الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
[المقدمة]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد، يقول الله عز وجل:{وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى}
(1)
، فالحديث وحي من الله عز وجل، بدليل هذه الآية، ولذا قال الله عز وجل عن نبيه:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ}
(2)
.
لذا كان من واجب الأمة الإسلامية أن تتكفل بحفظ الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه يشتمل على ما في القرآن من أحكام.
ولذا قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}
(3)
، فالرسول بين القرآن بالسنة، وكما قال الخطيب البغدادي واصفا لعلم الحديث وأهله.
انه يشتمل على أصول. التوحيد، وبيان ما جاء من وجوه الوعد والوعيد، وصفات رب العالمين تعالى عن مقالات الملحدين، والأخبار من صفات الجنة والنار، وما أعد الله تعالى فيهما للمتقين والفجار، وما خلق
(1)
سورة النجم، الآية 1 - 4.
(2)
سورة الحاقة الآية 44 - 47.
(3)
سورة النحل الآية 44.
الله في الأرضين والسماوات من صنوف العجائب، وعظيم الآيات، وذكر الملائكة المقربين، ونعت الصادقين من المؤمنين، وقصص الأنبياء، وأخبار الزهاد والأولياء، ومواعظ. البلغاء، وكلام الفقهاء، وأخبار العرب والعجم، وأقاصيص المتقدمين من الأمم، وشرح مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه، ومجمل أحكامه وقضاياه، وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم ومواعظه، وأوصافه، ومعجزاته، وعدة أزواجه، وأولاده، وأصهاره، وأصحابه، وذكر فضائلهم، وشرح أخبارهم، ومناقبهم، ومبلغ أعمارهم، وبيان أنسابهم، وفيه تفسير القرآن العظيم، وما فيه من النبأ والذكر الحكيم، وأقاويل الصحابة في الأحكام المحفوظة عنهم.
وقد جعل الله تعالى أهل الحديث أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خلقه، والواسطة بين النبي وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته.
وكل فئة تتحيز الى هوى ترجع اليه، أو تستحسن رأيا تعطف عليه، سوى أصحاب الحديث، فان الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم، والرسول موفي مرجعهم، واليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون الى الاراء، يقبل منهم ما رووا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم المأمونون على حفظ الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته، اذا اختلف في حديث كان اليهم الرجوع، فما حكموا به فهو المقبول المسموع.
ومنهم كل عالم فقيه، وامام رفيع، وقاض عادل، وزاهد متبع وهم الطائفة المنصورة، حراس الدين، وصرف عنهم صرف الله عنهم كيد المعاندين، لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين، فشأنهم حفظ الآثار، وقطع المفاوز والقفار، وركوب البراري والبحار، في اقتباس ما شرع الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم، لا يعرجون عنه الى رأي ولا هوى، قبلوا شريعته قولا وفعلا، وحرسوا سنته حفظا ونقلا، حتى ثبتوا
بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها
(1)
.
وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى ندب بأصحاب الحديث الذب عنها، فهم الحفاظ لأركانها، والقوامون بأمرها وشأنها، {أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
(2)
.
وان كان أحد من هؤلاء فعلى رأسهم امامنا عبد الله بن وهب، رحمه الله رحمة واسعة، فهو امام المحدثين، والفقهاء، والزهاد، والعباد، الذي قسم دهره بين العلم، والحج، والرباط، حتى لقي الله وهو يدرس الحديث ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
****
(1)
انظر كتاب شرف اصحاب الحديث للخطيب البغدادى، ص 10/ 8 بتصرف.
(2)
سورة المجادله، الايه 22.
خطة البحث
أما الخطة التي سلكتها في انجاز هذه البحث، فهي كما يلي:
قسمت البحث الى قسمين:
القسم الأول: هو قسم الدراسة.
القسم الثاني: هو قسم التحقيق.
وجعلت القسم الدراسي في مقدمة وبابين،
* أما المقدمة، فتكلمت فيها عن شرف علم أهل الحديث، وأهله
. وخطتي في البحث.
* أما الباب الأول: فو خاص بدراسة حياة الامام عبد الله بن وهب،
ويقع في تسعة فصول:
1 -
الفصل الأول: الحالة العلمية في عصره.
2 -
الفصل الثاني: اسمه وكنيته ونسبه وولادته وأسرته.
3 -
الفصل الثالث: نشأته ورحلته في طلب العلم.
4 -
الفصل الرابع: شيوخه.
5 -
الفصل الخامس: تلاميذه والرواة عنه.
6 -
الفصل السادس: مؤلفات.
7 -
الفصل السابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.
8 -
الفصل الثامن: منهجه في السماع والأداء.
9 -
الفصل التاسع: عبادته وورعه وزهده ووفاته.
الباب الثاني: وهو خاص بالتعريف بالكتاب، ويحتوي على فصلين:
الفصل الأول: وفيه مباحث:
المبحث الأول: توثيق نسبة الكتاب الى المؤلف.
المبحث الثاني: وصف النسخة.
المبحث الثالث: التعريف بالكتاب وأهميته ومصادره ومنهجه.
الفصل الثاني: في بيان منهج التحقيق، وعملي في الكتاب ..
أما القسم الثاني:
فهو في تحقيق نص الكتاب، وقد حققت النص بالطريقة التي ذكرتها في الفصل الثاني من الباب الثاني، في بيان منهج التحقيق ..
وبعد الانتهاء من التحقيق، ذكرت خاتمة ضمنتها بعض النتائج التي توصلت اليها.
الرموز المستخدمة للدلالة على الكتب التي خرجت أحاديث الرواة الذين ورد ذكرهم، على النحو التالي
[عه] الستة سوى الشيخين
[ع] الجماعة أصحاب السنن الستة.
[خ] للبخاري في صحيحه
[م] مسلم في صحيحه
[د] لأبي داود
[ت] للترمذي
[س]
للنسائي
[ق] لابن ماجة
[خت] للبخاري في التعليق
[بخ] للبخاري في الأدب المفرد
[ي] للبخاري في جزء رفع اليدين
[عخ] للبخاري في خلق أفعال العباد
[ز] للبخاري في جزء القراءة خلف الامام
[مد] لأبي داود في المراسيل له
[قد] لأبي داود في القدر
[خد] لأبي داود في التاريخ للناسخ والمنسوخ
[ف] لأبي داود في كتاب التفرد
[صد] لأبي داود في فضائل الأنصار
[ل] لأبي داود في المسائل
[كد] لأبي داود في مسند مالك
[ت] للترمذي في الشمائل
[سي] للنسائي في اليوم والليلة
[كن] للنسائي
في مسند مالك
[عس] للنسائي في منشد علي
[فق] لابن ماجة في التفسير له
الباب الأول
الدراسة لحياة الامام عبد الله بن وهب
الفصل الأول: الحالة العلمية في عصره
الفصل الثاني: اسمه وكنيته ونسبه وولادته وأسرته
الفصل الثالث: نشأته ورحلته في طلب العلم
الفصل الرابع: شيوخه
الفصل الخامس: تلاميذه والرواة عنه
الفصل السادس: مؤلفاته
الفصل السابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه
الفصل الثامن: منهجه في السماع والأداء
الفصل التاسع: عبادته وورعه وزهده ووفاته
الباب الأول ويشتمل على تسعة فصول
الفصل الأول:
[الحالة العلمية في عمره]:
يعتبر العصر العباسي الأول، الذي عاش فيه [عبدالله بن وهب - رحمه الله تعالى -] عصر أوج الثقافة الإسلامية، ونهضة العلم والأدب.
وسماه بعضهم بعصر الأئمة المجتهدين، وذلك لأنه ظهر فيه عدد كبير من أجلاء العلماء، الذين اعتبروا أئمة للفقه، وقادة الفكر الإسلامي، لأنهم ألقوا ودونوا وجمعوا كل العلوم.
فظهرت آثارهم في تآليفهم، وتلاميذهم، فكثر الإنتاج العلمي، وتكونت المذاهب الفقهية، والمدارس العلمية.
يقول الذهبي في حوادث سنة ثلاث وأربعين ومائة: «وفي هذا العصر شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير.
فصنف ابن جريج التصانيف بمكة، وصنف سعيد بن أبي عروبة، وحماد بن سلمة، وغيرهما بالبصرة، وصنف الأوزاعي بالشام، وصنف مالك بالمدينة، وصنف ابن إسحاق المغازي، ومعمر باليمن، وأبو حنيفة، وغيره الفقه بالكوفة، وصنف سفيان الثوري كتاب الجامع، والليث، وابن لهيعة، وابن
المبارك، وأبو يوسف، وابن وهب في مصر ..
وكثر تدوين العلم من العربية واللغة، والتاريخ، وأيام الناس، وقبل هذا العصر كان سائر الأمة يتكلمون من حفظهم، أو من صحف غير مرتبة»
(1)
.
ولعل أكبر الأسباب في نشاط العلم والتعليم في هذا العصر، هو الاستقرار السياسي، واتساع رقعة بلاد الإسلام، وارتباط المدن والبلدان بقيادة واحدة، وكثرة القضايا، ولكل قضية حكمها، وما يجري فيها فاتسعت دائرة الفقه والرأي نحو تلك القضايا، وكما قيل:«تحدث للناس أقصية بقدر ما أحدثوا من الفجور»
(2)
.
ومن أسباب تلك الحركة العلمية وازدهارها، اعتناء الخلفاء العباسيين في هذا العصر بالعلم وأهله، وتشجيعهم على الجمع والتأليف، وتكريم العلماء، وإعطاء الجوائز على تأليف الكتب.
وأدل دليل على ذلك ما قيل عن المنصور: أنه قيل له ذات يوم، هل بقي من لذات الدنيا شيئا لم تنله؟ قال: بقيت خصلة، أن أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث
(3)
.
(1)
انظر تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير الأعلام، للإمام الذهبي، حوادث الوفيات: 141 - 160.
(2)
انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي: 313.
(3)
المرجع السابق.
وكان من العلماء بالحديث والأنساب مشهورا بطلب العلم، جيد المشاركة في العلم والأدب
(1)
.
وكان المهدي محمد بن المنصور، هو أول من أمر بتصنيف كتب الجدل، في. الرد على الزنادقة، والملحدين
(2)
ولم يجتمع على باب خليفة من العلماء والفقهاء، والأدباء، والشعراء، والقراء، والقضاة، والكتاب ما اجتمع على باب الرشيد
(3)
.
وكان يحب العلم وأهله، ويعظم حرمات الإسلام، ويبغض المراء في الدين، والكلام في معارضة النص.
ولعا بلغه عن بشر المريسي القول بخلق القرآن، فقال: لئن ظفرت به لأضربن عنقه.
وحدته يوما أبو معاوية الضرير، بقول النبي صلى الله عليه وسلم [احتج آدم وموسى] وعنده رجل من وجوه قريش، فقال القرشي: فأين لقيه؟ فغضب الرشيد، وقال: النطع والسيف، زنديق يطعن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
وكان للرحلة في طلب العلم أثر كبير في نشر العلم، ولا سيما رحلة الحج، التي يجتمع فيها أكبر عدد من الناس، {وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ. يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ}
(5)
الآية ..
(1)
المرجع السابق: 251، 241.
(2)
المرجع نفسه: 252.
(3)
انظر: الفخر في الآداب السلطانية لابن طباطبا ص 195.
(4)
انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 264 - 265.
(5)
سورة الحج، الآية 28.
ومن كبرى المنافع لقاء العلماء لبحث صعاب العلوم، والمسائل، ما جد منها وما خفي على الناس، مما لا يقدر على فهمه، وتحقيقه، الا جهابذة العلماء الأذكياء.
ومما هو مشجع للحركة العلمية في هذا العصر، وجود مدارس العلم في المدن والأمصار، وأشهر هذه المدارس: مدرسة المدينة المنورة، حيث إنها دار نزول الوحي، وعاصمة الإسلام الأولى، ومنطلق الرسالة، وفيها كملت الرسالة، وتلقى أهلها الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صحابته، وتابعيهم، وهكذا .. وأشهر علمائها في هذا العصر، مالك بن أنس رحمه الله.
والتي تليها مدرسة العراق، وهي المعروفة بمدرسة الرأي، والقياس، وحامل رايتها، هو الامام أبو حنيفة، رحمه الله تعالى، وأصحابه.
أما مدرسة مصر، فليس لها ذكر يساوي أو يقارب هاتين المدرستين، مع أن بها في ذلك العصر الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وبكير بن الأشج، وهؤلاء لا يقلون عن درجة أولئك في العلم والحفظ، وعلى رأسهم ابن وهب.
قال أبو إسحاق الشيرازي: (كان ابن وهب تقرأ عليه مسائل الليث، فمرت به مسألة فقال رجل من الغرباء: أحسن والله الليث، كأنه كان يسمع مالكا يجيب، فقال ابن وهب للرجل: بل كان مالك يسمع الليث، والله الذي لا اله الاهو: ما رأينا أحدا قط أفقه من الليث.
وقال الشافعي: الليث أفقه من مالك، الا أن أصحابه لم يقوموا به.
وقال ابن وهب: كان ربيعة يقول: لا يزال بذلك المغرب فقه، ما دام فيه
ذلك القصير، يعني: عمرو بن الحارث
(1)
.
وقال ابن وهب: لو عاش لنا عمرو بن الحارث، ما احتجنا معه الى مالك، ولا الى غيره
(2)
.
وقد كان عبد الله بن وهب، أحد أئمة هذا العصر، حيث تلقى العلم في بداية طلبه على علماء بلده، بمدينة الفسطاط بمصر، وكانت هذه المدينة من أكبر صروح العلم، وفيها أكبر المدارس والمراكز العلمية، وقد استمدت هذه المدرسة علمها ممن نوطنها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسهم: عبد الله بن عمرو بن العاص، ومن جاء بعده من الصحابة، مثل:
الزبير بن العوام، وعبادة بن الصامت، وشمة بن مخلد، والمقداد بن الأسود، كما كان معه ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص، أحد الحفاظ المكثرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي كان يدون الحديث بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد مكث في مصر الى ما بعد وفاة والده، وعنه رويكثير من محدثيها.
وممن نزل مصر من الصحابة رضوان الله عليهم: عقبة بن عامر الجهني، وخارجة بن حذافة، وعبد الله بن سعد أبو سرح، وعبد الله بن الحارث بن جزء، وأبو بصرة الغفاري، وأبو سعد الخير، ومعاذ بن أنس الجهني، ومعاوية بن خديج، وزياد بن الحارث الصدائي، وغيرهم
(3)
.
وتخرج على أيدي هؤلاء خلق كثير من أهل مصر، مثل يزيد بن أبي حبيب محدث مصر، وعمرو بن الحارث، وخير بن نعيم الحضرمي، وعبد الله بن سليمان الطويل، وعبد الرحمن بن شريح الغافقي، وحيوة بن
(1)
انظر طبقات الفقهاء. للشيرازي 78
(2)
أعلام الموقعين. لابن القيم: 1/ 27.
(3)
انظر معرفة علوم الحديث، ص 193. وانظر: فتوح مصر لابن عبدالحكم: 248.
شريح الغافقي، وحيوة بن شريح التجيبي، وغيرهم
(1)
.
ومن استوطن فيها من التابعين، وتابعيهم، فكان منهم المحدثون، والفقهاء، وغيرهم من القضاة، والقراء، والأدباء، والشعراء.
ولما أخذ ابن وهب علم مشايخ بلده، وكانت رغبته في الزيادة من العلم شديدة، رحل إلى المدينة المنورة، موطن النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته وخلفائه، وتابعيهم، من أبناء المهاجرين والأنصار، وصحب الامام مالكا إمام دار الهجرة، فكان من أكبر أصحاب مالك من المصريين.
ونقل ابن وهب هو وابن القاسم علم الامام مالك الى مصر، حتى جاء الامام الشافعي، وسكن مصر، واتخذها مقرّا لمدرسته
(2)
ومن المعلوم أن قدوم الشافعي على مصر سنة 198 هـ ومات بها سنة 204 هـ وسنة قدومه الى مصر، هي السنة التي بعد وفاة ابن وهب.
