الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملخص البحث
فهذا بحث لطيف مختصر وسمه جامعه بـ " التَّقِيَّةِ أَسَاسِ دِيِن الشِّيعَةِ الإِمَامِيَّةِ"، وهو مكون من فصلين.
أما الفصل الأول: فقد تناول فيه الباحث بيان معنى ومفهوم "التَّقِيَّةِ" في اللغة والاصطلاح لينجلي معناها ويتضح للقارئ مبناها وفحواها، ثم بيَّن مفهوم التَّقيّة عند علماء أهل السنة وعلماء الرافضة.
وأما الفصل الثاني: فقد بيَّن فيه أن التَّقيّة أصل من أصول دين الرافضة، ثم بين عِظَمَ مكانتها في دينهم، وأن الكرامة عندهم لا تتحقق إلا بها، ثم نقل نصوصًا من مصادرهم الأصلية تدلل على غلوهم فيها واستدل على ذلك بقول أحد معاصريهم،
ثم ختم البحث ببيان مفهوم المداراة والمداهنة في اللغة والاصطلاح مبينًا الفرق بينهما حتى لا يختلط الأمر على القارئ ولتتضح العلاقة بينهما وبين التَّقيّة من جهة أخرى.
المقدمة
الحمد لله الذي نهى عباده عن النفاق ونفرهم من مساوئ الأخلاق، وأمرهم باجتماع الكلمة وحذرهم من الشقاق، ورغبهم في كل ما لهم فيه وفاق، لتجتمع كلمتهم بلا تنافر ولا تناحر ولا انشقاق، ولتصبح أرواحهم دائما في تقارب وعناق.
وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، أمر عباده المؤمنين بالاعتصام بحبله المتين وعدم الافتراق، فكان من حكمته وعدله وسنته في خلقه افتراق الخلق إلى مؤمنين صادقين، وإلى أهل شقاق ونفاق، لتجري سنتُه بفضله ورحمته وحكمته وعدله في خلقه، فيثيب من استجاب لأمره من أهل طاعته بفضله ورحمته، ويجازي بحكمته وعدله أهلَ معصية ممن أعرضوا عن أمره وتنكبوا الصِّراط ولم يجعل لهم في الآخرة من خَلَاق.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه اللهُ ليتمِّمَ صالح الأخلاق
(1)
، حذَّر أمته من كل آيات النفاق، وشدَّد في تحذيره من مساوئ الأخلاق، وقد بَلَّغَ عن ربه أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ليذوقوا كل أشكال العذاب وأشد أنواع الاحتراق، فمَا لَهُمْ بعد ذلك مِنَ عذاب اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ولا وَاقٍ.
ومما ينبغي أن يُعْلمَ أن الرافضة قد بنوا دينهم على عقيدة باطنية خبيثة تحمل الحقد المجوسي الدفين على أهل الإسلام فكانوا بذلك في طليعة أهل النفاق، ولما أسسوا دينهم على النفاق أسموه بـ "التَّقِيَّةِ" ليحققوا مآربهم ومطامعهم بكل صورة ممكنة ولو أصابوا من أهل الإسلام كل دم مهراق، وقد خرجوا على أمة الإسلام بتلك العقيدة ليحدثوا فيها الشقاق، فعقولهم وقلوبهم مسمومة ما لها من ترياق، فيوم الفراق لن تجد لهم من دون الله وليًا ولا نصيرًا ولا لدائهم من راق، فإذا اشتد عليهم الأمر والكرب والتلفت الساق بالساق فلا محيص لهم يومئذ لأن مصيرهم إلى الله، فإليه المرجع والمآب وإليه المساق.
ونسأل اللهَ الثبات على الإسلام والسنة، وأن يحشرنا مع أهلها - أهل الإحسان والوفاق-، وأن يجانبنا ويجافي بيننا وبين أهل المفارقة والشقاق، أهل النفاق وانعدام الأخلاق.
وبعد
خطة البحث
وقد ضمَّن الباحثُ بحثَه خطة بحث مكونة من فصلين، وكل فصل يندرج تحته عدد من المباحث، وكل مبحث يندرج تحته عدد من المطالب، وقد بيَّن فيه ما يلي:
أولًا: أهمية موضوع البحث
ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها
ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث
رابعًا: مشكلة البحث وأهدافه
خامسًا: منهج البحث
سادسًا: خاتمة البحث، وبيان أهم النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة المختصرة.
سابعًا: مجموع الفهارس:
وخطة البحث تشتمل على فصلين على النحو التالي:
الفصل الأول تعريف التَّقيّة
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: بيان مفهوم معنى التَّقيّة
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مفهوم التَّقيّة في اللغة
(1)
- وقد ورد في هذا المعنى أحاديث كُثُر منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ ". والحديث أخرجه أحمد: (8939)، والبخاري في (الأدب المفرد):(273) واللفظ لهما، والبزار:(8949) باختلاف يسير.، وصححه الألباني في صحيح الجامع:(2833). وفي رواية " إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ "، السلسلة الصحيحة:(45).
المطلب الثاني: مفهوم التَّقيّة في الاصطلاح
المبحث الثاني: التَّقيّة عند علماء أهل السنة وعلماء الرافضة
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مفهوم التَّقيّة عند علماء أهل السنة
المطلب الثاني: مفهوم التَّقيّة عند علماء الرافضة
الفصل الثاني
التَّقيّة عند الرافضة
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التَّقيّة أصل من أصول دين الرافضة
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: مكانة التَّقيّة عند الرافضة
المطلب الثاني: لا تتحقق الكرامة عند الرافضة إلا بالتَّقيّة
المطلب الثالث: غلو الرافضة في التَّقيّة
المطلب الرابع: نقض القول بـ "التَّقيّة" في قول أحد معاصري الرافضة
المطلب الخامس: استعمال الرافضة التَّقيّة مع أهل السُّنَّة خاصَّة
المبحث الثاني: مفهوم المداراة
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: مفهوم المدَاراة في اللغة
المطلب الثاني: مفهوم المدَاراة في الاصطلاح
المطلب الثالث: ماذا تعني المداراة
المطلب الرابع: فوائد المدَاراة
المبحث الثالث: مفهوم المداهنة
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: مفهوم المداهنة في اللغة
المطلب الثاني: مفهوم المداهنة في الاصطلاح
المطلب الثالث: حكم المداهنة شرعًا
المطلب الرابع: العواقب الوخيمة المترتبة على المداهنة
المطلب الخامس: الفرق بين المداراة والمداهنة
منهجية البحث
أولًا: أهمية موضوع البحث
إنه لمَّا كان دين الرافضة مبني على الكذب والزور والبهتان والمخادعة وقد غلَّفوه بغلاف " التَّقيّة " وبطَّنوه به ليُستساغ ويُقْبل عند عوام المسلمين، كان لابد وحتمًا ولزامًا على أهل السنة تجديد البحث في بيان هذا الأصل الأصيل الذي بنى عليه الشيعة الاثني عشرية دينهم والتحذير منه لكشف عوار دينهم وفضح مخططاتهم لنشر دينهم الباطني الخبيث، والحد من تمددهم للإفساد في الأرض بنشر الشرك وطقوس دين المجوس، وإفساد الأخلاق بالمتعة، وسفك وإراقة دماء
المسلمين من أهل السنة، والتآمر مع كل ملل الكفر لاحتلال أراضيهم والسطو على أموالهم ونهب خيرات بلادهم.
فليس شيء أضرّ على الإسلام من الرافضة، ومن قرأ التاريخ عَرَف ذلك.
فمن أسقط الخلافة العباسية سواهم؟ ومن جرّأ المغول على سفك دماء المسلمين في بغداد وسائر البلاد الإسلامية إلاّ هم؟ ومن روّع الحجاج وقطع عليهم الطريق - من سنة 313 - 317 هـ - سوى القرامطة الرافضة؟
ومن قتل الحجيج وردم بئر زمزم بجثث القتلى - سنة 317 هـ - غيرهم؟ ومن اقتلع الحجر الأسود من الكعبة وسرقه سوى القرامطة الرافضة؟! وما حصل في مكة - شرّفها الله - منهم عام 1407 هـ من ترويع للحجاج وقتل لبعضهم عنّا ببعيد!
وما حصل في مخيّمات الفلسطينيين من قِبل حركة أمل الرافضية. وما يحصل الآن في العراق وسوريا ولبنان واليمن من تقتيل لأهل السنة.
(1)
لذا فإن التعايش مع الروافض أمر محال لأنهم غير مأموني العواقب أبدًا وتاريخهم الدموي وغدرهم وخيانتهم للمسلمين عبر التاريخ تشهد له صفحاتهم السوداء، لأنهم أمة غدر وخيانة وخسة ودناءة، ولأنهم أمة شقاق ونفاق وفساد دين وانعدام أخلاق.
وفي نحو ذلك يقول الإمام الشوكاني (ت: 1255 هـ) رحمه الله:
لا أمانة لرافضي قط على من يخالفه في مذهبه ويدين بغير الرفض، بل يستحل ماله ودمه عند أدنى فرصة تلوح له؛ لأنه عنده مباح الدم والمال، وكل ما يظهره من المودة فهو تَقيّة يذهب أثره بمجرد إمكان الفرصة.
(2)
ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها
الدراسة الأولى: التَّقيّة عند الخوارج وموقف أهل السنة منها، تأليف: عبدالرحمن، فتحي محمود محمد، المصدر: حولية كلية اللغة العربية بجرجا، الناشر: جامعة الأزهر- كلية اللغة العربية بجرجا، المجلد/ العدد: ع 21، ج 1، الدولة: مصر، سنة: 1438 هـ-2017 م.
وصف هذه الدراسة:
كشف البحث عن التَّقيّة عند الخوارج وموقف أهل السنة منها، وذلك باستخدام المنهج التحليلي. وتطرق البحث إلى التعريف بمصطلحات التَّقيّة، والخوارج، وأهل السنة، لغة واصطلاحًا، ثم أشار إلى آراء وأقوال الخوارج في التَّقيّة والمتمثلة في القول بعدم جواز التَّقيّة وأدلتهم، والقائلون بجواز التَّقيّة وأدلتهم، والقائلون بجواز التَّقيّة في القول دون العمل، والخوارج الذين توقفوا في التَّقيّة. كما أوضح موقف أهل السنة من التَّقيّة من حيث التَّقيّة
(1)
- هل الرافضة أو الشيعة كفار؟، عبد الرحمن السحيم، عن موقع مشكاة.
(2)
- يُنظر: أدب الطلب: (ص 70 - 71).
ومشروعيتها عند أهل السنة وأدلة مشروعية العمل بها، وشروط جوازها التي تتمثل في أن يكون هناك خوف من مكروه، وأن تكون مع الكفار الغالبين، وأن يعلم أنه إن نطق بالكفر ونحوه تقيّة يترك بعد ذلك، وألا يكون للمكلف مُخلص من الأذى إلا بالتَّقيّة، وأن يكون الأذى المخوف وقوعه مما يشق احتماله، كما ناقش أقسام التَّقيّة والحكمة من مشروعيتها. وجاءت خاتمة البحث موضحة أن التَّقيّة عند أهل السنة والجماعة لا تكون إلا للضرورة عند تحقق الخوف من الكفار وغيرهم، وأنها مع هذا رخصة تركها أفضل وبشرط أن لا يرجع ضررها إلى غير صاحبها وأنها باللسان لا بالقلب.
(1)
الدراسة الثانية: التَّقيّة عند الشيعة والخوارج وموقف أهل السنة منها، رسالة ماجستير، للباحث: أنس أحمد كرزون، صادر عن قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، بالمملكة العربية السعودية، سنة: 1409 - 1989 م.
وصف هذه الدراسة:
تحدث فيها الباحث عن الأصول العامة لحكم للإسلام في التقيّة، ثم تكلم عن بعض المفاهيم التي لها تعلق بالتقيّة كالولاء والبراء، ثم تحدث عن التقيّة ومفهومها عند علماء أهل السنة، ثم تكلم عن الإكراه وشروطه وأقسامه، ثم عرَّج على أحكام التَّقيّة، ثم بيَّن الحد الذي يجوز معه استخدامها، ثم تكلم عن التَّقيّة في الأقوال والأفعال، ثم تكلم عن التَّقيّة والفرق بينها وبين ما يشابهها من المداراة والمداهنة والمعاريض والخدعة في الحرب، ثم بين أثر استخدام التَّقيّة في المجتمع الإسلامي، ثم شرع في الكلام عن التَّقيّة عند الشيعة، فعرفها عندهم، ثم بين عقائدهم فيها، وذكر طرفًا من مجالات التَّقيّة عنهم في الرواية والفقه، ثم ذكر الآثار السيئة لتك العقيدة الباطنية، ثم ختم ببيان أثر التَّقيّة على دعوى التقريب بين السنة والشيعة.
الدراسة الثالثة: التَّقيّة والمداهنة والمداراة في القرآن الكريم: "دراسة تحليلية موضوعية"، رسالة ماجستير، تأليف: أبو عائش عبد المنعم إبراهيم، تقديم: المحمدي بن عبد الرحمن عبد الله الناشر: مكتبة أولاد الشيخ للتراث السلسلة: رسائل جامعية، تاريخ النشر: 01/ 01/ 2010 م، ط 1، مجلد:1.
وصف هذه الدراسة:
هذا البحث وإن كان يعالج قضية "التَّقيّة والمداهنة والمداراة في القرآن الكريم"
(2)
، غير إنه له تعلق عام بموضوع بحثنا، وإن التوسع في مدارسة وبحث موضوع التَّقيّة أمر جليل القدر وعظيم الشأن لتعلقه بقضية
(1)
- كُتب هذا الوصف من قِبل دار المنظومة: 2021 م.
(2)
-هذا البحث لم يقف عليه الباحث وعليه جرى التنبيه.
