الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجموعة الأولى
1 -
الرسالة المصرية، لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي المتوفى سنة 528
2 -
كتاب المردفات من قريش، لأبي الحسن علي بن محمد المدائني المتوفى سنة 225
3 -
كتاب من نسب إلى أمه من الشعراء، صنعه محمد بن حبيب المتوفى سنة 245
4 -
تحفة الأبيه، فيمن نسب إلى غير أبيه، لمجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزآبادي المتوفى سنة 817
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
تقديم
هذه المكتبة العربية التي كانت منار الثقافة الإنسانية دهرا طويلا، ولا تزال تشعّ من نورها وضيائها على جنبات الدنيا، وتتغلغل تغلغلا عميقا في زوايا الحضارات على شتى أصولها. هذه المكتبة لم تلق بعد ما تستوجب من عناية، ولا ما تستحق من خدمة واجبة. وكنت وما أزال أتحدث بجهد إخواننا في العلم المستشرقين، لذين بادروا إلى إنقاذ الكنز، فكان لهم بذلك فضل التنبيه.
وكان مما صنع اللّه لهذه الكنوز أن قيّض لإثارتها، ونفض غبارها، طائفة ممن نصبوا أنفسهم لهذا العمل المجهد الشاق، يبغون بذلك الإسهام في نشر العلم، وفي بيان أمجاد الغابرين من الأجداد، وتوطيد الصلة بين علمهم الأصيل ومعارفنا المستحدثة. وأذكر في طليعة هؤلاء الناشرين الرجل العبقري المرحوم «السيد محمد أمين الخانجي» ، الذي أمد المكتبة العربية بعدد هائل من المطبوعات العربية التي لو لم تمتد يده إليها لبقيت إلى الآن مطمورة في النسيان. وأذكر معه العلامة المحقق الجليل المغفور له «أحمد زكى باشا» ، وهو أول عربى أشاع أساليب النشر الحديثة، ونظم الطبع الجديدة، في كتبنا هذه العربية؛ فلهما من اللّه الرحمة والجزاء لقاء ما قدما من فضل عظيم.
وإنه لمما يثلج الصدر أن تتجه جامعاتنا المصرية اتجاها جديدا إزاء طلابها المتقدمين للإجازات العلمية الفائقة، إذ توجههم إلى أن يتقدموا مع رسالاتهم العلمية تحقيقا لمخطوط يمت بالصلة إلى موضوع الرسالة. وعسى أن يأتي اليوم الذي يكون فيه هذا الأمر ضريبة علمية لا بدّ من أدائها.
وكان مما صنع لي اللّه أن ألفيت نفسي في أطراف ميدان النشر العلمي أكافح فيه والسلاح ضعيف، فما أزال أجمع سلاحا إلى سلاح، وأقتحم الصعاب إثر
الصعاب، وأنا فيما بين ذلك أستلهم اللّه العون والتوفيق، فيمدنى بسيب منه وفيض كريم، وكلما ظننت أبى قد رويت غلة النفس زاد ما بي من ظمأ إلى مزاولة هذا الجهاد الصادق.
وقد رأيت أن همة الناشرين المحققين تتجه في أغلب ما تتجه إلى المخطوطات ذات الشهرة الظاهرة، وإلى ما جلّ مقداره من كتب السلف، مغفلين في أكثر الأمر هذه الرسائل الصغيرة. وقديما كان الناس كذلك، إنما يروقهم ما يملأ أبصارهم، وما يروعهم بجسامته وعظمه، ورب أسد مزير في أثواب رجل نحيف!
فصحّ منى العزم على أن أكشف عن طائفة من هذه الكتب الصغيرة غطاءها، وأقدم منها إلى جمهرة الباحثين مادة نادرة. وأن أجعل هذا في مجموعات متتالية متسلسلة الأرقام والصفحات. وسيتكون من كل أربع مجموعات مجلد يقع في نحو خمسمائة صفحة، تنتهى بفهرس عام لما فيها من الرسائل.
هذا. وليس يفوتني أن أذكر أن هذا العمل قد لقى منذ اللحظة الأولى في التفكير فيه، ترحيبا بالغا من رجال العلم، ووجدت فاتحة معاونة جميلة من الأصدقاء الغير، إذ تكرم الأخ العلامة الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع المكىّ فبادر بإرسال مخطوط نادر نفيس نسخه بقلمه مقابلا على أصله، هو:
«كتاب أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار، وما فيها من المياه» لعرام بن الأصبغ السّلمىّ. وسيظهر إن شاء اللّه في المجموعة الثانية من نوادر المخطوطات.
وإني إذ أسجل لهذا الصديق شكرا عظيما على ما أسدى - لمرتقب أن أجد لهذا العمل التعاوني صدى عند من تضم مكتباتهم أمثال هذه الكتب الصغيرة النادرة.
واللّه أسأل العون، ولزام الصواب، وصالح التوفيق.
القاهرة في 12 ربيع الأول سنة 370
عبد السلام محمد هارون
الرسالة المصرية لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي 470 - 528
مقدمة
نزح كثيرون من رجال الأندلس إلى الشرق طلباً للعلم أو المال أو الجاه، أو رغبة في أداء فريضة الحج، وكان من أولئك النازحين إلى مصر رجل جمع إلى الأدب الحكمة، وإلى الطب التنجيم والموسيقى والرياضة، والبراعة في علم الحيل. هذا الرجل هو أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت، المولود في مدينة دانية، من بلاد الأندلس سنة 470 هـ.
قدم أبو الصلت إلى الإسكندرية ومعه أمه - فيما يروى ابن خلكان - سنة 487، أي في أيام الخليفة الفاطمي المستنصر بالله أبي تميم معد بن الظاهر بالله على بن الحاكم بأمر الله؛ ووزيره إذ ذاك والقائم بأمر دولته الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني.
وكان يأمل أبو الصلت من وراء رحلته هذه بسطةً في العيش، وثراء من المال، كما أشار إلى ذلك في صدر رسالته. ويبدو أنه ظل دهراً خاملاً يتحين الفرص، إلى أن أتيح له أن يتصل بأحد المقربين إلى الوزير الأفضل
(1)
، في أيام الخليفة الآمر
(2)
، وذلك الرجل هو تاج المعالي مختار
(3)
، فخدمه بصناعتى الطبّ
(1)
بدأت وزارة الأفضل للمستنصر الفاطمي سنة 487 بعد وفاة أبيه بدر الجمالى، ثم وزر للمستعلى باللّه أحمد سنة 488، ثم للآمر بأحكام اللّه سنة 496. وقد استبد بهؤلاء الخلفاء جميعا إلى أن تمكن منه الآمر ودبر مقتله، فقتل سنة 515. النجوم الزاهرة (5: 222).
(2)
هو الآمر بأحكام اللّه منصور بن المستعلى باللّه أحمد بن المستنصر باللّه. ولد في سنة 490 واستخلف وله خمس سنين، وقيل سنة 524. انظر النجوم الزاهرة (5: 17) والخطط المقريزية عند ذكر «الجامع الأقمر» .
(3)
معجم الأدباء (7: 54).
والتنجيم، فأعجب به، ووصفه بحضرة الأفضل وأثنى عليه، وكان كاتب الأفضل ينفس عليه ذلك، ويخشى بأس تاج المعالي، وحدث أن تتابعت من تاج المعالي السقطات فأدى ذلك إلى أن يقبض عليه الأفضل ويعتقله، فيجد كاتب الأفضل الفرصة سانحة للقضاء على أبي الصلت، فيختلق له ما يدفع الأفضل إلى أن يلقى به في سجن المعونة
(1)
بمصر، مدة ثلاث سنين وشهر
(2)
، بعد الذي دبج فيه من المدائح والشعر
(3)
.
ويروى ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء. أن دخول أبي الصلت إلى مصر كان في حدود سنة 510 هـ، وأنه حبس في الإسكندرية في خلافة الآمر بأحكام الله ووزارة الأفضل
(4)
. فإن صحت هذه الرواية كانت سنداً في أن أبا الصلت ورد مرة أخرى بعد وفاة ولي نعمته أبي الطاهر يحيى بن تميم بن المعز ابن باديس
(5)
المتوفى سنة 509، وهي سنة خروجه من مصر.
(1)
ذكر المقريزي هذا السجن عند ذكر الدار المأمونية المنسوبة إلى المأمون البطائحي.
قال: «وكان بجوار الدار المأمونية حبس المعونة» . ثم قال: «ولم يزل هذا الموضع سجنا مدة الدولة الفاطمية، ومدة دولة بنى أيوب، إلى أن عمره الملك منصور قلاوون قيسارية أسكن فيها العنبرانيين في سنة 680» . وقال: «وكان حبس المعونة هذا يحبس فيه أرباب الجرائم
…
وأما الأمراء والأعيان فيسجنون بخزانة البنود». والدار المأمونية هي المعروفة بالمدرسة السيوفية.
(2)
وقد روى المقرى في نفح الطيب (1: 530 ليدن) رواية عجيبة: أن عمر أبى الصلت 60 سنة، منها 20 في أشبيلية، و 20 في أفريقية عند ملوكها الصنهاجيين، و 20 في مصر محبوسا في خزانة الكتب.
(3)
انظر بعضها عند ابن أبي أصيبعة (2: 53، 56).
(4)
ذكر ابن أبي أصيبعة سبب حبسه في الإسكندرية: أن الأفضل طلب إليه أن يعمل الحيلة في رفع مركب غارق في البحر، فاجتهد أبو الصلت، ولكنه حينما قارب النجاح خانه جده، فهبط المركب إلى قعر البحر، بعد ما كبد الدولة خسائر فادحة، فحبسه الأفضل لذلك.
(5)
ملك أبو الطاهر يحيى بن تميم، المغرب سنة 501 واستقر في ملكه إلى أن توفى سنة 509. انظر تاريخ طرابلس الغرب لابن غلبون (ص 39 - 40).
ضاق أبو الصلت ذرعاً بمصر، وما لقى فيها من الخيبة والعنت. قال القفطي
(1)
:
«ودخل مصر في أيام أفضلها فلم ينل منه إفضالاً، وقصده للنيل فلم يجد لديه نوالاً» . فحينئذ شد رحاله إلى المغرب في سنة 506، واستعاد صلته بحضرة أبي الطاهر يحيى بن تميم بن باديس، الذي وضع له هذه «الرسالة المصرية» .
يصف له فيها ما عاينه في مصر وما عاناه، وتناول في هذه الرسالة القيمة:
1 -
الوصف البلداني للديار المصرية ونيلها.
2 -
ثم أخذ في تصوير جمال ربوعها ومغانيها تارة بالشعر وأخرى بالنثر.
3 -
وعقب على ذلك بالكلام في سكانها وأجناسهم ومذاهبهم وأخلاقهم وعقائدهم، منذ عهد الفراعنة إلى ظهور الإسلام.
4 -
وتحدث بعد ذلك فيما تحتويه من الآثار العجيبة، كالهرمين والبرابي.
5 -
وذكر عواصم مصر في القديم والحديث.
6 -
وقدامى العلماء من اليونان والروم، مستطرداً بذلك إلى ندرة من لقيه بمصر من المشتغلين بالعلم والحكمة والطب.
7 -
وعجب من جهل من لقي بها من الأطباء، ونوه بفضل بعض الأطباء البارعين.
8 -
وتحدث في ولوع المصريين بأحكام النجوم وكثرة استعمالهم لها، وأورد في ذلك نوادر وطرائف.
9 -
ثم عرج على ذكر من لقيه بها من الأدباء والظرفاء.
فهذه الرسالة تضرب بأسباب إلى علوم وفنون شتى، وتعدّ اليوم كما عدت
(1)
انظر أخبار العلماء للقفطى (ص 57) طبع السعادة.
بالأمس، وثيقة يرجع إليها البلداني، والمؤرخ، وباحث الآثار، والاجتماعي، والحكيم، والطبيب، والمنجم، والأديب.
هذه الرسالة الصغيرة الحجم العظيمة القدر كانت متعارفة متداولة بين كبار العلماء والمؤرخين، ثم أضحت نادرة مجهولة، إلى أن تمكن المغفور له العلامة أحمد تيمور باشا - طيب الله ثراه - من اقتنائها في مكتبته الخاصة، وهي برقم 601 أدب. وعلى هذه النسخة الوحيدة في العالم - كما يتضح من مراجعة فهارس بروكلمان
(1)
- أعتمد في نشر هذه الرسالة الفريدة، التي أورد طرفاً منها ياقوت في «إرشاد الأريب» ، والعماد في «الخريدة» ، والقفطي في «إخبار العلماء» ، وابن أبي أصيبعة في «عيون الأنباء» ، والأسعد بن مماتي في «قوانين الدولة» ، والمقرى في «نفح الطيب» ، والمقريزي في «الخطط» ، والأدفوى في «الطالع السعيد» ، والسّيوطى في «حسن المحاضرة» ، كما سيتضح لك عند تحقيق نصوصها.
ولأبي الصلت غير الرسالة المصرية «كتاب الحديقة» على أسلوب «يتيمة الدهر» للثعالبي، وقد نقل منه العماد في «الخريدة» . وله أيضاً «الأدوية المفردة» وهو محفوظ في مكتبة بودليان؛ و «رسالة في العمل بالأسطرلاب» في برلين وليدن وبودليان، و «تقويم الذهن» في المنطق، بمكتبة الإسكوريال، و «أوراق من كتاب في الفلك» بالإسكريال، و «كتاب في المعاني المختلفة للفظة نقطة» في مكتبة ليدن، و «قصيدة» بمكتبة برلين.
(1)
انظر بروكلمان (1: 486 - 487) وملحقه الأول (ص 889). على أنني عثرت فيما بعد على قطعة من الرسالة المصرية في دار الكتب المصرية برقم 354 تاريخ، سأنبه على موضع بدئها ونهايتها في الحواشى.
وقد صنف معظم هذه الكتب وهو في اعتقال الأفضل بمصر، كما نص ابن خلكان.
انتهت أيام أبي الصلت في المهدية، وقد اختلف المؤرخون في سنة وفاته، فقيل سنة 520 وقيل سنة 528
(1)
.
وإليك الرسالة:
(1)
انظر ترجمته عند ياقوت (7: 52) وابن خلكان (1: 80) والقفطي (57) والمقرى (1: 520) وابن أبي أصيبعة (2: 52).
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت رحمه الله تعالى:
كنت إبان عصر الشباب مونق، وغصن الصّبا مورق.
إذ لمتي مسودة
…
ولماء وجهي رونق
(1)
ممن سامحه الدهر بغفلة من غفلاته، وتجافى له عن غفوة من غفواته، فعاش آمن السرب، سائغ الشرب، لا يتفرغ من أدب يرود رياضه، ويرد حياضه، إلا إلى طرب يعمر ميدانه؟؟؟، ويسحب ذيوله وأردانه. ثم تلون فقلب لي ظهر مجنه، وسقاني دردى دنه، فتدارك ما أغفله، واسترد ما بذله، واضطررت إلى مفارقة الوطن، والخروج عن العطن، فتماسكت إشفاقاً من مفارقة أول أرض مس جلدي ترابها، وشدت على التمائم بها
(2)
. وجاءت أمور لا تطاق كبار، فلما لم يمكن القرار، ولم يبق إلا الفرار، قلت: ليس لي إلا أن أرمي بنفسي كل مرمى، وأطرحها كل مطرح.
لأبلغ عذرا أو أنالَ رغيبة
…
ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
(3)
وسكت إلى البيت المشهور:
(1)
اقتبسه من قول أبى الطيب المتنبي وتصرف فيه:
ولقد بكيت على الشباب ولمتى
…
مسودة ولماء وجهي رونق
(2)
اقتباس من قول رقاع بن قيس الأسدي:
بلاد بها نيطت على تمائمى
…
وأول أرض مس جلدي ترابها
اللسان (نوط) وأمالي القالى (1: 83).
(3)
اقتبسه كذلك من قول عروة بن الورد، ورواه أبو تمام في الحماسة (1: 188):
ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا
…
من المال يطرح نفسه كل مطرح
ليبلغ عذرا أو يصيب رغيبة
…
ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
تلقى بكل بلاد إن حللت بها
…
أهلاً بأهل وأوطاناً بأوطان
(1)
وإن كان يقول العامة: ليس بين بلد وبلد نسب، فخير البلاد ما حملك - فجعلت أستقري البلاد لأتيمم أوفقها للمقام، وأعونها على مقارعة الأيام، فكانت مصر مما وقع عليه إختياري، وصدقت حسن ظني قبل اختباري، وسرت قاصداً إليها أعتسف المجاهل والتنائف، وأخوض المهالك والمتالف، فطوراً أمتطي كل حالكة الإهاب
(2)
، مسودة الجلباب، ثابتة كصبغة الشباب، قد فسح ميدانها، ووضع براحة الريح عنانها، فجرت جري الطرف الجموح، وفاتت مدى الطرف الطموح؛ وطوراً كل نقب الأياطل، كالهياطل
(3)
، سبط المشافر جعد الأشعار، أحتذى العقيق، أو الصنو الشقيق، إن علاقات ظليم خاضب، وإن هوى قلت شهاب ثاقب، يصل الذميل بالوخاد
(4)
، وبلتهم التهائم والنجاد. فكم جزع واد جزعته، وجلباب ليل أدرعته، وكم بر خرقت مخارمه وفجاجه، وبحر شققت غواربه وأمواجه، وليس لي غير مصر مقصد، ولا وراءها مذهب، ولا دونها للغنى متطلب.
وكم في الأرض من بلد ولكن
…
عليك لشقوتي وقع اختياري
فلما تغمّرت ركابي من النيل، واستذرت بظل المقطم، ألقيت عصا التسيار، واستقرت بي النوى، وخفت ظهورهن من الرحال، وأرحتهن من الحل والترحال، وقلت: ضالتي المنشودة، وبغيتي المقصودة، هاهنا ألبث وأقيم،
(1)
البيت من أبيات في الحماسة (1: 98). وقبله:
لا يمنعنك خفض العيش في دعة
…
نزوع نفس إلى أهل وأوطان
(2)
يعنى السفينة.
(3)
إنما نقبت أياطله من إدمان السير. والنقب، هنا: تنفط الجلد. والهياطل:
جمع هيطل، وهو الذئب؛ يشبه به الفرس في شدة العدو. وفي الأصل:«نقب الأياطيل كهياطيل» .
(4)
المسموع في مصدر وخد هو الوخد والوخدان.
فلا أبرح ولا أريم، «بلذة طيبة ورب غفور» . وحيث التفت فروضه وغدير، وخورنق وسدير، وظل ظليل، ونسيم عليل.
وكم تمنيت أن ألقى بها أحداً
…
يسلى من الهم أو يعدى على النوب
(1)
فما وجدت سوى قوم إذا صدقوا
…
كانت مواعيدهم كالآل في الكذب
(2)
وكان لي سبب قد كنت أحسبني
…
أحظى به فإذا دائي من السبب
فما مقلم أظفاري سوى قلمي
…
ولا كتائب أعدائي سوى كتبي
(3)
ولم تطل مدة اللبث حتى تبينت بما شاهدته أنى فيها مبخوس البضاعة، موكوس الصناعة، مخصوص بالإهانة والإضاعة؛ وأن عيشها الرغد، مقصور على الوغد، وعقابها المر، موقوف على الحر، فلو تقدمت فعلمت ذلك لخف عنها مركبي
(4)
وصرفت إلى سواها وجه مطلبي، ولكان لي في الأرض مرمى شاسع، ومنتاب واسع، بل تثبطت، حتى تورطت، حتى عوملت بما يعامل به ذوو الجرائر والذنوب، وجرعت من المذلة بأوفى ذنوب. هذا مع ما حبرته من المدح التي اشتهرت شهرة الصباح، وهبت هبوب الرياح، ولهج بها الحادي والملاح
(5)
.
فسار بها من لا يسير مشمراً
…
وغنى بها من لا يغني مغرداً
إلا أن الله جلت آلاؤه، وقدست أسماؤه، تدارك برحمته فأزال تلك المحنة بالمنحة، ونسخ تلك النقمة بالنعمة، وختم بالوصول إلى حضرة الملك الأجل أبي الطاهر يحيى بن تميم بن المعز بن باديس، الذي لم تزل حضرته مصاد
(1)
في الأصل: «من النوب» ، صوابه في ياقوت (7: 80) والقفطي (57) وابن أبي أصيبعة (2: 60). وقد اقتبس هذه الأبيات من شعر له قديم، كما يفهم من رواية ابن أبي أصيبعة.
(2)
في الأصل: «كالألف» ، صوابه في ياقوت والقفطي وابن أبي أصيبعة.
(3)
في الأصل «كتائب أعواني» ، والصواب من المراجع.
(4)
في الأصل: «فخف» .
(5)
انظر مديحه للأفضل في ابن أبي أصيبعة (2: 56).
العناة
(1)
، ومراد العفاة، ومجتمع الفضائل، ومنتجع الأفاضل، ومشرع الجود، ومشعر الوفود. فلما استترت بجناحه، واستظهرت باستماحه، أعذب لي بسماحة الدهر جناه، واعتذر لي مما جناه، فكف دوني كفه، وصرف عني صرفه.
كريم رفضت الناس لما بلغته
…
كأنهم ما خف من زاد قادم
فكنت فيما مضيت عليه، وآلت حالي إليه، من إشراقها بعد الأفول، وإيراقها بعد الذبول، كنصل أهمل أمره، من جهل قدره، ولما وقع إلى الخبير به صان صفحته وحده، وحلى حمائله وغمده، ثم ادخره فيما يدخر وأعده، فإن انتضاه، يوماً ارتضاه، وإن جرده، أحمده، وإن هزه، سره في الضريبة حزه.
ولكن أبى الله أن يكون الفضل إلا لمن نشأ في مغارسه، ونجم في منابته، وربى في جحره، وغذى بدره.
فلم أستسغ إلا نداه فلم يكن
…
ليعدل عندي ذا الجناب جناب
فما كل إنعام يخف احتماله
…
وإن هطلت منه علىّ رباب
(2)
ولكن أجلّ الصنع ما جىّ ربه
…
ولم يأت باب دونه وحجاب
وما شئت إلا أن أدل عواذلي
…
على أن رأيي في هواك صواب
(3)
وأعلم قوماً خالفوني فشرقوا
…
وغربت أني قد ظفرت وخابوا
والأولى أن أضرب عما سلف، وأترك ما فرط، وآخذ فيما أجريت إليه وقصدته، ونحوته واعتمدته، مما آثرت به الحضرة السامية
(4)
- أدام الله
(1)
المصاد: موضع الصيد. والعناة: جمع عان، وهو الأسير.
(2)
الرباب: سحاب يركب بعضه بعضا، الواحدة ربابة. وفي الأصل:«لدى ولا منه على» ، صوابه من ياقوت (7: 59)، وقافيته فيه «سحاب» .
(3)
البيت وتاليه للمتنبى في ديوانه (1: 127) برواية العكبري.
(4)
في الأصل: «الشامية» .
سموها - من وصف ما عانيته من أرض مصر وعاينته، والاقتصار على الذي رأيته دون ما رويته، فليس من يقول: علمت هذا من طريق العلم والسماع، كمن يقول: تحققته بالمشاهدة والاطلاع، فإن ذا اللب الأمين لا ينخدع بمحال، ولا يرضى بانتحال.
وأنا أبتدئ بذكر هذه البلاد وموقعها في المعمورة ومجرى النيل منها، وغنائه فيها، وأشفع ذلك بنبذ من ذكر أحوال أهلها في أخلاقهم، وسيرهم وعاداتهم، وما يتصل بذلك وينجرّ معه، ويجيء بسببه، ويدخل في تضاعيفه.
وها أنا ذا آخذ في ذلك، وبالله أستعين، وعليه التوكل.
(1)
أرض مصر بأسرها واقعة من المعمورة في قسمي الإقليم الثاني والإقليم الثالث، ومعظمها في الثالث.
وحكى المعتنون بأخبارها وتواريخها أن حدها في الطول
(2)
من مدينة برقة التي في جنوب البحر الرومي، إلى أيلة من ساحل الخليج الخارج من بحر الحبشة والزنج والهند والصين. ومسافة ذلك قريب من أربعين يوما.
قالوا: وحدها في العرض من مدينة أسوان وما سامتها من الصعيد الأعلى المتاخم لأرض النوبة، إلى رشيد
(3)
وما حاذاها من مساقط النيل في البحر الرومي، ومسافة ذلك قريب من ثلاثين يوماً. ويكتنفها من مبدئها في العرض إلى منتهاها جبلان [أحدهما في الضفة الشرقية من النيل، وهو المقطم، والآخر في الضفة الغربية منه. والنيل منسرب فيما بينهما. وهما
(4)
] أجردان غير شامخين، يتقاربان
(1)
الكلام من هنا إلى كلمة «الاستقامة» نقله المقريزي في (1: 15 - 16).
(2)
هذا تسجيل تاريخي بلدانى لما كانت عليه حدود مصر في عهده.
(3)
في الأصل: «لأرض الشام ورشيد» ، صوابه من الخطط.
(4)
التكملة من الخطط.
جداَ في وضعيهما، من لدن مدينة أسوان إلى أن ينتهي إلى الفسطاط، فثم تتسع مسافة ما بينهما وتنفرج قليلاً، ويأخذ المقطم منهما مشرقاً والآخر مغرباً على وراب في أخذيهما
(1)
وتفريج
(2)
في مسلكيهما، فتتسع أرض مصر من الفسطاط إلى ساحل البحر الرومي الذي عليه الفرماء
(3)
وتنيس ودمياط ورشيد والاسكندرية، وهناك تنقطع في عرضها الذي هو مسافة [ما بين] أوغلها في الجنوب و [أوغلها] في الغرب والشمال. وإذا ما مسحت بالطريق البرهانية في طريق هذه المسافة [من الأميال
(4)
] لم تبلغ ثلاثين ميلاً
(5)
، بل تنقص عنها نقصاً ما له قدر، وذلك لأن فضل ما بين عرض أسوان التي هي أوغلها في الجنوب وعرض مدينة تنيس التي هي أوغلها في الشمال، تسعة أجزاء ونحو سدس جزء من الأجزاء التي بها تحيط الدائرة العظمى، [وهي
(6)
] ثلاثمائة وستون جزءاً. وليس بين طوليهما فضل يقع بسببه في هذا الحساب ماله قدر يعتد به. فإذا ضاعفنا هذا العدد بما يخص الدرجة الواحدة من محاذاة ذلك من الأميال، وذلك ستة وخمسون ميلاً وثلثا ميل على ما دل علية البرهان، كان ذلك
(7)
نحو خمسمائة وعشرين ميلاً بالتقريب، وذلك مسافة سير عشرين يوماً أو قريب من ذلك
(8)
. وفي هذه المدة من الزمان يقطع السفار أبدا ما بين هذين البلدين بالسير المعتدل في أكثر من ذلك قليلاً، لما في الطريق من التعريج وعدم الاستقامة
(9)
.
(1)
في الخطط: «مأخذيهما» .
(2)
في الأصل: «وتعريج» ، صوابه في الخطط.
(3)
في الأصل: «الهرمان» ، وتصحيحه من الخطط.
(4)
هذه التكملة والتي قبلها من الخطط.
(5)
في الأصل: «يوما» ، ووجهه ما أثبت من الخطط.
(6)
ليست في الأصل.
(7)
في الأصل: «من ذلك» .
(8)
نقل عنه في النجوم الزاهرة (1: 36) أنها ثلاثون يوما
(9)
إلى هنا ينتهى نقل المقريزي.
وليس تشتمل أرض مصر بعد الفسطاط الذي هو مقر الملك وكرسي الدولة، على مدائن لها قدر في كثرتها ولا فخامتها، لكن أجل مدائنها وأفخرها أما في الجهة الشمالية من الفسطاط فالاسكندرية وتنيس ودمياط، وأما في الجهة الجنوبية إلى أقصى الصعيد فقوص وقفط. فهذه صفة أرض مصر على الجملة.
(1)
وأما النيل فينبوعه من وراء خط الاستواء، من جبل هناك يعرف بجبل القمر، فإنه يبتدئ بالتزيد في شهر أبيب
(2)
، الذي هو بالرومية يولية
(3)
.
والمصريون يقولون: «إذا دخل أبيب، كان للماء دبيب» . وعند ابتدائه في التزيد
(4)
تتغير جميع كيفياته وتفسد، والسبب الموجب لذلك مروره بنقائع مياه آجنة
(5)
يخالطها فيجتلبها، ويستخرجها معه ويستصحبها، إلى غير ذلك مما يحتمل
(6)
. فتصير مثل الحال التي وصفه بها الأمير تميم بن المعز لدين الله:
أما ترى الرعد بكى فاشتكى
…
والبرق قد أومض فاستضحكا
(7)
فاشرب على غيم كصبغ الدجى
…
أضحك وجه الأرض لما بكى
(8)
[وقد حكى العود أنين الهوى
…
لكنّه جوّد فيما حكى]
(9)
(1)
من هنا يبتدئ نقل آخر للمقريزي في (1: 59).
(2)
في الخطط: «التزايد» . والتزيد والتزايد بمعنى.
(3)
ما بعد «أبيب» ليس في الخطط. وفي الأصل: «قوليه» .
(4)
في الخطط: «التزايد» .
(5)
في الأصل: «بنقاء مع مياه آجنة» ، والصواب في الخطط.
(6)
الكلام والشعر بعد هذا لم يورده المقريزي.
(7)
في الأصل: «الجو من إظلامه قد اشتكى» ، ولا يستقيم به الوزن، إذ هو من السريع.
وأثبت ما في ديوان تميم الورقة (120) من مصورة دار الكتب ذات الرقم (16025 ز)، وهذه الرواية هي التي ذكرها الثعالبي في يتيمة الدهر (1: 349) الطبعة الأولى.
(8)
في الأصل: «يشبه التحقيق كصبح» تحريف، وأثبت ما في الديوان ويتيمة الدهر.
(9)
إثبات هذا البيت من ديوان تميم.
وانظر لماء النيل في مده
…
كأنما صندل أو مسكا
أو كما قال غيره من أهل العصر، من قصيدة يصف فيها أرض مصر:
ولله مجرى النيل منها إذا الصّبا
…
أرتنا به في مرها عسكراً مجرا
(1)
فشط يهز السمهرية ذبلا
…
وموج يهز البيض هندية تبرا
إذا مدّ حاكى الورد غضا وإن صفا
…
حكى ماءه لونا ولم يعده نشرا
(2)
وهذا نظير ما أنشدنيه عبد الله بن سرية لنفسه:
راقني النهر صفاء
…
بعد شوقي لصفائه
كان مثل الورد غضا
…
ثم قد صار كمائه
ولأبي بكر الصنوبري
(3)
في مثل هذا المعنى:
ولقد طربت إلى الفرا
…
ت بكل ذي كرم ومجد
والشمس عند غروبها
…
صفراء مذهبة الفرند
والماء حاشيتاه
…
خضراوان من آس ورند
(4)
تحبوه أيدي الريح إن
…
هبت على قرب وبعد
بطرائف من فضة
…
وطرائف من لازورد
والسفن كالطير انبرت
…
في الجو من مثنى وفرد
حتى إذا جزر الفرا
…
ت مضى وأعقبه بمدّ
(5)
(1)
يقال للجيش العظيم: مجر، لثقله وضخمه.
(2)
حكى ماءه، أي أشبه ماء الورد في لونه. وفي الأصل:«حكى ماؤه نافلم» تحريف.
(3)
هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسن بن المرار، المعروف بالصنوبرى الحلبي. قال السمعاني في الورقة (355): نسبة إلى الصنوبر. وانظر تعليلا آخر في مختصر تاريخ دمشق (1: 456). ووفاته سنة 334 هـ. كما في شذرات الذهب. وانظر فوات الوفيات (1: 77).
(4)
الرند: شجر من أشجار البادية طيب الرائحة، ويقال للآس «رند». وفي الأصل:«ورود» ، ولا وجه له.
(5)
في الأصل: «بورد» ، ووجهه ما أثبت.
أبصرته وكأنه
…
ملقى عليه رداء ورد
متململاً كالصب أو
…
ذن من أحبته بصد
وكأنما بحشاه ما
…
بحشاي من قلق ووجد
وقال تميم المعز، وأحسن التشبيه
(1)
:
يوم لنا بالنيل مختصر
…
وبكل يوم مسرة قصر
والسفن تصعد كالخيول بنا
…
فيه وجيش الماء ينحدر
فكأنما أمواجه غرف
…
وكأنما داراته سرر
وقال محمد بن الحسن:
النهر مكسو من الأزهار
…
برداً أنيقاً مثل ثوب
…
يجري بمسك أو بذوب نضار
(2)
وإذا استقام رأيت صفحة منصل
…
وإذا استدار رأيت عطف سوار
وقال أبو الحسن محمد بن الوزير، في تدرج زيادة الماء إصبعاً إصبعاً، ومنفعة ذلك التدرج:
أرى أبداً كثيراً من قليل
…
وبدراً في الحقيقة من هلال
فلا تعجب فكل قليل ماء
…
بمصر مسبب لخليج مال
زيادة إصبع في كل يوم
…
زيادة أذرع في حسن حال
فإذا كان في الخامس عشر ذراعاً وزاد من السادس عشر إصبعاً واحدة كسر الخليج
(3)
.
ولكسره يوم معدود، ومقام مشهود، ومجتمع غاص، يحضره العام والخاص. وإذا كسر فتحت التّرع - وهي فوّهات الخلجان - ففاض الماء
(1)
الأبيات التالية لم أجدها في ديوان تميم.
(2)
في الأصل: «يجرى لسك ذوب نضار» .
(3)
في الأصل: «نفعت نفعا عظيما» ، وأثبت ما عند المقريزي في (1: 59).
وساح، وعم الغيطان والبطاح
(1)
، وانضم الناس إلى أعلى مساكنهم من الضياع والمنازل، وهي على آكام وربى لا ينتهي إليها الماء، ولا يتسلط السيل عليها، فتعود عند ذلك أرض مصر بأسرها بحراً غامراً لما بين جبليها المكتنفين لها.
وتثبت على هذه الحال ريثما يبلغ الحد المحدود، في مشيئة الرب المعبود. وأكثر ذلك يحوم حول ثمانية عشر ذراعاً، ثم يأخذ عائداً في منصبه، إلى مجرى النيل [ومسربه، فينضب أولاً عما كان
(2)
] من الأرض مشرفا عاليا، وبصير فيما كان منها متطامناً
(3)
، فيترك كل قرارة كالدرهم، ويغادر كل تلعة كالبرد المسهم. وفي هذا الوقت من السنة تكون أرض مصر أحسن شيء منظراً، ولا سيما متنزهاتها المشهورة، ودياراتها المطروقة، كالجزيرة، وبركة الحبش
(4)
وما جرى مجراها من المواضع التي يطرقها أهل الخلاعة، وينتابها ذو والأدب والطرب.
واتفق أن خرجنا في مثل هذا الزمان إلى بركة الحبش، فافترشنا من زهرها أحسن بساط، واستظللنا من دوحها بأوفى رواق، وطلعت علينا من زجاجات الأقداح شموس في خلع البدور، ونجوم
(5)
بالصفاء تنور، إلى أن جرى ذهب الأصيل على لجين الماء، ونشبت نار الشفق بفحمة الظلماء، فقال في ذلك بعضنا
(6)
(1)
في الخطط: «وغمر القيعان والبطاح» .
(2)
مكان هذه التكملة التي أثبتها من الخطط بياض في الأصل.
(3)
بدل هذه الجملة في الأصل «
…
متحفظ
…
نسطاميا»، وإكماله وصوابه من الخطط.
(4)
كانت في ظاهر مدينة الفسطاط من قبليها فيما بين النيل والجبل. وسميت بركة الحبش نسبة إلى قتادة بن قيس بن حبشي الصدفي، ممن شهد فتح مصر، وكانت له حدائق بجوار هذه البركة تعرف بالحبش فنسبت البركة إليها. وهذه البركة موقعها اليوم منطقة الأراضي الزراعية التابعة لزمام قرية دير الطين، وجزء عظيم من الأراضي الزراعية التابعة لقرية البساتين. انظر الخطط (2: 152) والنجوم الزاهرة (5: 14).
(5)
في الأصل: «وجوم» .
(6)
يعنى نفسه. وجاء في الخطط (2: 155): «وقال ابن سعيد في كتاب المغرب:
«وخرجت مرة حيث بركة الحبش التي يقول فيها أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي عفا اللّه عنه» . وأنشد الأبيات التالية. وجاء في (2: 160): «بئر أبى سلامة وتعرف ببئر الغنم، وهي من قبلي النوبية، وموضعها أحسن موضع في البركة، وهي التي عنى أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بقوله» . وأنشد الأبيات، ورواها ياقوت في ترجمة أمية منسوبة إليه.
لله يومي ببركة الحبش
…
والأفق بين الضياء والغبش
والنيل تحت الرياح مضطرب
…
كصارم في يمين مرتعش
قد نسجتها يد الغمام لنا
…
فنحن من نسجها على فرش
ونحن في روضة مفوفة
…
دبج بالنور عطفها ووشى
(1)
فعاطني الراح، إن تاركها
…
من سورة الهم غير منتعش
وسقني بالكبار مترعة
…
فهن أروى لشدة العطش
(2)
فأثقل الناس كلهم رجل
…
دعاه داعي الصبا فلم يطش
(3)
وقال أيضاً:
علل فؤادك باللذات والطّرب
…
وباكر الرّاح بالغايات والنخب
أما ترى البركة الغناء لابسة
…
وشياً من النّور حاكته يد السّحب
وأصبحت من جديد النبت في حلل
…
قد أبرز القطر منها كل محتجب
من سوسن شرق بالطل محجره
…
وأقحوان شهى الظلم والشنب
وانظر إلى الورد يحكى خد محتشم
…
من نرجس ظل يبدي لحظ مرتقب
والياسمين وقد أربى على درر
…
والراح من درر تطفو على ذهب
كم مرة قد شفينا فيه غلتنا
…
بجاحم من فم الإبريق ملتهب
(4)
شمس من الراح حيانا بها قمر
…
موف على غصن يهتز في كثب
أرخى ذوائبه، وانهز منعطفاً
…
كصعدة الرمح، في مسودة العذب
فاطرب ودونكها فاشرب فقد نغبت
…
على التصابي دواعي اللهو والطرب
ومما يتعلق بوصف النيل من أبيات له كتبها إلى الأفضل ليلة المهرجان:
(1)
في الأصل: «ذبح بالقطر» ، صوابه من الخطط ومعجم الأدباء.
(2)
في الأصل: «لعل أروى» . وفي معجم الأدباء: «فهن أشفى» .
(3)
في الأصل: «يدعوه داعى الصبا» ، وأثبت ما في الخطط ومعجم الأدباء.
(4)
في الأصل: «علتنا» بالمهملة.
أبدعت للناس منظرا عجبا
…
لا زلت تحيى السرور والطربا
ألّفت بين الضّدّين مقتدرا
…
فمن رأى الماء خالط اللهبا
كأنّما النيل والشموع به
…
أفق سماء تألّقت شهبا
قد كان من فضّة فصار سما
…
وتحسب النار فوقه ذهبا
وقد تعاور الشعراء ..... شعاع على صبح
[*]
. ومن مليح ما قيل فى ذلك قول بعض أهل العصر، وهو أبو الحسن على بن أبى البشر الكاتب:
شربنا مع غروب الشمس شمسا
…
مشعشعة إلى وقت الطلوع
وضوء الشمع فوق النيل باد
…
كأطراف الأسنة فى الدّروع
وأنشد أبو منصور الثعالبى (فى يتيمة الدهر) لمنصور بن كيغلغ
(1)
:
قام الغلام يديرها فى كفه
…
فحسبت بدر التّمّ يحمل كوكبا
والبدر يجنح للأفول كأنه
…
قد سلّ فوق الشطّ سيفا مذهبا
(2)
وأنشد فيه
(3)
للقاضى أبى القاسم على بن إبراهيم بن أبى الفهم التنوخى:
أحسن بدجلة والدّجى متصوّب
…
والبدر فى أفق السماء مغرّب
فكأنها فيه بساط أزرق
…
وكأنه فيها طراز مذهب
(4)
وقال ابن وكيع التّنّيسى:
غدير يدرّج أمواجه
…
هبوب الشمال ومرّ الصّبا
إذا الشمس من فوقه أشرقت
…
توهّمته جوشنا مذهبا
(1)
فى الجزء الأول من يتيمة الدهر (ص 65). وقبل البيتين:
عاد الزمان بمن هويت فأعتبا
…
يا صاحبى فسقيانى واشربا
كم ليلة سامرت فيه بدرها
…
من فوق دجلة قبل أن يتغيبا
(2)
فى الأصل: «فوق اللحظ» ، وفى اليتيمة:«فوق الماء» . وانظر ما سيأتى فى شعر ابن التمار الواسطى.
(3)
أى فى هذا المعنى أو فى كتاب يتيمة الدهر. انظر اليتيمة (65:1).
(4)
فى الأصل: «وكأنه فيه طراز» ، والوجه ما أثبت من اليتيمة.
[*](تعليق الشاملة): العبارة بكمالها كما ورد فى الخريدة: «وقد تعاور الشعراء وصف وقوع الشعاع على صفحات الماء» . [أفاده في المستدرك]
وقال بعض أهل العصر من قصيدة:
باطى نهر كان الر
…
وهو اللجين به ذوبا
(1)
إذا حمشته الصبا رأيته
…
كأنه زردا مذهبا
[*]
وقال أبو عبادة البحترىّ يصف بركة:
إذا علتها الصبا أبدت بها حبكا
…
مثل الجواشن مصقولا حواشيها
(2)
إذا النّجوم تراءت فى جوانبها
…
ليلا حسبت سماء ركّبت فيها
وقد أحسن عبد الله بن المعتز فى قوله:
وتبدّى لهن بالنّجف المق
…
فر ماء صافى الجمام غرىّ
(3)
فإذا قابلته درّة شمس
…
خلته كسّرت عليه الحلىّ
(4)
وقال ابن التّمّار الواسطى يصف ضوء القمر على دجلة:
قف فانتصف من صروف الدهر والنّوب
…
واجمع بكأسك شمل اللهو والطّرب
أما ترى الليل قد ولّت عسا كره
…
مهزومة وجيوش اللهو فى الطلب
والبدر فى الأفق الغربىّ تحسبه
…
قد مدّ جسرا على الشّطّين من ذهب
وقال محمد بن عبد الله السّلامى:
ونهر تمرح الأمواج فيه
…
مراح الخيل فى رهج الغبار
إذا اصفرّت عليه الشمس خلنا
…
نمير الماء يمزج بالعقار
***
وأمّا سكّان أرض مصر فأخلاط من الناس مختلفة الأصناف
(5)
: من قبط وروم وعرب وبربر وأكراد وديلم وحبشان وأرمن
(6)
، وغير ذلك من
(1)
كذا ورد البيتان على ما بهما من تحريف.
(2)
البيتان من قصيدة له يمدح فيها المتوكل ويصف بركته. الديوان 319.
(3)
الغرى: البارد، يقال غرى الغدير: برد ماؤه.
(4)
فى ديوان ابن المعتز 61: «فإذا ضاحكته» .
(5)
فى الخطط (48:1): «مختلفو الأصناف» .
(6)
هذه الكلمة ليست فى الخطط.
[*](تعليق الشاملة): البيتان كما فى الخريدة:
بشاطئ نهر كأن الزجاج
…
وصفو اللجين به ذوبا
إذا جمشته الصبا بالضحى
…
توهمته زردا مذهبا
انظر ص 116 من نوادر المخطوطات.
[أفاده في المستدرك]
الأصناف والأجناس على حسب اختلافاتهم، وقالوا: إن السبب فى اختلافهم، والموجب لاختلاطهم، اختلاط المالكين لها، والمتغلّبين عليها، من العمالقة واليونانيين والروم والعرب وغيرهم، فلهذا اختلطت أنسابهم فاقتصروا من التعريف بأنفسهم على الانتساب إلى مواضعهم
(1)
، والانتماء إلى مساقطهم ومواقعهم.
وحكى جماعة من المؤرّخين أنهم كانوا فى الزمن السالف عبّاد أصنام، ومدبرى هياكل، إلى أن ظهر دين النّصرانية وغلب على أرض مصر فتنصّروا، وبقوا على ذلك إلى أن فتحها المسلمون فى أيام عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فأسلم بعضهم وبقى بعض على دين النصرانية، ومذهبهم مذهب اليعاقبة.
وأما أخلاقهم فالغالب عليهم اتّباع الشهوات، والانهماك فى اللذات، والاشتغال بالتّرّهات، والتصديق بالمحالات، وضعف المرائر والعزمات، إلى غير ذلك مما حكاه أبو الحسين على بن رضوان فى ذلك واقتصّه، وأورده من الأمور الطبيعية وموجبه
(2)
، وكفى به حكما منصفا، وشاهدا عدلا.
وحكى الوصيفىّ فى كتابه الذى ألّفه فى أخبار مصر أنّ أهلها فى الزمن السابق كانوا يعتقدون أنّ هذا العالم، الذى هو عالم الكون والفساد أقام برهة من الدهر خاليا من نوع الإنسان، عامرا بأنواع أخر غير الإنسان، وأن تلك الأنواع مختلفة على خلق فاذّة
(3)
، وهيئات شاذّة، ثم حدث نوع الإنسان فنازع تلك الأنواع فغلبها واستولى عليها، وأفنى أكثرها قتلا، وشرّد ما بقى منها إلى القفار، وأن تلك المشرّدة هى الغيلان والسّعالى وغير ذلك، مما حكاه من اعتقاداتهم المستحيلة، وتصوّراتهم الفاسدة، وتوهّماتهم النافرة. إلا أنّه يظهر من
(1)
فى الخطط: «على الإشارة إلى مواضعهم» .
(2)
كذا وردت هذه الكلمة.
(3)
الفاذة: المنفردة. وفى الحديث: «هذه الآية الفاذة» ، أى المنفردة فى معناها.
أمرهم أنه كان فيهم طائفة من ذوي المعارف والعلوم، خصوصاً بعلم الهندسة والنجوم
(1)
. ويدل على ذلك ما خلفوه من الأشغال
(2)
البديعة المعجزة، كالأهرام والبرابي، فإنها من الآثار التي حيرت الأذهان
(3)
[الثاقبة، واستعجزت الأفكار الراجحة]، وتركت لها شغلاً بالتعجب منها، والتفكر فيها. وفي مثلها يقول أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري في قصيدته التي يرثي بها أباه
(4)
:
تضلّ العقول الهبر زيّات رشدها
…
ولا يسلم الرأي القويم من الأفن
وقد كان أرباب الفصاحة كلما
…
رأوا حسناً عدّوه من صنعة الجن
وأي شيء أعجب وأغرب بعد مقدورات الله ومصنوعاته، من القدرة على بناء جسم [جسيم
(5)
] من أعظم الحجارة، مربع القاعدة مخروط الشكل، ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع ونحو سبعة عشر ذراعاً
(6)
يحيط به أربعة سطوح مثلثات متساويات الأضلاع، طول كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعاً
(7)
وهو مع هذا العظم
(8)
، من إحكام الصنعة وإتقانها
(9)
، في غاية من حسن التقدير بحيث لم يتأثر
(10)
إلى هلم جرا
(11)
بعصف الرياح وهطل السحاب،
(1)
في الخطط (1: 118): «وخصوصا علم الهندسة والنجوم» .
(2)
في الخطط: «من الصنائع» .
(3)
في الأصل: «الآثار البعيدة من الأذهان» ، صوابه من الخطط.
(4)
في سقط الزند (1: 196) بشرح التنوير.
(5)
هذه من الخطط.
(6)
في الخطط: «تسعة عشر ذراعا» . والذراع يذكر ويؤنث.
(7)
في النجوم الزاهرة (1: 98) نقلا عن أبي الصلت: «وسبعون ذراعا» .
(8)
في الأصل: «مع هذا الطول منه» وكتب إزاءه: «في العظم» بدلا من «الطول منه» . وأثبت ما في الخطط.
(9)
بدله في الخطط: «وإتقان الهندام» .
(10)
في الأصل: «وهو لا يتأثر» ، وأثبت ما في الخطط.
(11)
كذا ورد في الأصل والخطط. ولعلها: «إلى اليوم وهلم جرا» .
وزعزعة الزلازل. وهذه صفة كل واحد من الهرمين المحاذيين للفسطاط من الجانب الغربي، على ما شاهدناه منهما
(1)
.
وقال بعضهم وقد ذكر عجائب مصر: «وما على وجه الأرض بنية إلا وأنا أرثي لها من الليل والنهار، إلا الهرمين فإني أرثى لليل والنهار منهما» .
وهذان الهرمان
(2)
لهما إشراف على أرض مصر وإطلال [على] بطائحها، وإصعاد على ذراها. وهما اللذان أراد أبو الطيب المتنبي بقوله:
أين الذي الهرمان من بنيانه
…
ما قومه، ما يومه، ما المصرع
(3)
كنا نظن دياره مملوءة
…
ذهباً فمات وكل دار بلقع
(4)
تتخلف الآثار عن أربابها
…
حيناً ويدركها الخراب فتتبع
(5)
واتفق أن خرجنا يوماً إليهما، فلما أطفنا بهما واستدرنا حولهما كثر تعجبنا منهما، فتعاطينا القول فيهما، فقال بعضنا
(6)
:
بعيشك هل أبصرت أعجب منظراً
…
على طول ما أبصرت من هرمي مصر
(7)
[أنافا عناناً للسماء وأشرفا
…
على الجوّ إشراف السّماك أو النّسر
(8)
(1)
في الأصل: «منها» ، والصواب في الخطط.
(2)
في الأصل: «أرثى لليل والنهار منها على وهذان الهرمان من أعظمها.» وأثبت الصواب من الخطط.
(3)
من قصيدة له في ديوانه (1: 405) بشرح العكبري، يرثى بها أبا شجاع فاتكا.
(4)
هذا البيت لم يورده المقريزي، وهو هنا في غير موضعه الطبيعي. وموضعه في الديوان بعد بيت يتلو الثالث هنا؛ لأن ضمير «دياره» عائد إلى أبى شجاع في البيت المشار إليه، وهو:
لم يرض قلب أبى شجاع مبلغ
…
قبل الممات ولم يسعه موضع
(5)
في الخطط: «عن سكانها» . وفي الديوان: «عن أصحابها» .
(6)
في بدائع البدائة 136 أن الذي قال الشعر هو أبو الصلت نفسه.
(7)
بعد هذا في الأصل بياض بقدر صفحتين، وقد وفقت لسد هذا الفراغ مما نقله المقريزي في الخطط (1: 118 - 119): ووضعت هذا السقط بين معقفى التكملة: [. . . . .].
(8)
في بدائع البدائة: «أنافا بأكناف السماء» .
وقد وافياً نشزاً من الأرض عالياً
…
كأنهما نهدان قاما على صدر
(1)
وزعم قوم أن الأهرام قبور ملوك عظام، آثروا أن يتميزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم، كما تميزوا عنهم في حياتهم، وتوخوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور، وتراخي العصور.
ولما وصل الخليفة المأمون إلى مصر
(2)
أمر بنقبها، فنقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد، وعناء طويل، فوجدوا داخله مهاوي ومراقي يهول أمرها، ويعسر السلوك فيها، ووجدوا في أعلاها بيتاً مكعباً، طول كل من أضلاعه نحو من ثمانية أذرع، وفي وسطه حوض رخام مطبق، فلما كشف غطاؤه لم يجدوا فيه غير رمة بالية، قد أتت عليها العصور الخالية، فعند ذلك أمر المأمون بالكف عن نقب ما سواه. ويقال: إن النفقة على نقبه كانت عظيمة، والمئونة شديدة.
ومن الناس من زعم أن هرمس الأول، المدعو بالمثلث بالنبوة والملك والحكمة، وهو الذي يسميه العبرانيون خنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام وهو إدريس عليه السلام استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان يعم الأرض، فأكثر من بنيان الأهرام، وإيداعها الأموال وصحائف العلوم، وما يشفق عليه من الذهاب والدروس، حفظاً لها، واحتياطاً عليها. ويقال: إن الذي بناها ملك اسمه سوريد بن سهلوق بن سرياق. وقال آخرون: إن الذي بنى الهرمين المحاذيين للفسطاط شداد بن عاد، لرؤيا رآها. والقبط تنكر دخول العمالقة بلد مصر،
(1)
بعده في بدائع البدائة: «وصنع أبو منصور ظافر الحداد:
تأمل هيئة الهرمين وانظر
…
وبينهما أبو الهول العجيب
كعماريتين على رحيل
…
بمحبوبين بينهما رقيب
وفيض البحر بينهما دموع
…
وصوت الريح بينهما نحيب
وظاهر سجن يوسف مثل صب
…
تخلف فهو محزون كئيب»
(2)
كان ذلك في سنة 217 كما في كتب التاريخ.
وتحقق أن بانيهما سوريد
(1)
، لرؤيا رآها، وهي أن آفة تنزل من السماء، وهي الطوفان. وقالوا إنه بناهما في مدة ستة أشهر، وغشاهما بالديباج الملون، وكتب عليهما:
ورأينا سطوح كل واحد من هذين الهرمين مخطوطة من أعلاها إلى أسفلها بسطور متضايقة متوازية، من كتابة بانيها، لا تعرف اليوم أحرفها، ولا تفهم معانيها. وبالجملة الأمر فيها عجيب، حتى إن غاية الوصف لها والإغراق في العبارة عن حقيقة الموصوف منها، بخلاف ما قاله على
(2)
] بن العباس الرومي، وإن تباعد الموصوفان، وتباين المقصودان، إذ يقول:
إذا ما وصفت امرأ لا مرئ
…
فلا تغل في وصفه واقصد
فإنّك إن تغل تغل الظنو
…
ن فيه إلى الغرض الأبعد
فيصغر من حيث عظمته
…
لفضل المغيب على المشهد
وكذلك أمر البرابى، كبربا إخميم، وبربا سمنود
(3)
، وبربا دندرا
(4)
، فإن فيها من الإحكام وجودة الشكل وحسن التصوير، ما يدل على أن عمّارها
(1)
في النجوم الزاهرة: «سويرد وقيل سويد» .
(2)
إلى هنا ينتهى السقط الذي نبهنا عليه في الحاشية 7 من صفحة 26.
(3)
في الأصل: «سمندو» ، صوابه من المقريزي عند ذكر البرابى، وقال ياقوت:
(4)
في الأصل: «ديدار» وإنما هي «دندرا، أو دندرة، أو «أندرا» كما في معجم البلدان. وفي بربا دندرة يقول المقريزي: وهو بربا عجيب، فيه ثمانون ومائة كوة تدخل الشمس كل يوم من كوة منها، ثم الثانية حتى تنتهى إلى آخرها، ثم تكر راجعة إلى موضع بدنها». وأنشد ياقوت في مطلع أبيات:
إن قاض بدندرا
…
قال بيتين سطرا
ذوو عقول راجحة، وأنه قد كانت لهم بالحكمة عناية بالغة، لا سيما بصناعتى الهندسة والنجوم.
وقال بعض أهل العناية بأخبار الأمم وتواريخهم: كان بمصر بعد الطوفان علماء بضروب الحكمة، من العلوم الرياضيّة والطبيعية ولإلهيّة، ومتحقّقون بعلم المرايا المحرقة، وبالطّلّسمات والنّير نجيات وغير ذلك.
والملك بمصر من قديم الزمان بمدينة منف، وهي في غربي النيل، على مسافة اثني عشر ميلاً من الفسطاط. ولما بنى الإسكندر مدينة (الإسكندرية) منذ نحو ألف سنة وأربعمائة سنة وأربعين سنة، رغب الناس في عمارتها
(1)
، وكانت دار العلم، ومقر الحكمة، إلى أن تغلّب عليها المسلمون في خلافة عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه، واختط عمرو بن العاص مدينته المعروفة (بالفسطاط) فانسرب أهل مصر وغيرهم من العرب والعجم إلى سكناها، فصارت قاعدة ديار مصر ومركزها إلى وقتنا هذا.
فيقال إن من قدماء أهل العلم بها هرمس الثالث
(2)
، وكان فيلسوفاً جوالاً في البلاد، طوافاً في المدائن، عالماً بنصبتها
(3)
، وطوالعها وطبائع أهلها، وله تصانيف جليلة مفيدة في فنون من الحكمة.
ومنهم دبوفنطس
(4)
صاحب المقالات الموضوعة في علم العدد وخواصه على طريق الجبر والمقابلة.
(1)
في الأصل: «وأعجب في عمارتها» ، صوابه من المقريزي (1: 135).
(2)
في الأصل: «هرمس الثاني» ، والصواب ما أثبت من عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة (1: 17) حيث ذكر الهرامسة الثلاثة، وقال في هرمس هذا:«وأما هرمس الثالث فإنه سكن مدينة مصر، وكان بعد الطوفان» . وأما هرمس الثاني فهو كلدانى من أهل بابل.
وهرمس الأول مصرى كان قبل الطوفان، وهو عند العرب إدريس عليه السلام.
(3)
في الأصل: «بنصبها» ، وفي عيون الأنباء:«عالما بنصبة المدائن وطبائعها» .
(4)
ذكره ابن أبي أصيبعة في (1: 245) في أثناء ترجمة «قسطا بن لوقا» ، قال:«كتاب في ترجمة ديوفنطس في الجبر والمقابلة» : وذكره أيضا عرضا في ترجمة ابن الهيثم (2: 98).
ومنهم الإسكندراني
(1)
صنف كتاب الأفلاك، وكتاب القانون في تقويم الكواكب.
ومنهم روسم
(2)
صاحب التصانيف في الكيميا.
ومنهم أنقلاؤس الإسكندري
(3)
وأصحابه، الذين اختصروا كتب جالينوس في صناعة الطب، وألفوها على طريق المسألة والجواب، يدل حسن اختصارهم لها على وفور علمهم، وفضل معرفتهم.
ومنهم واليس
(4)
صاحب الكتاب المعروف بالبريدج الرومي، المصنف في المواليد وما يتقدمها من المدخل إلى علم أحكام النجوم. ويقال إنه الذي استخرج بطول التحري
(5)
ومواصلة العناء، جدود المصريين.
فهؤلاء هم المشهورون من أهل الحكمة بمصر في ذلك الزمان. وأما زماننا هذا فقد دثر منها كل علم وامحي رسمه، وجهل اسمه، ولم يبق إلا رعاع وغثاء وجهلة دهماء، وعامة عمياء، وجلهم أهل رعانة
(6)
ولهم خبرة بالكيد والمكر،
(1)
لعله «أقطيمن الإسكندرانى» . قال القفطي في أخبار الحكماء (50): «كان عالما بالرياضة محققا للأرصاد خبيرا بعمل آلاتها» . اجتمع هو وميطن على الرصد بمدينة الإسكندرية من الديار المصرية، ورصدا وأثبتا ما تحققاه، وتداوله العلماء بعدهم إلى زمن بطليموس القلوذى الراصد بالإسكندرية. «وكان زمنهما قبل زمانه بخمسمائة وإحدى وسبعين سنة» .
(2)
ذكره القفطي في ص 127، بلفظ «روشم» قال: «روشم المصري، هذا الرجل كان بمصر قبل الإسلام، وهو قيم بعلوم الكيمياء وأصولها وتفصيلها وإحكام أمر تركيبها
…
وله في ذلك كتب جليلة مشهورة عند علماء هذا النوع يتنافسون في تحصيلها، والظفر بها».
(3)
ترجم له القفطي في (51 - 52) وابن أبي أصيبعة في (5: 103 - 104).
(4)
ذكره القفطي في (172) قال: «فاليس المصري، وربما قيل واليس الرومي، كان حكيما فاضلا في الزمن الأول بعلوم الرياضة وأحكام النجوم. وله في ذلك المؤلفات الجميلة المشتملة من هذا النوع على المقاصد الجليلة. وهو مؤلف الكتاب المشهور بين أهل هذه الصناعة، المسمى بالبريدج الرومي» .
(5)
في الأصل: «التجربة» .
(6)
المعروف في هذا المصدر: الرعن، والرعونة.
وفيهم بالفطرة قوة عليه وتلطف فيه وهداية إليه، لما في أخلاقهم من الملق والسياسة
(1)
التي أربوا فيها على كل من تقدم وتأخر، وخصوا بالإفراط فيها دون جميع الأمم، حتى صار أمرهم في ذلك مشهوراً، والمثل بهم مضروباً.
وفي خبثهم ومكرهم يقول أبو نواس
(2)
:
محضتكم يا أهل مصر نصيحتي
…
ألا فخذوا من ناصح بنصيب
(3)
رما كم أمير المؤمنين بحية
…
أكول لحيات البلاد شروب
[ولا تثبوا وثب السفاة فتركبوا
…
على حد] حامي الظهر غير ركوب
(4)
فإن يك باقي إفك فرعون فيكم
…
فإن عصا موسى بكف خصيب
وأما حال المنتسبين إلى العلم منهم فأنا ذاكر منها ما وقفت عليه، وكشفت بالمحنة عنه. كنت في أول جلوسي بها شديد العناية بكتب جالينوس وبقراط، باحثاً عن مشكلها، فاحصاً عن مستغلقها، فحرصت كل الحرص، وجهدت كل الجهد على أن أجد من أهل هذه الصناعة من أستفيد منه وأستزيد بمذاكرته وأقدح خاطري بمفاوضته، فلم أجد غير قوم طبع الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم، وطمس أفهامهم، وحال بين الحكمة وبينهم، فكانوا وإياي، كما قال الشاعر:
قوم إذا جالستهم
…
صدئت بقربهم العقول
لا يفهموني قولهم
…
ويدق عنهم ما أقول
فهم كثير بي كما
…
أنّى بجمعهم قليل
(1)
في الخطط (1: 49): «الملق والبشاعة» .
(2)
الأبيات الأربعة في ديوانه (103 - 104) يمدح بها الخصيب أمير مصر.
(3)
في الديوان: «منحتكم يا أهل مصر» .
(4)
التكملة من الديوان (103)، وموضعها بياض في الأصل. حامى الظهر: هو البعير الذي حمى ظهره فيترك فلا ينتفع منه بشئ ولا يمنع من ماء ولا مرعى. وفي الأصل:
«مانى الظهر» صوابه من الديوان. والبيت لم يرد في الخطط.
وقد تخلقوا بكثرة الخلاف، وقلة الإنصاف، ولزموا البهت والمعاندة، والشغب والمكابرة، وجهلهم بصناعة الكتب وخلوهم من أداتها، وعدمهم لعددها وآلاتها، وإهمالهم لشرائطها، وإغفالهم للوازمها، وقصور أذهانهم عن إدراك دقائقها، وبعد عقولهم عن تصور حقائقها، ولم يعلموا أن الطبيب محتاج إلى أشياء تعينه في صناعته، وتفتح له مغالقها، وتوضح مشكلها، وتشرح مشتبهها، وتبين له مستعجمها، وتذيقه برد اليقين
(1)
، وتجلو عن عين بصيرته ظلم الشكوك والظنون، وهي العلوم الطبيعية التي تعرفه مبادئها وأوائلها، وتعطيه استقصّاتها وعناصرها
(2)
، والقوانين القياسية التي تسدد ذهنه نحو الصواب فيما يلتمس علمه، ويتطلب فهمه، وتعرفه كيف يحيل
(3)
مطلوباتها إليه، ويبنى قياساته عليها، وكيف يتطرق من جليها إلى خفيها، ويستدل بظاهرها على غائبها، ويأمن الزلل، ووقوع الخطل والخلل، ويحقّق الأسباب والعلل.
ولا بدّ لمن أراد أن يكون طبيباً كاملاً، وحكيماً فاضلاً، من النظر في العلوم الرياضية، ولا سيما النجومية منها والموسيقاوية. وأولى الناس بأن يكون على هذه الصفة أطباء الملك التبعى الألمعى، الذي إنما يستعمل الطبيب والمنجم على جهة الاستظهار، لا على جهة الافتقار والاضطرار. وكيف ونظره الأعلى، وقدحه المعلى، وسهمه الأسد، وباعه الأمد. ومن كان مثله - ولا مثل له في تطبيق المفاصل، وإصابة الشواكل - فخليق به أن يختار، ولا يختار، ويستبد، ولا يستمدّ.
(1)
في الأصل: «برد النفس» ، والوجه ما أثبت.
(2)
الأستقص، ويقال الأسطقص، هو الشئ البسيط الذي منه يتركب المركب، كالحجارة والقراميد والجذوع التي يتركب منها القصر، وكالحروف التي منها يتركب الكلام، وكالواحد الذي يتركب منه العدد. والأسطقسات الأربعة هي النار والهواء والماء والأرض، انظر مفاتيح العلوم للخوارزمي (82).
(3)
في الأصل: «يحلل» .
هيهات أن يأتي الزمان بمثله
…
إن الزمان بمثله لبخيل
فلما [لم] يأخذوا نفوسهم بالإتقان لما قد سلف تعديده، بل استطالوه، واستبعدوا الأمد إليه، ورأوا أن غرضهم من صناعة الطب الذي هو عندهم وبحسب رأيهم، التكسب بما يتم لهم بأقرب مما شرطه الأوائل متناولاً، وأسهل مراماً، لم يحفظوا
(1)
غير أسماء أدوية قليلة العدد يصرفونها في مداواة كل مرض دون إعمال فكرهم في حقيقة نوعه وسببه، ومقتضيه وموجبه.
وقد ذم جالينوس من فرق الطب الثلاث الفرقة الجبلية
(2)
، لحذقها جميع لوازم الصناعة الطبية، واقتصارها في المداواة على النظر في المرض، هل من جنس الاستفراغ فيقابل بالإمساك، أو من جنس الإمساك فيقابل بالاستفراغ، دون الفحص عن أمر المزاج والسن والسجية، والبلد والعادة والماهية. فما ظنك بجالينوس لو شاهد هؤلاء الذين لا يثبتون على نحلة، ولا ينتسبون إلى فرقة، فإن برئ على أيديهم عليل فبرؤه على جهة الاتفاق، وإن هلك فبالواجب والاستحقاق، وهم كما قال الشاعر في مثلهم:
وطبيب مجرب ما له بال
…
نجح في كل ما يجرب عادة
مر يوماً على عليل فقلنا
…
قر عيناً فقد رزقت الشهادة
وكما قال الآخر في بعض حكمائنا المشهورين عند العوام بالحذق والتقدم:
قل للوبا أنت وابن زهر
…
قد جزتما الحد والنهاية
ترفقا بالورى قليلاً
…
في واحد منكما كفاية
أو كما قال بعض أهل العصر أيضاً فيهم:
وطبيب مشعبذ
…
يمزج الطب بالرّقى
(1)
في الأصل: «فلم يحفظوا» .
(2)
في الأصل: «الفرق الجبلية» .
ما رأيناه قط ط
…
بّ عليلا فوفّقا
بل عدم الصّحّة فى ال
…
جسم والقلب والبقا
ذو صفات تغادر ال
…
جسم مما به لقى
عادما للحراك والح
…
سّ والخفّة والنقا
(1)
قد سقاه بها الحما
…
م ولم يدر ما سقى
وقال آخر:
ما خطر النبض على باله
…
يوما ولا يعرف ما الماء
(2)
بل ظنّ أن الطبّ درّاعة
…
ولحية كالقطن بيضاء
(3)
[*]
***
ومن ظريف ما سمعته أنّه كان بمصر منذ عهد قريب رجل ملازم للمارستان يستدعى للمرضى كما تستدعى الأطبّاء، فيدخل على المريض فيحكى له حكايات مضحكة، وخرافات مسلّية، ويخرج له وجوها مضحكة، وكان مع ذلك لطيفا فى إضحاكه وبه خبيرا، وعليه قديرا؛ فإذا انشرح صدر المريض وعادت إليه قوّته تركه وانصرف، فإن احتاج إلى معاودة المريض عاده إلى أن يبرأ، أو يكون منه ما شاء الله.
فليت أطبّاء عصرنا هذا بأسرهم قدروا على مثل هذا العلاج الذى لا مضرّة فيه ولا غائلة له، بل أمره على العليل هيّن، ونفعه ظاهر بيّن؛ كيف لا وهو ينشّط النفس ويبسط الحرارة الغريزية، ويقوّى القوى الطبيعية، ويقوّى البدن على دفع الأخلاط الرديّة المؤذية والفضول، مع الاستظهار بحفظ الأصول.
وأكثر أطبائها المبرزين
(4)
نصارى ويهود، وفى ذلك يقول بعضهم:
(1)
موضع هذه الكلمة بياض فى الأصل.
(2)
يعنى اختبار ماء المريض، وهو بوله.
(3)
الدراعة، كرمانة: جبة مشقوقة المقدم.
(4)
فى الأصل: «المزبرقين» .
[*](تعليق الشاملة): البيتان رواهما العماد فى الخريدة 120:2 منسوبين إلى العينى المصرى، ثم قال:«ووجدت هذين البيتين فى رسالة أبى الصلت منسوبين إلى ظافر الحداد» . [أفاده في المستدرك]
أقول المسلمين طراً
…
تبغون في طبنا
(1)
اشتهاراً
هيهات حاولتم محالا
…
كونوا إذا هوداً أو نصارى
(2)
وأشبه من رأيته منهم وأدخله في عداد الأطباء، رجل من اليهود يدعى أبا الخير سلامة بن رحمون، فإنّه لقى أبا الوفاء
(3)
المبشر بن فاتك
(4)
، فأخذ عنه شيئاً من صناعة المنطق تخصص به وتميز عن أضرابه، وأدرك أبا كثير بن الزفان
(5)
تلميذ أبي الحسن علي بن رضوان
(6)
، وقرأ عليه بعض كتب جالينوس، ثم نصب نفسه لتدريس جميع كتب المنطق، وجميع كتب الفلسفة الطبيعية والإلهية، وشرح بزعمه وفسر ولخص، ولم يكن بذاك
(7)
في تحصيله وتحقيقه، واستقصائه عن لطيف العلم ودقيقه، بل كان يكثر
(8)
كلامه فيضل، ويسرع جوابه فيزل. ولقد سألته في أول لقائي واجتماعي به، عن مسائل استفتحت مباحثته
(9)
بها مما يمكن أن يفهمها من لم يمتد بعد في العلم باعه، ولم يكثر تبحره واتساعه، فأجاب عنها بما أبان عن تقصيره ونطق بعجزه، وأعرب عن سوء
(1)
في الأصل: «طبها» .
(2)
النص التالي نقله القفطي في إخبار العلماء (142 - 143)، وكذلك ابن أبي أصيبعة (2: 106).
(3)
بعد هذه تبتدئ القطعة المحفوظة بدار الكتب رقم 354 تاريخ من الرسالة المصرية وسأشير إليها في التعليقات برمز «ق» .
(4)
ترجم له القفطي (176 - 177) وقال: «هذا رجل أصله من دمشق وموطنه مصر، وهو من الحكماء الأماثل في علم الأوائل
…
وكانت له ابنة عمرت بعده وروت بالإسكندرية أحاديث نبوية. وكان في آخر المائة الخامسة للهجرة».
(5)
عند القفطي: «الكثير البرقاني» ، تحريف. وأبو كثير كنية له واسمه أفرائيم ابن الزفان، قال ابن أبي أصيبعة في (2: 105): «إسرائيلي المذهب، وهو من الأطباء المشهورين بديار مصر» . وقد اشترى منه الأفضل بن أمير الجيوش عشرة آلاف مجلد من كتبه، كان قد ساوم عليها بعض العراقيين.
(6)
انظر ترجمته عند ابن أبي أصيبعة (2: 99).
(7)
ق وابن أبي أصيبعة: «ولم يكن هناك» . وعند القفطي: «ولم يكن هنالك» .
(8)
في الأصل: «تراه يكثر» ، وأثبت ما في سائر المصادر.
(9)
في الأصل: «استقبحت مباحثه بها» ، صوابه في سائر المصادر.
تصوره وفهمه. وكان مثله في عظم دعاويه، وقصوره عن أيسر ما هو متعاطيه
(1)
كقول الشاعر:
يشمر للج عن ساقه
…
ويغمره الموج في الساحل
أو كما قال آخر:
تمنيتم مائتي فارس
…
فردكم فارس واحد
(2)
وكان
(3)
بمصر طبيب من أهل أنطاكية يسمى «جرجس» ، ويلقب بالفيلسوف، على نحو ما قيل في الغراب: أبو البيضاء، وفي اللديغ: سليم، وقد تفرغ للتولع [بأبي الخير سلامة بن رحمون اليهودي الطبيب المصري
(4)
] والإزراء عليه، وكان يزور فصولا طبية وفلسفية يبرزها في معارض ألفاظ القوم، وهي محال لا معنى لها، وفارغة لا فائدة فيها، ثم ينفذها
(5)
إلى من يسأله عن معانيها، ويستوضحه أغراضها، فيتكلم عليها ويشرحها بزعمه دون تيقظ
(6)
و [لا
(7)
] تحفظ، بل باسترسال واستعجال، وقلة اكتراث وسوء اهتبال، فيؤخذ منه
(8)
ما يضحك منه ويشرح الصّدر.
[وأنشدت
(9)
] لجرجس هذا فيه، وهو من أحسن ما سمعته في هجو طبيب مشئوم
(10)
، وأنا متّهم له فيه:
(1)
في الأصل: «نشر ما هو متعاطيه» ، صوابه في سائر المصادر.
(2)
إلى هنا ينتهى نقل القفطي في 142 - 143. وانظر البيان (1: 249).
(3)
النص التالي نقله القفطي في 109 وابن أبي أصيبعة في (2: 106 - 107).
(4)
التكملة من القفطي، وبدلها عند ابن أبي أصيبعة:«بابن رحمون» .
(5)
ق فقط: «ثم ينفذ بها» .
(6)
ق فقط: «تيقن» .
(7)
هذه من القفطي وابن أبي أصيبعة.
(8)
القفطي وابن أبي أصيبعة: «فيوجد فيها عنه» .
(9)
هذه من ق والقفطي وابن أبي أصيبعة.
(10)
كلمة «مشئوم» وما بعدها ساقط من ق. وفي نسخة الأصل: «ومن أحسن ما قيل في ذم الطبيب الجاهل» .
إنّ أبا الخير على جهله
…
يخفّ فى كفّته الفاضل
عليله المسكين من شومه
…
فى بحر هلك ما له ساحل
ثلاثة تدخل فى دفعة
…
طلعته والنعش والغاسل
ولبعضهم:
لأبى الخير فى العلا
…
ج يد ما تقصّر
كلّ من يستطبّه
…
بعد يومين يقبر
والذى غاب عنكم
…
وشهدناه أكثر
(1)
ومما قيل فيه:
جنون أبى الخير الجنون بعينه
…
وكلّ جنون عنده غاية العقل
خذوه فغلّوه وشدّوا وثاقه
…
فما عاقل من يستهين بمختلّ
وقد كان يؤذى الناس بالقول وحده
…
فقد صار يؤذى الناس بالقول والفعل
[*]
وأما المنجّمون الآن بمصر فهم وأطباؤهم كما قد الشّراك من الجلد، بل كما حذيت النّعل بالنعل، لا يتعلّق أمثلهم من علم النجوم بأكثر من زايجة يرسمها
(2)
ومراكز يقوّمها. فأما الإمعان والتبحّر فى معرفة الأسباب والعلل
(3)
، والمبادى
(1)
فى نسخة الأصل: «وسمعنا بوصفه» . وأثبت ما فى ق وابن أبى أصيبعة. ولم يرو القفطى هذه الأبيات.
(2)
جاء فى «مفاتيح العلوم» «للخوارزمى 127: «الزائجة هى صورة مربعة أو مدورة تعمل لمواضع الكواكب فى الفلك لينظر فيها عند الحكم لمولد أو غيره. واشتقاقه بالفارسية من زائش، أى المولد، ثم أعربت الكلمة فاستعملت فى المولد وغيره» . وجاء فى معجم استينجاس (608): «زايجة astronomical tables» أى الجداول الفلكية. وفى نسخة الأصل: «زايرجة» ، وأثبت ما فى ق. والزايرجة، هى - كما ذكر ابن خلدون فى المقدمة - فرع من فروع علم السيميا، يمكن بها استخراج الأجوبة من الأسئلة بارتباط بين الكلمات. فمن الزايرجة المنظومة يستطاع معرفة الأجوبة بطرق خاصة، وحساب معين يدخل فيه الجمع والطرح والضرب. وهناك كلمة أخرى مماثلة، وهى الزيج، وتجمع على أزياج. والزيج: صناعة حسابية بقوانين عددية يمكن بها معرفة الشهور والأيام والتواريخ الماضية والمستقبلة، وهو الدستور لما يسمى عند الفلكين بالتقويم.
(3)
هذا ما فى ق. وفى نسخة الأصل: «ومعرفة الأسباب والعلل» .
[*](تعليق الشاملة): هذا الكلام ورد فى إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطى ص 159. [أفاده في المستدرك]
الأول، فليس منهم من يرقى إلى هذه الدرجة، ويسمو إلى هذه المرتبة، ولا يحلق في هذا الجوّ، ويستضيء بهذا الضو
(1)
إلا أبو الحسن علي بن النضر
(2)
المعروف بالأديب، رضي الله عنه، من أهل صعيد مصر الأعلى، فإنه كان من الأفاضل [الأعيان
(3)
]، المعدودين من حسنات هذا الزمان
(4)
. وسنذكره فيما نستأنفه إن شاء الله تعالى.
وأما الطائفة المقلدة التي حظّها من المعارف القشور دون اللبوب
(5)
، والظواهر دون البواطن، والأشباح دون الأرواح، فأمثل من بها منهم الآن رجل يعرف برزق الله النحاس
(6)
، فإن له في فروع هذه الصناعة بعض دربه وتجربة، وبتجريباتها
(7)
بعض خبرة، وهو أكبر المنجمين بها وكبيرهم الذي علمهم، وأميرهم الذي يلوذون به
(8)
، فجميعهم إليه منسوب، وفي جريدته مكتوب، وبفضله معترف، ومن بحره
(9)
مغترف، وهو شيخ مطبوع يتطايب ويتخالع
(10)
.
ومن حكاياته الظريفة عن نفسه قال: سألتني امرأة مصرية أن أنظر لها في مسألة جملية تخصها، فأخذت ارتفاع الشمس للوقت، وحققت درجة الطالع والبيوت الإثني عشر ومركز الكواكب، ورسمت ذلك كلّه بين يدىّ
(1)
في الأصل: «ولا يحلق» و «لا يستضيء» ، وأثبت ما في ق.
(2)
في الأصل: «ابن النصر» بالصاد المهملة. وأثبت ما في ق.
(3)
هذه من ق.
(4)
ق: «من حسنات الزمان» .
(5)
في اللسان: «ولب الجوز واللوز ونحوهما: ما في جوفه، والجمع اللبوب» .
ق: «اللباب» ، وما أثبت من الأصل أوفق.
(6)
في الأصل: «بن النحاس» ، وصوابه في ق والقفطي 127.
(7)
في الأصل: «وبجزئياتها» ، وأثبت ما في ق. وعند القفطي:«وبتجرباتها» .
(8)
ق: «الذي نوه بهم وقدمهم» . وعند القفطي: «وكبيرهم الذي علمهم السحر» فقط.
(9)
في الأصل: «ومن علمه» ، وأثبت ما في ق.
(10)
يتخالع: يظهر الخلاعة. وفي الأصل: «يتخالق» ، صوابه في ق.
في تخت الحساب
(1)
، وجعلت أتكلم على بيتٍ بيت منها على العادة، وأنا في خلال ذلك أتحسس أمرها
(2)
وهي ساكتة لا تنبس، فوجمت لذلك وأدركتني فترة عظيمة، وألقت إلى درهما
(3)
. قال: فعاودت الكلام وقلت: أرى عليك قطعاً في بيت مالك
(4)
فاحتفظي واحترزي! فقالت: الآن أصبت وصدقت، قد كان والله ما ذكرت. قلت: وهل ضاع لك شيء؟ قالت: نعم، الدرهم الذي ألقيته إليك! وتركتني وانصرفت.
والمصريون أكثر الناس استعمالاً لأحكام النجوم وتصديقاً لها وتعويلاً عليها، وشغفاً بها وسكوناً إليها، حتى إنه قد بلغ من زيادة أمرهم في ذلك إلى أن لا يتحرك واحدٌ منهم حركةً من الحركات الجزئية التي لا تُحصر فنونها ولا تحصل أجزاؤها وأنحاؤها، ولا تضبط جهاتها، ولا تقيّد غاياتها
(5)
، ولا تعد ضروبها إلا في طوالع يختارونها، [ونصب يعتمدونها
(6)
].
ولقد شهدت يوماً رجلاً من الوقّادين في أتون الحمام
(7)
، يسأل رزق الله المذكور عن ساعة حميدة لقص أظفاره، فتعجبت من سمو همته على خساسة قدره
(8)
ووضاعة مهنته.
ومن الحكايات العجيبة في فرط استعمالهم لأحكام النجوم وعنايتهم بها،
(1)
هذا ما في ق، وفي الأصل:«في التخت» .
(2)
ق: «أتحسس لها» .
(3)
القفطي: «وكانت قد ألقت إلى درهما» .
(4)
هذا ما في ق والقفطي، وفي الأصل:«ضياع بيت مالك» .
(5)
ق: «ولا تقدر أساليبها» .
(6)
هذه من ق.
(7)
ق: «أتون حمام» .
(8)
ق: «مع خساسة قدره» .
ما شهدت بالصعيد الأعلى. وذلك أن بعض الولاة حبس رجلاً من [بعض
(1)
] أهل تلك الناحية كان ينظر في علم النجوم، وشفع
(2)
إليه فيه من يكرم عليه، فشفعه فيه، وأمر بإطلاقه وكان من الحبس في عذاب واصب، وجهد ناصب، فلما أتوه وقالوا له: انطلق لشأنك
(3)
، أخرج من كمه أصطرلاباً فنظر فيه ثم أخذ طالع الوقت فنظر فيه، فوجده مذموما، فسألهم أن يتركوه مكانه
(4)
إلى أن يتفق وقت يصلح للخروج من السجن، فعادوا إلى الوالي فأخبروه يخبره
(5)
، فضحك منه وتعجب من جهله، وفساد عقله، وأجابه إلى سؤاله، وتركه على حاله، وأطال مدة اعتقاله.
وفيما أوردته من أخبار الأطباء والمنجمين الآن بمصر كفاية وبلاغ، إلى أن أنتصب له انتصاباً ثانياُ، فأقول فيه قولاً شافياً.
وأما الآن فإني ذاكر على الشرط من لقيته من أدبائها وظرفائها، وفضلائها في الأدب وعلمائها.
وأولاهم بالتقديم، وأحقهم بالحظ الأوفر من التعظيم «القاضي أبو الحسن علي ابن النضر
(6)
» المعروف بالأديب، ذو الأدب الجم والعلم الواسع، والفضل البارع. وله في سائر أجزاء الحكمة اليد الطولى، والرتبة الأولى. وقد كان ورد الفسطاط يلتمس من وزيرها الملقب الأفضل تصرفا وخدمة فخاب فيه أمله،
(1)
هذه من ق.
(2)
ق: «فشفع» .
(3)
ق: «لسبيلك» .
(4)
في الأصل: «أن يصبروا عليه» ، وأثبت ما في ق.
(5)
في الأصل: «خبره» ، وأثبت ما في ق.
(6)
في الأصل: «النصر» بالمهملة، تحريف صوابه في ق والخريدة (2: 195) من مخطوطة دار الكتب رقم (10098 ز) والطالع السعيد للأدفوى. حيث ذكر أنه كان أحد عمال الديار المصرية في زمن الأفضل شاهنشاه.
وضاع رجاؤه، وأخفق سعيه، فقال من قصيدة يعاتب فيها الزمان، ويشكو الخيبة والحرمان:
بين التعززِ والتذللِ مسلكٌ
…
بادى المنار لعين كلَّ موفقِ
فاسلكه في كل المواطن واجتنب
…
كبر الأبيّ وذلةَ المتملقِ
ولقد جلبتُ من البضائع خيرها
…
لأجلَّ مختار وأكرم متقِ
(1)
ورجوتُ خفض العيش تحت رواقه
…
لا بد إن نفقت وإن لم تنفق
(2)
ظناً شبيهاً باليقين ولم أخلْ
…
أن الزمان بما سقاني مشرقي
ولعائبي بالحرص قول بين
…
لو كنتَ شمتَ سحابةُ لم تطرق
(3)
ما ارتدتً إلا خيرَ مرتادٍ ولم
…
أصلِ الرجاءَ بحبل غير الأوثق
(4)
وإذا أبى الرزقَ القضاءُ على امرئ
…
لم تغنِ فيه حيلةُ المسترزق
ولعمرُ عاديةِ الخطوب وإنْ رمت
…
شملي بسهم تشتّت وتفرّق
(5)
لأقارعنّ الدهرَ دون مروءَتي
…
وحرمتُ عزَّ النًصرِ إن لم أصدق
(6)
وله في سفرته هذه
(7)
وقد قوى يأسه من بلوغ أمله ونيل بغيته، وعزم على الصدر
(8)
عن الفسطاط إلى مستقره، يحض على الزّهادة، ويحرّض على القناعة
(1)
في الأصل:
ولقد جلبت من البضائع جلها
…
من كل مختار وأكرم ما انتقى
[وأثبت ما في ق والخريدة والطالع السعيد. بيد أن الكلمة الأخيرة في الطالع السعيد: «موثق» .
(2)
ق: «ووجدت» . وكلمة «رواقه» هي في الأصل: «ظلاله» ، وأثبت ما في ق والخريدة. وفي الطالع السعيد:«تحت ردائه» ، تحريف.
(3)
في الأصل: «ولعائنى» صوابه في ق. وفي الخريدة: «ولعاتبى» .
(4)
ق: «بغير حبل الأوثق» ، وفي الخريدة:«بحبل غير موثق» .
(5)
في الأصل: «رمت حظى» ، صوابه في ق والخريدة.
(6)
في الأصل: «لأصيرن اليأس» ، صوابه في ق والخريدة.
(7)
في الأصل: «وله من قصيدة غير هذه» وأثبت ما في ق والخريدة.
(8)
ق: «الصدور» ، وهما صحيحان، يقال صدر يصدر صدرا وصدورا.
ويذمّ الضّراعة، ويتأسّف على إذالة خدّه، وإراقة ماء وجهه:
لهفى لملك قناعةٍ لو أنني
…
متعت فيه بعزه المتملكِ
ولكنزِ يأسٍ كنتُ قد أحرزتُه
…
لو لم تعثْ فيه الخطوبُ وتفتكِ
آليتُ أجعلُ ماء وجهي بعده
…
كدمٍ يهلُّ به الحجيجُ بمنسك
وأخٍ من الصبر الجميل قطعته
…
في طاعة الأمل الذي لم يدرك
يا قاتلَ الله الضرورة حالةً
…
أيَّ المسالكِ بالفتى لم تسلك
(1)
كم بات مشكوّ إليه [تحيفت
…
حلقاته قرعا] براحةِ ممسك
(2)
وفمٍ على قدم رمت، ونواظر
…
كحلت محاجرها بموطئ سنبك
(3)
ومسربل بالصبر والتقوى دعت
…
فأجامها في معرض المتنسك
(4)
ظلت تصرفه كتصريف العصا
…
رأسَ البعير لمبرك عن مبرك
وله إلى رئيس كان يكلفه زيارته ويقعد عن ذلك تعاظما وتكبراً:
أكبرتَ نفسك أن تسعى مصادفةً
…
وسمتنيه لقد كلفتني شططا
(5)
لا تكذبنَّ فما كنّا لنوجب من
…
حقٍ وأنت تراه عنك قد سقطا
لو بعتك النفس بيعاً كنت تملكها
…
به لكان عليك العدل مشترطاً
(6)
فهل سبيلٌ إلى أن لا تواصلني
…
ولا تكلف مثلى هذه الخططا
(7)
عسى صحيفةُ ما بيني وبينك أن
…
تطوى وما ضمّنت غير الذي فرطا
(8)
(1)
هذا ما في ق والخريدة، وفي الأصل:
يا قاتل اللّه الضرورة إنها
…
سلكت مهالك بالفتى لم تسلك
(2)
في الأصل: «لم يأت» ، وصواب البيت وتكملته من ق والخريدة.
(3)
هذا البيت ساقط من الأصل.
(4)
في الأصل: «ومسربل بالنصر» ، صوابه في ق والخريدة.
(5)
في الأصل والخريدة: «مصارفة» بالراء، وأثبت ما في ق.
(6)
ق والخريدة: «به على لكان العدل» .
(7)
في الأصل: «ولا تكلف مثلي الطرق والخططا» ، صوابه في ق والخريدة.
(8)
في الأصل: «وما قد من أمرنا فرطا» ، صوابه في ق والخريدة.
وله
(1)
في صدر رسالة:
أتى كتابك عن سخط فآنسنى
…
بما تضمن أنس العين بالوسنِ
(2)
قرأته فجرت في كلّ جارحة
…
منّى معانيه جرى الماء في الغصن
(3)
فما أقول بعثتَ الروح فيه إلى
…
قلبي ولكن بعثتَ الروح في بدني
وله في شدة أصابته:
يا مستجيبَ دعاء المستجير به
…
ويا مفرج ليلِ الكربة الداجي
قد أرتجت دوننا الأبوابُ وامتنعت
…
وجلَّ بابك عن منعٍ وإرتاج
تخافُ عدلك أن يجري القضاءُ به
…
ونرتجيك فكن للخائف الراجي
(4)
ومن شعرائها المشهورين أبو الطاهر بن إسماعيل بن محمد المعروف بابن مكنسة
(5)
، وهو شاعر كثير التصرف، قليل التكلف، مفتن في وشي
(6)
جد القريض وهزله، وضارب بسهم في رقيقه وجزله. وكان في ريعان شبيبته، وعنفوان حداثته، يعشق غلاماً من أبناء عسكرية المصريين، يدعى عز الدولة فائق، وهو الآن بمصر من رجال دولتها المعدودين وأكابرها المقدمين. ولم يزل مقيما على عشقه له، وغرامه به إلى أن محا محاسنه الشعر، وغير معالمه الدهر. ولم يزل معز الدولة
(7)
هذا متعهّدا له محسنا إليه، مشتملا عليه، إلى أن فرق الدهر بينهما. وكان في أيام أمير الجيوش بدر الجمالي منقطعاً إلى عامل من النصارى يعرف بأبى مليح،
(1)
بعد هذه الكلمة في الأصل بياض بقدر صفحتين من الأصل، وقد أمكنني سد هذه الثلمة من ق والخريدة. والقدر المشترك بين ق والخريدة ينتهى إلى كلمة «الراجي» ختام الأبيات الجيمية التالية، ثم تنفرد «ق» بإتمام النقص الذي سأنبه على نهايته.
(2)
في الخريدة: «فأبأسنى» ، تحريف صوابه في ق والطالع السعيد. وصدره في الطالع السعيد (222):«وافى كتابك» .
(3)
في الطالع السعيد: «نفخت الروح» .
(4)
إلى هنا ينتهى القدر المشترك من التكملة بين ق والخريدة، ثم تنفرد «ق» .
(5)
ترجم له ابن شاكر في الفلوات (1: 26) وقال: «توفى في حدود الخمسمائة» .
(6)
في الأصل: «وعى» .
(7)
سبق قريبا بلفظ «عز الدولة فائق» وهكذا وردا بالأصل.
وأكثر أشعاره فيه، فلما انتقل الأمر إلى الأفضل تعرّض لامتداحه، فلم يقبله ولم يقبل عليه، وكان سبب حرمانه ما سبق لأبي مليح ومراثيه ميتا، لا سيما قوله:
طويت سماء المكرما
…
تِ وكورت شمسُ المديحِ
ما كان بالنكس الدن
…
ي من الرجال ولا الشحيح
كفر النصارى بعد ما
…
عقدوا به دين المسيح
وكفله عز الدولة بن فائق، وقام بحالة إلى أن مات.
ولم يقبل الأفضل على أحد من الشعراء كإقباله على رجل من أهل معرة النعمان
(1)
يدعى أبا الحسن علي بن جعفر بن النون
(2)
فإنه أفاض عليه سحائب إحسانه، وأدر له حلوبة إنعامه، ولقبه بأمين [الملك
(3)
] وأدناه واستخلصه، ولم يكن شعره هناك
(4)
بل كان متكلفاً متعسفاً، ولست أعرف أحداً من أهل تلك البلاد يروي له بيتاً واحداً فما فوقه، لمنافرة الطباع كلامه، ونبو الأسماع عن طريقته. وقد كان أمره الأفضل يوماً أن يصف مجلساً عبّيت فيه فواكه ورياحين، فقال من مزدوجته
(5)
يصف الأترج المصبع:
كأنما أترجه المصبعُ
…
أيدي جناة من زنود تقطع
فغلط ولم يفطن، وأساء أدبه ولم يشعر؛ لأنه قصد مدح الأترجّ فقذر نفس الملك منه وصرفها عنه، ولو قصد ذمة لما زاد على ما وصف به من الأيدي المقطوعة من زنودها.
والبليغ الحاذق من إذا وصف شيئاً أعطاه حقه، ووفاه شرطه، ووصفه بما
(1)
إلى هنا ينتهى السقط الذي نبهت عليه في أول الصفحة السابقة.
(2)
ق: «النوين» .
(3)
هذه من ق.
(4)
في الأصل: «هناك بالجيد» صوابه، في ق، وكلمة «بالجيد» مقحمة.
(5)
في الأصل: «مزدوجات» صوابه في ق.
يناسبه في حالتي مدحه وذمه، ووضع كل شيء في مكانه في نثره ونظمه
(1)
.
فأين هذا الشاعر في أدبه وحذقه بالصناعة
(2)
وفطنته، من أبي علي الحسن ابن رشيق، وقد أمره المعز بن باديس أن يصف أترجه [مصبّعة
(3)
] كانت بين يديه
(4)
، فقال مرتجلاً على البديهة:
أترجّة سبطة الأطراف ناعمة
…
تلقى العيونَ بحسنٍ غير مبخوسِ
(5)
كأنها بسطت كفا لخالقها
…
تدعو بطول بقاء لابن باديس
ولو أن ابن الرومي قصد مدح الورد بقوله:
يا مادحَ الورد ما ينفك من غلطه
(6)
…
أما تأملته في كفِّ ملتقطه
كأنه سرم بغلٍ حين يبرزه
…
عند الخراء وباقي الروث في وسطه
لكان غالطاً أو جاهلاً أو غافلاً، بل قال ذلك حين قصد ذمه وأراد تخسيسه.
فانظر هذا التشبيه الذي لم يسمع أعجب منه. فلعن اللّه شيطانه
(7)
!
وكذلك عبد الله بن المعتز في قوله يصف القمر من أبيات:
وبات كما سَرّ حساده
…
إذا رام قرباً من النوم شذّ
(8)
تفزّزه سروات البعوضِ
…
في قمر مثل ظهر الجرذ
(9)
وقول ابن المعتز في القمر من أبيات:
يا سارقَ الأنوارٍ من شمس الضحى
…
يا مثكلى طيب الكرى ومنغّصى
(1)
ق: «من نثره ونظمه» .
(2)
ق: «ومعرفته بالصناعة» .
(3)
هذه من ق.
(4)
في الأصل: «كانت في يده» ، وأثبت ما في ق.
(5)
مبخوس: منقوص. وفي الأصل «منحوس» ، صوابه في ق.
(6)
هذا ما في ق. وفي الأصل: «من غلط» .
(7)
هذا ما في ق. وفي الأصل: «فلعن اللّه ذلك» .
(8)
في ديوان ابن المعتز (2: 116): «كما سر أعداءه» .
(9)
في الأصل: «فمن قمر» ، صوابه من الديوان.
أمّا ضياء الشمس فيك فناقصٌ
…
وأرى حرارة نارها لم تنقص
لم يظفر التشبيهُ فيك بطائل
…
متسلخاً بهقاً كجلد الأبرص
(1)
وهذا باب لو استقصيناه لطال واتسع
(2)
، فلنتركه ولنصل من حبلنا ما انقطع
(3)
.
وقال إسماعيل بن مكنسة
(4)
من قصيدة:
أعاذلُ ما هبت رياحُ ملامةٍ
…
بنار هوىَ إلا وزادت تضرّما
فكلنى إلى عين إذا جفّ ماؤها
…
رأت من حقوق الحبّ أن تذرف الدّما
فكم عبرة أعطت غرامي زمامها
…
عشيةَ أعملن المطيَّ المزمما
وعين حماها أن يلمّ بها الكرى
…
أحاديث أيام تقضين بالحمى
ولله قلبٌ قارعته همومه
…
فلم يبق حدٌّ منه إلا تثلما
(5)
وله من أخرى:
دقت معاقد خصره فكأنها
…
مشتقة من عهده وتجلدي
(6)
وتجعدت أصداغه فكأنها
…
مسروقة من خلقه المتجعّد
(7)
[ومنها
(8)
]:
(1)
في الديوان: «منك بطائل» . وفي الأصل: «بمسلخ» ، صوابه في ق. وفي الديوان:«مسلخ» .
(2)
هذا ما في ق. وفي الأصل: «لو استقصيته لاتسع» .
(3)
هذا ما في ق. وفي الأصل: «من غرضنا ما انقطع» .
(4)
ق: «أبو الطاهر بن مكنسة» ، وكلاهما صحيح.
(5)
في الأصل: «مثلما» ، وأثبت ما في ق والخريدة (2: 301).
(6)
في الأصل: «من قده» ، صوابه في ق وفي الخريدة (2: 299) «من تيهه» ، وليست بشئ.
(7)
في الأصل: «من شعره» ، وأثبت ما في ق والخريدة،
(8)
هذه من ق.
ما باله يجفو وقد زعم الورى
…
أنّ الندى يختصّ بالوجه الندي
(1)
لا يخدعنك وجنةٌ محمرّة
…
رقّت ففي الياقوت طبع الجلمد
وله من قصيدة:
وعسكرىّ أبداً حيثما
…
تلقاه يلقاكَ بكلِّ السلاح
حاجبه قوس وأجفانه
…
نبلٌ وعطفاه تثنى الرماح
[راح وفعل الراح فيه كما
…
يفعل بالغصن نسيم الرياح
(2)
أغار في هذا البيت الأخير على خالد الكاتب في قوله:
رأت منه عيني منظرينِ كما رأت
…
من الشمس والبدر المنيرِ على الأرضِ
(3)
عشيةَ حياني بوردٍ كأنه
…
خدودٌ أضيفت بعضهن إلى بعض
(4)
[وناولني كأساً كأنَّ مزاجها
…
دموعيَ لما صدَّ عن مقلتي الغمض
(5)
]
وراح وفعل الراح في حركاته
…
كفعل نسيم الريح في الغصن الغضِّ
وأما البيت الذي قبله
(6)
فقد تداوله الشعراء. ومن مليح ما وقع فيه قول بعض أهل العصر:
بي من بني الأصفر ريمٌ رمى
…
قلبي بسهم الحور الصائب
سهمٌ من اللحظ رمتني به
…
من كثب قوسٌ من الحاجب
كأنما مقلته في الحشى
…
سيفٌ علىّ بن أبي طالب
وله في ورق كاغد أهدى إليه:
(1)
كلمة «يجفو» ساقطة من الأصل. وإثباتها من ق والخريدة.
(2)
البيت ساقط من الأصل، وإثباته من ق والخريدة (2: 301).
(3)
في الأصل: «كأنما هو الشمس» ، وأثبت ما في ق والخريدة.
(4)
في الأصل: «على بعض» ، وأثبت ما في ق.
(5)
هذا من الخريدة فقط.
(6)
يعنى قوله:
حاجبه قوس وأجفانه
…
نبلٌ وعطفاه تثنى الرماح
أهدي لنا ورقاً أر
…
قَّ من الشراب المستحيل
خلقا تمزقه الخطو
…
ط كأنه عرض البخيل
لا بالصبيغ ولا الصقي
…
ل ولا العريض ولا الطويل
إلا بياضاً خلته
…
وضحاً على جسم نحيل
(1)
وقد استوفى بعض أهل العصر هذا المعنى، فقال يذكر رزمة كاغد أخرجت إليه من خزانة السلطان، تستعمل في ديوان الإنشاء، وكان بعض كتاب الديوان يسرق الكاغد، فسلمت تلك الرزمة منه لدمامتها وخسة ثمنها:
وكاغدٍ يشبه حالاتنا
…
في كلّ معنى ويحاكيها
جنّس للخطّ به صورة
…
لا شيء في القبح يدانيها
(2)
ينفذ في صفحته كلُّ ما
…
ترسمهُ أقلامنا فيها
نودعه مكنون أسرارنا
…
وهو إلى الألحاظ يفشيها
مختلف الأجزاء مستخشن
…
تلمسه الكفُّ فيدميها
كجلدة الأبرصِ في لونه
…
وصفاً على الحق وتشبيها
لو كان خلقاً كان مستبشعاً
…
أو كان خلقاً كان تشويها
يعثر الأقلام حتى ترى
…
مفلولة فيه مواضيها
(3)
يتركها تشبه أعجازها
…
في عدم البرى هواديها
(4)
من بعد ما ضاهى بأطرافها
…
أطراف سمر الخطّ باريها
(5)
(1)
هذا البيت ساقط من ق.
(2)
في الأصل: «فيها ما يدانيها» ، صوابه من ق.
(3)
يقال أعثره إعثارا وعثره تعثيرا. وفي الأصل: «يغير الأقلام» وأثبت ما في ق.
(4)
الكلمة الأولى ساقطة من الأصل، كما سقطت كلمة «البرى» ونصف الكلمة التي بعدها، وإتمامه من ق. وفي ق:«في قدم البرى» ، ووجهه ما أثبت من الأصل.
وهواديها بمعنى أوائلها، أي رءوسها.
(5)
ورد البيت في الأصل مبتورا، منتهيا بكلمة «أطراف» وإتمامه من ق.
وتفعل الأنملُ في جريها
…
كالبرق
…
يها
(1)
وكم غدا يسلبها جاهداً
…
من كان بالنفس يفديها
يقول من يبصر أطباقه
…
شلت يدٌ باتت تعبيها
قد عبث السوس بأوساطها
…
وقرض الفأرُ حواشيها
(2)
لو عرضت رزمتهُ لم تجد
…
مشترياً في الخلق يشريها
لو بذل الفلس بها غالطاً
…
أوسع تضييعاً وتسفيها
(3)
لا يرزأ السارقُ منها ولا
…
يغتالها من حيلة فيها
(4)
تحصى الحصى مستوفيا عدّه
…
من قبل أن تحصى مساويها
(5)
من ذم ذا نقصٍ وذا خسةٍ
…
فهو بذاك الذم يعنيها
(6)
وقال أبو الطاهر
(7)
:
قلت إذ عقربَ الدلا
…
لُ على خده الشعر
هذه آيةٌ بها
…
ظهر الحسنُ وانتشر
ما رئى قبلَ صدغه
…
عقربٌ حلت القمر
(8)
هذا معنى مليح ولكنه سرقه من بيتين أنشدنيهما بمصر رجل يسمى أبا محمد التكريتي، من تلاميذ أبي حامد الغزالي، لأبي حامد، ولم أسمعها من غيره:
(1)
كذا جاء البيت في الأصل، وهو ساقط من ق.
(2)
في الأصل: «بأطرافها» ، والوجه ما أثبت من ق.
(3)
تضييعا كذا وردت.
(4)
في الأصل: «نعبا لها» صوابه في ق. و «من حيلة» هي في الأصل وق: «في حيلة» .
(5)
مستوفيا عده، مكانها بياض في الأصل، وإثباتها من ق.
(6)
كلمة «وذا خسة» موضعها أبيض في الأصل، وإثباتها من ق.
(7)
هو أبو الطاهر إسماعيل بن محمد، المعروف بابن مكنسة، وقد سبق التنبيه على اسمه في ص 43.
(8)
في الخريدة (2: 302): «ما رئي قط قبل ذا» .
حلت عقارب صدغه في خده
…
قمراً فجلّ بها عن التشبيه
(1)
ولقد عهدناه يحلُّ ببرجها
…
فمن العجائب كيف حلت فيه
وقال أبو الطاهر أيضاً من قصيدة وقد عزم عليه بعض الأمراء في الخروج
(2)
معه إلى الشام لقتال الغز
(3)
، أولها:
غير عاصٍ عليك تقويم عودي
…
فانقصى من ملامتي أو فزيدي
(4)
قل لمولاي إذ دعاني لأمر
…
قمت فيه له مقامَ العبيد
ضعفت حيلتي وقل غنائي
…
ودنت غايتي ورثّ جديدى
(5)
أنا ما لي وللشآم وإني
…
لأرى نار حربها في وقود
بلد جنّه عفارية الغ
…
زَّ وأرضٌ وحوشها من أسود
(6)
والجفار التي تقول إذا ما
…
قيل هلا امتلأت: هل من مزيد
(7)
وكأن بي على بعيرٍ تراني
…
آخر الناس في لفيف الحشود
(8)
أسود الوجه ناظرا في أمور
…
معضلات من الحوادث سود
(1)
وكذا روى في وفيات الأعيان، في ترجمة أبى حامد الغزالي. وفي الخريدة وق:
«ويجل به عن التشبه» . قال ابن خلكان: «ورأيت هذين البيتين في موضع آخر لغيره» .
(2)
ق: «في المسير» .
(3)
في اللسان والقاموس أن «الغز» جنس من الترك.
وانظر ابن الأثير (9: 141 - 147).
(4)
في الأصل: «غير عاض» صوابه من الخريدة (2: 308). وفي ق: «عاس» يقال عسا إذا اشتد.
(5)
الغناء، بالفتح: النفع. وفي الأصل: «عنائي» صوابه في ق والخريدة (2: 308).
(6)
في الأصل: «حنة» صوابها في ق والخريدة. والعفارية بياء قبل الآخر: جمع عفرية، وهو العفريت. وفي الأصل:«عفاربه» وفي ق والخريدة: «عفارته» صوابهما ما أثبت. انظر اللسان (عفر 263).
(7)
الجفار: جمع جفرة بالضم، وهي الحفرة الواسعة المستديرة. وفي الأصل وق:
«الذي يقول» صوابه في الخريدة. وفي الخريدة: «قيل امتلأت هل مزيد» ، وفي ق:
«قل هل امتلأت» ولا يستقيم الوزن بأحدهما. والوجه ما أثبت.
(8)
في الأصل: «وكأني على» ، وأثبت ما في ق والخريدة.
وإذا قيل في غدٍ يلتقي النا
…
س فلا تنسَ فهو بيت القصيد
حيث لا ناظرى تراه حديدا
…
حين يبدو له بريق الحديد
حيث لا يتّقى لساني ولا يث
…
نى عنان المغير عنّى نشيدى
(1)
إن رأيي إذا يسدد نحوي
…
سهم رامٍ لغير رأي سديد
(2)
فإذا ما قتلتُ كنت خليقاً
…
بدخولي جهنما وخلودي
فاقلني عثارها وابقَ للمج
…
د وكبتِ العدى وغيظِ الحسود
(3)
وقال من قصيدة في طريقة أبي الشمقمق
(4)
:
أنا الذي حدّثكم
…
عنه أبو الشمقمق
وقال عني إنني
…
كنت نديم المتقى
وكنت كنت كنت كن
…
ت من رماة البندق
حتى متى ألفي كذا
…
تيساً طويل العنق
(5)
بلحية سابلة
…
وشارب محلّق
(6)
[يا ليتها قد خلقت
…
من وجه شيخ حلقى
(7)
]
وقال
(8)
من أخرى:
عشت خمسين بل تزي
…
د رقيعا كما ترى
(1)
ق: «رأس البعير عنى» ، وفي الخريدة:«زمام البعير» .
(2)
ق والخريدة: «إذا تسدد نحوى» ، يقال سدده فتسدد.
(3)
ق والخريدة: «وابق للحمد» .
(4)
ق: «أبو الرقعمق» ، وهو شاعر آخر وليس مرادا. أما أبو الشمقمق فهو مروان ابن محمد وكان معاصرا لبشار وأبى نواس. وترجمته في «تاريخ بغداد» 7128 وابن خلكان في تضاعيف ترجمة يزيد بن مزيد. ولم يفرد له ترجمة. وأما أبو الرقعمق فهو أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكي، وترجم له الثعالبي في اليتيمة (1: 238) وابن خلكان في الوفيات (1: 41).
(5)
ق والخريدة: «حتى متى أبقى» .
(6)
في اللسان: «يقال سبل سابل» . وفي الخريدة: «بلحية مسبلة» .
(7)
البيت من ق والخريدة. والحلقى: المأبون، وجاءت في أصلها:«حلق» محرفة.
(8)
في الأصل: «وقوله» ، صوابه في ق.
أحسبُ المقل بندقاً
…
وكذا الملحَ سكراً
(1)
وأظنُّ الطويل من
…
كل شيء مدورا
قد كبر بر ببر ببر
…
ت وعقلي إلى ورا
عجباً كيف كلُّ شي
…
ءٍ أراه تغيرا
لا أرى البيض صار يؤ
…
كل إلا مقشرا
وإذا دق بالحجا
…
ر زجاجٌ تكسرا
وإذا مات ميت
…
لا يشمنّ عنبرا
(2)
ومن شعراء المصريين زماننا هذا من يقول - وهو أبو مشرف الدجر جاوى
(3)
، وهو منسوب إلى دجرجا، وهي ضيعة
(4)
بالصعيد الأعلى:
قاضٍ إذا انفصل الخصمان ردهما
…
إلى الخصام بحكم غير منفصل
يبدي الزهادةَ في الدنيا وزخرفها
…
جهراً ويقبل سراً بعرةَ الجمل
ومنهم من يقول، وهو أبو الحسن علي بن البرقي، من أهل قوص:
رماني الدهرُ منه بكلِّ سهمٍ
…
وفاجأني ببين بعد بين
(5)
وجمع في فؤادي كلَّ حزنٍ
…
وفرق بين أحبابي وبيني
ففي قلبي حرارةُ كلَّ قلب
…
وفي عيني مدامعُ كل عين
وله من أبيات:
ولي سنةٌ لم أدر ما سنةُ الكرى
…
كأن جفوني مسمعي والكرى العذل
(6)
(1)
المقل: ثمر الدوم. وفي الأصل: «البقل» ، وفي ق والخريدة:«المصل» والوجه ما أثبت. وفي الأصل: «سكرا. وأحسب الملح سكرا» ، صوابه في ق والخريدة.
