثيرا من شأن الثورة المهدية.
ولم تكن القرارات والإجراءات التي أصدرها غوردون بدءا بقرارات بربر وانتهاءً بقرارات الخرطوم ذات فائدة كبيرة في التأثير على أهل السودان بشكل عام. فقد كان إعلان تعيين المهدي - مثلا - سلطانا على كردفان أمرا مثيرا للعجب
= - محافظ مجلس الوزراء - السودان - الثورة المهدية - محفظة رقم 9/ 1/ و تليغراف بتاريخ 27 فبراير 1884، صادر من الخرطرم إلى كافة أهالي السودان. دار الوثائق القومية.
- إبراهيم فوزي: كتاب السودان بين يدي غوردون وكتشنر. الجزء الأول. ص 265 وما بعدها.
- هولت: المهدية في السودان. ترجمة جميل عبيد. ص 110 وما بعدها.
- نعوم شقير: تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته. الجزء الثالث. ص 213 وما بعدها.
والدهشة؛ لأن المهدي كان يحكم فعلا في كردفان، إذ اصبح محمد أحمد بالفعل - بعد موقعة شيكان - سلطانا معنويا على السودان كله وسلطانا فعليا على جميع السودان الغربي فهل يحفل بعد بلقب "سلطان كردفان" من حكومة جرد سيفه لقتالها وقهر جنودها المرة بعد المرة؟ ثم ما هي الفائدة في إخلاء السودان في مثل تلك الأحوال سوى إظهار العجز امام المهدي وحمل الأهالي الذين كان لهم بقية أمل في الحكومة على تركها نهائيا والانضمام إلى المهدي قبل فوات الفرصة.
لقد كانت هذه الإجراءات منذ بدايتها وحتى وصوله إلى بربر خاطئة وخطيرة ساعدت على مزيد من انتصارات المهدي وتجمع الأهالي حوله وإظهار الحكومة بمظهر الضعف.
ويعلق شكري على هذه الأحداث بأن إطلاع حسين باشا خليفة مدير بربر على كتاب الخديو توفيق لغوردون أو ما صار يعرف بالفرمان السري "خطأ تقدير". حقيقة أن غوردون لم ينشر رسميا، أي يصدر منشورا أو إعلانا يتضمن نص هذا الفرمان الخديوي أو فحواه، ولكن كان كافيا أن يطلع غوردون هؤلاء الأعيان في هذا الاجتماع السري لينتشر الخبر بسرعة كبيرة؛ ولذلك فقد وصف ستيوارت هذا العمل من جانب غوردون بأنه "قفزة في الظلام" Leap in the dark وأشار إليه السير ريجينالد وينجت Reginald wingat حكمدار السودان (1899 - 1916) بأنه "المنشور ذو الأثر المميت الذي أضاع السودان". أما غوردون نفسه فقد اعترف بهذا الخطأ الذي ارتكبه في بربر فكتب في "جورناله" وقد اشتد عليه الحصار في الخرطوم في 9 نوفمبر عام 1884 "إذا حصل المهدي على هذا الفرمان (السري) لازدهى بنفسه عجبا وخيلاء. ومع هذا فقد يكون قد عرف به لأني اطلعت عليه - وأنا لا علم لي جيدا بمحتوياته - حسين باشا خليفة"
(1)
.
ويتساءل سلاطين باشا حول هذه الحادثة قائلا: ما الذي أغرى غوردون بإذاعة هذا المنشور والإعلان فيه إخلاء الحكومة المصرية للسودان، وقد نصح له
(1)
محمد فؤاد شكري: مصر والسودان - تاريخ وحدة وادي النيل السياسية في القرن التاسع عشر. 182 - 1899. ص 327.
حسين باشا خليفة ألا يقرأه في بربر ولكن عندما وصل إلى بلدة المتمة قرأه أمام جميع الناس. فهل لم تبلغ غوردون منشورات المهدي التي أرسلها عقب سقوط الأُبَيّض؟ ألم يعرف أنه كان يدعو الناس في هذه المنشورات إلى إعلان الجهاد على الحكومة وأن من يعصيه في هذا الأمر يعتبر خائنا للدين فتصفى أملاكه وتؤسر نساؤه وأولاده ويصيرون عبيدا للمهدي؟. وإذا كان غوردون يرمي بذلك إلى الحصول على معاونة هذه القبائل حتى يتمكن من سحب الحاميات فكان بإمكانه أن يتفق معها حول ذلك ولكنه أضاع الفرصة إذ كيف يمكن أن تساعده هذه القبائل إذا كان هو قد أعلن إخلاء السودان؟، ومعنى ذلك أن تترك هذه القبائل لرحمة المهدي. وما كان يفعل المهدي لو أنه علم أنهم عاونوا غوردون على أن يسحب الحاميات
(1)
؟.
ولقد كانت هذه القبائل - حسب تعبير سلاطين - أعقل وأحصف مما حسبها غوردون. ولم تكن ثمة حاجة إلى رجل ذي مهارة خارقة تسحب الحاميات والذخائر على بواخر إلى بربر بحجة رفع الحصار عن المدينة وعندئذ تسحب جميع الحاميات أو معظمها ولكن كان ينبغي السرعة في هذا العمل ثم أنه لم يكن ممكنا بعد سقوط بربر في 19 مايو 1884 كما سنرى.
وعلى كل حال فإن إذاعة منشور غوردون قد عجل بسير الأحوال إلى حد مزعج، فقد عرف الأهالي نية الحكومة في إخلاء السودان وصار كك منهم ينظر إلى مصالحه الخاصة التي صارت على خلاف مع مصالح الحكومة التي قلبها مواطنهم المهدي
(2)
.
وثمة خطأ آخر ارتكبه غوردون في بربر وهو إعلانه أن الأوامر الصادرة بمنع تجارة الرقيق قد ألغيت. فقد كان ذلك بمثابة توكيد آخر بأن الحكومة تعتزم إخلاء السودان. وقد أثار هذا الإعلان دهشة الناس وكان - لغرابته عليهم - أن الناس لم تصدقه في بادئ الأمر ثم إن هذا الإعلان قد ساعد على أن تزيد ثقة تجار الرقيق في أنفسهم وهم الذين قامت الثورة المهدية على أكتافهم
(3)
.
(1)
سلاطين: السيف والنار في السودان. ص 127.
(2)
نفس المصدر. ص 228.
(3)
نفس المصدر. ص 328.
سقوط بربر (19 مايو
1884):
وكما سبق أن أوضحنا فإن أكثر مناطق السودان قد وقعت في قبضة المهدي ولم يبق إلا القليل. وتعذر الزحف إلى المناطق الشمالية بقيادة محمد الخير أستاذ المهدي الذي قرر تعيينه مديرا على بربر ودنقلة.
وتجدر الإشارة أنه حتى ذلك الوقت فإن كثيرا من كبار السودانيين - رغم الانتصارات الكبيرة التي أحرزها المهدي - كانوا على ولائهم للحكومة المصرية أمثال السيد أحمد الأزهري (جد السيد إسماعيل الأزهري) والشيخ عوض الكريم أبو سن شيخ الشكرية وزعيم العبابدة حسين باشا خليفة مدير بربر
(1)
.
ولكن حماسة الجنود الذين يقودهم المهدي ورجاله كانت جارفة فتقدم محمد الخير إلى بربر معقل العبابدة في أوائل شهر رجب عام 1301 هـ (مايو 1884 م) ومعه نحو سبعين ألف مقاتل. ولما اقترب من بربر أرسل إنذارا إلى حامية بربر والسكان يدعوهم فيه للتسليم فامتنعوا، وأحاط رجال المهدي بالمدينة سبع ليال منذ الثاني عشر من مايو كانت المخابرات السرية خلالها جارية بين محمد الخير وبين حسين باشا خليفة مدير بربر الذي كان يؤمل أن المهدي لن يولي غيره عليها.
وكان في بربر خمسون ألف جنيه أرسلت من مصر لنفقات حامية الخرطوم فأرسلت الباخرة (الفاشر) لحملها إلى الخرطوم فأخذ حسين باشا يماطل ربان الباخرة حتى لا يصل المال إلى الخرطوم ويكون غنيمة للمهدي. وقد وقعت آنذاك كثير من ملابس غوردون وأمتعته التي أرسلت خلفه من مصر في يد رجال المهدي.
وكان محمد الخير قد أرسل رسالة موقعا عليها من شيوخ الإقليم إلى حسين باشا خليفة مدير بربر وضباط حاميتها تدعوهم إلى التسليم، ولكن حسين خليفة رفض ذلك. ومما جاء في هذه الرسالة " .. أن الحكومة المصرية تركت لنا بلادنا فسلموها لنا وإلا نخرجكم منها بالقوة"
(2)
.
(1)
شكري: المرجع السابق. ص 262
(2)
حسن أحمد حسين خليفة - المرجع السابق ص 2 - 21.
وكانت حامية بربر قليلة لم تزد على ألف وستمائة عسكري نصفهم من الباشبوزق "غير نظاميين" والنصف الآخر من العساكر النظامية تحت قيادة البكباشي محمد أفندي فهمي. وقد حفر حسين باشا خندقا حول المدينة (بربر المخيرف) طوله نحو سبعة كيلو مترأت، وكان حسين باشا قد طلب من غوردون باشا أن يرسل له مددا لتعزيز الحامية فكان يعده بقرب وصول النجدة إليه من مصر، فلما نفد صبره سأل مصر تلغرافيا فودت عليه بعدم تيسر إرسال جنود. ولما وصله كتاب محمد الخير المار ذكره جمع ضباط الحامية وقرأ عليهم الكتاب فأجمعوا رأيهم على عدم التسليم وكتبوا بذلك إلى الأمير محمد الخير وخاطبهم هذا مرة ثانية ناصحا لهم فرفضوا.
ولما أصبح محمد الخير قريبا من بربر ذهب إليه عبد الماجد أبو لكيلك الميرفابي وخشم الموسى محمد الميرفابي اللذين عينهما غوردون باشا - مأمورين وانضما إليه بما كان لديهما من أسلحة وذخيرة الحكومة التي صرفت لهما ولأتباعهما ولمحاربة أنصار المهدية، كما انضم إليه كثير من الميراف وقبيلة الجهيماب وبلغ جيش محمد الخير أربعين ألفا من المشاة والفرسان وأصبح من المحتم سقوط بربر لكثرة المهاجمين وقلة حاميتها
(1)
.
وقد قام أنصار المهدي بقطع اتصالات بربر بالشمال والجنوب وأعد حسين خليفة ما استطاع من استعدادات للمقاومة. وفي النهاية دخلت قوات محمد الخير المدينة عنوة دون أن يصيبهم أدنى ضرر وأثخنوا الأهالي قتلا، وتعرض العبابدة لمذبحة كبيرة. ويقال أن أكثر من ثلاثة آلاف من المصريين قد راحوا ضحية هذه المذبحة. أما حسين باشا فقد أحاط بداره حرس محمد الخير ومنعوا وصول أي أذى له رغم الحصار الذي ضرب حول بيته ومحاولة الفتك به. وقدم حسين باشا خليفة خضوعه لمحمد الخير. وقد أحسن الأخير معاملته لأنه كان صديقا له قبل قيام الثورة المهدية، كما عرف عن محمد الخير أنه كان عالما جليلا درس العلم في
(1)
نفس المرجع. ص 20 - 21.
بلدة "الغبش" تجاه بربر على الشاطئ الغربي للنيل، وكان يتلقى مرتبا ماليا من الحكومة المصرية
(1)
.
وبعد شهرين من فتح بربر أرسل حسين خليفة إلى المهدي
(2)
.
وهكذا سقطت بربر التي تعتبر مفرق طرق كبير الأهمية، بل إنها تعد النقطة الوحيدة التي يمكن الارتكاز عليها لإنقاذ الخرطوم سواء عن طريق البحر الأحمر أو عن طريق النيل.
ولما وصل حسين باشا خليفة إلى مقر المهدي قابله الخليفة (علي ود حلو) وسأله عن حالة والتي بربر السابق والحالة في وادي النيل. فوصعف له حسين باشا خليفة البلاد التي بين بربر وفاشودة قائلا: إنها صارت تابعة للمهدي وإن المواصلات بينها وبين مصر قد انقطعت. أما الخرطوم فإن غوردون يدافع عنها ولكن عرب الجزيرة قد حاصروها. وكان حسين خليفة يصف الأحوال بالصيغة التي تروق للخليفة. وقد سر الخليفة بهذه الأخبار ووعده بأن يقدمه للمهدي وأنه سوف يعفو عنه. وبالفعل فقد تمت مقابلة حسين باشا خليفة للمهدي
(3)
.
وفي تلك الأثناء كان سلاطين باشا مقبوضا عليه، ولما جيء بحسين خليفة وضعا في مكان واحد. وقد خلا كل منهما إلى الآخر وصارا - كما يروي سلاطين - يتحسران عن الحالة التي آل إليها السودان، الأمر الذي يؤكد إخلاص حسين باشا خليفة للإدارة المصرية. وقد سأله سلاطين عن الحالة في الخرطوم وما يفعله السكان هناك، فأجاب قائلا: "وا أسفاه هي كما وصفت للخليفة. فإن إذاعة المنشور بإخلاء السودان قد قلبت الحالة وكانت سببا غير مباشر في سقوط بربر، ولست أشك في أنها كانت ستسقط على أية حال، ولكن هذا المنشور أسرع في
(1)
حسن أحمد حسين خليفة العبادي: المرجع السابق. ص 22.
(2)
إبراهيم فوزي: المصدر السابق. ص 318.
انظر أيضا: هولت: المرجع السابق. ص 115 - 116.
انظر أيضا: سلاطين: المصدر السابق. ص 131.
(3)
سلاطين: المصدر السابق. ص 127.
سقوطها. وأضاف أنه كان قد منع غوردون أثناء وصوله إلى بربر من اتخاذ هذه الخطوة ولا يدري ما الذي جعله يسلكها ثانيا"
(1)
.
وبالرغم من ذلك كله فقد تمكن حسين باشا خليفة من مخادعة المهدي حتى أقنعه أنه مخلص له في السر والجهر. ولما كان المهدي تسول له نفسه فتح مصر والشام والقسطنطينية ومكة المكرمة وإخضاع جميع الأمم، وكان الإنجليز آنذاك قد خرجوا من دنقلة، فقد شرع في الاستعداد لغزو مصر وكان لابد له من رجال يساعدونه على تحقيق ذلك فقام بتسمية حسين باشا خليفة عاملا عاما على قومه العبابدة الذين كانوا داخل حدود مصر ومن أراد الانضمام إليهم من أهله وطلب إلى حسين خليفة أن يوافق المصريين حتى يدركه بجيشه.
وقد بعث المهدي في 27 مايو سنة 1885 إلى حسين باشا خليفة بمنشور في هذا الصدد وطلب منه تبليغ دعوة المهدي إلى الناس وإعطاءهم البيعة استنفارهم لإحياء الدين. وقد فوضه المهدي في تولية من يرى فيه إصلاح المسلمين وعزل من يرى فيه إفسادهم
(2)
.
وفي ذات الوقت أرسل المهدي رسالة إلى الشيخ منتشح كرار العبادي يسميه أميرا على قومه "الشناتير"، وإلى الشيخ بشير جبران العبادي يسميه أميرا على قومه العشاباب، وأخبر كلا من الشيخين المذكورين بتولية حسين خليفة عاملا عاما على العبابدة. وقد خرج حسين باشا خليفة من أم درمان في 31 مايو سنة 1885 إلى القاهرة وهو غير مصدق أنه نجا
(3)
.
وبعد مبارحته أم درمان بأيام قلائل توفي الإمام المهدي فأرسل الخليفة عبد الله قوة من الأنصار تقتفي أثره وتعيده ولكن حسين باشا خليفة كان قد تمكن من دخول حدود مصر والوصول إلى أسوان ثم إلى القاهرة.
(1)
نفس المصدر. ص 127.
(2)
انظر نص المنشور بالملحق رقم (1) ص 78.
(3)
نعوم شقير. المصدر السابق. ص 346 - 347.
وقد جرى تقديم حسين باشا في القاهرة إلى مجلس عسكري لمعرفة الدوافع التي أدت إلى سقوط بربر وضياع خمسين ألف جنيه كانت مودعة بخزانة مديرية بربر ومسئوليته تجاه ذلك كله، لا سيما وأن بعض الكارهين له قد استغلوا الصداقة التي كانت بينه وبين محمد الخير فأشاعوا أن حسين باشا كان ميالا لسقوط بربر.
وكان تشكيل المجلس العسكري من اللواءات زهراب باشا ومحمد نصحي باشا وخسرو عزمي باشا. وفي نهاية المحاكمة بُرئ من هذه التهمة وعين مفتشا بوزارة الداخلية حتى توفي في عام 1886
(1)
.
وبعد وفاة المهدي عام 1885 مضت الحملات في عهد الخليفة عبد الله التعايشي، ثم كانت حملة النجومي للزحف صوب مصر.
وقبل إرسال حملة النجومي وتمهيدا لها أرسل الخليفة عبد الله التعايشي رسائل إلى مشايخ العبابدة للخروج على طاعة المصرين والانضمام إلى جيشه للزحف إلى مصر. ففي أول أكتوبر عام 1888 م كتب إلى بشير مصطفى أبي جبران قائلا: "ونعلمك أن المهدية قد اتسعت دائرتها وشاع في بلاد الله أمرها وقد التفت الآن لفتح الجهات البحرية والشروع في توجيه الجيوش إليها بعون رب البرية ولابد من وصولها لجهاتكم عن قريب فيلزم أيها المكرم أن تكون في غاية الأهبة والاستعداد والتحزب لجهاد أعداء رب السلام اخترناك أن تكون عاملا من طرفنا على أهاليك العشاباب وجميع من تبعهم وحررنا لك هذا بالعمالة عليهم وأمرنا المكرم محمد بحر كرار بمؤازرتك على ذلك ومساعدتك على تنفيذ إشارتنا والقيام بأمرنا في تأييد الدين وجهاد الكافرين"
(2)
. وقد طلب منه أن يقوم بالتنبيه على أهاليه بالاتحاد والاستعداد للجهاد والانفصال عن أعداء الله - كما يقول - حين
(1)
محافظ مجلس الوزراء: السودان - الثورة المهدية - محفظه رقم 9/ 1/ أ نمرة 194 سودان - دار الوثائق القومية.
انظر أيضا: نفس المحفظة - شئون عسكرية خاصة بمديرية بربر رقم 1096 دار الوثائق المصرية.
انظر أيضا: 169. p ..
…
Hill R A Biographical Dietionary .
(2)
نعوم شقير. المصدر السابق. ص 510.
يبلغه خبر قدوم الجيوش المهدية من دنقلة إلى حلفا والقيام بشن الغارة عليهم وقطع طرق المواصلات عنهم
(1)
.
وهكذا راح الخليفة يستثمر وجود العبابدة وزعمائهم في شمال السودان وجنوب مصر نظرا لدرايتهم بطرق الصحراء الشرقية بين مصر والسودان، ولوح للزعماء بالسلطة التي لم يكونوا في حاجة إليها، فلم يذعن العبابدة لذلك بل ظلوا - بشكل عام - مخلصين أوفياء للحكم المصري في السودان.
ولما وصلت حملة النجومي زاحفة صوب الشمال بهدف الوصول إلى مصر لقيت هزيمة منكرة في توشكي في أغسطس عام 1889 لتقضي على أحلام التعايشي ومن قبله المهدي في فتح مصر. ولقد كان أحمد بيك حسين خليفة وأخوه ياسين بيك وجماعة من قبيلتهم ومعهم مائة جمل مع جيش الحكومة في هذه الموقعة.
وفي ذات التاريخ عينت نقطة من العبابدة المليكاب في آبار مرات بقيادة صالح بيك خليفة فقام باحتلالها وطرد حسن خليفة الموالي للخليفة عبد الله في 3 أغسطس 1889.
وفي عام 1891 وصلت إلى مسامع صالح خليفة أن جنود المهدي في أبي حمد يستعدون للهجوم عليه ورجاله ونزل بهم إلى أبي حمد ودارت معركة بين الطرفين قتل فيها قائد رجال المهدي ويُدعى سليمان ودقمر. وكان من نتيجة هذه المعركة تعرض العبابدة من جماعة المليكاب في السودان للظلم فقام الخليفة بنفي أعداد كبيرة منهم إلى بحر الجبل، وصمم على الأخذ بالثأر من صالح خليفة فطلب إلى أمير دنقلة يونس الدكيم أن يتولى ذلك فأرسك الأخير عثمان أزرق على رأس ستمائة مقاتل بالأسلحة النارية لغزو آبار المرات وذلك في 12 نوفمبر عام 1893 فدارت معركة بين الطرفين قتل خلالها صالح بيك خليفة بعد أن أبلى بلاءً حسنا. وتولى شقيقه عبد العظيم قيادة العبابدة وظلت المعركة حتى الليل فعاد
(1)
نعوم شقير: المصدر السابق. ص 511.
رجال المهدي إلى دنقلة بعد أن قتل منهم تسعة وعشرون رجلا. وأما العبابدة فقد قتلهم منهم - عدا صالح بيك - أحد عشر رجلا. وقد عين السردار عبد العظيم محل أخيه
(1)
.
وقد شارك العبابدة في المعارك التي مهدت لاستعادة السودان. فقد ساهم عبد العظيم بيك خليفة في موقعة أبي حمد في 7 أغسطس عام 1897 حيث طلب منه السردار أن يوافي هنتر باشا في أبي حمد فوافاه إليها بأربعين رجلا
(2)
.
كذلك فقد ساهم العبابدة في احتلال بربر عام 1897 حيث بلغ إلى مسامع هنتر باشا أن الزاكي عثمان البقاري الذي كان أميرا على بربر قد تركها فأرسل أحمد بيك حسين خليفة (أخا عبد العظيم بيك) بأربعين رجلا من عربان العبابدة لتحقيق الخبر فوصل بربر في الحادي والثلاثين من أغسطس فوجد الخبر صحيحا وشارك في طرد سرية من أنصار المهدي بقيادة صالح التعايشي، كما طرد منها أيضا الأمير قريقر التعايشي ومن معه من الأنصار، وبعث رسولا إلى هنتر فحضر بأربع وابورات ودخل بربر في 6 سبتمبر 1897 ورفع العلم المصري عليها. وقد سر هنتر باشا لجهود أحمد حسين خليفة العبادي ووعده بمكافأة جزاء عمله هذا
(3)
.
وفي شهر سبتمبر عام 1897 أغار الأمير عبد الرحمن صغير على رأس كتيبة من خيالة المهدية على مدينة العبيدية ونهبوا البلدة واستولوا في الطريق على البوستة الأميرية والخصوصية المرسلة من مصر. فقام أحمد بيك حسين خليفة من بربر بصحبة مجموعة من رجاله واستطاعوا استرداد البوستة والمنهوبات وعاد إلى بربر فقابله كتشنر وهنتر باشا وتدوي بيك قومندان الهجانة عند بئر محوبك فسلمهم البوستة والمنهوبات فشكروه على ذلك
(4)
.
(1)
نعوم شقير: المصدر السابق. ص 506، 524، 525، 571.
(2)
نفس المصدر: ص 599.
(3)
حسن أحمد حسين العبادي: المرجع السابق. ص 27.
وانظر أيضا: نعوم شقير المصدر السابق. ص 600 وما بعدها.
(4)
حسن أحمد حسين العبادي: المرجع السابق. ص 27 - 28.
وهكذا يتضح لنا في مسيرة العبابدة مع الثورة المهدية أنهم قاوموا الثورة المهدية في كل مراحلها ولا سيما في الجبهة الشمالية وتعرض بعض زعمائها للسجن والقتل ولم يذعنوا لإغراءات المهدي ورجاله للانسلاخ عن الإدارة المصرية بل واصلوا خدمة هذه الإدارة بإخلاص وظلوا يشاركون في القضاء على المهدية حتى استرداد السودان.
الخاتمة:
من ذلك كله يتراءى لنا أن العبابدة قد لعبوا دورا رئيسيا في خدمة الإدارة المصرية بالسودان، وكان هذا الدور هاما لعدة عوامل:
العامل الأول: أن العبابدة قد تمركزوا في منطقة بربر وما جاورها التي تعتبر حلقة وصل بين مصر والسودان من جهة، وبين السودان وشرقه من ناحية أخرى حيث يبدأ من بربر طريق يصلها بالبحر الأحمر، وهذا الموقع الإستراتيجي أتاح لبربر أن تكون محطة تموين ومركز حشد لمعدات الحرب.
العامل الثاني: أن العبابدة من خلال موقعهم الإستراتيجي الوسيط بين مصر والسودان كانوا أدلاء مهرة للقوافل واعتبروا بمثابة سلاطين للصحراء. فقد لعبوا هذا الدور باقتدار شديد وكانوا أشبه "بترمومتر" لقياس مدى ازدهار وكساد التجارة بين مصر والسودان. فكلما ضبطوا الطريق وحافظوا على التجارة والتجار، ولم تغال الحكومة في فرض المكوس والضرائب عليهم كان ذلك مدعاة لنشر الأمن وازدهار التجارة على طول الطريق، وفي المقابل فكلما أخل العبابدة أو تقاعسوا في أداء هذا الدور كسدت التجارة كنتيجة لخطورة الأمن على طول الطريق.
العامل الثالث: أنه مع معظم الأحداث الهامة التي ارتبطت بتاريخ العلاقات بين مصر والسودان برزت خطورة العبابدة في أداء أو المساهمة في هذا الدور.
ومن أمثلة ذلك ضم أو فتح السودان على يد إسماعيل كامل بن محمد علي وإمدادهم لهذه الحملة بالإبل والرجال، وكذلك أحداث الثورة المهدية واسترداد السودان. فقد لاحظنا كيف كان العبابدة يلعبون دورهم بحنكة عندما وجدوا
أنفسهم في خضم أحداث الثورة المهدية وفي موقف لا يحسدون عليه، وكان زعيمهم آنذاك حسين باشا خليفة الذي كان يدين بالولاء للإدارة المصرية فإذا به يجد نفسه أمام تيار جارف للمهدية يكتسح السودان ويصل إلى شماله حيث معقل العبابدة وأنه لا محالة أن يكون من المغرقين فيه. وللحقيقة التاريخية نقرر أن حسين باشا خليفة العبادي قد أثبت أنه مخلص للإدارة المصرية رغم هزيمته في بربر على يد رجال المهدية وسوقه إلى المهدي ليلاقي جزاء إخلاصه لهذه الإدارة. وقد استطاع هذا الرجل بما أوتي من دربة وحنكة أن يقنع رجال المهدي بإخلاصه لهم وأنه سوف يحاول أن يقدم خدماته لهم لكنه لم يفعل. وحين قدم للمحاكمة لم يجدوا ما يدينه فبُرئ بل وأعيد للعمل في الإدارة المصرية حتى وفاته.
العامل الرابع: وربما جاءت أهمية هذا الدور الذي لعبه العبابدة باقتدار أنهم كانوا موزعين بين أرجاء مصر والسودان وكانوا شديدي المعرفة بسيكولوجية الطرفين وكيفية التعامل معهما، وإن كانت الإدارة المصرية قد استثمرت فيهم هذه الخاصية إلى حد كبير.
وأخيرا يمكننا أن نعتبر العبابدة مفتاحا لفهم الشخصية السودانية والمصرية وعاملا هاما للتقارب بين الشعبين السوداني والمصري لا سيما وأنه قد وجد اتهام من لدن بعض الساسة السودانيين - على طول مسيرة التاريخ بين الطرفين - بأن المصريين لا يريدون فهم الشخصية السودانية. فالعبابدة من خلال مصالحهم التجارية ومصاهراتهم للسودانيين ووجود عائلات مشتركة بين مصر والسودان على طول التاريخ يمكنهم أن يلعبوا دورا هاما لإيجاد لغة حوار مشتركة.
البراعصة
أصل القبيلة:
أجمع الرواة من القبيلة والمحققون والباحثون في ليبيا ومصر أن مؤسس البراعصة هو محمد المُلقَّب "برعاص"، وهو من ذرية الولي المغربي الشهير عبد السلام بن مشيش المدفون في جهات طنجة من المغرب الأقصى "جبل العلم جنوب طنجة". وقد ذكرت المراجع العربية والأجنبية
(1)
أن محمد "برعاص" تربى في بيت حرب بن عقار جد قبيلة الحرابي من بني سُلَيْم في الجبل الأخضر (إقليم برقة).
وهو محمد "برعاص" ابن محمود فخر الدين بن يحيى بن نايل بن يوسف بن يونس بن عبد السلام بن مشيش بن أبي بكر بن علي بن حرمة بن عيسى بن سلام بن مزوار بن علي بن محمود بن إدريس الأصغر ابن إدريس الأكبر ابن عبد الله المحض بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب (رضى الله عنه) وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اختلفت المراجع في ترتيب الأسماء أو إسقاط بعضها أو زيادة أسماء أخرى في سلسلة محمد الشهير "برعاص" حتى الإمام إدريس الأكبر.
تاريخ القبيلة وما قاله بعض المؤرخين عن فروعها وشيوخها:
وتعد قبيلة البراعصة من أكبر القبائل العربية في إقليم برقة بالجماهيرية العربية الليبية، حيث سيطر أفراد من هذه القبيلة على وظائف حساسة في العهد الملكي وساد نفوذهم آنذاك، ولا زال في هذا العهد يمثل البراعصة أهمية في إقليم برقة بليبيا ويتقلّد الكثير منهم الوظائف المدنية والعسكرية في القطر العربي الليبي الشقيق.
(1)
من المراجع التي تناولت نسب البراعصة .. انظر السوسي محمد الغزالي (برقة قديما وحديثا ص 171 منشورات دار الكتاب الليبي، انظر برقة العربية أمس واليوم ص 65 - 64 لمحمد الطيب بن أحمد بن إدريس الأشهب مطبعة الهواري مصر، وسكان ليبيا لهنر يكودي أغسطيني ج 2 ترجمة خليفة محمد التليسي ص 129 - الدار العربية للكتاب، معجم سكان ليبيا - خليفة محمد التليسي ص 96، 97 - دار الريان، وحاضر العالم الإسلامي لوثروب ستودارد - ترجمة عجاج نويهض تعليق الأمير شكيب أرسلان ج 1 ص 112 طبعة 1343 هـ المطبعة السلفية بالقاهرة وذلك فيما أورده أرسلان من فصول وتعليقات ص 112.
وعُرفت قبيلة البراعصة بين القبائل العربية بمجموعة من الصفات أشهرها كما يقول الأمير شكيب أرسلان في تعليقه على مؤلف حاضر العالم الإسلامي في ج 1 ص 112: الشجاعة والنجدة، وتلقَّب البراعصة بأشراف ووجهاء البوادي ومثقفين يتميزون بنظافة الملبس وحسن المظهر، وكانوا يحفظون القرآن الكريم في سن مبكرة بزوايا السادة السنوسية ولا زال أغلبهم يحفظ القرآن، ولا يميل البراعصة للتعصب القَبَلي.
وكانت حكومة الخليفة العثماني في إقليم برقة تخشاهم كما يقول محمد الطيب بن أحمد بن إدريس الأشهب في مؤلفه برقة أمس واليوم ص 124 - 126: تُخشى قبيلة البراعصة ويحسب لها حساب كبير من الأتراك، وخاصة أن البراعصة قد انتصروا على القوات التركية بزعامة خليل باشا والي بني غازي في معركة حاسمة، وقد سجلت أشعار البراعصة هذا الانتصار الباهر على جيش الأتراك.
كما خاضت قبيلة البراعصة معارك غديدة ضد الاحتلال الإيطالى الغاشم الذي بدأ في أوائل القرن العشرين وقد اعتمد المجاهد الكبير عمر المختار على أبناء البراعصة في حروبه ضد الطليان في الجبل الأخضر، وقد أشاد العديد من المؤرخين في ليبيا بالدور الوطني لهذه القبيلة وتحدثوا عن بطولات أبنائها.
وكان الملك إدريس السنوسي ملك ليبيا الأسبق قد اعتمد على رجال البراعصة في تصريف شئون دولته والتي أقيمت بعد خروج الطليان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من الأراضي الليبية.
قال عبد السلام الحبوني عن البراعصة التالي
(1)
:
أملى علي البيد خليل العريضة البرعصي عضو مجلس الشيوخ الليبي قائلا عن قبيلته البراعصة: يرجع نسب هذه القبيلة إلى سلسلة الشرف، المعروف أن جدهم الأكبر المسمّى محمد فخر الدين، والذي ينتهي نسبه إلى سيدي عبد السلام بن مشيش، ويسكن أفراد هذه القبيلة في المكان المشهور المعروف (الجبل الأخضر) الذي يمتد طوله شرقا إلى مدينة درنة وغربا إلى مدينة بنغاري وأمكنتهم المشهورة هي جهات (مسى والبيضا) التي فيها قبر سيدي رويفع الأنصارى الصحابي الشهير وجنوبا (جروس والجراري) ومنهم عدد كبير بجهة الفيوم من الديار المصرية.
(1)
انظر أنساب قبائل العرب ص 98 - الحبوني طبعة 1379 هـ / 1960 م.
وينقسم البراعصة إلى ثلاثة فروع كبيرة هي: مسعود، وعبد المولى، وحسين. أما مسعود فمن بيوته طامية وعريف وخزاعل واليتامى وفيهم رجال مشهورون فمن طامية أبو بكر حدوث بيك واسمه أشهر من نار على علم والذي كان عرب البادية يلقبونه (البيه باكير) وابن أخيه محمد أبو فروة وعمر أبو جرغاف وتوفى منهم في الجهاد المجاهد الكبير الشيخ عبد الله حفالش والشيخ أبو جيداور ومنهم المجاهد المشهور سيدي حسن الجويفي وله وقائع مشهورة يرويها عنه العرب من الشجاعة نادرة المثال، ومنهم حمد أبو مريم وحمد أبو سليمان وحمد أبو مؤمن والصيفات أبو فروة وأبو أشديق مازق والصغير أبو بكر حدوث.
أما عريف بيوته شعيب وجريط ومنه أبو بكر سعيد عباس، والشيخ رقيبة أبو قفة وفيهم العمدة يوسف أبو سعيد، والشيخ مفتاح أبو زقيبة وعبد الله أبو إبراهيم وعبد السلام، دجاجات صاحب الصيت الطائل في حرب الطليان، والنائب المحترم ابريك حسن والشيخ السنوسي ابريدان والسيد الصاغ غيت أقدوره ضابط الحدود الليبية بجهة (كابتزو).
والفرع الثاني عبد المولى ومنه بيوت النظيف والطويرية.
والفرع الثالث حسين ومنه بيوت أحمدي ومن هذا البيت محمد أبو حماد السكران رحمه الله، وقد كان في زمنه عمدة لجميع أفراد القبيلة، والشيخ سعد أحويجه رحمه الله، لعائلة فاطمة، والعالم مفتاح أبو رجعة رحمه الله، ومن الأحياء المشايخ علي أبو رجعة ومحمد عبد الشجيع (عائلة أبو مخيشن).
ثالثا عائلة عبد القادر وفروعهم كثيرة منهم العارف بالله تعالى سيدي عبد ربه ومنهم الشيخ المدهم رحمه الله وابنه صاحب العلم سيدي عثمان، ومنهم الشيخ حمد العريضة وقد خلف سبعة أولاد منهم أربعة توفوا في الجهاد مؤدين حقوق الوطن، وكان أحدهم قائد الحملة التي جرها على الفرنسيين العارف بالله تعالى سيدي المهدي السنوسي والد الملك إدريس السنوسي وتوفي في عين كلك كما هو مدون بقلم فضيلة الشيخ الأخضر العيساوي، والثلاثة الباقون حاملون لكتاب الله تعالى: حسين العريضة وعبد السلام العريضة وموسى العريضة وكان في حملة السودان وتوفي مستشهدًا في بلدة أم العظام بالسودان ومعه المجاهد السيد عبد الله الطوير والموجود منهم الآن المشايخ التريكي أدهيم عمدة القبيلة ووالده كان له شأن يذكر في السخاء والشهامة وعبد الله عبد السيد الملقّب بالبوسته
وكان مرافقًا لسيد أحمد الشريف رحمه الله في الأستانة ومنهم عياد أبو القاسم وكان معه السيد المجاهد عمر المختار رحمه الله.
عائلة أشعوه وبيوتهم أربعة، من المتوفين منهم: الشيخ صالح اللافي وعثمان أبو الويقة ومحمد أبو عرقوب والغرايني عثمان، وقد كان قائم مقام بجردس العبيد وتوفي في الجهاد، ومنهم البطل الشهير السيفي خليل وموسى عثمان وعبد العليم عبد الله، من الأحياء العمدة العكول عثمان والحاج صالح محمد أبو عرقوب وقد كان مرافقا لسيدي أحمد الشريف ومن المقربين إليه وإقامته ببلدة سيدي براني على الساحل الشمالي المصري.
وعائلة محمد وبيوتها أربعة، وفيهم من المتوفين السيد موسى أبو جودة وقد كان قاضيًا بمدينة بني غازي ومنهم محمد الحنش والسيد موسى الدعيس، ومن الأحياء المشايخ حميد محمود الحنش والعمدة محمد محمود الحنش والعمدة محمد محمود، ومن كبارهم السيد حسين يوسف مازق حدوث والي برقة، والمستشار منصور أبو صديق مازق والنائب محمد الصيفات والشيخ دلاف عبد الله جلفاف عمدة عائلة جلفاف والشيخ عبد الحميد جلفاف والشيخ محمد عبد الله مدير مديرية طلميسة بليبيا.
وعميد قبيلة البراعصة حسين مازق بن يوسف بومازق بوبكر حدوث (باكير بيك) الذي كان حاكمًا للجبل الأخضر في العهد التركي وهو من مواليد عام 1917 م، ويمتاز بحدة الذكاة ودمائة الأخلاق إلى جانب سعة اطلاع وخبرة إدارية وبعد نظر، وقد تقلب في عدة مناصب إدارية هامة وشغل مراتب ذات قيمة جعلت أقرانه يشهدون له بالمقدرة الفائقة والخبرة الناضجة في تصريف الأمور وإنجاز الشئون الإدارية والسياسية.
وعندما تم تحرير إقليم برقة اتحه اختيار الجهات العليا إلى السيد حسين مازق فأسندت إليه في سنة 1946 م منصب المتصرف لمنطقة شحات فكان أول متصرف وطني يتسلم مسئولية كاملة خلفًا لضابط كبير من أعضاء الإدارة العسكرية المؤقتة في ذلك الحين، كما كان أول قاضٍ ليبي يعيّن بالمحاكم الجنائية في البلاد، ثم رقي بعدئذ إلى منصب متصرف لواء الجبل الذي يشمل منطقتي شحات والمرج فصرّف الأمور بحنكة ودراية فائقة أهلته لأن يحتل قلوب السكان فأحبوه ولمسوا فيه أكرم الخلال وأنبل الأوصاف التي يمكن إطلاقها على الحاكم الرزين الحصيف والوطني المخلص الغيور.
وفي سبتمبر عام 1949 م حينما أعلن سمو أمير برقة (ملك ليبيا فيما بعد) استقلال إمارته الداخلي اختار أول من اختار السيد حسين مازق لتولي وزارة الزراعة والغابات ثم تجددت هذه الثقة الكريمة فاسندت إليه وزارة الداخلية في الوزارة الساقزلية الأولى لبرقة، وقد بقي في هذا المنصب الرئيسي الممتاز الذي يحتاج إلى توفر صفات هامة، قل أن توجد في سواه، حتى شهر مايو 1952 م عقب إعلان استقلال ليبيا التام فعينهُ الملك إدريس الأول ملك ليبيا واليا على ولاية برقة، والوالي في ليبيا يمتاز على بقية الحكام باعتباره ممثل الملك ومركزه الأدبي والسياسي يقع قبل منصب الوزير في الأهمية، وإنك حيثما تضرب في أية جهة من القطر الليبي لا تجد إلا من يثني على هذا الوالي الشاب الذي طبقت شهرته جميع أنحاء البلاد لما يتحلى به من أخلاق كريمة وإخلاص لوطنه وولاء لمليكه الذي وضع فيه ثقته السامية، وقد خطت ولاية برقة تحت حكمه خطوات واسعة في سبيل النهضة الاجتماعية والعمرانية والثقافية، ولا شك في أنه يحتل المكان الأول بين حكام الأقاليم الليبية الثلاثة لما أظهره طيلة توليه من مهارة ونشاط وإحكام.
ومن طامية عائلة حدوث ظهر محمد الصيفاط أبو فروة من مواليد عام 1916 م التحق بالحياة السياسية في ليبيا في أواخر عام 1950 م حيث انتخب عضوا في مجلس نواب برقة في عهد الاستقلال الذاتي، كما تعين بمرسوم ملكي عضوا في الهيئة التأسيسية الليبية، وبعد أن أنهت الهيئة المذكورة أعمالها وأُعلن استقلال ليبيا اشترك في انتخابات مجلس برقة التشريعي، وبعد ثلاث سنوات في المجلس المذكور عُين في شهر مايو سنة 1955 م بمرسوم ملكي ممثلًا لولاية برقة في لجنة البترول الليبية.
وكان اختيار الملك إدريس السنوسي له أكبر شاهد على ما لصاحب الترجمة من عقل راجح وكريم محتد؛ وذلك يرجع لبعد نظره، وكما قلنا سابقًا أن نسب هذا البيت (طامية) له سلسلة شرف فهم إذن عرب أشراف تحلّوا بصفات يعرفها عنهم جميع من خالطتهم، ورحمه الله الشاعر الذي قال هذا البيت:
هم حلّوا من الشرف المعلى
…
ومن حسب العشيرة حيث شاءوا
ومن عائلة شعيب من بيت عريف من المساعيد البراعصة نذكر عائلة حسن الفرخ أهل رأس مراوة مقر رئاسة المجاهدين بقيادة الشهيد عمر المختار، كان يقيم صاحب الترجمة وهو ما نعنيه "الأميرالاي" غيث قدورة البرعصي حكمدار الحدود الشرقية مثل من أمثال الحاكم النزيه المتصرف حلّال العقد له ميزة قل أن توجد في سواه، وكان اختيار الملك المعظم له حكمدارًا للحدود الشرقية الليبية المجاورة للحدود الغربية لمصر أكبر شهادة لمنزلته عند جميع مواطنيه شرقًا وغربا.
البراعصة في الديار المصرية بالبحث الميداني
يقيم معظم قبيلة البراعصة في محافظة الفيوم إلى جانب انتشارهم في محافظات أخرى بشمال الصعيد والوجه البحري، وينتسب معظم براعصة مصر إلى زايد وجليد أبناء موسى بن يونس المعروفين في ليبيا بعائلة طامية وهم قلب البراعصة وبيت الزعامة والرئاسة فيهم، ومن أهم عائلاتهم بالفيوم بياض ومفتاح وباسل ولابد وهويدي وعقيلة، كما ينتسب بعض البراعصة بالفيوم إلى عائلة عبد نسبة إلى عبد بن مسعود بن برعاص، ومن عائلاتهم الهاين والمبري وبعيص والبراني وأبو حرق، كما ينتسب بعض البراعصة إلى اليتامى نسبة إلى الإخوة الملقبين باليتامى من أبناء مسعود بن برعاص، ومن أهم عائلاتهم سكران وأبو سيف ومن البراعصة من ينسب إلى أولاد حسين بن برعاص، ومنهم من ينسب إلي عريف بن مسعود بن برعاص، ومن عائلاتهم فكيرين والأبعج وحمودة وأبو سنين وأبو بذلة والمبري ومحمود، وينتشر هؤلاء جميعًا في قري ونجوع ومراكز محافظة الفيوم.
من أهم عائلات البراعصة بالفيوم نفصل عن البعض منها كالتالي:
1 -
عائلة بياض
(1)
ومؤسس هذه العائلة عمار المُلقَّب بياض ابن جليد بن موسى بن يونس بن عبد بن مسعود بن محمد برعاص. وعمار هو أحد أبناء جليد من زوجته خضراء ويسمون بأولاد خضراء ويلقّب عمار (ببياض)، وقد عقب عمَّار العديد من الأبناء والأحفاد منهم عبد اللّه وحسين ودكم.
(1)
منحت حكومة محمد علي باشا أبعادية للشيخ عبد الله بياض من قبيلة البراعصة بالقرب من صرنو بمديرية الفيوم وعائلة بياض بها رئاسة البراعصة في عهد محمد علي باشا.
وتعد عائلة بياض من أبرز عائلات البراعصة بالفيوم وأوفرها حظًّا ونصيبًا من المدنية والتعليم، وكاد أحد أبنائها أن يتولى سكرتير عام جامعة الدول العربية وهو أبو بكر سليمان حسين عبد الله عمار بياض جليد، وكان سليمان بيك حسين عبد اللّه عمار بياض عمدة قبيلة البراعصة بالفيوم ومنحه الملك في مصر لقب الباكوية، ومنهم العمدة حمد دكم من أبرز رجال البراعصة وأشهرهم، وتقيم عائلة بياض بقصر بياض مركز أبشواي وبعزبة محمد علي بياض وبعزبة دكم بياض وعزبة نمر بياض وعزبة حميدة وفي أطراف فيدمين.
ومن أشهر رجالات بياض:
العمدة نسيم مقبول سليمان بياض عمدة قصر بياض، والعمدة مدحت حسين توفيق سليمان بياض عمدة بقصر بياض أيضًا، والعمدة أحمد أبو بكر سليمان بياض عمدة بقصر بياض أيضا، والأستاذ دكتور محمد أبو بكر بياض أستاذ أمراض النساء بالقصر العيني، والأستاذ الدكتور محسن أبو بكر بياض الأستاذ بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، والأستاذ الدكتور محمد سعد مقبول بياض أستاذ الأمراض التناسلية والعقم بالقصر العيني، والمستشار فاروق يوسف بياض نائب رئيس محكمة النقض، والأستاذ عمرو ياسين يوسف بياض وكيل نيابة إدارية، وعميد شرطة ممدوح سعد مقبول بياض وكيل إدارة المخدرات، وعقيد بالقوات المسلحة عبد العظيم مصطفى مقبول بياض، والأستاذ الدكتور محمد إبراهيم كيلاني بياض بالزراعة، والعمدة محمود حمد دكم بياض، والمستشار أحمد محمد عبد القادر دكم بياض وكيل النائب العام، والأستاذ محمد نسيم مقبول بياض بالتربية والتعليم، والمهندس جمال عدلي مقبول بياض، والمحاسب طارق عدلي مقبول بياض بالسفارة الأمريكية، والمهندس صلاح علي بياض، والمحاسب علي محمد علي بياض، والمهندس جمال محمد مصطفى بياض، والمحامي محمد صلاح علي، والمهندس المعتز أنور بياض، وشيخ الحرب عدلي مقبول بياض، والمحاسب مجدي محمد عبد القادر دكم بياض، والمحاسب حمد محمود حمد دكم بياض، وشيخ العرب محمد علي محمد علي
(1)
بياض
(1)
كان محمد علي بياض الكبير قائد حملة التبرعات من مصر إلى المجاهدين في ليبيا، ومعه سعودي نمر بياض وكان يقوم بجمع التبرعات من عرب الفيوم حمد باشا الباسل رحمه الله، ويتولى محمد علي بياض توصيلها إلى درنة في شرق الجبل الأخضر ويتولى حراستها. وكان للملك إدريس السنوسي وحمد علي بياض إقطاعية بالفيوم اشتروها من سمعان صنداوي ثم قام إبراهيم الشلمي مدير الطيران الملكي السنوسي بإعطاء العقد لسمعان صنداوي الذي استولى على الإقطاعية وقام بطرد محمد علي بياض بالحماية الفرنساوية التي يحملها معه (لأن صنداوي يهودي فرنسي).
وهو من أبرز عائلة بياض المقيمين بعزبة محمد علي بياض تبع قرية فيدمين مركز سنورس، وكانت أسرته على علاقة وطيدة وصداقة متميزة بالأسرة السنوسية الحاكمة في ليبيا قبل عام 1969 م، ولهذه الأسرة أيضًا دور بارز في تجميع البراعصة في مصر لمساندة الشعب العربي الليبي أثناء الغزو الإيطالي في بداية القرن العشرين، وأذكر أيضًا محمد محمود بياض الشهير برشاد بياض وله دور بارز في حل النازعات بين قبائل العرب بالفيوم، ومصطفى عمار بياض رحمه الله، والشهيد طيار أحمد عصمت بياض، وشيخ العرب سنوسي عمار بياض رحمه الله، ومراد بياض رحمه الله، وشيخ العرب يوسف بياض وغيرهم الكثير.
ومن عائلة بياض في سوريا أسرة البطران في تل سبعين بمدينة حلب، ومن رجالاتهم أذكر عبد الرحمن علي البطران بياض، ومصطفى جنيد البطران بياض، وحسين عبد الرحمن البطران بياض، ودياب علي البطران بياض، وبكري بطران بطران بياض.
2 -
عائلة مفتاح
وهم من أولاد مفتاح بن فكيرين بن علي بن زايد بن موسى بن يونس بن عبد بن مسعود بن محمد برعاص.
وقد عقب مفتاح من الأبناء علي وعقب علي سبعة أولادهم: محمود وعبد القوي وعبد الرازق وعبد الحميد وعبد الهادي وعبد العليم وعبد النبي، وقد استقروا جميعًا في بداية الأمر بعزبة والدهم علي مفتاح بناحية فارون مركز أبشواي، ثم انتقلوا إلى بلدة المشرك قبلي عقب تولي أحد أبنائها وهو محمود علي مفتاح عمدية القرية منذ إنشائها 1903 م، وقد عاد بعض عائلة مفتاح خلال فترة الستينيات والسبعينيات إلى مسقط رأس أجدادهم بمدينة البيضاء بالجبل الأخضر في برقة (ليبيا) وما زال يقيم معظم عائلة مفتاح ببلدة المشرك قبلي مركز أبشواي بالفيوم.
ومن أشهر أبناء هذه العائلة أذكر التالي:
العمدة محمود علي مفتاح تولى عمدية المشرك قبلي منذ إنشائها عام 1903 م حتى وفاته عام 1952 م، وكان كريمًا جوادًا شهمًا شجاعًا لا يخشى في الحق لومة لائم، عرف جوده وكرمه القاصي والداني وقد أسهم بالمال والعتاد في
تحرير ليبيا من براثن الاحتلال الإيطالي عن طريق الشيخ محمد أبو فروة مندوب المجاهد الكبير عمر المختار إلى القبائل ذات الأصول الليبية بمصر، كما كان رحمه الله من قضاة القبائل العربية وأهل الحكم في منارعاتها ليس في مصر فقط بل في أنحاء الوطن العربي، وقد قصده شعراء البادية وتنافسوا في مدحه. ومما قيل فيه:
همة علي مفتاح ما تدارى
…
كيف القمر يمشوا الناس في ضيّه
محمود ما ظني حريم تجيبه
…
ولا ينجبن عيت الصبايا زيّه
شمس عظيمة لا ريح لا
…
مرت عليها غيمه
كنز الغريب وصاحبه وقريبه
…
علقم على العدوان كيف الحيّه
هني ملذوذ من عاش بجواره
…
يقضي حياته دوم في ماليه
من بيت أماره بيت زايد
…
فراسين لا تلبد لا تدارى
وخوته قرومه جاعدين جواره
…
كواكب سما بانت في ليلة عشيه
ومن عائلة مفتاح أيضا العمدة محمد محمود علي مفتاح تولى عمدية المشرك قبلي بعد وفاة والده وحتى وفاته وقد كان رحمه الله مثالًا للكرم والمروءة والنخوة، أحبه بصدق وإخلاص كل من عرفه، كما كان سياسيا بارعًا قوي الشكيمة شجاعًا حتى أنه لُقِّب بإمبراطور غرب الوادي رمزًا لسيطرته على مقاليد الأمور في هذا الإقليم، ومدحهُ شعراء البادية والحضر وأذكر فيما قيل عنه:
البراعصة اللي كانوا في كل وادي
…
أهل عزة في الحضارة والبوادي
أهل عزة وأنت أهل للكرامه
…
دمت عنوان الصراحة والنزاهه
عمدة تجوز المهابه والشهامه
…
والمعارف والفصاحة والنباهه
في نواحي الحق لا تخشى ملامه
…
بالبسالة والمروءة والوجاهه
ومن عائلة مفتاح أيضًا عبد اللّه بيك محمود علي وهو من الشخصيات العامة في محافظة الفيوم والسياسيين البارعين، فيها شغل العديد من المناصب
السياسية على رأسها عضو بالبرلمان المصري (مجلس الشعب) حيث كان أصغر أعضاء المجلس وقت انتخابه أول مرة إذ كان عمره ثلاثين عاما، واستمر عضوا بمجلس الشعب لأكثر من دورة. ومن المناصب التي تولاها أيضا عضو المكتب السياسي بالحزب الوطني الديمقراطي وأمين عام الفلاحين بالحزب الوطني بمحافظة الفيوم وعضو مجلس محلي الفيوم وعضو مجلس إدارة الجمعية المركزية الزراعية بالفيوم وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لمنتجي الأقطان في مصر ولا زال حتى الآن يشغل هذه الوظيفة.
ومن عائلة مفتاح شيخ العرب راغب محمود علي مفتاح كان أحد عمد قبيلة البراعصة بمحافظة الفيوم وانتخب شيخًا لبلدة المشرك قبلي.
ومنهم الأستاذ الدكتور أحمد عبد الله محمود عني مفتاح الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر والمحامي بالنقض وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والجمعية المصرية للقانون الدولي وأمين عام وعضو مجلس إدارة جمعية تنمية المشروعات الصغيرة بمحافظة الفيوم والمستشار القانوني للجمعية ولشركة أعلاف الفيوم.
ومنهم الأستاذ محمد عبد الله محمود المحامي والمستشار القانوني بالفيوم، والكيميائي إيهاب عبد الله محمود براديو وتليفزيون العرب ART بالمملكة العربية السعودية، والمهندس زراعي عبد الجواد محمد محمود علي حاليًّا بالبيضاء - ليبيا، والطيار كمال محمد محمود علي بالجماهيرية العربية الليبية، وياسر عبد الله، ومحمود محمد راغب المحاميان.
3 -
عائلة باسل
(1)
ومؤسسهم باسل بن فكيرين بن علي بن زايد بن موسى بن يونس بن عبد بن مسعود بن محمد برعاص وقد عقب باسل ولدين هما أبو لطيعة، وعبد اللّه وتقيم هذه العائلة بقصر أبو لطيعة مركز أبشواي وقد تولي العديد من أبنائهم عُمدية البراعصة بمحافظة الفيوم، منهم العمدة السيد أبو لطيعة، وكما يتولون عمدية أبو لطيعة منذ إنشائها وحتى الوقت الحاضر.
(1)
وهم غير عائلة باسل من الرماح من الفوايد في الفيوم والذين منهم حمد باشا الباسل.
ومن أشهر أبناء الباسل في الفيوم أذكر التالي:
العمدة عبد الجواد عبد الله باسل عمدة قصر أبو لطيعة رحمه الله، والعمدة محمد عبد الله باسل رحمه الله، والعمدة علي محمد عبد الله باسل رحمه الله، والعمدة عبد التواب صالح أبو لطيعه رحمه الله، ومصطفى موسى أبو بكر عبد الله باسل عضو مجلس أبشواي من خبراء أبناء البراعصة، ومحمد إبراهيم عبد الجواد عبد الله باسل، وصالح عبد التواب صالح أبو لطيعة نائب رئيس مجلس مدينة أبشواي، ورائد شرطة حسين عبد التواب صالح أبو لطيعة بمديرية أمن الفيوم، وحمدي يونس شيخ بلدة أبو لطيعة، وعبد السلام علي عبد السلام عبد الجواد عبد الله باسل المحامي، والأستاذ عطية موسى أبو بكر عبد الله باسل بالتربية والتعليم. وهناك الكثير من أبناء هذه العائلة ومعظمهم من الشباب المشرّف.
4 -
عائلة هويدي
ومؤسس العائلة هويدي بن فكيرين بن علي بن زايد بن موسى بن يونس بن عيد بن مسعود بن محمد برعاص. وقد عقب هويدي مختار، وعقب مختار السيد. ومن أشهر أبناء هذه العائلة هو الأستاذ عبد الجليل السيد مختار بالتربية والتعليم، ومختار السيد مختار، وتقيم هذه العائلة بعزبة الشاهد مركز أبشواي.
5 -
عائلة لابد
ومؤسس العائلة لابد بن فكيرين بن علي بن زايد بن موسى بن يونس بن عبد بن مسعود بن محمد برعاص.
ويقيم معظم أبناء هذه العائلة بالوقت الحاضر في الجماهيرية العربية الليبية، ومن أشهر رجالاتهم في الفيوم حسين عبد الجيد لابد ويقيم مع بعض عائلته بالمشرك قبلي مركز أبشواي بالفيوم.
6 -
عائلية رحيم وعائلة أبو شويحة
وهم من عائلة زايد بن موسى بن يونس بن عبد بن مسعود بن محمد برعاص ويقيم معظمهم بالمشرك قبلي.
7 -
عائلة أبو سيف
وتقيم بالمشرك قبلي، وهم فرع من اليتامي.
8 -
عائلتا المحضي وشويشن
وهم فرع من عبد بن مسعود بن محمد برعاص ويقيمون بالمشرك قبلي.
9 -
عائلة العنفوس
وهم فرع من فرع حسين بن محمد برعاص ويقيمون بالمشرك قبلي.
10 -
عائلة المبروك
وهذه العائلة تقيم في المشرك قبلي أيضًا مركز أبشواي - مخافظة الفيوم.
11 -
عائلة الجيلاني
هي إحدى عائلات قبيلة البراعصة بمحافظة الفيوم وتقيم في عزبة الجيلاني - مركز أبشواي، ونذكر منهم الأستاذ ربيع صديق الجيلاني المحامي بالنقض، والمستشار حسين ربيع صديق الجيلاني بهيئة قضايا الدولة، والأستاذ عماد ربيع صديق بالجهاز المركزي للمحاسبات، والعمدة صالح عبد القوي الجيلاني عمدة عزبة الجيلاني، والعمدة محمد عبد النبي الجيلاني، وشيخ العرب علي عبد النبي الجيلاني عضو مجلس محلي محافظة الفيوم.
12 -
عائلة سكران
وهي إحدى عائلات قبيلة البراعصة، وتنسب إلى اليتامى، وهي تقيم بمركز إطسا ومركزي الفيوم وأبشواي.
13 -
عائلة الهاين
وهي إحدى عائلات قبيلة البراعصة المنتسبة لعبد بن مسعود بن محمد برعاص وتقيم بعزبة الهاين في شعلان مركز أبشواي. ومن أبنائها البارزين فتحي صابر الهاين عضو مجلس الشعب رحمه الله، والعمدة سعداوي عبد الرحمن الهاين عمدة قرية الهاين، والمهندس حمدي محمد عبد الرحمن الهاين مدير ري الفيوم، وعدلي عبد الوهاب الهاين عضو مجلس إدارة وسكرتير جمعية الخضر والفاكهة، وسيد عبد الحليم الهاين من كبار المزارعين، وعبد الونيس عبد الحليم الهاين، وعبد الرحمن سعداوي الهاين وغيرهم.
14 -
عانلة السعداوي
وتنسب إلى عبد بن مسعود بن محمد برعاص وتقيم بعزبة السعداوي تبع عُمدية الهاين بمركز أبشواي، ومنهم الأستاذ عادل سعداوي المحامي، والدكتور شريف سعداوي الأستاذ بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان.
15 -
عائلات بعيص والبراني ودردير وأبو حرق
وهذه العائلات تنسب إلى عبد بن مسعود بن محمد برعاص، وتقيم بقرية فيدمين مركز سنورس وعزبة دردير مركز أبشواي وعزبة جاب الله وعزبة دسوق.
ومن رجالاتهم أذكر:
دسوقي عبد القادر دسوقي مدير بالتعليم الأعدادي، وشيخ البلد أحمد مصطفى دردير، وشيخ البلد سعيد دسوقي رحمه الله، وكرم عمار دردير، وهشام دسوقي عبد القادر، وشيخ العرب سعداوي براني، والأستاذ مصطفى محمود محمد جاب الله بالجمارك، والمحاسب طارق ربيع محمد جاب الله - والمستشار خميس علي مجاور عمار رئيس محكمة، وشيخ العرب رواق بظور جاب الله.
16 -
عائلة خزاعل
هي إحدى عائلات البراعصة بالفيوم وتقيم بعزبة السلوت تبع قرية سنهور مركز سنورس وقرية السيلين وعزبة الحلفايا والشيخ صالح وعزبة والي ميزار والأبعدية بقارون. وأذكر منهم شيخ العرب مرعي علي داوود، وشيخ البلد داوود علي داوود، وشيخ العرب حسين عبد الحميد عبد السلام، ومحفوظ صالح مرعي، وعبد اللطيف عبد العزيز عبد المولى، وشيخ العرب محمد سلطان أبو العيد، ومحمد صالح خزاعل، وأحمد محمد صالح وغيرهم.
17 -
عائلة المبري
وهي إحدى عائلات عريف بن مسعود محمد برعاص، وقد منح الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان السابق جدهم المبري لقب الباكوية، وتقيبم بعزبة المبري مركز أبشواي وعزبة هويدي مركز أبشواي أيضًا. وأذكر من رجالاتهم:
شيخ العرب نايف حاتم المبري، وطلال حاتم المبري، وعبد الرحمن مأمون المبري، والمبري عبد الجواد المبري بعزبة هويدي.
18 -
عائلات الأبعج وفكيرين وحمودة وأبو بذلة وأبو سنين ومحمود
وهم من العائلات المنتسبة إلى عريف بن مسعود بن محمد برعاص، ومنهم شيخ العرب محمد المأمون الأبعج، والأستاذ راضي سليم توفيق الأبعج المحامي، وشيخ العرب لملوم الأبعج، وحمد الأبعج. وتقيم معظم هذه العائلات في نجع الأبعج بمركز إطسا.
19 -
عائلة رحيم
وهي إحدى عائلات البراعصة ويقيمون بمركز الفيوم نجع محجوب رحيم، والشيخ فضل، وقرية تلات. وأذكر منهم: الأستاذ حسن محمد عوض محجوب بديوان عام محافظة الفيوم، والمستشار صلاح لطفي محمد عبد النبي محجوب بالقضاء، والمحاسب أحمد محمد عبد النبي محجوب، والأستاذ جمال لطفي محمد عبد النبي المحامي، والضابط بالقوات المسلحة علي حسن عبد الجواد محجوب.
20 -
عائلة السميسمي
وتشتهر أيضًا بعائلة عقيلة وهي تنسب لجليد بن موسى بن يونس بن عبد بن مسعود بن محمد برعاص، وشيخهم الأحول عقيلة رحمه الله، وقد عقب الأحول عقيلة: الأحول وعقيلة ثم عقب عقيلة الشيلابي ثم عقب الشيلابي عقيلة وعمار، وقد تولى عقيلة عمدية قبيلة البراعصة حسب ما ورد في قانون العربان الصادر في 20 ديسمبر 1905 م ثم خلفه محجوب عقيلة، ثم خلفه علي محمود عقيلة، وآخر من تولى منهم عُمدية قبيلة البراعصة هو محمد عقيلة رحمه الله.
أما عمار فقد أعقب عبد الجواد ثم أعقب عبد الجواد السيد الذي كان عمدة منشاة دكم، وخلفه محمد عبد الجواد. ومن رجالات هذه العائلة العريقة أذكر التالي:
شيخ العرب عبد الستار محمد عقيلة رحمه الله، والعمدة محمود السيد عبد الجواد عمدة منشاة دكم، وجودة السيد عبد الجواد عضو مجلس الأمة وكان من أصغر أعضائه ثم عضو المجلس الشعب على مدار أكثر من دورة، وهو من كبار السياسيين في الفيوم ومن كبار المحكمن بين القبائل في سائر المنازعات، واللواء السيد جودة السيد بالقوات المسلحة، والمهندس محمد جودة السيد مدير الإدارة
الهندسية بشركة الإصلاح والمعادن بالفيوم، والمحاسب هشام جودة مدير البنك الوطني بمركز أبشواي، والمستشار بهجت جودة السيد بمجلس الدولة، والمحاسب عبد الله عبد الستار محمد عقيلة مدير شركة الاستزراع السمكي بالفيوم، والأستاذ عاطف عبد الستار مدرس بالتعليم الثانوي، وشيخ العرب صديق الدامي رحمه الله، والمهندس محمد محمود السيد عبد الجواد بجامعة البحرين، والأستاذ طارق محمود السيد عبد الجواد مدرس بالتعليم الثانوي، والمحاسب مصطفى محمود السيد عبد الجواد، وشيخ العرب عمار محمد عبد الجواد رحمه الله وشيخ العرب صلاح محمد عبد الجواد، والأستاذ حاتم محمد عبد الجواد، وحمدي محمد عبد الجواد، وكمال محمد عبد الجواد.
ويقيم معظم أفراد هذه العائلة بعزبة عقيلة ومنشأة دكم بمركز سنورس بالفيوم.
21 -
عائلة عبد البر عصي
كما توجد عائلة عبد البر عصي في عزبة عقيلة سعد تبع منشأة الذهب - المنيا، ومنهم الأستاذ أبو الفتوح مساعد تولى مصمم ديكور ودراما ومناظر بالتليفزيون المصري.
أهم عائلات البراعصة بالوجه البحري
1 -
عائلة أبو دنيا في طنطا محافظة الغربية.
2 -
عائلة المشري في سمنود محافظة الغربية.
3 -
عائلة أبو راس في حوش عيسى بمحافظة البحيرة، ومنهم عبد الكريم أبو راس والأستاذ مرروق أبو راس.
4 -
عائلة جلفاف بالساحل الشمالي.
سمالوس
نسب القبيلة:
اختلف الرواة من القبيلة في نسبها فبعضهم ذكر أن جد القبيلة الأكبر كان يُسمّى أحمد بن نصر الحساني من قبيلة بني سُلَيْم العدنانية، وسكنوا وادي سمالوس بالجبل الأخضر في إقليم برقة بليبيا فسُميت القبيلة باسم ذلك الوادي وقدم منهم للديار المصرية قسم كبير قبل ثلاثة قرون، وانتشروا في الوجهين البحري والقبلي، وتعد من قبائل المرابطين الكبيرة.
وقيل أن أهم آبارهم في الساحل الشمالي المصري هي ثواني السمالوس علي بعد 50 كم شرق مدينة السلوم، والأخرى على بعد 2 كم جنوب مركز الضبعة.
وهناك رأي يذكر نسبهم للأشراف الحسينيين من قريش العدنانية. وذكر النابلسي في تاريخ الفيوم، وعلي باشا مبارك في الخطط التوفيقية أن سمالوس من بني عجلان ولم يرفعا في نسبهم ولم يذكرا علي أي مرجع استندا.
قلت: وعجلان بطون عديدة في قبائل العرب ولا يمكن بذلك إقرار نسبهم لأي قبيلة لو صح أنهم أصلًا من عجلان هؤلاء.
ما قاله بعض المؤرخين عن سمالوس
ذكر ب. م مارتان الفرنسي المؤرخ المعروف وقد أسماهم "السمالو" وقال: أحيانا يُطلق عليهم السمالوس، وقد أطلق هذا الاسم على التجمع القبلي الذي كان يقيم أهله بإقليم الفيوم ويوزع شيخ القبيلة على أبنائه زعامة كل قسم من أقسامها، وكان السمالو قومًا ذوي بأس شديد، وكانوا على الدوام في حالة حرب مع القبائل الغريبة التي تأتي لتشن غاراتها داخل الإقليم لسلب قرى السمالو، وقد استقر عربان السمالو بصفة ثابتة في إقليم الفيوم، وكانوا يعيشون في حرب مع قبائل الضعفا والفرجان
وقال أميديه جوبير الفرنسي: كان عرب السمالو يقيمون في نواحي بحيرات النطرون (في الصحراء الغربية لمصر) ويقومون بنقل ملح النطرون من البحيرات
(1)
.
وقال أيضًا جيرار - مؤرخ أوروبي: كانت تلك القبيلة العربية قد نزلت أرض الفيوم في أوائل القرن الثامن عشر واندمج الكثير من أفرادها مع فلاحي قرى الفيوم.
وقال اللواء صلاح التايب عن سمالوس
(2)
:
السمالوس من كبرى قبائل المرابطين في مصر منذ ستة قرون قدموا من وادي سمالوس
(3)
في برقة بليبيا فسموا به، وذكر المؤرخون في ليبيا أن جدهم الأعلى يسمى نصر الملقب بجبار الكسر، وقد أنجب ثلاثة أمهم من قبيلة أولاد سليمان وهم القاضي وذريته ويسمون القواضي، وسلطان وذريته السلاطنه، ومحيرز وذريته المحارزة، والثلاثة الآخرون سيدي عزيز وأبو حريرة وعبد الله الذي تزوج من قبيلة خويلد المشهورة في بني سويف وأنجب تسعة أولاد هم: حمود ومنه الحمودات ومنهم بالحمام بالساحل الشمالي عائلة همام، وعبد الرزاق وهو جد عائلة أبو زويل ومنهم في "أبو المطامير" بحيرة، وأبو كبيرة، وعزيز، وعيسى، وعويان، وأبو شوادة، وأبو نخيلة، والعنادي.
ومساكن سمالوس في محافظة الفيوم وبعضهم في الصحراء الغربية وفي البحيرة، وعن العائلات في الفيوم فأغلبها في أبو جندير والمنزلة والحامول، وأيضًا منهم في عزب المختلطة وشعلان مركز أبشواي وهم من أغني العائلات في تلك النواحي، وكما تنتشر عائلات موسى سيف النصر وعائلات مغيب وغيث في تلك النواحي أيضًا وفي قرى نزلة شقيطن المختلطة بأبشواي وغيرها، وهذه العائلات من أقوى وأشهر عائلات الفيوم، ومن عائلة سيف النصر سيف النصر بيك موسى رحمه الله عضو النواب السابق ومنهم الدكتور أحمد رشاد موسى الأستاذ في جامعة القاهرة، وموسى عبد العال مدير مكتب وزير النقل
(1)
انظر وصف مصر ج 2 ص - 43 (حصر القبائل العربية ما بين مصر وفلسطين).
(2)
القبائل المصرية - صلاح التايب.
(3)
يروى من كبارهم أنهم من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب (أشراف) من قريش.
والمواصلات، ومن رجالاتهم أيضًا شيخ العرب رياض سيف النصر، وشيخ العرب ربيع سيف النصر عمدة سمالوس في الفيوم، وطه سيف النصر عضو النواب، وكمال سيف النصر وكيل وزارة التموين، والمستشار إبراهيم موسى، ومن عائلة مغيَّب شيخ العرب علي علواني، ومحمود خليفة غيث، ومحمد غيث عمدة صول.
ومن عائلات سمالوس أيضًا في الفيوم عائلة زيدان ومنها رجالات عدة أذكر منهم صالح غيث رئيس المجلس المحلي.
ومن سمالوس
(1)
فروع منتشرة في الصحراء الغربية منها الفلاط والتعابي والحبوص والدمينات والجيوليوبلي، ومن هذه الفروع عدة عمد منهم العمدة فوضة عبد القادر، والعمدة، عبيد رسلان والشيخ إبراهيم محمود عضو مجلس الشورى المصري.
وأشهر فروع سمالوس هي الدمينات ومنها عائلات كبيرة في الصحراء الغربية والبحيرة مثل: الضاوي، وأبو قلادة، والبطوي، والخشومات، والحصنا، والعزازة، والسقروف، والمحمودات، والعربي، والحطابي، وحسين، وكيلاني، ومسعود، ودمين، والشكيوي، وخليفة، ومبروكة، وقاسم.
ومن الدمينات العمدة محمد عبد الفضيل والمستشار فايز عبد الفضيل والشيخ عبد الفضيل في العامرية والبحيرة وله نشاط في رابطة أبناء القبائل. كما تتفرع من سمالوس فرع زواوة ومن شيوخهم سالم عابد وجويدة أيوب وأندير آدم ومنهم فرع الحبوس ومن كبارهم كريم مهدي وعبد الله حميدة، ومن سمالوس في الغربية وقراهم منية البطس والطارمة ونزسا وبموية.
وقال عبد السلام الحبوني عن سمالوس
(2)
:
أملاني السيد عبد الفضيل قاسم أبو أمين عمدة قبيلة سمالوس ومقيم بعزبته بجهة أبو المطامير (محافظة البحيرة) قائلًا عن نسب القبيلة:
(1)
ذكر أميديه جوبير الفرنسي عام 1798 م في وصف مصر أن السمالوس في نواحي وادي النطرون وعدد فرسانهم 200 فارس، ومنها في الفيوم في "أبو جندير" وسورس وشرق التوتون ودفنو وهلية والعدوة والمعصرة والمصلوب وسرسنا وجبة ومطر طارس وباهي آمون وترسا والزواني والروضة، وكما ذكر أن من فروعهم كوم الوزازي والمناسي والمحربين والروملة والحمودات وحواطة، وأن شيخهم أبا صالح وعدد شاتهم 910 وخيالتهم 505 وجمالهم 1085 وخرافهم 715.
(2)
انظر أنساب قبائل العرب الحبوني ص 231، 232، - 233 ط 1960 م.
يبتدئ هذا النسب من سيدي نصر المدفون بجهة جردس العبيد في برقة بليبيا، ويرتقي نسب سيدي نصر إلى سيدنا الإمام الحسين رضي الله عنه، وبهذا يقولون بأن نسب كل بيوت قبيلة سمالوس أشراف بدون شك، وكانت تسكن هذه القبيلة بجهة برقة بوادٍ سمي باسمها إلى الآن (وادى سمالوس)
(1)
ثم نزحت إلى الديار المصرية منذ نحو ستمائة عام تقريبا، وسيدي نصر المذكور خلّف أحمد وأحمد خلف آدمين الكبير المدفون بولاية برقة وعقب أولاده المدفونين بقرب الزاوية بجهة برقة، وآدمين الكبير خلّف سليمان المشهور بأبي سلسلة ومدفون بوادي سمالوس، وسليمان خلف أدمين الصغير المدفون بحوش عيسى، وأما سعد ثالث أولاد نصر فقد خلف راضي ومحروس وأبو هريرة وسلطان وعبد الله وخلف وسلطان وغريب وفلاق، وفلاق منه الفواليق وقريب من سلطان فروع الفلالطة والجلاولة والعقابات، ومن الفلالطة هؤلاء عمدة سمالوس في الفيوم من عائلة أكرومه الشهيرة، وعبد الله أخو سلطان أولاده تسعة هم الضاوي ومنه فروع الضوايا وهم مع الدمينات.
ثانيا - عيسى ومنه المعربين والخشومات ولكل فرع من هؤلاء عمدة في الفيوم، وعمدة الخشومات هو الشيخ ربيع سيف النصر.
أما أبو نجيلة فقد أعقب السفوف بالفيوم، وعويان هو جد الزواوات، وبدر هو جد أولاد أبو زوير والعسير، ومنه بيت الحبوث وعزيز والأخير منه عشيرة العزازة، وهؤلاء منهم عمدة لسمالوس في الفيوم، وأبوشواه ومنه الضامرية، وحمودة هو جد الحمودات ولهم عمدة بالفيوم، وأما أدمين الصغير المتقدم ذكره والمدفون بحوش عيسى فهو جد الدمينات ويعتبر كبير هذه القبيلة وما زالت هذه الرئاسة في أولاده سليمان ثم قاسم ثم عبد الله والرئاسة من عبد الله وصلت إلى حفيده وهو الشيخ قاسم أبو عبيسة المتوفى سنة 1944 م والمدفون بجوار عزبته. جازاه المولى تعالى أحسن الجزاء على ما فعل من فض النزاع بين عربان الوجهين القبلي والبحري، وبعده تولى عُمدية القبيلة ابنه الشيخ عبد الفضيل قاسم المقيم بعزبته بجوار نجيلة أولاد الشيخ.
(1)
هنا رواية العمدة السمالوسي فيها ثمة خطأ فقال إن الوادي تسمى باسم القبيلة، والعكس هو الصحيح أن القبيلة تسمت باسم الوادي المعروف قبل تكون سلالتها، ولأن مؤسسها أصلًا كان يسمى نصر وليس سمالوس، ولم يكن ذلك لقبًا له حسب ما أجمع رواة القبيلة.
وأضاف الحبوني قائلًا أنه قد وصل إليه نسب وفروع السمالوس من الشيخ خالد سليمان إمام مسجد مطروح حيث قال: الجد الأعلى لقبيلة سمالوس هو (نصر الملقَّب جبار الكسر) ومقامه بجهة بالقطر الطرابلسي، وقد خلف جذوعًا ومقامه بجوار أبيه وهو خلف الخنشير وله ستة أولاد؛ ثلاثة منهم أمهم من قبيلة أولاد سليمان وهم القاضي وذريته يُسمون بالمحارزة والثلاثة الآخرون سيدي عزيز ولم يعقب والثاني أبو حريرة ولم يعقب أيضًا، والثالث عبد الله، وقد تزوج بنت سيدي جير الله من قبيلة خويلد المشهورة ببني سويف وغرب طرابلس، وقد خلف منها تسعة أولادهم حمودة ومنه الحمودات ومنهم بالحمام عائلة همام، ثانيا عبد الرازق وهو جد أولاد أبو زويل
(1)
، ومنه عائلة الدريس وكبيرهم الشيخ عبد اللطيف منصور البريس بمحطة المركب مركز أبو المطامير بمحافظة البحيرة، ثالثًا أبو كعيرة وهو جد الحبوس وكبيرهم الآن الشيخ إسماعيل الشوبكي بمحطة الريكو، رابعًا عزيز وهو جد العزارة بمديرية الفيوم، خامسًا عيسى وهو جد المعربين والخشومات والمنافسة، سادسًا عويان هو جد الزواوات، سابعًا أبو شوادة وهو جد الشوايات بالفيوم، ثامنًا أبو نجيلة وهو جد الشعوب والرميلات، تاسعًا الضاوي هو جد الضوايات ومنهم سيدي فلاق وسيدي شبيب رضي الله عنهما، ومن بين هذه القبيلة عائلة تسمى أبو ريشة، ومن كبار هذه العشيرة الشيخ صالح أبو مسعود السمالوسي، وله شأن يذكر في فض النزاع بين قبائل العربان في الديار المصرية، وعمدة هذه القبيلة بجهة الصحراء الغربية بمركز الضبعة هو العمدة فوضه وهو رجل شهم مشهور بحسن السيرة المحمودة وطيب الخلق والكرامة.
ومن مشاهير السمالوس أيضًا فضيلة الشيخ عبد الله كريم مدرس بمعهد الإسكندرية ووالده الشيخ كريم، وفضيلة الشيخ موسى حسين رحمه الله، وفضيلة الشيخ موسى أبو حقاق وهو من نسل "أبو حقاق" المشهور عند العرب بنضارة الجروح على اختلاف أدوائها.
وقبيلة السمالوس من أعظم قبائل المرابطين في الديار المصرية تملأ فروعها البحيرة والغربية والشرقية وكفر الشيخ والفيوم وبني سويف والمنيا والجيزة.
(1)
من أولاد زويل ظهر العالم المصري المشهور في الولايات المتحدة وهو أحمد زويل وقد حصل على جائزة نوبل العالمية عام 1999 م.
وفي موضع آخر ذكر الحبوني وفي كتابه أنساب العرب عن سمالوس قائلًا: هي من القبائل الذين لهم احترام عند جميع العرب وخصوصًا (عشيرة الدمينات) وكبيرهم السيد قاسم دمين، وكم فض هذا الرجل من مشكلات ومنازعات عند العرب، وكم آوى غرباء وأطعم محتاجين. وقد عثرت على ورقة عند الشيخ خميس أبو ناجي وفيها أن جد قبيلة سمالوس الأول هو (نصر المُسمى جبار الكسر) وهذا العنوان دليل على بركته - رحمه الله تعالى -، ونصر خلّف جذوعا وهو خلف الخنشير والأخير خلف سلطان وسلطان أعقب صالح وأولاده ستة هم: سعيد ومنه عائلة كرامة بالفيوم، وسعد الله ومنه الشواشنة بمديرية الجيزة، ومبارك ومنه الفلالطة وعبد الشريف ومنه عائلات أبو زعير وعبد الجواد وأبو جزية، وعبد الرحمن ومنه عائلة أبو عقابة ومنهم بالفيوم عدد كبير بأبي جندير ومنشية سيف النصر وفيصل الرابع والحاملول والمجراني ولهم عُمديات خاصة بهم، واشتهرت منهم عائلة شيخ العرب سيف النصر موسى رحمه الله، وكان عضو مجلس الشيوخ المصري، ولا زال أولاده في الفيوم، وكذلك عائلة زيدان بأبي جندير ومنهم أولاد شيخ العرب الرايخ زيدان رحمه الله وهم الأستاذ عبد الغني زيدان المحامي، وعبد الهادي وعبد الرازق وهما من الأعيان، ومنهم مشايخ العرب عوض معوض زيدان عمدة قبيلة سمالوس، والشيخ فؤاد محمود عمدة العوقي، والأستاذ رياض محمود المحامي، والأستاذ عبد العال زيدان مدير الإدارة التشريعية بالمعارف، وعبد الواحد بيك معوض مدير تفتيش ري، والأستاذ عبد الجواد معوض مدرس، والأستاذ عبد الوهاب زيدان سكرتير عام مكتب الغزل، وعبد الرحمن أفندي محمود، وعبد المقصود أفندي وغيرهم. (انتهى).
الفرجان
أصل القبيلة:
يذكر بعض الباحثين أن مؤسس قبيلة الفرجان هو فراج بن حمدان وينسب إلى الأشراف الأدارسة .. وتعد قبيلة الفرجان من أكبر قبائل المرابطين في مصر وليبيا وتونس والجزائر وهم مشهورون بالورع والتقوى.
ومن هذه القبيلة قسمٌ كبير بالديار المصرية في الوجهين القبلي والبحري ولهم قرى باسمهم في البهنسا وبني مزار
(1)
ولهم نجوع كبيرة في سمالوط وبني سويف والفيوم والجيزة غرب إمبابة
(2)
ومنهم في الغربية والبحيرة والشرقية.
ما قال بعض المؤرخين عن الفرجان
قال علي بركات
(3)
عن الفرجان: قبيله استقرت في الشرقية في التاسع الهجري (انتهي).
وقالت ليلى عبد اللطيف
(4)
: كان الفرجان لهم فروع في البحيرة والإسكندرية على حافة الصحراء في الفيوم (انتهي).
وقال ب. م مارتن
(5)
: كان الفرجان يتجمعون في الفيوم بعد مجيئهم عن طريق قصر قارون ليقوموا بعمليات النهب ضد عربان السمالوس المقيمين بإقليم الفيوم (انتهى).
وفي معجم سكان ليبيا قال خليفة محمد التليسي عن الفرجان:
الفرجان إحدى القبائل الكبيرة في منطقة سرت وتتكون من الفروع التالية:
(1)
توجد نقطة عرب علي عبد الله في بني مزار من الفرجان.
(2)
في غرب إمبابة توجد عزبة غيضان محافظة الجيزة وبها عائلات من الفرجان فيها بركة الحواية من عضات الحيوانات أو الكلاب المسعورة (الضالة) وهو ما يسمى بمرض الكلب، ويقوم الحاوي الفرجاني بالعزيمة ببركة عهد من سيدي عبد السلام الأسمر الفيتوري وهو الولي المدفون في زليطن بليبيا، وذلك على ماء يشرب المعضوض ويبرأ بإذن الله من المرض، أو بمعنى أصح لا تؤثر فيه العضة من ذلك الحيوان المسعور ولا يسري السم في جسده بقدرة الله، وقد جربت جميع قبائل البدو هذا الأمر وصحت نتائجه، أما الحضر فهم يأخذون 21 حقنة للمصابين.
(3)
انظر تطور الملكية الزراعية في مصر 1813 - 1914 م وأثره على الحركة السياسية - القاهرة ط 1977 ص 268.
(4)
انظر سياسة محمد علي تجاه العربان ص 15.
(5)
انظر وصف مصر ج 2 ص 274.
الفروج والتوافقة والرميثات وأولاد أبي عايشة والصبحة، وتنحدر من فرجان ترهونة وهم إخوة للفرجان وأولاد أبي عايشة بالرقيعات (النواحي الأربع)، وفرجات زليطن وخوازم ورفلة، وكما توجد لهذا الفرع عائلات منتشرة في برقة بليبيا ومصر وتونس.
وأضاف: إن الفرجان من قبائل زليطن وفروعها الفروج والنواجي والرميثات والملايا، وهؤلاء من فروع فرجان ترهونة وسرت، ومنهم فرجان القرارة في ترهونة، وفرجان الزيتونة بساحل الأحامد.
وقال أيضًا أن فرع بوعائشة منهم مع قبيلة العواقير ومنازلهم إلى الشرق من قمينس وبيوتهم الأحميدات والبصرة والقواسم وأبو مراغة، وقال أيضًا عن فرجان الخلّة: وهم من ذوي عكارة وأصلهم من فرجان ترهونة.
وعن فرجان الداوون: قال هي كبيرة من ربع أولاد مسلم بترهونة ومن فروعهم: التوافقة وبيوتهم السعائدية والمهارة والهنادرة، والعمور وبيوتهم ضنى خليفة والفتارشة والسنينات، الصبحة ومن بيوتهم الضوال، والفروح ومن بيوتهم الغوالبية والشتاوي، والرميثات ومن بيوتهم المطارقية وأولاد عمر.
وأضاف: إن جميع فروع الفرجان الداوون المذكورة هم من المرابطين ويؤكدون أنهم من سلالة سيدي حمدان (من قبيلة العمور) ودفين المنطقة، ويتفرع عن فرجان الغرارة (ربع أولاد معرف) وينتمي إليهم فرجان سرت والنواحي الأربع (عكارة) وزليطن وخوازم ورفلة (فرع السبائعية) ومن إخوتهم الفرجان المنتشرون بمصر وتونس، ومن الأخيرين ينحدر أولاد الفرجاني بساحل الأحامد، وفي برقة توجد جماعة من الفرجان منضوية مع العواقير.
تفاصيل عن قبيلة الفرجان في مصر بالبحث الميداني
أولًا - في الفيوم: يروي لنا الشيخ محمد عبد العليم العبد نوير من كبار السن في قبيلة الفرجان والمقيم في قرية السيلين بمركز سنورس محافظة الفيوم حيث تقطن عشيرة نوير وهي من أكبر عشائر الفرجان هناك، فقال: إن الفرجان بالفيوم من فخذين كبيرين هما الرميثات والحوامد، وهم منتشرون بالفيوم وبني سويف والجيزة خاصة في العياط والحوامدية والمنصورية وإمبابة.
وفي الوجه البحري بالشرقية خاصة في جزيرة سعود مركز الحسنية وشلشمون ومنيا القمح وطنطا وخاصة في صفط تراب وميت غمر بالدقهلية وكفر الشيخ والمحمودية بالبحيرة.
ومن أشهر عشائر الفرجان المشهورة نفصل عن التالي:
عشيرة فراج
وفيها زعامة ورياسة الفرجان وينسب إليها العمدة حسن بيك فراج رحمه الله، كان عمدة قبيلة الفرجان، وتقيم عائلة فراج بقرية جبلة مركز سنورس بالفيوم.
ومن عمد الفرجان أيضًا شبيب النبيشي وهو من أبرز عُمد الفرجان رحمه الله وكذلك العمدة شاكر محمد طلبة فراج رحمه الله ومن عائلة فراج مصطفى أحمد بيك عويس رحمه الله وأبو بكر محمد توفيق عضو مجلسي الشعب والشورى رحمه الله والمهندس حسين عويس وكيل وزرارة الزراعة بالفيوم، والدكتور أكرم إبراهيم علي أحمد بكلية زراعة الفيوم، والأستاذ عبد التواب حماد أحمد المحامي، والأستاذ سيد سيد فراج مدير بنك، والمهندس محمد أبو القاسم فراج.
عشيرة نوير
وتتكون من الأفخاذ الآتية: العبد، سعداوي، الديب، إبراهيم، خضر، إسمير، عبد المقصود، عمار، علاق.
ومنهم شيخ العرب كامل مبروك سعداوي نوير رحمه الله والشيخ محمد عبد العليم العبد نوير ويعد نسابة للفرجان، وشيخ العرب مصطفى أحمد العبد، والشيخ مراد محمد العبد نوير، والأستاذ إيهاب أحمد عباس، والأستاذ محمد عبد الستار عبد الرحمن عبد الجواد، وشيخ البلد عبد الفتاح عبد الرحمن عبد الجواد، والأستاذ محمد عبد الفتاح جنيدي المحامي، والمهندس مختار عبد الفتاح جنيدي بالإسكان، والشيخ توفيق محمد مبارك عمار، والشيخ يوسف عبد القادر علي محمود، والأستاذ جلال عبد الواحد، والأستاذ عويس رمضان سلطان، والشيخ إسماعيل حافظ يوسف، والسيد منصور على يوسف المحامي، وشيخ البلد علي حسن حميدة نوير، والأستاذ معوض عبد الباقي خضر بالجهاز المركزي للمحاسبات.
عشيرة عجرة النبيشي
إحدى عشائر قبيلة الفرجان ويقيمون بقرية التوفيقية مركز سنورس بالفيوم، ومنهم شيخ البلد مكرم حسين عبد الصادق سالم، وشيخ البلد بهي الدين علي
جمعة عجرة، والعمدة صلاح علي جمعة عجرة عمدة التوفيقية، وعميد شرطة قدري علي جمعة، وشيخ العرب صبري كامل أبو عرب.
عشيرة البطران
تقيم عشيرة البطران من قبيلة الفرجان في نجع البطران تبع قرية السيلين بالفيوم، ومنهم المستشار بطران عبد الحميد البطران، والمهندس مصطفى سيد عبد الهادي وكيل التشريعات الزراعية العام.
عشيرة الهلايلة
ويقيمون بقرية بني صالح بمركز الفيوم وهم إحدى عشائر الفرجان المعروفة، ومنهم الشيخ طه عبد الحليم سعداوي، ومحمد يوسف حبيب غانم، والشيخ أحمد مهلهل حميدة غانم، والشيخ دياب غانم، والأستاذ محمد زهير مراد زايد المحامي، والأستاذ زايد نجيب زايد بالجامعة، والأستاذ غانم نجيب زايد بالضرائب العامة، والشيخ محمد عبد الغني خالد، والشيخ غانم أحمد دياب مدير مدرسة.
عشيرة أبو العيد
إحدى عشائر الفرجان وإليها ينسب الفنان البدوي حامد الفرجاني المتألق في القناة السابعة بالتليفزيون المصري
(1)
. ومنهم عائلات: الحاج جمعة، وعبد السميع، والحطوية .. وتقيم هذه العائلات بعزبة اليوزباشي تبع قرية المظاطلي مركز طامية بالفيوم، ومن عائلاتهم الشهيرة جنيدي وجيشي وتقيم هذه العائلات بعزبه دبانة وساويرس وبدران والحطي، وفي مركز طامية منهم الشيخ عرابي حسين عرابي، والشيخ عبد الحميد.
فرجان الحطيان
وتعني كلمة الحطيان هم الفرجان الذين يقيمون بالمنازل.
وتعني كلمة الخيش هم الفرجان الذين يقيمون بالخيام.
وقرية الحطيان تبع مركز طامية بالفيوم، ونذكر منها المهندس عبد الونيس عبد الرازق، وسيد عبد السلام سعداوي، وعبد التواب عبد الرازق ضيف الله.
(1)
ويقيم هذا الفنان البدوي في عزبة اليوزباشي تبع المظاطلي بمركز طامية - الفيوم.
وتقطن بالحطيان عائلات الفرجان الشهيرة مثل معتوق، وأبو زيد، وهويدي، وحبيشي، وفرج، ومجاور، وحيز، وموسى، وشحات.
ومن هذه العائلات نذكر الأستاذ كمال سيد بالضرائب، والشيخ كامل معتوق، وحسين عبد الغفار، وشيخ العرب عدلي محمود أبو زيد، والدكتور محمد علي سعيد، والمهندس مندي مناع، والأستاذ محمد حسن موجه بالتعليم، والأستاذ محمد براني بورارة العدل، وشيخ العرب بشير عبد الستار، وكامل أبو العيد، والشيخ سنوسي، وبكري خميس، ومحمود علي عطيه، وأمين الساعدي.
وأماكن الاستقرار في حطيان الفرجان، ونجع خلوصي، والمدنية، وعزبة جلالة، والغابة (مركز طامية - محافظة الفيوم)
فرجان مركز الفيوم
ويقيمون بعزبة طاهر والعدوة وسيلا والناصرية ومنهم عائلة أبو قاعود.
فرجان إطسا
ويقيمون بمنشأة عبد المجيد والحوشة وحشمت والحجر وفرحات ومنية الحيط مركز إطسا. ومنهم عائلات: نعومة، ومحمود، وشهاب الدين، وأبو عيشة والأخيرة تقيم بالبرنس مركز إطسا ومنهم شيخ العرب عبد الحي عبد المجيد بشوسي، وعوض سالم محمد.
فرجان أبشواي
ويقيمون بعزبة جاد سالم تبع قرية المشرك، وقارون، والخالدية، وقصر الجبالي، والصبيحي وأبو كساة حيث تقيم عائلات: شهاب الدين، وأبو عيشة، وطحاوي.
ومن رجالاتهم توفيق عبد القوي في بنك التنمية
فرجان محافظة بني سويف
وتقيم هذه العائلات وأهمها مغربي، ونصار، وسالم، بوجود، وعيشة بمعصرة أبو صير وسمسطا والفشن.
فرجان محافظة المنيا
وهم في الكوم الأحمر وأبو قرقاص (نجع عرب بلال منصور ونجع مبروك نصر)
وفي بني مزار (نقطة عرب علي عبد الله والبهنسا وههيا).
ومنهم العمدة المعروف محمد شبيب النبيشي من عائلة النبيشي، والحوامد المشهورة، وشيخ العرب منصور سنوسي بوعون الفرجاني، والشيخ عيون الفرجاني.
فرجان محافظة الجيزة
وهم الحوامد ونذكر منهم العائلات التالية:
عائلة بركات ويقطنون كفر بركات بالعياط والحوامدية، وعائلة عابد بالمنصورية ومنهم اللواء شرطة عزت عابد مدير أمن بني سويف الأسبق، وعائلة نوير وهم بالبدرشين والعزبة الغربية ونذكر منهم البهنساوي عبد الحليم نوير، وهناك بعض عائلات من الفرجان بعزبة غيضان مركز إمبابة وتقدم السرد عنهم.
فرجان الوجه البحري
أهم عائلاتهم: عائلة النبيشي ويقطنون بجزيرة سعود وشلشمون ومنيا القمح بالشرقية، ومنهم المهندس سيد عبد المنعم النبيشي.
وعائلة أبو عيشه في عزبة الفرجاني ميت أبو خالد مركز ميت غمر، ومنهم رجل النخوة والكرم الشيخ علي عطية أبو عيشة الفرجاني.
وعائلة أبو حجاب ومنهم اللواء محمد محمود حجاب بالشرطة، والمستشار أحمد حجاب بوزارة العدل.
وعائلة نوير وهم بصفط تراب (طنطا). كما استقرت بعض عائلات الفرجان بعزبة الشبكة بكفر الشيخ والمحمودية بحيرة ومنهم الشيخ خميس وعائلة سلطان خليل القرماني.
الجوابيص
نسب القبيلة:
يذكر رواة القبيلة وبعض الباحثين أن مؤسس قبيلة الجوابيص هو الشيخ عبد الجواد الكسَّار من الأشراف الأدارسة في الساقية الحمراء، وقد نزح إلى منطقة برقة في ليبيا وكوَّن قبيلة الجوابيص من المرابطين ثم نزلت فروعها بالكامل إلى صحراء مصر الغربية قبل أربعة قرون ثم انتشرت في القطر المصري.
ما قاله المؤرخون عن الجوابيص في مصر
قال دي شابرول عن الجوابيص
(1)
: قبيلة عربية استقرت في البحيرة وكانت تمثل جماعة صغيرة من الرعاة، وكانت تتجول بحثًا عن المراعي اللازمة لإمداد قطعانها بالغذاء، وكانت الجوابيص تذهب كل عام من مريوط إلى الصعيد، وهكذا فإنهم يمرون بوادي البحيرات بالنطرون ويحملون معهم كميات من الملح مقابل ثمن محدد كما كانوا يذهبون إلى الوحات لشراء البلح الطازج أو المجفف لبيعه بعد ذلك لتجار مصر.
وقال اللواء صلاح التايب عن الجوابيص
(2)
:
من قبائل المرابطين جدهم ينحدر إلى الشيخ عبد الجواد الكسَّار، ونزحوا إلى الديار المصرية منذ أربعة قرون من بلاد المغرب، ويقيم أغلبهم بالوقت الحاضر. في وادي النطرون بالصحراء الغربية لمصر ولهم فروع منتشرة في محافظات الجيزة والمنوفية والبحيرة والغربية والفيوم والمنيا وأشهر عائلاتها حميدة، وزموط ومنها العمدة مصري زموط، ورحيم، ومحمود، ومطرود، وسيف النصر، وفي الجيزة عائلات غيضان والكسَّار وكريم، وفي مركز الشهداء منوفية عائلة البربري، وفي كفر الشيخ عائلة جابر وعائلة أبو عقادة، وفي المنيا عائلة سكرف وهم إخوة لقبيلة الجوازي من السعادي هناك ومنهم في مركز مطاي ووادي نطرون.
(1)
انظر المعربون المحدثون، وصف مصر ج 1 ترجمة زهير الشايب القاهرة 1978، ص 122.
(2)
القبائل المصرية - اللواء صلاح التايب
وذكر أحمد لطفي السيد ونعوم شقير أن الجوابيص منتشرون في الجيزة والمنوفية والبحيرة وبني سويف وهي من القبائل الرحَّالة في الصحراء الغربية أيضًا كانت تحمل النطرون من واديه وتوزعه على جهات القطر المصري من مريوط إلى أسيوط في عهد الحملة الفرنسية عام 1798 م.
كما ذكر أميديه الفرنسي أن الجوابيص بنواحي بحيرات النطرون وعدد فرسانهم 600 فارس، وقال: إن عرب الجوابيص من أصل إفريقي، وهم يقومون بنقل ملح النطرون من البحيرات حتى الإسكندرية والطرانة، وبنقل البضائع الخاصة بواحة آمون (سيوة).
وذكر الجبرتي في عام 1219 هـ حضر للباشا محمد علي مَنْ أخبره أن طائفة من قبيلة أولاد علي نزلوا بناحية الأهرام بالجيزة فركب عليهم فوجدهم ارتحلوا ووجد هناك قبيلة الجوابيص فنهبها.
وذكر أيضًا في عام 1221 هـ دهم عسكر محمد علي قبيلة الجوابيص في جهة الجيزة فشاع أن العسكر اشتبك مع الألفي وجماعته وقد قتلوا وأسروا منهم جماعة ونهبوا متاعهم، ويظهر أن هذه القبيلة موالية لأمراء المماليك الذين كانت أكثرية العربان موالية لهم على ما تفيد الأحداث.
وذكر عبد السلام الحبوني عن الجوابيص
(1)
التالي:
أملى العمدة عبد اللطيف عمدة وادي النطرون التابع لمحافظة الصحراء الغربية (مطروح حاليًا) - التالي عن قبيلة الجوابيص:
حضر من حوالي 400 سنة (أربعة قرون) الشريف عبد الجواد الكسَّار من الساقية الحمراء بالمغرب الأقصى وحضر أيضًا قبلهُ قصير الفخذ الذي نتج عنه القصران وحضر أيضًا الفانين الذي نتج عنه أولاد فانه، وأيضا السيد حسنين الصبحي الذي نتج عن الصبحات.
ومن هؤلاء تتكون قبيلة الجوابيص وأصبحت عائلات كثيرة منهم عائلة الشيخ التي منها الشيخ رحيم فعيلم رحمه الله (شيخ مشايخ القبيلة) وبعده عمن
(1)
انظر أنساب العرب ص 233، 235، - 236 الحبوني ط 1960 م.
ابنه مطرود رحيم رحمه الله وبعده عُيِّن ثلاثة مشايخ هم: جنيدي رحيم، وحمد محجود وزموط حسين رحمهم الله ثم بعدهم عين اثنان للجوابيص هما: عبد السلام محمد، وسيف النصر - رحمهما الله - ثم تعين أخيرًا قبيل 1960 م الشيخ عبد العزيز حميد، والشيخ عبد المجيد مطرود رحيم، والشيخ جاد المولى سيف النصر، أما قصير الفخذ فمن أبنائه حسن غيضان وكيل القبيلة بالجيزة سابقا، وحاليا الشيخ كامل حسن وكيل القبيلة، والشيخ عوض عبد السميع، كما أنه يوجد من أبناء الكسار بمديرية الجيزة الشيخ ثعلب كريم وأبناء الشيخ رضوان كريم رحمه الله، وأبناء الشيخ عبد المجيد فرح رحمه الله وغيرهم كثيرون. أما الفاني الموجود من سلالته جاد الله طه شيخ القبيلة رحمه الله والشيخ عبد القادر البربري بمركز الشهداء، والشيخ موسى عويضه بوادي النطرون، والسعدي أبو سلامة، والشيخ مسعود يعمل بالمقاولات وكثيرون بمديريات البحيرة والغربية والمنوفية وكفر الشيخ والجيزة وبني سويف والفيوم والصحراء الغربية.
وعلى سبيل المثال في كفر الشيخ وتوجد عائلة جابر وأبو عقادة نذكر منهم الشيخ راشد أبو عقادة وأولاده الأستاذ طاهر المحامي وإخوته. ومن العُمَد الحاليين العمدة عبد المؤمن زموط، والعمدة جاد المولى سيف النصر، والعمدة عبد المجيد مطرود رحيم.
وقد اشتهر من أفراد هذه القبيلة رجال توفوا إلى رحمة الله تعالى ولهم تاريخ يذكر منهم الشربجي رسلان دخيل، وعمر زموط، وكان الأخير جد مبروك زموط عمدة القبيلة السابق، وأبو جحيل ثعلب وصاحب الضريح هو ووالده الموجودين في الأضرحة المجاورة لضريح السيد عبد الرحمن والمعروفين باسم (المجاذيب). وللجوابيص شأن يذكر في مصالحة القبائل عندما يقوم نزاع بين القبائل الأخرى، وهناك عائلات أخرى منها عائلات حمودة ورئيسهم الشيخ موسى عويضة، وأبو سلامة ورئيسهم السعدي عوض، والبربري ورئيسهم عبد القادر البربري ومن كبارهم جاد الله طاهر.
(انتهى ما ذكره عبد السلام الحبوني)
قلت: وأضيف عن الجوابيص بالبحث الميداني في كفر الشيخ أذكر عائلة الشيخ المعروفة في الجوابيص ومنهم بيوت سالم وشقيقه سلومة. ويؤكد الرواة أنهما قدما إلى منطقة الحامول بمحافظة كفر الشيخ عام 1840 م (أيام حكم محمد
علي باشا) ويقال أن نزوحهما من الصحراء الغربية المصرية من البادية إلى الوادي والدلتا كان عام 1710 م أي منذ قرنين تقريبًا.
فمن عائلة سالم بيوت منها أبو هيسة والجبورة وحمودة، وكبيرهم الأستاذ يوسف مسعود سالم يوسف المحامي من المهتمين بتراث القبيلة، ومنهم الدكتور عبد الناصر مسعود سالم يوسف، والمهندس فرجاني مسعود سالم، والشيخ سالم يوسف سالم، وسالم مسعود سالم، وحامد عبد المولى أبو زيد يوسف سالم.
ومن عائلة سلومة بيوت منها رمضان، وسلومة (الأصغر) وعيد وجمعة وبوعقادة، وكبير سلومة المهندس عبد الجليل خميس رمضان وهو مدير عام هيئة تحكيم القطن في كفر الشيخ، ومنهم جمعة عليوة رمضان، وعطية عليوة رمضان، ومحمد عليوة سلومة، وجمعة سلومة جمعة.
وجميع بيوت الشيخ المذكورة تقطن عزبة سالم، وعزبة عيد سلومة، وعزبة المحضر بمطوبس، وعزبة الجزيرة والخاشعة.
كما من عائلة الشيخ خلَّاف البيوت المذكورة هناك بيوت أخرى في وادي النطرون بالصحراء الغربية المصرية، ومنهم فروع أخرى في نجع العربان بالخاشعة مثل بيت بريك وبيت سعود وبيت عمران وبيت هويدي، ومن الشيخ أيضًا في عزبة عمران وعزبة إيطاليا بمركز الحامول.
كما من الجوابيص في الشهابية مركز بلطيم السلاهبة، وأذكر بيت مطر من الجوابيص في الحامول بكفر الشيخ وكذلك بعزبة إيطاليا، وكبيرهم الشيخ محمد مجاهد.
كما يوجد فرع صقر أبو دومة في نمرة 7 بكفر الشيخ وأصلهم من قبيلة النِّجمِة وانضموا للجوابيص.
وأذكر أيضًا من الجوابيص جماعة كبيرة في كفر الدوار بمحافظة البحيرة ولهم عزبة الجوابيص هناك.
الضعفا
نسب القبيلة:
اختلف الباحثون والرواة في نسب قبيلة الضعفا فبعضهم يذكر أن الضعفا من بني تميم العدنانية، وقال آخرون أن موطنهم التميمي في ليبيا فنسبوا إلى هذه البلدة، والصحيح أنهم من بطون الأشراف الفواتير من الأدارسة الذين قطنوا ليبيا بعد عودتهم من المغرب الأقصى إلى ليبيا ومصر.
وتعد من قبائل المرابطين ويقيم قسم قليل من الضعفا في ليبيا ومعظم فروعها بالوقت الحاضر في الديار المصرية.
ويقول بعض الرواة من القبيلة أن تسمية القبيلة (الضعفا) للأسباب التالية:
1 -
يقال أن شيخهم دُعي للغزو والإغارة على بعض قبائل العرب في البوادي فرفض ذلك لتمسكه بالدين الإسلامي فأُطلق عليهم (الضعفا) بنسبب ذلك.
2 -
وقيل أن جدتهم تُسمّى (ضعفا) وهي من الفواتير من الأشراف الأدارسة، ومؤسسهم أيضًا من الفواتير.
شيوخ وعُمَد وفروع القبيلة:
وكان شيخ قبيلة الضعفا منصور بيك لطيف أيام محمد علي باشا والي مصر منذ عام 1805 م.
وأفادني بعض رواة القبيلة في محافظة الفيوم أن عُمَد قبيلة الضعفا بعد عهد محمد علي باشا كالتالي:
الأول سليمان أبو قشيشيطية وهو من عائلة أبو سمرة، والثاني سيد موسى عصيدة من بيت مطيريد عائلة أبو عصيدة، والثالث محمد حسن ديهوم من عائلة ديهوم، وكان وكيله محمود محمد عبد الحميد سعيد محمد حميد من عائلة حميد، ثم بعد استقالة محمد حسن ديهوم فقد حل محله وكيله محمود محمد عبد الحميد وأصبح رابع عمدة للقبيلة، وكان شيخ الفرقة أو القبيلة هو صاوي
محمد عبد الحميد سعيد محمد حميد من بيت حميد، وعندما كان محمود محمد عبد الحميد المذكور وكيلا للقبيلة كان في نفس الوقت عمدة على الضعفا بالفيوم فقط.
ويذكر الرواة أن أفخاذ الضعفا الرئيسية في مصر هي: حميد، وجريبيع، وأبو بكر، وديهوم، ورحومة، والعضيلي، وموسى، وخلف، والحبوني، وامطيريد.
كما هناك عائلات مشهورة في الضعظ نذكر منها: برغوث، وأبو عصيدة، وديهوم، والرفاعي، وأبو غزالة، وأبو حلمقة، وأبو دريس، والصقعي، وأبو خليل، وعبد الحميد، ولطيف، وأبو رغية، وأبو بكر، وأبو ديب، وبطور، وحميدة أبو الحسن، وأبو سعيدة، وأبو عبد الله، والساعدي، وبوجمعة، والحناضلة، ويزيد، وأبو شريفة، ويوسف، وهليّل، والمنشاوي، الخبايرة، والمكاوي، والغياضة.
ونذكر بعض العائلات في الفيوم وبني سويف كالتالي:
عائلة برغوث: يقطنون بعزبة برغوث تبع منشأة طنطاوي مركز سنورس وقرية فيدمين مركز سنورس وقرية العزب بالفيوم وشيخهم عسعاس محمد علي برغوث رحمه الله، ومنهم الأستاذ إبراهيم مصطفى عسعاس المحامي، والمستشار هلال عبد الرحمن حميدة المحامي العام لنيابات القاهرة، والأستاذ جلال محمد إمام، والأستاذ محمد عبد الهادي أبو شريفة.
وعائلة خبيري (الخبايرة) ويقيمون في ناحية طامية بالفيوم، ومنهم الدكتور عدلي سالم محمد حسن المنشاوي الخبيري.
وعائلة أبو عصيدة: ويقيمون بناحية المظاطلي مركز طامية، ومنهم العمدة أبو بكر بوعصيدة، ومنهم الأستاذ علاء أبو عصيدة رجل أعمال، والشيخ محمد أبو حويج المقيم بفرقص مركز طامية بالفيوم.
وعائلة أبو دريس: ويقطنون مركز أبشواي ومنهم الأستاذ محمد عبد العاطي المحامي.
وعائلة الصقعي: ويقطنون بقرية الصقعي مركز أبشواي بالفيوم، ومنهم الشيخ محمد علي حدوث الصقعي، والشيخ أمين حدوث، ومحمد أبو بكر حدوث، وينحدرون من بيت لطيف.
وعائلة أبو خليل: ويقطنون بناحية الخلطة مركز أبشواي بالفيوم.
وعائلة عبد الحميد: ويقطنون بعزبة عبد الحميد تبع قرية سيلا مركز الفيوم وهم من فخذ حميد كما تقدم.
وعائلة ديهوم: ويقيمون في بني سويف ومنهم العمدة حسن ديهوم بكري ديهوم رحمه الله.
ومقدم شرطة هشام حسن ديهوم. كما توجد عُمديتان للقبيلة بمحافظة بني سويف هما: عُمدية ديهوم ومنهم العمدة حسن ديهوم، وعُمدية لطيف ومنهم العمدة محمد أبو بكر أبو عصيدة.
وعائلة وهيب لطيف: المقيمون بقرية دالاص محافظة بني سويف، منهم الكاتب المعروف الأستاذ أنيس منصور، والشيخ مجدي محمد عبد المجيد وهيب عضو مجلس الشورى، والشيخ محمد براني وهيب.
وعائلة أبو حليقة: وهم في بني سويف أيضًا ومنهم الأستاذ علي أبو حليقة مدير بشركة البترول، والأستاذ محمد عبد العزيز أبو حليقة.
كما من عائلات وأفخاذ قبيلة الضعفا في المنيا والجيزة والسنطة بالغربية وبنها بالقليوبية والبحيرة وغيرها من محافظات الوجه البحري.
وقال اللواء صلاح التايب عن الضعفا
(1)
:
تحسب هذه القبيلة من المرابطين وأكثر الضعفا في قرية الحمام في بني سويف، وانتقل منهم قسم إلى قرى البرج ثم بهبيش ودالاص، ومنهم فروع في منشأة طنطاوي بمركز سنورس بالفيوم وهم أولاد سعيد وأولاد آل ديهوم وهم عائلات عسعاس وبرغوث، وفي طامية يقيم فرع بوبكر بوعصيدة، وفي قارون أيضًا فرقة من الضعفا وكذلك في عزبة الصقعي وعزبة بركة بمركز أبشواي بالفيوم، وكذلك في منشأة لطيف وإطسا، وفي الجيزة بالهرم عائلة بو جمعة وعائلة يوسف، وفي منشأة دهشور عائلة هليل والرفاعي والمنشاوي والمكاوي والخبيري ويزيد، وفي مركز الصف بالجيزة قسم كبير من الضعفا يقال لهم الخضاورة، وكذلك في البدرشين وأشمنت وكفر بني عثمان بالواسطى والمصلوب
(1)
القبائل المصرية تأليف: اللواء صلاح التايب.
وفوة والحومة وأبحيح وأبو صير الملق، وأولاد غيضان في الغيضانية والخناظلة في أطواب وميدوم وصفط ميدوم، وفي قمن العروس يقيم قسم من عائلة أبو غزالة ويقيم قسم آخر في زهور الأمراء مركز الدلنجات بالبحيرة، وقسم من الضعفا يقيم في مركز السنطة بمحافظة الغربية وقسم آخر في طحا في القليوبية وكذلك في بلبيس شرقية وآل مبارك في كفر شكر بالقليوبية، وكذلك عائلات ديهوم والحمايدة وأبو خليل في مركز الواسطى وبوش.
ومن أقطاب هذه القبيلة عشيرة لطيف وكان منهم منصور بيك لطيف وتفرع منها عائلات الحسبوني ومطيريد، وكان منصور لطيف هذا من ضمن الملتزمين المعينين من قبل محمد علي باشا منذ قرنين من الزمان، ويوجد فرع آخر للضعفا في محافظة الغربية وهو فرع عبد الله وشيخهم دسوقي العربي أبو عبد الله رحمه الله (وأسماهم أحمد لطفي الضعفا البحرية) وأشهر أفخاذ الضعفا في مصر: حميد، وجريبيع، وأبو بكر، وديهوم، ورحومة، ومنهم العضيلي وموسى وخلف بالمصلوب وعزبة سعد الدين بالواسطى بمحافظة بني سويف.
وذكر أميديه جوبير الفرنسي في وصف مصر أن الضعفا في ضواحي شمال بني سويف عام 1798 وعندهم 200 فرس، وقال إنه على الرغم من قلة عدد هذه القبيلة في بني سويف إلا أنهم مرهوبون تماماً في البهنسا، وذكر فروعهم في بني سويف مثل أولاد حميدة، والوطنات، ونولات سعيد، والسيدرات، والقاضي، ونولات يزيد، كما ذكر أميديه أسماء القرى التي يعيشون فيها مثل أبو صير والعواونة وقمن العروس وإفوة وميدوم والحمام والحافر والميمون وصفط ميدوم، كما ذكر أن عدد فرسانهم 452، ومشاتهم 110، وجمالهم 1720، وخرافهم 3900.
وقال مارتان في ريف مصر: كان الضعفا يشنون غاراتهم بصفة مستمرة على إقليم الفيوم وخاصة في مواسم فيضان النيل.
وذكر الجبرتي في عام 1125 هـ قام عرب الضعفا بحركة تمردية حتى قطعوا درب الفيوم، وقد سُيِّرت عليهم حملة من الدولة فلم تفز منهم بطائل، وقد طلب قائد الحملة من سالم بن حبيب شيخ عرب نصف سعد أن يجمع له فرسان من قبيلتي سعد وبلِّي وإرسالهم مع ابنه لمساعدته على قمع حركة عربان الضعفا فلم يلب الطلب.
وذكر الحبوني عن الضعفا
(1)
التالي. قال:
أفادنا الضابط بقسم السلوم محمد سلطان من قبيلة الضعفا أن قبيلته هي فرع من قبائل بني تميم وأن سبب تسميتها بهذا الاسم أن شيخها واسمه "زيدان" وقد كان رجلًا صالحًا فطلب منه بعض القبائل الغزو على قبائل أخرى فامتنع لأنه كان يكره هذا الأمر فذهبوا وبقي هو وأطلقوا عليه وعلى قومه اسم (الضعفا) فصار اسمًا للقبيلة، وقد قدم أجداد الضعفا من بلاد الحجاز إلى مصر في القرن الرابع الهجري ثم ذهبوا إلى مكان مشهور يسمى الساقية الحمراء في بلاد المغرب ومكثوا بهذا المكان إلى القرن الحادي عشر الهجري ثم عادوا إلى مصر ثانيا ونزلوا ببلدة الحمام وهي قرية من قرى بني سويف، ولما لم يقبل الجد الثالث البقاء عاد إلى المغرب وبقي أباه بمصر ثم انتقل من قرية الحمام إلى قرية البرج ثم إلى قرية بهبيش ثم منها إلى قرية دلاص في بني سويف فاستقرت بها الضعفا وما زالت في تلك النواحي.
قال: ومن أهم العائلات والبيوت الشفيرة بهذه القبيلة هي:
1 -
عائلة لطيف وفروعه من ابنه منصور الذي ترك ابنه لطيف الذي ترك ابنه منصور والأخير ترك أولاده أحمد ولطيف وعلي وسليمان وحامد.
2 -
عائلتا الحبوني وامطيريد وذريتهم هم بقرية كوم أبو خلاد ومن هؤلاء تزوج منصور من عائلة لطيف التي تقدم ذكرها.
ومن عائلة لطيف كان منصور في أواخر حكم محمد علي باشا وقد تسلم عهدة أربعة عشر قرية يتولى أمورها جميعًا نظير مبلغ يدفعه كأتاوة (خراج) لحكومة محمد علي سنويًّا وهي وظيفة تضاهي حاكم مقاطعة، والقرى المذكورة تابعة للفيوم وبني سويف، وكان ممثلًا في البرلمان المصري لمدة نصف قرن حتى ألغي البرلمان عام 1952 م بعد ثورة يوليو. وذكر إن من الضعفا من يقيم في محافظة الغربية وأهمهم عائلة عبد الله التي منها الأستاذ الكبير الشيخ دسوقي العربي أبو عبد الله، ومنهم الدكتور عمر الدسوقي المدرس بكلية العلوم وهو نجل الشيخ المذكور.
(1)
أنساب قبائل العرب تأليف عبد السلام الحبوني 1379 هـ / 1960 م.
وأضاف الحبوني أن السيد محمد سلحات رحومة محمد جريبيع عثمان محمد التميمي أفاده أن قبيلة الضعفا هم أبناء السيد محمد التميمي الموجود بضريحه الخاص ببنها العسل بالقليوبية من الديار المصرية ومنه جاء السيد عثمان رضي الله عنه الموجود ضريحه الآن بالسد بجوار عين الغزالة بالقطر الليبي، وهذه القبيلة كانت تسكن بساحل البطنان في ليبيا؛ ولذلك سُموا عائلة تميمي باسم جدهم الأول المنسوب لبني تميم العدنانية، ومن الضعفا خمسة فروع هي:
حميد، وجريبيع، وأبو بكر، وديهوم (وهؤلاء إقامتهم بسفط ميدوم وميدوم، ورحومة. (انتهى)
الفواخر
أصل القبيلة:
يُنسب الفواخر إلى الأشراف الفواتير من الأدارسة، ويذكر بعض رواة القبيلة أن الفواخر من أولاد يونس بن يعقوب الفيتوري وهو الملقّب بالفاخر.
وتعد هذه القبيلة من المرابطين، ومنها قسم كبير قطن محافظات مصر في الوجهين البحري والقبلي، وذكرت الفواخر من قبائل مصر عام 1798 م كقبيلة لها انتشار في الديار المصرية.
ما قاله المؤرخون
ذكر التليسي في قبائل ليبيا مشجرًا أوضح فيه أن الجد المُلقَّب بالفاخر له من الأبناء الطير، وبومعون، ومن الأخير سلالة القبيلة فقد أعقب أبو مباركة الذي تزوج من امرأتين إحداهما تُسمى أم شيبة. والثانية تُسمى عالية، فمن الزوجة الأولى أعقب عثمان وسواق والأجيرب، ومن الثانية حبيب الله وبوعوسة والميعيني.
وقال خليفة التليسي: يدّعي الفواخر أنهم سلالة يعقوب السخان وهو أحد الأبناء السبعة لسليمان الفيتوري الجد الأشهر للفواتير.
ولا تتفق الروايات أيضا حول اسم (الفاخر) فبعضهم يرى أنه لقب يعقوب السخان نفسه، ويرى آخرون انه اسم لابنه أو أحد أحفاده.
وأضاف: ينقسم الفواخر إلى جماعتين هما: أولاد أم شيبة ويعرفون أيضًا باسم الشرقيين نسبة إلى موقعهم، وأولاد عالية وهم يعرفون أيضًا باسم الغربيين المنضمة إليهم عائلة المحابات التي تردها الروايات المتوارثة إلى سلالة المحابة خادمة أم شيبة، ومواقع استقرارهم في الغالب تضم أقصى المناطق الجنوبية بين ظهر الأبيض وأقصى الشرق من برقة.
وفي ص 74 من المعجم ذكر أولاد عالية أحد فروع الفواخر الغربيين كالتالي:
قال منها عائلات أبو عوسة وبيوتها: الفقيه يونس ودباب وحفيظ وجوقيد ورميلة ونوارة، وعائلة حبيب الله وبيوتها موسى ومباركة ومهدية وحمد؛ ويقيم ما يقرب من ثلاثين نسمة من العائلة الأخيرة بمصر والبقية بمنطقة البطنان.
والعواتي إخوة للحمة أبي حميدة قبيلة أولاد بعيو بمصراته باعتبار أن جدهم الأكبر واحد.
وفي ص 254 من فروع أم شيبة الفواخر الشرقيين ذكر عثمان وهو أكبر فروع الشرقيين فقال:
عائلاته أبو علي وأبو زويدة وعباس والعويدات وعلي وأبو توزر وتعرف العائلات الثلاث الأولى باسم ضنى مبروكة.
وفي ص 33 ذكر من الأجيرب من فروع الفواخر الشرقيين وسماهم أولاد أم شيبة، ومنها عائلات وبيوت فمن عائلة أبو حبسة ومنها بيوت حمودة والجاهل، وعائلة أبي رتمة ومنها بيوت حامد وعبد الله، وعائلة مسيعيد ومنها بيوت سباط والفقيه عبد الله والسواحلي.
لمحة عن الفواخر في مصر
من الفواخر بمحافظة المنيا فروع عديدة حيث استقرت عائلة أبو عوصة ومنهم المستشار محمود عثمان أبو عوصة رحمه الله.
ومن الفواخر بمحافظة الفيوم وهم بعزبة أبو شناف وعزبة الخمسين بمركز إطسا بمحافظة الفيوم، ومن أبرزهم الشيخ عبد الله محمد على أبو مبارك، والشيخ محمد علي يوسف، والشيخ مسعود عبد الحفيظ رجب، هذا ما تأتاني من البحث الميداني عن هذه القبيلة العريقة وهي من القبائل المتوسطة المنتشرة في ديار مصر.
خويلد
أصل القبيلة:
يذهب رأي لبعض الباحثين أن خويلد من الأشراف الأدارسة في ليبيا وجدهم أبو القاسم أو شوشة من ذرية عبد الله بن إدريس الحسني، وقد نزل إلى مصر بعض الفروع من هذه القبيلة قبل ثلاثة قرون.
ما قاله بعض المؤرخين عن خويلد
قال التليسى في معجم سكان ليبيا: خويلد قبيلة من قبائل مدينة زوارة منطقة زلطن، وعائلاتها المجاذبة وتتفرع إلى أولاد بن نور، وأولاد التواتي وأولاد محمد والصماح، والسبانيون وتتفرع إلى أولاد زائد وأولاد ميلاد وأولاد سعود. وكما ذكر من خويلد عشيرة العكارة في تاغمة.
وأضاف أن جد هذه القبيلة هو سيدي أوشوشة دفين زلطن، ويقال أن أصله من النوايل
(1)
.
خويلد في مصر
تنتشر خويلد في الديار المصرية فبعضها كما ذكر حصر العربان عام 1897 م في الوجه البحري وأكثرها في صعيد مصر، ومعظم هذه القبيلة في الوقت الحاضر في بني سويف والفيوم والمنيا، وكان عمدة القبيلة المعروف مجاور الأحول، وقد تسلم منه عبد السلام الأحول العُمدية، وكان منهم المستشار محمد سالم يونس رحمه الله كان من كبار رجال القضاء في مصر.
وذكر أميديه جوبير الفرنسي قبيلة خويلد من قبائل ولاية البهنسا وكان عدد فرسانهم نحو 400 فارس عام 1798 م.
وذكر أحمد لطفي السيد أن عدد خويلد في بني سويف والفيوم حوالي 2357، وعددهم في وجه بحري 393 نسمة وذلك عام 1883 م.
(1)
النوايل منطقة أو بلدة في الجبل الغربي وهي تنسب إلى قبيلة أولاد نائل من ذباب من بني سُلَيْم وقد خالطتهم فروع عديدة من العرب البربر وتكونت البلدة من هؤلاء جميعًا.
وإذا صح القول فإن جد خويلد يصبح من سُلَيم على الأرجح لا من الأدارسة الأشراف.
وقال الحبوني عن خويلد في كتاب أنساب العرب:
وهي من القبائل التي تسكن مصر من أيام الفتوحات الإسلامية ومنتشرة العدد في جهات بلدة مزورة التابعة لبني سويف وعمدتها شيخ العرب محمد خليفة سليمان، وبلدة الدير وعمدتها محمد إبراهيم الأحول، وشيخ العرب محمد مجاور، وبلدة إهناسيا وعمدتها شيخ العرب محمد عبد الجواد حميدة الذي يرجع إلى بيت الكسار الذي يتفرع عنه عائلات عيسى وحسين أبو غانم وقد اشتهر من هذه العائلة الكريمة شيخ العرب غانم رحمه الله وهو والد شيخ العرب إسماعيل يونس عمدة منشية كسَّاب، وأخوه محمد أفندي يونس وهما علمان من أعلام العرب في الجود والشجاعة والمكارم، وعائلة خبير ببلدة الشرها، وعائلات أبو مشريفة وجهمي ومحفوظ وجمعة التابع لعمودية شيخ العرب محمد إبراهيم الأحول، ومن عائلات خويلد أيضًا السجايعة وعيسى وعبد الله وأبو رحامة وفضل الله وأبو شوشة وهذه العائلات ترجع إلى فخذ (عبار)، ومن أبي شوشة؛ عبد المجيد بيك لطفي سكرتير نادي العرب بمصر وابنه محمد بيك عبد المجيد القاضي بالمحاكم الأهلية الوطنية، والأستاذ عباس أبو شوشة رحمه الله بوزارة التربية والتعليم الذي يعتبر بحق فخر الأبناء للعروبة، ولهذه القبيلة فروع في جهة طرابلس الغرب.
وفي موضع آخر ذكر الحبوني عن خويلد أيضًا التالي قائلًا:
قبيلة خويلد "عرب إهناسيا" من كبارهم محمد جابر قاسم رحمه الله وابنه جبر وشقيق قاسم، وابن أخ الشيخ محمد قاسم، وميهود، وامجاور، وعبد الوهاب قاسم، والأستاذ تهامي قاسم ناظر مدرسة، وعبد القوي شيخ إهناسيا، وأخيه محمد، وعلي مجاور عمدة شرها، وجبر نائب العمدة، وسيد جبر وإخوته، وكذلك عائلات عيد والجندي بشرها، وبغيض وصالح سليمان بإهناسيا، وعبد السلام البديني بمنشأة البديني، وعائلة كساب وشهرتها تغني عن وصفها.
القذاذفة
أصل القبيلة:
من قبائل المرابطين في ليبيا، يرى بعض الباحثين أن أصلها من الفرع الموسوي من ذرية موسى الكاظم من الأشراف الحسينيين، ولا زالت هذه القبيلة في منطقة سرت بليبيا، ونزل معظمها إلى الديار المصرية، فقد ذكرت في حصر العربان عام 1897 م في معظم محافظات الوجهين البحري والقبلي بمصر.
ما قاله المؤرخون عن القذاذفة
قال التليسي في معجم سكان ليبيا عن القذاذفة:
القذاذفة إحدى القبائل الكبيرة بمنطقة سرت، وهم من سلالة الوالي الشهير سيدي قذاف الدم دفين منطقة غريان، وأصلهم من غريان وقد نزحوا عنها منذ ما يزيد على قرنين، ويعرفون أيضًا باسم أولاد موسى
(1)
.
ويتكون القذاذفة من الأفخاذ الآتية: الوملة، والخطرة، والسواودة، وأولاد عمر، والمجذب، والقحوص.
القذاذفة في مصر
ذكر علي باشا مبارك القذاذفة في الخطط التوفيقية من قبائل المنوفية.
وقال اللواء صلاح التايب: إن القذاذفة بالوقت الحاضر في المحمودية التابعة لإطسا بمحافظة الفيوم ومنهم جماعة في عزبة فوزي مراد بمركز طامية بالفيوم، ولهم نجع خاص بهم ويُسمّى عزبة الأصفر بكوم أوشيم مدخل الفيوم من الجهة البحرية، ومنهم في عزبة البصير بمنشاة طنطاوي مركز سنورس ومنطقة قارون بمركز أبشواي بالفيوم.
(1)
أولاد موسى: ذكرهم أحمد لطفي السيد ونعوم شقير من قبائل الشرقية في مصر، والراجح أن هؤلاء من القذاذفة وحملوا اسمًا آخر لهذه القبيلة ومن أولاد موسى في الفيوم، أما سائر القبيلة فالاسم المشهور في مصر وليبيا القذاذفة وتنطق من العوام (بالدال) أي القذاذفة واحدهم قذافي.
ومن القذاذفة في البهنسا وبني مزار بالمنيا، ومنهم في المريوطية بالجيزة ومركز تلا بالمنوفية ومركز حوش عيسى بالبحيرة.
قلت: يوجد نجع للقذاذفة في مركز ببا محافظة بني سويف، وفيه عائلات عديدة من القذاذفة ولازالوا يحافظون على لهجتهم البدوية الليبية وزي رجالهم ونسائهم يشبه زي البدو في ليبيا.
وقد انتقل الكثير من القذاذفة في مصر إلى ليبيا بعد الاستقلال وحملوا الجنسية الليبية وبذلك زاد عدد قبيلة القذاذفة في سرت بليبيا بعد هذه الهجرات في منتصف القرن العشرين.
ومن هذه القبيلة قائد ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 م الزعيم معمر القذافي.
(انظر عن القذاذفة في ليبيا في المجلد الثالث من هذه الموسوعة).
الربايع
نسب القبيلة:
يرى بعض المؤرخين أن أصل هذه القبيلة من بني تميم العدنانية.
وتنتشر هذه القبيلة الكبيرة في مصر وليبيا وتونس والجزائر
(1)
.
وتعد الربايع من كبرى قبائل المرابطين ولكنها متفرقة في عدة بلاد عربية أفريقية.
قال التليسي في معجم سكان ليبيا:
الربايع من قبائل نالوت
(2)
وفروعها أولاد علي، وأولاد يحيى، وأولاد محمد، وأولاد سليمان. ويبدو أن الاسم يستمد أصله من جدّهم الأكبر من القبيلة التونسية (الربائع) وهي قبيلة عربية، وللربايع أملاك في وديان نيكويف وأم زقاروني والمرطبة.
قلت: ومن الربايع بليبيا أيضًا في منطقة الجميل غرب طرابلس والتوي وسبها وبراك الشاطئ بعض الأفخاذ والعائلات.
الربايع في مصر بالبحث الميداني
تنقسم الربايع في مصر إلى عائلات أهمها التالي:
- عائلة خلف الله ومنها الأستاذ خلف الله محمد خلف الله من أبناء الربايع البارزين وموجه تعليم بالجيزة ويعتبر عميد الربايع في الجيزة ويقيم في عزبة خلف الله مركز أبو رواش، ومنهم الأستاذ محمد خلف الله محمد مأمور ضرائب في الشرق الأوسط، والأستاذ عبد الجواد عبد الله خلف الله، والشيخ عبد العزيز خلف الله، والأستاذ فرج مفتاح خلف الله، وشيخ العرب فهد خلف الله، والشيخ فيصل خلف الله.
(1)
انظر عنهم في قبائل الوادي سوف بصحراء الجزائر الشرقية في المجلد الثالث، وكذلك عنهم نبذه أخرى ضمن قبائل الصحراء الكبرى العربية الأفريقية في المجلد الثالث أيضًا.
(2)
نالوت: بلدة كبيرة في الجبل الغربي (جل نفوسة) وهي غير بعيدة عن الحدود التونسية.
- عائلة عبد القادر: ومنها بيت سالم، وبيت ضيف، وبيت سلامة.
- عائلة أبو بكر: ومنها العمدة عبد الرازق مهدي، وشيخ العرب فراج أبو بكر، وعبد النبي سعيد، وأبو بكر محمود.
- وعائلة الغول: ومنها شيخ العرب عبد العزيز عبد المولى الغول، والشيخ جاب الله الغول
- عائلة مفتاح: ومنها الشيخ سلامة محمد مفتاح.
- عائلة عبد المجيد: ومنها الشيخ محمد عبد المجيد، والشيخ رمضان عون سعد عبد المجيد.
ومعظم هذه العائلات المتقدم ذكرها في منطقة أبو رواش بمحافظة الجيزة.
- عائلة الثوابت: ومنهم شيخ العرب محمد علي عون الله والشيخ عبد الجواد مسلَّم، وفرج مهدي وحسين فراج، وهذه العائلة تقيم في قرية أم الاتل جيزة، ومنهم في الفيوم، وفي عزبة الربايع التابعة لبني مزار بمحافظة المنيا.
- عائلة شحات: ومنها الشيخ إبراهيم عثمان فراج، وشيخ العرب صابر سليم، والشيخ عمر السيد عمر، وفرج سيد حسين.
- عائلة أبو طالب: ومنها الأستاذ عبد الله حسين عطية، ونصير جمعة، وعبد السميع عبد العال.
- عائلة لطيف: ومنها الشيخ عبد السلام لطيف، والشيخ عبد المولى لطيف.
- عائلة العبادلة: ومنها خليفة مسعود، وسعيد حمزة، وخالد عبد الله مسلَّم، وجاد الله عبد الله، وصالح جبريل، وحمد مسلَّم، وهؤلاء يقيمون بالجيزة والفيوم خاصة في عزبة لعبش مركز طامية.
النِّجِمَة
أصل القبيلة
يؤكد الباحثون ورواة القبيلة أنهم من أنسال رجل يُسمى نجم الدين وهو أحد قادة الجيوش الفاتحين لبلاد برقة ويتصل نسبه بالصحابي الجليل سعد الأنصاري
(1)
من العرب القحطانية.
ولذلك بدأ تكوين هذه القبيلة في القطر العربي الليبي وعُدَّت النِّجَمة من قبائل المرابطين وقد نزحوا إلى الديار المصرية قبل أربعة قرون ولم يبق لها بقية في الديار الليبية.
ما قاله بعض المؤرخين عن النِّجِمة
قال محمد رمزي: إن النجمة مقرها الجيزة وكان منوطا برجالها حراسة الأهرامات والدروب الموصلة للغرب.
وقال اللواء صلاح التايب عن النجمة
(2)
قبيلة من المرابطين ويتصل نسبهم بالأمير نجم الدين أحد قادة جيوش العرب كما يذكر الرواة والباحثون، وكانوا في ليبيا ونزحوا إلى صحراء مصر منذ ما يزيد على ثلاثة قرون، ولهم فروع في الجيزة وأكثرهم في نزلة بطران والكوم الأخضر وكفر الجبل وكفر نصار بالهرم، ومنهم قسم كبير بزاوية مسلم ونزلة الأشطر وأوسيم والزيدية وكفر حكيم والمنصورية وبرقاش وسبك الأحد، كما منهم في قليوب جماعة.
وكانت معيشتهم في البادية إلى أن بدأ السياح يتوافدون بكثرة إلى منطقة الأهرام في خلال القرن العشرين بالذات فظهر منهم طائفة التراجمة والأدلاء للآثار، وعندهم الخيول والإبل يعتنون بتربيتها وخاصة لتأجيرها للسياح من أنحاء العالم، وقد توارثوا هذه المهنة من جيل إلى جيل.
(1)
ولم يعرف هل هو سعد بن عبادة، أم سعد بن معاذ، وكلاهما من الأوس الخزرج من قبائل الأزد والقحطانية.
(2)
يوجد نجع النجمة في نجع حمادي فيه فرقة منهم (محافظة قنا).
وتوجد عزبة النجمة في الأقصر بقنا أيضًا.
ومن عائلات النِّجمَة أذكر التالي:
فايد، والحلو، والسروري، وخطاب، والجابري، والشاعر، والبطران، والجبر. ومن رجالهم الشيخ أبو طالب الجابري، والدكتور رحيم حسين، واللواء عاشور الجابري، ومحمد الدسوقي رشدان عمدة العزيزية، وأمين بيك عمدة المرازيق بمركز العياط، وشيخ العرب علّام خطاب عمدة أبو رواش بالجيزة، ومنهم أسرة الجابري بالإسكندرية.
وذكر أحمد لطفي السيد ونعوم ضقير في هذا القرن النْجِّمة وأنهم في الجيزة والمنوفية والبحيرة والقليوبية والدقهلية.
وذكر أميديه جوبير الفرنسي في وصف مصر أن النْجِّمة في البهنسا وضواحي الجيزة والمناطق القاحلة بجوار الأهرام وعدد فرسانهم 200 فارس.
وقال عبد السلام الحبوني (3): أملى عليّ الشيخ منسي البطران قائلًا عن النجمة
(1)
:
قبيلة النِّجمة ويتصل نسبها بالأمير نجم الدين أحد قواد جيوش العرب في الفتوحات الأولى وهو يتصل نسبه بالصحابي الجليل سيدنا سعد الأنصاري رضي الله عنه، ويقيم أفراد هذه القبيلة الكثيرة العدد بنزلة البطران وكفر الجبل ونزلة السمان والكوم الأخضر وكفر نصار وكلها بنواحي الأهرام بالجيزة، ومنهم عدد كبير بزاوية مسلم ونزلة الأشطر والزيدية وأوسيم والمنصورية وكفر حكيم وبرقاش وفيهم كثير أيضًا ببلدة سبك الأحد بالمنوفية، وفي مركز قليوب.
وقد أبرز عمدتها شيخ العرب رحيم البطران رحمه الله جملة فرامانات صادرة لهم قديمًا برئاسة هذه القبيلة العربية من محمد علي باشا ومن عباس الأول وكلها تدل على أصل هذه القبيلة العريق، وهذا النسب الذي أورده العمدة المذكور من بحر أنساب السادة المسلَّمية المقيمين ببلدة حواي بمحافظة الغربية.
ومن أفراد هذه القبيلة رجال معدودون معروفون بالهمة والمكارم وهم حضرات المشايخ عادل عبود، وعبد الحميد مهدي، وعمر عبد الله، وعبد الله
(1)
انظر أنساب العرب للحبوني ص 113.
محمد، ومحمد علي منسي، وتوفيق مراد، ومحمد علي رحيم، ومحمد الدسوقي رشدان عمدة العزيزية، وأمين بيك عمدة المرازيق بمركز العياط، وشيخ العرب رسلان عميد عائلة خطاب، وشيخ العرب علّام خطاب عمدة أبو رواش بمحافظة الجيزة. وفي موضع آخر ذكر الحبوني في ص 315 عن النجمة فقال:
وقبيلة النجمة بعنوان الشيخ وابن الشيخ في صحراء الأهرام لمجلة المصور المصرية حيث قالت: منذ ثلاثمائة عام هاجر إلى مصر من ليبيا بضع سات من الأعراب واستوطنوا سفح الورم من وقتها إلى اليوم، هؤلاء هم عرب قبيلة النجمة أو عرب الأهرامات كما يسمونهم وعددهم الآن حوالي أربعة آلاف نسمة ومعيشتهم الأولى كانت معيشة البداوة إلى أن بدأ السياح يتوافدون إلى مصر من جميع أصقاع العالم لزيارة آثارها، وكان ذلك من مائة عام فظهرت منهم أربعة طوائف جديدة هي التالي:
1 -
طائفة أرباب المهن والحرف في مصر.
2 -
طائفة التراجمة والأدلاء.
3 -
طائفة تجار الآثار.
4 -
طائفة فرسان العرب.
وظل النجمة يتوارثونها جيلًا بعد جيل، وقد ثبت تفوق أبناء التراجمة بسبب خبرتهم بالصحراء وأسرارها، وهم مشهورون بالأمانة شهرة عالمية، ونجد جميع السائحين يأمنونهم على أموالهم طوال مدة إقامتهم في مصر، وقد صحب بعض السائحين أفرادا من هؤلاء التراجمة عند انتهاء زيارتهم للآثار المصرية وجعلوا منهم أمناء لهم في سفرهم حول العالم.
وعن تجار الآثار ومحلاتهم بشارع إبراهيم باشا وفي خان الخليلي، ولفرسان العرب بنوع عام شهرة دولية، وقد اختص عرب الهرم بتدريب الخيول مما استرعى الإعجاب، وأصبحوا اليوم يقيمون في قصور شاهقة رغم أنهم عاشوا عيشة البداوة.
وأبرز هذه العائلات عائلات فايد والحلو والسروري والجبر وخطاب والشاعر والبطران، ولما اتسع نطاق بلدة نزلة السمان وامتدت رقعتها رأى ولاة الأمور في
سنة 1910 م فصلها إداريا عن الكوم الأخضر وجعلها مستقلة بذاتها وتعيين أحد أبنائها العرب عمدة لها، ومن مشاهير هذه القبيلة الشيخ أبو طالب الجابري وهو رجل مهيب الطلعة، ناهز المائة من عمره، وهو نائب عمدة نزلة السمان، وكان رفيقا لأحمد حسنين في رحلته عبر الصحراء، ومنهم الشيخ مبارك الجابري، والشيخ محمد عبد الكريم الجابري، والشيخ إبراهيم الجابري، ومنهم عائلات كبيرة مثل عائلة البطران ومنهم عبد العال مهدى عمدة كفر الجبل، وعبد الحميد مهدي، وحسن وعبد الوهاب ومحمد وصالح ومهدي حمزة، والأستاذ محمد عبد المجيد، وشيخ العرب رحيم البطران رحمه الله، وكان عمدة القبيلة، والشيخ منصور خليفه نائب العمدة، والشيخ عبد الحميد محمد البطران نائب عمدة البطران، والشيخ رشاد أبو بكر، والأستاذ محمود أبو بكر البطران مدير بنك مصر بالقاهرة، والدكتور حسين رحيم البطران مدرس بطب القصر العيني، والمهندس عباس حمزة بالجيش المصري، والأستاذ عبد الستار البطران بالضرائب، والأستاذ رحيم البطران بالمصانع الحربية، والأستاذ عزيز بالصحة، والأستاذ السيد حسن بكلية التجارة (انتهى).
فروع النِّجِمَة بالبحث الميداني في محافظة الجيزة
تنقسم القبيلة إلى عدة أفخاذ أهمها في مصر: أبو خطاب والشاعر والبطران وأبو حسين.
ومن أبرر رجالات النِّجِمَة الآتي ذكرهم:
الأستاذ مجدي أبو طالب خطاب عضو مجلس الشعب، والشيخ وضوان الشاعر عضو مجلس الشعب، والعمدة علام خطاب عمدة أبو رواش حاليا، وحمد دسوقي خطاب، وجلال دسوقي خطاب وعزت دسوقي خطاب، وممدوح فرجاني خطاب، وخطاب صلاح الدين، وشيخ العرب نصر خطاب، وجلال محمود خطاب، وزغلول نصر خطاب.
سعيط
قبيلة عربية من قبائل المرابطين (وتنطق بالسين أو الصاد) ويذكرها البعض من المؤرخين الحديثين باسم (صعيط)، والقسم الأكبر من هذه القبيلة في بنغازي وإجدابيا بليبيا ومنهم قسم في مصر خاصة في بني سويف وأسيوط والبحيرة والجيزة، ويذكر رواة القبيلة أن مؤسس القبيلة هو محمد المُلقب السعيطي.
تاريخ القبيلة
ويرى البعض أن سعيط من العرب الفاتحين للديار الليبية (منطقة برقة) وقد استقر جدهم الأول في هذه المنطقة وكوّن هذه القبيلة التي تنتشر في برقة وغيرها من القطر العربي الليبي.
ولهذه القبيلة مواقف بطولية على مر التاريخ حيث قاومت الاستبداد التركي وكذلك شارك العديد من أبنائها في الجهاد ضد الغزو الإيطالي البغيض للأراضي الليبية في القرن العشرين وقد استشهد منها الكثير، وقام الاستعمار الفاشستي الإيطالي بإعدام أبو بكر ذقيق السعيطي وأخيه بشير دقيق السعيطي في ميدان عام بمدينة إجدابيا.
وكانت هذه القبيلة مصدر قلق للمستعمر الإيطالي، وقد أدى ذلك أن أساء لها بعض الكُتّاب الإيطاليين في كتبهم ودراساتهم الأثنوغرافية عن سكان ليبيا.
وسعيط تكاد تلتحم مع قبيلة العواقير من قبائل السعادي من شيب سُلَيْم ويرى البعض من سعيط أنهم جزء لا يتجزأ من العواقير ويشاركونهم في الديار خاصة فرع إبراهيم من العواقير.
ويرى آخرون أن سعيط قبيلة قائمة بذاتها من المرابطين الأوائل في ليبيا ومنهم الشيخ سيدي عبد الواحد وأولاده الذي كان صاحب زوايا دينية معروفة في نواحي إجدابية وبنغازي، ولهذا الشيخ وأولاده أضرحة ومقامات معروفة حتى الآن في ليبيا.
وأملاني أحد رواة سعيط في مدينة الفشن
(1)
التالي عن فروع القبيلة ورجالاتها في مصر وليبيا:
(1)
هو الأستاذ الفاضل حسن أبو فخرة العيطي رئيس المركز الإعلامي في مدينة الفشن بمحافظة بني سويف، ويعد من رجالات سعيط البارزين في مصر ومن أعيان مركز الفشن ومن كبار الزراع.
وقد قسم سعيط إلى ثلاثة فروع هي: محمد، والأديرع، وسيدي بالحسين فمن محمد أفخاذ الشمول وأبو عصابة والمريعش.
ومن الأديرع أفخاذ حاج مؤمن وشعيب.
ومن سيدي بالحسين أفخاذ أبو فضيلة وعبد الرحيم (أبو منتوفة) والشراميط وعقيلة وسيدي عبد الواحد.
ونستعرض عائلات سعيط في ليبيا وخاصة في إقليم برقة وبعض هذه العائلات نزل إلى الديار المصرية: عائلة أبو فضيلة من عبد الغني من سيدي بالحسين ومنها بيوت: علي وميكائيل وحمد ومحمد وعبد العالي وسليمان.
وعائلة عقيلة من سيدي بالحسين، ومنها بيوت: عريب ومبارك وسعيد وعقيلة وسالم وإبراهيم ويقيمون ضمن قبيلة البراعصة.
وعائلة أبو جريعيد من الشمول من محمد، ومنها بيوت: كيلاني وعبد القادر وأبو فخرة وكويدر وقلاعي وسويدان وعويدات.
وعائلة أبو جواري، ومنها بيوت الأشلم والحربي وأبو حمار، وأبو جواري من الشمول وهم مع العواقير.
وعائلة الربيضي، ومنها بيوت ارخيص وطالب ودقشوش ورجوا وأبو فرع، والربيض من الشمول.
وعائلة أبو شوبية، ومنها بيوت حسين والأطرش وسعيد، وهم من الشمول ومنهم ضمن عائلة إبراهيم العواقير.
وعائلة عبد الرحمن، ومنها بيوت المدهمة وحسين ومنهم مع فرع إبراهيم من العواقير.
وعائلة محمد، ومنها بيوت قدر وحسن وعثمان والحويلاء وهم مع العواقير.
وعائلة الأقيرع، ومنها بيوت عبد الله ومفتاح وجميعة ومحمد، ومنهم قسم ضمن العواقير.
وعائلة الفار، ومنها بيوت مفتاح وعبد الرحيم وعبد القادر ومنهم فروع مع العواقير.
وعائلة حنفر، ومنها بيوت اللطيف وعبد الحفيظ وإبراهيم.
وعائلة الزقليلي ومن أهم بيوتها رقيعة والفرد.
وعائلة المريعيش ومنها بيوت هود ومختلفة وسلَّام ومسعودة وريضة ومنهم سلَّام مع العواقير.
ومن هود أيضًا فروع صبرة والحاج حمد والهبود، ومن ريضة فروع أبو نعجة وطواح وأحميدة.
وعائلة أبو طاحونة وهم مع قبيلة العبيد.
ومن سعيط عائلات محمد وأبو عجة وبرغط مع قبيلة العبيدات من الحرابي، وكذلك القرباع وهم في درنة وطبرق.
ويوجد من هذه القبيلة العديد من الأولياء ولهم أضرحة منها ضريح سيدي خليل وضريح سيدي عبد الجليل وضريح سيدي محمد وضريح سيدي أبو دراع وضريح سيدي المرتضى.
ومن رجالات ومشاهير هذه القبيلة بليبيا ومصر التالي:
أولًا. في ليبيا: الشيخ سعد الكيلاني أبو جراعيد رحمه الله، وكان من المجاهدين الذين قاوموا الاحتلال الإيطالي الغاشم للبلاد العربية الليبية، وهو من رفاق المجاهد الكبير عمر المختار، والشيخ عبد القادر أبو جراعيد، وهو رئيس فض المنازعات بالسلطات تبع مدينة إجدابيا، والشيخ مسعود علي الصديق من رجال الأعمال، والشيخ محمد موسى أبو جواري وهو رئيس لجان المصالحات في ليبيا، والسيد فرج السعيطي سفير ليبيا بمصر، والسيد أبو بكر السعيطي السفير السابق لليبيا في مصر، والعقيد أبو بكر السعيطي بمديرية أمن إجدابيا، وعوض السعيطي رئيس كتيبة أمن بني غازي، وسالم السعيطي بالخارجية، وعلي سالم السعيطي مدير بالتعليم في ليبيا ورئيس لجنة التعليم الشعبية بجاردينا، ومحمد شريف السعيطي مدير سنترال مدينة بنغازي.
ثانيًا. في مصر: الشيخ أبو فخرة مقاوي السعيطي رحمه الله، وكان شيخ من مشايخ سعيط المعروفين في الفشن بمحافظة بني سويف وابنه عبد العزيز أبو فخرة رحمه الله؛ وكان شيخ عزبة أبو فخرة، والأستاذ حسن أبو فخرة رئيس المركز الإعلامي بالفشن وكان رئيسًا للمجلس الشعبي لمدينة الفشن،
والمهندس عيسى لملوم السعيطي بمدينة سمالوط، والشيخ مسعود عبد العزيز بنجع سعيط بمطاي، والشيخ رحيم رحمه الله بنجع سعيط بالفشن، وحسين أبو فخرة بالوحدة المحلية بالفشن - محافظة بني سويف، وموسى أبو حامد السعيطي مدير الشئون القانونية بالتربية والتعليم، والشيخ عبد الله محمد السعيد السويدي السعيطي بالبحيرة، والشيخ إبراهيم أبو رقبة السعيطي، والشيخ بسيس عبد الجواد أبو طاهر السعيطي بالبحيرة، والشيخ الجليل أبو طاهر السعيطي بالبحيرة، والدكتور رجب شرف، والشيخ نوفل الصايم عضو المجلس الشعبي بمحافظة البحيرة، والشيخ عبد العزيز عوض في أبي المطامير بمحافظة البحيرة، والشيخ حامد أبو شيحة في أبي المطامير أيضًا، والشيخ سالم الوسار في أبي المطامير، والأستاذ عبد الباسط أبو شيحة المحامي، والأستاذ شبل عبد الله السويدي بالإذاعة والتليفزيون، والدكتور صلاح بكر حميدة، والأستاذ رشدي عبد الهادي، والمهندس محمد حميد، والشيخ أبو النصر، والشيخ حميد مراجع أبو بكر وغيرهم الكثير.
ومن سعيط في مركز شبراخيت وإيتاي البارود محافظة البحيرة فروع كثيرة وعائلات عديدة وكذلك في الجيزة وملوي بأسيوط وجميعهم على صلات قوية بفروع سعيط في بني سويف.
وقال اللواء صلاح التايب عن قبيلة سعيط في مصر
(1)
:
قبيلة من المرابطين قدمت من ليبيا من ثلاثة قرون، وعددها كبير وتقيم غالبيتها في محافظة المنيا ومنهم قسم في صحراء مصر الغربية. من عائلاتها في المنيا: أبو جواري، وخويطر، والفحل، وأبو طاحونة، وهنداوي، وأغلب هذه العائلات في دهروط بمركز مغاغة بمحافظة المنيا، ومن رجالها الدكتور صلاح بكر حميدة، والأستاذ رشدي عبد الهادي، والمهندس محمد حميد، والشيخ أبو النصر، والشيخ حميد مراجع أبو بكر.
وقال عبد السلام الحبوني عن قبيلة سعيط في مصر
(2)
:
ينقسمون قديمًا إلى قسمين: حمد، والأديرع.
(1)
القبائل المصرية - صلاح التايب.
(2)
انظر أنساب العرب للحبوني ص 230.
فحمد أولاده أبو شميلة ومنه الشمول وأبو عصابة والمريعيش، ومن أبي عصابة فروع سعيد والحفيان.
والأديرع أولاده الحاج مؤمن وشعيب والمشهور منهم عائلة عبد الواحد يعطون الفاتحة ولهم احترام عند العرب ويقيم منهم عدد كبير في مديرية المنيا وهم عائلات أبو جواري وخويطر وأبو طاحونة والفحل، واشتهر فيهم الشيخ عبد الخالق على بمطروح رحمه الله، ومنهم اليوزباشي عبد القادر بالحدود الليبية المصرية.
وقال خليفة محمد التليسي
(1)
عن فروع سعيط كالتالي:
تنقسم سعيط من مؤسسهم حمد إلى الشمول وأبو عصابة والمريعيش.
ومن سعيط الأديرع ومنه حاج مؤمن وشعيب، وسيدي حسين ومنه عبد الغني وتفرع منه أبو فضيلة، ومنه عبد الرحيم أبو منتوفة والشراميط وعقيلة وسيدي عبد الواحد.
وفي ص 214 ذكر الشمول من سعيط ومنهم العائلات التالية:
عائلة أبو جواري، ومنها بيوت أبو حمار والأشلم والحربي، وعائلة الربيضي ومنها بيوت رخيص وطالب ودقشوش وأبو حربا عيد ورجوة أبو فرع، وعائلة أبو شوية ومنها بيوت حسين والأطرش وسعيد.
وفي ص 338 من المعجم ذكر المريعيش وفصل عائلاتها كالتالي:
عائلة هود ومنها بيوت صبرة والحاج حمد والهبود، وعائلة سلَّام، وعائلة مسعودة، وعائلة ريضة ومنها بيوت أبو نعجة وطواح واحميده، وهم معتبرون من الأشراف.
وفي ص 28 ذكر أبو فضيلة وفرعها إلى العائلات: علي وميكائيل وحمد ومحمد وعبد العالي وسليمان.
وقد أوضح أن "أبو فضيلة" من عبد الغني من فرع سيدي حسين.
وفي ص 246 ذكر عبد الرحيم أبو منتوفة، وعد بيوتها أبو بكر والدرعاني والحاج يونس وعطية.
وفي ص 262 ذكر عقيلة، وعد بيوتها عريب ومبارك وسعيد وعقيلة وسالم وإبراهيم وهؤلاء يقيمون ضمن قبيلة البراعصة.
(1)
معجم سكان ليبيا ط 1991 م
العوَّامة
أصل القبيلة:
يؤكد الباحثون في ليبيا أن أصل العوَّامة من مؤسسهم عثمان المُلقَّب بالقوى وهو من أصل المسلمين الأوائل الذين كانوا يرابطون في درنة ضمن الثغور الإسلامية في برقة.
وفي رواية أخرى أن جدهم الأول اسمه عوام بن عوام بن ناسك.
ويرى بعض الباحثين الآخرين أن العوامة من قبائل الأشراف الأدارسة وتُعد من قبائل المرابطين.
وقد نزل قسم كبير من قبيلة العوامة إلى الديار المصرية قادمين من برقة، ويقدر الباحثون أن ذلك قبل ثلاثة قرون تقريبًا، وقد انتشروا في البحيرة والغربية وغيرها من محافظات الصعيد خاصة الفيوم.
ما قاله بعض المؤرخين عن العوامة
قال خليفة محمد التليسي في معجم سكان ليبيا: العوامة قبيلة جدها عوام بن عوام بن ناسك، تنتشر في المناطق التي تنطلق من مصر حتى الجنوب لبنغازي، وأهم عناصر العوامة توجد ضمن قبائل البراعصة والعبيدات، وقلة منهم ضمن العواقير والدرساء والحاسة، وأهم عائلاتهم أولاد مفتاح، وأولاد الأشلم.
وهناك شُعب أخرى من العوامة متفرقة في ليبيا خاصة في منطقة برقة.
وقال اللواء صلاح التايب في القبائل المصرية عن العوامة:
من قبائل المرابطين وقدمت من برقة في ليبيا، ومن فخوذها أذكر:
أبو رقيقة، ومداوي، وأبو الضباع، وأبو معير، وغنيوة، وأبو جرادة، وأولاد مفتاح، وأولاد الأشلم، والضحران، وعقاب، ولجيوب، وأخليل، وصوان، وحفان، ونافع، والقرر، وقويطين، وأبو حويصلة، والحصان، وعتيق، ومن هذه القبيلة الشيخ حسن عوض دومة شيخ القبيلة، والمستشار فرج هليّل القاضي، والشيخ ناجي أبو الحصان، والشيخ جمعة محمد القزي، ومبروك أبو حويصلة، والعوامة منها في المنيا والفيوم والصحراء الغربية.
وقال عبد السلام الحبوني عن العوامة:
هم عائلات أولاد مفتاح وأولاد الأشلم وأبو رقيعة والخدود ومداوي العين والضامنة وأبو الضباع وأبو معيز وأبو جرادة وغنيوة والضمران ولجيوب والقرى وعقاب واضليل وشيخهم الآن بالضبعة على ساحل مصر الشمالية هو حسن عوض أبو دومة.
قبيلة العوامة بالبحث الميداني بالفيوم
ففي الفيوم يقطن قسم كبير من هذه القبيلة وهي وافدة على محافظة الفيوم ومطروح خاصة الضبعة وزاوية العوامة والبحيرة خاصة "أبو المطامير" وحوش عيسى وكفر الدوار.
ومن هذه العائلات الآتي ذكرها في الفيوم فروع أخرى في درنة والقبة والبيضا وترهونة وإجدابيا وبنغازي والجبل الأخضر في عدة مناطق من الديار الليبية.
وأهم عائلات العوامة في الفيوم خاصة في مركز طامية بعزب صالح العوامي، ونجع خميس عمار العوامي، ونجع حامد سليمان، وعزبة مراد الجندي، وعزبة طاهر، وعزبة الصبيحات هم التالي:
- عائلة صوان: ومنهم بيت حمد ومنه أسر صالح وعمار وأبو جمعة وجاب الله.
- عائلة صالح: ومنهم الدكتور إبراهيم عبد الستار صالح أستاذ بكلية الطب البيطري، والأستاذ صالح عبد الونيس العوامي شاعر بدوي، والأستاذ خميس عبد العاطي العوامي بالتربية والتعليم.
- عائلة عمار: ومنهم الأستاذ محمد خميس عمار بالشهر العقاري بطامية محافظة الفيوم، والدكتور حسن عمار خميس بالطب البيطري، والأستاذ سيد عبد النبي عمار بالتربية والتعليم.
- عائلة أبو جمعة. ونذكر منهم الاقتصادي المعروف سلطان علي العوامي، وشيخ العرب صالح أبو سيف والشيخ ماهر عبد الحكيم.
- عائلة جاب الله: ومنهم الأستاذ أحمد مصري عبد السلام المحامي، والشيخ سعيد عبد الجواد جاب الله، والشيخ عبد الغني محمد عبد الغني، والشيخ حسين حمد حسين شلتوح.
ومن مشايخ قبيلة العوامة المشهورين أذكر شيخ الفرقة عبد الحفيظ عمار العوامي، وشيخ الفرقة عبد الونيس جودة صالح العوامي، والشيخ نصر عبد السلام العوامي.
ومن فروع العوامة في الصحراء الغربية المصرية الخداد (الخدد)، ومنهم بيوت جاد الله ومبروكة وإدريس وحمد وإبراهيم وخليل وخلف الله وعطشان.
الجهَّمة
أصل القبيلة:
من قبائل المرابطين في ليبيا دخلت إلى مصر قبل ثلاثة قرون تقريبًا
(1)
.
ما قاله بعض المؤرخين عن الجهَّمة
ذكرهم العياشي الرحَّالة المغربي المعروف في رحلته للحج أثناء مروره في برقه عام 1065 هـ (القرن الحادي عشر الهجري) وعدهم من قبائل برقة وقتئذ.
قال أحمد لطفي السيد: الجهَّمة من قبائل العرب في مصر، نزلت مصر في العصور الأخيرة من طرابلس الغرب قبل الحملة الفرنسية بحوالي قرن من الزمان.
وقال جومار: تقيم الجهمة على ضفاف بحر يوسف بين دلجا وديروط أم نخلة حتى صفط الخمار المواجهة للمنيا، ولهم خيام متناثرة في أماكن شديدة التباعد فيما بينها، ويوجد منها وسط قبيلتي ابن وافي (المغاربة)، وابن كريم (طرهونة).
وذكر الجهمة كل من علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية، ونعوم شقير في تاريخ سيناء من قبائل أسيوط بصعيد مصر.
قلت: والجهمة بالوقت الحاضر لهم نجوع خاصة بهم في محافظة أسيوط، ولهم نجع النزير في طوى بأسيوط، ونجع العاقولة في قوص وبنجع حمادي محافظة قنا لهم نجوع أيضًا، ولهم نجع عبد الله أبو عمار في ملوي أيضًا، ولهم نجع عرب الجهمة في المنيا، وعرب حسن عبد الله في منفلوط وعرب سالم سليمان في ديروط.
ومن الجهمة فروع في عدة محافظات بالوجه البحري وذكرت في حصر 1798 م.
ومن الجهمة فرع في شمالي الأردن يُسمّى بني جهمة ويقطن في عجلون.
(1)
ولا يستبعد أن تكون هذه القبيلة هي بني جُهمة من العنبر بن عمرو بن تميم العدنانية، وقد نزحت إلى برقة مع العرب الفاتحين أو بعد الفتح العربي.
ترهونة
أصل القبيلة:
تُعد من قبائل المرابطين وهي من قبائل البربر القديمة في ليبيا وبلاد المغرب ذكرها الشريف محمد بن منصور في كتاب قبائل المغرب من قبائل البربر.
وباسم ترهونة مدينة ترهونة الليبية جنوب طرابلس.
وقد دخل في ترهونة العديد من أفخاذ العرب من بني سُلَيْم العدنانية.
ونزح قسم من ترهونة إلى الديار المصرية قبل ثلاثة قرون وذكرت في حصر العربان عام 1897 م.
ما قاله بعض المؤرخين عن ترهونة في مصر
قال علي باشا مبارك: ترهونة من قبائل العرب بمصر تسكن الجبل من محاذاة دلجة إلى دشلوط الواقعة في حاجر الجبل تجاه ملوي وتُعد ثلاثة آلاف نسمة.
وذكرها أحمد لطفي السيد قبيلة أبو كريم من ترهونة ونسبها إلى بني سُلَيْم.
قلت: والراجح أن بعض أفخاذ بني سُلَيْم قد دخلت في ترهونة وامتزجت بها.
وقال جومار
(1)
: ترهونة فرع من الجهمة
(2)
وسكنوا في صنبو وملوي وديروط الشريف ودلجا وديرمواس والبدرهان أمشول وبني حرام وسرقنا وتندة وطوخ، وكان مقر شيخ القبيلة في قرية ساو.
قلت: وكل هذه القرى والمدن في نواحي أسيوط وديروط بصعيد مصر وذكر أحمد لطفي السيد عام 1935 م في قبائل العرب: أن عمدة ترهونة حينئذ يُسمّى مهنى بيك سيف النصر. وقال: إن من ترهونة إنذارة وإجلاص
(3)
.
(1)
في كتاب الحملة الفرنسية لمسيو جومار ج 12 ص 267 وما بعدها.
(2)
هنا ثمة خطأ من جومار حيث نسب ترهونة إلى الجهمة وهذا ليس صحيحًا.
(3)
إنذارة وإجلاص هما من فروع البربر في ليبيا والأخيرة من لواتة.
قلت: وإجلاص أصلهم من لواتة دخلوا في ترهونة.
وذكر أميديه جوبير في وصف مصر إبان الحملة الفرنسية 1798 م ترهونة في ضواحي سمالوط.
وذكر الجبرتي في عام 1230 هـ وقال في حوادث شهر رجب أن كريم شيخ عرب ترهونة في الوجه القبلي وكان عاصيًا على الباشا محمد علي والي مصر، وقد جاء طائعًا إلى إبراهيم باشا ابن محمد علي حينما كان أبوه على رأس حملة إلى الحجاز لمحاربة السعوديين، ونتيجة لمساعي إبراهيم أعطى الأمان لشيخ ترهونة، ولما عاد الأب (محمد علي) أتاه شيخ ترهونة على أمان ابنه إبراهيم ومعه هدية أربعون جملًا فأخذ منه الهدية ثم أمر برمي عنقه في الرميلة
(1)
!.
ومن ترهونة جماعة في بني سويف ومنهم في الفيوم وخاصة في أبشواي وأذكر منهم فرقة في عزبة شعلان، ومن أشهر عائلاتها في أسطال محافظة المنيا عائلة عامر التي ينتمي لها المشير عبد الحكيم عامر عضو مجلس ثورة 1952 م.
(1)
قلت: وهذا شيء في طبع محمد علي وشيمته الغدر فهو ألباني لا يمت للعروبة في شيء وهو مثله مثل المماليك والأتراك طبعهم الغدر والخيانة، ومن شيم العروبة والإسلام أن المؤمن لا يخون ولا يغدر من أعطى الأمان حتى لو كان من أعطاه غير مسلم.
المشارقة
أصل القبيلة:
من المرابطين في ليبيا ونزح منها بعض الأفخاذ إلى مصر.
ما قاله بعض المؤرخين عن المشارقة
(1)
قال الحبوني: اتصلت بحضرة المحترم شيخ العرب أمين جبرة سكران الذي كان عمدة القبيلة فوجدت عنده مخطوطًا يفيد أن هذه القبيلة كانت تُسمّى قديمًا قبيلة (بني علي) وأوصل نسبها إلى آدم أبي البشر عليه السلام!؟
وكانت ديارها قبلا أسفل نجد ومعان ثم نزلت للقطر المصري عند فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه وكانت قيادتها وقتئذ لأبي سودة تمامة بن أبي تمامة رضي الله عنه وحضرت بقية الفتوحات الإسلامية في عهد العبيديين وغيرهم واتخذت البر الشرقي من صعيد مصر مسكنًا لها. وفي عهد والي مصر محمد علي باشا قاومت معه الغزاة وسارت مع عساكره لفتح السودان والحجاز وأقطعهم وقتها بلدانا وأطيانا، ولما تولى سعيد باشا حصل خلاف بينه وبين بعض القبائل المصرية فهاجرت معظم هذه القبيلة لجهة بنغازي ومكثوا هناك مدة مع أبناء عمومتهم قبائل العواقير والجوازي والعبيد والمغاربة والعرفا، حتى تولى إسماعيل باشا واستدعاهم فحضروا، ويقيمون الآن بمديريات بني سويف والمنيا والفيوم وبيوتها أولاد علي والجمع والدرابعة والعمارات وبلي
(2)
وهذه البيوت أو الأفخاذ هي التي تتكون منها هذه القبيلة، ولها أربع عُمد.
وفى ص 74 من كتاب أنساب العرب قال عبد السلام الحبوني عن المشارقة أيضا:
(1)
ذكر أبو علي الهجري ص 1875 في التعليقات والنوادر، أن المشارقة من عُقَيْل بن كعب من عامر بن صعصعة. وذكرهم من بطون بني معاوية بن حزن بن عبادة بن عُقَيْل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
(2)
وبلي هنا ربما هو اسم فرع في المشارقة غير بلي القبيلة القُضَاعية المعروفة. ويحتمل أن يكون هذا الفرع من قبيلة بلي ودخل في قبيلة المشارقة واحتفظ باسم قبيلته الأصلية.
من كبار هذه القبيلة الشيخ عبد الوهاب محجوب رحمه الله وأولاده مشايخ العرب زكريا، وأحمد العمدة الحالي، وأمين جيرة عمدة القبيلة، والدكتور أحمد جيرة بجامعة القاهرة، والسيد الأستاذ عبد الستار جيرة القاضي، وعبد العظيم هندي وكيل القبيلة، ومحجوب حميدة، ومحمد سليمان هندي، ومن كبارهم أيضًا مشايخ العرب من عائلة مبروك؛ زايد حسين زايد، ومحمود إبراهيم، وعيد وزايد مبروك، وخليل إبراهيم ميهوب، ومشايخ العرب أحمد عمدة جزيرة ببا، وعمر عبد العزيز.
قلت: وذكرت قبيلة المشارقة في حصر العربان عام 1897 م في معظم محافظات الوجهين البحري والقبلي في مصر.
حَبُّون
أصل القبيلة:
يذكر الباحثون أن هذه القبيلة من المرابطين من الأشراف الأدارسة
(1)
في إقليم برقة بالقطر الليبي، وقد نزح قسم منها إلى مصر.
ما قاله المؤرخون عن حبون
قال خليفة التليسي في معجم سكان ليبيا: الحبون يقولون إنهم وافدون من الغرب (مراكش) في شيء من الغموض دون أن يضيفوا إلى ذلك شيئًا آخر، ويعرف جدهم الأكبر باسم حسان حبان الذي أنجب السلالة التي تكونت منها هذه القبيلة.
كما تضاف عائلات أخرى من أصول مختلفة وهي كثيرة العدد نسبيا بحيث تجعل الحبون كما يبدو في الوقت الحاضر جماعة شديدة الاختلاط يتألف أكثر من نصفها من عناصر غريبة.
ويقيمون بأقصى منطقة الدفنة في إقليم برقة ولهم عائلات بمصر. (انتهى).
وقال اللواء صلاح التايب في القبائل المصرية عن حَبُّون:
من القبائل المصرية الآن ويعتبرون من قبائل المرابطين، وهناك رأي يذكر أنهم أصلًا من الساقية الحمراء جنوب المغرب ونزحوا إلى ليبيا قبل خمسة قرون.
وتنتشر هذه القبيلة الآن في الصحراء الغربية والعامرية غرب الإسكندرية وفي محافظة البحيرة ومن أشهر عائلاتها أو فخوذها التالي: الأعمى وهم ينسبون لجدهم خليفة الأعمى ومن ذريته فروع موسى وغيضان وعثمان ومسعود وحميدة وبريق وخليفة وعيسى وصالح ويطلق عليهم عائلة الحاج عمر، وعائلة جبران ومنها الحاج جويدة جبران، عضو المجلس المحلي لمحافظة الإسكندرية، ومنهم في أبو حمص بحيرة، وعائلة أبو حديرة وتوجد في حوش عيسى بحيرة، والعامرية غرب الإسكندرية، وعائلة بلحمة وهم في برج العرب والطرح وسيدي براني،
(1)
ويرى البعض أنهم أصلًا من الساقية الحمراء، منحدرون من سيدي عبد السلام بن مشيش من الأدارسة.
وعائلة رشاش في حوض عيسى بحيرة، وعائلة حتحوته في طامية بالفيوم، وعائلة يونس في حوش عيسى، وعائلة خليل في أشمون بالمنوفية، وعائلة ظط ومنها أولاد الحاج عمار حسن وجبريل حريز بالعامرية وعلي النقاشي في السلوم، وعائلة الحاج ومنها بالعامرية، وينسب لهذه العائلة الأستاذ عبد السلام الحبوني وهو مؤلف كتاب عن أنساب قبائل العرب وله قيمة تاريخية، ومنها العمدة الأمين محمد أبو صالح، ومحمد لاين العمدة، والشيخ عتيق أبو الهامين، والعمدة محمد حميد، والشيخ واعر، والشيخ علي عبد الرحمن النقاشي.
وقال عبد السلام حمد الحبوني عن قبيلته الحبون التالي
(1)
:
ذكر صاحب كتاب الإبريز عند ذكر كرامات سيدي عبد العزيز أنه كان له صديق من قبيلة مشهورة بالشرف تُسمّى (حبون) ومسكنها جهة مدينة فاس بالمغرب الأقصى وفيها كثير يقرأون القرآن وعلى جانب كبير من العلم قريبًا من مكان الساقية الحمراء موطن الأشراف بجهة فاس وأوصل هذا الرواي شجرتهم بسيدي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه، وتفرعت هذه القبيلة من عهد جد لهم يُسمّى (حسن) وقد خلف ولدين هما: عمر ويونس والأخير خلَّف خليفة الشهير بالأعمى وهو خلف موسى وهو خلف غيضان وعثمان ومسعود وحميدة والحاج هاشم وخليفة وبريق وصالح وعيسى وهؤلاء هم الآن المسمون بأولاد الأعمى، وضريحه الآن مزار كبير للعرب بجهة كمبوت (قرية ليبية في برقة قرب الساحل) وأولادهم الآن عشيرة (الحاج عمر) وهم عائلات الحاج أبو بكر وعبد المجيد وزمط ورميلة، وقد تفرعت من عائلة الحاج أبو بكر عائلات أخرى مثل هارون، واشتهر فيهم قديمًا الشيخ عباس وإسماعيل عيسى رحمه الله، وعبد المجيد جبريل رحمه الله وكذلك عائلة صميدة ومنهم أولاد يحيى الفلاح ومحمد وحامد رحمه الله، وعائلة حامد ومنهم المشايخ محمود ومرتاح رحمه الله، وعائلة كريم ومنهم سليمان الذي أعقب حمد والدي (أي والد عبد السلام صاحب كتاب أنساب قبائل العرب) وله من الإخوة عبد الحميد وسليمان ومهنى وعبد الغفار
(1)
انظر أنساب قبائل العرب للحبوني ط 1379 هـ/ 1960 م. وعبد السلام حمد الحبوني هو واعظ مدينة مطروح فى عام 1960 م.
وقد خلف عبد الحميد رحمه الله؛ الأستاذ حامد الموظف بصحة كفر الزيات، وخلف الأستاذ علي وشعبان، هذا هو فرع سليمان بن كريم. ومن كريم أيضًا فضيل رحمه الله وابنه المبروك فضيل، وعائلة عبد الغني بجهة صفر مركز أبو حمص بالبحيرة، والمبروك وأولاده عبد وسلامة وأولاده ومن خلفة كريم عويان وأولاده لملوم الذي أعقب ميكائيل وسعد.
ثم عائلة عبد الجيد وهو أخو أبو بكر المتقدم ذكره والمدفون بوادي القبقابة في ليبيا، وقد خلف إبراهيم وكان صاحب عقل راجح وعلم غزير رحمه الله وهو صاحب القصيدة المشهورة بمدح السيد ابن السنوسي الكبير، والتي قال فيها باللهجة البدوية:
شاع نور من نور الرسول الصافي
…
عليه الصلاة الدايمة بالوافي
شاع نور من نور النبي في دفه
…
أو مير النحل ترجع عليه اللفه
موصوف لي خاتم أيجي في كفه
…
أيشابه لمن لان الحجر لقدامه
شاع نور النبي بحدوده
…
على قول حبوني رووه اجدوده
أيجدد الدين أو يشهره باحدوده
…
في ثلاث محمد وقيل الرابع
وهي طويلة ويكفي منها هذا القدر من الأبيات.
ومن ذرية إبراهيم عبد الجيد (الصايغ) وقد خلف الصايغ أبو بكر والفقيه صالح وقد خلف صالح محمد وأبو الحسن وإبراهيم وذريتهم، وقد خلف محمد أبو صالح (العمدة لامين) أبو محمد عمدة قبيلة حبون غرب، وخير ما يُقال فيه أنه من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، واسع الصدر، كبير الحلم يحسن لمن أساء إليه. ومنهم الفقيه عبد القادر أبو بكر الصايغ من حملة كتاب الله تعالى ومتزودًا بكثير من العلوم الشرعية، هذا، وقد ورث إبراهيم عبد الجيد رحمه الله حفيده جعفر أبو محمد وفي الشعر له باع طويل.
أما عائلة زمط فقد اشتهر منهم سيدي حمد أبو أوريدة وله مزار كبير بجهة الحقنة بالسلوم، ومن هذه العائلة عدد كثير بمديرية البحيرة بمصر، وكذلك منهم بالعامرية الشيخ عتيق أبو الهاين وابنه الشيخ دامي وكان منهم صالح عبد الرحمن وأخوه مسعود - رحمهما الله -، ومنهم علي عبد الرحمن بجهة سيدي براني.
وأما عائلة أرميلة فمنها بيوت عديدة مثل فرهودة وشنيوير وحسن، وفيهم الآن المشايخ بلل مؤمن وأخيه حميدة، والفقيه هوسين وأخيه العمدة محمد حميد، والشيخ حسن مرزوق، ومحمد أبو الحسن رحمه الله؛ وأولاده، ومحمود حسن وأولاده.
هذا، ومن عائلات حبون الشهيرة (عائلة جبران) بمريوط ومنهم المشايخ عبد الله وحسن، والفقيه عوض رحمه الله (وعائلة رشاش) بمديرية البحيرة، (وعائلة الضليل) بمركز أشمون بالمنوفية وفيهم كثير من العلماء والمتعلمين ونذكر منهم صاحب الفضيلة مصباح عمر الضليل، (وعائلة كروش) ومنهم بيوت فرح والأعرج والشدية والهشكال، (وعائلة بلحما) ومنهم أولاد الحاج، وتقيم بمريوط من عائلة بلحما بيوت كثيرة مثل بيت امسيعيد وهم ملاك بجهة الذراع البحري، وكذلك من بيت الحاج وقد اشتهروا بالشجاعة والفروسية، ومنهم مجيد أبو السبع رحمه الله.
ومن عائلة كروش المشايخ سلامة أبو سعيد، والديب أبو المختار، والشيخ واعد مخلوف.
(وعائلة فرنش) وهم بيوت مبارك وحسين ومحمد ويونس ومن هذه العائلة الشيخ رمضان والشيخ سعد النعاس والشيخ إدريس عبد الله وابنه رحمهم الله جميعًا -، وعبد النبي وأخيه سرحان والمنطول.
(وعائلة هروش) ومنهم حسين أبو عقيلة رحمه الله؛ وأولاده الآن حسن جابر طاهر المقيم برمل الأسكندرية، والشيخ مرعيط وعبد الصمد.
(وعائلة رميلة) ومن كبارهم السيد مطر بمريوط وأولاده ولهم سيرة طيبة، ومنهم الشيخ حسن واعر، والشيخ بلل مؤمن، ومؤمن، وحميدة مؤمن، وعبد السلام أبو حسن، ومفتاح أخوه، ومحمد أبو الحسن رحمه الله؛ وأولاده.
(وعائلة كريم) منهم الشيخ طيب وأولاده عبد الله وحسين وإبراهيم ومحمد أبو طيب وأولاد عبد الله حامد عبد الحميد.
ومن قبيلة حبون عائلات الحاج موسى وشعيب ومنبي ومتنوح وعلي وإقامتهم بمريوط. هذا؛ وبين قبيلة حبون وقبيلة القطعان مودة قديمة يقول فيها الشاعر:
نلقاني قول زماني وهم
…
قطعان سحم كبده على حبوني
الحسون
أصل القبيلة
(1)
:
يرى بعض الباحثون في ليبيا أنها من ذباب من بني سُلَيْم، وتُحسب من قبائل المرابطين في ليبيا ونزح قسم من هذه القبيلة للديار المصرية قبل ثلاثة قرون.
ما قاله المؤرخون عن الحسون
قال التليسي في معجم سكان ليبيا: الحسون إحدى قبائل سرت، ولها أصل مشترك مع معدان (أولاد سالم من ذُباب جذم بني سُلَيْم).
ومن عائلاتها منتصر، الطويلب، رزق الله.
قلت: وفي ليبيا منطقة بويرات الحسون مسمّاة باسم هذه القبيلة.
وذكرت الحسون من عربان مصر في حصر 1897 م بعضها في محافظات الوجه البحري وبعضها في أبي قرقاص محافظة المنيا في نجع خاص بهم، وبعضهم في الفيوم وبني سويف.
(1)
يرى بعض الباحثين أن الحسون من حِمْيَر من عرب اليمن وهم سكان بلاد المغرب بداية الفتح العربي. والله أعلم.
العطايات
أصل القبيلة:
من المرابطين في ليبيا، ويرى بعض الباحثين أنها من الأشراف الأدارسة، نزح قسم كبير من هذه القبيلة إلى صعيد مصر.
ما قاله بعض الباحثين عن العطايات في مصر
قال جومار في كتاب الحملة الفرنسية: قبيلة عربية استقرت في أسيوط، ويكاد يكون سكان كل قرى الشطر الأيمن للنيل في أطفيح وأشمونين ومنفلوط من عربان العطايات، وقد دخل معظمهم ميدان الزراعة في عصر علي بيك الكبير. (انتهى).
قال التليسي عنهم في معجم سكان ليبيا، وأسماهم العطايا (بدون تاء التأنيث): هي قبيلة من الفواتير بزليطن ومن عائلاتها: أولاد حودة وأولاد حامد والصداعية والغلالبة وأولاد رجب وأولاد سليمان والأذياب.
وأضاف أن هذه القبيلة تنحدر من سيدي محمد الكبير دفين جبانة السبعة، ومنها فواتير مسلاتة المعروفون باسم شعاب الخروب وأولاد عبد الخالق وشُعَب أخرى من الفواتير المقيمين بمصراتة (انتهى).
وذكر العطايات أميديه جوبير الفرنسي في وصف مصر من قبائل منفلوط بصعيد مصر.
كما ذكرهم أحمد لطفي السيد عام 1935 م وقال: لهم قرى باسمهم، ومنهم من يتبع قبيلة الجهمة في منفلوط بمحافظة أسيوط.
قلت: ومنهم عرب العطايات القبلية والبحرية في أبنوب بمحافظة أسيوط.
زناتة
أصل القبيلة:
من أعظم قبائل البربر في بلاد المغرب العربي ومنها فروع قليلة في مصر.
ما قاله المؤرخون عن زناتة
قال القلقشندي: زناتة بطن من البربر ببلاد المغرب.
قال ابن خلدون في العبر: واسم زناتة (جانا) بالجيم - ويقال: شانا بالشين - بن يحيى بن صولات بن روساك بن ضرى بن زحيك بن مادغش بن بربر.
ونقل ابن حزم عن بعضهم أنه ضرى بن شفعو بن تبدواد بن ثملان بن مادغش، بن هوك بن برسق بن كداد بن ماريغ بن هراك بن هريك بن بديان بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام.
وقيل: جانا بن يحيى بن ضريس بن جالوت بن هريك بن جديلات بن جالود بن رديلات بن عضى بن بادين بن رحيك بن مادغش الأبتر بن قيس عيلان وحينئذ تكون من العرب العدنانية.
وقيل: جالوت بن جالود بن ديال بن قحطان بن فارس، فيكونون من القحطانية.
قال في العبر ونسابة زناتة تزعم الآن أنهم من حِمْيَر من التبابعة، فتكون من اليمن القحطانية.
قال القلقشندي: وبعضهم يقول إنهم من العمالقة، وإن جالوت من العمالقة وهذه المقالات الأخيرة صريحة أن زناتة من صميم العرب.
وأضاف: ومن زناتة ملوك المغرب الأقصى وهم بنو عبد الحق، ومن زناتة أيضًا بنو عبد الواد ملوك تلمسان، وكانوا قائمين بالحكم وقت تأليف كتاب القلائد في بداية القرن التاسع الهجري.
وفي ليبيا ذكر التليسي زناتة في معجم سكان ليبيا فقال:
زناتة من قبائل منطقة العلاونة فرع الأهالي عائلاتها الربد والشرائدية وأولاد أبي العون أصلهم من القبيلة القديمة المعروفة من بطون مادغيس التي لا تزال بقاياها منتشرة في شمالي طرابلس الغرب بغريان والرحيبات والزنتان والحوض والنوايل.
والقسم الأكبر من هذه القبيلة يقيم في الحي المعروف باسمها في الساحل الليبي.
وفي عشيرة العبادلة بالرحيبات عشيرة تُسمّى زناتة تقيم بجيطال، وهم إخوة لزناتة غريان والحوض والنواحي الأربع والنويل بزوّارة، وهم بقايا قبيلة زناتة القديمة من مادغيس وكانت قبيلة قوية في منطقة الشمال الغربي من طرابلس الغرب.
فروع زناتة في مصر بالوقت الحاضر
قال أميديه جوبير المؤرخ الفرنسي عن زناتة في وصف مصر:
عرب الزناتي في الصحراء المصرية على مسيرة يوم ونصف من القاهرة وعدد فرسانهم 200، وكانت هذه القبيلة في حالة حرب مع القوات الفرنسية عام 1798 م في مصر.
كما ذكرهم في موضع آخر من عربان طهطا بصعيد مصر وعدد فرسانهم 40 فارسًا.
قلت وزناتة لهم نجوع في الصعيد بطهطا وبني سويف وغيرها من الديار المصرية.
الجراوات من زناتة في صعيد مصر
أصل الجراوات من قبيلة جراوة الزناتية المشهورة وحُرِّف اسمها بالصعيد المصري إلى "الجراوات".
ذكر المؤرخ الجزائري مبارك الميلي الهلالي أن جراوة بطن عظيم من زناتة كان لهم وجود في الأوراس بالجزائر ومنهم الكاهنة المشهورة
(1)
أيام الفتح العربي ثم تفرقوا وضعفوا بمرور الزمن.
(1)
مع خلاف المؤرخين لنسب الكاهنة فقد ذكرها البعض إلى قبيلة كُتامة البربرية المشهورة أيام الفاطميين.
وفي مراكش بوادي ملوية لهم بلدة باسمهم "جراوة" وحتى الآن معروفة بالمغرب الأقصى.
وقد نزح من هؤلاء عائلات وأفخاذ من عدة قرون إلى صعيد مصر وقطنوا في سوهاج وقنا وبني سويف وغيرها من الديار المصرية، ولا يُعرف تاريخ هجرتهم من المغرب إلى مصر.
وأذكر منهم نجع الجراوات وتُسمّى نجع عبد الله عبد الكريم مركز المحروسة بالدير الشرقي بمحافظة قنا ويقيم بهذا النجع قسم كبير من الجراوات (جراوة).
كما يوجد نجع آخر في الشيخ علي شرق نجع حمادي بمحافظة قنا وبه قسم آخر من الجراوات ومنهم العمدة عبيد العبودي في الشيخ علي وابنه جمال عبيد العبودي عقيد شرطة وأخيه ناصر عبيد العبودي مقدم بالشرطة.
ومنهم الأستاذ فارس بوزارة التربية والتعليم، وابن أخيه الأستاذ الفاضل مجدي محمود فارس المحامي بالاستئناف، ويقيم بالقاهرة مع عائلته وأسر أخرى من الجراوات.
لواتة
أصل القبيلة:
من قبائل البربر البتر في المغرب العربي ومنها قسم كبير نزل إلى مصر أيام الدولة الفاطمية وقطنوا البحيرة والمنوفية والجيزة وغيرها.
ما قاله بعض المؤرخين عن لواتة في مصر
قال الدكتور عابدين: لواتة عدة بطون كبني بلار وبني مجدول وبني حيدرة وقطوفة وبركين ومالو ومزورة.
فأما بنو حيدرة فمنهم أولاد قريش وأولاد زعازع وهم أشهر من في الصعيد.
وأما قطوفة فإنها تجمع مغاغة
(1)
وواهلة
(2)
.
وبركين فإنها تجمع بني زيد وبني روحين.
وأما بنو بلار ففرقتان: فرقة بالبهنساوية وفرقة بالجيزية، فالتي بالبهنساوية بنو محمد وبنو علي وبنو نزار ونصف بني شهلان، والتي بالجيزية بنو مجدول وسقارة وبنو أبي كثير وبنو الجلاس
(3)
ونصف بني شهلان
(4)
ويقال لهذه الفرقة التي نزلت بالجيزية "حد وخاص" والفرقة التي نزلت بالبهنساوية (البلارية) ومنهم مغاغة ولهم سمالوط إلى الساقية.
ولبني بركين أقلوسنا وما معها إلى بحرى طنبدى
(5)
.
ولبني حدوخاص الكفور وسفط وجرجه وأهريت
(6)
.
وبنو محمد وبنو علي أمراؤهم بنو زعازع.
(1)
مغاغة: لعل تسمية بلدة مغاغة بالصعيد المصري يرجع لهذا البطن من لواتة.
(2)
واهلة: ينسب إليها بنو واهلة من أعمال المنوفية بالديار المصرية، وهي حرفت إلى منى واهلة، وورد فى الانتصار منى وهلة وكفرها في أعمال المنوفية وكانت مضافة إلى كفر يُسمّى شنطورة.
(3)
ذكرت من قبائل مصر باسم إجلاص عام 1883 م.
(4)
بنو شهلان مساكنهم بالبهنساوية وبهم تعرف البلدة المعروفة ببني شهلان، أما بنو مجدول إخوتهم فلهم بلدة من أعمال الجيزة.
(5)
قرية بمركز شبين بالمنوفية.
(6)
أهريت في بني مزار والفيوم.
ومزورة فيهم بنو وركان
(1)
وبنو عرواس وبنو جمار وبنو الحكم وبنو الوليد وبنو الحجاج وبنو الحريبة، ويقال إن بني الحجاج من بني خماس، ولهذا كانوا يؤدون معهم القطائع.
وبنو نزار في إمارة بني زعازع وهم من بني زربة، ومنهم نصف بني عامر والخماسنة والضباعنة، وأفرد قوم منهم لإمارة تاج الملك عزيز بن صنعان ثم ولده ومنهم بنو زيد وأمراؤهم أولاد قريش ومساكنهم نويرة دلاص
(2)
.
وكان قريش عبدًا صالحًا كثير الصدقة وهو ولد سعد المُلك.
وفي المنوفية من لواتة بنو يحيى والوسوة وعبدة ومسلة وبنو مختار، ومعهم في البلاد أحلاف من مزاتة وزنارة وهوارة وبني الشعرية في أقوام آخرين.
وقال التليسي عن لواتة في ليبيا: قبيلة في مسلاتة من فروعها المساعيد، والعرابي.
وفي قلائد الجمان للقلقشندي: لواتة الأصغر ابن لواتة الأكبر ابن رحيك بن مادغش الأبتر.
قال الحمداني: وهم يقولون إنهم من غطفان بن قيس عيلان.
ثم ذكر منهم بالمنوفية عدّ منهم بنو يحيى والسوة وعبيد ومصلة وبنو مختار.
ومن لواتة أيضًا: زنارة وأكثرهم في بلاد المغرب ومنهم في بلاد البحيرة ومنهم بنو مزديش وبنو صالح وزمران وورديفه وعزهان. (انتهى).
وفي نهاية الأرب ذكرت في مصر بطونًا عديدة من لواتة مثل بنو روحين، وبنو زربة ومنهم الضباعنة، وبنو أبي كثير، وبنو الجلال، وبنو الحكم، وبنو الشعرية، والعرايا، وزنارة وبنو حدوخاص ومنهم إجلاص، ومالو وغيرها.
قلت: ومن لواتة قبيلة مزاتة ولهم نجوع في جرجا والبلينا بسوهاج في صعيد مصر.
وكما تقدم أن المقريزي ذكر مزاتة من أحلاف لواتة وهم من قبائل البربر ببلاد المغرب.
(1)
وركان هى قرية الآن في محافظة المنيا.
(2)
نويرة دلاص هي نويرة تابعه لبني سويف، ودلاص بلدة كانت تابعة لمركز الواسطى، والآن تتبع مركز بوش بني سويف.