عقدية خطيرة أسس عليها الشيعة الاثني عشرية دينهم الباطني الخبيث، حتى وإن كان كل باحث يتناول هذه الموضوع الهام من جانب ويعالج فيه جوانب فلا حرج فيه البتة، بل هو من الأمور التي يجب أن تتضافر حولها جهود الباحثين الغيورين على دين الإسلام ومنهج أهل السنة الكرام.
ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث
إن من أعظم الدوافع لاختيار هذا موضوع هذا البحث هو كشف عوار وباطل دين الرافضة نصحًا لعموم المؤمنين، وتحذيرًا لعوام المسلمين من خطورته، وفضح نفاقهم المبطَّن بـ" التَّقيّة ".
لأنَّ مِنْ أعظم المنكرات خطرًا، وأفْسدها للإيمان، وأضرّها على الدِّين، فتنةَ الشيعة الروافِض، التي قام أبناؤُها يدْعون إليها في كلِّ مكان، ويُظهرون للناس أنَّ باطلَهم هذا هو الإسلام بِعَيْنه؛ بل وصل الأمر ببعض المغفَّلِين إلى الدَّعوة إلى التقريب بين السنة والشيعة، وأن الخلاف بيننا وبينهم في أمورٍ فرعيَّة، مع أنَّ الخلافَ كبير يشْمل أُمَّهات العقائد؛ فإنَّ الروافض عندهم من الشِّركيَّات والكُفريات ما يُخرِج مِنْ دائرة الإسلام، وللأسَف أنَّ كثيرًا مِنْ عوامِّ السُّنَّة لا عِلْم لهم بهذه الكُفريات؛ لأنَّ علماء الشيعة لا ينشرون كُتُبهم الأساسيَّة التي عليها اعتماد مذْهبهم بين عامة الناس.
(1)
رابعًا: مشكلة البحث وأهدافه
من أعظم المشكلات التي تواجه هذا البحث هو تصديق عوام المسلمين لباطل الرافضة ودينهم المحرف، وذلك بسبب استخدامهم التَّقيّة والتعامل بها، مما ينخدع بأسلوبها السذج من الناس، بل تجد من يدافع عن الرافضة مدعيًا عدم وجود فارق بيننا وبينهم مطالبًا التقريب بين الديانتين، بين دين أهل الإسلام المبني على التوحيد والاتباع والحجة والبيان، وبين دين الرافضة- دين شيعة الشيطان- المبني على الشرك والكذب والنفاق والطغيان.
وتأتي هذا الدراسة المختصرة لتجلي للمسلمين عمومًا وللباحثين خصوصًا حقيقة دين الرافضة المبني علي النفاق الموسوم بـ " التَّقيّة " بأسلوب سهل وعبارة موجزة مؤيَدة بالأدلة الصحيحة والحجج الدامغة المقنعة الواضحة الصريحة من أهم وأشهر المصادر الأصلية للقوم الظالمين.
خامسًا: منهج البحث
لقد استخدم الباحث في بحثه المنهج الوصفي التحليلي:
ولقد بيَّن فيه معنى التَّقيّة، فعرَّف بها وبيَّن معناها في اللغة، ثم عرَّج على بيان وصفها في الاصطلاح،
(1)
- العلامة محمد التونسوي: بُطلان عقائد الشيعة وبيان زيغ مُعتنقيها ومفترياتهم على الإسلام من مراجعهم الأساسية: ص 5، 6.
ثم قام بوصف التَّقيّة مبيَّنًا مفهومها عند علماء أهل السنة وعلماء الرافضة، ثم عرض عرضًا تحليليًا لأصل دين الرافضة المبني على التَّقيّة مبينًا لمكانتها من دينهم، وأن الكرامة لا تتحقق لرافضي إلا بها، ثم بين غلوهم فيها. وبما أن المدَاراة والمداهنة من الأمور التي قد تتشابه مع التَّقيّة في ظاهرها فقد تعرض الباحث لمناقشة مبحثيهما، فناقش المدارة وبين معناها في اللغة والاصطلاح ثم بين فوائدها، ثم عرف بالمداهنة - كذلك- ثم بين حكمها وجلى أمر العواقب الوخيمة المترتبة عليها، ثم ختم وصفه التحليلي ببيان الفرق بين المداراة والمداهنة.
الفصل الأول تعريف التَّقِيَّة
وفيه مبحثان:
تمهيد وتنبيه
قبل الخوض في هذا البحث الهام يجب التنبيه إلى أن دين الرافضة مبني ومؤسس على الزور والكذب والنفاق والبهتان، والذي يخرجون به عن صراط الله المستقيم، وقد غلَّفوا هذا الدين الباطني الخبيث بغلاف مُبطَّن أسموه " التَّقيّة "، والتي يخالفون بها منهج وعقيدة أهل السنة والجماعة القائم والمبني على الإيمان والصدق والعدل والإحسان.
وفي وصفه بدعتهم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728 هـ) رحمه الله:
وأمَّا الرافضة فأَصْل بدعتهم زندقة وإلحاد، وتعمُّد الكذب كثيرٌ فيهم، وهم يقرُّون بذلك؛ حيث يقولون: ديننا التَّقيّة، وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلافَ ما في قلبه، وهذا هو الكذب والنِّفاق، فهُم في ذلك كما قيل: رمَتْنِي بدائها وانسلت.
(1)
ويحكي اتفاق العلماء على وصفهم في موضع آخر فيقول- رحمه الله:
وقد اتَّفق أهل العلم بالنقل والرِّواية والإسناد على أنَّ الرافضة أكذَبُ الطوائف، والكذب فيهم قديم، ولهذا كان أئمَّة الإسلام يَعْلمون امتيازهم بكثرة الكذب.
(2)
ومن هنا كان لزامًا على الباحث بيان مفهوم معنى التَّقيّة وتجليته للعيان، وهذا يتضمَّن بيان معناها في اللغة والاصطلاح على النحو التالي فيما يلي:
المبحث الأول: بيان مفهوم معنى التَّقيّة
وفيه مطلبان
فببيان مفهوم التَّقيّة في اللغة والاصطلاح يتضح لنا معناها ويبين لنا فحواها
المطلب الأول: مفهوم التَّقيّة في اللغة
التَّقيّة لغة: الحذر والحيطة من الضرر، والاسم: التقوى، وأصلها: إوتَقى، يُوتَقي، فقُلبت الواو إلى ياء للكسرة قبلها، ثمّ اُبدلت إلى تاء واُدغمت، فقيل: اتّقى، يتَّقي.
(3)
أورد ابن منظور (ت: 711 هـ)"في لسان العرب" - مادة (وقى) -: اتّقيت
(1)
- يُنظر: ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي: 1/ 28، ميزان الاعتدال في نقد الرجال المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748 هـ) تحقيق: علي محمد البجاوي الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1382 هـ - 1963 م عدد الأجزاء:4.
(2)
منهاج السنة النبوية، لابن تيمية: 1/ 26، منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728 هـ) المحقق: محمد رشاد سالم الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1986 م عدد المجلدات:9.
(3)
- تاج العروس، الزبيدي: 10: 396 ـ " وقي "، تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف: محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205 هـ) المحقق: مجموعة من المحققين الناشر: دار الهداية.
الشيءَ وتقَيْتُه أتّقيه، وأتْقيه تقًى وتُقاة: حذِرته.
(1)
والتَّقيّة مأخوذة: من الاتقاء، وأصل الاتقاء: الحجز بين الشيئين، يقال: اتقاه بالترس؛ أي: جعله حاجزًا بينه وبينه، واتقاه بحقه أيضًا كذلك، ومنه الوقاية، ويقال: وقاه، ومنه التَّقيّة
(2)
، ووقى الشيء وقايةً: إذا صانه بوقاء، ووقاه الله تعالى؛ أي: حفظه ومنعه
(3)
، واتقى الرجل الشيء يتقيه، إذا اتخذ ساترًا يحفظه من ضرره.
والتقاة والتَّقيّة والتقوى والاتقاء كله واحدٌ.
(4)
وقال الراغب الأصفهاني (ت: 502 هـ): الوقاية: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، يقال وقيت الشيء أقيه وقاية ووقاء.
(5)
المطلب الثاني: مفهوم التَّقيّة في الاصطلاح
يقول الحافظ ابن حجر (ت: 852 هـ) رحمه الله:
ومعنى التَّقيّة: الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير، وأصله وقية بوزن حمزة، فعلة من الوقاية.
(6)
يعرفها السرخسي الحنفي (ت: 490 هـ) رحمه الله فيقول:
والتَّقيّة: أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره، وإن كان يضمر خلافه
(7)
.
وقِيل: التَّقيّة هي تجنب العدو بإظهار ما يوافقه مع إضمار ما يخالفه من عقيدة ونحوها، وهو واجب في موارد محددة.
(8)
وهذا التعريف تعريف جامع لأنه يشمل التَّقيّة بأنواعها، أعني: التَّقيّة العقدية والقولية والفعلية.
المبحث الثاني: التَّقيّة عند علماء أهل السنة وعلماء الرافضة
(9)
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مفهوم التَّقيّة عند علماء أهل السنة
يقول السرخسي: (ت: 490 هـ):
والتَّقيّة: أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره، وإن كان يضمر خلافه.
(10)
. والسرخسي قد قيدها باتقاء العقوبة.
ويقول محمّد رشيد رضا (ت: 1354 هـ):
والتَّقيّة: ما يقال أو يُفعل مخالفاً للحقّ لأجل توقّي الضرر.
(11)
. ورشيد رضا قيدها بتوقّي الضرر.
ويقول محمد مصطفى المراغي (ت: 1364 هـ):
التَّقيّة: بأن يقول الإنسان، أو يفعل ما يخالف الحقّ، لأجل التوقّي من ضرر الأعداء، يعود إلى النفس، أو العِرض، أو المال.
(12)
. وكذلك المراغي قيدها بتوقّي ضرر الأعداء.
ويلاحظ أن تعريف التَّقيّة عند علماء الإسلام من أهل السنة مقيد بخوف الضرر، واتقاء العقوبة، وقيد ذلك أيضًا بالخوف من الأعداء، وذلك من أجل حفظ الضرورات والكليات الخمس التي جاءت بها مقاصد الشريعة، وأمرت بحفظها.
(1)
- لسان العرب، لابن منظور:(15/ 401)، لسان العرب، المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي (المتوفى: 711 هـ) الناشر: دار صادر - بيروت الطبعة: الثالثة - 1414 هـ عدد الأجزاء: 15
(2)
- المخصص لابن سيده 4/ 61.
(3)
- شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم للحميري 1/ 7275.
(4)
تهذيب اللغة لأبي منصور الهروي 9/ 199.
(5)
- مفردات ألفاظ القرآن الكريم، للراغب الأصفهاني:(2/ 530). مفردات ألفاظ القرآن، المؤلف: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)، المحقق: صفوان عدنان داوودي، الناشر: دار القلم - الدار الشامية، سنة النشر: 1430 هـ - 2009 م، عدد المجلدات: 1، رقم الطبعة:4.
(6)
يُنظر: فتح الباري لابن حجر العسقلاني (19/ 398)، فتح الباري شرح صحيح البخاري المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي الناشر: دار المعرفة - بيروت، 1379 هـ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز عدد الأجزاء: 13.
(7)
يُنظر: المبسوط، للسرخسي:(24: 45)، المبسوط المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (المتوفى: 483 هـ) الناشر: دار المعرفة - بيروت الطبعة: بدون طبعة تاريخ النشر: 1414 هـ - 1993 م عدد الأجزاء: 30.
(8)
- معجم المصطلحات السياسية في تراث الفقهاء، سامي الصلاحات:(ص: 70).
(9)
أعني بالرافضة طائفة الاثني عشرية، التي تلقب نفسها بـ: الجعفرية، والمؤمنين، والخاصة، والإمامية. يُنظر: ألقابهم في: أصول مذهب الشيعة: (1/ 99) وما بعدها.
(10)
- المبسوط، للسرخسي 24:45.
(11)
- تفسير المنار، محمّد رشيد رضا 3: 280، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) المؤلف: محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (المتوفى: 1354 هـ) الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة النشر: 1990 م عدد الأجزاء: 12 جزءًا.
(12)
- تفسير المراغي: (3/ 137)، تفسير المراغي المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ) الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر الطبعة: الأولى، 1365 هـ - 1946 م عدد الأجزاء:30.
وهذه الضرورات هي: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسب (العرض)، حفظ المال.
ويُجلي الغزالي (ت: 505 هـ): مقاصد الضرورات الخمس في "المستصفى" فيقول:
إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة.
(1)
ويُعلل ابن الأزرق (ت: 896 هـ): رحمه الله الاهتمام بالضرورات الخمس في "بدائع السلك" فيقول:
لأن مصالح الدين والدنيا مبنية على المحافظة عليها، بحيث لو انحرفت لم يبق للدنيا وجود من حيث الانسان المكلف، ولا للآخرة من حيث ما وعد بها .. فلو عُدِمَ الدينُ عُدِمَ ترتبُ الجزاء المرتجى. ولو عُدِمَ الإنسانُ لعُدِمَ من يتدين. ولو عُدِمَ العقلُ لارتفع التدبير. ولو عُدِمَ النسلُ لم يمكن البقاء عادة. ولو عُدِمَ المالُ لم يبق عيش.
(2)
يقول ابن الجوزي (ت: 597 هـ) رحمه الله:
والتَّقيّة رخصة، وليست بعزيمة.
(3)
ولذا فقد قال الفخر الرازيُّ (ت: 606 هـ) رحمه الله:
لو أفصح بالإيمان والحقِّ حيث يجوز له التَّقيّة، كان ذلك أفضل.