(2)
البيت ساقط من ق والخريدة. وفي الأصل: «لا يسمن» ، تحريف.
(3)
قال ياقوت، عند الكلام على دجرجا:«قد خرج منها شاعر متأخر يعرفه المصريون يقال له (أبو) المشرف. وله شعر جيد» وفي الأصل: «الدجرجراى» صوابه في ق والخريدة.
(4)
في الأصل: «إلى ضيعته دجرجرا وهي» ، صوابه في ق.
(5)
في ق ركب صدر هذا البيت على عجز تاليه فصارا بيتا واحدا. وكذا جاء في الطالع السعيد للأدفوى 219
(6)
في الأصل: «وبين جفوتى» صوابه في ق والخريدة والطالع السعيد. والكلمة الأخيرة من البيت ساقطة من الأصل وإثباتها من النسخ الثلاث.
ومنهم من يقول، وهو أبو محمد عبد الله بن الطباخ الكاتب، يهجو رجلاً أوقص. أنشدتهما لأبي الحسن [علي بن
(1)
] الصوفي الحنبلي
(2)
:
قصرت أخادعه وغاض قذاله
…
فكأنه متوقع أن يصفعا
(3)
وكأنه قد ذاق أول درة
…
وأحس ثانية لها فتجمعا
ومنهم من يقول، وهو أبو عبد الله محمد بن مسلم الكاتب:
تعسّفها الحادي وقد هجر الفلا
…
ومرّ عليها الخمسُ يتبعه العشر
(4)
وأنحلها لفحُ الهجير كأنّه
…
هوى وهو قلب قد أضرّ به الهجر
ومنهم من يقول، ولا أتحقّق إسمه، في رجل يلقب بالرشيد
(5)
:
شتان ما بين الرش
…
يد وبين هارونَ الرشيد
هذا يعزّر بالجلو
…
د وذا يعزز بالجنود
(6)
ومنهم من يقول، وهو محمود بن ناصر الإسكندري
(7)
كاتب القاضي ابن حديد، في طبيب أعلم مشوه الخلق:
صديقنا المستطبُّ نادرةٌ
…
قد أخذت منه أعينُ الناس
(8)
أنياب غول ومشفرا جملٍ
…
ورأس بغل وذقن نسناس
ومنهم من يقول، وهو أبو نصر ظافر بن قاسم المعروف بالحداد
(9)
من أهل الإسكندرية، وكتب إلىّ بها في رسالة:
(1)
هذه من ق.
(2)
ق: «الجبلي» .
(3)
في الأصل: «وغاب قذاله» ، وأثبت ما في ق.
(4)
في الأصل: «تعشقها» ، صوابه ما في ق.
(5)
في الأصل: «يسمى هارون الرشيد» ، وأثبت ما في ق.
(6)
التعزير: ضرب للتأديب دون الحد. وهذا هو الوضع الصحيح للبيت كما في الأصل. وجاء على العكس في ق وليس بشئ:
هذا يعزز بالجنو
…
د وذا يعزز بالجلود
(7)
ق: «الإسكندرانى» .
(8)
في الأصل: «قد أخذتها من أعين الناس» ، صوابه في ق والخريدة.
(9)
ترجم له ابن خلكان في «وفيات الأعيان» ، وياقوت في «إرشاد الأريب» وذكر أنه توفى سنة 529.
وما طائرٌ قصَّ الزمانُ جناحه
…
فأعدمه وكراً وأفقده إلفا
تذكر زغباً بين أفنانِ أيكةٍ
…
خوافي الخوافي ما يطرن بها ضعفا
إذا التحف الظلماءَ ناجى همومه
…
لترجيع لحنٍ كاد من رقّة يخفى
(1)
بأشوق منى إذ أطاعت بكَ النوى
…
هوائيةٌ مائيةٌ تسبق الطرفا
تولت وفيها منك ما لو أقيسه
…
بما هي فيه كان في فضله أوفى
(2)
وقال أيضا:
رحلوا فلولا أنّنى
…
أرجو اللّقا لقضيت نحبي
(3)
والله ما فارقتكم
…
لكنني فارقت قلبي
(4)
ومنهم من يقول، وهو أبو القاسم بن رشد
(5)
المصري:
وكم قائلٍ ليَ سافر إلى
…
بلاد العراق تقع في الرخاء
(6)
لعمري لقد صدقوا قد وقع
…
ت وسط الرخاء بتقديم خاء
ومنهم من يقول - وهو الناجي المصري - يهجو حماما:
إن حمامنا الذي نحنُ فيه
…
هو في حاجةٍ إلى حمامِ
قد دخلنا ونحن أولاد سامٍ
…
وخرجنا ونحن أولاد حامِ
وقال بعض أهل العصر في هذا المعنى:
حمامنا هذا أشد ضرورة
…
ممن يحلُّ به إلى حمامِ
تبيضُّ ألوان الورى في غيره
…
ويعيرها هذا ثيابَ سخام
قد كنتُ من سامٍ فحين دخلته
…
لشقاء جدي ردني من حام
(7)
ومنهم من يقول، وهو أبو الحسن مروان بن عثمان:
تمكّن منى السّقم حثّى كأنني
…
توهّم معنى في خفىّ سؤال
(1)
ق: «من دقة» .
(2)
ق: «كان في وصفه وفي» .
(3)
(4)
ق: «واللّه ما فارقتهم» .
(5)
في الأصل: «بن زبيد» وأثبت ما في ق.
(6)
ق: «الرخا» بالقصر، وكذا «خا» بالقصر في البيت التالي.
(7)
في الأصل: «دخلتها» ، صوابه في ق والخريدة (2: 305).
[ولو سامحت عيناه عينيَّ في الكرى
…
لأشكل من طيف الخيال خيالي
(1)
]
سمحت بروحي وهي عندي عزيزةٌ
…
وجدت بقلبي وهو عنديَ غالي
وقد خفتُ أن تقضى علىّ منيتي
…
ولم أقضِ أوطاري بيوم وصال
(2)
وهونَ ما ألقي من الوجد أنه
…
صدودُ دلال لا صدودُ ملال
فلو كان ذاك الصدُّ منه ملالة
…
شددت عن الدنيا مطىّ رحالى
(3)
هذا من قول العباس بن الأحنف:
لو كنتِ عاتبةً لسكن لوعتي
…
أملي رضاك وزرتُ غير
(4)
[مراقب
لكن صددتِ فلم تكن ليَ حيلة
…
صدُّ الملول خلاف صدّ العاتب
ولمروان:
ما بالِ قلبك يستكينُ
…
أبه غرام أم جنونُ
(5)
برحَ الخفاء بما تج
…
نُ، فأذهب الشك اليقين
حتى متى بين الجوا
…
نح والضلوع هوىً دفين
وإلى متى قلبُ المت
…
يم في يد البلوى رهين
يا ماطلى بديونِ قل
…
بي آنَ أن تقضي الديون
شخصت له فيك العيو
…
نُ وقسمت فيك الظنون
وسلبتَ ألباب الورى
…
بلواحظٍ فيها فتون
وقوام أغصان الريا
…
ض وأين تدركك الغصون
الحسن في الأغصان
…
فنّ وهو في هذا فنون
(1)
البيت من الخريدة (2: 203).
(2)
في الأصل: «منية» ، وأثبت ما في ق والخريدة.
(3)
هذا البيت ساقط من ق.
(4)
بعد هذا بياض في الأصل بقدر نحو صفحتين، وقد أكملته من ق والخريدة (2: 204)، والقدر المشترك بينهما في التكملة هو السطر الأخير فقط مما وضع بين معكفين، وأما سائر التكملة فهو من الخريدة فقط.
(5)
يجوز في رويه الإسكان والتحريك.
من أين للأغصان ذا
…
ك الغنجُ والسحر المبين
أم ذلك الورد الجن
…
ي بخده والياسمين
ومنهم من يقول، وهو أبو إسحاق إبراهيم بن الأشعث]:
إذا حل محمودٌ بأرضٍ فإنه
…
يفجر فيها من ندى كفه عينا
(1)
فتنبت نوراً مشبهاً لهباتهِ
…
يرى ورقاً بعض وبعض يرى عينا
(2)
وله في غلام مليح أسمر:
يا ذا الذي ينفق أمواله
…
في حبِّ هذا الرشا الفائق
(3)
ما الذهب الصامت مستكثراً
…
إذهابه في الذهب الناطق
(4)
ومنهم من يقول في معشوق له تمتام، وهو محمود بن إسماعيل بن حميد الدّمياطى:
تمتمة تمّ غرامى بها
…
وعارضٌ عرضني للسقام
ووفرةٌ همي بها وافر
…
وحاجب حجب عنّى المنام
(5)
وله من أبيات يصف الخمر:
وبتّ ليلي أرى النار التي سجدت
…
لها المجوس من الإبريق تسجد لي
هذا - أطال الله بقاء الحضرة السامية - ما أملاه الخلد، على اليد، في مدة متقاربة الطرفين، ضيقة ما بين الحاشيتين. فإن تراخت المدة استدركت الفائت
(6)
واستلحقت الناقص، إن شاء اللّه تعالى.
نجزت يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي القعدة عام 1091 بأدرنة.
(1)
في الأصل: «غيثا» ، صوابه في ق والخريدة. والعين في هذا: الينبوع الجاري.
(2)
في الأصل «غيثا» ، صوابه في ق والخريدة. والورق: الفضة، تقال بفتح الراء وكسرها، وفتح الراء هنا أوفق للصناعة. والعين في هذا البيت بمعنى الذهب. وفي ق والخريدة:
«يرى ورقا بعضا وبعضا يرى» وتقرأ: «يرى» بهذه الرواية على أنها مضارع أرى.
(3)
ق: «الأسمر الفائق» .
(4)
في الخريدة: «مستنكرا» ، وفي الأصل:«ذهابه» ، وأثبت ما في ق والخريدة (2: 205).
(5)
في الأصل: «الملام» ، صوابه في ق.
(6)
في الأصل: «الفائق» ، صوابه في ق.
كتاب المردفات من قريش لأبي الحسن علي بن محمد المدائني 135 - 225
رواية أبي الحسن علي بن محمد بن عبيد الكوفي، عن أبي القاسم عبد اللّه بن محمد، عن أبي جعفر أحمد بن الحارث، عن المدائني
مقدمة
هذه الرسالة القيّمة الطريفة في موضوعها - وهو موضوع حيوى اجتماعي فيه الإفصاح عن كثير من غوامض الحياة الاجتماعية في الصدر الأول من الإسلام - صنعها راوية جليل من رواة الأخبار، يعدّ في الصدر من رجالات التأليف في العصر العباسي، هو أبو الحسن المدائني علي بن محمد بن عبد اللّه بن أبي سيف.
وأبو الحسن هذا بصرى سكن المدائن، ثم انتقل عنها إلى بغداد فلم يزل بها حتى وافاه الأجل. وكان مولى لعبد الرحمن بن سمرة القرشي، وهذا يكشف لنا القناع عن سرّ تأليفه لهذه الرسالة يتناول فيها أخبار النساء المردفات من قريش.
وكان أبو الحسن ميّالا إلى التأليف في أخبار العرب وأنسابهم وأيامهم، عالما بالفتوح والمغازي، وكان لما أنعم اللّه به عليه من عمر مديد جاوز التسعين، أثر عظيم في ضخامة مكتبته التي أخرجها للناس، وتناولها ابن النديم في الفهرست بالسرد، فأربت على (مائتين وأربعين مصنفا) يلمح القارئ في عنواناتها جلال علم هذا الرجل، واتساع معارفه، وتبحّره في فنون التأليف والرواية.
ولد أبو الحسن سنة 135 وترعرع في كنف مولاه عبد الرحمن بن سمرة القرشي، وعندما انتقل إلى بغداد وصل حبله بإسحاق بن إبراهيم الموصلي فكان لا يفارق منزله. ومما هو جدير بالذكر أن أبا الحسن أغمض إغماضته الأخيرة في منزل صاحبه إسحاق الموصلي في سنة 225، وكان إسحاق يبر أبا الحسن برّا ظاهرا، ويروى أن يحيى بن معين سأله مرة وقد جاز عليه وهو على حمار فاره:
إلى أين يا أبا الحسن؟ فقال: إلى هذا الكريم الذي يملأ كمي من أعلاه إلى أسفله دنانير ودراهم. يعنى إسحاق الموصلي.
هذه المكتبة المدائنية التي ابتلعتها أحداث التاريخ فيما طوت من كنوز
الثقافة العربية، يقف الباحث من بعدها موقف الحسرة والأسى، وهو إنما يستروح بشئ من العزاء حينما يلمح بعض هذه الآثار في مقتبسات المؤلفين الذين رووا من تلك الكتب أطرافا، وفي طليعتهم أبو الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغانى. واليوم نظفر بعزاء جديد حين ننشر على هذا الملأ من المتأدبين والعلماء قطرة من نبع آثار المدائني، هي تلك الرسالة التي تزدان بها المكتبة التيمورية التي حفظ فيها المغفور له العلّامة أحمد تيمور باشا كثيرا من نفائس الإنتاج العربي، وهي في صحبة مجموعة تشتمل على 11 رسالة رقمها 80 مجاميع، وعليها خط المغفور له الشيخ طاهر الجزائري. وقد جعل عنوان هذه الرسالة:«رسالة المتزوجات من قريش» .
وهذا العنوان موضع نظر، فإن «المتزوجات» من قريش لا يحصيهنّ العدّ، وليس يخطر ببال مصنّف أن يضع في ذلك كتابا، فإن الزواج أمر عام جدّا ليس له طايع من الغرابة يسترعى النظر والاهتمام، فهذه الكلمة محرفة لا ريب.
وحين ننظر إلى موضوع الكتاب نجد أنه يتناول النساء القرشيات اللاتي أردفن زوجا بعد زوج ولم يكتفين بزوج واحد، لظروف متباينة ساقتهن إلى ذلك أو ساقت ذلك إليهن.
ثم نعود بعد ذلك إلى ثبت كتب المدائني فنجد بين كتب مناكح الأشراف وأخبار النساء كتاب «المردفات من قريش» ، فكلمة «المردفات» التي يراد بها اللائي أردفن زوجا بعد زوج، هي الكلمة التي تصحح كلمة «المتزوجات» وهي الكلمة التي تنطبق على موضوع الكتاب أتمّ الانطباق.
وتبدأ سلسلة رواية هذه النسخة بأبى الحسن علي بن محمد بن عبيد الكوفي صاحب ثعلب المولود سنة 254 والمتوفى سنة 348، وتنتهى بتلميذ المدائني وراويته أحمد بن الحارث بن المبارك الخزاز المتوفى سنة 257. وهذه هي الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد قال: أنبأنا أبو جعفر أحمد بن الحارث الخزاز، قال: أنبأنا أبو الحسن المدائني علي بن محمد، قال:
1 -
تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقُتِل عنها فخطبها سعيد بن العاص فقالت: إن مثلي لا تزوّج نفسي، فائت أهلي. فأتى الحسن بن علي عليهما السلام فخطبها فقاربه فبعث إليها سعيدٌ بمائة ألف، وكلم الحسن الحسين فأبى. وقد كان الحسن وعد سعيداً وعداً، فأتاه سعيدٌ وحده فقال: أين أبو عبد الله؟ قال الحسن: لم يحضر ولن يخالفني إذا فعلت. فقال سعيد: إني أكره أن أدخل بينكم بشئ تكرهونه فرجع ولم يرجع في المال ولم يطلبه. ثم تزوجها عون بن جعفر، ثم تزوجها محمد بن جعفر. وقد ولدت لعمر زيدا ورقيّة، فتزوج رقية إبراهيم بن نعيم النحّام
(1)
، وماتت هي وابنها زيد في يوم واحد.
2 -
حدثنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال:
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط تزوجها زيد بن حارثة، ثم خلف عليها الزبير بن العوام فحملت. وكان الزبير شديدا على النساء، فأقام عندها سبعة أيام فولدت له ابنة، وقالت له حين ضربها المَخَاض: طيب نفسي بتطليقة. فطلّقها وخرج إلى الصلاة، فلحقه رجل فقال: قد ولدت أم كلثوم. فقال: خدعتنى خدعها اللّه! ولم يكن له عليها رجعة. وخطبها فأبت أن تزوجه. ويقال: أتى النبي عليه الصلاة والسلام فأخبره فقال: «قد مضى فيه القرآن، ولكن إن شئت خطبتها إلى نفسها» . قال: لا ترجع إلىّ أبداً.
وابنتها من الزبير زينب. ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف بعد زيد ثم
(1)
انظر خبر زواج إبراهيم بن نعيم النحام في الأغانى (4: 146) والمعارف ص 80.
الزبير. فولدت لعبد الرحمن محمداً وإبراهيم وحميداً وإسماعيل، ثم تزوجها عمرو ابن العاص فأخرجها معه إلى مصر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجها معه في بعض مغازيه تداوي الجرحى وضرب لها بسهم، فقالت يوماً لخباز عمرو
(1)
: لا تهيّئ له اليوم طعاماً فإني قد هيأت له غداءه. ودعا عمرو بالغداء، فقال الخباز: أرسلت إليَّ أم كلثوم: لا تكلف شيئاً فقد هيأت له غداءه.
قال: فغدنا فتغدى، فلما فرغوا وخرج من حضر قال لأم كلثوم: لا تعودي فإني لم أتزوجك لتطعميني، وإنما تزوجتك لأطعمك. فماتت عنده.
3 -
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: كانت هند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية، عند الفاكه بن المغيرة، فقتل عنها بالغميصاء
(2)
في الجاهلية، ثم خلف عليها حفص بن المغيرة، فمات عنها، فتزوجها أبو سفيان بن حرب.
4 -
عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل، أنبأنا أبو الحسن عن جويرية ابن أسماء وعامر بن حفص قالا:
عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، أمها ميمونة بنت الحضرمي بن الصعبة
(3)
كانت عند عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة فأحبها، فكان ربما ترك الصلاة جماعة، فأمره أبو بكر رضي الله عنه بطلاقها وقال: قد فتنتك عن دينك، وشغلتك عن معيشتك. فطلقها. فطلقها، وقال:
ولم أر مثلي طلّق اليوم مثلها
…
ولا مثلها في غير جرمٍ تطلق
لها خلقٌ سمحٌ ورأيٌ ومنصبٌ
…
وخلقٌ سويٌ في الحياء ومصدق
(4)
(1)
يطلق الخباز على من كان يشرف على إعداد الطعام وطهيه. انظر التحقيق في حواشي الحيوان (5: 457).
(2)
الغميصاء: موضع في البادية بالقرب من مكة.
(3)
في الإصابة 695 من قسم النساء، أن أمها أم كريز بنت عبد اللّه بن عمار بن مالك الحضرمية.
(4)
المصدق: الصدق. وفي الأصل: «في الحياة» ، وفي الأغانى (16: 128):
«في حياء» .
أعاتكُ لا أنساكِ ما هبت الصبا
…
وما ناح قمريُّ الحمامِ المطوقُ
أعاتكُ لا أنساكِ ما حجَّ راكبٌ
…
وما لاح نجمٌ في السماء محلقُ
أعاتكُ قلبي كلَّ يومٍ وليلةٍ
…
إليك بما تخفي النفوسُ معلقُ
ولولا اتقاء الله في حقِّ والدٍ
…
وطاعته ما كان منا التفرقُ
فبلغ أبا بكر شعره فأمره فراجعها، وكانت عنده حتى مات شهيداً، أصابه سهم في حصار الطائف فانتقض به جرحه فمات، فقال لعاتكة حين احتضر: لك حديقة من مالي ولا تزوجي. ففعلت ذلك. وقال حين راجعها:
أعاتك قد طلّقت عنى بغصّة
…
وراجعت للأمر الذي هو كائنُ
(1)
كذلك أمر الله غادٍ ورائحٌ
…
على الناس فيه ألفةٌ وتباينُ
وقد كان قلبي للتفرق طائراً
…
وقلبي لما قد قرب الله ساكنُ
أعاتكُ إني لا أرى فيك سقطةً
…
وإنك قد حلت عليك المحاسنُ
(2)
وإنك ممن زين اللهُ أمرهُ
…
وليس لما قد زين اللهُ شائنُ
(3)
فمات عبد الله وترك سبعة دنانير، فقال أبو بكر: إنا لله، كيف يصبر ابني على سبع كيات
(4)
. فلما مات عبد الله قالت عاتكة:
فجعتُ بخير النّاس بعد نبيهم
…
وبعد أبى بكر وما كان قصرا
فآليتُ لا تنفك عيني سخينةً
…
عليك ولا ينفكُ جلديَ أغبرا
مدى الدهر ما غنت حمامةُ أيكةٍ
…
وما طردَ الليلُ الصباحَ المنورا
فلله عينا من رأى مثله فتى
…
أكرَّ وأحمى في الجهاد وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنةُ خاضها
…
إلى الموت حتّى يترك الرّمح أحمرا
(1)
في الأغانى: «في غير ريبة
…
وروجعت».
(2)
في الأغانى: «سخطة
…
وإنك قد تمت».
(3)
في الأغانى: «وجهه
…
وليس لوجه زانه اللّه».
(4)
يعنى بذلك جزاءه على ما اكتنز من الدنانير. (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم).
فخطبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إنّى قد جعلت على نفسي ما لا أقدر [معه] على التزويج. فقال: استفتى ابن أبي طالب رضى اللّه عنه.
فاستفتته فقال: ردي عليهم ما أخذته منهم وتزوجي. فردت الحديقة، فتزوجها عمر رضي الله عنه، فلما دخل بها أولم، فدنا علي رضي الله عنه من خدرها وقال:
فآليتُ لا تنفك عيني سخينةً
…
عليك ولا ينفكُّ جلديَ أغبرا!
فبكت، فقال عمر: ما أردت إلا أن تفسد علينا أهلنا
(1)
. ويقال قال هذه المقالة لها عبد الرحمن بن أبي بكر. فلما قتل عمر قالت:
فجعني فيروزُ لا درَّ درهُ
…
بأبيضَ تالٍ للقرآنِ منيبِ
رؤوف على الأدنى غليظٍ على العدى
…
أخي ثقةٍ في النائباتِ نجيبِ
متى ما يقل لا يكذب القولَ فعله
…
سريع إلى الخيرات غير قطوب
وقالت:
عينُ جودي بعبرة ونحيب
…
لا تملي على الإمام النجيب
فجعتني المنونُ بالفارس المق
…
دم يوم الهياج والتذبيب
(2)
عصمةِ الناس والمعين على الده
…
ر وغيثُ المنتاب والمحروب
قل لأهل الضراءِ والبأس موتوا
…
قد سقته المنونُ كأس شعوبِ
فخطبها طلحة بن عبيد الله، فمشى في أمرها هبار بن الأسود فأفسد عليه، فتزوجها الزبير بن العوام، فنهاها عن الخروج إلى المسجد فقالت: أتنهاني عن الخروج إلى الصلاة وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا تمنعوا إماء اللّه من مساجد الله» . فأعرض عن ذلك أياماً ثم قعد لها في طريقها ليلاً، فلما مرت به ضرب عجيزتها بيده - وكانت عظيمة العجيزة جميلة - فرجعت إلى بيتها واسترجعت وقالت: سوأة، إنا لله. وتركت الخروج، فقال لها الزبير: مالك تركت
(1)
في الأصل: «أهلها» .
(2)
التذبيب: إكثار الذب والدفع. وفي الأغانى: «التلبيب» .
الصلاة في المسجد؟ قالت: قد فسد الناس أبا عبد الله! فقتل عنها فقالت:
غدرَ ابن جرموز بفارس بهمة
…
يوم اللقاء وكان غير معرد
يا عمرو لو نبهته لوجدته
…
لا طائشاً رعشَ الجنان ولا اليدِ
شلت يمينك إن قتلت لمسلماً
…
حلت عليك عقوبةُ المتعمدِ
(1)
كم غمرةٍ قد خاضها لم ينهه
…
عنها طرادك يا ابن فقع القرددِ
ثم خطها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالت: إني أشفق عليك من القتل، لم أتزوج رجلاً إلا قتل فتزوجها محمد بن أبي بكر فخرجت معه إلى مصر فقتل ومثل به، فقالت:
إن تقتلوا أو تمثلوا بمحمّد
…
فما كان من شأنِ النساء ولا الخمرِ
(2)
فتزوجها عمرو بن العاص.
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن، عن أبي مقرر، عن محمد بن عمرو، أن ابن أمية بن خلف
(3)
رأى رؤيا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافة أبي بكر فقصها فقال: رأيت أن هذا الرجل قد هلك، وأنت مكانه، فبعثت إلى هذه المرأة فتزوجتها - يعني عاتكة بنت زيد - فدخلت عليك وأنت عروس وعلى باب بيتك ستر. فقال عمر: بل يبقى الله خليفة رسول الله. فلما توفي أبو بكر أرسل إليها فخطبها.
5 -
سكينة ابنة الحسين عليه السلام، أمها الرباب بنت امرئ القيس الكلبية
(4)
تزوجها عبد الله بن الحسن وهو أبو عذرتها، فمات - ويقال قتل مع الحسين - فتزوجها مصعب بن الزبير فولدت له ابنة، فأرسل إليها: سمّيها زبراء
(1)
انظر خزانة الأدب (4: 348 - 352) في الكلام على هذا البيت.
(2)
يقال مثل به يمثل مثلا مثل قتل يقتل قتلا، ومثل به تمثيلا، إذا نكل به.
(3)
هو ربيعة بن أمية بن خلف، كما في طبقات ابن سعد 8:194. وانظر خبر ربيعة هذا في الأغانى 13: 107.
(4)
انظر خبر تزويج الرباب الحسين بن علي في الإصابة 484، قسم النساء.
قالت: أسميها باسم إحدى أمهاتي. فسمتها خديجة أو فاطمة. فماتت ابنتها من مصعب وهي صغيرة، فحملها مصعب إلى العراق فقتل عنها.
وقال ابن قيس الرقيات حين تزوج مصعب سكينة - ويقال قالها الحارث ابن خالد المخزومي حين خرج مصعب بعائشة بنت طلحة:
رحل الأمير بأحسن الخلق
…
وغدا بلبكَ مطلعَ الشرقِ
(1)
وبدت لنا من تحت كلتها
…
كالشمس أو كغمامة البرقِ
وتنو فتثقلها عجيزتها
…
مشيَ النزيف ينوءُ بالوسقِ
(2)
فظللت كالمقمور خلعته
…
هذا الجنون وليس بالعشقِ
(3)
ما صبحت زوجاً بغرتها
…
إلا غدا بكواكب الطلقِ
وتروي هذه الأبيات لرجل من ثقيف قالها في امرأة من ثقيف.
وخطب سكينة عبد الملك بن مروان فقالت أمها: والله لا أزوجها منه أبداً وقد قتل ابن أختي - تعني مصعباً
(4)
- فتزوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله ابن حكيم بن حزام - وأم عبد الله بن عثمان رملة ابنة الزبير بن العوام - فولدت له سكينة ابناً يقال له قرين، وحكيماً، وابنة ويقال ابنتين. فمات عنها فتزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان، فأصدقها صداقاً كثيرا، فقال
(1)
في الأصل: «بليل» ، صوابه من ديوان ابن قيس الرقيات 101. وفي الأغانى (3: 103): «وغدوا بلبك» .
(2)
الديوان 103: «نهض الضعيف» . والوسق، ستون صاعا، أو حمل بعير.
(3)
الخلعة، بضم الخاء وكسرها: خيار المال، لأنه يخلع قلب الناظر إليه. وفي الأغانى:
«مهجته» .
(4)
هو مصعب بن الزبير، وكان عبد الملك قد سار إلى العراق، فالتقى مع مصعب بمسكن، من أرض العراق، فقتل مصعب سنة 72. وفي ذلك يقول عبيد اللّه بن قيس الرقيات:
إن الرزية يوم مس
…
كن والمصيبة والفجيعه
بين الحوارى الذي
…
لم يعده يوم الوقيعه
عبد الملك: إنا تزوجنا أحسابنا فلم نغرق في الصداق، طلقها. فطلقها، فقال أيمن بن خريم:
نكحت سكينةُ في الحساب ثلاثةُ
…
فإذا دخلتَ بها فأنتَ الرابعُ
إن البقيعَ إذا تتابعَ زرعه
…
خابَ البقيعُ وخابَ فيه الزارعُ
(1)
فتزوجها زيد بن عمرو بن عثمان - وأمه أم ولد - فأصدقها صداقاً كثيراً، واشترطت عليه أن لا يعصي لها أمراُ ولا يغيرها، ولا يمنعها شيئاً تريده، ولا يمنع أحداً يدخل عليها، وأن يقيمها حيث خلّتها أم منظور
(2)
. فتزوجها على هذه الشروط، فقال له سليمان بن عبد الملك: يا زيد بن عمرو، إنك شرطت لسكينة أن لا تطأ جارية، وعندك أمثال المها، وأنا أعلم أنك لا تصبر وأنك قد وطئت بعضهن، وشرطت لها شروطاً لا تستطيع أن تفي بها، وقد حرمت عليك سكينة.
فطلقها زيد فتزوّجها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، فأبى أهلها أن يرضوا، فخاصموه وتحاكموا إلى إبراهيم بن هشام، فقال له: انطلق فادخل على أهلك، فإن حال بينك وبينها أحد فامنعه. وكان إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف شرساً كثير الشر، فجاء في رجال من بنى زهرة، فأعانه قوم من قريش، وجاء بنو هاشم وبنو أمية وأرسل عبد الله بن عمرو بن عثمان مواليه وغلمانه في السلاح، فقيل للوالي: إن لم تمنعهم تقاتلوا. فأرسل فرد الفريقين، وكتب إلى هشام فكتب إليه هشام: خيروها، فإن اختارته فاحملها إليه. فاختارت نفسها، وأتى الخبر إبراهيم فأتاها فقال: أنا خير الناس لك. قالت: ما تقول، يا بأبي؟! فعلم أنها تهزأ به، فانصرف فخيّروها فاختارت نفسها، فجاء علي بن حسين بن حسين عليهم السلام فحملها.
وكانت سكينة تقول لزوجها زيد بن عمرو بن عثمان: اخرج إلى مكة وأخرج
(1)
البقيع: الأرض الواسعة، ولا تسمى بقيعا إلا وفيها شجر.
(2)
في الأصل: «أن يقفها حيث جلتها أم منظور» . صوابه من الأغانى (14: 163).
معك أشعب. فيخرجه ويخرج من أرادت، فإذا قضوا حجهم ورجعوا فكانوا في نصف الطريق قالت: يا ابن عثمان، ارجع إلى مكة. فيقول: نعم. فإذا صرفوا الإبل إلى مكة قال لها: يا سكينة ما أستطيع أن أخالفك وقد انصرف الناس، فإن رأيت أن تمضي معهم. فتقول: نعم فتمضي معهم يومهم ذلك، ثم تقول:
يا ابن عثمان، ارجع! فيقول: نعم. فنفعل ذلك مراراً، ومع هذا مواتاة منها وقرة عين وشفقة ونصيحة، وإنما كان ذلك كله منها مزاحاً لتسره ثم ترجع إلى ما يريد. فعتب عليها يوماً في بعض الأمر فصارمها وخرج إلى قصر له في ماله.
قال أشعب: فدعتني ليلة بعد العشاء فقالت: ويلك، هل لك أن تأتي ابن عثمان فتعلم لي علمه أية خرج وأخذ. قلت: لا أستطيع أن أذهب هذه الساعة.
قالت: فإني أعطيك ثلاثين ديناراً. قلت: ادفعيها إلي. فأعطتني ثم مضيت فانتهيت إلى القصر بعد ما هزيع من الليل، وليس على باب القصر أحد، فدخلت الدار فإذا هو بين يديه مصباح، قد نزل عن فرشه وهو ينكت في الأرض، فسمع حسي أو رأى خيالي فقال: إن في الدار إنساناً فانظروا من هو. فجاءوني فرأوني فقالوا: شعيب
(1)
. فدعا بي فقال: ويلك يا شعيب ما قصتك؟ قلت:
أرسلتني سكينة. قال: ولم؟ قلت: ذكرت منك ما ذكرت منها فأرسلتني أعلم لها علمك. قال: ويحك، غنني فإن جئتني بما في نفسي فلك حلتي الطبرية
(2)
فقد أخذتها بثلاثمائة
(3)
. فغنيته:
علق القلبُ بعض ما قد شجاه
…
من حبيب أمسى هوانا هواه
(1)
يعنون أشعب، وهو ترخيم، كما قالوا في أحمد: حميد، لغير نداء.
(2)
الطبرية: نسبة إلى طبرستان. وفي الأصل: «الصبرية» بالصاد، تحريف.
وجاء في كتاب (التبصر بالتجارة) للجاحظ 22 بتحقيق العلامة حسن حسنى عبد الوهاب باشا:
«وخير الطيالسة الرويانية الطبرية» . وفي الحيوان (3: 27): «قلت لأحمد بن رياح:
اشتريت كساء أبيض طبريا بأربعمائة درهم».
(3)
أي ثلاثمائة درهم. انظر ما سبق.
ما ضراري نفسي بهجرانِ من لي
…
س مسيئا ولا بعيدا نواه
قال: ما عدوت ما في نفسي. وأعطاني حلته، فرجعت إلى سكينة وهي جالسة تنتظر رجوعي، فأخبرتها عنه وعن حاله التي رأيت عليها وما قلت وما صنع. قالت: فأين الحلة؟ قلت: معي. قالت: أفتريد يا شعيب أن تلبس حلة قد لبسها ابن عثمان وتسلبه إياها، لا ولا كرامة. قلت: والله لألبسنها.
قالت: فأنا أشتريها منك. فاشترتها بمائة دينار، ويقال بثلاثين ديناراً.
وكان تزويج إبراهيم بن عبد الرحمن بها أنها مكثت حيناً بعد زيد لا تخطب، فقالت لها مولاة لها: جعلت فداك، لا أرى أهل المدينة يذكروننا.
قالت: أما والله لأجعلن لهم حديثا. فأرسلت إلى إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وكان شرسا كثير الشر، فقالت له: كيف أنت إن تزوجتك؟ قال:
تجديني خير الناس
وكانت ظريفة فقيل لها: يا سكينة، أختك ناسكة وأنت مزاحة. قالت:
إنكم سميتموها باسم جدتها المؤمنة، وسميتموني باسم جدتي التي لم تدرك الإسلام
(1)
.
ويقال إنها لما زفت إلى زيد فحملت، قالت لمولى لها كان يمشي مع دابتها يقال له بخة: ويلك ما لك. وقالت لرجل: قوم هذا الأديم.
وذكر الفرزدق سكينة وشبّب بها وعمر بن عبد العزيز على المدينة، فأخرجه منها ونفاه. فقال جرير في ذلك:
نفاك الأغرُّ ابن عبد العزيز
…
بحقّك تنفى من المسجد
(2)
(1)
أختها فاطمة بنت الحسين بن علي، سميت باسم جدتها فاطمة بنت الرسول زوج على ابن أبي طالب. ومما هو جدير بالذكر أن اسم سكينة بنت الحسين، هو آمنة، وأما سكينة فلقب لها. وسميت آمنة باسم جدتها آمنة بنت وهب أم الرسول صلوات اللّه عليه. انظر الأغانى (14: 158).
(2)
وكذا رواية النقائض 798. وفي الأغانى (19: 52): «ومثلك ينفى».
وطافت سكينة بنت حسين رضي الله عنه، فلما انتهت إلى الركن اليماني أعيت في أول طواف، ونظر إليها العرجيُّ فقال:
يقعدنَ في التطوافِ آونةً
…
ويطفنَ أحياناً على فترِ
حتى استلمنَ الركنَ في آنفٍ
…
من ليلهنَّ يطأن في الأزرِ
ففرغنَ في سبعٍ وقد جهدت
…
أحشاؤهن موائلَ الخمرِ
فسمعت شعره امرأة ووصفته لها، فحفظت الشعر فأخبرتها، قالت:«لو أن الجمال طفن سبعا لجهدت أحشاؤهن» .
وقال أبو دهبل يمدح عبد الله بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام - وهو زوج سكينة، ولدت منه قريناً، وحكيماً، وابنة. وأم عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم رملة ابنة الزبير - فقال:
أكرم بنسلٍ منكَ بين محمدٍ
…
وبين عليٍ فاسمعنَّ كلامي
وبين حكيم والزّبير فلا أرى
…
لهم شبهاً في منجدٍ وتهامِ
تمطتْ به بيضاء فرعُ نجيبةٍ
…
حصانٌ وبعض الوالدين عرام
(1)
6 -
أخبرنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أم إسحاق بن طلحة بن عبيد الله كانت عند الحسن بن علي بن أبي طالب رضى اللّه عنه، فولدت له طلحة، فلما حضرته الوفاة أمر أخاه الحسين بن علىّ أن يتزوجها، فتزوجها فولدت له فاطمة بنت الحسين. فقتل الحسين فتزوجها محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فولدت له آمنة.
7 -
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: ميمونة ابنة عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي بكر، كانت عند عبد العزيز بن الوليد، فولدت له عبد الملك، وعتيقاً، ثم خلف عليها محمد بن الوليد، ثم خلف عليها هشام بن عبد الملك.
(1)
العرام: الأذى. وفي البيت إقواء.
8 -
عائشة ابنة طلحة. أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن عن سحيم بن حفص قال: تزوج عائشة ابنة طلحة عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو أبو عذرتها، فولدت له أولاداً، فابنها طلحة الذي يقول له الشاعر:
يا طلح إن كنت أعطيتني
…
جماليّة تستخفّ الضفارا
(1)
فما كان نفعك لي مرةً
…
ولا مرتين ولكن مرارا
أبوك الذي بايع المصطفى
…
وسار مع المهتدى حيث سارا
قال أبو الحسن: عن سحيم، صارمت عائشة زوجها، وكان في خلقها زعارة، خرجت وهي مصارمة له في ملحفة فمرت في المسجد حتى دخلت حجرة عائشة، فرآها أبو هريرة رضي الله عنه فسبح وقال: كأنها من الحور. فمكثت عند عائشة قريبا من أربعة أشهر، فأرسلت عائشة إلى ابن أخيها: إني أخاف عليك الإيلاء إن تمّت أربعة أشهر، فضمها إليك. وكان يلقي منها البلاء، فقيل له طلقها، فقال:
يقولون طلقها، وأصبحَ ثاويا
…
مقيما عليك الهمُّ، أحلامُ نائمِ
وإنَّ فراقي أهلَ بيتٍ أودهم
…
لهم زلفةٌ عندي لإحدى العظائم
فكيف بصفو العيشِ من بعدَ بينهم
…
وسخطهمُ يوماً على الأنف خاطمي
وخطبها مصعب بن الزبير فقالت: إن تزوجته فهو علي كظهر أمي.
ثم سألت أهل المدينة فقالوا: أعتقي رقبة وتزوجيه. فتزوجها فأصدقها خمسمائة ألف، وأهدى لها خمسمائة ألف. فقال أنس بن أبي أنس بن زنيم:
بضعُ الفتاةِ بألفِ ألفٍ كاملٍ
…
وتبيتُ ساداتُ الجنود جياعا
لو لأبي حفصٍ أقولُ مقالتي
…
وأبثّه ما قد رأى لارتاعا
(2)
فبلغ الشعر عبد الله بن الزبير فقال: إن مصعباً قدم خيره، وأخر أيره.
وبلغ الكلام عبد الملك بن مروان فقال: لكن عبد الله قدم أيره وأخر خيره.
أحمد قال: قال أبو الحسن: قال الشعبي: كان يجالسنا أيام الفتنة رجل فقلت: من أنت؟ قال: مولى عائشة بنت طلحة، خطبها مصعب بن الزبير وتزوجها فأحبها، وكانت خطبة جميلة من امرأة في أذنها عظم، وفي ساقها حموشة
(1)
وقال قوم: في قدمها عظم. فأغارها مصعب يوماً فسمته.
أنبأنا أحمد قال: قال أبو الحسن: عن علي بن مجاهد عن الشعبي قال: قال الشعبي: أخذ بيدي مصعب فمضى وأنا معه حتى دخل منزله ويده في يدي فرفع ستراً فإذا عائشة، فإذا أحسن الناس وجهاً، فأعرضت وخلاني ودخل، فرجعت ثم رحت إليه بالعشى وهو جالس فأشار إلي بيده فقال: رأيت ذاك الإنسان؟
قلت: نعم. فقال: أفرأيت مثله؟ فقلت: لا. قال: تلك ليلى التي يقول فيها الشاعر:
وما زلتُ من ليلى لدنْ طرَّ شاربي
…
إلى اليوم أخفي حبها فأباينُ
(2)
وأحملُ في ليلى لقلبي ضغينةً
…
وتحملُ في ليلى عليَّ الضغائن
يا شعبي رأيت عائشة وما بد لك إذ رأيتها من صلة. ثم قال لابن أبي فروة:
أعط الشعبي عشرة آلاف درهم وعشرين ثوبا. فقتل عنها مصعب فخطبها بشر ابن مروان. وقدم عمر بن عبيد الله بن معمر من الشام فنزل إلى الكوفة، فبلغه أن بشراً خطب عائشة فأرسل إليها: «أنا خير لك من هذا المبسور
(3)
، وأنا ابن عمك وأحق بك، وإن تزوّجت بك ملأت يتك خيراً، وملأت حرك أيرا».
فبنى بها بالحيرة فمهدت له فرشا سعة عرضها أربع أذرع، فأصبح ليلة بنائها عن
(1)
الحموشة: الدقة، وفي الأصل:«جموسة» ، محرفة.
(2)
البيتان لكثير عزة كما في الأغانى (2: 133) وروايته: «وأداجن» .
(3)
الميسور: من به الباسور.
تسعة
(1)
. وكان عمر غليظاً أحمر يحتجم كل سبعة أيام، فأخرجها معه إلى فديك
(2)
ولها يقول الشاعر:
أنعمْ بعيشةَ عيشاً غير ذي رنقِ
…
وانبذْ برملةَ نبذ الجورب الخلقِ
وقال آخر:
من يجعل الديباج عدلاً للزّيق
- أراد الريح، وهو ريح الخميس
(3)
-
بين الحواريَّ وبين الصديقْ
فمات عنها فبكته، فعلموا أنها لا تزوج.
أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن، عن سحيم بن حفص قال: قالت رملة بنت طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي لمولاة عائشة: أريني عائشة متجردة، ولك ألفا درهم. فقالت لمولاتها: إن رملة جعلت لي ألفي درهم إن رأتك متجردة.
قالت: فإني أتجرد لها فأعلميها. وتجردت وجعلت تغتسل مدبرة ومقبلة، ورملة تنظر إليها، ثم لبست ثيابها فأعطت رملة مولاتها ألفي درهم ثم قالت: وددت أني أعطيتك أربعة آلاف ولم أرها.
قال أبو الحسن: عن أبي عمرو طارق بن المبارك قال: قال عمر بن ربيعة لعائشة بنت طلحة يشبب بها:
أصبح القلبُ في الحبال رهيناً
…
مقصداً يوم فارق الظاعنينا
لم يرعني إلا الفتاة وإلا
…
دمعها في الرداء سحا سنينا
(4)
عجلت حمةُ الفراق علينا
…
برحيلٍ ولم تخف أن تبينا
أنتِ أهوى العبادِ قرباً وودّا
…
لو تواتين عاشقا محزونا
(1)
الذراع يذكر ويؤنث.
(2)
فديك، بالتصغير: موضع، ولم يعينه ياقوت ولا صاحب القاموس.
(3)
كذا وردت هذه العبارة محرفة. والخميس: ضرب من مضروب اليمن.
(4)
السنين، بفتح السين: المسنون المصبوب.
قاده الطرف يوم مرَّ إلى الحي
…
ن جهارا ولم يخف أن يحينا
وجلا برد بركةٍ جنديٌّ
…
ضوء وجهٍ يضيءُ للناظرينا
(1)
فإذا ظبية تراعى نعاجا
…
ومها نهّج المناظرِ عينا
قلت: من أنتمُ فصدتْ وقالت:
…
أمبدٌّ سؤالك العالمينا
(2)
قلت: باللهِ ذي الجلالة لمّا
…
إذ تبلت الفؤاد أن تصدقينا
(3)
أىّ من تجمعُ المواسمُ أنتمْ
…
فأبيني لنا ولا تكذبينا
نحن من ساكني العراق وكنا
…
قبلها قاطنين مكةَ حينا
قد صدقناكِ إنْ سألتِ فمن أن
…
ت، عسى أن يجرّ شأن شئونا
(4)
قد نرى أننا عرفناكِ بالنع
…
ت بظنّ وما قتلنا يقينا
(5)
بسواد الثنيتين وثغرٍ
…
قد نراه لناظرٍ مستبينا
فكانت عائشة تقول: والله ما قلت له هذا وما كلمته قط.
أنبأنا أحمد قال أنبأنا أبو الحسن عبد الله بن فائد قال: دخلت عائشة بنت طلحة بمكة على الوليد بن عبد الملك فحدثته وقالت يا أمير المؤمنين، مر لي بأعوان.
فصير إليها قوماً يكونون معها، فحجت ومعها ستون بغلاً عليها الهوادج والرحائل، فقال عروة بن الزبير:
عائشُ يا ذاتَ البغال الستينْ
…
أكلَّ عامٍ هكذا تحجينْ
(6)
9 -
ابنة محمد بن عروة بن الزبير. أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال:
(1)
البركة، بالكسر. ضرب من برود اليمن. والجندي: نسبة إلى الجند بالتحريك، وهو موضع باليمن. والبيت لم يرو في ديوان عمر. انظر ص 69.
(2)
لما، هنا بمعنى إلا.
(3)
قال ابن الأعرابي: يبدهم: يفرق القول فيهم. وأنشد:
بلغ بنى عجب وبلغ مأربا
…
قولا يبدهم وقولا يجمع
انظر اللسان (4: 45). وفي الأصل: «مبذ» ، وهو على الصواب في الديوان.
(4)
في الأصل: «قد سألناك إذ سألت» ، والوجه ما أثبت من الديوان.
(5)
هو من قول اللّه: «وما قتلوه يقينا» . وفي الأصل والديوان: «وما قبلنا يقينا» .
(6)
انظر الأغانى (11: 60).
ابنة محمد بن عروة بن الزبير كانت عند الحكم بن يحيى بن عروة، وعند أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فتزوجها محمد بن عمران بن طلحة، ثم راجعها الحكم ابن يحيى بن عروة، ثم طلقها - وكان قاضياً على المدينة - واشترطت عليه أن عطاءه ما عاشت وغلة أرضه وبضع بناته إليها، تزوجهن من شاءت، ولا يغير عليها، فإن فعل فأمرها بيدها.
10 -
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن: أم سلمة ابنة عبد الرحمن بن سهيل ابن عمرو، كانت عند الحجاج بن يوسف، فطلقها فتزوجها الوليد بن عبد الملك، فأعجلها سليمان وعليها درع فأدخله من وراء الثوب، ثم طلقها فتزوجها هشام ابن عبد الملك.
11 -
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: ربيحة بنت محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفر، تزوجها يزيد بن عبد الملك، ثم تزوجها أبو بكر بن عبد الملك، فقتله عبد الله بن علي وتزوجها صالح بن علي، فطلقها فتزوجها إسحاق بن إبراهيم بن حسن ابن حسن بن علي عليهم السلام. وقوم ينكرون تزويج يزيد بن عبد الملك ربيحة.
12 -
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: سحيقة
(1)
ابنة محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، تزوجها إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله، فولدت له ابنة، ففارقها فتزوجها إسماعيل بن إبراهيم ابن عبد الله بن جعفر، فتوفي عنها، فراجعها إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن طلحة، ثم طلقها فتزوجها عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب.
13 -
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله كانت عند الحسن بن علي، فولدت له طلحة بن الحسن، فمات عنها وأوصى الحسين بتزوجها، فتزوجها الحسين، فولدت له فاطمة بنت حسين، فقتل عنها،
(1)
اشتقاق اسمها من السحيقة، وهي المطرة العظيمة.
فتزوجها ابن أبي عتيق - وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر - فولدت له آمنة. ويقال تزوجها قبل ابن أبي عتيق تمام بن العباس بن عبد المطلب فهلك عنها فتزوجها ابن أبي عتيق.
14 -
أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: ميمونة بنت عبد الرحمن ابن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، كانت عند عبد العزيز بن الوليد ابن عبد الملك، فولدت له عبد الملك وعتيقاً. وكان عبد الملك من رجالهم، فمات فرثاه بعض الشعراء من كلب، فقال:
إني رأيتُ بني أمِّ البنينَ لهمْ
…
مجدٌ طويلٌ وفي أعمارهم قصرُ
(1)
ماتَ الهمامُ أبو مروانَ فإختشعتْ
…
كلبٌ لذاك وذلتْ بعدهُ مضرُ
ولعتيق يقول الشاعر:
ذهبَ الجودُ غيرَ جودٍ عتي
…
قِ ابن عبد العزيز منْ ميمونه
بنت قرم قد مهدتْ من قريشٍ
…
وأبى اللهُ أن تكونَ هجينهْ
ثم تزوجها محمد بن الوليد، ثم تزوجها سليمان بن عبد الملك، ثم تزوجها هشام بن عبد الملك. ويقال: لم يتزوجها سليمان.
15 -
أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: حفصة بنت عمران بن إبراهيم ابن محمد بن طلحة بن عبيد الله، تزوجها القاسم بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو أبو عذرها، ثم خلف عليها هشام بن عبد الملك، وكان القاسم شديد الغيرة، فسمع يوماً كلامها، أو رآها مشرفة، فدخل عليها فضربها، فأثر السوط بها،
(1)
أم البنين هذه هي بنت عبد العزيز بن مروان، وهي كذلك زوجة الوليد بن عبد الملك. انظر الأغانى (4: 156 ساسى). وأشهر من سمى بهذا الاسم من نساء العرب أم البنين زوج مالك بن جعفر بن كلاب. وفيها يقول لبيد:
• نحن بنو أم البنين الأربعة
…
انظر المعارف 40 مصر. ومنهن أم البنين زوج علي بن أبي طالب، ولدت العباس وجعفرا وعبد اللّه. انظر المعارف 39.
فطلقها فتزوجها هشام، فقالت له أم حكيم
(1)
: قل لها تريك ظهرها. فقال لها فأبت وقالت: ما تريد من ظهري، كنت عند رجل كريم غيور خير منك أماً وأباً وبيتاً، غار فضربني ضربة فصار في ظهري أثر. فطلقها فتزوجها محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، ثم تزوجها عثمان بن عروة بن الزبير.
16 -
أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أم كلثوم ابنة عبد الله بن جعفر، تزوجها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب، فولدت له فاطمة، ثم تزوجها الجراح أو الحجاج
(2)
، فولدت له ابنة، فطلقها، فتزوجها أبان بن عثمان ابن عفان.
17 -
أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أم القاسم ابنة الحسن بن الحسن بن علي، تزوجها مروان بن عثمان بن عفان، فولدت له محمداً، ثم خلف عليها علي بن حسين بن حسن بن علي، ثم تزوجها الحسن بن عبد الله بن عبيد الله ابن العباس.
18 -
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: رملة ابنة محمد بن جعفر بن أبي طالب تزوجها سليمان بن هشام، فطلقها فتزوجها أبو القاسم بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فقتله عبد الله بن علي فتزوجها إسماعيل بن علي أو صالح.
19 -
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة
(3)
كانت عند عمر بن الخطاب، فرجعت إلى الكفار، فلما أسلمت تزوّجها معاوية
(1)
هي أم حكيم بنت يحيى بن الحكم بن العاص بن أمية. وهي زوج عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك. الأغانى (15: 46 - 47) وسيفرد لها المدائني حديثا في رقم 25.
(2)
ذكر أبو الفرج في (10: 105) خبر خطبة الحجاج بن يوسف لها. وأما الجراح فلعله الجراح بن حصين وإلى وادى القرى من قبل عبد اللّه بن الزبير، وكان قد أنهب تمر الوادي فجعل عبد اللّه يخفقه بالدرة ويقول:«أكلت تمرى وعصيت أمرى» . انظر الاشتقاق 243.
(3)
قريبة، بفتح أوله ويقال بالتصغير. وهي أخت أم سلمة زوج الرسول الكريم.
واسم أبيها حذيفة وقيل سهيل، وكان يلقب «زاد الركب»: كان إذا سافر لا يتزود معه أحد لجوده وكرمه. انظر الإصابة 887، 1302 من قسم النساء.
ابن أبي سفيان، فقال له أبوه: أتزوج ظعينة أمير المؤمنين؟ أنزل عن ثقله
(1)
.
فطلقها فتزوجها عبد الرحمن بن أبي بكر، فولدت له محمداً. فكانت عائشة عمته، وأم حبيبة خالته، فكان يدخل عليهما.
20 -
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أسماء بنت عميس، كانت عند جعفر بن أبي طالب
(2)
، فولدت له عبد الله، ومحمداً، وعوناً، فتزوجها أبو بكر، فولدت له محمداً، فتزوجها علي عليه السلام، فولدت له يحيى
(3)
، فقال لها علي:
احكمي بين بنيك. فقالت: أما بنو جعفر فبنو الطيار في الجنة
(4)
، وأما ابن أبي بكر فابن الصديق، وإن ثلاثة أنت أخسها لخيار. فقال علي لابنه: يا بنىّ قد فسكلت أباك
(5)
.
21 -
قال: وكانت عائشة بنت طلحة عند عمر بن عبد الله بن عبد الله ابن معمر ثماني سنين، ومات سنة اثنتين وثمانين، فبكته قائمة. أحمد قال:
أنبأنا أبو الحسن، عن سحيم بن حفص؛ قال: أتاها مصعب وهي نائمة متصبحة
(6)
، ومعه ثماني حبات لؤلؤ قيمتها عشرون ألف دينار، ونثر اللؤلؤ في حجرها، فقالت:«نومتي كانت أحب إليَّ من هذا اللؤلؤ!» . وولدت عائشة لعبد الله بن عبد الرحمن أولاداً. وجمع مصعب بينها وبين سكينة، ومات مصعب عن سكينة وعائشة وأم حبيب بنت عبد اللّه بن عامر
(7)
.
(1)
العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون: ثقل. والثقل أيضا: المتاع والحشم.
(2)
وقد هاجرت معه إلى الحبشة، فولدت له هناك أولاده، وقد تزوجت أبا بكر بعد ما قتل عنها جعفر. الإصابة 51 من قسم النساء.
(3)
في الإصابة أنها ولدت له عونا ويحيى.
(4)
الطيار لقب جعفر. انظر تعليل هذا اللقب في الإصابة 1162 والحيوان (3: 233).
(5)
فسكلته، بفتح الفاء والكاف وسكون السين: أي أخرته وجعلته كالفسكل بالكسر، وهو الفرس الذي يجيء في آخر خيل السباق.
(6)
المتصبحة: التي تنام الصبحة، وهي نومة الغداة.
(7)
هذه الفقرة من أولها إلى هنا، هي في الأصل بعد الفقرة رقم 24 وقد أعدتها إلى موضعها.
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن عن أبي إسحاق بن ربيعة قال: قال سلم بن قتيبة: رأيت عائشة بنت طلحة بمكة في المسجد، فسلمت عليها وانتسبت لها، فبكت وقالت: يرحم الله المصعب. فأرادت النهوض فأخذت امرأتان بيديها - وعندها نسوة - فاعتمدت على المرأتين، فما كادت أن تستقل [حتى] خذلها وركاها، فقالت إحدى المرأتين: إنا بك لمتعبات. وكانت مديدة الجسم كثيرة اللحم.
22 -
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: ابنة طلحة بن عمر بن عبيد الله كانت عند الحسن بن الحسن بن علي، فكان يقول له: إنها
(1)
حملت وولدت وهي ما تكلمني وإنها لمصارمة لي.
23 -
امرأة [من] آل أبي بكر: أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال:
تزوج موسى بن عبد الله بن الحسن امرأة من ولد أبي بكر فغضبت يوماً فأمرت جواري فأمسكنه وضربنه، فأفلت وخرج، فلقيه أخوه إبراهيم فقال: مالك؟
قال: ضربتني ابنة أبى بكر. قال: خذ السوط فو اللّه لئن لم تضربها لا كلمتك.
فدخل وقام إبراهيم على الباب وقال للجواري: يا فواسق، والله لئن منعته واحدة منكن لأدخلن عليكن. وقال لموسى: اضرب وأوجعها. فقال موسى لامرأته:
إنّى زعيم أن أجئ بضرةِ
…
مقابلةِ الأجداد، طيبةِ النشرِ
(2)
إذا انتسبت في آل شيباز في الذرى
…
وتغلبَ لم نقررْ بفضل أبي بكرِ
تحكم أحياناً علينا وتارةً
…
تبدى كقرن الشمس أو صورة البدر
(3)
(1)
في الأصل: «بما حملت» . ولم تذكر النسخة شيئا عن تزوجها بغير الحسن كما ترى.
(2)
المقابل: الكريم النسب من قبل أبويه جميعا.
(3)
قرن الشمس: أولها عنه الطلوع. وفي الأصل: «لقرن الشمس» .
24 -
امرأة من تيم. أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: وكانت عند يحيى بن عبد اللّه بن الحسن امرأة من بنى تيم، فخاصمته إلى جعفر بن سليمان بالمدينة، فقضى عليها وقال: اذهب بها حيث شئت.
25 -
قال: وكانت أم حكيم ابنة يحيى بن الحكم عند سليمان بن عبد الملك، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك
(1)
.
26 -
قال: وتزوج عبد العزيز بن الوليد أم خالد بنت عبد الله بن أسيد، فغلبته على أمره كله، وكان يقال: عبد العزيز بن الوليد سيد الناس، إلا أن أم خالد قد غلبته على أمره. فأمره الوليد فطلقها.
27 -
أم عمرو ابنة عبد الله بن خالد. قال: أم عمرو بنت عبد الله بن خالد بن أسيد، كانت عند سليمان عبد الملك، فقدم خالد وعبد الله، فوصل خالداً وفضله على عبد الله، فقالت أم عمرو: عبد الله أكرم من خالد وفضلته عليه! فقال: ويحك، إني أعرف أن عبد اللّه أسنهما ولكن خالداً كان خاصتي، وكان له عندي يد وأنا صعلوك، فإنما فضلته لذلك.
28 -
قال: أنبأنا أبو الحسن قال: كانت دجاجة ابنة أسماء بن الصلت السلمي عند عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس، فولدت له عبد الله بن عامر
(2)
. ثم تروّجها عمير الليثي فولدت عبيد بن عمير الفقيه المحدث
(3)
، ثم تزوجها الأسود فولدت له عبد الله بن الأسود. فكان يقال لها أم العبادلة
(4)
.
(1)
وقد تزوجت أيضا عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك، كما في الأغانى (15: 47).
(2)
في الإصابة 392 من قسم النساء «أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد عند عمير خمس نسوة، فطلق منهن دجاجة بنت أسماء، فخلف عليها عامر بن كريز، فولدت له عبد اللّه.
ابن عامر».
(3)
في الأصل: «عبيد اللّه بن عمير» ، والصواب «عبيد» كما أثبت. انظر الإصابة 6238 وتهذيب التهذيب، والمعارف 31، 192. وأبوه عمير بن قتادة الليثي. كان عبيد قاضى أهل مكة، وتوفى سنة 68.
(4)
هذا على التغليب، وإلا فإن ولد عمير الليثي هو عبيد بن عمير كما مضى في التنبيه السابق. والفقرة التالية صلة للفقرة 31.
أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن عن سحيم بن حفص
(1)
قال: كان مصعب ابن الزبير لا يصل إلى عائشة إلا بشدة، ولا بقدر عليها إلا ببلاء حتى يخرق ثيابها ويضربها، فشكا ذلك إلى عبد الله بن أبي فروة كاتبه، فقال له: أفتأذن لي في الحيلة؟ قال: نعم، اصنع ما شئت فإنها أفضل ما نلت من الدنيا. فأتاها ليلاً فاستأذن عليها، فقالت له: هذه الساعة! قال: نعم، ففزعت - ومعه أسودان - فقالت له مولاة لها: ما شأنك؟ قال: شؤم مولاتك، قالت: وما لها؟ قال:
أمرني هذا الفاسق الفاجر، أسفك من خلق الله لدم حرام وأقتله للناس، أن أحتفر بئراً وأدفنها فيه حية. وقد والله حرصت أن يعفيني من هذا، فأمر بقتلي. قالت:
فأنظرني أذهب إليه. قال: لا سبيل إلى ذلك، وقال للأسودين: احفرا. فبكت عائشة ورأت الجد، وقالت: يا ابن أبي فروة، إنك لتقتلني! قال: ما منه بد، وإني لأعلم أن الله سيخزيه، ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب. قالت:
فأي شيء أغضبه؟ قال: في امتناعك عليه، وقد ظن أنك تبغضينه وأنك تتطلعين إلى غيره، فقد جن. فقالت: أذكرك الله إلا عاودته. قال: أخاف أن يقتلني. فبكت وجواريها فقال: قد رققت وأنا أغرر بنفسي فما أقول؟ قالت:
اضمن عنى أبى لا أعود أبداً
(2)
. قال: فأعطيني مواثيق. فأعطته، فقال للأسودين: مكانكما. وأتى مصعباً فأخبره، فقال: استوثق منها بالإيمان.
فأتاها فقال: هذا الفاسق قد سكن بعض السكون وسكن شيطانه، فاحلفي لي أن لا تخالفيه، فوثقت له، وصلحت لمصعب.
نجز الكتاب والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(1)
هو أبو اليقظان عامر بن حفص، وسحيم لقبه، وبلقبه هذا يذكره الجاحظ في مواضع كثيرة من البيان، والمدائني في كتبه يذكره بثمانية ألقاب وأسماء. انظر الفهرست 94 ليبسك و 148 مصر. قال ابن النديم: كان عالما بالأخبار والأنساب والمآثر والمثالب، ثقة فيما يرويه. وتوفى سنة 190. وانظر الحيوان (2: 155 س 9).
(2)
أي لا تعود إلى ما كان منها من التأبى والنشوز.
كتاب من نسب إلى أمه من الشعراء صنعه محمد بن حبيب
…
- 245
مقدمة
يضم هذا الكتاب النفيس طائفة من شعراء العرب الذين عرفوا بنسبهم إلى أمهاتهم، وهو ضرب من التأليف طريف، يعالجه إمام من أئمة الأخبار والأنساب ورواية الشعر، هو محمد بن حبيب بن جعفر. قال ياقوت: من علماء بغداد باللغة والشعر والأخبار والأنساب، ثقة مؤدّب، ولا يعرف أبوه، وحبيب أمه. روى كتب الكلبي وقطرب، وكانت أمه مولاة لمحمد بن العباس الهاشمي.
وقال ابن النديم مرة: أبو جعفر محمد بن حبيب بن أمية بن عمر. ثم روى عن عبد العزيز الهاشمي قال: كان محمد بن حبيب مولى لنا - يعنى لبني العباس بن محمد. وكانت أمه حبيب مولاة لنا. روى عن ابن الأعرابي وأبى عبيدة وأبى اليقظان، وله مصنفات أشهرها نقائض جرير والفرزدق، توفى بسامرا سنة 245.
انظر ابن النديم 155 وبغية الوعاة. ومن نسبه تدرك سر اهتمامه بهذا البحث.
ومن هذا الكتاب نسختان في دار الكتب المصرية: إحداهما برقم 6 مجاميع ش، رمزت إليها بحرف (ا)، والثانية برقم 75 ش أدب، وهي نسخة (ب).
وقد قمت بنشر هذا الكتاب من قبل في مجلة المقتطف (مايو سنة 1945) ونشره من قبلي المستشرق الكبير الأستاذ (ج. ليفى دلّا فيدا) الأستاذ بجامعة بنسلفانيا، في مجلة الجمعية الشرقية الأمريكية بالعدد 62 ص 156 - 171 سنة 1942، ولم أكن قد علمت بأنه سبقني في النشر، وتكرّم، حفظه اللّه، فأرسل إلىّ في 23 أغسطس سنة 1950 مستخرجا من نسخته مع خطاب رقيق ينوّه فيه في تواضع العالم بأن نسختي تعدّ ممتازة من كافة النواحي، حتى إنه ليشعر بأن عمله غير متكافئ مع عملي في نسختي التي أخرجتها Votre edition du)
Mannusiba
…
est excellcnt sous tous les rapports، et rend la
(.mienne a peu pres inutile
وإني لأسجل مجاملته هذه تذكارا لتواضعه، وإجلالا لخلقه العلمي الرصين.
كتاب من نسب إلى أمه من الشعراء
صنعه محمد بن حبيب وتصنيفه،
من رواية عثمان بن جني رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين قرأت على أخي محمد قال: سمعته يقرأ على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة
(1)
قال: قرات على ثعلب
(2)
قال: قال أبو جعفر محمد بن حبيب:
ذكر من نسب إلى أمه من الشعراء:
1 -
(ابن شعوب) أمه شعوب من بني خزاعة، واسمه عمرو بن سمي ابن كعب بن عبد شمس بن مالك بن جعونة بن عويرة بن شجع بن عامر بن ليث بن بكر بن كنانة. وهو الذي يقول:
ما ذا بالقليب قليب بدرٍ
…
من القينات والشرب الكرامِ
وما ذا بالقليب قليب بدرٍ
…
من الشيزى تكللُ بالسنامِ
تحيّي بالسلامة أمّ بكر
…
وما لي بعد قومي من سلامِ
يخبرنا النبيُّ بأن سنحيا
…
وكيف حياة أصداء وهام
(1)
هو إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليم بن المغيرة بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة العتكي الأزدي الواسطي؛ أبو عبد اللّه الملقب نفطويه. كان عالما بالعربية واللغة والحديث، أخذ عن ثعلب والمبرد، وكان فقيها على مذهب داود الظاهري رأسا فيه، وكان بينه وبين ابن دريد منافرة، وهو القائل فيه:
ابن دريد بقره
…
وفيه عى وشره
وله من التصانيف: إعراب القرآن. المقنع في النحو. الأمثال. المصادر. أمثال القرآن وغيرها. ولد سنة 244 وتوفى سنة 323. انظر إرشاد الأريب، وبغية الوعاة، وابن النديم 78.
(2)
هو أحمد بن يحيى بن يسار الشيباني البغدادي، أبو العباس ثعلب، إمام الكوفيين في النحو واللغة، لازم ابن الأعرابي بضع عشرة سنة، وسمع من محمد بن سلام الجمحي، وسلمة ابن عاصم، وخلف، وروى عنه اليزيدي، والأخفش الأصغر، ونفطويه، وأبو عمر الزاهد وكان بينه وبين المبرد منافرات. وأشهر تصانيفه كتاب الفصيح. ولد سنة 200 وتوفى سنة 291. انظر بغية الوعاة، وابن النديم 110 - 111.
وله شعر كثير، قاله وهو كافر، ثم أسلم بعد.
2 -
و (ابن أم حولى) من بني الحارث بن همام، شاعر أغار على بني يربوع، فلحقه منهم قوم، فقاتلهم حتى أحرز غنيمته، وقال:
نحن بني الحارث قد آلينا
…
لا يؤخذُ النهبُ الذي حوينا
أبا الصّياح عولوا علينا
…
إنا إذاً صيح بنا أبينا
لا نجعلُ الطعنَ بنقدٍ دينا
3 -
و (عطاف بن بشة
(1)
الشيباني)، قال لخاله عدى بن ضب:
عديَّ بن ضبٍّ من تكن أنتَ خالهُ
…
أخاً أمه تدلجْ بلومٍ ركائبه
وقال:
وطالب وترٍ قد أتى الليلُ دونه
…
وما سبق وتر أدرك اليوم أوغدا
وقال:
أنا ابن الذي لم يخزِني في حياته
…
ولم يخزه عند الوفاة بلائيا
4 -
و (ابن طوعة) الشيباني، واسمه ناصر بن عاصم
(2)
وأمه «طوعة» ، أمة أو أخيذة من آل ذي الجدين، قال
(3)
:
تعطف اللوم على عطافٍ
…
بين بني الحارث والأحلافِ
5 -
و (ربيعة بن غزالة) الكندي
(4)
شعر حليف بنى شيبان، وأمه غزالة، قال:
(1)
في معجم المرزباني 299: «نشة» بالنون.
(2)
في المؤتلف 148 أن ابن طوعة الشيباني من آل ذي الجدين. وفصل بينه وبين ابن طوعة الفزاري، ونسب هذا الفزاري نصر بن عاصم بن عقبة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري. وقد جعلهما ابن حبيب هنا واحدا. وانظر ألقاب الشعراء لابن حبيب ص 123.
(3)
يهجو عطاف بن نشة الشيباني كما في المؤتلف 148.
(4)
اسمه ربيعة بن عبد الله بن ربيعة بن سلمة بن الحارث بن سوم بن عدي بن أشرس ابن شبيب بن السكون، شاعر جاهلي أدرك الإسلام فأسلم. وينسب أيضا «السكوتى» بفتح السين نسبة إلى السكون بن أشرس بن ثور بن كندة. انظر الاشتقاق 211 والمؤتلف 125 والإصابة 2727 وألقاب الشعراء لابن حبيب ص 140.
كأني إذ وضعت الرحل فيهم
…
بمكة حيث حلّ بها هشام
(1)
6 -
(وابن حجلة الأسدي) وهي أمه، واسمه عبد بن معرّض، أحد بنى ثعلبة بن سعد بن دودان من بني أسد، شاعر، وهو الذي يقول:
من أخطته ولادتنا فأنا
…
ولدنا سيد الناس الوليدا
(2)
7 -
و (السندري بن عيساء
(3)
الجعفري)، وهي أمه، أمة لشريح بن الأحوص بن جعفر
(4)
. وهو الذي يقول:
هل فيكم يوم كيوم جبله
…
يوم أتتنا أسد وحنظله
والملكان والقطين أزفله
(5)
…
نعلوهم بقضب منتخله
لم تعدُ أن أفرشَ عنها الصقله
(6)
وقال:
أنا لمن يسأل عنى السندري
…
أنا الغلام الأحوصيُّ الجعفري
8 -
و (حبيب بن خدرة الهلالي) خارجي
(7)
، كان مع شبيب، وذكر أنه أدرك الحكمين، وبقي حتى أدرك الضحاك الذي أخذ بالكوفة. وقال:
نهيتُ بني فهر غداة لقيتهم
…
وحىّ نصيب والظنون تطاع
(1)
ا: «بها شآم» ، تحريف.
(2)
أخطته، هي أخطأته، سهل همزتها ثم عاملها معاملة المعتل فحذف الألف للجازم ب:«أخطأته» تحريف، صوابه في ا. وانظر ص 79 س 7.
(3)
عيساء، مؤنث الاعيس، وأصله في الإبل الأبيض يخالط بياضه شقرة، وبه سميت المرأة، وفي ا:«عبساء» بالموحدة، تحريف، وقد جاء على الصواب الذي أثبت في كتاب ألقاب الشعراء الملحق بكتاب أسماء المفتالين من الأشراف لمحمد بن حبيب، المحفوظ في دار الكتب المصرية برقم 2606. انظر منه ص 134 وكذا الأغانى (15: 53).
(4)
في المؤتلف 125 أنه السندرى بن يزيد بن شريح بن الأحوص بن جعفر بن كلاب وهو ينسب أيضا «الكلابي» . وفي الأغانى أن «عيساء» اسم جدته.
(5)
الأزفلة: الجماعة من الناس.
(6)
أي لم تجاوز أن أقلع عنها الصقلة. والرجز منسوب في اللسان (8: 221) إلى يزيد بن عمرو بن الصعق، وفي معجم البلدان إلى رجل من بنى عامر.
(7)
في القاموس: «حبيب بن خدرة تابعي» .
فقلت لهم إن الجريبَ وراكساً
…
بها نعمٌ يرعى المرارَ رتاعُ
(1)
ولكن فيه السم إن ريعَ أهله
…
وإن يأته قومٌ هناك يراعُ
وقال:
تفرقتم أن تذكوا الحيّ بيضة
…
فظل لكم يومٌ إلى الليل أشنع
(2)
وقال:
أصاح ترى بريقاً هبّ وهنا
…
يؤرقني وأصحابي هجودُ
9 -
و (ابن عيزارة الهذلي)، وهو قيس بن خويلد
(3)
، شاعر. قال:
لعمرك أنسى روعتي يوم أقتدٍ
…
وهل تتركنْ نفسَ الأسير الروائعُ
وقال:
يا حار إني يا ابن أمِّ عميدُ
…
كمدٌ كأني في الفؤاد لهيدُ
10 -
و (قطبة بن الزبعري)، وهي أمه. وهو قطبة بن زيد بن سعد ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن كنانة بن [القين بن] جسر، شاعر. قال:
حميتُ القوم قد علمت معدٌّ
…
ومن للقوم من مولى وجارِ
حبوتُ بها قضاعة إنّ مثلي
…
حقيق أن يذبّ عن الذمارِ
ولستُ كمن يغمز جانباه
…
كغمز التين تجنيه الجواري
وكان قطبة سيد قضاعة في الجاهلية وأول الإسلام.
11 -
و (قيس بن الحدادية
(4)
) وهي أمه، من محارب، حضرمية، وله
(1)
الجريب: واد كانت به وقعة لبنى سعد بن ثعلبة. وفي الأصل: «الحريب» بالحاء تحريف، وقد أنشد هذا البيت ياقوت ونسبه إلى عمرو بن شأس الكندي. وعجزه عنده:
(2)
صدر البيت محرف، وموضع كلمة:«تذكوا» بياض في ب.
(3)
هو قيس بن خويلد بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة، أخذته فهم وأخذ تأبط شرا سلاحه، ثم أفلت قيس، وأنشد أبياتا رواها المرزباني في المعجم 326. وأولها هذا البيت الذي رواه ابن حبيب.
(4)
هو شاعر جاهلي فاتك صعلوك خليع، خلعته خزاعة بسوق عكاظ وأشهدت على نفسها بخلعها إياه، فلا تحتمل جريرة له ولا تطالب بجريرة يجرها أحد عليه. وهو قيس -
شعر. قال ابن الأعرابي: حداد من كنانة. وهو الذي يقول
(1)
:
أنا الذي أطرده مواليه
…
وكلهم بعد الصفاء قاليه
12 -
و (عمرو بن الصماء الخزاعي) له شعر، قال في حرب بينهم وبين كنانة:
إلا تعاجلني المنية أستقد
…
مقاد جيادى من عمير ومعبد
ولو أدركتْ خيلي عميراً ومعبداً
…
ونعمان ما آبوا بناقلةٍ بعدي
لكانوا لأطراف القنا أو لنازعوا
…
إلى الحيَّ أعناق المطيِّ المعضدِ
(2)
13 -
و (عياض بن أم شهمة
(3)
الخزاعي) إسلامي، قال:
هاجتك أطلال ومبترك قفر
…
خلا منذ أجلي أهلها حججٌ عشرُ
(4)
14 -
و (العريان بن أم سهلة النبهاني) وهو من طيئ. قال:
لمن الديار غشيتها برماح
…
فعمايتين فجانب السرداحِ
فجنوب فيحان كأن رسومها
…
حللٌ يمانيةٌ على ألواحِ
15 -
و (ابن السجراء) من حرقة جهينة. قال: وحرقة هم بنو خميس ابن عامر بن مودوعة من جهينة، كانوا حلفاء للحصين بن الحمام السهمي من بني سهم بن مرة، وبشامة بن الغدير السهمي. قال ابن سجراء يوم دارة موضوع:
ابن منقذ بن عمرو بن عبيد بن ضاطر بن صالح بن حبشية بن سلول. انظر الأغانى (13: 2 - 8). وبنو حداد بضم الحاء وتخفيف الدال. انظر الاشتقاق 277، وقد نسبه «قيس بن عمرو بن منقذ» . وفي ألقاب الشعراء لابن حبيب أن أمه من محارب بن خصفة. انظر ص 139.
(1)
قاله في الوقعة التي قتل فيها، وهو يشير إلى ما كان من خلع قومه إياه.
(2)
ب: «كأطراف القنا» . وقد اختلفت ضروب الأبيات فأتى أوسطها صحيحا بين ضربين مقبوضين.
(3)
في معجم المرزباني 269: «عياض بن أم سهمة» بالسين المهملة.
(4)
في الأصل: «حاجتك» ، محرف. وفي المرزباني:«ومنزلة قفر» .
لما أتانا جمعُ قيس وواجهت
…
كتائب خرس بينهنَّ زفيفُ
فلما علت دعوى خميس بن عامر
…
وقد كلّ مولانا وكاد يحيف
هممنا به ثم ارعوينا حفيظة
…
فذلَّ بنا غاشٍ وعزّ حليفُ
16 -
و (حميد بن طاعة السكوني
(1)
) قال:
ولما استقلَّ الحي في رونق الضحى
…
قبضن الوصايا والحديث المجمجما
وكان لموحٌ من خصاص ورقبةٌ
…
مخافةَ أعداء وطرفاً مقسما
ولما لحقنا لم يقل ذو لبانة
…
لهم ولا ذو حاجة ما تيمما
من البيض مكسال إذا ما تلبست
…
بعقل امرئٍ لم ينجُ منها مسلما
وقال لعمر بن الخطاب:
إنك مسترعي وإنا رعيةٌ
…
وإنك مدعوٌّ بسيماك يا عمر
لدى يوم شرٍ شره لشراره
…
وخير لمن كانت معايشه الخيرْ
(2)
وقال:
ما إن رأينا مثلك ابن الخطابْ
…
أبرَّ بالدين وبالأحسابْ
بعد النبي صاحب الكتاب
17 -
و (ابن الدمينة الخثعمي)، واسمه عبد اللّه، وله شعر كثير
(3)
.
18 -
و (يزيد بن ضبة) أمه ضبة
(4)
، وأبوه مقسم، وهو كثير الشعر، وهو مولى لثقيف، وهو الذي يقول:
(1)
جعله الآمدي في ص 149: «الشكوى» ، نسبة إلى «شكو» بفتح الشين وسكون الكاف، وهو أبو بطن.
(2)
ا: «معائيشه» . معائيش: جمع معيشة، وفيها شذوذان: همز الياء الأولى، وإلحاق الياء الثانية، وإلحاقها مذهب للكوفيين يجيزونه. وأثبت ما في ب.
(3)
ديوانه مطبوع. وانظر الأغانى (15: 144 - 150).
(4)
في ا: «ضنة» ، بالنون، وفي ب:«ضنة» لكن أصلحت في النسخة فجعلت:
«ضبة» بالباء.
مشيُ البريّ مع المقارف تهمة
…
ويرى البريّ مع السقيم فيلطخُ
وهو الذي يقول:
صبا قلبي إلى هند
…
وهند مثلها يصبي
19 -
و (ابن الطثرية
(1)
) وهو ابن عبيد بن عمرو بن الحارث بن كعب ابن سعد بن زيد مناة بن تميم
(2)
، وهو الذي يقول:
ألا عتبت عليَّ وصرمتني
…
وأعجبها ذوو اللمم الطوال
فإني يا ابنةَ السعديَّ أربي
…
على فعل الوضيَّ من الرجالِ
20 -
و (ابن فسوة) وهو عتيبة بن مرداس الكعبي
(3)
. وإنما قيل له ابن فسوة لأنه نزل بهم رجل من عبد القيس يقال له ابن فسوة، فكان يعير به، فقال له مرداس: أنا أشتري منك هذا الاسم بكبش. فاشتراه، فقال:
[أخو
(4)
] عتيبة:
حول مولانا علينا اسم أمه
…
ألا ربَّ مولى ناقص غير زائدِ
21 -
و (ابن الهيجمانة العبسي) لم نعرفه، وذكر أن الهيجمانة بنت العنبر ابن عمرو بن تميم.
22 -
ومن شعراء ربيعة (ابن أم الحزنة العبدي)، وأم حزنة أمه، وهو ثعلبة بن حزن بن زيد مناة بن الحارث بن ثعلبة بن سليمة بن مالك بن عامر
(1)
الطثرية: أمه، من بنى الطثر، بالفتح، وهم حي من اليمن، قال ابن خلكان:
«الطثرية بفتح الطاء المهملة وسكون الثاء المثلثة» . وضبطها صاحب القاموس بالتحريك، والوجه الإسكان كما جاءت مضبوطة به في نسخة ليدن من الشعراء. انظر شرح الحيوان (6: 137).
(2)
كذا ورد في النسختين، وهذا النسب يخالف ما في كتب التراجم، فلعل في الكلام سقطا.
(3)
في الأغانى (19: 143) وكذلك ألقاب الشعراء لابن حبيب ص 128 - 129 «عيينة» . ويدل على صواب ما هنا قول ابن قتيبة في الشعراء: «هو عتيبة ويقال عتبة» .
(4)
التكملة من كنى الشعراء لابن حبيب ص 129.
ابن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصي بن عبد القيس.
وله شعر كثير.
23 -
و (عمرو بن مبردة)، عبدي
(1)
.
24 -
و (ابن الذيبة) وهي أمه، امرأة من فهم، واسمه ربيعة بن عبد ياليل، واسم الذيبة قلابة، فلقبت الذيبة، وهو الذي يقول:
إني لمن أنكرني ابن الذيبة
…
كريمة عفيفة منسوبه
25 -
و (شبيب بن البرصاء
(2)
)، وهي أمه. وهو شبيب بن زيد بن جمرة
(3)
بن عوف بن أبي حارثة، وأمه القرضابة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة، وأختها عمرة بنت الحارث أم عقيل بن علفة
(4)
. وهو الذي يقول:
قامت وأعلى خلقها في ثيابها
…
قضيبٌ وما تحت الإزار كثيبُ
وقال:
لا خير في العيدان إلا صلابها
…
ولا ناهضات الطير إلّا صقورها
تبيّن أدبار الأمور إذا انقضت
…
وتقبل أشباهاً عليك صدورها
26 -
وبعض (بني أم قرفة). وأم قرفة اسمها فاطمة بنت ربيعة بن بدر الفزاري، وأبو هم مالك بن حذيفة بن بدر تزوج ابنة عمه.
(1)
ذكره المرزباني في المعجم 240 وقال: «هو أحد بنى محارب بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس
…
وهو إسلامي، أنشد عبد الملك بن مروان لما استبق بنوه فسبق مسلمة - وكان ابن أمة -:
نهيتكم أن تحملوا هجناءكم
…
على خيلكم يوم الرهان فتدر كوا»
(2)
قال ابن دريد: «كان النبي صلى الله عليه وسلم خطب البرصاء إلى أبيها:، فقال:
إن بها سوءا - وهو كاذب - فرجع فوجد بها برصا». وسماها ابن حبيب في ألقاب الشعراء 132 «أمامة بنت الحارث بن عوف» .
(3)
ويقال: «حمزة» ويقال: «خمرة» . انظر حواشي الاشتقاق 176، وفي ألقاب الشعراء 132:«حيوة» .
(4)
في الأصل: علقمة»، وهو تحريف. انظر حواشي الاشتقاق.
27 -
و (ابن ميادة المري) من بني غيظ بن مرة، واسمه الرماح بن الأبيرد ابن ثريان
(1)
. كثير الشعر. وهو الذي يقول:
اعرنزمى مياد للقوافي
…
واستسمعيهنَّ ولا تخافي
(2)
وقال:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
…
بحرة ليلي حيث ربّتنى أهلي
وهل أسمعنّ الدهر أصوات هجمةٍ
…
تطالع من هجل قريب إلى هجل
(3)
يقال رببت الصبي أربه ربا فأنا رابٌ وهو مربوب، وربيته أربيه تربية فأنا مرب وهو مربى، وربته أربته تربيتاً فانا مربت وهو مربت. ويقال ربيت في بني فلان، وربوت فيهم، وتربيت، وتربّت، كله فصيح مقبول.
28 -
و (بشامة بن الغدير) وهي أمه، وهو بشامة بن عمرو بن هلال
(4)
ابن واثلة بن سهم بن مرة. كثير الشعر، وهو الذي يقول:
فإنكم وعطايا الرها
…
ن إذ جرت الحرب جلاً جليلا
كثوب ابن بيض وقاهم به
…
فسد على السالكين السبيلا
(5)
29 -
وأخوه (أسعد بن الغدير) شاعر، وهو خال أبي سلمى
(6)
زهير ابن أبي سلمى الشاعر.
(1)
في الأغانى: «أبرد بن ثوبان» ، وفي المؤتلف:«أبرد بن ثريان» ، وفي معجم البلدان:«والرماح ابن يزيد وقيل ابن الأبرد» . وفي ألقاب الشعراء 132: «الرماح بن الأبرد بن مرداس» .
(2)
الاعرنزام: الاجتماع والتقبض. وفي الأصل: «أعز ترحى» ، والصواب فيما أثبت كما صححت بذلك في ب. وفي ا:«واستسمعهن» ، محرفة.
(3)
في معجم البلدان (3: 260): «من هجل خصيب» . وروى ياقوت هذين البيتين في خمسة أبيات قالها ابن ميادة حين استخلف الوليد بن يزيد بن عبد الملك فاستقدمه وأقام عنده دهرا ثم اشتاق إلى وطنه.
(4)
في الأصل: «ملاك» ، والصواب ما أثبت. وانظر المؤتلف 66، 163 والمفضليات (1: 53 طبع المعارف):
(5)
انظر شرح البيتين في المفضليات (1: 58).
(6)
أبو سلمى كنية زهير بن أبي سلمى، كما في كنى الشعراء لابن حبيب ص 132 من مصورة دار الكتب. وقد زاد الشنقيطي كلمة:«أبى» قبل «زهير» فلم ينتبه إلى ما ذكرت.
30 -
و (زميل بن أم دينار) أبوه أبير بن عبد مناف، من مازن ابن فزارة، وهو قاتل ابن دارة. وابن دارة اسمه سالم بن مسافع بن يربوع. هو دارة القمر، سمى دارة، شبه بدارة القمر لحسنه، وهو من بني عبد الله بن غطفان.
وزميل الذي يقول:
أبلغ فزارة أنى قد شريت لهم
…
مجد الحياة بسيفي بيع ذي الخلقِ
وقال:
أنا زميل قاتل ابن داره
…
وكاشف المخزاة عن فزاره
ثم جعلت عقله البكاره
31 -
و (قعنب بن أم صاحب الفزاري
(1)
)، وهو الذي يقول:
لو كنت أعجب من شيء لأعجبنى
…
سعى الفتى وهو مخبوء له القدرُ
وهو الذي هجا الوليد بن عبد الملك فقال:
فقدت الوليد وأنفاً له
…
كثيلِ البعير أبى أن يبولا
32 -
و (ابن أم حزنة
(2)
) وأم حزنة أمه، وهو ثعلبة بن حزن بن زيد مناة بن الحارث بن ثعلبة بن سليمة
(3)
بن مالك بن عامر بن الحارث بن [أنمار ابن عمرو بن] وديعة بن لكيز بن أفصى. شاعر، وهو الذي يقول:
نهيتكم أن تحملوا هجناءكم
…
على خيلكم يوم الرهان فتدركوا
33 -
و (بشر بن شلوة التغلبي) وشلوة أمه. وهو بشر بن سوادة
(4)
.
وهو الذي يقول في يوم ذي قار، وكان مع الفرس:
(1)
هو قعنب بن ضمرة، أخو بني سحيم بن عمرو بن خديج بن عوف بن ثعلبة [بن بهثة كما في ألقاب الشعراء ص 133. وقيل: أحد بني عبد الله بن غطفان، وكان في أيام الوليد ابن عبد الملك. انظر شرح التبريزي للحماسة (4: 24).
(2)
هذا تكرار لما سبق في رقم 22.
(3)
كذا ضبطت في الأصل بالضم. وفي الاشتقاق 292 بفتح السين.
(4)
انظر المؤتلف 60. وضبطت «شلوة» في الأصل هنا بالفتح. وقال ابن حبيب في ألقاب الشعراء 136: «أخو بنى مالك بن بكر بن حبيب» .
لما سمعت نداء مرة قد علا
…
وابنيْ ربيعة في الغبار الأقتم
34 -
و (ابن الواقفية
(1)
السدوسي) ينسب إلى أمٍ من أمهاته، وهو عبد الله بن عبد العزي كليب
(2)
بن الحارث بن سدوس، شاعر. قال:
أتاني عن أبي بكر ألوكٌ
…
يخب بها المبين والنذيرُ
وقال:
ألمَّ خيال العامرية موهنا
…
خيال بأعلى حضر موت غريبُ
أرى المرء أمسى للحوادث غاية
…
نوائبه تغتاله فتصوبُ
وقال يهجو ابن عنمة الضبي
(3)
:
إن الشاعر الضبيَّ عبد
…
كزائدة النعامة مستعارُ
وقال يمدح الحوفزان
(4)
:
لمن الديار بجانب الغمر
…
آياتهن كواضح السطرِ
يا حارِ أعطاك الإله كما
…
أثنى عليك أخو بني جسرِ
فلأنت أكسبهم إذا افتقروا
…
ولأنت أجودهم إذا تثري
35 -
و (ابن دغماء العجلى) أمه دغماء بنت مرة، أخت جعونة بن مرة، وهو الذي يقول لسويد بن حطان، وكان سويد الضبعي نزل في بني عجل
(1)
في الأصل: «الرافقية» تحريف، وهي بالواو نسبة إلى بنى واقف، وهم بطن من الأنصار، وواقف لقب مالك بن امرئ القيس. انظر القاموس (وقف) والاشتقاق 266. وانظر ابن قتيبة في المعارف ص 50.
(2)
كذا في الأصل. ولعله: «من بنى كليب بن الحارث بن سدوس» .
(3)
هو عبد اللّه بن عنمة بن حرثان بن ذؤيب بن السيد بن مالك بن بكر بن سعد ابن ضبة. «وعنمة» بفتح العين المهملة والنون والميم. وفي ا: «غنمة» محرف. قال البغدادي: «الظاهر أنه من المخضرمين» . الخزانة (3: 58).
(4)
الحوفزان لقب له، واسمه الحارث بن شريك بن مطر، قالوا:«وإنما سمى الحوفزان لأن قيس بن عاصم اقتلعه عن سرجه بالرمح. وكل ما قلعته من موضعه فقد حفزته» . الاشتقاق 215.
فانتسب إلى مرة أبي جعونة
(1)
فقال: أنا سويد بن حطّان بن مرة، فقال ابن دغماء:
لعمرك ما أدرى وإني لسائل
…
سويد بن حطان يمتّ وما أدرى
سوى أنكم دربتم فجريتم
…
على دربة والضب يختل بالتمرِ
(2)
فما أنتم منا ولا نحن منكم
…
دعاوة كذب أنتم آخر الدهر
فغضب جعونة خال ابن دغماء، فقال:
إن ابن دغماء الذي حدثته
…
بيض الدجاج لا يحسُّ له أب
إلا الرماد فإنها اعتركت به
…
بين الرماد وبين أمك تنسب
(3)
36 -
و (عبد المسيح بن عسلة الشيباني)، أمه عسلة بنت عامر بن شراكة من غسان، إليها ينسبون
(4)
وهو شاعر، قال:
يا كعب إنك لو قصرت علي
…
حسن الندام وقلة الجرم
لصحوت والنمرى يحسبها
…
عم السماك وخالة النجمِ
(5)
37 -
وأخوه (حرملة بن عسلة)، قال له المنذر بن ماء السماء: اهج الحارث بن أبي شمر. فقال:
ألم تر أني بلغت المشي
…
ب في دار قومي عفّا كسوبا
(6)
(1)
في الأصل: «مرة بن أبي جعونة» ، وكلمة «بن» مقحمة.
(2)
رواه الجاحظ في الحيوان (6: 62): «يحبل بالتمر» ، وقال:«فجعل صيده بالتمر كصيده بالحبالة» . والضب والعقرب يعجبان بالتمر عجبا شديدا.
(3)
مما يزعم العرب أن بيض الطير يتولد حينا من التراب ومن الريح. قال الجاحظ في الحيوان: (3: 171). «والبيض الذي يتولد من الريح والتراب أصغر وألطف، وهو في الطيب دون الآخر. ويكون بيض الريح من الدجاج والقبج والحمام والطاوس والإوز» .
(4)
أما أبوه فهو حكيم بن عفير بن طارق بن قيس بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بنى علي بن بكر بن وائل. انظر المؤتلف 157 وشرح الأنباري للمفضليات 556 وما ورد من التحقيق في المفضليات (2: 78 طبع المعارف).
(5)
انظر لفهم هذا البيت ما ورد في جو المفضليات. وفي الأصل: «والنمري يحسبه
…
عم السماك وخاله النجم»، وهو تحريف.
(6)
رواية الخزانة (4: 23): «بلغت المشيبا
…
وفي دار قومي».
وأنَّ الإله تنصفته
…
بألا أعقَّ وألا أحوبا
وألا أكافر ذا نعمةٍ
…
وألا أخيبه مستثيبا
وغسان حيّ هم والدي
…
فهل ينسينهم أن أغيبا
فآثرْ بها بعض من يعتريك
…
فإن لها من معدٍّ كليبا
فانبرى عمارة بن العيف العبدي
(1)
من سليمة بن عبد القيس، وهم حلفاء في بنى شيبان في بنى سعد، فقال:
لاهمّ إنَّ الحارث بن جبله
…
عقَّ أباه ظالماً وقتله
وأىّ فعل سيّئ لافعله
(2)
38 -
و (عتبان بن وصيلة) وهي أمه
(3)
. وهو عتبان بن شراحيل بن شريك بن عبد الله بن الحصين بن أبي عمرو بن عوف بن مرة بن ذهل ابن شيبان.
39 -
و (عمرو بن الإطنابة) وهي أمه
(4)
، وهو الذي يقول:
(1)
ينسب الرجز أيضا إلى «شهاب بن العيف» ، وفي نسخة البغدادي من كتاب من نسب إلى أمه من الشعراء:«عامر بن العيف» . (انظر الخزانة 4: 231).
(2)
انظر رواية الرجز وتمامه في الخزانة.
(3)
عتبان، بكسر العين، ووصيلة بفتح الواو. انظر الاشتقاق 216. وفي معجم المرزباني 266:«عتبان بن أصيلة، ويقال وصيلة، الشيباني. وأصيلة أمه، وهي من بنى محلم» .
وأورد من شعره قوله لعبد الملك بن مروان:
فبلغ أمير المؤمنين رسالة
…
وذو النصح لو يرعى إليه قريب
بأنك إلا ترض بكر بن وائل
…
يكن لك يوم بالعراق عصيب
فإن يك منكم كان مروان وابنه
…
وعمرو ومنكم هاشم وحبيب
فمنا سويد والبطين وقعنب
…
ومنا أمير المؤمنين شبيب
وللبيت الأخير قصة يتداولها الرواة.
(4)
عمرو بن الإطنابة شاعر جاهلي. وأمه الإطنابة بنت شهاب بن زبان، من بنى القين ابن جسر، وأبوه عامر بن زيد مناة بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج. انظر المرزباني 203 والكنى والألقاب لابن حبيب 139. وأصل الإطنابة سير يشد في وتر القوس العربية لتحزق به. الاشتقاق 268.
قرت أحسابنا كرماً فأبدت
…
لنا الضراءُ عن أدمٍ صحاحِ
ولم يظهر لنا عقراتِ سوءٍ
…
جمود القطر أو بكء اللقاح
في ختام نسخة (ا) نجز الكتاب والحمد للّه رب العالمين. نقلت جميعه من نسخة نقلت جميعها من خط أبى الفتح عثمان بن جنى، وصححها رضى الدين الشاطبى رحمهما اللّه.
وفي نسخة (ب): «قال في أصل هذا: نجز الكتاب
…
الخ»، وزاد:
ونجزت هذه النسخة في يوم الاثنين المبارك 14 صفر الخير سنة 1300 بالمدينة المنورة. رحم الله كاتبها ومستنسخها والمسلمين أجمعين.
تحفة الأبيه فيمن نسب إلى غير أبيه
لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآباذى 729 - 817
مقدمة
هذا الكتاب يشبه في موضوعه الكتاب السابق لهذا، ويمتاز بأنه لم يختص بذكر الشعراء فحسب، بل هو عام في ذلك. ومؤلفه في غنى عن التعريف، فهو صاحب أكثر المعجمات العربية تداولا، وهو القاموس المحيط، وهو أبو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزآباذى، نسبة إلى فيروزآباذ، قرية بفارس
(1)
، منها والده وجده. وأما هو فقد ولد بكارزين من بلاد فارس سنة 729، ثم أخذ عن مشايخ العلم بالعراق ومصر والشام والروم والهند، ثم دخل زبيد سنة 796 فتلقاه سلطان اليمن الأشرف إسماعيل، وولاه قضاء اليمن كله، واستمر بزبيد عشرين سنة، وتوفى بها سنة 817. وانظر ترجمته في (الشقائق النعمانية 1: 92 وبغية الوعاة 117 وروضات الجنات 4: 207 ومفتاح السعادة 1 103).
وأصل هذه النسخة التي ننشرها نسخة الشنقيطي التي كتبها بقلمه سنة 1304 وهي محفوظة بدار الكتب المصرية برقم (38 أدب ش). ومن الكتاب نسخة أخرى بمكتبة الجزائر برقم 46.
ويقارب هذا الكتاب في تسميته وموضوعه كتاب آخر محفوظ بالخزانة التيمورية برقم 1407 تاريخ تيمور، وهو (تذكرة الطالب النبيه بمن نسب إلى أمه دون أبيه) لأحمد بن خليل اللبودى، وهو تهذيب كتاب آخر، لجلال الدين ابن خطيب داريا. وتقع هذه التذكرة في 89 صفحة، وقد وجدت معظم ما به من الأسماء قد تكفل به ابن حبيب ومجد الدين الفيروزآباذى.
(1)
هي بكسر الفاء وآخرها ذال معجمة، كما في معجم البلدان، قال البشاري:«ومعنى فيروزآباذ أتم دولة» .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله عدد خلقه وزنة عرشه ورضى نفسه ومداد كلماته، والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاته، ملء أرضه وملء سماواته، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وذرياته.
وبعد يقول محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزاباذي نعشه الله من عثراته، وحجز بحفظه وكلاءته بينه وبين زلّاته: هذا كتاب وضعته في ذكر من نسب إلى اثنين من آبائه وأمهاته، أو إلى غير أبيه ثم جدّاته، [أو] أجنبي ممن رباه أو تبناه أو غير ذلك من حالاته، وذلك لما رأيت قراء الحديث تزل مفاصلهم
(1)
فيلحنون في ذلك وأخواته، فأفردته في جزء راجياً أن يكون لوجه الله تعالى بحتاً لروم مرضاته
(2)
، وأسميته «تحفة الأبيه
(3)
فيمن نسب إلى غير أبيه»، ورتّبته على الهجاء المشرقي لصفاء أضاته
(4)
، وقدمت ذكر سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم محمدٍ عليه أفضل صلوات الله وأشرف تسليماته، تشريفا للتأليف، ولئلا يندرج اسمه الشريف بين الكتاب حيث يقتضيه ترتيب كلماته:
سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، خاتم النبيين وأشرف المخلوقين، ورسول رب العالمين، صلى اللّه تعالى عليه وسلم أبد الآبدين. قيل نزع في الشّبه إلى أبى كبشة أحد أجداده، فقالوا له ابن أبي كبشة. في صحيح البخاري، في حديث هرقل: «فقال أبو سفيان بن حرب لما قرأ هرقل كتاب النبي صلى اللّه
(1)
المفاصل: جمع مفصل، كمنبر، وهو اللسان.
(2)
البحت: الخالص. والروم: الطلب.
(3)
الأبيه: وصف، من أبه للشيء وبالشئ من باب منع وفرح، أي فطن له.
ولم يذكر المصنف في قاموسه ولا صاحب اللسان أيضا هذا الوصف.
(4)
الأضاة: المستنقع من سيل أو غيره.
تعالى عليه وسلم: لقد أمر أمرُ ابن أبي كبشة
(1)
، إنه يخافه ملك بني الأصفر».
واختلف العلماء في ذلك؛ فقيل أبو كبشة كنية زوج حليمة السعدية التي أرضعت النبىّ صلى اللّه تعالى عليه وسلم، فهو أبوه من الرضاعة، واسمه الحارث ابن رفاعة السعدي، قاله أبو الحسن علي بن خلف بن بطال. وقيل هو كنية وهب بن عبد مناف جد النبي صلى اللّه تعالى عليه وسلم من قبل أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف جد النبي صلى اللّه تعالى عليه وسلم، لأنه كان نزع إليه في الشبه. وقال ابن الكلبي في جمهرة النسب: أم وهب جد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قيلة بنت أبي قيلة، وهو وجز بن غالب بن الحارث بن عمرو بن حوى ابن ملكان بن أفصى بن حارثة بن خزاعة. تقول خزاعة: أبو كبشة هو أبو قيلة. وقيل أبو كبشة: رجل من خزاعة خالف قريشاً في عبادة الأوثان وعبد الشعرى العبور، فشبّهوا النبي صلى اللّه تعالى عليه وسلم به، ومعناه أنه خالفهم كما خالفهم أبو كبشة. وقيل: كان أبو كبشة عم ولد حليمة السعدية.
قال الزبير بن بكار: ليس مرادهم عيب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وإنما مرادهم مجرد التشبيه. وقال غيره: هذا منهم إيذاء للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأقبح ما كانوا يدعونه به من الكنى والأسماء.
ونسب بعض المحدثين المولدين النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أمة آمنة، فقال:
صلى الإله على ابن آمنةَ التي
…
جاءت به سبطَ البنان كريما
قل للذين رجوا شفاعةَ أحمدٍ
…
صلوا عليه وسلموا تسليماً
حرف الألف
1 -
إبراهيم بن علية، سيأتي ذكره عند ذكر أبيه إسماعيل بن علية.
(1)
أمر، كفرح: كثر، وقوى.
2 -
إبراهيم بن هراسة، بفتح الهاء والراء المخففة والسين المفتوحة، وهي أمة.
والهراسة في الأصل: واحدة الهراس كسحاب، وهو شجر ذو شوك. وقال أبو عمرو: يقال له ثمر مثل ثمر النبق، وفيه شوك. قال النابغة الجعدى رضى اللّه عنه:
وخيل يطابقن بالدارعين
…
طباقَ الكلاب يطأن الهراسا
الواحدة هراسة. وبه سميت المرأة هراسة. وهو أبو إسحاق إبراهيم بن سلمة الكوفىّ، متروك الحديث تكلّم فيه أبو عبيد وغيره. فإذا كتبت إبراهيم ابن سلمة، ابن هراسة أعربت الابن الثاني إعراب إبراهيم وكتبته بالألف، وكذا في جميع ما أتلوه عليك من هذا النحو.
3 -
أحمد بن تيمية، هي أم أحد أجداده الأبعدين، وهو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحرانىّ، الحافظ المشهور، الذي لم يلحق شأوه في الحفظ أحدٌ من المتأخرين.
4 -
أحمد بن الخاضبة
(1)
.
5 -
إسحاق بن راهويه بفتح الهاء والواو ثم ياء مثناة تحتيه، ويقال بضم الهاء وسكون الواو وفتح الياء، وهذه قليلة، وهما لغتان في كل اسم ختم بويه كسيبويه وعمرويه وبحرويه وغيرهما، ويجوز فيه البناء والإعراب: هذا راهويه ورأيت راهويه ومررت براهويه. وهذا راهويه ورأيت راهويها ومررت براهويه. ولك أن تعربه غير منصرف فتقول: هذا راهويهٌ ورأيت راهويهَ ومررت براهويهٍ. وهذا عن الجرمي، ونقله ابن مالك عن المتأخرين. ولم يذكر سيبويه إلا البناء. وعلى قول من يعربه تجوز تثنيته وجمعه، فتقول هذان راهويهان وهؤلاء راهويهون. وعلى قول الجمهور تقول: هذان ذوا راهويه وهؤلاء ذوو راهويه. وراهويه لقب أبيه إبراهيم لأنه وجد في الطريق. وأصله
(1)
في الأصل: «الحاصة» ، صوابه من تذكرة الطالب، مخطوط التيمورية. وهو والد أبى بكر محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن منصور الدقاق، الحافظ البغدادي. انظر تذكرة الحفاظ 4:22.
راهوي أي طريقي. وراه بالعجمي: الطريق. وهو أبو يعقوب إسحاق بن مخلد بن مسكين بن إبراهيم بن مطر الحنظلي المروزي النيسابورىّ، أحد الأئمّة الحفاظ. قال أبو داود: تغير قبل أن يموت بخمسة أشهر، وتوفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وهو ابن سبع وسبعين سنة.
6 -
إسماعيل بن علية بضم العين المهملة وفتح اللام والياء المثناة التحتية المشددة، وهي أمه وقيل جدته أمّ أمّه. وهو أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم - كمنبر - الأسدي، أسد خزيمة، مولاهم البصري. وأصله من الكوفة، وهو أحد أئمة الحديث والفقه ومن كبار الصالحين
(1)
. وأما ابن علية الذي يعزو إليه كثيرٌ من الفقهاء فهو ابن ابنه.
7 -
أيوب بن القرية، بكسر القاف والراء المشددة والمثناة التحتيه آخره هاء، وهو لقب أمه وأسمها جماعة مثل رمانة، بنت جشم بن ربيعة بن زيد مناة، وهو أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة بن سلمة بن جشم بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة، بن القرية. وهو أحد الفصحاء المشهورين بالحفظ، صحب بني مروان والحجاج بن يوسف. والقرية: حوصلة الطائر. ونقل أيوب الكتب القديمة إلى العربية، وقتله الحجاج.
حرف الباء
8 -
بديل بن أم أصرم، بضم الباء على زنة زبير، واسم أبيه سلمة.
وبديل ابن سلمة بن أم أصرم صحابي كان بمصر، روى عنه علي بن رياح.
وقيل: هو بديل بن ميسرة، بدل سلمة.
9 -
بشير بن الخصاصية، بفتح الخاء وتخفيف الياء المثناة من تحت، على زنة كراهية وطواعية. وبعض المحدثين شددها، وهو لحن لأنه ليس في كلام العرب فعالية بالتشديد، وإنما هي بالتخفيف قاطبة، ككراهية وطواعية وعلانية ورفاهية
(1)
ترجم له بإسهاب في تهذيب التهذيب.
وأخواتها. والخصاصية هي أم بشير، واسم أبيه معبد. وكان اسم بشير رحم بن معبد بن شراحيل السّدوسىّ، فغيّره النبي صلى اللّه تعالى عليه وسلم وسماه بشيراً.
وأمه الخصاصية من الأزد. وكان بشير يعرف بها، وروى بشير أحاديث.
10 -
بشير بن عقربه. عقربه أمه. والعقربه في كلام العرب: المرأة العاقلة الخدوم. وبشير صحابي، ولم أقف على اسم أبيه. وكنيته أبو اليمان، نزل الشام، روى حديثاً واحداً، وهو «من قام بخطبة لا يلتمس بها إلا رياء وسمعة وقفه الله عز وجل يوم القيامة موقف رياء وسمعة» . روى عنه عبد الملك بن مروان، وعبد الله بن عوف الكناني.
11 -
بلال بن حمامة، مؤذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وحمامة بالفتح والتخفيف: اسم أمه. واسم أبيه رباح، بفتح الراء والباء الموحدة وبحاء مهملة. ويكنى أبا عبد الله، وقيل أبا عمر، وقيل أبا عبد الرحمن. مولى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ومن مولدي السراة
(1)
، وشهد بدراً.
وكان ترب أبي بكر رضى اللّه تعالى عنه. مات بدمشق ودفن بالباب الصغير.
قال ابن زبر: مات بداريا
(2)
وحمل على الرقاب، فدفن بمقبرة باب كيسان.
وقيل مات بحلب ودفن بباب الأربعين.
حرف الجيم
12 -
جبير بن بحينه، صحابي. وبحينة بضم الباء وفتح الحاء المهملة ثم مثناة تحتيه ساكنة ونون مفتوحة وهاء، وهي لقبها، واسمها عبدة. وكذلك أخواه عبد الله ومالك. وأبوهم مالك بن القشب بكسر القاف. وسيعاد كل واحد في بابه إن شاء اللّه تعالى.
13 -
جعفر بن عقاب. شاعر، وعقاب أمه. وهو جعفر بن عبد اللّه ابن قبيصة.
(1)
السراة، بالفتح: جبال وأرض حاجزة بين تهامة واليمن.
(2)
داريا: قرية من قرى دمشق، ينسب إليها الدارانى.
14 -
الحارث بن مالك بن البرصاء، صحابي. والبرصاء اسم أم أبيه، وهي لقبها، واسمها عبدة، واسم أبيه مالك بن قيس الليثي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يوم فتح مكة: «لا تغزي مكة سوى اليوم
(1)
».
وفي رواية «بعد اليوم» . والحديث الآخر «إنه ليس أحد يلقى الله وقد اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه إلا
…
»، قال إسحاق بن إبراهيم أحد رواة هذا الحديث: إن سفيان كنى عنه
(2)
، إنّما هو النار.
حرف الخاء
15 -
خفاف، بضم الخاء وفتح الفاء على زنة غراب، بن ندبة بفتح النون وسكون الدال المهملة وفتح الباء الموحدة، وهي أمه، واسم أبيه عمير بن الحارث ابن الشريد. وكنيه خفاف أبو خراشة بضم الخاء، صحابي.
