الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن من أفضل نعم الله على العبد أن يوفقه إلى طلب العلم، ويسهل له سبل ذلك، وإن من أعظم أبواب طلب العلم علم الفقه؛ إذ الفقه في دين الله من أعظم ما تقرب به إلى الله تعالى، تعلماً، وتعليماً، وكتابةً، ودعوةً، وقد أولاه العلماء كل اهتمامهم، وبذلوا فيه جهودهم من أجل بيان الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام.
وإن من أهم مسائل الفقه؛ فقه المعاملات المالية المعاصرة، ومن المسائل المهمة التي يجب معرفة أحكامها الفقهية "عقود التمويل الإسلامي".
وقد تشرفت بتدريس هذه المادة في كلية الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عدة مرات، ولاحظت أثناء تدريسي لهذا المنهج عدم وجود كتاب يغطي المنهج الذي وضعته هذه الجامعة المباركة ويتناسب مع فهم الطلاب، فعقدت العزم على كتابة مادة علمية تعين الطلاب، وتكون مرجعاً لهذه المادة.
وحرصت على تغطية مفردات المنهج المقرر من الجامعة، على حسب الخطة الموضوعة من قبل قسم الفقه في كلية الشريعة في جامعة الإمام.
وقد استفدت من المشايخ الفضلاء الذين درسوا هذا المنهج، وهم:
فضيلة الشيخ الأستاذ/ الدكتور يوسف الشبيلي.
فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الله التميمي.
فضيلة الشيخ/ عبد الله الفضلي.
جزاهم الله خيراً وجعل علمنا جميعاً خالصاً لوجهه.
وقد تم تقسيم الكتاب إلى تمهيد وفصلين.
التمهيد: وفيه بيان أهمية عقود التمويل، ونشأة هذه العقود.
الفصل الأول: مقدمات في عقود التمويل، وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: مقدمة في العقد.
المبحث الثاني: تعريف التمويل وبيان خصائصه وضوابطه.
المبحث الثالث: المصارف الإسلامية
المبحث الرابع: الأصل في المعاملات المالية.
المبحث الخامس: الحيل في عقود التمويل.
الفصل الثالث، وفيه أحدى عشر مبحثاً.
دراسة لبعض عقود التمويل المعاصرة.
المبحث الأول: القرض.
المبحث الثاني: التقسيط.
المبحث الثالث: التورق.
المبحث الرابع: المرابحة.
المبحث الخامس: السلم.
المبحث السادس: الاستصناع.
المبحث السابع: الإجارة المنتهية بالتمليك.
المبحث الثامن: الشركات.
المبحث التاسع: المشاركة المتناقصة.
المبحث العاشر: البطاقات المصرفية.
المبحث الحادي عشر: المقاولة.
المبحث الثاني عشر: صكوك الإجارة.
التمهيد: بيان أهمية التمويل
تعتبر عقود التمويل من المعاملات المالية الكبيرة التي تقوم بها المصارف بشكل عام، والمصارف الإسلامية بشكل خاص.
وهذه العقود تعد من العقود ذات الأهمية البالغة - سواءً على التنمية الاقتصادية للدولة (على مستوى الدولة)، أو لتلبية حاجات الأفراد؛ فالتمويل - كما هو معلوم- قد يكون تمويلاً لشركات، وقد يكون تمويلاً لأفراد. والشركات بحاجة الى النقد إذا توافرت سيولة لديها بشكل مستمر.
وحيث إن القرن الحادي عشر الهجري يعد البداية الفعلية لنشأة البنوك الحديثة حيث قام أول بنك منظم في مدينة البندقية (1007 هـ- 1587 م)، ثم أنشئ على مثاله بنك أمستردام الهولندي، سنة (1029 هـ- 1609 م).
ويعد هذا البنك هو الأنموذج الذي احتذته معظم البنوك في أوروبا التي أسست فيما بعد مع مراعاة اختلاف الظروف من بلد لآخر، ثم انتقل هذا النظام بحذافيره إلى بلاد المسلمين بسبب الاستعمار، وبسبب ولع وإعجاب بعض تجار المسلمين بالغرب.
وبعد أن جرّب الناس المصارف الربوية، وأثبتت فشلها، وفلسها، نشأت المصارف الإسلامية
(1)
، بقناعة من القائمين عليها، وحققت نجاحات عدة ولله الحمد. وأصبح لهذه المصارف حضورها في السوق المالية وبقوة، حتى أننا صرنا نشهد في السنوات القليلة الماضية ظاهرة المالية الإسلامية على صعيد عالمي.
ومع الفرح والاغتباط بهذا التوسع في المصرفية الإسلامية، فإن الأهم من ذلك، هو الاتجاه لضبط هذه المصارف، وعدم خروجها عن الهدف الذي أنشئت من أجله.
ومن المعاملات المالية الكبيرة التي تقوم بها المصارف بشكل عام، والمصارف الإسلامية: عقود التمويل.
وهذه العقود حصل فيها تجاوزات، وخلل كبير في تطبيقها، من قبل بعض المصارف الإسلامية، فضلاً عن المصارف التقليدية.
(1)
وكانت بدايات فكرة البحث عن البديل الإسلامي في المؤتمر السنوي الثاني عام 1334 هـ الموافق لعام 1965 م، والثالث عام 1335 هـ الموافق لعام 1966 م لمجمع البحوث الإسلامية حيث كان من توصياته مواصلة دراسة البديل المصرفي الإسلامي وطريقة تنفيذه بالاستعانة بالاقتصاديين. ودعا المؤتمر السنوي السادس إلى إنشاء مصرف إسلامي يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء كانت أول محاولة أو تجربة لتنفيذ هذه الفكرة في منطقة ريفية في الباكستان في نهاية الخمسينيات، أما التجربة الثانية فكانت في الريف المصري في عام 1382 هـ الموافق لعام 1963 م في (ميت عمر)، وبالرغم من عدم نجاح هاتين التجربتين إلا أن السبعينات شهدت انطلاقة جديدة في عام 1390 هـ الموافق لعام 1971 م لتأسيس مصرف يقوم على استبعاد الفائدة فأنشئ مصرف ناصر الاجتماعي في مصر، ثم بعده البنك الإسلامي للتنمية عام 1394 هـ الموافق 1974 م، وبنك دبي الإسلامي عام 1395 هـ الموافق لعام 1975 م وهكذا توالت المصارف الإسلامية حتى أصبح إلى الحال على ما نراه اليوم ولله الحمد. أول نشأتها في عام 1376 هـ الموافق 1957 م. [ينظر: حركة البنوك الإسلامية (ص: 368)].
فبسبب كون معاملات المصارف الإسلامية المالية تتجه نحو الأمان والربح أكثر مما تتجه نحو الرؤية والأهداف، وقعت بعضها في أخطاء وتجاوزات في العقود التمويلية، حتى اقتربت بعض معاملات المصارف الإسلامية في هذه العقود من ممارسات المصارف الربوية، ومن بوابة " المواعدة الملزمة " في المرابحة للآمر بالشراء دخلت العقود المحرمة باسم المواعدة وليس باسم العقد! وصار دور كثير من الهيئات الشرعية في بعض هذه المصارف البحث عن المخارج الشرعية للعقود المحرمة، عبر الحيل والمخارج عند الفقهاء السابقين، حتى ولو أدى الأمر لنبش الأقوال الشاذة والمهجورة، من أجل تجويز تلك العقود الصورية! وهذا الذي جعل فقهاء الصيرفة الإسلامية - والحريصين على المصارف الإسلامية - يوجهون النقد لهذه المصارف التي انحرفت عن الهدف المقصود منها.
ولهذا يقول الدكتور أحمد النجار وهو الخبير بالنظرية الإسلامية في الاقتصاد، يقول:«هناك حملة على البنوك الإسلامية، وهناك تشوية متعمد، وهناك كذب واختلاق، وهناك كيد وافتراء .. كل هذا صحيح ومشهود. ولكن هناك أيضاً أخطاء وانتهاكات مصدرها بالدرجة الأولى هو عدم الالتزام الواجب من جانب تلك البنوك والعاملين فيها بمقتضى الأسس التي تقوم عليها نظرية البنك الإسلامي»
(1)
.
وهذا الذي جعل بعض وسائل الإعلام يطلق على البنوك الإسلامية "البنوك الإسلاربوية "!
ولهذا فالحاجة لمعرفة الأحكام الشرعية لهذه العقود من أوجب الواجبات، والتأصيل لها، ودراستها، خاصة وهي عقود مستجدة، هو من فروض الكفايات، ومن أهم ما يجب على طلبة العلم العناية به.
(1)
ينظر: حركة البنوك الإسلامية (ص: 588).
والاهتمام بمعرفة أحكام المعاملات المالية هو جزء من معرفة دين الله تعالى، وبيانه للناس.
جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع (3/ 145) في بيان أهمية معرفة أحكام البيع: «وهو مما ينبغي أن يهتم به، لعموم البلوى إذ لا يخلو مكلف غالبا من بيع وشراء، فيجب معرفة الحكم في ذلك قبل التلبس به، وقد حكى بعضهم الإجماع على أنه لا يجوز لمكلف أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، وبعث عمر رضي الله عنه من يقيم من الأسواق من ليس بفقيه» .
ولهذا فإن قيام المسلم بممارسة البيع والشراء دون معرفة الأحكام المتعلقة فيهما قد يوقعه في الحرام. وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال:(يا معشر التجار)، فاستجابوا للنبي صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم إليه، فقال:(إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى وبر وصدق)
(1)
.
جاء في المدخل لابن الحاج: «وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب بالدرة من يقعد في السوق، وهو لا يعرف الأحكام ويقول: لا يقعد في سوقنا من لا يعرف الربا أو كما كان يقول. وقد أمر مالك رحمه الله بإقامة من لا يعرف الأحكام من السوقة لئلا يطعم الناس الربا.
سمعت سيدي أبا محمد رحمه الله يذكر أنه أدرك بالمغرب المحتسب يمشي على الأسواق ويقف على كل دكان فيسأل صاحب الدكان عن الأحكام التي تلزمه في سلعه ومن أين يدخل عليه الربا فيها وكيف يتحرز عنها، فإن أجابه أبقاه في الدكان وإن جهل شيئا من ذلك أقامه من الدكان، ويقول: لا يمكنك أن تقعد بسوق المسلمين تطعم الناس الربا أو ما لا يجوز»
(2)
.
(1)
أخرجه الترمذي (1210)
(2)
المدخل لابن الحاج (1/ 157).
وقد اعتنى فقهاؤنا رحمهم الله بأبواب المعاملات، وأصلوا هذه الأبواب، وذكروا فيها قواعد جامعة، يستطيع الإنسان وطالب العلم الانطلاق منها، حتى إن فقهاءنا ذكروا معاملات لم تقع؛ حتى إذا وقعت يكون طالب العلم على معرفة وإلمام بها، ولذلك لا تجد كتاب فقه إلا وفيه قسم مخصص لأبواب المعاملات.
ومما يبين أهمية تعلم فقه المعاملات المالية عموماً، وعقود التمويل على وجه الخصوص أن «هذه المعاملات المعاصرة التي يتعامل بها الناس اليوم قد أصبح التعامل بها منتشرا في كثير من أقطار الأرض، فالعالم الآن كما يقال أصبح كالقرية الواحدة وارتبط بعضه ببعض، ونشأ ما يسمى بالاقتصاد العالمي، ولهذا يستطيع الإنسان أن يحوّل أي مبلغ مالي لأي دولة في العالم، وذلك بسبب ارتباط هذا الاقتصاد بعضه ببعض.
وهذا الاقتصاد قد ارتبطت به البنوك، والإشكالية الكبيرة هنا، هو أن نظرة الإسلام لبعض العقود المالية تختلف اختلافا جذريا عن نظرة هذا الاقتصاد العالمي الذي قد ارتبطت البنوك به، تختلف في الأصل؛ ولذلك لا تعجب عندما يفتي بعض مشايخنا بمنع كثير من التعاملات البنكية، مع أن الأصل في باب المعاملات الحل والإباحة، وذلك بسبب أن هذه البنوك وما يسمى بالاقتصاد العالمي تختلف - في نظرتها - من الجذور، عن نظرة الإسلام، وأضرب لهذا مثالين:
المثال الأول: القرض " عقد القرض ":
القرض: هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله، هذا تعريفه عند الفقهاء. كيف ينظر الإسلام للقرض؟ وكيف تنظر البنوك للقرض؟
الإسلام ينظر للقرض على أنه من عقود الإرفاق والإحسان، ولهذا فإن صورة القرض في الأصل صورة ربوية؛ فمثلا عندما تقرض آخر عشرة آلاف ريال، هذا
مال ربوي نقد، وعند تبادل مال بمال لا بد من التقابض، فعندما تقرضه عشرة آلاف ريال مثلا يردها لك بعد سنة مثلا، هذه الصورة في الأصل صورة ربوية.
ولكن الإسلام استثنى هذه الصورة عن القرض، تشجيعا للناس على الإرفاق والإحسان والتعاون والتكافل فيما بينهم، فإذا أصبح القرض لا يراد به هذا المعنى وإنما يراد به الربحية والاستثمار خرج القرض عن موضوعه الأصلي الذي أبيح في الإسلام لأجله وهو الإرفاق والإحسان، ورجع لما كان عليه في الأصل وهو أن صورة القرض صورة ربوية، ولهذا يكون هذا القرض محرما، وهذا معنى قول الفقهاء:" كل قرض جرّ نفعا فهو ربا "؛ لأن صورة القرض في الأصل صورة ربوية، ولكنها استثنيت تشجيعا للإرفاق والإحسان، فإذا أصبح القرض لا يراد به الإرفاق والإحسان، رجعت صورة القرض لأصلها، وهو أنها صورة ربوية، هذه نظرة الإسلام، حيث يرى أن القرض يراد به الإرفاق والإحسان والتكافل بين المسلمين.
كيف تنظر البنوك للقرض- الاقتصاد العالمي والبنوك المرتبطة به -؟
تنظر للقرض على أنه وسائل للاستثمار والربحية، معلوم أن البنوك لا تقرض لوجه الله عز وجل إنما تقرض لأجل الاستثمار. وهنا تبرز الإشكالية، ترد علينا هذه الإشكالية، فنظرة الإسلام إذن للقرض تختلف اختلافا جذريا عن نظرة البنوك للقرض.
المثال الثاني: " الضمان ":
الضمان أيضا من عقود الإرفاق والإحسان، ولا يجوز أخذ عوض على الضمان، وقد اتفقت على هذا المذاهب الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية،
والحنابلة. لا يجوز أخذ عوض على الضمان، فالإسلام إذن ينظر للضمان على أنه من عقود الإرفاق والإحسان.
أما البنوك، فتنظر للضمان على أنه من وسائل الاستثمار والربحية؛ ولذلك ترد الإشكالية على أخذ عمولة على خطابات الضمان، وسوف نشرح لاحقا إن شاء الله تعالى هذا بالتفصيل.
وبذلك يظهر أن نظرة الإسلام للضمان تختلف اختلافا جذريا عن نظرة الاقتصاد العالمي والبنوك المرتبطة به لهذا العقد.
وهنا تبرز هذه الإشكالية؛ ولذلك لا تعجب كما ذكرت عندما تجد بعض المفتين يمنع كثيرا من التعاملات البنكية مع أن الأصل في هذا الباب الحل والإباحة»
(1)
.
ومن هنا يتبين لنا أهمية هذه المادة، وحاجة طلبة العلم لها.
* * * * *
(1)
ينظر فقه المعاملات المالية المعاصرة للخثلان (ص: 12 - 13).
الفصل الأول
مقدمات في التمويل
ويشتمل على خمسة مباحث:
المبحث الأول: مقدمة في العقد.
المبحث الثاني: تعريف التمويل وبيان خصائصه وضوابطه.
المبحث الثالث: المصارف الإسلامية
المبحث الرابع: الأصل في المعاملات المالية.
المبحث الخامس: الحيل في عقود التمويل.
المبحث الأول
مقدمة في العقد
أولاً: تعريفه:
العقد لغة: الربط والإحكام والإبرام بين أطراف الشيء سواء كان الربط حسياً أو معنوياً.
ومنه: الاعتقاد وهو ارتباط القلب بما انطوى عليه ولزمه، ويقال عَقَد النية وعَقَد اليمين، أي ربط بين الإرادة وبين ما التزم به، وعَقَد البيع والزواج، أي ارتبط مع شخص آخر.
العقد اصطلاحاً: للعقد عند الفقهاء معنيان: عام وخاص.
العقد بمعناه العام: هو كل ما عزم المرء على فعله سواء كان بإرادة منفردة كالوقف واليمين والطلاق، أو احتاج إلى إرادتين في إنشائه كالبيع والإجارة ونحو ذلك، أي: أن هذا المعنى يتناول الالتزام مطلقاً سواء كان من شخص واحد أو شخصين، فالعقد بالمعنى العام ينتظم جميع الالتزامات الشرعية.
العقد بمعناه الخاص: هو ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بالقبول من المتعاقد الآخر على وجه مشروع. مثال ذلك: البيع، ففيه إيجاب وقبول، فالإيجاب من البائع كأن يقول: بعتك هذا الشيء، والقبول من المشتري كأن يقول: اشتريت. ومتى ارتبط الإيجاب بالقبول وكانا صادرين من ذوي أهلية معتبرة شرعاً ثبت أثر البيع في محله، وهو انتقال ملكية المبيع للمشتري واستحقاق البائع الثمن.
ثانياً: أركان العقد:
1) العاقدان، كالبائع والمشتري.
2) المعقود عليه، كالثمن والسلعة.
3) صيغة العقد.
وسيأتي تفصيل أركان كل عقد، وشروط كل ركن من هذه الأركان في كل باب بحسبه.
ثالثا: أقسام العقود:
قسّم الفقهاء العقود تقسيمات مختلفة باعتبارات متعددة، نذكر فيما يلي بعضاً منها:
التقسيم الأول: تنقسم العقود من حيث اللزوم وعدمه إلى ثلاثة أقسام:
عقد لازم من الطرفين، كعقد البيع بعد التفرق من المجلس.
عقد جائز من الطرفين، كالوكالة والشركة.
عقد جائز من طرف، لازم من طرف آخر، كالرهن جائز في حق المرتهن، لازم في حق الراهن.
التقسيم الثاني: تنقسم العقود من حيث الصحة وعدمها إلى قسمين:
عقود صحيحة وهي ما توافرت فيها الشروط الشرعية في أصلها ووصفها.
عقود فاسدة وهي ما اختل فيه شرط من شروط الصحة.
التقسيم الثالث: تنقسم العقود من حيث المعاوضة وعدمها إلى قسمين:
عقود المعاوضات كالبيع والإجارة.
عقود التبرعات كالهبة والعارية.
التقسيم الرابع: تنقسم العقود من حيث الضمان وعدمه إلى قسمين:
عقود ضمان كالبيع والقرض.
عقود أمانة كالعارية والوديعة.
* * * * *
المبحث الثاني
تعريف التمويل، وبيان خصائصه وضوابطه
أولاً: تعريفه:
التمويل لغة: مصدر مأخوذ من المول، والواو والميم واللام كلمة واحدة، هي تمّول الرجل: اتخذ مالاً
(1)
.
والتمول مشتق من المال.
والمال في اللغة: كل ما تميل إليه النفس، ومن هنا جاءت التسمية بالممال سمي مالاً لأن النفس تميل إليه
(2)
.
وعقود التمويل اشتقت من هذا المصدر من المال لأن غرض المتمول الذي يدخل في هذا العقد هو الحصول على المال.
ويُقصد بالمال: ما له منفعة مقصودة مباحة وله قيمة مادية بين الناس
(3)
، ويشمل ذلك المال النقدي: أي النقود
(4)
، والمال العيني: أي الأعيان والأعراض
(1)
ينظر: الصحاح (4/ 1822)، لسان العرب (14/ 152).
(2)
ينظر: المعاملات المالية المعاصرة لمحمد شبير (ص: 12).
(3)
ينظر: معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء د. نزيه حماد (ص 237).
(4)
من المعروف أن الناس في بداية الحياة البشرية كانوا يتبادلون الأشياء عن طريق المقايضة Barter، ولكن هذا الطريق كان فيه من المشقة ما تمنع من استعمالها كطريق عام يصلح في كل زمان ومكان.
فراج بعد ذلك نظام آخر يسمى "نظام النقود السلعية"(Commodity money System)، وذلك أن الناس قد اختاروا بعض السلع لتستعمل استعمال الأثمان في معظم عقود المبادلة، وانتقيت من أجل ذلك سلع يكثر استعمالها، وتشتد الحاجة إليها في بيئة خاصة، كالحبوب الغذائية والملح والجلود وما إلى ذلك. =
=ولكن استعمال هذه السلع في التبادل كان فيه من مشاكل الحمل والنقل ما لا يخفى، فلما كثر العمران وازدادت الحاجات وكثرت المبادلات، شعر الناس بحاجة إلى اختيار نقد يخف حمله، وتتوفر ثقة الناس به.
ولقد مرت النقود بعدت تطورات كثيرة ففي البداية استعمل الناس الذهب والفضة كسلع نقدية في صورة قطع متباينة الحجم والوزن والنقاء، ثم شرع الناس في سبك النقود من الذهب في بعض البلاد، ومن الفضة في بلاد أخرى.
ثم إن القطع النقدية، سواء كانت من الذهب أو من الفضة، وإن كان يخف حملها بالنسبة إلى السلع النقدية، ولكنها في جانب آخر يسهل سرقتها في نفس الوقت، وكان من الصعب على الأثرياء أن يخزنوا كميات كبيرة من هذه القطع في بيوتهم، فجعلوا يودعون هذه الكميات الكبيرة عند بعض الصاغة والصيارفة، وكان هؤلاء الصاغة والصيارفة عندما يقبلون هذه الودائع يسلمون إلى المودعين أوراقا كوثائق أو إيصالات (Receipts) لتلك الودائع، ولما ازدادت ثقة الناس بهؤلاء الصاغة صارت هذه الإيصالات تستعمل في دفع الثمن عند البياعات، فكان المشتري بدل أن يدفع القيمة.
ولما كثر تداول الإيصالات في السوق في مطلع القرن السابع عشر الميلادي تطورت هذه الأوراق إلى صورة رسمية تسمى " البنكنوت " ويقال: إن بنك إستاك هوم بالسويد أول من أصدرها كأوراق نقدية.
وكانت هذه الأوراق النقدية آنذاك مغطاة بغطاء كامل عند البنك الذي أصدرها، ومدعومة بالذهب بنسبة مائة في المائة، وكان البنك يلتزم بأن لا يصدر هذه الأوراق إلا بقدر ما عنده من ذهب. وكان لكل من يحمل هذه الأوراق أن يذهب بها متى شاء إلى البنك، ويحول ما شاء منها إلى سبائك الذهب، ومن هنا يسمى هذا النظام "قاعدة سبيكة الذهب"(Gold bullion Standard).
ولكن بعد ذلك واجهت الحكومات مشاكل تمويل مشاريعها في السلع والحرب مع قلة ريعها، فلجأت إلى طبع كميات كبيرة من النقود الورقية، تزيد عن كمية الذهب الموجودة عندهم؛ لتستعملها في سد حاجاتها، فصار غطاء الأوراق النقدية يتناقص شيئا فشيئا، وهبطت نسبة= =دعمها بالذهب الحقيقي عن المائة في المائة إلى نسبة أدنى بكثير؛ وقد ظل العمل بهذه القاعدة مستمرا إلى أن واجهت الولايات المتحدة أزمة شديدة في سعر دولارها، وتدفق الذهب منها في سنة 1971 م فاضطرت إلى إيقاف تحويل الدولار إلى الذهب للدول الأخرى أيضا، وذلك للخامس عشر من شهر أغسطس سنة 1971 م وبهذا قد قضي على آخر شكل من دعم الأوراق بالذهب. وفي سنة 1974 م اختار "الصندوق المالي العالمي "(International Monetary Fund) فكرة " حقوق السحب الخاصة "(Special Drawing Rights) كبديل لاحتياطي الذهب. وحاصل ذلك أن أعضاء هذا الصندوق يستحقون سحب كمية معينة من عملات شتى الدول لأداء ديونهم إلى الدول الأجنبية الأخرى، واعتبر 888676 جراما من الذهب كعيار لتعيين هذه الكمية، وإن حقهم لسحب هذه الكمية اعتبر بديلا لاحتياطي الذهب.
وهكذا أصبح الذهب خارجا عن نطاق النقود بتاتا، وأصبحت الأوراق النقدية الرمزية تحتل مكانه من كل ناحية. وأن الأوراق النقدية لا تمثل اليوم ذهبا ولا فضة، وإنما تمثل عرضاً بذاتها، وهي قائمة مقام الذهب والفضة في كونها ثمن للأشياء.
فالنقود في التعريف الاصطلاحي: تطلق على جميع ما يتعامل به الناس، من دنانير ذهبية، ودراهم فضية، وفلوس نحاسية، بل حتى ولو كانت من جلود.
فهي وسيلة للتبادل، ومعيار للسلع والخدمات، على أية حال كانت.
فالنقود ليست مقصورة عنده على الذهب والفضة، بل يمكن أن تكون من الجلد أو من أي شيء آخر، فأي سلعة ما اذا اتخذت نقداً، طغت استعمالاتها النقدية على استعمالاتها السلعية الأخرى كما هو معروف اليوم في علم النقود.
يقول شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوي 4/ 455: «وما سماه الناس درهماً، وتعاملوا به، تكون أحكامه أحكام الدرهم من وجوب الزكاة فيما يبلغ مئتين منه، والقطع بسرقة ثلاثة دارهم منه، إلى غير ذلك من الأحكام، قل ما فيه من الفضة أو كثر، وكذا ما سمي ديناراً
…
».
وعلى هذا فهي تأخذ حكم الذهب والفضة، فتجب فيها الزكاة، ويجري فيها الربا.
ينظر: [أحكام الأوراق النقدية والتجارية، نظرية الأوراق النقدية، بحوث في قضايا فقهية معاصرة].
كالعقارات والسيارات وسائر السلع، والمنافع: سواء منفعة الإنسان أو منفعة المال العيني، ولذا فإن المال ليس مقصوراً على المال النقدي فقط، وإنما يشمل جميع هذه الأنواع، وهو ما يُعبر عنه في علم الاقتصاد بالمواد الإنتاجية.
فالمال يشمل النقود والأعيان؛ فالأوراق النقدية، أي الريالات والدولارات والجنيهات، هذه تسمى أمولاً، كذلك السلع العينية يطلق عليها مال؛ فالسيارات والمنازل كلها تعد أموالاً.
وعقد التمويل قد يراد منه الحصول على النقد، وقد يراد منه الحصول على السلع. قد يراد منه الحصول على النقد، كما في القروض، وقد يكون الغرض منه الحصول على السلع كما في المرابحات، وسيأتي بيان ذلك بإذن الله تعالى.
التمويل اصطلاحاً: التمويل له عدة تعريفات.
فعرّف بأنه: «الأمداد بالأموال في أوقات الحاجة إليها»
(1)
.
ويمكن تعريفه بأنه: «تقديم مال بقصد التربّح من مالكه إلى طرف آخر يديره ويتصرف فيه لقاء عائد مباح» .
فالممول يدفع مالاً - وهو القيمة الحاضرة - إلى طرف آخر، الذي يستفيد من هذه القيمة (السلعة)، على أن يكون عوض هذه القيمة الحاضرة مؤجلا يدفع لاحقاً وهو ما عبرنا عنه هنا بالقيمة الآجلة.
ثانيا: مسميات عقود التمويل:
التمويل له إطلاقات متعددة:
1) فتسمى "عقود تمويلية".
(1)
مبادئ التمويل، طارق الحاج (ص: 21).
2) كذلك تسمى "عقود ائتمان"، وكلمة "الائتمان" من الكلمات الدارجة لدى المصارف، فالمصارف يجعلون لديهم إدارات للائتمان، كالائتمان المالي أو الائتمان المصرفي. والائتمان - كما يعرفه د. يوسف الشبيلي بقوله:«معناه كالتمويل - فيه مبادلة قيمة حاضرة بقيمة آجلة- يعني: أن شخصاً محتاجاً للمال يأخذ المال من شخص آخر ليرد إليه شيئا مؤجلاً بعد مدة»
(1)
.
3) وتسمى "عقود التمويل" كذلك بالتسهيلات البنكية إذا كان التمويل من قبل البنوك، والتسهيلات البنكية هي مجموعة عقود يراد منها تمويل المتعامل مع البنك بما يحتاجه من مال عبر عقود التمويل التي تبرمها البنوك.
ثالثاً: أهمية عقود التمويل:
عقود التمويل لها أهمية كبيرة في التنمية الاقتصادية، ومن ذلك:
تمثل جانباً كبيراً من التعاملات المالية، وتشغل حيزاً يمثل معظم التعاملات المالية في الأوساط التجارية، وفي الأسواق المالية، واقتصاديات الدول.
كما تبرز أهميته أنه من خلال عقود التمويل يمكن تلبية كثير من الاحتياجات الفردية، فمع تمكن الشح في قلوب كثير من أهل اليسار، وقلة من يقرض من يحتاج من الناس، أصبح الشخص لا يتمكن من الحصول على مسكن أو مركبة أو إلى تمويل مصروفاته الجارية، إلا من خلال عقود التمويل.
كذلك التمويل يخدم الحكومات، فقد لا تستطيع هذه الحكومات أو الشركات تنفيذ المشاريع الكبرى التي تخدم الفرد، كالمستشفيات، والمدارس، والجامعات، إلا عن طريق التمويل.
(1)
مذكرة للشيخ موجودة على الشبكة. على موقعه على الشبكة:
http:// www.shubily.com/ home.php.
رابعاً: حكم التمويل:
التمويل هو من أنواع التجارات، وعليه فحكمه بالنسبة للمموّل هو الجواز والإباحة؛ فالأصل في المعاملات المالية هي الإباحة كما سيأتي بيانه.
فحكم التمويل بالنسبة للممول هو الجواز، وقد يكون الممول مأجوراً إذا احتسب الأجر في قضاء حاجة أخيه، ولا يضره طلبه للربح، ولكن على الممول أن لا يغالي في قيمة السلعة حتى لا يثقل كاهل طالب التمويل كما تفعله كثير من الشركات والبنوك.
صحيح أن الربح الذي يكتسبه البائع ليس محدداً شرعاً لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في إجماع أهل العلم، وغاية ما في ذلك أن بعضاً من أهل العلم لما ذكروا خيار الغبن قالوا إن مثله أن يغبن بعشرين في المائة أي بالخمس.
فلا حد للربح لعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وعموم قوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]. فمتى رضي المشتري بالثمن واشترى به فهو جائز ولو كان ربح البائع فيه كثيراً.
ولكن الواقع اليوم في عقود التمويل هو أن هناك جشعاً كبيراً لدى المصارف، واستغلالاً لحاجة الناس، ومن ثمّ زيادة القيمة المؤجلة للسلع المباعة.
ولهذا فالواجب على الحكومات التدخل لتقليل نسبة الأرباح في تلك العقود، وفي مثل هذا يجوز التسعير، فتتدخل الحكومة، فيضربون للمصارف ربحاً مناسباً ويمنعونهم من الربح الزائد الذي يضر غيرهم.
فالتسعير - وإن كان الأصل فيه المنع - إلا أنه ربما يلجأ إليه ولاة الأمور حينما يحصل ظلم للناس في رزقهم، وتجارتهم، ويتسلط عليهم التجار إما بالاحتكار أو
برفع الأرباح الفاحشة جداً، فالتسعير في هذه الحالة أو ضبط نسبة الربح لا بأس به لأنه من السياسة الحسنة؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحتكر
(1)
إلا خاطئ)
(2)
، والخاطئ من ارتكب الخطأ العمد، وإذا كان خاطئاً فإنه يجب أن يصحح مساره عن طريق ولاة الأمر، فإذا احتكر الإنسان هذه السلعة ولم تكن عند غيره والناس في حاجة إليها فإن على ولاة الأمور أن يتدخلوا في هذا وأن يضربوا له الربح الذي لا يتضرر به البائع وينتفع به المشتري، وكذلك الأمر في نسبة الأرباح في عقود التمويل.
وأما بالنسبة لحكم التمويل في حق طالب التمويل فهو لا يخلو من ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: إذا كان الشخص غير محتاج للدخول في العقد ففي هذه الحال يكره له الدخول في عقود التمويل.
(1)
أخرجه مسلم رقم (1605).
(2)
الاحتكار لغة: قال الجوهري: احتكار الطعام: جمعه وحبسه، يتربص به الغلاء، قال: وهو الحُكرة بضم الحاء.
وقال ابن فارس: الحكرة حبس الطعام إرادة غلائه. قال: وهو الحكر، والحكر يعني بفتح الحاء وفتح الكاف وإسكانها.
[ينظر: تحير التنبيه 208، والمصباح المنير 1/ 226].
واصطلاحا: عرفه الحنفيه بأنه: اشتراء طعام ونموه، وحبسه إلى الغلاء أربعين يوما.
وعرفه الشافعية بأنه: شراء القوت في وقت الغلاء ليمسكه، ويبيعه بعد ذلك بأكثر من ثمنه للتضييق حينئذ.
وعرفه المالكية بأنه: حبس الطعام إرادة الغلاء.
وعرفه الحنابلة بأنه: أن يشتري القوت للتجارة، ويحبسه ليقل ويغلو.
[ينظر: حاشية ابن عابدين 5/ 282، نهاية المحتاج 3/ 75، شرح الزرقاني على موطأ مالك 3/ 199، كشاف القناع 2/ 35].
الحال الثانية: إذا كان الشخص محتاجا للدخول في العقد ويغلب على ظنه القدرة على سداد الدين الذي عليه فلا بأس بالدخول في العقد، ففي هذه الحال يكون مباحاً.
الحال الثالثة: إذا كان الشخص يعرف من حاله ويغلب على ظنه أنه غير قادر على السداد، وأنه لا يسدد الديْن الذي عليه، فالدخول في العقد في هذه الحال محرم لقوله صلى الله عليه وسلم:(ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)
(1)
.
فالمفترض ألا يلجأ الشخص إلى عقد التمويل إلا إذا كان محتاجاً إلى الدخول في ذلك العقد، لأنه يترتب على عقد التمويل انشغال الذمة، فالتمويل - هو في الحقيقة - دين الشخص؛ يستدين من الممول، وهذا الدين يبقى في ذمة المدين، فيجب أن يقتصر فيه على قدر الحاجة ولا يتوسع فيه؛ فمثلاً: لا يستخدمه في الكماليات أو في الأشياء التي فيها نوع من الرفاهية أو التي يمكن أن تسد؛ إما بتركها و إما تمويلها من رأس مال الشخص دون الحاجة إلى أن يدخل في عقد تمويل، ولذلك جاءت الشريعة الإسلامية بالتحذير من التهاون في الوفاء بالديون والالتزامات المالية.
ومما ورد في السنة من بيان لأهمية هذا الأمر ما جاء في صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين فيسأل: (هل ترك لدينه من قضاء)، فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال:(صلوا على صاحبكم)، فلما فتح الله عليه الفتوح قال:(أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته)، أي إذا لم يترك وفاءا
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (2257).
(2)
أخرجه مسلم، رقم (1619).
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على الشخص الذي مات وعليه دين ولم يترك وفاءً، لا يصلي عليه حتى يؤدب الأمة عن التساهل في هذا الأمر.
خامساً: خصائص عقود التمويل
(1)
:
1) أنها عقود زمنية:
والمقصود بهذا أنها تمتد لمدة ولا تنتهي بلحظة واحدة، والعقد قد يكون زمنياً وقد لا يكون، فمثلاً: شخص يريد أن يشتري سيارة، فإنه يذهب إلى السوق فيشتري السيارة مباشرة فيدفع القيمة ويأخذ السيارة، وهذا لا نسميه عقداً زمنياً، لأنه ينتهي في الحال يعني ينتهي مباشرة؛ لكن إذا أراد الشخص أن يشتري هذه السيارة بالتقسيط أو يشتري منزلاً بالإجارة منتهية بالتمليك مثلاً - هنا العقد تبقى تبعاته و آثاره لمدة طويلة قد تستغرق سنة، أو سنتين أو خمس سنوات أو عشر سنوات أو غير ذلك. فهنا العقد ممتد لزمن وتبقى آثاره، وهذا العقد يسمى العقد الزمني، وهذا أحد خصائص عقود التمويل، فعقود التمويل من أهم خصائصها أنها عقود زمنية، يعني الزمن فيها عنصر أساسي في تكوينها.
2) أنها عقود مؤجلة:
أن عقود التمويل يكون فيها التأجيل، فالعوض فيها يكون مؤجلاً، والعوض المؤجل قد يكون هو الثمن، وقد يكون العوض المؤجل هو السلعة كما سيأتي في بعض صور عقود التمويل، عقود التمويل يكون فيها العوض مؤجلاً، فهو عقد زمني، والعوض فيه مؤجل.
3) أن العقود التمويلية مبنية على الثقة والاطمئنان فيما بين الطرفين:
فالممول قبل أن يدخل في عقد التمويل لا بد أن يثق بالمتمول بالمدين، ومدى قدرته على السداد، وهذا في الحقيقة يستدعي أن يتأكد الممول من ملاءة العميل وملاءة المدين ومدى قدرته على السداد.
(1)
ملخص بتصرف وزيادة من مذكرة د. يوسف الشبيلي على موقعه على الشبكة:
http:// www.shubily.com/ home.php
كيف تحصل هذه الثقة من قبل الممول؟
قد تحصل الثقة عند الممول - خاصة المصارف - من خلال دراسة الوضع المالي للممول، وذلك من خلال المؤسسات الحكومية التي تبين الوضع المالي للأفراد، كشركة سمة وهي ....
أيضاً قد تحصل الثقة والاطمئنان من خلال المعرفة الشخصية مباشرة، يعني: الممول يعرف أن هذا المدين قادر على السداد، قد تحصل الثقة من خلال تحويل الراتب كما هو مطبق في البنوك الآن.
سادساً: أنواع العقود التمويلية؟
عقود التمويل تنقسم بعدة اعتبارات متنوعة:
التقسيم الأول: من جهة الحكم الشرعي:
فإن العقود التمويلية تنقسم الى قسمين:
النوع الأول: عقود تمويل مشروعة
(1)
: ويقصد بها العقود المتوافقة مع الضوابط الشرعية، وهي الآن العقود التي يكون فيها القعد منضبطاً في جميع أحكامه بالضوابط الشرعية.
النوع الثاني: عقود التمويل غير المشروع: والمقصود بها العقود التمويلية التي لا يُلتزم فيها بالضوابط الشرعية، فالأغلب في هذا النوع من التمويل أن يكون بقرض، فالمؤسسة المالية تقرض قرضاً نقدياً وتأخذ بدله وتسترده بزيادة، فيكون قرضاً بفائدة. فهذا قرض ربوي، وهو تمويل ربوي.
(1)
الأفضل أن يسمى التمويل الموافق للشريعة، تمويلاً مشروعا، وليس تمويلاً إسلامياً؛ وذلك لأن هناك توسعاً من بعض الشركات والمصارف في هذه العقود، ولأنه متى حصل خلل في العقود المسماة إسلامية، أو التي تجرى عبر المصارف التي تسمى إسلامية، فإن ذلك ربما أدى إلى فهم الناس بأن هذا هو الإسلام؟ ولهذا فالأولى تسمية العقود الخالية من المحرمات بعقود التمويل المشروعة، والمصارف التي لا تتعامل بالربا بالمصارف المحافظة.
"فالتمويل المشروع" هو التمويل المتوافق مع الضوابط الشرعية، و"التمويل غير المشروع" هو الذي لا يتوافق مع الضوابط الشرعية.
وحتى نعرف الفرق بين النوعين، لابد من الحديث عن الزيادة في عقود التمويل؛ لأن الزيادة في عقود التمويل هي التي عليها مدار البحث، ففي عقود التمويل دائماً هناك زيادة في قيمة السلعة، وهذه الزيادة في التمويل المشروع تسمى ربحاً، فمثلاً: اشترى بنك سيارة بمائة ألف، وباعها بالتقسيط بمائة وعشرة على سنتين، الزيادة في العشرة تسمى في التمويل الإسلامي "الربح"، بينما الزيادة في التمويل الربوي تسمى "فائدة"، فمثلاً مصرف ربوي يقرض عميلاً مائة ألف على أن يسدده مائة وعشرة، هذه الزيادة - العشرة - تسمى في الأوساط المالية فائدة.
والإشكال عند كثير من الباحثين هو في عدم التمييز بين هامش الربح في العقود الموافقة للشريعة، والفائدة في العقود الربوية، ومنشأ الإشكال أن الربح الذي تأخذه المصارف الإسلامية يكون مقارباً لسعر الفائدة الذي يكون في المصارف التقليدية بحكم أن الجميع يعيش في وسط واحد في أسواق مالية واحدة ومؤثرات قد تكون متقاربة، المؤثرات التي تؤثر على المصارف الإسلامية قد تكون مقاربة للمؤثرات التي تؤثر على البنوك التقليدية، وبالتالي تضطر البنوك الإسلامية إلى أن يكون سعر الربح مقارباً للآخر؛ لأن تلك المؤثرات والعوالم متماثلة في كل منهما، ولكن دائماً يميز أن في التمويل الإسلامي نستخدم كلمة "الربح"، بينما " التمويل التقليدي" أو " الربوي" نستخدم كلمة "الفائدة".
وحتى يزول الإشكال في هذه المسألة، لابد أن نفرق بين التمويل المشروع، والتمويل الربوي.
لا بد من بيان الأمور التالية:
أولاً: إن المقرر في الشريعة أنه يجب على المقترض أن يَرُدّ على المقرض مثل ما اقترضه في الصفة والقدر دون زيادة.
وقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على تحريم اشتراط الزيادة في القرض، وأنّ هذه الزيادة تعد ربا، ووقع الخلاف بين الفقهاء إذا وجد شرط في الزيادة في القرض هل يؤثر هذا الشرط في عقد القرض أو لا؟ والأقرب أن الشرط فاسد والعقد صحيح.
كما لا خلاف بين الفقهاء في حرمة الشرط الجزائي في الدّيون، لأنه صريح الربا، وقد نص على تحريمه وبطلانه المجامع الفقهية، والهيئات الشرعية في المصارف وغيرها، ولكن يمكن القول بالجواز حال الحاجة العامة والتي تصل لحد الضرورة، مع وجوب التخلص من الفوائد الربوية في وجوه البر.
وعليه فإن القرض الربوي هو كل قرض اشترطت فيه زيادة، وهو من ربا الجاهلية المجمع على تحريمه، فإن الربا على نوعين: ربا ديون، وربا بيوع. وربا الديون محرّم بالإجماع، وهذه مسألة قد لا يتفطن لها بعض الباحثين، فتجد بعضهم يسوّق الخلاف الوارد في ربا البيوع-مع ضعفه، وشذوذه-، ويجعله في ربا الديون، وهذا خلط بين المسألتين، وهو الذي جعل بعض المصارف تتساهل في القروض الربوية التمويل.