الهداهيد
أصل القبيلة:
هي من قبائل المرابطين الصغيرة تقيم في الصحراء الغربية المصرية والبحيرة من الديار المصرية.
قال الحبوني في أنساب العرب عنهم:
قبيلة الهداهيد وإقامتهم ببلدة أورين مركز شبراخيت في محافظة البحيرة، ومن عائلاتهم عائلة جويد ومن كبارها شيخ العرب عبد الجواد جوير رحمه الله، والشيخ محمود عبد الجواد جويد رحمه الله، وأولاده رشاد وممدوح وصابر وعبد الجواد ومدحت.
ومن الهداهيد الأستاذ عزت جويد بكلية طب الإسكندرية، وحمد عبد الجواد، وشيخ العرب إبراهيم جويد والسيد عبد الرحمن جويد، والسيد الصاغ محمد عبد القادر جويد في شرطة الإسكندرية، والأستاذ فؤاد المدرس، والمهندس صالح، ومحمود السيد المدرس، والصاغ الدكتور عبد الحميد جويد بالجيش، ولا يزال هذا البيت مقصدًا لطلاب الحاجات وفيه الشهامة والمروءة.
الحسّانة
أصل القبيلة:
من قبائل المرابطين الصغيرة في ليبيا، نزح بعضها إلى مصر وهي بيوتات قليلة.
ما قاله بعض المؤرخين عنهم
قال خليفة التليسي في معجم سكان ليبيا: الحسانة بيوتها أبو شخيتبر، والغراف، وأبو بكر، وأبو شعيلة، والخرم، وميلاد، وحلاق، وضنى هيبية (غراب، حمد).
وقال الحبوني: قبيلة الحسّانة من المرابطين منهم عائلات وبيوت عديدة مثل أبو شخيتير والغراف وأبو بكر وأبو شغيلة والحزم وميلاد وحلاق وغراب وحمد والأربد.
وهنا خلاف في أسماء العائلات حيث ذكر التليسي شعيلة بالعين وذكرها الحبوني شغيلة، وكذلك ذكر التليسي اشخيتبر وذكرها الحبوني بالياء (شخيتير).
الزاوية
أصل القبيلة:
من قبائل المرابطين ويرجع نسبهم للأشراف حسب ما يؤكده الباحثون في ليبيا.
ما ذكره الباحثون عن هذه القبيلة
قال الحبوني: تتكون هذه القبيلة من أربعة بطون الأول الشيخ وجميع هذا البطن يقطن في منطقة العقيلة، والثانى بناشة ويقطن جهة مرادة، والثالث الفكاسير، والرابع غزالة.
وأضاف: قالوا إن نسب هذه القبيلة ينتهي إلى سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
قلت: ومن هذه القبيلة بيوتات في الصحراء الغربية المصرية.
بنو غازي
أصل القبيلة:
ذكر بعض النسابين أن أصل هذه القبيلة من الأشراف السنوسيين
(1)
من الأدارسة ونشأت في برقة ونزحت إلى الديار المصرية.
ما قاله بعض المؤرخين
قال أحمد لطفي السيد: هذه القبيلة من قبائل الشرقية من الديار المصرية ذكرت في حصر العربان عام 1883 م.
(1)
قيل أن مؤسس هذه القبيلة هو محمد علي السنوسي الكبير من الأدارسة، والسنوسيون من قبيلة خطاب في مدينة متغانم الجزائرية واستقروا في ليبيا كما هو معروف.
المسامير
أصل القبيلة:
من قبائل المرابطين في ليبيا منها عائلات في مصر.
ما قاله المؤرخون حول هذه القبيلة
قال التليسي في معجم سكان ليبيا: ينقسم المسامير إلى فرعين سلالة سيدي نوح وسلالة سيدي مسمار وأم الاثنين واحدة حيث نلتقي هنا بنفس الأسطورة المكررة للحاج المغربي الشريف المتوجه إلى الأراضي المقدسة مع زوجته التي يقعد بها الحمل عن الاستمرار في الرحيل.
وهذه القصة مكررة في البراعصة والبراغثة وعائلة نجم والجرارة وغيرها.
وتقول قصة المسامير أن سيدي محمد يودع زوجته ويسافر للحج ويتركها في رعاية سيدي مسمار ثم يموت سيدي محمد في طريق العودة فيتزوج بها سيدي مسمار الذي أنجب نوحًا ويضم إليه أبناءها الآخرين من زوجها الأول، فهما إذن فرعان متميزان أبناء نوح ومسامير الرزق نسبة إلى رزقة التي يبدو أنها كانت زوجة لسيدي عبد الجواد وهو أشهر أبناء سيدي مسمار، وإن كانت الروايات المحلية لا تكاد تتفق على ذلك.
ولا تشير الروايات المحلية إلى العصر الذي عاش فيه أجداد المسامير، كما لا تشير إلى أنهم قد شكلوا في أي عهد قبيلة خاصة بهم فهم موزعون اليوم كما كانوا أيضًا قديمًا في جميع أجزاء برقة، وكذلك ضمن القبائل المصرية، وهم منضمون إليها بطريقة فريدة من نوعها، فعلى الرغم من شهرتهم بالشرف والولاية إلا أن ذلك كله لم يمكنهم من شرف الدخول كجزء عضوي ضمن أية عائلة من العائلات كما حدث لكثير من الفروع التي تتشابه معهم في الأصول.
وقال عن مسامير الرزق: هم الفرع الثاني من قبيلة المسامير المرابطة، ومن عائلاتها: عبد القادر وحسن الحمري وأبو جنوب وعبد الجواد
(1)
والحلائم والنجاجرة والكيلي.
(1)
من عبد الجواد بيوت الحاج علي، سعد، عبد الرحيم.
وقال عن مسامير نوح: أحد فرعي قبيلة المسامير المرابطة، وعائلاتها: حورية، ومنها بيوت عبد المالك وحسين وعبد الحفيظ والحاج عبد الله والحاج عثمان وعبد الرحيم والحاج بخاطرة والحاج عطية والذريوي ودغباري، وعائلة السماعيل وبيوتها علي وقرسان وأبو طاوس وأبو لطيعة، وعائلة صارة وبيوتها نجم وعبد الرحيم وأبو قرين وقبول، وعائلة خضراء وبيوتها أبو جنوب ورقبوة وأبو غنية، وعائلة زهراء وبيوتها عبد الكريم. والأعيرج وعبد الرحيم، وعائلة فلان وبيوتها نوح والشويقي، وعائلة الفحاسي ومنهم بيت براية.
الجرارة
أصل القبيلة:
من قبائل المرابطين وأصلها من الأشراف حسب بعد الروايات من كبار القبيلة.
ومن هذه القبيلة قسم في مصر.
ما قاله المؤرخون عن الجرارة في مصر
قال الحبوني عن الجرارة: هم في الواقع من الأشراف ودخلوا في قبيلة الحوَّتة (من لبيد من بني سُلَيْم) وإنما انتسبوا للحوتة لأن أحد أجدادهم وهو السيد عبد الله الحاج مرّ على مقعي كبير قبيلة الحوتة يريد الحج معه وبرفقته زوجته التي تركها عند مقعي وسافر إلى بلاد الحجاز وتوفي - رحمه الله تعالى - بجدة في الأراضي الحجازية، ثم تزوج المرأة (زوجة عبد الله الحاج) مقعي الحوتي وضم أولاده إليه، وعقب من المرأة شريصًا وروية، وقد عثرنا على ورقة مع السيد عريقيب المأمون فيها نسب هذه القبيلة وأنه يتصل بالقطب الرباني سلطان الصالحين سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه، والواقع أن حالة هذه القبيلة من جهة تمسكهم بدينهم تؤكد ذلك وبيوتهم الآن عبد السميع وحسين وعبد الرحيم، ومن مشاهير رجالهم الذين تزار أضرحتهم من البدو هم: سيدي عمر بريدع على خط الحدود الغربية عند النقطة المسمّاة بهذا الاسم المعروف تقريبًا عند جميع رجال مصلحة الحدود، وسيدي حمزة تجاه مطروح، وابنه سيدي عكوش بجهة أوجرين مركز السلوم، وسيدي يونس أبو حراقة بمركز سيدي براني، وسيدي دخيل ومنهم الآن السادة طاهر أبو عبد السيد رحمه الله ومهدي ويونس أبو عبد السميع وصالح وعبد القادر بطون وعبد القادر كريم، ومحمد أحمد رحمه الله، وطاهر والسيد عريقيب بن السيد المأمون مثال الصلاح وحسن الخلق وكان والده - رحمه الله تعالى - من الرجال المشهورين ببرقة والديار المصرية تضرب به الأمثال التى كانت تحكي عنه لغاية الآن ومن مشاهيرهم اليوم الحاج رشيد وابنه زايد.
وقال التليسي في معجم سكان ليبيا: الجرارة إحدى فروع قبيلة الحوتة من أتباع الطريقة المدنية عدا عائلة حمزة، ويتبعون منطقة طبرق وينقسمون إلى فرعين عبد السميع وبلحسن.
وقال اللواء صلاح التايب: الجرارة تقول رواية أنهم من الأشراف من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب. ومن فخوذهم: أبو حليمة، والعريفي، وحمزة، وعبد الرحيم، والغزي، وحسين، وعبد السميع، وأبو بهرة، والرقعي، وحزيف، والرميميح، والفصلي، ورحاب الله وأبو دحيوة. ويعتبر أفراد هذه القبيلة من ذوي البركة وهم أهل إقدام ومحل تقدير من قبائل العرب، ويتردد على زيارة مقابرهم المنتشرة في الساحل الشمالي في سيدي براني والسلوم بعض البدو من سكان المنطقة أشهرهم السعدية الأفراد، وشيخ قبيلة الجرارة هو كريم عبد ربه وفيهم مشايخ آخرين مثل الشيخ عبد الرحيم محمد حسين، والشيخ إسرافيل جويدة دخيل، والشيخ مفتاح عمر الحلّام، والشيخ محمد الشرع أبو جلية، والشيخ قدورة أبو حليمة، والشيخ حامد عبد القادر، والشيخ علي أبو مريم.
المنفة
أصل القبيلة:
ينسب المنِّفَة إلى الأدارسة الأشراف في الساقية الحمراء بالمغرب الأقصى، وقد تكونت من مؤسسها مناف في البطنان ببلاد برقة.
وتعد هذه القبيلة من قبائل المرابطين في ليبيا، وانتقل قسم قليل منها إلى الديار المصرية.
ما قاله بعض المؤرخين عن المنفة
قال خليفة محمد التليسي في معجم سكان ليبيا: قبيلة المنفة نسبة إلى جدها مناف الوافد من الساقية الحمراء على ما تقره الروايات المتواترة، وتنقسم القبيلة المذكورة إلى فرعين هما مسيكة، والعلوم، وهما منسوبان الى الأمهات.
ومن هذه القبيلة المجاهد الكبير عمر المختار، منازلهم العادية منطقة الدفنة الشرقية الواقعة إلى الجنوب من زاوية جنزور، كما يوجد لهذه القبيلة فروع بمصر تقيم إقامة دائمة.
وقال اللواء صلاح التايب عن المنفة:
قبيلة عربية تحسب من المرابطين أصلها من الأشراف، بلادها غرب الجبل الأخضر بإقليم برقة شرق ليبيا وأغلبهم في ليبيا ومنهم بعض العائلات في مصر، وجد هذه القبيلة يسمى مناف، وهي القبيلة التي ينتمي لها شيخ المجاهدين للاستعمار الإيطالي في القرن العشرين الميلادي عمر المختار
(1)
والذي قاتل ببسالة من عام 1911 م حتى 1930 م ثم شنق بطريقة وحشية من المستعمرين أمام الشعب الليبي في بلدة سلوق في أحد معسكرات التجميع.
ويؤكد الباحثون في ليبيا ومصر أن مناف أنجب عام وعام تزوج من ثلاثة نساء: اهبد، وأمسيكة، وفاطمة، والثالثة من سمالوس، وقد أنجب عويان ودبوس وعبد الله وخالد ومرابط وغريب، ثم تفرعت من هؤلاء فخوذ كبيرة هي: بريدان،
(1)
المجاهد عمر المختار بن فرحات من عائلة غيث من فرع بريدان من قبيلة المنفة العربية واسم والدته السيدة عائشة بنت محارب، والمنفة ديارهم في البطنان في برقة شرق ليبيا.
وسباق، وأبو دوس، وأبو نقيرة، والأفحاتات، وعلوش، وأهديمة، وأبو حلقوم، ومؤمن، وهود، والمقوري، وسليمان، والمسموط، والزفر، ولصم، والحاج سليمان، ورفرات، وكحاش، وجحيش، وعزيز، وأبو خديجة، والكبش، وعربات، ودواهك، ومريوط، ورجب، والجزار، والمسبوتي، والريتوي. ومن رجالات هذه القبيلة نذكر فايز علوش ويونس سعد الله وحسن أبو رقيق وقاسم أبو العمى وآدم النعران.
وفي عام 1930 م ساد حزن عميق لفقدان الشهيد عمر المختار في أوساط جميع القبائل العربية وفي أنحاء الوطن العربي شعوبًا وحكومات، وقد أقام حمد باشا الباسل رحمه الله (من قبيلة الفوايد في الفيوم) له حفل تأبين ورثاء، وقال شاعر القطرين خليل مطران عنه:
أبيْتَ والسيف يعلو الرأس تسليما
…
وجودْتَ بالروح جود الحراق خيما
عله يا عمر المختار حكمته
…
في أن تلاقي ما لاقيت مظلوما
أن يقتلوك فما أن عجلوا أجلا
…
قد كان مذ كنت مقدورًا ومحتوما
هل يملك الحي لو دانت له اسم
…
ولأمر ربك تأخيرًا وتقديما
وقال أحمد شوقي أمير الشعراء يرثي عمر المختار:
ركزوا رفاتك في الرمال لواء
…
يستنهض الوادي صباح مساء
يا ويحكم نصبوا منارًا من دم
…
يوحي إلى جيل الغد البغضاء
يا ضر لو جعلوا العداوة في غد
…
بين الشعوب مودة وإخاء
جرح يصبح على المدى وضحية
…
تلتمس الحرية الحمراء
وقال عبد السلام الحبوني في أنساب قبائل العرب عن المنفة:
من أهم قبائل المرابطين وأكثرهم عددًا وجدهم الأعلى يُسمّى (مناف) وهو الذي سُمّيت باسمه القبيلة، وقد انقسمت إلى قسمين عظيمين: مسيكة، وعلوم.
ومن مسيكة تفرعت عشرة بيوت كبار هي بريدان والمقوري والمصموت وعلوش وهود والقحاشات وسباق والدبابسة وأبو خديجة والجحيشات.
ومن العلوم تفرعت إلى بيوت كبار أيضًا مثل الرتيوات والخايب والعرابات ورجب والجزار والعراف. ومن قبيلة المنِّفَة بعض العائلات بالقطر المصري والباقون منهم يقيمون بالبطنان في برقة بليبيا، وقد اشتهر في هذه القبيلة رجال كانوا مضرب الأمثال مثل الأمين أبو سيف، ورجب أبو سبحة، والأشهب والد الشيخ مفتاح الأشهب، وعائلة حويش منهم الفقيه رجب رحمه الله؛ وإخوته، ومنهم الشيخ يسر ومصباح أبو أعقاب عوض، وعباس عتمان أبو خديجة، ومحمد رجب أبو بسمة، والعمدة منصور أبو علي الأمين، وأبو عجيلة سليمان، وعبد الله مجاور، والشيخ مسعود محمد، وأبو قرام، وعزياتي مفتاح، وسالم محمد المختار، ومحمد أبو خطاب، والعمدة الصافي.
وفي ص 254 قال الحبوني: أرسل إليَّ الأخ العزيز الشيخ رشيد سلامة المسمون من قبيلة المنفة التالي:
ذكر أن منافًا الكبير ومنه مناف الصغير هو الذي تنسب له قبيلة المنفة، ومناف الصغير خلَّف علم، وعلم تزوج من ثلاث نساء وهن مسيكة وفاطمة والثالثة لا يعرف اسمها من قبيلة سمالوس وله منهن سبعة أولاد أربعة من مسيكة واثنان من فاطمة وواحد من السمالوسية.
أولاد مسيكة هم: الفقيه واعويان ودبوس وعبد الله.
وأولاد فاطمة هم: خالد ومرابط.
وابن السمالوسية هو: غريب.
وتشعب من أولاد علم بن مناف السبعة أبناء فاطمة وكونوا بطن العلوم واشتهروا باسم أبيهم، وكذلك أولاد امسيكة اشتهروا باسم أمهم، وأما غريب فأعقب عائلات خديجة والغزراف.
أما الفقيه فأعقب عائلات الفقيه وينتمون إلى بريدان.
وأما عويان فأعقب عائلة اسباق.
وأبو دبوس أعقب عائلات أبو نغيرة والأقحاشات وعلوش وأهديمه، وأبو هديمة أعقب أبو حلقوم ومؤمن، وأبو حلقوم منه عائلة هود، ومؤمن منه عائلات المقوري وسليمان والمسموط والزفر ولصم.
وعن محمد المجوري يقولون إن أصله من عائلة الشواعر العبيدات والزعم أن أمه امرأة تُسمّى مباركة من عائلة أشويشه الدبابسة تزوج بها أحد الرجال يُدعى عبد الصمد من عائلة أبو شريعة العبيدات وتركها وهي حامل ووضعت محمد المذكور، وتزوج بها مؤمن من ابن أبو هديمة وخلف منها سليمان المصموت والزفر ولصم.
وعاش محمد مع إخوته في عهد أبيهم وأمهم ولقبوهم بالمقوري (تنطق بالجيم المجوري) وعندما كبر محمد ظهر له اسم وبانت منه بواعث مشوخة، وعند وفاة مؤمن أوصى أبناءه كأنه أحد منهم وتبع هذه الوصية سليمان المصموت.
وخلف سليمان المصموت عائلة المصموت، وخلف الزفر ولكن لا يوجد منها إلا ثلاثة أشخاص فقط. أما أولاد لصم فمنهم عائلة أبو ربيدة وهم يرجعون إلى إبريدان.
وعلوم أعقب محمد المقوري ومنه عائلة المقوري ودخيل.
ومن أبناء فاطمة (خالد) ومنه عائلات الخايب ورجب والعريان.
وامرابط منه عائلات الرتيوات والجزار، واشتهر أبناؤه بالصلاح والتقوى ولهم مكانة عند العرب.
وينقسم بطن بريدان إلى قسمين فرحات والحاج سليمان، فمن أولاد فرحات الشهيد المشهور والعالم الإسلامي المجاهد السيد عمر مختار، ومنه أبو فراج المبروك من الرجال المشهورين في العهد الغابر، ومن خلفة الحاج سليمان لاميم أبو سيف ومصباح أبو عقاب، ومن خلفة المقوري رجب أبو سبحة وهو من الرجال المشهورين، وعمودية هذه القبيلة هي للعمدة منفور بن علي بن لاميم أبو سيف، وهذا العمدة من أهل المكارم والفصاحة وإكرام الضيف عن أبيه عن جده وهو لاميم أبو سيف، الذي بلغ اسمه وأخذ شهرة كبيرة في البطنان مركز كمبوت، ويقولون إنه في سنة من سنين الجدب رحل إلى وطن قبيلة البراعصة بمواشيه، فأرسل لهم عمر أبو عينة الشاعر المشهور يوصيه بهم خيرًا بقصيدة طويلة يقول في أولها:
سلامي على لجواد كسَّابة الثنا
…
إللي إيحاموا دون جار أجار
حرم صقر من البطنان ما عمر اجلا
…
مشهور في برقه أو الاقطار
ايفرج على المكروب عامات الكدا
…
وايحا من بنات القود ملغوار
وفي ص 247 ذكر نبذة عن المجاهد الكبير شهيد الإسلام والعروبة عمر المختار سليل قبيلة المنفة، حيث قال: ومَنْ من المسلمين والعرب لا يعرف هذه الشخصية العظيمة التي كانت رمزًا على الجهاد والوطنية والتضحية وإنكار الذات والعفة والمروءة واحتقار الماديات، وأخيرًا جاد بنفسه في سبيل الله تعالى والوطن الليبي.
فهو عمر بن المختار من بطن بريدان من قبيلة المنفة، ولد في البطنان قرب مدينة طبرق سنة 1277 هـ من أبوين عربيين وكفلهُ أبوه وعنى بتربيته فنشأ في بيت عز وكرم بعيدًا عن أخلاق المدن ونقائصها، تحوطه شهامة العرب وحرية البادية، وحوله من مظاهر الفروسية ودواعي الاعتزار بالنفس ما بعث في تلك النفس الكبيرة حب التضحية والأنفة من الخضوع إلى من لم يجعل له دينه سلطانا عليه.
وإذ كان السيد عمر صبيا كان السيد محمد المهدي السنوسي -رحمه الله تعالى- صاحب الجاه العريض والسلطان النافع في برقة، وما كاد السيد عمر يبلغ السن التي تؤهله لحفظ القرآن حتى بعث به والده المختار إلى واحة الجغبوب ليقرأ القرآن وما تيسر من العلوم الدينية، فكان هذا دأب قبائل برقة في إرسال أولادهم للجغبوب إلى أن جاءت الحرب الطرابلسية وكان من حسن حظ السيد عمر أن كانت له المنزلة المشرفة عند السيد المهدي، فما كاد يتم حفظ القرآن ودراسة بعض العلوم حتى شاع ذكره، وتناولته الألسن بالثناء، واحترمه رؤساء القبائل في ليبيا، وبعد أن حفظ القرآن وأتم دراسته ولّاه السيد محمد المهدي شيخًا على زاوية القصور بالجبل الأخضر قرب المرج، فقام بتعليم أولاد المسلمين وإكرام من يأوي إلى تلك الزاوية من الفقراء وعابري السبيل وفض المنازعات بين قبائل العرب والسير في مصالحهم.
لقد أثبتت الأيام هذا الاختبار من السيد المهدي السنوسي أمورًا اقتضت سفره إلى السودان فكان أول من وقع عليه اختياره لمرافقته في هذا السفر الطويل الشاق (السيد عمر المختار)، وفي أواخر عام 1312 هـ وكان المختار محل ثقته ومعقد آماله حتى كان يقول:"لو كان عندنا عشرة رجال مثل عمر المختار لاكتفينا بهم"، وولّاه السيد المهدي في السودان شيخًا لزاوية (كلك) واستمر في السودان نائبًا عن السيد المهدي وقائمًا ببيت الدعاية الإسلامية إلى أن رجع إلى برقة سنة 1221 هـ وتولى شيخًا لزاوية القصور للمرة الثانية، واستمر يدير شئونها إلى سنة 1229 هـ.
ولما احتل الإيطاليون بني غازي كان أول من لبى نداء الوطن وباشر الجهاد بالسيف والمدفع ليل ونهار نحو العشرين سنة إلى أن أسر ومات شهيد الوطن والواجب يوم 4 جمادى الأولى عام 1350 هـ، وعملت له حفلات تأبين في مصر والشام، وأهمها حفلة سعادة حمد إسماعيل باشا الباسل، وقد خطب فيها سمو البرنس عمر باشا، وسعادة الباسل باشا، ورثاه أحمد بيك شوقي، وخليل بيك مطران، وقد حزن عليه رؤساء العروبة جميعًا ونددت بأعمال الإيطاليين الوحشية في ليبيا واحتجت على قتل السيد عمر المختار - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - والخير في ابنه محمد صالح الخيار.
زويّة
أصل القبيلة:
يرى بعض الباحثين أن هذه القبيلة من جدِّهم حسن اللبيب ويُلقَّبُون بالحساونة وأنهم من سلالة بني سُلَيْم خاصة من فرع رغب والذي ينتمي له المقارحة.
ولربما خلط البعض بين الزاوية وزويّة وقد حسبوا الثانية من الأشراف مثل الأولى ظنا منهم أن كليهما واحد وهذا خطأ.
ومن هذه القبيلة عائلات في مصر في الصحراء الغربية وغيرها من بعض المحافظات المصرية.
ما قاله المؤرخون عن زويّة
قال صلاح التايب: من قبائل المرابطين وجدهم حسن اللبيب ويُلقَّبون بالحساونة، ونزحت هذه القبيلة من تونس من بلدة يقال لها زوية فنسبوا لها وفيها بطون السديدي واجلولات والشواغر ومفتاح، وهناك عائلات قليلة من زويّه في مصر خاصة في الصحراء الغربية.
وقال التليسي في معجم سكان ليبيا: قبيلة تنتشر في مناطق الواحات الداخلية وخاصة الكفرة وجخرة، وتوجد وحدات منها في فزان وسيوة والوادي والقطيفة وإجدابيا وتنقسم القبيلة إلى ثلاثة فروع رئيسية هي سديدي والجلولات والشواقر.
وقال الحبوني في أنساب العرب في ص 205 عن زويّة: ينحدر أصلها من فخوذ بني سُلَيْم ويُدعى جد هذا الفخذ بحسن اللبيب، ولما انتشر الإسلام واتسع مكان هذا الفخذ بموطن يقال له وادي الأجيال بأرض الشاطئ بولاية فزان (ليبيا) وعرفوا في هذا الموطن بالحساونة ولا زالت فرقة من هذا الفخذ بالموطن المذكور يقال لها الحساونة إلى الآن.
وأما الفرق الأخرى المعروفة بـ (ازويَّة) نسبة إلى بلدة يقال لها زويّة بالفزان وهي البلدة النازحة منها هذه الفرق إلى واحات الكُفرة ومن ثم إلى برقة البيضاء،
ولا زالت هذه الفرق المعروفة بـ (ازويَّة) في برقة تعرف بأولاد حسن نسبة إلى حسن اللبيب المذكور وهي أربعة بطون:
البطن الأول: سديدي وهذا البطن له فرعين كبيرين هما أولاد عميرة ومفتاح ولكل منهما فروع متعددة بعضها مقيم في برقة منطقة إجدابيا، وأكثرها مقيم بواحات الكُفرة.
البطن الثاني: جلولات وله فروع متعددة منها القاطن في برقة منطقة إجدابيا وأكثرها مقيم في واحات الكُفرة أيضًا ومن فروعهم العوادل وجاب الله وأبو مرزوق وفاخر.
البطن الثالث: الشواغر وله فروع متعددة منها القاطن بواحة الكفرة وأكثرها متوطن ببرقة منطقة إجدابيا ومن فروعهم أبو فاطمة وعامر وأبو عزيزة.
البطن الرابع: مفتاح وهو مجاور لبطن الشواغر وقيل إنه تفرع من الشواغر، ومن رجالات القبيلة علي باشا العابدية رئيس مجلس شيوخ ليبيا السابق ومن الذين جاهدوا في سبيل الله وهاجر بعد ذلك واستحق أجر الجهاد والهجرة، ومنهم الشيخ عبد الكريم الجارد ومحمد إبراهيم وسنوسي سعد ومحمد الفقيه وفضيل سليمان.
وفي ص 201 من نفس كتاب أنساب قبائل العرب قال عن زويّة:
تسكن قبيلة زويّة المشهورة ببرقة وهي منتشرة بين ساحل البحر الأبيض المتوسط عند ميناء الزويتينة شمالًا إلى حدود السودان الفرنسي
(1)
جنوبًا وتحدهم قبيلة المغاربة غربًا، وقبيلة الفواخر شرقًا ومن مراكزها الهامة ما يلي:
أولًا: مدينة إجدابيا التي كانت سابقًا عاصمة إمارة برقة.
ثانيًا: واحة الكُفرة ونواحيها.
ويشتغل أفرادها في التجارة والزراعة وبعض الصناعات اليدوية وتربية الحيوانات، وغالبًا تجدهم متحدين في آرائهم مخلصين تمام الإخلاص للسيد إدريس السنوسي. ملك ليبيا ولآبائه وأجداده من قبله.
(1)
هذا القول من الحبوني عام 1960 م أيام الاستعمار الفرنسي لمعظم إفريقيا الغربية فكان العرب يُطلقون على تلك البلاد "السودان"، وقد اقتصرت التسمية على جمهورية السودان، وسُمّيت البلاد الإفريقية باسمها المعروف به الآن.
وفي زمن السيد المهدي السنوسي والد ملك ليبيا وبناء على أمره إلى قبيلة زويَّه لمحاربة الفرنسيين في السودان، وذلك بسبب تعديهم على زاوية السنوسية في كانم بالسودان ظلمًا وعدوانًا، وقد استشهد من جراء تلك المعارك عدد كبير من قبيلة زويّة لا يقل عن ثلاثمائة شهيد، وهذا الإخلاص وفقهم إلى أشياء كثيرة، ومعظم أبناء هذه القبيلة درسوا وتعلموا في الجغبوب والكُفرة وتخرج منهم علماء ومشايخ للزوايا السنوسية.
وأفراد هذه القبيلة يتصفون بالشجاعة والمروءة والكرم الذي هو عادة كل عربي حر، ولا شك أن هذه العادة تتصف بها جميع القبائل الليبية وهم مخلصون جميعهم لبلادهم، وكان سبب سكناهم في واحات الكُفرة الفتنة التي حصلت بينهم وبين السلطات التركية، وقد نشأ عنها حرب بينهم سنة 1307 هـ السبب الذي أدى إلى صداقة متينة بينهم وبين سلاطين السودان، وقد أخذ الآخرون يبعثون لهم الهدايا من مئات الجمال، ومن حسن حظهم أيضًا أن رحل السيد المهدي السنوسي من الجغبوب إلى محل إقامتهم بالكُفرة، وبقدومه سلموا زمام أمرهم إليه قلبًا وقالبًا فكان لهم أبًا شفوقًا ونورًا يهتدون به وقد منحهم لقب الأنصار.
وقد عين من أعيانهم عشرة لحل جميع القضايا، ومن بين هؤلاء الأعضاء صالح العابدية وأبو بكر بوفويتين. وعندما جاء الإيطاليون إلى ليبيا وبعد احتلالهم واحات جالو تجمع أفراد قبيلة زويَّة بواحاتهم الكُفرة وبدأوا في مهاجمة الإيطاليين في جالو واشخرة حتى أن بعض المعارك المشهورة بالكوز شمال قرية إشخرة، وقد استشهد منهم عدد لا يقل عن أربعمائة شهيد، وتعتبر تلك المعركة من معارك برقة المشهورة التي تكبد فيها الإيطاليون عددًا من رجالهم يزيد على ألف قتيل، ثم استمروا بغزواتهم المتكررة على الإيطاليين في برقة التي احتلها الإيطاليون؛ وفي آخر الأمر قد أخذوا خبرًا بأن الإيطاليين قد عزموا على غزو بلادهم الكُفرة فتجمعوا هناك وأعدو عدتهم لمقابلة المعتدين.
وعندما زحف جيش الغدر والطغيان في قوة هائلة إلى الكُفرة تصدوا له للدفاع عن بلادهم، والمعروف أن الكُفرة صحراء مقفرة يصعب فيها على المحارب الاحتماء بشيء وقت الحرب، فإن كل هذه الصعوبات لم تمنعهم من أداء واجبهم المقدس، فقد واجهوا القوات الغاشمة الإيطالية بكل شجاعة وثبات، وقد استشهد منهم أناس كثيرون ومن بينهم زعماء مثل صالح العابدية وسليمان بومطاري وغيرهم من الأبطال.
وبعد حرب مستميتة بين الطرفين تمكن الطليان المستعمرون من احتلال الكُفرة فاضطر أفراد القبيلة بعد ذلك أن يهاجروا متفرفين بين السودان وبين مصر؛ لأن الإيطاليين قد عاثوا في البلدة فسادًا وأباحوا لأنفسهم ما لا يرضاه ضمير الإنسان حيث كان القائد الإيطالي حينذاك قد خوَّل لجنوده الأشرار أن يعيثوا بالواحة فسادًا حتى أن أفراد القبيلة قد تكبدوا أثناء الهجرة عددًا لا يقل عن ثلاثمائة ألف من الذين استشهدوا في الطريق ما بين السودان والكُفرة ومصر، وكان معظمهم من النساء والأطفال وقد تمنوا الموت حتى لا يروا الإيطاليين يعبثون في بلادهم. وبعد أن تجمع شملهم بمصر والسودان فقد آوتهم هناك السلطات المصرية والشعب المصري وبدأوا يعملون في الحقول وغيرها حتى دقت ساعة الخلاص والانتقام من الإيطاليين التي ينتظرونها بفارغ الصبر.
وعندما أعلن الملك السنوسي في عام 1940 م تشكيل الجيش السنوسي تحت قيادته الحكيمة، لبوا جميعًا نداءه المقدس والتفوا حوله وساهموا مساهمة فعالة بالاشتراك في تخليص بلادهم من جراثيم الاستعمار، وكان التوفيق حليفهم والفضل في ذلك يعود إلى حكمة قائدهم المخضرم.
وهذه القبيلة العريقة وصفها الشاعر المجيد والعالم الفاضل صهر العائلة السنوسية يوسف مقرب حدوث رحمه الله، من أشرف البيوت في قبيلة البراعصة المشهورة ذلك بمناسبة مجيء السيد المهدي السنوسي إلى الكُفرة وسكناه فيها فقال رحمه الله تعالى:
زويَّة أهل الفخر إن جئت حيِّهم
…
ترى العز في نادي زويَّة بادي
وأهل فتى أمضى من السيف عزمه
…
وإن كان للضيفان بالبشر بادي
إذا ما دعوا يومًا إلى شن غارة
…
رأيت المنايا الحمر تعلو كالمدادي
فكم من حريم قد أباحوا وأجحفوا
…
بمال غنى لا يخافون عادي
الشواعر
أصل القبيلة:
من عرب الأندلس وقدم جدهم محمد بن منصور إلى درنة في ليبيا قبيل عام 792 هـ (القرن الثامن الهجري)، ومعظم هذه القبيلة في ليبيا وقسم منها في مصر.
ما قاله المؤرخون عن الشواعر
قال عبد السلام الحبوني في أنساب العرب: حسب ما هو مسجَّل من حجة أرض قديمة باسم محمد ولد منصور الشاعري الأندلسي بتاريخ 792 هجرية، والحجة المذكورة من الأرض المشهودة التي تُسمّى برأس الهلال، يقول فيها صاحبها محمد ولد منصور المذكور تحد من الغرب بأخي قبيل (وهو جد قبيلة القبايل)، ومن الشرق تحد برأس كرسة، وهذه الأرض موجودة فيها هذه القبائل الثلاث: قبيلة الشواعر وقبيلة القبائل وقبيلة التراكي، وهذه المواقع مشهورة بالجبل الأخضر غرب مدينة درنة ممتدة مع الساحل من الغرب تحد بمرسى سوسة إلى بلدة درنة.
ومحمد ولد منصور المذكور قدم إلى الجبل الأخضر برفقة أخيه حمد، قيل قدموا من الأندلس بعدما احتلها الأسبان وأرادوا تنصيرهم أو الخروج من البلاد، ومعلوم أن العرب قد أقاموا حضارة ومدنية وعلم في هذه البلاد قرابة ثمانية قرون. وقد خلف محمد الشاعري سبعة أولاد وهم:
- حمد وأولاده اليوم قليلون بمدينة درنة.
- لموش وله أربعة أولاد هم: أبو مهابة وموسى وعيسى ومطرق.
- عبد الملك وله ولدان: شفشف وأحاجز.
- أعسير وله ثلاثة أولاد هم: ميلاد وأبو شعلول وجريدس.
- عثمان وأولاده العبالس وهم عشيرة جسيمة ولها عُمودية مشهورة.
- زايد وله خمسة أولاد هم: مجهر والزنك وعيسى وميلاد والزحاف.
- اشليوه وهو جد عشيرة الشلاوية وهي مشهورة ولها عُمودية.
أما حمد ولد منصور الشاعري فأولاد قليلون يسكنون مدينة درنة من مدة حكومة القرملي، وكان فيهم رجل له شهرة عظيمة واسمه حمد ولد علي وملقب بجمل أطرون وتقدم على كافة قبائل المرابطين في الجبل الأخضر، وكان له مرتب من الدولة القرملية مائة ناقة في العام، والناقة بخمسين ريال، وكان هذا الرجل تضرب الموسيقى يوم الجمعة أمام بيته الذي يسكن فيه بمدينة درنة.
وأما لموش ولد محمد منصور الشاعري فقد خلف أربعة كما تقدم والأكبر فيهم أبو مهابة وعيسى وموسى ومطرف وخلفوا بعد ذلك ولدين المقشطي وأمريج، وهم اليوم عائلات كثيرة وشيخهم الحاج محمد أبو علي، وأما عسى فقد خلف عائلات هي عبد القادر والموالف والشيخ المقدم عليهم اليوم الشيخ موسى أبو شغيلة وأخوه موسى المُلقَّب بأمه (قضيناهم) وهم ثلاث عائلات كبيرة: يونس وإسماعيل وعلي، أما عائلة القضاينة بعد عمودية حمد ولد علي فهي على كافة قبائل المرابطين الذين هم بالجبل الأخضر، وظهر منهم رجل من عائلة يونس القضايني اسمه أبو الحسن وهو رجل عظيم الشأن بين القبائل وله شهرة بين كافة الناس بالكرم والشجاعة وأخذ العُمودية من حمد ولد علي المذكور في عهد الدولة العثماثية، وخلفه في العمودية ابن بنته سليمان ولد يوسف القضايني، وهو رجل عظيم الشأن وله شخصية بارزة عند كافة قبائل الحرابي واشتهر بالشجاعة والكرم والأعمال الطيبة، وعندما احتل الإيطاليون ليبيا ونشبت الحرب بين العرب وبينهم وقدم أنور باشا إلى الدور المشهور بالضهر الأحمر، فلما عاين أنور باشا صداقة سليمان المذكور وشجاعته طلبوا منه وعينوه في المجلس الحربي مع بعض أشخاص بارزة من قبيلة الحرابي مثل الحاج يونس أبو عيشة من فرع غيث والشيخ المبروك أبو مازق أبو حدوث من قبيلة البراعصة وغيرهم من مشاهير القبائل.
ولما حدثت المعركة المشهورة مع الإيطاليين في يوم الجمعة في المكان المتقدم بحضور السيد حمد السنوسي المجاهد الكبير ورافقه فيه سلمان القضايني رحمه الله، وكذلك الحاج يونس أبو عيشة الغيثي والشيخ المبروكَ أبو مازق البرعصي، وقد ماتوا شهداء في ذلك اليوم وكتبت عنهم الجرائد، وبالجملة فسليمان القضايني في ذلك التاريخ أرسل ابنه محمد إلى المدارس التركية بواسطة أنور باشا، وقد طلبوا منه أن يرجع إلى وطنه ليقوم مقام والده الشهيد وقدم له المساعدة أنور باشا في الحال.
وقبل استعفاؤه من المدرسة على الفور إكرمًا لوالده الشهيد، وبعد رجوع محمد سليمان من إسطنبول اجتمع بالسيد أحمد الشريف السنوسي في دور "مساعد" فوق جبل السلوم، وحصلت بعد ذلك معارك شديدة بين المصريين والإنجليز واشترك مع مصر في هذا الجهاد قبيلة أولاد علي المشهورة، وعند انتهاء هذه الحرب توجه إلى أهله وعُيّن عمدة على قبيلة الشواعر بدلا من والده رحمه الله، ولا يزال عمدة على الشواعر إلى الآن في درنة وهو الذي أرسل هذا التاريخ عن القبيلة.
وأما مطرف ولد لموش خلف ثلاث عائلات هي الوداس واطويريس واقتيشا وكلها تسكن بأرض دفنة بإقليم برقة، والشيخ المشهور فيهم هو هاشم أبو كريم الوادسي.
وأما عمر ولد محمد بن منصور الشاعري فقد خلف عائلات مشحام والشويعري وسعيد والشيخ المقدم عليهم هو بلل أبو الكاسح.
وعبد المالك خلف عائلتين هما شفشف وحجز وأكثرهم في القطر المصري يقيمون بجهة المكس وشيخهم عبد المجيد الشاعري.
وأعسير خلف عائلات ميلاد وأشغللي وأجريدس والشيخ المقدم عليهم هو سليمان أبو عوض.
وأما زايد فمنه عائلات الأجهر والزنك وعيسى وميلاد والزحاف وشيخهم من عائلة الأجهر، وفي الماضي كان شيخهم يعقوب ولد أبو لطيعة والشيخ المقدم عليهم اليوم إليس يعقوب.
وأما عثمان فمنه عشيرة الغالبي وهي كبيرة ولها عمدة والموقع الذي تقطن فيه أرض دفنة، وقد ظهر منهم رجل عظيم الشأن وله شهرة بين الناس وهو الحاج رسلان الغالبي رحمه الله، وعمدتهم اليوم الشيخ مختار أبو رسلان الغالبي مثل من أمثلة الرجولة الحقة والكرم وحسن الخُلُق.
وأما شليوة ولد محمد بن منصور الشاعري الأندلسي فمنه عشيرة الشلاوية وهي كبيرة ولها عمدة ومضايخ، وفي الماضي كان العمدة عليهم المرضي ولد سليمان وله شهرة بين الناس، وعمدتهم اليوم العلاواني أبو أحمد أبو لحافة.
(انتهى ما قاله الحبوني).
وقال خليفة التليسي في معجم سكان ليبيا ص 216:
الشواعر واللمامشة والشلاوية: ترد أصولهم حسب الروايات المتوارثة في سلالة واحدة إلى قبيلة لواتة
(1)
دون أن نعطي قيمة حرفية لشجرة الأنساب.
وفي ص 414: ذكر الشاعري في مشجر له قد تزوج من امرأتين الأولى منها الشلوي جد الشلاوية، والثانية عقب منها زيد وعمر وحسين وموسى ولموش وعبد الملك.
أما عبد الملك فعقب إبراهيم ومنه الغوالب وعائلة حجز.
وأما لموش فله روجتان الأولى الطريفية ومنها حمد وداس وطروس، والأخير عقب حميد الذي عقب ناصر ومنه عائلة قطيشة وفروعها علي وعبد الرحمن.
وأما زوجة لموش الثانية فأعقب منها عبد القادر، والموالف ومنه اللمامشة، وبومهاب، والقضائمي (انتهى).
وقال اللواء صلاح التايب عن الشواعر في كتاب القبائل المصرية:
وهي من قبائل المرابطين وجدهم محمد منصور الشاعري، وكان له ثمانية بنين هم: عمد ولموش وعمر وعبد الملك وأعسير وعثمان وزايد وأشليوة، وقد تفرع منهم عدد من الفخوذ منها: أبو مهابة، وموسى، وعيسى، ومطرق، والشويعري، ومشمام، وسعيد، وأبو شملول، وجريدس، وشنشف، والعبالس، ومجهة، والزنك، وميلاد، والزحاف، ومنهم أيضًا فرع كبير هو الشلوية ومنهم الطواوسة وهبهب وغالب، ومن رجالاتهم صالح هبهب ورجب ويونس حميدة، ومساكن هذه القبيلة في سيدي بشر والمكس في محافظة الإسكندرية.
(1)
وقبيلة لواتة من قبائل البربر وهم سكان إقليم برقة قبل الفتح العربي.
أولاد الشيخ
أصل القبيلة:
من ذرية سيدي عبد السلام الأسمر الفيتوري من الأشراف الأدارسة فى ليبيا ومنهم قسم نزح لمصر.
ما قاله بعض المؤرخين في أولاد الشيخ
قال اللواء صلاح التايب: أولاد الشيخ من قبائل المرابطين وأكثرهم في ليبيا، ومنهم بعض العائلات في مصر يقيمون بالإسكندرية. ومنهم الاقتصادي المعروف جبران سليم.
وقال عبد السلام الحبوني: سميت هذه القبيلة بهذا الاسم لأنها من ذرية سيدي عبد السلام الأسمر وهو أشهر الأولياء في ليبيا وصاحب المقام المعروف في زليطن بليبيا.
وتنقسم إلى أربعة بطون: الأول عمر وله فروع متعددة وجميعها قاطنة بمنطقة إجدابيا وقليل منهم بمنطقة سلوق، والثاني الحلاج وله فروع متعددة جميعها قاطنة بمنطقة إجدابيا، والثالثة فضة وبعضها مقيم بمنطقة إجدابيا وأكثرها في برقة الحمراء، والرابعة أبو شناف وجميعها قاطنة بمنطقة المرج وبرقة.
وقال التليسي في معجم سكان ليبيا: أولاد الشيخ عشيرة بزليطن وهم ينحدرون من سيدي عبد السلام الفيتوري الذي ينحدر من المجذة من المريقات من الفواتير، ويتصل هذا الفرع بصلة القرابة بالإضافة إلى الفواتير وفروع قبيلة أولاد الشيخ بالقبائل الآتي ذكرها والتي تنحدر من أبناء سيد عبد السلام وهي: قبائل الشحوم وأولاد بعيو والصوالح بمصراتة، وأولاد أبو عزة وأولاد الشارف والروابح في ساحل الأحامد، وأولاد سيدي عبد العاطي في الجفارة.
وثمة مجموعة كبيرة من أولاد الشيخ في برقة منضمة إلى قبيلة العواقير.
وتتكون عشيرة أولاد الشيخ من الفروع التالية: ولاد عمر، ولاد عبد الله، ولاد سليم، ولاد الحاج القواسم، ولاد عبد الوهاب، ولاد عبد المؤمن، ولاد عبد السميع، ولاد خدام الشيخ.
وفي ص 71 قال: أولاد الشيخ قبيلة والبيوت المختلفة التي يتكون منها أولاد الشيخ المقيمون ببرقة تنحدر كلها من سلالة سيدي عبد الله المصري، وهو أحد أبناء الولي الشهير سيدي عبد السلام الأسمر الفيتوري.
وأضاف: من أولاد الشيخ في منطقة سرت وعائلاتها أولاد سيدي معزب، وأولاد سيدي خليل، وأولاد سيدي صميدة، ولهم أصل مشترك مع أولاد أبي راوي بمصراتة وزليطن وساحل الأحمد وورفلة وهم جميعًا من سلالة سيدي عبد الله المصري دفين مصراتة وهو ابن سيدي عبد السلام جد أولاد الشيخ.
القبائل
أصل القبيلة:
من قبائل المرابطين وتنسب إلى الولي الصالح عكاشة بن محمد الأزدي من القحطانية كما يرى بعض الباحثين في علم الأنساب.
وقيل أن جدهم المؤسس هو قبيل وبه تسمَّت القبيلة وهو من ذرية عكاشة المذكور.
ما قاله المؤرخون في قبيلة القبائل
قال صلاح التايب: من المرابطين تنسب إلى عكاشة بن محمد الأزدي وعائلاتها في مصر خاصة في أبي المطامير بمحافظة البحيرة وأشهر هذه العائلات الشهيبات واللواوحة والقدقاد والزغبات وماهر وموسى.
وقال الحبوني: ينتهي نسب قبيلة القبائل إلى عكاشة بن محمد الأزدي ومنها فروع في أبي المطامير في محافظة البحيرة، ومنها قسم في برقة بليبيا.
وفي موضع آخر قال الحبوني: قبيلة القبائل من القبائل الكبيرة ولها مشايخ وعمدة، ويُذكر أن أقبيل قدم مع أخيه الحاج محمد من أرض الأندلس
(1)
(أي مؤسسين القبيلة) وعمدتهم اليوم نصيب أبو عمر، وفيهم ببرقة عدد كبير، وكبيرهم اليوم الشيخ محمود أبو هدمة رئيس مجلس الشيوخ لحكومة ليبيا.
وأضاف الحبوني أن قبيلة القبائل تنقسم إلى أربعة عشائر هي:
الأولى: اللواوحة ومنها أفخاذ متعددة وجميعها في برقة ومنطقة إجدابيا.
الثانية: القدقاد.
الثالثة: الزغبات وهم ببرقة أيضًا.
الرابعة: ماهر وبعضها بمركز أبو حمص وأكثرها بالجبل الأخضر.
وقال التليسي في معجم سكان ليبيا: القبائل تتألف من عناصر مختلفة من قدامى السكان المحليين وتتكون من الفروع التالية: القدقاد، واللواحي، وأبو ضية، والزغبيات.
(1)
في ص 217 من أنساب العرب ذكر الحبوني أنه مسجَّل في حجة أرض قديمة باسم الحاج محمد ولد منصور الشاعري الأندلسي بتاريخ 792 هـ والحجة المذكورة من الأرض المشهورة التي تسمى (رأس الهلال) يقول فيها صاحبها الحاج محمد ولد منصور المذكور تحد من الغرب بأخي قبيل وهو جد القبائل ومن الشرق تحد برأس كرسة وهذه الأرض موجودة فيها هذه القبائل الثلاث قبيلة الواعر وقبيلة التراكي وقبيلة القبائل، وهذه المواقع مشهورة بالجبل الأخضر غرب مدينة درنة ممتدة مع الساحل من الغرب تحد بمرسى سوسة إلى بلدة درنة.
الشهيبات
أصل القبيلة:
من قبائل المرابطين المعروفة في إقليم برقة يرى البعض من المؤرخين أن لها صلة بقبيلة السنينات، وثمة رأي لبعض الباحثين ينسب هذه القبيلة إلى الصحابي الجليل عكاشة بن محصن من بني أسد العدنانية.
فروع هذه القبيلة وديارها في مصر وليبيا
يسكن أفراد هذه القبيلة في إقليم برقة، ومنهم قسم كبير في الأبيار قرب بنغازي (الجبل الأخضر) في البلاد الليبية.
ونزح قسم من القبيلة إلى الصحراء الغربية المصرية.
ومن أفخاذ هذه القبيلة، ضيف الله وربوح وجار الله وحبيب ومنصور وعبد المولي ومرعي والنايض وأبو نعامة. ومن هذه القبيلة الشيخ محمد عطية، والشيخ عبد الله محمد، والطرافي عبد العال النعاس، والشيخ حسين محمد وحيدة، ومنهم في البرلس والعامرية ووادي النطرون مجاورين لقبيلة الجوابيص وكان بينهما منارعات.
قال عبد السلام الحبوني:
أولاد مرعي من قبيلة الشهيبات بها عائلات كبيرة مثل: جار الله - وحبيب، ضيف الله - وربوح.
وإقامة هذه العائلات بجهة برقة (ليبيا) ويبلغون الألف نفس، وقد اشتهر بيت جار الله برجال لهم تاريخ يذكر خصوصًا في الحرب الإيطالية، واستشهد منهم كثيرون.
وفي هذه القبيلة الشيخ محمد عطية، وحمد أبو سعيدة، وفي بيت ربوح الشيخ الوافي عبد العالي النعاس، وقد عرفت من العمدة المذكور أن مرعي الذي ينتسبون إليه هو ابن جابر بن زين بن عروة السنيني فهم يرجعون إلى قبيلة السننا من أبناء عُمومة أولاد علي من العقاقرة.
ولهم في هذا نظم بالشعر الدارج وقولهم في المغاني: "عراوة مانا اشهيبات يا عمر".
التراكي
أصل القبيلة:
من أصل تركي وقطنوا مدينة درنة وكوَّن جدهم قبيلة عرفت باسم التراكي.
ومنهم عائلات قليلة في مصر.
ما قاله المؤرخون عن التراكي
قال عبد السلام الحبوني في أنساب العرب ص 218:
جد التراكي على موجب حجة أرض قديمة موجودة في درنة كان رجلا غريبا وأصله تركي قدم في عام 792 هـ تقريبًا إلى غرب مدينة درنة (بالجبل الأخضر) في ليبيا، ومكث مجاورًا للحاج محمد بن منصور الشاعري الأندلسي جد الشواعر، فزوّجه ابنته وكتبه مثل ولده، ولما ولدت البنت المذكورة ولدا أهداه جده من الأب موقعًا يُسمى رأس كرسه مع ساحلها وهذه الأرض اليوم موجودة فيها قبيلة التراكي.
وفي ص 221 قال الحبوني:
وأما أصل التراكي فهو رجل تركي الأصل قدم على الحاج محمد ولد منصور الشاعري الأندلسي (في نواحي درنة) ولما رآه غريبًا بين العرب كتبه ابنا له وأعطاه ابنته، وهو جد قبيلة التراكي وهي بالوقت الحاضر قبيلة جسيمة لها عمدة ومشايخ، والمقدم عليها هو الشيخ صالح ولد علي أبو نايف، وإقامتهم بجهة مركز القبة في الجبل الأخضر.
وفي ص 230 قال الحبوني:
قيل أصل التراكي من الأتراك وبيوتهم: عيسى، وحميدة، والحاج.
فزارة
نسب القبيلة إلى مؤسسهم فزارة "جد جاهلي":
وهو فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
بعض ما قاله المؤرخون عن فزارة في مصر وليبيا والسودان
قال الدكتور عبد المجيد عابدين
(1)
: بأرض مصر فزارة قيس وهم بنو فزارة بن ذُبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. وسمي فزارة واسمه عمرو، لأن سعد بن ذبيان أخاه فزر ظهره فكانت به فزرة فسُمي (فزارة).
وفي فزارة هذه عشائر كبني شمخ وظالم ومُرّة ومازن وشكم وسعد ولوزان وغير ذلك.
وبأرض مصر جماعة من فزارة بالصعيد وجماعة بضواحي القاهرة في قليوب وما حولها، وبهم عرفت البلدة المسمَّاة بخراب فزارة.
ويقول الدكتور عابدين معلقًا في حاشية ص 48:
بنو فزارة من بطونهم بنو عدي وهو أبو بدر المنتسب إليه بنو بدر بأعمال القليوبية من الديار المصرية وإلى جوارهم بنو مازن. ويقول القلقشندي بنو بدر هؤلاء قبيلته التي يُعزى لها وفيها ينتسب ولهم القليوبية في الديار المصرية ويجاورهم فيها بنو عمهم من بني مازن بن فزارة ولكل منهما بلاد تخصه، ولا زالت حتى عهد القلقشندي (في بداية القرن التاسع الهجري) بينهما العداوة والشحناء، ولبني بدر منهم الرياسة والقوة والغلبة.
وقال القلقشندي: أهل بلدتنا قلقشندة من القليوبية فرقتان: فرقة بني بدر، وفرقة بني مازن.
وفي حاشية أخرى قال الدكتور عابدين:
في مصر قرى باسم فزارة منها فزارة التابعة لمديرية جرجا وهي بمركز طهطا،
(1)
انظر البيان والإعراب للمقريزي تحقيق د. عابدين.
ومنها الفزارية التابعة لمنفلوط. وفي الوجه البحري منية الفزاريين صارت الآن ضمن قرية ميت العطار التابعة لمركز بنها بالقليوبية.
وأضاف أن فزارة
(1)
عام 1883 م عُدُّوا من قبائل بني سويف والفيوم.
وقد أشار المقريزي إلى أن جماعة من فزارة (بعد سنة 810 هـ) كانت تسكن بكورة البهنسا (محافظة المنيا).
وفي ص 153 قال الدكتور عابدين عن فزارة في السودان:
أما بنو فزارة فقد أطلق النسابون اسمهم على مجموعة تعيش في الجهات الشرقية والوسطى من كردفان وهي تتألف من العشائر الآتية: دار حامد، بني جرار، الزيادية، البزعة، الشنابلة، المعاليا. وقد عرفت هذه المجموعة باسم فزارة في القرنين الماضيين، أما في الوقت الحاضر فقد انتثر عقدها فصارت وحدات منفصلة كل واحدة تسمى باسمها الخاص، ويبدو من دراسة المجموعة الفزارية في السودان أن لبعضها - على الأقل - صلة ببني هلال: ففي روايات دار حامد أن جدهم حامدًا حين قدم إلى غرب السودان، لقى أبازيد الهلالي فاستشاره فى المكان الذي يتخذه مقاما له، فأشار عليه بسكنى بقعة معينة في كردفان.
والزيادية ينتسبون إلى زيد الهلالي، والبزعة يزعمون أنهم جاءوا أصلًا من شمالي إفريقيا، ولا نعرف إن كانوا من الحلف الهلالي الذي جنح إلى المغرب أم كانوا من غيره، وبنو جرار يربطون نسبهم بالبزعة (انتهى).
قال العلَّامة القلقشندي عن فزارة في نهاية الأرب وقلائد الجمان:
أخبرني مخبرون من أهل برقة عن بطون فزارة مثل صبيح وأولاد محمد والجماعات والحسناسنة والقيوس واللواحس والمساورة والمكاسر والمواجد والمواسي والنحاحسة والعقيبات.
وقد جاءت طائفة ممن كان منهم ببرقة وما يليها إلى الديار المصرية ونزلت بأطراف البهنسا مما يلي الجيزية (الجيزة) ولهم هناك قوة وصوله في القرنين الثامن والتاسع الهجريين.
وقال الحمداني في القرن السابع الهجري أن فزارة في بلاد القليوبية من الديار المصرية وبهم يعرف خراب فزارة.
(1)
قلت: وتوجد قرى باسم فزارة بن ببا وديروط وطوخ المحمودية وكفر فزارة بالفيوم (سنورس) وهي البحيرة أيضا قرى باسم فزارة ناحية الدلنجات، وكذلك بن رشيد وغيرها.
وفي مخطوط نهاية الأرب (مخطوط ق 1/ 174) ذكر القلقشندي بني نفاية
(1)
بطن من فزارة وقال منهم أعيان ويقيمون بأطراف الشرقية من الديار المصرية (انتهى).
وقال ماك مايكل في تاريخ السودان أن فزارة في مصر قد أخذ بعضهم طريقه إلى السودان وهم إن كانوا غير معروفين إلا أنهم كانوا قبل ظهور المهدية في السودان، وكانت وظيفتهم نقل المتاجر ما بين كردفان ودارفور، ويظهر من النسب السودانية أن كثيرًا من عرب السودان الذين يدَّعون نسبهم للعباس بن عبد المطلب الهاشمي هم في الحقيقة كلهم من أرومة فزارية من غطفان أو قبائل أخرى من قيس عيلان. (انتهى).
ما قاله خليفة محمد التليسي عن بطون فزارة في ليبيا بالوقت الحاضر
(2)
.
(أ) الجماعات إحدى قبائل ودان وفروعها: منتصر، ومبارك.
ويؤيد بعض أعيان المنطقة أن هؤلاء من فزارة وهي قبيلة جاءت مع بني سُلَيْم بعد بني هلال.
وأضاف أن هؤلاء الجماعات في سوكنة وفروعها جماعة ومبروك ونصر الله وتفرعوا من جماعات ودَّان.
قلت: والجماعات كما تقدم جاء عنهم نص جمريح للقلقشندي أنهم من بطون فزارة.
(ب) الكوافي: من قبائل مصراتة وفروعها المساورة ومنهم الزعابي وأولاد ابن محيسن وابن تايب وابن راشد وشلوف، والكوافي ومنهم ابن دخان والأحنف والماني وابن إسماعيل والوحيدات وعلي والمنتصر والذئب والجرشاء، وسيدي عبد العاطي والفوارين وأولاد قريصة والطويرات وشنيشح والرئيس والخرارزة.
وقال: يحتمل أن يكون هؤلاء من المساورة من فزارة إحدى بطون غطفان، وأضاف أن من فزارة وحدات قوية في زليطن وبرقة.
قلت: وسنوضح عن فروع فزارة في برقة في المجلد الثالث وهم حلفاء لبني
(1)
وفي نهاية الأرب (بنو نفر) وهو الصحيح، لأن المقريزي ذكر نفاية في الشرقية من لخم.
انظر ص - 432 تحقيق إبراهيم الأبياري - دار الكتاب اللبناني.
(2)
انظر معجم سكان ليبيا ط 1991 م - طبع في طرابلس الغرب - الجماهيرية العربية الليبية.
سُلَيْم، وكذلك من هذه الفروع من نزح للعراق والأردن وفلسطين، وسنوضح أيضًا عنها في المجلد الثالث (انظر عنهم).
فزارة في الفيوم وبني سويف بالبحث الميداني
وعن فزارة بالديار المصرية فتوجد فروع كبيرة من هذه القبيلة بكفر فزارة مركز سنورس ومنهم الشيخ العارف بالله المتصوف محمود الفزاري
(1)
نائب الطريقة القادرية الجيلانية بالوجه القبلي، والعمدة أنور حجازي عمدة كفر فزارة، وابنه المهندس محمد أنور حجازي، والعمدة أنور سيد حجازي رحمه الله، والشيخ محمود عبد المجيد حميدة، والأستاذ رمضان أحمد عبد المقصود، والشيخ ربيع أحمد مسعود، وصابر محجوب عبد التواب.
ومن فروع فزارة أذكر التالي في الفيوم وبني سويف.
- موسى: منهم بيت أولاد وهب ويُلقَّبون بالسلاطنة، وبيت حجازي ويُلقَّبون بالحصاوية، وبيت أبو شوك.
- وهيد: وهم ذرية يحيى الفزاري المُلقَّب بالصغير ومنه بيوت عديدة أهمها خليفة وحمد وعمير واللمعي، ويقيمون بالنزلة مركز أبشواي بالفيوم، وكذلك في ريف بني سويف وانفصط ومنهرو بسمسطا وأبو صير المراغة حيث تقيم عائلة اللمعي.
- الظالم: وهم يقطنون ريف سنورس بمحافظة الفيوم.
كما أذكر من أبرز رجالات فزارة بمركز سمسطا بمحافظة بني سويف: المستشار كمال اللمعي وهو المستشار القانوني لمحافظة بني سويف.
أما فزارة في قمن العروس مركز الواسطى بمحافظة بني سويف فمن أهم فروعهم: خلّاف، والدوح، وصقر، والزعيط، وعويد، وعامر. ومن هذه الفروع بيوت في كوم راضي وإفوة بمركز الواسطى أيضًا.
ونذكر من رجالات فزارة بقمن العروس: الشيخ عبد العزيز علي خلّاف عضو مجلس الشعب السابق، والمستشار علي عبد العزيز علي خلّاف بالقضاء،
(1)
هو الدكتور محمود عبد التواب عبد العزيز خميس مجاهد خليفة حصوة موسى الفزاري، وهو الآن يقيم بكفر فزارة مركز سنورس بمحافظة الفيوم.
والعقيد مجدي عبد العزيز علي خلّاف بالشرطة، والرائد عصام عبد العزيز علي خلّاف بالشرطة، ورائد مهندس خلّاف عبد العزيز بالقوات المسلحة، ومن رجالات إفوة مركز الواسطى أذكر العمدة حسن عبد اللطيف عمدة إفوة، والأستاذ محمد سعيد عبد اللطيف المحامي، والمهندس عماد سعيد عبد اللطيف خالد.
وأذكر أيضا الشيخ محمود سيد عطوة شيخ قبيلة فزارة بقمن العروس، وفتحي سيد عطوة وكيل القبيلة، وحسين محمد صقر عمدة القبيلة، والمذكورين في قمن العروس بمركز الواسطى بمحافظة بني سويف.
عبس
نسب القبيلة:
هو عبس
(1)
بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
ما قاله المؤرخون عن عبس في مصر
ذكر أحمد لطفي السيد عام 1934 م في كتاب قبائل العرب أن عبس من قبائل الشرقية
(2)
من الديار المصرية، وتوجد باسم عبس في نواحي بلبيس قرية تُسمّى "عرب عبس".
عبس في مصر بالبحث الميداني
أولًا - بالوجه البحري:
في القليوبية يوجد "ثلث عبس" مجاورين عربان العيايدة من القحطانية بمركز الخانكة، وكذلك "عرب عبس" ناحية زاوية النجار تبع بلقص بمركز قليوب، وكلتا المحلتين بها عائلات من عبس.
ففي "ثلث عبس" أهم العائلات هي: أبو دربين وفيهم بيوت ولاد سالم وأولاد محيسن، وأبو عوض وهم من سلالة مراد وسليم أجدادهم كما يذكرون، وفيهم بيوت ولاد شبت وأبو خليل، وأبو خريبة، وعياد أبو عطوة وهؤلاء تفرعوا من أبي دربين وقيل أنهم موالي لهم، وأولاد أبو عودة ومنهم بيت أولاد جاد.
وأذكر كبير عبس وشيخهم في القليوبية الشيخ عبد الفتاح سيد سالم دربين.
ومن أهم عائلات عبس في جوار قرية زاوية النجار هي: أولاد نصار وأولاد جريبان وأولاد سنبل ولهم صلات بثلث عبس في عرب العيايدة، وقد تفرعوا جميعًا من عبس في الشرقية.
وفي الشرقية يوجد عرب عبس في مركز بلبيس، ونجوع لعبس في قرى الأخيوة وميت أبو العز والمناجاة الكبرى والصغرى وقهبونة والحمادين والقصاصين
(1)
انظر تفصيلات أخرى عن عبس في قبيلة بني رشيد (عبس) المجلد الرابع بالقسم الثاني من الموسوعة.
(2)
وفي القرين بالشرقية ضريح الشيخ قاسم العبسي وهو مدفون بمسجد صغير من عدة قرون.
وصفيط الرفاعيين وشيط الهوا وتل راك .. وبعض هذه القرى تابعة لمركز الحسنية والبعض الآخر لمركز كفر صقر.
وفي قصاصين الأزهار بمركز الحسنية فروع كبيرة من عبس ولهم قرية باسم "عبس" الشرقية تبع قصاصين الأزهار، ومن فروعهم أولاد أبو دغيم وأولاد سعود وأولاد عسكر وأولاد صيام. وكبيرهم الشيخ سالم أبو دغيم.
وفي قرية أبو معفن تبع المناجاة الكبرى بمركز الحسنية بها عائلات عبس وهم أولاد عبد العال أبو سليمان العبسي، ومساكنهم على بحر البقر قرب المناجاة.
وفي الدقهلية توجد فروع من عبس في قرية المحمودية التابعة لميت فارس مركز دكرنس، وهم أولاد أبو خريسة ومعهم بيوتات من أولاد أبو عوض من القليوبية.
وكذلك من "أبو عوض" هؤلاء بيوتات أخرى في قرية الجنينة بمركز الزرقاء محافظة دمياط.
وعبس منتشرون في قرى بحيرة طناح وكفر الصلاحات وكفر علّام وميت طريف والبجيلات والنزل والمعصرة وبيلا وتيدة، وكل هذه القرى بمراكز دكرنس وطلخا وبلقاس بمحافظة الدقهلية، وبعضها في فارسكور بدمياط أو كفر الشيخ.
ثانيًا - بالوجه القبلي:
في مركز كوم أمبو محافظة أسوان يقطن في قرية "الضما" قسم كبير من عبس وكبيرهم الشيخ إبراهيم العمدة، ومنهم الشاذلي جمعة، وعبد الراضي عبد الرحيم، ومحمد عطايطو، ويُطلق على هؤلاء أولاد أبو عواد.
وفي الأقصر بمحافظة قنا أذكر من رجالات عبس، عبد الرحمن الشاطر وأخيه إبراهيم وفي أرمنت غرب، وحاجر السبيغية، وقفط بمحافظتي قنا وأسوان عائلات من عبس، وكذلك في جرجا وأخميم والبلينا بمحافظة سوهاج توجد فروع وعائلات من عبس وهم متحضرون في المدن والقرى.
أما البدو من عبس فمنهم في منطقة هو بصحراء مصر الغربية، ويعمل هؤلاء بالرعي، وكذلك يوجد قسم آخر في صحراء البحر الأحمر من عبس يمارسون الرعي للإبل والأغنام ويصلون حتى قرب السويس على رأس الخليج.
العايد
نسب القبيلة:
من قبائل جُذام القحطانية، وتعد من أقدم القبائل العربية في الشرقية بالديار المصرية.
ما قاله المؤرخون عن عرب العايد
قال القلقشندي في نهاية الأرب: عائد بطن من جُذام من القحطانية ذكرهم الحمداني ولم يرفع في نسبهم.
قال ابن خلدون في العبر: ومساكن العايد فيما بين بلبيس من الديار المصرية إلى عقبة إيلة إلى الكرك من ناحية فلسطين، وهم شعب من بني النافرة من بني نفاثة من جُذام
(1)
.
وقال ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار: وعليهم درك الحاج إلى العقبة.
وذكر ابن إياس في بدائع الزهور ووقائع الدهور في عام 926 هـ فقال:
اضطربت أحوال الشرقية وثار عربانها، فعزل نائب مصر شيخ عربان العائد، وعيّن أخاه نجمًا للمشيخة وطلب إخماد الفتنة.
وقال نعوم شقير: كان عرب العايد يلتزمون تقديم الإبل للمحمل المصري (محمل الحجاج) فلما تحضروا في الشرقية التزمها سائر عرب الشرقية والقليوبية بالتناوب.
قلت: وكانت حراسة المحمل الشريف من مصر إلى العقبة للعايد، وهناك خط يُدعى العايد في محافظة الشرقية، وهم فريقان؛ فريق نسبُه في إبراهيم العايدي وفريق من حسن أباظة، وللعايد كفور باسمهم في الشرقية وتحضّر معظمهم في القرى.
(1)
وأضاف أن جذام من مرة بن أدد بن زيد بن كهلان بن قحطان.
لمحة عن الأباظية أشهر فروع العايد في الشرقية
والأباظية عددهم كبير ولهم شهرة كبيرة في الشرقية، ويقول الرواة أن جدة الأباظية تركية الأصل تُسمى أباظة وتزوجت بأحد قبيلة العايد فتسمى أولاده (الأباظية) ونُسبوا لأمهم التركية.
وكبير الأباظية في أوائل القرن العشرين كان إسماعيل باشا أباظة، ومن الأباظية عزيز أباظة باشا، وفكري أباظة - رحمهما الله - ومنهم العمدة حسن أباظة، وماهر أباظة وزير الكهرباء الأسبق، ونصر الدين أباظة عمدة شرويدة، واللواء عاطف أباظة، والدكتور حاتم أباظة، والمستشار على مختار أباظة، والممثل المشهور رشدي أباظة. والحقيقة أن الأسرة الأباظية تضم عددًا كبيرًا من الرجالات والشخصيات الهامة والتي لعبت دورًا بارزًا في حياة مصر السياسية والفكرية والاجتماعية.
ونورد بعض النصوص التي تناولت الأباظية:
- ذكر جبير أن حسن عبد الرحمن أباظة استولى على مساحات كبيرة من أراضي الحطيطة والمعافاة من الضرائب.
- وذكر جبير أيضا: أن اثنين من الأباظية هما بغدادي توفي 1858 م، وحسين بيك عبد الرحمن توفي في 1865 م قد ساهما في إنشاء القرى الجديدة.
- وفي وثيقة عثمانية معية عربي، أوامر كريمة أمر 3630 - 1250 هـ - 34 - 1835 م:
قد منح السيد أباظة عهدة قسم ههيا بمديرية الشرقية، وتذكر المصادر جبير ص 26 أن السيد أباظة مُنح عشرين قرية كعهدة بمعرفة محمد علي باشا وابنه إبراهيم.
- ذكر محمد رمزي في المعجم الجغرافي للبلاد المصرية القسم الثاني ج 1 ص 93، ص 103:
أنه يرجع الفضل إلى العائلة الأباظية في تأسيس كفر أباظة بالشرقية، وأضاف أن قرية الزنكلون خاصة لعرب العائد، ومنذ ذلك الحين وخلال القرن التاسع عشر نجد أن الكثيرين من كبار مشايخ عائلة العايد قد شيدوا قرى جديدة واستقروا بها مع أسرهم وتوابعهم، فالشيخ إبراهيم العائدي الذي توفي في عام 1836 م قد شيّد كفر إبراهيم العايدي.
وكان بغدادي أباظة شقيق حسن وحسين عبد الرحمن أباظة من كبار حائزي الأرض بالمنطقة.
- وقال علي مبارك أيضا: عندما ألّف محمد علي باشا "المجلس العالي" اختار حسن أباظة وبغدادي أباظة عضوين فيه، وقد استمر هذا المجلس ثلاث عشرة سنة من 1824 م إلى 1837 م. كما قد عُيّن السيد أباظة ناظرا لقسم العائد بمديرية الشرقية.
- وقال رءوف عباس: وقد أصبح السيد أباظة بن حسن أباظة رجلًا عظيم الشأن؛ تقلّد بعض المناصب الكبرى وتعهد بنحو عشرين قرية من قرى الشرقية في عهد محمد علي وابنه إبراهيم، وكان في حيازته نحو خمس عشرة قرية، وقد تراوحت حيارة بقية عائلة أباظة ما بين خمسمائة وألفي فدان.
- وقال جبير: شغل السيد فيما بعد منصب مديرية البحيرة في عهد سعيد وكان في حيازته وقت وفاته في عام 1292 هـ (1875 - 1876 م) ستة آلاف فدان.
أما الابن الثاني لحسن أباظة ويُدعى سليمان أباظة فكان في حيازته حوالي ألفي فدان في الشرقية حيث شيّد مضخات للري ومحالج للقطن.
- وذكر محمد رمزي في المعجم الجغرافي للبلاد المصرية ج 1 ص 137 قسم ثاني؛ من الأباظية الذين ساهموا في إنشاء المدارس محمد بيك عثمان أباظة، فقد أنشأ مدرسة في بلده بالربعماية.
- وقال فرج سليمان فؤاد في الكنز الثمين لعظماء المصريين: أنفق محمد بيك عثمان أباظة على مدرسة في الربعماية مبالغ طائلة وافتتحها باحتفال ضخم حضرهُ جمع غفير من رجال العلم والأدب.
- وقال علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية: أنشأ السيد أباظة مدرسة لتعبيم أولاده بشرويدة فكانت النواة الأولى للمعرفة في القرية في ذلك الحين، كما أنشأ مسجدًا في نفس القرية.
- ذكرت جريدة الأهرام 1312 هـ يناير 1884 م: ساهم سليمان أباظة بماله في بناء المحكمة الجزئية في ناحية منيا القمح.
كنز
أصل القبيلة:
من بني حنيفة من بكر بن وائل وفروع أخرى اختلطت بهم من ربيعة من نزار بن معد بن عدنان.
ما ذكره بعض المؤرخين عن كنز في مصر
قال الدكتور عبد المجيد عابدين
(1)
: قال اليعقوبي: وقد حدث في أواخر عصر المتوكل العباسي 232 - 247 هـ أن هاجرت إلى مصر جموع كثيرة من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وكانوا ينزلون اليمامة بأرض نجد، فلما هاجروا إلى مصر استقر فريق حول بلبيس في الحوف الشرقى، أما الغالبية منهم فقد واصلوا رحلتهم جنوبا إلى سعيد مصر الأعلى ومعهم. أسرهم، وأكثر من بالعلاقي قوم من ربيعة من بني حنيفة من أهل اليمامة انتقلوا إليها بالعيالات والذرية.
ويروي المسعودي في سنة 332 هـ قصتهم فيقول: وسكن في تلك الديار خلق من العرب من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، فاشتدت شوكتهم، وتزوجوا من البجة، فقويت البجة بمن صاهرها من ربيعة، وقويت ربيعة بالبجة على من ناوأها وجاورها من قحطان وغيرهم من مُضر بن نزار ممن سكن تلك الديار.
وكان لربيعة فضل في منع البجة من الإغارة على الصعيد الأعلى وكفهم عن ذلك، وأدت مصاهرتهم إلى البجة واستيلاؤهم على معدن الذهب بالعلاقي إلى اتساع نفوذهم وكثرة أموالهم، فصارت لهم مرافق ببلاد البجة، واختطوا قرية تعرف بالنمامس وحفروا بها آبارًا
(2)
.
وفي موضع آخر ذكر الدكتور عبد المجيد عابدين تحت عنوان (حلف ربيعة) قائلًا.
ذكرنا فيما سبق أن ربيعة قد توطدت مكانتها في الصعيد الأعلى وفي أرض المعدن بنوع خاص، وتحالفوا مع البجة (الحداربة) فقويت البجة بهم، كما قويت
(1)
تحقيق كتاب البيان والإعراب للمقريزي ص 106.
(2)
كما ورد نص البيان والإعراب للمقريزي.
ربيعة بالبجة على من ناوأها من اليمن ومُضَر. وكان صاحب المعدن في زمن المسعودي المؤرخ - 332 هـ هو أبو مروان بشر بن إسحاق، قال:(وهو من ربيعة، يركب في ثلاثة آلاف من ربيعة وأحلافها من مضر واليمن، وثلاثين ألف حرّاب على النجب من البجة بالحجف البجاوية، وهم الحداربة، وهم المسلمون من بين سائر البجة وقتئذ، وباقي البجة حينذاك كفار يعبدون صنمًا لهم)
(1)
.
يقول عابدين: ونفهم من هذا أن ربيعة كان لهم خصوم من مُضر واليمن، كما كان لهم حلفاء من هؤلاء وأولئك أيضًا، وكان من حلفائهم - غير مُضَر واليمن - طائفة من الحداربة وهم حضارمة أصلًا، والحضارمة يلحقون بنسب حِمْيَر ابن سبأ، ولا يبعد أن يكون الحداربة عناصر شتى من أعقاب سبأ، ونزحوا إلى بلاد البجة قبل مجيء ربيعة بزمن طويل يربو على ثلاثة قرون، وعندما صار لربيعة نفوذ في بلاد البجة كان الحداربة قد توطنوها وصاروا من أهلها فعدوا طائفة من البجة.
وفي عصر الفاطميين تمكنت ربيعة وأحلافها أن يؤسسوا أول إمارة عربية في أرض المعدن بالعلاقي، وكانت أسوان مقرًّا لها، وامتد سلطانها جنوبًا في أرض مريس، وكان زعيمهم حينئذ هو الذي أشار إليه المسعودي ووصفه بصاحب المعدن، أعني أبا مروان بشر بن إسحاق، وقد أقر الفاطميون هذه الإمارة الناشئة، واستعان الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله بزعيم ربيعة في ذلك الحين في القبض على الثائر الأموي الأندلسي (أبي ركوة) وكان قد لجأ إلى الصعيد وهمّ بالفرار إلى بلاد النوبة، وسر الحاكم بأمر الله، وكان رعيم ربيعة يُلقَّب. "كنز الدولة" وتوارث. أبناؤه هذا اللقب، ولم تزل الإمارة فيهم وكلهم يعرفون بكنز الدولة
(2)
، ويبدو أن الأيوبيين حين قدموا مصر وتعقبوا الفاطميين للقضاء عليهم، كانوا يتوجسون خيفة من إمارة كنز الدولة ظنًّا منهم أنها تتشيع للفاطميين، فهاجم الأيوبيون بني الكنز وهزموهم، وانسحب أكثرهم من أسوان إلى الجنوب، واتخذوا بلاد مريس مركزا لنشاطهم، ثم عاودوا الهجوم على أسوان مرات عديدة حتى استولوا عليها بعد سنة 790 هـ (وكانت لهم مع ولاة أسوان عدة حروب إلى أن كانت المحن منذ
(1)
نص مروج الذهب للمسعودي 18/ 2.
(2)
نص البيان والإعراب للمقريزي.
سنة 806 هـ وخرب إقليم الصعيد، فارتفعت يد السلطنة عن ثغر أسوان ولم يبق للسلطان في مدينة أسوان وال)
(1)
.
والجدير بالذكر أن من بني الكنز هؤلاء النواة الأولى التي تألف منها جماعة الكنوز الذين يعيشون في بلاد النوبة في سودان وادي النيل إلى الآن.
وقال أحمد لطفي السيد عن كنز:
أصلهم معروف من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، هاجرت في القرن الثالث الهجري إلى مصر قادمة من الجزيرة العربية، وبالتحديد في زمن خلافة المتوكل العباسي، وقد تفرقوا في جهات أسوان وشمالي بلاد النوبة، وفي عام 256 هـ - 869 م رافقت جُهينة إلى البجة شرقًا، وكانت البجة تشن الغارة على القرى الشرقية حتى خربت، فقامت ربيعة تصدهم حتى كفوهم، ثم تزوجوا منهم واستولوا على معدن الذهب في العلاقي فكثرت أموالهم واتسعت أحوالهم وصارت لهم مرافق ببلاد البجة واختطوا قرية النمامس وحفروا فيها الآبار، ثم استقرت ربيعة ببلاد النوبة يغريهم الذهب ويدفعهم إليها ظلم جباية الضرائب في وادي النيل، وكان رئيس ربيعة في ذلك الحين هو إسحاق بن بشر، وقد حارب بنو بشر هؤلاء سكان عيذاب من بني يونس وهم مثلهم من ربيعة ملكوها حين قدومهم من اليمامة فأجلوهم عنها إلى الحجار، ثم كانت منازعات بين البشريين من ربيعة قتل فيها شيخهم إسحاق من بشر وانتخب بدله أبو زيد
(2)
ابن عمه وهو أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن يوسف وكان مقره بلبيس، فلما انتخب شيخًا لربيعة اتخذ مركزه المختار في أسوان ثم انضم إليهم الكثير من البجة وهاجر القليل منهم إلى الجنوب وأفسحوا المجال لقبائل عربية أخرى أخذت مكانهم في نفس الصحراء، وفي عام 333 هـ - 944 م يقول المسعودي في مروج الذهب: إن بشر بن مروان أمير ربيعة كان تحت إمرته ثلاثة آلاف من ربيعة ومضر وثلاثون ألفا من البجة وهم الحداربة الذين كانوا على الشواطئ الغربية للبحر الأحمر، وقد اعتنقوا الإسلام وتصاهروا مع العرب.
وقد ظلت ربيعة في أسوان ولم تتجه شرقًا حتى بسطت نفوذها على سكان هذه المنطقة وكونوا هناك شبه ارستقراطية حربية، وفي عام 412 هـ - 1020 م ظفر
(1)
نص البيان والإعراب للمقريزي.
(2)
أبو زيد أنشأ ساقية شعبان في أسوان.
شيخهم أبو المكارم هبة الله ويعرف بالأهوج المُطاع خليفة أبي زيد بأبي ركوة الأموي الخارج على الحاكم بأمر الله الفاطمي فمنحهُ الحاكم لقب كنز الدولة وأضحت ربيعة بعد ذلك تُسمي نفسها في مصر بني كنز.
وقال ابن خلدون: كان أمير العرب بنواحي أسوان يُلقَّب بكنز الدولة ومن سكنوا حولها يعرفون بأولاد كنز، وقد نعتهم بذلك المسعودي وابن سليم العالم الأسواني الذي اعتمد عليه المقريزي في أخباره على بلاد النوبة والبجة وكلاهما كان يعيش في القرن العاشر الميلادي، وسموهم أولاد كنز فقط لا كنز الدولة وذلك اللقب الذي منحهُ إياهم الخليفة الحاكم، وفي عام 740 هـ - 1287 م كانت ربيعة في حملة السلطان قلاوون على بلاد النوبة، وكانت لهم السيادة المطلقة من قوص إلى أسوان على جانبي نهر النيل، وقد تصاهروا مع النوبة فيما بعد وأصبحوا شبه مستقلين على الحدود بعد أن ثاروا ثورتهم الشهيرة عام 571 هـ - 1175 م بقيادة كنز الدولة ودعوا للأمير داود بن العاضد الفاطمي فحاربهم صلاح الدين وقتل كنز الدولة عند قرية الطوذ قرب قوص بعد حروب شديدة
(1)
.
وظلوا منذ القرن الثالث عشر إلى الخامس عشر الميلادي متحدين مع فرع قيس عَيْلان الذي تنتمي إليه هلَال وسُلَيْم، وكانت مهمتهم جميعًا حمل المتاجر إلى الوادي غرب البحر الأحمر.
وقد وقعت بعد ذلك حروب كثيرة بينهم وبين الحكومة المركزية في القاهرة، ففي عام 768 هـ - 1366 م أرسل أمير أسوان منهم رأسًا للقاهرة، ثم كانت حرب بينهم وبين الحكومة المصرية عام 780 هـ - 1378 م وبالرغم من هزيمتهم أحيانًا فقد ظلوا قوة كبرى في أسوان وما والاها من الجنوب حتى جاءت عام 815 هـ - 1412 م فسقطت أسوان في أيدي الهوارة الذين خربوها وأزاحوا حمايتها من بني كنز إلى السودان، وقد عادوا بعد ذلك في الجزء الممتد ما بين أسوان ووادي حلفا حتى سقطت مصر في أيدي الأتراك العثمانيين عام 922 هـ - 1517 م وكانت الحروب بينهم وبين الهوارة سجالًا بعد ذلك بكثير، ومنهم في القرن العشرين الميلادي فريق يسكن ما بين أسوان وكرسكور، وكنز مفرد كنوز وهو غير كنز وكنزة ذلك الاسم الهيروغليفي القدديم لجزيرة عند الشلال الأول (طا كنز) أي أرض القومس الاسم القديم لمصر.
(1)
عن ماك مايكل ج ص 150 في تاريخ قبائل العرب في السودان.
وقال علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية عن وادي حلفا ما بين مصر والسودان أي ما بين أسوان جنوب مصر حتى حلفا على حدود السودان 350 كيلو مترًا وأرضه الزراعية قطع متفرقة بين الصخور على الجانبين، ويرى المسافر بينها يمنة ويسرة قرى صغيرة أغلبها مركب من خمسة أو ستة بيوت، بيوت يظلها قليل من النخل في الأودية يطلق اسم الوادي على القرية، فالكنوز ما بين أسوان وقرية وادي السباع وأهل النوبة مركزهم فوق وادي حلفا إلى الدر، والعرب بين الاثنين في مسافة 47 كيلو مترا فقط، ويطلق على أرض الكنوز وادي الكنور ولسانهم يقال له الكنزي وهو يقرب من اللسان البربري ويقال لأرض العرب وادي العرب.
قلت: والكنور بعد بناء السد العالي هاجروا شمالًا إلى أسوان والصعيد ومنهم في الوجه البحري عائلات كثيرة، ويشتغل كثير منهم في تجارة الإبل في سوق دراو بأسوان بالوقت الحاضر. وعن ربيعة المتأخرين فقد نزل فخوذ منها إلى مصر أشهرها الجعافرة من عَنَزة، ومنهم في سفاجة بالبحر الأحمر، وقد انضم بعض الفخوذ من ربيعة إلى قبائل قوية في الصعيد وحُسبوا من هذه القبائل، وهناك عرب الشعَّارة من العمارات في القليوبية وهم عنَزَة ومالوا إلى الفلاحة والزراعة ونسوا أنسابهم، وكذلك قبيلة الطميلات وتقدم ذكرهم في المجلد الأول من الموسوعة.
الحبايبة
أصل القبيلة:
من جُذام القحانية، ويقال للحبابيبة مع فروع أخرى في القليوبية والجيزة والغربية: نصف سعد.
ما قاله المؤرخون عن الحبايبة
قال الدكتور عابدين
(1)
: استطاع علي بيك الكبير في القرن الثامن عشر أن يقبض على زمام الحكم في مصر، وله مع عرب الحبايبة والهنادي في الوجه البحري، والهوارة في الوجه القبلي معارك عنيفة دامية ذكرها الجبرتي في تاريخه.
يقول ببير:
(2)
الحبايبة سكنوا الوجه البحري في القرن الثامن عشر، ثم ذابوا في خضم الفلاحين حتى لم يعد ذكرهم يرد على ألسنة الكُتَّاب في أواخر القرن التاسع عشر.
وذكر أميديه جوبير في وصف مصر: "الحبايبة":
قال: عدد فرسان الحبايبة نحو 600 فارس، وعدد فرسان نصف سعد نحو 300 فارس، وأضاف أن نصف سعد هؤلاء كانوا في حالة حرب مستمرة مع الفرنسيين.
وما قاله الجبرتي في تواريخه عن نصف سعد:
في عام 1125 هـ طلب قائد الحملة من السلطان أن يأمر سالم بن حبيب شيخ العرب جمع عربان سعد وبلِّي لمهاجمة الضعفا في نواحي الفيوم فلم يلب الطلب.
في عام 1135 هـ نزل سالم بن حبيب شيخ العرب إلى بركة الحاج
(3)
وسلب خيل البريد وكل من صادفه بطريقه، وكان معه عرب الجزيرة والمغاربة،
(1)
في تحقيق البيان والإعراب للمقريزي.
(2)
دراسات في التاريخ الاجتماعي لمصر - ترجمة عبد الخالق لاشين - القاهرة 1976 م.
(3)
بركة الحاج تقع في شمالي شرق القاهرة وهي باسمها حتى الوقت الحاضر.
وسبب ذلك أن أحد أمراء الجند قيطاس بيك زحف عليه وقاتله وقتل بعض أولاده فقام بحركة على سبيل المقابلة والانتقام. وفي السنة نفسها صدر مرسوم لجميع العرب بالتعمير في أوطانهم عدا سالم بن حبيب وإخوته ومن يلوذ به وسُيِّرت عليه تجريدة جديدة فسار بجماعته إلى جهة غزة فعادت التجريدة بدون طائل.
وفي عام 1182 هـ سيَّر علي بيك الذي صارت له السيطرة على مصر تجريدة على سويلم بن حبيب شيخ العرب وعرب الجزيرة، فهرب سويلم بمن معه إلى البحيرة والتجأ إلى عرب الهنادي فانكف الطلب عنه.
- في عام 1183 هـ مات الشيخ سويلم بن حبيب رئيس الحبايبة وشيخ قبيلة نصف سعد، وعقد المؤرخ (الجبرتي) نبذة أو ترجمة فيها وصف سويلم فقال:
جناب الكبير والمقدام الشهير من سارت بذكره الركبان وطار صيته بكل مكان الفارس الضرغام النجيب شيخ العرب سويلم بن حبيب من أكابر عظماء مشايخ العرب بالقليوبية ومسكنهم دجوة في القليوبية على شاطئ النيل (فرع رشيد)، وهو كبير نصف سعد مثل والده حبيب، واشتهر سويلم بالفروسية وعظم أمره وطار صيته وكثرت جنوده وفرسانه ورجاله وخيوله وأطاعه جميع المقادم وكبار القبائل ونفذت كلمته وعظمت صولته عليهم وامتثلوا أمره ونهيه، وصارت له خفارة البرين الشرقي والغربي من ابتداء بولاق القاهرة إلى رشيد دمياط، وكان هو وفرسه مقومًا بألف خيال!، وقد برز أبوه في القرن الثاني عشر الهجري واتفق له ولابنيه سالم وسويلم وقائع أمور عديدة واشتبكوا في مصاولات وحروب مع الأمير إسماعيل من كبار أمراء الجند امتدت مدة طويلة إلى أن مات خصمهم، فاصطلحوا مع ابنه وعادوا إلى قليوب وعمروا مساكنهم ودواوينهم وأتتهم القبائل العربية ومشايخ البلاد ومقادمها للسلام ومعهم الهدايا والتقادم واستقروا، وصار لهم الدور العظيمة والبساتين والسواقي والمعاصر والجوامع، واستقام حال سالم خاصة واشتهر ذكره وعظم صيته واستولى على خفارة البرين ونفذت كلمته بالبلاد البحرية إلى البوغازين (ثغري رشيد ودمياط على الأرجح)، وصارت المراكب والرؤساء تحت حكمه وضرب عليها الضرائب والعوائد، وأنشأ الدوائر الواسعة والبستان الكبير على شاطئ النيل، وكان عظيمًا جدا وعليه سوق وغرس به أصناف النخيل والأشجار وأحضر له البستانية من الشام ورشيد. وقد اندمج في النزاع الذي وقع بين الأمير ابن ذي الفقار ومحمد بيك الشركسي إلى جانب الأول وغنم غنائم عظيمة ومات عام 1150 هـ، فترأس المشيخة على نصف سعد أخوه سويلم، فسار
بشهامة واشتهر ذكره وعظم صيته بالقطر المصري زيادة عن أخيه، ووسع الدواوير والمجالس واستمر بدجوة
(1)
وبنى فيها دوارًا عظيمًا بداخله مسجد ومضايف ومصاطب، وأنشأ عدة مراكب ذات قلوع عظيمة وشحنها برجال غلاظ أشداء، فكانوا يتعرضون للسفن ويأخذون منها ما أحبوا طوعًا وكرها، وكان له قواعد وأغراض وركايز وأناس من الأمراء وأعوانهم بمصر (القاهرة) يراسلهم ويهاديهم فيذبُّون عنه، وكان عنده عدد من العبيد السود الفرسان يلازمونه وعنده كُتَّاب يقضون أشغاله، وكان غالب بلاد القليوبية والشرقية تحت حمايته وحماية أقاربه وأولاده، ولهم فيها الشركاء والزروع والدواوير الواسعة المعروفة بهم والمميزة عن غيرها بالعظم والفخامة، ولا يقدر ملتزم ولا قائم مقام على تنفيذ أمر إلا بإشارة في البلد من أقاربه، وكان لهم طرائق وأشكال في الملابس والمآكل، فيقول الناس: سرج حبايبي نسبة إلى حبيب أبيهم وشال حبايبي، وكان يكرم الضيفان ويحب العلماء وأرباب الفضل ويأنس بهم ويتكلم معهم في المسائل ويهاديهم ولم يزل هذا شأنه وشأن أقاربه حتى جرد عليهم علي بيك في عام 1182 هـ، فهرب سويلم إلى البحيرة، ثم جرد عليهم في عام 1183 هـ فقتل سويلم وخمسة وأربعون من أقاربه الحبايبة، ونزل أولاده على حكم إسماعيل قائد التجريدة فأرسل إلى على بيك الكبير يطلب لهم الأمان فوافق بشرط أن يخرجوا من بلدهم فتشتتوا، إلى أن اختلف محمد بيك أبو الدهب مع علي بيك الكبير وغلبهُ على مصر فشفع بهم مراد بيك تابعه وجعله يعيِّن أحمد بن علي بن سويلم رئيسًا وشيخًا للعرب وكان ذلك عام 1187 هـ، ولكن دون الحالة الأولى بكثير ومن غير صولة ولا خفارة، وكان أحمد وجيهًا محتشمًا وكان أبوه يسكن دارًا فيحاء في قليوب وعنده الخدم والحشم وكان فصيحًا مفوَّهًا حسن الخُلُق. (انتهى).
(1)
قرية أو بلدة في غرب محافظة القليوبية على النيل (فرع رشيد) ولا زالت باسمها دجوة إلى الآن.
الأوس والخزرج
أصل القبيلة:
وهم الأنصار الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وهم ينسبون إلى حارثة بن ثعلبة البهلول بن عمرو مُزيقياء ابن عامر ماء السماء ابن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق ابن ثعلبة العنقاء ابن مازن بن الأزد القحطانية.
ما قاله المؤرخون عن الأوس والخزرج في مصر
قال الدكتور عبد المجيد عابدين: وبالصعيد طائفة من الأنصار
(1)
- رضي الله تعالى عنهم -، والأنصار قبيل عظيم من الأزد، وقيل لهم الأنصار من أجل أنهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الأوس والحزرج أبناء حارثة، وهو العنقا بن عمرو، وهو مزيقياء بن عامر وهو ماء السماء بن حارثة وهو الغطريف ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد؛ وهكذا تقول الأنصار. وقال ابن الكلبي وغيره: عمرو مزيقيا بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد.
ومنهم بأرض مصر بنو محمد وبنو عكرمة
(2)
وديارهم بحري منفلوط.
فأما بنو محمد فمن ولد حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار أبي الوليد الأنصاري رضي الله عنه.
وبنو عكرمة ينسبون إلى سيد الأوس سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت وهو عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأشهلي أبو عمرو رضي الله عنه.
وقال صلاح التايب في القبائل المصرية عن الخزرج
(3)
:
منهم في مصر منذ الفتح الإسلامي ومنهم بالوقت الحاضر جزء كبير من
(1)
الأنصار من أعمال إخميم وقد اندثرت الآن، وقد أضيف زمامها إلى ناحية جرجا ويدل على موقعها حوض الأنصار بأراضي ناحية جرجا.
(2)
بنو عكرمة: وفي مديرية أسيوط بقسم أبنوب الحمام في شرق النيل بلدة بني محمد بينها وبين أسيوط نحو ثلاث ساعات تشمل 3 قرى متلاصقة، وكان عدد أهلها أيام علي مبارك أكثر من عشرة آلاف نفس.
(3)
الخزرج من الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان بن قحطان. وذكر عبد المجيد عابدين أنه يقال بني حرام بن مصر من الخزرج والله أعلم.
محافظة الغربية وكفر الشيخ والمنوفية، ونذكر منهم عائلة الفقي في كمشيش والدلجمون وكفر الزيات، وكان منهم صلاح الفقي، ومحمد باشا الفقي، والدكتور محمد الفقي من أشهر أطباء مصر وأحمد الفقي عضو مجلس الشعب، والسيد طه الفقي من رجال الأعمال بالإسكندرية، والدكتور زغلول طه حسين الفقي.
قلت: وتوجد فروع كبيرة باسم البقرية في الشرقية وهم ينسبون إلى الأنصار أيضا.
أولاد زهير
نسب القبيلة:
من جُذام القحطانية
ما قاله المؤرخون عن أولاد زهير
قال القلقشندي: بنو زهير بطن من جُذام من القحطانية، وذكرهم الحمداني أنهم فخذ من الضبيبيين رهط مالك بن الضبيب من المحدثين.
قال الحمداني: وأكثرهم في الشام ومصر ومنهم طائفة بالدقهلية والمرتاحية امتزجوا ببني زيد، يعني زيد بن حرام بن جُذام.
قال: وهم في مجرى الحوف إلى ما يلي أمتحوم الرمان، ومنهم بنو عرين (انتهى).
وقال المقريزي: أفخاذ بني الضبيب هي عمرو بن مالك بن الضبيب وعشيرة وزهير وخليفة وحصن من عرب الدقهلية، وبنو خليفة وبنو حُصين قد انضافوا إلى بني عبيد بالحلف ولهم موضع من حقوق هربيط بالأحراز، أما بنو عبيد فهم بطن من زهير من جُذام بالدقهلية والمرتاحية (انتهى).
قال د. عابدين: قرية بني عبيد تتبع اليوم مركز دكرنس بالدقهلية وكانت تُسمى ديسة بني عبيد، وفي مركز السنبلاوين بالدقهلية قرية طماي الزهايرة
(1)
نسبة إلى بني زهير، وبجوارها قرية أخرى تُسمى قنيبرة أو بيضة الزهايرة.
وذكر أحمد لطفي السيد أن أولاد زهير من قبائل الشرقية وعُدُّوا في حصر العربان 1883 م.
قلت: وهذه القبيلة من القبائل المتحضرة وقد نسيت البداوة وفقدت عصبيتها القَبَلية بالوقت الحاضر.
(1)
طماي الزهايرة: القرية التي تنتمي إليها كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم - رحمها الله.
البشارية
أصل القبيلة وفروعها وما قيل عنها:
ويطلق عليهم البشاريون في جنوب مصر، وأكثرهم في السودان، وهم مثل العبابدة يدَّعون النسب للزبير بن العوام القُرشي، ويقولون: إن جدهم كاهل جد الكواهلة الذين يقطنون في كردفان بالسودان، ويقال إن كاهل أعقب ثلاثة عشر ولدًا وأحدهم يُسمى بشار جد البشاريين، وهم يعتبرون بلدان أسوان ودراو جنوب مصر أسواقهم للبيع والشراء، وهم ثلاث فرق واحدة على البحر الأحمر من القصير شمالًا حتى سواكن في السودان جنوبًا، والثانية على نهر عطبرة بالسودان، والثالثة في جزيرة عنتباي، وفي كل فرقة بدينات أي عشائر، أما بطون البشارية التي تقطن في القطر المصري: الحمدوراب، والشتديراب وهم ينتشرون على الساحل وفي الوديان من البحر الأحمر إلى بلدة العلاقي غربًا، ومن أجدادهم كوكا أحد الأولياء الذي كان يقضي بعض أوقات الصيف عند جبل علبة والشتاء عند فم وادي العلاقي، وتدور حوله روايات عديدة لم نتمكن من تحقيقها.
والحمدوراب البشارية يستوطنون في أجمل منطقة للمراعي عند جبل علبة وعلى السهل الساحلي من بئر الشلاتين إلى حدود السودان عند الخط 22 تقريبًا، والعائلة الحاكمة في البشارية تُدعى (بطر أناب) نسبة إلى العمدة بطران على تويف.
أما كوكا جد البشارية المزعوم يسكن جبل علبة
(1)
ويعتبر هذا الجبل منطقة مقدسة وتجارية بالنسبة لقبائل البشارية ولا يزالون يعتقدون أن وليهم المدعو كوكا لوانكو الذين يدَّعون أنه انقلب إلى حجر صوان وأنه موجود في إحدى مغارات الجبل، وأن ريحًا موسمية شديدة الحرارة تهب من هناك، ولكن كثيرين من المستكشفين والبُحَّاث والرُّحَّال ومنهم مستر مري ويكيفوند تسلقوا الجبل وبحثوا عنه فلم يعثروا عليه، وكما يعتقدون أن كوكا المذكور كان يعيش تحت أقدامهم العليَّة، وله تجارة تمتد إلى وادي العلاقي شرق النيل وهم يعدُّون به إلى أكثر من ثمانية قرون، ومن نسل كوكا أو نسل أخته ظهر الجد الذي تسلسلت منه قبائلهم الحالية ويسمونه إنكو.
(1)
جبل علبة: يقع في الحدود بين مصر والسودان على ساحل البحر الأحمر وإلى الشرق منه بلدة حلايب الساحلية المصرية.
وذكر الدكتور محمد عوض عن الكواهلة
(1)
الذين تفرع منهم البشارية قائلًا:
من قبائل أرض المعدن خرج الكواهلة، وأغلب الظن أن نواتهم الأولى كانت من بقايا أحلاف ربيعة الذين هاجروا إلى أرض المعدن في وادي العلاقي بنسائهم وذرياتهم في آلاف كثيرة.
والقرائن الدالة على أن الكواهلة كانوا من قبائل أهل أرض المعدن لا تحتمل الشك، فهم أهم قبيلة في السودان اتصلت بالبجة اتصالًا وثيقًا من ناحيتي الجوار والنسب وتعلمت لسانهم، واندمج قسم كبير منهم في قبائل البجة حتى أصبحت كل مجموعة بجاوية تنتسب إلى بني كاهل. ثم ترك بقية الكواهلة أوطانهم في أرض البجة واتجهوا إلى وسط السودان وغربيه، ومن المؤكد أن الكواهلة أو معظمهم قد دخلوا السودان من الشرق، ووصلوا إليه من الجزيرة العربية مباشرة، وبدأوا حياتهم فيه باحتلال الإقليم الساحلي أو جزء عظيم منه من سواكن إلى عيذاب حيث اختلطوا بالبجة وتعلموا لسانهم وصاهروهم، وربما كان لهم الأثر الأكبر في نشر الإسلام والثقافة العربية فيهم، ولا سيما إذا رجحنا أن الكواهلة هم بقايا ربيعة الذين هاجروا إلى مصر، وكان منهم من سكن الحوف الشرقي بالوجه البحري، ومنهم من سكن أرض المعدن في سعيد مصر وبلاد البجة، فإذا صح هذا فإن أجداد الكواهلة سكنوا أرض المعدن منذ القرن التاسع الميلادي واختلطوا بالحداربة وغيرهم من أعقاب سبأ ومُضر.
وفي زمن الرحالة ابن بطوطة المغربي 1340 - 1330 م كان البجة قد أقاموا على جزيرة سواكن السلطان الشريف زيد بن أبي نمي وهم أخواله، وكانت عساكره من البجة وأولاد كاهل وجهينة.
ومن أرض المعدن وبلاد البجة شرقًا اتجه الكواهلة في زمن متأخر نسبيًّا إلى جهات عطبرة وخور القاش وسنار حيث تمثلوا بأكبر قسم منهم، وواصلت فروع منهم الهجرة، فبلغت النيل الأبيض ثم كردفان وبيوضة وغيرها، وهناك جماعة صغيرة منهم تعيش في الجزء الشمالي من جبال النوبا أي في أقصى جنوب من كردفان، وكان الدافع إلى ذلك تأسيس مملكة تقلى الإسلامية التى هيأت فرصة جديدة لهجرة القبائل العربية.
(1)
انظر شمال السودان وقبائله - د. عوض.
العلاونة
من قبائل المرابطين في الصحراء الغربية المصرية ويرجح نسبها لبني سُلَيْم.
قال الحبوني بيوتهم خطم وسعيد والصايم والحاج عثمان وزاغود ويوسف وشحات والحاج علي لحيمر وكرير وسارة. ومنهم في منطقة السلوم ومطروح.
قلت: لعلّ هذه القبيلة لها صلة بالعلاونة من فروع لبيد من سُلَيْم من العدنانية والتي ذكرها القلقشندي في نهاية الأرب والسويدي في سبائك الذهب.
وأرجح أنها من بقايا العلاونة المذكورة من لبيد.
الحُرَيْش
من قبائل العرب القديمة، وتنسب إلى عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان من العدنانية.
ومن هذه القبيلة في الفيوم وشمال الصعيد في مصر، ومنهم قسم آخر في فاس بالمغرب الأقصى، وقد تحضَّر معظمها في المدن والقرى المصرية.
خفاجة
من قبائل عُقَيْل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان من العدنانية.
ذكرهم المقريزي في البيان والإعراب ما بين الإسكندرية والعقبة الكبرى (السلوم)، وذكرهم القلقشندي نقلا عن الحمداني في نهاية الأرب وقال: منهم طائفة في البحيرة من ديار مصر.
وكان لقبيلة خفاجة هؤلاء إمارة في غرب العراق في عهد الخلافة العباسية.
وهذه القبيلة تعد من أكبر قبائل العراق بالوقت الحاضر، ومنهم بالأهواز في إيران فروع عديدة، وكذلك منهم قسم في حلب ودير الزور والبوكمال في سوريا بالشام.
وأما في مصر فقد ذكر أماكنهم الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجي في كتابه الخفاجيون في التاريخ في مسهلة وبهورين مركز السنطة وطنطا بمحافظة الغربية، وفي تلبانة ومنية بداوي مركز المنصورة وكفر بهيدة مركز ميت غمر والمنزلة وشربين بمحافظة الدقهلية، وفي دمليج مركز منوف وطاليا مركز أشمون وشنوان من قرى سبك الأحد وكفر ربيع بمحافظة المنوفية، وفي مرصفا وشبين القناطر ومنية شبين وبهتيم وطحانوب وكفر العرب ببنها بمحافظة القليوبية، وفي بلبيس والغفارية والعارين تبع الغابة بمحافظة الشرقية، وفي القارة مركز أبو طشت وأبو عموري مركز نجع حمادي بمحافظة قنا، وفي العوكلية مركز جرجا بمحافظة سوهاج، وفي سنورس بمحافظة الفيوم، وفي مزغونة وبني سويف بمحافظة بني سويف، وفي كفر سعد ودمياط وشربين والعبادية مركز فارسكور بمحافظة دمياط، وفي الإسكندرية، وشبراخيت محافظة البحيرة.
كما ذكر من خفاجة في متبول ونبروة وبشالوش في الوجه البحري. ومن أعلام قبيلة خفاجة ذكر أحمد خفاجي عميد القبيلة في الدقهلية وتولى مشيخة تلبانة مركز المنصورة وكان عضوا في المؤتمر القومي عن دائرة تلبانة الانتخابية ونال أمانة الدائرة في الانتخابات في أوائل السبعينيات، ومنهم نافع الخفاجي من علماء الدقهلية وله مؤلفات عديدة، والدكتور عبد الحكيم سالم خفاجي في كفر شبين بالقليوبية، والدكتور أنور خفاجي عميد كلية الهندسة بجامعة القاهرة سابقا، والمستشار شمس الدين خفاجي وهما من فرع الفيوم، والأستاذ يوسف خفاجي المحامي بالإسكندرية، والدكتور سعد خفاجي بكلية صيدلة الإسكندرية، والشيخ أمين خفاجي بالأزهر الشريف من مركز أبو طشت من بقنا، وحسن الخفاجي وهو الذي قام ببناء المسجد التلباني المعروف بمسجد الخفاجيين، والمستشار محمود عصر خفاجي رحمه الله، وابنه الدكتور محمد محمود خفاجي بالإسكندرية، والدكتور المستشار أحمد رفعت خفاجي، والمستشار الطاهري خفاجي، وحسانين سعيد خفاجي من أعيان المنصورة، ورياض خفاجي مفتش بالتعليم، ومحمد حسنين خفاجي موظف بوزارة المالية، وفاروق محمد عصر خفاجي ضابط بالجيش، ورجائي عبد اللطيف سليمان خفاجي مأمور جمرك وغيرهم الكثير يصعب حصرهم لكثرتهم في أنحاء مصر.
وذكر من العلماء المشهورين في مصر من قبيلة خفاجة في القرن الحادي عشر الهجري الشيخ الشهاب الخفاجي من شنوان إحدى قرى سبك الأحد محافظة المنوفية، وكان لهذا العالم الجليل مؤلفات عديدة في التاريخ والأدب والشعر، وكان والده محمد بن عمر الخفاجي 927 - 1019 هـ من العلماء والأدباء أيضا.
أيضا من خفاجة الإمام الكبير الشيخ علي حسين خفاجي والذي عاصر محمد علي باشا واشترك في الشئون السياسية العامة في عهده وكان قد خالف الباشا وعاش فترة بالمدينة المنورة، ومنهم علي بيك خفاجي كان من الشخصيات الكبيرة في دمياط وله نشاط سياسي في عصر الخديوي إسماعيل وكان عضوا في مجلس شورى النواب، والعالم الكبير حسن خفاجي من علماء الأزهر وكان مقره في دمياط، وعبد السلام بيك خفاجي كان في مجلس النواب في عهد الخديوي توفيق وغيرهم العديد من الشخصيات الكبيرة في المجتمع المصري.
رزاح
قبيلة مستقرة في أسيوط ولهم نجع كبير باسمهم هنالك،
ذكرهم القلقشندي والفيروز أبادي والأصفهاني من عُذرة بني كلب من قُضاعة وهم بنو رزاح بن ربيعة بن حزام بن ضنة بن عبد كثير بن عُذرة بن زيد، وكانت قراهم نطاع في البحرين.
حسن طوبار
أصل القبيلة:
يرجع نسب القبيلة إلى جُذام القحطانية، وهي من القبائل المصرية القديمة.
ما قاله الباحثون عن هذه القبيلة:
قال أحمد لطفي السيد أن قبيلة حسن طوبار من القبائل المتحضرة في الدقهلية وخاصة في نواحي المنصورة.
وذكر أندريوس أن هذه القبيلة مستقرة في مديرية المنصورة، كما أنها احتكرت حق الصيد في بحيرة المنزلة!؟. وكانوا يستطيعون الوصول إلى ترعة بحر مويس عن طريق الصالحية التي تتفرع منها، ومن هناك يبلغون البحيرة للاتصال بسكان المنزلة والمطرية، ويتحكمون بذلك في كل البحيرة والبلاد الواقعة على شطآنها.
بنو وائل
أصل القبيلة:
يرجع نسبها إلى جُذام القحطانية وهي من القبائل المصرية القديمة.
ما قاله المؤرخون عن هذه القبيلة:
ذكرها الفرنسي أميديه جوبير عام 1798 م من قبائل مصر في ضواحي المنيا. وذكر ابن إياس في بدائع الزهور أن هذه القبيلة في الشرقية من الديار المصرية وقال عنها التالي:
- في عام 803 هـ جهز السلطان المملوكي حملة لصد تيمورلنك وقد انضم لها شيخ بني وائل معه 1500 فارس.
- وفي عام 876 هـ اشتدت حركة العربان في الشرقية حتى تعطلت الأسفار من كثرة العدوان والنهب والقتل.
- وفي عام 876 هـ أيضا هاجم بنو وائل وبنو حرام من عربان الشرقية، القاهرة ونهبوها.
- وفي عام 903 هـ حدثت فتنة بين بني حرام وبني وائل.
إندارة
قبيلة بربرية من بطون مادغيس ومنهم فروع في ليبيا ومصر.
ذكرت في حصر العربان في مصر عامي 1883 و 1897 م.
ذكرهم التليسي في ليبيا وذكر نسبهم للبربر
(1)
ومن فروعهم العنانمة والدرابكة وأولاد أحمد والبراكسة.
ومنهم في أبو حمص بالبحيرة والغربية ومنهم قسم في أسيوط.
معن
قبيلة عربية ذكرها أبو علي الهجري في الجزيرة العربية في آخر القرن الثالث وأول الرابع بعد الهجرة في كتاب التعليقات والنوادر ونسبهم إلى درماء من طيئ القحطانية، وهذه القبيلة لها وجود في الوجه البحري بمصر وخاصة في الشرقية والقليوبية.
محروس
هذه القبيلة عربية لم أصل إلى نسبها وقد ذُكرت في حصر العربان عام 1897 م في نجع حمادي وقنا بصعيد مصر.
بنو جري
هذه القبيلة عربية من جُذام القحطانية ولها بلدة كبيرة باسمها في مركز "أبو حماد" بمحافظة الشرقية.
وذكرهم الهمداني في صفة جزيرة العرب، وكانت منازلهم القديمة في العريش ومنهم بنو الثعل، وقال أن لهم جزائر بني جري في وادي النيل بأرض مصر.
(1)
قلت: وهم دخلوا في ترهونة القادمة لمصر.
الشريصات
من قبائل المرابطين وتنتشر هذه القبيلة في الصحراء الغربية المصرية وتتكون من فخوذ كثيرة منها: أبو شنشافة، وأبو هارون، وبرعاص، وإبراهيم، وجزحيرة، وعطية، ومشعرية، وأعزيز، وعمدة هذه القبيلة سالم قاسم أبو هارون وشيخها مفتاح حسين.
الشرارمة
من قبائل المرابطين في الصحراء الغربية ويسكنون مع قبيلة أولاد علي، ومنها عائلات زروق والحجازي وهيشوم وأبو صدرة.
المحاحمة
من قبائل المرابطين ومن فخوذها في مصر: الشواشنة، ومشرعي، وأبو السنية، وسكران، وحسين. وأغلبهم في الصحراء الغربية.
الدهان
من قبائل المرابطين ينتشرون مع أولاد علي في الصحراء الغربية ومن فخوذهم: بشرى، وأبو لطيعة، ومرعيط، وجبر الله، وعيسى، ومنصور، وشحات، وهليل، وأبو هديمة، وزوير، وآدم.
الحبوس
من قبائل المرابطين في الصحراء الغربية ومن عائلاتهم: فرج، والبساس، وسالم، وآدم، ومن شيوخهم عبد الله حميدة، وكريم مهدي، وخفير اللاضي.
الجبيهات
من قبائل المرابطين وتنتشر في الصحراء الغربية مع أولاد علي، ومن أشهر فخوذهم: طوبر، وسكران، والغربال، ورحيل، وسنيس، والمنبطش، وحنحوت، ودومة، وعوب، وصالح، وجاب الله، والصلعة، وسليمان، وشريف، وهارون، وإدريس، ومسعود، وشعيب. وشيخ القبيلة محمد صابر معروف.
القريضات
من قبائل المرابطين المشهورين بالتقوى والصلاح وحب السلام ولين العريكة، ومن فخوذهم: كيشار، وبريوة، وأبو الهيشة، وشدة، وبالعيد، وزويد، وعقليب، وفرج، والعصاد، وأغلبهم في الصحراء الغربية.
السراحنة
(1)
من قبائل المرابطين في مصر وأشهر فخوذهم: أبو فلويصة، والمكحل، والبيوص، وعبد اللطيف، والحريكية، وأبو حريزة، وأبو بعيدة، أبو شليف، وقراقع. ومن رجالات هذه القبيلة عبد الحكيم عبد الكافي عيسى عضو مجلس الشعب، والعمدة عبد الهادي كعبار، والشيخ قاضي حسين، والشيخ ياسين عبد الحميد.
الكلاحين
ذكرهم أحمد لطفي السيد من القبائل العربية في مصر في قنا ولهم نجوع خاصة بهم في قنا وفي جرجا بسوهاج، وذكر بعض الرواة أن أصل الكلاحين في قُضاعة والأخص بلي، ومن رجالاتهم صلاح سيف النصر الكلحي مدير عام بوزارة الثقافة، وسيف النصر الكلحي عمدة، وحافظ بيك الكلحي عضو مجلس النواب، ومحمد فرغل العمدة وعثمان محمد عثمان مدير مركز الإعلام بنجع حمادي، وعبد الفتاح الصغير مدير نيابة، والشيخ سليمان العمدة.
(1)
انظر عن هذه القبيلة في المجلد الثالث وهي من قبائل المرابطين المعروفة في ليبيا.
اللزد
(1)
ذكرهم أحمد لطفي السيد ونعوم شقير في البحيرة والغربية من حلفاء أولاد علي من السعادي من بني سُلَيْم، وذكر أيضًا فرع من اللزد يسمى البايع.
السعادنة
(2)
ذكرهم أحمد لطفي السيد عام 1935 م من قبائل العرب في بني سويف وفي أسيوط منضمين للجهمة إحدى قبائل المرابطين هناك.
كما ذكرهم أميديه جوبير الفرنسي في وصف مصر وقال عنهم السعدني وأنهم في ولاية بني سويف في قري دنديل والبرج والدوالطة ودلاص والسيسي وبني عدي وأبو صوير ومنفسط وقمن العروس وكوم أدريجة وباها الميمون، وأضاف أنه في عام 1798 م كان عدد فرسانهم 102 وعدد إبلهم 87 وعدد خرافهم 400.
قلت: ومن السعادنة فرقة تسكن جزيرة النجدي بقليوب وغيرها من بعض النواحي في القاهرة والقليوبية، وأذكر نزلة السعادنة في بني سويف بحاجر بني سليمان.
بنو حرام
(3)
في مصر قبيلتان تحملان هذا الاسم إحداهما من فزارة والأخرى من جُذام فالأولى مساكنها في الصعيد والثانية في الشرقية.
(1)
اللزد الراجح أنهم بقايا الأزد القدامي النازلين لمصر منذ الفتح الإسلامي.
(2)
من السعادنة فرقة مع قبيلة الجبارات وهم سعادنة أبي جريبان وسعادنة النويري، وقد ذكر عارف أنهم يقولون إن جدهم يسمى سعدا، صحابي من مكة، وقال لعلهم من سعادنة من عرب الحجاز، ويذكر الرواة أن السعادنة قبيلة قديمة كانت تجاور بني عُقبة في شمال الحجاز مع الكعابنة.
(3)
يوجد نجع بني حرام في أسيوط بصعيد مصر ويؤكد بعض الباحثين أن بني حرام في الصعيد (أطفيح وأسيوط) من حرام بن سعد بن عدي بن بني فزارة من العدنانية.
ما ذكره المؤرخون عن كليهما:
- ذكرهم أميديه الفرنسي عام 1798 م بني حرام (فزارة) من قبائل مصر في ضواحي الأطفيحية (أطفيح) وعدد فرسانهم نحو 40 فارس.
ما قاله ابن إياس في بدائع الزهور:
- وفي عام 875 هـ قبض السلطان على بعض أعيان الشرقية وبعض بني سعد حرام (جُذام القحطانية) لكثرة شغبهم، فلما بلغ العربان الخبر أعلنوا العصيان وأخذوا يفسدون في الأرض، وأرسل السلطان قوة لقمع العصيان فعادت بدون طائل.
- وفي عام 903 هـ كان الأمير أقبردي بالشرقية فهاجمه عربان بني حرام ورجموه وسبوه وكادوا يقتلونه ولم يخلص من أيديهم إلا بمشقة كبيرة.
- وفي عام 927 هـ عاد عربان الشرقية إلى شق عصا الطاعة ونهب الضياع، وقد تحالفت سبع طوائف من العربان على العصيان منهم بنو عطية وبنو عطا وبنو حرام، وقد أزعجت هذه الحركة ملك الأمراء.
وقال الجبرتي:
- في عام 1135 هـ سار أمير الحج وكاشف القليوبية ومعه عرب الصوالحة وبني حرام لمحاربة سالم بن حبيب.
- وفي عام 1221 هـ اعتزم محمد علي الخروج إلى الألفي وعبر إلى بر إمبابة بالجيزة وأرسل إلى بعض العربان للقدوم إليه للسير معه فجاءه عدد كبير من عرب الحويطات وبني حرام فقابلهم وضرب لقدومهم المدافع.
العزايزة
ذكرهم القلقشندي والمقريزي باسم بنو عزيز ونسبهم إلى هلال بن عامر، ومساكنهم بصعيد مصر.
وذكرهم أيضا المغيري من بني هلال ومنهم قسم مع قبائل مُطَيْر في نجد ومنهم قسم في فلسطين وسيناء مجاورين لمزينة في جنوب سيناء.
وذكرهم أحمد لطفي السيد عام 1935 م من قبائل قنا، ولهم نجوع باسمهم في "أبو تيج" بأسيوط ولهما نجع أبو عمودي في نجع حمادي بقنا
نصف حرام
ذكرهم أميديه الفرنسي عام 1798 م من قبائل مصر وقال: يسكنون قرب بحيرة صغيرة تُسمى بركة الحاج في ضواحي القاهرة.
قلت: لم أعد أسمع بهذه القبيلة في بركة الحاج
(1)
.
وهذه القبيلة جزء من بني حرام الجُذامية في الشرقية.
الرشايدة
أصلهم من بني رشيد من عبس من غطفان العدنانية في نجد والحجاز، وكانوا يقيمون ما بين رأس بناس وبئر عديب وبعضهم سار جنوبًا إلى سواكن وكسلا بالسودان.
وذكرهم أحمد لطفي السيد عام 1935 م من قبائل الصعيد المصري، ومنهم في جرجا بسوهاج وفي نجع حمادي بقنا لهم نجع باسمهم أيضًا، ومنهم في الوادي الجديد وحلايب وشلاتين (انظر التفصيل عنهم في المجلد الرابع من الموسوعة).
العوازم
أصلهم من العوازم من بني كلاب من عامر بن صعصعة من هوازن في نجد، ونزلوا في مصر منذ ثلاثة قرون، وذكرهم أحمد لطفي السيد عام 1935 م من قبائل جرجا بسوهاج وفي قنا قسم منهم أيضًا (انظر التفصيل عنهم في المجلد الخامس من الموسوعة).
(1)
بركة الحاج المشهورة في رحلات الحج وذكرها الجزيري والدرعي المغربي، تبعد عن مسكن مؤلف الموسوعة شرقا بحوالي 5 كيلو مترات،
ثُمامة
ذكرها أحمد لطفي السيد من قبائل البحيرة في عام 1935 م، وهي من قبائل طيئ وهم بطن من جديلة وهو: ثُمامة بن مالك بن جدعان بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيئ من القحطانية.
الدبيسات
ذكرهم لطفي السيد من قبائل الغربية في مصر عام 1935 م.
قيس
(1)
ذكرهم لطفي السيد من قبائل الشرقية في مصر وعددهم قليل.
القبين
ذكرهم لطفي السيد من قبائل الشرقية في مصر.
بنو عدي
(2)
ذكرهم لطفي السيد من قبائل الشرقية في مصر.
قلت: ومنهم نجوع وقرى كبيرة في بلاد الصعيد تحمل اسمهم خاصة في بني سويف والمنيا وأسيوط.
(1)
لعل هذه القبيلة من قبيلة قيس في الضفة الغربية بفلسطين.
(2)
بنو عدي يُرجح أنهم من قريش وقد تقدم ذكر قريش في المجلد الأول.
كما لا يُستبعد أن تكون بعض بني عدي هؤلاء من عدي فزارة أو عدي جُشم من هوازن.
وعدي جُشَم ذكرهم ابن خلدون في قبائل هلال في بلاد المغرب وبعضهم حتى الآن بنفس الاسم في صحراء الجزائر.
العتبيين
(1)
ذكرهم لطفي السيد من قبائل الشرقية في مصر.
قلت: وذكروا في حصر العربان عام 1897 م من قبائل الشرقية.
بنو مُنقر
من قبائل الصعيد في قنا والأقصر وسوهاج ونسبهم في بني تميم بن مُر العدنانية، وهم بنو مُنْقَر بن عبيد بين مقاعس وهم بنو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مُر بن أد بن طابخة بن خِنْدَف بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعْد بن عدنان.
وكان من فروعهم في الجزيرة العربية حزن، وجندل، وصخر، وجرول، ومن المناقرة عائلات متحضرة في نجد بالمملكة العربية السعودية حتى الآن باسمهم جوار العناقرة إخوتهم من تميم. وكانتا لهم وقعة مع بني عبد القيس من ربيعة العدنانية في نواحي البحرين فاستعانوا ببني مُجاشع من تميم حتى استنقذوهم أثناء ذهابهم لشراء التمر والبضاعة، وقد جبى قيس بن عاصم صدقة بني مُنقر للنبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغه انتقال النبي صلى الله عليه وسلم قسَّمها في قومه.
الطرشان
ذكرهم لطفي السيد من قبائل أسيوط عام 1935 م.
الطرفا
ذكرهم أحمد لطفي السيد من قبائل أسيوط أيضًا في عام 1935 م.
(1)
الراجح أن هذه القبيلة من مازن بن منصور العدنانية.
الأطاولة
ذكرهم أحمد لطفي السيد بأنهم من قبائل أسيوط المستقرة.
قلت: وهم الآن في بلدة تُسمى باسمهم هناك بمركز أبنوب وهي مجاورة لبلدة بني مُرّ، ولعل الأطاولة هؤلاء لهم صلة بالأطاولة في منطقة عسير بالمملكة العربية السعودية، وهي بلدة جنوب الطائف (وتقع شمال الباحة وشرق دوس) ومسماة باسم هذه القيلة القحطانية في المملكة العربية السعودية.
الكليبات
ذكرهم لطفي السيد من قبائل أسيوط.
قلت: ولعلّ هؤلاء من بني كليب من عامر بن صعصعة من هوازن في الصعيد المصري.
كلاب
ومن بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن العدنانية قوم في الفيوم نذكر منهم بني صالح في قرية مجنون من كلاب وتُسمى الآن بنو صالح، والأضابطة في نزلة الأضابطة في مركز أبشواي بالفيوم. وذكر في تاريخ الفيوم للنابلسي أن أعراب كلاب المتوطنين في قرى الفيوم منهم فخوذ بني جواب، والأضابطة، وبني غصين، وبني مجنون، وبني عامر، وبني ربيعة، وبني حاتم، وبني قريظ، وبني شاكر، وبني جعفر.
قلت: وبعض هذه الفخوذ لها قرى باسمها في الفيوم وقد مالت للفلاحة والزراعة.
الصبحة
ذكرهم لطفي السيد من قبائل جرجا بسوهاج بصعيد مصر.
الشنابلة
ذكرهم لطفي السيد من قبائل أسيوط من صعيد مصر، ولهم نجع عرب الشنابلة شرق منفلوط. ولعلهم من فزارة، أو من شنابلة الكواهلة.
الصبيحات
ذكرهم لطفي السيد من قبائل الفيوم.
المسارجة
ذكرهم أميديه جوبير في قبائل بني سويف في قرى زاوية الوالي وأبو شربان والسوبك، وكان عدد فرسانهم عام 1798 م، حوالي 280.
المحاريث
ذكرهم أميديه جوبير الفرنسي أيضًا في وصف مصر أنهم من القبائل الكثيرة في بني سويف والمنيا في قرى طورفة وشوشة والعزبة وجوادة واقوف وكوم والي ومرزوق وبرمشة وصغانية وكوم العسل والشيخ مسعود، وقال: إن عدد فرسانهم 1075، وعدد خرافهم 6490، وجمالهم 625 وفروعهم: أولاد حينة والحمور والحزاي وأولاد جيادر وزعونة والحمايدة والمرج والأسمار والدهامسة والحمود والتيبناط.
الكولي
ذكرهم أميديه أيضًا من قبائل بني سويف في قرى منهرا وفي إهناسيا المدينة والزرابي ومنشية الحاج وميانة وننا والدويك ومزورة وصفط رامشين وسمسطا، وقال: فيهم فروع الفرايات وكسادوه ويانين والمحاليف وكممسي والعلم والسنانجة وأبويه، وأضاف أن عدد فرسانهم 537 وجمالهم 850 وخرافهم 2700.
مطيرد (الطرايدة)
ذكرهم أميديه في وادي الميمون على مسيرة يومين إللى الغرب من الإسكندرية، وهم من قبيلة إنذارة البربرية وتقدم ذكرها، ولهم نجع في ملوي بأسيوط.
مسيند
ذكرهم أميديه الفرنسي عام 1798 م في وادي الميمون أيضًا وقال: إن فرسانهم كانوا حينئذ حوالي 500 فارس.
الجويلي
أصل القبيلة:
من المرابطين ويرجح نسبهم إلى بني سُلَيْم العدنانية
(1)
ونزحوا من برقة إلى البحيرة في مصر.
ما قاله المؤرخون عن الجويلي بمصر
ذكر الجبرتي نصوصًا عديدة ذكرت اشتراك هذه القبيلة في الأحداث في عهد العثمانيين.
وذكرها بعض المؤرخين العرب والأجانب وأن مساكنها مديرية البحيرة، وكانت تضم أكثر من 400 فارس في عهد محمد علي باشا.
(1)
قلت: غالبًا هذه القبيلة من فروع لبيد بني سُلَيْم العدنانية، وقد ذكر مؤسسها محمد الجويلي عام 89 هـ وكان شيح مشايخ البحيرة وله جولات حربية مع المماليك في مصر.
غزالة
(1)
ذكرهم أميديه عام 1798 م وقال: مساكنهم البحيرة وعدد فرسانهم نحو 500 أو 600 فارس.
وذكر عربان غزالة ابن إياس في بدائع الزهور وقال:
- في عام 879 هـ هجم عربان غزالة على ضواحي الجيزة ونهبوا خيول المماليك وأطلقوا من في السجون ورجعوا من حيث أتوا.
- وفي عام 904 هـ تمرد عربان غزالة في البحيرة بزعامة الجويلي ومرعي وأعلنوا الامتناع عن دفع الخرأج، وقد سُيِّرت عليهم حملة فكسروها ونهبوها، واستمرت حركتهم طويلًا ولم تهدأ إلا بخروج السلطان المملوكي نفسه على رأس حملة قوية.
- وفي عام 923 هـ حين زحف السلطان سليم العثماني نحو مصر حضر إلى الأبواب جماعات من عربان غزالة ومحارب وهوارة تلبية لدعوة السلطان طومان باي.
- وفي عام 923 هـ في أثناء المصاولات أو الاشتباكات بين السلطان المملوكي طومان باي وبين السلطان سليم العثماني فرَّ طومان باي إلى الغربية ونزل عند الشيخ حسين بن مرعي من غزالة وشُكر ابن أخيه من مشايخ البحيرة، وكان بينهم صداقة قديمة غير أنه لم يكد يستقر حتى أحاط به العربان من كل جانب وأرسلوا للسلطان العثماني خبرًا فأرسل من قبض عليه ثم شنقه على باب زويلة في القاهرة.
- وفي عام 923 هـ أيضًا قبض العثمانيون على حسن بن مرعي شيخ عربان البحيرة بعد قليل من بدء الحكم العثماني لمصر وهذا راجع لصداقته لطومان باي، ولما سُجن قام ببرد الحديد الذي في يده وهرب من سور السجن بعد أن تدلى منه، ولم يكد خبر هروبه يشيع حتى دب الذعر في الناس فأغلقوا حوانيتهم وهرعوا إلى بيوتهم، ولم يكد هو يصل إلى عربه من غزالة حتى تحركوا معه، وقد تحالف
(1)
من المؤكد أن غزالة لها صلة بقبيلة الجويلي التي تقدم ذكرها من لبيد من سُلَيْم، والظاهر أن جزءًا من غزالة باسم الجويلي الذي انفصم عنها كما يبدو من النصوص التاريخية ثم تكونت قبيلة باسمه، مثل ما حدث للحبايبة في نصف سعد من جُذام.
معهم عرب الشرقية من جُذَام وبني عطية (المعَّازة) وبني عطا (مُطَيْر)، وقد أعلنوا التمرد والعصيان، فسيَّر خير بك نائب مصر العثماني حملة للتنكيل بهما فلم نفعل شيئًا، وجاء إليه شيخ عربان غزالة وأخبره أن القبائل أتت للجيزة وأنها لا تحصى، واستمرت الحركة قوية أزعجت السلطات العثمانية ولم تهدأ إلا لأبيه فوافق على ذلك، وحينئذ جاء حسين إليه فاستقبه استقبالًا حافلًا وخلع عليه، ثم بعد هدوء حركته غدر به وشنقه.
قلت: فالغدر والخيانة في طباعهم وشهد عليهم التاريخ في مصر وسائر بلادنا العربية التي عانت من هؤلاء قرابة أربعة قرون رغم أن دينهم هو الإسلام.
وعرب غزالة في الشرقية في نواحي فاقوس، وفي السنبلاوين بالدقهلية؛ إلى جانب بقاياهم في البحيرة، ومنهم بمطروح، ومن فروعهم: أبو عبدون، وحانوت، والخيس، ومنهم عائلات في الجيزة.
ابن بغداد
ذكر أميديه عرب ابن بغداد وقال: مقرهم في ولاية المنوفية بوسط الدلتا وفرسانهم ما بين 400 إلى 500 فارس عام 1798 م.
خبيري
ذكرهم أميديه وقال: عرب خبيري بجوار الأهرام وضواحي الجيزة وفي المناطق القاحلة خلف الأهرامات.
قلت: ولعل خبيري هؤلاء هم من فرع خبيري في الضعفا.
الزيدية
ذكرهم أميديه جوبير وقال: إن أصولهم من نسل المماليك الذين طردهم السلطان العثماني من مصر علم 1517 م إلى الصحراء الغربية، وهم في مكان يُسمى أوسيم في ولاية الجيزة وعدد فرسانهم 300 فارس.
كما ذكرت نفس هذه القبيلة في جنوب أسوان، ويعمل أكثرهم في تجارة الجمال بين كسلا ووادي النيل.
الترافع
ذكرهم أميديه من عربان المنيا عام 1798 م.
السحارات
ذكرهم أميديه من قبائل بني سويف
المحاز
ذكرهم أميديه من قبائل بني سويف.
البيصار
ذكرهم أميديه وقال: إنهم من قائل العرب في ضواحي مصر العتيقة وفرسانهم 300 ومنهم جزء في الجيزة قرب الأهرام.
البساطين
ذكرهم أميديه وقال: إنهم بعد ثلاثة فراسخ من القاهرة وعدد فرسانهم قليل.
القطَّاب
ذكرهم أميديه وقال: مساكنهم عام 1798 م كانت في ضواحي القاهرة إلى مسيرة يوم من شرق الجنوب وعدد فرسانهم 600 فارس.
قلت: ويرجح أن هذه القبيلة من قطَّاب إحدى بطون لبيد من بني سُلَيْم حسب ما دكرها السويدي في سبائك الذهب.
النفاحات
ذكرهم أميديه من عرب الصحراء شرق القاهرة.
المقارين
ولهم نجع في قوص بقنا ومنهم بالفيوم.
الكرنك
ذكرهم أحمد لطفي السيد عام 1935 م من قبائل قنا، ولهم نجوع في البلينا بسوهاج، وإدفو بأسوان.
القداديح
وذكروا من قبائل أسيوط في حصر العربان عام 1897 م في "أبو تيج".
بخواج
ولهم نجوع باسمهم في الصعيد الأعلى.
بنو خيار
وهم من قبائل الصعيد.
كتامة
(1)
وهم من قبائل البربر ومنهم في الصعيد ووجه بحري وخاصة في الغربية والبحيرة، وتوجد الكتامة بالمنوفية، وقرية كُتامة مركز بسيون غربية ومنها الزعيم مصطفى كامل رحمه الله.
(1)
انظر عن كُتامة في المجلد الثالث في فصل قبائل المغرب من البربر.
كما توجد قبائل أخرى في مصر ولها نجوع أو قرى باسمها في الصعيد أو بالوجه البحرى وهي:
غريان - الطنابيش - ثمال (من جعد من لخم) - رفلا - أبو سيف - المصالين (بربر) - النزير - السبيخة - غرواسن (بربر) - ملاطن (بربر) - الصوايطة - لبيد (من حرب) - القطامية - عليج - الخمايشة - الحويان - التواري - جبارة - رافع - المحارفة - المساعدة - المساندة - المخادمة - الحصاينة - العلاقمة - المزارعة - التمايم - اللبادنة - النعانمة - المسايرة - الزرقا - الدبة البيضاء - السكارنة - الدويكات - الربيعات - الأشكاوات - بنو صقر - بنو عجيلة - الأطارشة - البريجات - الجبيرات - الجرابيع - الحواتكة - الدهاشنة - الدويخات - الدويرات - الرزقة - الطويرات - العمرات - العمور - العواونة - العوايسة - العوايضة - العويضات - العيساوية - الغنايم - القرامطة - الوهابين - المحامدة - القزايزة - الهلاو - العوامر - القرعان - بنو زيد - بنو سميع - الأحايوة - العصارة - الحميدات - الخطارة - البجلات - العفيفات - بني غنيم - بن نصر - البراجيل - مجدول - بنو ماضي - العصيبات - المسايدة - سامط - كعب - الطوابية - المرازقة - الشهابية - بنو نصير - مدلج - الزبير - النويرات - الحيادرة - النمايسة - قمجر - بنو حدير - الهواجل - بنو قريطم - الحجرة - الخوازم - القواسم - الزوايدة - بنو عمرو - بنو مجيدم - بنو واللمي - الخوالد - تغلب - أبو ليفة - البعيرات - الجرايدة - الجلادية - الجمسة - الجنادلة - الحبالصة - الحرقة - الحمادات - الحماسة - الخزاعلة - الخوازم - الشواولة - الصبيحات - العديسات - العزازية - القراقرة - الكوامل - المازودي - المحمدات - المطرات - بنو إبراهيم - النجادة (بنو نجدي) - النزازة - الهجارسة - الهدلاو - الونايسة - الوسوة - الوهابية - أولاد فهيد - بخواب بنو جعد خولان - خيار - بنو حمد - بنو رضوان - بنو رعيس - بنو زايد
- سنبس - بنو سند - زنارة (بربر) - بنو منصور - بنو موسى - الحمايدة - العياشة - أولاد خلف - أولاد حمام - المياسرة - الرحامنة - الزعاترة - بنو يوسف - المرازيق - الفهميين - بنو مجدول - الحسانيين - العتامنة - بنو صالح بنو خليفة - بنو عفان - بنو قاسم - بنو أحمد - بنو حلة - بنو خليل - بنو عوض - بنو علي - بنو هانئ - بنو حسن الشروق - بنو عبيد - بنو سعيد - بنو محمد شعراوي - أولاد جويد - بنو منين - بنو وركان - بنو حماد - بنو سلطان - بنو سامط - بنو الحكم - بنو سمرج - بنو غني - بنو خالد - بنو عمار - بنو والمس - بنو خليف - أوقلته - شيبة - المداح - أولاد بدر أولاد سراج - بنو طالب - بنو عليج - الشهايبة - بنو محمد المراونة - بنو محمد العقب - بنو مُر - أولاد إلياس - بنو فيز - أولاد رايق - بنو غالب، بنو عمران - بنو يحيى - الحسايبة - أولاد مرجان - بنو روح - خزام - بنو شقير - بنو مجد (كلب): بنو إدريس - بنو شعران - بنو قرة - الرويحات - الجلاوية - الحراكنة - الديابات - الرياينة - الطوايل - العوامية - النصيرات - أولاد طوق - بنو جميل - أولاد مازن - أولاد حمزة - المحاسنة - أولاد بهيج - بنو عيش - خلاف بنو هلال - أولاد إسماعيل - أولاد عزاز - أولاد غريب - أولاد مامن - أولاد نصير المحاميد - بنو وشاح - بهاليل الجزيرة. الجبيرات - الطليحات - بنو حرب - مزاتة (بربر) - المراشدة - البواريك - الزقاقنة - العمايدة - المشاودة - الهماص - بنو زار - الجامدة المزالوة - الوقودة - الحسنة - الحرافشة - الحسامدة - الدبابية - العضايمة - المحاميد - المساوية - العويضات - البراهمة - الترامسة - الجبلاو - الحجيرات - الطوايع - أولاد عمرو - الخرانقة - العقب - النوافلة - العيايشة - الهواجل - الحسانات - الرزيقات - بنو برزة - الحمران - المحارزة - المصالحة - أولاد نجم التمة والقبلية - رفاعة - الأعقاب - الشدايد - بنو جميلة - بنو طلحة - بنو هارون - بنو عوف - الضجاعمة
اللخمين - الهياصم - شاهين - زويلة - بنو مصلة - الحرفة - أبو ليفة - الفضليين - الهلالية - بنو مسعود - الأقالتة - الوعابية - السناجرة - بنو سالم - بنو عليم - بنو سامط - ناصر - بنو زهرة - الخوازم - بنو صنديد - القواسم - بنو شمس - بنو عياض - البرانقة - الأوجلة - الجلادية - الجلايلة - الجنادلة - الحبالصة - الحجة - بنو كريم - المازوي - أولاد عيسى - أولاد مقدم - بنو زوي - بنو صابر - بنو عاملة - بنو عجرمة - بنو عرفة - بنو فهينة - بنو كلب - بنو مسروق - بنو منين - بنو ميهوب - بنو نبهان.
بنو سُلَيْم
نسب القبيلة:
مؤسس القبيلة قبل الإسلامِ بعدة قرون هو: سُلَيْم بن منصور بن عِكْرمة بن خَصَفة بن قيس عَيْلان بن مُضَر بن نزار بن مَعْد بن عدنان، ويُدْعَى أحدهم سُلَمي.
وهذه القبيلة العظيمة انتقل معظم بطونها إلى مصر وبلاد المغرب، وبمرور القرون والأزمان تحولت البطون والأفخاذ إلى قبائل.
ديار القبيلة في الوقت الحاضر بالمملكة العربية السعودية
تقطن عشائر سُلَيْم في المنطقة الواقعة ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وهما فرعان (حَبَش وفتية) ومنازلهم في واديي ساية
(1)
وستارة وما حولهما من المواضع، وديار سُلَيْم الآن شمالي مكة المكرّمة على مسافة 140 كم، ويحدهم من الشمال قبيلتا عُتَيْبة ومُطَيْر، ومن الجنوب - قبائل حرب وعُتَيْبة، ومن الشرق - عُتيبة ومطَيْر، ومن الغرب - حرب، وأكبر بلدانهم الكامل وأعظم أوديتهم واديي ساية وستارة، وسنُفصِّل عنهما في فصل خاص.
التفصيل عن ديار بني سُلَيْم في مصنفات المؤرخين:
قال ابن خلدون في العبر: كانت منازل سُلَيْم في عالية نجد بالقرب من خيبر، ومن منازلهم حرَّة بني سُلَيْم، وحرَّة النار، ووادي القِرى، وتيماء.
قال الهمداني في صفة جزيرة العرب. ديار سُلَيْم من وادي القِرى إلى شرق المدينة إلى حد الجبلين إلى ما بينتهي إلى الحرَّة، وديارهم لا يخالطهم إلا صرم من الأنصار سيَّارة، وقد يحالون طيئا (طيئ) القحطانية.
ومن بلادهم: الحِجر بالقرب من قلهي، وذي رولان، والحجوم، والسوارقية على ثلاثة أميال من عيَن النازية، والرحضية
(2)
.
(1)
ساية: واد من وديان سُلَيْم القديمة وهو بنفس الاسم منذ الجاهلية، وعشائر سُلَيم من فرعي فتية وحش في الحجاز يغلب عليها طابع البداوة.
(2)
الرحضية: في نواحي المدينة المنورة وكانت قرية للأنصار الأزد القحطانية (الأوس الخزرج) ويشاركهم فيها بني سُلَيْم العدنانية وبها أبار وعليها زرع كثير ونخل وحذاءها قرية يقال لها الحجر.
ومن حرَّاتهم: حرَّة بني سُلَيْم
(1)
، والحذرية، وحرَّة ليلى.
ومن جبالهم: شرورة، وشعر، ونمار، والبربراء، والضمران، وجمدان
(2)
، واليتائم، وأخرم
(3)
، وميطان
(4)
، والأتم
(5)
، وبيضان
(6)
، وثروان، وواهب، والنمار، وأروم، ويعار، وترثم.
ومن أوديتهم: دروذ، وذو رولان
(7)
، وحوزة، والسلوان، والخصر، واللوى، وساية، والفزنق، والدونكان، والفريق، وحقل، وذات رفرق، ورولان.
ومن مياههم: أثال، وبردة
(8)
، وفاران، والوسباء
(9)
، والمرير
(10)
، وحنذ
(11)
، وحمامة
(12)
، والدفينة
(13)
، ومنهل، والتويمة، والكدر
(14)
، وقلهى.
عن بعض ما قاله المؤرخون عن سُلَيْم:
قال الحمداني: سُلَيْم
(15)
أكثر قبائل قيس عَيْلان، وفيهم الأبطال الأنجاد والخيل الجياد.
قال القلقشندي في نهاية الأرب: مساكنهم ببرقة مما يلي المغرب ومما يلي مصر.
(1)
حرَّة بني سُلَيْم: وقال أبو منصور الثعالبي: حرَّة النار لبني سُلَيْم وتسعى أم صبار، وفيها معدن الدهنج وهو حجر أخضر يحفر عنه كسائر المعادن وهي في عالية نجد.
(2)
جمدان: جبل بالحجاز بين قديد وعسفان.
(3)
أخرم: جبل في ديار بني سُلَيْم مما يلي بني ربيعة بن عامر (هَوَازِن).
(4)
ميطان: من جبال المدينة مقابل الشوران.
(5)
الأتم: جبل حرَّة بني سُلَيْم وقيل قاع لغطفان ثم اختصت به سُلَيم.
(6)
بيضان: جبل بالحجاز.
(7)
ذو رولان: من أودية المدينة به قرى كثيرة تنبت النخل من قلهى وهي قرية كبيرة.
(8)
بردة: في لحف أبلى.
(9)
الوسباء: ماء قرب صفينة.
(10)
المرير: ماء بنجد.
(11)
حنذ: قرب المدينة المنورة.
(12)
حمامة: من جانب اللعباء القبلي.
(13)
الدفينة: على خمس مراحل من مكة للبصرة.
(14)
الكدر: بناحية المعدن قريبة من الرحضية بينها وبين المدينة ثمانية برد.
(15)
ذكر الدكتور جواد علي في تاريخ العرب قبل الإسلام قال: كانت سُلَيْم في نجد تقع منازلهم في مواطن وحِرار ذات مياه ومعادن كثيرة وكانوا يجاورون غَطَفان وهَوَازِن من قيس عَيلان، ولكثرة خيرات أرضهم ووقوعها في نقطة مهمة على طرق التجارة صارت بنو سُلَيْم من القبائل الغنية، وكان لهذا الشيء أن حالف كثير من رجالات قول في مكة سُلَيْم إلى جانب المصاهرة بين القبيلتين (من مُضَر العدنانية)، وقد اشتغل بعض رجال قريش مع سُلَيْم في الاستفادة من المعادن والثروة في أرض وديار بني سُلَيْم.
قال ابن خلدون في تاريخ العبر: إن سُلَيْمًا استولوا على برقة (ليبيا) وهو إقليم متسع الأطراف قد خرَّبوا مدنه ولم يتركوا به ولاية ولا إمرة إلا لمشايخهم، وكانت الإمرة في سُلَيْم لبني عزاز ثم آلت إلى عريف بن عمرو، وكان عبدًا صالحًا، ثم خلفه ابنه عمرو، وهذا حتى نهاية القرن الثامن الهجري.
ونقل القلقشندي ذلك عن العبر ودوَّنه في نهاية الأرب.
من بطون سُلَيْم القديمة منذ الجاهلية أي قبل الإسلام كما وردت في كتب المؤرخين:
بنو ذكْوان، بنو رِفَاعة بن الحارث، بنو سِمال، بنو مطرود، بنو الشريد، بنو قنفذ، بنو عُصيَّة، بنو ظَفَر، بنو بهز، بنو امرئ القيس بن بُهْثَة، بنو عوف بن بُهْثَة، بنو ثعلبة بن بُهْثَة، بنو زغب بن مالك بن بُهْثَة، بنو ذباب
(1)
بن مالك، بنو سليمان بن ذباب، بنو رِعْل
(2)
بن مالك، بنو يعهُب
(3)
بن بُهْثَة، بنو شيبان
(4)
، بنو عَوف بن بَهْز
(5)
، بنو عوف بن فالج
(6)
، بنو مالك بن محارب، بنو عَبْس
(7)
ابن رفِاعة بن الحارث، بنو ذباب بن ربيعة، بنو عميرة بن خُفَاف، بنو رواس، بنو جُرَّة.
(1)
ذباب معناه: ذباب السيف، وقد أقر الرواة من سُلَيم في السعودية ومصر وتونس وليبيا والجزائر أنه (ذباب) وليس ذياب. وذكره ابن خلدون ذياب في مواضع من تاريخ العبر، وذباب في مواضع أخرى من نفس الكتاب مما خلق الالتباس لدينا وقد ذكرناه في الطبعة الأولى ذياب - خطأ.
(2)
رِعْل: هو رعل بن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بُهْثَة بن سُلَيْم.
(3)
يعْهُب: الصحيح أهيب بطن من سُلَيْم يقيم في برقة فرع تمتد حتى الإسكندرية شرقًا وأشهر فروعه بنو أحمد وشماخ ومحارب.
(4)
بنو شيبان: بطن من سُلَيم كانوا سدنة العُزَّى وحجابها (أيام الجاهلية والشرك) وحالفوا بني هاشم (قريش) رهط النبي صلى الله عليه وسلم ودخلوا في هَوَازن، وهم الآن بطن في قبيلة عُتيبة الهوارية في السعودية.
(5)
عوف بن بهز بن امرئ القيس بن بُهْثَة بن سُلَيْم.
(6)
عوف بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بني سُلَيْم كانوا في الصعيد والبحيرة وحتى برقة غربًا.
(7)
عبس بن رفاعة: بطن منه العباس بن مرداس زعيم بني سُليم قبيل الإسلام وأيام الدعوة الإسلامية وشهدوا يوم جبلة مع بني عامر (هوازِن).
لمحة عن تاريخ سُلَيْم في الجاهلية وصدر الإسلام
ذُكر أن أول نزول لبعض جماعات من سُلَيْم إلى الديار المصرية
(1)
كان في عام 109 هـ، ونزلت فرقة منهم في حمص بسورية في نفس السنة.
وفي لسان العرب: ذكر من تاريخهم في الجاهلية أن النعمان بن المنذر ملك العرب في الحيرة بعث جيشًا إلى بني سُلَيْم لشيء كان وجد عليهم من أجله، فمر على غَطَفان (قيس عَيْلان) فاستجاشهم علي بني سُلَيم، فهزمت سُلَيْم جيش النعمان ومن معه من غَطَفان.
وفي العمدة لابن رشيق: في يوم تثليث غزت فيه بني سُلَيْم مع العباس بن مرداس فارس سُلَيْم وزعيمهم وشاعرهم غزت علي بني مراد من مَذحِج القحطانية فجمع لهم المعدي كرب فارس مَذْحِج وبلاد اليمن، فالتقوا بتثليث فصبر الفريقان ولم تظفر طائفة منهم بالأخرى.
قلت: وهناك وقائع كثيرة وصولات عديدة بين عباس بن مرداس والمعدي كرب غير تثليث.
وفي الأغاني للساسي: أن بني نصر بن معاوية (هوازن) قد أغارت على ناحية من أرض بني سُلَيْم، فبلغ ذلك العباس بن مرداس فخرح إليهم في جمع من قومه فقابلهم حتى أكثر فيهم القتل، وظهرت عليهم بنو سُلَيْم وأسروا ثلاثين رجلًا من بني نصر.
وفي مجمع الأمثال: أن هناك يومًا يسمى ذات الردم كان لبني مازن على سُلَيْم، ومَازِن أخي سُلَيْم مثل هَوَازِن فجميعهم من ولد منصور بن عِكْرمة بن خَصَفَة بن قيس بن عَيْلان بن مُضَر.
وفي معجم ما استعجم: هناك يوم يسمى الجُرف كان بين هُذَيْل بن مِدْركة وبين سُلَيْم بن منصور، وكان بسبب قتل بني سهم بن معاوية (هُذيل) لعمرو بن
(1)
عن الجماعات التي نزلت في مصر بعضهم مارس التجارة والآخرين قد نزلوا إلى وادي العلاقي وأسوان لممارسة التنقيب على الذهب وهي من خبرتهم في الحجاز، حيث كانوا في ديارهم يمارسون ذلك لوجود بعض المعادن في منازلهم من بينها الذهب، وذهب بعض الأُسَر إلى برقة حيث زرعوا نواة لبني سُلَيْم هناك حتى جاءت جحافلهم فيما بعد في عام 442 هـ أيام الفاطميين وقد اقتحموا بلاد المغرب في إثر الهلالية (هَوَازِن).
عاصية السُّلَمي (من بَهْز - بني سُلَيْم) وكان منزل بني سهم في الجُرف فأوقع بهم عرعرة بن عاصية السُّلَمي في قومه من سُلَيْم فأدرك بثأر أخيه عمرو.
والأيام والوقائع بين سُلَيم وبين قبائل العرب في الجاهلية والإسلام لا يمكن حصرها، وهي تملأ أمهات الكتب على مدى سبعة عشر قرنًا من الزمان.
وفي الأغاني وشرح المواهب وسيرة ابن هشام:
لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم قديدًا وهو ذاهب لقيه عباس بن مرداس في ألف من سُلَيْم ولم يحدث قتال.
وخرج بعد ذلك عام 3 هـ في مائتي رجل من المسلمين يريد بني سُلَيْم فبلغ ماء يقال له الكدر، وتعرف غزوة بني سُلَيْم تلك (بالكدر) أو غزوة (ذي قرقرة) وهي أرض ملساء، فأقام بها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وقيل عشرًا فلم يلق أحدًا من سُلَيْم أو غَطَفان من قيس عَيْلان.
وهناك غزوة بحران وهو موضع وتُسمى غزوة بني سُلَيْم، وقد أرسل أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم أبي العوجاء السُّلَمي إلى قومة من سُلَيْم في 7 هـ شهر ذي الحجة.
وفي الأغاني وسيرة ابن هشام: أن بني سُلَيْم صحبت خالد بن الوليد في سريته إلى بني عامر (هَوَازِن)، وإلى بني كِنَانة العدنانية.
وكان بنو سُلَيْم تفخر بأشياء هي:
(أ) أن للنبي صلى الله عليه وسلم فيهم هذه الولادات، أي أن لهم رِحمًا وصهرًا مع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن أم هاشم بن عبد مناف القرشي جد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سُلَمية من (بني سُلَيْم) وهي عاتكة بنت مُرة بن هِلَال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بُهْثَة بن سُلَيْم بن منصور.
(ب) أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة المكرمة وكانوا ألفًا وقدَّمهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان لواؤهم أحمر اللون يوم الفتح العظيم.
(جـ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى ولاة الأمصار الإسلامية في الكوفة والبصرة (العراق)، والشام، ومصر أن يبعثوا له بأفضله رجلًا فكانت المصادفة العجيبة والفريدة أن بعث الولاة كلهم رجالًا من سُلَيْم.
- فبعث أهل البصرة بمُجَاشع بن مسعود السُّلَمي.
- وبعث أهل الكوفة بعُتْبة بن فرقد السُّلَمي.
- وبعث أهل الشام بأبي الأعْوَر السُّلَمي.
- وبعث أهل مصر بمَعْن بن يزيد بن الأخْنَس السُّلَمي.
وفي جمهرة الأمثال للعسكري (طبعة الهند) قال:
اشتركت بنو سُلَيْم في الحروب التي استعرت نيرانها بين الزبيرية والمروانية وقُتل خَلقٌ كثير منهم في هذه الفتن.
ولما استبد الموالي من المعجم على دولة بني العباس بعد ضعفها في آخر عهدها أعتز بنو سُلَيْم بالقفر من أرض نجد، ثم اعتدوا على الحجاج وتطاولوا على الناس بالشر
(1)
، وكانوا إذا وردوا سوقًا من أسواق الحجاز أخذوا سعرها كيف شاءوا، ثم تداعى بهم الأمر أن أوقعوا بميناء الجار وبناس من باهلة وبني كِنَانة العدنانية فأجلوهم وقتلوا بعضهم وذلك عام 230 هجرية، فوجه الخليفة العباسي من بغداد (وهو الواثق بالله) قائده بغا الكبير فقتل وأسر عددًا منهم في ديارهم بنجد والحجاز، ثم لما كانت فتنة القرامطة في بلاد الإحساء (شرق المملكة العربية السعودية) صار بنو سُلَيْم حلفاء لأبي الطاهر وبنيه من أمراء البحرين وقتئذ مع بني
(1)
قال ابن خلدون في العبر: كان بنو سُلَيْم لعهد الخلافة العباسية شوكة بغي وكانوا بغيرون على المدينة وتخرج الكتائب من بغداد إليهم وتوقع بهم وهم منتبذون بالقفر. (أي المناطق المعزولة وغير المأهولة من صحراء نجد).
وذكر هزاع الشمَّري في كتابه مشاهير كرام العرب الصادر في المملكة العربية السعودية حادثة بين خليفة عباسي وبين بني سُلَيْم كما هو العادة بين دولة بني العباس مع سُلَيْم قال الأستاذ هَزاع عيد:
كان في زمان الخليفة العباسي المتوكل جعفر بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد قد قطعت بنو سُلَيْم الطريق على التجار فسلبوهم أموالهم فعلم المتوكل فجهز جيشًا لتأديب بني سُلَيْم وحاصر الجيش بعساكر الخليفة من بغداد ديار بني سُلَيْم وضيق الخناق عليهم، فتقدمت إحدى جاريات بني سُلَيْم للمتوكل وأنشأت تقول للخليفة العباسي:
أمير المؤمنين سما إلينا
…
سمو الليث مال به الغريف (*)
فإن نسلم فعفوا الله نرجو
…
وإن نُقتل فقاتلنا شريف
فأمر المتوكل العباسي للجارية السُّلمية بعشرة آلاف درهم لها وحدها، وقال لها: مُري على قومك من سُلَيْم وقولي لهم لا تردوا المال المسلوب من التجار إليهم فأني أعوضهم عنه، وأمر بالجيش فورًا بالانسحاب من ديار سُلَيْم وعوض التجار المسلوبين، وكان المتوكل العباسي القرشي من كرام العرب كما ذكر الأستاذ هزاع الشمري في مصنفه.
(*) - قلت: الليث: الأسد، والغريف، موضع في ديار سُلَيْم يسمى غريف الجلاة تسكنه عشائر من (حَبَش) تسمى الجلاة فسمى بهم، وهم حتى اليوم فيه وهم من بطون سُلَيْم التي بقيت في ديار سُلَيْم قرابة ألفي عام، وهم أحق بكل تقدير لأنهم أحبوا بلادهم التي نبعوا فيها رغم قسوة العيش بها، ولكن هنيئًا لهم بقربهم للحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية والتي من الله عليها بالخير والنعمة بعد توحيدها في هذا القرن على يد المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود.
عُقَيل بن كعب (هَوَازِن) ثم لما انقرض أمر بني الطاهر غلب بنو سُلَيْم على بلاد البحرين بدعوة الشيعة لما أن القرامطة حلفاءهم على هذه الدعوة، ولكن لم يستمر الحال فقد غلب بنو الأصفر (تَغْلِب) على البحرين بدعوة العباسية أيام بنو بويه في فارس، ثم تحالف بنو الأصفر مع بني عُقَيل وطردوا بطون سُلَيْم من البحرين.
وقد لحق أغلب سُلَيْم في أواخر القرن الرابع الهجري إلى صعيد مصر وأجازهم المستنصر بالله الفاطمي على يد وزيره الأزوري إلى حرب قبائل البربر من صنهاجة وزناتة الذين شقوا عصا الطاعة على الفاطميين واستقلوا بتونس والجزائر ورفعوا راية العباسيين هناك، وسوف نُفصِّل عن ذلك في موضعه.
ذكر الأستاذ حمد الجاسر في مجلة العرب نقلًا عن الهمداني في الإكليل:
إن قبيلة حرب من خولان القحطانية قد حاربت سُلَيْم العدنانية وأجلتها عن كثير من ديارها في الحجاز ونجد
(1)
، وذكر أن قدوم حرب إلى الحجاز من بلاد اليمن كان عام 131 هـ، وقد حالفت بعض. القبائل "حرب" أو دخلوا فيها مثل مُزَيْنة. قلت: وبعض عشائر من سُلَيْم أيضًا ولربما هَوَازِن أو غَطَفان وقد أضاعوا نسبهم الأول مع مرور الزمن وحُسبوا من حرب.
وشارك عرب سُلَيْم في الفتوح الإسلامية في العراق والشام والمغرب العربي وغيرها من بلاد فارس وبلاد الروم، وكانت لهم الإمرة على بادية الحجاز في عهد الأمويين، وانتقلت إلى بني كلاب من هوازن في عهد الصحاح بن جندبة الكلابي، ثم عادت إلى سُلَيْم في أول عهد دولة بني العباس، وكان لبني سُلَيْم وبنو كلاب العامريين من هوازن دور فعال في حماية ثغور الدولة العباسية في الشام وغزواتهم المستمرة على البيزنطيين (بلاد تركيا) حتى فتحها العرب.
وذكر ابن خلدون في العبر: أن من سُلَيْم في الجاهلية صخر ومعاوية وهما فارسان فاتكان، وكان أبوهما عمرو بن الشريد عظيم مُضَر، وكان عمرو ينادي في الأسواق ببلاد الحجاز ويقول: أنا أبو عظيمي أو خيري مُضَر العدنانية فمن يراجعني؟ فلم يراجعه أو ينكره أحد، وكانت أخت صخر ومعاوية الشاعرة الشهيرة في الجاهلية وصدر الإسلام (الخنساء) وقد اشتهرت في جزيرة العرب بالشعر في رثاء أخويها صخرًا ومعاوية.
(1)
قلت: والمؤكد تاريخيًا أن ذلك كان بعد نهاية القرن الرابع الهجري وانتقال الكثرة الكاثرة من بني سُلَيْم إلى مصر.
نبذة عن الخنساء السُّلَمية الشاعرة الشهيرة
كانت الخنساء من نساء العرب الخالدات في التاريخ، وديوان شعرها من أجمل دواوين الشعر، والخنساء لقب لها واسمها تُماضر بنت عمرو بن الشريد
(1)
السُّلَمي سيد قومه وعظيم أهله، وأخواها صخرًا ومعاوية كانا من أجرأ وأشجع شباب العرب وأكثرهم إقدامًا وفروسية، واشتهرت الخنساء وعلا صيتها كشاعرة من فحول الشعراء، وقد تفوقت على كثير من جهابذة الشعر، وكان يعرفها القاصي والداني وأكثر شعرها رثاء لأخيها صخرًا، وضربت الخنساء في مجال الشعر والرثاء والتصدي بأكثر من سهم، وقال فيها جرير ذات مرة: والله إني لأشعر الشعراء لولا هذه الخبيثة! يقصد الخنساء، أما بشَّار بن برد فقد قال: لم تقل امرأة قط شعرًا إلا تبين الضعف في شعرها، فسألوه وهل الخنساء كذلك؟ فإذا به يقول: الخنساء فوق الرجال!!، وقال المبَّرد: إن أعظم النساء في الشعر هما ليلى الأخيلية
(2)
والخنساء السُّلَمية.
وهاجرت الخنساء إلى المدينة المنورة وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وأعلنت إسلامها وكان الرسول يستمع إلى شعرها ويطرب له وقد تعود صلى الله عليه وسلم أن يقول لها: "هيه يا خُنَاس" أي أحسنت وأبدعت بفصاحتك هاتي ما عندك، وقيل أن الخنساء ظلت تقول الشعر والرثاء في أخيها صخرًا وتبكي عليه فقدم عليها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في موسم من مواسم الحج ونهاها عن العويل والبكاء الذي يأباه الدين الإسلامي والشريعة السمحاء.
وخرجت الخنساء في كثير من الغزوات مع العرب المسلمين وصحبت الجيوش الظافرة في مسيرها، وسميت "بأم الشهداء" لما أنها حرضت أولادها الأربعة على الخروج مرة واحدة للجهاد وإعزاز دين الله الحق، وقد نالوا الشهادة جميعًا في معارك القادسية مع الفُرس والتي انتصر فيها العرب نصرًا حاسمًا وأصبح أمامهم الباب مفتوحًا لتحرير العراق من نير الفُرس المجوس، ثم فتح فارس
(1)
ذكرهم ابن خلدون الشريد بن ثعلبة عُصيّة، وفي الجمهرة ذكرهم:(عمرو) بن يقظة بن عُصيّة، بنو الشريد بن يقظة بن عُصيّة بن خفات بن امرئ القيس بن ثعلبة بن بُهْثَة بن سُلَيْم كانت لهم حتى القرن الثامن الهجري في بلاد المغرب صولةَ وشوكة (العبر لابن خلدون - نهاية الأرب للقلقشندي).
(2)
ليلى الأخيلية من عُقيل بني عامر بن صعصعة من هوازن بن منصور.
وإعلاء دين الله في هذه البلاد، وقد قالت الخنساء كلمات خالدة قبل الزحف الأعظم لفتح العراق وفارس:
(يا بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو ما هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية، ويقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)} [آل عمران: 200]، فإذَا أصبحتم غدًا إِن شاء اللهَ سالمين فأعدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شَمَّرَت عن ساقها، وجللت نارًا على أرواقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، عند احتدام خميسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخُلْد والمُقَامة).
وتقدم جند الله في القادسية وتكسَّر الصف الفارسي أمامهم بعد الصف وظلوا في تقدمهم يتصايحون ويتدافعون نحو الموت؛ لأنهم كانوا يؤمنون بالله وأن الجنة الوارفة الظلال إنما هي تحت ظلال السيوف، وتمت هزيمة جيوش كِسْرى المجوسي ومن معه من الفُرس عَبَدة النار، وأعز الله الإسلام واستطاعت موقعة القادسية موقعة الشرف والفخار والكرامة أن تُغيِّر وجه التاريخ ويلمع نجم العرب وينطفئ نجم الفُرس إلى الابد، ومزَّق الله دولة كِسْرى كما مزَّق كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل النعاة إلى الأم العجوز (الخنساء) أنباء استشهاد بنيها الأربعة مرة واحدة فتملكتها هزة المفاجأة، ورفعت رأسها بعد ذلك إلى السماء في إيمان بالغ، تسأل الله تعالى أن يُعجِّل بها لتلحق بالأحبة في جواره الكريم وتظفر بما ظفروا به من النعيم المقيم وقالت:"الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم جميعًا في ميدان الشرف وتحت راية الجهاد في سبيل الله، وأعز شرفي في هذا بأن أتم نعمة النصر الأكبر على المسلمين". وماتت الخنساء بعد أن امتد بها العمر لتشهد الخلفاء الراشدين وتقر عينها برؤية أمجاد المسلمين وهم يتقدمون في بلاد فارس وبلاد الروم، وهو الشيء الذي لا يتصوره عقل من هذا المجد السريع لقبائل العرب والذين قد نالوا عزة ورفعة بفضل الإسلام والحمد لله رب العالمين، وكان موت الخنساء في البادية في وسط قومها من بني سُلَيْم وذلك في عهد معاوية بن أبي سفيان، وانتهت بذلك صفحة حياة نضرة مشرقة بدأت في آخر عهد الجاهلية وانتهت في أزهى عصور الفتح الإسلامي.
ومن أشعار الخنساء الكثيرة في الرثاء لأخيها صخرًا
(1)
الذي كان من أجمل فتيان مُضَر العدنانية (في آخر سنوات الجاهلية).
قالت الخنساء بعد موته:
قذىً بعينيك أم بالعين عَوارُ
…
أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدارُ
كأن عينيك لذكراه إذا خطرت
…
فيض يسيل على الخدين مدرار
تبكي لصخر هي العَبرى وقد ولهت
…
ودونه من جديد الترب أستار
تبكي خُناس على صخر وحق لها
…
إذ رابها الدهر إن الدهر ضرار
وقالت أيضًا:
وإن صخرًا لمولانا وسيدنا
…
وإن صخرًا إذا نَشْتُو لنحَّار
وإن صخرًا لتأتم الهداة به
…
كأنه علم في رأسه نار
وقالت أيضًا:
أعينيَّ جودًا ولا تجمدا
…
ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل
…
ألا تبكيان الفتى السيدا
طويل النجاد رفيع العماد
…
وساد عشيرته أمردا
(1)
كان صخر السُّلَمي إلى جانب فروسيته وكرم خصاله من أجمل فتيان العرب في الجزيرة العربية وقتئذ قبل الإسلام بفترة قصيرة وكان لا يضاهيه في سماحة الوجه إلا فتى من كِنَانة العدنانية، ويروى أن كلاهما كانا صديقين وقد شربا خمرًا عند يهودي في المدينة فحسدهما واستكثر بحقده على العرب أن يكون فيهم مثلهما، ويقال أن صخرًا مرض ومر عليه طبيب فطلب أن يكويه بالنار أو يفقأ عينه حتى يبرأ ثم ما لبس أن مات، وقيل أن صخرًا غزا بني أسد العدنانية فطعنه أبو ثور الأسدي فمرض منها عامًا ثم مات.
* سأل عمر بن الخطاب الخنساء ذات مرة فقال لها رضي الله عنه:
ما أتعب عينيك هكذا؟ قالت: بكائي على رجالات مُضَر في الجاهلية. قال: إنهم في النار، قالت: أبكيهم أكثر بعد الإسلام لما ماتوا عليه من الضلال، قال: صدقت يا بنت عمرو.
* قدم عدي بن حاتم الطائي على النبي صلى الله عليه وسلم وحادثه فقَال يا رسول الله إن فينا (أي طيئ القحطانية) أشعر الناس وأسخى الناس وأفرس الناس!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: سمهم. قال: أما أشعر الناس فامرؤ القيس بن حجر، وأما أسخى الناس فحاتم بن سعد (يعني أباه)، وأما أفرس الناس فعمرو بن معد يكرب. فقال: ليس كما قلت يا عدي، أما أشعر الناس فالخنساء بنت عمرو، وأما أسخى الناس فمحمد (يعني نفسه صلى الله عليه وسلم)، وأما أفرس الناس فعلي بن أبي طالب.
وقالت أيضًا في صخر:
أبكي أبا عمرو بعين غزيرة
…
قليل إذا تغفى العيون رقودها
وصخرًا ومن ذا مثل صخر إذا بدا
…
بساحته الأبطال قبا يقودها
كما قالت في أخيها معاوية لما قتلته بنو مُرَّة من (غَطَفَان)
(1)
ترثيه:
ألا لا أرى في الناس مثل معاوية
…
إذا طرقت إحدى الليالي بداهيه
بداهية يصغى الكلاب حسيسها
…
وتخرج من سر النجى علانيه
وكان لزار الحرب عند شبوبها
…
إذا شَمَّرت عن ساقها وهي ذاكيه
وقوَّاد خيل نحو أخرى كأنها
…
سُعال وعُقبان عليها زبانيه
بُلينا وما تُبلى تُعار وما ترى
…
على حدث الأيام إلا كما هيَّه
فأقسمت لا ينفكُّ دمعي وعولتي
…
عليك بحزن ما دعا الله داعيه
وقيل للخنساء: صفي لنا أخويك صخرًا ومعاوية، فقالت: كان صخر والله جنة الزمان الأعبر وذعاف الخميس الأحمر، وكان معاوية القائل الفاعل، قيل لها: فأيهما أسمى وأفخر؟ قالت: أما صخر فحر الشتاء، وأما معاوية فبرد الهواء، قيل لها فأيهما أوجع وأفجع؟ قالت: أما صخر فجمر الكبد وأما، معاوية فسقام الجسد، وأنشأت تقول:
أسدان محمرا المخالب نجده
…
بحران في الزمن الغضوب الأنمر
قمران في النادي رفيعًا محتد
…
في المجد فرعًا سؤدد متخير
قال عبد الرحمن بن خلدون في تاريخ العبر:
كان من سُلَيْم: "بنو عبس بن رفاعة"(بطن) ومنهم الفارس الشهير والشاعر الجهبذ (العباس بن مِرْداس) وسوف نفصل عنه وعن أشعاره. وقال منهم بنو ثعلبة
(1)
قاتل معاوية السُّلَمي هو هاشم بن حَرْمَلة بن مُرة بن عوف من ذُبْيان (غَطَفان)، وأغار عليه صخر السُّلَمي فقتل أخا لهاشم ثأرًا بأخيه معاوية، ثم لقى هاشم بعدها قيس بن الأسوار الجُشَمي (هَوَازن) فكمن له وقذفه بمعلبة وهي نصل عريض ففلق جمجمته فمات، فقالت الخنساء لما علمت بمقنل هاشم قاتل أخيها معاوية:
فدا للفارس الجُشَمي نفسه
…
وأفديه بمن لي من حميم
قلت: وهنا قتل الجُشَمي للغَطَفَاني بدافع التعصب لما أن جُشَم من هَوَازِن بن منصور مثل سُلَيْم، أي غَطَفَان بعيدة عنهم في قيس عَيْلان، وهَوازِن وسُلَيم أقرب لبعضهما في النسب فهما من رجل واحد.
ابن بُهْثَة (بطن) من سُلَيْم ومنه عبيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الأعور السُّلَمي والي إفريقية، وجده أبو الأعور من قواد معاوية بن أبي سفيان الأموي وكان اسمه أبو الأعور (عمرو) بن سفيان بن عبد شمس بن سعد بن قائف بن الأوقص بن مُرة بن هِلَال بن فالج بن ذكوان بن ثَعْلَبة بن بُهْثَة بن سُلَيْم، ومنهم الورد بن خالد بن حذيفة ويقال "الرود" وهو ابن عمرو بن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة، وكان علي بني سُلَيْم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة المكرمة، ومنهم عمرو بن منقذ بن عامر بن خالد كان صديقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وأسلم بعد أبي بكر وبلال، فكان يقول:(كنت إذا ذاك ربع الإسلام).
ومنهم الشريد بن رياح بن ثعلبة بن عُصيَّة الذي منه الخنساء الشاعرة وأخواها صخر ومعاوية، وكان من بني الشريد هؤلاء في عصر ابن خلدون في بلاد المغرب ولهم شوكة وصولة (في أواخر القرن الثامن الهجري).
- ومن بني سُلَيْم "بنو بَهْز بن امرئ القيس بن بُهْثَة" ومنهم الحجاج بن علاط بن خالد بن نويرة بن حبتر بن هلال بن ظفر بن سعد بن عمرو بن تميم بن بهز الصحابي المشهور، وابنه نصر بن حجاج الذي نفاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة بسبب المرأة (زوجة المغيرة بن شعبة) التي قالت عنه شعرًا أقذعت فيه متمنية إياه (وتُسمى فُريْعة) قالت:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها
…
أم من سبيل إلى نصر بن حجاج!
وقد قال ذات مرة عبد الملك بن مروان للحجاج بن يوسف الثقفي
(1)
:
يا ابن المنمنية!!
- ومن بني سُلَيْم "بني زُغْب" وكانوا بين الحرمين ثم انتقل منهم إلى المغرب (تونس وطرابلس الغرب) فسكنوا إفريقية في جوار بني ذباب بن مالك أخوتهم، ثم في جوار بني كَعْب من علَّاق بن عوف بن بُهْثَة بن سُلَيْم، ومنازل ذباب بن
(1)
"فُريعة" كانت أم الحجاج بن يوسف ثم بعد موت أبيه صارت تحت المُغيرة بن شُعْبة (أي تزوجها).
مالك بين قابس (تونس) وبرقة (ليبيا) مجاورون مواطن هيب بن بُهْثَة، وبجهة المدينة المنورة خلق منهم كانوا يؤذون الحاج ويقطعون الطريق في عهد ابن خلدون (آخر القرن الثامن الهجري).
- ومن بني سُلَيْم "بني سليمان" في جهة فزان وودان (جنوب ليبيا).
ورؤساء ذباب لعهد ابن خلدون (الثامن الهجري) هم الجواري ولهم ما بين طرابلس الغرب وقابس بتونس ومنهم فخذ (رحاب بن محمود).
ومن سُلَيم "هيب بن بُهْثَة" ومسكنهم ما بين السدرة من برقة (ليبيا) غربًا إلى العدوة الكبيرة ثم العقبة من حدود الإسكندرية (مصر) شرقًا، ومنهم مما يلي المغرب بنو أحمد ولهم إجدابيا وجهاتها على شط البحر في إقليم برقة (ليبيا)، وهم عدد ولهم العز في يعْهُب لكونهم حازوا المخصب من بلاد برقة مثل المرج وطلميثا ودرنه، وفي المشرق عن بني أحمد إلى العقبة الكبرى "مُحارب" والرياسة فيهم لبني عزاز. وقد استولوا على اقليم متسع طويل خرَّبوا مدنه ولم يبق فيه ولاية ولا إمرة إلا لمشايخهم وتحت أيديهم خلق كثير من البربر واليهود زُرَّاعًا وتُجَّارًا، ومعهم تحت إمرتهم بعض بطون رواحة وفزارة من غَطَفان (قيس عَيْلان).
ومن سُلَيْم "عوف بن بُهْثَة" وهم ما بين قابس وبلد العناب (ساحل الجزائر) وهما جذمان كبيران مِرْداس، وعَلَّاق، ومرداس رئاستهم في بني جامع حتى عهد ابن خلدون في القرن الثامن الهجري.
وأما رئيس عَلَّاق عند دخولهم لبلاد المغرب قادمين من الحجار مرورًا بمصر هو رافع بن حماد، ومن أعقابه بنو كعب رؤساء جل سُلَيْم عدة قرون في بلاد المغرب.
قلت: ومن كَعْب (أولاد أبي الليل) المشهورون، ومنهم قبائل السعادي، وسوف نُفصِّل عنهم في فصل خاص.
قصة الجَحَّاف السُّلَمي مع الأخْطَل الشاعر التَغْلِبي
كانت بنو تَغْلِب
(1)
قد قتلت كثير بن الحباب السُّلمي (من بني سُلَيْم)، بعدها صادف أن قدَم الأَخْطَل التَغْلبي الشاعر الشهير على الخليفة عبد الملك بن مروان الأموي في دمشق، وكان الجحَّاف بن حكيم السُّلَمي جالسًا عنده، وقد كان يجيد الشعر ومن الصحابة والفرسان المشهورين، فأنشد الأخطل قائلًا:
ألا سائل الجحاف هل هو ثائر
…
بقتلى أصيبت من سُلَيم وعامر؟
عامر: يقصد بني عامر بن صعصعة من (هوازن بن منصور).
فلم يرد الجحَّاف السُّلَمي بأي شعر أمام الخليفة، وقد عرف أن الرد لا ينفع إلا بحد السيف ما دام قد عيَّره الأخَطل علنًا في حضرة الخليفة، فخرج الجَحَّاف السُّلَمي مغاضبًا يجُر مطْرَفه. فقال عبد الملك بن مروان للأخطل: ويحك أغضبته وأخلق به أن يجلب عليك وعلى قومك شرًّا، فكتب الجَحَّاف عهدًا لنفسه من عبد الملك، ثم ذهب إلى قومه من سُلَيم ودعاهم للخروج معه، فلما وصل معهم إلى البِشْر وهو موضع لتَغْلِب نادى في فرسان سُلَيْم وقصَّ عليهم ما حدث له من الأخطَل أمام الخليفة، ثم قال لهم: قاتلوا عن أحسابكم أو موتوا، فأغاروا على بني تَغلِب بالبشر وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، ثم قال الجَحَّاف يجيب الأخْطَل:
أبا مالك هل لمتني إذ حضضتني
…
على الثأر أم هل لامني منك لائمي
متى تدعني أخبرى أجبك بمثلها
…
وأنت امرؤ بالحق لست بقائمِ
فقدم الأَخْطَل التَغْلِبي على الخليفة عبد الملك بن مروان فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:
لقد أوقع الجحَّاف بالبشر وقعة
…
إلى الله منها المشتكى والمِعْوَل
فإن لم تُغيِّرها قريش بعدلها
…
يكن عن قريش مُستمارٍ ومُزْحَل
فلما طلب عبد الملك بن مروان الجَحَّاف السُّلَمي ليقتصَّ منه في قتلى بني تَغْلب هرب إلى بلاد الروم ثم بعد فترة استأمن ورجع إلى قومه، وقيل أنه تنسَّك نسكًا صحيحًا ومال إلى العبادة وتاب الله عليه (عن الجمهرة لابن حزم).
(1)
تَغْلِب: هم بنو تَغْلِب بن وائل من ربيعَة بن نِزار بن مَعْد بن عَدْنان.
قصة ابن الدغنة السُّلَمي قاتل دُرَيْد بن الصِّمَّة
قال ابن إسحاق:
في غزوة حُنين سنة ثمان بعد الهجرة وبعد الفتح لمكة المكرمة لما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح عليه من مكة جَمَعها مالك بن عوف النَصْري فاجتمع إليه من هَوازِن جُشَم كلها، وسعد، وناس من هلَال بن عامر، وثَقَيْف، وغاب عن هَوَازِن كعب ومنهم عُقيل، وقُشَيْر، وجعدة، وَكذلك كل بني كِلَاب لم يحضر منهم أحد مع هَوَازِن.
وكان في جُشَم دُرَيْد بن الصِّمَّة
(1)
شيخ ليس فيه شيء إلا التيمُّن برأيه ومعرفته بالحرب وكان شيخًا مُجرِّبًا، وفي ثقيف سيدان لهم هما قارب بن الأسود بن مسعود بن مِعْتب (الأحلاف)، والثاني: ذو الخِمَار سبيع بن الحارث (مالك) ومعه أحمر بن الحارث أخيه، والقيادة العامة لمالك بن عوف النصري من (نصر بن
(1)
دُرَيْد بن الصِّمة: فارس هَوَازن الشهير في الجاهلية وفي شبابه كان قبل غزوة حُنين مغامرًا جريئًا، ومهاجمًا مرهوب الجانب، ومحاربًا لا يشق له غبار وهو سيد بني جُشَم من هَوَازن، وعرفته الطائف وثقيف كلها وشهدت ببطولاته البطاح والربا، وشهدت بحبه للنجدة وبفضائله الركبان، وكان كبير القلب خصب الخيال وشاعرًا، وقد رأى الخناء في شبابها وكان هو رجلًا كبيرًا فقال لها:
حيو تُماضر وأربعوا صحبي
…
وقفوا فإن وقوفكم حبي
ما إن رأيت ولا سمعت به
…
كاليوم طالي أنيق جربِ
مُتبذلًا تبدو محاسنه
…
يضع الهناء مواضع النقبِ
أخُناس قد هام الفؤاد بكم
…
وأصابه مس من الحبِ
ثم توجه إلى أبيها عمرو بن الشريد وخطبها منه فرفضته الخنساء لكبر سنه وقالَت:
أتخطبني هُبلت على دريد
…
وتطرد سيدًا من آل بدر
معاذ الله ينكحني حبركي
…
يقال أبوه من جُشَم بن بكر
ولو أمسيت في جُشَم هديًا
…
لقد أمسيت في دنس وفقر!
وقالت لأبيها: أي أبتِ أتراني تاركة بني عمي من سُلَيْم مثل عوالي الرماح وأتزوج شيخًا؟ فرد عليها دريد قائلًا بعد إعلان رفضها له:
وقاكِ الله يا ابنة آل عمرو
…
من الفتيان أمثالي ونفسي
وقالت أنه شيخ كبير
…
وهل خبرتها أني ابن أمسي!
وتزوجت بعدها الخنساء ابن عم لها يسمى رواحة بن عبد العُزَّى فمات عنها، وتزوجها مِرْداس والد عباس بن مرداس زعيم سُلَيْم.
قيل أن دريدا مات عن عمر يناهز مائة وثلاثين عاما، وقيل مائة وعشرون وهو دريد بن الصِّمة بن الحارث بن معاوية بن بكر بن عَلْقمة بن خُزَاعة بن غُزيْة بن (جُشَم) بن معاوية بن بكر بن هَوَازِن بن منصور بن عِكْرمة بن خَصَفَة بن قيس عَيْلان بن مُضر بن نِزار بن مَعد بن عَدْنان.
معاوية) فلما أجمع السير إلى النبي صلى الله عليه وسلم حطَّ أي حمل مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم فلم يزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دُرَيْد بن الصِّمَّة في شِجَارٍ
(1)
له يُقاد به، فلما نزل قال: بأي وادٍ أنتم؟ قالوا: بأوطاس. قال دُريد: نعم مجال الخيل لا حَزَن
(2)
ضرس، ولا سهل دهس
(3)
، ثم قال: ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويُعار الشاة؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. قال: أين مالك؟ قيل له هذا مالك. فقال: يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويُعار الشاة؟ قال مالك: سقتُ مع الناس (هَوَازِن) أموالهم وأبناءهم ونساءهم. قال دُرَيْد له: ولِمَ ذاك؟ قال: أردت أن أجعلَ خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم. فزجره دُريْد وقال له: راعي ضأن والله! وهل يرد المنهزم شيء إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضحت في أهلك ومالك، ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد. قال غاب الحد والجد ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب، فمن شهدها منكم (من عامر)؟ قالوا: عوف بن عامر وعمرو بن عامر. قال: ذانك الجذعان
(4)
من عامر لا ينفعان ولا يضران، ثم قال يا مالك بن عوف إنك لم تصنع بتقديم بيضة هَوَازِن إلى نحو الخيل شيئًا، ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ألق الصباء (المسلمين) على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من ورائك وإن كانت عليك ألفاك ذلك قد أحررت أهلك ومالك، فقال بغرور: والله لا أفعل ذلك إنك كبرت وكُبر عقلك والله لتطيعنني يا معشر هَوَازِن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري!! وكره رأي دُرَيْد. فقال فرسان هَوَازِن لمالك لما رأوه على هذا الحال من التصميم: أطعناك. ثم قال مالك لهم:
إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا عليهم شدة رجل واحد!
قال دُريْد: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني وأنشأ يقول:
يا ليتني فيها جذع
…
أخْبُ فيها وأضع
(5)
أقود وطفاء الزمع
(6)
…
كأنها شاة
(7)
صُدع
(8)
(1)
الشِجَار: شبه الهودج مكوت أعلاه.
(2)
الحزن: المرتفع.
(3)
دهس: اللين الذي به تراب.
(4)
الجَذعان: مثنى جذع وهو الشاب الحدث وبقصد أنهما ضعيفان خاليان من التجربة في القتال.
(5)
أي يريد هنا قوة الشباب.
(6)
وطفاء: طويلة الشعر، الزمع: الشعر الذي فوق مربط قيد الدابة.
(7)
شاة: الوعل تقال على الضأن.
(8)
صدع: أي بين العظيم والحقير.
فلما وصل المسلمون وادي حُنَيْن في عِماية الصبح وكانت هَوَازِن قد سبقت إلى الوادي وكمنت فيه أي في شعابه ومضايقه، فلما رأوا المسلمين شدوا عليهم شدة رجل واحد، فانشمر
(1)
الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد، فلم يبق من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار من المهاجرين والأنصار وأهل بيته فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطَّلب رضي الله عنهما، والفضل بن العباس وربيعة بن الحارث وأسامة بن زيد، وكان المسلمون يومئذ اثني عشر ألفا!!
وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة: 25] أي انتابكم الغرور، وصار الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي ويقول:"أنا النبي لا كَذِب أنا ابن عبد المطلب"، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس بالنداء على المسلمين ودعوة الأنصار وكانوا صُبُرًا عند الحرب، فقالوا: لبيك لبيك، فنظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تجمُّع المسلمين حوله ومجتلدهم مع هَوَازِن فقال: الآن حمي الوطيس. وانقلبت بعون الله الهزيمة إلى نصر سريع على هَوَازِن وثَقِّيف وهربت معظم ثقيف (الأحلاف)، أما (مالك) الفرع الثاني فقتل منه سبعين رجلًا وهذا غير العشرات في هَوَازِن
(2)
من القتلى والجرحى، إلى جانب أربعة آلاف من الأسرى.
مقتل دُرَيْد بن الصِّمة:
لما انهزم المشركون من هَوَازِن وثقيف وحينئذ أتو الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة سوى بنو غيره (ثَقِّيف)، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك نخلة
(3)
ولم تتبع من سلك الثنايا، فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سِمال بن عوف بن امرئ القيس "بن بُهْثَة بن سُلَيْم وكان يقال له ابن الدغنة وهي أمه فَغلبت على اسمه، وقال ابن هشام (ابن لذعه)، أدرك دُرَيْد بن الصِّمَّة الجُشَمي ثم الهَوَازِني فأخذ بخِطام
(1)
انشمر الناس: أي تقهقروا، وقيل أن خالد بن الوليد قد أصيب بجراح ولم يواصل القتال مع المسلمين في حُنَيْن.
(2)
أُسرَ عدد كبير من هوازن وأحرز المسلمون مئات الإبل والأغنام والخيول: كثير من السلاح.
(3)
اسم الموضع الذي لحق فيه دُرَيْد هو "جُدْعان".
جمله وهو يظن أنه امرأة لما أنه في شِجار له أي هودج مكشوف أعلاه، فإذا برجل فأناخ به فإذا هو شيخ كبير وإذا هوَ دُرَيْد بن الصِّمَّة ولا يعرفه الغلام السُّلَمي، فقال دُرَيْد: ماذا تريد بي؟ قال أقتلك قال: ومَنْ أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السُّلَمي ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا!! فقال بئس ما سلحتك أمك!! خذ سيفي هذا من مؤخر الرِحْل وكان الرِحْل في الشِجار، ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فإني كنت كذلك أضرب الرجال، فإذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دُرَيْد بن الصِّمَّة، فرب والله قد منعت فيه نسائك من (سُلَيْم)!
فذكر بعض رواة من سُلَيْم أن ربيعة لما ضرب دُرَيْد فوقع تكشّف فإذا عجانة وبطون فخذيه مثل القرطاس، والعجانة هي الأست أو ما بين الفرجين، وهذا من ركوبه الخيل أعراء، فلما رجع ربيعة السُّلَمي إلى أمه أخبرها بقتله إياه، فقالت: والله لقد أعتق أمهات لك ثلاث مرات، فبئس ما فعلت يا بني، فيا طالما أنجاني وحماني من الأسر أنا وظعائن من بني سُلَيْم.
قالت عمرة بنت دُرَيْد بن الصِّمة ترثيه وتنعي إلى بني سُلَيم إحسان دُرَيْد إليهم في الجاهلية:
لعمُرك ما خشيت على دُرَيْد
…
ببطن سميرة
(1)
جيش العناق
(2)
جزى عنه الإله بني سُلَيْم
…
وعقتهم بما فعلوا عقاق
وأسقانا إذا قدنا إليهم
…
دماء خيارهم عند التلاقى
فرب عظيمة دافعت عنهم
…
وقد بلغت نفوسهم التراقى
ورب كريمة أعتقت منهم
…
وأخرى قد فككت من الوثاق
ورب منوة بك من سُلَيْم
…
أجبت وقد دعاك بلا رماق
(3)
فكان جزاؤنا منهم عقوقًا
…
وهما ماع منه مخ ساقى
عفت آثار خيلك بعد أين
…
بذي بقر
(4)
إلى فيف
(5)
النهاق
(6)
(1)
سميرة: واد قرب حُنين.
(2)
العناق: الأمر الشديد.
(3)
الرماق: بقية الحياة.
(4)
ذو بقر: موضع.
(5)
فيف: قفر.
(6)
النِهَاق: موضع.