(4)
وهذا إمام أهل السنة والجماعة- الإمام أحمد بن حنبل الشَّيباني- يعلن بالأخذ بالعزيمة، فقد سُئل محنته في القول بخَلْق القرآن:
إنْ عُرِضْتَ على السّيف تجيب؟ قال: لا، وقال:" إذا أجاب العالِمُ تَّقيَّةً، والجاهلُ يجهل، فمتى يتبيَّن الحقُّ"؟.
(5)
ويؤكد هذا المعنى ابن بطال (ت: 449 هـ) رحمه الله فيقول:
أجمعوا على أن مَنْ أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرًا عند الله ممن اختار الرخصة، وأما غير الكفر فإن أكره على أكل الخنزير وشُرب الخمر مثلاً، فالفعل أولى.
(6)
ولذا فقد قال أصحاب أبي حنيفة رحمه الله:
التَّقيّة رخصة من الله - تعالى - وتَرْكُها أفضل، فلو أُكْرِه على الكفر فلم يَفعل حتى قُتل، فهو أفضل ممن أظهر، وكذلك كل أمرٍ فيه إعزاز الدِّين فالإقدام عليه حتَّى يُقتل أفضل من الأخذ بالرُّخصة.
(7)
وقال الرازيُّ- رحمه الله:
التقيَّة إنما تكون إذا كان الرجل في قومٍ كفَّار، ويخاف منهم على نفسه وماله، فيُداريهم باللِّسان؛ وذلك بأن لا يُظهر العداوة باللِّسان، بل يجوز أيضًا أن يظهر الكلام الموهم للمحبَّة والموالاة، ولكن بشرط أن يُضْمِر خلافه، وأن يُعرِّض في كلِّ ما يقول، فإنَّ التقيَّة تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب.
(8)
ومن هنا يُتأكد لدينا أن التَّقيّة شُرعت في الإسلام في أضيق الحدود،
(1)
- المستصفى، الغزالي، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1413 هـ/ 1993 م، رقم الطبعة: ط 1، ص:174.
(2)
- بدائع السلك في طبائع الملك، ابن الأزرق:(1/ 194 - 195).
(3)
- زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي: 1/ 272، تفسير ابن الجوزي: زاد المسير في علم التفسير المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 هـ) المحقق: عبد الرزاق المهدي الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت الطبعة: الأولى - 1422 هـ.
(4)
- يُنظر: تفسير الرازي: 4/ 170، مفاتيح الغيب = التفسير الكبير المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606 هـ) الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة: الثالثة - 1420 هـ.
(5)
- يُنظر: زاد المسير، لابن الجوزي: 1/ 372.
(6)
- يُنظر: فتح الباري لابن حجر: 12/ 317.
(7)
- يُنظر: تفسير البحر المحيط، لأبي حيان: 3/ 191، تفسير أبي حيَّان، البحر المحيط في التفسير المؤلف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745 هـ) المحقق: صدقي محمد جميل الناشر: دار الفكر - بيروت الطبعة: 1420 هـ.
(8)
- يُنظر: تفسير الرازي: 4/ 170.
وبضوابط شرعية، وفي حال الخوف على ضرورة من تلك الضرورات وعلى حفظها فحسب.
لذا فإن التَّقيّة عند أهل السُّنَّة أمر اضطراري عارض بسبب دفع بلاء شديد مِمَّا لا تطيقه النفس البشرية ويَشُقُّ عليها احْتِمَالُهُ، كما أنه لا يترخص بِالتَّقِيَّةِ مَنْ كَانَ لَهُ مخرج لا يرتكب فيه محرمًا، كل ذلك مصحوبًا بسلامة الباطن وعمارته بالإيمان.
فـ" مَذْهَبُ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْل السُّنَّةِ أَنَّ الأْصْل فِي التَّقِيَّةِ هُوَ الْحَظْرُ، وَجَوَازُهَا ضَرُورَةٌ، فَتُبَاحُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ.
ولذا يقول سعيد بن جبيرٍ (ت: 95 هـ) رحمه الله:
ليس في الإسلام تَقِيَّة، إنما التَّقِيَّة لأهل الحرب.
(1)
قَال الْقُرْطُبِيُّ (ت: 671 هـ) رحمه الله:
وَالتَّقِيَّة لَا تَحِل إِلاَّ مَعَ خَوْفِ الْقَتْل أَوِ الْقَطْعِ أَوِ الإْيذَاءِ الْعَظِيمِ، وَلَمْ يُنْقَل مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فِيمَا نَعْلَمُ إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمُجَاهِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ.
(2)
وفي نحو ذلك يقول ابن القيم (ت: 751 هـ) رحمه الله: -
التَّقيّة أن يقول العبد خلاف ما يعتقده لاتقاء مكروه يقع به لو لم يتكلم التَّقيّة.
(3)
.
والأصل في ذلك عند أهل السنة قوله سبحانه: (مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن من شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(النحل: 106).
قال ابن كثير (ت: 774 هـ) رحمه الله:
قوله تعالى: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَان)(النحل: 106) فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرهًا، لما ناله من ضرب وأذى، وقلبه يأبى ما يقول وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله.
(4)
وقال أبو بكر الجصاص (ت: 370 هـ) رحمه الله:
هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه.
(5)
وقال أبو بكر ابن العربي (ت: 543 هـ) رحمه الله:
لما سمح الله تعالى في الكفر به، وهو أصل الشريعة، عند الإكراه، ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به.
(6)
فإذا لم يؤاخذ اللهُ المكرهَ في النطق بالكفر حال الإكراه، فبلا أدنى ريب أن ما دونه أولى بذلك، ولذا يُعد هذا أصل أصيل في العذر بالإكراه في أصول الشريعة وفروعها.
وأما عن مستند أهل السنة في " التَّقيّة " فقوله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)(آل عمران: 28).
قال ابن كثير (ت: 774 هـ) رحمه الله: قوله: (إِلا أَنْ
(1)
- يُنظر: تفسير البغوي: 2/ 26، تفسير البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي المؤلف: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى: 510 هـ) المحقق: عبد الرزاق المهدي الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت الطبعة: الأولى، 1420 هـ عدد الأجزاء:5.
(2)
-الموسوعة الفقهية: (13/ 186 - 187)، الموسوعة الفقهية الكويتية صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت عدد الأجزاء: 45 جزءا الطبعة: (من 1404 - 1427 هـ) .. الأجزاء 1 - 23: الطبعة الثانية، دار السلاسل - الكويت .. الأجزاء 24 - 38: الطبعة الأولى، مطابع دار الصفوة - مصر .. الأجزاء 39 - 45: الطبعة الثانية، طبع الوزارة.
(3)
- أحكام أهل الذمة: (2/ 1038).
(4)
- تفسير ابن كثير: (2/ 587)، تفسير ابن كثير، تفسير القرآن العظيم (ابن كثير) المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ) المحقق: محمد حسين شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت الطبعة: الأولى - 1419 هـ.
(5)
- أحكام القرآن للجصاص (3/ 192).
(6)
- أحكام القرآن لابن العربي (3/ 1180).
تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) أي: إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته؛ كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال:" إنَّا لَنَكْشرُ فِي وُجُوهِ أقْوَامٍ وَقُلُوبُنَا تَلْعَنُهُمْ".
(1)
المطلب الثاني: مفهوم التَّقيّة عند علماء الرافضة
فهي كما يقول شيخهم المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الملقب بابن المعلم: (ت: 413 هـ) هي عبارة عن:
كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرًا في الدين والدنيا.
(2)
.
فالمفيد- من الرافضة- يعرف التَّقيّة بأنها الكتمان للاعتقاد خشية الضرر من المخالفين - وهم أهلُ السنة كما هو الغالب في إطلاق هذا اللفظ عندهم - أي هي إظهار مذهب أهل السنة (الذي يرونه باطلاً)، وكتمان مذهب الرافضة الذي يرونه هو الحق، من هنا يرى بعض أهل السنة: أن أصحاب هذه العقيدة هم شر من المنافقين؛ لأن المنافقين يعتقدون أن ما يبطنون من كفر هو باطل، ويتظاهرون بالإسلام خوفًا، وأما هؤلاء فيرون أن ما يبطنون هو الحق، وأن طريقتهم هي منهج الرسل والأئمة.
(3)
قال عبد الله بن محمد القحطاني الأندلسي- رحمه الله في نونيته:
(4)
إِنَّ الرَّوَافِضَ شَرُّ مَنْ وَطِئَ الحَصَى
…
مِنْ كُلِّ إِنْسٍ نَاطِقٍ أَوْ جَانِ
قَدَحُوا النَّبِيَّ وَخَوَّنُوا أَصْحَابَهُ
…
وَرَمَوْهُمُ بِالظُّلْمِ وَالعُدْوَانِ
حَبُّوا قَرَابَتَهُ وَسَبُّوا
…
جَدَلَانِ عِنْدَ اللهِ مُنْتقضَانِ
(5)
وفي ضوء بيان مفهوم التَّقيّة في اللغة والاصطلاح يتبين لنا أنها- التَّقيّة - تعني عندهم:
إظهار خلاف ما يبطن الإنسان تديّنًا؛ وهم-الرافضة- بتلك العقيدة الفاسدة ينسبون هذا الكذب والبهتان والخداع لدين الله ظلمًا وزورًا وبهتانًا وعدوانًا، فهم كما قال الله تعالى في وصف المنافقين:(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)(النساء: 147).
الفصل الثاني التَّقيّة عند الرافضة
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التَّقيّة أصل من أصول دين الرافضة
وفيه أربعة مطالب:
يجب أن يُعلم أولًا أن التَّقيّة أصل أصيل من أصول دين الرافضة " الشيعة الاثني عشرية" التي يبنون عليها دينهم وعقائدهم، فتراهم يكذبون ويتحرون الكذب في كل أمورهم حتى في العقائد، ثم يجعلون ذلك دينًا وقربى من أجلِّ وأعظم
(1)
- تفسير ابن كثير (2/ 30).
(2)
- صحيح الاعتقاد، للمفيد:66.
(3)
- يُنظر: أصول مذهب الشيعة الإمامية: (2/ 805).
(4)
-قيل: (ت: في 379 هـ أو 383 هـ أو 387 هـ، ببخارى).
(5)
- الأبيات من نونية القحطاني الشهيرة والتي تزيد على 600 بيت.
القُرب، ويخالفون بها جماهير المسلمين من أهل السنة والجماعة ويخرجون بها عن صراط الله العزيز الحميد.
المطلب الأول: مكانة التَّقيّة عند الرافضة
للتقيّة في دين الرافضة مكانة عظيمة، ومنزلة كبيرة، فهي تُعدُ-عندهم- أصلاً من أصول دينهم لا يسع أحدٌ الخروج عنه البتة، وقد دوَّنوها في مصنفاتهم، وبيَّنوا ما يتعلق بها من فضائل وأحكام، كما بيَّنوا-فيها- ما يترتب على من لزمها وعمل بها من عظيم الأجر وجزيل الثواب.
ويتجلى ذلك في أوضح وأجل وأعظم مصادرهم ألا وهو كتاب "الكافي" للكليني الذي يقابل صحيح البخاري عند أهل السنة.
حيث يروي-الكليني (ت: 329 هـ) - في " الكافي":
عن أبي عبد الله أنه قال: خالطوهم بالبرانية، وخالفوهم بالجوانية.
(1)
ولاشك أن هذا هو النفاق بعينه.
ويروى الكليني- أيضًا- عن محمد بن خلاد قال:
سألت أبا الحسن عليه السلام عن القيام للولاء فقال: قال أبو جعفر عليه السلام: التَّقِيَّة من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تَّقِيَّةِ له.
(2)
. لذا فهي أساس دينهم المبني على النفاق والكذب.
قال محمد جواد مغنية رئيس المحكمة الجعفرية ببيروت (م):
التَّقِيَّة أن تقول أو تفعل غير ما تعتقد.
(3)
هكذا صراحة بلا أي قيود.
بل وصل اعتناؤهم بالتَّقِيَّةِ إلى حد تأويل الآيات عليها:
مثل قوله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ)(فصلت: 34) قال أبو عبد الله - كما زعم الكليني -: (الحسنة: التَّقِيَّةِ: والسيئة: الإذاعة).
(4)
. وهكذا يؤكد الرافضة أن دينهم مبني على الزور والبهتان وتحريف النصوص لأهوائهم.
والرافضة يتبرؤون ممن لم يلزم التَّقِيَّة، فيقولون:
ليس منا من لم يلزم التَّقِيَّة، ويصوننا عن سفلة الرعية.
(5)
ومع هذه الطَّوام كلها فإنهم يتبرؤون ممن لم يلزم التَّقِيَّة، وهم يعنون بذلك ملازمتها أبدًا وفي كل حال.
ولذا تراهم يقررون ذلك في كل أوثق مصادرهم فيقولون:
عليكم بالتَّقِيَّةِ؛ فإنه ليس منا من لم يجعل شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجيته مع من يحذره.
(6)
، ومع هذا كله فإن التَّقِيَّة عندهم تستخدم لسلامة النفس، لا لسلامة الدين.
ومن أسباب علو قدر التَّقِيَّةِ عندهم أنها -كما يعتقدون - من سنن المرسلين:
وفي ذلك يقولون: عليك بالتَّقِيَّةِ؛ فإنها سنة إبراهيم
…
وموسى وهارون.
(7)
حاشا لرسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام أن يكون كما يصفهم هؤلاء الظالمون، فهم بذلك قد ضمَّوا الرسلَ لآل البيت في الاستتار خلفهم لتبرير فضائح دينهم وعفن
(1)
الكافي (2/ 175)، الكافي، المؤلف: محمد بن يعقوب الكليني (ت: 329 هـ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ش المطبعة: حيدري، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران - إيران، نهض بمشروعه محمد الآخوندي، سنة الطبع: 1363 ش، عدد الأجزاء:15.
(2)
- الكافي (2/ 174).
(3)
الشيعة في الميزان: (ص: 48).
(4)
- الكافي (2/ 173).