حرف الذال
16 -
ذو الخرق بن شعاث الشاعر، بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء بعدهما قاف. وشعاث بالشين المعجمة المضمومة وعين مهملة بعدها ألف وثاء مثلثة، واسم أبيه نباتة.
حرف الراء
17 -
رافع بن غنجدة، بضم الغين المعجمة والجيم بينهما نون، وقيل عنجرة بالعين المهملة المفتوحة والجيم والراء، وقيل عنترة، والأول أصح.
وغنجدة أمه أو جدته، واسم أبيه عبد الحارث.
18 -
الرماح بن ميادة بفتح الميم والمثناة التحتيه المشددة، وهي اسم أمه، وكانت أمه سوداء راعية. وهو الرماح بن أبرد بن زبان بن سراقة بن حرملة
ابن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد ابن ذبيان، وكنيته أبو شرحبيل، وهو شاعر مشهور.
حرف الزاي
19 -
زياد بن هنداية، بكسر الهاء وسكون النون بعدها ألف وياء مثناة تحتيه مفتوحة، وهي أمه، وكانت سوداء. واسمه زياد بن حارثة بن عوف بن قتيرة بن حارثة بن عبد شمس بن معاوية بن جعفر بن أسامة بن سعد بن شبيب ابن السكون. وكان فارساً مشهوراً. قال ابن الأعرابي: وقال ابن الكلبي هو زياد بن عوف بن حارثة، وهو الذي أسر الحصين ذا الغصة. وكان يقول:
«لو أرسلت فرسي أزاهيق عريا لأسر ذا الغصّة» . وأزاهيق: اسم فرسه.
حرف السين
20 -
سعد بن حبتة، بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح المثناة الفوقية، وهي أمه. وهي حبتة بنت مالك رضي الله تعالى عنها. وهو سعد بن بحير بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة. هذا هو الصحيح المشهور، وقيل فيه بجير بالجيم مصغراً. وهو صحابي. وأبو يوسف بن إبراهيم القاضي من ذرية سعد بن عوف
(1)
بن بجير بالجيم، والأول أصح.
21 -
سعد بن الحنظلية وهي أم جده، وهو سعد بن عقيب بالقاف مثل زبير، وقيل عميت بالميم والمثناة آخره مثال حميد، وقيل سعد بن الربيع بن عمرو بن عدى. ويكنى أبا الحارث الحارثي الصحابي.
22 -
سعد بن خولة. خولة أمه، وهو سعد بن خولي. وبعضهم يجعل ابن خولة غير ابن خولي. ولم يعرف اسم أبيه، وهذا هو الأصح.
23 -
سليك بن سنان بن سلكة، كهمزة. وسلكة أمّه، وهو من
(1)
كذا وردت في الأصل، وإنما هو سعد بن بجير. الإصابة 3134 وتاريخ بغداد 7558.
الشعراء والعدائين، ومن اللصوص الفتاك، وكان يعرف بسليك المقانب.
24 -
سويد بن كراع. وكراع أمه، وهي غير مصروفة. وهو سويد ابن عمرو بن كراع، وهو شاعر معروف.
25 -
سهل بن الحنظلية الحارثي. والحنظلية هي أم أبيه، وهو سهل بن عمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة، صحابي.
26 -
سهل بن البيضاء. البيضاء لقب أمه، واسمها دعد بنت جحدم، بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الدال اليابسة. وهو سهل بن وهب بن ربيعة، صحابي.
27 -
سهيل بن البيضاء، أخو سهل.
حرف الشين
28 -
شرحبيل بن حسنة. وهو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع أخو عبد الله وعبد الرحمن. وحسنة أمه، وهي عدولية: نسبة إلى عدولى قرية بالبحرين. وهي مولاة معمر بن حبيب. وشرحبيل من الصحابة.
29 -
شريك بن السحماء، بفتح الشين المعجمة وسكون الحاء المهملة:
وهو شريك بن عبدة بالتحريك، ابن مغيث، أخو البراء بن مالك لأمه.
وهو أول من لاعن في الإسلام. وبعضهم يجعل شريك بن السحماء غير شريك بن عبدة، والأول أصح.
حرف الصاد
30 -
صفوان بن البيضاء، والبيضاء لقب أمه، واسمها دعد. وهو سهل وسهيل. وهو صفوان بن وهب، وقد تقدم.
حرف العين
31 -
عاصم بن بهدلة، أبو بكر الأسدي، من القراء، وبهدلة أمه. وهو عاصم بن أبي النجود. والبهدلة: الإسراع والخفة في المشي. والبهدل: جرو الضّبع
(1)
.
(1)
في الأصل: «خرء الضبع» ، تحريف.
32 -
عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق. سلول أمه.
33 -
عبد الرحمن بن حسنة، أخو عبد الله وشرحبيل، وهو عبد الرحمن ابن عبد الله بن المطاع. وحسنة مولاة معمر بن حبيب، عدولية.
34 -
عبد الله بن أم حرام. وهو عبد اللّه بن عمرو بن قيس. وفيه اختلاف.
35 -
عبد الله بن بحينة، وهو عبد الله بن مالك الأزدي. وقد تقدم ذكر بحينة عند ذكر أخيه جبير. واسمها عبدة بنت الحارث بن عبد المطلب، وهي أم أبيه.
36 -
عبد الله بن حسنة، أخو عبد الرحمن وشرحبيل، وهو عبد الله ابن المطاع.
37 -
عمر بن اللتبية. وقيل ابن الأتبية
(1)
. قيل الأول الصحيح.
والأول قول ابن دريد، والثاني قول الكلبي والمعول على قوله أكثر.
38 -
عمرو بن الفغواء أخو علقمة، صحابيان.
39 -
علقمة بن الفغواء، صحابي، وقيل ابن أبي الفغواء، وهو علقمة بن عبيد الخزاعي. والفغواء، بالفاء والغين المعجمة: لقب أمه. والفغا: ميل في الفم.
40 -
عمرو بن شعواء اليافعي صحابي. شعواء أمه، ولم أقف على اسم أبيه.
والشعواء بالشين المعجمة والعين المهملة: المنتشرة الشعر، ومنه شجرة شعواء:
منتشرة الأغصان. وغارة شعواء: متفرقة.
41 -
عوف بن عفراء، وهو عوف بن الحارث بن رفاعة النّجّارى. وهي
(1)
في الأصل: «ابن اللبنية وقيل ابن الأبية» . صوابه من تذكرة الطالب، قال:«عده الصغاني في نقعة الصديان في الصحابة الذين نسبوا إلى أمهاتهم» وذكره في الإصابة 1931 باسم «عبد اللّه» . وفي القاموس (لتب): «وبنو لتب، بالضم: حي، منهم عبد اللّه بن اللتبية» .
عفراء بنت عبيد بن ثعلبة. وقيل فيه عوذ، وعوف أكثر.
حرف اللام
42 -
لوط بن هاران بن تارح، ابن أخي إبراهيم
(1)
. هاران هو أخو إبراهيم.
حرف الميم
43 -
مالك بن بحينة، وبحينة لقبها واسمها عبدة. وهو مالك بن القشب بكسر القاف.
44 -
مالك بن نميلة، نميلة أمه. وهو مالك بن ثابت المزني الصحابي.
45 -
محمد بن الحنفية، هو محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما. والحنفية أمه
(2)
.
46 -
محمد بن حبيب الأديب. حبيب اسم أمه، ولم أقف على اسم أبيه.
47 -
محمد بن عائشة، وهو محمد بن حفص.
48 -
محمد بن عثمان، وهو محمد بن خالد.
49 -
محمد بن شرف القيرواني. شرف اسم أمه، ولم أقف على اسم أبيه.
50 -
محمد بن القوطية، بضم القاف وكسر الطاء وفتح المثناة التحتية المشددة، وهي أمه، نسبت إلى قوط بن حام بن نوح. وهو أبو السودان والهند والسند. وهو محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم الأندلسي الإشبيلي الأصل، القرطبي المولد. كان من أعلم أهل زمانه، ماهراً باللغة
(1)
لعله يريد أنه يقال لوط ابن أخي إبراهيم، فينسب إلى غير أبيه.
(2)
هي خولة بنت قيس بن مسلمة بن عبد اللّه بن ثعلب، أو بنت قيس بن جعفر بن قيس، أو خولة بنت إياس بن جعفر، ونسبتها إلى بنى حنيفة باليمامة، وقيل كانت أمة لبنى حنيفة سندية سوداء. انظر اتعاظ الحنفاء بأخبار الخلفاء، بتحقيق الدكتور الشيال، والإصابة 355 من قسم النساء والمعارف 91.
والعربية، حافظاً للحديث والفقه والشعر، لا يلحق شأوه. وكان متنسكاً متعبداً.
حكى أبو بكر يحيى بن هذيل الميمي، أنه توجه يوماً إلى ضيعة له بسفح جبل قرطبة، وهو من بقاع الأرض الطيبة المونقة، وصادف ابن القوطية صادراً عنها. قال: فلما رآني عرج علىّ واستبشّ بلقائى، فقلت له على البديهة مداعباً:
من أين أقبلت يا من لا شبيهَ له
…
ومن هو الشمسُ والدنيا له فلكُ
فتبسم وأجاب بسرعة:
من منزل يعجب النّسّاك خلوته
…
وفيه ستر عن الفتاك إن فتكوا
قال: فما تمالكت أن قبلت يده. مات في سنة سبع وستين وثلاثمائة.
51 -
محمد بن ماجه
(1)
، ماجه اسم أمه وهو محمد بن يزيد بن ماجه، وترجمته مشهورة. الإمام أبو عبد الله الحافظ القزويني أحد أصحاب الكتب الستة ودواوين الإسلام.
52 -
مسعود بن العجماء، العجماء اسم أمه. وهو مسعود بن الأسود ابن حارثة صحابي.
53 -
معاذ بن عفراء، عفراء أمه، وهو معاذ بن الحارث بن رفاعة النجاري صحابي.
54 -
معوذ بن عفراء، أخو معاذ. وعفراء هي بنت عبيد بن ثعلبة صحابي.
55 -
معقل بن أم معقل، وهو معقل بن أبي الهيثم، ويقال له معقل بن أبي معقل الأسدي.
56 -
المقداد بن الأسود، هو الأسود بن عبد يغوث، وهو رجل زهري
(1)
جرى القدماء على نطق أمثال هذه الأسماء بالهاء الساكنة، ونحوها «سيده» و «منده» . ولست أرى مسوغا لهذا الالتزام ما دامت تدخل في نطاق التعريب.
ربى المقداد وتبناه فنسب إليه. وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك الكندي.
حرف الواو
57 -
ورقة بن نوفل بن عبد العزّى، ابن عمّ خديجة رضى اللّه تعالى عنها. نوفل هو عم خديجة رضي الله تعالى عنها.
حرف الياء
58 -
يحيى بن الحنظلية. الحنظلية أمه، ولم أقف على اسم أبيه، وهو ممن بايع تحت الشجرة:
59 -
يعلى بن سيابة، وهي اسم أمه، وهو يعلى بن مرة الثقفي
(1)
.
60 -
يعلى بن منية
(2)
وهي أمه، وقيل جدته أم أبيه، وهو يعلى بن أميه بن عبدة
(3)
التميمي المكي حليف قريش، ومن مسلمة الفتح، وقتل في صفين، رضى اللّه تعالى عنه.
61 -
يونس بن حبيب الأديب الشاعر، حبيب أمه، ولم أقف على اسم أبيه؛ وفيه ست لغات مشهورات: تثليث النون، مع الهمز وتركه.
والحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، محمد حبيب رب العالمين، وعلى آله وصحابته والتابعين.
كتبه لنفسه محمد محمود، ابن التلاميد التركزى، لطف به آمين.
(1)
في الإصابة 9360: «قال ابن حبان: من قال في يعلى بن مرة يعلى بن سيابة فقد وهم. ثم قال: يعلى بن سيابة يقال إن له صحبة» .
(2)
في الإصابة 9360: «يعلى بن منية، بضم الميم وسكون النون، وهي أمه وقيل أم أبيه، جزم بذلك الدارقطني. وقال: هي منية بنت الحارث بن جابر» .
(3)
في الإصابة: «ابن أبي عبيدة» .
المجموعة الثّانية
5 -
كتاب خطبة واصل بن عطاء المعتزلي المتوفى سنة 141.
6 -
كتاب أبيات الاستشهاد لأحمد بن فارس المتوفى سنة 395.
7 -
رسالة في إعجاز أبيات تغنى في التمثيل عن صدورها، لأبى العباس محمد ابن يزيد المبرد المتوفى سنة 285.
8 -
كتاب العصا لأبي المظفر أسامة بن منقذ المتوفى سنة 584.
9 -
رسالة التلميذ لعبد القادر بن عمر البغدادي المتوفى سنة 1093.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
تقديم
هذه هي المجموعة الثانية من (نوادر المخطوطات) التي ألتمس من اللّه الأيد والعون على أن أمضى في إخراجها، مغتبطا بما ظفرت به وما أرجو أن أظفر به، من تقدير العلماء والأدباء لهذه الفكرة التي تحاول ملء فراغ كان يتخلل المكتبة العربية المنشورة.
وتلقيت رسائل من أطراف العالم العربي والإسلامي، فيها ثناء وفيها رغبات عاجلة، واقتراحات لنشر كتب ورسائل معينة، وسأتخذ من هذه الرغبات وهذه الإرشادات نبراسا لي فيما أنا آخذ بسبيله.
وتفضل زميلنا وصديقنا الأستاذ الناقد المحقق (الدكتور شوقى ضيف) فكتب في مجلة الثقافة (بالعدد 634) مقالا نفيسا عرف فيه تعريفا صادقا ب (نوادر المخطوطات) وبرسائل المجموعة الأولى. وروى نصا نادرا عن ابن سعيد (في المغرب) في شأن أبى الصلت، أنه «كان قد خرج من إشبيلية، فصحب بالمهدية ملوكها الصنهاجيين وتوجه في رسالة إلى مصر فسجن بالقاهرة في خزانة البنود، وكان فيها خزائن من أصناف الكتب، فأقام بها نحو عشرين سنة، فخرج منها وقد برع في علوم كثيرة من حديثة وقديمة
…
وإنما حبسه المصريون لأن صاحبه الذي أرسله وهو يحيى بن تميم بن المعز بن باديس - كان قد قطع هو وأبوه اسم الخليفة الفاطمي من الخطبة واستقلا عن مصر. فلم يكرم المصريون رسوله، بل حبسوه إهانة له وإزراء عليه».
وعقد كذلك موازنة بين ما ورد في كتاب «المردفات من قريش» وما ورد في كتاب «المحبر» لابن حبيب فيما يشبه هذا الموضوع.
وتمكن - حفظه اللّه - من تكملة عبارة وردت ناقصة في الأصل في ص 22: «وقد تعاور الشعراء
…
الشعاع على صبح
…
»، إذ وجدها في الخربدة:«وقد تعاور الشعراء وصف وقوع الشعاع على صفحات الماء» .
وورد في ص 23 بيتان أشرت إلى أنهما محرفان فوجد صوابهما في الخريدة:
بشاطئ نهر كأن الزجاج
…
وصفو اللجين به ذوبا
إذا جمشته الصبا بالضحى
…
توهمته زردا مذهبا
فإلى الصديق (الدكتور شوقى ضيف) أزجى صادق الشكر وعظيم التقدير.
وكنت قد اعتزمت أن أنشر في هذه المجموعة (كتاب عرام بن الأصبغ في أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى)، ولكني علمت أن العلامة (عبد العزيز الميمنى الراجكوتى) قد قام بنشر هذا الكتاب من قبل، فآثرت أن أؤجل صنعه إلى أن أطّلع على نسخته.
وفي النية أن تشتمل المجموعة الثالثة من (نوادر المخطوطات) على (رسالة ابن غرسية في الشعوبية) والردود عليها.
والحمد للّه الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا اللّه.
القاهرة في 3 رجب سنة 1370
عبد السلام محمد هارون
كتاب خطبة واصل بن عطاء 80 - 131
مقدمة
واصل بن عطاء - تلقيبه بالغزال - هو والجاحظ - عبقرية واصل - لثغته - الراء من أكثر الحروف دورانا في العربية - الجاحظ يعقد فصلا للثغة - شهرة لثغة واصل - علة تجنبه للراء - نماذج لمجانبته الراء مما ذكره الجاحظ - نماذج مما ذكره غيره الجاحظ - حادث خطبة واصل - تاريخ الخطبة - خطبة واصل في التاريخ - قيمة هذه الخطبة - شبهها ببعض خطب عصره - ابن زيدون وواصل بن عطاء - نص الخطبة.
واصل بن عطاء:
ليس أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزال، مولى بني ضبة أو بني مخزوم، في حاجة إلى أن نسهب في التعريف به، فإنه رأس المعتزلة، وأول إمام قوي دفع مذهب الاعتزال، وكون الفرقة الأولى من فرق المعتزلة العشرين
(1)
.
ولم يختلف المؤرخون أنه ولد بمدينة الرسول، سنة ثمانين للهجرة، وأنه نزح إلى العراق وأقام بها، ولزم الحسن البصري يحضر مجالسه ويقبس من علمه، إلى أن كان ما كان من قول واصل وصاحبه عمرو بن عبيد بالمنزلة بين المنزلتين، فكان ذلك سبباً للقطيعة بين الحسن، وبين واصل وزميله، وانتقل ميدان الرأي من مجلس العلم إلى الرأي العام، فكان للاعتزال أنصاره الذين ينضوون تحت لوائه، وصار مذهباً من المذاهب القائمة.
تلقيبه بالغزال:
وقد اختلف الناس في تلقيب واصل بالغزال، فمنهم من زعم أنه كان غزالاً، وأصح القولين أنه إنما لقب بذلك لأنه كان يكثر الجلوس في سوق الغزالين إلى
(1)
هي الواصلية، والعمرية، والهذيلية، والنظامية، والأسوارية، والإسكافية، والجعفرية، والبشرية، والمعمرية، وأصحاب عيسى بن صبيح، والثمامية، والهشامية، والجاحظية، والخياطية، والكعبية، والصالحية، والخابطية، والحديثية، والشحامية، والبهشمية.
أبي عبد الله مولى قطن الهلالي
(1)
. ويذكرون أنه كان يلازم الغزالين ليعرف المتعففات من النساء ممن يتردد عليهم، فيجعل صدقته لهن
(2)
. ويذكرون من أمثال ذلك في النسبة بعض الأعلام كخالد الحذاء، قيل إنه سمي بذلك لأنه تزوج امرأة فنزل عليها في الحذّائين فنسب إليها
(3)
. وهشام الدستوائي إنما قيل له ذلك لأن الإباضية كانت تبعث إليه من صدقاتها ثياباً دستوائية فكان يكسوها الأعراب الذين يكونون بالجناب
(4)
.
هو والجاحظ:
وبدهي أن الجاحظ لم يدرك واصل بن عطاء، لأن مولد الجاحظ كان في سنة 150 ووفاة واصل كانت في سنة 131
(5)
.
لكن الجاحظ قد أدرك رجلا له صلة بواصل بن عطاء، هو جعفر بن أخت واصل، عرفه الجاحظ، وسمع منه إنشاداً لشعر رواه في كتاب الحيوان
(6)
، كما روى عنه شيئاً من الدعابة في البيان
(7)
.
والجاحظ يعجب بواصل وبصحة عقله، فهو يقول في كتاب الحيوان
(8)
عند الكلام على الجن: «لأنهم لم يسلطوا على الصحيح العقل. ولو كان ذلك
(1)
البيان 1: 33 والكامل 546 ليبسك.
(2)
الكامل وابن خلكان في ترجمة واصل.
(3)
أي إلى قطيعة الحذائين. البيان 1: 33 والسمعاني 160.
(4)
البيان 1: 33.
(5)
لسان الميزان في ترجمة واصل، والنجوم الزاهرة 1: 313 ومسالك الأبصار (القسم الثاني من الجزء الثامن ص 496 من مصورة دار الكتب رقم 2568 تاريخ وعيون التواريخ 20 لابن شاكر الكتبي مخطوطة دار الكتب المصرية في وفيات الأعيان 131، وكذا شذرات الذهب لابن العماد في تلك السنة، وفوات الوفيات في ترجمته. وفي أصل معجم الأدباء 7: 225 مرجليوث، أنه توفى سنة إحدى و (بياض) ومائة. والذي في وفيات الأعيان أنه توفى سنة 181. وهو خطأ ظاهر
(6)
الحيوان 7: 204 - 205.
(7)
البيان 2: 234.
(8)
الحيوان 6: 160.
إليهم لبدءوا بعلي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وبأبي بكر وعمر في زمانهم وبغيلان والحسن في دهرهما، وبواصل وعمرو في أيامهما.
عبقرية واصل:
ويبدو أن واصلا كان على جانب عبقري من الذكاء وجرأة العقل والقلب.
يقول المبرد
(1)
: «وحدثت أن واصل بن عطاء أبا حذيفة أقبل في رفقة فأحسوا الخوارج، فقال واصل لأهل الرفقة: إن هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعوني وإياهم. وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقالوا: شأنك. فخرج إليهم فقالوا: ما أنت وأصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله وليعرفوا حدوده.
فقالوا: قد أجرناكم. قال: فعلمونا. فجعلوا يعلمونه أحكامهم وجعل يقول: قد قبلت أنا ومن معي. قالوا: فامضوا مصاحبين فإنكم إخواننا. قال: ليس ذلك لكم. قال اللّه تبارك وتعالى: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه» ؛ فأبلغونا مأمننا. فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: ذاك لكم. فساروا بأجمعهم حتى بلغوهم المأمن.
وهذا الخبر على به من أثر الصنعة يطوي وراءه اعترافاً بعبقرية هذا الرجل وزعامته الفطرية. على أن شيئاً مما ذكر ليس يعنينا لذاته، وإنما ليلقي ضوءاً على حياة هذا الرجل الذي هو رأس من رؤوس المعتزلة الذين قامت دعوتهم على المناظرة والمجادلة الملحة، والتي اعتمدت في أكثر ما تعتمد على الخطابة وعلى البيان، وعلى الجرأة في مواقف المخاصمة والمنازعة.
لثغة واصل:
ولكل حسناء ذامها، فهذا الخطيب واصل، مع ما رزقه الله من بيان وحسن تصريف للقول، كان صاحب عاهة منطقية عرف بها وذاعت بين الناس،
(1)
الكامل 528 ليبسك. وقد روى هذا الخبر موجزا ابن قتيبة في عيون الأخبار 1: 196.
وهي لثغة شنيعة كانت تقع له في حرف الراء فتحرجه في ذلك أيما إحراج فيتأتى لها بمجانبتها إلى سواها من الحروف، ويحمل على نفسه في هذا الأمر ويجهدها فيوفق توفيقاً بالغاً.
قال أحد معاصريه
(1)
:
ويجعل البر قمحاً في تصرفه
…
وجانب الراء حتى احتال للشعر
(2)
ولم يطق مطراً والقول يعجله
…
فعاذ بالغيث إشفاقاً من المطر
قال الجاحظ: وسألت عثمان البري: كيف كان واصل يصنع في العدد، وكيف كان يصنع بعشرة وعشرين وأربعين، وكيف كان يصنع بالمحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الآخرة ورجب؟ فقال: ما لي فيه إلا ما قال صفوان:
ملقن ملهم فيما يحاوله
…
جمٌّ خواطره جواب أفاق
الراء من أكثر الحروف دورانا:
وقد لحظ الجاحظ، وهو صادق فيما فطن له، أن الراء من أكثر الحروف دورانا في الكلام العربي، قال
(3)
: أنشدني ديسم قال: أنشدني أبو محمد اليزيدي:
وخلة اللفظ في الياءات إن ذكرت
…
كخلة اللفظ في اللامات والألف
وخصلة الراء فيها غير خافية
…
فاعرف مواقعها في القول والصحف
يزعم أن هذه الحروف أكثر ترداداً من غيرها، والحاجة إليها أشد.
ثم قال الجاحظ: «واعتبر ذلك بأن تأخذ عدة رسائل وعدة خطب من جملة خطب الناس ورسائلهم، فإنك متى حصلت جميع حروفها وعددت كل شكل على حدة علمت أن هذه الحروف الحاجة إليها أشدّ» .
(1)
البيان 1: 21.
(2)
من أسماء الشعر مما ليس فيه الراء «السبد» بالتحريك، و «الهلب» بالضم، و «اللمة»:
ما زاد على الجمة، و «الخصلة» بالضم: ما اجتمع من الشعر كذلك. انظر المخصص 1: 62 - 69.
(3)
البيان 1: 22.
وهذه براعة عجيبة للجاحظ: أن يتجه فكره في عصره إلى مثل هذه الطريقة التي لم تشهر ولم يعرف الاتجاه إليها في البحوث اللغوية والأدبية إلا منذ عهد قريب:
الجاحظ يعقد فصلا للثغة:
هذه اللثغة الشنيعة التي كانت تقع لواصل، هي أقوى الدوافع التي دعت الجاحظ - وهو الذي نصب نفسه مدرهاً للمتكلمين وللمعتزلة بوجه خاص، أن يعقد في كتابه فصلا طويلا في اللثغة
(1)
يبين فيه أنها تقع في أربعة حروف، وهي القاف والسين واللام والراء، ولكل من هذه الحروف ضروب من اللثغ ولا سيما الراء فإن لها ضروباً أربعة، إذ تقلب ياءً كما يقال في عمر عمي، أو عيناً كما يقال عمغ، أو ذالا فتقول عمذ، أو ظاء فتقول عمظ، ثم يخص ضربا لها خامسا بالذكر لا يصوّر بالكتابة، وإنما سبيله المحاكاة والنطق، وهذا الضرب هو الذي كان يعرض لواصل بن عطاء، ولسليمان بن يزيد. قال الجاحظ في تلك اللثغة:«فليس إلى تصويرها سبيل» .
وقد وجدت برهان الدين الوطواط في كتابه غرر الخصائص
(2)
يزعم أن لثغة واصل. كانت بالظاء أخت الطاء، على حين لم يعين الجاحظ نوعها، وكأنها كانت حرفاً بين حرفين، أو مزيجاً من حروف. ولو كانت حرفاً واحداً لعينه الجاحظ، وهو من أقرب الناس به عهداً، وأخبرهم به علما.
شهرة لثغة واصل:
قلت: إن لثغة واصل كانت أمراً متعالما، ذكرها كل من ترجم له، ونطقت بها آثار الشعراء. فهذا أبو محمد الخازن يقول من قصيدة مدح بها الصاحب إسماعيل بن عباد
(3)
:
(1)
البيان: 34 - 37.
(2)
غرر الخصائص ص 114.
(3)
وفيات الأعيان، ترجمة واصل، وكذا مسالك الأبصار، وقد سبقت الإشارة إليه.
نعم، تجنب «لا» يوم العطاء كما
…
تجنب ابن عطاء لفظة الراء
وقال الأرجاني:
ذا متعاضٍ أخفى اختلالي عن الرا
…
ئي كإخفاء واصل للراءِ
(1)
وقال: فيما رواه ابن شاكر في عيون التواريخ، وليس في ديوانه:
هجر الراء واصل بن عطاء
…
في خطاب الورى من الخطباء
وأنا سوف أهجر القاف والرا
…
ء مع الضاد من حروف الهجاء
وقال آخر في محبوب له ألثغ:
أعدْ لثغةً لو أن واصل حاضر
…
ليسمعها ما أسقط الراء واصل
(2)
وقال آخر:
أجعلت وصلي الراءَ لم تنطق به
…
وقطعتني حتى كأنك واصلُ
وقال آخر:
فلا تجعلني مثل همزة واصلٍ
…
فتلحقني حذفاً ولا راء واصلِ
(3)
علة تجنب واصل للراء:
هذه العيوب اللسانية التي منها اللثغ تعرض لكثير من الناس من يوم خلق الله الدنيا إلى يومنا هذا، والناس متفاوتون في أقدارها من الشناعة، ويكادون يتفقون على الرضا بها مع طول العهد، وألا يحاولوا تغيير ما صنع الله، وإن كان العلم الحديث في وقتنا هذا يحاول أن يخفف من حدتها، وأن يأخذ بها إلى غير سبيلها، ولكنا لم نسمع فيما يروى التاريخ من محاولة عنيدة للهرب من هذا العيب، كتلك المحاولة التي أرادها واصل، وقسر نفسه عليها، وذلك باجتثاث
(1)
في ديوان الأرجانى 13: «عن الرأي» ، وهو تحريف. وأراد بالاختلال الخلة والحاجة.
(2)
كذا عند ابن خلكان. وفي غرر الخصائص 114: «ولثغته لو أن واصل حاضر» .
(3)
هذه رواية ابن خلكان، ولم ينسب البيت. وقد وجدته منسوبا إلى الزمخشري في المضنون به على غير أهله 121 طبع 1915:«فيسقطنى وصل» .
الداء من أصله، وهو التحرز من ذلك الحرف الذي يحمل تلك الشناعة، وهو حرف الراء.
ويوضح الجاحظ علة التجاء واصل إلى مجانبة الراء بقوله
(1)
: «ولما علم واصل بن عطاء أنه ألثغ فاحش اللثغ، وأن مخرج ذلك منه شنيع، وأنه إذ كان داعية مقالة ورئيس نحلة، وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل، وأنه لا بدله من مقارعة الأبطال ومن الخطب الطوال، وأن البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة وإلى ترتيب ورياضة، وإلى تمام الآلة وإحكام الصنعة، وإلى سهولة المخرج وجهارة المنطق، وتكميل الحروف وإقامة الوزن، وأن حاجة المنطق إلى الحلاوة والطلاوة كحاجته إلى الفخامة والجزالة، وأن ذلك من أكثر ما تستمال به القلوب وتثني إليه الأعناق، وتزيّن به المعاني، وعلم واصل أنه ليس معه ما ينوب عن البيان التام واللسان المتمكن والقوة المتصرفة، كنحو ما أعطى الله تبارك وتعالى نبيه موسى عليه السلام من التوفيق والتسديد
…
ومن أجل الحاجة إلى حسن البيان وإعطاء الحروف حقها من الفصاحة - رام
(2)
أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه، وإخراجها من حروف منطقه، فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه، ويناضله ويساجله، ويتأتّى لستره والراحة من هجنته، حتى انتظم له ما حاول، واتّسق له ما أمل. ولولا استفاضة هذا الخير وظهور هذه الحال حتى صار لغرابته مثلاً، ولطرافته معلما، لما استجزنا الإقرار به والتوكيد له. ولست أعني خطبه المحفوظة، ورسائله المخلدة، لأن ذلك يحتمل الصنعة، وإنما عنيت محاجة الخصوم، ومناقلة الأكفاء، ومفاوضة الإخوان».
(1)
البيان 1: 14 - 15.
(2)
هذا جواب «لما» التي في أول النص.
نماذج لمجانبته الراء مما رواه الجاحظ:
ويذكر نموذجاً من مجانبته الراء إذ يقول
(1)
: وكان واصل بن عطاء قبيح اللغة شنيعها، وكان طويل العنق جداً، ولذلك قال بشار الأعمى:
ما لي أشايع غزالا له عنق
…
كنقنقِ الدوَّ إن ولى وإن مثلا
عنقَ الزرافة ما بالي وبالكم
…
أتكفرون رجالاً أكفروا رجلا
فلما هجا واصلا وصوّب رأى إلميس في تقديم النار على الطين، وقال:
الأرض مظلمة والنار مشرقة
…
والنار معبودة مذ كانت النار
وجعل واصلاً غزالاً، وزعم أن جميع المسلمين كفروا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقيل له: وعلي أيضاً؟ فأنشد:
وما دون الثلاثة أمَّ عمرو
…
بصاحبك الذي لا تصبحينا
قال إسماعيل بن محمد الأنصاري، وعبد الكريم بن روح الغفاري: قال أبو حفص عمر بن أبي عثمان الشمري: ألا تريان كيف تجنب الراء في كلامه هذا، وأنتما للذي تريان من سلامته وقلة ظهور التكلف فيه، لا تظنان به التكلف مع امتناعه من حرف كثير الدوران في الكلام ألا تريان أنه حين لم يستطع أن يقول بشار وابن برد والمرعث، جعل المشنف بدلاً من المرعث، والملحد بدلاً من الكافر، وقال: لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية، ولم يذكر المنصورية ولا المغيرية لمكان الراء، وقال: لبعثت إليه من يبعج بطنه ولم يقل لأرسلت إليه، وقال: على مضجمه، ولم يقل: على فراشه
(2)
.
(1)
البيان 1: 16 - 17.
(2)
نحو هذا في كامل المبرد والوفيات نقلا عنه.
نماذج مما ذكره غير الجاحظ:
ويسجل له ابن شاكر في عيون التواريخ
(1)
احتيالاً آخر للراء، فقد ذكر أنه أمتحن حتى يقرأ سورة براءة، فقرأ من غير فكر ولا روية:«عهد من الله ونبيه إلى الذين عاهدتم من الفاسقين. فسيحوا في البسيطة هلالين وهلالين» .
ويذكر ابن العماد الحنبلي
(2)
أنه دفعت إليه رقعة مضمونها: «أمر أمير الأمراء الكرام أن تحفر بئر على قارعة الطريق فيشرب منها الصادر والوارد» ، فقرأ على الغور:«حكم حاكم الحكام الفخام، أن ينبش جب على جادّة الممشى فيستقى منه الصادي والغادى» .
وهذه الرواية توحي بأن واصلاً كان يشعر بتلك العاهة شعورا مستبداً تجعله يتجنب الوقوع في أشراكها، وتوحي أيضاً بأن القوم كانوا يداعبونه على ضوئها، ويتحينون الفرص للتندّر به وبها
(3)
.
(1)
مخطوطة دار الكتب المصرية، حوادث سنة 131.
(2)
شذرات الذهب حوادث سنة 131.
(3)
من طرائف الأدب العربي صور يجرى فيها الشعراء على نهج من يعجبون به من أصحاب اللثغ. روى ابن شاكر وابن خلكان قول أبى نواس:
وشادن سألته عن اسمه
…
فقال لي باللثغ عباث
بات يعاطينى سخامية
…
وقال لي قد هجع الناث
أما ترى حثن أكاليلنا
…
زينها النثرين والآث
فعدت من لثغته ألثغا
…
فقلت أين الكاث والطاث
وروى ابن شاكر في عيون التواريخ لعين بصل - وهو شاعر عامي أمي، ترجم له في فوات الوفيات، واسمه إبراهيم بن علي -:
يقول وقد داومت تقبيل ثغره
…
بلثغته: حثبى أخذت منافتى
ثكرت بحثو الخندريس وكاثنا
…
تحث وثكرى قد أزال وثاوثى
وروى ابن خلكان كان للخبز أرزى:
في فمه درياق لدغ إذا
…
أحرق قلبي شدة اللدغ
إن قلت في ضمى له أين هو
…
تفديك روحي قال لا أدغى
حادث خطبة واصل:
كان ذلك حفلاً جامعاً حشد له أقدر الخطباء وأبرعهم براعة، وكان ذلك بالعراق، إذ اجتمع علية القوم والناس ليشهدوا حفلا عند عبد الله بن عمر بن عبد العزيز
(1)
وإلى العراق، تبارى فيه هؤلاء الخطباء، وهم خالد بن صفوان، وشبيب بن شيبة، والفضل بن عيسى، وواصل بن عطاء، وتناوبوا القول على المنبر على هذا النظام، فانتزع خالد وشبيب والفضل قبله إعجاب القوم انتزاعا، فهم كانوا سادة الخطباء في ذلك الزمان، وهم كانوا قد أعدّوا خطبهم من قبل وحبَّروها ونمقوها، وما إن فرغ الثلاثة حتى نهض واصل يهدِر، وبداهته تغلى، بخطبة ارتجلها ارتجالا، واقتضبها اقتضابا، وأطال فيها إطالة
(2)
، وحرص كل الحرص على أن ينزع الراء منها، ففاق إعجابُ الناس والوالي بواصل بن عطاء إعجابهم بالثلاثة قبله، وأظهر الوالي الصّلات، فأجزل صلات الثلاثة قبله، ثم ضاعف لواصل الصلة تقديراً لعبقريته الخطابية النادرة.
وقد سجّل شاعران معاصران لواصل هذا الحادث تسجيلا صادقا، أحدهما بشار، يقول في كلمة له:
(1)
عبد اللّه هذا هو صاحب نهر ابن عمر، حفره بالبصرة. انظر معجم البلدان. وكان واليا ليزيد بن الوليد بن عبد الملك على العراق، ولاه إياها بعد عزل منصور بن جمهور، وذلك سنة 126. وقد ظل في ولايته على العراق في فترة مملوءة بالفتن والأحداث حتى قبض عليه يزيد بن عمر بن هبيرة، من قبل مروان بن محمد آخر الأمويين، وذلك في سنة 129. وكانت وفاته في سنة 132 كما في النجوم الزاهرة. وأما يزيد بن الوليد هذا فهو الذي كان يقال له «يزيد الناقص» لنقصه أعطية الجند، وهو الذي ثار على ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك الخليفة الماجن، ودغا إلى خلعه، فاستجابت له اليمن وبايعوه، وقتلوا الوليد، وذلك في جمادى الآخرة من سنة 126 وتوفى يزيد في السنة نفسها في ذي الحجة. تاريخ الطبري حوادث 126 - 129 ويذكر الطبري في تاريخه 9: 46 والمسعودي في مروج الذهب 3: 234 أن يزيد بن الوليد كان يذهب إلى قول المعتزلة.
(2)
قال الجاحظ: لأنه كان مع ارتجاله الخطبة التي نزع منها الراء كانت مع ذلك أطول من خطبهم.
أبا حذيفة قد أوتيت معجبةً
…
في خطبة بدهَتْ من غير تقدير
وإن قولاً يروق الخالَدينِ معا
…
لمسكت مخرِسٌ عن كل تحبير
(1)
وقال بشار أيضاً:
تكلّفوا القول والأقوام قد حفلوا
…
وحبَّروا خطباً ناهيك من خطب
فقام مرتجلا تغلى بُداهته
…
كمِرجل القين لما حُفّ باللهب
وجانب الراء لم يشعر بها أحد
…
قبل التصفح والإغراق في الطلب
وقال أيضاً:
فهذا بديهٌ لا كتحبير قائل
…
إذا ما أراد القول زوّره شهراً
والشاعر الآخر المعاصر هو صفوان الأنصاري، يقول في كلمة له:
فسائل بعبد الله في يوم حفلهِ
…
وذاك مقام لا يشاهده وغدُ
أقام شبيباً وابن صفوان قبله
…
بقول خطيب لا يجانبه القصد
أقام ابن عيسى ثم قفّاه واصل
…
فأبدع قولاً ما له في الورى ندٌّ
فما نقصته الراء إذ كان قادراً
…
على تركها واللفظ مطرّد سَرْد
ففضّل عبد الله خطبهَ واصلٍ
…
وضوعف في قَسم الصلات له الشُّكْد
فأقنع كلَّ القوم شكر حبائهم
…
وقلل ذاك الضعف في عينه الزهدُ
تاريخ الخطبة:
ويمكننا أن نعين تاريخ هذا الحفل الذي خطب فيه واصل أنه كان ما بين جمادى الآخرة من سنة 126 إلى سنة 129 كما يتضح من التحقيق الذي أشرت إليه في الحواشي قريباً، إذ أنه المدة المقدورة التي قضاها عبد اللّه بن عمر بن
(1)
يعنى بالخالدين خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة، كما في حواشي أبي ذر الخشني على البيان والتبيين، وهذا على ما يسمونه التغليب.
عبد العزيز في ولاية العراق. والأرجح أنه كان في الشهور الأولى من هذه الفترة حيث كان المألوف والمتبع أن يجتمع الناس للاحتفاء بالوالي وتكريمه.
خطبة واصل في التاريخ:
اكتسبت خطبة واصل هذه شهرة تاريخية، وليس من أديب شادٍ إلا وهو يعرف هذه الشهرة. ولسنا نجد في الكتب المطبوعة نصاً كاملا محققا لخطبة واصل، إلا ما ورد محرفاً منقوصاً في كتاب مفتاح الأفكار، للشيخ أحمد مفتاح، وأدبيات اللغة العربية
(1)
. والمؤرخون الذين ترجموا لواصل يذكرون في ثبت كتبه القليلة «كتاب خطبة واصل» . وأقدم من ذكرها ابن النديم المتوفي سنة 385 في الفهرست
(2)
، ذكرها في ثبت مرويات أبي الحسن علي بن محمد المدائني. وبدهي أن المؤرخين لم يعنوا بكلمة «كتاب» تلك الصورة التي نعرفها من الضخامة، وإنما يعنون معناها اللغوي البحت، وهو المكتوب مهما يكن مقداره.
ولقد قام الأستاذ الكبير «أحمد زكى صفوت» الأستاذ بكلية دار العلوم، بعمل تأليفى ضخم، ضمّ به أشتات خطب العرب في كتابه جمهرة خطب العرب، ووقع تحت يده الكثير من أمهات كتب الأدب المخطوط منها والمطبوع، فظفر بنصوص نادرة لخطب المشارقة والمغاربة، ووقع تحت عينه كثير مما غاب عن أبصار غيره، ولكنه لم يظفر - حفظه الله - بنص هذه الخطبة إلا في كتاب مفتاح الأفكار
(3)
.
وعندما قمت بتحقيق كتاب البيان والتبيين حاولت أن أعثر على هذا النص مخطوطاً، فلم أجد إلا خبراً في «مخطوطات الموصل» للدكتور داود جلبي، إذ ورد في ص 208 أن نسخة من هذه الخطبة محفوظة في مكتبة مدرسة النبي شيث
(1)
مفتاح الأفكار 270 - 271 طبع 1314 وأدبيات اللغة العربية 212 - 214 طبع 1906 م.
(2)
الفهرست 152.
(3)
جمهرة خطب العرب 1: 482 - 484.
بالموصل، فطلبت إلى أحد العراقيين من طلبتي بكلية الآداب بجامعة فاروق حينما كنت أقوم بالتدريس فيها، أن يستنسخ لي صورة منها فلم يوفق. وعندما أو شكت أن أتم طبع نسختي من البيان والتبيين وقفت على شريط منه من مخطوطات تركيا التي اجتلبها معهد المخطوطات بالجامعة العربية، وهي نسخة مكتبة (فيض الله)، فحصلت على صورة منه، ووجدت في نهاية النسخة ورقة ملحقة، بها نص كامل لخطبة واصل، بخط كاتب النسخة، وهو محمد بن يوسف اللخمي، كتب النسخة سنة 587 وقرأها على الإمام أبي ذر الخشني، فكان سروري بهذا النص النادر أشد من سروري بتلك النسخة العتيقة من كتاب البيان والتبيين. ولكني مع ذلك لم أقنع بهذا الظفر، فجعلت أقلب في كتاب مسالك الأبصار، وهو من أكبر الموسوعات الأدبية التاريخية الجديرة بالنشر، فوجدت نسخة من الخطبة بها قليل من التحريف، فاعتمدت على هاتين النسختين في نشر هذه التحفة، التي يضاعف من سروري أن أكون أول ناشر لها نشرا علمياً مقروناً بدراسة أدبية تاريخية.
قيمة خطبة واصل:
تستمد خطبة واصل قيمتها من الظروف التي أحاطت بها، وقد سردتها في تضاعيف ما مضى من الكلام. ولسنا بحاجةٍ إلى أن نعيد القول في أن خطبة طويلة تقال ارتجالا واقتضاًباً في مقام رهيب، ويقتدر صاحبها على الاستغناء عن حرف هو من أكثر الحروف دورانا في الكلام
(1)
على حين أنها خطبة تتسم بطابع ديني، وتقتبس فيها معاني القرآن وأساليبه ونصوصه، فلا يفر صاحبها من أن يزوّد خطبته بذلك الزاد، ولكنه يفرُّ في حذق من ألفاظ معينه إلى مرادف لها - كل أولئك إنما ينبئ عن قدرة فنية لا تتأتى إلا للأفذاذ من الخطباء، فهو
(1)
حفظ لنا التاريخ بعض الخطب التي نزعت منها حروف معينة، كخطبة أحمد بن علي بن الزيات المالقى المتوفى سنة 728 فقد نزع منها (الألف)، أولها:«حمدت ربى جل من كريم محمود، وشكرته عز من عظيم معبود» ، ولكنها لم تكن مرتجلة كخطبة واصل. انظر الإحاطة 1: 154 وجمهرة خطب العرب للأستاذ صفوت 3: 226.
حين يريد أن يقول «أعوذ بالله القوي من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم» يقول: «أعوذ بالله القوى، من الشيطان الغويّ، بسم الله الفتاح المنان» . وإذا أراد أن يتلوَ سورة كاملة من الكتاب قرأ سورة الإخلاص لخلوّها جميعها من الراء.
وحين يريد أن يقتبس من القرآن الكريم: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما» يقول: «لا يحويه زمان ولا يحيط به مكان ولا يئوده حفظ ما خلق» . وإذا أراد أن يقول: «لا يعزب عنه مثقال ذرة» قال: «مثقال حبة» ، وإذا أحب أن يقتبس من قوله تعالى: «أصبحوا لا تَرَى إلا مساكنهم
(1)
» قال: «أصبحوا لا نعاين إلا مساكنهم» . وإذا طلب أن يقول: «فبلغ رسالته» قال: «فبلغ مألَكته» .... إلى كثير من أشباه هذا.
والخطبة كذلك تقدم لنا نموذجا من خطب القرن الثاني الهجري، من الخطب التي تجنّبت السياسة والدعوة السياسية، وتجنّبت فتن المذاهب والدعوة المذهبية، فهي نموذج لخطب الوعظ الخالص
(2)
. ابتدأها بحمد الله والثناء عليه
(3)
، ثم ثّنى بالشهادتين في إسهاب طيّب، وعقّب على ذلك بالصلاة على الرسول الكريم مثنياً عليه، ثم حثَّ على التقوى والطاعة، ومال بعد ذلك إلى التحذير من مفاتن الدنيا والتهوين من شأن من أطاعتهم الدنيا وأغدقت عليهم ثم صاروا من بعدُ هاماً وأحاديث. ثم دعا لنفسه والناس أن يكونوا ممن ينتفع بالموعظة الحسنة، ثم نوّة بفضل القرآن وتلا ما تيسَّر له منه، بعد أن أجرى الاستعاذة والبسملة أيضاً على أسلوبه الذي يجانب الراء.
(1)
هذه إحدى القراءات في الآية، وهي الخامسة والعشرون من سورة الأحقاف. انظر كتب القراءات والتفسير فيها.
(2)
كان واصل كما يروون على جانب من الزهد والتقوى، روى له الجاحظ في البيان 3: 196 قوله: «المؤمن إذا جاع صبر، وإذا شبع شكر» . وروى صاحب الأغانى 3: 40: «كان واصل بن عطاء يقول: إن من أخدع حبائل الشيطان وأغواها، لحبائل هذا الأعمى الملحد» ، يعنى بشارا وما كان يقول من غزل ومجون فاجر.
(3)
كان هذا أمرا محتما في كل خطبهم في ذاك العصر، وكانوا يعدون الخطبة الخالية من هذا أمرا شنيعا، حتى لقد سموا خطبة زياد التي لم يلتزم فيها ذلك خطبة بتراء.
وشيء آخر يلمع لنا من ثنايا الخطبة، فهذه الخطبة التي هي أشبه ما تكون بخطبة تقال في يوم الجمعة قد قيلت في مناسبة رسمية كما يقولون، وكان من المتوقع فيها أن يثنى القوم على الأمير ويذكروا فضله وآلاءه، وينوَّهوا بُيْمن عهده وازدهار أيامه، ولكن يبدو أن الطابع الديني كان غلاباً في ذلك الزمان، والرهبة الدينية كانت لا تزال في قوتها وسلطانها، فإن القوم كانوا ينتهزون مختلف الفرص ليقوموا بواجب التذكير والوعظ، والإرشاد والهداية.
والناظر في خطب هذه الفترة يجد شبها كبيرا بين هذه الخطبة وخطبة عمر ابن عبد العزيز
(1)
، وكذا بينها وبين خطبة سليمان بن عبد الملك
(2)
، اجتمع فيها كلها التحذير من مفاتن الدنيا، وتصوير نهاية الأحياء في ذل وهوان، كما اشتملت على التنويه بفضل القرآن والحث على اتّباع آيه وهديه، كما اتفقت في الأسلوب المبنى على المزاوجة، وظهور السجع اليسير في غير ما تعمُّل.
ابن زيدون وواصل بن عطاء:
هما موقفان تاريخيان، أما موقف واصل فقد ألقى الضوء عليه، وأما موقف ابن زيدون فهو ذلك الموقف البياني الحرج الذي وقفه عند منصرَف الناس وعظمائهم وكبرائهم من جنازة ابنته التي واراها التراب، إذ نهض ونهض معه بيانهُ يشكر لهذا بقول غير ما يقوله لذاك، فيقولون: إنه ما أعاد في ذلك الوقت عبارة لأحد.
وهو عجيب حقاً في ذلك الظرف الذي يغيض معه البيان، ويهرب اللسان.
قال الصفدي: «وهذا من التوسع في العبارة، والقدرة على التفنن في أساليب الكلام
(3)
، وهو أمر صعب إلى الغاية، وأرى أنَّه أشقّ مما يحكى عن واصل بن عطاء، أنه ما سمعت منه كلمة فيها راء، لأنه كان يلثغ بحرف الراء لثغة
(1)
عيون الأخبار 2: 246.
(2)
عيون الأخبار 2: 274.
(3)
نفح الطيب 2: 283 طبع ليدن. وقد نص المقرى أنه نقل كلام الصفدي ملخصا.
قبيحة. والسبب في تهوين هذا الأمر وتهويله أن واصل بن عطاء كان يعدِل إلى ما يرادف تلك الكلمة مما ليس فيه راء، وهذا كثير في كلام العرب، فإذا أراد العدول عن لفظ فرسٍ مثلا قال: جواد أو ساٍع أو صافن؛ أو العدول عن رمح قال: قناة أو صعدة أو يزنىّ أو غير ذلك؛ أو العدول عن لفظ صارم قال: حسام أو لهذم أو غير ذلك. وأما ابن زيدون فأقول في حقه: أقل ما كان في تلك الجنازة وهو وزير ألف رائسٍ ممن يتعيّن عليه أن يتشكَّر له ويضطرّ إلى ذلك، فيحتاج في هذا المقام إلى ألف عبارةٍ مضمونها التشكُّر. وهذا كثير إلى الغاية من محزونٍ.
فقد قطعةً من كبده»
والناقد يقف في الموازنة بين الموقفين في شيء من الحيرة، ثم يجزم بأن المقايسة بينهما مقايسة مع الفارق كما يقولون، فإن موقف واصل واضح، ظروفه معينه ونصوصه حاضرة، ولا كذلك موقف ابن زيدون فقد يكون تطرقت إليه المبالغة في الرواية. ولم يذكر الرواة لنا شيئاً من تلك الأقوال التي غابر بينها، ولم يذكروا لنا عددها، وقد تكون قليلة العدد ولكنها المهارةُ التي أديرت بها تخيل للسامع أنها مئات العبارات، فإن السامع لا يكاد يعي وعيا تاما ما سمعه منذ لحظات إلا إن وقف موقف التسجيل والانتباه المتفرغ. على أن احتمال الإعداد والتهيئة فيها قريب، وليس كذلك خطبة واصل التي انفق الرواة وسجّل الشعر أنها كانت وليدة ارتجالٍ وبداهة.
ومهما يكن فإن غايتنا من هذا التقديم المسهب أن نظفر الأدباء الذين لبثوا دهراً في لهفة دائبة إلى قراءة خطبه واصل محققة، بنصها الكامل فيما يلي:
هذه خطبة واصل بن عطاء التي جانب فيها الراء
الحمد للّه القديم بلا غاية، والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوّه، ودنا في عُلوّه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يئوده حفظ ما خَلَق، ولم يخلقه على مثالِ سبق، بل أنشأه ابتداعا، وعدّله اصطناعا، فأحسن كلَّ شيء خلقه وتمم مشيئته، وأوضح حكمته، فدَلَّ على ألوهيَّته، فسبحانه لا معقّب لحكمه، ولا دافع لقضائه تواضع كلُّ شيء لعظمته، وذلَّ كلُّ شيء لسلطانه، ووسِعَ كلَّ شيء فضلهُ، لا يعزُب عنه مثقال حبّةٍ وهو السميع العليم. وأشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا مثيل له
(1)
، إلها تقدست أسماؤه، وعظمت آلاؤه، علا عن صفات كلِّ مخلوق، وتنزّه عن شبه كل مصنوع، فلا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به العقول ولا الأفهام، يعصىَ فيحلم، ويُدعَى فيسمع، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون. وأشهد شهادةَ حقّ، وقولَ صدق، بإخلاص نية، وصدق طويةّ
(2)
، أنَّ محمد بن عبد الله عبده ونبيه، وخالصتُهُ وصفيّه، ابتعثه إلى خلقه بالبينات
(3)
والهدى ودين الحق، فبلَّغ مألُكتَهَ
(4)
، ونصح لأمته، وجاهد في سبيله، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، ولا يصدُّه عنه زعم زاعم، ماضياً على سنتّه، موفياً على قصده، حتى أتاه اليقين. فصلى الله على محمد وعلى آل محمد أفضل وأزكى، وأتم وأنمى، وأجل وأعلى صلاةٍ صلاّها على صفوة أنبيائه، وخالصة ملائكته، وأضعاف ذلك، إنه حميد مجيد.
أوصيكم عباد الله مع نفسي بتقوى الله والعمل بطاعته، والمجانبة لمعصيته،
(1)
لا مثيل له، ساقطة من مفتاح الأفكار والأدبيات والجمهرة. وفي مسالك الأبصار:
«لا شريك له» ، تحريف.
(2)
في مسالك الأبصار وجميع المطبوعات: «وصحة طوية» .
(3)
في المفتاح والأدبيات وجمهرة خطب العرب: «بالبينة» .
(4)
المألكة: الرسالة.
فأحضكم
(1)
على ما يدنيكم منه، ويزلفكم لديه، فإنَّ تقوى الله أفضل زاد، وأحسن عاقبة في معاد. ولا تلهينّكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها، وفواتن لذّاتها، وشهوات آمالها، فإنها متاعٌ قليل، ومدة إلى حين، وكلُّ شيء منها يزول.
فكم عاينتم من أعاجيبها، وكم نصبت لكم من حبائلها، وأهلكت ممن جنح إليها واعتمد عليها، أذاقتهم حلوا، ومزجت لهم سمّا. أين الملوك الذين بنو المدائن، وشيدوا المصانع، وأوثقوا الأبواب، وكاثفوا الحجاب، وأعدوا الجياد؛ وملكوا البلاد، واستخدموا التلاد، قبضتهم بمخلبها
(2)
، وطحنتهم بكلكلها، وعضتهم بأنيابها وعاضتهم من السعة ضيقا، ومن العز ذلَّا
(3)
، ومن الحياة فناءٍ، فسكنوا اللُّحود، وأكلهم الدود، وأصبحوا لا تعاينُ
(4)
إلا مساكنهم، ولا تجد إلا معالمهم، ولا تحسُّ منهم من أحد ولا تسمع لهم نبسا. فتزوّدوا عافاكم اللّه فإن أفضل الزاد التقوى، واتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون. جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظه، ويعمل لحظّه وسعادته، وممّن يستمع
(5)
القول فيتّبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. إن أحسن قصص المؤمنين، وأبلغ مواعظ المتقين كتاب الله، الزكية آياته، الواضحة بيناته، فإذا تلي عليكم فاستمعوا له
(6)
وأنصتوا لعلكم تهتدون
(7)
.
أعوذ بالله القوى، من الشيطان الغوي، إن الله هو السميع العليم. بسم الله الفتاح المنان
(8)
. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
(9)
، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
(1)
في المسالك والمطبوعات: «وأحضكم» .
(2)
في جميع المطبوعات: «بمحملها» ، تحريف.
(3)
في المسالك: «ومن العزة» .
(4)
في المسالك والمطبوعات: «لا ترى» ، تحريف.
(5)
في المسالك: «يسمع» .
(6)
في المسالك: «فاسمعوا له» ، وفي المطبوعات:«فأنصتوا له واسمعوا» .
(7)
في المطبوعات: «لعلكم تفلحون» .
(8)
بسم اللّه الفتاح المنان، ساقطة من المسالك ومن جميع المطبوعات.
(9)
ما بعده إلى تمام السورة ساقط من المسالك.
نفعنا الله وإياكم بالكتاب الحكيم، وبالآيات والوحي المبين، وأعاذنا وإياكم من العذاب الأليم. وأدخلنا وإياكم جنات النعيم
(1)
. أقول ما به أعظكم، وأستعتب اللّه لي ولكم.
(1)
إلى هنا ينتهى النص في جميع المطبوعات.
كتاب أبيات الاستشهاد لأبى الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي 000 - 395
مقدمة
أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن حبيب الرازي، إمام لغوى جليل، وأديب ذو زعامة أدبية، وشاعر رقيق الشعر، ومؤلف صاحب ابتكار وتجديد في التأليف.
فهو بين اللغويين في رتبة أصحاب الصحاح من المحدثين، لا يورد في كتبه إلا ما صح من لغات العرب، وهو صاحب «المجمل» ذي الشهرة الذائعة، وهو صاحب «مقاييس اللغة» الذي يقوم ناشر نوادر المخطوطات بتحقيقه، وهو المعجم اللغوي الذي لم يؤلف قبله ولا بعده في موضوعه، وهو القياس اللغوي. ونظير هذا المعجم الفذ في ندرته معجم «أساس البلاغة» للزمخشري، الذي لم يؤلف قبله ولا بعده في موضوعه، وهو مجاز اللغة. وهذان المعجمان مفخرتان من مفاخر التأليف الشرقي الإسلامي.
وهو بين أدباء عصره، إذ يتنازعه بلاط آل بويه، وحضرة الصاحب بن عباد، ويجتذبه آل العميد، معترف له بالزعامة الأدبية، يقول فيه الصاحب بن عباد:«شيخنا أبو الحسين ممن رزق حسن التصنيف، وأمن فيه من التصحيف» . ويروى له الثعالبي في يتيمة الدهر رساله قيمة في النقد
(1)
كما يروى ياقوت مساجلة أدبية بينه وبين عبد الصمد بن بابك
(2)
.
وقد أوردت في مقدمة مقاييس اللغة طائفة من مختار شعره تنبئ عن رقة وشاعرية ممتازة، كما أوردت له نحو أربعين مصنفا تدل عنوانات كثير منها على ابتكاره وتجديده في التصنيف والتأليف. ولكني لم أذكر بينها «أبيات الاستشهاد» إذ لم أكن قد عثرت عليها بعد، ولم يذكرها أحد من مؤلفي التراجم ولا واضعي فهارس المصفات قديمها وحديثها. وقد يكون هو كتاب «ذخائر الكلمات» الذي ورد في مقدمة مقاييس اللغة ص 29.
ومهما يكن فإن موضوع هذا الكتاب واضح، وهو ذكر الأبيات التي تصلح للتمثل بها في مضارب مختلفة، أو هو الأمثال الشعرية مع ذكر مضاربها. وقد ساق ذلك في أسلوب أدبى. ويبدو أنه كان لابن فارس عناية خاصة بالأمثال، إذ وضع كتابا آخر سماه «أمثلة الأسجاع» .
وأصل أبيات الاستشهاد نسخة فذة في العالم، مودعة في الخزانة التيمورية بدار الكتب المصرية برقم 445 أدب، وهي رديئة الخط تقع في نحو اثنتي عشرة صفحة، عانيت كثيرا في قراءتها وفي نسبة أبياتها التي قضى الذوق الأدبي لابن فارس أن يجردها من نسبتها، فوفقت في أكثر ذلك وغاب عنى نسبة القليل.
(1)
يتيمة الدهر 2: 214 - 218.
(2)
انظر نهاية ترجمته في معجم الأدباء.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام أبو الحسن أحمد بن فارس النحوي اللغوي:
بلغنا أن رجلا من حملة الحجة، ذا رأى سديد، وهمة بعيدة، وضرس قاطع
(1)
، قد أعد للأمور أقرانها
(2)
، بلسان فصيح، ونهج مليح، وكان إذا رأى ذا مودة قد حال عما عهده، أنشده:
ليس الخليلُ على ما كنتَ تَعهدُه
…
قد بَدَّل الله ذاكَ الخِلَّ ألوانا
وإذا رأى محدَّثَه [عابساً] أنشد:
يا عابساً كلَّما طالعتُ مجلسَه
…
كأنّ عَبستُه من ذَرق حَمَّاءِ
(3)
وإذا رأى واحداً يحسن
(4)
عند الإحسان عليه، ويسيء القولَ إذا شُغل عن الإحسان إليه أنشد:
هو كالكلب إذا ما أشبعتَه
…
طاب نفساً وإذا ما جاع هَرّْ
وإذا رأى رجلاً راضياً بقليلٍ يصونُ وجهه عن السؤال أنشد:
وإنَّ قليلاً يستر الوجه أن يُرَى
…
إلى الناس مبذولاً لغَيْرُ قليلِ
وإذا حُجِب عن باب دار قد أحسن إليه صاحبُهَا أنشد:
إني رأيت بباب دارك جفوة
…
فيها لحسن فعالكم تكدير
(5)
(1)
ذو ضرس قاطع، أي ماض في الأمور نافذ العزيمة.
(2)
الأقران: جمع قرن، بالتحريك، وهو الحبل يجمع به البعيران، أو جمع قرن بالكسر، وأصله كفء الإنسان في الشجاعة، أو الكفء مطلقا.
(3)
الذرق: النجو. والحماء: الاست. وفي الأصل: «ذوق حما» .
(4)
في الأصل: «يحسن به» .
(5)
لجحظة البرمكي كما في ديوان المعاني 1: 163 برواية: «لكن رأيت» . وقبله:
اللّه يعلم أنني لك شاكر
…
والحر للفعل الجميل شكور
وإذا رأى بشاشةً في وجه مُضِيف أنشد:
يُسَرُّ بالضَّيف إذا رآه
…
سُرور صادٍ وَرَدَ الماءَ
وإذا رأى رجلاً مقِلاً سخيّا أنشد:
وليس الفتى المعطى على اليُسرِ وحدَه
…
ولكنّه المعطِى على اليسر والعسر
وأبلغ منه قوله:
ليس العطاءُ من الكريم سماحةً
…
حتى يجودَ وما لديه قليلُ
(1)
وإذا شم رائحةً كَرَيهة من جليسه أنشد:
لَقوسُ سليمٍ حين يرُسِل سهمَه
…
أشدُّ على الآناف من قوس حاجبِ
(2)
وإذا رأى أناساً لا خير فيهم أنشد:
لا تَلُمِ الأبناءَ في فِعلهمُ
…
لو سادَ آباؤهُمُ سادوا
وإذا عارضه في كلامه أحدٌ أنشد:
ويعترض الكَلَامَ وليس يدري
…
اسَعدُ اللهِ أكثر أم جذام
(3)
(1)
لمقنع الكندي. حماسة أبى تمام 2: 343 والمضنون به على غير أهله 56. وإنشاده فيهما:
ليس العطاء من الفضول سماحة
…
حتى تجود وما لديك قليل
(2)
قوس حاجب مضرب المثل في العزة، وهو حاجب بن زرارة التميمي، ومن خبر قوسه أنه أتى كسرى في جدب أصاب قومه بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يأذن له ولقومه في دخول الريف من بلاده حتى يحيوا ويمتاروا، فقال لهم كسرى: إنكم معشر العرب قوم غدر، فإذا أذنت لكم أفسدتم بلادي وأغريتم على رعيتي. فقال حاجب: أنا ضامن للملك ألا يفعلوا. قال: فمن لي بأن تفي؟ قال: أرهنك قوسي. فضحك من حوله، فقال كسرى إنه لا يتركها أبدا، وقبلها منه وأذن له في دخول الريف. انظر ثمار القلوب للثعالبي 501.
(3)
سعد اللّه، هم بنو سعد بن بكر الذين استرضع فيهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وظئره حليمة السعدية منهم، وهم مخصوصون من بين قبائل العرب بالفصاحة وحسن البيان، وفيهم يقول رسول اللّه:«أنا أفصح العرب بيد أنى من قريش، ونشأت في بنى سعد بن بكر، فأنى يأتيني اللحن» . وجذام قبيلة أخرى، قال الأصمعي: من أمثال العرب: أسعد اللّه أكثر أم جذام. -
وإذا جالس قوما ليله مجالسة أهل الأدب ثم جاء الفجر أنشد:
بتنا بأنعم ليلة وألذّها
…
لو لم تنغّص بالفراق من الغد
وإذا وعده رفيق له بالسفر فى غد أنشد:
لا مرحبا بغد ولا أهلا به
…
إن كان ترحال الأحبّة فى غد
(1)
وإذا تألم من عشيره وصديقه أنشد:
ولي صاحب مرّ المذاق كأنمّا
…
أضمّ إلى نحرى به حدّ منصل
(2)
وإذا عاتب ذا قرابة له أنشد:
بم استجزت اطّراحى والصّريمة لى
…
وأنت لحمى وإن لم تدع لى ودمى
(3)
وإذا عاتب من أخلف وعده أنشد:
سألتك حاجة فوعدت فيها
…
جميلك ثم نمت عن الجميل
وإذا لم يعجبه إنسان أنشد:
قد رأيناك فما أعجبتنا
…
وبلوناك فلم نرض الخُبُر
(4)
[*]
= وهما حيان بينهما فضل لا يخفى إلا على جاهل لا يعرف شيئا. وقال أبو عبيد: يروى عن جابر بن عبد العزيز العامرى» وكان من علماء العرب، أن هذا المثل قاله حمزة بن الضليل البلوى، لروح بن زنباع الجذامى:
لقد أفحمت حتى لست تدرى
…
أسعد لله أكثر أم جذام
الميدانى 147:2 وثمار القلوب 21. وأنشد فى ثمار القلوب للصاحب إسماعيل بن عباد:
كتبت وقد سبت عقلى المدام
…
وساعدنى على الشرب الندام
وأسرفنا فما ندرى لسكر
…
أسعد الله أكثر أم جذام
(1)
البيت للنابغة الذبيانى، من قصيدته التى مطلعها:
من آل مية رائح أو مغتدى
…
عجلان ذا زاد وغير مزود
والرواية المشهورة: «إن كان تفريق الأحبة» .
(2)
المنصل، بضم الميم مع ضم الصاد وفتحها: السيف.
(3)
الاستجازة: أن يعد الأمر جائزا مقبولا. وفى الأصل: «استخرت» تحريف. والصريمة: القطيعة.
(4)
الخبر بالضم: الاختبار والعلم بالشئ، وضم الباء للشعر. والبيت فى محاضرات الراغب 135:1. ومع هو قصة فيه 89:2.
[*](تعليق الشاملة): انظر لهذا البيت نهاية الأرب 271:4. [أفاده في المستدرك]
وإذا هجاه أحدٌ أنشد:
وما كلُّ كلب نابحٍ يستفزُّني
…
ولا كلما طَنَّ الذباب أُراعُ
(1)
وإذا أحَّس بتقصيرٍ في سياسة أُمير لرعيته، نسب الأمر لوزيره، [و] أنشد:
إذا غَفَل الأمير عن الرعايا
…
فإنَّ العتب أولى بالوزير
لأنّ على الوزير إذا تولى
…
أمور الناس تذكير الأمير
وإذا ذُكِر له كبرُ سنةَّ أنشد:
إنَّ الحسام وإنْ رثَّتْ مضارِبهُ
…
إذا ضربتَ به مكروهه فصلا
(2)
وإذا أثنى على محسن أنشد:
فعاجُوا فأثنَوا بالذي أنت أهلهُ
…
ولو سكتوا أثنَتْ عليك الحقائب
(3)
وإذا رأى من والٍ إساءة عَلَى من وَلَيَ عليه أنشد:
وكنا نستطبُّ إذا مرضنا
…
فصار سقامنا بيد الطبيب
(4)
(1)
البيت فى مجالس ثعلب 413 ومحاضرات الراغب 135:1 بدون نسبة أيضا.
(2)
رثت مضاربه: أخلقت وتثلمت. مكروهة، أى ضربة مكروهة شديدة. ويقال للسيف الذى يمضى على الضرائب الشداد لا ينبو عن شيء منها «ذو الكريهة» .
(3)
البيت لنصيب، كما فى البيان 83:1 ومجموعة المعانى 96 والوساطة 150 والكامل 104 ليبسك. قال المبرد: «وقد فضل نصيب على الفرزدق [فى موقفه عند سليمان بن عبد الملك، وذلك أنهما حضرا فقال سليمان للفرزدق:][*] أنشدنى - وإنما أراد أن ينشده مدحا له - فأنشده:
وركب كأن الريح تطلب عندهم
…
لهاترة من جذبها بالعصائب
سروا يخبطون الريح وهى تلفهم
…
إلى شعب الأكوار ذات الحقائب
إذا آنسوا نارا يقولون ليتها
…
وقد خصرت أيديهم نار غالب
فأعرض سليمان كالمغضب، فقال نصيب: يا أمير المؤمنين، ألا أنشدك فى رويها ما لعله لا يتضع عنها. فقال: هات. فأنشده:
أقول لركب صادرين لقيتهم
…
قفا ذات أو شال ومولاك قارب
قفوا خبرونى عن سليمان إننى
…
لمعروفه من أهل ودان طالب
فعاجوا فأثنوا بالذى أنت أهله
…
ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
وانظر زهر الآداب 41:2، 43 والعمدة 44:1.
(4)
يستطب: يستوصف الدواء الذى يصلح لدائه.
(تعليق الشاملة): ما بين المعكوفين سقط. أتممناه من المستدرك
وإذا حضَر أناسٌ على أمرٍ ذي بال أنشد:
أَقول لفتيان كرام تروَّحوا
…
على الجُرد في أفواههن الشكائم
(1)
قعوا وقعة من يحيى لم يخز بعدها
…
ومن يخترم لم تتَّبعه الملاومُ
(2)
وإذا سُرّ بُلقيا صديقٍ له أنشد:
يا خَلاص الأسير يا فرحة الأو
…
بة يا زورة على غير وعدِ
وإذا أعار أخاً له دفترا فأبطأ عليه بردَّه أنشد:
تعجيل ردَّ الكتب مما به
…
يستكثِرُ العلمَ أخو العلم
وحبسُها يمنع منِ بذلها
…
مع الذي فيه من الظلمِ
وإذا عاد مريضاً ذا مودَّةٍ صادقة أنشده:
نفسي ونفسك إن أللت من سقم
…
أبللتُ منه وإن أضناكَ أضناني
وإن أمرؤ جزِعَ على فائتٍ أنشده:
فلا تكثرن في إثر شيء ندامة
…
إذا نزعته من يديك النَّوازع
(3)
وإذا عُوتِب على إهانته للمال وكثرة بذله أنشد:
كيف يسطيع حفظ ما جمعت كفّاه من ذاق لذة الإنفاق
(1)
البيتان من مقطوعة رواها ابن الشجري في الحماسة 48 وأبو الفرج في الأغانى 18: 109 والقالى في الأمالي 1: 258 والبكري في التنبيه 81. رووا جميعا عن المفضل الضبي أنه قال: كنت مع إبراهيم بن عبد اللّه بن عبد اللّه بن الحسن بباخمرى، في اليوم الذي قتل فيه فلما رأى البياض يقل والسواد يكثر قال لي: يا مفضل، أنشدني شيئا يهون على بعض ما أنا فيه.
فأنشدته
…
- وأنشدوا الأبيات - قال: فرأيته يتطالع على سرجه ثم حمل حملة كانت آخر العهد به. تروحوا: ساروا في الرواح. الجرد: جمع أجرد وجرداء»، وهو الفرس القصير الشعر. والشكائم: جمع شكيمة، وهي الحديدة المعترضة في فم الفرس. وفي الأصل:«في أعناقهن» ، صوابه في الحماسة والأغانى ومجموعة المعاني 39.
(2)
الوقعة والوقيعة: القتال وصدمة الحرب. ويقال اخترمته المنية من بين أصحابه: أخذته من بينهم.
(3)
البيت للبعيث، كما في لباب الآداب 424. وأبيات قصيدته في أمالي القالى 1: 196 وسمط اللآلي، 470 - 471 ومعجم البلدان (القعاقع).
وإذا مشى لأخ في قضاء حاجة ووَفَي بحقهَّ أنشد:
حقوقٌ لإخواني أريد قضاءَها
…
كأنَّيَ ما لم أقضهن مريض
وإذا أثنى على إنسان ورأى منه شُروداً
(1)
ونفُرةً أنشد:
بطئ عنك ما استغنيت عنه
…
وطلّاع عليك مع الخطوب
(2)
وإِذا أراد شيئاً عاناه ليلاً أنشد:
والليَّل يقظانُ والكواكب في الآ
…
فاق حيرى كاللؤللؤ البَدَدِ
(3)
وإذا استبطأ صديقاً له وعاتبَه على قعودِه عنه أنشد:
وإني إذَا أدعوك عند مِلمِةّ
…
كداعية بين القَبورِ نَصِيرَها
(4)
وإذا ذمّ أخاً له في إٍساءته إلى إخوانه أنشد:
أصبح أعداؤه على ثقةٍ
…
منه وإخوانهُ على وجلِ
وإذا شكا من جارٍ له هَجْره أنشد:
دنَت بأناس عن تناءٍ زيارة
…
وشطّ ببكرٍ عن دنّوٍ مزارُها
وإنَّ مقيماتٍ بمنقَطَع الثَّرَى
…
لأقرَبُ من ليلَى وهاتيك دارُها
(5)
وإذا تذكر أياما مضت وكان يشكوها وهو اليوم يتمنّاها أنشد:
سقيا ورعيا لأيّام مضت سَلفَاً
…
بكيتُ منها فصِرتُ اليومَ أبكيها
(6)
كذاك أيامُنا لا شكَّ نندبُها
…
إذا تقضَّت ونحن اليوم نشكوها
(1)
في الأصل: «سرورا» ، تحريف.
(2)
البيت لإبراهيم بن العباس الصولي، كما في الأغانى 9: 24 ومجموعة المعاني 56. وقبله:
ولكن الجواد أبا هشام
…
وفي العهد مأمون المغيب
(3)
البدد: المتفرق.
(4)
البيت لإبراهيم بن العباس الصولي، كما في المعاني 151 والمحاضرات 1: 132 وقبله:
دعوتك عن بلوى ألمت ضرورة
…
فأوقدت من ضغن على سعيرها
(5)
لإبراهيم بن العباس الصولي. الوساطة 183 ومحاضرات الراغب 2: 31.
(6)
البيتان لإبراهيم بن العباس الصولي في مجموعة المعاني 102.
وإذا عاتب أخاً له هجره، أنشد:
تلَجَّين حتَّى يذهبَ الهجرُ بالهوى
…
وحتَّى تكاد النَّفسُ عنك تطيب
(1)
وإذا عوتب في خصلةٍ أو بادرٍة بدرت منه، أنشد:
ولستَ بمستبقٍ أخاً لا تلمُّهُ
…
على شَعث أيُّ الرجالِ المهذَّبُ
(2)
وإذا قيل له: قد أسنّ فلان وكبر، أنشد:
لم ينتَقص منى المشيب قلامة
…
الآن حين بدا ألبُّ وأكيسُ
(3)
وإذا فسَدَ
(4)
عند أخٍ له صحةُ ودَّه إياه، أنشد:
قل ما تشاء ليؤتي
…
وما كرهتَ لُيكرَه
فإنَّ ذلك أولي
…
بما تشاءُ وأشبه
(5)
وإذا مات له ولدٌ، أنشد:
كلَّ لسانيِ عن وَصفِ ما أجدُ
…
وذقت ثكلاً ما ذاقه أحدُ
ما عالج الحزن والحرارة في الأحش
…
اء من لم يمت له ولدُ
وإذا حثَّ إنسانا على الإحسان وخوّفه صروف الدّهر، أنشد:
بيننا حرمةٌ وعهد وثيقُ
…
وعلى بعضنا لبعضٍ حقوقُ
فاغتنمْ لذَّة الحفاظِ فما يد
…
ري مطيق لها متى لا يطيق
(1)
اللجاجة: التمادي في الشئ وعدم الانصراف عنه، أراد تلجين في الهجر. وفعله من باب فرح وضرب. وفي الأصل:«تلحين» تحريف، صوابه في ديوان ابن الدمينة 12.
وقصيدة البيت فيه طويلة جدا.
(2)
البيت للنابغة الذبياني في ديوانه 14. الشعث: الفساد. واللم: الإصلاح. وكان حماد الراوية يقدم النابغة، فقيل له: بم تقدمه؟ فقال، باكتفائك بالبيت من شعره، بل بنصفه، بل بربعه، نحو:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
…
وليس وراء اللّه للمرء مذهب
كل نصف يغنيك عن صاحبه. وقوله «أي الرجال المهذب» ، ربع بيت يغنيك عن غيره.
(3)
أي أنا الآن أعظم لبا وأكثر كيسا وفطانة.
(4)
في الأصل: «فزد» .
(5)
في الأصل: «بنا معا وأشبه» .
وإذا رأى خليلا له قد حَفَّت به أرباب الحاجات وكان أمره في الأوّل أقرب، أنشد:
حَيَّاك مَن لم تكن ترُحَي تحيَّتُه
…
لولا الحوائجُ ما حَيَّاكَ إنسانُ
وإذا رأى أحداً غَضِب من أمرٍ ولم ينفعه غضبُه، أنشد:
غضبت ْتميمٌ أن تقتَّلَ عامرٌ
…
يوم النَّسار فأعتبوا بالصّبلم
(1)
وإذا رأى السلطانَ عَزَم على الغَزو ونهض إلى العدوّ، أنشد:
يومانِ يومُ مقاماتٍ وأنديةٍ
…
ويوم سير إلى الأعدا وتأويب
(2)
وإذا رأى أمراً مُعضِلاً وصَبر عليه وعوتب في ذلك، أنشد:
ومِن خير ما فينا من الأمر أننا
…
متى نلق يوماً موطنَ الصّبر نصبر
وإذا قال له أخ: إنهَّ اشتاقَ له اشتياقا شديداً، أنشد:
فلما تواقَفْنا عرفت الذي به
…
كمثل الذي بي حذوك النّعل بالنّعل
(3)
(1)
لبشر بن أبي خازم الأسدي في المفضليات 2: 146 واللسان (عتب، صلم) - والنسار: أجبل متجاورة كان عندها ذلك اليوم. وكانت ضبة حالفت بنى أسد على بنى تميم، وكان معهم في الحلف طئ وعدى، وقد تحالفوا على أن يقاتلوا العرب ثلاث سنين، وأرسلت تميم إلى بنى عامر بالنسار فخالفوهم، فقالت بنو أسد لضبة: بادروا بنى عامر بالنسار قبل أن تصير إليهم بنو تميم، ففعلوا فقتلوا منهم مقتلة عظيمة. انظر النقائض 238 - 245، 1064 - 1067 والعقد وكامل ابن الأثير والعمدة. أعتبوا: عبارة تهكم، والإعتاب: الإرضاء، ويروى:
«فأعقبوا» أي كانت عاقبتهم الصبلم، وهي الداهية.
(2)
البيت لسلامة بن جندل السعدي في ديوانه ص 8 والمفضليات 1: 118. والمقامات:
جمع مقامة، وهي المجلس، وبالضم: جمع مقامة بمعنى الإقامة. والأندية: الأفنية، جمع ندى، والندى والنادي سواء. يريد بيوم المقامات والأندية مواقف الخطابة والمفاخرة ونحوها.
والتأويب: سير يوم إلى الليل، أو الإمعان في السير الشديد. وكذا وردت الرواية في الأصل وفي الديوان والمفضليات:«إلى الأعداء تأويب» .
(3)
البيت من قصيدة هي من عيون شعر جميل في أمالي القالى 2: 74. والرواية «الذي بها» كما في الأمالي ومحاضرات الراغب 1: 45. فقد يكون ابن فارس أبدل الإنشاد ليوافق الاستشهاد، أو هو تحريف ناسخ.
وإذا مرَّ بأطلال خلت من سُكَّانها وعَفَت وبِقَى أثرُها، أنشد:
لخولة أطلالٌ ببرقة ثهَمدِ
…
تلوح كباقي الوَشْم في ظاهرِ اليدِ
(1)
وإذا حضر مجلساً لمناظرة وسئل عن حله فيه بعد، أنشد:
ولو شهدت أمُّ القُدَيدِ طعاننَا
…
بمَرْعَشَ خَيلَ الأرمنيَّ أرنّتِ
(2)
وإذا قيل له: رأيناكَ أعرضتَ عن فلانٍ إعرَاض مسالمةٍ. أنشد:
ولقد أجمَعُ رجلَىَّ بها
…
حذرَ الموتِ وإنَّي لَفَرُورُ
(3)
وإذا استشير في أمر ذي لبس أيقُدِم عليه أم يُحجم عنه، أنشد:
مكانَك حتَّى تنظري عمَّ تنجلى
…
عماية هذا العارضِ المتألَّقِ
[*]
وإذا أكثَرَ من ذكر أخٍ له غائبٍ وقيل له في ذلك، أنشد:
أريدُ لأنسى ذكرَها فكأَنمّا
…
تُمَثَّلُ لي ليَلى بكلَّ سبيلِ
(4)
وإذا قال له صديق: تناسيتني كأنك لم تعرِفْني، أنشد:
تسلَّتْ عَماَياتُ الرَّجالِ عن الصَّبا
…
وليس فُؤاديِ عن هواها بمْنسلىِ
(5)
وإذا حضر رئيسٌ من الرؤساء وأراد مدْحَه، أنشد:
لو نال حيٌّ من الدُّنيا بمكرمة
…
أفق السّماء لنالت كفّه الأفقا
(6)
(1)
البيت هو مطلع معلقة طرفه بن العبد.
(2)
لسيار بن قصير الطائي في ديوان الحماسة 1: 45. أم القديد، قيل هي امرأته. ومرعش:
مدينة بين الشام والروم. والأرمني: منسوب إلى أرمينية. أرنت: أعولت وصاحت.
(3)
لعمرو بن معد يكرب في الحماسة 1: 52 وأمالي القالى 3: 147. أجمع رجلي بها، أي بالفرس ضمهما عليها استدرارا للجرى. لفرور، المعنى أنه يفر إذا كان في الفرار الحزم. وبعده:
ولقد أعطفها كارهة
…
حين للنفس من الموت هرير
(4)
لكثير عزة. أمالي القالى 3: 119 والوساطة 160، 170 ومحاضرات الراغب 2: 25 وديوان المعاني 1: 274.
(5)
لامرئ القيس في معلقته. وفي البيت قلب، أي تسلت الرجال عن عمايات الصبا وجهالاته وظلماته. ويقال انسلى انسلاء: زال حبه من قبله، أو زال حزنه.
(6)
البيت لزهير في مدح هرم بن سنان. ديوانه 55.
[*](تعليق الشاملة): نسب ابن خلكان فى ترجمة (يزيد بن المهلب) هذا البيت إلى بشر بن قطبة الأسدى. [أفاده في المستدرك]
وإذا عاتب أخاً له على هِجرانه إياه، أنشد:
طوى البينُ أسبابَ الوصال وحاولت
…
بكُنْهِك أسبابُ الهوى أن تُخَذَّما
(1)
وينشد أيضاً في مثل ذلك:
وكان يزورني منه خيالٌ
…
فلما أن جفا منع الخيالاً
وإذا رأى رجلاً يُثْنىِ على أخيه ويحضر له محضرًا جميلًا، أنشد:
قوم لهم عرفت معدُّ بفضلهِا
…
والحقُّ يعرفه ذوو الألباب
(2)
وإذا قيل له: قد أقررتَ لمناظرك، أنشد:
أحسُّ بالفضل في غيري فأنكِرُه
…
ما ينكر الفضلَ إلا كلُّ منقوصِ
وإذا رأى رجلاً ينتقص فاضلاً، أنشد:
ما ضرَّ تغلبَ وائل أهجوتها
…
أمُ بلتَ حيث تناطَحَ البحرانِ
(3)
وإذا أقصاه رئيس بعد إناته؟؟؟
(4)
، أنشد:
يا أفضلَ النّاسِ إني كنتُ في نهز
…
أصبحت منه كمثل المفرد الصادِي
وإذا كلّفه أمرؤٌ شيئاً لم يكن عنده بالمرضىّ، أنشد:
لم أكن من جناتها علم اللّه
…
وإني بحرّها اليوم صالى
(5)
(1)
التخذيم: التقطيع. وفي الأصل: «تخذما» ، تحريف.
(2)
البيت للبيد بن ربيعة، وهو آخر ديوانه المطبوع في فينا سنة 1880. والرواية فيه:«عرفت معد فضلها» .
(3)
البيت من قصيدة للفرزدق في ديوانه 882 يذكر فيها تفضيل الأخطل إياه، مادحا في ذلك بنى تغلب، ويهجو جريرا. وقبل البيت وهو مطلع القصيدة:
يا ابن المراغة، والهجاء إذا التقت
…
أعناقه وتماحك الخصمان
وتغلب ابنة وائل هم قوم الأخطل، تناطح البحران: تقابلا. انظر الحيوان 1: 13 والبيان 3: 248 والخزانة 2: 501.
(4)
كذا وردت هذه الكلمة مهملة الحرف الذي بعد الألف الثانية.
(5)
البيت للحارث بن عباد، قاله في يوم قضة. انظر العقد والخزانة 1: 303 وأمالي القالى 3: 26 والأغانى 4: 144.
وإذا رأى أمراً فظيعاً تَقضَّى ثم تجدّد مثلُه، أنشد:
إذا لهبٌ من جانب بأخَ شرُّه
…
ذكا لهب من جانبٍ فتضرّما
(1)
وإذا حضر مَحفِلاً من محافل النّظَر وكلمه خصمٌ فدفعه، وانبرى له خصمٌ آخر، أنشد:
إذا ما دفعنا هؤلَاء جاء هؤلَاء
…
إلينا فكلٌّ بالعداوة مولعُ
وإذا كثُر الصَّياحُ في المحفِل، أنشد:
يا أيّها الراكبُ المزجِى مطيّتهَ
…
سائلْ بنى أسدٍ ما هذه الصوتُ
(2)
وإذا قيل له: كثر أخصامك، أنشد:
تفور علينا قِدرُهم فنُدِيمُها
…
ونفثؤها عنا إذا حَمْوُها غلا
(3)
وإذا بدأه سائلٌ بالسؤال مناظرا له، أنشد:
قرَّبا مَرْبَطَ النعّامة منَّى
…
لقِجتْ حربُ وائلٍ عن حِيالِ
(4)
وإذا نُعى له حميمٌ أو ذو مودّة، أنشد:
ليس عُدم الأموال عُدماً ولكنْ
…
فَقْدُ من قد رزئتُه الإعدام
(5)
(1)
باخ: سكن وفتر.
(2)
لرويشد بن كثير الطائي. الحماسة 1: 47 واللسان (صوت). المزجى: السائق، وقد أنت الصوت. وفي اللسان: إنما أنثه لأنه أراد به الضوضاء والجلبة. ويصح أن يراد بالصوت ما يبلغه عنهم.
(3)
البيت للنابغة الجعدي، كما في مقاييس اللغة (دوم، فور، فثأ) واللسان (فثأ، دوم).
يقال أدام القدر إدامة، إذا سكن غليانها بالماء. وكذلك فثأها: سكن من غليانها. والحمو والحمى: شدة الحرارة. ورواية المقاييس واللسان: «حميها» .
(4)
للحارث بن عباد، كما سبق في «لم أكن من جناتها» . المربط، بفتح الباء وكسرها:
موضع ربط الدابة. والنعامة: اسم فرسه. عن حيال، أي بعد حيال. والحيال: ألا تحمل الناقة. عنى أن الحرب هاجت بعد سكون.
(5)
لأبى دواد الإيادى. العمدة 1: 61 والوساطة 47، وبه قيل إن أبا دواد أشعر الناس. ويروى:«لا أعد الإقتار عدما» .
وإذا حضر حضرة ملكٍ وبالغ في الثَّناء عليه، أنشد:
وأنّك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ
…
إذا طلعَتْ لم يبدُ منهن كوكبُ
(1)
وإذا فَخَر بمن تقدّم من العلماء والكبراء، أنشد:
ترى الناس ما سِرنا يسيرون خلفنا
…
وإن نحنُ أومأْنا إلى الناس وقفَّوا
(2)
وإذا أثنى على رجلٍ معطاءٍ، أنشد:
ليس يعطيك للرجاء وللخو
…
فِ ولكن يَلذُّ طعمَ العطاءِ
(3)
وإذا قصد أمرأً في حاجةٍ وكررّ الزيارة له ولم ير ما يحبُّه، أنشد:
كفى طلباً لحاجةِ كلَّ حرًّ
…
مداومةُ الزَّيارةِ والسّلامِ
وإذا أخذ إنسانٌ يتًّهم أحداً، غيره أنشد:
رأيت الحربَ يجنيها رجالٌ
…
ويصلَى حرَّها قومٌ براء
(4)
قلت: وبنشد في ذلك أيضاً قولَ القائل:
لم أكن من جناتها * .... (البيت المتقدم)
(1)
للنابغة الذبياني من قصيدة في ديوانه 12 يعتذر فيها إلى النعمان ويمدحه. ورواية الديوان: «لأنك شمس» . وقبله:
ألم تر أن اللّه أعطاك سورة
…
ترى كل ملك دونها يتذبذب
(2)
للفرزدق في ديوانه 568 وأمالي القالى 3: 119. وفي الأمالي عن طلحة بن عبد اللّه قال: «لقى الفرزدق كثيرا بقارعة البلاط وأنا معه، فقال: أنت يا أبا صخر أنسب العرب حيث تقول:
أريدُ لأنسى ذكرَها فكأَنمّا
…
تُمَثَّلُ لي ليَلى بكل سبيل
فقال له كثير: وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول:
ترى الناس ما سِرنا يسيرون خلفنا
…
وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا»
ثم قال: «وهذان البيتان لجميل، سرق أحدهما كثير، والآخر الفرزدق» .
(3)
البيت لبشار بن برد، من قصيدة يمدح فيها عقبة بن سلم. ديوانه 1: 107 - 113.
وقبله، كما في الديوان والأغانى 3: 43:
إنما لذة الجواد ابن سلم
…
في عطاء ومركب للقاء
(4)
أنشده في اللسان (برأ) برواية: «يجنبها رجال» . وبراء مثلثة الباء، فهي بالفتح مصدر سمى به، وفي التنزيل:«إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ» . وبالكسر: جمع بريء، كظريف وظراف. وبالضم جمع لا واحد له، نحو تؤام وظؤار.
وينشد في ذلك أيضاً:
وحمَّلتني ذنبَ مريءٍ وتركتهَ
…
كذى العرّ يكوى غيرهُ وهو راتعُ
(1)
وإذا عارضه معارضٌ في عِلة بلا علم، أنشد:
أخو عديً أمسى يُساجلُنى
…
ما لعدىً وما لذا العملِ
وإذا ذكر قوماً أشحّاءَ، أنشد:
دراهمِهم لا تُستطاع كأنَّها
…
فريسةُ ليث أحرزتها مخالبُه
وإذا قيل له: أرضيتَ بكذا وأنت أعلى منزلة منه؟! أنشد:
وما كنت أخشى أن أرى العير مركبى
…
ولكنَّ من يمشى سيرضى بما رَكب
وإذا زار مريضاً، أنشد:
ونعود سيَّدَنا وسيّد غْيرِنا
…
ليت التشكَّىَ كان بالعُوَّادِ
(2)
وإذا حذّر ناسا عدوَّا غَفلوا عنه، أنشد:
بنى أميَّةَ إني ناصحٌ لكمُ
…
فلا يبِيتَنَّ فيكم آمناً زفرُ
(3)
(1)
للنابغة الذبياني في ديوانه 54 من قصيدة يمدح فيها النعمان ويعتذر إليه ويهجو مرة ابن ربيعة. العر، بضم العين: قروح مثل القوباء تخرج بالإبل متفرقة في مشافرها وقوائمها يسيل منها الماء الأصفر فتكوى الصحاح لئلا تعديها المراض. وأما أبو عبيدة فيقول: إن هذا لا يكون، وإنما هو على جهة المثل. وقال ابن دريد: ومن رواه بالفتح فقد غلط، لأن الجرب لا يكوى منه.
(2)
لكثير عزة، قاله في عيادته عبد الملك بن مروان. عيون الأخبار 5003. وبعده:
لو كان يقبل فدية لفديته
…
بالمصطفى من طارفى وتلادى
لكن في الشعر والشعراء 497 أنه دخل لعيادة عبد العزيز بن مروان. على أن البيت قد روى في قصيدة لجرير في ديوانه 122 يقوله في عبد العزيز بن الوليد عبد الملك، وكان الوليد كتب إلى أجناد الشام أن يدعوا لعبد العزيز بن الوليد، ودعا هو له في مسجد دمشق في جماعة الناس، وكان عليلا.
(3)
للأخطل في ديوانه 103 والحيوان 5: 163. وزفر هذا، هو ابن الحارث الكلابي، كان قد خرج على عبد الملك بن مروان وظل يقاتله تسع سنين ثم رجع إلى الطاعة.
الكامل 533 ليبسك والجهشيارى 35. وكان زفر من التابعين، سمع عائشة ومعاوية شرح شواهد المغنى 315.
وإذا ذكَر صديقاً له بنقضه العهدَ، أنشد:
ألم تر ما بيني وبين ابن خالد
…
من العهد قد بالت عليه الثعالب
(1)
وإذا هدّده عدوّا وتوعّده أنشد:
فإن قناتنا يا عَمرُو أعيَتْ
…
على الأعداء قبلك أن تلينا
(2)
وإذا شكى أخٌ له جَنَى عليه، أنشد:
بل جناها أخٌ عليَّ كريمٌ
…
وعلى أهلها بَراقِشُ تجنِى
(3)
وإذا رأى ذا بشاشة وظاهره يبدي خلافه، أنشد:
يبُدِي البشاشةَ حين تبصره
…
وله إليك عقاربٌ تَسرِى
وإذا أساَء إليه صديقٌ وحلمُ هو عنه، أنشد:
فلا تُوبسوا بيني وبينكم الثرّى
…
فإنّ الذي بيني وبينكُم مثْرِي
(4)
وإذا ذُكِر رجلٌ ببعُد الغور، أنشد:
ولم يخشوا مصالته عليهم
…
وتحت الرّغوة اللبن الصريح
(5)
(1)
في الأصل: «بنى خالد» ، تحريف.
(2)
لعمرو بن كلثوم في معلقته. وعمرو في هذا البيت هو عمرو بن هند. والعرب تستعير للعز اسم القناة.
(3)
لحمزة بن بن بيض في اللسان (برقش). وبراقش: اسم كلبة نبحت على جيش مروا ولم يشعروا بالحي الذي فيهم الكلبة، فلما سمعوا نباحها علموا أن أهلها هناك، فعطفوا عليهم فاستباحوهم، فقيل في المثل:«على أهلها تجنى براقش» . وقبل هذا البيت:
لم تكن عن جناية لحقتني
…
لا يسارى ولا يميني جنتنى
(4)
لجرير في ديوانه 277 والمقاييس (ثروى) واللسان (ثرا). قال أبو عبيدة: «من أمثالهم في تخوف الرجل هجر صاحبه: لا توبس الثرى بيني وبينك» . ويقال: الذي بيني وبين فلان مثر، أي إنه لم ينقطع.
(5)
من أبيات في مجالس ثعلب 8 - 9 بنسبتها إلى رجل من سليم. ونسب في البيان 3: 338 إلى أبى محجن الثقفي، وليس في ديوانه. ونسب في اللسان (فصح) إلى نضلة السلمى. المصالة: مصدر ميمى من صال يصول. والرغوة، مثلثة الراء. والصريح: الخالص.
أي إنما تعرف الأشياء بالتكشيف عن بواطنها. وأنشده في المقاييس (فصح): «اللبن الفصيح» ، وهو الذي أخذت عنه الرغوة.
وإذا عزَّى إنساناً وآساه، أنشد:
لكلَّ هٍمّ من الهموم سَعَهْ
…
والمُسي والصُّبح لا بقاءَ معَهْ
(1)
وإذا كاتَمَ إنساناً وأضمر له ما يعرفه من التلوُّن، أنشد:
فإنَّ الله لا يخفى عليه
…
علانية تراد ولا سرار
وإذا رأى إنساناً تغيَّرت عن غِنًى حالُه
(2)
أنشد:
إن الفَتى يقُتُرِ بعد الغنى
…
ويَغتنى من بعد ما يفتقر
(3)
وإذا قيل له: مضَى فلان وورث وارثه مالَه، أنشد:
قد يجمع المالَ غير آكِلهِ
…
ويأكل المالَ غيرُ من جَمعه
(4)
وإذا رأى رجلاً أثنى على آخَرَ وهو لا يعرفُه، أنشد:
لا تحمدنَّ امرأ حتى تجرَّبه
…
ولا تذمنَّه من غير تجريبِ
(5)
وإذا نُعىِ له رجلٌ عظيم الشأن، أنشد:
لما أتى خبَرُ الزُّبيرِ تواضعت
…
سور المدينة والجبال الخشّع
(6)
(1)
للأضبط بن قريع، وهو أحد المعمرين من العرب. كتاب المعمرين للسجستاني 8 ومجالس ثعلب 480 والأمالي 1: 107 والأغانى 16: 154 وحماسة ابن الشجري 137 والخزانة 4: 89 والمثل السائر 1: 260.
(2)
في الأصل: «تغيرت عنى حاله» .
(3)
البيت لعمرو بن أحمر، من أبيات له في اللسان (رنا) وطبقات ابن سلام 191، أقتر: قل ماله.
(4)
للأضبط بن قريع. انظر الحاشية الأولى.
(5)
لأبى الأسود الدؤلي. حماسة البحتري 370.
(6)
البيت لجرير في ديوانه 345 والخزانة 2: 166 من قصيدة بهجو فيها الفرزدق ورهطه بنى مجاشع الذين منهم عمرو بن جرموز قاتل الزبير بن العوام. وكان ابن جرموز قد قدم على أمير المؤمنين على وهنأه بالفتح وأخبره بقتله الزبير، فقال له على: أبشر بالنار، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: بشر قاتل ابن صفية بالنار. وفي ذلك يقول ابن جرموز:
أتيت عليا برأس الزبير
…
وقد كنت أحسبها زلفه
فبشر بالنار في قتله
…
فبئس بشارة ذي النحفه
ثم إن ابن جرموز جاء إلى مصعب بن الزبير وكان واليا على العراق من قبل أخيه عبد اللّه فقال: اقتلنى بالزبير! فكتب في ذلك إلى أخيه، فكتب إليه عبد اللّه: أنا لا أقتله بالزبير
وإذا جَهِل عليه جاهلٌ وللجاهل عدوٌّ حاضر لا يجترئ عليه، أنشد:
جهلاً علينا وجبنا عن عدوَّكمُ
…
لبئست الخلَّتان الجهلُ واُلجُبنُ
(1)
وإذا مات له خليلٌ يعزُّ عليه فقده، أنشد:
ألا ليمتْ مَن شاء بعدك إنمّا
…
عليك من الأقدار كان حذارِيا
(2)
وإذا قيل له. استتر لك فلانٌ وخَدعَك، انشد:
وقد كنت مجرور اللَّسانٍ ومفحَما
…
فأصبحت أدرى اليوم كيف أقولُ
(3)
وإذا ذكر إخوانهَ الذين سلفَوا، أنشد:
أولئك إخوانُ الصَّفاء رُزِئتُهم
…
وما الكفُّ إلا إصبعٌ ثم إصبعُ
(4)
وإذا نَجُب ابن امرئٍ بعد موته، أنشد:
لعمركً ما وارى الترابُ فعاله
…
ولكنّه وارى ثيابا وأعظما
(5)
ولا بشسع نعله. فلم يقتله. والنحويون يجعلون هذا البيت شاهدا لاكتساب بعض الأسماء التأنيث من بعض، لأن السور هنا بعض المدينة. وذهب أبو عبيدة أن «السور» جمع سورة بالضم، وهي كل ما علا، فلا شاهد في البيت. الخشع، أي التي صارت خاشعة لاطئة بالأرض لموته.
(1)
البيت لقعنب بن أم صاحب، في حماسة أبى تمام 2: 188 والبحتري 392.
(2)
في الأصل: «حذارى» ، صوابه في اللسان (ملا) ومحاضرات الراغب 2:229.
وقبله، وهو في رثاء يزيد بن مزيد الشيباني:
وقد كنت أرجو أن أملاك حقبة
…
فحال قضاء اللّه دون رجائيا
وانظر العقد: 2: 287 طبع لجنة التأليف.
(3)
البيت للفقيمى، وهو قاتل غالب أبى الفرزدق. البيان 3: 214، 326 ومحاضرات الراغب 2:74. وفي الأصل: «محزوز» صوابه في البيان. وفي المحاضرات: «محرور» محرفة أيضا. وأصل المجرور الفصيل يشق لسانه لئلا يرضع، يقال جر الفصيل وأجره.
قال عمرو بن معد يكرب:
فلو أن قومي أنطقتى رماحهم
…
نطقت ولكن الرماح أجرت
(4)
البيت لأبى حناك البراء بن ربعي الفقعسي، في الحماسة 1: 351 والمضنون به على غير أهله لعز الدين الزنجاني 344 طبع 1331. وقبله:
أبعد بنى أمي الذين تتابعوا
…
أرجى الحياة أم من الموت أجزع
ثمانية كانوا ذؤابة قومهم
…
بهم كنت أعطى ما أشاء وأمنع
(5)
أنشده أبو تمام في الحماسة 1: 383 ولم ينسبه. وقبله:
إذا ما امرؤ أثنى بآلاء ميت
…
فلا يبعد اللّه الوليد بن أدهما
وإذا رأى رجلاً يتكلَّف مالا يستطيعه. أنشد:
• إذا لم تستطع شيئاً فدعهُ
(1)
…
وإذا استحقره قوم وتعرّضوا لأكبر منه، أنشد:
• ذبابٌ طار في لَهَواتِ ليث
…
وإذا تجاهل عليه متجاهلٌ، أنشد:
إنا لتُوزَنُ بالجبال حلومُنا
…
ويَزِيد جاهلنا على الجهَّالِ
(2)
وإذا نعِى له رئيسٌ من رؤساء محَلّته أو عشيرته، أنشد:
إذا شذّ منا سيَّد قام سيّد
…
قئول لما قال الكرام فعول
(3)
وأنشد أيضاً:
إذا قمرٌ منَّا تغوَّرَ أو خبا
…
بدا قمرٌ من جانب الأفق يلمعُ
(4)
وإذا مطل إنسانٌ ووعَد بعدُ، أنشد:
فإنْ يك صدرُ هذا اليوم ولّى
…
فإن غدا لناظره قريب
(5)
فما كان مفراحا إذا الخير مسه
…
ولا كان منانا إذا هو أنعما
ونادى المنادى أول الليل باسمه
…
إذا أجحر الليل البخيل المذمما
(1)
لعمرو بن معد يكرب في الحيوان 3: 138 وحماسة البحتري 375 والأغانى 14:
31، 36، 37. وعجزه:
• وجاوزه إلى ما تستطيع
…
(2)
لحسان بن حنظلة بن أبي رهم الطائي في الحماسة 2: 317 ومجموعة المعاني 45. وهو في ديوان الفرزدق 730. ونسب في الخزانة 3: 107 والنقائض 284 إلى الفرزدق أيضا.
وفي المؤتلف للآمدى 124 أنه للراهب الطائي، وهو حنظلة والد حسان المتقدم، وأن الفرزدق قد سرقه وأدخله في قصيدته.
(3)
للسموأل بن عاديا، من أبيات في الحماسة 1: 27 - 31 والحيوان 6: 423 والبيان 4: 68 والقالى 1: 269. والرواية في الحماسة والقالى: «إذا سيد منا خلا قام سيد».
(4)
البيت لأبى يعقوب الخريمى في الحيوان 3: 94 والوساطة 159.
(5)
في الأصل: «للناظرين» تحريف. والبيت لقراد بن أجدع، كما في أمثال الميداني 1:63. لناظره: أي لمنتظره.
وإذا رأى قوماً ذوِى صُورَ ولا أحلامَ لهم، أنشد:
لا بأسَ بالقومِ من طولٍ ومن عظمٍ
…
جسٍمُ البغالِ وأحلامُ العصافيرِ
(1)
وإذا اقتضَى صديقاً وعداً، أنشد:
قضَى كلُّ ذي دين فوفى غريمه
…
وعزّة ممطول معَّنى غريمُها
(2)
وإذا شيّع فريقين وأخَذَ كلُّ واحد غيرَ طريق الآخر، أنشد:
فريقانِ منهم سالكٌ بطنَ نخلةٍ
…
وآخرُ منهم سالك نجد كبكبِ
(3)
وإذا لم يزُره أخوه زاره هو، وأنشد:
أزوركمْ لا أكافِيكمُ بجفوتكم
…
إن المحبَّ إذا لم يزرْ زارا
(4)
وأنشد أيضاً فيه:
وما كنت زوَّاراً ولكنَّ ذا الهوى
…
إذا لم يُزرْ لا بد أن سيزورُ
(5)
وإذا وصف رجلا بالعفّة والإعراض عن الزَّنا، أنشد:
والله لو كانت الدنيا وزينتهُا
…
في بطن راحِتِه يوما لألقاها
وإذا قيل له: إن أمثالك قليل، أنشد:
وما ضرَّنا أنا قليل وجارُنا
…
عزيزٌ وجار الأكثرين ذليل
(6)
(1)
البيت لحسان بن ثابت في ديوانه 214 من قصيدة يهجو بها بنى الحارث بن كعب - وانظر الحيوان 5: 229 والخزانة 4: 53 - 56 وسيبويه 1: 254. الأحلام: العقول.
(2)
البيت لكثير عزة في حماسة ابن الشجري 154 والأغانى 8: 35، 36 ومحاضرات الراغب 1:229.
(3)
لامرئ القيس في ديوانه 77 ومعجم البلدان، رسم (كبكب).
(4)
البيت للعباس بن الأحنف في ديوانه 73 وخاص الخاص 93 ومحاضرات الراغب 1: 305 برواية: «نزوركم لا نكافيكم» . وفي الأصل هنا: «لأكافيكم» ، تحريف - وبعده في الديوان:
ستقرب الدار شوقا وهي نازحة
…
من عالج الشوق لم يستبعد الدارا
وفي محاضرات الراغب 2: 15: «يقرب الشوق دارا» .
(5)
للأحوص، الكامل 321 ليبسك. وقبله:
أدور ولولا أن أرى أم جعفر
…
بأبياتكم ما درت حيث أدور
(6)
للسمو أل بن عاديا. انظر ما سبق في ص 155.
وإذا ولى رجل ولاية وأُثنَىِ عليه بها، أنشد:
وإذا الدرُّ زان حُسنَ وجوهٍ
…
كان للدَُّّر حُسنُ وجِهكِ زينا
(1)
وكان يتمثَّل لمناظره ويعرَّض له أنه لم يبلغ المبلغ بقول الشاعر:
لا تحسب المجدَ تَمراً أنت آكلُه
…
لن تبلغ المجد حتَّى تلعق الصَّبِرا
وإذا ذكر له رجل مضى فذلّت أتباعه وبنو عمَّه بعد عِزً، أنشد:
فتَى كان مولاه يحلُّ بنجَوةٍ
…
فحلَّ الموالى بعده بمسيلِ
(2)
وإذا رأى إنساناً منسور
(3)
له مطلا ودفاعا، أنشد:
لقد جررت لنا جبلَ الشَّموسِ فلا
…
يأسٍا مبيناً نرى منكمْ ولا طَمعَا
(4)
وإذا رأى رجلاً همُّه نفسهُ لا غيره، أنشد:
دعِ المكارمَ لا ترحل لبغيتها
…
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
(5)
(1)
أنشده الجاحظ في البيان 1: 195 والجرجاني في الوساطة 202. وقبله أو بعده:
وتزيدين أطيب الطيب طيبا
…
أن تمسيه أين مثلك أينا
وقال خالد بن عبد اللّه القسري لعمر بن عبد العزيز: من كانت الخلافة زانته فإنك قد زنتها، ومن كانت شرفته فإنك قد شرفتها، فأنت كما قال القائل:
وإذا الدرُّ زان حُسنَ وجوهٍ
…
كان للدَُّّر حسن وجهك زينا
فقال عمر: أعطى صاحبكم مقولا ولم يعط معقولا. عيون الأخبار 1: 93.
(2)
النجوة: المكان المرتفع. والمسيل: موضع السيل. والبيت لعقيل بن علفة في الحماسة 1: 410. وقبله:
لتغد المنايا حيث شاءت فإنها
…
محللة بعد الفتى ابن عقيل
(3)
كذا وردت هذه الكلمة. ولعلها «يسرّ» ، أي يضمر.
(4)
البيت للقيط بن يعمر الإيادى، من قصيدة له هي أول مختارات ابن الشجري، ينذر فيها قومه غزو كسرى إياهم، وكان لقيط كاتبا في ديوان كسرى، فلما رآه مجمعا على غزو إياد كتب إليهم بهذا الشعر، فوقع الكتاب بيد كسرى فقطع لسان لقيط وغزا إيادا. الشموس يفتح أوله: النفور من الدواب الذي لا يستقر لشغبه وحدته.
(5)
البيت للحطيئة في ديوانه 54 من قصيدة يهجو بها الزبرقان بن بدر. الطاعم الكاسى:
ذو الطعام والكسوة، أو هو المطعم المكسو، كما في قول اللّه:«عيشة راضية» ، أي مرضية، انظر اللسان (كسا).