وهذا الخلط هو الذي جعل بعض الغربيين يتهم الشريعة الإسلامية بالاضطراب حينما رأى تحايل بعض الفروع على الربا ببيوع هي في حقيقتها من الذرائع الربوية، فكيف تمنع الشريعة الإنسان من أن يتعامل مع المصارف أو بصريح الربا بأدنى فائدة، ثم تسمح له ببيوع تبلغ نسبتها في بعض الفروع 44%!! مع أن المقصود في هذه الأخيرة المال، أي الربا، وليس تجارة السلع؟ ومهما كان الكلام مزعجاً، ومهما
شككنا في صحة وسلامة دوافعه، فإن العدل يوجب الإقرار بالفتنة التي يحدثها هذا الأمر، وهذا المعنى نفسه يدور في نفوس كثير من عامة المسلمين، ولا يفقهون الفرق بين ما تعمله بعض المصارف الإسلامية، أو بعض الفروع الإسلامية وما تعمله البنوك الربوية، إلا الزيادة التي يتحملها المسلم الحريص على دينه خوف الربا وظلمه!! وهذه معضلة تستعصي على الفهم"؛ إذ كيف تكون الزيادة (الفائدة) محرمة، في حال كون المصرف الربوي يصرح بذلك، وتكون الزيادة (الحيلة) مباحة في حال عدم التصريح بقصد الفائدة من قبل الفرع الإسلامي، بل ويعلن محاربتها، ولكنه يمارس معاملات هي في حقيقتها ذريعة لهذه الفائدة الربوية؟!.
في حين إن الأمر في حقيقته، خلاف ما يذكر هؤلاء، فهناك فرق بين قرض ربوي محرّم بالإجماع، وبين تمويل مشروع، مرتبط ببيع وشراء، وعرض وطلب، فالمنهج الإسلامي في التمويل يمنع مطلقاً إنشاء مديونية بهدف الربح إلا من خلال عملية حقيقية، عبر تبادل أو إنتاج سلع أو منافع أو خدمات، وبهذا يصبح الدين تلقائياً تحت السيطرة، لأن الهدف من التمويل أساساً هو تسهيل المبادلات والأنشطة الحقيقية. فالنشاط الحقيقي، وهو التبادل إما بغرض الاستثمار أو الاستهلاك، هو عماد النشاط الاقتصادي، والتمويل الإسلامي يضع التمويل في مكانه الطبيعي، ولهذا نجد أن جميع أساليب التمويل الربحي في الشريعة الإسلامية ترتبط ارتباطاً مباشراً بالنشاط الحقيقي.
فالبيع الآجل والسلم والإجارة والمشاركة والمضاربة، وغيرها من الصيغ الإسلامية، جميعها تتضمن التمويل بصورة لا تنفك عن النشاط الحقيقي.
وبهذا يتلافى الاقتصاد الإسلامي مصادر الاضطراب والتقلب التي تهدد الاقتصاد في وجود الربا ونظام الفائدة؛ لأن القرض بفائدة ربوية تسمح بفصل
التمويل عن النشاط الاقتصادي، وجميع المدارس الاقتصادية الكبرى (الكلاسيكية، والماركسية، والنيو كلاسيكية، والكينزية، والنيوكينيزية)
(1)
متفقة على أن القطاع المالي تابع (subordinate) للقطاع الحقيقي، وأن النقود والتمويل مجرد وسيلة للتبادل والإنتاج
(2)
.
فنحن نجد أنّ الشريعة الإسلامية تجعل التمويل المقبول تابعاً للتبادل. فالشرع جعل البيع بثمن مؤجل أعلى من الحال، وقد يكون الثمن معجلاً والمبيع مؤجلاً، فيكون الثمن أقل من سعر التسليم الفوري للمبيع، كما في السلم، بينما لا يجيز الشرع الفائدة على القرض، وبذلك يكون التمويل الإسلامي قد ميز بين قيمة الأجل إذا كانت تابعة للتبادل كما هو في الربا، فتجوز الزيادة مقابل الأجل تبعاً ولا تجوز استقلالاً، وهذا واضح في أن التمويل يجب أن يكون تابعاً للنشاط الحقيقي وهو البيع وليس مستقلاً عنه.
وبناء على ما تقدم نخلص إلى أن التمويل الربوي الذي تقدمه المصارف الربوية محرّم بالإجماع.
ثانياً: أن البنوك التقليدية في التمويل لا تثبت سعر الفائدة في التمويل طويل الأجل - في العقد نفسه - وإنما تجعله يتماشى مع سعر السوق فتتغير الفائدة من سنة إلى أخرى، قد تكون في السنة الأولى الفائدة أربعة في المائة (4%) وفي السنة الثانية قد تكون خمسة في المائة (5%) وفي الثالثة قد تنزل إلى ثلاثة في المائة (3%)، وهكذا تتقلب بحسب تقلبات السوق، وهنا تسمى الفائدة " بالفائدة المتغيرة"، عندنا "فائدة ثابتة"، و "فائدة متغيرة"، بينما في "التمويل المشروع" ليس هناك ربح
(1)
ينظر: مدخل إلى أصول التمويل الإسلامي، د. سامي السويلم (ص: 86).
(2)
ينظر: الأزمات المالية في ضوء الاقتصاد الإسلامي (ص: 17 - 18).
متغير، وإنما الربح ثابت من البداية - من بداية العقد - قد يكون التغير في الإجارة - في عقد الإجارة في الأجور المتغيرة - وهذا سنتحدث عنه إن شاء الله في الإجارة المنتهية بالتمليك.
التقسيم الثاني: من حيث المستفيد الذي يستفيد من عقد التمويل:
تنقسم إلى قسمين: تمويل أفراد و تمويل شركات، ودائماً في المؤسسات المالية كالبنوك، يكون فيها هذان النوعان من التمويل، حيث توجد إدارات معنية بتمويل الأفراد، وإدارات معنية بتمويل الشركات.
تمويل الأفراد: وهذا التمويل الاستهلاكي، وهو التمويل الشخصي، وقد يتم من خلال تمويل شراء المساكن مثلاً، وقد يكون في تمويل شراء السيارات، وفي تمويل شراء الأوراق المالية، وتمويل شراء الأسهم.
ومثال ذلك: جاء شخص إلى المصرف يطلب مبلغاً من المال- مائة ألف ريال مثلاً- لنفقات خاصة به، كحاجته لسيارة أو لنفقة زواج أو غير ذلك من الحوائج. فيدخل في عقد التورق، فيبيعه البنك سلعة (سيارات، أسهم، حديد
…
) ثم بعد أن يشتري العميل تلك السلعة يبيعها في السوق ويحصل على التمويل.
وقد يكون التمويل كمثال الحالة السابقة إلا أن المصرف يكون حال تقدم الشخص لطلب التمويل غير مالك للسيارة، فيواعد الشخص وعداً غير ملزم بشراء السلعة، ومن ثم بيعها على الشخص، والشخص يبيعها في السوق، وهذا ما يعرف بالمرابحة للآمر بالشراء. وسيأتي بيانه بإذن الله.
وقد يكون التمويل الشخصي من خلال "البطاقات الائتمانية" وهذا يمثل نسبة كبيرة من التمويل الشخصي، فيعمد المصرف إلى تمويل عملائه من خلال البطاقات الائتمانية، وهذا لا يكون إلا في المصارف الربوية، وسنبين أحكام البطاقات الائتمانية.
تمويل الشركات: وهذا يكون موجها للشركات والقطاع التجاري أو الاقتصادي، فمثلاً شركة تحتاج إلى توسع في مشاريعها الاستثمارية، فتحصل على التمويل من قبل المصرف، ودائماً المصارف تعامل الشركات معاملة أخرى ومختلفة عن الأفراد في الغالب؛ لأن الشركات لديها القدرة في أن تدافع عن نفسها، وبالتالي تستطيع أن تفاوض المصارف في كثير من الشروط التي قد يُلزم بها الأفراد ولا يستطيع أن يلزم بها الشركات.
التقسيم الثالث: عقود التمويل من حيث مدة التمويل:
فالتمويل - من حيث مدته - قد يكون تمويلا قصير الأجل أو متوسط الأجل أو طويل الأجل، فهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: هو التمويل قصير الأجل، هذا يكون لسنتين فأقل، ومن أبرز أنواعه التمويل الذي يتم خلال البطاقات الائتمانية.
النوع الثاني: هو التمويل عبر عقود متوسطة الأجل وهي التي تتراوح فترة السداد فيها من سنة إلى خمس سنوات، فهذه تصنف على أنها عقود متوسطة الأجل، قد تستخدم لتمويل الشركات، وقد تكون لتمويل الأفراد.
النوع الثالث: هو التمويل طويل الأجل وهو الذي تزيد فترة السداد فيه على خمس سنوات، وهذا النوع من التمويل - في العادة - يكون في تمويل المشاريع الكبرى، كشركة تحتاج إلى بناء مصنع أو إلى بناء مستشفى أو إلى بناء فندق مثلاً، وفي الغالب تكون القيمة كبيرة، كما تكون فترة السداد طويلة.
التقسيم الرابع: عقود التمويل من حيث الغرض من التمويل:
التمويل بهذا الاعتبار قد يكون تمويلاً رأسمالياً، وقد يكون تمويل للمصروفات.
التقسيم الخامس: أقسام التمويل من حيث الملكية:
ينقسم التمويل من حيث الملكية إلى قسمين:
1) التمويل من ملاك الشركة أنفسهم، الذي يُسمى Equity Financing: وذلك خلال عدم توزيع ملاك الشركة للأرباح، أو من خلال زيادة رأس المال وغيره.
2) التمويل من غير مُلاك الشركة: سواء أكان ذلك في صيغة ائتمان تجاري، أو ائتمان مصرفي وغيره من أي جهة غير ملاك الشركة الممولة.
سادساً: أركان التمويل:
الركن الأول: المموِّل: وهو الباذل للمال. فالمموِّل هو من يدفع القيمة الحاضرة ليحصل على القيمة المؤجلة، يعني هو الذي يقدم المال ابتداءً.
الركن الثاني: المموَّل - أو- المتموِّل: وهو المحتاج للمال.
الركن الثالث: التمول: وهو الذي يدفع القيمة المؤجلة في مقابل الحصول على القيمة الحاضرة.
الركن الرابع: السلعة: في التمويل الإسلامي لابد من وجود سلعة يتم عليها التعاقد، وهذا بخلاف التمويل التقليدي الربوي، فإنه يكون بالتمويل النقدي بنقود، لكن في التمويل الإسلامي لا بد من وجود السلعة تباع أو تؤجر أو يدخل فيها بالمشاركة؛ فالسلعة هي المعقود عليه، لم يقدمه الممول للمتمول.
الركن الخامس: التمول: عقد التمويل كما سبق هو مبادلة قيمة حاضرة بقيمة مؤجلة، فالقيمة المؤجلة هي في الأغلب تكون الثمن الذي يثبت ديناً في ذمة المتمول.
السلعة والثمن كلاهما يسمى "المعقود عليه".
شروط المعقود عليه:
من أهم الأشياء التي يجب التنبه لها، وهي التي يقع فيها الخلل في عقود التمويل، هي السلعة " المعقود عليه"، وهذا الركن من أركان التمويل له شروط يجب أن تتحقق أثناء العقد، وهي:
الشرط الأول: أن يكون المعقود عليه سواء كانت السلعة أو الثمن معلوماً للعاقدين عند العقد حتى تنفي الجهالة لما جاء في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر)
(1)
، ومن الغرر أن تكون السلعة أو الثمن مجهولاً.
الشرط الثاني: أن يكون المعقود عليه مملوكاً للعاقد، يعني: لا يجري الشخص عقد على سلعة وهو لا يملكها، أو يشتري بثمن هو لا يملك ذلك الثمن، ويقوم مقام المالك وكيله أو الوصي أو الناظر على الوقف ونحو ذلك، فلا بد أن يكون العاقد مالكاً للسلعة او ممن يقوم مقام المالك للسلعة.
الشرط الثالث: القدرة على التسليم: أن يكون العاقد قادراً على تسليم السلعة إذا كان ملزماً بتسليم السلعة أو قادرا على تسليم الثمن، إذا كان هو الذي يطالب بتسليم الثمن.
إذاً: لابد من تحقيق الشروط الثلاثة في المعقود عليه، والمعقود عليه كما قلنا يشمل السلعة والثمن.
سابعاً: الضوابط الشرعية العامة لعقود التمويل الإسلامية:
معلوم أن المعاملات المالية في الشريعة مضبوطة بضوابط تحكمها، وهذه الضوابط تنطبق على كل العقود.
وهذه الضوابط هي الأساس الذي ننطلق منه لمعرفة أحكام عقود التمويل المشروع، ولا بد من وجود هذه الضوابط، وتحققها في عقود التمويل، حتى تكون عقوداً تمويلية مشروعة. إن هذه الضوابط -كما قلنا- هي الأساس، قد يوجد ضوابط في كل عقد بعينه، لكن لا بد من تحقق هذه الضوابط العامة في كل العقود.
(1)
أخرجه مسلم، رقم (1513).
أولاً: ضوابط تتعلق بالصيغة:
بصيغة العقد يعني عند إبرام العقد لا بد أن تتحقق هذه الضوابط.
أول هذه الضوابط: البت في السعر: أي: أن يكون السعر محدداً عند التعاقد، فلا يجوز أن يقول مثلاً أبيعك السيارة الآن بالتقسيط؛ إن سددت خلال سنة فالثمن مائة وعشرة، وإن سددت خلال سنتين فالثمن مائة وخمسة عشر، وإن سددت خلال ثلاث سنوات فالثمن مائة وعشرون، هنا إذا كان هذا مجرد عرض يقول: أنا أعرض عليك هذه الأسعار يتم الاتفاق بينهما على سعر واحد، فالعقد صحيح ولا إشكال فيه؛ لكن لو تفرق المتعاقدان وأخذ المشتري السلعة ولم يتم البت بأحد هذه الأسعار، فالعقد هنا محرم؛ لأن السعر غير مبتوت فيه وغير محدد.
يدل على ذلك ما جاء عند "أصحاب السنن": (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة). وقد فسر جمع من أهل العلم "البيعتين في بيعة" بأن يبيعه السلعة بثمنين من غير سنتين فالثمن كذا وكذا، فهنا الصيغة فيها خلل، فهي غير منضبطة؛ لأن الثمن غير محدد، ولا بد أن تكون الصيغة واضحة وجازمة، لا يضع سعراً متردداً في ذلك.
الضابط الثاني من ضوابط الصيغة: تجنب العينة: تجنب العينة في العقد، ومعنى العينة.
الصورية في العقد يكون لها أمثلة متعددة: ليست على نمط واحد أو مثال واحد.
بعض الأمثلة التي يكون فيها العقد صورياً:
من الأمثلة: أن يتم العقد ببيع السلعة مثلاً مرابحة أو بالتقسيط أو غير ذلك، ويشترط البائع على المشتري أن يكون هناك اتفاق بينهما على أن لا تنتقل ملكية السلعة إلى المشتري. نقول: هنا العقد صوري ليس حقيقيا؛ لأن من أبرز آثار البيع انتقال الملكية من البائع إلى المشتري، فلو تم العقد على أن الملكية تبقى عند البائع
فإن عقد البيع صوري وليس حقيقياً، وكونه يراد منه التمويل في الحقيقة، نقول: هذا التمويل ليس تمويلاً إسلاميا وإنما هو تمويل صوري لأجل التحايل على التمويل الربوي.
ومن ذلك طريقة المداينة التي يستعملها كثير من الناس، وهي أن يتفق الدائن والمدين أولا على المعاشرة، يتفق معه على الدراهم، يقول: أريد عشرة آلاف ريال، العشرة بعشرة ونصف مثلا، ثم يذهب الدائن والمدين إلى صاحب دكان عنده أموال مكدسة إما سكر أو ربطات خام أو غيرها فيشتريها الدائن شراء صوريا ليس له بها غرض سوى الوصول إلى بيع العشرة بعشرة ونصف. والدليل على أنه شراء صوري أنه لا يكاسر بالثمن ولا يقلب السلعة ولا يفتشها كما يفعل المشتري حقيقة، وربما كانت هذه الأموال أفسدها طول الزمن أو أكلتها الأرضة لأنها لم تنقل ولم تقلب ولم تفتش، وبعد هذا الشراء الصوري يبيع الدائن هذه السلع على المدين بما اتفقا عليه من الربح، ثم يعود المدين فيبيعها على صاحب الدكان ويخرج بدراهم. وهذا العمل بعينه هو ما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب إبطال التحليل من جملة صور الحيل، حيث قال رحمه الله:«وكذلك بلغني أن من الباعة من قد أعد بزا لتحليل الربا، فإذا جاء إلى من يريد أن يأخذ منه ألفا بألف ومائتين، ذهبا إلى ذلك المحلل فاشترى منه المعطى ذلك البز ثم يعيده للآخذ، ثم يعيده الآخذ إلى صاحبه وقد عرف الرجل بذلك بحيث إن هذا البز الذي يحلل به الربا لا يكاد يبيعه البيع البات، انتهى. وقد قال قبل ذلك سبحان الله العظيم أن يعود الربا الذي عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه وجاء فيه من الوعيد ما لم يجئ في غيره، إلى أن يستحل بأدنى سعي من غير كلفة أصلا إلا بصورة عقد هي عبث ولعب»
(1)
.
(1)
بيان الدليل (ص: 85).
وقال في الفتاوى أيضا: «وكذلك إذا اتفقا على المعاملة الربوية ثم أتيا إلى صاحب حانوت يطلبان منه متاعا بقدر المال فاشتراه المعطي ثم باعه على الآخذ إلى أجل، ثم أعاده إلى صاحب الحانوت بأقل من ذلك فيكون صاحب الحانوت واسطة بينهما بجُعل، فهذا من الربا الذي لا ريب فيه
…
»
(1)
.
الضابط الثالث: أن تكون السلعة مقبوضة للبائع: والقبض أمر زائد على مجرد الملك فلا بد أن يكون البائع مالكاً للسلعة وقابضاً لها.
والدليل على هذا الشرط: حديث: (لا تبع ما ليس عندك)
(2)
.
القبض في الشريعة:
والقبض: حيازة الشيء والتمكن منه سواء كان التمكن باليد، أو بعدم المانع من الاستيلاء عليه، وهو ما يسمى بالتخلية أو القبض الحكمي وقبض كل شيءٍ بحسبه فإن كان مما ينقل فقبضه بنقله، وإن كان مكيلاً أو موزوناً فقبضه بكيله ووزنه، لأن القبض ورد مطلقاً فيجب الرجوع فيه إلى العرف
(3)
.
والقبض نوعان: قبض حقيقي، وقبض حكمي.
القبض الحقيقي: يكون بحيازة السلعة بإدخالها في المستودعات أو تناولها في اليد إذا كانت مما يتناول باليد أو إدخالها بالحساب إذا كانت مثل النقود التي يمكن أن تدخل في الحساب، ونحو ذلك.
النوع الثاني: قبض حكمي: والقبض الحكمي يكون بالتخلية مع التمكن من التصرف، أن يخلى بين المشتري وبين السلعة ويتمكن من التصرف فيها، وهذا
(1)
مجموع الفتاوى (29/ 441).
(2)
أخرجه الترمذي، رقم (1232)، وأبو داود، رقم (3503)، والنسائي (4601)، وإسناده صحيح.
(3)
ينظر: القوانين الفقهية لابن جزي (ص 328).
يختلف باختلاف الأعراف، فأحياناً قد يكون القبض بتسليم المفاتيح، وأحياناً يكون القبض بتعيين السلع، وقد يكون القبض بالإشارة إلى السلعة، وتمكن المشتري من التصرف فيها، فهنا يكفي في القبض وجود القبض الحقيقي أو القبض الحكمي إذا كان قد جرى العرف بالقبض الحكمي فيكتفي به.
النقود: كيف يكون قبضها؟
يحصل قبض النقود بالقيد المصرفي، فمن الممكن أن يكون قبضها بالقبض المصرفي، بأن يسجل قيد مصرفي لصالح الشخص بأن النقود قد سجلت في حسابه، وهنا إذا قيد مصرفياً في حسابه أنه قد تسلم تلك النقود فله أن يستخدم هذه النقود.
في جميع الحالات السابقة نقول: ليس لمن اشترى سلعة أن يتصرف فيها ببيع قبل أن يقبضها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
من الحكم والعبر التي ذكرها أهل العلم في ذلك: أن الشخص قبل أن يقبض السلعة إذا باعها فهو قد باع شيئاً لم يملكه، لأن الضمان ضمان السلعة لا ينتقل إلى المشتري إلا بالقبض.
الضابط الرابع: أن لا تكون السلعة ذهباً ولا فضة ولا نقوداً: إذا كان التمويل بالمرابحة (يعني بيع الآجل) فلا يجوز أن يكون التمويل بالذهب ولا بالفضة ولا بالأوراق النقدية والأثمان، لأن هذه الأموال يجب فيها التقابض شرعاً ولا يجوز فيها التأجيل.
المبحث الثالث
المصارف الإسلامية
أولاً: تعريف البنوك والمصارف:
البنوك جمع بنك، وهي لفظة إيطالية يقابلها بالعربية المصارف
(1)
، وهي جمع مصرف بكسر الراء، وهي في اللغة مأخوذة من الصرف، والصرف هو «رد الشيء عن وجهه، والمصرف اسم مكان على وزن مفعل، والصرف فضل الدراهم على الدراهم، والدينار على الدينار، لأن كل واحد منهما يعرف عن قيمة صاحبه وهو بيع الذهب بالفضة»
(2)
.
قال أصحاب المعجم الوسيط: «المصرف مكان الصرف وبه سمّي البنك مصرفاً»
(3)
.
وجاء في معجم مصطلحات الاقتصاد: «المصرف: البنك: وقد عرف بأنه «مؤسسة مالية تقوم بأعمال الإقراض والاقتراض، وبإصدار الكمبيالات، وبالائتمان على الأموال والودائع والممتلكات الثمينة وبتمويل الأعمال والمشاريع، وما شابه ذلك»
(4)
.
وقال في دائرة الناشئين: «بنك - مصر ف: هو مكان يحفظ فيه الناس أموالهم في أمان، ويستردونها حين يحتاجون إليها»
(5)
.
(1)
البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق، د. عبد الله الطيار (ص: 333).
(2)
لسان العرب (7/ 328).
(3)
المعجم الوسيط (2/ 71).
(4)
معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال، نبيه عطاس (ص: 44).
(5)
دائرة معارف الناشئين لفاطمة محجوب (ص: 76).
ثانياً: تعريف الصرف عند الفقهاء:
الصرف في اصطلاح الفقهاء: «بيع الثمن بالثمن، جنسًا بجنس أو بغير جنس، ويشترط عدم التأجيل والخيار والتماثل»
(1)
.
ثالثاً: تعريف المصرف الإسلامي:
تعريف المصرف الإسلامي: هو «المؤسسة المالية التي تقوم بعمليات الصرافة واستثمار الأموال بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء»
(2)
.
رابعاً: نشأة المصارف الإسلامية:
يعد القرن الحادي عشر الهجري البداية الفعلية لنشأة البنوك الحديثة حيث قام أول بنك منظم في مدينة البندقية (1007 هـ- 1587 م)، ثم أنشئ على مثاله بنك أمستردام الهولندي، سنة (1029 هـ- 1609 م)، ويعد هذا البنك الأنموذج الذي احتذته معظم البنوك في أوروبا التي أسست فيما بعد مع مراعاة اختلاف الظروف من بلد لآخر، وانتقل هذا النظام بحذافيره إلى بلاد المسلمين بسبب الاستعمار، وبسبب ولع وإعجاب بعض تجار المسلمين بالغرب، وانتقلت معها المعاملات المحرمة، وكانت ولا زالت قائمة على الربا، وهو ربا الديون
(3)
، وبسبب كون
(1)
حاشية ابن عابدين (5/ 257).
(2)
[ينظر: حركة البنوك الإسلامية (ص: 368)].
(3)
فالربا ينقسم إلى ربا يقع في الديون، وهو محرم بالقرآن، وربا بيوع، وهو محرم بالسنة، وهو تفاضل ونساء، وبعضهم يقسم الربا إلى ربا خفي وجلي.
المصارف الربوية قامت على الربا، وهذا النوع قد انعقد الإجماع على تحريمه، وعدم إباحته
(1)
، ولهذا فقد كان موقف العلماء منها قوياً.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن البنوك التقليدية اختلفت حالها عما كانت عليه حال نشأتها، فهي حين إنشائها كان عملها الأساس هو المتاجرة بالديون، " فالبنوك الحديثة هي وريثة المرابين الذين كانوا يقرضون أموالهم في مقابلة عمولة من النقود، وهي قائمة على منح القروض في أساس عملها "
(2)
، فهي قائمة على الإقراض، والاقتراض، وهو ما يعرف بمصطلح (الائتمان)، فهي تقبل ودائع الجمهور، وتعطي عليها الفائدة، وتقرض هذه الودائع للجمهور بفائدة، فالمصرف يقوم على الاقتراض ابتداءً والإقراض انتهاءً، فالمصرف يقوم على الربا ابتداءً وانتهاءً، ويعد الإقراض من أهم الموارد لهذا النوع من المصارف، حيث إنها تزيد على (90%) من مجمل مواردها، وقد تنقص في بعض الحالات، وفوق ما تقوم عليه المصارف الربوية من إقراض واقتراض، فإنها بجانب ذلك تمارس أعمالاً عدة، أغلبها يدعو إلى الائتمان الذي هو قوامها، ومن تلك الأعمال:
الاعتمادات: كالاعتماد البسيط، والاعتماد المستندي.
الكفالات: كالكفالة العادية، وخطاب الضمان، وقبول الكمبيالات
(3)
.
وغير ذلك من الأعمال، كبطاقة الائتمان، وتحصيل الشيكات، وغيرها، مما يقوم على الربا.
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر (ص: 120)، المحلى لابن حزم (8/ 77).
(2)
النقود والبنوك، لفؤاد مرسي (ص: 142) بتصرف.
(3)
ينظر: الحسابات والودائع المصرفية، د. القري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (ع 9/ 1/ 720)، النقود والبنوك، لهاشم (ص: 56)، الربا في المعاملات المصرفية، د. السعيدي (2/ 983).
وفي بداية الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي بدأت فكرة إيجاد مصارف إسلامية.
وكانت بدايات فكرة البحث عن البديل الإسلامي في المؤتمر السنوي الثاني عام 1334 هـ الموافق لعام 1965 م، والثالث عام 1335 هـ الموافق لعام 1966 م لمجمع البحوث الإسلامية حيث كان من توصياته مواصلة دراسة البديل المصرفي الإسلامي وطريقة تنفيذه بالاستعانة بالاقتصاديين. ودعا المؤتمر السنوي السادس إلى إنشاء مصرف إسلامي يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء كانت أول محاولة أو تجربة لتنفيذ هذه الفكرة في منطقة ريفية في الباكستان في نهاية الخمسينات أما التجربة الثانية فكانت في الريف المصري في عام 1382 هـ الموافق لعام 1963 م في (ميت عمر)، وبالرغم من عدم نجاح هاتين التجربتين إلا أن السبعينات شهدت انطلاقة جديدة في عام 1390 هـ الموافق لعام 1971 م لتأسيس مصرف يقوم على استبعاد الفائدة، فأنشئ مصرف ناصر الاجتماعي في مصر، ثم بعده البنك الإسلامي للتنمية عام 1394 هـ الموافق 1974 م، وبنك دبي الإسلامي عام 1395 هـ الموافق لعام 1975 م وهكذا توالت المصارف الإسلامية حتى وصل الأمر إلى الحال التي نراها اليوم ولله الحمد.
ولهذا لما سعت بعض البنوك الإسلامية للعمل بهذه الأحكام نجحت وأصبح لها حضورها في السوق المالية وبقوة، حتى صرنا نشهد في السنوات القليلة الماضية ظاهرة المالية الإسلامية على صعيد عالمي، وأُنشئت عدة مصارف إسلامية في الغرب، وتم تأسيس المصرف الإسلامي الدولي في لوكسمبورج عام (1978 م) بهدف تأسيس أول بنك إسلامي في الغرب، وهذا ما أكده الخبير المصرفي البريطاني رودني ويلسون في لقائه مع صحيفة (الشرق الأوسط 18/ 11/ 2008)، بأن المصرفية الإسلامية
أصبحت صناعة كبيرة اليوم، وأن تزايد أعداد الغربيين المستائين من الخدمات المصرفية التقليدية التي يعتبرونها غير أخلاقية، جعل ظهور المصرفية الإسلامية بنظامها الأخلاقي المتميز يتمخض عن إبراز وجه الإسلام الإيجابي
(1)
.
وجاء في مقال عن عمليات المصارف الإسلامية نُشِر مؤخراً في مجلة الدراسات المالية والمصرفية التي تصدر عن المعهد العربي للدراسات المالية والمصرفية أن جامعة (هارفرد) تضطلع بمشروع بحث لدراسة ماضي وحاضر ومستقبل العمليات المصرفية الإسلامية وصيغ الاستثمار الإسلامي، حيث يحيرهم حجم السوق الإسلامي والأسباب وراء نموه رغم ما يعترضه من عقبات. وقد جاء في المقال أيضا أن سيتي بنك الأمريكي يزمع تأسيس مصرف إسلامي متكامل في البحرين
(2)
.
لقد أصبحت المصارف الإسلامية أحد أعمدة الاقتصاد الوطني في البلاد التي أُنشئِت فيها، ولقد أكد نجاح المصارف الإسلامية وسرعة انتشارها قابلية الفكر الإسلامي للتطبيق وأن الشرع موجود أينما توجد مصلحة العباد في الدنيا والآخرة.
والمقصود أنه لما قامت البنوك الإسلامية، وحاربت الربا، ودعت إلى اقتصاد إسلامي، ونجحت بفضل الله عز وجل في ذلك، وتنامت حصتها في السوق المصرفية بسبب الإقبال الكبير على منتجاتها، مدعومة بالوازع الديني الذي حرك جانباً كبيراً من العملاء للتعامل معها، كان من الطبيعي أن تلحظ البنوك الربوية هذا
(1)
ينظر: البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق، د. عبد الله الطيار (ص: 333)، المعاملات المصرفية والربوية وعلاجها في الإسلام، لنور الدين عتر (ص: 36)، التجربة المصرفية الإسلامية بأوروبا، د. محمد النوري (ص: 6)، عقود التمويل المستجدة، د. حامد ميرة (ص 40).
(2)
ينظر: العمليات المصرفية الإسلامية (مفهوم ومحاسبة)، لحسين محمد سمحان (ص 3).
النجاح، مما اضطرها لدخول هذا المجال، وبالتالي أصبحت كثير من البنوك الربوية تتعامل بالمعاملات التي استحدثتها البنوك الإسلامية، كالمرابحة للآمر بالشراء، والإجارة، والتمويل بالمشاركة، ونحوه.
(1)
.
يوجد منها في المملكة العربية السعودية (11) بنكاً تقدم جميعها المنتجات المصرفية الإسلامية، ويوجد في كل منها إدارة متخصصة بالخدمات المصرفية الإسلامية وهيئة للرقابة الشرعية.
فمثلاً: البنك الأهلي التجاري قام بتحويل (161) فرعاً حتى نهاية 2006 م، وقام بنك الرياض بتحويل (80) فرعاً من مجموع فروعه البالغة (193) فرعاً، وقام البنك السعودي البريطاني بتحويل (8) فروع من إجمالي فروعه البالغة (69) فرعاً
(2)
.
(1)
الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، بيان بالبنوك التقليدية التي تقدم المنتجات المصرفية الإسلامية (الأردن، عمان بدون تاريخ)، تصريح في حوار مع د. سمير الشيخ، جدة في 1/ 7/ 2004 م.
(2)
ينظر: مجلة القادسية للعلوم الإدارية والاقتصادية، (م 12/ ع 2/ 2010).
المبحث الرابع
الأصل في المعاملات المالية
الأصل في المعاملات المالية الإباحة، والصحة، ولا يحرم منها ولا يبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه
(1)
.
وهذا الأصل من القواعد المهمة في أبواب المعاملات، ويعد هذا الأصل قاعدة فقهية مهمة، يتمسك بها عند عدم وجود الدليل الخاص في المسألة.
فالأصل في باب المعاملات: الحلُّ والإباحة، وهذه قاعدة عظيمة نافعة
(2)
.
وقد يعبر عن هذه القاعدة بألفاظ أخرى كقولهم: «الأصل في الأفعال الإباحة»
(3)
(4)
.
وبناء على هذا فإنّ الأصل في المعاملات من عقود وشروط الإباحة إلا إذا كان الشرط يناقض حكم الله وحكم رسوله، أو يناقض مقصود العقد، وحينئذ يكون الشرط باطلاً لا يصح الالتزام به.
قال الشافعي- رحمه الله تعالى-: «فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعاً، إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان في معنى ما نهى عنه»
(5)
.
(1)
ينظر: المغني لابن قدامة (6/ 360)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (28/ 386)، وإعلام الموقعين (2/ 487)، والمدخل إلى فقه المعاملات، د. محمد شبير (ص: 34).
(2)
ينظر: القواعد والأصول الجامعة لابن سعدي ص (31)، وفقه المعاملات المالية لمعالي الشيخ د. سعد الخثلان ص (13).
(3)
ينظر: المحصول (5/ 59)، وأعلام الموقعين (2/ 122).
(4)
ينظر: أعلام الموقعين (2/ 122).
(5)
الأم 3/ 3.
وقال أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: «والعادات الأصل فيها العفو فلا حظر منها إلا ما حرم الله، ودخلنا في معنى قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59]. ولذلك ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه»
(1)
.
وقال: «لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه»
(2)
.
والقول بأنّ الأصل في المعاملات هو الإباحة، هو قول الحنفية
(3)
، والمذهب عند المالكية
(4)
، ومذهب الشافعية
(5)
، والحنابلة
(6)
، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية
(7)
، وابن القيم
(8)
.
وأدلتهم على هذا الأصل كثيرة، ومن أبرزها ما يأتي:
الدليل الأول: عموم الأدلة التي فيها حل البيع، والأمر بالوفاء بالعقود، وإباحة التجارة، كقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى (29/ 17).
(2)
ينظر: المصدر السابق (29/ 126).
(3)
ينظر: تبين الحقائق (4/ 87)، فتح القدير (7/ 3).
(4)
ينظر: التلقين (2/ 359)، المقدمات (2/ 512).
(5)
ينظر: الأم (3/ 3)، المهذب (1/ 257).
(6)
ينظر: المغني (6/ 5)، مجموع الفتاوى (29/ 126).
(7)
ينظر: مجموع الفتاوى (29/ 126).
(8)
ينظر: أعلام الموقعين (1/ 425).
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
وجه الدلالة: أن الألف واللام في البيع، والعقود تفيد العموم، وكذلك لفظ التجارة نكرة في سياق النهي فيفيد العموم، فيشمل كل بيع، وكل عقد، وكل تجارة لم يرد بخصوصه منع
(1)
.
وهذا أصل في حل جميع أنواع المعاملات حتى يرد ما يدل على المنع، فدل على أن الأصل في العقود الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه.
الدليل الثاني: عموم الأحاديث التي فيها أن ما سكت عنه الشارع فهو عفو لا يبحث عنه ومنها:
1) قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها وحرم حرمات فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها)
(2)
.
2) قوله صلى الله عليه وسلم: (الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه)
(3)
.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن ما سكت عنه الشارع فلم يذكره بتحليل ولا تحريم فهو معفو عنه، لذا ترجم غير واحد من أهل العلم لهذه الأحاديث بما يفيد أن الأصل في الأشياء الإباحة، والمعاملات المالية داخلة في الأشياء، فيكون الأصل فيها الإباحة.
(1)
ينظر: الإرشاد إلى معرفة الأحكام للسعدي ص (484).
(2)
أخرجه الدار قطني في كتاب الرضاع (4/ 184)، والبيهقي (10/ 12 - 13).
(3)
أخرجه الترمذي (1726)، وابن ماجه (3367).
الدليل الثالث: أن العقود والشروط من باب الأفعال العادية، والأصل فيها عدم التحريم فيستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم.
الدليل الرابع: أنه ليس في الشرع ما يدل على تحريم جنس العقود والشروط، إلا ما ثبت حله بعينة. وانتفاء دليل التحريم دليل على عدم التحريم
(1)
.
أسباب خروج المعاملة المالية من أصل الحل إلى التحريم:
بما أنّ الأصل في المعاملات المالية من عقود وشروط الإباحة كما مر معنا فيما سبق، فلا يحظر منها شيء إلا كان مناقضاً لحكم الشارع، فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله، وفي هذا الموضع سأذكر الأصول والضوابط التي ترجع إليها المعاملات المالية المحرمة.
فمدار المعاملات المحرمة على أربعة أشياء هي:
1) الربا.
2) الغرر.
3) الضرر.
4) العقد المؤدي إلى محرم.
فكل معاملة اشتملت على واحد من هذه الأربعة فالشرع قد حرمها، وما عدا ذلك فهو حلال؛ لأن الأصل في المعاملات الحل والإباحة
(2)
.
المسألة الأولى: الربا:
والربا لغة: الزيادة، والنماء، والعلوُّ، والارتفاع.
وفي الاصطلاح: الزيادة في أشياء خاصة والزيادة على الدين مقابل الأجل مطلقاً.
(1)
ينظر: القواعد النورانية لابن تيمية ص (222).
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى (29/ 126)، أعلام الموقعين (1/ 425).
وهو على نوعين عند الفقهاء:
الأول: ربا الجاهلية، ويسمى ربا الديون، والربا الجلي
(1)
: وهو الزيادة في الدين مقابل التأجيل، سواء اشترطت عند حلول الأجل أو في بداية الأجل
(2)
.
الثاني: ربا البيوع، وهو على قسمين:
1) ربا الفضل: وهو الزيادة في أحد البدلين المتفقين جنساً
(3)
.
2) ربا النسيئة: وهو تأخير القبض في أحد البدلين الربويين المتفقين في علة الربا، وليس أحدهما نقداً. والمقصود بربا النسيئة هنا ما كان في البيوع، أما ربا الجاهلية فهو وإن سمي ربا نسيئة إلا أنه في الديون وليس في البيوع.
والربا أصل من أصول المعاملات المحرمة، وقد دل على تحريمه الكتاب والسنة والإجماع والنظر، ومن أدلة تحريمه:
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
الدليل الثاني: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278 - 279].
الدليل الثالث: حديث جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال:(هم سواء)
(4)
.
(1)
ينظر: إعلام الموقعين (3/ 170).
(2)
ينظر: الربا والمعاملات المصرفية للمبرك ص (20).
(3)
ينظر: إعلام الموقعين (3/ 170)، الربا للمترك ص (55).
(4)
أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (262).
الدليل الرابع: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)
(1)
.
الدليل الخامس: الإجماع. فقد أجمع العلماء في الجملة على تحريم الربا، وقد حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم
(2)
.
الدليل السادس: من النظر، والنظر يدل على تحريم الربا من وجوه منها:
الوجه الأول: عموم الظلم؛ لأن بالربا يحدث الظلم، وأصول الشريعة جاءت لتقصم ظهر الظلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه:(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)
(3)
، وبالربا يفشو الظلم بين الناس، وهذا محرم نظراً وشرعاً.
الوجه الثاني: نشر البغضاء والعداوة بين الناس، والأصول والقواعد العامة في شريعتنا الغراء تعمل على نشر الحب والألفة والمودة بين الناس، والربا أكل لأموال الناس بالباطل، وفيه تعطيل للمكاسب والتجارة والصناعات التي يحتاجها الناس، فالمرابي يزيد ماله بدون تعب، فيترك التجارة والمصالح التي ينتفع بها الناس، وما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة. وهو من أعظم الذنوب، وقد أعلن الله عز وجل الحرب على آكل الربا ومُوكِله من بين سائر الذنوب.
(1)
أخرجه البخاري، (2766)، ومسلم (262).
(2)
ينظر: الإفصاح (1/ 276)، المجموع (9/ 390)، أحكام القرآن للقرطبي (3/ 349).
(3)
أخرجه مسلم (2577).
المسألة الثانية: الغرر:
الغرر في اللغة: الخطر، والتغرير: حمل النفس على الغرر.
يقال: غرر بنفسه وماله تغريراً: عرضهما للهلكة من غير أن يعرف، والاسم الغرر
(1)
.
الغرر اصطلاحاً: عرف بتعريفات متعددة، من أجمعها:«ما كان مستور العاقبة» ؛ لأنه أجمع التعريفات للجزئيات الفقهية التي أدخلها الفقهاء تحت الغرر
(2)
.
وقد ذكر الفقهاء أيضاً أن الغرر هو: «الخطر الذي يستوي فيه طرف الوجود والعدم»
(3)
، أي احتمال الكسب والخسارة متساويان.
ومجموع العبارتين يدل على أن الغرر ما كان فيه احتمال الخسارة أكبر من أن يساوي احتمال الربح.
وإلى هذا أشار ابن تيمية رحمه الله حين قال: «وقد يخسر أحياناً» ؛ أي أن الاحتمال الغالب هو الربح، والاحتمال الأقل هو الخسارة
(4)
.
ومنع الغرر ضابط من ضوابط المعاملات المالية، وقد دل على اعتباره ضابطاً في التعامل: الكتاب والسنة والإجماع.
ومن أدلة تقرير هذا الضابط ما يأتي:
1) قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
(1)
ينظر: لسان العرب لابن منظور (10/ 42)، المصباح المنبر (ص: 169).
(2)
ينظر: مدخل إلى اصول التمويل الإسلامي، د. سامي السويلم ص (11).
(3)
ينظر: المصدر السابق.
(4)
ينظر: الغرر في العقود و آثاره في التطبيقات المعاصرة، د. الضرير (ص: 11)
وجه الاستدلال: أن الله - تعالى - حرم الميسر لما فيه من الغرر
(1)
.
2) (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر)
(2)
.
3) الإجماع: فقد أجمع العلماء على تحريم الغرر المؤثر في العقود المالية
(3)
، ولذا أجمعوا على تحريم بعض البيوع؛ لما فيها من الغرر
(4)
، ومن ذلك: بيع حبل
(1)
الميسر أخص من الغرر، فكل ميسر غرر، وليس كل غرر ميسراً، فهناك عقود كثيرة فيها غرر لا يصح أن يقال عنها: إنها قمار، [ينظر: فقه المعاملات المالية للدكتور لمحمد عثمان شبير، (ص: 22)].
(2)
أخرجه مسلم (3808).
(3)
الغرر المؤثر ما توافرت فيه الشروط الآتية:
1 -
أن يكون كثيراً، فإن كان يسيراً فلا تأثير له مطلقاً، كبيع الحبة المحشوة، وإن لم ير حشوها، وهذا محل إجماع، فقد أجمع العلماء على أن الغرر الممنوع هو الغرر الكثير، وليس اليسير. ولكنهم اختلفوا اختلافاً واسعاً حول ضابط الغرر الكثير.
2 -
أن يكون في عقد من عقود المعاوضات المالية، فإن كان في عقود التبرعات فلا تأثير له، وهو مذهب المالكية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية؛ وذلك لما يلي:
(أ) لأن الغرر في عقود المعاوضات مظنة العداوة والبغضاء، وأكل المال بالباطل، بخلاف عقود التبرعات.
(ب) أن التسامح في الغرر في التبرعات يؤدي إلى تكثير طرق الإحسان.