وقالت عمرة أيضًا:
قالوا قتلنا دُرَيْدا قلت قد صدقوا
…
فظل دمعي على السربال ينحدر
لولا الذي قهر الأقوام كلهم
…
رأت سُلَيْم وكعب كيف تأتمر
إذن لصبحهم غيا
(1)
وظاهرة
(2)
…
حيث استقرت نواهم جحفل ذفر
(3)
قلت: وفي الأبيات الأخيرة تعني عمرة أنهم أي قومها هَوَازِن لا يقدرون على الأخذ بالثأر من سُلَيْم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قهر الأقوام والقبائل جميعًا، فلن يقف أحد أمامه، وأنه لولا ذلك لكانت هوازن تُغير كل يوم أو كل بعض أيام على سُلَيْم وتشفي الغليل بدم فارس الهيجاء دُرَيْد بن الصِّمة الجُشَمي، ومن جُشَم مع إخوانهم الهلالية وهم الآن بالمملكة المغربية والجزائر، وباقيهم الآن يشكلون قسما أكبر من قبيلة عُتيْبة في السعودية.
قال العلَّامة ابن حزم الأندلسي
(4)
عن سُلَيْم:
ولد لسُلَيْم بُهْثَة. فولد بُهْثَة بن سُلَيْم: الحارث، وثعلبة، وامرؤ القيس، وعوف (كان كاهنا)، ومعاوية.
فمن بطون امرئ القيس بن بهثة: بنو عُصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بُهثة، وبنو عُميرة بن خفاف منهم الفجاءة وهو بجير بن إياس بن عبد الله بن عبد ياليل بن سَلَمة بن عميرة بن خفاف المرتد أحرقه أبو بكر رضي الله عنه بالنار، ومن بني عُصية بن خفاف: الخنساء الشاعرة، وأخوها صخر ومعاوية ابنا عمرو بن الحارث بن الشريد واسمه عمرو بن يقظة بن عُصية، ومالك ذو التاج، وكرز، وعمرو، وهند، وبنو خالد بن صخر بن الشريد وكلهم فرسان، وتوجت بنو سُلَيْم مالكًا المذكور، وقتل مالكًا وكرزًا عبد الله بن جذل الطعان الكِنَاني، وأبو العاج كثير بن عبد الله بن فروة بن الحارث بن حنتم بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عُصية ولي البصرة بالعراق، والشاعر أبو شجرة عمرو
(1)
غيا: ترد الإبل الماء يوما بعد يوم.
(2)
ظاهرة: ترد الماء كل يوم.
(3)
ذفر: ذو رائحة كريهة من صدأ الحديد.
(4)
الجمهرة صفحة 261 دار المعارف (القاهرة).
ابن عبد العُزَّى بن عبد الله بن رواحة بن مليل بن عصية أمه الخنساء الشاعرة، ونبيشة بن حبيب بن رئاب بن رواحة بن مليل قاتل ربيعة بن مكْدم الكِنَاني، ومن بني مالك بن خفاف بن امرئ القيس بن بُهْثة بن سُلَيْم: الضحَّاك بنَ سفيان بن الحارث بن زائدة بن عبد الله بن حبيب بن مالك بن خفاف له صحبة، وهو غير الضحَّاك بن سفيان الكلابي (الذي قال سُلَيْم يوم حُنين)، ويزيد بن الأخنس بين حبيب بن جزء بن زُغْب بن مالك بن خفاف وابنه معن بن يزيد له أيضًا صحبة وكان له مكان عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشهد صفين مع معاوية بن أبي سفيان والمرج مع الضحَّاك بن قيس، ومن بني عوف بن امرئ القيس بن بُهْثَة بن سُلَيْم ثم من يربوع بن سِمال بن عوف بن امرئ القيس: مُجاشع، ومجالد ابنا مسعود بن عائذ بن وهب بن ربيعة بن يربوع بن سِمال بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سُلَيْم، ومجاشع افتتح كرمان ولهما صحبة، وعبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن سِمال بن عوف بن امرئ القيس صاحب خراسان، وعمه عروة بن أسماء بن الصلت من أجلة الصحابة قُتل يوم بئر معونة (من قومة سُلَيْم)، وموسى، ومحمد، ونوح، وخازم، وإسحاق وهم بنو عبد الله بن خازم كانت لهم بخراسان آثار ولهم بالبصرة بقية، منهم النضر بن إسحاق بن عبد الله كانت له بالبصرة رياسة، وموسى بن عمرو بن موسى بن عبد الله بن خازم قتل مع إبراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقيس بن الهيثم بن قيس بن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هِلَال بن سِمال القائم بدعوة ابن الزبير بالبصرة، والربيع بن ربيعة بن ربيع بن أهبان بن ثعلبة بن ضبيعة بن ربيعة بن يربوع بن سِمال بن عوف ابن امريء القيس بن بُهْثَة بن سُلَيْم قاتل دريد بن الصِّمة يوم أوطاس، وبنو رِعْل بن مالك بن عوف بن مالك بن امرئ القيس بن بُهثة بن سُلَيْم إحدى البطون التي دعا عليها النبي صلى الله عليه وسلم لقتلهم أهل بئر معونة منهم أنس بن عباس بن عامر بن جبير بن رِعْل كان سيدًا، ويزيد، بن أسيد بن زافر بن أبي أسماء أبي السيد بن منقذ بن مالك بن عوف بن امرئ القيس من قواد بني العباس في بغداد.
ومن بني بَهْز بن امرئ القيس: الحجاج بن عَلَاط بن خالد بن ثويرة بن جسر بن هلال بن عبيد بن ظفر بن سعد بن عمرو بن تميم بن بهز بن امرئ القيس من خيار الصحابة رضي الله عنهم، وكان له المعدن الذي كان ببلاد بني سُلَيْم وهو معدن ذهب، نزل حمص (سوريا)، وابنه نصر بن حجاج الذي نفاه عمر رضي الله عنه عن المدينة لقول المرأة فيه:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها
…
أم من سبيل إلى نصربن حجاج
والمرأة هي فُريعة أم الحجاج بن يوسف الثقفي الشهير بسفك الدماء وهو من ولاة بني أُميَّة، وكانت فريعة روجة للمغيرة بن شعبة الثقفي؛ ولذلك كتب عبد الملك بن مروان الأموي للحجاج في بعض كتبه:"يا ابن المتمنية"!
ومن بني الحارث بن بُهْثَة بن سُلَيْم: بنو ذكوان بن رفاعة بن الحارث بن حُيي بن الحارث بن بهثة بن سُلَيْم وهو بطن قد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم لقتلهم أهل بئر معونة، منهم العباس بن مرداس بن أبي عامر وقيل أبي غالب بن حارثة بن عيد بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن بُهثَة بن سُلَيْم له صحبة، وكان أبوه مِرْداس بن أبي عامر تزوج الخنساء الشاعرة فولدت له هبيرة، وجزءا، ومعاوية ولعباس من الولد: كِنَانة، وجُلْهُمة، وسعيد، وعبيد الله، وغيرهم ومن ولده: عبد الملك، وهارون ابنا حبيب بن سليمان بن هارون بن جُلْهُمة بن العباس ومنهم أبي بن العباس بن مِرْداس روى عنه أبو عبيدة، وبكار بن أحمد بن بكار بن عبد الله بن سعيد بن العباس بن مِرْداس محدث وعابد مات بمصر، وعُتْبَة بن فُرْقُد وهو يربوع بن حبيب بن مالك بنَ أسعد بن رفاعة بن رفيعة بن رفاعة بن الحارث بن بُهْثَة وابنه عمرو بن عُتْبَة من نُسَّاك الكوفة، وكان من جِلَّة أصحاب ابن مسعود
(1)
رضي الله عنه ومن بني عمه: منصور بن المعتمر بن عبد الله بن
(1)
يقصد ابن حزم الأندلسي عبد الله بن مسعود الهُذْلي من هُذيل بن مدركة بن إلياس بن مُضَر العدنانية، وهو من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ومن رواة الأحاديث النبوية الشريفة، وهو قاتل أبي جهل في معركة بدر وقد وقف على صدره وهو يحتضر فقال له: لقد وقفت أو لقد ارتقيت موقفًا صعبًا يا رويعي الغنم، وقد سارع ابن مسعود واحتز رأسه وقدمها للنبي صلى الله عليه وسلم وهو تحت عريشه عند ماء بدر فقال له أذُن بأذن والرأس زيادة، ويقصد النبي هنا أن أبا جهل كان قد قطع أذن ابن مسعود وهو يقرأ القرآن كعادته عند الكعبة وقد ردها له النبي صلى الله عليه وسلم بريقه، وكان يتميز بحلاوة الصوت وقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: من أراد أن يستمع للقرآن غضًّا فليسمعه من ابن أم عبد، يعني عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ومن قوم ابن مسعود وذريته حتى الآن حول مكة المكرمة وهم ضمن قبيلة هُذيل العريقة.
عتاب بن رُبيّعة (بالتصغير) بن فُرْقُد وهو يربوع بن حبيب الفقيه، وأشرس بن عبد الله صاحب خراسان وهو من بني مطاعن بن ظفر بن الحارث بن بهثة، وبنو غضب بن كَعْب بن الحارث بن بهثة، وليس في العرب غضب إلا هذا وفي الأنصار رضي الله عنهم. ومن بني ثعلبة بن بهثة بن سُلَيْم: حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مُرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بُهْثَة كان بمكة في الجاهلية مُحْتَسِبًا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وفي ذلك يقول بعض سفهاء قريش في الجاهلية:
أطوف في الأباطح كل يوم
…
مخافة أن يشْرُدني حكيم
وعمه جده: عاتكة بنت مُرَّة بن هلال أم هاشم وعبد شمس والمطلب بني عبد مناف القرشي، (هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم)، و (عبد شمس جد الأمويين)، ومنهم أبو الأعور السُّلَمي وهو عمرو بن سفيان بن عبد شمس بن سعد بن خائف بن الأوقص بن مرة بن هلال من قواد معاوية، وعبيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الأعور ولي إفريقية، وعمير بن الحباب بن جعدة بن إياس بن حذافة بن مُحارب بن هِلَال بن فالج ومن ولده: زياد بن يزيد بن عمير بن الحُباب، والجَحَّاف بن حكيم بن عاصم بن قيس بن سباع بن خُزَاعي بن مُحارب بن هِلَال البطلان الفاتكان، لحق الجَحَّاف بأرض الروم بعد قتله من قتل من بني تَغْلِبَ يوم البشر ثم استأنس ورجع وتنسك نسكًا تامًّا صحيحًا إلى أن مات، والصحابي الجليل الفاضل صَفْوان بن المُعَطَّل بن رخصة بن المؤمل بن خُزَاعي بن مُحارب بن هِلَال وفيه قال أهل الإفك ما قالوا. ومن بني مالك بن بهثة بن سُلَيْم: الورد بن خَالد بن حُذيفة بن عمرو بن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة بن بُهْثَة كان على بني سُلَيْم ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وعمرو بن عبسة بن منقذ بن خالد بن حذيفة كان صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وأسلم قديمًا إثر إسلام أبي بكر وبلال رضي الله عنهما وقال: كنت يومئذ رُبْع الإسلام.
من شهد من سُلَيْم غزوة بدر الكبرى
قال ابن هشام اليماني شهد من سُلَيْم في غزوة بدر وهما حلفاء للخزرج:
1 -
عَنْتَرة من ذَكْوان - بني سُلَيْم.
2 -
عُتْبَة بن بَهْز - بني سُلَيْم.
في الأعلام للزركلي هناك مدلاج بن عمرو السُّلَمي شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
صَفْوَان بن المعَطَّل السُّلَمي
من الصحابة الأجلاء ومات شهيدًا وهو صاحب حديث الإفك وقالوا فيه ظُلما ما قالوا، وأنزل الله قرآنه ليعلن براءة ابن المُعَطَّل وطهارته وكذب المنافقين، وقد قال حسان بن ثابت شاعر الأنصار شعرًا يُعرِّض بابن المُعَطَّل وبمن أسلم من مُضَر (العدنانية) فقال:
أمسى الجلابيب
(1)
قد عزَّوا وقد كثروا
…
وابن الفريعة أمسى بيضة
(2)
البلد
قد ثكلت أمه من كنت صاحبه
…
أو كان منتشبًا في برثن
(3)
الأسد
ما البحر حين تهب الريح شامية
…
فيغطئل
(4)
ويرمي العبر
(5)
بالزبد
أما قريش فإني لن أسالمهم
…
حتى ينيبوا من الغيات للرشد
فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فدعا حسَّان وصفوان فقال صفوان: يا رسول الله آذاني وهجاني فاحتملني الغضب فضربته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسَّان: أحسن يا حسَّان، أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام، ثم كرر قائلًا: أحسن يا حسَّان في الذي أصابك، قال حسَّان: هي لك يا رسول الله فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عوضًا عن دمه بيرحاء وهو قصر بني حديلة بالمدينة، وأعطاه جارية أو أمَة قبطية (مصرية) تُسمى سيرين، فولدت له عبد الرحمن بن حسَّان، وكان حسَّان من جهابذة الشعراء في زمانه وشاعر المسلمين الأول في المدينة المنورة.
(1)
الجلابيب يقصد المهاجرين من قريش وغيرهم من مُضَر.
(2)
بيضة البلد: أي لا يوانيه أحد.
(3)
برثن: كف اليد مع الأصابع.
(4)
فيغطئل: يتحرك ويجول.
(5)
العبر: جانب البحر.
الحجَّاج بن علاط السُّلَمي ومكره بقريش
قال ابن إسحاق: لما فُتحت خيبر وأنزل الله هزيمته على من بها من اليهود كلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي "الحجاج بن علاط البهزي ثم السُّلَمي" فقال: يا رسول الله إن لي بمكة مالًا عند صاحبتي (زوجته) أم شيبة بنت أبي طلحة القرشية وكانت عنده وله منها ولد اسمه معرض بن الحجاج، وقال: لي مال متفرق في تجار أهل مكة فأذن لي يا نبي الله، ثم قال: إنه لا بد لي يا رسول الله من أن أقول. قال النبي صلى الله عليه وسلم: قل.
قال الحجاج: فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء رجالًا من قريش يتسمعون الأخبار ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بلغهم أنه سار إلى خيبر وقد عرفوا أنها قرية الحجار ريفًا ومنعة ورجالًا، فهم يتحسسون الأخبار ويسألون الركبان فلما رأوني قالوا: الحجاج بن عَلَاط، قال: ولم يكونوا علموا بإسلامي - عنده والله الخبر - أخبرنا يا أبا محمد فإنه قد بلغنا أن القاطع
(1)
قد سار إلى خيبر وهي بلد يهود وريف الحجاز. قال: قلت: بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم قال فالتبطوا
(2)
بجنبيَّ ناقتي يقول بعضهم: إيه يا حجاج، قال: قلت: هُزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط، وقُتل أصحابه قتلًا لم تسمعوا بمثله قط، وأُسِرَ محمد أَسْرًا، وقالوا (أي اليهود): لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم. قال: فقاموا وصاحوا بمكة وقالوا: قد جاءكم الخبر وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيُقتل بين أظهركم، قال: قلت: أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي فإني أريد أن أقدم خيبر، فأصيب من فِلْ
(3)
محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى هناك. قال ابن هشام: من فيء محمد.
قال ابن إسحاق: قال الحجاج: فقاموا فجمعوا لي مالي كأحث أو أسرع جمع سمعت به، ثم جئت صاحبتي فقلت لها: مالي وقد كان لي عندها مال
(1)
قلت: قول المشركين من قريش حينئذ للحجاج السُّلَمي: القاطع سار إلى خيبر لما أنهم يسمون النبي صلى الله عليه وسلم الأبتر - لا ولد له، وقد أنصفه الله وعوضه بنهر الكوثر في الجنة وقال سبحانه وتعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} [الكوثر] صدق الله العظيم.
(2)
التبطوا: ساروا ملازمين ناقتي.
(3)
الفِلْ: المنهزم وما وراءه من غنيمة.
موضوع لعلي ألحق بخيبر فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار. قال: فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر وجاءه عني، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيام التجار فقال: يا حجاج ما هذا الخبر الذي جئت به؟ قال: فقلت: وهل عندك حفظ لما وضعت عندك؟ قال نعم. قال: فقلت له: فاسْتأخِر عني حتى ألقاك على خلاء فإني في جمع مالي كما ترى، فانْصَرِف عني حتى أفرغ. قال: حتى إذا فرغت من جمع مالي كله في مكة وأجمعت الخروج لقيت العباس فقلت له: احفظ عليّ حديثي يا أبا الفضل فإني أخشى المطلب ثلاثا (ثلاثة أيام)، ثم قل ما شئت، قال العباس لي: نعم أفعل. قلت له: فإني والله لقد تركت ابن أخيك عروسًا علي بنت ملكهم (يعني صفية بنت حيي بن أخطب) من اليهود في خيبر وانتثل أي استخرج ما فيها وصارت له ولأصحابه. فقال: ما تقول يا حجاج؟ قال: قلت: أي والله فاكتم عني ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي فرقًا من أن أُغْلَب عليه. فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك فهو والله على ما تحب. فلما مرت الثلاثة أيام فجرها العباس في قريش فقالوا له: من جاءك بالخبر، قال لهم: الذي جاءكم به ولقد دخل عليكم مسلمًا فأخذ ماله فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه فيكون معه. قالوا: يالعبَّاد الله انفلت منا، أما والله لو علمنا لكان لنا معه شأن.
بنو سُلَيْم وفتح مكه المكرمة
في كتاب معارك الإسلام الفاصلة
(1)
ذكر الأستاذ محمد أحمد باشميل نبذة هامة عن بني سُلَيْم، حيث قال عن سلاح الفرسان في الجيش النبوي في فتح مكة:
أما سلاح الفرسان في الجيش النبوي الزاحف على مكة، فقد دلت إحصاءات المؤرخين على أنه بلغ (بعد أن اكتمل الجيش عشرة آلاف مقاتل) ألفين وثمانين فارسًا تقريبًا. ونسبة هؤلاء الفرسان بين القبائل على النحو التالي:
(1)
انظر الكتاب الثامن - ط دار الفكر.
أ - بنو سُلَيْم: ألف فارس (1000).
ب - الأنصار: خمسمائة فارس (500).
جـ - المهاجرون: ثلاثمائة فارس (300).
د - مُزَينة: مائة فارس (100).
هـ - جُهَيْنة: خمسون فارس (50).
و - عشائر أخرى: مائة فارس (100) تقريبًا.
ز - أسلم: ثلاثون فارسا (30)
(1)
.
سلاح النقليات في الجيش:
أما سلاح النقليات من الجمال، فلا شك أنه كثير.
بنو سُلَيْم أقوى قوة قَبَلية تنضم إلى الجيش النبوي في فتح مكة
ولعل أقوى وأعظم قوة انضمت إلى القوات النبوية المتحركة في الطريق إلى مكة؛ هي قبيلة بني سُلَيْم بقيادة سيدها وشاعرها وحكيمها عباس بن مرداس، فقد جاء عباس بن مرداس من جبال ووديان بني سُلَيْم يقود ألف مقاتل كلهم على متون الخيل ليس بينهم راجل واحد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندما قرَّ عزمه على غزو المشركين في مكة - بعث وهو بالمدينة، الحجاج بن علاط السُّلمي، وعِرباض بن سارية إلى قبائل بني سُلَيْم يستنفرهم لكي ينضموا إلى الجيش النبوي دون أن يعلماهم الوجهة التي يريد، تمشيًا مع خطة الكتمان التي انتهجها الرسول صلى الله عليه وسلم منذ قرَّ عزمه على غزو قريش.
النبي يستعرض الجيش في قُدَيد
(2)
:
وقد جاء بنو سُلَيْم كاملي العتاد والعُدة، فبالإضافة إلى كونهم جميعًا من
(1)
انظر السيرة الحلبية ج 2 ص 201، ومغازي الواقدي ج 2 ص 800، وإمتاع الأسماع ص 364.
(2)
وادي قُدَيد من أودية قبيلة خُزاعة.
الفرسان كانوا كلهم غائصين في الحديد مشرعة رماحهم. فأقبلوا على المعسكر النبوي، وهم ألف على صهوات الخيل تسرع بهم وكأنهم - برماحهم المشرعة - غابة متحركة. فكان منظرهم منظرًا رائعًا، يهز المشاعر.
وزاد من روعة منظر فرسان بني سُلَيْم أن قاموا (وعددهم كما قلنا ألف فارس) باستعراض وقف الرسول القائد صلى الله عليه وسلم وهيئة أركان حربه يشهدونه مما كان له أطيب الأثر في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم وقادة جيشه. فقد صف بنو سُلَيْم خيلهم صفوفًا أمام الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
أسف عيينة بن حصن لعدم اشتراك غَطَفَان في الغزوة (الفتح الأعظم):
وقد هزَّ منظر فرسان بني سُلَيْم مشاعر سيد غَطَفَان عيينة بن حِصن الفزاري. الذي كانت تتبعه في نجد عشرة آلاف رمح. فعندما رأى عيينة فرسان بني سُلَيْم يقومون باستعراضهم عضَّ على أنَّامله. فلما سأله أبو بكر الصديق: علامَ تندم؟ قال: على قومي أن لا يكونوا نفروا مع محمد. وكان سيد غَطَفَان عندما التحق بالنبي صلى الله عليه وسلم لَمْ يكن معه أحد تحت قيادته من قومه غَطَفَان؛ ما عدا ثلاثمائة من أشجع الذين كان يقودهم معقل بن سنان، ونُعَيم بن مسعود. أما فزارة وذبيان الذين هم قبيلة عيينة بن حصن فلم يكن منهم أحد في الجيش النبوي الزاحف.
الشجار بين سيدي سُلَيْم وغَطَفان:
وقد أُعجب سيد غَطَفَان عيينة بن حصن بالهيئة التي أقبل عليها فرسان بني سُلَيْم، حيث كان ضمن هيئة أركان حرب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في قُديد يشهد الاستعراض العسكري الذي قام به خيّالة بني سُلَيْم في سهل قُديد. ثم حدثت بعد ذلك مشادَّة وملاحاة بين عباس بن مرداس قائد فرسان سُلَيْم وعُيينة بن حصن. وكان الاثنان أعرابيين لَمْ تفارقهما خشونة الأعراب.
فقد حدَّث عكرمة بن فروخ عن معاوية بن جاهمة بن عباس بن مرداس
السُّلَمي، قال: قال عباس: لقيته وهو يسير؟ حتى هبط من المشلل في آلة الحرب، والحديد ظاهر علينا، فصففنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى جنبه أبو بكر وعمر، فنادى عيينة من خلفه فقال: أنا عيينة! (كأنه يشيد بنفسه). هذه بنو سُلَيْم قد حضرت بما ترى من العدة والعدد والسلاح، وإنهم لأحلاس الخيل
(1)
، ورجال الحرب، ورعاة الحدق.
فقال العباس بن مرداس: أقصر أيها الرجل! والله إنك لتعلم لنحن أفرس على متون الخيل وأطعن بالقنا، وأضرب بالمشرفية
(2)
. فقال عيينة: كذبت ولؤمت! لنحن أولى بما ذكرت منك، وقد عرفته لنا العرب قاطبة. فأوما إليهما النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بيده حتى سكتا
(3)
.
وقال عبد الرَّحمن بن أبي بكر عن أبيه: خرجت بنو سُلَيْم على الخيول والقنا والدروع الظاهرة قد طووا ألويتهم وراياتهم، وليس معهم لواء ولا راية معقودة، فقالوا: يا رسول الله أعقد لنا وضع رايتنا حيث رأيت. فقال: يحمل رايتكم اليوم من كان يحملها في الجاهلية!؛ ما فعل فتى كان قدم مع وفدكم علي، حسن الوجه جيد اللسان؟ قالوا: توفي حديثًا
(4)
.
فرسان بني سُلَيْم مقدمة الجيش:
ولما كان الخيَّالة هم أحسن القوات المسلحة في ذلك العصر، وسلاح الفرسان هو أجود ما تحتاج إليه القوات المتقدمة. ولما كان بنو سُلَيْم (وعددهم ألف مقاتل) كلهم خيالة، جعلهم النَّبِيّ القائد صلى الله عليه وسلم مقدمة جيشه المتحرك من قديد نحو مكة.
(1)
الأحلاس جمع حلس (بكسر الحاء وسكون اللام) هو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب. والمراد هنا لزومهم لظهور الخيل.
(2)
السيوف المشرفية، هي من أجود السيوف كانت تصنع في مشارف الشام وإليها نُسبت.
(3)
مغازي الواقدي ج 2 ص 814.
(4)
مغازي الواقدي ج 2 ص 813.
قال الواقدي: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قُديد لقيته سُلَيْم؛ وذلك أنهم نفروا من بلادهم، فلقوه على الخيول جميعًا، مع كلّ رجل رمحه وسلاحه، وقدم معهم الرسولان اللذان كان أرسلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم.
فذكر أنهم أسرعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحشدوا. ويقال: أنهم ألف، فقالت سُلَيْم: يا رسول الله إنك تقصينا وتستغشنا
(1)
ونحن أخوالك - أمُّ هاشم بن عبد مناف عاتكة بنت مُرّة بن هلال بن فالح بن ذكوان من بني سُلَيْم - فقدِّمنا يا رسول الله حتى تنظر كيف بلاؤنا، فإنا صُبُرٌ عند اللقاء، فرسان على متون الخيل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيروا فجعلهم مقدمته، وكان خالد بن الوليد على مقدمة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حين لقيته بنو سُلَيْم بقُديد حتى نزلوا مَرَّ الظهران وبنو سُلَيْم معه
(2)
.
تعبئة الجيش وتوزيع الرايات والألوية:
وحسب سياق المؤرخين والمرجح من أقوالهم، أن عشائر بني سُلَيْم كانوا آخر قوة تنضم إلى الجيش النبوي المتحرك نحو مكة.
وبالألف فارس من بني سُلَيْم وبقية العشائر التي انخرطت في سلك الجيش النبوي أثناء تحركه في الطريق، اكتمل عدد القوات الإسلامية الزاحفة على مكة عشرة آلاف مقاتل بين فارس وراجل.
قُديد معسكر تجمع الجيش كله:
وكانت منطقة قُديد، من ديار بني المصطلق من خُزَاعَة، وحيث دارت المعركة التاريخية التي فيها خضّد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم شوكة بني المصطلق عندما كانوا مشركين عام فتنة المنافقين الذين جاءوا بالإفك
(3)
. ففي السهل من هذه المنطقة التي تقع بين رابغ وجدة كان التجمع الرئيسي والحشد النهائي للجيش النبوي، الذي بلغ مقاتلوه من
(1)
كانت بنو سُلَيْم من أعان قريشًا على المسلمين، إذ اشترك منهم إلى جانب قريش في معركة أُحُد حوالي سبعمائة مقاتل.
(2)
مغازي الواقدي ج 2 ص 813.
(3)
انظر تفاصيل غزوة بني المصطلق وقصة الإفك في كتاب غزوة الأحزاب لأحمد محمد باشميل.
مختلف القبائل عشرة آلاف رجل. وتدل الإحصاءات التفصيلية على أنَّ هذا الجيش العرمرم أكثر جنوده من قبائل الحجاز، كما يدلُّ على ذلك الجدول الآتي المبين لعدد القوات القبلية المشتركة في هذا الجيش.
هذه هي كلّ القوات التي زحفت على قريش في مكة عشرة آلاف مقاتل بين فارس وراجل، ولا شك أن هناك من الفرسان من مختلف القبائل التي لَمْ يحدد المؤرخون عددهم بما لا يقل عن خمسمائة فارس، يصبح عدد الفرسان على متون الخيل من بين العشرة آلاف 2480 (الفان وأربعمائة وثمانون).
بيان تفصيلي لعدد القوات وأسماء القبائل في الجيش النبوي
.
عدد المقاتلين
…
اسم القبيلة
…
موطنها
…
عدد الفرسان بينها
…
مكان الانخراط
4000
…
الأنصار (أوس وخزرج)
…
المدينة، الحجاز
…
500
…
المدينة
700
…
المهاجرون (قريش)
…
المدينة، الحجاز
…
300
…
المدينة
1000
…
مُزَيْنَة
…
وادي القري ونواحيه، الحجار
…
100
…
المدينة
800
…
جُهَيْنة
…
الحجاز
…
50
…
المدينة
400
…
أَسلم
…
الحجاز
…
30
…
المدينة
1000
…
بنو سُلَيْم .. الحجاز
…
1000
…
قَدَيد
500
…
خُزَاعَة
…
الحجاز
…
لم يعرف عددهم
…
الطريق
300
…
غِفار
…
الحجاز
…
لم يعرف عددهم
…
الطريق
300
…
أشجع
…
نجد
…
لم يعرف عددهم
…
الطريق
250
…
بنو ليث
…
الحجاز
…
لم يعرف عددهم
…
الطريق
200
…
ضمرة وبنو سعد
…
الحجاز
…
لم يعرف عددهم
…
الطريق
10 .
. بنو تميم
…
نجد
…
لم يعرف عددهم
…
الطريق
540
…
قبائل مختلفة
…
مختلف الأقاليم
…
لم يعرف عددهم
…
الطريق
10000
…
-
…
-
…
-
…
1980
كتائب سُلَيْم وأسماء ضباطها:
كذلك قبيلة بني سُلَيْم التي محاربوها في الجيش النبوي ألف مقاتل كلهم من الفرسان قسمهم الرسول القائد صلى الله عليه وسلم إلى ثلاث كتائب، وأعطى راية كلّ كتيبة إلى ضابط من أبناء بني سُلَيْم كما يلي:
اسم القبيلة
…
كتيبة
…
عدد
…
اسم ضابطها
بنو سُلَيْم
…
"
…
1
…
عباس بن مرداس
بنو سُلَيْم
…
"
…
1
…
خفاف بن ندبة
سُلَيْم:
…
"
…
1
…
الحجاج بن علاط
خالد بن الوليد قائد مقدمة الجيش النبوي:
وعند التحرك بالجيش من قُديد (مكان التجمع والحشد النهائي)، أسند الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الفارس والمحارب القُرشي المشهور خالد بن الوليد قيادة مُقدِّمة الجيش، وكلهم من الفرسان؛ غالبيتهم من بني سُلَيْم الذين كلهم من الفرسان وعددهم ألف فارس. وكان بنو سُلَيْم على راياتهم كلّ ضابط منهم قائد لكتيبته حسب التعيين النبوي في قُديد، وخالد إنما عيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم قائدًا عامًا للمقدمة ككل.
فرسان خالد أول من بدأ العرض العسكري:
وكان أول من افتتح العرض العسكري أمام أبي سفيان هو القائد خالد بن الوليد، قَدَّمه الرسول صلى الله عليه وسلم في ألف من بني سُلَيْم وكلهم من الفرسان يحمل ألويتهم ثلاثة منهم: عباس بن مرداس السُّلَمي، وخُفاف بن ندبة، والحجاج بن
عِلَاط. وكانت الكتائب قد غاص رجالها في الدروع فصارت تمر أمام أبي سفيان وكأنها بحر متحرك من الحديد. وعندما مر خالد في فرسان بني سُلَيْم قال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال العباس: بنو سُلَيْم. فقال أبو سفيان: ما لي ولسُلَيْم. ولما قال العباس وهذا قائدهم خالد بن الوليد. قال أبو سفيان: الغلام؟ قال: نعم.
ولما حاذى خالد العباس وإلى جانبه أبو سفيان كبَّر ثلاثًا، ثم مضوا.
ثم مرَّ الزبير بن العوام في خمسمائة من محاربي المهاجرين وأخلاط من العرب ومعه راية سوداء. فلما حاذى أبا سفيان كبَّر ثلاثًا.
قصة إسلام عباس بن مِرْدَاس زعيم بني سُلَيْم
قال ابن هشام: كان إسلام عباس بن مِرْدَاس فيما حدثه أهل العلم أنه كان لأبيه مِرْدَاس وثن يعبده وهو حجر كان يقال له "ضِمار" فلما حضر مِرْدَاس قال العباس: أي بُني اعبد ضِمار فإنه ينفعك ويضرك، فبينما عباس يومًا عند ضِمار إذ سمع من جوف ضِمار مناديا يقول:
قل للقبائل من سُلَيْم كلها
…
أودي ضِمار وعاش أهل المسجد
إن الذي ورث النبوة والهدى
…
بعد ابن مريم من قريش مهتد
أودي ضِمار وكان يعبد مرة
…
قبل الكتاب إلى النَّبِيّ محمد
فحرق عباس ضِمار ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأسلم.
أشعار عباس بن مِرْدَاس السُّلَمي
(أ) قال في فتح مكة المكرمة:
مِنَّا بمكة يوم فتح محمد
…
ألف تسيل به البطاح مسوم
نصروا الرسول وشاهدوا أيامه
…
وشعارهم يوم اللقاء مقدم
في منزل ثبتت به أقدامهم
…
ضنك كان الهام فيه الحنتم
(1)
جرت سنابكها بنجد قبلها
…
حتى استقاد لها الحجاز الأدهم
الله مكَّنه له وأذله
…
حكم فسيوف لنا وجد مزحم
عود الرياسة شامخ عرينته
…
متطلع ثغر المكارم خضرم
(ب) شعره في غزوة بني سُلَيْم مع خالد بن الوليد لجُذَيْمة من كِنَانة:
"وكِنَانة العدنانية منها قريش تفرَّعت"
قالت امرأة من بني جُذَيْمة يقال لها سَلْمى:
ولولا مقال القوم للقوم أسلموا
…
للاقت سُلَيْم يوم ذلك ناطحا
لما صعهم بسر وأصحاب جحدم
…
ومرة حتى يتركوا البرك ضابحا
فكأن ترى يوم الغميصاء من فتى
…
أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا
رد ابن مِرْدَاس عليها:
دعي عنك تقوال الضلال كفي بنا
…
لكبش الوغي في اليوم والأمس ناطحا
فخالد أولى بالتعذُّرِ منكم
…
غداة علا نهجًا من الأمر واضحا
معانا بأمر الله يزجى إليكم
…
سوانح لا تكبوا له وبوارحا
نعوا مالكًا بالسهل لما هبطنه
…
عوابس في كابي الغبار كوالحا
فإن تك أثكلناك سَلْمى فمالك
…
تركتم عليه نائحات ونائحا
(1)
الضنك: الضيق. الهام: الرأس. الحنتم: الحنظل.
(ج) شعره في غزوة حُنَيْن مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (لهَوَازِن) قال:
وفي هَوَازِن قوم غير أن بهم
…
داء اليماني فإن لَمْ يغدروا خانوا
فيهم أخ لو وفوا أو بر عهدهم
…
ولو نهكناهم بالطعن قد لانوا
أبلغ هَوَازِن أعلاها وأسفلها
…
مني رسالة نصحٍ فيه تبيان
أني أظن رسول الله صابحكم
…
جيشًا له في قضاء الأرض أركان
فيهم أخوكم
(1)
سُلَيْم غير تارككم
…
والمسلمون عُبَّاد الله غسَّان
وفي عضادته اليمنى بنو أسد
…
والأجربان
(2)
بنو عَبْس وذُبْيان
تكاد ترجف منه الأرض رهبة
…
وفي مقدمة أوس وعثمان
(3)
ومن قصيدة يخاطب فيها قارب بن الأسود وفراره من بني أبيه من (ثقيف) وذي الخمار وحبسه قومه للموت قال العباس بن مِرْدَاس:
ألا مبلغ غيلان عني
…
وسوف - أخال - يأتيه الخبير
وعروة إنما أهدي جوابًا
…
وقولًا غير قولكما يسير
بأن محمدًا عبد رسول
…
الرب لا يضل ولا يجور
وجدناه نبيًّا مثل موسى
…
فكان فتى يخابره مخير
وبئس الأمر أمر بني قُسي
…
بووچ إذا تقسمت الأمور
(4)
أضاعوا أمرهم ولكل قوم
…
أمير والدوائر قد تدور
فجئنا أُسْد غابات إليهم
…
جنود الله ضاحية تسير
(5)
يوم الجمع جمع بني قُسي
…
على حنق تكاد له تطير
(1)
أخوكم: يقصد أن هَوَازِنا أخ سُلَيْم فكلاهما من أب واحد هو مَنْصُور بن عِكْرِمَة.
(2)
الأجربان: شبه عَبْس وذُبْيان من غَطَفَان بأنهما كالأجرب الذي لا يطاق ولا يقرب كناية أنهما لا يطاقا في الحرب. وقال كُليب يشيد بفرسان غَطَفَان وشبههم بالأسود في معركة خزازي الشهيرة بين بني عدنان واليمن:
دَلفْت إليهم بالصفائح والقنا
…
على كلّ ليثٍ من بني غَطَفَان
(3)
أوس وعثمان: هما فرعا نبيلة مُزَيْنَة العدنانية.
(4)
قسي: اسم ثقيف، ووچ: واد بالطائف قبل حُنين.
(5)
ضاحية: ظاهرة لا تختفي.
وأقسم لو هم مكثوا لسرنا
…
إليهم بالجنود ولم يغوروا
(1)
فكنا أُسْد لية ثم حتى
…
أبحناهم وأسلمت النصور
(2)
ويوم كان قبل لدى حُنين
…
فأقلع والدماء به تمور
من الأيام لَمْ تسمع كيوم
…
ولم يسمع به قوم ذكور
قتلنا في الغبار بني حطيط
…
على رايتها والخيل زور
(3)
ولم يك ذو الخمار رئيس قوم
…
لهم عقل يعاقب أو مكير
أقام بهم على سنن المنايا
(4)
…
وقد بانت لمبصرِها الأمور
فأفلت من نجا جريضًا
…
وقُتل منهم بشر كثير
(5)
ولا يغني الأمور أخو التواني
…
ولا الغلق الصريرة الحصور
(6)
أحنَّاهم وحان ولمكوه
…
أمورهم وأفلتت الصقور
بنو عوف تميح بهم جياد
…
أهين لها الفصافص والشعير
(7)
فلولا قارب وبنو أبيه
…
تقسَّمت المزارع والقصور
ولكن الرياسة عمومها
…
على يمن أشار به المشير
أطاعوا قاربًا ولهم جدود
…
وأحلام إلى عز تصير
فإن يهدوا إلى الإسلام يلفوا
…
أنوف النّاس ما سمر السمير
وإن لَمْ يسلموا فهم أذان
…
بحرب الله ليس لهم نصير
(1)
لَمْ يغرروا: لَمْ يذهبوا.
(2)
لية: موضع قريب من الطائف. النصور: قيل أنَّها جمع ناصر وقيل هم بنو نصر من هَوَازِن رهط مالك بن عوف النصري قائد هَوَازِن يوم حنين.
(3)
زور: مائلة.
(4)
المنايا: طريقها.
(5)
الجريض: من يغص بريقه.
(6)
الغلق: صيق الخلق.
(7)
تميح: تمشي مشيًا مستويًا. الفصاص: جمع فصفصة وهو النبات الذي تأكله المواشي رطبا، وبنو عوف هم بطن من ثقيف.
كما حكت بني معاوية بن بكر
…
برهط بني غزية عنقفير
(1)
كأن بني معاوية بن بكر
…
إلى الإسلام ضائنة تخور
فقلنا أسلموا أنا أخوكم
…
وقد برئت من الإحن الصدور
كأن القوم إذ جاءوا إلينا
…
من البغضاء بعد السلم عور
- وقال الجحَّاف بن حكيم السُّلَمي في غزوة حُنَيْن:
شهدن مع النَّبِيّ مسومات
…
حُنَيْنا وهي دامية الكلام
وغزوة خالد شهدت وجرت
…
سنابكهن بالبلد الحرام
نعرض للطِعان إذا التقينا
…
وجوهًا لا تعرض للِّطام
ولست بخالع عني ثيابي
…
إذا هز الكماة ولا أرامي
ولكن يجول المهر تحني
…
إلى العلوات بالعضب الحسام
- وقال عباس بن مِرْدَاس السُّلَمي في يوم حُنَيْن:
إني والسوابح يوم جمع
…
وما يتلو الرسول من الكتاب
لقد أحببت ما لقيت ثقيف
…
بجنب الشعب أمس من العذاب
هزمنا الجمع جمع بني قُسي
…
وحكت بركها ببني رئاب
(2)
وصِرْمَا من هِلَال غادرتهم
…
بأوطاس تُعْفَر بالتراب
(3)
ولو لاقين جمع بني كلاب
…
لسام نساؤهم والنقع كأبي
ركضنا الخيل فيهم بين بس
…
إلى الأورال تنحط بالتهاب
(4)
بذي لجب رسول الله فيهم
…
كتيبته تعرض للضراب
(1)
عنقفير: الداهية وبني غزية من جُشم بن بكر بن هَوَازِن وهم رهط دُريد بن الصُّمَّة.
(2)
البرك: الصدر ويريد بحكة بركها: شدة وطأة الحرب.
(3)
الصِرْم: الجماعة من النّاس أو البيوت المنقطعة عن الحي، وكان بنو هِلَال بن عامر من هَوَازِن حينها ما زالوا عشيرة قليلة العدد وقد شاركوا مع قومهم في حُنَيْن.
(4)
بس والأورال: مكانان تنحط تخرج أنفاسها عالية.
لما أكثر عباس بن مِرْدَاس السُّلَمي على هَوَازِن قال عطية بن عفيف النصري، وهو من "بني نصر بن معاوية" بن بكر بن هَوَازِن بن منصور بن عِكْرَمة بن خَصْفَةَ بن قيس عَيْلان بن مُضَر .. قال:
أفاخرة رِفاعة في حُنَيْن
…
وعباس ابن راضعة اللجاب
فإنك والفِجار كذات مرط
…
لربتها وترفل في الاهاب
ورفاعة: البطن الذي منه عباس بن مِرْدَاس وهو "رفاعة بن الحارث بن بُهْثَة بن سُلَيْم" بن مَنْصور بن عِكْرَمة بن خَصْفَةَ بن قَيس عَيْلان بن مُضَر.
راضعة اللجاب: العنز التي لبنها قليل.
وهَوَازِن قوم لا ينكر لهم قوة عزم وبأس وجبروت في الجاهلية وكذلك ثقيف، ولكن أين هم من قوة الله عليهم وبأس العرب جميعًا والنَّبِي صلى الله عليه وسلم خصمهم وهو المُبشِّر بالحق والدين القويم، ورغم استسلام قريش في مكة فقد عاندت وكابرت هَوَازِن وثَقِّيف.
وكما نرى أبو ثواب زيد بن صُحار أحد بني سعد بن بكر بن هَوَازِن يقول بكل كبرياء وصلف متمسِّكًا بنعرته القَبَلية رغم أن الحق ليس معه:
ألا هل أتاك أن غلبت قُريش
…
هَوَازِن والخطوب لها شروط
وكنا يا قُريش أذا غضبنا
…
كأن أنوفنا فيها سعوط
فأصبحنا تسوقنا قُريش
…
سياق العير يحدوها النبيط!
وهذا آخر من هَوَازِن ولكنه هنا يعترف بالحق بعد إسلام مالك بن عوف النصري ومعه هَوَازِن بعد غزوة حُنَيْن حيث قال:
أذكر مسيرهم للناس إذ جمعوا
…
ومالك فوق الرايات تختفق
ومالك ومالك ما فوقه أحد
…
يوم حُنَيْن عليه التاج يأتلق
حتى لاقوا النّاس حين البأس يقدمهم
…
عليهم البيض والأبدان والدُرُق
فضاربوا النّاس حتى لَمْ يروا أحدًا
…
حول النَّبِيّ وحتى جنة الغسق
ثمت نزل جبريل ينصرهم
…
من السماء فمهزوم ومُعْتَنق
(1)
منَّا ولو غير جبريل يقاتلنا
…
لمنعتنا إذن أسيافنا العُنُق
وفاتنا عمر الفاروق إذ هزموا
…
بطعنة بل منها سرحة العَلَق
(2)
شعر عباس بن مِرْدَاس (بني سُلَيْم العدنانية) في حُنَيْن:
عن ابن إسحاق في سيرة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:
قال عباس بن مِرْدَاس السُّلَمي:
يا خاتم النُّبَآءِ إنك مرسل
…
بالحق كلّ هدي السبيل هداكا
إن الإله بني عليك محبة
…
في خلقه ومحمدا سماكا
ثم الذين وفوا ما عاهدتم
…
جند بعثت عليهم الضحَّاكا
(3)
رجلًا به ذرب
(4)
السلاح كأنه
…
لما تكنفه العدو يراكا
يغشي ذوي النسب
(5)
القريب وإنما
…
يبغي رضا الرَّحمن ثم رضاكا
أنبيك أني قد رأيت مكره
…
تحت العجاجة يدمغ الإشراكا
طورًا يعانق باليدين وتارة
…
يفري الجماجم صارمًا بتَّاكا
(6)
يغشي به هام الكماة ولو تري
…
منه الذي عاينت كان شفاكا
وبنو سُلَيْم معنوق
(7)
أمامه
…
ضربًا وطعنًا في العدو دراكا
(8)
(1)
معتنق: الأسير.
(2)
العلق: الدم.
(3)
الضحاكا: يقصد الضحَّاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هَوَازِن، وكان قائد بني سُلَيْم يوم حُنَيْن وكانوا ألفًا وقتئذ، ولم يحضر من رهطه بني كلاب، أحد يذكر مع هَوَازِن يوم حُنَيْن.
(4)
الذرب: الحدة.
(5)
ذوي النسب القريب: يقصد أن الضحَّاك يحارب قومه من هَوَازِن لأنهم يعاندون ويكابرون على الحق ويتمسكون بالشرك والضلال، وهذا لَمْ يمنع الصحابي الضحَّاك رضي الله عنه أن يرفع سيفه في وجه هَوَازِن قبيلته التي فيها يعزى وإليها ينتسب.
(6)
بتاكا: قاطع.
(7)
معنوق: مسرعون.
(8)
دِراكا: متتابع.
يمشون تحت لوائه وكأنهم
…
أُسْد العرين
(1)
أردن ثم عراكا
(2)
ما يرتجون من القريب قرابة
…
إلَّا لطاعة ربهم وهواكا
هذي مشاعرنا التي كانت لنا
…
معروفة ووليُّنا مولاكا
وقال عباس بن مِرْدَاس أيضًا:
أما ترى يا أم فروة خيلنا
…
منها مُعطَّلة تُقاد وظلَّع
(3)
أو هي مقارعة الأعادي دمها
…
فيها نوافذ من جراح تنبع
فلرب قائلة كفاها وقعنا
…
أزم
(4)
الحروب فسر بها لا يفزع
لا وفد كالوفد الأولى عقدوا لنا
…
سببًا بحبل محمد لا يُقْطع
وقد أبو قطن حزابة منهم
…
وأبو الغيوث وواسع والمقنع
والقائد المائية التي وفي بها
…
تسع المئين فتم ألف أقرع
(5)
جمعت بنو عوف ورهط مخاشن
…
ستًا وأجلب من خِفاف
(6)
أربع
فهناك إذ نصر النَّبِيّ بألفنا
…
عقد النَّبِيّ لنا لواء يلمع
فزنا برايته وأورث عقده
…
مجد الحياة وسؤددا لا ينزع
وغداة نحن مع النَّبِيّ جناحه
…
ببطاح مكة والقنا يتهزّع
(7)
كانت إجابتنا لداعي ربنا
…
بالحق منا حاسر ومُقنَّع
وفي كلّ
(8)
سابغة تخير سردها
(9)
…
داود إذ نسج الحديد وتُبَّع
(10)
(1)
العرين: موضع الأسد.
(2)
عِراكا: المدافعة
(3)
الظلع: العرج.
(4)
الأزم: الشدة.
(5)
ألف أقرع: ألف بالتمام.
(6)
ويعني في هذا البيت أن سُلَيْم جمعت فرسان من عوف ستمائة و من خفاف أربعمائة.
(7)
يتهزع: يضرب.
(8)
السابغة: الدروع الكاملة.
(9)
السرد: النسج
(10)
تُبع: ملك من ملوك اليمن.
ولنا على بئري حُنَيْن موكب
…
دمغ النفاق وهضبة ما تقلع
نصر النَّبِيّ بنا وكنا معشرًا
…
في كلّ نائبة نضُر وننفع
زرنا غداتئذ هَوَازِن بالقنا
…
والخيل يغمرها عجاج يسطع
إذ خاف حدهم النَّبِيّ وأسندوا
…
جمعًا تكاد الشمس منه تخشع
دعي بنو جُشَم وتُدعي وسطه
…
أفناء
(1)
نصر والأسنة شُرَّع
حتى إذا قال الرسول محمد
…
بني سُلَيْم قد وفيتم فارفعوا
رحنا ولولا نحن أجحف
(2)
بأسهم
…
بالمؤمنين وأحرزوا ما جمعوا
وقال عباس بن مِرْدَاس السُّلَمي في يوم حُنَيْن أيضًا:
عفا مجدل
(3)
من أهله فمتالع
(4)
…
فمطلًا أريك قد خلا فالمُصانع
ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا
…
رخي وصرف الدار للحي جامع
حبيبة الموت بها غربة النوى
…
لبين فهل ماض من العيش راجع
فإن تبتغي الكفار غير ملومة
…
فإني وزير للنبي وتابع
دعاني إليهم خير وقد علمتهم
…
خزيمة والمرار منهم وواسع
فجئنا بألف من سُلَيْم عليهم
…
لبوس لهم من نسج داود رائع
نبايعه بالأخشبين
(5)
وإنما
…
يد الله بين الأخشبين نبايع
فجسنا
(6)
مع المهدي
(7)
مكة عنوة
…
بأسيافنا والنقع كاب وساطع
عدنية والخيل يغشي متونها
…
حميم وآن من دم الجوف ناقع
(1)
الأفناء: الجماعة من أصل واحد.
(2)
أجحف: انقص وأخذ.
(3)
مجدل: موضع في بلاد العرب وقيل اسم بلد طيب بالخابور إلى جانبه تل عليه قصر وأسواق كثيرة.
(4)
متالع: جبل بنجد وفيه عين يقال لها الخرارة كما قال الأصمر، وقال الحفصي هو جبل عنده ماء لبني مالك بن سعد؟.
(5)
الأخشبان: جبلان بمكة المكرمة.
(6)
جسنا: وطئنا.
(7)
المهدي: نبي الهُدى محمد صلى الله عليه وسلم.
ويوم حُنَيْن حين سارت هَوَازِن إلينا
…
وضاقت بالنفوس الأضالع
صبرنا مع الضحَّاك لا يستفزنا
…
قِراع الأعادي منهم والوقائع
أمام رسول الله يخفق فوقنا
…
لواء كخذروف
(1)
السحابة لامع
عشية ضحَّاك بن سفيان معتص
(2)
…
بسيف رسول الله والموت كانع
(3)
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى
…
مصالًا لكنا الأقربين نتابع
(4)
ولكن دين الله دين محمد
…
رضينا به في الهدى والشرائع
أقسام به بعد الضلالة أمرنا
…
وليس لأمر حمه الله دافع
وقال عباس بن مِرْدَاس أيضًا في يوم حُنَيْن:
تقطع باقي وصل أم مؤمل
…
بعاقبة واستبدلت نية
(5)
خلفا
(6)
وقد حلفت بالله لا تقطع القوي
(7)
…
فما صدقت فيه ولابرت الحلفا
خفافية
(8)
بطن العقيق
(9)
مصيفها
…
وتحتل في البادين وحرَّة فالعرفا
(10)
فإن تتبع الكفار أم مؤمل
…
فقد زودت قلبي على نأيها شغفا
وسوف ينيبها الخبير بأننا
…
أبينا ولم نطلب سوى ربنا حلفا
وأنا مع الهادي النَّبِيّ محمد
…
وفينا ولم يستوفها معشر ألفًا
بفتيان صدق من سُلَيْم أعزة
…
أطاعوا فما يعصون من أمره حرفا
(1)
خذروف السحابة: طرفها.
(2)
معتص: ضارب.
(3)
كانع: مقترب.
(4)
يقصد في هذا البيت أن سُلَيْم وهَوَازِن أبناء رجل واحد، ولولا شركهم بالله لاتبعناهم وكنا دونهم من أي ضيم يلحقهم ولكن نحن نذود عن أخوتنا في الإسلام والإيمان فهم أقرب لنا وأولي من قرابة الدم والأصل. ونذود: أي ندفع.
(5)
النية: من النوى وهو البعد.
(6)
خلفا يجوز أن يكون مفعولًا من أجله أي فعلت ذلك من أجل الخلف، ويجوز أن يكون مصدرًا مؤكدًا للاستبدال، لأنَّ استبدالها به خلف منها لما وعدته به ويقوي البيت الذي بعده.
(7)
القوي: قوي العهد، وهذا هو الخلف المتقدم ذكره.
(8)
خفافية: نسبة إلى بني خفاف من سُلَيْم.
(9)
العقيق: واد بالحجاز.
(10)
وحرَّة والعرف: موضعان في ديار سُلَيْم.
خُفَاف وذكْوان وعوف تخالهم
…
مصاعب
(1)
زافت
(2)
في طروقتها
(3)
كلفا
(4)
كأن النسيج الشهب
(5)
والبيض ملبس
…
أُسُودًا تلاقت في مراصدها غصفا
(6)
بنا عز دين الله غير تنحل
(7)
…
وزدنا على الحي الذي معه ضعفا
بمكة إذا جئنا كأن لواءنا
…
عقاب أرادت بعد تحليقها خطفا
على شخص الأبصار تحسب بينها
…
إذا هي جالت في مراودها عزفا
(8)
غداة وطننا المشركين ولم نجد
…
لأمر رسول الله عدلًا
(9)
ولا صرفا
(10)
بمعترك
(11)
لا يسمع القوم وسطه
…
لنا زجمة
(12)
لا التذامر
(13)
والنقفا
بيض تطير الهام يمن مستقدرها
…
ونقطف أعناق الكماة بها قطفا
فكائن تركنا من قتيل ملحب
(14)
…
وأرملة تدعو على بعلها لهفا
رضا الله ننوي لا رضا النّاس نبتغي
…
وللّه ما يبدو جميعًا وما يخفى
وقال العباس بن مِرْدَاس أيضًا:
ما بال عينك فيها عائر سهر
…
مثل الحماطة أغضي فوقها الشفر
(15)
عين تأويها من شجوها أرق
…
فالماء يغمرها طورًا وينحدر
(1)
مصاعب: فحول.
(2)
زافت: تحركت.
(3)
الطروق: التي يطرقها الفحول.
(4)
كلف: سود.
(5)
الشهب: التي يخالط بياضها حمرة.
(6)
غضف: مسترخية الآذان.
(7)
غير تنحل: غير كذب.
(8)
العزف: الصوت والحركة.
(9)
العدل: الفدية.
(10)
الصرف: التوبة.
(11)
المعترك: موضع الحرب.
(12)
زجمة: الصوت.
(13)
التذامر: الحض على القتال.
(14)
ملحب: مقطع اللحم.
(15)
العائر: كلّ ما أعل العين، الحماطة: تبن الذرة خاصة.
كأنه نظم در عند ناظمة
…
تقطع السلك منه فهو منتشر
(1)
يا بعد منزل من ترجو مودته
…
ومن أتى دونه الصمان فالحفر
(2)
دع ما تقدم من عهد الشباب فقد
…
ولى الشباب وزار الشيب والزعر
(3)
واذكر بلاء سُلَيْم في مواطنها
…
وفي سُلَيْم لأهل الفخر مفتخر
قوم هم نصروا الرَّحمن واتبعوا
…
دين الرسول وأمر النّاس مشتجر
لا يغرسون فسيل النخل وسطهم
…
ولا تخاور في مشاتهم البقر
(4)
إلَّا سوابح كالعقبان مقربة
…
في دارة حولها الأخطار والعكر
(5)
تُدعى خِفاف وعوف في جوانبها
…
وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر
(6)
الضاربون جنود الشر ضاحية
…
ببطن مكة والأرواح تبتدر
حتى دفعنا وقتلاهم كأنهم
…
نخل بظاهرة البطحاء منقعر
ونحن يوم حُنَيْن كان مشهدنا
…
للدين عزًا وعند الله مدخر
إذ نركب الموت مخضرًا بطائنه
…
والخيل ينجاب عنها ساطع كدر
(7)
تحت اللواء مع الضحَّاك يقدمنا
…
كما مشى الليث في غاباته الخدر
(8)
في مأزق من مجر الحرب كَلْكَلُها
…
تكاد تأفل منه الشمس والقمر
(9)
وقد صبرنا بأوطاس أستنا
…
الله ننصر من شئنا وننتصر
حتى تأرب أقوام منازلهم
…
لولا المليك ولولا نحن ما صدروا
فما ترى معشرًا قلَّوا ولا كثروا
…
إلَّا قد أصبح منا فيهم أثر
(1)
منتثر: متفرق.
(2)
الصمان والحفر: موضعان.
(3)
الزعر: قلة الشعر.
(4)
فسيل: صغار النخل، تخاور: من الحوار وهو صوت البقر، ويقصد هنا أن سُلَيْم ليسوا أهل زرع ولا رعي وإنما هم أهل حرب.
(5)
السوابح: الخيل السريعة، العقبان: طائر من الجوارح قوي المحالب أعقف المنقار حاد البصر، مقربة: قرية من الدور محافظة عليها لكرمها، الأخطار: جماعات الإبل، العكر: الإبل الكثيرة.
(6)
الميل: الذي لا سلاح لهم.
(7)
ساطع: أي غبار ساطع وهو المتفرق.
(8)
الخدر: الداخل في خدرة وهو أكمة الأسد.
(9)
الكلكل: الصدر.
وقال عباس بن مِرْدَاس أيضًا في فتح مكة ويوم حُنَيْن:
يا أيها الرجل الذي تهوي به
…
وجناء مجمرة المناسم عرمس
(1)
أما أتيت على النَّبِيّ فقل له
…
حقًّا عليك إذا أطمأن المجلس
يا خير من ركب المطى ومن مشي
…
فوق التراب إذا تعد الأنفس
إنا وفيْنا بالذي عاهدتنا
…
والخيل تقدع بالكماة وتضرس
(2)
إذا سأل من أفناء بُهْثَة كلها
…
جمع تظل به المخارم ترجس
(3)
حتى صبَّحنا أهل مكة فيلقًا
…
شهباء يقدمها الهمام الأشوس
(4)
من كلّ أغلب من سُلَيْم فوقه
…
بيضاء محكمة الدخال وقونس
يروي القناة إذا تجاسر في الوغى
…
وتخاله أسدًا إذا ما يُعبس
يغشى الكتيبة معلمًا وبكفه
…
عضب يقد به ولدن مدعس
(5)
وعلى حُنَيْن قد وفي من جمعنا
…
ألف أمد به الرسول عَرَنْدس
(6)
كانوا أمام المؤمنين دريئة
…
والشمس يومئذ عليهم أشمس
نمضي ويحرسنا الإله بحفظه
…
والله ليس بضائع من يحرس
ولقد حبسنا بالمناقب محبسًا
…
رضي الإله به فنعم المحبس
وغداة أوطاس شددنا شدة
…
كفت العدو وقيل منها: يا احبسوا
تدعو هَوَازِن بالإخاوة بيننا
…
ثدي تمتد به هَوَازِن أيبس
حتى تركنا جمعهم وكأنه
…
عير تعاقبه السباع مفرّس
(1)
الوجناء: الضخمة، الجمرة: مجتمعة الجسم، المناسم مقادم خف البعير، العرمس: الشديدة.
(2)
تقدع: تكف، تضرس: تجرح.
(3)
سال: ارتفع، بُهْثَة: ابن سُلَيْم الأوحد الذي تفرعت منه بطون بني سُلَيْم جمعاء، المخارم: الطرق الجبلية، ترجي: نتحرك.
(4)
الأشوس: الذي ينظر نظر التكبر.
(5)
العضب: السيف القاطع، لدن: يقصد به الرجم، مدعس: طعان.
(6)
عرندس: شديدة.
وقال ابن مِرْدَاس السُّلَمي أيضًا:
نصرنا رسول الله من غضب له
…
بألف كمي لا تعد حواسره
(1)
حملنا له في عامل الرمح راية
…
يذود بها في حومة الموت ناصره
ونحن خضبناها دمًا فهو لونها
…
غداة حُنين يوم صفوان شاجره
(2)
وكنا على الإسلام ميمنة له
…
وكان لنا عقد اللواء وشاهره
وكنا له دون الجنود بطانه
…
يشاورنا في أمره ونشاوره
دعانا فسمانا الشُعَّار مُقدِّمًا
…
وكنا له عونًا على من يناكره
(3)
جزى الله خيرًا من نبي محمدًا
…
وأيده بالنصر والله ناصره
وقال ابن مِرْدَاس أيضًا:
من مبلغ الأقوام أن محمدًا
…
رسول الإله راشد حيث يممَا
دعا ربه واستنصر الله وحده
…
فأصبح قد وفى إليه وأَنْعُما
تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا
…
مع الفجر فتيانًا وغابًا مُقَوَّمَا
(4)
على الخيل مشدودًا علينا دروعنا
…
ورجلًا كدفاع الآتي عَرمْرَما
(5)
فإن سراة الحي إن كنت سائلا
…
سُلَيْم وفيهم منهم من تَسلَّمَا
(6)
وجند من الأنصار لا يخذلونه
…
أطاعوا فما يعصونه ما تَكَلَّمَا
فإن تك قد أمرت في القوم خالدًا
…
وقدمته فإنه قد تَقَدَّمَا
بجند هداه الله أبت أميره
…
تصيب به الحق من كان أَظْلَما
حلفت يمينًا بره لمحمد
…
فأكملتها ألفًا من الخيل مُلَجَّمَا
(1)
الحواسر: الذين لا دروع عليهم.
(2)
شاجره: خالطه بالرمح.
(3)
الشعار: وهي الثياب التي تلي الجسد كناية عن قرب الحاشية، أي أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سمى بني سُلَيْم "الشُعَّار" أي المقربين له.
(4)
تماروا: شكوا فينا، الغاب: الرماح.
(5)
الآتي: السيل، العرمرم: الكثير.
(6)
يقصد من حالف سُلَيْم واعتزى لهم أو يقال تقيس الرجل أي اعتزي لقيس.
وقال نبي المؤمنين تقدموا
…
وحب إلينا أن نكون المَقْدِمَا
وبتنا بنهي المستدين ولم يكن
…
بنا الخوف إلَّا رغبة وتحزُّمَا
أطعناك حتى أسلم النّاس كلهم
…
وحتى صبَّحنا الجمع أهل يَلَمْلُمَا
(1)
يضل الحصان الأبلق الورد وسطه
…
ولا يطمئن الشيخ حتى يُسَوَّمَا
(2)
سمونا لهم ورد القطا زفة ضحي
…
وكل تراه عن أخيه قد أَحْجَما
(3)
لدن غدوة حتى تركنا عشية
…
حُنينا وقد سألت دوافعه دَما
(4)
إذا شئت من كلّ رأيت طمرة
…
وفارسها يهوي ورُمْحًا مُحَطَّما
(5)
وقد أحرزت منا هَوَازِن سربها
…
وحب إليها أن نخيب ونُحْرمَا
(6)
وقال ضَمْضَم بن الحارث بن جُشَم بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عصية السُّلَمي في يوم حُنَيْن؛ وكانت ثَقِّيف قد أصابت كِنَانة بن الحكم بن خالد بن الشريد السُّلَمي، فقتل به محجنًا وابن عم له وهما من ثَقِّيف وأدرك ثأر كِنَانة، قال شعرًا منه:
نحن جلبنا الخيل من غير مجلب
…
إلى جَرَشْ
(7)
من أهل زيان والفم
نقتل أشبال الأسود ونبتغي
…
طواغي كانت قبلنا لَمْ تُهْدَم
فإن تفخروا بابن الشريد فإنني
…
تركت بووچ مأتمًا بعد مأتم
أبأتهما بابن الشريد وغره
…
جواركم وكان غير مُذَمم
تصيب رجالًا من ثَقِّيف
…
رماحنا وأسيافنا يَكْلِمنَّهم كلَّ مَكْلَمِ
(1)
يلملم: ميقات حجاج اليمن ومن أتوا عن طريقها وهو جبل على مرحلتين من مكة.
(2)
الأبلق: الذي يختلط لونه بالسواد والبياض، الورد: الشرب بالحمرة واجتماع هذه الألوان في الحصان مما يزيده ظهورًا، يسوم: يعلم والكلمة من "الوَسْم" وهو معروف عند القبائل ولكل قبيلة علامة توضع بالنار على الدواب من إبل وأغنام وخيل.
(3)
القطا: طائر. زفه: أسرع به.
(4)
دوافع: مجاري السيل.
(5)
الطمرة: الفرس السريعة الوثابة.
(6)
السرب: المال الراعي.
(7)
جَرَشْ: بلدة في اليمن (أو من مخاليف اليمن من جهة مكة).
وقال ضمضم السُّلَمي أيضًا:
أبلغ لديك ذوي الحلائل آية
…
لا تأمنن الدهر ذات خِمار
بعد التي قالت لجارة بيتها
…
قد كنت لو لبث الغزي بدار
لما رأت رجلًا تسفع لونه
…
وغر المصيفة والعظام عواري
(1)
مشط العظام تراه آخر ليلة
…
متسربلًا في درعه لغوَّار
(2)
إذ لا أزال على رحَّالة نهدة
…
جرداء تلحق بالنجاد إزاري
(3)
يومًا على أثر التهاب وتارة
…
كتبت مجاهدة مع الأنصار
وزهاء كلّ خميلة أزهقتها
…
مهلًا تمهله وكل خبار
(4)
كيما أغيِّر ما بها من حاجة
…
وتود أني لا أؤوب فُجَّاره
(5)
العباس بن مِرْدَاس وسبي هَوَازِن
لما أسلم وفد هَوَازِن بعد حُنَين وجاء للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لَمْ يخف عليك فامنن علينا مَنَّ الله عليك، وقام رجل يُكَنى أبا صرد من بني سعد بن بكر (هَوَازِني) فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر (الأَسْر) عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك (يقصد حليمة بنت ذؤيب السعدية من هَوَازِن) ولو أنا مالحنا للحارث (أي أرضعناه) أو للنعمان بن المنذر ثم نزل منا يمثل الذي نزلت به ورجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين، فرد النَّبِيّ الكريم صلى الله عليه وسلم قائلًا لهَوَازِن:
أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ فقالوا: يا رسول الله خيِّرتنا بين أموالنا وأحسابنا فلترد علينا نساءنا وأبناءنا فهو أحب إلينا، فأجاب الرسول الكريم قائلًا: أما ما كان لي ولبنى عبد المطلب فهو لكم، وإذا ما صليت الظهر بالنّاس فقوموا وقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله
(1)
تسفع تغير إلى السفعة وهي سواد مشبع بحمرة، الوغر: شدة الحر، المصيفة: شديدة الحرارة.
(2)
مشط العظام: قليل اللحم، لغوار: للإغارة.
(3)
الرحالة: السرج، نهدة: غليظة، النجاد: حمائل السيف.
(4)
الخميلة: رملة طيبة ينبت فيها شجر، الخبار: ما لان واسترخى من الأرض.
(5)
فُجَّار: تستعمل في النداء عادة ويقال يا فجَّار للمرأة الفاجرة.
في أبنائنا ونسائنا فسأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم، وبعد الصلاة فعلوا ما أمرهم النَّبِيّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين: وأما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الأقرع بن حابس التميمي وكان غليظ القلب فقال: أما أنا وبنو تميم فلا!، ومثله قال عُيينة بن حِصْن وكان يسميه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الأَحْمَق المُطَاع في قومه من غَطَفَان لأنه تتبعه عشرة آلاف قناة أي فارس إذا صرخ للحرب!، وقال عُيينة: أما أنا وبنو فزارة فلا.
وأحبَّ عباس بن مِرْدَاس أن يُقلِّدهم فقال: أما أنا وبنو سُلَيْم فلا!! ولكن رد بنو سُلَيْم كان سريعًا ومخالفًا لزعيمهم، فقالوا: بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عباس بن مِرْدَاس لهم: وهَّنتموني أي خذلتموني!.
عطاء النَّبِيّ لعباس من إبل هَوَازِن
أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وكانوا أشرافًا من أشراف النّاس يتألفهم ويتألف بهم قومهم فأعطى عُيينة بن حِصْن الفزاري، وأبا سفيان ومعاوية ابنه، وحكيم بن حِزَام وغيرهم من قريش لكل منهم مائة بعير، وقد أعطى لعباس بن مِرْدَاس بعض الإبل قيل دون الخمسين، فَسَخِطَها فقال شعرًا يعاتب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:
كانت نِهابا تلافَيْتُها
…
بَكري على المُهْر في الأَجْرع
وإيقاظي القومَ أن يْرقُدوا
…
إذا هَجعَ النّاس لَمْ أهجع
فأصبح نَهْبي ونَهْب العبيد
(1)
…
بين عُيينة والأَقْرَعِ
وقد كنتُ في الحرب ذا تدراء
…
فلم أُعْطَ شيئًا ولم أمنع
إلَّا أفَائلَ
(2)
أُعْطيِّتُها
…
عَديْدٌ قوائمها الأربع
وما كان حِصْنٌ ولا حَابس
…
يفوقان مِرْداس في المُجْمَع
(3)
وما كنْتُ دون امرئ منهما
…
ومن تَخْفِضِ اليوم لا يُرْفَع
(4)
(1)
العبيد: اسم فرس عباس بن مِرْدَاس.
(2)
أفائل: أصاغر الإبل ومفردها أفيل.
(3)
المُجمع: أي في الفروسية، في اجتماع الفرسان في حومة الوغى.
(4)
لا يُرْفع: ويقصد من يأخذ إبلًا أقلّ من الآخرين يقل قدره بين الفرسان وقادة القبائل، وهذا طبعًا من وجهة نظره، ولكن النَّبِيّ لا يقصد صلى الله عليه وسلم إنقاص قدر أي صحابي بل من أعطاهم ليسوا بدرجة من لم =
فلما وصل للنبي صلى الله عليه وسلم شِعره؛ قال: اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه. فأعطوه حتى رضي فكان معني كلام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هو إرضاء نفسه، فلما قدم العباس على النَّبِيّ بعدها قال له صلى الله عليه وسلم: أنت القائل: "فأصبح نَهْبِي ونَهْب العبيد بين الأقرع وعُيّينة؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: بين عُيّينة والأقرع، فقال النَّبِيّ: هما واحد، فقال أبو بكر: أشهد أنك كما قال الله تعالى:
{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69].
= يعطهم بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لَمْ يعط الأنصار بعيرًا واحدًا رغم كرامتهم وحب النَّبِيّ لهم وكذلك لَمْ يعط كبار الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعلي.
التفصيل عن سُلَيْم في المملكة العربية السعودية
أولًا - قبيلتا فَتيَّة
(1)
وحَبَش
(2)
:
تقطن عشائر فتية وحَبَش في بعض ديار سُلَيْم القديمة والتاريخية ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وذلك في وادي ساية وستارة وما حولهما من القرى والمواضع.
[أ] فتية
وهو فُتَيَّة بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سُلَيْم. ذكرهم أبو علي الهجري في التعليقات والنوادر في أول القرن الرابع الهجري، وكذا ذكرهم الرشاطي.
تنقسم إلى عدة فروع هي: ربيعة - حُليل - راشد - بركة:
ومعظم هذه الفروع من فستية تسكن في نواحي جبل شمنصير وواديي كلية وستارة وضواحيهما وما بهما من القرى.
(1)
ربيعة فيه عشائر: بنو سري، وبنو نوال. وأغلب هذه العشائر تسكن في جبل شمنصير ووادي وبح وما حولهما من المواضع.
ومن عشيرة بنو سري فخوذ: الشنونة
(3)
، والمداهين، والعطاطيف، والنقرين، والحسنان، والعبدة، والنمران، والغراوي.
(1)
فَتِيَّة: أكبر من قبيلة حَبَش من حيث العدد في الوقت الحاضر.
(2)
حَبَش: ذكرت في عدة مخطوطات من بينها الطبري في تاريخه باسم حَبَشي ج 11 ص 13 وقال: إنهم بطن من سُلَيْم بن منصور من العدنانية كان لهم ذكرا في حوادث عام 23 هجرية في المدينة المنورة.
(3)
ومن أفخاذ الشنوتة بني لافي وبني لويفي وبني عويقل "العواقلة" وشيخهم سعيد بن مسفر، ومنهم الشيخ عمرو بن عوض السُّلَمي الذي يعمل قاضيًا في المهد وهو إلى جانب القضاء يعمل إماما للجامع الكبير، وهو من رجالات سُلَيْم البارزين بالمملكة ويتمتع بالأخلاق الحميدة والحكمة والتواضع والوقار.
ومن عشيرة بني نوال فخوذ: الأذينات، والمطاردة، والصُدَّر، والزحَمة. ومعظم ربيعة من فتية في وادي الحجرة وقراه، ووادي شوان وقراه وبالتحديد من ابن جفين إلى أعلى مسايله من الحرَّة، ووادي السبعان والقرية وقراه، إلى جانب أودية العياب والقعور وضرعاء والفوقاء وإهالا ووبح ونسيت وما بها من قرى.
وبنو نوال من أعرق عشائر سُلَيْم.
(2)
حُليْل فيه عشائر: الموَسة، والوعاري، وبنو عطاء، وذوي جبريل (جبرين)، والنغيران. ومساكنهم في واديي ستارة ومسْرين بقرب خُلَيْص.
(3)
راشد فيه عشائر: البقِّلة - دُميْح.
وأغلب البقِّلة في وادي ستارة ونواحيه وما به من القرى وفي وادي ذره ومن البقِّلة
(1)
فخوذ: ذوي مستور، والمحاميد
(2)
، وذوي بنية، وذوي بنات، والجوامع، وذوي علي، والقزاعين، وذوي هين، والكلبة، وذوي عليان، وذوي راشد.
ومن دُميْح فخوذ: الدمالكة، والثوابت، والوبران، والمثايلة، والودايين، والسوالم. ودُميح يسكنون في وادي المرواني وحرَّة بني سُلَيْم، وعن فخذة الدمالكة منهم في الحرَّة و في وادي ذرة، وفخذة السوالم (بني سالم) وهي من أكبر فخوذ دُميْح وفيه فرق عديدة منهما الديس والقواسمة والذواودة والعصوَّة (العصاة) والذبيبات، ويسكنون في وادي ستارة وثمرة، وذكر لي بعض الرواة من سُلَيْم أن الذبيبات هؤلاء يسكنون في وادي إهالًا أو يوهالا.
(4)
بُركَة فيهم عشائر: الجباريت وفيهم فخوذ: مهدي في ملحة بوادي ستارة، وذوي حُضَيْض في ستارة أيضًا، وهناك عشائر من بُركة مثل الخضرة
(3)
،
(1)
من شيوخ البقِّلة الذين قابلتهم بوادي ستارة عام 1413 هـ الشيخ وخيضر المحمادي (فخذة المحاميد)، وقد ساعدني في البحث الميداني عن عشائر سُلَيْم نائبه صقر بن وخيضر الذي وجدت منه تعاونًا كبيرًا، وهو عضو بارز من القبيلة ومن ثقاة الرواة وعلى قدر كبير من الوعي والأخلاق الحميدة.
(2)
المحاميد هجرتهم قرى مشرف بوادي ذرة وبعضهم بوادي ستارة.
(3)
الخضرة: أهم مراكز هم المُخَمْرة في وادي ستارة.
والرزم، والمساريح، وأغلب عشائر بُركة في أعالي وادي ستارة، والجباريت على الأخص يسمون الفقها في وادي القعور وشوان.
وذكر البلادي في معجم قبائل الحجاز أن الجباريت أو الفقها يدَّعون نسبهم إلى عَقِيل بن أبي طالب وانضموا إلى بني سُلَيْم.
[ب] حَبَش
وحَبَش هو ابن الحارث بن بهثة بن سُلَيْم.
تنقسم حَبَش
(1)
إلى عدة فروع أو بطون وهي المحاميد (بنو محمد) - ووديعة والجلاة. وقريش، وأغلب عشائر هذه البطون في وادي ساية وما حوله من المواضع وما به من القرى.
(1)
المحاميد (بنو محمد) وفيهم عشائر: المرنة، والهمعان
(2)
، والملطان، والقوعة، والتراجمة، والعجفان، والحجرة، والمغايضة. ومساكن هذه العشائر في وادي ساية وما حوله وجزء من وادي شوان.
وبنو محمد أعرق بطون حَبَش من سُلَيْم.
(2)
وديعة وفيهم عشائر: ذوي عيد (العيايدة)، والبسسة، والعلوان، والضباعين، والمضيفرات ويقال لهذه العشائر مربح وعلى الأخص عشيرة ذوي عيد. ومساكن وديعة في وادي ساية ووادي الحنو.
(3)
الجلاة وفيهم عشائر: النجاجرة، والشكرية، والمقاعية، والسرحة، وذوي حمود، والرزاقنة، والصوابر، والزوانية. ومساكنهم في وادي ساية في غريف الجلاة.
(1)
أملى فروع وعشائر حَبَش القاضي / عبد الوالي بن نامي السُّلَمي من حَبَش والقاطن في مكة المكرمة والذي يعمل في محكمة مكة المستعجلة، وتفضل مشكورًا بإفادتنا في البحث الميداني وصدَّق عليه شيوخ قبيلة حَبَش من سُلَيْم في المملكة العربية السعودية وأقروا بدقتها وصحتها، والشيخ عبد الوالي من رجالات سُلَيْم البارزين، ووجدت منه إلمامًا تامًّا عن تاريخ سُلَيْم في المملكة وهو على جانب كبير من الثقافة العالية والذكاء ومن ثقات الرواة ويتحلى بصفات كريمة وطلعة بهية.
(2)
الهمعان من أكبر عشائر بني محمد ومن أفخاذها القوايد والجمايلة والجرافين وآل عفانة والبواريد والمرايعة. ومن قراهم العقلا وحضي واللصب والمجرمة وفحاوي والنظيم وواجهة الحرَّة الشرقية.
(4)
قريش
(1)
وفيهم العشائر التالية: الفهيدات، والعكالية، وذو عواض ومساكنهم بوادي ساية في قريتي المهايع والشعبة.
وهناك فروع أخرى من سُلَيْم ضمن حَبَش وفَتيْة في واديي ساية وستارة مثل:
(أ) مَيْمُون: ومسكنهم في ساية وما حوله وذكر لي البعض أن البقِّلة
(2)
ينتمون إلى ميمون وهو جدهم الأول وتفرغوا من فردان بن ميمون وهو من مُطَيْر (من عبد الله بن غَطَفَان) وجلا جدهم قديمًا في سُلَيْم.
(1)
قريش: ذكر الباحث الشهير: حمد الجاسر أن قريش في قبائل سُلَيْم وثقيف وعُتَيْبة وزهران هم من بقايا قريش قوم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة وقد حسبوا ضمن هذه القبائل بعدما اختلطوا بهم وهذا قد ورد في معجم القبائل السعودية نقلًا عن مجلة العرب 2/ 419، 9/ 64 / 67 /، 14/ 67.
وقد ذكر لي بالبحث الميداني صحة هذا الرأي عن قريش في سُلَيْم في المملكة رغم معارضة أحد شيوخ حَبَش القاطنين في مدينة جدة وقال: أن قريش هؤلاء فرع من حَبَش "سُلَيْم" وجدهم يسمي قريش!
وهو الشيخ عوض الله بن أحمد القايدي من القوايد من الهمعان من بني محمد من حَبَش.
(2)
ذكرت رواية في مجلة العرب السعودية قالها ماجد بن طاهر المطيري:
نُزع جَدُّ البقِّلة من بطن مَيْمُون من غرابة إلى قبيلة بني سُلَيْم فقد كان الحد الأعلى لفرع البقِّلة يدعى (فردان) وكان له عَمُّ كثير المال من الماشية، فاحتاج إلى مساعدة هذا العم في بعض ما تحتاج إليه العاقلة، وتردد إليه في طلب ذلك، وفي كلّ مُرّة كان العم لا يجيب طلبه مما أثار غضبه بشدة منعه حتى قتله، فثارت ثائرة أبي فردان لقتل اخيه، وعزم على أن يثأر من ابنه فهرب خوفًا من والده بعد أن أخذ على غرة من الماشية وأهله وولده وبعض الماشية وقصد ديار بني سُلَيْم، وحين بلغها بيَّته رجل فاتك من بني عُصَيَّة من بني سُلَيْم وهو على حمار فقتل اثنين من أبنائه وفي الصباح وجد فردان ابنيه مقتولين فاقتفى أثر الحمار حتى أدخله على قوم من بني سُلَيْم فقصد رئيسهم وكان من دُميْح، وأخبره الخبر، فرحب به (الدُّميحي) ودفع له دية ابنيه بعد معرفته بقاتلهما وأدخله حلف بني سُلَيْم.
وحدث أن تجهز بنو سُلَيْم للغارة على بعض أعدائهم ومعهم فردان الميموني، فقال: إنني رجل غريب بينكم وأخاف أن أقتل معكم إذ ليس كلّ بني سُلَيْم يعرفني فتشاور السُّلميون واتفقوا على اتخاذ كلمة (راشد) علامة يعرف بها بعضهم بعضًا فإذا رأى أحدهم من ينكره دعاه بذلك الاسم، فإن أجاب، وإلا قتله.
ثم عرف هذا الفرع من بني سُلَيْم باسم بني راشد، وأصبح فردان من بني راشد إلى هذا العهد وتفرع من أبناء فردان أفخاذ فيما بعد منهم: ذوي مستور، وذوي بنات، وذوي بنية، وذوي علي، وذوي عليان، والجوامع، والمحاميد، وتعتبر رياسة فرع البقِّلة في ذوي حضيض بن زائد، وطفيشان وخليفة بن شعوف الجوامع، وبنات العير من ذوي بنات وصقر بن وخيضر من المحاميد، واشتهر منهم شعراء مثل: جبر بن مصحي، وعوض الله بن حميد وسعيد العلياني وراشد البرعوصي، وغيرهم.
(ب) العفارية: ومسكنهم في ساية، وذكر أنهم من بني محمد من حَبَش.
(ج) الحرازات: ومسكنهم في وادي ساية أيضًا، وذكر لي أنهم من الأشراف وسكنوا مع عشائر سُلَيْم قديمًا وصاهروهم، وأغلب الحرازات في قرى الغريف.
(د) الشيوخ: ومسكنهم في قرى الغريف والرميضة والكامل، وذكر لي أن الشيوخ أصلهم من بقايا الأنصار القدامى في المدينة المنورة وقد سكنوا ديار سُلَيْم وصاهروا عشائرهم.
لمحة عن ديار سُلَيْم الحالية في المملكة العربية السعودية
مما هو جدير بالذكر أن ديار سُلَيْم التاريخية كانت كبيرة ومترامية الأطراف في نجد والحجاز وقد تغلبت قبائل كثيرة
(1)
على أغلب ديار بني سُلَيْم بن منصور بعد هجرتها الشهيرة في أواخر القرن الرابع الهجري إلى الديار المصرية، ومن أشهر ديار سُلَيْم في الوقت الحاضر في المملكة.
وادي ساية: وهو واد شهير من وديان سُلَيْم القديمة وما زال باسمه منذ الجاهلية أي قبل الإسلام ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهو أقرب إلى مكة وطوله حوالي سبعين كيلو مترًا تقريبًا، ويبدا من قرية الكامل وتعتبر عاصمة وادي ساية كله وهي أكبر قرى سُلَيْم في الوقت الحاضر، وينتهي ساية في ذره وحرَّة بني سُلَيْم، وتقع في أعالي ساية من الشمال الشرقي ديار قبيلة مطير من بني عبد الله من غَطَفَان، وأما حول وادي ساية من جميع الجهات الأخرى فتقع مساكن وديار عشائر سُلَيْم وجلهم من عشائر قبيلة حَبَش، وفي وادي ساية من القرى الكبيرة الكامل وهي في ملتقى وادي ساية مع وادي وبح، وهناك قرى أخرى مثل مهايع، والمضحاة، والمثناة، وملح، والغريفين وهما غريف الجلاة وغريف التراجمة، والحديد، والفارع، والوقبة، وحمضي، واللصب، والعقلة، والشعبية، والخُدد.
(1)
وأهمها مُطَيْر الغَطَفانية وعُتَيْبة الهَوَازِنية وحَرْب الخَوْلانية القحطانية، وقد سيطرت هذه القبائل على جزء كبير من حرَّة بني سُلَيْم المعروفة في التاريخ بعظمها واتساعها وكثرة وديانها، وهي تُعرف الآن حرَّة رُهاط.
وساية كله تقريبًا لعشائر حَبَش من سُلَيْم، عدا قرية الكامل فهي مملوكة لبني نوال من ربيعة وهم المطاردة والصدَّر والأذينات، ومعهم عشيرة الضباعين من وديعة حَبَش.
وزراعات ساية أشهرها النخيل وأنواعه اللبان والمتلين، إلى جانب زراعة الليمون وبعض الموالح والخضر وتُسقى بعيون في وادي ساية كلّ من قرى ملح، والخُدد، ومهايع والباقي على الآبار الارتوازية، وتوجد لساية إمارة مركزية في قريتي ملح والكامل، ومركز إمارة في الغريف بوسط ساية، ومركز الحرَّة في أواخر وادي ساية أو أعالية، والمسافة بين إمارة الكامل في أسفل الوادي وبين مركز الحرَّة في أعالي الوادي نحو سبعين كيلو مترًا، وساية تعتبر الزراعة فيه مزدهرة عن وادي ستارة، أما خصوبة التربة فتكاد تكون متقاربة وقد تزداد اتساعًا في ستارة.
وادي ستارة: وهو واد يقع في المملكة ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ويمتد بطول خمسة وسبعين كيلو مترًا وفيه قرى زراعية مأهولة، وتسكن بها عشائر من فتية "سُلَيْم" ويقيم بعض البوادي من فتية على أطراف الوادي وضواحيه، ومن كبرى قراه الظبية والتي هي عاصمة ستارة كله وبتلك القرية دوائر حكومية مركزية، وهناك قرى أخرى مثل مخمرة، والغروف، والمسماه، وجليلة، والسُلَيْم، والأبيار، والمعالي، والمديد، والدوارة وهي بوادي مرخ المتفرع من وادي ستارة الأكبر منه.
وتُزرع في وادي ستارة النخيل وبعض الليمون والموالح والخضراوات ويُسقى بعض هذه البساتين على عيون جارية أو آبار إرتوازية.
وقد ذكر لي أن تعداد عشائر فَتيْة وحَبَش من سُلَيْم في الوقت الحاضر يناهز أربعين ألفًا.
ومن سُلَيْم في السعودية رجالات في القضاء في محاكم مكة وخُليص ومَهْد الذهب وبعض الأساتذة من رجال العلم أشهرهم الدكتور محمد علي السُّلَمي بجامعة البترول والمعادن، والدكتور ضاوي السُّلَمي بقسم التاريخ في جامعة الملك عبد العزيز آل سعود في جدة.
وأذكر أسماء بعض شيوخ بني سُلَيْم في المملكة العربية السعودية
(1)
:
الشيخ حسين بن هندي بن مخضور
(2)
: شيخ عشائر بني نوال.
الشيخ قريان بن هندي: فخذ الوعاري من حُليل.
الشيخ ثابت بن خبيتان: فخذ ذوي جبرين من حُليل.
الشيخ ضبيان بن سعيد: فخذ ذوي عطاء من حُليل.
الشيخ ظافر بن محمد: فخذ النغيران من حُليل.
الشيخ مشيلح بن هلال: فخذ الموسة من حُليل.
الشيخ ردة الله بن جبرين السريعي: فخذ السرحة من الجلاة.
الشيخ شعيفان بن شامي: من عشيرة الخضرة من بركة.
الشيخ لافي بن ملفي: فخذ الدمالكة من دُميْح.
الشيخ مضي بن رحم: فخذ الوبران من دُميْح.
الشيخ حبيب الله بن عبد المنعم: فخذ الثوابت من دُميْح.
الشيخ خويتم بن مُهلْهَل: فخذ المثايلة من دُميْح.
الشيخ عتيق بن داخل الوديان: فخذ الودايين من دُميْح.
الشيخ أحمد بن عبيد: عشيرة الجباريت.
الشيخ عبد الكريم حضيض: عشيرة الجباريت.
الشيخ أخيضر بن دخيل الله (ونائبه ابنه صقر): فخذ المحاميد من البقِّلة.
الشيخ زيدان بن عواضة: فخذ ذوي مستور من البقِّلة.
الشيخ مرفوع بن خليفة: فخذ الجوامع من البقِّلة.
الشيخ حامد بن معيوض (ونائبه أخوه أحمد): فخذ ذوي بنية من البقِّلة.
الشيخ عبد العال بن نعيمان: فخذ ذوي راشد من البقِّلة.
الشيخ عبد العزيز بن دخيل الله: فخذ ذوي علي من البقِّلة.
الشيخ نامي بن جرء: فخذ ذوي عليان من البقِّلة.
الشيخ عبيد الله بن رضيان: فخذ القراعين من البقِّلة.
الشيخ مبارك بن بريك: فخذ هيِّن من البقِّلة.
(1)
أملاها لي بعض البقِّلة في قرية السُليم عام 1993 م، ونعتذر لعدم ذكر بعض الشيوخ الآخرين، وذكر هؤلاء لمجرد العلم بالشيء لا أكثر.
(2)
الشيخ حسين بن هندي بن مخضور من فخذ المطاردة من بني نوال من ربيعة هو شخصية بارزة في قبيلة فتية من سُلَيْم، ورئيس بلدة الكامل، ومن أبرز الشعراء، ولديه شهادات موثقة من الحكومة السعودية تؤكد ذلك، ويقيم في جدة بالوقت الحاضر.
ما ذكره عايش بن شريف السُّلَمي عن بني سُلَيْم في المملكة العربية السعودية
(1)
:
بنو سُلَيْم في منازلهم بين المسجدين (الحرمين المكي والنبوي)
قال: قبل أن أدخل إلى هذا البحث المختصر أُحب أن أنبه على بعض الأمور:
1 -
إن هذه الورقات مختصرة من بحث مطوَّل - سيخرج بإذن الله - عن بني سُلَيْم ويتناول تاريخهم وديارهم والرد على بعض الذين كتبوا عنهم بغير علم.
2 -
هناك تداخل بين عشائر بني سُلَيْم أشرت إلى معظمها في هذا المبحث.
3 -
حاولت تأصيل الأفخاذ الحديثة بالقديمة، فوجدت معظمها له اسم قديم وبالاسم نفسه كـ (بني عامر) و (حَبَش) و (فتيان)
(2)
وقل أن تجد قبيلة غيرها تحمل الأسماء القديمة.
4 -
هناك فخوذ وأسر خرجت من بني سُلَيْم ودخلت في قبائل أخرى لَمْ أتعرض لذلك إلَّا ما له صلة بعشيرة وردت في المبحث، كـ (الأحامدة) و (المراشدة).
5 -
هناك أخطاء وقع فيه الكتاب والباحثون الذين كتبوا عن بني سُلَيْم لَمْ أتحدث عنها.
6 -
لَمْ أتعرض لما في بلاد بني سُلَيْم من الآثار والأماكن التاريخية وما أكثرها، ولا عن أوديتهم وجبالهم وحدود أرضهم كذلك في هذا البحث إلَّا ماله مناسبة، والشيء بالشيء يذكر.
7 -
لَمْ أتعرض للورن الصرفي للنسبة وإنما ذكرت النسبة الموجودة للفخذ أو البطن وما ينطق الآن.
(1)
عن مجلة العرب السعودية ج 5، 6 س 30 ذو القعدة وذو الحجة سنة 1415 هـ - نيسان، آيار (أبريل، مايو) سنة 1995 م عن دار اليمامة للبحث والترجمة - الرياض، والبحث المنشور لعايش بن شريف السُّلَمي في الرياض.
(2)
قلت: الصحيح فُتيَّة لأنَّ فُتيَّان من مالك بن ثعلبة بن بهثة، والمشهور في رواة سُلَيْم ونطقهم أنه فُتيَّة وليس فتيان، وفتيَّة ينسب إلى الحارث بن بهثة خلاف الآخر فهو من ثعلبة بن بهثة.
بنو سُلَيْم في المملكة ودول الخليج العربي:
أولًا: بنو سُلَيْم في بلادهم الأصلية - بين مكة المكرمة والمدينة المنورة - لَمْ يبق من بني سُلَيْم في بلادهم الأصلية إلَّا بطنان هما: (حَبَش) و (فتيان) أما حَبَش فنسبة إلى حَبَش بن رفاعة بن حارثة بن بُهْثة بن سُلَيْم بن منصور وفُتيان نسبة إلى فتيان بن مالك بن ثعلبة بن بُهْثة بن سُلَيْم
(1)
وإليكم التفصيل.
البطن الأول: حَبَش وتنقسم إلى أربعة أفخاذ:
الفخذ الأول: الأحامدة: والنسبة إليهم أحمدي - وقد انتقلت من وادي ساية - في حدود القرن العاشر الهجري - في قصة طويلة لا يتسع المقام لذكرها - إلى (الفقرة) قرب المدينة وحالفوا بني سالم من حرب
(2)
.
وقد كتب عنهم الأستاذ حمد الجاسر ولكنه لَمْ يشر إلى نسبتهم إلى سُلَيْم، وكذلك الأستاذ عاتق البلادي، مع استفاضة نسبتهم إلى سُلَيْم عند حرب وبني سُلَيْم.
بل إن عندهم شجرة كما أخبرني أكثر من واحد منهم فيها نسبتهم إلى العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي، والله أعلم بذلك، ولا يزال بينهم وبين بني سُلَيْم صلة إلى وقت قريب .. وقد تحدث عن فروعهم الأستاذ عاتق البلادي في كتابه "نسب حرب" فليراجع هناك.
الفخذ الثاني: الجُلاة: وسكناهم في وادي ساية، ويتفرعون إلى العشائر التالية:
1 -
آل حمود: والنسبة إليهم حمودي، ولهم من القرى الفارع والوَقْبة وضواحيها وعشرة، وكبيرهم مشاري بن صهيب الحمودي.
(1)
قلت: كما تقدم فالصحيح فتية بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن بُهْثة بن سُلَيْم.
(2)
انظر "مرآة جزيرة العرب" ج 2 ص 280 للمؤرخ التركي أَيُّوب صبري باشا، ومع عدم معرفته الأنساب العرب غير أنه بذكر الخبر، وما ذكر ذلك إلَّا لشهرته عند قبائل الحجاز وأنهم من سُلَيْم وهذا لا يزال كذلك.
2 -
آل رزق: والعامة يسمونهم (لرزقني)، وقد سكن معظمهم جدة منذ زمن مبكر.
3 -
آل زَيْن: والنسبة إليهم زيني، ويقيمون في مكة المكرمة وبعضهم في ساية، وهم أقلّ الجلاة عددًا.
4 -
السَرْحة: والنسبة إليهم سُرَيحي، ولهم من القرى الفارع والوقبة، وكبيرهم أبو عطية بن جبرين السريحي.
5 -
الشُّكَرية: والنسبة إليهم شُكْري، ولهم من القرى الخُدَيْد وعشرة.
6 -
آل صابر: والنسبة إليهم صابري، وكانت لهم إمارة في وادي ساية من قبل الدولة العثمانية، وكان آخرهم حامد الصابري ثار عليه قومه من حَبَش وبقية سُلَيْم فقتلوه وقتلوا معظم أسرته، فهرب منهم اثنان أحدهما سكن في خُليْص والآخر سكن في ينبع النخل، أما الذي سكن في خُليص فرجع إلى قريتهم في ساية ولا يزالون إلى اليوم، وأما الذي خرج إلى ينبع فبقي هناك وانتقل بعضهم إلى الوجه من ديرة بلِّي ولا يزالون هناك كما حدثني بذلك كبيرهم العميد لطفي الصابري.
7 -
آل مقْعي: العامة يسمونهم المقاعية والنسبة إليهم مقعي، ولهم من القرى الخديد وعشرة وبعضهم يسكن في سفوح حرَّة رُهاط الغربية، وكبيرهم جابر بن رجاء المقعي.
8 -
بنو النجار: والنسبة إليهم نجاري، ولهم من القرى الغريفين والخُديد، ونزح بعضهم وسكن حَجْر ودخلوا حلفًا مع الزبلان من حرب، وكبيرهم محمد بن عمرو النجاري.
9 -
آل هَبْتَل: والنسبة إليهم هَبْتَلي، وهم من أقلّ الجلاة عددًا، ويقيمون في وادي ساية.
الفخذ الثالث: من حَبَش آل محمد: ويسمونهم بني محمد، ومحمد أخ لحامد شقيق جد الأحامدة، وبنو محمد أكثر حَبَش عددًا.
ويتفرعون إلى العشائر التالية:
1 -
التراجمة: والنسبة إليهم ترجمي، ولهم من القرى الغريفين، وخَيْف التراجمة، والخُديد وكل هذه مزارع كانت على عيون جارية في وادي ساية
(1)
وكبيرهم محمد بن سعيد بن جُفين وأسرة آل جُفين بيت حَبَش كافة قديمًا، وفي التراجمة من الفصائل:
أ - آل عُفْر.
ب - آل عوجان.
ج - الشَبْرة.
2 -
الحُجرة: والنسبة إليهم جيري، ولهم من القرى المضحَاةَ والطائف
(2)
وما حولهما من القري، وكبيرهم حامد بن الحباب الحجيري وأخوه محمد.
3 -
آل عِجْفَان: والنسبة إليهم عُجيفي، وقريتهم المثَنَاةَ وما حولها من القرى الأثرية، وكبيرهم الأستاذ رفيع المحمدي، والأستاذ رباح المحمدي.
4 -
آل قريع: والنسبة إليهم قُويعي، ولهم من القرى مهايع وحُضيّ وسفوح حرَّة رهاط الغربية، وكبيرهم الشيخ عبد الوالي المحمدي.
5 -
آل عَمْشَان: والنسبة إليهم عُميشي، ويقيمون في وادي ساية، وكبيرهم الأستاذ عابد العُميشي.
6 -
آل مرين: والنسبة إليهم مَريّني وقريتهم مهايع وأسفل وادي السَبْعَان، وكبيرهم الأستاذ غزَّاي المريني.
7 -
آل مغيض: والنسبة إليهم مغيضي، ولهم من القرى المضحَاه وحُضيّ، وكبيرهم الأستاذ جابر بن صالح المحمدي.
8 -
آل ملْطَان: والنسبة إليهم مُليطي وقد دخلوا مع أبناء عمهم الهمعان.
9 -
آل همْعَان: والنسبة إليهم هُمَيْعي، وهؤلاء أكثر بني محمد عددًا وينقسمون إلى الفصائل التالية:
أ - آل بَارود.
ب - آل جرْفَان.
(1)
وادي ساية من أعظم أودية الحجاز، وكان فيه حوالي ثلاثين عينًا أدركنا ما لا يقل عن عشر عيون، وقد نضب الآن، ويأخذ هذا الوادي الفحل مياهه من حرَّة بني سُلَيْم ومن واحة ذرة وسفوح الحرَّة الغربية [رواحة ذرة تجتمع فيها الأودية المنحدرة من الحرَّة الغربية وعند قرية الشرع ثم تنحدر وتصب في وادي ساية] وطول الوادي من الشرع إلى الكامل حوالي مائة كيلومتر كله قرى ومزارع قديمة.
(2)
وهي قرية صغيرة غير مدينة الطائف المشهورة.
ج - آل جميل، وكبيرهم خلف بن مِتعب الجَمِيلي.
د - آل عَفان.
هـ - آل عواض.
و - آل مَرْيع، ولهم من القرى العُقلا ومهايع
(1)
وحُضيّ، والمجَرمَة وسفوح حرَّة بني سُلَيْم الغربية وقرى الحرَّة، وكبير الهمعان عوض الله بن أحمد القايدي، ويعدُّ من أعيان بني سُلَيْم اليوم ويقيم في جدة بالوقت الحاضر.
الفخذ الرابع: من حَبَش وديعة: والنسبة إليهم وديعي، وهم أقلّ حَبَش عددًا ويتفرعون إلى العشائر التالية:
1 -
البُسْسَة: والنسبة إليهم بُسَيسي ولهم من القرى مهايع ووادي المرواني، وخُليص وإهالا، وكبيرهم عوض الوديعي.
2 -
آل ضُبْيعان: والنسبة إليهم ضُبعاني ويقيمون في بلدة الكامل ومَلحَ والرُميضة ومهايع، وكبيرهم صالح الضبيعاني.
3 -
آل ظفر: وهم نسبة إلى ظفر بن حارثة بن بُهْثة بن سُلَيْم
(2)
كما يزعمون، ويقيمون في مَلَح والكامل، وهم أقلّ وديعة عددًا.
4 -
آل عيْد: والنسبة إليهم عيدي وهم أكثر وديعة عددًا ولهم من القرى الرميضة ومهايع والحنُو بين ستارة وساية، ومسْر، وعالية خُلَص، وما حولها من حرَّة خليص، وكبيرهم شُليان العيدي.
هـ - قريش: ولهم من القرى مهايع والرميضة، وذكر الأستاذ عاتق البلادي أنهم من قريش مكة وأظنه اعتمد على مجرد التسمية فقط، ولا مانع أن العرب تُسمي قريشًا على اسم القبيلة المشهورة لرفعتها ولشهرتها، وهم لا يعرفون أنهم ينتسبون إلى قريش مكة ولو سألتهم لقالوا: لا صلة لنا بهم، وكبيرهم أبو فيصل الصاملي القرشي.
البطن الثاني: فتيان ولتخفيفها صارت العامة تسميها (فتيه)، قال الشاعر الروقي من قبيلة عُتيبة من الشعر الشعبي شعر الرد:
(1)
مهايع من أشهر قرى سُلَيْم وفيها آثار تاريخية، وحيث أن الآثار في بلاد بني سُلَيْم مهملة ولم يتعرض لها أحد من المختصين في هذا الشأن!، وتشتهر بلاد بني سُلَيْم بجودة التمر، وكان فيها عيون إلى وقت قريب تبعد عن الكامل 20 كيلو مترًا تقريبًا.
(2)
"جمهرة النسب" ص 403.
ما عَيَّنت الشريف اللِّي غدا وسط
…
غادي من حَبَش ولا غدا من (فُتيَّه)
فرد عليه السُّلَمي بقوله:
أبشر إن المنافق يا العتيبي كويته
…
ما غدا لي شريف ولا ظهر من يديَّه
وفتيان نسبة إلى فتيان بن مالك بن ثعلبة بن بُهْثة بن سُلَيْم
(1)
، مع تداخل من بقية بني سُلَيْم معهم، ويتفرعون إلى الأفخاذ التالية:
الفخذ الأول: بنو بركة: والنسبة إليهم بركي وهم أقلّ فتية عددًا، ومركزهم الأصلي وادي ستارة وينقسمون إلى العشائر التالية:
1 -
آل جَبرت: والنسبة إليهم جَبرتي، وهم أقدم عشائر سُلَيْم سكنًا بجدة، وبعضهم انتقل إلى مصر، وتوجد أسر الآن بجدة ينسبون إليهم، ويزعمون أنهم من ذرية عَقِيل بن أبي طالب، وهذا فيه نظر. ولهم من القرى ستْارة والظُّبيّة وقُديد. ومنهم الشاعر الشعبي الكبير محمد الجبرتي رحمه الله، ولا أعرف الآن من كبيرهم.
كما أن هناك قسما كبيرًا منهم سكن في حرَّة رهاط وفي القَعَر ودخلوا مع ربيعة ولم أتحدث عنهم هناك وهم الفقهاء والنسبة إليهم فقيهي، وهم أكثر جبرت عددًا، وللفقهاء من القرى القعر والمرواني وسفوح حرَّة رهاط الغربية، وكبيرهم الشيخ فارس بن وصل الله السُّلَمي وهو من أعيان بني سُلَيْم.
2 -
الخُضَرَة: والنسبة إليهم (خُضيري) ولهم من القرى مُخمَّرة والظبية والغُروف والمسُمَّاة، وكبيرهم أبو عبيد بن شامي الخضيري.
3 -
آل رزم: والنسبة إليهم رزمي ولهم من القرى الشعبْة والمجاز في وادي كُلية وسفوح حرَّة بني سُلَيْم الغربية، وكبيرهم الأستاذ عبد العال الرزمي وأبو جبير الرزمي.
الفخذ الثاني: ربيعة: والنسبة إليهم ربعي، ويتفرعون إلى العشائر التالية:
(1)
قلت: هنا ثمة خطأ من عايش بن شريف؛ لأنَّ جد القبيلة كما تقدم هو فتية لا فتيان وذكره أبو علي الهجري في التعليقات والنوادر قبل إحدى عشر قرنا من الحارث بن بُهْثة، وكذلك ذكره الرشاطي من الحارث بن بُهْثة بن سُلَيْم.
أولًا: بني الضبيب: والنسبة إليهم ضبي، ومركزهم الأصلي القُريّة
(1)
وينقسمون إلى الفصائل التالية:
1 -
آل حسين: والنسبة إليهم حسيني، ولهم من القرى شوان والقرية والسبَعان، وكبيرهم حامد الحسيني.
ب - آل شنَّان: العامة يسمونهم الشُنونة، ولهم من القرى بُطحان والسبعان والقرية، وجبل شَمَنْصير
(2)
من جهة الشمال، وكبيرهم سعيد الشُنيني.
ج - النمور: والنسبة إليهم نمري، ولهم من القرى القُريّة، وجبل شمنصير من جهة الغرب، وسفوح حرَّة رهاط الغربية وكبيرهم الأستاذ عوض الله النمري.
ثانيًا: بني إسْري: ومركزهم الأصلي القرى الواقعة في حرَّة رهاط.
وينقسمون إلى الفصائل التالية:
1 -
العُبدة: النسبة إليهم عُبَيْدي، ولهم من القرى العيْبَة والأُسيْلة ووادي المهرجة ووادي شُوان، والساعد والحُجْرة وكلها في حرَّة رهاط والأودية المنحدرة تجاه الغرب، وهم أكثر ربيعة عددًا، وكبيرهم فايد بن مهدي الزيدي رحمه الله، والآن ابنه.
ب - آل عَطاف: والنسبة إليهم عطَّافي ولهم من القرى الصُّعَيْب، وبعض القرى الواقعة في حرَّة رهاط، وكبيرهم عبيد العطافي.
ج - آل مدهون: والنسبة إليهم مَدهُوني، ولهم من القرى شوان والعيبة وسفوح حرَّة رهاط الغربية وكبيرهم رجاء المدهوني.
(1)
القُريّة بلدة قديمة من العهد الجاهلي ولا تزال عامرة إلى اليوم، وتقع في وادي السبعان أحد روافد وادي ساية وتبعد عن الكامل 30 كيلومتر تقريبًا.
(2)
يعد جبل شَمَنْصير من أشهر جبال الجزيرة العربية وله شهرة قديمة وحديثة وقد قال لي أحد الأخوان من الباحة أن المرأة إذا أرادت أن تدعو على ابنها قالت (عساك من وراء شمنصير) وقد سمعت قديمًا في الرياض امرأة تقول لابنها حينما هرب عنها في الشارع (عساك وراء شمنصير) ويقع جنوب وادي ساية حوالي 60 كيلو مترًا وسكانه ربيعة خاصة، وفيه نخيل وعيون لا تصل إليها المواصلات الآن قال أحد شعراء الروقة من عُتيبة - من قصيدة من الشعر العامي في موقعة بينهم وبين بني عبد الله بن غَطَفَان وقد انتصر فيها الروقة:
وبجردي الجموع اللِّي تَلقْ من شمنصيرا
…
ولا أخذ ضنينًا من عندنا مسعف حمى التالي
ومسعف بن جبير من ربيعة ويعد من الشجعان البارزين.
د - النَّقْرَيْن: والنسبة إليهم نَقْريني، ولهم من القرى القرية والسبعان وشوان وسفوح حرَّة رهاط الغربية، وهم أكثر فروع ربيعة عددًا وكبيرهم هادي بن عمران النقريني.
ثالثًا: بني نَوال: والنسبة إليهم نَوالي، ومركزهم الأصلي الكامل، قال أحد شعراء بني سُلَيْم يصف مزرعته في أول القرن الماضي - وكانت في سفوح حرَّة رهاط - من الشعر الشعبي:
لو أنها في مهايع كان ما أبغي غيرها مال
…
وإلا على عين في الكامل وأنا منهم نوالي
ويتفرعون إلى الفصائل التالية:
1 -
الزُّحَمَة: والنسبة إليهم زُحَيمي، ولهم من القرى القعر، ويقع في حرَّة رهاط، ومن الأودية ضَرْعاء
(1)
وسفوح جبل شمنصير من جهة الشرق، وكبيرهم سعدي بن بادي الزحيمي.
2 -
آل صادر: والنسبة إليهم صادري، ولهم من القرى إهالا والكامل، ووادي المرواني، والوسيق قرب غُرَان، وكبيرهم مبارك الصادري وناجم بن حُصن الصادري النوالي.
3 -
آل مرشد: والنسبة إليهم مرشدي، ولهم من القرى الفَوْقَاء في وادي وَبْح، وجبل شمنصير من جهة الجنوب وحرَّة رهاط، وقد نزح معظمهم سابقًا ودخلوا في الروَّقة من عُتيبة وكان هناك تزاور بينهم إلى عهد قريب، وقد انقطع في السنوات المتأخرة، وعندهم وثائق تدل على نسبة مراشدة الروقة إليهم، لا يتسع المقام لنشرها، وكبيرهم خليفة المرشدي.
4 -
آل مطرود: والنسبة إليهم مطرودي وبلدتهم الأصلية الكامل، ولهم من القرى المرواني والفرقاء وإهالا، وفيهم زعامة ربيعة كافة، وكبيرهم الشيخ حسين بن هندي المطرودي السُّلَمي، ويعدُّ الآن كبير بني سُلَيْم في المملكة العربية السعودية.
(1)
ضرعاء واد من الأودية المنحدرة من حرَّة رهاط الغربية وهي حرَّة بني سُلَيْم، وله ذكر في كتاب عرَّام السُّلَمي.
5 -
آل وَذْنَان: والنسبة إليهم وذناني والعامة يسمونهم أُذيْني، ولهم من القرى الكامل وإهالا والوسيق وعالية خُليص قرب مَدْركة من جهة الشمال، وكبيرهم عوض الله الأذيني.
الفخذ الثالث من فتية: بنو عامر: والنسبة إليهم عامري وهم أكثر فتية وبني سُلَيْم عددًا. وبنو عامر نسبة إلى عامر بن رفاعة بن حارث بن بُهْثَة بن سُلَيْم
(1)
وهناك تداخل مع بقية أفخاذ سُلَيْم، والتي خرجت من الجزيرة العربية وبقى لهم باقية، وموطن بني عامر الأصلي ذرة وستارة وحرَّة بني سُلَيْم، ويتفرعون إلى العشائر التالية:
أولًا: حُليْل: والنسبة إليهم حليلي، ويرجع نسبهم إلى حُليل بن عُصَيَّةَ بن خُفَاف بن امرئ القيس بن بُهْثَة بن سُلَيْم
(2)
ويتفرعون إلى الفروع التالية:
1 -
آل جبرين: والنسبة إليهم جبريني، ولهم من القرى مَرَخ ووادي مسْر وقُديد والبريكة والراضَة، وكبيرهم ثابت الجبريني.
2 -
آل رُبيق: والنسبة إليهم رُبيقي، ويسكنون الفارعيّة وفي الظبية.
3 -
آل عطاء: والنسبة إليهم عطاوي، ولهم من القرى جليلة وتضمري وخليص، وكبيرهم ضبيان العطاوي.
4 -
آل لُبَيْنِ: والنسبة إليهم لبيني، وقريتهم السويلة وهم أقلّ حُليل عددًا.
5 -
آل موسى: والنسبة إليهم مويُسي، ولهم من القرى مخمرة والبريكة ووادي لينة والفارع والظبية، وحرَّة قُدَيْد وحرَّة خُليص.
6 -
آل وَعْران: والنسبة إليهم وُعيري، ولهم من القرى المُسْمَّاة والفارع وقد اشتراه منهم في أول القرن الماضي فرج الذُهيبي، ووادي تضمري والهَضْبة. وكبيرهم الأستاذ عابد بن علي بن عبود والمأمون، وكان قاضيًا لبني سُلَيْم، ومصلحًا اجتماعيا بين قبائل الحجاز، وله قصص تدل على ذكاء لا يتسع المقام لذكره، وقد توفي رحمه الله.
(1)
"جمهرة النسب" ص 405.
(2)
"جمهرة النسب" ص 405.
ثانيًا: آل ذُبَاب: وهم نسبة إلى ذُباب بن مالك بن امرئ القيس بن بُهْثَة بن سُلَيْم
(1)
. وقد انتقل هذا البطن من بلاد سُلَيْم الأصلية وسكن المغرب العربي بين قابس وبرقة
(2)
وبقي منهم بقية يقيمون في إهالا وفي ساية وكبيرهم بدر الذبابي.
ثالثا: آل ذواد: والنسبة إليهم ذوادي وهم أقلّ بني عامر عددًا ويقيمون في وادي ثمرة في عالية وادي كُلَيَّة.
رابعًا: بني راشد: وهذه العشيرة أكثر بني عامر عددًا ويتفرعون إلى فرعين:
1 -
بُقَيْل: وهم نسبة إلى بُجَيْلة بن ثعلبة بن بُهْثَة بن سُلَيْم
(3)
، وإنما تحرَّفت وصارت بُقيلًا وأهل الحجاز يقولون باللهجة العامية (بُجيْل) وهي لغة فصيحة وينقسمون إلى الفصائل التالية:
1 -
ذوي بنات: والنسبة إليهم بناتي وهم أكثر بقيل عددًا، ولهم من القرى الباحة في ذَرَةَ وجبلة القرية المشهورة
(4)
والدوارة وجُليْلَة وقرى الحرَّة وسفوح الحرَّة الغربية، وكبيرهم سالم بن بُتيع البناتي الراشدي.
2 -
ذوي بُنية: والنسبة إليهم بَنَوِي، ولهم من القرى قرابا والجوف وحَوْرة والسُّليم وطابة وكبارهم حامد البنَوي، وعبد العالي بن عامر البنوي، وقد سكن معظمهم جدة منذ بداية القرن الماضي.
3 -
آل جامع: والنسبة إليهم جامعي، ولهم من القرى المديد والجوف، والمعَالي والدوارة ووادي كُلَيَّة، وكبيرهم مرفوع بن خليفة الجامعي الراشدي.
4 -
العطور: والنسبة إليهم عطْري، وقد دخلوا مع ذوي بُنيَّة، ولعلَّ لهم صلة بالعطور، الذين دخلوا مع بني عَمرو من حرب لأنَّ العطور الذين دخلوا مع بني عمرو من حرب قيل أصلهم من بني سُلَيْم، ولم أر أحدًا من المتخصصين في هذا الفن تحدث عن ذلك، وكبيرهم الشيخ زويد بن مزيد العطري.
(1)
"انظر "قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب زمان" ص 127 للقلقشندي.
(2)
"انظر "قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب زمان" ص 127 للقلقشندي.
(3)
"جمهرة النسب" ص 405.
(4)
جَبَلة بلدة قامت في تهامة من أقدم قرى الحجاز، وهي الآن مهجورة ليس فيها أحد وبقربها المريسيع تبعد عن الطريق السريع (طريق الهجرة) حوالي 25 كيلومتر من مخرج وادي ستارة عن يسار المتجه لمكة المكرمة.
5 -
آل عليان: والنسبة إليهم عُلياني، وقريتهم الحفْنَة والخُزيم في ذرة، وكانت فيهم مشيخة البقلة وفي آل متعب، وكبارهم الآن الشيخ الدكتور علي بن نفيع العلياني، وبامي بن جُزي العلياني.
6 -
آل قَزعَان: والنسبة إليهم قُزيعي، وقريتهم الغُريب في ذرة، وكبيرهم عُبيد بن رضيان.
7 -
الكلبة: والنسبة إليهم كلبي، وقد دخلوا مع ذوي ذرة، وقراهم المعالي والجوف، وكبيرهم أبو محمد الكلبي.
8 -
المحاميد: والنسبة إليهم محمادي، ولهم من القرى مشرق في ذرة وقَرَا الحرَّة الغربية، وكبيرهم أخيضر بن دخيل الله المحمادي وابنه صقر.
9 -
ذوي مستور: والنسبة إليهم مستوري ولهم من القرى سواس وعالية وادي طلحة في ذرة والمُرَيْسيع المكان المشهور
(1)
وأبو شهاب والاحيمرين وسفوح حرة بني سُلَيْم الغربية، وكان كبير ذوي مستور عُويضة بن حُضَيِّض المستوري، وكان شيخًا لكافة البقِّلة ثم بعده جبر المستوري كذلك، وكبير ذوي مستور الآن زيدان بن عُويضة وابنه سعيد.
10 -
آل هون: والعامة يسمونهم ذوي هَيِّن، ولهم من القرى الدوارة والجوف والسُّلَيم والجوّ، وكبيرهم مبارك بن بُريك الراشدي. والبقِّلة من فروع بني سُلَيْم القديمة وكانت تسمى (بجيلة)
(2)
وحتى الآن وبنو سُلَيْم ينطقونها بذلك، ويقال أنه دخل معهم رجل من ميمون من بني عبد الله بن غطفان من مُطير وظن بعض المتعصبين أنهم من ميمون، وهذا غير صحيح وقد كتب الأخ ماجد المُطَيري مقالًا في مجلة "العرب" ذكر أن البقِّلة من ميمون، وحينما سألنا نسابة بني سُلَيْم عن ذلك لم يعرفوه، ولم يجزم به البقِّلة أنفسهم، وكذلك مشايخ ميمون لا يعرفون ذلك وقالوا غير صحيح وهذا خبر شاع في الأيام المتأخرة الماضية لا حقيقة له، أما صاحب المقال فله أوهام كثيرة في مقالاته في مجلة "العرب" لعلنا نفرد مقالًا بهذا الشأن ونذكر الحقائق فيه بإذن الله.
(1)
المريسع: هو المكان الذي وقعت فيه غزوة بني المصطلق من خُزاعة ولا يزال عامرًا ويبعد عن طريق الهجرة 21 كيلو متر تقريبا من مخرج وادي ستارة عن يسار المتجه لمكة.
(2)
قلت: الصحيح بَجْلَة ذكرهم أبو علي الهجري في التعليقات والنوادر، وقال. هم بَجلة بن ثعلبة بن بُهثة بن سُلَيم.
ب - دُميح: والنسبة إليهم دُميحي، ويتفرعون إلى الفصائل التالية:
1 -
آل ثَابت: والنسبة إليهم ثابتي، ولهم من القرى المعالي والحَلقْة والراضم وفاعية، وكبيرهم مصلح بن محمد الثابتي.
2 -
آل صالح: والنسبة إليهم صاير، نسبة إلى جدهم صالح بن دُميح ولُقِّب جدهم صالح (دَملك) لقوته وصلابته كما يُروى عنه - والدّملُوك هو الحجر الأملس المدور
(1)
قال الشاعر
(2)
:
مُدَمْلَكُ الرأس كان خَطمُهُ
…
في الرأس صَدْعًا شِبهَ مِشطَانِ
وقد صار علمًا على ذريته، فلا يعرفون عند القبائل إلَّا بهذا الاسم (الدمَالكة) أو أولاد دملك، قال أحد بني عامر يصف معركة بينهم وبين بني عبد الله - من الشعر العامي:
اطر علي الوَسيق اللِّي مع اليُسرى
…
بُجيل في ساقته وألاد دَمْلَك يذرعونه
(3)
وينقسمون إلى ثلاث فصائل:
أ - آل برَيك.
ب - آل عامر.
جـ - آل مُثَيْل.
وزعامة دميح في بني عامر، وكبيرهم الآن الشيخ لافي الدُميحي العامري، ويعدُّ من أعيان بني سُلَيم، ولهم من القرى الشَرع وهي قريتهم الأصلية وطلحة والبَحْرة وشُواحط وقرا الحرَّة، وبعضهم انتقل إلى (دُخْنَة) والأثلة بالقصيم في أوائل القرن الماضي.
3 -
الوُبران: والنسبة إليهم وُبيري، وقريتهم النُّهْميّة وطلحة، وكبيرهم أبو نجم الدميحي، وقد دخل بعضهم في البلادية من حرب وبعضهم في صُبح من
(1)
"لسان العرب" لابن منظور (مادة دمك).
(2)
البيت للنظار بن هاشم الأسدي انظر "الاختيارين" للأخفش ص 309.
(3)
هذه الوقعة تسمى بيوم (عُجْرة) مكان في الحرة ولم يحصل انتصار لأحد الطرفين، والقصيدة طويلة ولكن لا داعي لذكرها لأن فيها مما يُثير العصبية التي قضى عليها الإسلام وأصبح الناس إخوة والحمد لله و (بجيل) المراد بهم بقيل وقد سبق ذلك.
حرب، وقد ذكر البلادي أن دميحًا قبائل متحالفة وما أدري من أخبره بذلك فهذا لا يُعرف عند سُلَيْم ولا عند دميح أنفسهم غفر الله لنا وله.
خامسًا: السوالم: والنسبة إليهم سالمي، ولهم من القرى الكامل وعالية خُليص ووادي المرواني، وكبيرهم عوض الله السالمي.
سادسًا: المزاريع: النسبة إليهم مزروعي، ولهم من القرى ستارة وقسم منهم كبير سكن خُليص، وحصل بينهم وبين زُبيد مصاهرة وقد عدهم بعض النسابين من حرب وهذا ليس صحيحًا.
سابعًا: عُصَيَّة: وهؤلاء نسبة إلى عُصَيَّة بن خُفاف بن امرئ القيس بن بُهثَة بن سُلَيم
(1)
وعُصَيَّة من أشهر بطون سُلَيم قديمًا وقد نزح معظمهم، وبقى لهم باقية دخلوا في بني عامر، ويقيمون في وادي كُلية وستارة والمجاز.
انتهى بنو عامر، ومع شهرة هذه الفخذ وأصالته وكثرته لم يشر إليه كل من العلَّامة حمد الجاسر ولا عاتق البلادي في كتاباتهم عن الأنساب وإنما ذكروا عشائر فيها وأهملوا عشائر، وعلى كل حال كما قال الأول:
وقل لمن يدَّعي بالعلم معرفة
…
حفظت شيئًا وغابت عني أشْياء
وبهذا ينتهي الملخص المختصر عن بني سُلَيم في مواطنهم الأصلية بين المسجدين. (انتهى سرد عايش بن شريف السُّلَمي).
(1)
"جمهرة النسب" ص 396.
لمحة عن بني سُلَيم في بلاد الخليج والقصيم
قال حمد الحقيل في كنز الأنساب نقلًا عن العقد الفريد لابن عبده ربه التالي:
من سُلَيْم آل ضحك في السعودية والكويت وقطر والبحرين والعراق.
وفي آل ضحك أفخاذ مثل آل عبدي، وآل ضحك بن حمود بن عبيدي (العبداوي) وهم فرعان: آل عبدي وآل طعان ومنهم أبي هليِّل وآل جابر بن طعمة وآل عجيل والرهوني وآل لفتة وآل عقرب وآل ناصر وآل سويد بن حمزة، ومنهم آل شاهر وآل عاشور وهم آل حسين بن عاشور وآل رشاقي والهندي وآل منهج وآل دبوس آل فايد وآل ناهض وآل جريد.
ومن سُلَيم بنو نجم وبنو عبيد وبنو حوا وبنو عسكر، وهم غير عسكر عنزة وعسكر الظفير.
ومن سُلَيم أيضًا آل الصخاوي.
وهناك الكثير من أفخاذ متحضرة في القصيم من بلاد نجد ودول الخليج تنتمي إلى بني سُلَيْم ولم نتمكن من حصرها بالبحث الميداني، وكذلك توجد فروع في بلاد العراق من سُلَيم.
قبيلة آل بن علي (العتوب) من بني سُلَيْم
من أشهر قبائل بني سُلَيْم العدنانية في البحرين وقطر والكويت بالوقت الحاضر.
نسب القبيلة:
ذكر أبو علي هارون بن زكريا الهجري من أهل القرنين الثالث والرابع الهجريين في كتاب التعليقات والنوادر
(1)
نصًّا صريحًا يؤكد نسب بني عُتبة إلى خُفاف من بني سُلَيْم بن منصور العدنانية، حيث قال: أنشدني - يعني أبا المضاء سيَّار بن صخر الناصري أحد بني عُتبة من خُفاف للأدرع
(2)
بن مخارق العُتبي (انتهى).
وخُفاف هو ابن امرئ القيس بن بهثة بن سُلَيْم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وكانت خُفاف من أقوى قبائل سُلَيْم في صدر الإسلام، وقد ذكرهم ابن جرير الطبري في تاريخ الأمم والملوك في حوادث بغا الكبير قائد العباسيين عام 232 هـ الذي حارب بني سُلَيْم في جيش كبير من الأتراك والمغاربة والعرب. وقال الطبري: أن بغا لم يتمكن من خُفاف وقتئذ وقد هربت في الجبال التي في حرَّة سُلَيم وما حولها.
وآل بن علي هم بني عُتبة، ويقال لهم أيضًا العتوب، وقد انتقلوا من حرَّة بني سُلَيم إلى بلاد الخليج في القرن العاشر الهجري وسيأتي التفصيل عن ذلك نقلا عن مؤرخ القبيلة وعالمها الشيخ راشد بن فاضل آل بن علي العُتبي.
(1)
انظر قسم الأنساب ص 1815 - تحقيق الشيخ حمد الجاسر.
(2)
الأدرع قريب من درع، وهو اسم في آل بن علي من عُتْبَة من خُفَاف بني سُلَيْم.
إيضاح عن بني عُتبة السُّلَميين
ذكر بعض الباحثين والكُتَّاب منهم ابن عبَّار العَنَزي أن اسم العتوب أو بني عُتبة هو لقب قيل على بعض الأسر والأفخاذ من بني وائل، وقد أخذت واشتقت من عَتَبَ أي تحرك وارتحل .. وهذا خطأ فادح ووهم ظاهر من ابن عبَّار
(1)
.
والصحيح أن عُتبة اسم لا فعل، وهم بطن من بطون بني سُلَيْم من قيس عيلان من مُضَر وتحالفت معهم أُسر وائلية من عنزة من ربيعة في بلاد الخليج هي آل صباح وآل خليفة والجلاهمة، ومن ثم أُطلق عليهم اسم هذه القبيلة التي سبقتهم إلى الخليج قادمة من حرة بني سُلَيْم. أما الأُسر المذكورة فكانت قبلئذ تسكن الهدَّار من الأفلاج ببلاد نجد قبل 350 عامًا تقريبًا، ولما نزحت للخليج العربي وجدت بني عُتبة قبيلة قوية ذات بأس أمامها فعقدت معها حلفًا متينًا وصاهرتها والتحمت معها وأصبح اسم عُتبة يشملها بطبيعة الحال، وفيما بعد فتح
(1)
وذكر الباحث الكويتي الأستاذ سعود بن غانم بن جمران العجمي في كتاب مذكرات عن رحلة عبر الجزيرة العربية خلال عام 1819 م تأليف الكابتن ج فورستر سادلير معلقًا حيث قال: إن ما ذكره هارولد ديكسون في كتابه المُسمى (الكويت وجاراتها) وهو الزعم بأن بني عتبة (العتوب) أُطلق عليهم هذا اللقب صفة وليس اسما بزعم أنهم عتبوا من مكان ما. فهذا زعم لا صحة له على الإطلاق، فإن اسم عُتبة اسم عربي صحيح ومشهور فقد أطلق العرب هذا الاسم منذ الجاهلية وصدر الإسلام على العديد من رجالهم؛ فعلى سبيل المثال هناك عتبة بن غزوان المازني مؤسس البصرة وأميرها من قِبَل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهناك عتبة بن أبي سفيان شقيق الخليفة معاوية وأحد قادة الإسلام الكبار، وعتبة بن أبي لهب، وهناك العديد من المشاهير وغير المشاهير ممن أطلق عليهم هذا الاسم؛ بما ينفي نفيًا قاطعًا كونه صفة أو لقبا.
وقد ذكر الزبيدي في تاج العروس ليس معنى عتبة أو عتب الانتقال من مكان إلى مكان كما يروي ديكسون عن محدّثه، بل أورد الزبيدي معاني أخرى لهذا الاسم لا علاقة لها بالانتقال أو الترحال قطعيا، وقد توهم ديكسون وأبو حاكمة في اجتهاديهما.
وكما ذكر الرازي مثل قول الزبيدي وزاد عليه ولم يأت يشير إلى أن معنى كلمة عتبة هي الانتقال من مكان إلى مكان أو الارتحال أو أي معنى يدل على ذلك.
أما ما ذكره ديكسون الإنجليزي والدكتور أبو حاكمة والخصوصي وأبو حسين؛ عن عتبة فجميعهم نقلوا كلاما لا سند له في قوامس اللغة العربية، وإنما اجتهاد شخصي ليس إلا، وأما ما ذكره عثمان بن سند في (سبائك العسجد) أن بني عتبة ليسوا من أصل واحد ولا يجمعهم نسب واحد وأنهم أشتات تجمعوا تحت هذا الاسم؛ فزعمهُ هذا غير صحيح ألبتة؛ لأنه لم يستند في زعمه على مرجع تاريخي من مراجع الأنساب؛ ولأن كلمة (بني) تعني بداهة أبناء أي أولاد أو سلالة أو نسل عتبة، مثل بني هاشم بن عبد مناف، وبني سُلَيْم بن منصور، وبني هلال بن عامر بن صعصعة، وبني تميم بن مر بن أد .. إلخ (انتهى).
البحرين على يد محمد بن أحمد آل خليفة اتخذ هذا الأمير من آل بن علي العتوب جنودًا له في البحرين وقطر كما سيأتي بيانه.
وذكر ابن عبَّار أيضًا في كتاب أصدق الدلائل في أنساب بني وائل أن آل خليفة من عنزة من فرع جميلة من الهدَّار وحالفوا العتوب، ولم يسلسل نسبهم إلى جد اسمه عُتبة، وزعم أن ذلك اسم حلف دخل فيه أيضًا آل صباح والجلاهمة وآل بن علي وذكر أن الجميع من وائل من عنزة.
قلت: وهنا خطأ إذ ذكر آل بن علي ضمن حلف العتوب وفي الحقيقة أنهم هم بني عُتبة الأصل.
ولدى آل بن علي وثائق عديدة
(1)
وهي عبارة عن عقود ملكية بعضها منذ ثلاثمائة عام وبعضها قبل مائتين وخمسين عاما في البحرين أيام حكم العجم (إيران) وقد ذكرت أسماء فروع آل بن علي باسم فلان العُتبي، والجلاهمة باسمهم فقط دون أن يُقرن العُتبي بأسمائهم.
كما ذكر ابن عبَّار أن حلف العتوب بين آل صباح وآل خليفة والجلاهمة وآل ابن علي تم في الزبارة في ساحل قطر من بلاد الخليج العربي.
ويقرر بعض الرواة أن الحلف بين هذه الأُسر وبين العتوب قد تم في الكويت، وأن خليفة بن محمد جد آل خليفة
(2)
، وصباح بن جابر جد آل صباح، وعذبي الجلهمي جد الجلاهمة هم الذين عقدوا حلفهم منذ ثلاثة قرون ونصف قرن في نواحي الكويت أو ما كان يُسمى الكوت.
وقد وقع التباس حين تناول بعض النسابين نسب حكام البحرين والكويت
(1)
وقد وصلني العديد من هذه الوثائق للاطلاع عليها وقمت بتصوير بعضها لحفظها في مكتبتي الخاصة.
(2)
هو جد أحمد بن محمد بن خليفة فاتح البحرين عام 1197 هـ / 1783 م مع جيش مكون معظمه من آل بن علي (بني عُتبة أو العتوب) وهم أخوال هذا الأمير المُلقَّب بالفاتح وخاله الشيخ عمرو بن سنان آل مبارك البنعلي العتبي.
إلى بني وائل أو عنزة فظن البعض من المؤرخين أن بني عُتبة ينتمون جميعًا إلى بني وائل؛ لأن البعض قد حلا له أن يذكر نسب هؤلاء الحكام من صميم عُتبة ويذكر نسب عُتبة إلى جميلة من عنزة أو بني وائل، وهذا خطأ فادح؛ لأن هذه الأُسر الحاكمة هي بالفعل مؤكدة النسب روحًا ودمًا إلى بني وائل ومنبعها في الهدَّار من أرض نجد ولكنها قدمت لبلاد الخليج بعد بني عُتبة ولا تنتمي لها عرقيًا بل الانتماء عن طريق الحلف فقط.
أما بعض المؤرخين الذين نسبوا آل بن علي (العتوب) إلى بني تميم العدنانية خطأ فهذا راجع لأن بعض أفخاذ آل بن علي من بني عُتبة السُّلَميين سكنوا فريحة في قطر، وكانت هذه الأفخاذ تُلقَّب (معاضيد) بسبب تعاضدها وتعاونها، وفي رواية أخرى تقول بسبب وسم على إبلهم كان يُعرف بهذا الاسم.
وهذا الشيء قد خلق الالتباس عند بعض النسابين ووهم بعضهم أن هؤلاء من معاضيد بني تميم في بلاد قطر والذين هم من معضاد بن مشرف التميمي والذين منهم حكام قطر حاليا.
وأما ما ذكره عثمان بن سند في (سبائك العسجد) من أن قبيلة بني عُتبة ليست من أصل واحد ولا يجمعها نسب واحد وأنها أشتات تجمعت تحت هذا الاسم.
فأقول: الصحيح أن عُتبة معروفة النسب لبني سُلَيْم ومعها أحلاف من أُسر معروفة من وائل دخلت تحت مُسمَّى هذه القبيلة وقد استقلت فيما بعد هذه الأسر العريقة باسمها بعد أن اعتلت حكم البحرين والكويت كما هو معروف.
وكما تقدم أن اسم العُتبي لم يذكر في الوثائق والملكيات من أراضي ونخيل في البحرين وقطر إلَّا لآل بن علي وهم بني عُتبة، فكان أحدهم يقال له فلان العُتبي، وفيما بعد أصبح ينفرد أحدهم باسم "البنعلي" فقط.
ورواة البنعلي يحفظون أنسابهم إلى بني سُلَيم، ويذكرون أنهم من أحفاد الخنساء، وهذا التواتر صحيحًا؛ لأن الخنساء ترجع إلى خُفاف وسنورد تحليلًا يؤكد نسب بني عُتبة إلى نفس فرع الخنساء الشاعرة السَّلَمْية المشهورة في الجاهلية وصدر الإسلام، وقد ذكرت مجلة الوثيقة البحرينية (العدد الثالث) السنة الثانية، رمضان
1403 هـ/ يوليو 1983 م
(1)
مقالة بقلم الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة (رئيس تحرير المجلة) ذكر فيها قائلًا: "وإذا كان المهاجرون الأوائل هم الشيخ خليفة جد آل خليفة، والشيخ صباح جد آل صباح، والشيخ عذبي جد الجلاهمة وكذلك آل بن علي، وأجداد العشائر العُتبية التي هاجرت معهم" انتهى.
نقف هنا عند هذه الفقرة لنستنبط منها بعض الحقائق: فقول الشيخ عبد الله بن خالد هنا أن الشيخ خليفة والشيخ صباح والشيخ عذبي هم مؤسسين لعائلات آل خليفة وآل صباح والجلاهمة (فيما بعد) فهم حسب سرده كانوا أشخاصًا على قيد الحياة قبل استقرار أسرهم في البحرين والكويت وقطر.
أما البنعلي فقد قال عنهم: (آل بن علي) واقتران كلمة آل مع البنعلي تؤكد أنهم كانوا حال حياة المذكورين عشيرة كبيرة، وهم بلا ريب أصل العتوب
(2)
أو بني عُتبة كما يؤكده مؤرخهم وتدعمها وثائقهم.
ويُطلق على قبيلة آل بن علي نسبة إلى جدهم علي العُتبي من بني عُتبة من خُفاف من سُلَيْم وهي القبيلة العدنانية صريحة النسب، ويُطلق على قبيلة آل بن علي اسمان آخران هما العتوب أو بني عُتبة وبني سُلَيْم، وعلى واحدهم عُتبي إذا ما نُسب إلى بني عُتبة؛ وسُلَمِّي إذا ما نُسب إلى بني سُلَيْم.
وآل بن علي يتمسكون بالعَلَم السليمي كما يسمونه في البحرين وقطر، والصحيح لغويا أن يقال:"السُّلمي" وهو ذو اللون الأحمر مع الأبيض وهو مميز بأربعة خطوط حمراء متبادلة مع ثلاثة خطوط بيضاء، وكانوا يرفعونه على سفنهم أثناء الحروب وفي مواسم صيد اللؤلؤ وفي المناسبات كالزواج والأعياد.
وقال العباس بن مرداس في علم سُلَيْم:
وكان لنا عقدُ اللواء وشاهرهْ
…
ونحن خضبناهُ دمًا فهو لونهُ
(1)
المجلة صادرة عن مركز الوثائق التاريخية بدولة البحرين.
(2)
ويذكر بعض الرواة أن المعاودة في البحرين وقطر هم أيضا من أصل العتوب (بني عتبة) من بني سُليم العدنانية.
تحليل في نسب بني عُتبة من خفاف بني سُلَيم (وهم آل بن علي)
نظرًا لأن أبو علي الهجري ذكر عُتبة من خُفاف ولم يرفع في نسبهم أود هنا بعد تمحيص فيمن سُموا عُتبة في فروع سُلَيم وعلى الأخص فيمن سُموا عُتبة في خُفاف فأرجح أن مؤسس هذا الفرع من خُفاف هو عُتبة بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عُصية بن خُفاف بن امرئ القيس بن بُهثة بن سُلَيم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مُضَر. وهو أخي حنتم بن عبد بن حبيب جد أبو العاج كثير الذي ولي البصرة في عهد الأمويين.
وسواء جزمنا بأن عُتبة الخُفافي هو جد بني عُتبة أم لم نجزم، فبنو عُتبة على أية حال هم صريحو النسب بنص أبو علي الهجري قبل إحدى عشر قرنًا من الزمان، ولسنا بحاجة ضرورية أن نؤكد أو نرجح تسلسل عُتبة إلى بني خُفاف.
وعن عُتبة بن عبد السُّلَمي ثم الخُفافي فقد ذكره شمس الدين الذهبي في كتاب دولة الإسلام المطبوع في دولة قطر، وأنه من الصحابة وكان قد نزل حمص بسوريا من بلاد الشام وقد حدد وفاته عام 96 هـ، إلا أنه لم يذكر وفاته في الشام، والمؤكد أنه توفي في ديار سُلَيْم بالحجار، وقد ظهرت سلالته بعد قرنين كعشيرة معروفة في خُفاف، حيث ذكرها أبو علي الهجري في أوائل القرن الرابع كما تقدم إيراد النص.
وكما ذكر عُتبة بن عبد السُّلَمي أيضًا ابن سعد في طبقاته وأوضح أنه من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر نزوله بحمص من بلاد الشام ووفاته عام 91 أو 92 هـ، ولم يوضح وفاته بحمص.
وخالف ابن سعد المؤرخ محمد بن عمرو الواقدي في الاستيعاب، حيث ذكر أن وفاة عُتبة بن عبد السُّلَمي عام 87 هـ
(1)
.
قلت: ويلتقي عُتبة بن عبد حسب ما أوضحنا مع الخنساء الشاعرة في الجد الرابع لها وهو يقظة بن عُصية بن خُفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سُلَيم.
(1)
انظر عتبة بن عبد السلمي في طبقات ابن سعد ص 413 ج 7، وانظر في الاستيعاب للواقدي ص 830 ج 2.
وهذا الشيء قد أكده مؤرخ آل بن علي من عُتبة الشيخ راشد بن فاضل بأن عشيرته من فرع الخنساء من أرومة بني سُلَيم.
نبذة عن مؤرخ قبيلة آل بن علي من بني عُتبة (العتوب)
هو الشيخ راشد بن فاضل بن سيف بن فاضل بن محمد بن مقبل بن جمعة بن سيف بن سلطان آل بن علي العُتبي، أحد ربابنة الغوص على اللؤلؤ المشهورين في الخليج. ولد راشد بن فاضل في البحرين في مدينة الحد في سنة 1295 هـ الموافق 1874 م وتربى فيها، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب في الكُتَّاب.
نشأ راشد بن فاضل في أسرة كان ركوب البحر من اختصاصها، فوالده فاضل كما كان أجداده من قبل سيف وفاضل من كبار روّاد البحر وعظماء ربابنته، وكذلك كان أقرباؤهم وأبناء عمومتهم. والربَّان راشد بن فاضل هو أحد أقدر ربابنة البحر في الخليج خلال أوائل القرن العشرين، وقد توفي الشيخ راشد بن فاضل رحمه الله عن عمر يناهز الخامسة والثمانين، وذلك في جزيرة دارين بالمملكة العربية السعودية في يوم الثلاثاء 18 محرم 1380 هـ الموافق 1959 م.
لم يكن راشد بن فاضل ربّانا فذا وعالما بشئون الإبحار في الخليج فحسب، بل كان أيضًا أديبًا وشاعرًا ومؤرخًا قادرًا؛ فقد نظم الشعر الفصيح والنبطي وأبدى براعة في النظم، فنظم شعرا مهملا (حروفه لا تحتوى على نقاط) وله أبيات من الشعر إذا قرأت كلماتها من اليمين إلى الشمال كانت مديحا، وإذا قرأتها من الشمال إلى اليمين كانت هجاء. وله منظومة شعرية طويلة تصف المجاري المذكورة في كتاب (مجاري الهداية)، وكان من ورعه وتقواه أنه قليل الكلام كثير لذكر الله سبحانه وتعالى.
وضع الربّان راشد بن فاضل آل بن علي كتابا أسماه (مجاري الهداية)
(1)
(1)
مجاري الهداية - للربان راشد بن فاضل آل بن علي - تحقيق ومراجعة د. جاسم الحسن ص 91 - 96.
وعرفه بين العامة بـ "النايلة"، ويعد هذا الكتاب دليلا بحريا لإبحار بالسفن الشراعية بين الموانئ والجزر الواقعة على الخليج العربي. وله مخطوط لم يطبع اسمه (مجموع الفضائل في تاريخ ونسب القبائل). وقد أعقب ثلاثة بنين هم: سلطان ومحمد وفاضل وأربع بنات. وكان سلطان أكبر أولاده أديبا وشاعرا، كما كان متفقها في أمور دينه، وتوفي رحمه الله مخلفا ابنا واحدا وهو محمد. وكان محمد الابن الأوسط أخبرهم في علوم البحار وقد أجاد نظم الشعر، وكان فاضل الابن الاصغر الدي قضى أقل فترة من بينهم مع والده في البحر وذلك لصغر سنه، وتوفي رحمه الله مخلفا ابنان وهما راشد وسلطان وأربع بنات.
ملخص ما ذكره الشيخ راشد بن فاضل في مخطوطة عن آل بن علي (العتوب)
يقول المؤرخ راشد بن فاضل أنه يوجد عنده صك ملكية نخل (بستان) في منطقة سترة
(1)
يعود تاريخه إلى سنة 1111 هـ الموافق 1699 م باسم جد آل سلامة، أي قبل فتح البحرين بأربع وثمانين سنة، وقد وقف على أكثر من خمسين وثيقة وفي كل وثيقة قد اشترى فلان بن فلان العُتبي؛ فالعُتبية قديمة لديهم نسبة إلى جدهم الصحابي الجليل عُتبة بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عُصية بن خُفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سُلَيْم بن منصور.
وقد كانت عزوتهم في الحروب "آلاد سالم" أي أولاد سالم. ومن قصيدة لدعيج بن خليفة بن سند آل بن علي يقول فيها:
حِنّا هل الوقعات للسيف مروين
…
آلاد سالم لابتي بكل ميدان
(2)
آل بن علي من سليم العريبين
…
سليم بن منصور بن قيس عيلان
(1)
سترة: منطقة معروفة في البحرين.
(2)
للسيف مروين: كناية عن كثرة تلطخ السيف بالدم؛ دلالة على كثرة الوقائع والحروب.
وقال راشد بن فاضل عن هجرة آل بن علي العتوب:
أولا كانوا في حرَّة بني سُلَيْم قرب مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ارتحلوا إلى نجد، وفي القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) هاجر من نجد لأسباب مجهولة بطنان من قبيلة آل بن علي وهما بنو سالم وبنو شظيب متوجهين إلى شرق الجزيرة العربية (واحة يبرين في إقليم الإحساء) ومنها إلى الظفرة
(1)
، ثم ارتحلوا إلى حدود عُمان وهم آنذاك بدو أهل عمود، وكانوا حوالي أربعمائة أسرة، وطلبوا منهم أهل عُمان أن لا يجتمعوا في مكان واحد حتى لا يكونوا قوة تهدد القبائل في تلك المنطقة، فنزل في الباطنة 100 أسرة، وفي الظفرة 100 أسرة، وفي قطر 100 أسرة، وفي يبرين 100 أسرة. وكلٌ تخلَّق باخلاق من جاوره واستحضروا
(2)
.
وبعد مرور فترة من الزمن أتقن آل بن علي فنون البحر وأصبحت لديهم قوة بحرية كبيرة، فكثرت تنقلاتهم البحرية ودأب آل بن علي ممن سكنوا قطر على امتلاك الأراضي والنخيل في البحرين لكثرة تنقلاتهم بين هذين البلدين، ويوجد لدى آل بن علي صك لملكية نخل مؤرخ بعام 1111 هـ الموافق 1699 م يؤكد تواجد العتوب - وهم آل بن علي - في البحرين قبل هذا التاريخ حيث استوطنوا وتملكوا الأراضي فيها قبل قدوم أُسر من عنزة إليها.
وقد ذكر والي البصرة في الوثيقة المؤرخة بتاريخ 2 رجب 1113 هـ الموافق 1701 م الموجودة في أرشيف رئاسة الوزراء العثماني في إسطنبول، حيث ذكر أن لقبيلة العتوب والخليفات 150 سفينة وعلى كل سفينة مدفعا أو ثلاثة مدافع، وعلى كل سفينة ثلاثون أو أربعون رجلا محاربا يحمل بندقية
(3)
.
(1)
الظفرة تقع في دولة الإمارات العربية المتحدة حاليًا علي الحدود المتاخمة للمملكة العربية السعودية.
(2)
مخطوط الشيخ راشد بن فاضل آل بن علي - ص 16.
(3)
رحلة عبر الجزيرة العربية، تأليف: ج. فورستر سادلير، ص 204، 205.
وقد ارتحلت قبيلة العتوب (آل بن علي) من قطر والبحرين إلى البصرة لفترة قصيرة ثم إلى الكويت، وبعد فترة من الزمن عادوا إلى قطر ثانية واستوطنوا مرة أخرى في فريحة والزبارة وذلك في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، وتخلف عنهم في الكويت جماعة من آل درباس (محمد بن عمرو وذريته) وفرع من آل خنفر (بن ديين).
وعند هجرتهم من الكويت قال شاعر المرتحلين من آل بن علي:
هب الشمال واللّي به الخير قد شال
…
واللّي بقى نال الردى والمذلة
فردّ عليه شاعر ممن بقي من آل بن علي في الكويت وقال:
هب الشمال وطيّر التبن وانجال
…
ولا بقي إلّا مصحصح الحب كلّه
(1)
ويذكر الشيخ راشد بن فاضل بن سيف آل بن علي - رحمه - الله، أن آل بن علي العتوب في هجرتهم الثانية من الكويت إلى قطر حوالي منتصف القرن الثامن عشر الميلادي (في عهد حاكم الكويت الأول الشيخ صباح بن جابر الذي تولى الحكم في عام 1753 م حتى 1763 م) حاولوا النزول في البحرين فقام ابن طاهر من آل بومهير وهم حكام البحرين آنذاك بمنعهم من المرور بسفنهم بين جزيرة المحرّق والمنامة وطلبوا منهم المرور من شرقي جزيرة المحرّق فأبى آل بن علي ومرّوا بين المنامة والمحرق، وفي ذلك يقول شاعرهم إرشيد بن عمّار آل جديع آل بن علي العُتبي:
(1)
مخطوط الشيخ راشد بن فاضل آل بن علي ص 15، 16.
يقول ارشيد بن عمّار ومن بنا
…
حسن القوافي من بيوت القصايد
يا مبلَّغ منا صباح بن جابر
…
فتى الجود جزل ما يمد الزهايد
ركبنا بمال مع رجال وسفنٍ
…
تهادى بنا شروى المهار العوايد
يجدّونها ربعي من آلاد سالم
(1)
…
مصاريعها ما بين روس الوسايد
خانوا دواسرنا علينا وحالفوا
…
وصف ظفير جا من أقصى البعايد
وجينا على كثر العمارة ندورهم
…
بصم قلوب تدعى العظام بدايد
وحِنّا يا ابن طاهر مثل عظم تولجنه
…
يديك في الحلقوم لوماه وايد
وقد توجّه العتوب إلى ساحل قطر الشمالي ثم انقسموا إلى قسمين، قسم سكن فريحة ويُطلق عليهم معاضيد أو معاضيد سُلَيْم
(2)
، حيث إنهم كانوا متعاضدين، وفي رواية أخرى فإنهم سُموا معاضيد نسبة إلى وسم كانوا يضعونه على إبلهم. والقسم الآخر سكن الزبارة وقد سُموا سُلَيْم باسم القبيلة الأم.
ومن سكن فريحة منهم: (آل سلامة - آل مقبل - آل خنفر - آل جديع - آل سنان - آل حمد - الشبيكات).
أما من سكن الزبارة فهم: (آل بن طريف - آل لحدان - آل غنام - وفرعان من آل جديع هما: آل حديد والتراجمة - ومن آل شظيب: آل درباس وآل بوطامي)
(3)
.
وصار من عادة قبيلة آل بن علي أن تكون الشيخة في رجلين: واحد من المعاضيد. والآخر من سليم.
يروي الشيخ راشد بن فاضل آل بن علي رحمه الله، أن قبيلة آل بن علي
(1)
آلاد سالم: أي أولاد سالم، وهم عزوة آل بن علي في الوقائع والحروب.
(2)
وهم خلاف المعاضيد من بني تميم ومنهم آل ثاني حكام دولة قطر.
(3)
مخطوط الشيخ راشد بن فاضل آل بن علي ص 15، 16، 20.
قد ارتحلوا إلى جزيرة قيس بن عميرة موتين أثناء حروبهم مع بعض القبائل، وإلى أبو ظبي مرّة، واستوطنوا في الحويلة من قطر، والبدع (الدوحة حاليا) مرّة، ومرّتين في الزبارة وفريحة على الساحل الشمالي الغربي من شبه جزيرة قطر. وسابق نزلوا الكويت
(1)
. وحيث إن قبيلة آل بن علي سكنت جزيرة قيس بن عميرة مرتين فقد كانت تردد في أغاني المراداة وهي الرقصة الشعبية البحرينية بعض الأبيات التالية:
يا قيس ما مرّوا عليك أرباعه
مرّوا عليّ البنعلي فزّاعه
مرّوا عليّ وعمروني ساعه
يا ساعة قشرة يا هي ساعه
وترجع كثرة هجرات القبيلة بين المناطق إلى كثرة الحروب والمصادمات.
يقول الشيخ راشد بن فاضل: (حيث تقلب الزمان بهم وكثرت الحرايب ولا قرّ لهم قرار في وطن عشرة أعوام إلا في هذه السنين - أي في منتصف القرن العشرين).
والحرف الشائعة بين قبيلة آل بن علي هي صيد اللؤلؤ والاتجار به، والتجارة والملاحة البحرية، فمنهم ملَّاحون يجوبون جميع أنحاء الخليج العربي والهند والسند وجنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا.
لمحات أخرى من تاريخ آل بن علي العتوب
وقعة الزبارة الأولى
(2)
:
في عام 1782 م حدث شجار بين نفر من أهل الزبارة والبحارنة في جزيرة سترة، وقتل شخص من البحارنة فاستغاثوا بحاكم البحرين آنذاك الشيخ نصر آل مذكور، فجهز لهم سفنا مشحونة بجيش عظيم قوامه 4000 مقاتل، وتولى بنفسه
(1)
رسالة من الشيخ راشد بن فاضل إلى الشيخ أحمد بن حجر مؤرخة بتاريخ 29 صفر 1356 هـ.
(2)
تاريخ العتوب - منى غزال ص 58 - 60.
القيادة وكان معه ابن أخيه "محمد" وتوجه نحو الزبارة في قطر وقام بمحاصرتها من البحر لمدة شهر، ثم قام بإنزال قواته بين الزبارة وفريحة وقت صلاة الجمعة، وقد اختار هذا الوقت لانشغال الرجال بأداء الصلاة، فيفاجئهم وهم بالمساجد، دون أن يتوقع أن اجتماعهم هذا أدّى إلى قوتهم، كما أن المصلين في فريحة - وهم فخائذ من قبيلة آل بن علي - توجهوا بسيوفهم لنجدة إخوانهم من آل بن علي وأصهارهم من آل خليفة في الزبارة - بعد أن استنجدت بهم امرأة ضد الغزاة - فاتفق أهل فريحة والزبارة - عن طريق تلك المرأة - أن تكون ساعة الصفر بعد صلاة الفجر، فأتى أهل فريحة في قسمين، قسم هاجم نصر آل مذكور من جهة البحر والقسم الآخر هاجمه برا، وفي نفس الوقت كان أهل الزبارة مستعدون لساعة الصفر
(1)
.
وقعت المعركة في فجر يوم السبت من أيام شهر ذي الحجة 1196 هـ الموافق ديسمبر 1782 م. وكان أهل فريحة تحت قيادة الشيخ سلامة بن سيف بن سلطان آل بن علي، وأهل الزبارة تحت قيادة الشيخ علي بن لحدان بن محمد آل بن علي. وقد حدث قتال عنيف أجبر الغزاة على الفرار إلى سفنهم وقُتل الشيخ محمد ابن أخي الشيخ نصر، كما قُتل ابن أخي الشيخ راشد بن مطر القاسمي شيخ رأس الخيمة وسواهما من وجهاء هرمز.
فهرب الشيخ نصر إلى بو شهر في بر إيران تاركا حتى سيفه الذي خسره في المعركة فآل السيف إلى الشيخ سلامة بن سيف بن سلطان آل بن علي ثم إلى الشيخ سلطان بن سلامة آل بن علي
(2)
، ثم إلى والدته مريم بنت سيف بن سلطان آل سلامة آل بن علي، ثم وهبت هذا السيف إلى الشيخ راشد بن فاضل بن سيف
(1)
رواية من سعيد بن خليفة بن سعيد آل بن علي رحمه الله.
(2)
هو الشيخ سلطان بن محمد بن علي بن سلطان بن سلامة بن سيف بن سلطان آل بن علي.
آل بن علي الذي أهداه مع هذه الأبيات من الشعر إلى صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود في زيارته التي قام بها إلى جزيرة دارين
(1)
قائلًا:
إن المآثر تنبي ذكر صاحبها
…
بما هو عليها من الأفعال مذكور
لما أتى نصر المذكور في ملأ
…
يقود جيشا من الأعجام مغرور
إلى الزبارة والعرب الذين بها
…
من العتوب تولّى وهو مكسور
وكان هروب الشيخ نصر آل مذكور إلى بو شهر في بر العجم (إيران) قد أدّى إلى سوء الأحوال في البحرين وضعف حاميتها؛ ممّا سهل لأحمد بن محمد بن خليفة ومعه العتوب فتح البحرين وذلك في شهر صفر 1197 هـ - 1783 م. ويفاخر العتوب بانتصارهم، وفي هذا تردد النسوة في أغاني المراداة هذه الأبيات:
لا انكسر مكسور
لا صاح صايحهم ولا انكسر مكسور
انكسر بيرق نصّور
والنصر من الله وانكسر بيرق نصّور
بعد هزيمة نصر آل مذكور وسقوط رايته وسيفه، صغّر العتوب اسمه تحقيرًا له وسموه (نصّور) وأطلقوا على تلك الموقعة (وقعة نصّور).
ابن طريف آل بن علي العُتبي
هو شيخ المشايخ عيسى بن حمد بن طريف بن محمد آل بن علي العُتبي، زعيم قبيلة آل بن علي في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، وهو من أبرز الشخصيات السياسية والحربية على الإطلاق في الخليج العربي آنذاك.
وهو خال الشيخ علي بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين الخامس.
(1)
تاريخ العتوب - منى غزال، ص 58 - 60.
ولد في الزبارة - على الساحل الشمالي من شبه جزيرة قطر - وانتقل مع جماعته العتوب إلى البحرين بعد فتحهم لها؛ حيث اتخذ جزيرة المحرق سكنا له ولقبيلته، فقد كانت المحرق حاضرة البحرين وعاصمتها التجارية.
امتاز ابن طريف بالشجاعة وشدة البأس والثبات في المعارك، وتشهد له بذلك الوقائع والحروب التي خاضها في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي
(1)
.
والجدير بالذكر أن الشيخ عيسى بن طريف هو الذي فتح ممبسة في شرف أفريقيا مع قبيلته آل بن علي مساعدة منه لحاكم مسقط وزنجبار الإمام سعيد بن سلطان آل بوسعيد توثيقا لعلاقتهم معه، بعد أن طلب منهم ذلك وهم في جزيرة قيس بن عميرة فتجهزوا في 18 سفينة من الحجم الكبير مزودة بالمدافع
(2)
.
انطلق آل بن علي متجهين نحو ممبسة قبل أن يتحرك أسطول الإمام سعيد بن سلطان، وعندما أبحر أسطول السلطان وهو في عرض بحر العرب ولم يرَ سفن آل بن علي، قال:(هيه!، تاهوا العتوب!!). دون أن يعلم أن العتوب قد عرفوا فنون وطرق الإبحار منذ أن سكنوا هذه المنطقة، فما أن وصل السلطان سعيد إلى ممبسة إلا والعلم السليمي يرفرف فوقها، ففرح السلطان وابتهج بهذا الإنجاز الكبير.
مقتل الشيخ عيسى بن طريف:
قُتل الشيخ عيسى بن طريف آل بن علي في وقعة أم سوية سنة 1264 هـ/ 1847 م في بر قطر، حيث إن سبب الحرب هو أن الشيخ عيسى بن حمد بن
(1)
(نبذة عن عيسى بن طريف) إعداد إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل بن علي.
(2)
الوثيقة - العدد 31، السنة 16 - شعبان 1417 هـ/ يناير 1997 م، وانظر التحفة الذهبية للشريفي ص 829، ط ثانية.
طريف آل بن علي نزل البدع (الدوحة حاليا) وحكمها لمدة 6 سنوات وعدة أشهر، وأراد أن يصلح بين أولاد الشيخ عبد الله بن أحمد وآل سلمان (بني عمهم)، ولما توجه نحوهم ولم يكن معه من قبيلته (آل بن علي) إلا القليل؛ لأنهم كانوا في الغوص وقتئذ، وليس معه إلا أبناء عبد الله بن أحمد وبعض المناصير وبني هاجر وأناس من السلطة وبعض الأتباع، فبدأ آل سلمان ومن معهم من أهل البحرين بالرمي فبادلوهم جماعة الشيخ عيسى بن طريف الرمي ونشبت الحرب، وكان الانتصار حليف الشيخ عيسى بن طريف رغم قلة عدد أصحابه ولكن ذهاب البدو بالأطماع وأخذ الغنايم أدّى إلى انقلاب النصر إلى هزيمة وأصيب الشيخ عيسى بن طريف برصاصة في جسمه ولكنه استمر بالرمي وأردى اثنا عشر مقاتلا من جيش آل سلمان بعد إصابته حتى توفي رحمه الله. وتسمى هذه الحادثة (وقعة أم سوية) أو (خراب الدوحة الأول)
(1)
. ومما يستحق الذكر، أن جيش آل سلمان كان بقيادة الشيخ علي بن خليفة
(2)
وليس الشيخ محمد بن خليفة كما قيل، وأن الشيخ عيسى بن طريف قُتل بالرصاص وليس بالسيف أو الرمح كما يزعم البعض في مؤلفاتهم:
أم سوية تشهد بموت شيخ المشاهير
…
موته خراب الدوحة وقطر وديارها
والموت للرجال الشدايد حق ما هو بتقصير
…
هاذي سيرة الشيخ عيسى نبذة باختصارها
(3)
بعد مقتل الشيخ عيسى بن طريف تولّى الشيخة الشيخ سلطان بن سلامة بن سيف آل بن علي وقاد قبيلته في هجرتهم إلى جزيرة قيس بن عميرة سنة 1265 هـ، وفي العام التالي توفي الشيخ سلطان في جزيرة قيس وصارت مشيخة
(1)
مخطوط راشد بن فاضل آل بن علي + الوثيقة - العدد 31، السنة 16، شعبان 1417 هـ/ يناير 1997 م.
(2)
الوثيقة - العدد 7، السنة الرابعة - شوال 1405 هـ/ يوليو 1985 م.
(3)
من قصيدة لعيسى بن هتمي بن أحمد آل بن علي.
القبيلة إلى ابنه الشيخ علي بن سلطان بن سلامة الذي عُرف بتقواه وورعه وشجاعته وكرمه حتى وفاته رحمه الله سنة 1278 هـ مخلفًا ابنا واحدا وهو محمد
(1)
، والشيخ علي بن سلطان هو الذي قاد آل بن علي إلى الدمام بعد طلب واستنجاد آل عبد الله لهم بسبب الحصار الواقع عليهم من آل سلمان.
وبعد وصول آل بن علي إلى الدمام حدثت (وقعة الخالي) وقُتل أناس كثيرون حتى فك آل بن علي الحصار. وقُتل في هذه المعركة شيخ الجلاهمة بشر بن رحمة بن جابر الجلاهمة ومريط الهاجري وآخرون وذلك سنة 1267 هـ. وبعدها نزل آل بن علي الدمام وسط ترحيب ومباركة الأمير فيصل بن تركي آل سعود
(2)
.
وبعد وفاة الشيخ علي بن سلطان صارت المشيخة إلى الشيخ علي بن عيسى بن طريف.
الشيخ علي بن عيسى بن طريف:
ولد في البحرين عام 1258 هـ/ 1842 م، وسكن جزيرة المحرَّق وله زوجتين من قبيلة آل بن علي إحداهما بنت علي بن راشد، والأخرى بنت إبراهيم بن حسن بن لحدان وخلّف أربعة أولاد وهم محمد وأحمد وخليفة وحمد وثلاث بنات. وهو من شيوخ آل بن علي ووالده عيسى بن طريف هو خال الشيخ علي بن خليفة آل خليفة والد الشيخ عيسى حاكم البحرين الأسبق. والشيخ علي بن عيسى بن طريف ذو جاه وثروة، كريم النفس، وصاحب سكينة ووقار، وهو من شعراء قبيلة آل بن علي
(3)
. وبعد وفاة الشيخ علي بن عيسى بن طريف آلت الشيخة إلى الشيخ سلطان بن محمد بن علي بن سلطان بن سلامة الذي توفي سنة 1313 هـ.
(1)
الوثيقة - العدد 31، لسنة 16 - شعبان 1417 هـ/ يناير 1997 م ص 22.
(2)
مخطوط للمؤرخ راشد بن فاضل آل بن علي ص 21 - ص 26 ورسالة من الأمير فيصل بن تركي آل سعود إلى الشيخ علي بن سلطان بن سلامة مؤرخة في 27 ذي القعدة 1271 هـ.
(3)
الوثيقة - العدد 24، السنة 14 - رجب 1414 هـ/ يناير 1994 م.
بطون وعشائر وأفخاذ آل بن علي (العتوب) في بلاد الخليج العربي
تنقسم هذه القبيلة السُّلَمية العريقة إلى بطنين هما آل سالم، وآل شظيب.
أما عن البطن الأول آل سالم ففيه أفخاذ: آل لحدان، وآل غنَّام، وآل سلامة، وآل مقبل، وآل خنفر، وآل سنان، وآل جديع، وآل حمد، وآل شبيكات.
وأما البطن الثاني آل شظيب ففيه العشائر التالية: آل درباس، وآل بوطامي.
وتفريع عشائر البطن الأول كالتالي:
عشيرة آل لحدان ومنها أفخاذ آل صباح، وآل إبراهيم، وآل ارحمه، وهم في البحرين والسعودية والكويت، وآل ارحمه فقد انقرضوا.
وعشيرة آل غنَّام ومنها أفخاذ آل سالم بن حمد، وآل عسيلي، وآل جابر، وهم في البحرين، وآل جابر انقرضوا.
وعشيرة آل سلامة فقد انقرضت عام 1905 م.
وعشيرة آل مقبل ومنها أفخاذ آل فاضل، وآل هتمي، وآل أحمد، وآل سيف، وهم في السعودية وقطر والبحرين.
وعشيرة آل خنفر ومنها أفخاذ آل راشد، وآل مجبل، وآل سلامة، وآل عبد الرحمن، وآل جرَّام، وآل عبد الله، وآل ديين، وآل خنفر بن أحمد، وهم في البحرين والسعودية والكويت وقطر.
وعشيرة آل سنان ومنها أفخاذ آل مبارك، وآل عمرو، وهم في البحرين وقطر والكويت وعن آل عمرو فقد انقرضوا.
وعشيرة آل جديع ومنها أفخاذ آل سند، وآل مالك، وآل حديد، وهم في البحرين والسعودية والكويت.
وعشيرة آل حمد ومنها أفخاذ آل ناصر، وآل عبد الرحمن، وآل صقر، وآل حسين بن أحمد، وآل سلطان بن حمد، وآل سلطان بن أحمد، وآل جابر، وآل سلامة، وهم في السعودية والبحرين وقطر، أما آل جابر وآل سلامة فقد انقرضوا.
وتفريع أفخاذ البطن التالي كالتالي:
عشيرة آل درباس ومنها أفخاذ آل محمد، وآل عمرو، وهم في البحرين والكويت والسعودية وقطر.
عشيرة آل بوطامي ومنها أفخاذ آل حجر وآل مصبح، وهم في قطر والإمارات العربية، وعن آل بن علي وسائر بني عُتبة من سُلَيم، فهنالك أفخاذ كثيرة لم نتوصل إلى أسمائها وفصائلها وهي في عُمان والإمارات وإذا جاءت لنا بيانات عنها سوف نستدركها في طبعات أخرى إن شاء الله تعالى.
مصاهرات آل بن علي مع حكام البحرين والكويت وقطر
أولا آل خليفة حكام البحرين:
- الشيخ محمد بن خليفة (الكبير) تزوج من آل سنان من آل بن علي أخت عمرو بن سنان ومحمد بن سنان، وأنجب الشيخ أحمد الفاتح وهو حاكم البحرين الأول، والشيخ مقرن.
- الشيخ عبد الله بن أحمد (الفاتح) حاكم البحرين الثالث تزوج من آل لحدان مع آل بن علي، وأنجب محمد حاكم البحرين السادس، وأحمد وعلي.
- الشيخ خليفة بن سلمان بن أحمد الفاتح ابن حاكم البحرين الثاني تزوج أخت الشيخ عيسى بن حمد بن طريف آل بن علي، وأنجب علي بن خليفة حاكم البحرين الخامس.
- الشيخ عيسى بن علي بن خليفة حاكم البحرين السابع تزوج من السيدة الفاضلة مريم بنت حمد آل غنام آل بن علي أخت الشيخ سالم بن حمد آل بن علي، وأنجب الأديب الشاعر الشيخ محمد بن عيسى بن علي آل خليفة.
ثانيا آل صباح حكام الكويت:
- الشيخ سالم المبارك آل صباح حاكم الكويت التاسع تزوج من السيدة الفاضلة منيرة بنت محمد آل دبوس من آل غنام من آل بن علي وأنجب الشيخ صباح سالم الصباح حاكم الكويت الثاني عشر.
ثالثا آل ثاني حكام قطر:
- السيد الفاضل خليفة بن راشد بن عيسى بن غانم آل خنفر من آل بن علي تزوج الشيخة روضة بنت محمد آل ثاني أخت الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني حاكم قطر السابق وأنجب دعيج وسعود. (انتهى السرد عن آل بن علي).
تنويه عن نسب قبيلة زعب
بعد طبعة عام 1997 م - 1418 هـ في المجلد الأول بموسوعة القبائل العربية أرسل لي العديد من القراء والباحثين نصوصًا موثقة وعديدة عن قبيلة زعب لم أطلع عليها سابقا، وبعد فحصها وتمحيصها تبين لي فيما بعد بأن أبناء قبيلة زعب المنتشرون في الجزيرة العربية بالمملكة العربية السعودية وقطر والكويت والبحرين وغيرها من دول الخليج العربي وفي بلاد الشام في سوريا والأردن ولبنان وفلسطين، وفي العراق وتركيا وغيرها لا يرجع نسبهم إلى بني سُلَيم من العدنانية، وإنما يعودون في نسبهم لقريش من الأشراف الحسنيين من ذرية الشريف علي نور الدين الزعبي حفيد السيد عبد القادر الجيلاني الحسني أبًا والحسيني أمًا والحنبلي مذهبًا الهاشمي القرشي رضي الله عنه حسبما ما هو ثابت في العديد من المصادر والمراجع وموثق في المشجرات الخاصة بالأشراف الحسنيين من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وحيث دُوِّن في نقابات الأشراف في طرابلس لبنان وغيرها من مئات السنين من عهد دولتي المماليك والأتراك العثمانيين.
وقد اتضح أن النصوص التي ذكرت زعب إلى بني سُلَيْم معظمها نصوص حديثة وبعض النصوص القديمة القليلة والتي اعتمد معظم المؤرخين بعضهم إلى بعض، أي النقل للمتأخر على المتقدم، حيث إن منبع الخطأ كان واحد أو اثنين من هؤلاء المؤرخين القدامى، أما معظم النصوص الموجودة في بطون الكتب والمخطوطات لمشاهير علماء النسب مثل ابن حزم الأندلسي وأبي العباس القلقشندي وعبد الرحمن بن خلدون وابن سعد في الطبقات والسمعاني والدارقطني إمام الحديث ومحل الثقة، إذ قوله قطع قول كل خطيب، وقد ذكروا جميعا أن البطن المعروف من سُلَيم هو زغب - بكسر الزاي وسكون الغين المعجمة وفي آخرها باء موحدة - وهنا فمن الحق التمسك بنصوص علماء النسب المشهورين
وكيف لا يُتَمَسَّك بالعديد من النصوص وبعض القبائل العربية نراها تتمسك ولو بنص واحد عن نسبها ولا تحيد عنه حتى ولو كان لعالم غير مشهور أو مؤرخ مغمور، وقد تأكد أن رغب - بالغين المعجمة - من سُلَيْم المُسَّطرة في كتب الأنساب المشهورة قد انتابها التصحيف في بعض المخطوطات التي طبعت في العصور الأخيرة، وقد حُذفت النقطة من الغين بقصد أو بغير قصد لتتحول الغين إلى عين مهملة وتنطق زعب بدلا من زغب ليحدث الالتباس على معظم المؤلفين الحديثين في الأنساب في العصور الأخيرة.
فالأمثلة كثيرة وعديدة في الخطأ لكثير من مخطوطات المؤرخين القدامى سواء في ذكر الأفخاذ أم البطون أم القبائل العدنانية أو القحطانية، ولا تخلو مخطوطة عن الأنساب لهؤلاء النسابين والمؤرخين من الخطأ وتحويل الحاء إلى جيم أو خاء، وتحويل العين إلى غين أو العكس، أو الباء إلى تاء أو ثاء والعكس، أو الصاد إلى ضاد والطاء إلى ظاء أو العكس، وهكذا في جميع الحروف الأبجدية من السين والشين والفاء والقاف والدال والذال والراء والزاي والعكس
…
إلخ (وهذا ما يسمى بالتصحيف).
وقد ثبت أن قبيلة رعب (بالعين المهملة) قبيلة هاشمية تفرعت غصونها من الأشراف الحسنيين خلاف قبيلة رغب (بالغين المعجمة) السُّلَمية القيسية التي ظهرت في العصر الجاهلي.
وعن زعب الهاشمية فمؤسسها هو الشريف علي نور الدين الزعبي، وهو أول من لُقِّب بالزعبي، وإنما لُقِّب بذلك؛ لأنه كان ممتلئا بالعلم والمعرفة وكان شيخا عالما تقيا ورعا دينا صالحا، (والزعبي، في اللغة: من زعب، زعب الماء امتلأ وتدافع). وعلي نور الدين الزعبي هو حفيد السيد القطب شيخ الإسلام وإمام الحنابلة الشيخ الإمام عبد القادر الجيلاني الحسني رضي الله عنه التي
ملات شهرته الآفاق في العالم الإسلامي وفي الوطن العربي من المحيط إلى الخليج حتى الوقت الحاضر رغم وفاته إلى رحمة الله تعالى من عدة قرون.
وقد تكونت قبيلة زعب من مؤسسها وجدها الأعلى الشريف علي نور الدين الزعبي من بداية القرن السادس الهجري في الحجاز بعد خروجه من العراق برفقة جده الشيخ عبد القادر الجيلاني.
وقد كان بنو زعب بجوار إخوتهم من الحسنيين بالحجاز في موطنهم الأصلي مكة وما حولها في عهد مبكر في أواخر القرن السادس الهجري تقريبا، ثم بعد مرور عدة قرون ظهروا كقبيلة ذات بأس وقوة، فامتدت ديارهم من الحجاز إلى الربع الخالي، ثم حدث اختلاف مع حاكم مكة من أبناء عمومتهم وقد نشب بينهم القتال بسبب حماية زعب لجارها (الحربي) من قبيلة حرب، حيث كان الشريف حاكم مكة في الزمن الماضي قد حمى حدوده فنزلت زعب على الحدود وجاء رجال حاكم مكة لتبعدهم عن الحما فرأوا مع زعب إبلا غريبة في ضخامتها وأشكالها ورأوا حليبها يتساقط على العشب فاخبروا حاكم مكة بذلك فبعثهم يطلبها، فذكرت زعب أنها ملك لجارهم (ابن صبخي الحربي) من قبيلة حرب فأرسل حاكم مكة إلى الأمير ابن سحوب يقول أريد الإبل ويعطي ابن صبخي عن الناقة ناقتين فرفض ابن صبخي ثم أعطاه عن الناقة أربع فامتنع وأحضر ابن سحوب جاره ابن صبخي يلح عليه بأن يبيعها على حاكم مكة طالما أن حاكم مكة راغب ومُلِّح في طلبها فأجابه ابن صبخي قائلًا: لا تجود بها نفسي لأحد إلا رغما عني فقالت آل زعب لا ترغم وأنت جارنا وفينا رجل حي، ثم أرسلت زعب لحاكم مكة تقول أن صاحبها أبى عليها ولو أنها لزعب لأرسلوها ولكنها لجارهم وجارهم دونه رجال زعب. وبعد مفاوضات كثيرة رأى الأمير ناصر بن سحوب أن يذهب لحاكم مكة للتفاوض معه وإقناعه فأشار عليه قومه بأن حاكم مكة سيحبسه فأصر على الذهاب رغم ذلك فلم يستطع ابن سحوب إقناع حاكم مكة فحبسه وقال
للقوم الذين جاءوا معه اذهبوا ولا ترجعوا إلا بعد عام وإن رجعتم قبله قتلت صاحبكم وكان مكرما في حبسه عند حاكم مكة وبعد مضي عام حضروا، قال حاكم مكة أريد الإبل وإلا قتلت ابن سحوب. قالوا: لو قتلته وزعب كلها معه لن تأتي الإبل. فقال: أريد بدلها تسعين فرسا صفراء بدلا من الإبل التسعين. وبقي ناصر بن سحوب عند حاكم مكة ثم حضرت الخيل وعليها رجالها مدججين بالسلاح ثم سلموها له ومعها تكلملتها حصان مهوس، واسم الحصان شعيطان وصفوه لسرعته فهو يلحق ولا تلحقه الخيول وكان أغلى على مهوس من روحه. وكان هدف حاكم مكة عندما طلب من زعب لإحضار الخيل بدلا من إبل جارهم هو تصعيب وتعجيز على قبيلة زعب، ورغم ذلك فقد تفاجأ حاكم مكة عندما رأى قبيلة زعب قد أحضرت له الخيل بناءً على طلبه، وذلك عوضا عن إبل جارهم الحربي إلا أن حاكم مكة رد الخيل ورفض أن يستلمها من زعب وقال للأمير ابن سحوب: إنني لست بحاجة إلى هذه الخيول، وإنه لابد من مجيء الإبل، وقد أصر حاكم مكة على ذلك، ولكن قبيلة زعب رفضت وغضبت على تسليم إبل جارهم، فغضب الأمير ناصر بن سحوب غضبًا شديدًا وتأكد بأنه لا يوجد حل مع حاكم مكة، ورد عليه ابن سحوب قائلًا: سترجع الخيل ولكن اسمح لها بألا يكون لها عميل - أي يأخذون ويسبون كل من كان في طريقهم وهم راجعون - قال حاكم مكة لها ما أمامها إلا بني حسين "أسرة حاكم مكة" ثم خرج ابن سحوب من عند حاكم مكة وقد ارتفعت جوخته إلى مجذ الساق دليلا على غضبه وكانت جوخته قبل ذلك تصل إلى الكعبين، ولاحظت ابنة حاكم مكة ذلك فسألت أباها عما جرى فأخبرها - قالت: سوف يكون أول ما يؤخذ هم بنو عمك، قال: لماذا. قالت: لأني رأيت ابن سحوب خرج وجوخته قصيرة بعدما كانت تحت الكعبين. وما هي إلا فترة حتى جاء من يخبرهم بأن زعب سلبوا بني حسين. فأرسل حاكم مكة عدة فرق رجعت مهزومة ولم يحارب في هذه الفرق
ابن سحوب؛ لأن جماعته منعوه من الاشتراك خوفا عليه من مكيدة، ثم رأى حاكم مكة أن يقود جيشًا جرارا بنفسه، علي بني زعب والتقوا في "ركبه" ونزل كل فريق أمام الآخر وظلت السرايا والفرق تتطاحن ثلاثة شهور وسئم حاكم مكة من ذلك فأخذ بنفسه العلم واستعد الجيش واستعدت زعب فاطلقت أميرها من إساره وأعطوه سلاحه وكان ابن سحوب من جبابرة الحروب وصاح الشيخ ابن غافل وقد بلغ من الكبر عتيا قائلا: أعطوني سلاحي وفرسي وارفعوا جفوني عن عيوني، فكان ذلك وصاح فيهم الأمير ابن سحوب قائلا: يا زعب دون جاركم أرخصوا أرواحكم وودع ابن غافل بناته والتقى الجيشان قبل الظهر وما أنحت الشمس على الغروب حتى شالت كفة رعب وانهزم جيش حاكم مكة وانتهت بذلك الحرب بموت ابن غافل بعدها قتل تسعين ومات ثمانين فارسا من زعب وجرح ابن سحوب بضربة في موقف عينه إلا أنه سلم منها وتفقدت زعب قتلاها وأحياها فما فقدوا إلا بنت ابن غافل فقد هرب بها بعيرها مع كثرة الزحام ولم تشعر إلا وهي في مكان لا تعرفه فنزلت عن بعيرها وصعدت في مكان حصين ونزل الوادي أحد الغزاة من العرب للاستراحة فرآها أميرهم مسعر بن قويد ابن شيخ الدواسر ولم يرها الباقون - فأمر بالرحيل ورجع هو وقال انزلي قالت: ما أنزل حتى تعطيني عهودا ومواثيق بألا تدنس شرفي، فأعطاها ثم نزلت فأردفها على بعيره، وذهب بها وسألها: من أنت؟. فقالت: فتاة ضل بها جملها فتاهت في البراري، وبقيت عندهم مدة فرآها بعد ذلك فبهره جمالها، فقال الأمير لوالده: أريد أن أتزوجها، فرفض طلبه، وقال له: كيف تتزوج من فتاة لا نعرف عنها شيئا إلا أنه أصر على أن يتزوجها فتزوجها بالفعل وأنجبت له ولدًا اسمه سباع وترعرع، فاستغرب القوم تصرفه مع أولاد عمه، فكانوا إذا ذبحوا الجزور أعطوه رئة الناقة فيرميها ثم ينقض على قلب الناقة ويأخذه غصبا من أيدي أولاد عمه، وكبر سبّاع فذهب مع أولاد عمه فمروا بمكان حرب زعب، وهو لا يعلم به فرأى
حذاء الخيول مرمية ورأى مكان قدور كبيرة فوصف لأمه ما رأى وهي بين النساء فجرت دموعها من عينيها فرأتها النساء فأخبرن أبا زوجها وكان حكيما، وأما زوجها مسعر فقد كان غازيا فعمد إلى حيلة وملأ كيسا من البر وقال لها: اطحنيه لنا الليلة، إننا نريد أن نغزو، وكان قصده أن تهيج الرحى ما بها، ثم اختبأ قريب منها فظلت طول الليل تطحن وتغني قصيدة طويلة منها هذه الأبيات وهي:
تَهَيَّضت يا (سَبَّاعْ) لدَارٍ ذَكرتهَا
…
ولَا عَاد مِنها الَّامُوَارِي حيُودهَا
سَبَّاع أمَّك تَبكِي بِعَيْنٍ خَفِيَّهْ
…
دمُوعها تِخْفِي مِذَاري خدُودها
لكن وُقُودَ النَّار باقصَى ضِمِيري
…
هَاضَ الغَرام وبَيَّحَ الله سدُودها
لكن حجرَ العَين فيها مليلَهْ
…
ولَكَنَّ يِنهش مُوقها من برُودها
دَمعِي يشَادِي قربِةٍ شَوشلِيَّهْ
…
بعيدٍ معَشَّاهَا زعُوجٍ قِعُودهَا
زِغبِيَّةٍ يَا عَمّ مَاني هَمِيَّهْ
…
ولانِي منَ اللِّي هافيَات جْدُودْها
أنا مِن زِغبٍ وزعبٍ إذا آوجَهَوا
…
عَلىَ الخَيْل عَجْلَاتِ سريع ردُودها
طرِيحهُم لا طاح، شَوي، تَرَايَعوا
…
تِقُولِ فهُودٍ مُخْطِيَاتٍ صيُودهَا
أهَل سِربةٍ لَا اقْفَتْ لكنَّها مهَجَّرَه
…
وإنْ اقْبَلَتْ كَنَّ الجَوَازِي وُرُودْهَا
لَحْقُوا عَلى مِثلَ انقَطَا يُوم وَرَّد
…
مِتغَانم عينٍ قراحٍ يِرُودها
إنْ صاح صايحٍ بالسِّبِيبَ فزَعُوا له
…
وْعِزِّي لِغِمرٍ ثَبَّرَت به بلودْهَا
خيلٍ تغَذَّىَ لَلْبَلَا والمَعَارِك
…
تَهَرب صَناديِدَ الْعدَا في طْرُودها
لا تلقِّحُون الخيل يا زعب يَا اهَلي
…
تَرَى لِقَاح الخَيْل يرَدِّي جهُودْها
إذا جَنْ سَمَاحَ الخَدِّما يلحقن بكم
…
وإنْ جَنْ من السندَ الزِوُمٍ يكودْها
جِيْنَا الشِرِيفِ بدِيِرته والتَقَانا
…
كِلَّ القبايِل جامْعِينِ جْنُودها
طَلَبْ عَلَينَا الخُور هَجْمَة قصِيرِنا
…
مُصَمِّلِ يَبغَى حَنَازِيب سُودْها
يَا مَا عَطَينا دُونْهَا مِن سبِية
…
تِمنعِين صَفْرا حَسبهَا ومعَدُودها
تَمَامِهنْ (شْعَيْطان) خِيَالة (مهوِّس)
…
أصايلِ صَنعَ النَّصارَى قْيُودْها
يقطَعْ قِبِيلَةِ ضَفَّها ما يْذَري
…
تِشْبِهْ جْمَالٍ عَضَّها في بْدُودْهَا
قِصِيْرْنَا في رَاس عَيطَا طِوِيلَة
…
يْحَجِّي ذَرَاها من عواصِيفْ نُودها
عَيُّوا عَلَيْها لآبْتي واحْتِمُوهَا
…
بِمصَقَّلَاتِ مُرَهَفَاتِ خدُودها
حَرَبْنَا وتَوَّ البِنتَ نَشْوٍ بهَا أمُّهَا
…
لَين استَتَمَّت واستَوى زَين عُودها
علىَ الحَنَايَا نَقِّضنَّ الجدايِل
…
سمرَ الذُّوايِبْ كَاسياتٍ نهُودْها
وجِيههنْ كمزنةٍ عَقرَبيَّة
…
هَلَّت مَطَرهَا يَوم حَنَّت رعُودهَا
تِسعِين لَيْلَةْ والقَرَايِنْ مُعَقَّلَةْ
…
حُمّ الذِّرا مُعَقَّلاتِ عضُودها
شقْح البِكَارَ اللِّي زَهَن الجنَايِبْ
…
قامت تِضَالعْ مِن مَثَانِي عْضُودْها
وخيلٍ تْنَاحِيْ خَيل، وتَضرِب بَالقَنَا
…
مِثلَ التَّهَامِيْ يَوْمَ احَلِّي جرُودْها
بَنَات عَمِّي كلِّهِنْ شَقَّنَ الخْبَا
…
بِيض التَّرايِب ضَافياتٍ جعُودها
كلٍّ نَهَارَ الهَوش تَنخَا رجَالْهَا
…
سِترَ العَذَارَى بَالْملاقَا اسُودْها
لبَّاسةِ للدِّرع والطَّاس بَاللِّقَا
…
عَلىَ سُرُوجَ الخَيل عَجْلٍ ورُودها
من صُنْع دَاوودِ عليهُمْ مِشَالِح
…
تِجِيبِه رجالِ من غَنَايِم فهُودْها
يَمَا طْعَنُوا في حَرْبِةِ عَولَقِيهْ
…
شِلْفِ تلظَّا يَشرَبَ الدَّمْ عُودْها
الَّلْي ايْتِمُوا في يُوم تِسعِينْ مهْرَة
…
ما مِنْهِنَ الليِّ ماتْلَاوِي عَمُودها
وتِسْعِين مع تِسعِينْ، وألفَيْنْ فارسْ
…
تحَتْ صَلِيْبَ الخَدِّ تُطوي لْحُودْها
تِسْعِيْنْ بني عَمِّي وابوْي واخْوِتي
…
وتسعِيْنِ عنانِ واللَّوَاحِي شهودْها
قِبيلةِ كَمْ أذْهَبَتْ منْ قبيلةْ
…
إذا عُدَّتِ الجَودَاتْ يِنْعَد جودْها
(زغبٍ) اهْلَ الْمَدْح والمدِّ والثَّنا
…
مْن الرُّبع الخالي إلى الحجازْ حْدودْها
إن اجْنُبوا للصَّيْدْ مِنْهُمْ تحوَّر
…
الرُّبدْ والوضيحي والجَوَازِي عَنُودْها
وإن اشْمَلُوا تَهِجَّ مِنهمْ قبايِلْ
…
دارٍ يجُونْهَا ضِدَّهم ما يرُودْها
إِذا انتووَا في دِيرِةٍ يَاصلُونْهَا
…
تَقَافَتِ الاظعَان عجلٍ شدُودْها
وركابهُم يَمَّ العدَا مِتعِبِينهَا
…
بِيضَ المَحَاقِب مقَتْرَاتٍ لهُودْها
يَامَا خَذَوا من ضِدَّهم من غَنِيْمَه
…
مَن ذَاق مِنهم ضَربةِ ما يعودهَا
نُمرٌ تشَادِي للجرادَ التَّهَامِيْ
…
مَا طَاعَوا الحِكَّام من عُظم كُودهَا
أشُوف بَالحَرَّة ظعونٍ تقلَّلت
…
أبويِ حَمَّايَ السَّرَايَا يِقُودها
شَفَّي مَعَه صَفرا تبَاريه عَنْدَل
…
مَرٍّ يبَارِيها ومَرٍّ يقُودها
أنَا فتاة الحَيّ بنْتِ ابِن غَافِل
…
كَمْ مِن فَتَاةِ غَرّ فيها قُعودِها
شِرشُوح ذَودٍ ضاربٍ له خَريمَة
…
ما وِدِّك يَشُوفِه بعيُونِه حَسُودها
حَوَّلْت مِن نِضْوِي وَرقَيت سَرْحَه
…
حَطَّيت لي عِشٍّ بَاعلى فنُودْها
جَانِي رْكيبٍ ونَوّخُوا في ذَرَاها
…
شَافنِي عقيدَ القَوم زَيْزُوم قُودها
قَال: حَوِّلي، يَا بِنْتْ، وانت بِوَجهِي
…
ولَا جِيتِهْ إلَّا واثقةٍ من عهُودها
أمر كِتَبه الله وصَار وَتِكَوَّنْ
…
سبَّب عَلَيّ من الاعَادِي قرُودها
بحربٍ شِدِيدٍ ما تَمَنَّاه عَاقِلْ
…
يعِدِّهَ اللِيِّ صَاغرٍ في مهودها
ذَكَرْتْ يومٍ فايِتٍ قِدْ مَضى لْهُم
…
يَومٍ علينا من لَيَالي سعُودها
ضَوٍّ زَمَت للمَال مِنْ عِقبْ سَرْيَهْ
…
ضَوٍّ زِمَتْ عُودَانَ يُدنَى لِحَامي وُقُودها
لكَنَّ قْرُونَ الصَّيْد من خَلفْ بَيتنَا
…
هَشِيمَ الغَضَا يُدْنَي لِحامي وُقُودها
تِسْعِين عَدَد صَيدِنا في عَشِيَّةْ
…
وضيْحِيَّةٍ نَجْعَلْ دْلَانَا جلُودها
قَنَّاصِنَا يَرُوح شْرَيْقٍ ويَنْثنِي
…
يِجِي بِالجَوَازِي دَاميَاتٍ خْدُودها
وَرَوَّايننَا يَرْوي بيومِه ويِنْثِني
…
يِجِيْ بالغلَاسْ لاحِقَاتِ حدُودْها
غَزَّايِنَا يِرُوحِ بْيُومِهْ وينْثِنِي
…
يِجِيْ بالعَرَايا ضَايْمَتْهَا دِيودْها
لِنَا بَيْنْ (حِبرِ) و (الغِرَابَهْ) مَنزِل
…
نِهِدّ في زَيْنَ العَرَابا قُعُودْها
حِنَّا نِزَلْنَا (الحَزْمْ) تسعيْنْ ليله
…
وغِلَّ الأعَادِيّ لاجِي فيْ كْبُودْها
لا معنا منهم لا حجا ولا دراء
…
إلا شخص العين قبأ نقودها
قَلِيبنَا غَزِيرَة الجَمّ عَيْلَم
…
ما يَنْشِدُونَ صدُورها من ورُودها
طُولها ثمانِ مع ثمانِ مع أربع
…
قِبلِي (وَاسط) في مَلاوِي نفودِها
وهي قَلِيبِ بِحَدّ الحَاذْ من الغضَا
…
مَا دَارَها الزَّرَّاع يَبذِر امدُودها
ألفَيْنْ بيْتِ نازلِينٍ جِبَاهَا
…
والفَين بَيتٍ بالمضامِي ترُودها
تَخَالَفُوا في يَوم تِسعِين لحيَهْ
…
على شَان وقفَ الاجنبِي في نُفُودها
دارٍ لِنا ما هي دَارٍ لِغيرنا
…
تِحِدَّها الرَّملَة لِمَوَارد عدُودها
قلت: هنا ملاحظة هامة، إذ إن قبول الزعبيون في الحجاز التحدي مع حاكم مكة نابع من أنهم في مكانة وشرف نسب تعادل حاكم مكة، فهم من نفس أرومته حسنيون من آل البيت، إذ لا تجرؤ قبيلة من العرب من سُلَيم أو غيرها وتقوم بتحدي حاكم مكة، حيث إن قبائل العرب جميعا في هذا الوقت كانت تحمل له الطاعة والاحترام لشرف نسبه.