وإذا لاجّه
(1)
إنسان وطاولهَ، أنشد:
إذا ما تحدّثتُ في مجلسٍ
…
تناهَى حديثي إلى ما علمتُ
(2)
وإذا رأى امرأ تأمّل حاشيةَ زائرِهِ وغاشِيته
(3)
، أنشد:
وإذا ما جهلتَ ودَّ صديقٍ
…
فاعتبر ما جهلتَ بالغلمان
إنَّ وجهَ الغلامِ يخبر عمَّا
…
في ضمير المولى من الكِتمان
وإذا رأى رجلاً انتمى إٍلى قوٍم غير كرام، أنشد:
فغَّض الطرفَ إنك من نُميرٍ
…
فأصلهم ومنبتهُم لئيمُ
(4)
وإذا سبَرَ حال صديقٍ له فلم يحمَدْه، أنشد:
وما كلُّ إخوانِ الفتى طوعَ هَّمه
…
ولا كلُّ عودٍ نابت بنضار
(5)
وإذا توعّده من لا يصدق في وعده، أنشد:
فانظر إلى كفّ وأسرارها
…
هل أنت إن أوعدتنى ضائرى
(6)
وإذا نُعِىَ له شخص، أنشد:
على صخرٍ وأىّ فتى كصخر
…
ليوم كريهة وسداد ثغر
(7)
(1)
الملاجة: التمادي في الخصومة. في الأصل: «الملاحة» ، تحريف.
(2)
البيت ليزيد بن الوليد بن عبد الملك، كما في عيون الأخبار 2:125. وبعده:
ولم أعد علمي إلى غيره
…
وكان إذا ما تناهى قصرت
(3)
غاشية الرجل: من ينتابه من زواره وأصدقائه.
(4)
كذا ورد إنشاده. والمعروف بيت جرير في ديوانه 75:
فغض الطرف إنك من نمير
…
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
(5)
النضار: شجر الأثل، وهو أجود الخشب للآنية والأقداح.
(6)
البيت للأعشى في ديوانه 107 واللسان (سرر) والمقاييس (سر). والأسرار:
خطوط باطن الراحة، واحدها سر.
(7)
البيت ملفق من بيتين، أحدهما للخنساء في رثاء أخيها صخر، وهو كما في الديوان 23 وحماسة البحتري 428:
على صخر وأي فتى كصخر
…
لعان عائل غلق بوتر
والآخر للعرجى في نزهة الألباء 113 واللسان (سدد):
أضاعونى وأي فتى أضاعوا
…
ليوم كريهة وسداد ثغر
وقد يقع التلفيق في استشهادات ابن فارس. انظر المقاييس (شنأ، علق، فأو).
وإذا رأى رجلا اتهم بدعوة، أنشد:
زنيمٌ تداعاه الرَّجالُ زيادةً
…
كما زيد في عرض الأديم الأكارعُ
(1)
وإذا رأى عدواً مخاشناً، أنشد:
بني تماضرَ إنَّي لا أحبكما
…
ولا ألومكما إلا تحبَّاني
وإذا قعد عن صديق بعذر، أنشد:
فلا بأس بالهجر الذي ليس عن قلا
…
إذا شجرت عهدَ الحبيبِ شواجرُ
(2)
وربما وصل حديثه عن الزمن الأول بقوله:
إذِ الناس ناسٌ والزمان بغرَّة
…
وإذ أمُّ عمّارٍ صديقٌ مساعفُ
(3)
وإذا ذكر رجل بجود وسماحة، أنشد:
يومان يومٌ يفيض نائله
…
وخير يوم ما يقيتُ غدا
(4)
وإذا خبر أن ولد رجل نجب، أنشد:
وهل ينبتُ الخطيَّ إلا وشيجه
…
وتغرسُ إلاّ في منابتها النخلُ
(5)
وإذا أسعفه رجل في أمره، أنشد:
أناة امرئ يأتي الأمورَ بقدرةٍ
…
متى ما يردْ لم يعيَ بالأمر مصدرا
(1)
البيت للخطيم التميمي، جاهلي. ويروى لحسان بن ثابت، كما في اللسان (زنم) والكامل 567 ليبسك. ورواه ابن فارس في المقاييس (زنم) بدون نسبة. والزنيم المستلحق في القوم وليس منهم. الأديم: الجلد. وفي الكنايات للجرجاني 15: «ويكنون عن الدعي بأكارع الأديم. قال الفرزدق:
وأنت زنيم في كليب زيادةً
…
كما زيد في عرض الأديم الأكارعُ»
(2)
في الأصل: «بالهجران» ولا يستقيم به الوزن، و «عن قلا»: عن بغض قلاه يقليه ويقلوه.
وفي الأصل: «عرقلا» ، تحريف. ويقال شجر الشئ: صرفه ونحاه.
(3)
يفهم من صنيع اللسان (سعف) أنه لأوس بن حجر. ولم أجده في ديوانه.
(4)
أقاته: أعطاه قوته. ولعل الكلام: «وخير يوميه» .
(5)
البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه 115. الخطى: الرماح المنسوبة إلى الخط، وهي جزيرة بالبحرين. والوشيج: القنا الملتف في منبته، الواحدة وشيجة. أي لا تنبت القناة إلا القناة، ولا تغرس النخلة إلا بحيث يكون نباتها وصلاحها.
وإذا مرّ بدار صديق له، أنشد:
ألا حيِّ الدِّيارَ بسعد إنِّي
…
أحبُّ لحبِّ فاطمةَ الدِّيارا
(1)
وإذا حضر مجلس مناظرة وطلب منه الكلام، جثا على ركبتيه وأنشد:
ولا ينجى من الغمرات إلاَّ
…
براكاءُ القتالِ أو الفرارُ
(2)
وإذا ناظره فتى شاب، أنشد:
كيف ترجونَ سقاطي بعد ما
…
جلَّل الرأسَ مشيبٌ وصلعْ
(3)
وإذا زاحمه خصماؤه وكثروا عليه، أنشد:
إذا اجتمعوا عليَّ فحلّ عنهم
…
وعن أسدٍ مخالبه دوامِ
إذا اجتمعوا علىّ فحلّ عنهم
…
وخربانٍ تصيد حبارياتِ
(4)
وإذا قيل له: إن فلاناً في فضله فضل عليه من دونه، أنشد:
كم قد رأينا من أسد
…
بالت على رأسه ثعالب
(5)
وإذا قيل له أيضا، أنشد:
صرت كأنّى ذبالة نصبت
…
تضئ للناس وهي تحترقُ
(6)
وإذا استطال الليل، أنشد:
أقول وليلتي تزدادُ طولاً
…
أما الَّليلِ ويحكمُ نهار
(7)
(1)
البيت لجرير في ديوانه 280 ومعجم اللسان (سعد). وأنشده ابن فارس في مقاييس اللغة (سعد) مع نسبته.
(2)
لشر بن أبي خازم في اللسان ومقاييس اللغة (برك). وهو ختام قصيدة له في المفضليات 2: 145. والبراكاء: الثبات في الحرب والجد، وأصله من البروك.
(3)
لسويد بن أبي كاهل اليشكري في المفضليات 2: 198. سقاطى: فترتى وسقطى.
ويروى: «لاح في الرأس» .
(4)
في الأصل: «وحريان تصيد حباريان» . الخربان بكسر الخاء: جمع خرب بالتحريك وهو ذكر الحبارى: ضرب من الطير.
(5)
كذا ورد صدر هذا البيت.
(6)
للعباس بن الأحنف في ديوانه 111 والكامل 518 ليبسك ومحاضرات الراغب 1: 9 وديوان المعاني للعسكرى 1: 263. الذبالة: الفتيلة التي تسرح في المصباح. وقبل البيت:
أحرم منكم بما أقول وقد
…
نال به العاشقون من عشقوا
(7)
البيت لبشار، في المختار من شعر بشار ص 7 برواية:«أما لليل بعدهم نهار» .
وإذا مرض وعاده عواده، أنشد:
وهل هي إلا علّةٌ بعد علّةٍ
…
إلى العلة الكبرى وتلك هي التي
وإذا رأى رجالاً لا حمية ولا منعة فيهم، أنشد:
إذا ما عدّ مثلكم رجال
…
فما فضلُ الرَّجالِ على النساءِ
وإذا اشتكى إليه إنسان إقلالاً [أنشد]:
إذا شئتَ أن تحيا غنيَّاً فلا تكن
…
بمنزلة إلا رضيتَ بدونها
وإذا رأى ذا ضغن صاحب آخر، أنشد:
إذا أنت لم تسقم وصاحبت مسقما
…
وكنت له خدناً فأنت سقيمُ
وإذا دخل عليه ثقيل، أنشد:
أيا جبليْ نعمانَ باللهِ خلِّيا
…
نسيمَ الصَّبا يخلصْ إلىّ نسيمها
(1)
وإذا جاد عليه بنزر يسير، أنشد:
تؤتيك نزراً قليلا وهي خائفة
…
كما يخاف مسيسَ الحيَّةِ الفرق
(2)
وهذه جمعية لم أظفر بمثلها، فرحم الله من فهمها وحفظها، وأورد كل بيت في محلّه، ليجلّ عند خلّه.
(1)
البيت لمجنون ليلى، في الأغانى 1: 170/ 5: 34 وحماسة ابن الشجري 168، وهو في أمالي القالى 2: 181 يدون نسبة. وفي الأغانى - ونحوه في حماسة ابن الشجري: أن أهل المجنون خرجوا به معهم إلى وادى القرى قبل توحشه ليمتاروا خوفا عليه أن يضيع ويهلك فمروا في طريقهم بجبلى نعمان، فقال له بعض فتيان الحي: هذان جبلا نعمان. وقد كانت ليلى تنزل بهما. قال: فأي الرياح يأتي من ناحيتهما؟ قالوا: الصبا. قال: فو اللّه لا أريم هذا الموضع حتى تهب الصبا. فأقام ومضوا فامتاروا لأنفسهم ثم أتوا عليه فأقاموا معه ثلاثة حتى هبت الصبا ثم انطلق معهم. ففي ذلك يقول:
أيا جبليْ نعمانَ باللهِ خلِّيا
…
نسيمَ الصَّبا يخلص إلى نسيمها
أجد بردها أو تشف منى حرارة
…
على كبد لم يبق إلا صميمها
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت
…
على نفس محزون تجلت همومها
(2)
البيت لابن هرمة. المختار من شعر بشار 96. وصدره فيه: «تبدى بذاك سرورا وهي مشفقة كما يهاب». في الأصل: «وهي جائعة» ، صوابه ما أثبت. المسيس: المس. والفرق:
الخائف الفزع.
رسالة في أعجاز أبيات تغنى في التمثيل عن صدورها
لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد 210 - 285
مقدمة
وهذا أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الأزدي البصري النحوي الأديب الأخبارى، صاحب «الكامل» الذي يقول فيه ابن خلدون:«وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول فن الأدب وأركانه أربعة: وهي كتاب الكامل للمبرد، وأدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبى على القالى البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع منها» .
وكان الناس بالبصرة يقولون: «ما رأى المبرد مثل نفسه» . ولما صنف أستاذه المازني كتاب الألف واللام سأل المبرد عن دقيقه وعويصه فأجاب بأحسن جواب، فقال له: قم فأنت المبرد، بكسر الراء، أي المثبت للحق، فغيره الكوفيون وفتحوا الراء.
وقد دلني على كتابه هذا الصديق الكريم الأستاذ محمد بن تاويت الطنجي، فأسجل له هنا صادق الشكر.
وهذا الكتاب يشبه الكتاب السابق في موضوعه، إذ هو في الأمثال الشعرية، وإن اختلف الأسلوبان والمنهجان، فإن أبا العباس لم يذكر هنا مضارب الأمثال كما ذكرها ابن فارس، ولم يذكر من الأبيات إلا أعجازها المغنية عن صدورها، وليس هذا الأمر بالهين في التأليف، ومع أن أبا العباس قد ذكر نسبة معظم هذه الأعجاز فإنه اقتضانا البحث عن صدور هذه الأعجاز عند التحقيق.
وأصل هذا الكتاب مخطوطة في دار الكتب الأزهرية برقم 7323 أباظة.
وهو في مجموعة تشمل بعض الكتب النفيسة، منها قواعد الشعر لثعلب، وفحولة الشعراء للأصمعى، وشجر الدر في متداخل اللغة لأبى الطيب اللغوي.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: هذه أعجاز بيوت تغنى فى التمثيل عن صدورها.
قال أنس بن مدركة
(1)
الخثعمي، وكنيته أبو سفيان
(2)
:
* لشيءٍ ما يسوَّد من يسودُ
(3)
*
امرؤ القيس: * وكل غريبٍ للغريب نسيبُ
(4)
*
وقال: * وبالأشقينَ ما كان العقابُ
(5)
*
وقال: * والبرُّ خير حقيبةِ الرّحلِ
(6)
*
النابغة: * ولا قرار على زأر من الأسد
(7)
*
وقال: * وذلك من تلقاءِ نفسك رائع
(8)
*
(1)
ومثله فى الأغانى 16:161/ 9:7 والعينى 299:4 وحماسة ابن الشجرى 49. وفى الحيوان 81:18/ 3:1 و 469 والاشتقاق 306 وشرح الحماسة للتبريزى 193:2 والشعر والشعراء لابن قتيبة 328 وكتاب البسوس 6 ومعجم البلدان (أيك، صيدة): «أنس بن مدركة».
(2)
فى الأصل: «أبو الحسن» صوابه من كتاب كنى الشعراء لابن حبيب الملحق بكتاب أسماء المغتالين له، مصورة دار الكتب المصرية، وكذا الخزانة 478:1.
(3)
صدره: * عزمت على إقامة ذى صباح *
(4)
صدره.
* أجارتنا إنا غريبان هاهنا *
انظر معجم البلدان (عسيب) والشعر والشعراء 69.
(5)
صدره: * وقاهم جدهم ببنى أبيهم *
ديوان امرئ القيس 160.
(6)
صدره: * الله أنجح ما طلبت به *
والبيت يروى لامرئ القيس بن عابس الكندى. الأغانى 94:3.
(7)
صدره: * بئت أن أبا قابوس أوعدنى *
(8)
صدره: * مقالة أن قد قلت سوف أناله *
وقال: * إذاً فلا بسطت سوطي إليّ يدي
(1)
*
وقال: * وليس وراءَ الله للمرء مذهبُ
(2)
*
وقال: * لمبلغك الواشي أغشُّ وأكذبُ
(3)
*
وقال: * ولكن ما وراءكَ يا عصامُ
(4)
*
وقال: * وهل يأثمنْ ذو إمَّة وهو طائع
(5)
*
وقال: * سبقَ الجوادِ إذا استولى على الأمدِ
(6)
*
أنس بن أبي إياس
(7)
: * وشديد عادة منتزعهْ
(8)
*
زهير بن أبي سلمى: * وكانوا قديماً من مناياهم القتلُ
(9)
*
وقال: * ولا محالة أن يشتاق من عشقا
(10)
*
(1)
صدره: * ما قلت من سيئ مما أتيت به *
(2)
صدره: * حلفت فلم أترك لنفسك ريبة *
(3)
صدره: * لئن كنت قد بلغت عنى خيانة *
(4)
صدره: * فإنى لا ألام على دخول *
وكان النابغة قد وفد على النعمان ليعوده، وأراد الدخول فمنعه حاجب النعمان عصام بن شهبر. أى لا ألام على ترك الدخول إليه لأنى محجوب منه، لغضبه على وخوفى إياه على نفسى. ويروى:«فإنى لا ألومك» .
(5)
صدره: * حلفت ولم أترك لنفسك ريبة *
(6)
صدره: * إلا لمثلك أو من أنت سابقه *
(7)
هو أنس بن زنيم بن محمية بن عبد بن عدى الكنانى، وذكره صاحب المؤتلف 55. وانظر الحيوان 255:5.
(8)
صدره كما فى مجموعة المعانى 173: * لا تهنى بعد إكرامك لى *
وقبله: سل أميرى ما الذى غيره
…
عن وصالى اليوم حتى وزعه
ونسب البيت فى زهر الآداب 253:1 إلى أبى الأسود الدؤلى.
(9)
صدره
* فإن يقتلوا فيشتفى بدمائهم *
أى هم أشراف دماؤهم دواء من داء الكلب، أو هم أشراف إذا قتلوا رضى بهم من قتلهم بهم يدرك ثأرة ويشتفى. من مناياهم القتل، أى لا يموتون على فرشهم.
(10)
صدره: * قامت تبدى بذى ضال لتحزننى *
وقال: * على آثار من ذهبَ العفاءُ
(1)
*
عنترة: * والكفر مخبثةٌ لنفس المنعمِ
(2)
*
لبيد: * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذرْ
(3)
*
وقال: * ومن الأرزاء رزءٌ ذو جللْ
(4)
*
طرفة: * ويأتيك بالأخبار من لم تزوِّدِ
(5)
*
أبو خراش: * وإنما نوكَّل بالأدنى وإنْ جلَّ ما يمضي
(6)
*
أبو ذؤيب: * والدهرُ ليس بمعتبٍ من يجزعُ
(7)
*
وقال: * وإذا تردُّ إلى قليل تقنعُ
(8)
*
حميد بن ثور: * وحسبك داءً أن تصحَّ وتسلما
(9)
*
أبو الأسود: * وما كل مؤتٍ نصحه بلبيب
(10)
*
القطامي: * وقد يكون مع المستعجل الزللُ
(11)
*
عروة بن الورد: * ومبلغ نفسٍ عذرها مثلُ منجحِ
(12)
*
جرير: * ليت التشكِّيَ كان بالعوّاد
(13)
*
(1)
صدره: * تحمل أهلها عنها فبانوا *
(2)
صدره: * نبئت عمرا غير شاكر نعمتي *
(3)
صدره: * إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *
(4)
صدره: * وأرى أربد قد فارقنى *
(5)
صدره: * ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا *
(6)
صدره: * على أنها تعفو الكلوم وإنما *
(7)
صدره: * أمن المنون وريبها تتوجع *
(8)
صدره: * والنفس راغبة إذا رغبتها *
(9)
صدره: * أرى بصرى قد رابنى بعد صحة *
(10)
صدره: * وما كل ذى نصح بمؤتيك نصحه *
(11)
صدره: * قد يدرك المتأنى بعض حاجته *
(12)
صدره: * ليبلغ عذرا أو يصيب رغيبة *
(13)
صدره: * ونزور سيدنا وسيد غيرنا *
وانظر ما سبق من تحقيق هذا البيت فى كتاب ابن فارس ص 151.
وقال: * رأيت المرءَ يلزم ما استعادا
(1)
*
ومثله: * وكل امرئٍ جارِ على ما تعوَّدا
(2)
*
[*]
الحطيئة: * ولا ترى طارداً للحرّ كالياسِ
(3)
*
وقال: * لا يذهبُ العرف بين الله والناسِ
(4)
*
وقال: * ومن يسوِّ بأنف الناقة الذّنبا
(5)
*
دريد بن الصمة: * يضع الهناء مواضعّ النُّقبِ
(6)
*
مالك بن الريب: * وكل بلادٍ أوطنت كبلادِ
(7)
*
سالم بن وابصة: * إن التخلق يأتي دونه الخلق
(8)
*
ابن الزبعري: * وعدلناه ببدر فاعتدل
(9)
*
(1)
صدره: * تعود صالح الأعمال إنى *
والاستعادة هنا بمعنى التعود، كما فى اللسان (عود).
(2)
هذا تنظير فى الاستشهاد، والبيت لم يرد فى ديوان جرير، فلعله استشهاد بشعر غيره.
(3)
صدره: * أزمعت ياسا مريحا من نوالكم *
(4)
صدره: * من يفعل الخير لا يعدم جوازيه *
(5)
صدره: * قوم هم الأنف والأذناب غيرهم *
(6)
صدره: * متبذلا تبدو محاسنه *
الهناء: القطران تهنأ به الإبل، أى تطلى. والنقب: جمع نقبة، وهى القطع المتفرقة من الجرب فى جلد البعير. وكانت الخنساء قد خرجت فهنأت ذودا لها جربى، ثم نضت عنها ثيابها واغتسلت، ودريد يراها ولا تراه، فقال فيها هذا الشعر، وأوله كما فى الأمالى 161:2: حيوا تماضر واربعوا صحبى
…
وقفوا فإن وقوفكم حسبى
(7)
صدره: * وفى الأرض عن ذى الجور منأى ومذهب *
ونسبة البيت إلى مالك بن الريب غريبة، فإن أبا تمام رواه فى الحماسة 278:1 للفرزدق من أبيات، وهى فى ديوان الفرزدق 190. ونسب فى حماسة البحترى 180 إلى رجل من تميم. والفرزدق تميمى.
(8)
صدره: * عليك بالقصد فيما أنت فاعله *
ونسبته إلى سالم بن وابصة تطابق ما فى الحماسة 295:1. ونسب فى حماسة البحترى 358 إلى ذى الإصبع العدوانى. وصدره فى الأخيرة: * اعمد إلى الحق فيما كنت فاعله *
(9)
كذا فى الأصل. ورواية السيرة 616 جوتنجن والحيوان 565:5: «وعد لنا ميل بدر» ، وصدره فى السيرة: * فقتلنا الضعف من أشرافهم *
[*](تعليق الشاملة): البيت ليزيد بن الجهم الهلالى، كما فى الحماسة 1730 س 1 بشرح المرزوقى. [أفاده في المستدرك]
الأخطل: * والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبرُ
(1)
*
يزيد بن مفرغ: * والحر تكفيه الملامه
(2)
*
عبدة بن الطبيب: * وفيّ لمصلح مستمتعُ
(3)
*
وقال: * والعيش شحٌّ وإشفاق وتأميلُ
(4)
*
وقال: * أعرافهنَّ لأيدينا مناديلُ
(5)
*
عمر بن أبي ربيعة: * إنما العاجز من لا يستبدّ
(6)
*
وقال: * حسنٌ في كلِّ عينٍ من يودّ
(7)
*
وقال: * وجوهٌ زهاها الحسنُ أن تتقنعا
(8)
*
وقال: * وحديث النفس قدما ولوعُ
(9)
*
العديل بن الفرخ: * وما على الحرِّ إلا الحلفُ مجتهدا *
الحارث بن وعلة: * والقول تحقره وقد ينمى
(10)
*
= وفى الحيوان: * وقتلنا الضعف من ساداتهم *
(1)
صدره: * حتى استكانوا وهم منى على مضض *
(2)
صدره: * العبد يقرع بالعصا *
(3)
هو بتمامه كما فى المفضليات 134:1: أبني إنى قد كبرت ورابنى
…
بصرى وفى لمصلح مستمع
(4)
صدره: * والمرء ساع لأمر ليس يدركه *
(5)
صدره: * ثمت قمنا إلى جرد مسومة *
(6)
صدره: * واستبدت مرة واحده *
وقبله: ليت هند أنجزتنا ما تعد
…
وشفت أنفسنا مما نجد
(7)
كذا بالباء، وتقرأ بالبناء للمفعول. ويروى بالتاء. وصدره: * فتضاحكن وقد قلن لها *
(8)
صدره: * فلما تواقفنا وسلمت أشرقت *
(9)
صدره: * إن همى قد نفى النوم عنى *
(10)
صدره: * أن يأبروا تخلا لغيرهم *
وقبله فى الحماسة 65:1: لا تأمنن قوما ظلمتهم
…
وبدأتهم بالشتم والرغم
الخنساء: * كأنه علم في رأسه نارُ
(1)
*
الأسود بن يعفر: * والدهر يعقب صالحاً بفسادِ
(2)
*
عبد الله بن معاوية: * ولكن عين السخط تبدي المساويا
(3)
*
نصيب: * ولو سكتوا أثنت عليك الحقائبُ
(4)
*
قعنب بن أم صاحب: * زكنت منهم على مثل الذي زكنوا
(5)
*
ابن الدمينة: * على ذاك قرب الدار خير من البعدِ
(6)
*
الطائية
(7)
: * وكيف بتركي يا ابن أمِّ الطبائعا *
أشجع بن عمرو: * ما أخّر الحزم رأى قدم الحذرا
(8)
*
(1)
صدره: * وإن صخرا لتأتم الهداة به *
(2)
صدره: * فإذا وذلك لا مهاه لذكره *
وهو آخر قصيدة له فى المفضليات 15:2 - 20.
(3)
صدره: * وعين الرضا عن كل عيب كليلة *
(4)
صدره: * فعاجوا فأثنوا بالذى أنت أهله *
انظر ما سبق من التحقيق فى كتاب ابن فارس ص 142.
(5)
صدره: * ولن يراجع قلبى حبهم أبدا *
(6)
صدره: * وقد زعموا أن المحب إذا دنا *
(7)
هى غنية بنت عفيف بن عمرو بن عبد القيس، وهى أم حاتم، كانت من أسخى النساء وأقراهن للضيف، وكانت لا تليق شيئا تملكه، فلما رأى إخوتها إتلافها حجروا عليها ومنعوها مالها، فمكثت دهرا لا تصل إلى شيء ولا يدفع إليها شيء من مالها، حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة من إبلها، فجاءتها امرأة من هوازن كانت تأتيها كل سنة تسألها، فقالت لها: دونك هذه الصرمة فخذيها، فقد والله مسنى من ألم الجوع ما آليت معه ألا أمنع الدهر سائلا شيئا. ثم أنشأت تقول: لعمرى لقدما عضنى الجوع عضة
…
فآليت ألا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائمى اليوم اعفني
…
فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا
فماذا عسيتم أن تقولوا لأختكم
…
سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
ولا ما ترون الخلق إلا طبيعة
…
فكيف بتركى يا ابن أم الطبائعا
انظر الأمالى 23:3.
(8)
صدره كما فى عيون الأخبار 31:1: * رأى سرى وعيون الناس هاجعة *
ابن أبي عيينة: * فالصبر من كلِّ أمرٍ فائتٍ خلفُ *
البكري
(1)
: * إن بني عمِّكَ فيهم رماحْ
(2)
*
أبو حفصٍ الشطرنجي: * لو صح منك الهوى أرشدتَ للحيلِ *
دعبل: * ضحك المشيبُ برأسه فبكى
(3)
*
دعبل: * كان ينهى فنهى حيث انتهى *
العتكي: * حلّمني قلة أكفائي *
محمود: * فاصبر فإن الدهر لا يصبر *
عباس بن الأحنف: * من عالج الشوق لم يستبعد الدارا
(4)
*
آخر: * والمشربُ العذبُ كثير الزحامْ
(5)
*
آخر: * إن النَّدى حيث ترى الضِّغاط
(6)
*
آخر: * من فاته العين لم يستبعد الأثرا
(7)
*
(1)
فى البيان والتبيين 234:3 ومعاهد التنصيص 27:1 أنه حجل بن نضلة.
(2)
صدره: * جاء شقيق عارضا رمحه *
(3)
صدره: * لا تعجبى يا سلم من رجل *
(4)
سبق فى حواشى كتاب ابن فارس ص 156. وصدره كما فى ديوان العباس 73: * ستقرب الدار شوقا وهى نازحة *
وفى محاضرات الراغب: * يقرب الشوق دارا وهى نازحة *
(5)
صدره: * يزدحم الناس على بابه *
وهو بدون نسبة فى عيون الأخبار 90:1.
(6)
هذا ليس عجزا من أعجاز الشعر، بل هو شطر من أشطار الرجز. والرجز فى البيان 177:1 والحيوان 454:5. وأنشد الجاحظ الشطر فى البخلاء 203 وابن قتيبة فى عيون الأخبار 91:1. والضغاط بالكسر: الزحام.
(7)
أى من فاته عين شيء فإنه يقنع بتتبع أثره. وأما من فاز بعين الشئ فإنه لا يهتم يتتبع أثره، كما جاء فى أمثالهم للرجل يترك شيئا يراه ثم يتبع أثره بعد فوت عينه:«تطلب أثرا بعد عين» . وصدره كما فى مجالس الزجاجى 123: * أظل من حبها فى بيت جارتها *
آخر: * أنّ السلامة منها تركُ ما فيها
(1)
*
آخر: * وما لا ترى مما بقى اللهُ أكثرُ *
آخر: * وإن الصَّبا للعيشُ لولا العواقبُ *
آخر: * سقطَ العشاءُ بهِ على سرحان
(2)
*
آخر: * إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصارا
(3)
*
آخر: * ناب وقد تقطعُ الداويَّة النابُ *
آخر: * أذن الخوانُ برغم أنف الحاجبِ
(4)
*
آخر: * لا يحسنُ البرُّ إلا بعد إنصافِ *
آخر: * لا خير في لذة من بعدها النار *
آخر: * والهجر خير من الفراق *
(1)
لسابق البربرى، كما فى محاضرات الراغب 251:1. وسابق البربرى هذا شاعر أموى. ترجم له فى الخزانة 164:4. وصدر البيت: * النفس تكلف بالدنيا وقد علمت *
(2)
قيل إن السرحان هنا الذئب، وأن رجلا خرج يلتمس العشاء فوقع على ذئب فأكله الذئب. وقيل سرحان رجل من غنى كان يقال سرحان بن هزلة، وكان بطلا فاتكا يتقيه الناس، فقال رجل يوما: والله لأرعين إبلى هذا الوادى ولا أخاف سرحان بن هزلة. فورد بإبله ذلك الوادى فوجد به سرحان وهجم عليه فقتله وأخذ إبله، وقال: أبلغ نصيحة أن راعى أهلها
…
سقط العشاء به على سرحان
سقط العشاء به على متقمر
…
طلق اليدين معاود لطعان
وفى اللسان (قمر) أن هذا الشعر لعبد الله بن عنمة الضبى.
(3)
أنشد هذا العجز فى أمثال الميدانى 27:1 وقال: «يضرب مثلا للمدل بنفسه إذا بلى بمن هو أدهى منه وأشد» .
(4)
قيل إن البيت لبشار، وقيل هو لغيره. عيون الأخبار 86:1. وفيه: تأبى خلائق خالد وفعاله
…
إلا تجنب كل أمر عائب
فإذا أتيت الباب وقت غدائه
…
أذن الغداء برغم أنف الحاجب
وفى محاضرات الراغب 310:1: «وإذا حضرنا الباب عند غدائه» .
آخر: * فبينما العسر إذْ دارت مياسيرُ
(1)
*
آخر: * وتعلمُ قوسي حين أنزعُ من يرمي *
آخر: * لكلِّ أناسٍ من بعيرهم خبرُ
(2)
*
آخر: * كفَّا مطلَّقةٍ تفتُّ اليرمعا
(3)
*
آخر: * إنَّما الجودُ للمقلِّ المواسي *
آخر: * قد ذلَّ من ليس له ناصرُ
(4)
*
آخر: * ذهب القضاءُ بحيلة الأقوامِ *
(تمت والحمد لله وحده)
(1)
صدره: * فاستقدر الله خيرا وارضين به *
وللشعر قصة فى عيون الأخبار 305:2:1. وانظر مجالس ثعلب 265 ومحاضرات الراغب 239:2 ونزهة الألبا 34 والمعمرين 40 والعقد 381:1 بولاق ودرة الغواص 31 وأسد الغابة 351:3. ونسب الشعر فى المختار من شعر بشار 213 إلى نويفع بن لقيط الفقعسى، وفى شرح شواهد المغنى 86 لعتير بن لبيد العذرى، أو حريث بن جبلة، وفى تاج العروس (دهر) لأبى عيينة المهلبى.
(2)
يضرب فى معرفة كل قوم بصاحبهم. ويروى: «فى جميلهم» : مصغر جمل. البيان 1: 300:238/ 3 والميدانى 114:2 - 115 واللسان (جمل).
(3)
اليرمع: حجارة لينة رقاق بيض تلمع. وأنشد هذا العجز فى اللسان (رمع). وقال الميدانى فى أمثاله فى باب الكاف: «يضرب للرجل ينزل به الأمر يبهظه فيضج ويجلب فلا ينفعه ذلك» .
(4)
من بيتين فى اللسان (عمر) وسمط اللآلى 174 والتنبيه على أمالى القالى 30. وهما: قامت تبكيه على قبره
…
من لى من بعدك يا عامر
تركتنى فى الدار ذا غربة
…
قد ذل من ليس له ناصر
كتاب العصا
(1)
لأبي المظفر أسامة بن منقذ 488 - 584
(1)
عثرت قريبا على مخطوط لكتاب العصا محفوظ بمكتبة خدابخش بتنة، ومنه نسخة مصورة بمعهد إحياء المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية، أرشدنى إليها الأخ الأستاذ رشاد عبد المطلب. وهذه النسخة تدل بصفة قاطعة على أن نسختنا هذه ما هي إلا مختصر متواضع لكتاب العصا.
وقد أجريت في هذه الطبعة الثانية مقابلة على هذا المخطوط في هذه المواضع المختارة، مشيرا إلى المخطوط بالرمز (خ). وعسى أن أوفق إلى نشر هذا المخطوط مستقلا بعد دراسته وتحقيقه بعون اللّه.
مقدمة
أسامة بن منقذ
(1)
:
في قلعة شيزر، على بعد خمسة عشر ميلا من الشمال الغربى لحماة، ولد الأمير أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكلبي الشيزرى، الملقب مؤيد الدولة مجد الدين، وذلك في يوم الأحد 28 من جمادى الآخرة سنة 488، وهذا العام هو الذي ألقى فيه البابا (أوربانوس الثاني) خطابه محرضا المسيحيين على انتزاع بيت المقدس من أيدي المسلمين. وعاش أسامة حياته الطويلة المعمرة معاصرا للحروب الصليبية إلى أن نال صلاح الدين الأيوبي انتصاراته الفاصلة في تلك الحروب، ثم قضى أسامة نحبه في ليلة الثلاثاء 23 من رمضان سنة 584.
نشأ أسامة في كنف أبويه وعمه وجدته في أسرة جل رحالها فرسان محاربون فشب على الفروسية والجرأة النادرة وممارسة الصيد، وملاقاة الأسود، وعنى أبوه بتثقيفه، فكان يحضر له كبار الشيوخ يقبس هو وإخوته منهم العلم، فكان شيخه في الحديث أبا الحسن علي بن سالم السنبسى، وفي الأدب أبا عبد اللّه محمد بن يوسف المعروف بابن المنيرة، كما قرأ النحو عشر سنين على سيبويه زمانه أبى عبد اللّه الطليطلى النحوي. وسمع منه الحافظ أبو سعد السمعاني صاحب كتاب الأنساب (506 - 562) والحافظ ابن عساكر (499 - 571) والعماد الأصبهاني (519 - 597) والحافظ عبد الغنى المقدسي (541 - 600).
وخرج أسامة من شيزر سنة 532 فأقام بدمشق نحوا من ثماني سنين في رعاية صديقه معين الدين أنر، وزير شهاب الدين محمود، حتى نبت به دمشق
(1)
ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق والسمعاني في الأنساب في رسم (الشيزرى) وابن خلكان في الوفيات، وأبو شامة في الروضتين، وابن الأثير، وصاحب النجوم الزاهرة والذهبي في تاريخ الإسلام، وياقوت في إرشاد الأريب، والعماد الأصبهاني في الخريدة، كما ترجم هو لنفسه في كتاب الاعتبار. وانظر دائرة المعارف الإسلامية، ومقدمة الأستاذ الكبير الشيخ أحمد شاكر للباب الآداب، والدكتور فيليب حتى لكتاب الاعتبار. وقد اختصه صديقنا الأستاذ محمد حسين مراقب الفهارس بدار الكتب المصرية بدراسة شاملة تعد أوسع وأغزر ما كتب في أسامة.
فسار إلى مصر فدخلها يوم الحميس في الثاني من جمادى الآخرة سنة 539 فلقى فيها إكراما من الخليفة الفاطمي الحافظ لدين اللّه عبد المجيد بن المنتصر العلوي. ثم ولى الخلافة ابنه الأصغر الظافر بأمر اللّه أبو منصور إسماعيل من سنة 544 - 549 وكان وزيره علي بن السلار الملقب بالملك العادل. وهذا أرسل أسامة في سفارة حربية سياسية إلى الملك العادل نور الدين بن زنكى.
وبعد حروب ووقائع استدعاه علي بن السلار إلى مصر فمكث بها إلى سنة 549، ثم غادرها مكرها بعد اغتيال الخليفة الفاطمي الظافر الذي حدثت في عهد خلافته أحداث وفتن قتل في أثنائها الخليفة ووزيره، وذهب المؤرخون أن لأسامة يدا في قتلهما. وأما أسامة فإنه يحاول تبرئة نفسه من ذلك
(1)
.
ورجع أسامة من مصر إلى دمشق فأقام بها ردحا من الزمن، ثم رحل بأهله وولده إلى حصن كيفا وأقام بها إلى أن استولى صلاح الدين الأيوبي على دمشق سنة 570. وكان لأسامة ولد يدعى «أبا الفوارس مرهف بن أسامة» وكان ذا منزلة عالية عند صلاح الدين، فظل يصنع لأبيه عند السلطان حتى استدعاه إلى دمشق وهو شيخ قد تخطى الثمانين، فحاز إعجاب صلاح الدين وتقديره وجعله من خاصته بمنزلة المؤامر المستشار. وظل أسامة في دمشق حتى وافته منيته.
مؤلفاته:
ألف أسامة في ضروب شتى من العلم، وأشهر كتبه كتاب (الاعتبار) ألفه وهو ابن تسعين، وقد نشر مرتين إحداهما بتحقيق درنبورغ، والأخرى بتحقيق الدكتور فيليب حتى. وكتاب (لباب الآداب) ألفه وهو ابن إحدى وتسعين، وأول ناشر له هو الصديق الجليل الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر. و (البديع) في نقد الشعر. و (الشيب والشباب) عارض به الشريف المرتضى، قال فيه أسامة:
«فمن وقف عليه من الفضلاء عرف ما بينه وبين كتاب الشهاب في ذكر الشيب والشباب تأليف المرتضى رضى اللّه عنه، وعلم أن الفضل للمقدم في البيان لا في التقدم
(1)
الاعتبار 6 - 29.
في الزمان
(1)
». و (ديوان أسامة) وقد صنعه بنفسه كما نص في كتاب العصا.
ومنه نسخة قديمة تاريخ كتابتها سنة 688 دخلت في خزانة دار الكتب المصرية في ديسمبر سنة 1947 برقم 16877 ز، وصورت منها صورتان شمسيتان اعتمدت على إحداهما في معارضة شعر أسامة.
كتاب العصا:
على أن الذي يعنينا الآن من مؤلفات أسامة هو كتاب العصا. وليس هذا العنوان من ابتداع أسامة، فإنه يذكر لنا في مقدمة كتابه هذا، الباعث له على هذا التأليف، وهو قصة قصها عليه والده جاء فيها على لسان أبى يوسف القزويني مخاطبا أبا الحسن بن بوين حين أمسك من كتبه كتابا يسمى «العصا» لمؤلف ضاع اسمه. «ما أحوجك أن يكون ما في يدك فوقها» . قال أسامة
(2)
: «ولي منذ سمعت هذا نحو من ستين سنة أتطلب كتاب العصا بالشام ومصر والعراق والحجاز والجزيرة وديار بكر فلا أجد من يعرفه. وكلما تعذر وجوده ازددت حرصاً على طلبه، إلى أن حداني اليأس منه على أن جمعت هذا الكتاب وترجمته بكتاب العصا، ولا أدرى أكان ذلك الكتاب على هذا الوضع أم على وضع غيره
…
ولا أرتاب أن مؤلف ذلك الكتاب وقع له معنى فأجاد في تنميقه وتأليفه، وأنا فاتنى مطلوب ففزعت إلى تجويزه وتلفيقه». ويدور في خلدى أن ذلك الكتاب الذي ظل أسامة يبحث عنه دهرا إنما هو «كتاب العصا» للجاحظ، وهو من مشتملات كتاب البيان والتبيين وأن أسامة إنما التبس عليه الأمر فظن ذلك الكتاب الذي دار حوله الحديث كتابا مستقلا لمؤلف آخر غير الجاحظ، على حين عرف هو كتاب العصا للجاحظ، وقرأه واقتبس منه كثيرا في كتابه هذا.
وهذا الكتاب الذي ضمنه الجاحظ الجزء الثالث من البيان والتبيين إنما كان محوره مزاعم الشعوبية الذين ذكروا في مثالب العرب أنهم يعتمدون في خطبهم على العصا ويتكئون على القوس، «وليس بين الكلام والعصا سبب»
(1)
لباب الآداب 377.
(2)
في مقدمته لكتاب العصا.
ولا بينه وبين القوس نسب، وهما إلى أن يشغلا العقل ويصرفا الخواطر ويعترضا على الذهن أشبه، وليس في حملهما ما يشحذ الذهن، ولا في الإشارة بهما ما يجلب اللفظ
…
وحمل العصا بأخلاق الفدادين أشبه، وهو بجفاء العرب وعنجهية أهل أهل البدر، ومزاولة إقامة الإبل على الطرق أشكل، وبه أشبه
(1)
».
وقد انبرى الجاحظ لهم في إسهاب جميل معلنا مزية العصا ومحاسنها، فهو يسوق الأخبار والأشعار، ويزجى الأمثال واللغات، والبراهين والحجج على عظم شأن العصا وكريم فضلها، وشدة الحاجة إليها، وقيامها مقام سائر السلاح في القتال.
وقد نهج أسامة في صدر كتابه هذا منهجا مقاربا لمنهج الجاحظ، ولكن تآليف أسامة تأبى إلا أن تحمل طابع تأليفه، وهو العناية الظاهرة بسرد ما يعرض له في حياته من أحداث وما يتلقفه من أخبار، ولا سيما أخبار الصالحين والزهاد
(2)
، وكذا أخبار الإفرنج وإبداء رأيه في أخلاقهم وسياستهم.
وهو لا ينسى أن يوشع تأليفه هذا بعرض طائفة من أشعاره. كما صنع في كتابه الاعتبار، وكتاب لباب الآداب.
ومما هو بالذكر جدير أن كتاب العصا قد أدى إلينا من شعر أسامة ثروة لا يستهان بها، وهي تسعون بيتا زائدا على شعر ديوانه الذي سبقت الإشارة إليه، كما أدى إلينا نصا نادرا لأبى العلاء المعرى، هو نموذج من كتاب (القائف) الذي طوته أحداث الزمان.
نسخة كتاب العصا:
هذه النسخة هي إحدى نسخ ثلاث معروفة:
الأولى نسخة ليدن رقم 370 وعليها تاريخ 1094. ومن هذه النسخة نشر درنبورغ Derenbourg مقتطفات منها مع أخرى من ديوان أسامة بعنوان (
Anthologie de textes Arades inedits par Ousama et sur Ousama
) وذلك في باريس سنة 1893.
(1)
البيان 3: 12.
(2)
انظر قصة جرار، وقصة حسن الزاهد.
والثانية نسخة الأمبروزيانا بميلان، ورقمها 125 وتاريخ نسخها سنة 1067.
والثالثة نسختنا هذه، وربما كانت تمت بسبب إلى إحدى النسختين السابقتين فإنها مكتوبة بخط حديث في كراسة حديثة أكل الفأر بعض أطرافها.
وقد أمكنني عند التحقيق سد تلك الثغرات والإشارة إليها في مواضعها، وهي ثغرات قليلة
(1)
.
وهذه النسخة هي التي تفضل الأستاذ الكبير (الدكتور أحمد أمين بك) فأشار على أن أقوم بتحقيقها ونشرها، وثنى بإرسالها إلى في صحبة رسول كريم، فكان ذلك إسهاما كريما في (نوادر المخطوطات). فإليه أزجى أجل الشكر وصادق الثناء.
وبدا لي بعد ما استنسخت صورة من هذا الكتاب وعارضتها بالأصل أن أقترح على حضرته إهداء الأصل إلى دار الكتب المصرية في عهد مديرها الكاتب الكبير (الأستاذ توفيق بك الحكيم) صاحب (العصا)، فوافق هذا الاقتراح منه مناسبة أدبية موفقة. وقد حفظت هذه النسخة بدار الكتب برقم 9813 ز.
العصا لا القضا:
وكان صديقي العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر في مقدمته لكتاب (لباب الآداب) لأسامة قد أشار إلى كتاب العصا، واستظهر أن يكون صوابه «القضا» لا العصا، وبعد فترة من الزمن حين وقعت نسخة كتاب العصا إلى الأستاذ الكبير أحمد أمين بك كتب مقالا في مجلة الثقافة
(2)
يقطع الشك باليقين في تسمية هذا الكتاب، ويعين أن اسمه «العصا» لا القضا، وعرف بالكتاب تعريفا في مقاله هذا، وعرض طائفة من مشتملاته، وقد أخبرني - حفظه اللّه - في لقاء قريب، أن نسخته هذه وقعت إليه منذ نحو ثماني سنوات في أوراق وكتب اشتراها من مكتبة المرحوم (السيد محمد أمين الخانجي
(3)
).
وإليك نص كتاب العصا:
(1)
أشير إلى ذلك بوضعه بين علامتي التكملة [].
(2)
نشر أيضا في فيض الخاطر 4: 143 - 147.
(3)
هذا ما ذكره لي المغفور له الأستاذ أحمد أمين، وحين اطلع على هذا الأخ السيد محمد نجيب أمين الخانجي أخبرني أن شراء هذه المخطوطة كان منه لا من والده الذي توفى سنة 1358 هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه البررة المتقين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، صلاة دائمة إلى يوم الدين.
وبعد فإن النفس ترتاح لما سمعت، وتلح في الطلب إذا منعت. وكان الوالد السعيد مجد الدين أبو سلامة مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ رضي الله عنه، حدثني أنه لما توجه إلى خدمة السلطان ملكشاه
(1)
رحمه الله، وهو إذ ذاك بأصفهان قصد القاضي الإمام الصدر العالم أبا يوسف القزويني رحمه الله، عائداً ومسلماً، بمعرفة قديمة كانت بينهما، ويد كانت عنده للجد سديد الملك ذي المناقب أبي الحسن علي بن مقلد رحمه الله. وذاك أن القاضي المذكور سافر إلى مصر في أيام الحاكم صاحب مصر، فأحسن إليه وأكرمه ووصله بصلات سنية، فاستعفى منها وسأله أن يجعل صلته كتباً يقترحها من خزانة الكتب، فأجابه إلى ذلك، فدخل الخزانة واختار منها ما أراده من الكتب، ثم ركب في مركب وتلك الكتب معه، يريد بلاد الإسلام التي في الساحل، فتغير عليه الهواء فرمى بالمركب إلى مدينة اللاذقية وفيها الروم، فبعل بأمره
(2)
وخاف على نفسه وعلى ما معه من الكتب، فكتب إلى جدى سديد الملك رحمه الله تعالى كتاباً يقول فيه: «قد حصلت بمدينة
(3)
اللّاذقية بين الروم، ومعي كتب
(1)
هو السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن محمد بن داود بن ميكائيل، جلال الدولة أبو الفتح السلجوقى، ثالث ملوك السلاجقة، تولى الملك بعد أبيه ألب أرسلان سنة 465، وتوفى سنة 485 هو ووزيره نظام الملك الحسن بن إسحاق، صاحب المدرسة النظامية.
(2)
بعل بأمره: برم وضجر فلم يدر كيف يصنع فيه.
(3)
هذا ما في خ. وفي الطبعة الأولى: ع [ند].
الإسلام، وقد وقعت لك رخيصاً فهل أجدك حريصاً». فسير إليه من يومه ولده عمى عز الدولة أبا الم [رهف
(1)
] نصراً رحمه الله، وسبّر معه خيلا كثيراً من غلمانه وجنده، وظهراً لركوبه وحمل أثقاله، فأتاه وحمله وما معه فأقام عند جدى رحمه الله مدة طويلة، وكانت له بالوالد رحمه الله عناية وإلف، فلما اجتاز ببغداد قصده ليجدد به عهدا، فحدثني رحمه الله قال:
دخلت عليه ومعي الشيخ أبو الحسن علي بن البوين الشاعر، وهو كاتب كان لجدى رحمه الله، فوجدته قد بلغ من العمر إلى ما غير ما كنت أعرفه فيه، ونسي كثيراً مما كان يذكره، فلما رآني عرفني بعد السؤال، لأنه فارقني وأنا صبي ورآني وأنا رجل، فاستخبرني عن طريقي، فعرفته توجهي إلى دركاه السلطان
(2)
، فقال: تبلغ خواجا بزرك نظام الدين
(3)
سلامي، وتعرفه إن الجزء الأول من التفسير الذي قد جمعته قد ضاع، وهو تفسير «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» واسأله أن يأمر باستنساخه من النسخة التي في خزانته وينفذه لي. وكان جمع تفسير القرآن في مائة مجلد، وكان لضعفه وكبره مستنداً بين الجالس والمستلقي على فراش له، وحوله كتب كثيرة، وهو يكتب، فسلم عليه الشيخ أبو الحسن بن البوين كاتب الأمير سديد الملك. قال: البوين أي شيء هو؟ لعن الله البوين! ثم فكر هنيهة وقال: أنت الشاعر النحوي الكاتب؟ قال: نعم. فأنشد:
قالوا السُّلاميُّ فقلت اطبقي
…
ذا محلبانُ الضَّرع لبّانُ
(4)
ثم عاد إلى حديثه معي فلمح الشيخ أبا الحسن وقد أخذ كتابا من تلك
(1)
التكملة من خ والنجوم الزاهرة 5: 163. وهو أبو المرهف نصر بن علي بن مقلد ابن نصر بن منقذ. وقد تولى شيزر سنة 479 وتوفى سنة 492.
(2)
الدركاه: القصر، فارسيته دركاه، ومعناه الباب والسدة والدار، مركب من «در» أي باب، ومن «كاه» أي محل، الألفاظ الفارسية المعربة لأدى شير 62.
(3)
كذا في الأصل. وفي الألفاظ الفارسية المعربة 22: «البزرك فارسي محض، ومعناه العظم، لقب به الوزير نظام الملك» . وانظر كتاب الاعتبار 174 - 175.
(4)
محلبان، عنى به المبالغة من الحلب، ولم أجده في معجم.
الكتب التي حول فراشه فقال: يدخل الإنسان وينبسط ويقرأ ما عنده
(1)
من الكتب، أي إني من أهل العلم، ما أحوجك أن يكون ما في يدك فوقها! فألقاه من يده، وكان الكتاب كتاب العصا.
ولي منذ سمعت هذا نحو من ستين سنة أتطلب كتاب العصا بالشام ومصر والعراق والحجاز والجزيرة وديار بكر فلا أجد من يعرفه، وكلما تعذّره وجوده ازددت حرصاً على طلبه، إلى أن حداني اليأس منه على أن جمعت هذا الكتاب وترجمته بكتاب العصا. ولا أدري أكان ذلك الكتاب على هذا الوضع أم على وضع غيره. على أني قد بلغت النفس مناها، وكانت حاجة في نفس يعقوب قضاها. ولا أرتاب في أن مؤلف ذلك الكتاب وقع له معنى فأجاد في تأليفه وتنميقه، وأنا فاتني مطلوب ففرغت إلى تجويزه وتلفيقه
(2)
. وكتابي هذا وإن كان خالياً من العلوم التي يتجمل [أصحاب
(3)
] التصانيف بها، ويرغب أولو الفضل في طلبها، فما يخلو من أخبار وأشعار تميل النفوس إليها، ويحسن موقعها ممن وقف عليها. وقد افتتحته بذكر عصا موسى عليه السلام، ثم ذكر عصا سليمان بن داود عليه السلام، ثم أفضت في ذكر الأخبار والأشعار التي يأتي فيها ذكر العصا. ولا أدّعي أنى أنيت على ذكر العصا فيما جمعته، وإنما أدرت منه ما حفظته وسمعته.
وبالله عز وجل أعو [ذ] وأعتصم، من أن تكتب يدي ما يؤثم وبصم
(4)
. ومن رحمته تعالى أطلب الصفح والغفران، عن اشتغالي بالترهات عن تلاوة القرآن، وهو سبحانه أقرب م [دعوّ]، وأكرم مرجوّ.
(1)
كذا: ولعله يريد «ما يلقاه في مجلسه» .
(2)
فرغ إلى الشئ: عمد له وقصد. وفي حديث أبي بكر:» افرغ إلى أضيافك»، أي اعمد واقصد. والتجويز: الإنفاذ والإمضاء، وليس ما يضطرنا إلى تصحيحها لتكون:
«تحويره» .
(3)
ليست في الأصل.
(4)
يصم، من الوصم، وهو العيب.
فصل في تسمية العصا
قال أبو بكر محمد بن دريد رحمه الله
(1)
: إنما سميت العصا عصا لصلابتها، مأخوذ من قولهم عصَّ الشئ وعصا وعسا
(2)
، إذا صلب. واعتصت النواة، إذا اشتدت. فإنما العصا مثل يضرب للجماعة. يقال شق فلان عصا المسلمين والجماعة.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إياك وقتيل العصا
(3)
» يريد المفارق للجماعة فيقتل. وألقى الرجل عصاه، إذا اطمأن مكانه. ويقال عصا وعصوان، والجمع العصي
(4)
، وأعصى الكرم، إذا خرج عيدانه
(5)
. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ترفع عصاك عن أهلك» يراد به الأدب. ويقال لعظام الجناح عصي. وعصوت الجرح، إذا داويته
(6)
. والعصيان: خلاف الطاعة. قال دريد بن الصمة:
فلما عصوني كنتُ منهمْ وقد أرى
…
غوايتهم وأنني غير مهتدِ
(7)
وقد سميت الهراوة، وجمعها
(8)
هراوى. قال ابن فارس في كتاب مجمل اللغة:
هروته بالهراوة، إذا ضربته بها.
قال العباس بن مرداس السّلمى أبياتا ذكر فيها الهراوة أنا ذاكرها وموردها لحسنها وجزالتها، وهي من مختار الشعر. وقد اختارها أبو تمام حبيب ابن أوس الطائي في حماسته في باب الأدب
(9)
، وهي:
(1)
لم أجد كلامه هذا في الجمهرة ولا في الاشتقاق.
(2)
يقال أيضا: «عسى» كرضى.
(3)
في الأصل: «وقتل العصا» . وهو من حديث صلة بن أشيم، رواه في نهاية ابن الأثير واللسان (عصا) باللفظ الذي أثبته. وقالا: معناه إياك أن تكون قاتلا أو مقتولا في شق عصا المسلمين.
(4)
يقال بضم العين وكسرها.
(5)
في القاموس واللسان: «خرج عيدانه ولم يثمر» .
(6)
في الأصل: «أي داويته» ، وأثبت ما في خ.
(7)
من قصيدة في الأصمعيات 23 - 24 والحماسة 1: 336.
(8)
في الأصل: «وأصلها» .
(9)
الحماسة 2 - 20.
ترى الرجل النحيف فتزدريه
…
وفي أثوابه أسد مزيرُ
(1)
ويعجبك الطَّرير فتبتليه
…
فيخلف ظنَّك الرجلُ الطريرُ
(2)
فما عظمُ الرِّجالِ لهم بفخرٍ
…
ولكن فخرهم كرم وخيرُ
(3)
ضعافُ الطير أطولها جسوما
…
ولم تطل البزاة ولا الصُّقورُ
(4)
بغاث الطَّير أكثرها فراخاً
…
وأمُّ الصقر مقلاتٌ نزورُ
- بغاث الطير: صغارها، وفيها ثلاث لغات: ضم الباء وفتحها وكسرها.
والمقلات: التي لا يعيش لها ولد -
لقد عظم البعيرُ بغير لبٍّ
…
فلم يستغنِ بالعظم البعيرُ
يصرّفه الصبيّ بكلِّ وجهٍ
…
ويحبسه على الخسف الجرير
(5)
- الجرير: حبل يكون في رأس البعير -
وتضربه الوليدةَ بالهراوى
…
فلا غيرٌ لديه ولا نكيرُ
فإن أك في شراركم قليلاً
…
فإنِّي في خياركم كثير
ذكر أبو هلال العسكري اللغوي رحمه الله في كتاب الأوائل قال: أول من خطب على العصا وعلى الراحلة قس بن ساعدة الإيادي، فمما ورد عنه من خطبه قوله
(6)
:
أيها الناس: اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. ليل داج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال
(1)
المزير، الشديد القلب القوى النافذ. وفي الأصل:«يزير» ، صوابه، في الحماسة واللسان ومقاييس اللغة (مزر) ومجالس ثعلب 162. ورواه ثعلب:«الرجل الضعيف» .
(2)
الطرير: الشاب الناعم ذو الرواء والمنظر. هذا البيت يروى أيضا للمتلمس، وليس في ديوانه. انظر اللسان (طرر).
(3)
الخير، بالكسر: الكرم والشرف.
(4)
في الأصل: «يطل» ، وأثبت ما في خ.
(5)
الوجه: الجهة. والخسف: الذل.
(6)
انظر البيان والتبيين 1: 308 - 309 والأغانى 14: 40 ومجمع الأمثال للميدانى عند قولهم: (أبلغ من قس).
مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة. ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا فأقاموا، أم تركوا فناموا. يقسم قس بالله قسماً لا إثم فيه: إن لله ديناً هو أرضى وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه. إنكم لتأتون من الأمر منكرا.
ثم أنشأ يقول:
في الذاهبين الأول
…
ين من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً
…
للقوم ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها
…
يمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إل
…
يَّ ولا من الباقين غابر
أيقنت أنِّي لا محا
…
لة حيث صار القوم صائر
قال المؤلف - أطال الله بقاءه - العرب تقول: فلان ممن قرعت له العصا، إذا كان يرجع إلى الصواب، وينقاد إلى الحق، ويستقيم عند زيغه
(1)
إذا نبه.
وتقول: فلان صلب العصا، إذا كان ذا نجدة وحزامة. وتقول إذا تفرقت الخلطاء واختلفت آراء العشيرة ومرج الأمر: انشقت العصا. وتقول للمسافر إذا آب واستقرت به داره. ألقي عصا التسيار، «فألقت عصاها» .
قرع العصا
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «[ما] قرعت عصاً على عصا إلا فرح لها قوم وحزن آخرون» .
قال الحجاج بن يوسف الثقفي في بعض خطبه
(2)
: «والله لأعصبنكم عصب السلمة، وألحونكم لحو العصا، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل. يا أهل العراق،
(1)
الزيغ: الميل عن الحق، في الأصل:«عند ربعه» ، صوابه من خ.
(2)
جمع أسامة هنا بين نصين لخطبتين من خطب الحجاج، أولاهما في البيان 2: 138 والعقد 4: 115 وابن أبي الحديد 1: 114 والطبري 7: 212. إعجاز القرآن 124.
والأخرى في البيان 2: 307 والكامل 215 ليبسك والعقد 4: 119 وصبح الأعشى 1: 218 وعيون الأخبار 2: 243 وابن الأثير 4: 156.
يا أهل الشقاق والنفاق، ومساوي الأخلاق. إني والله سمعت لكم تكبيراً ليس بالتكبير الذي يراد به الله في الترغيب، ولكنه التكبير الذي يراد به الترهيب.
يا عبيد العصا وأشباه الإماء
(1)
، إنما مثلي ومثلكم ما قاله ابن برّاقة الهمداني
(2)
:
وكنت إذا قومٌ غزوني غزوتهم
…
فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم
(3)
متى تجمع القلبَ الذكيَّ وصارماً
…
وأنفاً حميّاً تجتنبك المظالم
والله لا تقرع عصاً على عصا إلا جعلتها
(4)
كأمس الدابر.
وقال وعلة بن الحارث بن ربيعة
(5)
:
وزعمتَ أنَّا لا حلومَ لنا
…
إن العصا قرعت لذي الحلم
(6)
أقتلتَ سادتنا بغير دمٍ
…
إلا لتوهنَ آمن العصم
(7)
وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي:
وقد قرع الواشون فيها لك العصا
…
وإن العصا كانت لذي الحلم تقرعُ
ذو الحلم: عامر بن الظرب العدواني
(8)
، وكان حكماً للعرب يرجع إلى حكمه ورأيه، فكبر وأفناه الكبر والدهر وتغيرت أحواله، فأنكر عليه الثاني من ولده أمراً من حكمه فقال له: إنك ربما أخطأت في الحكم ويحمل عنك.
فقال: اجعلوا لي أمارة أعرفها، فإذا أخطأت وقرعت لي العصا رجعت إلى الحكم.
فكان يجلس أمام بيته يحكم ويجلس ابنه في البيت ومعه العصا، فإذا زلّ وهفا
(1)
في البيان: «وأولاد الإماء» .
(2)
هو عمرو بن براقة، أو ابن براق، كما ذكر صاحب الأغانى 21: 113 وهو أحد عدائى العرب، ذكره تأبط شرا في قصيدته الأولى من المفضليات:
ليلة صاحوا وأغروا بي سراعهم
…
بالعيكتين لدى معدى ابن براق
(3)
هذا ما في خ والبيان، وفي الأصل:«ياهل» .
(4)
في الأصل: «جعلها» صوابه في خ.
(5)
كذا في النسختين، والصواب:«الحارث بن وعلة» كما في البيان 3: 38 والحماسة 1: 64.
(6)
في البيان والحماسة: «وزعمتم ألا حلوم لنا» .
(7)
العصم: جمع أعصم وعصماء، وهو الوعل بإحدى يديه بياض.
(8)
انظر للخلاف في «ذي الحلم» أمثال الميداني في (إن العصا قرعت لذي الحلم» والمعمرين للسجستاني 45.
قرع له الجفنة بالعصا. وإياه عني المتلمس بقوله:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا
…
وما علِّم الإنسانُ إلا ليعلما
(صلب العصا) يقال فلان صلب العصا، إذا كان جلداً قويا على السفر والسير. قال الراعي يصف راعياً:
صلب العصا بضربهِ دمّاها
(1)
…
إذا أراد رشداً أغواها
(2)
قوله بضربه أي بسيره. قال الله تبارك وتعالى: «وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ» :
سافرتم. وقوله «دمّاها» أي تركها كالدمى، واحدتها دمية، وهي الصور [في] المحاريب. وقوله «أغواها» أي رعاها الغواء
(3)
، وهو نبت تسمن عليه ا [لإبل].
وقال [أبو
(4)
] المجشر الضبي:
فإن تكُ مدلولاً علي فإنني
…
كريمك لا غمرٌ ولا أنا فانِ
(5)
وقد عجمتني العاجماتُ فأسارت
…
صليب العصا جلدا على الحدثان
(6)
صبورا على عضِّ الخطوب وضرسها
…
إذا قلَّصتْ عن الفم الشفتان
(7)
(1)
في اللسان (دمى): «برعيه دماها» .
(2)
الرشد، هنا: حب الرشاد. انظر كتاب الإنصاف والتحري في تعريف القدماء بأبى العلاء 564.
(3)
لم أجد من ذكر هذا النبات. وفي خ: «الغوى» ولم أجده كذلك.
(4)
هذه التكملة من حماسة ابن الشجري 60 واللسان (أبى). وذكر كلاهما أنه شاعر جاهلي.
(5)
رواه في اللسان (دلل). وفي الأصل: «فإن يك» تحريف. يقال: ما دلك على، أي ما جرأك على. كريمك، هي في اللسان:«لعهدك» ، ولعل هذه «كعهدك» . الغمر، بتثليث الغين: الذي لا تجربة له. وفي الأصل وخ: «غم» ، وصوابه من اللسان. والفاني: الشيخ الكبير.
(6)
عجمته العاجمات: خبرته. وفي حماسة ابن الشجري: «لقد عجمتنى النائبات» ، أسأرت: أبقت.
(7)
الضرس: العض بالأضراس، ومثله التضريس. قال الأخطل:
كلمح أيدي مثاكيل مسلبة
…
يندبن ضرس بنات الدهر والخطب
(انشقت العصا) العرب تقول: فلان يشق العصا، إذا كان لا يدخل تحت حكم ولا طاعة مخالفاً لأمر الآمرين. ويستعمل شق العصا فيمن يتفرق عنه أحبابه، ويظعن عنه أصحابه فيظهر مكنون سره، ويبوح مخفي أمره
(1)
، لضرورة البين الداعية إلى ذلك.
قال أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري في كتابه المسمى بالقائف
(2)
:
«مر ركب بشجرة مورية
(3)
، فاقتضب إنسان منهم عصا ثم شقها، ثم جعل يقتدح قريباً من الشجرة فأورى الزند فقالت الشجرة: يا هذا ما أسرع ما ظهر سرك، وسوف ترغب الركب في اتخاذ زناد مني، فأحور عيداناً في أيدي القوم. فقال: لا تلمني، المغرورة، أظهرت سري ضرورة».
وقال قيس بن ذريح:
إلى الله أشكو نيةً شقّت العصا
…
هي اليوم شتَّى وهي أمسِ جميعُ
(4)
مضى زمنٌ والناس يستشفعون بي
…
فهل لي إلى لبني الغداة شفيع
وأول هذه القصيدة:
سقى طللَ الدارِ الذي أنتم بها
…
حناتم وبل صيّف وربيع
(5)
- وقال زهير:
ومن لم يصانع في أمور كثيرة
…
يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
وفي الأصل: «وصربها» ، صوابه في حماسة ابن الشجري. وروى بعده في الحماسة:
وقبلك ما هاب الرجال ظلامتي
…
وفقأت عين الأشوس الأبيان
(1)
باح الشئ يبوح: ظهر. والمخفى، المستور المكتوم، يقال خفيته وأخفيته.
(2)
ذكره أبو العلاء في تصانيفه التي ألفها، وقال:«كتاب القائف على معنى كليلة ودمنة ألفت منه أربعة أجزاء ثم انقطع تأليفه بموت من أمر بعمله، وهو عزيز الدولة» . انظر تعريف القدماء بأبى العلاء.
(3)
مورية: تورى النار، أي تخرجها. وفي الأصل:«موزية» .
(4)
قصيدة هذه الأبيات تختلط أبياتها بشعر المجنون اختلاطا، وتروى حينا للمجنون، وحينا القيس. القالى 1: 136 - 137 والحيوان 5: 193 - 194 وعيون الأخبار 1: 261 والأغانى 8: 126 وحماسة ابن الشجري 157 - 158.
(5)
الحناتم: سحائب سود، الواحدة ختمة. الصيف: المطر الذي يجيء في الصيف.
والربيع: أول مطر يقع بالأرض أيام الخريف، كما في اللسان.
قال المؤلف أطال الله علاه: وقد صرعت هذه الأبيات جميعاً وأثبتها في ديوان شعري، وأنا ذاكر تصريع هذين البيتين لما فيهما من ذكر العصا.
قال غفر الله له:
أيرجو لي اللاحي من الحبِّ مخلصا
(1)
…
وقلبي إذا ما رضته بالأسى عصا
ولو أن ما بي بالحصى فلق الحصى
…
إلى الله أشكو نيةً شقّت العصا
هي اليوم شتَّى وهي أمسِ جميع
أطاعت بنا لبنى افتراءَ التكذّب
…
وصدّ التجنّى غير صدّ التجنّب
(2)
فيا لك من دهرٍ كثيرِ التقلب
…
مضى زمنٌ والناس يستشفعون بي
فهل لي إلى لبني الغداة شفيع
وقال المؤلف أطال الله بقاءه أيضاً أبياتاً في ذكر العصا، وهي:
رمتنا الليالي بافتراقٍ مشتِّتٍ
…
أشتَّ وأنأى من فراق المحصَّبِ
(3)
تخالفت الأهواءُ وانشقَّت العصا
…
وشعَّبنا وشكُ النوى كلَّ مشعب
(4)
وقد نثر التوديعُ من كلِّ مقلةٍ
…
على كل خدٍّ لؤلؤاً لم يثقّبِ
المصراع الثاني من البيت الأول من قصيدة لامرئ القيس بن حجر الكندي واسمه حندج
(5)
، والحندجة: الرملة الصغيرة
(6)
. وأول القصيدة:
(1)
في الأصل: «من الذنب» ، والوجه ما أثبت من الديوان 364.
(2)
في الديوان: «غير صد التعتب» .
(3)
ديوان أسامة 60 ومسالك الأبصار ج 10 ص 50 مصورة دار الكتب المصرية.
المحصب: موضع رمى الجمار بمنى.
(4)
في الديوان والمسالك: «وشعبهم» .
(5)
عرف امرؤ القيس بلقبه هذا: امرؤ القيس. واسمه جندح بن حجر بن عمرو ابن الحارث. ويكنى أبا وهب وأبا الحارث، ويلقب أيضا بذى القروح. والقيس في اللغة: الشدة وقيل هو اسم صنم، قالوا: ولهذا كان يكره الأصمعي أن تروى:
• يا امرأ القيس فانزل
…
وكان يرويه: «يا امرأ اللّه» . شرح أبى بكر لديوان امرئ القيس.
(6)
وقيل الرملة العظيمة؛ وقيل رملة طيبة تنبت ألوانا من النبات.
خليلي مرَّا بي على أمّ جندبِ
…
نقضِّ لباناتِ الفؤادِ المعذَّب
ومنها البيت:
فلله عينا من رأى من تفرقٍ
…
أشتَّ وأنأى من فراق المحصَّب
(1)
وقال أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي، من جملة قصيدة له:
ما قصرت يدُ الزَّمان شدَّ ما
…
تطول في نقصي وفي نقضِ مرر
(2)
عصاً شظايا ومشيب رائعٌ
…
ومنزل ناءٍ وأحباب غدر
(3)
وصاحبٌ كالداء إن أخفيته
…
غوّر وهو قاتل إذا استتر
(4)
وقال المؤلف أطال الله بقاءه:
زدني جوىً يا حبَّهم وأضلَّني
…
يا مرشدي عن منهج السُّلوانِ
لا تنهني عنهم فإنَّ صبابتي
…
لا تستطيع تطيع من ينهاني
(5)
أحببتهم أزمانَ غصني ناضرٌ
…
حتَّى عسا وعصى بنانَ الحاني
(6)
فارجع بيأسك لستَ أول آمرٍ
…
شقَّ الغرامُ عصاه بالعصيان
(7)
(1)
في شرح الديوان: «المحصب من فارقه لا يرجع إليه. وقال ابن السيرافى:
المحصب: الموضع الذي يرمى فيه بحصى الجمار، ثم كانت تجتمع العرب من الأماكن المختلفة فيرى وينظر الرجل إلى وجوه النساء فربما هوى الرجل منهم بعض من هوى من النساء، فإذا تم حجهم مضوا في طرق شتى».
(2)
ديوان مهيار 1: 413 من قصيدة كتب بها إلى أبى القاسم هبة اللّه بن علي بن ماكولا وفي الديوان: «يا قصرت» فيكون هذا دعاء عليها. وفي الديوان أيضا: «في ثلمى» . والمرر:
جمع مرة، وهي الطاقة من طاقات الحبل، كناية عن الشدة. وأراد نقض مررى. فحذف ياء المتكلم. وفي الديوان:«المرر» .
(3)
رائع، هي في الأصل «زائع» صوابه في خ. وفي الديوان:«ومشيب عنت» .
(4)
غور، من قولهم غور الماء في الأرض: ذهب فيها وسفل. وفي الديوان: «عور» بالمهملة. وفي الأصل: «وهو قائل» ، صوابه من خ والديوان.
(5)
كذا في في خ وديوان أسامة 54. وفي الأصل: «لا تنه عنهم»، تحريف.
(6)
البنان: الأصابع، أو أطرافها. والحانى: الذي يحاول أن يحنيه ويلويه.
(7)
في الأصل: «أول امرئ» ، تحريف صوابه في خ.
وقال أيضاً:
كم ذا التجني وكثرةُ العلل
…
لا تأمنوا من حوادث المللِ
ولا تقولوا صبٌّ بنا كلفٌ
…
فأوّلُ اليأس آخر الأملِ
ولستُ ممن يريد شقَّ عصاً
…
الذَّنبِ ذنبي والحب شفِّع لي
(1)
هبوني أخطأت عامداً فهبوا
…
خجلةَ عذري ما كان من زللي
(2)
وقال امرؤ القيس بن حجر الكندي:
إذا ما لم تكنْ إبلٌ فمعزي
…
كأنَّ قرون جلتها العصيُّ
فتملأ بيتنا أقطا وسمناً
…
وحسبك من غنًى شبعٌ وريُّ
أي كفاك. وكذلك حسبك الله، أي كفاك.
العرب تقول: «طارت عصا بني فلان شفقا» . وقال الأسدي:
عصيُّ الشملِ من أسدٍ أراها
…
قد انصدعت كما انصدع الزُّجاجُ
ويقال: «فلان شقَّ عصا المسلمين» ، ولا يقال شق ثوباً ولا غير ذلك مما يقع عليه اسم الشق
(3)
.
(ألقى العصا) يقال ألقى عصا التسيار، إذا أقام وترك السفر. وكأن العرب عنت بقولها «ألقى عصاه» أي وصل إلى بغيته ومراده، أو وطنه ومراده، وراحته، ومظنة استراحته. قال الأصمعي - واسمه عبد الملك بن قريب - قصيدة مدح بها جعفر بن يحيى البرمكي ورحل إليه فمات قبل أن يصل إليه، وذكر فيها العصا، وهي قصيدة طولى أنا مورد منها نبذة لأجل العصا، وهي:
فخطَّت إليها مناقيلها
…
وألقت عصا السّفر السّفر
(4)
(1)
في الديوان 40: «يشفع لي» .
(2)
في الأصل: «حجلة عذرى» ، صوابه من الديوان.
(3)
الكلام من «العرب تقول» إلى هنا، مقتبس من البيان والتبين 3: 39 - 40.
(4)
المناقيل: جمع منقل بفتح الميم وكسرها، وهو الخف، وزيادة الياء في مثل هذا الجمع جائز عند الكوفيين اطرادا. والسفر هنا: جمع سافر، وهو الذي خرج إلى السفر، مثل راكع وركع. ومع قياسيته لم أجده في المعاجم. وفي الأصل:«المسفر» ، وأثبت ما في خ.
وقال راشد بن عبد الله
(1)
:
وخبَّرها الرُّوَّادُ أن ليس بينها
…
وبين قرى نجران والدرب كافر
(2)
فألقت عصاها واستقرت بها النوى
…
كما قرَّ عيناً بالإياب المسافرُ
(3)
وقال آخر
(4)
:
فألقت عصا التَّسيار عنها وخيَّمتْ
…
بأجباءِ عذبِ الماء بيضٍ محافره
(5)
الجبا: ما حول البئر، مفتوح الجيم مقصور، وجمعه أجباء ممدود. وقوله «بيض محافره» يريد أنه [لم]
(6)
يحفر في أرض سوداء، ولا من دمن، بل هي أرض صلبة.
وقوله: «خيمت» ، أي اتخذت [خيمة]
(7)
فأقامت.
روي أن قتيبة بن مسلم
(8)
لما تسنم منبر خراسان سقط القضيب من يده فتطير له صديقه، وتشاءم
(9)
عدوه، فعرف ذلك قتيبة، فحمد الله تعالى عليه ثم قال:
ليس كما سر العدو وساء الصديق، بل كما قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقرَّ بها النَّوى
…
كما قر عيناً بالإياب المسافرُ
قال المؤلف أطال الله بقاءه: قال جدى الأمير سديد الملك والمناقب أبو الحسن
(1)
كذا. وفي البيان 3: 40 نسبة البيت الثاني إلى مضرس الأسدي، وفي اللسان (عصا) نسبته إلى عبد ربه السلمى، أو سليم بن ثمامة الحنفي، أو معقر بن حمار البارقي. ونسب البيت الثاني في المؤتلف للآمدى 92 إلى معقر بن حمار.
(2)
الكافر، هنا: المطر، كما في اللسان (كفر، عصا) عند إنشاد البيت.
(3)
النوى: الوجه الذي ينويه المسافر، وهي مؤنثة. وكذا ورد البيت في البيان والمخصص 12: 61/ 15: 172/ 16: 11. وفي اللسان (عصا): «واستقر». وترك تأنيث الفعل في مثل هذا جائز. وفي اللسان (نوى): «واستقر» أيضا، وهذا لا يتفق مع الغرض الذي سبق له الاستشهاد.
(4)
هو مضرس الأسدي، كما في البيان 3:40.
(5)
في البيان: «بأرجاء» .
(6)
كلمة «لم» من خ.
(7)
التكملة من خ.
(8)
الخبر في عيون الأخبار 2: 259 ومحاضرات الراغب 1: 70.
(9)
خ: «تشأم» ، وكلاهما صحيح، من التشاؤم.
علي بن مقلد رحمه الله، يخاطب بعض ولاة حلب:
خيّمت في حلب العواصم بعد ما
…
قلّدتَ خوفك نازحَ الأقطارِ
لا ترضها دار الثَّواء ولا تقلْ
…
في مثلها تلقى عصا التَّسيارِ
استحي من أجداث قومك أن ترى
…
عرض البسيطة وهي دارُ قرارِ
قال المؤلف أطال الله بقاءه: حدثني من أثق به في شوال سنة سبع وستين
(1)
وخمسمائة بحصن كيفا
(2)
قال: كان في خدمة الأمير نجم الدولة مالك بن سالم صاحب قلعة جعبر
(3)
رجل عواد يقال له أبو الفرج حدثني قال: كنت يوماً في مجلس الأمير نجم الدولة وهو يشرب إلى [أن
(4)
] سكر، وانصرفت إلى منزلي، فما كان أكثر من مضي ساعتين من الليل إذ وافاني رسوله فقال: الأمير يستدعيك.
فقلت: ما نزلت حتى سكر! قال: هو أمرني بإحضارك. فمضيت معه فرأيت الأمير جالسا، فقال: يا أبا الفرج، بعد انصرافكم نمت فرأيت إنساناً يغنيني صوتاً حفظته ثم أنسيته، وأريد أن تذكره لي. فقلت: يا مولاي، اذكر لي منه كلمة. فقال: ما أذكر منه شيئاً ولكن اعرض علي ما يحضرك. فعرضت عليه أصواتاً كثيرة وهو يقول: ما هذا الصوت الذي أربته
(5)
! ثم قال: انصرف وأفكر لعلك تذكره. فانصرفت وأصبحت من بكرة طلعت إلى خدمته فقال:
يا أبا الفرج، أي شيء كان من الصوت؟ قلت: يا مولاي، لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى. قال: والله لئن لم تذكره لأخرجنك من القلعة. فقلت:
والله يا مولاي ما أدري، ما أذكر
(6)
من صوت ما سمعته ولا ذكرت لي منه كلمة واحدة؟! فقال خذوه وأخرجوه. فأخرجوني إلى «البليل
(7)
» فأقمت فيه يوما
(1)
هذا ما في خ. وفي الأصل: «تسع وستين» .
(2)
مدينة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر.
(3)
قلعة جعبر، على الفرات مقابل صفين التي كانت بها الوقعة. وكانت تعرف أولا بدوسر، فتملكها رجل من بنى نمير يقال له جعبر بن مالك، فغلب عليها فسميت به.
(4)
التكملة في خ.
(5)
هذا ما في خ. وفي الأصل: «رأيته» .
(6)
في الأصل: ما أذكره»، صوابه في خ.
(7)
في الأصل: «البلبل» صوابه في خ. وفي القاموس أن البليل كزبير شريعة صفين.
ثمّ ردّنى وعدت في الخدمة كما كنت. فأنا يوماً في المجلس أغني إذ قال لي بعض الفراشين: على الباب رجل يطلبك. فخرجت إليه فرأيت رجلاً عليه عمامة مطلسة كعمائم المغاربة، فسلم علي وقال: قد قصدتك لتتوصل لي في الحضور بمجلس الأمير فأنا رجل مغن. فدخلت وأعلمته به فقلت: يا مولاي، إن كان مجيداً سمعته واستخدمته، وإلا وهبته شيئاً وانصرف. فأذن له فدخل فسلم وجلس فشد عوده وغنى:
وخبرها الرواد أن ليس بينها
…
وبين قرى نجران والدرب كافر
فألقت عصاها واستقرت بها النوى
…
كما قرَّ عيناَ بالإياب المسافر
فقال الأمير: لا إله إلا الله، هذا والله الصوت الذي رأيته في منامي وطلبته منك. فعجبت أنا ومن حضر لهذا الاتفاق
(عصا الأعرج). وقال المؤلف أطال الله بقاءه في أعرج بيتين على سبيل الرياضة ذكرهما وإن لم يكن فيها ذكر العصا:
عابوا هوى شادنٍ في رجله قصرٌ
…
من سكر ألحاظه في مشيه ثملُ
(1)
وما هوى خوط بانٍ ماسَ من هيفٍ
…
عيبٌ، وإنْ كان عيباً فهو محتمل
فصل
قال المؤلف أطال الله بقاءه: زرت المقدس في سنة اثنتين وث [لاثين]
(2)
وخمسمائة، وكان معي من أهله من يعرفني المواضع التي يصلي فيها ويتبرك [بها
(2)
]، فدخل بي إلى بيت جانب قبة الصخرة فيه قناديل وستور، فقال لي: هذا بيت السلسلة. فاستخبرته عن السلسلة فقال لي: هذا بيت كانت فيه على عهد بني إسرائيل سلسلة، إذا كان بين اثنين من بني إسرائيل محاكمة ووجبت اليمين على أحدهما دخلا هذا البيت، فوقفا تحت السلسلة، واستحلف المدّعى عليه، ثم يمد يده
(1)
البيتان في ديوان أسامة ص 191.
(2)
التكملة من خ. وكذا التكملة التالية.
فإن كان صادقا أمسك السلسلة، وإن كان كاذباً طالت عن يده فلا يصل إليها.
فأودع رجل من بني إسرائيل جوهراً عند رجل، ثم طلبه منه فقال: أعطيتك إياه.
فقال: تحاكمني إلى السلسلة. فمضى المستودع فأخذ عصاً فشقها وحفر فيها للجوهر وتركه فيها، ثم ألصقها عليه ودهنها، وأخذها في يده ودخل مع خصمه بيت السلسلة فقال للخصم: أمسك عني هذه العصا. فمسكها ثم حلف له أنه سلم الجوهرة إليه ومد يده فأمسك السلسلة ثم عاد أخذ العصا وخرجا، فارتفعت السلسلة من ذلك اليوم.
ولم أر هذا الحديث مسطوراً، وإنما أوردته كما سمعته.
قال المؤلف أطال الله بقاءه: كان عندنا بشيزر رجل زاهد من خيار المسلمين، اسمه جرار
(1)
، رحمه الله، وكان منقطعاً على مسجد على جبل جريجس لا يخرج منه إلا على صلاة الجمعة، وكنت أزوره فيه وأتبرك به. فحدثني بعض من كان يخالطه أنه قال: أردت زيارة الشيخ يس رحمه الله وأظنه كان بمنبج - فخرجت أنا ورفقة لي، وفي نفسي أن أطلب منه عصاً، فلما صرنا بالقرب من منبج ومعنا فضلة من زادنا فتحنا رحم حجارة
(2)
ودفنّها فيه ثم رددنا عليه الحجارة، ودخلنا على الشيخ رحمه الله فأقمنا عنده ما أقمنا، ثم ودعناه وعزمنا على المسير، فأحضر لنا زاداً وقال: احملوا هذا فإن زادكم أكله الثعلب. وأحضر عصاً وأخرج من تحت عمامته طاقية
(3)
وقال لي: خذ هذه العصا وهذه الطاقية. فودعنا وانصرفنا وأنا مسرور بالعصا والطاقية، ونحن
(1)
في خ: «حريجس» .
(2)
الرجم، بالضم: جمع وجمة، وهي حجارة ضخام مجموعة.
(3)
يراد بالطاقية ضرب من القلانس تدار عليه العمامة، وهي وإن كانت عربية اللفظ فإنها لم تذكر في المعاجم. كأنها منسوبة إلى الطاق، وهو ضرب من الثياب، الطيلسان، أو الأخضر منه. وقد استعمل الفرس هذا اللفظ. وفسره استينجاس في المعجم الفارسي الإنجليزي 806 - 807 بقوله
Afillet'especial ly one worn onder the head - dress
أي عصابة تلبس تحت لباس الرأس.
نعجب من قوله عن الزاد. فلما صرنا إلى الموضع الذي فيه الزاد طلبناه فلم نجده، وإذا الوحش قد أكلته، فسرنا ثم افترقنا وركب كل
(1)
منا قصده، فوصلت إلى أرض شيزر، وإذا الفرنج قد أغاروا على البلد، وهم منتشرون فيما بيني وبين قصدي، فوقع في نفسي أن أخرجت الطاقية من تحت عمامتي ووضعتها على رأس العصا ومشيت على الطريق، والفرنج عن يميني وشمالي وبين يدي والعصا في يدي وعليها الطاقية، فلا والله ما عارضني منهم أحد، كأن الله سبحانه وتعالى أعمى أبصارهم عني، فما نالني منهم سوء حتى وصلت إلى مأمني.
قال المؤلف أطال الله بقاءه: ولعل من يقف على هذا الحديث يدفعه ويكذبه. وقد جرى بشيزر ما هو أعجب من هذا، وأنا حاضر نزل الفرنج علينا في بعض السنين، وكان الماء بيننا وبينهم، وهو إذ ذاك زائد لا يمكن خوضه، فما كان لنا إليهم سبيل ولا لهم إلينا، فلما تبينوا ذلك انتشروا في الأرض ودخلوا في البساتين يرعون خيلهم، فجاء نفر منهم إلى بستان على جانب الماء ومعهم خيلهم، فتركوها ترعى في قصيل من البستان
(2)
وناموا، فتجرد رجال من أصحابنا وسبحوا إليهم ومعهم سيوفهم، فقتلوا منهم وجرحوا بعضهم، وانتشر الصياح في الفرنج وهم في خيمهم ففزعوا وجاءوا مثل السيل، كل من ظفروا به قتلوه، وانتهى بعضهم إلى مسجد مما يليهم يعرف بمسجد أبي المجد بن سمية، ونحن نراهم ولا سبيل لنا إليهم، وفي المسجد [رجل
(3)
] يعرف بحسن الزاهد رحمه الله، واقف يصلي على سطحه وعليه ثياب سود صوفاً، وباب المسجد مفتوح، فجاء الفرنج وترجلوا ودخلوا المسجد، ونحن نقول: الساعة يقتلون الشّيخ.
(1)
خ: «كل رجل» .
(2)
القصيل: ما اقتصل واقتطع من الزرع أخضر. ولم يظهر في الأصل إلا «قص» .
وفي خ: «فصيل» ، صوابهما ما أثبت.
(3)
ليس لها موضع في الأصل، وإثباتها من خ كما توقعت في الطبعة الأولى.
فلا والله ما قطع صلاته ولا تحرك من مصلاه، ونحن نظن أنهم يرونه كما نراه، إلا أن الله سبحانه وتعالى أعمى أبصارهم عنه، وحماه من كيدهم، وخرجوا من المسجد بأجمعهم وانصرفوا، والشيخ رحمه الله في مصلاه كما كان. وما العيان كالإخبار والسماع.
قال المؤلف أطال الله بقاءه: حضرت بدمشق وقد وقع بين العميان وبين رجل كان يتولّى وقفهم يعرف بابن البعلبكّيّ خلف، فلقوا فيه صاحب دمشق شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بوري رحمه الله
(1)
عدة مرار، فقال للأمير مجاهد الدين بوزان
(2)
بن ما مين: أي مجاهد الدين، بالله
(3)
خلصني منهم، واجمعهم وأحضر نائبهم في الوقف وافصل حالهم. فقال: السمع والطاعة. وقال لي مجاهد الدين: تفضل واحضر معنا. فاجتمعنا في إيوان كبير في دار، وحضر النائب ابن البعلبكي ونائب كان قبله يقال له ابن الفراش، وحضر العميان في نحو من ثلاثمائة رجل، فحملوا أقدمهم
(4)
ودخلوا الإيوان، كل واحد وعصاه معه في يده وضعها إلى جنبه، ثم تجاروا الحديث
(5)
، فكان بعضهم هواه مع النائب الأول ابن الفراش، وبعضهم هواه مع ابن البعلبكي. فتنازعوا وتخاصموا ساعة ولا يتدخل بينهم لعلو أصواتهم وكثرتهم، ثم تواثبوا فارتفع في الإيوان نحو من ثلاثمائة عصا في أيدي عميان
(6)
لا يدرون من يضربون. وعلا الضجيج والصياح حتى ندمت على حضوري. فتلطفنا الأمر حتى سكنت الفتنة بينهم، ومشينا
(7)
أمرهم على ما أرادوا، وما صدّقنا أنهم ينصرفون.
(1)
قتل سنة 533 في مؤامرة لجماعة من الأمراء. النجوم الزاهرة.
(2)
رسمت في خ «بزان» .
(3)
هذا ما في خ. وفي الأصل: «تاللّه» .
(4)
في الأصل: «قدامهم» ، وأثبت ما في خ.
(5)
تجاروا في الحديث: جروا في المناظرة والجدال. وفي الأصل: «تحاوروا» ، وأثبت ما في خ.
(6)
في الأصل: «العميان» ، وأثبت ما في خ.
(7)
في الأصل: «ومشيا» صوابه في خ.
العصا فرس جذيمة الأبرش
(1)
قال المؤلف أطال الله بقاءه: ومع ما أوردته فيه من قول أصحاب السير وأشعار الشعراء فلا يحقق ذلك
(2)
من مارس الحروب وعرف مكايدها، واتقاء الرجال التغرير، والتخوف من سوء عواقب الحيلة وضعف المكيدة. والحزم في الحرب أبلغ من الإقدام. وقد حاربت الفرنج في مواقف ومواطن لا أحصي عددها كثرة فما رأيتهم قط كسرونا فلجوا في طلبنا، ولا يزيدون خيلهم عن الخبب والنقل، خوفاً من مكيدة تتم عليهم. فكيف يحكم من في رأسه لب على نفسه حتى يدخل في غرارة مشدودة عليه
(3)
أو في تابوت
(4)
، وكيف يخفى الرجل إذا ربطت عليه غرارة.
وخطر لي أن قلت عند انتهائي إلى هذا الموضع أبياتاً أنا ذاكرها، وهي:
لو سرتَ في عرض البسيطة طالباً
…
رجلاً خبيراً بالحروب مجرَّبا
(5)
عانى الحروب مجاهراً ومخاتلاً
…
طفلاً إلى أن عاد همّاً أشيبا
قتل الأسودَ ونازل الأبطالَ في ال
…
هيجاء واقتاد الكمىّ المحربا
(6)
(1)
وهي التي قيل فيها المثل: «إن العصا من العصية» ، وجذيمة الأبرش هذا، هو جذيمة بن مالك الأزدي ملك الحيرة، وقد نجا قصير بن سعد اللخمي على فرسه هذه فأخذ بثأره وقتل الزباء، في حديث طويل. اللسان (عصا) والخيل لابن الكلبي 31 وحلية الفرسان نشرة الأستاذ محمد عبد الغنى حسن 159.
(2)
أي لا يعده حقا.
(3)
بشير إلى ما صنعه عمرو بن عدي بمشورة قصير، من حمله الرجال على الإبل في غرائر ليتمكنوا من دخول مدينة الزباء. انظر مجمع الأمثال في (خطب يسير في خطب كبير)، والأغانى 14: 71 ومروج الذهب 2: 96.
(4)
في الأصل: «وفي تابوت» ، والوجه ما أثبت من خ.
(5)
هذه الأبيات مما لم يرو في ديوان أسامة.
(6)
قال أسامة بن منقذ: وقد شهدت قتال الأسد في مواقف لا أحصيها، وقتلت عدة منها لم يشركني أحد في قتلها، فما نالني من شيء منها أذى. الاعتبار 1344 نشرة فيليب حتى.
لم تلقَ مثلي من يكاد يريه حس
…
نُ الرأيِ ما قد كان عنه مغيَّبا
وأرى مسير الألفِ تطلب وترها
…
ضمنَ الغرائر فرية وتكذُّبا
(1)
فصل
قال الفرزدق في قصيدة مدح بها هشام بن عبد الملك
(2)
:
رأيت بني مروان جلَّت سيوفهم
…
عشاً كان في الأبصار تحت العمائم
(3)
عصا الدين والعودين والخاتم الذي
…
به الله يعطي ملكه كلَّ قائم
- عصا الدين: السيف. والعودان: العصا والمنبر -
رأيت الغشاواتِ انجلتْ حين أعطيتْ
…
هشاماً عصا الدين الذي لم يخاصم
(4)
فصل
قال معن بن أوس المزني:
إذا اجتمع القبائل كنتَ ردفاً
…
أمام الماسحين لك السبالا
(5)
فلا تعطى عصا الخطباءِ فيهم
…
وقد تكفي المقادةَ والمقالا
وقال آخر في عصا الخطابة:
إذا اقتسم الناسُ فضلَ الفخارِ
…
أطلنا إلى الأرض ميل العصا
(6)
(1)
الألف، يعنى ألفا من الجنود.
(2)
قالها وهو محبوس. ديوان الفرزدق 845 - 847.
(3)
جلت، من التجلية، وهي الإجلاء والطرد.
(4)
هذا البيت لم يرو في قصيدة الفرزدق. وفي الأصل: «تخاصم» ، صوابه في خ -
(5)
البيتان في ديوان معن بن أوس، رواية القالى، ص 25 ليبسك 1903. وهما في البيان 1: 372/ 3: 10. السبال: جمع سبلة، وهو مقدم اللحية. ومسح اللحى كناية عن التهدد والتوعد، أو هو تأهب للكلام. انظر تفسير البغدادي في الخزانة 1: 525 لقول الشماخ:
أتتني سليم قضها بقضيضها
…
تمسح حولى بالبقيع سبالها
(6)
البيان 1: 72/ 3: 8.
تقول العرب
(1)
: ما تزال تحفظ أخاك حتى يأخذ القناة فعند ذلك يفضحك أو يمدحك. نقول: إذا قام الخطيب والقناة بيده فقد قام المقام الذي يخرج منه
(2)
مذموماً أو محمودا.
وقال جرير بن عطية:
من للقفاة إذا ما عيَّ قائلها
…
أم للأعنَّة يا عمرو بن عمار
(3)
عن عبد الله بن رؤبة بن العجاج قال: سأل رجل رؤبة عن أخطب بني تميم، فقال: خداش بن لبيد بن بيبة بن خالد. يعنى البعيث الشاعر. وإنما قيل له البعيث لقوله:
تبعَّث مني ما تبعَّث بعد ما
…
أمرَّتْ حبالي كلَّ مرَّتها شزرا
(4)
قال أبو اليقظان: كانوا يقولون: أخطب بني تميم البعيث إذا أخذ القناة فهزها ثم اعتمد بها على الأرض ثم رفعها. يريد بالقناة العصا.
قال يونس: لئن كان مغلبا في الشعر لقد غلب في الخطب
(5)
.
العرب تقول: اعتصى بالسيف، إذا جعل السيف عصاً. وقال عمرو بن الإطنابة:
وفتًى يضرب الكتيبةَ بالسَّي
…
فِ إذا كانت السيوفُ عصيا
(6)
وقال [عمرو بن
(7)
] محرز:
نزلوا إليهم والسيوفُ عصيُّهم
…
وتذكّروا دمناً
(8)
لهم وذحولا
(1)
هو قول أبى المجيب الربعي، كما في البيان 1: 373/ 2: 10.
(2)
في البيان: «الذي لا بدّ من أن يخرج منه» .
(3)
نبهت في البيان أن صواب روايته: «يا عقب بن عمار» . انظر ديوان جرير 236 - 237.
(4)
البيان 1: 374/ 3: 10.
(5)
انظر البيان 1: 374/ 2: 312/ 3: 11.
(6)
البيان 3: 77 والأغانى 10: 28.
(7)
التكملة من الأغانى 10: 28 ولم ترد في الأصل ولا في خ.
(8)
الدمن: جمع دمنة، وهو الحقد القديم. والذحول: جمع ذحل، وهو الثأر.
فصل جامع
قال عمرو بن بحر الجاحظ: الدليل على أن [أخذ]
(1)
العصا مأخوذ من أصل كريم، ومعدن شريف، اتخاذ سليمان بن داود عليهما السلام العصا لخطبته وموعظته، ومقاماته، وطول صلواته وتلاوته وانتصابه، فجعلها لتلك الخصال [جامعة
(2)
].
وقول الله عز وجل: (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ). والمنسأة هي العصا. وقال أبو طالب حين قام بذم الرجل
(3)
الذي ضرب أبا نبقة
(4)
(وفي نسخة أبا نيقة) واسمه علقمة
(5)
، حين تخاصما:
أمن أجل حبلٍ ذي زمامٍ ضربته
…
بمنسأةٍ قد جاء حبل وأحبلُ
(6)
و (المحجنة
(7)
): العصا المعوجة. وفي الحديث المرفوع أنه صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت يستلم الأركان بمحجنه
(8)
. وفي الحديث أن أبا بكر رضي الله عنه أفاض من جمع وهو يخرش بعيره بمحجنه
(9)
.
والعرب تقول: «لو كان في العصا سير» للمقل والضعيف. قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:
(1)
التكملة من البيان 3: 30.
(2)
التكملة من البيان.
(3)
خ: «يذم الرجل» .
(4)
الذي في نسخ البيان والتبيين: «الذي ضرب زميله» . انظر 3: 30.
(5)
أبو نبقة، ورد اسمه في السيرة 775 فيمن قسم لهم الرسول صلى الله عليه وسلم في مقاسم خيبر. وترجم له ابن حجر في الإصابة 1136 في باب الكنى. والذي في الإصابة أن علقمة هو والد أبى نبقة، واسم أبى نبقة عبد اللّه بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف.
وقد ورد ذكر علقمة بن المطلب بن عبد مناف في جمهرة أنساب العرب لابن حزم 66.
(6)
البيت في البيان 3: 30 وليس في ديوان أبى طالب مخطوط الشنقيطي بدار الكتب.
وهو مع بيتين آخرين في اللسان (نسأ). ورواية اللسان والبيان: «أمن أجل حبل لا أباك»
(7)
يقال محجن ومحجنة.
(8)
كذا في خ والبيان 3: 85 واللسان. وفي الأصل: «بمحجنة» .
(9)
جمع، هي المزدلفة. وفي خ:«بمحجنة» . وخرشه: ضربه بالمحجن يجتذبه إليه، وفي خ:«يحرش» بالخاء المهملة، ومعناه حك في غاربه ليمشى.
يا لك من همَّةٍ ورأى
…
لو أنه في عصاك سيرُ
(1)
ربَّ قليل أجدى كثيراً
…
كم مطرٍ بدؤه مطيرُ
صبراً على الحادثات صبراً
…
ما فعل الله فهو خيرُ
وتقول العرب: قد أقبل فلان و [لانت
(2)
] عصاه، إذا أصابه السواف - وهو ذهاب المال وموته - فرجع وليس معه إلا العصا، فإنه لا يفارقها إن كان معه إبل أولا. قال حميد بن ثور
(3)
:
واليوم ينتزعُ العصا من ربِّها
…
ويلوك ثنيَ لسانهِ المنطيقُ
(4)
قيل: كانت العرب تقاتل بالعصي، فلهذا قال الأعشى ميمون بن قيس ابن جندل:
لسنا نضارب بالعص
…
ي ولا نقاذف بالحجاره
(5)
إلا بكلِّ مهندٍ
…
عضب من البيض الذِّكاره
(6)
قضم المضاربِ باترٍ
…
يشفي النفوسَ من الحراره
(7)
وقال جندلٌ الطهوي:
حتَّى إذا دارت عصانا تجرى
(8)
…
صاحت عصيُّ من قناً وسدرِ
(9)
تقول العرب: «العصا من العصية والأفعى من الحية» . تريد أن الأمر الكبير يحدث من الصغير
(10)
.
(1)
الأبيات مما لم يرو في ديوان أبى تمام. وهي في البيان 3: 67. ورواية الأولى:
• مالك من همة وعزم
…
(2)
الكملة من البيان 3: 52.
(3)
خ: «حميد بن سعيد» .
(4)
في البيان 3: 53 «تنتزع العصا» ، وفي مجالس ثعلب 119 واللسان (نطق):«والنوم ينتزع» .
(5)
ديوان الأعشى 115 والبيان 3: 15.
(6)
الذكارة، بالكسر: جمع ذكر، والذكر من الحديد: أيبسه وأشده.
(7)
الفضم: الذي تكسر حده مما طال عليه الدهر وكثر به الضراب.
(8)
في البيان 3: 15: «رحى لا تجرى» ، يعنى رحى الحرب.
(9)
قال أبو منصور: القناة من الرماح: ما كان أجوف كالقصبة.
(10)
خ: «عن الصغير» .
والعرب تسمي الصغير الرأس: رأس العصا. وكان عمر بن هبيرة
(1)
صغير الرأس، فقال فيه سويد بن الحارث:
[من مبلغٌ رأسَ العصا أن بيننا
…
ضغائن لا تنسى وإن قدم الدهرُ
وقال آخر
(2)
]:
[من مبلغٌ رأسَ العصا أن بيننا
…
ضغائن لا تنسى وإن هي سلَّتِ
رضيتَ لقيسٍ بالقليل ولم تكن
…
أخاً راضياً إنْ صدر نعلك زلَّت
أي لم تكن قيس ترضى لك بالقليل.
وقال أبو العتاهية في والبة بن الحباب وقومه وكانت رؤوسهم صغارا:
رؤوس عصيٍّ كن في عود أثلةٍ
…
لها قادحٌ يفري وآخر مخربُ
(3)
وفي حديث زواجِ رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد
(4)
رضي الله عنها وقد تكلم أبو طالب وذكر رغبته فيها فقال قائل منهم
(5)
: «ابن أخيك الفحل لا يقرع بالعصا أنفه» . وذلك أن الفحل اللئيم إذا أراد الضراب في الإبل ضربوا أنفه بالعصا.
وفي خطبة الحجاج: «والله لأعصبنكم عصب السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل» . وذلك أن الأشجار تعصب أغصانها لتجتمع، ثم تخبط بالعصا ليسقط ورقها وهشيم العيدان لتأكله الماشية.
(1)
عمر بن هبيرة بن سعد بن عدي بن فزارة، ولى العراقين ليزيد بن عبد الملك ست ستين وكان يكنى أبا المثنى. المعارف 286.
(2)
هذه التكملة من البيان 3: 41.
(3)
القادح: أكال يقع في الشجر والأسنان. انظر البيان 3: 41.
(4)
الخبر يروى في زواجه من خديجة، كما في اللسان (قدع، قرع)، ويروى في زواج من أم حبيبة.
(5)
القائل في خبر خديجة هو ورقة بن نوفل أو عمرو بن أسد بن عبد العزى، كما في اللسان، وفي خبر أم حبيبة أبو سفيان بن حرب، كما في البيان 3:44. وفي خ: «قائلهم».
قال المؤلف أطال الله بقاءه: زرت قبر يحيى بن زكريا عليهما السلام بقرية يقال لها سبسطية
(1)
من أعمال نابلس، فلما صليت خرجت إلى ساحة بين يدي الموضع الذي فيه القبر محوط عليها، وإذا باب مردود ففتحته ودخلت، وإذا كنيسة فيها نحو من عشرة شيوخ رؤوسهم مكشوفة كأنها القطن المندوف، وقد استقبلوا الشرق وفي صدورهم عصي في رءوسها عوارض معوجة على قدر صدر رجل، وهم معتمدون عليها، وشيخ بين يديهم يقرأ
(2)
، فرأيت منظراً يرق له القلب، وساءني وآسفني إذ لم أر في المسلمين من هو على مثل اجتهادهم. فمضت على ذلك مدة فقال لي يوماً معين الدين أنر
(3)
رحمه الله وأنا وهو نسير عند دار الطواويس: اشتهى أنزل أزور المشايخ. قلت: الأمر كذلك. فنزلنا ومشينا إلى منزل عرضي
(4)
طويل، فدخلناه وأنا أظن أن ما فيه أحد، وإذا فيه نحو من مائة سجادة وعلى كل سجادة رجل من الصوفية عليهم السكينة، والخشوع عليهم ظاهر. فسرني ما رأيت منهم، وحمدت الله عز وجل، إذ رأيت في المسلمين من هو أكثر اجتهاداً من أولئك القسوس، ولم أكن قبل ذلك رأيت الصوفية في دارهم، ولا عرفت طريقهم.
ويقال «يوم أطول من ظل القناة، وأحر من دمع المقلات» قال عبد اللّه ابن الدمينة
(5)
:
ويوم كظلِّ الرمح قصَّر طوله
…
دمُ الزّقّ عنا واصطفاق المزاهر
(6)
(1)
سبسطية كأحمدية: بلد من عمل نابلس، فيه قبر زكريا ويحيى عليهما السلام. وضبطه ياقوت بفتح أوله وثانيه وتسكين ثالثه وكسر رابعه وتخفيف خامسه ولم يظهر في الأصل إلا «بطية» ، وتصحيحه من خ.
(2)
في الأصل: «ويمتح بين أيديهم بقراء» ، والصواب من خ.
(3)
كذا ورد مضبوطا؛ ويضبط أيضا بضم النون. انظر النجوم الزاهرة: 286. وكان معين الدين وزيرا لحاكم دمشق شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بوري، وتوفى سنة 544 كما في النجوم الزاهرة.
(4)
كذا في الأصل وخ. والمراد عريض.
(5)
الصواب يزيد بن الطثرية كما في الحيوان 6: 179.
(6)
دم الزق، عنى به الخمر في حمرتها. والمزاهر: جمع مزهر، وهو العود الذي يضرب به.
ويقال رجل كالقناة، وفرس كالقناة. قال عروة بن الورد
(1)
:
متى ما يجيءْ يوماً إلى المال وارثي
…
يجدُ جمعً كفٍّ غيرِ ملأى ولا صفرِ
(2)
يجد فرساً مثل القناةِ وصارماً
…
حساما إذا ما هزّ لم يرض بالهبر
(3)
ويقال للرجل إذا لم يكن معه عصا: باهل؛ وناقة باهل إذا كانت بغير صرار
(4)
.
فصل
في بديع ما جاء في عصا الكبر:
وقال المولى مؤيد الدولة مؤلف هذا الكتاب أطال الله بقاءه في المعنى:
أسفي على عصر الشباب تصرَّمت
…
أيامه لا بل على أيامي
(5)
لم أبكه أسفاً على مرح الصِّبا
…
ووصالِ غانيةٍ وشربِ مدام
لكن على جلدي وخوضي معركاً
…
يرتاع فيه الموتُ من إقدامي
بيدي حسامٌ كلّما جرّدته
…
يومَ الوغى أغمدته في الهام
ولصدرِ معتدلِ الكعوب حطمته
…
في صدر كبشِ كتيبةٍ قمقام
(6)
ونزال فرسان الهياج وكلّهم
…
فرقٌ لهول تقحُّمي ومقامي
(7)
ولقتليَ الأسدَ الضَّواريَ نحطها
…
كالرّعد قعقع في متون غمام
(8)
تلقى إذا لاقيتها أسداً له
…
بأسٌ يبيح به حمى الأجسام
(9)
(1)
الصواب أنه حاتم الطائي. ديوانه 121 والحماسة 2: 374. والبيتان في البيان 3:
59 بدون نسبة.
(2)
جمع الكف، بالضم، هو قدر أن تجمع أصابعها وتضمها. يقول: لا يجد عندي الوارث كثيرا ولا قليلا، بل شيئا بين بين.
(3)
الهبر: قطع اللحم. يقول: يأبى إلا أن يخالط العظم.
(4)
الصرار: خيط يشد فوق خلفها لئلا يرتضعها ولدها. البيان 3: 74.
(5)
هذه الأبيات مما لم يرو في ديوان أسامة. تصرمت: تقطعت.
(6)
الكبش: الرئيس والقائد. والقمقام: السيد الواسع الفضل.
(7)
الفرق: الخائف الفزع.
(8)
النحط: صوت معه توجع.
(9)
خ: «حمى الآجام» جمع أجمة، وهي الشجر الكثيف الملتف.
لو أنَّ عينَ أبي زبيدٍ عاينتْ
…
فتكاتهِ لأقرَّ بالإحجام
(1)
فحملتُ من بعد الثَّمانينَ العصا
…
متيقِّنا إنذارها لحمامي
وقال أيضاً أطال الله بقاءه في المعنى:
مع الثمانينَ عاثَ الضَّعفُ في جلدي
…
وساءني ضعفُ رجلي واضطرابُ يدي
(2)
إذا كتبت فخطِّي جدُّ مضطربٍ
…
كخطِّ مرتعشِ الكفينِ مرتعدِ
(3)
وإن مشيت وفي كفِّي العصا ثقلت
…
رجلي كأني أخوض الوحل في الجلد
(4)
فاعجبْ لضعف يدي عن حملها قلماً
…
من بعد حطم القنا في لبَّة الأسد
فقلْ لمن يتمنّى طولَ مدّته
…
هذي عواقبُ طول العمر والمددِ
قال المؤلف أطال الله بقاءه: دخل علي بالموصل سنة ست وعشرين وخمسمائة رجل من أهل الموصل نصراني يعرف بابن تدرس
(5)
، وهو شيخ كبير يمشي على عصا ليسلم علي، وأنشدني والعصا بيده قبل السلام:
أحمدُ الله إذْ سلمتُ إلى أن
…
صرت أمشي وفي يدي عكَّازة
نعمةٌ ليتني بقيت عليها
…
حذراً أن أشال فوق جنازة
(6)
وقال آخر:
عصيت العصا أيّام شرخ شبيبتي
…
فلما انقضى شرخ الشباب أطعتها
أحمِّلها ثقلي ويحسب كلُّ من
…
رآها بكفّي أنني قد حملتها
(1)
أبو زبيد الطائي، حرملة بن المنذر، كان نصرانيا مخضرما، وكان أوصف الناس للأسد، وصفه بحضرة عثمان بن عفان وصفا مرعبا، فقال له عثمان: اسكت قطع اللّه لسانك فقد أرعبت قلوب المسلمين. انظر الشعر والشعراء 260 والأغانى 11: 23 - 30 والمعمرين 86 والجمحي 132 والخزانة 2: 155 - 156.
(2)
هذه الأبيات مما لم يرو أيضا في ديوان أسامة. وقد أنشدها في الاعتبار 163.
وانظر ابن خلكان 1: 63 والمسالك 10: 500 مصورة دار الكتب.