وخالف في ذلك الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، فمنعوا الغرر في عقود التبرعات؛ قياساً على عقود المعاوضات، والأقرب ما ذهب إليه المالكية؛ لما فيه من توسعة الإحسان بالمعلوم والمجهول.
3 -
أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة، فإن كان في التوابع فهو مغتفر، ولذا جاز بيع الثمرة التي لم يبد صلاحها تبعاً لأصلها، بينما لو بيعت مفردة لم يجز ذلك.
4 -
أن لا تدعو للعقد حاجة، فإن كان هناك حاجة إلى العقد لم يؤثر الغرر.
(4)
الإجماع لابن المنذر ص (102).
الحبلة
(1)
، وبيع المضامين
(2)
، والملاقيح
(3)
.
المسألة الثالثة: الضرر:
من المسلمات المعلومة بالضرورة في الشريعة أنها جاءت لجلب المصالح وتحصيلها وتنميتها، وقطع المضار وتعطيلها أو التقليل منها.
ولهذا فقد جاءت الشريعة بالأمر بالعدل والنهي عن الظلم والبغي والعدوان والغصب والسرقة.
وقد جعلت تحقيق العدل في المعاملات من أهم مقاصد التشريع، وأن لا تكون المعاملة الواقعة من المكلف مآلها موقعاً للمكلف في جور أو مفسدة أو ضرر.
و الضرر يعتبر خرقاً لأصل العدل الذي جاءت به الشريعة، ومن ثمة كان تحريمه من البدهيّات التي أسسها الاستقراء التام لنصوص الشريعة وتصرفاتها.
و لهذا فقد كان التشريع الإسلامي سباقاً إلى وضع القواعد والقوانين التي تمنع الفرد من الإضرار بالآخرين أثناء تعاطيه للمباح أو لحقه المشروع.
وتعتبر قاعدة منع الضرر من قواعد الفقه الإسلامي الهامة التي لها علاقة وثيقة بتقييد المباح، ومنع المكلف منه متى ما كان مآله موقعاً للمكلف بما يصادم أحكام الشريعة.
(1)
بيع حبل الحبلة: بفتح الجميع، ولد الولد الذي في بطن الناقة وغيرها، وكانت الجاهلية تبيع أولاد ما في بطون الحوامل، [ينظر: المصباح المنير (ص: 306)، المعني (6/ 299)].
(2)
بيع المضامين: جمع مضمون، وهو ما في أصلاب الفحول، [ينظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (5/ 42)، المصباح المنير ص (138)].
(3)
الملاقيح: جمع ملقوحة، وهو ما في بطون النوق من الأجنة، [ينظر: القاموس المحيط ص (306)، المعني (6/ 299)].
ولهذا فإن الضرر يعتبر أصلاً من الأصول التي يرجع إليها المعاملات المحرمة، وقد دل على منع التعامل بما فيه ضرر الكتاب والسنة.
ومن أدلة منعه:
الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف: 85].
وجه الاستدلال: أن الآية منعت من نقص الناس حقوقهم بتعييب السلعة، أو التزهيد فيها، أو المخادعة لصاحبها ونحو ذلك؛ لما فيه من أكل المال بالباطل
(1)
، والإضرار بالناس.
الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)
(2)
.
وجه الاستدلال: أن الحديث صريح في المنع من الإضرار بالغير، وكلمة الضرر نكرة في سياق النفي، تعم كل ضرر أو ضرار.
أنواع الضرر:
من تأمل في كثير مما نهى عنه الشارع يجد أنه يعود إلى دفع الضرر عن الفرد، أو عن الجماعة؛ فالضرر على نوعين:
1) ضرر خاص: وهو المتعلق بالفرد، ولرفعه نهى الشارع عن أنواع من التعامل، مثل: النجش
(3)
، وبيع المسلم على بيع أخيه، وشراؤه على شرائه.
(1)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (7/ 158)، فتح القدير للشوكاني (2/ 315).
(2)
رواه مالك في الموطأ (2865)، وابن ماجه (2340)، وقد حسنه النووي في الأربعين، وابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 210)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 1250).
(3)
النجش: هو أن يزيد في السلعة أكثر من ثمنها، وليس قصده أن يشتريها، بل ليغر غيره فيوقعه فيه.
2) ضرر عام: وهو المتعلق بالجماعة، ولرفعه نهى الشارع عن أنواع من التعامل مثل: النهي عن احتكار
(1)
ما يحتاجه الناس، وعن بيع الحاضر للبادي.
المسألة الرابعة: العقد المؤدي إلى محرم:
لما كان الباطل يطلق على ما كان ضد الحق
(2)
منع الشارع كل عقد يؤدي إلى محرم؛ لأن في التعامل به أكلاً للمال بالباطل، ولهذا نجد أن "الشرع المطهر إنما يمنع المبادلات التي تنتهي إلى انتفاع أحد الطرفين على حساب الآخر، وذلك هو أكل المال بالباطل
…
الذي نص عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
وأكل المال بالباطل؛ يعني: أكله بدون مقابل ينتفع به الطرف الآخر.
لأن كل معاوضة يراد بها الربح فلا بد أن ينتفع فيها الطرفان، وهذا حقيقة البيع الذي جاءت الشريعة به.
ومن أكل أموال الناس بالباطل أن يكون العقد يؤدي إلى محرم.
والمحرم في البيوع على نوعين:
1) مُحرَّم لذاته. والمقصود به: كل عين حرمها الشارع ابتداء لمعنى قائم فيها لا يريده الشارع، كالخمر، والميتة، والخنزير، والتماثيل.
(1)
الاحتكار: مأخوذ من الحكر: وهو ادخار الطعام للتربص به، وقد عرف بتعريفات متعددة، ومن أجود ما عرف به أنه: منع ما تمس الحاجة إليه بقصد رفع سعره. [ينظر: لسان العرب لابن منظور (3/ 267)، والقاموس المحيط للفيروز آبادي ص (484)، الربح في الفقه الإسلامي لشمسية إسماعيل ص (131)، العمولات المصرفية للدكتور آل إسماعيل، ص (37)].
(2)
ينظر: المفردات للراغب الأصفهاني ص (129)، والقاموس المحيط للفيروز آبادي ص (1249).
2) مُحرَّم لغيره، وهو ليس محرما لذاته؛ وإنما حرم لكونه وسيلة للوقوع في المحرم.
وهذا الضابط - وهو العقد المؤدي إلى محرم -، راجع إلى أصل عظيم من أصول الشريعة، وهو سد الذرائع، وهو أصل متفق عليه ومعمول به في الجملة، وإنما وقع الخلاف في بعض أنواعه، وفي بعض الفروع الفقهية التي تتفاوت فيها قوة وقوع المفسدة، وظهور القصد إليها.
وقد دل على تحريم التعامل بالعقد المؤدي إلى محرم أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، ومما يشهد لذلك:
الدليل الأول: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
وجه الاستدلال: أن الله تعالى نهى عن بيع وقت نداء الجمعة؛ لئلا يتخذ ذريعة إلى التشاغل عن حضورها، وهو أمر محرم، فدل ذلك على تحريم العقد المؤدي إلى محرم.
الدليل الثاني: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له)
(1)
.
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن بائع الخمر، ومشتريها، والوسيط بينهما؛ لتسببهم في شربها، فدل ذلك على تحريم كل ما أدى لفعل محرم، أو أعان على فعل معصية.
(1)
أخرجه الترمذي (1295)، وابن ماجه (3381).
الدليل الثالث: أن المباح وإن كان الأصل فيه الإباحة، إلا أن هذا المباح راجع إلى إذن الشارع، فإذا أراد المكلَّف أن يتوسل بالأمر المباح إلى ما هو حرام، فإن الشارع هنا يتدخل ليمنعه من بلوغ غايته.
والأدلة الدالة على تحريم العقد المفضي إلى فعل محرم كثيرة، وأمثلتها في كتب الفقه شهيرة، وقد ذكر صاحب الشرح الكبير طرفاً منها فقال:«وهكذا الحكم في كل ما قصد به الحرام كبيع السلاح في الفتنة أو لأهل الحرب أو لقطّاع الطريق، وبيع الأمَة للغناء أو إجارتها لذلك فهو حرام والعقد باطل لما قدمنا» .
(1)
.
وذكر صاحب المحلى أيضاً طرفاً من هذه الأمثلة فقال: «ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه، وهو مفسوخ أبداً، كبيع كل شيء ينبذ، أو يعصر ممن يوقن أنه يعمله خمراً، وكبيع الدراهم الرديئة ممن يوقن أنه يدلس بها، وكبيع الغلمان ممن يوقن أنه يفسق بهم أو يخصيهم، وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته، أو كبيع السلاح أو الخيل ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين، أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه، وهكذا في كل شيء»
(2)
.
(1)
الشرح الكبير (11/ 170).
(2)
المحلى لابن حزم (7/ 522).
(1)
إعلام الموقعين (4/ 548).
المبحث الخامس
الحيل في عقود التمويل
من الأشياء التي ارتبطت بعقود التمويل، الحيل في هذه العقود، من المعاملات في بعض الفروع الإسلامية وللأسف ما هي في حقيقتها إلا تحايل على المحرّم!، ومع إيماننا بأن «هناك حملة على البنوك الإسلامية، وهناك تشويه متعمد، وهناك كذب واختلاق، وهناك كيد وافتراء .... كل هذا صحيح ومشهود، ولكن هناك أيضاً أخطاء وانتهاكات مصدرها بالدرجة الأولى عدم الالتزام الواجب من جانب تلك البنوك والعاملين فيها بمقتضى الأسس التي تقوم عليها نظرية البنك الإسلامي»
(1)
.
ولكن السؤال المهم: هل الأخذ بالحيل هو الحل الوحيد أمام ضغوط الواقع؟ ألا توجد منهجية أخرى تسمح للمصارف الإسلامية أن تتعامل مع الواقع بإيجابية دون أن تفقد شخصيتها
(2)
، وتدخل باب الحيل بهذا الشكل المتوسع؟
لا شك أن الجواب: ليس الأخذ بالحيل هو الحل الوحيد أمام ضغوط الواقع، وأن الأخذ بالمنهج الإسلامي في التمويل سيجعل هذه المصارف قادرة على المنافسة والنجاح، دون الحاجة للأخذ بمبدأ الحيل.
ولهذا فلا بد من الكلام عن الحيل.
أولاً: تعريف الحيل:
الحيل لغة: قال ابن فارس رحمه الله: «الحاء والواو واللام أصل واحد، وهو تحرك في دور، فالحول: العام، وذلك أنه يحول أي: يدور»
(3)
.
(1)
حركة البنوك الإسلامية (ص: 588).
(2)
قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، للسويلم (ص: 511).
(3)
ينظر: مقاييس اللغة (2/ 121).
الحيل اصطلاحاً: الحيل في الاصطلاح هي: «قلب الأحكام الثابتة شرعاً إلى أحكام أخرى، بفعل صحيح الظاهر لغو في الباطن، كانت الأحكام من خطاب التكليف أو من خطاب الوضع»
(1)
.
أقسام الحيل
(2)
:
تنقسم الحيل باعتبار مشروعيتها إلى حيل مشروعة وحيل محرمة.
1) الحيل المشروعة: وهي الحيل التي تتخذ للتخلص من المآثم للتوصل إلى الحلال، أو إلى الحقوق، أو إلى دفع باطل، وهي الحيل التي لا تهدم أصلا مشروعا ولا تناقض مصلحة شرعية.
2) الحيل المحرمة: وهي الحيل التي يتوصل بها إلى إسقاط الواجبات والحقوق، وإباحة المحرم، ومنه ما يبلغ درجة الكفر والردة، ومن أمثلة هذا النوع التحيل بالردة عن الإسلام والعياذ بالله لحرمان الوارث من الإرث، أو التحيل بالردة على فسخ النكاح، وهذا النوع هو الذي هاجمه الفقهاء، وأجمعوا على حرمته وشناعته، وهو كما ذكر ابن القيم: «حرام باتفاق المسلمين، وذلك كالحيل على أخذ أموال الناس، وظلمهم في نفوسهم، وسفك دمائهم، وإبطال حقوقهم، وإفساد ذات بينهم، وهي من جنس حيل الشياطين
…
ولا يختلف المسلمون أن تعليم هذه الحيل حرام، والإفتاء بها حرام، والشهادة على مضمونها حرام، والحكم بها مع العلم بحالها حرام، والذين جوزوا منها ما جوزوا من الأئمة لا يجوز أن يظن بهم أنهم جوزوه على وجه الحيلة إلى المحرم وإنما جوزوا صورة ذلك
(1)
ينظر: الموافقات (1/ 108).
(2)
ينظر: إعلام الموقعين (3/ 88).
الفعل، ثم إن المتحيل المخادع المكار أخذ صورة ما أفتوا به فتوسل به إلى ما منعوا منه وركب ذلك على أقوالهم وفتواهم وهذا فيه الكذب عليهم وعلى الشارع»
(1)
.
وضابط هذا النوع من الحيل المحرمة: هو «ما هدم أصلا شرعيًا وناقض مصلحة شرعية، فإن فرضنا أن الحيلة لا تهدم أصلًا شرعيًا، ولا تناقض مصلحة شهد الشرع باعتبارها؛ فغير داخلة في النهي ولا هي باطلة»
(2)
، وبهذا الضابط يظهر لنا أن «الحيلة المحرمة الباطلة، هي التي تتضمن تحليل ما حرمه الله، أو تحريم ما أحله الله، أو إسقاط ما أوجبه الله، وأما حيلة تتضمن الخلاص من الآصار والأغلال، والتخلص من لعنة الكبير المتعال، فأهلا بها من حيلة وبأمثالها»
(3)
.
وهذا النوع هو المراد بالبحث هنا، وقد اتفق الفقهاء على منعها وتحريمها، لأنها مخادعة لله عز وجل فإنها تقتضي رفع التحريم مع قيام موجبه، فيصير المحرم حلالاً في الظاهر، أو تقضي بإسقاط الواجب مع قيام سبب، فيصير غير واجب في الظاهر.
وقد بسط ابن القيم الأدلة على تحريم الحيل في كتابه إعلام الموقعين، ورد على الأدلة التي استدل بها من أباح الحيل، والذي يهمنا هنا بيان موقف الفقهاء من الحيل
(4)
.
ثانياً: حكم الحيل الربوية:
الحيل الربوبية هي من الحيل المحرّمة، وهي التي -كما مرّ- يقصد بها الوصول إلى المحرّم بطريق ظاهره الإباحة والحلُّ.
(1)
ينظر: إعلام الموقعين (4/ 536).
(2)
ينظر: الموافقات (2/ 662).
(3)
ينظر: إعلام الموقعين (4/ 536).
(4)
ينظر: المصدر السابق (5/ 301).
وإذا تقرر عندنا حرمة هذا النوع من الحيل، وأن الشريعة سدت الذرائع المؤدية إلى الحرام، ومنعت وسائل الفساد، وسدت الطرق المؤدية إليه، ودفعها قبل وقوعها، تفرع عن ذلك منع الحيل وإبطالها، لأن الحكم ببطلانها مبني على النظر فيما تؤول إليه من الوقوع في الإثم، ومناقضة قصد الشارع. وهذا عام في كل أحكام الشريعة، ومنه المعاملات المالية.
والمتأمل في حال معاملات الناس اليوم، يجد أن هناك تحيّلاً واضحاً على الحرام، وهذا ما تفعله بعض المصارف الربوية، والمصارف المحافظة (الإسلامية).
ولنأخذ مثلاً المعاملات المالية الإسلامية في البنوك المصرفية سواء منها التقليدية أم الإسلامية، يجد المتأمل أن كثيراً منها وللأسف صار يتجه للأخذ بالصورية المحرمة في العقود، وهذه الصورية ما هي في حقيقتها إلا تحايل على المحرّم!، ومثل هذه الأفعال - ومن باب إحسان الظن بالقائمين على المصارف- سببه الرغبة الكبيرة في نجاح هذه التجربة عند القائمين عليها، والحذر الشديد على أموال المساهمين، والتي دفعت بعض المصارف الإسلامية نحو خيارات أكثر أماناً وأكثر ربحاً، وهذه الرغبة ليست خاطئة، بل يشكرون عليها، لا سيما في المرحلة التي سيفسر أي إخفاق فيها بأنه دليل على فشل الفكرة وليس الممارسة، وسيعطي أعداء المصارف الإسلامية حجة جديدة على ضرورة الربا - كما يزعمون - في نجاح الاقتصاد! ولكن هذه الرغبة الجامحة والحذر الشديد لم يقابلها حرص كافٍ على سلامة الاتجاه، وصحة المسيرة نحو أهداف هذه المصارف الإسلامية.
وبسبب ذلك أصبحت المعاملات المصارف الإسلامية المالية تتجه نحو الأمان والربح أكثر مما تتجه نحو الرؤية والأهداف، حتى اقتربت بعض معاملات المصارف
الإسلامية من ممارسات المصارف الربوية، ومن بوابة "المواعدة الملزمة" في المرابحة للآمر بالشراء دخلت العقود المحرمة باسم المواعدة وليس باسم العقد! وصار دور كثير من الهيئات الشرعية في بعض هذه المصارف البحث عن المخارج الشرعية للعقود المحرمة، عبر الحيل والمخارج عند الفقهاء السابقين، حتى ولو أدى الأمر لنبش الأقوال الشاذة والمهجورة من أجل تجويز تلك العقود الصورية! وهذا الذي جعل فقهاء الصيرفة الإسلامية - والحريصين على المصارف الإسلامية - يوجهون النقد لهذه المصارف التي انحرفت عن الهدف المقصود منها.
ولهذا يقول الدكتور أحمد النجار وهو الخبير بالنظرية الإسلامية في الاقتصاد، يقول:«هناك حملة على البنوك الإسلامية، وهناك تشويه متعمد، وهناك كذب واختلاق، وهناك كيد وافتراء .. كل هذا صحيح ومشهود. ولكن هناك أيضاً أخطاء وانتهاكات مصدرها بالدرجة الأولى هو عدم الالتزام الواجب من جانب تلك البنوك والعاملين فيها بمقتضى الأسس التي تقوم عليها نظرية البنك الإسلامي»
(1)
.
وهذا الذي جعل بعض وسائل الإعلام يطلق على البنوك الإسلامية "البنوك الإسلاربوية"!
وهذه التهم وإن كان فيها تجوز وتجنّ
(2)
، إلا أن اتجاه كثير من البنوك للعقود التي ظاهرها صحيح وباطنها غير صحيح، ولا تعدو إلا حيلة على المحرّم، وتعاون
(1)
ينظر: حركة البنوك الإسلامية (ص: 588).
(2)
ومن ذلك قول بعض الباحثين: على من ينشئ مصرفاً إسلامياً أن يطبع نماذج مخصوصة للقروض، ونماذج أخرى للحيل الشرعية، حتى يكون عقد القرض خالياً من ذكر المنفعة، وهو أمر سهل جداً " [ينظر: إشكالية الحيل (ص: 412)].
بين البنوك والعملاء على الإثم والعدوان، وهذا الاتجاه أضعف موقف البنوك الإسلامية نوعاً ما.
والحل الأمثل لمعالجة هذه الأخطاء هو وجود هيئة شرعية، ورقابة حقيقية من أجل تنفيذ تلك القرارات. والناظر لحال المصارف الإسلامية يجد أنها على ضربين:
الضرب الأول: مصارف إسلامية ملتزمة بالشريعة الإسلامية، ولديها هيئة شرعية تهتم بمراجعة معاملات المصرف، وتمارس دوراً حقيقياً في ضبط معاملات المصرف وجعلها متوافقة مع الشريعة، وليس المراد الآن الحديث عن دور هذه الهيئات الشرعية، وإنما الإشارة إلى أن هناك مصارف ملتزمة بالشريعة، حتى بلغت نسبة التزام بعض المصارف بالقرارات الصادرة من الهيئة الشريعة 90%، مما يدل على أن الكلام الذي يردده أعداء ومناوئو المصارف الإسلامية غير دقيق، وأنه نابع إما عن جهل وإما عن حقد.
الضرب الثاني: وهي تلك المصارف الإسلامية التي لا يوجد لديها هيئات شرعية معتبرة، أو أنها لا تلتزم بقرارات الهيئة كما يحصل من بعض المصارف!، وهي التي ربما صدق عليها ولو وبنسبة معينة بعض كلام هؤلاء، فأصبح الأمر كما يقول الدكتور النجار:«لكنني في نفس الوقت نظرت إلى حركة البنوك الإسلامية، فإذا بعشرة أعوام قد مضت على بدء انتشارها، وإذا ببعضها حريص على الالتزام بأصل الفكرة، جاد في السعي نحو الأخذ بالصحيح. وبعضها الآخر مُكتفٍ باللافتة وسعيد بها، يمارس تحت مظلتها التزاما شكليا وتطبيقا عمليا يلحقه بجدارة بمعسكر البنوك التقليدية دون منازع»
(1)
.
(1)
ينظر: حركة البنوك الإسلامية (ص: 399).
ثالثاً: الفرق بين الحيل الربوية والمخارج الشرعية:
ما تقدم آنفاً هو متجه إلى الحيل الربوية المحرّمة والتي سبق بيان المقصود بها، ولا يعني هذا ذم هذا الباب وإغلاقه مطلقاً، فالحيل بشكل عام تجري فيها الأحكام الخمسة، وهي:«التحريم، والكراهة، والإباحة، والندب، والوجوب» .
(1)
.
وعليه فمن أطلق تحريم الحيل من أهل العلم فهو يقصد الحيل المحرّمة، ومن قال بجواز الحيل فهو يقصد الحيل المشروعة، وهي ما يعرف عند الفقهاء بالمخارج الشرعية.
يقول الشاطبي رحمه الله: «وكذلك القول في الحيل عند من قال بها مطلقا، فإنما قال بها بناء على أن للشارع قصدا في استجلاب المصالح ودرء المفاسد، بل الشريعة لهذا وضعت، فإذا صحح مثلا نكاح المحلل؛ فإنما صححه على فرض أنه غلب على ظنه من قصد الشارع الإذن في استجلاب مصلحة الزوجين فيه، وكذلك سائر المسائل بدليل صحته في النطق بكلمة الكفر خوف القتل أو التعذيب، وفي سائر المصالح العامة والخاصة؛ إذ لا يمكن إقامة دليل في الشريعة على إبطال كل
(1)
فتح الباري (12/ 342).
حيلة، كما أنه لا يقوم دليل على تصحيح كل حيلة؛ فإنما يبطل منها ما كان مضادا لقصد الشارع خاصة، وهو الذي يتفق عليه جميع أهل الإسلام، ويقع الاختلاف في المسائل التي تتعارض فيها الأدلة»
(1)
.
وعليه فلا يلام -بل قد يؤجر- من يبحث عن المخارج الشرعية، وأقوال الفقهاء في المعاملات المالية، من أجل تصحيح بعض العقود، وجعلها متفقة مع الشريعة الإسلامية، شريطة أن يكون ذلك مبنيا على قول معتبر، ونظر صحيح، وبعيداً عن الهوى.
* * * * *
(1)
ينظر: الموافقات (2/ 618).
الفصل الثاني
دراسة لبعض عقود التمويل
ويتشمل على اثني عشر مبحثاً:
المبحث الأول: القرض.
المبحث الثاني: التقسيط.
المبحث الثالث: التورق.
المبحث الرابع: المرابحة.
المبحث الخامس: السلم.
المبحث السادس: الاستصناع.
المبحث السابع: الإجارة المنتهية بالتمليك.
المبحث الثامن: الشركات.
المبحث التاسع: المشاركة المتناقصة.
المبحث العاشر: البطاقات المصرفية.
المبحث الحادي عشر: المقاولة.
المبحث الثاني عشر: صكوك الإجارة.
المبحث الأول
القرض
أولاً: تعريفه.
القرض لغة: أصل القرض في اللغة: القطع. ومعاني القرض في اللغة تدور على القطع، والمجازاة، والترك.
القرض اصطلاحاً: عرف الفقهاء القرض بتعريفات متقاربة تدل على أنه: «دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله» .
ثانياً: حكمه:
القرض مندوب إليه في حق المقرض، وهو من القُرَب التي حث عليها الإسلام، والأصل فيه أنه من عقود التبرعات التي يراد بها الإرفاق والإحسان إلى المقترض.
وأما بالنسبة للمقترض فحكمه: جائز عند الحاجة. فإذا كان الشخص محتاجاً للمال فيجوز له أن يقترض المال من غيره.
فعلى المقترض ألا يلجأ إلى عقد التمويل إلا إذا كان محتاجاً إلى الدخول في ذلك العقد؛ لأنه يترتب على عقد التمويل انشغال ذمة الممول، كما أشرنا إليه سابقا، فيجب أن يقتصر فيه على قدر الحاجة ولا يتوسع فيه.
ثالثاً: المنفعة في القرض
(1)
:
تعريف المنفعة: المنفعة هي قابلية الشيء لإشباع رغبة بشرية.
أنواع المنافع في القرض وأحكامها:
المنافع في القرض نوعان:
النوع الأول: المنافع المشروطة في القرض:
وهي كثيرة ومن أهمها:
(1)
ينظر: المنفعة في القرض، د. عبد الله العمراني، فقد أفدت منه في هذا الباب جزاه الله خيراً.
الزيادة في بدل القرض: الواجب في القرض رد البدل المساوي في الصفة والقدر، فقد اتفق العلماء -كما تقدم - على تحريم اشتراط الزيادة في بدل القرض للمقرض، وأن هذه الزيادة ربا، سواء كانت الزيادة في الصفة (كأن يشترط على المقترض رد أجود مما أخذ)، أم عيناً (كأن يقترض مالاً ويشترط عليه رده مع هدية من مال آخر) أم منفعة (كأن يقترض مالاً ويشترط عليه رده مع عمل المقترض عند المقرض مدة).
ولم يفرَّق في الحكم بين اشتراط الزيادة في بداية العقد أو عند تأجيل الوفاء.
وتسمى الزيادة المشروطة في القرض: ربا القرض، وهي من ربا الجاهلية.
وقد نُقل الإجماع على تحريم الزيادة في بدل القرض، للأدلة الآتية:
الدليل الأول: النصوص التي دلت على تحريم الربا، ومنها:
1) قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
2) قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278].
3) قول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله)
(1)
.
4) قوله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)
(2)
.
(1)
أخرجه مسلم، رقم (1218).
(2)
أخرجه مسلم، رقم (1587).
ووجه الاستدلال منها: أن صورة القرض في الحقيقة هي صورة ربا النسيئة، لكن لما كان مبنى القرض التبرع ومبنى البيع المعاوضة غاير الشارع بينهما في الحكم، فإذا اشترطت الزيادة في القرض خرج عن موضوعه وهو التبرع والإرفاق إلى المعاوضة فجرى فيه ما يجري فيها، فيشمله النهي في تلك النصوص وتتقيد بما يتقيد به البيع فيها وهو أن يكون (مثلاً بمثل، ويداً بيد).
الدليل الثاني: حديث: (كل قرض جر منفعة فهو ربا).
وهذا الحديث روي مرفوعاً بإسناد ضعيف جداً، وموقوفاً بإسناد ضعيف، ولكن معناه صحيح إذا كان القرض مشروطاً فيه نفع للمقرض فقط أو ما كان في حكم المشروط، وقد تلقى كثير من العلماء هذا الحديث بالقبول، وعضده أدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول والآثار عن الصحابة والتابعين الدالة على تحريم كل قرض جر منفعة.
النوع الثاني: المنافع المادية غير المشروطة في القرض وأحكامها:
وهي قسمان:
القسم الأول: المنافع المادية غير المشروطة عند الوفاء: اتفق العلماء على تحريم الزيادة - في القدر أو الصفة - المشروطة في بدل القرض للمقرض، واختلفوا في حكمها إذا لم تكن مشروطة على أقوال، الراجح منها الجواز، وهو مذهب الحنفية
(1)
، وقول عند المالكية
(2)
، ومذهب الشافعية
(3)
، والمذهب عند الحنابلة
(4)
، يدل على ذلك ما جاء عن أبي رافع رضي الله عنه: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استسلف من
(1)
ينظر: المبسوط (14/ 35)، بدائع الصنائع (7/ 395).
(2)
ينظر: الكافي (2/ 727)، الفواكه الدواني (2/ 134).
(3)
ينظر: الحاوي (5/ 357)، المهذب (1/ 304).
(4)
ينظر: الكافي (2/ 125)، المبدع (4/ 209).
رجل بكراً، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال:(أعطه إياه إنّ خيار الناس أحسنهم قضاءً)
(1)
.
القسم الثاني: المنافع المادية غير المشروطة قبل الوفاء: إذا بذل المقترض للمقرض منفعة غير مشروطة أثناء مدة القرض -قبل الوفاء-، مثل: الهدية للمقرض، والاستضافة، وركوب الدابة، ونحو ذلك من المنافع التي قد يبذلها المقترض قبل الوفاء، فقد اختلف الفقهاء في حكمها إذا كانت من غير شرط، والراجح هو التحريم، وهو مذهب المالكية، والحنابلة، خلافاً للشافعية، وهذا فيما إن كانت تلك المنافع من أجل القرض أو في مقابله.
أما إن كانت تلك المنافع ليست من أجل القرض، مثل ما إذا كانت العادة جارية بينهما بذلك قبل القرض، أو حدث سبب موجب لهذه المنافع بعد القرض كالجوار ونحوه، فإنه يجوز. ويدل على ذلك:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك)
(2)
.
رابعاً: تطبيقات معاصرة للمنفعة في القرض:
أولاً: الودائع الجارية:
تعريف الودائع الجارية:
للوديعة تعريف عند الفقهاء، وتعريف في عرف المصارف المالية.
(1)
أخرجه البخاري رقم (2305)، ومسلم رقم (1600).
(2)
أخرجه ابن ماجه رقم (2457)، والبيهقي (5/ 350)، وضعفه الألباني في الإرواء (/ 236).
فالفقهاء يطلقون الوديعة على العين التي توضع عند الغير ليحفظها، فهي:«المال المتروك عند الغير للحفظ قصداً بغير أجر»
(1)
.
وأما تعريفها في عرف المصارف: فقد عرفت الودائع المصرفية بعدة تعريفات متقاربة ومن ذلك:
(2)
.
(3)
.
وهذا التباين في تعريف الوديعة عند الفقهاء وتعريفها عند الاقتصاديين، جعل بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي يعدل عن مصطلح:" الوديعة المصرفية " إلى مصطلح: "الحسابات المصرفية"؛ وذلك لأسباب منها:
أن ما يسمى "الودائع المصرفية" لا ينطبق عليه تعريف ولا أحكام الودائع في الفقه الإسلامي، وإنما هي قروض في الحقيقة
(4)
.
(1)
معجم لغة الفقهاء (ص: 501)، معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء (ص: 469).
(2)
عمليات البنوك، لعلي جمال الدين عوض (ص: 30).
(3)
أحكام الودائع المصرفية لمحمد تقي الدين العثماني، ضمن مجلة مجمع الفه الإسلامي، العدد التاسع (1/ 791).
(4)
ينظر: الودائع المصرفية. حسابات المصارف للكبيسي، ضمن مجلة مجمع الفه الإسلامي، العدد التاسع (1/ 750).
والذي يهمنا تقريره هنا: هو أن الإيداع المصرفي يختلف «عن الإيداع بمفهومه اللغوي والفقهي المعروف بمعنى الأمانة المحفوظة، وقد يرى بعضهم أن الإيداع لدى البنوك تغلب عليه فكرة الحفظ التي تقرب عقد الوديعة المصرفية من عقد الوديعة المعروف، غير أن هذا التكييف يتعارض مع النتائج العلمية التي تترتب على الإيداع المصرفي، ومن أهمها استعمال البنك للنقود المودعة لمصلحته، ومن هنا فإن المبادئ الخاصة بعقد الوديعة لا تنطبق على الوديعة المصرفية، لأنه فيما عدا الحالة الاستثنائية إيداع نقود بذاتها - وهذا أمر نادر عملياً - فإن البنك لا يقصد أبداً المحافظة على النقود التي تلقاها بعينها بل يقصد استخدامها على أن يرد مثلها، وهذا بالإضافة إلى أنه ما دام البنك مأذوناً له في استعمال الوديعة فقد سقط عنه التزام الحفظ حيث الوديعة تهلك بالاستعمال.
وإذا نظرنا إلى تكييف الوديعة في الفقه الإسلامي فهي رغم أنها - كما يفهم من كلام الفقهاء - لا تخرج عموماً عن كونها توكيلاً أو استنابة في حفظ المال إلا أنها إذا كان مأذوناً فيها باستعمال الشيء المودع و الانتفاع به تصبح عارية، وإذا كان هذا الشيء نقوداً أو شيئاً مثلياً مما يهلك باستعماله فإن العارية تنقلب إلى قرض»
(1)
.
جاء في المبسوط: «عارية الدراهم والدنانير والفلوس قرض؛ لأن الإعارة إذن في الانتفاع ولا يتأتى الانتفاع بالنقود إلا باستهلاك عينها، فيصير مأذوناً في ذلك»
(2)
.
(1)
البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق، د. عبد الله الطيار (ص: 450).
(2)
المبسوط (11/ 144).
وجاء في المغني: «ويجوز استعارة الدراهم والدنانير ليزن بها، فإن استعارها لينفقها فهذا قرض»
(1)
.
وجاء في كشاف القناع: «فإن استعارها، أي: الدراهم والدنانير لينفقها أو أطلق أو استعار مكيلا أو موزونا ليأكله، أو أطلق، فقرض تغليبا للمعنى، فملكه بالقبض»
(2)
.
وهذا القول هو الموافق لتكييف القانون للوديعة المصرفية، أنها قرض، وهو الذي أقره وأخذ به مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق ل: 1 - 6 أبريل 1995 م.
والذي جاء فيه: «بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "الودائع المصرفية (حسابات المصارف) "، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
أولاً: الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية: هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المتسلِّم لهذه الودائع يده يد ضمان لها، وهو ملزم شرعاً بالرد عند الطلب. ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) مليئاً.
ثانياً: إن الودائع المصرفية تنقسم إلى نوعين بحسب واقع التعامل المصرفي:
(أ) الودائع التي تدفع لها فوائد، كما هو الحال في البنوك الربوية: هي قروض ربوية محرمة، سواء أكانت من نوع الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) أم الودائع لأجل، أم الودائع بإشعار، أم حسابات التوفير.
(1)
المغني (7/ 346).
(2)
كشاف القناع (4/ 51).
(ب) الودائع التي تسلم للبنوك الملتزمة فعلياً بأحكام الشريعة الإسلامية بعقد استثماري على حصة من الربح: هي رأس مال مضاربة، وتطبق عليها أحكام المضاربة (القراض) في الفقه الإسلامي التي منها عدم جواز ضمان المضارب (البنك) لرأس مال المضاربة.
ثالثاً: إن الضمان في الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) هو على المقترضين لها (المساهمين في البنوك) ما داموا ينفردون بالأرباح المتولدة من استثمارها، ولا يشترك في ضمان تلك الحسابات الجارية المودعون في حسابات الاستثمار، لأنهم لم يشاركوا في اقتراضها ولا استحقاق أرباحها"
(1)
.
أنواع الودائع المصرفية
(2)
:
النوع الأول: الحسابات أو الودائع الجارية أو التي تسمى تحت الطلب، وهي إما أن تسمى حسابات أو تسمى ودائع، فالتسمية واحدة، وإما أن يقال جارية أو تحت الطلب.
يقصد بهذا النوع من الحسابات: المبالغ التي يودعها أصحابها لدى البنوك وتكون حاضرة للتداول وتحت طلب العاملين في أي لحظة متى ما أرادها العميل يستطيع أن يسحب من رصيده، فهي جاهزة في أي لحظة يستطيع أن يطلبها.
(1)
ينظر: قرارات المجمع، الدورة التاسعة، (ص: 929 - 932).
(2)
ينظر: حكم ودائع البنوك، د. علي السالوس (ص: 65 - 67)، المعاملات المصرفية، سعود بن سعد دريب (ص: 47)، المعاملات المالية في الفقه الإسلامي، د. محمد شبير (ص: 211)، فقه المعاملات المالية المقارن، د. علاء الدين الزعتري (ص: 368)، المنفعة في القرض، د. العمراني (ص: 465).
وتنقسم هذه الودائع إلى الأقسام التالية:
ودائع الأفراد: وهي الودائع التي يعهد بها أفراد الناس إلى المصرف، وذلك لحفظ أموالهم في المصرف.
ودائع الشركات والهيئات: وهي الودائع التي تعهد بها الشركات أو الهيئات إلى المصرف.
ودائع البنوك الأخرى: إن طبيعة الأعمال التجارية والمالية في أي بلد تحتم أنواعاً من الاتصال والتعاون بين المؤسسات المالية وخاصة البنوك، لذلك يجد كثير من البنوك الحاجة ملحة لفتح حسابات لدى البنوك الأخرى.
النوع الثاني: الودائع الادخارية (التوفير)، وتسمى الودائع الثابتة، وغير الجارية: وهي المبالغ التي يودعها أصحابها في المصرف، ويكون لهم حق سحبها كاملة متى شاءوا، غير أن هذا الإيداع يخضع لقيود وشروط تجعل تصرف المودع فيها أقل من تصرفه في الودائع الجارية، ويصرف المصرف مقابل ذلك فائدة للعميل أقل من فائدة الودائع الثابتة.
وتنقسم إلى إلى نوعين:
النوع الأول: الودائع لأجل ثابت معين: وهي عبارة عن المبالغ التي يضعها صاحبها في البنك بناء على اتفاق بينهما ولا يمكن للمودع سحبها أو شيئاً منها إلا بعد حلول الأجل المعين حسب الشروط المتفق عليها.
النوع الثاني: الودائع بشرط الإخطار: وهي الودائع التي يمكن لصاحبها أن يسحبها ولكن بعد أن يعطي إشعاراً بذلك إلى البنك يحدد له مهلة معينة لسحبها، ابتداء من تاريخ الإشعار- أو الإخطار -.
ودائع التوفير: ولها صور متعددة، منها:
- أن يقوم صاحب هذا النوع من الودائع بإيداع مبالغ متفرقة بين الحين و الآخر، بحيث إنه إذا أودع مبلغاً استحق فائدة عليه من حين الإيداع.
- ومن الصور: ما يسمى بودائع الادخار، وهي عبارة عن مبالغ يودعها الأفراد ونحوهم لدى البنوك ولا يكون لهم الحق في السحب منها إلا في فترات محددة كمرة في الأسبوع - مثلاً-.
حكم الإيداع في الحساب الجاري في المصارف الربوية:
لا خلاف بين الفقهاء المعاصرين في جواز الإيداع في المصارف الربوية للضرورة متى وجدت الضرورة إلى ذلك بحيث يخشى الإنسان على ماله أن يسرق أو ينهب، بل ربما يخشى على نفسه أن يقتل ليؤخذ ماله، فلا بأس؛ لقول الله تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]
(1)
.
واختلفوا في حكم الإيداع من غير ضرورة على قولين:
والقول الراجح هو تحريم الإيداع لدى البنوك الربوية، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وأفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، والهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية، كالهيئة الشرعية لمصرف الراجحي، والهيئة الشرعية في بيت التمويل الكويتي، وهو قول أكثر العلماء المعاصرين.
يدل على ذلك ما يلي:
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
وجه الدلالة: أن الله عز وجل نهى عن التعاون على الإثم، والإيداع عند المصارف الربوية إعانة لهم على الربا؛ وذلك لأن هذا الإيداع سيؤدي إلى تقوية مركزها
(1)
ينظر: مجلة البحوث الإسلامية 6/ 279، 18/ 81، وكتاب الدعوة 1/ 144، وفتاوى الشيخ ابن عثيمين 2/ 709.
المالي، «حيث تعد هذه الحسابات أهم موارد هذه المصارف، فهي تزيد عن 90% من مجمل مواردها»
(1)
.
وهذا المال الذي أتى لأصحاب المصارف الربوية بهذه القوة وهذه السيطرة لم يكن في البداية مالهم الخاص، بل أكثره مال المودعين الذي أودعوه في خزائنهم، وشيئاً فشيئا تركز أكثر المال السائل في المجتمع في حوزتهم، وهكذا دانت لهم السيطرة المالية بغير أي كد أو جهد بذلوه، بل كانت عملية امتصاص دماء المجتمع وهم رابضون في بنوكهم، وفي المقابل كان هذا الإيداع سبباً لإضعاف المصارف الإسلامية التي يجب دعمها عبر الإيداع فيها.
الدليل الثاني: أن الإيداع على الصحيح يُكَيَّفُ على أنه قرض، وقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز القرض متى كان وسيلة للمحرّم، والمودع هو معين لهذه المصارف على الربا بهذا القرض.
وأما قول بعضهم: إن المودع لم يقصد إعانة المصرف الربوي على الربا، وإنما قصد حفظ ماله.
فيجاب عنه: بأنه لا يشترط وجود القصد في الإعانة كما سبق بيانه في ضوابط الإعانة، بل متى كانت الإعانة متحققة أو غلب الظن على وقوعها حرمت، سواء قصد المعين الإعانة أم لا.
يقول ابن تيمية رحمه الله: «إن الذرائع حرمها الشارع وإن لم يقصد بها المحرم خشية إفضائها إلى المحرم فإذا قصد بالشيء نفس المحرم كان أولى بالتحريم من
(1)
الحسابات والودائع المصرفية، د. محمد القري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (ع 9/ 1/ 720).
الذرائع، وبهذا التحرير يظهر علة التحريم في مسائل العينة وأمثالها وإن لم يقصد البائع الربا؛ لأن هذه المعاملة يغلب فيها قصد الربا فيصير ذريعة فيسد هذا الباب، لئلا يتخذه الناس ذريعة إلى الربا، ويقول القائل لم أقصد به ذلك، ولئلا يدعو الناس فعله مرة أخرى، ولئلا يعتقد أن جنس هذه المعاملة حلال، ولا يميز بين القصد وعدمه، ولئلا يفعلها الإنسان مع قصد خفي يخفي من نفسه على نفسه»
(1)
.
ثانياً: المنافع التي ينتفع بها المقرض (صاحب الحساب).
دفتر الشيكات و بطاقة الصراف الآلي:
يجوز انتفاع صاحب الحساب الجاري بدفتر الشيكات وبطاقة الصراف الآلي دون مقابل؛ لأن المنفعة هنا حقيقة عائدةلهحيث يتمكن من خلال هذه الخدمات من استيفاء قرضه.
الجوائز على القروض:
الجوائز والهدايا إذا كان سببها هو القرض، بحيث إن من يقرض البنك مثلاً يعطى من هذه الجوائز والهدايا، فقد تقدم أن الهدية للمقرض قبل الوفاء إذا كانت بسبب القرض فإنها محرمة.
ثالثاً: صناديق التنمية الحكومية:
القروض التي تقدمها تعد من التمويل بالقرض الحسن من دون زيادة، صندوق التنمية العقاري، صندوق التنمية الصناعي، صندوق الزراعي، بنك التسليف؛ القروض التي تقدمها الجمعيات الخيرية، كلها تعد قروضاً حسنة، وهي نوع من انواع التمويل الإسلامي، وتسد احتياجاً كبيراً حقيقياً في المجتمع؛ لكونها مبنية على القرض الحسن، وليست فيها أي زيادة.