وتوفي ابن القاسم سنة 191 هـ، قبل موت ابن وهب بست سنوات، وعلى هذا فقد قام ابن وهب بأمر هذه المدرسة، بعد موت ابن القاسم، وقبل مجيء الشافعي، فأصحاب الشافعي، اذا هم أصحاب ابن وهب، مثل محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، الذي يعتبر هو الراوي الأول لموطأ ابن وهب، وكذلك بحر بن نصر.
قال أبو يعلى بن خليل الخليلي: وآخر من روى عن ابن وهب، من الثقات، يونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم.
وقال أيضا: نظر الشافعي رحمه الله تعالى في كتب ابن وهب، ونسخ
(1)
انظر معرفة علوم الحديث: 241.
(2)
انظر المنتخب في الإرشاد 1/ 255.
أكثرها
(1)
.
وعلى هذا فتعتبر مصر من معاقل العلم، في حياة ابن وهب، حيث جمعت علم المدينة، والعراق، وغيرهما ..
فهذه نبذة قصيرة عن الحركة العلمية في مصر، موطن الامام عبد الله. بن وهب، رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جناته.
***
(1)
انظر: المنتخب في الإرشاد: 1/ 255.
الفصل الثاني:
[اسمه كنيته نسبه ولادته أسرته]
أولا: اسمه وكنيته:
هو عبد الله بن وهب
(1)
بن مسلم، القرشي بالولاء، المصري، صاحب
(1)
مصادر ترجمته مرتبة حسب التسلسل الزمني:
* الطبقات الكبرى لابن سعد، المتوفى سنة 230 هـ 7/ 518.
* تاريخ يحيي بن معين، المتوفى سنة 232 هـ 2/ 236.
* التاريخ الكبير للبخاري، المتوفى سنة 356 هـ 50/ 218.
* كتاب المعرفة والتاريخ، لأبي يوسف يعقوب به سفيان، المتوفى سنة 277 هـ 2/ 183.
* تاريخ الثقات للعجلي، المتوفى سنة 261 هـ ص:283.
* تاريخ أبي زرعة الدمشقي، عبد الرحمن بن عمرو، المتوفى سنة 281 هـ 2/ 146.
* الجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، المتوفى سنة 327 هـ 5/ 189.
* كتاب الثقات، لابن حبان، المتوفى سنة 354، 8/ 346 * الكامل في ضعفاء الرجال، لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، المتوفى سنة 365 هـ 4/ 1518.
* كتاب الفهرست، لابن النديم، المتوفى سنة 380 هـ ص:252.
* طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق الشيرازي، المتوفى سنة 393 هـ ص:297.
* رجال صحيح البخاري، الهداية والإرشاد، لأبي نصر أحمد بن محمد الكلاباذي المتوفى سنة 398 هـ 1/ 432.
* الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء، لابن عبد البر، المتوفى سنة 463 هـ ص 48 - 50.
* رجال صحيح مسلم، لأحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني، المتوفى سنة 428 هـ 1/ 396.
* ترتيب المداركللقاضي عياض المتوفى سنة 421544 - 432.
* الأنساب لمحمد بن منصور التميمي السمعاني، المتوفى سنة 563 هـ 13/ 369.
* وفيات الأعيان لابن خلكان، المتوفى سنة 681 هـ 3/ 36.
* تهذيب الكمال في أسماء الرجال. لجمال الدين بن يوسف المزي، المتوفى سنة 742 هـ
الامام مالك بن أنس، امام دار الهجرة، رحمه الله تعالى، يكنى أبا محمد
(1)
.
(1)
* كتاب الديباج المذهب في معرفة علماء أعيان المذهب، لابن فرحون ص 133.
* شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد محمد مخلوف.
* سير أعلام النبلاء للذهبي، المتوفي سنة 748 هـ 9/ 223 - 234.
* وكتابه أيضا العبر في أخبار من غبر 1/ 251.
* وأيضا تذكرة الحفاظ 1/ 304 - 306.
* وكتابه أيضا دولالإسلام 1/ 124.
* وأيضا كتابه ميزان الاعتدال في نقد الرجال: 2/ 521 - 523.
* وكتاب أيضا كتاب المعين في طبقات المحدثين ص 66 * وأيضا الأمصار ذوات الآثار: 168.
* غاية النهاية في طبقات القراء، لأبي الخير محمدبن محمد الجزري، المتوفى سنة 833 هـ، 1/ 463.
* تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852 هـ، 1/ 421 - 432.
* وكتابه أيضا تقريب التهذيب 328.
* النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين يوسف بن ثغري بردى، المتوفى سنة 874 هـ 2/ 155.
* طبقات الحفاظ للسيوطي. المتوفى سنة 911 هـ ص: 132.
* وكتابه أيضا حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، 1/ 302.
* خلاصة تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لأحمد بن عبدالله الخزرجي، المتوفى سنة 923 هـ، ص 218.
* شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي. المتوفى سنة 1089 هـ 1/ 327.
* كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة، المتوفى سنة 1067 هـ 2/ 1907.
[ثانيا: نسبه]
هو الامام عبد الله بن وهب بن مسلم، هكذا اقتصر أصحاب المصادر المذكورة سابقا، على جده (مسلم).
إلا أن القاضي عياض قال: قال أبو الطاهر: كان جده (مسلم) بربريا
(1)
ولم تختلف مصادر ترجمة ابن وهب في اسمه، ولا في محل ولادته، وكنيته، وانما اختلفوا في ولاء جده (مسلم):
فقيل: جده مسلم، مولى يزيد
(2)
بن رمانة.
ويقال: مولى بني فهر، قاله الباجي
(3)
وقال الدارقطني: مولى يزيد بن ربابة، مولى يزيد بن أنس الفهري.
وقال أبو عمر: مولى يزيد بن رمانة، مولى آل شيبان بن محارب بن فهر.
وقيل: ان ابن رمانة مولى امرأة من الأنصار، من بني بياضة، كان زوجها فهريا، فرجع ولاؤه الى بنيه بسببها.
وقال البخاري: مولى رمانة.
وقال ابن أبي حاتم: مولى ابن رمانة، مولى فهر.
وقال ابن شعبان، وابن عبد البر: مولى ريحانة، مولاة لأبي عبد الرحمن، يزيد بن أنس الفهري.
(1)
انظر ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 421.
(2)
انظر ترتيب المدارك، للقاضي عياض 1/ 421.
(3)
في كتابه التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح 2/ 150.
وقال الكندي: وكان ابن وهب فيما زعموا: ربما قال: الأنصاري، وربما قال: القرشي، ثم ثبت على القرشي.
وقال ابن بكير: وجدت شهادته في صك (الأنصاري)
(1)
فهذه الأقوال الثلاثة تدور على أنه ما قرشي. بالولاء، أو فهري، أو أنصاري بالولاء.
ولا يخفى أن القرشي، والفهري، لا تعارض بينهما، لأن قريشا لقب لفهر، أو هو اسمه الأصلي.
قال السهيلي
(2)
: فهر بن مالك، هو قريش، فمن كان من ولده قرشي، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي.
وقال حماد المجلسي في تحفة الألباب
(3)
:
قريش النضر وقيل فهر
…
وبالبطاح كعب استقروا
وقال غيره:
أما قريش فالأصح فهر
…
جميعها والأكثرون النضر
وعلى هذا، فيبقى الخلاف في ولائه بين القرشي والأنصاري ..
ويمكن ترجيح القرشي على الأنصاري، بعده مرجحات، منها: ما رجحه هو بنفسه فما ذكره الكندي حيث قال: كان ابن وهب فيما زعموا: ربما قال:
الأنصاري، وربما قال: القرشي، ثم ثبت على القرشي.
ومنها: أن نسبته للقرشي أكثر من نسبته للأنصاري في سائر المصادر.
ومنها أن المرأة الأنصارية التي كان ولاؤه لها، كان زوجها فهريا، فرجع ولاؤه الى بنيه بسببها، والله أعلم.
(1)
هذه الأقوال كلها في ترتيب المدارك، للقاضي عياض 1/ 431.
(2)
انظر الروض الآنف للسهيلي 1/ 115 - 116.
(3)
تحفة الألباب شرح الأنساب لحماد المجلسي الموريتاني 2/ 63.
والقرشي الذي صار ولاؤه له، يزيد بن أنس بن عبد الرحمن الفهري. أبو عبد الرحمن الفهري، القرشي، من بني فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، له صحبة، ورواية.
قال الو اقدي: اسمه عبد، وقال غيره: اسمه يزيد بن أنيس، وقيل: اسمه كرز بن ثعلبة، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا، ووصف الحرب يومئذ، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباد الله، انا عبد الله ورسوله، ثم قال: يا معشر المهاجرين: أنا عبد الله ورسوله .. الخ
(1)
وقال السيوطي في كتابه: در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة: يزيد بن أنيس بن عبدالله أبو عبد الرحمن الفهري، قال ابن الربيع: شهد فتح مصر،، ولم يرو الا حديثا واحدا في غزوة حنين، ورواه عنه غير أهل مصر
(2)
وقال ابن عبد الحكم: واسم أبى عبد الرحمن: يزيد بن أنيس بن عبد الله بن عمرو بن حبيب بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر
(3)
وعلى هذا، فمرد الروايات كلها في ولاء (مسلم) والد عبد الله بن وهب، الى فهر، وهو قريش، والله أعلم.
[ثالثا: ميلاده]
:
لقد اختلف في تاريخ ميلاد عبد الله بن وهب:
قال ابن عبد البر: ولد سنة أربع وعشرين ومائة، في ذي القعدة
(4)
.
وقال مرة أخرى: ولد ابن وهب بمصر، سنة خمس وعشرين ومائة، في ذي
(1)
الاستيعاب 4/ 137، والاصابة 4/ 128.
(2)
انظر حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، 1/ 242، للسيوطي.
(3)
انظر فتوح مصر وأخبارها لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الحكم ص: 136.
(4)
الانتنقاء لابن عبدالبر: 48.
القعدة
(1)
وقال الذهبي: ولد سنة 125 هـ
(2)
وقال ابن عدي في كامله: حدثنا أحمد بن علي المدائني، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: قال لي عبد الله بن وهب: ولدت سنة خمس وعشرين رمانة
(3)
وقال القاضي عياض: ولد عبد الله بن وهب بمصر، سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل: سنة أربع وعشرين ومائة
(4)
وفال ابن حجر: قال ابن يونس، حدثني أبي، عن جدي، قال:
سمعت ابن وهب يقول: ولدت سنة مائة وخمس وعشرين
(5)
وأرجح الأقوال أنه ولد سنة خمس وعشرين ومائة، وذلك لأنه أخبر هو بذلك، وأكثر المصادر المترجمة له تصدر بذلك، ويأتون بقيل في الروايات الأخرى، والله. أعلم.
[رابعا: أسرته]
أسرة ابن وهب، أسرة علم، فيما اطلعت عليه من أخباره، وان كانت كتب التاريخ والتر التراجم لم يتوفر فيها كثير من أخبار أسرته.
يقول صاحب اللباب في تهذيب الأنساب (الوهبي): بفتح الواو وسكون الهاء، وفي آخرها ياء موحدة: هذه النسبة الى وهب البصري، واشتهر بالنسبة اليه أبو عبيدالله أحمد بن عبدالرحمن بن وهب الوهبي،
(1)
المرجع السابق.
(2)
سير أعلام النبلاء، للذهبي 9/ 223.
(3)
الكامل لابن عدي 4/ 125.
(4)
ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 432.
(5)
تقريب التهذيب 6/ 73، للحافظ ابن حجر.
المصري، يروى عن عمه عبد الله بن وهب
(1)
ويقول ابن عدي الجرجاني في كامله: وسمعت محمد بن محمد بن الأشعث، يقول: كنا عند أبي عبيد الله بن أخي ابن وهب، فمر عليه هارون بن سعيد الأيلي، وهو راكب، فسلم عليه، ثم قال: ألا أطرفك بشيء؟ فقال له: أبو عبيد الله، وما ذاك؟ قال:
جاءني أصحاب الحديث، فسألوني عنك، فقلت لهم: انما يسأل أبو عبيد الله عنا، وليس نحن نسأل عنه، وهو الذي كان يستملي لنا عند عمه، وهو الذي كان يقرأ لنا على عمه
(2)
روى أحد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه، عبد الله بن وهب، فأكثر عنه، وعن الشافعي، وإسحاق بن الفرات، وغيرهم
(3)
وروى عنه مسلم بن الحجاج، وابن خزيمة، وأبو حاتم، وابن جرير، والساجي، وغيرهم.
وأحمد هذا له أخ اسمه عبد العفيفي بن عبد الرحمن بن وهب، يكنى السري، روى عن أسد بن الفرات وغيره
(4)
ثم ذكر خبر ابن عدي.
ولابن وهب أخ آخر اسمه عمر بن وهب، قيل: له حديث.
وقال ابن يونس: وكان لعبد الله بن وهب ابن اسمه حميد، ذكر الكندي أنه كان مقبولا عند قضاة مصر.
وقال الطحاوي: كانت فيه بطالة
(5)
ولعل عنده ابن آخر ولم يعش اسمه محمد، وهو الذي كنى به، والله أعلم.
(1)
انظر اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 3/ 375 - 376، والأنساب للسمعاني 13/ 369، وسير أعلام النبلاء 9/ 224.
(2)
الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي 1/ 188، وتهذيب التهذيب 1/ 54.
(3)
انظر ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 428 - 432، وتهذيب التهذيب 1
(4)
انظر ترتيب المدارك، للقاضي عياض 1/ 428 - 432، وتهذيب التهذيب 1/ 54.
(5)
المدارك. للقاضي عياض 1/ 433.
وقال القاضي عياض: قال محمد بن عبد الحكم: بيعت كتب ابن وهب بعد وفاته، فبلغت قيمتها خمسمائة دينار، وفي رواية ثلاثمائة دينار وستين، وأصحابنا متوافرون، وكان أبي وصيه، فلم ينكر ذلك أحد، ولولا أنه أوصى بعضهم الا يزيد، لبلغت أكثر.
وروى أنه دفع لاحدى زوجتيه من ثمنها ثمانون دينارا، ولم يورث بولد
(1)
ولعل ولده الذي ذكره ابن يونس، أن اسمه حميد، مات قبله.
لأن القاضي عياض ذكر نقلا عن المبسوطة، أن ابن وهب لم يورث بولد.
(1)
المدارك للقاضي عياض 1/ 428 - 432.
الفصل الثالث نشأته ورحلته في طلب العلم
[الرحلة في طلب العلم]
كانت الرحلة في طلب الحديث قائمة في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فقد ارتحل بعض الصحابة لطلب حديث واحد، فيقطعون المسافة الطويلة لهذا الغرض النبيل، لأن الصحابة تفرقوا في الأمصار.
ومما يروى في رحلة الصحابة، ما حدث به عطاء بن أبي رباح، قال: خرج أبو أيوب الأنصاري الى عقبة بن عامر، ليسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، وغير عقبة.
والغرض من ذلك، التأكيد في سماع هذا الحديث، فلما قدم أبو أيوب الى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري، وهو أمير مصر، فأخبره، فعجل عليه، فخرج اليه فعانقه، ثم قال له: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغير عقبة، فابعث من يدلني على منزله .. الخ
(1)
وهكذا صنع جابر بن عبد الله، سافر شهرا من المدينة الى الشام
(2)
وكثرة الرحلات عن التابعين لا تحصى، من ذلك ما يروى عن أبي العالية: كنا نسمع الرواية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبصرة، فلم نرض حتى نركب الى المدينة، فنسمعها من أفواههم
(3)
.
وهكذا عن الشعبي، وسعيد بن المسيب، وأبي قلابة، ومسروقا ..
(1)
انظر معرفة علوم الحديث، للحاكم، 8. وجامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر 93 - 94.
(2)
انظر المرجع السابق 93.
(3)
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 168.
وأخبار العلماء ورحلاتهم كثيرة، يضيق المقام بذكرها.