(5)
-أمالي الطوسي: (1/ 287)، بحار الأنوار:(39/ 72)، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار تأليف: محمد باقر المجلسي، مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان:(د ت)
(6)
- نفس المرجع السابق.
(7)
معاني الأخبار: (ص: 386)، بحار الأنوار (72/ 963).
اعتقادهم وتبرير مساويهم.
ومن أسباب علو قدر التَّقِيَّةِ عندهم-كذلك- زعمهم أنها أحب شيء لآل البيت، ومن أقوالهم في ذلك:
1 -
وهي أحب شيء إلى أهل بيت رسول الله ولزومها سبب العزة والإعراض عنها سبب الهوان.
عن حبيب بن بشر
(1)
قال:
قال لي أبو عبد الله: سمعت أبي يقول: لا والله ما على وجه الأرض أحب إليَّ من التَّقِيَّةِ، يا حبيب إنه من كانت له تَقيّة رفعه الله، يا حبيب من لم تكن له تَقِيَّة وضعه الله.
(2)
2 -
وتسعة أعشار الدين في التَّقِيَّةِ.
(3)
3 -
لا خير فيمن لا تقية له.
(4)
4 -
ما من شيء أقر لعين أبيك من التَّقِيَّةِ.
(5)
كل هذه الأقوال ينسبوها لآل البيت الكرام زورًا وبهتانًا، وأصبح آل البيت عند القوم الظالمين ستارًا وحائطًا يستترون وراءه بهذا الدين لينشروا تلك العقائد التي لم نسمع بها من ألد أعداء الملة.
المطلب الثاني: لا تتحقق الكرامة عند الرافضة إلا بالتَّقِيَّةِ
إذا كانت الكرامة عند الله لا تتحقق للعباد إلا بالتقوى، فإنها لا تتحقق عند الرافضة إلا بالتَّقِيَّةِ.
قال القمي: أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القُمّي (ت: 329 هـ): وقد سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
(الحجرات: 13) قال: أعلمكم بالتَّقِيَّةِ.
(6)
فهم على إثر تفسيرهم العقيم-هذا- تصبح الكرامة بالتَّقِيَّةِ لا بالتقوى، ويصبح أكرم الخلق أكذبهم وأكثرهم نفاقًا لا أتقاهم ..
اعتقادهم أن صاحب التَّقِيَّة مرفوع القدر عند الله:
قال الكليني في "الكافي":
حدثنا محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد جميعا، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن حسين بن أبي العلاء عن حبيب بن بشر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: سمعت أبي يقول: لا والله ما على وجه الارض شئ أحب إلي من التَّقِيَّةِ، يا حبيب إنه من كانت له تَقيَّة رفعه الله، يا حبيب من لم تكن له تَقيَّة وضعه الله، يا حبيب إن الناس إنما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا.
(7)
المطلب الثالث: غلو الرافضة في التَّقيّة
فإن ترك التَّقيّة عندهم كفرٌ، ككفر ترك الصلاة، وتركها قبل خروج المهدي
(1)
- من أصحاب الصادق، رجال الشيخ (328)، وكذلك البرقي، عده من أصحابه، وعن بعض النسخ: بسر: بدل بشر وعن بعضها بسرة، وعن بعضها: بشرة: والظاهر أن الصحيح هو الأول.
روى عن أبي عبد الله، وروى عنه الحسين بن أبي العلاء.، يُنظر: الكافي: الجزء 2، كتاب الايمان والكفر 1، باب التقية 97، الحديث 4.
(2)
-المحاسن: (ص: 256)، المحاسن، المؤلف: أحمد بن محمد بن خالد البرقي، الجزء: 1، الوفاة: 274، المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ قسم الفقه، تحقيق: تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، سنة الطبع: 1370 - 1330 ش، ويُنظر: بحار الأنوار: (72/ 398).
(3)
المحاسن: (ص: 259)، بحار الأنوار:(72/ 407).
(4)
-علل الشرائع: (1/ 48)، بحار الأنوار:(72/ 399).
(5)
-المحاسن: (ص: 257)، بحار الأنوار:(72/ 398).
(6)
- الشيعة والسنة: (ص 157).
(7)
- الكافي: (2/ 217).
خروج على دين الله.
لقد غَاَلَىَ
(1)
الرافضة في التَّقيّة وأوجبوها وأنزلوها منزلة الصلاة من الدين- أي إن من ترك التَّقيّة فقد كفر، ككفر تارك الصلاة سواء بسواء، وهذا قول أئمتهم.
قال القمي: علي بن إبراهيم القمّي (ت: 307 هـ):
التَّقيّة واجبة، من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة.
(2)
وكذلك- أيضًا- هو قول قال ابن بابويه: وهو أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المشهور بالشيخ الصدوق (ت: 381 هـ) في كتابه "الاعتقادات".
(3)
.
وقال الصادق:
لو قلت إن تارك التَّقيَّة كتارك الصلاة لكنت صادقًا.
(4)
وقال القمي مغاليًا- أيضًا-:
التَّقيَّة واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم
(5)
، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج على دين الله تعالى، وعن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة.
(6)
ومن كتم التَّقيَّة عندهم أعزه الله ومن أظهرها أذله الله
روى الكليني في الكافي - باب الكتمان- عن سليمان بن خالد قال:
قال أبو عبد الله: يا سليمان إنَّكم على دينٍ من كتمَه أعزَّه الله، ومن أذاعه أذلَّهَ الله.
(7)
ولقد بلغ من غلوهم في التَّقيَّة أن جعلوا تَرْكَهَا مساو للشرك في عدم المغفرة،
فقد رووا عن عليّ بن الحسين الإمام الرابع أنه قال:
يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين، ترك التَّقيَّة، وترك حقوق الإخوان.
(8)
المطلب الرابع: نقض القول بـ "التَّقيَّة" في قول أحد معاصري الرافضة
وهذا القول في التَّقيَّة عند أحد معاصري الرافضة، ونخشى أن يكون من التَّقيَّة أيضًا:
يقول الدكتور موسى الموسوي (م):
لقد أراد بعض علمائنا رحمهم الله أن يدافعوا عن التَّقيَّة، ولكن التَّقيَّة التي يتحدث عنها علماء الشيعة وأمْلَتْها عليها بعض زعاماتها هي ليست بهذا المعنى إطلاقًا، إنها تعني أن تقول شيئًا وتضمر شيئًا آخر، أو تقوم بعمل عبادي أمام سائر الفرق وأنت لا تعتقد به، ثم تؤديه بالصورة التي تعتقد به في بيتك.
(9)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728 هـ) رحمه الله:
الرَّافِضَة أَجْهَلُ الطَّوَائِفِ وَأَكْذَبُهَا وَأَبْعَدُهَا عَنْ مَعْرِفَةِ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَهُمْ يَجْعَلُونَ التَّقِيَّةَ مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ،
(1)
-غَالَى فِي الأَمْرِ: بَالَغَ فِيهِ، يُنظر: تعريف و معنى غالى في معجم المعاني الجامع
(2)
الشيعة والسنة (ص 157).
(3)
- الاعتقادات: (ص 114)، الاعتقادات، المؤلف: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق، (ت: 381 هـ)، تحقيق مؤسسة الإمام الهادي، (د ت).
(4)
- جامع الأخبار (ص 110)، بحار الأنوار (75/ 412، 414).
(5)
-قائم آل محمد:
هو لقب يستخدمه الشيعة الإثنا عشرية للإشارة بـ " محمد بن الحسن العسكري- المهدي- "الذي هو الإمام الثاني عشر -عندهم-"، الذي يعتقدون أن رجعته ستكون في آخر الزمان حين يخرج من السرداب-بزعمهم-، وذلك ليقتلَ غيرَ الشيعة .. ، فيصلب أبا بكرٍ وعمر على شجرةٍ رطبة، ويقيم الحد على عائشة!. وللاستزادة يُنظر: "المسائل الناصرية للمرتضى" .. وكتاب "حق اليقين" للمجلسي. بتصرف يسير.
(6)
الشيعة والسنة (ص 157).
(7)
الكافي: أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني 2/ 222. ويُنظر: وسائل الشيعة: الشيخُ مُحمّدْ بن الحسن الحُر العاملي، تحقيق مؤسّسة آل البيتِ عليهم السلام لإحياء التُّراثِ، (د ت): 1/ 252.
(8)
- الشيعة والسنة (ص 158).
(9)
- الشيعة والتصحيح: (ص 52).
وَيَكْذِبُونَ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ كَذِبًا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ، حَتَّى يَرْوُوا عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ قَالَ: التَّقِيَّةُ دِينِي وَدِينُ آبَائِي، و" التَّقِيَّةُ " هِيَ شِعَارُ النِّفَاقِ؛ فَإِنَّ حَقِيقَتَهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَهَذَا حَقِيقَةُ النِّفَاقِ.
(1)
لا نتعجب من قول شيخ الإسلام، فهم قبل كذبهم على أئمتهم يكذبون على رب الأنام وعلى النبي عليه الصلاة والسلام.
ويقول رحمه الله أيضًا-:
وأما الرافضة فأصل بدعتهم عن زندقة وإلحاد وتعمد الكذب كثير فيهم، وهم يقرون بذلك حيث يقولون: ديننا التَّقيَّة، وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه وهذا هو الكذب والنفاق، ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة، ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق! فهم في ذلك كما قيل: رمتني بدائها وانسلّت
(2)
، إذ ليس في المظهرين للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم، ولا يوجد المرتدون والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم.
(3)
.
ويقول رحمه الله أيضًا: -
" وَقْدْ رَأَيْنَا فِي كُتِبِهِمْ مِنَ اْلكَذِبِ وَالافْتِرَاءِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصحَابَتِهِ، وَقَرَابَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا رَأَيْنَا مِنَ الْكَذِبِ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ
(4)
.
ويقول رحمه الله أيضًا-:
وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَة إِمَّا مُنَافِقٌ أَوْ جَاهِلٌ، فَلَا يَكُونُ رَافِضِيٌّ وَلَا جَهْمِيٌّ إِلاَّ مُنَافِقًا أوْ جَاهِلاً بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم.
(5)
وقد أحسن من نَظَمَ في نفاقهم فقال:
يا من خدعت بتقيّة ونفاق
…
سلمت أمرك للعدا السراق
إن الروافض يكذبون بقولهم
…
وفعالهم تنبي عن الفساق
والشر كل الشر في تمكينهم
…
مستعصم ينبيك!! هل من راق؟.
(6)
المطلب الخامس: استعمال الرافضة التَّقيّة مع أهل السُّنَّة خاصَّة
بعد ما تبيَّن لنا بوضوح وجلاء مكانة التَّقيّة عند الرافضة عمومًا وأنها من لب وأساس دينهم، من المناسب هنا الكلام عن استعمالهم التَّقيّة مع أهل السُّنَّة خاصة.
أبرز أقوالهم في وجوب لزوم التَّقيّة مع أهل السُّنَّة:
لابد وأن يُعلم أولًا أنَّ جماهير أهل السُّنَّة عند الرافضة من جملة الكافرين وأن دولتهم يسمونها عندهم "دولة الظالمين" كما أنهم يسمونها- أيضًا "دولة الباطل"، وأن ديارهم تسمى عندهم بـ" ديار التَّقيّة"، كما أنهم يطلقون عليهم "سفلة الرعية".
أما تكفيرهم لجماهير المسلمين من (أهل السُّنَّة)، ذلك لأنهم لم يؤمنوا بالأئمَّة الاثني عشر وفي ذلك يقول ابن بابويه القمي (ت: 329 هـ):
واعتقادُنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمَّةِ من بعده أنه بِمَنْزلة مَنْ جحد نبوَّة الأنبياء، واعتقادنا فيمن
(1)
- مجموع الفتاوى (13/ 263). مجموع الفتاوى المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728 هـ) المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416 هـ/ 1995 م.
(2)
- قال أبو عبيدٍ: "ويحكى عن المفضل أنه كان يقول: هذا المثل قيل لرهمٍ بنت الخزرج من كلبٍ، وكانت امرأة سعد بن زيد مناة بن تميمٍ، وكان لها ضرائر، فسابَّتها إحداهنَّ يومًا فرَمَتْها رهمٌ بعيبٍ هو فيها، فقالت ضرَّتُها: "رمَتْني بدائها وانسلَّت" فذهبت مثلًا".
ويُضرب هذا المثل لمن يعيِّر الإنسان بما هو فيه. يُنظر: "الأمثال" لابن سلام (73)
(3)
منهاج السنة النبوية: (1/ 30).
(4)
- مجموع الفتاوى (28/ 481).
(5)
- منهاج السّنة: (5/ 160 - 161).
(6)
- كتاب: كلمات وأشعار في ذم الرافضة الكفار الفجار، جفجاف ابراهيم، الأبيات: 32 - 34، (10/ 1)
أقرَّ بأمير المؤمنين وأنكر واحدًا من بعده من الأئمة أنه بمنْزِلة مَنْ آمن بجميع الأنبياء، ثم أنكر نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم.
(1)
هذه هي عقيدتهم في الأئمة وغلوهم فيهم، حتى قرنوا من جحد إمامًا واحدًا منهم بمنكر النبوات.
يروي الكليني في " الكافي" عن الباقر قوله:
إن الله عز وجل نصَّب عليًا عليه السلام علمًا بينه وبين خلقه، فمن عرفه كان مؤمنًا، ومن أنكره كان كافرًا، ومن جهله كان ضالًا، ومن نصب معه شريكًا كان مشركًا، ومن جاء بولايته دخل الجنة"
(2)
. وهذه هو دين الرافضة، دين مبني على الشرك بالله وعبودية آل البيت.
الروايات التي تجعل من معرفة الإمام شرطًا من شروط صحة الإيمان قولهم على لسان أئمتهم:
نحن الذين فرض الله طاعتنا، لا يسع الناس إلا معرفتنا، ولا يعذر الناس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمنًا، ومن أنكرنا كان كافرًا، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً، حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة، فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء.