(1)
ينظر: الفتاوى الكبرى (3/ 265).
ومن المسائل المشكلة هنا الرسوم الإدارية، فبعض الجهات التمويلية التي تقدم قرضاً حسناً تشترط عندما تقدم القرض الحسن: أن تأخذ رسوماً إدارية لتغطية تكاليف الإقراض، مثلاً: قد تكون جهاز التمويل: نعطي القرض مليون ريال، ويرد مليوناً كما هو من دون زيادة، لكن على المقترض أن يتحمل تكاليف الدراسة الائتمانية، الرسوم الإدارية، تكاليف متابعة المشروع، لأن الجهة الممولة ستتابع المشروع، وهذا يحملها تكاليف متعددة؛ مصاريف فرق ميدانية، ومهندسين، دراسات مالية، دراسات هندسية،
…
إلى غير ذلك، هل يجوز تحميل هذه المصروفات على المقترض؟
نقول: إذا كانت هذه المصروفات الإدارية في عقد القرض الحسن بقدر التكلفة الفعلية، يعني لم تربح الجهة الممولة في ذلك، وإنما أرادت تغطية تلك التكاليف، فهنا يجوز هذا، يجوز لها أخذ هذه الرسوم.
* * * * *
المبحث الثاني: التقسيط
بيع التقسيط هو من عقود التمويل، أو الخدمات الائتمانية التي تقدمها المصارف الإسلامية.
ولم يعرف بيع التقسيط كمصطلح عند الفقهاء القدامى، لكن في عباراتهم ما يفيد معناه في بيوع الآجال، لاسيما وبيع التقسيط يعد فرعاً من بيوع الآجال، التي تباع فيها السلعة بثمن مؤجل أعلى من السعر الجاري، لكن يختلف عنه في أن التقسيط قد يكون الثمن مؤجلاً على دفعات متقاربة، أو متباعدة، بينما بيع الأجل يكون الثمن مؤجلاً مدة يسيرة، أو كثيرة، لكن يدفع جملة واحدة، فبين التقسيط والتأجيل عموم وخصوص، ففي كل تقسيط تأجيل.
أولاً: تعريفه:
التقسيط لغة: القاف والسين والطاء، وهذا أصل صحيح كما يقول ابن فارس، وهو يدل على معنين متضادين.
فالقسط العدل ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42].
والقسط بفتح القاف: الجور.
ومن معاني التقسيط: تفريق الشيء، والاقتسام بالسوية، والتقتير.
التقسيط اصطلاحاً: عقدٌ على مبيع حال بثمن مُؤَجل يُسدد مفرقًا على أَجزاءٍ معلومة في أَوقات معلومة.
ثانياً: حكم بيع التقسيط:
التقسيط من العقود التي عرفها الفقهاء المتقدمون، وذكروه في كتبهم، وإن كانوا لم يذكروه بهذا الاسم إلا أنهم ذكروه في بيوع الآجال.
وعامة الفقهاء على أن هذا البيع لا بأس به، وأنه بيع صحيح، وهو قول المذاهب الأربعة
(1)
، بل قد حكي الإجماع على جوازه، وممن حكى الإجماع على جوازه الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح، وبهذا صدر قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بجدة
(2)
.
وروي عن قلة من العلماء أنهم منعوه، قالوا: إنه لا يجوز، ومنهم بعض الظاهرية، ومن المعاصرين اشتهر هذا الرأي عن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.
وقد قيل إن القول بالمنع قول شاذ؛ لأنه مخالف للإجماع، وهذا هو الأقرب.
والأدلة على جواز التقسيط كثيرة منها:
1) قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] فهذه الآية تشمل أي عقد مداينة سواء أكان بيع أجل، أو تقسيط، أو سلم، أو غير ذلك من أنواع المداينات.
2) حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة قالت: (جاءتني بريرة، فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني)
(3)
. وهذا دليل على جواز تقسيط الثمن كما فعلت بريرة رضي الله عنها.
(1)
وذلك بناء على قولهم بجواز زيادة في الثمن مقابل التأجيل، [ينظر: شرح فتح القدير (7/ 7)، بدائع الصنائع (5/ 187)، بداية المجتهد (2/ 254)، الأم (3/ 88)، مغني المحتاج (2/ 31)، المغني (6/ 385)، كشاف القناع (3/ 186)].
(2)
دورته مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 - 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م.
(3)
أخرجه البخاري رقم (2168)، ومسلم رقم (1142).
3) الإجماع، فقد حكى غير واحد إجماع أهل العلم - كما سبق ذكره - على جواز الزيادة في الثمن الآجل عن الثمن الحاضر.
4) القياس على السَّلَم، فإن السَّلَم ثابت في الصحيحين، والسلم حقيقته هو عكس البيع الآجل، ففي السلم الثمن معجل، بينما المثمَّن مؤجل.
وأما من منع فليس عنده حجة ولا دليل، إلا قياس هذه المسألة على زيادة الدين مقابل زيادة الأجل، وهذ قياس مع الفارق؛ لأن زيادة الدين مقابل الأجل هي زيادة في الدين، أما هنا الزيادة زيادة في قيمة السلعة مقابل زيادة الأجل، أما الدين فإنه زيادة في دين مقابل الأجل، الذي هو أساس الربا في الحقيقة، ولهذا فمنع التقسيط اعتماداً على هذه الشبهة غير دقيق، لأن الزيادة هنا تعد من الربح الحلال، بل إن الله تعالى رَدَّ شبهة نظيرة لهذه الشبهة ذكرها المشركون، لما حرم النبي صلى الله عليه وسلم الربا، وأباح البيع الآجل التي تكون فيه زيادة، فاعترض كفار قريش وقالوا:{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} ، إذا كان الربا فيه زيادة فالبيع الآجل فيه كذلك زيادة، فلماذا حُرِمَ هذا، وَأُبِيحَ هذا؟ فرد الله تعالى عليهم في قوله:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
ثالثاً: شروط بيع التقسيط.
يُشترط في بيع التقسيط جميع شروط البيع السبعة؛ وهي:
1) الرضا من العاقدين.
2) أن يكون العاقد جائز التصرف.
3) أن تكون العين المعقود عليها مباحة النفع من غير حاجة.
4) أن تكون مملوكة للعاقد أو مأذوناً له بالتصرف فيها.
5) أن يكون المبيع معلوماً برؤية أو صفة.
6) أن يكون الثمن معلوماً.
7) القدرة على تسليم المعقود عليه.
ويزاد عليها شروط خاصة ببيع التقسيط:
يشترط لبيع التقسيط ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون البائع مالكًا للسلعة، فلا يجوز أن يبيع سلعة وهو لا يملكها، والأدلة على ذلك متعددة منها: ما جاء في المسند والسنن عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام: (لا تبع ما ليس عندك)
(1)
.
فحكيم بن حزام رضي الله عنه يأتيه الرجل يطلب منه سلعة، وهذه السلعة ليست عند حكيم، فيذهب حكيم للسوق ويشتري السلعة ثم يبيعها على الرجل كما ورد في الرواية الأخرى للحديث والتي يقول فيها حكيم:(يأتيني الرجل فيسألني من البيع ما ليس عندي، أبتاع له من السوق وأبيعه منه). فهو رضي الله عنه يبيع السلعة قبل أن يتملكها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:(لا تبع ما ليس عندك) .. فنهاه صلى الله عليه وسلم أن يبيع ما ليس عنده أي ما ليس في ملكه.
وهذا الحديث أصل في بيع الآجل، فلا يجوز للمصرف أو المؤسسة المالية أو شركات التقسيط بيع السلعة قبل ملكها؛ لأن ذلك يصير حيلة للوقوع في الربا، كما تفعله بعض المصارف التقليدية، فمثلاً يذهب ويشتري هذه السلعة المعينة، كالسيارة مثلاً، والواقع أن بعض البنوك لا تفعل هذا، وإنما فقط تتفاهم مع معرض السيارات بأننا تحول إليه الزبائن، وهذا غير كاف في الحقيقة، لا بد أن
(1)
أخرجه الترمذي 4/ 430 تحفة الأحوذي.
يشتروا شراء حقيقيا، ويتملكوا تلك السيارة بعينها، ويتم القبض ثم بعد ذلك يبيعها.
لكن ما الحكم فيما إذا طلب شخص من آخر أو من مصرف أو من مؤسسة أو شركة أن يشتروا له سلعة معينة ثم يشتريها منهم بالتقسيط؟.
هذه المسألة يسميها بعض المعاصرين بالمرابحة للآمر بالشراء، وسيأتي الكلام عنها بالتفصيل.
الشرط الثاني: أن يكون البائع قابضا للسلعة، والقبض أمر زائد على التملك، فلا بد أن يتملك السلعة، يتملك البنك السلعة ويقبضها قبل أن يبيعها إلى العميل، فهنا أمر زائد وهو القبض، ودليل ذلك سبق بيانه في ضوابط عقود التمويل، وكثير من عقود التقسيط تقع بين الناس دون قبض للسلعة، وسبق بيان أنواع القبض.
الشرط الثالث: ألا يزيد الدين بعد ثبوته في ذمة المشتري، وأن يكون الربح مقطوعا، فيقول مثلا: أبيعك هذه السيارة بخمسين ألفا وربح خمسة الآف أو ربح عشرة الآف هذا هو الأحسن والأفضل، ولا يقول: أبيعك هذه السيارة على أن أربح في كل عشرة آلاف ألفاً. أو يقول: أبيعك هذه السيارة بنسبة ربح ثمانية في المائة مثلا، فإن هذا قد ورد عن بعض السلف كراهته، وإن كان ليس محرما لكنه مكروه.
ولهذا قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: «بيع المرابحة: هو البيع برأس المال وربح معلوم، ويشترط علمهما برأس المال، فيقول: رأس مالي فيه أو هو علي بمائة بعتك بها، وربح عشرة، فهذا جائز لا خلاف في صحته، ولا نعلم فيه عند أحد كراهة. وإن قال: بعتك برأس مالي فيه وهو مائة، وأربح في كل عشرة درهما، أو
قال: ده يازده. أو ده داوزده. فقد كرهه أحمد، وقد رويت كراهته عن ابن عمر، وابن عباس، ومسروق، والحسن، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعطاء بن يسار.
وقال إسحاق: لا يجوز؛ لأن الثمن مجهول حال العقد، فلم يجز، كما لو باعه بما يخرج به في الحساب. ورخص فيه سعيد بن المسيب، وابن سيرين، وشريح، والنخعي، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي وابن المنذر. ولأن رأس المال معلوم والربح معلوم فأشبه ما لو قال: وربح عشرة دراهم.
ووجه الكراهة أن ابن عمر وابن عباس كرهاه، ولم نعلم لهما في الصحابة مخالفا، ولأن فيه نوعا من الجهالة، والتحرز عنها أولى. وهذه كراهة تنزيه، والبيع صحيح؛ لما ذكرنا»
(1)
.
الشرط الرابع: أن لا يكون بيع التقسيط ذريعة إلى الربا، فإذا كان كذلك منع.
رابعاً: مسائل في بيع التقسيط:
المسألة الأولى: إفراد الزيادة في الثمن المؤجل بالذكر:
ومثاله: أن يقول البائع: ثمن السلعة (1000 ريال) ويزاد مقابل تقسيط السداد لمدة سنة (50 ريالاً) أو (20%).
والحكم: لا يخلو الحال من صورتين:
أن يكون هذا في وقت المساومة؛ فإذا حان العقد سمّي فيه ثمن واحد فقط؛ فلا بأس في ذلك؛ لأن العقد استقر على ثمن واحد مؤجل ثبت كلّه في ذمة المشتري مقابل شرائه السلعة.
أن يكون إفراد الزيادة في صلب العقد؛ فيذكر الثمن مستقلاً؛ وتذكر الزيادة مستقلة؛ فالراجح في هذا التحريم؛ سدّاً لذريعة الربا وبُعداً عن التشبه به.
(1)
ينظر: المغني (4/ 136).
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السادسة ما نصّه: «لا يجوز شرعاً في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحالّ بحيث ترتبط بالأجل؛ سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة» .
المسألة الثانية: الحطّ من الثمن مقابل تعجيل الأداء:
هذه المسألة لها أحوال:
الحال الأولى: أن يُذكر هذا مشروطاً في العقد.
ومثاله: أن يُذكر في صلب العقد بأن ثمن السلعة مؤجلاً على 3 سنوات (10000 ريال)؛ فإن عجّل الأداء في سنتين استحق إسقاط (1000 ريال).
والحكم: هذه الصورة محرمة لوجهين:
أنها من قبيل البيعتين في بيعة؛ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة.
أن هذا ذريعة إلى الربا؛ فالمشتري ربما أوقع نفسه في الربا حين يختار في نفسه الأداء خلال سنتين، ثم إذا عجز أخّر سنة ثالثة مقابل زيادة (1000 ريال)، وهذه مثل الزيادة الربوية المأخوذة مقابل تأخير الدين.
الحال الثانية: أن يحطّ البائع بعض الثمن - بعد استقرار العقد - تبرعاً وإحساناً؛ إما ابتداءً أو بعد أداء المشتري لبعض الثمن، وسواء صاحب ذلك التماس من المشتري أو لا، ويستمر الوفاء على حاله - إن بقي شيء-.
ومثاله: أن يكون الثمن المقرر في العقد (10000 ريال) مؤجلة، ثم يحطّ البائع - بعد ثبوت العقد وسقوط الخيار- (2000 ريال) تبرعاً وإحساناً فيصير الثمن (8000 ريال).
أو يكون الثمن المقرر في العقد (10000 ريال) مؤجلة، فيؤدي إليه المشتري (3000 ريال)، ثم يحط البائع- بالتماس من المشتري أو عدم التماس- بعض المتبقي فيوافق البائع ويُسقط (2000 ريال)، فيبقى في ذمة المشتري (5000 ريال).
والحكم: هذه الصورة جائزة، لأنها من فعل الخير، وقد قال الله تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70].
ولأنها من حسن الاقتضاء؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع؛ وإذا اشترى؛ وإذا اقتضى)
(1)
.
الحال الثالثة: أن يكون الثمن حالاًّ أو يحلّ الدين المؤجل؛ فيتفق البائع والمشتري على الحط منه مقابل الأداء.
ومثاله: أن يحلّ الدين الذي في ذمة المشتري وقدره (10000 ريال) ويتأخر في الأداء؛ فيتفق مع البائع على أن يُسقط (2000 ريال) مقابل أن يوفيه المشتري الآن.
والحكم: هذه الصورة جائزة، لما ثبت في الصحيحين من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنه دين، فلقيه فلزمه؛ فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما؛ فمرّ بهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال:(يا كعب - وأشار بيده كأنه يقول: النصف -، فأخذ نصف ما عليه وترك نصفاً)
(2)
.
الحال الرابعة: أن يكون الثمن مؤجلاً؛ فيتفق الطرفان على الحط منه مقابل تعجيل الأداء، وهذه هي مسألة (ضع وتعجّل).
(1)
أخرجه البخاري رقم (2076).
(2)
أخرجه البخاري رقم (2424)، ومسلم رقم (1558).
ومثاله: أن يكون لأحدهما ثمن مبيع على صاحبه مؤجل قدره (10000 ريال)، فيعرض البائع على المشتري أو يعرض المشتري على البائع أن يسقط (2000 ريال) مقابل تعجيل الأداء، وكل هذا على سبيل الإلزام والالتزام.
والحكم: هذه الصورة محل خلاف؛ والراجح جوازها؛ لما يأتي:
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير، جاءه ناس منهم فقالوا: يا نبي الله؛ إنك أمرت بإخراجنا، ولنا على الناس ديون لم تحلّ؛ فقال صلى الله عليه وسلم:(ضعوا وتعجلوا)
(1)
.
أن الأصل في العقود والشروط الجواز حتى يدل الدليل على التحريم، خصوصاً أن في هذا مصلحة للطرفين ولا مدخل فيه للإثم.
المسألة الثانية: اشتراط حلول بقية الأقساط عند تأخر السداد:
يجوز اشتراط حلول بقية الأقساط عند تأخر المشتري في السداد، لأن الأصل في العقود والشروط الإباحة والجواز؛ فإذا تراضيا على اشتراط ذلك؛ فالمسلمون على شروطهم.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السادسة ما نصه: «يجوز شرعًا أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد» .
المسألة الرابعة: اشتراط غرامة مالية عند تأخر السداد:
لا يجوز إجماعاً اشتراط غرامة مالية عند التأخر في السداد؛ لأنه زيادة في الدين بعد استقراره مقابل الإنظار؛ وهذا ربا الجاهلية الذي حرّمه القرآن.
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (817). وقال الهيثمي (4/ 130): وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف وقد وثق. وقال ابن الملقن في مختصر استدراك الذهبي (1/ 562): فيه الزنجي وهو ضعيف، وعبد العزيز بن يحيى وليس بثقة.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السادسة: «إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه بأي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم» .
المسألة الخامسة: رهن المبيع على ثمنه المؤجل:
يجوز للبائع أن يرهن المبيع على ثمنه المؤجل؛ لوجوه:
- أن الملك انتقل للمشتري فجاز له التصرف فيه بما شاء؛ ومن ذلك: رهن المبيع على ثمنه.
- أنه إذا جاز للمشتري رهن المبيع عند البائع على غير ثمنه؛ فرهنه على ثمنه جائز ولا فرق.
- أنه إذا جاز للمشتري رهن المبيع عند غير بائعه؛ فيجوز له رهنه عند بائعه ولا فرق.
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السادسة: «لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة» .
* * * * *
المبحث الثالث: التورق
التورق هو أحد عقود التمويل الإسلامي، وهو من أبرز العقود التي تقدمها المصارف الإسلامية للعملاء سواء كانوا أفراداً أو شركات.
أولاً: تعريفه:
التورق نسبة إلى الوَرِق، سمي بذلك لأن المشتري الذي يشتري السلعة لا يقصد السلعة لذاتها، وإنما يقصد الوَرِق وهو الفضة، يعني يريد الدراهم يريد النقود، لا يقصد السلعة لذاتها.
وعرّفه البهوتي: «ومن احتاج لنقد فاشترى ما يساوي ألفا بأكثر ليتوسع بثمنه فلا بأس نصاً ويسمى التورق»
(1)
.
فالمشتري هنا يقصد الورق (الفضة) ولا يقصد السلعة، والمقصود بالفضة عموم النقود، لا خصوص النقود الفضية، وإنما عبر بها الفقهاء لأنها هي السائدة في ذلك الزمن.
والملاحظ هنا أنها بين ثلاثة أطراف بين البائع الأول، الذي باعها بالتقسيط، ثم المشتري الذي اشتراها بالتقسيط، ثم المشتري الثاني الذي اشتراها نقدًا، فهي بين ثلاثة أطراف.
ثانياً: أنواع التورق:
1) تورق بسيط وهو التورق العادي.
2) التورق المنظم.
النوع الأول: التورق البسيط:
وهو أن يشتري العميل السلعة من المصرف بالأَجَل، ثم يبيعها بنفسه إلى طرف ثالث بقصد الحصول على قيمتها نقدًا. إذًا التورق مُتَمم في الحقيقة لعملية البيع
(1)
شرح منتهى الإيرادات (2/ 158).
بالتقسيط، فالتورق يشتمل على بيع بالتقسيط وبيع آخر، فالعميل يأتي إلى المصرف/ المؤسسة ويشتري منه السلعة بالتقسيط، ثم إذا أخذ تلك السلعة وحازَها وقَبِضها، باعها بنفسه على طرف ثالث غير المصرف.
وقد يكون البيع هنا تقسيطاً وقد يكون مرابحة بالنسبة للمصرف أو المؤسسة، وهو تورق بالنسبة للمشتري.
حكمه:
أختلف الفقهاء فيه على قولين:
القول الأول: أنه جائز، وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو قول كثير من الفقهاء المعاصرين منهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، وفضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وقد حدد شروطاً لجوازه. وقال بالجواز كثير من الهيئات الرقابية الشرعية للمؤسسات المالية، وقال به كثير من المعاصرين.
قال المرداوي: «فائدة: لو احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين فلا بأس. نص عليه هو المذهب وعليه الأصحاب، وهي مسألة التورق»
(1)
.
وقد سمى الحنابلة هذا النوع بهذا الاسم (التورق)، أما بقية المذاهب فلم يرد فيها هذا الاسم بعينة، ولكن ذكروه بصورته كما ذكرنا سابقاً.
القول الثاني: التحريم، تحريم هذه المعاملة وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمة الله عليهما، وهو قول في مذهب الإمام أحمد، وقول لبعض المعاصرين
(2)
.
(1)
ينظر: الإنصاف (4/ 337).
(2)
منهم: د. صديق محمد الأمين الضرير، ود. رفيق يونس المصري، ود. علي السالوس، ود. عبد الله السعيدي، ود. سامي السويلم.
وعللوا رأيهم بأمرين:
الأول: أنه مسلك اضطراري لا يأخذ به إلا مكره عليه ومضطر إليه وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرَّ)
(1)
، والمستورق يقصد الحصول على النقد الحاضر مقابل ثمن مؤجل في ذمته أكثر منه.
ويجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا الحديث ضعيف.
الوجه الثاني: أنه ليس كل من يتعامل في التورق يُعَدُّ مضطرًّا، بل قد يكون من أجل الحاجة فقط، أو من أجل التوسع بالنقود، ونحو ذلك.
الثاني: أن مقصود المشتري من هذه المعاملة هو الحصول على النقد، وأنه جعل السلعة حيلة لذلك، فهي دراهم بدراهم بينهما حريرة كما قال ابن عباس.
والجواب عن هذا: أن السلعة في الحقيقة مملوكة للمشتري، فالمستورِق الذي يشتري السلعة يتملك السلعة حقيقة، وتدخل في حيازته ويقبضها، له أن ينتفع بها بسائر أوجه الانتفاع؛ ومن ذلك بيعها والانتفاع بثمنها.
ولهذا فالصحيح أن التورق الفردي جائز، يدل على ذلك:
1) أن العقدين منفصلان، فأنت عندما تشتري سلعة بثمن مؤجل هذا عقد، وعندما تبيعها على طرف ثالث نقدًا عقد آخر مستقل، هذا عقد مستقل، وذاك عقد مستقل، ولا ترابط أو تلازم بينهما
(2)
.
2) أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (3382) وغيره.
(2)
ينظر: فقه المعاملات المالية لشيخنا د. سعد الخثلان.
3) أن في هذه المعاملة تنفيساً على الناس، ودفعاً حاجاتهم، والتيسير عليهم مع شح المقرضين اليوم.
فالتورق جائز ولكن بالضوابط التالية:
1) أن يتم فعلاً شراء سلعة موجودة في حوزة البائع وملكه.
2) أن يتم البيع الثاني من قبل المشتري بعد تملكه السلعة وقبضه لها على غير البائع (المصرف).
3) أن لا يظهر في هذا البيع ربا، لا قصداً ولا صورة.
4) أن لا يؤدي إلى بيع العينة.
يقول ابن القيم: «وهذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها فهي العينة، وإن باعها لغيره فهو التورق، وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما فهو مُحَلل الربا، والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون، وأخفها التورق
…
»
(1)
.
النوع الثاني: التورق المُنَظَّم:
في التورق المنظم يشتري العميل السلعة من المصرف ويوكل المصرف في نفس الوقت ببيعها، لا يقوم العميل ببيعها بنفسه وإنما يبيعها المصرف نيابة عنه، يوكله في بيعها، فليس للعميل إلا خيار واحد، هو توكيل المصرف في البيع، لا يستطيع العميل أن يحتفظ بالسلعة أو يستمر مالكًا لها، ولا يستطيع أن يبيعها بنفسه، وإنما أمامه خيار واحد هو: أن يُوَكِّل البنك في البيع، فالتورق المنظم هو في مرحلة وسط بين العِينة والتورق البسيط
(2)
.
(1)
إعلام الموقعين (3/ 182).
(2)
ينظر: فقه المعاملات د. يوسف الشبيلي.
وهذ النوع الآن تقريبًا هو الأكثر انتشارًا في البنوك الإسلامية في السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة، حيث بدأوا يتجهون إلى التورق المنظم.
والتورق المصرفي المنظم، هو صورة للتورق البسيط، ولكن المصارف توسعوا فيه، وهذا التوسع فيه عدة إشكالات.
وصورته: «أن يتفق شخص مع مصرف على أن يبيعه المصرف حديداً
(1)
ب (مئتي ألف) مؤجلة، ثم يلتزم له المصرف بأن يبيع ذلك الحديد على طرف ثالث ب (مئة وخمسين ألفاً) حالةً ويسلمها المصرف للعميل».
فالمصرف يقوم بجميع العمليات هو البائع، فهو الذي يبيع عليك السلعة بالتقسيط، ثم يتوكل في بيعها على طرف ثالث، وهو الذي يقوم ببيعها على طرف ثالث، ويسلم لك النقد، يقوم بجميع العمليات، فأنت فقط تأتي وتوقع على الأوراق، ثم تجد في رصيدك ما أردت، أو مائة ألف أو مئتي ألف ينزل في رصيدك بعد ساعة أو سويعات، ويثبت في ذمتك أكثر من هذا المبلغ.
(1)
غالبا ماتتم عملية التورق المصرفي عن طريق المعادن وخصوصا الزنك، والنيكل، والصفيح، والنحاس، والبرونز؛ لأنها من المعادن الأساسية التي يجري فيها التبادل يوميا عالميا، يتقدم العميل إلى المصرف بطلب شراء بالتقسيط لمعدن كذا صفته كذا بالتقسيط، لكونه غائبا في دولة أخرى كالبحرين مثلا، وهذه السلع تعرض في سوق البورصة العالمية والتي قد تم شراؤها من قبل المصرف وفق آلية السوق المالية للسلع، وفي هذا الطلب يتم الحصول على معلومات عن طالب المال من حيث إمكانياته المالية ويرفق بالطلب المستندات الثبوتية التي تساعد المصرف على تحديد قدرة الطالب على السداد، والبيع يكون عن طريق بيع وحدات من المعدن زنتها كذا، وسعر كل وحدة كذا، بعد شراء العميل هذه الوحدات من المعدن يقوم العميل بتوكيل المصرف في قبض المعدن وبيعه له في السوق الدولية وإيداع المبلغ في حسابه لدى المصرف مع تحمل المشتري لتقلبات الأسعار، وله الحق في تسلم سلعته في مكان تسليمها.
حتى وصل الأمر ببعض المصارف أن تعقد هذا التورق من غير سلعة.
فبعض البنوك تظهر أن السلعة موجودة، وهي في الحقيقة لا تملكها، ويحصل هذا خاصة في المعادن، فتجد أنهم يقولون نحن نبيعك معادن موجودة في البلاد الفلانية، أو في المخازن، ولو طلب منهم المشتري السلعة لم يمكنوه من ذلك!
وغالباً ما يكون هذه التورق في السلع الدولية، كالمعادن مثلا، ومن أشهر تلك الأسواق سوق (لندن) للمعادن الدولية، يتم فيه تبادل المعادن عن طريق أوراق أو سندات تسمى شهادات الحيازة أو شهادات التخليص، هذه السوق يتم فيها تبادل المعادن وبيعها، فيأتي المصرف يشتري معادن من السوق الدولية، من سوق (لندن) للمعادن الدولية، وهو عندما يشتري المعادن لا ينقل المعادن إلى مستودعات، وإنما غاية ما يَقْبِضُه هو شهادة الحِيازة، ثم إذا أخذ شهادة الحِيازة يأتي العميل للبنك ويقول: أريد أن أحصل على مبلغ على سيولة، فيقولون له: عندنا معادن دولية، ونحن نبيعها عليك بالتقسيط وتوكَّلنا في بيعها على طرف ثالث، ومجرد أن يوقع على الأوراق ينزل في رصيده ما أراد، وهذه المعادن قد تباع لأكثر من شخص، وهذا في الحقيقة غير جائز.
ولهذا بحث مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي هذه المسألة، وهذا التوسع الحاصل من المصارف ومنع منه.
وقد جاء في نص القرار ما يلي: «الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة في مكة، من التاسع عشر إلى الثالث والعشرين من شهر شوال، نظر في موضوع التورق كما تجريه المصارف، وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة والمناقشات التي دارت حوله، تبين للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف
في الوقت الحاضر هو قيام المصرف بعمل نمطي، يتم فيه ترتيب بيع سلع، ليست من الذهب أو الفضة، من أسواق السلع العالمية أو غيرها، الغالب أنها حديد أو معادن على المستورق بثمن آجل على أن يلتزم المصرف إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة بأن ينوب عنه في بيعها بثمن حاضر وتسليم ثمنها للمستورق، وبعد النظر والدراسة قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولاً: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية:
1) أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر، أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعًا. شبيهة بالعينة، وإن كانت صورة العينة لا تنطبق عليها لكنها شبيهة بالعينة، سواء كان الالتزام مشروطا صراحة، أو بحكم العرف والعادة المتبعة، يعني حتى لو لم يكن منصوصا عليها صراحة أنك توكل البنك، لو كان هذا متعارفا عليه فالمعروف عرفا كالمشروط شرطا.
2) أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة هذه المعاملة، أيضا لا يتحقق معها القبض.
أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمى المستورق فيها من المصرف في معاملة البيع والشراء التي تجري منه، والتي هي صورية في معظم أحوالها، يعني كل هذا التعامل صوري في الحقيقة، مجرد أنك تأتى وتوقع على الأوراق، وينزل لك في رصيدك ما أردت، وهذه العملية البيع والشراء والتوكيل في الحقيقة هي صورية.
بدأت البنوك ولمَّا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع للمنظمة التابع للرابطة بتحريم التورق المنظم بدءوا يتحاشون هذه الكلمة، كلمة (تورق) ويسمون عقود التورق عقود مرابحة حتى تكون أكثر قبولاً عند الناس، ومن التسميات الغريبة للتورق المنظم:
- التورق المبارك.
- تسهيلات التيسير.
- برنامج الخير!
التورق العكسي:
التورق العكسي سمي بهذا الاسم لأنه خلاف الغالب في التورق بكونه لصالح العميل المحتاج للسيولة، وفي التورق المعتاد المستثمر لماله هو المصرف لحصوله على ربح التورق الذي يجريه مع العميل ثم يبيع العميل السلعة بثمن حال، أما في التورق العكسي فالمصارف أو المؤسسات المالية هي من يحتاج للمال، فالذي يستثمر أمواله هو العميل لأنه هو الذي يبيع سلعته بالمرابحة مع المصرف.
والمراد منه: جذب المال للمصارف كبديل للودائع الآجلة التي تمنح عليها فوائد وفق ما يطلق عليه الصيغة الإسلامية للتعامل، وذلك بأن يكون البائع هوالمودع الذي يرغب في إيداع أمواله في المصرف وأخذ أرباح عليها، واستخدام صيغة التورق لأخذ الربح على المال المودع لأجل.
وبما أن المصرف هو الآمر في الاستثمار فإن العميل يوكل المصرف للحصول على السلعة لصالح المصرف ثم يتم تملك المصرف السلعة من العميل بالمرابحة، ويقوم المصرف بعدئذ ببيعها بثمن حال ليحصل على السيولة.
إجراءات التورق العكسي
(1)
:
1) أن يقوم العميل بإيداع مبلغ من المال في حسابه لدى المصرف.
(1)
ينظر: التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد عثمان شبير ص 25 وما بعدها.
2) يتقدم المصرف للعميل بتوجيهه لشراء سلعة ثمنها قدر المبلغ الذي في حسابه؛ ليشتريها المصرف منه مرابحة، وبهامش ربح يجري الاتفاق عليه بينهما وفقا لوقت تأجيل الثمن. ويفضل المصرف أن تكون السلعة مما يتيسر له بيعها في الحال وبأقل نقص.
3) يعرض المصرف على العميل صاحب الحساب أن يتوكل عنه في شراء السلعة، ولا يلزمه بذلك إن كان قادرًا على شراء السلعة التي يريدها البنك.
4) يتوكل المصرف بعد تملك العميل للسلعة ببيعها لنفسه بثمن مؤجل لمدة محدودة.
5) في حال عدول المصرف عن الشراء بعد شراء العميل السلعة؛ فإن العميل يعامل المصرف بمقتضى أحكام الوعد الملزم؛ لأن وعد العميل وعد ملزم بأن يشتري منه السلعة مرابحة بعد تملكه إياها.
6) في حال رغبة العميل في السداد المبكر لمديونيته على المصرف أو سحب المبلغ؛ فإن المصرف يتيح له تحقيق هذه الرغبة، لكن يدخل معه في مسألة:«ضع وتعجل» .
وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بدورته التاسعة عشرة في الشارقة، وذكرناه في التورق المصرفي المنظم وجاء فيه: «التورق العكسي: هو صورة التورق المنظم نفسها مع كون المستورق هو المؤسسة والممول هو العميل.
ثانياً: لا يجوز التورقان (المنظم والعكسي)؛ وذلك لأن فيهما تواطؤاً بين الممول والمستورق، صراحة أو ضمناً أو عرفاً، تحايلاً لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو ربا».
أيضاً صدر فيه فتوى من ندوة البركة، وجاء فيها عن التورق العكسي برقم (28/ 3) أفتت فيها بعدم جواز هذا النوع من التورق، ونصها:«الأصل في البنوك الإسلامية تطبيق المضاربة والمشاركة ونحوهما من العقود المؤصلة في الفقه الإسلامي، وأن الصورة المثلى أن تكون العلاقة بين البنك وعملائه هي المضاربة. وإن المتبع في المرابحة أن يكون البنك هو البائع، ولا يجوز قلب هذه العلاقة، بحيث يكون المشتري هو البائع في المرابحة (المرابحة العكسية)، مع تضمين هذه العملية التزام البنك بأداء النسبة التي قُيدت بها المرابحة، والالتزام بالتوكيل في التورق، وحق البيع للنفس» أ. هـ.
* * * * *
المبحث الرابع: المرابحة
من عقود التمويل المنتشرة في المصارف اليوم، وتعتمد عليها اعتماداً كبيراً لدرجة أنها تكاد هي العمل الأساسي لبعض المصارف بيع المرابحة للآمر بالشراء.
وهي كما يذكر البلتاجي تمثل قرابة 90% من حجم عقود التمويل الموافقة للشريعة
(1)
.
أولاً: تعريف المرابحة.
المرابحة لغة: المرابحة مصدر رابح. تقول: بعته المتاع أو اشتريته منه مرابحة: إذا سميت لكل قدر من الثمن ربحا.
المرابحة اصطلاحاً: بيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به، وزيادة ربح معلوم لهما، أو هو البيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح.
وعرفها ابن قدامة في المغني بقوله: "البيع برأس المال وربح معلوم"
(2)
.
والمرابحة في اصطلاح الفقهاء هي أحد بيوع الأمانة، فالبيع عند الفقهاء ينقسم إلى قسمين: بيع مساومة، وبيع أمانة.
وقد حكى الإجماع على جواز بيع المرابحة غير واحد من الفقهاء، وممن حكاه: الطبري، وابن هبيرة، والكاساني، وابن قدامة
(3)
.
(1)
ينظر: ص 11 من كتاب البلتاجي.
(2)
ينظر: اختلاف الفقهاء (115)، الإفصاح (2/ 350)، بدائع الصنائع (5/ 220)، المغني (6/ 265).
(3)
ينظر: المغني (6/ 266).
ثانياً: المرابحة المصرفية:
قامت المصارف الإسلامية بتطوير عقد المرابحة عند الفقهاء من أجل أن يلبي حاجة المصارف في إجراء العقود التمويلية.
وصار يطلق عليها اسم خاص الآن في المصارف فتسمى «بيع المرابحة للآمر بالشراء» ، والتعبير الأدق أن يقال:«بيع المرابحة للواعد بالشراء» .
ولكن هذا العقد وإن اختلفت تسميته عند المصارف الإسلامية، إلا أنه مذكور عند الفقهاء المتقدمين، وممن ذكره محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، وذكره الإمام مالك في الموطأ.
ففي كتاب الحيل لمحمد بن الحسن الشيباني قال: «قلت: أرأيت رجلا أمر رجلا أن يشتري دارا بألف درهم، وأخبره أنه إن فعل اشتراها الآمر بألف درهم ومائة درهم، فأراد المأمور شراء الدار، ثم خاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يأخذها، فتبقى في يد المأمور، كيف الحيلة في ذلك؟
قال: يشتري المأمور الدار على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام، ويقبضها، ويجيء الآمر ويبدأ فيقول: قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم. فيقول المأمور: هي لك بذلك، فيكون ذلك للآمر لازماً، ويكون استيجاباً من المأمور للمشتري: أي ولا يقل المأمور مبتدئا: بعتك إياها بألف ومائة؛ لأن خياره يسقط بذلك، فيفقد حقه في إعادة البيت إلى بائعه، وإن لم يرغب الآمر في شرائها تمكن المأمور من ردها بشرط الخيار، فيدفع عنه الضرر بذلك»
(1)
.
(1)
ينظر: كتاب الحيل لمحمد بن الحسن ص: 79.
وفي الموطأ للإمام مالك رحمه الله تعالى في: باب بيعتين في بيعة: «أنه بلغه أن رجلاً قال لرجل: ابتع لي هذا البعير بنقد حتى أبتاعه منك إلى أجل، فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه»
(1)
.
وأول من استعمل هذا العقد بهذا الاسم (المرابحة) هو د. سامي حمود
(2)
.
ثالثاً: صورة المرابحة كما تجريها المصارف اليوم:
وهذه المعاملة تسمى «بيع المرابحة للآمر بالشراء» ، والتعبير الأدق أن يقال:«بيع المرابحة للواعد بالشراء» .
خطوات إجراء بيع المرابحة للآمر بالشراءء:
1) يتقدم العميل ويطلب من المصرف شراء سلعة موصوفة كالأسهم، والسيارات، ونحوها.
2) قبول المصرف شراء السلعة وتوفيرها للعميل.
3) وعد العميل بشراء السلعة الموصوفة من المصرف بعد تملكه لها.
4) وعد المصرف ببيع السلعة الموصوفة للعميل (قبل إجراء العقد).
5) شراء المصرف السلعة الموصوفة نقدًا.
6) بيع المصرف للسلعة الموصوفة على العميل بأجل مع زيادة ربح متفق عليها مسبقًا.
فما حكم هذا العمل؟ ما الحكم لو تقدم هذا الشخص للمصرف وطلب منه هذا الطلب، سواء أراد السلعة تقسيطاً أو أرادها تورقاً؟
(1)
ينظر: الموطأ مع المنتقى للباجي (5/ 38 - 39).
(2)
بيع المرابحة للآمر بالشراء د. سامي حمود، مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع 5 ج 2.
المرابحة المصرفية في الحقيقة تتألف من مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة الوعد.
المرحلة الثانية: مرحلة البيع.
فلذلك نقول هذه المسألة لا تخلو من أربعة أحوال:
الحالة الأولى: أن يتم عقد البيع بين الآمر والبائع (مؤسسة، مصرف
…
) قبل تملكه للسلعة، وكانت السلعة معيّنة، قبل أن يملك المصرف السلعة، فهذا العقد محرم ولا يصح؛ لأنه ليس هناك ملك للسلعة، وقد جاء النهي عن ذلك، وكثير من عقود المرابحة عند بعض المصارف تقع على هذا الوجه.
الحالة الثانية: أن يتم عقد البيع بين الآمر والبائع قبل تملكه للسلعة، وكانت السلعة موصوفة في الذمة، وليست معيّنة، وكان الثمن حالاً، فإن ذلك يدخل في السلم الحال، وسيأتي بيانه.
الحالة الثالثة: ألا يحصل تعاقد سابق بين الآمر والبائع، ولكن يحصل مجرد وعد من تلك المؤسسة أو المصرف بأن يقوموا بشراء تلك البضاعة التي يعدهم هذا الرجل بأنه سوف يشتريها منهم، فتكون المسألة مبنية على وعد غير ملزم.
وهذه الحالة اختلف العلماء المعاصرون فيها على قولين:
القول الأول: تحريم هذه المعاملة، وإليه ذهب فقهاء المالكية، ومن المتأخرين الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، د. محمد سليمان الأشقر رحمه الله، د. بكر بن عبد الله أبوزيد رحمه الله، د. رفيق المصري، حتى وإن كان الوعد الذي بين العميل والبنك غير ملزم.
قالوا: إن هذه المعاملة محرمة، واستدلوا على ذلك بأن هذه المعاملة ما هي إلا حيلة على الربا، فالبنك لم يشترِ السلعة إلا لأجل أن يبيعها على العميل، فهو يشتريها بثمن ثم يبيعها بثمن أعلى، فيكون قد أقرض العميل مبلغًا من المال، وطالبه بسداد مبلغ أكثر، والسلعة إنما أُوتي بها حيلة، وإنما الغرض من ذلك أن يقرضه ثمانين ألفاً على أن يردها مائة ألف، فقالوا: هذه حيلة ربوية، ولهذا ذكر هذه المسألة أو هذه الصورة فقهاء المالكية من صور بيع العينة، فجعلوها من العينة.
ويجاب عن هذا: إن هذا ليس بحيلة وغير مُسَلَّم ذلك؛ لأن البنك يتملك السلعة حقيقة، وتكون في حيازته وفي قبضته، فهنا العقد حقيقي وليس صوريًا، وليس حيلة، ولهذا لو تلفت السلعة قبل أن يبيعها البنك على العميل فإنها تتلف على البنك؛ فهو قد تملكها حقيقة.
القول الثاني: جواز بيع المرابحة للآمر بالشراء من حيث الأصل، وهو ما ذهب إليه الجمهور الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وإليه ذهب عامة العلماء المعاصرين، وبهذا صدر قرار عدد من المجامع الفقهية كمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع للمنظمة، وكل الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية على هذا القول.
واستدلوا على ذلك بعدة أدلة منها:
1) عموم النصوص من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على حل جميع أنواع البيع إلا ما استثناه الدليل الخاص.
2) أن الأصل في المعاملات والبيوع الصحة والجواز، ولا دليل على المنع.
3) أن القول بجواز هذه المعاملة فيه تيسير على الناس، ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية قد جاءت برفع الحرج عن الناس والتيسير عليهم، والناس بحاجة لقضاء حوائجهم، ولا سبيل لذلك إلا عن طريق مثل هذه المعاملة.
الحالة الرابعة: ألا يحصل تعاقد سابق بين الآمر والبائع، ولكن يحصل مجرد وعد، ولكن هذا الوعد ملزم سواء لكلا الطرفين أو لأحدهما.
فهناك مواعدة ملزمة بين الآمر والبائع في هذه الحالة. والوعد الملزم في بيع المرابحة للآمر بالشراء قد يكون للطرفين -البنك والعميل- وقد يكون لأحدهما وللآخر الخيار.
فما
حكم هذه المواعدة
(1)
في المرابحة؟
وقبل أن نتكلم عن حكم البيع مع الوعد الملزم في المرابحة لابد من تحرير محل النزاع في هذه المسألة.
أولاً: حكم الوفاء بالعهد:
اختلف الفقهاء في الوفاء بالعهد ديانة على أربعة أقوال:
القول الأول: أن الوفاء به واجب.
القول الثاني: أن الوفاء به واجب إلا لعذر.
القول الثالث: أن الوفاء به مستحب.
