المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب النكاح الباب الأول: الزواج وأحكامه. الباب الثاني: الأنكحة المحرمة. الباب الثالث: أحكام - نيل الأماني من فتاوى القاضي محمد بن اسماعيل العمراني - جـ ٢

[إسماعيل العمراني]

فهرس الكتاب

‌كتاب النكاح

الباب الأول: الزواج وأحكامه.

الباب الثاني: الأنكحة المحرمة.

الباب الثالث: أحكام المهر والحقوق الزوجية.

الفصل الأول: أحكام المهر.

الفصل الثاني: الحقوق الزوجية.

الباب الرابع: الولد للفراش.

الباب الخامس: مسائل متفرقة في النكاح.

ص: 1

الباب الأول: الزواج وأحكامه

• وجوب الزواج على من خشي على نفسه الوقوع في الزنا

• تحريم الخطبة على الخِطبة بعد التراضي على التزويج

• ضعف حديث (من تزوج امرأة لمالها فلا بارك الله له في مالها)

• تحريم خطبة المرأة وتركها لعدة سنوات ثم الزواج بغيرها

• جواز خِطبة المرأة للرجل

• جواز رؤية الخاطب وجه ويدي المخطوبة

• تحريم مصافحة الخاطب المخطوبة أو الجلوس معها بدون محرم

• تحريم زيارة المخطوبة لأنها أجنبية

• تحريم اختلاط الخاطب بالمخطوبة أو أقاربها من النساء

• جواز التعريض بالخطبة في عدة الوفاة

• جواز إشعار الزوجة المطلقة بالرغبة في الزواج بها مرة ثانيه بعد انقضاء عدتها

• من الحزم ألا تكاتب المرأة خطيبها ولا ترسل له بصورتها الفوتغرافية

• جواز التلميح بالخطبة للمعتدة من طلاق بائن

• العبرة في كفاءة النكاح بالدين لا بالنسب

• تحريم رفض نكاح من يكن مرضياً في خلقه ودينه

• جواز رفض نكاح من لم يكن مرضيا في دينه وخلقه

• جواز الزواج ببنت من أقارب الرجل

• مشروعية تزويج الأب الغني أولاده الفقراء

• جواز الزواج العرفي من الناحية الشرعية

•. شروط صحة عقد النكاح

• وجوب المسمى من المهر أو مهر المثل

• صحة عقد نكاح من يغير اسمها عند العقد بمصادقة الطرفين

• وضع يد العاقد بالمرأة في يد المعقود له عادة وليست بشريعة

• جواز عقد الزواج بالمرأة وهي في أيام العادة الشهرية

• زواج الصبي غير صحيح

• ولي المرأة الشرعي هو أقرب الذكور إليها من العصبة

• عقد نكاح الأخ لأخته في وجود الأب غير صحيح إلا بإجازة أو وكالة من الأب

• لا يصح أن يعقد بالمرأة شخص من ذوي الأرحام

ص: 2

• إذا تعدد الأولياء من درجة واحدة فالأولى تقديم الأكبر

• إذا عقد بالمرأة عدد من الأولياء فيصح العقد لمن تختاره المرأة

• تنتقل الولاية إذا عضل الولي إلى أقرب العصبات ثم إلى القاضي الشرعي

• الولي العاضل هو الممتنع عن تزويج المرأة لمن يرضى دينه وخلقه

• تحريم منع زواج البنت بمن يرضى دينه وخلقه

• ولاية عقد نكاح المرأة المسلمة التي أبوها كافر لسلطان المسلمين

• صحة تولي طرفي عقد النكاح شخص واحد

• صحة الوكالة في قبول عقد النكاح

• كتابة عقد النكاح في المحكمة الشرعية للتثبت فقط

• لا يصح عقد النكاح بالتلفون

• إذا وجد قاض سيء السمعة فالأولى عقد النكاح عند غيره

• رضاء البنت شرط لصحة عقد النكاح

• يشترط إذن المرأة الثيب لصحة عقد النكاح

• تحريم اعتقاد أن تطليق الزوجة وتجديد عقد نكاحها سبب لإنجاب الأطفال

• من أمارات الساعة استغناء الرجال بالرجال والنساء بالنساء

• يجب إسماع الشاهدين الإيجاب والقبول

• بطلان عقد النكاح بفقدانه الشهود

• عقد زواج البنت الصغيرة التي لم تبلغ موقوف على رضائها عند البلوغ

• وجوب تعيين المعقود بها بالاسم أو الصفة إن كان للأب أكثر من بنت

• جواز عقد النكاح بالمرأة لكي يحل للرجل النظر إليها ولتسافر معه للحج ولغيره

• بطلان نكاح المرأة نفسها من غير رضاء ولا مشاورة وليها

• تعرف المرأة الولود الودود من جهة أقاربها من أبيها

• جواز طلب المرأة المسلمة الزواج من رجل متدين

ص: 3

الباب الأول: الزواج وأحكامه

وجوب الزواج على من خشي على نفسه الوقوع في الزنا

س: متى يكون الزواج واجباً؟

جـ: يجب الزواج على من خشي على نفسه الوقوع في الزنا فمن لم يتجنب الزنا إلَّا بالزواج فيجب عليه الزواج لحديث (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)

(1)

.