ولو أن زعب ليست من الاشراف الهاشميين ما سوَّلت لهم أنفسهم الوقوف في وجه حاكم مكة الشريف الهاشمي المُطاع من الورى، فقد اعتبروا أن من العار عليهم وهم من أهل البيت وقدوة للبشر أن يتركوا جارهم الحربي فريسة لحاكم مكة حتى ولو كان من نفس أرومتهم، وإن أي قبيلة خلاف زعب الهاشمية ما كانت لتقبل الفناء والشتات في سبيل (حماية نياق جارهم) مع حاكم البلاد والعباد وقتئذ، ولكن زعب في موقفها هذا تستند على نسب عتيد من آل البيت الهاشمي، وترى لذلك أنها أهلا لمقارعة الشريف في مكة ورد ظلمه مهما كانت النتيجة ولم تهادن أو تلن لها قناة كما عُرف أو كما عرفنا في ملحمة زعب التي خلدتها بنت ابن غافل الزعبية في قصيدتها المشهورة كما تقدم ذكرها، تلك القصيدة التي حفظها أهل الجزيرة والشام حاضرة وبادية، وقد ذكرت تلك الحروب الضارية بين
زعب وبين قوات حاكم مكة والتي كانت من نتائج هذه الحروب هو فناء الكثير من فرسان زعب، ومن ثم انتقال هذه القبيلة من الحجاز موطن أجدادها إلى أماكن متفرقة من الجزيرة العربية، ثم انتشار فروع من زعب في نجد وشرق جزيرة العرب، في المملكة العربية السعودية، حيث إن تمركزهم في المنطقة الشرقية السعودية، في ديار قبيلة رعب الحسي وفيها مركز الإمارة، وامليحة، وأبرقيه، وقصوان، وهي من أعمال الدمام، كما توجد فروع من قبيلة زعب في الدمام، والخفجي، والنعيرية، والخبر، والظهران، ورأس تنورة، وإبقيق، والإحساء، وحرض، كما يوجد فروع أخرى من أبناء هذه القبيلة في الرياض، والخرج، والطائف وغيرها من مدن وقرى المملكة العربية السعودية المترامية الأطراف، ثم في دول الخليج العربي مثل الكويت وقطر والبحرين وغيرها، كما نزح كثير من أبناء قبيلة زعب إلى بلاد الشام في سوريا والأردن ولبنان وفلسطين، وكذلك إلى العراق وتركيا وغيرها.
وهم منتشرون في عدة مناطق من بلاد الشام، ففي سوريا بحوران، ودرعا وحمص، وتدمر، وفي عدة قرى منها قرية عندان بحلب، وقرية المسيفرة، والطيبة، وقرى دير البُخت، والرحبة من أطراف بلاد الشام وغيرها، وفي الأردن بالرمثا، وإربد، والسلط، وجبل عجلون، وجرش، ومادبا، وفي عدة قرى منها: الشجرة والذنيبة، وخرجا، وحريما، ونحلة، والكورة، وكفر الماء، وجُفين وعلَّان، وأم العمد وغيرها، وفي لبنان بطرابلس الشام، وعكار، وفي عدة قرى منها العتيقة، ومشيلحة، وعندقت، وحيزون، وفي فلسطين بالناصرة وقراها، في يافا، وحيفا، وطوباس، وغيرها، وفي العراق في عانة وحديثة وغيرها من المدن والقرى العراقية، وفي تركيا وغيرها.
أما عن الزعوب (الزعبية) المتواجدون في بلاد الشام (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) منذ أن نزحوا من الجزيرة العربية إلى هذه البلدان فقد تكاثروا وانتشرت
فروعهم في هذه البلاد العربية، ولم يعتر نسبهم في أرومة الأشراف أي التباس وقد سُجِّل نسبهم في نقابات الأشراف من عهود قديمة في طرابلس الشام وغيرها (من عهد دولتي المماليك والأتراك العثمانيين).
وقد تبوأ أبناء قبيلة زعب في الشام مكانة مرموقة وبرز دورهم عند سلاطين العثمانين على مدى عدة قرون (إبان الحكم العثماني)، وقد مُنحوا الامتيازات من المعافاة من الضرائب والرسوم س إلى الإعفاء من التجنيد في الجيش العثماني بجانب التمتع بحصص كبيرة من الأوقاف (العقارات والأراضي الزراعية الخصبة) خلاف الإنعامات السلطانية من إسطنبول على العديد من شيوخهم.
كما برز رجالات من زعب (الزعبية) في بلدان الشام وخاصة سوريا والأردن ولبنان وذلك في عهد الأتراك يصعب حصرهم، وقد تولى بعضهم رئاسة نقابة السادة الأشراف في طرابلس الشام وهي المركز الرئيسي لهم.
وتطبيقا لقاعدة أن الناس مأمونون على أنسابهم فمن الظلم الفادح أن نسير وراء نصوص قليلة متناقضة أكثرها غلب عليه التصحيف مع وجود نصوص أخرى ضدها هي الأكثر والأوثق كما تقدم ذكره.
وعن زغب (بكسر الزاي وسكون الغين المعجمة وفي آخرها باء موحدة) فهي بطن مشهور من العهد الجاهلي من بني سُلَيم ارتحلوا إلى مصر ثم إلى شمالي إفريقيا (بلاد المغرب) مع من ارتحل من بطون سُلَيم في القرن الخامس الهجري، وقد ذكر العلَّامة عبد الرحمن بن خلدون والمقريزي أن زغب بن مالك بن سُلَيْم كانوا بين الحرمين فصاروا إلى إفريقيا في جوار إخوانهم بني ذباب بن مالك، ثم صاروا في جوار بني هيب من سُلَيم في برقة.
كما ذكرت قبيلة زغب في الجزيرة العربية في بعض المخطوطات لمؤرخي نجد، وهم البقية من هذه القبيلة السُّلَمية في بلادها الأصلية.
أما عن زعب الهاشمية (بالعين المهملة) في الجزيرة العربية، فهي قبيلة متماسكة حافظت على اسمها وهي أقل عددًا؛ لأنها تكونت في عهد الإسلام، أي بدأ تكوينها في القرن السادس الهجري، خلاف قبيلة زغب (بالغين المعجمة) من سُلَيْم التي تكونت منذ الجاهلية وقبل الإسلام بعدة قرون، وبالطبع تكون سلالتها أكبر وأغزر، وهو ما قد تبين لنا من سياق نصوص ابن خلدون الذي رأى هذه القبائل وعاينها.
وخلاصة القول أنه بعد التمحيص والتحقيق للعديد من النصوص الواردة في كتب النسب الموثقة لكبار النسابين والمؤرخين وبعد الاطلاع على العديد من المشجرات والوثائق التاريخية الكافية عن قبيلة زعب (بالعين المهملة) فقد ثبت أن هذه القبيلة العريقة المتواجدة في المملكة العربية السعودية في الجزيرة العربية وبلاد الخليج العربي وبلاد الشام والعراق وتركيا وغيرها هي من السادة الأشراف روحا ودما، ومن ذرية الشيخ الإمام عبد القادر الجيلاني من سلالة الإمام السبط الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما من بني هاشم من قريش من العدنانية.
ومما يجدر به أن نوضح أن الجد الأعلى لقبيلة رعب هو الشريف علي نور الدين الزعبي ومنه اشتقت الاسم، ولا توجد قبيلة متشابهة معها في الاسم قديمًا أو حديثًا في الوطن العربي، وسلسلة نسب الشريف علي نور الدين الزعبي، هو: الشريف علي نور الدين الزعبي وهو أول من لقب بالزعبي والجد الجامع للأشراف قبيلة زعب، وجاءت هذه التسمية نسبة له ومنه انحدرت هذه القبيلة وتكاثرت وانتشرت في أماكن متفرقة من الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق وتركيا وغيرها (وذريته يعرفون بزعب، الزعبية، آل الزعبي، الزعوب، الزعبيين) ابن عبد العزيز ابن شيخ الإسلام وإمام الحنابلة الشيخ الإمام عبد القادر الجيلاني الحسني بن موسى بن عبد الله بن يحيى الزاهد ابن محمد بن داود بن موسى الثاني ابن
عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون ابن عبد الله المحض ويقال له الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابن السيدة فاطمة الزهراء البتول بنت سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ونسب زعب المذكور ثابت ومشهور، وفي نقابات الأشراف مسطور وإلى قيام الساعة غير منكور.
ولما سبق بعد أن زال الالتباس عن قبيلة زعب الحسنية الهاشمية القرشية في الجزيرة العربية وبلاد الشام، قررنا بقناعة تامة حذف السرد عن تاريخها ضمن قبائل سُلَيْم وسوف نذكرها من ضمن قبائل الأشراف الحسنيين - إن شاء الله تعالى - في مجلد آخر بالموسوعة سيخصص لهذا الغرض، والله من وراء القصد.
وقد أوضحنا عن قبيلة زعب، وقمنا بإزالة الالتباس عن نسبها في كتابنا عن شيخ الإسلام إمام الحنابلة وتاج الأولياء الشيخ العلامة عبد القادر الجيلاني الحسني الهاشمي القرشي رضي الله عنه
(1)
.
(1)
الناشر دار الفكر العربي - الطبعة الأولى عام 1421 هـ / 2001 م، المركز الرئيسي: القاهرة 94 شارع عباس العقاد - مدينة نصر - إلى جانب مركزي الكويت والجزائر في دار الكتاب الحديث.
ما ذكره الكاتب والأديب السعودي عبد القدوس الأنصاري رحمه الله في كتاب "بنو سُلَيم
"
(1)
ديار بني سُلَيم الأصلية
قال عبد القدوس الأنصاري:
إذا أردنا أن نحدد الأماكن التي استوطنتها بنو سُلَيم - عبر التاريخ - قديمًا وحديثًا، فإن لنا أن نقول:
أولًا - إن الموطن الأول لهم كان بأعالي الحجاز بينه وبن نجد، شرقي مدينة جدة الشمالي، وشرقي المدينة المنورة الجنوبي. وكانت بعض القبائل العربية هوازن - إخوة سُلَيْم -، ولحيان من هُذَيْل تجاورها. وكان استقرار سُلَيْم في هذا المكان في فترة الجاهلية الأخيرة القريبة من صدر الإسلام، وقد استمر مقامهم به حتى العصر الحاضر، مع تقلُّص في بعض المواقع، ولا تزال أسماء الكثير من أماكن هذه الرقعة في جبالها وأوديتها وقراها على ما كانت عليه قبل الإسلام.
ثانيًا - في زمن - لا نستطيع تحديده الآن - انتقلت جالية أو أُسرٌ من بني سُلَيْم إلى الحيرة، في الشرق الشمالي من بلاد العرب، بأرض العراق، فقد ذكر اليعقوبي أن الحيرة هي من منازل آل بقيلة وغيرهم، وأن علية أهل الحيرة نصارى، منهم من قبائل العرب من (بني تميم) و (سُلَيم) و (طيئ) وغيرهم
(1)
.
ثالثًا - وفي فترة لا نستطيع تحديدها الآن حدث "تمدد" في منازل سُلَيْم الأصلية، فنزلوا شمالًا عنها وادي القِري وخبير وما حولها بمن حرار وجبال وأودية وقرى، منها منطقة مدائن صالح.
(1)
كتاب بنو سُلَيْم طبع في بيروت - لبنان عام 1971 م - 1391 هـ عدد صفحاته 534 وبه صور بعض الآثار والوثائق والديار الأصلية لبني سُلَيْم في السعودية، وحصلنا على صورة منه في المكتبة المركزية من جامعة الملك عبد العزيز آل سعود بجدة - بالمملكة العربية السعودية.
(تعليق الشاملة): زاد المؤلف بعد هذا التعليق في الطبعة الثانية 1/ 495 ما نصه:
«وإنني كابن من ابناء قبائل بني سُلَيْم العدنانية في مصر، وفي نفس الوقت مُعِدٌّ لموسوعة القبائل العربية، أشيد بهذا السفر القيم الذي هو من مجهود أديب سعودي أعطى ووفّى لقبائل سُلَيْم عبر أطوار التاريخ بدقة وبراعة وبكل نزاهة وحيادية، حيث أنه لا ينتمي إليها بالنسب ولا تجمعه معها إلا أخوة العروبة والإسلام، وللأمانة العلمية فإن أرومة بني سُلَيْم التي فيها أُعْزَى وإليها أنتسب، أتشرف ويملأني الاعتزاز بالنقل في الموسوعة من هذا السفر الذي أنصف بالحق والصدق عن قبيلة عريقة وكريمة لها مكانة في جزيرة العرب منذ الجاهلية وحتى عهد الدولة العباسية، وقبائل سُلَيْم في مصر وبلاد المغرب وحتى الوقت الحاضر لها مكان مرموق (في المطبوع: مكانًا مرموقًا!!)، ولها كثرة وقوة في إفريقيا مثلما كانت بالأمس عريزة قوية مُهابة في بلادها الأصلية في الحجاز ونجد (فى المملكة العربية السعودية).
ولا يسعني إلا أن أقول رحم الله الأستاذ عبد القدوس الأنصاري، وبارك الله في ذريته الكريمة إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى. ونيابة عن كل سُلَميٍّ في السهل والوعر. . في الحاضرة والبادية. . وفي أنحاء الوطن العربي أقدم جزيل الشكر والعرفان وطلب المثوبة من الله تعالى إلى هذا الكاتب السعودي، ونتوجه إلى المولى عز وجل أن يغفر له ويتغمده بالرحمة الواسعة ويسكنه فسيح جناته. (مؤلف الموسوعة)»
وكون أصل موطن سُلَيْم شمال المدينة المنورة هو افتراض مني، سببه ما ذكرته آنفًا، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من الدراسة الأثرية، والتنقيب في منطقة مدائن صالح شمال المدينة المنورة ومنطقة ديار سُلَيم جنوب شرقي المدينة المنورة.
رابعًا - ازداد انتشارهم، فانفصل من انفصل منهم عن سكنى "الوطن الأمّ" دفعة واحدة وذلك حينما تدفَّقوا مع المجاهدين من العرب في سبيل الله، في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكانت وجهة هؤلاء المجاهدين فتوح شمال إفريقية ثم الأندلس، وقد استقر منهم جماعات هنالك بعد الفتوح وبعد استقرار الإسلام في شمال إفريقية وفي الأندلس
(2)
مع إخوانهم الذين استوطنوا تلك الديار النائية.
خامسًا - وحينما تم تأسيس مدينتي البصرة والكوفة قبل ذلك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأينا جالية من بني سُلَيم تستقر هنالك .. وربما كان في أوائل من استقروا بالبلدتين الإسلاميتين الحديثتين المذكورتين من كان من بني سُلَيم مع المجاهدين في تلك الجهة، وقد استوطن فريق من بني سُلَيم المدينة ومكة أيضًا. وربما كانت لهم أسرٌ سابقة فيهما .. كما نرى أنه ربما يكون بعضهم دخل ديار نجد واتخذها مقرًّا له إذ ذاك.
سادسًا - ثم ارتأت سياسة الدولة الأموية - في عهد هشام بن عبد الملك - أن تُرحِّل أُسرًا كاملة من بني سُلَيْم من ديارهم الأصلية إلى القطر المصري، لحفظ التوازن هناك بين شطري الشعب العربي: بني قحطان، وبني عدنان، فقد لاحظ
(1)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي، ص 227، الجزء الرابع، طبع دار العلم للملايين في بيروت - لبنان.
(2)
في كتاب "أخبار مجموعة" أنه لما نهض عبيد الله بن علي الكلابي العامرى (من هوازن)، ودعا في الجند إلى قصر العميل تقاعس ابن شهاب وابن الدجن العُقيلي واصفقت بنو عامر كلها على الخروج إليه: كلاب ونمير وسعد وجميع قبائل هوازن وسليم بن منصور .... فخرجت قيس كلها من الجندين، والجندان متجاوران بالأندلس - ص 65، 66. طبع مطبعة مجريط سنة 1867 م.
له أمير القطر المصري رجحان الجانب القحطاني على العدناني في استيطان مصر. وقد نفذت هذه الخطة السياسية فعلًا بدقة متناهية، فقدَّمت لهم الدولة الأموية كل أسباب الاستقرار في مصر، ووفرت لِنْزَّاحهم إليها نفس الجو والبيئة والأعمال والحياة التي كانوا يعيشون فيها بموطنهم الأصلي، وبذلك ضمنت لهم الاستقرار في مصر، وربما كان وراء إجلاء هشام لبني سُلَيم من بلادهم هدف سياسي آخر ولعله منع تكتلهم في ديارهم لئلا يقوموا بعمل ليس من مصلحة الدولة.
سابعًا - وحينما استفحل أمر القرامطة الملحدين واحتلوا بعض المدن والأقطار الإسلامية، حاملين معهم مبادئهم الهدَّامة، انضم اليهم بنو سُلَيم - سياسيا وحربيا، لا عقائديا - وذلك بغية اكتساب المغانم السياسية والحربية، وقد نص المؤرخون على أن السُّلَميين لم يعتنقوا مبادئ القرامطة إبان وجودهم معهم.
ثامنًا - وعندما تم إجلاء القرامطة عن ديار الشام - عنوة - انكفئوا إلى البحرين، فانضمت إليهم سُلَيم ثانية، وحينما تسرب الوهن إلى القرامطة في البحرين احتل بنو سُلَيم البحرين كحكام، وأقاموا بها شبه حكم سُلَمي، ردحًا من الزمن، وربما لا تزال بقايا منهم هنالك اندمجت في بقية السكان.
تاسعًا - أما في القطر المصري الذي اتخذوا - ناحية بلبيس - منه موطنًا في عهد هشام بن عبد الملك الأموي، فقد عَرَّفنا التاريخ بأنهم قاموا باستثمار الأراضي الخصبة التي مُنِحوها، وقاموا بتربية الخيل والإبل، وقاموا بالزراعة فيها، وأسهموا في الاقتصاد المصري بمجهوداتهم .. فلما لاح لهم النجاح وضمنوا الاستقرار، واستدعوا بعض بني عمومتهم من ديارهم الأصلية في هذه البلاد، وأوضحوا لهم ما ينعمون به من خير وافر، فوفدت إليهم أسر من بني عمومتهم، وشاركوهم فيما يضطربون فيه من عملٍ واستصلاح وتنمية موارد خاصة بهم، واستقروا معهم في مستقرهم بمصر.
عاشرًا - وفي سنة 440 هـ - 1048 م دفعت (السياسة العُبيدية - الفاطمية -) الحاقدة على عامل العبيديين بإفريقية: المعز بن باديس الذي خلع طاعتهم، ومال
إلى العباسيين في بغداد - دفعت تلك السياسة المحبوكة ببني سُلَيْم وأبناء عمومتهم بني هِلَال من هوازن إلى الهجرة الجماعية إلى شمال إفريقية من مصر بقضهم وقضيضهم، فتفذوا - حرفيًا - مخططات هذه السياسة، وطبقوا برامجها بكل دقة وتصميم .. والعربي صريح في ولائه وعدائه .. وقد نال شمال إفريقية منهم عنت بالغ فترة من الزمن، ولكنهم مع ذلك تمكنوا من نشر راية اللغة العربية في بلاد المغرب وإرساء قواعدها بين جماهير من البربر المسلمين.
حادي عشر - وفي أوائل العصر الحديث رأينا جَوَاليَ سَلَميَّة تنزح عائدة من شمال إفريقية إلى مصر، التي سبق لها أن نزحت منها إلى شمال أفريقية في أواسط القرن الخامس الهجري، وقد استقرت - ثانية - هذه الجوالي في مصر واعتبرت من أهلها الأعراب، ولا يزالون مقيمين فيها حتى اليوم.
تلك "خلاصة" وافية لمواطن بني سُلَيْم، ما كان أصليا وما كان فرعيا، في أقطار المعمورة وستأتي التفصيلات.
ومن كل ما ذكر آنفا ندرك مدى نشاط هذه القبيلة التي وصفت منذ عهد الجاهلية بأنها قبيلة عظيمة من قبائل العرب العدنانية، فقد كانوا في الجاهلية والإسلام حركة قوية وذوي نشاط حربي واقتصادي واداري مرموق.
في الجاهلية كانت العرب تُقدِّرهم وتُقدِّر شجاعتهم ومواهبهم، وتفيد من ثرائهم وثراء بلادهم، فتتاجر معهم وتشاركهم في استثمار مزارعهم وتجاراتهم ولذلك لا غرو أن نرى أفرادًا منهم ذوي مكانة بمكة وبغير مكة؛ ولذلك لا بدع أن نرى بعض رجالات العرب يُصهرون إليهم، ويسهمون معهم فيما يسهمون فيه من استثمار معادنهم الذهبية الثرية والإتجار بناتجها الثمين، وديارهم الأصلية في وسط بلاد العرب، ولكنها مع ذلك حصينة حصانة طبيعية، مما مكن لهم وأثل لهم المجد، ووقاهم إلى حد ما من استباحة حماهم، وكانت لهم خيول وافرة، والخيل خير مطايا الحرب في ذلك العهد وإلى عهد غير بعيد.
وفي الإسلام كانوا حركة دائبة، ونشاطًا حربيا وإداريا متقدًا وذكاءً ولماحية، وقدرة على تحمُّل أعباء الحكم الذي يضطلعون به نتيجة تولية رعمائهم ورجالاتهم الحكم من قبل الخلافة في شرق وفي غرب، وقد بدأت تحركاتهم الجماعية في الإسلام، بأن قَدِمَ ألف منهم شاكي السلاح، جاءوا دفعة واحدة مسلمين إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم عقب فتح خيبر، بعد ما اقتنعوا بصدق الإسلام وبمزاياه الروحية والنفسية والمادية والدينية والدنيوية، وكانوا إذ ذاك مستعدين لخوض غِمار المعارك لنصرة دينهم الحق الذين دخلوا فيه زرافات عن إيمان واقتناع، وكان طليعة أعمالهم البطولية أن شاركوا بحماسة في فتح مكة، وكانت لهم رايتهم الحمراء وقوادهم الأبطال، وكان لدخولهم الجماعي في دين الإسلام، واقتحامهم ساحة الوغى تحت رايته الوضاءة - رنَّة فرح وغبطة لدى إخوانهم المسلمين، ودويٌ هائل في أنحاء شبه جزيرة العرب لدى المشركين، فقد كانوا معروفين بشدة البأس والمراس، وقوة الشكيمة وبالبطولة والإقدام. وحينما دعا داعي الفتوح الإسلامية إلى خارج الجزيرة كان السُّلَميون من أوائل من لَبَّى النداء، فأسهموا في فتح مصر وشمال إفريقية والأندلس، كما سرى نشاطهم الحربي إلى حروب الردة قبل ذلك في خلافة أبي بكر الصديق، فرأيناهم فريقين: فريقًا مرتدا يحارب المسلمين بعنف وضراوة، وفريقًا يحارب مرتديهم بعنف وضراوة، وأخيرًا، اتحد شملهم المتفرق تحت راية الإسلام. وفي حروب شرق الجزيرة بفارس كان السُّلَميون مع المجاهدين، وفي الفتوح بشمال العراق كانوا هناك أيضًا مع المجاهدين .. ويذكر المؤرخون أن "نصر بن حجاج" السُّلَمي الفتى الجميل الذي نفاه عمر بن الخطاب إلى البصرة حيث تقيم جالية سُلَمية من بني عمومته، حَنَّ إلى الجهاد فدخل في زمرة المجاهدين إلى الأراضي التي تقع بشمال العراق، وامتشق الحسام، فغسل ما قد يكون قد علق به من أوضار الشباب، وحينما أشِبَ - اختلط - الأمر على العرب المسلمين، واختلفوا أشد اختلاف وأمَرَّةُ فيمن هو أولى بمنصب الخلافة: أعبدُ الله بن الزبير بن العوام في مكة رضي الله عنهما، أو مرشحوا بني أمية من الأمويين في دمشق؟ رأينا بني سُلَيْم العدنانيين ينحرفون عن حلفائهم الأمويين، ويرشحون للخلافة عبد الله
ابن الزبير ويصرون على ذلك، وكانوا في ذلك ضد الكلبيين اليمانيين الذين كانوا إلى جانب خلافة بني أمية على طول الخط، وقد نشبت فيما بين الفريقين بعد مصاولات سياسية حامية - معركةُ "مرج راهط" الضاربة، وحدث أن هُزِم القيسيون ومنهم بنو سُلَيْم في هذه المعركة الاهلية، وانتصر عليهم الكلبيون انتصارًا حاسمًا، وهكذا تسلَّم "مرشحهم" الأموي منصب الخلافة، وكان نصيب مرشح القيسيين للخلافة:(عبد الله بن الزبير) ما هو معروف في التاريخ. ولم يُسَلم "السُّلَميون" بنتائج الهزيمة الساحقة، فسرعان ما استردوا اعتبارهم السياسي، وقد رأينا مِنْهُم مَن تُوليهم الخلافة الأموية المناصبَ الرفيعة في العهد الأموي، في مشرق ومغرب كما كانوا يولونها خصومهم السياسيين والحربيين المنتصرين في مرج راهط سواء بسواء.
وقد رأينا فيما بَعْدُ من أنسال الجوالي السُّلَمية في مصر والشام والمغرب والأندلس من كان في مرتبة الإمامة في العلم. والحديث والفقه والدين، مثل الإمام الترمذي، والعز بن عبد السلام، وعبد الملك بن حبيب.
ونعتقد أن بني سُلَيْم كانوا مع الجيوش الإسلامية التي غزت أوروبا، ولابد أن منهم من كان في جنوب إيطاليا وسويسرة مع الفاتحين، وكذلك شأنهم في حروب الشرق الأقصى، وفي حروب الهند والسند، وأرمينية وما وراءها.
وفي عصرنا الحاضر رأينا منهم من كان في جيش الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله على أثر الخلاف الذي نشب بينه وبين الإمام يحيى حميد الدين في اليمن.
وبما تجدر الإشارة إليه ونحن في معرض هذا البحث، أن عشائر كبيرة من سُلَيم حافظت على البقاء في موطن أسلافهم بأعالي الحجاز، وفي نواحي خيبر ومدائن صالح، وليس بصحيح ما قرره ابن خلدون في كتابه (العبر)، من أنه لم تبق باقية من بني سُلَيْم في ديارهم الأصلية في زمن ابن خلدون، وقد رأينا ابن خلدون نفسه ينقض ذلك، فثبت ما نفاه أولًا، ويذكر أنه بقى منهم أناس في
موطنهم الأول يقطعون الطريق على الحجيج! وقد رأينا القلقشندي يعتمد على ابن خلدون فيقع في الغلط الذي وقع فيه من اعتمده.
وجدير بالذكر أيضًا أن نقرر بصفة إجمالية هنا أن بني سُلَيْم الجنوبيين المقيمين بجبال السراة بمنطقة عسير والذين ربما انتشر بعضهم إلى اليمن، ليسوا من بني سُلَيْم الشماليين في قبيل ولادبير، من قبائل زهران فأولئك أزديون قحطانيون، وهؤلاء قيسيون عدنانيون. وكل ما في الأمر أن جامعة العروبة والإسلام تجمع الجانبين معًا.
تحديد ديار سُلَيْم الأصلية:
يبدو لي أن تحديد ديار بني سُلَيْم الأولى يقتضي سعة نظر، فحدود بلادهم هذه مَرِنَةٌ مطاطة، تتسع وتضيق حسب الظروف والأحوال الاجتماعية السائدة لديهم ولدى من يجاورهم ويُصاليهم من العرب المماثلين.
ومن أوائل من قدَّموا لنا تحديدًا واضحًا لديارهم، الحسن الهمداني .. قال:(فمن وادي القِرَى إلى خيبر إلى شرقي المدينة، إلى حد الجبلين، إلى ما ينتهي إلى الحرَّة: حرة بني سُلَيْم - لا يخالطهم إلا صِرَمٌ - جماعات - من الأنصار سيّارةُ، وقد يحالون طيئا)
(1)
.
وعند الهمداني أن "السوارقية" و"صُفينة" داخلتان في ديار بني سُلَيْم
(2)
.. وقد تغير ذلك فيما بعد في العصور المتأخرة فقد حدثنا محمد بن بليهيد - وهو مؤرخ ورحالة سعودي معاصر - بأن "السوارقية" و"صُفينة" تغلِّبت عليها بنو عبد الله بن غَطَفان، كما تغلَّبت على جميع الحِرار بهما
(3)
.
وقدمت لنا "دائرة المعارف الإسلامية" تعريفًا لديارهم فضفاضًا حينما قالت: "وتقوم منازل سُلَيْم على طول حدود نجد والحجار، ويتاخمها من الشمال أرض المدينة، ومن الجنوب أرض مكة، وكان جيرانها من الشرق قبيلتي غَطَفان، وهَوَارِن بن منصور، وهما من بني عمومتها من قيس عيلان.
(1)
صفة جزيرة العرب، "للهمداني، ص 131، طبعة مصر.
(2)
المصدر السابق، ص 171.
(3)
تعليقات محمد بن بليهد على كتاب صفة جزيرة العرب، للهمداني. وقد حددت لنا البعثة الأمريكية الزراعية في تقريرها المطبوع بمصر صفينة وعرفتها لنا إذ قالت (ص 140):"صفينة: في قرية صغيرة واقحة تقريبا على بعد 45 كيلو مترا من المهد وعلى بعد كيلو مترين ونصف إلى جنوب مركز المضخة رقم 3".
وأضافت إلى ذلك وصف ديارهم بالرخاء الوافر حتى نهاية العهد الأموي، فقد كانت مركز تعدين وتلال (وتلالًا) حافلة بالغابات، وواحات استغلت استغلالًا حكيمًا رشيدًا".
وجعلت "الرَّبذة" من هذه الواحات، وكذلك "فِرّان" و"معدن البُرَم" وصفينة وسوارقية (السوارقية) وغيرها، وقالت: إن واحة سوارقية (السوارقية) تمتد مرحلة عدة أيام؟، وهي عامرة بأشجار الموز والرمان والأعناب، ناهيك بأحراج النخيل.
وتحدثت عن خصائص بلاد سُلَيْم فقالت: إنها كانت تملك المصادر المعدنية، وتشرف على الطريق الموصل إلى المدينة، وينفذ منها من يريد بلوغ نجد والخليج الفارسي (الخليج الحربي).
وأضافت أن كثيرًا من الأُسَرِ المكية تحالفت مع سُلَيْم، واشتركت معها في استغلال ثروات البلاد الزراعية والمعدنية، وأهم ثرواتها المعدنية هي - هو - الذهب والفضة، وقد استؤنف النشاط في ناحية التعدين بسُلَيم في خلافة أبي بكر، واستمر استغلال مناجمها في عهد الأمويين، وكانت موردا له قيمته من موارد الدولة.
ووصفت بني سُلَيْم بأنهم كانوا يملكون جيادًا كثيرة، ويُعَدُّ ذلك آية من آيات النعيم الأخرى في الصحراء
(1)
.
وجاء في كتاب عرَّام السُّلَمي ما يؤيد رأي دائرة المعارف الإسلامية من ناحية امتلاكهم لكثير من الجياد وغير ذلك قال: (ولهم خيل وإبل وشاء كثير) .. وأضاف قوله: (وهم بادية إلا من ولد بها، فإنهم ثابتون بها، والآخرون بادون حواليها، ويميرون طريق الحجاز ونجد في طريقي الحاج)
(2)
.
ومنازل بني سُلَيْم في رأي الدكتور جواد علي: "تقع في مواطن حِرار، ذات مياه ومعادن، عرفت بمعدن سُلَيْم، وكانوا يجاورون عشائر غَطَفان، وهَوَازِن، وهُذَيْل، وخَثْعم، وثَقْيف، وقد صارت سُلَيْم من القبائل الغنية بسب خيرات أرضهم ووقوعها في مَنطقة مهمة تهيمن على طرق التجارة. وقال: إن صلاتها
(1)
دائرة المعارف الإسلامية، الترجمة العربية بمصر، ص 144، المجلد الثاني عشر، طبعة مصر.
(2)
أسماء جبال تهامة وسكانها، لعرّام بن الأصبغ السُّلَمي، ص 65، 66.
كانت حسنة ببلاد يثرب، كما كانت صلاتُها وثيقة بقريش، وقد تحالف عدد كبير من رجالات مكة مع بني سُلَيْم، واشتغلوا معهم في الاستفادة من المعادن والثروة في أرض سُلَيْم
(1)
.
وهذا الذي يقوله جواد علي، لا يخرج عما ورد في دائرة المعارف الإسلامية. حسب ما ذكرناه آنفا.
وسيرد في الفصل الذي عقدناه بعنوان: (أمراء ومحتسبون وفرسان وقادة وولاة وموظفون من بني سُلَيْم) سيرد الحديثُ عن (قيس بن خُزاعي السُّلَمي) الذي ذكرت رواية أجنبية اسمه ووصفته بأنه شخصية عربية مرموقة، وبأن نظر القيصر وقع عليه فاختاره عاملًا على قبائل معد كلها، وأنَّ حكمه كان على أرض فلسطين، فهل انتقلت قبيلة سُلَيْم آنذاك فحكمتها تحت رعاية قيصر الروم؟
ويذكر لنا الأمير شكيب أرسلان منازل بني سُلَيْم فيقول: (ومن منازلهم حرَّة سُلَيْم، وحرَّة النار، بين وادي القِرَى وتيماء
(2)
).
تلك التحديدات متعددة متقاربة لبلاد بني سُلَيْم في العهد القديم، تناقلها الرُّواة والمؤرخون بحسب عهودهم أو عهود سبقت عهودهم.
أما تحديد ديارهم الحاضرة، فيختلف عما سلف، ويبدو لي أنها تقلَّصت عما كانت عليه فيما مضى، حسب الظروف والحروب والأحوال الاجتماعية والاقتصادية السائدة لدى عرب المنطقة، فقد وصفها لنا كل من (حسين بن هندي السُّلَمي) رئيس قرية الكامل أمِّ قرى بني سُلَيْم ومركز الأمارة فيها الآن، و (عبيد بن محمد السُّلَمي) الموظف بشركة الزيت العربية الأمريكية بجُدَّة، حسب ما يأتي:
قال حسين بن هندي:
يحد بلادَ بني سُلَيْم الآن من ناحية الشرق: الْقَرَى - بفتح القاف والراء المهملة - وهي حرَّة مرتفعة يسيل منها الماء إلى الغرب والشرق معًا.
(1)
المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، لجواد علي، ص 257 و 268، الجزء الرابع.
(2)
الارتسامات اللطاف، للأمير شكيب أرسلان، ص 274، طبع مطبعة المنار بمصر.
ومن ناحية الغرب: الخُوَار.
ومن ناحية الجنوب: رُهاط.
ومن ناحية الشمال: جبالُ الحقو، بشَمال وادي تمرة الواقع شمال وادي ستارة.
وأضاف حسين بن هندي السُّلَمي أيضًا: إن أرضهم الآن لا تقل طولًا: عن ثلاثمائة كيلو مترًا تقريبًا من الجنوب إلى الشمال، وعرضًا: لا تقل عن مائتي كيلو متر، من الشرق إلى الغرب تقريبًا.
أما عُبَيْدُ بن محمد السُّلَمي، فإنه يقول:
يحد بلادَنا غربًا: وادي حُلَيْفَة.
وشرقًا: رأس الْقَرَى على جبل شمنصير.
وجنوبًا: وادي رُهاط.
وشمالًا: واديي ستارة، وذَرَة.
والتعريفان غير متباعدين، وقد أيد لي ذلك مبارك بن عبد التواب السُّلَمي.
وكان الشريف شرف عبد المحسن البركاتي المكي حدد بلاد بني سُلَيْم بقوله: "تلي جنوبًا منازل قبيلة بني عبد الله المشهورة بمُطَيْر". وكان قد حد منازل مُطيْر بأنها: "تقع في الشرق شمالًا، وتمتد إلى نجد"
(1)
.
وبلاد بني سُلَيْم قسمان: قسم طبعِيٌّ، وقسم صنعي.
والقسم الطَّبِعي منها يشمل الحِرَار، والجبال، والمنابع، والمعادن، والأودية.
والقسم الصنُّعيُّ يشمل: القُرى، والحصون، والحدائق، والحقول، والعيون، والآبار، والعمارات، والآثار.
وفيما يلي بيانٌ واستعراض للقسم الطبعي من تلك الديار، بالقدر الذي توصلنا إليه:
(1)
الرحلة اليمانية، لشرف عبد المحسن البركاتي، ص 13، طبعة بيروت.
فأولًا - الحِرَارُ (*):
(حرَّة بني سُلَيْم) .. يقول عنها الحسن الهمداني: "وعرض حرَّة بني سُلَيْم ثلاثة وعشرون جزءًا ونصف"
(1)
.
وحرَّة بني سُلَيْم تحت قاع النَّقيع، وفيها رياض وقيعان، ويدفع ذلك في النقيع.
وقال الهجري في تحديد حرَّة بني سُلَيْم: (تبتدئ هذه الحرَّة من ذات عِرق ورهاط، ثم تنقطع حبس عوال، وراء تَيْب، إلى قرب الطرف: المنزل الذي قبل المدينة، وتليها حرَّة ليلى وتنقطع بجنفاء من ضغن عدنة وخيبر بحرَّة النار).
وقال الثعالبي: (حرَّة النار) لبني سُلَيْم، وتسمى أم صبَّار، وفيها معدن الدهنج وهو حجر أخضر يُحْفَرُ عنه كسائر المعادن، وهو في عالية نجد.
ومن حِرَارِهم: (حرةُ الحذرِيَّة). وعد ابن خلدون حرَّة النار من حِرارهم
(2)
، و (منيحة)، وهي لجسر من قُضاعة وبني سُلَيْم.
وثانيًا - الجبال:
من جبال بني سُلَيْم: (برْمة)، قال عنه البكري أنه: موضع مذكور محدد في رسم بلاكث، وبمراجعتنا لمادة بلاكث وجدناه يقول ما ملخصه:(بلاكث موضعان، فبلاكث الواحدة بين المر وشبكة الدوم قرب برمة فوق خيبر عن طريق مصر، وهي عرض من أعراض المدينة، وبلاكث الأخرى بين عنزة ومدين، وكلاهما على طريق مصر)(مادة بلاكث في معجم ما استعجم).
ومن جبالهم: (ثَرْوان) أو (ثَرْواء)، وجبل (النِّمار)، وجبل (واهب)، وجبل (شمنصير)، وكنت قد كتبت عنه قبل أحد عشر عامًا فقلت: "وأشهر جبال وادي ساية: جبل شمنصير الذي لا يزال محتفظًا باسمه العربي التاريخي
(3)
"، وعن جبل
(*) الحِرار، بكسر الحاء المهملة، ومفردها حرَّة - بفتح الحاء وتشديد وفتح الراء - وهي حجارة سوداء أو جبال بركانية سود، محترقة، والأغلب أن لا تنبت شيئا لأنها محترقة.
(1)
صفة جزيرة العرب، للهمداني، ص 185، طبع مطبعة السعادة بمصر.
(2)
العبر لابن خلدون، ص 639، المجلد الثاني، طبع بيروت.
(3)
تحقين أمكنة مجهولة في الحجاز وتهامة.
شمنصير يقول عرَّام بن الأصبغ السُّلَمي: (هو جبل ململم، مستدير، مجموع بعضه إلى بعض، لم يَعْلُه قط أحد، ولا أدري ما على ذروته، بأعلاه القرود. ويقال: أن أكثر نباته النبع والشوحط، والمياه حواليه ينابيع، عليها النخيل والحماط). ويضيف قوله: ويطيف بشمنصير من القرى: قرية كبيرة يقال لها: "رُهاط" بضم الراء، وهي بوِادٍ يقال له: غُرَّان - بضم الغين المعجمة، وأنشد:
فإن غُرانا بطن وادٍ أحبه
…
لساكنه عهد عليَّ وثيق
وبغربيه قرية يقال لها الحديبية ليست بالكبيرة
(1)
.
وقد أخبرنا حسين بن هندي السُّلَمي، وعبيد بن محمد السُّلَمي بأن الناس الآن يرتقون ذروة جبل شمنصير، وقد رقاه أحدهما أو كلاهما كما علاه مبارك بن عبد التواب السُّلَمي فليس الأمر فيه على ما قال عرَّام بالنسبة لهذا إلزاما .. وأقول إذن: لربما كان عرَّام سمع هذا القول المبالغ فيه من بعض بني سُلَيْم في عصره، فنقله من غير أن يتحرى الواقع من غير الذي حدثه بهذا القول، وهذا للتوفيق بين قوله والواقع؛ لأنه إذا كان المعاصرون يرتقونه فإن الأولين بإمكانهم أن يرتقوه.
هذا، وقد مر بنا أن قرية (رُهاط) تحد ديار بني سُلَيْم الآن جنوبًا، فيما اتفق عليه السُّلَميان المعاصران؛ حسين بن هندي، وعبيد بن محمد.
وتسكن بجبل شمنصير الآن، ربيعةُ من سُلَيْم.
وجبال (أُبْلى) منْ جبال سُلَيْم، وهي قريبة من صَمَةَ - بالتخفيف، وليس لها ماء، وإنما هي مفازة بين قرن وصمة
(2)
.
وكذلك (عقر) هو جبل ضخم من جبالهم، يشرف على معادن الماوان، قبل الربذة بأميال لمن كان مُصعدًا، وهو جبل في ديار بني كلاب من عامر بن صعصعة من هوازن.
و (صَمَةُ) جبال في ديار بني سُلَيْم، ليس لها ماء، وإنما هي مفازة أيضًا
(3)
.
(1)
أسماء جبال تهامة وسكانها، لعرام بن الأصبغ السُّلَمي، ص 27 و 28، طبع القاهرة.
(2)
معجم البلدان لياقوت الحموي، ص 550، المجلد الثاني.
(3)
معجم البلدان لياقوت الحموي، ص 550، المجلد الثاني.
و (أروم) و (آرام) هما جبلان يقعاد في قِبْلَةِ الربذة بأرض بني سُلَيْم، والحفائر بناحيتها، قال الشاعر:
ألا ليت شعري هل تَغَيَّرَ بعدنا
…
أروم وآرام فشابةُ والحضر
و (شَرَوْرَى) من جبالهم وتسمى اليوم (شَرَوْرَة) بالتاء المربوطة، قال الأعشى السُّلَمي وكان حبِسَ بالمدينة:
هاجك رَبْعٌ من شَروْرى ملبد
وتقع جبال شرورى بين قران والثمال.
و (ذَرَةُ) جبال كثيرة متصلة، ضعاضع - أي صغار، لا تسمى في ذَرَاها - أي في كِنَّها وظلها - المزارع والقرى، وهي لبني الحارث بن بُهْثَة بن سُلَيْم.
و (هضيب القليب) جبل بناحية من بلاد سُلَيْم، وقال العامري: هضيب القليب نصف مع بني عامر من هوازن، والآخر لبني سُلَيْم حاجز فيما بيننا وبينهم. والقليب الذي ينسب إليه هَضيبٌ لهم - أي لبني سُلَيْم.
و (اليعملة) جبال بها مياةٌ كثيرة، في واد يقال له: اليعملة، وهي في أرض بني سُلَيْم وناحية أرض مُحارب
(1)
. ومياهها مشتركة بين الحيين، وبين الربذة واليعملة ثلاثة عشر ميلا.
و (الشراة): جبل شامخ تأوي إليه القرود، وينْبتُ فيه الشوحط والنبع والقرظ، ويشترك فيه بنو ليث من كنانة وبنو ظفر من سُلَيْم، يقع دون عسفان في يسارها.
و (الخريطة) تلي الشراة، وهي جبل صَلْدٌ أجرد، ومنه يُصْعَدُ إلى "ساية" وفيه قرى.
و (جماجم أو حماحم، والوساء): جبال لبني سُلَيْم، وهي قِنَانٌ متصل بعضها ببعض.
و (الكبوانة) متعشى يقع شمال المسلح يميل نحو الشرق بغرب حرَّة كشب وشرق حرَّة بني سُلَيْم.
(1)
محارب قبيلة صغيرة من خصفة بن قيس عيلان وكانت حليفة لغطفان بن سعد، وهي أقرب لسُلَيْم وهوازن نسبًا في قيس عن غطفان بن سعد، وتلتقي مع سُلَيْم وهوازن ومازن في خصفة (انظر السيرة النبوية لابن هشام المعافري) وذكرت مُحارب ضمن جموع غطفان ضد النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين.
و (ذو الموقعة) جبل بحذاء (أبْلى) من شرقيها، وهو جبل معدن بني سُلَيْم، يكون فيه الأرْوَى كثير. وربما كانت كلمة (اللازورد) الواردة في معجم البلدان لياقوت الحموي - مُحرَّفة عن كلمة (الأروى). وقد نقل الأستاذ رشدي ملحس رحمه الله في كتبه:(بحث المعادن) ما ورد في معجم البلدان وذلك الصفحة 42 من الكتيب المذكور، باعتبار أن (ذا الموقعة) من جبال المعادن
و (جبل ملحان) لسُلَيْم أيضًا وتنسب إليه معركة وقعت بينهم وبين غَطَفان.
و (جبل ميطان) لسُلَيْم أيضًا، وتشاركها فيه مُزَيْنة، ويقع جبل ميطان حذاء شوران.
و (الستار): جبل بالعالية هي ديار سُلَيْم.
و (قنة الحجر) جبل غير شامخ، وهو بحذاء قرية الحِجْر الخاصة ببني سُلَيْم.
و (شعر) بالفتح ممنوعًا: جبل لبني سُلَيْم أو بني كلاب من هوازن.
ثالثًا - المياه:
والمياه تشمل العيون، والنبوع، والآبار، والقلوت
(1)
.
فمن عيونهم: (عيون الحجْر). والحجر: اسم مشترك؛ كثرت التسمية به في بلاد العرب، والحِجر هنا قرية أو أرض بها مياه وعيون لبني سُلَيْم.
ومن عيونهم: (عين النازية) وهي عين كانت بالصَّعْبِيَّة التي هي أرض واسعة، وهي ببن بني خُفَاف من سُلَيْم وبين الأنصار، فتضارَبوا فسدوها، وهي عين عذبة الماء وكثيرته، وقد قُتل ناس بسبب ذلك، وطلبها سلطان البلد مرارًا بالثمن الكثير فأبوا ذلك.
ومن الغدران - (غدير الحواق)، وهو غدير في أصل جبل (الحَراس)، الذي هو جبل أسوَّد ليس به نبات حسن، والحواق هذا يمسك الماء من السماء كثيرًا، وهو لبني سُلَيْم.
(1)
القلت - بفتح القف وسكون اللام بعدها تاء مفتوحة. هو النقرة في الجبل، ويعني به هنا الماء الذي في النقر جمع نقرة، فهو من المجاز المرسل. من باب تسمية الحال - بتشديد اللام - باسم محله .. مثل:"واسأل القرية التي كنا فيها".
ومن مياههم: (صمة) - وهي ماء دون جبال صمة، في إقبالها.
و (ماء الهَدَّار) هو ماء حِسي في جبل مغار، وهو يفور بماء كثير، ويقع في سبخ، بحذائه حاميتان سوداوان.
و (الرَّفدةُ) ماءة ملحة في جوف إحدى الحرَّتين السوداوين اللتين بحذاء السبخ الذي يقع فيه حِسْيُ الهدَّار بوادي عريفطان، وعليها نخيلات وآجام - جمع أُجُم بضمتين - بمعنى الحصن يستظل فيهن المارُّ، وهي - أي الآجام - شبيهة بالقصور، وحواليها حموض وهي لبني سُلَيْم، وتقع على طريق زبيدة، يدعوه بنو سُلَيْم:"منقا أو مغار زبيدة".
و (ألَيَةُ): ماء من مياه بني سُلَيْم، وقال البكريُ في محجمه: إنه موضع، قال الشاعر:
كأنهمُ ما بين أليَةَ عدُوةً
…
وناصفةِ الغراءِ هديٌ محلل
(1)
و (مُبِهل): ماء لبني سُلَيْم، ومبهل الأجرد: واد لعبد الله بن غَطَفان
(2)
فلعل مُبِهلًا الذي هو ماء لبني سُلَيْم خاص بهم دون بقية الوادي الذي هو لعبد الله بن غَطَفان.
و (التويمة) ماء لبني سُلَيْم أيضًا
(3)
.
و (سبي): ماءه لبني سُلَيْم كذلك
(4)
.
و (المُريَرْ): من مياه بني سُلَيْم، قال الشاعر:
هو "المُريَر" فاشربيه أو ذري
…
إن المرير قطعة من أخضر
(5)
و (النَّقِيشَة): ماء لبني الشريد وبنو الشريد من سُلَيْم، قال الشاعر:
خليليَّ قومًا في العلاليّ فانظرا
…
أبالخيم من وادي النقيشة حاضره؟
(6)
(1)
كتاب الأمكنة والمياه والجبال، لمحمود بن عمر الزمخشري، ص 13 و 15 طبع مطبعة السعدون ببغداد.
(2)
المصدر السابق، ص 22.
(3)
المصد السابق، ص 41.
(4)
المصدر السابق، ص 129.
(5)
المصدر السابق، ص 209.
(6)
نفس المصدر، ص 219.
و (أُفيْعيةُ): منهل ماء يقع فوق (فران)، بينه وبين مكة، ويطؤه الطريق.
و (قَلَهي) ماء أو موضع به ماء بينهم وبين مُزَينة، قال الشاعر:
نحن بنو ذو التاج والقرم اللهَمْ
…
المانعين قلهي وهي طُمسَمْ
ومن آبارهم: (بئر معونة)
(1)
و (ذو ساعدة) و (جماجم) أو (حماحم) و (الوسباء)، والوسباء قنان متصل بعضها ببعض والماء ماء لهم فيها، و (الشقيقة) أو (الشفيقة)، وهي بئر في أسفل ذي الموقعة الذي هو جبل معدن بني سُلَيْم من شرقيه، و (آبار الهدبيَّة) وهي ثلاث آبار ليس عليهن مزارع ولا نخل ولا شجر، و (آبار سوارق) - وتقع في وادي سوارق، وآبار (الصعيبة) وهي آبار ينزع عليها، وهي ماء عذب في أرض عذبة، و (ذات الغار): بئر عذبة كثيرة الماء تسقي بوادي سُلَيْم. قال عزيزة بن قطَّاب السُّلَمي:
لقد رعتموني يوم ذي الغار روعة
…
بأخبار سوء، دونهن مشيبي
نعيتم فتى قيس بن عيلان غدوة
…
وفارسها تنعونه لحبيب
وتقع (بئر معونة) في أرض سُلَيْم، وأرض بني كلاب من عامر بن صعصعة (هوازن) بناحية المعدن - معدن بني سُلَيْم، ويقول الزمخشري: إنها تقع بين أرضي بني عامر بن صعصعة وحرَّة بني سُلَيْم
(2)
.
و (آبار كُلَيَّة) - هي آبار على ظهر الطريق، وبهن يسمى وادي كلية
(3)
.
و (المَسْلحُ) منهل لبني سُلَيْم.
و (غمْرة) منهل فوق المسلح لبني سُلَيْم أيضًا، وغَمْرةُ تقع بوادٍ يقال له العقيق
(4)
.
وأما (المعادن) فمنها: (معدن بُحرْان)، وبحران: موضع بناحية الفرع، وكان هذا المعدن مِلْكًا للحجاج بن علاط البهزي السُّلَمي الصحابي، وهو معدن ذهب.
(1)
عند هذه البئر نشبت المعركة بين أصحاب بئر معونة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين من أسهم فيها من رعل وعُصية وذكوان من بني سُلَيْم.
(2)
كتاب الأمكنة والمياه والجبال، للزمخشري، ص 168.
(3)
أسماء جبال تهامة وسكانها، لعرَّام السلمي، ص 32.
(4)
بلاد العرب، للحسن بن عبد الله الأصفهاني، طبع بيروت، منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، ص 404 و 405.
و (فِرَانُ) هو معدن ذهب أيضًا لبني سُلَيْم ويقع بحذاء السليلة، وإذا كان هو ما يعرف لدينا الآن بمهد الذهب، فيكون قد أعيد فتحه واستغلاله في عهد الملك عبد العزيز آل سعود، وقد استخرج منه كميات من الذهب فعلًا، ثم أغلق، لما ظهر من أن إنتاجه غير تجاري.
وكلمة (المهد) وردت في تاريخ بني سُلَيْم عَلَمًا على حصن لهم يقع في (جَبَلَة) إحدى قراهم الأثرية المهمة، روى لنا البشاري ذلك
(1)
.
و (المهد) - بفتح الميم وسكون الهاء - بمعنى الأرض، وبضم الميم وسكون الهاء: النَّشْزُ من الأرض أو ما انخفض منها في سهولة واستواء، وإذا تذكرنا ما قالته دائرة المعارف الإسلامية من أن في بلاد بني سُلَيْم تلالًا فيها الغابات، وأن بها منخفضات، وأن المهد بمعنى الأرض - أدركنا صحة إطلاقهم المهد على بعض أنحاء بلادهم.
ويقول ياقوت في معجم البلدان: إن معدن (فِران) منسوب إلى فران بن بلِّي بن عمرو بن الحاف بن قُضَاعْة، نزلت على بني سُلَيْم، فدخلوا فيهم وصاروا منهم.
ويقع معدن فران على طريق نجد، وسماه السمهودي: معدن بني سُلَيْم، ويقال له معدن فران، به قرية كبيرة بطريق نجد بها بِركٌ وآبار على مائة ميل من المدينة
(2)
.
وتغيير أسماء أمكنة بلاد العرب سُنَّةٌ متبعة من قديم ومن حديث، فقد غيروا اسم العِرْض بالجرفِ في القديم، وغيروا اسم وادي ساية بوادي وبح في الحديث.
وأما (الأودية) فمنها (وادي كُلية)، وهو وادٍ بالقرب من خُليص، وبه نحو سبع عيون، على كل عين قرية. وكان بيد سُلَيْم قَبل انكماش ديارهم وتقلصهم. يقول القلقشندي: إنه "قد خرب من مدة قريبة بعد الثمانين والسبعمائة. ويقول عرَّام بن الأصبغ السلمي عن كُليَّة: هو وادٍ يأتيك أيضًا من شمنصير وذَرَةَ، وكل
(1)
أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، للبشاري، ص 79، ط بريل بمدينة ليدن، 1906 م.
(2)
وفاء الوفاء للسمهودي.
هذه الأودية تنبت الأراك والمرخ - وهو شجر المُقل - والنخل، وليس هناك جبال
(1)
.
ووادي كُليَّة: سنة 1390 هـ - 1970 - 1971 م عامر وهو واد بالقرب من خُليص به نحو سبع عيون، ومعنى ذلك أنه عمر بعد خراب. وَقد جاء في "صبح الأعشى" للقلقشندي أن هذا الوادي كان بيد سُلَيْم وقد خرب من مدة قريبة بعد 780 هـ
(2)
ولعل من أسباب عمرانه في الوقت الحاضر انقطاع غارات الأعراب على بعضهم، واستتباب الأمن، فانصرفت البادية وتمكن أهل الريف منهم، من الانصراف إلى قضاء مصالحهم، واصلاح مزارعهم وقراهم، بدلًا من التناحر وتبادل الغزو، ولسنا ندري متى بدأ عمرانه الحالي.
ومن أوديتهم: (وادي ساية) المعروف في كتب الأدب باسم: (وادي أَمَج) على وزن (أمَدٍ)، ويطلق عليه بنو سُلَيْم اليوم اسم وادي وِبْحٍ على وزن (عِلْمٍ) ولم نجد اسم (وِبح) هذا فيما لدينا من المراجع.
وصف ياقوت الحموي وادي ساية فقال: "ساية اسم واد من حدود الحجاز، وهو واد بين حاميتين، وهما حرَّتان سوداوان، بهما قرى كثيرة مسماة، وطرق من نواح كثيرة".
وربما كانت تسمية السُّلَميين له بوادي وبح، من باب المجاز المرسل أي تسمية المحل باسم الحال فيه، وذلك أن بطنًا منهم بهذا الاسم يقيم الآن في هذا الوادي، وتوجد قرية من قرى جبل آرة تسمى لديهم (وبعان).
ومن أوديتهم (وادي لَحْف) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة - وهو وادي كل من جبَلة والسِّتارة، واسم هذا الوادي:"لحف" على وزن (زحف) قديم ذكره عرَّام السُّلَمي، وقال عنه:"وبه عيون"
(3)
.
و (وادي رخيم)، وبه قريتان هما:(القعْر) و (الشرْع)، وبأسفله قرية يقال لها
(1)
أسماء جبال تهامة وسكانها، لعرَّام السُّلَمي، ص 32.
(2)
ص 260 الجزء الرابع، طبع المطبعة الأميرية بالقاهرة.
(3)
المصدر السابق، ص 5.
(ضرعاء) بها قصور ومنبر وحصو، تشارك فيها هُذَيْلٌ، وعامر بن صعصعة من هوازن، وبني الحارث بن بُهْثَة السُّلَميين
(1)
.
و (وادي غُران) على وزن (غُراب)، وتقع قرية رُهاط في هذا الوادي حيث قال الشاعر:
فإنَّ غُرانًا بطنُ واد أحبه
…
لساكنه عهدٌ عليَّ وثيق
و (وادي تَضمُري) يعتبر من أهم فروع وادي ستارة.
و (وادي النَّقيع) من منازل بني سُلَيْم.
وقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين وركابهم، وكان النقيع شديد الخصب ريَّان، ويبتدئ من بُرَام.
و (وادي روذ) أو (ذو روذ) - من أودية بني سُلَيْم
(2)
.
و (وادي ذات رفرف) من أوديتهم أيضًا.
و (وادي الغِرنق) من أوديتهم كذلك، وقال ياقوت إنه: موضع بالحجار.
و (الِلِّوى) من أوديتهم.
ويقابل (وادي الستارة) في ديار بني سُلَيْم، وادي ساية، وعلى كل منهما قرى ومزارع، واسم وادي الستارة:(لَحْفٌ) على وزن (عَرْفِ)، ومر بنا أن وادي ساية يطلق عليه الآن اسم وادي (وبح)، وبوادي لحف عيون، وفيه قرية جَبَلة الأثرية التي وصفتها المراجع بأنها من أقدم القرى.
وينقسم وادي الستارة اليوم إلى نصفين: نصف أعلى لبني سُلَيْم، ونصف أسفل لحرب، الأعلى هو الذي بالجهة الشرقية، والأسفل هو الذي بالجهة الغربية.
ومن أوديتهم: وادي (حَقْلٍ) على وزن (عَقلٍ) وهو من منازلهم، وهو واد كثير العشب، قال العباس بن مرداس السُّلَمي:
(1)
المصدر السابق، ص 25 و 26.
(2)
كتاب الأمكنة والمياه والجبال، للزمخشري، ص 89.
وما روضة من روض حقل تمتعت
…
عرارًا وطبَّاقًا ونخلًا توائما
(1)
و"حقل" اسم مشترك يُطلق على أماكن في بلاد العرب، فهو من هذه الناحية مثل (الحِجْر).
ونلاحظ أن العباس بن مرداس جمع في أبياته التالية بين وادي حقل بديار سُلَيْم، ووادي حقل باليمن، وقال العباس هذه الأبيات في رثاء أخيه الذي قتلته خولان في نواحي صعدة بأرض اليمن:
فمن مُبلِّغ عوف بن عمرٍو، رسالة
…
ويَعْلى بن سعد من ثَؤورٍ يراسله
بأني سأرمي "الحقل" يومًا بغارة
…
لها منكب حافٍ تُدوي زلازله
أقام بدور الغور في شرِّ منزل
…
وخَليَّ بياض "الحقل" تُزهى خمائله
فعلى ما أفادنا به ياقوت: إن (الحقل) الأول في الأبيات المتقدمة هو (حقل صعدة) باليمن، الذي قُتل فيه أخو العباس بن مِرْداس السُّلَمي وقد تهدد أهله قاتلي أخيه بغارة شعواء لا تبقي ولا تذر .. فهل نفذ وعيده؟ والحقل الثاني في الأبيات هو:(حقل بني سُلَيْم) ذو الخمائل النضرة، الذي غادره أخوه القتيل وذهب لسوء حظه إلى حقل اليمن حيث لاقى حتفه.
وفي حقل اليمن يقول الشاعر ابن الدمينة الخثعمي:
وأشتاق للبرق اليماني إذا غدا
…
وأزداد شوقًا أن تهب جَنُوبُ
وبالحقل من صنعاء كان مطافها
…
كذوبًا، وأهوال المقام كذوبُ
ويقول الأستاذ محمد عبد الحميد مرداد: "حقل" يُطلق على قرية بها نخيل ومياه وبساتين، وهو بقرب أيلة خليج العقبة، تحت نفوذ المملكة العربية السعودية، بينه وبين أيلة مسافة قليلة، وكانت حقل ساحلًا لتيماء قديمًا، كما أثبته الكلبي.
(1)
يقول الدكتور أوغشت هفير شارح كتاب (النبات والشجر) للأصمعي، عند ذكره (الطباق) ضمن نبات جبال السراة، يقول: لم نجد للطباق ذكرًا في كتب اللغة، وها هو ذا العباس بن مرداس يذكره في شعره ضمن أعشاب وادي حقل، وقد ذكر. "القاموس المحيط" فقال:(وطباق) كزنار: شجر منابته جبال مكة ناقع للسموم شربًا، وضمادًا من الجرب والحكة والحميات العتيقة والمغص واليرقان وسدد الكبد، شديد الإسخان (مادة طبق) .. فهل لهذا الشجر علاقة ما بالتنباك الذي اعتاد بعض الناس شربه عن طريق احتراقه؟ نأمل من كلية العلوم بجامعة الرياض وغيرها أن تبحث هذا الموضوع في معاملها العلمية وتنشر نتيجة تحرياتها في ذلك.
وكان لعزة صاحبة كثُير، بستان في هذه القرية، وأشار كثُير إلى ذلك بقوله من قصيدة:
سقى دمنتين لم نجد لهما أهلا
…
بحقل لكم يا عزُّ قد زانتا حقلا
وكان بهذه القرية علماء وفقهاء، منهم:(ابن أَعين الحقلي) مولى نافع رحمه الله، كما حققه ياقوت الحموي رحمه الله
(1)
.
فهل (حقل) الوادي الذي كان من منازل سُلَيْم، وهو بقرب هذا الساحل؟ أو هو واد يصب في الساحل، أو هو غيرهما؟ أسئلة تحتاج الإجابة عليها إلى مزيد من التحقق العميق، على أن التاريخ قد ذكر لنا أن قيس بن خُزاعي السُّلَمي قد تأامر لقيصر على فلسطين.
و (ذو رُولان) وادٍ عال لبني سُلَيْم، فيه قرى كثيرة تنبت النخيل، ويقال أيضًا:(ذو وِرْلان) بكسر الواو المتقدمة على الراء، على ما ورد في كتاب (معجم ما استعجم) للبكري، والوِرْلانُ: جمع وَرَلِ بالتحريك، وهو دابة على خلقة الضَّبِ إلا أنه أعظم منه
(2)
.
و (وادي مَرْخ) هذا الوادي السُّلَمي قد استُصلح أخيرًا وحفرت به الآبار، وركبت عليها المضخات الرافعة للمياه من الأعماق، ويرى محمد بن صامل العليَّاني السُّلَمي - وهو معاصر - أنه ربما كان وادي مرخ هذا هو الذي عناه الحطيئة في قصيدته "الرائية" التي قدم بها أعذاره لعمر بن الخطاب حيال ما اقترفه من هجو بعض كرام الناس، ليعفو عنه، وليطلق سراحه من السجن، يقول الحطيئة العبسي يخاطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
ماذا تقول لأفراخ بذي مَرَخٍ
…
زُغبِ الحواصل لا ماء ولا شجر
ألْقَيتَ كاسبهم في قعر مظلمة
…
فاغفر عليك سلام الله ياعمر
وقد ظهر لي بعد التأمل والمراجعة أن - ذا مرخ - الذي يقصده الحطيئة في أبياته السالف ذكرها من الراجح أن يكون غير (وادي مرخ) أحد أودية بني سُلَيْم، فما أكثر "اشتراك" أمكنة العرب في الأسماء وذلك للأسباب التالية:
(1)
مدائن صالح، للأستاذ محمد عبد الحميد مرداد، ص 73، طبع دار الطباعة الحديثة بمصر سنة 1390 هـ - 1970 م.
(2)
أسماء جبال تهامة وسكانها، لعرَّام السُّلَمي، وتعليقات محققه عبد السلام محمد هارون، ص 58.
أولًا - إن حديث ياقوت في التعريف بـ "مرخ" لا يخلو من اضطراب وعدم تركيز، فقد جزم في مستهل كلامه بأنه "ذو مرَخٍ" بتحريك الراء، وبأنه وادٍ بين فدك والوابشية، خَضِرٌ نَضِرٌ كثير الشجر، ثم عاد عن هذا الرأي وشكك فيه، حيث قال بعد ذلك: "وقال الحفصي في كتابه: الخارجة قرية لبني يربوع باليمامة، وفيها يمر (ذو مرخ) وفيها يقول الحطيئة - وذكر البيت المتقدم:(ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ)، وأخيرًا نرى ياقوتًا يعرض عن كلا الرأيين وينبه على خطأ روايتهما أصلًا فيقول:(والرواية المشهورة: (بذي أمر) وذو أمر، فيما يظن ياقوت هو واد قرب فدك، وهو نفسه ذو مرخ.
ثانيًا - إن وادي مرخ بديار بني سُلَيْم لم تكن قبله (ذو)، على أنه من الجائز أنها حذفت لكثرة الاستعمال.
ثالثًا - إن ياقوتًا أورد في "معجم البلدان" أن (ذا مرخ) هو واد باليمن، واستشهد عليه بقول الشاعر:
من كان أمسى بذي مرخ وساكنه
…
قرير عين، لقد أصبحتُ مشتاقًا
أرى بعينيَّ نحو الشرق كل ضحى
…
دأب المقيد مَنَّى النفس إطلاقًا
ويبدو أن هذا اسم واد آخر، فهو من ناحية الاشتراك في الاسم شبيه باسم (حقل)، وقال كُثير في (ذي المرخ) الآخر:
بعزة هاج الشوق فالدمع سافح
…
مغانٍ ورسمٌ قد تقادم ما صح
بذي المرخ من ودانَ غير رسمها
…
ضروب النوى ثم اعتقتها البوارح
و (ودَّان) بلدة قرب الأبواء سكنها الصعب بن جثَّامة الوداني.
وذو المرخ هذا قال عنه ياقوت: (قالوا في شرحه: ذو المرخ، من الحوراء، وهو في ساحل البحر قرب ينبع، والحوراء خارجة عن ديار بني سُلَيْم، فهي في ساحل البحر قرب ينبع.
رابعًا - ومما يجعلنا نميل إلى أن "مرخًا" ليس في ديار بني سُلَيْم، أن البكريَّ في "معجم ما استعجم" يقول في مادة (مرخ): ذو المرخ - بفتح أوله وإسكان
ثانيه، بعده خاء معجمة - موضع كثير شجر المرخ ينسب إليه، وهو مذكور محدد في رسم (حورة) فانظره هناك، ويقول في مادة (حورة): هذا الموضع فيه قُتل هاشم بن حرملة المُرِّي من غطفان، ومعاوية بن عمرو السُّلَمي، "ولية" موضع هناك فيه قبر معاوية بن عمرو السُّلَمي"، ثم يقول: "ثم غزا صخر السُّلَمي (أخو معاوية والخنساء) بني مُرَّة، وهو يوم (حورة الثاني) فأصاب منهم، وقَتل دريدَ بن حرملة، وقد قال نصيب في حورة والمرخ:
عفا منقل من أهله فنقيب
…
فسرح اللوى من ساهر فمريب
فذو المرخ أقوى فالبراق كأنها
…
بحورة لم يحلل بهن عريب
خامسًا - يقول الحفصي: إن مرخًا لبني يربوع من تميم باليمامة، وفيها يمر ذو مرخ - أي الوادي - وفيها يقول الحطيئة:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ (البيت)
سادسًا - جاء في شرح ديوان الحطيئة لابن السكيت والسكري والسجستاني، (تحقيق نعمان طه) تعقيبًا على ما نقله ياقوت عن الحفصي:(ولعله أصاب، فإن أولاد الحطيئة كانوا حين أُتي به، في ديار غطفان، وفزارة)
(1)
، ومن هذا النص يستبين لنا أن "ذا مرخ" الذي عناه الحطيئة، يقع في ديار غطفان وفزارة، لا في ديار بني سُلَيْم، لأنه نصَّ على أنهم يقيمون بذي مرخ ساعة تقديمه قصيدته لعمر، وذو مرخ هذا في ديار غطفان وفزارة، وذلك على ما نص عليه شراح ديوانه المذكورون.
ويقع وادي ساية الذي هو وادي أمج قديمًا، ووادي وبح حديثًا - بين حرار سود، ويشق قرية الكامل نصفين على ما شاهدناه في رحلتنا إلى ديار بني سُلَيْم، ويذهب إلى خُليص غربًا، فيروي خُليصًا، ثم يصب في البحر الأحمر - بحر القلزم، ومن هذا ندرك أن مدينة جُدة تفيد من مياه سيول وادي ساية في شرب سكانها، وأن وادي خُليص امتداد لوادي ساية.
ويأتي وادي ساية من شرق (رأس القَرَى) بفتح القاف والراء بعدها ألف مقصورة - فالكامل وطوله نحو (300) كيلو متر على ما قيل لنا.
(1)
شرح ديوان الحطيئة لابن السكيت والسكري والسجستاني، ص 208، طبع مصر.
ويهبط وادي ساية من قنن حرَّة (بِثن) ومن سفوحها إلى قرية الكامل، ويفصل بين الحِرار والوادي، ومسيله عريض جدا، وهو قوي الجريان لأنه يهبط من أعالي الجبال، وقد خدَّد الأرض التي يجري فيها وهي حزَنٌ تخديدًا عميقًا، يجعل سير السيارات الكبيرة ذوات العجلات العالية الضخمة فيها في منتهى الصعوبة، أما السيارات الصغيرة فلا تستطيع السير في هذه الأرض المخددة المملوءة بالحجارة الصغيرة المستديرة التي تنطلق إذا ما وطئتها عجلاتها كالقذائف الصاروخية إلى السيارة، والتي تكون تلالًا ممتدة على طول الوادي وعرضه، مما يجعل إشادة جسور ضخام فوق مجرى الوادي، هذا أمر مهم جدًّا لتأمين اتصال سكان ديار بني سُلَيْم بمدن المملكة التي تقع جنوبًا عنها كجدة ومكة، ولتأمين تطور العمران وتقدمه لديهم.
وبالجانب الشرقي من وادي وبح، ومن جوانب قرية الكامل معًا توجد سلسلة جبال ضعاضع - صغار - غير شامخة، وفي سفح أقربها إلى حدائق نخيل قرية الكامل يوجد نبع ماء فياض، وهو عذب زلال صاف، أحيط من قديم ببركة حجرية حمراء اللون، وقد عملت لها فتحتان، فتحة يدخل الماء إليها من النبع القادم من ناحية جبل شمنصير، وفتحة ثانية لخروج الماء الوارد وصرفه في حدائق النخيل المجاورة ومصالح أهل القرية.
عمران ديار بني سُلَيْم:
أما وقد انتهينا من استعراض القسم الطَّبَعي من ديار بني سُلَيْم الأصلية، فها نحن أولاء نستعرض القسم الآخر الذي هو "العمران" بأوسع معانيه
(1)
وهو الذي صنعه بنو سُلَيْم أو صُنع لهم حسب ما لدينا من معلومات ومصادر، وهذا القسم يتمثل في "القرى" و "المنازل".
فمن القرى (قرية الكامل)، ولست أدري ولا يدري من سألتُهم بن السُّلَميين متى استحدث هذا الاسم لهذه القرية التي هي الآن أم قرى بني سُلَيْم، ومركز
(1)
في كتاب المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، لجواد علي، أن بعض قبائل العرب ومنهم بنو معاوية بن الحارث بن بُهثَة بن سُلَيْم بن منصور، نزلوا بيثرب بعد العماليق، واتخذوا الأموال والآطام والمنازل. ومصدر المؤلف في هذا الكتاب الأعلاق النفيسة لابن رسته، راجع ص 129، الجزء الرابع.
الإمارة ودوائر الحكومة السعودية؛ بل ولست أدري ولا يدري من سألتهم منهم متى أنشئت هذه القرية؛ ولا من الذي أنشأها على وجه التحقيق المركز؟، قال لي ضيف الله بن هندي السُّلَمي: ربما تكون هذه القرية هي (خيف ذي القبر) الذي يقول فيه عرَّام بن الأصبغ السُّلَمي: (وأسفل من ذلك - أي أسفل من خيف سلَّام أحد أغنياء الأنصار - خيف ذي القبر وليس به منبر، (ربما يقصد جامعًا ذا منبر تُصلَّى فيه الجمعة) لهان كان آهلًا وبه نخل كثير وموز وسكانه بنو مسروح وسعد وكِنانة وتجارٌ ألقاق، وماؤه فُقرٌ وعيون تخرج من ضفتي الوادي كلتيهما، وبقبر أحمد بن الرضا سُميَ خيف ذي القبر، وهو مشهور به
(1)
.
وبصرف النظر عن صحة وجود قبر أحمد بن الرضا به أو عدمها، وبصرف النظر عن كون اسمه (محمدًا) أو (أحمد) فإن هذا الاسم قد زال من الوجود ولم يعد معروفًا به هذا المكان أو غيره، وربما لو أجريت أحافير أثرية شاملة لجميع المنطقة لبرزت أسرار وحقائق مذهلة، على أنه من باب الاستنتاج غير المؤكد أقول: ربما كان اسم (الكامل) اسمًا لشخص معروف لدى الأوائل، نسبت القرية إليه فقيل عنها:(قرية الكامل) وبتوالي السنين، وبسبب الأمية المنتشرة هناك والفتن الدائرة والاضطرابات والقلاقل التي كانت تتوالى أعاصيرها على هذه المنطقة عبر القرون نسيَ السكان الاسم المنسوبة إليه القرية، وبقي الاسم عالقًا بالألسنة وحدها حتى اليوم، وربما لو درست "الوثائق" الموجودة لدى بني سُلَيْم دراسة وافية لظهر ما يفتح الطريق المسدود أمام البحث العلمي الذي به يُتوصل إلى معرفة سر هذا الاسم وتاريخه، وربما لو اطلعنا على مراجع أخرى ربما كتبها بعض رجال بني سُلَيْم في عهود انفتاحهم على العلم، لظهر لنا ما هو خفي عنا من أشياء كثيرة، منها سر تسمية القرية هذه بقرية الكامل، وموقع خيف ذي القبر لأنه حقيقة ثابتة إذ تحدث عنه بكل صراحة، عرَّام بن الأصبغ السُّلَمي في كتابه، فهو إذن خيف معروف مسكون في زمنه، مُسمَّى بهذ الاسم المجهولة لدينا حقيقته اليوم. ونذكر بالمناسبة أن (أشرس بن عبد الله السُّلَمي) قد ولي نيسابور سنة 109 هـ، وتوفي
(1)
أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه، ص 36 و 37.
سنة 112 هـ - 730 م
(1)
كان يُلقَّب بالكامل، وعصره ليس بعيدًا جدًّا عن عصر عرَّام السُّلَمي، فإن عرَّامًا توفي سنة 275 هـ - 888 م، فليس بين وفاتيهما سوى نحو قرن ونصف القرن، ولست أدري: هل لأشرس الكامل علاقة باسم (قرية الكامل) وببنائها أم لا؟
وقرية الكامل كما شاهدتُها في ربيع الثاني سنة 1390 هـ - الموافق ليونية 1970 م، هي ذات خيف كبير مجاور لها من النخيل الباسقة الريَّانة الغارقة في مياه النبع المجاور لها، وإضافة إلى ذلك نقول: إن أرض قرية الكامل قريبة المياه، وفيها آبار جوفية ليست بعيدة عن سطح الأرض، وهي غزيرة عذبة المياه، وقيل لنا إنها لا تخلو من بعوض "الأنوفيل" ناقل حُمَّى البرْداء:(الملاريا) إلى السكان، وقد ارتوينا من ماء العين ومن ماءَ البئر، فلم نُصب بأذى ولله الحمد مدة مكثنا بقرية الكامل الذي كان يومًا إلا نحو خمس ساعات، وماء النبع بقرية الكامل متدفق إلى بركته الحجرية بقوة ودويَّ.
وتقوم قرية الكامل على سفح جُبيل (المُجمر) وهو جبل ليس شامخًا، قائم هنالك، نحاسي اللون، أجرد، صلد الحجارة، حجارته من نوع حجارة الحِرار.
وتوجد المستنقعات الكبيرة الرتيبة في داخل حدائق النخيل، حتى في الصيف الحار الذي قدمنا فيه إلى هذه القرية
(2)
.
ويسكن قريةَ "الكامل" من بني سُلَيْم في الوقت الحاضر، وما قبله إلى أمد لا نعلمه - بنو نوالٍ - السُّلَميون وهي مقر أمير منطقة الكامل المنصوب من قبل الحكومة العربية السعودية، ومركز الشرطة، ومركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيها مركز للبريد واللاسلكي، ومدرسة ابتدائية ومتوسطة للبنين، ومستوضف، ومحكمة شرعية.
(1)
معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي للمستشرق زامباور، ترجمة الدكتور زكي محمد حسن وحسن أحمد محمود، ص 77، الجزء الأرل، طبع مطبعة جامعة فؤاد الأول، 1951 م بالقاهرة.
(2)
للإحاطة بوصف مشاهداتنا في قرية الكامل عليك أن تراجع عدد مجلة المنهل الخاص الصادر في شعبان سنة 1390 هـ، الموافق أكتوبر سنة 1970 م، تحت عنوان:"رحلة بني سُلَيْم".
وأقرب قرى بني سُلَيْم الآن إلى عسفان قريةُ الكامل، وكان في عسفان - بزمن عرَّام السُّلَمي - والٍ خاص، وذلك لأهميتها الاقتصادية، وربما الاجتماعية أيضًا، ولا ندري ما إذا كانت ولايته تنسحب على منطقة بني سُلَيْم كلها أو بعضها، أو لا تنسحب.
ومباني قرية الكامل الآن، ذات طرازين: طراز قديم ساذج، وهو عبارة عن مبان متواضعة بالحجر الدبش، وهي من طبقة واحدة، ساذجة التقسيمات الداخلية، وأكثرها متداع، وهي ما بين منازل ودكاكين ومساجد صغيرة، وطراز حديث مبني بالأسمنت المسلح، وقد بني به مسجد القرية الحديث بجوار مسجدها المتداعي، وأكثر ما استعمل هذا اللون من العمارات في الجزء الحديث الشمالي من قرية الكامل المبني على أكمة جبلية غير شديدة الارتفاع، ومن هذا اللون الحديث البناء هنالك مباني الإمارة والشرطة والصحة.
والمباني القديمة مُبَيَّضٌ داخلها وخارجها بالنورة البلدية، وهنالك بيت مبني على هذه الطريقة، ولكن ظاهره قد زُخرف بالأصباغ المختلفة: أبيض وأصفر وأحمر وأزرق، وكل لون في مربعات منسجمة ومتداخلة بصفة فنية مع بقية مربعات الألوان الأخرى .. وهو أيضًا من دورٍ واحد، وربما لم يكن به سوى غرفتين أو ثلاث، وليس بين حجارة البناء القديم بقرية الكامل ملاطٌ، هو من نوع البناء بالرضم المتلاصقة حجارته مباشرة، بأن يُرصَّ بعضها فوق بعض بوضع محكم ثابت، على ما رأيناه في منطقة الباحة بمنطقة عسير في العام ذاته، ولعل ميل الجانبين إلى هذا اللون البسيط القوي الساذج يعود إلى عدة أمور منها سهولة جعل الحجارة مطابقة ملساء مستعرضة لديهم، وهناك مبانٍ بقرية الكامل قديمة الطراز أيضًا لكنها مبنية بالحجارة (الدبش) السود وبالطين وقد بُيِّضَ ظاهرها أيضًا بالنورة البلدية.
وفي قرية الكامل، وبالقسم الشمالي المستحدث البعيد نوعًا ما وأكثر عن مجرى وادي وبح أو وادي ساية أو وادي أمج، شاهدنا طرازًا فريدًا من البناء الخشبي المجرَّد من الحجارة والطين والأسمنت أيضًا، في مقهى صاحبُه "مُنعِم السُّلَمي" وهو أخو ناعم السُّلَمي صاحب المقهى الحجري بعسفان على جانب
الطريق المسفلت، وهذا المقهى بقرية الكامل سقفه من الخشب وهو مزدوج سقف خشبيٌ فوق سقف خشبي، وبين السقفين فتحة واسعة أوجدها صاحب المقهى، ليتسرب منها السموم اللافح في فصل القيظ الكاوي، فيدخل من أي جهة شاء إليها ليخرج منها من الجهة المقابلة، بحيث يُسمع دويه ورفيره وشهيقه المزعج وحده، وتذهب حرارته معه من داخل الفتحة إلى خارج المقهى، وهكذا يبقى المقهى في حالة متوسطة من الحرور بحيث لا يؤذي كثيرًا حرور الفصل الملتهب مَن يكون بداخل المقهى حتى في ساعات هيجان السموم المتقد وإلهابه لجو القرية بأجمعه، وقد نصبت عُمدٌ من أنابيب الحديد للمقهى لتحمل سقفيه بقوة واحتمال، أما فرش المقهى فهي من حصير سعف النخيل المنسوج محليا، وهو ناعم أملس ولطيف وأبيض ناصع البياض.
ومقهى "مُنْعِم" السُّلَمي تتمثل فيه بعض مظاهر التطور الحديث، فهو يُضاء ليلًا بالكهرباء المنبثقة من ماكينة خاصة جلبها. لهذا الغرض، وفيه ثلاجة يُوقد عليها بالغار، وهو على نَشْزٍ من الأرض ملتصق بالجبيل الذي يسنده شمالًا منه، وفي هذا المقهى موقف للسيارات الكبيرة القادمة من جُدة ومن مكة إلى ديار سُلَيْم، والذاهبة من ديارهم إلى مكة وجدة، وهذه السيارات تنقل أمتعتهم والمنتجات الزراعية وما أشبه بالأجرة.
وشباب قرية الكامل يمارسون لعبة كرة القدم في الأصائل، بالْبَرَاح الذي يقع بين منطقة المنشآت الحكومية الحديثة وشاطئ وادي ساية.
وقد بدأ التعليم ينشط في سُلَيْم، ففي مدارس بلادهم وفي غيرها من مدارس الحكومة في المملكة كثيرون من أبنائهم متعلمين ومعلمين، حتى إن بعض كبارهم شغفوا بالتعليم فدخلوا المدارس الليلية لمحو الأمية عن الكبار.
ومن قرى بني سُلَيْم الباقية منذ القدم على حالها واسمها قرية (مَهَايِع) على وزن (مَجَامِع)، ويصف لنا (مؤرخ بني سُلَيْم) عرَّام بن الأصبْغ السُّلَمي هذه القرية القديمة بقوله: "وهي قرية كبيرة غناء، بها ناس كثير، وبها منبر - أي جامع تُصَلَّى فيه الجمعة - ووالٍ ينتابه من قبل صاحب المدينة، وفيها نخل ومزارع، وموز ورمان
وعنب، وأصلها لولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيها من أفناء الناس - ألوانهم - وتجار من كل بلد"
(1)
.
ويدلنا على عدم "وحدة" الإدارة الحكومية في منطقة بني سُلَيْم في العهد العباسي أو بعضه الذي كان يعيش فيه عرَّام السُّلَمي، ما سجل لنا عنه من أن لعسفان القريبة من قرية خيف ذي القبر صوب الجنوب واليًا خاصًّا، وأن خيف ذي النعم بأسفل خيف ذي القبر، كان تابعًا لوالي عسفان، وأن قرية مهايع القريبة جدا منهما، كانت تابعة لصاحب المدينة
(2)
.
ولأهمية قرية مهايع نرى الْبَشَّاريَّ (محمد بن أحمد المقدسي) يُعْنَى بوصفها فيقول: (مهايع نظير جبلة على أودية ساية)
(3)
، والبشاري رحَّالة عربي دقيق الوصف والملاحظات، وقد طاف بالبلاد الإسلامية وألَّف عن رحلاته إليها كتابه المعروف:(أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) وعاش بعد عرَّام بواحد وخمسين عامًا.
وتقع قرية مهايع بأسفل وادي ساية، في الشمال من قرية الكامل، وبمقربة منها.
ومن قرى بني سُلَيْم في وادى ساية: (قرية الفارع) بأعلى وادي ساية، يقول عنها محمد بن صامل العَليَّاني السُّلَمي:(روى لنا ياقوت الحموي أن الفارع قرية في أعلى وادي ساية، وما زالت تعرف بهذا الاسم إلى اليوم، ويها مدرسة ابتدائية) وينقل لنا محمد بن صامل قول ياقوت: (إن فيها - أي في الفارع - تجارًا من كل بلد) ويُعلِّق عليه بقوله: (ولا يزال فيها كثير من الحضارمة يمتهنون التجارة، وغيرهم من عشائر حرب الذين امتزجوا مع سكان هذه المنطقة).
ونُعلِّق على تعليقه من ناحية المراجع، بأن عرَّامًا السُّلَمي كان قد سبق ياقوتًا إلى التعريف بقرية الفارع، حيث قال عنها: (فأعلاها - أعلى قرى وادي ساية -
(1)
أسماء جبال تهامة وسكانها، لعرَّام السُّلمي، ص 35.
(2)
المصدر السابق، ص 35 و 37.
(3)
أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ص 80، ط بريل بليدن، 1906 م.
قرية يقال لها الفارع بها نخيل كثير، وسكانها من كل أفناء (ألوانِ) الناس، ومياهها عيون تجري تحت الأرض، فُقُرٌ كلها)
(1)
.
وهناك قرى أخرى في وادي ساية: (شَوان، والسبعان، والمضحاة، والمثناة، وخيف الجنة، وخيف السرحان، وخيف الزاجة، وخيف الزاجر، وخيف العقلة، وخيف العرقبة، وخيف اللصب)، وبهذه القرى بساتين النخيل والمزارع التي تثمر الفواكه من موز ورمان وعنب، وكلها تسقى من الآبار
(2)
.
ومن قراهم في وادي ستارة: (قرية جَبَلَة) على ورن (عَربَة)، وجبلةُ من الأسماء المشتركة ببلاد العرب، وفي جبلة السُّلمية يقول عرَّام الأصبغ السُّلَمي:(ويطيف بذَرَةَ، قرية من القري التي يقال لها جبلة في غربيه، ويزعمون أن جبلة أول قرية اتُخذت بتهامة، وبجبلة حصون منكرة مبنية بالصخر لا يرومها أحد)
(3)
، وقال عن ذَرَة: ذرةُ هي: جبال كثيرة ضعاضع ليست بشوامخ، في ذَرَاها المزارع والقرى، وهي لبني الحارث بن بُهْثَة بن سُلَيْم، وزروعها أعْذَاء، ويسمون الأعْذَاء: الْعثَرِيَّ، وهو الذي لا يُسقى، وفيها مدر وأكثرها عمود، ولهم عيون (ماء) في صخور لا يمكنهم أن يُجْروُها إلى حيث يننفعون
(4)
.
ويصف (جَبَلَة) المواطنُ السُّلَمي المعاصر محمد بن صامل العليَّاني بقوله: (إنها تقوم على شعب منخفض ضيق يبعد عن قرية السُّلَيم بحوالي ستة كيلو مترات وتقوم به الأطم والحصون المتهدم بعضها فوق بعض، واكتشفت بها آبار عادية مطوية بالحجارة، ومياهها صالحة للشرب وهي نقية مائة بالمائة، والماء قريب من سطح الأرض، وفي موضع من شعبها يوجد الماء ظاهرًا على سطح الأرض، ولم يعهد أن غار في أيام القحط الشديدة، إذ تنضبُ العيون وتغور المياه في الآبار العميقة ويبقى هو على حاله)، ويقول: (وبحصون جبلة ومقبرتها الكبيرة التي تقدر بعشرات الآلاف من الأمتار آثار كثيرة منها الكتابية، وما عُثر عليه منها حتى الآن كله إسلامي، إذ تبدأ ببسم الله، والحمد لله، وشهد الله وهو خير الشاهدين،
(1)
كتاب أسماء جبال تهامة وسكانها، ص 34.
(2)
تحقيق أمكنة في الحجاز وتهامة للمؤلف، ص 6، طبع مطابع الأصفهاني بجدة.
(3)
أسماء جبال تهامة وسكانها، ص 44، ومعجم البلدان لياقوت الحموي (مادة ذرة).
(4)
أسماء جبال تهامة، ص 23.
وقد أُخذ منها كثير من الحجارة الأثرية المشار إليها، ومن بينها حجر الشاهد الذي أخذه مبارك بن عبد التواب من مقبرتها، وأتَى به إلى مدينة جدة حيث تمكن الأستاذ عبد القدوس الأنصاري من قراءته، ونشر عنه في كتابه:"بين التاريخ والآثار"، وكذلك وجدت بها جَرَّةٌ فخارية مملوءة بالعملة التي كانت مستعملة ومتداولة في وقتها، ومع الأسف الشديد لم أتمكن من الاطلاع عليها، وهي على ما وُصفت لي قطع معدنيَّة مستديرة ليست بذات أهمية اقتصادية، وإنما ترجع أهميتها إلى كونها تحدد شيئًا من معالم تلك المدينة المطمورة).
وقد أبدى محمد بن صامل العليَّاني السُّلَمي أن جبلة الآن لا يسكنها إلا القليل من المزارعين الذين استصلحوا أرضها الزراعية، وهي مع ضيقها خصبة للغاية)، وقال:(إنها تقع على طريق الجادة المُسمى بدري الزائر، الذي يسلكه قديمًا زوار المدينة المنورة مشيًا على الأقدام قبل وجود السيارات والطرق المعبدة).
وأضاف: (والمنطقة على العموم أثرية، وآثارها تنبئ عن عِظَم المنطقة وكثرة سكانها إبان اردهارها، والمدينة - جبلة - صناعية فقد تقدمت بها صناعة صقل المعادن وضرب السكة، ولا تخلو المنطقة المحيطة بها من المعادن والثروات الجوفية)
(1)
.
ومن قرى سُلَيْم أيضًا: (شعب القرية) أو (قرية الشعبة) وهي كما يظهر من اسمها موضع قرية قديمة مندرسة، لم يبق إلا رسومها وأطلالها، وبعض الأطم البسيطة والمتهدمة جوانبها وأطرافها، وآثارها كثيرة منها كتابات قديمة قد تكون عادية، ومنها صور لوحوش وحيوانات كانت في هذه المنطقة
(2)
.
ومن قراهم المهمة حتى اليوم (قرية السُلَيم)، ويصفها محمد بن صامل العليَّاني بأنها كبيرة جدا، وبأن عينيها تسقيان حاليًا ما يزيد على عشرة آلاف نخلة؛ وقال: إن الأراضي البيضاء التي قصَّرت العين عن سقايتها أكبر من ذلك
(1)
مجلة المنهل بالعدد الصادر في المحرم 1390 هـ - مارس 1970 م مقال: (بنو سُلَيْم ماضيها وحاضرها) لمحمد بن صامل العلياني السلمي، ص 73. وأضيف إلى ما ذكره محمد بن صامل: أن الآثار التي جلبت إلى جدة وعرف بها شيء عن ماضي بني سُلَيْم غير ذلك الحجر أكثرها مجلوب من جبلة، من مقبرتها الكبيرة التي تدلنا على عِظم عمران جبلة في الماضي.
(2)
المصدر السابق، ص 74.
بكثير، وبها القصر الأثري العظيم المبْنيَّ بالحجارة، والبالغ ارتفاعه نخو أربعة أمتار، وهو مربع الشكل يبلغ طول كل ضلع منه سبعين مترًا، وبداخله ثلاثون حُجرة تتوسطها أرض فسيحة فيها بئر مطوية للشُّرب، ثم مَبْنىً يطوف على الغُرف وبه فتحات لفوهات البنادق، وليس له إلا مخرج واحد ذو ثلاثة أبواب، واحدٌ بعد الآخر، وهو في ربوة القرية ونزْلتها، وبالقرب منه آثار حصون قديمة عليها كثير من الكتابات الأثرية المنقوشة على الصخور، ويقابله في قرية الشعبة علي طرف الحرَّة حصنٌ عظيم البناء، صغير الحجم ليس به غُرف متعددة ولا ماء، وهو متهدم بقي منه الجانب المواجه له، وبالقربة أكثر من عشر مقابر بعضها مندرس مما يدل على كثرة سكانها قديمًا
(1)
.
ولست أدري (قرية السُلَيْم) هذه هي التي قال عنها عرَّام السُّلَمي: (ثم خيف السلَّام - بتشديد اللام وتخفيفها - والخيفُ ما كان مجنبًا عن طريق الماء يمينًا وشمالًا متسعًا، وفيه منبر، وناس كثير من خُزاعة، ومياهها فُقُرٌ أيضًا، وباديتها قليلة، وهي جُشَمُ وخزاعة وهذيل، وسلَّام هذا رجل من أغنياء هذا البلد من الأنصار
(2)
وقد علق محقق كتاب عرَّام: الأستاذ عبد السلام محمد هارون على ما ذكر بقوله: ويقال -سلَام- بتخفيف اللام في قولٍ، ذكره ياقوت في رسم (لُوَيَّة). وبمراجعتنا لمادة (لوية) في معجم البلدان لياقوت وجدناه بقول:(لُوَيَّةُ): تصغير (لَيَّة) من لوى يلوي: موضع بالغور من قرب مكة دون بستان ابن عامر في طريق حج الكوفة كان قفراً - مقفراً - فلما حج الرشيد استحسن فضاءه فبنى عنده قصراً، وغرس نخلاً في خيف الخيل، وسماه «خيف السلام» وفيها يقول بعض الأعراب:
خليليَّ مالي لا أرى بِـ «لُوَيَّةٍ»
…
ولا بفنا البستان نارا ولا سُكْنا
تحمل جيراني ولم أدر أنهم
…
أرادوا وبالأ من «لُوَيَّةَ» أو طعنا
أسائل عنهم كل ركب لقيته
…
وقد عْمِّيَت أخبار أوجههم عنَّا
فلو كنتُ أدري أين أمُّوا تبعتُهم
…
ولكن سلام الله يتبعهم مناً
ويا حسرتي في إثر «تُكْنَا» ولوعتي
…
وو اكبدي! قد فَتَّتَت كبدي «تُكْنَا»
(1)
المصدر السابق، ص 72.
(2)
المصدر لسابق، ص 35 و 36.
وقد لاحظت أن هناك "تباينًا" بين كلام عرَّام وكلام ياقوت في أصل "خيف السلام"، فعرَّام يقول: إنه منسوب إلى "سلام" رجل من الأنصار، وياقوت يقول: إنه اسم وضعه على الخيف بانيه وباني قصره: هارون الرشيد وسماه خيف السلام.
وكل واحد من قرية جبلة والسُلَيْم وشعب القرية تقع في وادي ستارة، وكلها قريبة من خط الأسفلت السريع بين مكة والمدينة المنورة.
وفي قرية السُّلَيْم أقيمت أوَّلُ مدرسة في ديار بني سُلَيْم، وبها قصر للإمارة، ومستوصف صحي.
ومن قرى بني سُلَيْم في وادي ستارة: قرية الْبَرْهَميَّة، وقرية المخمرة، وقرية المُسَمَّاة، وقرية المديد، وقرية المعالي، وقرية الأبيار، وقَرية الدبيسية ذات البساتين الجميلة وحقول المزارع والخضروات.
وبوادي ستارة ثلاث مدارس ابتدائية: نهارية وليلية.
ويقدر سكان وادي ستارة بنحو عشرين ألف نسمة، ويعملون في الزراعة والرَّعْي.
وكان أمير عامة بني سُلَيْم في أوائل العهد السعودي الحاضر: عبد الله بن يابس، وكانت إقامته بمكة المكرمة ومنها يدير شئون الإمارة، ولعله لبعد مقامه عن مكان إمارته لم يتمكن من إصلاح شؤونهم أو إدارتها على النحو المرضي، ثم أتبعَت منطقتهم لإمارة مدركة ردحًا من الزمن، إلى عام 1375 هـ حيث أنشئت لهَم إمارة مستقلة بداخل منطقتهم.
وتُعرف الآن ديار بني سُلَيْم رسميا بإمارة منطقة الكامل، نسبة إلى أكبر قرى وادي ساية؛ أقرب أوديتهم ومنازلهم إلى مدينتي جُدَّةَ ومكة.
ومن قراهم: قرية الحجر، ذكرها القاموس المحيط في مادة (حجر).
تقسيم حديث لديار بني سُلَيْم:
أولا: منطقة وادي ساية، أقرب المناطق إلى مكة وجُدة، وفيها أكثر من أربعين قرية، وكثير من العيون والآبار التي تسقي حدائق النخيل؛ وتقدر نخيلها
بنحو 115 ألف نخلة، ويُقدَّر سكان وادي ساية بنحو 30 ألف نسمة يشتغلون بالزراعة والتجارة، وتمور وادي ساية من أحسن التمور وهي بيضاء اللون يابسة. وتزرع في وادي ساية كافة الخضروات، وبه من الفواكه: الموز والليمون، وبوادي ساية ثلاثة فروع مملوءة بالقرى والمزارع وهي: وادي شوَان، ووادي الشبعان، ووادي وِبْح، وعاصمة منطقة بني سُلَيْم كلها الآن (قرية الكامل) كما قدمناه.
ثانيًا - منطقة وادي ستارة: وادي ستارة وادِ طويل، ينبع من أواسط حرَّة بني سُلَيْم، ولكل جزء منه اسم يعرف به، ويعرف أسفلُ الوادي (بقُدَيدٍ على وزن عُمَير)، وفي ستارة أكثر من عشرين قرية، أسفلها قرية (الفُلَيتَة) وأعلاها قرية (البَرهَمِيَّة)، وأهمها الآن (قرية السُلَيم)، وهي مركز قرى وادي ستارة، وهناك قرى أخرى هي: قرية المخمَّرة، وقرية الفُروف، وقرية المُسَمَّاة، وقرية المعالى، وقرية الشعبة، وتقابل من الشمال قرية السُّنَيْم، وقرية الدبيسية بقرب قرية الشُّعبة، وقرية الأبيار، وقرية المديد.
وفي قرية السُّلَيْم وحدها ما ينيف على عشرة آلاف نخلة، وقد تقاصرت عينها عن إرواء الأراضي البيضاء الواسعة هناك، فأصبحت هذه الأراضي الخصبة بورًا. وبقرية السُلَيم آثار مر ذكرها، ومن أهمها القصر الأثري المبني بالحجارة، وقد كنت قبل أن أطَّلع على ما أورده ياقوت الحموي عن بناء الرشيد في حجه قصرًا بأرض بني سُلَيْم سماه (خيف السلام) كنت قدَّرت وسخلت في مسوَّدة هذا الكتاب أن القصر الذي وصفه محمد بن صامل بقرية السُلَيْم قد يكون قصرًا بُني في عهد العباسيين، ثم أدخلت عليه تحسينات فيما بعد، ومنها هذه الفتحات لفوهات البنادق التي قدَّرتُ أنها - بدون ريب - مما وضع بعد عهد العباسيين في الزمن الذي استعملت فيه البنادق في الحروب، وذلك عهد جاء بعد انقضاء عهد العباسيين بعدة قرون.
ثالثًا - منطقة ذَرَة: سبق أن عرَّفنا (ذَرَة) حسب ما أفادنا به عرَّام، وفي ذرة من الشجر: العفار، والقرظ، والطلح، والسدر، والنشم، والتألب. وتُعمل القسيُّ والسهام قديمًا من شجر النشم وهو خيطان لا ورق له، (ومعنى "الخوط" لغة: الغصن الناعم)، والإثرار له ورق الصعتر وشوك كشوك الرمان، ويقدح ناره إذا كان يابسًا فيقتدح سريعًا، والعفار وورده أبيض طيب الرائحة كأنه السوسن.
رابعًا - (منطقة شمال المدينة المنورة) منها برْمةُ، قال معجم البلدان أنها من بلاد بني سُلَيْم وحددها ابن حبيب بأنها (عرض من أعراض المدينة قرب بلاكث بين خيبر ووادي القرى).
هذا، ومما تحسن الإشارة إليه - تاريخيا واجتماعيا - أن الأمن والاطمئنان كانا مفقودين في ديار بني سُلَيْم قبل العهد السعودي الحاضر، فقد كان الاغتيال والقتال معتادين فيها لأسباب موجبة وغير موجبة، كما أن مرض حمى البرداء - الملاريا - منتشر فيها بكثرة، لكثرة المستنقعات المتكونة من كثرة مياه المنطقة وعدم تصريفها أو تعقيمها صحيا، كما أن الطرق إلى بلادهم وبداخلها كانت في منتهى الوعورة لأنها بين حِرار وجبال، وكانت الأمية سائدة في ربوعهم فلا مدارس ولا متعلمين ولا معلمين. وقد عُنيت الحكومة السعودية بإصلاح أحوالهم، فأزالت عوامل الفتن والشغب فيما بينهم وبين بعضهم، وفيما بينهم وبين جيرانهم، وعُنيت بالأسباب الصحية فأنشأت لهم مستوصفات صحية، وعبَّدت الطريق الرئيسي إلى بلادهم بالمداحل "الدركترات" حتى قرية الكامل، وفتحت لهم المدارس ليتعلم فيها أبناؤهم وكبار السن منهم، وأوجدت لديهم مقر شرطة لاستتباب الأمن، وكونت لهم إمارة خاصة بهم وفي منطقتهم، فساد الهدوء وانصرف الناس إلى ما يصلح شؤونهم ومعاشهم، وأنشأت لديهم هيئة الأمر بالمعروف تهديهم وترشدهم إلى ما فيه خير دينهم ودنياهم.
وقد أعطانا شاعر بني سُلَيْم المعاصر: (محمد الجبرتي) صورة شعرية ناطقة لعدوان البعوض الناشئ والمتنامي من البرك والمستنقعات التي تُخلفها الأمطار والسيول والعيون - عليه، وذلك في قوله من الشعر العامي الملحون المعروف بـ "الحمينيّ" والنبطي:
البارحَ الناموس سرى عليَّه
…
جاني بقواتُه وقومْ لظيَّهْ
سهرانْ حتى الصُّبح توحي يَديَّهْ
…
وأصبحتْ من فعل النواميس سهران
و (الناموس) هنا بمعنى (البعوض)، ومن لازمه البعوض طيلة ليلته فلا غرو أن لا ينام وأن يقلق للسعاته ولذعاته، ثم لا يأمن أن تزوره بعد ذلك حُمى
البرداء والعياذ بالله، فعسى أن تزول هذه الأسباب المؤذية فيرتاح سكان ديار سُلَيْم من لذعات البعوض، بتصريف مياه المستنقعات لديهم وتعقيمها والفتك بها بمبيدات الحشرات والمطهرات بصفة مستديمة.
آثار في ديار بني سلَيم
ديار بني سُلَيْم الأصلية، من أقدم الديار المعروفة في جزيرة العرب منذ الجاهلية القريبة من الإسلام حتى اليوم، وقد وصفت هذه الديار بالخصب في التربة وبالآثار العمرانية، ففي جَبَلة ذكروا أنه كانت حصون منكرة، وفي قرية السُّلَيْم، وفي غيرها كذلك.
وقد كنتُ كتبت في كتاب: "بين التاريخ والآثار" عن بعض الآثار التي عُثر عليها في ديارهم وهي عبارة عن صخور منقورة بخط عربي إسلامي قديم، وأحد هذه الصخور - وهو أهمها - أمرٌ من الخليفة العباسي المقتدر إلى وزيره علي بن عيسى بن داود، وهو حجر بيت الله الحرام، ويرجع تاريخه إلى سنة 304 للهجرة، وبمطابقتي لما في هذا الأثر مع ما ورد في التاريخ وجدتُ التاريخ المكتوب على الأوراق مطابقًا لما ورد في الحجر المنقور بالأزميل، وقد قرأت هذا الحجر وشرحت هدفه، ونشرت كل ذلك في كتاب:(بين التاريخ والآثار) من الصفحة 51 إلى الصفحة 59، ولا بأس من إعادة نشر حله هنا مرة أخرى:
"أمر عبد الله جعفر الإمام المقتدر بالله أمير المؤمنين أطال الله بقاه، إلى الوزير أبا الحسن علي بن عيسى أدام الله عزه، بعمارة طريق الجادة لحجاج بيت الله، لما رجا من جزيل ثواب الله، وجرى على يد القاضي محمد بن مرتضى أعزه الله، وثق له ذلك أحمد بن عبد العزيز العقبي، ومصعب بن جعفر سنة أربع وثلاثمائة للهجرة".
وقد كنت قد ذكرت في الكتاب. المشار إليه آنفًا أن هذا الحجر وجد بمنطقة بني سُلَيْم، وأخيرًا اطلعت على صورة لهذا الحجر نفسه في كتاب تويتشل الموسوم بـ "المملكة العربية السعودية" ترجمة الأستاذ شكيب الأموي، وهي مماثلة للصورة
التي كنت أخذتها له تمامًا، وقد أيد تويتشل ما ذهبتُ إليه من أن الحجر قد وجد بمنطقة بني سُلَيْم فقال ما نصه:(وجدت هذه اللوحة الحجرية - وجد هذا اللوح الحجري - بما عليها - عليه - من نقوش كوفية في نفايات منجم "مهد الذهب" القديم). كما أيد بطريق إجمالي موجز الحلَّ الذي حللت به النقوش، فقال عنها: (وكانت عبارة عن أمر تنفيذي لبناء طريق رئيسي للحجاج للتنقل بين بغداد ومكة
(1)
.
كذلك هناك أثر آخر جاء به إلى جدة الأخ (مبارك عبد التواب السُّلَمي) من مقبرة جبلة الكبيرة التي يقول عنها عرَّام السُّلَمي: (ويزعمون أن جبلة أول قرية اتخذت في تهامة، وبجبلة حصون منكرة مبنية بالصخر لا يرومها أحد)
(2)
.
وهناك آثار نقدية ومعدنية وأوان ومجاري مياه تحتاج إلى مزيد من التحقيق، ولابد أن باطن أرض المنطقة مليء بالآثار المتخلفة عن السكان والحفر عنها يكشف أسرارها، وربما كشف أسرارًا أخرى ذات أهمية كبيرة للحضارة الإسلامية لا تخطر لنا الآن على بال.
(1)
المملكة العربية السعودية وتطورات مصادرها الطبيعية، تأليف ل. س. تويتشل، ومساهمة إدوارد ج. جورجي، ترجمة الأستاذ شكيب الأموي، ص 96 و 97، طبع دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي وشركائه بالقاهرة سنة 1955 م.
(2)
كتاب أسماء جبال تهامة وسكانها، لعرَّام السُّلَمي، ص 25.
بنو سُلَيْم أصولًا وفصولًا وهجرات وتنقلات
يقول محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري في كتابه: (لسان العرب) ما نصه: "والنسبة إلى بني سُلَيْم وإلى سَلامَة: سَلاميّ" - راجع مطبوعتي بولاق بمصر سنة 1303 هـ، ودار صادر في بيروت
(1)
.
- ومعنى ما ذكر أن النسب إلى صيغتي "سُلَيْم" و"سَلامة" هما شيء واحد: (سلامي) لا "سُلَمي"، و"سلامي" كما يتبادر إلى الذهن ويتفق مع سير القواعد والوضع اللغوي المعروف نسبة إلى "سلامة" لا إلى "سُلَيْم".
ويبدو لي أن ربما كان هناك "بَتْرٌ" في مطبوعتي لسان العرب المشار إليهما، وآية ذلك هي النص الذي أنقله لك من "تهذيب اللغة" للأزهري، قال:"وينسب إلى بني سَلَمةَ: سَلَميٌ، وإلى سُلَيْم: سُلَميٌ، وإلى سَلامة سَلامي"
(2)
.
ومحل البتر المرجح وقوعه في مطبوعتي "لسان العرب" هو بعد قوله:
"والنسبة إلى بني سُلَيم"، وإذا صح هذا التقدير المدعوم بما ورد في "تهذيب اللغة" يكون الناسخ أو الطابع الأول الذي نقل عى النسخة الخطية قد حذف كلمة "سُلَمي" عقب جملة:"والنسبة إلى بني سُلَيْم" .. كما حذف بعدها: والنسب إلى سلامة) .. وبهذين الحذفين تداخلت نسبتا "سُلَيْم" و"سلامة" فصارتا: "سلامي" حسب النص المطبوع، وكان من المناسب أن تتميز صيغتا النسب إلى "سُلَيْم" وإلى "سلامة" فيفرد "لسُلَيْم" صيغة النسب التي هي:(سُلَمي) ويفرد لسَلامة صيغة النسب الأخرى التي هي: "سلامي"، ومع وضوح هذا الأمر ووجود ما يدعمه في موسوعة "تهذيب اللغة" للإمام أبي منصور محمد بن أحمد الأزهري فإني لست بجازم بوقوع الغلط النسخي أو المطبعي المذكورين آنفًا، وأرى أن يقوم بتحقيق أوسع لهذه المسألة - العلماءُ اللغويون لإثبات بما يميط اللثام عن الموضوع من كل نواحيه.
(1)
لسان العرب "مادة سلم" في مطبوعتي بولاق الأميرية بمصر، سنة 1303 هـ، ودار صادر ببيروت.
(2)
تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، الجزء الثاني عشر، ص 453، طبع الدار المصرية للتأليف والترجمة بمصر.
وقبيلة سُلَيْم بن منصور، تنتمي إلى قيس عيلان بن مُضَر، وقد ظهرت على صفحات التاريخ العربي كقبيلة ذات كيان مرموق ومكانة مقدرة في نحو منتصف القرن السادس الميلادي
(1)
.
ويعطينا "ابن حزم" في كتابه: (جمهرة أنساب العرب) تعريفًا لنسب بني سُلَيْم، وتراجم موجزة لكبار رجالاتهم في الجاهلية وصدر الإسلام، مع سلاسل أنساب بطونهم وعماراتهم، وأحداثهم الكبيوة وزعمائهم وصحابتهم وشعرائهم وأبطالهم وقادتهم
(2)
.
هذا، وقد ذكر الدكتور جواد علي، بني سُلَيْم في كتابه:"تاريخ العرب قبل الإسلام" ونسبهم كما نسبهم ابن حزم الأندلسي في "جمهرته" وقال: (كان لهم صنم يقال له "ضماد" كان عند مرداس والد عباس بن مرداس، فلما توفي مرداس وضعه العباس في بيت يتعبَّد له، فلما ظهر الإسلام أسلم وأحرق ذلك الصنم)
(3)
.
وقد نزل بالأندلس، كثير من قبائل قيس عَيْلان من مُضَر من العدنانية، ومن هؤلاء من ينتسب إلى سُلَيْم بن منصور، كعبد الملك بن حبيب السُّلَمي، وكالقاضي أبي حفص بن عمر السُّلَمي قاضي قرطبة
(4)
.
كما نزل بإفريقية من بني سُلَيْم: بنو الشريد، وكانت لهم صولة وشوكة. وبنو زِغْب بن مالك بن بُهثة كانوا بين الحرمين، فصاروا إلى إفريقية في جوار إخوانهم بني ذُباب بن مالك، ثم صاروا في جوار بني هيب.
ومنازل بني ذباب من بني سُلَيْم
(5)
في أفريقية بين قابس وبرقة، وهم ببرقة بجوار بني هيب، ومنهم بنو سليمان بن ذباب في جهة فزَّان وودَّان.
(1)
دائرة المعارف الإسلامية (الترجمة العربية بمصر)، ج 12، ص 144، نقلا عن مصادرها العربية والإفرنجية المدونة في هامش هذا البحث.
(2)
انظر عنها في فصل قول ابن حزم عن سُلَيْم بن منصور وسبق ذكره.
(3)
تاريخ العرب قبل الإسلام، م 4، ص 323 - 324.
(4)
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، لأحمد بن محمد المقري التلمساني، ص 272، المجلد الأول، طبع مطبعة السعادة بمصر، سنة 1365 - 1948 م.
(5)
في معجم قبائل العرب، لعمر رضا كحالة، ص 408، طبعة دمشق -:(ذباب بن مالك: بطن من بني سُلَيْم بن منصور كانت منازلهم ما بين قابس وبرقة).
ورؤساء بني ذباب في عصر المقريزي - القرنين: الثامن والتاسع الهجريين - كانوا ما بين طرابلس وتابس وبَيتُهم - رياستهم - بنو صابر، والمحامد بنواحي قابس وبيتهم في بني رحاب بن محمود.
وبنو عوف بن بُهثة السُّلَميون منازلهم ما بين قابس وبلد العناب، وهم: مِرْداس، وعلَّاق.
وبنو هيب بن بُهثة، إخوة عوف بن بُهثة، منازلهم في إفريقية، ما بين السدرة من برقة إلى حدود الإسكندرية، وبنو أحمد منهم بإجدابية ولهم عدد ويرجعون إلى شِماخ، ولها العز في هيب.
ومن هيب: شماخ ومحارب ورياستهما في عزاز. ولهيب في سُلَيْم عزة، لاستيلائها على إقليم طويل، خَرَّبَتْ مُدُنَه، وصارت ولايته لأشياخهم، وتحت أيديهم خلق كثير من البربر واليهود، وفيهم طائفة الأبطال الأنجاد، والإمارة فيهم في أولاد عزاز بن مقدم، وكان مزيد بن عزاز جليل القدر معظمًا في الدولة.
وبنو زيد، وحمدان، وزيدان - كلهم كرام أماجد.
وبنو مُعز، وعمير ومنهم عَلَوِيُّ بن إبراهيم بن عزاز، وسلطان بن زيان بن عزاز، وعمر بن مشعل بن عزاز، وجماعة بن مليح المنصوري، أصحاب غازي بن نجم، وعليان بن عريف، وبليوش - وكان قد هرب من السلطان الملك الظاهر بيبرس، فلحقه الجيش وأخذوه أسيرًا، فاعتقله مدة ثم أفرج عنه، وهو والد زيد بن بليوش.
وعربان البحيرة في الأيام الناصرية (مجمد بن قلاوون) فيهم فايد بن مقدم، وخالد بن سليمان، وكانا أميرين سيدين ذَوَي كر وأمن (وأمر) وشجاعة
(1)
.
أما بنو سُلَيْم في مصر، فقد مر بنا أنهم استوطنوا - في زمن هشام بن عبد الملك الأموي ببلبيس وتكاثروا بها.
ويروي لنا الدكتور عبد المجيد عابدين أن بني سُلَيْم بعد ما أقاموا في بلاد المغرب إثر نزوحهم الجماعي إليه، أخذوا بعد بضعة قرون يعودون إلى مصر في موجات متتالية حيث قال:
(1)
البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب، للمقريزي، ص 68 و 69 و 70 و 71، طبع القاهرة.
"وتُعدُّ هجرتهم في القرن الثامن عشر الميلادي الموافق للقرن الثاني عشر الهجري من أكبر الهجرات العربية التي وفدت إلي مصر من طريق الغرب، فملأوا الصحراء الغربية، وبعض جهات من وادي النيل، وإلى الآن ينتسب جميع العرب الساكنين على الساحل غربي الإسكندرية، إلى بني سُلَيْم هؤلاء".
ثم فصل لنا بطونهم بمصر فقال "ومعظم فروع بني سُلَيْم تنتمي إلي السعادي، وهم من أولاد أبي الليل، من سُلَيْم بن منصور، من القبائل العربية القيسية، ويتفرع السعادي إلى بطون أهمها:
(أ) البراغيث (أبناء بغوث) ومنهم الفوائد، (ومنهم أسرة لملوم) والرماح (ومنهم أسرة الباسل) والجبارنة (ومنهم الجوازي أولاد أبي جازية)، وقد انتشرت هذه البطون من غرب الإسكندرية إلى مديريات الفيوم والمنيا وبني سويف.
(ب) العقاقرة (أبناء عقَّار) ومنهم الحرابي، وأولاد محلي، والهنادي، وبنو عونة، والجبالية، وقد انتشروا في أرض الدلتا شرقًا وغربًا، وبعض مناطق الصحراء الغربية، وكان بين الهنادي وأولاد علي معارك في البحيرة.
وفي زمن الاحتلال البريطاني حيل بين عرب مصر في البادية وبين مناطق المناجم، ومُنعوا من الوصول إلى مناطق النفط في الصحراء، وأخيرًا فُتحت الصحراء للمشروعات المعدنية والزراعية
(1)
.
هذا، وقد عدَّ لنا أبو العباس أحمد الفزاري القلقشندي أفخاذَ بني سُلَيْم المقيمين في عهده ببرقة، فقال: (أخبرني مخبرون من غيرها بعدة أحياء منهم وهي: أولاد حرام، وأولاد سلَّام، والبركات، والبشَرة، والبلابيس، والجواشنة، والحدادة، والحوَّتة، والدُّووع، والرفيعات، والزوَازير، والسوالم، والسبوت، والشراعبة، والصويرات، والعواكلة، والعلاونة، والموالك، والنبِّلة، والندُّوة، والنوافلة، والرعاقبة، والبواجنة، والقبايص، وقطَّاب، والقصاص
(2)
.
(1)
تعليقات الدكتور عبد المجيد عابدين، على كتاب (البيان والإعراب عما بأرض مصر من الإعراب)، ص 167 - 172، طبع مصر.
(2)
(قلائد الجمان في التعريف بقبائل الزمان) للقلقشندي، ص 126، طبع القاهرة.
أما عرب سُلَيْم في بلاد الجزائر: فكانت عوف من سُلَيْم تجاور رياحًا (من هلال) على حدود عمالة قسنطينة وتبلغ ناجعتها نواحي بونة (عنابة)، ولها بطنان: مِرْداس، وعلَّاق. ومن علَّاق: حِصْن ويحيى، ومن حِصْن: حكيم وبنو علي، ومن يحيى: الكعوب (بنو كعب)، ومن الكعوب: أولاد مهلهل، وأولاد أبي الليل، ومن أولاد أبي الليل: الأعشاش، واشتهر من شيوخ حكيم: أبو زيد بن عمر بن يعقوب، وابنه خليفة، ومحمد بن مسكين، وخليفة ابن أخيه، وكان منهم أول القرن التاسع الهجري الشيخ المرابط أحمد بن صعنونة بن عبد الله بن مسكين
(1)
.
ويُفهم من فحوى أبيات لأشجع السُّلَمي أن جالية سُلَمية كانت تقيم ببغداد في أيامه وكان ركنها ومرجعها هو أحمد بن يزيد السُّلَمي الذي توفي في جرجان.
وبعد فإن من ذكرناهم فيما سلف، هم أحياء قبيلة بني سُلَيْم في الجاهلية والإسلام، حتى القرن الرابع عشر الهجري الذي نعيش الآن في عقده الأخير وجميعهم ممن نزحوا عن ديارهم الأصلية بين الحرمين مكة والمدينة.
وفيما يأتي نثبت أسماء أحيائهم المقيمين اليوم ومن قبل اليوم فيها صُعُدًا، إلى وقتٍ لا نعلمه الآن بالدقة.
وهناك ظاهرة اجتماعية لابد لي من الإشارة إليها هنا، وقد تكشفت لي أثناء دراستي بسلاسل أنساب بني سُلَيْم وغيرهم من القبائل العربية، وتلك الظاهرة هي أنه بطول الزمن وتتابع القرون وتعاقب الأجيال كثيرًا ما يحدث "تَغَيُّرٌ" في أسماء الأفخاذ والأحياء والبطون القَبلية، فينتسب كل جيل أو أجيال متقاربة في الزمن
(1)
تاريخ الجزائر في القديم والحاضر، الشيخ مبارك بن محمد الهلالي الميلي، المجلد الثاني، طبع المطبعة الجزائرية الإسلامية بقسطينة، ص 270 و 271.
إلى الجد أو العم الذي هو أقرب إلى المنتسبين إليه ممن سبقوه من الأجداد أو الأعمام، وذلك حسب المتعارف عليه، وحسب الظروف والمناسبات .. وتستمر النسبة إلى هذا الجد أو العم أو غيره إلى ما شاء الله، حتى يأتي من الأسباب والظروف ما يُحِلُّ محله شخصًا آخر، فيُعْزَى إليه الفخذ أو البطن أو الحي .. وهكذا دواليك، فمتتبع أنساب العرب أو الأعراب بأدق تعبير يجب عليه أن يضع في ذاكرته هذه الظاهرة وأن يلاحظها فيما يُدوِّنه من أنسابهم، حيث يجد "تغيرًا" ملحوظا واضحًا في أسمائهم الشاملة لهم، بين كل فينة وأخرى، على أن اسم القبيلة الأصلي التي ينتمي إليها الجميع يبقى معروفًا لديهم وينتسبون إليه جميعًا، وبه تعرف مجموعاتهم المختلفة في الأسماء الفرعية.
وهناك ظاهرة اجتماعية أخرى لابد لنا أيضًا من ذكرها، وهي أنَّ كثيرًا من سلاسل أنساب العرب، خاصة في القرون التي تلت القرن الهجري الخامس - في تقديرنا الخاص - كثيرًا ما يعتريها السهو والبتر والنقصان، لأسباب عديدة، منها صعوبة محافظة الأجيال على تدوين أسماء الأباء بدقة كاملة، وفي سمط متسلسل كامل الحلقات طيلة القرون المتوالية، وتحت وطأة تقلبات الظروف والهجرات والأزمات العنيفة، والاضطرابات الداخلية والخارجية التي تهب أعاصرها بين كل حين وآخر، وهَبْ أن بعضهم تمكن مع ذلك كله من تدوين سلسلة نسبه كاملة وبدقة، فإن الاضطرابات والحروب والمعارك قد تجتاح المستندات وتفقدها، فيضيع بذلك كل الجهد الذي بُذِلَ في المحافظة على عمود النسب، وهذه الظاهرة قد حدثت لرائد علم الاجتماع:(ابن خلدون) فسجَّل على نسبه هذا النقص الذي لاحظه فيه حيث قال عن نسبه: (عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون - لا أذكر من نسبي إلى ابن خلدون غير هؤلاء العشرة ويغلب على الظن أنهم أكثر،
وأنه سقط مثلهم عددًا، لأن خلدون هذا هو الداخل إلى الأندلس، فمان كان أول الفتح فالمدة لهذا العهد سبعمائة سنة، فيكونون زهاء العشرين، ثلاثة لكل مائة) كما سيأتي بيانه
(1)
.
وأعتقد أن هذه الظاهرة قد شملت أيضًا نسب عبد الرحمن الأنصاري، مؤلف كتاب "تحفة المحبين والأصحاب في معرفة ما للمدنيين من الأنساب"، فهو من أهل القرن الهجري الثاني عشر، وقد سلسل نسبه حتى وصل به إلى أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي النجاري خادم رسول صلى الله عليه وسلم، وقد عد آباءه إليه واحدًا وعشرين أبًا فقط
(2)
، وحيث إن الزمن الذي بين عبد الرحمن وأنس بن مالك هو أحد عشر قرنًا، فعلى قاعدة (أبي علم الاجتماع) عبد الرحمن بن خلدون - التي طبقها على سلسلة نسبه: يُحسب لكل مائة عام ثلاثة آباء، وهذا أقل ما يحتمل، وعلى هذا الترتيب يكون بينهما ثلاثة وثلاثون أبًا، لا واحد وعشرون أبًا فحسب كما ذكر.
وأسماء أحياء بني سُلَيْم وبطونهم المقيمين اليوم في بلادهم الأصلية بين الحرمين الشريفين قد كنت تلقيتها من حسين بن هندي السُّلَمي، رئيس "قرية الكامل" أم قرى بني سُلَيْم الآن، ومقر الإمارة في منطقتهم، والتي هي أقرب قراهم وديارهم إلى مكة وجدة اليوم.
كتب لي حسين بن هندي السُّلَمي، أسماء أحياء هؤلاء السُّلَميين وبطونهم المعاصرين في ورقة وقعها بيده باسمه، ثم تلوتها عليه زيادة في التوثق والتأكد، فأقرها، وهذه هي أسماء أحيائهم وبطونهم بموجب ما حوته تلك الوثيقة:
(1)
التعريف بابن خلدون، لابن خلدون ص 1، طبع مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر.
(2)
تحفة المحبين والأصحاب في معرفة ما للمدنيين من الأنساب ص 27، طبعة الشركة التونسية لفنون الرسم في يونية 1970 م، ص 7، تحقيق الأستاذ محمد العروسي المطوي بتونس.
أولا - بنو نَوال
(1)
: يتفرعون إلى أربع عشائر: هي المطاردة، والصُّدَّر، والأذَنَات، والزَّحمة.
ثانيًا - بنو سَري: يتفرعون إلى سبع عشائر: العَبَدة، والنَّقريْن، والعطاطيف، والمدَاهين، والشُّنُونة، والحِسْنَان، والنُّمران.
ويسكن هؤلاء في "القُريَّة" و"شُوان" و"السِّبعان" و"العياب" و"الحُجْرة".
وتجمع ربيعةُ بني نوال، وبني سري، والفُقها الذي سيرد ذكرهم فيما بعد.
ثالثًا - البِقَلة: ويتفرعون إلى عشائر هي: ذوو بنات، وذوو مستور، والجوامع، وذوو علي.
ومنازلهم: ذَرَة، وقرى وادي ساية، ويختلطون مع غيرهم من بطون سُلَيْم، ويجتمعون في بني راشد.
رابعًا - حُلَيْل: وتتفرع إلى عشائر هي: بني عَطَا، وذوي (وذوو) جبرين، والموسى، والوعارى.
ومنازلهم بقرى وادي ستارة وتوابعها، وهم مختلطون مع غيرهم من بطون سُلَيْم.
خامسًا - السَّوالم: وتتفرع إلى: العِصَوي، والذبيبات، والدّيسي، والقُويسمي.
ومنازلهم في المَرواني وضواحيه، ويشتركون في بعض قرى ساية وستارة.
سادسًا - بنو بُركة: ويتفرعون إلى: الفُقها، والجبَاريت، والخُضَرة، والرَزم، والمساريح.
وتجمعهم بنو بُركة: أما الفُقها فكما قدمنا من ربيعة وتنضم مع بني نوال وبني سري.
وجميع الأحياء المذكورة آنفًا هم من بني نوال، إلى بني بُركة، والفقها، وتجمعهم (فُتَيَّة).
ومساكن ربيعة بجبل شمنصير.
(1)
في تاريخ ابن خلدون: نوال بطن من حكيم من علَّاق بن عوف بن بُهثة من سُلَيْم في تونس.
سابعًا - بنو محمد: يتفرعون إلى: الهِمْعَان، والتراجمة، والحِجَرة، والعُجفان، والقُوَعَة، والمِرنة.
هؤلاء (أي بنو محمد) مساكنهم بقرى وادي ساية.
ثامنًا - الجِلاه: يتفرعون إلى: السرِّحة، والشُّكْرية، والنجاجرة، وذوي حمود، والمقاعيَّة، والزَّراكنة، والصوابر، والزَّوانيَة.
ومساكنهم: قرى وادي ساية، وهم مختلطون مع غيرهم من بني سُلَيْم.
تاسعًا - وَديعةُ: تتفرع إلى: ذوي عيد، والبِسَسَة، والعِلوان، والمُضيفرات.
ومساكنهم: الحنْو، ومهايع، والخُدُدُ، ويشتركون مع بعض بني سُلَيْم في وادي ساية.
عاشرًا - قُريش: تتفرع إلى: الفَهايِدة، وذوي عوَّاض، والعكاليَة.
مساكنهم: مهايع، والشُّعبة.
حادي عشر - الضبَّاعين، ليس لهم فروع.
ومساكنهم: قرية مَلَح.
وهؤلاء من بني محمد إلى الضباعين، تجمعهم حَبَش.
حلقات مفقودة
هذا، وبإيرادنا لأصول قبيلة بني سُلَيْم وفروعها في الجاهلية الأخيرة وفي صدر الإسلام، وبإضافة فروعهم إليهم في القرن الهجري الحاضر - الرابع عشر - الموافق للقرن العشرين الميلادي تبقى أمامنا حلقاتٌ مفقودة في التسلسل النَّسبيِّ الرابط لهؤلاء بأصولهم القديمة، ثم منابع ارتباط بني سُلَيْم المقيمين هنا في المملكة عبر القرون الخالية بأبناء عمومتهم النازحين إلى أقطار العالم العربي في هجراتهم إلى ديار الشام، فالبحرين (الإحساء)، فمصر، فبلاد المغرب، فمصر أخيرًا في القرن الميلادي الثامن عشر - الثاني عشر الهجري، ولربما أماط لنا اللثامَ عن ذلك جله البحثُ العلمي المطرد المتتابع، فالحقيقة بنت البحث كما يقولون.
ملامح بني سُلَيْم
أغلبُ ملامح (الأعرابي العربي) تتمثل في أنه: رشيق القوام قليل اللحم ووجهه معروق قليل اللحم كسائر جسمه، وله ذقن بارر وأنف دقيق وعينان براقتان وفم ظاهر، ورشاقة جسمه تجعله نشيطًا خفيف الحركة
(1)
.
ووجه الأعرابي في المناطق الحارة من بلاد العرب أسمر - وأكثرُ مناطق بلاد العرب حار.
وتقع بلاد بني سُلَيْم في المنطقة الحارة، لأنها من تهامة، وهي ذات وهاد وأنجاد وجبال وحِرار.
والصفات والسمات المتقدم بيانها تنطبق - من وجه عام - على من تسنَّتْ لي رؤيتهم من بني سُلَيْم .. في ديارهم بأعالي الحجاز، وفي غيرها من هذه البلاد.
ولا يعني ما سبق لي تقريره أنه لا يوجد فيهم أفراد بيض الوجوه، أو ذوو لون قمحيٍّ يميل إلى السُّمرة أو إلى البياض .. ومن أمثلة أصحاب هذا اللون خاصة:"حسين بن حيا السُّلَمي" أحد كبار قرية مهايع السُّلَمية في ديار بني سُلَيْم.
وكذلك يوجد بين سكان الجبال الباردة الطقس بأنحاء المملكة أفراد ذوو لون قمحي وأبيض، لأسباب عامة أو خاصة، ويوجد عكس ذلك في المناطق الحارة.
وقلنا "إن اللون الغالب - قديمًا وحديثًا - على العرب هو السُّمرة" بالنظر إلى ما سبق بيانه من أن أغلب مناطق بلاد العرب حار، وبالنظر لما أورده الدكتور جواد علي، نقلًا عن علماء اللغة العربية الذين بحثوا خصائص العرب، ووصفوا حيواتهم ومجتمعاتهم من خلال بحوثهم اللغوية، يقول الدكتور جواد علي: (ويذكر علماء اللغة أن العرب تصف ألوانها بالسواد، وتصف ألوان العجم بالحمرة
(2)
، وقد افتخر الشعراء بذلك في الجاهلية وفي الإسلام، من ذلك يقول الفضل بن عباس بن عتبة اللهبي:
(1)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي، ببعض تصرف، ص 305، المجلد الرابع، طبع دار العلم للملايين ببيروت.
(2)
بالمناسبة أذكر أنه دار نقاش بيني وبين عالم مصري في هذا الموضوع، قلت له: إن معنى=
وأنا "الأخضر"
(1)
من يعرفني
…
أخضر الجلدة في بيت العرب
يقول: أنا خالص، لأن ألوان العرب، السُمرة، ومن ذلك قول مسكين الدارمي من تميم:
أنا مسكين لمن يعرفني
…
لوني "السُّمرة" ألوان العرب
قال الجاحظ: (والعرب تفخر بسواد اللون، وقد فخرت "خُضْر محارب" بأنها سود، والسود عند العرب: الخضر، ثم ذكرت أمثلة افتخار بعض القبائل والأشخاص بكونهم "خُضرًا"، ثم قال: وخُضرُ غسان بنو جَفْنة الملوك؟ قال الغساني:
إن الخضارمة الخضر الذين وَدَوْا
…
أهل البريص ثماني منهم الحكم
وقد ذكر حسان أو غيره، الخُضْر من بني عُكَيْم، حين قال:
ولست من "بني"
(2)
هاشم في بيت مكة
…
ولا بني جُمح الخضر الجلاعيد
قالوا: وكان ولد عبد المطلب العشرة دُلمًا ضُخمًا، نظر إليهم عامر بن الطُفَيْل الكلابي العامري من هوازن، يطوفون كأنهم جمال جُونٌ فقال: بهؤلاء تمتنع السدانة!، وكان عبد الله بن عباس أدلم ضخمًا، وآل أبي طالب أشرف الخلق، وهم سود وأدمٌ ودلم، والدلم: الرجل الشديد السواد
(3)
.
ويقول المبرَّد: (وقول العرب: ما يخفى ذلك على الأسود والأحمر، يريد العربي والعجمي)
(4)
.
ووصف الطبري في تاريخه، محمد بن عبد الله بن حسن (النفس الزكية) بأنه (كان آدم شديد الأُدمة أدلم جسيمًا عظيمًا وكان يُلقَّب بالقاريِّ من أُدمته
(5)
.
= الحديث النبوي: "بعثت إلى الأحمر والأسود" أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم هو أنه يعني أن رسالته تشمل العرب والعجم، والعجم يوصفون عند العرب بالحمرة وهي البياض، والعرب بالسواد، وهذا هو الغالب الأعم، ولا ينفي ذلك وجود عرب بيض الألوان أو قمحيوها.
(1)
الأخضر لغة: بمعنى الأسمر أو الأسود.
(2)
يبدو لي أن الصواب هو حذف كلمة (بني) ليصح الوزن.
(3)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي، ص 310 و 311. وجاء في القاموس المحيط: أن الدلماء: لقب بني ضَبَّة لسوادهم (مادة دلم).
(4)
الكامل للمبرَّد، ص 61، الجزء الثاني.
(5)
تاريخ الطبري، ص 192، الجزء السادس.
وكما قلنا آنفًا فإنه يوجد أشخاص بيض الوجوه من العرب، أو ذوو لون دون البياض، ومن أولئك وهؤلاء سكان جبال السراوات بجنوب المملكة العربية السعودية،. والمعروف أنه كلما ارتفع موطن السكان ازداد لونهم صفاءً وبياضًا، وكلما انخفض موطنهم ازدادت سمرتهم، وقد أشار إلى ذلك الدكتور جواد علي في كتابه (المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام) قال:"وقد عُرفت بعض القبائل العربية ببياض بشرتها، واشتهرت نساؤها ببياض البشرة، وقد ورد في الحديث: أنه لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال له رجل: "إن كنت تريد النساء البيض والنوق الأُدْمَ، فعليك ببني مدلج من كِنانة"، ويقال للمرأة التي يغلب على لونها البياض: "الحمراء"، وجاء في الحديث النَبويّ:(بُعِثتُ إلى الأحمر والأسود) أي إلى العجم والعرب كافة.
ويقول جواد علي: إن أجسام سكان السواحل من العرب أقصر من أجسام أبناء الجبال والنجاد، وإن أهل التهائم والسواحل الجنوبية لجزيرة العرب أقصرُ قامة من أهل نجاد اليمن، أو أهل نجد
(1)
.
وبنو سُلَيْم هم تهاميون كما قدمنا، وهم بين جبال وحِرار في تهامة.
وديارهم الأصلية تقع بين مجموعة متلاصقة من الجبال والحِرار، وأوديتهم عميقة تعلوها الحِرار والجبال وتضايقها، وأغلب قاماتهم تميل إلى الاعتدال .. ولكأنَّ البيئة الجبلية رفعت قاماتهم عن ضآلة القصر، ولكأنَّ البيئة التهامية جعلت أغلبهم غير فارع الطول، ولا يمنع ذلك أن يكون فيهم القصير الدحداح، أو الطويل الفارع الطول، ومن أمثلة طوالهم المعاصرين: حسين بن حيا - أو يحيى - أحد كبار قرية مهايع؛ وهو أبيض اللون أو أحمر اللون على حد التعبير اللغوي الفصيح الذي سبق ذكره، وحسين بن حيا - أو يحيى - نحيل الجسم وذو عينين نجلاوين براقتين، كأغلب من شاهدناهم من رجال بني سُلَيْم المعاصرين، وأغلب من رأيناه من السُّلَميين يميل إلى الاعتدال، وهو الذي يوصف لُغويا بأنه "رَبْعةٌ"، و"مربوع" صيغة لا تزال سائدة في هذا المعنى لدى عامة الحجازيين، وقد نُعِتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه (ربْعة).
(1)
المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي، ص 304، الجزء الرابع.
أسماء بني سُلَيْم عبر التاريخ
قبيلة بني سُلَيْم من القبائل العدنانية التي نالت شهرة واسعة في الجاهلية والإسلام، وقد كانت مواطنها الأصلية تحميها من شن الغارات عليها، فهي "حصنٌ حصين" دون اقتحامها، وبنو سُلَيْم كانوا في الجاهلية وصدر الإسلام ذوي ثروة طائلة بما في بلادهم من "المعادن" وبما فيها من الماء الوفير والخصب، وكل هذا أكسبها كيانًا مرموقًا وجاهًا ومكانة، وقد أكسبتهم طبيعة أرضهم الجبلية خشونة وشجاعة وصلابة، وأكسبتهم أرضهم الخصبة رقة وطموحًا وتجارة وزراعة ناجحة رابحة.
وقد هيأ لي تتبعُ تاريخهم ودراسته الألمامَ بأنهم كانوا يؤثرون تسمية أبنائهم بأسماء - أغلبها مُعينٌ، فيكثر دوران هذه الأسماء بينهم، وبعضها موغل في القدم يرتفع إلى زمن ثمود، وربما كان لمجاورة بني سُلَيْم للثموديِّين بقرب مدائن صالح أثر في هذا، ولربما كانت التجارة التي يديرونها فيما بينهم وبين ثمود أثر في ذلك أيضًا، ولربما أفاد السُّلَميون من براعة الثموديين الزراعية والتجارية والصناعية، ومن الأسماء الثمودية (حُباب) بضم الحاء، ومعناه في اللغة: الحية، وهذا الاسم كان موجودًا في ثمود، كالحُباب بن عمرو الثمودي
(1)
الذي رثى قومه بقصيدة عقب هلاكهم بالصيحة، ومن ذلك يبدو أنه لم يكن من بين من أهلكوا بالصيحة، ومعنى ذلك أنه كان من المؤمنين الذين أنجاهم الله من عذابه بسبب إيمانهم برسالة صالح عليه السلام.
وليس مستبعدًا أن يسمي الثموديون بعض أبنائهم بالحُباب - أي الحيَّة - فالحيات مؤذية وسامة وتفتك بمن يتعرض لها، وهي متوافرة نجي بلادهم الغزيرة المياه الكثيرة المغاور والكهوف والأودية، وطبيعة أرض بني سُلَيْم من هذه الناحية مماثلة لطبيعة أرض ثمود. وكان السُّلَميون وما زال بعضهم حتى اليوم يقيمون في منطقة مدائن صالح فلا بدع إذن أن يشيع اسم (الحباب) لديهم، فالجوار ذو أثر ما على المتجاورين.
(1)
مدائن صالح، للأستاذ محمد عبد الحميد مرداد، ص 92، طبع دار الطباعة الحديثة بمصر، وفي كتاب الاشتقاق لابن دريد، ص 308، أن الحباب (بضم الحاء): ضرب من الحيات، وقد أورد اسمي تميم وعمير ابني الحباب، وقال أن عميرًا كان من فرسان الناس في أيام عبد الملك وأيام فتنة الشام، وكان امتنع على عبد الملك بنصيبين وغلب عليها وعصاه.
واسم الحباب ظل شائعًا لدى بني سُلَيْم عبر الأجيال وفي مختلف الأمكنة، ويُطلق على من سكنوا منهم الأندلس وإفريقية وسورية وغيرها، وفي قرية "الكامل" بديار بني سُلَيْم واحد منهم اسمه (حامد بن حُباب) ويشغل وظيفة رئيس هيئة الأمر بالمعروف هنالك، ومقامه بقرية (مهايع).
ومن الأسماء الشائعة لدى بني سُلَيْم اسم: (العباس) واسم (مِرْداس)، فهذا عباس بن أنس بن عباس بن مرداس، وهذا العباس جد محمد نقاش الفضة وهو محدث مُترجمٌ، وهذا عباس بن الوليد بن صبح المحدث أيضًا، وعباس بن رعل كان أحد القادة السُّلَميين في حرب الفجار.
والعباس: مبالغة في (عابس)، ومعنى (عابس): الطالح المكروه لقاؤه، وقد سمت العرب عباسًا وعابسًا
(1)
.
أما (مرداس) فمن سُمِّي به: مرداس والد العباس بن مرداس، ومرداس والد عُتبة، ومرداس بن علَّاق وغيرهم، ومعنى (مرداس) لغة: ما يُدَكُّ به من مِدَكٍّ صلب عريض، ولعل هذا المعنى هو الذي جعل هذا الاسم يشيع بين السُّلَميين لما فيه من معنى الصلابة والدَّكِّ والدَّقٌ، وفي "الاشتقاق" لابن دريد أن (مرداسًا) من الردس: ضربك الحجر بحجر مثله
(2)
.
ومن الأسماء الشائعة لدى بني سُلَيْم: (قَيْسٌ)، وممن سُمي به في الجاهلية عند سُلَيْم:(قيس بن خُزاعي) الذي أمَّرهُ قيصر الروم على فلسطين، وقيس بن شبيبة التاجر بمكة في أواخر الجاهلية، وقيس بن نسيبة الصحابي.
وكان اسم قيس شائعًا لدى العرب قبل الإسلام وبعده.
و (القَيْسُ) في اللغة: التبختر والشدة. وهما من الصفات المحمودة لدى عرب الجاهلية، وفي (الاشتقاق) لابن دريد أن (قيسًا) مصدر قاس يقيس قيسًا
(3)
.
(1)
الاشتقاق، لابن دريد، ص 45.
(2)
الاشتقاق، لابن دريد، ص 219، طبع مطبعة السنة المحمدية.
(3)
الاشتقاق، ص 265؛ وجاء في بحث من "مجلة كلية الآداب السنوية بجامعة الرياض" المجلد الأول لسنة 1390 هـ - 1970 م، وعنوان البحث هو:(وادي ألاب) - بتخفيف اللام - جاء فيه أن اسم قيس يمكن أن نعتبره علمًا على شخص من الثموديين. وأقول عطفًا على ذلك أنه يشبه في تسمية الثموديين به اسم (حباب) الذي استعمله الثموديين أيضًا ولا يزال موجودًا لدى بني سُلَيْم حتى العصر الحاضر. هذا وإن=
ومن الأسماء الشائعة لدى بني سُلَيْم: اسم (حكيم) وهو من (الحكمة)، والعرب في جاهليتهم كانوا يتعشقون الحكمة، ويقدرون من يتصف بها في أعماله وأقواله، و (الحكمة) من الصفات الرئاسية الحميدة لديهم، ولعل هذا المغزى هو الذي حبب إليهم التسمية باسم (حكيم)، وممن سمي باسم (حكيم) منهم: حكيم والد الجَحَّاف، وحكيم جد محمد بن أحمد المحدث، وحكيم بن أمية، وحكيم بن حِصْن بن علَّاق وغيرهم.
ومن أسمائهم الشائعة أيضًا: يزيد، وهو فعل مضارع مشتق من (الزيادة) ولعل المقصود منه أن المولود الذي يسمى به يزيد الأسرة مكانًا ونماءً وكفاية، وممن سمي باسم يزيد من بني سُلَيْم: يزيدُ بن الأخنس الصحابي، ويزيد بن أُسيد، ويزيد بن هارون (مولاهم) الذي كان من العلماء.
ومن الأسماء ذات الذيوع لديهم مالك، ومالك مشتق من المِلْكِ - بكسر الميم - وهو فأل حسن للمُسمَّى به أن يكون ذا مِلْكٍ، وممن سُمِّي به منهم: مالك والد معاوية الشاعر الجاهلي، ومالك ذو التاج، ومَالك بن عمير، ومالك بن أمية بن عمرو الصحابي، ومالك بن الحارث التابعي المحدث الثقة.
ومن الأسماء الشائعة عندهم: معاوية، ومعاوية صيغة من معانيها: الكلبة وجرو الثعلب، وقال بن دريد في (الاشتقاق): واشتقاق معاوية من قولهم تعاوى القوم إذا تداعوا إلى حرب وغيرها، واستعوى بنو فلان بني فلان: إذا استنصروهم، واستعوى الرجل إذا بات في القفر، واستعوى الكلاب ليُسْمع نُبَاحها، فَيُعْلَمُ أنه قريب من ماء أو حلة
(1)
. واسم معاوية على أية حال متفق مع فلسفة العرب في جاهليتهم حيال وضع أسماء أبنائهم، فهو اسم خشن يدل على التهاوش والتعارك والمناوشة، ومعاوية اسم قديم لدى العرب وممن سُمي به من سُلَيْم: معاوية بن مالك الشاعر الجاهلي، ومعاوية بن عمرو أخو الخنساء الشاعرة المخضرمة، ومعاوية بن قُرَّة.
= البحث المذكور، قد اشترك فيه الدكتوران منصور الحازمي وعبد الرحمن الأنصاري، تولى كل منهما جانب اختصاصه فيه ونشر مستقلا أيضًا عن المجلة.
(1)
الاشتقاق، ص 75.
ومن أسمائهم: (سفيان) وأصله من (السَّفَي)، ومن معاني السفي: كل شجر له شوك وواحدته: (سَفَاة)، ويقول ابن دريد: إنه (مشتق من "السافي" وهو ما سفته الريح من تراب وغيره)
(1)
.
واسم سفيان على هذا التفسير يطابق فلسفة العرب التقليدية في جاهليتهم إزاء وضع أسماء أبنائهم، فهو تفاؤل بأنه سيسفي الريح على جثث أعدائه بأن يرديهم، أو أنه سيصير شجرًا شائكًا بالنسبة لهم، وممن سُمِّي منهم باسم (سفيان): والد الضحَّاك الصحابي، فهو الضحَّاك بن سفيان السُّلَمي.
ومن أسمائهم: "عمرو"، والعَمْرُ: بفتح العين وسكون الميم: الشجر الطوال، والحياة. والأشجار الطوال فأل حسن في التسمية باسمها - بأن تطول قامة المسمى بالاسم، (وإنَّ أعزاء الرجال طوالها)، وفأل حسن أيضا بطول العمر، لأن العَمر من معانيه: الحياة. وممن سُمي باسم "عمرو" منهم: عمرو بن عَبسة الصحابي الجليل ذو السابقة في الإسلام، إذ لقد كان رابع المسلمين، وعمرو بن الشريد، وعمرو بن عبد العُزَّى (أبو شجرة السُّلَمي)، وأحمد بن عمرو (أخو أشجع السُّلَمي) وكان شاعرًا مثل أخيه. ويدخل تحت ضِبْنِ اسم عمرو: عُمَرُ، وعمارٌ، وعُمَيْرٌ، وعامِرٌ، وعمران .. فاشتقاقها كلها من (العمر).
ومن أسمائهم الذائعة: (مَعْن)، والمَعْنُ: الطويل والقصير، والقليلُ والكثير، وهذا التناقض والتضاد في معاني (المَعْنِ) جعل لها مكانة خاصة في مفاهيم العرب، فمعن: طويل النجاد، ومعن ماء فياض كثير زلال ومنه (المعين) للماء، ومَعْنٌ: قصير بالنسبة لذويه وقليل بالنسبة لهم أيضًا ولكنه طويل وكثير بالنسبة لأعدائهم، وقد راق للعرب التسمية باسم (معن) لما تحتويه الصيغة من معانٍ طيبة من أهمها: الماء الفياض، والماء عماد الحياة، وإذن سيكون من سمى بمعن عمادًا للحياة في القبيلة جوادًا فياضًا بالمكارم، وممن سُمي من بني سُلَيْم بمعن: مَعْنُ بن أبي عاصية، ومعن بن يزيد الصحابي وغيرهما.
(1)
الاشتقاق، ص 161.
ومن الأسماء الشائعة لديهم: (الضحَّاك)، ومن معاني (الضحَّاك): كثير الضحك، ولربما كان من الأسباب المغرية على التسمية بهذا الاسم ذيوع شأن الضحَّاك الذي يزعمون (أنه ملك الأرض، وكانت أمه جنية) وإعجابهم بشأنه، فيتفاءلون لأبنائهم المُسمَّيْنَ باسمه أن يحكموا ويسود نفوذهم بشكل من الأشكال، وبقدر من الأقدار. وممن سُمي منهم باسم (الضحَّاك): الضحَّاك بن عبد الله، والضحَّاك بن سفيان الصحابي.
ومن الأسماء الشائعة لديهم اسم (حبيب)، وإنك لتجد في هذا الكتاب عدة رجال من بني سُلَيْم سُموا بهذا الاسم في الجاهلية وفي الإسلام.
و (حبيب) مشتق من (الحُبَّ) بضم الحاء، ويتفاءل بالتسمية به بأن يكون المسمى به (حبيبًا) إلى الناس، وقد وجد الدكتور منصور الحازمي في النقوش المنقورة في جبال (أَلَابٍ) بفتع الهمزة واللام. وتخفيفها وبعدها ألف فباء تحتية موحدة - وَجَدَ في رحلته إلى موطن قبيلته بين المدينة ورابغ، نقشًا منحوتًا هناك بالخط الثمودي، كما فسره الدكتور عبد الرحمن الأنصاري المتخصص في علم الآثار وقد قرأه هذا، فإذا هو (حبيبة) وقال عنه: إنه علم على شخص، وهو اسم شائع بين السُّلَميين، تذكيرًا وتأنيثًا، فقد وجد الاسم على صيغة التذكير:(حبيب) لدى السبئيين والنِّبطيين والعبرانيين والتدمريين والصفويين والثموديين، وقد استعمل هذا الاسم بكثرة بعد الإسلام، وعزا هذا القول إلى (جمهرة الأنساب) لابن حزم
(1)
.
هذا، ويحسن أن يعزب عن البال، أن جميع الأسماء المتقدمة ليست خاصة بقبيلة بني سُلَيْم، بل يشاركهم فيها العرب، وإنما ذكرتُها في معرض أسمائهم لشيوعها لديهم في الجاهلية وبعد الإسلام.
(1)
البحث من مجلة كلية الآداب بجامعة الرياض، المجلد الأول لعام 1390 هـ - 1970 م، والبحث مطبوع طبعًا مستقلا تحت عنوان:(وادي ألاب)، ص 116، طبع مطابع الجزيرة بالرياض.
سُلَيْم وديارهم في الشعر العربي
حفلت قصائد الشعرالعربي بذكر سُلَيْم وذكر ديارهم، سواء أكان ذلك في الجاهلية أم في الإسلام، ومن روائع الشعر العربي الذي ذُكِرُوا فيه أو ذكرت ديارهم فيه تلك القصيدة الهمزية التي أوردها لنا الحسن الهمداني عن أبي الحسن الخزاعي، وقد حَدَث - على روايته - قحط شديد عامٌ شامل أصاب بلاد العرب قاطبة، شرقها وغربها وجنوبها وشمالها، فَجَأَرَ العرب بدعاء الله تعالى وقدموا شعراء ثلاثة لهم ليقوموا بهذا الدعاء شعرًا طلبًا للاستسقاء، وهم الخزارة العامري النجدي الذي نظم قصيدته الهمزيَّة التي صارت أنموذجًا يحتذى في وزنه وقافيته ومعانيه بالنسبة لشاعري الحجاز وتهامة الذين هما: العجلاني وأبو الحياش الحجري، وإذا صحت نسب القصائد الثلاث لهم فتكون من الشعر "الجغرافي" النادر لبلاد العرب في جاهليتهم، ومحل الشاهد في قصيدة الخزارة العامري الهوازني هو قوله متفائلًا أو مذكرًا بنعم الله:
رَوِيَتْ حرَّتَا سُلَيْمٍ وسالت
…
شُعَبُ المعدنين فالأَحْفَاءُ
وحينما اشتهرت قصيدة الخزازة وتناقلتها ألسنة الرواة في كل مكان من بلاد العرب قام أهل تهامة فطلبوا من شاعرهم (أبي الحياش الحجري) أن ينظم على غرارها في طلب السقي من الله عز وجل، ففعل، وقد استعرض الحجري التهامي قي قصيدته الهمزية أزمة الأمطار في جزيرة العرب تمامًا كما فعل الخزارةُ، ولكن في ديار تهامة، وقد طَلَب رحمة الله وسقياه لهم على غرار الخزازة أيضًا، وقد استهل قصيدته الهمزية أيضًا بقوله:
رَبِّ ما خاب مَن دَعَاك ولا يُحجَـ
…
ـبُ يا ذا الجلال عنك الدعاءُ
ووصف الأزمة الشاملة المتمثلة في توقف الأمطار عامة عن النزول على بلاد العرب بقوله:
إنَّ هَانا لأَزْمَةٌ عمت النا
…
س ومسَّتْهُمُ لَها بأساءُ
وعلى نمط الخزازة في استجلاب رحمة الله ودفع غضبه وسخطه عنهم قال في حرارة:
فَلَكَمْ ثُمَّ كَمْ سَقَيْتَ لَنَا الأَرْ
…
ضَ غُيُثًا أتَتْ بِهَا الأنْواءُ
وحينما شاع أمر القصيدتين وذاع في أطراف الجزيرة تقدم أهل الحجاز أيضًا إلى شاعرهم: (العجلاني) فطلبوا منه أن ينظم قصيدة استسقائية لهم يدعو الله فيها لبلادهم بإنزال الغيث المغيث عليها، فقال على غرار زميليه السابقين:
رَبِّ إيَّاك نحنُ نَدْعُو ونرجو
…
ولنا أنْتَ ذا الجلال، الرجاءُ
فاستجب ربنا فإنك لا يُحْـ
…
ـجَبُ للسائلين عنك الدعاءُ
أسْقِّنا الغيث كيْ يُفارقنا المحْـ
…
ـلُ له والسُّنيهةُ الَّلأواءُ!
ويستعرض العجلاني الشاعر في قصيدته أمكنة الحجار المصابة بالظمأ الكارب والتي كانت منحت غيثًا غدقًا شاملًا مكانًا مكانًا حتى يقول:
طبَّق الضَّاحيات من أمَجَ الرّيُّ
…
وأحيت قُديدُها الفيحاءُ
فالكُليَّات فالستارة فالجحفة
…
فالقدس علَّ فالأبواءُ
وأمجٌ هو وادي ساية، وواديا ساية والستارة هما من أودية العرب المشهورة في ديار بني سُلَيْم قديمًا وحديثًا.
والقصائد الثلاث طوال واضحة المعاني سلسة المباني، وهن من بحر الخفيف وقافيتهن الهمزة، وأسلوبهن من السهل الممتنع، ولولا أن ثمة ما هو مماثل لهن في السلاسة والسهولة من الشعر العربي الثابت - ألَا وهو معلقة الحارث بن حلزة اليشكري - لجزمنا جزمًا باتًّا بأنهن من الشعر المنحول، يقول الحارث في معلقته:
وأتانا من الحوادث والأنبا
…
ءِ خطبٌ نُعنى به ونُساءُ
أنَّ إخوانتا الأراقم يغلُو
…
نَ علينا في قِيلهم إحفاءُ
يخلطون البريء منا بذي الذنب
…
ـب ولا ينفع الخليَّ الخلاءُ
زعموا أنَّ كلَّ من ضرب العيـ
…
ـرَ موالٍ لنا وأنَّا الولاءُ
أجمعوا أمرهم عِشاءً فلما
…
أصبحوا أصبحت لهم ضوضاءُ
منْ منادٍ ومِنْ مجيبٍ ومِنْ
…
تصهالِ خيلٍ خلال ذاك رُغاءُ
ولسنا نجزم بأن القصائد الثلاث لم يدخلها شيء من الشعر الإسلامي، ولكن إقرار الهمداني بها، وتدوينه لها ولناظميها وتزكيته لراويها (أبي الحسن الخُزاعي)
ثم سَوْقُهُ لها
(1)
واحدة بعد أخرى على طولها، مع أنه رجل مطَّلع واسع الاطلاع ونقَّاده عميق النقد كل ذلك يجعل في أيدينا دليلًا مقبولًا على صحتها، وما ورد فيها من تكرار الألفاظ والمعاني، ولزومِ الوزن الواحد والقافيةِ الواحدة لا يطعن في صحتها، لأننا نجد من أمثال كل ذلك في الشعر العربي الجاهلي الشيء الكثير.
وأهمية القصائد الثلاث - إذا ثبتت جاهليتها - أنها استعرضت أمكنة شبه جزيرة العرب بالتتبع والاستقصاء، وقد سجلتها في خفة وزن وجمال وانسجام.
على أن وجود معلقة الحارث بن حلزة اليشكري المتوفي نحو (50 ق. هـ - 570 م)
(2)
ومماثلة هذه القصائد الثلاث لها في الوزن والقافية وسهولة الألفاظ، ووضوح المعاني، وتعداد الأمكنة - هو مما يُقوي مركز تلك القصائد ويدعمه.
وكما قلنا في مستهل هذا الفصل: فإن الشعر العربي الجاهلي حافل بذكر سُلَيْم وديارهم، لما لهما من مكانة بين القبائل العربية وبين ديارهم.
ومن أمثلة ذلك - وهي كُثْرٌ مشحونة بها المراجع - قول أبي قيس بن الأسلت من قصيدة ينهى فيها غَطَفان عن مناجزة الخزرج:
وإن تابوا فإن بني سُلَيْم
…
وإخوتهم هَوَازِنَ قد أنابوا
والشعر العربي إنما تتفجر أنهاره من ينابيع انفعالات الشاعر وعواطفه؛ فإن كان راضيًا مبتهجًا جاء شعره خميلة مدح بهيجة نضرة فواحة بالأزاهير، وإن كان الأمر بالعكس كانت نارًا تحرق وموجًا عارمًا يُغْرِق.
ومن أمثلة ذلك أنه في حالة رضا حسان بن ثابت شاعر الأنصار عن أحد بني سُلَيْم وهو "صالح بن علاط السُّلَمي" مدحه مدحًا مُصَفى جميلًا، ومدح معه قومه بني سُلَيْم مدحًا رائعًا عطرًا .. قال:
رُبَّ لَهوٍ شهدتهُ، أُمَّ عَمْرو!
…
بينَ بيضٍ نواعِم في الرباطِ
مع ندامى بيض الوجوهِ كِرامٍ
…
نبهوا بعد خفقةِ الأشراطِ
(1)
ساق الهمداني ثلاث قصائد في كتابه (صفة جزيرة العرب).
(2)
الأعلام، للأستاذ خير الدين الزركلي، ص 155، الجزء الثاني، الطبعة الثالثة بمصر.
إلى أن يقول:
فاحتواها فتىً يُهينُ لها الما
…
لَ ونادمت "صالحَ بن عِلاطِ"
وحينما تجهَّم جَوُّه النفسي حيالهم وعلاه ضباب التألم منهم لأمر ما عكس الآية فهجاهم بقوله:
لقد غضبتْ جهلًا (سُلَيْمٌ) سفاهةً
…
وطاشت بأحلامٍ كثيرٍ عثورُها
إلى آخر الأبيات التي تدل هي ونقائضها الصادرة منه - على أن الشاعر يسير وراء انفعالاته وعواطفه، فتقوده إلى حيث تشاء، فشعره رياض غناء إذا كان راضيًا، أو صحاري جرداء ملتهبة إذا كان ساخطًا، ولله في خلقه شئون.
أيام بني سُلَيْم في الجاهلية والإسلام
كل من كان ذا نباهة وشأن من قبائل العرب في جاهليتهم، لابد أن يكون مستعدًّا لخوض غمار الحروب التي تُشَنُّ من بعض العرب على بعض، ولو كانوا ذوي قربى أو جوار، وذلك إما لمطمع في نهب يُنهب، أو لأخذ ثأر، أو لإثبات مكانة يُراد لها أن تُهان في نظر الثائر أو المغير.
تلك كانت طبيعة أوضاع العرب إبان الجاهلية.
ومن ثمَّ لابد أيضًا من قصائد تُنظم وأبيات تُقال، إما لوصف ما حدث، أو للتنفيس، أو للتحميس أو التفخيم أو التقليل، وقد تتلى القصائد في المجامع ويتناقلها الرواة، وتسير بها الركبان شرقًا ومغربًا.
ولابد من أيام نصر، ولابد من أيام هزائم،، والأمر كما وصف أحدهم:
فيوم علينا ويوم لنا
…
ويوم نُسَاء ويوم نُسَرّ
وبنو سُلَيْم في مركز القوة من عرب الجاهلية، ولديهم ثراء واسع، ومجد باذخ، وكثرة في النفوس كاثرة، فلابد أن يلاقوا من الغارات الهجومية والدفاعية ما يلاقيه أضرابهم من عرب الجاهلية، وهكذا كانت لهم "أيام" نقلها الرواة إلى المؤرخين، ودونها هؤلاء عنهم.
ومن أيامهم:
يومهم مع جيش النعمان بن المنذر
كان هذا اليوم من أبرز أيامهم، وهو يوم دفاعيٌّ محض بالنسبة لبني سُلَيْم، اجتمع فيه عليهم جيشان: جيش النعمان بن المنذر، وجيش غَطَفان، فهزموا الجيشين معًا. وتفصيل ذلك أن النعمان وَجِدَ علي بني سُلَيْم في أمور فأراد أن يخضد شوكتهم، فبعث لهم جيشًا لتأديبهم، ومر هذا الجيش بإيعاز منه على غَطَفان، جيران بني سُلَيْم وأبناء عمومتهم من قيس عيلان، فقبلوا مزاملتهم لهم في هذه الحرب الهجومية. ووقعت المعركة الحاسمة بين الجانبين، فانتصرت بنو سُلَيْم انتصارًا مؤزرًا، وأسرت عمرو بن فَرتَنى مقدم جيش النعمان بن المنذر، فبعثت غطفان إلى بني سُلَيْم يطلبون منهم إطلاق سراح الأسير الكبير، وناشدوهم بالرحم التي بينهم إلَّا ما أطلقوا سراحه، فلم تستجب سُلَيْم لهذه المناشدة، وأجابت غطفان: بأنهم لم يراعوا هذه الرحم، كما لم يراعوا الجوار والصداقة التي هي بينهم، حينما أعانوا عليهم جيش النعمان بن المنذر القادم للتنكيل بهم، وسَبَيْ نسائهم وذراريهم، وقتل رجالهم وأبطالهم، وإهانة حرماتهم، وإذلالهم وإرغامهم، وإذن فلا صداقة بينهم ولا قرابة
(1)
، وقد قال في هذا المعنى أبو عامر جد العباس بن مرداس أبياتًا هي:
لا نسب اليوم ولا خلة
…
اتسع الفتق على الراتق
لا صلح بيني فاعلموه ولا
…
بينكم ما حملت عاتقي
سيفي وما كنا بنجد وما
…
فرفر قمر الواد بالشاهق
يوم ذات الرمرم
وهذا يوم آخر من أيام بني سُلَيْم، وكان يومًا أسود عليهم، لقد انتصرت فيه عليهم بنو مازن، والحرب سجال، وبنو مازن أخوة سُلَيْم مثل هوازن فجميعهم من منصور بن عِكْرمة بن خَصفَة بن قيس عيلان بن مُضَر بن نزار بن معد بن عدنان.
(1)
العمدة، لابن رشيق، ص 217، الجزء الثاني، طبع مطبعة السعادة بمصر، وديوان العباس بن مرداس.
يوم تثليث
كانت سُلَيْم غزت مع زعيمها العباس بن مرداس، مُرادًا من مَذْحِج القحطانية، فجمع لهم عمرو بن معد كرب، فالتقى الجمعان بتثليث، فصبر الفريقان، ثم وقفت رحا الحرب بينهما، على قاعدة: لا نصر ولا انكسار، وفي ذلك اليوم صنع العباس بن مرداس قصيدته السينية إحدى القصائد "المُنصِفَات"
(1)
ومطلعها:
لأسماء رسم أصبح اليوم دارسا
…
وأقفر منها رحرحان فراكسا
يوم بني نصر
أغارت بنو نصر بن معاوية من هوازن، على ناحية من أرض بني سُلَيْم، فنهض لمقاومتهم العباسُ بن مرداس في جمع من قومه، وقابلهم فأكثر فيهم القتل، وكان النَّصر في هذا اليوم حليفًا لبني سُلَيْم.
حرب الفجار
بعث النعمان بن المنذر لطيمة له، إلى سوق عكاظ للتجارة، وأجارها له الرَّحالُ عروة بن عتبة بن جابر بن كلاب من عامر بن صعصعة من هوازن، فنزلوا على ماء يقال له "أوارة"، فوثب البراض بن قيس أحد بني بكر بن عبد مناة بنِ كنانة - وكان خليعًا - على عروة، فقتله وهرب إلى خيبر فاستخفى بها، ولقى بِشر بن أبي خازم الأسديَّ الشاعر، فأخبره الخبر، وأمره أن يُعلم بذلك عبد الله بن جُدعان، وهشام بن المغيرة، وحرب بن أمية من قريش، ونوفل بن معاوية الديلي، وبلعاء بن قيس من كنانة، فوافى "بشر" عكاظًا فأخبرهم، فخرجوا موائلين منكشفين إلى الحرم، وبلغ هوازن ومن آزرها من قبائل قيس عيلان وخاصة بني سُلَيْم الخبر آخر ذلك اليوم، فخرجوا في آثارهم فأدركوهم قد دخلوا الحرم، وتواعدوا مثل هذه الليالي من العام القابل، ومكثت قريش ومن معها من القبائل
(1)
العمدة، لابن رشيق، ص 217، الجزء الثاني، طبع مصر. وسنأتي بشيء من هذه القصيدة في فصل:"شعراء من بني سُلَيْم". وتثليث: موضع ببلاد بني عُقيل من عامر بن صعصعة، ولبني تميم منازل بها كما يبدو من سياق كلام البكري في (معجم ما استعجم)، كما أن لبني عبد الله بن غطفان بتثليث منازل، وهي على يومين من جرش في شرقيها إلى الجنوب وعلى ثلاث مراحل من نجران إلى ناحية الشمال، وتدل قصة الموقعة التي حدثت فيها على أنها لبني زبيد.
والأحلاف سنة يتأهبون لهذه الحرب، وتأهبت لها قيس عيلان، ثم حضروا من قابل ومعهم رؤساء قريش وقادتهم من جانب، ورؤساء قيس وقادتها من الجانب الآخر، وكان من هؤلاء: عباس بن رِعْل السُّلَمي، وكانت راية قيس إلى أبي براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب من بني عامر من هوازن، فسوى صفوفهم، فالتقوا، فكانت الدبَّرة أول النهار لقيس على قريش وكنانة ومن ضوى إليهم، ثم صارت الدَّبرة آخر النهار لقريش وكنانة على قيس، فقتلوهم قتلًا ذريعًا، ثم تنادوا بالصلح، وتصالحوا، ووضعت الحرب أوزارها، وعدَّوا القتلى، وَوَدَت قريش قتلى قيس، فضلًا عن قتلاهم، وانصرفت قريش وقيس.
وقد حضر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المعركة بين قبائل مُضَر وذكر الفجار فقال: "قد حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم، وما أحب أني لم أكن فعلت"، وكان يوم حضر ابن عشرين سنة
(1)
.
يوم عكاظ
هو يوم من أيام الجاهلية، احتربت فيه كنانة وقريش، مع قيس التي منها بنو سُلَيْم، وذلك في اليوم الرابع من أيام عكاظ، وحمل عبد الله بن جدعان القُرشي يومئذ ألف رجل من بني كنانة على ألف بعير، وخشيت قريش أن يجري عليها ما جرى يوم العبلاء، فقيَّد حرب وسفيان وأبو سفيان: بنو أمية بن عبد شمسٍ أنفسهم، وقالوا: لا نبرح حتى نموت مكاننا، أو نظفر.
وكان علي بني هاشم: الزبير بن عبد المطلب، ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعمامه: أبو طالب وحمزة والعباس، وعلي بني أمية وأحلافها: حرب بن أمية، وعلي بني عبد الدار: عكرمة بن هاشم، وعلي بني أسد: خويلد بن أسد، وعلى بني مخزوم: هشام بن المغيرة (والد أبي جهل)، وعلي بني تيِّم: عبد الله بن جدعان، وعلي بني جُمَح: معمر بن خبيب، وعلي بني سهم: العاص بن وائل، وعلي بني عدي: زيد بن عمرو، وعلي بني عامر بن لؤى: عمرو بن عبد شمس (والد سهيل بن عمرو)، وعلي بني فهر: عبد الله بن الجراح (والد أبي عبيدة)، وعلي بني بكر بن عبد مناة بن كِنَانة: بلعاء بن قيس، وعلي بني أسد بن خزيمة
(2)
: بشر بن أبي خازم. وعلي بني فراس بن غنم من كِنَانة: عمير بن قيس.
(1)
الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 126 و 127 و 128، طبع بيروت.
(2)
بنو أسد هنا هم إخوة كِنَانة بن خُزيمة، وأقرب لهما أيضًا في خِنْدف من مُضَر قبيلة هُذَيْل بن مِدْركة، ولكن لم تشارك هي ولا قبائل طابخة في يوم عكاظ ضد قيس عيلان الجذم الثاني في مُضَر بن نزار.
ودخل القوم في معركة حامية الوطيس، وانهزمت قيس هزيمة ساحقة ومعهم بنو سُلَيْم، وقيل - كالعادة - في هذا اليوم شعر يصف المعركة، ومنه قول ضرار بن الخطاب:
ألم تسل الناس عن شأننا
…
ولم يثبت الأمر كالخابر
غداة عكاظ إذا استكملت
…
هوازن في كفها الحاضر
وجاءت "سُلَيم" تهز القنا
…
على كل سلهبة ضامر
وجئنا إليهم على المضمرات
…
بأرعن ذي لجب زاخر
فلما التقينا أذقناهم
…
طعانا بسمر القنا العاثر
ففرت "سُلَيْم" ولم يصبروا
…
وطارت شعاعًا "بنو عامر"
وفرت "ثقيف" إلى لاتها
…
بمنقلب الخائب الخاسر
وقاتلت "العَنْسُ" شطر النها
…
وثم تولَّت مع الصادر
(1)
يوما حوزة: الأول والثاني
وهو لسُلَيْم على غَطَفَان، وباعثه أنه كان بين معاوية بن عمرو بن الشريد من سُلَيْم، وهاشم بن حرملة أحد بني مُرَّة من غطفان كلام في عكاظ، فقال معاوية: لوددتُ والله أني قد تَرَّبْتُ الرَّطبة، وهي جُملة معاوية، وكانت الدهر تنطف ماءً ودهنًا، وإن لم تدهن - فلما كان بعدُ، تهيأ معاوية ليغزو هاشمًا، فنهاه أخوه صَخْرٌ، فقال: كأني بك إن غزوتهم علق بجمتك حَسَكُ العرفط: (شجر من العضاة) فأبى معاوية وغزاهم يوم حوزة، فرآه هاشم قبل أن يراه معاوية، وكان هاشم ناقهًا من مرض أصابه، فقال لأخيه دريد بن حرملة: إن هذا إن رآني لم آمن أن يشدَّ عليَّ، وأنا حديث عهد بشِيكةٍ، فاستطرِدْ له دوني حتى نجعله بيني وبينك، ففعل، فحمل عليه معاوية وأردفه هاشم، فاختلفا طعنتين، فأردى معاوية هاشمًا عن فرسه "الشمَّاء". وأنفذ هاشم سنانه من عانة معاوية، وكر عليه دريد فظنه قد أردى هاشمًا، فضرب معاوية بالسيف فقتله، وشدَّ خفاف بن عمير على
(1)
أيام العرب في الجاهلية، لمحمد أحمد جاد المولى وزميليه، ص 334 - 336، طبع مصر.
مالك بن حارث (حمار الفزازي)، وعادت فرس هاشم حتى دخلت في جيش بني سُلَيْم فأخذوها، وظنوها فرس الفزازي الذي قتله خُفاف، ورجع الجيش حتى دنوا من صخر أخي معاوية، فقالوا: أنعم صباحًا، فقال: حُييتم بذلك، ما صنع معاوية؟ قالوا: قُتل، قال: فما هذه الفرس؟ قالوا: قتلنا صاحبها، قال: إذن أدركتم ثأركم، هذه فرس هاشم بن حرملة.
هذا، وفي (معجم ما استعجم) للبكري أن (حوزة) هي (حورة) بالراء المهملة سواء في ذلك يوم حوزة الأول أم الثاني التالي:(مادة حورة) وقيل أنها (الجورة) أيضًا).
ولمقتل معاوية أزمع صخر أخوه أن ينتقم، وأن يثأر لأخيه القتيل من قاتليه، فأغار عليهم في يوم حوزة الثاني، وتمكن من قتل دُريد بن حرملة أخي هاشم بن حرملة رئيس بني مُرَّة، ثم قام رجلٌ من بني جُشَم من هوازن هو عمرو بن قيس الجُشمي، بقتل هاشم بن حرملة، فاستراحت بذلك بنو سُلَيْم، وسُرَّت الخنساء بمقتل المُرِّي، ولها شعر كثير في ديوانها ترثي به أخويها: معاوية وصخرًا، ولها أبيات ميميةٌ قدرت فيها بسالة الفارس الجُشَمي قاتل هاشم بن حرملة
(1)
.
هذا، وقد علل كتاب "أيام العرب في الجاهلية" غزو معاوية السُّلَمي لبني مُرَّة بأنه عشق امرأة أحدهم وهو هاشم بن حرملة - فامتنعت وأخبرت زوجها بذلك، وقال: إن اسم هذه المرأة هو "أسماء" المُريَّة.
وكان لقاؤه لها في سوق عكاظ، في موسم من مواسم العرب، وقد أضافت إلى امتناعها منه أن قالت له:(أما علمتَ أني عند سيد العرب: هاشم بن حرملة؟) فأحفظه ذلك، فقال:(أما والله لأقارعنَّهُ عنكِ!) قالت: (شأنك وشأنه) ورجعت إلى هاشم فحدثته بما قال معاوية، وما قالت له، فقال هاشم:(فلعمري لا نريم أبياتنا حتى ننظر ما يكون من جهده)، ثم التقيا، فقال معاوية:(لوددت والله أني قد سمعت بظعائن يَنْدُبْنَك)، فرد عليه هاشم بما أحفظه، فلما انصرم
(1)
قلت: وقتل الجُشمي من هوارن للمُري الغطفاني بدافع التعصب منه لقرابة هوازن لسُلَيْم، فهما من رجل واحد هو منصور بن عكرمة، وغطفان بعيدة عنهما في قيس عيلان، فهما أترب لبعضهما دون قبائل قيس الأخرى.
الشهر الحرام وتراجع الناس عن عكاظ، خرج معاوية غازيًا في فرسان قومه من بني سُلَيْم، يريد هاشم بن حرملة في قومه من بني مُرَّة وفزارة - ومرةٌ وفزارة في ذبيان من بني غَطَفَان - فنهاه أخوه صخر، وقال له: كأني بك إن غزوتهم عَلِقَ بك حَسَكُ العرفط، فأبى معاوية أن يتراجع، وسار بقومه إلى حوزة، وقد قيلت في ذلك أشعار أهمها وأشهرها قصائد الخنساء في رثاء أخيها القتيل على ما سبقت إليه الإشارة
(1)
.
و (حوزة) على ما في معجم البلدان لياقوت كأنه مصدر حاز يحوز حوزة واحدة: واد بالحجاز كانت عنده هذه الوقعة، وقد مر بنا أن البكري جعلها (حورة) بالراء.
يوم ذات الأثل
بعد يوم حوزة الثاني غزا صخر بن عمرو بن الشريد السُّلَمي، بني أسد بن خُزيمة من مُضَر، واكتسح إبلهم، فأتى الصريخ بني أسد، فركبوا حتى تلاحقوا بذات الأثل - في بلاد تيم الله بن ثعلبة، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وطعن ربيعة بن ثور الأسدي صخرًا في جنبه، وفات القوم بالغنيمة، وجرى "دم" صخر من الطعنة، فمرض قريبًا من الحول، حتى مَلَّهُ أهله، فلما طال عليه البلاء، وقد نتأت قطعة من جنبه مثل اليد في موضع الطعنة، قالوا له: لو قَطَعْتَها لرجونا أن تَبْرَأَ، فقال: شأنكم، فقطعوها فمات، فرثته أخته الخنساء رثاءً حارًّا صادرًا من أعماق قلبها، كما رثت منْ قبله أخاها معاوية الذي قُتل قبله في حرب كان هو مُشعل نارها.
يوم عَدْنِيَّة
وهو يوم ملحان، وكان قبل يوم ذات الأثل، فيما قاله أبو عبيدة؛ وذلك أن صخرًا غزا بقومه وترك الحي خِلوًا، فأغارت عليهم غَطَفَان، فثارت إليهم غلمانهم ومن كان تخلف منهم، فقُتلَ من غطفان نفر وانهزم الباقون، فقال في ذلك صخر:
(1)
العقد الفريد، لابن عبد ربه، الجزء الخامس، ص 163 و 164، طبع مطبعة لجنة التألف والترجمة والنشر بمصر، وكتاب أيام العرب في الجاهلية، تأليف محمد أحمد جاد المولى بك، وعلي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ص 283 - 292، الطبعة الثانية بمصر.
جزى الله خيرًا قومنا إذ دعاهم
…
بِعَدْنِيَّةَ الحيُّ الخُلُوف المُصبَّحُ
وغلمانُنا كانوا أسُودَ خفية
…
وحَقَّ علينا أن يُثابُوا ويُمدحوا
همُ نَفَّرُوا أقرانهم بِمُضَرَّسٍ
…
وسَعْرٍ وذادوا الجيش حتى تزحزحوا
كأنهم إذ يُطْرَدُون عشية
…
بِقُنَّةِ مِلْحَانٍ، نعام مروَّح
(1)
ومِلْحَانُ الذي تُنسب إليه هذه المعركة هو جبل في ديار بني سُلَيْم.
يوم الكَديِد
وقع نزاع بين نفرِ من سُلَيْم، ونفرٍ من بني فِراس بن مالك بن كِنانة، فقتلت بنو فِراس رجلين من بني سُلَيْم، ثم إنهما وَدَوْهما - أعطوا ديتهما - ثم ضرب الدهر ضربته، فخرج نبيشة بن حبيب السُّلَمِى غاريًا، فلقى ظُعُنًا - نساءً في الهوادج - من بني كِنانة بالكديد، ومعهنَّ قَوْمُهُنَّ من بني فِراس، وفيهم عبد الله بن جِذل الطَّعَّان، والحارث بن مكدم، فلما رآهم الحارث قال: هؤلاء بنو سُلَيْم يطلبون دماءهم، فقال أخوه ربيعة: أنا أذهب حتى أعلم علم القوم، فآتيكم بخبرهم، وتوجه نحوهم، فلما ولَّى قال بعض الظُّعنِ: هرب ربيعة، فقالت أخته عزة بنت المكدم: أين ترة - نفرة - الفتى؟ فعطف - وقد سمع قول النساء - فقال:
لقد عَلِمْنَ أنني غير فَرِقْ
…
لأَطْعَنَنَّ طعنةً وأعتنقْ
أُصْبِحُهُمْ صاح بمحمر الحدقْ
…
عَضْبًا حُسامًا وسِنانًا يأْتَلِقْ
ثم انطلق يعدو به فرسه، فحمل عليه بعض القوم، فاستطرد - تقهقر - له في طريق الظُّعنِ، وانفرد به رجل من القوم فقتله وتبعه، ثم رماه نبيشة أو طعنه، فلحق بالظُّعُنِ يستدمي حتى انتهى إلى أمه أم سنان
(2)
فقال: اجعلي على يدي عصابة، وهو يرتجز:
(1)
العقد الفريد، لابن عبد ربه، ص 166 و 167، المجلد الخامس، طبع مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر، وفي العقد الفريد هذا ما نصه:(وسعر وذو الجيش حتى تزحزحوا)، وقد وضعنا (وذادوا) بدلًا من (ذو) لاقتضاء القافية وسياق الكلام لهذا التعديل.
(2)
هكذا ورد اسمها في بعض المراجع، ولكننا نرى ابنها يكنيها بـ (أم سيار)، فلابد أن غلطًا نسخيا أو مطبعيا قد حرف اسمها من (أم سيار) إلى (أم سنان)، هذا إذا لم يكن لها ابن آخر اسمه (سنان) يُكنى به أيضًا.
شُدِّي عليَّ العَصْبَ أم سيار
…
فقد رزُيتِ فارسًا كالدينار
يطعن بالرمح أمام الأدبار
فقالت أمه:
إنَّا بنو ثعلبة بن مالكْ
…
مرور أخبار لنا كذلكْ
من بين مقتول وبين هالكْ
…
ولا يكون الرزء إلا ذلكْ
وَشَدَّت عليه عصابة، فاستقاقها ماءً، فقالت: إن شربتَ الماء مُتَّ!، فَكَرَّ راجعًا يشتد على القوم، وينزفه الدم حتى أثخن، فقال للظُّعُن: أوْضِعْنَ ركابكنَّ - أي احثثن ركابكن على السير السريع - حتى ينتهين إلى أدنى البيوت من الحي، فإني لما بي سوف أقف دونكنَّ لهم على العقبة، فأعتمدُ على رمحي، فلا يقدمون عليكن لمكاني، ففعلن ذلك
…
وهكذا حمى ربيعة بن مكدم الأظعان حيًّا وميتًا، ولم يفعل ذلك غيره فيما قاله عمرو بن العلاء، وإنه يومئذ غلام له ذؤابة، وقد اعتمد على رمحه - كما قال - وهو واقف لَهُنَّ على متن فرسه، حتى بلغن مأمنهن، وما يقدم القوم عليه.
ورآه نبيشة بن حبيب وهو على وضعه ذلك فلاحظ أنه مائل العنق، فأبدى مُلَاحَظَتَهُ هذه الذكية، وعطف عليها بقوله:(وما أظنه إلا قد مات)، وأمر رجلًا من خُزاعة كان معه أن يرمي فرسه، فرماها، فقمصت - رفعت يديها، وطرحتهما معًا - فمال عنها ميتًا.
ثم لحق بنو سُلَيْم، الحارث بن مكدم الكِنَاني فقتلوه، وألقوا على أخيه ربيعة أحجارًا، فمر به رجل من بني الحارث بن فهر (قريش)، فنفرت ناقته من تلك الأحجار التي أُهيلت على ربيعة، فقال يرثيه ويعذر أن لا يكون عقر ناقته على قبره، وحضَّ على قَتَلَتِهِ، وعَيَّر من فر وأسلمه من قومه:
مرت
(1)
قلوصِيَ من حجارة حَرَّةٍ
…
بُنِيَتْ على طَلْقِ اليدين وَهُوبِ
لا تنفري يا ناق منه فإنه
…
سَبَّاءُ خمر مِسْعَرٌ لحروب
لولا السِّفار، وبُعْدُ خَرْقٍ مَهمهٍ
…
لتركتها تحبو على العرقوب
(1)
كذا بالأصل. ويبدو لي أن الصحة هي "نفرت" بدليل سياق الكلام.
فرَّ الفوارسُ من ربيعة بعدما
…
نجاهُمُ من غمرة المكروب
لا يَبْعدَنَّ ربيعةُ بن مُكَدَّمٍ
…
وسقى الغوادي قَبْرَهُ بِذَنُوبِ
ويقال: إن قائل هذا الشعر هو ضرار بن الخطاب بن مرداس، أحد بني محارب بن فهر، وقيل إن قائله هو حسان بن ثابت.
وقال عبد الله بن جذل الطَّعَّان، متوعدًا بني سُلَيْم:
وَلأَطْلُبَنَّ ربيعة بن مكدم
…
حتى أنالَ عُصَيَّةَ بن معيصٍ
و"الكديد" الذي حصلت فيه المعركة: موضع أو ماء على اثنين وأربعين ميلًا من مكة في شمالها بين عسفان وأمج، وقد أفطر فيه النبي صلى الله عليه وسلم قدومه من المدينة إلى مكة بشهر رمضان، ومعنى الكديد - بفتح الكاف - لغة: البطن الواسع من الأرض.
يوم بُرْزَة
كان يوم بُرْزَة يومَ نصر لبني فِراس (من كنانة) علي بني سُلَيْم، وبُرْزَةُ اسم موضع، وقد ذكر الرواة أنه بعد أن قتلت بنو سُلَيْم، ربيعة بن مكدم فارس كنانة (بيوم الكديد) رجعوا وأقاموا ما شاء الله، ثم إن مالك بن خالد بن صخر بن عمرو بن الشريد - وكان بنو سُلَيْم توجوه ثم ملكوه عليهم - بدا له أن يغزو بني كنانة، فأغار علي بني فراس بَبُرْزَةَ، ورئيس بني فراس يومئذ عبد الله بن جِذلٍ، ومن بني فراس هؤلاء ربيعة بن مكدم قتيل سُلَيْم.
ولما التقى الجمعان دعا عَبدُ الله بن جذل إلى البراز، فبرز إليه هندُ بن خالد بن صخر، فقال له عبد الله: من أنت؟ فقال: أنا هند بن خالد بن صخر، فقال عبد الله: أخوك أسَنُّ منك - يريد مالكًا المتوَّج، فرجع وأحضر أخاه، فبرز عبد الله، وجعل يرتجز ويقول:
اقتربوا قِرْفَ الْقِمَعْ
…
إني إذا الموت كنعْ
لا أتوقى بالجزعْ
وَشَدَّ على مالك فقتله، فبرز إليه أخوه كُرز بن خالد بن صخر، فشد عليه عبد الله فقتله أيضًا، فخرج إليه أخوهما عمرو بن خالد، فتخالفا طعنتين، فجرح كلُّ واحد منهما صاحبه وتحاجزا، فقال عبد الله بن جِذْلٍ:
تجنبتُ هندًا رغبة عن قتاله
…
إلى مالك أعشو إلى ضوء مالكِ
فأنفذته بالرمح حين طعنته
…
معانقة ليست بطعنة باتكِ
وأُثْنِي لِكُرْزٍ في الغبار بطعنة
…
علت جِلْدَهُ منها بأحمر عاتكِ
قتلنا سُلَيْمًا غثَّها وسمينها
…
فصبرًا سُلَيْمًا قد صبرنا لذلكِ
فإن تك نسواني بَكَيْنَ فقد بكت
…
كما قد بكت أمٌّ لكرز ومالكِ
كما قال قصيدة أخرى يفتخر فيها بما افتخر به في هذه القصيدة
(1)
.
يوم الفيفاء
بعد يوم برزة الذي كان لبني كِنانة علي بني سُلَيْم حَرَّمَ بنو سُلَيْم النساء والدهن على أنفسهم، حتى يدركوا ثأرهم من خصومهم القَبَليِيِّنَ:(بني كنانة) فأغار عمرو بن خالد بن صخر علي بني فِراس، فقتل منهم نفرًا، منهم عاصي بن المعلى، ونضلة، والمُعَارِك، وعمرو بن مالك، وحصن، وشريح، وسبي سَبْيًا فيهم ابنة مكدم، فقال عباس بن مرداس في ذلك يرد على عبد الله بن جِذْلٍ شعره الذي قاله يوم برزة:
ألا أبلغنْ عني ابن جِذْلٍ ورَهْطَهُ
…
فكيف طلبناكم بكُرْزٍ ومالكِ
غداة فجعناكم بحصن وبابنه
…
وبابن المعليَّ: عاصم والمُعارِك
ثمانية منهم ثأرناهمو به
…
جميعًا وما كانوا بَوَاءًا
(2)
بمالكِ
نذيقكُم - والموتُ يبني سُرَادقًا
…
عليكم - شَبَاَ حدِّ السُّيوف البَوَاتِكِ
تلوح بأيدينا كما لاح بارق
…
تَلأْلأَ في داجٍ من الليل حالكِ
وقال هند بن خالد بن صخر بن عمرو بن الشريد:
(1)
أيام العرب في الجاهلية: تأليف محمد أحمد جاد المولى بك، وعلي محمد البجاوى ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ص 319 - 320. وبرزة التي حدثت بها المعركة هي شعبة تدفع على بئر الرويثة العذبة في درج المضيق من يليل بين ينبع النخل والمدينة.
(2)
بواء: بمعنى: كفء، وذلك أن مالكًا كان متَّوجًا في بني سُلَيْم.
قتلتُ بمالك عمرًا وحِصنًا
…
وخَلّيتُ القتام على الخدود
وكُرْزًا قد أبأتُ به شُرَيْحًا
…
على أثر الفوارس بالكَديِدِ
جزيناكم بما انتهَكوا، وَزدنا
…
عليه ما وجدنا من مزيدِ
جلبنا من جنوب الفرد جُرْدًا
…
كَطَيْرِ الماء غلَّسَ بالورودِ
(1)
يوم بئر معونة
قدم أبو بَراءِ عامرُ بن مالك ملاعب الأسنة الكلابي من بني عامر (هوازن) في السنة الرابعة من الهجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وقارب الإسلام، وطلب من النبي أن يبعث رجالًا، من أصحابه إلى أهل نجد، ليدعوهم إلى الإسلام، وقال: أنا جار لهم. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم المنذرَ بن عمرو في أربعين رجلًا من أصحابه، فساروا حتى نزلوا بئر معونة - وتقع بين أرض بني عامر وَحَرَّة بني سُلَيْم - فقام حرام بن مِلْحَان حتى أتى حوَاءً - مجتمع بيوت الحي - منهم فاحتبى أمام البيوت وقال: يا أهَلَ بئر معونة!، إني رسول محمد إليكم، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فآمِنُوا بالله ورسوله. فخرج إليه عامر بن الطفيل الكلابي من كِسْر البيت - جَاَنِبِه - برمح، فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر، فقال حرام بن ملحان: فُزْتُ ورب الكعبة، واتبعوا أثرهُ حتى أتوا أصحابه، واستعانوا عليهم بقبائل من بني سُلَيْم: عُصُيَّة ورِعْلٍ وذكوان، وخرجوا جميعًا حتى غَشَوُا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم، وقاتلهم المسلمون قتالًا عارمًا حتى قُتلوا عن آخرهم، ما عدا كعب بن زيد النَّجَّاري، فإنهم تركوه وبه رمق، فارتُثَّ من بين القتلى - أي سلم وهو مثخن بالجراح - وعاش حتى قُتل يوم الخندق، وما عدا عمرو بن أمية الضمَّري من كنانة الذي أُسر وأطلَق عامر بن الطفيل سراحه لأنه من مُضَر. وقد شق على أبي براء - مُجِيرِ البعثة النبوية - ما حدث من عامر بن الطفيل وحرضه حسان بن ثابت الأنصاري شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عامر بن الطفيل في شعر منه قوله:
(1)
العقد الفريد، لابن عبد ربه، ص 176 و 177، الجزء الخامس، طبع مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة، وكتاب أيام العرب الجاهلية، لمحمد أحمد جاد المولى، وعلي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ص 320 و 321.