(3)
وكذلك هو دين مبني على الكبر والغطرس على طريقة قول اليهود" نحن شعب الله المختار".
للتَّقيّةِ أهداف كبرى وغايات عظمى عند الرافضة:
وقد ارتبطت التقيّةُ بالشيعة، فهى النظام السرى فى شئونهم فإذا أراد إمام الخروج والثورة على الخليفة، وضع لذلك نظامًا وتدابير، وأعلم أصحابه بذلك فكتموه، وأظهروا الطاعة حتى تتم الخطط المرسومة فهذه تقيّة، وإذا أحسّوا ضررا من كافر أو سنّى داروه وجاروه وأظهروا له الموافقة فهذه أيضا تقيّة وهكذا.
(4)
وقد أخذ بالتقية بعض الفرق الباطنية الذين كانوا يحلمون بإيجاد دولة لهم لتنفيذ مآربهم ومخططاتهم أمثال القرامطة والفاطمية والإسماعيلية والدروز، والبابية، وغيرها من الدعوات الباطنية التى كانت تحافظ على تقاليدها بالتستر إلى أن تقوى وتعلن وجودها بعد أن تكون قد حققت لنفسها المقومات الكفيلة باستمرارية وجودها.
(5)
وسطية أهل السُّنَّة في قضايا التكفير بين الإفراط والتفريط:
أما غلو الرافضة في تكفير جماهير المسلمين من (أهل السُّنَّة) فقد مر بنا آنفًا ذكر بعض مشاهد منه.
أما أهل السُّنَّة: فلابد وأن يُعلم جيدًا أنهم أبعد الناس عن التكفير وأشدهم في أخذ الحيطة فيه والاحتراز منه، لما لا وقد جعلهم الله وَسَطًا عدولًا خيارًا في كلِّ ما تنازعت فيه سائر الفِرَق من المسائل المتنازَع فيها، كما قال
(1)
- الاعتقادات، لابن بابويه: ص 11.
(2)
- الكافي للكليني: (1/ 438).
(3)
- الكافي للكليني: (1/ 187).
(4)
- دائرة المعارف الإسلامية 5/ 419.
(5)
-الكشَّاف الفريد عن معاول الهدم ونقائض التوحيد: خالد محمد الحاج، 1/ 114، ط إدارة إحياء التراث- قطر: 1983 م.
سبحانه: (وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكم شَهِيدًا)(البقرة: 143).
و (وَسَطًا) يعني: أهل دين وسط، بين الغلو والتقصير، لأنهما مذمومان في الدين.
(1)
قال ابن كثير (ت: 774 هـ) رحمه الله:
والوسط ههنا الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسبًا ودارًا أي: خيارها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطًا في قومه، أي أشرفهم نسبًا، ومنه: الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي صلاة العصر كما ثبت في الصحاح وغيرها
…
(2)
ذلك لأن الوسطيةُ من أبرز خصائص منهج أهلِ السُّنَّة والجماعة ولا سيما في قضايا العقيدة وما يتعلق بها من أحكام، أما أهلُ الفِرَق الخارجة عن منهج وعقيد أهل السُّنَّة فإنك تراهم قد أَصَّلوا لأنفسهم أصولًا وقعَّدوا لها قواعد وحاكموا إليها نصوصَ الشرع ونزَّلوها عليها، فما وافق منها ما أصَّلوه وقعَّدوه قَبِلوه، وما خالف منها ردُّوه ورفضوه، ولذا فإن المتبصر والمتأمل في أصول وقواعد ومناهج تلك الفرق يراها تدور بين الإفراط والتفريط، وبين الغُلُوِّ والجفاء، أما أهلُ السُّنَّة فترى وسطيتهم بين تلك الفرق وتراهم أكثرها تعظيمًا وإجلالًا للحق ولزومًا له وعملًا به وتراهم أكثر وأسرع انقيادًا وتسليمًا للدليل الشرعي الوارد في الكتاب والسُّنَّة، فلا يردُّون الأدلة الثابتة في الوحيين ولا يعارضونها بشيءٍ من الأهواء، ولا يتجاوزونها إلي تحكيم عقولهم ولا آرائهم ولا يستعملون الأقيسةٍ المنطقية الفلسفية ولا يقدمونها على الأدلة الشرعية، وهم في ذلك مستجيبين لأمره ربهم الذي خاطبه فيه سبحانه بقوله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الحجرات: 1).
فأهل السُّنَّة يعتمدون على النصوص الشرعية، ويقدمونها على العقول البشرية، ويجعلون العقل البشري وسيلة لفهم النصوص الشرعية، وشرطًا في معرفة العلوم، وكمال وصلاح الأعمال، وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلًا بذلك، فهم قد توسطوا في أمر العقل أيضًا، فلم يقدموه على النصوص كما فعل أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم، ولم يهملوه ويذموه كما يفعل كثير من المتصوفة، الذين يعيبون العقل، ويقرون من الأمور ما يكذب به صريح العقل، ويصدقون بأمور يعلم العقل الصريح بطلانها ممن لم يعلم صدقه.
(3)
وفي نحو ذلك يقول الشوكاني (ت: 1255 هـ) رحمه الله:
اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقدم عليه، إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث
(1)
- تفسير البغوي: (1/ 122)، يرويه البغوي عن الكلبي.
(2)
تفسير ابن كثير: (1/ 181).
(3)
العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز الحنفي: (786 - 803)، مجموع فتاوى ابن تيمية:(3/ 168، 338، 373 و 5/ 5045)، درء تعارض العقل والنقل:(1/ 12، 20، 105، 133)، و منهاج السنة:(2/ 103 - 650)، و العقيدة الواسطية مع شرحها لابن عثيمين:(2/ 63)، و التنبيهات السنية:(191 - 206).
الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن: "من قال لِأَخِيهِ يا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بها أَحَدُهُمَا".
(1)
ثم قال-رحمه الله:
ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير.
(2)
وفي أخذ الحيطة في الحكم بالتكفير يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728 هـ) رحمه الله:
والكفر هو من الأحكام الشرعية، وليس كلُّ من خالف شيئًا عُلِمَ بنظر العقل يكون كافرًا، ولو قُدِّرَ أنه جحد بعضَ صرائحِ العقول لم يُحكَم بكفره حتى يكون قولُه كفرًا في الشريعة.
(3)
ويقول رحمه الله في محض كلامه عن الخوارج:
وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالُهم بالنصِّ والإجماع لم يكفروا مع أمرِ الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحقُّ في مسائلَ غَلِطَ فيها مَنْ هو أعلم منهم؟ فلا يحلُّ لأحدٍ من هذه الطوائفِ أن تكفِّر الأخرى، ولا تستحلَّ دَمَها ومالَها وإن كانت فيها بدعةٌ محققَّةٌ، فكيف إذا كانت المكفِّرة لها مبتدعةً أيضًا؟ وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ. والغالب أنهم جميعًا جهَّالٌ بحقائقِ ما يختلفون فيه.
(4)
وهذا الكلام النفيس يدل وسطية أهل السُّنَّة ورحمتهم بالخلق وأخذهم الحيطة والحذر في قضايا التكفير.
وفي هذه الصدد يقول الإمامُ أبو عثمان الصابونيُّ (ت: 449 هـ) رحمه الله: ويَعتقدُ أهلُ السُّنَّة أنَّ المؤمن وإن أذنب ذنوبًا كثيرةً صغائرَ كانت أو كبائرَ فإنه لا يكفر بها، وإن خرج من الدنيا غيرَ تائبٍ منها ومات على التوحيد والإخلاص فإنَّ أمره إلى الله عز وجل، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنَّةَ يوم القيامة سالِمًا غانمًا، غيرَ مبتلًى بالنار ولا معاقَبٍ على ما ارتكبه من الذنوب واكتسبه واستصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار، وإن شاء عاقبه وعذَّبه مدَّةً بعذاب النار، وإذا عذَّبه لم يخلِّده فيها، بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار.
(5)
وكلام أبي عثمان الصابوني رحمه الله هو لب معتقد أهل السنة في مرتكب الكبير لأنه مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته ولا يخرج من الملة خلافًا للخوارج، لأنه عندهم خارج من الملة عياذًا بالله من الغلو، وأهل السُّنَّة وسط بين الفرق في هذا الباب خاصة.
وشيخ الإسلام ابن تيمية يقرر هذه الوسطية فيقول- رحمه الله:
وكل أهل السنة متفقون على أنه - يعني مرتكب الكبيرة - قد سلب كمال الإيمان الواجب، فزال بعض إيمانه الواجب لكنه من أهل الوعيد.
وإنما ينازعون في ذلك من يقول: الإيمان لا يتبعض، من الجهمية، والمرجئة، فيقولون: إنه كامل الإيمان.
(6)
(1)
- متفق عليه، البخاري (5753)، ومسلم (60)، ولفظه في البخاري:(أَيُّمَا رَجُلٍ قال لِأَخِيهِ يا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بها أَحَدُهُمَا).
(2)
- السيل الجرار: (4/ 578).
(3)
- مجموع الفتاوى، لابن تيمية:(12/ 525).
(4)
مجموع الفتاوى، لابن تيمية:(3/ 282 ـ 283).
(5)
-عقيدة السلف أصحاب الحديث، لأبي عثمان الصابوني:(71 ـ 72).
(6)
-الإيمان: (ص 244)، الفتاوى:(7/ 258).
وفي نحو ذلك يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي (ت 321 هـ) رحمه الله:
ولا نكفِّر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحلَّه.
(1)
وقد نصَّ على هذه القاعدة غير واحدٍ من أئمة أهل السُّنَّة والجماعة ومن أشهر من قال بها الإمام الطحاوي.
ويحكي شيخ الإسلام إجماع أهل السنة وحكمها على الفرق الوعيدية الثِّنتين والسبعين المخالِفة لهم فيقول رحمه الله:
وأجمع الصحابةُ وسائرُ أئمَّةِ المسلمين على أنه ليس كلُّ من قال قولًا أخطأ فيه أنه يكفر بذلك وإنْ كان قولُه مخالفًا للسُّنَّة، فتكفيرُ كلِّ مخطِئٍ خلافُ الإجماع.
(2)
ويؤكد رحمه الله تقرير هذا الأصل الأصيل عند أهل السُّنَّة فيقول:
وأمَّا التكفير: فالصواب أنه مَنْ اجتهد مِنْ أمَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وقَصَدَ الحقَّ فأخطأ؛ لم يكفر بل يُغْفَر له خطؤه، ومن تبيَّن له ما جاء به الرسولُ، فشاقَّ الرسولَ من بعد ما تبيَّن له الهدى، واتَّبع غيرَ سبيل المؤمنين؛ فهو كافرٌ، ومن اتَّبع هواه، وقصَّر في طلب الحقِّ، وتكلَّم بلا علمٍ؛ فهو عاصٍ مُذنبٌ، ثمَّ قد يكون فاسقًا وقد تكون له حسناتٌ ترجح على سيِّئاته.
(3)
ذلك لأن تلك الفرق المخالفة لأهل السُّنَّة لها حُكم الإسلام في دار الدنيا، وأما في الدار الآخرة فإنها داخلة تحت المشيئة، فإن شاء الله عاملها برحمته وعفوه فلم يعذبها، وإن شاء عاملها بعدله فعذَّبها، ثمَّ يصير بعد ذلك مآلُها إلى الجنَّة.
وفرق الوعيدية الثنتين والسبعين هم من أهل الإسلام أصلًا وإن أتوا ما أتوا من الكبائر دون الشرك الأكبر المخرج من الملة.
وأما من أتى الشرك الأكبر من تلك الفِرَق، فلا شك في أنها تخرج عن الفِرَق الوعيدية ولا تُعَدُّ من جملتها، بل هي خارجةٌ عنها وعن الإسلام بالكلية، وبهذا ينضبط القول في الحكم على تلك الفِرَق الوعيدية.
وديار أهل السُّنة عند الرافضة هي ديار " التَّقيّة ":
ويقولون في ذلك:
…
والتَّقيّة في دار التَّقيّة (ديار أهل السُّنَّة) واجبة.
(4)
ويسمون دولة (أهل السُّنَّة)، بـ" دولة الظالمين"، ويقولون في ذلك:
التَّقيّة فريضة واجبة علينا في دولة الظالمين (أي دولة لأهل السُّنَّة)، فمن تركها فقد خالف دين الإمامية وفارقه.
(5)
ويسمون دولة (أهل السُّنَّة)، بـ"دولة الباطل"، ويقولون في ذلك:
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يتكلم في دولة الباطل (أي دولة لأهل السُّنَّة)، إلا بالتَّقيّة.
(6)
ويطلقون على لـ (أهل السُّنَّة)، لقبـ " سفلة الرعية "، ويقولون في ذلك:
ليس منا من لم يلزم التَّقيّة، ويصوننا عن سفلة الرعية (أهل السُّنَّة).
(7)
ولقد بوَّب الحر العاملي بابًا في "وسائله" عنونه بـ: "باب وجوب عشرة
(1)
- متن الطحاوية بتعليق الألباني: (ص: 60).
(2)
- مجموع الفتاوى: (7/ 685).
(3)
- المصدر السابق (12/ 180).
(4)
- جامع الأخبار: (ص 110)، بحار الأنوار:(75/ 411).
(5)
- جامع الأخبار: (ص 110)، بحار الأنوار:(75/ 412).
(6)
جامع الأخبار: (ص 110)، بحار الأنوار:(75/ 412).
(7)
أمالي الطوسي: 1/ 287، بحار الأنوار: 72/ 395.