تحريم الخطبة على الخِطبة بعد التراضي على التزويج

س: متى تحرم الخطبة على الخطبة؟

جـ: تحرم الخطبة بعد التراضي على التزويج لحديث (وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ)

(2)

، أمَّا قبل التراضي إذا كان لا زال أهل البنت المخطوبة في مرحلة التشاور والتساؤل والتباحث عن الخاطب ولم يكونوا قد أعلنوا للخاطب رضاهم فلا تحرم خِطبة المرأة من قبل خاطب آخر بدليل حديث (فاطمة بنت قيس) قالت يا رسول الله إن معاوية وأبي جهم خطباني فما ترى يا رسول الله بمن أتزوج، فقال صلى الله عليه وسلم (أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ)

(3)

كناية عن كثرة السفر أو عن ضربه للنساء ولكن أنكحي أسامة ابن زيد كما في الحديث (أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ،

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة. حديث رقم (5066) بلفظ (عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَخَلَوَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الصوم.

معاني الألفاظ: الباءة: تكاليف الزواج والقدرة عليه.

الوجاء: الوقاية والمنع من الوقوع في الزلل.

(2)

صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع. حديث رقم (5142) بلفظ (عن ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، كَانَ يَقُولُ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في االتجارات، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب النكاح: باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها. حديث رقم (3681) بلفظ (عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ: تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي، قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ).

أخرجه الترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الطلاق، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الطلاق.

معاني الألفاظ: يغشاها: يأتيها ويزورها. حللت: أكملت العدة. آذن: أعلم وأخبر.

الصعلوك: الفقير. الغبطة: الفرح والسرور.

ص: 4

انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ)، هكذا قال بعضهم وقال آخرون لا تجوز الخطبة على الخطبة مطلقاً سواء كان قد وقع الرضا والتراضي والاقتناع أو لم يكن قد وقع وقالوا إنَّ الذين كانوا قد خطبوا فاطمة بنت قيس هم معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد كما في صحيح مسلم وبناءً على ذلك فأسامة لم يكن خاطباً جديداً على خِطبة معاوية وأبو جهم وإنما هو خاطب أصلي لا جديد وإن الخطبة على الخطبة غير جائزة مطلقاً حتى ولو لم يكن قد وقع الرضا والقنوع.

س: ما معنى (تَرِبَتْ يَدَاكَ) في حديث (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)

(1)

؟

جـ: هي كناية عن الفقر أي لصقت يداك بالتراب وقد كانت دعاء على الشخص بالفقر فقد صارت كلمة عادية مثل قاتله الله كانت دعوة وصارت كلمة عادية.

‌ضعف حديث (من تزوج امرأة لمالها فلا بارك الله له في مالها)

س: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من تزوج امرأة لمالها فلا بارك الله له في مالها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم؟

جـ: هذا الحديث قد أخرجه ابن حبان من حديث أنس مرفوعاً هو بلفظ (من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلاً ومن تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقراً ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة لم يتزوجها إلا ليغض بصره أو يحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه) قال عنه ابن الجوزي موضوع لأن في سنده عبد السلام ابن عبد القدوس يروي الموضوعات وعمر بن عثمان متروك وأقره الشوكاني في (الفوائد المجموعة) ولكن قد تعقب ابن الجوزي السيوطي في اللئالئ المصنوعة وابن عراق في (تنزيه الشريعة) بأنَّ عبد السلام من رجال ابن ماجة وانَّ أبا حاتم ضعفه ولم يحكم عليه بأنه وضاع وعمر بن عثمان هو الحمصي وليس هو الكلالي والمشهور بالوضع هو الكلالي وأما الحمصي فليس مجروحاً فيكون الحديث عند السيوطي وابن عراق ضعيفاً لا موضوعاً.

والخلاصة لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:

(1)

الحديث وارد عن أنس مرفوعاً عند الديلمي أخرجه الطبراني ولكنه بلفظ غير اللفظ الوارد في السؤال.

(2)

الحديث من قسم الأحاديث الضعيفة وليس بصحيح عند المحدثين ولا موضوعا كما قال ابن الجوزي.