(1)
المواعدة هي: «عبارة عن إعلان شخصين عن رغبتهما في إنشاء عقد أو إيقاع تصرف في المستقبل تعود آثاره عليهما» .
والفرق بين الوعد والمواعدة أن المواعدة لا تكون إلا من اثنين، وأما الوعد فيكون من طرف واحد. ينظر: نظرية الوعد الملزم للدكتور نزيه حماد (ص: 9).
القول الرابع: أن الوفاء به واجب إذا دخل الموعد دخل الموعود في ورطة (كلفة).
فلا خلاف في استحباب الوفاء بالعهد، وإنما الخلاف في وجوبه.
وهذا الخلاف في حكم الوفاء في العهد هو باب التبرعات لا باب المعاوضات وهذا لا خلاف عليه، وإنما الخلاف في نقل هذا الخلاف من باب التبرعات إلى باب المعاوضات.
والذي عليه كثير من الفقهاء المعاصرين هو المنع من هذا، فلا يصح نقل الخلاف في حكم الوفاء بالوعد في باب التبرعات، وجعله في باب المعاوضات.
ومن فعل ذلك كبعض الهيئات الشرعية في بعض المؤسسات المالية فقد خلط الأمر، ولم يحرر المسألة.
رابعاً: حكم الوعد الملزم في المرابحة:
اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم الإلزام بالوعد في بيع المرابحة للآمر بالشراء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: عدم جواز الإلزام بالوعد مطلقا، سواء كان ذلك لطرف واحد أم لطرفين، وهو قول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، والهيئة الشرعية بمصرف الراجحي، وعدد من المعاصرين: كالشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ بكر أبو زيد وغيرهم.
القول الثاني: جواز الإلزام بالوعد مطلقا، سواء كان ذلك لطرف واحد أم لطرفين، وذهب إلى هذا القول عدد من المعاصرين كالدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور سامي حمود.
القول الثالث: جواز الإلزام بالوعد من طرف واحد، وعدم جوازه إذا كان الإلزام للطرفين.
وذهب إلى هذا القول مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والدكتور الصديق الضرير وغيرهم.
والراجح - والله أعلم - هو القول الأول القائل بعدم جواز الإلزام بالوعد مطلقاً؛ وذلك لأن الإلزام بالوعد يخرجه من كونه وعداً إلى كونه عقداً، وذلك لما يلي:
1) أن الالتزام من أهم خصائص العقود، وهذا الالتزام يحول الوعد من كونه وعداً إلى كونه عقداً، ولا عبرة بتسميته وعداً، فالعبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
2) أن الإلزام بالوعد تترتب عليه إشكالات شرعية منها: أن يلتزم الواعد بما لا يعلم ما تؤول إليه تكلفة السلعة التي وعد بشرائها، وهذا غرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.
3) أن الإلزام بالوعد على الشراء قبل امتلاك البائع السلعة يدخل في بيع ما لا يملك المنهي عنه شرعًا؛ لأن الوعد هنا هو في حقيقته عقد، وعليه فالعقد باطل محرم؛ لأن المصرف حينئذ باع للعميل ما لا يملك
(1)
.
خامساً: البديل للمواعدة:
يقول العلامة ابن القيم: «رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار - أو هذه السلعة من فلان - بكذا وكذا، وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا يتمكن من الرد، فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر، ثم يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت فإن أخذها منه وإلا تمكن من ردها
(1)
ينظر: بيع المرابحة للأشقر (ص: 7).
على البائع بالخيار فإن لم يشترها الآمر إلا بالخيار فالحيلة أن يشترط له خياراً أنقص من مدة الخيار التي اشترطها هو على البائع، ليتسع له زمن الرد إن ردت عليه»
(1)
.
فما ذكره ابن القيم رحمه الله يعتبر بديلاً للمرابحة التي تجريها المصارف اليوم، مع ما يقع فيها من إشكالات.
سادساً: شروط المرابحة:
شروط المرابحة هي شروط التقسيط.
مسألة: حكم أخذ العربون في المرابحة:
العربون: أن يشتري الرجل السلعة ويدفع لصاحبها شيئاً من ثمنها، فإن مضى البيع حسب من ثمنها، وإن لم يمض البيع رد إليه ما دفعه.
والعربون لا يجوز أخذه في عملية المرابحة؛ وذلك لأن العربون يجوز أخذه في البيع الحال، وفي المرابحة فالمصرف أو المؤسسة لم يتملك السلعة، ولم يتم العقد.
فلا يصح أخذ العربون في المرابحة بناء على جوازه عند من يقول بجواز ذلك وهم الحنابلة، ففرق بين الحالتين.
وأما ما يعرف بهامش الجدية؛ وهو مبلغ يأخذه المصرف من العميل، ويكون هذا المبلغ مسترداً للعميل لو لم يرغب العميل في إكمال عملية المرابحة.
فالمقصود من المبلغ فقط إثبات جدية العميل، فيجوز للمصرف أخذ هذا المبلغ في مرحلة المواعدة بشرط أن يرده للعميل في حال العدول.
كذلك يجوز للمصرف أخذ الرسوم الإدارية في عملية المرابحة من العميل بشرط أن تكون هذه الرسوم بقدر التكلفة الفعلية.
(1)
ينظر: إعلام الموقعين (4/ 29).
سابعاً: العينة في بيع المرابحة:
مرّ معنا أن من الضوابط في عقود التمويل أن لا يكون العقد صورياً، ومن العقود الصورية والتي تقع في عقد المرابحة العينة.
وقد عرفها الحنابلة بأنها: «هو أن يشتري شيئا غير ربوي نقداً، بدون ما باع به نسيئة أو حالاً (أي غير نسيئة) لم يقبض، فإنه لا يجوز؛ لأنه ذريعة إلى الربا ليبيع ألفا بخمسمائة، وتسمى مسألة العينة»
(1)
.
وهي محرمة عند جمهور أهل العلم: الحنفية والمالكية والحنابلة، وأما الشافعية فيرون أن العينة جائزة.
وهذا في الحقيقة حيلة على الربا؛ فكأنه بيع دراهم بدراهم، كأنه باع خمسين ألفاً مؤجلة بأربعين ألفا نقدا، لكن أدخل بينهما هذه السيارة حيلة على الربا. ولهذا فإن بيع العينة بيع محرم.
وقد رجح الإمام ابن القيم رحمه الله في تهذيبه لسنن أبي داود رجح أن المراد ببيعتين في بيعة أن المقصود به بيع العينة، وأن المقصود بالنهي عن شرطين في بيع، بيع العينة.
ويدل لتحريمه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر الحديث المشهور: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم). - أخرجه أبو داود وغيره بسند جيد.
والعينة ثلاثية وليست ثنائية كالبيع، والأصل في بيع المرابحة أن يكون ثنائياً، ففي هذه المعاملة لا بد أن يبيع السلعة على طرف ثالث، ولا يبيعها على المصرف؛
(1)
ينظر: كشاف القناع (3/ 186)
لأنه إن كان هناك تواطؤ أو اتفاق بينهما على أن يبيع السلعة على المصرف أو على شريك له، أو يبيعها المصرف على عميل من عملائه فإن هذا يجعل العقد له اسم آخر غير المرابحة، وهو العينة المحرمة، وذلك بدخول طرف ثالث شريك في البيع.
وهذا يقع في بيع المرابحة كثيراً عند المصارف، فتكون السلعة مجرد غطاء للربا، لأن المقصود يصبح بيع نقد بنقد.
ثامناً: المرابحة بربح متغير:
من الصور التطبيقية المستجدة المرابحة بربح متغير، ويراد بها أن يكون الربح غير محدد عند التعاقد، ولكن يربط تحديد الثمن أو الربح بمؤشر منضبط مستقبلي مثل مؤشر الليبور (libor)؛ وهو سعر الإقراض بين البنوك في لندن، أو السيبور (sibor) وهو سعر الإقراض بين البنوك السعودية
(1)
.
حكم المرابحة بربح متغير.
عامة العلماء المعاصرين على تحريم المرابحة بربح متغير، وهو ما ذهبت إليه الهيئات الشرعية للمصارف، والمؤسسات المالية الإسلامية.
وممن نص على ذلك: المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية
(2)
.
(1)
ينظر: حكم الربط القياسي للأجرة في إجارة الأعيان بمؤشر سعر الفائدة، د. نزيه حماد (ص: 11).
(2)
ينظر: الفقرة: (4/ 6) من المعيار الشرعي رقم: (8)"معيار المرابحة للآمر بالشراء" ص (114).
والعلة في ذلك:
1) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر)
(1)
.
وربط الثمن الآجل بمؤشر عام وإن كان منضبطاً، ويتحدد في المستقبل، فلا يخرج هذا عن الغرر، والجهالة. وأما استدلال من أجازه بأن الجهالة أو الغرر آيلة إلى العلم على وجهٍ غير مؤدٍّ إلى الشقاق والنزاع فغير مسلم، كذلك قياسُهم "المرابحة بربح متغير" على البيع بالسعر أو بما يبيع به الناس قياس مع الفارق؛ إذ البيعُ بما ينتهي به السعر إنما يُراد به سعر السوق عند التعاقد، لا سعر السوق في المُستقبل، بينما تحديدُ الثمن في "المرابحة بربح متغير" مربوط بمعيار ومؤشر يتحدد في المستقبل، وقد يكون بينه وبين التعاقد مدة طويلة - سنة أو أكثر - وبين الصورتين فرق كبير وبونٌ شاسع
(2)
.
2) أن (المرابحة بربح متغير) صيغة محرمة؛ لاشتمالها على الزيادة في الدين الثابت في ذمة المدين، وهو ربا الديون المُجمع على تحريمه. ووجه ذلك: أن الثمن الآجل - الدين - إذا تحدد مقداره عند إبرام العقد ألفاً، ثم عند حلول أجله ارتفع المؤشر، فأصبح الدين واجب السداد ألفاً وخمسين؛ فإن الدائن يكون بذلك قد زاد في الدين الثابت في ذمة مدينه
(3)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
ينظر: المعاملات المالية المعاصرة، أ. د. وهبة الزحيلي ص:(495)، تعليق متدبر على المرابحة بربح متغير، د. عبد الستار أبو غدة ص (4).
(3)
ينظر: طرق تحديد العاقدين ثمن المبيع، للشبل (ص: 381)، العقود المستجدة د. حامد ميره، ص (109).
وقد ذهب بعض الباحثين لجواز المرابحة بربح متغير
(1)
.
عقود تمويل المتاجرة بالهامش:
أيضاً من أنواع عقود التمويل المستجدة، تمويل المتاجرة بالهامش.
وعرفت عقود التمويل بالهامش (أو المتاجرة بالهامش Margin Trading) بأنها: الاقتراض من شركة الوساطة المالية التي يتاجر المستثمر من خلالها في الأوراق المالية؛ وشراء الأوراق المالية من خلال دفع جزءٍ من ثمنها من أموال المستثمر الخاصة، والجزء الآخر من المال المقترض من شركة الوساطة المالية، على أن تكون جميع هذه الأوراق المالية رهناً حتى سداد قرض شركة الوساطة المالية
(2)
.
وهذا النوع من التمويل يشتمل على عدة محاذير ومخالفاتِ شرعيةٍ، من أبرزها تمويل المتاجرة بالهامش بالقروض الربوية.
وقد صدرت قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية بتحريم هذا النوع، لما اشتمل عليه من ربا صريح
(3)
. وهذا شامل لكل أنواع المتاجرة بالتمويل بالهامش والموجود في عقود التعاملات المالية، سواء كان في أسواق الأوراق المالية، أو العملات أو المعادن أو السلع الدولية.
ومن أبرز صور تمويل المتاجرة بالهامش التي طبقتها المصارف الإسلامية منتجات ثلاثة، هي:
(1)
ينظر: ملتقى المرابحة بربح متغير (الملتقى الثاني للهيئات الشرعية للمصارف الإسلامية)، والكتاب من مطبوعات بنك البلاد.
(2)
ينظر: عقود التمويل المستجدة، حامد ميرة (ص: 145).
(3)
في التمهيد السابق لهذا المبحث.
1) تمويل المتاجرة في الأسهم بالهامش عبر عقد القرض بدون فوائد:
وقد ذهبت المجامع الفقهية والهيئات الشرعية إلى تحريم هذا البديل.
ومن ذلك: قرار المجمع الفقهي الإسلامي الصادر في دورته الثامنة عشرة المنعقدة في 10 - 14/ 3/ 1427 هـ بشأن المتاجرة بالهامش، حيث ورد فيه:«اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة (السمسرة)، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع المنهي عنه شرعاً في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع .. )؛ وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم» وكذلك فقد نصت الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي على تحريم هذا المنتج كما في قرارها ذي الرقم: (319).
2) تمويل المتاجرة في الأسهم بالهامش عبر عقد التورق المنظم:
والتورق المنظم قد صدر قرار بتحريمه من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته: 17 التي عُقدت بتاريخ 19 - 23/ 10/ 1424 هـ، وكذلك صدر قرار بتحريمه برقم: 179 من مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته: 19 التي عُقدت بتاريخ 105/ 5/ 1430 هـ، وكذلك صدر بتحريمه قرار (2/ 19) من المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في دورته: 19 التي عُقدت بتاريخ 8 - 18/ 7/ 1430 هـ، وعليه فيحرم هذا البديل.
3) شراء المديونيات المؤجلة على الغير:
من أنواع عقود التمويل المستجدة، شراء المديونيات المؤجلة على الغير.
وهذا النوع من التمويل له صور كثيرة أكثرها محرمة، وله صور جائزة وهي التي جاءت في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة بشأن
موضوع: (بيع الدين)، والذي جاء فيه:«يرى المجمع أن البديل الشرعي لحسم الأوراق التجارية، وبيع السندات، هو بيعها بالعروض (السلع) شريطة تسلم البائع إياها عند العقد، ولو كان ثمن السلعة أقل من قيمة الورقة التجارية؛ لأنه لا مانع شرعاً من شراء الشخص سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها الحالي»
(1)
.
كذلك فقد نص مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره ذي الرقم: 158 (7/ 17) على الآتي: «من صور بيع الدين الجائزة: بيع الدائن دينه لغير المدين في إحدى الصور التالية .. بيع الدين بسلعة معينة»
(2)
.
* * * * *
(1)
القرار صادر عن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي - التابع لرابطة العالم الإسلامي - في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة خلال الفترة 21 - 26/ 10/ 1422 هـ.
(2)
الصادر عن مجلس المجمع المنعقد في دورته السابعة عشرة بعمان خلال الفترة 28/ 5 - 2/ 6/ 1417 هـ.
المبحث الخامس: السلم
أولاً: تعريف السلم:
السلم: هو عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد.
شرح التعريف:
(عقد على موصوف) فلا بد أن تكون السلعة موصوفةً غير معيّنة؛ بل يوصف نوعها لا عينها؛ ولا يصح أن يكون السلم على سلعة معينة بعينها؛ إذ يمكن أن تباع بيعاً.
(في الذمة) فلا يصح أن يكون على السلعة الموصوفة الموجودة في المكان الفلاني التي وصفها كذا وكذا
…
؛ لأن هذا موصوف معين وليس في الذمة.
(مؤجل) وهذا هو الأصل؛ أن تكون السلعة مؤجلة.
(بثمن مقبوض في مجلس العقد) فإن كان مؤجلاً لم يصح البيع؛ لأنه بيع دين بدين.
- مثال: أن يدفع المشتري (المُسْلِم) الآن (خمسة آلاف) ريال نقداً؛ على أن يعطيه البائع (المُسْلَم إليه) بعد ستة أشهر (مئتي) كيلو تمر إخلاص.
- صورة السلم: أعطيك عشرة آلاف ريال الآن على أن تسلم لي مائة كيلو تمر من نوع كذا تسلمها لي في وقت كذا، ويستفيد كل من المسلم والمسلم إليه، فأحدهما يستفيد بالانتفاع برأس المال بهذه العشرة آلاف، والآخر يستفيد بالرخص؛ لأن قيمة مائة كيلو تمر مثلا تكون أكثر من عشرة آلاف، لكن باعتبار أنه قدم له رأس المال كان هناك شيء من تخفيض الثمن، فكل منهما ينتفع بهذا، فهنا السلم فيه دين، وهذا الدين فيه زيادة.
ثانياً: أركانه:
العاقدان: المُسْلِم (المشتري)، والمُسْلَم إليه (البائع).
رأس مال السلم (الثمن).
المُسْلَم فيه (المبيع).
الصيغة.
ثالثاً: حكمه:
السلم جائز بالكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب، قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، فقوله تعالى:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} يعم ما إذا كان الدين هو الثمن أو المثمن، فإن كان الدين هو المثمن فهذا هو السلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما:(أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحلّه الله في كتابه وأَذِن فيه)، ثم قرأ هذه الآية.
ومن السنة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال صلى الله عليه وسلم:(من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)
(1)
.
وأما الإجماع، فقد حكاه ابن المنذر وغيره.
فالسلم مشروع بإجماع العلماء، يسميه بعضهم بيع المحاويج؛ لأنه في الغالب يلجأ إليه الفقراء، وهو مشروع بإجماع العلماء.
رابعاً: الحكمة من السلم.
وهو من محاسن الشريعة؛ لأن فيه توسعة على الناس وتيسيراً عليهم، وذلك أن أرباب الزروع والثمار وشتى أنواع التجارات تمر بهم مراحل يحتاجون فيها إلى
(1)
أخرجه البخاري (2240)، ومسلم (1604).
تمويلٍ نقدي لمشروعاتهم المختلفة فجوز لهم السلم دفعا للحاجة، كما أن فيه مصلحة للطرفين: فالمشتري (المُسْلِم) ينتفع بنقص الثمن؛ والبائع (المُسْلَم إليه) ينتفع بتعجيله، وفيه كذلك فائدة للمجتمع في دعم عملية التنمية والنشاط التجاري مع رخص الثمن.
والسلم نوع من أنواع البيع، فيصح بكل ما يصح به البيع، ويصح بلفظ: السلم والسلف.
خامساً: شروطه:
ما دام السلم بيعاً فإنه يُشترط له شروط البيع، وله شروط خاصة به، وهي:
الشرط الأول: أن يكون فيما يمكن ضبطه بالصفة: كالمكيل والموزون والمعدود والمزروع، وعليه فلا يصح السلم فيما لا يمكن أن ينضبط بالصفة؛ لأنه يختلف كثيراً فيفضي إلى المنازعة والشقاق، وينبغي التنبيه إلى أن بعض الفقهاء المتقدمين يذكرون أشياء كانت في زمانهم مما لا ينضبط بالصفة - كالأواني مثلاً - والآن يمكن ضبط كثير منها بالصفة بسبب التقدم الصناعي والتقني، وعليه فيصح السلم فيها.
الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهراً بحيث يقطع النزاع: كأن يذكر الجنس والنوع والبلد واللون والجودة، ووجه اشتراط ذلك: أن العلم بالمبيع شرط، والعلم يحصل بالرؤية أو بالوصف والرؤية متعذرة، فلم يبق إلا الوصف.
الشرط الثالث: أن يكون على موصوف في الذمة: فلا يصح على بستان معيّن أو شجرة معينة، حاضر أو غائب؛ لأنه لا يؤمن تلفه أو انقطاعه.
الشرط الرابع: أن يذكر قدر المُسْلَم فيه، فيذكر قدره كيلاً، ووزناً، وعدداً.
الشرط الخامس: أن يذكر أجلاً معلوماً له أثر في الثم، ولا يصح أن يكون الأجل غير معلوم، كقدوم فلان وقدومه غير معلوم، وكان قدومه معلوماً فالأجل
معلوم، وكذلك لا يصح عند الحنابلة أن يقول: أسلمت إليك إلى وقت الحصاد والجذاذ؛ لأن ذلك مجهول، فإن انضبطت هذه الأمور صح السلم إليها.
الشرط السادس: أن يكون المسلم فيه مما يغلب على الظن وجوده عند حلول الأجل.
الشرط السابع: أن يكون الثمن كله مقبوضاً في مجلس العقد: فلا يصح تأجيل الثمن كله؛ لئلا يكون من بيع الدين بالدين، وإن أجّل بعضه صح العقد في المقبوض وبطل في المؤجل.
الشرط الثامن: أن لا يكون المسلم فيه مما يلزم فيه التقابض؛ لأن السلم فيه يفضي إلى ربا النسيئة.
سادساً: مسائل معاصرة في السلم:
المسألة الأولى: التصرف في دين السلم قبل قبضه:
إذا أراد المسلم (المشتري) أن يبيع المسلم فيه (المبيع) قبل قبضه، فهل يجوز أو لا؟ فيه قولان:
الجواز وعدمه، وهو قول الجمهور، وهو أحوط وأبرأ للذمة، سواء باعه على المسلم إليه أو على غيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه)
(1)
.
المسألة الثانية: السلم الموازي.
- صورته: أن يعقد المصرف عقدين منفصلين مع مزارعين في محصول معين: يكون في أحدهما مسلِماً ويدفع الثمن نقداً، ويكون في الآخر مسلَماً إليه في محصول من جنس المذكور في العقد الأول وبالأوصاف نفسها؛ بثمنٍ أعلى من الثمن الذي في العقد الأول؛ ويكون الأجل هنا -غالباً- بعد أجل العقد الأول.
(1)
أخرجه أحمد (15390)، والنَّسائي، (6163).
- مثاله: [العقد الأول] وقع المصرف عقد سلم مع المزارع (س)؛ دفع فيه المصرف (مليون ريال) سلماً في (مئتي طن أرز) بمواصفات معينة؛ على أن يكون موعد التسليم بعد ثمانية أشهر من تاريخ توقيع العقد. [المصرف هنا هو المسلِم، والمزارع (س) هو المسلَم إليه].
[العقد الثاني] ثم وقع المصرف نفسه -في اليوم التالي- عقد سلم: مع المزارع (ص) يُسْلِم المصرف إليه (مئتي طن أرز) من جنس المعقود عليه في العقد الأول وبالمواصفات نفسها؛ بثمنٍ قدره (مليون وثمانمئة ألف ريال) على أن يكون موعد التسليم بعد عشرة أشهر من تاريخ توقيع العقد. [المصرف هنا هو المسلَم إليه، والمزارع (ص) هو المسلِم].
- حكمه: جائز؛ لأن العقدين مختلفان لا اتصال بينهما؛ ولا يرتبط أحدهما بالآخر ولا يضرّ به.
ضوابط السلم الموازي:
1) الفصل بين العقدين، فلا يكون المحصول (المسلَم فيه) في العقد الأول هو عين (المسلَم فيه) في العقد الثاني؛ لئلا يكون قد باع السلعة قبل قبضها. بل يكون من جنسه وبالأوصاف نفسها، فيستقل كل عقد بأركانه ولا يبقى بينهما اتصال.
2) امتلاك المصرف للأرز امتلاكاً حقيقياً.
3) قبض المصرف للأرز قبل تسليمه للمزارع (ص).
4) أن يتحمل المصرف مسؤوليته كاملة. فلو تعذّر تسليم المحصول في العقد الأول؛ فإنه يجب على المصرف توفير محصول العقد الثاني - حسب المواصفات- من السوق.
المسألة الثالثة: السلم بسعر السوق يوم التسليم.
- صورته: أن يدفع (المُسلِم) إلى (المسلَم إليه) الثمن في سلعة موصوفة؛ لكن لا يعيّن مقدارها وقت العقد؛ وإنما يعلّق تحديد الكمية بسعر السلعة أو بأنقص منه بنسبة معلومة يوم التسليم. فإذا حان وقت التسليم احتُسِب الثمن المدفوع (رأس مال السلم) وفق قيمة الوحدة من البضاعة (المُسلَم فيها).
- مثاله: أن تشتري شركة ب (مئة ألف ريال نقداً) نوعاً محدداً من النفط وبأوصاف منضبطة دون تحديد الكمية، ويكون التسليم بعد سنة، على أن يكون سعر البرميل وقت التسليم أقل من سعر السوق بنسبة (11%). فإذا كان سعر البرميل وقت التسليم (90 ريالاً)، فإن البائع (المسلَم إليه) يحتسب سعر البرميل للشركة (المسلِم) ب (80 ريالاً)، ويتم تحديد الكمية بواسطة قسمة رأس مال السلم على السعر المتفق عليه. (100. 000 ÷ 80= 1250 برميلاً).
- حكمه: هذه المسألة موضع خلاف بين العلماء، والراجح القول بجوازها؛ وهو الأظهر من مذهب أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
فقد سئل ابن تيمية مسألة: رجل استلف (من السلف وهو السلم) من رجل دراهم إلى أجل على غلة؛ بحكم أنه إذا حل الأجل دفع إليه الغلة بأنقص مما تساوي بخمسة دراهم؛ فهل يحل أن يتناول ذلك منه على هذه الصفة أم لا؟
فأجاب رحمه الله: «إذا أعطاه عن البيدر كل غرارة بأنقص مما يبيعها لغيره بخمسة دراهم وتراضيا على ذلك جاز. فإن هذا ليس بقرض، ولكنه سلف بناقص عن السعر بشيء، وقدْر هذا بمنزلة أن يبيعه بسعر ما يبيعه الناس أو بزيادة درهم في كل غرارة أو نقص درهم في كل غرارة.
وقد تنازع الناس في جواز البيع بالسعر؛ وفيه قولان في مذهب أحمد؛ والأظهر في الدليل أن هذا جائز، وأنه ليس فيه خطر ولا غرر، لأنه لو أُبطل مثل هذا العقد
لرددناهم إلى قيمة المثل، فقيمة المثل التي تراضوا بها أولى من قيمة مثل لم يتراضيا بها. والصواب في مثل هذا العقد أنه صحيح لازم .... إلخ».
ولكن الأولى أن يكون تحديد النقص بالنسبة لا بقدر معين، قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في تعليقه على الاختيارات:«ينبغي أن يكون معلوماً بالجزء المشاع؛ كأن يقول: بنازل عشرة في المئة عن قيمته وقت حلوله؛ لأنه إذا جعله شيئاً معيناً بالقدر فقد يستغرق كثيراً من الثمن أو قليلاً» .
ومن أدلة الجواز:
1) أن هذه الصيغة لا يترتب عليها جهالة تفضي إلى النزاع؛ فإن المسلِم يعلم أنه سيستفيد الشراء بأقل مما في السوق بنسبة ثابتة هي (11% كما في المثال السابق) سواء أكان سعر البرميل في السوق (ألف ريال أو عشرة ريالات)، وكذا المسلَم إليه؛ يعلم أن خسارته ثابتة عما في السوق بنسبة (11% كما في المثال السابق).
2) أن التعامل المذكور تعامل بما يؤول إلى العلم؛ وما يؤول إلى العلم لا يعدّ مجهولاً، وما يقع من الجهالة اليسيرة مغتفر في السلم؛ لأنه قد روعي في إباحة عقد السلم شيء من الغرر قد يصيب أحد العاقدين بسبب تغير سعر السوق.
بل قد يقال: إن هذا التعامل أقرب إلى العدل؛ لأن سعر (المسلَم فيه) مهما ارتفع أو انخفض فإن كلا العاقدين يعلم النسبة التي سيختلف بها الثمن المعقود عليه عن سعر السوق، بخلاف ما لو كان المقدار محدداً سلفاً؛ فإنه ربما ارتفع سعر (المسلَم فيه) إلى مستوى يفضي إلى خسارة (المسلَم إليه) خسارة غير متوقعة؛ لأنه مطالب بتوفير المقدار المحدد مهما بلغ سعره، وربما انخفض سعر (المسلَم فيه) إلى مستوى يفضي إلى خسارة (المسلِم) خسارة غير متوقعة؛ لأنه ليس له إلا المقدار المتفق عليه في العقد.
3) أننا لو أبطلنا هذا العقد لرددناهما إلى قيمة المثل؛ مع أنهما لم يتفقا عليه. فإرجاعنا إياهما إلى ما اتفقا عليه (سعر السوق- 11%) أولى من إرجاعهما إلى ما لم يتفقا عليه.
المسألة الرابعة: تضمّن عقد السلم شرطاً جزائياً:
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة أنه «لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه؛ لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير»
(1)
.
* * * * *
(1)
ينظر: قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي (ص: 98).
المبحث السادس: عقد الاستصناع
أولاً: تعريفه:
لغة: مصدر استصنع؛ بمعنى: طلب الصنع؛ أي: طلب عمل الشيء صنعاً.
اصطلاحاً: عقد على موصوف في الذمة، يُشترط فيه العمل، بثمن معلوم.
ثانياً: حكمه:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الاستصناع: من السلم، وليس عقداً جديداً، فلهذا فيشترط له شروط السلم عندهم، وصرحوا بعدم جوازه وصحته إذا لم تتوفر فيه شروط السلم، والتي من أبرزها: تعجيل الثمن، فلا بد من أن يعجل المستصنع الثمن للصانع وإلا لم يصح
(1)
.
وذهب الحنفية إلى أنه: عقد مستقل، وهو الراجح، وهو جائز، ومن أدلة جوازه:
1) حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتماً من ذهب، وجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه، فاصطنع الناس خواتيم من ذهب، فرقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال:(إني كنت اصطنعته، وإني لا ألبسه)، فنبذه، فنبذ الناس
(2)
.
2) الإجماع العملي: فالناس على هذا العقد من القديم، قال الكاساني:«الناس تعاملوه في سائر الأعصار من غير نكير؛ فكان إجماعاً منهم على الجواز»
(3)
.
(1)
ينظر: فقه المعاملات المالية المعاصر، د. سعد الخثلان (ص: 134).
(2)
أخرجه البخاري (1239)، ومسلم (2066).
(3)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 209).
3) الحاجة الماسة إليه في العصر الحاضر؛ إذ فيه مصلحة لسدّ حاجات الناس ومتطلباتهم؛ نظراً لتطور الصناعات تطوراً كبيراً، فالصانع يحصل له الارتفاق ببيع ما يصنع على وفق ما يشترطه المستصنِع، والمستصنِع يحصل له الارتفاق في سدّ حاجته بما يراه مناسباً من الصناعات.
ثالثاً: الفرق بين الاستصناع والسلم:
الفرق من وجهين:
1) أن الاستصناع خاص بما تدخله الصناعة، وأما السلم فهو عام لما تدخله الصناعة وما لا تدخله.
2) يُشترط في السلم تعجيل الثمن، ولا يُشترط ذلك في الاستصناع- كما سيأتي-.
رابعاً: لزوم العقد:
اختلف الفقهاء: هل عقد الاستصناع لازم أو جائز؟ على قولين:
الراجح منهما أنه: عقد لازم إذا كان مطابقاً للمواصفات والشروط التي اتفقا عليها؛ لما يترتب على ذلك من مراعاة مصلحة الطرفين وعدم الإضرار بهما، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، حيث جاء فيه ما نصه:«إن عقد الاستصناع - وهو عقد وارد على العمل والعين في الذمة - ملزم للطرفين إذا توفرت فيه الأركان والشروط» ، وإذا جاء المصنوع مخالفاً للمواصفات والمقاييس المشروطة فإن للمستصنع حينئذ الخيار بفوات الوصف.
خامساً: شروط عقد الاستصناع:
1) تحديد أوصاف السلعة المستصنَعة ببيان الجنس والنوع والقدر والصفة بما يمنع التنازع وقت التسليم.
2) أن يكون على موصوف في الذمة.
3) تحديد أجل معلوم لتسليم السلعة.
4) ولا يُشترط في عقد الاستصناع تعجيل الثمن، بل يجوز تعجيله، أو تأجيله، أو تعجيل بعضه وتأجيل بعضه، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة.
سادساً: تضمّن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً:
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة أنه «يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة»
(1)
.
مثاله: اتفق رجل مع مقاول بناء أن يبني له بيتاً خلال سنة، واشترط عليه شرطاً جزائياً بأنه إذا تأخر المقاول في تسليم البيت خلال المدة المحددة فإنه سيخصم عليه مئة ريال عن كل يوم تأخير، فهذا لا بأس به إذا اتفقا عليه، ما لم تكن هناك ظروف قاهرة - كما جاء في القرار- مثل: سوء في الأحوال الجوية لا يمكن العمل فيها.
سابعاً: نهاية عقد الاستصناع:
ينتهي عقد الاستصناع بواحد من الأمور الآتية:
1) تمام الصنع وتسليم السلعة والثمن.
2) إقالة أحد المتعاقدين للآخر.
3) موت الصانع إذا كان مقصوداً لذاته (إذا كانت مؤهلاته الشخصية محل اعتبار)، وعليه فلا ينفسخ عقد الاستصناع بموت المستصنع، ولا بموت الصانع إذا
(1)
قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي (ص: 73).
لم يكن مقصوداً لذاته، ويلزم ورثة الصانع بتسليم المبيع، ويلزم ورثة المستصنع بقبولها.
ثامناً: تطبيقات معاصرة للاستصناع:
تطبيقات الاستصناع المعاصرة كثيرة، حيث يمكن تطبيقه على كل ما دخلت فيه الصناعة، من الطائرات والصواريخ، إلى صنع الأحذية والأثواب ونحوها، كما يشمل أيضاً بناء العقارات وتصنيع المباني الجاهزة وغيرها.
تاسعاً: من تطبيقات الاستصناع المعاصرة:
أولاً: الاستصناع المتوازي:
- حكمه: جائز؛ لأن العقدين مختلفان لا اتصال بينهما، ولا يرتبط أحدهما بالآخر ولا يضرّ به.
- ضوابط الاستصناع الموازي:
1) الفصل بين العقدين.
2) امتلاك الشركة (أ) - في المثال السابق - للسيارات امتلاكاً حقيقياً.
3) قبض الشركة (أ) للسيارات من المصنع قبل تسليمها للمعرض.
4) أن تتحمل الشركة في [العقد الثاني] مسؤوليتها كاملة بصفتها مالكاً، فتضمن الصنع والإنتاج، ولا تكون ملكيتها صوريةً بأن تتخلى عن واجباتها كضمان تلف السيارات، أو ضمان الصيانة.
ثانياً: الاستصناع في التمويل العقاري:
يعد من أبرز تطبيقات الاستصناع المعاصرة، ومن صوره: الاستصناع في تخطيط الأحياء وتعبيدها وإنارتها، والاستصناع في بناء العقارات بعد وصفها وصفاً دقيقاً مزيلاً للجهالة، وكثيراً ما يكون الثمن في الصورتين منجمّاً، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورته السادسة بجدة في الفترة
(17 - 23 شعبان 1410 هـ) بشأن موضوع: (التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها) ما يأتي: «من الطرق المشروعة التي يُستغنى بها عن الطرق المحرمة لتوفير المسكن بالتملك .. أن تُملك المساكن عن طريق عقد الاستصناع- على أساس اعتباره لازماً -، وبذلك يتم شراء المسكن قبل بنائه، بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع، دون وجوب تعجيل الثمن، بل يجوز تأجيله بأقساط يُتفق عليها، مع مراعاة الشروط والأحوال المقررة لعقد الاستصناع لدى الفقهاء الذين ميّزوه عن عقد السلم» .
المبحث السابع: الإجارة المنتهية بالتمليك
عقد الإجارة المنتهية بالتمليك من العقود المعاصرة التي ظهر التعامل بها حديثاً، وكتبت فيها البحوث والفتاوى لبيان حكمها الشرعي، من قبل هيئات الفتوى، والمجامع الفقهية، والبحوث والرسائل العلمية، وغيرها، وكثير من الباحثين في هذه المسألة المعاصرة تجده يعتني ببيان صورها، وتكييفها الفقهي دون التركيز على تعريف فقهي يوضح المسألة.
أولاً: تعريفه:
عرفت الإجارة المنتهية بالتمليك بعدة تعاريف ومن ذلك: «عقد بين طرفين يؤجر فيه أحدهما لآخر سلعة معينة مقابل أجرة معينة يدفعها المستأجر على أقساط خلال مدة محددة، تنتقل بعدها ملكية السلعة للمستأجر عند سداده لآخر قسط بعقد جديد»
(1)
.
«تمليك المنفعة، ثم تمليك العين نفسها في آخر المدة»
(2)
.
ثانياً: نشأة هذا العقد
(3)
:
نشأ هذا العقد عام 1846 م في إنجلترا تحت اسم الهايربيرشاس [Hire-Purchase]، ثم انتشر هذا العقد، وانتشر استعماله - بصفة خاصة - من قِبل شركات السكك الحديدية التي تأسست لتمويل شراء مركبات شركات الفحم والمحاجر، كانت هذه المؤسسات تقوم بشراء المركبات لحسابها، ثم تسلمها لمناجم
(1)
الإجارة المنتهية بالتمليك في ضوء الفقه الإسلامي لخالد الحافي (ص: 60).
(2)
الإيجار المنتهي بالتمليك للشاذلي ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة العدد الخامس (4/ 2612).
(3)
ينظر: البيع بالتقسيط والبيوع الائتمانية الأخرى، د. إبراهيم دسوقي أبو الليل (ص: 32 - 34)، والإجارة المنتهية بالتمليك في ضوء الفقه الإسلامي لخالد الحافي (ص: 62 - 65).
الفحم بناء على عقد البيع الإيجاري؛ لما في هذا العقد من ضمان وحماية لحقوق المؤجر الذي كان له الحق في فسخ العقد، واسترداد الأموال المسلمة للمستأجر بمجرد إخلال هذا الأخير بسداد قسط واحد من الأقساط المتفق عليها.
ثم ازدادت أهمية هذا العقد بامتداده إلى شركات المقاولات وغيرها.
ثم ظهر عقد الليسنج [Leasing] في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1953 م، ثم ظهر في فرنسا تحت تسمية [Credit Bail] عام 1962 م، وهذا العقد يعتبر حالة جديدة للإجارة المنتهية بالتمليك، إلا أنه اتخذ طابعاً جديداً يتمثل في تدخل طرف ثالث بين طرفي العقد الأصليين - المؤجر والمستأجر -، هذا الطرف الثالث هو الذي يقوم بتمويل العقد بشراء أموال معينة هي في العادة تجهيزات ومعدات صناعية وإنشائية، ثم يقوم بتأجيرها لمن يتعاقد معهما لفترة متفق عليها بينهما، وتكون هذه الفترة طويلة الأجل نسبياً حتى تتمكن المؤسسة المالية التي تقوم بتمويل المشروع من حصولها على المبالغ التي أنفقتها على التمويل، وبنهاية الفترة المتفق عليها يكون للمستأجر المتعاقد مع المؤسسة عدة خيارات وهي:
إعادة السلعة المؤجرة له إلى المؤسسة المالكة.
تمديد مدة الإيجار لفترة أو فترات أخرى.
بعد ذلك انتقل هذا العقد إلى الدول الإسلامية من خلال البنوك الإسلامية التي جعلت الإيجار المنتهي بالتمليك جزءاً من العمليات الأساسية التي تقوم بها، ومن البنوك الإسلامية التي طبقت هذا العقد بنك ماليزيا الإسلامي.
وقام بنك مصر إيران للتنمية بالاشتراك مع هيئة التمويل الدولية، وشركة مانوفاكتشورز ليسنج الأمريكية في تأسيس شركة متخصصة في الإيجار المنتهي بالتمليك في مصر، وطبق هذا العقد أيضاً بيت التمويل الكويتي بدولة الكويت.
كما جعل البنك الإسلامي للتنمية عقد الإيجار المنتهي بالتمليك جزءاً من العمليات الاستثمارية التي يقوم بها، حيث قام بتطبيق هذا العقد في عام 1397 هـ، ومنذ تطبيق عقد الإيجار المنتهي بالتمليك وحتى عام 1410 هـ استفاد من هذا العقد أكثر من عشرين دولة إسلامية.
أما في المملكة العربية السعودية فقد اتجه كثير من البنوك والشركات إلى تطبيق هذا العقد في الوقت الحاضر، وأقبل عليه كثير من أفراد المجتمع.
ثالثاً: صور عقد الإجارة المنتهي للتمليك:
للإجارة المنتهية بالتمليك ثلاث صور:
الصورة الأولى: عقد إجارة مقرون ببيع السلعة في نهاية المدة، فيقول مثلاً: آجرتك هذه السيارة مدة ثلاث سنوات، في كل شهر ألف ريال، وفي نهاية المدة تدفع مبلغ - مثلاً - عشرة آلاف ريال وتنتقل ملكية السيارة إليك.
فالعقد في البداية عقد إجارة، انتهى بعقد هبة أو عقد بيع؟ عقد بيع لأنه سيدفع عوضًا مقابل انتقال تلك السلعة. هذه الصورة - كما سبق - تنتقل فيها ملكية السلعة إلى المستأجر بمجرد سداد القسط الإيجاري الأخير تلقائياً، ودون حاجة إلى إبرام عقد جديد، ودون ثمن سوى ما دفعه من المبالغ التي تم سدادها كأقساط إيجارية لهذه السلعة المؤجَرة خلال المدة المحددة، والتي هي في الحقيقة ثمن هذه السلعة.
فالإجارة هنا ساترة للبيع، فالعقد صِيغَ في بدايته على أنه إجارة، وأنه بيع في نهايته، والبيع هنا مراد، ولكن الإجارة ساترة له.
وهذه الصورة باطلة ولا تصح؛ وذلك لما يلي:
1) أن كل مبيع لابد له من ثمن، وهنا لا يوجد ثمن وقت تمام البيع - أي في نهاية مدة الإجارة - إذ إن ما دفع كان أجرة.
2) أن الأجرة المقدرة للسلعة في المدة المحددة ليست أجرة المثل، بل روعي فيها أنها هي ثمن السلعة، مع إضافة ما قد يكون من ربح متفق عليه.
الصورة الثانية: أن تكون عقد إجارة مقرونة بهبة للسلعة محل العقد، بحيث تنتقل ملكية السلعة محل العقد في نهاية المدة بدون عوض.
مثال ذلك: أن يقول صاحب السلعة؛ المالك للسلعة وهو الذي نفترض أنه بائع، أن يقول للمشتري: آجَرْتُكَ هذه السلعة - لنفرض أنها سيارة - لمدة ثلاث سنوات، تدفع في كل شهر مثلاً ألف ريال، وفي نهاية المدة بعد الثلاث سنوات يكون لك حق تملُّك السلعة بلا عوض.
هنا العقد تضمن عقد إجارة ابتداءً انتهى، بهبة السلعة، وقد انتقلت السلعة بلا عوض للمشتري؛ وهو في الحقيقة يسمى هنا مستأجرًا.
القول الأول: عدم جواز تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل، وهذا قول الجمهور من الحنفية والشافعية، والحنابلة.
وعللوا قولهم هذا: بأن الأصل في العقود أن تكون منجزة.
القول الثاني: أن تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل جائز ولا بأس به، وهو رأي المالكية.
وعللوا قولهم هذا: بأن المتبرع متفضل، والمتفضل يقبل تبرعه على الصورة التي أرادها ما دام لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً.
الصورة الثالثة: من صور الإجارة المنتهية بالتمليك: عقد إجارة مقرون بوعد - وليس باتفاق وإنما هو مجرد وعد - من المُؤْجِر للمستأجِر ببيع السلعة أو هبته لها في نهاية المدة، فهو يقول: آجرتك هذه السيارة مدة ثلاث سنوات بألف ريال
شهريًّا، وفي نهاية هذه المدة أعدك وعدًا أن أبيعك هذه السلعة بعشرة آلاف ريال، أو أعدك وعدًا أن أمنحك هذه السلعة مجانًا.