بني أم البنين ألم يَرُعْكُمْ
…
وأنتم من ذوائِب أهلَ نجْدِ
تَهَكُّمُ عامر بأبي بَرَاءٍ
…
ليخفره، وما خَطَأُ كَعَمْدِ
فلما بلغ قولُ حسان مسامعَ أبي براء حمل على عامر بن الطفيل فطعنه، فأخطأ مقتله ووقع عن فرسه. وقد تأثر الرسول صلى الله عليه وسلم، من هذه الحادثة تأثرًا عميقًا، وكان متخوفًا مما حدث
(1)
، وكان يوم بئر معونة في صفر سنة أربع للهجرة.
يوم مرج راهط
عندما مات يزيد بن معاوية حدثت بيعتان بالخلافة، وكانت إحدى البيعتين بالشام لمعاوية بن يزيد، والأخرى كانت بمكة والحجاز لعبد الله بن الزبير رضي الله عنه.
اختار أهل الشام للخلافة معاوية بن يزيد. ولكنه رفضها واستقال منها عندما رأى المسلمين مختلفين أشد اختلاف، ولم ير في نفسه القدرة على إعادة الوحدة لهم بعد أن تصدَّعت، وبذلك أصبحت الشام بدون خلافة.
واختار أهل مكة والحجاز عبد الله بن الزبير، وحينما علم الحُصين بن نمير قائد حملة يزيد بن معاوية على ابن الزبير في مكة - بموت يزيد حاول أن يجتذب إليه عبد الله بن الزبير فيوليه الخلافة في الشام، على أن يُؤمِّن الناس ويهدر الدماء التي كانت بين ابن الزبير وابن نمير، فأبى عبد الله بن الزبير ذلك بإصرار وإعلان، وقام - في العراق - عبيد الله بن زياد بحملة دعائية له، فبايعه أهل البصرة ظاهرًا ثم بايعوا ابن الزبير، ولما شعر بضعفه بينهم هرب إلى الشام، وهكذا دخل أهل البصرة وأهل الكوفة في بيعة ابن الزبير مع أهل مكة والحجاز.
وكان الضحَّاك بن قيس أميرًا في الشام، والنعمان بن بشير أميرًا لحمص، وزفر بن الحارث أميرًا لقنسرين، وكان هوى هؤلاء جميعًا مع عبد الله بن الزبير، وكان حسان بن مالك الكلبي أميرًا لفلسطين وهواه مع بني أمية، وسبب ذلك أن بني كلب كانوا أخوال يزيد بن معاوية، لأن أمه (ميسونُ الكلبية) وكانت بطون كلب بن وبرة القُضاعية اليمانية قد انتشرت في أراضين واسعة، شملت دومة
(1)
أيام العرب في الإسلام، لمحمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي، ص 55، ط دار إحياء الكتب العربية بمصر، وسيرة ابن هشام وغيرهما.
الجندل وبادية السماوة، والأقسام الشرقية من بلاد الشام، ولما أخْرَجَ العرب المسلمون الرومَ من الشام قامت هذه البطون بدَوْرٍ بارز في السياسة، إذ أيَّدت الأمويين
(1)
، وقد تدرج الخلاف بين الفريقين من الكلام إلى الخطابة إلى المضاربات إلى القتال والمناجزة حيث كان كل فريق من الفريقين المتنازعَيْنِ يريد أن يكسب المعركة السياسية بكل الوسائل الممكنة. وحدث ذات يوم بعد ما استحكمت حلقات الخلاف أن قام "ثور بن مَعْنٍ السُّلَمي" فأشار على الضحَّاك بن قيس الفهري بأن يُظْهرَ ما كانوا يخفونه من بيعة عبد الله بن الزبير بالخلافة ولم يكن هذا الرأي مُوَفَّقًا ولا حازمًا، فإن الأمر لم ينضج بَعْدُ، على ما كان يهدف إليه الضَّحَّاكُ، ويفتلُ له في الذروة والغارب، وفي الوقت نفسه اجتمع حسان وبنو أمية بالجابية وتشاوروا في الخليفة، واتفقت كلمتهم على تولية مروان بن الحكم، فبايعوه بالخلافة. هذا ومع ما كان لدى الضحَّاك من جَلد ومن عزم فإنه لم يتملكْ أعصابه هذه المرة، فاستجاب - كما يبدو لنا - إلى مشورة ثور بن معن السُّلَمي المرتجلة، فكانت (معركةُ مرج راهط) بين الجانبين الثمرة المباشرة لهذه الاستجابة بعد مبايعة مروان بالخلافة - وقد انتصرت بنو كلب فيها على القيسية نصرًا حاسمًا، وكانت هذه المعركة التي وقعت سنة 64 هـ أو 65 هـ ذات عقابيل ونتائج وخيمة على العرب والمسلمين فيما بَعْدُ، بما فرَّقَتْ من وحدة العرب المسلمين وبما أوهنت من قواهم المعنوية والمادية في ذلك الجيل وفي الأجيال اللاحقة
(2)
.
وفي رواية (الاستيعاب) لابن عبد البر في ترجمة الضحَّاك بن قيس الفهري هذا تفصيل للواقعة وأسبابها بشكل آخر، وقد حدد وقت الواقعة بأنه نصف ذي الحجة من عام 64 هـ. (انظر مادة الضحَّاك بن قيس القرشي الفهري في الاستيعاب ص 744 و 745 القسم الثاني).
يوم البِشْر
كان هذا اليوم من أيام بني سُلَيْم، بعد معركة مرج راهط، وقد انتقمت فيه بنو سُلَيْم القيسية من خصومهم السياسيين والحربيين - بني تَغْلِب - وروافد هذه
(1)
أيام العرب في الإسلام، ص 422 - 424؛ والمُفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ص 239 و 240.
(2)
أيام العرب في الإسلام، ص 422 - 426.
الحرب الضروس منبثقة من معركة (مرج راهط) فمنها جذورها ومصادر اندفاقها.
وقد ذكر المؤرخون أنه بعد مقتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه بسنة 72 هـ هدأت الفتنة بين القبائل القيسية والتغلبية، واجتمع الناس على عبد الملك بن مروان، وتكافَّتْ قيس وتغلب عن المغازي فيما بينهما، ولكنه تكافٌّ على دَخَلٍ، ولكل شيء سبب، فقد حدث - لسوء حظ بني تغلب - أن أنشد الشاعرُ التغلبيُّ "الأخطل" عَبدَ الملك بن مروان - وكان لديه ساعتئذ وجوه قيس وصناديدها، ومن بينهم الجَحَّافُ بن حكيم السُّلَمي - أبياتًا من قصيدة له كان مدح بها بعض بني أمية، وقد تعرض فيها لبني سُلَيْم تعرضًا مُزرِيًا بهم، فانزعج لهذا الصنيع السُّلَميون الحاضرون وعلى رأسهم الجحَّاف، وبدأ الغضب يتطاير من عينيه، ثم مضى إلى قومه واحتال عليهم - حتى أطاعوه - لحرب بني تغلب، فأقبل علي بني تغلب مع قومه وبنو تغلب لا يعلمون، وكانوا مجتمعين في (البِشْر) فقتل السُّلَميون منهم فيه خمسمائة رجل، وتجاوزوا قتل الرجال إلى قتل النساء والأطفال، وهكذا كانت معركة البشر أو يوم البشر معركة أخذ فيها بنو سُلَيْم ثأرهم من بني تغلب بالكيل الوافي الطافح، لقد ثأروا منهم حيال قتلهم لأحد رجالاتهم: عمير بن الحباب السُّلَمي، وهكذا أطفأ الجحَّاف جمرة غضبه في دماء بني تغلب، ورد ردا فعليا بليغًا وعميقًا على تحدي الأخطل له أمام الخليفة.
وقد تَثَعْلَب النمر الذي كان يصول ويزمجر بين جوانح الأخطل بعد هذه الواقعة الحاسمة على ما فصلناه في ترجمة (الجحَّاف بن حكيم السُّلَمي) في الفصل الخاص بتراجم "الأمراء والمحتسبين والقادة والولاة للسُّلَميين" من هذا الكتاب.
وعلى عادة العرب عقب غزواتهم نرى الشعر يدخل ميدان المعركة، مجسمًا ومقدِّرًا وواصفًا انتصار بني سُلَيْم على تغلب، وواضعًا انكسار شوكة بني تغلب وانهزام شوكتهم أمام التيار الجارف الهابط عليهم من خصومهم السُّلَميين.
يوم الحرَّة
وقعت هذه المعركة المنسوبة إلى "الحرَّة" بين بني حرب من خولان القحطانية من صعدة باليمن وبني سُلَيْم، في عصر الهمداني أو قريب منه، وربما في
القرن الهجري الثالث
(1)
، وقد قُتل في ذلك اليوم سبعون رجلًا من بني سُلَيْم، قتلهم بنو حرب. كما قُتل من حرب جماعة من رجالهم منهم أربعة من بني محمود من ولد عمرو بن زياد من سعد بن سعد بن خولان، وهؤلاء الأربعة المقتولون في تلك المعركة على يد السُّلَميين هم الإخوة: محمد وأحمد والحسن وحسين
(2)
.
يوم الرغامة
وقد بقي أثر هذه المعركة التي قُتل فيها أربعة من أبناء أحد رؤساء حرب: محمود المذكور آنِفًا عالقًا في نفسه، فأزمع الانتقام من سُلَيْم، ومن ثَمَّ جمع لهم جموعًا من قومه وسار إليهم، فَصَبَّحَهُمْ يوم الرغامة فقتل منهم مائة رجل ويقول الحسن الهمداني روايةً عن أبي جعفر المجالي: (وكانت عليهم أي بني سُلَيْم يومئذ عمائمُ خَزٍ زُرْقٌ، فلم يلبس سُلَميٌّ بعدها عمامة زرقاء
(3)
.
وما أورده الحسن الهمداني هنا من أن بني سُلَيْم كانوا يومئذ بعمائم خَزٍ زرق، يضع أمامنا شيئًا من نوع "زيِّ" بني سُلَيْم في القرن الهجري الثالث، ونستطيع أن نقول انطلاقًا من هذه العبارة: إن بني سُلَيْم كانوا في ذلك الزمن يَعْتَمُّونَ بالعمائم المنوعة، فقد لبسوا - للحرب - عمائم خَزٍ زُرْقًا، إبرازًا لشجاعتهم وتمييزًا لهم عن غيرهم .. والعمائم تيجان العرب.
يوم شرف الأثاية
وهذا يوم من أيام بني سُلَيْم ذكره الهمداني في كتاب "الإكليل" بمناسبة ذِكْرِهِ ليومي الحَرَّة والرغامة، اللذين غزت فيهما حرب بني سُلَيْم "وفي يوم شرف
(1)
يقول الطيب: من الأكيد أن وقعات بني سُلَيْم مع قبيلة حرب القحطانية كانت بعد عام 300 هـ إذا شغلت معظم سُلَيْم بتأييد القرامطة في البحرين والشام وغيرها، مما أضعف قوة وهيبة سُلَيْم في الحجاز أمام قبيلة حرب والتي انتشرت ببادية الحجاز وقتئذ، وقد حققت بعض الانتصارات والنفوذ في تلك المناطق الحجازية مما حدا ببعض البطون السُّلَمية أن تحالف حرب وتدخل فيها فيما بعد هجرة معظم سُلَيْم إلى مصر مع هلال من هوازن في أواخر القرن الرابع الهجري.
(2)
الإكليل للهمداني، ص 298 - 306، الجزء الأول، ط مصر. ولم يتبين لنا ما هذه الحرَّة؟ ولعلها حرَّة بني سُلَيْم وحربًا غزتهم في عقر دارهم، فسمي اليوم يوم الحرَّة.
(3)
المصدر السابق، ص 306 و 307. ونعتقد إن الرغامة أيضًا مكان في ديار بني سُلَيْم غزاهم فيه وفاجأهم بنو حرب، وبنو حرب مجاورون يومئذ لبني سُلَيْم، ولا يزالون إلى اليوم كذلك.
الأثاية كان الغازي لهم (ابن ملاحظ) وقد لقَّبه الهمدانى: بـ (سلطان مكة) مع أنه أحد أمرائها من قبل بعض خلفاء بني العباس - ولعل إمْرَتَهُ لمكة كانت في أواخر القرن الثالث
(1)
وقد انتصروا على جيشه وقتلوا أصحابه وأسروه، فأقام عندهم وقتًا، ثم مَنَّوا عليه وخلوا سبيله
(2)
و"الشَّرَفُ" - لُغَةً - من معانيه: المكان العالي، فلعل موضع المعركة كان شَرَفًا عاليًا في أثاية و"أثاية" بفتح الهمزة - عرفها لنا ياقوت في معجم البلدان بأنها:"موضع طريق الجحفة بينه وبين المدينة خمسة وعشرون فرسخًا"
(3)
.
و (أُثاية) وردت في (معجم ما استعجم) للبكري مضمومة الهمزة، ونَصَّ على ذلك بالتعريف الحرفي، وقد عرفها لنا البكري بقوله (في مادة الرويثة):(وهي بئر دون العَرْج بميلين عليها مسجدٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، وبالأثاية أبيات وشجر أراك، وهناك ينتهي حد الحجاز، وهناك وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الظبيَّ الحاقف - أي النائم المنحني في نومه - في ظلٍ، وفيه سهم، فقيل: إن رسول الله أمر رجلًا أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزه)
(4)
وهكذا اتضح لنا مكان المعركة، فإنها وقعت بقرب الْعَرْج الذي نزل فيه بنو حرب لأول مرة في هجرتهم الجماعية من صعدة باليمن إلى الشمال.
هذا، وقد أفادنا الهمداني بامتداد منازل حرب بين مكة والمدينة بعد هجرتهم الجماعية من اليمن، فقد ذكر له محمود - وهو أحد رؤسائهم أنهم نزلوا بقُدُس من الحجاز، وبها عَنَزة ومُزَيْنة وبنو الحارث وبنو مالك من سُلَيْم، وقد ناصبتهم عَنَزةُ الحرب، فأجلوا عَنَزة من قُدَس إلى الأعراض من خيبر بعد معركة ضارية، ثم ناصبتهم مُزَيْنَةُ الحربَ، وكانت أهل ثروة زهاء خمسة آلاف، فقتلوا من مُزَيْنة مقتلة عظيمة وأُجْلوا إلى الساحل من الجار - الْبُرَيْكَة - والصفراء، وأرض جُشَم من هوازن أخوة سُلَيْم فهم بها إلى اليوم - أي إلى يوم كتب الهمداني كتابه الإكليل، لا يدخلون الفُرْع إلا بجوار وذمامٍ من بني حرب وبقية سُلَيْم، فناصبتهم بنو الحارث
(1)
راجع كتاب "جداول أمراء مكة وحكامها"، للشريف مساعد بن منصور، ص 16، طبع مكة.
(2)
الإكليل، للهمداني، ص 307، الجزء الأول.
(3)
معجم البلدان، ص 116 و 117.
(4)
معجم ما استعجم، ص 686، الجزء الثاني؛ وص 106، الجزء الأول.
وبنو مالك من سُلَيْم وهم زهاء أربعة آلاف، وهم أهل الحرَّتين والبقيع
(1)
، فحاربوهم دهرًا فأجلوهم عن الحرَّتين والبقيع، وقتلوا منهم عددًا كثيرًا، وصارت بنو الحارث وبنو مالك "السُّلَميون" لا يدخل منهما، الحرَّتين والبقيع داخل إلا بذمام من بني حرب، وقد يُبقي عليهم محمود (رئيس من رؤساء حرب) لأن أمه جُشَمِيَّةٌ من هوازن بن منصور إخوة سُلَيْم بن منصور.
هذا، وقد أفادنا الهمداني بملابسات تَغَلُّب حَرب بعدئذ على طريق المدينة إلى مكة، فقال:(فلما غلبت بنو حرب على تلك البلاد، وقَهَرَتْ، تعلقت قريش بأصهارهم وأسند إليهم كلٌّ، وألْقى أزمة أمره في أيديهم، وغلبوا على طريق المدينة إلى مكة فلم يسرها أحد منهم إلا بخفارتهم، وكان المقتدر العباسي يبعث إليهم طول حياته بالمال في خفارة الطريق، وإلى اليوم وهم على ذلك)
(2)
ويذكر لنا الإصطخري صاحب كتاب المسالك والممالك: أن طائفة من اليمن يعرفون ببني حرب استولت - في عصره - على ضياع أولاد جعفر بن أبي طالب الهاشميين بودان القريبة من الجُحْفَة
(3)
.
وقد أطنب رحَّالة الحج المصري محمد بن عبد القادر الأنصاري الجزيري من أهل القرن الهجري العاشر في ذكر أحوال أدراك (مدارك الأعراب) في طريق الحاج وقال عن عَنَزة: (إن حدودهم من طرف الحنك من الجهة القبلية إلى المدينة الشريفة إلى آبار علي - ذي الحليفة - إلى جبل مفرح - المفرِّحات - وذكر أحوال مدارك غيرهم وأفادنا بأن (بدرًا) كانت مدينة بها عيون ومزارع، وبأن (الجار) فرضة المدينة فيرد الحاج ماءها
(4)
.
(1)
كتاب الإكليل، للهمداني، تحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي ص 304 وه 30 وقد عرف المحقق البقيع بأنه (المسمى بقيع الغرقد، وهو مقبرة أهل المدينة، معروف مشهور إلخ). والذي يبدو لي من مقتضى الحال أن المقصد بالبقيع هنا غير بقيع الغرقد بطبيعة الحال، وربما كان البقيع المراد هنا هو الذي قال عنه معجم البلدان لياقوت الحموي:(وقال الزبير: أعلى أودية العقيق، البقيع. وأنشد لأبي قطيفة بيتين من شعره)، ص 703 و 704، ط إيران الجزء الأول .. ومما يدل علي صحة هذا التأويل أيضًا قول الهمداني (ص 305، الجزء الأول)"فناصبتهم بنو الحارث وبنو مالك بن سُلَيْم وهم زهاء أربعة آلاف، وهم أهل الحرَّتين والبقيع"، وبديهي أنه لا يقصد أن المذكورين أهل الحرَّتين وبقيع الغرقد، فتعين أن يكون المراد بالبقيع غير بقيع الغرقد.
(2)
الإكليل، الجزء الأول، ص 305 و 306.
(3)
ص 25، طبعة مصر.
(4)
درر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة، ص 451، وص 528، ط المطبعة السلفية بمصر.
كما أطنب إبراهيم باشا رفعت في وصف ما لاقاه وهو أمير الحج المصري سنة 1326 هـ - من أهوال إخلال قبائل حرب بالأمن بين المدينة ومكة أثناء عودة المحمل المصري من المدينة إلى ينبع، وقد اضطرهم القتال الذي نشب بينهم وبين بعض قبائل حرب بعد آبار درويش إلى العودة الإجبارية إلى المدينة بعد ما خسروا بعض القتلى من الجند وبعد أن نفقت بعض ركائبهم، نتيجة تبادل إطلاق النيران الحامية بينهم وبين أولئك الأعراب
(1)
.
كما أنه ذكر في بيان خاص مفصَّل مكافآت أعراب حرب في طريق المدينة - مكة، أو مرتباتهم التي كانت تؤدى من مصر، لتأمين سلامة المحمل أثناء عبوره لديارهم إلى مكة
(2)
، ولم ألحظ بين هؤلاء اسمًا لبني سُلَيْم.
ونحمد الله تعالى ومن حق قبائل حرب أن تحمده معنا، فقد انتشلتهم الحكومة السعودية من هذه الأوضار وأزالت معالم إخلالهم بالأمن، وعوضتهم اعمالًا وتعليمًا لأبنائهم ووظائف في الدولة وصناعات يقومون بها، فتدر عليهم رزقًا حلالًا وافرًا، يرفع من مستواهم الاجتماعي والصحي والاقتصادي، ويجعل منهم أعضاءً نافعين في جسم الأمة.
يمتنعون ثم يقتنعون
حينما ظهر الإسلام في جزيرة العرب كانت قريش في مكة تكيد له جهرًا وسرًّا، وتقف منه موقف العداء السافر، وحاولت أن يمتد هذا الموقف من الإسلام إلى سائر قبائل العرب في شبه جزيرة العرب، وكان من الميسور لهم أن يقوموا بالدعاوة السلبية ضده؛ لأنَّ سِدانة الكعبة ومشاعر الحج كانت بأيديهم، فهم ذوو مكانة دينية مرموقة لدى عرب الجاهلية، يضاف إلى ذلك مكانتها التجارية والاجتماعية.
وكانت بنو سُلَيْم من أحلاف بني أمية وقريش في جاهليتهم، وكان بعضهم شركاء لبعض في تجاراتهم، وقد تصاهر بعضهم مع بعض، فلا غرو إذا سَرَت
(1)
مرآة الحرمين لإبراهيم رفعت، ص 211 وما بعدها، الجزء الثاني، طبع مطبعة دار الكتب المصرية، سنة 1344 هـ - 1925 م.
(2)
المصدر السابق، ص 238 - 344، الجزء الثاني.
إليهم من قريش عدوى المناهضة الأولى للإسلام، ولا بدع إذا تألَّبُوا على عداوته والنكاية بأهله، وقد رأينا بعض عرب الجاهلية في بئر معونة يفتكون بالبعثة النبوية الإسلامية المرشدة فتكًا ذريعًا، نتيجة الحقد العميق الذي يحملونه في صدورهم لمعتنقي الدين الجديد.
تقول (دائرة المعارف الإسلامية) البريطانية الأصل، في ترجمتها العربية بمصر:(إن السُّلَميين وأهل مكة من قريش تجمعهم مصالح مشتركة، ولذلك عادوا النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر، فلما تبين لهم أن انتصار الإسلام أمر لا شك فيه أخذ هؤلاء البدو الذين يقيسون الأمور بميزان الواقع يفاخرون بإسلامهم)
(1)
. ومع أننا نلمح في قولها هذا لونًا من الدس على إسلام بنو سُلَيْم فيما يتعلق بربط إسلامهم بقياسهم للأمور بواقع الميزان المصلحيِّ ومفاخرتهم - بمقتضى هذه المصلحة المادية - بدخولهم الإسلام، فمما لا ريب فيه أن انتصار الإسلام قبيل دخولهم الإسلام كان ظاهرة تلوح في كل أُفُقٍ من آفاق جزيرة العرب، ولكن دخول بني سُلَيْم في الإسلام - على ما هو الواقع - لم يكن نتيجة مصلحة مادية لاحت لهم، فرجحوها على ما هو أدنى منها، وإنما كان عن اقتناع وإيمان وتصديق ضمائرهم بأن الإسلام هو دين صدق وحق وسيمحو كل ما يعارضه في طريقه إلى كل ناحية، يدلنا على ذلك أمور وإرهاصات، فإن من رجالاتهم من دخلوا في دين الإسلام أول ظهوره بمكة، حتى قال عن نفسه هذا البعض بحقٍّ: إنه "رُبُعُ الإسلام"، لأنه كان رابع ثلاثة دخلوا فيه أول وجوده بمكة، قبل أن تبدو فيه أية مصالح مادية، وقد تابع البعض من سُلَيْم غير هذا أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم، وظلوا في بلادهنم يكتمون إيمانهم، وكان مع ذلك - كما يبدو لنا - يحاولون أن يُدخلوا معهم في حظيرة الدين الجديد كل من يأمن بوائقه من قومه، وما كان ليخفى مطلقًا على المشركين بطبيعة الحال حالُ المسلمين إذا تعايشوا مع المشركين، ولابد أن من قوم هؤلاء المسلمين من كانوا شاعرين باعتناقهم لدين الإسلام ومفارقتهم للأوثان عارفين بذلك، ويتهامسون به في مجالسهم الخاصَّة وربما العامة، وكانت دعوة مُسلميهم السرية قد بدأت تظهر عندما لاحت بوارق انتصار الإسلام، فصاروا يدعون قومهم أو من يرجون منهم قرب الاستجابة لدعوتهم جهرًا، وهكذا كانت نفوس بني سُلَيْم مهيأة للإسلام
(1)
دائرة المعارف الإسلامية، ص 144، المجلد الثاني عشر، طبع مصر.
مستعدة لدخوله، بدون النظر إلى مطامع أو مصالح قبيل فتح مكة، بدليل اشتراك ألف فارس منهم مع النبي، فلما فتحت مكة أقبلوا جماعات بخيلهم ورجلهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فآمنوا به، مصدقين من قلوبهم برسالته الإلهية، موحدين لربهم، مرتفعين عن أوضار الشرك وأغلاله التي كانت تحيط بهم فتحطُّ من مستواهم الروحي؛ ولذلك سرعان ما رأيناهم يجردون سيوفهم، ويبيعون نفوسهم رخيصة في الغزوات والمعارك الإسلامية التي تلتْ فتح مكة والتي خاضوها بكل بسالة وإقدام لرفع راية الدين الحنيف.
موقف بني سُلَيْم في رِدَّة العرب
حينما ارتدَّ بعض العرب في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، كان موقف بني سُلَيْم حيال الإسلام، وحيال الردة متفاوتًا ومختلفًا، فبعضهم ثبت على الإسلام، وبعضهم سار في تيار الردة. وقد ضرب أبو بكر الصديق مرتديهم بالذين ثبتوا منهم على الإسلام، فكان قائدًا راشدًا بالغ الحكمة، فلا يفل الحديد إلا الحديد.
وكان أبو بكر قد ولَّى خالد بن الوليد مهمة إعادة المرتدين من العرب إلى حظيرة الإسلام، فقام بهذه المهمة العظيمة خير قيام.
جاء خالد "جو قراقر" وأتى "النقرة" ووجد جمعًا من بني سُلَيْم، يرأسهم أبو شجرة بن عبد العُزَّى السُّلَمي الذي أمُّه الخنساء الصحابية الشاعرة المشهورة، فقاتلوا خالدًا، واستشهد رجلين من المسلمين، ثم فضَّ الله جمع المرتدين وركب المسلمون أكتافهم.
وقدم في أيام الردة - الفجاءةُ السُّلَمي إلى المدينة عاصمة الخلافة الإسلامية الأولى، فقال لأبي بكر رضي الله عنه: احملني وقوَّني أُقاتل المرتدين، فحمله أبو بكر وأعطاه سلاحًا، فخرج من المدينة يعترض الناس، فيقتل المسلمين ويقتل المرتدين معًا، وجمع جمعًا!. فكتب أبو بكر إلى "طُريفة بن حاجزة السُّلَمي" أخي معن بن حاجزة السُّلَمي، وكان هو وأخوه ممن ثبت من سُلَيْم على الإسلام، وأمره أبو بكر بفتال الفجاءة، فنفذ ما أمره به الخليفة، وأُسر الفجاءة؛ فلما جاء الفجاءةُ
إلى أبي بكر عاقبه بأن أمر بإحراقه في ناحية المُصلَّى
(1)
- مسجد الغمامة بالمدينة - جزاء ما سبق أن اقترفه من إحراق المسلمين.
وفي هذا المعنى يقول أبو جعفر الطبري:
(كانت سُلَيْم بن منصور قد انتفض بعضهم فرجعوا كفارًا، وثبت بعضهم على الإسلام مع أمير كان لأبي بكر عليهم، يقال له: معن بن حاجز (ة) أحد بنى حارث، فلما سار خالد بن الوليد إلى طُليحة الأسدي وأصحابه كتب (أبو بكر)
(2)
إلى معن بن حاجز (ة) أن يسير بمن ثبت معه على الإسلام من بني سُلَيْم مع خالد، فساروا، واستخلف معني بن حاجز (ة) على عمله أخاه طُريفه بن حاجز (ة)، وقد كان فيمن لحق من بني سُلَيْم بأهل الردة - أبو شجرة بن عبد العُزَّى، وهو ابن الخنساء كما قدمنا آنفًا، فقال:
فلو سألتْ عنا غداة مُزامرٍ
…
كما كنتُ عنها سائلًا لو نأيْتُها
لِقاءَ بني فهر وكان لقاؤهم
…
غداة الجوِاءِ حاجةً فَقَضيتُها
صبرتُ لهم نفسي وعَرَّجتُ مُهرتي
(3)
…
على الطَّعْنِ حتى صار وَرْدًا كمُيتُها
إذا هي صَدَّت عن كمِيٍّ أُريده
…
عَدَلتُ إليه صَدرَها فَهَديتُها
وقال حين ارتد عن الإسلام:
صحا القلبُ عَنْ مي هَوَاه وأقصرا
…
وطاوع فيها العاذلين فأبصرا
وأصبَحَ أدْنَى رائد الجهل والصِّبِىَ
…
كما وُدَّها عنَّا كذلك تغيَّرا
إلى آخر الأبيات التي أوردناها في ترجمته كشاعر من شعراء سُلَيْم، وذلك في الفصل الخاص بشعرائهم.
وقال الطبري بعد ذلك: (ثم إنَّ أبا شجرة أسلم ودخل فيما دخل فيه الناس، حتى قدم المدينة في زمن عمر بن الخطاب، (وهنا أورد الطبري قصة دخوله على عمر مستجديًا، وقد ذكرنا هذه القصة في ترجمة أبي شجرة كشاعر من شعراء سُلَيْم)
(4)
.
(1)
فتوح البلدان، للبلاذري، ص 117، الجزء الأول؛ وتاريخ الطبري، ص 492 و 493 المجلد الثاني، طبع مطبعة الاستقامة بمصر.
(2)
من عندنا زدنا كلمة: (أبو بكر) لاقتضاء سياق الكلام لذلك.
(3)
امتطاء أبي شجرة لمهرته واعتزازه بها في الحرب، هو أثر من آثار وجود الخيل لدى بني سُلَيْم بكثرة كلما أشار إليه المؤرخون.
(4)
تاريخ الأمم والملوك، للطبري، ص 493 و 494، المجلد الثاني.
أحد عشر دورًا لبني سُلَيْم في الأحداث العربية والإسلامية
ليس من ريب في أن لبني سُلَيْم دَورًا ما في كثير من الأحداث العربية والإسلامية منذ بزغ فجر الإسلام، ومنذ كانوا مقيمين في ديارهم الأصلية بين الحرمين، ثم منذ فارقوها - أو فارقها أكثرهم، في الفتوحات الإسلامية إلى شرق وغرب، وإلى شمال وجنوب.
وهذ الدَّور الذي استمروا في القيام به على مسرح الأحداث الإسلامية والعربية طيلة قرون متتالية يؤكد أنهم قبيلة ذات حيوية.
وفي هذا الفصل نستعرض أهم تلك الأحداث عبر شريط الزمن الدَّوَّار:
في أول قائمة أدوار بني سُلَيْم في الإسلام قيامهم على البعثة النبوية، أو كما يقول أصحاب السيرة: قيامهم على السرية التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسها المنذر بن عمرو إلى بئر معونة: موضع ببلاد هُذَيْل بين مكة وعسفان في صفر على رأس أربعة أشهر من غزوة أحد، وكان مُلاعبُ الأسنَّة الكلابي العامري قدم على رسول الله فعرض عليه الإسلام، فلم يسلم ولم يبعد، وطلب من الرسول أن يبعث رجالًا من أصحابه إلى أهل نجد يدعونهم ومن معهم إلى الإسلام رجاء أن يستجيبوا له. فبعث الرسول تلك السرية التي أكبر ما قيل عن عددها: إنه كان سبعين رجلًا، وأقل ما قيل عنه: إنهم كانوا ثلاثين وكان فيهم بعض من أسلموا من سُلَيْم، فلما نزلوا بئر معونة بعثوا أحدهم بكتاب إلى عامر بن الطفيل، فعدا على رسول رسول الله وقتله ثم استصرخ عليهم بني عامر من هوازن فأبوا أن يخفروا ذمة طالب قدوم البعثة: أبي براء ملاعب الأسنة، فاستصرخ قبائل رِعل وذكوان وعُصيَّة من سُلَيْم فأجابوه إلى ذلك، وأحاطوا بالبعثة في رحالها، وجالدتهم البعثة الإرشادية المؤمنة حتى قُتلت كلها ما عدا واحدًا، وقد وَجدَ النبي صلى الله عليه وسلم على أصحاب بئر معونة وجدًا عميقًا
(1)
.
وثاني الأدوار التي قامت بها بنو سُلَيْم استجابتها لدعوة زعماء مكة في غزوة الأحزاب، مع من استجاب لهم من العرب المؤازرين للشرك على الإسلام ولقريش
(1)
مختصر سيرة ابن هشام، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص 227 و 228، طبع الدار العربية للطباعة والنشر في بيروت.
على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكن قائدُ بني سُلَيْم في هذه الغزوة الجماعية للإسلام هو: سفيانَ بن عبد شمس السُّلَمي، لقد طابق اسمه اسم القائد العام للجيش المشترك في هذه الغزوة: سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، وسفيان السُّلَمي هو والد أبي الأعور السُّلَمي؛ الذي ستمر بك ترجمته في هذا الكتاب ضمن تراجم فصل:(الأمراء والقادة والولاة السُّلَميين).
وثالث الأدوار السُّلَمية، في مسرح الحياة الإسلامية، انحيازهم الكُليَّ إلى جانب الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه في أول فتنة ضروس نجمت في العالم الإسلامي، وكان من الثمار التي اقتطفها بنو سُلَيْم من هذا الانحياز إلى الخليفة المظلوم رضي الله عنه، أن اكتسبوا عطف بني أمية منذ تولي معاوية الخلافة، إلى أن انشقوا عن بني أمية حينما رُشِّحَ للخلافة مروانُ بن الحكم. وقد ولى معاويةُ أحد بني سُلَيْم أبا الأعور بن سفيان بن عبد شمس السُّلَمي قائد بني سُلَيْم في معركة الخندق بالمدينة - ولَّاهُ القيادة أيضًا، فكان قائدًا في الإسلام كما كان أبوه قائدًا ضد الإسلام، كما ولى هشام بعد استتباب الأمر لبني أمية عبيدةَ أو (عُبيدَ) بن عبد الرحمن السُّلَمي الذي نرى أنه ابن أخي أبي الأعور - ولَّاهُ على إفريقية.
وبمناسبة تولية أبي الأعور وعبيد بن عبد الرحمن السُّلَمي نقول: إن مبدأ مشاركة رجالات بني سُلَيْم في إدارة دفة شئون الدولة الإسلامية، وفي مناصب الولاية خاصة كانت له سابقة منذ عهد عمر بن الخطاب، حيث رأيناه يولي عُتبة بن فرقد السُّلَمي إمارة بعض فتوحات العراق، كما رأينا أيضًا المغيرة بن شعبة أميز البصرة لعمر بن الخطاب، يُوَلَّي مجاشعًا - بالنيابة عنه - إمارة البصرة، وما كان له أن يفعل ذلك إلا بموافقة من عمر بن الخطاب، كما رأينا عثمان بن عفان الخليفة الثالث بعد عمر، يُوَلِّي عبد الله بن خازم السُّلَمي - ولاية خراسان، ورأينا من بعده عبد الله بن الزبير يستبقيه على ولاية خراسان، لمَّا آلت إليه الخلافة في مكة المُشرَّفة.
ورابع الأدوار كان حينما نجم الخلاف المستشري بين عبد الله بن الزبير الذي بويع في الحجاز وغيره من بلاد الإسلام بالخلافة، وبين مُرشح بني أمية للخلافة خالد بن يزيد، افترق عرب الشام إلى حزبين حزب مع ابن الزبير، وكان من هؤلاء القيسيةُ الذين منهم بنو سُلَيْم، وحزب مع بني أمية، وقد قفزت بنو سُلَيْم إلى مسرح الحوادث في هذه المعركة السياسية، فرأينا أحدهم (ثور بن معن السُّلَمي)
ينهض إلى رئيس القبائل القيسية الضحَّاك بن قيس الفهري الأمير في الشام، ويقول له - وهو في طريقه إلى الجابية ليبايع الناس من يرتضونه للخلافة من الأمويين بعدما اتفق مع بني أمية على هذه الخطة - رأينا ثور بن معن السُّلَمي وهو يقول إذ ذاك للضحَّاك: "دعوتنا إلى ابن الزبير فبايعناك على ذلك، وأنت تسير إلى هذا الأعرابي من كلب تستخلف ابن أخته خالد بن يزيد، فقال له الضحَّاك: فما الرأي؟ قال معن: الرأي أن تُظهرَ ما كنا نكتم، وتدعو إلى ابن الزبير
(1)
، ويبدو أن الضحَّاك - مع ثقوب رأيه ودهائه وحذره - قد تفاعل مع رأي معن، فكان ذلك الإسفينَ الكبير الذي دقته يد الخلافات القَبَلية العارمة في صرح الوحدة الإسلامية بين ناشري لوائه على المعمورة: العرب المسلمين، وقد استمر - فعلًا - تأثيرُ معركة (مرج راهط) التي وقعت بين الفريقين المتخاصمين من العرب على (مُرَشَّحي الخلافة) فسقطت ضحايا منهم بلغت عشرات الألوف على ما يرويه لنا المؤرخون، وكان الأحرى بهم أن يصرفوا هذه القوة الضاربة التي دمرتها أيديهم بسبب خلافاتهم القبلية - في الفتوح الإسلامية، بضرب أعداء الإسلام المحيطين بهم يومئذ في كل مكان، ويذكر لنا ابن عبد البر في كتابه (الاستيعاب) أن رجالًا من قيس عيلان لم يضحكوا بعد يوم المرج حتى ماتوا (مادة الضحَّاك).
وكانت مساهمة بني سُلَيْم الفعَّالة في المعركة السياسية والحربية الدائرة بين عبد الله بن الزبير وأنصاره من جهة، وبين بني أمية وأنصارهم من جهة أخرى، هي الدور الرابع الذي قامت به بنو سُلَيْم على مسرح الأحداث الإسلامية.
ومن بعد الدور السابق يأتي الدور الخامس، وكان هذا الدور اقتصاديا سياسيا مزدوجًا سببه المباشر أو غير المباشر ما لاحظه هشام بن عبد الملك ولاحظه من قبله عبد العزيز بن مروان من أن القحطانيين في القطر المصري كانوا أغلبية العرب في مصر وأن القيسية أي العدنانية في مصر كانوا قلة، مما أفقد عرب مصر التوازن بين العنصرين الرئيسيين اللذين يتألف منهما الشعب العربي
(2)
. وهكذا
(1)
الكامل في التاريخ، لابن الأثير، ص 147، المجلد الرابع، طبع دار صادر - دار بيروت في بيروت.
(2)
تعليقات الدكتور عبد المجيد عابدين، على كتاب البيان والإعراب، ص 100. ويقول المقريزي: أن نزول سُلَيْم بمصر كان سنة 109 هـ، وكان أمير مصر يومئذ، الوليد بن رفاعة الفهمي من قيس عيلان، ولم يكن قبل ذلك التاريخ بأرض مصر أحد من قيس إلا من كان من فهم وعدوان. وقد كتب عبيد الله بن الحبحاب الذي ولاه هشام مصر كتابًا ضمنه هذا المعنى، وأشار عليه بأن ينقل إلى مصر من قيس أبياتًا فأذن =
شاهدنا انتقال (مائة بيت) من سُلَيْم وبني عمومتهم القيسيين من ديارهم الأصلية إلى مصر، وقد أنزلوا في بلبيس. وأمرهم الأمير عبيد الله بن الحبحاب بالزرع، ونظر إلى الصدقة من العشور، فصرفها إليهم، فاشتروا إبلًا، فكانوا يحملون الطعام إلى بحر القلزم - البحر الأحمر - فكان الرجل منهم يتحصل له في الشهر العشرة دنانير وأكثر وأقل، ثم أمرهم باشتراء الخيول، فجعل الذي يشتري المهر فلا يمكث إلا شهرًا حتى يركب، وليس عليهم مئونة في علف إبلهم ولا خيولهم لجودة مرعاهم. فلما بلغ ذلك عامة قومهم من القيسية، تحمل إليهم خمسمائة أهل بيت من البادية فكانوا على مثل ذلك، فأقاموا سنة، فأتاهم نحوٌ من خمسمائة أهل بيت ومات هشام وببلبيس ألف وخمسمائة أهل بيت من قيس، حتى إذا كان في زمن محمد بن مروان، وولَّى الحوثرة بن سهل الباهلي - مصر، ثم توالد القيسيون المصريون، وقدم عليهم من بادية هذه البلاد من قدم، فأُحْصوا في ولاية محمد بن سعيد، فوُجِدُوا خمسة آلاف ومائتين ما بين صغير وكبير.
ويلوح من الأمر الذي أصدره عبيد الله بن الحبحاب أمير مصر وأحد موالي قبيلة سَلُول من هوازن القيسية بشراء المُرحَّلين إلى مصر للخيول - أنه كان اجتماعيا بعيد النظر.
ويقول محمد بن أحمد بن تميم القيرواني المتوفي سنة 333 هـ - 944 م: "خرج من بني سُلَيْم أربعمائة وخمسون رجلًا لفتوح إفريقية"
(1)
وكان ذلك في عهد عثمان بن عفان
(2)
.
وفي عصر الولاة (110 - 254 هـ) كان في معادن التبر بأسوان قوم من بني سُلَيْم وغيرهم
(3)
.
= له هشام في إلحاق ثلاثة آلاف منهم، وتحويل ديوانهم إلى مصر على أن لا ينزلوا بالفسطاط، ففرض لهم ابن الحبحاب وقدم بهم فأنزلهم الحوف الشرقي وفرقهم فيه (راجع ص 65 و 66 من كتاب البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب، لأحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي، طبع مصر، والمجتمعات الإسلامية في القرن الأول، لشكري فيصل، ص 149 و 150).
(1)
طبقات علماء أفريقية وتونس، ص 69، طبع تونس.
(2)
هجرات الفتوح الإسلامية. وقد وصف لبيد بن ربيعة العامري من هوازن رضي الله عنه خلو كثير من بلاد جزيرة العرب من رجالاتها في قصيدة له منها قوله:
هلكت عامر فلم يبق فيها
…
برياض الأعراف إلا الديار
(3)
تعليقات عبد المجيد عابدين على كتاب البيان والإعراب، ص 93 - 107.
أما الدور السادس من أدوار بني سُلَيْم في الإسلام فيتمثل في القصة التي رواها أحدهم: عبد الله بن معروف أحد بني رياح بن مالك بن عُصية بن خفاف - وقد شَهد القصة - قال: جاءت محمدًا (النفس الزكية) بنو سُلَيْم على رؤسائها فقال متكلمهم جابر بن أنس الرياحي: يا أمير المؤمنين نحن أخوالك وجيرانك، وفينا السلاح والكراع، والله لقد جاء الإسلام والخيل في بني سُلَيْم أكثر منها بالحجاز، لقد بقي فينا منها ما إن بقي مثله عند عربي تسكن إليه البادية، فلا تُخندقِ الخندق، فإن رسول الله خندق خندقه لما الله أعلم به، فإنك إن خندقته لم يحسن القتال رجاله، ولم يوجه لنا الخيل بين الأزقة، وإن الذين يخندق دونهم هم الذين يقاتلون فيها، وإن الذين يُخندق عليهم يحول الخندق دونهم. فقال أحد بني شجاع: خندق رسول الله فاقتد برأيه أو تريدُ أنت أن تدع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرأيك قال: إنه والله يا ابن شجاع ما شيء أثقلَ عليك وعلى أصحابك من لقائهم، ولا شيء أحبَّ إليَّ والى أصحابي من مناجزتهم. فقال محمد:(النفس الزكيه): إنما اتبعنا في الخندق أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يردني عنه أحد، فلست بتاركه، ولما تيقن محمد (النفس الزكية) أن محمد بن عيسى قائد حملة أبي جعفر المنصور لقتال محمد (النفس الزكية) بالمدينة قد أقبل، حفر الخندق: خندق النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان حفره للأحزاب، ولما أزمع حفره ركب إليه وعليه قباء أبيض ومنطقة وركب الناس معه فلما أتى الموضع نزل فيه فبدأ هو فحفر بيده، فأخرج لبنة من خندق النبي صلى الله عليه وسلم فكبر وكبر الناس معه، وقالوا: أبشر بالنصر، هذا خندق جدك رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
أما الدور السابع من أدوار تحركات بني سُلَيْم التي كانت وبالًا عليهم، فقد كان في أوائل القرن الهجري الثالث وبالدقة في سنة 230 هـ، وهذا التحرك كان في عقر دارهم الأصلية بين الحجاز ونجد، فقد كانوا تطاولوا على الناس حول المدينة بالشهر، وكانوا إذا أرادوا سوقًا من أسواق الحجاز أخذوا سعرها كيف شاءوا، ثم ترقى بهم الأمر إلى أن أوقعوا بميناء الجار (ميناء المدينة المنورة) - بناس من بني كِنَانة وباهلة فأصابوهم وقتلوا بعضهم، وكان ذلك منهم في جمادي الآخرة سنة 230 هـ وكان رأسهم - في هذا التحرك - عُزَيْزة بن قطَّاب السُّلَمي، وكان عاملُ
(1)
تاريخ الطبري، ص 207 و 208، الجزء السادس، مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
المدينة - أميُرها - يومئذ محمدَ بن صالح بن العباس الهاشمي، فوجه إليهم حماد بن جرير الطبري، وكان الواثق بالله الخليفة العباسي في بغداد قد علم بعَبْثِ هؤلاء الأعراب حول المدينة، فوجه حمَّادًا هذا في قوة مسلحة للمدينة لئلا يتَطرقها الأعراب، وكان معه 200 فارس من الشاكرية
(1)
، فتوجه حماد إلى بني سُلَيْم في جماعة من الجند ومن المتطوعين للخروج معه من قريش والأنصار ومواليهم وغيرهم من أهل المدينة، وسار إليهم فلقيته طلائعهم، وكانت بنو سُلَيْم كارهة للقتال، فأمر حماد بقتالهم، وحمل عليهم بالروُّيثة: موضع على ثلاث مراحل بين مكة والمدينة - وكان بنو سُلَيْم وأمدادهم من البادية (650) رجلًا، وكان قُوَّادُهم: أشهَبَ بن دُوَيْكل بن يحيى بن حمْيَر العوفي من علَّاق بنو عوف بن بُهْثَة بن سُلَيْم، وعَمُّه سَلَمَةُ بن يحيى، وعَزْيزةُ بنُ قطَّاب اللبدي من بني لبيد من سُلَيْم، وكانت خيلهم (150) فرسًا، وجاءت إلى بني سُلَيْم أمداد أخرى بلغت (500) رجل سُلَمي، وافَوْهُمَ في موضع يُسمى "أعلى الرويثة" بينه وبين موضع القتال - الذي هو "الرويثة" - أربعة أميال، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فانهزمت سودان المدينة بالناس، وثبت حمَّاد بن جرير الطبري وصحبه وقريش والأنصار، وقُتِلَ حَمَّادٌ قائد الجيش العباسي، وعامة أصحابه ومن ثبت معه من قريش والأنصار، وحازت سُلَيْم الكراع والسلاح والثياب، وغلظ أمرهم فاستباحوا القرى والمناهل فيما بين المدينة ومكة، حتى امتنع سلوك ذلك الطريق على الناس، ولم يكتف بنو سُلَيْم بعدوانهم على الطريق العام، بل تطرقوا من يليهم من قبائل العرب، وبلغ الأمر الواثقَ بالله فاهتم به، فوجه إليهم "بغا الكبير" أبا موسى التركي في الشاكرية والأتراك والمغاربة، وقدم بغا المدينة في شعبان من السنة المذكورة، وشخص إلى حَرَّة بني سُلَيْم لأيَّام بقين من شعبان، ليخضد شوكة بني سُلَيْم وكان على مقدمته طردوش التركي، فلقيهم ببعض مياه الحرَّة، وكانت الوقعة الفاصلة بينه وبينهم بشق الحرَّة من وراء السوارقية التي هي قرية من قراهم والتي كانوا يأوون إليها - والسوارقية حُصُونٌ - وكان أغْلَبَ من لقيه بغا منهم، بَنُو عوف، وفيهم عُزيزة بن قطَّاب والأشهب اللذان هما رأسا القُوَّاد يومئذ، وقَتَل بغا منهم نحوًا من (5) رجلًا وأسر مثلهم، فانهزمت بقيتهم وانكشفوا، ثم أمنهم بغا على حكم أمير المؤمنين الواثق، وأقام بالسوارقية فأتوه واجتمعوا لديه، وهربت خفاف من بني
(1)
الشاكرية: الأُجراء والمستخدمون، معرب "جاكر" الفارسية، القاموس المحيط مادة شكر.
سُلَيْم إلا أقلها، وهي التي كانت تؤذي الناس بالطريق، وقد احتبس بغا عنده زهاء ألف رجل من بني سُلَيْم وهم الذين وُصِفُوا بالشر والفساد، وَخَلَّى سبيل سائرهم، وسار بمن معه من الأسرى صوب المدينة في ذي القعدة سنة 230 هـ، فحبسهم بها في الدار المعروفة بيزيد بن معاوية، ثم حج في ذي الحجة، وتجول في بعض ديار الأعراب الذين اعتادوا العبث في البلاد، ثم انصرف إلى المدينة وحبس من أخذه من بني هلال بن عامر من هوازن في دار يزيد بن معاوية أيضًا مع السُّلَميين، وسار بغا إلى بني مُرة وفزارة من غطفان بحرَّة فَدَك وفي حبس المدينة نحو من (1300) رجل من بني سُلَيْم وهلال، فنقبوا دار الحبس فعرف الناس في المدينة بصنيعهم وتجمعوا عليهم، وكان عاملُ المدينة - أميرُها - يومئذ هو عبدَ الله بن أحمد بن داود الهاشمي، وحاصروهم حول الدار حتى أصبحوا، وكان وثوب السُّلَميين عشية الجمعة؛ وذلك أن القائد السُّلَمي عُزيزة بن قطَّاب قال لهم: إني أتشاءم بيوم السبت، واعتقب أهل المدينة قتالهم وقاتلتهم بنو سُلَيْم، فظهر عليهم أهل المدينة وقتلوهم جميعًا، وكان عُزيزة يرتجز ويقول:
لابُدَّ من زَحْمٍ وإن ضاق البابْ
…
إني أنا عُزيزةُ بنُ قَطَّابْ
للْموْتُ خير للفتى من العَابْ
…
هذا وَرَبِيّ عمل للْبَوَّابْ
ويقال: إنَّ بواب الحبس أخذ منهم رشوة لإطلاق سراحهم، وهذا ما يشير إليه البيت الأخير من رجز عُزيزة، وقد فك عُزيزة قيده فرمى به رجلًا فخر صريعًا، وكان عُزيزة بعد أن قُتِل أصحابه صار إلى بئر فدخلها فدخل عليه رجل من أهل المدينة فقتله، وَصَفَّ بغا قتلى بني سُلَيْم على باب مروان بن الحكم بعضها فوق بعض!
وكان مُؤذن أهل المدينة قد أذَّن ليلة حراستهم لبني سُلَيْم بِلَيَّلٍ، ترهيبًا لهم بطلوع الفجر وأنهم قد أصبحوا، فجعل بنو سُلَيْم يضحكون ويقولون:"يا شَرَبَةَ السَّوِيق! تعلموننا بالليل ونحن أعلم به منكم"، فقال رجل من بني سُلَيم:
متى كان ابن عباس أميرًا
…
يَصِلُّ لِصَقْل نابيه صَريفُ
يَجُورُ ولا يَردّف الجَوْرَ عنه
…
ويسطو ما لِوَقْعَتِهِ ضعيفُ
وقد كنا نَرُدُّ الجور عنَّا
…
إذا انْتُضِبَتْ بأيدينا السُّيوفُ
أميرُ المؤمنين سما إلينا
…
سُمُوَّ الليث سار من الغريف
فإن يَمنُنْ فَعَفْوَ الله نرجو
…
وإن يَقتُل فَقَاتِلْنا شريف
(1)
والدور الثامن من أدوار تحركات بني سُلَيْم، هو دور اضطراب أمرهم وهبوط مكانتهم الاجتماعية حينما اتصلوا بالقرامطة وآزروهم، وساروا معهم في احتلالهم لديار الشام، كان هذا الدور من أسباب متاعبهم في الداخل والخارج، إذ أغضب عليهم حاكم مصر، وربما أغضب غيره من الحكام آنذاك، وزاد، الطينة بَلةً، انتِقالُهُم مع القرامطة في عودتهم الإجبارية إلى البحرين، بعدما أُجْلُوا عنوةً عن بلادَ الشام بحد الحسام
(2)
. وكان بنو سُلَيْم ذوي عدد كبير، ربما كان يفوق عدد بني هلال
(3)
، وقد اجتمع عليهم بنو عُقيْل بن كعب من بني عامر من هوارن، وبنو تغلب، فأخرجوهم من البحرين بأخرَةٍ، وإذا أخذنا بالرأي القائل: إن العُبيديين بمصر قد رأوا استغلال طاقة عربان بني سُلَيْم، وبني هلال (هوازن) الحربية الكبيرة في مشروعاتهم السياسية والحربية، فأوعَزوا إليهم بالنزوح من البحرين إلى مصر، بعد انتهاء أمر القرامطة، وقبل إخراج بني عُقيل، وبني تغلب لمن تبقى منهم في البحرين - فإننا نرى في ذلك ثغرة فتحها العبيديون و إيسفينًا دقوه لإضعاف شوكتهم وشوكة خصمهم السياسي "المعز بن باديس" في أفريقية الشمالية معًا. وهكذا صَادَ العبيديون - بضربتهم هذه البارعة المزدوجة - عصفورين بحجر واحد، وأثبتوا براعتهم السياسية وحنكتهم ودهاءهم، ولله در المتنبي حين يقول:
الرأيُ قبل شجاعة الشجعان
…
هو أولٌ وهي المحل الثاني
ونلمح الدور التاسع من أدوار تطورات حياة بني سُلَيْم في ديارهم الأولى، إذ يبدو أنهم بعد حملة التأديب البغدادية الكبرى راجعوا أنفسهم، وأقلعوا فترة من الزمن عن أعمال السلب والنهب وقطع طريق الحاج المار بديارهم، ولعل ذلك كان بضغط شديد أو بتوجيه حكيم من دار الخلافة، فازدهرت بلادهم بعض الشيء وعمرت وأصلحت، واتسعت جوانبُ الحياة في مدنهم وأمَّها الناس للتجارة
(1)
تاريخ الطبري، ص 322 - 335، الجزء السابع، طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
(2)
القبائل العربية في إقليم عصر الولاة، للدكتور عبد المجيد عابدين، ص 126، طبعة القاهرة، سنة 1961 م.
(3)
المصدر نفسه، ص 126.
والاستثمار من كل صوب، وربما ضُربت بها السكة الذهبية وغيرها لوجود المعادن لديهم، وقد ظهر لنا أثر هذا العمران الطارئ من قراءتنا للحجر الأثري الذي جلبه من بلادهم مباركُ بن عبد التواب السُّلَمي حيث ورد فيه ما يومئ إلى بعض ذلك، وقد كان هذا الحجر على ما يبدو - منصوبًا في طريق الحاج في داخل ديار بني سُلَيْم
(1)
.
ويأتي الدور العاشر لهم ممثلًا في نقلهم بصورة جماعية من الديار المصرية إلى الديار المغاربية هم وبني عمومتهم بني هلال
(2)
، وهي قصة مسرحية محبوكة أجاد حبك فصولها وإخراجها الوزير الداهية (محمد الحسن بن عبد الرحمن اليازوري) الفلسطيني وزير المستنصر العبيدي، المتوفي سنة (450 هـ - 1048 م) قتيلًا، وخلاصة هذه القصة أن (المعز بن باديس) واليَ إفريقية البربري، من قبل الدولة العبيدية مال بِكُلِّيَّته إلى أهل السُّنة، وإلى الدولة العباسية، وخلع شعارات الفاطميين فأحفَظَ ذلك عليه المستنصر العبيدي بمصر، فشاور وزيره (اليازوري) في الأمر، فأشار عليه بأن يأذن لبني سُلَيْم وبني هلال المقيمين بمصر بالسفر إلى إفريقية، وأن يكرمهم ويغدق عليهم الأموال ليُقوِّضوا دولة المعز بن باديس في إفريقية
(3)
، وذلك بأن يوعز إليهم بأنه قد ولَّاهم شئون إفريقية ووكلهم عليها وكالة مطلقة، ويتصرفون فيها تصرف المُلَّاكِ في أملاكهم
(4)
، وقد تفاهم الرجلان على
(1)
للاطلاع على التحقيق الذي قام به المؤلف حول ذلك الحجر بعد قراءته له، ينبغي مراجعة كتاب؛ "بين التاريخ والآثار" لعبد القدوس الأنصاري.
(2)
فهم بنو هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور، ويلتقون مع بني سُلَيْم في منصور بن عكرمة - والد سُلَيْم وهوازن.
(3)
جاءت في ديوان ابن جيوس (394 - 473)، الجزء الثاني بالصفحة 490 إشارة شعرية واضحة إلى هذه المكيدة السياسية البارعة التي قضت على دولة المعز بن باديس في إفريقية، وذلك في قوله يخاطب اليازوري في قصيدة مدحه بها ابن جيوس:
أنخت بصنهاجة النائبات
…
ففات زعيمهم ما أمل
فمن عصب عصبتها الحرو
…
ب من ثلل قد محاها الثلل
وكان يسمى معزًا فمذ
…
تحديته صار يدعى مذل
و (الثلل) الأولى - بضم الثاء - بمعنى الجماعات. و (الثلل) الثانية - بفتح الثاء - بمعنى الهلاك.
(4)
في إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، لأحمد بن أبي الضياف التونسي، ذكر اليازوري وحيلته في ترحيل بني سُلَيْم وبني هلال لمعاركة المعز بن باديس باسم المستنصر. وفي كتاب الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى، أن الوزير اليازوري قال للهلاليين والسُّلَميين:(قد أعطيناكم المغرب وملك ابن باديس العبد الآبق، فلا تفتقرون بعدها). ص 148، طبع الدار البيضاء بالمغرب الأقصى.
ذلك وعلى كيْفِيَّة تنفيذ هذه الخطة البارعة، وعهد المستنصر العبيدي إلى "اليازوري" بأمر تنفيذها بحكمة وإصرار. وهكذا انطلق بنو سُلَيْم ومن معهم من الأعراب صوب إفريقية، يَقتُلُون ويقاتلون حتى وصلوا إلى "المعز بن باديس" فحاول استمالتهم بأن أصهر إليهم فزوج بعض بناته لبعضهم، ولكن هذه الحيلة لم تنطل عليهم، فاستمروا في تنفيذ المخطط الذي رُسم لهم حرفيًّا، وخاصة أن فيه ما يتفق ورغباتهم في السيطرة والحكم، وكان أن شددوا القبضة على المعز وأرهقوه من أمره عُسْرًا، ثم أجلوه آخر الأمر عن القَيْرَوان سنة 449 هـ ودخلوها متتصرين، وتم ذلك لهم على ما خططه اليازوري وقدَّره، ثم استولوا في مدة وجيزة على ضواحي إفريقية، ونازلوا أمصارها وأخذوا الإتاوة من أهلها.
ويعلل الدكتور حسن إبراهيم حسن ما عمله المستنصر مع المعز بن باديس من نكاية، بأنه انتقام مقصود من بني زيري الذين خرجوا عليه برغم ما أسداه آباؤه لهم من مَكَارِم، فأطلق عليهم قبائل الرياحية والزغبية من بني هلال وبني عوف من سُلَيْم، وقد أوقعوا بالمعز بن باديس في موقعة حيدران سنة 443 هـ، ومعنى ذلك أن زحف العرب استغرق أربع سنوات (440 - 443 هـ) ودخلوا القيروان وخربوها وأتوا على تراثها الزاهر، وضعف مُلكُ بني زيري بعد ذلك حتى لم يعد يجاوز أسوار مدينة المهدية، وقد سُرَّ المستنصر لهزيمة الزيريين، إذ استطاع أن ينتقم لنفسه منهم، وعبر عن سروره في الرسالة التي بعث بها إلى علي بن محمد الصليحي صاحب اليمن
(1)
.
ويذكر قول ابن خلدون أن بني سُلَيْم استولوا على برقة، كما يذكر أن منهم بالصعيد والفيوم والبحيرة خلقًا كثيرًا، وكان ذلك على ما يظهر في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين.
وفي هذا الدور العاشر الذي تعاظم فيه شأن بني سُلَيْم كان لهم "وزن سياسي مرموق" في إفريقية، فيذكر التاريخ أن الأمير أبا يحيى زكريا بن الأمير أبي العباس أحمد بن اللحياني الحفصي، بعث بعد انصرافه من الحج عام 711 هـ - محمد المزدوري - بين يديه - مع أشياخ من الكعوب من علَّاق بن عوف بن بُهْثَة
(1)
تاريخ الإسلام السياسي والديني والاجتماعي، للدكتور حسن إبراهيم حسن، ص 239، المجلد الرابع، نشر مكتبة النهضة المصرية، 1967 م.
من بني سُلَيْم، فتم له الأمر وخُطبَ له يوم الجمعة 9 جمادى الأولى 711 هـ على منابر تونس خطبة لم يُذكر فيها سلطان معين، ثم وصل تونس وبويع له بالمحمدية البيعة التامة في ثاني رجب 711 هـ
(1)
، فلولا مكانة الوفد السُّلَمي الذي بعثه قبله ليبرم له الأمر ويحل له المشاكل ما تم له الأمر.
وفي هذا الدور العاشر نرى السُّلَميين يأخذون مكانهم تحت الشمس في أفريقية، فقد كانت لهم استطالة على الدول هنالك، واعتزاز بمركزهم القوي، فكان ملوك الحفصيين يتألفونهم بالولايات والإقطاعات ونحو ذلك، وقد نشب خلاف بينهم وبين السلطان أبي الحسن المريني، فوفد إليه من رجالهم: خالد بن حمزة أمير بني كعب من سُلَيْم، وأخوه أحمد، وخليفة بن عبد الله من بني مسكين، وابن عمه خليفة بن أبي زيد من أولاد القوس، فأكرم وفادتهم، ثم رفع إليه عبد الواحد اللحياني من أولاد الملوك الحفصيين أن بني سُلَيْم بعثوا إليه مع بعض حاشيته، يطلبون منه الخروج معه لينصَّبوه للأمر في إفريقية، وأنه خَشِيَ على نفسه بادرة السلطان فتبرأ إليه من ذلك، فغضب السلطان وسجن الوفد السُّلَمي الذي كان موضع إكرامه قبل هذا الحدث، ثم إن بني سُلَيْم تآمروا وتعاهدوا على قتال السلطان، فتوافت أحياؤهم من بني كعب وبني حكيم من علاق بتوزر، من بلاد الجريد في وسط البلاد التونسية، وتبايعوا على الموت، وولَّوْا الأمر رجلًا من بني عبد المؤمن اسمه أحمد بن عثمان بن أبي دبوس، وأقاموا له رسم السلطان، وهاجمهم السلطان في عام 748 هـ، وبعد مصاولات بينهم انهزم السلطان أمامهم هزيمة شنعاء وبادر إلى القيروان، وكانت الهزيمة يوم الإثنين سابع المحرم 749 هـ وحاصروُه ثم جنحوا لمسالمته والمفاوضة معه، فأطلق سراح المسجونين السُّلَميين الذين كانوا في سجنه، ثم هادنوه وأطاعوه آخر الأمر، ثم عقد الصهر مع أحدهم وهو عمر بن حمزة السُّلَمي وهو من الكعوب من علَّاق بن عوف، فزوج ابنة عمر، بابنه أبي الفضل
(2)
.
(1)
الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية، لابن منقذ القسنطيني، تقديم وتحقيق الشيخين: محمد الشاذلي النيفر وعبد المجيد التركي من الجامعة التونسية، ص 159، ط تونس.
(2)
الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى، لأحمد بن خالد الناصري، ص 158 - 162، الجزء الثالث، طبع المغرب الأقصى.
ونصل إلى الدور الحادي عشر من أدوار انطلاقات بني سُلَيْم، وكانوا في هذه المرة بليبيا، فيذكر لنا الأمير شكيب أرسلان: أن أكثر عرب برقة والجبل الأخضر، من بني سُلَيْم بن منصور، وهم الذين ابتلاهم الله بالطليان في هذا العصر، ولم يزالوا يجاهدون عن دينهم ووطنهم منذ عشرين سنة
(1)
.
قلت: وإكمالا لهذا الفصل أذكر بعض النصوص في كتاب دولة الإسلام لشمس الدين الذهبي المتوفي عام 748 هـ:
(2)
- في سنة 71 هـ قُتل بخراسان متوليها عبد الله بن خازم السُّلَمي أحد الأمراء الأبطال، وله فتوحات.
- وفي سنة 96 هـ مات عُتبة بن عبد السُّلَمي، وهو صحابي نزل حمص بالشام.
- وفي سنة 112 هـ غزا أشرس السُّلَمي فرغانة، فأحاطت به الترك (الروم) وأخذ الخزر أردبيل بالسيف، فجهَّز هشام بن عبد الملك جيشًا التقوا الخزر فهزموهم واستنقذوا سبيًا كثيرًا ولطف الله.
- وفي سنة 136 هـ مات حُصين بن عبد الرحمن السُّلَمي الحافظ وله ثلاث وتسعون سنة، يروي عن الصحابة والكوفيين.
- وفي سنة 177 هـ مات الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة السُّلَمي الترمذي مصنف الجامع في رجب بترمذ، وهي مدينة كبيرة على نهر جيحون من جانبه الشرقي.
- وفي سنة 280 هـ مات حافظ بغداد أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السُّلَمي الترّمذي.
- وفي سنة 355 هـ أخذت العرب البادية من بني سُلَيْم ركب مصر والشام وهلك الناس في البرية.
(1)
الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف، للأمير شكيب أرسلان، ص 274، طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1350 هـ. وجاء في الارتسامات اللطاف أيضًا أن (مشايخ) الأحامدة الذين هم مشايخ حرب في الحجار يقال أنهم من بني سُلَيْم، وأن جدهم العباس بن مرداس السلمي (ص 274).
(2)
انظر ج 1، 2 من الكتاب - طبع على نفقة إدارة إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر.
قصصٌ من ماضي بني سُلَيْم
هذه قصص واقعية أخذناها من مصادر التاريخ العربي، بعضها كان في الجاهلية وبعضها كان في الإسلام، ومن طبيعة القصص - وخاصة الواقعية منها - الشفوفُ والكشف عن طبائع أبطالها، وإبراز خصائصهم وأهدافهم في الحياة.
وقد اخترنا من بين مجموعة قصص بني سُلَيْم المتَّسمة بطابع الواقعية، هذه القصص السبع التي حدث أولها في أواخر عهد بني سُلَيْم بالجاهلية، وحدث أخيرها في ضحى الإسلام وربما في أوائل القرن الهجري الرابع.
القصة الأولى
تَنافس في الجاهلية العباسُ بن مرداس وخُفَافُ بن عمير السُّلَميان، وكانا من رجالات بني سُلَيْم المعدودين فيهم، ثم تهاجيا بالشعر، ثم تقاتلا، وجرَّا قبيلة بني سُلَيْم إلى "حرب أهلية ضروس"، ثم دخل بعض رؤساء بني سُلَيْم من ذوي الرأي والحكمة فيما شجر بين الجانبين، بغية التوصل إلى فض النزاع الدامي وكف إراقة الدماء المهدورة في القبيلة، وإعادة المياه إلى مجاريها بين المتنافسين البطلين الشاعرين، وقد أدرك الندمُ العباس بن مرداس على ما فرط منه، فأظهر أسفه وأماط اللثام عن أمنيته أن لم يكن شيء مما حدث، ولكن خصمه خُفافًا كان على العكس من ذلك، كان نقيضه تمامًا في رأيه المستبصر المتراجع، وكان "خُفاف" عكس اسمه تمامًا في هذه القضية، كان "ثقيلًا" بمعنى الكلمة على منافسه وخصمه (عباس)، في الوقت الذي كان (عباس) عكس اسمه أيضًا في هذا الشأن، حيث كان (بَسَّامًا) يود أن تندمل الجروح فلا تُنْكأ، وأن يُسوَّى الخلاف فلا يُثار، وأن تحل "البسمات" محل "العبسات"، و"السلام والوئام" محل "الخصام والحسام"، وقد تمادى "خفاف" في ثقل عداوته لعباس، وردَّ على "عباس" ردًا شعويا قاسيًا أليمًا، وربما كان سبب ذلك (مركب النقص) الذي تحرك في نفسه بسبب لونه وخؤولته. وجاء الإسلام فدخل الرجلان في حماه، فتركا كل ما كانا فيه، وصارا من جنده وأبطاله وبذلك انحسم الداء وأسدل الستار على شحنائهما، بعد أن لم تُجدِ الوساطات القوية في جمع شملهما والتأليف بين قلوبهما، والإسلام هو طريق الإصلاح الشامل لذات النفوس وذات البين.
القصة الثانية
حينما شق على معاوية بن أبي سفيان، سقوط مقادم فمه، وكان عنده يزيد بن معن السُّلَمي قال له يزيد مُسليًا له:"والله ما بلغ أحد سنك إلا كره بعضه بعضًا، ففوك أهونُ علينا من سمعك وبصرك"، فطابت نفس معاوية بهذه الحكمة العفوية تخرج من فم هذا السُّلَمي الصديق الجريء المنطيق.
القصة الثالثة
هاجت الفتنة شعواء سنة 175 هـ في دمشق عاصمة الخلافة الأموية، فيما بين المُضَرية واليمانية، وكان سببها أن اليمانية قتلوا قيسيًّا، فلم تُنجدهم سُلَيْم، وإنما أنجدتهم قُضَاعْة اليمانية، لقد اعتصمت سُلَيْم هذه المرة بالحكمة وعدم الانحياز، وتجنبت الوقوع في كوارث هي في غنى عن خوض غمارها، وكان أن امتدت هذه الفتنة حتى سنة 180 هـ وقد استطالت وغلظت في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، فندب جعفر بن يحيى البرمكي إلى الشام لإطفاء هذا اللهب المستشري ففعل، وعاد إلى بغداد
(1)
.
القصة الرابعة
قصد الشاعر ثابتٌ الرقي أحد بني أسد مع يزيد بن أسيد السُّلَمي، في ديات وجبت على ربيعة وقومه، فلم يعد منه بطائل، ومن ثم رحل إلى سميه:"يزيد بن حاتم المهلبي" وهو بالقيروان بإفريقية، فأعطاه عشر ديات ووصله وأحسن إليه إحسانًا عظيمًا، فأنشأ قصيدته التي مطلعها:
ألا طرقتنا باللِّوى أمُّ عاصم
…
وقد زارنا فيها خيال مجاشم
وفيها يقول - مفضلًا يزيد بن حاتم المهلبي، على سميه: يزيد بن أسيد السُّلَمي:
حلفتُ يمينًا غيرَ ذي مثنويَّةٍ
…
يمين امرئ آلى وليس بآثم
لشتَّان ما بين اليزيدين في الندى:
…
يزيد سُلَيْم والأغرَّ ابن حاتم
فَهَمُّ الفتى الأزدي إتلافُ ماله
…
وهَمُّ الفتى القيسيِّ جمعُ الدراهم
فلا يحسبِ التمتامُ أني هجوته
…
ولكنني فَضَّلْتُ أهل المكارم
(2)
(1)
تاريخ ابن خلدون، ص 464 - 467، المجلد الثالث، طبع بيروت.
(2)
تاريخ إفريقية والمغرب، لابن الرقيق، ص 152 - 153، طبع تونس.
وسارت قصيدة ثابت الرقيُّ، في شتى الآفاق، وتداولتها الألسنة، حتى صارت كالمثل السيار على الأفواه قديمًا وحديثًا.
وقد اتفق أن نَخَّاسًا، عَرَض جاريتين على الأمير أحمد بن يزيدَ السُّلَمي - ابْنِ الذي قيلت فيه الأبيات المارةُ -، فقال أحمد بن يزيد السُّلَمي للنَّخَّاس: أيهما أحسن: هذه، أو هذه؟ فما كان من النخاس إلا أن أجابه - لسوء حظه - بقوله: بينهما - أعز الله الأمير - ما قال الشاعر:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى:
…
يزيد سُلَيْم والأغرَّ ابن حاتم
فقال الأمير أحمد بن يزيد السُّلَمي: "خذوا بيد ابن الفاعلة"، لقد اغتم بما سمع، واغتم أكثر بسيرورة الشعر في مختلف الأوساط حتى تمثل به هذا "النخاس" أمامه ولم يكن يدري فيمن قيل ولا فيما قيل، ولا درى أن الأمير أحمد بن يزيد هو ابن الذي قيل في هجائه ذلك الشعر.
وبلغ هذا الشعرُ أبا الشمقمق، فقال يمدح يزيد بن مزيد الشيباني من بكر بن وائل:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى:
…
إذا عُدَّ في الناس المكارمُ والمجدُ
يزيدُ بني شيبان أكرم منهما
…
وإن غضبت قيس بن عيلانَ والأزد
(1)
ومن الجدير بالذكر في هذه القصة أن ولاية يزيد بن حاتم لإفريقية كانت من قبل أبي جعفر المنصور العباسي، في أواسط القرن الثاني الهجري، وكانت وفاته بسنة 170 هـ في خلافة هارون الرشيد.
وحكاية رمي الشاعر ثابت الرقيُّ، يزيد بن أسيد السُّلَمي بالشَحِّ البالغ ربما تعتبر في نظر الواقع من منسوجات خيال الشعراء، المنبثقة من عواطفهم وانفعالاتهم وتأثراتهم، فهم إذا رضوا أطنبوا في المدح وبالغوا فيه كما فعل ثابت مع ممدوحه يزيد بن حاتم، وإذا غضبوا أو لم تُستَجَبْ مطالبهمُ أعلنوا سخطهم وبالغوا في هجائهم، وحاولوا أن يكسو شعرهم في ذلك ما يجعله سَيَّارًا بين مختلف الأوساط، زيادة في النكاية بمن حرمهم من عطائه ومبالغة في تقدير من أكرمهم بإعطائهم.
(1)
المصدر السابق، ص 154.
القصة الخامسة
ارتحل القاضي أبو بكر بن العربي المعافري الإشبيلي المولد، من المهدية بتونس قاصدًا السواحل المصرية، وهاج البحر الأبيض المتوسط عليهم في السفينة، وقد غرقوا فيه، فأخرجهم الله منه خروج الميت من القبر، وانتهوا بعد خطب طويل إلى بيوت بني كعب
(1)
من سُلَيْم، وهم في مسغبة وعطب وعُرْي، إذ قد قذف البحرُ زقاقَ زيت مزقت الحجارة جلدها، فاحتزموا الجلود بعد النجاة من الغرق واشتملوها، فعطف عليهم أمير سُلَيْم فآواهم وأكرم مثواهم وأطعمهم وكساهم، وكانت عنايته بهم ناتجة عن معرفتهم بمعرفة القاضي أبي بكر بن العربي منذ صباه للعبة الشطرنج التي يتعشقونها إذ ذاك، فقد حضر إليهم ابن العربي وهم يلعبون الشطرنج وعلى رأسهم أميرهم، فكشف لهم عن مهارته فيه، فأعجبوا به، وحدث أن حرك أمامهم بعض حجارة الشطرنج مُساعَدةً للأمير حتى غلبهم، وفي أثناء تلك التحريكات ترنم ابن عم الأمير منشدًا قول أبي الطيب المتنبي:
وأحلى الهوى ما شَكَّ في الْوَصْلِ رَبُّه
…
وفي الهجرِ فهو الدهْرَ يَرجُو ويَتَّقي
فقال الأمير: لَعَن الله أبا الطيب، أوَيَشُكُّ الرَّبُّ؟ وهنا لم يستطع القاضي أبو بكر أن يسكت، فبادره قائلًا: إنه لم يفهم مقصد الشاعر، فالمتنبي إنما أراد بالرب هنا:(صَاحبَ الهَوَى) لا (المَوْلى) جل وعلا، وغَرَضُ المتنبي أن أحلى الهوى ما يَشُكُّ المُحِبُّ فيه في وصال محبوبه له، فهو طيلةَ عمره بين حالتي رجاء الوصال وخوف الهجران، كما قال:
إذا لم يكن في الحب سُخْطٌ ولا رِضىً
…
فأيْنَ حَلَاوَاتُ الرَّسَائِلِ والْكُتْبِ؟
وعندما أدرك القوم أن ضيفهم عالم كبير من علماء المسلمين، وأديب كبير من أدباء العرب، وحدثهم بأن أباه معه، استدعوا أباه، وأكرم السُّلَميون مثواهما، وخلع عليه الأمير خِلَعَهُ، وجاد لهم بجفان الطعام، ومن ثم ساروا حتى انتهوا إلى مصر
(2)
.
(1)
بني كعب من علَّاق من عوف وكانت لهم الرئاسة في عربان سُلَيْم في تونس الخضراه عدة قرون.
(2)
ترجمة القاضي أي بكر بن العربي، لمحب الدين الخطيب، في مقدمته لكتاب "العواصم من القواصم"، ص 11 و 12، نشر الدار السعودية للنشر بجدة.
وتَرَنُّمُ ابن عم الأمير - أمير بني كعب السُّلَميين، ببيت أبي الطيب المتنبي، وإن أخطأ فهم مراده كل الخطأ ففيه دليل ضمنيٌّ على بقاء صلة هؤلاء الأعراب المنعزلين بالفصاحة، وتعلقهم بالشعر العربي وحفظهم لدُرره وغُرره، وربما يعود عدم فهمه للمقصود من كلمة (الرَّبُّ) في بيت المتنبي، إلى الجهل الذي كان يسودهم حينئذ، لانعزالهم في مضاربهم النائية في برية قفراء بساحل البحر الأبيض المتوسط، ولربما لم يكن لديهم معلمون مُثَقَّفونَ يدلونهم على مقاصد الشعراء الذين يحفظون الكثير من أشعارهم، والمسألة موكولة إلى الفهم السليقي، وللسليقة حدود إذا تجاوزتها ارتطمت بصخور الغلط والزلل والالتواء عن النهج القويم، وانهِمَاكُهُمْ في لعبة الشطرنج يدلنا على وجود (فراغ) في أوقاتهم، كما يدلنا على تفضيلهم لهذه اللعبة التي تمثل ميادين الحروب والمعارك التي يهفون إليها منذ نزلوا أو أُنزلوا في أفريقية.
هذا، وقد أفادنا ابن خلدون بأن السُّلَميين الذين نزل عليهم القاضي أبو بكر بن العربي هم من بني كعب من علَّاق بن عوف بن بُهْثَة بن سُلَيْم بن منصور. وكانوا عند إجازتهم إلى إفريقية - على أثر الهلاليين - ما زالوا مقيمين ببرقة، وقد أكرمه شيخهم كما ذكر ابن العربي في رحلته
(1)
.
القصة السادسة
حينما ضاقت الأمور بإبراهيم بن عبد الله الحسني، واشتد الطلب عليه من العباسيين دخل البصرة في عام 145 هـ، وهي سنة مقتله بعد ظهور أخيه محمد في المدينة، وقد استقبله يحيى بن زياد بن حيان النبطي وأنزله بداره في بني ليث، فدعا الناس إلى بيعة أخيه محمد بالخلافة، وقد حوله الدعاة له في البصرة إلى وسطها، فنزل دار أبي مروان مولى بني سُلَيْم في مقبرة بني يشكر ليكون على مقربة من الناس، وولاه سفيان بن معاوية أمير البصرة على أمره، وكتب إليه أخوه محمد يأمره بالظهور.
وهكذا جعل أبو مروان السُّلَمي بالولاء من داره بالبصرة ملجأ سياسيا لهذا الزعيم الهاشمي الذي لم يقدر له إصابة مرماه، المتمثل في تولية أخيه (محمد)
(1)
تاريخ ابن خلدون، ص 144، الجزء السادس، طبع دار الكتاب اللبناني في بيروت.
الخلافة، لأن الظروف لم تكن مواتية، ولأنَّ الخليفة العباسيَّ كان يقظًا وحازمًا، ولم يكن غافلًا عن الأحداث ولا نائمًا.
القصة السابعة
ظهر الْقُرْظُ في نواحي البحرين وعُمَانَ، سار إليها من الكوفة سنة 279 هـ في أيام المعتضد العباسي، وانتسب الْقُرْظُ في دعوى كاذبة إلى بني إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق، وكان من أصحاب القرظ: الحسن الجمالي وزكرونة القاشاني، وقاموا بعده بالدعوة إلى عبد الله المهدي، وتغلبوا على البصرة والكوفة ثم انقطعوا عنهما إلى البحرين وعُمَان، وقامت لهم هناك دولة تغلَّب عليها - في المائة الرابعة للهجرة - بنو سُلَيْم، وبنو عُقَيل من هوازن، الذين كانوا مستوطنين في البحرين (الإحساء) بكثرة يومئذ
(1)
.
العلَّامة عبد الرحمن بن خلدون وبنو سُلَيْم وبنو هِلَال - في بلاد المغرب
-
عبد الرحمن بن خلدون، أحد مفاخر الحضارة العربية الإسلامية، وهو مستنبط "علم الاجتماع" وأبو بجدته، وقد ضمَّن مقدمته الفذة لتاريخه الكبير، هذا العلم نتيجة دراساته وتجاربه، ولكنه مع ذلك بشر من هذا البشر، له عواطفه ورغباته، ويضطرب فكره وضميره فيما يضطرب فيه سائر البشر، من حب وبغض وتقدير وتكدير، ويخطئ ويصيب، ومن هذه الناحية البشرية العامة يصح أن يوجه إليه ما يوجه إلى كل البشر - ما عدا الأنبياء - من النقد والتخطئة وتزييف الرأي وتحليل العاطفة، ومن هذه الناحية نوجه إليه ما سيأتي في هذا الفصل من النقد البنَّاء حيال مواقفه في تاريخه الكبير المسمى:(العبر) وفي مقدمته الفذة حيال العرب وحضارتهم. وقديمًا قال شاعرنا العربي الحكيم يُسجِّل لنا مواطن الضعف التي لابد أن تكون كامنة في تلافيف سجايا البشر، حتى ولو كانوا عباقرة أو أعلامًا أو عظامًا.
ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها
…
كفى المرء نبلًا أن تُعدَّ معايبهْ
(1)
تاريخ ابن خلدون، ص 596، المجلد الثالث، طبع بيروت.
يقول علماء النفس من العرب: العِرق دسَّاس، أفتوى "ابن خلدون" الذي ينتمي إلى "حضرموت من عرب اليمن - اليمانية" وإلى وائل بن حجر من أقيال العرب، القحطاني الأرومة"
(1)
أفترى هذا العرق قد أثر في العقل الباطن لابن خلدون، فأوجد في نفسه (عقدة) سلبية عميقةَ الجذور على عرب بني سُلَيْم وبني هلال، الذين هم من أرومة قيسية وعدنانية .. فقد ظلت رحى الحروب الداخلية دائرة أمدًا مديدًا من الزمن بين النزارية والقحطانية في الإسلام، وكلان منها بادئ ذي بدء حرب كلامية عارمة، أدت إلى قيام حرب أو حروب حُسامية ضارية.
ولربما كانت هذه النظرية التحليلية لآراء ابن خلدون في بني سُلَيْم وبني هلال خاصة وفي العرب عامة هي مصدر تلك الآراء المضطربة لهذا الرجل العظيم في عقله وحنكته السياسية وفي علمه وفكره، ولم يسبق لي أن رأيت من طرق هذا الجانب بهذه الصراحة، ولا بهذا الوضوح.
وآراء ابن خلدون في عرب المغرب خاصة وفي العرب عامة هي آراء سلبية أو مضطربة، بقوله فيها فيما يتعلق بعرب بني سُلَيْم وعرب بني هلال بالمغرب: إنهم ما كانوا إلا مصدر عبث وفساد لحضارة المغرب الممثلة في ملوكه من البربر، ويتجاوز هذه النظرية الخاصة كعالم اجتماعي يقيس العام على الخاص فيصدر حكمه بأن العرب بدون استثناء إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب، وقد عقد فصلًا مستقلًا لدعم هذه النظرية في مقدمته الرائعة، ولكن - والحق يقال - إن الصواب جانبه في تقرير هذه القاعدة، كما ستراه واضحًا مبرهنًا عليه في غضون هذا الفصل ومنقوضًا من كلامه وآرائه بذاته.
وربما كان ابن خلدون كما يترآى لنا، موفقًا في بعض ما أصدره من قرارات ونظريات مبنية على تجاربه الخاصة في أفريقية الشمالية فقط، لأنه خبير بأحوالها الاجتماعية، دارس لشؤونها الإدارية والفكرية والاقتصادية والدينية والسياسية، وهو في تجاربه مع بني سُلَيْم وبني هلال يرى أنهم لا ينصاعون لسياسة دول أفريقية الشمالية، وقد رآهم يلتزمون المقام في خيامهم، وكل حاجتهم إلى الحجارة هو نصب أثافي القدور عليها، ولذلك لا غرو أن يقوموا بتقويض المباني القائمة
(1)
التعريف بابن خلدون، لابن خلدون، ص 1 و 2، طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر.
وتخريبها، كما أنَّ كل حاجتهم للخشب منحصرة في إقامة الأعمدة لخيامهم منه وتشذيب الأوتاد لها، ولذلك تراهم يخربون سقوف الدور؛ لأن طبيعتهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران.
ومن طبائعهم - كما يرى ابن خلدون ويقرر - نهبُ ما في أيدي الناس، فكلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه، فإذا تم اقتدارهم على ذلك بالتغلب والملك بطلت السياسة في حفظ أموال الناس وخَرِبَ العمرانُ.
وحينما استوت له هذه التجربة في أبعادها وكما يراها هو، (عمم) هذه النظرية - كباحث اجتماعي مؤسس لقواعد علم الاجتماع عممها على العرب جميعًا بدون استثناء، لقد خاط من الجزئيات قباءً شاملًا للكليات.
وقد نسي ابن خلدون أو تناسى، أن بني سُلَيْم وبني هلال، هم قوم طارئون على بلاد المغرب، طرأوا فيها في وقت كان سوس الفساد ينخر دولهم، وعصا التفرقة والتحاسد والتباغض والتنافس تبدد شمل مجتمعاتهم ودولهم، وقد دخلوا أرض المغرب لمهمة سياسية معينة فرضتها عليهم السلطة ونقلتهم إلى المغرب من مصر لأجهلها خاصة، وهي دق الإسفينات بين تلك الدول، وطارئون مثلهم كثار ذوو عُدَدٍ وأنَفة ما كانوا ليرضوا بالدُّون، وما كانوا ليقبلوا إلا أن يكونوا رؤساء لا مرؤوسين، ومطاعين لا مطيعين، وسادة لا مسودين. ودول المغرب من جافبها ما كانت تقبل بسيادة الطُّرَّاء، فهي تقاومهم بكل ما يملكون، من ألوان المقاومة ولا تدع لهم منفذًا أو متسربًا لإقامة كيان أو لراحة من متاعب، لقد غرسوا كل ما أمكنهم من الشوك في طريقهم، وقاموا هم من جانبهم باكتساح كل من يتعرض لهم أو من يشتمُّون منه رائحة التعرض، ثم هم مأمورون لانتهاج خطة معينة لتغيير معالم وأوضاع دول أفريقية الشمالية المتناحرة ليصفو الجو أو ليزيد تلبده، فإذا صفا الجو أو زاد تلبده بعد قيامهم بمهمتهم الأساسية كان الربح في كلتا الحالتين لدولة العبيديين أولًا ولهم ثانيًا، وهم قوم صارمون وعارمون، وقد أدرك المعز سجاياهم وخصائصهم وشدة مراسهم، وتصميمهم على تنفيذ خطط من بعثهم من المشرق إلى المغرب، فحاول مهادنتهم وتقدم لمصاهرتهم، ولابد أن هذا كان له بعض الأثر في أنفسهم، لولا عوامل أخرى خفية نفترض وجودها كما يفترض رجل العصر
الحاضر وجود الحيوان الجرثومي وهو لا يراه بالعين المجردة، لأن العلم أثبته ولأنه يُرَى بالمجاهر المكبرة في المختبرات العلمية، فلولا تلك الأمور الخفية - على ما نرى - لبردت حديدتهم إزاء المعز بن باديس والي إفريقية الشمالية ومن وراءه ومن جاء بعده، ولكن هذه الأمور الخفية ضاعفت من حماستهم وقوت من عزائمهم، ودفعت بهم دفعًا إلى خوض المعارك في كل اتجاه، حتى إذا استتب الأمر على النحو الذي فصله المؤرخون رأينا من بني سُلَيْم وبني هلال - بعد تلك الأعاصير المذهلة - جماعات من الزُرَّاع والصُنَّاع والعلماء ساهموا مع إخوانهم المواطنين المغاربة في الحياة وفي المرافق الخاصة والعامة، ولا يمنع هذا من وجود فئات منهم ظلوا على ما كان عليه أسلافهم من النهب والسلب والاعتداء، فلكل عام خاص.
وعجيب أن يستدل ابن خلدون على عدم صلاح الأمة العربية للعمران بظلم الحجاج بن يوسف الثقفي؛ فالحجاج بن يوسف - كما وصفه التاريخ العربي وكما وصمه العرب المعاصرون له ومن جاءوا بعدهم - هو ذو طبيعة متعطشة للدماء ومغرمة بالعسف، عنده مركب نقص كبير، هو (ظالم) والظلم كما هو معلوم مقوِّض للعمران ومرهق للإنسان، فقياس الكليات بالشواذ، ووضع الشواذِّ معايير للكليات فيهما مُنْزَلَقُ رأي ابن خلدون، ونقطة اختلال موازين قاعدته، فأين الحجاج مثلًا من عمر بن الخطاب منشئ مدينتي البصرة والكوفة؟ وأين هو من أبي جعفر المنصور منشئ مدينة بغداد التي لا تزال قائمة إلى اليوم؟ وأين هو من عبد الرحمن الناصر منشئ مدينة الزهراء في الأندلس؟ وأين هو من غيره من حكام العرب وملوكهم العادلين بُنَاةِ المدائن ومؤثلي الحضارة؟ والحجَّاج على ما فيه من شذوذ مقوِّض ومجحف فقد أسهم في تأثيل العمران ببنائه مدينة واسط في العراق، وهذا نفسه ينقض رأي ابن خلدون حتى في الحجاج نفسه، ولا نرتاب في أن "العقد النفسية" المركبة المتفاعلة لدى ابن خلدون هي التي جعلته يركب هذا المركب فتخرج به راحلته عن الجادة ويسلك بُنيات الطريق، يقول: "وانظر ما ملكوه - يعني العرب - وتغلبوا عليه من الأوطان، من لدن الخليفة كيف تقوَّص عُمرانه وأقفر ساكنه، وبُدِّلت الأرض فيه. غير الأرض، فاليمن قرارهم خراب، إلَّا قليلًا من الأمصار، وعراق العرب كذلك قد خرب عمرانه الذي كان للفُرس أجمع، والشام لهذا العهد كذلك، وإفريقية والمغرب - وهذا هما أساس نظريته
السلبية تجاه بني سُلَيْم وبني هلال والعرب جميعًا، وأساس العقدة لديه - لما جاز إليها بنو هلال بنو سُلَيْم منذ أول العقد الخامس من المائة الخامسة بعد الهجرة، وتمرَّسوا بها لثلاثمائة وخمسين من السنين، قد لحق بها وعادت بسائطه خرابًا كلها، بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومي - البحر الأبيض المتوسط - كله عُمْرانًا، تشهد بذلك آثار الْعُمران فيه من المعالم، وتماثيل البناء، وشواهد القرى والمدر"
(1)
.
ووقائع التاريخ والعمران العربي تهدم هذه النظرية، وإن شئت فَاقْرأ ما حواه مثلًا كتاب "حضارة العرب" لغوستاف لوبون، وغيره من الكتب المعتبرة التي تصف لنا العمران العربي في هذه الأرض كنخبة الدهر في عجائب البر والبحر، وكمعجم البلدان لياقوت الحموي، وغيرها وغيرها .. وأخيرًا كتاب "شمس العرب تسطع على الغرب" للمستشرقة الألمانية زيفريد هونكه.
ومع وَضْعنَا في حسابنا ما حدث للمغرب من قلاقل واضطرابات وتدهور منذ القرن الخامس الهجري، فإنه يجب أن نضع في حسابنا أيضًا - للإنصاف والعدل - أنه ليس كل ما اعترى المغرب العربي من ذلك، من صنع أيدى عرب بني سُلَيْم وبني هلال، وليس كل ما اعترى بلاد المشرق أيضًا من صنع ظُلَّام حكام العرب ولا من عبث أعرابهم، ولا من انتقاض بعضهم على بعض، يجب - في هذا الموقف - أن نضع في حسابنا أيضًا - تلك الغارات الخارجية المتواترة كالفيضانات أو كالسيول الجارفة على المشرق من التتر والإفرنج، كما أن للإفرنج يدًا في خراب ديار المغرب بغزواتهم البحرية الاستعمارية له، فبغداد حاضرة العالم المتمدين في عهد عظمتها الباهرة قد دمرتها معاول التتر قبل عصر ابن خلدون، وأغرقوا تراثها العلمي العظيم في نهر دجلة، وهم قد أغاروا كذلك على الشام ومصر وعاثوا في الأرض فسادًا، وجاء بعدهم الصليبيون الحاقدون على حضارة الإسلام فزادوا الدمار والخراب دمارًا وخرابًا، وابن خلدون العالم الاجتماعي الواسع النظر لا تخفى عليه هذه الحقائق فكان من الملائم لقواعد العلم الاجتماعي الذي عكف على استنباطه أن يضع كل هذا في ميزان حسابه قبل أن يصدر حكمه الصارم على العرب بأنهم أمة غير قابلة ولا مستعدة للعمران.
(1)
مقدمة ابن خلدون، ص 265، طبع بيروت، 1961 م.
ويمعن ابن خلدون في ركوب بُنيات الطريق فنراه يعقد فصلًا خاصًّا في مقدمته في: "أن العرب أبعد الأمم عن سياسة المُلك"، ويُعلِّلُ هذه النظرية التي قدم بها هذا القصل بأن ذلك لأنهم أكثر بداوة من سائر الأمم
(1)
ويزيد الطينة بلة حيث نراه يستشهد على صحة نظريته هذه بقول رستم قائد جيوش الفُرس إذ رأى المسلمين يجتمعون للصلاة: (أكل عمر كبدي، يُعلِّم الكلاب الآداب)
(2)
، ورستم عدو مبين للإسلام، موتور أكل الحقد قلبه على المسلمين والإسلام - لو يعلم رستم - خيرٌ شامل له وللعالم أجمعه، وكلمته المذكورة هي "نفثة مصدور"، فما كان ينبغي لمن كان في مثل علم ابن خلدون وحصافته الاجتماعية والفكرية ومركزه الديني أن يتخذها مستندًا له في تقرير قاعدة اجتماعية حيوية تشمل العرب والمسلمين. ونعود إلى قوله السالف ذكره: إن السبب الذي جعل العرب أبعد الناس عن سياسة المُلك هو تغلغلهم في البداوة، فنرى أنها كلمة خرجت من فكر ابن خلدون عفويًّا وبدون تمحيص ولا تأمل ولا استقراء لحالة العرب الذين يتحدث عنهم وينتقدهم اجتماعيًّا وحضاريًّا، وليت شعري أية أمة متحضرة لم تمر قبل تحضرها على دور البداوة؟ هؤلاء الأوروبيون المتحضرون اليوم مرت بهم فترات بداوة غارقة إلى أذنيها في وحل البداوة وبأكثر من العرب، وقد وصف أواخرها أو أواسطها لنا المؤرخون من العرب والمسلمين الذين شاهدوا ديارهم واختلطوا بهم في ديارهم إبان الفتوحات الإسلامية، ومن يقرأ مثلًا (رحلة ابن فضلان) رئيس البعثة العلمية التي أرسلها المقتدر العباسي إلى بلاد الروس - روسيا - قبل ألف عام، يَرَ العجائب المدهشة والمذهلة في غرق الروس في حمأة البداوة والهمجية والجهل والتخريف المطبق بأكثر بكثير من بداوة العرب.
والعرب في جاهليتهم، قبل إسلامهم لم يكونوا كلهم بادية، كان منهم دول كبرى منظمة تنظيمًا حضاريًّا راقيًا بلغ ذروة الحضارة الإنسانية في الجنوب والشمال وفي الشرق والغرب من ديارهم، والذين نشروا أعلام الإسلام منهم في المعمورة كانوا أولوا الأمر فيهم وزعماؤهم وقادتهم وغالبية جيوشهم من أهل المدينتين
(1)
مقدمة ابن خلدون، ص 267.
(2)
نفس المصدر، ص 268.
العربيتين العريقتين: مكة والمدينة، فقد كان هؤلاء الحاضرة هم ضِئْضئ الإسلام، وقد أسلم بعدهم وبجهادهم تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم من أسلم من البادية والحاضرة معًا، وكما أسلفنا فإنه كانت للعرب قبل الإسلام وقبل تَحَضُّرِ كثير من الأوربيين ممالكُ ومدائن حضرية في غاية التحضر والمدنية في الشمال والجنوب وفي الشرق والغرب .. في البحرين وفي اليمن وفي نجد، وحضارتهم - كما ثبت أخيرًا عن طريق البحوث الأثرية - هي من أقدم الحضارات، ويكفي العرب فخرًا أن يكونوا حاملي ألوية الحضارة الإسلامية الغلَّابة إلى أرجاء العالم، وقد جرت محاولات عديدة عبر الأجيال ولا تزال من أجل القضاء على هذا النور الساطع الفيَّاض، من مختلف أجناس الناس ومذاهبهم ومبادئهم، فباءت جهودهم الحربية والعلمية والسياسية بالإخفاق الذريع. فالإسلام ذو حيوية وطاقة جبارة، فلا يكاد يختفي بعضه في بقعة من الأرض حتى يسطع متوهجًا في بقاع أخرى، وهكذا دواليك، إن الإسلام شُعلة وضاءة من الخالق العظيم أهداها للبشرية لتنجو من متاهات الظلم والظلام، فهو لن ينطفئ نوره أبدًا بإذن الواحد الأحد:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)} [التوبة: 32] وصدق الله العظيم.
ورستم الفارسي المجوسي مفترٍ مائق، فما عَلَّمَ عمرُ العربَ الآداب، والعرب من أكرم عناصر البشر، إن الذي علم عمر نفسه الآداب هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، ومحمد علمهُ رب الأرباب كل الآداب، فعلَّمها لعمر ولغير عمر من صحابته الكرام، وللناس كافة من بعدهم إلى يوم الناس هذا وإلى يوم الدين.
وعمر جندي من جنود الإسلام البررة الخيرة، وهو جندي باسل ومغوار حرب، وزعيم إدارة ومُخْتَطُّ حُكْم وسياسة في حرب وفي سلم، وكل ما قام به من ذلك وغيره هو مُسْتَمَدٌّ من "تعليم" رسول رب العالمين إلى العالمين.
وما كان ينبغي لابن خلدون أن يأخذ قول عدو للعرب مهزوم مأزوم في ساعات كربه ومحنته وهزيمته، حُجةً مُسلَّمة على قومه العرب والمسلمين، فالخصم في ساعات هزيمته وفي لحظات كربته يتقول على خصمه الهازم له كل ما لا يَصْدُقُ ولا يُصَدَّقُ، تنفيسًا من صدره الضيق مما يجثم عليه من أثقال الكبت والحقد والبغضاء والحرمان.
ومن عَجَبٍ أن نَرى ابن خلدون بعدما اندفع بجرة قلم في تيه سلب العرب كل مقوماتهم من الحضارة والعمران - إلى آخر الشوط، يعود رأسًا على عقب، فيقرر عكس ما سبق أن قرره تمامًا .. إذ يقول ما نصه عن حضارة العرب أنفسهم:(وما كان في القديم لأحد من الأمم في الخليقة ما كان لأجيالهم - أجيال العرب - من المُلْكِ، ودُوَلُ عاد وثمود والعمالقة وحِمْير والتبابعة - شاهدة بذلك، ثم دولة مُضَر في الإسلام: بني أمية وبني العباس) - وهكذا تورط ابن خلدون في نفي باتٍ جازم لأمر معين وفي إثبات له بذاته إثباتًا جازمًا قاطعًا.
إني لتعروني الدهشة من تناقض آراء "مؤسس علم الاجتماع"، إنه في نظريته هذه الخاصة "متهافت" كل التهافت، فقد قضى أولا بحرمان العرب كل العرب من مقومات المُلك والحضارة، ورماهم بكل شنعاء في تخريب العمران الذي يجدونه قبلهم، وفي تقويض دعائمه حتى تعود الأرض المعمورة من قبلهم خرابًا يبابًا موحشًا ومقفرًا، ثم هو نفسه يعود كلية عن هذه النظرية - بدون أن يشير إليها - فيقضي ثانية بنقيض قضائه الأول تمامًا، ويقرر أنه ما كان لإحد من البشر ما كان لأجيال العرب من المُلك كَدُوِلَ عاد وثمود والعمالقة وحِمْير والتبابعة قبل الإسلام، وكَمُضَر بشقيها: الأموي والعباسي في الإسلام. فهذَا نقض تام شامل لما سبق أن قرره.
والله تعالى يعلم حيث يجعل رسالتهُ، ولولا علمه بأن العرب أهلٌ لحمل هذه الرسالة المقدسة الشاملة للبشر كافة ما حَمَّلها الرسول العربي الكريم، وما تحمل أعباء نشرها العربُ إلى أمم الأرض كافة، أما القتل والتخريب فهما أمران ملازمان وشاملان لكل البشر في كل العصور، وناهيك بما حدث للروم وروما واليونان وأثينا، وما بناه العرب من مدن لا يزال باقيًا الكثير منه مزدهرًا بالعمران، موصول الحبل بسالف الزمان، برغم توالي النكبات عليهم وعليه، وَخُذِ القاهرة وبغداد والبصرة والطائف وصنعاء وعدن، وجُدَّة ومكةَ والمدينة، وغيرها مثلًا وشاهدًا مُشَاهَدًا، وليس الخبر كالعيان، وما خططوه ورتبوه من تراتيب سياسة المُلك والعمران، وما شيدوه من مدارس وجامعات كالأزهر وجامعة الزيتونة وجامعة القرويين - في كل ذلك دليل ناهضٌ على أن نظرية ابن خلدون السلبية حيالهم في هذه الشئون لا ترتقي إلى مستوى نظرياته الاجتماعية الأخرى بحال من
الأحوال، هي فلتة من فلتات الفكر البشري الذي لا يخلو من ضعف ومن وقوع تحت سيطرة عوامل عواطفه وانفعالاته أحيانًا.
وربما كان السبب الذي دفع ابن خلدون للقول بهذه النظرية يعود إلى هذه الهوة النفسية التي هبط إليها فكره وهو يحرك حجارة شطرنج عرب بني سُلَيْم وعرب بني هلال تبعًا لعواطفه وانفعالاته في ذلك الجو المغربي السياسي المضطرب الملتهب، فقد كان لابن خلدون مطامعه ومطامحه، وكانت له رغباته وأهدافه، وكانت له سياسته ومراميه ونزعاته، وكان في سياسته المغربية متقلبًا، وكان قد ساق عرب بني سُلَيْم وعرب بني هلال إلى حومة هذا التقلُّب ردحًا من الزمن فانساقوا له طائعين، فلما اكتشفوا - واقعيًّا - إن ابن خلدون لم يكن ذا سياسة قويمة حكيمة في تنظيم شئون الدولة، ولم يكن ذا ثبات، فهو اليوم مع الحفصيين وغدًا مع غيرهم نفضوا أيديهم منه، فأحفظه ذلك، فنسج عليهم خيال نظريته هذه حيال نرهم الفوضى والاضطراب والخراب والدمار في البلاد تشنيعًا عليهم، وهو - والحق يقال - وغيره من زعماء المغرب كانوا هم الأساس والقادة والرادة في بث هذه الفوضى وهذه القلاقل، وربما كانت سُلَيْم في عصر ابن خلدون إحدى ضحايا سياسات الزعماء المتفرقين المتنابذين الذين يكيد بعضهم لبعض ما وسعهم الكيد، ويستعين كل منهم بكل ما يمكنه، ومن يمكنهُ الاستعانة به ضد خصمه، فيكيل له الضربات، ويطارده سرًّا وجهرًا حتى يُقْضى على أحدهما.
وقد قدَّم لنا أحد شهود الإثبات ممن لا يرتقي إليهم الشك - قدم لنا دلائل وشواهد واضحة المعالم على أن ابن خلدون كان بنفسه أحد عوامل الاضطراب والخراب اللذين حَلَّا بديار المغرب مما سنأتي بتفصيله إن شاء الله. وهذا الشاهد الحصيف هو الشيخ مبارك الهلالي الميلي، مؤرخ الجزائر، في كتابه:(تاريخ الجزائر في الماضي والحاضر).
ومن آثار العقدة النفسية المتغلغلة في شغاف ابن خلدون حيال بني سُلَيْم وبني هلال خاصة قوله عنهم في كتابه (العبر): "وليس لهم الآن - أي في القرن الثامن الهجري - عَدَدٌ ولا بقية في بلادهم"
(1)
. إن واقع الحال لا يثبت هذا القول،
(1)
تاريخ ابن خلدون، ص 639، الجزء الثاني، منشورات دار الكتاب اللبناني في بيروت.
فلا تزال بنو سُلَيْم تستوطن بلادهم الأصلية في هذه المملكة بين الحرمين الشريفين، ولهم فيها قراهم القديمة والحديثة ومزارعهم ومياههم، وابن خلدون نفسه ناقَض نفسه حيال هذه النظرية، فقد ذكر في (العبر) في مكان آخر أن (بجهة المدينة من بني ذباب السُّلَميين خلقًا منهم يؤذون الحاج ويقطعون الطريق)
(1)
. وابن خلدون أفادنا من حيث يشعر أو لا يشعر بأن بني سُلَيْم المقيمين في عهده هنا هم من بني ذباب، وربما كان الموجودون منهم الآن من بني ذباب أو من غيرهم من بني سُلَيْم بن منصور.
ويتحدث لنا ابن خلدون عن "بني ذباب" بن مالك السُّلَميين، ويذكر لنا منازلهم، بإفريقية في القرنين السابع والثامن الهجريين، وهي تقع بين قابس وبرقة، ويجاورون مواطن "هيب"، ولم يكتف بذلك بل تجاوزه إلى القول بما يناقض قوله السابق بأنهم انقرضوا من مواطنهم الأصلية في هذه البلاد فقال كما قدمنا آنفًا:"وبجهة المدينة خَلْق منهم يؤذون الحاج ويقطعون الطريق" وتنكيره لكلمة: "خَلْقٍ" يدل دلالة لغوية واضحة على أنهم في هذه البلاد كثيرون في زمنه، وإذن فبنو سُلَيْم في عهد ابن خلدون هم "خلقان عظيمان": خلق عظيم منهم بأفريقية، ومثلهم في الكثرة من ظلوا مقيمين في ديارهم بين الحجاز ونجد، وَقطعُ بنو سُلَيْم للطريق على الحجيج يرتقي إلى عهد آل قتادة الأشراف من حكام مكة، ما بين عامي (597 - 819 هـ)، وأول خَيْطِ هذا التاريخ (597 هـ) بينه وبين عهد ترحيل بني سُلَيْم المقيمين بمصر إلى بلاد المغرب الذي كان بسنة 440 هـ بينهما (156) سنة.
وابن خلدون خبير بموافع بني سُلَيْم في بلاد المغرب، فها نحن أولاء نراه يتتبع منازلهم .. فبنو سُلَيْم منهم مَواطِنْهم كانت فزان وودان وكلاهما من أرض ليبيا، وقد أعطانا أسماء رؤسائهم في عهده فقال: رؤساء بني ذباب لهذا العهد في الجواري ما بين طرابلس وقابس وبيتُهم بنو صابر، والمحاميد
(2)
بنواحي طرابلس وبيتُهم في بني رحاب بن محمود. ومن بني سُلَيْم بنو عوف بن بُهثة ما بين قابس
(1)
المصدر السابق، ص 638، نفس الجزء والطبعة.
(2)
لا يزال المحاميد السُّلَميون في ليبيا بطرابلس الغرب حتى الآن على ما حدثني به الأستاذ خليفة شعبان. ولربط حلقات التاريخ ببعضها ينبغي أن نذكر هنا بالمناسبة ما أورده الأمير شكيب أرسلان من أن بني سُلَيْم هم الذين قاوموا في ليبيا الاستعمار الإيطالي أعنف مقاومة، فلعل الذين قاوموا الاستعمار الإيطالي منهم هم المحاميد السُّلميون.
وبلد العُنَّاب من أفريقية، وهم جذميين: مرداس وعلَّاق، فأما مرداس فرئاستهم في بني جامع لهذا العهد، وأما علَّاق فكان رئيسهم الأول في دخولهم أفريقية رافع بن حماد، ومن أعقابه: بنو كعب
(1)
رؤساء سُلَيْم في عهد ابن خلدون بأفريقية.
والمستوطنون بأجدابية وجهاتها من سُلَيْم - على ما أفادنا به ابن خلدون - هم بنو هيب بن بُهثة إخوة بني عوت بن بهثة، وهم ما بين السدرة من برقة إلى العدوة الكبيرة ثم الصغيرة من حدود الإسكندرية، فأول ما يلي المغرب منهم بنو أحمد لهم أجدابية وجهاتها، وهم عدد يرهبهم الحاج ويرجعون إلى شماخ؛ وقبائل شماخ لها عدد وأسماء متمايزة، ولها العز في هيب لكونها جازت المُخصَّب من بلاد برقة، مثل المبرج وطلميثا ودرنا.
ويعزو ابنُ خلدون وَهنَ المغرب إلى أمور منها وفي مقدمتها: سلوك أعراب بني سُلَيْم وبني هلال في تلك البلاد، فهو متأثر منهم من هذه الناحية، يحاول جاهدًا أن يغرس في أذهان قُرَّائه رأيه هذا حيالهم بأنهم أصل كل ما حدث للمغرب من رزايا وانتكاسات.
وقد سبق لنا أن أشرنا إلى "العُقَد العْرقيةِ والنَّفْسَّية" التي ربما كانت تتحكم في توجيه آرائه حيال بني سُلَيْم وبني هلال، فلا حاجة لتكرارها هنا، وقد نسيَّ أو تناسى ابن خلدون في خضم حوادث اضطراب أمور المغرب أنه هو وأضرابه من كبار ساسته هم صانعو هذه القلاقل، وكان بنو سُلَيْم وبنو هلال أدوات يحركها هو وأضرابه من دهاقنة السياسة المغربية كما يشاؤون، تارة إلى اليمين وتارة إلى الشمال، مما جعل بني سُلَيْم وبني هلال آخر الأمر يفطنون إلى أنهم أصبحوا مجرد "لُعبٍ ودُمىً" بيد زعماء السياسة المحترفين المتناحرين المتقلبين ذات اليمين وذات الشمال وفي مقدمتهم عبد الرحمن بن خلدون، فنفضوا أيديهم منهم آخر الأمر، واتخذوا لهم سياسة شبه مستقلة، لا نقول: إنها حكيمة، فالإنسان ابن بيئته، وقد
(1)
ومن الكعوب قمان أولاد أبو الليل، وأولاد أبو طالب وقد تحاربا وقُتل معظم الأخيرين، واستقل برياسة الأعراب من سُلَيْم في تونس أولاد أبي الليل حتى أوقعت بهم الدولة الحفصية في أواخر القرن الثامن الهجري فهاجروا إلى ليبيا ومنهم قبائل السعادي، وهاجر حلفاؤهم من حكيم من علَّاق إلى صحراء الجزائر.
أحفظ ابن خلدون تملصهم من انتهاج سياسته والاندفاع وراءه فيما يندفع فيه من تحزبات وتقلبات ناجمة عن عواطفه وميوله الخاصة، فكتب عنهم ما كتب.
وقد كشف لنا الشيخ مبارك الهلالي الميلي الجزائري رحمه الله في كتابه: (تاريخ الجزائر في القديم والحاضر) السر الذي جعل ابن خلدون يحمل على عرب بني سُلَيْم وبني هلال في أقطار المغرب فيقول: (وكانت بطانة الحفصيين يستعملون نفوذهم مع رياح وغيرها في مصالحهم الخاصة وحسب أهوائهم، فربما دَعَوُا القبيلة اليوم إلى طاعة ملك وَدَعَوْهَا غدًا إلى حربه، وهذا عبد الرحمن بن خلدون كان مع الحفصيين، فدعا رياحًا - ورياح من بني هلال - لطاعتهم، ثم فارقهم، فدعاها لأبي حَقُوا الثاني سنة 769 هـ، ثم حملها على حربه ومحالفة عدوه عبد العزيز بن أبي الحسن سنة 772 هـ، ومع هذا التلاعب الذي لم يسلم منه فيلسوفنا نراه يؤنب العرب أن جرؤوا على الدولة)
(1)
.
وهكذا أماط لنا اللثام مؤرخُ الجزائر في القرن العشرين، عن السر الكامن وراء تحامل ابن خلدون على عرب بني سُلَيْم وبني هلال في بلاد المغرب، وإذا ظهر السبب بطل العجب .. وربما نستطيع أن نضيف إلى هذا السر الخفي سرًّا أخفى منه وأعمق وأقدم ساكنًا بين ضلوع ابن خلدون، كتُراث يحمله عقله (الباطن) عن أسلافه القحطانيين، فقد شاهد بعينيه صعود نجم بني سُلَيْم وبني هلال العدنانيين في الوقت الذي كان فيه نجم القحطانيين آفلًا من المغرب، ولابد أن هذا العامل الأخفى أثره من دبيب النمل قد جرح أيضًا كبرياء ابن خلدون، وعمل عمله مع العامل السياسي الذي ذكرناه آنفًا.
إزاحة شبهة علمية
جاء في "مقدمة الكتاب" ما نصه: (وقد بحثتُ فيما لديَّ من المراجع، لعلي أعثر على كتاب، أُلِّفَ قديمًا أو حديثًا في تاريخ هذه القبيلة فلم أعثر على ذلك، اللهم إلا ما ورد من أن أبا لقاسم بن بشر الآمدي المتوفي سنة 370 هـ ألف دواوين قبائل العرب، ومنها دويان شعراء بني سُلَيْم، وقد فقد هذا الديوان).
(1)
تاريخ الجزائر في القديم والحاضر، لمبارك الميلي الجزائري، ص 272، الجزء الثاني، طبع المطبعة الجزائرية الإسلامية بقسنطينة بالجزائر.
وواقع الحال يطابق ما ذكر، وذلك في قد كنت وجدت في كتاب:"مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية" للدكتور ناصر الدين الأسد، فصلًا كاملًا عنوانه:"الفصل الثاني في دواوين القبائل" وقد جاء في هذا الفصل: أن أبا القاسم الحسن بن بشر الآمدي المتوفي سنة 370 هـ ألف ستين ديوانًا من دواوين القبائل، قال المؤلف عنها:"هي في ترتيبنا لها على حروف الهجاء كما يلي" .. ثم ذكر المؤلف بجانب الرقم المتسلسل الذي هو: [24]- كتاب بني سُلَيْم، وسيبدو لك جليا أنه ليس المقصود من هذا الديوان كونه "كتابًا" بالمعنى المفهوم لدينا للكتاب كما يتبادر إلى الذهن، وإنما الغرض من صيغة (كتاب) هذه هو "الديوان"، بدلائل منها قوله في أول هذا الفصل:(الفصل الثاني دواوين القبائل)، ثم قوله فيما بعدُ عن هذه الدواوين من أشعار العرب التي بلغت [60] ديوانًا:(ولم ينسب الآمدي شيئًا من هذه الدواوين إلى جامع أو صانع من الرُّواة العلماء، بل أرسلها هكذا غفلًا، إلا ديوانين منها)
(1)
، وبدليل قوله في الصفحتين 551 و 552 من كتابه الآنف ذكره:(إن هذه الدواوين أو هذه الكتب هي أشعار القبائل)، وبدليل قوله: (وأول ما نلحظه في هذه الدراسة هي تسمية الديوان، فقد كانوا يطلقون على ديوان القبيلة أشعار بني فلان أو شعر بني فلان أو كتاب بني فلان، فالآمدي مثلًا يذكر في موطن من كتابه "شعر فزارة"، ويذكر في موطن آخر "كتاب فزارة"، وهما بمعنىً، ويذكر "كتاب بني يشكر" و "شعر بني يشكر"، ويذكر "كتاب بني عُقيل" و"شعر بني عُقيل"، و "كتاب بني أسد" و"أشعار بني أسد"، و"كتاب طيئ" و"أشعار الطائيين"، وكتاب "بني سُلَيْم" و"أشعار بني سُلَيْم" وهكذا" هـ.
وبدليل قوله بعد ذلك ما ملخصه: "إن في كتاب القبيلة أو في ديوانها فضلًا عن بيان حادثة تاريخية ذكرت في الشعر، أو في توضيح المناسبة التي قيلت فيها القصيدة، أو في تفسير بيت من أبياتها - فإنه يحوي نسب القبيلة أيضًا، وكل الأخبار والأحاديث والقصص الواردة في ديوان القبيلة أو كتابها أو شعرها - لم يذكر لذاته، وإنما ذكر لذكر الشاعر نفسه وشعره"، وقوله أخيرًا: إن "كُتُبَ القبائل
(1)
مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، للدكتور ناصر الدين الأسد، ص 543 و 544، طبع دار المعارف بمصر، 1962 م.
في جوهرها مجموعات شعرية، تضم بين دفَّتيها قصائد كاملة مقطوعات صغيرة، وأبياتًا متفرقة لشعراء تلك القبيلة أو لبعض شعرائها، وربما ضمت أكثر شعر هؤلاء الشعراء، وربما ضمت جميع شعر شاعر منهم وديوانه كاملًا، وتضيف إلى ذلك من الأخبار والنسب والقصص والأحاديث ما يتصل بالشاعر نفسه أو ببعض أفراد قبيلته، وما يوضح مناسبات القصائد ويفسر بعض أبياتها ويبين ما فيها من حوادث تاريخية، فيجئ كتاب القبيلة بذلك سِجلا لحوادثها ووقائعها، وديوانًا لمفاخرها ومناقبها، ومعرضًا لشعر شعرائها" [ص 554 و 555 من الكتاب المذكور].
وأخيرًا، يقول ناصر الدين الأسد عن دواوين القبائل هذه أو شعرِها أو كِتبها: (إن الآمدي لا ينسب شيئًا من هذه الدواوين إلى جامع أو صانع من الرواة العلماء، بل أرسلها هكذا غفلًا، إلا ديوانين منها: الأول: أشعار بني تغلب، والثاني: أشعار الرباب - ص 554 و 555 - .
ثم تعرض لمحل الشاهد، وهو قضية وجود شيء من هذه الدواوين أو الأشعار أو الكتب، وبقائها حتى اليوم من عدمه، فقال: (فإذا كان ذلك كذلك فما أشد حسرة الباحث في دواوين القبائل وروايتها إذا علم أن صروف الدهر لم تبق لنا إلا على ديوان واحد فقط من هذه الدواوين الكثيرة التي زخرت بأسمائهم المصادرُ العربية، وهي ليست إلا جزءًا مما قاله شعراء القبائل - هذا الديوان الوحيد الذي بقي لنا هو ديوان هُذَيل - ص 548 - .
وبهذا يتضح جليا أنه لم يؤلَّف كتاب مستقل بمعنى الكتاب المعروف لدينا علميا عن تاريخ بني سُلَيْم، فيما أورده الدكتور ناصر الدين الأسد، وإنما الذي أُلِّف هو ديوان يحوي أشعارهم ويتضمن بعض أخبارهم وقصصهم وأسباب نظم هذه القصائد، وحتى هذا اللون من "الجمع" عصفت به صروف الدهر فلم تبق لنا على ما يقوله الدكتور ناصر الدين الأسد، اللهم إلا ديوانًا واحدًا هو ديوان هُذَيْل لا ديوان سُلَيم، على أنه لو لم يفقد ديوان شعر سُلَيْم هذا فيما فقد من أمثاله لكان في ذلك كسب لنا ولتاريخهم بالإلمام بأغلب شعرهم وشعرائهم، فمن دراسة ذلك دراسة واعية وعميقة وشاملة ومقارنة يمكننا أن نخرج بفوائد جمة عن تاريخهم القديم، فعسى أن يعثر عليه أو على بعضه في بعض رفوف المكتبات الخاصة أو العامة، ثم عسى أن يُنشر - إذا عُثر عليه - نشرًا علميا محققًا موفقًا.
الأنسابُ العربيةُ في العصور الإسلامية
يلاحظ المتتبع لمراجع التاريخ الإسلامي والعربي عبر القرون الإسلامية، وأخيرًا - اختفاء أسماء الأعلام من بني سُلَيْم - إلا ما قل وندر - ولعل هذه الظاهرة ذات علاقة بما يلي تبيانه:
أولًا - انصراف أغلب أبناء هذه القبيلة عن أسباب البروز، وأعني بهؤلاء من يقطنون ديارهم الأصلية خاصة، وذلك منذ أرسل إليهم الواثق جيشًا عرمرمًا من بغداد لتأديبهم، وللحيلولة بينهم وبين العدوان على الجيران، وربما على حجاج بيت الله الحرام وعابري السبيل أيضًا، ولذلك لم نرَ منهم أعلامًا تاريخيين كما - كان عليه حالهم من قبل ذلك، خاصة وقد نفضت الحكومات المتعاقبة أيديها من مهمة تعليمهم وتثقيفهم وإصلاح شئونهم، وهكذا ظلوا متجمدين أو مُجمَّدين إلى عهد انبعاثهم في العهد السعودي الزاهر الذي ضمن تكافؤ الفُرص لكل المواطنين بدون تمييز.
وثانيًا - ما لاحظه المَقري التلمساني بالقرن الهجري الحادي عشر، ومن قبله ابن سعيد، قال المقري: (وأما بنو أمية فمنهم خلفاء الأندلس، قال ابن سعيد: ويعرفون هنالك إلى الآن بالقريشيين، وإنما عَمَّوا - أي أخْفَوْا - نسبهم إلى أمية في الآخر لما انحرف الناس عنهم، وذكروا أفعالهم في الحسين رضي الله عنه
(1)
.
وهكذا كان ابن سعيد من أوائل من قرعوا باب "أثر السياسة في اختفاء الأنساب"، وقد وضع لنا الأستاذ ناجي معروف النقط على الحروف حيال هذه الظاهرة - حينما قال في مقدمة كتابه النفيس:
(وقد توصلنا في هذا البحث إلى أن كثيرًا من هؤلاء المنسوبين أو المضافين إلى مُدنٍ أعجمية إنما كانوا من أصل عربي خالص، وسنبرهن في هذه الرسالة على هذه الحقائق العلمية التي لا ريب فيها، وعلى مدى تغلغل العرب في البلاد الإسلامية واستقرارهم في مدنها، هم وذراريهم وتصاهرهم مع أهلها، وتوطنهم فيها أجيالا طويلة حتى اليوم)
(2)
، وقال أيضًا: (ينسب عدد لا يحصى من العلماء
(1)
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، لأحمد بن محمد المقري التلمساني، ص 271، المجد الأول طبع مطبعة السعادة بمصر، سنة 1367 هـ - 1949 م.
(2)
علماء ينسبون إلى مدن أعجمية وهم من أرومة عربية، للأستاذ ناجي معروف، ص 3، طبع مطبعة الحكومة ببغداد.
العرب إلى مختلف المدن الأعجمية، فتقرأ مثلًا: الأصفهاني، والنيسابوري، والفيروز آبادي، والرازي، والطبرستاني، إلخ. ويظن الكثيرون من الناس أنما هم من الفُرس أو الأتراك أو الهنود أو المغول أو غيرهم من الأمم التي دخلت في الإسلام، ويعتقدون أنهم أعاجم وليسوا عربًا، باعتبار أن العرب لا ينتسبون إلى المدن أو القرى أو المحال أو الأماكن المختلفة الأخرى، ولم يُسمع أن أحدًا من العرب في الجاهلية وصدر الإسلام وعهد الأمويين انتمى أو انتسب إلى مكة أو المدينة أو الطائف أو صنعاء أو عدن. إلخ، وإنما كانوا ينتسبون إلى قبائلهم وعشائرهم، وإلى أفخاذها وبطونها، فتسمع على الدوام: القرشي، والمخزومي، والزهري، والسهمي، والتيمي، والتميمي، والباهلي، والأسدي. وأما الأعاجم فينتسبون إلى المدن والقرى والأماكن، ولا يَعْتَزُّونَ كالعرب بانتسابهم إلى الآباء أو الأمهات، أو القبائل وبطونها وأفخاذها) (1).
ثم أوضح المؤلف أن هذه الظاهرة بدأت تبرز في العالم العربي والإسلامي عندما أصبحت بغداد مدينة أُمَمِيَّةً كبيرة تضم أناسًا من كل الأجناس والقوميات ومن مختلف الملل والنحل، فصار عندها وفي ذلك الظرف، العرب الصُّرَحَاءُ ينتمون مثل الأعاجم إلى المدن والقرى والْمَحَالِ والأماكن المختلفة، وبخاصة أولئك العرب الذين عاشوا بين ظهراني المسلمين من غير العرب، وهكذا صار المنتسبون إلى المدن من عرب وغير عرب، كثيرين جدا، فكان من المنتسبين إلى بغداد مثلًا كثرةٌ من كل جنس وفن، كما يقول السمعاني - في كتابه في الأنساب - ص 269 ج 2 (2).
وزاد المؤلف هذا الموضوع وضوحًا وتعريفًا حينما قال:
(وإذا علمنا أن عدد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين انتشروا في هذه البلاد إبان الفتوح الإسلامية وَحَمَلُوا إليها مشاعل العلم، كان عددهم اثني عشر ألف صحابي
(3)
أدركنا عِظَمَ التأثير العربي على هذه البلاد وتعريب الثقافة فيها، هذا
(1 و 2) المصدر السابق، ص 5 و 6.
(3)
عن العواصم من القواصم، ص 243 (علماء ينسبون إلى أرومة أعجمية وهم من أرومة عربية) للأستاد معروف ناجي، ص 7.
عدا الجيوش العربية الفاتحة من المهاجرون والأنصار، وعدا أولئك الذين انتقلوا من القبائل والأُسَر العربية إلى بلاد المشرق والمغرب من مختلف الأقطار العربية، وعدا أولئك الذين ظلت الجزيرة العربية تُغَذِّي بهم هذه البلاد طوال العصور في هجرات مستمرة نحو الغرب والشرق)، وزاد الموضوع تحليلًا وإيضاحًا حينما تحدث وضرب مثلًا لاستعجام العرب وأسباب إخفائهم لأنسابهم عمدًا، خوفًا من سيف الانتقام المُصْلَتِ على رقابهم، بما حدث في دولة "المغول" في عهد جنكيز خان، إلى احتلال هولاكو لبغداد، حيث مَحَوْا أكثر بلدان الشرق وأقطاره محوًا تامًّا وأزالوا مُدُنًا لم تقم لها قائمة، وقتلوا علماءها وأهلها ولم يَنْجُ منها إلا أفراد قلائل. وتعاقب على الحكم بعد المغول أمم لا تَمُتُّ إلى الثقافة العربية ولا إلى النسب العربي بصلة، وكان أثرهم كبيرًا في طمس معالم الحضارة العربية، وفي إظهار الألقاب الأعجمية للعرب في مكان الألفاب العربية لهم. ثم ساق المؤلف أمثلة كثيرة من الألقاب الأعجمية التي تطلق على أفراد عرب معروفة عروبتهم في التاريخ، إمَّا جريًا على سَنَنِ أولئك الأعاجم، أو خوفًا وحَذَرًا من بروز أنسابهم العربية فيتعرضون للمهانة، وما هو أكبر من المهانة في أجواء لا تتفق واتجاهاتهم، وذكر أنسابهم الصحيحة الكامنة.
وبعد أن ساق عشرات الأمثلة على نظريته هذه، دخل إلى صلب الموضوع فأشبعه تحليلًا وإيضاحًا وتركيزًا، قال:(وقد ساعد الانتساب إلى المدن الأعجمية أو الإسلامية وحتى العربية، أو الحرف والصناعات والوظائف أو الفرق الدينية أو الطوائف المذهبية، أو إلى الرجال والنساء، على تحاشي النسب الحقيقي عند الأزمات الحادة، أو في أثناء بعض الظروف السياسية الحرجة التي كانت تواجه الأمة)، إلى أن قال:(وكان طبيعيًّا أن يخفي الناس أنسابهم في مثل هذه الظروف القاسية، ويحاولو الاختفاء في المدن النائية، وينتسبون إلى المدن أو الْحِرَفِ أو الصناعات إلخ)
(1)
.
ولقد كان إظهار النسب العربي في عهد ساد فيه الأتراك والبويهيون من الأمور الصعبة التي تُعرِّض أصحابها إلى المطاردة، أضف إلى ذلك أن البويهيين
(1)
المصدر السابق، ص 28.
الذين بَنَوُا الطائفية في العراق، وحاربوا مناوئيهم كان لهم أثر كبير في إخفاء الأنساب العربية سواء أكانت عباسية أم بكرية أم عمرية أم أموية إلخ، وفي انتحال أنساب علوية لينالوا الحظوة عندهم، وقُلْ عكس ذلك في زمن السلاجقة).
ثم ذكر أن هذه الظاهرة اشتدت جدا في زمن الصفويين، حتى إن الناس عمدوا إلى تغيير أسماء المشاهد والأضرحة، مخافة نبشها أو العبث بالأموات، إذا كانوا ينتسبون إلى العباسيين أو الأمويين
(1)
إلخ).
وهكذا شرح لنا المؤلف أبْعَاد هذه الظاهرة التي لابد أنها عملت على طمس كثير من معالم أنساب العرب الذين وقعوا تحت طائلتها، ليتمكنوا من أن يعيشوا في إطارها بأمان واطمئنان بين الشعوب التي تحيط بهم والتي يساكنونها، ولابد أن حالتهم المعيشية لو سلكوا غير هذا السَّنَن ستكون صعبة ومرتبكة ومضطربة، خاصة مثل بني سُلَيْم الذين شرَّقوا وغرَّبوا، وأسهموا في حوادث ومعارك مَصِيريَّةٍ وغير مصيرية أثمرت لهم عداوات وحزازات وضغائن في الأمم التي أقاموا بين ظهرانيها بعد انتهاء صولتهم وقوتهم.
ولعل السببين المذكورين في أوائل هذا الفصل كانا قد تضافرا على اختفاء أسماء كثير من رجالات سُلَيْم في الأجيال التي سبقت جيلنا الحاضر.
ومعلوم أن رئيس الأسرة إذا عمد إلى إخفاء حقيقة نسبه لأسباب ملجئة، فإن الجيل الثالث من نسله على أقل تقدير ينسى أصله.
وقد تتبعتُ - بقدر استطاعتي وجهدي - الأسْفَار التي أُلِّفَتْ في القرن العاشر - مثلًا - وما بعده، فما وجدت تراجم لرجالات سُلَيْم في علم أو أدب أو إدارة، اللهم إلا قلة ضئيلة
…
وهذا مع ملاحظتنا للسهو الذي وقع فيه الشيخ عبد الرازق البيطار حينما ترجم لمنصور بن عمار السُّلَمي الذي كان يعيش في عصر الليث بن سعد الفهميّ وهو القرن الهجري الثاني، وكان صديقًا لليث ونزيله في مصر، في ظرف من ظروف الزمن، فقد اعتبره الشيخ عبد الرازق البيطار من أهل القرن الثالث عشر الهجري، وترجم له على هذا الأساس ترجمة حافلة، بالصفحة
(1)
المصدر السابق، ص 29.
1562 من كتابه القيِّم: (حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر). ولست أدري من أين استقى ترجمته كما وردت في ذلك الكتاب؟!!
على أني وجدتُ في كتاب محمد خليل المرادي، ترجمتين لشخصين وصفهما المرادي بأنهما (سُلَيميان)! (هكذا)، وهما دمشقيان، ولكني - والحق يقال - لم أتَأكَّدْ ما إذا كانا من بني سُلَيْم بن منصور، أم من غير هذه القبيلة؛ لأن المؤلف لم يتعرض لشيء من التفصيلات عن ذلك.
والشخصان هما:
1 -
الشيخ أسعد المجلد بن عبد الرحمن بن محيى الدين بن سليمان الشهير بالمجلِّد، لكون والده في مبدأ الأمر مشتغلًا بتجليد الكتاب - الحنفي السليمي الدمشقي) إلخ
(1)
.
2 -
علي السليمي بن محمد بن علي بن سليم الشافعي الدمشقي الصالحي الشهير بالسليمي)
(2)
.
ومع أني أعرف أن بني سُلَيْم بن منصور قد بقيت منهم أُسَرٌ في الشام، وبدمشق بالذات بعد إجلائهم عن الشام، ولعل ئلك الأُسَرَ من نسل من جاءوا إليها مع غزاة القرامطة في احتلالهم للشام، وذلك مثل سلطان العلماء (الْعِزُّ بن عبد السلام) - فإني لم أستطع الجزم مطلقًا بحقيقة نسبة هذين الشخصين الدمشقيين اللذين نَعَتهُما "المرادي" بأنهما "سليميان"، على أَنه مما بدا لي أثناء بحث حالتهما على ضوء ما ورد في ترجمتيهما في الكتات الآنف ذكره، أن الثاني منهما ربما يكون (سَليِميًّا) بفتح السين المهملة، إذا صح هذا التأويل فيكون قد وابتعد عن محيط نسب (بني سُلَيْم)، لأن اسم جدهم (سُلَيْم) بضم السين، وهو أي (علي السلمي) حفيد (سَليم) بفتح السين - فنسب إليه وقد أورد المؤلف أنه (صُلِّيَ عليه بجمع حافل في السِليمية)، وبقي الأول منهما مُحَاطًا بدائرة الشك في
(1)
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، لمحمد خليل المرادي، ص 229 المجلد الأول، طبع المطبعة الأميرية ببولاق، مصر، سنة 1301 هـ.
(2)
المصدر السابق، ص 219، المجلد الثاني.
حقيقة انتمائه لسُلَيْم، إذ ليس هناك قرينة صالحة للاستناد عليها تفتح النوافذ المغلقة حيال حقيقة هذا الانتماء، أهو لبني سُلَيْم - بضم السين - أو هو لِجَدٍّ له اسمه (سليم) بضم السين أيضًا أو بفتحها، والجزم بشيء ما حيال نسب هذا الرجل رهن بالوقوف على ترجمة له واضحة وصريحة فيما لا يزال غامضًا من نسبه. وفي "صبح الأعشى" للقلقشندي ذكر للعربان بالدرب المصري إلى مكة، وعدَّ منهم بني سُلَيْم فقال:"ومن الجحفة على قديد وما حولها إلى الثَّنيَّةِ المعروف بعقبة السويق لسُلَيْم"
(1)
.
كما وردت إشارة عابرة عن إسهام بني سُلَيْم - بصفة شاملة لهم ومن غير تَخْصيص أحد أو ذكر اسمه - في حراسة (الدرك) الذي تبتدئ حدوده من بستان القاضي إلى الحدرة والمضيق آخر وادي العميان، وأول وادي مر الظهران، على ما ذكره عبد القادر بن محمد الأنصاري الجزيري أحد علماء القرن العاشر الهجري، وصاحب كتاب (درر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة).
وحراسة (الأدراك) أو (المدارك) كما أدركناه في أول العهد السعودي الحاضر، وظيفة عمومية للبادية يشترك في مسئوليتها والقيام بها جميع أفراد من جعلتها الدولة في أعناقهم، مقابل مكافآت أو رواتب محدودة أو معلوم مقرر لهم.
وقد سمى لنا الجزيري أسماء أشخاص من أهل تلك المدارك من غير بني سُلَيْم: مهادف بن مالك بن رومي وجماعته - وبعد ذلك قال: "وكان الدرك قديمًا مقسمًا بين جماعات بمعاليم معلومة، منهم البِشْريون، والعصيفيون، وبنو سُلَيْم، ثم صار الدرك والمعلوم العائد له بيد زبيد اليمن، وهم في طاعة السيد الشريف أمير مكة المشرفة الآن - القرن الهجري العاشر -
(2)
فهذا ذكر عام لبني سُلَيْم في
(1)
صبح الأعشى للقلقشندي، ص 285، الجزء الرابع.
(2)
درر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة، ص 545 و 555، ط المطبعة السلفية بمصر. والدرك - بفتح الراء وسكونها معناه لغة: التبعة وأقصى قعر الشيء، وجمعه أدراك.
القرن الهجري العاشر، وربما كانت إناطة ذلك الدرك بهم قبل القرن المذكور؛ لأن المؤلف يقول لنا: إن الدرك كان قديمًا مقسمًا بين جماعات من الأعراب منهم بنو سُلَيْم، وتحديد معالم هذا الدَّرك يدل على أنه أو بعضه على التعبير الأدق داخل في ديار بني سُلَيْم، ولذلك عُهِدَ إليهم - قديمًا - بحراسته.
وهناك أيضًا محمد بن حمدون المرداسي السُّلَمي، أحد علماء مدينة فاس بالمغرب الأقصى، وهو من أهل القرن الهجري الثالث عشر.
كما أن الأمير شكيب أرسلان، وهو العليم بأحوال البلاد الإسلامية وسكانها - أفادنا بأن (في عربان مصر كثيرًا من بني سُلَيْم بن منصور، وبأن مشايخ الأحامدة الذين هم من مشايخ حرب في الحجاز يقال إنهم من سُلَيْم، وإن جدهم العباسُ بن مرداس السُّلَمي. كما أنبأنا بأن أكثر عرب برقة والجبل الأخضر من بني سُلَيْم بن منصور، وهم الذين ابتلاهم الله بالطليان في هذا العصر ولم يزالوا يجاهدون عن دينهم ووطنهم منذ عشرين سنة)
(1)
.
صعود فهبوط، ثم بداية صعود
بدأ عصر الصعود الاجتماعي لبني سُلَيْم، في أواخر الجاهلية الثانية القريبة من الإسلام، واستمر صعودهم الاجتماعي في صدر الإسلام، إلى الثلث الثاني من القرن الهجري الأول، ثم أصابتهم نكسة خطيرة في معركة مرج راهط سنة 64 أو 65 هـ بدمشق الشام، ثم استعادوا مكانتهم بعض الشيء، فرأينا منهم الولاة والأمراء، في عهد الدولة الأموية في إفريقية وغيرها، وأخذ الخليفة هشام بن عبد الملك الأموي بِضبْعهم، فرحَّل الكثير من أُسرهم من ديارهم الأصلية المستكنة في إطار حِرارهم وجبالهم وأوديتهم المنعزلة - رَحلَّهم منها بموافقتهم إلى القطر
(1)
الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف، ص 274، طبع مطبعة المنار، سنة 1350 هـ.
المصري الفيَّاض بالخيرات لهدف سياسي هو أن يحفظون التوازن بين القبائل القحطانية الكثيرة التي نزلت أو أُنزلت بمصر في أيام الفتح الأولى، وبين القبائل العدنانية القليلة النزوح إلى هنالك، ثم تجمَّد وضعهم حتى رأيناهم في القرن الهجري الثالث في عهد الخليفة الواثق العباسي يهبطون إلى دركات العبث والإخلال بالأمن في ديارهم، ويعودون إلى شنَّ الغارات من ديارهم الأصلية على جيرانهم ويفتكون بهم، فيجرد الواثق عليهم حملة كبيرة من بغداد تقضي على إخلالهم بالأمن، وتفتك بالكثير من رجالهم، ومن ثم تُعنى الدولة العباسية بإعادة الاطمئنان والاستقرار إلى ربوعهم فتُعمِّرها لهم، فتزدهر ازدهارًا لا نعلم من أبعاده إلا ما تشير إليه في غموض بالغ لمحاتُ المؤرخين، وإلا ما تحدثنا به الآثار المستكشفة حديثًا في بلادهم، مما فصَّلناه في مكانه.
وما إن يبدو الضعف في الدولة العباسية حتى نرى بنو سُلَيْم يعودون إلى امتشاق الحسام وشنِّ الغارات، وقد خاضوا غمار معارك مع قبيلة حرب اليمانية النازحة من أرض اليمن إلى جوارهم، كما وُجهت لهم حملة تأديبية من ابن ملاحظ أمير مكة، وكانوا مع القرامطة وقد احتلوا معهم ديار الشام، فلما وهن أمر القرامطة انسحبوا معهم إلى البحرين وانكمشوا هنالك، ثم اشتد ساعدهم في البحرين، وقد نص التاريخ على أن انضمام بني سُليُم إلى القرامطة كان انضمامًا شَغَبَيًا نفعيًّا مجردًا، ولم يكن لانضمام هؤلاء البدو إلى حركة كهذه أثر يذكر في عقائدهم، اللهم إلا ما ظهروا به من رغبة الشغب وخضوع لإرادة غير موجَّهة، وكان منهم جماعة تنتشر في طريق الحج المؤدي إلى مكة لقطع الطريق والإغارة
(1)
، فلما تغلب بنو الأصفر على البحرين (الإحساء) في سنة 378 هـ باسم العباسيين وطردوا منها بني سُلَيْم الذين كانوا أعوانًا للقرامطة حينئذ، رأى الفاطميون - العبيديون - عندها أن يسمعينوا بهؤلاء الأعراب الأشداء، فشجَّعوهم
(1)
النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة، لأبي المحاسن، يوسف بن تغري بردي، ص 115 و 121، الجزء الثالث، طبع دار الكتب المصرية بمصر، وباب "القبائل العربية في إقليم مصر في عصر الولاة، 18 - 254 هـ، للدكتور عبد المجيد عابدين، ص 125، ط مصر.
على الهجرة إلى مصر، ونَقلهم العزيز بالله هم وبنو هلال من هوازن إلى الصعيد بمصر بالعدوة الشرقية من نهر النيل فأقاموا هناك
(1)
، ثم عاد أمرهم إلى التجميد، وربما إلى الشغب أيضًا وشنِّ الغارات والإخلال بالأمن، مما حمل العُبيديين على استغلال طاقتهم الكبيرة في القضاء على دولة ابن باديس بالقيروان والمهدية على أثر إعلانه الانفصال عن دولة العبيديين وخلع طاعتهم.
وفي إفريقية انتشروا انتشارًا كبيرًا، وكانت لهم أحداث جسام ومثيرة هنالك ذكرها المؤرخون
(2)
، ولم يتمكن السُّلَميون ولا الهِلَاليون من إقامة دولة لهم في أرض المغرب، ولكنهم تمكنوا من نشر لواء اللغة العربية وثبَّتوا لهم مكانة مرموقة في الأوساط الاجتماعية، واندمج كثير منهم في الأهلين فيما بعد، ونبغ فيهم العلماء وربما كبار التجار والمزارعين والصناع، كما نبغ مثل ذلك منهم في الشام وغير ديار الشام، ولا ندري ما هي البواعث التي دفعتهم في أوائل القرن الثاني عشر الهجري أو دفعت بالكثير منهم إلى الهجرة مرة أخرى من بلاد المغرب إلى مصر بصفة جماعية، كما نزحوا من مصر إلى أقطار المغرب سابقًا في منتصف القرن الخامس الهجري، وفي مصر بعد ذلك كانت منهم قبائل عديدة منها أسر معروفة، وخاصة في الشرقية وناحية الفيوم والمنيا في الصعيد.
أما بنو سُلَيْم في مساكنهم الأصلية في الحجاز فقد ظل الانكماش ملازمًا لهم بعد ضربة الواثق لهم بأمد لا نعرف مداه، واستمر هذا الانكماش أو هذا الهبوط الاجتماعي طيلة دويلات الطوائف، وطيلة عهد الأشراف، وأخيرًا بدأ فجر اليقظة والانفتاح لبني سُلَيْم في عهد الدولة السعودية الحاضرة.
وثيقة سُلَمية تحدد بعض ديارهم
حينما شرعتُ في تأليف هذا الكتاب، جعلت نصب عيني تضمينه بعض وثائق بني سُلَيْم الخاصة بديارهم، وكنت قد علمت من بعض كبارهم خلال رحلتي إلى بلادهم، عدم وجود حجج شرعية بالمعنى الرسمي المفهوم لدينا، وهو
(1)
ابن خلدون، ص 28، المجلد السادس من العبر، طبع بيروت، وعبد المجيد عابدين في تعليقاته على كتاب البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب للمقريزي، ص 126.
(2)
المصدر السابق.
يعني الوثائق الشرعية الصادرة من محاكم شرعية رسمية منصوبة من قبل الدولة لفض المنازعات وإثبات الأملاك أو نفيها وما إلى ذلك من الحقوق.
وأخيرًا، وبعد بحث عميق وجدتُ هذه "الوثيقة" وهي تحدد الجزء الخاص من الأرض ببني عَلَا من بني سُلَيْم، وكان "تجديدها الرابع" في عام 1377 هـ، أما صدورها لأول مرة فقد كان في سنة 195 هـ وهذا التاريخ يوافق بالضبط السنة التي أعلن فيها الأمين محمد بن هارون الرشيد خلع أخيه المأمون من ولاية العهد، وخلع المأمون لأخيه الأمين من الخلافة
(1)
.
والوثيقة في حد ذاتها كتبت بلهجة عامية محضة، ولكن ما أشير إليه فيها من تجديدات لها وما ورد فيها من أن أصلها مكتوب بسنة 195 هـ واعتمادها من قبل بني سُلَيْم يدلنا على أن لها أصلًا فصحيحًا.
وكان التجديد الأول للوثيقة السلمية المذكورة، في سنة 310 هـ وكان ذلك في خلافة المقتدر بالله العباسي، وفي عام اشتد فيه بلاء القرامطة بقيادة أبي طاهر على العراق
(2)
.
أما التجديد الثاني للوثيقة فقد كان بسنة 1258 هـ، ويتفق هذا العام مع السنة الثالثة لسلطنة عبد المجيد (الأول) ابن محمود العثماني
(3)
.
وكان التجديد الثالث للوثيقة في عام 1310 هـ، ويوافق ذلك عهد سلطنة عبد الحميد (الثاني) ابن عبد المجيد العثماني
(4)
.
وكان تجديدها الرابع في سنة 1377 هـ، ويوافق ذلك عهد الدولة العربية السعودية في الوقت الحاضر.
وقد ظهر لي بعد تأمل "نص" الوثيقة أنها غير "النص الحرفي" لها في عام 195 هـ وفي عام 315 هـ، وإنما نقلت بالمعنى وبلهجة بني سُلَيْم العربية العامية إما
(1)
تاريخ الأمم والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ص 2، المجلد السابع، طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة، سنة 1358 هـ - 1939 م.
(2)
الكامل في التاريخ لابن الأثير، ص 169 وما بعدها، المجلد الثامن، طبع دار صادر - دار بيروت.
(3)
الأنساب والأسرات الحاكمة لزامباور، الترجمة العربية بمصر، ص 240، الجزء الثاني.
(4)
المصدر السابق، ص 240.
في سنة 1258 هـ أو بعدها في سنة 1310 هـ، والذي دعاني إلى هذا الرأي أن عرب بني سُلَيْم الواغلين في داخل الجزيرة العربية بين الجبال والحِرار كانت لغتهم سليمة من اللحن فصيحة بالسليقة في عام 195 هـ وفي عام 315 هـ كما هو معروف وقلما يلحنون، فهذا عرَّام بن الأصبغ السُّلَمي المتوفي في نحو 275 هـ - 888 م هو أعرابي سُلَمي ذو لغة فصيحة بالسليقة، وقد ألف كتابًا صغيرًا يعتبر (وثيقة من أهم الوثائق البلدانية وأُمًّا من أمهات المراجع الأصلية)
(1)
.
وهذا الأزهري الإمام اللغوي المعروف المتوفي سنة 370 هـ أي بعد كتابة أصل الوثيقة السُّلَمية بمائة وخمس وثمانين سنة، يفيدنا بأنه وقع في أسر الأعراب وهو في طريقه إلى الحج أيام فتنة القرامطة سنة 312 هـ بعهد المقتدر العباسي، وكان الذين أسروه من الأعراب من هوازن - (أبناء عمومة سُلَيْم) المجاورين لهم، ويصف لنا هؤلاء الأعراب الذين وقع في أسرهم يقوله:(يتتبعون مسياقط الغيث أيام النّجع، ويرجعون إلى أعدادِ المياه في محاضرهم زمان القيظ، ويرعون النَّعم ويعيشون في ألبانها، ويتكلمون بطباعهم البدوية وقرائحهم التي اعتادوها، ولا يكاد يقع في منطقهم لحْنٌ أو خطأ فاحشٌ)، ويقول بعد ذلك:(وكنا نتشتى الدهناء ونتربع الصمَّان ونتقيَّظُ الستَّارين، واستفدت من مخاطباتهم ومحاورة بعضهم بعضًا ألفاظًا جمة ونوادر كثيرة، أوقعت أكثرها في مواقعها من الكتاب، وستراها في موضعها إذا أتت قراءتُك عليها إن شاء الله)
(2)
.
ومحل الشاهدان هنا أمران: أحدهما إثبات الأزهريُّ أن أعراب بادية الحجاز ونجد في سنوات أَسْرِه: 312 هـ وما بعدها وفي إحداها: (315) كان التجديد الأول للوثيقة السُّلَمية ومن قبلها كانت كتابتها لأول مرة أي بسنة (195 هـ) كانوا فصحاء بالسليقة، واللحق فيهم نادر قليل. والأمر الثاني اعتماد الإمام الأزهري النقل عنهم، واتخاذ لغتهم مرجعًا عربيًّا فصيحًا معتمدًا، ونحن نلاحظ "بَدَاهةً" في نص الوثيقة السُّلَمية التي بين أيدينا أنها غير فصيحة العبارات، وعباراتها كلها عامية ملحونة تقريبًا وفيها لحن فاحش، ومع ذلك نرى فيها بعض أسماء وكلمات
(1)
الأعلام للزركلي، ص 14، المجلد الخامس، الطبعة الثالثة ببيروت، ومقدمة كتاب "أسماء جبال تهامة وسكانها" لعبد السلام محمد هارون، ص 10.
(2)
تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، ص 7، طبع مصر.
فصيحة لم تتغير عن أصولها الفصحى، كما نرى في بعضها تحريفًا عن تلك الأصول، هذه الملاحظة هي التي جعلتنا نقرر أن "المعنى" فقط هو المنقول، ونُقل وجُدِّد بلهجة القوم حينما انحرفت عن خط الفصاحة العربية السليقية التي كانت سمةً وطابعًا ملازمًا ملازمة الظل لأسلافهم في سنة 195 هـ وفي سنة 315 هـ.
وهنا سنُفصِّل ما أجْملنَاهُ آنفًا عن حقيقة هذه الوثيقة حسب ما ترآى لنا فنقول: إننا إذا رجعنا إلى متن الوثيقة السُّلَمية، لنناقش ما إذا كانت ذات أصل قديم يرجع إلى سنة 195 هـ أم لا؟ فإننا سنجد ما قد يبرر لنا التسليم بوجود هذا الأصل العربي السليم في أساسها، وذلك يتمثل - أولا - في ذكر تاريخ كتابتها الأول في تجديدها الرابع، وتاريخ كتابتها الأول كان بسنة 195 هـ وفي ذكر تجديدها الثاني والثالث فلو لم يكن قد سبق لها أصل وتجديدات ثلاثة قبل التجديد الرابع الأخير، لما ذُكر هذا التجديد معطوفًا على التجديدات الثلاث التي سبقته في قرونٍ بعضها متقارب وبعضها متباعد. وثانيًا - إن ارتضاء قبيلة سُلَيْم لما في هذه الوثيقة يدلنا على أنها ذو أرومة قديمة. وثالثًا - ذكر في الوثيقة بعض أسماء الأماكن القديمة لبعض ديار بني سُلَيْم كما هي، ويلوح لي أن هذا التحريف العامي الملحون الموغل في لهجة البادية العامية، والذي يشمل عبارات الوثيقة تقريبًا حدث في التجديد الثالث لها أي بسنة 1255 هـ، لأن القوم يومئذ كانوا في تأخر فكري وعلمي مطبق، إذ لم تكن لهم أية عناية بالتعليم في عهد الدولة العثمانية، بل ربما كانت الدولة لا تعرف إلا القليل من أحوال ديارهم ومجتمعهم القَبَلي. وكان الأشراف حكام الحجاز كذلك لم يوجهوا إليهم العناية المرومة، ونلمح في بعض أبيات لبعض شعرائهم في مطلع هذا القرن الهجري أنَّهةَ شكوى من عدم فتح أبواب المراجعة لهم في شئونهم ومطالبهم من قبل الشريف عون باشا، ونحن نجد ذلك في قصيدة لـ مطلق بن عُضَيْبٍ المطرودي النوالي (العلاري) السُّلَمي الذي عاش في القرن الثالث عشر الهجري وكانت قبل وفاته فبل نحو ثمانين عامًا أثناء حكم الشريف عون الرفيق (1256 - 1323 هـ)(1841 - 1905 م)، قال مطلق يخاطب الشريف عون الرفيق:
يا (عَوْنْ باشا) دُونَكْ أرْبَعْ قبائلْ
…
لنا يرومون الشَّرَكْ والحبايلْ
والِلِّي ذَبحْنَا لُهْ عَليْنَا دَلَائلْ
…
والِلِّي يجيِنَا لُهْ دَلَائلْ تَغَديَّهُ
إلى أن يقول - وهو محل الشاهد -:
إنْ جيِتْ أطْلِعْ لِسِيدي شَكيَّهْ
…
دُونُهْ مَراقِصْ خَيْلْ ومَلاحْميَّهْ
وَأَحْرابْ دُونُهْ وَقوْمْ لَظِيَّهْ
…
تحُولْ مِنْ دُونُهْ وتَقْطَعْ ببِاغيهْ
(1)
ومما أفادتنا به "الوثيقة" وجود من يُلقَّبون بلقب "الشيخ" بين ظهراني بني سُلَيْم ومعهم في ديارهم، وآية ذلك أن تجديدها الثاني والثالث كان على يد اثنين منهما وهما:(بُقَيَّان الشيخ) و (مبارك بن عبد الغني الشيخ)، وقد علَّق على ذلك حسينُ بن هندي السُّلَمي بأن هذا اللقب معروف لديهم أنه لقب (الأنصار) المقيمين مع بني سُلَيْم في بعض ديارهم حتى الآن، وهم معروفون بأنصاريتهم ولهم أملاك ومكانة لديهم، وإذا رجعنا إلى المصادر التاريخية عن "وجود الأنصار" مع بني سُلَيْم في ديارهم هذه فإننا سنجد عرَّام بن الأصبغ السُّلَمي - (من أهل القرن الهجري الثالث) يقول في كتابه:"أسماء جبال تهامة وسكانها" عن خيف سلَّام بقرب مهايع السُّلَمية، (وسلام هذا رجل من أغنياء هذا البلد - أي بلد خيف سلام - من الأنصار)
(2)
، وفي المغرب بالصحراء الكبرى عرب من الأنصار يسمون هنالك أيضًا بالشيوخ، تمامًا كما في ديار بني سُلَيْم.
دراسة للوثيقة في بعض عباراتها
فأولًا - جاءت في ختام الوثيقة صيغة (القُرمِيَّة)، وفي تجديدها الأول بسنة 310 هـ والثاني بسنة 1258 هـ والثالث بسنة 1310 هـ والرابع في سنة 377 هـ، والمراد بصيغة (القرمية) هنا (الوثيقة القديمة)، والقُرْمِيَّة بضم القاف وسكون الراء بعدها ميم مكسورة فياء مشددة مفتوحة فتاء مربوطة تؤدي - كما يبدو من العبارة - لدى بني سُلَيْم منذ سنة 1258 هـ حتى الآن معنى (الأصل والقدم) وهي مأخوذة من صيغة عربية فصيحة هي (الأرومة)، وتستعمل في عامية المدينة المنورة كما تستعمل في عامية بني سُلَيْم، وهناك كتاب كان مخطوطًا في أنساب المدنيين
(1)
القصيدة كلها مثبتة في فصل: (شعراء الشعر الملحون النبطي من بني سُلَيْم) في هذا الكتاب.
(2)
أسماء جبال تهامة وسكانها، ص 35 و 36.
لعبد الرَّحمن الأنصاري من أهل القرن الثاني عشر الهجري، سماه مؤلفه باسم (تحفة المحبين والأصحاب في معرفة ما للمدنيين من الأنساب) ولكن هذا الاسم الطويل أُهمل لدي عوام المدينة وبعض خواصها فصار اسمه المعروف لديهم في أكثر الأحيان هو (القُرْميَّة) باعتبار أنه يتحدث عن أرومات النّاس في المدينة وأحوالهم وأنسابهم، ووجود هذه الصيغة في "التجديدات الثلاثة للوثيقة" التي تبدأ من سنة 1258 هـ يدلنا على صحة ما ذهبنا إليه من أن "النصر" الذي بين أيدينا منها الآن هو "منقول من التجديد الأول بالمعنى لا بالألفاظ، ولابد أن الأصل الأول بـ 195 هـ و 310 هـ قد فقد أو هو شبه مفقود.
وثانيًا، إن الوثيقة تعطينا تحديدا مقبولًا لدى الجانب السُّلَمي الخاص به:"بني عَلا" ولدي من يُصالونهم فيه من قبيلة حرب واعتمادها من قبلهم يدلنا على علمهم واعترافهم بأنها قديمة وعليها المعول، ومفهومنا هذا الذي يقول بأنها معتمدة لديهم، هو بحسب منطوقها الذي بين أيدينا ليس غير.
وثالثًا - تذكر الوثيقة أن الأراضي المحدودة بموجبها هي تخص "بني عَلا"، وبنو علا من سُلَيْم، وقد ذكرهم الشاعر السُّلَمي مطلق بن عُضيب في قصيدته المنشورة في الفصل الذي عقدناه لشعراء الشعر النبطي من بني سُلَيْم في أواخر هذا الكتاب، ويفيدنا حسين بن هندي السُّلَمي بأنهم قدماء وأن نسلهم لا يزال موجودًا حتى اليوم.
ورابعًا - ورد في الوثيقة اسم "الشُّعْبَة"، وقد سبق لنا في فصل (ديار بني سُلَيْم الأصلية) أن (الشُّعْبَة):(موضع قرية قديمة مندرسة لَمْ يبق إلَّا آثارها وبعض الأطُم البسيطة والمتهدمة جوانبها وأطرافها، وآثارها كثيرة منها كتابات قديمة قد تكون عبادية، ومنها صُور لوحوش وحيوانات كانت في هذه المنطقة).
وخامسًا - ورد اسم (الزُّبَيْري) في الوثيقة، وربما كان هؤلاء السُّلَميون ينتسبون إلى جد لهم اسمه الزُّبَيْر، وصحة النسب الجماعي إلى الزبير (زُبيريون).
كما ورد فيها اسم "الرَّبَعي" نسبة إلى ربيعة، ويعنون بالربعي: الربعيين، والربعي في نسبة المفرد إلى ربيعة صحيحة مثل بُجيلة وبَجَلِي، وحنيفة وحنفي.
وورد فيها (العِسْمِيُّ) نسبة إلى العوم، فإذا كان أصل العسمي عِسْمًا، فالنسب الجماعي إلى هذه الصيغة هو (عِسْميُّون).
وهم يقولون أيضًا: (العسوم)، والعسميون أو العسوم من قبيلة حرب
(1)
التي ذكرت الوثيقة أنَّها تحادُّ أراضي بني عَلا من سُلَيْم، وهم من زبيد.
وكذلك ورد فيها (العَصَوي) ويراد به (العصريون)، ولعلَّ العصوي أو العصويين ينتمون إلى بني (عُصية) بن خفاف بن امرئ القيس بن بُهْثة السُّلَمي.
و (المُعَبَّدي) يعنون به المُعَبَّديين أي قبيلة معبد من حرب.
ووردت فيها: (الظاهرة) حرَّة سُلَمية سوداء معروفة لديهم بهذا الاسم إلى اليوم.
سادسًا - ذكر في الوثيقة لقب (الشيخ)، وقد أفادني حسين بن هندي السُّلَمي بأن هذا اللقب بالذات يطلق عندهم على من هو (أنصاري) لديهم.
و (جَدَّيَّةٌ) المذكورة في الوثيقة يُعْنَى بها: الأراضي المحدودة.
و (المهد) الوارد في الوثيقة يدلُّ على (جبل صغير)، والمهد لغة الأرض المرتفع.
(1)
بنو حرب الذين في الحجاز مختلف في نسبهم، فابن حزم يقول: أنهم من بطون بني هلال بن عامر الذين منهم أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، فهم عنده قيسيون عدنانيون وأبناء عمومة بني سُلَيْم، ص 275، الجزء الأول، طبع دار المعارف بمصر، والهمداني الحسن بن أحمد بن يعقوب يقول بعكس ما قال به ابن حزم: إنه يقرر أنهم من سعد خولان من اليمن، وينص على ذلك فيقول: "قال علماء صعدة: أن بني حرب أجلت عن صعدة في سنة 131 هـ وظعن أكثرهم إلى الحجاز، لوقائع تواترت عليهم ونزلوا لأول مُرّة بالعرج فيسوم من وادي نخلة وجبل عروان في أعلى عرفات، ثم امتدت إقامتهم إلى قدس وأجلوا عنها من فيها من عَنَزة إلى جهة خيبر فهي بها إلى ذلك اليوم، ومُزَيْنَة إلى الساحل: بالجار ميناء المدينة القديم المعروف الآن باسم (البريكة) والصفراء وأرض جشم واستقروا في أماكنهم، وقد حدثت بينهم وبين سُلَيْم معارك كما حدثت بينهم وبين غيرهم، وهذه المعارك ذكرناها في فصل:(أيام بني سُلَيْم في الجاهلية والإسلام) من هذا الكتاب.
أما عمر رضا كحالة، فإنه في كتاب (معجم قبائل العرب) يرى أن حربا قبيلة أكثرها من العدنانية وهي غير منحدرة من سلالة واحدة بل هي مجموعة أحلاف، ويحدد الشريف شرف بن عبد المحسن البركاتي منازلها:"بشمالي مكة حتى حدود ينبع البحر ودائرتها يحدها غربًا من ينبع البحر إلى الرويس شمالي جدة، ولهم من الموانئ: الرويس وذهبان والدعيجة والقضيمة ورابغ ومستورة والرايس - بجانب الجار - ويحدها شرقًا قبيلة عُتيبة وقبيلة سُلَيْم وقبيلة مطير من بني عبد الله من غَطَفَان، وقسم من حرب محتد شرقًا من المدينة إلى حدود شمر، ويحدها من الجنوب: الأشراف ذوو بركات، وشمالًا غربيا قبيلة جُهَيْنة، وشرقًا: قبيلة عَنَزة (راجع ص 137، من كتاب الرحلة اليمانية").
وإذا ذكر (الحديد) في الوثيقة فمعناه (المحدود).
و (أبو درب) يقصد به: الطريق.
و (يَنْقَضُّ) من الانقضاض يقصد بها معني: بيدخل، أو يفيض أو يميل أو ينحدر.
و (أَجَيْمِعٌ) الوارد في الوثيقة هو اسم وادٍ صغير بعينه لبني سُلَيْم وورد فيها عبارة مكررة هي: (يقطعه قطع الحبل)، والمراد بها يقطعه عرضًا.
وصيغة (يَعْطِي) بمعنى (يمشي).
و (القِرْوَالُ) على وزن (الغربال): حزم مرتفع بعينه.
وجاءت في الوثيقة: (حقة اجيمع) بمعنى التابعة لأجيمع.
وجاءت فيها صيغة (الهظبة) المعروفة بالظاء المشالة، وهو لحنٌ عامي أعرابي من باب قلب بعض الحروف القريبة في المخرج إلى بعض.
وتستعمل الوثيقة صيغة (الذي) في موضع (التي).
و (المَهَدُّ) بفتح الميم والهاء وتشديد الدال المهملة: غير المَهْد بسكون الهاء. فالمهدُّ المفتوح الهاء يعني به: (مفيض السيل) لأنَّ السيل يَهُدُّ ما يعترضه، في مفيضه.
وفيها كلمة (ضبَع)، وهو وادٍ لسُلَيْم بعينه.
و (يَظْهَر) في الوثيقة بمعنى (يطلع).
و (السَّلْعُ) اسم أو وصف الطريق الجبلي المرتفع.
و (الغُلَيْثِيَّةُ) اسم موضع لعل فيه نبات الغُلَيْثَي السَّامَّ فنسبت إليه.
و (ضبيعة) اسم وادٍ بعينه، وقد مر بنا اسم وادي (ضَبَع).
و (درب كبيدة) درب معروف بعينه يقع في فلاة كبيدة السُّلَمية.
و (خُرْمَةُ يَهِرْ): ريع يهر، ويهر واد ينزل من جبل شمنصير.
و (مقراة مَلَحْ) بمعنى: وادي مَلَحٍ.
و (الجفجف): حرَّة سُلمية بعينها.
و (لِبْنَة) وادٍ لسُلَيم بعينه.
و (الحجيلة) وادٍ صغير بعينه.
و (زريبة القَنَّاص) بمعنى: حَجَر مجموع من حجارة الوادي بحرَّة سوداء.
و (رأس المعْزَة): رأس وادي المعْزَة، وهو وادٍ بعينه.
و (البَعْصُوصُ): وادٍ بعينه.
و (قَفْوُ محْوِيِّةْ): ظهر حزم معروف بهذا الاسم لبني سُلَيْم.
و (مجمر الخَنْفَسة): جبل أسود يخالف لونْهُ لونَ ما يجاوره من جبال وهو جبل بعينه، والحنفسية التي ينسب إليها: مَوْرِد ماء للنعم معروف بعينه.
و (نَبْطُ الشامي): وادٍ معروف بعينه.
و (يَنْقَضُّ لِينْ يِلَايِمْ): يهبط حتى يوافق، (لين) - بإمالة اللام -: تحريف كلمتي: (إلى أن).
و (ثَرِيرْ): وادٍ صغير معروف.
و (العمار): وادٍ صغير معروف.
و (الشَّدَخُ): قرية الشدخ هي لِمُعَبَّد من حرب.
و (يقطع على صدر شِعْبِ النَّمِر): يقطع رأس وادي شعب النمر الصغير المعروف بعينه.
و (ضَها): وادٍ صغير معروف لبني سُلَيْم.
و (يظهر على ضَها الآخر): يفهم منه أن ضها اسم مشترك يطلق على واديين.
و (درب المِخْوَاع): طريق معروف لديهم.
و (أُمْ عظام): وادٍ معروف.
(وعلى ما يذكر من التحديد ويمين): أي إن ما ذكر من التحديد وما يقع على يمين المُحدَّد كلّ ذلك للعلاوين من سُلَيْم.
و (اللُّصُب أبو حليفاء): اللُّصُب: مضيق الوادي، وأبو حليفاء وادٍ لسُلَيْم سلكناه في طريقنا إلى ديارهم.
و (إلى أن يَجيِهِ الدَّرْب) أي إلى أن يدخل المحدود في الطريق المسلوك (الذي يَقْطَعَ مَهَدَّ القُفَيْلَةِ)، المهدّ المصب، والقفيلة وادٍ صغير سُلَميّ.
(ويظهر مع الرِّيع أبو زربان الذي يظهر على صدر مِصْيَان): أي يطلع المحدود أو الحد من القفيلة المذكورة آنفًا ويمشي مع الرِّيع - طريق بالجبل - الذي هو أبو زربان الذي يطلع بِدَوْرِه على رأس وادي مصيان.
(ويعطي من عنده ويحتوي المهادّ الصفر) أي يستمر الحد الفاصل بين أراضي العلاوين وأراضي حرب من وادي مصبان السابق ذكره ويدخل إلى المهاد صفر.
والمهاد الصفر اسم لأماكن غليظة من الأرض.
و (عِجْلَة): وادٍ صغير، و (البناية): اسم مشترك لمسيلين صغيرين، و (أُمُّ السَّمَرْ): مسيل صغير.
و (يَحَدِّرْها): ينزل منها مع مسيل وادي السمر.
و (يَلاقِفْ الدَّرْب) أي يلاقي الطريق.
و (لِيا) بمعنى: (إلى)، وهو تحريف عامي ظاهر للحرف: إلى.
و (الحصاة الراكبة) صخرة معروفة، تقع بين بلاد سُلَيْم وبلاد حرب في وادي أبو حليفاء.
و (هي فَيَّتْها من العَشِيِّ علاوية سُلَمية، وفَيَّتْها من الصبح عِسْمِيَّة زبيدية)، هذا تحديد ساذج دقيق على الطبيعة، وتوضيحه: إن فَيْئ - ظِلَّ - الصخرة المذكورة في الأصائل يمتد على أراضي العُسُوم من زبيد من حرب.
و (أبو مِسْكن): أرض معروفة بعينها.
و (أبو قَرْفة): اسم أرض هنالك.
و (رَقَبَةُ الخُوَار). الرقبة بمعني جهة المشرق عن الحوار، أي مصادر الخوار، والخوار قرية معروفة.
و (الحديد العِسْمِيّ): بمعنى: والحدود أراضي العُسُوم من حرب.
و (يَعْطي الشريعة وَيَنْقَضْ على قفو الملاقي من بُرْم)، المعني: إن الحد ينزل على ظهر المسيل الصغير - الشريعة - ومنه يذهب إلى ظهر ملتقى الشِّعاب من وادي برم الكبير.
و (منها ويمين علاوية ويُسند ويظهر على قفو اليحاميم، يحاميم المظهر) يعني أن ما كان على يمين الأراضي المحدودة السابقة، كله علاوي، ويرتفع حد هذه الأراضي على سطح اليحاميم يحاميم المظهر، وهي جبال سود معروفة، والمظهر أراضي سُلَمية معروفة.
و (مِسِرْ): وادٍ معروف.
و (يَقْبَلَهْ مُسَنِّدٌ مع الدرب حق الأشن): سَنَّد في العربية الفصحي، بمعني طلع الجبل، وهي هنا تعني مجرد الطلوع إلى تل أو جبل، والمقصود أنَّ الحدود ترتفع مع درب الأشن، والأشن من ديار سُلَيْم.
و (النوَّرَة) اسم وادٍ معروف.
و (الحديد من الشام العَصَوِيَ) أي حد الأراضي العلاوية شمالًا أراضي فخذ العصوي السُّلَمي، أي العُصويين السُّلَميين.
و (يقطع الحِنْو قطع الحبل). الحنو: وادٍ معروف.
و (العيبة): وادٍ لهم صغير بعينه.
و (يقبل تَغَيِّ): تغي وادٍ لهم صغير.
و (الخَلَصَةُ والرِّيع): الخلصَة جبل بعينه، والريع: الدرب بين الجبال.
و (يحدرها تَغَي الآخر لِينْ يَنْقَضَّ على نَهَوَى). لين: تحريف لكلمتي: (إلى) و (أن)، ونهوى: وادٍ صغير بعينه.
و (وادي ساية) أحد أودية بني سُلَيْم الكبار المعروفة، وقد ذكرناه في فصل (ديار بني سُلَيْم الأصلية).
و (وِزَان مَهَدْ الشعبة): أي عند ملاقاتها المفيض الشعبة.
وبعد فما سقناه لك آنفًا هو حلول لرموز هذه الوثيقة أو ألغازها، لك أن تسميها رموزًا، ولك أن تسميها ألغازًا، فهي ألغاز بالنسبة للهجة حاضرة المملكة العربية السعودية الحاضرة، وهي رموز بالنسبة للغة العربية الفصحي، وتلك هي لهجة بعض باديتنا اليوم، هي لهجة خاصة بهم يعرفها بعضهم عن بعض وكلهم عن كلّ تقريبًا، حالما يحتجب الكثير من عباراتها عن أفهام حاضرتنا المعاصرة.
(توضيح الوثيقة باللغة الفصحى)
وعلى ضوء تلك الحلول التي تلقفناها عن حسين بن هندي السُّلَمي مشافهة وبعد مراجعات معه للتثبت والتأكد من صحة الصيغ والنطق الجاري عليه لهجتهم السُّلَمية أو بالأحرى الأعرابية، تمكنتُ من إعطاء القارئ الصورة التوضيحية الكاملة التالية للوثيقة بنقل معانيها وأهدافها إلى اللغة العربية الفصحى:
(هذا بيان حدود أراضي بني عَلا، يحد أراضيَهم - شمالًا - قريةُ الشعبة ومرتفع الهرامة وتحدها الأراضي المرتفعة العائدة للزُّبيريين السُّلَميين، وحدود أراضيهم تستمرُّ حتى حزم القِرْوَال الذي هو طريق مسلوك، ومن ثَم تهبط حدودها على وادي أُجَيْمِعْ الذي يقطعه الحد من الْعَرْض ويستمر الحد إلى ما بين مرتفعي وادي أجيمع، ويهبط على ما بين هضبتي وديعة، والهضبة التي تحتها، ويرتفع الحد مع وادي ملح، ويهبط إلى حرَّة الظاهرة ويقبل على مرتفع وادي ضبيع، ويرتفع إلى وادي ضَبَعَ، ومن ثم يخرج مع طريق جبل السِّلْع ويهبط على وادي الفُلَيْتَة، ويذهب إلى طريق فلاة كبيدة، ويستمر إلى ريع وادي يَهِر، الذي يهبط من جبل شمنصير الكبير المعروف في ديار بني سُلَيْم، ويذهب الحد إلى الأرض المرتفعة في وادي مَلَحٍ، ويرتفع الحد على وادي لبنة حتى مرتفع الحجيرين، ومن ثم يتجه إلى درب الشويحطة، داخلا فيه، ويطلع على حرَّة الجفجف، ويطلع على ظهر كومة الحجارة المجموعة من الوادي المعروف بظهر زريبة القَنَّاص.
وحدود ديار بني عَلَا - شرقًا - هي ديار آل ربيعة، ويطلع حد ديارهم على رأس وادي المَغَرة، ويذهب مع طريق البعصوص، وعلى مرتفع ضَبَع، ويسير على
ظهر الحزم
(1)
المعروف باسم "مَحْوِيَّة"، وينزل الحد أمام مجمر الخنفسة:(جبل أسود بعينه يخالف لونه الجبال المجاورة له).
وحدود أراضي بني عَلَا السُّلَميين - جنوبًا - هي: أراضي قبيلة مُعَبَّد من حرب. وتذهب حدودهم من هذه الناحية إلى أسفل وادي نَبْطٍ الشامي، وتهبط حتى تلائم وتلاقي مسيل وادي ثِرَيْر الصغير، ووادي العمار الصغير على ظهر قرية الشدخ العائدة لقبيلة مُعَبَّد الحربية، ويقطع الحد رأس الوادي الصغير المعروف بِشِعْب النَّمر، ومن ثم ينقض على وادي ضَهَا
(2)
. وحدود أراضي بني علا من هذه الناحية تطلع على ضها الآخر، مع درب المخواع، وتطلع على حرَّة الظاهرة حيث تهبط على وادي أم عظام، وكل ما مر من الحدود شرقًا وما على يمينها هو علاوي، وينزل حد أراضي العلاوين من وادي أم عظام إلى مضيق وادي أبو حُليفاء المعروف باللُّصُب
(3)
. ومن ثم يمشي الحد حتى يدخل الدرب الذي يقطع وادي القفيلة، ويسير الحد من وادي القُفَيَّلَة مع الريع المعروف بأبو زربان الذي يطلع على رأس الوادي الصغير المعروف باسم (مِصْيَان)، ومن وادي مصيان يذهب الحد ويحتوي المهاد
(4)
الصفر، ويذهب قاطعًا وادي عجْلَة، إلى أن يدخل مسيل (البناية) ومسيل أم السمر بأسفل مسيل بناية، وينزل عن بناية قاطعًا ما يمر به حتى يلاقي الطريق، ويمشي معه إلى الصخرة المعروفة باسم الحصاة الراكبة الموصوف ظلها فيما سبق.
(1)
الحزم والحزن (بفتح الحاء وسكون الزاي): الغليظ المرتفع من الأرض.
(2)
ذكر ياقوت في معجم البلدان اسم ضها، وضبطها بضم الضاد، وقال عنها أنَّها موضع في شعر هُذَيْل.
(3)
اللصب لغة: الشعب الصغير في الجبل أو مضيق الوادي، جمعه لصاب ولصوب. وجاء في معجم البلدان لياقوت الحموي: (لصبين: بكسر أوله، وهو في الأصل المضيق في الجبل، وهو موضع بعينه.
قال تميم بن مقبل:
أتاهن لبان بيض نعامة
…
حواها بذي اللصبين فوق جنان
وهذا البيت في ديوان ابن مقبل، ص 343، طبع دمشق. وابن مقبل أحد شعراء قيس، فهو ابن عم لبني سُلَيْم.
(4)
المهاد هنا جمع مهد، وفي اللغة الفصحى: الهدود: الأرض السهلة والعقبة الشاقة والحدور.
وحدود أراضي بني عَلَا - غربًا - أراضي قبيلة الزُّبيدي، أي زبيد من حرب، وتطلع الحدود على أرض (أبو مِسْكِنْ)، وتنزل على مسيل البناية الآخر الواقع في أرض "أبو قَرْفَة" بأعلى قرية الخوار من جهة المشرق، والحدود العائدة للعسوم.
ويقطع الحد ذلك الوادي قطع الحبل - أي عرضًا - ويرتفع الحد مع الطريق، وينزل على أعلى ملتقيات المسائل المتفرعة من وادي بُرْم الكبير
(1)
.
وكل الأراضي عَلَاوية من تلك الحدود وما على يمينها، وترتفع الحدود وتطلع على ظهر الجبال السود المعروفة باسم "يحاميم المظهر"، وتذهب الحدود إلى وادي مِسِر، مرتفعة مع درب الأشن، وتطلع الحدود على وادي المنورة.
وتُحد أراضي بني عَلَا - شملًا - بأراضي قبيلة العَصَوَيَّين السُّلَمين، وتقطع حدودها وادي الحِنْو قطع الحبل، أي عرضًا، ويطلع الحد على وادي العُصَيبَةِ الصغير، ومنه يتجه الحد إلى وادي تَغَيّ الآخر، حتى يهبط على وادي نَهَوَي الصغير، وينزل منه على وادي ساية في موازاة التقاء الشعبة بوادي ساية.
وعلى هذا تم تحرير حدود أراضي بني عَلَا، وقام بتحديد هذه الحدود على ما دُوِّن في هذه الوثيقة حمودُ بن عذيب، وهو يقرُّ بأن المحادين لبني عَلَا في أراضيهم حضروا هذا التحديد وأقروه، وشهد على ذلك شهودهم عايض بن ديسة الديسي (السُّلَمي) وحضر لحضوره وشهادته وشهد معه بما ذكر آنفًا، الأصم أحد الصُّمَّان من بني ضُبيب وذوي حسين، وهؤلاء الشهود شهدوا على العدد، وعلى الإقرارات من الجيران المحادين لبني عَلَا بحدودهم المذكورة في هذه الوثيقة. وكتب هذه الحجة وشهد عليها الصنعاني، والله خير الشاهدين سنة 195 هـ، وجدد كتابتها من أصلها السابق: الشريف الثقبيُّ من الثقبة بدون زيادة ولا نقص سنة 310 هـ، وجددها بعده بُقيان الشيخ بدون زيادة ولا نقص سنة 1258 هـ، وكان تجديدها على يد مبارك بن عبد الغني الشيخ بدون زيادة ولا نقص سنة 1310 هـ وجددها أخيرًا وللمرة الرابعة حامد بن حباب الحجيري بدون زيادة ولا نقص سنة 1377 هـ. (انتهى).
(1)
في معجم البلدان لياقوت الحموي ذكر لواد في شمال المدينة اسمه (برمة)، ويدعي أنه غير وادي برم الوارد في الوثيقة.
ملاحظات على الوثيقة
هذا، ومما يُلاحَظ على نص الوثيقة أن كاتبها الأول سنة 195 هـ وسماها "حجة" ثم سميت (قُرْميَّةً) في التجديدات المتوالية من عام 310 هـ حتى عام 1377 هـ، كما يلاحظ تكرار حدود بني عَلَا شمالًا مرتين والأماكن مختلفة، وقد كُتبت الوثيقة في تجديدها الرابع على ورق الحجج الشرعية الأصفر السميك، ومُجدِّدُها للمرة الرابعة هو (حامد بن حُباب) السُّلَمي أحد سكان منطقة الكامل ورئيس هيئة الأمر بالمعروف فيها ولا يزال على قيد الحياة حين كتابة هذا الفصل عام 1391 هـ / 1971 م.
أعراف وعادات بني سُلَيْم في المملكة العربية السعودية
لا يخلو تدوينُ العادات والتقاليد من فائدة للتاريخ؛ ذلك "لأنَّ في العادات والتقاليد دلالةً على نوع الأخلاق، ونوع العقلية للشعوب"
(1)
.
والعادات والتقاليد الواردة في هذا الفصل هي في واقعها سُلَميَّة، ولا يزال بنو سُلَيْم يمارسونها في ديارهم بهذه البلاد، أما بنو سُلَيْم المنتشرون في مصر وبلاد المغرب، فلابد أن عاداتهم سارت على نمط عادات الذين يساكنونهم وتقاليدهم، لأنَّ الإنسان مدني بالطبع.
وأكثر العادات التي أوردناها هنا، متوارث عن أسلاف بني سُلَيْم المعاصرين، وربما يكون بعضها الآن في طريق الزوال، بسبب طُرُوق المدنية والتعليم والتطور أبواب ديارهم. فإثباتها من هذه الناحية ذو أهمية خاصة بالنسبة لحلقات تاريخ هذه البلاد؛ لأنَّ ذلك يحفظ هذا التراث للأجيال القادمة يوم لا يجدونه مائلًا في المجتمع السُّلَمي الذي تطور بعد صدور هذا الكتاب.
وهذه طائفة من عادات بني سُلَيْم المعاصرين بهذه المملكة كتبها لنا حسين بن هندي السُّلَمي رئيس قرية الكامل: المركز الحكومي لديارهم.
عاداتهم في الزواج
حينما يهم أحد بني سُلَيْم بأن يتزوج، يأخذ والده أو أخاه الكبير مع كبار جماعته ويقصد بهم أهل المخطوبة، وبعد أن يرتشفوا كئوس القهوة العربية ويتداولوا القصص المناسبة - يتقدم كبير المجلس إلى وليِّ المخطوبة قائلًا له: فلان
(1)
قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية، لأحمد أمين، طبعة مصر.
ابن فلان يطلب مقاربتك ومراحمتك ويريد بنتك أو أختك فلانة، فيردُّ عليه وليُّ المرأة بقوله:(الله يحييكم)، ويشرح له حقيقة الحال فيما إذا كانت مخطوبته هذه قد خُطبت قبله، أو لا يريد أن تتزوج المرأة من هذا الخاطب، ويقدم له المعاذير الملائمة في ذلك، وينهض الجالسون بكلمة الخير بين الطرفين. أما إذا تم الزواج المنشود فإن الخاطب يدفع المهر، ويملك عليها وليها له، وتقام بعد ذلك حفلة الزفاف، ويقام فرح كبير وتذبح ذبائح عديدة يذبحها جماعة العريس، يجتمعون ما بين خمسة وستة ويذبح هؤلاء ذبيحة، ومثلهم غيرهم، وهكذا دواليك، وهؤلاء يطهون الذبائح. أما أهل العروس فمهمتهم أن يوزعوا الذبائح ويقدموها للضيوف المدعوين وغيرهم بالتساوي، كلّ مجموعة على ذبيحة. وكل مجموعة من هؤلاء تقدم قصيدة يترنمون بها مع بعض، ويردُّ أهل العروس على القصيدة بسرعة، ويستمر لعبهم هذا حتى الصباح، والقصائد التي تنشد في هذه المناسبات هي من الشعر النبطيِّ الملحون.
عاداتهم في الولادة
من دأبهم في الولادة أن تقوم "أُمُّ النُّفَساء" أو أختها الكبيرة مع مجموعة من النساء بتوليدها وبإطعامها والعناية بمولودها، ويظللن على ذلك حتى تستطيع أن تقوم بشئون وليدها، وفي اليوم السابع يذبح الوالد عقيقة واحدة إذا كان المولود أنثي، وعقيقتين إذا كان المولود ذكرًا.
عاداتهم في الأسفار
إذا عزم أحد بني سُلَيْم على السفر، استصحب معه رفيقًا، وإذا لَمْ يجد المطلوب سافر وحده إلى حيث يريد، ويستحسنون أن يبدأ المسافر بالسفر في يوم الخميس صباحًا، ويتفاءل ذوو المسافر له بالفال الحسن، ويكثرون السؤال عنه من القادمين حتى يعود سالمًا، وإذا كان المسافرون جماعة، سواء أكان سفرهم على إبل أم على سيارات، أم يكونون مشاة على أقدامهم - يأخذون معهم أواني الطبخ والأكل والقهوة بقدر اللزوم، وكل واحد من هؤلاء المسافرين يكون اهتمامه مُنصَبًّا على تحقيق التعاون فيما فيه فائدة ومصلحة للجميع، مدة غيابهم عن ديارهم حتى يرجعوا إليها وإلى أهليهم.
وإذا قدم المسافرون من السفر وهم جماعة، فقبل تفرقهم يتوادعون، ويطلب بعضهم السماح من بعض فلعل قصورًا أو ما لا يليق يكون قد حدث من بعضهم على بعض، وعندما يصل المسافر إلى منزله فكثيرًا ما تذبح الذبائح ابتهاجًا واستبشارًا بعودته سالمًا، وهذا إذا كان السفر طويلًا. وكانت هذه العادة متبعة لدى العرب في جاهليتهم قبل الإسلام، فقد ورد في كتاب جواد علي:(ومن أيام الفرح والسرور يومُ العودة من السفر، ومن حقهم أن يفرحوا به فقد كان السفر شاقًا خطرًا في تلك الأيام ولا سيما إذا طال، فقد يتعرض المسافر فيه للهلاك والموت جوعًا أو عطشًا، عدا ما يتعرض له من السلب والنهب، لذلك كانوا يحاولون جهدهم أن يسافروا جماعة وقوافل يتعاونون ويشد بعضهم أزْرَ بعض، وكانوا إذا عادوا فرح أهلهم بعودتهم سالمين، وتلقوهم بالبشر والتهنئة، وذبحوا الذبائح ووزعوا لحومها بين الأصدقاء والفقراء، وأولموا الولائم للمهنئين والجيران)
(1)
.
عاداتهم في الختان
إذا بلغ عمر الوليد السُّلَمي أسبوعًا، أو أربعين يومًا أو عامًا كاملًا - يقوم وليُّ أمره بإحضاره الخاتن من القبيلة، ويختن الطفل وهو موضوع على حجرين كبيرين غير خشنين، وذلك لرفعه عن الأرض لكي لا يلتصق به شيء من التراب. وبعد ذلك يطلقون العيارات النارية، على أنَّ لا تتجاوز سبعًا؛ يطلقونها في الجو، ويتولى أهل الطفل معالجته من جراحة الختان، ويقيمون حفلًا يقرب من الحفل الذي أقاموه في زواج والدته، ويحضر الختان كثيرون من أفراد القبيلة إذا كان الأطفال الذين يُختنون جملة، ويحصل لعب في تلك الليلة حتى يسفر الصباح.
عاداتهم في العيدين
الاحتفال بعيد الفطر لدى بني سُلَيْم المعاصرين في هذه البلاد أهم من الاحتفال بعيد الأضحي، فتراهم يلبسون في عيد الفطر الملابس الجديدة الناصعة البياض، وكل من كان لديه سلاح يأخذه معه، ويحمل عتاده في حزام يتحزم به،
(1)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ص 131، الجزء الخامس.
ويتوجهون إلى مصلى العيد زرافات ووحدانًا، وبعد أن يؤدوا صلاة العيد في المصلي يصافح بعضهم بعضًا، ويهنئ بعضهم بعضًا بحلول العيد السعيد، ومن كان منهم بينه وبين آخر مشاجرة فإنه يصافحه ويصالحه في ذلك اليوم الميمون، فيتصافيان وتزول أسباب الخلاف والشقاق بينهما، وبعد الصلاة يجتمعون في صعيد مرتفع، ويتريضون برمي الأهداف بطلقات بنادقهم، ويفتخرون بإجادة الرماية وإصابة الأهداف، ثم يعود كلّ واحد منهم إلى بيته، هذا إذا كانوا حاضرة.
أما البادية السُّلَميون فإنهم قبل العيد يجتمع منهم جمع غفير في كلّ بيت من بيوت الشَّعَرِ، ومدة العيد من ثلاثة أيام إلى أربعة، وفي كلّ يوم تذبح الذبائح ويُطْعِم منها الذين ذبحوها، الآخرين الذين لَمْ يذبحوا .. وهكذا حتى تنتهي أيام العيد ومن ثم يتفرقون في المراعي.
وهكذا شأنهم في عيد الأضحى إلَّا من ناحية الرماية.
عاداتهم في شهر رمضان
يبتهج بنو سُلَيْم بمقدم شهر رمضان المبارك، ويطلقون المطلقات المتواصلة من بنادقهم إعلانًا لفرحتهم الغامرة به، ويخبر بعضهم بعضًا بقدومه، وتمضي ليالي شهر رمضان عندهم كلها في غبطة وانشراح، ويكثرون فيه من الصلاة والصدقة، وأهل البادية في هذا الشأن مثل أهل القرى.
أعراف أخرى
يكرمون الضيف ويحسنون جواره، ولمن جاورهم أو استجار بهم الحماية. وباديتهم كثيرو الترحال وراء الأمطار، وإلى منابت العشب، أما حاضرتهم فيتعاطون زراعة النخيل والليمون والفواكه والحبوب بأنواعها في بلادهم، كما يتعاطون التجارة، وليس في بلادهم في الوقت الحاضر خيل يُربُّونها، أو خيل يركبونها، كما كان عليه الحال لديهم في سالف الأزمان، إبان الجاهلية القريبة من الإسلام، وفي صدر الإسلام.
أمثال عامية لبني سُلَيْم
آثرتُ صيغة العامية" في وصف أمثال بني سُلَيْم المعاصرين - على صيغة "الشَّعبية" لأني رأيتها أدق في إعطاء الوصف المروم.
وقد حدد أحمد بن محمد النيسوري المعروف بالميداني المتوفي سنة 518 هـ في كتابه - المثلَ في أشكال وتعريفات رواها عن العلماء، فنقل عن المبرد أن المثل مأخوذ من المثال، وأنه:"قول سائر يشبه به حال الثاني بالأول"، والأصل فيه التشبيه. فقولهم مَثَل بين يديه إذا انتصب معناه: أشبه الصورة المنتصبة. وفلان أمثل من فلان، أي أشبه بما له من الفضل، والمثال: القصاص، لتشبيه حال المقتص منه بحال الأول، فحقيقة المثل: ما جعل كالعلم، للتشبيه بحال الأول، كقول كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلًا
…
وما مواعيدها إلَّا الأباطيل
فمواعيد عرقوب، "علم لكل ما لا يصح من المواعيد".
ويفسر ابن السكيت المثل بأنه: "لفظ يخالف لفظ المضروب له، ويوافق معناه، معنى ذلك اللفظ .. شبهوه بالمثال الذي يعمل عليه غيره".
ولا يخرج رأي ابن السكيت عن رأي المبَّرد السالف ذكره.
وعرف لنا إبراهيم النظام المثل بما يعرف في علم المنطق بالتعريف بالخاصية، فقال:"يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية" فهو نهاية البلاغة.