ويقول الخطيب البغدادي: المقصود من الرحلة في الحديث أمران ان:
أحدهما تحصيل علو الاسناد، وقدم السماع، والثاني: لقاء الحفاظ، والمذاكرة لهم، والاستفادة منهم، فاذا كان الامران موجودان في بلد الطالب ومعدومان في غيره، فلا فائدة في الرحلة، فالاقتصار على ما في البلد أولى
(1)
.
[نشاته رحلته في طلب العلم]
بالنظر الى سيرة الامام عبد الله بن وهب، نجد أنه نشأ في طاعة الله، وقدم أولا النسك والعبادة على طلب العلم ..
يقول ابن وهب في وصف حاله: وكان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم، فولع مني الشيطان في ذكر عيسيكيف خلقه الله عز وجل؟ ونحو هذا، فشكوت ذلكالى شيخ، فقال لي: يا ابن وهب؟ قلت: نعم، قال: اطلب العلم، فكان ذلك سبب طلبي للعلم
(2)
فكانت هذه النصيحة حافزا له على النهل من العلم وطلبه، فطلبه في سنّ مبكرة، واختلفت المصادر في تحديد سنه عند طلبه للعلم، وان تقاربت في ذلك.
قال ابن وضاح: وسمع العلم صغيرا، ابن ست عشرة سنة.
قال سحنون عنه: طلبت العلم وأنا ابن سبع عشرة سنة
(3)
وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثني أبي، عن جدي، قال: سمعت ابن وهب يقول:
طلبت العلم وأنا ابن سبع عشرة سنة
(4)
ورواية طلبه للعلم في سن سبع
(1)
انظر الرحلة في طلب الحديث ص 472، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي، 178 - 179.
(2)
جامع بيان العلم وفضله. لابن عبدالبر، 1/ 26 - 27، ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 428.
(3)
ترتيب المدارك لعياض 1/ 422.
(4)
تهذيب الكمال للمزي 2/ 754. وتهذيب التهذيب لابن حجر 6/ 73.
عشرة سنة هي الأظهر، حيث رواها عدد من تلاميذه عنه، ورجحها الذهبي
(1)
والرواية الأخرى تقاربها من حيث الفترة الزمنية، فأقبل على طلب العم بنهم، وسمع أولا من شيوخ بلده في مدينة الفسطاط
(2)
التي ولد بها، وتوفي، وعلى رأسهم الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وحميد بن هانيء، وحيوة بن شريح، وحسين بن عبد الله المعافري، وسعيد بن أبي أيوب، وعياض بن عبد الله الفهري، وعبد الرحمن بن شريح، وعبد الله بن لهيعة، وغيرهم من أهل مصر.
قال السيوطي: كان ابن وهب راوية عمرو بن الحارث
(3)
وذلك لشدة ملازمته له، وأخذه عنه، ولسعة علم شيخه عمرو بن الحارث، حتى أن ابن وهب قال: سمعت من ثلاثمائة وسبعين شيخا، فما رأيت أحدا أحفظ من عمرو بن الحارث .. قال: ولو بقي لنا عمرو بن الحارث ما احتجنا الى مالك ولا الى غيره
(4)
وظل عبد الله بن وهب ملازما لشيخه هذا، حتى توفي سنة 148 هـ.
وفي هذه السنة، ارتحل ابن وهب الى الحجاز للحج، وطلب العلم، بعد أن تعلم على مشائخ بلده.
ومن المعلوم أن طالب العلم قبل أن يبتديء بالرحلة في طلب العلم، يحفظ ويدون علوم شيوخ بلده، ثم يرتحل بعد ذلك لطلب العلم في بلد آخر.
ثم خرج وعمره ثلاث وعشرون سنة، بعد أن مكث بطلب العلم في بلده ست سنوات، وقد التقى في رحلته لمكة والمدينة، بعدد كثير من المحدثين من أهل العراق، والحجاز، وغيرهم، وأكثر الأخذ عن علماء هذه الأقطار،
(1)
سير أعلام النبلاء. للذهبي 9/ 223، وتاريخ الإسلام له أيضا. وفيات 267.
(2)
اسم لمصر التي بناها مصرام بن حام بن نوح، ولما فتحها عمرو بن العاص بنى بها فسطاطا، فسميت بذلك، الروض المعطار، لمحمد بن عبد المنعم الحميري، المتوفى سنة 749 هـ ص:441.
(3)
حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، للسيوطي 1/ 300.
(4)
وفيات الأعيان. لابن خلكان 3/ 324، وتهذيب التهذيب 6/ 15.
فأصبح جامعا لعلمهم.
قال ابن وضاح: كان أهل الحجاز يحتاجون لابن وهب في علم الحجاز، وأهل العراق في علم العراق
(1)
ويقول ابن وهب: أدركت من أصحاب ابن شهاب أكثر من عشرين رجلا، فقد أكثر من الحديث، ولذا قال: لولا مالك، والليث، لضللت، فيقولان له: خذ هذا، واترك هذا
(2)
.
قال القاضي عياض: وله نحو أربعمائة شيخ من المصريين، والحجازيين، والعراقيين، حتى عاب عليه شيخه مالك ذلك، فقال له: أي فتى لولا الاكثار.
وسبب هذه الكثرة هو اقباله على طلب العلم، بنهم وحرص شديدين
(3)
.
ولقد أتاح له سكنه في المدينة مع ما جبلت عليه نفسه في أول أمره، من طلب العبادة والتنسك، حتى. إنه حج ستا وثلاثين، مرة، مما يتيح له اللقاء بالعلماء، وكما قال تعالى:{لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ}
(4)
قال سحنون: قسم ابن وهب دهره أثلاثا: ثلثا في الحج، وثلثا يعلم الناس بمصر، وثلثا في الرباط، وذكر أنه حج ستا وثلاثين حجة
(5)
وكان تكراره للحج يتيح له لقاء المحدثين، والأخذ عنهم، وكذلك عند عودته للمدينة لا يترك وقته يضيع سدى، بل يستقل كل فرصة، فيقول عن نفسه: رأيت هشام بن عروة جالسا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: آخذ عن ابن سمعان، وأصير الى ابن هشام، فلما فرغت، قمت الى منزل هشام، فقالوا: قد نام، فقلت: أحج وأرجع، فرجعت، فوجدته قد مات
(6)
ولكنه لزم عالم ومفتي المدينة الذي وثق في علمه وورعه، فلازمه حتى وفاته سنة 179 هـ.
قال أبو طاهر بن السرح: لم يزل ابن وهب يسمع من مالك، من سنة 148 هـ
(1)
ترتيب المدارك، 1/ 422.
(2)
شجرة النور الزكية لابن فرحون ص: 133.
(3)
المرجع السابق 1/ 422، 423.
(4)
سورة الحج الآية 28.
(5)
سيرأعلام النبلاء. للذهبي 9/ 226.
(6)
تاريخ الإسلام للذهبي، وفيات 91 - 200، ص 265، وترتيب المدارك 1/ 427.
الى أن مات مالك.
فكانت مدة سماعه من شيخه مالك 31 سنة.
وحدد الشيرازي فترة ملازمته لشيخه مالك بعشرين سنة، حيث قال: صحب ابن وهب مالكا عشرين سنة.
ولكن بالنظر الى تاريخ قدومه المدينة عند وفاة شيخه عمرو بن الحارث سنة 148، وملازمته لمالك حتى وفاته سنة 179 يتبين أن مدة أخذه عنه ومصاحبته له 31 سنة، وان كان قبل ملازمته له في المدينة يلقاه في الحج، ثم يعود الى مصر.
قال ابن وضاح: حج ابن وهب سنة 144، وفيها لقي مالكا، ولم يسمع منه الا مسألة واحدة ة، سمع فيها المثنى بن الصباح بمكة، والمسألة التي سمع من مالك في الجمع بين المغرب والعشاء في المطر
(1)
.
فمكثه الطويل، مع حرصه على سماع العلم منه، واجتهاده، جعلت بينه وبين شيخه مودة ومحبة، فقربه اليه، وخصه بأمور منعها عن غيره.
ومن ذلك قوله: سألت مالكا أن يخليني في شيء يعرضه لي ففعل، فأنا عنده أقرأ عليه، إذ استأذن عليه عبدالصمد الهاشمي، والي المدينة فسأل مثل ما سألته، فأبى، وقال: قد أرادني الخليفة على هذا، فلم أجبه فقلت في نفسي، كيف لم يحتج عليه بي
(2)
.
وكان مالك يسأل عنه يتفقده، اذا غاب، ويهاديه ويدنيه منه، ويعظمه، ويدل على ذلك قول ابن وهب: قال لي مالك: ما خلفك عنا منذ ليال؟ قال:
كنت أرمد .. قال مالك: أحسب من كتب الليل؟ قلت: أجل، فصاح مالك بالجارية، فهاتي من ذلك الكحل لصديقي المصري ابن وهبا
(3)
وكانت هذه المودة معروفة عند تلاميذ مالك، قال إسماعيل بن قعنب: كنت مع ابن وهب عند مالك، فكانت الهدية تأتي مالكا بالنهار، فيهديها لابن وهب في
(1)
ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 422.
(2)
المرجع السابق 1/ 426 - 427.
(3)
المرجع السابق 1/ 427.
الليل، وكان من محبته له يحيطه بالنصح والتوجيه، فيقول له: اتق الله واقتصر على علمك، فانه لا يقتصر أحد على علمه الا نفع وانتفع، فان كنت تريد لما طلبت ما عند الله، فقد أصبت ما تنفع به، وان كنت تريد بما تعلمت الدنيا، فليس في يدك شيء
(1)
وكان يجله ويحترمه، قال القاضي عياض: ما من أحد الا زجره مالك، الا ابن وهب، فانه كان يحبه ويعظمه، وكان ابن وهب حريصا على ألا يفوته شيء من علم مالك.
قال أحمد بن صالح: لم يكن مالك يتكلم بشيء الا كتبه ابن وهب، وكانت العلاقة بينهما متينة، حتى أنه يعرض عليه ما كتب، فيقر الصواب، ويمحو الخطأ.
قال ابن وهب: كنت آتي مالكا، وهو شاب، قوي، يأخذ كتابي فيقرأ منه، وربما وجد الخط فيأخذ خرقة، فيبلها في الماء فيمحوه، ويكتب لي الصواب
(2)
ولذلك برع في علم مالك، وتفوق على قرنائه، ويقرون له بالتقدم والتفوق في علم شيخهم الامام مالك.
قال هارون القاضي الزهري: كان أصحاب مالك بالمدينة يختلفون في قول مالك بعد وفاته، فينتظرون قدوم ابن وهب، فيصيرون عن رأيه، وشهد له عدد من العلماء بصحة ما أخذ عن مالك.
قال علي بن الجنيد: سمعت أبا مصعب يعظم ابن وهب، وقال ابن وهب:
كنت بين يدي مالك أكتب، فأقيمت الصلاة وبين يديه كتب منشورة، فبادرت لأجمعها، فقال لي: على رسلك، فليس ما تقدم عليه بأفضل مما أنت فيه، اذا صحت فيه النية.
وقال ابن وهب: ما تعلمت من أدب مالك أكثر مما تعلمت من علمه
(3)
ومن توجيهات مالك لابن وهب قوله له: خير الأمور ما كان واضحا بينا أمره، وان كنت في أمرين، أنت منهما في شك، فخذ بالذي هو أوفق.
(1)
المرجع السابق 1/ 190.
(2)
ترتيب المدارك، للقاضي عياض 1/ 426.
(3)
سير أعلام النبلاء 8/ 113.
وقوله له: أد ما سمعت وحسبك، ولا تجعل لأحد على ظهرك، فانه يقال:
أخسر الناس من باع آخرته بدنياه، وأخسر منه من باع اّخرته بدنيا غيره
(1)
وقوله له: انه لم يكن يسلم رجل حدث بكل ما سمع.
ومما قال له: ان حقا على من طلب العلم أن يكون له وقار، وسكينة، وخشية، وأن يكون متبعا لآثار من مضى قبله، وأن يورث جلساءه قول: لا أدري، حتى يكون ذلك أصلا يفزعون اليه.
وقال ابن وهب: لو شئت أن أملا الواحي من قول مالك بن أنس، لا أدري لفعلت
(2)
.
وبقي في المدينة يتلقى العلم عن شيوخها بعد وفاة شيخه مالك - قال ابو محمد عون بن يوسف الخزاعي -: قدمت المدينة سنة ثمانين ومائة، وتركت فيها أربعين رجلا من معلمي ابن وهب، رحمه الله تعالى
(3)
.
ثم بعد ذلك عاد الى بلد 5 مصر، ناشرا علمه .. قال الربيع - صاحب الشافعي -: جننا عبد الله للسماع، واجتمع على بابه خلق كثير، قام ليفتح، فلما فتح ازدحمنا للدخول، فسقط، وشج وجهه، فقال: ما هذا الا الخفة وقلة الوقار، ونحو هذا، والله لا أسمعتكم اليوم حرفا، ثم قعد وقعدنا، فلما رأى ما بنا من الهدوء، قال: أين سكينة العلم، انما أنا أكفر عن يميني، وأسمعكم، فكفر وأسمعنا
(4)
.
(1)
ترتيب المدارك 1/ 190.
(2)
ترتيب المدارك 1/ 421 - 423.
(3)
رياض النفوس، في طبقات علماء القيروان وأفريقية، لأبي عبد الله محمد المالكي، توفي بعد 460 هـ، 1/ 385.
(4)
ترتيب المدارك، القاضي عياض، ج 1، 427 - 428.
الفصل الرابع [شيوخه]
قائمة بشيوخ ابن وهب في موطنه، وهم بكاملهم موجودون في المخطوطة التي تحصر شيوخ ابن وهب، وقد رتبتهم على الحروف، مبينا عدد رواية كل منهم في هذا الموطأ، الذي أنا بصيد تحقيقه، و، أذكر الا شيخ ابن وهب الذي روى عنه، سواء ذكر شيخه وحده، أو مع جماعة، ذكرهم في حديث واحد، كأن يقول: حدثنا مالك، وابن سمعان، ونحو ذلك.
والمخطوطة مكتوب في مقدمتها: هذا سفر فيه جميع شيوخ عبد الله بن وهب القرشي، الذي روى عنهم، وسمع منهم، وذكر تخريج من جرح منهم، وتعديله، مما وقع في كتاب أبي محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم.
أمر بجمعه وتأليفه سليمان بن عبدالله بن الامام الخليفة أمير المؤمنين يعني: أبا الربيع سليمان بن الأمير أبى محمد عبد الله بن الامام الخليفة عبد المؤمن بن علي.
هكذا في أول المقدمة، الى أن قال: وكانوا أيدهم الله، وقد وقفوا في هذه المدة اهتمامهم على النظر في موطأ ابن وهب، وصرفوا اهتمامهم لضبط روايته، وتقييد أسانيده، وحفظ رواته، إذ كان هذا الكتاب من أشرف ما ألف وأحسن ما صنف، واذ كادت معالمه في هذا الأوان أن تندرس أنو اره لقلة المعتنين به وأن تنطمس .. الخ.
وهذا دليل على نسبة هذا الموطأ لابن وهب، لأنه لا يكاد يوجد فيه حديث واحد الا عن أحد هؤلاء الشيوخ المدونة أسماؤهم في هذا الجزء الذي يجمع شيوخ ابن وهب.
وفي المخطوطة بغير خط الجزء المبين فيه شيوخ ابن وهب
(1)
. أن الذي جمعه ابن بشكوال، ويؤيد ذلك ما ذكره الزركلي في ترجمة سليمان بن عبد الله بن عبد المؤمن، فذكر أنه أشار على ابن بشكوال، بجمع وتصنيف كتاب في شيوخ ابن وهب (2)
(1)
انظر الأعلام للزركلي 3/ 128، وفهرست أبو بكر محمد بن خير الاشبيلي ص 223.