العامَّة (أهل السُّنَّة) بالتَّقيّة
(1)
ولذا يقولون: عليكم بالتَّقيّة؛ فإنه ليس منا من لم يجعل شعاره ودثاره مع من يأمنه
لتكون سجيته مع من يحذره. يعني من (أهل السُّنَّة)،
(2)
ومما يؤكد شيوع ذلك عندهم ما رواه -الكليني (ت: 329 هـ) - في " الكافي":
عن أبي عبد الله أنه قال: خالطوهم بالبرانية، وخالفوهم بالجوانية.
(3)
وهم يعنون بذلك (أهل السُّنَّة) قطعًا.
ويقولون أيضًا: خالطوا الناس (أهل السُّنَّة)، بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم.
(4)
ولاشك أن هذا هو النفاق بعينه.
والرافضة في البلاد التي يكثر فيها سواد أهل السُّنَّة يتعاملون بهذه العقيدة الباطنية
لأن ولاءهم لسادتهم الشِّيعة الإمامية في إيران.
وذلك- لارتباط التشيّع بإيران
(5)
منذ خمسة قرون، وبالتحديد منذ نشوء الدولة الصفوية سنة (1501 - 1736 م)، ومنذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا أصبح الشيعة في العالم الإسلامي والعربي تبعًا لإيران سياسيًا ومذهبيًا، ولقد توالى على حكم إيران خلال خمسة قرون عدة دول شيعية؛ فمن بعد الدولة الصفوية جاءت الدولة الأفشارية (1736 - 1796 م) بقيادة نادر شاه، فالدولة القاجارية (1794 - 1925 م)، ثم الدولة البهلوية (1925 - 1979 م)، ودولة الخميني 1979 م ليومنا هذا الموسومة زورًا وبهتانًا بـ (الجمهورية الإسلامية الإيرانية).
(6)
أما عن صلاتهم تقيّة خلف أهل السنة فيقول صاحب بحار الأنوار:
من صلى خلف المنافقين (أهل السُّنة) تقيّة كمن صلى خلف الأئمة.
(7)
قال الطوسي في "تلخيص الشافي"، عن أبي عبدالله أنه قال:
من صلَّى معهم (أهل السُّنة) في الصفِّ الأول، فكأنَّما صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف الأول.
(8)
وأن من صلى معهم غفر له بعدد من خالفه، وأنه يحسب للمصلي معهم ما يحسب لمن صلى مع من يقتدى به
(9)
، وأن من يحضر صلاتهم كالشاهر سيفه في سبيل الله تعالى، وأن رسول الله - صلى الله عليه وآله- أنكحهم
(10)
، وعليٌ صلى خلفهم، والحسن والحسين صليا خلف مروان، وأن من صلى معهم خرج بحسناتهم، وألقى عليهم ذنوبه، وأن الصلاة معهم بخمس وعشرين صلاة، وأن الإمامية مأمورون بأن لا يحملوا الناس على أكتافهم، بل يعودون مرضاهم ويشيعون جنائزهم ويصلون معهم، وإن استطاعوا أن يكونوا أئمتهم أو المؤذنين فعلوا، وأن الإمامية أحق بمساجدهم منهم.
(11)
بل إن التَّقيّة تجري عندهم حتى وإن لم يوجد ما يبررها، فأخبارهم تحث
(1)
- وسائل الشيعة، للحر العاملي: 11/ 470.
(2)
أمالي الطوسي: 1/ 287، بحار الأنوار: 72/ 395.
(3)
الكافي: (2/ 175)، المؤلف: محمد بن يعقوب الكليني (ت: 329 هـ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ش المطبعة: حيدري، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران - إيران، نهض بمشروعه محمد الآخوندي، سنة الطبع: 1363 ش، عدد الأجزاء:15.
(4)
- مجالس المفيد: 85، بحار الأنوار: 72/ 410.
(5)
- إيران كانت تسمّى "فارس" وشاه إيران رضا شاه بهلوي حوّل اسمها سنة 1935 م إلى "إيران".
(6)
- حقائق مغمورة وأوهام منثورة، عبد العزيز بن صالح المحمود - باحث عراقي،
الراصد: سلسلة الكترونية شهرية متخصصة بشؤون الفرق من منظور أهل السنة، العدد مائة وسبعة - جمادى الأولى 1433 هـ. بتصرف يسير.
(7)
بحار الأنوار 72/ 412.
(8)
- تلخيص الشافي، للطوسي: 4/ 131.
(9)
-المقتدى به في نحلتهم هو من يدعون إمامته، وهو مهديهم الغائب منذ سنة 260 هـ إلى اليوم، والذي لا حقيقة له إلا في خيالاتهم، وأساطير معمميهم.
(10)
يشير بذلك إلى تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما لعثمان رضي الله عنه، وأن ذلك وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التَّقيّة بزعمهم، كما قالوا مثل ذلك في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه زوج ابنته أم كلثوم لعمر رضي الله عنه على سبيل التَّقيّة، كما أنه بايع بزعمهم أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم تقيّة، وجاهد معهم وصلى خلفهم ولم يخالفهم في شيء تقية، فما الحيلة مع من هذه عقيدته؟!.
(11)
- كشف الغطاء: (1/ 265).
الشيعي على استعمال التَّقيّة مع من يأمن جانبه حتى تصبح له سجية وطبيعة، فيعتاد التعامل بها حينئذ مع من يحذره ويخافه بدون تكلف ولا تصنع،
فقد روت كتبهم: عليكم بالتَّقيّة، فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه، لتكون سجيته مع من يحذره.
(1)
وقد مر معنا ذكر ذلك قبل قليل.
بل زادوا الطين بِلَّة
(2)
فقالوا:
من أتى مسجدًا من مساجدهم (أهل السُّنة) فصلى معهم خرج بحسناتهم.
(3)
ولم يقفوا عند هذا الحد من الهراء والاستخفاف بعقول تابعيهم حتى أقنعوهم بأن:
-من- يدخل معهم (أهل السُّنة) في صلاتهم فيخلف عليهم ذنوبه ويخرج بحسناتهم.
(4)
وهؤلاء فيهم شبه من استخفاف فرعون بعقول قومه، كما قال تعالى في حق فرعون وقومه:(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)(الزخرف: 54)
- و-المعنى: فاستخف جهل قومه فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم.
(5)
والآية تنطبق عليهم وعلى استخفافهم بعقول أتباعهم السذج، والذين يبيعون عليهم جوازات سفر عليها تأشيرة دخول إلى جنة الفردوس!!.
وعقائدهم الباطنية كما ترى تنسب لأهل البيت الكرام زورًا وبهتانًا، وقد جعلوهم ستارًا يخفون وراءه كل فعل قبيح، وينسبون إليهم كل اعتقاد فضوح.
المبحث الثاني: مفهوم المُدَارَاة
وفيه أربعة مطالب:
يتفرع عن قضية "التَّقيَّة" ما يسمى: بـ"المداراة، والمداهنة"، فإن كثيرًا ما يقع الخلط في فهم معنيِّهما والفرق بينهما، لذا وجب التعريف بمفهوم كلٍ منهما في اللغة والاصطلاح.
المطلب الأول: مفهوم المُدَارَاة في اللغة
المُدَارَاة: مصدر دارى، يقال: داريته مداراة: لاطفته ولاينته، ومداراة الناس: أي ملاينتهم وحسن صحبتهم واحتمالهم؛ لئلا ينفروا عنك.
(6)
>
المدَاراة: المخالفة والمدافعة، ودرأه؛ أي: جعلهُ درءًا، ودرأه؛ أي: دفعه، وتدارؤوا؛ أي: تدافعوا في الخصومة، وتَدَرَّؤُوا: اسْتَتَرُوا عن الشَّيء لِيَخْتِلُوهُ.
(7)
والمدَاراة: بغير همز، بمعنى المجاملة والملاينة، وبالهمز بمعنى المدافعة.
(8)
المطلب الثاني: مفهوم المدَاراة في الاصطلاح
قال ابن بطال (ت: 449 هـ) رحمه الله في تعريف المدَاراة:
المدَاراة: هي الرفق بالجاهل الذي يستتر بالمعاصي ولا يجاهر بالكبائر، والمعاطفة في رد أهل الباطل إلى مُراد الله بلينٍ ولطفٍ، حتى يرجعوا عما هم عليه.
(9)
ويقول رحمه الله أيضًا-: المدَارَاة:
(1)
أمالي الطوسي: (1/ 199)، وسائل الشيعة:(11/ 466)، بحار الأنوار:(75/ 395). وللاستزادة: يُنظر: هل يمكن الحوار مع الشيعة؟، مجلة البيان العدد 332 ربيع الآخر 1436 هـ، يناير - فبراير 2015 م. أ. د. ناصر بن عبد الله القفاري.
(2)
- كثيرًا ما نسمعهم يقولون: زاد الطين بَلَّة - بفتح الباء وهذا خطأ، والصواب في نطق هذا المثل المشهور: زاد الطين بِلَّة - بكسر الباء - كما في المعاجم اللغويَّة، وهذا النطق هو الاستعمال اللغويّ الصحيح، فهكذا نطقت العرب؛ جاء في المعجم الوسيط:"بَلَّ الشيء بالماء ونحوه بَلاًّ، وبلَّة، وبَلَلاً، وبَلَالاً: نَدَّاه وفي المختار: "البِلة بالكسر النداوة" وهو الذي يتناسب مع الطين. أمَّا (الَبلَّة) بفتح الباء فهي البَلَالَة، ونضارة الشباب، والغنى بعد الفقر، ويقال: ريحٌ بَلَّة فيها بَلَلٌ، وطواه على بَلَّتِهِ: رَضِيَه على ما فيه» و "البُلَّة" بضمِّ الباء: الخير، والعافية، وسلاسة اللسان ووقوعه على مواضع الحروف". يتبيَّن أنَّ صِحَّة الضبط: بِلَّة - بكسر الباء لا بَلَّة - بفتحها. إذنْ، قُلْ: زاد الطين بِلَّة - بكسر الباء، ولا تقل: زاد الطينَ بَلَّة - بفتحها.
يُنظر: زاد الطين بِلَّة لا بَلَّة، أ. د عبد الله الدايل، الاقتصادية الدولية، بتاريخ: الأربعاء 16 فبراير 2011 م.
(3)
- الكافي: (3/ 381)، وسائل الشيعة:(8/ 304)، بحار الأنوار:(85/ 98).
(4)
-تهذيب الأحكام: (3/ 273)، وسائل الشيعة:(8/ 304).
(5)
تفسير القرطبي: (78/ 16).
(6)
-لسان العرب، لابن منظور (14/ 254)، ويُنظر: مادة (درأ)(1/ 71)، المصباح المنير، للفيومي (1/ 194).
(7)
- القاموس المحيط، ص 40، ولسان العرب: 1/ 71، وتاج العروس 1/ 223.
(8)
- ينظر: تهذيب اللغة للأزهري، 14/ 111، والنهاية في غريب الحديث 2/ 110.
(9)
- شرح صحيح البخاري، لابن بطال:(9/ 306)، شرح صحيح البخاري لابن بطال المؤلف: ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (المتوفى: 449 هـ) تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم دار النشر: مكتبة الرشد - السعودية، الرياض الطبعة: الثانية، 1423 هـ - 2003 م عدد الأجزاء:10.
خفض الجناح للناس، ولين الكلام وترك الإغلاظ لهم في القول.
(1)
وقال المهلب:
المدَاراة: أصل الأُلفة واستمالة النفوس من أجل ما جبَل الله عليه خلقَه، وطبَعهم من اختلاف الأخلاق.
(2)
وقال ابن القيم: المداراة: وهي المدافعة بالتي هي أحسن.
(3)
وقال ابن حجر (ت: 852 هـ) -: المراد به الدفع برفق.
(4)
وقال المناوي: المدَاراة: الملاينة والملاطفة.
(5)
والمدَارَاة: صورة من صور التعامل الدال على الحكمة، والموصل إلى المقصود، مع حفظ ما للداعي والمدعو من كرامة ومُروءة.
(6)
.
ورُوي عن معاوية (ت: 60 هـ) رضي الله عنه أنه قال:
لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت قيل وكيف يا أمير المؤمنين قال كانوا إذا مدوها خليتها وإذا خلوها مددتها.
(7)
المطلب الثالث: ماذا تعني المداراة
1 -
المدَارَاة: تعني التنازل عن أمر الدنيا لصلاح شأن الدين
2 -
المدَارَاة: تبنى على عدم الإضرار بالآخرين بأي وجه من الوجوه
3 -
المدَارَاة: لا تعني التنازل عن أوامر الله تعالى وتعاليم شرعه، ومخالفة أمره سبحانه، بترك مأمور أو فعل محظور.
4 -
المداراة: لا تعني مجاملة أحد من الخلق في حق الله تعالى
5 -
المداراة: تعني باختصار التنازل عن حظوظ النفس لإعلاء لكلمة الله.
المطلب الرابع: فوائد المدَاراة
للمدَارَاة فوائد شرعية جمة، ولعل من أبرزها ما يلي:
1 -
المدَاراة: تزرع الألفة والمودة بين العباد.
2 -
المدَاراة: تجمع بين القلوب المتنافرة وتلم شملها وتجمع شتاتها.
3 -
المدَاراة: تطفئ العداوة بين الناس وتذهب غيظ القلوب وسخيمة الصدور.
4 -
المدَاراة: من صفات أهل الإيمان، والمداهنة: من صفات أهل الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.
وقد دلت آيات القرآن على أن المدَراة من أخص صفات المؤمنين، كما قال تعالى:(وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(الإسراء: 53)، وكما قال سبحانه:(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)(المؤمنون: 96)، وكما في قوله تبارك وتعالى:(فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا)(الإسراء: 28)، وكما في قوله تعالى:(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)(البقرة: من آية 83).
(1)
- شرح صحيح البخاري، لابن بطال:(9/ 305).
(2)
- شرح صحيح البخاري، لابن بطال:(7/ 294 - 295).
(3)
- زاد المعاد: (1/ 162).