(3)

ابن الجوزي حكم بوضعه لأنَّ في سنده عبد السلام ابن عبد القدوس وعمر بن عثمان.

(4)

السيوطي وابن عراق قد نقدا ابن الجوزي بأن عمر هذا هو الحمصي وأنَّ عبد السلام ضعيف لا وضّاع.

‌تحريم خطبة المرأة وتركها لعدة سنوات ثم الزواج بغيرها

س: ما حكم من خطب امرأة لمدة خمس سنوات وترك المخطوبة الأعوام الخمس وتزوج غيرها؟

جـ: نعم هو آثم ويجب عليه أن لا يظلم هذه الشابة فلا هي متزوجة ولاهي غير متزوجة وقد توعد الله الظالمين

(1)

صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب الأكفاء في الدين. حديث رقم (4802) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

أخرجه مسلم في الرضاع، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

معاني الألفاظ: تربت يداك: دعاء بالفوز والفلاح، وقد تطلق للتأنيب.

ص: 5

بالعذاب الكبير في قوله تعالى {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ

يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}

(2)

وحرم الظلم في الحديث القدسي (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا)

(3)

وهذا معروض على من يحب فعل الخير والاصلاح يصلح بين الطرفين ويحل المشكلة فلا يظلم هذه البنت.

‌جواز خِطبة المرأة للرجل

س: هل يجوز للمرأة أن تخطب الرجل كما فعلت خديجة رضي الله عنها؟

جـ: نعم، يجوز لحديث (جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَكَ بِي حَاجَةٌ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا وَا سَوْأَتَاهْ وَا سَوْأَتَاهْ، قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا)

(4)

ولكن من الناحية الاجتماعية الأولى أن تكون لبيبة ترسل من يعرض على الزوج بصورة ذكية بحيث لا يعرف أن المرأة هي التي أرسلت تخطبه لكي لا يبقى (يعيرها) ويقول لها أنتِ خطبتيني.

‌جواز رؤية الخاطب وجه ويدي المخطوبة

س: ما معنى عبارة (فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا) التي وردت في حديث (انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا)

(5)

؟

جـ: أي أن تدوم العشرة بينكما لأنه إذا قد رأى الخاطب المخطوبة وهي رأت الخاطب فهو أحرى لرضا كل منهما

(1)

- الفرقان: آية (19)

(2)

- الكهف: آية (29)

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الصلة والبر والآداب: باب تحريم الظلم. حديث رقم (4674) بلفظ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تبارك وتعالى، أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)

أخرجه الترمذي في صفة القيامة والرقاق، وابن ماجه في الزهد، وأحمد في مسند الأنصار، والدارمي في الرقاق.

لايوجد مكررات.

معاني الألفاظ: الصعيد: الموضع المرتفع أو الموضع الواسع من الأرض.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح. حديث رقم (4828) بلفظ (حَدَّثَنَا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ قَالَ: أَنَسٌ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَكَ بِي حَاجَةٌ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا وَا سَوْأَتَاهْ وَا سَوْأَتَاهْ، قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا).

أخرجه النسائي في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثريين من الصحابة.

أطراف الحديث: الأدب.

(5)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة. حديث رقم (1087) بلفظ (عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في النكاح.

معاني الألفاظ:

أحرى: أجدر وأولى.

يؤدم: يوفق ويؤلف والمراد المودة والمحبة.

ص: 6

بالآخر، ولكن لا يجوز أن يخلو الخاطب بالمرأة المخطوبة ولا أن يسافرا معاً لا في سيارة ولا طائرة ولا في غيرهما،. وإنما ينظر إليها بحضور وليها، أما الاجتماع بالخطيبة والخلوة بها فهو حرام ولا يجوز أن يذهبا الحديقة معاً أو يختلي بها في أيِّ مكان لحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ)

(1)

ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ)

(2)

.

س: ما الذي يجوز للخاطب أن ينظر إليه من جسم المخطوبة؟

جـ: أن ينظر إلى وجهها ويديهالحديث (انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا).

س: هل يجوز أن تُشم المرأة لمعرفة هل فيها روائح كريهة؟

جـ: لا يجوز أن يشم المرأةَ الرجل ولكن يجوز له أن يرسل امرأة تتأكد له من روائحها، والمرأة المخطوبة يجوز لها أن ترسل من يتجسس على الخاطب لمعرفة روائحه.

س: ما معنى عبارة (فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا) التي في حديث (كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا)

(3)

؟

جـ: قيل أن عيون الأنصار صغار وقيل أن فيها زرقة.