الفصل الخامس تلاميذ ابن وهب والرواة عنه
الفصل السادس [مؤلفاته]
إمام كعبد الله بن وهب، له من الشيوخ أربعمائة، لازم الأئمة الكبار، لا بد أن تكون له مصنفات كثيرة في العلوم التي طلبها، ولم يصل إلينا معظمها، وفيما يلي ذكرها:
1 -
موطأه، قال ابن فرحون: شرحه أحمد بن عمرو بن السرح، أبو الطاهر
(1)
.
2 -
جامعه الكبير
(2)
.
3 -
كتاب الأهوال، وبعضهم يضيفه الى الجامع.
4 -
كتاب تفسير الموطأ.
5 -
كتاب البيعة.
6 -
كتاب لا هام ولا صفر.
7 -
كتاب المناسك.
8 -
كتاب الردة.
9 -
كتاب المغازي
(3)
.
(1)
انظر الديباج المذهب، لابن فرحون 35 - 36.
(2)
طبع جزء منه في مجلدين، وعليه تعليق باللغة الفرنسية، ومكتوب على أول ورقة منه كتاب الأنساب، وكتاب الصمت، وكتاب الخاتم، وكتاب أخبار بني اسرائيل] وهو من أمهات الفقه الاسلامي المشهورة، منه عدة قطع في المكتبة العتيقة بجامع القيروان، وطبع منه قطعة صغيرة. بالمعهد الفرنسي بالقاهرة سنة 1939 م، وقطعة يحققها مستشرق بألمانيا أسمه د / ميكلس موراني، وقد التقيت به في رحلة علمية خاصة ووجدته مهتما بالدراسات الحديثية، وحققه مصطفى حسن أبو الخير في رسالة لنيل الدكتوراة بالأزهر كلية أصول الدين
(3)
انظر ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 433، فقد ذكر هذه المؤفات، واتحاف السالك برواة موطأ مالك لابن ناصر الدين القيسي 842 هـ لوحة رقم 99.
10 -
كتاب تفسير القرآن برواية يونس بن عبد الأعلى
(1)
.
11 -
كتاب المجالسات عن مالك، فيه ما سمع من مالك
(2)
.
12 -
كتاب الرجال، يرويه عنه ابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وعمرو بن سواء
(3)
.
13 -
كتاب القدر
(4)
.
14 -
كتاب الزهد لابن وهب
(5)
.
15 -
قطعة من مسنده
(6)
.
16 -
موطأة الصغير الذي أنا بصدد تحقيقه، والعمل فيه.
17 -
الموطأ الكبير.
هذا ما اطلعت عليه من مؤلفاته، وجهوده العلمية، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
(1)
انظر كتاب الثعلبي، الكشف والبيان:7.
(2)
انظر تزيين الممالك بمناقب مالك، للسيوطي:40.
(3)
انظر الكامل في ضعفا. الرجال لابن عدي 1/ 188.
(4)
حققه وخرج أحاديثه الدكتور عبدالعزيز عبدالرحمن العثيم الأستاذ بكلية الدعوة. وأصول الدين بجامعة أم القرى.
(5)
رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وافريقية، لأبي بكر عبدالله بن محمد المالكي، 1/ 366.
(6)
مخطوط بالظاهرية يبلغ 15 لوحة، وهو في مصورات الجامعة الاسلامية، برقم 985.
الفصل السابع [مكانته العلمية وثناء العلماء عليه]
لا يخفى أن الامام ابن وهب قضى حياته في طلب العلم، فقد طلبه في سن مبكرة من حياته، وتفاعل معه أخذا وعطاءا، راض نفسه على ذلك، وتفرغ له أخذه عن علماء بلده، ثم سافر من أجله، وارتحل محبة له، وتغرب من أجله حتى شهد له أكبر مشائخه، وأقر انه، وتلاميذه بذلك، واعترفوا له بسعة العلم، والحفظ، والاتقان، والورع، والزهد، فهو اذو شخصية شمولية لم يقتصر على علم الحديث، فهو عالم بالفقه، والتفسير، وقد كثر الثناء عليه من شيوخه وأقرانه، وتلاميذه.
قال ابن عبد البر: يقولون أن مالكا رحمه الله تعالى لم يكتب الى أحد كتابا يعنونه بالفقيه الا لابن وهب
(1)
.
ويقول أبو اسحاق الشيرازي: وكان مالك يكتب اليه: الى أبي محمد المفتي .. وقال أيضا: عبد الله بن وهب امام
(2)
.
وقال القاضي عياض: قال ابن وضاح: كان مالك يكتب اليه: الى عبد الله بن وهب، فقيه مصر، وقال مرة: ابن وهب عالم، ونظر اليه يوما فقال: أي فتى لولا الاكثار، وقال وقد قام عنه: كذا يكون أهل العلم لما رأى من تخشعه
(3)
.
وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: أنت ابن وهب المصري؟ فقال:
نعم، قال له: ما زلت أعرف مكانك من الإسلام، منذ بلغني عنك قول يحيى بن معين: ابن وهب ثقة.
وقال أحمد بن حنبل: ابن وهب عالم صالح، فقيه، كثير العلم.
(1)
الانتقاء لابن عبد البر: 49.
(2)
طبقات الفقهاء، للشيرازي:150.
(3)
ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 422 - 423.
وقال أيضا: ابن وهب صحيح الحديث عن مشايخه الذين روى عنهم، يفصل السماع من العرض، والحديث من الحديث، ما أصح حديثه، وأعرفه بالأسامي، الا أن الذين حملوا عنه، لم يضبطوا الا هارون بن معروف
(1)
وقال يوسف بن عدي: ما أدركته من الناس فقيها غير محدث، ومحدثا غير فقيه، خلا عبد الله بن وهب، فاني رأيته فقيها محدثا زاهدا
(2)
.
وقال أبو مصعب: كنا اذا شككنا في شيء من رأي مالك بعد موته، كتب ابن دينار، والمغيرة، وكبار أصحابه الى ابن وهب، فيأتينا جوابه.
وقال هارون القاضي الزهري (كان أصحاب مالك في المدينة يختلفون في قول مالك بعد موته، فينتظرون قدوم ابن وهب، فيصدرون عن رأيه) وكان ابن أبي حازم يعرض له على ابن وهب رأي مالك
(3)
وقال أحمد بن خالد: كان ابن وهب من الفضلاء الكبار، وممن يضبط ويحسن.
وكان ابن القاسم يقول: حدثني أوثق أصحابي، يريد ابن وهب، وقال: لو مات ابن عيينة، لضربت الى ابن وهب أكباد الابل، ما دون أحد العلم تدوينه
(4)
وقال الميموني عن أحمد: كان ابن وهب له عقل ودين وصلاح
(5)
وقال الحارث بن مسكين: شهدت ابن عيينة يقول: هذا عبد الله بن وهب، شيخ أهل مصر.
وقال أبو حاتم ابن حبان: جمع ابن وهب وصنف، وهو قد حفظ على أهل الحجاز ومصر حديثهم، ويحيي يجمع ما رووا من المسانيد والمقاطيع، وكان من العباد
(6)
وقال الحارث بن مسكين جمع ابن وهب الفقه،
(1)
المرجع السابق 423.
(2)
ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 423.
(3)
المرجع السابق 1/ 423.
(4)
المرجع نفسه: 424 - 425.
(5)
المرجع نفسه 425.
(6)
تهذيب التهذيب 6/ 72.
والرواية. والعباد، ورزق من العلماء محبة وحظوة، من مالك وغيره، وما أتيته قط الا وأنا أفيد منه خيرا وكان يسمى ديوانالعلم.
وقال أيضا: أخبرني من سمع الليث يقول لابن وهب: ان كنت أجد لبني شيئا فاني أجد لك مثله
(1)
وعن علي بن الحسين بن الجنيد، قال: سمعت أبا مصعب أحمد بن بكر يعظم ابن وهب، وسمع أبو مصعب مسائل مالك من ابن وهب، ويقول: مسائل ابن وهب عن مالك صحيحة
(2)
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي: ابن وهب أحب اليك، أو عبدالله بن نافع؟ قال: ابن وهب، قلت: ما تقول في ابن وهب؟ قال: صالح الحديث، صدوق، هو أحب الى من الوليد بن مسلم، وأصح حديثا منه بكثير
(3)
وقال أصبغ: ابن وهب أعلم أصحاب مالك بالسنن والآثار.
قال أبو زيد ابن أبي الغمر: سمعت ابن وهب يقول: حججت أربعا وعشرين حجة ألقى فيها مالكا.
قال أبو زيد: وكنا نسمى ابن وهب ديو ان العلم.
وقال النسائي: ابن وهب ثقة.
وقال ابن معين: هو ثقة الا أنه روى عن الضعفاء، وسئل: لم تركت ابن القاسم؟ ورويت عن ابن وهب؟ قال: كان ابن القاسم فاضلا، ولكن ابن وهب صاحب آثار، وخرج عنه البخاري ومسلم
(4)
وقال يونس: ما رأيت أبا الحسن الاسكندراني قال لابن وهب: الا يا عم، ولقد كانت تلك المشيخة اذا رأت ابن وهب خضعت له.
وقال أبو زرعة: نظرت من حديث ابن وهب نحو ثمانين ألف حديث، فما رأيت له حديثا لا أصل له، وهو ثقة، وهو افقه من ابن القاسم، وورد عنه في رواية أخرى 30 ألف حديث، يجمع بينهما على تعدد القصة، وأنه حدث بذلك أكثر من مرة على حسب إطلاعه على مرويات ابن وهب حسب الفترة الزمنية لتاريخ الاطلاع.
(1)
تهذيب التهذيب 6/ 73 - 74.
(2)
الجرح والتعديل 5/ 190.
(3)
المرجع السابق 5/ 190.
(4)
ترتيب المدارك للقاضى عياض 425/ 1.
وقال محمد بن عبد الحكم: هو أثبت الناس في مالك
(1)
وسأل رجل علي بن معبد عن مسألة، وكان بالاسكندرية مرابطا، قال: ما كنت. لأجيب بموضع فيه ابن وهب، فاذهب فاسأله.
وقال محمد بن الحسين: كان ابن وهب في عصره محدث بلده، وكان عبدا صالحا.
وقال محمد بن عبد الحكم: وابن بكير: كان ابن وهب أفقه من ابن القاسم، الا أنه كان يمنعه الورع من الفتيا.
وقال ابن وضاح: كان علم ابن وهب المناسك، وعلم ابن القاسم البيوع
(2)
وقال العجلي: مصري، ثقة، صاحب سنة، رجل صالح، صاحب آثار.
وقال الساجي: صدوق، ثقة، وكان من العباد، وكان يتساهل في السماع، لأن مذهب أهل بلده أن الاجازة عندهم جائزة، ويقول فيها.
وقال الساجي أيضا: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت ابن وهب قيل له: ان فلانا حدث عنك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكرهوا الفتن، فان فيها حصاد المنافقين)، فقال ابن وهب: أعماه الله، ان كان كاذبا، فأخبرني أحمد بن عبد الرحمن أن الرجل عمي
(3)
.
وقال الخليلى: ثقة متفق عليه وموطؤه يزيد عليكل من روى عن مالك
(4)
وقال عبد الله بن عدي الجرجاني في كامله: وعبد الله بن وهب، من أجلة الناس، ومن ثقاتهم، وحديث الحجاز ومصر، وما والى تلك البلاد، يدور على رواية ابن وهب، وجمع لهم مسندهم، ومقطوعهم، وقد تفرد عن غير شيخ عنهم، مثل عمرو بن الحارث، وحيوة بن شريح، ومعاوية بن صالح، وسليمان بن بلال، وغيرهم من ثقات الناس، ومن ضعفائهم، ومن يكون له
(1)
انظر الجرح والتعديل 2/ 190، والانتقاء:49.
(2)
ترتيب المدارك: 1/ 425.
(3)
انظر كشف الخفاء للعجلوني 2/ 500 501 - فذكر الحديث والقصة وقال: وسئل ابن وهب عن الحديث فتال: باطل
(4)
انظر تهذيب استتيب 6/ 73 - 74.
من الأصناف مثل ما ذكرته استغنى أن يذكر له شيء ولا أعلم له حديثا منكرا اذا حدث عن ثقة من الثقات
(1)
رقال الذهبي: عبد الله بن وهب: الامام، شيخ الإسلام، لقي بعض صغار التابعين، وكان من أوعية العلم، ومن كنوز العمل
(2)
وقال الذهبي: عبد الله بن وهب المصري، أبو محمد، أحد الأثبات، والأئمة الاعلام، وصاحب التصانيف، تناكد ابن عدي بايراده في الكامل
(3)
وقال ابن حجر: عبد الله بن وهب، أبو محمد المصري، الفقيه، ثقة، حافظ، عابد.
وقال الذهبى: ذكر ابن وهب، وابن القاسم، عند مالك، فقال: ابن القاسم فقيه، وابن وهب عالم،
(4)
وسئل ابن معين: لم تركت ابن القاسم، ورويت عن ابن وهب؟ قال: كان ابن القاسم فاضلا، ولكن ابن وهب صاحب آثار، وخرج عنه البخاري ومسلم
(5)
أما ابن القاسم فلم يخرج له مسلم حديثا واحدا، وأما البخاري فقد أخرج له حديثا واحدا في سورة يوسف، عند قوله تعالى:{فَلَمّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ}
(6)
والحديث: هاهو: قال البخاري: حدثنا سعيد بن تليد، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن يونس بن يزيد، عن ابن شياب، عن سعيد بن المسيب، وابن سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي، ونحن أحق بابراهيم، اذ قال له: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى، وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}» 7 وقال ابن حجر
(1)
الكامل في الضعفاء لابن عدي: 4/ 1521.
(2)
سير أعلام النبلاء 9/ 223 - 224.
(3)
ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 521.
(4)
تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 305 - 306.
(5)
ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 425.
(6)
سورة يوسف الآية 50.
عند شرحه لهذا الحديث، عبدالرحمن بن القاسم، وهو العتقي، بضم المهملة، وفتح المثناة، بعدها قاف، المصري، الفقيه، المشهور، صاحب مالك، وراوي المدونة من علم مالك، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع
(1)
، وفي المقابل، كانت رواية ابن وهب في الصحيحين:
664 -
حديثا، أخرج البخاري منها 135 حديثا، والباقي أخرجه مسلم.
وكان رحمه الله وقافا مع الدليل، ولهذا قد خالف أصحابه في بعض المسائل، ولا غرابة في ذلك، فانه امام مجتهد، لا يقلد أحدا فيما فيه دليل من كتاب أو سنة، ولذا قال الذهبي: كان ابن وهب ثقة، حجة، حافظا، لا يقلد أحدا
(2)
.
. وهذه أمثلة ونماذج من المسائل التي خالف فيها ابن وهب زملائه المصريين من المالكيين:
1 -
ذهب ابن وهب الى أن أبوال الحيوانات كلها طاهرة، الا الآدمى، بينما يرى أصحابه طهارة بول مباح الأكل فقط، الا المتغذي بنجس
(3)
.
2 -
ذهب ابن وهب على جواز المسح على الخفين في الحضر والسفر معا، سواء في ذلك المقيم والمسافر، بينما يقول ابن القاسم: انه لا يمسح المقيم، وانما يجوز المسح للمسافر فقط، وروى عنه أيضا أنه لا يمسح الحاضرون، ولا المسافرون
(4)
.
3 -
ذهب ابن وهب الى وجوب حكاية الأذان لسامعه، لأن الأمر يقتضيه بحقيقته في حديث:[قولوا مثل ما يقول المؤذن]، والراجح عند المالكيين ندب الحكاية
(5)
.
4 -
ذهب ابن وهب الى أن في القرآن خمس عشرة سجدة، وهي في مواضع السجود في القرآن، ويرى السجود فيها كلها، بينما يرجح المالكية أن السجود لا يكون الا في احدى عشرة منها، فلم يثبتوا السجدة الثانية في الحج، ولم يعدوا سجدات المفصل الثلاث التي في
(1)
فتح الباري 8/ 295 ..
(2)
انظر تذكرة الحفاظ 1/ 305.
(3)
انظر فتح الباري 1/ 223. والدسوقي 1/ 51.
(4)
انظر شرح الزرقاني 1/ 76، والدسوقي، 1/ 141، وفتح الباري 1/ 244.