(3)
في الأصل والمسالك: «لخط مرتعش» ، والوجه ما أثبت من خ والاعتبار.
(4)
الجلد: الغليظ من الأرض.
(5)
خ: «بابن مرزينا» .
(6)
في الأصل: «خالدا لا أشال» ، وأثبت ما في خ.
وقال المؤلف رحمه الله
(1)
:
حملتْ ثقليَ في السهل العصا
…
ونبتْ بي حين حاولت الحزونا
(2)
وإذا رجليَ خانتني فلا
…
لوم عندي للعصا في أن تخونا
(3)
قال المؤلف: وأنشدني العميد أبو الحسن علي بن أبي الآمال بالموصل في سنة ست وعشرين وخمسمائة، ولم يسم القائل:
ما زلت أركب شاكلاتِ الربرب
…
حتَّى مشيت على العصا كالأحدب
(4)
وتزلُّ رجلي كلَّما ثبَّتها
…
فكأنني أمشي الوحي في الطّحلب
(5)
أأزبد ثالثة وأنقص عن مدى
…
مشى اثنتين لقد أتيتُ بمعجب
والليثُ لو بلغت سنوه سنَّي أو
…
قاربنها، أمسى فريسةَ ثعلب
(6)
قال: وأنشدني القاضي الرشيد أحمد بن الزبير بمصر سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، للشاعر المعروف بابن المكر بل
(7)
:
تقوَّس بعد طول العمر ظهري
…
وداستني الليالي أيَّ دوسِ
فأمشي والعصا تمشي أمامي
…
كأن قوامها وترٌ لقوس
قال المؤلف رحمه الله: أنشدني الخطيب مجد الدين أبو عمران موسى ابن الخطيب قدوة الشريعة يحيى الحصكفي
(8)
رحمه الله، بظاهر ميافارقين في شعبان سنة إحدى وستين وخمسمائة:
(1)
كذا في الأصل. وفي خ: «أطال اللّه بقاءه» هنا وفي سائر المواضع.
(2)
في الأصل، خ:«وثبت بي حين حاولت الحرونا» ، صوابه في الديوان 323. والحزون:
جمع حزن، بالفتح، وهو ما غلظ من الأرض.
(3)
في الأصل: «في العصا أن تخونا» ، ولا يستقيم به الوزن، وصوابه في خ الديوان.
(4)
شاكلة الشئ: جانبه.
(5)
في الأصل: «في الطلب» ، وأثبت ما في خ.
(6)
في الأصل: «سنوه سنتي أو قاربت» ، صوابه في خ.
(7)
خ: «بالمكربل» .
(8)
نسبة إلى حصن كيفا، وهي بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر. ويحيى هذا، هو أبو الفضل يحيى بن سلامة بن الحسن الخصكفى الخطيب، ترجم له في خريدة القصر، وسرد طائفة من خطبه وأشعاره.
كبرتُ إلى أن صرتُ أمشي على العصا
…
لتجبر ما أعرى الزَّمان من الوهن
(1)
يقولون ما تشكي وهل من شكاية
…
أشدَّ على الإنسانِ من كبر السنِّ
(2)
قال: وأنشدني أيضاً لبعضهم:
[حملتُ العصا لا الضَّعف أوجب حملها
…
عليَّ ولا أنِّي تحنَّيتُ منْ كبرْ]
ولكنني ألزمت نفسيَ حملها
…
لأعلمها أن المقيم على سفرْ
قال: وأنشدني بها الموفق نصر بن سلطان لبعضهم:
كل أمرٍ إذا تفكرت فيه
…
وتأملته تراه طريفا
كنت أمشي على اثنتين قويا
…
صرت أمشي على ثلاث ضعيفا
قال المؤلف رحمه الله:
إذا تقوّس ظهر المرء من كبر
…
فعاد كالقوس يمشي والعصا وترُ
(3)
فالموت أروح شيء يستريح به
…
والعيش فيه له التعذيب والضرر
(4)
وقال أيضاً في المعنى
(5)
:
إذا عاد ظهر المرء كالقوس والعصا
…
له حين يمشي وهي تقدمه وترْ
وملّ تكاليف الحياة وطولها
…
وأضعفه من بعد قوّته الكبر
فإن له في الموت أعظمَ راحةٍ
…
وأمناً من الموت الذي كان ينتظر
وقال المؤلف رحمه الله:
حنانى الدهر وأفن
…
تنى الليالي والغيرْ
فصرتُ كالقوس ومن
…
عصاي للقوس وتر
(1)
في الأصل: «ليخبر ما أعدى الزمان على الوهن» ، صوابه في خ.
(2)
شكيت، لغة في شكوت.
(3)
في الأصل وخ: «فعادة القوس» ، صوابه من الديوان 318.
(4)
في الديوان: «أروح آت» .
(5)
الأبيات التالية في ديوانه 319.
أهدج في مشيى وفي
…
خطوي فتورٌ وقصر
كأننّي مقيدٌ
…
وإنما القيدُ الكبر
والعمر مثل الماء، في
…
آخره يأتي الكدرْ
وأنشدني الأمير السيد شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن شهاب الدين العلوي الحسيني، بالموصل في شوال سنة خمس وستين وخمسمائة، لبعض المغاربة:
ولي عصاً في طريق السَّير أحمدها
…
بها أقدِّم في تأخيرها قدمي
كأنها وهي في كفِّي أهشُّ بها
…
على ثمانين عاماً لا على غنمي
كأنني قوسُ رامٍ وهي لي وترٌ
…
أرمي عليها رماء الشَّيب والهرم
قال المصنف رحمه الله: وحدثني الشريف الإمام شمس الدين أبو المجد علي ابن علي بن الناصر
(1)
للحق الحسيني الحنفي بالموصل، في شهر رمضان سنة خمس وستين وخمسمائة قال: خرج خواجا بزرك
(2)
وفي يده عصا، وهو ينشد هذين البيتين:
بعد الثمانين ليس قوه
…
لهفى على قوّة الصُّبوَّه
(3)
كأنني والعصا بكفِّي
…
موسى ولكن بلا نبوّه
قال: وأنشدني أيضاً قال: أنشدني والدي أبو الحسن علي قال: أنشدني والدي أبو طالب يحيى قال: أنشدني والدي الأمير أبو شجاع وقد علت سنه وحمل العصا:
أهدى ليِ الدهرُ رجلاً منه ثالثةً
…
ما كان أحسنني أمشي بثنتينِ
أمشي بها وهي تمشي بي معاونة
…
ما كان أحسننى أمشى بلا عون
(1)
خ: «الناصر الحق» .
(2)
هو نظام الملك الطوسي الحسن بن علي بن إسحاق. انظر ما سبق في صفحة 186، 187.
(3)
هذان البيتان نسبا إلى نظام الملك، كما في وفيات الأعيان. وهذه النسبة لا تستقيم، والشعر نفسه يأباها فإن نظام الملك ولد سنة 408 وقتل سنة 485، أي إنه لم يصل إلى الثمانين.
والصواب نسبتها إلى أبى الحسن محمد بن أبي الصقر الواسطي، كما في الوفيات في ترجمة نظام الملك. وابن أبي الصقر هو محمد بن علي بن الحسن، ولد سنة 409 وتوفى سنة 498.
ورواية ابن خلكان: «قد ذهبت شرة الصبوة» . وكلمة «الصبوة» لم أجد لها سندا في المعاجم، وفيها «الصبو» بدون هاء.
هديَّة كنت آباها فصيَّرها
…
إليَّ بالرغم مني قرَّةَ العينِ
بانَ الشباب وجاء الشَّيب يصحبه
…
يا ليتها صحبة تبقى بلا بينِ
وقال المؤلف رحمه الله:
ويحَ السِّنينَ ومرّها
…
ما ذا بنا هي فاعله
جعلت عصايَ ولم تكن
…
شغلي لكفِّيَ شاغله
محمولة هي في المجا
…
ز وفي الحقيقة حامله
والعمرُ ألجأني إلي
…
ها والقوى المتخاذله
والنَّفس عما سوف تل
…
قى حين تسلمُ غافله
وجميعُ مكروهاتها
…
في العيشة المتطاولهْ
قال المؤلف رحمه الله
(1)
.
قصّر خطوي وحنى صعدتي
…
مزورُّ دهرٍ خائن خابلِ
(2)
وصار كفّي مالكاً للعصا
…
من بعد حمل الأسمر الذابل
أمشي بضعفٍ وانحناء على
…
عصايَ مشى الصائد الخاتل
كأنَّني لم أمش يوم الوغى
…
إلى نزال البطل الباسل
ولم أشقَّ الجيش لا أختشي
…
من الردى كالقدرِ النازل
فانظرْ إلى ما فعل العمرُ بي
…
من طوله لم أحظ بالطَّائل
يا حسرتا إنِّي غداً ميّت
…
على فراشي ميتة الخامل
هلّا أتاني الموتُ يومَ الوغى
…
بين القنا والأسلِ الناهلِ
وقال أيضاً
(3)
:
نظرتْ إلى ذي شيبة متهدِّمٍ
…
أفناهُ ما أفنى من الأعوام
(4)
يمشي وتقدمه العصا وقد انحنى
…
فكأنها وتر لقوس الرامي
(1)
الأبيات التالية مما لم يرد في ديوانه.
(2)
في الأصل: «وقنا صعدتى
…
خاتل»، صوابه في خ.
(3)
وهذه الأبيات أيضا مما لم يرد في ديوانه.
(4)
في الأصل: «أفنى وكم أفنى» ، صوابه في خ.
ورأتْ سماتِ الأريحيَّة والنَّدى
…
ودلائلَ المعروف والإقدام
واستخبرت عنّى فقلت لها امرؤ
…
نائي المواطن من كرام الشَّام
نبت الديارُ به وضاق فسيحها
…
عنه ففارقها بغير ملام
قالت من أيِّ الناسِ أنت فقلت من
…
أولاد منقذَ في ذرًى وسنام
من معشر أبداً تروح رماحهم
…
بدم العدى مخضوبة الأعلام
تحمي البلادَ سيوفهم وتبيح ما
…
تحميه دونهم سيوفُ الحامي
النازلين بكلِّ ثغر خائف
…
والآمنين معرَّةَ الجرَّام
(1)
وإذا أناخ السائلون بجوِّهم
…
عادوا ثقالَ الظَّهر بالإنعام
(2)
كم فيهم عند الحقوق إذا عرتْ
…
من باذلٍ متبرِّع بسَّام
(3)
تغني يداه إذا هما همتا ندًى
…
في المحل عن صوب الغمام الهامي
يتهلَّلون طلاقةً ويخافهم
…
لسطاهمُ الآسادُ في الآجام
(4)
قالت فأين همُ فقلتُ أبادهمْ
…
دهرٌ وهل باقٍ على الأيام
ووددت لو ناهلتّهم كأسَ الردى
…
ووردتُ قبلهمُ حياض حمامي
فحياةُ مثلي بعد عزّ باذخ
…
ومعاشرٍ غلبٍ ومالٍ نام
ونفاذِ أمر لا يردّ، يطيعه
…
فيما قضى العاصي من الأقوام
(5)
لأشدُّ من غصص الحمام وراحتي
…
بالموت غايةُ منيتي ومرامي
(6)
فبكت بزفرة موجع لو صادفت
…
حجراً لذاب من الزَّفير الحامي
وقال أيضاً:
حمَّلتُ ثقلي بعد ما شبتُ العصا
…
فتحملته تحمّل المتكاره
(1)
المعرة: الأذى والجناية. والجرام: جمع جارم، وهو الجاني. وفي الأصل:«الحرام» .
(2)
الجو: ما انخفض من الأرض. وفي الأصل: «بنحوهم» ، صوابه في خ.
(3)
في الأصل: «متترع» ، صوابه ما أثبت من خ.
(4)
السطا، أراد بها السطوات.
(5)
أي إن العاصي يخضع له. وفي الأصل: «مطيعه فيما قضى القاضي» ، صوابه في خ.
(6)
في الأصل: «لا شك» ، صوابه في خ.
ومشت به مشيَ الحسير بوقره
…
لا يستقل مقيَّدا بعثاره
(1)
ما آدها ثقلي ولكن ثقل ما
…
أبقى الشباب عليَّ من أوزاره
(2)
ورجايَ معقودٌ بمن أعطى أخا
…
السَّبعين عهدة عنقه من ثاره
وقال أيضاً
(3)
:
غرضتُ من الحياة فكلُّ عمري
…
تصرَّم بالحوادث والخطوب
(4)
فما ظفرت يدي بسرورِ يومٍ
…
بغير همومِ حادثةٍ مشوبِ
صباً كالسُّكر أعقبه شباب
…
تقضّي بالوقائع والحروب
ووافى بعده شيبٌ بغيض
…
فلا سقياً لأيام المشيبِ
أراني طيب لذّاتي ولهوى
…
يعدُّ من الجهالة والعيوبِ
وأدّاني إلى كبرٍ وضعف
…
وأدواء خفينَ على الطبيب
(5)
إذا رمتُ النُّهوض ظننتُ أنّي
…
حملت ذرى الشّناخب من عسيب
(6)
فإن أنا قمت بعد الجهد أمشى
…
فمشيى حين أعجل كالدَّبيب
تسيِّرني العصا هوناً وخلفي
…
مسيرُ الموت كالرِّيح الهبوب
وأفنى الموتُ إخواني وقومي
…
وأترابي فها أنا كالغريبِ
وفيما قد لقيت ردًى وموتٌ
…
ولكن ليس قلبي كالقلوب
(1)
في الأصل: «بعشاره» ، صوابه من خ والديوان 323.
(2)
كلمة «على» ليست في الأصل، وإثباتها من خ والديوان.
(3)
الأبيات التالية مما لم يرد في ديوانه.
(4)
يقال غرض غرضا، من باب تعب: أي أدركه الملال والضجر. وفي الأصل: «غوضت» ، صوابه في خ. وقال أسامة أيضا في ديوانه 46:
غرضت من الهجران والشمل جامع
…
ولم يتعمدنا بفرقتنا الدهر
(5)
في الأصل: «وأدواء جفين» ، صوابه في خ.
(6)
ظننت، هي في الأصل:«هممت» . صوابه في خ. والشناخب: جمع شنخوب، وهو رأس الجبل وأعلاه. وعسيب: جبل بعالية نجد.
وقال أيضاً:
إنْ ضعفتْ عن حمل ثقلي رجلي
…
ورابني عثارها في السهل
(1)
أمشي كما يمشي الوجي في الوحلِ
…
مشيَ الأسير موثقاً بالكبل
فللعصا عنديَ عذرُ المبلي
(2)
…
إن عجزت أو ضعفت عن حملي
وقال أيضاً وكتب بها في كتاب إلى ولده الأمير عضد الدين أبي الفوارس مرهف إلى مصر يطلب منه عصاً من آبنوس
(3)
:
أريد عصاً من آبنوسٍ تقلُّني
…
فإن الثّمانين استعادت قوى رجلي
ولو بعصا موسى اتَّقيتُ لآدها
…
على ما بها من قوَّةٍ حملها ثقلي
ولكن تمنَّينا الرّجاءَ بباطلٍ
…
وكم قدرُ ما ترخي المنايا وكم تملي
(4)
إذا بلغَ المرءُ الثمانين فالرّدى
…
يناد به بالتَّرحال من جانب الرَّحلِ
وقال أيضاً
(5)
:
لما بلغت من الحياة إلى مدى
…
قد كنت أهواهُ تمنَّيت الرّدى
لم يبقِ طولُ العمر مني منَّةً
…
ألقي بها صرفَ الزّمانِ إذا اعتدى
ضعفت قوايَ وخانني الثِّقتانِ من
…
بصري وسمعي حين شارفت المدى
فإذا نهضتُ حسبت أنِّي حاملٌ
…
جبلاً وأمشي إن مشيت مقيَّداً
وأدبُّ في كفِّي العصا وعهدتها
…
في الحرب تحمل أسمراً ومهنَّدا
وأبيت في لين المهاد مسهَّداً
…
قلقاً كأنّنيَ افترشت الجلمدا
والمرءُ ينكس في الحياةِ وبينما
…
بلغ الكمالَ وتمَّ عاد كما بدا
وقال أيضاً
(6)
:
ألوم الرَّدى كم خضته متعرِّضا
…
له وهو عنِّي معرضٌ متجنِّبُ
(1)
في الأصل: «وداسنى» ، صوابه في خ والديوان 320.
(2)
يقال أبلاه عذرا: أداه إليه فقبله.
(3)
الأبيات التالية ليست في ديوانه.
(4)
في الأصل: «ترجى» وأثبت ما في خ.
(5)
الأبيات التالية ليت في ديوانه.
(6)
الأبيات التالية لم ترد في ديوانه. وقد وردت ما خلا البيت الرابع في كتاب لباب الآداب ص 226.
وكم أخذت منِّي السُّيوفُ مآخذ ال
…
حمامِ ولكنَّ القضاءَ مغيَّبُ
إلى أن تجاوزتُ الثمانينَ وانقضت
…
بلهنيةُ العيش الذي فيه يرغب
(1)
وأصبحت أستهدي العصا فتميلُ بي
…
لضعفي عن قصدي كأنّى أنكب
(2)
فمكروه ما تخشى النّفوس من الرّدى
…
ألذّ وأحلى من حياتي وأعذب
(3)
وقال أيضاً
(4)
:
قد كان كفِّي مألفاً لمهنَّدِ
…
تعري
(5)
القلوبُ له وتفرى الهامُ
(6)
- قوله «تعرى» من العرواء، وهي الحمى
(7)
-
ولأسمرٍ لدنِ الكعوب وحازه
…
حيث استمرَّ الفكرُ والأوهامُ
يتزايل الأبطال عنِّي مثلَ ما
…
نفرت من الأسد الهصورِ نعامُ
فرجعتُ أحملُ بعد سبعينَ العصا
…
فاعجبْ لما تأتي به الأيّام
وإذا الحمامُ أبى معاجلة الفتى
…
فحياته لا تكذبنَّ حمامُ
(8)
قال مؤيد الدولة مؤلف هذا الكتاب، رحمه الله
(9)
: هذا آخر ما قلته وجمعته، وألفته ورصفته، في ذكر العصا. وبه نجز الكتاب، بعون الملك الوهّاب.
(1)
البلهنية: سعة العيش ورخاؤه ونعمته.
(2)
الأنكب: الذي كأنما يمشى في شق، أي جانب.
(3)
في لباب الآداب: «وأطيب» .
(4)
الأبيات التالية مما لم يرو في ديوانه.
(5)
في الأصل: «تفدى القلوب» صوابه في خ.
(6)
في الأصل: «الحماء» .
(7)
في الأصل: «قوله تفدى من الفداء وهو الحماية» ، والصواب ما أثبت من خ. يقال عرته الحمى: أخذته بعروائها، وهي الرعدة، يقال عرى فهو معرو.
(8)
في الأصل: «وإذا الحمام أنى» ، صوابه في خ.
(9)
«قال المولى مؤيد الدولة مؤلف هذا الكتاب أطال اللّه بقاءه، وحرس نعماءه» .
رسالة التلميذ لعبد القادر بن عمر البغدادي 1030 - 1093
مقدمة
عبد القادر البغدادي:
في سنة 1030 وفي مدينة بغداد، ولد عبد القادر بن عمر البغدادي، وبغداد يومئذ في محنة قاسية بين الدولة الصفوية وعلى رأسها الشاه عباس، والدولة العثمانية.
وفي سنة 1048 حين حمى وطيس القتال حول بغداد وتدفقت إليها جيوش مراد الرابع العثماني فانتزعتها من الإيرانيين، حينئذ رحل عبد القادر إلى دمشق فكان شيخه فيها محمد بن يحيى الفرضي، ولكنه لم يستقر بها عامين حتى شد رحاله إلى القاهرة فدخلها سنة 1050 وكان شيخه فيها شهاب الدين الخفاجي، كما كان من شيوخه يس الحمصي، والنور الشبراملسى، والبرهان إبراهيم المأموني.
وبموت الخفاجي سنة 1069 انتقلت معظم كتبه إلى عبد القادر، وضم إليها بعد ذلك كتبا أخرى جليلة الشأن. وفي سنة 1077 وهي السنة التي تولى مصر فيها إبراهيم باشا كتخدا، اتصل به عبد القادر فأحله محلا كريما، وكان سميره ونديمه، وظل ملازما له إلى انتهاء مدة ولايته سنة 1085 فرجع معه إلى ديار الروم، واتصل حبله هناك بالوزير أحمد باشا الكوپريلى فألف باسمه (شرح قصيدة بانت سعاد)، ثم بالسلطان محمد بن السلطان إبراهيم، فتوج باسمه كتابه الكبير (خزانة الأدب)، وظل فترة من الزمن مضطربا بين الشام والروم، ثم عاد من طريق البحر إلى مصر ولم تطل مدته بها حتى توفى في سنة 1093
(1)
.
التلميذ:
كلمة ضعيفة الصلة بالأصول العربية في مادتها، لذلك صرح بعض اللغويين القدماء، وفي مقدمتهم ابن دريد في الجمهرة 2: 37 وابن فارس في مقاييس اللغة 1: 353، والجواليقي في المعرب 91، والخفاجي في شفاء الغليل بأنها ليست عربية الأصل.
(1)
انظر خلاصة الأثر للمولى المحبي 2: 451 - 454 ومقدمة الأستاذ محب الدين الخطيب لخزانة الأدب التي اضطلعت بأكبر عبء في تحقيقها من سنة 1347 - 1351.
ومهما يكن فإن هذه الكلمة سامية الأصل، ومأخذها إما أن يكون من العبرية، وإما أن يكون من السريانية. وذهب معاصرنا اللغوي الفاضل (الأب مر مرجى الدومنكى) أن أصلها الأول من العربية نفسها
(1)
وذلك بناء على القاعدة التي ينصرها، وهي قاعدة (الثنائية) التي ترجع أصول الكلمات إلى أصل ثنائى تتفرع منه الثلاثيات فما فوقها، فهو يقول إن الأصل الثنائي للكلمة موجود في العربية وهو «لد» الدالّ على الشدة، ومنه اشتق «لدم» الدال على الضرب، ثم قلب إلى «لمد» بمعناه، ثم اشتق منه التلميذ.
وأنا أرى أن هذه المحاولة البارعة يمكن إجراؤها في كثير من الكلمات المعربة.
فنستطيع أن نرد كثيرا من الكلمات المعربة والدخيلة إلى أصل عربى، وهو لا يستقيم.
وقد تضمن مقاله النفيس، مقارنة ممتعة بين اللغات السامية في مادة هذه الكلمة.
(في السريانية): «لمد» : جمع، ضم، أضاف. «تلميذ»: هذّب، علم، أرشد. «تلميذا»: طالب علم، متعلم.
(في الأرمية): «تلميذا» طالب علم.
(في المندائية): «ترميدا» : تلميذ.
(في العبرية)«لامد» : ضرب بالسياط، عاقب، روّض. «ملميد»:
مهماز يضرب به للترويض، خاصة للحيوانات. «تلمود»: تعليم، نظرية.
«تلميد» : متعلم، دارس.
(في الحبشية): «لمد» : تعود، آلف، واظب. «لمود»: متعوّد، أليف. «لماد» عادة، طبع. «تلميذ» طالب علم، دارس.
(في الأكدية): «لمادو» : تعلّم، عرف. «لمادوتو»: تعلّم، عرفان.
«ملمّدو» : معلم، أستاذ. «تلميدو»: دارس، طالب علم.
(1)
مجلة الثقافة العدد 642 إبرايل سنة 1951. والمقال كتب بمناسبة مقال قبله للأستاذ الجليل أحمد عبد الغفور عطار، عنوانه (التلميذ في لغة العرب) نشر في مجلة الثقافة العدد 634 فبراير سنة 1951.
(في العربية): «لمد» : تواضع له بالذلّ. «لمده» : لدمه (القلب).
«تلمذ له، وتتلمذ» : صار له تلميذا، تخرج عليه:«التلميذ» : المتعلم العلم أو المهنة.
رسالة التلميذ:
كنت قد نشرت هذه الرسالة أول مرة في مجلة المقتطف (عدد مارس 1945) - وقد رأيت إعادة نشرها في (نوادر المخطوطات) لندرتها، ولما ثار حولها وحول موضوعها في هذه الأيام من بحث جديد.
وقد ذكر البغدادي في صدر رسالته أنه لم يجد كلمة «التلميذ» في الجمهرة، والصحاح، والمحكم، والعباب، والقاموس. فعقب عليه الأستاذ المحقق (أحمد عبد الغفور عطار) في مجلة الثقافة، بأنها وجدت في جميع هذه الكتب، ولكن في غير مظنها، أي في مادة (تلم)، وأما صاحب العباب فإنه لم يذكر هذه الكلمة لأن تأليفه إنما وصل إلى مادة (بكم) ولم يتم تأليف معجمه. وزاد على ذلك أن الكلمة وردت في مادة (تلم) من المجمل والمقاييس لابن فارس والتهذيب للأزهرى والمخصص 12: 257 والقرطين لابن مطرف الكناني، وشفاء الغليل للخفاجى.
ولكنه قد غاب عن الأستاذ الباحث عطار، أن البغدادي لم يعن بكلامه في صدر رسالته أنه لم يجد الكلمة في تلك الكتب، بل أراد أنه لم يجدها في مادتها التي يتوقعها فيها الباحث وهي (تلمذ)، بدليل أن البغدادي نفسه أورد في رسالته نصوصا من الصحاح والقاموس والتهذيب من مادة (تلم) وفيها ذكر التلميذ والتلاميذ.
أصول رسالة التلميذ:
أصول هذه الرسالة ثلاث نسخ محفوظة بدار الكتب المصرية: إحداها برقم 6 مجاميع ش، والثانية برقم 181 مجاميع، والثالثة برقم 122 مجاميع. وقد رمزت إلى هذه النسخ بالرموز: ا، ب، ج على التوالي. وأصح هذه النسخ وأكملها هي نسخة ب، وكل ما أثبته بين علامة الزيادة فهو منها.
وفي الخزانة التيمورية نسخة بخط المغفور له العلامة أحمد تيمور باشا كتبها بخطه سنة 1322.
وهذه رسالة التلميذ:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين.
[أما بعد] فهذه كلمات ذكرتها لمعنى التلميذ، فإني لم أجد هذه الكلمة مذكورة في كتب اللغة المتداولة، المدونة [لبيان] الجليل والحقير، وذكر النقير والقطمير، كالجمهرة لابن دريد، والصحاح للجوهري، والمحكم لابن سيدة، والعباب للصاغاني، والقاموس لمجد الدين الفيروزابادي، وغيرها، إلا في لسان العرب لابن مكرم، فإنه أورده في مادة (تلمذ) وقال:«التلاميذ: الخدم والأتباع، واحدهم تلميذ» ، مع أنها كلمة متداولة بين العام والخاص، وكثيرة الاستعمال في تآليف العلماء الأعلام.
وكان الباعث لهذا أني لما قرأت كتاب مغنى اللبيب، ووصلت إلى قوله في الباب الخامس «حكي لي أن بعض مشايخ الإقراء أعرب لتلميذ له بيت المفصل
(1)
» رأيت شارحه الفاضل إبراهيم بن الملا الحلبي
(2)
قال: «التلميذ: القارئ علي الشيخ.
ولم أقف عليه في شيء من كتب اللغة المتداولة كالصحاح والقاموس وغيرهما» اه.
فحينئذ تتبعت بطون الدفاتر، من مصنفات الأوائل والأواخر، حتى رأيته في كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري، فإنه ساق
(3)
فيه شعرا للبيد بن ربيعة العامري الصحابي وفيه هذا البيت:
فالماء يجلو متونهنّ كما
…
يجلو التلاميذ لؤلؤاً قشبا
(4)
وقال بعد إنشاد الأبيات: «التلاميذ غلمان الصنّاع. والقشب والقشيب:
الجديد، والجمع القشب».
(1)
المفصل للزمخشري في النحو. انظر شرح ابن يعيش 2: 94. والبيت هو:
لا يبعد اللّه التلبب والغا
…
رأت إذ قال الخميس: نعم
(2)
هو إبراهيم بن الملا محمد الحلبي المتوفى سنة 979. ذكره في كشف الظنون. وفي ا، ح:
«حلبى» موضع. «الحلبي» تحريف.
(3)
ا، ح:«سابق» ، والصواب في ب.
(4)
ديوانه 141 بشرح الطوسي، وفيه:«التلاميذ غلمان الصاغة .. التلاميذ فارسي» .
ورأيته أيضا في شعر أمية بن أبي الصلت، وهو شاعر أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يوفق للإيمان به. وغالب شعره في الوعظ وتذكير الآخرة وقصص الأنبياء، وهو مما لا يكاد يقضى العجب منه. قال في قصيدة:
والأرض معقلنا وكانت أمَّنا
…
فيها مقامتنا وفيها نولدُ
وبها تلاميذ على قذفاتها
…
حبسوا قياماً فالفرائص ترعد
(1)
قال شارح ديوانه: «التلاميذ الخدم، يعني الملائكة» .
وقال أيضا في قصيدة أخرى:
صاغ السماءَ فلم يخفض مواضعها
…
لم ينتقص علمهَ جهلٌ ولا هرمُ
لا كشِّفت مرةً عنَّا ولا بليت
…
فيها تلاميذ في أقفائهم دغمُ
(2)
وقال شارحه هنا أيضا كذلك.
ورأيت في المقامة الأولى من المقامات الحريرية قوله: «فوجدته محاذيا لتلميذ، على خبز سميذ، وجدى حنيذ، وقبالتهما خابية نبيذ
(3)
». قال شارحه الشريشى: «التلميذ متعلم الصنعة، والتلميذ الخادم، والجميع التلاميذ» . وأنشد بيت لبيد المتقدم، ثم قال:«وطلبة العلم تلاميذ شيخهم» اه.
وإهمال داله لغة فيه، قال أمية بن أبي الصلت في القصيدة الدالية التي تقدم إنشاد بيتين منها:
فمضى وأصعد واستبدَّ إقامةً
…
بأولىِ قوى فمبتَّل ومتلمدُ
قال شارحه: «يريد متلمذ، أي خادم من التلاميذ. وتلمذ: جعل للخدمة.
«متلمذ» بكسر الميم. وأراد بأولى قوي: الملائكة الذين يحملون العرش. وقوله:
«فمضى» يعني الله عز وجل. واستبد، يعني لا يستشير أحدا، يقال استبدّ
(1)
القذفات بضم الذل وفتحها: جمع قذفة، بالضم، وهي الناحية. وقذفات الجبال وقذفها:
ما أشرف منها.
(2)
الدغم: السواد.
(3)
هذا سهو من البغدادي، فإن الشريشى في هذا الموضع لم يقل إلا:«تلميذ، متعلم الصنعة» . انظر الشريشى 1: 29 س 1. وأما الكلام الذي نقله البغدادي بعد فهو تعليق على قول ابن الحريري: فالتفت إلى تلميذه وقلت عزمت عليك بمن تستدفع به الأذى، لتخبرني من ذا». انظر الشريشى 1: 30.
فلان برأيه، إذا لم يستعن أحدا على ما يريد. والمبتل: المفرد اه.
ويؤخذ منه أن تاءه أصلية، ووزن تلميذ فعليل، وأن له فعلا متصرفا هو تلمذه كدحرجه، بمعنى خدمه، يتلمذه كيدحرجه، تلمذة وتلماذا، كدحرجة ودحراجا، فهو متلمذ كمدحرج بمعنى خادم، وذاك متلمذ أي جعل خادما
(1)
.
وإطلاق التلميذ على المتعلم صنعة أو قراءة، لأنه في الغالب يخدم أستاذه.
وقول الناس: «تلمذ له» و «تلمذ منه» بتشديد الميم، خطأ، لأنهم توهموا أن التاء زائدة، وليس كذلك، وصوابه «تلمظ له» و «تلمظ منه
(2)
» بالظاء المشالة المعجمة. ولمظه أي أطعمه وأذاقه. والتلمظ: تتبع اللسان بقية الطعام في الفم. وقد يكني به عن الأكل، استعير للتعليم شيئا فشيئا.
والتلميذ يجمع على تلاميذ، فإن فعليلا يجمع على فعاليل، كبرطيل وبراطيل، وعفريت وعفاريت، وقنديل وقناديل، وإصليت وإصاليت، وإبريق وأباريق، ومنديل ومناديل. وأما قولهم في جمعه «تلامذة» فعلى توهم أنه اسم أعجمي
(3)
، فإن الهاء في الجمع تكون في أحد ثلاثة مواضع:(أحدها) الاسم الأعجمي المعرب، سواء كانت للتعويض عن مدة نحو أستاذ وأساتذة، أم لا نحو موزج وموازجة، وكيلجة وكيالجة. (ثانيها) للتعويض عن ياء النسب في المفرد، نحو أشعثي وأشاعثة، ومهلبي ومهالبة، وأزرقي وأزارقة. (ثالثها) للتعويض [إما] عن ألف خامسة جوازا نحو حبنطي وحبانطة، وعفرني وعفارنة، وإما عن [عين
(4)
] مضاعفة نحو جبار وجبابرة وفي غير هذه المواضع الثلاثة قليل نادر كفحولة وحجارة.
قيل: وقد يرخم التلاميذ في الشعر على تلاميذ في شعر على تلام، كقول الطرماح:
تتقي الشمس بمدريَّةٍ
…
كالحماليج بأيدي التلام
(1)
الأولى من تلمذه بمعنى خدمه، والأخيرة من تلمذه أي جعله خادما.
(2)
هذه فتوى لغوية للبغدادي. ولما يستعمل هذا التعبير، ولا أظنه سائغا.
(3)
كأن البغدادي يذهب إلى أنه عربى.
(4)
كتبت كلمة عين في ا، ح لكن جعل فوقها خط، والصواب إثباتها.
والحماليج: منافخ الصاغة الطوال، وأحدها حملوج. شبه قرن البقرة الوحشية بها.
قال الجواليقي في المعربات
(1)
: «التلام أعجمي معرب، قيل هم الصاغة، وقيل غلمان الصاغة، وقيل هم التلاميذ» . وأنشد هذا البيت.
وأنشد ابن برى في حاشية الصحاح قول غيلان بن سلمة الثقفي
(2)
أيضا:
وسربال مضاعفة دلاص
…
قد أحرز شكها صنع التلام
وروى: «التلام» في البيتين بفتح التاء وكسرها. أما الفتح فعلى أنه مرخم التلاميذ ضرورة. وقد اقتصر عليه صاحب الصحاح، وقال:«التلام التلاميذ سقطت منه الدال» .
وصاحب الصحاح تابع في هذا لأبى على، قال في المسائل العسكرية
(3)
:
ومن قبيح الضرورة قول الشاعر:
• مثل الحماليج بأيدي التلام
…
قالوا: يريد التلامذة، فحذف. وقد أعلمتك أن ذلك يكون على الترخيم فيما تقدم. إلا أنه قد جاء من هذا النحو ما لا يكون في الترخيم كقوله
(4)
:
• درس المنا بمتالع فأبان
…
قالوا: يريد: المنازل. ومثل ذلك ما أنشدوه لأبى دواد
(5)
الإيادى:
• فكأنما تذكى سنابكها حبا
(6)
…
قيل يريد الحباحب، أي نار الحباحب. وفي التنزيل:«فَالْمُورِياتِ قَدْحاً» .
انتهى كلامه.
(1)
المعرب للجواليقى طبع دار الكتب ص 91.
(2)
شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام. الإصابة 6918 والأغانى 12: 43 - 47.
(3)
المسائل العسكرية لأبى على الفارسي المتوفى سنة 337. نقل منها البغدادي نصوصا جليلة في مواضع شتى من الخزانة. انظر 1: 9، 14/ 2: 62، 275، 402، 522/ 3: 46/ 4: 67، 73، 582، ا، ح «مسائل العسكرية» تحريف.
(4)
هو لبيد بن ربيعة. والبيت مطلع قصيدة له في ديوانه طبع فينا 1880 وعجزه:
• وتقادمت بالحبس فالسوبان
…
(5)
ا، ح:«لأبى دؤاد» بالهمز.
(6)
روى البيت في اللسان 1: 288 هكذا:
يذرين جندل حائر لجنوبها
…
فكأنها تذكى سنابكها الحبا
وأما الكسر فعلى أنه جمع «تلم» بكسر فسكون، بمعنى الغلام. قال ابن مكرم
(1)
: فمن
(2)
رواه: التلامي، بفتح التاء وإثبات الياء، أراد التلميذ، يعني تلاميذ الصاغة. هكذا رواه أبو عمرو، وقال: حذف الذال من آخرها
(3)
. ومن رواه: التلام، بكسر التاء، فإن أبا سعيد قال: التلم الغلام. قال: وكلّ غلام تلم، تلميذا كان أو غير تلميذ، والجمع التلام. وقال ابن الأعرابي: التلام:
الصاغة، والتلام: الأكرة» اه.
وأقول: «الصاغة» تصحيف من الصناع
(4)
لوقوعه في صحبة الحماليج.
ويدفعه البيت الثاني
(5)
.
وقال صاحب القاموس: «التلم، بالكسر: الغلام، والأكار، والصائغ أو منفخه الطويل. وكسحاب: التلاميذ، حذفت ذاله. ولم يذكر الجوهري غيرها، وليس من هذه المادة [و] إنما هو من باب الذال» اه.
أقول: أما قوله: «الأكار والصائغ» فأخذه من قول ابن الأعرابي، على أن الصاغة والأكرة بالتحريك جمع صائغ وأكار.
وأما قوله: «أو منفخه» فقد أخذه من قول بعضهم، وقد غلط فيه.
نقل الأزهري عن الليث أن بعضهم قال: التلام الحماليج التي ينفخ بها.
قال: وهذا باطل
(6)
.
والعجب من صاحب القاموس، أنه اعترض على صاحب الصحاح في ذكره التلام في باب الميم، مع أنه أثبته مثله، ولم يذكره في باب الذال.
[انتهت الرسالة]
(1)
في لسان العرب مادة تلم.
(2)
في الأصل: «ومن» ، وصواب النص من اللسان.
(3)
أسقط البغدادي هنا قول ابن منظور: «كقول الآخر:
لها أشارير من لحم تتمره
…
من الثعالى ووخز من أرانيها
أراد من الثعالب، ومن أرانبها». وهذا البيت لأبى كاهل اليشكري كما في اللسان 5. 161.
(4)
ح فقط: «في الصناع» .
(5)
يشير إلى بيت غيلان بن سلمة.
(6)
في اللسان: «قال أبو منصور - وهو الأزهري - قال الليث: إن بعضهم قال التلاميذ الحماليج التي ينفخ فيها. قال: وهذا باطل ما قاله أحد» .
المجموعة الثّالثة
10 -
رسالة أبى عامر بن غرسية في الشعوبية.
11 -
رسالة في الرد عليها لأبى يحيى بن مسعدة.
12 -
رسالة ثانية في الرد عليها.
13 -
رسالة ثالثة لأبى جعفر أحمد بن الدودين البلنسىّ.
14 -
رسالة رابعة لأبى الطيب بن من اللّه القروىّ.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
تقديم
هذه هي المجموعة الثالثة من (نوادر المخطوطات)، وهي وثيقة هامة تقدم إلى خاصة الأدباء والباحثين مادة غزيرة في ناحية مغلقة من نواحي الأدب العربي، وتعرض لونا من ألوان الحياة الثقافية والاجتماعية والدينية في بلاد الأندلس في القرنين الخامس والسادس.
وقد كان للصديق الفاضل «الدكتور شوقى ضيف» فضل تعريفى برسالة ابن غرسية التي لم أكن أعرف عنها إلا الاسم فحسب، وقد عثر عليها في أثناء تفتيشه لذخيرة ابن بسام
(1)
.
وعندما رجعت إلى الذخيرة وجدت النص، فيها مضطربا شديد التحريف، فبحثت عن مرجع آخر يسعف في تحقيق هذا النص، فساقني المطاف إلى فقر متناثرة نشرها المستشرق الألماني الكبير إجنتز جولدتسيهر lgnaz Goldziher في أثناء بحثه في (الشعوبية عند مسلمى الأندلس) الذي قدمه إلى مؤتمر المستشرقين الثاني عشر بمدينة روما في أكتوبر سنة 1899 ونشره في مجلة الجمعية الألمانية الشرقية
(2)
.
وقد رأيت أن أطلع على البحث المكتوب باللغة الألمانية، فاتصلت بالصديق الفاضل «الدكتور عبد الحليم النجار» الأستاذ المساعد بكلية الآداب بجامعة القاهرة، الذي كان له فضل إمدادى بترجمة دقيقة لهذا البحث استوجبت جزيل شكري وعظيم التقدير.
(1)
القسم الثالث من مخطوطة جامعة القاهرة رقم 26022 ص 219 - 231.
(2)
Zeitschrift der Deutschen Morgenlandischen Gesellschaft
المجلد 53 ص 601 - 620 ليبسك 1899.
وكان في النية أن أنشر هذه الترجمة النفيسة في هذه المجموعة، ولكني وجدت فيما بعد أن نطاق المجموعة يضيق عن استيعاب نص هذا البحت المسهب، فآثرت أن أوجزها إيجازا، وأن ألحقها بنهاية هذا التقديم.
وقد دلنا جولدتسيهر على مخطوط في مكتبة الإسكوريال برقم (538) يتضمن هذه الرسالة وبعض الردود عليها. وهو مخطوط نادر مكتوب بخط مغربى مجهول التاريخ وإن كان يبدو عليه سمة القدم، كتب في صدره:
وهذه العنوانات هي بعض ما ورد في مجموعة الإسكوريال، وهناك عنوانات أخر لرسائل كثيرة تضمنها هذا المجموع النادر.
وبذلك اجتمع لنا نصان يسعفان في نشر هذه الرسائل النادرة.
نص الذخيرة ونص مجموعة الإسكوريال أما نص الذخيرة
(1)
فإنه يشتمل على رسالة ابن غرسية، ورسالتين أخريين هما:
1 -
رد أبى جعفر أحمد بن الدودين.
2 -
ثم رد أبى الطيب بن من اللّه القروي.
وأما نص المجموعة فإنه يشتمل على الرسالة وعلى ردود أربعة، وهي:
1 -
رسالة أبى يحيى بن مسعدة.
2 -
ثم رسالة لم يصرح باسم كاتبها، وأرجح أنه أبو يحيى.
3 -
ثم رسالة أبى جعفر بن الدودين.
(1)
مما يجدر ذكره أن جولدتسيهر لم يطلع على هذا النص، ولم يشر إليه في بحثه.
وكان ذلك سببا في عثرته التي أشرت إليها في ص 242.
4 -
ثم رسالة أبى الطيب بن من اللّه القروي.
ومما هو جدير بالذكر أن صاحب مجموعة الإسكوريال قد نقل الرسالتين الأخيرتين من الذخيرة ولم يصرح بذلك، فإننا نجد نص رسالة أبى جعفر بن الدودين هو نص الذخيرة، لا يفترقان إلا في القليل.
ونلفى صدر رسالة أبى الطيب في المجموعة هو عبارة ابن بسام وسجعه في الذخيرة بالحرف الواحد: «وممن رد عليه وأجاد، ما أراد، أبو الطيب بن منِّ الله القروي برسالة طويلة أثبت منها بعض الفصول، تخفيفا للتثقيل» .
ثم نرى توافقا تاما في تقسيم فصول الرسالة وفقرها، إذ يبدو لنا أن هذا النص مؤلف من فصول مختارة من الرسالة، وليس نصّا كاملا.
ثم نطالع هذه العبارة في الورقة (51 ا): «قال صاحب الكتاب: وبين أبو الطيب بطلان كلامهم في احتجاج طويل، تركته تخفيفاً للتثقيل» . وهذه هي عبارة الذخيرة بنصها. وصاحب الكتاب هو ابن بسام صاحب الذخيرة بلا ريب.
فلأن نص مجموعة الإسكوريال أعظم قيمة من حيث هي أقدم خطّا، وأصح متنا، وأكثر استيعابا في النص، واشتمالا للردود - جعلتها أصلا في نشر هذه المجموعة، وجعلت نص الذخيرة للمقابلة والاستعانة في التحقيق.
أبو عامر بن غرسية:
أفرد له علي بن سعيد صاحب المغرب المتوفى سنة 685 ترجمة خاصة
(1)
قال فيها:
«أبو عامر بن غرسية
(2)
من عجائب دهره، وغرائب عصره، إن كان نصابه
(1)
المغرب 4: 236 مخطوطة دار الكتب 2712 تاريخ.
(2)
غرسية تعريب «جارسيا» : Garcia ومعناه في الأسبانية ذو الحيلة، أو الثعلب أو الماكر، كما ورد في معجم المجمع العلمي الأسبانى (Dicionario de la LinguaEspanola) وهو علم شائع في بلاد الأندلس تسمى به كثير من ملوكهم وأمرائهم وفرسانهم. وذكر ابن حزم في جمهرة الأنساب 467 تحقيق پروفنسال:«غرسية» ملك البشاكسة الذي زفت إليه أورية بنت قسى، فولدت له «موسى بن غرسية». ومن أبرز علماء المشرقيات الأسبانيين المعاصرين صديقنا الأستاذ «إميليو جارسيا جوميز»: Emilio Garcia Gomez الأستاذ
في العجمية، فقد شهدت له رسالته المشهورة بالتمكن من أعنة العربية، وهو من أبناء نصارى البشكنس
(1)
، سبى صغيرا وأدبه مجاهد مولاه، ملك الجزر ودانية.
وكان بينه وبين أبى جعفر بن الخراز صحبة أوجبت أن استدعاه من خدمة المعتصم ابن صمادح ملك المرية، ناقدا عليه ملازمة مدحه وتركه ملك بلاده».
ثم قال: ومن شعره:
إن أصلى كما علمت ولك
…
ن لساني أعز من سحبان
وأنا من خير الملوك بصدر
…
هل ترى بالقناة صدر السنان
ويحمل هذا النص:
1 -
أن مولد أبى عامر كان ببلاد البشكنس. وبفهم ذلك أيضا من نصوص البلوى في كتابه ألف باء 1: 350.
2 -
وأنه انتقل إلى دانية من أعمال بلنسية في سباء وقع عليه وهو صغير، حيث ربى في كنف أبى الجيش مجاهد العامري
(2)
.
بجامعة مدريد. ومما يجدر ذكره أن هناك عالما جليلا من علماء الأندلس يشترك مع أبي عامر في الكنية، وهو أبو المطرف عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن محمد بن بشر بن غرسية القرطبي المالكي، ويعرف أيضا بمولى بنى فطيس، ولاه متولى قرطبة علي بن محمود الحسنى القضاء سنة 407 وتوفى في شعبان سنة 422 وله ثمان وخمسون. ذكره الذهبي في سير النبلاء (القسم الأول من الجزء 11 مصورة دار الكتب رقم 12195 ح). قال الذهبي:«ولم يجيء بعده قاض مثله» .
(1)
البشكنس أو البسك: Basgues ويسميهم المسعودي «الوشكنس» هم قوم يسكنون ما بين جنوب فرنسا والشمال الشرقي من أسبانيا مما يجاور خليج «بسكاى» . ويتميزون عن جيرانهم بلغتهم غير الآرية، ولهم ميل إلى الأخذ بالخرافات والمحافظة على القديم، وهم ذوو حماسة وكبر وتمسك بالمعتقدات الدينية والمبادئ الأخلاقية، تبلغ عدتهم نحو 600 ألف منهم 120 ألفا في الأقاليم الفرنسية. انظر المعلمة البريطانية، وكذا:
Great encyclopedia of univeal Krsnowlages
(2)
هو أبو الجيش، الموفق مجاهد بن عبد اللّه العامري، مولى عبد الرحمن الناصر ابن المنصور محمد بن أبي عامر. نشأ بقرطبة، ولما جاءت الفتنة وتغلبت العساكر على النواحي بذهاب دولة بنى أبى عامر، قصد إلى الجزائر التي في شرق الأندلس فغلب عليها وحماها، ثم حاول الاستيلاء على سردانية فنجح ثم صدته الروم، ثم استولى على دانية وما يليها، وتوفى سنة 436. جذوة المقتبس 331 - 332 تحقيق محمد بن تاويت.
وفي المغرب 4: 226: «وكان جليل القدر، له غزوات في النصارى في البحر -
3 -
ويبدو أن أبا عامر كان له شأن عظيم في دولة مجاهد، الأمر الذي حمله على أن يستدعى صديقه أبا جعفر بن الخراز لينضم إليه في خدمة مولاه مجاهد. كما يفهم من نص لابن الأبار
(1)
أنه كان لابن غرسية ولد سماه «أبا جعفر أحمد» كان له مؤدب خاص من بين العلماء، وهو «أبو العباس الجريري». قال:«وسكن دانية وكان بها يؤدب أبا جعفر أحمد بن أبي عامر بن غرسية الكاتب» . فهذا دليل على أنه كان من خواص الدولة، ودليل أن عمله الرسمي كان الكتابة.
4 -
ويفهم أيضا من هذا النص ومن ترجمة مجاهد التي سقتها من قبل أن ابن غرسية وجد في كنف مجاهد مرعى صالحا لشعوبيته، إذ أن مجاهدا كان مولى من موالى الروم، وهم مظنة البعد عن العصبية العربية.
وفي ذلك يقول أبو يحيى بن مسعدة في أواخر رسالته:
أيا عبد عبدٍ ألا تستحي
…
ولا لك دون النهى زاجر
فهو يعيره بأنه مولى مولى.
بل يبدو أن «مجاهدا العامري» كان مأوى وملاذا للشعوبيين، فكما نشأ ابن غرسية في بلاطه، نجد عالما آخر لائذا بكنفه، وهو اللغوي ابن سيدة صاحب المخصص. جاء في سير النبلاء
(2)
في ترجمته: «كان شعوبيا يفضل العجم على العرب» ثم قال: «وكان منقطعا إلى الأمير مجاهد العامري» .
5 -
وهو يحاول أن يجتذب صديقه أبا جعفر بن الخراز من كنف ملك عربى، هو المعتصم باللّه أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح التجيبى
(3)
، وكان المعتصم
- مشهورة، ومن أعظم ما فتحه جزيرة سردانية الكبيرة، وكان محبا للعلماء محسنا لهم، كثير التولع بالمقرئين للكتاب العزيز حتى عرف بذلك في بلده، وقصد من كل مكان، وشكر في الأقطار بكل لسان، وقد أثنى عليه ابن حيان في كتاب المتين بهذا الشأن. وقد وفد عليه أفذاذ الشعراء كإدريس بن اليمان، وجلة العلماء كابن سيدة».
ومما يجدر ذكره أن مجاهدا كان «رومى» الأصل. انظر المعجب للمراكشى ص 48 طبع السعادة. وانظر أخبارا أخرى لمجاهد مع العلماء في جذوة المقتبس 172، 173، 293
(1)
في المعجم ص 299.
(2)
سير النبلاء ج 11 القسم الثاني ص 180 مصورة دار الكتب.
(3)
انظر ترجمته في قلائد العقيان 47، ووفيات الأعيان، والحلة السيراء 172.
وكانت وفاته سنة 484. وتجيب: بطن من كندة.
ملكا على المرية، وهي مدينة كبيرة من كورة ألبيرة من أعمال الأندلس، وكانت هي وبجانة بابى الشرق.
6 -
وهو في ذلك يعتب عليه، لتركه مدح مجاهد واقتصاره على مدح ابن صمادح، كما يفهم من نص المغرب مقرونا إلى نص ابن بسام التالي.
تاريخ الرسالة:
مما لا يتطرق إليه الشك أن الرسالة كتبت في حياة مجاهد، مولى أبى عامر ابن غرسية، بعد استيلائه على «دانية» . وتمتد حياة مجاهد السياسية ما بين سنتي 406 و 436. وكانت دانية آخر ما استولى عليه من البلاد، وفيها وطد ملكه
(1)
.
أبو جعفر بن الخراز:
نص المغرب في ترجمته لأبى عامر بن غرسية
(2)
يعين أن الذي أرسل إليه أبو عامر رسالته هو «أبو جعفر بن الخراز» .
وكذلك نص ابن بسام في الذخيرة يقول إن أبا جعفر بن الخراز هو الذي أرسلت إليه الرسالة. قال ابن بسام في صدر ترجمته لأبى جعفر أحمد بن الدودين البلنسى
(3)
:
ثم قال: «وهذه نسخة رسالة ابن غرسية يخاطب الشاعر ابن الخراز» .
ونص ثالث في التكملة
(4)
في ترجمة أبى عبد اللّه محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد
(1)
جذوة المقتبس 331 - 332.
(2)
انظر ما سبق في ص 231 - 232.
(3)
القسم بالثالث من الذخيرة ص 219 مخطوطة جامعة القاهرة رقم 26022.
(4)
التكملة 1: 157.
ابن سهل الأنصاري المعروف بابن الخراز، قال: «وكان أبوه أبو جعفر أيضا شاعرا
(1)
، وهو الذي خاطبه أبو عامر بن غرسية بالرسالة المشهورة».
فهذه المراجع جميعها تنص نصا واحدا، أن الذي كاتبه أبو عامر بن غرسية إنما هو «أبو جعفر بن الخراز» .
ولكنا نجد في صدر هذا النص من مجموعة الإسكوريال أن الذي كاتبه أبو عامر إنما هو «أبو عبد اللّه بن الحداد» .
ويزيد في هذه الشبهة أننا نجد شاعرا كان يلزم ابن صمادح ويمدحه، وهو «أبو عبد اللّه بن الحداد» واسمه محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم القيسي، كما ذكر ابن خلكان
(2)
.
ويقويها أيضا ما ورد في سير النبلاء للذهبي
(3)
في ترجمة ابن صمادح: «ومن وزرائه أبو بكر بن الحداد الأديب» .
والقول في ذلك أنهما - كما يبدو - شخصان مختلفان في الاسم والنسب والانتساب، اتصل كل منهما بابن صمادح ومدحاه، ولكن الذي أرسل إليه ابن غرسية الرسالة إنما هو «أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن سهل الأنصاري» المعروف بابن الخراز.
ومما يعزز ذلك أن صاحب المغرب نص عليه في ترجمته لأبى عامر بن غرسية.
وصاحب المغرب يعرف ابن الحداد أيضا ويترجم له في موضع آخر من المغرب
(4)
، قال: «أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن الحداد القيسي
…
وصفه الحجارى وابن بسام
(1)
من شعره ما أنشده المقرى في نفح الطيب 5: 43:
وما زلت أجنى منك والدهر ممحل
…
ولا ثمر يجنى ولا زرع يحصد
ثمار أياد دانيات قطونها
…
لأوراقها ظل على ممد
يرى جاريا ماء المكارم تحتها
…
وأطيار شكري فوقهن تغرد
(2)
وفيات الأعيان 2: 35 في ترجمة محمد بن معن بن أحمد بن صمادح. وأنشد ابن خلكان وكذا المقرى في نفح الطيب 4: 246/ 5: 240 مدائح لأبى عبد اللّه بن الحداد في المعتصم ابن صمادح.
(3)
القسم الثاني من الجزء 11 ص 284 مصورة دار الكتب.
(4)
المغرب 5: 235 من النسخة 103 تاريخ م.
بالتفنن في العلوم ولا سيما القديمة. وديوان شعره كبير جليل، وكان أكثر عمره عند المعتصم بن صمادح ملك المرية، ثم فرعنه إلى ابن هود صاحب سرقسطة».
فهو يعرف الرجلين ويميز بينهما.
وأما ما ورد في صدر مجموعة الإسكوريال فلا يبعد أن يكون من تصرف أديب أو ناسخ، ساقته معرفته لصاحب العلاقة المشهورة يا ابن صمادح أن يجعله هو أيضا صاحب أبى عامر بن غرسية الذي ساق إليه الرسالة، ومما أسعف في ذلك قرب إحدى الكلمتين في الرسم من الأخرى، أعنى «الخراز» و «الحداد» .
أصحاب الردود على رسالة ابن غرسية:
كان أجدر بأبى جعفر بن الخراز أن يرد على صديقه أبى عامر بن غرسية موافقا أو مخالفا، ولكن لم تذكر لنا المصادر التي نعرفها أنه كتب ردا، فضلا عن أن تحمل إلينا ذلك الرد. بيد أن هذه المجموعة التي حفظتها مكتبة الإسكوريال قد نقلت إلينا ردودا أربعة
(1)
:
(أولها) رد أبى يحيى بن مسعدة. ويبدو أنه كان شيخا جليلا في حضرة ملوك المغرب. ونجد في هذا الرد ذكر الإمام المهدي أبي عبد الله محمد بن عبد اللّه القرشي العلوي. ومحمد هذا هو المعروف بمحمد بن تومرت
(2)
، وكان قيامه بالأمر سنة 515 ووفاته سنة 534. ونجد في الرد أيضا ذكر عبد المؤمن بن علي
(3)
، وكانت ولادته سنة 487 ووفاته سنة 558. وهذه التواريخ تبعد كثيرا عن التاريخ الذي كتبت فيه رسالة ابن غرسية، هذا التاريخ الذي لا يصح أن يتجاوز سنة 436 وهي سنة وفاة مجاهد ملك دانية.
(1)
يبدو أن جولدتسيهر لم يقع إليه إلا رسالة ابن غرسية فقط كما يفهم من كلامه في بحثه إذ ذكر أن صديقه Louis Barran قد أمده بصورة شمسية من الرسالة عن مخطوطة الإسكوريال.
(2)
المعجب 115 - 125.
(3)
المعجب 125 - 153.
ويستغرق هذا الرد من مجموعة الإسكوريال الورقات من 29 - 41.
وهذا الرد هو أكبر الردود وأحفلها.
(ثانيها) رد لمجهول، وعنوانه في الأصل «رسالة ثانية في الرد على ابن غرسية» .
فمن المحتمل أن يكون رسالة ثانية لأبى يحيى بن مسعدة، أو تكون لأحد الذين قد جرى لهم ذكر في التاريخ أنهم تناولوا الرسالة بالرد، وسأذكرهم فيما بعد.
وإني أرجح الاحتمال الأول ترجيحا، لسببين.
1 -
التشابه الشديد بين أسلوبى الرسالتين، ويبدو ذلك واضحا لمن درس الرسالتين ولمس الروح السارية في تضاعيف كل منهما.
2 -
التقارب الشديد بين بعض العبارات، مما ينطق بأن صاحبهما واحد.
ومن أمثلة ذلك:
1 -
ما جاء في الرد الأول في الورقة 32 ا: «لقد ذهبتم من العار بحمه ورمه، والفحل السوء يبدأ بأمه» وفي الرد الثاني 42 ا: «ذهبوا والله من العار بثمه ورمه، وفحل السوء يبدأ بأمه» .
ب - 33 ا «الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل» وفي الثاني 42 ا «ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل» .
ح - 40 ا «وتجعل الخصل كله للعرب، والفضل للنبع على الغرب» وفي الثاني 41 ا «فتعلم أن البأس للعرب، وأن النبع ليس من الغرب» .
د - 36 ا «وأبرهة ذي المنار، وعمرو ذي الأذعار» هو بنفسه في الثاني 41 ا.
هـ - 36 ا «يزدجردكم وشهرياركم» هو بنفسه في الثاني 41 ا.
و - 36 ب، 41 ا اتفق اقتباس هذا البيت:
ولم أر أمثال الرجال تهافتوا
…
على المجد حتى عد ألف بواحد
ز - 38 ا، 41 ا تطابق اقتباس هذا البيت:
والليث حيث ألب من
…
أرض فذاك له عرين
إلى غير ذلك كثير، مما يقرب القطع بأن صاحب الرسالتين كاتب واحد.
وهذا الرد يستغرق من مجموعة الإسكوريال الورقات من 41 - 43.
ولم يذكر جولدتسيهر هذا الرد ولا أشار إليه.
(ثالثها) رد أبى جعفر أحمد بن الدودين
(1)
البلنسى، وكان هذا معاصرا لابن بسام صاحب الذخيرة
(2)
، قال في صدر ترجمته: «هو أحد من لاقيته وشافهته، وأملى على نظمه ونثره [بأشبونة
(3)
] سنة سبع وسبعين
(4)
وأخبرني برسالته التي رد فيها على أبى عامر بن غرسية».
وقد فات «جولدتسيهر» أن يذكر هذا الأديب في ثبت من ردوا على ابن غرسية. انظر الحاشية (1) من ص 236. مع أن هذه الرسالة في ضمن مجموعة الإسكوريال من الورقة 53 - 54.
وهذه الرسالة لم يذكرها البلوى ولا صاحب كشف الظنون.
(رابعها) رد أبى الطيب بن من اللّه القروي، وهو الفقيه الأديب أبو الطيب عبد المنعم بن من اللّه الهوارى القيرواني، كما في الصلة لابن بشكوال
(5)
. ونسبة «القروي» هي الثابتة في نص مجموعة الإسكوريال، وأما كتاب ابن بشكوال فيجعلها «القيرواني» .
(1)
في الذخيرة (القسم الثالث الورقة 219 مخطوطة جامعة القاهرة): «الدودى» وفي مسالك الأبصار (القسم الثاني ج 11 الورقة 449 من النسخة رقم 2567) وكذا نفح الطيب (5: 290): «الدودى» .
(2)
يخلط بعض المؤرخين بين ابن سام صاحب الذخيرة وبين البسامى الشاعر الهجاء، ومنهم صاحب كشف الظنون، وصانعو فهرس دار الكتب، جعلوا وفاة ابن بسام (سنة 302) وهذه الوفاة إنما تصدق على البسامى، واسمه أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن منصور بن بسام.
وأما ابن بسام صاحب الذخيرة فهو أبو الحسن علي بن بسام التغلبي الشنترينى، ترجم له ابن سعيد في المغرب 1: 417 تحقيق الدكتور شوقى ضيف، وياقوت في معجم الأدباء 12: 275 والمقرى في نفح الطيب 5: 9. وأرح المقرى وفاته (سنة 542).
(3)
التكملة من المسالك عن الذخيرة.
(4)
أي وأربعمائة.
(5)
الصلة رقم 835.
قال
(1)
وقد حفظ لنا البلوى في كتابه
(2)
عنوان رسالته، وهو «حديقة البلاغة، ودوحة البراعة، المورقة أفنانها، المثمرة أغصانها، بذكر المآثر العربية، ونشر المفاخر الإسلامية، والرد على ابن غرسية فيما ادعاه للأمم العجمية» . وعرف هذا العنوان أيضا صاحب كشف الظنون.
ردود تاريخية:
وأعنى بها الردود التي حفظ التاريخ أسماءها ولم نصل بعد إليها.
1 -
رد الفقيه أبى مروان عبد الملك بن محمد الأوسي. ذكره البلوى وصاحب كشف الظنون، وعنوانه «رسالة الاستدلال بالحق، في تفضيل العرب على جميع الخلق، والذب والانتصار، لصفوة اللّه المهاجرين والأنصار» .
2 -
رد الكاتب ذي الوزارتين أبى عبد اللّه محمد بن أبي الخصال الغافقي المتوفى سنة 540 سمى رسالته «خطف البارق وقذف المارق، في الرد على ابن غرسية الفاسق، في تفضيله العجم على العرب، وقرعه النبع بالغرب» . ذكرها البلوى وصاحب كشف الظنون، وقد رآها البلوى
(3)
وقال: «فأما ابن أبي الخصال، فأخنى عليه وصال، بحجاج أمضى من النصال، ما له عنها انفصال» .
وقال ابن الأبار
(4)
في ترجمة ابنه عبد الملك: «ووجدت سماعه من أبيه في نسخة من رسالته التي رد فيها على ابن غرسية في جمادى الآخرة سنة 528» .
3 -
رد أبى محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجي الغرناطي، وكان
(1)
الصلة رقم 835.
(2)
ألف باء 1: 350.
(3)
ألف باء 1: 351.
(4)
تكملة الصلة رقم 1700.
يعرف بابن الفرس، ذكر ابن الأبار
(1)
جده وقال: «وكان هو وابنه محمد وابن ابنه عبد المنعم بن محمد فقهاء ثلاثة في نسق» .
وذكر النباهى في تاريخ قضاة الأندلس
(2)
عبد المنعم هذا في قضاة غرناطة، وذكر وفاته في سنة 597. وترجم له أيضا ابن الأبار
(3)
.
وقد عرف هذه الرسالة البلوى وصاحب كشف الظنون ولم يذكرا لها عنوانا.
4 -
رد عبد الحق بن خلف بن مفرج، ذكر في تكملة التكملة
(4)
.
رد أبى الحجاج البلوى:
وهو أبو الحجاج يوسف بن محمد المالكي الأندلسي، المعروف بابن الشيخ، من أدباء القرن السادس. وقد وقعت إليه رسالة ابن غرسية مع طائفة من ردود الأدباء، وفي ذلك يقول
(5)
بعد أن ساق ثبت ردود الأدباء على ابن غرسية:
«وقد أراني جميع ذلك بعض الأصحاب، ممن هو في العلم كالسحاب، وفي جملتها كلام ابن غرسية المذكور في رسالته الدالة على فساد القول وفسألته، التي فضل فيها على العرب العجم، وأراد أن يعرب فأعجم، فقلت وقد غاظنى ما رأيت لهذا الجاهل من الاقتراف، وأنا بالعجز عن معارضة من سبقني من العلماء ذو اعتراف» ..... ثم أنشأ في ذلك ما يشبه المقامة الهزلية التي يختلط فيها الشعر بالنثر.
ويعد هذا الأثر الأدبي أول رسالة أظهرتها المطبعة مما يمت بصلة ظاهرة إلى رسالة ابن غرسية.
(1)
في المعجم رقم 223.
(2)
ص 110 بتحقيق پروفنسال، طبع دار الكاتب المصري.
(3)
في تكملة الصلة 1814.
(4)
انظر تكملة التكملة ص 422 مع فهرسها ص 662.
(5)
ألف باء 1: 351.
موجز بحث جولدتسيهر الشعوبية عند مسلمى أسبانيا
قسم جولدتسيهر بحثه فصولا ثلاثة:
الأول في الشعوبية الأسبانية - والثاني في تحليل رسالة ابن غرسية - والثالث في الكلام على صدى هذه الرسالة.
الشعوبية الإسبانية:
اتصل بالعناصر العربية والبربرية في أسبانيا عنصران آخران هما:
1 -
المولدون، وهم نصارى أسبانيا الذين اعتنقوا الإسلام.
ب - الصقالبة، ويراد بهم السلافيون بوجه خاص، وأسارى الحزب والأرقاء من مختلف الشعوب الشمالية بمعنى عام.
ومن المولدين من اندمج في الكيان العربي اندماجا جعل بعضهم يبتدعون أنسابا عربية، ومن هؤلاء أسرة بنى مغيث الرومي الأصل.
وكما كان للمولدين فضل كبير في خدمة الثقافة العربية - ومنهم بقي بن مخلد القرطبي، وأبو محمد بن حزم، وعبد الملك بن سراج القرطبي - كان للصقالبة أيضا فضل لا ينكر، ومنهم جؤذر مولى الحكم الثاني، وفاتن مولى المنصور بن أبي عامر الذي اشتبك مع صاعد الأندلسي في جدل علمي فخرج منصورا عليه مظفرا.
وقد كان العرب يتعالون على هؤلاء القوم مما دعا بعضهم أن ألف كتابا سماه «كتاب الاستظهار والمغالبة، على من أنكر فضل الصقالبة» أشاد فيه بذكر مشاهير الصقالبة في شتى فروع الثقافة العربية. ولعل هذا الكتاب أول محاولة للكتابة في دائرة الشعوبية وإن لم تكن في صميمها، لأن مؤلفه دافع عن عنصره ولم يهاجم غيرهم.
أما الميل الحقيقي إلى الشعوبية فقد أخذ طابعه الكامل في محيط المولدين،
ويمتاز هذا الميل في أسبانيا بحرصه على أن ينسجم مع العقيدة الإسلامية، على حين نجد شعوبية المشرق على النقيض من ذلك، إذ نرى ممثلى الشعوبية فيه من الملاحدة والزنادقة في أكثر الأمر.
ومن أقطاب شعوبية الأندلس محمد بن سليمان المعافري، وكان شديد العصبية للمولدين. ومنهم أبو محمد عبد اللّه بن الحسن المتوفى سنة 335 وكان معروفا بشدة تعصبه للعجم، ومحاولته الغض من شأن العرب.
ويبدو أنه لم يتح للنزعة الشعوبية الأندلسية أن تستعلن في إنتاج أدبى إلا بعد أن انقسمت الدولة إلى دويلات صغيرة تناهب الحكم فيها صقالبة ومولدون، فتسمع حينئذ من أبى عامر بن غرسية صوتا شعوبيا قويا يحاول إثبات فضل العجم على العرب.
ثم ساق «جولدتسيهر» ترجمة استنتاجية لابن غرسية لم يحالفه الصواب في بعض زواياها، فهو يظن أنه كان في خدمة المعتصم بن صمادح. على حين تشير المصادر التاريخية إلى أنه كان في خدمة مجاهد ملك دانية، وأنه كان يريد تعفير صديقه أبى عبد اللّه من خدمة ابن صمادح، ويحثه على ترك خدمته. وبنى «جولدتسيهر» على هذا الظن ظنا آخر، أن ابن غرسية عاش زمانا في المرية حيث المعتصم بن صمادح. وهو افتراض لا يصح.
ثم يعلل جولدتسيهر النشاط الشعوبى لابن غرسية بأنه كان يعيش في صقع ضعف فيه النفوذ العربي وتغلب عنصر الصقالبة، ويقول:«وما كان لعامل من العمال الرسميين في مجتمع تنحصر مقاليد السلطان به في أيد عربية أن يحدث نفسه بإثارة مثل هذا الهجوم الجرئ على العرب ثم يترك وشأنه دون عقاب أو قصاص» .
تحليل الرسالة:
لم يأت ابن غرسية بجديد من وجهة النظر الموضوعية، ويبدو أنه أطلع على كتابات الشعوبية بالمشرقية واستقى منها أهم الحقائق ولم يبتدع هو إلا الملابسات والدواعي الخاصة. وكان جدل الشعوبية بالمشرق من جهة الأسلوب أبعد عن
الصناعة الفنية، ومن جهة المبدأ أقرب إلى الموضوعية العلمية منه إلى الذاتية الشخصية، على حين نجد كتابة ابن غرسية رسالة شخصية يستعمل فيها كل التعبيرات الفنية من ترادف وطباق، وتلاعب بالألفاظ، وتعريض، وتضمين واقتباس، ورمز إلى حوادث أدبية وحقائق تاريخية، مما يطبع الرسالة الفنية بالطابع المطلوب. كما أن نمو وسائل الأسلوب الفنى وتنوعها على الصورة التي يستخدمها كتاب القرن الخامس قد أعارت قلمه أحيانا لون التهكم والفكاهة الذي استغنى عنه جدل الشعوبية بالمشرق.
ومما يجدر ذكره أن المشرقيين حين يقولون «العجم» فإنهم يعنون الفرس، على حين يتسع مدلول هذه الكلمة عند الأسبانيين فيشمل الروم وبنى الأصفر.
وقد وازن ابن غرسية بين المميزات الطبيعية والخصال الخلقية بين عنصرى العرب والعجم ففخر ببياض العجم على سمرة العرب. ثم هو يقابل بين حياة العرب القدامى بين الإبل والشاء، وحياة الأكاسرة والقياصرة في ظلال السيوف والرماح، ويعقد مقايسة بين هاجر أم العرب، وسيدتها سارة أم العجم، ويتكلم في قناعة العرب بالشهوات الدنيا، كالطبل والزمر، ومعاقرة الخمر، ويذكر أن العجم يمتازون في لباسهم وطعامهم وشرابهم، ثم يفخر بأمجاد العرب السياسية والحربية والعلمية.
وأما أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان عربيا فلا فخر في ذلك للعرب، فإن التبر من الترب، والمسك بعض دم الغزال، والماء العذب يستودع جلد المزادة البالي.
ثم ختم ابن غرسية رسالته بعبارات يستظهر بها التقوى، توهينا لما قد يشتم من كلامه مما قد يمس العقيدة الدينية، وهو في ذلك لا ينسى أن يتملق أميره بمدح، ويخلط باللين عنفا في مخاطبة صديقه.
ثم يتحدث جولدتسيهر عن مدى سرعة انتشار شعر أبى العلاء المعرى في الأندلس إذ تمكن ابن غرسية من الاستشهاد به. ويذكر من نماذج تأثير المعرى في الأدب الأندلسي تأليف ابن أبي الخصال رسالة عارض بها «ملقى السبيل» ، ومعارضة رسالة «الصاهل والشاحج» لأحد شعراء الأندلس، وتأليف ابن السيد البطليوسى شرحا كبيرا لديوان أبى العلاء ولما يكد يمضى نصف قرن على وفاته.
صدى رسالة ابن غرسية:
ذكر جولدتسيهر في هذا الصدد خمسة ردود، هي رد أبى يحيى بن مسعدة، وعبد الملك بن محمد الأنصاري، وأبى الطيب عبد المنعم بن من اللّه القيرواني، وعبد المنعم بن محمد الخزرجي، ثم مقامة البلوى التي نجدها في كتابه ألف باء.
وقد تناولت الكلام على هذه الردود فيما سبق، وزدت عليه ردودا ثلاثة أخرى تهديت إليها.
وكنت على أن أتناول هذه الرسائل بالشرح بعد تحقيقها، ثم رأيت أنى لو فعلت ذلك لأربى حجمها على الأضعاف، وخرجت بذلك عن المنهج المرسوم لهذه المجموعات، لذلك لم أفسر إلا ما يقتضيه التحقيق وموازنة النصوص، أو ما يشكل على بعض الخاصة أن يتبينوه في مظانه، من الإشارات الأدبية والتاريخية وغيرها، أو ما يلقى شيئا من الضوء على جوانب بعض المبهمات، حتى ينفذ النور إليها جميعا.
والحمد للّه الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا اللّه.
مصر الجديدة في ربيع الأول سنة 1373
عبد السلام محمد هارون
رسالة ابن غرسية
بسم الله الرحمن الرحيم رسالة خاطب بها أبو عامر بن غرسية أبا عبد الله بن الحداد
(1)
يعاتبه فيها ويفضل العجم على العرب، وكتب بها من لارة
سلام عليك ذا الروى، المروى، الموقوف قريضه على حللة بجانة
(2)
أرش اليمن
(3)
، بزهيد الثمن، كأن ما في الأرض إنسان، إلا من غسّان، أو من آل ذي حسان. وإن كان القوم أقنوك، وعن العالم أغنوك، على حسب المذكور، فما هذا الإعمال للكور، وترك الوكور. وقل ما تأخذ الشعرة
(4)
في الرحيل، إلا عن الربع المحيل! ولو أن القوم خلطوك بالآل، لما أحوجك إلى الخبط في الآل
(5)
. مه مه، من أحوجك إلى ركوب المهمة، وثقف
(6)
، وودك لا تقف، على من اضطرك إلى الإيغال، وباعك بيع المسامح بك لا المغال، وعوضك من الأندية
(7)
، بجوب الأودية، ومن المآلف، بقطع المتالف، وحملك على مخالفة الحصان، ومحالفة الحصان، ووكلك بمسح الأرض، ذات الطول والعرض، فإذا يمّمت تبالة، تباله
(8)
، وصرت ضغثا على إبالة، تتعلل باليمين، ضنا بالعلق الثّمين
(1)
كذا في نسخة الأصل. والصواب أنه «أبو جعفر بن الخراز» . انظر ما سبق في ص 234 - 236 من التقديم.
(2)
حللة: جمع حال بمعنى نازل في المكان. وبجانة، قال ياقوت: مدينة بالأندلس من أعمال كورة ألبيرة، خربت، وقد انتقل أهلها إلى المرية، وبينها وبين المرية فرسخان.
(3)
أصل معنى الأرش العيب في السلعة.
(4)
جمع شاعر. ولابن غرسية ولوع بهذه الصيغة من الجموع.
(5)
الآل الأولى بمعنى الأهل، وهذه بمعنى السراب.
(6)
يقال ثقف، إذا صار حاذقا فطنا. انظر ما سيأتي في 44 ب.
(7)
الأندية: جمع الندى، وهو مجلس القوم يجتمعون فيه. الخريدة:«من قطع الأندية» .
(8)
تبالة: بلدة مشهورة من أرض تهامة في طريق اليمن. وتباله: تصنع البلاهة.
أحسبك
(1)
أزريت، وبهذا الجيل البجيل ازدريت، وما دريت، أنهم الصهب الشهب، ليسوا بعرب، ذوي أينق جرب، أساورة، أكاسرة، مجد، نجد، بهم
(2)
، لا رعاة شويهات ولا بهم
(3)
، شغلوا بالماذى والمران، عن رعي البعران، وبجلب العز، عن حلب المعز، جبابرة، قياصرة، ذوو المغافر والدروع، للتنفيس عن روع المروع، حماة السروح، نماة الصروح
(4)
، صقورة، غلبت عليهم شقورة
(5)
، وشقورة الخرصان، لكنهم خطبة بالخرصان
(6)
.
ما ضرَّهم أن شهدوا مجادا
(7)
…
أو كافحوا يومَ الوغى الأندادا
ألاَّ يكون لونهم سوادا
أرومة روميّة، وجرثومة أصفريّة
(8)
.
فمتهم ذوو الأحساب والمجد والعلى
…
من الصُّهب لا راعو غضاً وأفانِ
(9)
من القدم، الماس الأدم، لم تعرق فيهم الأقباط، ولا الأنباط، حسب حري، ونسب سري، أمكم لأمنا كانت أمة، إن تنكروا ذلك تلفوا ظلمة، ولا تهابل
(10)
، في التكايل، فما سسنا قط قرودا، ولا حكنا برودا
(11)
،
(1)
في الأصل: «أأحسبك» ، صوابه في الخريدة.
(2)
بضم ففتح، جمع بهمة بالضم، وهو الفارس لا يدرى من أين يؤتى، لشدة بأسه.
(3)
البهم، بالتحريك، وبالفتح أيضا: جمع بهمة، وهي الصغير من أولاد الغنم.
(4)
السروح: جمع سرح، وهو المال يسام في المرعى. والصروح: القصور.
(5)
عنى بالشقورة الشقرة، وهي الحمرة. أي حمرتهم كحمرة الأسنة تعلوها الدماء.
(6)
الخرصان: جمع خرص، وهو سنان الرمح، وهو الرمح أيضا. عنى أنهم يخطبون النساء وينكحونهن بالحروب. ومثله قول الفرزدق في ديوانه 737:
وبنت كرام قد نكحنا ولم يكن
…
لنا خاطب إلا السنان وعامله
(7)
المجاد: مصدر ماجدة، إذا عارضه بالمجد.
(8)
يقال للروم بنو الأصفر.
انظر نهاية الأرب 2: 322. وقد أورد ابن خلكان في ترجمة ياقوت بن عبد اللّه الرومي تعليلا خرافيا لتسمية الروم ببنى الأصفر.
(9)
الأفانى: جمع أفنية، وهو ما يسمى «عنب الذئب» .
(10)
هال الدقيق ونحوه: صبه من غير كيل.
(11)
الحوك: النسج. والبرود: جمع برد، وهو ثوب فيه خطوط.
ولا لكنا عرودا
(1)
، فلا تهاجر، بني هاجر، أنتم أرقاؤنا وعبدتنا، وعتقاؤنا وحفدتنا
(2)
، مننا عليكم بالعتق، وأخرجناكم من ربق الرق
(3)
، وألحقناكم بالأحرار، فغمطتم النعمة، فصفعناكم صفعا، يشارك سفعا
(4)
اضطركم إلى سكنى الحجاز، وألجأكم إلى ذات المجاز. رزن، رصن.
جمالَ ذي الأرضِ كانوا في الحياة وهمْ
…
بعد المماتِ جمال الكتب والسِّيرِ
(5)
إذا قامت الحرب على ساق، وأخذت في اتساق، وقرعت الظنابيب، وأشرعت الأنابيب، وقلصت الشفاه، وفغر الهدان فاه
(6)
، وولي قفاه، ألفيتهم ذمرة الناس
(7)
، عند احمرار الباس، الطعن بالأسل، أحلى عندهم من العسل.
مستسلمين إلى الحتوف كأنما
…
بينَ الحتوف وبينهم أرحامُ
(8)
من أمنياتهم، حلول ميتاتهم، لهم على القدمة اليدان
(9)
، على التنائي والتدان.
من الألي غيرَ زجرِ الخيل ما عرفوا
…
إذ تعرفُ العرب زجرَ الشَّاء والعكرِ
(10)
بصر، صبر، تزدان بهم المحافل، والجحافل، قيول على خيول، كأنها فيول، كواكب، المواكب، نجوم، الرجوم، من العجم، ضراغمة الأجم، بنو غاب،
(1)
اللوك: المضغ. والعرود: جمع عرد وهو الشديد الصلب من كل شيء. انظر هذه الكناية في 44 ا من الأصل.
(2)
الحفدة: الأعوان والخدمة، واحدهم حافد.
(3)
إشارة إلى أن هاجر كانت جارية سارة ثم عتقت وتزوجها إبراهيم.
(4)
السفع: اللطم.
(5)
البيت لأبى العلاء المعرى. شروح سقط الزند 141.
(6)
الهدان، بالكسر: الوخم الثقيل في الحرب.
(7)
ذمرة: جمع ذامر، وهو الذي يذمر القوم، أي يحضهم ويحثهم.
(8)
البيت لأبى تمام في ديوانه ص 281.
(9)
القدمة: الاسم من الإقدام. قال:
تراه على الخيل ذا قدمة
…
إذا سربل الدم أكفاها
(10)
لأبى العلاء المعرى. شروح سقط الزند 140. وقد غير إنشاد البيت ليتساوق مع الكلام. وإنما أوله: «يا ابن الألى» ، والعكر: القطعة من الإبل ما بين الخمسين إلى المائة.
المنتفون من كل عاب، لم تلدهم صواحب الرايات
(1)
، بل تبجحت عليهم سارة الجمال ربة الإياة
(2)
، شمخ، بذخ، بررة أقيال، جررة أذيال. بخ بخ، أحلتهم سيوفهم سطة الأرضين، فما قنعوا بذلك ولا رضين، حتى دوخوا المشارق والمغارب، واستوطنوا من المجد الذروة والغارب.
بضربٍ يزيل الهام عن سكناته
…
وطعن كتشهاق العفا همّ بالنّهق
(3)
شرهوا برنّات السّيوف، لا بربّات الشنوف، وبركوب السروج، عن الكلب والفروج، وبالنفير، عن النقير
(4)
، وبالجنائب، عن الحبائب، وبالخب عن الخب
(5)
. وبالشليل، عن السليل
(6)
وبالأمر والذمر
(7)
، عن معاقرة الخمر والزمر، وباللقيان، عن العقيان
(8)
، وعن قنيان القيان، طياتهم، خطياتهم
(9)
، وغلاتهم، آلاتهم، وحصونهم، حصنهم، أقيال، آباؤهم من بين الأنام أقتال
(10)
أولئك قومي إن بنوا شيدوا البنى
…
وإن حاربوا جدُّوا وإن عقدوا شدُّوا
وضح، رجح، لا حفزة عكر
(11)
، ولا حذرة أكر
(12)
، ملوك جلّة، لا محرقو
(1)
كانت البغايا في الجاهلية يجعلن على بيوتهن رايات ليعرفن بها. تفسير الطبري (18: 57).
(2)
سارة: زوج إبراهيم، وكان اسمها «ساراي» ثم غير إلى «سارة» ومعناه رئيسة. انظر سفر التكوين إصحاح 17 - 18 وهي بالراء المخففة. ولا عبرة بما ورد في اللسان (هجر، سقم) من ضبطهما بالراء المشددة. والإياة، أصلها ضوء الشمس وحسنها. وفي فتح الباري (6: 279) أن يوسف أعطى شطر الحسن، وسارة شطره الآخر.
(3)
البيت لأبى الطمحان حنظلة بن شرقي. اللسان (سكن، عفا).
(4)
النفير: القوم ينفرون للقتال. والنقير: النكتة في ظهر النواة.
(5)
الخب، بالفتح: مصدر خب خبا، وهو ضرب من العدو. والخب، بالكسر: الخداع.
(6)
الشليل: الدرع. والسليل: سنام البعير.
(7)
الذمر: الحض والحث.
(8)
اللقيان: لقاء الأبطال. والعقيان: الذهب.
(9)
الطية: الحاجة والوطر. والخطيات: الرماح المجتلبة من الخط بالبحرين.
(10)
جمع قتل بالكسر، وهو المثل والقرن، والمقاتل.
(11)
حفزة: جمع حافز، والمراد به السائق. والعكر، سبق تفسيره.
(12)
الأكر: الحفر في الأرض، جمع أكرة.
جلة، ندس، غنوا بالإستبرق والسندس، عن البت، المقيظ المشت، المجموع من النعيجات الست
(1)
بسل، لا حراس مسل
(2)
، ولا غراس فسل، ملك لقاح
(3)
، ليس منهم في ورد ولا صدر شراب در اللقاح، بل شرابهم النبيذ، وطعامهم الحنيذ، لا زهيد الهبيد
(4)
، في البيد، ولا مكون
(5)
، الوكون، ولا منهم من احتشى، بمذموم الكشى
(6)
، ولا في سائر الأحفاش
(7)
من وليد وناش، من اغتذى بالأحناش، فلا يقعقع لهم بالشنان
(8)
، ولا يوعوع لهم بالشنآن
(9)
، فكف أيها الشان
(10)
فلهم عظيم الشان، واليد الطولى إذ تخلصوكم من أكف الحبشان، صنيع، منيع، ومنّة، لا يشوبها منّة، فيا لها منحة، لكنها أعقبت محنة، إذ صادفت كفرة، لا شكرة. إيها، إذ تأبطتم تيها، معشر البداة، العداة. اعتقدتم غلا، فاستثرتم صلا
(11)
. أما علمتم أن الدولة النوشروانية، والمملكة الأردشيرية بقروا أجوافكم، وخلعوا أكتافكم، ثم عطفوا، ورأفوا، وملكوكم الحيرة، بعد الحيرة. قللا، ذللا، تتخيرون البنات، عند البيات، مبهورات، لا ممهورات فبرم من ذلك غسانكم ونعمانكم، وكان برمه سببا لدرء أمانكم، فأصبح بعد جرّ
(1)
يلمح قول الراجز:
من يك ذا بت فهذا بتي
…
مقيظ مصيف مشتى
تخذته من نعجات ست
…
سود سمان من نعاج الدست
(2)
المسل: جمع المسيل، وهو الجريد الرطب.
(3)
اللقاح: الحي الذين لم يدينوا للملوك. عنى أنهم يخضعون من لم يخضع.
(4)
الهبيد: حب الحنظل.
(5)
المكون: جمع مكن، وهو بيض الضب.
(6)
جمع كشية، وهي شحمة بطن الضب.
(7)
جمع حفش، بالكسر، وهو الصغير من بيوت الأعراب.
(8)
الشنان: جمع شن، وهي القربة الخلق الصغيرة.
(9)
في الخريدة: «ولا يزعزع له باللسان» .
(10)
أي الشانئ، وهو المبغض.
(11)
الصل: الحية القاتلة.
الذيول، مدوسا بأخفاف الفيول
(1)
. والكرام بنو الأصفر، الأطهر الأظهر، عطفتهم عليكم الرحم الإبراهيمية، والعمومة الإسماعيلية، فسمحوا لكم من الشام بأقصى مكان بعد ما كان، من سيل العرم ما كان، يؤدي نعمانكم، وغسانكم، لقروم الأعاجم، الإتاوة على الجماجم.
هذي المكارمُ لا قعبانِ من لبنٍ
…
شيبا بماءِ فعادا بعدُ أبوالا
(2)
مهلا بني الإماء، عن الغمز والإماء، فنحن عرق، غرق، في الأنساب الصميمة، والأحساب العميمة، فمن يهولنا أو يروعنا، وقد رسخت في المجد أصولنا وفروعنا، ومن يطولنا، وكل الورى قد شمله فضلنا وطولنا.
شرفٌ ينطح النُّجوم بروقي
…
هِـ وعزٌّ يقلقلُ الأجبالا
(3)
حلم، علم، ذوو الآراء الفلسفية الأرضية، والعلوم المنطقية الرياضية. كحملة الأسترلوميقي
(4)
والموسيقي، والعلمة بالأرتماطيقي والجومطريقي، والقومة بالألوطيقي والبوطيقي
(5)
، [والنهضة بعلوم الشرائع، والطبائع، والمهرة في علوم الأديان، والأبدان.
(1)
كان كسرى طلب إلى النعمان بن المنذر أن يزوجه إحدى بناته، فأبى النعمان ذلك كبرا، وأخفى بناته وأمواله في أحياء العرب، وعلم بذلك كسرى فاستزار النعمان، وعاقبه بطرحه تحت أقدام الفيلة. انظر الأغانى (2: 28 - 29). وفي ذلك يقول الأعشى:
فذاك وما أنجى من الموت ربه
…
بساباط حتى مات وهو محزرق
(2)
لأمية بن أبي الصلت. الشعراء 433.
(3)
البيت للمتنبى في مدح سيف الدولة. ديوانه (2: 104) بشرح العكبري.
(4)
يراد بها علم النجوم. وعند الخوارزمي في مفاتيح العلوم 80 «أسطر نوميا» .
(5)
الأرتماطيقى: علم العدد والحساب. انظر ابن خلدون 42. والجومطريقى عند الخوارزمي 117 وابن النديم 371 «الجو مطريا». ابن النديم: «إقليدس صاحب جو مطريا ومعناه الهندسة» . الخوارزمي: «وهي صناعة المساحة، وأما الهندسة فكلمة فارسية معربة، وفي الفارسية اندازه، أي المقادير. وفي مروج الذهب (1: 321): والجومطريقى وهو علم المساحة والهندسة» . وأما الألوطيقى فقد تكون محرفة عن «أبوطيقا» ومعناه الشعر. إخبار العلماء للقفطى 28. أو «أنولوطيقا» ومعناه تحليل القياس، والبرهان. وفي مفاتيح العلوم 89 أونولوطيقا معناه العكس. وأما «البوطيقى» فهي في الأصل «البرطيقى» محرفة. وفي مفاتيح العلوم 92 بيوطيقى ومعناه الشعر، يتكلم فيه على التخييل، ومعنى التخييل إنهاض نفس السامع إلى طلب الشئ، أو الهرب منه وإن لم يصدق».
همُ ملكوا شرقَ البلاد وغربها
…
وهم منحوكم بعد ذلك سؤددا
(1)
]
ما شئت من تدقيق، وتحقيق، حبسوا أنفسهم على العلوم البدنية والدينية، لا على وصف الناقة الفدنية
(2)
، فعلهم ليس بالسفساف، كفعل نائلة وإساف
(3)
أصغر بشأنكم، إذ بزق خمر باع الكعبة أبو غبشانكم
(4)
، وإذ أبو رغالكم، قاد فيل الحبشة إلى حرم اللّه لاستئصالكم
(5)
. [غضوا الأبصار، فهذا الذكر إلى الفحش أصار
(6)
].
أزيدك أم كفاك وذاك أني
…
رأيتك في انتحالك كنت أحمقْ
فلا فخر معشر العربان، الغربان، بالقديم، المفري للأديم
(7)
، لكن الفخر بابن عمنا، الذي بالبركة عمنا، الإبراهيمي النسب، الإسماعيلي الحسب، الذي انتشلنا
(8)
الله تعالى به وإياكم من العماية، والغواية. أما نحن فمن أهل التثليث وعبادة الصلبان، وأنتم من أهل الدين المليث وعبادة الأوثان
(9)
، ولا غرو أن
(1)
التكملة من الذخيرة.
(2)
الفدنية: المشبهة في علوها بالفدن، وهو القصر المشيد.
(3)
يزعمون أن إساف بن عمرو، ونائلة بنت سهل، فجرا في الكعبة فمسخا حجرين ثم عبدتهما قريش. شروح سقط الزند 1315.
(4)
يذكرون أن أبا غبشان كان يلي أمر البيت، فاتفق أن اجتمع مع قصى بن كلاب في شرب بالطائف، فخدعه قصى عن مفاتيح الكعبة بأن أسكره، ثم اشترى المفاتيح منه بزق خمر وأشهد عليه، ودفع المفاتيح في يد ابنه عبد الدار بن قصي وطيره إلى مكة، فلما أشرف عليها قال رافعا عقيرته: معاشر قريش هذه مفاتيح أبيكم إسماعيل قد ردها اللّه عليكم! وأفاق أبو غبشان من سكره أشد ندامة من الكسعى. شروح سقط الزند 1982.
(5)
كان أبرهة عامل النجاشي على اليمن قد عزم أن يهدم البيت، ومر في طريقه على ثقيف بالطائف، فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة. السيرة 31 - 32.
(6)
التكملة من الذخيرة.
(7)
الذخيرة: «فعلى فرى الأديم» .
(8)
في الأصل: انتشانا»، تحريف.
(9)
المليث من الملث، وهو أن يعد الرجل الرجل عدة لا يريد أن يفي بها.
كان منكم حبره وسبره، ففي الرّغام يلفى تبره، والمسك بعض دم الغزال، والنطاف العذاب مستودعات بمسك العزال
(1)
لله مما قد برا صفوة
…
وصفوة الخلق بنو هاشم
(2)
وصفوة الصفوة من بينهم
…
محمد النور أبو القاسم
(3)
بهذا النبي الأمي، أفاخر من تفخر، وأكاثر من تقدم وتأخر، الشريف السلفين، والكريم الطرفين، الملتقي بالرسالة، والمنتقي للأداء والدلالة، أصلى عليه عدد الرمل، ومدد النمل، وكذلك أصلي على واصل جناحه، سيوفه ورماحه أصحابه الكرام، عليهم من اللّه أفضل السلام.
يا بن الأعاربِ ما علينا باسُ
…
لم أحكِ إلا ما حكاه الناسُ
هذا.
ولم أشتمْ لكم عرضا ولكن
…
حدوث بحيثُ يستمع الحداءُ
ثم أحج بشاعر غسان، لا ساسان، في هذا العيد، بالوعيد، وأحر في هذا الفصل، بعدم الوصل. لقد غم آخرك، لكن بالرغم أخرك، إذ أضربت عن مديح، علقنا الربيح، معز الدولة شهمنا الرئيس، وسهمنا النفيس، قيل الأمم
(4)
، وسيل الأمم
(5)
، معنى المعاني، ومغنى المغانى، ذي الرئاسة الساسانية، والنفاسة النفسانية. فاذهب، يا غث المذهب، وابتغ في الأرض نفقا، أو في السماء مرتقى، فهذه ألية، جلبت عليك بلية. أو حك من البسيط والمديد، ما تستجير به من بطشنا الشديد، إذ نحن معشر الموالى، لا نوالى، إلّا من هو
(1)
المسك، بالفتح: الجلد. والعزالى: جمع عزلاء، وهو فم المزادة الأسفل.
(2)
في مروج الذهب (2: 274): «ممن قد برا» .
(3)
في مروج الذهب: «وصفوة الصفوة من هاشم» .
(4)
القيل: الملك، وأصله الملك من ملوك حمير.
(5)
الأمم، بالتحريك: القصد الذي هو الوسط، وهو القرب أيضا.
لعظيمتنا موالى، وحذار حذار أن تقرع سن الندم، ولات حين مندم، قبل أن تجمع ذنوبك، على ذنوبك
(1)
، وكربك في كربك، فمن أبصر، أقصر، وما حرّف، من صديقه خوّف.
فلا تتبشَّعْ ممضَّ العتا
…
ب يلقاك يوماً بلقياه لاق
(2)
فإنَّ الدواءَ حميدُ الفعالِ
…
وإن كان مرّا كريه المذاق
يا معتقل علم الشّعر، والمستقلّ بقلم النظم والنثر.
قد استحييتُ منك فلا تكلني
…
إلى شيءٍ سوى عذرٍ جميل
(3)
وقد أنفذت ما حقّى عليه
…
قبيح الهجو أو شتم الرسولِ
(4)
وذاك على انفرادك قوتُ يوم
…
إذا أنفقتَ إنفاقَ البخيل
وكيف وأنت علويُّ السَّجايا
…
وليس إلى اقتصادك من سبيل
وقد يقوى الفصيح فلا تقابل
…
ضعيف البرّ إلا بالقبول
وإنّ الوزن وهو أصحّ وزن
…
يقام صغاه بالحرف العليل
(5)
فإنْ يكُ ما بعثتُ به قليلا
…
فلي حالٌ أقلُ من القليل
نجزته من كلام المعري.
والسلام عليك ما سبح الفلك، وسبّح الملك
(6)
. ورحمة اللّه وبركاته.
(1)
الذخيرة: «في ذنوبك» . والذنوب، بالفتح: الدلو.
(2)
الذخيرة «فلا تتبع
…
فيلقاك
…
لمعناه.
(3)
للمعرى في شروح سقط الزند 1144 - 1149.
(4)
يعنى الرسول الذي أنفذه بالرسالة.
(5)
الذخيرة: «وإن الشعر، وهو أتم وزن» وما في الأصل يطابق ما في الشروح.
(6)
الملك: الملائكة.
[الردود]
رد أبي يحيى بن مسعدة
الرد على ابن غرسية منشئ الرسالة المتقدمة، مما عنى بإنشائه وتأليفه الشيخ المبارك الأفضل أبو يحيى بن مسعدة نفعه الله بها وجعلها
حجَّةً له عند الحاجة إليها (*)
ومن يعصِ أطراف الزجاج فإنه
…
يطيع العوالي ركبتُ كلَّ لَهذَمِ
(1)
إياك أعنى أبا عامر، ولا أقول خامري أمَّ عامر
(2)
، بل أعربك جنى غرسيه
(3)
، فالتقط يا لقيط غرسية
(4)
.
هيهات جئت إلى دفلى تحركها
…
مستطعماً عنباً حرَّكت فالتقط
(5)
شربك الحميم، وشعارى لك حاميم
(6)
، فاخلع عن مقلدك البريم
(7)
، وذق إنكَ أنت العزيز الكريم.
رميت بما لو أنّ الجنّ ترمى
…
به لتنهبتها الإنسُ نهبا
لمن بعثت يا غثيث من هامد دجنك أوارا، وأرثت من خامد ابنك نارا
(8)
.
وإن النار بالعودين تذكى
…
وإنّ الحرب يقدمها الكلام
(9)
(*) هذا الرد لم يرد في نسخة الذخيرة.
(1)
البيت من معلقة زهير.
(2)
أم عامر: كنية الضبع. يقال لها خامرى، أي استتري.
(3)
أعراه النخلة: أعطاه إياها يأكل رطبها. وغرسية، أي غرسى، زاد هاء السكت.
(4)
يعنى أن أباه غرسية التقطه وتبناه.
(5)
الدفلى، كذكرى: شجر مر أخضر حسن المنظر يكون في الأودية.
(6)
جاء في حديث الجهاد: «إذا بيتم فقولوا حاميم، لا ينصرون» . فهي مما يستظهر به على استنزال النصر على العدو. وأنشد أبو عبيدة لشريح بن أوفى العبسي:
يذكرني حاميم والرمح شاجر
…
فهلا تلا حاميم قبل التقدم
(7)
البريم: خيطان يكونان من لونين.
(8)
جمع ابنة بالضم، وهي العيب والوصمة.
(9)
من أبيات مشهورة لنصر بن سيار. البيان والتبيين (1: 158) والطبري (9: 92). ويروى: «أولها الكلام» .
مثلك يا ذمّيّ العجم، وذمّىّ العجم، تعدى للأعراب مواليه بسفه، أو تصدى لمعارضة فخارها ببنت شفة؟! غرَّك أن توليتها بحكم المقاسم
(1)
، وأن ظأرت أمك لها أحور من جآذر عاصم
(2)
. كلا:
• فما الكرج الدنيا ولا الناس قاسم
…
ما استجلاك الدويا آبقُ إن سفرت، ولا خلا لك الجو حتى بضت وصفرت، في مثل هذا المعمر، نقر واصفر
(3)
، وبهذا المحمر، يا مصفر استه حمر وصفر
(4)
، بموقف لا يعز على الأوس بن تغلب، أن تهان وتغلب
(5)
.
رويدك حتى يلحق الداريون، أصحاب الجياد المكفيون
(6)
، وتالله لا تغسلك معي الحواريون
(7)
، بعد أن أتقدم لتأديبك، وأفضح في الحقين عذرة أديبك
(8)
مناقلك في الأراجيز، وناقلك إلى معرض التعجيز، شيخ الاعتزال، وصريع أهل السنة إذا تداعوا نزال، الأعمى البصر والبصيرة، وشعوبي هذه الجزيرة
(9)
.
عمىٌ حذوك الغيّ أي عجيبةٍ
…
أعمى دليل هدى أو أخرس ينطق
(10)
(1)
يعنى مقاسم المغانم.
(2)
عاسم: اسم ماء لكلب بأرض الشام.
(3)
أخذ فيه من رجز طرفة:
يا لك من قبرة بمعمر
…
خلالك الجو فبيضى واصفرى
ونقرى ما شئت أن تنقرى
(4)
رمى له بالأبنة. والتحمير والتصفير باستعمال الزعفران والطيب. انظر اللسان (حمر، صفر).
(5)
في الأصل: «وتغلبا» .
(6)
فيه نظر إلى قول الراجز وأنشده في المقاييس واللسان (دور):
لبث قليلا يلحق الداريون
…
ذوو الجياد البدن المكفيون
وفي الأصل هنا: «وأصحاب الجباب» .
(7)
الحوارى: القصار الذي يبيض الثياب، ومنه حواريو المسيح عليه السلام، لأنهم كانوا قصارين.
(8)
أصله من المثل: «أبى الحقين العذرة» وهي بكسر العين العذر. ومنشأ المثل أن رجلا ضاف قوما فاستسقاهم لبنا وعندهم ابن قد حقنوه في وطب، فاعتلوا عليه واعتذروا فقال:
أبى الحقين العذرة! أي إن هذا الحقين يكذبكم.
(9)
لعله يعنى ابن سيده. انظر ما سبق في ص 233.
(10)
في الأصل: «حدوك المنى» . حذاه: أعطاه ووهب له.
لشد ما سمع بك في الأملاء
(1)
، وسرك بالإجراء في الخلاء
(2)
، وأرسلك سائماً ورتع في خلاء، كفته في معاني القرآن زحلوفاته الزل الضل، وكمته في نحوه عثراته التي يدمى منها الأظل، مما تحك في الدلى والدوى
(3)
ومطارحك السلام على ذي الروى المروى، لقد أعلك بواضحها وأبل، وأغلك من فاضحها ما أسلَّ
(4)
، ورماك يا رجيم بدائه وانسل، فتصنعت بمعار حلاه، وتنطقت بما تلاه، وتشبعت بالعار الذي تولاه، كالخصيِّ يفخر بمتاع مولاه.
كثاقبة لحلى مستعار
…
بأذنيها فشانهما الثقوب
(5)
فردَّت حلىَ جارتها إليها
…
وقد بقيت بأذنيها ندوب
أولى لك يا زفر، يا است عيرٍ يحكه الثفر، حين نهقت، وبلسان العرب سباتك
(6)
تفقهت، فقلت:
أولئك قومي إن بنوا شيدوا البنى
…
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
مالك يا وقاح، ولهذا الحي اللّقاح
(7)
، تفوّهت بكلامهم، ونفهت عن أفهامهم
(8)
، وأهللت بشعارهم، وتمثّلت بأشعارهم، وشحجت في أعيارهم، وما نارك من نارهم
(9)
. هلا رتقت بفطانتك، ونطقت بعجمتك ورطانتك.
(1)
التسميع: التشهير. والأملاء: جمع ملأ، وهم أشراف القوم.
(2)
نظر إلى المثل: «كل مجر في الخلاء يسر» ، والمجرى: الذي يجرى دابته، فهي في الخلاء لا منافس لها.
(3)
المماتحة: مفاعلة من المتح، وهو جذب رشاء الدلو. والدلى: جمع دلو.
والدوى: المفازة.
(4)
يقال: أسله اللّه فهو مسلول، شاذ على غير قياس.
(5)
لابن هرمة في الأغانى (5: 28).
(6)
السباة: جمع ساب، من السبي وهو أخذ الناس عبيدا وإماء.
(7)
حي لقاح، كسحاب: لم يدينوا للملوك ولم يملكوا ولم يصبهم في الجاهلية سباء.
(8)
نفه: أعيا وكل وضعف.
(9)
النار: السمة. وأصلها سمة الإبل، تجعل كل قبيلة لإبلها سمة خاصة.
أظنك شاهدت لياليهم بالجمع
(1)
، أو قعدت منهم مقاعد للسمع، ودانيت السرار فاسترقت
(2)
، وضمك السرار فأغدقت، وأعجزك النزع فأمرقت
(3)
، وأورقت وما أخرفت، ثم فسلت، وظننت أنك طلت، بل سفلت، وحيث وجب لك أن تسجد بلت.
وقيل يا رخمُ انطقى
…
في الطير إنك شر طائر
(4)
فأنت بما هي أهله
…
والغي من شلل المحاور
(5)
أما كان لك يا لئيم الجدود، ومدرئ الحدود، ولآبائك لفظٌ تحكيه، أو لذوي ولائك من العجم قبر بجلق تبكيه
(6)
، أو نحوٌ بلسانك تضعه، أو لحنٌ في شأنك تخفضه وترفعه، فقاولت العرب بلسان هامان، وناضلتها بطمطمة بيحائيل ورومان فتذرها تسبر ما خلقت، وتصبر لسبائك على لكنك لما صدقت.
فما على البدر من نبح الكلاب ولا
…
يوماً على البحر يرمى فيه بالحجر
هذا جزاؤها في تدريبك وتعليمك، وتصريف ألفاتها في حلقة ميمك، فلا ماء وجهك أبقيت، ولا حرح أمّك العفلاء أنقيت. ما أنبذك يا نبيذ لذمامها، وأقل شكرك على كفالتها لك وإلقاء أقلامها
(7)
، لكن أمنت سورة إقدامها
(1)
جمع هي المزدلفة، وفيها يقول ابن هرمة:
سلا القلب إلا من تذكر ليلة
…
بجمع وأخرى أسعفت بالمحصب
(2)
السرار، بالكسر: المسارة. استرقت، يريد استرقت السمع.
والسرار: بالفتح جمع سرارة، وهي من الوادي: أفضل موضع فيه.
(3)
أمرق السهم إمراقا: جعله يمرق من الرمية وينفذ.
(4)
للكميت. الحيوان (3: 520). وأوله فيه: «إذ قيل» .
(5)
كذا ورد في الأصل.
(6)
إشارة إلى قول النابغة:
لئن كان للقبرين قبر بجلق
…
وقبر بصيداء التي عند حارب
والقبران يعنى بهما صاحبي القبرين، وهما يزيد بن الحارث الأعرج، وأبوه الحارث الأعرج، والنابغة يمدح عمرو بن يزيد بن الحارث الأعرج ويمجد أباه وجده.
(7)
فيه نظر إلى تنازع الأحبار وزكريا في كفالة مريم وإلقائهم الأقلام لتحكم أيهم يكفلها.
وضمنت عن مثلك سعة أحلامها، فساجلتها بخلق أرمامها
(1)
، وجاذبتها فضول كلامها. «ليس قطاً مثل قطي» ، ولا الرشد من الغيّ.
يموت الفتى من عثرة بلسانه
…
وليس يموت المرء من عثرة الرحل
(2)
فروغى جعار
(3)
، وبنار الإنصاف بدار.
من يهن يسهل الكلام عليه
…
ما لجرح بميّت إيلام
(4)
وبعد قرع صفاك، وصفع قفاك، ننتقل إلى نقلة أديانكم، وجهلة أحباركم ورهبانكم، وإقامة أقانيمكم الثلاثة في سنودساتكم الست وهذيانكم، ثم نرسل عليكم خيل البيان شزباً غراثا
(5)
، ونبعثها ملاحم تنسى الكلاب وملهماً وبعاثا
(6)
، وتنقض ما غزلت أمك الورهاء بعد قوّة أنكاثا.
هما الشّظاظان فحولى حولكا
…
لأقطعنّ بالمرار حبلكا
(7)
اشدد حيازيمك للمناقش، واجذذ جراميزك عن المناهش، فعلى أهلها دلت بأذاها براقش، أتظن أن تقنع منك اليمن بالأرش، أو سبأ الحاضرون برد العرش
(8)
، هذا يا ضب أشد من الحرش، نكرت يا نكير، ويا عوير، أن تتحامى الشّعرة أبؤسها بالغوير، لو حلّ رائدها أرض تبالة، لما حرم ولا تواله، ولكنّما أعرضت عنه تبالة، ورأى أكمةً فتباله، وترك الضّغث والإبّالة، وجهد أن
(1)
يقال حبل أرمام، أي بال، وصف بالجمع، كأنه جعل كل جزء منه واحدا ثم جمع. وفي الأصل:«أزمامها» .
(2)
البيت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين. العقد 2: 473.
(3)
جعار، كقطام: اسم للضبع. والمثل بتمامه: «روغى جعار وانظرى أين المفر» .
يضرب لمن يروم أن يفلت ولا يقدر على ذلك.
(4)
البيت للمتنبى في ديوانه (2: 338) بشرح العكبري، برواية:«يسهل الهوان» .
(5)
شزب: جمع شازب، وهو الضامر. والغراث: جمع غرثان، وهو الجائع.
(6)
الملاحم: الحروب الشداد. الكلاب وملهم وبعاث: مواضع كان بها بعض أيام العرب.
(7)
المرار: الحبل الذي اجيد فتله.
(8)
في الأصل: «الحاضرين» ، تحريف. وهو نظر إلى قول الأعشى:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ
…
يبنون من دون سيله العرما
يلحق آله وثمالة، وقال من ابن يزيد ومن ثمالة
(1)
.