‌تحريم مصافحة الخاطب المخطوبة أو الجلوس معها بدون محرم

س: هل يجوز للشخص أن يصافح خطيبته بحضور أمها؟

جـ: لا يجوز مصافحة الخطيبة لأنها لا تزال أجنبية عن الخاطب ولا يجوز الجلوس مع أمِّ المخطوبة بل يجوز له أن ينظر إلى المخطوبة بحضور الولي من الذكور لحديث (انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا).

‌تحريم زيارة المخطوبة لأنها أجنبية

س: هل يجوز زيارة المخطوبة؟

جـ: لا يجوز، لأنها أجنبية.

(1)

صحيح البخاري: كتابالجهاد والسير: باب من اكتتب في جيش وخرجت امرأته حاجة. حديث رقم (2784) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ) يقال هو أخو الزوج كأنه كره له أن يخلو بها.

أخرجه مسلم في السلام، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الاستئذان.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الرضاع: باب ماجاء في كراهية الدخول على المغيبات. حديث رقم (1091) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ، قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا مَعْنَى كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ الْحَمْوُ يُقَالُ هُوَ أَخُو الزَّوْجِ كَأَنَّهُ كَرِهَ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا)

أخرجه مسلم في السلام، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الاستئذان.

معاني الألفاظ: الحمو: أقارب الزوج من غير أبائه وأبنائه.

(3)

- صحيح مسلم: النكاح: باب النظر إلى وجه المرأة المخطوبة وكفيها. حديث رقم (3470) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا).

أخرجه النسائي في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 7

‌تحريم اختلاط الخاطب بالمخطوبة أو أقاربها من النساء

س: هل يجوز للخاطب أن يؤدي التحية لخطيبته أو لأقاربها من النساء أو أنه غير جائز؟

جـ: إن حكم المرأة المخطوبة مثل غيرها من النساء اللائي يحرم على الرجل أن يكلمها إلا الكلام العادي الضروري كما يحرم عليه أن يخلو بها كسائر النساء اللاتي لسن بمحارم له لحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ) ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ).

ولم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم في خصوص المخطوبة إلا بجواز النظر إليها لمن كان يريد أن يتزوجها كما في حديث (انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا).

س: ما الذي يجوز للخاطب فعله مع المخطوبة بعد الخطبة؟

جـ: لا يجوز له أيًّ شيء لا الخلوة بها إلا مع وجود محرم ولا أن يسافر معها إلا مع وجود محرم لها لحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ) ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ) ولا أن يكلمها بواسطة الهاتف إلا بإذن أهلها وأهله لئلا تتألم أمها أو أمه ولهذا يحسن طلب الإذن من أمها ومن أمه ومن سائر أسرة كل واحد من الخاطب والمخطوبة.

‌جواز التعريض بالخطبة في عدة الوفاة

س: ما حكم خطبة المعتدة من الوفاة والعقد يتم بعد انتهاء العدة؟.

جـ: لا يجوز التصريح بالخطبة في العدة لقوله تعالى {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}

(1)

‌جواز إشعار الزوجة المطلقة بالرغبة في الزواج بها مرة ثانيه بعد انقضاء عدتها

س: هل يجوز للرجل أن يشعر المرأة بعد انقضاء عدتها إن كان راغباً في الزواج بها مرة ثانية؟

جـ: يجوز له أن يشعرها لكي لا يخطبها رجل آخر فتوافق فإن كانت راضية بالزواج بالزوج الأول فستنتظر خطبته من جديد.

‌من الحزم ألا تكاتب المرأة خطيبها ولا ترسل له بصورتها الفوتغرافية

س: هل يجوز للمرأة أن تكاتب خطيبها؟

جـ: من الناحية الدينية يجوز لكن من ناحية الحزم لا ينبغي لأنه إذا لم يتم زواجه بها قد يشهر بها ويدعي أنها كانت تكاتبه ويستدل بمكاتيبها، وفي هذا إساءة لسمعتها وسمعة أسرتها، فينبغي لها ألا ترسل له بصورتها ولا تكاتبه حفاظاً على سمعتها وسمعة أسرتها، بل تعرض صورتها عرضاً فقط بواسطة من تثق به من الرجال أو النساء.

س: هل يجوز للمرأة أن تعطي صورة فوتغرافية لخطيبها ليعرف صورتها؟

جـ: من حيث الشريعة يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد آذن للخاطب أن ينظر إليها في حديث (انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا) ولكن هناك محذور من الناحية الاجتماعية وهو أنه يخشى إذا لم تتم الخطبة ولا يحصل عقد

(1)

- البقرة: (235)

ص: 8

الزواج بها أن يتهم الخاطب البنت ويشيع عنها أنها كانت تغازله وتراسله ويستدل على أقواله هذه بصورتها، فيقضي على سمعتها وقد يتجنبها الخطاب لذلك فتضحي بمستقبلها، ولكن إن أرادت أن تطلعه على صورتها فلتكن لبيبة حاذقة فترسل الصورة مع من تثق فيه ليطلع الخاطب على الصورة ولا يسلمها له وتحتفظ بالصورة وبالفيلم لديها.