(5)
انظر الشوكاني 2/ 52، وفتح الباري 2/ 73، والدسوقي 1/ 197
النجم، والانشقاق، والقلم
(1)
.
5 -
ويرى ابن وهب جواز الصلاة على القبر بعد دفن الميت، لمن فاتته الصلاة على الجنازة، بينما يرى المالكيون عدم مشروعية الصلاة على القبر
(2)
.
هذه نماذج تدلنا على سعة علم ابن وهب، ومدى تمسكه بالدليل، ولو خالف أهل مذهبه، والله الموفق.
[آثاره العلمية]:
قد اعتمد كثير من العلماء الذين كتبوا في الحديث على ابن وهب، وجعلوا كتبه موضع عناية وبحث، قال سحنون: كادت تفوتني كتب ابن وهب، وبالله ما تشتري بكتاب منها الدنيا وما فيها، وما عجبت عن مسألة قط الا وجدت فرجها في كتاب ابن وهب
(3)
.
وقال بكر بن حماد: لما فرغت من قراءة كتبي كلها على عون، وهي كتب ابن وهب
(4)
.
وقال أبو يعلى الخليلي: نظر الشافعي في كتب ابن وهب ونسخ أكثرها
(5)
.
وقد أخرجوا له كثيرا من الأحاديث، منهم من يذكر الحديث بنفس السند والمتن، كما هو في موطئه الصغير، الذي أنا بصدد تحقيقه، ومن هؤلاء:
1 -
البيهقي في سننه الكبرى:
ففيه من الأحاديث التي بسند موطأ عبد الله بن وهب الشيء الكثير، فقد أخرج له 134 حديثا، هذا في كتاب الأشربة، والمناسك، والزكاة، والصلاة، والنكاح، والصيام فقط، ناهيك عن باقي الكتب الأخرى 2 - وأخرج له أحمد في مسنده في هذه الكتب السابقة الذكر سندا ومتنا 64 حديثا.
3 -
وأخرج له الطحاوي في مشكل الآثار نحوا من 40 حديثا كذلك.
(1)
انظر نيل الاوطار للشوكاني 1/ 307، وبداية المجتهد 1/ 223، والدسوقي 1/ 307.
(2)
انظر بداية المجتهد 1/ 238 - 239
(3)
رياض النفوس لأبي بكر عبدالله المالكي 1/ 373.
(4)
المرجع السابق: 1/ 373.
(5)
الارشاد، لابي يعلى الخليلي ت 446 هـ، 1/ 255.
4 -
وله في المدونة لسحنون في هذا الموطأ نحوا من ثلاثين حديثا.
أما مروياته من الأحاديث المرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم في المدونة الكبرى فبلغت 290 حديثا، ومروياته في الصحيحين، البخارى ومسلم 664 حديثا، على التفصيل الآتى:
البخاري منها 135 حديثا، والباقي 529 أخرجها مسلم.
أما في السنن الأربع: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، فبلغت 610 حديثا على النحو التالي: أبو داود 161 حديثا، الترمذي 126 حديثا، النسائي 217 حديثا، وابن ماجة 106 حديثا، فهذا انما يدل على غزارة رواية ابن وهب وقوة جهوده واعتماد كتب الرواية عليه، وصدق أبو زرعة حيث يقول: نظرت في حديث ابن وهب نحو ثمانين ألف حديث من حديثه عن المصريين، وغيرهم، فما أعلم أني رأيت له حديثا لا اصل له وهو ثقة
(1)
.
ويقول ابن عبد البر: وروينا عن احمد بن صالح أنه قال: حدثنا ابن وهب مائة ألف حديث وما رأينا حجازنا ولا شاميا ولا مصريا أكثر حديثا من ابن وهب، وقع عندنا منه سبعون الف حديث
(2)
، فكيف لا يكثر حديثه وقد روى عن اربعمائة رجل، من شيوخ المحدثين، بمصر، والحجاز، والشام
(3)
.
(1)
المنتقى لابن عبدالبر: 49.
(2)
المرجع السابق: 49.
(3)
المرجع السابق: 48.
الفصل الثامن منهجه في السماع والأداء:
كان الامام ابن وهب من علماء الحديث المتقدمين في هذا الفن، ومن الذين ساهموا في وضع مصطلح الحديث، فدعموا أسسه، وركائزه، فبصماته واضحة جلية.
فهو أول من أحدث الفرق بين: [حدثنا، وأخبرنا]، في بلده مصر.
فتحمله للحديث يأدية بصيغة الاداء المناسبة للتحمل، فيفرق بين سماعه مع جماعة، وسماعه منفردا بصيغة الأداء المناسبة ..
كذلك سماعه مع جماعة وسماعه منفردا بصيغة الاداء المناسبة، فما كان مع جماعة فيقول فيه: حدثنا، وما كان وحده فيقول: حدثني.
وكذلك عرضه للحديث، فيفرق بين قراءة غيره وهو حاضر، وقراءته هو على الشيخ، فيقول: فيما قريء وهو حاضر، أخبرنا، وها قر أه هو على الشيخ، أخبرني.
لذلك جاءت روايته للحديث متقنة، مجودة.
قال أحمد بن حنبل، عبدالله بن وهب، صحيح الحديث، يفصل السماع من العرض، والحديث من الحديث، ما أصح حديثه وأثبته
(1)
، وقال ابن وهب: ما قلت حدثنا، فهو ما سمعت مع الناس، وما قلت: حدثني فهو ما سمعت وحدي، وما قلت: أخبرنا فهو ما قريء على العالم، وأنا شاهد،
(1)
الانتقاء لابن عبد البر ص: 48، تاريخ الإسلام للذهبي، حوادث 191 200 - هـ، 267، الجرح والتعديل، الرازي، 5/ 189
وما قلت: أخبرني فهو ما قر أت على العالم، يعني: أنا وحدي
(1)
.
قال ابن الصلاح: قلت: وقد قيل ان أول من أحدث هذا الفرق بين هذين اللفظين (يعني حدثنا وأخبرنا) ابن وهب في مصر.
وقال الخطيب البغدادي: ان أول من فعل هذه التفرقة ابن جريج، والاوزاعي، الا ان يحمل قول ابن الصلاح ان اول من فعل هذه التفرقة ابن وهب في مصر خاصة
(2)
، وقال ابن رجب: وأما تفريق ابن وهب بين أن يكون سماعه أو عرضه وحده، او مع غيره فيقول: اذا كان وحده حدثني، او اخبرني يعني شيخه، واذا كان مع غيره يقول: حدثنا، او اخبرنا، فهذا محمول على الاستحباب، دون الوجوب
(3)
.
وذكر البيهقي في المدخل له قول ابن وهب الذي تقدم وقال: هذا تفصيل حسن، عليه ادركنا مشائخنا
(4)
.
وهذه التفرقة بين السماع والعرض، تدل على قوة ابن وهب في الضبط، والاتقان، والتحري في رواية الحديث وورعه من أن يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، ولا غرابة في ذلك، لأنه روى حديث رسول الله
(1)
الالماع للقاضي عياض 127، وعلل الترمذي 1/ 500.
(2)
الكفاية للخطيب البغدادي 302. وعلوم الحديث لابن الصلاح 139
(3)
شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي 1/ 518. الباعث الحثيث في شرح اختصار علوم الحديث لابن كعير 107.
(4)
علل الترمذى 1 ض / 530.
صلّى الله عليه وسلم المحذر من الكذب عليه.
قال: أخبرني مسلمة بن علي عن زيد بن واقد عن حزام بن حكيم، قال:
سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حدثوا عني كما سمعتم ولا حرج الا من افترى علي كذبا متعمدا بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار
(1)
وقال أبو يعلى الخليلي في كتابه الإرشاد: ذاكرت بعض الحفاظ، فقلت: لم لم يدخل البخاري حماد بن سلمة في الصحيح؟ قال:
لأنه يجمع بين جماعة من أصحاب أنس، يقول: حدثنا قتادة، وثابت، وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس، وربما يخالف في بعض ذلك، فقلت:
أليس ابن وهب اتفقوا عليه؟ وهو يجمع بين أسانيده فيقول: أخبرنا مالك، وعمرو بن الحارث والأوزاعي، ويجمع بين جماعة؟ فقال: ابن وهب أتقن لما يرويه وأحفظ
(2)
ومعنى هذا، أن الرجل اذا جمع بين حديث جماعة، أو ساق الحديث سياقة واحدة، فالظاهر أن لفظهم لم يتفق، فلا يقبل هذا الجمع الا من حافظ متقن لحديثه، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم، كابن وهب مثلا.
ومع ما ذكر من تشدد ابن وهب في أخذ الحديث وأدائه، وتفريقه بين السماع والعرض، فكان ممن تسامحوا أو تساهلوا في السماع والأخذ، وجعلوا المناولة المقرونة بالاجازة حالة محل السماع.
قال ابن وهب: كنت عند مالك بن أنس، فجاءه رجل يحمل الموطأ في كسائه فقال له: يا أبا عبد الله، هذا موطؤك، قد كتبته وقابلته، فأجزه لي، فقال: قد فعلت، قال: كيف أقول: حدثنا مالك، أو أخبرنا مالك، قال: قل أيهما شئت
(3)
وروى الخطيب
(4)
بسنده عن ابن وهب، وابن القاسم قالا:
سئل مالك عن الرجل يقول له العالم: هذا كتابي، فاحمله عني، وحدث بما
(1)
الالماع للقاضي عياض 11 - 12، وأخرجه أحمد في مسنده 3/ 46.
(2)
شرح علل الترمذي لابن رجب: 359.
(3)
الالماع، للقاضي عياض 90.
(4)
الكفاية للخطيب البغدادي 316.
فيه، قال: لا أرى هذا يجوز، ولا يعجبني ناس يقولون ذلك، ثم عقب الخطيب على ذلك بقوله:
قد ذكر عن مالك، أنه كان يحكم بصحة الرواية لأحاديث الاجازة.
فأما الذي حكيناه عنه، فانما قاله على وجه الكراهة، أن يجيز العلم لمن ليس أهله، ولا خدمه، ولا عاني التعب فيه.
وذكر الخطيب أيضا بسنده الى ابن القاسم قال: سألت مالك بن أنس عن الاجازة فقال: لا أرى ذلك، وانما يريد أحدهم أن يقيم المقام اليسير، ويحمل العلم الكثير.
وقال ابن وهب: كان يحيى بن سعيد يكتب الى الليث بن سعد، فيقول الليث: حدثني يحيى بن سعيد، وكان هشام يكتب اليه، فتقول: حدثني هشام
(1)
.
وأخرج الرامهرمزي بسنده الى أبي زيد بن أبي القمر، قال: اجتمع ابن وهب وابن القاسم، وأشهب بن عبد العزيز، أنى اذا أخذت الكتاب من المحدث أن أقول فيه أخبرني
(2)
وقال أحمد في رواية حنبل: المناولة لا أدري ما هي، حتى يعرف المحدث حديثه وما يدريه ما في الكتاب؟ قال:
وأهل مصر يذهبون الى هذا، وأنا لا يعجبني.
قال أبو بكر الخطيب: أراه أراد أن أهل مصر يذهبون الى المناولة من غير أن يعلم الراوي هل ما في الجزء حديثه أم لا؟ وهذا الذي ذكر الخطيب صحيح.
وقد اعتمد أحمد في ذلك حكاية حكاها له ابن معين، عن ابن وهب، أنه طلب من سفيان بن عيينة أن يجيز له رواية جزء أتاه به في يده، فأنكر ذلك ابن معين، وقال لابن وهب: هذا والريح بمنزلة، ادفع اليه الجزء حتى ينظر في حديثه
(3)
وذكر أحد عن بعض أصحابه قال: جاء عبد الله بن وهب المصري الى سفيان بن عيينة فقال له: ابن أختي، أو ابن أخي
(1)
شرح علل الترمذي 168.
(2)
انظر المحدث الفاضل بين الراوي والواعي للرامهرمزي 141.
(3)
انظر شرع علل الترمذي 166 - 167.
الذي عرض عليك أمس الأحاديث أرويهها أنا عنك، قال: بلغني أنه لم يكن يدخل في تصنيفه من تلك شيئا
(1)
، وقال أحمد: سمعت الحميدي يقول:
كنت أرى ابن وهب يجيء الى سفيان بن عيينة، وكان سفيان يسكن في دار كراء، وله درجة طويلة، فكنت أرى ابن وهب يقف عند الدرجة فيقول لسفيان: يا ابا محمد: هذا ما سمع ابن أخي منك، فاجزه لي، فيقول سفيان: نعم
(2)
، وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال: رأيت عبد الله بن وهب بمكة رأيته رجلا خفيف اللحية، قال أبي: فذكرت انه كان يعرض له على ابن عيينة وهو نائم، فتركته قال أبي: وبلغني انه كان لا يدخل في مصنفه من ذلك العرض شيئا، قال أبي: ثم كتبت بعد عن رجل عنه .. وقال عبد الله بن الدورقي: سمعت ابن معين يقول: ابن وهب ليس بذاك في ابن جريج، كان يستصغره
(3)
، يعني: صغير السن.
وقال ابن سعد: كان ابن وهب كثير العلم، ثقة فيما قال: حدثنا، وكان يدلس
(4)
، وقال ابن معين: ابن وهب ثقة، الا انه روى عن الضعفاء
(5)
، هذا ما وقفت عليه من تساهله في كتب التراجم. وقد بين العلماء أن هذا النوع من التساهل لا يؤثر في اتقان ابن وهب وحفظه ولا ينقص من قدره وجلالته ..
يقول. أحمد بن حنبل: عبد الله بن وهب صحيح الحديث، يفصل السماع عن العرض، ما أصح حديثه وأثبته، فقيل له: أليس كان سيء الأخذ، قال:
قد كان سيء الأخذ ولكن اذا نظرت في حديثه وما روى عن مشائخه وجدته صحيحا، وقال أحمد أيضا: بلغني أنه لم يدخل في تصنيفه من ذلك العرض شيئا
(6)
، يعني: المناولة، ومن غير أن يعلم الراوي، هل ما في الجزء حديثه أم لا؟، وهذا يدل على أن الروايات التي يأخذها بطريق التساهل لا يضيفها الى مرويات التي يرويها كما بين الامام احمد، لذلك نوه العلماء
(1)
كتاب العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل 1/ 360.
(2)
كتاب المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان 2/ 183.
(3)
سير أعلام النبلاء 9/ 231.
(4)
الطبقات الكبرى لابن سعد 7/ 518.
(5)
ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 425.
(6)
كتاب العلل ومعرفة الرجال، لأحمد 1/ 360، 2/ 172.
باتقانه، وكان يجيز الاجازة، وقد اجاز لمعين في رواية معين، قال أبو بكر بن حماد: لما فرغت من قراءة كتبي، كلها على عمرو، وهي كتب ابن وهب، قلت يا أبا محمد، كيف كان سماعك من ابن وهب؟، قال لي: يا بني، اقال لك أحد فينا شيء؟ ثم قال لي: والله ما أحب أن يعذب أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بسببي في النار، أبطل الله سعيه وصومه وصلاته وسائر عمله، ان كنت أخذتها من ابن وهب، الا قراءه، قرأت عليه أنا، وقرأ علي ولو كانت اجازة لقلت انها اجازة، وقد حضرت ابن وهب واتاه رجل بكتبه في تلّيس
(*)
وقيل له: يا أبا محمد، هذه كتبك، فقال له ابن وهب:
صححت وقابلت؟ فقال: نعم، فقال له: اذهب فحدث بها فقد أجزتها لك فاني حضرت مالكا وقد فعل مثل ذلك
(1)
.
وقال الذهبي مقوما حال ابن وهب: هذا الفعل مذهب طائفة وإن الرواية به سائغة، وبه يقول الزهري: وابن عيينة
(2)
، وقال الذهبي: وقد تمعقل بعض الأئمة على ابن وهب في أخذ الحديث، وانه كان يترخص في الاخذ، وسواء ترخص ورأى ان ذلك سائغا او تشدد فمن يروي مائة الف حديث ويندر المنكر في سعة ما روى فإليه المنتهى في الاتقان
(3)
ويكفيه قول الامامين أبي زرعة والنسائي وما من يروي مائة الف حديث ولا يستلحق عليه في شيء الا وهو ثبت حافظ، والله لو غلط في المائة الف في مائتي حديث لما أثر ذلك في ثقته (4).