تيامن تجاهك تلق الكلى
…
منيراً وتأمن في المسلك
إيه ليت شعري من علقك الربيح في الزمان، وهل أحاط بسقعه هدهد سليمان
(2)
؟ لعلك تعنى الموفق، ذا النجار الملفق، حاجب الظاهر، ومملوك معافر
(3)
، عجم دانية، وعرك سردانية
(4)
. أين أمك
(5)
، ثكلتك أمك، وهل سوى زعنفة من زعانف الريف، وسفاسف السيف، العراة الحقوين، السراة كمسرى القين
(6)
، المعتصمين بالخيزرانة بعد الأين
(7)
.
ومن يسكن البحرين يعظم طحاله
…
ويغبط بما في بطنه وهو جائع
(8)
متى جرى يا عبد عبدة الأوثان، مدح العجم على آسان من لسان
(9)
، أو تبعهم قائل بإحسان، عياذاً ببشر وأمية وحسان، وحقَّ للمعروف تقريضه، الموقوف على حللة بجانة قريضه
(10)
وإن كانت أرش اليمن، فيها نودي عليكم
(1)
إشارة إلى قول عبد الصمد بن المعذل في هجاء محمد بن يزيد المبرد، وهو من قبيلة ثمالة:
سألنا عن ثمالة كل حي
…
فقال القائلون ومن ثماله
فقلت محمد بن يزيد منهم
…
فقالوا زدتنا بهم جهاله
فقال لي المبرد خل عنى
…
فقومى معشر فيهم نذاله
(2)
السقع، بالسين: لغة في الصقع، وهو الناحية.
(3)
معافر، بفتح الميم: حي من اليمن.
(4)
العرك: جمع عركى. وهو صياد السمك.
(5)
الأم: القصد.
(6)
سرى القين مثل في الكذب. يقولون: «إذا سمعت بسرى القين فإنه مصبح» .
وأصله أن القين بالبادية يتنقل في مياههم، فيقيم بالموضع أيا ما فيكسد عليه عمله، فيقول لأهل الماء: إني راحل عنكم الليلة! وإن لم يرد ذلك، ولكنه يشيعه ليستعمله من يريد استعماله.
(7)
إشارة إلى قول النابغة في صفة الفرات:
يظل من خوفه الملاح معتصما
…
بالخيزرانة بعد الأين والنجد
الأين: الفترة والإعياء. والنجد: العرق والكرب.
(8)
عرفت البحرين قديما بأن أهلها مطحولون. الحيوان 4: 139.
(9)
الآسان: البقايا، الواحد أسن بضمتين.
(10)
التقريض: التقريظ، وهو مدح الإنسان حيا والثناء عليه. وانظر ما سبق في ص 246.
بأنجس الثمن، أن يزدري بفرعك المجيل، وجيلك النجيل، من النّجل والتنجيل
(1)
، يا أشلاء الرّحيم البجيل، والبظر السجيل، وقد راعتكم من غسان وخولان، وصميم قيس وعيلان، الرائع النجيل، أصحاب الغرر والتحجيل، الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل
(2)
، يا تبعة المجوس، وقرعة القرن والناقوس، ألسنا بالقوس، وأنتم بالقرقوس
(3)
، عبدة التثليث، وشردة أجزاء الثالوث، لقد أبحتم السمرة للعاضد، وجئتم بما فضحت قومها غامد
(4)
، الجوهر وروح القدس وابن الإنسان إله واحد، صمّى صمام، لا بالصماخ ولا الصمام بالحرا تألفت لكم تلك الأقانيم الثلاثة في قرون من الدهر، وقد كان بين أقنومين منها بزعمكم سبعمائة شهر. لقد ضل أقنوم بين سنودسين
(5)
، واتحد أهل التكليف منكم خلال اتحاد الكلمة بالنفسين، وليتها كانت تسعة فانقرض عليها جيلكم، وانقرض من الاختلاق إنجيلكم. يا قرب ما تلفقت لكم هذه الألوهة دون تكليف، وتنزهت وحدانيتها عن التأليف بالتسويف. وعلى أنّ الجاثليق قد أتاكم في الزيادة عليها ببعض القول، ورد فرض أحكامكم المنسوخة إلى العَول
(6)
. كفى ما بين الملكانية والنّسطورية
(7)
من فساد في الوضع،
(1)
النجل: العيب، نجله أي عابه.
(2)
إشارة إلى قوله تعالى في صفة أصحاب الرسول الكريم: «ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه» . آخر سورة الفتح.
(3)
القوس، بالضم: رأس الصومعة. والقرقوس، بالتحريك: القاع أو الوادي الأملس.
(4)
فيه إشارة إلى قول امرأة من غامد في هزيمة ربيعة بن مكدم لجمع غامد وحده:
ألا هل أتاها على نأيها
…
بما فضحت قومها غامد
تمنيتم مائتي فارس
…
فردكم فارس واحد
انظر البيان (1: 249).
(5)
الأقنوم: واحد الأقانيم وهي الأصول. والسنودس هو المعروف في مصر بالسنهودس.
وهو المجمع الديني. انظر مروج الذهب 1: 318 - 319 والتنبيه والإشراف 122، 136.
(6)
العول: عول الفريضة في الميراث، وهو أن تزيد سهام الورثة فيدخل النقصان عليهم، كأن يكون لأحدهم الثمن فيصير له التسع.
(7)
الملكانية: فرقة منسوبة إلى «ملكا» ، ومعناه الملك بالسريانية، والمراد بهم أتباع -
واختلاف في الأناجيل الأربعة بغير إسناد ولا قطع، لهؤلاء جزء من الإله ولهؤلاء جزء، أليس هذا يا هزأة عين الفكاهة والهزء.
وحاطب جاء بعارٍ يحطب
…
بفيه من ذاك حجار الأثلب
(1)
ثم مالكم، ويلكم، توسعتم في الكيان، وضايقتم معبودكم بتضايف المكان، ونقلتموه من عالم العقل إلى عالم الحس، وأفردتموه من الإنسانية عن روح القدس، فنقضتم الأسلوب، وقستم الجمع المربوب، وعبدتم منه الجزء المصلوب. أبدع بهذا البدع، وأقدر بشعب
(2)
هذا الصّدع، وأقدر بالسب واللذع
(3)
، وأحقر بأمة لم تنقذ معبودها من الجذع، أتظنونه أعفاكم من طلب ثأره، وأعاذكم يوم هول المطّلع من ناره، أم تراه إذا قادكم للعرض وأوقفكم بين يديه للجزاء يأخذ بحقّه منكم ويوفّيه، أم يترك للناسوت هدراً ثلاثة فيه.
جاءوا بعقي ثم قالوا بنّوا
(4)
…
يا ويحهم أحمقوا أم جنوا
ولما أخلفكم التبطين والتحليق، وأعيا عليكم التدخين والتخليق، وخلف على دينكم الجاثليق، حليتم خشبة المسيح بعد رفعه عسجدا، وتوليتم مكانها عيداً ومسجداً، هلاّ نصرتموه في حياته، أو تحدّيتم بتأليف أثلته قبل وقاته.
هلا جعلتم رسول الله في سَفَط
…
من الألوّة أحوى ملبسا ذهبا
(5)
- مذهب قياصرة الروم، الذي يسمى أيضا المذهب الخلقيدونى، الذي أقره المجمع المعقود في خلقيدونية سنة 451 م. انظر تاريخ الأمة القبطية (الحلقة الثانية 91 - 92).
والنسطورية: أتباع نسطورس، وكان بطريركا بالقسطنطينية سنة 428 وأتى ببعض البدع.
فحكم عليه السنهودس الثالث المعقود في أفسيس سنة 431 باللعن والنفي، فسار إلى صعيد مصر فأقام ببلاد إخميم والبلينا، ومات بقرية يقال لها «سيفلح». انظر ما كتبته في حواشي الحيوان (4: 458).
(1)
الأثلب: التراب والحجارة.
(2)
في الأصل: «شعب» . وشعب الصدع: لأمه وأصلحه.
(3)
في الأصل: «وأقرر» .
(4)
العقى: أول ما يخرج من بطن الولد. وبنى بالمكان: أقام.
(5)
الألوة: ضرب من العود. والبيت في اللسان (ألا) قاله أعرابي مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يدفن.
ثم مهيم، يا أبا مريم، وهات الحديث عن مريم ثالثة آلهتكم، والنصب الذي توفضون إليه ببلاهتكم، أليست العذراء البتول، الحصنة أمّ الرسول، الطيّبة النّجار، الطاهرة الإزار، مالكم قذفتموها بإنكار المهد قبل قذفها بيوسف النجار.
صلامة كحمر الأبك
…
لا جذع فيها ولا مذك
(1)
يا غواة الهدى، وعواة الصدى، لقد خذلتكم ضلالات السرى، وخبلتكم خيالات الكرى.
أطرق كرا أطرق كرا
…
إنّ النّعام في القرى
(2)
أي حذاء من أديمكم يرقع، أم أىّ حلى لنسائكم يقمقع، ألاتخاذكم الصّاحبة للرحمن، أم لرميكم بالكذب ابنة عمران، تصدقون من مشبهتكم لوقا ويحنا، وتكذبون من قال لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا. يا للعجاب، وهل أمام هذه السوأة من حجاب.
حانيّة من عانة أو بيشا
…
تحلق حلق النورة الجميشا
لمثل هذا استقادك السفه والعمه، وجعلت أمنا لأمكم أمة.
أسمع صوتاً ولا أرى أحدا
…
من ذا الشقيّ الذي أباح دمه
حاشى لإبراهيم أن يكون لكم أباً وإن كنتم بنيه فمه، ثم مه، وهبك هاجر أمة، بخْ بخْ، أزم بعقبك الفخّ، نكاح، أم سفاح، وكم بين محظور
(1)
الصلامة: القوم المستوون في السن والشجاعة والسخاء. والأبك: موضع تنسب إليه الحمر. والمذكى: المسن. والرجز لقطية بنت بشر الأعرابية، مر بها مروان بن الحكم وهي ترتجز بهذا وتنزع بدلو على إبل لها، فخطبها فتزوجها فولدت له بشر بن مروان. الأغانى (1: 129 - 130).
(2)
الكرا: لغة في الكروان، وهو طائر صغير يشبه به الذليل. والمثل يضرب للرجل الحقير إذا تكلم وغيره أولى منه بالكلام.
ومباح. أنَّى لبضع أماتكم للحنيفية جنوح، أو في نكاح عماتكم ما أوصى به نوح، لقد ذهبتم من العار بحمّه ورمّه، والفحل السّوء يبدأ بأمّه. في الفرق بين السّرارى ولهيرات، وخبر هنّ الذائع وأبنائهن الأنبياء والخلفاء والسادة السراة، ما يرفع الالتباس، ويعرّف بمنجبات الناس. وسل عن سبط داود وسليمان، وبني عبد المطلب وخلائف
(1)
بني العباس. على أن العرب لا تترجح للأمهات، ولا تتبجح بذكر الحرمات، ولا رضيت الشغار كفعلكم بالبنات، بل وأدتها للحفيظة هبرا، ووردت بها حياض الثكل صبرا، واختارت لهن جنن القبور صهرا.
• والموت أكرم نزّال على الحرم
(2)
…
وتقدّر يا قدار
(3)
، ما صيّرت لآلك في ذكر سارة
(4)
من حديث مدار.
ربة الإياة
(5)
أمكم، بل ابنة هاران عمكم، ذارية السبط، وعارية صادوف طرخان القبط، إذ غصبها
(6)
، ولولا عصمة النبوة لعصبها، فتداركها اللّه بأمّنا
(1)
في الأصل: «خلاب» .
(2)
من بيت لإسحاق بن خلف، في الحماسة بشرح المرزوقي 283. وصدره:
• تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا
…
(3)
هو قدار بن سالف، الذي يقال له أحمر ثمود، عاقر ناقة صالح، وهو مثل في الشؤم.
(4)
سارة، ضبطت في اللسان (سقم، هجر) بتشديد الراء ضبطا بالقلم. والوجه فيها تخفيف الراء. وفي سفر التكوين 97: 18 «وقال اللّه لإبراهيم: ساراي امرأتك لا تدعو اسمها ساراي، بل اسمها سارة» . وفي الحواشى أن معنى «سارة» رئيسة. انظر الكتاب المقدس طبع الأميركانية 1906. وفي التنبيه والإشراف 143 أن نقفور ملك الروم أنكر على الروم تسميتهم العرب «ساراقينوس» معناه عبيد سارة، طعنا منهم على هاجر وابنها إسماعيل. قال المسعودي: «والروم إلى هذا الوقت تسمى العرب: ساراقينوس» .
(5)
أصل الإياة ضوء الشمس وحسنها. وكانت سارة بارعة الجمال.
(6)
في القاموس أن الطرخان اسم للرئيس الشريف، خراسانية. وفي فتح الباري (6: 228) أن اسم الذي حاول اغتصابها عمرو بن امرئ القيس بن سبأ، وكان على مصر! ذكره السهيلي، وهو قول ابن هشام في التيجان. وقيل اسمه «صادوق» وحكاه ابن قتيبة، وكان على الأردن. وقيل سنان بن علوان بن عبيد بن عريج بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح. حكاه الطبري. وانظر قصة اغتصاب فرعون لها في سفر التكوين 12: 11 - 20 واغتصاب أبيمالك ملك جرار لها في 20: 1 - 18.
ذات المناسك الخمس، ومخلصتها من ملك عين الشمس
(1)
، إذ نافحت عنها بإرهاص الوحي والتنزيل، وشهدت ببراءتها عند إبراهيم الخليل، فاختارها على أمكم لوراثة أمره، وتسراها بعد ثمانين من عمره، فكانت بكر سلالته ووصي أبينا إسماعيل صلوات الله عليه حامل رسالته، وما زالت أمكم حتى نافستها في السلام، ووسمتها بثلاث لغدرها بقين سنة في الإسلام
(2)
، ولم ترض لها بيسان بيتا فرضى الله بالبيت الحرام.
لزت بها ضرة زهراء واضحة
…
كالشمس أحسن منها عند رائيها
فرحلت عنها أثره الفراق، طاهرة الأعراق، سائرة مع جبريل على البراق، فبحق تزهى بنو هاجر، بالتهاجر، وتلهى بالتكاثر والتفاخر، يا فاجر.
رأيت اللسان على أهله
…
إذا قاده الجهل ليثاً هصوراً
(3)
وأما ما جلبت عليه يا حائن برجلك، ونكست به حذاء صدرك نصال نبلك من ذكر صواحب الرايات
(4)
، والسارين بأمثال أمك للبيات، فقد رجعت في ذلك يا شام على أدراجك
(5)
، وبحثت عن مدية لأوداجك، حلا أم عامر
(6)
عساك ناديتنا من أقرب طية، ونزعت بك إلينا عروق
(7)
من سمية. دونك هيلى بكيلك الوافي.
• واعرنزمى ميّاد للقوافى
(8)
…
(1)
هي عين شمس، المدينة المصرية المعروفة، قال ياقوت:«اسم مدينة فرعون موسى» .
(2)
في اللسان (هجر): «هاجر أول امرأة جرت ذيلها، وأول من ثقبت أذنيها» ، وأول من خفض. قال: وذلك أن سارة غضبت عليها فخلفت أن تقطع ثلاثة أعضاء من أعضائها، فأمرها إبراهيم عليه السلام أن تبر قسمها بثقب أذنيها وخفضها، فصارت سنة في النساء».
(3)
أنشده ابن قتيبة في عيون الأخبار (1: 330) برواية:
• إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا
…
(4)
انظر ما سبق في ص 249.
(5)
الشام: المتكبر، يقال شم، أي تكبر.
(6)
تهكم بكنيته «أبو عامر» انظر ما سيأتي في ص 280 ص 7.
(7)
في الأصل: «عرق» .
(8)
لابن ميادة، واسم الرماح بن أبرد. وميادة أمه، كان يضرب جنبيها ويقول لها:
• اعرنزمى مياد للقوافى *
سمية أخيذة من أسراكم
(1)
، وسرية تصيرت إلى أبي جبر
(2)
ثم إلى الحارث ابن كلدة من هدايا كسراكم، فأزوجها الحارث مسروحاً
(3)
في حي مضاع، وبيت قعيدته لكاع، تسرح في حيال
(4)
، وببيت عقدها مصطلباً شيخ العيال
(5)
. فإن كان واثبها حليف عهد، أو سافحها أو خاتلها عن قصد، فسامحته بما سامحها. ثم صارت إلى عبيد، بغير عقد، وظنت أن في كل أوديتها بني سعد
(6)
.
كعادتها فيما مضى من شبابها
…
كذلك تدعو كلّ مرء أرامله
أتراها من الأنثى عشر ألفاً بغين، ببلاد الأرمن، حاضرة ملككم، وسميساط
(7)
واسطة سلككم، اللائي حظر هنّ طاغيتكم عن التّزويج، وأباح
يريد أنه يهجو الناس فهم يهجونه ويذكرون أمه. واعرنزم: تقبض، وفي الأصل:
«وأعزمى» ، صوابه في الشعراء 747 والأغانى (2: 86). وبعده:
واستسمعيهن ولا تخافي
…
ستجدين ابنك ذا قذاف
(1)
كانت سمية من أهل زندورد، وهي مدينة كانت قرب واسط. معجم البلدان والمعارف لابن قتيبة 125.
(2)
في الأصل: «ابن جبر» ، تحريف. وفي المعارف والمعقد (5: 4) «أبو الخير» تحريف كذلك. وأبو جبر كان أحد ملوك اليمن، واسمه كنيته، وقيل هو أبو الجبر يزيد بن شراحيل الكندي، وقيل أبو الجبر بن عمرو الكندي. وفيه يقول ابن دريد في مقصورته المشهورة:
وخامرت نفس أبى الجبر جوى
…
حتى حواه الحتف فيمن قد حوى
انظر ابن خلكان (2: 294) في ترجمة يزيد بن مفرغ.
(3)
وكذا عند ابن قتيبة في المعارف، لكن بلفظ:«مسروح» بالحاء. لكن في العقد وابن خلكان أن زوجها هو «عبيد» ، وهو عبد وهبه أبو الجبر للحارث بن كلدة مع سمية. وهو الصواب، فقد ورد فيما روى من خطبة لزياد بن أبيه:«فأما عبيد فإنما هو والد مبرور، أو ربيب مشكور» . انظر العقد (6: 132) ومروج الذهب (3: 16.
وما ذكر هنا يجمع بين الروايتين.
(4)
نوق حيال وحول: لم تحمل.
(5)
يقال صلب العظام واصطلبها: جمعها وطبخها واستخرج ودكها ليؤتدم به.
قال الكميت:
واحتل برك الشتاء منزله
…
وبات شيخ العيال يصطلب
(6)
إشارة إلى المثل: «في كل واد بنو سعد» .
(7)
في الأصل: «سيماط» ، تحريف. وسميساط: مدينة على شاطئ الفرات في طرف بلاد الروم على غربى العراق، ولها قلعة في شق منها يسكنها الأرمن. معجم البلدان.
فروجهن لغراميل العلوج، بوظيفة دينارين ونصف دينار في السنة على كل واحدة وقفها على مأكله ومشربه، وجعلها سنة باقية في عقبه.
فلولا الريح أسمع من بنجد
…
صليل البيض تقرع بالذكور
(1)
فيا لها نعمة، أضاعت طعمة، وغنم إفادة، جلبتها قيادة، وزكاء خراج، يمخض زبده إدخال وإخراج، ويملأ في كل فيقة عسَّ أبي سواج
(2)
، أتحيط، يا بليط، بهذه الروايات حسباناً، أو تحصل لها بظوراً أو جوفانا. لقد نبهت بهذا السماع هاما، وقلقلت للقراع بها يلملما وشماماً. أظنك هذا اعتمدت، أو جمعت قافات الكندي
(3)
وأنشدت:
شرف ينطح النجوم بروقي
…
هِـ وعزٌ يقلقل الأجبالا
(4)
فهلا يا جاهل، وشر مباهل، سقت البيت الثاني بعده والثالث
(5)
، وضفتهما بشرف قومك على إيقاع المثاني والمثالث، أأردت يا ضبع أن تخلع فخارها التغلبي، وتكسوه مغلوبه الدمستق
(6)
المسبي، إذ أذاقه سيف الدولة بأساً ونكالاً، وغطى منه ببنية الحدث جبينا وقذالا
(7)
.
(1)
البيت لمهلهل. والرواية المعروفة: «أهل حجر» . وانظر حواشي البيان (1: 124).
(2)
أبو سواج: رجل من ضبة كان قد جاور في بنى يربوع فخانوه في أهله، فاحتال لمن خانه - وهو صرد بن حمزة اليربوعي - بأن سقاه ماء رجلين تداولا مباضعة إحدى الإماء، فعير بنو يربوع بذلك. انظر شروح سقط الزند 1785 - 1788.
(3)
يعنى المتنبي، وهو أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي.
(4)
من قصيدة له في مدح سيف الدولة. الديوان (2: 104) بشرح العكبري.
وانظر ما سيق في ص 251.
(5)
هو قوله:
حال أعدائنا عظيم وسيف ال
…
دولة ابن السيوف أعظم حالا
كلما أعجلوا النذير مسيرا
…
أعجلته جياده الإعجالا
(6)
الدمستق: ملك الروم، وفي الأصل:«الدمستقى» .
(7)
يعنى ببنية الحدث قلعتها. والخدث: مدينة بين ملطية وسميساط.
وحماها بكل مطرد الأك
…
عاب جور الزمان والأوجالا
(1)
ألم يأن لك أن ترجع في الروايات إلى ربيك، وتأخذ هذه المنحة من ربّيّك
(2)
، وتستردونها من عواري، وتغطي هذه الفضيحة بأطماري، فاربع لاربعت، ولا طرت مع النوكي ولا وقعت.
وقد بزمان بظر أمك واحتفر
…
بأير أبيك الفسل كراث عاسم
(3)
وأما عوسك بالأيغال
(4)
، ونوسك في خبر أبي رغال
(5)
، فناهيك من ثقفي مثاقف، وناحت أثلة عدوه ناقف، ضمه القسر، وضامه الأسر، فساق
(6)
لأعدائه الأعراض والوسوم، ووصف لهم الأطلال والرسوم، حتى بلغ حتفه أبا يكسوم، فأقره بالمغمس بعد صياله، وأنزله عن محمود غير محمود لاستئصاله
(7)
، وأسلمه للصلدم الصالم، فهل هو في ذا يا لهمدان ظالم
(8)
؟
وعلى أن العرب لم تعذر إليه في استكانته للأعادي، ودلالته للتخلص بفيل المعادى، ورجمت قبره كما رجمت قبر العبادي
(9)
.
(1)
في الأصل: «والآجالا» ، صوابه من الديوان.
(2)
الربى: الحبر العالم. والربى أيضا: الجماعة الكثيرة.
(3)
للطرماح بن جهم السنبسى، كما في الحماسة بشرح المرزوقي 1487.
(4)
في الأصل: «غوسك» ، تحريف. والعوس، بالمهملة: الطوف بالليل، وهو أيضا الوصف.
(5)
أبو رغال: رجل من ثقيف، وهو الذي دل أبرهة أبا يكسوم على الطريق إلى مكة، وخرج معه حتى أنزله «المغمس» ، فلما أنزله به مات أبو رغال هناك فرجمت قبره العرب.
السيرة 32 جوتنجن.
(6)
في الأصل: «فساب» .
(7)
محمود: اسم الفيل الذي وجه إلى الكعبة.
(8)
إشارة إلى قول عمرو بن براقة الهمداني، في الأمالي (2: 122):
وكنت إذا قومٌ غزوني غزوتهم
…
فهل أنا في ذا يال همدان ظالم
(9)
في الأصل: «العيادى» ، تحريف. وفي مروج الذهب (2: 79): «وفي طريق العراق إلى مكة - وذلك بين الثعلبية والهبير نحو البطان - موضع يعرف بقبر العبادي ترجمه المارة إلى هذه الغاية كما ترجم قبر أبى رغال» .
ها إنها عذرة إلا تكن نفعت
…
فإن صاحبها مشارك النّكد
(1)
وتعرف، يا مقرف، إذ أخسرت بشأننا، وسخرت لانتصاف قصيٍّ من أبي غبشاننا، والأصح في الآثار، عن نقلة الأخبار، أنَّ أبا غبشان ما أضاع البيت ولا باعه، وأن عبد منافٍ وأخاه رزاحاً غلبا عليه خزاعة
(2)
، وانتزعاه منه عنوة ورأى الله انتزاعه، وإن صح البيع في مفرد الإسناد، وانتسب إلى أهل الجدل والعناد، فخزاعة لم تعرق في السدانة، ولا كان لها طوق بحمل تلك الأمانة، فرزحت بحملها، وضحت عن ظلها، وأسلم أبو غبشان مفاتح الكعبة لأهلها، ورثة الدعوة الإسماعيلية، وخالصة الملة الإبراهيمية، قرعة ولد إسماعيل في قصيٍّ وعبد مناف، والعترة الهاشمية أولى الرحلتين والإيلاف.
الخالطين فقيرهم بغنيهم
…
والظاعنين لرحلة الأضياف
(3)
أربح بها صفقة قمر، وولاية أمر وذمر، وشراء أم رحمٍ بزقِّ خمر
(4)
.
شرت القلوب رخيصة أعلاقه
…
ومضى يعضّ بنانه المغبون
أين فعل هذا، من حواريكم يهوذا، الذي هو عندكم أفضل من موسى بكر التنزيل، وخير من نوح وسرافيل
(5)
والخليل، إذ سام بإلهكم عيسى على دعواكم سوم العبيد، وباعه بثلاثين درهماً من اليهود، فجللوه الخبط، وسقوه الخل وأفرشوه السبط
(6)
، ثم جنبوه وسحبوه وصلبوه، قلتم - وقال الله تعالى:
وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ. وما فتئتم بعد تولون يهوذا التّعزير والتبجيل، وتأخذون
(1)
للنابغة الذبياني في ديوانه 27.
(2)
انظر ما سبق في حواشي ص 252.
(3)
لمطرود بن كعب الخزاعي في السيرة 114 جوتنجن. وروايته فيها:
المنعمين إذا النجوم تغيرت
…
والظاعنين لرحلة الإيلاف
(4)
أم رحم: اسم من أسماء مكة.
(5)
كذا. ولعله «إسرافيل» ، وهو الملك الموكل بالنفخ في الصور.
(6)
السبط: ضرب من النبت. وانظر إنجيل متى 27: 33 - 34 ومرقس 15: 26 ولوقا 23: 36 ويوحنا 19: 28 - 30.
عنه مختلفات الإنجيل، وتسجدون له ولصاحبيه مرقش
(1)
ومتى، وتزعمون أنهم يمشون على الماء ويحيون الموتى. شاهت تلكم الوجوه، ولا عدم اللطيم منها والمنجوه
(2)
.
إذا لم تخش عاقبة الليالي
…
ولم تستحي فافعل ما تشاء
ذلك كله والنبوة غضة بمائها، وعصا المسيح بقرفها ولحائها، والوحي من ورائها والملك على أرجائها، والعهد جديد، والحلقة حديد. لكنهم:
نزعوا بسهم قطيعة تهفو به
…
ريش العقوق فسار غير سديد
فأين بناة الصروح ونماة السروح، بل عصمة السفوح، ولعقة الدم المسفوح، متى ملكوا الأرضين، أو أعطوا من جزيرة العرب ما رضين
(3)
، أبعد أن استباحتهم الحبشان، وضربت عليهم الجزية وكانت أول خراج بالزمان. فما زلتم تشغلونهم من أبنائكم بالأماثيل، ويعملون لهم ما يشاءون من محاريب وتماثيل، حتى أخدموكم بيوت النيران، وقدموكم للحرث مع الثيران، فما أنف ذو جاهكم ولا أنقر، ولا أحلى ولا أمقر
(4)
، كذلك الكلاب على البقر
(5)
. أهذه النجد البهم، لا رعاة شياه ولا بهم
(6)
. ومن لرعى الشّويهات يا كشاجم
(7)
، غير العسفاء والأعاجم، سواس الخنازير، وحرّس
(1)
كذا بالشين المعجمة، وهو مرقس، ويسميه المسعودي «مارقس» .
(2)
نجهه: استقبله بما يكره، وزجره وردعه.
(3)
سبق مثل هذا التعبير في ص 249.
(4)
أنقر: كف وأقلع. وأمقر: كان مرا. وفي الأصل: «امغر» ، تحريف.
(5)
هو مثل، يقال بالرفع والنصب، أي أرسلها على بقر الوحش. ومعناه خل مرأ وصناعته.
(6)
انظر ما سبق في ص 247.
(7)
كشاجم: لقب لشاعر معروف، واسمه محمود بن الحسين. توفى سنة 350 أو 360. الفهرست 200، وسير النبلاء القسم الثاني من الجزء 10 ص 218، وحسن المحاضرة 1: 268 وشذرات الذهب 3: 37 قالوا: سمى بذلك لأنه كان كاتبا شاعرا جوادا منجما، ثم مهر في الطب فقيل «طكشاجم».
المجازير، ندحة الأكر
(1)
، ولقحة الشجر لا العكر، ما حاكوا - قلت - برودا، ولا ساسوا قروداً، ولا لاكوا عرودا. لقد أو ضحت لو وافقت، ووصفت لو أنصفت، قل لي فمن رقم البرود بنيسابور، وغرس زيتون العراق لسابور إذ غل أيمانكم، وكسر صلبانكم، وقسر على الغلمة لشفاء الغلمة ولدانكم، تعبدهم وعبدهم، وسوّرهم وخلّدهم
(2)
، وطوّقهم وقرطقهم
(3)
؛ وماشهم وطرقهم
(4)
. وبمد ذلك أخذ في جذكم ونقلكم، وزنق فقحة هرقلكم، فصارت في ملوككم مثلة، ولهذا لم تزنق بعد في أرضكم بغلة، إما لتحرّج من الأعذاء
(5)
، أو تعرج عن شماتة الأعداء، يفعل هذا بالذليل يا بني الصيداء
(6)
! ترى، يا فقع وادي القرى، حضر هناك لسلفكم حوك برود، ورشف برود، ولوك عرود. رزها، يا مزهي، بمدامنة فهود، كما زعمت وسياسة قرود، وتذكر حال أيتامك، وقدر على هذا الإصبع سعة خيتامك.
ولا تغضبن من سيرة أنت سرتها
…
وأول راضٍ سيرة من يسيرها
(7)
(1)
يقال ندحت الشئ ندحا، إذا وسعته. والأكر: جمع أكرة، وهي الحفرة في الأرض.
(2)
خلدهم: حلاهم بالخلد - بكسر ففتح - وهي الأقراط.
(3)
القرطق، بضم القاف وفتح الطاء: القباء. معرب «كرته» .
(4)
أصل الميش خلط الصوف بالشعر، والطرق: ضرب الصوف والشعر بالقضيب لينتفشا. قال:
عاذل قد أولعت بالترقيش
…
إلى سرا فاطرقى وميشى
(5)
الأعذاء: جمع عذى، وهو الزرع لا يسقى إلا من ماء المطر. ولعلها «الإعداء» .
(6)
إشارة إلى قول زيد الخيل، وكان بنو الصيداء - وهم من بنى أسد - قد أخذوا فرسه:
يا بنى الصيداء ردوا فرسى
…
إنما يفعل هذا بالذليل
الأمالي (1: 12) والأغانى (16: 47) والعقد (3: 341).
(7)
لخالد بن زهير الهذلي. الشعراء 637 وديوان الهذليين (1: 157).
وما ذكرت من إتاوة غسان، لسليح يا خطل اللسان
(1)
، فتلك سارية من خلال الأزد، وفلال عرم السد، رازوا لقومهم البلاد فضلّوا، وفقدوا ملأهم فقلوا، فما عداهم، أن داهنوا عداهم، حتى استقلوا، وأمروا ففلّوا. ولمّا تدارك غابرهم، ودعا دراك حارثهم وعامرهم، قصروا خطاهم، وقصروا مطاهم، وأعطاهم جذع من سيفه ما أعطاهم
(2)
، ثم جعل قومه بعد يضربونهم في الأعراض والرواجب، ويناوبونهم بين الصفرية والرواجب
(3)
، حتى استرهنوا منهم قوس حاجب
(4)
، رغبةً في خفرهم، وإجارة سفرهم، وتجهيز لطائمهم، وتجويز خطائمهم
(5)
، وجعلت ملوككم تخوّلنا بالجائل والوضائع، وتنحلنا ضروب الوشى والقطائع.
وإساءات ذي الإساءة يذكر
…
نك يوماً إحسان ذي الإحسان
هذه أقيالكم الأكاسرة، وأجيالكم القياصرة، لاها الله
(6)
إلا الفيوج المتقاصرة، وعلوج بخت نصّر وناصرة
(7)
، عاملو المهن، وحاملوا الأهن
(8)
، وباذلوا
(1)
سليح، بالحاء المهملة، هم بنو سليح بن حلوان: بطن من قضاعة. وفي الأصل:
«لسليخ» ، تحريف. وكانت غسان تؤدى إلى ملوك سليح دينارين كل سنة عن كل رجل.
العقد (1223).
(2)
جذع، هو جذع بن عمرو الغساني، وكان سبطة بن المنذر السليحى يلي ضرائب غسان، فلما طالب جذعا بالدينارين دخل جذع منزله واشتمل على سيفه ثم خرج فضربه به وقال:
«خذ من جذع ما أعطاك» ، فامتنعت غسان من الدينارين بعد ذلك.
(3)
الرواجب الأولى: جمع راجبة وهي مفاصل أصول الأصابع. والثانية أراد بها الغزوات التي في شهور رجب.
(4)
هو حاجب بن زرارة التميمي. انظر قصة قوسه في ثمار القلوب 501 والعقد (2: 20).
(5)
جمع خطيمة، يقال خطم الناقة: وضع على أنفها الخطام. وفي الأصل: «حطائمهم» .
(6)
ها اللّه، بمعنى واللّه، وها التنبيه قد يقسم بها.
(7)
ناصرة: قرية بينها وبين طبرية ثلاثة عشر ميلا.
(8)
الأهن: جمع إهان، وهو العرجون.
الكين، والهن، يا طغام الأحلام، وحمال أوتار الحلام
(1)
. ألهذه الخلال، واستقراء الأحوال بهذا الاستدلال، نحن أرقاؤكم وحفدتكم، وعتقاؤكم وعبدتكم؟ لو ساترة شوار كلمتني، أو ذات سوار لطمتنى! ألم تدريا أحثر
(2)
، يا مجتني الحثر
(2)
أن جدنا يعرب هو لذي أرقاكم ورفعكم، وصفع بالبجّ من صفعكم، ورسمكم بسواد جلدته وسفعكم، وأجلاهم عنكم إلى ريف عمان وماسان، وأطراف خراسان، فلما غمطتم نعمته، وأمطتم إمته
(3)
، عادكم من عيده، وسابقة وعيده، ذو نواس
(4)
فناسكم وداسكم، وخرب نواويسكم، وبهر أنفاسكم، وجذَّكم عن ماء المعمودية
(5)
، وردكم إلى دين اليهوديّة، فمن أي دين تحسبون، أو إلى أي رحم تنسبون، أإلى الأفياء السورية، أو إلى الأغبياء النسطورية
(6)
، والأدعياء الصفورية
(7)
، نسب موضوع بين العفار والعفر، ومنتسب مقطوع في رومة ونهر الصفر.
فخالف فلا والله تهبط تلعة
…
من الأرض إلا أنت للذّلّ عارف
(1)
الحلام: القتيل الذي ذهب دمه باطلا. قال مهلهل:
كل قتيل في كليب حلام
…
حتى ينال القتل آل همام
(2)
الأحثر: المنسلق العين. والحثر: العنب وهو حامض صلب لم يشكل ولم يتموه.
في الأصل: «أخثر» و «الخثر» ، تحريف.
(3)
الإمة، بالكسر: النعمة.
(4)
أحد أذواء اليمن. وكان أهل نجران على النصرانية، فسار إليهم ذو نواس فدعاهم إلى اليهودية وخيرهم بين ذلك والقتل، فاختاروا القتل، فخد لهم الأخدود وضرم فيه النيران فحرق من حرق، وقتل بالسيف حتى أسرف في ذلك. وفي ذلك قول اللّه تعالى:«قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ» . السيرة 22 - 25.
(5)
في الأصل: «العمودية» ، تحريف. والمعمودية بتخفيف الياء، وتقال بتشديدها:
ماء للنصارى يغمسون فيه ولدهم للتطهير. وفي تاج العروس أنه معرب من «معموذيت» ومعناها الطهارة.
(6)
انظر ما سبق في حواشي 262 - 263.
(7)
نسبة إلى صفورية: بلد بالأردن.
وما لكم، والذي كثّر آلكم، وأنتم أعجز الأمم بعولا، وأجفرها فحولا، وأثقلها ظهراً مرحولا، ومنكم الأسقف والنطران، والبطرك والمطران
(1)
، وفيكم الجب والخصاء، والعدّ في وذعة المساس والإحصاء
(2)
، إلى أفراد رئيسكم ورهبانية شماسكم وقسيسكم، وأنتم مع ذلك أكثر أهل الكتاب عدداً، وابق نسائهم ولداً
(3)
، ما ذاك إلا أن ضربت فيكم الأكراد والأنباط، والحبشة والأقباط، فمنكم الصّفر والسّمر، والغثر البرش الحمر، يظّاهرون بمقرفيهم لا منجبيهم، والأم تضحك منهم لعلمها بأبيهم:
ألا أنها تسرى إذا نام أهلها
…
فتأتي بشئ ليس في الظن يخطر
وما فخرت به يا حمار، يا ميراث أنمار، من حملة الأسترلوميقي، والعلم بالأرتماطيقي والألوطيقي
(4)
، كفخر الأمة بحدج ربتها. ذلك لمستنبطي يونان وساسان، وكينية بابل وكلذان وكاسان، أصحاب العلوم الأرضية، والتعاليم الرياضية، من الطبقة الفيثاغورية، والفلاسفة الهرمسية. معالم عفّت ملوككم آثارها، وطمست أنوارها، بغواية قسطنطينكم، وغباوة المفلق لدينكم، ابن الهلانية
(5)
، وقيم الملة الطبانية:
حبوت النصارى بها معلناً
…
لها غير كاتم أسرارها
ولم أدر أنك من قبلها
…
تحب السّياط بأثمارها
(6)
(1)
البطرك والبطريرك، هو بالرومية «بطريركس» تفسيره رئيس الآباء، فخفف.
التنبيه والإشراف 123.
(2)
المراد بالمساس المباضعة. ويقال وذع الماء يذع، إذا سال.
(3)
بقت المرأة: كثر ولدها.
(4)
انظر ما سبق في ص 251.
(5)
يعنى قسطنطين بن هيلانى. قال المسعودي: «وهو أظهر دين النصرانية وحارب عليها حتى قلت وانتشرت في البلاد» . التنبيه والإشراف 119. وانظر الفصل (2: 73).
(6)
ثمرة السوط: عقدة طرفه. وذكر الثعالبي في الكنايات 18 أن ثمرة السوط يكنى بها عن القلفة. وأنشد لدعبل:
إلى عليجين لم تقطع ثمارهما
…
قد طال ما سجدا للشمس والنار
أراد: أنهما لم يختنا. وانظر للكلام على هذه الكناية النادرة حواشي البيان (3:
228 -
229).
اللهم ناقلة فيكم من فارس
(1)
، وخدمة تلك المدارس، لقّنوا من آثار اللحون طريقة، وحكوها تقليداً لا حقيقة، يندبون بها في نوحكم، ويقصفون عليها في سعانينكم وفصحكم، فما أنتم وذا، لا قذّيت
(2)
أعينكم من قذى، إن قلت: لكم بوطيقي لا موسيقى، وأرضرثيقى لاجو مطريقي
(3)
، وصفت قومك، وعرفت سومك:
إياك يعنى القائلون بقولهم
…
إن الشقي بكل حبل يخنق
وأما قيلك يا سفساف، من العرب في نائلة وإساف، فتانك صخرتان نصبتا كاللات، وثالثتهما مناة، وجدوها على زمزم مواثل جلفا
(4)
، وطافوا بها ظناً أن تقربهم إلى الله زلفى. فإن صح الخبر ووضح الأثر، بمسخهما عبرة لمقارفة العبث، وموافقة الفسوق في حرم الله والرفث، فزيادة في الإنذار، وأخذ في تعظيم شعائر الله بالإعذار. أين هذا المعتقد يا بني الاستاه، الأجلاه، من جمود السماء عندكم سبعمائة سنة أن محت لكم اسم ابن اللّه، وأن يحنّا المغيث المنزل المطر
(5)
، الآتي من أفسس
(6)
في الكلمة والجلاد بالبهت المستطر
(7)
، مسجى في بيعته الآن، من ذلك الأوان، عبيط الدم، غض الأدم، مشيراً باليد والقدم:
يحج مأمومة في قعرها لجف
…
فاست الطبيب قذاها كالمغاريد
(8)
(1)
اللهم، كلمة تستعمل في الاستثناء بمعنى إلا. انظر شفاء الغليل 20.
(2)
قذى عينه تقذية: أخرج منها القذى.
(3)
انظر ما سبق في ص 251.
(4)
جلفا، لعلها «جنفا» جمع أجنف، وهو الضخم، أو المنحنى الظهر.
(5)
في الأصل: «المعنت لمنزل المطر» .
(6)
في الأصل: «أسيس» تحريف.
(7)
المستطر: المكتوب. وفي الكتاب: «وكل صغير وكبير مستطر» .
(8)
البيت لعذار بن درة الطائي، كما في اللسان (حجج). يحج: يصلح. والمأمومة:
الشجة بلغت أم الرأس. وفي الأصل: «مأمونة» ، صوابه في المقاييس (حجج) واللسان (حجج، لجف، غرد) والحيوان (3: 425).
وأنسيت يا هامان، ما وعوعت به وجعجعت في قبر كسرى والنعمان:
يا مدعى سوران منزل جده
…
قل لي لمن أهناس والفيوم
(1)
أحرار الفرس كفاؤنا، وأعداؤنا أكفاؤنا، نجتلد ونحتطم، وكما قال أخو لقمان:«ألطمك إذا لم أجد من ألطم» . فما للروم والخرس، أولى الأراكنة الملس
(2)
، والأعاريب الحمس. «حن قدحٌ ليس منها» . ومع هذا فقد أنبأتك الأمم الخوالي، والرمم البوالي، أن العرب لا تنكح العجم ولا الموالى، لذاك أحب أبرويز أن يصمها بهناته، وأراد من أبي قابوس أن ينكحه إحدى أخواته، ويستولي على حرمه وحرماته، فرغب عن صهره، على عظيم أمره، وطوى الحديث معه على غره، وأغراه في قومه بالسواد. وأحاله على بقر السواد، فكان في حق الإباء، وكرم الآباء، ألا بلوى إليه صفحاً، ويضرب عنه الذكر صفحاً، وينأى بكسرويته، ويشمخ بقوميته، ولا يرجع لغدره وكيده، ويتزيده خدعة وقد نصب لصيده:
ذئب فلاة كيده دارع
…
صادف ليثا كيده حاسر
والذي دلّ على فسالته، وخفة نسالته
(3)
، رأيه العاجز بعد موته، في حرائبه ونزله
(4)
وتهافته على أخذ ماله وأهله، فحماها عنه ذؤبان العرب وحمسها،
(1)
سوران، لعلها «سوذان» أو «سوراب» وهما من بلاد الفرس. وأهناس:
قرية قريبة من الفسطاط، ذكر بعضهم أن المسيح عليه السلام ولد بها. ياقوت.
(2)
في القاموس (ركن): «والأركون، بالضم: الدهقان العظيم» . ومثله في اللسان.
وفي معجم استينجاس 38 أن الأركون هو الرئيس أو الحاكم. والكلمة يونانية الأصل دخلت في الفارسية والعربية.
(3)
النسالة، بالضم: ما سقط الريش.
(4)
الحرائب: جمع حريبة، وهو المال المسلوب. وفي الأصل:«حراتبه» .
شيبانها ومازنها وأوسها، وصدوه عن حوزته إلى الأطرار
(1)
، واتبعوه بحرب ذي قار، ثم أزالوه عن ملك ظفار
(2)
:
إذ جنبنا خيلنا من ظفار
…
ثم سرنا بها مسيراً بعيداً
(3)
فاستبحنا بالخيل ملك قباذ
…
وابن أفلوذ جاءنا مصفودا
(4)
فهذا أبرويزكم، لا أبان تمييزكم، الذي بذكره تبجحت، وعذره رجحت، هو الذي دوخ أريافكم، ووطئ أكنافكم
(5)
، وأورثنا ورثته بالمدائن أسيافكم، وحطكم من الحزوم، وأقصاكم إلى أبعد التخوم، وبه نزلت في قصتكم: ألم غُلِبَتِ الرُّومُ، فأخذنا للخئولة فيكم بثأرها، ونضحنا بالحمية من عارها
(6)
، وتداعينا بمضر الحمراء ونزارها، يا للهمم الحميرية، والعصائب اليمنية والمضرية، من أبناء ذي مراثد
(7)
والصباح، وجذيمة الوضاح، وأبرهة ذي المنار، وعمرو ذي الأذعار، وناشر النعم
(8)
والرائش، وسلمة ذي فائش،
(1)
الأطرار: الأطراف، جمع طر بالضم.
(2)
ظفار: مدينة باليمن قرب صنعاء. وفي الأصل: «ذفار» في هذا الموضع والبيت بعده، تحريف.
(3)
من قصيدة منسوبة إلى تبع في أخبار عبيد بن شرية 458. وروايته:
وسلى عن مسيرنا من ظفار
…
بجموع نؤم غورا بعيدا
(4)
في أخبار عبيد 459:
واستبحنا جميع ملك قباذ
…
وجبيناه صاغرا مصفودا
(5)
الأكناف: النواحي. وفي الأصل: «أكتافكم» ، تحريف.
(6)
النضح: الذب والدفع. وفي الأصل: «نصحنا» ، تحريف.
(7)
في الأصل: «من ذي أبناء مرائد» ، تحريف. وذو مرائد، هو الرائش الأصغر. واسمه الحارث بن الهمال ذي شدد، أحد ملوك اليمن. التيجان 78 - 79.
(8)
انظر مروج الذهب (2: 76) والتيجان 219 وأخبار عبيد بن شرية 425 حيث ذكر في الأخير علة تسميته.
والهدهاد، وابن عباد، والحارث بن شداد، والفياض
(1)
والضحاك
(2)
والبراض
(3)
، والحارث بن مضاض:
هو المشهد الفضل الذي ما نجا به
…
لكسرى بن كسرى لا سنام ولا غرب
فما هو إلا أن وضح التمييز، ورجح التبريز، وقيل هذا درفش
(4)
راية أبرويز، فللحين قوضنا بنيانه، وحللنا سندانه، ونزلنا إيوانه، وأخمدنا نيرانه.
ولم أر أمثال الرجال تهافتوا
…
على المجد حتى عد ألف بواحد
ولله أيام بالقادسية واليرموك، وعتاة منهم مواليك وأبوك وحموك، يا هبيد البيد، وعبيد العبيد:
لو كنت من نخبة الموالي إذاً
…
لم تنث سوءاً في نخبة العرب
إذ جئتمونا أعقاد الرمل، وأعداد النمل، قد اعتقدوا، واحتدموا واحتقدوا، فمن دمائهم ما خاضوا ولصلائهم ما أوقدوا، وعندما تنادوا: يا أساورة تأهبي
(5)
، وقلنا: يا خيل الله اركبي:
بضربٍ ترقص الأحشاء منه
…
وتبطل مهجة البطل النجيد
(1)
هو عبد اللّه بن جدعان. انظر خبره في الاشتقاق 88 - 89 والحيوان (2: 202).
(2)
الضحاك: أحد ملوك الفرس، وهو المسمى البيوراسب. وفي التنبيه والإشراف 76 أن اليمانية من العرب تدعى الضحاك وتزعم أنه من الأزد». وفي جمهرة الأنساب لابن حزم 8:
«والضحاك بن معد هو الذي أغار على بني إسرائيل في أربعين فارسا من تهامة» .
(3)
هو البراض بن قيس بن رافع الضمري، وهو الذي قتل عروة الرحال بن جعفر ابن كلاب. الحيوان (1: 166) والتنبيه والإشراف 178.
(4)
في معجم استينجاس 513 أن «درفشى كاوان» اسم راية فريدون. وفي التنبيه والإشراف 75 - 76 أن رجلا إسكافيا من الفرس يسمى «كأبى» رفع راية من جلود، ودعا إلى خلع الضحاك وتمليك أفريذون، فلما تم الأمر تيمن القوم بتلك الراية فسميت «درفش كابيان» إضافة إلى كأبى صاحبها. قال المسعودي:«والدرفش بالفارسية الأولى الراية، وبهذه الفارسية إشفى الخرز. وحليت بالذهب وأنواع الجواهر الثمينة وكانت لا تظهر إلا في حروب عظيمة، تنشر على رأس الملك أو ولى عهده أو من يقوم مقامه» .
(5)
في الأصل: «تاهبين» .
قسمناهم فشطرٌ في العوالي
…
وشطرٌ في لظى حرّ الوقود
فما أغنى عنكم في تلك المشاهد أنوشروانكم وقباذكم، ويزدجردكم وشهرياركم، وشهبوركم وخرّذاذكم، ونسطوركم ويعقوبكم، ونسطسكم وبروسسكم
(1)
:
غدت غيرانهم لهم قبورا
…
كفت فيهم مئونات اللحود
أهؤلاء القيول، كما ذكرت على خيول، كأنّها فيول، بل الخبل الفيول إذا لاذت الخيل بالكيّول
(2)
، وألّا سألتك يا أم عامر
(3)
بحرمة الصليب، وجرى المذكيات في طلبكم واليعاقيب، أية خيول لأسلافك، أم أي حلبة شاهدتها لأقيالك وأردافك. متى عرف ذووك لها اسمها، أو حكوا عنها شية أو وسما. لعلها تقدمت من جنائبكم في السوابق، أو لحقت من مقانبكم بآل الوجيه وأعوج ولا حق، أو راهنت بها الذائد والسكب، وقرزل
(4)
واليحموم والبطين وزاد الركب، أو داحس والغبراء، أو الحنفاء والشقراء. أم هل من براذنكم المجلِّى والمصلِّى، والعاطف والعاقب والمتلي
(5)
:
عنها الحديث إذا ما حاولوا سمرا
…
والرزق منها إذا حلوا أماريتا
(6)
لسكم الكودن واللطيم، والسكيت الأخنس والفسكل الخطيم:
تبكي عليهن البطارق في الدجى
…
وهن لدينا ملقيات كواسد
(1)
كذا. ولعلها «وأريوسكم» وأريوس كان قسيسا بالإسكندرية كان في زمن قسطنطين الأول، وكان قسطنطين هذا على مذهب أريوس. الفصل (1: 48).
(2)
الفيول الثانية: جمع فيل، والفيل: الثقيل الخسيس. الكيول: آخر الصفوف في الحرب.
(3)
تهكم به وبكنيته أبى عامر، فجعله «أم عامر» وانظر ما مضى في 266 ص 13.
(4)
في الأصل: «خردل» ، وليس في أعلام خيلهم. وانظر الخيل للكلبي 27 وابن الأعرابي 75 والعمدة (2: 182) وشرح الحماسة للمرزوقى 1494.
(5)
المتلى: التالي. وفي الأصل: «المسلى» ، ولا وجه له.
(6)
الأماريت: القفار، جمع أمرات، وهذا جمع مرت. والبيت لأبى العلاء المعرى:
انظر شروح سقط الزند 1610.
شمخ زعمت رجح، بذخ وضح، فمن السّنخ الوسخ الودخ، من العجم قلت القدم، نعم اللكن الفدم، الحلم لكن عمن بلغ الحلم، بصر صبر!! بصر بأوقات السمر، وافول القمر، ودبيب الضراء والخمر
(1)
، صبر على الذفر والقذر، وذفر الغمر، وأطر الكمر، وبجر سرر ترمى بشر كالقصر
(2)
. ملس الأدم، قلت، هذا وأبيك والتفكيك يا ديوث والتخنيث، وعرض السقاء الخبيث
(3)
، لقد نبهت [يا] هذا الخبيث، وقلنا إليك يساق الحديث:
تصيخ للنبأة أسماعها
…
إصاخة الناشد للمنشد
(4)
جررة أذيال، لكن على دمال وابوال
(5)
، لا كجرنا العوالي للإعوال، وإعلام الأشبال منا للاحتيال، بريش الرئال
(6)
:
أبقت بني الأصفر المصفر كاسمهم
…
صفر الوجوه وجلت أوجه العرب
(7)
آنفاً يا حضاجر
(8)
، يا بارداً في شهر ناجر، وصفت العرب بمعاقرة الدنان، وقنيان القيان، والآن فخرت عليهم بالنبيذ والسميذ، والجدى الحنيذ، فلم لا تفاخر بالنطيح والوقيذ، وأكل الميتة بعد التشميذ
(9)
. وأما حنيذ
(1)
يقال دب له الضراء، ودب له الخمر، إذا ختله وخدعه. وما واراك من أرض فهو الضراء، وما وراء من شجر فهو الخمر.
(2)
اقتباس من الآية الكريمة. والقصر، بالتحريك قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد والحسن وابن مقسم. تفسير أبى حيان (8: 407) في سورة المرسلات.
(3)
العرض، بالكسر: الرائحة.
(4)
للمثقب العبدي في الكامل 63 ليبسك والبيان (2: 288). وانظر شروح سقط الزند 376 والأمالي (1: 34). وصواب الرواية: «يصيخ للنبأة أسماعه» ، لأن قبله في صفة ثور:
كأنما ينظر من برقع
…
من تحت روق سلب مذود
(5)
الدمال، كسحاب: السرقين ونحوه. وفي الأصل: «ذا مال» ، تحريف.
(6)
الرئال: جمع رأل، وهو ولد النعام.
(7)
لأبى تمام في ديوانه 12.
(8)
حضاجر: اسم للذكر والأنثى من الضباع.
(9)
التشميذ، لعل المراد به الانتفاخ. وأصل الشمذ رفع الذنب والإزار.
الجداء والحملان، وكوم متون الجفان، فلنا منها البضيع بعد الذكاة والسديف، والوشيق المسرهد والقدير المعجل والشواء الصفيف:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
…
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
(1)
وأما القيان والقنيان: والمعاقرة والدنان، فنحن اخترنا صرفها، واختبرنا صفوها وعفوها، وأخذنا في الجاهلية وصفها، وأهدينا أنفاس النسيم شذاها وعرفها، ومنكم غارس حبلها وآبرها، ومنقحها وزابرها، وسالف سليلها وعاصرها، ومنا أبو عذرها وفاطرها، ومديرها بحديث الركبان ومعاقرها، تدوسونها لنا بالأرجل، وتقتلونها قبل حلول الأجل، ثم تجلبونها من جواثي والرس، وتسبونها من قطربلّ وبيت رأس، وتجهزون بها بناتكم بأكواب الساج، ومدارع الدّيباج، فيرشفنها بالشفاه قبل الزجاج، وبهذا توفرت على ضغنها في المزاج، وأخذت من رؤوسنا ثأرها عند أرجل الأعلاج، فلنا الحلب، وعليكم الجلب.
ومنا الأجر، وإليكم التجر، ومن بضائع القهر، ثمن البضع والشّكر، وكالئ المهر
(2)
.
مستردفات فوق جرد أوقرت
…
أكفالها من رجح الأكفال
ولا حرب، إن شدهت العرب، بربات الشنوف، وولهت بوطف الجفون وذلف الأنوف، ودلهت بعزف القيان والشرب بالمعلم المشوف:
فإذا ما شربوها وانتشوا
…
وهبوا كل جواد وطمر
(3)
ثم راحوا عبق المسك بهم
…
يلحفون الأرض هداب الأزر
لهم عرف النسيب والتشبيب، وعليهم وقف التّسهيد والتعذيب، ولهم
(1)
لحسان بن ثابت في ديوانه 371.
(2)
الكالئ: النسيئة المتأخر.
(3)
لطرفة بن العبد في ديوانه 68.
الجآذر في زي الأعاريب
(1)
، شهروا بالحب والجوى، وخبروا بالتحرق للتفرق والنوى، وعزوا للموت كرماً وذلوا للهوى. هم حدوا الركب بالحنين والإرزام، وعارضوا السحب بعيني عروة بن حزام
(2)
، بكوا الديار، وندبوا بصدق عهودهم الطلول والآثار، وحموا الذمار، وردوا أيديهم عن حرمة الجار:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم
…
دون النساء ولو باتت بأطهار
(3)
رضوا لفضل النيل بفضول الغبوق والقيل، وتبرءوا من رضاع الغيل
(4)
، ولم يعرفوا غير داعي النداء وزجر الخيل:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم
…
دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
(5)
أرزافهم في السير والإساد، وإنفاقهم من أكف الآساد:
والليث حيث ألب من
…
أرض فذاك له عرين
أنفوا المساحة والفلاحة، وألفوا الاستباحة لامتلاء الراحة، ملكوا الأرض وما ملكتهم، وتخيروا البقاع فما نهكتهم، منازلهم من المعمورة بمكان الغرة، وحظهم من الفلك رأس المجرة، أغناهم من الأعمال المدنية، والملكة البدنية، إيضاع الشدنية، وإنضاء الناقة الفدنية، طلباً للاعتزاز، وضرباً في مجاهل الأرض للابتزاز، وكفاهم عارض المس، وأرض الرس
(6)
، إيثارهم على النّفس،
(1)
فيه لمحة إلى قول المتنبي:
من الجآذر في زي الأعاريب
…
حمر الحلى والمطايا والجلابيب
(2)
فيه نظرة إلى قول المتنبي:
فكأن كل سحابة وكفت بها
…
تبكى بعيني عروة بن حزام
(3)
للأخطل في ديوانه 20 وشرح شواهد المغنى 270.
(4)
الغيل: أن ترضع المرأة ولدها على حبل.
(5)
البيت للقيط بن زرارة في الحيوان (3: 93) والشعراء 692. ويروى أيضا لأبى الطمحان في الحماسة 1598 بشرح المرزوقي والكامل 30 ليبسك والوساطة 159.
(6)
الأرض: الرعدة والنفضة. والرس: أول الحمى.
والاستقبال بأبنيتهم مطالع الشمس، قنعوا بأفلاذ الحشا، والاحتشاء من الكشى، عن التأري لما في القدور، والتعري لوهج التنور:
لقرص تصلى ظهره نبطية
…
بتنورها حتى يطير له قشر
فأما البهط وحيتانكم
…
فما نيل منها كثير السقم
(1)
ومكن الضباب طعام العريب
…
ولا تشتهيه نفوس العجم
(2)
توقف الطباع على الصميم والخلاصة، وتوقي به شح النفس والخصاصة، ليسوا كالنهمة الخفرة، الأكلة الحفّرة، خفرة الجفان، وحفرة الاتفاق للنّيران، أعدّوها للتّحصين، لا للتحسين، وأوفدوا بها على الطين للتبطين، لا للتوطين، إذ لم يغنهم القهر عن الحصر، ولا عقد الجسر عن الأسر، أعجلتهم العربان، الغربان، عن الانتفاع، باليفاع، والاعتصام، بالأعصام، والاحترام
(3)
، بالأهرام:
ولذاك كانوا لا يحشون الوغى
…
إلا وقد علموا مكان المهرب
وأما الفسل، والمسل، فقد أجلها الله عن اغتراسكم واحتراسكم، وطهر النخلة عمتنا من أدناسكم، وبخر أنفاسكم، وحبا العرب بها عجالة صائمهم، ولهنة طاعمهم، ونقيعة ضيفهم، وفاكهة شتائهم وصيفهم، تحفة الكبير، وصمتة الصغير، وتخرسة مريم ابنة عمران، من الراسيات في الضحل، الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل
(4)
.
(1)
الشعر لأبى الهندي، كما في الحيوان (6: 88 - 89). وانظر محاضرات الراغب (2: 303) والفصول والغايات 471 والمخصص (16: 83/ 17: 10). والبهط:
الأرز يطبخ باللبن والسمن، معرب من الفارسية عن الهندية. انظر تحقيقه في حواشي الحيوان.
ورواية الحيوان: «فما زلت منها» .
(2)
العريب بالتصغير: العرب، قال ابن منظور:«صغرهم تعظيما» .
(3)
الاحترام، أراد به أنه دخل في حرمة لا تهتك. والمعروف «الإحرام» .
(4)
وصف النخلة هذا ينسب إلى أبى حثمة، وهو عبد اللّه - ويقال عامر -
فاخرات زروعها في ذراها
…
وأخاض العيدان والجبار
فأين صنيع قومك الجلة، من صنيع محرقي البعر والجلة، لما أمنوا اللهفان، وخوفوا أسد خفان
(1)
، وأفنت نارهم الغضى والأفان
(2)
:
ضربوا بمدرجة الطريق قبابهم
…
يتقارعون بها على الضيفان
فلم يبق إلا الجلة والبعر، أو خالفة طرافٍ من أديم أو بيت من الشعر خلوا فتحللوا، وعلوا وتجللوا:
• هناك إن يستخبلوا المال يخبلوا
(3)
…
غنوا بالجلة عن الجليل، ومن الحلة بالشليل
(4)
، وبالخوذ عن العوذ، وبالحلق عن الخرق، والسندس والاستبرق، من كل مدجج:
سمر القنا بإهابه
…
أولى من السربال
ما أكل ذو جار لهم بهواه
(5)
، ولا استأثر على من حلّ ربعه وثواه
(6)
، متى جاع أنشد أم مثواه، أيا ابنة مالك وابنة عبد اللّه
(7)
:
بن ساعدة بن عامر الخزرجي. الأمالي (2: 58). وإلى عبد الرحمن بن محصن النجاري التنبيه للبكرى 95. وإلى خالد بن صفوان. اللسان (خرس). والتخرسة: طعام النفساء.
(1)
خفان: مأسدة قرب الكوفة.
(2)
الأفانى: شجر بيض، واحدته أفانية، ويسمى كذلك ما دام رطبا، فإذا يبس فهو الحماط.
(3)
صدر بيت لزهير في ديوانه 112. وعجزه:
• وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
…
(4)
الحلة، بالضم: القميص والإزار والرداء. والشليل: غلالة تلبس فوق الدرع.
(5)
بهواه، أي بما يهوى، والمعنى أنه يخضع لجاره فيما يطعم، يحكمه في ذلك، مبالغة في الرعاية. في الأصل:«ذو جارهم بهداه» .
(6)
يقال ثوى بالمكان وثواه أيضا.
(7)
نظر إلى قول حاتم الطائي - وليس في ديوانه -:
أيا ابنة عبد اللّه وابنة مالك
…
ويا ابنة ذي البردين والفرس الورد
الحماسة 1667 بشرح المرزوقي. والبيت التالي هو قرين هذا البيت.
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له
…
أكيلاً فإني لست آكله وحدي
هذا المجد السري، والفخر الحِري، والنسب الحُري، لا ما تقولته لحاك الله ولحا أباك، وحيا من أباك، من فخرنا بالقديم، المفري للأديم؛ أغفيت فانتبه، «من يطل أير أبيه ينتطق به»:
أتبغض جوهر العرب المصفى
…
ولم يبغضهم مولىً صريحُ
فما لك حيلة فيهم فتجدى
…
عليك بل تموت فتستريح
أما لك فيهم بعد الملوك العاربة، والكواكب الطالعة الغاربة، من الثمودية والعادية، والطسمية والجديسية، والوبارية
(1)
والأميمية، ما يقرع صفاك، وينقع بماء الملام صفاك، إلى خالفة من المتعربة
(2)
خلفت خلافها، وارتضعت في البأس والجود أخلافها، وإن كانت من جمعكم كالبعرة في البيداء، والشعرة البيضاء في اللمة السوداء، حطّت ذراكم من اليفاع، وخطت في صدوركم بخطى الخطى لا باليراع، يستملون من أنسية الآجال
(3)
، وينهدون إليكم بقلوب أسدٍ في صدور رجال أقلامهم الردينيات واليزنيات، وصحفهم المشرفيات والسريجيات، ولحفهم الوضاء الداوديات، وسررهم المقربات الغر الأعوجيات:
إذا ركبوا الخيل واستلأموا
…
تحرقت الأرض واليوم قرّ
(4)
بروياتهم لا بروايتهم، ودراياتهم لا بادراتهم
(5)
، نصبوا الأحياء، ونسبوا الأشياء، وشققوا الأسماء، وقسموا على حصص البروج السماء، فوصفوا النجوم،
(1)
نسبة إلى «وبار» . وفي الأصل: «الأبارية» ، تحريف. وانظر البيان (1: 177) ونهاية الأرب (2: 292).
(2)
المتعربة هم بنو قحطان بن عابر الذين نطقوا بلسان المعرب العارية وسكنوا ديارهم.
نهاية الأرب 2: 292. وفي الأصل: «المتغربة»، تحريف.
(3)
الأنسية: جمع نسيء، بمعنى مؤخر. ويستملون، أي يملون. عنى أنهم يكرهون الآجال المؤخرة فهم يستعجلون الموت.
(4)
لامرئ القيس في ديوانه 5.
(5)
في الأصل: «ودرياتهم لا بادارتهم» .
وعرفوا الرجوم
(1)
، وزجروا السانح والبارح، وأثاروا الصيد وعلموا الجوارح، هم كروا نهر مهران
(2)
، وبنوا قصر غمدان، وحدوا بالركب للنخل من ودان
(3)
، فجابوا الأقطاب، واجتنوا الرّطاب، وملئوا الأوطاب، وميزوا التوكيت والتذنيب والإرطاب
(4)
، وانفردوا بالحكمة وفصل الخطاب:
سور القرآن الغر فيهم أنزلت
…
ولهم تصاغ محاسن الأشعار
قد كان يكفي يا ذات النحيين، وكبوح الحيين
(5)
، في بعض محاجّاتك، وعرض مداجاتك، أن هذذت شفتيك بلحنك الماخوري، وأنفذت حضنيك بنفثات أبى العلاء المعرّىّ، فأقمت فيها صغاك بالحرف العليل
(6)
، وبغيت فوق مبتغاك يا لئيم
(7)
، ما هو أقل من القليل، فأزحت
(8)
عن فشلك وخمولك، وأبحت هجوك وشتم رسولك؛ ثم شكوت قفار حالك، وأبنت واهي نثرك بزور انتحالك، فحسبك بها يا ذا العضب قرضاً وجزاء
(9)
، وانتهاء إلى الفهاهة لا أبا لك واعتزاء، واقتساما لأدبك
(10)
بيد التدمير أجزاء.
(1)
في الأصل: «الوجوم» ، تحريف. والرجوم: النجوم التي يرمى بها.
(2)
كروا: حفروا.
(3)
ودان: موضع بين مكة والمدينة. وفي معجم البلدان. «وقرأت بخط كراع الهنائي على ظهر كتاب المنضد من تصنيفه: قال بعضهم: خرجت حاجا فلما جزت بودان أنشدت:
أيا صاحب الخيمات من بعد أرثد
…
إلى النخل من ودان ما فعلت نعم
فقال لي رجل من أهلها: انظر هل ترى نخلا؟ فقلت: لا. فقال: هذا خطأ، إنما هو النحل. ونحل الوادي: جانبه».
(4)
التوكيت: أن يصير في البسرة نقط من الإرطاب. وفي الأصل: «التركيب» ، تحريف. والتذنيب: أن يصير فيها نكت من الإرطاب من قبل ذنبها.
(5)
كبوح، لعلها «نبوح» ، وهو ضجة القوم وأصوات كلابهم. والنبوح أيضا:
جماعة النابح من الكلاب.
(6)
إشارة إلى قول أبى العلاء، وقد سبق في نهاية رسالة ابن غرسية:
وإن الوزن وهو أصح وزن
…
يقام صغاه بالحرف العليل
(7)
بغيت: أعنت على ما تبتغى. وفي الأصل: «بعثت» .
(8)
في الأصل: «فأرحت» .
(9)
العضب: اللسان الذليق. يتهكم به.
(10)
في الأصل: «لأدبيك» .
إنّ العبيد إذا أذللتهم صلحوا
…
على الهوان وإن أكرمتهم فسدوا
لعلّك، لالعا لك، فضحك العىّ، أو صبّحك النّعىّ، فندمت على بادرة خذلانك، وسقطات لسانك، وهببت من غفوة التأسّى، أو المتأسّى، وقلت: من الآسى، من حزّ هذه المواسى، لياذا بالإسار، عن دعوة الآصار، وعياذا على الإعلان والإسرار، من مستكنّ الكفر والإصرار، وتيمم الهاشميّين بدعوة أبى عبيد المختار
[*]
، والتعمّم بسيدنا ونبيّنا محمد المختار.
«متى كان الخيام بذى طلوح
(1)
»، أو جمعنا الرّحم فى سام بن توح، أعرض عليكم ثوب الملبس
(2)
بالتّحامل على يافث، والترامى فى الإلحاق به على القائف والنافث، وإلاّ أىّ عيص إلينا ضمّكم، أو بأىّ بركة خصّكم صلى الله عليه وسلم أو عمّكم. ما غمّك، من أغمّك، ولا ذمّك من أذمّك
(3)
، وسمّك وأحمّك، وقتل أباك وسباك وأمّك. ابن عمّكم الطاغوت وسيّدكم البرهمن والبرهوت
(4)
، شتّان ما بين النجوم الطّارقة والشموس الفارقة، وبين سقّاط الجرامقة ومقّاط الأفارقة
(5)
، الوضر الأنذال، والبخر السّبال، لا غسل ولا طهارة، ولا نظافة لطامث ولا عطارة:
قوم إذا جرّ جانى قومهم أمنوا
…
من لؤم أعراضهم أن يقتلوا قودا
(6)
(1)
صدر بيت لجرير فى ديوانه 512. وعجزه:
* سقيت الغيث أيتها الخيام *
(2)
يضرب مثلا لمن كثر من يتهمه. الملبس: المغطى، وهو المتهم.
(3)
أذمه: وجده ذميما. وفى الأصل: «أزمك» ، وتحريف.
(4)
برهمن، هو الذى ينسب إليه مذهب البراهمة الهنود. جاء فى دائرة المعارف الإسلامية أنه ملك مترهب عالم، عقد مجمعا من الحكماء وسن بمعونتهم قواعد الدين، كما وضع نظرية الأدوار الفلكية، واخترع أرقام العدد
…
وأما البرهوت فهو واد بحضر موت يحفه جبل بركانى عند سفحه بئر تعرف ببئر برهوت، يذكرون أن أرواح الكفار تأوى إليه. دائرة المعارف الإسلامية ومعجم البلدان. وانظر أيضا مروج الذهب 79:1.
(5)
الماقط، مولى المولى.
(6)
للحكم بن زهرة أو عويف القوافى، انظر ما كتبت فى حواشى الحماسة بشرح المرزوقى 249.
[*](تعليق الشاملة): «أبى عبيد المختار» كذا فى الأصل، وصوابه «ابن أبى عبيد المختار» وهو المختار بن أبى عبيد. [أفاده في المستدرك]
ألا ناصر أهل أم القرى
…
لأم الذبيح ألا ناصر
(1)
أسامر نجدا ومن بالصفا
…
وإن لم يكن بالصفا سامر
وإلا فأين حمى يعرب
…
حفائظ لم يحمها عابر
(2)
فيا للرضى وأبنائه
…
ومن ولدت أمه هاجر
(3)
وللعرب أعراق زند الثرى
…
أكابر أورثها كابر
أضمت قصى وأخلافها
…
ونصر وعامرها الجادر
(4)
لمملوك قنٍ أخي غية
…
لغير أب ملحد كافر
يهز بدانية أعظما
…
بمكة قد ضمّها قابر
وخالصها في ثرى طيبة
…
نبي الهدى القمر الزاهر
نفتني المجاهر من هاشم
…
ومن يمن عمرو أو عامر
وهرت جفوني كأس الكرى
…
وسح بها دمعها الماطر
لئن لم أجاهده لا جر لي
…
قنا الخط في الصحف الخاطر
أيا عبد عبدٍ ألا تستحي
…
ولا لك دون النهي زاجر
مواليك أخسرت من شأنهم
…
ستعلم ويك من الخاسر
فإن تنج مني بنزع الشوى
…
كما أبق الضبع الباسر
(5)
فما في ضلوعك من نطفة
…
وماء الكراض دم مائر
(6)
(1)
أم الذبيح، يعنى بها هاجر.
(2)
عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.
(3)
يعنى أبا عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن تومرت.
(4)
يعنى عامر الأجدار، وهم بطن عظيم من كلب، وهو أخو عامر بن صعصعة لأمه.
نظر حواشي شرح المرزوقي للحماسة 341. وفي الأصل: «الجاذر»، تحريف. وفي اللسان (جذر) أنه سمى بذلك لسلع كانت في بدنه.
(5)
في الأصل: «كما أنف» .
(6)
الكراض: ماء الفحل. في الأصل: «لما في ضلوعك» .
هلا طمعت يا معمر، يا آكل الأشلاء لا يحفل ضوء القمر، في استدراك المقال، والافتكاك من هذا العقال. كلا لو تجلو معيارك، وتمحو طومارك، وتقلّم أظفارك، وتنزع صلبانك وزنارك
(1)
، وتعفي سبالك، وتنصب قذالك، وتقول ذلك، وتجعل الخصل كله للعرب، والفضل للنبع على الغرب. كفاك أن منهم آساد الله، وضراء الله، وسيوف الله
(2)
، ولهم بيت الله، وفيهم رسول اللّه وعترته أولياء الله، أئمة الهدى، وتتمة البأس والنّدى، وخير من انتعل وارتدى المؤثرون على أنفسهم ابن عمنا صدقا، وهادينا ومرشدنا وسيدنا حقاً، سيد البشر، وخاتم الرسل في محكم الزبر، شفيع هذه الأمة، وحاديها إلى عليين في خير أمة، سفير يوم العرض، وإمام أهل السماوات والأرض، منتهى لبنة الأحساب، في الأحساب، الناطق بكلامه داعى أهل الجنة ومنادى الحساب، الحاشر العاقب، الشهاب الثاقب، السابق الغالب، المتخير من ذؤابة لؤي بن غالب، الذي به نسخنا ملتكم، وفسخنا خلتكم، وكسرنا صلبكم، وغوّرنا قلبكم وطهّرنا بيعكم، واستظهرنا قلعكم، واستوطأنا نضائدكم، واستبطنا ولائدكم:
أعجلن عن شد البرى ولطالما
…
غودرن أن يمشين غير عجال
بهذا النبي الأمي، السيد العربي، نفاخر البشر، ونكاثر المطر، ونناظر الشمس والقمر، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصهاره، وصحبه وأنصاره، وحزبه، ومن مات على حبّه، كفاء العج والثج، والملبين بالحج، وسلام الله ورضوانه على سلالته الطاهرة، ووارث ملّته المنصورة، الإمام المهدى أبى عبد اللّه
(1)
الصليب والزنار مما كان يميز به المسيحيون. وفي الأصل: «طابانك» . وانظر ما ورد من كثرة اقتران الصليب بالزنار في الديارات للشابستى 113، 132 وما أنشد من قول أبى نواس:
وبالصلب العظيمة حين تبدو
…
وبالزنار في الخصر الدقيق
(2)
كان يقال لحمزة بن عبد المطلب: أسد اللّه. ثمار القلوب 16. وفي اللسان (ضرا): «وفي الحديث أن قيسا ضراء اللّه،. والمعنى أنهم شجعان، تشبيها لهم بالسباع الضارية. وكان يقال لخالد بن الوليد: سيف اللّه، سماه بذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لحسن آثاره في الإسلام، وصدقه في قتال المشركين. ثمار القلوب 16.
محمد بن عبد الله القرشي العلوي، الفاطمي المحمدي
(1)
، وخليفة أمره العلي، ومقامه القرشي، سيدنا الإمام الرضي العربي، المضري القيسي أبي محمد عبد المؤمن بن علي
(2)
. والدعاء لحفظة سره النبوىّ، وخلافة أمره الدينىّ والدّنياوى وأمد الله حضرة مولانا أمير المؤمنين سيدنا الإمام أبى عبد اللّه الرضي، الشاب التقي، الناصر لدين الله العلي، بمواد النصر الخفي، والعمر القصي، وسائر العترة المهتدين، والسادة الأكرمين، والعصابة الموحدين
(3)
، ورضي الله عنهم أجمعين، عدد الرذ والرش، والطل والبغش، والملائكة الحافين من حول العرش مارسا ثبير، وعسا جمير
(4)
، وسمر بنا سمير، وسلم تسليما:
يا باحثاً بالظلف عن حتفه
…
أذكرت أشياعك من ناسا
لا تمر أخلاف الردى ضلة
…
إن مع الإبساس إيناسا
(5)
ومز قرار الحق من نوسه
…
فليس من قر كمن ناسا
(6)
أعداك جهل العجم عجباً بها
…
فأوس يا عير ترى الناسا
(7)
والسلام على من رضى الإسلام، ووحّد السلام، وأبدى الاستسلام، ورحمة اللّه وبركاته.
(1)
هو محمد بن عبد اللّه بن تومرت، المتسمى بالمهدى. ولد بسوس ورحل إلى المشرق سنة 501 في طلب العلم وانتهى إلى بغداد ولقى أبا بكر الشاشي والمبارك بن عبد الجبار، ويقال إنه لقى الإمام الغزالي بالشام. ثم قام بدعوته في المغرب سنة 514. ولد سنة 485 وكانت وفاته سنة 534. المعجب 115 وابن خلكان (2: 37 - 41).
(2)
كان عبد المؤمن بن علي هو الساعد الأيمن لمحمد بن تومرت، وقد ولى الأمر بعده واستولى على وهران وتلمسان وفاس وسلا وسبتة ومراكش. ولد سنة 500 وتوفى سنة 558. المعجب 125 وابن خلكان (1: 310 - 311).
(3)
انظر تعريفا دقيقا لهؤلاء القوم، في المعجب 130، 225.
(4)
عسا الليل: اشتدت ظلمته. والجمير: الليل المظلم.
(5)
في الأصل: «ظلة» تحريف. والإبساس: صويت للراعى يسكن به الناقة عند الحلب.
(6)
الميز: التمييز. وفي الأصل: «ومن قرار» . والنوس: التذبذب والاضطراب.
(7)
أوس: زجر للمعز والبقر.
رسالة ثانية فى الرد على ابن غرسية
[*]
[*](تعليق الشاملة): الرسالة لمجهول، ورجح عبد السلام هارون رحمه الله (ص 237) أنها لأبي يحيى بن مسعدة صاحب الرد الأول، لما بين الرسالتين من تشابه في الأسلوب وتقارب في العبارات
رسالة ثانية في الرد على ابن غرسية «*»
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً
أية نار قدح القادح
…
وأي سهم فوق الكاشح
(1)
• إحدى لياليك فهيسي هيسي
(2)
•
لشد ما استهواك أيها الشعوبي شيطانك، والتفت على نزعك أشطانك، أدريت، حين زريت، أي أديم فريت، وأي ظهر للمكارم اعروريت، رميت بكل أفوق ناصل رمي
(3)
، وأوضحت غير جلى، وراهنت على الجحاش كل سباق أعوجي، من الأدم، القدم، ليسوا بصهب خرس، ولا بمجوس فرس.
أعد نظراً ففي الأمم العادية، والأجيال الجرهمية، والجبابرة الطسمية، والعماليق الغلب الإرمية، ما يروعك، ولا يفرخ له روعك. وفي مضر الحمراء واقيال عدنان، والتبابعة من يعرب بن قحطان، وأبرهة ذي المغار، وعمرو ذي الأذعار ما يوقظك من سنة هواك، ويحجرك عن باطل دعواك، أنوف شمخ، وجبال رسخ، ومجد تليد، وعز مشيد:
رسا أصله تحت السما وسما به
…
إلى النجم فرع لا ينال طويل
(4)
(*) انظر ما سبق في التقديم ص 237.
(1)
البيت لأبى نواس في ديوانه 192 والبيان (3: 198). وانظر الحيوان (1: 9). والرواية فيها جميعا: «وأي جد بلغ المازح» .
(2)
هاس هيسا: سار. والرجز في المقاييس واللسان (هيس) ومجالس ثعلب 293 والمخصص (7: 113). وبعده:
لا تنعمى الليلة بالتعريس
(3)
الأفوق: السهم المكسور الفوق، وهو مشق رأس السهم حيث يقع الوتر. والناصل:
الذي سقط نصله.
(4)
للسموأل بن عاديا، في الحماسة 114 بشرح المرزوقي، برواية:«تحت الثرى» .
اخسأ فلن تعدو الأصفرية أقدارها، ولن تعدم المجوس نارها. أرومتنا إسماعيلية نبويّة، لا عيصوية أصفرية
(1)
، حرم أبوكم بين ذويه، دعوة إبراهيم أبيه
(2)
سلخ لها من النبوة سلخ الأديم، وعدل بها عن الحنيفية ملّة إبراهيم، قما أنت والفخر بالقديم، إلا كدابغة وقد حلم الأديم. منا الحي اللقاح، أولو النجدة والسماح، لما عدت عليهم عوادي الزمن، تفرقوا عن سبإ اليمن، أيادي كما انتشر الليل، وانحدروا إلى أطوار الشام قدماً كما انحدر السيل، فحملوا، ريثما استقلوا
(3)
:
والليث حيث ألب من
…
أرض فذاك له عرين
(4)
فحين سميتموهم الأساورة رموكم بسهم ما أخطأكم، وأخذتم من جذع ما أعطاكم
(5)
، مجد، نجد، إن نازعتم فيدنا الأقوى، [أ] وفاخرتم فالكرم التقوى
(6)
، ما سسنا خنزيراً وعبدنا ناراً، ولا عقدنا على الذل زنّارا، بلى ملكنا، نقوسنا ونقسنا
(7)
، على الأملاك، الملوك، حتى أنفذ الله حكمه في الدعوة الإبراهيمية فأتمها، ولأم بها عباديد العرب ولمها، فحين نظمها من الدين ناظر ووضح لها من الإيمان معالم، وثوب بالفلاح مناديها، وتطاولت إلى هاديها هواديها، أقبلتكم الخيل دوائس
(8)
، عقباناً تحت أسد عوابس
(9)
، فثلت
(1)
العيصوية: نسبة إلى عيصو، وهو العيص بن إسحاق عليه السلام. وفي نهاية الأرب (2: 322): «وولد روم بن العيص بن إسحاق بنى الأصفر، لأن روم كان رجلا أصفر في بياض، فلذلك سميت الروم بنى الأصفر» . وانظر سفر التكوين 25: 24 - 26.
(2)
في سفر التكوين أن لذي بارك يعقوب وحرم عيسو أخاه الأكبر إنما هو إسحاق أبوهما. الإصحاح 27: 27 - 40.
(3)
الاستقلال: الارتجال.
(4)
سبق في ص 283.
(5)
إشارة إلى المثل: «خذ من جذع ما أعطاك» . وانظر ص 237 لتضم هذه أيضا إلى ما ورد في ص 237 من دلائل تعزيز نسبة الرسالة، وكذا ما في 298 ص 4.
(6)
إشارة إلى قوله تعالى: «إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم» .
(7)
كذا وردت العبارة.
(8)
في الأصل: «دواس» ، تحريف. وفي اللسان:«أنهم الخيل دوائس، أي يتبع بعضهم بعضا» .
(9)
في الأصل: «غواس» ، تحريف.
عروش أنوشروانكم وقباذكم، وفلّت غرب يزدجردكم وشهرياركم
(1)
. وسدوا مسالككم، وخلعوا خلع الخمائل ممالككم، وحطوا عن مفارقكم تيجانكم، ونسخوا فصحكم ومهرجانكم، وورثوا أرضكم ودياركم، وأطفئوا بنور الله ناركم.
أصخ أيها الغمر، فقد آن لك أن توقد بصيرتك مدراج العمر
(2)
، فتذكر قتلى باليرموك وجبت جنوبها، وأشلاء بالقادسية عصف عليها من المنون هبوبها
(3)
، تهافتوا علينا أمثال الدبا، لم تغن عنهم الأسنة ولا الظبا، فتعلم أن البأس للعرب، وأن النبع ليس من الغرب
(4)
:
ولم أر أمثال الرجال تهافتوا
…
على المجد حتى عدّ ألف بواحد
هم طردوكم عن أكناف الشام، ورستاق العراق، طرد غرائب النياق، وجذوكم عن تخوم بابل وخراسان، جذ العير الصليان
(5)
:
بضرب يزيل الهام عن مستقره
…
وطعنٍ كإيزاغ المخاض الضوارب
(6)
مكر، نكر، لم يتخذوا القصور وكورا، ولكن مذاكى ذكورا.
بنيتم بالشيد وبنينا
(7)
وأحدقتم، بالحيطان، وأحدقنا بعوالي المران، وألفتم الأبنية والأندية، وجبنا في طلب العز المهامة والأودية، وأذلتم الدّبابيج والمرمر
(8)
، وذلّلنا العناجيج الضّمّر. جررة عوال
(9)
، وبذلة نوال:
(1)
في الأصل: «شهرباذكم» ، تحريف. وانظر ما سبق في ص 280.
(2)
في الأصل: «القمر» .
(3)
الهبوب: الريح تثير الغبرة.
(4)
انظر ما سبق في ص 290.
(5)
الصليان: ضرب من الشجر.
(6)
للنابغة في ديوانه 8.
(7)
لعل هنا كلمة ساقطة يتم بها السجع مع «الشيد» ولعلها «بالقرميد» .
(8)
الدبابيج: جمع ديباج، وهو ثوب يتخذ من الإبريسم، وفارسيته «ديباه» .
ويقال ديباج كسروي. والمرمر: ضرب من تقطيع ثياب النساء. وفي الأصل: «الذبابيح والمزمر» .
(9)
عوال: جمع عالية، وهي أعلى الرمح ورأسه، والعالية أيضا: القناة المستقيمة.
فما دب إلا في بيوتهم الندى
…
ولم ثرب إلا في حجورهم الحرب
دنتم بالراح، ودنا بدرّات اللّقاح، فشتّان بين محظور ومباح
(1)
. ما ذا الإيغال، في أبي رغال، وقد غاله من الإله ما غال، حين دل على بيت الله أغربة الأحابش. كما دلت على أهلها براقش، فهلك وهلكوا، وحدا بهم حادي الردى أية سلكوا. وضح، صرح، لم تعرق فينا سحمة الحبشان، فجئنا صفر الألوان، ذوي نطف أمشاج
(2)
، بين الزنوج والأعلاج. أشهد أن الساسانية، العديمة الإنسانية، نكحت أمهاتها وبناتها، وتشبهت بالبهائم في شهواتها، ألا زجرهم عنه معقول، أو دين عن الأمم منقول، ذهبوا والله من العار بثمه ورمه
(3)
، وفحل السوء يبدأ بأمه. أفخراً بالحنيذ، والنبيذ، هلا بقرى الضيوف والسنون غبر، وعزة الجار والأسنة حمر، وكرم الوفاء إذا استؤثر بالغدر، وكتم السر حين تجيش مراجل الصدر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
…
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
(4)
أيها الزاري علينا بشأن، أبى غبشان، وما ذا على رجل تخوف فصرف على أربابها السدانة، ووفى فأدى إلى أهلها الأمانة، دون خدعة ولا خلاب، وجرى المذكيات غلاب
(5)
، نجح، رجح، لا تطيش بهم الأحلام، ولا تساجلهم الأيام. فمه أيها المتعاطي لما لا يدرك، المتشبع بما لا يملك، المتبجح في دعواه، كالخصي يفخر بمتاع بمولاه. إنّ حظّكم من الأسترلوميقى
(6)
والأرتماطيقى،
(1)
في الأصل: «مجذور» ، وهو تحريف سمعي.
(2)
أمشاج: مختلطة. وفي الأصل: «ذو نطف» .
(3)
أي بقليله وكثيره. انظر ما سبق ص 265 س 2.
(4)
للحطيئة يهجو الزبرقان. ديوانه 54.
(5)
المذكى من الخيل: المسن، والغلاب: المغالبة. والمثل يضرب لمن يوصف بالتبريز على أقرانه في حلبة الفضل.
(6)
انظر لهذا وما بعده ما سبق في ص 251.
والتعاليم المنطقية والموسيقى، والفنون الفلسفية والجومطريقي - حظ الزمان من من الهرم
(1)
، والحمر من تأليف النغم، لكنها والله أقوى منكم لحيا، وأقوم هديا، وأثقب خواطر، وأصدق بصائر. تلك علوم يونان، ومبادئ كلذان، ونتائج هرمسية
(2)
، ونسب فيثاغورية، لا ما أنتم بنو الاستاه منه متعاطون
(3)
، وفي عشوائه خابطون، إنّ العرب بأميتها لأدركت بحلومها، ما أدركته الأوائل بتعاليمها، أهل البيان وأربابه، لهم فتحت أبوابه، ورفعت باليفاع قبابه؛ نزل الفرقان بلسانها، فدل على إحسانها:
فلو أن السماء دنت لمجدٍ
…
ومكرمة دنت لهم السماء
(4)
عُتُق صدق، جعل الله لها الكعبة البيت الحرام قياماً، والحنيفية السمحة قواما، وإنّ بيتاً رفع منه إبراهيم القواعد وإسماعيل، ونطق بفضله التنزيل، وسفر بين ساحته جبريل، لمظنة خيرات، ومصبّ بركات، ومنجم آيات معجزات؛ مشاعر معظمة، ومناسك مكرمة، وملتقى آدم وحواء، ومهبط الوحي من السماء، ذلك بيت الله لا بيوت نيرانكم، وشعاره لا شعار صلبانكم، ومدارس الذكر لا مدارس البهتان، ومعارج الملك لا مدارج الشيطان، إن القرآن ليس بديوانكم، ولا الكعبة من زخاريف إيوانكم:
إن الذي سمك السماء بنى لنا
…
بيتاً دعائمه أعز وأطول
(5)
(1)
أي ليس لهم حظ من تلك العلوم والفنون، كما ليس للزمان حظ من الهرم، فإن الزمان دائم الشباب.
(2)
انظر للكلام على «هرمس» ابن النديم 494 وابن أبي أصيبعة 1: 16 - 17 والقفطي 227 حيث ذكر هرمس الثاني والثالث. وأمّا هرمس الأول، وهو هرمس الهرامسة، وهو إدريس عليه السلام فقد ذكره في 6 - 7. وراجع ما أسلفت في حواشي الرسالة المصرية ص 39.
(3)
العرب تسمى بنى الأمة: بنى استها. وانظر ص 276 س 11.
(4)
لأبى البرج القاسم بن حنبل، في الحماسة بشرح المرزوقي 1659.
(5)
للفرزدق في ديوانه 714.
بيت في كسره اعتلج محمد صلى الله عليه وسلم ودرج، وفيه دب وإلى السماء عرج، ثمرة دوحة زكت في مضر منابتها، ونما في النضر بن كنانة نابتها، ووشجت إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم أعراقها، وتولفت من هاشم أغصانها وأوراقها، سمت صعدا بين السنا والسناء، أصلها ثابت وفرعها في السماء، صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ما فاهت الأفواه، ووردت المياه، واستغفر الله كل منيب أواه، وعلى صحبه وعترته نجوم الهدى، ورجوم العدى، الركع السجود، القوام الهجود، أصحاب الغرر والتحجيل
(1)
، وحملة التنزيل، والعلمة بالتأويل، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ. إليك فقد بين الصّبح لذي عينين، وطبّق بين الخافقين. فلا تفغر أيها الأثيم الأفاك، بقديم بعدها فاك، ولئن أوجعناك، فبما قدمت يداك. أجل صديق المرء عقله، وعدوه جهله، ولا يحزنك دم هراقه أهله:
غمزت قناتي غمزة فوجدتها
…
من العز يأبى عودها أن يكسرا
فإن تغضبوا من قسمة الله بيننا
…
فلله إذ لم يرضكم كان أبصرا
كملت الرسالة والحمد للّه رب العالمين
(1)
في الحديث «أمتي الغر المحجلون» ، أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام. وكتب إزاء الكلمة في الجانب:«والحجول» . وانظر ما سبق في ص 262 س 3 لتضمه إلى ما سبق في 237 من دلائل تعزيز نسبة الرسالة مشفوعا بما نبهت عليه في الحاشية رقم (5) من ص 295.
رسالة ثالثة في الرد على ابن غرسية
لأبى جعفر أحمد بن الدودين البلنسى
رسالة ثالثة في الرد على ابن غرسية أجابه بها الأديب أبو جعفر أحمد بن الدودين
(1)
اخسأ أيها الجهول المارق، والمرذول المنافق، أين أمك، ثكلتك أمك.
أو ما علمت أنك سحبت من عقالك لعقالك
(2)
، وقدمت أول قدمك، لسفك دمك، وبسطت مكفوف كفك، لسلطان حتفك، وقلمت شبا أقلامك، لاصطلامك، وحبرت بحبرك، لذهاب خبرك، ومشقت في قرطاسك، لشق رأسك، فما حقيقة جوابك، على خطل خطابك، إلا سلبك عن إهابك، وصلبك على بابك، ولو كان بالحضرة أقيال، وحضرك رجال؟! لكنك بين همج هامج، ورعاع مائج، مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء». فاقسم ببارئ النسم، وناشر الأمم من رفات الرمم، لأصيرن عليك أيها السخيف، المضعوف، على نذالتك، وفسالتك، عرض البساط
(3)
، أضيق من سم الخياط، ولأخلدنك سمراً غابراً
(4)
، ومثلاً سائراً، أو نشوه محياك، وتحلق [سبتا لك
(5)
] من قفاك، وتحتزم بزنّارك، وتلحق بأديارك. مالك، ومقراً لك
(6)
، [و] أسرتك الأرذلين، وعترتك الأنزلين
(7)
، الصهب السبال، من ولغ الدم وشرّب
(1)
انظر ما سبق في التقديم ص 238. وفي الذخيرة: «فرد عليه أبو جعفر برقعة قال فيها».
(2)
عقل البعير: ثنى وظيفة مع ذراعه وشدهما جميعا في وسط الذراع، وذلك الحبل هو العقال. والعقال، كرمان: ظلع في قوائم الدابة. في الذخيرة: «إنما سمحت» .
(3)
البساط، بالفتح: الأرض الواسعة.
(4)
الغابر: الباقي.
(5)
التكملة من الذخيرة. وفي أصلها: «سبالك» . والسبت: الحلق.
(6)
المقر: دق العنق.
(7)
في الذخيرة: «الأنذلين» .
الأبوال، أكلة الجيف، وحللة الكنف
(1)
، و «الوضح، الرجح» رجح الأكفال، وضح كذوات الأحجال، فلله أبوك لقد أجدت في قومك الوصف، وبسطت لنا منهم النصف، وأنا الآن أنصف، وفقارك أقصف. «علم، حلم» ء بالتداوي من القرم، ومنافع القلم، حلم عن كلّ مجاوز الحلم. «جمح طمح» الآن صدقت، وغلطك استدركت، جمح في الإحجام، عن الإقدام، طلب الفرار، يوم الانتصار وإدراك الثأر، طمح إلى كل رموح طموح، يطول الشبر، ويطيل الشبر، معلف، مغلف
(2)
، ذي خلق مرصوص، وهامةٍ كالفصوص
(3)
.
إياك ولعابك، أن يمحو كتابك.
«حماة السروح نماة الصروح
(4)
»، النصفة، يا كشاجم لا الأنفة
(5)
، غض قليلاً من طرفك، وأمسك عنان طرفك، ولنتحاكم في ذلك إلى ظرفك، هل يصحّ في التحصيل، أو يجوز في العقول، أن يحمى قومك سروح شائهم، وقد أباحوا فروج نسائهم، أليس هذا عين المحال، ومغالطة الجهّال. فهلّا توهّمت يا فتى الجواب، قبل الخطاب، وأبصرت الورطة، قبل السقطة.
وأما ما قعقعت به ووعوعت، من صواحب الرايات، فهن وأبيك بعض بنات ربّة الإياة
(6)
، إمائنا المسبيات الممتهنات، ملكتناهن ظبا البيض الهندية، وشبا السمر الردينية، فما عجنا بهن عما عودتموهن من البغاء، للاسترضاء،
(1)
حللة: جمع حال. انظر ما سبق في ص 246. والكنف: جمع كنيف، وهو كل ما ستر من بناء أو حظيرة.
(2)
المعلف: المسمن. وهذه الكلمة ليست في الأصل، وبدلها في الذخيرة «معلب» .
المغلف: ذو الغلاف، والمراد به الغلفة، وهي الهنة تقطع عند الختان. وبدله في الذخيرة:
«ملغب» .
(3)
الفصوص من الفرس: مفاصل الركبتين والأرساع.
(4)
في الأصل: «بناة الصروح» ووجهه من الذخيرة مطابق لما مر في ص 247.
(5)
انظر لكشاجم ما سبق في ص 271.
(6)
انظر ما مضى في ص 249.
فيكثر معشر العربان، من ولد سارتكم الإموان والعبدان
(1)
، وفيك من ذلك أصح دليل وأوضح برهان. فهلا يا فتى ثقفت، ودون هذا الفصل وقفت.
«بُصر صبر» ، بصر بتركيب عصب أنابيب السرر، ومنافعها بزعمهم للجسم والبصر! صبر على إيغال، الغراميل الطوال.
«سرجٌ، وهجٌ» سرج المضاجع، لا يطفأ وهجان ذلك السعر، إلا بدافق ماء الكمر.
«ملس الأدم، ما حاكوا قطّ برودا، ولا لاكوا عرودا» . هذا وأبيك من التعريض الرقيق في مقالك، وآلك، وذلك أنك وصفتهم بإملاس الجلود، وقفيت بنفي لوك العرود، وإيجاب ذلك، لا يليق إلا ببالك
(2)
. فهذا لعمرك من بديع التحقيق، فافخر فهاتان صفتان سلمتا لكم. وأما لوك العرود فإن ذلك أوضح
(3)
من السراج الوهاج، في الليل الداج
(4)
. قد تحدث
(5)
أن ولدانكم عطلوا في وقت سوق نسائكم، فنمى ذلك إلى مليككم
(6)
، فحكم، أكرم به من حكم
(7)
، أن يبيح النسوان، من أنفسهن ما أباح الولدان، وامتثلن ذلك فاتسقت الحالان ونفقت السوقان، وما سمع في الأزمان، بأغرب من هذا الشان، فاشمخ بأنفك، وافخر بنصفك
(8)
.
(1)
الإموان بكسر الهمزة وضمها: جمع أمة، وهي المرأة المملوكة.
(2)
في الأصل: «ألا يليق إلا ببالك» .
(3)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «فأوضح» .
(4)
الداجى: المظلم.
(5)
الذخيرة: «قال المحدث» .
(6)
نمى: رفع وبلغ. يقال نموت الحديث أنموه وأنميه. وفي الأصل: «فنهى» تحريف، صوابه من الذخيرة. وإنما يقال منه أنهيت إليه الخير فانتهى وتناهى.
(7)
الذخيرة: «من محكم» .
(8)
النصف: الإنصاف. الذخيرة: «ببضعك» .
وأما حوككم البرود، فناهيك من الغفارة الإفرنجية
(1)
إلى الديباجة الرومية، والنسبتان، بذلك تشهدان.
وأما فخرك بربّة الإياة فيا ليتها حين ولدتكم ثكلتكم، فلقد سربلتموها عارا مجدّدا، وعصبتم بها شنارا مخلداً، حين خمتم عن الكفاح، حذر الصوارم والرماح، فأسلمتم لعداتها، من بناتها، كل طفلة رداح
(2)
، جائلة الوشاح، ذات ثغر كالأقاح، وغرة كالصباح، أعجلن عن لوث أزرهن، واعتجار خمرهن، فعوضن من الإدلال بالإذلال، ومن الحجال بالرجال:
خلف العضاريط لا يوقين فاحشة
…
مستمسكات بأقتاب وأكوار
(3)
وعيرت العرب بالاغتذاء بالحيات، لتعذيكم بالدماء والميتات، فيمتاز الضد، ويقع الحد، بين من تناهت جرأته، وماتت همته. على أن لا افتخار في مشرب ولا مطعم، لعرب ولا لعجم. وكذلك ما عيرتهم به من حرق الجلة والبعر، غروا بإضرام النيران، لإكرام الضيفان، وإطعام المقرور الجوعان، إلى أن عدموا الأرطى والغضى، وموجود السّمر، وسائر أنواع الشّجر، فلجئوا إلى الجلة والبعر.
وكذلك وصفك قومك بأن «ليسوا حفرة أكر، ولا حفزة عكر» ، اللّه أجلّ الأكر أن يحفروها، والعكر أن يحفزوها، لكنهم حفزة جحشان وحفرة كهوف وغيران، اتخذوها مخبأ عن قبائل العربان
(4)
، وملجأ من وقع
(1)
الغفارة: مثل القلنسوة يلقيها الرجل على رأسه فتبلغ الدرع ثم يلبس البيضة فوقها، وربما جعلت من ديباج وخز أسفل البيضة. والإفرنجة، قال ياقوت:«هم في شمالي الأندلس نحو الشرق إلى رومية» . وانظر الفهرست 30، 34 ومروج الذهب 2: 34 والقاموس.
(2)
الطفلة، بالفتح: المرأة الرخصة الناعمة. والرداح: العجزاء الثقيلة الأوراك التامة الخلق.
(3)
للنابغة الذبياني في ديوانه 42. العضاريط: الأتباع والأجراء.
(4)
الذخيرة: «عن حبائل» .
الصوارم والمران، فعل الخزان واليرابيع والجرذان
(1)
.
وأما فخرك بعلمهم الشرائع، فمن أبدع البدائع، «استنت الفصال حتى القرعى
(2)
»، وجهلهم بذلك أوضح، من أن يشرح، وأبين، من أن يبين، لكن أنكت من ذلك نكتة، وأنبذ منه نبذة، تصفعهم صفعاً، [و] ترد صهب أدمهم سفعاً. وأن يكون ذلك، هبلت لآلك، ولم يأخذوه عن نبي، ولا نقلوه عن حواري، ولم يزالوا يتعاورون أصلهم الإنجيل بالزيادة والنقصان، إلى أن أصاروه في حيز الهذيان. وحسبك بهم جهلاً أنهم يعتقدون إلهاً نبيهم، يسمونه بالرب المعبود، وصيروه بعد مصلوب اليهود، فأعجب بجهل يجمع بين هذين، الطرفين، وأعجب من ذلك أنهم يجمعون
(3)
أن عيسى ينزل إلى الأرض، لحساب الخلائق يوم العرض، فما ظنك يفعل باليهودية
(4)
على ما قدموه على زعيمهم من صلبه، فهل يصح بهذه الآراء الضعيفة، والعقول السخيفة، دين، أو يثبت لهم معه يقين. ولولا أني أجل قلمي، وأنزه كلمي، عن سخافاتهم، في دياناتهم، وبرسامهم، في أحكامهم، لأوردت من ذلك ما لا يستجيزه إلا مثل قومك العجم، عقول البوم والرخم.
وأما علم الطبائع فسلم بعضها لهم، لما تقدم في أثناء الرسالة، من علمهم بخواصّ تلك الآلة، والصدق أزين ما به نطق، وإليه سبق.
وما ذكرته من أبي رغال، فذلك جد محتال، إنه غدا
(5)
علماً منه باستئصالهم
(1)
الخزان: جمع خزر بضم ففتح، وهو ولد الأرنب.
(2)
استنت: جرت في نشاط. والقرعى: التي أصابها القرع، وهو بئر. يضرب مثلا للرجل يدخل نفسه في قوم ليس منهم.
(3)
الذخيرة: «مجمعون» .
(4)
في الأصل: «بفعل اليهودية» ، صوابه من الذخيرة.
(5)
بدله في الذخيرة: «بأدواء عداه» .
عن اختيارهم إلى بوارهم، فعجل الله بأرواحهم إلى نارهم.
وقضية أبي غبشان التي عظمت، ليس الأمر كما توهمت، لأن الكعبة بيت الله لا شريك له وضعه تعالى للعباد، وسوّى بين العاكف فيه والباد، وأبو عبشان إنما باع خدمته في البيت. وهبها قضية سفينها الغوى
(1)
، أين تقع في قضية إمامكم يهوذا الحواريّ، إذ باع نبيه روح القدس، من أعوانه بالأفلس
(2)
، فكذّب الله ظنه، وأنجى نبيه، فدونك ضع قضية سفيهنا في كفة وفي أخرى قضية إمامك، ورجح بينهما بفض ختامك.
وأما وصفك قومك أنهم «مجد، نجد، شمخ، بذخ، عرق، غرق، فهيهات ذلك منهم، تلك صفات قومنا العرب ذوي الأنساب، والأحساب، والعلوم، والحلوم، أولى اللسن، والبيان واللحن
(3)
، والإسهاب، في الصواب، والحكمة وفصل الخطاب، فرسان الإعراب، وأرباب القباب، ومعملي الصوارم والحراب، أنديتهم عراص المنية
(4)
، وأرديتهم بيض المشرفية، ولبوسهم مضاعفة الماذية
(5)
.
سهكين من صدإ الحديد كأنهم
…
تحت السنور جنة البقار
(6)
مجالسهم السروج، وريحانهم الوشيج، وموسيقاهم رنّات الرّدينيّات،
(1)
الذخيرة: «وصمة سفيهنا العربي» .
(2)
كان لقاء ثلاثين من الفضة. متى 26: 15. وقد ندم بعد ذلك ورد الثلاثين ثم مضى وخنق نفسه 27: 2 - 5.
(3)
اللحن، بالتحريك: الفطنة.
(4)
عراص: جمع عرصة، وهي كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء.
(5)
الماذية: السهلة اللينة. والمضاعفة: الدروع التي نسجت حلقتين حلقتين.
(6)
للنابغة في ديوانه 35 والحيوان (6: 189، 495). البقار: موضع كثير الجن.
وطوبيقاهم السريجيات
(1)
، لم تكن قادتهم النساء، ولا رادتهم في آجالهم النساء
(2)
.
يستعذبون مناياهم كأنهم
…
لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا
(3)
عنوا بمد أطناب الأبنية، عزة وأنفة عن تشييد الأبنية، محالفى الصحاصح والبيد، فعل الأساود والأسود، قصورهم المناهل، ومعاقلهم الذوابل، صبرٌ، وقرُ، إذا ثار الغبار، واسود النهار، وحسن الفرار، وذهلت الأذهان، وأبهم العيان
(4)
، وتلجلج اللسان، وتلاطمت السيوف، وحميت الحتوف، وقلصت الشّفاه، وعصت الريق [بالأفواه
(5)
]، وتعانق الشجعان، وتشاجر المران، وبرم الحمام، وفل الحسام، وحمي الوطيس، والتقت الأقدام والرؤوس، فلا ترى إلا حزّ الغلاصم، وشيم الصماصم في الجماجم
(6)
فهناك تلقاهم، لا دهمك لقاهم، أقيال الأقيال، شمرة الأذيال، أسود الأغيال، حماة الأشبال، لا ملس أدم ولا جررة الأذيال، وهكذا فليكن أقيال الرجال، يا مسلوب الحجال
(7)
.
كتب القتل والقتال علينا
…
وعلى الغانيات جر الذيول
(8)
وما كان أغناك يا كشاجم، عن كشف عورات آلك الأعاجم، لكن ضعف نظرك، حداك إلى هذرك، وسوء أدبك، وافي بك على عطبك، نسأل الله ستراً يمتدّ، ووجها لا يسودّ.
(1)
الطوبيقى، سبقت في 251، 276 بلفظ «بوطيقى». والسريجيات: سيوف منسوبة إلى قين معروف.
(2)
رادة: جمع رائد. والنساء، بالفتح: تأخير أداء الدين إلى أجل.
(3)
لأبى تمام من قصيدة يمدح فيها المعتصم. ديوانه 229.
(4)
الذخيرة: «وأبهم» .
(5)
التكملة من الذخيرة.
(6)
شام السيف: أغمده. والصماصم: جمع صمصام، وهو السيف القاطع.
(7)
الحجال: جمع حجلة، وهي بيت كالقبة يستر بالثياب يكون له أزرار كبار. عنى أنه مهتوك الستر.
(8)
لعمر بن أبي ربيعة في عيون الأخبار (2: 49) والأغانى (8: 133) وزهر الآداب (3: 76).
رسالة رابعة في الرد على ابن غرسية
لأبى الطيب بن منّ اللّه القروي وعنوانها كما في كتاب البلوى وكشف الظنون حديقة البلاغة، ودوحة البراعة، المورقة أفنانها، المثمرة أغصانها، بذكر المآثر العربية، ونشر المفاخر الإسلامية، والرد على ابن غرسية فيما ادعاه للأمم الأعجمية.
وممن ردّ أيضاً عليه، وأجاد ما أراد (أبو الطيب بن منِّ الله القروي) برسالة طويلة أثبت منها بعض الفصول، تخفيفاً للتثقيل، قال فيها
(1)
، وافتتحها بهذه الأبيات:
وذي خطل في القول يحسب أنه
…
مصيبٌ فما يلمم به فهو قائله
(2)
نهدت له حتى ثنيت عنانه
…
عن الجهل واستولت عليه معاقله
تعال فخبرني علام تشددت
…
قوى العير حتى أحرزتك مجاهله
أيها الفاخر بزعمه، بل الفاجر برغمه، ما هذه البسالة، في الفسالة، ما هذه الجسارة، على الخسارة، لقد تجرأت، ومن الملة تبرأت، أبا لعرب تمرست، وفي مجدها تفرست، وعلى شرفها تمطيت، وإلى سوددها تخطيت.
(وفي فصل): فأخبرني عنك أما كانت للعرب يد تشكرها، أو منة تذكرها.