س: أنا شاب خاطب أتكلم مع خطيبتي كل اسبوع في التلفون بعلم أمها فقط وكلامي معها ليس شيئا محضورا وإنما كلام محترم، فما الحكم؟

ج: لا مانع ولكني أنصحك أن لا تكلمها إلا وقد أشعرت أمها وأباها وأمك وأباك خشية من كلام الناس، والمسألة اجتماعية وشرعية.

‌جواز التلميح بالخطبة للمعتدة من طلاق بائن

س: هل يجوز أن يتزوج الرجل بأخت المرأة إذا طلق زوجته في عدتها؟

جـ: لا يجوز له أن يخطب أخت الزوجة ولا أن يعقد عليها قبل انقضاء عدة الزوجة في الطلاق الرجعي. ويجوز له التلميح فقط في الطلاق البائن لقوله تعالى {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ}

(1)

‌العبرة في كفاءة النكاح بالدين لا بالنسب

س: ما هي الكفاءة في الزواج؟

جـ: الكفاءة في الدين لا في النسب هذا هو اختيار الشوكاني واختيار وزارة العدل في قانون الأحوال الشخصية اليمني وهو اختيار جمهور العلماء خلافاً للهادوية الذين يجعلون العبرة في الكفاءة هي الدين والنسب، ودليل الجمهور حديث (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(2)

وقوله تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}

(3)

، وأمااعتبار النسب فهو من رواسب الجاهلية فيجوز في الشريعة أن يتزوج الإنسان بذات الدين وإن كانت بنت (رجل حجَّام أو نحوه) ويجوز للهاشمية أن تتزوج بغير الهاشمي وللعربية أن تتزوج بالأعجمي ولا عبرة بالأحساب والأنساب في كفاءة النكاح لقوله تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ولحديث (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) ولحديث (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)

(4)

.

(1)

- البقرة: (235)

(2)

سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ما جاء إذا جاء من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. حديث رقم (1004) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1084).

أخرجه ابن ماجة في النكاح.

معاني الألفاظ: عريض: كبير

(3)

- الحجرات: آية (13).

(4)

- مسند أحمد: كتاب باقي مسند الأنصار: باب حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (22291) بلفظ (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ ثُمَّ قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ: وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2963).

انفرد به.

معاني الألفاظ: أيام التشريق: الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الاضحى.

ص: 9

س: يرغب رجل بأن يتقدم لخطبة فتاة وهي موافقة إلا أنه حينما يذهب إلى أهلها يقول له بعض الناس بأنك لست بكفؤ لها ولا تصلح للزواج بها فهل في الإسلام أن الناس يفضل بعضهم البعض أفيدونا؟

جـ: اعلم بأنه إذا كان الخاطب لهذه البنت متديناً أميناً وهو مرضي في أخلاقه وسلوكه وقد رضيت البنت به زوجاً لها فلا وجه لعدم مساعدته على الزواج بهذه البنت مهما كانت قد رضيت به إن صح الاستفتاء وصح أنها راضية به زوجاً لها وشريكاً لها في الحياة كما أنه لا وجه لأسرة هذه البنت القيام ضد ما قد رغبت فيه وإن كان المثبطون لولي البنت هم أسرته وأقاربه وعصبته الذين لا يرضون بزواجها به لكونه لم يكن مساوياً لها في الحسب والنسب فيُعَدّ الولي عاضلاً إن كان الزوج ممن يصدق عليه أنه مؤمن حسن السلوك وهو أمين وهو على جانب من الأخلاق المحمودة ينطبق عليه حديث (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)، أما إذا كان الخاطب لها ليس بأمين ولا متدين ولا حظ له في الخلق الحسن ولا الأمانة فلا مانع من عدم قبول خطبته لهذه البنت من عدم مساعدته على الزاج بها ولا يُعد الولي إذا كان الخاطب على هذه الصفة عاضلاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(1)

فمن كان متديناً أميناً متخلقاً بأخلاق المؤمن وجب على الولي مساعدته وإجابته والموافقة على مصاهرته إن كانت البنت المخطوبة راضية بالزواج منه مقتنعة بأن يكون شريكاً لحياتها، ومن كان غير أمين ولا عدل ولا متدين ولا متخلق بأخلاق المؤمنين فلا مانع من رفض طلبه وعدم مساعدته على قبول ما جاء به من مهر ما دام ولم يكن على الشرط الذي شرطه النبي صلى الله عليه وسلم في الزوج الذي أوجب النبي صلى الله عليه وسلم على الأولياء أن يزوجوه في حديث (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ).