وقد عرف ابن وهب بكثرة رواية الحديث مما جعل الامر يختلط عليه في بعضها، لولا ان مالكا في المدينة، والليث في مصر كانا يبينان له الصواب من الرواية والمتن، وهو يقر ذلك بنفسه في قوله: لولا ان الله انقذني بمالك والليث لضللت، فقيل له: كيف؟ فقال: اكثرت من الحديث فحيرني، فكنت اعرض ذلك على مالك والليث فيقولان: خذا هذا ودع هذا، وقال عنه احمد بن صالح: كان ابن وهب يتساهل في المشائخ ولو أخذ مأخذ مالك لكان خيرا له
(5)
.
(1)
رياض النفوس لابي عبد الله المالكي 1/ 387.
(2)
سير أعلام النبلاء 9/ 231. وميزان الاعتدال 3/ 521.
(3)
الديباج المذهب 133.
(5)
ترتيب المدارك 1/ 425.
(*) تلس: التليسة: وعاء يسوى من الخوص شبه قفة لسان العرب 6/ 33.
الفصل التاسع [عبادته]
كان رحمه الله تعالى، في حياته الخاصة على أحسن ما يكون عليه العلماء، ورجال الفضل، والدين، فكان عفيفا، كريما، غني النفس، متباعدا عن ذوي الجاه، والسلطان، عابدا، ورعا، زاهدا، خائفا من الله تعالى، خاشعا، متواضعا.
يقول تلميذه سحنون بن سعيد: كان ابن وهب قد قسم دهره أثلاثا: ثلثا في الرباط، وثلثا في الحج، وثلثا يعلم الناس بمصر.
وذكر أنه حج ستا وثلاثين حجة
(1)
أما عن الرباط، فيقول ابن أخيه:
أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: كنت معه بالاسكندرية، مرابطا، فاجتمع الناس عليه يسألونه نشر العلم، فقال لي: هذا بلد عبادة، وقال: ما أمهد لنفسي فيه مع شغل الناس، فترك الجلوس لهم في الأوقات التي كان يجلس، وأقبل على العبادة والحراسة، فبعد يومين أتاه انسان، فأخبره أنه رأى نفسه في مسجد عظيم، نحو المسجد الحرام، والنبي صلى الله عليه وسلم فيه، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وأنت بين يديه، وفي المسجد قناديل تزهر أحسن شيء، وأشدها ضياء، اذ خفت منها قنديل فانطفأ، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عبد الله أوقده، فأوقدته، ثم آخر كذلك، ثم أقمت أياما فرأيت القناديل كلها همت أن تطفأ، فقال أبو بكر: يا رسول الله:
أما ترى هذه القناديل؟ فقال صلى الله عليه وسلم هذا عمل عبد الله، يريد يطفئها، فبكى ابن وهب، فقال له الرجل: جئت لأبشرك، ولو علمت أنه يغمك لم آتك، فقال: خير، هذه الرؤيا وعظت بها، ظننت أن العبادة أفضل من نشر العلم،
(1)
ترتيب المدارك 1/ 431.
فترككثيرا من عمله للعلم، وحبس نفسه لهم يقرأون عليه ويسألونه
(1)
وقد راض نفسه على حب العلم، والتفرغ له، طلبا وسماعا، وتسجيلا وإعطاء، ورحلة في سبيله، حتى صار كبير أصحاب مالك، وحتى نال أعظم شهادة من أكبر عالم في زمنه، تلك الشهادة هي لقب مالك رحمه الله، امام د الهجرة له فتارة يصفه بالامام، وتارة بالمفتي، وتارة بالعالم، وتارة بالفقيه، ولم يحظ أحد من تلاميذ مالك، مع جلالتهم وكثرتهم بهذا اللقب من مالك سوى ابن وهب ..
قال أبو عمر ابن عبد البر: يقولون: ان مالكا رحمه الله تعالى لم يكتب الى أحد كتابا يعنونه بالفقيه الا الى ابن وهب، وكان رجلا صالحا، خائفا لله
(2)
وقال ابن وضاح: وكان يكتب مالك اليه عبد الله بن وهب فقيه مصر.
قال الشيرازي: كان مالك يكتب اليه الى أبي محمد المفتي
(3)
وحكى مثله أبو الطاهر، زاد: ولم يكن يفعل هذا مع غيره، وقال مرة: ابن وهب امام، وقال أخري: ابن وهب عالم، ونظر اليه مرة فقال: أي فتى لولا الاكثار
(4)
[ورعه وزهده]
أما ورع عبد الله بن وهب، وزهده، وخوفه من الله تعالى، فأكثر من أن يحصر، وهذه نماذج من ذلك، على سبيل المثال لا الحصر:
يقول الشيرازيفي طبقات الفقهاء: قدم أسد بن الفرات الى مصر، فقصد ابن وهب، وقال له: هذه كتب أبي حنيفة، وسأله أن يجيب فيها على مذهب مالك، فتورع ابن وهب وأبى، فذهب الى ابن القاسم، فأجابه الى ما طلب
(5)
وقال أبو زرعة أسد بن الفرات رجل من المغرب كان سال محمد بن
(1)
المدارك 1/ 426.
(2)
الانتقاء لابن عبدالبر 49.
(3)
طبقات الفقهاء للشيرازي 150.
(4)
ترتيب المدارك لعياض 1/ 422.
(5)
طبقات الفقهاء 156.
الحسن صاحب أبي حنيفة عن مسائل، ثم سأل ابن وهب أن يجيبه بما كان عنده عن مالك، وما لم يكن عنده عن مالك، فمن عنده، فلم يفعل، فأتى عبد الرحمن بن القاسم، فتوسع له، فأجابه على هذا
(1)
وقال محمد بن عبد الحكم، وابن بكير: كان ابن وهب أفقه من ابن القاسم، إلا أنه كان يمنعه الورع من الفتيا
(2)
قال ابن وهب: جعلت على نفسي كلما اغتبت إنسانا صيام يوم فهان علي، فجعلت عليها اذا اغتبت انسانا عليّ صدقه درهم، فثقل علي وتركت الغيبة
(3)
ولما طلب لقضاء مصر استخفى عند حرملة بن يحيى سنة وأشهرا، وقال: بينا أرجو أن أحشر في زمرة العلماء، أحشر في زمرة القضاه
وقال ابن أخيه أحمد: ما رأيت قط أزهد في الدنيا من ابن وهب، كان ينهدم عليه بعض بنيانه فلم يصلحه، وما بنى قط شيئا.
وقال أحمد بن سعيد الهمداني: دخل ابن وهب الحمام، فسمع قارئا يقرأ قوله تعالى:{وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا نَصِيباً مِنَ النّارِ}
(4)
فغشي عليه
(5)
قال يونس، قال ابن وهب: إن أصحاب الحديث طلبوا مني أن أسمعهم صفة الجنة والنار، وما أدري أأقدر على ذلك؟ ثم قعد لهم فقرأوا عليه صفة النار، فغشي عليه، فرش بالماء وجهه، فقيل: اقرأوا عليه صفة الجنة، فلم يفق، وبقي كذلك اثني عشر يوما، فدعى له طبيب، فنظر اليه فقال: هذا رجل انصدع قلبه
(6)
ولهذا سماه أبو نعيم في
(1)
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/ 279.
(2)
ترتيب المدارك 1/ 424.
(3)
المرجع السابق 1/ 424.
(4)
سورة غافر الآية 47.
(5)
سير أعلام النبلاء 9/ 227.
(6)
ترتيب المدارك 1/ 432.
[قتيل الخوف والكرب المحدث المصري]، قال ابن عبد البر: ذكر ابو العباس محمد بن اسحاق السراج في تاريخه قال: حدثنا الجوهري قال:
حدثنا خالد بن خداش، قال: قريء على عبد الله بن وهب، ما كتبه في أهوال يوم القيامة فخر مغشيا عليه فلم يتكلم بكلمة حتى مات
(1)
.
قال ابن أخيه أحمد: وشهدت عبد الله بن وهب يقرأ عليه كتابه الأهوال الذي كان يرويه أنه بلغه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وشهد. أبو اسامة البكاء فاخذ في البكاء ثم ان أبا اسامة قام بتلك الرقة، وابن وهب على حاله من البكاء والقاريء يقرأ وابن وهب ينشج رافعا صوته حتى إني لاحسب من كان على خمسين ذراعا يسمعه، فلم يزل كذلل حتى مال على الحائط الذي كان مستندا اليه ثم احتمل الى منزله فلم يزل على حاله لا يعقل حتى توفي
(2)
.
[وفاته]:
وبعد أن قضى الامام عبد الله بن وهب هذه الحياة المليئة من العلم والورع والزهد، انتقل الى رحمة الله سنة سبع وتسعين ومائة فيما قاله أحمد بن صالح: في يوم الاحد لخمس بقين من شعبان في بلده مصر وهو ابن اثنين وسبعين سنة.
وذكر ابو العباس محمد بن اسحاق السراج في تاريخه: قال: نا الجوهري قال: نا خالد بن خداش، قال: قريء على ابن وهب ما كتبه في اهوال يوم القيامة فخر مغشيا عليه، فلم يتكلم بكلمة حتى مات، وذلك بمصر سنة سبع وتسعين ومائة، عليه من الله رحمة واسعة
(3)
، قال القضاعي في كتاب: خطط مصر -: قبر عبد الله بن وهب مختلف فيه وفي محربتي مسكين قبر صغير مخلق يعرف بقبر عبد الله وهو قبر قديم يشبه. ان يكن قبره
(4)
.
(1)
الانتقاء لابن عبد البر: 50.
(2)
التعديل والتجريح للباجي 2/ 851.
(3)
الانتقاء لابن عبد البر: 50.
(4)
وفات الاعيان لابن خلكان 3/ 36.
---
الباب الثاني التعريف بالكتاب
الفصل الأول: ويشمل
المبحث الأول: توثيق نسبة الكتاب للمؤلف المبحث الثاني: وصف النسخة المبحث الثالث: منهج المؤلف.
الفصل الثاني: في بيان منهجي في التحقيق
توثيق نسبة الكتاب للمؤلف
هناك طرقًا
[*]
وأساليب أرشد اليها العلماء الذين صنفوا في البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ليسترشد بها الباحث في توثيق نسبة المخطوط الى مؤلفه، وقد حاولت قدر المستطاع استقصاء هذه الطرق لتوثيق نسبة هذا المخطوط بجمع قرائن وأدلة تدل على نسبته لمؤلفه، وصحة عنو انه، وقد رتبتها على حسب الأهمية، وهي كما يلي:
أ - أدلة تتعلق بالأسانيد الواردة في المخطوطة وملاحظة طبقة الشيوخ والتلاميذ وهي كما يلي:
1 -
ما ورد في كتاب التحبير في المعجم الكبير للسمعاني ت 562 هـ في ترجمة شيخه أبو الحسن الحلبي، قال: سمعت منه الكثير، فمن جملة ما سمعت منه كتاب الموطأ لأبي عبدالله بن وهب المصري، بروايته عن أبي الفتح ابن الحلبي، عن أبي الحسن بن الطيوري
(1)
، عن القاضي أبي محمد الصابوني
(2)
، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن عبدالله بن وهب
(3)
.
2 -
كتاب شيوخ ابن وهب لابن بشكوال ت 578 هـ، أمر بجمعه وتأليفه الامام الخليفة سليمان بن عبد الله، وورد فيه ما يلي: وكانوا أيدهم الله قد وقفوا على هذه المدة اهتمامهم على النظر في موطأ ابن وهب وصرفوا عناءهم لضبط رواياته وتقييد أسانيده، وحفظ رواته، اذ كان هذا الكتاب أشرف ما ألف وأحسن ما صنف، واذ كادت معالمه في هذا الأوان أن تدرس أنواره لقلة المعتنيين به
(4)
.
(1)
هو المبارك بن عبدالجبار بن أحمد بن القاسم الأزدي الصيرفي المعروف بابن الطيوري ت 500 هـ لسان الميزان 5/ 9، والأعلام للزركلي 5/ 271.
(2)
أبو محمد عبيدالله بن الحسن بن عبدالرحمن الصابوني الأنطاكي، الأنساب للسمعاني 8/ 249.
(3)
التعبير في المعجم الكبير للسمعاني 1/ 1570.
(4)
شيوخ بن وهب لابن شكوال م 1 لوح م.
[*](تعليق الشاملة): كذا في المطبوع!
وقد جردت جميع الشيوخ في هذا الموطأ فكانوا جميعا في سفر ابن بشكوال، وقد بينت موضع ترجمة كل شيخ في كتاب ابن بشكوال وعدد مروايته في فصل شيوخه.
3 -
ذكر عبد الله بن وهب في جميع أحاديث المخطوطة من رواية تلميذية محمد بن. عبدالله بن عبد الحكم ت 268 هـ، الذي روى أكثر من ثلثي المخطوطة حيث روى من أولها وثلاثة كتب وعدد مروياته 178 حديثا ثم بحر بن سابق الخولاني ت 267 هـ الذي روى باقي المخطوطة برواية تلميذهما أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ت 246 هـ فاسم مؤلف المخطوطة ابن وهب قد لازم الكتاب، فدل على صحة نسبته اليه.
ب - بالنظر الى المؤلفات الأخرى التي في نفس الفن، والتي صرحت بالنقل عن المخطوطة بذكر اسمها واسم مؤلفها، وعند المقارنة بين هذه
النقول فإننا نجد التطابق بينها وبين ما هو في المخطوطة، ومن ذلك ما يلي
1 -
ما ذكره ابن عبدالبرت 463 هـ في التمهيد، قال بسنده إلى عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء الى أن ينصدع الفجر احدى عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة، ويمكث في سجوده قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية، قبل أن يرفع رأسه فاذا سكت المؤذن بالأول من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن، وذكر ابن وهب في موطنه عن عمرو بن الحارث، ويونس بن يزيد، وابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة مثله
(1)
. وهذا الحديث ورد في موطأ ابن وهب هذا وقال في آخره: وبعضهم يزيد على بعض.
2 -
عزا ولي الدين أبو زرعة ت 826 هـ في المستفادة من مبهمات المتن، الاسناد الى موطأ ابن وهب كما يلي:
1 -
قيل: هو تميم الداري، وقيل: رجل من ثقيف، يكنى أبا تمام، اسمه
(1)
التمهيد لابن عبد البر 8/ 123 - في موطأ ابن وهب هذا 327
كيسان أبو نافع الدمشقي كما في مسند موطأ ابن وهب
(1)
وهذا الحديث ورد في مخطوطة ابن وهب من كتاب الأشربة برقم 50.
2 -
حديث جابر أن رجلا من جيشان من اليمن قدم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: المزر، الحديث، وهو ديلم الجيشاني، كذا في مسند موطأ ابن وهب
(2)
وورد هذا الحديث في كتاب الأشربة برقم 34، 35.
3 -
عزا الحافظ ابن حجر ت 852 هـ موضعين من كتبه فيما وقفت عليه وهما كما يلي:
1 -
قوله في الاصابة: وقع في موطأ ابن وهب حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو هند
(3)
، وهذا الحديث في الكتاب رقم 160
2 -
قوله في الفتح: عن عمرو بن يحييالمازني في موطأ عبد الله بن وهب عن مالك أن عمرو بن يحيى حدثه
(4)
وهذا ورد في كتاب الزكاة برقم 181 سندا ومتنا
ج - إنه بالنظر الى مادة الكتاب وكيفية تنظيمه وتصنيفه، ينبغي النظر الى جانبين: عام، وخاص.
* الجانب العام: بدراسة بيئة المؤلف من الجانب العلمي والثقافي ودراسة أسلوب التأليف في عصره ومقارنته بطريقة المصنف في تأليفه، نجد التشابه بينه وبين المؤلفين في عصره، واضح بين، في طريقة ترتيب الموضوعات على الأبواب والكتب، وايراد المادة العلمية من حيث التقديم والتأخير، والترتيب، وسأفصل ذلك في المبحث الثالث.