أما جبرت نقيصتك، أما رفعت خسيستك، أما استنهضتك من وهدتك، أما أيقظتك من [غفلتك و
(3)
] رقدتك، ألم تربّك فيها وليداً
(4)
، ألم تتخذك لها تليداً
(5)
. ألم تعن بتخريجك
(6)
، وتدريجك، أما أنطقتك بعد العجمة،
(1)
إلى هنا ينتهى تطابق ما في الأصل والذخيرة، وما بعده إلى نهاية الأبيات الثلاثة ليس في الذخيرة وانفردت به نسخة الأصل. أما البلوى في ألف باء فقال: «أما أحدهم فافتتح الرد عليه بقوله:
وذي خطل في القول يحسب أنه
…
مصيبٌ فما يهتف به فهو قائله»
ولم يعين ذلك الأحد. وانظر للكلام على هذه الرسالة وعنوانها ما سبق في ض 239.
(2)
البيت لزهير في ديوانه 139. والبيتان بعده لم يردا في الديوان.
(3)
التكملة من الذخيرة.
(4)
في الأصل: «ألم نربك فينا وليدا» . تحريف سببه الحرص على نص الآية.
(5)
في الأصل: «ألم نتخذك» . والتليد: الذي ولد ببلاد العجم وحمل فنشأ ببلاد العرب.
(6)
في الأصل: «ألم تغن» ، وفي الذخيرة:«ألم تكن» ، كلاهما محرف.
أما أسلقتك بعد اللكنة
(1)
، حتى إذا اشتد كاهلك، وعلم جاهلك، وقوى ساعدك، ورقي صاعدك، كفرت نعمتها لديك، ونثرت عصمتها من يديك، وأخذت تطاولها بأرسانها، وتقاولها بلسانها، وتناضلها بسهامها، وتهاطلها برهامها
(2)
أحين فكت أسرك من أقذورة الغلف
(3)
، وأخذت بضبعك
(4)
من أهوية التلف، وشدت ظهرك للمتان
(5)
، واعتمدت طهرك بالختان
(6)
، ناهضتها بحسامها، وجاهضتها بكلامها، ورميتها [بسهامها
(7)
]، عن قوس هي نبعتها، ومن هضبة هي قلعتها:
أعلمه الرماية كل يوم
…
فلما اشتد ساعده رماني
(8)
([وفي فصل
(7)
]): وهات أرنا مفاخرك، نرك مساخرك. أنت صاحب الشّهب، الصّهب، والسّنة شهباء، والجهام صهباء. كذلك أنتم لا خير ولأمير، ولا عمرو ولا عمير، ليس للسخاء بالرومية اسم، و [لا
(7)
] للوفاء في العجمية رسم. أين أنت عن السمر، القمر، البيض غرراً وصفاحاً، السود طرراً وأوضاحاً، الدعج عيوناً ورماحاً، البلج وجوها وسماحا، فمم في العمائم، وهمم في الغمائم، سعروا عليكم نار الحرب، بتلك الأينق الجرب، فكسروا كياسرتكم، وقصروا
(1)
السلق: رفع الصوت، وبلاغة الخطيب. والمعروف «سلق» وأما «أسلق» المتعدية فمما لم يرد في المعاجم المتداولة.
(2)
المهاطلة: مفاعلة من الهطل، وهو تتابع المطر وسيلانه. الذخيرة:«تطأ ظلها» ، تحريف. والرهام: جمع رهمة، وهي المطرة أشد وقعا من الديمة وأسرع ذهابا.
(3)
الغلف: مصدر الأغلف، وهو الذي لم تقطع غلفته بالختان، في الذخيرة:
«القلف» بالقاف، وهما سيان.
(4)
الذخيرة: «بضبعيك» .
(5)
المتان: مصدر ماتنه، أي باعده في الغاية. والمتان أيضا: جمع متن، وهو الظهر.
(6)
في الأصل: «ظهرك» ، صوابه في الذخيرة.
(7)
التكملة من الذخيرة.
(8)
لمعن بن أوس في البيان (3: 232) واللسان (سدد). وقد اتفقت النسختان هنا على رواية: «اشتد» ، وهي رواية مضعفة، والأصح «فلما استد» بالسين المهملة.
قياصرتكم
(1)
. وأخمدوا نار صولتكم، ومحوا آثار دولتكم
(2)
، وطهروا الأرض المقدسة من أنجاسكم، والمسجد الأقصى من أرجاسكم، الذين ينجون ولا يستنجون، ويتجنبون ولا يتطيبون
(3)
، رعاة الخنازير، وأكلة السنانير، أما رجالكم فقلف، غلف، وأما نساؤكم فقذر، بظر
(4)
، لا يعرفون الخفاض ولا الختان، ولا يألفون السنان ولا العنان، ويحك بما آثرت، وبمن كاثرت، أما استحيت، مما انتحيت، هل كانت العرب إلا كنز عز، وذخر، فخر، وذخيرة
(5)
ذخرها اللّه إلى الوقت المحتوم، وأسكنها أرضاً يرغب عنها أولو البطنة، ويرغب فيها ذوو الفطنة
(6)
، حفظ فيها أحسابها، وطهر بها أنسابها
(7)
، واختارها ليختار منها صفيه
(8)
، وميزها ليميز منها حفيه، ثم اختصها بالأحلام الزكية، والأفهام الذكية، والأنفس الأبية، إن جاورتهم نصروك، وإن حاورتهم قصروك، وإن فاضلتهم فضلوك، وإن ناضلتهم نضلوك، وإن طاولتهم طاولوك، وإن استنلتهم أنالوك، يمشي أحدهم إلى الموت ثابتة وطأته، فسيحة خطوته، شديدة سطوته، جرياً على الكماة جنانه، درياً بتصريف القناة بنانه
(9)
، بصيراً بمهج الدارعين سنانه، وأنتم كما وصفت ملس، لمس، لا تغيرون ولا تغارون
(1)
في الذخيرة: «كياسركم» و «قياصركم» ، وجمع كسرى على «كياسر» أو «كياسرة» غير معروف، وإنما يجمع على «أكاسر» و «أكاسرة» و «كساسرة» و «كسور» .
وأما «قيصر» فجمعه على «قياصر» و «قياصرة» قياس صحيح.
(2)
هذا الوجه الأوفق من الذخيرة. وفي الأصل: «صولتهم» و «دولتهم» .
(3)
التجنب: أن يصير في حال جنابة، يقال أجنب وتجنب، وجنب ككرم وعلم.
في الذخيرة: «ويجنبون ولا يتظهرون» .
(4)
البظراء: الطويلة البظر، وهو ما تقطعه الخاتنة.
(5)
الذخيرة: «وخبيئة» .
(6)
في النسختين: «ذو الفطنة» .
(7)
هذا الصواب من الذخيرة. وفي الأصل: «وطهرها أدناسها» ، تحريف.
(8)
هذا الصواب من الذخيرة. وفي الأصل: «ليمتاز بها صفيه» .
(9)
دريا، بدلها في الذخيرة:«لقنا» . وفي قول مالك بن الريب:
وكنت إذا ما الخيل شمصها القنا
…
لبيقا بتصريف القناة بنانيا
ولا تمنعون ولا تمتنعون، قلوبكم قواء، وأفئدتكم هواء، وعقولكم سواء، قد لانت جلودكم، ونهدت نهودكم، واحمرت خدودكم، تحلقون اللحى والشوارب
(1)
، وتتهادون القبل في المشارب
(2)
. والعرب تذم بالدعة، وتهجو بالسعة، وتفخر، بالجلادة، وتتبجح بالصلادة، فإن فاخرتها فبغير الطعام والشراب، ولكن بالطعان والضراب، وما عليك من لوك العرود، أخفت إعجازها، وخشيت إعوازها، أبك حاجة إليها، ألك حرص عليها، لشد ما أدركتك الحمية فيها، وحركتك العصبية لها
(3)
، هذه نادرة لم تقصد قصدها. ومن الآيات، ذكر صواحب الرايات، والمباضعة، عندكم كالمراضعة، ما في السّكر، عندكم نكر، تبيحون ولوج العلوج، على بدور الخدور، الزنا، عندكم سنا، والفجار، بينكم فخار، فكيف أنكرت، ما ذكرت، وأنت على سنن، تلك السنن، الحال قائمة، والقصة دائمة، «وأول راض سيرة من يسيرها
(4)
».
([وفي
(5)
] فصل): فساروا معرقين، وعلوا مشرقين، لا تردهم رادة، ولا تصدهم صادة، حتى أهلكوا ساسان وكاسان، وملكوا خراسان وماسان، وسلكوا بالقهر، ما وراء النهر، فأدخلوكم الدروب، وألزموكم الكروب، بجريدة خيل، وطريدة ويل، وأمضوا فيكم العزائم. وأرضوا منكم الهزائم، حتّى أجحروكم رومية
(6)
الدّفرا، والقسطنطينيّة البخراء، ونازلوكم منها على ذراعين، وصرعوكم بين المصراعين.
(1)
اللحى: جمع لحية. وهذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «اللحاء» ، وهذا إنما هو جمع لحى بالفتح، وهو ما ينبت عليه العارض.
(2)
المشارب: جمع مشرب، وهو الموضع الذي يشرب منه، عنى بها الأفواه.
(3)
الذخيرة: «أدركت» و «حركت» .
(4)
عجز بيت لخالد بن زهير الهذلي. ديوان الهذليين (1: 157). وصدره:
• فلا تجز عن من سنة أنت سرتها
…
(5)
التكملة من الذخيرة.
(6)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «رومة» . ورومة هذه: أرض بالمدينة فيها بئر رومة التي ابتاعها عثمان وتصدق بها.
ألم تبلغك ضربة يزيد بعموده
(1)
، وخبر خالد بن يزيد في أخدوده؛ والرّاية المعلمة، والآية المحكمة، مسجد مسلمة
(2)
.
ثم كم قائظة، غائظة، وصائفة، عليكم طائفة. ثم عطفوا مغربين، وللأرض مخربين، فما تركوا من الأعاجم عاجماً، ولا ناجماً، ولا بقوا من البرابر غابراً، ولا عابراً، وساروا قدماً يذبحون البر ذبحاً، ويسبحون البحر سبحاً، حتى طرقكم طارقهم في هذا الطرف، ورشقكم راشقهم في هذا الهدف، واقتحموا عليكم هذه البلاد فأوطئوها، وكأنما رموها بالحجارة فما أخطئوها، فملكوا أرضكم بساحتيها، وأحاطوا بها من ناحيتيها.
وضمّوا جناحيكم إلى القلب ضمة
…
تموت الخوافي تحتها والقوادم
(3)
فما تعرضك لقومٍ سلكوا بلادكم، واستعبدوا أولادكم. ثم إنهم حين قدروا، غفروا، ووضعوا الإتاوة على جماجم، الأعاجم، والمرسوم في براجم، السلاجم
(4)
فلا يحضرون العشّار، إلا بالعثار، ولا يشهدون الأسواق، إلا بالأطواق، فإن
(1)
كان يزيد بن معاوية قد حاصر القسطنطينية وهو ولى عهد وذلك في سنة 49 أو 50 وأبلى بلاء حسنا في إغارته. ولعل ذكر «الضربة بالعمود» إشارة إلى حادثة تاريخية معينة في تلك الحرب.
(2)
مسلمة بن عبد الملك ابن مروان بنى مسجد القسطنطينية في أيام أخيه الوليد. وقد اطلعنى الأخ الثقة الدكتور جمال الدين الشيال على نص هام لابن واصل في (مفرج الكروب) الذي يقوم بتحقيقه ونشره: جاء في الورقة 402 من مخطوطة باريس رقم 1702: «وذكر أن سبب بناية هذا الجامع المذكور، في كتاب تذكرة ابن حمدون، أنه بنى في سنة ست وتسعين للهجرة، ووقع الصلح مع الروم على أن يبنى بالقسطنطينية جامع فبنى، فلما طالت مدته جعلوه حبسا. وقال غيره: إن الصلح تقرر بين المسلمين والروم على أن يبنى جامع على قدر جلد بعير، وتقررت الأيمان على ذلك، فلما استقر الحال عمد المسلمون إلى جلد بعير فقدوه نسورا ومدوها، فأنكر الروم ذلك، فقالوا المسلمون: إن هذا جلد بعير ما زدنا عليه شيئا وقع الاتفاق عليه، فسكتوا. وقيل إن بانيه مسلمة بن عبد الملك بن مروان في أيام أخيه الوليد» . وانظر الروضتين لأبى شامة 2: 160 والسلوك تحقيق الدكتور زيادة 1: 472.
(3)
أصل البيت للمتنبى. ديوانه 2: 271. وقد غيره ليتساوق به الكلام. وإنشاده «ضممت جناحيهم على القلب ضمة» .
(4)
السلجم: الطويل من الرجال. في الذخيرة: «العلاجم» .
دخلتم في الدين قطعت استاهكم
(1)
، وإن خرجتم منه أخذت التي فيها شفاهكم
(2)
، وكنت أنت من رذايا، تلك السبايا، ومن عبايا، تلك الخبايا
(3)
، ومن خطايا، تلك العطايا، فلا تحرد حرد المقهور، ولا تضجر ضجر المبهور، ولا تحنق حنق الأسير [على القد
(4)
]، ولا تغضب غضب المستقي على العد
(5)
، ولا بأس عليك فقبلك قصروا الأمم، وهصروا القمم، وهم أبكار الزمان، وأفكار الأوان، لهم العرب العاربة، ومنهم عاد الغالبة، ذات
(6)
الأحلام السداد، والأجسام الشداد، وإرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، ومنهم لقمان صاحب النسور، وباني القصور، ومنهم ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، ونحتوا البيوت في الأطواد، والعمالقة والفراعنة أنتم لها أكَّارون، وحربة عكارون، والتبابعة، والمرابعة
(7)
، وذو القرنين صاحب السّدّ، وشمر مخرّب سمرقند، قال اللّه تعالى: أَ هُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ، فضربهم مثلاً في الجلالة، ولهم الملوك من حمير والمقاول [من كهلان
(8)
]:
كانوا سماء الورى قبل النبي وهم
…
لما أتى الحق فيهم أنجم زهر
(9)
سموا بملكهم قبل الهدى وسموا
…
مع الهدى فهم آووا وهم نصروا
(1)
كناية عن الختان.
(2)
كناية عن الرؤوس. في الأصل: «أخذت الذي فيه» ، وفي الذخيرة:«أخذت التي فيه» ، كلاهما محرف عما أثبت.
(3)
عبايا: جمع عبيئة، وهو الشئ المعبأ. وهذا ما في الذخيرة. وفي الأصل:
«غبايا» . والخبايا. جمع خبيئة وهو ما خبئ. في الأصل: «الحمايا» ، صوابه في الذخيرة.
(4)
التكملة من الذخيرة. والقد: السير يشد به الأسير.
(5)
هذا الصواب من الذخيرة. وفي الأصل: «غضب الأسير على القد» . والعد، بالكسر: الماء الدائم الذي له مادة لا انقطاع لها، مثل ماء العين وماء البئر. وغضب المستقى عليه غاية في الحمق.
(6)
الذخيرة: «ذوات» .
(7)
كذا وردت في النسختين.
(8)
التكملة من الذخيرة.
(9)
في الأصل: «لما أتى الخلق» :
ولاة، علاة، سماة، [حماة
(1)
]، لهم العلوّ والعلاء
(2)
وفيهم العباهلة والأذواء.
هـ الأنف في وجه الزمان ومجدهم
…
على صفحات الدهر ليس بجلمد
(3)
وسدوا على يأجوج لما تتابعت
…
على العين في قطر من العين مبعد
ترى كل معطوف الوشاحين أخمص
…
على كل مخطوف الجناحين أجرد
فمن أمرد في السلم في حلم أشيب
…
ومن أشيب في الحرب في جهل أمرد
(4)
بأيديهم البيض الرقاق كأنها
…
جداول ماء الموت قيل لها اجمدي
فأين حصاتك من جبالهم، أم أين سفاتك من نبالهم
(5)
.
(وفي فصل)، وعلام جثثت أصلك من الأنباط، وأزحت فصلك عن الأقباط
(6)
، ما كان ذنبهم إليك، وجنايتهم عليك، حتى أخرجتهم عن جملة الأعاجم، ونفيتهم عن جملة أصحاب التراجم
(7)
، بسبب كريمتهم، ومن أجل شريفتهم، لتسبّ العرب بولادة من تعلق بك، وتشبث بنسبك. أما علمت أن أحمق أفعالك، وأخرق أقوالك، سبك عدّوك بولادة امرأة من أهلك، أما هذا من جهلك.
(1)
التكملة من الذخيرة.
(2)
الذخيرة: «الغلا والغلواء» .
(3)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «وهم على صفحات الدهر نفس تخلد» .
(4)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «في ثوب أمرد» .
(5)
السفاة: واحدة السفى، وهو الشوك. في الأصل:«صفاتك» ، وفي الذخيرة:
«سماتك» ، والوجه ما أثبت.
(6)
ناظر إلى قولهم: «لا أصل له ولا فصل» ، أي لا حسب له ولا لسان. انظر اللسان (أصل). وفي الأصل:«نضلك» ، وفي الذخيرة:«فضلك» .
(7)
التراجم: جمع ترجمان، وكان الملوك الفرس والروم تراجم. في الأصل:«البراجم» ، وما أثبت من الذخيرة.
ولما قال ابن فضالة
(1)
في ابن الزبير:
وما لي حين أقطع ذات عرقٍ
…
إلى ابن الكاهلية من معاد
(2)
قال ابن الزبير: لو علم لي أما هي شرٌ من عمته لسبني بها ونسبني إليها! أفلا ترى كيف غلب عليه، وسقط
(3)
شعره فيه؟! وحاشا لمن كنّا في ذكره بل لها الشرف الأرتع، والسناء الأمتع
(4)
. هذا على اتصال نسبك برومان، فإن كنت من ولد كنعان، فما أبعد دارك، وأشحط مزارك، وأطمس آثارك.
وأما الخيل فسامح العرب بركوبها ووثوبها، وخل بينهم وبين عيوبها، فلا حظّ لك ولا لأصحابك فيها. عليكم بالبراذين المحذفة
(5)
، والكوادن الموكفة، الخيل حرث العرب وحصادها، وعدتها وأرصادها، وإنك لتعلم أن خيلهم أشهر من ملوككم
(6)
أسماء وألقاباً، وأظهر من نسولكم أنساباً وأعقابا. قالوا: بنات أعوج، وآل الوجيه ولا حق، وبنات العسجدي، وآل ذي العقال، وداحس والغبراء، والجرادة والحنفاء
(7)
، والنعامة والشماء، وحافل والشقراء، [والزعفران
(1)
هو عبد اللّه بن فضالة بن شريك الأسدي. الأغانى (10: 162). على أن الشعر ينسب أيضا إلى عبد اللّه بن الزبير (بفتح الزاي) يقوله في عبد اللّه بن الزبير (بضم الزاي).
زهر الآداب (2: 164) وخزانة الأدب (2: 100).
(2)
الكاهلية هي زهراء بنت خثراء، من بنى كاهل بن أسد، وهي أم خويلد بن أسد بن عبد العزى، كما في الخزانة والأغانى.
(3)
الذخيرة: «حتى سقط» .
(4)
يقال متع النهار متوعا: ارتفع وطال. الذخيرة: «الأمنع» بالنون.
(5)
المحذفة: المقطوعة الأذناب. في الأصل: «المجدفة» ، وفي الذخيرة:«المخرفة» والوجه ما أثبت.
(6)
في الأصل: «من أسماء ملوككم» .
(7)
الكلمة مبيض لها في الأصل، وهي في الذخيرة:«الحيفان» ، والوجه ما أثبت.
انظر القاموس واللسان (حنف) والخيل لابن الكلبي 9 وابن الأعرابي 70 والمخصص (6:
196) ونهاية الأرب (10: 41) والعمدة (3: 182). وهي أخت داحس لأبيه.
والحرون، ومكنون والبطين والصريح وقرزل، والعصا
(1)
]. وأسماؤها كثيرة وألقابها شهيرة، ولعلك أن تذكر لنا من خيل آبائك الأولين، وأفراس أفراقك الأقدمين
(2)
، فرساً مشهوراً، وفارساً مذكوراً. ولو كنت فاخرت العرب بنصب الدواليب، وعطف الكلاليب، وغرس الأشجار، في الأحجار، وقطع ما عظم من العيدان، وعمل العلاة والسندان، رضينا، وسلمنا. فأما نحر
(3)
الليل، بآذان الخيل، وطىّ الفلاة، بأيدي اليعملات، وشن الغارات، وطلب الثارات، فلا عليك أن تخلي بينهم وبين شصائصهم
(4)
، وألا تنازعهم في خصائصهم، فإنها إليهم أقرب، وهم بها أدرب، وهي بهم أليق وأعلق، [وهم إليها أسبق
(5)
] يركبون إلى الحرب، في ثياب الشرب، ويعتنقون الفوارس، كما يعتنقون الأوانس.
(وفي فصل): وما عبت من قومٍ ينزلون البراح، ويشربون القراح، ويرفعون العماد، ويعظمون الرماد:
الموقدون بنجدٍ نار بادية
…
لا يحضرون وفقد العزّ في الحضر
(6)
إذا همى القطر شبتها عبيدهم
…
تحت الغمائم للسّارين بالقطر
(1)
التكملة من الذخيرة. على أنه ينقص الكلام تتمة هذه السجعة ولعلها «وتحجل» انظر اللسان والصحاح والقاموس (حجل) وديوان لبيد 36 فينا 1881. يقول لبيد:
تكاثر قرزل والجون فيها
…
وتحجل والنعامة والخبال
وقرزل جاءت محرفة في أصلها: «قرن» ، والوجه ما أثبت. انظر الخيل لابن الكلبي 27 وابن الأعرابي 75 ونهاية الأرب (10: 41) والعمدة (2: 182) والحماسة بشرح المرزوقي 1494.
(2)
أفراق: جمع فرق، وهذه جمع فرقة.
(3)
الذخيرة: «بحر» وهي صحيحة. والبحر: الشق.
(4)
في الأصل: «فلا على» . الشصائص: الشدائد، يقال: نفى اللّه عنك الشصائص.
(5)
التكملة من الذخيرة.
(6)
الأبيات لأبى العلاء في سقط الزند. انظر الشروح 142.
وما أدري من أين كان فَقْدُ الأحطاب لو فقدوها مثلبة [وليست معدودة في حسب، ولا نسب
(1)
]. ولقد اهتديت إلى طريفة، وانتهيت إلى لطيفة
(2)
، فسبحان الله ما أصدق حسك، وأسبق حدسك، تدققت وترققت، حتى توثقت وتحققت، لا ولكنك تعمّقت حتى تحمّقت. فإن كان الأمر كما ذكرت، فأين غضى نجد وقلّامه، وأين رنده وبشامه، وأين غربه ونبعه، وأين سلمه وسلعه، وأين العنم والعلجان، وأين الساسم والبان، وأين الشيزي والأثاب، وأين الرنف والشوحط
(3)
، وكيف عرفوا دوح الكنهبل، ومساويك الإسحل، وكتاب النبات يشهد عليك، بما فيه من الأيك.
(وفي فصل): وكيف استجزت على فضلك الباهر، وشرفك - بزعمك - الظاهر، أن تستعين على فخرك بخلاف الحق
(4)
، وتلجأ في تهورك إلى غير الصدق
(5)
، هل كان النعمان إلا ملك أملاك، وشمس أفلاك، أصله عريق، وفرعه وريق، نزل الحيرة، وأنتم له جيرة، ملك شهم، من لدن مالك بن فهم، له سقى الفرات يجبى خراجه
(6)
، ويستعبد أعلاجه، فكفا كم العرب جمعاء، من جلق إلى صنعاء، يذب عنكم بماله، واحتماله، بعد عقد مؤكد، وعهد منكم مؤبد، وأجارت العرب من أجار. وأغارت على من أغار
(7)
، وحسنت حال الفرس بمكانه، وعزّت بلطانه، فلما شمخ على أعلاجكم، وامتنع من زواجكم،
(1)
التكملة من الذخيرة.
(2)
الكلام بعده إلى «كما ذكرت» ساقط من الذخيرة.
(3)
عدم اطراد السجع هنا يشعر بسقط. والكلام بعده إلى نهاية هذه الفقرة ساقط من الذخيرة.
(4)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «بغير الحق» .
(5)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «قهرك» .
(6)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «سقيا» . و «يجنى» كذا وردت بالنون في الأصل، والأوفق «يجبى» بالباء، وفي الذخيرة:«يسى» .
(7)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «وأغارت ما أغار» .
وقال لباغي السواد، عليك ببقر السواد، استزرتموه، فغدرتموه
(1)
، فكيف رأيتم غضب العرب لثارها، وطلبها لأوتارها، ألم تصدمكم بذي قار، صدمة ذي احتقار، فأدركت فيكم رضى الرحمن، وأخذت بثأر النعمان، وطحطحت بني ساسان وآل كاسان، ولم تقم للفرس بعدها قائمة، ولا رعت لها سائمة. ولم تزل في قواصف تتقاذف، وعواصف تترادف، حتى تمم الله آفتها، واستأصل الإسلام شأفتها. وأما آل غسان فالشرف الأقدم، والبناء الذي لا يهدم، سالت من بلادها حين سال سيل العرم جائلة، وساحت من أرضها جافلة
(2)
، هاجرة لأعطانها، نافرة عن أوطانها، وجاورت الحجاز وهبطت الشَّام
(3)
فوجدت بلاداً ريفاً، خريفاً
(4)
، ورجالاً جوفاً، عجوفاً
(5)
، لا يحمون، ولا يحتمون، فقالت: غنيمةٌ باردة، وبهيمة فاردة، فنزلت الزوراء، والغوطة الزهراء.
وجالت على الجولان ثم تصيدت
…
مناها بصيداء الذي عند حارب
(6)
فألقت عصاها واستقرت بها النوى
…
كما قرَّ عيناً بالإياب مسافر
(7)
على رغم أنوفكم، وقطع شنوفكم، وولجوا خدوركم، على غيظ صدوركم.
وما بقيا عليَّ تركتماني
…
ولكن خفتما صرد النبال
(8)
فقلتم قضية كريمة، ونعمة عميمة، وسور له باب، [باطنه
(9)
] فيه الرحمة
(1)
يقال غدره وغدر به، إذا نقض عهده. الذخيرة:«شردتموه فقررتموه» .
(2)
في الأصل: «وساخت» والذخيرة: «سالت» ، والوجه ما أثبت.
(3)
انظر العمدة (2: 177 - 178).
(4)
الذخيرة: «حريفا» .
(5)
هذه الكلمة ساقطة من الذخيرة.
(6)
حارب: موضع من أعمال دمشق.
(7)
البيت لمعقر بن حمار البارقي، أو عبد ربه السلمى، أو سليم بن ثمامة الحنفي. اللسان (عصا). ونسبه الجاحظ في البيان (3: 40) إلى المضرس الأسدي. الذخيرة: «استقر» و «المسافر» .
(8)
للعين المنقري يهجو جريرا والفرزدق. اللسان (صرد).
(9)
التكملة من الذخيرة.
وظاهره من قبله العذاب، لا يستكف الغرب، إلا بالغرب، ولا يقطع الحديد إلا بالحديد، ودفع الشر بالشر أحزم. فمتى أدوا إليكم الإتاوة، وحملوا لكم الإداوة
(1)
، وهم يحمونكم حمى القروم أشوالها، ويمنعونكم منع الأسود أشبالها.
أم تراكم تركتم لهم الشام رعياً لذمامهم، وصلة لأرحامهم!!
(وفي فصل): وفخرت بالرياضية والأرضية، صدقت ونبت عني في الجواب.
هي كالرياض سريعة الذيول، كثيرة الجفول، زهر مشرق، ونور مطرق، لا ثمر، ولا كثر
(2)
.
وهل في الرياض لمستمتع
…
سوى أن يرى حسن أزهارها
وكالأرض الأريضة، ذات العرصة العريصة، لابناء فيحل، ولا سماء فيظل
(3)
، يدفن فيها الأموات، وتخمد فيها الأصوات.
وأما الاسترلوميقي الهندسية
(4)
فعلم عملي مبنى على التقاسيم، والتراسيم، وكله آلات، للحالات، وأدوات، للذوات، ومساحات، للساحات، وأمداد، للأعداد، وفي أفانين، القوانين، ليس فيها معنى من تحصيل دقائق الفصول، ولا تفصيل حقائق المحصول، فأهلها عمال ممتهنون، وبأشكالها مرتهنون، والعرب بعيدة من المهنة، نافرة من الخدمة. ومن قولكم أن قسم العلم أفضل من قسم العمل فهي إذن أرذل القسمين، وأسقط العلمين.
والجومطريقي علم الهيئات، والطوالع وكورها، وجنسها ذو نوعين
(5)
، وبابه على مصراعين، القضايا، وليست وصايا
(6)
. أما الأوّلون فقسموها
(7)
على
(1)
الذخيرة: «وأملوا» .
(2)
الكثر، بالفتح وبالتحريك: طلع النخل. وفي الحديث: «لا قطع في ثمر ولا كثر» .
(3)
السماء مؤنثة، وإذا ذكرت عنوا بها السقف. اللسان (سما).
(4)
انظر ما سبق في ص 251.
(5)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «وجسمها فذو نوعين» .
(6)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «وليست برضايا» .
(7)
الذخيرة: «فبنوها» .
أن الطوالع مدبرة مقبلة، وهي أصول فاسدة، وسوق كاسدة. وقال آخرون: هي كالعيافة، والزجر والقيافة. وهذا باب مسلم للعرب لهم فيه اليد الطولى، والمنزلة الأولى، لهم السوانح والبوارح، والقواعد والنواطح
(1)
، وعندهم الأيامن والأشائم، والأواقى والحواتم، وغير ذلك من التمائم والرتائم، وفيهم من لا يعتمده ولا يرتصده، وفي أشعارهم
(2)
شواهد على ذلك. وأما الكهانة فكانت فيهم فاشية، ولهم غاشية، وقد سمعت بشق وسطيح، وزرقاء اليمامة وطليحة الأسدي، ومسيلمة الحنفي، والأسود العنسي، وزهير بن جناب الكلبي، وأفعى نجران، وحازى غطفان
(3)
فلما جاءت الديانة، بطلت الكهانة، ولما نزل القرآن، زجر الشيطان.
وكذلك الدرجة الأخرى، فالعرب بها أحق وأحرى، وهي معرفة الشهور والأيام، وحساب الدهور والأعوام، والأفلاك وإدراكها، والأبراج وأدراجها، والنيرات وتعاورها، والدراري وتغاورها
(4)
، عرفوا السماء ومعايشها، والأرض وحشائشها، ووصفوا الطوالع والغوارب، ورتبوا الثوابت وأنواءها، والنوائب وأدواءها، والأزمنة وأهواءها، فلا ينجم نجم إلا سمته، ولا ينبت نبت إلا وسمته، ولا عيش في سائر الأقطار، إلا بضامن الأمطار
(5)
، كما لا ثبات للحيوان إلا بالنبات، فقد عرفوا إذن طريقي الحياة، ووصفوا فريقي النجاة، وما سوى ذلك فضلٌ، ليس فيه فضل.
(1)
جمع قاعد وناطح، ويقال أيضا قعيد ونطيح. فالقعيد: ما أتاك من ورائك من ظبي أو طائر، يتطير منه، بخلاف النطيح.
(2)
في الأصل: «ولا في أشعارهم» ، وكلمة «لا» مقحمة. وهذه الجملة ساقطة من الذخيرة.
(3)
الحازى: الكاهن. وفي الأصل: «جازى» ، صوابه في الذخيرة. وانظر حواشي الحيوان (6: 204) والبيان (1: 289 - 290).
(4)
بدله في الذخيرة: «الأعراب أدرى بها» .
(5)
الذخيرة: «بعابر الأمطار» .
وأما الطب فجمعته العرب في كلمتين معلومتين، ولفظتين محفوظتين، على رأيها في الاقتصار، ومذهبها في الاختصار، فقالت:«المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «أصل كل داء البردة
(1)
»، وقالوا:«كل وأنت تشتهي، ودع وأنت تشتهي» ، فجمعوا الطب بأظافيره، والصلاح بحذافيره، وإذا فتشت أصول سقراط، وتبينت فصول بقراط، لم تجد مستزاداً مستجاداً، ولا مستراداً مستفاداً، وليست هذه الأمور مما ينفرد بها أفرادهم، ولا يخص بها آحادهم، بل ينطق بها صغارهم وكبارهم، ويعرفه نساؤهم، ويهتف به آماؤهم، وأشعارهم بذلك ناطقة، وأخبارهم عنه صادقة، ما تلوا فيه متلواً، ولا قروا به مقروا
(2)
، لكنها الطباع الصافية، والقرائح الكافية، والغرائز السليمة، والنّحائز الكريمة، تلتقط الحكم من مخاطباتهم، وتسير الأمثال من مجاوباتهم، على منهاج واحد من الفصاحة في المحاورة، والمشاورة، وعلى طريقة واحدة من البلاغة في المسالمة، والمراغمة، والمواجزة، مع المناجزة، ولا يتعلمون ولا يتأملون، بل يرسلون الحكم إرسالاً، ويبعثون الفطن أرسالاً. والموسيقى علم اللحون [فما
(3)
] بالعجم إليه حاجة مجحفة، وضرورة معجفة، لعجز
(4)
طباعهم عن الأوزان، وقلة اتساعهم في الميدان
(5)
، لأن لغاتهم قليلة، وقواهم كليلة، لا تستجيب إلا بوسائط، ولا تستقل إلا ببسائط، ليس عندهم شعر موزون، ولا كلام مرصون، ولغة العرب واسعة العبارات، ناصعة الإشارات، لها الشعر الموزون، والنظم المكنون، والكلام المنثور،
(1)
البردة، بالتحريك: التخمة، لأنها تبرد المعدة فلا تنضج الطعام.
(2)
الذخيرة: «ولا قرءوا فيه مقروا» .
(3)
التكملة من الذخيرة.
(4)
الذخيرة: «لنبو» .
(5)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «الميزان» .
والسّجع المأثور، والرّجز المشطور، والمزدوج المبتور، ولعبيدها فى ذلك كله اللّحون الشجيّات، المطربات، والتغايل والتقايل
(1)
، والأهزاج والأرمال، وغير ذلك من الأعمال، كالرّكبانى والأعرابى، والنّصبىّ
(2)
والمدنىّ، والثقيل الثانى، وعمود المدنى، والماخورىّ والسّريجى
(3)
، وخفيف المدنى، وهى كثيرة، أثيرة، نسى معها الأرغن
(4)
والسلمان
(5)
والصّنج
(6)
والكنكلة
(7)
والفندورة
(8)
والقيثارة
(9)
، فلا يعرفن ولا يؤلفن.
وما أظنّ معبدا والغريض وأصحابهما قرءوا قطّ موسيقى، ولا سمعوا منطيقا.
(1)
كذا بالإهمال فى الأصل. وفى الذخيرة: «والتهاليل والتغاليل» .
(2)
النصبى: ضرب من الغناء. وفى الأغانى (173:5) فى أخبار أحمد النصيبى: «النصيبى هو صاحب الأنصاب وأول من غنى بها، وعنه أخذ النصب فى الغناء» . فى الأصل: «المنصبى» مع إهمال النون والباء، صوابه فى الذخيرة.
(3)
الماخورى هو خفيف الثقيل الثانى، وهو نقرتان خفيفتان ثم واحدة ثقيلة. مفاتيح العلوم 141. وورد بكثرة فى أغانى أبى الفرج. انظر منها (21:5، 58) طبع دار الكتب. والسريجى: نسبة إلى سريج المغنى. والكلام بعده إلى «الشليان» ساقط من الذخيرة.
(تعليق الشاملة): «الماخورى» . جاء فى مروج الذهب 224:4: «وخفيف الثقيل منهما يسمى بالماخورى. وإنما سمى بذلك لأن إبراهيم بن ميمون الموصلى - وكان من أبناء فارس وسكن الموصل - كان كثير الغناء فى هذه المواخير بهذه الطريقة» . [أفاده في المستدرك]
(4)
الأرغن: آلة موسيقية هى باليونانية: «أرجن» Arghau أو أرجنون Arghanun معجم استينجاس 38. وفى مفاتيح العلوم للخوارزمى 136 «الأرغانون: آلة لليونانيين والروم، تعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس، يضم بعضها إلى بعض ويركب على رأس الزق الأوسط زق كبير، ثم يركب على هذا الزق أنابيب صفر، لها ثقب على نسب معلومة يخرج منها أصوات طيبة مطربة مشجية، على ما يريده المستعمل». ونحوه فى كشف الظنون فى رسم (الموسيقى)، ونسب كاتب جلبى صنعته إلى «أرسطو» . وانظر ابن النديم 377 حيث ذكر الأرغنن البوقى، والأرغنن الزمرى.
(5)
كذا. وفى مفاتيح العلوم 136: «الشلياق: آلة ذات أوتار لليونانيين والروم تشبه الجنك» .
(تعليق الشاملة): «السلمان» جاء فى مروج الذهب 221:4: «والسلبان، وله أربعة وعشرون وترا، وتفسيره ألف صوت» . [أفاده في المستدرك]
(6)
الصنج: آلة وترية، وهى بالفارسية «جنك». مفاتيح العلوم 137 ومعجم استينجاس. وفى الأصل «الصلح» بدون إعجام. وفى الذخيرة:«الضبخ» ، صوابه ما أثبت.
(تعليق الشاملة): «الصنج» ، وهى فى الأصل «الصلح» بدون إعجام. ورد فى مروج الذهب 221:4: «ولهم الصلنج وهو من جلود العجاجيل» . [أفاده في المستدرك]
(7)
فى معجم استينجاس أن «كنكر» اسم آلة موسيقية تستعمل فى الهند. وفى الذخيرة: «الكبكلة» .
(تعليق الشاملة): «الكنكلة» فى مروج الذهب: «وللهند الكنكلة، وهو وتر واحد يمد على قرعة فيقوم مقام العود والصنج» . [أفاده في المستدرك]
(8)
وردت الكلمة فى الأصل مهملة. وفى الذخيرة: «الفيدورة» .
(9)
الكلمة مهملة فى الأصل. وفى الذخيرة: «الفشارة» . والفيثارة: معرب من: Kithara اليونانية.
فاعرض إن شئت ألحانهم المطبوعة، على أوزانكم المصنوعة، فاظهر غلطهم في التنغم، وخطأهم في الترنم.
على أنه من العلم المذموم؛ روى في الحديث: «إن أول من غنّى وناح إبليس حين أكل آدم من الشجرة» . قيل: وهو أول من عمل الطنبور، فلا مرحباً بعلم إبليس اللعين فيه الأستاذ.
وقد كان منهم من إذا غنى ثنت الوحش أجيادها، وفارقت اعتيادها، وعطفت خدودها، وتركت شرودها، مصغية إليه، مقبلة عليه، فإذا قطع عاودت نفارها، وطلبت أوكارها. هذا فعل الأوابد، والوحوش الشوارد، فما ظنك بالقلوب الرقيقة، والفطن الرشيقة. ولقد ألف الإسلاميون في الأغاني، وما يتصل بها من المعاني، ما إن نظرت بميزٍ وحكمت بعدل، وقفت
(1)
على الفضل، في هذا الفصل، ولم تحوجك العصبية، والنفس الغضبية، إلى شهادة الزور، والجور المأزور.
وأما الأنوطيقي واللوطيقي
(2)
فهناك جاءت الأحموقي، والأخروقي، وظهر عجز القوم وبان أنهم أغمار، ليس فيهم إلا حمار
(3)
، وضل سعيهم في الحياة الدنيا لما وصلوا إلى حيث تنفرد العقول
(4)
بنظرها، والبصائر بفكرها، فمنهم الدهرية أنكروا العقول، والعلم المنقول، والدليل والمدلول، وهم يبصرون تعاقب الأضداد وتعاور الكون والفساد، ومنهم الطبيعيون وهم أيدي سبا
(5)
، وفرق شتى، قوم يقولون: العالم من أصلين: هوائي وأرضي، فجمعوا بين الرّاسب والطافي،
(1)
في الأصل: «ووقفت» ، صوابه في الذخيرة.
(2)
في الذخيرة: «الأنلوطيقى والطوميقا» . وانظر ما سبق في ص 251.
(3)
الذخيرة: «أنهم أعجاز، ليس فيهم إلا جماز» .
(4)
الكلام بعده إلى «العقول» التالية ساقط من الذخيرة.
(5)
الذخيرة: «أيادي سبا» .
والكدر والصافي
(1)
. ومنهم من قال إن العناصر أربعة هي بسائط للمركبات، فقضوا بائتلاف المتضادات، وتركيب المتحادات
(2)
.
فإن قيل: كيف صارت متظافرة، وهي متنافرة، [وغدت متجاورة، وهي متغاورة، وإذا كانت تتهارج، كيف تتمازج
(3)
]، أم كيف يمتزج الصاعد بالراكد، ويلتبس الحار بالبارد؟ قالوا: جمعها جامع، وقمعها قامع، بطبعه لا باختياره، وفعله لا باقتداره، وهذا غاية المحال، ونهاية الاختلال، لأنّه لا بدّ أن يكون الخامس مثلها أو مثل بعضها، أو مخالفاً لكلها، فإن كان مثلها أو مثل بعضها فلا حاجة بها إليه مع وجود مثله، وإن كان مخالفاً لسائرها فلا بد من سادس لتغايرها، ثم كذلك إلى غير غاية.
قال صاحب الكتاب
(4)
: وبين أبو الطيب بطلان كلامهم
(5)
في احتجاج طويل، تركته تخفيفاً للتثقيل
(6)
. ثم قال:
وأما أصحاب الطوالع، وعباد المطالع، فاختلفوا في الهيئة أيضاً على جهات، ووصفوها بصفات، لا سيما المنجمين، وهم فنون، في الجنون، يقولون فلك الأفلاك، ودرك الأدراك، والفلك الأثير، وهذيان كثير، وعبدوا الشمس وسجدوا للنار والكواكب وهم يرون آثار النقص فيها، ودلائل الحدث تعتريها، من طلوع وأفول، ويزعمون أنّها تتغاير وتتمانع، وتتكاسف
(1)
بعده في الذخيرة: «ذهب بقوله أبو الطيب:
تبخل أيدينا بأرواحنا
…
على زمان هن من كسبه
فهذه الأرواح من جنده
…
وهذه الأجسام من تربه».
(2)
التحاد: التخالف والتنازع.
(3)
التكملة من الذخيرة، وقد بيض لها في الأصل. وفي نسخة الذخيرة:«متعاورة» وإنما هي «متغاورة» أي متعادية يغير بعضها على بعض.
(4)
هو ابن بسام صاحب كتاب الذخيرة. انظر التقديم ص 231.
(5)
الذخيرة: «قولهم» .
(6)
في الذخيرة: «أضربنا عنه تركا وتخفيفا للتطويل» .
وتتخاسف، وكل بصاع هذا التخليط، من هذه الأغاليط، لا يعرفون رشداً، ولا يهتدون قصداً.
هذا مقدار عقول حكمائك، ونهاية آراء علمائك، وهذا قليل من كثير هذيانهم، وأوار من عوار غليانهم. فإن قلت: فإن العرب أيضاً كانت تعبد الأصنام؟ فنحن ما أحمدنا لك دينها، ولا رضينا يقينها، بل نعلم أن من قال منها بالإشراك، فقد قصر في الإدراك، وهي على كل حال تذكر الله تعالى، كما قال عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وقالوا: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى. وكثير من يقر بالبعث والجزاء. ويعترف بالحشر واللقاء. وكان منهم من رغب عن عبادة الأوثان. وتفرقوا في الأديان، فكانت حمير على دين موسى، وكان بنو الديان وأهل نجران وتغلب وغسان على دين عيسى، وكانت فيهم الملة الحنيفية الإسلامية، والشريعة الإبراهيمية، ومن أهلها كان قس بن ساعدة الإيادىّ، وورقة بن نوفل الأسدىّ، وزيد بن عمرو بن بني عدي
(1)
، وقتلته الروم لذلك
(2)
. وقد قيل، في خالد بن سنان ما قيل
(3)
.
وكان أبو كرب الحميري
(4)
أحد التبابعة قد آمن برسول الله عليه السلام، قبل مبعثه بسبع مائة عام، وقال:
(1)
هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي. السيرة 143 جوتنجن.
(2)
الذي في السيرة 149 أن بنى لخم الذين قتلوه. فقد يكون ذلك بإيعاز من الروم.
(3)
في الحيوان (4: 476): «أحد بنى مخزوم، من بنى قطيعة بن عبس، ولم يكن في بنى إسماعيل بنى قبله، وهو الذي أطفأ اللّه به نار الحرتين» . وانظر بقية خبره في الحيوان وحواشيه ومروج الذهب (1: 67).
(4)
سماه في مروج الذهب «أسعد أبو كرب» . وفي التيجان 294 أنه تبان أسعد أبو كرب. ومثله في السيرة 12. وفي العمدة (2: 176) «تبع بن كليكرب، وهو أبو كرب تبع الأوسط».
شهدت على أحمد أنه
…
رسول من الله باري النسم
(1)
فلو مد عمري إلى عمره
…
لكنت وزيراً له وابن عم
وقد ذكر بعض أهل المقالات أن عبد المطلب بن هاشم كان من المهتدين في الدين، واستدل بأنه أجيب لما سأل
(2)
، وسقي حين ابتهل، وذكر سيف ابن ذي يزن، وحزن على فوته أشد الحزن، وأكد له العهود، وحذره عليه اليهود
(3)
.
ولما دعوا دخلوا في الدين أفواجاً، وأتوه أزواجاً، إلا من أدركته النفاسة، وحبّ الرئاسة، وسبقت عليه الشقوة، وورم أنفه من النخوة، كأبي جهل ابن هشام، وعامر بن الطفيل، وأمية بن أبي الصلت وغيرهم.
وقال معاوية في كلام له مشهور: فما كان إلا كغرار العين حتى جاء نبي لم يسمع الأولون بمثله، ولا سمع الآخرون به، ولقد كنا نفخر بذكره على من نطرأ عليه
(4)
[ويطرأ علينا
(5)
] وإنا لنكذبه، ونتبجح بذكره وإنا لنحاربه».
هذه لمعٌ من أمور الجاهلية، وطرف من مفاخر الأولية، إن أنصفت نفسك، أو صدقت حسك، عرفت أين يقع منها مفاخروها
(6)
، وهل يشقّ غبارها مجاروها
(7)
.
(1)
البيتان في المراجع المتقدمة. وزاد المسعودي - في بعض نسخة:
وألزم طاعته كل من
…
على الأرض من عرب أو عجم
(2)
سأل اللّه حماية البيت من الحبشان. السيرة 34 - 37.
(3)
يشير إلى قول سيف بن ذي يزن لعبد المطلب حين وفد عليه لتهنئته: «والبيت ذي الحجب، والعلامات على النصب، إنك يا عبد المطلب، لجده غير الكذب، فاحفظ ابنك واحذر عليه من اليهود فإنهم له عدى
…
ولولا أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلى ورجلي حتى أصير بيثرب دار مملكته». التيجان 309.
(4)
في الأصل: «يطرأ عليه» ، والصواب من الذخيرة.
(5)
التكملة من الذخيرة.
(6)
في الأصل: «مفاخرها» ، صوابه في الذخيرة.
(7)
في الأصل: «مجاورها» ، صوابه في الذخيرة.
(وفي فصل). وما تصنع إذا نشرت الكمائن، ونثرت الكنائن، وقرعتك القوارع، وفرعتك الفوارع
(1)
، وماست رايات السيادة، وخفقت ألوية السعادة، وطلعت عليك طوالع النبوة في أبهة الجلال والجمال، وسماحة
(2)
العز والكمال، وقيل لك: هذا سيد ولد آدم أولهم وآخرهم، خاتم الأنبياء، وقاتل الأغبياء أشهد أن الله لم يجعل محمداً هاشمياً إلا وهاشم خير قريش، ولا قرشياً إلا وهم خير مضر، ولا مضرياً إلا وهم خير العرب، ولا عربياً إلا وهم خير الأمم لهم كعبة الله، وولادة إسماعيل، ودعوة إبراهيم، وإليهم مهاجر هود وصالح وشعيب وأتباعهم من المؤمنين، واشياعهم من الموقنين فيهم كان حمامهم، وعندهم دفنت رمامهم، لا كثنائك
(3)
الذي أسررت فيه حسواً في ارتغاء، ودفعاً في ابتغاء، وكشفت فيه ضبابك، عن ضبابك
(4)
، وهتكت أستارك، عن ابتسارك
(5)
، وظننت أن مخالطك، تخفي معالطك
(6)
، وأن مدحك، يستر قدحك حين مدحت مدحاً بجلياً
(7)
، وأثنيت ثناءً دخلياً
(8)
، ولم يمدح من ذمّت
(1)
هذه الجملة ساقطة من الذخيرة.
(2)
في الأصل: «شماخة» ، وأثبت ما في الذخيرة.
(3)
في الأصل: «لاكتنانك» ، وفي الذخيرة «لاكساءك» ، والوجه فيهما ما أثبت.
(4)
في الذخيرة: «وكشفت فيه ضحابك» ، صوابه في الأصل. والضباب، بالكسر:
جمع ضب، وهو الحقد والعداوة. قال:
فما زالت رقاك تسل ضغنى
…
وتخرج من مكامنها ضبابى
وفي الأصل: «ضيائك» ، صوابه في الذخيرة.
(5)
الابتسار: أن يؤخذ الشئ غضا طريا. في الأصل: «من استارك» وفي الذخيرة:
«من ايتسارك» ، ووجههما ما أثبت.
(6)
المعالط: جمع معلط، من العلطة، وهو السمة يوسم بها.
(7)
إشارة إلى قول عويف القوافي في مدح جرير بن عبد اللّه البجلي:
لولا جرير هلكت بجيله
…
نعم الفتى وبئست القبيلة
انظر الأغانى (14: 107/ 19: 14).
(8)
الدخل، بالتحريك: العيب والغش والفساد. وفي الأصل: «وخليا» ، والذخيرة:
«وجليا» ، صوابهما ما أثبت.
قبائله
(1)
، ولم يثبت من جذت حبائله. أجعلت ويلك تبره في الرغام، بل الرغام لأنفك، والرّعام لوجهك
(2)
. لقد أخللت بنفسك وزلت قدمك، وأحللت بعقدك وقد حل دمك. ولو صح اعتقادك، لصح انتقادك، ولو خاص باطنك، لأقصر باطلك، ولو اصطلمت، ما ظلمت، ولو اخترصت، ما وفي بما اجترمت
(3)
.
سمع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعض كاتبيه، وعير بنصرانية أبيه، فضرب لنفسه مثلاً يجل عنه، ويرتفع عن قدره، فقال له عمر. أو قد قلتها، والله لا تشرب البارد بعدها! وأمر به فضربت عنقه.
فأمّا إذا أغفل ولاة الأمر تأديبك، وتأديب الكافة بك فأحلوا تأنيبك، وتأنيب السفهاء مثلك، فتب إلى اللّه توبة تهديك، وتنحيك. وعلى أنك خلفٌ، من ذلك السلف، رأيك فيه رأي أهلك، وفرعك جارٍ على أصلك، إلا أن السيف قهرك، والدين قسرك، وأخذك حكم الدار، وخوف البدار، فأنت تشرق بريقك، وتغصّ برحيقك، ولا بدّ للمصدور أن ينفث، وللمبهور أن يغوّث
(4)
:
ولا بدّ للماء في مرجل
…
على النار موقدة أن يفورا
(5)
كمل التقييد والحمد للّه كثيرا
(6)
.
(1)
سبقه بنحو هذه العبارة محمد بن سلام. الأغانى 19: 14.
(2)
الرعام بالضم: المخاط.
(3)
هذا ما في الذخيرة. وفي الأصل: «لو في بما اجترمت» .
(4)
غوث تغويثا: قال: وا غوثاه.
(5)
الذخيرة: «مسعرة» .
(6)
هذه صورة ما ورد في ختام الأصل من مجموعة الإسكوريال.
المجموعة الرّابعة
وقد ألحق بها (الفهارس العامة) للمجلد الأول
15 -
رسالة في شرى الرقيق وتقليب العبيد، لابن بطلان.
16 -
هداية المريد، في شراء العبيد، لمحمد الغزالي.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
تقديم
هذه هي المجموعة الرابعة من (نوادر المخطوطات)، وهي تضفي بيانا تاريخيا على ناحية من نواحي الحياة الاجتماعية التي عاشتها أجيال شتى على جنبات هذه الدنيا. وهي وثيقة تاريخية للباحثين في حضارة أسلافنا العرب وأسلافنا المصريين، نعرضها مبسوطة في هذين الكتابين النادرين وقد اقتضانا موضوعهما أن نمهد لهما بكلمة في تاريخ الرق في العصور القديمة، ثم في العصور الحديثة.
كلمة في الرق والرقيق
الرقيق كلمة مأخوذة من الرق، وهو الملك والعبودية، يقال رقّ العبد وأرقّه واسترقّه: فهو مرقوق ومرقّ، ورقيق، ومرجع معناه إلى القدر المعنوي المشترك في هذه المادة، وهي الضعف والخفة. كما أن العبد مأخوذ من العبودية، وهي الخضوع والطاعة. و «الرقيق» من الألفاظ التي تقال للواحد وللجميع، فالعبد رقيق، والعبيد رقيق أيضا.
الرق عند قدماء المصريين:
لم يكن نظام الرق مما ابتدع الإسلام، وإنما كان نظاما يسود الأمم القديمة، عرفه المصريون واستخدموا الرقيق، ولا سيما في قصور ملوكهم وبيوت كهانهم ورجال الحرب. وكانت الأمة ترفع أحيانا عندهم إلى مقام الزوجة، وكان من شريعتهم أن من قتل الرقيق يقتل فيه
(1)
.
(1)
انظر الرق في الإسلام لأحمد شفيق باشا بترجمة أحمد زكى باشا ص 9.
عند الآسيويين:
وكان كذلك عند الهنود، وكانوا يسومون الرقيق سوء العذاب، ووضعت شريعتهم القديمة عقابا قاسيا للجرائم التي ترتكبها طبقة (السودرا) التي يؤخذ منها الرقيق (دازا).
وكذلك عرفه الأشوريون والإيرانيون والصينيون وكان الصيني يضطر أحيانا لبيع نفسه أو أولاده لكي يعيش.
عند الإسرائيليين:
وعرفه الإسرائيليون، فكانوا يبيعون الفقراء ويملكونهم
(1)
. وكما كان الفقر من مبررات الرق كانت السرقة كذلك من مبرراته، فمن ثبتت عليه السرقة بيع بسرقته
(2)
.
ودينهم يوصى بحسن معاملة الرقيق، بل يضرب أجلا مقداره ست سنوات للعبد العبراني يقضيها في خدمة مولاه ثم يضحى بعدها حرا طليقا
(3)
.
وإذا ضرب إنسان عين عبده أو عين أمته يطلقه حرا عوضا عن عينه، وإن أسقط سن عبده أو سن أمته يطلقه حرا عوضا عن سنه
(4)
.
عند اليونان:
وأما اليونان فكانوا كذلك يقتنون العبيد والجواري، وكان أرسطو يقول بأن الرق نظام مطابق للطبيعة
(5)
. وكان يعرّف الرقيق بأنه آلة ذات روح، أو متاع
(1)
لاويين 25: 39، 40 و 47 - 55.
(2)
خروج 22: 1 - 3.
(3)
خروج 21: 2 وتثنية 15: 12.
(4)
خروج 21: 26 - 27.
(5)
القانون الروماني للدكتور محمد عبد المنعم بدر ص 9.
قائمة به الحياة
(1)
. وأرسطو نفسه كان له غلمان وقيان، جاء في وصيته عندما حضرته الوفاة
(2)
:
«
…
والعناية بما ينبغي أن يعنوا به من أمر أهل بيتي وأرباس خادمي، وسائر جوارىّ وعبيدي».
وهو يأمر بعتق بعض جواريه يعد موته: «
…
ولتعتق جاريتي أمار قيس، وإن هي بعد العتق أقامت على الخدمة لا بنتي إلى أن تتزوج فليدفع إليها خمسمائة درخمى
(3)
وجاريتها، ويدفع إلى ثاليس الصبية التي ملكناها قريبا غلام من مماليكنا وألف درخمى».
ويرى الاحتفاظ بغلمانه فيقول في وصيته: «ولا يباع أحد من غلماني ولكن يقرّون في الخدمة إلى أن يدركوا مدرك الرجال، فإذا بلغوا فليعتقوا» .
عند الرومان:
أما الرومان فكانوا كذلك يؤيدون نظام الرقيق، بل يعتبره الخطيب الروماني شيشرون:(Cicero) نظاما ضروريا. وكذلك يذهب سينيك: (Senedune) أحد فلاسفة الرومان إلى أن لا غضاضة في الرق، فإن الحرية إنما هي حالة نفسانية من حالات الضمير، فالعبد إذا كان عاقلا يمكنه أن يعيش حرا في الواقع، إذ العبد الحقيقي هو من كان طوع شهواته
(4)
.
(1)
الرق في الإسلام لأحمد شفيق 18.
(2)
أخبار العلماء للقفطى 25 - 26.
(3)
هي الكلمة اليونانية التي جعلت في العربية «درهم» ، وقد اختلفت قيمة الدرهم الفضي باختلاف الأزمان والبلد، فكان يعادل ما يقرب من أربعين مليما مصريا وأربعين فلسا عراقيا. وكلمة «دراخمة» معناها قبضة لأنها كانت مساوية لقيمة قبضة من النقود الحديدية والنحاسية التي كان يستعملها عامة الشعب. وكانت قيمة الدراخمة الشرائية عالية جدا، حتى إن الرجل الذي يبلغ دخله خمسمائة دراخمة كان يعد من الأغنياء. النقود العربية للأب أنستاس 24، 88. هذا، وقد جرى العرف عند فقهائنا المحدثين أن يقدروا الدرهم بخمسة وعشرين مليما أو فلسا عراقيا.
(4)
انظر القانون الروماني ص 9.
وأصل نشأة الرق عندهم مبنى على المبدإ الذي كان متبعا في الحروب القديمة التي وقعت في العصور البدائية، إذ كان الناس في أول الأمر يقتلون أعداءهم إن ظفروا بهم، إذ لم يكونوا يستطيعون استخدامهم بطريقة مأمونة منظمة، ولكن بتحضر الإنسان، واستيطانه لأرض معينة يقوم بزراعتها ورعى ماشيتها، شعر بحاجته إلى استخدام هؤلاء الأعداء في الزراعة والرعى بدلا من قتلهم، مكان الرق.
فالسبب الرئيسي للرق عند الرومان هو الأسر في الحروب، وكذلك الولادة من المرأة المملوكة ولو كان رجلها حرا.
والروماني لا يمكن أن يصير رقيقا في نفس البلدة التي عاش فيها حرا، فالرومانى الذي يصير رقيقا لا بدّ أن يكون تسليمه خارج روما، إما بحكم القاضي أو بوساطة الشخص الذي يخوله القانون حق بيعه. فللقاضى أن يبيع خارج روما الروماني الذي لم يقيد اسمه في قوائم التعداد، أو الذي يهرب من الحرب أو التجنيد.
وللأب أن يبيع أولاده خارج روما باعتبارهم أرقاء. وللدائن أن ببيع مدينه المعسر خارج روما. وللمسروق منه إذا ضبط السارق متلبسا بالجريمة أن يبيعه كذلك. وللقاضي أن يسلم الروماني الذي اعتدى على دولة أجنبية موالية لروما.
هذا ما كان متبعا في العصر الجمهوري. أما في العصر الإمبراطورى فقد ألغى نظام استرقاق الشخص الروماني بالمسوغات السابقة إلا في حال السرقة واستبدل بها مسوغات أخرى، هي أن يتواطأ الشخص مع غيره أن يبيعه على أنه رقيق حتى إذا تمت الصفقة استرد حريته وقاسم شريكه الثمن، ففي هذه الحالة يحرم حريته ويصير رقيقا حقّا، وكذلك المحكوم عليهم بالإعدام أو بالأشغال الشاقة أو بمنازلة الأسود، يضرب عليهم الرق وتظهر ثمرة ذلك بالنسبة لورثتهم فإنهم يحرمون من ميراثهم الذي أصبح ملكا للإمبراطورية. كما أجاز القانون أن يسترق المعتق معتوقه بعد عتقه، ولا عبرة بجحود هذا الأخير.
ومع ذلك أوصت القوانين الرومانية بحماية الرقيق من سوء معاملة السيد
(1)
.
(1)
انظر القانون الروماني ص 16.
وكان هناك ضرب من العبيد يسمى «عبيد الحراثة» وهم عبيد الأرض، وهؤلاء يعدون أحسن العبيد حالا عندهم، يتمتعون بحقوق لا يتمتع بها غيرهم
(1)
.
عند الأوربيين:
وكذلك كثر الرقيق في أوروبا القديمة عند الأمم المتبربرة وعند الغاليين والجرمانيين الذين بلغ من ولوعهم بالميسر أن يقامروا على نسائهم وأولادهم، بل على حربتهم الشخصية
(2)
. وكذا الفرنج واللومبارديون والأنجلو سكسون.
ومما يجدر ذكره أن من أوائل الدول الأوربية التي حرمت الرقيق الدنمرك إذ صدر بها قانون سنة 1792 يحرم تجارة الرقيق منذ سنة 1802 وأصدر الإنجليز قانون تحريمه سنة 1807
(3)
. وفرنسا ألغت نظامه بعد ثورتها في فبراير سنة 1848
(4)
.
عند العرب:
وأما العرب في جاهليتهم فكانوا في أعقاب الغزو يستحوذ الغالب منهم على رجال المغلوب ونسائه ويتخذ منهم الرقيق. ونجد في الشعر الجاهلي العبد والعبيد والعبدان، والأمة والإماء والإموان، والسباء.
وفي أسد الغابة
(5)
أن زيد بن حارثة مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان من قضاعة وأمه من طيئ، فأصابه في الجاهلية سباء، لأن أمه خرجت تزور قومها بنى معن فأغارت عليهم خيل بنى القين بن جسر فأخذوا زيدا فقدموا به سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد. وقد وهبته خديجة لرسول اللّه فأعتقه.
وكان للعرب كذلك رقيق من الأمم الأخرى ممن حرره الإسلام فيما بعد، ومن أشهر هؤلاء الموالى بلال الحبشي، وسلمان الفارسي.
وأجاز الإسلام في أول الأمر استرقاق المسلمين للعرب الذين يؤسرون في
(1)
انظر (أعجب ما كان، في الرق عند الرومان) للزعيم مصطفى كامل ص 18 - 19.
(2)
الرق في الإسلام ص 31.
(3)
انظر:
The great encyclopedia of universal Knowledges
(4)
الرق في الإسلام ص 48.
(5)
أسد الغابة 2: 224.
الغزوات، كالذي كان في غزوة بنى المصطلق - وهم عرب من خزاعة - يروى ابن هشام
(1)
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب منهم سبيا كثيرا فشا قسمه بين المسلمين، وأن جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار زوج رسول اللّه كانت فيمن قد سبى، ووقعت في القسمة في سهم ثابت بن قيس بن الشماس أو ابن عم له، فكاتبها على نفسها، فأتت رسول اللّه تستعينه في ذلك فقال لها: هل لك في خير من ذلك؟
أقضى عنك كتابتك وأتزوجك. قالت: نعم يا رسول اللّه. وخرج الخبر إلى الناس أن رسول اللّه قد تزوج جويرية. فقال الناس: أصهار رسول اللّه! وأرسلوا ما بأيديهم. قالت عائشة: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بنى المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها.
ولكن ذلك لم يدم طويلا، إذ حتم الإسلام فيما بعد ألا يقبل من عربى إلا إحدى اثنتين: إما الإسلام وإما القتل
(2)
.
وبذلك اقتصر أمر الرقيق في الإسلام على وقوع الكفار من غير العرب أسرى في أيدي المسلمين عند الحرب، أو عند سقوط بلادهم المفتوحة عنوة في أيدي المسلمين فيجوز للإمام أن يسترقهم، ويجوز له أن يضع الجزية على رؤوسهم
(3)
، يختار من ذلك ما يراه في مصلحة المسلمين.
وهذا الرقيق يعد في جملة المغانم الحربية، شأنه شأنها، ينقلها الإمام إلى دار الإسلام ويقسمها أخماسا، فخمس للفقراء والمساكين وسائر وجوه البر، وسائر الأخماس تقسم على المقاتلة، للفارس سهمان أو ثلاثة - على خلاف بين الفقهاء
(4)
- وللراجل سهم واحد.
وبانتشار الفتوح الإسلامية كثر الرقيق المجتلب من البلاد المفتوحة كثرة ظاهرة، وصار من الميسور أن تجد الرقيق في كل بيت، حتى كان الزبير بن العوام
(1)
السيرة 729 جوتنجن.
(2)
جاء في حاشية ابن عابدين 3: 316: الطبعة الأولى «إلا مشركي العرب والمرتدين فإنهم لا يسترقون، ولا يكونون ذمة لنا، بل إما الإسلام أو السيف» .
(3)
فتح القدير 4: 305 - 306 والدر المختار بهامش ابن عابدين 3: 416 الطبعة الأولى.
(4)
فتح القدير 4: 320 الطبعة الأولى.
فيما يروى المسعودي
(1)
مستوليا على ألف عبد وأمة. ويبدو أن كثيرا من هذه المماليك قد آلت إلى ولده عبد اللّه الذي طالبه أعداؤه بأن يعتقهم فقال
(2)
:
«وأما عتق مماليكي فو اللّه لوددت أنه قد استتب لي أمرى ثم لم أملك مملوكا أبدا» .
وهذا يفسّر لنا حرص كثير من الرؤساء على حيازة العبيد.
والرقيق متاع مملوك مثله مثل عروض التجارة، لمالكه أن يبيعه وأن يهبه، وللسيد أن يستمتع بأمته ويستولدها، فإذا ولدت منه كان ابنها ولده، وسميت هي أم ولد له، وبقيت في رقها، ولكن لا يجوز له أن يبيعها ما دام حيا، فإذا مات صارت حرة لا سلطان لأحد عليها، وأبناؤها منه أحرار من يوم يولدون.
والسراري حل للرجل بملك اليمين يتسرى منهن من شاء ولو بلغن ألفا أو أكثر في العد، ما كنّ صاحبات دين سماوي.
وللرجل أن يتزوج الجارية بعقد النكاح في حدود الزوجات الأربع والدين السماوي، إذا كانت مملوكة لغيره، لا يمنع من ذلك العقد إلا أن يكون متزوجا قبلها بحرة في عصمته أو ما تزال في عدة الطلاق، فقد نهى الحديث أن تنكح الأمة على الحرة
(3)
.
وليس للسيد أن يتزوج أمته، لأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة البضع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه
(4)
.
فنظام الرق في الإسلام نظام اختياري يقابله نظام الجزية.
وقد وضع بجانب نظام الرق نظام آخر في مصلحة الرقيق، هو نظام الكفارات التي من بينها عتق العبيد، كما أوصى الإسلام فيما أوصى بحسن معاملة الرقيق.
ففي صحيح البخاري
(5)
(1)
مروج الذهب 2: 342.
(2)
تاريخ الطبري 7: 94.
(3)
فتح القدير 2: 277 الطبعة الأولى.
(4)
المغنى لابن قدامة 6: 610.
(5)
انظر فتح الباري 5: 131 الطبعة الأولى.
وفيه أيضا عن المعرور
(1)
وقد زخرت كتب التشريع الإسلامي ببحث مسائل الرقيق ومشاكله الواقعية والافتراضية جميعا.
الرقيق في العصر الحديث:
وقد وجد العصر الحديث أن أمر الرقيق قد أسرف فيه، واعتراه كثير من الخلط والفوضى، وأن أبصار النخاسين قد اتجهت إلى اجتلابه بشتى الوسائل التي لا تمت إلى الشرع بسبب، فبيعت في أسواق النخاسة بنات الأسر المسلمات واختطفت كريمة قومها لتنالها يد السرىّ القادر، فأحفظ ذلك بعض الولاة في مصر وفي غيرها، ووافق ذلك تكاتف الدول الأوربية على أن تقضى على تجارة الرقيق في بلادها ومستعمراتها الإفريقية والآسيوية، وبذل بعضها في ذلك المال لتعويض ملاك الرقيق يقول الرافعي
(2)
ويذكر الرافعي أن الاتجار بالرقيق منع من عهد محمد على، «ولكن هذا المنع لم يكن إلا اسميا، وبقيت تجارة الرقيق في السودان قائمة إلى عهد سعيد باشا بعين الحكومة وبصرها، وبتأييد موظفيها، وكان يتولاها تجار أقوياء لهم بيوت تجارية كبيرة تتجر في حاصلات السودان وفي الرقيق، وتربح من كل ذلك الأرباح الطائلة، وكان تجار الرقيق لما لهم من النفوذ والسطوة والمال يقيمون في مختلف
(1)
انظر فتح الباري 1: 80/ 5: 126.
(2)
عصر إسماعيل لعبد الرحمن الرافعي 1: 136.
الجهات معاقل حصينة اتخذوها مراكز للتجارة واصطياد الرقيق، فلما تبوأ إسماعيل عرش مصر اعتزم أن ينضم إلى حركة العاملين على تحرير الأرقاء في أنحاء العالم وأن يكسب ثناء الإنسانية في مقاومة الرقيق، وبذل جهودا كبيرة في هذا السبيل
(1)
».
وكان لاهتمام الوالي أثره في ضبط سبعين سفينة مشحونة بالأرقاء بين كاكا وفاشودة أطلق سراحهم، واعتقل التجار الذين جلبوهم ولم يفرج عنهم إلا بعد تعهد بعدم العودة إلى ذلك. كما كان لاحتلال فاشودة سنة 1865 أثر كبير في سد طريق النيل في وجه نجار الرقيق الذين كانوا يقتنصون الأرقاء في جهات بحر الغزال وخط الاستواء ويشحنونهم في السفن.
أما العبيد المملوكين قبل صدور هذا الأمر فقد وضع لهم تشريع يخولهم الحق في التحرير إذا ثبت أن السيد أساء معاملتهم
(2)
.
ويأخذ الرافعي على إسماعيل بعض الأخطاء في تنفيذ هذا الأمر: منها أنه لم يفكر في تعويض تجار الرقيق، وكانوا تجارا أقوياء لهم أنصار لا يستهان بهم، فضلا عن أن الأيدي العاملة في الزراعة ورعى الماشية وغير ذلك كان معظمها من الرقيق هذا إلى أن الخديوي قد جعل على رئاسة مقاومة الرقيق جماعة من الأجانب منهم السير صمويل بيكر، وغردون الذي لم يقترن اسمه إلا بمحاربة الاتجار بالرقيق
(3)
فاستثار وجودهم عواطف الأهلين الدينية، فاستهدفت الحكومة لعداء طبقة كبيرة من أعيان السودان وتجاره، مما ظهر أثره في نجاح دعوة المهدى في أوائل عهد توفيق، إذ انضم إلى الثورة تجار الرقيق في السودان
(4)
.
هذا هو الرقيق في موجز تاريخه، ومع ذلك فلا تزال تجارة الرقيق قائمة في إفريقية.
وفي العدد 1530 من المصور الصادر في أول جمادى الآخرة 1373 خلاصة تقرير يقع في 200 صفحة لعالمين من علماء الاجتماع هما «جاك آلان» و «جورج هيرالد» قضيا في تتبع عصابات الرقيق أربعة أعوام. وفيه من المآسي ما ينطق بقسوة الأوربيين من تجار الرقيق وفظائعهم التي يرتكبونها في هذه القارة البائسة.
(1)
عصر إسماعيل 1: 134.
(2)
عصر إسماعيل 1: 135.
(3)
عصر إسماعيل 1: 163.
(4)
عصر إسماعيل 1: 136.
وهذه عجالة لم نستطع فيها أن نستقصى القول في الرقيق الذي كان في بعض العصور نصف الدنيا، وكان له في الحياة العربية أثر بالغ في النواحي الحضارية والعلمية والأدبية والفنية. وحفظ لنا أبو الفرج الأصفهاني في تضاعيف أغانيه وثائق شتى فيما يتعلق بالرقيق، كما زخرت كتب الأدب والتاريخ القديمة بذكر آثارهم وأخبارهم. وتناول الكتاب المحدثون في أبحاثهم هؤلاء الرقيق من جوانب شتى أذكر منها فجر الإسلام وضحاه للدكتور أحمد أمين، والرقيق في الإسلام لأحمد شفيق (باشا) وضعه بالفرنسية وترجمه أحمد زكى (باشا)، ومنها الفصول التي كتبها الرافعي في (عصر إسماعيل)، وكتاب الدكتور محمد فؤاد شكري (الخديو إسماعيل والرقيق في السودان) وضعه باللغة الإنجليزية وكتبت دائرة المعارف البريطانية فصلا ضافيا في الرق (Slavery). وللزعيم المغفور له مصطفى كامل كتيب في الرق ألفه عندما كان طالبا بمدرسة الحقوق، سماه «أعجب ما كان، في الرق عند الرومان» ، طبع بمطبعة المحروسة سنة 1310 في عشرين صفحة.
ابن بطلان وكتابه
ابن بطلان:
هو أبو الحسن المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون الطبيب البغدادي المعروف بابن بطلان.
ويبدو أن اسمه الكنسى هو «يوانيس» كما ورد ذلك بخطه في نص نقله ابن أبي أصيبعة
(1)
.
ويذكر القفطي
(2)
نظيرا لذلك في ترجمة صاعد بن هبة اللّه، قال:«كان اسمه أيضا ماري، وهو من أسماء الكنيسة عند النصارى؛ فإنهم يسمون أولادهم عند الولادة بأسماء فإذا عمدوهم سموهم عند المعمودية باسم من أسماء الصالحين» .
أخذ علمه في العراق على أبى الفرج عبد اللّه بن الطيب المتوفى سنة 435،
(1)
طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة.
(2)
إخبار العلماء 145.
وكان عالما بالمنطق والحكمة والطب، وفيه يقول ابن بطلان
(1)
: «وشيخنا أبو الفرج عبد اللّه بن الطيب بقي عشرين سنة في تفسير ما بعد الطبيعة، ومرض من الفكر فيه مرضة كاد يلفظ نفسه فيها» . وكان أبو الفرج يجل تلميذه ابن بطلان ويعظمه، وبقدمه على تلاميذه ويكرمه
(2)
.
ولازم أيضا أبا الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني الصابى المتوفى سنة 369 وهو عم أبي إسحاق الصابى، وكان من أكبر الأطباء الحاذقين في بغداد فانتفع به ابن بطلان في صناعة الطب، وفي مزاولة أعمالها. وكانت صناعة الطب هي المهنة التي كان يرتزق منها ابن بطلان.
وعاش ابن بطلان حياته للعلم لم يتخذ امرأة ولا خلف ولدا. وفي ذلك يقول:
ولا أحد إن مت يبكى لميتتى
…
سوى مجلسي في الطب والكتب باكيا
رحلة ابن بطلان للقاء ابن رضوان:
كان ابن بطلان معاصرا لعلي بن رضوان الطبيب المصري، وكان بينهما - كما يقول ابن أبي أصيبعة - مراسلات عجيبة وكتب بديعة غريبة، ولم يكن أحد منهما يؤلف كتابا ولا يبتدع رأيا إلا ويرد عليه الآخر ويسفه رأيه. قال: وقد رأيت أشياء من المراسلات التي كانت فيما بينهم ووقائع بعضهم في بعض.
فصح عزم ابن بطلان في مستهل رمضان سنة 440 أن يخرج إلى لقائه في مصر، استجابة لما أملته عليه المنافسة، فخرج عن بغداد إلى الجزيرة والموصل وديار بكر، ودخل (حلب) وأقام بها مدة أحسن إليه فيها معز الدولة ثمال بن صالح وأكرمه إكراما كبيرا.
ويروى لنا القفطي حياته في حلب، أنه لما دخل إليها تقدم عند المستولى عليها وسأله رد أمر النصارى في عبادتهم إليه، فولاه ذلك وأخذ في إقامة القوانين
(1)
القفطي في إخبار العلماء 151، 198.
(2)
القفطي 192.
الدينية على أصولهم وشروطهم فكرهوه. وكان بحلب رجل كاتب طبيب نصراني يعرف بالحكيم أبى الخير بن شرارة، وكان إذا اجتمع به وناظره في أمر الطب يستطيل عليه ابن بطلان بما عنده من التقاسيم المنطقية فيقطع في يده، وإذا خرج عنه حمله الغيظ على الوقيعة فيه، ويحمل عليه نصارى حلب الذين هجوه هجاء اضطر معه إلى فراقهم.
خرج ابن بطلان عن حلب إلى (أنطاكية)، ثم إلى (اللاذقية)، وقد وصف هذه البلدان التي مربها وصفا ناقدا عجيبا في كتاب كتبه إلى الرئيس هلال ابن المحسن
(1)
ثم أتم رحلته إلى مصر فدخل (الفسطاط) في سنة 441 وأقام بها ثلاث سنين وذلك في دولة المستنصر باللّه من الخلفاء الفاطميين، وجرت بين الرجلين وقائع كثيرة ونوادر ظريفة لا تخلو من فائدة وقد ضمن ابن بطلان تلك الحوادث والمحاورات رسالة بعث بها إليه بعد خروجه من مصر، وقد حفظ لنا القفطي هذه الرسالة في كتابه
(2)
، ونشرها يوسف شاخت وماكس مايرهوف سنة 1937.
وقد اتسع نطلق المناظرة بين الرجلين حينا فخرج من حدود المناظرة العلمية إلى حد المهاترات الشخصية، فيذكر ابن أبي أصيبعة أن ابن رضوان كان أسود اللون ولم يكن بالجميل الصورة، وكان يناضل عن نفسه من هذه الجهة حتى ألف مقالة يرد بها على من عيره بقبح الخلقة، بين فيها «أن الطبيب الفاضل لا يجب أن يكون وجهه جميلا» . فانتهزها ابن بطلان فرصة له فوقع فيه، وكان يلقبه «تمساح الجن» ، وقال فيه:
فلما تبدى للقوابل وجهه
…
نكصن على أعقابهن من الندم
وقلن وأخفين الكلام تسترا
…
ألا ليتنا كنا تركناه في الرحم!
ويعقد ابن أبي أصيبعة مقايسة علمية بينهما فيقول:
«كان ابن بطلان أعذب ألفاظا وأكثر ظرفا وأميز في الأدب وما يتعلق به،
(1)
القفطي 193 - 195.
(2)
القفطي 195 - 207.
ومما يدل على ذلك ما ذكره في رسالته التي وسمها بدعوة الأطباء. وكان ابن رضوان أطب وأعلم بالعلوم الحكمية وما يتعلق بها».
ويذكر صاحب النجوم الزاهرة
(1)
أن ابن رضوان «كان فيه سعة خلق عند بحثه» .
خاتمة ابن بطلان:
خرج ابن بطلان من مصر غاضبا على ابن رضوان ورجع إلى أنطاكية مرة أخرى فأقام بها ونزل بعض الديرة فيها وترهب منقطعا إلى العبادة إلى أن توفى بها
(2)
ودفن في كنيستها.
فيذكر القفطي المتوفى سنة 656 أنه توفى سنة 444 وكذلك صنع ابن العبري
(3)
المتوفى سنة 658 على حين يذكر ابن أبي أصيبعة أنه قد اطلع على مخطوطات شتى لابن بطلان وفيها من التواريخ ما يشهد بأن حياته امتدت إلى سنة 455 كما نقل عنه تسجيلات لوفيات أعيان العلماء الذين عاصروه، منهم الشريف المرتضى (436) والماوردي (450) وأبو الطيب الطبري (450) ومهيار الديلمي (428) وأبو العلاء المعرى (449). وهذا مما يجعلنا نرجح أن وفاته كانت بعد التاريخ الذي ذكره القفطي بنحو عشر سنوات على الأقل.
آثاره العلمية:
يذكر المؤرخون له من الكتب غير كتابنا هذا:
1 -
كناش الأديرة والرهبان، ذكر فيه الأمراض العارضة لرهبان
(1)
ابن تغرى بردى 5: 69.
(2)
هذه رواية القفطي. ويذكر ابن أبي أصيبعة أنه سافر من مصر إلى القسطنطينية وأقام بها سنة. ويبدو أن رحلته إلى القسطنطينية كانت بعد ذلك، أي في أثناء إقامته بأنطاكية إذ يسجل ابن أبي أصيبعة أنه ألف كتابا في القسطنطينية سنة 450.
(3)
تاريخ مختصر الدول 356 طبع 1963.
الأديرة ومن بعد من المدينة، كما جاء في مقدمة كتاب الديارات للشابستى بتحقيق كوركيس عواد. ومنه نسخة بمكتبة الفاتيكان.
2 -
تقويم الصحة، في قوى الأغذية ودفع مضارها. نشرت ترجمة لاتينية له في إستراسبورج سنة 1931 وترجمة ألمانية في إستراسبورج أيضا في السنة التي تليها كما ورد في دائرة المعارف الإسلامية، ومنه نسخة بالمتحف البريطاني وأخرى بالفاتيكان.
3 -
مقالة في شرب الدواء المسهل.
4 -
مقالة في كيفية دخول الغذاء في البدن وهضمه وخروج فضلاته وسقى الأدوية المسهلة وتركيبها.
5 -
مقالة إلى علي بن رضوان عند وروده الفسطاط سنة 441 جوابا عما كتبه إليه، وقد نشر في (خمس رسائل) تحقيق يوسف شاخت وماكس مايرهوف، مطبوعات كلية الآداب بالجامعة المصرية سنة 1937 م.
6 -
مقالة في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد، كالفالج واللقوة والاسترخاء وغيرها، ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء في الكنانيش والاقراباذينات وتدرجهم في ذلك بالعراق وما والاها على استقبال سنة 377 إلى سنة 455. صنفها بأنطاكية وكان قد أهّل لبناء بيمارستان أنطاكية.
7 -
مقالة في الاعتراض على من قال إن الفرخ أحر من الفروج بطريق منطقية، ألفها بالقاهرة سنة 441. وقد نشر في مجموع (خمس رسائل).
8 -
كتاب المدخل إلى الطب.
9 -
كتاب دعوة الأطباء، صنفه على غرار (كليلة ودمنة) ألفه للأمير نصر الدولة أبى نصر أحمد بن مروان صاحب ميافارقين وديار بكر المتوفى سنة 453 كما في النجوم الزاهرة.
قال ابن أبي أصيبعة: «ونقلت من خط ابن بطلان، وهو يقول في آخرها:
فرغت من نسخها أنا مصنفها يوانيس الطبيب المعروف بالمختار بن الحسن بن عبدون
بدير الملك المتنيح قسطنطين بظاهر القسطنطينية في أواخر أيلول سنة 1365. هذا قوله ويكون ذلك بالتاريخ الإسلامي من سنة 450».
وقد نشر هذا الكتاب الدكتور بشارة زلزل بالمطبعة الخديوية بالإسكندرية سنة 1901 عن نسخة بمكتبته، وقد تصرف فيها بعض التصرف بحذف «عبارات لا يألفها ذوق الأدباء من أبناء هذا العصر!!» كما ذكر ذلك في مقدمته.
10 -
كتاب وقعة الأطباء.
11 -
كتاب دعوة القسوس.
12 -
مقالة في مداواة صبي عرضت له حصاة.
علة تأليف لهذا الكتاب:
باتساع الرقعة الإسلامية واتساع جلب العبيد تبعا لذلك قامت تجارة الرقيق نافقة يتولاها النخاسون الذين سميت صناعتهم بالنخاسة
(1)
ويشرف على تجارتهم قيم يدعونه «قيم الرقيق»
(2)
.
والرقيق كسائر السلع يرى المشترى أن يختار لنفسه منه، وأن يأمن جانب الغش والخدعة فيه، في عالم غص بأجناس شتى من الأمم من الترك والأرمن والصقالبة والهند والزنج والبربر وغيرهم، ولكن السوق قاسية، والبائع محاول أن يتخلص مما في يديه ولو سلك في ذلك سبل الغش والخداع جميعا، لذلك قامت إلى جانب النخاسة مهنة أخرى هي مهنة «الدلالة» التي تكفى المشترى مئونة الخبرة وتكفى البائع من جهة أخرى أن يبالغ في تزبيف سلعته
(3)
. وقد ذكر ابن بطلان رجلا اسمه «أبو عثمان» كان من هؤلاء الدلالين، ولكن الدلالة أو «السمسرة» بعبارة أخرى كان سلاحا ذا حدين نفاع وضرار.
(1)
النخاس يطلق في الأصل على بائع الدواب، سمى بذلك لنخسه إياها حتى تنشط. وقد يسمى بائع الرقيق نخاسا. اللسان (نخس).
(2)
الأغانى 20: 27 وضحى الإسلام 1: 87.
(3)
يذكر أحمد شفيق (باشا) في كتابه الرق في الإسلام عند الكلام على رق الرومان:
«وكانت العادة أن المشترى يطلب رؤية الأرقاء عراة تماما لأن بائعى الرقيق كانوا يستعملون وجوها كثيرة من المكر لإخفاء عيوب الرقيق الجثمانية» . ولا تزال تلك العادة قائمة إلى الآن كما أخبرنا بذلك من شهد أسواق الرقيق.
ثم إن الأغراض التي يقتنى لها العبيد والإماء مختلفة جدا، وهذه الأغراض لا تتحقق جميعها في جنس واحد من أجناس العبيد، فالخدمة والطهى، والقيام على الخزائن والحراسة والقتال، وطلب الولد والإرضاع، والغناء والعزف، والاستمتاع والجمال، كلها أغراض يتحقق بعضها ممتازا في بعض الأجناس ولا يكون في الأخرى.
ثم إن للعوامل النفسية كالرغبة العاجلة في الشراء، وهي رغبة تتجاوز عن كثير من السيئات، والعوامل الاقتصادية كوفرة الرقيق في المواسم واغتنام تلك الفرصة لاستعمال طرق الغش والخداع، والعوامل الشخصية كأن يدس بين الرقيق من يتخذ من الأعداء عينا على سيده المنتظر فيفسد عليه أمره فيما بعد، وكذلك ما للعبد من ماض طيب أو سيئ، أن لكل أولئك وأمثالها آثارا شتى يجدر بالمشترى أن ينظر فيها طويلا وأن يحزم أمره بالتريث.
وهناك أخطاء كان يقع فيها السادة فيجنون مغباتها، هي الأخطاء الصحية والنفسية التي لا يتبينها إلا طبيب حاذق، عالم بالطب وعالم بالفراسة التي تتأدى من النظر في الظاهر إلى معرفة الباطن: الباطن البدني والباطن النفسي أيضا، فقد يشترى عبدا معلول الجسم أو معلول النفس وظاهره لمن لا يعرف بارع خداع.
كل أولئك حفز صاحبنا المتطبب «ابن بطلان» أن يضع كتابه هذا في ذلك الموضوع الخطير في تلك العهود التي كان الرقيق فيها جمعا هائلا له حسابه وله ميزانه.
مواد الكتاب:
وأقصد بذلك المنابع التي استقى منها ابن بطلان معارفه في هذا الكتاب.
وهو قد صرح في أول كتابه أنه اعتمد على رسائل معلم الإسكندر وغيره من العلماء والفلاسفة. وقد ظهر لي في أثناء التحقيق أنه اعتمد في باب الفراسة اعتمادا كليا على ما ورد في كتاب «جمل أحكام الفراسة» لأبى بكر محمد بن زكريا الرازي المتوفى سنة 311 يظهر ذلك من المطابقة التامة في الألفاظ وفي نظام التأليف.
ولكن صاحبنا لم يظهر اسمه اكتفاء بما ورد مبهما في قوله «من العلماء والفلاسفة» .
التحقيق في شراء الرقيق:
هو مخطوط قديم في المكتبة التيمورية برقم 48 فضائل ورذائل، مجهول المؤلف، خدم به مؤلفه اسم «الملك الصالح أبى المظفر أحمد بن الملك الظاهر أبى المظفر غازي بن الملك الناصر أبى المظفر يوسف بن أيوب بن شادى» .
وقد اعتمد هذا الكتاب في بيان خصائص الأجناس اعتمادا ظاهرا على ما ورد في كتابنا هذا، وصرح في بعض المواضع بالنقل عنه، كما في ص 243، 252 باسم ابن بطلان، وفي ص 39، 44 باسم ابن عبدون، وكان بذلك معينا على تحقيق أو توضيح بعض ما ورد من نصوص كتابنا هذا محرفا أو مبهما.
نسخة الأصل:
هي نسخة جامعة القاهرة رقم 23327 المصورة عن مخطوطة برلين رقم 4979 ومع أنها مجهولة التاريخ هي قديمة الخط، ولم أعثر على نسخة أخرى من هذا الكتاب بعد بذل جهد طويل.
وإليك الكتاب في ضوء التحقيق.
رسالة جامعة لفنون نافعة في شرى الرقيق وتقليب العبيد
تأليف الشيخ أبي الحسن المختار بن الحسن بن عبدون البغدادي المتطبب
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم رسالة جامعة لفنون نافعة في شرى الرقيق وتقليب العبيد
يعلم منها الراغب في هذا الشأن الأعضاء السّليمة من المئوفة، والأخلاق الطاهرة من الردية، وأي الإماء يصلحن للخدمة، وأيهن للمتعة، وأي الأجناس عبيد طاعة وولاء، وأيهم ذوي أنفة وحمية، وأيهم لا يصلحه إلا الكد والعصا فيختار من كل جنس ما يوافق غرضه، وينال به أربه، فإنه يقال:
من أراد الجارية للذة فليتخذها بربرية، ومن أرادها خازنة وحافظة فرومية، ومن أرادها للولد ففارسية، ومن أرادها للرضاع فزنجية، ومن أرادها للغناء فمكية.
ومن أراد العبيد لحفظ النفوس والأموال فالهند والنوبة، ومن أرادهم للكد والخدمة فالزنج والأرمن، ومن أرادهم للحرب والشجاعة فالترك والصقالبة.
هذا كلام جمعنا متشتته ونظمنا منثوره من رسائل معلم الإسكندر
(1)
وغيره من العلماء والفلاسفة.
ومقالتنا هذه تشتمل على فنون خمسة:
الأول منها: في وصايا ينتفع بها في البيع والشرى.
الثاني منها: فيما يتفقّد من أعضاء الرقيق بحسب ما يراه الأطباء.
(1)
يعنى أرسطو. قال القفطي في أخبار العلماء: «وكان أرسطوطاليس معلم الإسكندر بن فيلبس ملك مقدونية، وبآدابه عمل في سياسة رعيته وسيرة ملكه، وانقمع به الشرك في بلاد اليونانيين، وظهر الخير وفاض العدل. والأرسطوطاليس إليه رسائل كثيرة معروفة مدونة» .
الثالث: في معرفة أخلاق العبيد بقياس الفراسة على مذهب الفلاسفة.
الرابع: في معرفة صور كل جنس وما يصلحون له من الأعمال بحسب خواص بلادهم والمنشأ.
الخامس في كشف تلبيسات يدلس بها النخاسون الرقيق على المشتري، يجري مجرى الحسبة
ومن بعد تعديدنا لهذه النوب نعقد بها جملة يخصمها
(1)
تفصيلها، ليسهل على القارئ مأخذها فيحيط علمه بها.
والله ولي المعونة والعصمة للقوة البشرية، من كل خطل وزلة، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلىّ العظيم.
(1)
كذا وردت الكلمة مضبوطة في الأصل. ومعنى يخصمها يغلبها.
مبلغ ما يحتاجه إلى معرفته من أحوال العبيد والإماء عند ابتياعهم وبيعهم،
من وصايا ينتفع بها في البيع والشرى منتزعة من كلام الحكماء.
ومن تفقد أجسامهم وصحة أعضائهم بحسب ما يراه الأطباء.
ومن تعرف أخلاقهم بقياس الفراسة على مذهب الفلاسفة.
ومن معرفة صور كل جنس وما يصلحون له من الأعمال، بحسب خواص بلادهم والمنشأ.
ومن كشف تلبيسات يدلس بها النخاسون الرقيق على المشتري، يجري مجرى الحسبة على ما بين من أحوال ذلك.
وهي عن خمسة أشياء ما
(1)
:
[1][في وصايا ينتفع بها في البيع والشرى]
منها الوصايا التي ينتفع بها في شرى الرقيق على ما قاله الحكماء والفلاسفة، عشر وصايا، من ذلك ما يعم المماليك والإماء أربع وصايا:
شرحها: (الوصية الأوّلة
(2)
) ما أمروا أن يكون عليه
(3)
المستعرض عند التقليب للشرى، وما نهوا عنه من القطع بأول نظرة، قالوا: إن المستعرض لأمر ما يجب ألا يكون ذا فاقة إليه، فإن الجائع يستجيد كل طعام يشبعه
(4)
، والعريان يستوفق كل طمر يدفئه ويستره، وبحسب هذا قالوا: لا يستعرض
(1)
كذا وردت هذه العبارة.
(2)
في اللسان (وأل): «حكى ثعلب هن الأولات دخولا، والآخرات خروجا.
واحدتها الأولة والآخرة. ثم قال: ليس هذا أصل الباب، وإنما أصل الباب الأول والأولى كالأطول والطولى».
(3)
في الأصل: «عليها» .
(4)
في كتاب التحقيق ص 13: «وقال الحكيم: الجائع مستجيد لكل طعام يشبعه» .
جارية شبق، فليس لمنعظ
(1)
رأي، لأنه يقطع بأول نظرة، وأول نظرة سحر وللجديد وللغريب روعة؛ فإذا صادف منه حاجة داعية قطع بما تكذبه الحواس عند الاستغناء. ولهذا قيل: تكرير اللحظ يخلق كل جدة، ومعاودة التقليب يظهر التصنّع، ويهرج التدليس.
(الوصية الثانية) ما حذّر منه القدماء قبل الشرى قالوا: كن على حذر من شرى الرقيق في المواسم، ففي مثل تلك الأسواق يتم للنخاسين الحيل، فكم من قضيفة بيعت بخصبة
(2)
، وسمراء كمدة بيعت بصفراء مذهبة، وممسوح العجز بثقيل لروادف، وبطين بمجدول الحشا، وأبخر الفم بطيب النكهة، وكم صفروا البياض الحادث عن القروح في العين، والبرص والبهق في الجلد، وجعلوا العين الزرقاء كحلاء، وكم من مرة حمروا الخدود المصفرة، وسمنوا الوجوه المقعقعة
(3)
، وكبروا الفقاح الهزيلة، وأعدموا الخدود شعر اللحى، وأكسبوا الشعور الشقر حالك السواد، وجعدوا الشعور السبطة، وبيضوا الوجوه المسمرة، ودملجوا السيقان المعرقة
(4)
، ورطلوا الشعور الممرطة، وأذهبوا آثار الجدري والوشم والنمش والحكة.
ولكل من هذه أسباب يعرفها الأطباء قد أوردناها في مقالتنا في الحسبة، وسنورد منها في الفن الخامس شذرة بحسب الحاجة.
وكم من مريض بيع بالصحيح، وغلام بجارية، هذا زائد على ما يوصّون
(1)
في الأصل: «لمغتبط» . وما أثبت من الصواب يوافق ما في التحقيق ص 14.
(2)
القضيفة: النحيفة. في الأصل «قصيفة» .
(3)
لعلها «المتقفعة» .
(4)
المعرقة: الضامرة القليلة اللحم. وفي اللسان: دملج جسمه دملجة، أي طوى طيا حتى أكثر لحمه.
به الجواري من دل ومجانة
(1)
على مسافرين شباب قد أحل لهم لحم الميتة، سوى ما يفعلنه من زينتهن بالخضاب والحناء، والملابس المصبغة الناعمة.
سمعنا بعض النخاسين يقول: «ربع درهم حناء يزيد في ثمن الجارية مائة درهم فضة!» .
والتحرز من هذا لا يكون في موقف واحد، ولهذا قيل: اتهم نظرك فيما استحسنته حتى يكون الاستحسان دائماً على صورة لا ينقصها تكرار النظر، وهذا لا يتم إلا في دفعات، وعلى صفات مختلفات.
(الوصية الثالثة) ما نهي عنه من القطع بأول سمع من المماليك [و] الأماء.
قالوا: لا تقطع بأول لفظ من غلام أو جارية، فربما جاءت بالإتفاق فوافقت منك قبولاً لا يكون وراءها أمثالها فيتدلس عليك بذلك مقابح مستورة ربما جرى الأمر على خلاف ذلك. لكن كن إلى الريبة أميل منك في هذا الشأن إلى الثقة، وخذ بسوء الظن تسلم.
(الوصية الرابعة) ما حذر منه الرؤساء خاصة. قالوا: ليحذر الرؤساء - ممن له عدو يخشى منه غيلة، أو
(2)
يخاف أن يطلع له على سر - شرى خادم أو جارية خاصة إن كانت كاتبة خرجت من دار سلطان، إلا بعد خبرته بها، ولا شرى جارية مولّدة من تاجر أو جلّاب، فإنّ هذه حيلة قد هلك بها جماعة من الملوك والرؤساء.
ومن ذلك ما يختص بشرى المماليك خاصة، ثلاث وصايا، شرحها:
(الأوّلة) ما حظر على المشتري من ابتياع مملوك قد مرن على الضّرب
(1)
في الأصل: «ما يوصوا به الجواري من ذل ومجانة» . والمجانة: مصدر مجن يمجن مجونا ومجانة، وهو ألا يبالي ما صنع.
(2)
في الأصل: «أن» .
والخصومة. قالوا: لا تشتر مملوكاً كان مولاه يكثر ضربه، ولا تترك المسألة عن مالك المملوك، وعن سبب بيعه. واستعلم ذلك قبل ابتياعه، من المملوك وغيره، ففي هذا الفحص فوائد كثيرة، في ارتباطه، أو تسريحه وتركه.
(الثانية) مأخوذة من جرأة المملوك على ذم مولاه، وتنقصه له، أو امتعاضه من ذمه وقلة احتفاله به، وهل سبب بيعه من جهته أو من جهة مالكه.
(الثالثة) ما وصى به قبل استخدامه قالوا: المملوك على ما يراه منك أول دخوله دارك، فإن أطمعته طمع، وإن هذبته انقمع، وإن خالطه مفسد من مماليك وغيرهم فسد.
ومن ذلك ما يختص بشراء الإماء، وصيتان، شرحهما:
(الأوّلة) فيما تعلم به براءة الجواري من الحبل قبل الشراء. قالوا: تحرز في استبراء الإماء من الحبل قبل التملك لهن، واحذر بهرجتهن بالسداد والدعاوى الكاذبة فإن كثيراً ما يجعلن في فروجهن خرقاً بدماء غيرهن
(1)
. وليكن من يستبرى ذلك منها امرأة تكره أن تلصق بك ولد غيرك، ومرها بتفقّد ثدييها وجس حشاها.
واعلم ذلك من شحوب لونها وشهوتها للطعام المالح، فإن ذلك دال على توحمها. واستبر ذلك بتقدير الحشا وبخورات تذكر أخيراً كما وعدنا.
(الثانية) ما يراعي بعد الشرى من الغيلة في الحمل من غير إرادة المولى.
قالوا: راعِ أمراً ذا ركنين:
(1)
في الأصل: «ما يجعلن في فروجهن خرق بدماء غيرهم» .
إذا اشتريت جارية غير بالغة فربما بلغت في ملكك وأنت لا تعلم، وكتمت ذلك عنك رغبة في الولد.
احذر الجواري اللواتي يوهمن أنهن عقم وهن كارهات للحبل، فربما خدعنك بذلك.
ومن ذلك ما يختص بالبائع دون المشتري.
وصية قالوا: لا تخرج جارية من ملكك إلى نخاس إلا في دم، فربما تم عليها في الحجر أن تحبل فادّعت أنه منك.
على أنا قد شاهدنا في زماننا من حاضت مدّة زمان حملها. وهذا نادر.
[2][فيما يتفقّد من أعضاء الرقيق بحسب ما يراه الأطباء]
ومنها ما يتفقد من أجسام الرقيق بحسب كل واحد من الأعضاء على مذهب الأطباء، ثمانية وثلاثون فصلاً.
من ذلك ما يعم جميع البدن، ثلاثة أشياء، تفصيلها:
من اللون، وهو ألا يكون حائلاً
(1)
إلى الصفرة الدال على ضعف الكبد وغلبة الصفراء، ولا إلى السواد الدال على السواد وضعف الطحال، لكن إن كان أبيض فليكن مشرباً حمرة، وإن كان أسمر فلتكن سمرته سمرة صافية.
ومن البشرة بأن تكون لينة نقية خالية من بهق أو برص أو وشم أو قوباء أو كي أو صبغ أو ثآليل أو خيلان أو أثر قرحة، لا سيما إن كانت عن عضة كلبٍ كلبِ.
ومن تناسب الأعضاء، بان تكون بعضها مناسبة لبعض في الطول والقصر والعظم والصغر، فإن طول الأعضاء مع غير مناسبة في العرض جيد في مباشرة الأعمال العظيمة، مع ضعف القوة. والقصر بالضد عن ذلك.
ومن ذلك ما يختص كل واحد من الأعضاء، ثلاثون فصلاً.
منها (ما يختص بالرأس) أربعة أشياء، وهي شكله، بأن لا يكون مسفّطا
(2)
(1)
الحائل: المتغير اللون. وردت كذا بالحاء. وفي كتاب التحقيق 68: «اللون إذا كان حائلا دل على علة في الكبد» .
(2)
المسفط: الذي شكله شكل السفط. في القاموس: «رجل مسفط الرأس:
رأسه كالسفط». والسفط محركة كالجوالق أو كالقفة.
ولا مشوهاً، ولكن يكون ككرة شمع قد غمزت من جانبها فصار لها نتوءً من خلف وقدام.
وشعره بأن لا يكون خفيفاً أو متفرقا، ولا به داء الثعلب والحية
(1)
، ولا بعضه أبيض مجتمع كالبلق في البهائم.
جلده بأن لا يكون قحلا ولا فيه سعفة
(2)
وبثور، أو أثر جرحٍ غائر يدل على عظم.
فضلاته البارزة منه بأن لا يكون كثير المخاط والبصاق، كثير النوم كدر العين والحواس، فإن ذلك من أسباب الصرع، ولا سيما إن ارتعشت بعض أعضائه.
(ما يختص بالعين) خمسة أشياء، وهي من حركتهما بأن لا تكونا مضطربتين فإنهما من علامات الوسواس لا سيما إن لم يكن الكلام منتظماً، وهذا يعتبره العارف بلغة المملوك. ومن لونها بأن لا يكون بهما زرقة في السواد لم تكن من قبل، لأنها من علامات الماء. ولا يكون بياضهما كدراً أو أصفر أو فيه عروق، فإنه من مقدمات السبل
(3)
. ومن شكلها بأن لا يكون شكل العين مستديراً، لا سيما إن كان الوجه متعجراً فإن ذلك من علامات الجذام.
ولا يكون نقبا الحدقة وسواداهما [غير
(4)
] متساويين، ولا أحدهما أكبر من الآخر وكأنه مشقوق بالطول
(5)
. وهذا يعتبر بأن يغمض كلّ واحدة منهما ويرى
(1)
داء الثعلب: علة يتناثر منها الشعر، والثعالب يصيبها ذلك الداء، كما في اللسان (سعف). وجاء في كقاب التحقيق ص 84:«وآفات الشعر الحصة فإنها تشققه، وداء الثعلب فإنه يمزقه، وداء الحية فإنه يجرده» . وانظر الحيوان 4: 158.
(2)
السعفة: قروح تخرج بالرأس تورث القرع.
(3)
السبل: داء في العين شبه غشاوة كأنها نسج العنكبوت بعروق حمر.
(4)
في كتاب التحقيق 96 - 97: «وإذا كان حرفا العينين غير متساويين وسواداهما غير متماثلين» .
(5)
في التحقيق: «أو كان الحرفان قد شقا بالطول» .
أشكالاً مختلفة. ومن المأق بأن لا يكون في المأق ظفرة
(1)
ولا لحم زائد ولا ناصور
(2)
. وعلامته أنك إذا عصرت المأق خرج منه مدة. ومن الأجفان بأن لا يكون شعرها منتثراً ولا منقلباً، ولا تكون الأجفان غليظة.
(ما يختص بالشم والسمع)، وهو شيء واحد: تنظرهما في الضوء لئلا يكون فيهما لحم زائد، وتعرض عليه الكلام والروائح بعد سدّ أحد ثقبيها.
(ما يختص باللسان) وهو شيء واحد، أن يستنطق لئلا تكون به لثغة، 11 وهذا يكون من صغر اللسان وعظمه، أو سقوط جزء منه، أو لآفة في عصبه، أو لسقوط بعض الأسنان، أو لالتصاقه من الجبلة، أو لأثر قرحة به، فسل
(3)
عن جميع ذلك. فإن لم يكن فتسيء ظنك به فربما كان قد عض لسانه لصرع به وبخره بقرن المعزى، وأطعمه كبد تيس مشوي فإنه يصرع إن كان مصروعاً.
(ما يختص بالأسنان) شيئان: وهما: إن لم تكن موجودة بعد الثغر فإنها لا تعود
(4)
، وإن وجدت تفقد ألوانها وصلابتها وسلامتها من الحفور، وبعدها من الضرس بصبرها على الحامض. واجتماعها أجود من تفرقها، وإن كان الشنب مذهباً محبوباً عند العرب
(5)
.
(ما يختص باللثة) شيء واحد، وهو أن لا تكون فيها قروح. واستنكهه لكيلا يكون به بخر. وهذا يكون من عفن اللثة، أو تآكل ضرس، أو بلغم عفن في المعدة.
(1)
الظفرة، بالتحريك: جليدة تغشى العين نابتة من الجانب الذي يلي الأنف على بياض العين إلى سوادها.
(2)
في الصحاح: الناسور بالسين والصاد جميعا: علة تحدث في مأقى العين يسقى فلا ينقطع. قال: وقد يحدث أيضا في حوالي المقعدة وفي اللثة، وهو معرب.
(3)
وسمت في الأصل «سل» مع إهمال النقط.
(4)
في الأصل: «تعد» . وفي هداية المريد: «وإن وجد سقوطها من بعد إثغاره فإنها لا تعود» .
(5)
الشنب: التفليج في أحد معانيه.
(ما يختص باللهاة) شيء واحد، وهو أن لا تكون مسترخية، فإن ذلك سبب اتصال السعال، ولا نازلة إلى أسفل، فإنه يتبع ذلك الخنان
(1)
. فتتأمّل ذلك في الضوء.
(ما يختص بالنّغانغ والأزبتين
(2)
) شيء واحد، وهو أن لا يكون فيهما أثر خنازير.
(ما يختص بالصدر) شيء واحد، وهو ألا يكون ضيقاً أو معوجاً أو قليل اللحم، فإن ذلك [يكون] سبباً للرئة والسعال والنزلات، ولا سيما إن كانت الأكتاف مجنحة.
(ما يختص باليدين) شيء واحد، وهو ألا تكون إذا قدرتهما وجدت إحداهما أقصر من الأخرى، أو هما قصيرتان، فإن ذلك رديء في الأعمال.
(ما يختص بالسواعد) شيء واحد، وهو أن يكون ثني المرفق سهلاً بلا التواء ولا ورم ولا تشنج من جرح أو عرق مدني
(3)
، واسبره أن يقبض على يديك بقوة.
(ما يختص بالحشا) جميعه خمسة أشياء: منها ما يعم الحشا جميعها، شيء واحد، وهو أن لا تكون غليظة جميعها أو بعضها. وهذا بأن تأمره أن يستلقي على ظهره وتجس حشاه من فم المعدة إلى العانة، فإن رأيت ثم غلظاً أو ألماً فاقض به، لا سيما إن وافق ذلك فساد لون وتهيج في المحاجر. ويحقق ذلك انقطاع نفسه عند إحضاره وصياحه.
(1)
الخنان: داء يأخذ في الأنف تسد منه الخياشيم.
(2)
كذا وردت هذه الكلمة. والنغانغ: لحمات تكون في الحلق عند اللهاة.
(3)
جاء في حواشي هداية المريد: «المديني بثرة تحدث في الساقين تتنفط
…
ثم يخرج منها شيء [كالدو] د، ولا يزال يطول، وربما كان له حد، لحدة مادته، ومدة توجع، قطعه خطر.
ما يختص بواحد واحد من أعضائه، أربعة أشياء. تفصيل ذلك:
(المعدة) بأن لا تكون جاسية
(1)
، ولا بها سوء استمراء من سوء مزاج حار أو بارد، ولا بها خلط داعٍ إلى أكل الطين والفحم.
(الكلى والمثانة) بأن لا يكون فيها قرحة أو حصاة أو رخاوة، وهذا بأن يتبين في البول رملاً أو مدة، ويراعي في ليال كثيرة فلا يبول في الفراش.
(الانثيين) بأن لا يكون فيهما دوالي
(2)
، أو بأحدهما قيلة المعا.
(القضيب) بأن لا يكون ثقب الكمرة معوجاً، وهذا يتأمل عند البول.
ما يختص (بالرجلين) أربعة أشياء، منها ما يعم جميعها، شيء واحد، وهو أن لا يكون بهما عوج أو تشنج أو عرق نسا أو خلع ورك. وهذا يتبين إذا أمرته بالإحضار وإذا قدرتهما فلم تنقص إحداهما عن الأخرى.
ما يختص بواحد واحد من أجزائها، ثلاثة أشياء، تفصيل ذلك: الركبة بأن لا يكون فيها ورم صلب أو شوكة. الساقان أن لا يكون بهما تقويس أو حنف أو فجح، ولا في باطنهما دوالي
(3)
. القدم والكعب بأن لا يكون فيهما داء الفيل.
(ما يختص بالرحم) شيئان، وهما ما يختص بجرمه بأن لا يكون ما بين السرة والعانة غليظاً أو صلباً، فإن ذلك دليل السرطان. وما يختص بأيام
(1)
جاسية: صلبة. وفي الأصل «حاسية» .
(2)
إثبات الياء في مثل هذا جائز، بل رجحه يونس. التصريح 2:340. وكذا جاءت بإثبات الياء في كتاب التحقيق ص 147.