س: في حديث (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ) فماذا يقصد بقوله (وَإِنْ كَانَ فِيهِ)؟

جـ: يقصد بقوله صلى الله عليه وسلم (وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أي وإن لم يساوِ المرأة في النسب فإن تقدم لخطبة من كانت ابنة قاضٍ وهو ليس بابن قاض أو كانت هاشمية وهو ليس بهاشمي أو كانت ابنة شيخ وهو ليس ابن شيخ. وهكذا فيزوج لأن الشريعة لا تقيم اعتباراً للأحساب والأنساب وإنما تعتبر الدين والخلق فقط، فالمدار في الكفاءة هو (الدين والاستقامة) ولا ينظر إلى شيء آخر.

س: هل يجوز تزويج قاطع الصلاة؟

جـ: لا يجوز لأنه ليس بكفؤ لمن كانت من المصلين لأن الكفاية في الدين معتبرة شرعاً لحديث (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ).

(1)

- سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بتصحيح الألباني للحديث في صحيح سنن أبي داود برقم (1084).

ص: 10

‌تحريم رفض نكاح من يكن مرضياً في خلقه ودينه

س: بعض الناس يعتبر أن النسب له اعتبار في الكفاءة ويستدل على ذلك بحادثة طلاق (زينب بنت جحش) لأنها كانت تتكبر على زيد بن حارثة؟

جـ: حادثة (زينب بنت جحش) هي دليل على أنه لا اعتبار بالنسب لأنها امرأة قرشية بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجها (زيد بن حارثه) الذي ليس بهاشمي ولا قرشي، فهي دليل على عدم اعتبار النسب في الكفاءة، أما أنها كانت تتكبر على زيد وطلقها فلحكمة هي ما ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم لئلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم كما في قوله تعالى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}

(1)

.

س: هل يجوز لأهل البنت أن يرفضوا زواجها إذا كانت من الهاشميين إلا لهاشمي، أو ترفض البنت ذلك؟

جـ: الشريعة الإسلامية لا تفرق بين أحد من المسلمين الأتقياء ممن هو كفؤ في الدين للمرأة لا في المذهب ولا في النسب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(2)

ويقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}

(3)

. ولحديث (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى).

والنبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنته (زينب) بأبي العاص بن الربيع وهو من بني أمية، كما زوج ابنتيه (رقية وأم كلثوم) بعثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أموي وزوَّج أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عمر رضي الله عنه ابنته (أم كلثوم) وهو من بني عدي، والإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الذي ينتسب إليه الزيدية الهادوية في اليمن زوج بناته وهن (علويات فاطميات) بأصحابه الطبريين، وهم ليسوا علويين ولا فاطميين بل ولا عرب وإنما هم فرس من بلاد (طبرستان)، أي أنهم ليسوا بعرب فضلاً عن أن يكونوا من ذرية الحسن أو الحسين ولدى علي بن أبي طالب من زوجته البتول فاطمة الزهراء.

والخلاصة: هي أن المهم هو الكفاءة في الدين، ولا عبرة بالأنساب أو المذاهب وأن الذي على أولياء المخطوبة هو البحث عن سيرة الخاطب من ناحية الدين والسلوك الحسن وتقوى الله، فإذا كان الخاطب متديناً حسن السيرة والسلوك ممن يتقي الله ويخافه سواء كان عربياً أو أعجمياً عدنانياً أو قحطانياً فيجب عليه أن يزوج ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية الشرعية في النكاح عليها عملاً بالحديث الشريف (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم في تزويج بناته الثلاث بغير هاشميين وتحققا بقوله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ

تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ

(1)

الأحزاب: الآية (37).

(2)

- سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بتصحيح الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1084).

(3)

- الحجرات: آية (13)

ص: 11

غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(1)

وقوله تعالى {لَقَدْ كَانَ

لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ

يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ

وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}

(2)

واقتداءبأمير المؤمنين علي رضي الله عنه وتأسياً بالإمام الهادي، ولا يعضلها ويمنعها من الزواج بمن هو كفؤ لها في الدين، لأني أخشى أن يكون المسئول عنها عند الله عز وجل يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}

(3)

.