وقال ابن المقفَّع: إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق، وآنق للسمع، وأوسع لشعوب الحديث". وقد كانت الأمثال العربية الدارجة على ألسنة الشعب العربي فصيحة في عهد فصاحة العرب، فلما غشيتهم العامية وركبتهم العجمة، هبط مستوى الأمثال إلى مستوى كلامهم الدارج، فخرجت عن إطار الفصاحة أيضًا، وأمثال بني سُلَيْم وأمثال كلّ قبيلة عربية، وكل قطر عربي منذ ذلك العهد إلى يوم النّاس هذا سائرة على هذا المنوال، فهي مثل لهجاتهم وهي نابعة منها، وهي محشوة بالأغلاط النحوية، ولا تتقيد بالسَّنن العربي الفصيح.
وما يأتي من أمثال بني سُلَيْم المعاصرين دليل واضح على صحة هذه النظرية.
هذا، وجدير بعلماء العرب والمسلمين أن يقوموا بدراسات واسعة في أبعاد الأمثال العربية العامة المختلفة من ناحية علاقتها بالأمثال العربية الفُصحي، ومن ناحية علاقتها بمجتمعات الأقطار والمدن والأرياف والبادية التي تُضرب فيها قديمًا وحديثًا.
إن الأمثال العربية العامة بحر واسع متلاطم وموضوع واسع الأطراف، وهي في تبدل وتغير ومحو وإثبات، وربما اندثر بعضها وانمحي من الوجود، وحل محلها أمثال أخرى أو لا يحل، وكل ذلك مرتبط بالبواعث والفواعل الاجتماعية وغيرها.
يقول أحمد أمين في "قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية": (وإني أعتقد أن في العادات والتقاليد دلالة على نوع الأخلاق، ونوع العقلية للشعوب، وأن في التعابير الشعبية من أنواع البلاغة ما لا يقل شأنًا عن بلاغة اللغة الفصحي، وأن هناك من أمثلة المصريين وتعبيراتهم وزجلهم ما يُعجب بامرئ القيس وزهير) ص (د).
ويصح أن يُقال في أمثال شبه جزيرة العرب وسائر بلاد العرب ما يقوله أحمد أمين عن أمثال مصر، وبنو سُلَيْم في الصميم من سكان شبه جزيرة العرب.
ويقول عبد الرَّحمن التكريتي في "الأمثال البغدادية المقارنة مع أمثال أحد عشر قطرًا عربيًّا": (أمثال كلّ أمة خلاصة تجاربها، ومستودع خبراتها، ومنار حكمتها، ومثار ذكرياتها، ومرجع عاداتها، وسجل وقائعها - وترجمان أحوالها - إلى أن يقول: فهي مرآة الأمة، تعكس واقعها الفكري والاجتماعي بصفاء ووضوح) وقد أوضح أن عناية العرب بالأمثال قديمًا ضئيلة، ولكنهم استدرجوا ذلك النقص حديثًا بعد أن أدركوا أهميتها، فعنوا بجمعها وشرحها والبحث عن أصولها، واقتصر بعض المؤلفين على أقطارهم دون تجاوز حدودها وما زالت بعض الأقطار العربية لَمْ يظهر من أمثالها شيء حتى يومنا هذا).
وكما يقول التكريتي: قد بدأ الاهتمام بدراسة الأمثال العامية يغزوها العرب. وقد اطلعت على هذه الكتب المؤلفة حديثًا فيها وهي: الأمثال العامية في نجد - للأستاذ محمد العبودي، والأمثال البغدادية المقارنة مع أمثال أحد عشر قطرًا عربيا - لعبد الرَّحمن التكريتي، والأمثال اليمانية مع مقارنتها بنظائرها من الأمثال الفصحى والأمثال العامية في البلاد العربية - الإسماعيل الأكوع، وكتاب أحمد تيمور: الأمثال العامية، وفي كتاب "تاريخ مدينة جُدة" لعبد القدوس الأنصاري طائفة من الأمثال التي تُسْتَعْمَلُ في جُدة في العصر الحاضر.
وبعد فهذه طائفة من أمثال بني سُلَيْم العامية المقيمين في المملكة العربية السعودية بديارهم القديمة في أعالي الحجاز بين نجد والحجاز، وقد كتبها لنا الشيخ حسين بن هندي السُّلَمي:
* من عَطَى نصف يريد مليتها
(1)
.
* صَردَانَة ما تُدَفي بَردَانَه
(2)
.
* الجَيْعان يَتَحَلَّمْ بِسُوقَ العَيْشْ
(3)
.
* يا أبُو المكَاسِب راسْ مالَك لا يَضيعْ
(4)
.
* عُرْضَ الصيِاحْ صيِاحْ وَتَسْلَمْ
(5)
.
* إذا أرَدت فِراقَة فاضرِبَهْ باللِّي ما يِطاقة
(6)
.
* مَن لا نَفَعْني والبِلادْ أمانْ ما فادَني والبِلاد مَخيفَه
(7)
.
(1)
يعني من أعطى شيئًا فهو ينتظر أكثر منه.
(2)
الصردان والبردان بمعنى واحد، ويضرب المثل في أن الضعيف لا يستطيع نفع الضعيف.
(3)
المعنى: أن الجوعان يحلم دائمًا بسوق مملوءة بالخبز، ومضرب المثل أن الإنسان الأدني يتطلع دائمًا لمن هو أعلى منه.
(4)
المعني: يا محب المكسب احذر من ضياع راس مالك. يضرب لمن يتطلع للربح الوفير ويخشي أنه لا يحسن التصرف، والمثل توصية له بالحرص على المحافظة قبل كلّ شيء على رأس المال.
(5)
المعني: عليك أن تقابل الصياح بصباح أشد منه لعلك بذلك تسلم، ويقابله في أمثال الحجاز العامية المعاصرة:(قابل الغوش بالغوش لعلك تنجي - أي تنجو).
(6)
المعنى: إذا أردت فراق إنسان فعليك أن تقدم له أمرًا كبيرًا لا يطيقه، ليفارقك حالًا عند سماعه بذلك.
(7)
المعنى: من لا فائدة منه لك في وقت الرخاء وطيب العيش فأحرى به أن لا يفيدك في وقت الشدة.
* يُرِيدْ يَداويها وأعماها.
* عدوَّكْ صاحِبْ صنْعَتَكْ.
* احْفَظْ عن جارك ولا تتَّهِمهْ.
* قريبكْ مِن نصيبكْ.
* يا خالَ أبُويَ حُكَّ أظهَري.
* كيْفْ حآلكْ يوم أمْسيتْ، قال: مِثْلي يوم أصبحتْ.
* حَيْمِرْ عينكْ وأرْخِ إيديكْ.
* ما جاتْ بُهَّ سودَ الليالي غدتْ بَهْ.
* احفظْ مالكْ يصلَحْ حالكْ.
* أبْعِدْها عنِّي واطلبْ ثمرتها منِّي (هذا المثل عن النخلة).
* سوقَ الرجال بِسوايقْها وتسْلَم مِنْ بوايقْها (معنى هذا المثل: اعط النّاس بقدر ما يعطونك).
* صب القوم على القوم وتسلم من عواقبهم. (يعني هذا المثل: اترك العدو يتصارع مع عدوه لتسلم منهما).
* رِجْلَ الدَّيكْ تَجيبَ الدِّيكْ (يعني المثل: أن رجل الديك تسحبه إذا سحبت).
بنو سُلَيْم آخرون
فقبيلة سُلَيْم التي هي بغامد، هي قحطانية، ولا تُمتُّ إلى قبيلة سُلَيْم العدنانية بصلة نسب. قال ابن حزم في فصل:"وهؤلاء سُلَيْم بن فهم بن غنم بن دوس" ما نصه: (وَلَدُ
(1)
سُلَيْم بن فهم: ثعلبةُ وتبيع، فمن ولد ثعلبة: أبو هريرة، وقد اختلف في اسمه اختلافًا عظيمًا، وثبت الكلبي على أنَّه عبد الله بن عامر بن عبد ذي الشَّري ابن طريف بن عبَّاد بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سُلَيْم بن فهم - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أفادنا ابن حزم بأسماء أبناء أبي هريرة
(1)
(ولد (هنا) مضموم الدال): فهو اسم بمعنى (الابن) لا فعل ماض وهذا أسلوب ابن حزم في كتابه (جمهرة أنساب العرب) وقد استعمله أيضًا في أنساب سُلَيْم بن منصور من قيس عَيْلان.
وهم: المحرز وعبد الرَّحمن وبلال، كما ذكر ابن ابنه: عبد الرَّحمن بن بلال بن أبي هريرة، وقال: إنه (محدث) وذكر أخاه كريمًا، وابن عمه أبا عبد الله الأغر، وخاله: سعد بن صُبَيْح بن الحارث كان في الجاهلية لا يأخذ أحدًا من قريش إلَّا قتله بأبي أزهر الدوسي الذي قتله هشام بن المغيرة المخزوميُّ، لمطله إياه بمهر أخته، وعبد الله بن النعمان الذي ينتهي نسبه إلى ثعلبة بن سُلَيْم بن فهم، ومن ولده عبد الرَّحمن بن عبد الله بن النعمان، وَلَّاهُ المهدي السَّراة؛ فهو من أمراء الدولة العباسية على جبال السراة، وعُمارة بن عمر بن أبي كلثم الذي قال حينما قُتِلَ الوليد بن يزيد:(لئن انتضيتُ سيفي لا أغمده وفي الأرض قُرشيّ حتى أقتله) فأخذه مروان بن محمد، فضرب عنقه صَبْرًا، وذو النور الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاصي بن ثعلبة بن سُلَيْم بن فهم، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي جعل الله له نورًا في وجهه بدعوة رسول الله، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى أن يقول قومي: هي "مُثلة" فرجع النور في طرف سوطه، فكان يضيء في الليل، وقد قتل يوم اليمامة، وقتل ابنه عمرو يوم اليرموك، وهو الذي جعل شعار الأزد:(يا مبرور .. يا مبرور)
(1)
.
ومن كلّ ما سبق يستبين أن سُلَيْم السراة أو قضاء غامد ليسوا من سيم بن منصور في قبيل ولادبير، فأولئك دَوسيون أرديون قحطانيون، ولهم أبناء عمومة آخرون، ينتمون إلى عُدثان - بالثاء - ابن عبد الله بن زهران، وهؤلاء هم زهرانيون، وهم أيضًا أرديون قحطانيون.
أما بنو سُلَيْم بن منصور، فهم في نسبهم بمنأىً عن نسب سُلَيْم بن فهم الأزديين القحطانيين، فسُلَيْم بن منصور عدنانيون - بنونين - من قيس عَيْلان، وبلادهم تقع شمال الطائف قديمًا وحديثًا، وبنو سُلَيْم بن فهم الأزديون مساكنهم بجبال الحجاز - السراة - جنوب الطائف، قديمًا وحديثًا.
ومما يَدْعَمُ أن بني سُلَيْم السراة هم أزديون من بني قحطان ما أورده محمد بن سعد قال: (كتب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى أبي ظبيان الأزدي من غامد يدعوه ويدعو
(1)
جمهرة أنساب العرب، ص 381، و 382، و 264.
قومه إلى الإسلام، فأجابه في نفر من قومه بمكة، منهم مِخْتَفٌ وعبد الله، وزهير وبنو سُلَيْم وعبد شمس بن عفيف بن زهير .. هؤلاء بمكة)
(1)
.
فأنت ترى أن ابن سعد قد نص على أنَّ هؤلاء السُّلَميين هم من غامد، ومن الأزد.
والواقع أن اسم "سُلَيْم" أو "بني سُلَيْم" هو من أسماء العربية المشتركة بين عدة قبائل عربية مختلفة الأنساب، فلسُلَيْم بن منصور - بضم سين سُلَيْم - هم من بني مَعْد بن عدنان لأنهم من قيس عَيْلان، وبنو سُلَيْم بطن من جُذام القحطانيين
(2)
، وبنو سُلَيْم بطن من شنوءة من الأزد من القحطانية، وهم بنو سُلَيْم بن قطرة بن غنم بن دوس بن عُدثان - بثاء مثلثة - بن عبد الله بن زهران بن كعب
…
إلخ).
وقد ذكر القلقشندي بني سُلَيْم الذين هم بطن من جُذام أيضًا كما ذكر بني سُلَيْم الذين هم بطن من شنوءة من الأزد من القحطانية، إضافة إلى ذكره لبني سُلَيْم الذين هم من قيس عَيْلان، وهم الأشهر والأكثر عددًا
(3)
.
ويبدو لي أن "المقريزي" قصر بحثه علي بني سُلَيْم بن منصور الذين أخرجوا من ديارهم مرتين، مُرّة إلى مصر، ومرة بعدها من مصر إلى بلاد المغرب، ولم يتعرض للسُّلميين الآخرين)
(4)
.
وقد مر بنا في فصل: (بنو سُلَيْم أصلًا وفصلًا، وهجرات وتنقلات) تفصيل واف لفروع بني سُلَيْم بن منصور الذين هاجروا - عودًا على بدء - من المغرب إلى مصر في القرن الثاني عشر الهجري الموافق للثامن عشر الميلادي، ومر بنا أنهم قد انتشروا من غرب الإسكندرية إلى مديريات الفيوم والمنيا وبني سويف، كما انتشرت بطون منها في أرض الدلتا شرقًا وغربًا، وفي بعض مناطق الصحراء الغربية كما مرَّ بنا أيضًا. في ذلك الفصل، أسماء أفخاذ بني سُلَيْم المقيمين ببرقة في زمن القلقشندي (القرن التاسع الهجري).
(1)
الطبقات الكبرى لابن سعد، ص 280، المجلد الأول، طبع بيروت.
(2)
في "لسان العرب لابن منظور أن "سليمًا أيضًا قبيلة في جُذام من اليمن" (مادة سلم).
(3)
نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، ص 273 و 274، طبع مطبعة النجاح ببغداد.
(4)
البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب، للمقريزي، طبع القاهرة.
ولست أدري أسُلَيْم السودان، من قيس عَيْلان أم من الأزد؟، وجاء في كتاب "تاريخ السودان" لنعوم شقير: أن سُلَيْمًا من أشهر قبائل السودان على النيلين: الأبيض والأزرق، والجزيرة بينهما جنوبي قبيلة كِنَانة، وفي موضع آخر ذكر أن سُلَيْم السودان تنتسب إلى جُهَيْنة
(1)
.
فإذا ثبت هذا فمعناه أنهم من غير قبيلة بني سُلَيْم بن منصور التي تنتسب إلى قيس عَيْلان؛ وذلك لأنَّ جُهَيْنة قبيلة من قُضاعة، وقُضاعة في أصح الأقوال غير عدنانية، وحتى لو كانت جُهَيْنة عدنانية فهي ليست بذات صلة نسبية بقبيلة بني سُلَيْم بن منصور.
على أنَّ ابن خلدون في كتابه (العبر) يخبرنا أن جُهَيْنة انتشرت ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة، وكاثروا هنالك سائر الأمم، وغلبوا على بلاد النُّوبة ومزقوا كلمتهم وأزالوا ملكهم، وحاربوا الحبشة فأرهقوهم إلى هذا العهد
(2)
، فهذا نص صريح بوجود جُهَيْنة في بلاد السودان بكثرة.
ويقول عبد المجيد عابدين: أنهم دخلوا السودان في موجات متعددة، واتجه معظمهم من طريق وادي النيل إلى الشرق حيث بلاد البجة وساحل البحر الأحمر، واكتظت بهم المنطقة الواسعة التي تأخذ من حلفا الحالية إلى شمال غربي الحبشة، وكان لهم أثر قوي في الضغط على مملكة النوبة المسيحية الشمالية (مملكة المقرة) حتى أزالوها، ثم تدفقوا إلى الغرب ثم إلى الجنوب، فشغلوا بقاعًا متراميةً من السودان تمتد من الشرق إلى الغرب
(3)
.
وعلى هذا فربما يكون معظم بني سُلَيْم الذين استوطنوا السودان من جُهَيْنة التي اكتظ بها السودان، كما يقول المؤرخون: جاز أكثرهم إلى السودان من صعيد مصر، وجاز أقلهم في الفترات الأخيرة من الزمن بحرًا من ناحية ينبع إلى السودان رأسًا.
ويؤكد المقريزي أن عرب جُهَيْنة التي هي من قبائل اليمن (هي أكثر عرب
(1)
تاريخ السودان، لنعوم شقير، ص 62.
(2)
العبر، ص 516، المجلد الثاني.
(3)
تعليقات الدكتور عبد المجيد عابدين على نهاية الأرب، للقلقشندي، ص 149 و 150، طبع مطبعة أحمد مخيمر.
الصعيد) وكانت مساكنهم في رأيه في بلاد قريش فأخرجتها قريش بمساعدة عساكر الفاطميين ونزلوا في بلاد إخميم أعلاها وأسفلها، ويصحح الدكتور عبد المجيد عابدين في تعليقاته على كتاب المقريزي منازل جُهَيْنة، فيقول - نقلًا عن ابن خلدون - إنها كانت ما بين الينبع - ينبع - ويثرب، في متسع من برية الحجاز، وأنه جاز منهم أمم إلى العدوة الغربية من بحر القلزم وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة إلى آخر ما سلف بيانه
(1)
.
والهجرة لمن كان في مثل حال قبيلة جُهَيْنة القُضاعية وبني سُلَيْم العدنانية، في خفة المحمول واعتياد النجعة أمر سهل ميسور.
ويذكر محمد مرتضى الزبيدي في كتابه: "تاج العروس من جواهر القاموس" أن (بني سَليمةَ كَسَفينة: بطن من الأزد، وهم بنو مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن الأزد. وكَجُهَيْنَة وقد تقدم، والنسبة: سُلَيْمْيٌ، قال سيبويه نادر. قلت - القائل هنا هو محمد مرتضى الزبيدي - وهم إلى الآن في نواحي البحرين اجتمعت بجماعة منهم - مادة سلم -، وكرر هذا القول أيضًا مُرّة أخرى، إلَّا أنه قال: ومنهم بقية بالبحرين إلى يومنا هذا، وقد اجتمعتُ بجماعة منهم (المادة السابقة)
(2)
.
ولا ينفي هذا ما ثبت من المصادر الموثوق بها من أن بني سُلَيْم بن منصور نزحوا مع القرامطة إلى البحرين (بلاد الإحساء) إبان إجلاء هؤلاء من ديار الشام، وربما كان قد بقي منهم بعض بيوت آثروا المقام في البحرين فيما بعد.
صحابة من بني سُلَيْم
من هو الصحابي
؟
اختلف في تعريف "الصحابي"، فقال النووي في كتابه:(تقريب النواوي) ما نصه: (المعروف عند المحدثين أنه - أي الصحابي - كلّ مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحاب الأصول أو بعضهم أنه: كلّ من طالت مجالسته على طريق
(1)
البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب، للمقريزي، والتعليق عليه للدكتور عبد المجيد عابدين، ص 32.
(2)
تاج العروس، مادة سلم.
التبع، وعن سعيد بن المُسيب أنه لا يُعَدُّ صحابيا إلَّا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين، أو غزا معه غزوة أو غزوتين، وقد ضعَّف النووي هذا القول بالنسبة لسعيد بن المسيب، وقال عنه:(فإن صح عنه - أي هذا القول. فهو ضعيف، فإن مقتضاه أن لا يُعدَّ جرير البجلي وشبهه صحابيا، ولا خلاف أنهم صحابة).
وقال النووي عن الكيفية التي نعرف بها صحبة الصحابي: (ثم تعرف صحبته بالتواتر أو الاستفاضة، أو قول صحابي، أو قوله إذا كان عدلا)
(1)
.
تلك ثلاثة أقوال أوردها النووي في تعريف "الصحابي" ومجملها كما يلي:
أولًا - الصحابي عند المحدثين كلّ مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم."
ثانيًا - الصحابي - عند أصحاب الأصول أو بعضهم - كُلُّ من طالت مجالسته للرسول على طريق التبعة له والأخذ عنه.
ثالثًا - الصحابي - في رأي نُسِبَ إلى سعيد بن المسيب - هو من أقام مع رسول الله سنة أو سنتين أو غزا معه غزوة أو غزوتين.
وثمة أقوال ثلاثة أخرى في تعريف الصحابي أوردها السيوطي في كتابه: (تدريب الراوي شرح تقريب النواوي) هي:
أولًا: الصحابي: من طالت صحبته وروي عن الرسول.
ثانيا: الصحابي: من رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بالغ.
ثالثا: الصحابي: من أدرك زمنه صلى الله عليه وسلم وإن لَمْ يره
(2)
.
وإذا كان لمثلي أن يقول شيئًا في هذا الموضوع، فإني أرى أن التعريف الأول الذي قدمه لنا النووي وهو: أن الصحابي: كلّ مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو التعريف الأمثل للصحابي.
هذا، وقد أوردتُ في هذا الفصل جملةً من الصحابة السُّلَميين، وهو استعراض متفاوت لحيوات من تمكنت من معرفة تراجمهم حسب ما اطلعت عليه
(1)
تقريب النواري، للإمام النووي، ص 396 - 400، طبعة مصر 1379 هـ - 1959 م.
(2)
تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، لعبد الرَّحمن السيوطي، ص 399، طبعة مصر.
فيما بين يدي من المراجع حين كتابة هذا الفصل، عن الصحابة السُّلميين رضي الله عنهم، وليس إحصاءً ولا شبه إحصاء، فإني ما اطلعت على كلّ ما كُتِب في هذا الشأن، ولا على كلّ من تُرجمُوا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني سُلَيْم، وما لا يُدرك جله لا يُترك كله.
على أنَّه حتى في المراجع التي هي بين أيدينا ربما يفوت على الرؤية أسماء بعضهم، فله تندرج في هذا الفصل، لسهو أو تجاوز نظر، والكمال لله وحده.
وجدير بالذكر أننا قفيَّنا فصل الصحابة السُّلَميين هذا بفصل آخر عن الصحابيات السُّلَميات التي استطعنا أن نتوصل إلى تراجمهن من بين ثنايا المصادر التي بين أيدينا.
فن كتابة التراجم
هذا، وقد عَرَفت الحضارة العربية الإسلامية فن كتابة التراجم قديمًا، والترجمة تؤدي معنى تدوين السيرة أو تاريخ حياة من تترجم له أو لها، وأول ما عُني به المسلمون من فن التراجم تدوينُ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحينما اتسعت الدائرة شملت في إطارها سِيَر صحابة الرسول، وخاصة أولئك الذين سبقو إلى الإسلام، ووردت أسماؤهم في أخبار المغازي النبوية وفي الأحداث التي كانت منذ فجر الإسلام، وأولئك الذين رووا أحاديث المصطفى وتسلسل ذلك إلى تراجم التابعين، ومشاهير الفقهاء والعلماء والأدباء وغيرهم ممن حفلت بهم كتب التراجم في الحضارة العربية الإسلامية، ومن ثم عُني المترجمون - بكسر الجيم - بوضع معاجم وكتبٍ تشمل تراجم المشاهير والأعلام في حرب وفي سياسة، وفي اقتصاد واجتماع، وفي غير ذلك.
ومن التراجم ما يختص بأعلام دولة معينة أو إقليم معين، أو قبيلة من القبائل، أو بلد من البلدان
(1)
.
والتراجم التي دونت في الفصول التالية هي النوع الخاص بالصحابة الذين ينتمون خاصة إلى قبيلة بني سُلَيْم، هذه القبيلة التي انتشرت في أركان المعمورة حتى لا يكاد يعرف بعض أبنائها بعضًا، وقد لا يكون سمع بعضهم بأسماء بعض.
(1)
القاموس الإسلامي، لأحمد عطية، ص 456، الجزء الأول.
وستتلوه تراجم أخرى للصحابيات السُّلَميات، فالتابعين السُّلَميين، فالتابعيات السُّلَميات، فالعلماء السُّلميين والمفتين والقضاة، فالعالمات السُّلَميات، فالأمراء السُّلميين والقادة والولاة، ومن إليهم من المحتسبين والفرسان والموظفين، فالسراة والتجار ورجال الأعمال السُّلَميين، فالشعراء السُّلَميين والأدباء، فالشاعرات السُّلَميات، ومن بعد ذلك الرواة وشعراء الشعر النبطي السُّلَميون. ونماذج مما قاله الشعراء السُّلَميون المعاصرون في الشعر العامي المعروف بالشعر النبطي.
ولسنا نزعم أننا أحصينا كلّ نوع من الأنواع المذكورة أو كلّ شيء عنها، وإنما هي "نماذج" تدل على غيرها، وهيَّ على كلّ حال ليست إحصائية، وإن كنت قد راجعت الكثير من المصادر القديمة والحديثة في هذا الميدان، مما هو مدون في هوامش صفحات هذه الفصول.
ولا أكتم القارئ أن "قسم التراجم" في هذا الكتاب، قد أخذ الكثير أيضًا من صفحاته؛ وذلك لما لهذا الفن من أهمية دقيقة في إماطة اللثام عن حياة المجتمعات بتقصي حقائق حيوات أفرادها الذين تتكون منهم جماعاتها، وقد أدرك علماؤنا قديمًا أهمية هذا الفن وأولوه عناية خاصة، ودونوا فيه الأسفار الكثيرة، ولم يكتفوا بذلك بل قدموا لنا المزايا الخاصة بهذ الفن التي جعلتهم يولونه قسطًا كبيرًا من عنايتهم .. يقول السخاوي:(إن ذلك أوفى مصنَّفات التواريخ فائدة، وأكثرها عائدة وأجلها أثرًا وأطيبها خيرًا وأحسنها سمرًا وأحلاها ثمرًا؛ لأنَّ فيها ما يبعث على الفضائل واجتناب الرذائل، وفي مصارع الأعيان ومن ساعده الزمان اعتبارٌ لمن اعتبر وتجربة لمن تفكر، إذ اللبيبُ يرى مكارم الأخلاق فيستحسنها، وعوائد الخير فيطلبها، وعواقب الشر فيتجنبها)
(1)
.
ويقول العقاد: (شغف النّاس في هذا القرن بقراءة السير، فهي تحررهم حين يقرءونها من حدود الزمن، وتعيدهم إلى الماضي يستمدون منه العبرة ويتزودون منه بالعظات، فتتصل بذلك حلقات الإنسانية ولا تنقطع).
ثم يقول: (وكتابة السِّير ليست عملًا سهلًا ولا هينًا، ولكنه من أصعب
(1)
الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، للسخاوي، ص 237، طبع مطبعة العاني ببغداد.
صنوف التأليف، فهي تتطلب من كاتبها أن يجمع بين قدرة المؤرخ وموهبة الأديب، ليصبح قادرًا على تحرِّي الحقيقة واستقصاء الشواهد والتزام الحيدة والإنصاف.
ويضيف قوله: (وَلَا شك أن للعرب نصيبًا كبيرًا في الحضارة الإنسانية، والتاريخ العربيُّ زاخر بالأمجاد حافل بالأعلام في كلّ فرع من فروع المعرفة، وفي كل ميدان من ميادين الحياة، وما أحوجنا في هذا الطور من أطوار نهضتنا العربية المتوثبة إلى دراسة هؤلاء الأعلام والترجمة لكل منهم في كتاب يؤلفه كاتب من المتخصصين، يعرض فيه سيرته ويحللها، ويصف عصره ووقائع حياته، ويبرز شخصيته، ويبين آثاره وفضله على المتقدم الإنساني
(1)
.
وهذا الذي يشيد به السخاوي والعقاد من أهمية فنِّ التراجم هو أمر واقع، وأضيف إلى قولهما: أن فن التراجم والسير هو "العرق النابض" بالحيوية في التاريخ؛ ذلك أن إبراز مزايا المترجم تدعو القارئ من حيث يدري ولا يدري إلى الإعجاب، والإعجابُ يدعو إلى محاولة المحاكاة، ومحاولة المحاكاة تدعو إلى المضي فيها دما، والمضيُّ فيها قُدُمًا وبعناية يدعو إلى أن يبرز علماء وأعلام مماثلون أو على منهج من أعجب القاري بسيرته.
وبنو سُلَيْم قد حفل تاريخهم بالأعلام في دين وحرب، وفي أدب وسياسة، وفي إدارة واجتماع، مما سترى نماذج منه في الفصول المتابعة التالية:
عمرو بن عبسة السُّلَمي
هو عمرو بن عبسة بن خالد بن حذيفة بن عمرو بن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة بن بُهْثَة بن سُلَيْم بن منصور
(2)
بن عِكْرَمة بن خَصْفَةَ بن قيس عَيْلان بن مُضَر. ويكفي عمرو بن عبسة، "أبا نجيح".
قصة دخوله الإسلام
حدث عمرو بن عبسة عن دخوله في دين الإسلام .. فقال:
(1)
محمد عبده، لعباس محمود العقاد.
(2)
في كتاب "الطبقات الكبري" لابن سعد، طبعة بيروت، دار صادر:(منظور) بالظاء المشالة وصوابه كما هو معروف: (منصور) بالصاد المهملة.
"أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بعكاظ، فقلت: يا رسول الله من معك في هذا الأمر؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "معي رجلان: أبو بكر وبلال". وفي رواية أنه قال: أتيتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنا عمرو بن عبسة السُّلَمي، أحب أن أسألك ما تعلم وأجهل، وينفعني ولا يضرك.
وفي رواية أنه قال: (أَتَيْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله مَنْ أسلم؟ فقال الرسول: "حُرٌّ، وعبده يعني أبا بكر وبِلَالًا، فأنا رابع الإسلام أو رُبُع الإسلام).
وقد سأل أبُو أمامة، عمرو بن عبسة، فقال: يا عمرو بن عبسة (لصاحب العُقُل رجل من بني سُلَيْم): بأي شيء تدَّعي أنك رُبُع الإسلام؛ فقال: إني كنت في الجاهلية أرى النّاس على ضلالة ولا أرى الأوثان بشيء، ثم سمعتُ عن رجل يخبر أخبارا بمكة، ويحدث بأحاديث، فركبتُ راحلتي حتى قدمت مكة، فإذا أنا برسول الله مستخفيًا، وإذا بقومه عليه جزءان
(1)
، فتلطفتُ حتى دخلتُ عليه، فقلت: ما أنت؟ قال: أنا نبيٌّ. فقلت: وما نَبِيٌّ؟ قال: رسول الله. قلت: اللهُ أرسلك؟ قال: نعم. فقلت: فبأي شيء؟ قال: بأن يوحد الله ولا يشرك به شيء، وكسر الأوثان، وصِلَةِ الأرحام. فقلت له: من معك على هذا؟ قال: حُرٌّ وعَبْدٌ وإذا معه أبو بكر وبلال. فقلت له: إني متَّبعك. قال: إنك لا تستطيع ذلك يَوْمَكَ هذا، ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سَمِعْتَ بي قد ظهرتُ فالْحَقْ بي. قال عمرو بن عبسة: فرجعتُ إلى أهلي، وخرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مهاجرًا إلى المدينة وقد أسلمتُ، قال عمرو بن عبسة: فجعلت أتَخَبَّرُ الأخبار، حتى جاء ركبه - رَكَبَةٌ جمع راكب - من يثرب، فقلت: ما فعل هذا الرجل المكيُّ الذي أتاكم؟ فقالوا: أراد قَوْمُهُ قَتْلَهُ، فلم يستطيعوا ذاك، وحيل بينه وبينهم، وتركتُ النّاس إليه سِراعًا، فرَكَبْتُ راحلتي حتى قَدمْتُ عليه المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: نعم ألَستُّ الذي أتيتني بمكة؟ فقلت: بلِّي، وقلت: يا رسول الله علمني مما علمك الله وأجهل. فعلمه رسول الله صلوات الصبح والظهر والعصر والمغرب، والوضوء للصلاة، وفَضْلَهُ.
(1)
في الرواية الأخرى: (ووجدت قريشًا عليه أشداء). وستأتي عما قريب في هذا الفصل.
وفي رواية عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة السُّلَمي، قال: رغبتُ
(1)
عن آلهة قومي في الجاهلية وذلك أنَّها باطل، فلقيت رَجُلًا من الكتاب من أهل تيماء، فقلتُ: إني امرؤ ممن يعبد الحجارة، فينزل الحَيُّ ليس معهم إله، فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجار، فينصب ثلاثة لِقِدْرِهِ، ويجعل أحسنها إلَها يعبده، ثم لعله يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه، ويأخذ غيره إذا نزل منزلًا سواه. فرأيت أنه إله باطل لا ينفع ولا يضر، فَدُلَّنِي على خير من هذا.
فقال (الرجل التيماوي) لعمرو بن عبسة السُّلَمي: يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قَومه ويدعو إلى غيرها، فإذا رأيت ذلك فاتبعه، فإنه يأتي بأفضل الدين. قال عمرو بن عبسة: فلم تكن لي همة منذ قال لي ذلك إلَّا مكة، فآتي فأسأل: هل حدث فيها حَدَثٌ؟ فيقال: لا. ثم قَدِمْتُ مُرّة فسألت: فقالوا: حدث فيها رجل يرغب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها، فرجعت إلى أهلي، فشددت راحلتي برحلها، ثم قدمت منزلي الذي كنت أنزله بمكة، فسألت عنه فوجدته مستخفيًا، ووجدت قريشًا عليه أشداء
(2)
فتلطفتُ حتى دخلت عليه، فسألته، فقلت: أيُّ شيء أنت؟ قال: نبيٌّ. قلت: ومن أرسلك؟ قال: الله. قلت: وبما أرسلك؟ قال: بعبادة الله وحده لا شريك له، وبحقن الدماء، وبكسر الأوثان، وصلة الرحم، وأمان السبيل. فقلت: نِعْمَ ما أُرْسِلْتَ به، وقد آمنتُ بك وصدقتك، أتَأْمرني أمكث معك أو أنصرف؟ فقال: ألا ترى كراهة النّاس ما جئتُ به؟ فلا تستطيع أن تمكث، كن في أهلك، فإذا سَمِعْتَ بي قد خرجتُ مخرجًا فاتبعني. فمكثتُ في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة، سِرْتُ إليه فقدمت المدينة، فقلت: يا نبيَّ الله أتعرفني؟ قال: نعم أنت السُّلَمي الذي أتيتني بمكة، فسألتني عن كذا وكذا، فقلت لك كذا وكذا. فاغتنمتُ ذلك المجلس، وعلمتُ أن لا يكون الدهر أفرغَ قلبًا لي منه في ذلك المجلس، فقلت: يا نبي الله أي الساعات
(1)
معنى: رغبت عن هذا: كرهته؛ وذلك أن صيغة (رغب) ذات معنيين متضادين، والذي يحدد لها معناها من المعنيين المتضاديين هو حرفا الجر:(في) و (عن) .. فإذا كان المراد هو (الحب) فتأتي بعدها به (في) فتقول: (رغبت في هذا) أي أحبته. وإذا كان المقصود هو (الكره) فتأتي بعدها بـ (عن) فتقول: (رغبت عن هذا) أي كرهته.
(2)
في الاستيعاب لابن عبد البر: (إليّا عليه)، ص 1194. الجزء الثالث.
أسمع؟
(1)
قال: الثلث الآخر، فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى تطلع الشمس، فإذا رأيتها طلعت حمراء كأنها الجحفة
(2)
فأقصر عنها، فإنها تطلع بين قرني شيطان، فيصلي لها الكفار، فإذار ارتفعت قَيدَ رُمح أو رمحين فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى يساوي الرجل ظله، فأقصر عنها فإنها حينئذ تسجد جهنَّم، فإذا عاد الفئ فَصَلِّ، فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى تغرب الشمس، فإذا رأيتها تغرب حمراء كأنها الجحفة فأقْصِرْ .. ثم ذكر الوضوء فقال: إذا توضأت فغسلت يديك ووجهك، فإذا جلست كان ذلك لك طَهُورًا، وإن قمت فصليت وذكرت ربك بما هو أهله، انصرفت من صلاتك كهيئتك يوم ولدتك أمك من الخطايا)
(3)
.
وقد أورد ابن قُتَيْبَةُ قصة إسلام عمرو بن عبسة السُّلَمي بإيجاز، وقال عنه: (فلما قبُض النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، سكن "عمرو" الشام بعده
(4)
).
هذا، ويلمس القارئ من ثنايا حديث هذا الصحابيُّ السُّلَمي ذي السابقة في الإسلام، حَرَارةَ الصدق، وصفاءَ الضمير، وذكاء الفكر، وطُهْرَ الفطرة. وما رواه شهر بن حوشب عنه - فيما أراه - هو. تفصيل من عمرو بن عبسة نفسه لقصة إسلامه، ولمقدمة إسلامه.
وواضح تجرد هذه القصة الواقعية الجميلة من التصنع والتكلف والتنميق، هي منسجمة تمامًا مع واقعها، ومع صاحبها وبطلها، وهي تعبير صادق عن شعور نفسي عميق، وهي تجربة واقعية خاض غمارها عمرو رضي الله عنه، فنجح باهر النجاح، وقد أدرك بفطرته السليمة أن ما كان عليه هو وقومه العرب من عبادة الأحجار وإشراكها بالله جل وعلا في العبادة هو أمر ناجم عن انطماس نور العقل وإرادة الفكر.
ويحدثنا محمد بن عمر الواقدي عن عمرو بن عبسة فيقول: "لما أسلم عمرو بن عبسة رجع إلى بلاد قومه بني سُلَيْم، وكان ينزل بصفة وجاذة وهي من أرض بني سُلَيْم، فلم يزل مقيمًا هناك حتى مضت بدر وأُحد والخندق والحديبية وخيبر، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك المدينة
(5)
.
(1)
يعني: أي الساعات يكون الدعاء فيها مستجابًا أكثر من غيرها؟
(2)
الجحفة: الترس.
(3)
الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 217، 218، الجزء الرابع.
(4)
المعارف، لابن قُتَيْبَةُ الدينوري، ص 126، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.
(5)
الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ص 214 - 219، المجلد الرابع.
هذا، وقد أثنى ابن خلدون على عمرو بن عبسة، وقَدَّر مكانته في الإسلام، ثم قال عنه: (وعمرو بن عتبة
(1)
بن منقذ بن عامر بن خالد، كان صديقًا لرسول الله، في الجاهلية، وأسلم (ثلاث؟) أبو بكر وبلال. فكان يقول: كنت يومئذ رُبُعَ الإسلام
(2)
.
ويبدو لي أن اسم (عتبة) الوارد في "العبر" في سلسلة نسب عمرو بن عبسة هو تحريف من النساخ أو الطابع .. فاسم أبيه هو (عبسة) لا (عتبة)، أما جعل جده الأول (منقذًا) فلعله تحريف لاسم (حذيفة، وقد ورد اسم (عمرو) الجد الثاني - عند ابن خلدون - هكذا: (عامرًا)، ولعله هو أيضًا تحريف لاسم (عمرو).
عروة بن أسماء بن الصلت السُّلَمي
هو عم عبد الله بن خازم أمير خراسان، والفارس الصنديد المعلم الوفي بالعهد إلى آخر نقطة من دمه، وكان عروة هذا من جِلَّة الصحابة، وقُتل في يوم بئر معونة رضي الله عنه، بيد قومه من سُلَيْم.
الحجاج بن عِلاطٍ السُّلَمي
هو الحجاج بن عِلَاط بن خالد بن ثويرة - نويرة - بن جسر - حنثر - بن هلال بن عبيد بن ظفر بن سعد بن عمرو بن تيم بن بهز بن امرئ القيس بن بُهْثَة بن سُلَيْم بن منصور.
يُكَنَّى الحجاج بن علاط: أبا كلاب وقيل: أبا محمد، وكان من خيار الصحابة. نزل الحجاج مدينة حمص
(3)
- بسورية - وابنه نصر بن الحجاج الذي نفاه عمر بن الخطاب سترد ترجمته وقصة نفيه في الفصل المعقود للتابعين من هذا الكتاب.
(1)
هكذا ورد اسمه في تاريخ ابن خلدون، طبع بيروت، والصحة ما أوضحناه وهو:(عبسة) كما نص عليه العديد من المراجع.
(2)
العبر وديوان المبتدأ والخبر، ص 636، المجلد الثاني، طبع المطبعة الباسيلية في بيروت.
(3)
جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، ص 250، وتاريخ ابن خلدون، ص 638، المجلد الثاني، طبع بيروت؛ والطبقات الكبرى لابن سعد، ص 412، المجلد السابع.
وقد نزل الحجاج المدينة، وعد من أهلها؛ لأنه سكنها وبنى بها دارًا ومسجدًا يعرف به، وقد ذكر سبب إسلامه فقالوا: إنه خرج في ركب من قومه إلى مكة، فلما جن عليه الليل، وهو في وادٍ موحش مخوف قعد، فقال له أصحابه: يا أبا الكلاب قم فاتخذ لنفسك ولأصحابك أمانًا. فقام الحجاج بن علاط يطوف حولهم يكلؤهم ويقول:
أعيذ نفسي وأعيذ صحبي
…
من كلّ جنيٍّ بهذا النَّقْبِ
حتى أؤوب سالمًا وركبي
فسمع قائلًا يقول: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)} [الرحمن: 33] فلما قدموا مكة أخبر بذلك في نادي قريش، ثم أسلم وحسن إسلامه، ورَخَّصَ له رسول الله أن يقول فيه بما شاء عند أهل مكة، عام خيبر، من أجل الحصول على ماله وولده بها، فجاء العباسَ - بفتح السين - بفتح خيبر وأخبره بذلك سِرًّا، وأخبر قريشًا قبله بضد ذلك جهرًا حتى جمع ما كان له من مال بمكة وخرج منها.
وعقب ابن عبد البر على ما ذكر بأن (حديث الحجاج بن علاط بذلك صحيح). وقد شهد مع رسول الله خيبر، وكان مكثرًا من المال، كانت له معادن بني سُلَيْم، وقد دُفِن بقاليقلا من ديار بكر
(1)
.
وتوجد ترجمة للحجاج بن علاط السُّلَمي في كتاب "القصص العرب"
(2)
.
وللحجاج بن علاط بيتان تمثل بهما عبد الله بن جعفر رضي الله عنه حينما بلغه قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: إن ابن جعفر لمن المسرفين، وقال ابن الزبير ذلك بمناسبة تفريقه للصلة الكبيرة التي وافته من يزيد بن معاوية في مقامه ذاك والبيتان هما:
(1)
الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، ص 326، الجزء الأول، طبع مطبعة نهضة مصر. وديار بكر بن وائل في شرق تركيا.
(2)
قصص العرب، ص 360 و 361، الجزء الثاني، طبع مطبعة السعادة بمصر.
بخيل يرى في الجود عارًا وإنما
…
على المرء عارٌ أن يَضِنَّ ويبخلا
إذا المرء أثرى ثم لَمْ يَرْجُ نفعَهَ
…
صديقٌ فلافته المنية أولًا
(1)
مُعرض بن علاط السُّلَمي
صحابي، أخو الحجاج بن علاط السُّلَمي الذي سبقت ترجمته آنفًا، قُتل مُعرض يوم الجمل ولا يعلم ابن عبد البر له رواية، وقد رثاه أخوه الحجاج بن علاط بقوله:
ولم أرَ يومًا كان أكثر ساعيًا
…
بكف شِمالَ فارقتها يمينُها
وقد نفذ ابن عبد البر قول ابن إسحاق: أنه لما أصيب معرض بن حجاج بن علاط السُّلَمي يوم الجمل، بكاه أخوه نصر بن الحجاج بن علاط فقال:
لقد فزعت نفسي لدكر مُعرض
…
وعيناي جادت بالدموع شئونها
ومحل النقد هو أن (معرضًا) هو عَمُّ نصر بن الحجاج بن علاط، وليس أخاه، فهو معرض بن علاط مباشرة.
وَوَهِمَ الدارقطني حينما قال بقول ابن إسحاق فيه: وهذا "التوهيم" صادر مني. ويدل عليه سياق كلام ابن عبد البر في توهيمه لابن إسحاق في قوله الآنف ذكره الذي اعتمده الدارقطني فيما بعد، وكأنما نقله عن ابن إسحاق بدون فحص ولا تمحيص.
مالك بن عمرو السُّلَمي
شهد مالك بدرًا، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله، وهو من بني حجر من بني سُلَيْم، حلفاء بني كبير من بني أسد (حلفاء بني عبد شمس)، واستُشهد مالك بن عمرو بيوم اليمامة
(2)
.
(1)
الحماسة الشجرية، لابن الشجري هبة الله بن علي العلوي الحسني، ص 490 - 491، القسم الأول، طبع دمشق.
(2)
الاستيعاب، ص 1355، المجلد الثالث، والعقد الثمين، للتقي الفاسي، ص 114، الجزء السابع وقد نشر هذا الكتاب الثمين، في ثمانية أجزاء محققة تحقيقًا علميًا، على نفقة معالي الشيخ محمد سرور الصبان، فكان ذلك فضلًا منه على تاريخ مكة المكرمة يذكر فيشكر.
وجاء في "الاستيعاب" اسم (مالك بن أمية بن عمرو السُّلَمي)
(1)
وهو غير مالك بن عمرو هذا، ولذلك أفردنا له هذه الترجمة، وأفردنا لسميَه المذكور ترجمة أخرى فيما بعد.
مدلاج بن عمرو السُّلَمي
هو أخو مالك وبدر، مات في خلافة معاوية سنة 50 هـ، وقد شهد مدلاج مع أخويه: مالك وثقيف بدرًا وأحدًا والخندق والحديبية وخيبر.
ثَقيف بن عمرو السُّلَمي
شهد مع أخويه السابقين ذكرهما، بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اختلف في اسم (ثَقِّيف): أهو، (ثقف) أو (ثقاف)، ويبدو لي أن هذا الاختلاف في اسمه ربما كان مَصْدَرُهُ عِلْم الرَّسم العربي، فقد اعتاد كُتَّابُ العرب في الجاهلية والإسلام، حذف الألف اللينة من الكتابة تخففًا واتكالًا على ذكاء القارئ وفهمه وعلمه، فهم يكتبون مثلًا: إسحاق وإسماعيل هكذا: إسحق وإسمعيل.
قُتل ثقف أو ثقاف أو ثَقِّيف بخيبر سنة سبع للهجرة، وقاتله أسير اليهودي
(2)
.
كثير بن عمرو السُّلَمي
صحابي حليف لبني أسد، ويقال: إنه كان حليف بني عبد شمس، شهد كثير بدرًا، فيما ذكره ابن إسحاق من رواية زياد، وليس في رواية ابن هشام، وذكره ابن السراج عن عمر بن محمد بن الحسن الأسدي عن أبيه عن زياد عن ابن إسحاق. قال: وشهد بدرًا، من حلفاء بني أسد، كثير بن عمرو وأخواه مالك بن عمرو، وثقف بن عمرو.
وقد ترجمه التقيُّ الفاسي كذلك، ولكنه تعقب ذلك بقوله: (ولم أرَ كثيرًا في غير هذه الرواية، ولعله أن يكون ثقف له لقبًا، واسمه كثير
(3)
).
(1)
الاستيعاب أيضًا، ص 1346، الجزء الثالث.
(2)
الطبقات الكبري، لابن سعد، ص 97 و 98، المجلد الثالث.
(3)
العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، لتقي الدين الفاسي، ص 93، المجلد السابع، والاستيعاب في معرفة الأصحاب، ص 1308، المجلد الثالث.
عُتبة بن غزوان السُّلَمي
واسم والد أبيه ياسر، كان عُتبة من أجلاء الصحابة وفي عداد المهاجرين الأولين، وكان شجاعًا بطلًا، وراميًا حاذقًا، وفارسًا مغوارًا. قدم المدينة مهاجرًا وله من العمر أربعون سنة، وشهد بدرًا وأبلى فيها بلاء حسنًا بسهامه، وكان رجلًا طوالًا مشرف المقامة، وقد فتح الأبلة بعد أن هزم جَيْش الفُرس الذي كان بها، واختط البصرة بأمر عمر بن الخطاب، وأمر محجن بن الأذرع فاختط مسجدها، ثم ذهب إلى مكة فلما كان بمعدن سُلَيْم - ولعله المعروف اليوم بالمهد؛ لأنه تل مرتفع - أدركه الموت فتوفي سنة 17 هـ.
وهكذا كان عُتبة بن غزوان رجل حرب، ورجل سِلْمٍ، ورجل اقتصاد وعمران في وقتٍ واحد.
وكما كان عُتبة بن غزوان بطلًا محاربًا، ورجل اقتصاد وعمران كما قدمناه كذلك كان خطيبًا مفوهًا، وقد رأيناه يلقى هذه الخطبة الرنانة ذات الأهداف الإسلامية القيمة بعد فتحه للأبلة .. قال: (بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أما بعد فإن الدُّنْيَا قد تولَّت حَذَّاء
(1)
مدبرة، وقد آذنت أهلها بصرم
(2)
، وإنما أُبقي منها صُبابة كصبُابة الإناء يَصْطُّبُها
(3)
صاحبها، ألا وإنكم مفارقوها لا محالة، ففارقوها بأحسن ما يحضركم. ألا وإن من العجب أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الحَجر الضخم يُلقى في النار من شفيرها فيهوي فيها سبعين خريفًا
(4)
، ولجهنم سبعة أبواب، ما بين البابين منها مسيرة خمسمائة سنة، ولتأتينَّ عليه ساعة وهو كظيظ بالزحام. ولقد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ما لنا طعام إلَّا ورق البشام
(5)
حتى قرحت أشداقنا
(6)
، فوجدت أنا وسعد بن مالك؛ تمرة
(1)
حذاء بمعنى منقوصة.
(2)
الصرم: القطع.
(3)
الصبابة: بضم الصاد المهملة: بقية الماء أو اللبن، ويصطبها معناه: يفرغها.
(4)
الخريف هنا بمعنى: العام.
(5)
البشام: شجر عطر الرائحة يتخذ من قضبانه المساويك.
(6)
معنى: (قرحت أشداقنا): حدثت فيها قروح.
فشققتها بيني وبينه فأتزرت بنصفها. وما منا أحد اليوم إلَّا وهو أمير على مصرٍ من الأمصار، وإنه لَمْ يكن نُبُوَّةٌ قط إلَّا تناسختها جبرية
(1)
، وأنا أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيمًا، وفي أعين النّاس صغيرًا، وستجرِّبون الأمراء من بعدي، فتعرفون وتنكرون)
(2)
.
صفوان بن عمرو السُّلَمي
عقد ابن سعد في أول الجزء الرابع من كتابه: (الطبقات الكبرى) فصلًا هذا عنوانه: (الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار ممن لَمْ يشهد بدرًا، ولهم إسلام قديم وقد هاجر عامتهم إلى أرض الحبشة وشهدوا أُحدًا وما بعدها من المشاهد). وأدخل في هذا الفصل، صفوان بن عمرو السُّلَمي وقال عنه:(وهو من بني سُلَيْم بن منصور، من قيس عَيْلان، حلفاء بني كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خُزيمة حلفاء بني عبد شمس، شهد أُحدًا، وهو أخو مالك ومِدْلاج وثقاف بن عمرو الذين شهدوا بدرًا، قتل هو وأخوه مالك شهيدين في اليمامة).
وفي "الاستيعاب" أنه اختلف في شهوده بدرًا
(3)
، وفيه بعد ذلك في الصفحة 734 أنه لَمْ يشهد بدرًا وإنما شهد أُحدًا.
العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي
(4)
أسلم العباس بن مِرْدَاس، عام فتح مكة، ووفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنس بن عياض بن رعل السُّلَمي، وراشد بن عبد ربه السُّلَمي الذي كان اسمه (غاويًا) فسماه النَّبِيّ:(راشدًا) على طريقته الجميلة النبيلة في تغيير الأسماء غير المناسبة إلى أسماء حسنة مناسبة، وقد حضر مع الرسول فتح مكة في تسعمائة ونيف من قومه
(1)
معني: (تناسختها جبرية): غالبها جبروت ذوي السلطان، فإما نسختها وأزالتها، وأما غلبت عليها.
(2)
عن كتاب البيان والتبيين للجاحظ، والتعليقات عليه لحسن السندوبي، ص 44 و 45، طبع المطبعة الرحمانية بمصر، 1351 هـ 1932 م.
(3)
طبقات ابن سعد، ص 104، المجلد الرابع، والاستيعاب لابن عبد البر، ص 722، المجلد الثاني.
(4)
العباس بن مِرْدَاس ترجمة وافية في فصل الشعراء من سُلَيْم".
القنا والدروع على الخيل، وكان إسلامه قبل فتح مكة بيسير من الزمن، وكان ممن حرَّم الخمر في الجاهلية، وهو شاعر معروف. وكان لقاؤه للرسول صلى الله عليه وسلم وهو يسير حين هبط "المشلل" وبنو سُلَيْم في آلة الحرب، والحديد ظاهر عليهم، والخيل تنازعهم الأعنة، فصفُّوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإلى جنبه أبو بكر وعمر، وكانت رايتهم حمراء
(1)
فقال الرسول: يا عُيينة هذه بنو سُلَيْم قد حضرت بما ترى من العدة والعدد. فقال عُيينة: يا رسول الله جاءهم داعيك ولم يأتني. ثم حدث بينه وبين العباس بن مِرْدَاس كلام شديد، ورد بعضهما على بعضٍ فأومأ إليهما النَّبِيّ بيده حتى سكتا، وأعطى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم العباس بن مِرْدَاس مع من أعطى من المؤلفة قلوبهم وكان ما أعطاه إياه هو أربعين من الإبل، فعاتب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في شعر قاله منه:
فأصبح نَهْبي ونَهْب العبيد
(2)
…
بين عُيينة والأَقْرَعِ
إلَّا أفَائلَ أُعْطيِّتُها
…
عَديْدٌ قوائمها الأربع
وما كان حِصْنٌ ولا حَابس
…
يفوقان مِرْداس في المُجْمَع
وقد كنتُ في الحرب ذا تدرأٍ
…
فلم أُعْطَ شيئًا ولم أمنع
وما كنْتُ دون امرئ منهما
…
ومن تَخْفِضِ اليوم لا يُرْفَع (4)
فرفع أبو بكر أبياته إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال النَّبِيّ للعباس: أرأيت قولك:
أصبح نَهْبِي ونَهْب العبيد بين الأقرع وعُيينة
فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله: ليس هكذا قال. فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كيف؟ فأنشده أبو بكر كما قال عباس، فقال النَّبِيّ:(سواء، ما يضرك بدأت بالأقرع أم بعيينة)، فقال أبو بكر: بأبي أنت، ما أنت بشاعر ولا راوية ولا ينبغي لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقطعوا عني لسانه: (لسان عباس بن مِرْدَاس) ففزع منه أناس، وقالوا: أمر بعباس يُمثَّل به!، فأعطاه مائة من الإبل، وقيل: خمسين من
(1)
لعل من المناسب هنا ذكر ألوان بعض الرايات في العهد النبوي، كانت رايته صلى الله عليه وسلم سوداء مربعة من صوف أسود وكان لواؤه أبيض مكتوبًا عليه:(لا إله إلَّا الله محمد رسول الله)، واسم رايته العقاب، وكانت راية الأنصار التي عقدها لهم الرسول صلى الله عليه وسلم صفراء. وفي غزوة فتح مكة وافق على أن يكون لواء بني سُلَيْم أحمر (راجع كتاب التراتيب الإدارية للسيد عبد الحي الكتاني ص 321 - 323 الجزء الأول: طبع بيروت).
(2)
العبيد (بضم العين المهملة) اسم فرس العباس بن مِرْدَاس.
الإبل. وقد عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (أتقول فيَّ الشعر؟) فاعتذر وقال: (بأبي أنت وأمي إني لأجد للشعر دبيبًا على لساني كدبيب النمل ثم يقرصني كما يقرص النمل فلا أجد بدًّا من قول الشعر) فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (لا تدع العربُ الشعر حتى تدع الإبلُ الحنين).
هذا، وقد انتقد المرزباني، منع صرف (مِرْدَاس) في البيت المتقدم للعباس بن مِرْدَاس وهو:
وما كان حصن ولا حابس
…
يفوقان مِرْدَاس في مجمع
بفتح سين (مِرْدَاس) مع أنه مصروف لغة، فقال: "وأما ترك صرف ما ينصرف فهو غير جائز؛ لأنه يُخرج الشيء عن أصله. وقد أجازه الأخفش، وأنشد قول العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي:
وما كان حصن ولا حابس
…
يفوقان مِرْدَاس في مجمع
فترك صرف "مِرْدَاس" وهو اسم منصرف، وهذا قبيح لا يجوز ولا يقاس عليه لأنه لحن"
(1)
.
وكان العباس بن مِرْدَاس يغزو مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ويرجع إلى بلاد قومه، وكان ينزل - كما ذكرنا في ترجمته في فصل شعراء بني سُلَيْم - بوادي البصرة، وكان يأتي البصرة كثيرًا ويرجع إلى بلاد قومه
(2)
، وله ابن يقال له جاهمة يروي عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث
(3)
ولم يسكن مكة ولا المدينة ويقال: إنه مات في بادية البصرة، ويقال بل نزل بدمشق وابتنى فيها دارًا. ويقول ابن حجر: إن وفاته كانت في خلافة عثمان بن عفان.
هذا، وفي عهد الجاهلية كان العباس بهاجي خُفاف بن ندبة السُّلَمي، وتمادي الخلاف بينهما حتى بلغ إلى الاحتراب، وقد كثرت القتلى بينهما، وعندئذ قام الضحَّاك بن عبد الله السُّلَمي صاحب أمر بني سُلَيْم وقال لهما: (يا هؤلاء إني أرى
(1)
الموشح للمرزباني، ص 144، طبع دار نهضة مصر، 1965 م.
(2)
الطبقات الكبرى لابن سعد، ص 273، المجلد الرابع.
(3)
الشعر والشعراء، لابن قُتَيْبَة، ص 634، الجزء الثاني، طبع دار الثقافة ببيروت. وفي الهامش أن في مطبوعة ليدن: جلهمة، وصوبه الأستاذ أحمد شاكر رحمه الله، وقال: لا يوجد من يسمي بهذا الاسم في الصحابة ولا الرواة، وإنما هو جاهمة. انظر الإصابة: 228، والاستيعاب: 267).
الحليم يُعْصى، والسفيه يُطاع، وأرى أقرب القوم إليكما من لقيكما بهواكما، وقد علمتم ما هاج الحرب على العرب حتى تفانت .. فهذه "وائل" في ضرع ناب، و"عبس" و"ذبيان" في لطمة فرس، و "أهل يثرب" في كسعة رجل، و "مراد" و "همدان" في رمية نسر، وأمركما أقبح الأمور بدءًا وأخوفها عاقبة، فَحُطَّا رحل هذه المطية النداء، وانحرفا عن هذا الرأي الأعوج) فَلَجَّا وأبَيَا إلَّا السفاهة، فخلعتهما بنو سُلَيْم، وأتاهما دريد بن الصِّمَّة الجُشَمي، ومالك بن عوف النصري، رأس هَوَازِن - أبناء عمومة سُلَيْم - فقال دريد:(يا بني سُلَيْم إنه أعملني إليكم صَدْرٌ وادٌ، ورأيٌ جامعٌ، وقد قطعتم بحربكم يدًا من أيدي هَوَازِن، وصرتم بين صيد بني الحارث وصهب بني زبيد، وجمار خَثْعم، وقد ركبتما شر مطية، وأوضعتما إلى شر غاية، فالآن قبل أن يندم الغالب، ويذل المغلوب .. ) ثم سكت، فقال مالك بن عوف:(كم حَيٍّ عزيز الجار، مخوف الصباح، أُولِعَ بما أُوْلِعْتُمْ به، فأصبح ذليل الجار، مأمون الصباح، فانتهوا ولكم كفٌّ طويلة، وقَرْن ناطَح، قبل أن تلقوا عدوكم بِكَفِّ جَذْماءَ، وقَرْنٍ أعضَبَ). فندم العباس، وقال:(جزى الله، خُفاقًا والرحم عني شرًّا، كنتُ أخفَّ سُلَيْم من دمائها ظَهْرًا، وأخمصها من أموالها بطنًا، فأصبحتُ ثقيل الظهر من دمائها، مُنْفَضِحَ البطن من أموالها، وأصبحت العرب تعيرني بما كنت أعيرها به، من لجاج الحرب، وايْمُ الله لوددت أني كنت أصَمَّ عن جوابه، أخرسَ عن هجائه، ولم أبلغ من قومي ما بلغتُ)، فلما أمسى تغني:
ألم تر أني كرهتُ الحرو
…
ب وأني ندمت على ما مضىَ
ندامة زَارٍ على نفسه
…
لتلك التي عارُها يُتَّقَى
وأيقنتُ أني لِمَا جِئتهُ
…
من الأمر لابِسَ ثَوْبَيْ خَزَى
وكانت سُلَيْم إذا قَدَّمَت
…
فَتَّى للحوادث كنتُ الفَتَى
وكنتُ أفيء عليها النهاب
…
وأنكي عداها وأحمي الحِمَى
فلم أُقِدِ الحرب حتى رمى
…
خُفَافٌ بأسهمه من رَمَى
فألهب حربًا بأصبارها
…
فلم أكُ فيها ضعيف القُوَى
فإن تعطفِ القومَ أحلامُها
…
ويَرجِعُ من ودهم ما نأَى
فلست فقيرًا إلى حربهم
…
ولابِيَ عن سِلْمِهِمْ من غِنَى
وحينما سمع خُفافٌ هذه القصيدة التي أعلن فيها خصمه وابن عمه "التوبة" عن حرب ضروس أهلية، أضرت بالقبيلة وتشتت شملها وهدت من قواها، اعتبر ذلك علامة ضعف من عباس بن مِرْدَاس، فأجابه بقوله:
أعباسُ إمَّا كَرِهْتَ الحروب
…
فقد ذُقْتَ من عَضِّها ما كَفَى
أألقَحْتَ حربَا لها دَرَّة
…
زبونا تُسَعِرُّها باللَّظَى
فلما ترقيتَ في غيها
…
دحْضت وزل لك المُرْتَقَى
فأصبحتَ تبكي على زلة
…
وماذا يرد عليك البكا؟
وإن كُنْتَ أخطأتَ في حربنا
…
فلسنا مُقيِليِكَ ذاك الخَطَا
وإن كُنْتَ تطمع في سلمنا
…
فَزَاوِلْ ثَبِيرًا وَرُكْنَي حِرَا
وهكذا نرى "خُفافًا" - عَبَّاسًا - حيال خصمه: (عباس) الذي بدا أمامه (بسَّامًا) وقدم له سلامًا - بفتح السين، وقد قابل خفاف سلامه هذا بسلام من قوارص التشنيع والتهكُّم تحمل في طياتها نُذُر الإصرار على مواصلة الحرب الأهلية السلمية بدون تردد.
وأخيرًا، أشرقت الأرض بنور ربها، منبثقًا من مكة والمدينة فسطع على ظلام الجاهلية في قلبي الرجلين البطلين السُّلميين المتناحرين؛ واللذين ماداما امتشقا الحسام على بعض، فهدأ شيطان الجاهلية بين جوانحهما ثم توارى عنهما إلى غير رجعة حينما دخلا حظيرة الإسلام واستظلا بظلها الوارف ونهلا من معينها الغَدَق، وهكذا عاد الاستقرار إلى أنفسهما وإلى القبيلة وعاد إليهما الصفاء، فالإسلام نور وضَّاء للقلوب المظلمة، وروضة غنَّاء للنفوس المكتئبة، يمحو همومها وأدرانها، ويحل محلهما السعادة والهناء والألفة والاطمئنان، والإسلام يَجُبُّ ما قبله.
وقد أطلنا في عرض قصة الخلاف الذي نَشِبَ بين العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي، وابن عمه خُفَافِ بن نُدْبَةَ السُّلَمي، وما قيل من نثر وشعر في هذا الخلاف الذي كانت له أصداؤه لدى العرب، فعلنا كلّ ذلك لأسباب في مقدمتها الإلمام بطرف من حياة عرب الجاهلية وألوان تفكيرهم، وكيفية معالجتهم لمشاكلهم، وللدلالة على نفسياتهم وما يختلج بين جوانحهم في ساعات السلم وساعات
الحرب، ثم للدلالة على مكانة شاعرهم وفارسهم المُعْلَم في الجاهلية والإسلام: العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي، وخاصة قبل دخوله في دين الإسلام، وتشرفه بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
قيس بن نسيبة السُّلَمي
وَفَد قيسٌ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فسمع حديثه، وسأله عن أشياء أجابه عنها، ووعي كلام المصطفي، ودعاه الرسول إلى الإسلام فأسلم، ورجع إلى قومه بني سُلَيْم، فقال مُوَجِّهًا لهم إلى سبيل الرشاد باللغة والأسلوب المقنعين، قال لهم:(قد سمعت ترجمة الروم، وهَيْنَمة فارس، وأشعار العرب، وكهانة الكاهن، وكلام مَقَاوِلِ حِمْيَرَ - فما يشبه كلام مُحَمَّدٍ شيئًا من كلامهم، فأطيعوني وخذوا نصيبكم منه).
فلما كان عام الفتح خرجت بنو سُلَيْم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فلقوه بقُدَيدٍ، وهم ألف فارس كلهم على متون الخيل، وفيهم العباس بن مِرْدَاس، وأنس بن عياض بن رِعْل، وراشد بن عبد ربه
(1)
فأسلموا، وقالوا (لرسول الله): اجعلنا في مقدمتك، واجعل لواءنا أحمر، وشِعَارُنا مقدم، ففعل ذلك بهم، فشهدوا معه الفتح والطائف وحُنَيْنًا
(2)
.
ومن هذا الحديث ندرك مدى طموح بني سُلَيْم، كما ندرك منه عمقَ إسلامهم في نفس الوقت.
ويحدثنا جواد علي عن قيس بن نسيبة هذا، بأنه كان على علم بلسان الروم، وبهينمة الفُرس وبأشعار العرب، وبأنه كان ذا حظ بثقافة ذلك الزمان، وبأنه رجع إلى قومه ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا
(3)
، ويبدو جليا أن ما أورده الدكتور جواد علي عن علم قيس بلسان الروم إلخ - هو اقتباس منه واستنتاج مما
(1)
ونحن نرى هنا "عبد ربه" اسمًا اختاره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لوالد راشد: (عبد العُزَّى)، كما نراه يختار لابنه اسم (راشد) بدلًا من اسمه الجاهلي:(غاوي). وجدير بالذكر أن اسم "عبد ربه" شائع حتى الآن في الحجاز ربما في مصر أيضًا.
(2)
طبقات ابن سعد، ص 307، المجلد الأول.
(3)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي، ص 257، الجزء الرابع، طبع دار العلم للملايين في بيروت.
تحدث به إلى قومه، وهو يدعوهم إلى الدخول في الإسلام من أنه سمع ترجمة الروم وهينمة فارس فما يشبه كلام محمد صلى الله عليه وسلم كَلَامَهُمْ، وهو استنتاج نُؤَيِّدُهُ وإن لَمْ يذكر لنا صاحبه: مِمَّ استنتجه؟
راشد بن عبد ربه السُّلَمي
يُكنَّى أبا أثيلة، وراشد بن عبد ربه أحد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه (رُهاطًا) وبها عين يقال لها "عين الرسول".
وكان راشد في الجاهلية سادن صنم بني سُلَيْم، وقد رأى ذات يوم ثعلبين يبولان عليه فقال:
أربٌّ يبول الثُّعْلَبَانِ برأسه
…
لقد هان من بالت عليه الثعالب
ثم شدَّ عليه وكسره. قدم على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: ما اسمك؟ قال: غاوي بن ظالم، فقال النَّبِيّ: بل أنت راشد بن عبد الله، فأسلم وحسن إسلامه، وشهد الفتح مع النَّبِيّ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"خير قرى عربية: خيبر، وخير بني سُلَيْم: راشد" وعقد له على قومه، وفي رواية أخرى: بل أنت راشد بن عبد ربه
(1)
.
قِدْر بن عمَّار السُّلَمي (أو) قُدَد بن عمَّار
صحابي وصفه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بأنه: (صادق الإيمان)، وكان قدر أو قُدَد بن عمَّار قد وفد على الرسول بالمدينة وأسلم، وعاهده على أن يأتيه بألف من قومه على الخيل، وأنشد يقول:
شددتُ يميني إذْ أتَيتُ مُحمَّدا
…
بِخيرِ يَدٍ شُدَّتُ بِحُجْزَةِ مِئْزَرِ
وذَاكَ امرؤٌ قاسَمْتُهُ نِصْفَ دِينِهِ
…
وأعطيتُه ألْفَ امرئ غير أعْسَرِ
ثم أتي قومه فأخبرهم الخبر، فخرج معه تسعمائة، وخلف في الحي مائة، فأقبل بهم يريد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فنزل به الموت، فأوصى إلى ثلاثة رهط من قومه: إلى العباس بن مِرْدَاس - أحد زعمائهم في الجاهلية والإسلام - وأمره على ثلاثمائة، وإلى جبار بن حكيم، وهو الفَرَّارُ الشريدي وأمره على ثلاثمائة، وإلى الأخنس بن
(1)
الاستيعاب، لابن عبد البر، ص 504، المجلد الثاني، وغيره .. وفي الطبقات الكبرى لابن سعد أن الرسول صلى الله عليه وسلم سماه:(راشد بن عبد ربه)، ص 308، الجزء الأول.
يزيد وأمره على ثلاثمائة، وقال: ائتوا هذا الرجل حتى تقضوا العهد الذي في عنقي .. ثم مات. فمضوا حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أين الرجل الحسنُ الوجه، الطَّويل اللسان، الصادقُ الإيمان؟) قالوا: يا رسول الله دعاه الله، فأجابه، وأخبروه خبره. فقال:(أين تكملة الألف الذين عاهدني عليهم؟) قالوا: قد خَلَّفَ مائة بالحيِّ مخافة حرب - كانت - بيننا وبين كنانة. قال: (ابعثوا إليها، فإنه لا يأتيكم في عامكم هذا شيء تكرهونه). فبعثوا إليه فأتته بالهدَّة، وهي مائة عليها المنقع بن مالك بن أمية بن عبد العُزَّى بن عجل بن كعب بن الحارث بن بُهْثَة بن سُلَيم، فلما سمعوا وئيد الخيل - صَوْتَها الشديد - قالوا: يا رسول الله، أُتِينا. قال: لا، بل لكم لا عليكم، هذه سُلَيْمُ بن منصور قد جاءت .. فشهدوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم الفتح وحُنَيْنًا.
وعن المنقع السُّلَمي، وقصة قدومه إلى النبي على رأس مائة منهم، ووعدِه له بإكمال الألف منهم - نرى العباس بن مرْداس السُّلَمي الشاعر يسجل لنا هذه القصة مُلخصة في قوله:
القائد المائة التي وفَّى بها
…
تِسْعَ المئين فتم ألْفٌ أقْرَعُ
(1)
الحكم بن الحارث السُّلَمي
صحابي نزل البصرة بعد اختطاطها مدينة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث التالي:(من أخذ شبرًا من الأرض جاء به يوم القيامة يحمله في سبع أرضين) وتحدث عن صحبته للنبيِّ في الجهاد، فقال:"غزوتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات آخرهن حُنَينٌ، وكنتُ أسيرُ في مقدمة النبي صلى الله عليه وسلم إذ خَلأَتْ - أي بركت أو جَرَنتْ ناقته فلم تبرح مكانها - فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أضربها، فقال: (مَهْ) - أي اكفف عن ضربها - وزَجَرَهَا فقامت"
(2)
.
"
جدُّ" أبي الأسود السُّلَمي
عده ابن سعد فيمن نزل الشام من الصحابة، ولم يذكر لنا اسمه، اكتفى بأن ذكر أنه جد أبي الأسود السُّلَمي، وروى له حفيده: أبو الأسود حديثًا عن النبي
(1)
الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 307 و 309 المجلد الأول.
(2)
المصدر السابق، ص 76، المجلد السابع، والاستيعاب لابن عبد البر، ص 361، الجزء الأول.
- صلى الله عليه وسلم هو قوله: "كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا رسولُ الله، فجمع كل رجل منا درهمًا، فاشترينا أُضحيةً بسبعة دراهم، فقلنا: يا رسول الله والله لقد أغلينا بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها)، فأمر النبي رجلًا فأخذ بيد، ورجُلًا برِجْلٍ، ورجُلًا بقَرْنٍ، وذبح الرجل السابع، وكبَّرنا جميعًا".
"
جدُّ" محمد بن خالد السُّلَمي
وضعه محمد بن سعد في "الطبقات الكبرى" فيمن نزل الجزيرة من الصحابة ولم يذكر لنا اسمه، بل اكتفى بأن نعته بأنه "جد" محمد بن خالد السُّلَمي" الذي روى عن جده المذكور قوله: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سبقت للعبد من الله منزلة لم ينلها بعمله، ابتلاه في جسده وفي أهله وماله، ثم صَبَّره على ذلك حتى ينال المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل
(1)
.
العباس السُّلَمي
يبدو أن العباس هذا ليس بابن مِرداس، وإن اشتركا في الاسم وفي صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، روى حفيده نائل بن مطرف بن العباس السُّلَمي، أن جده العباس "شخص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقطعه رَكِيَّةً بالدثينة وأقطعها إياه، على أن ليس له منها إلا فضل ابن السبيل"، قال أبو الأزهر: وكان نائل راوي هذا الحديث عن جده العباس السُّلَمي نازلًا بالدُّثينة، وهي التي أقطعها النبيُّ لجده العباس، يبدو أنها حازت إعجابهم فاستوطنوها جيلًا بعد جيل، وكان نائل أمير بني سُلَيْم النازلين معه في الدثينة فأخرج لأبي الأزهر - على ما رواه أبو الأزهر عن نفسه - حُقَّةً فيها كراع. من أَدم أحمر، فكان فيه ما أُقْطِعَهُ، أي ما أقطعه النبي لجده، وإذن فلقد احتفظ نسل العباس بهذه الوثيقة النبوية الشريفة مُستنَدًا لهم على ما أقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم لجدهم وبقيت الوثيقة لديهم حتى كانت لدى نائل حفيد العباس وأمير بني سُلَيْم النازلين معه في الدُّثَيْنَة.
(1)
الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 477، المجلد السابع.
أبو خِراش السُّلَمي
عده ابن سعد في "الطبقات الكبرى" من الصحابة الذين نزلوا بمصر، فلعله يكون إذن أول من نزل من السُّلَميين بمصر أو من أوائلهم نزولا بها على الأقل.
وروى عنه ابن سعد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من هجر أخاه سنة فهو كَسَفْكِ دمه)
(1)
.
العرباض بن سارية السُّلَمي
نزل بالشام، وقال ابن سعد: يكنى أبا نجيح
(2)
.
جاهمة أو جلهمة بن العباس بن مِرداس السُّلَمي
ورد اسمه في كتاب "الطبقات الكبرى" هكذا: (جلهمة)
(3)
، كما ورد مثل ذلك في كتاب "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم، أما في "الاستيعاب" فقد ورد اسمه:(جاهمة)، وروى ابن سعد عنه أحاديث: منها أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أردتُ أن أغزو وقد جئتك أَستشيرك، فقال الرسول: هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها فإن الجنة عند رجلها ثم الثانية ثم الثالثة في مقاعد شتى .. وكمثل هذا القول)
(4)
.
وفي كتاب (المفصَّل) لجواد علي، ورد أيضًا باسم (جلهمة)
(5)
وصحح الأستاذ أحمد شاكر اسمه بأنه (جاهمة) بالألف، وقال إنه ليس في الصحابة صحابي باسم (جلهمة) ولا في الرواة. وقد أشرنا إلى هذا في مكان آخر أيضًا.
يزيد بن الأخنس السُّلَمي
يتصل نسبه ببهثة بن سُلَيْم. وهو أبو معن بن يزيد السُّلَمي الذي روى عنه أبو الجويرية أنه قال: بايعتُ النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي، وخاصمت إليه فأفلجني.
(1)
الطبقات الكبرى، ص 500، المجلد السابع.
(2)
المصدر السابق، ص 276، المجلد الرابع، وقد تقدم في ترجمة عمرو بن عبسة السُّلَمي أنه يكنى أبا نجيح أيضًا.
(3)
ص 33، وص 34، المجلد السابع.
(4)
المصدر السابق، 32 و 33 و 34 المجلد السابع.
(5)
ص 258، المجلد الرابع.
عقد له الرسول يوم فتح مكة لواءً من الألوية التي عقدها لرجالات سُلَيْم، وسكن الكوفة بعد ذلك، وشهد ابنه "معن" المُكنَّى به يوم مرج راهط
(1)
وقتل فيها. وليزيد ترجمة في كتاب "الاستيعاب" لابن عبد البر، لا تخرج عما أوردناه آنفًا
(2)
.
الضحَّاك بن سفيان السُّلَمي
يتصل نسبه ببهثة بن سُلَيْم أيضًا، أسلم الضحَّاك فيمن أسلم من قومه. وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وعقد له لواءً يوم الفتحِ
(3)
. وهو غير الضحَّاك بن سفيان الكلابي العامري من هوازن الذي كان سَيَّافَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت بنو سُلَيْم في تسعمائة فلما قدموا قال لهم رسول الله: هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفًا؟ فوافاهم بالضحَّاك بن سفيان الكلابي وكان رئيسهم، وفيه يقول العباس بن مرداس السُّلَمي:
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى
…
وصالا لكنا الأقربين نتابع
نبايع بين الأخشبين وإنما
…
يد الله بين الأخشبين نبايع
عشية ضحَّاك بن سفيان معتص
…
بسيف رسول الله والموت واقع
وقد أثنى العباس بن مرداس على قيادة الضحَّاك الكلابي وعلى بطولته، في قصيدته الميمية التي قال فيها يخاطب رسول الله:
يا خاتم النُّبَّاء إنك مُرْسَلٌ
…
بالحق، كل هدى السبيل هداكا
إن الاله بنى عليك محبة
…
في خلقه و"محمدًا" سَمَّاكا
ثم الذين وفوا بما عاهدتهم
…
جند بَعَثْتَ عليهم الضَّحَّاكا
رَجُلًا به ذرب السلاح كأنَّه
…
لما تكنفه العدو، يراكا
(1)
في الكامل لابن الأثير، ص 147، المجلد الرابع، أن "ثور بن معن السُّلَمي" أشار على الضحَّاك بإظهار الأمر المكتوم في مبايعة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه. ولست أدري الآن علاقته بيزيد بن الأخنس هذا أهو حفيد. أم غير حفيده.
(2)
ص 1570، المجلد الثاني.
(3)
طبقات ابن سعد، ص 274، المجلد الرابع، والاستيعاب لابن عبد البر، ص 742 و 743، الجزء الثاني.
خُفاف بن عمير السُّلَمي
يتصل نسبه أيضًا ببهثة بن سُلَيْم، عقد له الرسول صلى الله عليه وسلم لواءً يوم فتح مكة على بني عمومته من سُلَيْم
(1)
، وشهد حُنَيْنًا والطائف وكان - كما أشرنا إليه في غير هذا المكان - يتهاجى مع العباس بن مرداس في أيام الجاهلية حتى بلغ الأمر بهما إلى الاقتتال.
وأُمُّ خُفَاف: (نُدْبَةُ) وهي سوداء، وينسب إليها فيقال: خفاف ابن ندبة، وهو من أغربة العرب - أي ذوي اللون الأسود فيهم، شبهت ألوانهم بلون الغُراب الأسود - ويقول خفاف في هذا المعنى:
كلانا يُسَوِّدُهُ قومهُ
…
على ذلك النسب المظلم
يعني السودان، ويُكنى أبا خراشة، وله يقول عباس بن مرداس السُّلَمي:
أبا خراشة إما أنت ذا نفر
…
فإنَّ قَوْمِيَّ لم تأكلهم الضَّبُعُ
وهو ابن عم الخنساء بنت عمرو بن الشريد الصحابية الشاعرة.
وخفاف هو قاتل مالك بن حمار، سيد بني شَمْخ بن فزارة الغَطَفَاني وفي ذلك يقول:
إن تَكُ خَيْلي قد أصيب صميمها
…
فعمدًا على عَيْنِي تَيَمْتُ مالكا
أقول له - والرمح يَأطِرُ مَتْنهُ -
…
تأمل خُفافًا إنني أنا ذلكا
ولخفاف حديث واحد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وبقي عباس وخفاف على قيد الحياة إلى زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(2)
.
ابن أبي العوجاء السُّلَمي
كان دخولُ ابن أبي العوجاء في الإسلام أقدمَ من دخول عامة قومه فيه، روى ابن سعد في طبقاته الكبرى، قال: بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ابنَ أبي العوجاء
(1)
الشعر والشعراء لابن قتيبة، ص 256 و 257، الجزء الأول، طبع دار الثقافة ببيروت.
(2)
طبقات ابن سعد الكبرى، ص 275، المجلد الرابع. والشعر والشعراء، لابن قتيبة، ص 258 و 259، الجزء الأول، طبع بيروت، والاستيعاب في معرفة الأصحاب للحافظ ابن عبد البر، ص 450 و 451، الجزء الثاني. وجعل الاستيعاب كنيته (أبا خرشة) بدون ألف بعد الراء.
السُّلَمي في ذي الحجة سنة سبع في خمسين رجلًا سرية إلى بني سُلَيْم، فكَثَرهُمُ القوم، فقاتلوا قتالا شديدًا حتى قُتل عامة المسلمين، وأُصيب صاحبهم ابن أبي العوجاء جريحًا مع القتلى، ثم تحامل حتى بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان
(1)
.
أبو حُصين السُّلَمي
أحد صحابة رسول الله الأجواد، قدم أبو الحصين السُّلَمي المدينة بذهب من معدنهم - أي معدن بني سُلَيْم -، فقضى دَيْنّا كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم تحمَّل به، وفضل ذَهَبٌ مع أبي الحصين مثل بَيْضَةِ الحمامة، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ضع هذه حيث أراك الله أو حيث رأيت، وجَاءَ الرسولَ عن يمينه فأعرض عنه، ثم جاءه عن يساره فأعرض عنه، ثم جاءه بين يديه فنكس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أكثر عليه أخذها من يده فحذفه بها، لو أصابته لَعَقَرتْهُ، ثم أقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(يعمد أحدكم إلى ماله فيتصدق به ثم يقعد يتكفف الناس، وإنما الصدقة عن ظهر غنىً، وَابْدأ بمن تعول)
(2)
.
مجاشع بن مسعود السُّلَمي، وأخوه مجالد
كان في مجالد قَزَلٌ - أي عَرَجٌ خفيف - روى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" أن مجاشع بن مسعود قال: يا رسول الله هذا مجالد بن مسعود، فبايعه على الهجرة، فقال:(لا هجرة بعد فتح مكة ولكن أبايعه على الإسلام) وفي رواية أوردها ابن سعد أيضًا أن مجاشعًا قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأخي لنبايعه على الهجرة، فقال:(إن الهجرة قد مضت) .. فقلنا: علام نُبَايِعُك؟ فقال: (على الإسلام والجهاد في سبيل الله). قال: فبايعناه
(3)
.
نزل مجاشع البصرة مع من نزلها من السُّلَميين، وقُتل يوم الجمل هو وأخوه مجالد، وقبراهما بالبصرة معروفان
(4)
وكان ذلك بسنة 36 هـ - 656 م.
(1)
الطبقات الكبرى لابن سعد، ص 275، المجلد الرابع.
(2)
الطبقات الكبرى لابن سعد، ص 277، المجلد الرابع، والاستيعاب، لابن عبد البر، ص 1632، المجلد الرابع، وسماه أبا الحسين.
(3)
الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 30، المجلد السابع.
(4)
الاستيعاب، لابن عبد البر، ص 1459، المجلد الرابع.
حبان بن الحكم السُّلَمي
حِبَّان بن الحكم صحابي
(1)
ويُلقَّب بالفَرَّار، وهو شاعر أيضًا.
عبد الرحمن بن قتادة السُّلَمي
صحب النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تبارك وتعالى خلق آدم وأخذ الخلق من ظهره، فقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي) فقال رجل: يا رسول الله، فعلام ذا نعمل؟ قال:(على مواقع القدر).
الوَرْدُ بن خالد السُّلَمي
من آل بهثة، أسلم الورد وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكان على ميمنته يوم فتح مكة
(2)
.
وَرَدَ اسم "الوَرْد" هذا في تاريخ ابن خلدون، مقلوبًا هكذا:(الرَّوْدُ) بتقديم الراء على الواو، ونَسَبَهُ هكذا:"الرود بن خالد بن حُذَيْفة بن عمرو بن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة" وأضاف أنه "كان علي بني سُلَيْم يوم الفتح"
(3)
ولم يذكر ابن سعد هذا في طبقاته الكبرى، وأرى أن اسمه هو "الورد" كما ورد في كتاب الطبقات الكبرى، لابن سعد وجمهرة أنساب العرب لابن حزم
(4)
.
معن بن يزيد السُّلَمي
صحب النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وجده، ويكنى أبا زيد، ويقال: إنه شهد مع أبيه وجده، بدرًا. ولا يُعرف رجل شهد بدرًا مع أبيه وجده، غيره، ولا يعرف في البدريين ولا يصح، وإنما الصحيح حديث أبي الجويرية عنه، قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي. وكان له مكان عند عمر بن الخطاب وشهد صفين مع معاوية، وحضر وقعة مرج راهط مع الضحَّاك بن قيس الفهري القُرشي
(5)
وقُتل فيها
(6)
.
(1)
القاموس المحيط، للفيروز آبادي "مادة حب". وفي العقد الفريد أنه (حيان) بالياء التحتية.
(2)
الاستيعاب، لابن عبد البر، ص 1567، المجلد الرابع وغيره.
(3)
العبر، لابن خلدون، ص 636، المجلد الثاني، طبع بيروت.
(4)
جمهرة أنساب العرب، ص 264.
(5)
جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، ص 261، والاستيعاب، ص 1442، الجزء الرابع.
(6)
الأعلام، للأستاذ خير الدين الزركلي، ص 193، المجلد الثامن، طبعة مصر الثانية.
هوذة بن الحارث بن عجرة السُّلَمي
بينه وبين جدهم: بُهْثَة بن سُلَيْم - سبعة آباء، فإذا أخذنا بقاعدة ابن خلدون التي تُقرر لكل ثلاثة أجيال مائة سنة فيكون "سُلَيْم" الذي هو الجد الأعلى لبني سُلَيْم الذي ينتمون إليه جميعًا، قد عاش في القرن الثالث قبل الإسلام تقريبًا إذا كانت سلسلة نسب هوذة متكاملة وصحيحة.
أسلم هوذة وشهد فتح مكة، وهو الذي قال لعمر بن الخطاب وقد خاصم ابن عم له في الراية:
لقد دار هذا الأمرُ في غير أهله
…
فأبصر وليَّ الأمر أين تريد؟
(1)
عبد الرحمن بن خباب السُّلَمي
صحابي، روى له ابن سعد الحديث التالي: قال: شهدتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يَحثُّ على جيش العسرة فقال عثمان: يا نبيَّ الله عليَّ مائةُ بعير بأحْلَاسِهَا وأقتابها في سبيل الله. ثم حضَّ، فقال عثمان: ثلاثمائة بعير. قال عبد الرحمن بن خَبَّاب السُّلَمي: فأنا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينزل من المنبر وهو يقول: (ما على عثمان ما عمل بعد هذا) - مرتين
(2)
.
عُتبة بن عبد السُّلَمي
عَدَّه ابن سعد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الذين نزلوا بالشام.
توفي سنة 91 أو 92 هـ، وقال محمد بن عمر الواقدي: توفي سنة 87 هـ، وهو ابن أربع وتسعين سنة
(3)
.
عُبيد بن خالد السُّلَمي
صحابي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه آخى بين رجلين، أحدهما قبل صاحبه
(4)
.
(1)
الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 276، المجلد الرابع.
(2)
طبقات ابن سعد، ص 78، المجلد السابع.
(3)
طبقات ابن سعد، ص 413، الجزء السابع، والاستيعاب، ص 830، المجلد الثاني.
(4)
طبقات ابن سعد، ص 242، المجلد السادس.
معاوية بن الحكم السُّلَمي
كان ينزل المدينة، ويسكن في بني سُلَيْم
(1)
، له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد حسن في الكهانة والطيرة والخط وفي تشميت العاطس في الصلاة جاهلًا، وفي عتق الجارية.
ومعاوية بن الحكم معدود في أهل المدينة، روى عنه عطاء بن يسار: وروى كثير بن معاوية بن الحكم عن أبيه: (معاوية بن الحكم السُّلَمي) قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فَأنْزى عليُّ بن الحكم أخي فرسَه خندقًا، فدق جدار الخندق ساقه، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ساقه، فما نزل حتى بَرَأ، فقال معاوية بن الحكم السُّلَمي في قصيدة له:
فأنزلها عَلِيٌّ فهو يَهْوِي
…
هُوِيَّ الدلو مُشْرَعَةً بحبل
فعصَّب رِجله فسما عليها
…
سُمُوَّ الصقر صادف يوم ظل
فقال محمد صلى عليه
…
مليكُ الناس قولًا غير فعل
لعًا لك فاستمر بها سويا
…
وكانت بعد ذاك أَصَحَّ رِجْل
(2)
عُتبة بن عمرو السُّلَمي
صحابيٌّ. نزل بالشام، روى له سعد أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الجنة لها ثمانية أبواب، والنار لها سبعة أبواب"
(3)
.
عبد الله بن سيدان السُّلَمي
صحابيٌّ. نزل بالشام أيضًا، روى ابن سعد أنهم ذكروا أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه صلى خلفه الجمعة، فكانت
(1)
يفهم من هذا أن لبني سُلَيْم في صدر الإسلام محلة في المدينة المنورة خاصة بهم ينزلون فيها كما أشرنا إليه في مكان آخر من هذا الكتاب، ومما يدلنا على سكناهم بالمدينة في صدر الإسلام أنهم قتلوا عبد الرحمن بن عيسى الجعفري بالغابة (راجع مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني ص 721 ط القاهرة).
(2)
الاستيعاب، ص 1414 و 1415، الجزء الثالث.
(3)
طبقات ابن سعد، ص 43، المجلد السابع.
خطبته وصلاته قبل نصف النهار، وقال: وصليت خلف عمر، فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، قال: وصليت مع عثمان، فكانت خطبته وصلاته قبل الزوال
(1)
.
صفوان بن المُعطَّل السُّلَمي
نسبهُ ابن حزم فقال: (صفوان بن رخصة بن المؤمل بن خُزاعي بن محارب بن هلال) ووصفه بأنه "الصاحب الجليل الفاضل"
(2)
.
ويكنى صفوان: أبا عمرو، ويقال: إنه أسلم قبل المريسيع، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق والمشاهد كلها بعدها، وكان مع كرز بن جابر الفهري في طلب العُرَنيين الذين أغاروا على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم. وكان يكون على ساقة النبي، ولم يتخلف بعدُ عن غزوة غزاها.
قُتِلَ صفوانُ في غزوة أرمينية شهيدًا، وأميرهم يومئذ عثمان بن أبي العاص، سنة 19 هـ في خلافة عمر، ولصفوان دار بالبصرة في سكة المربد، وكان خَيِّرًا فاضلًا شجاعًا بطلًا، وهو الذي قال فيه أهل الإفك ما قالوا مع عائشة رضي الله عنهما، فبرأهما الله مما قالوا، وقد اعترض حسَّانَ بن ثابت بالسيف لما قذفه به من الإفك وضربه، وكان حسان قد عرَّض بابن المُعطَّل وممن أسلم من مُضَر في شعر له ذكره ابن إسحاق، وذكر الخبر في ذلك
(3)
.
رزين بن أنس السُّلَمي
صحابيٌّ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكتب له كتابًا، فقال: يا رسول الله إن لنا بئرًا بالمدينة وقد خفنا أن يغلبنا عليها مَنْ حوالينا، فكتب له رسول الله كتابًا:(بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله، أما بعد فإن لهم بئرهم، إن كان صادقًا، ولهم دارهم إن كان صادقًا)
(4)
.
(1)
طبقات ابن سعد، ص 438، المجلد السابع.
(2)
جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، ص 264.
(3)
الاستيعاب، للحافظ أبي عمر بن عبد البر، ص 725، المجلد الثاني.
(4)
الاستيعاب، ص 506، الجزء الثاني.
وفي هذا الكتاب النبوي بلاغة الإيجاز في الوثائق الشرعية، مما ينبغي أن يكون قدوة حسنة في كتابة الحجج الشرعية، مع الاحتياط والدقة، فمع إيجاز الوثيقة النبوية المذكورة احتاطت للأمر، فشرطت في تمليك البئر والدار صِدْقَ مُدَّعي المِلْك، ويؤخذ من هذا الحديث أن بعض بني سُلَيْم كانوا يقيمون بالمدينة وكانوا ذوي أملاك فيها بزمن الجاهلية القريبة من عهد الإسلام، ونعلم من التاريخ أن إقامة جالية سُلَمية بالمدينة امتد إلى عهد عمر بن الخطاب وإلى ما بعده كما هو موضح في مكانه من هذا الكتاب.
زيد بن كعب البهزي السُّلَمي
صحابيٌّ، وهو صاحب الظبي الحائف، أو حمار الوحش العقير بالروحاء، وكان صائده
(1)
. روى عنه عمير بن سلمة
(2)
.
سيابة بن عاصم السُّلَمي
صحابيٌّ، روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حُنَيْن:(أنا ابن العواتك)، وقد سئل هشيم راوي الحديث عن سيابة السُّلَمي - عن "العواتك؟ " فقال:"أمهات كُنَّ له من قيس عيلان". وعلَّق أبو عمر بن عبد البر على ذلك بقوله: "ولا يصح ذكر سُلَيْم فيه"، وقال:"إن العواتك جمع عاتكة" ثم إن ابن عبد البر عاد فأعرب عن صحة ما اعترض عليه آنفًا، فقال:"قال أبو عمر: في ذلك قولان أحدهما: العواتك ثلاث من بني سُلَيْم إحداهن: عاتكة بنت هلال بن فالج، أمُّ عبد مناف والثالثة: عاتكة أم هاشم".
وقد نسب جواد علي، عاتكة هذه فقال:"وأم هاشم وعبد شمس والمطلب: عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان السُّلَمية"، وهذ النسبة مطابقة تمامًا لما ورد في "تاج العروس"(راجع مادة عتك).
(1)
ورد في معجم ما استعجم، للبكرى:(الحاقف). وفي الاستيعاب، ص 558، ج 2، ورد هكذا:(الحائف) بمعنى النائم.
(2)
الاستيعاب: ص 558، الجزء الثاني.
وقد أضاف جواد علي إلى ما ذكر، أن "أم نوفل" واقدة من بني مازن بن صومعة السُّلَمية
(1)
.
والقول الثاني - فيما أورده الحافظ ابن عبد البر - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنسوة أبكار من بني سُلَيْم، فأخرجن ثُديَّهُنَّ فوضعنها في فيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَدَرَّتْ
(2)
، وكان ذلك حينما كان رسول اللهَ رضيعًا في بني سعد، وذلك لقرب منازل بني سعد بن بكر من هوازن - من منازل بني سُلَيْم، ولأنهم - هَواَزِن وسُلَيْمًا - من جدٍّ واحد هو "منصور بن عكرمة" بن خصفة بن قيس عيلان بن مُضَر.
سُليم السُّلَمي
صحابيٌّ، روى عنه العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، يُعَدُّ في أهل البصرة
(3)
.
(1)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ص 481، طبع دار العلم للملايين في بيروت.
(2)
الاستيعاب، لابن عبد البر، ص 692، المجلد الثاني. هذا وقد ورد في القاموس المحيط مع شرحه تاج العروس، تفصيل أوفى عن العواتك جدات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اتبعه تاج العروس بمفاخر بني سُلَيْم. ونحن هنا نورد لك ذلك النص عن العواتك وعن مفاخر قيس المناسبة القائمة هنا، يقول اللغويان: الفيروز آبادي والزبيدي ما نصه: (والعاتكة المرأة المحمرة من الطيب، وقيل امرأة عاتكة أي محمرة بالطيب، وقيل سميت لصفائها وحمرتها وقيل لشرفها، والجمع: العواتك وهن في جدات النبي صلى الله عليه وسلم تسع. قال صلى الله عليه وسلم في يوم حُنين: أنا ابن العواتك من سُلَيْم .. قال القتيبي قال أبو اليقظان: العواتك ثلاث نسوة من سُلَيْم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان، تسمى كل واحدة منهن عاتكة، إحداهن: عاتكة بنت هلال بن فالج بن ذكوان وهي أم عبد مناف بن قُصي جد هاشم، كذا هو في الصحاح والاستيعاب، والصواب: أم والد هاشم أو أم عبد مناف، والثانية: عاتكة بنت مُرة بن هلال بن فالج بن ذكوان، وهي أم هاشم بن عبد مناف، والثالثة: عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان وهي أم وهب بن عبد مناف ين زهرة أبي آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم .... فالأولى من العواتك عمة الوسطى، والوسطى عمة الأخرى، وبنو سُلَيْم تفتخر بهذه الولادة. وذكوان هو ابن ثعلبة بن بُهْثَة بن سُلَيْم بن منصور المذكور آنفًا). انتهى النصان الواردان في القاموس وتاج العروس عن العواتك ويليه (مفاخر بني سُلَيْم وهي من تاج العروس) قال: "قلت: ولبني سُلَيْم مفاخر منها: أنها ألقت يوم فتح مكة أي شهده منهم ألف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم لواءهم يومئذ على الألوية وكان أحمر، ومنها أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة والبصرة ومصر والشام: أن ابعثوا إليَّ، من كل بلد بأفضله رجلًا. فبعث أهل البصرة بمجاشع بن مسعود السُّلَمي، وأهل الكوفة بعُتبة. بن فرقد السلَمي، وأهل مصر بمعن بن يزيد بن الأخنس السُّلَمي، وأهل الشام بأبي الأعور السُّلَمي. راجع مادة "عتك" في تاج العروس.
(3)
الاستيعاب، ص 649، المجلد الثاني.
طلحة بن مالك السُّلَمي
صحابيٌّ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من اقتراب الساعة هلاك العرب)
(1)
.
طلحة بن معاوية بن جاهمة - أو جلهمة - السُّلَمي
صحابيٌّ روى عنه ابنه محمد بن طلحة
(2)
.
طلحة والد عقيل بن طلحة السُّلَمي
له صحبة فيما ذكره ابن شؤذب، روى عنه ابنه عقيل بن طلحة
(3)
.
عبد الله بن النضر السُّلَمي
صحابيٌّ روى عنه أبو بكر بن محمد بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا وهو: (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جُنَّةً من النَّار)، ويرى ابن عبد البر أنه مجهول وقال عنه:(وما أعلم في الموطأ رجلًا مجهولًا غير هذا)
(4)
.
عبد الرحمن بن مرفع السُّلَمي
صحابيٌّ سكن مكة والمدينة، روى عنه أبو اليزيد المزني
(5)
.
عُتبة بن النُّدَر، أو ابن السُّلَمي
صحابيٌّ كان اسمه (عتلة) فغيَّر الرسول صلى الله عليه وسلم اسمه، فسماه (عُتبة)، وهذا التغيير في الاسم يلاحظ أنه قريب اللفظ من الاسم الأصلي:(عتلة)، ومن معاني العتلة لغة: المدرة الكبيرة تَنقلع من الأرض.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يراعي هذا التقارب بين الاسم الأصلي والاسم الجديد الذي اختاره، مثل (زيد الخيل) الذي غَيَّرَهُ إلى (زيد الخير) وغَيْرِه، وربما غير الاسم إلى ضده مثل (غاوي بن ظالم السُّلَمي) الذي غَيَّره بضده في شقيه
(1)
الاستيعاب، ص 770، المجلد الثاني.
(2)
الاستيعاب، ص 771، المجلد الثاني.
(3)
الاستيعاب، ص 771، المجلد الثاني.
(4)
الاستيعاب، ص 998 و 999، المجلد الثاني.
(5)
الاستيعاب، ص 852، الجزء الثاني.
فَسَمَّى الرجلين: الوالِدَ والوَلَد المُسْلِمَ: باسمَيْ (راشد بن عبد ربه)، وهذا التعديل كله من الرسول هو تعديل أحسن وأجمل وأنسب للحضارة الإسلامية وأبعد عن عنجهية الجاهلية وتقاليدها.
شهد عُتبة خيبر، وتوفي سنة سبع وثمانين للهجرة في أيام الوليد بن عبد الملك، وهو ابن أربع وتسعين سنة مما يدلنا على أنه يوم أسلم كان شابا في مقتبل الشباب، ويعد من الشاميين، وروى عنه جماعة من التابعين بالشام منهم عبد الرحمن بن عمرو السُّلَمي
(1)
الذي له ترجمة في التابعين - بهذا الكتاب في الفصل الخاص بهم، وقيل: إنه مات سنة 84 هـ وشهد فتح مصر، والنُّدَرُ - بضم النون بعدها دال مهملة مشددة مفتوحة عند الجمهور
(2)
.
عُتبة بن فرقد السُّلَمي
هو من الصحابة فيما جاء في كتاب (الطبقات الكبرى) لابن سعد، واسمه يربوع بن حبيب، ويكنَّى أبا عبد الله، ويتصل نسبه ببهثة بن سُلَيْم.
كان عُتبة أميرًا لعمر بن الخطاب على بعض فتوحات العراق. وقال أبو عثمان النهدي: جاءني كتاب عمر - ونحن مع عُتبة بن فرقد - وأبوه فرقد أو حبيب هو: ابن أسعد بن رفاعة بن الحارث بن بُهْثَة بن سُلَيْم، فبينه وبين سُلَيْم جد بني سُلَيْم الأعلى أربعة آباء، فهو أعلى نَسَبًا من هوذة بن الحارث السُّلَمي. وعلى حسب القاعدة التي وضعها أبو عِلْمِ الاجتماع (عبد الرحمن بن خلدون) بأن يُحسَبَ لكل ثلاثة أجيال، مائة عام - وهذا في الأغلب الأعم - يكون بين رمن عتبة، وزمن (سُلَيْم) جده الأعلى مائة وثلاثون سنة، ونرى أن هذه القاعدة لا يمكن أن تعتبر عامة لكل أجيال البشر بصفة دقيقة وشاملة، فلربما يخرج عن نطاقها بعض المعمرين، وربما كان عُتبة بن فرقد وأبوه وبعض أجداده من هؤلاء.
(1)
الاستيعاب، ص 1031، الجزء الثالث.
(2)
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ص 102 و 103، المجلد السابع.
وأُم عُتبة: آمنة بنت عمر (عمرو) بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف
(1)
، فهو قُرشي من جهة أمه، ولعل هذا وما ذكره التاريخ من أنه كان شريفًا في قومه هو الذي أو هو بعض الذي جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يعينه عاملًا له.
سكن عُتبة الكوفة هو وأبناؤه ومات بها، ويقال لهم الفراقدة
(2)
. وقد أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع دار بمكة يبنيها مما يلي المروة
(3)
.
قلت: وذكر الزركلي في الإعلام: أن عُتبة هو فاتح إقليم أذربيجان شمال غرب إيران.
عروة بن أسماء بن الصلت السُّلَمي
صحابيٌّ، وأحد أصحاب بئر معونة - عرض عليه المشركون من قومه في يوم بئر معونة أن يؤمنوه، فأبى وقال: لا أقبل لهم في ذلك أمانًا، ولا أرغب بنفسي عن مصارعهم - أي مَصَارعِ رفاقه الذين استشهدوا في ذلك اليوم ببئر معونة - ثم تقدم للقتال فقاتل، حتى قُتل شهيدًا
(4)
.
قبيصة بن وقاص السُّلَمي
صحابيٌّ سكن البصرة، له حديث مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو:"سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة"، فذكر الحديث في جواز الصلاة خلف أئمة الجور ما صلُّوا إلى القبلة
(5)
.
كعب بن مُرة السُّلَمي
صحابيٌّ، سكن الأرْدُنَّ من الشام، ومات بالشام سنة 59 هـ أو 57 هـ، وله أحاديث مخرجها عن أهل الكوفة
(6)
.
(1)
الاستيعاب، ص 1029، الجزء الثالث.
(2)
الاستيعاب، ص 448، الجزء الثاني، وطبقات ابن سعد، ص 41، الجزء السادس.
(3)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، لجواد علي، ص 269، الجزء الرابع.
(4)
الاستيعاب، ص 1064 و 1065. الجزء الثالث.
(5)
الاستيعاب، ص 1273، الجزء الثالث.
(6)
الاستيعاب، ص 1226، الجزء الثالث.
مالك بن عمير السُّلَمي
صحابيٌّ شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحُنَيْنًا والطائف، وكان شاعرًا، روى عنه يزيد بن واصل السلَمي؛ قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إني رجل شاعر، فهل عليَّ شيء من الشعر؟ فقال:"لأن يَمْتَلئِ ما بين لَبَّتِكَ إلى عاتقك قيحًا ودمًا - خيرٌ من أن يمتلئ شعرًا"
(1)
.
مخول بن يزيد السُّلَمي
روى مخول حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله أوصني، قال:(أقم الصلاة) الحديث
(2)
.
مخمر السُّلَمي
صحابيٌّ، وهو عم معاوية بن حكيم البهزي، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا شُؤم، وقد يكون اليُمْنُ في الفَرس والمرأة والدار"
(3)
.
ربيعة بن رفيع السُّلَمي
كان يقال له: ابن الدُّغُنَّة، والدغنة: أمه فغلبت على اسمه، ويقال: إن اسمه رفيع، وأعتقد أن هذا سهو من جواد علي في كتابه (المفصَّل).
شهد حُنينًا، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم، وربيعة هو قاتل دريد بن الصِّمَّة، بيوم حُنين
(4)
أو بأوطاس على رواية أخرى كما سيجيء في فصل "سراة وتجار ورجال أعمال من بني سُلَيْم".
أبو قُراد السُّلَمي
له صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه عبد الرحمن بن الحارث
(5)
.
عمرو بن مِرداس السُّلَمي
هو أخو العباس بن مرداس، كان عمرو من المؤلفة قلوبهم كأخيه العباس بن مرداس في ذلك.
(1)
الاستيعاب، ص 1356، الجزء الثالث.
(2)
الاستيعاب، ص 1467، الجزء الرابع.
(3)
الاستيعاب، ص 1467، الجزء الرابع.
(4)
الاستيعاب، ص 491، الجزء الثاني.
(5)
الاستيعاب، ص 1733، الجزء الرابع.
معن بن حاجز السُّلَمي
عَدَّه الحافظ بن عبد البر في كتابه "الاستيعاب في معرفة الصحاب" من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجم له على ذلك في "باب معن"
(1)
فقال: "كان هو وأخوه طُريفة بن حاجز - حاجزة - مع خالد بن الوليد مسلمين في الردة وقد نصرهما الله على المرتدين.
طريفة بن حاجز السُّلَمي
ترجم له ابن عبد البر في كتابه (الاستيعاب) فقال: طُريفة بن حاجز، مذكور فيهم - أي في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أورد رواية سيف بن عمر، بأن عمر كتب إليه في قتال الفجاءة السُّلَمي: إياس بن عبد الله المرتد عن الإسلام حتى أسره وأنفذه إلى أبي بكر الصديق فأحرقه
(2)
. وقد ذكرنا هذه الرواية بإيضاح أكثر في ترجمته في فصل الأمراء من بني سُلَيْم.
عبد الله بن ربيعة بن فرقد السُّلَمي
قال الكوفي: مختلف في صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال شعبة وحده: له صحبة، وله حديث في سنن النسائي، وروى عن ابن مسعود وعبيد بن خالد وعُتبة بن فرقد السُّلَمي، وعنه: عطاء بن السائب ومالك بن الحارث وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمرو بن ميمون وعلي بن الأقمر، وابن ابن أخيه: منصور بن المعتمر بن عتاب بن ربيعة وغيرهم
(3)
.
حبيب بن ربيعة السُّلَمي
صحابيٌّ. وابنه أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب من جلة التابعين، ورد حبيبٌ المدائن في حياة حذيفة بن اليمان العبسي، وقال: جمعتُ مع حذيفة بالمدائن، وقال محمد بن إسماعيل البخاري: لحبيب أبي عبد الرحمن صحبة
(4)
.
(1)
الاستيعاب في معرفة الصحاب، لابن عبد البر، ص 144، القسم الرابع، طبع مطبعة نهضة مصر، بمصر.
(2)
ص 776 من كتاب الاستيعاب.
(3)
القاموس وتاج العروس، مادة (ربع).
(4)
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ص 202، المجلد الأول.
هوذة بن نبيشة السُّلَمي من بني عُصية
سُلمي، ورد في التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ما حوى الجفر كله
(1)
، والجفر موضعان أحدهما بجُفاف والآخر بَجَنَفَاءَ، وربما كان الممنوح لهوذة الذي بجنفاء لقربه من ديار سُلَيْم
(2)
.
الأجبُّ السُّلَمي
رجل من بني سُلَيْم أعطاه الرسول فالسًا وكتب كتابه وشهد عليه الأرقم
(3)
.
صحابيات من بني سُلَيْم
الخنساء: تماضر السُّلَمية
ترجمنا للخنساء رضي الله عنها، في فصل "شاعرات سُّلَميات"، لما حظي به شعرها من شهرة مستفيضة في رثاء أخويها: معاوية وصخر.
والخنساء - كما هو معلوم - صحابية جليلة، وهي سُّلَمية أبوها من مشاهير العرب في الجاهلية: عمرو بن الشريد.
أم مالك البهزية السُّلَمية
صحابية، روى عنها طاووس اليماني، نحو حديث مجاهد عن أم بشر الأنصارية، قالت: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أفضل في الفتنة؟ قال: "رجل أخذ برأس فرسه قد أخاف العدو وأخافه، ورجل اعتزل في ماله فعبد الله ربه، وأعطى حق ماله" فقال رجل لطاووس: أي العدو؟ قال: الشرك. وروى عنها مكحول، وروى لها الترمذي السُّلَمي، وذكرها مسلم في الصحابيات المكِّيات
(4)
.
(1)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، لجواد علي، ص 259، الجزء الرابع.
(2)
معجم ما استعجم، للبكري، ص 386 و 387 و 398، الجزء الأول.
(3)
المفصل، ص 259، الجزء الرابع.
(4)
الاستيعاب، ص 1956، الجزء الرابع، والعقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، لتقي الدين الفاسي المكي، ص 353، الجزء الثامن.
أم الكرم السُّلَمية
صحابية، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهة التحلي بالذهب للنساء، روى عنها الحكم بن حَجْل، وليس إسناد حديثها بالقويِّ، وقد ثبتت الرُّخْصَةُ في ذلك للنساء
(1)
.
تابعيون من بني سُلَيْم
من هو التابعي
؟
كما حصل الاختلاف في "تعريف الصحابي"، حدث الاختلاف في "تعريف التابعي"، فأورد النووي قول من قال: إن التابعي "هو من صحب الصحابي"، وثنَّاه بقول آخر هو أن التابعي "من لقي الصحابي" ورجح النووي هذا الرأي
(2)
.
وكما يقال: (تابعي) يقال أيضًا: (تابع)
(3)
.
وقد عقدنا هذا الفصل للتابعين السُّلَميين خاصة؛ لأن بني سُلَيْم هم موضوع الكتاب، وقد ترجمنا لجملة صالحة من التابعين السُّلَميين، وغني عن البيان أن هذه التراجم ليست من باب الإحصاء، وإنما هي ذِكْرٌ لمن تمكنا من معرفته من تابعيِّي بني سُلَيْم، ولا يتنافى هذا مع العثور على أسماء وتراجم لسواهم في المراجع، والغاية من ذكرهم أن يكون في ذلك فتح بابٍ لمن يريد أن يستقصي هذا الموضوع، وأول الغيث قطر ثم ينهمر.
وجدير بالذكر أننا اتبعنا فصل التابعين السُّلَميين، بفصل عن التابعيات السُّلَميات اللائي وجدنا لهن تراجم وأسماءً في المصادر التي بين أيدينا.
أبو عبد الرحمن السُّلَمي
تابعي، كان "مقرئ الكوفة" واسمه: عبد الله بن حبيب بن ربيعة، ولأبيه صحبة وقد مر في فصل (صحابة من سُلَيْم).
(1)
الاستيعاب، ص 1951، المجلد الرابع.
(2)
تقريب النواوي، ص 416، طبعة مصر.
(3)
تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، السيوطي، ص 416.
وُلِدَ أبو عبد الرحمن هذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ القرآن وجَوَّدَهُ وبرع في حفظه، وَعَرَضَ على عثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وعلى غيرهم، وحدَّث عن عمر وعثمان رضي الله عنهما.
قال أبو عمر الداني: أخذ القرآن عرضًا عن عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم، وأخذ عنه القراءة - عرضًا - عاصمُ بنُ أبي النجود ويحيى بن وثاب وعطاء بن السائب وعبد الله بن عيسى بن أبي ليلى ومحمد بن أيوب أبو عون والثقفي والشعبي وإسماعيل بن أبي خالد وعَرَض عليه الحسن والحسين رضي الله عنهما، وكان إمامَ المسجد، وكان يُحْمَلُ في الطين، وكان ينهي الناس عن مجالسة القُصَّاص، وكان أعمى.
توفي أبو عبد الرحمن سنة 74 هـ، وقيل: سنة 73 في إمرة بشر بن مروان على العراق، أو في ولاية الحجَّاج
(1)
وقد عمَّر حتى تجاور الثمانين عامًا، وكانت وفاته بالكوفة، وكان ثقة كثير الحديث، لهُ ترجمة في "تاريخ بغداد أو على مدينة السلام" للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (راجع المجلد التاسع والصفحة 430 و 431 طبعة بيروت).
هذا، وقد تُرْجِمَ أبو عبد الرحمن السُّلَمي في كتاب "مفتاح السعادة" لطاش كبرى زاده، وقال عنه: إليه انتهت القراءة تجويدًا وضبطًا، وأورد أسماء من أخذ عنهم القراءة حسب ما رواه الذهبي في كتابه:"معرفة القراء الكبار"، وكذلك من أخذوا عنه القراءة، وأضاف "طاش كبرى زاده" في ترجمته أن كان ثقة كبير القدر وحديثه مخرج في الكتب الستة، وقال عن تاريخ وفاته مثل ما قال الذهبي تمامًا على ما سبق ذكره آنفًا
(2)
، وقال عنه تقي الدين الفاسي: "تابعي من أصحاب عبد الله بن مسعود، وكان يقرئ في زمان عثمان إلى زمان الحجاج، وقرأ على عثمان بن عفان، وعَرَضَ على عليّ بن أبي طالب
(3)
، ويفهم من ذكره له في كتابه
(1)
معرفة القراء الكبار على الطبقات والإعصار، للذهبي، ص 45 و 49، طبع دار التأليف بمصر.
(2)
مفتاح السعادة، لطاش كبرى زاده، ص 21 - 22، المجلد الثاني، طبع مطبعة الاستقلال الكبرى بمصر.
(3)
العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، لتقي الدين الفاسي، ص 66 و 67، المجلد الثامن، طبع مصر، وقد نشر هذا الكتاب على نفقة الشيخ محمد سرور الصبان ووزع كميات كبيرة منه على دور العلم والعلماء والمفكرين مجانًا.
أنه أقام بمكة المكرمة، لأن كتابه:(العِقْد الثمين) هو في تاريخ سكان البلد الأمين: مكة المشرفة، وقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد أنه أقام بنيسابور مدة مديدة من الدهر يقرئ القرآن في المسجد.
عمرو بن عُتبة بن فرقد السُّلَمي
تابعي، والده عُتبة بن فرقد سبقت ترجمته في فصل:"صحابة من بني سُلَيْم"، روى عمرو بن عُتبة عن عبد الله بن مسعود الهُذَلي، كما روى عنه الهيثم بن شهاب السُّلَمي، وروى عمرو عن سبيعة الأسلمية كنابة، وروى عنه عبدُ الله بن ربيعة السُّلَمي، وكان ثقة قليل الحديث، وكان من نُسَّاك الكوفة المجتهدين في العبادة. وقد استشهد بتستر، في خلافة عثمان بن عفان، فصلى عليه علقمة
(1)
.
مِلْحَانُ بن ثروان السُّلَمي
تابعي، روى عن حذيفة بن اليمان العبسي رضي الله عنه
(2)
.
مالك بن الحارث السُّلَمي
تابعي ثقة، له أحاديث صالحة، روى عنه الأعمش
(3)
.
عبد الله بن رُبَيْعَةَ بن فرقد السُّلَمي
اختلف في صحبته، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن مسعود وابن عباس، وعبيد بن خالد السُّلَمي وغيرهم، وروى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى وعطاء بن السائب وغيرهما، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وذكر أنه يروي عن ابن مسعود، وذكره في الصحابة أيضًا
(4)
.
(1)
الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، ص 206 و 207، المجلد السادس، وجمهرة أنساب العرب، لابن حزم، ص 251؛ وتهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ص 75 و 76، المجلد الثامن.
(2)
الطبقات الكبرى، ص 217، المجلد السادس.
(3)
الطبقات الكبرى، ص 294، المجلد السادس.
(4)
الطبقات الكبرى، وتهذيب التهذيب، ص 208 و 209، المجلد الخامس.
الهيثم بن شهاب السُّلَمي
تابعي، روى عن عبد الله بن مسعود، قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن الفضيل بن غزوان عن الحُصين عن الهيثم بن شهاب، قال: سمعت ابن مسعود يقول: لأن أقعد على رضفتين - حجرين مَحْمِيَّين - أحب إليَّ من أن أقعد متربعًا في الصلاة، وكان قليل الحديث
(1)
.
محمد بن قدامة السُّلَمي
جده إسماعيل أبو عبد الله البخاري نزيل مرو، روى عن النضر بن شميل، وكان مستمليه وروى عن غيره، روى عنه مسلم وأبو داود في غير السنن وغيرهما، ووثقه ابن حبان
(2)
.
نجدة بن المبارك السُّلَمي الكوفي
روى عن رزين بن عُقبة ومالك بن مغول وغيرهما، وروى عنه عبد الله بن خبيق وغيره، وقال الحسن بن الربيع: نجدة بن المبارك عندنا مثل سفيان الثوري
(3)
.
نضر بن عبد الله السُّلَمي
الحجاري، روى عن عمرو بن حزم في النهي عن القعود على القبر، وعن عمرو بن مساحق المدني، وروى عنه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وقال ابن عبد البر: لا أعرف في رواة الموطأ مجهولًا غيره
(4)
. وقد مرت بنا - في فصل "صحابة من بني سُلَيْم" - ترجمةُ عبد الله بن النضر السُّلَمي نقلًا عن الاستيعاب وقولُ ابن عبد البر فيه: (وما أعلم في الموطأ رجلًا مجهولًا غير هذا)، وإذا قارنا بين الاسمين، فإننا نجد (عبد الله بن النضر) في الصحابة وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا هو:(لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جُنَّةً من النار)، ونجد (نضر بن عبد الله السُّلَمي) في صفوف التابعين، وإذا قارنا بين قول الحافظ ابن عبد البر في كل من:(عبد الله بن النضر السُّلَمي) الصحابي
(1)
الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، ص 198، المجلد السادس.
(2)
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ص 409، المجلد التاسع.
(3)
تهذيب التهذيب، ص 419، المجلد العاشر.
(4)
تهذيب التهذيب، ص 439 و 440، المجلد العاشر.
الذي قال عنه ابن عبد البر: إنه مجهول، ومجهول وحده في رجال (الموطأ) وقوله في (نضر بن عبد الله السُّلَمي التابعي) مثل هذا القول تمامًا بإبدال صيغة:(وما أعلم) بصيغة (لا أعرف)، وإذا رجعنا إلى ترجمة (عبد الله بن النضر السُّلَمي) في الاستيعاب لابن عبد البر، نجد أنه يقول عنه: روى عنه أبو بكر بن محمد بن حزم حديثًا واحدًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو: (لا يمت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جُنَّةً من النار)، وإذا رجعنا في نفس الوقت أيضًا إلى ترجمة:(نضر بن عبد الله السُّلَمي) التابعي في كتاب تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني نجده يقول عنه: (روي عن عمرو بن حزم في النهي عن العقود، وعن عمرو بن مساحق المدني، وروى عنه أبو بكر بنو محمد بن عمرو بن حزم) ولكن بدون أن يذكر ما رواه عنه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فهل يرجح أنهما شخصان اثنان أو شخص واحد؟، اضطرب الحافظ ابن عمر في اسميهما، أو في اسمهما؟ .. إن وصولنا إلى حقيقة الأمر يحتاج إلى تحقيق أوسع مدى، وإلى "تمحيص" أعمق غورًا، وليس هذا الكتاب موضعهما، فإنما هو استعراض مبسط لرجالات سُلَيْم من الصحابة والتابعين، على أنه يتراءى لي ضَباب من قاتم الشك حول حقيقة الاسميْن والمُسَمَّيْنِ بهما معًا، وربما كُنْتُ أمْيَلَ إلى أنهما اسم واحد لمسمى واحد، لكثرة القرائن التي تشير إلى هذا، والله أعلم.
حيَّان بن عطية السُّلَمي
ذكره البخاري في حديث سعد بن عبيدة، ومما قاله أبو علي الغساني في "تقييد المهمل":(إن ذكر هذا الرجل في رجال البخاري عجيب، فإنه ليست له رواية ولم يعرف من رجاله بشيء، ولا عرفتُ فيه إلى الآن جرحًا ولا تعديلًا)
(1)
.
كنانة بن عباس بن مرداس السُّلَمي
روى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة، وروى عنه ابنه عبد الله بن كنَانة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال عنه في كتاب "الضعفاء": حديثه منكر جدًّا، لا أدري التخليط منه أو من ابنه؟ ومن أيهما كان هو ساقط الاحتجاج، وقد
(1)
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ص 172 و 173، المجلد الثاني، طبع حيدر آباد دكن.
أشار العسقلاني إلى تخبط (ابن حبان) في أمر كنانة، وتوثيقه اياه وعدمه، أشار إلى ذلك في ترجمته الآتية لابنه عبد الله بن كنانة السُّلَمي (1).
عبد الله بن كِنانة السُّلَمي
جده عباس بن مرداس، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: السُّلَمي - يعني كنانة والد عبد الله - قال البخاري لم يصح حديثه، وقد مر بنا آنفًا ما أبداه العسقلاني حيال تخبُّط ابن حبان في أمر كنانة: أهو ثقة أم غير ثقة (2).
خالد بن يزيد السُّلَمي
أبو هاشم الأزرق الدمشقي، روى عن محمد بن راشد المكحول والمطعم بن مقدام والثوري وليث بن أبي سليم، وغيرهم. وروى عنه ابنه محمود ودحيم
(3)
وصفوان بن صالح وسلمان بن عبد الرحمن وغيرهم، ذكره سميع في الطبقة السادسة، وذكره ابن حبان في الثقات.
سعد بن عبيدة السُّلَمي
من التابعين، روى عنه الأعمش وحُصين، توفي في ولاية عمر بن هبيرة على الكوفة (وربما يفهم من ذلك أنه استوطن الكوفة حتى الممات) وكان ثقة كثير الحديث
(4)
.
منصور أبو عتاب بن المعتمر السُّلَمي
تابعيٌّ، قال منصور: لقد طلبنا العم وما لنا فيه تلك النية، ثم رزق الله فيه بَعْدُ، فَسَّرَ مِنْدَلٌ قوله، فقال: يقول: رزق الله بَعْدُ، البصر .. يقول: كنا أحْداثًا.
وقد عَمِش من البكاء من خوف الله عز وجل، قال أبو نعيم: سمعت حماد بن زيد، قال. رأيت منصورًا بمكة، قال أظنه من هذه الخَشَبِيَّة قال: وما أظنه
(1، 2) تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ص 449، المجلد الثامن، وص 370 المجلد الخامس.
(3)
يلاحظ أن اسم (دحيم) لا يزال مستعملًا حتى اليوم في نجد وربما يعنون في الأصل به تصغير اسم (عبد الرحمن) أو (عبد الرحيم) تصغير تحبب وتدليل.
(4)
الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، ص 298، المجلد السادس.
كان يكذب. توفي منصور بن المعتمر السُّلَمي في آخر سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وكان ثقة مأمونًا كثير الحديث رفيعًا عاليًا
(1)
، وقد يكون استوطن مكة ليبتعد عن الفتن الدائرة في أوائل العهد العباسي، وقد يكون في مكة حاجًّا أو معتمرًا.
حُصين بن عبد الرحمن السُّلَمي
قال عنه محمد بن سعد: إنه (من أنفسهم)
(2)
.
محمد بن إسماعيل السُّلَمي
اسم أبيه راشد، وكانوا ثلاثة إخوة يُرْوى عنهم، أسَنّهُم وأقدمهم موتًا إسماعيل بن راشد، روى عنه حصين، وأخوه محمد بن إسماعيل أيضًا، مات محمد سنة اثنتين وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر المنصور، روى عنه الثَّوْرِي، وأخوه الآخر الذي هو عمر بن راشد، وروى عنه حَفْصُ بن غياث وعبد الله بن نُمَيْرٍ ويحيى القطان والثوري
(3)
.
سُنَيْن أبو جميلة السُّلَمي
تابعيٌّ من بني سُلَيْم من أنفسهم، له أحاديث، سمع من عمر بن الخطاب. وفي حديث صالح بن كيسان عن الزهري عن سُنَيْنٍ أبي جميلة السليطي - السُّلَمي - وكان منزله بالْعُمَقِ، وهو جادة الطريق إلى مكة بين معدن بني سُلَيْم وذات عرق، وحدث سفيان بن عيينة عن الزهري أنه سمع سُنَيْنًا أبا جميلة يقول: وَجَدْتُ منبوذًا على عهد عمر، فَذَكَرَهُ عَريفي لَهُ، فأرسل إليَّ فدعاني، فقال لي: هو حُر وولاؤه لك، وعلينا رضاعه
(4)
.
محمد بن علي السُّلَمي
قال ابن سعد في (الطبقات الكبرى): وقد رووا عنه
(5)
.
(1)
الطبقات الكبرى، ص 337، المجلد السادس.
(2)
الطبقات الكبرى، ص 338، المجلد السادس.
(3)
الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 346، المجلد السادس.
(4)
الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 63، المجلد الخامس.
(5)
الطبقات الكبرى ص 370، المجلد السادس.
عيسى بن عبد الرحمن السُّلَمي
من أنفسهم، وهو قديم الموت، توفي في خلافة أبي جعفر
(1)
.
أبو العجفاء السُّلَمي
اسمه هرم، روى عن عمر بن الخطاب، وعَدَّه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" من الطبقة الأولى، من الفقهاء والمحدثين والتابعين من أهل البصرة، ومن أصحاب عمر بن الخطاب
(2)
.
سفيان بن حسين السُّلَمي
مَوْلى لبني سُلَيْم، ويكنى سفيانُ أبا الحسن أو أبا محمد، وكان ثقة يخطئ في حديثه كثيرًا، وكان مؤدبًا مع المهدي أمير المؤمنين، ومات بالريِّ في خلافة المهدي، وَعَدَّهُ ابن سعد من الفقهاء والمحدثين بواسط
(3)
.
عبد الرحمن بن عمرو السُّلَمي
عَدَّهُ ابن سعد من الطبقة الثانية من التابعين المقيمين بالشام، ومات سنة عشر ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك
(4)
.
سويِّد بن عبد العزيز السُّلَمي
هو مَوَلىً لبني سُلَيْم ويكنى أبا محمد، وكان يروي أحاديث منكرة، وُلِدَ سنة تسعين في آخر خلافة الوليد بن عبد الملك، وتوفي سنة سبع وستين ومائة (في خلافة المهدي العباسي). وقد ولى قضاء بعلبك، وكان محتاجًا، فلقيه داود بن أبي شيبان الدمشقي، فقال له: يا أبا محمد، وُلِّيِتَ القضاء بعد العلم والحديث؟ فقال: نعم، نشدتك الله أتحت جُبَّتك شعار؟ فَقال داود: نعم! فرفع سويد جبته وقال: لكن جبتي ليس تحتها شعار، ثم قال له: أنْشُدُكَ الله، هل هذا
(1)
الطبقات الكبرى، ص 370، المجلد السادس.
(2)
الطبقات الكبرى، ص 102، المجلد السابع.
(3)
الطبقات الكبرى، ص 312، المجلد السابع.
(4)
الطبقات الكبرى، ص 449، المجلد السابع.
الطيلسان لك؟ قال داود: نعم! قال: سويد: فوالله ما هذا الطيلسان الذي ترى عليَّ لي وإنه لعَارِيةٌ، أفلا ألِي القْضَاء بعد هذا؟ فوالله لو وَلَّونْي بيت المال - فإنه شر من القضاء - لَوَلَيْتَهُ
(1)
.
نصر بن حجاج السُّلَمي
كان نصر جميلًا فائق الجمال، وكان يقيم بالمدينة، مما يدلنا على أن "جالية" سُلَمية كانت تقيم بها ربما قبل عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وربما في عهده وفي خلافة أبي بكر ثم في خلافة عمر بن الخطاب، وكانت المدينة عاصمة الخلافة الإسلامية، ومن دأب الناس أن ينزحوا إلى "العواصم" لما فيها من العلم والعمل ووفير الخدمات، قديمًا وحديثًا.
وقد حدَّثوا أن عمر بن الخطاب سمع - وهو يَعُسُّ ذات ليلة - امرأة تجهر بأمنيتها الكمينة، فتقول:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها؟
…
أو هل من سبيل إلى نصر بن حجاج؟
فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من يني سُلَيْم، فأرسل إليه فأتاه، فإذا هو من أحسن الناس شَعَرًا وأصبحهم وجهًا، فأمر عمر أن يَطُمَّ - يَجُزَّ - شعره، ففعل، فخرجت جبهته فازداد حُسْنًا، فأمره عمر أن يعتمَّ، ففعل، فازداد حُسْنًا، فقال عمر: لا والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها، فأمر له بما يصلحه وسَيْرَهُ إلى البصرة.
وكان بالبصرة جالية من بني سُلَيْم، اتخذوها موطنًا لهم عقب تمصيرها، ولابُدَّ أن عمر اختارها "مَنْفَىً" لنصر بن حجاج رأفة به، إذ لا ذنب له، وإنما هي سياسة درء المفاسد وسدَّ باب الفتن، وحماية الأخلاق الإسلامية في بلد الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم من أن يتطرق إليها ما يكدر صفوها. ونصر بن حجاج شاعر، ولذلك سنورد له ترجمة في فصل:"شعراء من بني سُلَيْم" تتعلق بشعره وشاعريته، وقد أضفنا إلى ذلك مزيدًا من التفصيل حيال قضية نفيه إلى البصرة، وقصة مصيره بعد ذلك.
(1)
الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 470، المجلد السابع.
أبو ذئب السُّلَمي
يُعتبر "أبو ذئب" من صبَاحِ - بكسر الصاد المهملة والباء التحتية الموحدة فألف فحاء جمع صبيح - بني سُلَيْمَ، ولذلك غَرَّبهُ عمر بن الخطاب أيضًا، أسوة بزميله. فقد ذكر الرواة أن عمر كان يعسُّ بالمدينة ليلًا، إذ سمع نسوة يتحدثن، فإذا هُنَّ يقلن: أيُّ أهل المدينة أصْبَحُ؟ فقالت امرأة منهن: أبو ذئب!، فلما أصبح عمر سأل عنه، فإذا هو من بني سُلَيْم، فلما نظر إليه عمر إذا هو من أجمل الناس، فقال له عمر:"أنت والله ذِئْبُهُنَّ!!! - "قالها مرتين أو ثلاثًا" - والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها. (والشطر الأخير من هذه الكلمة التي خاطب بها عمر أبا ذِئْبٍ، هي مثل الشطر الأخير من الكلمة التي خاطب بها نصر بن حجاج). قال أبو ذئب: فإن كنت لابد مُسَيِّرِي فَسَيِّرنْي حيث سَيَّرْتَ ابن عمي - يعني نصر بن حجاج السُّلَمي - فأمر له بما يصلحه أيضًا، وسَيَّرْهُ إلى البصرة
(1)
.
وهكذا اختار أبو ذئب منفاه من المدينة بنفسه، ونزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عند رغبته، لأنه يشعر بأن لا ذنب له فيما قالته المرأة عنه وسَمِعَهُ ليلًا وهو يقوم بمهمة الْعَسِّ في شوارع المدينة وأزقتها، لضمان الأمن والاستقرَار والأخلاق الإسلامية الكريمة.
ولأبي ذئب الحق في اختيار البصرة مَنْفىً له، لأنها بلد حديث الإنشاء، وفيها بنو عمومته، فإذا أقام به فلن يكون غريبًا، ولن يشعر بقلق نفسي كبير هنالك بسبب الغربة التي فرضت عليه من قِبَل الخليفة العادل.
جعدة السُّلَمي
أمّا جعدةُ السُّلَمي، فقد اشتكاه شاعر مجهول لَبِقٌ إلى عمر بن الخطاب، وكان جعدة مقيمًا في المدينة مع جالية قومه الذين نزحوا من ديارهم إلى عاصمة الخلافة الأولى، وكانت الشكوى محبوكة، وتتضمن أنه يغشى بيوت البدو فيما وراء جبل سَلع، حيث منَازِلُ بني سعد بن بكر من هوازن، وأسلم من خُزاعة، وجُهينة من قُضاعة، وغفَار من كنانة. وقد رمز "الشاعر" إلى النساء اللواتي يَحْفُفْنَ بجعدة السُّلَمي (وَلابُدَّ أنه كَان فتى جميلًا أيضًا) من نساء تلك الأحياء،
(1)
الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 285، المجلد الثالث.
رَمَز إليهن باسم (القُلُصِ) جمع قُلَوصٍ، ورمز إلى وجودهنَّ معه بقوله:(يُعَقِّلُهُنَّ) .. قال الشاعر:
ألا أبلغ أبا حَفْصٍ رسولًا
…
فدىَ لك من أخي ثقة، إزاري
قلائصَنَا - هداك الله - إنَّا
…
شُغِلْنا عنكمو زمن الحصار
فما قُلُصٌ وُجِدْنَ مُعَقِّلاتٍ
…
قَفَا سَلْعٍ بِمُخْتَلِفِ البحار
(1)
قلائص من بني سعد بن بكر
…
وأَسْلَم أو جُهَيْنة أو غِفَار
يُعَقِّلُهُنَّ جعدةُ - من سُلَيْم
…
معيدًا، يبتغي سَقَطَ العذار
وإذا عرفنا أن معنى (القلوص) في اللغة العربية: "الشَّابة من الإبل أو الباقية على السير، أو أول ما يركب من إناثها إلى أن تثني ثم هي ناقة" أدركنا عندئذ دقة الكناية من هذا الشاعر المجهول الذي عرف من أين تؤكل الكتف، وعرف كيف تكون إصابة السهم لمرماه، ورُبّ كناية أبلغ من تصريح.
إن الشاعر يريد أن يكشف لعمر بن الخطاب حقيقة انحراف أخلاق جعدة السُّلَمي - بحسب دعواه - وهو يعرف أن عمر ذو إحساس مرهف من هذه الناحية، فهو من هذه الناحية يهدف إلى سد الذرائع، وإلى الاحتياط في هذه الأمور المخلة بالآداب الإسلامية في بلد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يتسامح فيها على أي حال.
وقد ضرب الشاعر - فعلًا - على الوتر الحساس، فقال عمر: ادْعُوا لي جعدة من سُلَيْم، فدعوا به له، فَجُلدَ مائةً مَعْقُولًا، ونهاه أن يدخل على امرأة مغنية
(2)
. ولابد أن أخبار انحراف جعَدة واستهوائه لفتيات ما وراء جبل سلع كان قد بلغ مسامع عمر، وكان ينتظر أن تسنح الفرصة المناسبة لتأديبه، وآية ذلك أنه جلده مائةً معقولًا وعُمَرُ عادل ولا يقوم بمثل هذا التأديب الشديد إلا بمقتضى أدلة مثبتة، وهي - طبعًا - غير شعر الشاعر المجهول، وشعر الشاعر المجهول كان مجرد علامة وإنذارًا بأنَّ الكيل قد طفح، وبأنه لابد من وضع حدٍّ لهذا العبث الخُلُقِيِّ الذي يقوم به جعدة من وراء ستار شفيف، ومن واضح الأدلة على إدراك
(1)
هكذا في الأصل، ولعلها: النجار.
(2)
الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، ص 286، المجلد الثالث.
عمر لحقيقة سلوك جعدة فيما وراء جبل سلع أنه بعد ما جلده مائةً معقولًا، نَهاهُ عن الدخول على امرأة مغنية كان عمر لا يخفى عليه حقيقة سلوكها، ولكنه كان يدرأ الحدود بالشبهات، ولابد أن عمر سماها له عندما نَهَاهُ عن دخول منزلها، ولكن الرواة آثروا سترها، فاكتفوا بالإشارة إلى واقعها من دون إثارة فضيحة عليها خالدة بذكر اسمها ولعلها تتوب، والله ستَّار يحب الستر وغفَّار للذنوب، وعمرُ ومَنْ كانوا في عصره من الصحابة والتابعين ما كانوا يريدون أن تشيع الفاحشة ولا سوء السمعة بين المسلمين على بعضهم.
مليح بن عوف السُّلَمي
رُوِيتْ عن مليح هذا قصةُ ذلك الباب (الخشبي) الذي وضعه سعد بن أبي وقاص على داره، مع قصة ذلك (الْخُصَّ الْقَصَبيِّ) الذي خصه سعد على قصره في الكوفة. وتقول القصة: إنه بلغ عمرَ بنَ الخطاب وَضْعُ سعد للباب الخشبي والخص القصبي على داره، فاهتم بهذا الشأن الذي رأى فيه حَدَثًا غير مناسب، ومن أجل ذلك انتدب من المدينة محمد بن مسلمة ومعه مليح بن عوف السُّلَمي دليل طريق، وأمر عمر محمد بن مسلمة بالتحقيق في ذلك ورَفْعِ الأمر إليه، وكان مليح دليلًا خبيرًا، وهكذا خرج مَنْدوبُ الخَلِيفَة سِرًّا في المهمة الإدارية المُكَلَّف بالتحقيق فيها وتقديم نتيجة تحقيقاته عنها إليه، ثم أمر عمر - بعد وصول الحقيقة الإيجابية إليه عن الباب الخشبي والخص القصبي أمر عمرُ، مُحَمّدَ بنَ مسلمة بأن يحرق الباب والخص معًا، ففعل، وأمره بأن يُقيمَ سعدًا لأهل الكوفة في مساجدهم، بسبب ما بلغ عمر من بعض أهل الكوفة - من أن سعدًا حابى في بيع خُمُسٍ باعه، ففعل، فأقام محمدُ بن مسلمة، سَعْدَ بن أبي وقاص في مساجد الكوفة، فجعل يسألهم عن سعد ويخبرهم بأن أمير المؤمنين أمره بهذا، فلا يجد أحدًا يخبره إلا خيرًا
(1)
، وكانت هي سعاية من بعض من تنقصهم متانة الخلق الإسلامي على سعد بن أبي وقاص، لم ير أمير المؤمنين العادل إلا أن يستكشف حقيقة أمرها، حتى تظهر جليةً للجمهور، فلا يكثر اللغط والإشاعات المفتراة بين الناس سِرا وجهرًا على هذا الصحابي النزيه الجليل، فكان عمر بذلك خليفة بارعًا
(1)
الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 62، المجلد الخامس.
وعبقريًّا حكيمًا، كما أنه كان مثالًا للعدل إذ أجرى التحقيق الدقيق وأحرق الباب والخص، وأقام سَعْدَ بن أبي وقاص صاحبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم للناس حتى تنجلي حقيقة ما زعمه بعضهم من قيامه بالمحاباة وهو أمير على الكوفة. وهكذا كان عمر مُنَفِّذًا دقيقًا لتعاليم الإسلام على الجميع لا فرق لديه بين أمير ومأمور ولا كبير ولا صغير.
تابعيات من بني سُلَيْم
أم عيسى
روت أم عيسى بن عبد الرحمن السُّلَمي، عن عائشة رضي الله عنها، وروى عنها ابنها عيسى بن عبد الرحمن السُّلَمي، وذكرها محمد بن سعد في "الطبقات الكبرى" في باب:"تسمية النساء اللواتي لم يَرْوِينَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَيَرْوِينَ عن أزواجه وغيرهن"
(1)
.
وأم عيسى لا ندري مما ذكر، هل هي سُّلَمية أصلًا أو سُّلَمية في أهل زوجها وفي ابنها فحسب، وقد كانت لها مكانتها في رواية الحديث حتى إن ابنها المذكور روى عنها الحديث. وقد وضعناها في هذا المكان أخذًا بالاحتمال الأول ريثما تظهر حقيقة نسبها.
علماء ومُفْتون وقُضاة من بني سُلَيْم
هذا الفصل - بطبيعة الحال - ليس حصرًا ولا إحصاءً للعلماء والمفتين والقضاة من بني سُلَيْم، وإنما هو عرضٌ لنماذج من هؤلاء جميعًا، تسنى لنا من مطالعاتنا للمراجع التي بين أيدينا أن نطَّلع على تراجمهم التي منها الموجز ومنها المسهب، وهذا الفصل من هذه الناحية هو قرين للفصول السابقة في التراجم ومثيل لها في هذا الشأن، وقد دَونَّا فيه تراجم طائفة لا بأس بها من بني سُلَيْم، من القرن الهجري الأول إلى الثالث عشر.
ونعني بصيغة العلماء في هذا افصل ما كانت تعنيه وما زالت تعنيه هذه الصيغة في التاريخ الإسلامي والاصطلاح الإسلامي، أي علماء الدين، ونعني
(1)
ص 491 و 492، المجلد الثامن من الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد.
بالمُفْتين من يتعاطون مهمة الإفتاء من أولئك العلماء للمستفتين، ونعني بالقضاة مَنْ يحكمون بين الناس في قضاياهم وخُصوماتهم وحقوقهم، ويعيدون الحق إلى أهله وإلى نصابه، على أن تكون أحكامهم بمقتضى الشريعة الإسلامية، فالمفتي والقاضي عالمان إسلاميان يقومان بمهمتين إسلاميتين جليلتين، زيادة على علمهما أو تدريسهما للعلم الإسلامي مثلًا.
وأول من تمكنَّا من ترجمته - حسب المصادر الموجودة لدينا - من هؤلاء العلماء السُّلَميين الإسلاميين من عاش في القرن الهجري الأول ومات فيه، ألا وهو تميم بن سَلَمة الكوفي السُّلَمي.
وآخر من تمكنا من ترجمته - حسب مصادرنا - من هؤلاء العلماء السُّلَميين الإسلاميين، من كان عائشًا في أخريات القرن الثالث عشر الهجري ومات فيه، وهو محمد بن حمدون المرداسي الفاسي السُّلَمي.
وبمقارنة زَمَنَيْ ومَوْطني هذين العالمين السُّلَميين، اللذين يفصل بينهما عشرة قرون من الزمن، وكان أولهما يقيم بالكوفة وثانيهما يقيم بفاس، والكوفة تقع في غرب آسيا، وفاس تقع في إفريقية الشمالية القصوى - ندرك مدى حيوية بني سُلَيْم عبر التاريخ الإسلامي المديد.
تميم بن سَلَمة الكوفي السُّلَمي
روى عن سليمان بن الزبير، وشريح بن الحارث القاضي، وعبد الرحمن بن هلال العبسي. وروى عنه الأعمش، ومنصور، وطلحة بن مصرف، وأبو صخرة جامع بن شداد، وجماعة.
قال ابن معين والنسائي: ثقة. وقال ابن عاصم وغيره: مات سنة 100 هـ، وقاله ابن سعد، قال: وكان ثقة وله أحاديث. وذكره ابن حبان في الثقات، وفرق بينه وبين تميم بن سَلَمَة الخُزَاعي.
روى عن جابر بن سمرة، وعنه المسيب بن رافع. قال: وهو الذي روى عن عروة بن الزبير
(1)
.
(1)
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ص 512 و 513 المجلد الأول طبعة حيدر آباد دكن، سنة 1325 هـ.
منصور بن المعتمر بن عبد الله السُّلَمي
يكنى أبا عتاب، من أعلام رجال الحديث، ولم يكن أحفظ منه للحديث، وكان ثقة، وهو من أهل الكوفة. مات سنة 132 هـ - 750 م، ونسب جده عبد الله هكذا: عبد الله بن عتاب بن رُبَيَّعَة (بالتصغير) ابن فرقد وهو يربوع بن حبيب الفقيه
(1)
.
سويد بن عبد العزيز السُّلَمي
مولاهم الدمشقي، وقيل: حمصي وأصله من واسط بالعراق أو من الكوفة، وكان شريك يحيى بن حمزة في القضاء، قرأ القرآن على يحيى بن الحارث الذماري، والحسين بن عمران العسقلاني. وروى عن حميد الطويل، والأوزاعي، ومالك وجماعة. وقرأ عليه أبو مسهر، وهشام بن عمار، وغيرهما. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: متروك الحديث. وقال ابن معين: ليس بثقة. قال أبو حاتم: قلتُ لدحيم
(2)
: كان سويد عندك ممن يقرأ إذا دفع إليه ما ليس من حديثه. قال: نعم! وقال عثمان الدارمي عن دحيم: ثقة، وكانت له أحاديث يغلط فيها.
مات سويد السُّلَمي سنة 194 هـ، وقال دحيم: سمعته يقول: وُلِدْتُ سنة 108 هـ
(3)
.
عمر بن عامر السُّلَمي
من القضاة. قال أبو عبيدة: لما عَزَلَ سليمانُ بن علي، الحجاجَ بن أرطأة (من قضاء البصرة) أعاد عياد بنَ منصور على قضائها، ثم عزله في سنة سبع وثلاثين ومائة، وولَّى عُمَرَ بن عامر السُّلَمِي، وسوارَ بن عبد الله (قضاءها) فكانا يجلسان جميعًا. وكان عمر بن عامر يكلم الخصوم، وسوار ساكت
(4)
.
(1)
الأعلام، للأستاذ خير الدين الزركلي، ص 245، الجزء الثامن؛ وجمهرة أنساب العرب، لابن حزم.
(2)
لا يزال هذا الاسم مستعملًا في أنحاء نجد كما قدمناه. وتدل التسمية به أول القرن الهجري الثاني، على أنه كان مستعملًا معروفًا قبل ذلك.
(3)
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ص 276 و 277، المجلد الرابع.
(4)
أخبار القضاة، لوكيع، ص 55، الجزء الثاني، طبع الاستقامة بمصر. وما بين الحاصرتين () من تكملاتنا لدلالة السياق عليه "المؤلف".
قال عمر بن شبة: سمعت أبي يقول: تقدم خالد بن يوسف التميمي إلى عمر بن عامر في منازعة، وكان رجلًا بدينًا، فأمر بإقامته، فَعنف به الذي أقامه، فأظهر من جسده شيئًا، فأصبح ميتًا، فخرج بجنازته وتبعه صوارخ يصرخن: واقتيل عمراه! .. فخرج من ذلك جزعًا فاحشًا، فجعل يدعو بالموت والراحة من القضاء، فلم ينشب أن مات فجأة.
قال أبو بكر: ولعمر بن عامر حديث صالح، وروى عنه الناس.
هُشَيْمُ بن بشير السُّلَمي
من واسط وقدم بغداد وأقام فيها حتى الممات.
نابغة من بني سُلَيم في القرن الهجري الثاني، في علم الحديث وفي روايته.
وهو هُشَيْمُ بن بشير بن أبي خارم - القاسم - بن دينار السُّلَمي، ويكنَّى أبو معاوية، ومقره ومقر أبيه: واسط - المدينة التي بناها الحجاج بن يوسف الثَقَفِي. وقيل: إنه بُخاريُّ الأصل، أي الموطن لا النسب، فإنه سُّلَمِيُّ النسب.
وكان بشير والدُ هشيم طبَّاخًا للحجَّاج بن يوسف، وكان يطبخ "الصحناة" - إدام يتخذ من السمك الصغار مُشَةٍ مُصْلِحٌ للمعدة - وقد طلب ابنه هشيم الحديث - فاشتهاه، وكان أبوه يمنعهُ، فكتب الحديث حتى جالس أبا شيبه القاضي، فكان يناظر أبا شيبة في الفقه، فمرض هشيم فقال أبو شيبة: ما فعل ذلك الفتى الذي كان يجيء إلينا؟ قالوا: عليل، قال: فقال: قوموا بنا حتى نعوده، فقام أهل المجلس جميعًا يعودونه، حتى جاءوا إلى منزل بشير فدخلوا إلى هشيم، فجاء رجل إلى والده بشير ويده في "الصحناة"، فقال: ألحَقِ ابنك فقد جاء القاضي يعوده، فجاء بشير والقاضي في داره، فلما خرج قال لابنه: يا بُنَيَّ قد كنت أمنعك من طلب الحديث، فأما اليوم فلا، صار القاضي يجيء إلى بابي، متى أمَّلْتُ أنا هذا؟
وكان جد هشيم - القاسم - وأبو شعبة الحجاج شريكين في بناء قصر الحجاج - بواسط.
سمع هشيم، عَمْرَو بن دينار، والزّهْرِيَّ، ويونس، وعبيدًا، وأيوبَ السختياني، وغيرهم. وروى عنه مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وشعبة، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وغندر، ووكيع، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأبو خيثمة، وغيرهم. وهو محدث بغداد، قال يحيى القطان: هو أحفظ من رأيت بعد سفيان وشعبة، وكان عنده عشرون ألف حديث، ومكث يصلي الفجر بوضوء العشاء عشرين سنة قبل موته، وله من الكتب: كتاب السنن في الفقه وكتاب التفسير وكتاب القراءات
(1)
.
ومولده بسنة 104 هـ، ويبدو أن ولادته كانت بواسط، وحينما كبر لم يخضب، بل ظل أبيض شعر الرأس واللحية.
وتوفي ببغداد، في يوم الأربعاء لعشر مضين من شعبان سنة 183 هـ، فله من العمر إذن 79 عامًا.
وكان هشيم سريع الحفظ قويَّ الذاكرة، يقول عن نفسه: سمعت من الزهري نحوًا من مائة حديث فلم أكتبها: يقصد أنه اكتفى بحفظها الراسخ، وما احتاج إلى أن يكتبها.
وَثَّقَهُ أئمة الحديث وأعلامه في عصر الإسلام الذهبي، بالنسبة لعلوم الحديث خاصة. قال عبد الرحمن بن مهدي: كان هشيم أحفظ للحديث من سفيان الثوري.
وَوَثَّقَهُ شعبة وحماد بن زيد وعبد الرحمن بن مهدي وأبو عبد الله ووكيع ويزيد بن هارون وأبو داود سليمان بن الأشعث ويحيى بن سعيد القطان وعلي بن حجر وابن المبارك وابن عمار. وقال عنه ابن عمار: لم يُعَد عليه خطأ. وقال عنه إبراهيم الحربي: كان حُفَّاظ الحديث أربعةً، كان هشيمٌ شَيْخَهُمْ وكان يحفظ هذه الأحاديث - يعني المقطوعة - حفظًا عجيبًا، وكان يصفُ المعنى.
(1)
كتاب الفهرست، لابن النديم، ومرآة الجنان، لأبي محمد اليافعي اليمني المكي، ص 393 الجزء الأول، طبع حيدر آباد دكن.
وممن وَثَّقَهُ مالك بن أنس. جاءه رجل من العراق وذاكره بحديث فقال مالك: (وهل بالعراق أحد يُحْسِنُ أو يُحَدِثُ إلا ذاك الواسطيَّ؟)
(1)
يعني هُشَيْمًا.
وكفاه توثيقًا في الحديث أن يكون مالك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين - من طُلَّابِهِ ومن رُوَاةِ الحديث النبويِّ عنه.
حفص بن عبد الله السلَمي
قال ابن عميرة عنه: انه سرقسطي، روى عن مالك بن أنس، ومات بالأندلس قريبًا من سنة 200 هـ
(2)
. وكان حفص بليغًا حافظًا، ولازم مالكًا سبعة أعوام، وكان مالك يُدْني منزله، وصام أربعين سنة. وكان الحكم (الأموي) يستقدمه في كل عام من شهر رمضان يؤمَّ به
(3)
.
أبو عبد الله محمد السُّلَمي
قيرواني، سكن المهدية - (بتونس) آخرًا وسمع أبا ذر الهروي، وأبو عمران الفاسي، وسمع منه أبو بكر بن عطية رحمه الله
(4)
.
عمر بن عبد الله بن رزين السُّلَمي
هو نيسابوري الموطن، محدِّث، رحل وسمع محمد بن إسحاق وطبقته. قال سهل بن عمار: لم يكن بخراسان أنبل منه، توفي سنة 203 هـ
(5)
.
يزيد بن هارون السُّلَمي
هو مولاهم، ويكنى أبا خالد، توفي بواسط سنة ست ومائتين وله من الكتب: كتاب الفرائض
(6)
.
أسد بن الفرات
له ترجمة وافية في فصل: (أمراء ومحتسبون وفرسان وقادة وولاة وموظفون من بني سُلَيْم) فراجعها إن شئت هناك.
(1)
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ص 85 - 92، المجلد الرابع عشر.
(2)
الحلل السندسية، للأمير شكيب أرسلان، ص 157، الجزء الثاني، طبع المطبعة الرحمانية بمصر.
(3)
تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، لابن الفرضي، ص 139، الجزء الأول، طبع مصر.
(4)
ترتيب المدارك، للقاضي عياض، ص 798، المجلد الرابع.
(5)
شذرات الذهب، لابن عماد الحنبلي، ص 7، الجزء الثاني.
(6)
الفهرست، لابن النديم، ص 332 و 333.
حسَّان بن عبد السلام السُّلَمي
من أهل سَرَقُسْطَةَ بالأندلس، رحل إلى مالك بن أنس من الأندلس إلى المدينة وسمع منه مع أخيه حفص، ذكره محمد بن حارث الخُشني في كتابه
(1)
.
عبد الغافر بن عبد السلام السُّلَمي
من أهل رَيَّة بالأندلس، كان فقيهًا حافظًا زاهدًا كثير التلاوة، ذكره إسحق
(2)
.
محمد بن يعلى السُّلَمي
قدم بغداد من الكوفة. ويُلقَّب بزنبور. حَدَّث عن محمد بن عمر بن علقمة المديني وغيره، وفي بغداد حدث، وروى عنه من أهلها محمدُ بن عبد الله المنادي. روى عن الربيع بن صبيح عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن، قال: لما كان من بعض همج الناس ما كان - يريد في الفتنة التي قُتل فيها عثمان رضي الله عنه جعل رجل يسأل عن أفاضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يسأل أحدًا إلَّا دَلَّهُ على سعد بن مالك، قال فقيل له: إنِ سعدًا رجل إذا أنت رفقت به كنت قَمنًا أن تصيب منه حاجتك، وإن أنت خَرَقت به كنت قَمِنًا أن لا تصيب منه شيئًا، فجلس أيامًا لا يسأله عن شيء، حتى استأنس به وعرِفَ مجلسه، ثم قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159] إلى آخر الآية، قال فقال سعد: هات ما قلت، لا جرم وَالذي نفس سعد بيده لا تسألني عن شيء أعلمه إلا أنبأتك به، قال: أخبرني عن عثمان؟ قال: كنا إذ نحن جميع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحْسَنَنا وضوءًا، وأطْوَلَنَا صلاةً، وأعْظَمَنَا نفقة في سبيل الله. فسأله عن شيء من أمر الناس، فقال: أما أنا فلا أحدثك بشيء سمعته من وُرَّادنا، لا أحدثك إلا بما سمعت أذناي ووعاه قلبي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إن استطعت أن تكون أنت المقتول، ولا تقتل أحدًا من أهل الصلاة فافعل) .. قالها ثلاثًا.
(1)
جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، لأبي عبد الله محمد بن قتوح الحميدي، المتوفى سنة 488 هـ، طبع القاهرة، ص 183.
(2)
تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، لأبي الوليد أبي عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي المعروف بابن الفرضي، المتوفي سنة 403 هـ، ص 339، وترتيب المدارك للقاضي عباض، ص 509 المجلد الثاني، طبع بيروت.
وقال محمد بن إسماعيل البخاري في نقده وتجريحه: محمد بن يعلي السُّلَمي الكوفي يُقال له: زنبور، يُتكلم فيه وهو ذاهب.
مات محمد بن يعلى السُّلَمي هذا في سنة 205 هـ
(1)
.
جمعة بن عبد الله السُّلَمي
جمعة بن عبد الله بن زياد بن شداد السُّلَمي أبو بكر البلخي، وقيل: إن جمعة لقبه، واسمه يحيى.
روى عن مروان بن معاوية، وأسد بن عمرو البجلي، وعمرو بن هارون البلخي، وهُشَيمٍ، وغيْرِهم.
وروى عنه البخاري، والحسين بن سفيان، ومحمد بن إسحاق بن عثمان السمسار، والحسن بن الطيب.
قال ابن حبان: في الثقات، مستقيم الحديث، كان ينتحل مذهب الرأي قديمًا، ثم انتحل السنن، وجعل يذب عنها.
وقال اللالكائي: يُقال إنه مات سنة 233 هـ. وقال العسقلاني: جزم به الكلاباذي وابن عساكر، وزاد: لخمس بقين من جمادى الآخرة.
وقال ابن منده: جمعة أخو خاقان، وليس له في الصحيح سوى حديث واحد في فضل الهجرة
(2)
.
عبد الملك بن حبيب السُّلَمي
هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة - جلهمة - بن عباس بن مرداس السُّلَمي.
ذكر الأمير شكيب أرسلان تراجم من أقاموا بالأندلس من العرب بعد استقرار قَدَمِ الإسلام فيها غِبَّ فتحها، وأورد من هؤلاء من أقاموا بها منِ قيس عيلان العدنانية وذكر منهم من ينتسب إلى سُلَيْم بن منصور بن عِكْرمة بن خصَفة
(1)
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ص 447 و 448، الجزء الثالث.
(2)
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ص 110، المجلد الثاني، طبع حيدر آباد دكن.
ابن قيس، ومن هؤلاء: عبد الملك بن حبيب السُّلَمي الفقيه صاحب الإمام مالك رضي الله عنه"
(1)
.
وقد أفرد القاضي عياض لعبد الملك بن حبيب ترجمة مطولة جامعة، تقع في نحو 18 صفحة من كتابه "ترتيب المدارك"، وقد خَرَجْتُ من هذه الترجمة بما سأورده فيما يلي:
فهو عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن عباس بن مرداس السُّلَمي ويكنى أبا مروان، وكان أبوه يعرف بالحبيب العصار، لأنه كان يعصر الأدهان ويستخرجها، فوالده إذن من رجال الصناعة، وقال الإمام الفرضي: إنه من مواليهم، وقال ابن الحارث: إنه من أنفسهم، وسلسلة نسبه المتقدم ذكرها آنفًا تدل على أنه من سُلَيْم نسبًا لا ولاءً.
وكانت إقامته بإلبيرة من الأندلس، انتقل إليها أبوه في فتنة الربض، ورحل إلى المشرق سنة ثمان ومائتين، بعد وفاة الإمام مالك بن أنَس بنحو ثلاثين عامًا.
وفي رحلته إلى المشرق سمع من ابن الماجثون، ومطرف، وإبراهيم بن المنذر، وغيرهم. وانصرف إلى الأندلس سنة عشر ومائتين، وقد جمع علمًا عظيمًا. ومن هنا نزل بلدة إلبيرة، ثم سكن قرطبة. وقد انتشر علمه وروايته، فنقله الأمير عبد الرحمن بن الحكم إلى قرطبة، ورتبه في طبقة المفتين بها، فأقام مع يحيى بن يحيى زعيمها، في المشاورة والمناظرة، وبعد وفاة يحيى انفرد عبد الملك بالرئاسة مُدَيْدَةً.
ولعبد الملك السُّلَمي، مكانة من العلم ممتازة. وقد أثنى عليه العلماء الأعلام بها .. فقال ابن الفرضي: "كان عبد الملك حافظًا للفقه على مالك
(2)
، نبيهًا فيه، غير أنه لم يكن له علم بالحديث، ولا معرفة بصحيحه من سقيمه".
وسُئل ابن الماجثون: مَنْ أعْلَم الرجلين: القروي التنوخي، أم الأندلسي السُّلَمي؟ فقال:"السُّلَمي مَقْدَمَهُ علينا أعلم من التنوخي مُنْصَرَفَه عنا"، ثم قال
(1)
الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية، لشكيب أرسلان، ص 293، الجزء الأول، طبع المطبعة الرحمانية بمصر، 1355 هـ - 1936 م؛ وجمهرة أنساب العرب، لابن حزم، ص 263.
(2)
سبق لنا آنفًا أنه لم يدرك مالك بن أنس في رحلته إلى المشرق، إذ بين وفاة مالك ورحلته إلى المشرق نحو ثلاثين عامًا.
للسائل: أفهمت؟ وكان يخرج من الجامع وخلفه نحو من ثلاثمائة من طالب حديث وفرائض وفقه وإعراب، وكان يجمع إلى إمامته في الفقه، التنجيح في الأدب والتفنن فيه، وفي ضروب العلم، وكان فقيهًا مفتيًا، نحويا لغويا، نسابة إخباريا، عروضيا فائقًا، شاعرًا محسنًا، مرسلًا حاذقًا، مؤلفًا متفننًا.
ذكر بعض المشيخة أنه لما دنا من مصر - في رحلته إلى المشرق من الأندلس - أصاب جماعة من العلماء بارزين لتلقي الرفقة على عادتهم، فكلما أطلَّ عليهم رجل له هيبة ومنظر رجحوا الظن به، وقضوا بفراستهم عليه، حتى رأوه، وكان ذا منظر جميل، فقال قوم: هذا فقيه، وقال آخرون: شاعر، وقال آخرون: طبيب، وقال آخرون: خطيب، فلما كثر اختلافهم فيه وسألوه عما هو؟ فقال لهم: كلهم قد أصاب، وجميع ما قررتم أحْسنُهُ، والخبرة تكشف الحيرة، والامتحان يحلي عن الإنسان، فلما حط رحله ولقي النَاس، شاع خَبَرُه، فقصد إليه كل ذي علم يسأل عن فنه، وهو يجيبه جوابَ مُحَقِّقٍ، فعجبوا من ثبوت علمه".
مؤلفاته
ولعبد الملك بن حبيب مؤلفات كثيرة، ذكروا أنها "حِسَانٌ" في الفقه والتاريخ والأدب.
ومن أهم كتبه في الفقه: الكتب المسماة بـ "الواضحة" في السُّنَنِ والفقه، قالوا إنه لم يُؤلَّفْ مِثْلُهَا ومنها "الجوامع"، وكتاب "فضائل الصحابة" و"غريب الحديث" و"سيرة الإمام في الملحدين" وكتاب "تفسير الموطأ" وكتاب "حروب الإسلام" وكتاب "المسجدين" وكتاب "طبقات الفقهاء والتابعين" وكتاب "مصابيح الهدى" وكتاب "إعراب القرآن" وكتاب "الحسبة في الأمراض" وكتاب "الفرائض" وكتاب "السخاء واصطناع المعروف" وكتاب "كراهية الغناء" وكتاب في "النسب" وفي "النجوم""وكتاب "الجامع في الفقه" وكتاب فيه "مناسك النبي صلى الله عليه وسلم " وكتاب "الرغائب" وكتاب "الورع في العلم" وكتاب "الورع في المال وغيره" في ستة أجزاء، وكتاب "الرياء" وكتاب "الحكم والعدل والعمل بالجوارح" وغير ذلك، وكتاب "الرهائن" في ثمانية أجزاء، وكتاب "الباه والنساء" ثمانية كتب أي أجزاء، وكتاب "المواعظ" سبعة أجزاء، وكتاب "فضائل عمر بن عبد العزيز" و"فضائل
مالك بن أنَس" وكتابا في أخبار قريش
(1)
وأنسابها"، وقال القاضي عياض: إنه في خمسة عشر جزءًا، وكتاب "السلطان وسيرة الإمام "في ثمانية كتب - أي أجزاء - وكتاب " الأصول والمغازي والحدثان " خمسة وتسعون كتابًا - أي جزءًا - وكتاب "مغازي مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان وعشرون كتابًا - أي جزءًا - وله تواليف في الطب والحديث والفقه وتفسير القرآن ستون كتابًا - أي جزءًا.
مكانته في الدولة الأموية بالأندلس
كان ذا مكانة مرموقة في الدولة الأموية بالأندلس، وكان ذا حظوة لدى الأمير عبد الرحمن بن الحكم، وحصلت له حوادث ومشاكل، سلم منها بإخلاصه وعلمه الغزير وتقواه، ومن كان في منزلته لابد أن تناله قوارض الحُسَّاد، فكل ذي نعمة محسود، فكيف من كان ذا نعمتين كبيرتين: نعمة العلم الغزير، والجاه الرفيع.
روى القاضي عياض عن ابن الفرضي: إن ابن حبيب كان يأخذ بالرخصة في السماع، وأنه كان له "جَوار يُسْمعْنَهُ"، وقد انتقد القاضي عياض هذه الحكالة فقال:"الأشبه بُطْلَانُ هذه الحكًاية" فإن لابن حبيب كتابًا في كراهة الغناء" وقد سبق أن ذكرناه آنفًا في جريدة أسماء مؤلفاته، ولا ننسى أن ابن الفرضي هذا قال عن عبد الملك بن حبيب: إنه من بني سُلَيْم ولاءً، لا من بني سُلَيْم بُنوةً!؟ وقد يُشَمُّ من حكايته عن سماع ابن حبيب وحكايته أنه مَوَلىً - قد يشتم من ذلك وجودُ غرض مُعَيَّنِ دفينٍ عند ابن الفرضي على ابن حبيب، وقديمًا كان في الناس الحسد، والمعاصرة تذهب المناصرة.
لباسه وسيرته
اعتناء المؤرخين القدامى بذكر لباس عبد الملك بن حبيب، يدلنا على مكانته الدينية والعلمية والاجتماعية، فقد ذكروا أنه كان يلبس إلى جسمه مسح شعر، تواضعًا.
وكان صوَّامًا قوَّامًا، ولم يكن مثريًا، آثر الفقر على الغنى، وحينما نُعي إلى سحنون استرجع وقال: مات عالِم الأندلس، بل - والله - عالِم الدنيا.
(1)
تكررت كلمة "أخبارها" هنا في المطبوعة، ولما يبدو أنها من زيادة الطابع أو الناسخ أشرنا إليها هنا مكتفين بذلك.
ويقول صاحب" نفح الطيب": إن تواليف إبن حبيب بلغت ألْفًا، على ما رآه في بعض التواريخ، ومن أشهرها كتاب (الواضحة) في مذهب مالك، كتاب كبير مفيد. وقال عنه:"ولابن حبيب مَذهب في كتب المالكية مسطور، وهو مشهور عند علماء المشرق، وقد نقل عنه الحافظ ابن حجر، وصاحب المواهب وغيرهما" وأورد له أبيات شعر، خاطب بها سلطان الأندلس.
وأورد المقري في " المطمح " ترجمة عبد الملك بن حبيب التي أنشأها "الفتح " فيه، جاء فيها قوله:(الفقيه أبو مروان عبد الملك بن حبيب السُّلَمي، أيُّ شرف لأهل الأندلس وأيُّ مَفْخَرٍ، وأي بحر بالعلوم يَزخر)، إلى أن قال: (وسمع بالأندلس وتفقه، حتى صار أعلم من بها وأفقه، ولقى أنجاب مالك، وسلك في مناظرتهم أوعر المسالك، حتى أُجْمعَ عليه بالاتفاق، ووقع على تفضيله الإصفاق - أي الإجماع - ويقال: إنه لقي مالكًا في آخر عمره. وروى عنه عن سعيد بن المسيب: أن سليمان بن داود عليهما وعلى نبينا السلام، كان يركب إلى بيت المقدس فيتغذى به، ثم يعود فيتعشى بإصطخر
(1)
.
وأوجز "بروكلمان" ترجمته، فقال:(وُلِد عبد الملك بن حبيب السُّلَمي في حصن واط (Hut Orvega) القريب من غرناطة، بعد سنة 180 هـ - 796 م، ولما ذهب إلى الحج تعرف بالمدينة على مذهب مالك بن أنَس واعتنقه، فلما رجع إلى وطنه الأندلس، بذل نشاطا كبيرًا في نشر هذا المذهب بالأندلس، واشتهر أيضًا أديبًا وشاعرًا، وتوفي يوم 4 من رمضان سنة 238 هـ - 18 من فبراير سنة 853 م، وقيل: يوم 12 من ذي الحجة سنة 239 هـ - 5 من أبريل سنة 854 م، وكانت وفاته بقرطبة، وأول كتاب صنف في تاريخ الأندلس وبقي إلى الآن يُنْسَبُ إلى أبي مروان عبد الملك بن حبيب المرداسي السُّلَمي الإلبيري القرطبي
(2)
.
(1)
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، لأحمد بن محمد المقري التلمساني، ص 214 و 215 طبع مطبعة السعادة بمصر.
(2)
تاريخ الأدب العربي، لبروكلمان؛ ص 86، المجلد الثالث، ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار، طبع دار المعارف بمصر 1962 م.
نماذج من شعره
تدلنا النماذج التالية من شعره، على شاعرية متمكنة مطعمة بالعلم والدين، واستيعاب أوضاع المجتمع الذي يعيش فيه الشاعر العلَّامة عبد الملك بن حبيب السُّلَمي.
كتب إلى "الرشَّاش" الأديب، يستهديه "مِدَادًا"ووجه إليه بقارورة كبيرة ليملأها "الرشاش" له حبرًا، قال:
احتجت من "حبر" إلى "سقبه"
…
فامدد لنا منه مُرَسَّاكَ
وابعثْ، وإن قَلَّ، به طَيِّبًا
…
ولا تكن دُونًا فنلحاك
ولا تهولنَّك قارورتي
…
فإنها أأقنَعُ من ذاك
وله يرفع طلبته إلى الله تعالى أن يهبه "ألْفًا من الصُّفر" - ولعلها عملة نقدية ذهبية معروفة إذ ذاك بهذا الاسم أو وصفٌ للدنانير - قال:
صلاح أمري والذي أبتغي
…
هَيْنٌ على الرحمن في قدرته
"ألفٌ من الصُّفْرِ" - وأقلِل بها
…
لِعَالِمٍ، أوفى على بغيته
"زرياب" قد يأخذها قفلة
…
وصنعتي أشرف من صنعته
و"زرياب" هو المغني المعروف الذي رحل من المرق إلى الأندلس، ولاقى - غناؤه - إقبالًا منقطع النظير هنالك.
وتقدم لنا أن عبد الملك بن حبيب قد رحل إلى المشرق في طلب العلم؛ لأن المشرق كان يومئذ مصدر العلم والدين، وقد اشتاق عبد الملك إلى أهله وهو بالحجاز، فألهمته أشواقه الْحَرَّى إليهم هذه القصيدة التي مُلِئَت حَنينًا وذكريات إلى المغرب الذي هو موطنه ومسقط رأسه ومرتع شبابه:
أُحِبُّ بلاد الغرب، والغرب موطني
…
ألا كل عربيٍّ إليَّ حبيب
فيا جدًّا أضناه شوق كأنَّه
…
إذا نُضِيَتْ عنه الثيابُ، قضيب
ويا كبدًا عادت رُفاتًا، كأنَّها
…
يُلَدِّغها بالكاويات طبيب
بَلِيْتُ وأبلاني اغترابي ونأيه
…
وطول مُقامي بالحجاز أجوب
وهولٌ كَرِيةٌ، ليله كنهاره
…
وسَيْرٌ حثيثٌ للرِّكاب دؤوب
فما الداء إلا أن تكون بغربة
…
وحسبك داءً، أن يُقال "غريب "!
فياليت شعري هل أبيِتَنَّ ليلة
…
بأكناف نهر الثَّلْج حين يصوب
وحَوليَ شيِخانٌ، وبِنتِي وأمُّها
…
ومَعْشَرُ أهلي، والرءوف مجيب
والمتأمل في هذه القصيدة تلوح له بين ثناياها روحُ "حب الوطن" الغامرة، كما يلوح له منها أن الشاعر كان قد استأنس في بعض أبياتها ومعانيها بقول بلال بن رباح حين ألمت به الحُمى في المدينة، أثناء هجرته إليها:
ألا ليت شعري هل أبينَّ ليلة
…
بِوَادٍ وحولي ادخِرٌ وجَليِلُ؟
و "بعض الأبيات" التي تطل من قريب على هذا البيت لبلال هي قول عبد الملك:
فيا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلة
…
بأكناف نهرالثلج حين يصوب؟
وحولي شيِخَان وبنتي وأمُّها
…
ومَعْشَرُ أهلي، والرءوف مجيب
كما يلوح للمتأمل في قصيدة عبد الملك أنه قد نسي دفعة واحدة أنه في الأصل من أهل الحجاز، وأن أسلافه من "بني مرداس" وجده "العباس بن مرداس" كانوا يستوطنون بهذا الحجاز الذي أصبح حفيدُهم (عبد الملك) يتبرَّم من المكث فيه لشوقه العارم إلى وطنه الجديد" الأندلس" الذي تطفح عليه ذكرياته المتلامعة النضرة، فيقول عن نفسه:
بليت وأبلاني اغترابي ونأيُهُ
…
وطول مقامي بالحجاز أجوب
فما الداء إلا أن تكون بغربة
…
وحمسبك داءً أن يقال: غريب
وهكذا نرى ابن حبيب يتمثل فيه تمامًا قول ابن الرومي:
وحَبَّب أوطان الرجال إليهمُ
…
مآربُ قضَّاها الشبابُ هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرتهم
…
عهود الصبا فيها، فَحَنُّوا لذلكا
ونموذج من نثره
بلغ عبد الملك بنَ حبيب تحامُلُ الفقهاء عليه وحَسَدُهم له، فَشَقَّ عليه ذلك،
فكتب إلى الأمير عبد الرحمن بن الحكم الأموي رسالة بليغة بَثَّه فيها ما يجيش بخاطره، وما يستدعي آلامه وقلقه، وقد استشهد فيها بأبيات شعرية سوائر تُنَاسِبُ مقتضى الحال، قال:
(أسبغ الله على الأمير كرامته، وأعلى في الجنة درجته، إنَّ العذريَّ قال - أكرم الله الأمير - أبياتًا أعجب بها العلماء، ما فيها مثل يضرب على الأمير في خاصة نفسي، واليسير من التعرض يكفي غيره من التصريح، قال الشاعر:
لذي اللب قبل اليوم ما تُقرع العصا
…
وما عُلمَ الإنسان إلا ليعلما
وهي:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله
…
فالقوم أعداءٌ له وخصومُ
كضرائر الحسناء قلن لوجهها
…
حسدًا وبُغْضًا: إنَّه لذميم
يلقى اللبيب مُشَتِّمًا لم يَحْتَرِم
…
شِيَمَ الرجال، عِرضُه مَشتومُ
وما هذا إلا كما قال زهير:
وأخو التحمي ليس يبرح حاملًا
…
ذنبًا عليك عرفت أم لم تعرف
وفاته
توفي ابن حبيب في ذي الحجة سنة 238 هـ، وقيل سنة 239 هـ أو 237 هـ إلا ستة أشهر، وقد بلغ ستًا وخمسين سنة، أو ثلاثًا وخمسين، وقبره بقرطبة بمقبرة أم سلمة في قبلة مسجد الضيافة، وصلى عليه ابنه محمد أو يحيى، وكانت وفاته في ولاية الأمير محمد، وقد رثاه أبو عبادة الرشاش ببيتين رواهما القاضي عياض، كما أورد بيتين آخرين رثاه بهما أحمد بن باجي، وخَلَّفَ ابنين، هما: محمد وعبد الله
(1)
.
عبد الله بن عبد الملك بن حبيب السُّلَمي
من أهل إلبيرة في الأندلس، وقد سمع من أبيه، وكان رجلًا صالحًا وله حظ من العلم، حدَّث عنه محمد بن فطيس
(2)
.
(1)
ترتيب المدارك وتقريب المسالك، لمعرفة أعلام مذهب مالك، ص 30 - 48، المجلد الثالث، طبع بيروت. وفي جدوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، ص 250، طبع القاهرة أن عبد الملك بن جيب السُّلَمي توفي سنة مائتين ونيف وتسعين.
(2)
المصدر السابق ص 48.
خلاد بن يحيى السُّلَمي
يكنى خلاد، أبا محمد، وهو كوفي نزيل مكة.
روى بن إسماعيلِ بن عبد الملك بن أبي الصفيراء، وعبد الرحمن بن أيمن، ومالك بن مِغوَل، ومِسعر بن كدام، وغيرهم.
وروى عنه البخاري، ومحمد بن إسجاق الصاغاني، وبشير بن موسى، وحنبل بن إسحق، ومحمد بن سليمان الْبَاغَندِي، وأبو زرعة الرَّازي، وآخرون، وروى له الترمذي (السُّلمي) وأبو داود السجستاني، ووصفه ابن نُمَيرِ بأنه "صدوق إلا أن في حديثه غلطًا قليلًا"، وقال أبو داود:"ليس به بأس،، وقال أبو حاتم: "محله الصدق، ليس بذاك المعروف"، وقال أحمد بن حنبل: "ثقة أو صدوق ولكن كان يرى شيئًا من الإرجاء"، وذكره ابن حبان في الثقاة.
وقال البخاري في "التاريخ الكبير": سكن مكة، ومات بها قريبًا من سنة ثلاث عشرة ومائتين، وقد حصل اختلاف في تاريخ موته ما بين سنة 213 و 220 هـ
(2)
.
أحمد بن يوسف السُّلمي
نيسابوريٌّ، من الحُفَّاظ، كان ممن رحل إلى اليمن، وأكثر عن عبد الرزاق وطبقته، وكان يقول: كتبتُ عن عبد الله بن موسى ثلاثين ألف حديث. توفي سنة 264 هـ
(3)
أبو عبد الله السُّلَمي
بغدادي، حدَّث عن ضمرة بن ربيعة، وأبي داود الطيالسي، وإبراهيم بن عيينة، وعن أحمد بن حنبل، وروى عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل.
ومن حديثه عن ابن حنبل عن زائدة عن الشيباني عن عبد الملك بن ميسرة، قال: كنت بالمدينة فشهد رجل أنه رأى الهلال، فامر ابن عمر أن يجيزوا شهادته
(4)
.
(1)
المصدر السابق، ص 48.
(2)
العقد الثمين، في تاريخ البلد الأمين، لتقي الدين الفاسي، ص 241 و 242، الجزء الرابع.
(3)
مرآة الجنان الليافعي، ص 176، المجلد الثاني.
(4)
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ص 404، المجلد الرابع عشر.
أبو سوار السُّلمي
له حديث أورده كتاب "تاريخ واسط "الأسلم بن سهل الرزاز المتوفي سنة 292 هـ - 905 م، وقد روى أبو سوار السُّلَمي هذا الحديث عن أبي حاضر عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:(احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاحة وهو صائم)
(1)
.
ابن خزيمة السُّلَمي
هو محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلَمي، أبو بكر: إمام نيسابور في عصره، كان فقيهًا مجتهدًا عالمًا بالحديث، ولد وتوفي بنيسابور، ورحل إلى العراق والشام والجزيرة ومصر وتفقه على المزني وغيره، ولقبه السبكي بمامام الأئمة، تربو مصنفاته على 140 كتابًا، منها كتاب "التوحيد وإثبات صفة الرب"، ومولدهـ بسنة 223 هـ - ووفاته بسنة 311 هـ، وقال الدارقطني: كان إمامًا معدوم النظير
(2)
.
بكَّار بن أحمد بن بكار السُّلَمي
نسبه ابن حزم هكذا: (بكَّار بن أحمد بن بكَّار بن عبد الله بن سعيد بن العباس بن مِرداس. وقال عنه: محذث، عابد، مات بمصر
(3)
ولم يعيِّن سنة وفاته).
أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السُّلَمي
ذكره الذهبي، وقال عنه: توفي سنة 334 هـ
(4)
.
محمد بن مسعود العياشي السُّلَمي
أبو النضر، فقيه من كبار الإمامية من أهل سمرقند، اشتهرت كتبه في نواحي خراسان اشتهارًا عظيمًا، وتزيد كتبه على مائتي كتاب، وقد أورد ابن النديم أسماء كثرها
(5)
.
(1)
تاريخ واسط لأسلم بن سهل الرزاز، ص 148 طبع بغداد 1387 هـ - 1967 م والقاحة موضع على ثلاث مراحل من المدينة في طريق مكة، معروفة إلى اليوم بهذا الاسم.
(2)
الأعلام، للأستاذ خير الدين الزركلي، ص 253، المجلد السادس، ومرآة الجنان ص 264، الجزء الثاني.
(3)
جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، ص 262.
(4)
تذكرة الحفاظ، ص 847، الجزء الثالث.
(5)
الأعلام، للأستاذ خير الدين الزركلي، ص 316، الجزء السابع، الطبعة الثالثة ببيروت.
وفي نسخة (فهرست ابن النديم) المطبوعة بمطبعة الاستقامة بمصر عنه - وهي كثيرة الأغلاط المطبعية: "أبو النضر محمد بن مسعود من أهل سمرقند، وقيل إنه من بني تميم، من فقهاء الشيعة الإمامية، أوحد دهره وزمانه في غزارة العلم
(1)
.
وربما كانت لفظة (تَمِيم) المذكورة محرفة عن (سُلَيْم) لأنهما متقاربتان في الخط، ولم يعول الأستاذ خير الدين الزركلي في (سُلَمَّية) العياشي على "فهرست ابن النديم " وحده، بل أتى بمستندات أخرى على ذلك هي: النجاشي، وسفينة البحار، ومنهج المقال، والذريعة.
ويدلنا إسناد كونه سُلميا إلى فهرست ابن النديم على أن هناك نسخة تنص على ذلك. توفي العياشي السُّلَمي نحو سنة 320 هـ - 932 م.
هياج بن العلاء السُّلمي
هو صاحب واصل بن عطاء أحد رؤساء المعتزلة، صحبه في علم الكلام، وتضلع فيه
(2)
.
أبو عروبة الحسن بن أبي معشر السُّلمي
هو الحافظ أبو عروبة الحسن بن أبي معشر محمد بن مودود السُّلمي، توفي سنة 318 هـ وهو في عشر المائة
(3)
.
منصور بن عمَّار السُّلمي الواعظ
أصل منصور من خراسان أو البصرة، سكن بغداد وحدث بها، وجدُهُ كثير وكنيته أبو السري، وهو واعظ بليغ مؤثر فصيح البيان، حدث في بغداد عن جملة علماء، منهم معروف أبو الخطاب صاحب واثلة بن الأسقع، وليث بن سعد، وغيرهما. وروى عنه ابنه: سليم السُّلَمي، وعلي بن خشرم، ومحمد بن جعفر لقلوق وغيرهم.
(1)
الفهرست لابن النديم، ص 288 و 289، طبع مطبعة الاستقامة بمصر.
(2)
مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، لأحمد بن مصطفى الشهير بطاش كبرى زاده، ص 169، الجزء الثاني.
(3)
مرآة الجنان، ص 277، المجلد الثاني.
وقال أبو عبد الرحمن بن محمد الحسين السُّلَمي: إنه من أهل مَرو، من قرية يقال لها:(دنداقان)، ويقال: من أهل (أبيورد) أو من أهل (بوشنج).
لمنصور بن عمار حديث بسنده المتصل إلى واثلة بن الأسقع، قال واثلة: لما أسلمت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت على يديه، فقال لي:"اذهب فاحلق عنك شعر الكفر واغتسل بماء وسدر".
قدوم منصور إلى مصر
حين قدم منصور بن عمار إلى مصر جلس يقص على الناس، فسمع كلامَهُ اللَّيثُ بن سعد فاستحسن قصصه وفصاحته، فقال له الليث: يا هذا، ما أقدمك إلى بلدنا؟ قال: طلبتُ أكتسب بها ألف دينار، فقال له الليث: فهي لك على رصين كلامك هذا الحسن، ولا تتبذل. فأقام في مصر في جملة الليث بن سعد وفي جرايته، إلى أن خرج عن مصر فدفع له الليث ألف دينار، ودفع إليه بنو الليث أيضًا ألف دينار، فخرج فسكن بغداد وبها توفي.
ويتحدث منصور بن عمار عن نفسه أثناء إقامته بمصر فيقول: لما قَدمْتُ إلى مصر وكان الناس قد قحطوا، فلما صَلَّوُا الجمعة رفعوا أصواتهم بالبكاء وَالدعاء، فحضرتني النية، فصرتُ إلى صحن المسجد، فقلت: يا قوم، تقربوا إلى الله بالصدقة، فإنه ما تُقُرب إليه بشيء أفضل منها، ثم رميت بكسائي، ثم قلت: اللهم هذا كسائي وهو جهدي وفوق طاقتي، فجعل الناس يتصدَّقون ويعطوني ويلقون على الكساء، حتى جعلت المرأة تلقي خُرصَها وسخابها (قلادتها) حتى فاض الكساء من أطرافه، ثم هطلت السماء، فخرج الناس في الطين والمطر، فلما صُلِّيَت العصرُ، قلتُ: يا أهل مصر، أنا رجل غريب ولا علم لي بفقرائكم، فأين فقهاؤكَم؟ فَدُفِعتُ إلى الليث بن سعد، وابن لهيعة، فنظرا إلى كثرة المال، فقال أحدهما لصاحبه: لا تحرك، ووكلوا به الثقات حتى أصبحوا، فَرُحْتُ، أو قال: فادلجتُ إلى الإسكندرية، وأقمت بها شهرين. فبينما أنا أطوف على حصنها وأُكبِّرُ، فإذا أنا برجل يرمقني، فقلت: مالك؟ قال: يا هذا، أنت قدمت من مصر؟ قلت: نعم، قال: أنت المُتكِّلم يوم الجمعة؟ قال: قلت: نعم، قال: فإنك صرت فتنة على أهل مصر. قلت: وما ذاك؟ قال: قالوا: كان ذاك الخضر دعا،
فاستجيب له. قلت: ما كان الخضر بل أنا العبد الخاطئ، قال: فادلجت فقدمت مصر فلقيت الليث بن سعد، فلما نظر إليَّ قال: أنت المتكلم يوم الجمعة؟ قال: قلت: نعم. قال: فهل لك في المُقام عندنا؟ قال: قلت؟ وكيف أقيم وما أملك إلا جبتي وسراويلي؟ قال: قد أقطعتك خمسة عشر فدانًا، ثم صرت إلى ابن لهيعة، فقال لي مثل مقالته - مقالة الليث - وأقطعني خمسة فدادين، وهكذا أقام منصور بن عمار السُّلَمي، بمصر مكرَّمًا منغَّمًا.
مدلولات القصة
والقصة المذكورة تدلنا على أمور:
أولًا - أنَّ منصور بن عمَّار كان واعظًا قديرم ومخلصًا، وصالحًا موفقًا في حياته ولم يكن دجالا من الدجاجلة.
ثانيًا - أن الليث بن سعد وهو إمام أئمة العلم والدين من طبقة الإمام حالك بن أنس ومن أصدقائه - كان ثريا وجيهًا في مصر، وكلان ينفق ماله في وجوه البر والخير، فهو ممن ينطبق عليهم أول بيت الشاعر:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا
…
وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
ثالثًا - وكذلك كان شأن زميله ابن لهيعة، إلا أنه ربما كان أقل ثراء منه بدليل أنه أعطى منصورًا ثُلث عطية الليث.
رابعًا - أن أهل مصر كانوا منذ القدم سريعي التأثر بالخيالات، فها هو ذا أحدهم يتحدث عنهم ويقول لمنصور بن عمَّار ما معناه: إنه بعد استجابة دعائه وهطولا المطر في مصر اعتقد أهلها أنه الخضر.
خامسًا - أن أهل مصر كانوا منذ صدر الإسلام يتسابقون إلى فعل الخيرات رجالًا ونساءً.
من شواهد فصاحة منصور بن عمَّار
كتب إليه بشر الحافي يقول له: اكتب إليَّ بما مَنَّ الله علينا، فكتب إليه منصور هذه الرسالة الوجيزة الضاربة في البلاغة صوب القمة:
(أما بعد يا أخي - فقد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه، في كثرة ما نعصيه، ولقد بقيتُ متحيرًا فيما بين هذين: لا أدري كيف أشكره لجميل ما نشر، أو قبيح ما ستر).
إثراء منصور وإنفاقه في الخير
ويبدو جليا أن منصور بن عمار قد أثرى بِأخَرَةٍ، ونحن نراه ينفق إنفاق من لا يحسب للفقر حسابًا، قال محمد بن موسى: شهدَتُ منصور بن عمار القاصَّ، وقد كلمه قوم فقالوا له: هذا رجل غريب يريد الخروج إلى عياله، فقال لابنه أحمد بن منصور: يا أحمد، امض معهم إلى أبي العوام البزاز، فقل له: أعطه ثيابًا بألف درهم، بل بأكثر من ذلك، حتى إذا باعها صحَّ له ألف درهم.
ويمكن أن نستنتج من "تحويله" العطاء إلى أبي العوام البزاز، أن أبا العوام هذا ربما يكون وكيل دكان منصور بن عمار الذي يباع فيه البز - الحرير -، ولذلك حَوَّل عليه إعطاء الغريب من البز الذي بالدكان، وربما يكون أيضًا صديقه الأثير لديه الذي يعرف عن تجربة أنه سيدفع له قيمة ما حوله عليه من البز، والتأويل الأول أقرب عندي، وخاصةً إذا نظرنا إلى قول منصور في آخر كلامه:(حتى إذا باعها - أي الثياب - صح له ألف درهم)، فإن هذا التعليل للتحويل وإعطاء الغريب من بز الدكان الذي يعمل فيه أبو العوام - يضع أصابعنا على أن الدكان لمنصور بن عمَّار، ويدلنا في نفس الوقت على أنه لم تكن لديه نقود بهذا القدر يوم أمر بالتحويل على أبي العوام.
وفاته
توفي منصور بن عمار، ودُفن ببغداد، بباب حرب، ووُضِع على قبره لوح منقوش جمليه اسمه، وإلى جانبه قبر ابنه سليم، وهو غير ابنه أحمد الذي سبق ذكره آنفًا
(1)
.
هذا، وقد ترجم الشيخُ عبدُ الرزاق البيطار، منصور بن عمار بن كثير السُّلَمي الخراساني الواعظ وسماه باسمه المذكور، وذكر اسم أبيه: عمار واسم جده
(1)
تاريخ بغداد، ص 71 - 79، المجلد الثالث عشر.
كثير، ونسبه إلى سُلَيْم، ووصفه بأنه (صوفي) بدلًا من وصف (الواعظ) الذي وصفه به الخطيب البغداديُّ في" تاريخ بغداد"، والبغدادي من أهل القرن الخامس الهجري، ومنصور بن عمَّار من أهل القرن الثالث الهجري. وجَعَلَهُ الشيخ عبد الرزاق (دمشقيا).
وموضوع كتاب الشيخ عبد الرراق البيطار على ما ورد نصا في عنوان الكتاب: (حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر) هو تراجم أهل القرن الثالث عشر الهجري.