(3)
أي لحم زائد متدل، وفي التحقيق 145:«ولا في بطنهما دوالى» .
الحيض لئلا يعرض لهن الغشى الشبيه بالسكتة، فإن ذلك دليل احتراق الرحم
(1)
الذي يتبعه موت الفجاءة.
ومن ذلك ما يتأمل من الأعضاء في زمان النوم خمسة أشياء، شرحها:
بأن لا يكون ممن يتبرز في الفراش، أو يهذي في نومه، أو يمشي على غير علم منه أو يصر أسنانه، أو ينام على وجهه، فإن هذه أشياء إذا علمها الأطباء انتفعوا بها عند التماسهم صحة المرضى.
(1)
في التحقيق 148: «اختناق الرحم» .
[3][في معرفة أخلاق العبيد بقياس الفراسة على مذهب الفلاسفة]
ومنها تعرف أخلاق العبيد والإماء بقياس الفراسة، أحد وتسعون فصلاً. فمن ذلك أصول نقدمها قبل الكلام في الفراسة عددها أربعة، شرحها:
حد الخُلق. والخلق داعية للنفس للإنسان إلى أن يفعل أفعالاً بلا روية، فإن الجبان إذا فاجأه الصوت ارتاع بسرعة، والماجن يضحك من أيسر تعجب، والنذل
(1)
يرغب في أدنى قيمة، والحر بالضد. ولهذه الأخلاق دليل من الفراسة.
كيف تعلم القياس الصحيح في الفراسة، يجري بأن لا يتسرع الإنسان إلى الحكم في الفراسة من دليل واحد، ولكن يجمع منها ما أمكن ثم تكون قضيته بحسب ذلك. ومتى اجتمعت الدلائل المتضادّة حكم بأقواها ورجّح أظهرها، بعد أن تعلم أن دلائل الوجه والعين خاصة أقوى الدلائل وأصحها في الحد الذي ينتهي إليه العلم بقياس الفراسة، ويجري هكذا من الإنصاف أن تعلم أن قياس الفراسة مقدماته مأخوذة من مشابهات موجودة بين أشخاص الناس، أو من مشابهات موجودة بين الحيوان والإنسان. وسنورد على ذلك مثالاً من الشجاعة تراه مأخوذاً من صفات الأسد. فالاستدلال في الفراسة على أفعال الصور من لازم الهيولى، فإذا عرف القياس ذلك
…
د
…
قاس كالمطبوع
(2)
.
مثال من الشجاعة على قياس الفراسة، وهو أن يكون قوي الشعر خشنه،
(1)
في الأصل وكذا في التحقيق 148: «الندل» بالدال المهملة. والنذل: الخسيس المحتقر في جميع أحواله.
(2)
كذا وردت هذه العبارة على ما بها من نقص بيض له في الأصل. وفي التحقيق 12 «فإذا عرف القائس ذلك قاس كالمطبوع» .
شديد العظام والأطراف والأصابع، عظيم الصدر والأكتاف والرقبة، وعريض القصّ، ضامر الورك، معرّق الجبهة
(1)
قوىّ المفاصل، منتصب القامة، ممسوح الإليتين، بعيد ما بين المنكبين، ممدود الحاجبين، أزب الصدر والكتف.
والجبان بالضد.
ومن ذلك ما يختص بأخلاق الذكور والإناث والخصيان شيئان. شرحها:
الأنثى من كل جنس أموت نفساً، وأقل جلداً، وأسهل انخداعا، وأسرع غروراً وسكونا، وأشد مكراً، وأصغر رأسا، وألطف وجها، وأدق عنقا، واضيق أكتافا وصدرا، وأعظم بطنا ووركا، وألطف كفا وقدما، وأسوأ أخلاقا من الذكر في كل جنس
(2)
.
أخلاق الخصيان كالمشابهة لأخلاق النساء، ومن ولد بلا خصيتين أو كانتا فيه صغيرتين كان أشر.
ومن ذلك دلائل الشعر سبعة أشياء: تفصيلها:
اللين منه يدل على الحمق
(3)
. الخشن دليل الشجاعة. كثرته على البطن دليل شبق
(4)
. كثرته على الصلب دليل الشجاعة أيضاً. كثرته على العنق والكتفين دليل حمق أيضاً. كثرته على الصدر دليل قلة الفطنة. قيام الشعر دليل جبن
(5)
.
(1)
المعرق: القليل اللحم.
(2)
انظر سائر الفروق بينهما في كتاب الفراسة لأفليمون 17 - 18. على أن العبارة تكاد تكون مطابقة لما ورد في كتاب الرازي 9 - 10.
(3)
في جمل أحكام الفراسة لأبى بكر الرازي ص 2 وكذا في كتاب التحقيق 83:
«على الجبن» .
(4)
في الأصل: «سبق» تصحيف. وعند الرازي: «يدل على الشبق» . وعند أفليمون 39: «كثرة شعر جميع الجسد ولا سيما البطن والفخذين دليل الحمق» .
(5)
عند الرازي: «الشعر القائم في الرأس وعلى جميع البدن دليل على الحمق» .
وعند أفليمون 39: «قيام شعر الجسد واستواؤه دليل على الحمق» .
ومن ذلك دلائل اللون، أربع دلائل، تفصيلها:
الأشقر والأحمر يدلان على كثرة الدم والحرارة. اللون الناري دليل تأن.
والأحمر دليل حياء. اللون الذي بين البياض والحمرة يدلان على الاعتدال.
والأخضر اللون دليل سوء الخلق
(1)
.
ومن ذلك دلائل العين سبع عشرة دلالة:
عظمهما دليل كسل غورهما دهاء وحسد
(2)
، جحوظهما دليل هذر وقحة.
زرقة إحداهما يدل على بلادة. شدة سوادهما دليل جبن. شبههما بعيون الأعنز دليل جهل
(3)
. سرعة حركتهما بحدة بصرهما دليل مكر وحيلة، بطء حركتهما دليل مكر. عظمهما وارتعادهما دليل كسل وشبق. حمرتهما دليل شر وإقدام.
سوادهما دليل كسل وبلادة. الزرقة مع اصفرار دليل رداءة الأخلاق جداً. فإن مالت إلى الصفرة كان صاحبها سفاكاً للدماء. البقرية تدل على الحمق. النقط والشعب حوالي السواد يدل على هذر وحمق وحسد وشر. صغرهما وجحوظهما دليل على الميل إلى الشهوات، إذا برز السواد عن البياض دل على حمق.
ومن ذلك دلائل الحاجب، ثلاث، شرحها:
كثرة الشعر فيه دليل الهم. طوله إلى نحو الصدغ دليل التيه والصلف.
طوله إلى نحو الأنف دليل على البله.
ومن ذلك دلائل الأنف، أربعة دلائل، تفصيلها:
دقة طرفه دليل محبة الخصومة، فإن كان مع ذلك طول دل على الحمق.
غلظه دليل على قلة الفهم. الفطسة
(4)
دليل الشبق. غلظ أرنبته دليل غضب.
(1)
عند الرازي «من كان لونه أخضر أسود فهو سيئ الخلق» .
(2)
الرازي: «من كانت عيناه غائرتين فهو داه خبيث» .
(3)
الرازي: «من كانت عيناه تشبه عيون البقر في لونها فإنه جاهل» .
(4)
الفطسة: اسم من الفطس، وهو عرض قصبة الأنف وطمأنينتها. ونحو هذا في كتاب التحقيق ص 104.
ومن ذلك دلائل الجبهة:
منها: المستطيلة التي لا غضون فيها دليل شغب وخصومة. كثرة غضونها دليل صلف. كبرها دليل كسل. صغرها دليل جهل.
ومن ذلك دلائل الفم والشفة واللسان والأسنان، أربعة. شرحها:
سعة الفم دليل شجاعة. غلظ الشفة دليل حمق. ضعف الأسنان دليل ضعف البنية. طول الأنياب دليل شره وشر.
ومن ذلك دلائل الوجه والصدر، ثمانية، تفصيلها:
من كان كأنه سكران أو غضبان أو حيىّ
(1)
فحاله كذلك. قلة لحم الوجه دليل كسل وغلظ طبع، وضده بالضد. الوجه المستدير دليل جهل. الصغير دليل جهل. الصغير دليل خفة وملل. العظيم دليل كسل. السمج الوجه رديّ الخلق.
طوله دليل القحة. والأوداج البارزة دليل غضب.
ومن ذلك دلائل الأذن واحدة. عظمها دليل جهل ودهاء وطول عمر، وبالضد.
ومن ذلك دلائل الصوت والنفس والكلام أربعة، منها:
العظيم الصوت دليل شجاعة
(2)
. سرعة الكلام دليل عجلة وبله. حسن الصوت دليل رعونة. التنفس الطويل دليل رداءة الهمة.
ومن ذلك دلائل اللحم اثنتان، وهما:
اللحم الكثير الصلب دليل غلظ حس وفهم. اللين بالضد.
ومن ذلك دلائل الضحك أربعة عشر شرحها:
(1)
في الأصل: «جنى» ، تحريف. وعند الرازي:«وإذا كان صورة الإنسان كحال الخجل فهو حبى خجل» .
(2)
الرازي 5: «من كان صوته غليظا جهيرا فهو شجاع» .
كثرته دليل دماثة ومساعدة وقلة اهتمام بالأمور، وبالضد. علوه دليل قحة. ومن عرض له عند الضّحك سعال وربو فهو وقاح
(1)
. المتبسّم مستحي.
ومن ذلك دلائل الحركات دلالتان
(2)
وهما:
السّريعة دلالة على الطيش. البطيئة دليلة البلادة.
ومن ذلك دلائل العنق، ثلاثة. شرحها:
صغرها دليل مكر. طولها دليل جبن. غلظها دليل شجاعة.
ومن ذلك دلائل البطن دلالتان
(2)
وهما:
كبرها دليل على البلادة. صغرها بالضد.
ومن ذلك دلائل الظهر، ثلاثة، تفصيلها:
عرضه يدل على القوة والغضب. استواؤه علامة العقل. انحناؤه علامة رداءة الخلق.
ومن ذلك دلائل الكتفين، ثلاثة، شرحها:
العريض دليل جودة العقل. الدقيق ضده. شخوص رأسه دليل حمق.
ومن ذلك دلائل الذراع، دلالتان
(2)
، وهما:
إذا بلغ منه الكف الركبة دل على نبل النفس وحبّ الرئاسة. قصره ضده ومن ذلك دلائل الكف دلالتان
(2)
، وهما:
اللينة اللطيفة دليل سرعة العلم والفهم وبالضد. الطويلة الدقيقة تدل على زعارة الخلق.
ومن ذلك دلائل الحقو والساق والقدم، خمسة دلائل، تفصيلها.
القدم اللّحيم الصلب دليل بلادة. الصغير الخشن دليل فجور ومرح. غلظ
(1)
الوقاح: القليل الحياء، كالوقح. وعند الرازي 6:«من كان يقع عليه عند الضحك سعال فإنه سليط صخاب» .
(2)
في الأصل: «دلالتين» .
العقب دليل شدة، وبالضد [دليل
(1)
] حب النساء.
ومن ذلك دلائل الخطى، واحدة، وهي:
الخطى الواسعة البطيئة دليل تأن، وبالضد
(2)
.
وتخص النساء فراسة تدل على أحوال من أخلاقهن وأعضائهن وشهواتهن أضربنا عن ذكرها تصونا عن إثباتها، لقباحة مخارج ألفاظها وإن كانت علماً نافعاً.
(1)
مبيض لها في الأصل.
(2)
كذا وردت العبارة مبتورة، لعلها «والضد بالضد» .
[4][في معرفة صور أجناس الرقيق بحسب بلادهم ومنشئهم]
ومنها ذكر أجناس الرقيق بحسب بلادهم ومنشئهم؛ ونحن نذكر ما انتهى إلينا خبره واشتهر أمره وتلقطناه من الكتب، وسألنا السفرة عنه من أجناس الرقيق على اختلافها في الخلق والخلق، لنكفى الطالب لهذا الشأن مئونة التجارب والامتحان، خمسة وعشرين فصلاً:
من ذلك كشف ألفاظ يحتاج القارئ إلى معرفة دلائلها، فصل واحد:
إذا سمعتني أقول «فارسية» فاعلم أنها مولدة فارس. فإن أتفق أن يكون أبواها فارسيين، وإلا فيكفي أن يكون أبوها حسب. فولد الزنجية إذا تكرر في النسل مع البيض ثلاث دفعات صار بعد السواد أبيض، وبعد الفطس أقنى، ولانت أطرافه، وتطبعت أخلاقه.
ومثل ذلك أفهم في كل الأجناس.
وإذا سمعتني أقول جارية «خماسية» فإني أريد بذلك أن طولها خمسة أشبار.
وإذا قلت «شهوارية» فليس بجنسٍ من الأجناس، لكنها لفظة فارسية 21 مشتقة من الشهوة الكاملة
(1)
.
وإذا قلت «منصورية» فأريد المنصورة التي فيما وراء النهر، وهي الملتان، لا منصورة العرب.
(1)
في معجم استينجاس أن معنى «شهوار» أحسن شيء في جنسه. فلعلها «من الشهرة الكاملة» .
ومن ذلك ما يتعلق بالجهات الأربعة
(1)
، أربعة فصول، شرحها:
الأول ما يختص بالبلاد الشرقية، وهذه ألوان أهلها بيض مشربة حمرة وأجسامهم خصبة، وأصواتهم صافية، وأمراضهم قليلة، وصورهم جميلة، وأخلاقهم كريمة، وأغنامهم كثيرة، وأشجارهم عظيمة، وما فيهم غضب ولا نجدة لاعتدال كيفياتهم، لكنهم أهل سكون ودعة، كلّ هذا الاعتدال كون الشمس في هذه الجهة، فأغذيتهم معتدلة، ومياههم صافية.
الثاني ما يختص بالبلاد الغربية، وهؤلاء أحوالهم تكاد تضاد جميع ما ذكرنا في البلاد الشرقية، لأن الشمس لا تطلع عليهم بالغداءات.
الثالث ما يختص بالبلاد الشمالية، وهي التي أهلها يسكنون تحت بنات نعش والجدي، كالصقالبة، وهؤلاء عراض الصدور شجعان، وحشوُ
(2)
الأخلاق لكمون الحار، دقاق السوق لهربه من الأطراف، طويلو الأعمار لجودة الهضم، نساؤهم عواقر لأنهن لا ينقين من دم الحيض.
الرابع ما يختص بالبلاد الجنوبية، وهي التي أهلها سكان تحت القطب
(3)
الجنوبي كالحبشة، وأحوالهم ضد أحوال البلاد الشمالية، وألوانهم سود، ومياههم مالحة كدرة، ومعدهم باردة، وهضومهم ردية، وأخلاقهم هادية، وأعمارهم قصيرة، بطونهم لينة لسوء الهضم.
ومن ذلك ما يختص بواحد واحد من البلاد، عشرون فصلاً، تفصيله:
الهنديات أول الجنوب على سمت المشرق، لهم حسن القوام، وسمرة الألوان،
(1)
هذه عبارة صحيحة، فإن المعدود إذا تقدم على عدده جاز فيه المطابقة وعدمها.
حاشية الصبان على شرح الأشمونى في أوائل باب العدد.
(2)
كذا وردت الكلمة في الأصل. ولها وجه من الوحش، وهو القفر الخالي.
(3)
كذا في الأصل.
وحظ وافر من الجمال، مع صفرة وصفاء بشرة
(1)
وطيب نكهة، ولين ونعمة، لكن الشيخوخة تسرع إليهم، وفيهم وفاء عهد ومودة، وكثرة محافظة، وبعد غور، وسلاطة، ونفوس عزيزة، لا يصبرون على الذل ولا يتألمون للقتل
(2)
، ركابون للعظائم متى أحوجوا
(3)
وأغضبوا. نساؤهم يصلحن للولد، ورجالهم لحفظ النفوس والأموال وعمل الصنائع الدقيقة، غير أن النّزلات تسرع إليهم.
(السنديات) بين المشرق والجنوب، وهم قريبو الشبه بالهند لمتاخمة بلادهم لبلادهم، غير أن نساءهم ينفردن بدقة الخصور وطول الشعر.
(المدنيات) سمر الألوان معتدلات القوام
(4)
، قد اجتمع فيهن حلاوة القول ونعمة الجسم، وملاحة ودلّ وحسن شكل وبشر، ونساؤهم لا غيرة فيهن على الرجال، قنوعات بالقليل، لا يغضبن ولا يصخبن، ويوجد فيهن الزنوج، ويصلحن للقيان.
(الطائفيات) سمر مذهبات مجدولات، أخف خلق الله أرواحاً، وأحسنهم فكاهة ومزاحا، لسن بأمهات أولاد، يكسلن في الحبل، ويهلكن عند الولادة، رجالهنّ أشد الناس تحبباً وأدومهم عشرةً وأحسنهم غناء.
(البربريات) من جزيرة بربرة
(5)
، وهي بين الغرب والجنوب، ألوانهم على الأكثر سود، ويوجد فيهن الصفر، وإذا وجدت منهن الكتامية الأم الصهاجية الأب المصمودية المنشأ، فإنك تصادفها مطبوعة على الطاعة والموافاة في كل
(1)
في التحقيق ص 42: «وصفاء يسير» .
(2)
في التحقيق 42: «ولا يألمون لقتل» .
(3)
كذا جاءت «أحوجوا» بالواو بعد الحاء. وفي التحقيق: «متى ألجئوا» .
(4)
في الأصل: «معتدلو القوام» ، وجاء على الصواب في التحقيق ص 31.
(5)
جزيرة بربرة هذه من الجزائر التي تجاور سواحل اليمن، ذكرها ياقوت. وهذا وهم من ابن بطلان تبعه فيه صاحب كتاب التحقيق من ص 44، فإن البربريات منسويات إلى بلاد البربر التي في جبال المغرب. وهي التي تقطن فيها قبائل كتامة وصنهاجة ومصمودة التي سيجرى لها ذكرا فيما بعد.
أمورهن، نشيطات للخدمة، ويصلحن للتّوليد واللذة، لأنهن أحدب شيء على ولد.
وأبو عثمان - وهو من سماسرة هذا الشأن - يقول: إذا اجتمع للبربرية مع جودة الجنس أن تجلب وهي بنت تسع حجج ثم كانت بالمدينة ثلاث حجج وبمكة ثلاث حجج، ثم جاءت إلى العراق ابنة خمس عشرة فكانت بالعراق في الأدب، ثم ملكت بنت خمس وعشرين سنة فتلك التي جمعت إلى جودة الجنس شكل المدنيات
(1)
وخنث المكيات وآداب العراقيات، واستحقت أن تخبأ في الجفون، وتوضع على العيون.
(اليمانيات) في جنس المصريات، وخلق البربريات، وشكل المدنيات، وخنث المكيات، وهن أمهات أولاد حسان الوجوه أشبه شيء بالأعراب.
(الزرنجيات) من بلد يقال له زرنج، ذكر ابن خرداذبه أن من هذا البلد إلى مدينة الملتان مسيرة شهرين - والملتان وسط الهند - وخاصة هذا الجنس إذا بوشرن فعرقن بدا منهن عرق كالمسك، لكنهن لا يصلحن للولد.
(الزنجيات) مساويهن كثيرة، وكلما زاد سوادهن قبحت صورهن وتحددت أسنانهن وقل الانتفاع بهن، وخيفت المضرة منهن. والغالب عليهن سوء الأخلاق وكثرة الهرب، وليس في خلقهن الغم
(2)
، والرقص والإيقاع فطرةٌ لهن وطبع فيهن، ولعجومة
(3)
ألفاظهن عدل بهن إلى الزمر والرقص. ويقال: لو وقع الزنجي من السماء إلى الأرض ما وقع إلا بالإيقاع. وهم أنقى الناس ثغوراً لكثرة الريق، وكثرة الريق لفساد الهضوم. وفيهن جلد على الكد، فالزّنجى إذا شبع
(1)
الشكل، بالفتح، والكسر: دل المرأة وغزلها.
(2)
كذا. وفي التحقيق 46: «والعلوم فيهم مفقودة، وكذلك الصنائع اللطيفة» .
(3)
المعروف «العجمة» . ولكن ابن بطلان يعيد استعمال هذه الكلمة في أواخر كتابه هذا، فهي من لغته.
فصبّ العذاب عليه صباً، فإنه لا يتألم له. وليس فيهن متعة، لصنانهن وخشونة أجسامهن.
(الحبشيات) الغالب عليهن نعمة الأجسام ولينها وضعفها، يتعاهدهن السلّ والدق، ولا يصلحن للغناء ولا للرقص، دقاق، لا يوافقهن غير البلاد التي نشأن فيها، وفيهن خيرية ومياسرة، وسلاسة انقياد، يصلحن للائتمان على النفوس يخصهن قوة النفوس وضعف الأجسام، كما يخص النوبة قوة الأجسام على دقتها وضعف النفوس، قصار الأعمار لسوء الهضم.
(المكّيات) خناث مؤنثات ليّنات الأرساغ، ألوانهنّ البياض المشرب بسمرة، قدودهن حسنة، وأجسامهن ملتفة، وثغورهن نقية باردة، وشعورهن جعدة، وعيونهن مراض فاترة.
(الزغاويات
(1)
) رديات الأخلاق ذوات دمدمة، يحملهن غلظ الأكباد وشر الطباع على عمل عظيم الأفعال، وهن شرّ من الزنج ومن جميع أجناس السودان، نساؤهن لا يصلحن لمتعة، والرجال لا يصلحون لخدمة.
(البجاويات) بين الجنوب والغرب في الأرض التي فيما بين الحبشة والنوبة، مذهبات الألوان، حسنات الوجوه، ملس الأجسام ناعمات البشرة، جواري متعة إن جلبت صغيرة وقد سلمت من أن ينكل بها، فإنهن يقورن ويمسح بالموسى بأعلى فروجهن من اللحم كله حتى يبدو العظم فيصرن شهرة من الشهر، وتقطع أثداء الرجال، وتسل الرضفة
(2)
من ركبهن - زعم القائل - حتّى
(1)
زغاوة، قال ياقوت: بلد في جنوبي أفريقية بالمغرب، وهم جنس من السودان.
(2)
الرضفة، بالفتح وبالتحريك: عظم مطبق على رأس الساق ورأس الفخذ. في الأصل: «وسعل الرضعة» .
لا يعيا الساعي منهم. والشجاعة والسرقة فيهم طبع وغريزة، ولهذا لا يؤمنون على مال ولا يصلح أن يكونوا خزاناً
(1)
.
(النوبيات) من جملة أجناس السودان، ذوات ترف ولطف وقصف، وأبدانهن يابسة مع لين بشرة، قوية مع دقة وصلابة، وهواء مصر يوافقهن، لأن ماء النيل شربهن، وإذا انتقلن عن غير مصر تسلطت عليهن العلل الدموية والأمراض الحادة. ويسير الأذى يقدح في أجسامهن، وأخلاقهن طاهرة، وصورهن مقبولة، وفيهن دين وخيرية وعفة وتصوّن، وإذعان للمولى، كأنهن فطرن على العبودية.
(القندهاريات) في معنى الهنديات، ولهن فضيلة على كل النساء، فإن الثيب منهن تعود كالبكر. الصفراء المولدة تنسب إلى أبيها وأمها، وتمزج بينهما، بأخلاقها مركبة منهما
(2)
.
(التّركيات) قد جمعن الحسن والبياض والنّعمة، ووجوههن مائلة إلى الجهامة، وعيونهن مع صغرها ذات حلاوة، وقد يوجد فيهن السمراء الأسيلة، وقدودهن ما بين الربع والقصير
(3)
، والطول فيهن قليل، ومليحتهن غاية، وقبيحتهن آية وهنّ كنوز الأولاد، ومعادن النسل، قل ما يتفق في أولادهن وحش ولا ردى التركيب ولا حان
(4)
، وفيهن نظافة ولباقة، قدورهم معدهم
(5)
يعوّلون
(1)
في الأصل: «خزان» .
(2)
في الأصل: «فيمتزج بينما فأخلاقها مركبة منها» .
(3)
في التحقيق: «ما بين الربعة إلى القصير» .
(4)
كذا وردت في الأصل.
(5)
في الأصل: «قدوهم» وإنما المراد أن معدهم، بمنزلة القدور ينضج فيها الطعام.
عليها في الطبخ والنضج والهضم، لا يكاد يوجد فيهن نكهة متغيرة، ولا من له عجيزة عظيمة، وفيهم أخلاق سمجة وقلة وفاء.
(الديلميات) حسان المنظر، جميلات المخبر، غير أنهن أسوأ الناس أخلاقاً، وأغلظهن أكباداً، وفيهن صبر على الشدة، شبه الطبريات في كل حال.
(اللانيات
(1)
) ألوان بيض محمرة، ولحوم كثيرة
(2)
، وأمزجة يغلب عليها البرد. وهن للخدمة أصلح منهن للمتعة، لأن فيهن خيرية طبع، وثقة واستقامة أخلاق، وحرصاً
(3)
على المحافظة والموافقة، وهن بعيدات عن الشّبق.
(الروميات) بيص شقر، سباط الشعور، زرق العيون، عبيد طاعة وموافقة، وخدمة ومناصحة، ووفاء وأمانة ومحافظة، يصلحن للخزن، لضبطهن وقلة سماحتهن، لا يخلو أن يكون بأكفهن صنائع دقيقة.
(الأرمنيات) الملاحة للأرمن لولا ما خصوا به من وحشة الأرجل
(4)
، مع صحة بنية وشدة أسر وقوة، والعفة فيهن قليلة أو مفقودة، والسرقة فيهن فاشية، وقل ما يوجد فيهن بخل، وفيهن غلظ طبع ولفظ، وليست النظافة في لغتهن، 28 وهن عبيد كد وخدمة، متى نهنهت العبد ساعة بغير شغل لم يدمه خاطره إلى
(1)
في الأصل: «الأنيات» تحريف. وفي التحقيق 41: «ذكر اللان. واعلم أن اللان جنس من الروم» . وقال ياقوت: «بلاد واسعة في طرف أرمينية قرب باب الأبواب مجاورون للخزر. والعامة يغلطون فيهم فيقولون علان، وهم نصارى تجلب منهم عبيد» .
(2)
في التحقيق 41: «ألوانهم بيض محمرة ولحومهم مكتنزة» .
(3)
في الأصل: «وحرص» .
(4)
في التحقيق 38: «وحاشة الأرجل» .
خير. لا يصلحون إلا على العصا والمخافة، وليس فيهم فضيلة غير تحمل العناء
(1)
والأعمال الثقيلة، والواحد منهم إذا رأيته كسلاناً فذاك لعلة فيه
(2)
ليس عن عجز قوة، فدونك والعصا، وكن مع ضربه وانقياده لما تريده منه على حذر، فإن هذا الجنس غير مأمون عند الرضا فضلاً عن الغضب، نساؤهم لا يصلحن لمتعة.
وجملة الأمر أن الأرمن أشر البيضان، كما أن الزنج أشر السودان، وما أشبه بعضهم ببعض في قوة الأجساد، وكثرة الفساد، وغلظ الأكباد.
(1)
في الأصل: «عن عمل الغناء» . وفي التحقيق: «وليس فيهم فضيلة غير الأعمال الثقيلة ولا يصحون إلا على العناء» .
(2)
العلة: خبث النفس. وفي الأصل: «لعبه فيه» .
[5][في كشف تلبيسات يدلس بها النخاسون الرقيق على المشترى]
ومنها التحرز من تدليسات النخاسين التي يدلسون بها في المواسم الرقيق على المشتري، يجري مجرى الحسبة، ثمانية وعشرون فصلاً.
من ذلك ما يفعلونه في الألوان، فتغير البشرة بشيئين، وهما: أما السمراء فإنها تصير ذهبية إذا وضعت في أبزن
(1)
فيه ماء الكراريا أربع ساعات
(2)
من النهار.
وأما الدرية اللون فتصير [بيضاء
(3)
] إذا غمر وجهها بباقلي قد نقع في بطيخ سبعة أيام، ونقل إلى لبن حليب سبعة أيام، وغير اللبن كل ليلة.
ومما يحمر الخدود المصفرة غسول صفته: دقيق الباقلي والكرسنة خمسة أجزاء، وعرق الزعفران وبورق، من كل واحد ربع جزء.
(1)
كلمة «الأبزن» معربة عن الفارسية: آبزن، وهو حوض من نحاس أو حديد يستنقع فيه الرجل، ويعرف في ألفاظنا الدخيلة باسم «البانيو» . وفسر في معجم استينجاس 8 بأنه حوض للاستحمام من نحاس أو حديد بطول جسم الإنسان يملأ بماء فاتر طبي يجلس فيه المريض أو يتمدد. وقد أهمل هذا اللفظ كثير من اللغويين، منهم الليث والجواليقي وابن دريد والزمخشري. أما الليث فقد نص صاحب اللسان على إغفاله للكلمة، وأما الجواليقي فلم يذكره في المعرب، وكذا ابن دريد في الجمهرة، والزمخشري في الفائق وأساس البلاغة. هذا مع أن الكلمة مستعملة قديما. جاء في شعر أبى داود يصف فرسا وصفه بانتفاخ جنبيه:
أجوف الجوف فهو منه هواء
…
مثل ما جاف أبزنا نجار
اللسان 16: 196. ويفهم من هذا الشعر أنه كان يصنع أحيانا من الخشب. ويؤيده قول ابن برى: «الأبزن شيء يعمله النجار مثل التابوت» . وروى البخاري أن أنس بن مالك قال: «إن لي أبزنا أتقحم فيه وأنا صائم» . وقد فسر الأبزن في هذا الحديث بأنه الحوض الصغير، أو حجر منقور كالحوض، أو شيء يتبرد فيه وهو صائم يستعين بذلك على صومه من الحر والعطش. عمدة القاري 11: 13 ومشارق الأنوار وشفاء الغليل 14.
(2)
في التحقيق 252: «ثلاث ساعات» .
(3)
التكملة من كتاب التحقيق ص 253.
فأما السودان منهن فمسح أطرافهن ووجوههن بالدهن الطيب. سمعنا بعض ربات القصور تقول: كلكون
(1)
السودان دهن البنفسج.
ومن ذلك ما يتعلق بالشعر ثلاثة أشياء، شرحها:
ما يكسب الشعور الشقر السواد الحالك: دهن الآس، ودهن قشور الجوز وغسله بالأملج
(2)
، ودهنه بدهن الشقائق وأشياء توجد في (الزينة) لأفريطن
(3)
يطول شرحها.
ما يزيل الشعر من الوجه والأطراف: أخذه بالمنقاش، أو طلاؤه بالنورة ومن بعد ذلك ببيض النمل، أو بدهن قد طبخ فيه ضفادع خضر، أو عظاية
(4)
بدم الأرنب، دفعات كثيرة، ويغسل بالشب والبورق والعفص.
ما يجعد الشعور السبطة: غلفه
(5)
بالسدر والأزادرخت
(6)
والآس.
ومن عادة النخاسين إذا أرادوا أن يطولوا الشعور أن يوصلوا في طرفه من جنسه
(7)
، وإذا أرادوا الوضع من الإماء أن يلصقوا في الأصداغ شعراً أبيض ليحث البيع
(8)
على قبض الثمن.
ومن ذلك فنون مختلفة ستة عشر فصلا، شرحها:
(1)
قال داود: «كلكون: غمرة من لك واسفيداج تحسن الوجه» . في كتاب التحقيق: «أن يمسح أطرافهن ووجهن بالزيت الطيب أو دهن البنفسج» .
(2)
هو ما يسمى في مصر بالسنانير. تذكرة داود.
(3)
في أخبار العلماء للقفطى 41: «أفريطون المعروف بالمزين، كان زمانه قبل جالينوس وبعد بقراط، وله كتاب الزينة» .
(4)
العظاية: دابة على خلقة سام أبرص. في الأصل: «عضاية» تحريف. وفي التحقيق: «اعطايه» تحريف أيضا.
(5)
الغلف والتغليف: الطلاء واللطخ. في الأصل: «غلفة» .
(6)
فارسي، ويسمى في مصر «الزنزلخت» . تذكرة داود.
(7)
كذا. وفي التحقيق: «أن يوصلوا في ضفائرها شعرا من جنسها» .
(8)
في الأصل: «لبحث» ، تحريف. والبيع: البائع والمشترى. وفي التحقيق:
ما يسمّن الأعضاء الهزيلة: الدّلك بالمناديل الخشنة والأدهان الحارة، والطّلى بالعاقرقرحا، والخراطيم المحرقة.
ما ينعم
(1)
الأطراف الخشنة الدّهن والشمع واللوز المر
(2)
ولخلخله
(3)
معمولة بماء الورد ودهن بنفسج، وترك مباشرة الأجسام الخشنة كالخشب والحجارة، وهجر المآكل المولّدة
(4)
للمرة.
وما يذهب آثار الجدرى والنمش والوشم: غسول معمول من عروق القصب واللوز المر
(5)
والكرسنّة والباقلى وحبّ البطّيخ معجون بعسل.
ما يغسل به الخضاب من البرص: خل وأشنان مغلى وماء الباقلى أو ناطف وماء حار.
ما يزيل الكلف من البشرة الشّونيز
(6)
وأصل قثّاء الحمار وورق الخبازى وبزر الجرجير وأصل الكرم، يعجن بعسل ويطلى.
ما يزيل روائح الأنف: السّعوط بدهن المرزنجوش
(7)
والبنفسج والنّيلوفر والنرجس والياسمين.
ما يجلو الأسنان: السواك بالأشنان والسّكّر وسحيق الصينى، أو الفحم والملح المدقوق.
ما يخضب البرص: القلقديس
(8)
والعفص والزنجار من كل واحد جزء
(1)
فى الأصل: «ما يعم» .
(2)
فى الأصل: «واللوز والمر» صوابه من التحقيق. وانظر ما يأتى فى ص 382 س 6.
(3)
فى التحقيق: «ويخلخله» ، ولم أهتد إلى صوابها.
(تعليق الشاملة): «لخلحلة» صوابها «لخلخة» ، وهى فارسية، ومعناها ضرب من الطيوب مركب من العود والعنبر والمسك واللادن والكافور. انظر الألفاظ الفارسية لأدى شير ص 141 واستينجاس 1120. [أفاده في المستدرك]
(4)
فى الأصل: «المولودة» .
(5)
فى الأصل: «واللوز والمر» ، صوابه فى التحقيق.
(6)
الشونيز: الحبة السوداء.
(7)
هو المردقوش، معرب مرزنكوش الفارسية. وعربيته السمسق.
(8)
هذا ما فى التحقيق، وفى الأصل:«القلقل يس» تحريف. القلقديس هو الزاج، كما فى تذكرة داود فى أول حرف الزاى من المفردات، وكذا معجم استينجاس 985 وذكر أنه من اليونانى: Kalkitys
يعجن بماء [و
(1)
] لبن التين، ويغرز مواضعه بإبرة ويطليه أربعة أيام في الشمس يبقى أربعين يوماً، أو يطلى بمر وخل.
ما يقتل القمل والصئبان من الشعر والبدن، بالبورق والميوبزج
(2)
وماء السلق أو دردي الشراب والصابون.
ما يزيل الشعث الذي يكون في أصول الأظفار: غسلها بالخل والعسل والمرتك، أو دهن الورد واللوز المر، ويعالج البرص منها بالزرنيخ والكبريت.
ما يطيب الفم: مضغ العود الرطب والكسفرة والفوفل
(3)
وقشور الأترج، والمضمضة بالخل والماورد والعود المنقوع في الشراب، وأكل البن بعد الطعام وقبل الصّحناة
(4)
.
ما يطيب الجسد: الصندل والورد والمرتك المربّى بماء الورد، والبخورات بالمثلثة المؤاخين
(5)
وخلط الثياب بالعقبات والمعمولة من الرياحين على التفاح والفواكه المبخرة بالكافور.
ما يستعمل في الثيب لتصير كالبكر: قلوب الرمان الحامض وعفص أخضر يعجن بمرارة البقر ويتحمل فرزجة
(6)
.
(1)
التكملة من التحقيق.
(2)
داود: ميوبزج: زبيب الجبل، ويطلق على ضرس العجوز أيضا. وضرس العجوز هو الحسك.
(3)
الفوفل بضم الفاء وفتحها: نخلة كنخل النارجيل تحمل كبائس فيها الفوفل أمثال التمر.
(4)
الصحنا والصحناة ويمدان ويكسران: إدام يتخذ من السمك الصغار والملح.
القاموس والمعتمد لابن رسولا 197. وقال داود: «لا تعرف إلا بالعراق، ويقرب منها ما يعمل بمصر ويسمى: الملوحة».
(5)
كذا في أصله.
(6)
الفرزجة فارسية، ومعناها ما تحمله المرأة من دواء.
ما يصبغ البياض الذي في سواد العين: لبن أتان حارّ.
ما يغير زرقة العين لتصير كحلاء: يقطر فيها ماء قشر الرمان الحلو.
ما يخفي الحمل: وصاة النخاس الجارية أن تعتمد الشّداد وتظهر الدم الكاذب المصنوع من ماء الصمغ ودم الأخوين. هذا إذا لم يمكنها إعداد دم من حيوان.
ومن ذلك ما يتعلق بالحمل: شيئان، وهما: تحقق الحمل ليعلم صحته. ومعرفة ذلك يتم بأن يوضع تحت المرأة بخور كالعنبر ونحوه ويمنع خروجه من أردانها أو فرج أثوابها فإن ظهرت الرائحة من فيها فليست حاملا، وبالضد.
معرفة الحمل هو بذكر أو أنثى، وهذا يتبين في الذكر من سرعة الحامل وإشراق لونها، وأن يقدّر بخيط من وسط السّرّة إلى وسط الفقارة المحاذية لها من أحد الجوانب ويعلم المكان بمداد وتديره إلى الجانب الآخر، فإن نقص الخيط عن العلامة من الجانب الأيمن فهي حامل بذكر، وإن طال فبأنثى.
ومن ذلك ما يوصي به النخاسون الجواري، ثلاثة أشياء، تفصيلها:
من وصاياهم لهن أن يصرفن العناية كلها إلى النظافة والطيب، والتبرج للمشتري تارةً والاختفاء أخرى، فإن هذا باب من التحبب مالك القلوب.
ومن وصاياهم لهن أن يظهرن أجمل ما فيهن، ويخفين أقبح ما فيهن.
ومن وصاياهم أن يدارين المشايخ والنافري الطباع ويستميلونهم، ويتجنون على الشباب ويمتنعون عليهم، ليتمكنوا من قلوبهم.
ومن ذلك ما يأخذونهن به في زينتهن شيئان، وهما: ما يلزمونهن من تحمير
خدودهن بالنشاستج، وغسل سواريهن بالحصر
(1)
، وخضاب حواجبهن بالرامك، وأطرافهن إن كانت الجارية بيضاء بالخضاب الأحمر، وإن كانت سوداء بالذهبي والأحمر، وإن كانت صفراء بالأسود.
ما يفعلونه في ملابسهن، فإنهن يلبسن الأبدان البيض الخصبة
(2)
الشفافة الثياب الخفيفة الكحالي والموردة، والسود الغلائل الحمر والصفر، ويجرون الصناعة مجرى الطبيعة في كشف الضد بالضّدّ في ألوان الزّهر.
(1)
كذا في الأصل.
(2)
في الأصل: «الحصبة» .
[6][فيما يعتبر به أرباب الصنائع من العبيد والإماء]
وأضيف إلى ذلك ما يعتبر به أرباب الصنائع
(1)
من العبيد والإماء، ثلاثة عشر فصلاً، ومن ذلك فصول ينتفع بها فيما نحن بسبيله وعددها ثلاثة فصول، شرحها:
(الأول): في فصل منبه على ما فضل فيه النساء على الرجال، ويجري هكذا:
طبع الرجال على جميع الصنائع، واختص النساء بالغناء والغذاء، فهن أطيب طبيخاً منهم لثباتهن في العمل، وأحسن غناء لأنهن مطبوعات على النغم، لكن فيهم در ومشخلب
(2)
، ولهذا يحتجن إلى جهابذة ينتقدونهن.
(الثاني): في الجيد من الغناء، ويجري هكذا:
إذا اجتمع للغناء أن يكون مطبوعاً سليماً من الخروج والفور، وكانت الجارية شحرورية الصوت، جيدة الصنعة والضرب، صحيحة التأدية للشعر، قد أخذت عن الحذاق وتزيدت من نفسها بجودة الطباع، فهي الغاية القصوى في هذا الشأن، فإن اتفق لها مستمع عارف بالطرائق والضرب واللحن ومجرى الأصابع، وقائل الشعر وما فيه من العروض والنحو، وما في الصوت من ردات وترجيحات وشذرات ونقرات وتشييعات، كان أوفر في اللّذّة وأنفق للصناعة.
(1)
وردت الكلمة قديما في التنبيه للمسعودي 5 وإنباه الرواة للقفطى 1: 195 والدرر الكامنة لابن حجر 2: 420.
(2)
في اللسان (شخلب): «قال الليث: مشخلبة كلمة عراقية ليس على بنائها شيء في العربية، وهي تتخذ من الليف والخرز أمثال الحلى. قال: وهذا حديث فاش في الناس:
يا مشخلبة، ما ذا الجلبة، تزوج حرملة، بعجوز أرملة. قال: وقد تسمى الجارية مشخلبة بما يرى عليها من الخرز كالحلى»: وانظر المعرب للجواليقى 415. وقد جاء قديما في قول الوليد بن يزيد:
قد راح نحو العراق مشخلبه
…
قصاره السجن بعده الخشبة
الأغانى 1: 160.
(الثالث): في الطيب من الطبيخ واللذيذ من الغناء. اختلف الناس في ذلك ثم اتفقوا على أن هذا أمر يقال بالقياس إلى السمع والذوق، وكلما كانت هاتان الحاستان سليمتين في جوهرهما، معتدلتين في مزاجهما ذكيتين في حسهما كان ما يدركانه لذيذاً في نفسه وعندهما
(1)
، ومتى خرجت عن طباعها - وهذا بلا نهاية عندنا - كان اللذيذ بقياسنا لا في نفسه. ولهذا بعض الناس يستفره نقرة فيقول:
الغناء ما أطرب. وآخر لاهٍ عن تلك النقرة، وواحد يشتهي لوناً، وآخر عنده ذلك اللون غير شهي.
ومن ذلك اعتبارات الصنائع على اختلافها في العبيد والإماء، أربعة 35 فصول، منها.
الطباخات: عمدة الطبيخ على طيب المرق وجودة المزاج، فإن اتفق للطباخة مع هذا جودة الصنعة وسرعة العمل فذاك غاية الأمل. وقل ما يتفق أن تكون كاملة في البوارد
(2)
والشواء والطبيخ والحلواء على أصنافها الثلاثة، فهذا مما يعجز عنه قدر النساء. والذي يمتحنون
(3)
به الإسفيدباج
(4)
، والدّيكبراكة
(5)
(1)
في الأصل: «سليمة في جوهرهما معتدلة في مزاجهما ذكية في حسهما كان ما يدركه لذيذا في نفسه وعندها» .
(2)
في حواشي كتاب الطبيخ لمحمد بن الحسن البغدادي بتحقيق الدكتور داود الجلبي ص 56: «هي البقول المطبوخة الموضوعة في الأشياء الحامضة كالخل وماء الحصرم والسماق وماء التفاح والريباس والماست. كتاب الأغذية والأشربة من الخمسة النجيبية، لنجيب الدين السمرقندي» .
(3)
في الأصل: «يمتحنوا» .
(4)
ضرب من الطعام يصنع من اللحم والبصل والحمص والأبازير. انظر صنعته في كتاب الطبيخ للبغدادي 23. ويقال له أيضا «إسفيدبا» كما في معجم استينجاس 58. ومعنى كلمة «إسفيد» في الفارسية الأبيض، واللامع.
(5)
جاءت في كتاب الطبيخ 12: «ديكبريكة» . ووجد الدكتور داود جلبي ضبطها في أصل نسخته بفتح الكاف الأولى وسكون الباء وكسر الراء، قال: «وأظنها من الآرامية:
«ديكابريكا» ، ومعناها الديك المبارك». وصنعة هذا اللون قريبة من صنعة سابقه.
أما الإسفيدباج فلأنّ الأبازير مطيبة لها، وكثرتها يسوّد مرقها، وأتقنها بياضها
(1)
فلهذا يتعذر سلامتها. وأما الديكبراكة فلأنها لون سهل يتبين في التلطف في منع سهوكتها.
الخزّان: يختار لحفظ الأموال الروم، لأن السخاء ليس في لغتهم
(2)
.
واعتبارهنّ يكون بإمراجهن
(3)
في مال معلوم الوزن وإهمال مراعاتهن والتصفح له من بعد بغتة.
الحواضن والدايات: يختار لتربية الأطفال النوبة لأنهن من جنس فيه رحمة وحنين على الولد، وليس يلقن الطفل لغة بشعة، ويختار للرضاع الظئر الصحيحة الجسم، الحديثة السن المعتدلة المزاج، المائلة إلى البياض المشرب حمرة، الصحيح الولد واللبن. واعتبار اللبن أن تقطر على ظفرك منه فإذا صار كالعدسة لا غليظاً مقبباً ولا مائعاً سيالاً، وكان طيباً في رائحته، أبيض في لونه، كان جيداً.
وبعض الأطباء اختار الزنج للرضاع، لأن حرارتهن البارزة نحو الأثداء منضجة للبن، ولأنهن لغلظه أكثر غذاء. وقال قوم: إن قياسه قياس لبن الأتن في اللطافة، لغلظ أجسامهن.
رجال الحرب والنجدة: يختار لذلك الترك والصقالبة، لحرارة قلوبهم.
واعتبارهم يكون بإيراد الأشياء المفزعة بغتة، كإلقاء الحيات الخرق
(4)
أو طرح الأشياء التي لها صوت عظيم من علو بين أيديهم.
(1)
في التحقيق 251: «وحسنها بياضها» .
(2)
في التحقيق 252: «ليس في طباعهم ولا أخلاقهم» .
(3)
كذا. وفي التحقيق: «فمن أراد أن يجعل خازنا غلاما أو جارية فليعتبرهما بإمراجهما» وفي الأصل «بإمراجهن» تحريف. يقال أمرج الدابة: تركها تذهب حيث شاءت.
(4)
في الأصل: «الخرت» . وفي التحقيق 252: «كإلقاء حيات الخرق» .
ومن ذلك ما يتعلق بالقيان ستة فصول، شرحها:
العوّادات: يعتبرن بالعشرة الأصوات المعين عليها من المائة المختارة، وخاصة بالثاني ثقيل، وعموده ثلاث عشرة نقرة.
الرقاصات: يحتاج الرقاص أن يكون طرياً في طبعه، مجوداً في صنعته، معتدلاً في جسمه وقامته، عريض الصّدر
(1)
ليمتد نفسه، مجدول الحشا لتخف حركته.
وهذا يعرف من إحضاره وصياحه، ويكون قيما بالبابات
(2)
جميعها لا سيما الشيرازية منها.
الكراعات
(3)
يعتبرن بالأرمال والأهزاج والنصبى
(4)
والكاكاني
(5)
.
الزوامر: يختار لهن الزنج لأنهن مطبوعات على الإيقاع. ولما يمنعهن عجومة
(6)
ألفاظهن عن الغناء عدل بهن إلى الزمر والرقص.
الطنبوريات: ذوات الطنبور البغدادي، يعتبرن بالزريقي والحجفي وخفيف رمل ابن طرخان. ومن آدابهن على الإجمال إصلاح آلاتهن قبل حضورهن
(1)
في الأصل: «الصلب» ، وصوابه في كتاب التحقيق ص 249.
(2)
البابات: الوجوه والطرق، أي طرق الرقص. في الأصل:«بالنايات» ، صوابه فيما أرى من كتاب التحقيق 249.
(3)
الكراعة: كلمة مولدة كما في اللسان (كرع). وفي شفاء الغليل للخفاجى:
كراعة: مغنية تغنى على طبل صغير. قال ابن الرومي:
ألق إليها أذنا واستمع
…
أبرد ما غنته كراعه».
(4)
في الأصل: «العصبى» وفي التحقيق: «النفي» بإهمال الحروف ما عدا الفاء.
وقد سبق الكلام على «النصبى» في حواشي 324 من المجموعة الثالثة.
(5)
كذا في الأصل.
(6)
انظر ما سبق في ص 374 س 15.
للغناء، واستصحابها إذا نهضن لا سيما إذا كن بارزات دون الستائر.
الدف بالزرفن
(1)
.
[صورة ما ورد في ختام الأصل]
تمت الرسالة في شرى الرقيق وتقليب العبيد، تأليف الشيخ أبي الحسن المختار بن الحسن بن عبدون البغدادي المتطبب.
والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
هداية المريد في تقليب العبيد
صنيع عريق الذنوب، غريق بحر العيوب راجي عفو مولاه، والدخول ساحة حماه فقير ربه المتعالي، محمد الغزالي، لطف اللّه به
مقدمة
وهذا كتاب آخر، موضوعه مشابه لكتاب ابن بطلان، يتناول الكلام على اختيار الرقيق، وكأنه صدى لكتاب ابن بطلان.
ومؤلف هذا الكتاب رجل مغمور من رجال العصر العثماني في مصر الذي امتد ثلاثة قرون. بين سنتي 923 و 1212، هو «محمد الغزالي» الذي لم أستطع أن أعثر له على ترجمة، ولكنه في مقدمة كتابه يهدى كتابه إلى أحد الرجال الرسميين في مصر، هو «أحمد بن محمد، أفندي الديار المصرية» ، يقول المؤلف في شأنه «فاجتمعت بمولانا في خلوة الأنس والمدام، فاستجزته واستأذنته فأجاز وأذن في الإقدام، استعطافاً لخاطر الفقير، وجبراً منه للقلب الكسير» .
ونسخة الكتاب لم أهتد إلى أخت لها فيما أدانى إليه البحث، وهي مودعة بدار الكتب المصرية برقم (40 فراسة) كتب على الصفحة الأولى منها:
«أمانة سيدي عبد اللّه شبراوى وللّه الحمد في 3 من صفر الخير سنة 1126 عند كاتبه حسن على محفوظ» . وفي آخرها: «عند كاتبه حسن على محفوظ لسيدي عبد اللّه شبراوى حفظه اللّه تعالى في 3 من صفر الخير شهور سنة 1126» .
ولعل هذا المالك هو الشيخ عبد اللّه بن محمد بن عامر بن شرف الدين القاهري الشافعي الشهير بالشبراوى، تلميذ الخرشى. وكان الشبراوي شيخا للجامع الأزهر ولد سنة 1091 وتوفى سنة 1172 وترجمته في سلك الدرر
(1)
.
وفي الصفحة الأولى من النسخة تمليك نصه «من نعم اللّه على عبده الفقير محمد الشربيني الجراح، خادم الفقراء الضعفاء بدار الشفاء في سنة 99» . وتحتمل أن تكون سنة 1199، أو 1299.
والنسخة في 12 ورقة صغيرة بهامشها حواش وتعليقات حرصت أن أنقل المهم منها، لما له من قيمة علمية تاريخية لا لأنه ذو فائدة محققة، فنحن إنما نعرض هذه المنشورات للتاريخ ولبسط الثقافات العربية القديمة وتقديمها لجمهرة الباحثين.
(1)
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، لمحمد خليل المرادي 3:107.
بسم الله الرحمن الرحيم
وهو حسبي وكفى
حمداً لك يا من أبدع نوع الإنسان في أحسن نظام، وركبه من أعصاب وشراسيف وأوردة ولحم وعظام، وجعل هيكله معرضاً للصحة والأسقام، وروحه مركزاً لكمال الإنعام، وصلاة وسلاماً على خلاصة العناصر، قطب دائرة الوجود محط المآثر، وعلى آله وصحبه ما استدل الآسى على اعتدال المزاج، واستعمل قانون التدبير في كيفية العلاج.
وبعد فلما استولى على أرض الخلد، حليف التواضع موقع الاعتقاد والمدد، سقتها هامعة الغمام من لطافته، فاهتزت وربت من ظرافته، وأنبتت حبة المحبة فالتقطها الأماثل، وتناولها فضا الأفاضل
(1)
، فعادت غذاء الأشباح، وحياة روح الأرواح. وكيف وهي حبة محبة من
دعا فأجابته المعاني مطيعة
…
وقد كان منها منعة وإباء
وشرفت الدنيا باوصافه التي
…
تقاصر عن إدراكها القدماء
وألقت له العليا زمام انقيادها
…
فمنها له ما يبتغي ويشاء
مولانا مالك زمام شريعة سيد المرسلين أحمد، أحمد بن محمد، أفندي الديار المصرية، صاحب الأخلاق المرضية، لا زال اقتران الاسمين عائداً بصلة السر الرباني عليه، مشيراً بسوق يعملات السعادة لديه، ولا برح ابن بوحه البزيع فاتقا لرتق أبكار المعاني، محرزاً لقصبات السبق في مضمار حلّ رموز المباني،
(1)
كذا وردت العبارة. ولعلها «فضلاء الأفاضل» .
ما غردت بنات الأيك على غصون الأشجار، وفاحت مسكية عرف النسيم في غضون الأسحار؛ وكان الفقير الخمول ممن له ترداد على مجلس مولانا أفندي المومى إليه، لمزيد حبه للفقراء وحسن تودّده إليهم، وشدة اعتقاده فيهم - دعاني الخاطر أن أجمع رسالة في العلامات الدالة على صحة أبدان الأعبد، والعلامات الدالة على ضعفها، وذلك لأنه مما يحتاج إليه الإنسان عند شرائهم، وأن أرتبها على سبعة فصول وخاتمة، وأن أقدمها لمولانا المشار إليه. فاتهمت الخاطر أياماً فوجدته صحيحاً، لصحة علته الحاملة، فاجتمعت بمولانا في خلوة الأنس والمدام، فاستجزته واستأذنته فأجاز وأذن في الإقدام، استعطافاً لخاطر الفقير، وجبراً منه للقلب الكسير.
وها أنا أشرع في الترجمة ثم في المقصود فأقول:
الفصل الأول: في العلامات الدالة من جهة مزاج البدن ولونه وهيئة تركيبه وسطحه.
الفصل الثاني: في العلامات الدالة من جهة الرأس والعنق.
الفصل الثالث: العلامات الدالة من جهة الصدر واليدين.
الفصل الرابع: في العلامات الدالة من جهة الأحشاء والكليتين والمثانة والانثيين والقضيب والمقعدة.
الفصل الخامس: في العلامات الدالة من جهة الرجلين وخصوص الركبة والساقين.
الفصل السادس: في العلامات الدالة من جهة السمن والهزال، والطول والقصر.
الفصل السابع: في العلامات الدالة من جهة كيفية مزاج مطلق البدن وطبعه.
الخاتمة: فيما يناسب العبد إذا اشتراه من الرياضة والراحة والدعة.
الفصل الأول
في العلامات الدالة من جهة مزاج البدن ولونه وهيئة تركيبه وسطحه، أي بشرته
ليعلم يا إنسان عين الزمان
(1)
أنه من أراد شراء عبد أبيض كان أو أسود، ذكراً كان أو أنثى، ينبغي له أن ينظر إلى لون بدنه، فإن وجده حائلاً كالأصفر دل ذلك على غلبة الصفراء، وعلى سوء مزاج حار مطلقاً، أو على سوء مزاج حار في خصوص الكبد. وإن وجده أبيض جصياً دل على سوء مزاج بارد، أو على برد الكبد ورطوبتها وغلبة البلغم. وإن وجده أسود كمداً يشبه لون الرصاص دل على سوء مزاج بارد يابس، وعلى برد مزاج الكبد ويبسها، وعلى غلبة السوداء وضعف الطحال. وإن وجده أبيض تعلوه حمرة قليلة أو أسمر سمرته صافية، أو أسود سواده حلك براق مع حمرة الشفتين دل على حسن المزاج وصحة البدن.
وأن ينظر إلى هيئة بدنه، فإن وجد أعضاءه بعضها أكبر من بعض، كأن وجد رأسه كبيراً، ورقبته دقيقة، وصدره ضيقاً؛ أو وجد رأسه صغيراً، ورقبته غليظة، وصدره مخالفاً لذلك؛ أو وجد رأسه صغيراً، وبدنه كبيراً، ورجليه قصيرتين، دل على رداءة الطبع وقبح المنظر. وإن وجدها حسنة الشكل جيدة التركيب متناسبة متشابهة بعضها ببعض في العظم والصغر، والسمن والهزال.
والطول والقصر، دل على جودة الهيئة وصحة التركيب.
وأن ينظر إلى سطح بدنه، أي بشرته، فإن وجده قضيفاً جداً دل على
(1)
انظر ما سيأتي في أول «الخاتمة» .
شدة الحرارة واليبس، والاستعداد لحدوث بعض الأمراض. وإن وجده سميناً جداً دل على كثرة البرودة والرطوبة والبلغم، ولا يأمن صاحبه من موت الفجاءة وحدوث المرض البطيء البرء كالسكتة والفالج، واللقوة والصرع، وما يجري هذا المجرى. وإن وجد في بدنه موضعاً مضيئاً فقد يكون برصاً أو قوباء أو بهقاً أبيض أو أسود، وإن وجد فيه كياً أو صبغاً فليتفقد ذلك تفقداً جيداً، لاحتمال أنه فعل ذلك بسبب برص، وإن وجد موضعاً مغايراً للون البدن، فلينظره نظراً شافياً، لاحتمال أنه برص صبغة بالشيطرج
(1)
أو غيره، فيغسله المشتري بالأشنان والخل، ويدلكه بخرقة خشنة دلكاً جيداً، فإن كان برصا ظهر واتضح. وإن وجد في بدنه آثار قروح فليسأل بائعه هل عضه كلب؟ فإن قال نعم كان ذلك فلا يشتريه، فإنه لا يأمن من أن يكون ذلك الكلب كلباً فيؤول الأمر بصاحبه إلى الخوف من الماء ثم الموت. وإن وجد البدن خاليا عن جميع ذلك سالماً منه دل على صحته.
الفصل الثاني
في العلامات الدالة من جهة الرأس والعنق
وينبغي أيضاً أن ينظر إلى رأسه، فإن وجده خفيفاً ممرطاً، ونباته متفرقا متباعدا، دل على فساد جلد الرأس، ورداءة مزاج الدماغ. وإن وجده ليناً، دل على الجبن، وإن وجده منتقضاً متساقطاً بكثرة دل على يبس الدماغ. وإن وجد به داء الثعلب أو داء الحية
(2)
دل على أخلاط ردية مفسدة للشعر. وإن وجده سالماً من ذلك وخشنا دل على جودة مزاج الدماغ والشجاعة.
(1)
نبات ينبت كثيرا في القبور والحيطان القديمة والمواضع التي لا تحرث، له زهر أحمر يطول نحوا من ذراع.
(2)
انظر ما سبق في كتاب ابن بطلان ص 381.
وأن ينظر إلى جلدة الرأس فإن وجد بها حزازاً
(1)
، أو شطفة
(2)
وبثراً، أو أثر قروح وجرح غائر، دل على عظم قد سقط من القحف. وهذا رديّ لا يؤمن أن يقع بهذا الموضع صدمة أخرى من شيء حاد فيبلغ الدماغ فيخرجه، أو من شيء ثقيل يرضّه فيتلفه.
وأن ينظر إلى شكل القحف، فإن وجده مسفطاً جداً
(3)
دل على الرداءة من جهتين: أحدهما: سرعة الصرع، وثانيهما قبح المنظر.
قال صاحب لقط المنافع
(4)
: أما صغر الرأس وكبره فسببه المادة النطفية؛ إن قلت قل، وإن كثرت عظم.
وإذا كان الرأس صغيراً حسن الشكل، كان أقل رداءة من الصغير الردئ الشكل، على أنه لا يخلو من رداءة هيئة الدماغ، وضعف من قواه. ولهذا قال أصحاب الفراسة: يكون هذا الإنسان لجوجاً سريع الغضب متحيراً في الأمور.
قال جالينوس: لا يخلو صغر الرأس البتة عن دلالة على رداءة هيئة. وكبر الرأس ليس دليلاً في كل وقت على جودة الدماغ ما لم يقترن به جودة الشكل وغلظ العنق وسعة الصدر، فإنها تابعة لعظم الصلب والأضلاع التابعين لعظم النخاع وقوته، التابعين لقوة الدماغ.
وإذا كان الرأس مستديراً دل على بعده عن الخير إذا كانت الجبهة مستديرة، والوجه طويلاً والرقبة غليظة، وفي العين بلادة.
(1)
في حاشية الأصل: «الحزاز وهو النخالة التي تكون في الرأس، سببها مادة حادة بورقية أو سوداوية أو دم سوداوى أو أبخرة حادة أو يبس» . وفي اللسان: «والحزاز:
هبرية في الرأس كأنه نخالة، واحدته حزازة».
(2)
كذا وردت هذه الكلمة. ولعلها «السعفة» ، وهي قروح تخرج بالرأس.
(3)
انظر ما سبق في حواشي 359.
(4)
هو ابن الجوزي. ولقط المنافع: كتاب له في الطب جعله على سبعين بابا، ثم اختصره وسماه مختار المنافع. كشف الظنون.
وأن ينظر إلى عينه، فإن وجدها عظمت فهو قبيح كسلان، وإن وجدها غارت فبه داء خبيث، وإن جحظت فهو وقح مهذار، وإن وجدها ذاهبةً في طول بدنه فهو مكّار خبيث، وإن وجدها كأنها نائتة
(1)
وسائر العين لاطٍ
(2)
فهو أحمق. وإن وجدها صغيرة غائرة فهو مكار حسود. وإن وجدها ناتئة
(3)
صغيرة كعين السرطان فهو جهول ميال إلى الشهوات. وإن وجدها كبيرة ترعد فهو شرير إن صغرت حدقتها وإن وجدها عظيمة فهو قليل الشر عظيم الحمق
(4)
.
وإن وجد حدقتها شديدة السواد فهو جبان. وإن وجدها زرقاء صغيرة فهو كسلان بطال كثير المحبة للنساء. وإن وجدها زرقاء مشوبة بصفرة كالزعفران فهو رديء الأخلاق جداً. وإن وجدها زرقاء وهو أشقر اللون فهو رديء جداً.
وإن وجدها زرقاء مشوبة بصفرة وخضرة كالفيروزج فهو أردأ الناس. وإن وجد فيها نقطاً حمراً أو بيضاً فهو شر الناس وأرداهم. وإن وجدها بيضاء بياضها كدر فهو غير جيد الحدقة. وإن وجدها مع ذلك مستديرة كعين الأسد، والوجه متعجر، فهو ممن حدث له الجذام. وإن وجدها شهلاء فهو جيّد العين. وإذا لم يكن شهلها شديد البريق، ولا مشوباً بصفرة ولا حمرة فهو شديد جودة العين.
وإن وجد في عينه عروقاً حمراء دل على حصول السبل له
(5)
، وإن وجد حاجبها
(1)
في الأصل: «ثابتة» ، صوابه من كتاب جمل أحكام الفراسة ص 3. والناتئة:
المرتفعة.
(2)
اللاطئ: اللازق.
(3)
في الأصل: «ثابتة» ، صوابه من كتاب جمل أحكام الفراسة.
(4)
نص الرازي: «صاحب العين الكثيرة الرعدة شرير إن كانت صغيرة، وإن كانت عظيمة نقص من الشر وزاد في الحمق» .
(5)
كثير الشعر فهو كثير الهم والحزن غث الكلام، وإن وجد مأقها الذي يلي الأنف تسيل منه رطوبة فليعصره فإن خرج منه زيادة رطوبة دل على مرض الناصور
(1)
، وإن وجد في هذه المآقي زيادة لحمية ناتئة منبسطة نحو الحدقة فهي ظفرة
(2)
، وإن وجد جفنها منتثرة
(3)
، دل على مادة حادة تصل إلى أصول الأجفان فتمنعها من جودة البصر وتسقطها، وإن وجد الجفن ثقيلاً مسبلاً دل على غلظ أو جرب أو شعرة. وإن وجده منكسراً أو مكبوبا من غير علة فهو ما كر أحمق كذاب.
وينبغي له أن يمتحن بصره قوة وضعفاً، بأن يريه أجساماً مختلفة الأشكال فإن كان لا ينظرها نظراً جيداً، أو كان ينظر إلى القريب منها نظراً جيداً دون البعيد أو بخلاف ذلك فبصره رديء، ودلت العلامة على آفة قد نالت الدماغ والروح الباصر.
وأن ينظر إلى سمعه، فإن وجده ثقيلاً بأن يكلمه فلا يجيبه، دل على أن بسمعه آفة، إما من شدة عارضة في ثقب الأذن، والشدة إما من لحم نابت أو ثألول
(4)
، أو من قبل شيء عارض. فإن كانت من شيء عارض، كحصاة أو فولة أو شعيرة أو وسخ، فإنها تزول بالآلة التي يخرج بها ما يسقط في الأذن.
وإن كانت من غير ذلك فبرؤه عسر. وإن وجده كبير الأذن جاهل بليد طويل العمر.
وأن ينظر إلى أنفه، فإن وجد غلظاً [أو] جساً
(5)
، دل على أن هناك لحما
(1)
انظر ما سبق في ص 361.
(2)
انظر ما مضى في حواشي ص 361.
(3)
كذا في الأصل.
(4)
هذه لغة عامية في «الثؤلول» نص عليها ابن الجوزي في تقويم اللسان. والثؤلول:
واحد الثآليل، وهو الخراج يخرج في الجلد.
(5)
في الأصل: «فإن وجده غليظا جشا» تحريف انظر له ما سيأتي في أول الفصل الرابع. والجسا: اليبس.
زائداً وقروحاً في المنخرين، فينبغي أن ينظر إليه في موضع مضئ مقابل للشمس ليظهر له ذلك.
قال صاحب لقط المنافع
(1)
: من كان طرف أنفه دقيقاً فإنه يحب الخصومة، ومن كان أنفه غليظاً ممتلئاً فهو قليل الفهم، ومن كان غليظ الشفة فهو أحمق غليظ الطبع، ومن كان قليل صبغ الشفة فهو ممراض، ومن كان كثير لحم الخدين فهو غليظ الطبع.
وأن ينظر إلى لسانه فإن وجده ثقيلا أو ألثغ أوليس بيّن الكلام دل على صغر اللسان أو غلظه أو قصره، أو قطع جزء منه، أو آفة للعصب اللساني، أو غير ذلك من الآفات، أو من سن قد انقلعت. وإن وجد فيه آثار قروح قد اندملت، فليسأل صاحبه عن السبب، فإن قال سببه قرحة عرضت في لسانه، أو ورم انفجر واندمل، فلا يشتريه حتى يفحص عن ذلك فحصاً جيداً، لاحتمال أن انصرع فعض لسانه فتورم وتقرح، وأن يسمع صوته فإن وجده أبح حاداً دل على أن هناك جذاماً سيظهر.
وقال بعض الأفاضل من العلماء: حسن الصوت دليل على الحمق وقلة الفطنة.
وأن ينظر إلى أسنانه، فإن وجدها ساقطة، ولا سيما الثنايا والأنياب والأضراس، دل على القبح، والمنع من بيان الكلام والمنع من جودة المضغ، وإن وجد سقوطها من قبل أن يثغر فإنه إذا ثغرت عادت أجود مما كانت، وإن وجد سقوطها من بعد إثغاره فإنها لا تعود. وأن ينظر إلى لون أسنانه، فإن وجده أبيض أو أسود فهو عيب قبيح إلا [أن] يكون قبل إثغاره فإن الإنسان إذا ثغر عادت أسنانه ولونها إلى أحسن ما كانا وأجود وأقوى.
(1)
انظر ما سبق في حواشي 397.
قال أبو الفرج بن الجوزي
(1)
رحمه الله: وتفريق الأسنان وضعفها ورقتها دليل على ضعف الجسد
(2)
وقصر العمر. واللحم الكثير الصلب دليل على غلظ الحس والفهم. ومن وقع عليه عند الضحك سعال أو ربو فإنه وقح سليط.
وقال في موضع آخر: وأن يتفقد أسنانه، فإن القوية طويلة البقاء، والرفيعة
(3)
سريعة السقوط، والضعيفة المتفرقة تدل على قصر العمر.
وأن ينظر إلى لثاة أسنانه، فإن وجدها متشعبة أو مسترخية أو فيها قروح
(4)
دل على الرداءة. وأن يشتم نكهته، فإن وجدها متغيّرة، فتغيّرها إمّا من عفونة اللثاة أو من ضرس متآكل أو من بلغم عفن في المعدة. فإن كان من الأول فيزول بتقوية اللثة بالأدوية القابضة، واستعمال الأدوية الحارة. وإن كان من الثاني فيزول بقلع الضرس المتآكل، أو بتنقيته أو بكيه. وإن كان من الثالث فلا يسهل برؤه.
وأن ينظر إلى لهاته، فإن وجدها نازلة إلى السفل كثيراً دل على الرداءة، من جهة أنه متى عرض لها ورم تبعه الخناق. وإن وجدها مسترخية دل على الرداءة من جهة أن صاحبه يعرض له السعال كثيراً.
وأن ينظر إلى حلقه من خارج، ويمس الغدد التي هناك، فإن وجدها ظاهرة
(1)
يعنى، في كتابه «لقط المنافع» .
(2)
في حواشي الأصل: «قال السموأل: واجتماعها أجود من تفرقها، وإن كان الشنب مذهبا محبوبا عند العرب» : قلت: السموأل هذا هو السموأل بن يهوذا المغربي، من العلماء الذين قدموا إلى المشرق، وأقام بمدينة المراغة مراغة أذربيجان، وأولد أولادا سلكوا طريقته في الطب، وأسلم فحسن إسلامه، وصنف كتابا في إظهار معايب اليهود وكذب دعاويهم في التوراة، ومات قريبا من سنة 570. القفطي 142.
(3)
الرفيعة هنا بمعنى الرقيقة. وهي صحيحة. جاء في شرح درة الغواص للحريرى ص 118: «والناس يقولون ثوب رفيع بمعنى رقيق، كذا في أدب الكاتب، وهو مجاز، ولذلك أهملوه في كتب اللغة» .
(4)
في الأصل: «قروحا» .
تحت الملمس مع صلابة كان ذلك دليلاً على الخنازير
(1)
.
وأن ينظر إلى لون وجهه، فإن وجده مثل لهب النار فهو عجول مجنون، وإن وجده رقيقا فهو مستحى، وإن وجده أخضر أسود فهو سيّئ الخلق. وأن ينظر إلى استدارة وجهه، وإلى نحافته، وإلى صغره وطوله، فإن وجده شديد الاستدارة فهو جاهل، وإن وجده نحيفا فهو مهتمّ بالأمور، وإن وجده صغيرا فهو دنئ خبيث ملّاق، وإن وجده طويلاً فهو وقح. وأن ينظر إلى عنقه، فإن وجده قصيراً جداً فهو مكار خبيث، وإن وجده طويلاً دقيقاً فهو صياح أحمق جبان. وإن وجده كثير الشعر فهو أحمق شديد الحرارة.
الفصل الثالث
في العلامات الدالة من جهة الصدر والإبطين واليدين
وينبغي له أيضاً أن ينظر إلى صدره، فإن وجده ضيقاً والكتفان مرتفعان كأن له جناحين والظهر منحنياً دل على مرض السل، لا سيما إن كان في سن الحداثة والشباب وكانت النزلات تعرض له كثيراً
(2)
.
وأن ينظر إلى باطنه، فإن وجد فيها غدداً دل على حدوث خنازير هناك.
وأن ينظر إلى يديه بعد أن يجمعهما، ويقيس إحداهما بالأخرى، فإن وجدهما
(1)
في القاموس أن الخنازير قروح تحدث في الرقبة. وفي حواشي الأصل: «الخنازير ورم صلب شبيه بالغدد، إما في اللحم الرخو الذي هو في العنق أو الذي في الأربيتين أو الذي تحت الإبطين، وأكثر ما يكون هذا الورم في مقدم العنق وفي جوانبه. ويكون إما غدة أو غدتين أو ثلاثا وأكثر، وكل واحدة لها صفات خاصة كالسلع. وإنما سمى هذا الصنف خنازير لأن هذه الغدد تكون في أرقاب الخنازير. [وقال] قوم: لأن الخنازير [تمرض به أيضا]» .
(2)
في حواشي الأصل: «النزلة هي تحلب فضول رطبة من بطني الدماغ المقدمين إلى المنخرين» .
قصيرتين، أو إحداهما قصيرة والأخرى طويلة دل على الرداءة والقبح، والمنع من جودة الأعمال.
وأن ينظر إلى ساعده فإن وجده ملتويا لعلة عرضت فهو عيب رديء، وإن وجده ينقص عند ليّه عما يحتاج إليه دلّ على آفة عرضت للزّند الأعلى.
وإن وجد مفصل مرفقه ينقص عند النواية عما يحتاج إليه دل على آفة عرضت للزند الأسفل.
وأن ينظر إلى معصميه، فإن وجد بهما شبه ورم صغير وإذا لمسه وجد تحت الملمس ما يشبه العرق أو الدّود، فإن ذلك يدل على وجود العرق المديني
(1)
.
وأن ينظر إلى كفه، فإن وجده عسر الحركة عند قبضها أو بسطها فهي رديئة.
والدليل على قوة يده وضعفها أن يأمره المشتري أن يقبض على بعض أعضائه قبضاً شديداً، فيظهر بذلك قوة اليد وضعفها
(2)
.
الفصل الرابع
في العلامات الدالة من جهة الأحشاء والكليتين والمثانة والانثيين والقضيب والمقعدة
وينبغي له أيضاً أن يتفقد أحشاءه
(3)
، فإن وجد في الناحية اليمنى أو اليسرى غلظاً أو جساً
(4)
بعد أن يأمره أن يستلقي
(5)
على ظهره، ويكون رأسه غير
(1)
في حواشي النسخة: «المديني بثرة تحدث في الساقين تتنفط
…
ثم يخرج منها شيء [كالدو] د، ولا يزال يطول، وربما كان له حد لحدة مادته ومدة توجع، قطعه خطر».
(2)
في حواشي النسخة: «قال السموأل: وينبغي أن ينظر إلى أكل الجارية وعملها للأشغال فربما كانت الجارية تأكل بيدها اليسرى وتعمل بها أكثر أعمالها، وذلك من العيوب» .
(3)
في حواشي الأصل: «إنما عدلنا في هذا الفصل عن التعبير بالنظر إلى التعبير بالتفقد لأن هذه المواضع لا يجوز النظر إليها» .
(4)
الجسا: اليبس، يقال جسيت اليد وغيرها جسوا وجسا: يبست.
(5)
في الأصل: «يلتقى» .
مرتفع، ويبسط يديه نحو رجليه ويشيل ركبتيه إلى فوق، ويصف قدميه، ويلمس مراق بطنه
(1)
من موضع فم المعدة وما دون الشراسيف إلى أن ينتهي إلى العانة، ويمر بيده على ذلك مروراً شافياً - دل ذلك الغلظ أو الجسا
(2)
على أن في الكبد أو الطحال ورماً رديئاً يؤدي إلى الاستسقاء، لا سيما إن رأى مع ذلك لون البدن رديئاً مائلاً إلى البياض، وأسفل الجفن الأسفل متهيجاً.
وينبغي له إذا أراد شراء جارية أن يتفقدها، فربما يجد منها فيما بين السرة إلى العانة غلظا أو صلابة، فإن وجد ذلك دلّ على سرطان في رحمها
(3)
، وليتفقدها أيضاً إذا هي حاضت، لاحتمال أن يعرض لها الغشى الشبيه بالسكتة، فإن وجد بها ذلك، دل على أن بها اختناق الرحم، وهذا ربما أوجد موت الفجاءة.
وأن يتفقد كليتيه ومثانته، فإن وجد فيهما أو في أحدهما الحصاة، دل على العيب الردئ، ويعرف ذلك من وجود رمل في بوله.
قال بعض الحكماء: لطافة البطن تدل على جودة العقل، ودقة الأضلاع ورقتها تدل على ضعف القلب.
وأن يتفقد أنثييه فإن وجد عروقهما أخذت في الاتساع، دل على حدوث العرق المسمى بالدالية، وهو لا يظهر في أول الأمر، بل يبدو شيئاً فشيئاً على طول المدة، ثم يعقبه آفة قوية شديدة. وأن يتفقد قضيبه، فإن وجد النقث
(4)
الذي في جانب الكمرة الموجب لعدم استقامة البول مع جريانه إلى أسفل، دلّ
(1)
مراق البطن: أسفله وما حوله مما يسترق منه، وهي المواضع التي ترق جلودها، قال الهروي: واحدها مرق، وقال الجوهري: لا واحد لها.
(2)
في الأصل: «الجس» تحريف. انظر ما سبق في الحاشية (4) من الصفحة السابقة.
(3)
في حواشي الأصل: «السرطان مرض سوداوى علامته أن يكون صلبا شديد الصلابة بمنزلة الحجارة متمددا، ويكون شكله شبيها بالسرطان» .
(4)
كذا في الأصل.
على الرداءة في التوليد، لأن المنى يحتاج إلى الاستقامة عند مروره في الرحم كي يصل لأقصاه.
وأن يتفقد مقعدته، فإن وجد بها بواسير أو توثا
(1)
أو نواصير، دل على الرداءة.
الفصل الخامس
في العلامات الدالة من جهة الرجلين مطلقا، وخصوص الركبة والساقين
وينبغي له أيضاً أن ينظر إلى رجليه بعد أن يأمره المشتري أن يجمع رجليه، ويصف قدميه في موضع مستو، فإن وجد إحداهما أقصر من الأخرى فذاك عيب رديء، دل على تشنج أو عرج ناله من قبل عرق النسا ويأمره بالمشي فإن يكن في خطاه تقصير دل على قوة العصب، وسلامة المفاصل، وإن كان الأمر بخلاف ذلك دل على آفة قد نالت العصب أو مفصل الورك أو غيره من مفاصل الرجل.
وأن ينظر إلى خصوص الرّكبة، فإن وجدبها ورماً صلباً، أو الورم المعروف بالشوكة
(2)
، فإنه ربما لم يبرأ، ويؤدي بصاحبه إلى دقة الساقين والزمانة، وإن وجد فيها اعوجاجاً أو ميلا فهو داء قبيح.
وأن ينظر إلى خصوص الساقين، فإن وجدهما متقوسين أو منقلبين
(3)
إلى خارج، فهو عرض رديء يضر بالمشي مضرّة قوية. وإن وجد عروق باطن السّاقين أخذت في الاتساع فهو سبب لحدوث العروق المسماة بالدالية. وإن وجد في الساقين غلظا وصلابة وامتلاء في موضع الكعبين إلى فوق فذلك يدل على حدوث العلة المسماة بداء الفيل.
الفصل السادس
في العلامات الدالة من جهة السمن والهزال، والطول والقصر
وينبغي له أيضاً أن ينظر إلى جسمه، فإن وجده سميناًُ فلا يشتريه، لأن السمنة
(1)
رديئة جداً، لا سيما السمنة بالطبع، فإنها مستعدة لحدوث أمراض رديئة لأن الحرارة الغريزية تكون فيها ضعيفة لضيق عروقها، وضيق العروق فيها لشيئين: أحدهما برد المزاج. ثانيهما ضعف الأعضاء السمينة لها، فأصحابها لذلك أقل أعماراً، لأن ضيق العروق يتبعه ضعف الحرارة الغريزية ونقصانها، وهذان يتبعان نقصان الروح، وهم معرضون للسكتة والفالج وعسر النفس.
ومن أفرط سمنه وكان ممراضا، فهو على خطر. وإن وجده قضيفاً مهزولاً نحيفاً فلا يشتريه، لأن النحيف رديء لما يغلب على مزاجه من اليبس، فهو لا يقدر على الرياضة والأعمال الكثيرة، لأن ذلك مما يسخنه ويجففه فيزداد نحافة.
وصاحب النحافة لا يقدر على الحر والبرد، لأنهما يصلان إلى أعضائه الباطنة
بسرعة فيعرّيانها من اللحم
…
وإسهال النحيف خطر.
وإن وجده معتدلا ليس بالسمين ولا بالهزيل، فليشتره
(2)
فإنه من أحسن العبيد بدناً، وأدومهم صحة، وأصبرهم على الأعمال، وأبعدهم عن الأمراض، لأن الحرارة الغريزية متوفرة فيه، والهضم جيد، والأعضاء قوية لذلك.
وإن وجده طويلا دلّ ذلك على غباوته وغفلته وقلة عقله. وإن وجده قصيرا دل ذلك على خبثه وخداعه ومكره.
(1)
هذه الكلمة بمعنى السمن مما لم يذكر في المعاجم المتداولة. وقد وردت بهذا المعنى أيضا في شرح الحماسة للمرزوقى 1262، 1436.
(2)
كذا جاءت بالأصل. وإثبات حرف العلة مع الجازم لغة لبعض العرب، كقوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمى
…
بما لاقت لبون بنى زياد
قال الجاحظ: الغباوة والغفلة في الطوال أكثر، والخبث والخداع في القصار أبين، واللطف في النحاف والقضاف أظهر، والغلظة والجفاء في السمان أكثر، وما سوى ذلك نادر.
قال صاحب لقط المنافع: قالوا: والطوال من الناس في الشبيبة أحسن، وفي الكبر أقبح، لسرعة الانحناء إليهم. والمعتدلون في الطّول صالحو الحال.
قال الجاحظ: أجمع الناس على أن ليس في الدنيا أثقل من أعمى، ولا أبغض من أعور، ولا أخف روحاً من أحول، ولا أقود من أجدب.
قال بعض الحكماء: لا تبتاعن مملوكا قوي الشهوة فإن له مولى غيرك، ولا قوي الرأي فيستعمل الحيلة عليك. لكن اطلب من العبيد من كان حسن الانقياد، قوي الجسم، شديد الحياء. واعلم أنه ما من شيء تنتفع به إلا وفيه مضرة، فإن الخادم الذكي الفطن الذي يريحك من كد الإفهام ويقنعه منك الإشارة في تبليغ الأغراض، لا تقدر أن تستر عنه شيئاً من أمرك، فسرك معه شائع، وهو قادر لفطنته على الاحتيال عليك في كل ما تريد. وإن كان الخادم غبياً وقفت أمورك، وانكسرت أغراضك، ولا يفي كتمان سرك بوقوف أغراضك. فينبغي أن تستخدم الفطناء في الأمور الخارجة عن المنزل، وتستخدم البله في الأمور الداخلة. وكذلك الأصدقاء في معاملتهم والمعاملون.
الفصل السابع
في العلامات الدالة من جهة كيفية مزاج مطلق البدن وطبعه
فعلامات رطوبة مزاج بدنه كثرة الشحم، واعتدال اللحم، ولين الجسد، ورخاوة الجلد، وضعف العصب، واسترخاء المفاصل، وعدم الشعر، وكثرة النوم.
وعلامات يبس مزاجه، قضافة البدن، وصلابة الملمس، وقلة الشحم.
وعلامات حرارة مزاجه سخونة الملمس، وحمرة اللون، وسرعة نبات الشعر وكثرة خشونته وسواده، ويكون صاحبه ذكياً فطناً سريع الحركة والغضب، عجولاً مبادراً، غير متثبت، شجاعاً بطلاً مقداماً متهوراً
(1)
قليل التهيب للأمور العظام، ويكون نبضه سريعاً متواتراً، ويكون هو سريع النمو والنشو، قوي الشهوة، جيد الهضم، كثير الباه، كثير اللحم، قليل الشحم، جهش الصوت
(2)
.
وعلامات برودة مزاجه برودة الملمس، وبياض اللون، وقلة الشعر وبياضه وبطء إنباته، ويكون صاحبه بطئ المشي، بليدا قليل الفهم، ثقيل اللسان، بطيئا في الحركات، متوقفا في الأمور، جبانا فزعا خائفا قليل الغضب.
وعلامات حرارة ورطوبة
(3)
مزاجه كون الشعر أسود رجلا سبطا، وكثرة اللحم وقلة الشحم وحرارة الملمس ولينه، فإن غلبت الرّطوبة كان البدن ممراضا لحصول التعفّن، وإن غلبت الحرارة كان البدن أصحّ. وإن كانا معتدلين كان اللون مختلطا في الحمرة والبياض.
وعلامات حرارة ويبوسة مزاجه: كثرة الشعر وجعودته وسواده، لأن مادة الشعر هو البخار الحار اليابس الذي يخرج من مسام البدن، ويدفع بعضه بعضا إلى خارج ولا ينقطع خروجه - وقضافة البدن، وحرارة الملمس، وأدمة اللون، والذكاء والذهن والشجاعة وقوة الشهوة، وجودة هضم الأغذية الغليظة والحرص على الباه.
وعلامات برودة ورطوبة مزاجه سبوطة الشعر
(4)
وشقرته وبياض اللون،
(1)
في الأصل: «مهورا» .
(2)
كذا وإنما يقال أجش الصوت، أي غليظ.
(3)
في الأصل: «وبرودة» .
(4)
سبوطة الشعر، أي انبساطه واسترساله. وفي الأصل «شوظة الشعر» .
وسمن البدن من كثرة الشحم، ويكون صاحبه بليداً كثير النسيان، قليل الفهم، جباناً، ضعيف الشهوة، بطئ الهضم، قليل الباه.
وعلامة برودة ويبوسة مزاجه بياض اللون الذي يضرب إلى الكمودة، وقضافته، وبرودة الملمس وشقرة الشعر الذي يضرب إلى الصفرة، مع قلته، وامتناع الباه.
وعلامات مزاج البدن المعتدل: أن يكون متوسطاً في الهزال والسمن، وأن يكون لونه مختلطا ببياض وحمرة، أشقر إلى الحمرة ما دام صبياً، فإذا صار إلى سنّ الشباب صار الشّعر أسود، ويكون ملمسه معتدلاً في الحرارة والبرودة، والصلابة واللين، بمنزلة جلد بطن الراحة، ويكون فهماً فطناً عاقلاً، شجاعاً غير أهوج ولا جبان، بين الرحيم والقاسي، عفيفاً متوسطاً في العلامات.
الخاتمة
فيما يناسب العبد إذا اشتراه، من الرياضة والراحة والدعة
ليعلم يا مغناطيس الفؤاد
(1)
، أنّ من اشترى عبداً ينبغي له أن يستعمله في الرياضة، وهي عند الأطباء عبارة عن الحركات البدنية، ولها وقت وفوائد وغاية تنتهي إليها.
فوقتها قبل الغذاء، حين يكون البدن نقياً ويكون طعام أمس قد انحدر وانهضم، وحضر وقت طعام آخر. ولا تجوز الرياضة في وقت الجوع. واستعمالها قبل انحدار الطعام مولد للسدد في العروق التي بين الكبد والمعا.
قال جالينوس: رياضة قبل الطعام خير عظيم، وسبب وكيد في حفظ الصحة
(1)
انظر ما سبق في مبدأ الفصل الأول ص 395.
ومن فوائدها: تنبيه الحرارة الغريزية التي في البدن ليقوى بذلك على جذب الغذاء وسرعة هضمه وقبول الأعضاء له، وتنظيف فضول البدن وتحليلها، وتنقية المنافذ، وتوسيع المسام، وتصليب أعضاء البدن
(1)
، وتنضيج الطعام الغير النضيج.
والرياضة بعد الغذاء خطأ، لأنها توجب انحدار الطعام وهو غير منهضم، فإن كان لزجا وصادف مجارى ضيّقة أحدث سددا، وإلّا أوجب أمراضاً مختلفة.
وغايتها أن يحس الإنسان بالعي والتعب.
ومن أنواع الرياضة الركوب لمن اعتاده، والمشي السريع، والقراءة بصوت عال، والرمي بالنبال، والثقاف والصراع
(2)
، واللعب بالأكرة
(3)
، والصعود والقعود في المراجيح، والمباطشة، وشيل الأحجار والأعمدة، والتصفيق والشباك، وتحريك أوتار العيدان، وضرب الطبول، وتحريك الرجلين بسعة الخطى وغيرها، والانحناء والاستلقاء، وبسط القامة
(4)
، والدلك بالأيدي والمناديل.
وأما الراحة والدعة، فهما ضد الرياضة، ويخشى منهما إذا داما أن تنطفئ البرودة والحرارة الغريزية، فإنهما يحدثان في البدن البرودة والرطوبة، وكثرة البلغم والفضول، ويفسدان المزاج، وقد يحدثان حرارة لاحتقان البخار الحار.
قال جالينوس: السكون الدائم يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزية.
فينبغي لمن أراد حفظ صحته أن يتجنب الدعة، إلا أن يكون البدن متخلخلا.
وليتعهد صاحب الدعة نفسه كل قليل بالتنقية.
نقي الله نفوسنا من درن الذنوب، وغفر لنا العيوب، بجاه ترجمان لسان الغيوب. آمين
(1)
في الأصل: «توسع» و «تصلب» ، بدل «توسيع» و «تصليب» .
(2)
الثقاف والثقافة بالكسر فيهما: المجالدة بالسيوف.
(3)
في اللسان (أكر): «ومن العرب من يقول للكرة التي يلعب بها أكرة» واللغة الجيدة الكرة». وفي القاموس: «الأكرة بالضم: لغية في الكرة» .
(4)
سابقة ساذجة لما يسمى اليوم «الألعاب السويدية» .
7 -
فهرس الكتب
التي وردت في أثناء نصوص النوادر
أخبار مصر، للوصيفى 24
الأفلاك للإسكندرانى 30
الأناجيل الأربعة 263
الإنجيل 262، 271، 299، 306
الأوائل، لأبى هلال العسكري 185
البريدج الرومي، لواليس 30
تفسير القرآن، في مائة مجلد، لأبى يوسف القزويني 182
التوراة 262، 299
الجمهرة لابن دريد 221
جمهرة النسب، لابن الكلبي 100
حاشية ابن برى على الصحاح 224
الحماسة، لأبى تمام 184
ديوان أسامة 190
ديوان أمية بن أبي الصلت 222
رسائل أرسطو 352
الزينة، لأفريطن 380
شرح المفصل، لابن الملا 221
شرح المقامات للشريشى 222
الصحاح للجوهري 221، 224، 225
صحيح البخاري 99
العباب، للصاغاني 221
القاموس، للفيروزآبادي 221، 225
القانون، للإسكندرانى 30
القائف، لأبى العلاء المعرى 189
كتاب العصا، للقزوينى 183
الكتب الستة 109
لسان العرب، لابن مكرم 221
لقطع المنافع، لابن الجوزي 397، 400، 401، 407
مجمل اللغة، لابن فارس 184
المحكم، لابن صيده 221
المسائل العسكرية للفارسي 221
المعربات للجواليقى 224
مغنى اللبيب، لابن هشام 221
المفصل للزمخشري 221
المقامات الحريرية 222
النبات، لأبى حنيفة 221، 319
يتيمة الدهر 22
مراجع الشرح والتحقيق
اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطمية الخلفاء، للمقريزي، تحقيق الدكتور الشيال، دار الفكر 1367.
الإحاطة، في أخبار غرناطة. طبع الموسوعات 1319.
أخبار عبيد بن شرية الجرهمى، حيدر أباد 1347.
إخبار العلماء بأخبار الحكماء، للقفطى. السعادة 1326.
أدبيات اللغة العربية، للجنة من رجال نظارة المعارف. بولاق 1906 م.
أساس البلاغة، للزمخشري. دار الكتب 1341.
أسد الغابة، لابن الأثير. الوهبية 1286.
الاشتقاق، لابن دريد، تحقيق وستنفلد. جوتنجن 1853 م.
الإصابة، في أسماء الصحابة، لابن حجر. السعادة 1323.
الأصمعيات، اختيار الأصمعي. ليبسك 1902 م.
الاعتبار، لأسامة بن منقذ. نشرة فيليب حتى. جامعة برنستون 1930 م.
إعجاز القرآن، للباقلاني. السلفية 1349.
أعجب ما كان، في الرق عند الرومان، لمصطفى كامل. المحروسة 1310.
الأغانى لأبى الفرج الأصبهاني: الساسى 1323.
ألف باء، للبلوى. الوهبية 1287.
الألفاظ الفارسية المعربة، لأدى شير. بيروت 1908 م.
الأمالي، لأبى على القالى. دار الكتب 1344.
الأناجيل الأربعة.
إنباه الرواة على أنباء النحاة للقفطى، بتحقيق محمد أبى الفضل إبراهيم دار الكتب 1369.
الأنساب، للسمعانى ليدن 1912.
الإنصاف والتحري، لابن العديم. ضمن تعريف القدماء. دار الكتب 1364.
بدائع البدائة، لابن ظافر الأزدي. بولاق 1278.
بغية الوعاة، للسيوطي. السعادة 1328.
البيان والتبيين، للجاحظ، بتحقيق عبد السلام هارون، لجنة التأليف 1369.
تاج العروس، للزبيدى. الخيرية 1306.
تاريخ الإسلام، للذهبي. مخطوط دار الكتب رقم 42 تاريخ.
تاريخ الإسلام، للذهبي. القدسي من سنة 1367.
تاريخ الأمة القبطية، لجنة التاريخ القبطي. المقتطف 1925 م.
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي. القاهرة 1349.
تاريخ دمشق، لابن عساكر. مخطوطة المكتبة التيمورية رقم 1041 تاريخ.
تاريخ الطبري. الحسينية 1326.
تاريخ طرابلس الغرب، لابن غلبون. السلفية 1349.
تاريخ قضاة الأندلس، للنباهى. تحقيق پروفنسال. دار الكاتب المصري 1948 م.
تاريخ مختصر الدول، لابن العبري. أكسفورد 1663 م.
التبصر بالتجارة، للجاحظ، تحقيق حسن حسنى عبد الوهاب. الرحمانية 1354.
التحقيق في شراء الرقيق، لمؤلف مجهول. مخطوط بالمكتبة التيمورية رقم 48 فضائل ورذائل.
تذكرة أولى الألباب، لداود الأنطاكي. الشرفية 1317.
تذكرة الحفاظ، للحافظ الذهبي. حيدر أباد 4:13.
تذكرة الطالب النبيه، بمن نسب إلى أمه دون أبيه. لأحمد بن خليل اللبودى. مخطوط بالتيمورية رقم 1407 تاريخ.
التصريح، يمضمون التوضيح، للشيخ خالد الأزهري. الأزهرية 1344.
تعريف القدماء، بأبى العلاء، للجنة من رجال وزارة المعارف. دار الكتب 1363.
تفسير أبى حيان، وهو البحر المحيط. السعادة 1328.
تفسير الطبري. بولاق 1330.
تكملة التكملة. طبع مدريد 1915 م.
تكملة الصلة، لابن الأبار، تحقيق كوديرا. مدريد 1887 م.
تهذيب التهذيب، لابن حجر. حيدر أباد 1325.
التنبيه والإشراف، للمسعودي. الصاوي 1357.
التنبيه على أمالي القالى، لأبى عبيد البكري. دار الكتب 1344.
التيجان: في ملوك حمير، لوهب بن منبه. حيدر أباد 1347.
ثمار القلوب، في المضاف والمنسوب، للثعالبي. الظاهر 1326.
جذوة المقتبس، للحميدي. تحقيق محمد بن تاويت. السعادة 1953 م.
جمل أحكام الفراسة، لأبى بكر الرازي. حلب 1347.
جمهرة أنساب العرب، لابن حزم. تحقيق پروفنسال. دار المعارف 1948 م.
جمهرة خطب العرب، لأحمد زكى صفوت. الحلبي 1352.
حاشية ابن عابدين. بولاق 1299.
حسن المحاضرة، في أخبار مصر والقاهرة، للسيوطي. السعادة 1324.
الحلة السيراء، لابن الأبار. ليدن 1851 م هـ
حلية الفرسان: لعلي بن عبد الرحمن الأندلسي. تحقيق محمد عبد الغنى حسن دار المعارف 1369.
الحماسة، لأبى تمام. السعادة 1331.
الحماسة للبحترى الرحمانية 1929 م.
الحماسة لابن الشجري. حيدر أباد 1345.
الحيوان، للجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون. الحلبي 1357 - 1364.
خاص الخاص، للثعالبي. السعادة 1326.
خريدة القصر، للعماد الأصفهاني، تحقيق أحمد أمين وشوقى ضيف واحسان عباس - لجنة التأليف 1951 م.
خزانة الأدب، للبغدادي. بولاق 1299.
خطط المقريزي، وهو المواعظ والاعتبار. مطبعة النيل 1324.
خلاصة الأثر، في أعيان القرن الحادي عشر، للمولى المحبي. الوهبية 1284.
الخيل، لابن الأعرابي. ليدن 1928 م.
الخيل، لابن الكلبي. ليدن 1928 م.
دائرة المعارف الإسلامية. الترجمة العربية.
دائرة المعارف البريطانية.
الدرر الكامنة، في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر. حيدر أباد 1350.
درة الغواص، للحريرى. الجوائب 1299.
الديارات للشابستى، تحقيق كوركيس عواد. بغداد 1951 م.
ديوان الأخطل. بيروت 1891 م.
ديوان الأرجانى. بيروت.
ديوان أسامة بن منقذ. نسخة دار الكتب رقم 16877 ز.
ديوان الأعشى، بتحقيق جاير. قينا 1927 م.
ديوان امرئ القيس. هندية 1324.
ديوان البحتري. هندية 1329.
ديوان بشار، بشرح ابن عاشور. لجنة التأليف 1369.
ديوان أبى تمام، نشرة محيي الدين الخياط. بيروت 1323.
ديوان تميم بن المعز. مخطوط دار الكتب رقم 16025 ز.
ديوان جرير. الصاوي 1345.
ديوان حاتم الطائي. الوهبية 1293.
ديوان حسان بن ثابت. الرحمانية 1347.
ديوان الحطيئة. التقدم، بالقاهرة.
ديوان الخنساء. بيروت 1888 م.
ديوان ابن الدمينة. المنار 1337.
ديوان زهير بن أبي سلمى. دار الكتب 1363.
ديوان سلامة بن جندل. بيروت 1910 م.
ديوان أبى طالب. مخطوطة الشنقيطي بدار الكتب رقم 38 ش.
ديوان طرفة بن العبد. قازان 1909 م.
ديوان العباس بن الأحنف. الجوائب 1298.
ديوان عمر بن أبي ربيعة. الميمنية 1311.
ديوان الفرزدق. الصاوي 1354.
ديوان ابن قيس الرقيات. فينا 1902 م.
ديوان لبيد. فينا 1880، 1881 م.
ديوان المتنبي، بشرح العكبري. الشرفية 1308.
ديوان أبى محجن. الأزهار.
ديوان المعاني، لأبى هلال العسكري. القاهرة 1352.
ديوان ابن المعتز. المحروسة 1891 م.
ديوان معن بن أوس. ليبسك 1903 م.
ديوان مهيار الديلمي. دار الكتب 1340.
ديوان النابغة. من مجموع خمسة دواوين.
ديوان أبى نواس. العمومية 1898 م.
ديوان الهذليين. دار الكتب 1369.
الذخيرة، لابن بسام مخطوطة جامعة القاهرة رقم 26022.
الرق في الإسلام، لأحمد شفيق، ترجمة أحمد زكى. بولاق 1309.
روضات الجنات، في أحوال العلماء والسادات، لمحمد باقر الموسوي. العجم 1304.
الروضتين، في أخبار الدولتين، لأبى شامة. وادى النيل 1288.
زهر الآداب، للحصرى. الرحمانية 1925 م.
سفر التكوين.
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، لمحمد خليل المرادي. بولاق 1301.
سمط اللآلي، للراجكوتى. لجنة التأليف 1354.
سير النبلاء، للذهبي. مصورة دار الكتب رقم 12195 ح.
السيرة، لابن هشام. جوتنجن 1859 م.
شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي. القدسي 1351.
شرح الحماسة، للتبريزى. بتحقيق فريتغ. بون 1828 م.
شرح الحماسة، للمرزوقى بتحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون. لجنة التأليف 1372.
شرح شواهد شروح الألفية، للعيني. بهامش خزانة الأدب.
شرح شواهد المغنى، للسيوطي. البهية 1322.
شرح المضنون به على غير أهله، لعبيد اللّه بن عبد الكافي. السعادة 1331.
شرح المفصل. لابن يعيش. محمد منير.
شرح المفضليات لابن الأنباري، تحقيق ليال بيروت 1920 م.
شرح نهج البلاغة. لابن أبي الحديد. الميمنية 1329.
شروح سقط الزند، للتبريزى والبطليوسى والخوارزمي. دار الكتب 1368.
الشعر والشعراء، لابن قتيبة. بتحقيق أحمد شاكر. الحلبي 1370.
شفاء الغليل، للخفاجى. السعادة 1325.
الشقائق النعمانية، في علماء الدولة العثمانية، بهامش وفيات الأعيان.
صبح الأعشى، للقلقشندي. دار الكتب 1340.
الصلة، لابن بشكوال. مدريد 1882 م.
الطالع السعيد، الجامع لأسماء الفضلاء والرواة بأعلى الصعيد، للأدفوى. الجمالية 1332.
طبقات الأطباء، لابن أبي أصيبعة، وهو عيون الأنباء. الوهبية 1299.
طبقات الشعراء، لابن سلام. السعادة.
الطبيخ، للبغدادي. الموصل 1353.
عصر إسماعيل (من تاريخ الحركة القومية) للرافعي. مطبعة النهضة 1932 م.
العقد الفريد، لابن عبد ربه. لجنة التأليف 1372.
العمدة، لابن رشيق. هندية 1344.
عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، للعيني. محمد منير 1348.
عيون الأخبار، لابن قتيبة. دار الكتب 1343.
عيون التواريخ، لابن شاكر الكتبي. مخطوطة دار الكتب رقم 1497 تاريخ.
غرر الخصائص، للوطواط. بولاق 1284.
الفائق، للزمخشري. حيدر أباد 1314.
فتح الباري، شرح صحيح البخاري، لابن حجر. بولاق 1301.
فتح القدير، للكمال بن الهمام. بولاق 1318.
الفراسة، لأفليمون. حلب 1347.
الفصل، في الملل والأهواء والنحل، للشهرستاني. الأدبية 1317.
الفصول والغايات، لأبى العلاء المعرى. حجازي 1356.
الفهرست، لابن النديم. الرحمانية.
فوات الوفيات، بن شاكر. بولاق 1283.
فيض الخاطر، للدكتور أحمد أمين. لجنة التأليف.
القانون الروماني، للدكتور محمد عبد المنعم بدر. لجنة التأليف 1937 م.
قلائد العقيان، للفتح بن خاقان. بولاق 1283.
الكامل في التاريخ، لابن الأثير. محمد منير 1348.
الكامل، للمبرد. ليبسك 1864 م.
الكتاب، لسيبويه. بولاق 1316.
كتاب: حرب بكر وتغلب. الهند 1305.
الكتاب المقدس الأمريكانية 1906 م.
كشف الظنون، لحاجى خليفة. تركيا 1310.
الكنايات للثعالبي. السعادة 1326.
الكنايات، للجرجاني. السعادة 1326.
كنى الشعراء لابن حبيب، ملحق بكتابه أسماء المغتالين. مخطوط دار الكتب 2606 تاريخ لباب الآداب، لأسامة بن منقذ، أحمد شاكر. الرحمانية 1354.
لسان الميزان، لابن حجر حيدر أباد 1330.
مجالس ثعلب، بتحقيق عبد السلام هارون. دار المعارف 1369.
مجلة الجمعية الألمانية الشرقية: Zeitschrift der Deutschen Morgenlandischen) (Gesellschaft
مجمع الأمثال، للميدانى. البهية 1342.
مجموع خمسة دواوين. الوهبية 1293.
مجموعة المعاني، لمؤلف مجهول. الجوائب 1301.
محاضرات الأدباء، للراغب الأصفهاني. الشرفية 1326.
المختار من شعر بشار، للخالديين. الاعتماد 1353.
مختارات ابن الشجري. العامرة 1306.
مختصر تاريخ دمشق، لابن بدران. روضة الشام 1332.
المخصص، لابن سيدة، بولاق 1318.
مخطوطات الموصل، للدكتور داود جلبي. الفرات ببغداد 1927 م.
مروج الذهب، للمسعودي. السعادة 1367.
مسالك الأبصار، لابن فضل اللّه العمرى. مصورة دار الكتب 2568 تاريخ.
مشارق الأنوار، للقاضي عياض. السعادة 1332.
المعارف، لابن قتيبة. الإسلامية 1353.
معاهد التنصيص، للعباسى. البهية 1316.
المعتمد، في الأدوية المفردة، لابن رسولا. الحلبي 1327.
المعجب، للمراكشى. السعادة 1324.
معجم الأدباء، لياقوت. دار المأمون 1323 ومرجليوث.
معجم البلدان، لياقوت. السعادة 1323.
معجم الشعراء، للمرزباني. القدسي 1354.
المعجم الفارسي الإنجليزى: (Persian English Dictionary by F.Steingass)
معجم المجمع العلمي الأسبانى: (Dictionario de La lingua Espanola)
المعرب، للجواليقى، بتحقيق أحمد شاكر. دار الكتب 1361.
المعلمة الكبيرة للمعارف العامة: (The Great encyclopedia of universal Knawlages)
المعمرين، للسجستاني. السعادة 1323.
المغرب لابن سعيد. مخطوطتى دار الكتب 2712 تاريخ و 103 تاريخ م.
المغرب لابن سعيد، بتحقيق الدكتور شوقى ضيف. دار المعارف 1953 م.
المغنى، لابن قدامة الحنبلي. دار المنار 1367.
مفاتيح العلوم، للخوارزمي. محمد منير 1342.
مفتاح الأفكار، في النثر المختار، للشيخ أحمد مفتاح. مطبعة جريدة الإسلام 1314.
مفرج الكروب، لابن واصل. مخطوطة مكتبة باريس رقم 1702.
المفضليات، بتحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون. دار المعارف 1361.
مقاييس اللغة، لابن فارس، بتحقيق عبد السلام هارون. الحلبي 1366 - 1371.
مقدمة ابن خلدون. البهية 1928 م.
المؤتلف والمختلف للآمدى. القدسي 1354
النجوم الزاهرة، لابن تغرى بردى. دار الكتب من سنة 1348.
نزهة الألباء، لابن الأنباري. القاهرة 1294.
نفح الطيب، للمقرى. نشرة محمد محيي الدين. السعادة 1369.
القائض، رواية أبى عبيدة. ليدن 1905.
النقود العربية وعلم النميات، نشر الأب أنستاس ماري الكرملى. العصرية 1939 م.
النهاية، لابن الأثير. العثمانية 1311.
نهاية الأرب، للنويرى. دار الكتب 1342.
الوزراء والكتاب، للجهشيارى. الحلبي 1357.
الوساطة بين المتنبي وخصومه، للجرجاني. صيدا 1331.
وفيات الأعيان، لابن خلكان. الميمنية 1310.
يتيمة الدهر، للثعالبي. دمشق 1303.
استدراك وتذييل
1 -
ص 22 س 5 العبارة بكمالها كما ورد في الخريدة: «وقد تعاور الشعراء وصف وقوع الشعاع على صفحات الماء» .
2 -
ص 23 س 2 - 3 البيتان كما في الخريدة:
بشاطئ نهر كأن الزجاج
…
وصفو اللجين به ذوبا
إذا جمشته الصبا بالضحى
…
توهمته زردا مذهبا
انظر ص 116 من نوادر المخطوطات.
3 -
ص 34 س 7 - 8 البيتان رواهما العماد في الخريدة 2: 120 منسوبين إلى العيني المصري، ثم قال:«ووجدت هذين البيتين في رسالة أبى الصلت منسوبين إلى ظافر الحداد» .
4 -
ص 37 س 12 إلى ص 41 س 12. هذا الكلام ورد في إخبار العلماء بأخبار الحكماء.
للقفطى ص 159.
5 -
ص 141 س 12 انظر لهذا البيت نهاية الأرب 4: 271.
6 -
ص 142 س 16 وقع في الحاشية سقط، وتمامها كما في الكامل:«وقد فضل نصيب على الفرزدق في موقفه عند سليمان بن عبد الملك، وذلك أنهما حضرا فقال سليمان للفرزدق: أنشدني» . إلخ.
7 -
ص 147 س 8 نسب ابن خلكان في ترجمة (يزيد بن المهلب) هذا البيت إلى بشر بن قطبة الأسدي.
8 -
ص 168 س 2 البيت ليزيد بن الجهم الهلالي، كما في الحماسة 1730 س 1 بشرح المرزوقي.
9 -
ص 288 س 6 «أبى عبيد المختار» كذا في الأصل، وصوابه «ابن أبي عبيد المختار» وهو المختار بن أبي عبيد.
10 -
ص 234 س 4 «الماخورى» . جاء في مروج الذهب 4: 224: «وخفيف الثقيل منهما يسمى بالماخورى. وإنما سمى بذلك لأن إبراهيم بن ميمون الموصلي - وكان من أبناء فارس وسكن الموصل - كان كثير الغناء في هذه المواخير بهذه الطريقة» .
11 -
ص 324 س 5 «السلمان» جاء في مروج الذهب 4: 221: «والسلبان، وله أربعة وعشرون وترا، وتفسيره ألف صوت» .
12 -
ص 324 س 5 «الصنج» ، وهي في الأصل «الصلح» بدون إعجام. ورد في مروج الذهب 4: 221: «ولهم الصلنج وهو من جلود العجاجيل» .
13 -
ص 324 س 5 «الكنكلة» في مروج الذهب: «وللهند الكنكلة، وهو وتر واحد يمد على قرعة فيقوم مقام العود والصنج» .
14 -
ص 381 س 3 «لخلحلة» صوابها «لخلخة» ، وهي فارسية، ومعناها ضرب من الطيوب مركب من العود والعنبر والمسك واللادن والكافور. انظر الألفاظ الفارسية لأدى شير ص 141 واستينجاس 1120.
15 -
سيضم (فهرس اللغة) الخاص بهذا المجلد إلى نهاية المجلد الثاني ليكون فهرسا للمجلدين معا بعون اللّه.