* الجانب الخاص: لدى مقارنة مادة الموطأ الصغير وكتب المؤلف الأخريكالجامع، والقدر، والمسند، يتبين لنا:
1 -
الاتفاق في الشيوخ الذين روى عنهم في هذه الكتب الثلاثة المذكورة.
(1)
المستفاد من مبهمات المتن والاسناد، ص:47.
(2)
المرجع السابق: 47.
(3)
الاصابة لابن حجر 4/ 211
(4)
فتح الباري 3/ 310.
2 -
الإتفاق في بعض الأحاديث المروية في الموطأ الصغير والكتب الأخرى، مثال ذلك ما ورد في كتابه الجامع: قال: حدثنا ابن جريج عن أبي مليكة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبغض الرجال الى الله الألد، الحديث، وهذا الحديث ذكره ابن وهب في موطئه سندا ومتنا في كتاب الصلاة، برقم 226
(1)
.
د - نسبة عدد من العلماء من المتقدمين والمحدثين كتاب الموطأ الى ابن وهب، ومن هؤلاء العلماء:
1 -
قال ابن عبد البر: قر أت على عبد الوارث بن سفيان موطأ ابن وهب
(2)
2 -
ذكر ابن حزم ت 4561 هـ مصنفات الحديث وأيها أولى بالتعظيم فرتبها ثم ذكر موطأ ابن وهب
(3)
بعد ذكره لموطأ مالك وابن أبي ذئب.
3 -
قال القاضي عياض ت 544 هـ، في ترجمة ابن وهب: وألف تأليف كثيرة جليلة النفع منها موطأة الكبير
(4)
.
4 -
قال ابن خلكان ت 681 هـ في ترجمته: صنف الموطأ الكبير والموطأ الصغير
(5)
.
5 -
وقال ابن ناصر الدين القيسي ت 842 هـ في ترجمته: ولابن وهب مؤلفات منها: موطأه الكبير والصغير
(6)
.
6 -
ذكر ابن خلكان في ترجمة سحنون ت 240 هـ وما عمله في الأسدية ومنهجه فيها قال: فرتب سحنون أكثرها وبوبه على ترتيب التصانيف، واحتج لبعض مسائلها بالآثار من روايته من موطأ ابن وهب وغيره (7) حتى
(1)
جامع عبدالله بن وهب: 70، تصوير المعهد الفرنسي بالقاهرة.
(2)
سير أعلام النبلاء للذهبي 17/ 85.
(3)
سير أعلام النبلاء للذهبي 18/ 203.
(4)
ترتيب المدارك للقاضي عياض 433/ 1.
(5)
وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 36.
(6)
اتحاف السالك برواة موطأ مالك، م لوحة رقم 99.
تسمت بالمدونة نسبة له.
7 -
وذكر صاحب كتاب رياض النفوس موطأ ابن وهب في عدة أماكن وهي كما يلى:
* في ترجمته لأبي سعيد المقري، قال: واسمه كيسان أدخله ابن وهب في موطنه
(1)
.
* وقال في ترجمة أبو الغصن السوسي: كان يحفظ موطأ ابن وهب عن ظهر قلب
(2)
.
* وذكر في ترجمة أبو عبيد مرة بن عقبة بن نافع الفهري قال: ابن وهب في موطئه
(3)
.
8 -
وذكر ابن الفرض ما يلي: أعطانا يونس بن الأعليكتبه على ابن وهب الموطأ والجامع فقابلناهما
(4)
.
9 -
وقال أبو إسحاق الشيرازي ت 476 هـ في ترجمة ابن وهب: وصنف موطأه الكبير والموطأ الصغير
(5)
.
10 -
قال الذهبي: موطأ ابن وهب كبير الى الغاية
(6)
.
11 -
وذكر ابن بدران في بداية المخطوطة ترجمة له وقال: وصنف الموطأ الكبير والموطأ الصغير
(7)
.
12 -
ذكر حاجي خليفة جملة من كتبه ومنها: الموطأ الكبير والموطأ الصغير
(8)
.
(1)
رياض النفوس لأبي بكر محمد المالكي، ت بعد 464 هـ 1/ 124.
(2)
رياض النفوس 2/ 162.
(3)
المرجع السابق 1/ 151.
(4)
تاريخ علماء الأندلس ص 461.
(5)
طبقات الفقهاء / 155.
(6)
تاريخ الاسلام، وفيات 191 300 - هـ / 266.
(7)
المخطوطة لوحة رقم 1.
(8)
كشف الظنون 2/ 1907.
13 -
وقال اسماعيل باشا: الموطأ الصغير لأبي عبد الله بن وهب المالكي المتوفى 197 هـ
(1)
.
14 -
وقال الشيخ محمد مخلوف في ترجمته: له تآليف حسنة عظيمة النفع منها سماعه من مالك، وموطأه الكبير، موطأه الصغير
(2)
.
وبهذا يتضح لنا جليا أن الموطأ الصغير هو لابن وهب الذي أقوم بتحقيق قسم منه.
موطأ عبدالله بن وهب الصغير
ومن خلال دراستي للكتاب والمصادر التي نقلت عنه، والمصادر التي ذكرته ونسبته لابن وهب، تبين لي أنه هو الموطأ الصغير وذلك لما يلي:
1 -
صحة نسبة الموطأ الصغير لابن وهب وأنه ألفه كما ذكر ذلك من المتقدمين: الشيرازي وابن خلكان
(3)
، وابن ناصر الدين القيسي
(4)
، وجمع كثير من المتأخرين كما سبق.
وقد استأنست محققة كتاب التحبير في المعجم الكبير منيرة ناجي سالم
(5)
بما ذكره حاجي خليفة
(6)
، واسماعيل باشا
(7)
، فذكرت بأن الموطأ الذي رواه السمعاني والذي ينتهي سنده براوي الكتاب محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن عبدالله بن وهب أنه هو الموطأ الصغير.
2 -
ما ذكر في مقدمة رجال ابن وهب لابن بشكوال من أنه اختص برجال
(1)
هدية العارفين لأسماء المؤلفين 1/ 438.
(2)
شجرة النور الزكية: 58.
(3)
وفيات الأعيان 3/ 36.
(4)
اتحاف السالك برواة موطأ مالك لوحة رقم 99.
(5)
حاشية في المعجم الكبير للسمعاني.
(6)
كشف الظنون 2/ 1907.
(7)
هدية العارفين لأسماء المؤلفين 1/ 438.
موطأ ابن وهب
(1)
وبلغ فيه عدد الشيوخ 273 شيخا، وعند النظر وجدت أن 71 شيخا منهم في الكتاب الذي أحققه، وقد أفردتهم وبينت عدد أحاديث كل شيخ، فدل ذلك على أن الشيوخ البياتين يخصون الموطأ الكبير
(2)
.
3 -
استعمال المؤلف [من] للتبعيض عند بداية كل كتاب، فهو يقول عند بداية كل كتاب:[من كتاب الأشربة]، [من كتاب المناسك]، فدل على أنه الموطأ الصغير كأنه اختصره من الكبير.
وفي ختام هذا المقام الذي أثبت فيه ما توصلت اليه بالأدلة والنصوص من أن هذا كتاب الموطأ الصغير، أود أن أنبه الى أن الصفحة الأولى كتب أحد المطلعين على الكتاب وبخط مغاير، لعل هذا الجزء من موطأ الامام .. وهذا القول لا يؤيده دليل ولا تسعفه النصوص.
(1)
شيوخ ابن وهب، لوحة رقم 1.
(2)
المرجع السابق، لوحة رقم 1.
المبحث الثاني وصف النسخة
اعتمدت في ضبط هذا النص وابرازه على نسخة فريدة وهي من مكتبة شيستر بيتي برقم 3497، وهي مصورة في ميكروفيلم بالجامعة الاسلامية برقم 150، وفيها 56 لوحة، وفيها نقص في آخرها وطمس.
وذكرت لي نسخة في مكتبة ولي الدين في اسطنبول، برقم 862، فذهبت الى المكتبة ووجدت المخطوطة قطعة من كتاب البخاري.
وكذلك يوجد في مكتبة المخطوطات في الجامعة ميكروفيلم برقم 7332، تحت عنوان: موطأ ابن وهب، وهو كتاب في النحو اسمه الفضه المضيئة في شرح الدرة الذهبية لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر.
وحاولت جاهدا الحصول على نسخة أخرى، فلم يتيسر لي ذلك مع بحثي في الداخل في الجامعات والمكتبات الخاصة، والخارج، فقد سافرت لعدة دول اسلامية وغربية ولكني لم أجد سوى هذه النسخة، ووجدت منها عدة صور كلها نسخت بخط واحد، ووجدت أحسن هذه الصور وأتمها وأوضحها تصويرا، نسخة وجدتها في (المانيا)، وهي تتكون من احدى وستين لوحة عدد أسطر كل صفحة سبعة عشر سطرا.
خطها واضح جيد، مغربي، يشبه خط النسخ، ويلتزم الناسخ بتوضيح أول الحديث بخط غليظ هكذا (أخبرنا) أو (حدثنا) عند بداية كل سطر، وعند نهاية الحديث يضع (هـ).
والورقة الاخيرة فيها طمس آخرها، وكتب فيها: نسخ من اول الكتاب الى هنا الشيخ الامام أصيل الابعد أبي منصور، واسم الناسخ يتخلله طمس.
وعليها سماعات من الحسين بن محمد الطبري
(1)
، والشيخ الامام أبو سعد الفتح أحمد بن أبي بكر الطوسي.
وسماعهم سنة ثلاث وعشرون يتخلل ذلك طمس.
فالذي يظهر أن المخطوطة كتبت في القرن الخامس، لأن خط السماع وخط المخطوطة واحد.
(1)
الحسين بن محمد الطبري أبو عبدالله الكشفلي، من فقهاء الشافعية ت 424 هـ، ودفن بمقبرة
التعريف بالكتاب أهميته، ومصادره، ومنهج مؤلفه
ألف هذا الكتاب في فترة زمنية متقدمة في القرن الثاني، وفي تلك الفترة نشط التيار العلمي، وكتابة الحديث، وظهرت مدونات حديثية مختلفة، في أوقات متقاربة، فبعد أن كان أهل الحديث يجمعون الأحاديث المختلف في الصحف والكراريس، أصبحوا يرتبون الأحاديث على الكتب والأبواب، وتشمل هذه المصنفات الأحاديث النبوية، وما يتعلق بها، واختلفت تسمية العلماء لهذه المصنفات، فبعضهم يسميها موطأ، وبعضهم يسميها جامعا، وبعضهم يسميها مسندا وغير ذلك.
والظاهر أن ابن وهب صنف موطأه في فترة سبق فيها الى هذا الاسم، فقيل: ان أول من الف كتابا سماه الموطأ هو عبد العزيز بن الماجشون، ت 164 هـ، وجعله كلاما بغير حديث، ونظر اليه مالك وقال: ما أحسن ما عمل، ولو كنت أنا لبد أت بالآثار
(1)
.
ثم ألف مالك ت 179 هـ موطأ وبد أه بالآثار وضعنه أقوال التابعين ومسائل الفقه، وألف ابن أبي ذئب ت 158 هـ موطأ
(2)
، أكبر من موطأ مالك، ثم ألف ابن وهب موطأه وجرده من أقوال التابعين والمسائل الفقهية، فيكون أخذ اسم الموطأ من شيخه مالك.
ويظهر أنه استفاد من منهج شيخه مالك في ترتيب وتبويب الكتاب، وجعله عليكتب الفقه، ومن طريقته في تصنيف المادة العلمية، وقد يكون استفاد من شيخه ابن الماجشون حيث تتلمذ عليه وروى عنه كتبه المصنفة
(1)
ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 195.
(2)
سير أعلام النبلاء للذهبي 18/ 203، والموطأ لمالك د / نذير حمدان، 69 - 70.
في الأحكام
(1)
.
وكان شروع ابن وهب في تأليف موطأه بعد قدومه على المدينة، وطلبه العلم على شيخه مالك، فاقتدى به وصنف مثله كتاب الموطأ خصوصا أنه حفظه في الطريق قبل القدوم عليه
(2)
.
قال الحافظ أبو موسى المديني: سمعت في صغري من يذكر أنه لما صنف مالك بن أنس رحمه الله كتاب الموطأ صنف بعده عبدالله بن وهب المصري رحمه الله كتابه الذي سماه الموطأ، فأخبر مالك به، فقال: يبقى ما كان لله تعالى.
وهكذا يظهر تأثر ابن وهب بشيخه مالك خصوصا أنه مكث معه احدى وثلاثين سنة، فقلده في الاسم والمنهج والترتيب.
أهمية الموطأ:
لا شك في أن هذا الموطأ الذي ألفه امام من أئمة المسلمين البارزين، وعالم من أكبر حفاظ أهل زمانه، نال الحظوة والمكانة العظيمة عند الأمة الاسلامية، وفي أوساط المحدثين خاصة، ولأنه جامع لعلم أربعمائة شيخ، فهو يدور عليه حديث مصر، والحجاز، وما الى تلك البلاد، وتفرد عن غير شيخ
(3)
.
لذلك يعتبر كتابه هذا أصلا ومصدرا مهما متقدما، اعتمد عليه من أتى بعده من اللاحقين المتأخرين عنه، وعزوا له وجعلوا كتابه موضع عناية، فخرجوا كثيرا من أحاديثه سندا ومتنا، من ذلك: ما أخرجه البيهقي في سننه الكبرى فقيه من أحاديث هذا الموطأ الكثير جدا وأحمد في مسنده وأصحاب السنة الستة والطحاوي في مشكل الآثار وسحنون في المدونة فهؤلاء أكثروا ولا سيما البيهقي كما يتضح في التخريج
(1)
تهذيب التهذيب 6/ 44.
(2)
اتحاف السالك برواة موطأ مالك، لأبي عبدالله محمد بن أبي بكر ناصر الدين القيسي الدمشقي، لوحة 99 - 100.
(3)
الكامل في ضعفاء الرجال للعقيلي 4/ 1521.
وتميز هذا الموطأ بتفرد ابن وهب ببعض الأحاديث، وأيضا بروايته عن عدد من شيوخه، فيجمع بينهم في موضع واحد، وقد يبين الاختلاف بينهم.
وقد اهتم به العلماء وجعلوه موضع عناية ودراسة.
يقول ابن بشكو ال: في مقدمة كتابه (شيوخ ابن وهب) وكانوا أيدهم الله قد وقفوا هذه المدة اهتمامهم على النظر في موطأ ابن وهب، وصرفوا عنائهم لضبط رواياته، وتقييد أسانيده وحفظ رواته، اذ كان أشرف ما ألف وأحسن ما صنف
(1)
.
ولقد كان طلاب الحديث اذا قدموا الى مصر حرصوا على روايته وربما أعطوا مالا لسماعه وروايته، قال سعيد بن عثمان: لما قدمنا مصر وجدنا ابن أخى ابن وهب، فجمعنا له دنانير وأعطيناها إياه فقرأ علينا موطأ عمه وجامعه
(2)
.
وقد كان اتقان الموطأ ومعرفته وحفظه منقبة تذكر لمن تيسر له ذلك، قال صاحب رياض النفوس في ترجمة ابى الغصن السوسي: كان يحفظ موطأ ابن وهب عن ظهر قلب
(3)
.
فهذا يدل على أهميته، وكذلك صنيع السمعاني في انتقائه بالتمثيل به مع كثرة مرويات عن شيخه أبى الحلبي، حيث يقول: سمعت منه الكثير، فمن جملة ما سمعت منه كتاب الموطأ، وساق سنده الى عبد الله بن وهب.
فتخصيصه الموطأ من جملة مروياته فيه قرينة على قدره عنده وعظيم منزلة مؤلفه، فمصنفاته موضع عناية ورعاية، لذلك حرص العلماء عليها.