وقال الشيخ البيطار عن منصور بن عمار أثناء ترجمته له كشخصية صوفية باررة من أهل القرن الثالث عشر الهجري ما نصه: "إنه كان مسرفًا على نفسه ثم تاب " وأورد قصة وجوده رقعة مكتوبًا فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم) فلم يجد لها موضعًا يضعها فيه فكلها فرأى في المنام قائلًا يقول له: قد فتح الله عليك باب الحكمة لاحترامك للرقعة، فقام من نومه نادمًا على أفعاله، تائبًا من وقوعه في أوحاله، مقبلًا على مولاه، معرضًا عما سواه .. ففتح الله عليه أبواب "القبول، وسهل له أسباب الوصول، ومنحه من العلوم الإلهية والتجليات العرفانية ما أثبت له الفضيلة) إلخ. وقد جعل الشيخ عبد الرازق البيطار وفاة منصور بن عمار بن كثير السُّلَمي في دمشق (في سنة ألف ومائتين و. .)
(1)
.
ويبدو لي أن الثابت في التاريخ هو أن منصور بن عمار السُّلَمي الواعظ كان معاصرًا لليث بن سعد، وكان من أهل القرن الثالث الهجزي، وقد استوفى ترجمته الخطيبُ البغدادي في كتابه "تاريخ بغداد" حسب ما سبق بيانه.
عباس بن الوليد بن صبح الحلال أو (الخلال) السُّلَمي
أبو الفضل الدمشقي، روى عن زيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي، وأبي مسهر، وعبد السلام بن عبد القدوس الشامي وغيرهم، وروى عنه ابن ماجه، وأبو حاتم، وغيرهما.
(1)
(حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر)، الجزء الثالث، ص 1562، طبع مطبعة الترقي بدمشق سنة 1964 م.
قال أبو حاتم: شيخ.
وقال الآجري عن أبي داود: كتبتُ عنه: وكان عالمًا بالرجال والأخبار، ورقال محمد بن عوف الطائي: كان أبو مسهر ومروان بن محمد يقدمانه ويرحبان به.
وقال عمرو بن دحيم: مات لثلاث بقين من صفر سنة ثمان وأربعين ومائتين، وذكره ابن حبان في الثقاة
(1)
.
محمد بن أحمد بن حكيم بن كثير السُّلَمي: أبو الحسن
بغدادي، وكان يذكر أنه ابن أخي منصور بن عمار.
وحدث عن سليم بن منصور بن عمار، وروى عنه عبد الله بن عدي الحافظ وذكر أنه سمع منه بجرحان
(2)
.
أبو عون أحمد بن المنجم السُّلَمي بالولاء
مولى بني سُلَيْم وهو ابن أخي هلال أبي المنجم، وأحمد بن أبي المنجم، وهو شاعر ومتكلم ومترسِّل.
له من الكتب: كتاب التوحيد وأقاويل الفلاسفة، وكتاب النواحي في أخبار الأرض، وقيل: إن الكتاب الأخير هو لأبي إسحاق بن أبي عون الذي هو ابن هذا المُترجَم
(3)
، ولم يفدنا ابن النديم في (فهرسته) عن تاريخ مولده ومكان مولده وتاريخ وفاته ومكانها، وله العذر، فإن كتابه إنما هو كاسمه (فهرست)، والفهرست ليس من شأنه أن يحمل التفاصيل، كما تحملها الكتب التي هي أوسع نطاقًا من الفهارس أو من كتب الفهارس.
أبو إسحاق بن أبي عون السُّلَمي بالولاء
أبو عون الذي هو والد أبي إسحاق من موالي بني سُلَيْم، وهو ابن أحمد بن المنجم، وكان أبو إسحاق من أصحاب جعفر محمد بن علي الشلغاني المعروف بابن أبي العزاقر، وأُخِذَ معه أبو إسحاق فضربت عنه بعده؛ وذلك أن
(1)
تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ص 131، المجلد الخاص، طبع حيدر آباد دكن.
(2)
تاريخ بغداد، ص 293، الجزء الأول.
(3)
الفهرست، لابن النديم، ص 217، مطبعة الاستقامة، بمصر.
أبا إسحاق، عُرِض عليه أن يشتم ابن أبي العزاقر وأن يبصق عليه، فأبى وأرعد وأظهر خوفًا من ذلك، للْحَيْنِ والشقاء
(1)
، وهذا يدل على أنه يعتقد فيه ما يحول بينه وبين توجيه أية إهانة منه إليه، فكان عقابه القتل معه، استئصالًا لفتنته وزيغه في عَصْرٍ كثر فيه مروجو الفتنة والزيغ والإلحاد.
وكان أبو إسحاق - على ما حكاه ابن النديم - من أهل الأدب، مؤلفًا للكتب، ناقص العقل، ولولا نقصان عقله ما تَعبَّدَ لابن أبي العزاقر، واعتقد فيه الألوهية.
وله كتاب "النواحي في أخبار البلدان"، وتتمة عُنوان هذا الكتاب هي:"الأرض" لا " البلدان".
وكأنَّ ابن النديم سها أخيرًا عما كتبه أولًا في ترجمة أبي عوف والد أبي إسحاق، فيما يتعلق باسم هذا الكتاب، فأخذ تكملة اسمه من معنى اسمه الذي سبق أن أورده، فالأرض والبلدان متقاربتا المعنى.
ولأبي إسحاق أيضًا كتاب "الجوابات المسكتة"، وكتاب" التشبيهات" وكتاب "بيت مال السرور" وكتاب "الدواوين " وكتاب" الرسائل"
(2)
.
محمد بن عيسى بن سورة الترمذي السُّلَمي
الإمام الترمذي صاحب "الكتاب الجامع " في الحديث النبوي، الذي هو أحد الصحاح الستة هو من بني سُلَيْم ين منصور فهو من مفاخرهبم الخالدة في الدين والعلم الإسلامي.
وقد ذكروا أن اسم جده الثاني لأبيه هو: موسى.
والترمذي أحد حفاظ حديث الرسول، وكتابه "الكتاب الجامع" من أهم كتب الحديث النبوي، ومن أحسنها تأليفًا وتنسيقًا وصحة.
(1)
في النسخة المطبوعة بمطبعة الاستقامة من كتاب الفهرست، لابن النديم:(للجبن) بالجيم والباء التحتية الموحدة. وقد رجحنا أن تكون صحة الكلمة: (للحين) بفتح الحاء المهملة بعدها ياء تحتية مثناة ساكنة، وذلك بدليل سياق الكلام، فقد وردت بعدها كلمة:(والشقاء) وهي تتناب مع (الحين بمعنى الهلاك) بخلاف كلمة (الجبن).
(2)
الفهرست لابن النديم، ص 217.
وكان مولده سنة بضع ومائتين للهجرة، وسمع كثيرًا من كبار العلماء، وأخذ علم الحديث عن أبي عبد الله البخاري، وروى عنه كثيرون، ذكره ابن حبان في الثقاة، وكان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر.
ومن كتبه غير الكتاب الجامع: شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتاب العلل، ورسالة في الخلاف والجدل والتاريخ.
وينسب إلى "بوغ" فيقال له: (البوغي) ويضرب به المثل في علم الحديث، وكان ضريرًا
(1)
.
هذا، وقد غلط الأستاذ ناجي معروف حينما سماه" عيسى بن سورة"
(2)
، فعيسى بن سورة هو اسم أبيه وليس اسمه هو، إن اسمه - كما أسلفناه آنفًا - هو:"محمد بن عيسى" وربما كان هذا الغلط ناشئًا من الطبع لا من المؤلف، فما أكثر أغلاط المطابع العربية في هذا الزمان وفيما سبقه من الأزمان.
وفاته
توفي الترمذي في ثالث عشر رجب سنة 279 هـ بترمذ أو بقرية بوغ.
سفيان السُّلَمي
من أهل مدينة واسط وقدم بغداد.
وهو سفيان بن حسين بن الحسن، مولى بني سُلَيْم، ومولاه بالذات هو عبد الله بن خازم السُّلَمي القائد البطل المعروف، حدث سفيان عن الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وابن شهاب الزهري، وأبي بشر بن جعفر بن إياس، وروى عنه شعبة، وهشيم، ومحمد بن يزيد، وعباد بن العوام، ويزيد بن
(1)
الوافي بالوفيات، لصلاح الدين الصفدي، الجزء الرابع، ص 294 و 295، والتاج المكلل لصديق حسن القنوجي، ص 112، طبع بومباي سنة 1383 هـ - 1962 م، ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة، ص 104 و 105، الجزء الحادي عشر، والأعلام للأستاذ خير الدين الزركلي، ص 213، الجزء السابع، طبع مصر، ومرآة الجنان، لليافعي، ص 193، الجزء الثاني، طبع مطبعة حيدر آباد دكن.
(2)
علماء ينسبون إلى مدن أعجمية وهم من أرومة عربية، للأستاذ معروف ناجي، ص 2 طبع بغداد سنة 1385 هـ - 1965 م.
هارون، وغيرهم. ضمه المنصور أبو جعفر العباسي إلى المهدي يُعلِّمه، وخرج معه إلى الريِّ، وكان مؤدِّبَ عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، ثم أدب ولد يزيد بن هبيرة، ثم ضمه المنصور إلى المهدي.
وكان حسن الصوت في قراءة القرآن، وطلب منه أبو جعفر المنصور أن يقرأ له شيئًا من القرآن فقال له: القرآن لا يُتَّلَذَّذُ به، فقال له الخليفة: عالم أنت؟ فسكت، فقال له الربيع:"حاجب أبي جعفر المنصور": أجب أمير المؤمنين، فقال له: سألني عن مسألة لا جواب لها، إن قلتُ: لستُ عالمًا وقد قرأت كتاب الله كنت كاذبًا، وإن قلت: أنا عالم كنت بقولي جاهلًا.
وهذه براعة من سفيان، جَابَه بها تدخل الربيع المعروف في تاريخه بالقسوة والضراوة، وقد أفحمه سفيان السُّلَمي بهذا الجواب البارع، وسد عليه أبواب الاعتراض والتدخل من كل جهة.
كان سفيان ثقة مضطربًا في الحلت يث، وكان صاحب تفسير.
سئل أحمد: سفيان أحبُّ إليك أو صالح بن أبي الأخضر؟ قال: سفيان بن حسين.
ووثقه يحيى بن معين، ولكنه قال:(هو ضعيف الحديث عن الزهري)، وقال عنه:(لأنه ليس من أكابر أصحاب الزهري، أكابرهُمُ المعتمد عليهم منهم: معمر، وشعيب، وعقيل، ويونس، ومالك. وربما قال: وابن عيينة).
وثقه أحمد بن عبد الله العجلي وقال: (سفيان بن حسين واسطي ثقة).
وفاته
مات بالري في خلافة المهدي العباسي
(1)
.
محمد بن أحمد بن العباس: أبو جعفر السُّلَمي، نقاش الفضة
سمع محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، والحسن بن محمد المخرمي، وعبد الله بن محمد البغوي وغيرهم. وقد سأل الخطيبُ البغدادي - الأزهريَّ عن أبي جعفر النقاش، فقال: ثقة، وقال: كان أحد المتكلمين على مذهب الأشعري، ومنه تعلم أبو علي بن شاذان، الكلام.
(1)
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ص 150 و 151، الجزء التاسع.
ولد أبو جعفر السُّلَمي للنصف من جمادى الأولى سنة 294 هـ، وقال الخطيب البغدادي:(سمعت منه في سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وكان يسكن درب الديزج، وتوفي سنة 379 هـ بين الأحد أو الإثنين لست خلون من المحرم)
(1)
.
الحسن بن أحمد: أبو محمد السُّلَمي
هو الحسن بن أحمد بن سعيد بن محمد بن يحيى بن خالد.
حدَّث ببغداد عن جده سعيد بن محمد، وغيره عمن رواه عنه يرفعه إلى ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جَدَّ به السير جمع بين المغرب والعشاء.
توفي الحسن السُّلَمي الرهاوي سنة 329 هـ في الرها
(2)
.
أبو عمرو بن نجيد السُّلَمي
إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف السُّلَمي النيسابوري أبو عمرو: زاهد عابد، له جزء في الحديث، قال ابن الجوزي: كان ثقة، وكان شيخ الصوفية في نيسابور، وكان يقول:(من أظهر محاسنه لمن لا يملك ضره ولا نفعه فقد أظهر جهله، ومن لم تهذبه رؤيته فاعلم أنه غير مُهَذَّب)، توفي بمكة سنة 366 هـ - 977 م
(3)
.
أبو طاهر السُّلمي
هو ابن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خُزيمة السُّلَمي الفقيه الإمام أبو عبد الله بن بطة الحنبلي، توفي سنة 387 هـ
(4)
.
ولعل أبا طاهر هذا حفيد الإمام محمد بن إسحاق بن خُزيمة الذي مرت بنا ترجمته في هذا الفصل.
(1)
تاريخ بغداد، ص 325 و 326.
(2)
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ص 271، الجزء الثاني.
(3)
الأعلام للأستاذ خير الدين الزركلي ص 326 المجلد الأول الطبعة الثانية بمصر.
(4)
مرآة الجنان لليافعي، ص 435 الجزء الثاني.
أبو عمر عبد الله السُّلَمي
عبد الله بن عبد الوهاب السُّلَمي الأصبهاني المقري توفي سنة 394
(1)
.
أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري السُّلمي
له ترجمات في كتب الأنساب، وممن ترجمه: الحافظ الذهبي، قال: "محمد بن الحسين: أبو عبد الرحمن السُّلمي النيسابوري، شيخ الصوفية وصاحب تاريخهم وطبقاتهم وتفسيرهم، تكلموا فيه وليس بعمدة.
روى عن الأصم وطبقته، وعُنِيَ بالحديث ورجاله، وسئل الدارقطني قال: قال الخطيب: قال لي محمد بن يوسف القطان: كان يَضَعُ الأحاديث للصوفية، وقال الحافظ عبد الغافر الفارسي في تاريخ نيسابور: جمع من الكتب ما لم يسبق إلى ترتيبه حتى بلغ فهرست تصانيفه مائة أو أكثر، وكتب الحديث بمرو، ونيسابور، والعراق، والحجاز.
وقال الخطيب البغدادي: قدم بغداد مرات، وحدَّث بها عن شيوخ خراسان، وصنف للصوفية سُنَنًا وتفسيرًا وتاريخًا، ونقده محمد بن يوسف القطان النيسابوري فقال عنه:"كان غير ذي ثقة وكان يضع للصوفية الأحاديث".
ولكن الخطيب البغدادي قال عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي ما نصُّه: (قَدْرُ أبي عبد الرحمن عند أهل بلدة جليل، وكان مع ذلك مجوِّدًا، صاحب حديث، وله دوَيْرةٌ للصوفية.
وقال اليافعي في" مرآة الجنان ": إنه صحب جده أبا عمر بن نجيد، وصنف التفسير والتاريخ، وترجم له ابن الأثير فقال عنه: (وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى السُّلمي الصوفي، وهو ابن بنت أبي عمرو بن نجيد السُّلَمي، له تصانيف في علوم الصوفية لم يسبق إليها، ومُؤلَّفُهُ:"طبقات الصوفية" كبير
(2)
.
وكان مكثرًا من الحديث، روى عنه الحاكم أبو عبد الله، ومات قبلبما بسبع سنين.
(1)
مرآة الجنان، ص 447 الجزء الثاني.
(2)
طبع بمطابع دار الكتاب العربي بمصر سنة 1372 هـ - 1953 م في 571 صفحة.
مولده ووفاته
ولد سنة 330 هـ، وقد اتفق الحافظ الذهبي وابن الاثير واليافعي على أن وفاته كانت في شعبان سنة 412 هـ، إلا أن ابن الأثير حدد وفاته بثالث شعبان من تلك السنة
(1)
.
محمد بن الحسين بن موسى السُّلَمي
يُلَقَّب بأبي عبد الرحمن، صنف كتاب "عيون النَّفْس ومداوتها"
(2)
، وقد توفي في شعبان 412 هـ الموافق 1021 م، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون
(3)
.
أحمد بن عيسى أبو عقيل السُّلَمي:
من بغداد، وهو أحمد بن عيسى بن زيد بن الحسن بن عيسى بن موسى بن هادي بن مهدي، أبو عقيل السُّلَمي القزاز.
سمع أحمد بن سلمان النجاد وغيره، وقال عنه الخطيب البغدادي: كَتَبْتُ عنه، وكان يسكن باب البصرة، وروى له حديثًا بسنده إلى عمرو بن تغلب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا كأنَّ وُجُوههم المجَانٌّ المُطرقَة".
مولده ووفاته
ولد في صفر من سنة 338 هـ، وقال الخطيب البغدادي: (مات في يوم الأحد الثالث من شوال سنة 421 هـ
(4)
ومعنى ذلك أنَّ وفاته كانت قبل وفاة الخطيب البغدادي باثنين وأربعين عامًا).
(1)
ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، طبع دار إحياء الكتب العربي، القسم الثالث، ص 523 و 524، واللباب في تهذيب الأنساب، لابن الأثير، ص 554، الجزء الأول، طبع مكتبة القدسي بالقاهرة سنة 1357 هـ؛ ومرآة الجنان، ص 26، الجزء الثالث.
(2)
مخطوط في خزانة الرباط ورقمه 1419 د.
(3)
فهرس المخطوطات العربية برباط الفتح القسم الثاني، الجزء الأول، للأستاذين علوش وعبد الله الرجراجي، طبع باريس 1954، بمكتبة الأستاذ خير الدين الزركلي.
(4)
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ص 284، الجزء الرابع.
أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد السُّلَمي
هو أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد السُّلَمي، اقتصر اليافعيُّ في "مرآة الجِنان" على القول بأنه توفي في سنة 469 هـ
(1)
، وقال عنه عبد الحي بن العماد الحنبليُّ:"أحد رؤساء دمشق وعدولها"، "روى عن جده أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان وجماعته، وسمع بمكة من ابن جهضم" وحَدَّد شهر وفاته وسنتها فقال: توفي في ربيع الأول سنة 469 هـ في عشر التسعين، قاله في العبر"
(2)
فهو إذن معمِّر.
سلامة بن سليمان أبو الحسين السُّلَمي
هو سلامة بن سليمان بن أيوب بن هارون، أبو الحسين المقري الباجَدائي، حدَّث في بغداد بعد قدومه إليها عن جماعة، منهم أبو يعلى الموصلي، ويقول عنه الخطيب البغدادي:"ما علمت من حاله إلا خيرًا".
وروى عنه بسنده إلى بندار منامًا رأى فيه بندارٌ سفيانَ الثوري بعد موته، على ما وصفه له عبد الرحمن بن مهدي. وكان قد طلب منه أن يصفه له ففعل
(3)
.
محمد بن حامد السُّلَمي
قدم بغداد، وهو محمد بن حامد بن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل، أبو أحمد السُّلَمي الخراساني.
قدم بغداد في حياة الحافظ الخطيب البغدادي، وحدَّث بها عن محمد بن يزيد السُّلَمي النيسابوري وغيره، أحاديث منكرة، منها ما رواه عن محمد بن يزيد بن عبد الله السُّلَمي عن سليمان بن قيس، عن أبي المعلي بن المهاجر عن أبان، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي من بعدي رجل يقال له النعمان بن ثابت ويُكنَّى أبا حنيفة، لَيحْيَينَّ ديِنُ الله وسنتي على يديه)، ويقول الخطيب
(1)
ج 3، ص 97.
(2)
شذرات الذهب في أخبار من ذهب - لابن العماد الحنبلي، ص 333، الجزء الثالث.
(3)
تاريخ بغداد، ص 202 و 203، الجزء التاسع.
البغدادي: لم أكتب هذا الحديث إلا من هذا الوجه، وهو باطل موضوع، ومحمد بن يزيد متروك الحديث، وسليمان بن قيس، وأبو المعلى، مجهولان، وأبَانُ بن أبى عياش رُمِيَ بالكذب
(1)
.
محمد بن علي بن عبد الله السُّلمي
من بغداد، هو محمد بن علي بن عبد الله بن يعقوب بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن يزيد بن عُتبْة بن فرقد: أبو الحسن السُّلَمي ويعرف بالحبريِّ، لأنه كان يبيع الحبر بباب الشام - ببغداد، وقد روى حديثًا بسنده المتصل إلى أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقرم الرجل من مجلسه إلا لبني هاشم)، وقد وثقه الحنطيب البغدادي، قال: (سألت عبد العزيز بن علي، عن هذا الشيخ؟ فقال: بَغداديٌّ ثقة
(2)
).
يوسف بن عبد الواحد السُّلَمي
سمع من أبي البيان القرشي الدمشقي: نَبإِ بن محمد بن محفوظ المعروف بابن الحوراني شيخ الطرق البيانية بدمشق
(3)
.
ابن أبي الفضل المريسيُّ السُّلَمي
هو محمد بن عبد الله بن محمد الأندلسي، أبو عبد الله، مفسر علَّامة. ولد في ذي الحجة سنة 569 هـ أو 570 هـ بمرسية، وكان رحَّالة، سمع بالمغرب من جماعة، ورحل من المغرب سنة 603 هـ، وعمره نحو ثلاث أو أربع وثلاثين سنة، وتجول في أنحاء العالم الإسلامي لطلب العلم، فدخل مصر وسمع بها من علمائها، وبدمشق من قضاتها ودخل بغداد فصنَع مثل ذلك، وممن سمع منهم ببغداد أبو أحمد بن عبد الوهاب، وممن سمع منهم بنيسابور زينب الشعرية، سمع منها جُزء ابن نجيد وغيره، ودخل هراة وسمع من علمائها، وجاء مكة فتلقى من الشريف يونس بن يحيى وطبقته، وحدث بالكثير في أماكن عدة منها مكة،
(1)
تاريخ بغداد، ص 288 و 289، الجزء الثاني.
(2)
تاريخ بغداد، ص 88، الجزء الثالث.
(3)
معجم الأدباء لياقوت الحموي، ص 204، الجزء السابع، طبع هندية بمصر.
وتردد إليها مرات وجاور بها كرات، سمع منها الحفاظ والأعيان من العلماء، وبالغوا في الثناء عليه.
وهو ضليع في علوم الحديث والقراءات والفقه والخلاف والنحو واللغة، وله مصنَّفات فيها، وكان زاهدًا متورعًا كثير العبادة، وقد جاور بمكة سنين كثيرة.
وله تفسير كبير يزيد على عشرين سفْرًا، وتفسير أوْسَطُ في عشرة أجزاء، وصغيرٌ في ثلاثة أجزاء، واختصر صحيح مَسلم في جزأين، وله كتاب "الضوابط الكلية في علم اللغة العربية" وكتاب "الكافي في النحو"(ولم يتمه) بقي منه يسيرٌ، وكان مالكيَّ المذهب كأكثر أهل الأندلس والمغرب.
وفاته
توفي بين الزعقة أو الرعقة أو غزة، وبين العريش في مُتَوجَّهِهِ من مصر إلى دمشق، ودُفِنَ بيومه بتَلَّ الزعقة، وكان ذلك اليوم يوم الإثنين منتصف شهر ربيع الأول سنة 655 هـ، وَكانت له كتب كثيرة بيعت بعد وفاته في نحو من سنة وكان فيها نفائس.
نماذج من شعره
ومحمد بن عبد الله السُّلَمي هذا كان يقول الشعر، وشعره أقرب إلى شعر الفقهاء الأدباء، قال:
قالوا محمد قد كبرْتَ وقد أتى
…
داعي المنون وما اهْتَمَمْتَ بذاد
قلتُ: الكريمُ مَنِ القبيح لضيفه
…
عند القدوم مجيئه بالزاد
ومن شعره عندما دخل بعض بلاد العجم، ولم يُغبأ به كأيِّ غريب مجهول وافد:
أيُجْهَلُ قَدْري في الورى ومكانتي
…
تزيد على مرقى السماكين والنسر
ولي حَسَبٌ لو أنه متقسم
…
على أهْلِ هذا العصر تاهوا على العصر
وقال عندما دخار هرات في إحدى رحلاته العلمية الواسعة في أنحاء العالم الإسلامي آنذاك:
دخلتُ هراة أستفيد علومها
…
فألفيتُ ما فيها حَمِيرَ الْوَرَى فهما
يمرون بي لا يعرفون مكانتي
…
كَأنَّيَ دينار يمر به أعمى
والبيت الثاني مضمن لغيره
(1)
.
شمس الدين ابن سيده السُّلمي
هو الشيخ شمس الدين أبو طالب بن محمد بن عبد الله بن صابر السُّلَمي، عرف بلقب" ابن سيده"، وهو من أهل بيت كبير في دمشق ومن أهل العلم الحديث والتصوف، صحب الشيخ عتيقًا وغيره، وكان يخضب شَعَره، توفي سنة 637 هـ
(2)
.
سلطان العلماء: أبو العِزّ عبد العزيز بن عبد السلام السُّلَمي
هو أبو محمد عز الدين، عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن المهذب الدمشقي، المُلقَّب بسلطان العلماء، واشتهر بالعز بن عبد السلام، والسُّلَمي نسبة إلى بني سُلَيْم إحدى القبائل القيسية المشهورة من مُضَر.
ويبدو لي أنه ربما كان من نسل بني سُلَيْم الذين دخلوا سورية مع القرامطة من قبل.
زار "سلطانُ العلماء" بغدادَ في سنة 599 هـ فأقام بها شهرًا، وعاد إلى دمشق.
وسمع من عبد اللطيف بن أبي سعد، والقاسم بن عساكر، وجماعة، وتفقه على فخر الدين بن عساكر، والقاضي جمال الدين بن الحرستاني، وقرأ الأصول على الآمدي، وبرع في الفقه والأصول العربية، وفاق الأقران، والأضراب، وجمع بين فنون العلم من التفسير والحديث والفقه واختلاف أقوال الناس ومآخذهم، وقد بلغ رتبة الاجتهاد في الفقه، ورحل إليه الطلَّاب من سائر البلاد،
(1)
العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، ص 85 و 86، الجزء الثاني.
(2)
تراجم رجال القرنين السادس والسابع المعروف بالذيل على الروضتين، لأبي شامة المقدسي الدمشقي، ص 168، الطبعة الأولى، سنة 1366 هـ - 1947.
وصنَّف التصانيف المفيدة، وروى عنه الدمياطي وخرَّج له أربعين حديثًا، وووى له ابنُ دقيق العيد، وهو الذي لقبه بسلطان العلماء، وخلقٌ غيرهما.
وحينما عاد من بغداد إلى دمشق، تولى الخطابة والتدريس بزاوية الغزالي ثم بالجامع الأموي، وفي خطابته أزال كثيرًا من بدع الخطباء، ولم يلبس سوادًا ولا سجع في خُطبه، كان يقولها مترسلًا، واجتنب الثناء على الملوك، وإنما كان يدعو لهم، وأبطل صلاة الرغائب والنِّصف من شعبان فوقع بينه وبين "ابن الصلاح " بسبب ذلك، وحينما سَلَّم الصالح إسماعيل قلعة - (الشفيف)
(1)
و (صفد) للفرنج، نال منه الشيخ على المنبر ولم يَدعُ له، فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه، ثم أطلقه، فتوجه إلى مصر، فتلقاه صاحب مصر الصالح نجم الدين أيوب وأكرمه وولاه قضاء مصر، فقام بمهمات المنصب خير قيام، ومكنه "الصالح" من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم اعتزل القضاء، وعزله السلطان من الخطابة، فلزم بيته يُدرِّس الناس، وأخذ في التفسير في دروسه، وهو أول من أخذه في الدروس. قال الشيخ قطب الدين اليَوْنينيُّ: كان مع شدته فيه حسن محاضرة بالنوادر والأشعار، ولما مرض أرسل إليه الملك الظاهر يقول: (إن في أولادك من يصلح لوظائفك؟ فقال: لا.
وقد انتهت إلى الشيخ عز الدين السُّلَمي معرفةُ المذهب الشافعي مع الزهد والورع، وقمعه للضلالات والبدع، وكان يحضر السماع، وكان قائمًا خير قيام بالذب عن السنة، ولا يقبل الهوادة أو المسايرة في ذلك مطلقًا مع أي إنسان ولو كان السلطان.
ولهيبته العلمية في النفوس وصلاحه وورعه وتقواه لُقِّبَ بسلطان العلماء، مما يذكرنا بما قاله الشاعر في الإمام مالك بن أنَس:
يأبى الجواب فما يُراجَع هيبة
…
والسائلون نواكس الأذقان
أدب العلوم و"عزُّ سلطان "التقي
…
فهو المهيب وليس ذا سلطان
ومن لطائف المصادفات أن الشاعر الذي مدح الإمام مالكًا جاء في بيته الثاني قوله: "وعز سلطان التقي"، وهذه العبارة جمعت بين أوائل لقبي عبد العزيز بن عبد السلام السُّلَمي اللذين هما:(عز الدين) و (سلطان العلماء).
(1)
قلعة الشقيف الآن في لبنان بالجنوب وتشرف على فلسطين.
مؤلفاته
للعز بن عبد السلام مؤلفات كثيرة في التفسير وقواعد الأحكام، وفي الحديث والعقائد والأصول والفتاوي، والسيرة والتصوف وفضائل الأعمال، وتربو مؤلفاته على ثلاثين كتابًا، أكثرها مخطوط.
ومن مؤلفاته في التفسير وعلوم القرآن: شَفُ الإشكلالات عن بعض الآيات، ويلوح لي أنه هو الكتاب الذي قامت بطبعه وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت، وكان عنوانه:(الفوائد في مشكل القرآن).
ومن مؤلفاته في علم الحديث: مختصر صحيح مسلم.
ومن مؤلفاته في العقائد: كتاب الأنواع في علم التوحيد، ويوجد في مكتبة برلين.
ومن مؤلفاته في علم الفقه الإسلامي: كتب في الصلاة والصوم ومناسك الحج، وأحكام الجهاد وفضله، واختصار النهاية في الفقه الشافعي، والجمع بين الحاوي والنهاية، والفتاوي الموصلية والفتاوي المصرية.
ومن مؤلفاته في أصول الفقه: قواعد الأحكام في مصالح الأنام.
ومن مؤلفاته في السيرة النبوية: بداية السول في تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن مؤلفاته في التصوف: حل الرموز ومفاتيح الكنوز.
ومن مؤلفاته في فضائل الأعمال والعلوم المختلفة: شجرة المعارف، وأدلة الأحكام، والفتن والبلايا والمحن والرزايا، وترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام.
وله وصية، منها نسخة بالمكتبة الظاهرية بالرقم 5258.
وقد وُصِفَ العز بن عبد السلام بأنه "رزق قسامة في الوجه ونعومة الأسارير، فهو مقبول الصورة، وكان مع ذلك جليلًا، وكان قويَّ الشخصية، ومع ذلك كان متواضعًا في مظهره بعيدًا عن التكلف، لا يتأنَّق لكاذب الحشمة ومألوف الوقار، حتى لم يكن يتقيد بلبس العمة على عادة العلماء والفقهاء، بل ربما لبس قبع لباد (طاقية الصوف) وكان يحضر المواكب السلطانية به.
وقد روى الأستاذ خير الدين الزركلي أن من أمثال مصر القديمة قولهم: (ما أنت إلا من العوام ولو كنت ابن عبد السلام)
(1)
، وقال عنه أبو محمد عبد الله بن سعد اليافعي في كتابه "مرآة الجنان ":(ومرتبته في العلوم الظاهرة مع السابقين في الرعيل الأول)
(2)
.
مولده، ووفاته
ولد العز بن عبد السلام بدمشق ونَشَأَ بها، ومولده كان سنة 577 هـ أو 578 هـ.
وكانت وفاته بالقاهرة في جمادى الأولى سنة 660 هـ ومشى في جنازته الخاصُّ والعام وشيَّعه الظاهر، ولما بلغ خبرُ وفاته السلطانَ الظاهر بيبرس قال:(لم يستقر ملكي إلا الساعة، لأنه - أي عز الدين - لو أمر الناس فيَّ بما أراد، لبادروا إلى امتثال أمره).
أبو جعفر محمد بن علي السُّلمي: مسند الشام
العباسي الدمشقي، كان متزهدًا، حج مرارًا وجاور وتفرد عن أبي القاسم بن حصري، والبهاء عبد الرحمن، ورحل إليه.
توفي عن أربع وتسعين سنة، في عام 708 هـ
(3)
.
يحيى بن خضر السُّلمي البصري
يُلقَّب بمحيي الدين كان يعمل الحياكة في بيته، له نظم، فمن ذلك قوله في مليح أصابه رمد:
لما بدا وعلى عينيه من رمد
…
شعْرٌ به ما لها شبه سوى الغسق
حسبته البدر فوق الجو يستره
…
غيم وقد كحلت للشمس بالشفق
وله أيضًا في مثل ذلك:
(1)
كتاب الأعلام للأستاذ خير الدين الزركلي، ص 145، الجزء الرابع.
(2)
مرآة الجنان لليافعي، وأئمة الفكر الإسلامي: العز بن عبد السلام - لرضوان علي الندوي، من ص 72 إلى ص 83، طبع دمشق.
(3)
مرآة الجنان، ص 245، الجزء الرابع.
هيهات ما عينه محمرَّةً رمدا
…
ولا بها مثل ما قال الورى ألمُ
لكن أراق دم العشاق ناظرها
…
وشاهد القتل في حد الحُسامِ، دمُ
توفي سنة 711 هـ
(1)
.
سيف بن سليمان السُّلَمي
هو سيف بن سليمان بن كامل بن منصور بن علوان بن ربيعة، الموازيني السُّلَمي الزرعي القاضي شرف الدين، سمع من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، ومن غيرهما، وحَدَّثَ واشتغل وولي القضاء بعده بلاد.
وُلِدَ سنة 643 هـ، ومات بالقدس سنة 713 هـ في شهر جماد الأولى، وكان مشكور السيرة، وله نظم قليل
(2)
.
أبو بكر السُّلَمي
ابن محمد بن أحمد بن عنتر السُّلَمي: كمال الدين بن شرف الدين.
سمع من إسماعيل بن عبد الرحمن القوصي، وحدَّث بالإجازة عن سبط السلفي فأكثروا عنه جدا. وخرَّج له البرزالي جزءًا لطيفًا من عواليه. وحدَّثَ عنه جماعة من شيوخ ابن حجر العسقلاني، وذكره أبو جعفر بن الكويك في معجم ابن جماعة.
ولد سنة 645 هـ - ومات في ربيع الآخر سنة 783 هـ
(3)
.
بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عرض بن عمر السُّلَمي الدميري
عالم فقيه مالكي، مغربي، يُلقَّب بتاج الدين أبي البقاء، له ثلاثة شروح على مختصر خليل، وله كتاب شامل في الفقه المالكي وغير ذلك من تأليفه.
ولد سنة 734 هـ - وتوفي سنة 805 هـ
(4)
.
(1)
درة الحجال - لابن القاضي، الجزء الثاني، طبع المطبعة الحديثة بالرباط سنة 1934 م، من مكتبة الأستاذ خير الدين الزركلي.
(2)
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة - لابن حجر العسقلاني، ص 183، الجزء الثاني، طبع مجلس دائرة المعارف بحيدر آباد دكن.
(3)
الدرر الكامنة في أعان المائة الثامنة - لأحمد بن حجر العسقلاني، ص 456، المجلد الأول، ط دار الكتب الحديثة بمصر.
(4)
درة الحجال في غرة أسماء الرجال لأحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن القاضي، ص 118، الجزء الأول، طبع المطبعة الجديدة في رباط الفتح بالمغرب، بمكتبة الأستاذ خير الدين الزركلي.
أبو البركات المعروف بابن الحاج البلفيقي السُّلمي
من مشاهير القضاة بالأندلس، وهو محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن خلف السُّلَمي، من ذرية العباس بن مرداس، فهو ابن عم عبد الملك بن حبيب المرداسي السُّلَمي المترجم في هذا الكتاب.
ويعرف أبو البركات في بلده بابن الحاج، وفي غير بلده بالبلفيقي، و"بلفيق" حصن من عمل مدينة المُرِّيَّة بالأندلس، وبيت أبي البركات بيت دين وفضل.
ذكر ابنُ الأبار جدَّه الأعلى (أبا إسحاق) وأطنب في الثناء عليه بالخير والصلاح، وكان أبو البركات ممن نشأ على طهارة وعفاف، واجتهد في طلب العلم صغيرًا وكبيرًا، وعبر البحر إلى بجاية
(1)
فأدرك بها المدرس المعمِّر أبا علي منصور بن عبد الحق المشدَّالي، وحضر مجالسه العلمية وأخذ عنه وعن غيره من أهلها، ثم قدم إلى مُراكش وتجول فيما بينها من البلاد وأثار (آثر) السكنى بسبتة، على طريقة جده إبراهيم الأقرب إليه، ثم عاد إلى الأندلس فأقام منها بمالقة واختص بخطيبها الشيخ أبي عبد الله الطنجالي، وروى عنه وعن غيره وقيد الكثير بخطه، ورام في ابتداء طلبه التشبه بالقاضي أبي بكر بن العربي في لقاء العلماء ومصاحبة الأدباء، والأخذ من المعارف كلها والتكلم في أنواعها، وكان كثير الضبط لحاله، مهتما بالنظر في تثمير ماله؛ على رأي ابن سحنون الذي يقول:"ما أحب أن يكون عيش الرجل إلا على قدر ذات يده، ولا يتكلف أكثر مما في وسعه".
وكان أبو البركات يميل إلى القول بتفضيل الغنى على الفقر، ويبرهن على صحة ذلك، ويقول:"وبخصوص البلاد الأندلسية، لضيق حالها، واتساع نطاق مدنها، ولا سيما في حق القضاة فقد شرط كثير من العلماء في القاضي أن يكون غنيا، ليس بمديان ولا محتاج".
(1)
مدينة ساحلية في شمال أفريقيا (تقع في دولة الجزائر الآن).
ومن كلامه: (من اقتصر على التعيش من مرافق الملوك ضاع هو، ومن له وشمله القُلُّ، وخامره الذُّلُّ، اللهم إلا من كان من القوة بالله قد بلغ من الزهد في الدنيا إلى الحد الذي يكسبه الراحة بالخروج من متاعها، وترك شهواتها قليلها وكثيرها، مالها وجاهها، بأمر آخر، ومن لنا بالعون على تحصيل هذا المقام، ولا سيما في هذا الزمان، ولم يسمع من الولاة المتقدمين في الأندلس إلا ما حُكِيَ عن إبراهيم بن أسلم، وقد أراد الحكم الستنصر بالله رياضته، فقطع عنه جرايته فكتب إليه عند ذلك:
تزيد على الإقلال نفسي نزاهة
…
وتأنس بالبلوى وتقوى مع الفقر
فمن كان يخشى صرف دهر فإنني
…
أمنت بفضل الله من نُوَبِ الدهر
فلما قرأ الحكم ببيتيه، أمر برد الجراية وحَمْلِها إليه، فأعرض عنها وتمنَّع من قبولها، وقال:"إني والحمد لله، تحت جراية من إذا عصيته لم يقطع عني جرايته، فليفعل الأمير ما أحب".
فكان الحكم بعد ذلك يقول: "لقد أكسبنا ابن أسلم بمقالته، مخزاة عظم منا موقعها، ولم تسهل علينا المقارضة فيها".
تولى الشيخ أبو البركات القضاء في بلاد عديدة منها: مالقة صَدْر عام 735 هـ ثم نقل إلى قضاء الجماعة بحضرة غرناطة والخطابة فيها، ثم صُيِّرَ إلى مدينة المُرِّيَّة، ثم أعيد إلى قضاء الجماعة، واستعمل في السَّفارة بين الملوك فكان موفقًا في مهماته السياسية، وكان كثير الرحلات من قطر إلى قطر والتنقل من عمل إلى عمل، من غير استقرار في منزل أو محل ويقول في هذا المعنى عن نفسه:
ماذا تقول: فدتك النفسُ في حالي
…
يَفْنَى زَمَانيَ في حلٍ وترحال
وكان شاعرًا، وله ديوان كبير سماه:"العذب الأجاج"، وهي تسمية لطيفة تدل على ذوق أدبي وشعري مرهف، لاسيما إذا علمنا أن ديوانه
يحتوي من ضروب الأدب جدا وهزلًا، وله كتاب سماه:"المؤتمن في أنباء من لقيته من أبناء الزمن".
وفي مدينة المرية كان استقراره، إلى أن توفي فيها في شهر رمضان عام 773 هـ عن بنت أمَتِهِ، وعن أربع زوجات، وعاصب بعد.
نماذج من شعره
يقول ملغزًا:
ومُصْفَرَّةِ الخدين مطوية الحشا
…
على الجبن، والمصفرُّ يُؤذِنُ بالخوف
لها بهجة كالشمس عند طلوعها
…
ولكنها في حينها تغرب في الجوف
ويقول في كتمان السر وحكمته:
إذا ما كتمت السِّرَّ عمن أوَدُّهُ
…
توهم أنَّ الود غير حقيق
ولم أخفِ عنهُ السِّرَّ من ضنَّةٍ به
…
ولكني أخشى صديق صديقي
ويقول في الغُربةِ وأسبابها وملابساتها:
قالوا: تغربت عن أهل وعن وطن
…
فقلت: لم يبق لي أهل ولا وطن!
قضَى الأحبة والأهلون كلهم
…
وليس بعدهم سكنى ولا سكن!
أفْرَغْتُ دمعي وحزني بعدهم فأنا
…
من بعد ذلك لا دمع ولا حزن!
ويقول عن "إخوان الخيانة":
رعى الله إخوان الخيانة إنهم
…
كَفَوْنَا مؤُونَات البقاء على العهد
ولو قربوا كنا أُسارى حقوقهم
…
نراوح ما بين النسيئة والنقد
ويقول متغزلا:
يلومونني بعد العذار على الهوى
…
ومثلي في حبي له لا يُفَنَّدُ!
يقولون أمْسِكْ عنه قد ذهب الصِّبا
…
وكيف أرى الإمساكَ والخيطُ أسود؟
ابن عشائر السُّلَمي
ولد محمد بن علي بن محمد السُّلَمي الحلبي أبو المعالي، ناصر الدين بن عشائر في سنة 742 هـ - الموافقة لسنة 1341 م - وتوفي في سنة 789 هـ - الموافقة لسنة 1387 م، وهو حافظ مؤرخ، كان خطيب حلب، وسافر إلى القاهرة فتوفي بها، وله مصنفات منها:"ذيل على تاريخ حلب لابن العديم" في أربع مجلدات، و"تاج النسرين في تاريخ قنسرين"
(1)
.
أبو الفضل السُّلَمي
أحد علماء إفريقية الشمالية، ولعل اسمه وكنيته شيء واحد، ويكنى أيضًا أبا القاسم السُّلَمي الباجي وهو أحد فقهاء تونس المدرسين بها، قال أحمد القلقشندي: كان فقيهًا محققًا من أهل الدين والفضل والعلم التام
توفي بتونس أول المحرم عام 770 هـ
(2)
.
حسن بن أحمد السُّلَمي المكي البزاز
هو حسن بن أحمد بن محمد بن سلامة بن عطوف بن يعلى السُّلَمي المكي البزاز - بزاءين منقوطتين - ويلقب: بدر الدين.
أجاز له جماعة من أصحاب الفخر بن البخاري وغيرهم، وحدَّث وهو من شيوخ مكة الذين خرَّج لهم المحدِّث جمال الدين بن مرسي المراكشي، وصار كفيف البصر بأخَرةٍ، وكان يبيع الحرير والبزَّ، ومن هنا لُقِّبَ بالبزَّاز
(3)
، وزاد السخاوي أنه يُعرف بابن سلامة.
مولده ووفاته
ولد حسن البزَّاز السُّلَمي سنة إحدى وخمسين وسبعمائة بمكة، وتوفي في ليلة ثالث جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة بمكة، ودفن بالمعلاة
(4)
.
(1)
الأعلام للأستاذ خير الدين الزركلي عن مصادره.
(2)
الحلل السندسية في الأخبار التونسية، لمحمد بن محمد الأندلسي الوزير السراج، ص 681 و 682، الجزء الأول، القسم الثالث، طبع تونس.
(3)
في الضوء اللامع للسخاوي جاء لقبه هكذا: (البزار) بالراء في الآخر، ولعله غريف إما من الناسخ أو من الطابع. راجع الصفحة 94، المجلد الثالث.
(4)
العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين للفاسي، ص 66 و 67، الجزء الرابع، والضوء اللامع للسخاوي، ص 94، المجلد الثالث.
محمد بن إبراهيم الصدر السُّلمي
هو محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن الصدر: أبو المعالي بن الشرف السُّلَمي المناوي نسبة لمنية القائد فضل بن صلح من أعمال الجيزية - (الجيزة) ثم القاهري الشافعي القاضي، سبط الزين عمر البسطامي القاضي.
حفظ القرآن والتنبيه وغيره، وسمع من الميدومي وغيره، وناب في الحكم وهو شاب، وولي إفتاء دار العدل، والتدريس بالشيخونية والمنصورية والسكرية، ودرَّس وأفتى قليلًا، وخرَّج أحاديث المصابيح، وتكلم على أماكن منه وسماه:"كشف المناهي والتنافيح في تخريج أحاديث المصابيح"، وكتب شيئًا على جامع المختصرات وغير ذلك، وولي القضاء بالديار المصرية استقلالا في أيام المنصور حاجي ومدبر المملكة منطاش، عوضًا عن الناصري بن المليق، وذلك في يوم الخميس سلخ شوال 791 هـ فباشر القضاء بشهامة واستقامة، إلى أن صُرِفَ عنه بعد أقل من شهرين في 27 ذي الحجة منها بالبدر بن أبي البقاء، ثم أعيد في ثاني المحرم 795 هـ ثم صرف في سنة 796 هـ بالبدر بن أبي البقاء أيضًا، ثم أعيد في شعبان 796 هـ، ثم صرف بأحد نوابه: التقيَّ الزبيريَّ في جمادي الأولى 799 هـ، ثم أعيد في رجب 800 هـ، ودرَّس بجامع طولون وجامع الشافعي وغيرهما من الوظائف المضافة إلى القضاء، ومات الظاهر برقوق أثناء ولايته هذه فَأَمِنَ على نفسه، لكونه غير مطمئن إليه لما اتفق من أن ابتداء ولايته كان من قبل منطاش والناصري، وفي أيام غير الظاهر برقوق لا يتجرأ أحد عليه لما ثبت له من المهابة في قلوب الناس، وعندما سافر "الناصر فرج" إلى الشام لقتال الطاغية تيمورلنك سنة 803 هـ كان "محمد السُّلَمي" مِمَّن برز معه، ولم يحسن المداراة مع عدوه فأهانه وبالغ قي ذلك حتى مات في القيد، غريقًا في نهر الزاب بالفرات عند قنطرة باشا في شوال من السنة المذكورة، وكان بعض التمرية أسروه، ولما جازوا به النهر خاض الأمير هو وأتباعه لازدحام غيرهم على القنطرة، فغرق القاضي لتقضيرهم في حقه بعد أن قاسى أهوالًا، وكان مولده في ثامن رمضان سنة 742 هـ وأبوه (إبراهيم) كان عندئذ ينوب في القضاء عن العز بن جماعة.
وله ترجمات في كتب عديدة، وممن ترجمه ابن ظهيرة والمقريزي وآخررن، وكان ذا هيبة عظيمة، وذا نزاهة وقوة نفس وحشمة، وكان ذا دنيا متسعة، وكان كثير التودد إلى الناس، مُوَقَّرًا عبد الخاص والعام محببًا إلهم، وكان يُعْنَى بتحصيل نفائس الكتب، ولما استقل بالقضاء لانَ جانِبُهُ، مع تفضل على الطلاب بالإطعام، ومع مداراة لمن قد يقصر في حقه بالستر، مع قدرته على هتك ستره بالانتقام منه، ولم يعقب
(1)
.
محمد بن عثمان بن حمد بن إسحاق السُّلَمي
جده الثالث هو: إبراهيم البدر بن الفخر بن التاج السُّلَمي المناوي ثم القاهري الشافعي، أخوه البهاء أحمد الماضي، استقر شريكًا له بعد موت أبيهما في تداريسه، وقد رأى السخاري بخطه أنه يروي عن ابن عم والده: الصدر المناوي، وقال في ترجمته:"والظاهر أنه من أهل هذا القرن" وأضاف قوله: "ثم رأيت من عرض عليه سنة ثلاث وثمانمائة"
(2)
، وبذلك تأكد أنه من أهل القرن الهجري التاسع الذي ترجم لهم السخاوي في كتابه وقصر تراجمه عليهم.
محمد بن مسعود السمرقندي السُّلَمي
صاحب التصانيف الكثيرة التي تزيد على مائتي مؤلف، وهو من أهل سمرقند.
أبو بكر السُّلَمي
هو أبو بكر آخر غير من سبقت ترجمته في هذا الفصل.
واسم أبيه: محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن الشرف بن التاج السُّلَمي المناوي الشافعي، ولد قبل سنة 760 هـ، وأجاز له ابن جماعة فهرست مروياته، واشتغل قليلًا، وقرأ (التنبيه) وسمع على البهاء بن خليل وغيره، وناب في الحكم عن ابن عمه الصدر محمد إبراهيم الذي تقدمت ترجمته في هذا الفصل، ودرَّس بعدة أماكن، وخطب بالجامع الحاكمي، وكان مُزْجَى البضاعة.
(1)
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع - لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي، ص 249 و 250 الجزء السادس، طبع بيروت.
(2)
الضوء اللامع؛ ص 149، الجزء الثامن.
مات أبو بكر السُّلَمي هذا في جمادى الآخرة سنة 809 هـ وقد قارب الخمسين، وقال المقريزي: مات عن نحو الخمسين
(1)
.
محمد بن عثمان بن محمد السُّلَمي السويدي الدمشقي
سمع من ابن الشيرجي، جزء الأنصاري، ومن علي بن موسى الصفدي، والتقي بن رافع، وجماعة، ووقَّع في الحكم في ولاية البلقيني لقضاء دمشق، رفاق أقرانه في ذلك. وقال ابن حجي: كان صحيح العدالة، محررًا عارفًا بالشروط، انفرد بذلك في وقته، مع حسن خطه، وجودة ظبطه. وقد حَدَّثَ قليلًا.
مات في ربيع الأول سِنة 815 هـ
(2)
.
محمد بن عبد الله السُّلَمي
اسم والد أبيه المذكور: موسى بن رسلان بن زين الدين موسى بن إدريس بن موسى بن موهوب، البدر أبو عبد الله بن الجمال أبي محمد بن الشرف أبي البركات السُّلَمي؛ بضم المهملة - الدمشقي الشافعي.
ولد في ذي الحجة ليلة عرفة سنة 753 هـ وحضر - وهو في الخامسة في عاشر رمضان سنة ثمان وخمسين
(3)
على العماد بن كثير الحافظ، منتقى من رابع حديث سعدان بسماعه على الحجار، وسمع على محمد بن موسى بن سليمان بن الشيرجي جزء الأنصاري مع الفوائد، وعلى الشمس محمد بن موسى بن سند الحافظ، بعض المائة انتقاء العلائي من مشيخة الفخر، وحدَّثَ وسمع منه الفضلاء.
مات محمد بن عبد الله السُّلَمي في ذي الحجة سنة 837 هـ، أي في الشهر الذي ولد فيه بعد أربع وثمانين سنة من عمره المديد
(4)
.
(1)
الضوء اللامع، ص 65، الجزء الحادي عشر.
(2)
الضوء اللامع، ص 150، الجزء الثامن.
(3)
العماد ابن كثير، توفي سنة 774 هـ. راجع الأعلام للزركلي. ص 317 و 318، الجزء الأول.
(4)
الضوء اللامع، ص 115، الجزء الثامن.
محمد بن حسن السُّلَمي
جده الأول هو: أحمد بن محمد بن سلامة بن عطوف بن يعلى السُّلَمي المكي، مات في مكة سنة 844 هـ
(1)
.
منصور بن محمد بن عبد العزيز السُّلَمي
نَسَبَهُ السخاوي فقال: منصور بن محمد بن عبد العزيز بن سليمان بن عمر السُّلَمي المتناني - متنانة من أعمال بجاية بساحل الجزائر - البجائيُّ المغربي المالكي.
ولد سنة 865 هـ، وحفظ القرآن المجيد ببلده، ثم تحول إلى بجاية في سنة 878 هـ فاشتغل في الفقه والأصلين والعربية والمنطق والفرائض والحساب وغيرها، وارتحل إلى تونس، وقدم القاهرة سنة 879 هـ ليحج فلم يتيسر له، وتخلف عن الحج، وكتب السخاوي له أجازة، وكان والده محمد حَيًّا إذ ذاك، وكان يقرئ الناس في البادية، وحينما ترجم السخاوي لمنصور هذا كان عمره قد بلغ 65 عامًا
(2)
.
أحمد بن محمد بن علي بن محمد الشهاب، السُّلمي، المنصوري، الشافعي ثم الحنبلي
يعرف المَتَرجَمُ بابن الهائم وبالمنصوري، و"المنصوري" نسبة إلى المنصورة بمنصور.
ولد ابن الهائم في سنة 798 هـ، وقال فيما كتبه: إنَّ مولده كان سنة 779 هـ، وبلفظه أنه قبيل القرن بيسير في المنصورة، ونشأ بها فحفظ القرآن ثم انتقل منها إلى القاهرة، فحفظ التنبيه ولمحة في النحو:(لمحة الإعراب) ودرس التنبيه على الشرف عيسى الأقفهسي، وألفية ابن مالك على الشمس بن الجندي، وسمع الحديث على شيخ السخاوي والرشيدي، وتنزل في حنابلة الصوفية بالشيخونية، وتعانى الأدب، وطارح الشعراء، وصار بأخَرَة أوحَد شعراء القاهرة
(1)
الضوء اللامع، ص 218، الجزء السابع.
(2)
المصدر السابق، ص 172، الجزء العاشر.
مع عدم تقدمه
(1)
في الفنون، حتى كان العز قاضي الحنابلة - وناهيك به - يرجحه على كثيرين، وقد حج وامتدح النبي صلى الله عليه وسلم بعدة قصائد.
وقال في مولودٍ وُلِدَ للسخاوي، يهنؤه به:
لَيَهْنِكَ شمسَ الدين فَرْعُك مشبهٌ
…
سجاياكَ، والقطر الشهيُّ من الطَّخا
وذلك من جود الإلهِ وفضله
…
ففرعك من جود
(2)
وأصلُكَ من سخا
وإذا كان هذا "نموذج" روائع شعر ابن الهائم السُّلَمي في نظر السخاوي ومعاصريه من أهل القرن التاسع الهجري - وقد قال السخاوي في شعره: (صار بأخَرَةٍ، أوحد شعراء القاهرة) - فإن الشعر في ذلك العصر، عامة كان في دركة منحطًة.
وعجيبٌ أن يضيف السخاوي إلى وصفه لابن الهائم بالأوحدية بين شعراء القاهرة، قوله:(مشارًا إليه بالشعر في الآفاق) إذ مفهوم ذلك أنه كان في نظر معاصريه من أعلام شعراء الآفاق، مشارًا إليه بينهم برفعة الشاعرية والإبداع فيها والإمتاع.
مات ابن الهائم بعد انقطاعه يوم الإثنين، سادس جمادى الآخرة سنة 887 هـ
(3)
.
ابن الحاج السُّلَمي
هو: الطالب بن حمدون بن الحاج حمدون السُّلُمي، المعروف بابن الحاج، وهو مغربي الموطن على ما يبدو من اسمه، وله من المؤلفات:"حاشية على شرحِ بَحْرَق على لامية الأفعال لابن مالك"
(4)
وكتابُ" العقد الجوهري، من فتح الحي القيوم في حل شرح الأزهريّ على مقدمة ابن آجروم"، وهي حاشية على شرح الشيخ خالد الأزهري على الآجرومية، أتَمَّها سنة 1269 هـ
(5)
.
(1)
مما يسترعي الانتباه، استعمال محمد بن عبد الرحمن السخاوي وهو من أهل القرن الهجري العاشر لصيغة:(التقدم) في المعنى الذي تستعمل له في العصر الحديث وفي الأدب الحديث.
(2)
في طبعة أوفست كونروغرافير، بيروت، ما نصه:(فقرعك) بالقاف بعد الفاء، وواضح من سياق البيت أن الصحة:(ففرعك) بفاءين كما أثبتناه.
(3)
الضوء اللامع، ص 150 و 151، الجزء الثاني.
(4)
طبعت بفاس في سنة 1315 هـ وبمصر.
(5)
معجم المطبوعات العربية والمعربة ليوسف إليان سركيس، ص 70.
محمد بن حمدون المرداسي السُّلمي
عالم جليل من فاس بالمغرب الأقصى، له مشاركة في العلوم وكُتُبٌ كثيرة منها:"النشر على مبادئ العلوم العشر" و"الإشراف على من مات بفاس من مشاهير الأشراف".
توفي سنة 1274 هـ - 1858 م.
وقال عنه صاحب "معجم المؤلفين" استنادًا إلى "معجم المطبوعات العربية والمعربة" لإليان سركيس وعلى "فهرس المكتبة التيمورية" بمصر، و "فهرس دار الكتب المصرية" - إنه "نَظَمَ""أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" و "حواشي عليه" لابن هشام، مع شرح النظم للمؤلف.
وقد راجعنا ما ورد في "معجم المطبوعات العربية والمعربة" فإذا الأمر كما ررد في معجم المؤلفين، وقد أضاف إليانُ سركيس إلى ما ذُكر قولَهُ:"وبأوله ترجمته؛ وإنه - أي الكتاب الذي نظم به أوضح المسالك طبع بفاس سنة 1318 هـ"
(1)
.
عالمات من بني سُلَيْم
مشاركة النساء للرجال في العلوم الإسلامية وعلم الحديث النبوي خاصة أمر سارت بذكره الركبان، بل إن النساء بالنسبة لعلم الحديث خاصة قد كُنَّ في طليعة رراته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتدوينُ علم الحديث وطبقات رواته من صحابة وصحابيات ومن تابعين وتابعات وممن جاءوا أو جئن بعدهم، طفحت به الكتب المعتبرة من قديم الزمان.
وكثيرًا ما نجد من حُفَّاظ الحديث ورجاله ممن يشار إليهم بالبنان، من يذكر في مشايخه وإسناده بعض النساء المزكيات في الورع والرواية والدراية، ومن يراجع أسفار هذا العلم يجد الشواهد تترى على ما قلناه.
وفي أثناء تجوالنا بين المصادر القديمة والحديثة وجدنا امرأة واحدة من بني سُلَيْم، قد أسهمت في هذا الميدان فأدرجناها في هذا الفصل.
(1)
معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة، ص 270، الجزء التاسع، ومعجم المطبوعات العربية والمعربة، ص 70، طبع مطبعة سركيس بمصر سنة 1346 هـ - 1928 م.
زينب بنت الخطيب يحيى ابن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السُّلَمية
هي حفيدة "سلطان العلماء" عبد العزيز السُّلَمي المشهور بلقبي: "سلطان العلماء، والعز بن عبد السلام"، وقد مرت بنا ترجمته الوافية في فصل العلماء من هذا الكتاب.
كانت زينب مُعَمَّرَةً، إذ بلغت من العمر 87 سنة، وقد رَوَت عن جماعة، وحَدَّثت بالكثير وتفردت.
وكانت وفاتها سنة 735 هـ
(1)
.
أمراء، وزعماء، ومحتسبون، وفرسان، وقادة، وولاة، وموظفون من بني سُلَيْم
جمعنا هذه الأنواع من بني سُلَيْم في هذا الفصل لتقارب صفاتهم ووظائفهم في المجتمع، فالأمير قريب الصفة من الزعيم، والمحتسب كذلك، والفارس والوالي والموظف ليسوا بعيدين عن بعض في الصفة الاجتماعية العامة بالنسبة لحياة الفارس والقائد والوالي والموظف وطبيعة أعمالهم، وهم جميعًا ليسوا بمنأىً عن طبيعة ما يقوم به الأمير والزعيم المحتسب، وإذن فهناك رابط دقيق خفي أو جلي يربط بين هؤلاء الأفراد أو هؤلاء الطوائف، وهذا الرابط الخفي الموجود فعلًا فيما بينهم هو الذي سَهَّلَ لي أن أجمع فيما بينهم في رابط آخر علمي يلم شملهم ويبرز كيانهم كوحدات مستقلة عن بعض، لينسجم جميعًا نوع من الوحدة العامة والتواؤم الاجتماعي الشامل ويمثل هذا الرابط العلمي هذا الفصل.
نُبيشة بن حبيب السُّلَمي
يفيدنا "المبرَّد" بأن ربيعة بن مِكدم الكِنَاني، كان الذي قتله هو أُهْبان بن غادية الخُزاعي.
(1)
مرآة الجنان لليافعي، ص 290، الجزء الرابع.
أما "قيس" فتقول غير ذلك، إنها تقول: إن قاتل ربيعة بن مكدم هو نبيشة بن حبيب السُّلَمي، وكان أهبان أخًا لنبيشة لأمه، وكان أتاه زائرًا، وأغار ربيعة بن مكدم علي بني سُليم، فخرج أهبان مع أخيه لأمه: نبيشة، فحمل أهبان على ربيعة بن مكدم فقتله، وحمل أخو ربيعة بن مكدم على أهبان فقتله. وفي تأييد ما تدعيه خُزاعة من أن أهبان لا نبيشة هو قاتل ربيعة يقول أهبان:
ولقد طَعَنْتُ رَبيعةَ بنَ مُكَدَمٍ
…
يوم الْكَديِدِ فَخَرَّ غير موسدِ
في عارض شَرِقٍ بناتُ فؤاده
…
عنه بأحمر كالنقيع المُجْسَدِ
ولقد وهبتُ سلاحه وجواده
…
لأخي: نُبَيْشَةَ قبل لوم الحُسَّدِ
(1)
وهكذا تَرَكَنَا أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، في متاهة حول البطل الحقيقي لهذه المسرحية - مسرحية قتل ربيعة بن مكدم - أهي من نسج يد أُهبان الخُزاعي، أم هي من صنع نبيشة السُّلمي!
إن "المبرَّد" في هذه القصة لم يأت لنا بالخبر الواضح الفصل، ولعل السبب في ذلك يعود إلى تناقض ما ورد في حقيقة قاتل ربيعة بن مكدم، فهي قصة تدور حول أهبان الخُزاعي ونبيشة بن حبيب السُّلَمي، ولعل السبب في هذا "الخلط" يعود أيضًا إلى القرابة التي بين أُهْبان ونُبَيْشَة من جهة الشام التي ولدتهما معًا وهي سُلَمية.
هذا، وقد نص ابن دريد على أن قاتل ربيعة بن مِكدم الكِناني هو نُبيشة بن حبيب
(2)
.
مِرداس بن أبي عامر السُّلمي
هو والد عباس بن مِرداس الصحابي الشاعر الفارس البطل، ووالد أبي عامر جد عباس هو: رفاعة وقيل جارية بن عبد بن عبس بن رفاعة بنِ الحارث بن بُهْثَة بن سُلَيم بن منصور بن عكرمة بن خَصَفة بن قيس عيلان بن مُضر
(3)
.
وكان مرداس ممن حضر يوم شعب جَبَلة في صف بني عامر من هوازن بن منصور وأبلى في ذلك اليوم بلاءً حسنًا.
(1)
الكامل للمبرد، ص 89 و 90، الجزء الرابع، طبع مطبعة النهضة بمصر.
(2)
الاشتقاق - لابن دريد، ص 311، طبع مطبعة السنة المحمدية بمصر، سنة 1378 هـ -1958 م.
(3)
مقدمة ديوان العباس بن مرداس ليحيى الجبوري، ص 1، طبع بغداد، 1388 هـ - 1968 م.
وكان مرداس من سادة العرب، ومن سادة سُلَيم وفرسانها وأثريائها، وقد اشترك مع حرب بن أمية القُرشي في "الْقُرَيَّة"، وهي غيضة شجر ملتف لا يُرام، قيل: إنهما مَرَّا بها يومًا، فقال مِرداس لحرب: أما ترى هذا الموضع؟، قال: بلى!، قال: نِعمَ الْمُزْدَرعُ هو، فهَل لك أن تكون شريكي فيه، ونحرق هذه الغيضة ثم نزدرعه بعد ذلك؟ قال: نعم، فأضرما النار في الغيضة، فلما استطارت النار وعلا فيها لَهَبٌ سُمع فيها أنين وضجيج كثير، ثم ظهرت منها حياتٌ بيضٌ تطير حتى قطعتها وخرجت منها، ولم يلبث مرداس وحرب أنْ ماتا. وينسبون موت مرداس إلى الجن - ربما لأنه هو صاحب الفكرة التي أشار على حرب بن أمية لازدراع الغيضة وبإشعال النار فيها حتى ظهرت منها الحيات البيضُ وطارت هاربة منها - ودفُن مرداس بن أبي عامر بالقُرَيَّة التي استصلحها واردرعها، ثم ادعاها بعد ذلك كُلَيْبَ بن أبي عهمة السُّلَمي ثم الظَفري، وقد طالبَ العباس بن مرداس بحقه في (القرية)، وقال قصيدته النونية يُخاطب بها كُلَيبًا ويهجوه ويحذره من مغبة الظلم .. وكان كُلَيب السُّلَمي هذا قد جحد بني مرداس حصتهم من (القرية) التي عمرها أبوهم مرداس مع حرب بن أمية، قال عباس يُخاطب كُلَيبًا:
أكُلَيْبُ! ما لك كُلَّ يوم ظالمًا
…
والظلم أنكد وجهه الملعونُ
قد كان قومك يحسبونك سيدًا
…
وإخال أنك سيَدٌ معيونُ
فإذا رجعت إلى نسائك فادَّهِنْ
…
إن المسالم رَأسُهُ مدهونُ
وافعل بقومك ما أراد بوائل
…
يو الغدير سَميُّكَ المطعونُ
وإخال أنك سوف تلقى مثلها
…
في صفحتيك سنانها المسنونُ
إن (الْقُرَيَّة) قد تَبَيَّنَ أمرُها
…
إن كان ينفع عندك التَبيِينُ
حيث انطلقت تخطُّها لي ظالِمًا
…
وأبو يزيد بجوها مدفونُ
و"أبو يزيد" في البيت الأخير هو والد عباس بن مرداس.
وهكذا ترى عباسًا يهدد كليبًا السُّلَمي تهديدًا مباشرًا، مما يدل على أن هذا الشعر قاله في الجاهلية قبل أن يسلم ويحسن إسلامه.
ولمرداس هذا بيتان في حادث تعميره (القُرَيَّة) التي لا نستطيع تحديد موقعها بالدقة الآن، وربما تسعفنا بها المصادر فيما بعدُ - هو وحرب بن أمية شريكه في هذه الشركة الاقتصادية المساهمة، يقول:
إني انتخبتُ لها حربًا وإخوته
…
إني بحبل وثيق العقد دساسُ
إني أقَوِّمُ قبل الأمر حجته
…
كيما يقال: وليَّ الأمر مِرْدَاس
(1)
وفي هذين البيتين عدة فوائد، منها مرداسًا هو الذي دفع حربًا إلى العمل معه في زراعة الغيضة التي آضت مكانًا صالحًا للزراعة فسُميت (القُرَيَّة) وعُرفت بهذا الاسم، ومنها أن مِرْدَاس بن أبي عامر قد احتاط لأمر نجاح الشركة والعدل فيها فأشرك مع حرب إخوته، ولم يكتف بذلك بل أبرم بينه وبينهم عقدًا ربما كان مكتوبًا، ولذلك قال: إنه يُقَوِّمُ للأمر حجته وبرهانه قبل مباشرته، ليقال: إن وليَّ هذا الأمر الناجح وهذه الشركة الناجحة هو مِرْدَاس الحصيف الذي لا يمكن أن يُخْدَعَ أو يُغَرر به.
ولعباس بن مِرْدَاس ترجمة في كتاب "معجم الشعراء" للمرزباني، وقال عنه: يكنى أبا الهيثم، ويقال: أبو الفضل، وأضاف أنه "أحد فرسان الجاهلية وشعرائهم المذكورين وفد على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ومدحه، فأسلم، فأعطاه مع المؤلفة قلوبهم" وقال عنه وهو القائل:
أشُدُّ على الكتيبة لا أبالي
…
أحتفي كان فيها أم سواها
وهذا البيت من جملة أبيات قالها موجهًا "الإنذار" فيها إلى خصمه ومنافسه خُفاف) وهي:
ألا من مُبْلِغٌ عني خُفافًا
…
ألُوكًا بيت أهلك منتهاها
أنا الرجل الذي حُدِّثْتُ عنه
…
إذا الخَفَراتُ لَمْ تَسْتُرْ بُراها
أَشُدُّ على الكتيبة لا أبالي
…
أَحْتْفي كان فيها أم سواها
(1)
مقدمة ديوان العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي - للدكتور يحيى الجبوري نقلًا عن مصادره، ص 1 و 2 و 108، طبعة بغداد.
ولي نَفْسٌ تتوق إلى المعاني
…
سَتَتْلَفُ أو أبلغها مناها
(1)
و"الألوك": الرسالة، و"بُراها": زينتها، وكل حلقة من سوار وقرط وخلخال وما أشبهها: برة.
العباس بن أنس الأصم السُّلَمي
هو من فرسان الجاهلية وشجعان العرب، وله ذكر في وقائعهم
(2)
.
عمرو بن رياح - الشريد السُّلَمي
من سادة سُلَيْم بن منصور، وهو والد الخنساء وصخر ومعاوية ومالك، اعترف له العرب بشرف المكانة.
ووالده: رياح بن عمرو، وقد غلب عليه لقب "الشريد" لقوله:
تولى إخوتي وبقيت فردًا
…
وحيدًا في ديارهمو شريدا
(3)
وقد أورد المؤرخون قصة النعمان بن المنذر مع كِسرى ملك الفُرس، وكان كِسرى طعن في شأن العرب ورد عليه النعمان في ذَلك، في بيان عربي فصيح مَؤدَّب. بما استوجب إعجاب كِسرى بيانه وكِسْوَتَهُ، ولكن النعمان شعر من فحوى كلام كِسرى في توهين أمر العرب والحط من كرامتهم، أن وراء الأكمة ما وراءها، فلما غادر إلى الحيرة رأي أن يبعث إلى نفر من سادة العرب يدعوهم للحضور إليه، وكان من بينهم عمرو بن الشريد السُّلَمي، وقد حدثهم النعمان بما كان من أمر كِسرى ومقاله، وقال لهم: قد سمعت من كِسرى مقالات تَخَوَّفْتَ أن يكون لها غَوْرٌ، ويكون إنما أظهرها لأمر أراد أن يتخذ به العرب خَوَلًا - عبيدًا - كبعض طماطمته - أي قومه الذين في لسانهم عجمة ولا يفصحون - في تأديتهم الخراج إليه، وقد استحسن الحاضرون من رؤساء العرب كلام النعمان ورأيه ووافقوه في اتباع ما ينصح به، فَبَيَّنَ لهم أن من رأيه أن "يسيروا بجماعاتهم إلى كِسرى، وأن يتكلم كلّ منهم بما حضره من الكلام المرتجل، لكي يعلم كِسرى أن العرب على غير ما يظن أو تحدثه نفسه به، على أن لا ينطق أحد منهم بما يغضبه ولا ينخزلوا -
(1)
معجم الشعراء للمرزباني، ص 102 و 103؛ وديوان العباس بن مِرْدَاس، ص 110.
(2)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام - لجواد علي، ص 261، الجزء الرابع، طبع دار العلم للملايين في بيروت؛ وكتاب الاشتقاق، ص 311.
(3)
البيان والتبيين - للجاحظ، ص 289، الجزء الأول، طبع المطبعة الرحمانية بمصر.
ينخذلوا - انخذال - الخاضع الذليل. وكتب معهم كتابًا إلى كسرى يخبره فيه بأنه أوفد إليه رهطًا من العرب لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم، لِيَسْمَعَ منهم ويُكرمه بإكرامهم وتعجيل سراحهم، وقال له: إنه قد نسبهم في أسفل كتابه إلى عشائرهم، فخرج القوم بعد أن تساهم النعمان بما في خزانته من طرائف حُلَلِ الملوك؛ كسا كلّ رجل منهم حُلَةً وعَمَّمَهُ عمامة. وخَتمه بياقوتة، وأمر لكل واحد منهم بنجيبة.
ودخلوا على كسرى، وأذن لهم بالكلام، فتتابعوا في خُطبهم المرتجلة: أكرم بن صيفي، فحاجب بن زرارة التميمي، فعمرو بن الشريد السُّلَمي، وقال له عمرو بن الشريد: (أيها الملك نعم بالك، ودام في السرور حالك، إن عاقبة الكلام متدبرة، وأشكال الأمور معتبرة، وفي كثير قلة، وفي قليل بُلْغَةٌ، وفي الملوك سَوْرة العز، وهذا منطلق له ما بعده، شَرُف فيه من شَرُفَ، وخمل فيه من خمل، لَمْ نأت لِضَيْمِكَ، ولم نَفِدْ لسخطك، ولم نتعرض لِرفْدك، إنَّ في أموالنا مُنْتَقَدًا، وعلى عزنا معتمدًا، إن أوْرَيْنَا نارًا أَثْقَبْنَا، وإن أرود - رَفَقَ - دهر بنا اعتدلنا، إلَّا أنَّا مع هذا لجوارك حافظون، ولمن رامك كافحون حتى يُحمد الصَّدَرُ، ويُستطاب الخبر".
وقد أجابه كِسرى بقوله: "ما يقوم قصد منطقك بإفراطك، ولا مدحك بذمك".
عباس بن رعل السُّلَمي
كان عباس هذا أحد القادة في حرب الفجار التي وقعت بين قريش وأحلافها من الأحابيش، وبين قيس عَيْلان ومنهم بنو سُلَيْم، وكانت الدبرة أول النهار لقيس على قريش وكنانة ومن ضَوَّى إليهم، ثم صارت الدبرة آخر النهار لقريش وكِنانة على قيس، فقتلوهم قتلًا ذريعًا، حتى نادى عُتبة بن ربيعة يومئذ - وإنه لشاب ما كملت له ثلاثون سنة - إلى الصلح، فاصطلحوا على أنَّ عدّوا القتلى، وودت قريش لقيس ما قتلت فضلًا عن قتلاهم، ووضعت الحرب أوزارها. وقد حضر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع عمومته هذه الحرب ورمى فيها بأسْهُمٍ، وكان عمره يومئذ عشرين سنة، وكان الفجار بعد الفيل بعشرين سنة، وقالت العرب في الفجار - كدأبها في هذه المواقف - أشعارًا كثيرة
(1)
.
(1)
الطبقات الكبرى - لمحمد بن سعد، ص 127 و 128، الجزء الأول.
حكيم بن أمية السُّلَمي
والد جد حكيم السُّلَمي هو: حارثة بن الأوقص
(1)
بن مُرَّة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بُهْثَة، كان حكيم هذا نصب نفسه "محتسبًا" بمكة في زمن الجاهلية، فكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهذا أمر عجيب: أن يقوم جاهلي في مكة من سُلَيْم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا الأمر يدلُّ على أنَّه كان بمكة جالية مهمة من سُلَيْم، وإلا ما استطاع حكيم أن يقوم بهذا الأمر الذي ربما ترى قريش نفسها أحق به منه؛ لأنهم سدنة بيت الله المقيمون بجواره، والمقيمون لشعائر الحجِّ من رفادة وسقاية إلخ، وقد بلغ نفوذ حكيم السُّلَمي محتسب مكة المتطوع إلى أن بعض سفهائها عَبَّرَ - شعرًا - عن "مطاردة" حكيم له ولأضرابه من السفهاء وأصحاب اللهو والمجون، فقال ذلك السفيه:
أُطَوِّفُ في الأباطحِ كُلّ يوم
…
مخافة أن يشردني حكيم
(2)
فحكيم إذن كان ذا مكانة عالية لا تُنال. وكان ذا نفوذ واسع في أحياء مكة، حتى إنه كان يُطارِدُ ويُلاحِقُ مُجَّانهم، ويطهِّر بيت الله من وجودهم حوله، وقد يكون حكيم اكتسب هذه المنزلة الرفيعة لقرابته من "عاتكة" جَدَّةِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، من قبل بني زهرة أهل والدته.
قيس بن خُزَاعي السُّلَمي
ارتفع صيتُ بني سُلَيْم، بين العرب، حينما بعث (يوسطنيان) رسولا اسمه:"يوليانوس"(جوليانويس)(Julianus) - إلى النجاشي، وإلى (السميفع أشوع)(Esimphanu) حاكم اليمن في القرن السادس الميلادي
(3)
ليتودد إليهما وليطلب منهما باسم (العقيدة المشتركة) التي تجمعهما أن يُكَوِّنا مع الروم جبهة واحدة في محاربة الساسانيين - (الفُرس)، وأن يقوما مع من ينضم إليهما من قبائل العرب
(1)
لعل حارثة بن الأوقص هذا، أخ لعاتكة بنت الأوقص جدة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من قبل بني زهرة، وقد ذكرت في ترجمة سيابة بن عاصم السُّلَمي الصحابي الذي مرت بنا ترجمته في فصل الصحابة.
(2)
جمهرة أنساب العرب - لابن حزم، ص 263.
(3)
راجع ص 491 من كتاب المفصل في تاريخ الحرب قبل الإسلام، لجواد علي، الجزء الثالث.
بمهاجمتهم، وحَمَل (يوسطنيان) سفيره الآنف الذكر، إلى (السميفع أشوع) رجاءً آخر. هو طلب موافقته على تعيين رئيس عربي اسمه (Kaisos) - (قيس) - عاملًا:(فيلارخًا)(Phyiarch) على قبيلة عربية تدعى: (معديني) - (Maddeni) أي قبيلة (مَعْد) ليشترك معه، ومع عدد كبير من أفراد هذه القبيلة بمهاجمة الساسانيين (الفُرس).
وقد رجع سفير (يوسطنيان) مغتبطًا بنجاح مهمته، معتمدًا على الوعود التي أخذها من العاهلين:"النجاشي" ملك الحبشة، و"السميفع أشوع" حاكم اليمن، غير أنهما لَمْ يفعلا شيئًا مما تعهدا به للسفير، فلم يَغْزُوا الفُرس، ولم يعين (السميفع أشوع)"قيسًا" - (فيلَارخا) - أي عاملًا على قبيلة مَعْد.
وقد وصف المؤرخ (بروكوبيوس)(Kaisos)(Caisus)(قيسًا) بأنه كان شجاعًا ذا شخصية قوية مؤثرة، حازمًا، من أسرة سادت قبيلة مَعْد، وقتل أحد ذوي قرابة (السميفع أشوع)(Esimiphaeus)(Esimaphaios) فتعادي معه - فعاداه - بذلك حتى اضطر إلى ترك دياره والهرب إلى مناطق صحراوية نائية، فأراد القيصر أن يشفع له لدى (Esimaphaios) ورجاه أن يوافق على إقامته رئيسًا (Phylarch) على قبيلة مَعْد.
وهناك رواية لابن إسحاق جاء فيها أنَّ أبرهة عَيَّنَ محمد بن خُزَاعي عاملًا له على مُضَر، وأنَّ (قيسًا) كان يرافق أخاه محمدًا حين كان في أرض كِنَانة، فلما قتل (محمد) فرَّا - فر - إلى أبرهة
(1)
.
ولعلنا نستطيع من تحليل الحوادث السالف ذكرها أن نتوصل إلى تقرير هذه النظرية أو هذه النتيجة: وذلك أنه لما لَمْ يقبل (السميفع أشوع) حاكم اليمن وساطة القيصر (يوسطنيان) في تعيين قيس السُّلَمي فيلارخًا - عاملًا على قبيلة مَعْد - أي
(1)
في المحبر - لمحمد بن حبيب الهاشمي البغدادي، ص 130، طبعة حيدر آباد دكن، اسم محمد بن خُزَاعي هذا، وقد وضعه في فصل:(المسمون بمحمد لما كان يبلغهم أنه يبعث في العرب نبي يقال له "محمد" فجعل الله النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم). وقد أفادنا "المحبر" بسلسلة نسب محمد بن خُزاعي هذا، فهو (محمد بن خُزَاعي بن علقمة بن محارب بن مُرّة بن هلال بن فالح بن ذكوان السُّلَمي)، وقال عنه:(وكان في جيش أبرهة مع الفيل، وفي ابن إسحاق أن أبرهة عين محمد بن خُزَاعي عاملًا له على مصر)، "المفصل، ص 173، الجزء الرابع".
قبيلة بني سُلَيْم المَعديَّة، ظلت فكرة تولية سُلَمي بَطَلٍ حازم على قبيلة بني سُلَيْم للاستعانة بقوتهم وبكثرة عددهم وببطولتهم في تطويع الخارجين على طاعة أبرهة من العرب بأرض كِنَانة - تراود ذهن أبرهة، ومن ثَمَّ وَلى محمد بن خُزاعي رئاسة القبيلة المذكورة، ولما كان محمد أكبر سنا - فيما نرى - من أخيه قيس المرشح من قبل يوسطنيان للزعامة، رأى قيس أن ينضوي تحت رعامة أخيه، فزعامته زعامة له هو أيضًا، وقام محمد بن خُزَاعي بمهمته حتى قُتل خلال ذلك، ففر قيس إلى أبرهة باليمن خوفًا من حدوث ما لا تحمد عقباه عليه، ودليلنا على أنَّ قيسًا سُّلَمي هو ما ورد في سلسلة نسب أخيه محمد بن خُزاعي، من أنه: محمد بن خُزَاعي بن علقمة بن محارب بن مُرّة بن هلال بن فالج بن ذكوان السُّلَمي، وما ذكر من أنه كان في جيش أبرهة مع الفيل يجعلنا نرى أن قتله ربما كان مع أصحاب الفيل في طريقهم إلى مكة المكرمة.
والوساطة المشار إليها آنفًا من القيصر لقيس لدى السميفع أشوع، بأن يوليه رئاسة قبيلة مَعْد التي نرى أن المقصود منها هو قبيلة سُلَيْم المعدية، لا قبائل مَعْد كلها كما يتبادر من ترجمة النص الأجنبي - تضع أصابعنا على أمرين: بُعْدِ صيت سُلَيْم الذي بلغت أصداؤه يومئذ أنحاء العالم المجاور لبلاد العرب، وشهرة بسالة قيس في مختلف الأوساط هي مما حمل القيصر على أن يطلب إلى (السميفع أشوع) توليته على قبيلته المعدية، ليكون له خير معين على تطويع من يجافي دولته من العرب لتأمين سبل تجارتها الخارجية.
ولقيس هذا ابن اسمه معاوية، وقيس ومعاوية من الأسفاء الشائعة قديمًا في بني سُلَيْم، ومن هؤلاء الصحابي قيس بن نسيبة السُّلَمي المُترجَم في فصل:(صحابة من بني سُلَيْم)، وقيس بن سباع بن خُزاعي بن محارب بن هلال، ومعاوية بن عمرو بن الشريد؛ أخو الخنساء الشاعرة السُّلَمية المشهورة، ومعاوية بن قرَّة السُّلَمي الصحابي.
وقد زار والد (نونوسوس)(Nonnosos)" قيسًا" مرتين، وذلك قبل سنة 530 م، وزاره "نونوسوس" نفسه أيضًا أثناء حكمه - حكم قيس - وربما كان ذلك أثناء رئاسته لقبيلة بني سُلَيْم التي يُعَبَّر عنها في النص الأجنبي المنقول إلى العربية
بقبيلة مَعْد، و"مَعْد" والد قبائل لا قبيلة واحدة، وربما كانت رئاسة قيس للقبيلة المذكورة بعد مقتل أخيه محمد بن خُزاعي وقبل فراره هو إلى أبرهة أو بعده، وقد أرسل قيس ابنه معاوية إلى (يوسطنيان)، وأعطى القيصر الإمارة لمحمد بن خُزاعي أخي قيس ثم لابن قيس، وكانت هذه الإمارة على فلسطين
(1)
، وربما كان هذا كله بعد إخفاق وساطة القيصر لدى "السميفع أشوع" حاكم اليمن في تنصيب قيس "فيلارخًا" - عاملًا على قبيلة بني سُلَيْم أو على "قيس" المعدية كلها.
هذا، وبمراجعتنا لعمود نسب حكيم بن أمية السُّلَمي الذي سبقت ترجمته في هذا الفصل والذي نصب نفسه "محتسبًا" في مكة، وفي زمن الجاهلية يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطارد المُجَّانَ والعابثين والسفهاء ويُجليهِمْ عن مكة - وجدناه هكذا:(حارثة - وهو جد حكيم الأول - ابن الأوقص بن مُرّة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بُهْثَة السُّلَمي).
وقيسٌ - على ما نرى ويُلَمِّحُ إليه صاحب كتاب "المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام" - سُلَمِيٌّ، وإذا تأملنا نَسَبَهُ فإننا نجده هكذا:(قيس بن خُزَاعي بن علقمة بن محارب بن مُرّة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بُهْثَة السُّلَمي).
وفي البيان المقارن التالي يتضح أن "حكيمًا" و"قيسًا" متساويان في عدد الآباء إلى جدهما: (مُرّة بن هلال):
(1)
(2)(3)(4)
1 -
حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مُرَّة.
(1)
(2)(3)(4)
2 -
قيس بن خُزاعي بن علقمة بن محارب بن مُرَّة.
(1)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام - لجواد علي، ص 173 و 174، الجزء الرابع. وفي الجزء الثالث منه ص 492، أن يوسطنيان عين (حرثم بن جبلة): الحارث بن جبلة، عاملًا (فيلارخًا) على عرب السرسين (Saracens) بفلسطين وإنه كان رجلًا صاحب قابليات وكفاية وتمكن من تأمين الحدود ومن منع الأعراب من التعرض لها، وكان شديدًا على المخالفين.
ويتفق محمد وقيس ابنا خُزَاعي في الانتساب إلى محارب بن مُرّة بن هلال، ومحارب - كما يبدو - أخو الأوقص، وهما ابنا مُرّة بن هلال بن فالج، كما يتفق في هذه السلسلة من النسب كلّ من البطلين: عُمير بن الحباب، والجحَّاف بن حكيم السُّلَميين، إلَّا أن خُزَاعي بن محارب هو الجد الرابع للجحَّاف، ومحاربًا هو الجد الرابع في عمود نسب عمير
(1)
.
الضحَّاك بن عبد الله السُّلَمي
كان الضحَّاك بن عبد الله السُّلَمي رئيس بني سُلَيْم، حينما كان العباس بن مِرْدَاس وخُفاف بن ندية السُّلَميان يتلاحيان ويتقاتلان بعد ما حَمِيَ وطيس الهجاء بينهما، وقد جَرَّا معهما قبيلة بني سُلَيْم إلى التعادي والتقاتل، وقد تألم الضحَّاك من هذه الحرب الأهلية فأسدى لهما النصح بمجانية ما هما عليه، إبقاءً لمكانة القبيلة وصونًا لوحدتها وقوتها، فما أصغيا لنصحه ولَجَّا في الخصام، وكثرت القتلى في سُلَيْم، وحينئذ خلعتهما بنو سُلَيْم
(2)
.
مُجاشع السُّلَمي
قدمنا له ترجمة في فصل: (صحابة من بني سُلَيْم)؛ لأنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن هنا نأتي بموجز من ترجمة حياته الإدارية والحربية والاجتماعية، فقد ولي إمارة البصرة نيابة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما، وفي أثناء إمارته على البصرة نيابة عن المغيرة بن شعبة عاملها الأصيل من قِبَلِ عمر بن الخطاب انتهز الفرصة فغزا كابل بأفغانستان، وصالحه صاحبها "الأصبهبذ"، وكان على يديه فتح حِصْن أبرويز بفارس، وكان في يوم الجمل مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أميرًا على كتيبة بني سُلَيْم، وقد قُتل في ذلك اليوم قبل الوقعة، ودفن نداره في بني سدوس بالبصرة.
وكان مُجاشع من الأجواد، وفد عليه الفارس والشاعر الشهير عمرو بن مَعْدِ كَرْب المرادي من مَذْحِج القحطانية، وهو في البصرة، فأعطاه عشرة آلاف درهم وفرسًا وسيفًا ودرعًا
(3)
، وقال لعمرو بن مَعْد كرب حينما وفد عليه: "اذكر
(1)
راجع جمهرة أنساب العرب - لابن حزم، بحث سُلَيْم بن منصور، ص 264.
(2)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام - للدكتور جواد علي، ص 258، الجزء الرابع.
(3)
الأعلام - للأستاذ خير الدين الزركلي، ص 160، الجزء السادس، الطبعة الثالثة في بيروت.
حاجتك! " فقال له عمرو: "حاجتي صلة مثلي"، فأعطاه ما ذكر آنفًا، وأضاف إلى عطيته السالفة غلامًا خبازًا، فلما خرج عمرو من عنده قال له أهل المجلس: كيف وجدت صاحبك؟ قال: الله درُّ بني سُلَيْم؛ ما أشَّدَّ في الهيجاء لقاءها، وأكرم في الأواء عطاءها، وأثبت في المكرمات بناءها، والله يا بني سُلَيْم لقد قاتلناكم في الجاهلية فما أجْبنَاكُمْ، ولقد هاجيناكم فما أفحمناكم، وقد سألناكم فما أبخلناكم
(1)
، وقال شعرًا منه:
فلله مسئولًا نوالًا ونائلًا
…
وصاحب هَيْجٍ يوم هَيْجٍ مجاشعُ
(2)
وجاء في رواية أخرى أن مُجاشعًا أمر لعمرو بن مَعْد كرب بعشرين ألف درهم وفرس عتيق جواد وسيف صارم وجارية نفيسة، فمر ببني حنظلة (من تميم) فقالوا له: يا أبا ثور كيف رأيت صاحبك؟ فقال: الله درُّ بنو سُلَيْم، ما أشد في الحرب لقاءها، وأجزل في اللزبات عطاءها، وأحسن في المكرمات ثناءها، ولقد قاتلتُها فما فَلَلْتُها، وسألتها فما أبخلتها، وهاجيتُها فما أفحمتها
(3)
.
وهاتان الروايتان، وإن اختلفتا شكلًا ولفظًا فهما متفقتان موضوعًا ومعنى.
يزيد بن معن السُّلَمي
من الحديث التالي الذي دار بين يزيد ومعاوية يبدو لنا أنه كان أثيرًا لدى معاوية، فقد قال له حينما شق عليه سقوط مقادم فمه: والله ما بلغ أحد سنك إلَّا كَرِهَ بعضه بعضًا، ففوك أهون علينا من سمعك وبصرك، فطابت نفس معاوية بهذه الكلمة
(4)
، ولابدَّ أن معاوية كان يركن إلى رأيه ولذلك استحسن قوله، فهو إذن بمثابة مستشار خاص له فيما نفترضه ما ذكر.
طُرَيْفَةُ بن حاجز السُّلَمي
من أمراء الإسلام في بني سُلَيْم في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
(1)
أي فما وجدناكم جبناء، ولا مفحمين ولا بخلاء.
(2)
العقد الفريد - لابن عبد ربه، ص 66 و 67، المجلد الثاني، طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر.
(3)
لباب الآداب - لأسامة بن منقذ، ص 349 و 350، طبع المطبعة الرحمانية بمصر 1354 هـ - 1935 م.
(4)
البيان والتبيين - للجاحظ، ص 66، الجزء الأول.
وقد ثبت على دينه وحارب بني عمه المرتدين حتى نصر الله الإسلام، كتب إليه أبو بكر الصديق في قتال الفُجاءة السُّلَمي الذي ارتد والذي أحرقه أبو بكر بالنار، فسار طريفة في طلب الفجاءة، وكان طُرَيْفَةُ وأخوه: معن بن حاجز الذي تلى ترجمته مع خالد بن الوليد، وكان مع الفجاءة، نجبة بن أبي الميثاء، فالتقى نجبة وطُرَيْفَةُ فتقاتلا، فقتل الله نجبة على الردة، ثم سار طُرَيْفَةُ مع أخيه حتى لحقا بالفجاءة السُّلَمي، واسمه إياس بن عبد الله بن ياليل، فأسره وأنفذه إلى أبي بكر، فلما قدم عليه أوقد له نارًا وأمر به فقذف فيها حتى احترق
(1)
.
مَعْن بن حاجز السُّلَمي
كان هو وأخوه طُرَيْفَةُ بن حاجز مع خالد بن الوليد مُسلمين في الردة، وكان معن أميرًا لأبي بكر رضي الله عنه على بني سُلَيْم، وقد ثبته الله على الإسلام هو وأخاه طُرَيْفَة بن حاجز، وولاه أبو بكر قيادة المسلمين من بني سُلَيْم لمحاربة المرتدين عن دين الله منهم، وعندما تلقى كتاب أبي بكر بذلك استخلف أخاه طُرَيْفَةُ بن حاجز على عمله، وسار إلى المرتدين من قومه ليُنَاجزهم، وقد تقدم لنا في ترجمة أخيه أنهما قاتلا الفجاءة ووقع في الأسر، وقد أحرقه أبو بكر في ناحية المصلى - مسجد الغمامة بالمدينة
(2)
.
عمرو بن سفيان أبو الأعور السُّلَمي
فارس أهل الشام، وكان فيمن كفر وغدر بِرُسُلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو على قبائل من سُلَيْم، منها رِعْلٌ وذَكوانُ وعُصَيَّةُ، وقال عنها الرسول:"عَصَتِ الله ورسوله" وسمى عمرو بن سفيان باسمه ولعنه ولعن سهلًا ذا الأسنان - الأشنان - وأبا سفيان، وأسلم أبو الأعور بعد ذلك وحضر فتوح الروم بالشام وأبْلَى ورأس هناك، ثم كان رئيس الفتنة القيسية يوم صفين بالشام. وعظيم القدر عند معاوية، ومشهور الخبر ويقول الشعر.
وأورد ابن الحجاج أيضًا أنَّ معاوية غرض بجلسائه فقال لحاجبه: أطْلُبْ لي
(1)
الاستيعاب في معرفة الأصحاب - لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، القسم الثاني، ص 776، طبع نهضة مصر، بمصر.
(2)
الاستيعاب - لابن عبد البر، ص 1441، القسم الرابع؛ وتاريخ الطبري، ص 492، المجلد الثاني.
قومًا يحدثوني سواهم، فوجد ببابه أبا الأعور ومعن بن يزيد بن الأخنس ونصر بن الحجاج بن علاط السُّلَميين، فأدخلهم، فخاطبهم معاوية وخاطبوه بكلام طويل، ثم أمر بإخراجهم، فكتب إليه أبو الأعور:
مُعَاوِيَ! أما الْتَمَسْتَ الرجال
…
لفتلك التي مِثْلُها يُلْتَمَسْ
فقد أمكنك لعمري الأمور
…
من الكاشفي عنك ما قد لبسْ
من إيراد أمْرٍ، وإصدارِه
…
وَهَمٍ تطاولَ فيه النَفَسْ
فإما تُرِدْنَا لِهَنْيِ الجِمَال
…
ومَدِّ الدِّلاء وجَرِّ الْفَرَسْ
وإطراقنا بعد ثَنْي السؤال
…
فليس بنا - يا ابن هند - خَرَسْ
(1)
وأبو الأعور جد عبيد السُّلَمي أو "عبيدة" والي أفريقية أو عم أبيه، واسمه عمرو بن سفيان بن عبد شمس بن سعد بن خائف بن الأرقص بن مُرّة بن هلال.
وكان أبو الأعور أحد قواد معاوية بن أبي سفيان
(2)
.
ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب، أنه يُعدُّ في الصحابة، ولكن أبا حاتم الرازي أنكر ذلك وقال: لا يصح له صحبة ولا رواية، وكان من أشد النّاس على عليِّ رضي الله عنه، وحدث بقصة هزيمة حُنَيْن، وكان عليٌّ يذكره في القنوت، في صلاة الغداة يقول:"اللهم عليك به" مع قوم يدعو عليهم في قنوته.
عُمَيْر بن الحُبَاب السُّلَمي
هو عمير بن الحباب بن جعدة، رأس القيسية في العراق وأحد الأبطال الدهاة.
كان عمير ممن قاتل عبيد الله بن زياد الأموي مع إبراهيم بن الأشتر النخعي بالخازر، ثم أتي قرقيسيا خارجًا على عبد الملك بن مروان، وتغلَّب على نصيبين، واجتمعت عليه كلمة قيس كلها، ونشبت بينه وبين اليمانية وبني كلب وتغلب - وقائع منها يوم ماكسين ويوم الثرثار الأول ويوم الثرثار الثاني
(1)
مخطوطة "من سمي من الشعراء عمرًا" - لابن الجراح، ص 54 - 55، بمكتبة الدكتور عزت حسن المدير العام للمكتبة الظاهرية بدمشق.
(2)
تاريخ ابن خلدون، ص 136، المجلد الثاني، طبع بيروت؛ وجمهرة أنساب العرب - لابن حزم، ص 49.
والفدين والسكير والمعارك والشرعية والبليخ ويوم الحشاك، وهذا اليوم الأخير - يوم الحشاك - هو الذي قُتل فيه عمير بن الحباب السُّلَمي. قتله بنو تَغْلِب
(1)
. وكان بطل هذه الوقائع كلها.
وقد استَشهَد "المُبرَّد" بقول عمير بن الحُباب السُّلَمي:
أنا عمير وأبو الْمُغَلِّسْ
…
وبالقناة مازِنِيٌّ مِدْعَسْ
استشهد به على أنَّ معنى: (دعسه بالرمح: طعنه).
وكان مقتل عمير بن الحباب بسنة 70 هـ - 690 م
(2)
.
عبيدة (أو) عبيد بن عبد الرَّحمن السُّلَمي
(3)
هو أخو الأعور السُّلَمي أو ابن أخيه، هكذا نسبوه، وأرى بناءً على ما سبق عن أبي الأعور أن المناسب أن يكون عبيدة، حفيده أو ابن عم أبيه.
قَدِم عبيدة أو عبيد بن عبد الرَّحمن السُّلَمي إلى "إفريقية" في سنة عشر ومائة، واليًا عليها من قبل هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي بدمشق.
وقد حَدَّثَ موسى بن أشعث عن قصة مقدم عبيدة أو عبيد من المشرق إلى المغرب - كما شاهدها - وهي قصة طُرَيْفَةُ ومثيرة تعبِّر عن نفسية عبيدة أو عبيد السُّلَمي وعن اتجاهاته وأخلاقه، وخاصة في الفقرة التي يُخاطب فيها الأميرُ عبيدةُ أو عبيدٌ هذا الرجلَ الذي يقابله مصادفة وهو على مداخل القيروان، وأعني به موسى بن الأشعث فيقول له:(أنا أميرك عبيدة بن عبد الرَّحمن)، وهذا اعتزاز واضح بالنفسِ وبالمنصب، لعله هو الذي حمله على أن ينكل بكبار النّاس في أفريقية عَقِبَ مباشرته لأعمال منصبه، وكان من هؤلاء "أبو الخطَّار" ابن ضرار
(1)
الأعلام للأستاذ خير الدين الزركلي، ص 264، المجلد الخامس، طبع مصر، الطبعة الثانية.
(2)
الكامل للمبرد، ص 39، الجزء الأول طبع مطبعة نهضة مصر.
(3)
في كتاب جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، ورد اسمه هكذا:"عبيد بن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن أبي الأعور"، وقال عنه:"ولّي أفريقية". وكذلك اسمه عند ابن خلدون، ففي كتاب العبر لابن خلدون، أنه:"عبيد بن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن أبي الأعور السُّلَمي"، ص 636، المجلد الثاني. وفي تاريخ أفريقية والمغرب للرقيق القيرواني، ص 104 ورد اسمه (عبيدة) بالتاء المربوطة، وفي الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى - لأحمد بن خالد الناصري، أنه "عبيدة بن عبد الرَّحمن السُّلَمي" أيضًا وأنه ابن أخي أبي الأعور السُّلَمي وقيل ابن ابنه"، ص 104، المجلد الأول، طبع دار الكاتب بالدار البيضاء بالمغرب الأقصى.
الكلبي المجاهد السريَّ الكريم والشاعر الفحل، وقد حمل عليه أبو الخطَّار حيال تنكيله به في نفسه، فأرسل - سِرًّا - قصيدته السياسية المثيرة العنيفة إلى الخليفة هشام، فلما قرئت عليه استشاط غضبًا على عبيدة وعزله عن ولاية أفريقية وَوَليَّ مكانه أحدَ الموالي مما سيأتي تفصيله، ونحن نعلم ما كان قد حدث بين قيس - ومنهم بنو سُلَيْم معشر عبيدة - وبني كلب من قتال ضارٍ في "مرج راهط" وعقابيل ذلك، ولعلَّ هذه الحرب الضروس التي انهزمت فيها قيس ووقعت فيها مقتلة عظيمة منهم، كانت السرَّ الدفين وراء حرد عبيدة على أبي الخطَّار، ونحن نعلم أيضًا مكانة بني كلب في الدولة الأموية منذ تزوج معاوية ابنتهم ميسون وأولدها يزيد بن معاوية، ومنذ ناصروا الأمويين وأيدوا خلافتهم ضد عبد الله بن الزبير، وضد أشياعه الكثر في الشام حتى وضعوا في يد الأمويين صولجان الخلافة أو الملك، فلا غرو أن يأخذ هشام - وهو ابن عبد الملك - الخليفة أو الملك الذي ساعدته بنو كلب بإصرار على تولية الحكم ومشت في ركابه حتى آخر الشوط ضد خصمه الأَلدِّ في مكة: عبد الله بن الزبير، وضد مناصريه القروم من قيس ومنهم بنو سُلَيْم، لا غرو أن يأخذ بناصر أبي الخطَّار الكلبي فيستشيط غضبًا للإهانة التي لحقته فيعزل الوالي السُّلَمي الجريء المتهور: عبيدة أو عبيد بن عبد الرَّحمن الذي تجاوز حده، فقسا على أبي الخطَّار الكلبي.
بعد هذه المقدمة، ها نحن أولاء ننقل لك ما دار بين عبيدة أو عبيد بن عبد الرَّحمن السُّلَمي أمير أفريقية وموسي بن الأشعث من حوار، قال موسى بن الأشعث:
"خَرَجْتُ من منزلي إلى الرملة، وكانت سكةً للبريد، فبينما أنا متوجه نحو القيروان إذ أنا بركب ثمانية على دواب البريد، فتصديت للقائهم، فإذا قوم سَراة، أجد عرف المسك كلما ضَرَبَتِ الريحُ إليَّ منهم، فسلم أحدهم وهو من أحسنهم هيئة وملبسًا ومركبًا، فرددتُ عليه السلام، وقال: سِرْ هاهنا! .. فَملْتُ إليه آخذًا معهم نحو القيروان، فسألني عن بعض حديث النّاس والبلد سؤال من لا يعرف البلد، فقلت: إذا توالت الغيوث فالواحد مائة قال: ينبغي أن يكون فحصًا مِسْناتًا، يعطي عامًا في أعوام، قلت: أجل! وقد سألتني فأخبرتك، وأنا أُحبُّ - أصلحك الله - أن أعرف من أنت؟ فإني أرى شَارَةً، قال:(أنا أميرك عُبيدة بن عبد الرَّحمن)
فما زلت أساقطه الحديث مرّة أُنْشيء ومرة أُجيبُ، حتى جئنا مدينة القيروان فمال إلى دار الإمارة، وذلك يوم الجمعة، فألفي العباس بن ناصعة الكلبي قد تهيأ لشهود الجمعة ولبس ثيابه، فقيل له: هذا عبيدة قد قدم أميرًا، فقال:(لا حول ولا قوة إلَّا بالله، هكذا تقوم الساعة بغتة!) فألقى بنفسه فما حملته رجلاه، ودخل عبيدة بن عبد الرَّحمن يجمع النّاس، وأخذ عُمَّال بِشْرٍ فحبسهم وأغرمهم وتحامل عليهم وعذب بعضهم، وكان فيهم أبو الخَطَّار بن ضرار الكلبي، وكان قائدًا جليلًا ورئيسًا شريفًا في قومه، مع فصاحة وبيان وقَوْلِ حَسَنِ الشِّعْرِ، وَوَلِيَ في أفريقية ولايات كثيرة في إمارة بشر بن صفوان، وولي بعد ذلك إمارة الأندلس.
فقال:
أفادت بنو مروان قيسًا دِمَاءَنَا
…
وفي الله إن لَمْ يعدلوا، حَكَمٌ عَدلُ
وقيناكُمُ حرَّ القنا بصدورنا
…
وليس لكم خيل سوانا ولا رَجلُ
فلما بلغتم نيل ما قد أردتمو
…
وطابت لكم فيها المشارب والأكلُ
تغافلتمو عنا كأن لَمْ نَكُنْ لكم
…
صَدِيقًا وأنتم ما علمت لنا وصلُ
وبعث بها إلى "الأبرش الكلبي"، فدخل على هشام وقرأها، فغضب هشام، وأمر بعزل عبيدة بن عبد الرَّحمن عن إفريقية، فقفل منها، واستخلف على أفريقية عُقبة بن قدامة التجيبي وذلك في شوال سنة أربع عشرة ومائة، ووليَّ هشامُ بن عبد الملك على أفريقية، عبيد الله بن الحبحاب مولى بني سلول"
(1)
.
وهكذا كانت عاقبة ولاية عبيدة السُّلَمي، لَمْ يصانع في أمور كثيرة كان على مثله أن يصانع فيها، ليظل في إمارة هذا القطر النائي عن دار الخلافة أطول مدة ممكنة، لقد تعجل وطغت عاطفته ونزعاته القبلية على عقله وحكمته، فكانت
(1)
تاريخ أفريقية والمغرب، ص 104 - 106، طبع تونس. ونرى أن تولية هشام لعبيد الله بن الحبحاب الإفريقية كانت ضربة سياسية بارعة. فعبيد الله بن الحبحاب مولى ولا عصبية له، وليس له من يفئ إليه سوى هشام، وقد تخلص بتوليته من تقديم أحد الفريقين المتنازعين المتنافسين على الآخر، وهما: بنو قيس وبنو كلب على السواء.
عاقبته العزل السريع العنيف من قِبَل هشام، وكما قال زُهير بن أبي سُلمى شاعر مُزَيْنَة:
ومن لَمْ يُصَانِعْ في أمور كثيرة
…
يُضَرَّس بأنْيابٍ ويُوطَأْ بمنسم
عبد الله بن خازم السُّلَمي
يكنى أبا صالح كان شجاعًا صنديدًا وفارسًا مغوارًا وقائد حرب مُحنَّكًا، وكانت أمه سوداء، فهو من هذه الناحية يماثل خُفافَ بن ندبة الذي كانت أمه (نُدْبَةُ) سوداءَ، وكان أقوى النّاس أَيْدًا وأعظمهم بسالة، وقد وُصِفت قوته البطولية الخارقة فقيل كان أقوى من الأسد؛ وذلك لأنه فتح مدينة وحده!، كان على خراسان عشر سنين، وكان الحشرج بن الأشهب جمع له جموعًا وغلب على قهستان، فسار إليه عبد الله بن خازم، فقتله وأخذها منه، ثم فتح الطبسين، ثم ثار به أهل خراسان من العرب وقاتلوه فخر صريعًا بالمعركة.
ولما قدم قَتَيْبَةُ بن مسلم الباهلي خراسان، أبْلَغَ النّاس بقوله:"من كان في يديه شيء من مال عبد الله بن خازم فلينبذه، وإن كان في يده فليلفظه، وإن كان في صدره فلينفثه". وقد عجب النّاس من حسن ما فَصَّل وَقَسَّمَ، ثم غبر بعد ذلك عيال عبد الله بن خازم، وما بخراسان أحسن حالًا منهم
(1)
.
ويبدو لي أن حسنًا السندوبي قد دخل عليه وهم في تحقيقه الذي شرح به سيرة عبد الله بن خازم، فقد ذكر فيما ذكر أن (قَتْلَهُ بالمعركة كان في عهد معاوية: سنة 56 هـ)
(2)
، والواقع الذي يقرره التاريخ الصحيح أنَّ عبد الله بن خازم كان والي خراسان لعبد الله بن الزبير، وحاول عبد الملك بن مروان أن يستميله إليه مختلف وسائل الإغراء السياسي والمادي فلم يقبل نقض بيعته لابن الزبير، وأصَرَّ عليها كلّ الإصرار، فلما يئس عبد الملك من اجتذابه إليه سلط عليه تبار دهائه فجعل كبار معاونيه ورجاله الذين يعتمد عليهم في كفاحه وولايته، ينقلبون عليه خفية وهو لا يدري، ولقد تآمروا عليه حتى قتلوه في معركة ضارية جرت بينهم
(1)
البيان والتبيين للجاحظ، ص 87 و 88، طبع المطبعة الرحمانية بمصر.
(2)
شرح البيان والتبيين للسندوبي، هامش الصفحة 88.
وبينه، وكان ذلك بعد مقتل مصعب بن الزبير في عهد عبد الملك بن مروان وفي سنة 72 هـ.
هذا، وقد ترجم لعبد الله بن خازم، كثير من المؤرخين، وممن ترجمه ترجمة وافية صاحب "خزانة الأدب" فقال عنه: هو أحد غربان العرب في الإسلام
(1)
، وكان من أشجع النّاس، وقتله بنو تميم بخراسان في سنة اثنتين وسبعين، وكان الذي ولي قتله وكيع بن الدورقية القريعي، وكان ابن خازم أمر خراسان من قِبَلِ ابن الزبير. وكان أولًا استعمله ابن عامر على خراسان في أيام عثمان، وكان أحد الأبطال المشهورين، وقد حضر مواقف مشهورة وأبلى فيها).
وبعد ذلك وصف لنا عبد القادر البغدادي كيف قُتل، فقال: (وهذا خبر مقتله من تاريخ النويري، قال: (ولما قُتِلَ مصعب بن الزبير كان ابن خازم يُقاتل بجير بن ورقاء التميمي بنيسابور، فكتب عبد الملك بن مروان إلى ابن خازم يدعوه إلى البيعة، ويطعمه خراسان سبع سنين، فامتنع وأطعم كتابه لرسوله، وكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح
(2)
- وكان خليفة ابن خازم على مرو - وتعهده على خراسان ووعده ومنَّاه، فخلع بكيرٌ بن خازم ودعا إلى عبد الملك، فأجابه أهل مرو، وبلغ ابْنَ خازم، فخاف أن يأتيه بكير فيجتمع عليه أهل مرو وأهل نيسابور، فترك بُجَيْرًا
(3)
وأقبل إلى مرو، فاتَّبَعَهُ بجير فلحقه بقرية على ثمانية فراسخ من مرو، فقاتله، فقتل ابن خازم، وكان الذي قتله وكيع بن عمرو القريعي
(4)
، اعتوره وكيع وبجير بن ورقاء وعمار بن عبد العزيز، فطعنوه فصرعوه، وقعد وكيعُ على صدره، فقتله، وبعث بشيرًا بقتله إلى عبد الملك، ولم يبعث برأسه، وأقبل بُكَيْرٌ في أهل مرو فوافاهم حين قتل ابن خازم، فأراد أخذ الرأس وإنْفَاذَهُ إلى عبد الملك فمنعه بجير).
هذا ما قاله النويري ونقله عنه عبد القادر البغدادي صاحب "خزانة الأدب"،
(1)
خزانة الأدب، ص 658، المجلد الثالث، طبع المطبعة الأميرية ببولاق بالقاهرة.
(2)
في تاريخ الكامل لابن الأثير، طبعة صادر ببيروت: (ابن وساج - بالسين المهملة والجيم - ص 345، المجلد الرابع.
(3)
في الكامل لابن الأثير: (بحيرًا) - بالحاء المهملة - ص 346، طبعة دار صادر بيروت.
(4)
في الكامل: (أعثره)، ص 346، ط دار صادر.
وقد نقد البغدادي قَوْلَ النويري هذا، وعلَّق عليه بقوله: كذا قال النويري، وهو خلاف قول الفرزدق:
فما منهما إلَّا بعثنا برأسه
…
إلى الشام فوق الساجحات الرواسم
(1)
وأقول: إن الضمير في قول الفرردق: (فما منهما) يعود إلى "ابن قُتَيْبَةُ وابن خازم" - حيث قال الفرزدق في القصيدة نفسها وقبل البيت المار ذكره:
أتغضبُ أنْ أُذُنْا قتيبة حُزَّتَا
…
جهارًا ولم تَغْضَبْ لقتلِ ابن خازم
وقد حَدَّثَنَا ابنُ الأثير بقصة رأس ابن خازم، حيث قال عن رغبة بكير في أخذه إلى عبد الملك:(فمنعه بجير، فضربه بكير بعود وحبسه، وسَيَّرَ الرأس إلى عبد الملك، وكتب إليه يخبره بأنه هو الذي قتله، فلمَّا قدم الرأس دعا عبد الملك رسول بكير، وقال: ما هذا؟ قال: لا أدري، وما فارقتُ القوم حتى قتل ابن خازم)، ثم أوْرَدَ ابنُ الأثير الروايةَ القائلة بأن قتل ابن خازم كان بعدُ.
أبو العاج: كثير بن عبد الله السُّلَمي
هو أبو العاج كثير بن عبد الله بن فروة بن الحارث بن حنتم بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عُصَيَّة، ولي البصرة
(2)
.
الجحَّاف بن حكيم السُّلَمي
أحد شجعان بني سُلَيْم وفُتَّاكِهِمْ الشُعراء، كان مُعاصرًا لعبد الملك بن مروان، ولما أوقعت تَغْلِب بن وائل، ببني سُلَيْم، وقتلت عمير بن الحباب السُّلَمي كما سبقت الإشارة إليه في ترجمته في هذا الفصل، وتحداه "الأخطل" الشاعر التغلبي الفحل في الشعر لا في الحرب، تحداه في أبيات معروفة، نهض عند ذاك الجحَّاف بقومه:(بني سُلَيْم) مستعملًا دهاءه وشجاعته وحميته معًا، فقتل كثيرًا من التغلبيين، وبَقَرَ بطون النساء الحوامل، وقتل غير الحوامل، فما كان من تَغْلِب إزاء هذه الفتكة "الجحَّافية السُّلَمية" غير المتوقعة إلَّا أن يستجيروا بعبد الملك، فأهدر دم
(1)
خزانة الأدب - لعبد القادر البغدادي، ص 659، طبع المطبعة الأميرية ببولاق، المجلد الثالث.
(2)
جمهرة أنساب العرب - لابن حزم، ص 261، طبع دار المعارف بمصر.
الجحَّاف، فهرب إلى بلاد الروم فأقام سبع سنين، وبعد موت عبد الملك أمنه الخليفة بعده: الوليد - في رواية - فرجع
(1)
.
هذا، ومنذ معركة مرج راهط، كانت المعارك مستعرة بين قيس وتغلب بالشام والجزيرة - شمال العراق، وفي سنة 73 هـ كان مقتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فهدأت الفتنة بين العنصرين، واجتمع النّاس على عبد الملك بن مروان، وتَكَافَتْ قيس وتغلب عن المغازي، وإن كان في أنفس زعمائها ورجالها شيء كبير من الحقد على بعض، وتكلم عبد الملك في ذلك ولكنه لَمْ يُحكم الصلح، وبينما هم على ذلك الحال من المهادنة إذ قام الأخطل فأنشد عبد الملك بن مروان - وعنده وجوه قيس عَيْلان وفيهم الجحَّاف بن حكيم السُّلَمي - أنشد قَوْلَهُ من قصيدة كان نظمها مدحًا في بعض بني أمية:
ألا سائِلِ الجحَّاف هل هو ثائر
…
بقتلى أُصيِبَتْ من سُلَيْمٍ وعامر؟!
أجحَّافُ إن نهبط عَلَيْك فتلتقي
…
عليك بحور طاميات الزواجر
تكن مثل أَبْداءِ الحُباب الذي جرى
…
به البحر تزهاه رياح الصراصر
فوثب الجحَّاف يجر مطرفه من الغضب، فقال عبد الملك للأخطل: ما أراك إلَّا قد جررت على قومك شرًّا
…
ومضى الجحَّاف، فأتي قومه وافتعل كتابًا وحشا جُرُبًا - جمع جراب - ترابًا، وقال لهم: إن عبد الملك قد ولاني بلاد تَغْلِب وهذه الجُرُبُ فيها المال، فتأهبوا وامضوا معي فمضوا معه. فلما أشرف على بلاد تَغْلِب نشر التراب وخرق الكتاب، وقال: ما من ولاية ولكني غَضِبتُ لكم - وأخبرهم بقول الأخطل عند عبد الملك - فَاثْأرُوا بقومكم، فشدَّ علي بني تَغْلِب بالبشر - ماء لهم أو جبل - ليلًا وهم غَارَّون آمنون، فقتل منهم مقتلة عظيمة وهرب من ليلته، وكان ممن وقع في أيدي بني سُلَيْم "الأخطل" الشاعر نفسه، وكانت عليه عباءة دنسة، فسألوه، فذكر أنه عبد من عبيدهم فأطلقوه، فقال ابن صفار في ذلك يخاطب الأخطل:
لَمْ تنجُ إلَّا بالتَّعبُّدِ نَفْسُهُ
…
لَمَّا تَيَقَّنَ أنهم قومٌ عِدّا
وتشابهت برق العباء عليهم
…
فنجا، ولو عرفوا عباءته هَوى
(1)
الأعلام - للأستاذ خير الدين الزركلي، ص 103، المجلد الثاني، وغير الأعلام، من المراجع القديمة والحديثة.
وقُتِلَ ابْنُ الأخطل المسمى بأبي غياث في غزوة الجحَّاف لبني تَغْلِب، قال جرير يخاطب الأخطل في ذلك:
شَرِبتَ الخمر بعد أبي غياث
…
فلا نعمت لك النَشوات بالا
وقد بلغ الأخطلُ في طريق هروبه بليله عبد الملك بن مروان، فاستغاث به، وقال حينما دخل عليه:
لقد أوقع الجحَّاف بالبشر
(1)
وقعة
…
إلى الله منها المشتكى والمعول
فإن لا تُغَيِّرْها قريش بملكها
…
يكن عن قريش مُسْتَرادٌ ومرحل
وفي رواية: (مستزاد ومزحل).
فقال له عبد الملك: إلى أين يا ابن اللخناء؟
(2)
، قال: إلى النار يا أمير المؤمنين، قال: أوْلَى لك لو قُلْتَ غيرها
(3)
.
ثم إن الجحَّاف لقي الأخطل فيما بعد، فقال:
أيا مالك هل لمتني إذ حضضتني
…
على القتل؟ أم هل لامني لك لائم
(4)
وقد أورد كتاب "الهفوات النادرة" تأليف غرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال الصابي المتوفي سنة 480 هـ قصة الجحَّاف السُّلَمي مع الأخطل، ولكنه اختصرها بالنسبة لما جاء في كتاب "الموشح" وبينهما بعض الاختلاف في الأقوال، وهو اختلاف غير جوهري.
قال: حضر الأخطل عند عبد الملك بن مروان، فأنشده:
ألا سائل الجحَّاف هل هو ثائر
…
بقتلى أصيبت من سُلَيْمٍ وعامر؟
قال: فاتفق أن كان الجحَّاف حاضرًا فكلح - فعبس - وجهه في وجه الأخطل، وقال مجيبًا:
(1)
في لسان العرب - لابن منظور: (البشر) - بباء مكسورة بعدها شين ساكنة فراء مهملة. وفسره قوله: "البشر: ماء لتغلب. والبشر: اسم جبل، وقيل جبل بالجزيرة". (انظر مادة بشر).
(2)
في رواية معجم البلدان، لياقوت الحموي، (مادة: بشر): إلى أين يا ابن النصرانية".
(3)
في رواية معجم البلدان، لياقوت الحموي، (مادة: بشر أيضًا): (لقتلتك) بعد كلمة (غيرها) بدلًا من رواية الأغاني المكتفية بـ (أولى لك لو قلت غيرها).
(4)
الموشح للمرزباني، ص 217 - 219، طبعة دار نهضة مصر 1965 م.
نعم سوف نبكيهم بكل مهند
…
ونبكي عُمَيرًا بالرماح الخواطر
يعني عمير بن حُباب السُّلَمي الذي قتلته تَغْلِب، ثم قال (الجحَّاف): لقد ظننت يا ابن النصرانية أنك لَمْ تكن لتجترئ عليَّ ولو رأيتني مأسورًا! وأوعده .. فما زال الأخطل في موضعه حتى حُمَّ، فقال له عبد الملك: أنا جارك منه
(1)
.
أما ياقوت في "معجم البلدان" فقد ساق القصة في مادة (بشر) بإسهاب، وزاد على كلا "الموشح" و"الهفوات النادرة" أشياء من أهمها ذِكُرُهُ أن (البشر) - بكسر أوله وسكون ثانيه - هو اسم جبل يمتد من عرض إلى الفرات من أرض الشام من جهة البادية، وفيه أربعة معادن: معدن القار، ومعدن المغرة، ومعدن الطين الذي يعمل منه البَواتِقُ التي يُسْبَكُ فيها الحديد، ومعدن الرمل الذي في حلب، يعمل منه الزجاج، وهو رمل ابيض كالإسفيداج، وهو - أي جبل البشر - من منازل بني تَغْلِب بن وائل، قوم الأخطل الشاعر بطل القصة الصليط إلى جانب بطلها الآخر الفتَّاك: الجحَّاف السُّلَمي.
ويفيدنا ياقوت بأن جبل الْبِشْرِ سُمِّيَ باسم شخص هذا اسمه، من النمر بن قاسط، كان خفيرًا لفارس، وقد قتله خالد بن الوليد في طريقه إلى الشام، وكان من حديث ذلك أن خالد بن الوليد لمَّا وقع - (أوقع) بالفُرس بأرض العراق، وكاتبه أبو بكر بالمسير إلى الشام نجدةً لأبي عبيدة، سار إلى عين التمر، فتجمعت قبائل من ربيعة - نصاري - لحرب خالد، ومنعه من النفوذ، وكان الرئيس عليهم عَقَّةَ بن أبي عَقَّةَ قيس بن البشر بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عوف بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط، فأوقع بهم خالد وأسر عَقَّةَ وقتله وصلبه،
فغضبت له ربيعة وتجمعت إلى الهذيل بن عمران، فنهاهم حُرْقُوص بن النعمان عن مكاشفته، فعصوه، فرجع إلى أهله وهو يقول:
ألا يا اسْقباني قبل جيش أبي بكر
…
لعل منايانا قريب ولا ندري
ألا يا اسقياني بالزجاج وكررا
…
علينا كُمَيْتَ اللَّوْنِ صافيةً تجري
(1)
الهفوات النادرات - لغرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال الصابي، ص 85، طبع دمشق، 1387 هـ - 1967 م.
أظُنُّ خُيولَ المسلمين وخالدًا
…
ستطرقكم عنْد الصباح على "البِشر"
فهل لكمُ بالسير قبل قتالهم
…
وقبل خروج المعصرات من الخدر؟
أريني سِلاحي يا أميمة إنني
…
أخاف بيات القوم أو مطلع الفجر
فطرقهم خالد وأعجلهم عن أخذ السلاح، وضرب عنق حرقوص فوقع رأسه في جفنة الخمر
(1)
.
وقد تحقق ظنه في طروق خالد لهم في حباح تلك الليلة، والبلاء موكل بالمنطق كما يقولون.
وقصيدة الأخطل التغلبي التي فيها بيته:
لقد أوقع الجحَّاف بالبشر وقعةً .. إلى الله مِنْها المُشْتَكى والمعولُ
وردت في أول ديوانه، وفي رواية أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي، عن أبي سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي، وجاء في مقدمة تلك القصيدة أن الأخطل قالها في مدح خالد بن عبد الله بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وجاء في المقدمة المذكورة قولها:(ويذكر وقعة الجحَّاف بن حكيم السُّلَمي)، وبعد البيت المتقدم:
فسائل بني مروان ما بال ذمة
…
وحَبْلٍ ضعيف لا يزال يُوَصَّلُ
إلى أن يقول:
أتاك بها الجحَّاف ثم أمرته
…
بجيرانكم عند البيوت تُقَتَّلُ
لقد كان للجيران ما لو دعوتمُ
…
به حافل الأروى أتتكم تغزل
فإن لا تغيرها قريش بملكها
…
يكن عن قريش مستما ومرْحل
(2)
وتَعْرُر أناسًا عرة تكرهونها
…
ونحيي كرامًا أو نموت فنقتل
(3)
أما البيت الذي أثار ثائرة الجحَّاف. فهو مطلع خمسة أبيات للأخطل وردت في ديوانه الآنف ذكره بعد ذلك البيت الذي هو:
(1)
معجم البلدان، لياقوت الحموي، ص 631 و 632، المجلد الأول، طبع إيران.
(2)
هذه هي رواية الديوان. أما "الأغاني" للأصفهاني فروايته هي: (مستراد ومرحل) كما أسلفناه.
(3)
ديوان الأخطل، ص 10 و 11، طبع مطابع أوفست علي بن علي بالدوحة، عاصمة قطر.
ألا سائل الجحَّاف هل هو ثائر
…
بقتلى أصيبت من سُلَيْمٍ وعامر؟
وفيها يقول الأخطل مُهددًا متوعدًا بني سُلَيْم عامة في شخص الجحَّاف بن حكيم السُّلَمي:
أجَحَّافُ إنْ تصْطَكَّ يومًا فَتَصْطَدِمْ
…
عليك أوَاذِيُّ البحور الزواخر (1)
تَكُنْ مِثْل أقْذَاءِ الْحُبَابِ الذي جرى
…
به الماء أو جاري الرياح الصراصر (2)
لقد حان كُلَّ الْحَينِ من رام شاعرًا
…
لدى السَّوْرَةٍ العلياءِ عن كُلِّ شاعر
ويحدثنا كتاب الأغاني للأصفهاني، فيقول ما ملخصه: (إن عبد الملك أمر الوليد بن عبد الملك فحمل الدماء التي كانت قبل ذلك بين قيس وتغلب، وضَمَّنَ الجحَّاف ما حُمِّلَ، فلحق بالحَجاج الثقفي في العراق يسأله ما حمل لأنه من هَوَازِن، وبعد لأي أعطاه عطاءً جزيلًا وأدَّوا البقية.
ثُم تَألَّهَ الجحَّاف بعد ذلك واستأذن في الحجِّ، فأذن له، فخرج في المشيخة الذين شهدوا معه، قد لبسوا الصوف وأحرموا، وَبَرَوا أنوفهم - أي خَرَمُوهَا وجعلوا فيها الْبُرى - ومشوا إلى مكة فلما قدموا المدينة - لأنَّها على طريقهم من الشام إلى مكة - وقدموا مكة، جعل النّاس يخرجون فينظرون إليهم ويعجبون منهم، وقد سُمع عبدُ الله بن عمر، الجحَّاف وقد تعلق بالكعبة وهو يقول: اللهم اغفر لي، وما أراك تفعل!، فقال له ابن عمر: يا هذا، لو كنت الجحَّاف ما زدت على هذا القول، فقال له: أنا الجحَّاف، فسكت ابن عمر، وسمعه محمد بن علي بن أبي طالب وهو يقول ذلك فقال له: يا عبد الله قنوطك من عفو الله أعظم من ذلك.
وكان مولد الجحَّاف بالبصرة، فهو من أبناء الجالية السُّلَمية التي اختارت البصرة موطنًا عقب إنشائها، وتوفي نحو سنة 90 هـ - 709 م
(3)
.
(1 - 2) هذه رواية الأخطل. أما الأغاني ففيه، ص 106، المجلد الحادي عشر:
أجحَّاف إن نهبط عليك فتلتقي
…
عليك بحور طاميات الزواجر
تكن مثل أبداء الحباب الذي جرى
…
به البحر تزهاء رياح الصراصر
(3)
الأعلام - للأستاذ خير الدين الزركلي، ص 103، المجلد الأول، طبعة مصر الثانية، والأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، ص 105 - 106، المجلد الحادي عشر.
أشرس السُّلَمي
هو أشرس بن عبد الله السُّلَمي، أميرٌ من الفضلاء كانوا يسمونه:"الكامل" لفضله، ولَّاه هشام بن عبد الملك إمارة خراسان سنة 109 هـ فَقَدِمَهَا، وسُرَّ به النّاس، واستمر إلى سنة 112 هـ، وفي تلك السنة غزا المسلمون مدينة فرغانة وعليهم أشرس بن عبد الله السُّلَمي، فالتقاهم الترك وأحاطوا بالمسلمين، وبلغ الخبرُ هشامَ بن عبد الملك، فبادر إلى تولية جنيد بن عبد الرَّحمن المريّ على بلاد ما وراء النهر، ليحفظ ذلك الثغر.
توفي أشرس سنة 112 هـ - 730 م
(1)
أي في سنة غزوه لفرغانة وربما كان سبب وفاته اغتمامه من الإخفاق الذي مني به في هذه الغزوة وعزله من الإمارة على إثر ذلك.
عمرو بن معاوية السُّلَمي
هو من ولد عمير بن الحباب السُّلَمي، أحد الفرسان الثلاثة من بني سُلَيْم، وهم: عبد الله بن خازم
(2)
، والجحَّاف بن حكيم، وقد مرت ترجمتهما، وعمير بن الحباب جد عمرو هذا.
تولى عمرو بن معاوية ناحية القصرين (تونس) من إفريقية، وخرج على إبراهيم بن الأغلب مع عمران بن مجالد، وكان وزيره الغالب عليه في أموره، ثم خرج ثانية على ولده: زيادة الله بن إبراهيم، وكان قد ولاء القصرين وما إليهما، فتغلب على تلك الناحية وأظهر الخلاف، فلما ظفر به زيادة الله، قتله وولديه: الحباب وسكتان، ودعا أهل بيته فشرب معهم ورءوسهم بين يديه، فغضب لهم منصور بن نصر الجُشَمي من هَوَازِن المعروف بالطنبدي. وكان عاملًا على طرابلس - وتابعه الجند، فاضطربت إفريقية على زيادة الله، وحُصِرَ في قصره، ولم يبق في يده إلَّا الساحل وقابس إلى أن قُتِلَ المنصور.
(1)
جمهرة أنساب العرب - لابن حزم، ص 263؛ والأعلام للزركلي، ص 332، المجلد الأول، طبعة مصر الثانية.
(2)
في المطبوعة التي حققها الدكتور حسين مؤنس من الحلة السيراء للقُضاعي: (حاتم) - بالحاء المهملة -، ص 110، المجلد الأول، طبع القاهرة. والصواب أنه (خازم) بالخاء المنقوطة من فوق.
ومن شعر عمرو بن معاوية قوله يخاطب مُبارِزَه من أصحاب تمام بن تميم يوم التقى هو وإبراهيم بن الأغلب عند خروج تمام علي بن العكيِّ:
مَنْ مُبْلِغ قولي إلى التَّمَّامِ
…
حِلْفًا برب الحل والحرامِ
إنك محمول على الصِّمصامِ
…
وقد تلاقت حِلَقُ الحزامِ
ثم شد عليه عمرو بن معاوية فأرداه
(1)
.
يزيد بن أسيد السُّلَمي
اسم جده: رافر بن أبي أسماء بن أبي السيد بن منقذ "فرقد" بن مالك بن عوف بن امرئ القيس. وكان يزيد هذا من القادة في دولة بني العباس
(2)
ولَّاه أبو جعفر المنصور العباسي أرمينية، وتولاها لولده المهدي، وغزا الروم سنة 158 هـ واستولى على حصون من ناحية قاليقلا سنة 162 هـ، وكانت أمه نصرانية، وهو الذي فَضَّلَ الشاعِرُ ربيعةُ الرقي عليه يزيدَ بن حاتم الأردي في الكرم في قوله من أبيات مشهورة متداولة على ألسنة الأجيال المتعاقبة حتى الآن:
لَشتَّان ما بين اليزيدين في الندى
…
يزيد سُلَيْم والأغر ابن حاتم
فَهمُ الفني الأزدي إتلاف ماله
…
وهَمْ الفتى القيسي جمع الدراهم
توفي يزيد بن أسيد السُّلَمي سنة 162 هـ، وقد تأمر ابنه أحمد بن يزيد السُّلَمي أيضًا
(3)
.
أحمد بن يزيد السُّلَمي
والده يزيد بن أسيد بن زافر بن أبي أسماء بن أبي السيد بن فرقد بن مالك بن عوف بن امرئ القيس، من قواد بني العباس، له ذكر في "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم، وهو الذي فَضَّل الشاعرُ ثابتُ الرقيُّ، يزيد بن حاتم المهلبي على أبيه يزيد بن أسيد في أبيات سارت مسير الأمثال وأوردناها جميعًا في فصل "قصص من ماضي سُلَيْم"، وقد روينا له قصة مع سمسار جوار لها علاقة بالأبيات التي قيلت في هجاء أبيه وذلك في الفصل المذكور آنفًا.
(1)
الحلة السيراء، ص 111، الجزء الأول.
(2)
جمهرة أنساب العرب - لابن حزم، ص 262، ط مصر.
(3)
راجع تاريخ الكامل لابن الأثير وغيره.
وقد وصفوا ابنه أحمد بأنه أمير، وقد كان ركنًا ركينًا ومرجعًا أمينًا للجالية السُّلَمية التي كانت تقيم في زمنه بجرجان على ما يفهم من فحوى أبيات للشاعر أشجع السُّلَمي"، وقد توفي أحمد هذا بجرجان.
وكونه ركنًا ومرجعًا لقومه في جرجان يدلنا على أنَّه كان كريمًا ووجيهًا وذا مكانة مرموقة لديهم.
معن بن أبي عاصية السُّلَمي
هو مدني شاعر، استعمله زياد بن عبد الله الحارثي حينما كان عاملًا على المدينة للمنصور - استعمله على ينبع، فحبس بعض أولياء عبد الله بن حسن، فشتمه عبد الله فهجاه وقَبَّحَ، وستأتي بقية ترجمته في فصل:(شعراء من بني سُلَيْم).
يعقوب بن داود بن عمر السُّلَمي
والد جده عمر هو عثمان بن طهمان مولى أبي صالح عبد الله بن حاتم - خازم - السُّلَمي.
يُكَنَّى يعقوب: أبا عبد الله الوزير.
كان ذا فضل في فنون العلوم، سمحًا جوادًا كثير الصدقة والبر، وكان كاتبًا لإبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الذي خرج هو وأخوه محمد على المنصور، وقُتِلَ الأخَوانِ في سنة خمس وأربعين ومائة، فظفر المنصور بيعقوب فضربه واعتقله في السجن المُطْبِق، فلما مات المنصور أطلقه ابنه المهدي وواخاه، وحلَّ منه محلا عظيمًا حتى كانت كُتُبُ المهدي لا تَنْفُذُ حتى يرد كتابه بإنقاذها، ثم استوزره في سنة ثلاث وستين ومائة، فأنفق أموال بيت المال، وأقبل على اللذات والشرب وسماع الغناء، فكثرت الأقوال فيه، وَوَجَدَ أعداؤه مقالًا فيه، فقالوا وذكروا خروجه على المنصور مع إبراهيم بن عبد الله العلوي، فامتحنه المهدي في مَيْلِهِ إلى العلويين، فدفع إليه بَعْضَهُم، وقال: أشتهي أن تكفيني مئونته وتريحني منه بعد أن توثق منه، ووهب له مائة ألف وجاريةً،
فاستعطف العلويُّ، يعقوبَ وسأله عن العلوي، فأخبره بأنه كفاه أمره، فاستحلفه بالله وبرأسه فحلف
(1)
، فأمر المهديُّ العلويَّ بالخروج، فخرج، فبقي يعقوب متحيرًا، فأمر بحبسه في المُطْبِقِ أو في البئر، فحبس فيه، واستمر به سنين في أيام المهديَّ والهادي، وخمس سنين في أيام الرشيد، حتى شفع فيه يحيى بن خالد بن برمك عند الرشيد، ورد إليه ماله وخَيَّرَهُ في المُقامِ حيث شاء، فاختار مكة، فأذن له في ذلك، فأقام بها إلى أن مات سنة 182 هـ وقيل سنة 187 هـ وقيل سنة 185 هـ، كان يعقوب عالمًا سمحًا جَوَادًا كثير البرَّ والصدقة واصطناع المعروف مقصودًا ممدوحًا
(2)
، فلعلَّ ما أصابه من الميل إلى اللذات بعد اعتقاله في السجن المطبق كان من أثر الصدمة النفسية التي مُني بها.
أسد بن الفرات السُّلَمي بالولاء أيضًا
يُكنى أسد، أبا عبد الله، وهو إمَّا من خراسان من نيسابور، أو مولود بِحَرَّان من ديار بكر، وقيل: بل قدم أبوه وأمه حامل. وكان عَلَّم القرآن ببعض القَرى، ثم اختلف إلى علي بن زياد بتونس فلزمه، وتعلَّم منه وتفقه بفقهه، ثم رحل إلى المشرق، فجمع من مالك بن أنَس "موطأه" وغيره، ثم ذهب إلى العراق، فلقي أبا يوسف ومحمد بن الحسن وأسد بن عمرو، وكتب عن يحيى بن أبي زائدة وهشيم والحسيب وأبي شريك وأبي بكر بن عياش وغيرهم، وأخذ عنه أبو يوسف موطأ مالك.
حدَّث عن نفسه، فقال: لما خرجتُ من المشرق وأتيت المدينة فقدمت مالكًا، وكان إذا أصبح خرج آذِنُهُ فأدخل أهل المدينة ثم أَهْلَ مصر ثم عامّةَ النّاس، فَكنتُ أدخل معهم، فرأى مَالكٌ رغبتي في العلم، فقال لآذِنِهِ: أدْخِل الْقَرَوِيَّ مع المِصْريين، فلما كان بعد يومين أو ثلاثة قلتُ له: إن لي صَاحبين وقد استوحشتُ أَن أدخل قبلهما، فأمر بإدخالهما معي، وكان ابن القاسم وغيره يحملني أن أسأل مالكًا، فإذا أجابني قالوا لي: قل له: فإذا كان كذا وكذا؟ فضاق عليَّ يومًا، وقال: هذه سلسلة بنت سلسلة: إن كان كذا كان كذا، إن أرَدْتَ فعليك بالعراق،
(1)
هذا من الحلف بغير الله وحكمه في الشرع الإسلامي معروف.
(2)
العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، لتقي الدين الفاسي المكي، ص 474 و 475، من الجزء السابع، طبع مصر؛ ومرآة الجنان - لليافعي اليمني المكي، ص 417 و 420، الجزء الأول.
فلما وَدَّعْتُهُ حين خروجي إلى العراق دخلتُ عليه وصاحبان لي وهما: حارث التميمي وغالب صهر أسد، فقلنا له: أوْصِنَا، فقال لي: أوصيك بتقوى الله العظيم والقرآن، ومناصحة هذه الأمة خيرًا - فراسة من مالك المستقبل أسد - فَوَلِيَ أَسَدٌ القضاء، وقال لصاحِبَيَّ: أوصيكما بتقوى الله ونشر هذا العلم.
ولما سمع أسد الموطأ عن مالك، قال لي: زدني سماعًا! قال: حسبك ما للناس.
وذهب أسد إلى العراق، وتتلمذ على أبي يوسف، ثم ارتحل إلى إفريقية بعدما نُعِيَ إليه أستاذه الإمام مالك بن أنس الأصبحي، وقد ارتَجَّت العراق لموته، وقد رأى بعيني رأسه وسمع بأذنيه كيف يُقدِّر العراقيون مالكًا، فندم أسد على ما فاته، وأجمع أمره على الانتقال إلى مذهبه، فقدم مصر، وقال: إن كان فاتني لزوم مالك فلا يفوتني لزوم أصحابه
(1)
، وفي مصر ألَّف كتاب "الأَسَدِيَّةِ" دونها عن ابن القاسم، أكبر تلاميذ مالك فهي المُدَوَّنةُ. وانتشر صيت أسد بن الفرات في تونس، وقد كان ثقة لَمْ يُرْمَ ببدعة، وبسببه ظهر العلم بإفريقية، وسمع منه علماء القيروان ووجوهها في القيروان: سحنون بن سعيد وأمثاله من المدنيين وغيرهم، وحينما مات قال أبو محرز الكناني - وهو أحد أعلام العلم والقضاء بتونس - وكان منافسًا لأسد -:(اليوم مات العلم).
ولايته للقضاء، فالإمارة مع القضاء
وَلَّى زيادة الله، أسَدًا، القضاء مشاركًا فيه لأبي محرر الكناني سنة ثلاث أو أربع ومائتين للهجرة، وكان أسَدٌ أغزر علمًا و فقهًا، وكان أبو محرز أسَدَّ رأيًا وأكثر صوابًا، ومكث أسد في القضاء مع أبي محرز إلى أن ولَّاه زيادة الله سنة 212 هـ إمارة جيش فتح صقلية، وأضاف إليه مع الإمارة القضاء، فكان ممن جمع بين منصبي القضاء والإمارة، وَهُمْ قِلَّةٌ جدًّا في تاريخ العالم الإسلامي. وكان أسد مع علمه أحد الشجعان، وسبب توليته الإمارة والقضاء معًا يتلخص في
(1)
ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك - للقاضي عياض، ص 465 - 469 الجزء الثاني، منشورات دار مكتبة الحياة في بيروت.
أن ملك صقلية نَقَضَ العهد الذي بينه وبين زيادة الله، وقد كان ملك صقلية في هدنة مع زيادة الله، وكان في شرط الهدنة أنَّ من دخل إليهم من المسلمين وأرادوا أن يَرُدوهُ فعليهم رَدُّهُ، فوصل إلى زيادة الله أن عندهم أسرى من المسلمين، وأحَسَّ ملك صقلية بالخطر، فأرسل رُسُلًا من عنده إليه، فجمع زيادة الله، العلماءَ وسألهم عن الأمر، فقال أبو محرز: كيف يُقْبَلُ قولهم عليهم؟ فقال أسد: بالرسل هادنَّاهم، وبهم نجعلهم ناقضين، قال الله تعالى:{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] نحن الأعلون، فسأل زيادة الله، الرُّسلَ - ومعنى هذا أنه أخذ برأي أسد لا برأي أبي محرز - فاعترفوا (كما قَدَّر أسد) بأنهم في دينهم لا يحل لهم ردهم، فأمر زيادة الله بالغزو إلى صقلية، وولي أسد بن الفرات إمارة الجيش الغازي لصقلية في سبيل الله، فقال له أسد: من بَعْدِ القضاء والنظر في الحلال والحرام تعزلني وتوليني الإمارة؟ فقال له زيادة الله: لا، ولكني وليتُك الإمْرَة وهي أشرف، وأبقيتُ لك اسم القضاء، فأنت أمير وقاضٍ. فخرج أسد إلى صقلية وشيعه كلّ أهل البلاد، تنفيذًا لأمر الأمير زيادة الله، فلما نظر أسدٌ النّاس حوله من كلّ جهة، وقد صهلت الخيل وضُرِبَت الطبول وخفقت البنود، قال: لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، والله يا معشر المسلمين ما وِلِيَ لي أبٌ ولا جَدٌّ، ولا رأي أحدُ النّاس من سلفي مثل هذا، ولا بَلَغْتُ ما ترون إلَّا بالأقلام - فاجتهدوا - فأجهدوا أنفسكم فيها، وثابروا على تدوين العلم تنالوا به الدنيا والآخرة، ثم ذهب أسد بن الفرات الأمير القاضي إلى صقلية على رأس الجيش الإسلامي الغازي البالغ عشرة آلاف رجل، منهم 900 فارس، وتصادم الجيش المسلم مع جيش صقلية فهزمه الله، وسالت الدماء على قناة لواء أسد حتى صار الدم تحت إبطه، ورد يده في بعض تلك الأيام، فلم يستطع مما اجتمع من الدم تحت إبطه
(1)
، وتوفي أسد وهو مُحاصِرٌ لسرقوسة أميرًا قائدًا وقاضيًا، وكان ذلك سنة ثلاث عشرة ومائتين للهجرة، وقيل: أربع عشرة وقيل 217 هـ، وقبره ومسجده بصقلية.
كانت ولادة أسد سنة 145 هـ بحَرَّانَ، وقيل بسنة 143 هـ وقيل سنة 142 هـ، وكان قدومه إلى أفريقية من المشرق سنة 181 هـ، فعلى القولين الأولين كان عمره ثمانيًا وستين سنة قمرية.
(1)
ترتيب المدارك - للقاضي عياض، ص 476 - 477.
هذا، ولأسد بن الفرات عدة تراجم في كتاب التاريخ والفقه، ومن هذه الكتب:(طبقات علماء إفريقية وتونس) - لمحمد بن أحمد بن تميم القيرواني المتوفي سنة 333 هـ بعد وفاة أسد بن الفرات بمائة وعشرين عامًا فقط.
عُزَيْزَة (أو) عُزَيْزَة بن قطَّاب السُّلَمي
كان المقدم على بني سُلَيْم، إبان غزو القائد التركي (بغَا) لهم من بغداد وهم في بلادهم الأصلية، وذلك إنفاذًا لأمر الخليفة العباسي "الواثق بالله". وكان بنو سُلَيْم قد عاثوا في الأرض، وأغاروا على جيرانهم من باهلة إحدى قبائل قيس عَيْلان وبني كِنَانة بميناء الجار:(البُريكة) - الذي كان ميناء المدينة قبل "ينبع البحر" وأوقعوا بهم على ما فصلناه في فصل: (دور بني سُلَيْم في الأحداث العربية والإسلامية).
كان عزيرة أو عُزيزة مقدم بني سُلَيْم، وكان بطلًا مغوارًا وفارسًا صنديدًا لا يُشق له غبار، وكان يحمل على الجيش الذي يقوده بُغَا ويرتجز ويقول:
لابد من زحم وإن ضاق الباب
…
إني أنا عُزيزة بن قطَّاب
لَلْمَوتُ خيرٌ للفتى مِنَ الْعَابْ
وظل يقاتل إلى أن قُتل، وصُلب بسنة 230 هـ
(1)
.
ومن شعره:
لقد رعتموني يوم ذي الغار روعة
…
بأخبار سوء دونهن مشيبي
نعيتم فتى قيس بن عَيْلان غدوة
…
وفارسها تنعونه لحبيب
وقد اختُلف في تحرير اسم هذا البطل السُّلَمي، ففي النجوم الزاهرة ورد هكذا (عُزيرة)، وفي الطبري كذلك، كما ورد أيضًا هكذا (غزيرة وغديرة وغويرة)، ولابُدَّ أن تقارب الحروف أوجد هذا الاختلاف في اسمه
(2)
.
(1)
قمنا برحلة إلى البريكة من جدة مرتين، وقد تأكد لدينا أن ميناء الجار الذي كان يُمّون المدينة من البحر هو هذه (البريكة) لا الرايس المجاور لها، وقد نشرنا بحثًا مسهبًا عن الرحلة وعن ميناء الجار المعروف حاليًا باسم (البريكة) في مجلة المنهل بعدد جمادي الأولى "الخاص" سنة 1391 هـ - 1971 م، فراجعه فيه إن شئت.
(2)
النجوم الزاهرة، ص 251 و 258، الجزء الثاني وغيره.
علي بن وداعة السُّلَمي
أحد الأمراء الشعراء من بني سُلَيْم في الأندلس، كان قريبًا من سنة 400 هـ.
وكان "صاعد" اللغوي المشهور قد انتهت به الحال إلى أن أُغْرِم، فاستغاث عليَّ بن وداعة أحد الفرسان الأبطال، وأحدَ نبهاء الدولة في ذلك الأوان، وقد مدحه بقصيدة استعطفه فيها لاتصال نسبيهما: فصاعِدٌ من ربيعة (وربيعَةَ من سُلَيْم سِنَانٌ زان عالية الرماح)، قال صاعد:
أبا حَسَنٍ! ربيعَةُ من سُلَيْم
…
سِنَانٌ زان عالية الرماح
وإني عائذ بك من هَنَاةٍ
(1)
…
تَحُسُّ دعائمي تحت الْقِداح
فَكُرَّ على ابن عمك وانْتَشِلْهُ
…
فليس حِمَى ابن عمك بالمباح
فإن الجار عندك بين جَنْبَيْ
…
عُقابُ الدَّجْنِ كاسرة الجناح
نظنك طالعًا ببني سُلَيْم
…
عليها عند مفتضح الصبَّاح
إذا ساورت قِرْنَكَ في مكر
…
جعلت له ذراعك كالوشاح
وله في ابن أبي وداعة (ابن وداعة):
زار الحبيب فمرحبًا بالزائر
…
أهلًا بدر فوق غصن ناضرِ
قَبَّلْتُ من فرحي تراب طريقه
…
ومسحتُ أسفل نعله بمحاجري
وخشيتُ أن يَنقَدَّ أخمص رجله
…
من رقة فبسطتُ أسود ناظري
(2)
وقد قُتل علي بن وداعة في عهد هشام بن الحكم الأموي بالأندلس.
قاسم بن مُرّة بن أحمد السُّلَمي
قام قاسم بن مُرّة بالدعوة إلى الدين الحق والسُّنة، وذلك في المائة السابعة للهجرة، يقول عنه ابن خلدون: "ويختلف حال صاحب الدعوة معهم - مع
(1)
معنى "الهناة" هنا هو: (الداهية).
(2)
الحلة السيراء - لمحمد بن عبد الله القُضاعي المعروف بابن الأبار، ص 282، 283، الجزء الأول، طبع مصر.
الأعراب - في استحكام دينه وولايته في نفسه دون تابعه، فإذا هلك انحلَّ أمرهم وتلاشت عصبيتهم، وقد وقع ذلك بإفريقية (تونس) لرجل من كعب من علَّاق بن عوف بن بُهْثَة من سُلَيْم، يُسَمَّى قاسم بن مُرّة بن أحمد في المائة السابعة".
أبو محمد السُّلَمي
كان أبو محمد السُّلَمي، كاتب الأمير محمد بن سعد بن مردنيش، فهو موظف رسمي، وكانت له لماحية وذكاء وثقافة واسعة، حدَث أن وزير ابن مردنيش بمرسية الذي هو: عبد الرَّحمن بن عبد الملك تحاور - ذات يوم - بين يدي الأمير مع حاتم بن سعيد من ذرية عمار بن ياسر، وكان صاحِبَ آراء الأمير ومن ذوي الخاصة من وزرائه، فقال عبد الرَّحمن بن عبد الملك يخاطب الأمير ويلمز حاتمًا: لعل الأمير اغتر بسماع اسمه: (اسم حاتم)، ما فيه من الكرم إلَّا الاسم، فقال حاتم: ولعلَّ الأمير اغتر بسماع أمانة عبد الرَّحمن وما عنده من الأمانة إلَّا الاسم، وكان عبد الرَّحمن بن عبد الملك هذا بيده المَجابي والأعمال، فقدمه على وزرائه.
فقال الأمير محمد بن سعد بن مردنيش - وقد ضحك -: الأولى فَهِمْتُ ولم أفهم الثانية، (يقصد أنه فهم خُلُوُّ حاتم بن سعيد من الكرم، وإن كان اسمه على اسم (حاتم طيئ)، ولم يفهم النكتة الثانية التي رمز إليها حاتم بن سعيد في غمزه لعبد الرَّحمن بن عبد الملك وزير الجباية والخزانة، وعندئذ انبرى الكاتب أبو محمد السُّلَمي - فشرح للأمير ابن مردنيش ما رمز إليه حاتم من الطعن في أمانة عبد الرَّحمن بن عبد الملك بأن قال للأمير:(إن حاتمًا أشار إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في "عبد الرَّحمن بن عوف" رضي الله عنه: (أمين هذه الأمة، وأمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض)
(1)
، ومعنى ذلك أن عبد الرَّحمن بن عبد الملك الأمين لديك أيها الأمير رسميًّا على جباية الأموال والأعمال، وإن كان اسمه على اسم عبد الرَّحمن بن عوف" الذي هو أمين حقًّا وصدقًا، فإنه - أي عبد الرَّحمن بن عبد الملك ليس أمينًا فعلًا، وعندما شرح أبو محمد السُّلَمي الكاتب هذا المعنى العميق لهدف حاتم بن سعيد البعيد "طرب الأمير ابن مردنيش"
(1)
الإحاطة بأخبار غرناطة - للسان الدين الخطيب، ص 491 و 493، طبع دار المعارف بمصر.
وجعل يقول: أحسنتما .. أحسنتما". قال ذلك وهو يخاطب المتحاوريْنِ أمامه: (عبد الرَّحمن بن عبد الملك وحاتم بن سعيد).
هذا، وما يلاحظ أن مطبوعة دار المعارف بمصر، من كتاب "الإحاطة في
أخبار غرناطة" ورد فيها النص الذي سبق ذكره من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم محرفًا. إذ ورد فيها كما سبق أن بَيَّنَاهُ: "أمير هذه الأمة، وأمير في أهل السماء، وأمير في أهل الأرض" بالراء في ثلاث صيغ الأمير، والصواب أن الصيَّغ الثلاث المذكورة، كلهن بالنون لا بالراء، جاء ذلك نصًّا في كتاب "الاستيعاب" للحافظ أبي عمر بن عبد البر: (قال عبد الرَّحمن بن عوف لأصحاب الشوري: هل لكم أن أختار لكم وأنتفي منها؟ قال علي رضي الله عنه: أنا أول من رضي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنت أمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض)، وقال الزبير بن بكار:(كان عبد الرَّحمن بن عوف، أمين رسول الله على نسائه)
(1)
.
رواة من بني سُلَيْم
نقصد بالرواة هنا، رواة العلم المتعلق بلغة العرب وأماكنهم وتاريخهم وأشعارهم وأخبارهم، وإلى هؤلاء الرواة العرب والأعراب بصفة عامة يرجع كثير من ثراء رصيدنا العلمي والأدبي عن العرب في جاهليتهم وفي صدر إسلامهم.
وقد ذكرنا في هذا الفصل من تسنى لنا الإلمام بهم أو بما سجلوه لنا في رواياتهم التي كتبت عن بني سُلَيْم منهم، وكانوا معتمدين بِحَقٍّ فيها.
عَرَّام بن الأصبغ السُّلَمي
كان عَرَّام أحد أعراب بني سُلَيْم المتفتحي الأذهان، الراغبين في نشر المعلومات التاريخية والجغرافية والنباتية والاجتماعية التي عرفها بحكم جَوَلَاتِه في بلاد العرب، وقد رأيناه يؤلف كتيبًا موجزًا مُكْتَنِزًا بالمعلومات التي جمعها من هنا وهناك وقد سماه:"أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه".
(1)
الاستيعاب في معرفة الصحاب - لابن عبد البر، ص 846، المجلد الثاني، طبع مطبعة نهضة مصر، وتحقيق محمد علي البجاوي.
والكتاب يحوي المعلومات التي تحصَّل عليها عَرَّام عن تهامة والحجاز، وقلما يعثر عليه الباحث في غيره، فهو من هذه الناحية أحد المراجع المهمة في التعريف ماضي الأماكن التي تَحَدَّث عنها في زمن الجاهلية وفي عهد الإسلام حتى عصره.
وكان عَرَّام يعيش في القرن الرابع الهجري، ونسخة كتابه المطبوعة يرويها السيرافي عن أبي محمد السُّكَّري عن أبي سعد عن عبد الرَّحمن المعروف بأبي الأشعث الكندي عن عَرَّام
(1)
.
وقد نشر هذا الكتيب المفيد نشرًا علميًّا على نفقة الشيخ محمد نصيف ويوسف زينل - رحمهما الله - وتولى إخراجه وتحقيقه والتعليق عليه الأستاذ عبد السلام محمد هارون، وطبع بمصر سنة 1373 هـ في 81 صفحة من الحجم دون المتوسط، ووضعت له الفهارس العامة اللازمة.
رُواة آخرون من بني سُلَيْم
روى الهجري عن رواة سُّلَميين منهم: محمد بن الرياحي السُّلَمي، ومحمد بن يزيد الحض السُّلَمي، وموسي بن رُبَيْق بن صبَّاح من بُهْثة بن سُلَيْم، ويحيى بن الخير من خُفاف سُلَيْم، والحبيبي السُّلَمي، والحضي السُّلَمي، والحريمي السُّلَمي، وأبو سفيان السُّلَمي، وأبو عروة السُّلَمي، وشغنوب بن صالح السمالي السُّلَمي، والصويعة وأبو محمد عبد الله بن موسى البُهْثي وغيرهم
(2)
.
سَراة وتجار ومزارعون من بني سُلَيْم
ربما كان السَّراة والتجار والمزارعون كثيرين في بني سُلَيْم، لاتساع دائرة وجودهم في أنحاء العالم الإسلامي قديمًا وحديثا، وأغلب المؤرخون القدامى لا يعنون بهذه الناحية الاقتصادية، عنايَتَهُمْ بالنواحي التاريخية الأخرى: الدينية والسياسية والاجتماعية والأدبية.
ولهذا - كما نرى - حُرِمْنا من الاطلاع على تراجم حيوات كثير من التجار ورجال الأعمال والسَّراة السُّلَميين الذين وجدوا في مختلف الأصقاع الإسلامية منذ
(1)
مقدمة كتاب جبال أسماء تهامة وسكانها، لعبد السلام محمد هارون.
(2)
أبو علي الهجري للأستاذ حمد الجاسر.
صدر الإسلام، وكما زاول كثير من بني سُلَيْم شؤون العلم والحرب والسياسة والإدارة والأدب، وكما خاضوا معمعة خضم الحوادث وصار منهم أفراد مشهورون ذوو تاريخ خالد ومجيد، فلابد أنهم كذلك يوجد بينهم نفر عديدٌ في الأجيال الماضية عملوا في الحقل الاقتصادي ونجحوا فيه نجاحًا يتراوح بين السفح والوسط والقمة.
وقد مَرَّ بنا في فصل: "ديار بني سُلَيْم الأصلية" أن العرب في الجاهلية القريبة من صدر الإسلام كانوا يقدرون مواهب بني سُلَيْم، ويفيدون من ثرائهم وثراء بلادهم، فيتاجرون معهم، ويشاركونهم في استثمار مزارعهم وفي تجاراتهم، كما مر بنا في ذلك الفصل أيضًا أنهم كانوا يملكون المصادر المعدنية، وأن كثيرًا من أُسَرِ مكة تحالفت معهم واشتركت معهم في استغلال ثروات البلاد الزراعية والتجارية، وأن أهم ثروات بني سُلَيْم إذ ذاك هو المذهب والفضة.
ومَرَّ بنا أيضًا في فصل: "صحابة من بني سُلَيْم" في ترجمة (الحجاج بن علاط السُّلَمي) أنه كان يملك معدن الذهب الذي يقع في ديار بني سُلَيْم. ومَرَّت بِنَا أيضًا قصة مِرْدَاس والد العباس الذي أحيى هو وشريكه القُرشي غابة القُريَّة، ومَرَّ بنا كذلك حديث:(أبي الحُصَيْن السُّلَمي) الذي قدم المدينة بذهب من معدن بني سُلَيْم، فقضى دينًا كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم تَحَمَّل به، وفضل ذهبٌ مع أبي الحصين مثل بيضة الحمامة فحاول جاهدًا أن يقبله الرسول منه، فأبى ذلك صلى الله عليه وسلم وأشار له إشارة حكيمة من طريق الكناية لا التصريح بأن يصرف هذه البقية من ذهبه على من يعول.
كلّ هذا وذاك وغيره يجعلنا نؤكد - من مقتضيات - الأحوال - أن هناك أشخاصًا عديدين عبر التاريخ الإسلامي من بني سُلَيْم - مارسوا فن التجارة والأعمال وبرعوا فيهما، ولابد أن لبعضهم ذكرًا في التاريخ المبعثر، وإن كنا لَمْ نعثر إلَّا على قلة ضئيلة منهم لا تكاد تذكر، كما أن فيهم سَراة لهم مكانتهم في مجتمعاتهم.
ونحن نرى اليوم بعض بني سُلَيْم في المملكة العربية السعودية يمارسون التجارة والأعمال الزراعية.
وهناك سُلَميٌ تَاجرَ في الجاهلية القريبة من صدر الإسلام وهو:
قيس بن شيبة السُّلَمي
ذكرو أن قيسًا هذا كان قد تاجر بمكة في أواخر أيام الجاهلية، وكان قد قدم إلى مكة ليبيع تجارته فيها، وحدث أن باع متاعًا له من "أبي خلف الجُمَحِيِّ من قريش"، فذهب أبو خلف بحقه ولم يعطه إياه، فاستجار قيس بن شيبة السُّلَمي، بآل قُصَيِّ من قريش - فرع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأجاروه، وقيل: إن هذا الحادث الذي وقع لهذا التاجر السُّلَمي في مكة كان السَّبَبَ المباشر في عقد "حلف الفضول" المعروف
(1)
.
ابن الدُّغُنَّة السُّلَمي
اسمه ربيعة بن رفيع بن حيَّان بن ثعلبة السُّلَمي، وابن الدغنة هذا كان من سادة الأحابيش الذين يديرون أمورهم، ولم ينصَّ ما اطلعتُ عليه من المراجع: هل كان ابن الدُّغُنَّة السُّلَمي و "الحليس" الحارثي، عربيين صريحين أم كانا من بني سُلَيْم وبني الحارث بالولاء، ولكن مكانة ابن الدغنة الاجتماعية ربما تدلنا على أنَّه سُلَمي النسب.
وقد أجاز ابن الدُّغُنَّة السُّلَمي، أبا بكر الصديق في مكة المكرمة، وهذا يدلُّ على عظم مكانته في البلد الأمين في نفوس قريش أجمعين، كما أنه شهد معركة حُنَيْن
(2)
، وله ترجمة في مادة (دغن) بـ "تاج العروس شرح القاموس"، وفي الاستيعاب" لابن عبد البر أيضًا أن اسمه: ربيعة بن رفيع بن أُهبان، بدلًا من - حيَّان - بن ثعلبة السُّلَمي، وقال عنه:(كان يُقال له ابن الدُّغُنَّة، وهي أمه، فغلبت على اسمه)
(3)
، وفي "جمهرة أنساب العرب" أنه (الربيع بن ربيعة بن ربيع بن أهبان بن ثعلبة بن ضبيعة بن ربيعة بن يربوع بن سمال بن عوف بن امرئ
(1)
تاريخ اليعقوبي، ص 11 وما بعدها، الجزء الثاني وغيره.
(2)
المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي، ص 33 و 35، الجزء الرابع.
(3)
الاستيعاب في معرفة الأصحاب - للحافظ ابن عبد البر، ص 491، القسم الثاني، طبع مطبعة نهضة مصر.
القيس بن بُهْثَة بن سُلَيْم قاتِل بن الصِّمَّة الجُشَمي في هَوَازِن يوم أوطاس)
(1)
. وقد مَرَّتْ بنا ترجمته في فصل: (صحابة من بني سُلَيْم)، وهناك أوردنا ما ذكره صاحب (الاستيعاب) من أن قتله لدريد بن الصِّمَّة كان يوم حُنَيْن، وقد أدركه فيه فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة، فإذا برجل فأناخ به، فإذا شيخ كبير وإذا هو دريد، ولا يعرفه الغلام، ثم ضربه بسيفه فلم يُغْنِ شيئًا، قال دريد: بئسما سلحتك أمك، خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل، ثم اضرب به، وارفع عن العظم واخفض عن الدماغ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال، فإذا أتيت أمُّك فأخبرها أني قتلت دُرَيْد بن الصِّمَّة، فرب والله يوم قد منعتُ فيه نساءك من سُلَيْم، ولما رجع ربيعة إلى أمِّه أخبرها بقتله إياه، فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثًا
(2)
.
ويدلنا فحوى هذه القصة على استشراء الفوضى في بلاد العرب في جاهليتهم القريبة من الإسلام، وأن القتل لديهم لسبب موجب أو لغيره كان أمرًا مألوفًا وسنَّة متبعة وعادة سائدة، وإلا لماذا قَتَلَ الغلامُ ربيعَةُ بن رفيع أو الربيع بن ربيعة السُّلَمي هذا الشيخ الكبير في غير ترة ولا معركة ولا خصومة أو مطمع؟.
الشريد السُّلَمي
الشريد السُّلَمي كان بقية أهل بيته، وسمِّي لذلك بالشريد، وكانت له مزرعة كبيرة عرفت في التاريخ باسم "ثنية الشريد"، وكان فيها أعناب ونخل لَمْ يُرَ مثلها، وحينما قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة طلب المزرعة من صاحبها فأبى، ثم إن الشريد ركب ذات يوم إلى مزرعته فوجد عُمَّاله في الشمس فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا له: نسجم البئار، فركب إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين إنه لَمْ يزل في نفسي منعي إياك ما طلبت مني فهو لك بما أردت، فكتب إلى ابن أبي أحمد: أن يدفع إليه الثمن، قال: وسمعتهم يُكثِّرونه جدًّا، فقال له ابن أبي أحمد: إن أمير المؤمنين لَمْ يَسُمْكَ بها وهي على هذه الحال، فقال: إني رجوت حين صار أمري إليك التيسير عليَّ. فدفع إليه الثمن
(3)
.
(1)
جمهرة أنساب العرب - لابن حزم، ص 262.
(2)
الاستيعاب، ص 491، الجزء الثاني.
(3)
وفاء الوفاء - للسمهودي، ص 1066 و 1067، الجزء الثالث.
شعراء بني سُلَيْم
الشعر ديوان العرب، وبنو سُلَيْم كان منهم في الجاهلية وفي صبح الإسلام وضحاه وظُهْرِه شعراء مبرزون، وقد سبق لنا في فصل:(إزاحة شبهة عِلْميَّة) أنَّ أبا القاسم الحسن الآمديَّ المتوفي سنة 570 هـ كان قد ألَّف ستين ديوانًا من دواوين القبائل العربية، كان الرابع والعشرون من هذه الدواوين هو: ديوانَ بني سُلَيْم، وأنَّ هذا الديوان الجامع لأشعار السُّلميين وأخبارهم عبثت به أصابع الدهر، وفي هذا الفصل الذي خصصناه لشعراء بني سُلَيْم وشعرهم العربي الفصيح منذ الجاهلية حتى القرن السابع الهجري، والفصل الذي يليه المخصص لشاعراتهم وأشعارهن هما ذَوَا فائدة واضحة من هذه الناحية، فقد جمعنا فيهما تراجم بعض شعرائهم وطاقات من أشعارهم حتى القرن السادس الهجري، أي إلى ما بعد زمن جامع شعرهم:(الآمدي) بقرنين ونيف، وقد قفيناه بشيء من شعرهم النبطي أو الحُميني المعاصر، ربطًا لحلقات التاريخ قديمًا وحديثًا بقدر الإمكان، فإن الشِّعر نبتة مغروسة في أعماق غرائز العرب يستوي في ذلك شعراءُ الشعر الفصيح وشعراء الشعر العامي الملحون، المعروف في الحجاز باسم:(الحُميني)، وفي نجد باسم:(النبطي) بفتح النون والباء.
المتنكث - أو - المتنكب السُّلَمي
شاعر جاهلي له حديث مع عنترة بن شداد العبسي، فهو كمعاصر له.
قال المتنكث أو المتنكب، يذكر يوم النُّخَيْل، وقد قُتِلَ فيه دَهْرٌ الجعفي:
ومنا أبو حرب ومنا مصرف
…
ومنا عقال إذ وردنا إلى دَهْر
يسوق الصفايا من خيار نسائنا
…
ونحن غَيارَي كالمسدمة الزُّهْر
(1)
وللمتنكث أو المتنكب الأبيات التالية، يمدح فيها بني خفاجة بن عُقَيْلٍ من بني عامر من هَوَازِن:
فسقى الإلَه بني خفاجة من
…
ماء السماء بطيب الخمر
أبدًا ولا زالت نفوسهمو
…
مَحْبُوَّةً بجباية الدهر
(1)
الصفايا: ما يصطفيه قائد الجيش لنفسه. والمسدمة: بمعنى الفحول المشدودة الأفواه، الممنوعة من الضراب.
هم يطعنون الخيل مقبلة
…
حتى يَصُدَّ مجدة النَّفر
(1)
عمرو بن رياح بن عمرو الشريد السُّلَمي
أبو الخنساء الشاعرة المعروفة، غلب الشريد على اسمه:(عمرو) بقوله:
تولَّى إخوتي وبَقيِتُ فردًا
…
وحيدًا في ديارِهِمُ شريدًا
(2)
وقد سبق لنا أن أوردنا في فصل: "أمراء وزعماء محتسبون وفرسان وقادة وولاة وموظفون من بني سُلَيْم" ترجمة عمرو بن رباح "الشريد" هذا كأحد زعماء العرب في الجاهلية، وذكرنا في ترجمته ما يتعلق به من قصة إيفاد النعمان بن المنذر لنفر من سادات العرب إلى كِسرى ليرى بعينيه ويسمع بأذنيه أحاديثهم المُضَمَّخَةَ بشهامة العرب، وليطلع على إبائهم وشممهم وحيويتهم المبالغة من كثب.
وقد رثتهما أختهما الخنساء بشعر رائع يذيب الصَّخْرَ، وجُمع هذا الرثاء الحزين في ديوانها المطبوع.
معاوية بن عمرو السُّلَمي
أخو الخنساء الشاعرة المشهورة، ذكره المرزباني في "معجم الشعراء" وأورد بعض شعره وهو شاعر جاهلي، مات قتيلًا في الجاهلية في وقعة أوردنا قصتها سالفًا، وكان قتله قبل مقتل أخيه صخر بزمن.
صخر بن عمرو السُّلَمي
أخو الخنساء أيضًا، قُتِل في أيام الجاهلية في إحدى المعارك القَبَلِيَّةِ حسب ما فصلناه أيضًا في فصل:"أيام بني سُلَيْم في الجاهلية والإسلام". ولم يدرك صخر الإسلام.
وقد وصفوه بأنه كان حليمًا جوادًا، محبوبًا في عشيرته، شريف قومه. وكان أبوه عمرو يأخذ بيده ويد أخيه معاوية، ويقول:(أنا أبو خَيْرَيْ مُضَر) فتعترف له العرب بذلك، وكان صخرٌ أجمل فتيان العرب في عصره.
(1)
المحمدون من الشعراء وأشعارهم، لعلي القفطي، ص 353، منشورات دار اليمامة. ومعجم الشعراء للمرزباني، ص 45.
(2)
البيان والتبيين، ص 289، الجزء الأول.
كان صخر أخا الخنساء لأبيها، فليس بشقيق لها، وقَاتِلُ صخرٍ هو ربيعة بن ثور الأسدي، ولصخر قصيدة عالية النَّفَسِ تكشف لنا عن سماحته وشهامته، يقول فيها:
وقالوا: ألا تهجر فوارس هاشم
…
ومالي وإهداء الخنا ثمَّ ماليا؟
أبَى الهجو أني قد أصابوا كريمتي
…
وأنْ ليس إهداء الخَنَا مِنْ شماليا
إذا ما امرُؤٌ أهدى لميت تحية
…
فحياك ربُّ النّاس عني معاويا
لنعم الفتى أدَّى ابنُ صرمة بَزَّهُ
…
إذا راح فَحْلُ الشَّوْلِ أحْدَبَ عاريا
إذا ذُكِرَ الإخوانُ رقرقرتُ عبرة
…
وحَيَّيْتُ رَمْسًا عِنْد لِيَّةَ ثاويا
وطَيَّبَ نفسي أنّني لَمْ أقلّ له .. كَذَبْتَ ولم أبخلْ عليه بماليا
وَذِي إخوةٍ قطَّعتُ أقْرانَ بينِهمْ
…
كما تركوني واحدًا لا أخا لِيا
ولو أردنا أن نحلل مدلولات هذه القصيدة لاستطعنا أن نقول: إن صخرًا في رثائه لأخيه معاوية إنما يَمْتَحُ من بئر غزيرة فياضة بالشعر البديع وبالحزن الممض، وقد أجاد في التعبير عما في ضميره المكبوت الخفاق بالآلام والأوصاب من جراء الفراق الأبدي المحزن لأخيه الحبيب (معاوية)، ولست أدري أرثاؤه له نابع من روح أخته الخنساء، أم رثاؤها له ولصخر راثي أخيه بعد مقتله هو النابع من رثائه البليغ؟! أم هناك تفاعل بين رثاء الأخوين الشاعرين البارعين خاصة في شعر الرثاء الذي بلغا فيه القمة، بساطةً وتأثرًا وتأثيرًا وإشجاءً .. لست أدري!
ومن أخبار قتل صخر، أنه لما طعنه أبو ثور الأسدي أدخل حَلَق الدرع في جوفه، فمرض زمانًا، فجعل ينفث الدم وينفث معه حلق الدرع، وكانت امرأته (سليمي) تقوم عليه، فطال مرضه عليها وملته، فمر بها رجل - وكانت ذات خَلْقٍ فقال: أيُبَاعُ الكَفَلُ؟ فقالت: عما قليل، فسمع صخر ما دار بينهما من الحوار، وقال لها رجل آخر: كيف صخر؟ فقالت: لا حَيٌّ فيرجي، ولا ميت فيُستراح منه، فسمعها صخر أيضًا، فَهَمَّ بأمْرٍ في نفسه، وقال لها: ناوليني سيفي - وهو يريدها - انْظُرْ ما بقي من قوتي، فناولته السيف، فإذا يده لا تُقِلُّهُ، فقال صخر عندئذ:(وكأنه يرثي نفسه، وهو الشاعر الذي يجيد الرثاء كلّ الإجادة)، قال:
أرى أُمَّ صخر مَا تَجِفُّ دُموعُها
…
وَمَلَّتْ سُلَيْمي مضجعي ومكَانِي
وما كنتُ أخشى أن أكون جنازة
…
عَلَيْكِ، ومن يغترُّ بالحدثانِ
فأيُّ امرئ ساوى بِأُمٍّ حليلةٌ
…
فلا عاش إلَّا في شقًا وهوانِ
أهم بأمر الحرم لو أستطيعه
…
وقد حيل بين العَيْرِ والنَّزَوانِ
وَحَيٍّ حِلال قد صَبَحْتُ بغارة
…
كَرَجْلِ جراد، أو دَبا كتفانِ
فلو أنَّ حيا فائِتَ الموت فاته
…
أخو الحرب فوق القارح الغذوان
(1)
معاوية بن مالك السُّلَمي
شاعر جاهلي، قال في يوم جَبَلة، وكان قتل دثار بن وهب:
لما رأيت نساء قومي حُسَّرًا
…
وترت إليَّ النفس غير مزاح
أقدمتُ حتى لم أجِدْ مُتَقَدِّمًا
…
وعلمتُ أن اليوم يوم فضاح
إني ثأرت أخي فلم أُسْبَقْ به
…
وشفيتُ نفسي من "بني الطماح"
هند بن خالد السُّلَمي
يسمى العربُ الذكر والأنثى كليهما باسم "هند"، وهذا هند بن خالد شاعر جاهلي، نسبه: هند بن خالد بن صخر بن الشريد السُّلَمي.
ومن شعره:
ألا أبلغ لديك بني كلاب
…
وشاعرها وفي الأقوال عُورُ
ألم تر أننا لبني فراس
…
سَمَوْنا، تحتنا الوُقُحُ المذكور
وكُلُّ طِمْرَّةٍ مَرَطي إذا ما
…
تحدر عن مغانيها العصير
فأشبعْنا ضباع الفَيفِ منهم
…
وطيرًا لا تغب ولا تطير
وقد أجاب هند بهذه الأبيات على رثاء يزيد بن الصعق الكلابي الهَوَازِني، المالك بن خالد بن صخر بن الشريد - الذي هو أخوه.
(1)
الغذوان: السريع، عن هذه القصة راجع كتاب المصون في الأدب، للحسن العسكري، ص 186 و 187، طبع الكويت.
سباع بن كوثل السُّلَمي
ذكره ثعلب، فقال: وأنشدني زُبير، لسباع بن كوثل السليمي - هكذا بالياء قبل الميم:
نظرتُ إلى مَيٍّ خِلاسًا عشية
…
على عجل والكاشحون حضورُ
كذا مثل طرف العين ثم أجَنَّها
…
رواقٌ أتي من دونها وستُورُ
فقالت: حَذَارِ القوم إن نفوسهم
…
وَعَيْشِ أخي - وجْدًا عليك تفور
(1)
وقد ذكر ابن منظور، كَوْثَلًا السُّلَمي - في مادة (كثل)، وقال عنه: رجل معروف، إليه يعزى سباع بن كوثل أحد شعرائهم
(2)
.
عرعرة بن عاصية السُّلَمي
كان عرعرة بطلًا وشاعرًا، أوقع ببني سهم بن معاوية من هُذَيْل في الجُرُفِ، وبذلك أدرك ثأر أخيه عمرو بن عاصية السُّلَمي، القتيل.
قال عرعرة في ذلك:
ألا أبلغْ هُذَيْلًا حيث كانت
…
مغلغلة تخُبُّ عن الشفيق
مقامكم غداة الجُرْف، لما
…
تواقفت الفوارس بالمضيق
وكان الجرف الذي أوقع فيه عرعرة بأعدائه يسمى (الْعِرْض)، وكان مخضوضرًا، قال كعب بن مالك فيه:
فلما هبطنا "الْعِرْض" قال سرَاتُنا:
…
علام إذا ما لم تمنع "الْعِرْض" نزرع؟
قالوا: وسبب تسمية "الْعِرْض" بالاسم الجديد الذي هو: "الجُرُف" هو قولُ تُبَّعٍ الحميري اليماني عنه في مسيرته: (هذا جُرُفُ الأرض)، فلزمه هذا الاسم
(3)
.
(1)
مجالس ثعلب - لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، ص 81، القسم الأول، طبع دار المعارف مصر.
(2)
لسان العرب، ص 584، المجلد الحادي عشر، مادة "مثل".
(3)
معجم ما استعجم، للبكري، ص 378، الجزء الثاني.
مالك بن عمير السُّلَمي
لقبَّه المرزباني بـ "الناصري".
له مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حديث، وهو القائل:
ومن يبتدع ما ليس من سوس نفسه
…
يدعه ويغلبه على النفس ضيمها
(1)
ضمضم بن الحارث السُّلَمي
كان ضمضم أحَدَ فرسان بني سُلَيْم.
وكانت ثَقِّيف أصابت كِنَانة بن الحكم بن خالد بن الشريد السُّلَمي، فَقَتَلَ به ضمضمٌ، محْجَنًا وابن عم له وهما ثقيفان. فقال ضمضم من قصيدة له يخاطب ثقيفًا:
نحن جلبنا الخيل من غير مجلب
…
إلى جُرَشٍ من أهل زَيَّان والفم
نُقتِّلُ أشبال الأسود ونبتغي
…
طَواغيَ كانت قبلنا لَمْ تُهَّدَمِ
فإن تفخروا بابن الشريد فإنني
…
تَركْتُ بوَجٍ مأتمًا بعد مأتمِ
أبَأتُّهُما بابن الشريد وغَرَّهُ
…
جِوَارُكُمَ وكان غير مُذَمَّمِ
تُصيبُ رجالًا من ثَقِّيف رِمَاحُنَا
…
وأسيافُنا يكْلِمْنَهُمْ كلّ مَكْلَمِ
(2)
ومن شعر ضمضم القصيدةُ التالية، وهي قصيدة تتحدث عن شؤونٍ اجتماعيةٍ، وقد تحدث فيها عن أخلاق النساء "الحلائل" مع أزواجهن، في شخص تجاربه مع "حليلته"، ويبدو من "أبياته" أنه لَمْ يكن زوجًا مغتبطًا ولا سعيدًا مع هذه الحليلة، وقد قاسى أخلاق سائر الخلائل على أخلاق زوجته، قال:
أبْلغْ لديك ذوي الحلائل آية:
…
لا تَأَمَنَنَنَّ الدهرَ "ذات خِمار"
بعد التي قالت لجارة بيتها:
…
قد كُنْتُ لو لبث الْغَزِيُّ بدار
لما رأت رجلًا تسفع لونه
…
وغزا المصيفة والعظامُ عوار
مُشُط العظام تراه آخر ليلة
…
متسربلًا في درعه لغوار
(1)
معجم الشعراء - للمرزباني، ص 262.
(2)
راجع سيرة ابن هشام، ص 113، المجلد الرابع.
إذ لا أزال على رحَّالة نهدة
…
جرداء تلحق بالنجاد إزاري
يومًا على أثر النهاب وتارة
…
كُتِبَتْ مجاهدة مع الأنصار
وَزُهَاءَ كلّ خميلة أزهقتها
…
مَهَلَا تَمَهَّلهُ وكل خَبَار
كيما أُغبِّرُ ما بها من حاجة
…
وتردُّ أني لا أؤوب فَجَارِ
(1)
العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي
العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي"شاعر حُنَيْن"، من الشخصيات البارزة في بني سُلَيْم في الجاهلية والإسلام، هو فارس وشاعر ومن أسرة مرموقة في قومه، وفي يوم حوزة كان شابًّا في مقتبل العمر متميزًا بالحسن، والحسنْ في فتيان بني سُلَيْم صفة مشهورة، وأبوه مِرْدَاس وأمه الخنساء أشهر شواعر العرب، وأبعدها صيتًا في الحسب والنسب والأدب.
وأمه مخضرمة أدركت طرفًا من الجاهلية وأدركت الإسلام، وأسلمت وحسن إسلامها، وهو مثلها في هذه الشمائل. وقيل: بل أمه هند بنت سِنَّة بن سنان بن جارية بن عبد السُّلَمية ولدت (يزيد ذا الرمحين، وهُريمًا، وسراقة، وأنسًا، وهبيرة، وعباسًا) بني مِرْدَاس بن أبي عامر السُّلَمي
(2)
.
كان لوالد العباس الذي هو "مِرْدَاسِ" صنم اسمه ضماد أو ضِمار
(3)
، ولما حضرت الوفاة مرداسًا أوصى (العباسَ) به وبعبادته والقيام عليه، فجعل العباس يأتيه في كلّ يوم وليلة مُرّة، فلما ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس: (سمعت صوتًا في جوف الليل راعني، فوثبت إلى ضماد فإذا الصوت في جوفه يقول:
(1)
سيرة ابن هشام، ص 114، المجلد الرابع.
(2)
المحبر، ص 456.
(3)
ليس مِرْدَاس والد العباس هو، السُّلَمي الوحيد الذي عَبَد وسدن صنمًا في الجاهلية، فقد ذكر هشام الكلبي في كتاب الأصنام أن سدنة العُزَّى كانوا بني شيبان بن جابر بن مُرّة بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن بُهْثة بن سُلَيْم بن منصور من بني سُلَيْم، وكان آخر من سدنها منهم دبية بن حرمي السُّلَمي فلم تزل العُزَّى كذلك حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم فعابها وغيرها من الأصنام ونهاهم عن عبادتها ونزل القرآن فيها، وفي عام فتح مكة دعا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد فقال له: "انطلق إلى شجرة ببطن نخلة فاعضدها، فانطلق فأخذ دبية فقتله وكان سادنها. ص 22 - 24، طبع المطبعة الأميرية بالقاهرة، 1332 هـ - 1914 م.
قل للقبائل من سُلَيْم كلها
…
هلك الأنيِسُ وعاش أهلُ المسجد
إن الذي ورث النبوة والهدى
…
بَعْدَ ابْنِ مريم من قُرَيْشٍ مُهتدي
أوْدَى الضِّماد وكان يُعْبَد مرّة
…
قبل الكتاب إلى النَّبِيِّ "محمد"
قال: فكتمت النّاس ذلك، فلم أُحَدِّتْ به أحدًا، حتى انقضت غزوة الأحزاب، فبينما أنا في إبلي في طرف العقيق، وأنا نائم، إذ سمعت صوتًا شديدًا، فرفعت رأسي، فإذا أنا برجل على حيالي، بعمامة، يقول:(إن النور الذي وقع بين الإثنين وليلة الثلاثاء، مع صاحب الناقة العضباء، في ديار بني أخي العنقاء)، فأجابه طائف عن شماله لا أبصره، فقال: بَشِّرِ الجن وأجناسها، إن وضعت المطيُّ أحلامها، ووكفت السماء أحراسها، أن بعض السوق أنفاسها).
قال العباس: "فوثبت مذعورًا، وعرفتُ أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصطْفىً، فركبتُ فرسي وسرتُ حتى انتهيتُ إليه، فَبَايَعْتُه وأسلمتُ، وانصرفتُ إلى ضماد فأحرقته بالنار".
وقصة الهاتف الذي سمعه العباس بن مِرْدَاس من جوف الصنم، وقصة الهاتف الآخر الذي سمعه ولم يره، فيما بعد، مُبَشِّرين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، تتفق كلتا القصتين مع ثبوت وجود العالم غير المنظور - بالنسبة لأبصارنا نحن البشر - وآيةُ ذلك أن هنا في افاقنا وفي أجوائنا ملايين المخلوقات الصغرى جدًّا، التي لا نراها نحن البشر بأبصارنا المجردة، وقد ظلت أُلوفَ السنين مجهولة الوجود لدى بني الإنسان قاطبة مع شدة التصاقها بأجسامهم وأبصارهم وشدة تأثيرها الإيجابي والسلبي على ص حتهم وفي مآكلهم ومشاربهم، فلما هيأت المقادير لبعض بني الإنسان أن يخترعوا "المجاهر المُكبِّرةَ" أبصروا هذا العالم المتموج واستكشفوا وجوده بالوسائط المجهرية التي اخترعوها والتي بَصَّرتهم به من كثب، جعد جهل مطبق بوجودها وحيويتها يتصاعد في القدم إلى أجيال البشرية الأولى، ويقاس على وجود هذه المخلوقات الصغرى "الذَّرَّةُ" التي بدأت في عصرنا الحديث تفعل الأفاعيل الكبرى" وهي لا تُرى بالعين المجردة، وما كان يتحقق وجودها وعظم مفعولها قبل استكشاف الأجهزة التي تجليها وتؤثر في كيانها، ومثلها هذه الكهرباء أيضًا التي تعطينا النور المتوهج وتقوم بشتى الأفعال، فوجود عوالم غير منظورة لنا
نحن البشر واختفاؤها عن حواسنا ومدركاتنا لا ينافي وجودها ولا يقتضي عدم وجودها، وأعني بهذه العوالم الخفية من مُحَسَّاتنا البصرية: الملائكة والجن، وما جاز على المثل - من ناحية الاختفاء عن أبصارنَا مع ثبوت الوجود - يجوز على المماثل، وما دامت الجراثيم قد ثبت وجودها على أرضنا وثبتت حياتها معنا وحولنا وفوقنا وتحتنا، وثبت أننا كنا في جهل مطبق حيال وجودها وتكاثرها المريع على سطح الأرض مع أنَّها حيوان مثلنا، فبالأحرى أن يثبت لدينا وجود الملائكة والجن، برغم عدم رؤية أبصارنا لها، إذ عدم رؤيتنا للجراثيم والذرة والكهرباء ثبت أنه لا ينهض دليلًا على عدم وجودها، بل ثبت أنه قام دليلًا على عدم وجودها، وما ينطبق على الجراثيم الحيوانية المائجة حولنا ينطبق على ما هو أبلغ منها شفوفًا وروحانية وخفاءً عن الأبصار البشرية، وما صنعته أيدي النّاس وعقولهم من الآلات هو الذي كشف لهم بأخَرَةٍ عالم الجراثيم الصغير الكبير الخطير، فالملائكة والجن أشف كيانًا من الجراثيم وأعمق استتارًا من الجراثيم عن العيون وعن وسائل الإدراك البشرية المادية؛ ولذلك يراهم صفوة الخَلْق من الأنبياء، ويرى الجِنَّ ذوو الشفافية الروحانية وبالمناسبات إذا تشكلوا بأشكال غير أشكالهم الطبعية المبالغة الشفوف والاحتجاب.
وعباس بن مِرْدَاس لا يوجد سبب مادي أو أدبي يدعوه إلى اختلاق هذه القصة، فإنه إذا أراد، آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم لمجرد تصديقه برسالته، كما فعل كثير غيره من مشركي العرب الذين ضربوا بالشرك والوثنية عرض الحائط جهارًا نهارًا، ورفضوا عبادة الأصنام بإصرار وحماسة ودخلوا في الإسلام وآمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم بمجرد إيمان قلوبهم وعقولهم بها وبه، ولا حاجة مطلقًا ولا ضرورة ملجئة لعباس إلى أن يخالق قصة وهمية خيالية لإسلامه كهذه القصة، وقد آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم أكابر السُّلميين وغيرهم دون وقوع قصص كهذه لهم.
هذا، وتمضي بنا قصة إسلام العباس بن مِرْدَاس، فتفيدنا بأنه كانت تحته "حبيبة بنت الضحَّاك بن سفيان السُّلَمي" أحد بني رعل، وقد خرج العباس حتى انتهى إلى إبله، وهو يريد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فبات بها، فلمَا أصبح دعا براعيه فأوصاه بإبله، وقال له: (من سألك عني فحدثه أني لحقت بيثرب، ولا أحسبني إن شاء الله تعالى إلَّا آتيا محمدًا وكائنًا معه، فإني أرجو أن تكون برحمة من الله ونور،
فإن كان خيرًا لَمْ أُسبَقْ إليه، وإن كان شرًا أبصرته لخزلته - لخذلته - إلخ). ثم سار إلى النَّبِيّ، وانتهى الراعي نحو إبله فأتي امرأته حبيبة السُّلَمية، فأخبرها بالذي كان من أمر زوجها العباس، ومسيره إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقامت فقوضت بيتها ولحقت بأهلها
(1)
.