‌جواز رفض نكاح من لم يكن مرضيا في دينه وخلقه

س: خطب رجل فتاة من أبيها فحدث أنها ترغب بالزواج به ولكن أباها رفض لأنه شخص غير مستقيم ولا يؤدي الصلوات المكتوبة فهل يجوز لهذه الفتاة أن توافق على الزواج به أم أنه لا يجوز؟

جـ: لا مانع للولي بأن يرفض زواج ابنته من هذا الزوج ما دام وهو فاسق لا يصلي لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(4)

ومفهومه أنه إذا جاءكم من لم يكن مرضيا في دينه

(5)

وقد تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم زينب بنت جحش وهي من عمته وزوَّج ابنته فاطمة لعلي رضي الله عنهما وهو ابن عمه.

‌مشروعية تزويج الأب الغني أولاده الفقراء

س: طلب ولدان بالغان من والدهما أن يزوجهما ولكن رفض ذلك علماً بأنه مقتدر على تنفيذ رغبة ولديه نظراً لأن لديه رأس مال كبير فهل هو حر في رفضه أم ماذا يلزم عليه؟

جـ: اعلم بأن المنصوص عليه في كتب الفقه هو أنه لا يجب على الوالد أن يعف ولده أي أن يزوجه وإنما هو من باب المندوب والمرغب فيه فقط، ولكن صدر من وزارة العدل ما يقضي بوجوب تزويج الرجل الغني ولده كما نص عليه قانون الأحوال الشخصية الصادر من لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية ويحسن منك الرفع بالقضية إلى وزارة العدل لتأمر باللازم على ضوء القانون المذكور إن كان نافذ المفعول ومطبقاً في المحاكم الشرعية وأقرته الجهة المختصة.

‌جواز الزواج العرفي من الناحية الشرعية

س: ما هو الحكم في الزواج العرفي أفتونا مأجورين؟

(1)

- آل عمران: آية (31)

(2)

- الأحزاب: آية (21)

(3)

- الشعراء: آية (88)

(4)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة بتصحيح الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1084).

(5)

- النساء: آية (24)

ص: 12

جـ: اعلم أن الزواج العرفي وهو المعروف في بعض الشعوب الإسلامية هو عقد جامع لشروط عقد النكاح المنصوص عليها في كتب الفقه وشروح الحديث إلا أن صك العقد أو وثيقة العقد غير مقيدة في دفتر المحكمة ولهذا إذا حصل نزاع بين الزوجين بخصوص نفقة الزوجة أو الأولاد وحضر الزوجان أو الوكيلان عن الزوجين فإن المحكمة لا تلزم الزوج بنفقة زوجته وأولادها ما دام وعقد الزواج غير مقيد في المحكمة، وهكذا لا تحكم بالإرث فيما بين الزوج وزوجته في هذا الزواج العرفي الذي لا وجود له في اليمن والحمد لله.

س: ما هو الحكم الشرعي إذا علم الشخص أن أخته أو قريبته تزوجت زواج عرفي؟

جـ: يجب عليه منعها وأمرها بمفارقة الزوج وإذا امتنعت عليه الاتصال بالحاكم الشرعي المولى من الدولة في منطقته لحديث (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)

(1)

وحديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ)

(2)

.

‌شروط صحة عقد النكاح

س: ما هي شروط صحة عقد النكاح؟

جـ: هي أربعة شروط:

1.

(وجود الولي) خلافاً لأبي حنيفة والدليل حديث (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)

(3)

وحديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ)

(4)

.

2.

(وجود الشاهدين) خلافاً (للإمام مالك بن أنس) والدليل قوله تعالى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}

(5)

وحديث (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7557) والآية والحديث يدلان على أن الإشهاد على عقد النكاح شرط لصحة عقد النكاح وأن عقد النكاح بدون اشهاد عليه باطل لأن صيغة النفي في الحديث (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) تفيد نفي ذات النكاح وإذا تعذر نفي الذات فيحمل النفي على أقرب المجازين وهو نفي الصحة أي لا نكاحا صحيحا إلا بولي وشاهدي عدل ونفي الصحة يستلزم نفي الشرعية ويكون معنى الحديث لا نكاحا شرعيا إلا بولي وشاهدي عدل، والنكاح الذي يكون بدون شاهدي عدل نكاح غير شرعي والنكاح غير الشرعي هو النكاح الباطل الذي وجوده وعدمه على السواء لمخالفته الأمر الشرعي في عقد النكاح.

(1)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح عن رسول الله: باب ما جاء لا نكاح إلا بولي. حديث رقم (1020) بلفظ (عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1101).

أخرجه أبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في النكاح.

معاني الألفاظ: الولي: الأب ومن يقوم مقامه في التزويج.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح عن رسول الله: باب ما جاء لا نكاح إلا بولي. حديث رقم (1021) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1102).

أخرجه أبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، باقي مسند الأنصار، والدارمي في النكاح.

معاني الألفاظ: الولي: الأب ومن يقوم مقامه في التزويج.