(4)
- يُنظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري (10/ 528).
(5)
التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي:(ص 301).
(6)
- مفهوم الحكمة في الدعوة لصالح بن حميد، ص 49.
(7)
- يُنظر: غريب الحديث لابن قتيبة (2/ 413).
5 -
المدَارَاة: علامة على حسن الخلق
(1)
.
6 -
المدَارَاة: من عوامل إنجاح الدعوة إلى الله، إما بهداية من يداريه الداعية، أو بكفاية شره، وفتح مجالات أوسع للدعوة.
7 -
المدَارَاة: تحقيق السعادة الزوجية.
(2)
وهي عامل رئيس من عوامل الاستقرار الأسري
8 -
المدَاراة: تحقيق السلامة والأمن والطمأنينة للنفس.
(3)
9 -
المدَاراة: من أسباب العصمة من شرِّ الأعداء
(4)
.
قال ابن الجوزي (ت: 597):
من البله أن تبادر عدوًّا أو حسودًا بالمخاصمة؛ وإنَّما ينبغي إن عرفت حاله أن تظهر له ما يوجب السلامة بينكما، إن اعتذر قبلت، وإن أخذ في الخصومة صفحت، وأريته أن الأمر قريب، ثم تبطن الحذر منه، فلا تثق به في حال، وتتجافاه باطنًا، مع إظهار المخالطة في الظاهر.
(5)
المبحث الثالث: مفهوم المُدَاهَنَة
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: مفهوم المُدَاهَنَة في اللغة
المُداهَنَةُ لغة تعني: إظْهارُ الإنسانِ خِلافَ ما يُضْمِرُ، يُقال: داهَن الرَّجُلُ وأَدْهَنَ، أيْ: أَظْهَرَ خِلافَ ما أَضْمَرَ. ومِن مَعانِيها: المُصانَعَةُ.
المُداهَنَةُ: إظْهارُ الإنسانِ خِلافَ ما يُضْمِرُ، يُقال: داهَن الرَّجُلُ وأَدْهَنَ، أيْ: أَظْهَرَ خِلافَ ما أَضْمَرَ. ومِن مَعانِيها: المُصانَعَةُ، والمُقارَبَةُ في الكَلامِ، والتَّلْيِينُ في القَوْلِ.
(6)
وقد عرفها الحافظُ ابن حجر-رحمه الله تعالى-- بقوله:
المداهنة من الدهانِ، وهو الذي يظهرُ على الشيءِ ويسترُ باطنه.
(7)
المطلب الثاني: مفهوم المداهنة في الاصطلاح
والمُداهَنَةُ: مُعاشَرَةُ أهلِ الكُفْرِ وأصحابِ المَعاصِي وإظْهارُ الرِّضا بِما هُمْ فيه مع القُدْرَةِ على الإنْكارِ؛ لِتَحْصِيلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ.
والمُداهَنَةُ: تَرْكُ ما يَجِبُ للهِ تعالى مِنْ الغَيْرَةِ والأمْرِ بِالمَعروفِ والنَّهي عن المُنكَرِ، والتَّغافُلُ عن ذلك لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ وهَوىً نَفْسانِيٍّ، وبمعنىً آخَر: هي بَذْلُ الدِّينِ لِصالِحِ الدُّنْيا، بِأن يَعلَمَ أنَّ الذي أمامَهُ على خَطإٍ، ومع ذلك يُقِرُّهُ ويُجامِلُهُ، ولا يُنْكِرُ عليه، وذلك لكي يَصِلَ لِتَحقِيقِ مَصْلَحَةٍ دُنيَوِيَّةٍ، فَيَبِيعُ دِينَهُ لأجْلِ دُنياه - نسأل اللهَ العافية -. ومثاله: الاستِئْناسُ بِأهْلِ المَعاصِي والكُفّارِ ومُعاشَرَتُهُم وهم على مَعاصِيهِم أو كُفرهِم وتَرْكُ الإنكارِ علَيْهِم
(1)
- سراج الملوك، لأبي بكر الطرطوشي:(1/ 146)، سراج الملوك المؤلف: أبو بكر محمد بن محمد ابن الوليد الفهري الطرطوشي المالكي (المتوفى: 520 هـ) الناشر: من أوائل المطبوعات العربية - مصر تاريخ النشر: 1289 هـ، 1872 م عدد الأجزاء:1.
(2)
-شرح صحيح البخاري، لابن بطال (7/ 295).
(3)
-سراج الملوك، لأبي بكر الطرطوشي (1/ 148).
(4)
- أدب الدين والدنيا، للماوردي (ص 182).
(5)
-صيد الخاطر، (ص 351)، ويُنظر: موسوعة الأخلاق، فوائد المدَاراة، الدرر السنية:(د. ت). بتصرف.
(6)
موسوعة المصطلحات الإسلامية- تعريف: مُداهَنَةٌ.
(7)
- فتح الباري: (10/ 545).
مع القُدْرَةِ عليه. والمُداهَنَةُ مَذمومَةٌ؛ لأنَّها وَسِيلَةٌ إلى تَزْيِينِ القَبِيحِ وتَصوِيبِ الباطِلِ والسُّكوتِ على المُنكَرِ، فهي مِنْ المُوالاةِ المُحَرَّمَةِ.
(1)
المطلب الثالث: حكم المداهنة شرعًا
بعد أن اتضح معنا مفهوم المداهنة في اللغة والاصطلاح، فنبيّن هنا حكم المداهنة ليكتمل ويتضح المعنى بصورة جلية واضحة.
وبما أن المداهنة ضد المداراة، وفيه تنازل عن أمر الدين لإصلاح الدنيا، فهي بذلك محرَّمة وممنوعة شرعًا.
ودليل ذلك قوله تعالى: (فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ وَدُوُّا لَو تُدهِنُ فَيُدهِنُونَ)(القلم: 8 - 9).
جاء في الموسوعة الفقهية:
والفرق بين المداهنة والتقية: أن التقية لا تحل إلا لدفع الضرر، أما المداهنة فلا تحل أصلًا، لأنها اللين في الدين وهو ممنوع شرعًا؛ قال تعالى:(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)(القلم: 9)
فَسَّرَهُ الفراء، كما في اللسان بقوله: ودوا لو تلين في دينك فيلينون؛
وقال أبو الهيثم: أي: ودوا لو تصانعهم في الدين فيصانعوك، والنبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورًا بالصدع بالدعوة وعدم المصانعة في إظهار الحق وعيب الأصنام والآلهة التي اتخذوها من دون الله تعالى، فكان تليين القول في هذا الميدان مداهنة لا يرضاها الله تعالى؛ لأن فيها ترك ما أمر الله به من الجهر بالدعوة.
(2)
المطلب الرابع: العواقب الوخيمة المترتبة على المداهنة
لما كانت المداهنة بتلك الصورة الوضيعة والمكانة التي لا يليق ولا يحق لمسلم عاقل أن يتصف ويتحقق بها بحال أبدًا، وذلك لما يترتب علي التلبس بها من عواقب وخيمة وأضرار جسيمة تعود على الفرد، بل وعلى عموم المجتمع المسلم.
وإن من أبرز تلك العواقب ما يلي:
1 -
المداهنة: سبب في إذلال المداهن نفسه وإهانتها بعدم الارتقاء بها من مزالق أهل النفاق إلى مراقي الصعود والرقي لمكانة أهل الإيمان الصادقين الذين لا يداهنون في دينهم.
2 -
المداهنة: تعرِّض المداهن نفسه للآثام الموجبة لعقوبة الله تعالى وحلول غضبه وسخطه ومقته عليه.
3 -
المداهنة: تفتح باب تكثير سواد أهل الزور والبهتان ونصرتهم على أهل الحق.
4 -
المداهنة: تحمل المداهن أوزار كل من تبعه على باطله وسلك مسلك المداهنين بسببه.
(1)
موسوعة المصطلحات الإسلامية- تعريف: مُداهَنَةٌ.
(2)
- يُنظر: روضة العقلاء ص 56؛ الموسوعة الفقهية الكويتية: (13/ 186).
5 -
المداهنة: تفسح المجال لفشو الجهل في المجتمع وتدعو لهجران العلم.
6 -
المداهنة: تورث انعدام الثقة في الدعاة المداهنين، ولربما عمَّ الأمر غيرهم من المصلحين.
7 -
المداهنة: تفسح المجال لتصدر أهل الباطل وإقصاء المصلحين الصادقين
8 -
المداهنة: تفتح على المجتمع الجرأة على حرمات الله، وعدم الاستجابة لداعي الحق
9 -
المداهنة: تفتح المجال لأعداء الملة للطعن في الدين والتشكيك في ثوابته، ولربما استغلت المداهنين للقيام بهذه المهمة نيابة عنهم لضعف الوازع الديني لديهم ..
المطلب الخامس: الفرق بين المداراة والمداهنة
يوضح أبو العباس القرطبي: (ت: 656 هـ) الفرق بين المداراة والمداهنة في" المفهم" فيقول:
والفرق بين المداراة والمداهنة، أن المداراة: بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين، وهي مباحة ومستحسنة في بعض الأحوال، والمداهنة المذمومة المحرمة: هي بذل الدين لصالح الدنيا.
(1)
ويبين أبو حامد الغَزَّالي: (ت: 505 هـ) الفرق بين المدَاراة والمداهنة موافقًا للقرطبي فيقول رحمه الله:
الفرق بين المدَاراة والمداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء؛ فإن أغضيت لسلامة دينك، ولما ترى من إصلاح أخيك بالإغضاء، فأنت مدار، وإن أغضيت لحظِّ نفسك، واجتلاب شهواتك، وسلامة جاهك فأنت مداهن.
(2)
ومن أجود ما قيل في المدارة قول أبي حاتم الرازي (ت: 277) رحمه الله:
الواجب على العاقل أن يلزم المدَاراة مع من دفع إليه في العشرة، من غير مقارفة المداهنة، إذ المدَاراة من المداري صدقة له، والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عليه، والفصل بين المدَاراة والمداهنة هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة؛ لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم، بلزوم المدَاراة من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات، فمتى ما تخلَّق المرء بخلق، شابه بعض ما كره الله منه في تخلقه فهذا هو المداهنة؛ لأنَّ عاقبتها تصير إلى قلٍّ، ويلازم المدَاراة؛ لأنها تدعو إلى صلاح أحواله.
(3)
وقال ابن القيم- رحمه الله: - المدَاراة صفة مدح، والمداهنة صفة ذم، والفرق بينهما: أن المدَاراة تلطُّف الإنسان بصاحبه حتى يستخرج منه الحق أو يرده عن الباطل، وأما المداهن، فهو الذي يتلطَّف مع صاحبه ليُقرَّه على ذنب أو يتركه على هواه، فالمدَاراة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النفاق، وقد ضُرِب لذلك مثلٌ من أروع
(1)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، القرطبي:(6/ 573).
(2)
- يُنظر: إحياء علوم الدين، لأبي حامد للغزالي (2/ 182).
(3)
- يُنظر: روضة العقلاء، لابن حبان البستي (ص 70).
الأمثلة، وذلك كرجل أصابته قرحة في قدمه، فجاء الطبيب الرفيق، فأخذ يُعالج هذه القرحة، ويُخرج ما فيها، ثم إذا به يضع الدواء الذي يُنبت اللحم، ثم يتعاهدها، ثم يضع عليها المراهم حتى ينشفها، ثم يضع عليها خرقةً، فلا يزال يُتابع هذا وهذا حتى نشفت رطوبتها، وأما المداهن فهو الذي أتى إلى صاحب هذه القرحة وقال: لا بأس عليك، إنما هي شيء يسير، واسترها عن عيون الناس بخرقة وتلهَّى عنها، فلا يزال يزداد شرُّها وتكثر عفونتُها حتى يهلك.
(1)
وقال ابن حِبَّان البُستي (ت: 354 هـ) رحمه الله: -
والمدَاراة التي تكون صدقة للمُداري هو تخلُّق الإنسان بالأشياء المستحسنة مع من يدفع إلى عشرته، ما لم يشُبْها معصية الله، والمداهنة هي استعمال المرء الخصال التي تستحسن منه في العشرة، وقد يشوبه ما يكره الله تعالى.
(2)
ويجلي ابن بطال (ت: 449 هـ) الفرق بين المداراة والمداهنة- حكمًا- فيقول:
المدَاراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة، والفرق أنَّ المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسَّرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمدَاراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك.
(3)
والمداراة شُرعت لسلامة الدين كما قال أبو بكر الطرطوشي (ت: 520 هـ) رحمه الله: -
المدَاراة: أن تداري الناس على وجه يسلم لك دينك.
(4)
ولذا يقول عبد الله بن مسعود (ت: 32 هـ) رضي الله عنه: خالط الناس وزايلهم، ودينك لا تُكْلِمنَّه.
(5)
بمعنى لا تقربنَّه.
قال ابن مفلح الحنبلي (ت: 884 هـ) في " الآداب الشرعية" رحمه الله: -
وقيل لابن عقيل في فنونه:
أسمع وصية الله عز وجل: (ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)
(1)
- الروح؛ لابن القيم: (ص: 231).
(2)
- الآداب الشرعية؛ لابن مفلح: (3/ 469)، الآداب الشرعية، المؤلف: عبد الله محمد بن مفلح المقدسي; المحقق: شعيب الأرناؤوط - عمر القيام، الناشر: مؤسسة الرسالة، سنة النشر: 1419 - 1999 م، ط:3.
(3)
يُنظر: فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني:(10/ 528).
(4)
-يُنظر: سراج الملوك، لأبي بكر الطرطوشي:(11/ 36).
(5)
- العزلة، للخطابي:(ص: 99).
(فصلت: 34)، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقًا، فكيف لي بطاعة الله تعالى والتخلص من النفاق؟.