وقد ذكرنا فيما سلف أن العباس شاعر، والشاعر مرهف الشعور، يسجل بريشة شاعريته، عواطفه وانفعالاته وأحواله الفكرية والنفسية والاجتماعية، ولهذا لا غرو أن نرى العباس بن مِرْدَاس يسجل لنا بشعره قصة دخوله في الإسلام من أولها إلى آخرها، ووجود القصة في شعره مما يؤكد وقوعها وأنها ليست من صنع الرواة، قال:
لَعْمَرِيَ إني يوم أجْعلُ جاهدًا
…
"ضمادًا" لرب العالمين مشاركًا
وتركي رسولَ الله، والأوسُ حوله
…
أولئك أنصار له، ما أولئكا
كتارِكِ سَهْلِ الأرض والحَزنِ يبتغي
…
لَيَسْلُكَ في غيب الأمور المسالكا
فآمنتُ باللّه الذي أنا عبده
…
وخالفتُ من أمسى يريد الممالكا
ووجهتُ وجهي نحو مكة قاصدًا
…
وتابعتُ بين الأخشبين المُبَاركَا
نبيٌّ أتانا بعد عيسى بناطق
…
من الحق فيه الفصل منه كذلكا
أمينًا على الفرقان أوَّل شافع
…
وآخِرَ مبعوثٍ يُجيبُ الملائكا
تَلَافَى عُرَا الإسلام بعد انفصامها
…
فَأحْكَمَها حتى أقام المناسكا
رأيْتُكَ يا خير البرية كلها
…
تَوَسَّطْتَ في القربى من المجد مالكا
سبقتهمُ بالمجد والجود والعلا
…
وبالغاية القصوى تَفُوتُ السَّنابِكا
فأنت المصُفَّى من قريش إذا
…
غلاصِمُها تُبْقِي القرومَ الفْوَارِكا
وكان قدوم العباس بن مِرْدَاس على النَّبِيّ في المدينة وهو يريد المسير إلى مكة لفتحها، فواعده رسول الله صلى الله عليه وسلم قديدًا، وقال:(القنا أنت وقومك بقُديد) فلما نزل
(1)
الأغاني - للأصفهاني، ص 121.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، قُدَيْدًا وهو ذاهب لَقِيَهُ - في رواية عباسُ بن مِرْدَاس في ألف من بني سُلَيْم، وفي ذلك يقول:
بَلِّغْ عبَّاد الله أن محمدًا
…
رسولُ الإله راشدًا أين يَمَّمَا
دعا قومه واستنصر الله ربه
…
فأصبح قد وافي الإله وأنعمَا
عشية وَاعَدْنَا قُدَيْدًا "محمدًا"
…
يؤم بها أمرًا من الله مُحكمَا
حلفتُ يمينًا برَّةً لمحمد
…
فأوفيته ألفًا من الخيل مُعلمًا
سرايا براها الله وهو أميرها
…
يؤم بها في الدين من كان أظلمَا
على الخيل مشدودًا عليها دُرُعنَا
…
وخَيْلًا كدَّفاعِ اللواتي عرمرمَا
أطعناكَ حتى أسلمَ النّاسُ كلهم
…
وحتي صَبَحْنَا الخيلَ أهْل يَلَمْلَمَا
وسار العباس وقومه إلى فتح مكة ثم إلى حُنَيْن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقسم الرسول غنائم هَوَازِن، فأكثر العطايا لأهل مكة وأجزل لهم القسم ولغيرهم ممن خرج إلى حُنَيْن، حتى إنه كان يعطي الرجل الواحد مائة ناقة والآخر ألف شاة، وزوي كثيرًا من القسم عن أصحابه، فأعطى الأقرع بن حابس من تميم، وعُيينة بن حصن الفزاري من غَطَفَان، والعباس بن مِرْدَاس، عطايا فضل فيها عُيينة والأقرع على العباس، فتأثر العباس من ذلك، وما سكت على تأثره؛ لأنه كان مؤمنًا صادق الإيمان يكاشف الرسول بدخيلة نفسه، وقد جاءه وأنشده:
كانت رزايا تلافَيْتُها
…
بكري على المُهْر في الأجْرع
وإيقاظي الحيَّ أن يْرقُدوا
…
إذا هَجعَ القوم لَمْ أهجع
فأصبح نَهْبي ونَهْب العُبَـ
…
ـــــيْد
(1)
بين عُيينة والأقْرعَ
وقد كنتُ في الحرب ذا تدراءٍ
…
فلم أُعْطَ شيئًا ولم أُمْنَعِ
وما كان حِصْنٌ ولا حَابس
…
يفوقان مِرْداس في مُجْمَع
وما كنْتُ دون امرىْ منهما
…
ومن تَضَعِ اليوم لا يُرْفَع
فبلغ قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه، فقال له: أنت القائل:
أصبح نهبي ونهب العبيـ
…
ـــد بين الأقرع وعُيينة
(1)
العُبيد - بضم العين المهملة وفتح الباء التحتية الموحّدة -: اسم فرس العباس بن مِرْدَاس.
فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لَمْ يقل ذلك، ولا والله ما أنت بشاعر، ولا ينبغي لك الشعر وما أنت براوية، قال: فكيف؟ قال: فأنشده أبو بكر رضي الله عنه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: هما سواء، لا يضرك بأيهما بدأت: بالأقرع أم بعيينة. وقال رسول الله: اقطعوا عني لسانه، وأمر بأن يعطوه من الشَّاءِ والنَّعَمِ ما يرضيه، ليمسك، فأُعْطِيَ
(1)
، وهكذا كان العباس من المؤلفة قلوبهم.
ويقول عبد البديع صقر: إن العباس بن مِرْدَاس وُلِدَ في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
(2)
، ولم أر هذا القول لغيره فيما لديّض من المراجع، فإنها تكتفي بأن تقول: إنه مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وأسلم.
ومن رأيي أنه إذا كان قول عبد البديع صقر مطابقًا للواقع فلابد أن يكون مولد العباس في الحقبة التي سبقت البعثة النبوية إما بقليل أو أكثر من القليل، وذلك لأننا نعرفُ العباس بن مِرْدَاس، وهو فارس وشاعر في عام فتح مكة، ونعرفه قبل ذلك بطلًا معلمًا خاض المعارك مع خُفاف بن ندبة السُّلَمي، وقال في حروبه معه شعرًا نشرنا شيئًا منه، وعام الفتح هو السنة الثامنة للهجرة - بين الفتح ومولد الرسول صلى الله عليه وسلم حقبة من الزمن هي واحد وستون عامًا، فإذا كان عباس بن مِرْدَاس ولد في حياة الرسول فمولده - على ما نقدر - في العقد الثاني من عمره صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا أنه كان وقت البعثة شابا مكتمل الشباب، وسنه حول العشرين عامًا، وعندما كان الفتح وهو بعد البعثة بواحد وعشرين عامًا كان في آخر أيام شبابه، فهو يومئذ يقف على عتبة الكهولة والنضج، ونحن نراه قبل الفتح زوجًا لحبيبة السُّلَمية التي لَمْ ترضَ عن تحوله إلى الإسلام، فارتحلت عنه وهجرته مفارقة له، ونحن نراه قبل الفتح ذا خيل وإبل ولأنْعَامِهِ راعٍ خاص بها، كما نراه قبل إسلامه سادنًا للصنم الذي كان والده يرعاه وقد أوصاه به وبعبادته بعد وفاته ففعل، ومن كان كذلك لابد أن يكون رجلًا يتحمل المسئوليات ويؤثل الأموال ويعهد إليه بالمهام؛ ونحن نرى أن الحرب التي نشبت بينه وبين خُفاف، نشبت بعد البعثة النبوية وقبل فتح مكة، وقد كانت رحاها تدور بينهما قبل إسلامه وقبل إسلام
(1)
الأغاني - لأبي الفرج الأصفهاني، ص 121 - 126، الجزء الثالث عشر، القسم الأول.
(2)
شاعرات العرب، ص 62، منشورات المكتب الإسلامي ببيروت.
خصمه وابن عمه: خُفاف بن ندبة، ولا يقوم بأعباء حرب كهذه إلَّا رجلٌ قوي البِنْيَةِ مكتمل الشباب والفتوة:
وظل العباس بن مِرْدَاس على بداوته - بعد الإسلام - كان أليف الفيافي، فلم يسكن بعد إسلامه مكة ولا المدينة، ولم يُقِمْ في أي بلد إقامة دائمة، وكان إذا حضر إحدى غزوات النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يلبث أن يعود بعدها إلى مضارب قومه في قلب البادية، يستنشق نسيمها العليل، ويأنس بنغمات طيورها البرية، ويرتاح إلى عشبها وأشجارها، ويهفو إلى صحوها وغيمها، ويغرم بصحاراها وجبالها وأوديتها، وقالوا: إنه قدم البصرة مع من قدموا إليها من قومه بعد تمصيرها في خلافة عمر بن الخطاب، ولكنه لَمْ يتخذها موطنًا، كما اتخذها غيره من بني عمومته، بل إنه عاد لسكني البادية التي تخفق الأرواح في أبياتها الشَّعَرَيَّة أو الجِلْدِيَّة، وكان منزله بالعقيق مما يلي سفوان.
وقد حرَّم على نفسه الخمر وهو في الجاهلية، وهذه مزية نفسية تدلنا على أنَّه كان لبيبًا وذا رأي قويم في بعض الأمور الضارة أو النافعة للصحة العامة والخاصة، وللمروءة والكرامة الإنسانية، فالخمر أُمُّ الخبائث وشُرْبُها يؤدي إلى ارتكاب المحرمات الأخرى؛ لأنَّها تسلب عقْلَ العاقل وكرامة الكريم ولُبَّ اللبيب، وقليل هم الذين حرموها على أنفسهم من عرب الجاهلية في الفترة الأخيرة، لشفوف أذهانهم وانجلاء بصائرهم وتفهمهم لعواقبها الوخيمة على الفرد والمجتمع.
توفي العباس بن مِرْدَاس في الشام سنة 16 هـ وله من الأولاد: جاهمة أو جلهمة وله صحبة، وأُبيٌّ، وسعيد. ومن ذرية جاهمةَ، عبدُ الملك وهارون ابنا حبيب، ومن ذرية سعيد، بكار بن أحمد بن عبد الله بن سعيد المُحدِّث العابد، مات بمصر.
خصائص شعره
يمتاز شعر عباس بن مِرْدَاس بالطراوة والطلاوة مع الوضوح، ومع أنه بدوي موغل في البداوة أليف صحراء ووهاد ونجود، ورب سيف وخَوَّاض معارك، فإن شعره الذي بين أيدينا كان رطبًا سلسًا خفيف الروح، لا تجد فيه شيئًا من
جفاف البداوة، ولا شيئًا من عنجهية الجاهلية، ويمكن أن نشبهه في هذه الناحية بالنابغة الذبياني من غَطَفَان، مع الاختلاف بينهما في سعة الأفق، وفي أن النابغة قد يقول من الشعر ما لا يختلف عن أضرابه في كزازة اللفظ وجهامة التعبير بعض الأحيان. وفي ديوان شعره شواهد واضحة على هذا المسلك الجاهلي الماثل في كثير من الشعر العربي الجاهلي، إلى جانب شعره الرطب السمح الجميل.
ونحن نتحدث هنا (خاصة) عن شعر عباس بن مِرْدَاس قبل إسلامه، أما شعره بعد الإسلام فقد صقلته تعابير الإسلام، وصقله وهذَّبه الإسلام، ومصطلحاته الرائعة الجديدة على دنيا العرب وحياتهم.
نماذج من شعره الجاهلي
كان قيس بن شيبة السُّلَمي من رهط العباس بن مِرْدَاس باع بمكة متاعًا من أُبَيٍّ بن خلف القرشي، فلواه وذهب بحقه، فاستجار برجل من بني جُمَح فلم يُجِرْهُ، فقال قيس:
يا آل قصي كيف هذا في الحرم
…
وحرمة البيت وأخلاق الكرم!
أُظلم لا يُمنع عني من ظلم
فبلغ العباس بن مِرْدَاس قوله، فقال:
إن كان جارك لَمْ تنفعك ذمته
…
وقد شربت بكأس الذل أنفاسا
فَأتِ البيوت وكن من أهلها صَدَدًا
…
لا تلق نادمهم فُحشًا ولا بأسا
وثم كن بفِنِاءِ البيت معتصمًا
…
تلق ابن حرب وتلق المرء عباسا
قَرْمَيْ قريش وحَلًا في ذؤابتها
…
بالمجد والحزم ما عاشا وما ساسا
ساقي الحجيج وهذا يا سر فلج
…
والمجد يورث أخماسًا وأسداسا
(1)
ويبدو أن قيسًا أخذ بنصيحة عباس بن مِرْدَاس فرد العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب عليه ماله، وكان ذلك سَبَب حلف الفضول الذي قام على رد المظالم.
(1)
ديوان العباس بن مِرْدَاس، جمع وتحقيق الدكتور يحيى الجبوري، ص 75 و 76، طبع بغداد. وقول العباس في أبيات الشعر السينية:(وكن من أهلها صددًا) أي كن قريبًا من أهلها.
وقال العباس بن مِرْدَاس يهجو خُفاف بن دبة السُّلَمي، وطالما تلاحيا وتهاجيا وتقاتلا في جاهليتهما:
أراني كلما قاربت قومي
…
نَأوا عَنِّي وقَطْعُهُمُ شديدُ
سَئِمْتُ عتابهم فصفحتُ عنهم
…
وقلتُ: لعل حلمهمُ يعودُ
وعَلَّ الله يمكن من خُفَافٍ
…
فأسقيه التي عنها يحيدُ
بما اكتسبت يداه وجَرَّ فينا
…
من الشحنا التي ليست تبيدُ
فإنِّي لو يؤدبني خُفَافٌ
…
وعَوْفٌ والقلوب لها وقودُ
وإني لا أزال أريد خيرًا
…
وعند الله من نعم مزيدُ
فضاقت بي صدورهم وغُصَّتْ
…
حُلُوقٌ ما يبض لها وريدُ
متى أبعدْ فشرهمُ قريب
…
وإن أقْرُبُ فَوُدَّهُمُ بعيدُ
أقول لهمْ وقد لهجوا بشتمي
…
ترقوا يا بني عوف وزيدوا
فما شتمي بنافع حَيِّ عَوْف
…
ولا مثلي بضائره الوعيد
فما أدري وما يدريه عَوفٌ
…
أينفعني الهبوط أم الصعود؟
أتجعلني سَرَاةُ بني سُلَيْم
…
ككلب لا يهر ولا يصيد
كأني لَمْ أقُدْ خيلًا عتاقًا
…
شوازِبَ مثلُها في الأرض عود
أُجَشِّمُها مَهَامِهَ طامسات
…
كان رمال صحصحها قعود
عليها من سراة بني سُلَيْم
…
فوارس نجدة في الحرب صيد
فأُوْطِئُ مَنْ تريدبني سُلَيْم
…
بكلكلها ومَن ليست تريد
(1)
تلوح من هذه القصيدة من شعر عباس بن مِرْدَاس مسحة من الألم المكبوت، وشكوي مكنونة من الاستخفاف به الذي لمسه من بني قومه - وربما كان ذلك منهم إبَّان القتال الناشب بينه وبين ابن عمه "خفاف" - وهو يذكر هنا أسماءً معينة، يوجه إليها قوارص العنب واللوم والتقريع جزاء شتمهم له، وهؤلاء هم:
(1)
ديوان العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي، ص 42 و 43.
حَيُّ عَوْفٍ
(1)
الذين لهجوا بشتمه؛ وقد ضمهم إلى خفاف في استنكار موقفهم منه، وقد خاطبهم بقوله:(ترقوا في سلم شتمني وزيدوا فما يشفي غيظكم شتمي ولا يضرني وعيدكم)، وشعره هذا شعر جاهليٌّ بالنسبة إليه؛ لأنه يتحدث فيه يوم قاله عن الملابسات القائمة فيما بينه وبين خفاف من هجاء وملاحاة وقتال.
وهجا عباس بن مِرْدَاس عمرو بن مَعْد كرب المرادي من مَذْحِج القحطانية بقوله:
ألا أبلغا عمرًا على نأى داره
…
فقد قُلْتَ قولًا جائزًا غير مهتد
أُتهْدِى الهجاء لامرئ غير مفحم
…
وتُهْدِي الوعيد لامرئ غير مُوعَدِ
فإن تلقني تلق امرءًا قد بلوته
…
حديثًا وإن تفجر عليَّ، تُفَنَّدِ
ألا تعلمن يا عمرو أني لقيتكم
…
لدى مَأْقط والخيل لَمْ تتبددِ
وعَرِّدَ عني فارساكم كلاهما
…
وقد علمًا بالجزع أن لَمْ أعرِّدِ
وما زلت أحمي صخحبتي وأذودكم
…
برمحي حتى رُحْتُ قطرا بمفردي
ويُذكر أن عمرو بن مَعْد كرب فرَّ من العباس في إحدى المعارك وأن العباس أسر أخته ريحانة، وقال في ذلك شعرًا.
ومن قصائده "المنصفات" - ومعنى المنصفات: القصائد التي يُنصف فيها الشاعر خصومه الحربيين فيذكر ما حدث له ولقومه، وللخصوم معًا من نصر وهزيمة، وإقبال وإدبار، وكر وفر - من هذه القصائد قصيدته السينية المثبتة في ديوانه الذي جمعه وحققه الدكتور يحيى الجبوري (طبع بغداد)، ومطلعها قوله:
لأسماء رسم أصبح اليوم دارسا .. وأقفر منها رَحْرَحانُ فراكسا
(2)
(1)
هم بنو عوف بن بُهْثَة ونزحوا إلى مصر أواخر القرن الرابع للهجرة ثم شمال إفريقيا ضمن غزوة السُّلَمية والهلالية بعد عام 442 هـ.
وقد أثنى العباس بعد ظهور الإسلام في فتح مكة وغزوة حُنَيْن علي بني عوف بن بُهْثَة (انظر أشعاره).
(2)
يبدو أن في هذا البيت أقواءً
…
إذ الفصيح أن يقول: فراكس؛ لأنه معطوف على (رحرحان) المرفوع لكونه فاعلا لـ (أقفر)، والمعطوف على المرفوع مرفوع لا منصوب.
وفي هذه القصيدة يذكر لنا أن "المتغزل فيها":
تضوع منها المسك حتى كأنما
…
تَرَجَّلُ بالريحان رطبا ويابسا
و (تَرَجَّلُ) بمعني تُسَرِّحُ الشَّعرَ، ومن هذا يبدو أن تسريح شعر النساء بالريحان رطبًا ويابسًا عادة كانت لديهن مألوفة في الجاهلية.
وقد قطع عباس نسيبه في "أسماء" قطعًا، بالانصراف إلى شئون أعدائهم فقال:
فَدَعْها ولكِنْ قد أتاها مَقادُنا
…
لأعدائنا تُزْجى الثِّقالَ الكوادِسا
إلى أن يقول:
سَمَوْنا لهم سبعًا وعشرين ليلة
…
نجوب من الأعراض قفرًا ويابسا
وهو يصف بُعْدَ منازل أعدائهم الذين غزوهم في عقر دارهم، مصعدين، لأنَّ منازلهم بتثليث قرب نجران، وتثليث بعيدة عن منازل بني سُلَيْم .. هي في الجنوب، وهم في الشمال، قال:
فبتنا قعودًا في الحديد وأصبحوا
…
على المركبات يجردون الأيابسا
فلم أرَ مثل الحيَّ حيًّا مُصَبَّحًا
…
ولا مثلنا لَمَّا التقينا فوارسا
أكرَّ وأحْمي للحقيقة منهم
…
وأضْرَبَ مِنَّا بالسيوف القوانسا
وبينما يصف الشاعر هنا قومه بالفروسية والبطولة، يثني فيصف أعداءهم بأنهم أكَرُّ على الأبطال وأحمي للحقيقة، وبأن قومه هو - بني سُلَيْم - أضربُ للأبطال بالسيوف، وهذا إنصافٌ من الشاعر.
ويعود إلى وصف شجاعة قومه فيقول:
وأحْصنَنَا منهم فما يبلغونا
…
فوارسُ مِنَّا يحبسون المحابسا
وهو هنا يصف لنا موقف قومه الدفاعيَّ - وهذا إنصاف آخر منه - فما أحسن الحقيقة حين تقال في مثل هذه المواقف.
ثم يعود ليُفَصِّلَ موقف الجانبين المتساوي إزاء بعض في حومة الوغى فيقول:
إذا ما شددنا شَدَّةً نَصَبُوا لها
…
صدور المَذاكي والرِّماح المداعسا
والمذاكي من الخيل ما دخل السنة السادسة، والمَداعِسُ من الرماح: الغليظ الشديد الذي لا ينثني، ومعنى دعسه بالرمح: طعنه به، كما فسرناه في مكان آخر من هذا الكتاب.
وهنا ينصف عباس إنصافًا صريحًا واضحًا، فيصف لنا الموقف المتكافئ بين قومه وعدوهم على حقيقته دون تحيز .. إذ يقول: إنَّا إذا شددنا عليهم شدة، أي إذا هجمنا عليهم هجومًا شديدًا، قابلوا هجومنا الشديد بصدور الرماح وصدور الخيل المسومة، فنقف هجومنا وتتوازن كفتا القتال الدائر بيننا وبينهم عندها فلا غالب ولا مغلوب.
ويعتذر عن أسباب غزوهم المراد في "تثليث" النائية عنهم، وهم قوم شُوسٌ مغاوير وليوث حرب، بقوله:
نطاعن عن أحْسابنا برماحنا
…
ونضربهم ضرب المُذِيذ الخَوامسا
ويعود إلى تبيان فعاله في هذه الحرب الضروس المتكافئة:
وكنتُ أمام القوم أوَّل ضارب
…
وطاعنتُ إذ كان الطِّعانُ تَخَالُسا
ولا يكتفي بمديح بطولته التي جعلته أمام القوم أول ضارب، فنراه يستشهد على تقدمه لغيره من الأبطال في الإقدام في ساحة المعركة بشهود عدول أحياءٍ شاهدوا موقفه المشرف:
فكان شهودي مَعْبَدٌ ومُخارِق
…
وبِشْرٌ، وما استشهدتُ إلَّا الأكايِسا
لكنه يعود، فيفيد سامع شعره وقَارِئَهُ بأنه لَمْ يكن (منفردًا) في مقدمة الصفوف بل كان معه ابنا صُرَيْمِ دارعَيْنِ - أي لابِسَيْنِ للدروع الواقية من وقع السيوف وطعن الرماح، ومعهما عُرْوَة أيضًا، وإنصافًا لهؤلاء الأبطال الأماجد الثلاثة الذين شاركوه في الإقدام وتقدم الصفوف للنزال والضرب والطعان يقول:
مَعِي ابنا صُرَيْمِ دارعانِ كلاهما
…
وعُرْوَةُ لولاهم لَقيتُ الدَّهارسا
ومن إنصافه أن يقول: إنه لولا حماية هؤلاء النفر الثلاثة له لَلَقِيَ الدَّواهي؛ فالدهارس هي الدواهي.
ويستمر في وصف وقائع المعركة فيقول: فأما زيد فقد مارس الإقدام، لولا إقصار خُطا مهره، وبنو سُلَيْم كانت الخيل لديهم كثيرة وفيرة - كما قدمناه:
ومارس زيد ثم أقصَر مهره
…
وحقَّ له في مثلها أن يمارسا
ولعنترة في معلقته وصف يماثل ما وصف به العباس "زيدًا"، يقول عنترة:(ولكني تضايق مقدمي).
وأما قُرَّة فكان موقفه حمَايَةَ المنهزمين والمتفرقين في المعركة، وطَعْنَ الأعداء بقوة وضراوةً، فلله دره من فارس مغوار:
وقُرَّةُ يحميهم إذا ما تبددوا
…
ويطعنهم شزرًا فأْبَرحْت فارسا
ويجلي لنا الموقف تمامًا أنَّ بني سُلَيْم في غزوهم لمراد في أرضهم: "تثليث" تمكنوا من (جَرْحِ) الكثير من رجالهم فقط، ولم يجهزوا عليهم، ولو مات الجرحى من أعدائهم لاغتبطت الضباع هنالك بكثرة القتلي، والسبب في عدم تمكين السُّلَميين الغزاة من القضاء على خصومهم يعود إلى أن هؤلاء الخصوم كانوا يلبسون الدروع المضاعفة، فلا تصل إلى أجسامهم سيوف بني سُلَيْم ولا رماحهم:
ولو مات منهم مَنْ جَرَحْنا لأصبحت
…
ضِبَاعٌ بأكناف الأراك عرائسا
ولكنهم في "الفارسي" فلا يُرَى
…
من القوم إلَّا في المُضَاعَفِ لابسا
ويقصد بـ "الفارسي" هنا، الدروع الفارسية المضاعفة، أي المنسوجة حلقتين حلقتين، فهي لذلك تَقي لابسها من الضرب والطعن.
ويزيدُ الموقِفَ (انجلاءً): فيذكر أن أعداءهم إذا تمكنوا من قتل كريم منهم فإنهم هم أيضًا قد قتلوا به منهم قتلى ذلك أنوفهم، فقد قتلوا بالقتيل السُّلَمي الواحد، خمسة بل ستة من أعدائهم:
فإن يقتلوا منا كريمًا فإننا
…
أبانا به قَتْلًا تُذِلُّ المعَاطِسا
قتلنا به في ملتقى الخيل خمسة .... وقاتِلَه زِدْنا مع الليل سادسا
وقد اقتضى المشهد هنا أن يبرز شهامة قومه وإباءهم في الحروب، وتقدمهم إليها كما يتقدم حبيب لحبيبٍ:
وكنا إذا ما الحرب شَبَّتْ نَشبُّها
…
ونَضْربُ فيها الأبْلَجَ المتقاعسا
والأبلجُ: "المتكبر" والمتقاعس: "المتمنع" الذي لا يطأطئ رأسه.
وهنا يختم الشاعر قصيدته المنصفة، بوصف شامل لما حدث في الصدام المسلح بينهم وبين مُراد، فيقول:
فأُبْنا وأبقى طعْنُنا في رماحنا
…
مَطَارِدَ خطِّيٍ وحُمْرًا مَداعِسا
والمطارِدُ: ما يبقى من الرماح إذا انكسرت، والخطيُّ: الرمح المنسوب إلى خط البحرين.
وجُردًا كأنَّ الأُسْدَ فوق مُتُونها
…
من القوم مَرءوسًا وآخر رائسا
وهكذا عاد الغزاة السُّلَميُّونَ من صدام مسلَّح لَمْ يكن لهم فيه نصر ولا انكسار، ولكنهم حققوا في غزوتهم معنى البطولة، ودافعوا بالهجوم البعيد المدى الذي شنوه على أعدائهم في عقر ديارهم عن أعراضهم وسمعتهم وشرفهم وحماهم - والهجوم من أنجح وسائل الدفاع وأنجحها قديمًا وحديثًا -.
هذا، وقد ذكَّرني (اختتامُ) العباس بن مِرْدَاس (لسينيته المنصفة) هذه بقول عمرو بن كلثوم التغلبي في (قصيدته المنصفة) - معلقته النونية المعروفة:
فآبوا بالنهاب وبالسبايا
…
وأُبْنا بالملوك مصفدينا
ويبدو أن العباس كان على علم بقول عمرو بن مَعْد كرب له من قصيدة سينية أو هما بيتان فقط:
أعباس لو كانت شيارًا جيادَنا
…
بتثليث ما ناصَبْتَ بعدي الأحامسا
ولكنها قِيدتْ بصعدة مُرَّةً
…
فأصبحن ما يمشين إلَّا تكاوُسا
نماذج أخرى من شعره الإسلامي
لَقَّبْنا عباس بن مِرْدَاس السَّلَمي، بشاعر حُنَيْن، لما اتضح لنا من دراسة شعره الإسلامي، من أنه أكثر من قال الشعر في يوم حُنَيْن وأنداهم صوتًا، وخاصة أنه شهد المعركة مع بني سُلَيْم وخاض معهم غمارها، ومن ذلك قوله:
فإني والسوانح يوم جَمْعٍ
…
وما يتلو الرسول من الكتابِ
لقد أحببتُ ما لَقِيَتْ ثقيفًا
…
بجنب الشعب أمس من العذابِ
ركضنا الخيل فيهم بين بَسٍّ
…
إلى الأورال تنحط
(1)
بالنهابِ
بذي لجب رسول الله فيهم
…
كتيبته تَعَرَّضُ للضِّرابِ
ومن ذلك قوله أيضًا في يوم حُنَيْن:
ويوم حُنَيْن حين سارت هَوَازِن
…
إلينا وضاقت بالنفوس الأضالعُ
صبرنا مع الضحَّاك لا يستفزنا .... قِراع الأعادي منهم والوقائعُ
أمام رسول الله يخفق فوقنا
…
لواء كخذروف
(2)
السحابة لامع
عشية ضحَّاك بن سفيان معتص
…
بسيف رسول الله والموت كانع
(3)
إلى أن يقول:
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى
…
مصالًا لكنا الأقربين نُتَابِعُ
ولكن دين الله دين محمد
…
رضينا به في الهدى والشرائع
أقام به بعد الضلالة أمرنا
…
وليس لأمر حَمَّةُ الله دافع
يقول في الأبيات الثلاثة الأخيرة: إنهم يقاتلون إخوتهم (هَوَازِن) الذين تجمعهم بهم وشيجة النسب في (قيس) - يقاتلونهم عن إخوتهم في الإسلام الذين يربطهم ببعض ما هُوَ أقوى من وشيجة النسب من كثب، وإن بني سُلَيْم لو كانوا يرون في حكم الدين مصالًا ومجالًا أو تطاولًا على النّاس لكانوا مع الأقربين
(1)
في ديوانه: الأوراد، وقال جامع الديوان ومحققه: موضع عند حُنَيْن. أما الأورال باللام فهو ما ورد في السيرة، والأورال: أجبل ثلاثة سود بجانبها ماء لبنى عبد الله بن دارم من تميم. ومعنى تنحط بالنهاب: أي تخرج أنفاسها عالية بما تنهب.
(2)
خذروف السحابة: طرفها، أراد بذلك سرعة تحرك هذا اللواء المظفَّر.
(3)
معني (معتص): ضارب بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم والضحَّاك بن سفيان هو من بني كلاب من بني عامر من هَوَازِن، أمَّره رسول الله على بني سُلَيْم وكان قائدهم في معركة حُنين. وحذف الألف واللام في (الضحَّاك) لضرورة وزن الشعر.
نسبًا: أي مع هَوَازِن في حربها الضروس للإسلام، ولكن الإسلام فَرَّق بين بني سُلَيْم، وهَوَازِن إذ ذاك بحق .. فبنو سُلَيْم دخلوا الإسلام، وهَوَازِن ما زالت على شركها القديم: ويقول: إننا مع ذلك نريد لهم الهداية والرشاد.
وللعباس بن مِرْدَاس غير هذه القصائد والأبيات شعر كثير في غزوة حُنَيْن، ضمنه كلّ ما يطفح به قلبه المؤمن من ذكريات رائعة لانتصار الإسلام وعظمة الإسلام.
على أنَّ من أروع ما قاله في يوم حُنَيْن، قصيدتَهُ (الكافيَّة) التي استهلها بمدح المصطفي صلى الله عليه وسلم، وقد ضمنها الإشادة بشجاعة الضحَّاك بن سفيان الكلابي قائد بني سُلَيْم البطل الذي عينه الرسول قائدًا عليهم.
قال:
يا خاتم النُّباء! إنك مرسل
…
بالحق كلُّ هُدي السبيل هُداكا
إن الإله بني عليك محبة
…
في خلقه و (محمدًا) سمَّاكا
ثم الدين وفوا ما عاهدتم
…
جُنْدٌ بعثت عليهم الضحَّاكا
رَجُلًا به درب السلاح كأنه
…
لما تكنفه العدو براكا
يغشي ذوي النسب القريب وإنما
…
يبغي رضا الرَّحمن ثمَّ رضاكا
أُنْبيِكَ أني قد رأيت مَكَرَّهُ .. تحت العجاجة يدمغ الاستراكا
طورًا يعانق باليدين وتارة
…
يفري الجماجم صارِمًا بتَّاكا
يخشي به هام الكُماة ولو تري
…
منه الذي عاينتُ كان شفاكا
و"بنو سُلَيْم" مُعْنِوق أمامه
…
ضَرْبًا وطعنًا في العدو دِراكا
يمشون تحت لوائه وكأنهم
…
أسْدُ العرين أرَدْنَ ثَمَّ عراكا
ما يرتجون من القريب قرابة
…
إلَّا لطاعة ربهم وهواكا
هذي مشاهدنا التي كانت لنا
…
معروفةٌ وَوَلِيُّنَا مولاكا
(1)
(1)
سيرة ابن هشام وغيرها.
خُفَاف بن عمير السُّلَمي
أحد شعراء بني سُلَيْم المعروفين، وصفه الأصمعي حينما سُئل عنه، وعن عنترة العبسي من غَطَفَان، والزبرقان بن بدر من بني تميم، بقوله:(هؤلاء أشعر الفرسان، ومثلهم عباس بن مِرْدَاس السُّلَمي) ولم يقل أنهم فحول
(1)
.
ولخُفاف ترجمة وافية سبقت لنا في فصل: (صحابة من بني سُلَيْم) اكتفينا بها عن تكرار ترجمته في هذا الفصل، حيث إن في تلك مقطوعات طيبة من شعره.
الفَرَّار السُّلَمي
(حيَّان بن الحكم)، شاعر مخضرم، صحابي، وكان أحد أصحاب راية بني سُلَيْم يوم فتح مكة، وتقدمت ترجمته في فصل:"صحابة من بني سُلَيْم" أيضًا، وله شعر جزل رصين. وقد مكنته شاعريته القوية من أن يُحَسِّنِ (الفِرَارَ) على قبحه حتى حَسْن، قال:
وكتيبة لَبَّسْتُهَا بكتيبةٍ
…
حتى إذا التبستْ نفضتُ لها يدي
فتركتهم تَقِصُ الرماحُ ظهورَهم
…
ما بين مقتول وآخر مسند
هل ينفعني أن تقول نساؤهم،
…
(وقُتِلْتُ دون رجالها) لا تبعد
(2)
ويذكرنا تحسينه للفرار في شعره هذا، بقول الحارث بن هشام حين فرَّ عن أخيه أبي جهل بن هشام، واعتذر عن ذلك في قوله:
الله يعلم ما تركتُ قتالهم
…
حتى عَلَوْا فرسي بأشقر مُزْبِدِ
وشممتُ ريح الموت من تلقائهم
…
في مأزق والخيل لَمْ تتبددِ
وعلمت أني إن أقاتل واحدًا
…
أُقْتَلْ ولا يضررْ عدوي مشهدي
فصدرتُ عنهم والأحبةُ فيهم
…
طمعًا لهم بعقاب يومٍ مُرْصَدِ
(1)
الموشح للمرزباني، ص 120، طبع دار النهضة، مصر، 1965 م.
(2)
العقد الفريد - لابن عبد ربه، ص 139 و 140، المجلد الأول، وفي شرح ديوان الحماسة:(ما بين منعفر وآخر مسند)، والمنعفر: الملقي في التراب .. فالمعنى واحد جاء في القاموس المحيط أن المترجم (حبان) - بالباء التحتية الموحّدة -؛ لأنه أورد اسمه في (مادة حب).
وكان حسان بن ثابت شاعر الأنصار قد هجا الحارث بقصيدة - بسبب فراره - يقول فيها:
إن كُنْتِ كاذبة الذي حَدَّثْتِني
…
فنجَوْتِ منجي الحارث بن هشام
تَرَكَ الأحبة أن يُقاتِل دونهم
…
ونجا برأسِ طِمرةٍ ولجام
وأبيات الحارث المتقدمة قالها جوابًا عن هجاء حسان هذا.
مالك بن عمير السُّلَمي
صحابي وشاعر. له حديث رواه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الشعر، راجع ترجمته في فصل:(صحابة من بني سُلَيْم).
أبو شجرة: عمرو السُّلَمي
هو عمرو بن عبد العُزَّى بن عبد الله بن رواحة بن مُلَيْلٍ - بضم الميم بعدها لام مفتوحة فياء ساكنة فلام - ابن عُصية، أمُّه الخنساء الشاعرة، أورد ابن حزم أنه شاعر
(1)
.
ارتد أبو شجرة مع من ارتد من قومه في خلافة أبي بكر، وله شعر في ذلك يقول فيه:
فلو سألت عنا غداة مُزامِرٍ
…
كما كنتْ عنها سائلًا لو نأيْتُها
لقاء بني فهر
(2)
وكان لقاؤهُمْ
…
غداة الجواء حاجةً فقضيتُها
صبرتُ لهم نفسي وعَرَّجتُ مُهْرتي
…
على الطعن حتى صار وردًا كُمَيْتُهَا
إذا هي صدت عن كَميِّ أريده
…
عَدَلْتُ إليها صدرها فهديتُها
وقال في ردته عن الإسلام:
صحة القلب عن مَيٍّ هواه وأقصرا
…
وطاوع فيها العاذلين فأبْصرا
وأصبح أدنى رائد الجهل والصِّبَى
…
كما وُدِّها عنا كذاك تغيِّرا
وأصبح أدنى رائد الوصل منهم
…
كما حبلها من حبلنا قد تبتَّرا
(1)
جمهرة أسباب العرب، ص 261.
(2)
يعني قريش.
ألا أيها المُدْلي بكثرة قومه
…
وحظك منهم أن تُضام وتُقهرا
سل النّاس عنا يوم كلّ كريهة
…
إذا ما التقينا دارعين وحُسَّرا
ألسنا نعاطي ذا الطماح لجامه .... ونطعن في الهيجا إذا الموت أقفرا
وعارضةٍ شهباء تخطر بالقنا
…
ترى البُلق في حافاتها والسنورا
فروَّيْتُ رمحي من كتيبة خالد
…
وإني لأرجو بعدها أن أُعَمَّرا
وقد عُمِّرَ أبو شجرة بعد الردة كما رَجَا، ومن حسن حظِّه أن أسلم ودخل فيمن دخل فيه النّاس.
أبو شجرة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه
-
وفي زمن عمر بن الخطاب قَدِم أبو شجرة المدينة، وأناخ بصعيد بني قريظة - وإخالة شرقي المدينة حيث حَرَّةُ بني قريظة؛ لأنَّ هذه الناحية هي الموالية لبلاد بني سُلَيْم - ثم أتى عمر وهو يعطي المساكين من الصدقة ويقسمها بين فقراء العرب، فقال: يا أمير المؤمنين! أعْطِني فإني ذو حاجة. قال: ومَنْ أنت؟ قال: أبو شجرة بن عبد العُزَّى السُّلَمي، قال عمر: أبو شجرة؟! أي عَدُوَ الله! أَلَسْتَ القائل:
فَروَّيْتُ رمحي من كتيبة خالد
…
وإني لأرجو بعدها أن أُعمَّرا
ثم جعل عمر يعلوه بالدِّرَّة - السَّوطِ - في رأسه حتى سبقه أبو شجرة عَدْوًا. فرجع أبو شجرة إلى ناقته فارتحلها ثم أسندها في حرَّة شَوران
(1)
راجعًا إلى أرض بني سُلَيْم، وقال يحكي ما حدث بينه وبين عمر بن الخطاب في المدينة:
ضَنَّ علينا "أبو حفص" بنائله
…
وكل مختبط يومًا له ورق
ما زال يُرهِقَني حتى خذيِتُ له
…
وحال من دون بعض الرغبة الشفق
لما رَهَبْتُ "أبا حفص" وشرطته
…
والشيخُ يفزع أحيانًا فينحمق
ثُم ارعويت إليها وهي جانحة
…
مثل الطريدة لَمْ ينبت لها ورق
(1)
شوران - بفتح الشين وسكون الواو -: جبل مطل على السد مرتفع بجنوب غرب المدينة المنورة، وفيه مياه كثيرة يقال لها: البحيرات، وعن يمينك حينئذ عير، وبحذاء شوران هذا جبل ميطان (معجم البلدان الياقوت الحموي مادة "شور").
أوْرَدْتُها الخل من شَوْران صادرة
…
إني لأزري عليها وهي تنطلق
تطير مَرْوُ أبان عن مناسمها
…
كما توقد عند الجهبذ الورق
إذا يعارضها خَرْقٌ تُعارضه
…
وَرهاءُ فيها إذا استعجلتها خَرَقُ
ينوء آخرها منها بأولها
…
سُرْح اليدين بها نهاضة العنق
(1)
ولقصة أبي شجرة مع عمر بن الخطاب ذكر في كتاب "الكامل للمبَّرد
(2)
.
نضلة السَّلَمي
شاعر من بني سُلَيْم، روي له ثعلب في "مجالسه" شعرًا قاله في قصة خلاصتها أن أنفارًا من بني سُلَيْم مروا على رجل مُزَنّيٍ من قبيلة مُزَيْنَة في إبل له، فاستسقوه لَبَنًا فسقاهم، فلما رأوا أنه ليس في الإبل غيره، ازدروه، فأرادوا أن يستاقوها!، فجالدهم حتى قتل منهم رجلًا، وأجلى الباقين عن الإبل، فقال في ذلك رجل من بني سُلَيْم، قال "لسان العرب": إنه نضلة السُّلَمي، والأبيات هي هذه:
ألم تسأل فوارس من سُلَيْم
…
بنضلة
(3)
وهو موتور مشيِحُ
رأوه فازدروه وهو خِرقٌ
…
وينفع أهلَهُ الرجلُ القبيحُ
فَشَدَّ عليهم بالسيف صَلْتًا
…
كما عرض الشبا الفُرس الجموحُ
وأطلَقَ غُلَّ صاحبه وأرْدي
…
قتيلًا منهم ونجا جريحُ
ولم يخشو مصالته عليهم
…
وتحت الرَّغْوَةِ اللَبَنُ الصريحُ
(4)
وقد عزا الجاحظ هذه الأبيات إلى أبي مِحْجن الثقفي، ولاحظ عليه "المعلِّق" حسن المندوبي قوله:(لَمْ أجد هذه الأبيات في ديوان أبي محجن، وليس فيها ما يدلُّ على أنَّها له، ولعلها لنضلة السُّلَمي المذكور فيها باسمه وصفته).
(1)
تاريخ الطبري، ص 493 - 495، الجزء الثاني - وهكذا وردت كلمة (العنق) في المرجع المذكور، مضافًا إليها - ويجب عندئذ أن تكون مكسورة الحرف الأخير، وهذا فيه إقواء ظاهر؛ لأنَّ القصيدة مضمومة حرف الروي. وربما كانت صحتها:"عنق" بدون (آل) والعنق: محركة سير مسبطر للإبل (القاموس).
(2)
ص 388، 389، الجزء الأول. وفيه أن أبا شجرة أقبل ناقته حرَّة بني سُلَيْم
(3)
هو نضلة المزني وهو سُمّي الشاعر السُّلَمي قائل القصيدة في هذه الوقعة.
(4)
مجالس ثعلب، ص 8، القسم الأول، طبع دار المعارف بمصر.
نصر بن حجاج السُّلَمي
ك ان نَصْرٌ من أجمل العرب، وهو تابعي، وأبوه "حجَّاج" السُّلَمي من الصحابة، وقد مرت بنا ترجمته في فصل:(صحابة من بني سُلَيْم). ونصر من شعراء سُلَيْم.
وقد أورد لنا الرواة قصة افتتان بعض نساء العرب في المدينة بجماله الباهر، وحينما ثبت لدى عمر بن الخطاب - وهو خليفة - تشبيب امرأة به في أبيات شعر أنشدتها ليلًا، فسمعها أثناء عَسِّه وتجواله في سِكَكِ المدينة - غَرَبَ نصرًا عن المدينة اتقاء الفتنة به في بلد الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومجمل القصة أن "الذلفاء"
(1)
هَوِيَتْ نصرًا ودعته إلى نفسها، فزجرها ولم يوافقها، وبينما عمر يعس في بعض سِكَكِ المدينة ليلًا إذ سمع نشيد شعر من دار فوقف يتسمَّع فإذا الذلفاء تقول:
يا ليت شعري عن نفسي أزاهقة
…
مني ولم أقض ما فيها من الحاج؟!
ألا سبيلٌ إلى خمر فأشربها؟
…
أم لا سبيل إلى نصر بن حجَّاج؟!
فأمر عمر، فأُخرجت من منزلها وحَبَسَها، وحينما علمت بالسبب أنِفَتْ على نفسها أن يعاقبها أمير المؤمنين بما سمع منها، فكتبت إليه شعرًا تقول فيه:
قل للإمام الذي تُخشى بوادره .. ما لي وللخمر أو نَصْر بن حجَّاجِ؟
إني عنيت أبا حفص يعدهما
…
شرب الحليب وطرف قاصر ساجي
لا تجعل الظن حقًّا أو تيقنه
…
إن السبيل سبيل الخائف الراجي
إن الهوى زَمَّهُ التقوى فَخَيَّسَهُ
…
حتى أقر بإلجامٍ وَإِسْرَاجِ
فبعث إليها عمر وأطلق سراحها وقال لها: لَمْ يبلغنا عنك إلَّا خير، ومن يومئذ لقبت "الذلفاء""بالمتمنية"، وسار لقبها هذا في الآفاق، وشرَّق وغرَّب، حتى وصل إلى العراق، وعرفته نساؤه وتداولته، وضربت بها الأمثال.
(1)
جزم ابن حزم في جمهرة أنساب العرب"، بأن المرأة التي قالت هذا الشعر هي "فريعة" أم الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراق، وكانت زوجة للمغيرة بن شعبة، وقدم الدليل على رأيه في الصفحة 263.
وقالوا: إن عمر لقب نصرًا بالمُتَمَنَّى - بضم الميم الأولى وفتح الثانية وفتح النون وتشديدها - وقد أحضره إليه، فما رآه بهره جماله، فقال له: أنت تتمناك الغانيات في خدورهن؟ لا أم لك!! أما والله لأزيلنَّ عنك الجَمالَ، ثم دعا بحجَّام
(1)
، فحلق جُمته - مجتمع شعر الرأس - ثم تأمله فقال: أنت محلوقًا أحسنُ، فقال نَصْرٌ: وأيّ ذنبٍ لي في ذلك؟ فقال عمر: صدقت! الذنب لي إن تركتك في دار الهجرة. ثم أركبه جملًا وسَيَّرهُ إلى البصرة، وكتَبَ به إلى مُجاشع بن مسعود السُّلَمي
(2)
- ابن عمه - بأني "قد سَيَّرْتُ "المُتَمَنَّى" نصر بن الحجَّاج السُّلَمي إلى البصرة"، فأنزله مُجاشع منزله لقربه ولمكانته ومكانة أبيه في المجتمع السُّلَمي والإسلامي، ولابد أنه سمع من قبل ورود خطاب عمر إليه بما حدث جملةً وتفصيلًا، وأخدمه امرأته "شُمَيْلة" وكانت أجمل امرأة بالبصرة، فعلقته وعلقها، حتى انكشف أمرهما لزوجها مُجاشع، فقال لنصر:"يا ابن العم، ما سيرك عمر إلى خير، قم فإن وراءك أوسع لك". فخرج وعدل إلى منزل بعض السُّلَميين، وفي خزانة الأدب" (المسلمين) بالبصرة، ووقع لجنبه وضَنِيَ من حب شُمَيلة، ومن خدش كرامته مرتين: مُرّة على يد الخليفة في المدينة، ومرة على يد ابن عمه ومُنْزِلِه عنده ومُكْرِمَه "مُجاشع" نائب أمير البصرة في البصرة، ودنف من جراء الكبت النفسيِّ والألم النفسيّ معًا، حتى صار رحمة - لحمة - وانتشر خَبَرُه، فضرب نساء البصرة به المثل، فقلن:(أدنف مِنَ المُتَمَنَّى) .. ثم إن مُجاشعًا وقف على خبر علته فدخل عليه عائدًا، فلحقته رقَّة لما رأى من الدنف، فرجع إلى بيته، وقال لشُمَيْلة:(عزمتُ عليك لما أخذتِ خبزًا فَلَبَكْتِهِ بسمن، ثم بادرت به إلى نصر) ففعلت، فعادت إليه صحته وَبَرَأ، كأن لَمْ يكن به قلبة، فلما فارقته عاوده النكس، ولم يزل يتردد في علته حتى مات منها.
(1)
يفهم من هذا أن الحجَّامين كانوا يتولون الحلاقة مع مهنة الحجامة في عهد عمر، هذا وحسن وجوه رجال بني سُلَيْم مشهور في التاريخ، وقد وصف النَّبِيّ قدر بن عمار السُّلَمي أو قددًا كما سمته نهاية الأرب بقوله لبني سُلَيْم بعد موته:(أين الرجل الحسن الوجه الطويل اللسان الصادق الإيمان)؟، ووصفت الجهنية زوج هاشم بن حرملة الغَطَفاني له، العباس بن مِرْدَاس بقولها:(ورأيت شابا جميلًا له وفرة حسنة)، فقال هاشم بن حرملة لها: ذاك العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي.
(2)
لمجاشع هذا ترجمة في فصل "صحابة من بني سُلَيْم؛ لأنه صحابي، وترجمة في فصل: "أمراء وزعماء وفرسان ومحتسبون وقادة وولاة وموظفون من بني سُلَيْم؛ لأنه كان واليًا على البصرة بالنيابة في خلافة عمر، وربما كانت كتابة عمر بن الخطاب إليه في شأن تغريبه لنصر بن الحجاج إلى البصرة، إبان ولايته لها بالنيابة عن المغيرة بن شعبة.
تلك إحدى روايات قصة نصر بن حجاج السُّلَمي
أما "المدائني" فلم يجعل خاتمة حياته ما ذكر آنفًا، بل قال: وبعد أن أقام نصر حَوْلًا كتب إلى عمر:
لعمري لئن سَيرْتَنِي أو حرمتني
…
وما نلتُ ذنبا إنَّ ذا لحرام
وما لي ذنب غير ظن ظننتَهُ
…
وفي بعض تصديق الظنون أثام
أأن غنَّت الحوراء يومًا بمنية
…
وبعض أمانيَّ النساء غرام
ظننتَّ بيَّ الظنَّ الذي ليس بعده
…
بقاءٌ ومالي في النديِّ كلام؟
وأصبحتُ منفيا على غير ريبة
…
وقد كان لي بالمكَّتَيْنِ مقُام
ويمنعني مما يُظنُّ تكرمي
…
وآباءُ صدق سالفون كرام
ويمنعها مما تمنت صلاحُها
…
وطولُ قيام ليلها وصيام
فهاتان حالانا فهل أنت راجعي
…
وقد جُبَّ مني كاهل وسنام؟
قال صاحب الأوائل: (فلما وصلت الأبيات إلى عمر نظر فيها، وكتب إلى أبي موسى الأشعري، وأمره بالوصاة به، إنْ أحبَّ يُقيمُ بالبصرة، وإن أحبَّ الرجوع إلى المدينة فذاك إليه. فاختار نصرٌ المقام بالبصرة، ولم يزل مقيمًا بها إلى أن خرج أبو موسى إلى محاربة أهل الأهواز، فخرج معه نصر بن حجَّاج في الجيش، وحضر معه فتح تستر)
(1)
.
ويفهم من الرواية التي أوردها ابن الحجاج في كتابه (من سُمِّيَ من الشعراء عمرًا) أن نصرًا هذا عاش حتى زمن معاوية بن أبي سفيان، وقد أوردنا نص هذه الرواية في ترجمة عمرو بن أبي سفيان أبي الأعور السُّلَمي في الفصل الذي ذكر فيه فوارس سُلَيْم من هذا الكتاب.
ولنا هنا ملاحظات على هامش رواية المدائني لخاتمة قصة نصر بن الحجاج.
أولًا - إن لَقَبَيَ (المُتمنِّية) و (الْمُتَمَنِّى) اللذين وُسِمَ بهما كلّ من الذلفاء أو
(1)
خزانة الأدب - لعبد القادر البغدادي، ص 108 - 111، الجزء الثاني.
الفريعة، ونصر بن حجَّاج، قد بلغا من الاستقرار في النفوس والمجتمعات إلى حد جعل نصرًا نفسه يشير إليهما إشارة واضحة حين يقول في الأبيات التي بعث بها إلى عمر:
ويمنعني مما يُظنُّ تكرمي
…
وآباءُ صدق سالفون كرام
ويمنعها مما تمنت صلاحُها
…
وطولُ قيام ليلها وصيام
ثانيًا - أرى أن لنصر الحق في اختبار الإقامة بالبصرة عن المدينة؛ وذلك لأنَّ أمره وأمر (المتمنية) قد ذاع وشاع في سائر الأوساط الإسلامية وبالمدينة خاصة، وصار موضع التندر والأحاديث العامة والخاصة، فلو عاد إلى المدينة لعاد معه الحديث المتشعب المتواتر الدائم عن أمره وأمر صاحبته المتمنية، مما يقض مضجعه ويعيد إليه الشجون والآلام، فكثرة حديث النّاس عن مثل هذا الموضوع يؤثر أثرًا عكسيًا على من يقال فيه، وخاصة إذا لاحظنا تزايد الجماهير وتوسعتهم لشقة الظنون ومختلف التفسيرات والتحليلات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ثالثًا - وقيام نَصْرِ بن حجَّاج - على رواية المدائني - بمرافقة الجيش الغازي مع أبي موسى، يدلنا على عمق إيمان نصر وعلى أنَّه في المستوى الطيب من كرم الأخلاق وطيب العنصر، فما حال بينه وبين الجهاد في سبيل الله لَوْكُ الألسنة لاسمه بحق وبغير حق .. لقد كان شريفًا وابن شريف وظل على مستواه الاجتماعي وقد رأينا عمر بن الخطاب (وهو الخليفة الرَّجَّاع إلى الحق متى لاح له ضياؤه من أيِّ مكان ومن أيِّ إنسان) رأيناه يعطف عليه عطفًا كاملًا ويعيد إليه (اعتباره) ويكتب إلى عامله بالبصرة بتخييره بين المقام بالبصرة والعودة إلى المدينة .. وكم كان نصر حصيفًا ولبيبًا عندما فَضَّل البقاء في البصرة للبواعث التي أشرنا إليها آنفًا، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وليس على أفواه النّاس أقفال.
عباس بن أَنَس بن عباس بن مِرْدَاس السُّلَمي
يتراءى لي أن عباسًا هذا هو أحد أحفاد عباس بن مِرْدَاس السُّلَمي الصحابي الشاعر البطل المعروف
(1)
.
(1)
يسند ذلك إلى ما ورد في معجم الشعراء للمرزباني، فقد ساق نسبه كما ذكرناه، راجع ص 103.
ولعباس بن أَنس رثاء مؤثر في ابن عمه: عبد الله بن خازم السُّلَمي، القائد المحنَّك وبطل الحروب المغوار الذي أوقع به دهاء عبد الملك بن مروان؛ حينما حافظ على كلمة الشرف فلم يقبل أن ينقض بيعته لعبد الله بن الزبير؛ برغم المغريات الكبيرة التي قدمها له عبد الملك. وقد فصَّلْنَا ترجمة حياته في فَصْلِ:(أمراء وزعماء ومحتسبون وفرسان وقادة وولاة وموظفون من بني سُلَيْم).
يقول عباس بن أَنس يرثي عبد الله بن خازم:
نفسي الفدا لعبد الله إذ جشأت
…
نفسُ الجبان وضأق الورد والصدرُ
كان الْمُحَافِظَ والحامي حقيقتنا
…
إذا الكماة ارجحنوا والقنا كِسَرُ
وضاقت الخيل تردي في أعنتها
…
خزر العيون ولما ترشح العذرُ
حَامَي وخاض حياض الموت معتزمًا
…
بالسيف .. يخطر حتى عَزَّهُ النفرُ
وفر أصحابُهُ عنه وأسْلَمَهُ
…
للشانئين صروف الدهر والقدرُ
فصادف الموتَ محمودًا أخا ثقة
…
كأنَّ غُرَّتَهُ في القسطل القمرُ
(1)
وقصيدة عباس بن أنَس هذه تجري مجرى سائر قصائد بني سُلَيْم الذين اطلعت على أشعارهم في الجاهلية والإسلام، من حيث جمالُ الأسلوب، وحصافة المعاني، وجزالة البيان، ووضوح المقاصد والأهداف، وعدم التعثر في حُوشِيِّ
(2)
الكلام ولا وُحْشِيِّه.
موسى بن عبد الله بن خازم السَّلَمي
شاعر مُجيدٌ من شعراء بني سُلَيْم في صدر الإسلام، وهو ابن القائد البطل عبد الله خازم.
لموسى قصيدة عصماء رثي بها أخاه (محمد بن عبد الله بن خازم) الذي قُتِل في ولاية والدهما لخراسان:
ذكرتُ أخي والخِلْوَ ما أصابني
…
يَغطُّ ولا يدري بما في الجوانحِ
(1)
معجم الشعراء، ص 103 و 104.
(2)
حوشي الكلام: غامضه.
دَعَتْهُ المنايا فاستجاب دعاءها
…
وأرغم أنفي للعدو المكاشح
فلو ناله المقدار في يوم غارة
…
صبرتُ ولم أجزع لنوح النوائح
ولكنَّ أسباب المنايا صرعنه
…
كريمًا محياه عريض المنازح
بِكفِّ امرئ كَزٍّ قصير نجاده
…
خبيث ثناه عرضة للفضائح
(1)
لقد أجاد موسى في إبْرازِ ما تجيش به نفسه من انفعالات الحسرة والألم بفقده لأخيه في غير معركة ضارية خاضها، وإنما بيد جانية أثيمة تولت اغتياله غدرًا: يَدِ امرئ كَزٍّ قصير نجاده، خبيث ثناه عرضة للفضائح.
هذا، ولا يخرج رثاء موسى هذا، ولا رثاء أَنَس بن عباس قبله عن طريقة بني سُلَيْم في المرائي بإبراز ما، كنه صدورهم من مقة وثقة وتقدير لمن يرثونه من ذويهم، وقد سارت على تلك الطريقة نفسها الخنساءُ السُّلَميةُ، ولكنها برعت فيها براعة رفعتها إلى مستوى القمة من الرُّثاة من شعراء العرب وشاعرهم في مختلف العصور ومتوالي الأجيال.
وعلى ذكر "الفضائح" في قصيدة موسى السابقة، فإننا نجد شاعرًا سُلَميا آخر، هو "معاوية بن مالك"، يذكر في شعره "الفضيحة" ويفتخر بتنائيه عن مواقعها في ساحة المعركة فيقول:
لما رأيتُ نساء قومي حُسَّرًا
…
وترت إليَّ النفس غير مزاح
أقدمتُ حتى لَمْ أجد مُتَقَدِّمًا
…
وعلمتُ أنَّ اليوم يومُ فِضاح
واهتمام شعراء بني سُلَيْم بذكر (الفضائح) في أشعارهم يدلنا على شدة مَقْتِهِمْ للوقوعِ فيها، ولموسى أبيات قويةُ السَّبْكِ منها قوله:
فَتىً كانَ أحيَى من فتاة حَيِيَّةٍ
…
وفي الرَوع أمضى من ضُبَارِيَةِ وَرْد
(2)
ولعلَّ من المناسب أن نذكر هنا ما تراءى لنا أثناء دراسة أشعار بني سُلَيْم في الرثاء، فإن أشعارهم تحمل في الرثاء خاصة، البلاغة واستخراج ما تجيش به
(1)
معجم الشعراء للمرزباني، ص 287.
(2)
معجم الشعراء للمرزباني، ص 287.
صدورهم من ألم ممض وتفجع وحزن قاتل، في صَوْغٍ مُنسجم مُوسيقيِّ رائع يستبي القلوب ويستهوي الأفكار، ويجعل السامع والقارئ يشاطران شاعرهم حزنه العميق.
نقل ترجمة موسى بن عبد الله بن خازم، مُحَقِّقُ كُتَيِّب "أسماء جبال تهامة وسكانها، لعرَّام السُّلَمي" عن "النجوم الزاهرة"، ومحقق ذلك الكُتَيِّب هو: محمد عبد السلام هارون
(1)
.
أبو عَدْنان السُّلَمي
عبد الرَّحمن بن عبد الأعلى البصري، مولى بني سُلَيْم، قال عن نفسه: كان جَدُّ أبي من الغد أصابه سِبَاءٌ، سباه عبد الله بن خازم السُّلَمي، فمن عليه.
سمع أبو عدنان من أبي زيد الأنصاري، وأبي عبيدة، والأصمعي، وأبي مالك، ونظرائهم. وكان أحد الرماة المُجِيدين، وكان شاعرًا راوية للحديث، وله كتب في الأدب حسَانٌ منها:"كتاب قِسِيِّ العرب" لَمْ يسبقه أحد إلى تصنيف مثله، وكتابٌ في "غريب الحديث".
وأبو عدنان هو قائل هذا البيت الذي:
سار مسير الشمس في كلّ بلدة
…
وهبَّ هبوب الريح في البر والبحر
وذلك البيت هو قوله:
تدس إلى العطار ميرة أهلها
…
ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر
(2)
وله زميل لا يقل عنه روعة، وإن قَلَّ عنه شهرة، وهو قوله:
ألم تر أن ألبان يُجْلَبُ عُلْبَةً
…
ويتْرَكُ عودٌ لا ضراب ولا ظهر
(1)
ص 28، 76.
(2)
يفهم من هذا البيت أن نساء العرب في عهد الشاعر كن يستعملن نوعًا من "المكياج" لتجميل وجوههن. وللبيت رواية أخرى:
تروح إلى العطار تصلح وجهها
…
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟
وقد سبق إلى هذا المعني، الشاعر جران العود حيث قال:
عجوز ترجى أن تكون فتية
…
وقد لحب الجنبان واحدودب الظهر
تسوق إلى العطار ميرة أهلها
…
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟
بنيت بها قبل الحاق بليلة
…
فكان محاقًا كله ذلك الشهر
(راجع تهذيب الألفاظ لابن السكيت، ص 580، طبعة بيروت 1985 م).
وعندما سمعت امرأة أبي رجاء الكلبي البيتين السابقين، أجابته بقولها:
عَدِمْتُ الشيوخ وأشْباهَهُمْ
…
وذلك مِنْ بَعْضِ أفعَالِيَهْ
ترى زوجة الشيخ مُغْبَرَةً
…
وتمسي بصحبته بَالِيَهْ
لقد كالت له من نفس النوع الذي كاله لها، وجزاء سيئة بمثلها، والبادي أظلم.
ويحدثنا أبو عدنان عن نفسه وعن هذه المرأة، فيقول: بعد ما سمع بيتيها السالفين: "فَوَثَبْتُ عليها
…
فنادت يآل كلب!، وناديتُ: يأل كلب!، فدخل علينا النساء دون الرجال، فضربني وخنقني وشققن مَدْرعتي.
وقال محمد بن الجراح: أبو عدنان الأعور السُّلَمي البصري اسمه: وَرْدُ بن حكيم، راوية أبي البيداء:
ومن شعر أبي عدنان قوله:
أهملتَ نفسك في هواك ولمتني
…
لو كنتَ تُنْصِفُ لمتَ نفسك دوني
ما بال عينك لا ترى أقذاءها
…
وترى الخفاء من الأذى بجفوني؟
وقال أحمد بن سليمان: سألت أبا عدنان عن قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب: (إن طلاق أمِّ أيوب لَحُوبٌ) - أهو الإثم؟ فقال: لو كان كذا، لضاق على كلّ مطلق الطلاقُ، ولكن الحوب: الوَحْشُ، وأنشد:
إن طريق مثَقَبٍ لَحُوبُ
أي: لَوَحْشٌ، قال: ومِثْقَبٌ: طريق الكوفة إلى مكة، وطريق البصرة إلى مكة يدعى (فَلْجَا)، وأنشد:
إن بني العنبر أحْمَوْا فَلْجَا
…
ماءً رَوَاءً وطريقًا نَهجَا
ويُدعى طريق اليمامة إلى مكة: المنكدر، وأنشد:
لا تأخذ العِلْم طريق المُنْكَدِرْ
…
ولا تكارى من فُقَيميٍّ عَسِرْ
تسير يومين ويومًا تنتظرْ
…
ولا يزال قد أتاك يعتذر
بالإِفْكِ والزْورِ وإياك يَغُرُّ
(1)
(1)
نور القبس المختصر من المقتبس لأبي عبد الله محمد بن عمران المرزباني اختصار أبي المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود الحافظ اليغموري، ص 217 و 219، طبع فيسبادن 1964 م - 1384 هـ.
مَعْنِ بن أبي عاصية السُّلَمي
يقال: إن اسمه يعقوب بن أبي عاصية الأجدع السُّلَمي.
وهو مديني شاعر، له في مَعْنِ بن زائدة مديح سائر، وكان ناصبيا، استعمله زياد بن عبد الله الحارثي لما كان على المدينة للمنصور - على يَنْبُعَ، فَحَبَسَ بعضَ أولياءِ عبد الله بن حسن، فشهر (فشتمه) عبد الله، فهجاه وقَبَّح. وسماه عمر بن شبة: يَعقُوبَ، وقال الزبير: اسمه مَعْن.
وهو القائل لمَعْنِ بن زائدة الشيباني من بكر بن وائل:
إن زال مَعْنِ بن شريك لَمْ يزل
…
يومًا إلى بلد بعير مسافر
نَذْرًا عليَّ، لئن لقيتك سالمًا
…
أن تستمر بها شفار الجازر
وهو القائل عند قدومه إلى العراق:
تطاول لَيْلي بالعراق ولم يكن
…
عليَّ بأكناف الحجاز يطول
فهل لي إلى أرض الحجاز ومن به
…
بعاقبة قبل الممات سبيل؟
إذا لَمْ يكن بيني وبينك مرسل
…
فريح الصبا مني إليك رسول
(1)
ابن أُقيصر السُّلَمي
تنازع ابن أقيصر الشاعر السُّلَمي إلى الحسن بن زيد في قَطيعة سَلَمة بن مالك السُّلَمي، فعرفها الحسن، فقال: ائتوني برهان مع معرفتي (قال ابن أقيصر): فأتينا عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر فسألناه، فَأَخْبَرنا عن أبيه عن جده، رفعه إلى عمار بن ياسر، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أقطع سَلَمة بن مالك السُّلَمي وكتب له:(بسم الله الرَّحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سَلَمَة بنَ مالك أعطاه ما بين الحناظل إلى ذات الأوساد، ومن حَاقهُ فهو مبطل، وحقَّه حق)
(2)
.
(1)
معجم الشعراء، للمرزباني، ص 324 و 325 وغيره.
(2)
مجالس ثعلب، ص 435، والحناظل: موضع في ديار بني أسد كانت فيه وقعة لبني تميم على بكر: راجع هامش الصفحة 435 من مجالس ثعلب لعبد السلام محمد هارون.
ولعلَّ ابن أبي أقيصر السُّلَمي الذي تنازع إلى الحسن بن زيد في أمر قطيعة سَلَمَة بن مالك السُّلَمي هو محمد بن أقيصر الذي هو والد عمر. فقد حَدَّثَ عن يحيى بن عروة بن أُذَينَةَ، فقال: أتى أبي وجماعة من الشعراء، هِشَامَ بْنَ عبد الملك، فأنشدوه، فنسبهم، فلما عرف أبي قال: ألست القائل:
لقد علمتُ وما الإسراف من خُلُقي
…
أنَّ الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فَيُعَنِّينِي تطلبُه
…
ولو قعدت أتاني لا يعنيني
فَألَا جلست حتى يأتيك؟ قال: فسكت أبي فلم يجبه، فلما خرجوا جلس أبي على راحلته حتى قدم المدينة، وتنبه هشام عليهم فأمر بجوائزهم، ففُقد أبي، فسأل عنه، فأخبروه بانصرافه، فقال: لا جرم والله، ليعلمن هذا أن ذاك سيأتيه في بيته، قال: ثم أضعف له ما أعطى واحدًا، وكتب له فريضتين، كنت أنا آخذهما
(1)
.
الأرقم السُّلَمي
أورد له العماد الأصفهاني في تراجم شعراء الأندلس وأدبائها، بيتين من الشعر، هما:
ياذا الذي يخشى سوى من حُكْمُه
…
ما بين كاف الأمر منه ونونه
لا تخش إن الله كافٍ عبده
…
أيخوفونك بالذي من دونه؟
(2)
.
وكتب محققا الخريدة: عمر الدسوقي وعلي عبد العظيم، في هامش ما سبق ذكره، قولهما: ورد اسم أرقم مبهمًا في نفح الطيب، وذكر أنه ينتسب إلى بني ذي النون، ولكنهم تبرءوا منه؛ لأنه كان ابن أمَة مهينة. كما أورده ابن سعيد في "المغرب" تحت اسم "الأمير أرقم بن عبد الرَّحمن بن إسماعيل .... بن ذي
(1)
مجالس ثعلب، ص 434.
(2)
يعني الشاعر: أيها الذي يخشي غير الله تعالى الذي أمره بين الكاف والنون (كن) - لا تخش غيره {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82])، ويشير الشاعر في البيت الثاني إلى قول الله تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 36].
النون، وقال نقلًا عن صاحب "المسهب": إنه أخو إسماعيل أول من ملك طليطلة من بني ذي النون، وقال: إنه يُكَنَّى بأبي الضراس، ويظهر أن أسرته ضاقت به ففر منها، فدسَّت له من قتله
(1)
. وإذا ثبت هذا النسب للأرقم فهو ليس بسُلَميِّ وإنما هو بربري؛ لأنَّ بني ذي النون أمراء طليطلة بالأندلس برابرة كما هو معروف.
محمد بن أبي بدر السُّلَمي
من شعراء بني سُلَيْم، وكان نزل الجبل، وله في زهير بن هلال من قصيدة مخمسة أولها:
الحمد لله على السراء
…
والحمد لله على الضراء
رزاق أهل الأرض والسماء
…
ما أحسن الصبر على البلاء
والشكر لله على الرخاء
ثم حرف الباء خمسة أبيات، مثل حرف الهمزة، وهكذا إلى آخر حروف الهجاء
(2)
.
عمرو بن مَرْثِدٍ أبو الغَرَّاف السُّلَمي
هو أحد شعراء سُلَيْم المعروفين، وقد رد على ربيعة الرُّقي قولَهُ الذي مدح به يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلَّب وهجا فيه يزيد بن أسيد السُّلمي:
لشتَّان ما بين اليزيدين في العلى
(3)
يزيد سُلَيْم والأغرُّ بن حاتم
يزيد سُلَيْم سالم المال والغني
…
أخو الأزد للأموال غير مُسَالِمِ
فَهَمُّ الفتى الأزديُّ تفريق
(4)
ماله
…
وهَمُّ الفتى القْيسيُّ جمع الدراهم
وهمُّ الفتى القيسيُّ دُفٌّ ولعبة
…
وهم الفتى الأزديُّ ضرب الجماجم
(1)
خريدة القصر وجريدة أهل العصر مع هامشها - القسم الرابع، الجزء الثاني، ص 158، ط مطبعة دار نهضة مصر بالقاهرة.
(2)
معجم الشعراء، ص 405.
(3)
في رواية أخرى "في الندي" وهي أقرب إلى المعنى المقصود من هذه الأبيات.
(4)
في رواية أخرى لهذا البيت: "اتلاف" بدلًا من صيغة "تفريق" والرواية الأخرى هذه أدق بالنسبة للهدف المنشود من الأبيات جميعًا.
فلا يحسب التَّمتام أني هجوتُه
…
ولكني فَضَّلتُ أهل المكارم
وقد عَقَّب "ابن الجراح" على ما ذُكر آنفًا بقوله: "نهجا أبو الغرَّاف، اليمنَ وربيعَةَ.
وقال أبو الشمقمق في هذا المعنى يهجو يزيد بن حاتم ويزيد بن أسيد، ويفضل عليهما يزيد بن مزيد الشيباني:
لشتَّان ما بين اليزيدين في النَّدى
…
إذا عُدَّ في الناس المكارمُ والمجدُ
يزيدُ بني شيبان أكرمُ منهما
…
وإن غضبتْ قيسُ بن عيلان والأزد
فتىً لم يلده من سُلَيم قبيلة
…
ولا لخمُ يُنميه، ولم يُنْمِهِ نهْدُ
ولكن نمتْه الغُرُّ من آل وائل
…
وبَرَّةُ تنميه ومن بعدها هِنْدُ
ومن هذا ومن استقرائي للكتاب ظهر أن ما قاله المرزباني في "معجم الشعراء من وجود الأبيات التي هجا بها أبو الغراف السُّلَمي اليمن وربيعَةَ في كتاب "من سُمِّيَ من الشعراء عمره لابن الجراح، هو غير واقع بالنسبة للنسخة المخطوطة القديمة التي اطلعت عليها بمكتبة الدكتور عزت حسن بدمشق فكل ما جاء فيها هو الإشارة إلى تلك الأبيات فقط دون إيرادها.
عمرو بن عبد العزيز السُّلَمي
بطل موفق، وشاعر عاش في عهد العباسيين وشارك في حروبهم الداخلية، ترجم له ابن الجراح، فقال:
عَمْرُو بن عبد العزيز السُّلَمي شاعر عباسي، صاحب العصبية في فتنة محمد الأمين، على مثل ما كان خرج عليه أبو الهينام، يقول حمزة بن ميمون: حضرت عبد الملك بن صالح يومًا، وقد دخل إليه عمرو بن عبد العزيز وهو يسائله بعد أن استأمن إليه، لما قَلَّده محمد الأمين الشام، فأعجبه مُحاورَتُهُ وجوابهُ، فقال: يا عمرو! لقد تناهى إليَّ من خبر ظفرك بأعدائك في حروبك ما يُعْجَبُ منه، فهل تعرف لذلك سببًا تُخبرني به؟ قال: لا والله أصلح اللهُ الأميرَ إلَّا ما قال الشاعر:
فما إن قتلناهم بِأكْثَرَ منهم
…
ولكن بأولى بالطعان وأصْبرا
وقام عمرو من عنده - من عند عبد الملك بن صالح - فقال: أنت والله كما
قال الشاعر:
يغدو إذا ما خِلاجُ الشك عنَّ له
…
على صريمة أمر غير مردود
رَكَّابْ ما يكره الأبطالُ يَقْدُمُه
…
رأيٌ جميعٌ وقلب غير رعديد
وأورد "ابن الجراح" من شعره قوله:
دعوتُ بني عمي فكان جوابهم
…
بلبيك فعل السادة النُّجُبِ الغُرِّ
فما لُمْتُهُم في النصر حين دعوتهم
…
ولما لامني قومي لدى النَهْي والأمر
وقوله:
يطلبُ الثأر من إذا هَمَّ أمضي
…
هَمَّه كان مُخْطِئًا أو مصيبا
ليس يخشى عواقب الأمر يغشاه
…
إذا ناله وإن كان حُوبَا
وقوله:
ما الفتك إلَّا لمن إن قال يفعله
…
ولا يشاور فيما يرتئي أحدًا
لا كالمشاور فيما يرتئيه وقد
…
يخشى العواقب إن بقى له ولدا
لا تخش عاقبة في الفتك وامضِ لما
…
هممت إن غيَّة كانت وإن رشدا
من يستشر يختزل أولى عزيمته
…
في الفتك أو يَطْلُبَ الأعوان والمددا
(1)
ويبدو جليا أن الخطة التي يقررها عمرو بن عبد العزيز السُّلَمي في شعره قد نفذها في حياته. وهي خطة المبادرة إلى اقتحام المخاطر بدون تروٍ وبدون مشاورة - هي خطة كثيرًا ما توقع صاحبها في مهاوي التهلكة والزلل والفشل، بخلاف الخطة المضادة التي هي خطة إعمال الفكر، واستعمال المشورة قبل ركوب المخاطر، فإنها كثيرًا ما ترفع صاحبها إلى قمة النجاح وتحقيق الأهداف المثلي، وهذه الخطة الحكيمة هي التي وجه إليها بشار بن برد الأنظار والأسماء في قوله البليغ:
إذا بلغ الرأيُ المشورةَ فاستعن
…
برأي نصيح أو نصيحة حاتم
ولا تجعل عليك غضاضة
…
مكان الخوافي قوةٌ للقوادم
(1)
كتاب: "من سُمي من الشعراء عمرًا" - لمحمد بن داود بن الجراح: الورقة 64، 65.
وهي التي وصف مزاياها أبو الطيب المتنبي في قوله الحكيم:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
…
هو أوَّلٌ وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفسٍ مُرّة
…
بلغت من العلياء كلّ مكان
علي بن بدال السُّلَمي
تحدث أبو القاسم الزجاجي فقال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: أنشدني عبد الرَّحمن عن عمه علي بن بدال من بني سُلَيْم:
لعمرك إنني وأبا رياح
…
على حال التكاشر منذ حين
لأبْغَضُهُ ويبغضني وأيضًا
…
يراني دونه وأراه دوني
فلو أنا على حجر ذُبِحْنا
…
جرى الدِّميان بالخبر اليقين
(1)
"التكاشر" في البيت الأول بمعنى المباسطة من الكشر وهو التبسُّم.
وقد أورد عبد القادر البغدادي، هذه الأبيات، وعزاها أيضًا إلى علي بن بدال السُّلَمي
(2)
.
المفضَّل بن خالد السُّلَمي
شاعر مجيد، ويعتبر من شعراء خراسان، ذكره المدائني وله في الفتنة:
قد قُلْتُ للأزد قولًا ما ألَوْتُ به
…
نُصْحًا لهم وأعدتُ القول لو نفعا
يا معشر الأرد إني قد نصحت لكم
…
فلا تطيعوا جُدَيْعًا أيَّما صَنَعا
فما تَناهَوْا ولا زادتهم عظةٌ
…
إلَّا لجاجًا، وقالوا الهجر والقذعا
يا معشر الأزْدِ مَهْلًا قد أظَلْكُمُ
…
ما لا يُطاق له دَفْعٌ إذا وقعا
(3)
مؤرج السُّلَمي
أحد شعراء بني سُلَيْم، ذكر له البكري في "معجم ما استعجم" بيتين في
(1)
آمالي الزجاجي، ص 20، طبع مطبعة المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع، وقول علي بن بدال:"جرى الدميان" يشير إلى زعمهم أن الرجلين المتعاديين إذا ذبحا لَمْ تختلط دماؤهما.
(2)
خزانة الأدب، ص 351، الجزء الثالث، طبع مطبعة بولاق بمصر.
(3)
معجم الشعراء، ص 297.
مادة (الربذة)، وكان قد قال ذينك البيتين حول حفائر حفرها المهدي، على ميلين من جبل القُهْب، وتدعى "ذا بقر"، قال:
قَدَرٌ أحَلَّكَ ذا النخيل وقد أرى
…
وأبيك مالك ذو النخيل بدار
إلا كداركم بذي "بقر الحمى"
…
هيهات ذو بقر من الزوار!
أشجع السُّلَمي
أسهب عبد الله بن مسلم (ابن قُتَيْبَةُ) في "الشعر والشعراء" - في ذكر مقطوعات أشجع وقصائده مما يدلنا على إعجابه بشاعريته وبشعره، وقد ترجمه مُختصِرُ شَرْح التبريزي لديوان الحماسة فأفادنا بأنه: (من ولد الشريد بن مطرود السُّلَمي، وكان يكنى أبا الوليد .. شاعر إسلامي عباسي نشأ بالبصرة، وقال الشعر وأجاد فيه حتى عُدَّ من الفحول. وكان الشعر يوم نبغ في ربيعة واليمن، ولم يكن لقيس شاعِرٌ، فلما نجم أشجع وقال الشعر افتخرت به قيس، وانقطع إلى البرامكة ومدحهم، واختص جعفر فأصفاه مدحه، فأعجب به أيضًا وأمده بالمال، فَأثْرَى وحسنت حاله في أيامه وتقدم عنده، وله فيه المدائح المختارة والقصائد السائرة"
(1)
.
وقال ابن قُتَيْبَةُ عنه: "أشجع بن عمرو" من بني سُلَيْم، وكان متصلًا بالبرامكة وله فيهم أشعار كثيرة، منها قوله في يحيى بن خالد، وكان غاب:
قد غاب يحيى فما أرى أحدًا
…
يأنس إلَّا بذكره الحَسْنِ
أوحَشْت الأرضُ حين فارقها
…
من الأيادي العظام والمنن
لولا رجاء الإياب لانصدعت
…
قلوبُنَا بَعْده من الحَزَنِ
(2)
ولأشجع أبيات في فائدة الإلحاح في طلب الحاجات، يقول:
ليس للحاجات إلَّا
…
من له وجه وقاح
ولسان طرمدان
(3)
…
وغدو ورواح
(1)
مختصر شرح التبريزي على ديوان الحماسة لأبي تمام الطائي، ص 354 و 355، الجزء الأول طبع مطبعة السعادة بمصر.
(2)
الشعر والشعراء، ص 758.
(3)
أي مفتخر بما ليس عنده ومتكثر بما لا يفعل.
إن أكن أبطأت الحا
…
جة عنِّي والسراح
فعليَّ الجهد فيها
…
وعلى الله النجاح
وله مدائح سيارة في هارون الرشيد، منها قوله:
وصلت يداك السيف يوم تقطَّعت
…
أيدي الرجال وزلَّت الأقدام
وَعلى عَدُوِّك يا ابن عَم مُحَمّدٍ
…
رصدان: ضوءُ الصبح والإظلامُ
فإذا تنبه رعته وإذا هدا .... سَلَّت عليه سُيُوفَكَ الاحلامُ
وقد ذكر الجاحظ البيتين الأخيرين: (وعلى عدوك إلخ) وقال: إنَّهُما قالهما أشجع السُّلَمي في هارون الرشيد
(1)
.
ولأشجع أبيات في منتهى الروعة والطلاوة، مدح بها جعفر بن يحيى:
بديهتُه مثلُ تدبيره
…
متى هِجتَهُ فَهْوَ مُسْتجمعُ
إذا هَمَّ بالأمر لم يُثْنِهِ
…
هجوعٌ ولا شادنٌ أفْرَعُ
ففي كفِّه للغنى مطلب
…
وللسِّرِّ في صدره موضعُ
وكم قائل إذ رأى بَهْجَتي
…
وما في فضول الغنى أصْنَعُ
غدًا في ظلال ندى "جعفر"
…
يَجُرُّ ثيابَ الغنى "أشْجَعُ"
وما خلفه لامرئ مطمعٌ
…
ولا دونه لامرئ مَقْنَعُ
(2)
وقد ترجم عبدُ القادر البغدادي، أشجعَ ترجمة وافية، وفي هذه الترجمة زيادات على ما جاء في الكتب السالف ذكرها، ومن ذلك أن أباه تزوج امرأة من أهل اليمامة، فشخص معها إلى بلدها، فولدت له هناك أشجع، ونشأ باليمامة، ثم مات أبوه، فقدمت به أمه البصرة فطلبت ميراث أبيه وكان له هناك مال، فماتت بها وربي أشجع ونشأ بالبصرة، فكان من لا يعرفه يدفع نسبته، ثم كبر وقال الشعر فأجاد، وعُدَّ في الفحول، وكان الشعر يومئذ في ربيعة واليمن، ولم يكن لقيس عَيْلان شاعر، فلما نجم أشجع افتخرت به قيس وأثبتت نسبه، ثم خرج
(1)
البيان والتبيين، ص 194، الجزء الثالث.
(2)
الشعر والشعراء، لابن قُتَيْبَةُ، ص 760، طبع بيروت.
أشجع إلى الرقة والرشيد بها، فنزل على بني سُلَيْم، ومدح البرامكة وانقطع إلى جعفر خاصة، فوصله الرشيد فأثرى وحسنت حاله. ولما ولَّى الرشيد، جعفر بن يحيى خراسان، جلس لتهنئة النّاس، وأنشده الشعراء ودخل في آخرهم أشجع، فارتجل مقدمة نثرية مختصرة بارعة الأسلوب، قال فيها يُخاطب جعفرًا:(لِتَأذَنْ فيَّ إنشاد شِعْرٍ قضيتُ به حق سؤددك وكمالك، وخَفَّفْتُ به ثِقَلَ أياديك عندي)، فقال له جعفر:(هات يا أبا الوليد)، فأنشده قوله:
أتصبر يا قلب أم تجزع؟
…
فإن الديار غدًا بلقعُ
غدًا يتفرَّق أهل الهوي
…
ويكثر بَاكٍ ومسترجعُ
ومضى حتى بلغ قوله:
ودَويِّةٍ بين أقطارها
…
مَقاطعُ أرضِينَ لا تُقْطَعُ
تَجاوَزْتُها فوق عَيْرانة
…
من الريح في سيرها أسرعُ
إلى "جعفر" نزعت رغبة
…
وأيَّ فتيً نحوه تنزعُ؟!
فما دونه لامرئٍ مطمع
…
ولا لامرئ دونه مَقنَعُ
ولا يرفع النّاسُ ما حَطَّهُ
…
ولا يضعون الذي يَرْفَعُ
يريد الملوكُ ندي جعفرٍ
…
ولا يصنعون الذي يَصْنَعُ
وليس بأوسعهم في الغني
…
وَلكِنَّ معروفه أوسعُ
يلوذ الملوك بآرائِهِ
…
إذا نالها الْحَدثُ الأفظعُ
بديهتهُ مثلُ تدبيره
…
متى رُمْتَهُ فهو مُسْتَجْمع
(1)
البلاء موكل بالمنطق
وعندي نقد "بما تحمل صيغة النقد من معنى لغوي وفني شامل" فالقصيدة في وزنها وفي خفة روحها وسلاسة ألفاظها وعذوبتها وروعة معانيها؛ هي في ذروة "الشعر السُّلَمي" الذي نرى أنه يمتاز بهذه المعاني كلها، وكلما ارتقى أحد شعرائهم أو شاعراتهم سلم المجد الشعري كان شعره كالشَّلال الفياض الشفيف المُفْعم بالجمال حِسَّا ومَعْنىً، وروحًا ومَبْنىً.
(1)
خزانة الأدب، ص 143 و 144، الجزء الأول.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد يكون الشاعر المفلق "أشجع" ذهب به التأثر من فراق صديقه ومُسْدِي جم الإحسان إليه:"جعفر البرمكي" - إلى أن يبدأ قصيدة تهنئته هذه العظيمة له بمعاني الفراق والجزع، وخلو الديار وتفرق أهل الهوي، وكثرة الباكين والمسترجعين لفراقهم لهذا الغيث المنسجم والربيع الخصب الممرع، والروضة الغناء التي كلّ ثمارها يانعة بالكرم والجود .. ولكن فاته أهم شيء وهو "اللماحية" التي يحتاج إليها الشعراء دائمًا وهم يمدحون العظماء، فإن العبارات المتشائمة الحزينة الباكية التي جعلها مقدمة قصيدته المهنيئة لا يحسن بمثله. - على كلّ حال - أن يتفوه بها ولا أن يقدمها بين يدي قصيدة يهنئ بها عظيمًا صديقًا وُلِّيَ منصبًا كبيرًا؛ لأنَّها عبارات تشاؤم تحمل ولابد إلى الممدوح ريحًا كريهة من النكد والتقزز والانزعاج الخفي من المستقبل الذي رسمته له هذه الأبيات، إنها عبارات تغلق شهية المديح، وتفتح باب الانكماش والشؤم من المنصب الذي قوبل بهذه الألفاظ المكروهة المسمومة، وكان الأجدر باشجع أن يكون شاعرًا لبقًا يعرف من أين تؤكل الكتف، فيُبعد جدًّا ممدوحه عن سماع هذه النغمات الحزينة الممرضة، ويقدم إليه بدلًا عنها باقات نضرة فواحة باسمة بالأمل والرجاء، وبالأماني المعسولة بدوام العز والبهجة والحبور، وبانتظام الشمل وكثرة الأفراح والليالي الملاح، وأن يفرش الأزاهير والورود الفوَّاحة بين يدي مديحيته العصماء، في أرضها وفي الأجواء
وإني أعتقد أن جعفرًا - وهو مثقف وذو إحساس أدبي مرهف، لابُدَّ أن يكون في قرارة نفسه غير مستحسن لهذا المطلع الأسود القاتم العابس في وجه مستقبله الذي يرجو أن يكون كله باسمًا ومشرقًا وعبقًا، والبلاء كما يقولون: موكل بالمنطق .. فقد وقع كلّ ما جاء في مقدمة قصيدة أشجع وإن كان غير قاصد له ولا مريد ولا راغب فيه، فَنُكِبَ البرامكة نكبة تاريخية هائلة، وتفرق عنهم الأحبة، وآضَتْ ديارهم بعد عمران زاهر، بَلَاقِعَ تندب حظها وحظهم، وبكاهم الباكون واسترجع المسترجعون، ورثوا عزهم الآفل ومجدهم الزائل. ورحم الله الشاعر "أشجع" المخلص لجعفر البرمكي وغفر له، حيال ما قدمه لممدوحة الأثير لديه - من الإنذار، بالمستقبل المظلم العاب المكفهر، بعد الحاضر الناضر المزدهر، على طبق زمردي رائع من قصيدته هذه البليغة الساحرة.
هذا، ولأشجع قصيدة ممتعة في أحمد بن يزيد بن أسيد السُّلَمي، (وكان يزيد قد اعتل ثم أفاق من علته):
لئن جَرحتْ شكاتُك كُلَّ قلب
…
لقد قرت بصحتك العيونُ
وحق لها بأن تخشى المنايا
…
عليك وأنت منكبها اليمينُ
ولو فقدتك قيس يا فتاها
…
إذن لتضعضعت منها المتونُ
ولو أن المنون بدت لقيس
…
لما نالتك أو يفنى المنونُ
وقد علَّق الرقيق القيرواني على الأبيات المتقدمة بقوله: "وكان أحمد بن يزيد (السُّلَمي) وأبوه (يزيد) شريفين مذكورين".
وحينما مات أحمد بن يزيد السُّلَمي الذي يبدو أنه كان ركنًا ركينًا للجالية السُّلَمية في "جرجان"، رثاه أشجع بقصيدة منها:
رحم الله أحمد بن يزيد
…
رحمة تغتدي وأخرى تروح
جبلًا أطبقوا عليه بجرجا
…
ن ضريحًا ماذا أجَنَّ الضريح
(1)
؟!
ولأشجع السُّلَمي قصيدة طويلة رثا بها عليَّ بن الحسين بن علي بن حمزة الملقب بالرضا وهو الذي جعله المأمون الخليفةُ العباسي وَلي عهد المسلمين، ثم توفي في حادث غامض بطوس فدفنه المأمون إلى جانب أبيه هارون الرشيد، وقد روى هذه القصيدة أبو الفرج الأصفهاني وقال عنها:"إنها لما شاعت غيَّر أشجع ألفاظها فجعلها في الرشيد .. ".
وهذه أبيات مقتطفة من تلك القصيدة:
يا صاحب العيس يَخدْي في أزِمتها
…
اسْمَعْ وأسْمِعِ غدًا يا صاحب العيس
إقْرَ السلام على قَبْرٍ بِطْوسَ ولا
…
تَقْرَا السلام ولا النُّعْمى على طوس
فقد أصاب قُلوبَ المسلمين بها
…
رَوعٌ وأفْرخَ فيهما روعُ إبليسِ
وأخْلَسَتْ واحد الدنيا وسيدها
…
فأيّ مُخْتَلِسٍ منا ومخلوسِ
(1)
تاريخ أفريقية والمغرب، للرقيق القيرواني، ص 154 و 155، طبع تونس.
إلى أن يقول:
أوفى عليك الرَّدى في خيِسِ أشْبُلِهِ
…
والموت يلقى أبا الأشبال في الخيسِ
ما زال مقتبسًا من نور والده
…
إلى النبيِّ ضياءً غير مَقْبُوسِ
ويختم أشجع السُّلَمي قصيدته الرثائية البليغة لعليِّ الرضا، بقوله:
أحَلَّك اللهُ دارًا غير زائلة
…
في منزلٍ برسول الله مأنوسِ
(1)
رأي في شعر أشجع
لابن الجهيم وللبحتري الشاعرين رأي في شاعرية أشجع، يقول البحتري:"فاوضتُ ابن الجهم عليا في الشعر، وذكر أشجع السُّلَمي فقال: إنه كان يُخْلِي، فلم أفهمها عنه، وأنِفْتُ في شعر أَشجع، فإذا هو ربما مرت له الأبيات مغسولة ليس فيها بيت رائع"
(2)
.
وهذا الناقد الصادر من علي بن الجهم فالبحتري لشِعْرِ أشجع يحتمل المناقشة والنقد، وقد درستُ ما وصل إلى يدي من شعر أشجع فَما رأيت هذا النقد منطبقًا عليه، ومعلوم أن المعاصرة تذهب المناصرة، لاسيما وأن أشجع كان قد احتل مكانة طيبة لدى هارون الرشيد ولدى البرامكة، فلابد أن تناله بعض عقارب الحسد من زملائه في صنعة الشعر، وهذا أمر طَبَعيٌّ مألوف، وليس معنى هذا أن شعر أشجع كله درر وغُرر، فما من شاعر في الدنيا مهما تتعاظم شاعريته إلا وله سقطات، وكفانا بالمتنبي وأحمد شوقي شاهدًا ومثالًا.
عمرو بن مسلم الرياحيُّ السُّلَمي
هو من بني الشريد، يكنى أبا المسلم، حجازي، شاعر مجيد رَوى عن نفسه، قال: أتيت الحسن بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أخا صاحب فخٍّ، وكان جوادًا وهو بينبع، وقد امتدحته، فقال لي: من أنت؟ فقلت: عمرو بن مسلم. قال: الرياحيُّ! قال: لا حياك الله، يا عاضَّ كذا وكذا
…
ألَسْتَ الذي تقول في محمد بن خالد العثماني:
(1)
مقاتل الطالبين، لأبي الفرج الأصفهاني، ص 568 - 570، طبعة بيروت.
(2)
العمدة في صناعة الشعر ونقده، لابن رشيق، ص 250، الجزء الأول، طبع مطبعة السعادة بمصر.
أيا ابن الذي حَنَّ الحصا في يمينه
…
وأكرم من وَافى مِنىً والمحصب
(1)
وخَيْرَ إمامٍ كان بعد ثلاثة
…
مَضَوْا سَلَفًا أرواحُهُمْ لم تشعب
هو الثالثُ الهادي بهَدْيِ محمد
…
على رغم أنف الساخط المُتَعَتِّبِ
فقلت: أنا القائل، ووالله لئن احتملت
(2)
.
وقد ترجم له ابن الجراح في كتابه "من سُمِّي من الشعراء عمرًا" ترجمة واحية، وقد تَحَصَّلْنَا في هذا الكتاب على إكمال النقص المذكور آنفًا، والذي ورد في آخر ترجمة كتاب "الورقة" لابن الجراح نفسه، في النسخة المطبوعة بالقاهرة والتي أشرف على تحقيقها الدكتور عبد الوهاب عزَّام وعبد الستار أحمد فراج. ويدل الهامش الذي دوناه أسفل من هذه الورقة والذي كتبه المحققان على أنهما لم يطلعا على كتاب "من سُمِّيَ من الشعراء عمرًا" وهذه هي تكملة النقص المذكور: "قال: قلت: نعم، أعزك الله، أنا قائلُ ذاك، ووالله لئن احتملتُ رَحْلي حتى أُصَيِّرَ هذه الرحلة بيني وبينك ليأتينَّك مني ما قال زهير:
لَئِنْ حللتَ بَجوٍ في بني أسد
…
في دين عمرو وحالت بيننا فدكُ
ليأتينَّكَ مني منطق قَذع
…
باق كما دنَّس القبطيةَ الودكُ
قال: فقال: ادْنُ لا حَيَّاك الله - وأوسع لي إلى جنبه، وأوقر لي رواحلي تمرًا. اهـ
(3)
.
وقد أورد ابن الجراح في كتابه (من سُمِّيَ من الشعراء عمرًا) شيئًا من شعر عمرو بن مُسَلم أبي المُسلم الرياحي هذا بعد أن قال عنه: إنه مديني حسن الشعر يمدح ويهجو وله حظ من أدب، فمن شعره الذي أتحفنا به ابن الحراج قوله عن نفسه:
(1)
هذا البيت على هذه الرواية فيه إقواء، فقد كسرت كلمة (المحصب) تمشيًا مع القافية، وكان حقها أن تفتح؛ لأنه معطوف على منصوب.
(2)
كتيب "الورقة" لأبي عبد الله محمد بن داود بن الجراح، ص 73، طبعة دار المعارف بالقاهرة هذا، وقد عقب المحققان لكتاب الورقة على العبارات الختامية. "ووالله لئن احتملت" عقبا عليها بقولهما في الهامش (ههنا تبقى عبارة الأصل ناقصة).
(3)
الورقة 62 من كتاب "من سمى من الشعراء عمرًا" والمخطوط.
ألا يا لقومٍ للفؤادِ الْمُعَذَّبَ
…
وعَينٍ تمادتْ في البكا والتْنَخُّبِ
وقلبٍ كئيب لا يزال تُهِيضُهُ
…
لَمَيّةَ رَبعٌ ذو أمان وملعبِ
ليالي لا تُولِيكَ إلا تَحَبُّبًا
…
إلينا ألا أهْلًا بذاك التحببِ
أقمنا بذاك العيش ثم انتحى لنا
…
من الدهر صَرْف المِرَّة المتقلِّبِ
وكان الشاعر أبو مسلم قد طلق امرأته ومَتَّعها وحملها إلى أهلها، فلما استقلت ركابها قال:
ولَسْتُ بِناسِ إذ غدو فتحملوا
…
لزومي على الأحشاء من لاعج الوجد
وقولي وقد زالت بِلَيلٍ حمولهم
…
بواكر تَخْدِي لا يَكُنْ آخر العهد
(1)
أبو عمران السُّلَمي
شاعر من بني سُلَيْم، أورد أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح شيئًا من شعره في كتابه:(الورقة)، ومن شعره الذي أورده ابن الجراح قَولُهُ في الْبَطينِ المصريِّ الشاعر:
إنما شِعْرُ البَطِينِ
…
مِثْلُ سَلْحٍ وَسْطَ طين
ليس إنْ فَكَّرْت فيه
…
لِعَرِيقٍ أو قَطينِ
وقَوْلُهُ في ابن راشد بن إسحاق:
بأبي يا ابْنَ راشِدِ
…
يا كريمَ الْمَشَاهدِ
أنْتَ أشهى إليَّ - واللَّـ
…
ـه - من كُلِّ ناهِدِ
(2)
أبو الصلت مولى بني سُلَيْم
شاعر من شعراء بني سُلَيْم بالولاء، وكان أعرابيًّا، وذكر دعبلُ بن علي الخُزاعي "أحَدُ مشاهير شعراء الدولة العباسية" أن أبا الصلت هذا صار إلى البصرة ثم إلى بغداد، وكان أبوه يعمل التنانير فيما زعموا.
(1)
من سمي من الشعراء عمرًا، لابن الجراح، الورقة 62 و 63، من المخطوطة.
(2)
كتييب "الورقة" ص 11 و 12 لأبي عبد الله محمد بن داود بن الجراح، ص 11 و 12 تحقيق الدكتور عبد الوهاب عزام وعبد الستار أحمد فراج طبعة دار المعارف بمصر.
ولأبي الصلت بيتان من مقذع الهجاء على غرار هجاء الحطيئة أو أشد إقذاعًا، وهما في أبي عُذَافر وَرْدِ بن سعد أو ابن عبد الصمد الْعَمِيِّ الشاعر، وها هما بحذف الكلمة المقذعة الواردَة في الشطر الأول من البيت الأول:
وكان اسمه فيما مضى
…
أمَّهُ
…
يُسَمَّى به في كل بَدْوٍ وحاضرِ
فلما اكتسى ريشًا وعاد جناحه
…
تَسَمَّى بِوَردٍ واكتَنى بعذافرِ
(1)
موسى بن محمد السُّلَمي: أبو عمران
شاعر بصري مسجدي متوكلي، من شعره في الشيب والخضاب قوله:
قعد الشَّيْبُ بي عن اللذات
…
ورماني بجفوة القينات
فإذا رُمْتُ ستره بخضاب
…
فضحته طلائع الناصلات
ما رأيت الخضاب إلا سرابًا
…
غَرَّ في لمعه بأرَض فلاة
فإذا ما دعا إلى الناس داع
…
قلتُ ما للكبير والشربات؟
لستُ بعد الشباب ألتَذُّ بالعيـ
…
ـش فدعني وغصَّة العبرات
إنَّ فقد الشباب أنزلني بَعْـ
…
ـدَكِ دار الهموم والحسرات
ورماني بأسهم الشيب دهر
…
قارعتني أيامه عن حياتي
ويفوح من هذا الشعر أن الشاعر صوفي النزعة فهو من طراز أبي العتاهية في شعر الزهد المُتَصَوِّف.
وله بيتان ينمان عن "تزهده" في شعره .. قال يُخاطب شخصًا كبيرًا يهابه ويقدِّره، ولعل هذا الشخص وجه إليه إساءةً ما، وحاول إلصاقها بموسى:
أتلزمني ذنبًا، وأنت جنيته
…
ولكني أخشاك أن أتكلما
ولولا اتقائي أن تميتك دعوتي
…
دعوتُ على ما كان أخفى وأظلما
(2)
ابن الطريف السُّلَمي اليمامي
علي بن سليمان، ونسبته إلى اليمامة تدل إمَّا على ولادته بها أو سكناه
(1)
كتيب "الورقة" لأبي عبد الله محمد بن داود بن الجراح، ص 3، طبعة دار المعارف بمصر.
(2)
معجم الشعراء، ص 290.
فيها، وكان أحد شعراء العسكر، وله أبيات مشرقة الديباجة في رثاء (علي بن يحيى المنجم):
قد زرت قبرك يا "عليَّ" مسلمًا
…
ولك الزيارة من أقل الواجب
ولو استطعتُ حملتُ عنك ترابه
…
قد طال ما عني حملتَ نوائبي
ودمي، فلو أني علمت بأنه
…
يُروي ثراك سقاه صَوْب الصائب
لسفكتُهُ أسفًا عليك وحسرة
…
وجعلتُ ذاك مكانَ دمعٍ ساكب
فلئن ذَهْبتَ بملْ قبرك سؤددًا
…
لَجَميِلُ ما أبْقَيْتَ ليس بذاهب
وعليُّ بن المنجم الذي رثاه ابن الطريف بهذه الأبيات هو شاعر أيضًا قال عنه المررباني: (من بيت الأدب ومعدنه، ومغاني الشعر وموطنه)، وأورد له قصيدة لا بأس من إيرادها هنا للمناسبة القائمة، وللتعريف بشعره على مكانته الشعرية، قال علي:
وإني لأُثْنِي النفس عمَّا يريبها
…
وأنْزِلُ عن دار الهوان بمعزل
بهمةِ نُبلٍ لا يُرام مكانُها
…
تحل من العلياء أشرف منزل
ولي منطق - إن لجلج القول - صائبٌ
…
بتكثيفِ إلْباسٍ وتطبيق مفصل
(1)
ولابن الطريف السُّلَمي أبيات لطيفة:
يا باذل المعروف قبل سؤاله
…
ومن الثناء له خصوصًا مكسب
إن التفضيل عادة لك عندنا
…
وبها إليك جَميِعُنَا نتقرب
خُذْ لي بوعدك والذي عودتني
…
كَمَلًا فما لي عن نوالك مذهب
(2)
(1)
معجم الشعراء، ص 147. وعلي هو ابن هارون بن علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم البغدادي المتوفي سنة 288 هـ ومصنف كتاب البارع في أخبار الشعراء المولودين، وقد جمع فيه مائة وواحدًا وستين شاعرًا، وافتتحه ببشَّار بن برد، واختار فيه من شعر كل شاعر، عيونه .. وقال ابن خلكان عنه: (وهو من الكتب النفيسة يغني عن دواوين الذين ذكرهم، فإنه اختصر أشعارهم، وأثبت منها زبدتها، وترك زبدها. وإن كتاب الخريدة للعماد الكاتب، وكتاب الحظيري، والباخرزي، والثعالبي، فروع عنه وهو الأصل الذي نسجوا على منواله ا. هـ) من مقدمة ديوان بشَّار بن برد للشيخ محمد الطاهر بن عاشور شيخ جامع الزيتونة في تونس ببعض اختصار، ص 73 و 74. وكتاب مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان لأبي محمد عبد الله اليافعي المكي.
(2)
الفهرست، لابن النديم، ص 216 و 217.
أبو النجم هلال السُّلَمي
مولاهم، شاعر معروف من شعراء بني سُلَيْم بالولاء، ويكنى أبا الرميل، يقال: إنه أنشد أبا الشيص قوله:
كأنه في الفلك الدَّوَّ
…
ار صوت المردن
فقال أبو الشيص: قاتلكم الله يا معشر بني سُلَيْم، تقول الخنساء:(كأنه عَلَمٌ في رأسه نار) وأنت تقول هذا
(1)
!
الأمير أبو الفتح الحسن بن عبد الله (بن أبي حُصَيْنَةَ) السُّلَمي
ليس هذا الذي أسطره هنا تحليلًا لشاعرية هذا الشاعر السُّلَمي الفحل، وإنما هو ترجمة له، يُضاف إليها تقديم فكرة عن شاعريته الثرة، بعرض نماذج من شعره القويِّ الآسر.
وهذه سلسلة نسبه: أبو الفتح الحسن بن عبد الله بن أحمد بن عبد الجبار بن أبي حصينة السُّلَمي المعرِّي يتصل نسبه ببني سُلَيْم.
وُلد أبو الفتح بن أبي حصينة، قبل سنة 390 هـ، ويُرَجَّحُ أن مكان ولادته في المعرَّة بالشام، ولم يوقف على حقيقة السنة التي وُلد فيها، فقد اضطربت أقوال المؤرخين في ذلك، وقال ابنُ عساكر أقدمُ مَنْ كَتَبَ عنَه: إن ولادته كانت قبل سنة 390 هـ نفسها.
وتلقى ابن أبي حصينة العلم عن شيوخ يرجح أنهم من شيوخ المعرة، وأنهم من الطبقة التي تتلمذ عليها أترابه، من أبي العلاء المعرِّي (363 - 449 هـ) وطبقته
(2)
، ويبدو أنَّهُ دخل المسجد الجامع الأموي وجلس في حلقاته العلمية والأدبية. ثم اتصل بآل مرداس من بني كلاب من هوازن، أمراء حلب بعد انقراض الدولة الحمدانية من بني تغلب بن وائل من سنة 406 هـ إلى سنة 415 هـ
(1)
الفهرست لابن النديم 216 و 217.
(2)
مقدمة محمد أسعد طلس لديوان أبي الفتح الذي حققه وطبعه المجمع العلمي العربي بدمشق.
وكان أول أمير مرداسي اتصل به هو الشاب ثمال بن صالح، وقد نظم فيه قصائد مديحية وعُمرُهُ في نحو ثمانية وعشرين عامًا، وكان ممدوحه الأمير ثمال كريمًا مقصودًا يعيش عيشة الأمراء من أهل البادية، وفي تلك الفترة استولى صالح بن مرداس الكلابي (أبو ثمال) على حلب وما إليها حتى طرابلس، وذلك بسنة 417 هـ، وفي سنة 420 هـ قُتِل صالح وتملَّك بعده ابناه: معز الدولة ثمال، وشبل الدولة نصر، ثم تفرد شبل الدولة بالأمر سنة 421 هـ، فخرج ثمال مُغاضِبًا له وعارمًا على قتال أخيه، وتوسط أمراء الأطراف من العرب بينهما بأن تكون حلب لنصر، وبالس والرحبة لثمال، أما أبو الفتح فقد ظل على ولائه لآل مرداس الكلابيين؛ يمدحهم وينال من جوائزهم السَّنِّية حتى أقعدته الشيخوخة عن متابعة ذلك.
وفي حياة أبي الفتح ظهرت في تاريخ الشام "بادرة الإنعام" على كبار الشعراء بألقاب الإمارة، وهي الألقاب التي كان أبو الطيب المتنبي وأضرابه من كبار شعراء جيله يسيل لعابهم طمعًا في إحرازها، ولكنهم حُرموا منها؛ لأن أوان تقرير الدولة لها لم يَحِن بَعْدُ، لا لأنهم لم يكونوا أهلًا لها، فاستحقاق المتنبي لها ومن في مستواه من شعراء رمانه أمر لا ريب فيه، وقد استشرف أبو الفتح لنيل لقب الإمارة الشعرية المرموقة، حيث إنه رأى نفسه أهلًا لها، وكان من حسن حظه أن أوفده الأمير تاج الدولة ابن مرداس إلى المستنصر العبيدي الفاطمي فمدح المستنصر بقصيدة عصماء مطلعها:
ظهر الهدى وتجمل الإسلامُ
…
وابنُ الرسول خليفة وإمامُ
مستنصر بالله ليس يفوته
…
طَلَبٌ ولا يَعْتَاصُ عنه مرامُ
ثم مدحه بقصيدة أخرى عام 450 هـ، فوعده بإعطائه الأمارة. وفي عام 451 هـ أنجز له وعده (وقد تسلم أبو الفتح سِجِلَّ "الإمارة الشعرية" من يدي المستنصر في ربيع الآخر بتلك السنة)
(1)
. وكان الذي سعى في تأميره وكتب له
(1)
بوسعنا أن نستنبط من هذا النص نتيجتين: إحداهما أن لمنح لقب إمارة الشعر في عهد العبيديين بمصر سجلًا خاصًّا تدون فيه أسماء الأمراء من الشعراء الذين مُنحوا هذا اللقب بأمر رسمي، كما أن لهم شهادات أو براءات - وهذه ثانية النتيجتين - تسلم إليهم لإثبات ذلك، كما أن لهم مكانة شرف ممتازة في أواسط مجتمع ذلك العصْر. وإذن، فإن منح الأمير أحمد شوقي في هذا القرن، لقب إمارة الشعر ليس بدعًا=
سجل الإمارة هو أبا علي صدقة بن إسماعيل بن فهد الكاتب، فكافأه أبو الفتح على صنيعه بأن مدحه بقصيدة غرَّاء كان مستهلها:
قد كان صبري عيِلَ في طلب العُلا
…
حتى استندتُ إلى ابن إسماعيلا
فظفرتُ بالخطر الجليل ولم يزل
…
يحوي الجليل من استعان جليلا
لولا الوزيرُ "أبو عليٍّ" لم أجد
…
أبدًا إلى الشرف العليِّ سبيلا
إن كان ريب الدهر قَبْح ما مضى
…
عندي فقد صار القبيح جميلا
وأجلّ ما جعل الرجال، صِلاتُهُمْ
…
للراغبين العزِّ والتبجيلا
اليوم أدركتُ الذي أنا طالب
…
والأمس كان طِلَابُه تعليلا
وكان تَسَلُّم الأمير أبي الفتح لسجل الإمارة هذه في ربيع الآخر سنة 451 هـ.
هذا، وقد انهالت الجوائز المالية السخية على ابن أبي حصَيْنَة شاعر المرداسيين، فأثرى وعَمَّر وبنى.
وكان قد مدح الأمير محمود بن نصر بن صالح بن مرداس عندما تملك حلب سنة 452 هـ، فأيد منحه لقب إمارة الشعر، والقصيدة التي مدحه بها منها قوله:
أبا سلامة عش واسلم حليف عُلًا
…
وسؤدد بشعاع النجم مقرونِ
أُشقي عداكم وأهوى أنْ أدين لكم
…
وللعدى دينهم فيكم ولي ديني
وقد ثبتت إمارة محمود أخيرًا لحلب، فما كان منه إلا أن خلع طاعة العبيديين وخطب للعباسيين، كما صنع زميله في إفريقية الشمالية المعز بن باديس في القرن ذاته، وظل محمود المرداسي حاكمًا لحلب حتى مات، وقد تابع صاحبنا أبو الفتح بن أبي حُصَيْنَةَ مديحه له أسوة بمن سبقوه من الأمراء المرداسيين.
= في الحضارة العربية الإسلامية، بل له سابقات قبل نحو ألف عام، وأحمد شوقي جدير بهذا اللقب كل الجدارة، فلم يجيء بعد أحمد أبي الطيب المتنبي من يفري فريه غير سميه هذا "أحمد شوقي".
وكان ابن أبي حصينة شاعرًا ثَرَّ الشاعرية، جزل التراكيب ينحو في غزله منحى الشعر العربي القديم، تَصَوُّنًا وعفافًا وبُعْدًا عن الإسفاف، ولكن شاعريته تأثرت بالبيئة العُبيدية التي تجنح إلى المبالغة والتهويل في مدح الحكام، وكان ذا طموح وطمع في جمع الأموال، وقد أغدق عليه المرداسيون الأمراء الجرب الأجواد فيضًا زاخرًا من العطايا السنية السخية، ما بين عَينيَّة وعقاريَّةٍ وغيرهما، وقد وَهَبَهُ بعضهم (دارة رحبة جميلة) فسماها (دار المعونة)، وحضر بعض أمرائهم الحفلة التي أقامها بمناسبة بنائه لدار فخمة في قطعة أرض منحها له نصر بن صالح المرداسي، وكان في رأس قائمة الحاضرين نَصْرٌ نفسه، وبعد أن تناول الطعام سأله: كم أنفق في عمارة الدار؟ فقال له: ألفي دينار، فأعطاه ألفي دينار مصرية تعويضًا عما أنفق، وزاده ثوبًا أطلس وعمامة مذهبة وحصانًا بطوق ذهب، وسرفسار ذهب
(1)
، مبالغة في تقديره وتكريمه. ومدح الشاعر أبو الفتح السُّلَمي صالح بن مرداس الكلابي
(2)
بقصيدة منها قوله:
تَطَوَلْتَ وَخَوَّلْتَ
…
عَلى قَدْرِكَ لا قَدْري
وأدْنَيتَ وأغنَيتَ
…
وأقنَيتَ إلى الحَشْرِ
وآمنتَ من البأسا
…
ءِ من يُولَدُ مِن ظَهْري
وأثْرَيْتُ بنعماكَ
…
وما أمَّلْتُ أنْ أُثْرِي
وقد زِدْتَ فزاد اللهُ
…
من عُمْرِك في عُمْرِي
سَأجزيك وما يَجْزيـ
…
ـك لا طِرْسي ولا حِبْري
وأُقنيِك ثَنًا يَبْقَى
…
على عابرة الدهرِ
وأوصافًا لها نَشْرٌ
…
ذكيُّ الطيَّ والنَّشْرِ
وما يبقى على الدنيا
…
وما فيها سوى الذِّكْرِ
(1)
السرفسار: تاج الفرس مرصعًا بالذهب.
(2)
في مقدمة أبي العلاء المعرى لشرحه لـ "ديوان ابن أبي حصينة" نص أبو العلاء على أن بني مرداس سُلَميون، إذ وصف طليعة دولتهم: صالح بن مرداس بأنه سُلَمي، وفي المراجع التاريخية أنهم كلابيون لا سُلَميون. وقد أيد محمد أسعد طلس في هامش المقدمة نظرية أبي العلاء وأكدها (راجع ص 5، الجزء الأول، طبع دمشق)، وهذا عكس ما تقول له المصادر التاريخية القديمة والحديثة؛ فبنو كلاب كبني سُلَيْم=
وثلاثة هم شعراء الشام في القرن الهجري الخامس: أبو العلاء المعرِّي، وكان أرفعهم شأنًا، وابن حَيُّوس، وابن أبي حُصينة السُّلَمي، ولكل من هؤلاء الأعلام ديوان شعر مطبوع. وابن حيوس وابن أبي حصينة فرسا رهان فيما يرى محمد أسعد طلس؛ ونؤيده، فإن الدارس لشعرهما يجدهما متوازيين في الطلاوة والفصاحة والجزالة وطُول النَّفَس، وابن حَيُّوس أقرب إلى طريقة أبي تمام، وابن أبي حُصينة أقرب إلى منهج البحتري، وأبو تمَّام والبحتري فرسا رهان .. والخمسة جميعهم من زعماء الشعر في الشام.
ومما يسترعي الانتباه في بعض قصائد ابن أبي حُصينة أنه سَلَكَ فيها أسلوب أبي الطيب المتنبي؛ فقد مدح الأميرَ ثمالا معز الدولة بن صالح بن مرداس بدالية بليغة وأنفذها إليه من دمشق بمناسبة فتحه لقلعة حلب في شهر ربيع الأول سنة 434 هـ قال:
لِسَيفِكَ بعد الله قد وَجبَ الحمدُ
…
فيا ليت جَفْني ما حييتُ له غمدُ
ومضى إلى أن يقول:
غيوثٌ إذا جادوا ليوث إذا عَدَوْا
…
كثير إذا عادوا قليل إذا عُدُّوا
يَشُكُّونَ في ظهر الْعَدُوِّ أسِنَّةً
…
إذا خرجت من صدره خرج الحقدُ
ثم يقول واصفًا فتح قلعة الثغر:
وعدتم لذاك الثغر سَدا من العدى
…
وأيُّ سَديدِ ما دَرى أنكُمْ سَدُّ!
وما رَدَّ كَيْدَ الروم خَلْقٌ سواكم
…
يُنيل إذا لم يبق من دونهم رَدُّ
أتَوْا يثقلون الأرض من فوق شُزَّبِ
…
إذا أسرعت في الخط أثقلها السردُ
يواريهمُ نسج الحديد عليهم
…
فما فيهمُ مَنْ مِنْه جارِحةٌ تبدُو
فلولاكمُ لم يَنْهَهُمْ عن حريمنا
…
وعن حرمة الإسلام جمعٌ ولاحشدُ
= قيسيون وهم بنو عمومة لبني سُلَيْم ولكنهم ليسوا منهم وإنما هم قبيلة من عامر بن صعصعة من هوازن بن منصور أخوة سُلَيْم بن مصور، وكان لبني كلاب شأن يذكر في الشام، وأخيرًا أنشأوا دولة لهم على يد صالح بن مرداس، وقد أحدثوا في زمن سيف الدولة الحمداني الوائلي حدثًا أزعج سيف الدولة وأحنقه عليهم، فغزاهم في عقر داوهم وسبى نساءهم، فتلطف أبو الطيب المتنبي وتوسط في قصيدة بائية غراء مدح بها سيف الدولة في أن يصفح عنهم.
ولكنكم قَبَّلْتُمُوهُمْ ذوابلًا
…
من الخَطِّ لُدًّا مُشرِعوها هم اللدُّ
وخضتم عجاجًا يُرمْدُ الجوَّ نَقْعُه
…
ولكنه تَحْيى به الأعين الرُّمْدُ
فما انجاب ذاك النقع حتى طَرَحتْهم
…
فرائس تقتات الوحوش بها بعدُ
وصارت حياضًا للمياه جَماجمٌ
…
مُفَلَّقَةٌ فاستجمع الزاد والْوِرْدُ
فلا تطمع الآمالُ فيما مَلكْتُمُ
…
فما تَتَخَلَّى عن فرائسها الأسْدُ
فهذه القصيدة اللامعة تنظر إلى قصيدة قالها أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي في مدح محمد بن سيار بن مكرم التميمي؛ في وزنها ومعانيها وفي قافيتها.
وله (رائعة) في مديح (ثمال) المرداسي، يقول فيها فيما يقول
أبا صالح أنت حُسنُ الزما
…
ن وحُسْنُ الرُّواءِ بحسن العَلَمْ
إذا نظم المدحَ فيك امرؤ
…
وجدناك أشرف مما نظمْ
أمِنَّا بقربك صرفَ الزمان
…
فنحن الحَمامُ وأنت الحرمْ
ومضى إلى أن يقول:
جزى الله خيرًا ظهور الركاب
…
وأحْسَنَ عني جزاء القلمْ
فقد كنتُ ألتمسُ الأكرمين
…
وأطلُبُ للمدح أهْلَ القِيَمْ
فلما وجدتُ بني صالح
…
وجدتُ الغِنى وعدِمْتُ العَدمْ
وثَمَّرْتُ من فضلهم نِعْمَةً
…
وجَاهًا ومالًا ولحمًا ودمْ
ملوك إذا ما عَدَدْتَ الملوك
…
عَدَدْتَ الملوك لهم في الحشمْ
خَدْمْتُهُمُو في قميص الشباب
…
وأخدمهم في قميص الهرمْ
ومن روائعه أيضًا قوله يمدح ثمالا المرداسي:
كذا لا تزال رفيعَ الرُّتَبْ
…
كثيرَ العدو كثير الغَلَبْ
وقد وهب الله هذا النعيمَ
…
وما يَرْجِعُ الله فيما وَهَبْ
إلى أن يقول:
إذا سَلْمَ اللهُ رُوح الأمير
…
فَأهْوَنُ شيء ذَهَابُ الذهبْ
ومن كَسِب الحمد في الخافِقيْن
…
فَلَيْسَ يبالي على ما كَسَبْ
فخذ ما صفا من لذيذ الحياة
…
ودع لسواك الأذى والنَّصَبْ
ومن جيد قصائده: (الرائيةُ) التي يقول فيها يمدح ثمالًا المرداسي:
أقول لصحبي بِجَوِّ الغُمَيْرِ
(1)
…
وقد ضل حادي المطايا وحارا
تَيَامَنْتُمُ عن بلاد المعز
…
فعوجوا يسارًا تصيبوا يسارا
ولاقوا أميرًا قليل النظر
…
يحب الثناء ويَشْنَا النُّضَارا
كريمَ النجار عفيفَ الإزار
…
حوى المكرمات وشاد الفخارا
أعاد وأبدى وللفضل أسدى
…
وللقِرْن أردى وللريح بارى
كريم الصنيعة ضخم الدسيعة
…
سهل الشريعة لم يأت عارا
غَنَاءُ الفقير ونعم النصير
…
إذا المستجير إليه استجارا
يَفُك الأسارى ويحمي العذارى
…
ويُعْطي المَهارى ويُفني المِهارا
إذا حَلَّ في البدو زان العمود
…
وإن حَلَّ في الْحَضْر زان الجدارا
أبا صالح قد فَضَلْتَ الملوك
…
فَعُدْتَ يمينًا وعادوا يَسَارا
وألبسك الله ثوب الوقار
…
فلا نزع الله عَنْكَ الوقارا
تحَوَّلْتَ بالأمس عن موضع
…
فآنَسْتَ دارًا وأوْحَشْتَ دارا
ونالت أبا الفتح قَوَارِصُ الألسن من المنافسين والحسدة، وكل ذي نعمة محسود، وكان هذا الموقف بالنسبة إليه يماثل موقف سلفه أبي الطيب المتنبي الذي توفي قبل ميلاده بست وثلاثين سنة، فقد كان سيف الدولة إذا تأخر مدح المتنبي له شق عليه ذلك، فيحضر من لا خير فيه فيتقدم إليه بالتعرُّض للمتنبي في مجلسه بما لا يحب، وذات مرة أنشد المتنبيُ سيف الدولة قصيدته (الميمية) السائرة، وقال له فيها معرِّضًا بمن يتعرض له في غيابه بمجلسه:
(1)
الغمير - بالتصغير -: موضع في ديار بني كلاب عند التلبوث، فهو من منازل قوم ممدوحه ثمال المرداسي الكلابي العامري الهوازني، وفي ذكره لفئة مناسبة دلت على دقة ملاحظة وحسن ذوق شعري من الشاعر.
وجاهل مَدَهُ في جهله ضحكي
…
حتى أتته يَدٌ فراسَةٌ وفم
ثم يعود إلى سيف الدولة ويخاطبه بقوله معاتبًا على إرخائه العنان للمتعرضين له في غيابه:
إن كان سركمُ ما قال حاسدنا
…
فما لجرح إذا أرضاكمُ ألمُ
وقد أثرت أيضًا على ابن أبي حُصَيْنَة هذه القوارصُ الخفية التي تقرضه في غيابه، فقال:
ذري عَذَلي فَشأَنُك غير شَانِي
…
ولا تتملكي طَرَفَيْ عِنَاني
ورُدِّي يا ابنة السُّلَميِّ قلبي
…
فقد فارقتُ قلبي ما كفاني
وهو هنا يتغزل بسُّلَمية من بنات عمه .. ثم يصل إلى هدفه فيقول مُوَرِّيًا ومُكنِّيا والكناية أبلغ من التصريح:
أحِبُّ من السمَّاذع كُلَّ نَذبٍ
…
كريم الخِيم مأمونِ اللسان
يَعِفُّ الخنا ويَشِفُّ حِلْمًا
…
كما شفت ذُرى عَلَمَيْ أبَانِ
ثم يصرح بما يريد أن يقوله وأن يوجهه إلى مغتابيه بحضرة الأمير المرداسي:
وأمْقَتُ كل مُغتابٍ نَمُومٍ
…
حَريص بالنميمة غير واني
ألا بئس الحديثُ حديثُ زُورٍ
…
يُبَلِّغُهُ فلانٌ عن فلانِ
ثم يُمعن في كشف ذات صدره لأولئك النمَّامين الحَسَدَة فيقول:
مضى العيد السعيد وغِبتُ عنه
…
وفاز الناس قَبلي بالتهاني
فَهَلا أحسن الشعراءُ غَيْبي
…
وكَفُّوا عن عتابهمو لساني
فقد حضروا فما نابوا منابي
…
ولا سَدُّوا وإنْ كثروا مكاني
وكم طلبوا اللحاق وما تهدَّتْ
…
قرائحهم إلى هذي المعاني
أعابوني بِقَرْواشٍ؟
(1)
وعَيْبِي
…
بِقَرْواشٍ جمالي في زماني
(1)
أبو المنيع قرواش بن المقلد بن المسيب العُقَيْلي العامري الهوازني صاحب الموصل والكوفة، كان أديبًا شاعرًا وسياسيا ماهرًا دامت إمارته خمسين عامًا ومات سنة 444 هـ سجينًا. ويبدو أن الشاعر ابن أبي حصينة السُّلَمي كانت له صلة به، إلى صلته بآل مرداس؛ فلذلك وجد الوشاة هذه الثغرة فدخلوا منها على =
وليس أبو المنيع وإن توالت
…
إليَّ صلَاتُهُ كمن اصطفاني
كلا الملكين أولاني جميلًا
…
ولكنَّ الجميل لمن بداني
ولو أني بُلِيتُ بهاشميِّ
…
خؤولته بنو عبد المدان
لهانَ عليَّ ما ألْقَى ولكن
…
تَعَاليْ فانظري بمن ابتلاني
أعلِّمهُ الرماية كلَّ يومٍ
…
فلما اشتد ساعده رماني
والأبيات الثلاثة الأخيرة قديمة ضمنها الشاعر قصيدته، ومما يسترعي الانتباه مخاطبته في أحد هذه الابيات الثلاثة للسُّلَميَّة التي تغزَّل فيها، فقال معدلًا صيغة البيت الأصلية:
لهانَ عليَّ ما ألْقَى ولكن
…
تَعَاليْ فانظري بمن ابتلاني
وأصل البيت هكذا:
لهانَ عليَّ ما ألْقَى ولكن
…
تَعَالَوْا فانظروا بمن ابتلاني
وكما أسهم المتنبي بقصائده الخوالد في مواكب الجهاد الإسلامي الذي كان يقوم به علي بن عبد الله الحمداني التغلبي (سيف الدولة) بما ينظمه وينشده إياه من قصائد ظاهرها مديح سيف الدولة وباطنها الإشادة بجهاده وكفاحه لنصرة الإسلام والدفاع عن حوزته ودياره وثغوره، كذلك كان للأمير ابن أبي حصينة نصيبٌ طيب في هذا الميدان، ففي ديوانه قصائد عصماء من هذا القبيل. ونحن هنا نقدم للقارئ أبياتًا مختارة من إحدى هذه القصائد، وقد قال ابن الوردي عنها: إنه في (سنة 426 هـ وصلت الروم إلى حلب، فقاتلهم صاحبها شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس الكلابي وتبعهم إلى عزاز، فقتل وغنم. وكان اسيم ملك الروم أرمانوس، فقال أبو الفتح الحسن بن عبد الله بن أبي حصينة المعري (السُّلَمي) من قصيدة طويلة أنشده إياها "بظاهر قنسرين"، وأورد ابن الوردي الأبيات التي اخترنا منها ما يلي:
إلى نصر وأيُّ فتى كنصر
…
إذا حَلَّتْ بمغناه الركابُ
أمُنْتَهِكَ الصليب غداة ظلت
…
حُطامًا فيهم السُّمْرُ الصِّلابُ
= الطعن في أبي الفتح عند الأمير المرداسي في غيابه، وربما وجدوا منه أذنًا صاغية. فنظم الشاعر السُّلَمي ابن أبي حصينة هذه القصيدة يمدح بها الأمير المِرداسي ويعتذر له ويدفع عن نفسه كيد الخصوم.
جُنودُكَ لا يحيط بِهِنَّ وصف
…
وجُودك لا يحصله حسابُ
وَذِكْرُكَ كله ذكر جميل
…
وفعلك كله فعل عُجَابُ
و (أرمانوس) كان أشد بأسًا
…
وحَلَّ به على يدك الْعَذَابُ
أتاك يَجُرُّ بحرًا من حديد
…
له في كل ناحية عُبَابُ
إذا سارت كتائبه بأرض
…
تزلزلت الأباطح والهضابُ
فَعادَ وقد سَلَبت الملك عنه
…
كما سُلِبَتْ عن المَيْتِ الثيابُ
فما أدناه من خير مجيءٌ
…
ولا أقصَاهُ مِن شَرٍّ إيابُ
فلا تسمع بطنطنة الأعادي
…
فإنهمُ إذا طَنُّوا ذُبابُ!
ولا ترفع لمن عاداك رأسًا
…
فإنَّ الليث تنبحه الكلابُ
ويلوح لي أن هذه القصيدة البائية الماتعة الرائعة تنظر من قريب أو من بعيد إلى (بائية) المتنبي التي تماثلها في الورن والقافية، وإن كانت تزايلها في الموضوع والهدف ولا سيما في قول أبي الطيب المتنبي:
وجُرْمٍ جَرَهُ سُفهاء قوم
…
فَحَلَّ بغير جارمه العقابُ
فهو قريب الشبه والسمات من قول ابن أبي حُصينة:
وأرمانوس كان أشد بأسًا
…
وحَلَّ به على يدك الْعَذَابُ
وكما أن لابن أبي حُصينة مدائح، فله مَرَاثٍ نشير هنا إلي إحداها وهي التي قالها في سنة 443 هـ حينما توفي زعيم الدولة أبو كامل بَرَكَةُ بن المقلَّد بن المسيب العُقيلي - شريك أخيه قرواش في ملك الموصل - بتكريت. قال ابن أبي حصينة من قصيدة طويلة:
من عظيم البلاء موت العظيم
…
ليتني مِتُّ قبل موت الزعيم
يا جفوني سُحِّي دَمًا أو فَحَمِّي
…
صَحْن خدي بعبرة كالحميم
وحينما توفي في سنة 444 هـ قرواش معتمد الدولة أبو منيع بن المقلَّد العُقَيْلي صاحب الموصل مسجونًا بقلعة الجَرَّاحيَّة، رثاه الأمير أبو الفتح السُّلَمي بقصيدة باكية منها قوله:
أمثل قرواش يذوق الردى
…
يا صاح ما أوقح وجه الحِمَامْ
وله مَرَاث أخرى مدوَّنة في ديوانه المطبوع، ومن أهمها رثاؤه لصديقه الحميم أبي العلاء المعرِّي الذي أملى لديوانه شرحًا قال في مقدمته عنه:"وكان مولاي الأمير الجليل أبو الفتح الحسن بن عبد الله بن أبي حصينة سألني أن أسمع شِعْرَهُ، فقرأ عليَّ ما أنشأه من أنواع القريض، فَوَجَدْتُ لفظه غير مريض، ومعانيه صَحاحًا مُختَرعَةً، وأغراضه بعيدة مبقدعة، وهو دىان كان متأخرًا في الزمان، فكأنه من فرط عهد النعمان، ومن سمع كلامه علم أنه لم يغير شهادة، ولا خرم في إبداع الكلام سيادة"
(1)
.
وشهادة كهذه من إمام في الشِّعْر واللغة والعلوم كأبي العلاء المعرِّي، لا شك أنها ترفع إلى القمة مستوى الشاعر المشهود له فيها برفعة المكانة الشعرية.
يقول الأمير أبو الفتح السُّلَمي في رثاء صديقه أبي العلاء المعرِّي:
العلم بعد أبي العلاء مُضَيَّعُ
…
والأرض خالية الجوانب بلقعُ
أودى وقد ملأ البلاد غرائبًا
…
تسري كما تسري النجوم الطُّلَّعُ
ما كنتُ أعلم - وهو يودع في الثرى -
…
أن الثرى فيه الكواكب تودعُ
ثم يقول فيه أيضًا:
تنصرم الدنيا ويأتي بعده
…
أمَمٌ وأنت بمثله لا تسمع
ثم يقول فيه أيضًا:
قصدتك طُلَّاب العلوم ولا أرى
…
للعلم بابًا بعد بابك يُقْرعُ
هذا وللأمير أبي الفتح جولات في ميادين الحكمة.
قال:
أشدُّ من فاقة الزمان
…
مُقامُ حُرٍّ على هوانِ
فاسترزق الله واستعنه
…
فإنَّه خير مُستْعانِ
وإن نبا منزلٌ بِجرِّ
…
فمن مكان إلى مكانِ
(1)
مقدمة ديوان أبي حصينة لأبي العلاء المعري، ص 3، طبع دمشق.
وقال:
إذا المر لم يرض ما أمْكَنَهْ
…
ولم يأت من أمْرِه أحْسَنَهْ
فدعه فقد ساء تدبيره
…
سيضحك يومًا ويبكي سَنَهْ
وقد طُبع الشرح الذي أملاه أبو العلاء المعرِّي على ديوان ابن أبي حُصينة السُّلَمي في دمشق، وتولى تحقيقه محمد أسعد طلس، وقد وصفه محققه وصفًا قيِّمًا، قال: أن أبا العلاء المعرِّي سار فيه على الطريقة التي سار عليها في (معجز أحمد) و (اللامع العزيزي) و (عبث الوليد).
وكان أبو العلاء المعرِّي قد بدأ إملاءه بشرح القصيدة التي أولها:
هل بعد شيبكَ من عذر لمعتذر
…
فارجر عن الغيِّ قلبًا غير منزجرِ
واختتمه بشرحه للقصيدة التي أولها:
كم تُكُشِرَانِ العذل والتفنيدا
…
أفتحسبان المستهام رشيدا؟
توفي الأمير أبو الفتح الحسن بن عبد الله الشهير بابن أبي حُصينة السُّلَمي المعرِّي سنة 456 هـ أو 457 هـ
(1)
، وربما كانت وفاته في "سروج".
النظَّام المصري: جبرائيل بن ناصر بن المثنى السُّلَمي
قال عنه العماد الأصفهاني الكاتب: (لقيته بدمشق على باب جيرون، نافق السوق كثير الزبون، ثم عاد إلى مصر عند المملكة الصلاحية بها، ودارت رحى رجائه بالنجح على قطبها، وقصد اليمن عند افتتاح الملك المعظم شمس الدولة توران شاه لها، وكان وَعَدَهُ بألف دينار، فقبضها منه وحصلها، ولم يزل بمصر مستقيم الحال مُثَمِّرَ المال، آلِفًا صعود جَدّهِ - أي حظه - بالصعيد، عارفًا سعود حظه بالمزيد، إلى أن نَسَبَ إليه وَالي قوص بصعيد مصر، أنه يُوَاطِئُ الخارجي بها في آخر سنة اثنين وسبعين (بعد الخمسمائة) فطلبه وصلبه بعدما سلبه، وذلك في
(1)
المراجع: مقدمة محمد أسعد طلس لديوان ابن أبي حُصينة، مع شعر ابن أبي حُصينة، وشرح أبي العلاء المعري أو تعليقاته على ديوانه الذي قام بطبعه ونشره المجمع العلمي العربي بدمشق، وكذلك ديوان محمد بن سلطان المشهور بابن حيوس، من مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق أيضًا.
المحرم سنة ثلاث وسبعين (بعد الخمسمائة) - بقوص، وَوَقَعَتْ إليَّ من شعره قصيدةٌ بخطه، نظمها في سيف الدين أخي صلاح الدين، عند خروج الكنز من ربيعة بن نزار بأسوان
(1)
، وقتله والفتك به والفتك بالسودان، من جملتها:
ومن ذا يطيق الترك في الحرب إنهم
…
بَنُوها وكل الناس رور وباطلُ
حُماة كُماةٌ كالضراغمِ، خيلُهم
…
معاقلُهم، والخيل نعم المعاقل
ومنها في صفة الجيش:
بجيش يضيع الليل فيه إذا سرى
…
وتُخْفِي نجومَ الجو منه القساطلُ
إذا ما خَبَتْ فيه المشاعل عاضها
…
من أيدي الجياد المنعلات المشاعل
وتَطَّرِدُ الراياتُ فيه كأنها
…
أفاعٍ إلى أوكارهن جوافل
فما لاح ضوء الصبح حتى تحكمت
…
لهم في أعاديهم قنأ ومَنَاصِل
كأن مُشَار النقع سحبٌ وبَيْضَهْن
…
بروقٌ تلألأ فيه والدم وابل
ومنها:
لكم يا بني أيوب في البأسِ والنَّدى
…
مذاهبُ تُعيي غيركم ومداخل
ألَنْتُمْ لنا الأيام من بعد قسوة
…
وحليتموها، وهي قبل عواطل
وقلدتمونا الْبيِضَ تُثقِلُ بالحُلى
…
عَواتِقَنَا أعنادها والحمائل
ضربنا بها أعداءكم فجيادنا
…
لها من دماء المارقين خلاخل
وله من أخرى:
أما مل من عذلٍ عاذلي
…
فيطرح حلي على كاهلي
لقد أطمع النَفْسَ في سلوة
…
يخيبهط طمعُ العاقل
ومن غمر هذا الهوى أنني
…
لأعشقُ من عشقه قاتلي
أحِبُّ فأقتلُ نفسي فلا
…
أفوز من الحب بالطائل
ولي كل يوم وقوف على
…
حِميِّ، وسلام على راحل
(1)
الكنز: رجل ثار فقتل.
متى يسأم القلب من هجركم
…
فيصغى إلى عذل العاذل؟
ويبطل سحر الجفون التي
…
بها يعمل السحر في بابل
ويجلو فؤاد امرئ لم يزل
…
من الوجد في شغل شاغل
متى وجدت لكم وحشة
…
تعللت بالشبح المائل
صِلُوا واعطفوا واحْسنوا
(1)
…
وجودوا فلا خير في باطل
فلستُ بتارك حق الهوى
…
ولو أنني منه في باطل
ولكن إذا مضَّنِي جَورُكم
…
شكوتُ إلى الملك العادل
مليك مشى الناس في عصره
…
من العدل في منهج سابل
أقامَ الجاهد على سوقه
…
وحرب كحرب بني وائل
(2)
ففي كل يوم له جحفل
…
يُغِيرُ على الشِّرْكِ بالساحل
فديناك يا من سنا وجهه
…
يفوق سنا القمر الكامل
وإنك أنفع في عصرنا
…
من الغيث في البلد الماحل
أنلت الرعية ما فاتها
…
من الشرك في عصرنا الزائل
فأضحت من العدل في غامر
…
وأمست من الأمن في شامل
ويروي لنا العمادُ الأصفهاني الكاتب قصيدة أخرى، شفيفة الأسلوب رقيقة المعاني، وهي في الغزل ومطلعها:
زاد بي شوقي فَبُحْتُ
…
وجرى دمعي فَنُحْتُ
يها العاذل هل يُثْـ
…
ـنِي لِسَانَ العذل صَمْتُ
إن نَعْتَ البدر والشّمْـ
…
ـسِ لِمَن أهواه نَعْتُ
(3)
(1)
الهمزة في: (وأحسنوا) همزة قطع؛ لأنه فعل أمر ماضيه "أحسن" فوصل الهمزة في البيت كان بحكم ضرورة الوزن في الشعر.
(2)
يعني حرب لا تنطفئ نارها مثل حرب البسوس بين بكر وتغلب من بني وائل.
(3)
خريدة القصر، وجريدة العصر - قسم شعراء مصر - ص 140 - 142، الجزء الثاني، طبع مصر.
أبو عبد الله الخضر بن عبد الرحمن السُّلَمي الدواتي المعدل
ذكره العماد الأصفهاني في كتابه (خريدة القصر وجريدة العصر): والدواتي نسبة عامية للدواة، وهي نسبة مخالفة للقاعدة النحوية، فالقاعدة تقول: إن صحة النسبة إلى الدواة: دَوَوِيّ، ومنه لقب أبي علي ابن الرئيس خليفة الدووي
(1)
.
قلت: وهناك شاعر ذكره التاريخ وهو (الأعشى السُّلَمي) وهو غير الأعشى المشهور من ربيعة العدنانية.
وكان الأعشى قد سُجن في المدينة النبوية فتذكر جبل شرورى من ديار قومه من بني سُلَيْم فقال:
(هاجك ربع بشرورى ملبد).
شاعرات من بني سُلَيْم
ريطة بنت العباس بن أنس السُّلَمي المعروف بالأصم
كانت ريطة تعيش في الجاهلية، وهي إحدى شواعر بني سُلَيْم.
قالت ترثي أباها أو أخاها أو زوجها:
لعمري وما عمري عليَّ بهين
…
لنعم الفتى أرديتمو آل خثعما
(2)
وكان إذا ما أورد الخيل بِيِشَةً
…
إلى هضب أشراك أناخ فألجما
فأرسلها رهوًا رِعَالًا كأنها
…
جراد زفته ريح نجد فأتهما
فأمسى الحوامي قد تَعَفَّيْنَ بعده
…
وكان الحصى يكسو دوابرها دما
فآبت عشاء بالنهاب وكلها
…
يُرى قلقًا تحت الرحالة أهضما
وكانت إذا لم تطارد بعاقل
…
أو الرس خيلا، طاردتهما بِعَيْهَمَا
(1)
خريدة القصر وجريدة أهل العصر: ذيل الصفحة 260 بالقسم العراقي، الجزء الثاني، طبع المجمع العلمي العراقي بغداد، 1381 هـ - 1964 م.
(2)
خثعما تعني هنا قبيلة خَثْعم العدنانية المعروفة والتي تيامنت ودخلت في العرب القحطانية.
وكان ثِمالَ الحي في كل أزمة
…
وعِصْمَتَهُمَ والفارسَ المتغشما
وينهض للعليا إذا الحرب شمرت
…
فيطفؤها قهرًا وإن شاء أضرما
فأقسمتُ لا أنفك أُحْدِر عبرة
…
تجود بها العينان مني لتسجما
(1)
ويدلنا ذكر ريطة السُّلَمية لإيراد المرثيِّ للخيل إلى بيشة وغيرها، وَوَصْفُها لخيله يدلنا ذلك على كثرة وجود الخيل لدى سُلَيْم في الجاهلية، كما أشار إليه المؤرخون، ولهذا نفسه نجد كثرة من شعرائهم وفرسانهم يكثرون في قصائدهم من ذكر الخيل في كل مناسبة.
"
الخنساء" تُماضر السُّلَمية
يقول بشَّار بن برد: (ما قالت امرأة شعرًا إلا وظهر الضعف فيه .. ) قيل له: والخنساء؟ قال: (تلك غلبت الفحول).
ويقول بروكلمان أن (الخنساء بلغت في الرثاء أقصى مراتب الشهرة).
وكان دُرَيْد بن الصِّمَّة من أشراف قومه
(2)
وشعرائهم، قد خطبها - وهو شيخ، فردته، وتزوجت بعد ذلك بمرداس بن أبي عامر السُّلَمي، والد عباس بن مرداس، وبعد وفاة روجها مرداس تزوجها عبد الله بن العُزَّى السُّلَمي.
وقد رثت أخويها: معاوية وصخرًا بقصائد
(3)
في غاية الرقة وتفيض بمشاعر الحزن المتفجرة، وقد أقامت بمكة بعد غزوة بدر بقليل، وكانت تناهز الخمسين عامًا عندما زارت عمر، وعائشة رضي الله عنهما بالمدينة فيما بعدُ، ولا يُعرف تاريخ وفاتها بالتحديد.
وكانت تنافس هندًا في سوق عكاظ، في عظم المصيبة عن قتلاها في الجاهلية، وقتلى هند بنت عُتبة في بدر.
(1)
أعلام النساء، لعمر رضا كحالة، ص 410 و 411.
(2)
وهو من بني جُشَم من هوازن بن منصور وفارسهم الشهير في الجاهلية.
(3)
قصائدها في الرثاء، مجموعة في ديوان شعرها المطبوع.
في ذات يوم دخلت الخنساء على أم المؤمنين عائشة فانشدتها قولها في رثاء أخيها صخر:
ألا يا صخر إن أبْكَيْتَ عيني
…
فقد أضحكتني زمنًا طويلًا
فقالت لها عائشة: أتبكين صخرًا وهو جمرة في النار؟ فقالت الخنساء: يا أم المؤمنين ذاك أشدُّ لجزعي عليه، وأبعثُ لبكائي، وعُدَّ هذا الجواب من الأجوبة المسكتة.
عمرة بنت مِرْداس السُّلَمية
أخت عباس بن مرداس السُّلَمي، وهي شاعرة مقلة مخضرمة. أمها الخنساء، فعمرة إذن نشأت في محيط مزدهر بالشعر .. أمها شاعرة وأخوها شاعر وعَمَّاها شاعران، وقد أوردت "حماسةُ أبي تمام" أبياتًا لعمرة تعتبر من جيد الشعر، قالت:
أعينيَّ لم أختلكما بخيانة
…
أَبَى الدهر والأيام أن أتصبرا
وما كُنْتُ أخْشى أن أكون كأنني
…
بعيرٌ إذا يُنْعَي أُخيَّ تحسرا
ترى الخصم زورًا عن أُخَيَّ مهابةً
…
وليس الجليسُ عن أُخيَّ بأزورا
وهكذا سلكت عمرة في رثائها الحزين الجميل الأسلوب والمعبر عن عواطفها - مسلك والدتها واخوتها في الرثاء - ومن يشابه "أهله" فما ظلم.
ويقول بروكلمان: إن عمرة بنت الخنساء ورثت عن أمها ملكة الشعر، وإن بعض أشعار عموة بقيت في ديوان أمها
(1)
.
ولعمرة أخ اسمه يزيد، كان قد قَتَلَ قيس بن الأسلت في بعض حروبهم، فطلبه بثأره هارونُ بنُ النعمان بن الأسلت، حتى تمكن من قتله، فقتله بقيس بن أبي قيس وهو ابن عمه، فقالت عمرة ترثي أخاها يزيد:(أعيني لم اختلكما بخيانة) الأبيات الثلاثة المتقدمة آنفًا .. ولها فيه مرثية أخرى تقول فيها:
أَجَدَّ بنُ أُمِّيَ أنْ لا يؤوبا
…
وكان ابنُ أُمِّيَ جَلْدًا نجيبا
(1)
تاريخ الأدب العربي، لبروكلمان، ص 164، الجزء الأول، طبع دار المعارف بمصر.
وعندما مات أخوها عباس بن مرداس بالشام سنة 16 هـ قالت ترثيه:
لِتَبْكِ ابْنَ مِرداسٍ على ما عراهم
…
عَشِرَتُهُ إذ حُمَّ أمْسِ زَوَالُها
لدى الخصم إذ عند الأمير كفاهمو
…
فكان إليها فَضْلُها وحلالُها
ومعضلةٍ للحاملين كَفْيتَها
…
إذا أتهَلَتْ هُوجَ الرياح طِلَالُها
ولها قصيدة بائية ذكرت فيها الأقيصر بن نشبة الذي مات صغيرًا، وتعرض لأخيها: شداد، لأنه كان شامتًا بموته، وقد جاء فيها قوله:
مَن مُبلِغٌ عنِّي فُلانًا رِسَالَةً
…
فمَا أنْتَ عن قَوْلِ السِّفاهِ بمُعتَبِ
(1)
وقد رثت عمرة ابنة مرداس، أباها مرداس بن أبي عامر، وكان يقال له (الفيض) لفرط سخائه، تقول عنه فيها:
و (الفَيْضُ) فينا شهاب يُسْتَضَاءُ به
…
إنَّا كذلك فينا تُوَجُد الشُّهبُ
(2)
وتوفيت عمرة سنة 499 هـ
(3)
.
حبيبة بنت الضحَّاك السُّلَمية
الضحَّاك هو أبو سفيان السُّلَمي، وهي شاعرة من شاعرات العرب، وكانت تحت العباس بن مرداس المولود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على قول صاحب كتاب "شاعرات العرب" فعلمت حبيبة بإسلامه فغضبت وارتحلت وقالت قصيدة تؤنبه منها:
ألم ينه عباسَ بن مرداس أنني
…
رأيت الورى مخصوصة بالفجائع
ثم قالت له:
لعمري لئن تَابَعْتَ دين محمد
…
وفَارَقْتَ إخْوَان الصَّفا والصنَّائعِ
لَبَدَّلْتَ تنك النَّفْسَ ذُلَّا بعزِةٍ
…
غداة اختلاف المُرهْفَاتِ القواطعِ
(4)
(1)
شاعرات العرب، جمع وتحقيق عبد البديع صقر، ص 272 - 276، منشورات المكتب الإسلامي. والدر المنثور في طبقات ربات الخدور لزينب علي العاملي، ص 352 و 353، طبع المطبعة. الأميرية ببولاق سنة 1312 هـ.
(2)
شاعرات العرب، ص 274.
(3)
شاعرات العرب، ص 272.
(4)
شاعرات العرب، ص 62.
شاعرة سُّلَمية غير مسماة
هذه شاعرة سُّلَمية لم نقف على اسمها، وقد ذكرها ثعلب في مجالسه بسنده قال: أخبرني أبو الزبير ثابت بن عبد الرحيم قال: أنشدتني امرأة من بني سُلَيْم:
وإن امرأ أمسى ودون حبيبه
…
سواسٌ فوادي الرَّسِّ والهميان
لمعترف بالنَّأيِ بعد اقترابه
…
ومعذورة عيناه بالهملان
فما ريح ريحان بمسك بعنبر
…
برند بكافور بِدُهنة بان
بِأطْيَبَ من ريا حبيبي لو أنني
…
وجدتُ حبيبي خاليًا بمكان
(1)
وقد أورد "لسان العرب" البيتين الأولين في مادة (سوس) وعزاهما لثعلب، وقال عن "سواس": موضع: واستشهد بالبيت الأول عن ذلك.
قلت: ويوجد في بني سُلَيْم شاعرات ونساء أخريات كثيرات لهن ذكر في التاريخ العربي لا يتسع المقام بالسرد المطوَّل عنهن، ومن أراد المزيد فليرجع إلى مجلدات 1، 2، 4، 5 من كتاب "أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام" للأستاذ الجليل والمؤرخ العربي السورى رضا كحالة.
(1)
مجالس ثعلب، ص 599 و 600، القسم الثاني، طبع دار المعارف بمصر، تحقيق عبد اللام محمد هارون.
شعراء الشعر (الحميني) أو النبطي من بني سُلَيْم في المملكة العربية السعودية
عقد الأستاذ خير الدين الزركلي في كتابه: (ما رأيت وما سمعت) فصلًا خاصًّا بشعر الْبُدَاةِ، ويقول عن هذا الشعر البدوي: إنه مختلف في لغته وأورانه عن الشعر الصحيح أو القريض، وقال عنه:(ويسمونه "الحميني" ولم أعلم اشتقاق هذه اللفظة ولا أصلها).
وأضاف إلى ذلك قوله: "ويُسَمُّونَ المساجلة بين الشاعرين منهم: "قصيدًا". كما يسمون القصيدة الطويلة أو القصيرة "نشيدًا"، ويسمون القصائد على الإطلاق: "مَجَالِسِيَّات"، ويعرف عندهم اللغز باسم: "الغبوة".
وهم يقولون للشاعر إذا أحسن: "صح لسانك" بدلا من قول العرب الأقدمين للشاعر الْمُجيِد: "لا فض فوك".
وقلَّ من شعراء البادية من يتفق له أن يتلقى في صغره شيئًا من مبادئ علوم العربية، أما من تهيأ له ذلك فيستعين بسليقته الشعرية على نظم شيء من الشعر الصحيح، وقد تكون فيه معان جديدة توحي بها إليه بداوته وصفاء قريحته.
ومن شواهد هذا النوع من القريض البدوي الفصيح، بعضُ شِعْرِ الوقداني، ومنه قوله في رثاء أمير مكة الشريف عبد الله بن محمد بن عون:
المُلكُ لله والدنيا مداولة
…
وما لِحَيٍّ على الأيام تخليد
والناس زرع الفنا والموت حاصده
…
وكل زرع إذا ما تم محصود
وشعر البادية اليوم وقبل اليوم ينتشر بالواسطة أو بالرواية على التعبير الدقيق، فهو في كيانه وتنقله وذيوعه وانتشاره يشبه شعر العرب الفصحاء قبل ظهور الإسلام، إذ كان له رواة يحفظونه في صدورهم وينقلونه إلى الجماهير بألسنتهم، فَيُحْفظُ عنهم ويُروى جيلًا فجيلا. وهناك رواة للشعر الحميني معروفون.
ويبدو أن شعراء الشعر الحميني في البادية هم حملة مقاليد اللغة بين البادية، فلهم الحق في التصرف في مقاليدها كما تملي عليهم قرائحهم وكما تستدعيه منهم
الأوزان الشعرية التي يصنعونها، وهم في هذا شبيهون أيضًا بشعراء العرب القدامى.
ولغة الشعر الحميني "بدوية عامية صرف" ومن شواهد هذا تعبيرهم بقولهم: (إليا) في معنى (إذا): (إليا نصيتَ الرَّبع) أي إذا قصدت الرَّبع، فنصا عندهم بمعنى (قصد) ولِنَصا مشتقاتها:(يَنصى) مضارع، و (إنْصَ): فعل أمر، و (ناصيه): قاصِدُه - اسم فاعل وهكذا. ويقولون (لا جالك) والمعنى: (إذا جاءك) ويقولون (بَرضُه) أخذًا من عامية مصر، فإن مصر كانت ذا خلطة قديمة بالحجاز بدوه وحضره.
وفي صيغة (تنصى) بمعنى (تقصد) يقول محمد الجبرتي السُّلَمي:
سلامْ رَديَّهْ وفَى مِن بَالي
…
تَنْصَى الرجال والمحلَّ الغالي
وفي (إليا) بمعنى (إذا) يقول حبيب بن قليثان السُّلَمي:
سُوَاة الطريدْ الْيَا عطى حاجز المعطوف
…
على الْجَرَّة اللِّي متبعها تباريها
و (اللِّي) عندهم بمعنى (الذي) ومن شواهد ذلك قول حسين بن هندي السُّلَمي:
يا لِلَّي سَقَيْتَ الأرض من غُرِّ الأمزانْ
…
يا لِلِّي خَلَقتَ الورشْ في روُس الأفنانْ
(1)
وشعراء البادية كغيرهم من البادية يُسَكِنُونَ أواخر الكلمات، وهم يسمون الجواب "ردادًا"، وفي لغتهم كثير مما لا تنطق به العامة في مصر والشام، وفيها كثير من الكلمات المتفرعة من العربية الفصحى الباقية على ما كانت عليه قبلًا، وهذه توارثوها عن أسلافهم، وقد دخلت إلى لغتهم كلمات كثيرة من الأقطار المجاورة أيضًا.
وللحميني بحور ومقاطع يعرفها شعراؤه بالسليقة، كما كان العربي القديم يعرف أوزان شعره ويُجري عليها قصائده بالسليقة.
(1)
ما ورد في أربعة الأسطر الأخيرة من الصفحة السابقة وثلاثة الأسطر الأولى من هذه الصفحة مو من كلام المؤلف عبد القدوس الأنصاري، وما قبلهما وما بعدهما مأخوذ من كتاب "سمعت وما رأيت" بتلخيص من المؤلف لكتاب بنو سُلَيْم.
ويبتدئ شعراؤهم شعرهم الحميني بمقياس معروف لديهم، فيقولون قبل أن يبدأوا في نظم القصيدة:(يا لا لا لا لا للي، لي لا لا لا لا للا) أو ما يتفق مع النغم الذي يريد الشاعر البدويُّ أن ينظم القصيدة فيه، ومن ثم يرتجل قصيدته، فلا يختلف فيها البيت عن الآخر ورنا وقافية، وإنما دليله الوحيد هو النغمُ الذي تَفَوَّةَ به واللالاتُ التي نَطَقَ بها مقدمًا ليس غير.
وإذا برع أحدهم في شعر الحميني فقد لا يحتاج إلى تقديم (اللالات) هذه فيما ينظم، يكتفي بسليقته ودرايته على قول الشعر بمقتضاها وعلى مقياها ذوقيا وسليقيا، فيأتي شعره موزونًا على الاوزان المصطلح عليها لديهم فيه كما أراد تمامًا.
وشعراء البادية أقرب إلى الطريقة الإفرنجية في أوران شعرهم؛ لأنهم يعتمدون على المقاطع وهي كالأسباب في عروض الشعر العربي، ويدل على هذا أنهم لا تكاد تمر بهم كلمة ذات ثلاثة حروف متحركة إلا سَكَّنُوا أحدها، فليس في شعر هم (متفاعلن) ولا (مفاعلتن).
وطريقة الأخذ بالمقاطع هي الشائعة في شعر أكثر اللغات وفي شعر جميع لغات أوروبا مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها.
وخلاصة القول في أوران الحميني أن شعراءه يشبهون شعراء العرب قبل وضع العروض وذلك بإخراجهم القصيدة متساوية مع المطلع، وميزان الشعر الحميني يتركز في المقاطع:(لا لا لا)، وتَسكينِ المتحرك، ومَدُّ أحد المتحركين كثير في شعرهم.
ولهم أسماء لبعض أنواع الشعر الحميني: فيسمون (المجرور) لما يلتزم فيه الشاعر (التسميط) مثل قول أحد شعراء البادية حين اضطرمت نار الحرب بين العرب والأتراك في أيام النهضة حيث تحصن الأتراك في جبل عكابة (جبل حول الطائف) وأخذ العرب يرمونهم من (شَرَقْرَق) وهو جبل حول الطائف، ومن (شُبرَةَ) حتى أزالوهم عن مواقعهم:
عكابة رموك. من شرقرق وشبره. ببندف ميازر
لا والله فتك فيك. تظلين عبره. لكل النواظر
والبندق هنا بمعنى الرصاص.
وبالجملة فإن أوزان الشعر الحميني تشبه أوزان شعر العامة في مصر والشام، فهي كالزجل والمعنَّى والقراديات، فكلاهما معتمد على المقاطع.
وهناك اختلاف دقيق بين الشعر الحميني لدى البادية ولدى الحاضرة، فشعر البادية فيه وعورة على فهم الحضري، وشعر الحاضرة قريب من لغتهم، ومن أمثلة تمايز الشعرين في الأسلوب واللهجة قول زيد بن هويشل من (نشيد):
الظَّفِرْ
(1)
لابُدَّ من صغره يبين
…
ظَفِرْ، ويكرم سبال الغانمين
كل قالات
(2)
الرجال الْهَا فَطِينْ
…
قبل ما يبلغ من الأعوام عشرين
وقول الشريف عبد الله بن محمد بن هزَّاع من (نشيد) أيضًا:
آه من قلب تَعَنَّى وانقسمْ
…
أتعب الأعْيانْ واغْداني سَقيمْ
(3)
في هوى من فاق حُسْنُهْ واستتم
…
فاق جمع الْخُودْ لم جالُهْ حتيم
(4)
ومن شعر الحميني (الرّدَّح) وتسميه قبيلة هُذَيلٌ "الرَّجَزَ"(وكلاهما بفتح أوله وثانيه) وهو في عرفهم أن يسير جمع من الناس أو يصطفوا وقوفًا يتوسطهم شاعرهم، فيبدأ بالآلات ثم يرتجل البيت من الحميني، فيعيدونه جميعًا هازجين، ويستمر ويرتجل حتى ينتهي من (نشيده) أي قصيدته
(5)
.
وبعد، فقد قدمنا ما سبق، ليستبين على ضوئه حقيقةُ شعر الحميني السُّلَمي وألوانه، وهو الشعر الذي عقدنا له هذا الفصل وذكرنا ما أمكننا ذكره من شعرهم وشعرائهم فيه.
حبيب بن قليشان السُّلَمي
هو من شعراء الشعر النبطي، من بني نَوَالٍ إحدى بطون بني سُلَيْم الموجودة اليوم في ديارها في أعالي الحجار، بين الحجار ونجد.
(1)
الظفر بفتح فكسر: الشاب.
(2)
قالات: أقوال.
(3)
الأعيان: العيون.
(4)
لم جاله: لم يجيء له. حتيم: شبيه ونظير.
(5)
راجع كتاب ما رأيت وما سمعت، للأستاذ خير الدين الزركلي، من ص 162 إلى ص 179.
توفي حبيب قبل نحو 90 عامًا، واسم (حبيب) الذي سُمِّي به، هو اسم قديم في بني سُلَيْم: سَمُّوا به في الجاهلية وصدر الإسلام وضحاه، وقد مر بنا في فصل:(أمراء وزعماء ومحتسبون وفرسان وقادة وولاة وموظفون من بني سُلَيْم)، اسم (نبيشة بن حبيب السُّلَمي) ومر بنا في فصل (العلماء السُّلَميين)(عبد الملك بن حبيب) ومر بنا اسم (يربوع بن حبيب) الذي هو أيضًا عُتبة بن فُرقد السُّلَمي في فصل (صحابة من بني سُلَيْم)، ومر بنا اسم (حبيب بن ربيعة) في ذلك الفصل أيضًا.
يقول حبيب بن قليشان النوالي السُّلَمي يصف سيره على راحلته السَّبُوق وقد قابلته (دَوْرِيَّةُ)(*) عساكر الترك واستجوبوه، فأفادهم بأنه حامل بريد رسمي كلفة الحاكم - أمير مكة - بإيصاله، فلم يصدقوه وهددوه بالقتل فما خاف منهم، ثم تركوه ومضى لسبيله حتى أدى مهمته كما يجب.
أقوله وأنا طرقي مع الديره اللِّي خُوفْ
…
على وَسْقْ
(1)
هِجْنٍ شائباتٍ مقاريها
لِيَا
(2)
حثها المشعابْ تسبق عام الشَوُفْ
…
تذاري كما اذَّارَى الهائبْ يراعيها
سُواة الطريد
(3)
الْيَا عَطَى حاجز المعطوف
…
على الجُرَّةَ
(4)
اللِّي تبعها بتاريها
ذبْحها الظَّما والجوعْ وألْحقتها الماحوفْ
…
ولا غير أواريها ولا غير لا أداريها
نَصَانِي
(5)
عساكرْ خيلْ وأرسانهن أقوفْ
…
مع الوادي اللي نَبْ ساله يواليها
وقالوا: وِشَ انْتْ؟ وقلت: أنا واحد مكلوفْ
…
مكلفني الحاكم مكاتيب أوديها
(6)
وقالوا: تموتْ! وقلت: ما أنتم سلوك الموتْ
…
ونفسَ الْبِنَادِم
(7)
علمها عند واليها
(*) الدورية: كلمة كانت تستعمل في عهد الأتراك ولا تزال. ومعناها: طائفة من جند يسيرون ليلًا أو نهارًا في الأماكن للتفتيش وتوطيد الأمن.
(1)
وسق: ظهر.
(2)
ليا: إذا. المشعاب: عصا ذات رأس منحن.
(3)
الطريد: الغزال.
(4)
الجرة: الأثر.
(5)
نصاني: قصدني. وفي مراجع اللغة: نصاه: قبض بناصيته، وانتصاه: اختاره.
(6)
أوديها: أعطيها لأهلها. "وأدى": من معانيها أعطى. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
(7)
(البنادم) كلمة بمعنى (ابن آدم)، دخل فيها لكثرة استعمال العوام ما يسمونه التركيب المزجي، في اللغة الفصحى، مثل (عبثمي) في النسبة إلى (عبد شمس). والتركيب المزجي، في بعض الأحيان، يقتضي حذف بعض الحروف من الكلمات الممزوجة ببعضها البعض.
مطلق بن عُضَيْبٍ المطرودي النوالي السُّلَمي
أحد شعراء الشعر النبطي من بني سُلَيْم، توفي قبل نحو 80 عامًا، ومن شعره النبطي أو العاميِّ قوله يخاطب الشريف عون الرفيق باشا إبان إمارته على مكة فيما يتعلق بالعناية ببني سُلَيْم:
قال النَّوالي
(1)
واق
(2)
عالي البتيلِ
(3)
…
في رأس ضلع السليم ضلع طويلِ
في المرقب اللِّي ما بداه الذليلِ
…
واللي عن المقسوم روحه مداريه
مطلق بدع
(4)
زين اللحن ثُم غنَّاه
…
قاف
(5)
كلما در الْبِكَارْ المُعَفّاهْ
ولا كما ذوب العسل من خلاياه
…
ذوب العسل جني النحل من مشاريهْ
ولَا بِيّهْ
(6)
إلا مرهفات النحايلْ
…
ومسلب
(7)
تكلم بها كل عائل
(8)
نبيعها من خوف قيل لقايلْ
…
كم مقلَدٍ
(9)
من صدر راعيه نرميه
ولا بِيَّهْ إلا ناعمات الودايا
…
اللِّي عليها عاكفين البنايا
كم واحدٍ خلت عياله قوايا
…
جريدهمن الخضر يبست علاويه
ولابِيّهْ إلا الْقُود
(10)
عوج العراقيب
…
اللِّي على عضمانها يَتعَب الذِّيب
واللِّي بقى منهم نشيله مصاويب
…
كم فارت بروحْ وفقراء تخليه
ولابِيّهْ إلا ناطحين المعازيب
…
فأوساقها يَقْدَوْنها
(11)
بالمشاعيب
إما نكيفة
(12)
توم وإلا مغاييب
…
وإلا طُرَيْقي يبي
(13)
من يعشِّيه
واللِّي يحط البيت من فرع الأبيات
…
كيف يتهنى فيه ويقيم ويبات
وهم ليا جو يأخذونه بالأنعات
…
يلقى عليه الدرب ولا مُغَبِيهْ
ولا بِيَّهْ إلا إن كان جونا لساير
…
بيناتهم سُواة شط الذخائر
(1)
النوالي: نسبة إلى بني نوال.
(2)
واق: طلع ذروة الجبل.
(3)
البتيلي: الضلع المرتفع.
(4)
بدع: نظم قصيدة.
(5)
القاف: قصيدة.
(6)
ولايه: لا أخشى إلا من الحسود.
(7)
المسلب: البندقية.
(8)
عائل: شاب تائه.
(9)
مقلد: حزام الرصاص.
(10)
القود: الإبل.
(11)
يقدونها: يوقونها.
(12)
كيفة: الرجوع بعد الغزو.
(13)
يبي: يريد.
وهم يبون افْكَاكَهَا بالبصائر
…
وهم لهم بيتٌ على الدرب نبنيه
مبني على فنجال وابْهَارَهْ الهيلْ
…
لنجو ضحى وإن كان لافين بالليل
واليوم ما نلقاه يا حَيْل أبالحَيْلْ
…
عَدَمْتْ تكاليفه وعَدْمًا أوانيه
ولابِيَّهْ إلا حال أميرَ القبيلهْ
…
من حال صابه ما معي فيه حيله
غاوي كما تغدي شباة النحيلهْ
…
لا منتحي روحيه ولا قادر انتحيه
يا (عون باشا) دونك أربع قبائلْ
…
لنا يَرمون
(1)
الشّرَكْ
(2)
والحبائلْ
حَطُّ لَنَا عَلى دُرُوبَكْ دلائلْ
…
نَبِي المُواجَهْ ميرْ ما نقدر انجيه
وقال (العلاوي): لي عليهم قديمه
…
قرشين فوق المصبحه والمقيمه
إخلاف ساير
(3)
لوما هي غنيمه
…
لوحق ما أنكرته ولا أنكرت راعيه
لِنْ جيت
(4)
أطْلِعْ
(5)
يَمْ سيدي شكيَّه
…
دونه مراقص خيل وملاحِميَّهْ
وأحْرَابْ دونَهْ، وقومْ لَظِيَّهْ
…
تحُولْ من دونه وتَقْصُرْ بباغِيهْ
وإنْ كانْ رُحْنَا للبنادر مَسافير
…
رحنا على حد الحداد السواطير
في ديرة الدُّولَهْ، وحرب المناعيرْ
…
واللِّي ذبحنا، له دلائل تَقَديَّهْ
محمد الجبرتي السُّلَمي
يسمونه "الشاعر الكبير"، وهذه أبيات متفرقة من شعره النبطي، ويلاحظ أنه أقرب إلى أوزان الشعر العربي المعروفة قديمًا، وأقرب في تعابيره إلى تعابير اللغة العربية الفصيحة، يقول:
سَلَامْ عَلَيْكُمْ من كبير الجباريت
…
من الهاجس اللِّي فيه بايع وشاري
وأنا حاكم الشُّعَّار
(6)
حكم
…
كما الصقر يوم أنَّهْ يحكم الْحَبَاري
والبيتان السابقان يدلاننا على مدى اعتزاز محمد الجبرتي السُّلَمي بشاعريته بين قومه، كما يدلاننا على بلاغته في الوصف وإبراز العواطف.
(1)
يرمون: يضعون ويكيدون.
(2)
الشرك (بفتح الشين المثلثة والراء المهملة بعدها كاف): المكيدة.
(3)
سائر: نظام القبيلة السائر عليها.
(4)
جيت: أردت.
(5)
أطلع: أرفع.
(6)
الشعار: الشعراء.
ويقول:
سلامْ رَديَّة وَفَى مِنْ بالي
…
تنْصَى
(1)
الرجال والمحلَّ الغالي
من لَا لُهْ أوَّل لا يجي لُهْ تَالي
…
لَابُدّ مِنْ يَومْ نَصُفِّ
(2)
احسابه
والحي لابد تجي له فَاقَهْ
…
مثل الحصاهْ اللِّي عَلى المطراقَة
إن طقها رأس الفدم طَقَّاقَهْ
…
مَنْ طَقَّ بابَ الناس طَقُّوا بَابَهْ
وهو في أبياته الأربعة هذه ينحو نحو الشعر العربي الجاهلي في الحكمة الاجتماعية.
وله يصف لنا كيف سطا عليه (الناموس) - البعوض - ليلًا وحرمه لذيذ النوم حتى أصبح عليه الصباح وهو سهران:
البارحَ النّامُوسْ سَرَّى عَلَيَّهْ
…
جَاني بقُوَّاتُهْ وقومٍ لَظِيَّهْ
(3)
سَهْرَانْ حتى الصبح تُومي
(4)
يَديَهْ
…
وأصْبَحْتْ من فِعْلِ النواميس سهرانْ
حميد حويمد الجبرتي السُّلَمي
ظفرنا له ببيتين قالهما في (الحكمة الدينية):
العَاجِلَة لمُجَمَّعينَ الحُطامِ
…
وَالآخِرَة لِلْمَسْكَنَهْ والفُقارا
(5)
ومن لا يصَلِّي ما قُبِلْ له صيامِ
…
حيث الصَّلاة لكل مسلم شعارا
(6)
عتيق الله عُضيب المطرودي السُّلَمي
نظم هذه القصيدة قبل أكثر من ستين عامًا، ويبدو أنه أخو مطلق بن عُضيب المطرودي الذي سبق ذكره آنفًا:
(1)
تنصى: تقصد.
(2)
نصف: نتحرى.
(3)
لظية: من اللظى. أي شديد الباس.
(4)
تومي: من الإيماء، أي تتحرك ذات البين وذات الشمال.
(5)
الفقار: جمع فقير.
(6)
الشعار: العلامة.
قال النوالي بدا في مستقل البتيلْ
(1)
…
في مرقب من صلاة الصبح بادي حَجَاه
(2)
أطري عليَّ نهار فيه الشليلْ
…
لأعاده الله، نهار، ولا نهار كماهْ
(3)
صاح المصبح ضحى لِمْرَاوْقِينْ الحقيلْ
…
نادى بصوت شهير كل من قام أحاه
(4)
قلنا: علامك؟ قال: المال جاكم جفيلْ
…
والمال الآخر تَقَافَى والْمَلَحْ في قفاهْ
(5)
ثم احتزمنا وأخذنا كل سردًا جليلْ
…
نار الْقَبَسْ في جلبها ماتَعُور الوشاهْ
(6)
نار القَبسْ في جلبها ماتعيز الفتيلْ
…
وَمَسُلَّبَات هوى الخاطر وغاية مناهْ!
نرمي جدا والشاب وكلَّ لبس ثقيلْ
…
حتى التحقنا بهم في الصَّمْد
(7)
وزن النباهْ
(8)
اللاش يدرق يبي الْفيَّه
(9)
وعمرٍ طويلْ
…
ماحسب إنه على مَدَهْ تجيه الوفاهْ
(10)
أوصيك يا الِّلي تضم الهرج بنت الذليل
…
يأتي ولدها كما خاله قليل مزاهْ
(11)
ياليت، ياليت لوما هي التمنّي حصيلْ
…
قلنا سمعنا لقومانه نهارًا مغزاه
أظن منهم تطيب النفس دون المسيلْ
…
من دون وادي العمق قدام يقطع وراهْ
وإن كان ما كفاه يلقى الشيخ زادًا جزيلْ
…
شفناه يرمي بروحه يوم رَبِّي رماهْ
ومُسَلَّب
(12)
مع عياله يكسبون الجميلْ
…
يعرف حلاهم
(13)
وأنا ما أعرف هذا من هذهْ
(1)
معنى: مستقل: أعلى. البتيل: الجبل.
(2)
حجاه - بفتح الحاء - أعلاه.
(3)
الشيل: الانهماك في السلب والنهب. كماه: أصلها: كما هو، أي مثله.
(4)
أحاه أصله: (وحاه) من الوحي أي السماع.
(5)
الملح - بفتح الميم واللام -: البارود.
(6)
السرد: البندقية بدون غلاف. وجليل بمعنى ضخم.
(7)
نار القبس: القمع. الوشاة: حركة طويلة، والمقصود أن البنادق سريعة الصواب.
(8)
الصمد: يقصد به المكان المتسع. النباة: يقصد المحل العالي. من النبوة بمعنى المكان المرتفع.
(9)
اللاش: الجبان. يدرق: يختفي في غيره. الفية: الظل من الفئ.
(10)
ماده: أجله.
(11)
تضم: تفهم. مزاه: هيبته.
(12)
مسلب: البندقية المجردة من غلافها.
(13)
حلاهم: أي صفاتهم.
يا روق
(1)
جا دونكم عَيْزُوم مثل القفيلْ
…
لكن بأسرع ما أدرجنا عليه الرحاهْ
راعي يبي له مي العواني مقيلْ
…
حرَّم عليه المقيل إن كان عزَّب نقاهْ
أما يجيبه على سبل النقا والدليلْ
…
وإلا نجيبه على سبله ودرب عطاهْ
حسين بن هندي السُّلَمي
شاعر سُلَمي معاصر، وشِعْرُهُ مثل معاصريه نبطي، ويمتاز بوضوحه، وهو رئيس قرية الكامل أم قرى المنطقة ومركز الحكم والإمارة.
له من قصيدة نبطية قوية البناء ضمنها نصائح وإوشادات لابنه:
قال:
يا الله طلبناك الهدايَهْ والإيقانْ
…
يَاللِّي خلقتَ الورشْ
(2)
في روس الأفنانْ
يَاللِّي سَقَيْتَ الأرضْ من غُرّ الأمزانْ
…
يامهجي
(3)
الجيعان من كل مشهاهْ
إني طلبتك ستر فوق الرفاقهْ
…
من هجرة جاتنا على غير فاقهْ
فيها وسيم الحق ماله سياقهْ
…
وإن كان تطلب حق ما عاد تلقاهْ
مبارك عبد التواب الصادري النوالي الربعي السُّلَمي
شاعر سُلَمي، نبطيَّ الشِّعر، وهو من أوائل من قدموا من ديارهم إلى جُدة، ابتغاء التقدم التجاري والثقافي، ويعتبر الأثريَّ الأول بالنسبة لمواطنيه، لاهتمامه بآثار منطقته قبل غيره وركوبه المشقات في التعرف على تلك الآثار والتعريف بها. قال هذه القصيدة يوصي (حفيده لابنته) خالد أحمد سالم باكواسة الحضرمي بمكارم الأخلاق. وقد ذكر في قصيدته هذه أنه بلغ نحو 50 عامًا ولم يرزق بأبناء ذكور:
(1)
ياروق: أي الرُّوقة بطن من عُتيبة (هوازن)، وعيزوم: بطن من عتيبة يقال لهم العوازم والقفيل: الجبل.
(2)
الورش. النبات.
(3)
مهجي: مطعم ومشبع.
أقول بسم الله في كُل مَجْهاه
…
وأنا الحبيبْ أهواهْ في كل نيَّهْ
ويقول ابن ثواب وسُهْل ما غابْ
…
لي جُرحْ دُوبه طابْ وأعادْ فيَّهْ
أعادْ نصفَ الليل هَيْل بلا كليلْ
…
وأنا ما أحبَّ الميْلْ منِّي وَفِيَّهْ
يا رب عافيني ولا تبتليني
…
وانت عَوِيني في ضيَان وخَفيَّهْ
إنت شفيت أيوبْ من كل مكروبْ
…
يا رب يا مطلوبْ رب البريَّهْ
شَافي لي الأجْراحْ والدمَّ سَفاحْ
…
والصَّبْرْ منِّي باحْ مما عَلَيَّهْ
يا رب وايشْ اقول والقلبْ مهذول
…
أريدْ منكْ احْلولْ توحي إلَيَّهْ
يا رب أنا محتار وكأنِّي على نارْ
…
يا عالم الأسرار رب البريَّهْ
يا رب راسي شاب ما أعرفْ الأسبابْ
…
يَقْلُونْ لي الأصحابْ هاذي عطيَّهْ
يا خَالِدْ أَبْوَصيكْ لا عاش شانيك
…
أوصيكْ في ديِنَكَ تَراها وصيَّه
وصيةَ القرآن في كل الأزمان
…
وصَّى بها الديان كل البريَّهْ
أوصيك بأخوانك في طولتْ زمانك
…
الله معْوانكْ وخُذْ بالوصيَّهْ
إخوانك القصار جَمْرَة مِنَ النارْ
…
وصيَّةَ القهار أقوى وصيَّهْ
يا خالد أنا أهواكْ وما أشوفك حلياكْ
…
وحيْات رَبَّ انْشاكْ مالك سويَّهْ
حُبَّكْ هوايَة نابعْ مِن حَشايَهْ
…
وانْتَهْ مُنايَهْ في الضُّحى والعشيَّهْ
والله ما بَنْساكْ لو طالْ مَشنحاك
(1)
…
ولو عنِّي رُحْتَ في الْحَضْرَميَّهْ
وما أخافْ عني تروحْ والقلبْ مجروح
…
جَدَّك يا خالد لُه عَلومٍ خَفيَّهْ
يعلم بها الوالي جَوِيدْ الحِبالي
…
الله لاذالي ويعلمْ ما بيَّهْ
ويا خالدْ الجيران في كُلّ الأزمان
…
وَصِيَّةَ الرحمن وفي الجاهليَّهْ
أُوْصِيك بُهْ لو جارْ ولو باح الأسرار
…
أقبل له المعذار ولو جات خَطِيَّهْ
وخيلانكْ السلمانْ ذَرقينْ الايمانْ
…
هَيهات ويا خيِلانْ فعل وخميَّهْ
أهْل الكرم والشِّعر ذَبَّاحَة النِّمر
…
تاريخهم يَخبِرْ رَجَالٍ شَفِيَّهْ
(1)
بعدك في مكان تفضله على غيره.
ورَبْعَكْ لا تنساهم ترى ما كماهم
…
رُدَّ السلامْ وخُصَّهُمْ بالتحيَّهْ
تُجَّارْ محترمينْ في الْحِينْ والحِينْ
…
اللِّي في حضرموت واللِّي هِنَيَّهْ
ولابد فيه يُقال من بعض الأحوالْ
…
والناسْ قِيلْ وقالْ فيهم سجيَّهْ
يا خالد احذرهم ولا تَتَّمِنْهُمْ
…
لابُدَّ ما منهم بَيَانْ وخفيهْ
إحذر من الضحَّاك ولو كان سلَّاك
…
لابد ما يَدْهَاكْ بأكبرْ دهيَّهْ
يَدَوِّرْ الْغَرَّاتْ في كل الأوقات
…
حَتَّى يِحَنِّي سَلَّةَ النَّافِعِيَّهْ
واحذْر من المكَّارْ في كل الأقطارْ
…
تراهْ شَر ونارْ نارُهْ قَوِيَّهْ
ترى الرجال أجناس في جملة الناسْ
…
فيهم ذَهَبْ وَنْحاسْ على السويَّه
واحذرْ من الشِّيْنِين في الحين والحين
…
وخَلَّكْ مع الزِّيْنِينْ على السويَّه
والناس فيه تقولْ من غير معقولْ
…
ويا خالد أنا أقول خالدْ شَفيَّهْ
يا خالد أنا أهْواكْ وحياتْ مولاكْ
…
واللهْ ماشْ سواكْ عندي هَنيَّهْ
إنْتَهْ حبيبي والله اللِّي رقيبي
…
وأنته نصيبي في بَيانْ وخفيَّهْ
إنته حياتي دمانته ملجأ بناتي
…
إذا جاءت وفاتي من لهم يا شفيَّهْ
إذا غبت في مغيابْ وضَوْء القمر غاب
…
من يُقْري الغُيَّاب في الخرْمْسيه
(1)
ويا خالد الضيفانْ من كل الأوطان
…
عَبِّي لهم دلَّه بها شاذِليَّهْ
وأكثر بِدَقَّ الهيل في الصبحْ والليلْ
…
في دلالْ صُفْرْ ونِجِرْ هنالك وليَّه
رحِّبْ بهم ياشَب واطلب من الرب
…
والرَّزَّ صُبَّهْ صَبَّ للألفويَّهْ
(2)
والعودْ والماجودْ ولو كان مَحْدُودْ
…
وافْتَحْ لهم قَلْبَكْ بزين التحيَّهْ
وكَثِّرِ الترحابْ لالنْ جاكْ غُيابْ
…
وأقسمْ لِلْغُياب أكثرْ تحيَّهْ
حتى إنْهمْ يَقْلُونْ
(3)
في البيت مأمون
…
وسَهْرَ العُيْونْ ولا يخون الوصيَّه
(1)
الخرمسية: الظلام.
(2)
الألفوية: هم الضيوف.
(3)
يقلون: يقولون.
وقد نظم مبارك هذه القصيدة في 16 المحرم 1391 هـ.
وقصائد الوصايا للأبناء لها صابقات في قديمِ الشِّعْرِ العربي وحديثهِ.
عثرنا في كتاب: (ما رأيت وما سمعت) للأستاذ خير الدين الزركلي على قصيدة للشريف حامد بن عبد الله: "نشيد" طويل يوصي به ابنه (سعدًا)، ومنها قوله في المطلع:
يقول حامد يوم هَجرس
(1)
بالغنا
…
حديثْ أحلي من حليب القود
ويقول:
عسى الله يخَلِّي لي "سعد" يحتضي
(2)
بي
…
لا أستوي في قبرى الملحود
ويبدأ وصيته له فيقول:
أنا أوصيك مني ياسعد واستمعْ لي
…
افطن ولا تنس وصاة العودْ
أوصيك في أسناع الشكالهْ تفيدها
…
ترى الشكالة حبلها ممدودْ
(3)
وأوصيك في ضيفك الْيَا جاك حَشِّمُهْ
…
تَجَمَّلْ ورحّبْ بُهْ على الْماجُودْ
(4)
فوصايا الشريف حامد بن عبد الله لابنه، وحسين بن هندي السُّلَمي لابنه، ومبارك عبد التواب السُّلَمي لحفيده من ابنته هي من هذا النوع من "النشيد"، أي "القصيد" في شعر الحميني الذي هو شعر باديتنا الوحيد اليوم.
ومن وصايا الآباء للأبناء أو أبناء الأخ ومن يشبههم في شعر العرب القُدامى قصيدة نونية وصى بها لبيد ابن أخيه ولم يكن له ولد ذكر، قهو من هذه الناحية يشبه حالة مبارك السُّلَمي حينما نظم قصيدته الثبطية في وصية حفيده لابنته، ومنها قول لبيد في تلك القصيدة يخاطب حفيده لابنته:
وافعل بمالك ما بدا
…
لك، إن مُعَانًا أو معينا
واعفف عن الجارات وامنحـ
…
ـهن ميسرك السمينا
(1)
هجرس بالغنا: رفع صوته بالغناء.
(2)
يحتضي: يحظى. لا أستوي: إلى أن استوي.
(3)
الشكالة: الشجاعة.
(4)
اليا: إذا. الماجود: الموجود.
وابذل سنام القدر إنَّ
…
سواءها دُهْمًا وجونا
ذا القدر أن نَضجَتْ وعجِّـ
…
ـلْ في قبله ما يشتوينا
إن القدور لواقح
…
يَحْلْبْنَ أمثل ما رُعيِنا
(1)
ويمضي لبيد في وصيته لابن أخيه وذلك عندما شعر لبيد بوطأة الكبر، فيقول في القصيدة ذاتها:
وإذا دفنت أباك فاجـ
…
ـعَل فوقه خشبًا وطينا
وصفائحًا صُمَّا رَوَا
…
سيِها يُسَذَدْنَ الغضونا
ليَقِينَ وجه المرء سفا
…
ف التراب ولن يقينا
ثم اعتبر بثناء رهطك
…
إذ ثوى جدنًا جينا
وتراجعوا غُبرَ المرا
…
فق من أخيهم يائسينا
تلك المكارم إن حَفِطْ
…
ـتَ فلن تُرى أبدًا غبينا
(2)
ومن أجود قصائد الوصايا وأروعها وأمتعها قصيدة يزيد بن الحكم الثقفي معاصر الفرزدق وجرير، وهو يوصي فيها ابنه (بدرًا) بمكارم الأخلاق، ويدله على طرق المجد المؤثل والثناء المستطاب، يقول:
يا بدرُ - والأمثالُ يضربها
…
لذي اللب الحكيمُ
دُمْ للخليل بِوُدِّهْ
…
ما خير ودٍّ لا يدومُ
واعرف لجارك حقه
…
والحق يعرفه الكريمُ
واعلم بأن الضيف يو
…
مًا سوف يحمَدُ أو يلومُ
والناس مُبْتَنَيانِ
…
محمود البناية أو ذميم
واعلم بُنَيَّ فإنه
…
بالعلم ينتفع العليمُ
إن الأمور دقيقها
…
مما يهيج له العظيمُ
(1)
يقول لابن أخيه اذبح الإبل السمان للضيوف والضيفات وعجل قبل نضج لحم الإبل ما تشوي الجارات إن القدور لقائح تجلب لناحرها من الشرف والحمد والذكر الحسن أكثر مما يطعم فيهن. ومعنى. "عين" استحفظن وجعل فيهن.
(2)
ديوان لبيد بن ربيعة العامري، ص 215 و 216.
ويمضي فيقول له:
قد يُقتِرُ الْحَوِلُ التقسُّ
…
ويكثر الحَمِقُ الأثيمُ
يُمْلَى لذاك ويُبتَلَى
…
هذا، فأيُّهما الْمَضِيمُ!؟
ويمضي فيقول في ختام وصاياه لبدر ابنه الأثير لديه:
واعلم بأن الحرب لا
…
يَسْطِيعُها الْمَرِحُ السَّؤُومُ
والخيل أجودها الْمُنَا
…
هِبُ عند كَبَّتِها الأزومُ
(1)
وأعتقد أنه لو تَتَبّع باحِثٌ دواوين الشِّعْرِ العربي القديم لوَجَد الكثيرَ مِنْ هذا النوع من الشِّعر العربي الرصين. (انتهى).
(1)
ديوان الحماسة لأبي تمام، ص 46 - 49، الجزء الثاني، طبع مطبعة السعادة بمصر.
المراجع
- القرآن الكريم
- العائلة البشرية
…
إبراهيم رزقانة
- البيان والإعراب للمقريزي
…
تحقيق: د. عبد المجيد عابدين
- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة
…
رضا كحالة
- قبائل مصر في القرون الثلاثة الأولى للهجرة
…
د. عبد الله خورشيد البري
- قبائل العرب في مصر
…
أحمد لطفي السيد
- الولاة والقُضاة
…
الكندي
- عروبتنا
…
محمود كامل
- عمرو بن العاص
…
محمد فرج
- السودان الشمالي
…
د. محمد عوض
- أنساب قبائل العرب
…
الحبوني
- الأنساب
…
السمعاني
- نهاية الأرب
…
القلقشندي
- البلدان
…
اليعقوبي
- الخطط
…
المقريزي
- معجم البلدان
…
ياقوت الحموي
- العقد الفريد
…
ابن عبد ربه
- تاريخ الجبرتي
…
الجبرتي
- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار
…
ابن فضل الله العُمري
- قلائد الجمان
…
القلقشندي
- سبائك الذهب
…
السويدي
- جمهرة النسب
…
الكلبي
- جمهرة أنساب العرب
…
ابن حزم
- صبح الأعشى
…
القلقشندي
- تاريخ الأمم والملوك
…
الطبري
- تاريخ العبر ومبتدأ الخبر
…
ابن خلدون
- التعريف
…
الشهابي
- عروبة مصر
…
دروزة
- القبائل المصرية
…
اللواء صلاح التايب
- الدرر الذهبية
…
محمد أحمد الهاشمي
- وصف مصر - ترجمة زهير الشايب -
…
أميديه جوبير
- شريعة الصحراء
…
اللواء رفعت الجوهرى
- العبابدة - دراسة في الاقتصاد الصحراوي
…
محمد رياض
- أسوان في العصور الوسطى
…
محمود الحريري
- العبابدة تحت الإدارة المصرية في السودان
…
د. حمدنا الله مصطفى حسن
- تاريخ السودان القديم والحديث
…
نعوم شقير
- من زوايا التاريخ السوداني
…
حسن أحمد خليفة العبادي
- الشعوب والسلالات الإفريقية
…
محمد عوض محمد
- استقرار البدو في جهات الصعيد
…
كوثر عبد الرسول
- رحلات في بلاد النوبة
…
بوركهارت
- في بلاد العبابدة
…
سمير خواسك
- أحوال السودان الاقتصادية تحت الإدارة المصرية
…
نسيم مقار
- التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان
…
د. حمدنا الله، مصطفى حسن
- مصر والسودان
…
محمد فؤاد شكري
- برقة قديما وحديثا
…
محمد الغزالي
- برقة العربية أمس واليوم
…
محمد الطيب بن أحمد بن إدريس
- معجم سكان ليبيا
…
خليفة محمد التليسي
- العربان ودورهم في المجتمع المصري
…
د. وفاء عامر
- سياسة محمد علي تجاه العربان
…
ليلى عبد اللطيف
- تطور الملكية الزراعية في مصر
…
علي بركات
- المعربون المحدثون (وصف مصر)
…
دي شايرول
- ريف مصر
…
مارتان
- رحلة العياشي المغربي
…
العياشي
- الحملة الفرنسية
…
جومار
- الخطط التوفيقية
…
علي باشا مبارك
- بدائع الزهور
…
ابن إياس
- المعجم الجغرافي
…
محمد رمزي
- الكنز الثمين لعظماء المصريين
…
فرج سليمان فؤاد
- مروج الذهب
…
المسعودي
- تاريخ قبائل العرب
…
ماك مايكل
- دراسات في التاريخ الاجتماعي لمصر
…
بيير
- صفة جزيرة العرب
…
الهمداني
- تاريخ العرب قبل السلام
…
د. جواد علي
- العمدة
…
ابن رشيق
- لسان العرب
…
ابن منظور
- الأغاني
…
الساسي
- معجم ما استعجم
…
البكري
- سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
…
ابن هشام
- الأغاني
…
الأصفهاني
- كرام العرب
…
هزاع الشمري
- جمهرة الأمثال
…
العسكري
- معارك الإسلام الفاصلة
…
محمد أحمد باشميل
- المغازي
…
الواقدي
- معجم القبائل السعودية
…
حمد الجاسر
- مجلة العرب السعودية
…
حمد الجاسر
- مرآة جزيرة العرب
…
أيوب صبري باشا
- التعليقات والنوادر للهجري
…
تحقيق حمد الجاسر
- رحلة عبر الجزيرة
…
سعود بن جمران
- أصدق الدلائل في أنساب بني وائل
…
ابن عبَّار
- مجاري الهدية
…
الشيخ راشد بن فاضل آل بن علي
- مخطوط تاريخ آل بن علي العتوب
…
الشيخ راشد آل بن علي
- تاريخ العتوب
…
منى غزال
- الطبقات
…
ابن سعد
- الأنساب
…
السمعاني
- بنو سُلَيْم
…
عبد القدوس الأنصاري
- الارتسامات اللطاف
…
شكيب أرسلان
- الرحلة اليمانية
…
عبد المحسن البركاتي
- أسماء جبال تهامة وسكانها
…
لعرَّام بن الأصبغ السلمي
- الأمكنة والمياه
…
الزمخشري
- بلاد العرب
…
الأصفهاني
- وفاء الوفاء
…
السمهودي
- معجم الشعراء
…
المرزباني
- الأعلام
…
الزركلي
- الكامل
…
المبرَّد
- الاستيعاب
…
ابن عبد البر
- تهذيب التهذيب
…
ابن حجر العسقلاني
- تاريخ بغداد
…
الخطيب البغدادي
- الدرر الكامنة
…
ابن حجر العسقلاني
- معجم المؤلفين
…
رضا كحالة