قال سحنون: كادت كتب ابن وهب تفوتني، وبالله ما تشتري بكتاب منها الدنيا وما فيها، وما عميت عن مسألة قط الا وجدت فرجها في كتب ابن وهب
(4)
وذلك لما احتوته من قيمة علمية.
قال سحنون فيكتاب الصمت من جامع ابن وهب: هذا الكتاب يورثه الرجل ولده خير من أن يورثه الدنيا بجميع ما فيها
(5)
.
(1)
شيوخ ابن وهب لابن بشكوال، لوحة رقم 1.
(2)
جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، للحميدي:140.
(3)
رياض النفوس، لأبي بكر المالكي 1/ 373.
(4)
رياض النفوس 1/ 373.
(5)
المرجع السابق 373/ 1.
قال أبو يعلى الخليلي: نظر الشافعي في كتب ابن وهب، ونسخ أكثرها
(1)
.
وقال القاضي عياض ت 544 هـ، واصفا مؤلفاته ومبينا حالها، قال: وألف تآليف كثيرة جليلة المقدار، عظيمة النفع
(2)
، ثم ساقها، ووصف الشيخ محمد مخلوف كتبه بقوله: وله تآليف حسنة عظيمة النفع
(3)
.
(1)
المنتخب في الإرشاد 1/ 355.
(2)
ترتيب المدارك 1/ 433.
(3)
شجرة النور الزكية: 58.
مصادره
:
لا ريب أن الامام عبدالله بن وهب رحمه الله تعالى، استفاد وتلقى معظم مروياته من شيوخه الذين كانت لهم أصول مدونة وكان لهم سبقا للتصنيف والتأليف، وذلك بسماعه المباشر عنهم، كما أنه استفاد من شيوخه وأخذ عنهم مباشرة ممن لم يكن لهم كتب، فشيوخه الذين أخذ عنهم كثر، وقد ذكرتهم في فصل شيوخه وعدد الأحاديث. التي رواها عنهم في هذا الموطأ.
ومن ملاحظة كثرة الأحاديث التي رواها والتي تدل على طول ملازمته، وبالرجوع الى المصادر التي تشير إلى أن لشيوخه كتبا وقد تذكر أن ابن وهب رواها عنهم، فيمكن بذلك معرفة المصادر التي اعتمد عليها في تصنيفه، فممن أخذ عنهم في المرتبة الأولى، شيخه الذي لازمه من سنة 148 هـ الى وفاته سنة 179 هـ
(1)
، مالك بن أنس، وتبلغ مرويّا ته. عنه ثمان وخمسون رواية، ويليه في المرتبة شيخه المصري عبد الله بن لهيعة، الذي عد الساجي وغيره روايته عنه
(2)
، وهو صاحب كتب كثيرة، احترقت سنة 169 هـ وكانت كتبه صحيحة وصحيفته في الحديث تعتبر من أقدم مجموعات الحديث، وتبلغ مروياته عنه اثنتان وأربعون حديثا، ثم عبد الله بن عمر بن حفص
(3)
روى عنه ثلاث وثلاثون حديثا وهو الذي عمد اليكتب عبيدالله فرواها، ثم يونس بن يزيدالأيلي أبو يزيد، روى عنه ثلاثون حديثا وكان له كتاب
(1)
إتحاف السالك برواة موطأ مالك لأبي عبد الله محمد بنناصر الدين القيسي، لوحة 99.
(2)
تهذيب التهذيب 5/ 379، وهي موجودة ضمن مجموعة أوراق البردى - بهيدلبرج - وقد عمل عليها المستشرق نيلكس موراني بألمانيا دراسة في وريقات، وقد قابلته وأعطاني تلك الدراسة في بون في جامعة الدراسات.
(3)
تهذيب التهذيب 5/ 328.
يصححه ابن المبارك، وذكر أحمد أنه يكتب حديث الزهري، والليث بن سعد، روى عنه ست عشرة رواية، ولابن وهب صلة وثيقة به وكان كثير التصانيف
(1)
، وشيخه عمرو بن الحارث روى عنه سبع وعشرون حديثا
(2)
، ويحيى بن أيوب
(3)
روى عنه ست عشرة حديثا.
فبذلك يتبين أن مصادره واعتماده على الأصول الموجودة لدى شيوخه التي سمعها ورواها عنهم مباشرة، أو سمع من محفوظات شيوخه الذين لم يكن لهم أصول، وكانوا يعتمدون على حفظهم.
(1)
تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 226.
(2)
تهذيب التهذيب 8/ 14.
(3)
تهذيب التهذيب 11/ 188.
منهجه في موطئه الصغير
هذا كتاب ألفه الامام عبدالله بن وهب عليأبواب الفقه، وجعله على كتب، فذكر أحاديث من الميتة، ثم كتاب الأشربة، ثم كتاب المناسك، ثم كتاب الزكاة، ثم كتاب الصلاة، ثم كتاب النكاح، ثم كتاب الصيام، وهذا المنهج في التقديم والتأخير بهذا الترتيب كان يفعله القدماء في تلك الفترة الزمنية لعصر عبد الله بن وهب، فمصنف عبد الرزاق ذكر الطهارة، ثم الصلاة، ثم فضائل القرآن، ثم الجنائز، فذكر فضائل القرآن بعد الصلاة، وأتبعها بالجنائز.
وكذلك مصنف ابن أبي شيبة، فذكر الطهارة، ثم الصلاة، ثم الصوم، ثم الزكاة، ثم الجنائز، ثم الحج، فذكر الجنائز بين الزكاة والحج، وكذلك ترتيب الموطأ لمالك، يختلف بحسب الروايات عنه في تقديم الموضوعات وتأخيرها والحذف والاضافة، فترتيبه للكتاب على هذه الصورة كان سائدا في ذلك العصر.
أما منهج ابن وهب في الرواية، فقد يجمع بين شيوخه وأحيانا يبين زيادة بعضهم على بعض، فيقول: أخبرني مالك بن أنس ويونس بن يزيد، والليث بن سعد، أن ابن شهاب حدثهم عن أبي بكر بن عبد الرحمن، أن أبا مسعود عقبة بن عمر حدثهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، إلا أن يونس قال: في الحديث ثلاثة هنّ
سحت
(1)
، وتارة يفرد ولا يجمع، فيقول مثلا: أخبرنا ابن جريج، عن ابى الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا لم يجد شيئا ينبذ له فيه ينبذ له في نور من حجارة
(2)
.
وقد يروى عن جماعة من شيوخه ثم يقول: وبعضهم يزيد على بعض.
وكذلك منهجه في التحمل والأداء، فهو دقيق في استعمال الألفاظ الدالة على طريقة التحمل، والتفريق بينها على اعطاء كل لفظة دلالة خاصة بها، فهو أول من أنشأ ذلك ووضعه نهجا للمحدثين من بعده أو أن له الصدارة في بلده مصر خاصة.
وكتابه هذا فيه دعامة ودليل بين على ذلك، فعند استعراضه والنظر في منهجه وطريقة تحمله وأدائه للرواية تبين ذلك، فهو يستخدم عدة صيغ كل صيغة تدل على طريقة التحمل والأداء وهي كما يلي:
أخبرني: وهي الأكثر، ومرة أخبرنا، وأخبراه، وأخبرك ..
وكذلك: حدثني، وحدثنا، وقد يرمز لها ب ثنا، وحدتك، وكذلككتب: لي وبطبيعة الحال انتقلت هذه الطريقة في الرواية الى راويي الكتاب تلميذي ابن وهب: محمد بن عبد الحكم الذي روى أحاديث في الميتة من أول الكتاب، ثم كتاب الأشربة، وكتاب المناسك، ثم كتاب النكاح، ثم بحر بن سابق، الذي روى باقي الكتاب إلى نهايته فهو يؤدي الرواية بصيغة أخبرنا، ويرمز لها ب أنا، اختصارا، وبحر يقول مرة:
قريء على ابن وهب، ومرة يقول: قريء على ابن وهب وأنا أسمع.
ثم تلميذهما الأصم فيقول: أخبرنا في روايته عن محمد بن عبد الحكم، وحدثنا في روايته عن بحر بن سابق.
وكذلك من منهج ابن وهب الاختصار، فإنه يعدد الاسناد ومتنه ثم يتبعه
(1)
الحديث رقم: 10، 89.
(2)
الحديث رقم: 30
باسناد آخر، يقول فيه: نحوه، أو مثله، أو مثل ذلك.
وقد روى عن عدد من الرجال الضعفاء والمتروكين، وقد أفردتهم في فهرس مستقل
(1)
ويبلغ عددهم سبعة وعشرون رجلا، وذلك يرجع اليكثرة مشائخه ومروياته، فيقول عن نفسه:
لولا أن الله أنقذنى بمالك والليث لضللت، فقيل له: كيف ذلك؟ قال:
أكثرت من الحديث، فحيرني، فكنت أعرض على مالك والليث، فيقولان:
خذ هذا، ودع هذا
(2)
.
وأغلب أحاديث الموطأ مرفوعة وتوجد بعض الأحاديث مرسلة ومنقطعة
(3)
.
وكذلك بعض الآثار وقد بينت ذلك في التحقيق ..
(4)
(1)
انظر صفحة: 448.
(2)
الديباج المذهب لابن فرحون: 133.
(3)
من الأحاديث المرسلة مثل: 11، 419.1، 81، 83.
(4)
من الآثار، انظر: 1، 9، 36، 47، 61، 77، 82، 84، 85، 86، وغير ذلك.
الفصل الثاني عملي في التحقيق
* اعتمدت في التحقيق على نسخة فريدة.
ولكن هذه النسخة صحيحة، جيدة، واضحة الخط، ويندر فيها الغلط المخل، ولا تخلو منه بعض الأحيان، ولكن بفضل الله وتوفيقه تغلبت على ذلك من طريق الكتب والمسانيد الأخرى، التي يكون فيها ذلك الحديث.
مع أني لم آل جهدا في البحث عن نسخة أخرى، حيث سافرت لعدة دول بحثا عن نسخة أخرى، ناهيك عن المكتبات داخل المملكة، وفي سائر جامعاتها، والمكتبات الخاصة، ولكني لم أجد سوى هذه النسخة، ووجدت منها عدة صور، كلها نسخة واحدة بخط واحد، وتعددت تصويرها عند الناس، ووجدت أحسن هذه الصور وأوضحها تصويرا نسخة وجدتها في (المانيا).
* حاولت التثبت في توثيق نصوص الكتاب بما جاء عن المؤلف عند غيره، ووجدت كثيرا من نصوص هذا الموطأ سندا ومتنا في السنن الكبرى للبيهقي، ثم صحيح مسلم، ثم البخاري، ثم مدونة سحنون، ثم مسند. الامام أحمد، ثم شرح معاني الآثار، ثم موطأ مالك.
* أثبت الفروق في الحاشية اذا وجدت.
* ترجمت لكل الرجال الموجودين في المسند مطلقا، سوى الصحابة، وبعض الأحيان أشير الى الصحابي اذا كان مقلا في الحديث، واقتصرت على الترجمة الموجودة في التقريب والتهذيب للحافظ ابن حجر
، الا اذا لم يوجد فيه، فآخذها من غيره، وغالب ذلك في كتابه تعجيل المنفعة، أو البخاري في التاريخ الكبير، أو الجرح والتعديل للرازي، أو شيوخ ابن وهب. لابن بشكوال جزء مخطوط.
* ضبطت الأسماء أو الكلمات التي دعت الحاجة لضبطها، بالاضافة الى تصحيح النصوص المحرفة، أو المصحفة، في الحاشية مع ابقاء الأصل على حاله، أما الكلمات التي رسمها يخالف الاملاء في الوقت الحاضر فاني قمت بتغييرها ولم أشر الى ذلك في الحاشية لكثرة ذلك، مثل كتابة معونه، والحارث وإسحاق، وسليمان - انظر الحديث رقم 1، 183.
* رقمت الأحاديث ترقيما تسلسليا، وهو الرقم الذي يوجد في مقابل الحديث تماما واذا كان بحث الحديث يزيد على ورقة تركت الرقم في باقي بحث الحديث، حتى ينتهي بحثه، وجعت لكل كتاب رقما مستقلا بجانب رقم تسلسل الأحاديث، والغرض من ذلك بيان عدد أحاديث كل كتاب.
* خرجت الأحاديث والآثار والأقوال، من الكتب المعتمدة المشهورة المتداولة، فأقول: أخرجه البخاري - مثلا - من كتب التخريج، أما غير كتب التخريج فأقول: ذكره - الزيلعي مثلا - بدون ذكر التخريج.
وأقدم في الغالب ما وافق المؤلف في التخريج، قائلا: أخرجه البيهقي سندا ومتنا، أو مسلما في صحيحه - مثلا - أو من رواه من طريقه، وغالبا أراعي ترتيب الكتب الستة: البخاري، ثم مسلم، ثم أبو داود، ثم الترمذي، ثم النسائي، ثم ابن ماجة، أما غير الستة فأراعيه تارة بالأقدم، ولا أستلزم ذلك.
* أدرس رجال كل حديث، وأبين ما قيل فيه من تعديل أو تجريح، معتمدا
في ذلك على الحافظ ابن حجر، الا اذا تعارضت أقواله في التجريح والتعديل، فآخذ من غيره مبينا حال ذلك الراوي أكثر فأكثر.
واذا كان في السند راو متروك، أو ضعيف، أقول: في هذا السند فلان، وهو متروك أو ضعيف -، فاذا كانت له متابعات، أو شواهد، بينت ذلك، واكتفيت بهذا عن الحكم على الحديث من ناحية السند.
أما اذا كان في الحديث انقطاع بينت ذلك حسب اطلاعي وجهدي.
* بينت مواضع الآيات الواردة في النص بذكر السورة، ورقم الآية فيها * عرفت بالأماكن التي تحتاج الى تعريف، مع قلة ذلك في النص.
* شرحت المفردات الغريبة اللفظ، معتمدا في ذلك في الغالب على النهاية في غريب الحديث، أو لسان العرب، أو القاموس المحيط، وغير ذلك.
* بينت عند أول ترجمة الراوي للحديث من خرج له من الكتب مستعملا في ذلك منهج الحافظ ابن حجر في كتابيه: تقريب التهذيب، وثيب التهذيب، جاعلا ذلك بين معقوفتين هكذا [ع]، أو غير ذالت، مما سأبينه في شرح الرموز المستعملة.
* وقد استعملت بعض الألفاظ، من ذلك: أخرجه البخاري (انظر الفتح) أعني أنه أخرجه البخاري في شرح فتح الباري، (والتقريب) أعني به تقريب التهذيب، (والتهذيب) أعني به تهذيب التهذيب، (والفتح الرباني) أعني به ترتيب مسند أحمد للساعاتي.
* وضعت عدة فهارس:
* فهرس مجمل لمحتويات الرسالة.
* فهرس للآيات الواردة في المخطوطة.
* فهرس للأحاديث الواردة في المخطوطة.
* فهرس خاص بالأعلام المترجم لهم سواء كانوا شيوخ ابن وهب أم شيوخ شيوخه من الذين ذكروا في موطأ ابن وهب هذا عموما.
* فهرس لشيوخ ابن وهب الوارد ذكرهم في موطنه الصغير، هذا الذي أنا بصدد تحقيقه، ومذكورين أيضا في مخطوطة شيوخه العامة لابن بشكوال، مبينا صاحب الترجمة في هذا الموطأ، وفي مخطوطة شيوخ ابن وهب، مع افراد قائمة بالشيوخ المتكلم فيهم بالترك أو الضعف.
* فهرس لباقي شيوخ ابن وهب الواردين في مخطوطة شيوخه لابن بشكوال، ولم يرد ذكرهم في موطئه الصغير، ولعلهم في موطئه الكبير، لأن في المخطوطة لابن بشكوال أن هؤلاء الشيوخ في موطأ ابن وهب، ولم يبين الصغير منه ولا الكبير، وهذان الفهرسان ضمن الدراسة الخاصة بابن وهب.
* اما فهرس الاعلام المترجم لهم فهذا مستقل مع فهرس الآيات والمواضيع.
* فهرس للمصادر والمراجع مرتبة على حروف المعجم.
* فهرس مفصل لموضوعات الرسالة ..
****