فهنا التملك الأخير جاء بالوعد وليس بعقد أو اتفاق بينهما.
وينبني حكم هذه المسألة على مسألة الوفاء بالوعد، وهل هو لازم أم لا، وسبق أن ذكرنا أن القول الراجح في هذه المسألة: وهو أنه لا يجوز أن يكون الوعد ملزماً في عقود المعاوضات، وأنه يجب أو يستحب - على رأي الجمهور- الوفاء بالوعد ديانة وقضاء.
وعليه فإذا كان الوعد ملزماً هنا فلا يجوز العقد، وإن كان الوعد غير ملزم فتجوز هذه الصورة.
رابعاً: تخريج الإجارة المنتهية بالتمليك فقهياً:
للإجارة المنتهية بالتمليك عدة تخريجات لا تخلو من اعتراضات، وأقرب التخريجات لهذا العقد:
هو: إن الإجارة المنتهية بالتمليك هي عقد إجارة مع وعد بالهبة أو بالبيع، وعلى هذا يجب أن يكون التمليك اللاحق بوعد لا أن يكون بشرط ولا باتفاق.
مثاله: كأن تكون صفة الإجارة أن يقول: آجرتك هذه السلعة هذه المدة وأعدك ببيعها في نهاية المدة بسعر كذا وكذا، أو أعدك بهبتها لك بسعر كذا وكذا، أو أنت بالخيار في نهاية المدة في أن تتملكها بسعر كذا وكذا، أو أن تتملكها بدون عِوض، فهو إما أن يذكر الوعد أو التخيير، فالتخيير مثل الوعد تمامًا. أما إذا كان التمليك اللاحق بشرط أو باتفاق فإن هذا لا يصح.
وعلى هذا التخريج يجب أن تُطَبَّق أحكام الإجارة في فترة الإجارة، ثم في نهاية المدة يكون للطرفين الحق في إنشاء عقد جديد؛ إما عقد بيع أو عقد هبة.
خامساً: حكم هذا العقد:
الإجارة المنتهية بالتمليك جائزة من حيث الأصل بعدة شروط:
الشرط الأول: أن يكون هناك عقدان منفصلان، فعقد تُطبَّق فيه أحكام الإجارة في فترة الإجارة، وأحكام التَّمَلُّك في فترة التملك؛ لأن الإجارة المنتهية لها فترتان: فترة إجارة يليها فترة تَمَلُّك، فلا بد من تطبيق أحكام الإجارة في فترة الإجارة، وأن تكون الإجارة حقيقية وليست صورية، وليست ساترة للبيع.
ولهذا فإذا جمع في الإجارة بين عقدين منفصلين على محل واحد في عقد واحد في وقت واحد، فلا يصح، وهذه الصورة هي التي صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وقرار هيئة كبار العلماء بتحريمها.
الشرط الثاني: أن يكون الوعد بالتمليك غير مُلْزِم، سواء كان وعدًا بالتمليك بالبيع أو بالهبة، يجب ألا يكون ملزِمًا.
الشرط الثالث: أن تكون نفقات الصيانة غير التَّشْغِيلِيَّة مثل تغيير الزيت مثلاً، والفرامل ونحو ذلك، على المستأجر.
وتكون الصيانة الأساسية: للسيارة مثلاً؛ كالعطل في محرك السيارة، فمثل هذه الصيانة على المُؤْجِر.
الشرط الرابع: إذا اشتمل العقد على تأمين وهذا كثير في عقود الإجارة المنتهية بالتمليك في السيارات؛ أن المُؤْجِر الذي يُؤْجِر السيارة يشترط التأمين، فهنا إذا اشتمل العقد على تأمين فلا بد من أمرين:
1) أن يكون التأمين تعاونيًّا لا تجاريًّا؛ لأن التأمين التجاري محرم.
2) أن يكون التأمين على المُؤْجِر.
مسألة: من صور الإيجار المنتهي بالتمليك أنه يؤدي في بعض صوره إلى اشتراط عقد في عقد، وقد مر معنا أن من شروط جواز عقد الإجارة المنتهي بالتمليك: أن
لا يكون هناك شرط في العقد ببيع السلعة في نهاية عقد الإجارة، وإنما يحصل التملك للسلعة بدون عِوض، فهو إما أن يذكر الوعد أو التخيير، فالتخيير مثل الوعد تمامًا. أما إذا كان التمليك اللاحق بشرط أو باتفاق فإن هذا لا يصح.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى منع اشتراط عقد في عقد، وهذا القول هو قول الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
واستدلوا: بما جاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)
(1)
. وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة)، وفسروا الحديث بأن المراد به اشتراط عقد في عقد
(2)
.
وذهب بعض أهل العلم - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - إلى جواز اشتراط عقد في عقد إلا إذا كان أحدهما معاوضة والآخر تبرع، كالجمع بين البيع والقرض، أو بين الإجارة والقرض، لحديث:(لا يحل سلف وبيع)، وأما في غير ذلك فيجوز، واستدلوا بأن الأصل في المعاملات والشروط الحل والصحة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا شرطان في بيع).
فقد اختلف العلماء في تفسير الحديث على أقوال منها:
القول الأول: أن المراد به التردد بين النقد والنسيئة في صيغة واحدة، كأن يقول: بعتك بكذا نقداً وبكذا نسيئة، فيقبل الآخر على الإبهام - أي لم يحدد أي الصفقتين قَبِل.
(1)
أخرجه: أحمد (6671)، وأبو داود (3504)، وابن ماجه (2188)، والترمذي (1234)، والنسائي 7/ 288، وابن الجارود (601)، وابن حبان (4321)، والحاكم 2/ 17، والبيهقي (5/ 343).
(2)
أخرجه أحمد (6633)، والترمذي (1234)، والنسائي (4630)، وابن ماجه (2188)، قال الألباني: حسن صحيح [انظر صحيح سنن الترمذي للإمام الألباني (2/ 18)].
القول الثاني: أن المراد به اشتراط شرطين فاسدين في العقد، وهذا قول عند الحنابلة، وعليه فيكون اشتراط شرطين فاسدين يبطل العقد، أما اشتراط شرطين صحيحين أو أكثر فإنه يصح، ويصح العقد.
ولعل هذا القول هو أقرب الأقوال إلى التفسير الصحيح للحديث، وأن اشتراط شرطين فأكثر صحيح لا يفسد العقد؛ لأنه لما كانت هذه الشروط لا تؤثر في صحة العقد وهي منفردة فيلزم ألا تؤثر فيه وهي مجتمعة.
فإن الحديث ظاهر أنه بعيد عن هذه المسألة، فإن البيع في هذه المسألة قد اقترن بشرط واحد، وهو أن يبيعه هذه السلعة بكذا، بشرط أن يبيعه تلك السلعة بكذا، وليس فيه شرطان، وإنما يوجد العقد، ويوجد شرط فيه، فالأول يطالب بمقتضى العقد، والثاني بمقتضى الشرط.
وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة، فإن المراد به - كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره - بيع العينة، حيث تضمن بيع مؤجل وبيع حاضر، وتضمن أيضاً الشرطين: شرط التأجيل، وشرط الحلول
(1)
.
التأجير المقترن بوعد بالتمليك بأجرة متغيرة
(2)
:
والمراد بالأجرة المتغيرة هي الأجرة المؤجلة التي يتفق العاقدان عليها، وتربط بمؤشر منضبط محدد في العقد في آجال مستقبلية محددة، وفق آلية محددة.
هذا وإن آلية ربط الأجرة بمؤشر قد تكون على صيغ وصور عدة-كما مر معنا-، إلا أن أبرزها وأكثرها تطبيقاً في المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر هي توزيع
(1)
ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 62)، بحث الدكتور حسن الشاذلي في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الخامسة (4/ 2635).
(2)
ينظر: عقود التمويل المستجدة، لحامد ميرة (ص: 245).
سداد الأصل
(1)
والربح على أقساط إيجارية دورية طوال مدة الإجارة.
ويُراد بذلك أن يتم تحديد الأقساط الإيجارية بشكل تشتمل فيه على سداد الأصل - أي: تكلفة العين المؤجرة على المصرف - في أقساط دورية محددة (سنوية، أو نصف سنوية، أو ربع سنوية) موزعة على كامل مدة عقد الإجارة، ويُضاف إليه - أي: إلى الأصل - دفع الربح على الجزء القائم غير المسدد من الأصل فحسب، والذي يتحدد بناءً على مقدار المؤشر المتفق عليه
(2)
.
وهذا النوع من التمويل يعد من أهم عقود التمويل المعاصرة، وهناك إقبال كبير عليه من قبل المصارف الإسلامية، والكلام عليه يطول جداً؛ لأنه مركب من عقود كثيرة.
وأصله وهو التأجير مع الوعد بالتمليك محل خلاف كبير أيضاً، وقد سبق ذكر ضوابط جوازه
(3)
، وإذا تحققت هذه الضوابط بقي محل الإشكال في حكم ربط الأجرة المؤجلة بمؤشر منضبط معلوم.
حكم التأجير المقترن بوعد بالتمليك بأجرة متغيرة.
اتفق الفقهاء في المذاهب الأربعة على أن العلم بالأجرة شرط لصحة الإجارة.
وعليه فقد ذهب كثير من الفقهاء المعاصرين إلى تحريم هذه المعاملة، والعلة هنا هي ما سبق ذكره في مسألة المرابحة بربح متغير.
(1)
المقصود ب (الأصل)، أو (أصل المديونية)، أو (أصل الدين): هو رأس المال، أو ما قامت به السلعة على البنك، أو التكلفة، أو ما يسمى بالإنجليزية Principal.
(2)
التقسيم المذكور للأصل والربح إنما هو لتصوير آلية تصميم الأقساط الإيجارية، وكيفية حسابها، إلا أنها في العقد تُسمى "أجرة"، أو "أقساط الأجرة" بما تشتمل عليه من أصل وربح.
(3)
ينظر: العقود المستجدة، د. حامد ميرة، ص 245.
وذهب لجواز هذه المعاملة كثير من الفقهاء المعاصرين، ونصت فتاوى وقرارات عدد من المجامع والندوات الفقهية، والهيئات الشرعية للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية على جواز كون الأجرة متغيرة، ومنها: المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية
(1)
، والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث
(2)
، وندوة البركة الحادية عشرة للاقتصاد الإسلامي
(3)
، والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي
(4)
، والهيئة الشرعية لمصرف الراجحي
(5)
، وأشارت هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي المصري إلى إمكانية جعل الأجرة متغيرة
(6)
.
* * * * *
(1)
وقد قرر جواز ذلك في البند (5/ 2/ 3) من المعيار الشرعي رقم: (9).
(2)
في دورته العادية الثامنة عشرة، التي عُقدت في باريس خلال الفترة 27 - 6 - 2/ 7/ 1429 هـ الموافق 1 - 5/ 7/ 2008 م.
(3)
ينظر: الفتوى رقم: (11/ 2) الصادرة عن ندوة البركة الحادية عشرة التي عُقدت في جدة خلال الفترة 11 - 12/ 09/ 1416 هـ.
(4)
وذلك في فتواها رقم: (625).
(5)
ينظر: قرارات الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي القرار رقم (246).
(6)
في فتواها رقم (20).
المبحث السابع: الشركات
تعتبر الشركات أحد مصادر التمويل الإسلامي، وهناك أنواع كثيرة من الشركات في سوق التمويل الإسلامي؛ ولذلك لابد من ذكر مقدمة يسيرة عن الشركات في الفقه الإسلامي.
أولاً: تعريف الشركة:
الشركة لغة: هي الاختلاط؛ أي خلط أحد المالين بالآخر، بحيث لا يمتازان عن بعضهما.
الشركة اصطلاحاً: هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف.
ثانياً: حكم الشركات:
أجمع الفقهاء على جواز الشركة في الجملة، وإنما اختلفوا في أنواع منها.
ثالثاً: أقسام الشركات
(1)
:
الشركة قسمان: شركة أملاك، وهي الشركات الإجبارية في القوانين الوضعية، وشركة عقود، وهي الشركات الاختيارية في القوانين.
القسم الأول: شركة أملاك: وهي اجتماع في استحقاق، ومثاله كثبوت العقار لاثنين في أكثر.
القسم الثاني: شركة العقود: وهي اجتماع في تصرف، وهي خمسة أنواع:
شركة العنان، وشركة المفاوضة، وشركة الأبدان، وشركة الوجوه، والمضاربة.
وهذا التقسم عند الحنابلة، وقسمها الحنفية إلى ستة أنواع: وهي شركة الأموال، وشركة الأعمال، وشركة الوجوه. وكل نوع من هذه الأنواع إما مفاوضة وإما عنان. وعند المالكية والشافعية أربعة أنواع: شركة العنان، وشركة المفاوضة، وشركة الأبدان، وشركة الوجوه.
(1)
ينظر: الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (5/ 523).
واتفق العلماء على أن شركة العنان والمضاربة جائزة صحيحة. وأما الأنواع الأخرى فقد اختلفوا في مشروعيتها.
1) شركة العنان: وهي أن يشترك اثنان في مال لهما على أن يتجرا فيه، ويكون الربح بينهما، وهي جائزة بالإجماع كما ذكر ابن المنذر، وإنما اختلف في بعض شروطها.
وهذا النوع من الشركات هو السائد بين الناس؛ لأن شركة العنان لا يشترط فيها المساواة لا في المال ولا في التصرف، فيجوز أن يكون مال أحد الشريكين أكثر من الآخر، كما يجوز أن يكون أحدهما مسؤولاً عن الشركة والآخر غير مسؤول، ويجوز مع ذلك أن يتساويا في الربح أو يختلفا، فيوزع الربح بينهما حسب الشرط الذي اتفقا عليه، أما الخسارة فتكون بنسبة رأس المال فحسب، عملاً بقاعدة:«الربح على ما شرطا، والوضيعة على قدر المالين» .
2) شركة المفاوضة: المفاوضة في اللغة. وسمي هذا النوع من الشركة مفاوضة لأن كل واحد منهما يفوض التصرف إلى صاحبه على كل حال في غيبته وحضوره، وهي شركة يتساوى فيها الشركاء في المال والتصرف والربح والخسارة.
3) شركة الوجوه: هي شركة بين اثنين أو أكثر، من غير أن يكون لهما رأس مال، على أن يشتريا في ذممهما بالنسيئة (أي بمؤجل)، ويبيعا بالنقد، بما لهما من وجاهة عند الناس، ويكون الربح بقدر ذلك حصة الملك (أي حسب الضمان)، وأما الخسارة: فهي على قدر ضمان كل من الشركاء اتفاقاً.
4) شركة الأبدان: وهي أن يشترك اثنان على أن يتقبلا في ذمتهما عملاً من الأعمال، ويكون الكسب بينهما كالخياطة والحدادة والصباغة ونحوها.
5) شركة المضاربة: وسيأتي الكلام عليها بالتفصيل.
رابعاً: أركان الشركة:
أركان الشركة عند الجمهور ثلاثة: عاقدان، ومعقود عليه، وصيغة.
خامساً: دراسة لبعض أنواع الشركات:
شركة المضاربة:
هذه الشركة اختلف الفقهاء فيها، فبعضهم يدرجها ضمن الشركات وبعضهم يجعلها خارج الشركات، ولهذا أفردتها هنا مستقلة.
أولاً: تعريفها:
المضاربة لغة: المضاربة والقراض والمقارضة بمعنى واحد، والمضاربة هي في لغة أهل العراق تسمى مضاربة، وفي لغة أهل الحجاز تسمى قراضاً، وهو مشتق من القرض وهو القطع؛ لأن المالك يقطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها، ويعطيه قطعة من الربح، أو مشتق من المقارضة: وهي المساواة لتساويهما في استحقاق الربح، أو لأن المال من المالك والعمل من العامل، وهي لهذا تشبه الإجارة؛ لأن العامل فيها يستحق حصته من الربح جزاء عمله في المال.
وأهل العراق يسمون القراض مضاربة؛ لأن كلاً من العاقدين يضرب بسهم في الربح، ولأن العامل يحتاج إلى السفر، والسفر يسمى ضرباً في الأرض.
المضاربة اصطلاحاً: هناك عدة تعريفات للمضاربة في المذاهب الأربعة، وأقرب هذه التعريفات هو تعريف السادة الحنابلة.
جاء في كشاف القناع: والمضاربة هي: «دفع مال وما في معناه معين معلوم قدره إلى من يتجر فيه بجزء معلوم من ربحه»
(1)
.
ثانياً: حكمها:
اتفقت المذاهب الأربعة على جواز المضاربة بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
(1)
كشاف القناع عن متن الإقناع (3/ 508).
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20]، والمضارب: يضرب في الأرض يبتغي من فضل الله عز وجل.
وأما السنة: فما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان سيدنا العباس بن عبد المطلب إذا دفع المال مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحراً، ولا ينزل به وادياً، ولايشتري به دابة ذات كبد رطبة، فإن فعل ذلك ضمن، فبلغ شرطه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجازه)
(1)
.
وأما الإجماع: فقد روي عن جماعة من الصحابة أنهم دفعوا مال اليتيم مضاربة، ولم ينكر عليهم أحد، فكان إجماعاً منهم على جواز المضاربة.
ولا زال المسلمون بالمضاربة منذ البعثة إلى وقتنا الحاضر من غير نكير ومثل هذا يكون إجماعاً.
قال ابن المنذر: «أجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة»
(2)
.
ويقول الشوكاني بعد أن نقل آثار الصحابة التي تدل على تعاملهم بالمضاربة: «إن هذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير فكذلك إجماعاً منهم على الجواز»
(3)
.
ثالثاً: أركان المضاربة:
أركان المضاربة هي:
(1)
أخرجه البيهقي في السنن (6/ 111)، قال في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 161): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أبو الجارود الأعمى، وهو متروك كذاب. وضعف إسناده في نصب الراية (4/ 114).
(2)
الإجمالي، لابن المنذر ص:(530).
(3)
نيل الأوطار، (5/ 393).
1) الصيغة.
2) العاقدان.
3) المال.
4) العمل.
5) تقدير نصيب العامل.
وقد مرّ معنا الكلام عن الصيغة والعاقدين، ونحتاج هنا أن نتكلم عن شروط المال والربح والعمل في المرابحة؛ لأهمية ذلك، وتوقف صحة المرابحة عليه.
المال:
يشترط لمال المرابحة ما يلي:
1) أن يكون نقداً.
2) أن يكون معلوماً، فلو دفع إليه ثوباً وقال: بعه وقد قارضتك على ثمنه، لم يجز.
3) أن يكون معنياً.
4) أن يكون رأس المال مسلماً إلى العامل.
الربح:
1) أن يكون مخصوصاً بالمتعاقدين، فلو قال: على أن يكون ثلثه لك، وثلثه لي، وثلثه لزوجتي أو لابني أو لأجنبي، فإنه لا يصح.
2) أن يكون مشتركاً بينهما، فلو قال: تصرف فيها والربح كله لي، فهو إبضاع، فالواجب في هذا العقد أن يكون لكل شريك نسبة من الأرباح حسب ما يتفق الشركاء عليها، وأما الخسائر فالواجب أن تكون على رأس المال، ولا يجوز أن يتحمل منها العامل شيئاً، ولا يجوز أن يشترط في العقد خلاف هذا، بأن يشترط أن صاحب المال متى طلب ماله أخذه كاملاً بدون نقص أو زيادة، بل الواجب في
حالة طلبه رأس ماله أن تصفى الشركة، فإن كان هناك ربح أخذ نسبته منه، وإن كانت هناك خسارة كانت على رأس المال، فالخسارة تكون على رب المال في جميع الأحوال، فلا يصح أن يشترك العامل في الخسارة، وإذا اشترط رب المال ذلك فسدت المضاربة بالإجماع.
3) أن يكون معلوماً، ويكون العلم به من حيث الجزئية لا من حيث التقدير. فلو قال: لك من الربح، أو لي منه درهم أو مائة والباقي بيننا نصفان، فسد القراض، وكذا لو قال: نصف الربح إلا درهماً.
شروط العمل:
1) أن يكون على وجه الاستنماء، ولا بد من بيان وقت العقد، وعلى المضارب ما جرت العادة أن يباشره من عمل.
2) إطلاق المضاربة من غير توقيت.
3) أن لا يكون مضيقاً عليه بالتعيين.
خامساً: حكم المضاربة بالأسهم:
حكم المضاربة بالأسهم مبني على تكييف الأسهم هنا، فإذا اعتبرنا الأسهم بذاتها عروض تجارة بغض النظر عما تمثله من أصول وموجودات الشركة فحينئذ يصح أن يضارب العامل فيها لرب المال - وهو مالك الأسهم -، باعتبار أن الصحيح جواز المضاربة بالعروض، وأنه لا يشترط أن يكون رأس المال من النقد.
وإذا نظرنا إلى الأسهم على أنها تمثل نصيباً أو حصة شائعة من أصول وموجودات الشركة، فالمضاربة بها بهذا الاعتبار تتعارض مع بعض الشروط المتقدمة، فالجمهور- مثلاً - يشترطون تسليم رأس المال إلى العامل، وفي الشركات المساهمة لا يمكن لمالك الأسهم أن يسلم ما تمثله هذه الأسهم من موجودات الشركة إلى العامل؛ لأنها تحت تصرف مجلس إدارة الشركة فقط.
وهذا في الحقيقة يدل على المنع من المضاربة بالأسهم بهذا الاعتبار؛ لأنه سيتصرف برأس المال بالتدريج، وإن لم يتسلمه كله دفعة واحدة.
سادساً: انتهاء عقد المضاربة:
تنتهي المضاربة بأحد الأمور التالية:
1) تنتهي باتفاق العامل ورب المال على فسخها، وكذلك الفسخ من أحدهما، وبشرط أن يعلم صاحبه بذلك.
2) موت العامل أو رب المال عند الجمهور، وعند المالكية أن المضاربة عقد يورث، فينتقل هذا الحق بعد الوفاة للورثة على تفصيل عندهم في هذه المسألة.
3) انقضاء وقتها المحدد عند من يقول بتوقيتها.
4) جنون العامل أو رب المال أو العامل.
5) هلاك المال قبل التصرف فيه.
المبحث التاسع: المشاركة المتناقصة
هناك نمط جديد من الشركات ظهر حديثاً، وله تطبيقات متعددة في التمويل الإسلامي، ومن هذا النوع (شركة المتناقصة)، وهذه نبذة مختصرة عن هذا النوع.
أولاً: تعريفها:
هي: معاملة جديدة تتضمن شركة بين طرفين في مشروع ذي دخل، يتعهد فيها أحدهما بشراء حصة الطرف الآخر تدريجياً، سواء أكان الشراء من حصة الطرف المشتري من الدخل أم من موارد أخرى.
مثال: عزمت شركة عقارية على إنشاء برج تجاري استثماري يكلف إنشاؤه (ستين مليون ريال)، ولا تملك السيولة الكافية لإقامة المشروع؛ إذ لا يوجد لديها إلا (خمسة عشر مليون ريال)، فتعاقدت مع مصرف على تمويل المشروع بطريقة المشاركة المتناقصة؛ حيث يدخل معها المصرف شريكاً ويغطي بقية مصاريف المشروع (خمسة وأربعين مليون ريال). واتفق الطرفان على أن تقسم الأرباح العائدة من تأجير وحدات البرج (75% للمصرف، 25% للشركة).
ومع نهاية كل سنة وتحصيل أرباح المشروع؛ توقّع الشركة مع المصرف عقد شراء جزءٍ من حصة المصرف في البرج مقابل تنازل الشركة عن جزءٍ من حصتها من الأرباح، أو مقابل مبلغ مالي من مورد آخر.
وبهذا تبدأ حصة المصرف في التناقص، وحصة الشركة في التزايد حتى يصل الحال إلى أن توقع الشركة مع المصرف شراء حصته المتبقية من البرج؛ وتنفرد الشركة بامتلاك البرج كاملاً.
وقد درس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الخامسة عشرة موضوع (المشاركة المتناقصة)، وأصدر فيها قراراً جاء فيه:
«أولاً: المشاركة المتناقصة: معاملة جديدة تتضمن شركة بين طرفين في مشروع ذي دخل، يتعهد فيها أحدهما بشراء حصة الطرف الآخر تدريجياً سواء كان الشراء من حصة الطرف المشتري في الدخل أم من موارد أخرى.
ثانياً: أساس قيام المشاركة المتناقصة:
هو العقد الذي يبرمه الطرفان ويسهم فيه كل منهما بحصة في رأس مال الشركة، سواء أكان إسهامه بالنقود أم بالأعيان بعد أن يتم تقويمها، مع بيان كيفية توزيع الربح، على أن يتحمل كل منهما الخسارة -إن وجدت- بقدر حصته في الشركة.
ثالثاً: تختص المشاركة المتناقصة بوجود وعد ملزم من أحد الطرفين فقط،
بأن يتملك حصة الطرف الآخر، على أن يكون للطرف الآخر الخيار، وذلك بإبرام عقود بيع عند تملك كل جزء من الحصة، ولو بتبادل إشعارين بالإيجاب والقبول.
رابعاً: يجوز لأحد أطراف المشاركة استئجار حصة شريكه بأجرة معلومة ولمدة محددة،
ويظل كل من الشريكين مسئولاً عن الصيانة الأساسية بمقدار حصته.
خامساً: المشاركة المتناقصة مشروعة إذا التُزم فيها بالأحكام العامة للشركات،
وروعيت فيها الضوابط الآتية:
عدم التعهد بشراء أحد الطرفين حصة الطرف الآخر بمثل قيمة الحصة عند إنشاء الشركة؛ لما في ذلك من ضمان الشريك حصة شريكه، بل ينبغي أن يتم تحديد ثمن بيع الحصة بالقيمة السوقية يوم البيع، أو بما يتم الاتفاق عليه عند البيع.
عدم اشتراط تحمّل أحد الطرفين مصروفات التأمين أو الصيانة وسائر المصروفات، بل تحمّل على وعاء المشاركة بقدر الحصص.
تحديد أرباح أطراف المشاركة بنسب شائعة، ولا يجوز اشتراط مبلغ مقطوع من الأرباح، أو نسبة من مبلغ المساهمة.
الفصل بين العقود والالتزامات المتعلقة بالمشاركة.
منع النص على حق أحد الطرفين في استرداد ما قدمه من مساهمة (تمويل)» اه.
* * * * *
المبحث العاشر: البطاقات المصرفية
أولاً: ظهور البطاقات:
ظهرت بطاقات الائتمان في القرن الرابع الهجري (القرن العشرين الميلادي) عندما بدأت بعض الفنادق في الولايات المتحدة بإصدار بطاقة لزبائنها المفضلين الذين يحتاجون إلى الإقامة في الفندق في مرات متكررة، وكان الغرض من تلك البطاقة تسهيل معاملاتهم، واختصار وقتهم.
وفي سنة 1368 هـ الموافق لسنة 1949 ميلادي ظهرت أول شركة متخصصة في إصدار البطاقات وهي شركة داينرز كلوب (Diners Club)، وقد اقتصرت في البداية على إصدار بطاقة خاصة برواد المطاعم، ثم ظهرت أمريكان اكسبرس (American Express) وكارت بلانش (Carte Blanch) وفي سنة 1370 هـ الموافق لسنة 1951 ميلادي انتقلت عملية إصدار البطاقات إلى البنوك، حيث بدأ بنك فرانكلين في نيويورك (Franlkin National Bank) بإصدار البطاقة.
وقد اخترعت البنوك صيغة أخرى للائتمان الاستهلاكي أدت فيما بعد إلى تطور كبير في بطاقات الائتمان، فكان أن بدأ بنك أمريكا (Bank Of America) وبنك شيز (Chase) الذي كان يسمى حينئذ (Chase Manhattan) وهما أكبر بنكين في العالم في ذلك الوقت في إصدار البطاقات، فكان أن ظهرت بطاقة (Bank Americard) من الأول، وانتشرت أيما انتشار، فاتفقت - كرد فعل لذك النجاح - بعض البنوك على تأسيس جمعية تعاونية تصدر بطاقة منافسة، فظهرت ماستر كارد (Master Card) والتي كانت مملوكة في الأصل لبنك فيرست ناشيونال في لوزفيل بولاية كنتكي الأمريكية (Firs NationaL Of Luisville) فصادفت نجاحًا منقطع النظير
(1)
.
(1)
ينظر: البطاقات البنكية، د. عبد الوهاب أبو سليمان (ص: 34)، البطاقات اللّدائنيّة د. محمد العصيمي (ص: 21).
ثانياً: تعريف البطاقة:
البطاقة لغة: البطاقة على وزن كتابة، جاء في لسان العرب:«البطاقة الورقة، عن ابن الأعرابي، وغيره: البطاقة رقعة صغيرة يثبت فيها مقدار ما تجعل فيه، إن كان عيناً فوزنه أو عدده، وإن كان متاعاً فقيمته، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال لامرأة سألته عن مسألة: (اكتبيها في بطاقة أي رقعة صغيرة)»
(1)
، وفي حديث عبد الله بن عمرو أنّه قال:(يؤتى برجلٍ يوم القيامة وتُخرَج له تسعةٌ وتسعون سجلاً فيها خطاياه، وتُخرَج له بطاقة فيها شهادة أن لا إله إلاّ الله فتَرَجح بها)
(2)
.
وفي مختار الصحاح: «البطاقة بالكسر رقعية توضع في الثوب فيها رقم الثنم بلغة أهل مصر
…
»
(3)
، وفي المعجم الوسيط:«البطاقة الرقعة الصغيرة من الورق ونحوه يكتب عليها بيان ما تُعلّق عليه»
(4)
.
ثالثاً: البطاقة المصرفية اصطلاحاً:
عرفت البطاقات المصرفية بتعريفات متعددة، أبرزها ما يأتي:
1) أنها «أداة يصدرها بنك، أو تاجر، أو مؤسسة، تخول حاملها الحصول على السلع والخدمات؛ سحباً لأثمانها من رصيده، أو قرضاً مدفوعاً من قبل مصدرها ضامناً لأصحاب الحقوق ما يتعلق بذمة حاملها الذي يتعهد بالوفاء والتسديد للقرض خلال مدة معينة من دون زيادة على القرض إلا في حالة عدم الوفاء، أو
(1)
لسان العرب (10/ 21).
(2)
أخرجه أحمد (9990)، الترمذي (2639) وحسنه، ابن ماجه (4300)، الحاكم وصححه (1/ 529).
(3)
مختار الصحاح (ص: 49).
(4)
المعجم الوسيط (1/ 61).
بزيادة ربوية لدى اختياره الدفع على أقساط، مع حسم عمولة على التاجر من قيمة مبيعاته في جميع الحالات»
(1)
.
(2)
.
(3)
.
ولعل التعريف الثاني هو أقرب التعاريف، كونه ينطبق على وصف البطاقة الائتمانية، بخلاف التعريف الأول، فهو توصيف لعمل البطاقة، ولهذا كان بهذا الطول، والتعريف الثالث فيه تعميم لا ينطبق على حقيقة البطاقة الائتمانية.
رابعاً: أهم خصائص البطاقات المصرفية:
أنها غير إلزامية، بمعنى أن حامل البطاقة لا يستطيع إلزام البائع بها مثل استطاعته إلزامه بالنقود الورقية.
أنها غير قابلة للتحويل كبعض الأوراق النقدية، مثل الشيكات ونحوها.
أنها ذات صلاحية محددة بمدة، وقابلة للإلغاء والإيقاف.
أنها ذات سقف محدد، بمعنى أن لها حداً شهرياً، أو يومياً لا يمكن لحاملها تجاوزه
(4)
.
(1)
البطاقات البنكية لعبد الوهاب أبو سليمان ص (217).
(2)
البطاقات المصرفية للحجي ص (26، 27).
(3)
وسائل الدفع الحديثة، سميحة القليوبي (ص: 629).
(4)
ينظر: البطاقات اللدائنية للعصيمي (ص: 93).
خامساً: أنواع البطاقات المصرفية:
البطاقات المصرفية التي يجري التعامل بها أنواع عديدة، ويمكن إرجاعها إلى نوعين:
النوع الأول: البطاقة الائتمانية:
(1)
.
(2)
.
أنواعها
(3)
:
النوع الأول: من حيث الدين:
تنقسم إلى نوعين:
1) بطاقة ائتمان القرض غير المتجدد (charge Card): وتعني كلمة (charge) في المعجم الإنجليزي: الشراء بالدين أو على الحساب، ولذلك يسمى هذا النوع بطاقة على الحساب، أو بطاقة الدفع الشهري، أو بطاقة الوفاء المؤجل، وتتميز بالتالي:
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (7/ 1412 هـ)، (717).
(2)
البطاقات اللدائنية (ص: 128).
(3)
ينظر: بطاقات المعاملات المالية د. عبد الله الباحوث مجلة العدل (27 - 1426 هـ)، (31)، التكييف الشرعي لبطاقة الائتمان، لنواف باتوبارة (10).
(أ) لا يشترط للحصول عليها أن يفتح العميل حساباً دائناً لدى مصدرها في صورة حساب جار، أو أن يقدم تأميناً نقدياً، ومن ثم فعندما يقوم الفرد باستخدامها فإنه يحصل بصورة أوتوماتيكية على قرض (ائتماناً) مساوٍ لقيمة السلعة أو الخدمة. فالمصدر يمنح حامل البطاقة ائتماناً قصير الأجل، خلال الفترة ما بين الشراء وسداد كشف الحساب.
(ب) لكل عميل حد أعلى للقرض يحدده العقد، ويسمى خط الائتمان.
(ج) يُزود العميل بكشف حساب البطاقة كل فترة زمنية متقاربة، ويلتزم طبقاً لشروط الإصدار بدفع ما يترتب عليه لمصدر البطاقة، من ثمن المشتريات أو الخدمات أو السحوبات النقدية خلال فترة معينة، ويلاحظ هنا أن حامل البطاقة يتمتع في ظل هذا النظام بأجل فعلي في الوفاء بثمن ما يحصل عليه من سلع وخدمات، ولهذا سميت ببطاقة الوفاء المؤجل، ذلك أن الجهة المصدرة للبطاقة لا تطالب حاملها بثمن مشترياته فوراً، وإنما تقوم بجمع الفواتير الموقعة من قبل حامل البطاقة ومطالبته بها دورياً مرة كل شهر في تاريخ معين، أو تقيدها على حسابه في ذلك التاريخ، وهذا ما يمنح حامل البطاقة أجلاً فعلياً في الوفاء، يتمثل في الفترة المنصرمة ما بين وقوع الشراء وحصول الوفاء فعلاً، وهي فترة تصل في بعض الأحيان إلى 60 يوماً.
(د) إذا تأخر حامل البطاقة عن التسديد خلال المدة المحددة، فإن المصدر يحمله غرامة تأخير، ينص عليها في اتفاق الإصدار، وفي حالة المماطلة يقوم المصدر بإلغاء عضوية حامل البطاقة وسحبها منه، وملاحقته قضائياً لتسديد ما تعلق بذمته.
(هـ) يدفع العميل رسوم اشتراك مرة واحدة، ورسوم تجديد سنوية.
(و) يمكن استخدام البطاقة محلياً ودولياً.
(ز) يمثل هذا النوع من البطاقات: أمريكان إكسبريس، وداينرز كلوب.
2) بطاقة ائتمان القرض المتجدد: يعد هذا النوع (Revolving Credit Card) الأكثر انتشاراً، خصوصاً في الدول المتقدمة، ولهذه البطاقة نفس مميزات النوع الأول، إلا أنها تختلف عنه في أن الائتمان الذي تولده هو دين (قرض) متجدد أو دوار (Revolving)، فلا يلزم حامل البطاقة عند تسلمه للفاتورة الشهرية أن يسدد مبلغها كاملاً، والغالب إلزامه بدفع نسبة ضئيلة منه فقط، فالبطاقة هي في واقع الأمر قرض يستطيع المستهلك استخدامه لشراء مستلزماته، ثم التسديد لاحقاً، فإذا لم يكن قادراً على سداد جميع ما قام باقتراضه (شرائه) في أي شهر، سمح له بتدوير كامل المبلغ المقترض، أو جزء منه إلى الشهر التالي، ويترتب عليه في هذه الحالة دفع الفائدة على الرصيد المدين، ولا يشترط في هذا النوع من البطاقات أن يكون للعميل حساب لدى البنك المصدر.
يمثل هذا النوع من البطاقات: (فيزا، ماستر كارد، أمريكان اكسبرس، داينرز كلوب)، ويقدر العدد المتداول منه في الولايات المتحدة فقط بحوالي (130) مليون بطاقة.
النوع الثاني: من حيث الغطاء وعدمه:
وتنقسم إلى نوعين:
1) بطاقات الائتمان المغطاة: والمراد بالغطاء هنا الرصيد، فالمغطاة معناها أن يوجد لك رصيد يقابل استخدامك لهذه البطاقات، فالمغطاة يشترط فيها مصدر البطاقة على حاملها أن يودع لديه في حساب مصرفي مبلغًا من النقود، ولا يستخدمها في مشتريات تزيد عن ذلك المبلغ، من أبرزها: بطاقات الصرف، وتعرف بأنها: «أداة دفع وسحب نقدي، يصدرها مصرف تجاري، تمكن صاحبها من
الشراء بماله الموجود لدى المصرف، ومن الحصول على النقد أي مكان، مع خصم المبلغ من حسابه فوراً، وتمكنه من الحصول على خدمات خاصة " وهذه البطاقات أصبحت الآن جزءاً مهماً من الحساب الجاري، وذلك راجع إلى رغبة البنوك التجارية في التخفف من الأعباء المالية التي تسببها الشيكات الشخصية، ومن أمثلة هذه البطاقات بطاقة صراف الراجحي، وبطاقة صراف البلاد، ويحسن أن نشير هنا أن الحروف الأولى للكلمات الإنجليزية Automated Teller Macchin Cards وهي:(ATM) قد أصبحت علامة تجارية على شركة واحدة فقط من الشركات التي تقدم هذه مثل هذه الخدمات. وهو نفس الاسم الفني لهذا النوع من البطاقات، وكانت البطاقات محصورة في الأجهزة الخاصة بالبنك، لكن مع التقدم التقني، ووجود الشبكات التي تغطي البلد بأكمله أصبح بالإمكان استخدامها مع أجهزة الصراف الآلي
(1)
الخاصة بالبنوك التجارية الأخرى، وقد أدت المنافسة بين البنوك التجارية إلى أن آلت ملكية شبكات الربط الحاسوبي إلى شركات محدودة تتولى البنوك الأخرى الاشتراك معها للإفادة من خدماتها لعملائها، كما هو معلوم من تاريخ البطاقات، ونتج عن ذلك أن أصبحت هذه البطاقات قادرة على تمكين الزبون من استخدام أجهزة نقاط البيع، التي انتشرت لدى المحلات التجارية، هي أجهزة حاسوبية مربوطة بحاسوب الشبكة التي تغطي المنطقة المعينة، بحيث يتمكن المحل من
(1)
الصراف الآلي: «عبارة عن ماكينة خاصة يمكن بواسطتها تقديم خدمات مصرفية للزبائن، ويرمز له ب ATM، وكان اختراع هذا الجهاز في عام 1965 م، وقد شكل نواة نظام سُمّي بنظام تحويل الأموال الإلكترونية» . [ينظر: أنظمة الدفع الإلكترونية لأحمد سفر (ص: 33)، البطاقات اللّدائنيّة د. محمد العصيمي (ص: 56)].
أخذ مستحقاته المالية مباشرة عن طريق إدخال بطاقة الزبون، مع إخال الرقم السري الخاص بالزبون، وهو في المملكة العربية السعودية تابع لنظام شبكة المدفوعات السعودية (SPAN)
(1)
(2)
.
وهي نوعان:
(أ) بطاقات الصرف الآلي الداخلية، التي تؤدي وظائفها داخل دولة واحدة.
(ب) بطاقات الصرف الآلي الدولية؛ وهي التي يستطيع حاملها أن يستخدمها في جميع دول العالم، ومن أمثلتها بطاقة فيزا إلكترون التابعة لفيزا، وبطاقة ماسيترو التابعة لماستر كارد.
(1)
تعد شبكة المدفوعات السعودية (SPAN)، والتي أنشئت عام 1990 م، شبكة المدفوعات الآلية الوحيدة في المملكة العربية السعودية، حيث تربط كافة أجهزة الصرف الآلي وطرفيات نقاط البيع في كافة أنحاء المملكة بشبكة مدفوعات مركزية تقوم بدورها بإعادة توجيه العمليات المالية إلى الجهة المصدرة للبطاقة، سواء كانت مصرفاً محلياً أو فيزا (VISA) أو أمكس (AMEX) أو ماستر كارد (MasterCard). وتطلب مؤسسة النقد العربي السعودي من كافة المصارف إصدار بطاقات سحب آلي متوافقة بشكل كامل مع الشبكة السعودية للمدفوعات، وتقدم جميع الخدمات للعميل النهائي بدون رسوم، بصرف النظر عن جهاز السحب الآلي المستخدم، أو الجهة المشغلة له، أو الجهة المصدرة لبطاقة العميل. ويوجد الآن أكثر من ثمانية آلاف جهاز سحب آلي، وأكثر من 70 ألف نقطة بيع متصلة بالشبكة، وقد بلغ إجمالي عدد العمليات التي تم تنفيذها عبر شبكة (SPAN) في عام 2008 م أكثر من 400 مليون عملية، بمبلغ يزيد عن 200 مليار ريال (53. 3 مليار دولار أمريكي)، وينظر: تعميم وكيل محافظ مؤسسة النقد السعودي ذو الرقم (3908/ م أ/ 127) بتاريخ (3/ 4/ 1410 هـ). ينظر: من موقع مؤسسة النقد السعودي على الشبكة العالمية (الإنترنت) www.sama.gov.sa
(2)
ينظر: البطاقات اللّدائنيّة د. محمد العصيمي (ص: 128).
وأهم خصائص هذا النوع:
- أنها تصدر لمن له رصيد في حسابه.
-أنها تخول حاملها السحب، أو تسديد أثمان السلع والخدمات بقدر رصيده المتاح، ويتم الحسم منه فوراً.
- تصدر هذه البطاقة برسم أو بدونه.
- لا يتحمل العميل رسوماً مقابل استخدامه هذه البطاقة غالباً
(1)
.
2) بطاقات الائتمان غير المغطاة: حيث لا يوجد لك رصيد يقابل استخدامك لهذه البطاقات، كبطاقات فيزا، وماستر كارد، وأمريكان إكسبرس
(2)
.
سادساً: أطراف البطاقة
(3)
:
تجمع بطاقة الائتمان عدة أطراف لا تزيد على خمسة:
الطرف الأول: المنظمة العالمية، وهي التي تملك العلامة التجارية للبطاقة، وتشرف عليها، وتشرف على إصدار البطاقات وفق اتفاقيات مع البنوك المصدرة، ومن أشهر هذه المنظمات العالمية منظمة فيزا، ومنظمة ماستر كارد، ومنظمة أمريكان إكسبرس.
الطرف الثاني: مُصدِر البطاقة، وهو البنك أو المؤسسة التي تصدر البطاقة بناء على ترخيص معتمد من المنظمة العالمية بصفته عضواً فيها، ويقوم بالسداد وكالة عن حامل البطاقة للتاجر التي تمثل البنوك مثلا الآن، هذا هو مصدر البطاقة.