فقال ابن عقيل: "النفاق هو: إظهار الجميل، وإبطان القبيح، وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر، والذي تضمنتْه الآية: إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن. فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير لإيقاع الشر المضمر، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر: فليس بمنافق، لكنه يستصلح، ألا تسمع إلى قوله سبحانه وتعالى:(فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(فصلت: 34)، فهذا اكتساب استمالة، ودفع عداوة، وإطفاء لنيران الحقائد، واستنماء الود، وإصلاح العقائد، فهذا طب المودات، واكتساب الرجال.
(1)
وعن الفرق بين المداراة والمداهنة يقول الحافظ ابن حجر- رحمه الله:
وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغَلِطَ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها، والمداهنةَ محرَّمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه. فالمداهنة فسرها العلماء بأنها:
معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه.
والمداراة فسروها بأنها:
هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك.
(2)
والمدارة دلالة على العقل، ولذا كان الحسن البصري يقول: كانوا يقولون: المدَاراة نصف العقل، وأنا أقول هي العقل كلُّه.
(3)
ويقول رحمه الله أيضًا عن خلق المؤمن في المداراة: المؤمن يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله.
(4)
والخلط بين المداراة والمداهنة، وجعلهما في رتبة واحدة، أوقعنا في كثير من المشكلات، وفوت علينا جملة من القضايا النافعات، وسلط علينا مجموعة من المفردات المهلكات، وبصراحة، شاعت في أوساطنا لغة المدح والثناء، لمن كان جافًا غليظًا حتى مع خلَص إخوانه، فضلاً عن الناس، وأبناء المجتمع، على أنه شجاع، وصريح، وقوال للحق، والذي في قلبه على لسانه، إلخ. أما الأخ الذي يداري إخوانه وأبناء مجتمعه، على ضوء فقه ما ذكرنا، فهذا (مطبطب) لا يواجه، سلبي إلخ. وهذا والله خطأ كبير، (إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِنْ شيءٍ إلَّا شانَهُ).
(5)
، والحكم الفصل، هو منهج التفرقة، بين المداراة والمداهنة، وهو الفقه الصحيح.
(6)
ولعل فيما ذكر من إيجاز في هذا الباب ما يغني عن كثير من الإطالة والإطناب.
خاتمة
البحث، وبيان أهم النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة المختصرة:
أ- خاتمة البحث:
في خاتمة هذا البحث يحمد الباحث ربَه الكريم المنان ذا الطول والإنعام على ما أنعم به وتفضل على عبده الضعيف الفقير إلى عفوه ورحمته ومغفرته من إتمام بحثه وإنهائه وإكماله، سائلًا مولاه العظيم أن يتقبله بقبول حسنٍ، وأن ينفع به عموم الأمة، وأن يجعله مما تبرأ به الذمة يوم الغمة، وأن يجعله غصة في حلوق
(1)
- الآداب الشرعية، لابن مفلح:(1/ 50 - 51).
(2)
- فتح الباري: (10/ 528). بتصرف يسير.
(3)
- الآداب الشرعية، لابن مفلح (3/ 468).
(4)
- يُنظر: أخلاق العلماء، للآجري (ص 58).
(5)
- رواه مسلم: (2594) من حديث عائشة أم المؤمنين- رضى الله عنها-
(6)
- يُنظر: الدعاة ومعادلة المداراة والمداهنة، الدكتور عامر البو سلامة، رابطة العلماء السوريين، بتاريخ: 10/ 2/ 1438.
القوم الظالمين، وأن يجعله كاشفًا وفاضحًا لأهل النفاق الغاشمين من الرافضة الحاقدين على أهل الإسلام أجمعين، المشوهين لشرعة الله ومنهاجه المبين، والمغيرين والمبدلين للملة الحنيفية السمحة- ملة أبي النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- والمتعبدين بملة عوجاء، أوحاها إليهم إبليس، فزادوا عليها ما زادوا من النفاق والتدليس، فجاء هذا البحث ليكشف تلبيس إبليس على القوم المفاليس، سائلًا ربه أن يجعله لأهل السنة خير أنيس وأحسن جليس.
ب- بيان أهم النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة المختصرة:
من أبرز النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة ما يلي:
1 -
ببيان معنى ومفهوم "التَّقِيَّةِ" فقد اتضح وبان لها معناها وفحواها وأنها النفاق بعينه.
2 -
ظهر لنا في طيات البحث أن دين الرافضة قد بُنِيَ أساسُه على النفاق والشقاق وانعدام الدين والأخلاق، وقد سمو ذلك تَّقِيَّةِ.
3 -
أن مفهوم التَّقيّة عند علماء أهل السنة محصور في الأقوال دون الأفعال، ومع ذلك فهو مقيد بخوف الضرر من الأعداء واتقاء العقوبة المؤكدة وذلك حفاظًا على الضرورات والكليات الخمس التي جاءت بها مقاصد الشريعة، وأمرت بحفظها.
4 -
أما مفهوم التَّقيّة عند علماء الرافضة فهو مغاير لمعناه ومفهومه عند علماء السنة تمامًا، فالتَّقيّة مبنيَّة عندهم على الكذب والخديعة والنفاق وانحطاط الدين وانعدام الأخلاق، كما أنها تكون في العقائد والأقوال والأعمال، وتكون بلا ضرورة، ولا خوف من ضرر، ذلك لأنها من الأسس والقواعد التي بنوا عليها دينهم.
5 -
أن دين الرافضة دين مبني على الغلو بكل صوره ومعانيه وأشكاله حتى في التَّقيّة ذاتها، فقد غالوا فيها غلوًا ما بعده غلو حتى جعلوا تحقق الكرام بالتَّقيّة لا بالتقوى
6 -
أن مع دناءة دين الرافضة وخسة معدنهم وتدينهم بالتَّقيّة عمومًا فإن لهم مع أهل السُّنَّة تقيّة خاصَّة تنبو عن الحقد الدفين وخبث الطوية وبغض الإسلام وأهله.
7 -
أن المداراة والمداهنة من المعاني المتقاربة من معنى ومفهوم التَّقيّة
8 -
أن المدارة تعني التنازل عن أمر الدنيا لصلاح شأن الدين، كما أنها تعني التنازل عن حظوظ النفس لإعلاء لكلمة الله
9 -
أن المداراة من أخص صفات المؤمنين، ولها فوائد شرعية جمة، وهي علامة
على حسن الخلق، كما أنها من أبرز عوامل إنجاح الدعوة إلى الله تعالى.
10 -
أن المداهنة خلاف المداراة، فهي تعني إظْهارُ الإنسانِ خِلافَ ما يُضْمِرُ، لذا فإنها إلى التَّقيّة أقرب
11 -
أن المداهنة تعني التنازل عن أمر الدين لإصلاح أمر الدنيا، فهي بذلك محرَّمة وممنوعة شرعًا، وذلك لما يترتب علي التلبس بها من عواقب وخيمة وأضرار جسيمة تعود على الفرد والمجتمع المسلم.
وختامًا: فإن هذا اعتذارٌ مقرونٌ بالأسباب
ويعتذر الباحث من القارئ الكريم عن عدم الإطالة والتوسع في بيان أمر هذا البحث - التقيّة-، والاكتفاء من العبارة بما دلت عليه الإشارة، وذلك حتى لا يتشتت ذهن القارئ ويخرج من هذا البحث بمحصلة كافية شافية مؤدية للغرض وافية بالمقصود ويحصل لديه تصور واضح صحيح جلي صريح عن معرفة أساس دين الرافضة المبني على الكذب والنفاق والزور والبهتان، المبطَّن بهذا الغلاف، ولأنه لن تتضح أي معالم عن حقيقة هذا الدين الباطني الخبيث إلا ببيان المعالم الرئيسة التي بُنِي عليها، ولأن عقيدة الرافضة وتدينهم بـ "التقيّة"، أمر قد يكون مستهجن عند عموم المسلمين.
وإن المتعاطفين معهم من عوام أهل السنة لا يعلمون شيئًا عن حقائق تلك العقيدة الباطنية التي أسس عليها الرافضة دينهم -التقيّة-.
لذا يرى الباحث أنه من الأهمية بمكان تجلية أمر "التقيّة" للعيان في كل حين وآن، وبأسلوب سهل البيان ظاهر بلا خفاء ولا كتمان.
والحمد لله الكريم المنان ذي الطول والإنعام
أملاه
العبد الضعيف الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته
عَرَفةُ بْنُ طَنْطَاوِيِّ
وانتهى من تحريره في يوم الأربعاء
الموافق: 14/ 10/ 1442 هـ
بمدينة الرياض
البريد: [email protected]
…
واتساب: 00966503722153
فهرس
المراجع
1 -
الآداب الشرعية، المؤلف: عبد الله محمد بن مفلح المقدسي; المحقق: شعيب الأرناؤوط - عمر القيام، الناشر: مؤسسة الرسالة، سنة النشر: 1419 - 1999 م، ط:3.
2 -
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار تأليف: محمد باقر المجلسي، مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان:(د ت).
3 -
تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) المؤلف: محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (المتوفى: 1354 هـ) الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة النشر: 1990 م عدد الأجزاء: 12 جزءًا.
4 -
تفسير ابن الجوزي: زاد المسير في علم التفسير المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 هـ) المحقق: عبد الرزاق المهدي الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت الطبعة: الأولى - 1422 هـ.
5 -
تفسير الرازي: مفاتيح الغيب = التفسير الكبير المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606 هـ) الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة: الثالثة - 1420 هـ.
6 -
تفسير ابن كثير، تفسير القرآن العظيم (ابن كثير) المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ) المحقق: محمد حسين شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت الطبعة: الأولى - 1419 هـ.
7 -
تفسير أبي حيَّان، البحر المحيط في التفسير المؤلف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745 هـ) المحقق: صدقي محمد جميل الناشر: دار الفكر - بيروت الطبعة: 1420 هـ.
8 -
تفسير البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي المؤلف: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى: 510 هـ) المحقق: عبد الرزاق المهدي الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت الطبعة: الأولى، 1420 هـ، عدد الأجزاء:5.
9 -
تفسير المراغي المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ) الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر الطبعة: الأولى، 1365 هـ - 1946 م عدد الأجزاء:30.
10 -
تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف: محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205 هـ) المحقق: مجموعة من المحققين
الناشر: دار الهداية.
11 -
حقائق مغمورة وأوهام منثورة، عبد العزيز بن صالح المحمود - باحث عراقي،
الراصد: سلسلة الكترونية شهرية متخصصة بشؤون الفرق من منظور أهل السنة، العدد مائة وسبعة - جمادى الأولى 1433 هـ.
12 -
سراج الملوك المؤلف: أبو بكر محمد بن محمد ابن الوليد الفهري الطرطوشي المالكي (المتوفى: 520 هـ) الناشر: من أوائل المطبوعات العربية - مصر تاريخ النشر: 1289 هـ، 1872 م عدد الأجزاء:1.
13 -
شرح صحيح البخاري لابن بطال المؤلف: ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (المتوفى: 449 هـ) تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم دار النشر: مكتبة الرشد - السعودية، الرياض الطبعة: الثانية، 1423 هـ - 2003 م عدد الأجزاء:10.
14 -
الاعتقادات، المؤلف: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق، (ت: 381 هـ)، تحقيق مؤسسة الإمام الهادي، (د ت).
15 -
فتح الباري شرح صحيح البخاري المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي الناشر: دار المعرفة - بيروت، 1379 هـ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز عدد الأجزاء: 13.
16 -
الكافي، المؤلف: محمد بن يعقوب الكليني (ت: 329 هـ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ش المطبعة: حيدري، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران - إيران، نهض بمشروعه محمد الآخوندي، سنة الطبع: 1363 ش، عدد الأجزاء:15.
17 -
لسان العرب، المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي (المتوفى: 711 هـ) الناشر: دار صادر - بيروت الطبعة: الثالثة - 1414 هـ، عدد الأجزاء:15.
18 -
المبسوط المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (المتوفى: 483 هـ) الناشر: دار المعرفة - بيروت الطبعة: بدون طبعة تاريخ النشر: 1414 هـ - 1993 م عدد الأجزاء: 30.
19 -
مفردات ألفاظ القرآن، المؤلف: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)، المحقق: صفوان عدنان داوودي، الناشر: دار القلم - الدار الشامية، سنة النشر: 1430 هـ - 2009 م، عدد المجلدات: 1، رقم الطبعة:4.
20 -
ميزان الاعتدال في نقد الرجال المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748 هـ) تحقيق: علي محمد البجاوي الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1382 هـ - 1963 م عدد الأجزاء:4.
21 -
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728 هـ) المحقق: محمد رشاد سالم الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1986 م عدد المجلدات:9.
22 -
الموسوعة الفقهية الكويتية صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت، عدد الأجزاء: 45 جزءًا الطبعة: (من 1404 - 1427 هـ) .. الأجزاء 1 - 23: الطبعة الثانية،
دار السلاسل - الكويت .. الأجزاء 24 - 38: الطبعة الأولى، مطابع دار الصفوة - مصر .. الأجزاء 39 - 45: الطبعة الثانية، طبع الوزارة.
23 -
المحاسن، المؤلف: أحمد بن محمد بن خالد البرقي، الجزء: 1، الوفاة: 274، المجموعة: مصادر الحديث الشيعية ـ قسم الفقه، تحقيق: تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، سنة الطبع: 1370 - 1330 ش.
24 -
المستصفى، الغزالي، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1413 هـ/ 1993 م، رقم الطبعة: ط 1.
25 -
مجموع الفتاوى المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728 هـ) المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416 هـ/ 1995 م.
26 -
وسائل الشيعة: الشيخُ مُحمّدْ بن الحسن الحُر العاملي، تحقيق مؤسّسة آل البيتِ عليهم السلام لإحياء التُّراثِ، (د ت).