(1)
العمولات المصرفية (ص: 570).
(2)
ينظر: فقه المعاملات المالية المعاصرة، د. الخثلان (ص: 154).
(3)
فقه المعاملات المالية المصرفية، د. سعد الخثلان (ص: 160).
الطرف الثالث: حامل البطاقة، وهو عميل البنك الذي صدرت البطاقة باسمه.
الطرف الرابع: قابل البطاقة، وهو التاجر أو صاحب المحل الذي يتعاقد مع مصدر البطاقة على تقديم السلع والخدمات التي يطلبها حامل البطاقة.
الطرف الخامس: البنوك الأخرى قد تدخل طرفاً وقد لا تدخل، وذلك كبنك التاجر الذي يتسلم مستندات البيع من التاجر، ويقوم بتسديد وبمتابعة؛ تسديد البنوك الأعضاء للديون المترتبة على استخدام البطاقة مقابل رسوم يأخذها من التاجر.
وهذه الأطراف قد تنقص بحسب تعامل البنك المصدر، وحامل البطاقة والتاجر.
سابعاً: مسائل في البطاقات الائتمانية:
البطاقة الائتمانية يكتنفها عدة محاذير، وهذه المحاذير هي محل نظر الفقهاء المعاصرين، ومن أشد هذه المحاذير ما يترتب على إصدارها والتعامل بها من فوائد وتعاملات ربوية.
والسؤال: هل يعتبر التعامل بهذه البطاقات محرّماً شرعاً، وبالتالي يعُتبر مصدرها مُعيناً على هذا الإثم، أو أن التعامل بها جائز؟
والحكم في هذه المسألة ينبني على معرفة الحكم في عدة مسائل، وتحرير الرأي الفقهي فيها.
ولهذا فلابد من معرفة الحكم في المسائل التالية:
المسألة الأولى: حكم انضمام المصرف الإسلامي في عضوية هذه المنظمات؟:
الأصل هو جواز انضمام المصرف الإسلامي إلى عضوية المنظمات الراعية لهذه البطاقات.
يدل على هذا:
1) أن الاصل في المعاملات الإباحة كما سبق تقريره، وليس هناك ما يمنع من الدخول في عضوية هذه المنظمات.
2) أن ما تدفعه المصارف الإسلامية من رسوم للمنظمات هو أجرة للخدمات المقدمة لها من قبل هذه المنظمات العالمية؛ مقابل منح التراخيص وما يتعلق بهذه البطاقات من عمليات.
3) أن المحذور في بعض البطاقات الائتمانية - وهو وجود الفوائد الربوية - منتفٍ في البطاقات التي تصدرها المصارف الإسلامية، فالحامل لها لا يترتب عليه أي فائدة ربوية حينما يقوم بالتعامل بها
(1)
.
وتكون هذه المعاملة من قبيل الوكالة بأجر، أو من قبيل الأجير المشترك، وكلا النوعين من الأجرة الجائزة عند الفقهاء
(2)
.
وإذا جاز للمصارف الاشتراك في عضوية هذه المنظمات، فيجوز لها أن تدفع ما يترتب على هذا الاشتراك من رسوم وأجور خدمات، حيث يُفتح للمصرف ملفاً في المنظمة، ومقابله تقدم المنظمة عدة خدمات للمصرف، وتتقاضى مقابل ذلك أجوراً.
جاء في المعايير الشرعية المعيار (2) من البند رقم (4/ 1) ما يلي:
يجوز للمؤسسات الانضمام إلى عضوية المنظمات العالمية الراعية للبطاقات، بشرط أن تجتنب المخالفات الشرعية التي قد تشترطها تلك المنظمات.
(1)
المعاملات المالية المعاصرة، وهبة الزحيلي (ص: 540).
(2)
الضوابط المستخلصة من قرارات الهيئة الشرعية لبنك البلاد (ص: 97).
يجوز للمؤسسات أن تدفع للمنظمات العالمية الراعية للبطاقات رسوم اشتراك، وأجور خدمات وغيرها من الرسوم ما لم تشتمل على فوائد ربوية، ولو كانت غير مباشرة، مثل: أن تتضمن الأجرة زيادة نظير الائتمان
(1)
.
وجاء في قرار الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي ما نصه: «وحيث إن هذه العملية كما تتصورها الهيئة تتلخص في الآتي:
تصدر الشركة بطاقات بلاستيكية بناء على رغبة أحد عملائها بشروط محددة تحمل اسم عميلها، واسم فيزا، و اسم الشركة المصدرة للبطاقة.
يقوم العميل عند حاجته لبضاعة أو خدمة ما بإبراز هذه البطاقة لدى المتاجر والهيئات التي تقبل التعامل بهذه البطاقة، ويحصل على ما يريده، وتدفع قيمتها الشركة بعد اطلاعها على الفاتورة الموقعة من العميل، المتضمنة استلامه البضاعة أو الخدمة وبيان قيمتها، وتسجل الشركة المبلغ على حساب عميلها الذي استلم البطاقة منها، وترسل له كشف حساب يسدده خلال مدة معلومة.
وبعد تأمل الهيئة لهذه المعاملة لم يظهر لها من الناحية الشرعية ما يوجب الاعتراض على قيام الشركة بإصدار هذه البطاقة (فيزا)، بشرط ألا يترتب على قيامها بذلك أخذ أو إعطاء أي فائدة محرمة بشكل ظاهر أو مستتر، تم ذلك مع عملائها، أو شركة فيزا العالمية، أو شركة الخدمات المالية العربية التي ستقوم بالوساطة الفنية والحسابية بين شركة الراجحي المصرفية للاستثمار، وشركة فيزا العالمية أو غيرهم من أطراف المعاملة.
(1)
المعايير الشرعية، ملحق (ب) بند رقم (4).
وقد قامت الهيئة بتعديل نموذج الشروط العامة لإصدار هذه البطاقة واستخدامها، وسمته طلب اشتراك في بطاقة (الفيزا)، وهو مرفق بهذا القرار»
(1)
.
وبناء على ذلك فيجوز للمصرف الإسلامي أن يصدر البطاقات مادامت لا تتضمن شرطاً ربوياً، ولهذا فالبطاقات التي تتضمن هذا الشرط الربوي غير جائزة؛ «لأن هذه البطاقات تمنح حاملها أو تمكنه من أن يأخذ عن طريقها، يسحب عن طريقها مبلغًا ماليًا ولو لم يكن في رصيده شيء؛ فلو كان رصيدك صفراً ومعك بطاقة الفيزا فتستطيع أن تسحب بها مبلغًا ماليًا وفق سقف معين، هذا المبلغ المالي بعض البنوك تعطي فترة سماح مجانية للعميل لكي يسدد هذا المبلغ، فإن سدد لم يحتسب عليه فوائد ربوية.
وهذه الفترة تتراوح ما بين أربعين إلى خمسة وخمسين يوما بحسب اختلاف البنوك فيما بينها، فإذا مضت فترة السماح المجانية -من أربعين إلى خمسة وخمسين يوماً تقريباً - بدءوا في احتساب الفوائد الربوية عن كل يوم تأخير. أما إذا سددت خلال فترة السماح المجانية فلم يحسب عليك شيء»
(2)
.
وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدولي، قرار رقم: 108 (2/ 12) جاء فيه: «إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421 هـ إلى غرة رجب 1421 هـ (23 - 28 سبتمبر 2000 م).
(1)
قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي (1/ 64) القرار رقم (32) بتاريخ 27/ 10/ 1410 هـ.
(2)
فقه المعاملات المالية المصرفية للخثلان (ص: 161) بتصرف.
بناء على قرار المجلس رقم (65/ 1/ 7) في موضوع: (الأسواق المالية بخصوص بطاقة الائتمان) حيث قرر البت في التكييف الشرعي لهذه البطاقة وحكمها في دورة قادمة.
وإشارة إلى قرار المجلس في دورته العاشرة رقم (102/ 4/ 10)، وبعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (بطاقات الائتمان غير المغطاة)، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والاقتصاديين، ورجوعه إلى تعريف بطاقة الائتمان في قراره رقم:(63/ 1/ 7) الذي يستفاد منه تعريف بطاقة الائتمان غير المغطاة بأنه: (مستند يعطيه مصدره (البنك المصدر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع، أو الخدمات، ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد).
قرر ما يلي:
أولاً: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة، ولا التعامل بها إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازماً على السداد ضمن فترة السماح المجاني.
ثانياً: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية على أصل الدين.
ويتفرع على ذلك:
(أ) جواز أخذ مصدرها من العميل رسوماً مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجراً فعلياً على قدر الخدمات المقدمة منه.
(ب) جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة يمثل السعر الذي يبيع به بالنقد.
ثالثاً: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مصدرها، ولا حرج فيه شرعاً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة؛ لأنها من الربا المحرم شرعا، كما نص علي ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/ 2) و 13 (1/ 3).
رابعاً: لا يجوز شراء الذهب والفضة، وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة.
والله سبحانه وتعالى أعلم»
(1)
.
وجاء في المعايير الشرعية المعيار (2) من البند رقم (3/ 3) على ما يلي:
(2)
.
فمحل الجواز هنا هو لبطاقات الدين غير المتجدد، أو ما يعرف ببطاقات الخصم الشهري، وأما البطاقات ذات الدين المتجدد؛ والتي يتم فيها تجديد الدين بمعنى أنه يعطى العميل فرصة التقسيط، تقسيط الدين ويزيد الدين بسبب الدين، فهذه البطاقات محرمة من غير خلاف بين المعاصرين؛ لأنه من باب: زدني أُنْظِرك، فالمصرف يزيد في الدين ليزيد في الأجل الذي يمنحه لحامل البطاقة، وهذا من ربا
(1)
قرارات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الدورة الثانية عشرة بالرياض.
(2)
المعايير الشرعية، ملحق (ب) بند رقم (4).
الجاهلية، وهو محرم بإجماع الفقهاء المتقدمين، وسواء كان التقسيط بطريقة مباشرة؛ بمعنى زيادة في الدين على العميل وإعطاؤه مهلة للسداد، أو كان بحيلة ربوية عن طريق ما يعرف بقلب الدين، على كلا الحالتين هذه البطاقات محرمة.
الخلاصة: لا يجوز إصدار بطاقات الائتمان غير المغطاة، ولا التعامل بها إذا كانت مشروطة بزيادة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازمًا على السداد ضمن فترة السماح المجاني.
لماذا لا يجوز؟ لأن من يصدرها قد يقع في الربا؛ عندما تمضي فترة السماح المجانية ولا يسدد ما عليه، ثم أيضًا عند توقيعه على قبول هذه البطاقة يوقع على قبول الربا، هذا التوقيع في حد ذاته فيه إشكال؛ ولذلك فإنه لا يجوز إصدار هذه البطاقات إذا كانت مشروطة بهذا الشرط، والبنوك الربوية تشترط هذا الشرط.
وبعض الناس يقول: أنا سوف أصدر هذه البطاقة - بطاقة الفيزا - من بنك تقليدي، وأعرف من نفسي أني أستطيع السداد خلال فترة السماح المجانية، فهل يجوز لي هذا؟ نقول: لا يجوز حتى ولو كنت تعرف من نفسك هذا، لماذا؟
أولا: لأن مجرد توقيعك على العقد وقبول هذه البطاقة إقرار منك بالربا، فأنت الآن عندما تطلب إصدار هذه البطاقة توقع على الشروط، ومن ضمنها أنه يحتسب عليك فوائد ربوية عند تأخرك في سداد ما عليك، فأنت الآن توقع على قبول الربا والإقرار به، ثم أيضًا قد يكون الإنسان عازمًا على السداد في فترة السماح المجانية ثم تعرض له عوارض في المستقبل ولا يستطيع معها أن يسدد؛ فقد اتصل بي أحد الناس وقال: إنه أصدر بطاقة من إحد البنوك التقليدية، وأفاد بأنه كان عازمًا على السداد خلال فترة السماح المجانية، يقول: ولكن حصل لي ظروف لم أستطع معها السداد، فألزموني بدفع الربا. هذا مع أنه يوجد البديل ولله الحمد وهو البنوك
الإسلامية التي لا تشترط هذا الشرط، على سبيل المثال بنك الراجحي مثلًا يصدر بطاقات الفيزا بأنواعها من غير أن يشترط هذا الشرط، وحينئذ إذا لم يوجد هذا الشرط الربوي فإنه لا بأس بإصدار هذه البطاقات؛ لأن الإشكال فيها فقط هو هذا الشرط، يشترط عليك أن تدفع الربا عند التأخر عن فترة السماح المجانية.
فما دام أنه يوجد البديل نقول: لا يجوز إصدار هذه البطاقات من بنوك تشترط هذا الشرط، ولكن في الدول غير المسلمة قد لا يوجد بنك يصدر هذه البطاقات من غير اشتراط هذا الشرط، ويكون المسلم بحاجة لها، فهم يعتمدون في تلك الدول على هذه البطاقات اعتمادًا كبيرًا، ويلحقهم حرج لو قيل بأنه لا يجوز استخدام هذه البطاقات، وهذه المسألة قد أفتى بعض العلماء المعاصرين ومنهم الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بأنه يجوز لمن كانوا في تلك الدول استخدام تلك البطاقات، بشرط أن يكونوا عازمين على السداد خلال فترة السماح المجانية؛ وذلك للضرورة؛ لأنهم مضطرين إلى حمل هذه البطاقات. وما قد يورد عليها من إشكال وهو أنهم قد يقعون في الربا أمر محتمل، فتدفع الضرورة ولا ينظر لهذا الأمر المحتمل، وعند توقيعهم على العقد ينوون بأنهم غير مقرين بالربا، وأنهم عازمون على السداد خلال فترة السماح المجانية، ولكن هذا لمن هم في تلك الدول الذين هم مضطرون إلى إصدار هذه البطاقات وفي الوقت نفسه عازمون على السداد خلال فترة السماح المجانية، ومعلوم أن الضرورة تقدر بقدرها
(1)
.
المسألة الثانية: حكم أخذ عمولات من حامل البطاقة:
العمولة التي يأخذها المصرف من حامل البطاقة لا تخلو من حالين:
(1)
ينظر: فقه المعاملات المالية المعاصرة د. سعد الخثلان (ص: 106).
الحال الأولى: أن تكون العمولة مقابل الضمان والالتزام:
إذا كانت العمولة في مقابل الضمان والالتزام بسداد ما سحبه العميل فلا يجوز أخذها؛ لأن الالتزام ضمان محض، والضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه، باتفاق المذاهب الأربعة
(1)
، وهو قول أكثر الفقهاء المعاصرين.
«لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان فهذا يشبه القرض الذي جرّ نفعاً على المقرض، وذلك ممنوع شرعاً»
(2)
.
الحال الثانية: أن تكون العمولة مقابل الخدمة:
وهي الخدمات التي يقدمها المصرف للعميل كتجهيز البطاقة، وتعريف الجهات التي يتعامل معها حامل البطاقة، وتحويل المبلغ لهم، وما يترتب على ذلك من اتصالات، والاشتراك في تلك المنظمات الراعية، ونحو ذلك.
وهذا النوع من الخدمات لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن تكون الرسوم التي يأخذها المصرف مقابل خدمة فعلية، فهذا عامة الفقهاء المعاصرين -الذين يرون جواز هذا النوع من البطاقات- على جوازه، والخلاف فيه ضعيف، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة، فقد جاء في قراره بشأن بطاقات الائتمان ما نصه:
«جواز أخذ مصدرها من العميل رسوماً عند الإصدار أو التجديد؛ بصفتها أجراً على قدر الخدمات المقدمة منه»
(3)
.
(1)
ينظر: المبسوط (30/ 148)، الشرح الصغير للدردير 02/ 160)، روضة الطالبين (3/ 475)، المغني (6/ 441)،
(2)
قرارات مجمع الفقه الإسلامي بجدة (ص: 20).
(3)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة (7/ 1/ 392).
الحال الثانية: أن تكون الرسوم التي يأخذها المصرف مقابل الضمان نفسه، وهذا يخرج على مسألة أخذ الأجرة على الضمان، وهي محل خلاف بين المعاصرين على قولين:
الجواز والمنع، وهو الراجح؛ لأن هذا من باب أخذ الأجرة على الضمان، وهي محرمة عند المذاهب الأربعة.
وأجازته بعض الهيئات الشرعية، واشترطوا أن لا تؤول هذه العمولة إلى القرض
(1)
.
واستدلوا: أن المصرف يقدم للعميل في البطاقة الائتمانية أعمالاً متعددة، كتجهيز البطاقة، و إرسال الإشعارات، وإجراءات فتح الملف، وتعريف الجهات التي قد يحتاج للتعامل معها، وما يترتب على ذلك من أعمال مكتبية، واستئجار مواقع للأجهزة، وإجراء اتصالات هاتفية، وتكاليف الاشتراك في المنظمات، فالعمولات التي يتقاضاها المصرف عن الخدمات في بطاقات الائتمان هي أجور مقابل هذه الأعمال والتكاليف
(2)
.
المسألة الثالثة: السحب النقدي عبر هذه البطاقة:
تعتبر هذه المسألة من أهم المسائل المتعلقة ببطاقة الائتمان؛ نظراً لكونها من أهم خصائص ووظائف البطاقة الائتمانية.
(1)
ينظر: قرار الهيئة الشرعية لبنك البلاد رقم (16) في 24/ 7/ 1427 هـ
(2)
بطاقات الائتمان لمركز تطوير الخدمة المصرفية لبيت التمويل الكويتي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة (7/ 1/ 47)، بطاقات الائتمان غير المغطاة لنزيه حماد، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة (12/ 3/ 509).
والسحب النقدي بهذه البطاقة ينقسم إلى قسمين
(1)
:
القسم الأول: السحب اليدوي:
وهو أن يذهب حامل البطاقة إلى البنك مباشرة ويعطيهم بطاقة الفيزا ويعطونه مبلغاً معيناً، وهذا النوع لا يجوز أخذ رسوم عليه؛ لأن هذا ربا صريح؛ حيث إن هذه العملية في حقيقتها تعد قرضاً في النظر الفقهي، ثم إن هذه الرسوم التي تؤخذ على صاحب البطاقة لا يقابلها تكاليف؛ حيث أن حامل البطاقة عندما يبرز لموظف البنك بطاقة الفيزا، ويقول: أعطوني خمسة آلاف ريال - مثلاً - فليس هناك تكلفة يبذلها المصرف حتى يأخذ رسوماً على هذه العملية.
ولهذا فتكاد تتفق الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية من البنوك الربوية
(2)
.
والواجب على المصارف الإسلامية منع هذه الوظيفة في بطاقة الائتمان، فإن أمكن منعها من قبل المنظمات الراعية، وإلغاء هذه الخاصية بالنسبة لبطاقات المصارف الإسلامية الائتمانية فهو الواجب، وعلى المصارف أن تسعى لمخاطبة المنظمات بهذا الخصوص.
ولكن يبقى الإشكال في الواقع العملي للبطاقات، حيث إن المصرف الإسلامي إذا أصدر بطاقة ائتمان فليس في وسعه تغيير أنظمة التعاقد بينه وبين المنظمة الراعية للبطاقات، ومنها هذا الشرط: وهو منع الصرف اليدوي بالبطاقة، فإنه لا يستطيع تغييره، ولكن بإمكانه أن يجعل منع الصرف اليدوي بالبطاقة أحد الشروط المتفق عليها مع حامل البطاقة، ويرتب على الإخلال به إلغاء البطاقة؛ كما فعل مصرف
(1)
ينظر: بطاقات الائتمان، لبكر أبو زيد (ص: 45)، فقه المعاملات المالية المعاصرة، د. الخثلان (ص: 154).
(2)
ينظر: فقه المعاملات المالية المعاصرة، د. الخثلان (ص: 154)، قرار الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي رقم (463) في 19/ 3/ 1422 هـ يشأن شروط وأحكام بطاقة الراجحي.
الراجحي، فإنه جعله بنداً من بنود التعاقد في بطاقة الائتمان، ومنع السحب النقدي (اليدوي).
حيث جاء في قرارها رقم (204):
«أما حصول العميل على نقود بالبطاقة بغير طريق الأجهزة الآلية (ATM) - أي بإبراز البطاقة للبنوك وغيرها للحصول على النقود يدوياً- فإنه لا يجوز؛ لأن البنوك تحسب عليه قائدة ربوية مقدارها 0. 33% على المبلغ المسحوب، بالإضافة لأجرة استخدام الشبكة الآلية.
فينبغي للشركة إن أدخلت خدمة بطاقة السحب النقدي الآلي العالمية أن تنبه وتمنع عملاءها من استخدام البطاقة للسحب النقدي اليدوي، وتسحب البطاقة ممن أخل بهذا الشرط، كما أن عليها العمل مع فيزا العالمية؛ للتعميم على عملائها من البنوك والشركات بأن حامل بطاقة فيزا الراجحي أو صراف الراجحي لا يحق له بموجبها السحب النقدي اليدوي وإنما السحب الآلي فقط، والشراء من نقاط البيع»
(1)
.
القسم الثاني: السحب الآلي:
وهذا لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: أن يكون السحب من صراف المصرف المصدر للبطاقة، والعلاقة هنا تكون ثنائية بين المصرف المصدر للبطاقة، والعميل حامل البطاقة، وتُكَيَّف العلاقة هنا على أنها عقد قرض، فالبنك المصدر للبطاقة يقرض العميل الآن مبلغًا من المال بحسب المبلغ الذي يسحبه باستخدامه لتلك البطاقة، وعلى هذا إذا كُيِّفَت العلاقة على أنها قرض؟ فإنه لا يحوز أن يأخذ أي فائدة مقابل هذا القرض، سواء
(1)
ينظر: قرار الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي بشأن شروط وأحكام بطاقة الراجحي، رقم (204) القرار رقم (463)، والقرار رقم (467)، وينظر الملاحق.
أكان هذه الفائدة بنسبة من المبلغ المسحوب، أو كانت مبلغًا ثابتًا، فأخذ فائدة مقابل هذا المبلغ محرم؛ لأنه من ربا القروض وهو محرّم بالإجماع.
ولكن يبقى النظر في الرسوم التي تتقاضاها المصارف الإسلامية المأخوذة على السحب النقدي ببطاقة الائتمان.
وقد اختلف العلماء المعاصرون في حكم هذه الرسوم على قولين:
القول الأول: لا يجوز أخذ الرسوم مطلقاً، سواءً أكانت في مقابل نفقات فعلية أم لم تكن
(1)
؛ لأن هذا من الربا المحرّم.
القول الثاني: يرى جواز أخذ الرسوم من حامل البطاقة، بشرط أن تكون في حدود التكلفة الفعلية، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة
(2)
.
واستدلوا: أن رسوم العمولات والسحب النقدي في مقابل خدمات يقدمها المصدر من توصيل المال إلى حامل البطاقة في أي مكان عبر فروعه أو أجهزة الصرف، كما أنها في مقابل خدمات يقدمها المسحوب منه من إجراء اتصالات وتكاليف إبراق وأجهزه صرف ونحو ذلك
(3)
.
كما أن المصرف يتكبد مصاريف يدفعها للمنظمة الراعية من أجل خدمة العميل.
(1)
وممن قال به: د. سليمان أبو عبد الوهاب، د. محمد القري، ود عبد الله السعيدي [ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، بحث القري، (7/ 1/ 393)، الربا في المعاملات المصرفية للسعيدي (1/ 326)، المعاملات المالية المعاصرة لمحمد قلعة جي (ص: 122)].
(2)
ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، قرار المجمع (12/ 3/ 676).
(3)
ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (12/ 3/ 489).، بطاقات الائتمان لبيت التمويل الكويتي، (7/ 1/ 47)،
(1)
.
وفي قرار الهيئة الشرعية لبنك البلاد: «وتحسب فيها - أي رسوم السحب النقدي من مكائن الصرف الآلي - التكلفة الفعلية لعملية السحب، بشرط أن يكون هذا الرسم مبلغاً مقطوعاً عن كل عملية سحب»
(2)
.
الحالة الثانية: أن يكون السحب من صراف غير المصرف المصدر للبطاقة
(3)
، وهذا يكون في حالة كون السحب من خارج المملكة.
(1)
قرار الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي (رقم 735)، بتاريخ (23/ 11/ 1427 هـ).
(2)
قرار الهيئة الشرعية لبنك البلاد (رقم 16)، بتاريخ (2/ 3/ 1426 هـ).
(3)
اختلف الفقهاء المعاصرون في التخريج الفقهي للعلاقة بين المصرف الإسلامي والمصارف مالكة أجهزة الصراف في بطاقة الائتمان على رأيين:
الرأي الأول: أن العلاقة بين المصرفين علاقة حوالة، حيث إن حامل البطاقة يعد في حال استعمال أجهزة المصارف الأخرى مقترضاً للمبلغ الذي سحبه من صاحب الجهاز، وكيلاً لصاحب الجهاز على المصرف الذي أصدر البطاقة.
الرأي الثاني: أن العلاقة بين المصرفين علاقة وكالة؛ فالمصرف صاحب جهاز الصرّاف الآلي وكيل عن المصرف مصدر البطاقة في إقراض حامل البطاقة، ويكون ما يأخذ حامل البطاقة من المصرف صاحب الصرف قرضاً محضاً منه.
وعلى كلا الرأيين يعتبر ما يأخذه حامل البطاقة قرضاً محضاً.
وفي هذه الحالة - كون السحب من خارج المملكة- السحب النقدي من أجهزة الصراف الآلي، فإن المصرف يتحمل تكلفة عملية السحب.
وهذه النسبة التي يتحملها المصرف هل يجوز له تحميلها على حامل البطاقة؟
إن كان المبلغ المأخوذ في مقابل القرض، أو كان نسبة مئوية، فلا يجوز؛ لأنه من القرض الذي جرَّ نفعاً، وهو محرّم بالإجماع.
وإن كان المبلغ المأخوذ على السحب النقدي من مكائن الصرف الآلي بمقدار التكلفة الفعلية فهو جائز؛ لأن هذا المبلغ يعتبر مقابل الخدمة المقدمة، ولا علاقة لها بالإقراض؛ لأنه لا ينظر فيها إلى حساب حامل البطاقة هل مغطى أو غير مغطى، وعليه فتكون بما اتفق عليه الطرفان على أن تكون مبلغاً مقطوعاً.
جاء في قرار الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي حول تحميل المصرف الرسوم على العميل: «فكل ذلك لا بأس به، ولا مانع من أن تحصله الشركة من عملائها المستفيدين من هذه الخدمة؛ لأن الرسم في الحقيقة لا يعدو كونه أجراً ثابتاً مقابل استخدام الشبكة الآلية، على ألا تحصل الشركة من العميل أي زيادة عن الرسوم المذكورة في هذا القرار، إلا إذا زادت شركة فيزا العالمية الرسم المقرر فلا بأس من تحصيله من العميل إذا كان ثابتاً مقطوعاً، وينطبق هذا الحكم على سحب النقود آلياً لا يدوياً ما دام أن الرسم على السحب النقدي آلياً قد وجد كرسم خدمة مهما بلغ مقدار المبلغ المسحوب، ولا يعد فائدة تتغير بتغير المبلغ المسحوب كما كان الأمر عليه في الماضي»
(1)
، وفي قرارها رقم (735): «يجوز للشركة أن تأخذ رسماً مقطوعاً على عمليات السحب من مكائن الصرف الآلي مقابل استخدام تلك الآلات والخدمات المقدمة، على أن يراعى ما يأتي:
(1)
قرار الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي رقم (204)، بتاريخ (14/ 9/ 1415 هـ).
1) أن يكون المبلغ المأخوذ قدراً مقطوعاً في كل حالة من حالات السحب، فلا يجوز أن يتغير بتغير المبلغ المسحوب، كأن يجعل نسبة مئوية منه؛ درءاً لشبهة الربا.
2) أن يكون تقدير الأجرة مناسباً مع الخدمات المقدمة، فلا يجوز أن يؤخذ في الاعتبار ما يسمى بفقد إيراد الاستثمار البديل؛ لأن هذا الاعتبار ربوي»
(1)
اه.
كما يمكن القول بجواز هذه العمولة بناء على تكييف العلاقة بين المصرفين على أنها علاقة وكالة، فتكون العمولة هنا أجرة على الوكالة؛ وذلك باعتبار المصرف صاحب جهاز الصرّاف الآلي وكيلاً عن المصرف مصدر البطاقة في إقراض حامل البطاقة، والأجر على الوكالة جائز باتفاق الفقهاء
(2)
.
وأما العمولات التي تدخل على المصرف من جراء استخدام حاملي البطاقات الائتمانية لأجهزته، أو من جراء تأمينه للمبالغ المالية لمن يحمل بطاقته الائتمانية فقد سبقت الإشارة إليها في أول هذا المطلب.
ولكن يبقى الإشكال فيما لو كانت هذه العمولة - والتي تترتب على عملية السحب النقدي - هي فوائد ربوية صريحة وهذا ما ذكره بعض الباحثين
(3)
، فإن كان الأمر كذلك فإن تسديد المصرف الإسلامي لهذه الفوائد، ثم أخذها من حامل البطاقة، هو عمل محرّم؛ لأن هذا من الربا المجمع على تحريمه، وهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه)، وقال: (هم
(1)
قرار الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي رقم (735)، بتاريخ (23/ 11/ 1427 هـ).
(2)
ينظر: شرح فتح القدير (123/ 6)، القوانين الفقهية (ص: 329)، نهاية المحتاج (38/ 4)، المغني (7/ 204)، الشرح الكبير (13/ 557)، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (4/ 2997).
(3)
ينظر: التبادل المالي د. فهد الحمود (ص: 359).
سواء)
(1)
، ولا شك في أن هذا من التعاون على الإثم والرضا به، والله تعالى يقول:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
ولأن من أجاز أخذ الفوائد الربوية في مثل هذه الأحوال شرط أن يتخلص منها في سبل الخير، وعلى الفقراء، والمنافع العامة
(2)
.
فالواجب على المصرف أن يبحث عن مخرج شرعي لهذه المعاملة، ومن ذلك أن تأخذ المصارف الإسلامية على حامل البطاقة تعهداً خطياً بأن لا يقترض أي مبلغ من غيرها من المصارف عبر البطاقة الائتمانية التي يمنحه إياها، وإذا أخل الحامل للبطاقة بهذا التعهد، واقترض، وترتب عليه فوائد، سيدفعها المصرف اضطراراً، فإن المصرف حينئذ يسحب منه البطاقة ويلغيها.
المسألة الرابعة: التأمين على بطاقة الائتمان:
من المسائل المشكلة في بطاقة الائتمان
(3)
، وجود التأمين فيها، فالتأمين أحد الشروط الموجودة في البطاقة الائتمانية (فيزا)، وهي شرط لبعض الأنواع من البطاقات، وهي البطاقة الائتمانية الذهبية
(4)
.
(1)
سبق تخريجه ص 53.
(2)
ينظر: قرار الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي، رقم (87)، بتاريخ (23/ 11/ 1427 هـ).
(3)
التأمين: هو عقد معاوضة يلتزم أحد طرفيه وهو المؤمن، أن يؤدي إلى الطرف الآخر وهو المؤمن له، أو إلى المستفيد الذي جعل التأمين لمصلحته عوضاً مالياً يتفق عليه، يدفع عند وقوع الخطر أو تحقق الخسارة المبينة في العقد، وذلك نظير رسم يسمى: قسط التأمين، يدفعه المؤمن له بالقدر والأجل، والكيفية التي ينص عليها العقد المبرم بينهما.
ينظر: معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء لنزيه حماد ص (180).
(4)
ينظر: موقف الشريعة الإسلامية من البطاقات البنكية د. محمد الأزهري (ص: 147).
وعقد التأمين التجاري من العقود التي اختلف فيها المعاصرون، وقد ذهب أكثر العلماء المعاصرين إلى تحريمه، وبهذا صدر قرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، فقد جاء فيه ما نصه:«إن عقد التأمين التجاري ذي القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري، عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد، ولذا فهو حرام شرعاً»
(1)
، وبذلك أيضاً صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في اجتماعها في الدورة الرابعة بتاريخ 4/ 4/ 1394 هـ.
وتبعاً للخلاف في حكم التأمين التجاري فقد اختلفت وجهات نظر الهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية بشأن هذا الأمر.
فرأت الهيئة الشرعية في مصرف الراجحي جواز التأمين التجاري بشرط أن لا يكون تأميناً على الحياة، جاء في نص القرار رقم (40):«لهذه الاعتبارات من الحجج المتعارضة في موضوع التأمين التجاري، وللحاجة الملحة إليه في جميع المجالات الاقتصادية العامة، والوقائية الخاصة، لا يظهر للهيئة حتى الآن ما يوجب تحريم التأمين المسؤول عنه، ومن ثمّ لم تر ما يوجب الاعتراض على أن تمارس شركة الراجحي إجراء تأمين تجاري في معاملاتها الشرعية التي تحتاج فيها إلى التأمين، وغني عن البيان أن الكلام على التأمين التجاري هنا لا يشمل التأمين على الحياة»
(2)
.
ورأت الهيئة الشرعية في بيت التمويل الكويتي أن التأمين في البطاقة الائتمانية جائز مطلقاً، بشرط أن يكون في حدود الدِّيَّة الشرعية، وما زاد على حدود الدّية
(1)
قرارات و توصيات مجمع الفقه الإسلامي بجدة ص (21).
(2)
قرارات و توصيات مجمع الفقه الإسلامي بجدة ص (21).
الشرعية يصرف في وجوه الخير بعد إشعار صاحب العلامة - الفيزا - أو أصحاب الدّية، ويكتب هذا النص للمستفيد حامل بطاقة الفيزا، أو ورثته المستفيدين»
(1)
.
ويمكن أن يستدل لجواز التأمين في البطاقة الائتمانية أن هذا النوع من التأمين تابع للعقد، وليس هو المقصود في العقد أصالة، وإذا كانت العلة التي حرّم من أجلها التأمين هي الغرر، وهو ليس مقصوداً هنا أصالة، فإنه يجوز؛ لأن «الغرر الذي يؤثر في صحة العقد هو ما كان في المعقود عليه أصالة، أما الغرر في التابع - أي: فيما يكون تابعاً للمقصود بالعقد - فإنه لا يؤثر في العقد، ومن القواعد الفقهية المعروفة " يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها"
(2)
، والأمثلة على هذا كثيرة .. »
(3)
.
ولكن يشكل على ذلك أن الرسوم التي يتقاضاها المصرف من حامل البطاقة، زيد فيها من أجل المنافع المحرمة، فهذا التأمين مأخوذ في الاعتبار عند تقدير العمولات، وعليه فيحرم أخذها لذلك، ويحرّم التعامل بها
(4)
؛ لأن الزيادة هنا - وهي في مقابل التأمين - مقصودة.
ويمكن الإجابة عن هذا: لا يعني ذلك تحريم كل رسم في أي بطاقة؛ لأن هذه الخدمات المحرمة لا تقدمها جميع المؤسسات المالية
(5)
.
والذي يظهر - والله أعلم - أنه إذا كان هناك زيادة في رسوم الدخول لقصد التأمين فحينئذ لا يجوز؛ لأن القول الراجح هو حرمة التأمين التجاري بجميع
(1)
الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية لبيت التمويل الكويتي (4/ 164).
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 232).
(3)
الغرر وأثره في العقود (ص: 594).
(4)
مناقشات مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع (8/ 2/ 658).
(5)
مناقشات مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع (8/ 2/ 658)، البطاقات الائتمانية للفوزان ص (7).
أنواعه، وإن كان على الحياة فهو أشد، أما إذا لم يكن هناك إضافة أو زيادة في رسوم الدخول لغرض التأمين، بل تكون رسوم الدخول كما هي للبطاقات العادية.
وعليه فينظر: فإن كانت رسوم الدخول التي تؤخذ من حامل البطاقة ليس فيها زيادة مقابل التأمين، وأفاد مصدر البطاقة سواءً كان المصرف أو المنظمة الراعية بأنه أمن على حياة الحامل بدون اشتراط منه، وإنما يعتبر خدمة قد فعلها بنفسه، ولا يتحمل حامل البطاقة مقابل ذلك أي مبلغ، «فحينئذ لا يظهر ما يمنع مناصدار هذا النوع والتعامل به، ولكن لا يجوز لحامل البطاقة أن يأخذ ما تعطيه شركة التأمين إليه أو إلى ورثته بعد وفاته»
(1)
.
ولذلك فالأولى للمصارف الإسلامية السعي في الغاء هذا الشرط، أو استبدال هذا النوع بالأنواع التي لا يكون فيها التأمين التجاري المحرّم، وأقل الأحوال عدم الإعلان عنه، فضلاً عن دفعه وأخذ العمولة عنه.
والخلاصة: جواز إصدار هذه البطاقات، وجواز استخدامها، متى خلت من الربا، أو التعامل المحرم، ومع التسليم بعدم خلوها من بعض المسائل والتي هي محل نظر، إلا أن الحاجة لهذه البطاقات خاصة لمن هو خارج هذه البلاد، ووجود كثير من التعاملات - والتي يحتاج إليها كثير من الناس - مرتبطة بهذه البطاقة، يضاف إلى هذا وجود مصالح كثيرة لهذا النوع من البطاقات، ومن ذلك:
1) الأمان على المال، حيث يضمن حامل البطاقة عدم سرقة ماله أو ضياعه.
2) توفير بعض الخدمات، مثل شراء بعض السلع والحاجيات في ظروف مفاجئة لم يستعد لها، بحمل ما يقابلها من الأموال، ويستطيع حامل البطاقة أن يحصل
(1)
ينظر: مناقشات مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع (8/ 2/ 658).
على قرض بشكل مستمر في أي وقت، حتى ولو لم يكن عنده رصيد لعدم اشتراط ذلك في بعض الأنواع، وقد يحصل حاملها أحياناً على خصم لبعض السلع من المحلات.
كل ذلك يجعل من الصعب منع الناس من التعامل بهذا النوع من البطاقات.
المسألة الخامسة: حكم السحب ببطاقة الحسم الفوري:
نظام الصراف الآلي هو نظام مشترك يتم من خلاله ربط جميع المصارف العاملة بعضها ببعض، ويتمكن العميل حينئذ من إجراء العمليات المصرفية المتعددة من خلال أجهزة المصارف الأخرى.
وبيان ذلك أن عميل المصرف إذا أراد إجراء عملية ما، في جهاز الصراف الآلي العائد إلى مصرفه؛ فتتم العملية داخل المصرف وليس لها ارتباط بالنظام المشترك بين المصارف؛ وإنما تأتي العلاقة بين المصارف فيما إذا أجرى العميل عملية مصرفية في أجهزة صراف مصرف آخر؛ فإن كانت عملية السحب تتم داخلياً، فإن جهاز الصراف الآلي يرسل طلب تفويض من الشبكة السعودية (سبان)(Span)، والتي ترسل بدورها التفويض إلى المصرف مصدر البطاقة، والذي قد يقبل العملية - وهو الأصل - أو يرفضها؛ كما لو كان الحساب لا يغطي، وتتم العملية آليا؛ بحيث لا تستغرق سوى ثوان
(1)
.
وقد ترفض بعض المصارف بعض عمليات عملائها التي تحصل من خلال أجهزة المصارف الأخرى، بحجج كثيرة، قد يكون منها عدم الرغبة في زيادة
(1)
ينظر: تعميم وكيل محافظ مؤسسة النقد السعودي ذو الرقم (3908/ م أ/ 127) بتاريخ (3/ 4/ 1410 هـ). من موقع مؤسسة النقد السعودي على الشبكة العالمية (الإنترنت) www.sama.gov.sa
التكاليف، وقد سمحت الشبكة السعودية للمصارف برفض ما نسبته عشرة بالمائة من العمليات فقط؛ فإن زادت فإن المصرف يحمل غرامة على رفضه ذلك
(1)
.
وإذا تمت هذه العملية، وقبل الجهاز الطلب، فهناك عمولة يدفعها مصرف مالك البطاقة للمصرف صاحب الجهاز، وهذه العمولة التي يدفعها المصرف المصدر للبطاقة لمالك الجهاز تختلف من حين لآخر، فقد كانت في السابق 4. 60 ريال لكل عملية، ثم أصبحت 2. 35 ريال لكل عملية، والآن عدلت إلى نسبة مئوية، وهذه النسبة خاضعة للتغيير كل حين من قبل الشبكة السعودية للمدفوعات (Span)، وقد نص نظام الشبكة السعودية على أن كل هذه الرسوم تتحملها المصارف، وليس على العميل منها شيء
(2)
.
وقد بلغت هذه العمليات حتى الثلث الأخير من عام (2014)، (11، 800، 625) مليون ريال
(3)
.
وأما إذا كان السحب من مصرف غير محلي، وإنما من المصارف التي تكون خارج المملكة، فإن الأمر يكون كالتالي:
إذا أراد العميل إجراء عملية مصرفية في أجهزة صراف مصرف آخر خارج بلده، فإن جهاز الصراف الآلي يرسل طلب تفويض شبكة وسيطة، كشبكة بلس ((Plus التابعة لشركة فيزا، أو سيرّوس (Cirrus) التابعة لشركة ماستر كارد، فهي
(1)
ينظر: لقاء مع الأستاذ إبراهيم الصالح من سبان (Span) بتاريخ (25/ 5/ 1428 هـ)، نقلاً عن التبادل المالي بين المصارف الإسلامية والمصارف الأخرى، د. الحمود (ص: 224).
(2)
ينظر: موقع مؤسسة النقد السعودي على الشبكة العالمية (الإنترنت) www.sama.gov.sa، قرارات الهيئة الشرعية لشركة الراجحي (3/ 99).
(3)
ينظر: ملاحق (2).
عمليات مقاصة بين البنوك تتم عبر هذه الشبكات، والتي ترسل بدورها التفويض إلى المصرف مصدر البطاقة، والذي قد يقبل العملية - وهو الأصل - أو يرفضها؛ كما لو كان الحساب لا يغطي، وتتم العملية آليا؛ بحيث لا تستغرق سوى ثوان
(1)
.
وحكم هذه المسألة مترتب على بيان أمرين:
الامر الأول: هو التكييف الفقهي لهذه المسألة.
الثاني: هو بيان الحكم فيها:
الأمر الأول: التكييف الفقهي لهذه المسألة:
هذه المعاملة لا تخلو ذلك من ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: أن يكون السحب النقدي من الصراف الآلي المملوك للمصرف مصدر البطاقة.
وتكيف هذه الحالة على أنها تسديد من مصدر البطاقة لجزء من الدين الذي في ذمته لحامل البطاقة؛ لأن العقد بين مصدر البطاقة والمصرف يكيف على أنه عقد قرض على القول الراجح عند الفقهاء المعاصرين
(2)
.
الحال الثانية: أن يكون السحب النقدي من الصراف الآلي المملوك لمصرف آخر غير مصدر البطاقة، وتكون الرسوم على المصرف المصدر للبطاقة، فحين يجرى العميل عملية مصرفية في أجهزة صراف مصرف آخر؛ فإن جهاز الصراف الآلي يرسل طلب تفويض من الشبكة السعودية (سبان)(Span)، والتي ترسل بدورها
(1)
ينظر: البطاقات اللّدائنيّة د. محمد العصيمي (ص: 61).
(2)
ينظر: الربا والمعاملات المصرفية للمترك (ص: 349)، المنفعة في القرض للعمراني (ص: 442).
التفويض إلى المصرف مصدر البطاقة، والذي قد يقبل العملية - وهو الأصل - أو يرفضها؛ كما لو كان الحساب لا يغطي، وتتم العملية آليا؛ بحيث لا تستغرق سوى ثوان.
وهذه المسألة اختلف في تخريجها الفقهي على عدة تخريجات، والمتأمل في المسألة يجد أن التكييف الشرعي ناتج عن تصور المسألة من الجانب الفني، والتي نتج عنها التكييف الشرعي.
وبعد التدقيق في واقع تلك العمليات التي تُجرى بين المصرف مالك الجهاز، والمصرف المصدر للبطاقة نجد أن الأقرب أنه لا يمكن أن تخرج عن صورتين:
الصورة الأولى: أن يقوم المصرف المصدِّر للبطاقة بتحويل المبلغ عند عملية السحب إلى المصرف المسحوب منه مباشرة بطريقة إلكترونية، قبل أن يأخذ حامل البطاقة المبلغ من البنك المسحوب منه، ويحصل ذلك عبر شبكات مالية رابطة بين البنوك، ويكون ذلك القيد معتبراً وملزماً، وذمة حامل البطاقة تبرأ بذلك، وعند ذلك تُكَيَّف هذه الصورة بأنها (إجارة أو وكالة بأجر).
وعليه نستطيع القول إنّ المسألة دائرة في المباح، وليس فيها ما يقتضي التحريم، كما أن العمولة هي أجرة على الوكالة كما سبق، ويجوز أن تكون قليلة أو كثيرة، بشرط أن تكون معلومة.
الصورة الثانية: أن يقوم البنك المصدِّر للبطاقة - أو الشبكة - بتعليق المبلغ المراد سحبه، ويكون القيد غير ملزم، ولا معتبر، ولا يقوم القيد هناك مقام النقود، ثم تحصل المقاصة بعد فترة؛ وعند ذلك تُكَيَّف هذه الصورة بأنها (قرض) وكونها بين المصرفين، هي أقرب - في نظري - من كونها بين المصرف مالك الجهاز وحامل البطاقة؛ للأدلة السابقة.
وعليه فالقول بالجواز هو الصحيح، وهو الذي يفتي به عامة الفقهاء المعاصرين؛ ولا أعرف أحداً يمنع منها، إلا فتوى تنقل عن سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله والناقل - وإن كان من طلبة العلم- إلا أنه وهم في هذا النقل.
يدل على جواز السحب من آلة لا يملكها المصرف مصدر البطاقة ما يلي:
أن الأصل هو الجواز، وعلى المانع ذكر الدليل على المنع.
أن شبهة الربا والتي يذكرها المانعون هي منتفية هنا.
فهم يقولون: إن هذا المبلغ فيه شبهة ربوية من وجهين:
إحداهما: أنه نفع مشروط؛ فيكون قرض جر منفعة فلا يجوز، وهذا باعتبار أن العلاقة بينهما علاقة إقراض.
ونوقش: لا نسلم بذلك، فالأظهر أن العلاقة بين المصرفين - كما تقدم - علاقة أجرة، أو وكالة بأجر، وأن المال المأخوذ إنما هو أجرة.
وأجيب: لو سلمنا بأنه ليس ربا بالنسبة لحامل البطاقة، لكن يبقى الإشكال بين المصرف مصدر البطاقة، والمصرف مالك الجهاز، فصحيح أن حامل البطاقة لا يدفع هذه العمولة مقابل السحب، وإنما يأخذها المصرف مالك الجهاز من المصرف مصدر البطاقة، وعند المقاصة يأخذون الزيادة مقابل استخدام صرافتهم، والذي هو في حقيقته قرض.
ورد: لو سلمنا بأنه قرض، فمنفعة دفع تلك الرسوم راجعة للطرفين المقرض والمقترض، فالمقرض (المصرف صاحب الجهاز)، والمقترض (المصرف مصدر البطاقة)، كلاهما مستفيد من الآخر، وذلك بخدمة عملائهما؛ لأن المصرف مستفيد من تقديم هذه الخدمة لعملائه؛ لأنه لا يريد من العميل أن يأتي إلى الفرع
نفسه ويشغل الموظفين، فهو يقول: أعطيك هذه البطاقة، واستخدم هذه البطاقة في أي جهاز صراف حتى يخفف التكاليف التي يتحملها البنك فيما لو جاء العملاء بأنفسهم إلى الفروع، وهذه الخدمة متبادلة بين الطرفين، فالمنفعة هنا متبادلة بين الطرفين منفعة للمقرض ومنفعة للمقترض.
وقد نص الفقهاء على أن المنفعة المحرمة في القرض هي ما كانت للمقرض فقط، أما إذا كانت للمقرض والمقترض معًا على حد سواء فهي جائزة.
جاء في الذخيرة: «شرطه أن لا يجر منفعة للمقرض» ، وفي موضع آخر قال:«يشترط تمحض المنفعة للآخذ»
(1)
.
وجاء في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام: «ولكن قد يكون في القرض منفعة للمقرض كما في مسألة السفتجة، ولهذا كرهها من كرهها، والصحيح أنها لا تكره؛ لأن المقترض ينتفع بها أيضًا، ففيها منفعة لهما جميعا إذا أقرضه»
(2)
.
أن هذا المبلغ يعد أجرة وعمولة على خدمات فعلية نظير العمل الذي قام به من جهة ملكية الجهاز، والاتصال بالشبكة السعودية.
أن غالب بل جل الذين يقومون بالسحب من الآلة من عملاء البنك غير مصدر البطاقة، يقومون بذلك طلباً للنقد الموجود في أرصدتهم، والذي يعتبر قرضاً عند البنك مصدر البطاقة، ويجب على البنك تمكينهم من حقهم؛ لأن رد القرض حق واجب على المصرف، وهم لا يدفعون لذلك مقابلاً، بل يدفعه المقترض، فما وجه المنع من ذلك؟.
(1)
الذخيرة للقرافي (5/ 289).
(2)
مجموع الفتاوى (20/ 13).
أن الشريعة جاءت برفع الحرج والمشقة عن الناس، وهذه الآلات فيها تيسير عليهم، فقد يكون العميل في قرية نائية، أو في المطار مائة جهاز، ولا يوجد إلا جهاز واحد، وفي القول بالجواز إزالة لهذا الحرج.
أن الغرض من وضع الآلات ليس الإقراض، وإنما قامت الجهة المشرفة على هذا الأمر- وهي الشبكة السعودية - بوضع هذا المبلغ من أجل تحفيز المصارف من أجل خدمة العملاء والتيسير عليهم، وتمكينهم من حقهم، وهي بذلك تحث المصارف على التوسع في نشر الصرافات الآلية، حتى يتمكن العملاء من الوصول إلى حساباتهم. وعليه، فلو خفضت أو ألغيت هذه الرسوم فقد تحمل على العميل، كما هو الحال في بعض الدول الأخرى. وهي هناك أكثر وضوحاً في أنها رسم على استيفاء القرض في مكان آخر، يستحق المقترض عليه أجرا
(1)
.
أن هذه الأجهزة لها تكلفة، وتحتاج إلى صيانة، واتصالات، وكون المصرف المالك للجهار يأخذ هذه العمولة مقابل عمله، وخدمته للمصرف مصدر البطاقة، هو أمر متصور، وتقرير أنَّ المبلغ قرض بفائدة ربوية، فهذا هو الَّذي فيه نظر.
بقي الإشارة إلى شبهة ذكرها بعضهم، وهي: أن السحب بتلك الطريقة، فيه إعانة ودعم للبنوك الربوية، فإذا سحب الشخص من بنك ربوي، فإن البنك الربوي يستفيد من تلك السحوبات مبالغ مالية
(2)
.
وهذا الكلام لا يمكن التسليم به؛ فليس كل تعامل مع بنك ربوي يعد من باب الإعانة على المعصية، فالنبي صلى الله عليه وسلم تعامل مع اليهود بيعاً وشراءً، وهم معروفون
(1)
أفادني بذلك د. محمد العصيمي خلال الجلسة العلمية الأولى مع فضيلته، في مركز المقاصد للاستشارات الاقتصادية، بتاريخ 11/ 2/ 1436 هـ.
(2)
ينظر: فقه المعاملات المالية د. سعد الخثلان (ص: 156).
بتعاملهم بالربا، وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي
(1)
؛ فتبين أنه ليس كل تعامل مع بنك ربوي يكون إعانة على الإثم، إنما تكون الإعانة إذا كانت تلك الإعانة ظاهرة؛ بحيث لو لم تقدم لما قامت تلك البنوك، مثل الحسابات الجارية؛ لأن البنوك تعتمد اعتمادًا كبيراً على هذه الحسابات، ومقاطعة الناس للبنوك الربوية بعدم فتح حسابات فيها لا شك أنه أقوى رادع لها عن الوقوع في الربا، لكن مثل هذه العملية التي نحن بصددها لا يظهر أن فيها إعانة؛ يبين هذا قلة المبلغ الحاصل جراء هذه العملية، حيث بلغ في نهاية سنة (2014)، (10، 608، 646) مليون ريال
(2)
.
الحال الثالثة: أن يكون السحب من مصرف غير محلي، وإنما من المصارف التي تكون خارج المملكة.
والأقرب هو أن تكيف العلاقة على أنها وكالة بأجر، فيكون دور المصرف (صاحب الجهاز) من باب الوكالة في إيصال ذلك المبلغ، وإذا كان كذاك جاز له أخذ ذلك المبلغ؛ لأن الوكيل يجوز له أخذ الأجرة على الوكالة.
وقد اتفق الفقهاء على جواز الوكالة بأجر
(3)
، واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
أنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث عُمّاله لقبض الصدقات ويجعل لهم عُمالة، ولهذا قال له ابنا عمه صلى الله عليه وسلم:(لو بعثتنا على هذه الصدقات، فنؤدي ما يؤدي الناس، ونصيب ما يصيبه الناس)
(4)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
ينظر: ملاحق (2).
(3)
ينظر: شرح فتح القدير (6/ 123)، القوانين الفقهية (ص: 329)، نهاية المحتاج (38/ 4)، المغني (7/ 204)، الشرح الكبير (13/ 557)، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (4/ 2997).
(4)
سبق تخريجه.
المسألة السابعة: حكم استخدام البطاقات المصرفية في شراء الذهب والفضة:
إذا أراد الشخص أن يشتري الذهب بالبطاقة المصرفية فهو لن يسلم الصائغ نقوداً، وإنما سيتم السحب من رصيده من خلال هذه البطاقة، فهل يجوز استخدامها في شراء الذهب؟
ونحن نعلم الآن أن المبادلة في شراء الذهب بين ذهب وريالات، والذهب والريالات يشترط في المبادلة بينهما التقابض؛ لأن الجنس مختلف والعلة متحده فيشترط التقابض.
فهل يجوز استخدام البطاقات المصرفية في شراء الذهب والفضة.
بالنسبة لبطاقات الصراف الآلي (السحب من الرصيد) يجوز ذلك؛ لأن التقابض في شراء الذهب بالبطاقة (بطاقة الخصم الفوري) متحقق؛ لأن خصم النقود من المشتري وإيداعها في حساب التاجر يتم فوراً عند الشراء، وعليه فقد تحقق التقابض شرعاً.
وعلى هذا فيجوز أن يُشترى بهذه البطاقات الذهب والفضة، وما يجب فيه القبض شرعاً.
وأما شراء الذهب والفضة ببطاقات الائتمان غير المغطاة فلا يجوز كما جاء في قرار المجمع الفقهي، والذي سبق ذكره؛ لأن القبض غير متحقق، فالتاجر لا ينزل المبلغ في حسابه، ويحتاج لوقت قد يصل لأيام من أجل الحصول على المبلغ، فيكون شرط التقابض غير متحقق.
المسألة الثامنة: بطاقات التقسيط ذات الرسوم الثابت:
لما كان محل اتفاق بين المجامع الفقهية وهيئات الفتوى الجماعية تحريم بطاقات الائتمان التقليدية، التي تتيح لحاملها تدوير الائتمان، وتقسيط المديونية بفائدة
ربوية، بحيث إنه إذا حلت مديونية البطاقة أتيح لحاملها تسديد جزء من الدين الحال نقداً، وتأجيل سداد الباقي نظير فوائد يدفعها على الجزء المؤجل من الدين.
سعت المصارف الإسلامية إلى استحداث بدائل لبطاقات الائتمان التي تمكن حاملها من تقسيط مديونيته، وكان من أبرزها: بطاقات التقسيط ذات الرسوم الثابتة.
وهذا النوع من البطاقات محل خلاف بين المعاصرين، والأقرب هو جواز هذا النوع، وبه صدرت قرارات المجامع الفقهية، والهيئات الشرعية، بشرطين:
1) عدم أخذ غرامات تأخير سداد مديونية البطاقة، حيث نصت شروط وأحكام هذه البطاقة الائتمانية في الفقرة الثالثة والعشرين منها على الآتي: «في حالة مماطلة حامل البطاقة في سداد ما استحق عليه بحكم استخدامه البطاقة في الشراء والسحب النقدي، يفرض عليه غرامة مالية لقاء مماطلته في السداد
…
». وكون المصرف يشترط دفع المدين المماطل غرامة مالية لقاء تأخير السداد، يعتبر شرطاً محرماً؛ لأن هذا الشرط في حقيقته: هو اشتراط زيادة على الدين نظير تأجيله، وهو بذلك من قبيل ربا الجاهلية (إما أن تقضي وإما أن تربي)، وسبق بيان أن هذا من ربا الديون المجمع على تحريمه.
2) أن تكون رسوم الإصدار والتجديد ونحوها في حدود التكلفة الفعلية التي يتكبدها المصدر؛ لأن الزيادة على التكلف الفعلية يجعلها طريقاً للاسترباح، وتكون ذريعة وحيلة على ربا القروض، وبهذا صدرت قرارات المجامع الفقهية، والهيئات الشرعية التي تجيز هذا النوع من البطاقات.
* * * * *
المبحث الحادي عشر: عقد المقاولة
أولاً: تعريفه:
عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه أن يصنع شيئاً، أو يؤدي عملاً مقابل بدل يتعهد به الطرف الآخر
(1)
.
ثانياً: التكييف الفقهي لعقد المقاولة:
قد يشبه عقد المقاولة عقوداً أخرى في بعض الخصائص، ويفترق عنها في أخرى، فقد يكون عقد المقاولة إجارة، وقد يكون استصناعاً، ولهذا لابد من ذكر صور عقد المقاولة:
الصورة الأولى: أن يكون العقد على أداء عمل بدون صنع شيء، أو كان على صنع شيء وكانت المواد من المستصنِع فهو:(إجارة). والإجارة هنا هي عقد إجارة الأجير المشترك
(2)
.
الصورة الثانية: أن يكون العقدعلى صنع شيء، وتكون المواد من الصانع، فالعمل والأدوات تكون من الصانع (العامل) فهو:(استصناع).
وبهذا يتبين أن الاستصناع يمثل صورة من صور عقد المقاولة؛ وهي: فيما إذا قدم المقاول (الصانع) العمل والأدوات معاً.
(1)
ينظر: موسوعة الفقه الإسلامي وهبة الزحيلي (4/ 3172).
(2)
الأجير المشترك: هو من نصب نفسه لعموم الناس. مثل الصباغ والخياط والقصار والحداد، فالأجير المشترك هو من يستأجر لعمل معين لم يجعل الزمن معياراً له، ولم يختص به شخص معين أو أشخاص معينون.
الأجير الخاص: وهو من يعمل لمعين عملاً مؤقتاً، ويكون عقده لمدة، ويستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة؛ لأن منافعه صارت مستحقة لمن استأجره في مدة العقد. كرجل استؤجر لخدمة أو عمل في بناء أو خياطة يوماً أو شهراً.
ثالثاً: حكم عقد المقاولة:
عقد المقاولة عقد جديد لم يأت بهذه الصورة في الكتب الفقهية، فهل يجوز إحداثه؟
هذه راجع إلى خلاف الفقهاء في جواز إنشاء عقود جديدة على قولين، والراجح هو الجواز، وهو رأي الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالعقود، ويدخل فيها العقود التي يعقدها الإنسان لنفسه، وعلى نفسه
(1)
.
وجاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة (دولة قطر) 8 - 13 ذو القعدة 1423 هـ، الموافق 11 - 16 كانون الثاني (يناير) 2003 م.
ما نصه: «بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع عقد المقاولة والتعمير: حقيقته، تكييفه، صوره، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، ومراعاة لأدلة الشرع وقواعده ومقاصده، ورعاية للمصالح العامة في العقود والتصرفات.
ونظراً لما لأهمية عقد المقاولة، ودوره الكبير في تنشيط الصناعة، وفتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي.
قرر ما يلي:
عقد المقاولة - عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً مقابل بدل يتعهد به الطرف الآخر - وهو عقد جائز، سواء قدم المقاول العمل
(1)
ينظر: عقد المقاولة، د. العايد (ص: 146).
والمادة، وهو المسمى عند الفقهاء بالاستصناع، أو قدم المقاول العمل، وهو المسمى عند الفقهاء بالإجارة على العمل.
إذا قدم المقاول المادة والعمل فينطبق على العقد قرار المجمع رقم 65 (3/ 7) بشأن موضوع الاستصناع.
إذا قدم المقاول العمل فقط فيجب أن يكون الأجر معلوماً.
يجوز الاتفاق على تحديد الثمن بالطرق الآتية:
(أ) الاتفاق على ثمن بمبلغ إجمالي على أساس وثائق العطاءات والمخططات والمواصفات المحددة بدقة.
(ب) الاتفاق على تحديد الثمن على أساس وحدة قياسية يحدد فيها ثمن الوحدة والكمية، وطبقاً للرسومات والتصميمات المتفق عليها.
(ج) الاتفاق على تحديد الثمن على أساس سعر التكلفة الحقيقية، ونسبة ربح مئوية. ويلزم في هذه الحالة أن يقدم المقاول بيانات وقوائم مالية دقيقة ومفصلة وبمواصفات محددة بالتكاليف يرفعها للجهة المحددة في العقد، ويستحق حينئذ التكلفة بالإضافة للنسبة المتفق عليها.
يجوز أن يتضمن عقد المقاولة شرطاً جزائياً، بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم يكن هناك ظروف قاهرة. ويطبق في هذه الحالة قرار المجمع في الشرط الجزائي رقم 109 (3/ 12).
يجوز في عقد المقاولة تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط لآجال معلومة، أو حسب مراحل إنجاز العمل المتفق عليها.
يجوز الاتفاق على التعديلات والإضافات.
إذا أجرى المقاول تعديلات أو إضافات بإذن رب العمل دون الاتفاق على أجرة، فللمقاول عوض مثله.
إذا أجرى المقاول تعديلات أو إضافات دون اتفاق عليها فلا يستحق عوضاً زائداً على المسمى، ولا يستحق عوضاً عن التعديلات أو الإضافات.
يضمن المقاول إذا تعدى أو فرط أو خالف شروط العقد، كما يضمن العيوب والأخطاء التي يتسبب فيها، ولا يضمن ما كان بسبب من رب العمل، أو بقوة قاهرة.
إذا شرط رب العمل على المقاول أن يقوم بالعمل بنفسه فلا يجوز له أن يتفق مع مقاول آخر من الباطن.
إذا لم يشرط رب العمل على المقاول أن يقوم بالعمل بنفسه جاز له أن يتفق مع مقاول من الباطن، ما لم يكن العمل بعينه مقصوداً أداؤه من المقاول نفسه لوصف مميز فيه مما يختلف باختلاف الأجراء.
المقاول مسؤول عن عمل مقاوليه من الباطن، وتظل مسؤولية المقاول الأصلي تجاه رب العمل قائمة وفق العقد.
لا يقبل في عقد المقاولة اشتراط نفي الضمان عن المقاول.
يجوز اشتراط الضمان لفترة محددة.
لا يقبل في عقد المقاولة اشتراط البراءة من العيوب طيلة فترة الضمان المنصوص عليها في العقد».
* * * * *
المبحث الثاني عشر: صكوك الإجارة
أولاً تعريفها:
إن من أبرز مستجدات عقود التمويل بالإجارة، صكوك الإجارة بأنواعها المختلفة، وصكوك الإجارة هي: وثائق متساوية القيمة تمثل حصصاً شائعة في منافع أو خدمات عين معينة، أو موصوفة في الذمة
(1)
.
ثانياً: أنواعها:
من أبرز صور صكوك الإجارة وأنواعها ما يأتي
(2)
:
1) صكوك ملكية الأعيان المؤجرة:
مثالها: أن تطرح مؤسسة مالية صكوكاً تمثل صحة شائعة في ملكية عين أو أعيان؛ كأسطول طائرات، أو معدات ومكائن مصنع سيتم شراؤها من الجهة المصنعة، ثم يتم تأجيرها على متمول، تأجيراً مقترناً بوعد بالتملك، أو إجارة عادية.
وهذه النوع ينقسم إلى قسمين:
(أ) صكوك ملكية أعيان معينة.
(ب) صكوك ملكية أعيان موصوفة في الذمة.
2) صكوك المنافع:
مثالها: أن يقسم مالك عين منفعة هذه العين إلى أجزاء متماثلة، ويمثل كل جزء من أجزاء هذه المنفعة بصك يفصل فيه أحكام تمليك هذه المنفعة؛ كمدة الانتفاع، وطريقته، وقيمته، وغيرها من الشروط والأحكام، ثم يطرح
(1)
إجارة الأعيان وتطبيقاتها المعاصرة، د. القره داغي (ص: 304).
(2)
ينظر: الصكوك أحكامها وضوابطها وإشكالاتها، د. فهد المرشدي (ص: 114 - 115).
هذه الصكوك للاكتتاب
(1)
.
3) صكوك الخدمات:
مثالها: أن تقوم جهة بتمثيل خدماتها على شكل صكوك، فيها وصف دقيق لحصة شائعة مقدرة من خدماتها. ثم تطرحها للاكتتاب العام؛ فيكون المكتتب في صك من هذه الصكوك مالكاً لحصة مشاعة من خدمات هذه الجهة. كأن تكون جامعة في حاجة إلى سيولة لتمويل بناء مرافق أو نحو ذلك من المشروعات؛ فتقوم بطرح صكوك ملكية منافع، يمثل كل صك من هذه الصكوك منفعة الدراسة لمدة عشر ساعات جامعية في تخصصات معينة، ويتم بيان ما تشتمل عليه هذه الساعات - كساعات معملية، ونحو ذلك من التفصيلات - على أن تكون هذه الساعات مستحقة في فترة محددة؛ فتكون الجامعة بذلك قد حققت الحصول على السيولة اللازمة لتمويل مشروعاتها، والمكتتب في هذه الصكوك قد استحق منفعة التعليم الجامعي مما يخوله الانتفاع بها أو بيعها.
ثانياً: خصائصها
(2)
:
للأوراق المالية الإسلامية (الصكوك) خصائص لا بد من توافرها؛ حتى يكون إصدارها وتداولها موافقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وهي:
(1)
وتُعد هذه الصورة الأصل الذي بنيت عليه معاملة معاصرة انتشر التعامل بها، وهي ما اصطلح على تسميتها ب"عقود المشاركة في الوقت" أو Time - share والمثال السابق صورة مبسطة لهذه المعاملة، والتي تُعد كثير من صورها صيغة من صيغ صكوك ملكية المنافع. ولهذه المعاملة تطبيقات عدة، كصكوك برج زمزم عند الحرم المكي الشريف، وصكوك تقاسم بالمدينة النبوية، وتطبيقات مختلفة لشركات سياحية ومنتجعات في بعض الدول العربية. ينظر: صكوك الإجارة، حامد ميرة ص:(324 - 331).
(2)
ينظر: الصكوك أحكامها وضوابطها وإشكالاتها، د. فهد المرشدي (ص: 41 - 45).
1) أن تمثل الصكوك حصص ملكية شائعة في الموجودات التي تصدر بها الصكوك.
تمثل الصكوك حصصاً شائعة في ملكية موجودات (أعياناً أو منافع أو خليطاً من الأعيان والمنافع والديون) لها عائد، ولا تمثل ديناً في ذمة مَصْدِرِها؛ ولذا فإن ملكية حامل الصك تتعلق بحصة في الموجودات، ولي يحق مالي في العائد أو في ارتفاع قيمة الصك فقط وهو ما يطلق عليه ملكية حقوق الورقة المالية فقط دون استحقاق ثابت في أصل الموجودات وعليه يتحمل حامل الصك الأعباء والتبعات المترتبة على ملكية الموجودات الممثلة في الصك.
2) أن يعطي الصك حامله حصة من الربح معلومة وقت التعاقد.
فإذا كان الصك يعطي حامله مبلغاً مقطوعاً محدداً أو نسبة معينة من قيمته الاسمية؛ أو يعطيه حصة من الربح غير محددة في نشرة الإصدار أو في الصك نفسه، أو نسبة يحددها المضارب في نهاية المشروع، أو في فترات دورية لاحقة، لم يكن صكاً إسلامياً؛ ذلك أن العلم بمحل التعاقد عند التعاقد، لا بعده.
3) أن يتحمل حامل الصك مخاطر الاستثمار كاملة.
يقوم مبدأ إصدار وتداول الصكوك الاستثمارية الإسلامية على نفس الأسس التي تقوم عليها المشاركات الإسلامية، ومن ذلك الاشتراك بين المساهمين في تحمل الخسارة مقابل استحقاق الربح، وهو مبدأ الغنم بالغرم، فكل مساهم (حامل صك) يتحمل حصته في أية خسارة يتعرض لها المشروع بسبب لا يد للمضارب فيه؛ لأن حملة الصكوك (أرباب المال) يملكون المشروع ملكية مشتركة، وتلف المال وهلاكه وخسارته يكون على مالكه؛ وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية.
* أن تستثمر حصيلة الاكتتاب في أنشطة مباحة.
* الصكوك تصدر بفئات متساوية.
* تداول الصكوك محكوم بضوابط شرعية.
* استناد الصك على عقد شرعي.
* انتفاء ضمان المدير (المضارب أو الوكيل أو الشريك)
ثالثاً: تداول الصكوك:
الصكوك المتداولة لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: أن تشتمل على نقود:
وهي على نوعين:
1) أن تشتمل موجوداتها على نقود محضة:
ففي هذه الحالة لا يجوز تداول الصكوك التي تشتمل موجوداتها على نقود محضة إلا بضوابط الصرف.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن صكوك المقارضة: «إذا كان رأس مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب، وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقوداً، فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد، وتطبق عليه أحكام الصرف» .
وجاء في المعيار الشرعي لهيئة المحاسبة ذي الرقم (17) بشأن صكوك الاستثمار: «5/ 2/ 1 يجوز تداول الصكوك واستردادها إذا كانت تمثل حصة شائعة في ملكية موجودات من أعيان أو منافع أو خدمات بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك وبدء النشاط، أما قبل بدء النشاط فتراعى الضوابط الشرعية لعقد الصرف» .
وجاء في المعيار الشرعي لهيئة المحاسبة ذي الرقم (21) بشأن الأوراق المالية: «13/ 18 لا يجوز تداول أسهم الشركات إذا كانت موجوداتها نقوداً فقط، سواء في فترة الاكتتاب، أو بعد ذلك، قبل أن تزاول الشركة نشاطها، أو عند التصفية إلا بالقيمة الاسمية وبشرط التقابض» .
2) تداول الصكوك التي تشتمل موجوداتها على ديون محضة:
وهنا ايضاً لا يجوز تداول الصكوك التي تشتمل موجوداتها على ديون محضة إلا بضوابط تداول الديون.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ذي الرقم 30 (3/ 4) بشأن صكوك المقارضة: «إذا أصبح مال القراض ديوناً تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام التعامل بالديون» .
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ذي الرقم 30 (3/ 4) بشأن صكوك المقارضة: «إذا أصبح مال القراض ديوناً تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام التعامل بالديون» .
وجاء في المعيار الشرعي لهيئة المحاسبة ذي الرقم (17) بشأن صكوك الاستثمار: «5/ 2/ 1 تراعى أحكام الديون إذا تمت التصفية، وكانت الموجودات ديوناً، أو تم بيع ما تمثله الصكوك بثمن مؤجل» .
وينطبق هذا الحكم المنع من تداول الصكوك إذا كانت تمثل ديوناً إلا بضوابط تداول الديون على تداول أنواع الصكوك الآتية:
(أ) صكوك المرابحة:
يجوز تداول صكوك المرابحة بعد شراء البضاعة وقبل بيعها للمشتري؛ لأن الصكوك تمثل حينئذ موجودات يجوز تداولها. أما بعد تسليم بضاعة المرابحة للمشتري، فلا يجوز تداولها؛ لأن الصكوك تمثل حينئذ ديناً نقدياً في ذمة المشتري، فلا يجوز تداول الصكوك إلا بقيود تداول الديون.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ذي الرقم 178 (4/ 19) بشأن الصكوك الإسلامية: «إذا انقلبت الموجودات لتصبح ديوناً كما هو الحال في بيع المرابحة فيطبق على تداول الصكوك أحكام الدين، من حيث المنع إلا بالمثل على سبيل الحوالة» .
(ب) صكوك الاستصناع:
(ج) صكوك السلم:
وعلى القول بجواز تداول صكوك السلم فإن محله بعد قبضه، أما تداول صكوك السلم قبل قبض المسلم فيه فإنه ممنوع؛ فيجوز تداول صكوك السلم من حين القبض إلى أن تباع بالنقود الحالة أو المؤجلة، فإذا بيعت لم يجز التداول؛ لأن الصكوك حينئذ تمثل نقداً أو ديناً، فيكون تداولها غير جائز، كما هو الحال في صكوك المرابحة والاستصناع بعد بيع السلع.
وقد جاء في المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة: المنع من تداول صكوك السلم، وعلل ذلك بأن الصك يمثل حصة في دين السلم، فيخضع لأحكام تداول الديون.
الحالة الثانية: تداول الصكوك التي تشتمل على موجودات مختلفة من النقود والديون والأعيان والمنافع.
وهذه الحالة لا تخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن تكون النقود أو الديون مقصودة مع الأعيان والمنافع:
وهذه إن كان مقصود الشركة التي صككت موجوداتها هو الاتجار بالنقود أو الديون، أو كان الغرض من التصكيك أصلاً تسويغ الاتجار بالديون؛ فلا يجوز تصكيك موجودات مثل هذه الشركة؛ لأنه يكون سبيلاً للتحايل على الاتجار بالديون.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 178 (4/ 19) بشأن الصكوك الإسلامية:
وأما إذا لم يكن من نشاط الشركة الاتجار بالديون أو النقود، ولم يكن المقصود من التصكيك الاتجار بالنقود أو الديون فقد اختلف العلماء المعاصرون على أقوال تحتاج إلى مزيد تأمل.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، حيث نص قراره 30 (5/ 4) بشأن صكوك المقارضة (المضاربة) على الآتي: «إذا صار القراض موجودات مختلفة من النقود والأعيان والمنافع؛ فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقاً للسعر المتراضى عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعياناً ومنافع، أما إذا كان الغالب نقوداً أو ديوناً فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية
…
».
واللائحة التفسيرية المذكورة هنا بيّنها المجمع لاحقاً في قراره ذي الرقم 188 (3/ 20) بشأن استكمال موضوع الصكوك: «إذا كانت موجودات الورقة المالية خليطاً من النقود والديون والأعيان والمنافع والحقوق، فله حالان:
(أ) أن تكون النقود والديون تابعة لما يصح أن يكون متبوعاً، وتكون الورقة المالية متضمنة لملكية المتبوع، فيجوز حينئذ تداول الورقة المالية دون مراعاة نسبة النقود والديون إلى الموجودات.
(ب) انتفاء تبعية النقود والديون، أو عدم تضمن الورقة المالية لملكية المتبوع، فيخضع التداول حينئذ لأحكام الغلبة».
الأمر الثاني: أن تكون النقود أو الديون تابعة مع الأعيان غير مقصودة:
وهذا النوع يجوز تداولها، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الحادية والعشرين، بمدينة الرياض (المملكة العربية السعودية) من: 15 - 19 محرم 1435 هـ، الموافق 18 - 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 م.
وقد جاء في القرار:
«2. إذا كانت الصكوك تمثل موجودات مشروع، أو نشاط استثماري معين، تختلط فيها النقود والديون والأعيان والمنافع، تطبق عليها الفقرة 3 أ من البند خامساً من القرار 188. وفقاً لما يلي:
(أ) لا يجوز إصدار صكوك أو وحدات محفظة أو صندوق استثماري تشتمل على أعيان ومنافع وديون ونقود، إذا كانت الديون والنقود مستقلة عن الأعيان والمنافع والجهاز الإداري والنشاط الاقتصادي المتبوع، فإذا شملت ملكية حملة الصكوك، أو حملة الوحدات الجهاز الإداري القائم بالنشاط الاقتصادي المولّد للنقود والديون، وصار لها كيان شرعي وقانوني مستقل، فيجوز عندئذ إصدار هذه الصكوك أو الوحدات وتداولها.
(ب) النشاط الاقتصادي المقصود بالفقرة السابقة هو العمل الذي يولد الديون والنقود على نحو مشروع».
أحكام مختصرة لصكوك الإجارة:
1) لا يمثل صك الإجارة مبلغاً محدداً من النقود، ولا دين على جهة معينة سواء كانت شخصية طبيعية أم اعتبارية، وإنما هو ورقة مالية تمثل جزءاً شائعاً (سهماً) من ملكية عين استعمالية، كالعقار أو الطائرة أو باخرة أو مجموعة من الأعيان الاستعمالية المتماثلة أو المتباينة إذا كانت مؤجرة تدر عائداً محدداً بعقد الإجارة.
2) يمكن لصكوك الإجارة أن تكون اسمية بمعنى أنها تحمل اسم حامل الصك ويتم انتقال ملكيتها بالقيد في سجل معين أو بكتابة اسم حاملها الجديد عليها كلما تغيرت ملكيتها، كما يمكن أن تكون سندات لحاملها بحيث تنتقل الملكية فيها بالتسليم.
3) يجوز إصدار صكوك تمثل الأعيان المؤجرة وتداولها إذا توافرت فيها شروط الأعيان التي يصح أن تكن محلاً لعقد الإجارة؛ كعقار وطائرة وباخرة ونحو ذلك ما دام الصك يمثل ملكية أعيان حقيقية مؤجرة من شأنها أن تدر عائداً معلوماً.
4) يجوز لمالك الصك أو الصكوك بيعها في السوق الثانوية لأي مشتر بالثمن الذي يتفقان عليه سواء كان مساويا أم أقل أم أكثر من الثمن الذي اشترى به، وذلك نظرا لخضوع أثمان الأعيان لعوامل السوق (العرض والطلب).
5) يستحق مالك الصك حصته من العائد وهو الأجرة في الآجال المحددة في شروط الإصدار منقوصا منها ما يترتب على المؤجر من نفقة ومؤنة، على وفق أحكام عقد الإجارة.
* * * * *
ثبت المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
1.
أثر الذرائعية والواقعية في المسالك الإجتهادية عند المالكية، د. عبد الله الحسي-دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى: 1435 هـ.
2.
الإجماع، لمحمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، تحقيق: فؤاد بن عبد المنعم أحمد، مؤسسة شباب الجامعة - الإسكندرية، 1411 هـ.
3.
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لتقي الدين أبي الفتح، الشهير بابن دقيق العيد، دار الكتب العلمية - بيروت.
4.
أحكام القرآن، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1412 هـ.
5.
أحكام القرآن، لأبي بكر محمد بن عبد الله، المعروف بابن العربي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الفكر - بيروت.
6.
أحكام الأوراق التجارية في الفقه الإسلامي، أ. د. سعد الخثلان- دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
7.
أحكام المعاملات، د. كامل موسى- مؤسسة الرسالة، دمشق، الطبعة الأولى: 1434 هـ.
8.
صكوك الإجارة، د. فهد المرشد- دار ابن الجوزي، الرياض، الطبعة الأولى: 1434 هـ.
9.
الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، اختارها: علاء الدين أبوالحسن علي بن محمد البعلي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى: 1416 هـ.
10.
اختيارات شيخ الإسلام، مجموعة باحثين، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى، 1430 هـ. فقه
11.
فقه المعاملات المالية المعاصرة، د. سعد الخثلان- دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى: 1430 هـ.
13.
عقود التمويل المستجدة، د. حامد ميره- دار الميمان، الرياض، الطبعة الأولى: 1433 هـ.
14.
التمويل الإسلامي، د. رفيق المصري- دار القلم، القلم، الطبعة الأولى: 1436 هـ.
15.
فقه المعاملات المالية المعاصرة، د. سعد الخثلان- دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى: 1430 هـ.
16.
المعجم الوسيط، مكتبة الشروق، الطبعة الرابعة 1425 هـ.
17.
المغني، لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: عبد الله التركي، وعبد الفتاح الحلو، دار هجر - القاهرة، الطبعة الثانية: 1412 هـ.
18.
مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل - بيروت، 1420 هـ.
19.
منتهى الإرادات، لتقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي، تحقيق: عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى: 1419 هـ.
20.
المنفعة في القرض، لعبد الله بن محمد العمراني، دار ابن الجوزي - الدمام، الطبعة الأولى: 1424 هـ.
21.
منهاج الطالبين، المطبوع مع مغني المحتاج، ليحيى بن شرف النووي، تحقيق: علي معوض.
22.
المهذب في فقه الإمام الشافعي، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الفيروزآبادي الشيرازي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى: 1414 هـ.
23.
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي، المعروف بالحطَّاب، مكتبة النجاح - ليبيا.
24.
المعاملات في الشريعة الإسلامية والقوانين المصرية، لأحمد أبي الفتح، مطبعة النهضة - مصر، الطبعة الثانية: 1341 هـ.
25.
المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، دبيان الدبيان، الطبعة الثانية، 1434 هـ.
26.
المعاملات المالية المعاصرة، د. محمد قلعة جي- دار النفائس، بيروت، الطبعة الرابعة، 1433 هـ.
27.
المعاملات المالية المعاصرة، د. وهبة الزحيلي- دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1427 هـ.
28.
المعاملات المالية المعاصرة، للدكتور محمد عثمان شبير، دار النفائيس- الأردن، الطبعة السادسة: 1427 هـ.
29.
قضايا في الاقتصاد التمويل الإسلامي، سامي السويلم- دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى: 1430 هـ.
30.
فقه المعاملات المالية المعاصرة، د. سعد الخثلان - دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى: 1430 هـ.
31.
البنوك الإسلامية، د. عبد الله الطيار- دار التدمرية، الرياض، الطبعة الأولى: 1435 هـ.
32.
معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء، لنزيه حماد، دار القلم - دمشق، الطبعة الأولى: 1429 هـ.
33.
رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، لمحمد أمين بن عمر بن عابدين، تحقيق: علي معوض وعادل عبد الموجود، دار عالم الكتب، الرياض، الطبعة الأولى: 1420 هـ.
34.
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لشمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة: 1413 هـ.
35.
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، لمحمد بن علي ابن محمد الشوكاني، دار عالم الكتب- الرياض، الطبعة الأولى، 1424 هـ.
36.
كشاف القناع عن متن الإقناع، لمنصور بن يونس البهوتي، عالم الكتب- بيروت، الطبعة الأولى: 1417 هـ.
37.
كشاف القناع عن متن الإقناع، لمنصور بن يونس البهوتي، عالم الكتب - بيروت، الطبعة الأولى: 1417 هـ.
38.
إشكالية الحيل في البحث الفقهي، لعبد الله القرشي، مركز نماء، - الرياض، الطبعة الأولى:1430.
39.
مدخل إلى أصول التمويل الإسلامي، د. سامي السويلم، - مركز نماء، الرياض، الطبعة الأولى: 1436 هـ.
40.
بيان الدليل على بطلان التحليل لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق د. أحمد الخليل- دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، 1425 هـ.
41.
الفتاوى الكبرى، لتقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحرَّاني، مكتبة الرياض الحديثة، 1403 هـ.
42.
إعلام الموقعين عن رب العالمين، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيِّم الجوزية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية - بيروت، 1407 هـ.
43.
القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة، لعبد الرحمن ابن ناصر السعدي، تحقيق: خالد المشيقح، دار ابن الجوزي - الرياض، الطبعة الأولى: 1421 هـ.
44.
المحصول في علم الأصول، الفخر الدين محمد بن عمر الرازي، تحقيق: طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثالثة: 1418 هـ.
45.
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، لعثمان بن علي الزيلعي، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق - مصر، الطبعة الأولى: 1313 هـ.
46.
الأم، للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، خرَّج أحاديثه وعلق عليه: محمود مطرجي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى: 1413 هـ.
47.
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح بن محمد الحلو، دار هجر - القاهرة، الطبعة الأولى: 1414 هـ.
48.
التلقين في الفقه المالكي، لأبي محمد عبد الوهاب بن علي البغدادي، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، الطبعة الأولى: 1420 هـ.
49.
المقدمات الممهدات، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق: سعيد أحمد أعراب، دار الغرب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى: 1408 هـ.
50.
القواعد النورانية الفقهية، لتقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحَرَّاني، خرج أحاديثه وعلق عليه: نشأت بن كمال المصري، مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة الأولى: 1422 هـ.
51.
الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة، د. عبد الله السعيدي- دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية، 1428 هـ.
52.
الإفصاح عن معاني الصحاح، للوزير عون الدين أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، تحقيق: محمد يعقوب عبيدي، مركز فجر - القاهرة.
53.
المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق: محمد نجيب المطيعي، دار إحياء التراث العربي، 1415 هـ.
54.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمَّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة المنورة، 1416 هـ.
55.
المدخل إلى فقه المعاملات المالية، د. محمد شبير- دار النفائس، الأردن، الطبعة الثانية، 1430 هـ.
56.
الشرح الكبير على مختصر خليل، لأبي البركات أحمد الدردير، المطبوع مع حاشية الدسوقي، دار إحياء الكتب العربية - مصر.
57.
الشرح الكبير، لشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح بن محمد الحلو، دار هجر - القاهرة، الطبعة الأولى: 1414 هـ.
58.
المحلى بالآثار، لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري، تحقيق: عبد الغفار البنداري، دار الفكر - بيروت.
59.
المحلى بالآثار، لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري، تحقيق: عبد الغفار البنداري، دار الفكر - بيروت.
60.
المبسوط، لأبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، دار المعرفة - بيروت، 1409 هـ.
61.
بيع التقسيط، د. سليمان التركي، دار كنوز أشبيليا - الرياض، 1424 هـ.
62.
الموافقات، لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي، طبع وزارة الشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية- بيروت، 1409 هـ.
63.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لأبي بكر بن مسعود الكاساني، تحقيق: علي معوض وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى: 1418 هـ.
64.
المنتقى شرح الموطأ، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، تحقيق: محمد عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى: 1420 هـ.
65.
نظرية الوعد الملزم في المعاملات المالية، د. نزيه حماد، دار القلم - دمشق، الطبعة الأولى: 1431 هـ.
* * * * *