(3)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي موسى رضي الله عنه برقم (1020).

(4)

- سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عائشة رضي الله عنها برقم (1021).

(5)

- الطلاق: (2).

ص: 13

3.

(تعيين المرأة بالإسم) كأن يقول زوجتك بابنتي فلانة، أو بـ (الوصف) كأن يقول زوجتك بابنتي الصغرى أو الكبرى أو الوسطى أو السوداء أو البيضاء أو بأيِّ وصف يميزها عن أخواتها، أو بالإضافة إذا لم يكن له إلا بنت واحدة كأن يقول زوجتك بابنتي إذا لم يكن له بنت سواها فلا يشترط أن يأتي باسمها أو بوصفها.

4.

(رضا البنت) فلا بد من رضا البنت فإن رضيت بعد مؤاذنتها فالنكاح صحيح وإن لم ترض فالنكاح غير صحيح لأن الرضا شرط من شروط صحة عقد النكاح وإذا قد وقع العقد فالعقد موقوف حتى ترضى لحديث (إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ)

(1)

، فإذا اجتمعت هذه الشروط فعقد النكاح صحيح وإن تخلف شرط منها أو أكثر فعقد النكاح غير صحيح.

س: هل يجوز إكراه البنت على الزواج؟

جـ: لا يجوز إجبارها على الزواج لحديث (إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ)

(2)

ولا يكون إلا برضا الزوج أو الزوجة أو اقتناعهما لا بالإجبار والإكراه ولا بالضغط ولا ينبغي إجبار الولي ابنه أو ابنته على التزوج بالقوة فهذا العمل ليس من الشريعة الإسلامية، وأما المهر فيجب أن يكون مناسباً لحال الزوج وألا يكون زائد زيادة يعجز من له دين وخلق عن أداء المهر لحديث (انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)

(3)

.

س: عقد رجل لامرأة برجل كفؤ بعد رضاها ولكن والدها غير راضٍ فهل رضا والدها شرط في صحة العقد أم أنه ليس بشرط أفتونا مأجورين؟

جـ: الولي هو الذي يتولى عقد زواج المرأة ولا يصح عقد النكاح من أيِّ شخص ليس بأقرب الأولياء ولا بيده وكالة من أقربهم ولو أجازت المرأة العقد لأن الولي شرط من شروط عقد النكاح ويجب عليه أن يعقد لها مهما كان الخاطب مرضياً في دينه وخلقه ولايجوز له الامتناع من العقد لابنته بالزوج الكفؤ مهما قد رضيت به زوجاً ولا يحق له شرعاً الرفض إلا إذا كان الزوج غير كفؤ لها وغير مرضي في دينه وخلقه، أما إذا كان مرضياً في دينه وخلقه ورفض الأب أن يعقد لابنته العاقلة البالغة الراضية به فإن رفضه يكون عضلاً والعاضل تنتقل ولايته إلى من يليه الأقرب فالأقرب من العصبة وإذا امتنع من يليه أو من دونه من الأولياء فالولاية تنتقل إلى القاضي

(1)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (5136).

(2)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (5136).

(3)

- صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن: باب القرآءة عن ظهر غيب. حديث رقم (5087) بلفظ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شيئاً جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ، هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي، قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّهَا قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الوكالة، النكاح.

ص: 14

الشرعي المتولي في المنطقة، وإذا كان الفضولي قد عقد لها فلا مانع للأب من الإجازة للعقد أو يعقد لابنته من جديد المهم هو أن لا يرفض العقد لها مهما كانت راضية وكان الزوج مرضياً في خلقه ودينه وقد جاء في الحديث الصحيح المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(1)

.

س: هل يجوز للرجل أن يعقد لنفسه بالزواج بحضور ولي المرأة وشاهدي عدل أم أنه لا يجوز؟

جـ: اعلم أن النكاح الذي احتوى عقده على الإيجاب والقبول وتعيين المرأة بالاسم أو اللقب أو غيرهما بعد رضاها واحتوى على ولي وشاهدي عدل صحيح شرعاً.

س: ما الفرق بين النكاح الصحيح والفاسد والباطل؟

جـ: نص العلماء على أن النكاح على ثلاثة أقسام:

الأول: صحيح: وهو ما جمع الشروط كلها كأن يكون بعد إذن المرأة وبولي وشاهدين عدلين.

الثاني: باطل: وهو ما خالف الإجماع ولم يوافق قول قائل من العلماء مثل أن يكون بلا ولي ولا شهود.

الثالث: فاسد: وهو ما وافق قول قائل ولن يخرق الإجماع مثل أن يكون العقد بولي ولكن بلا شاهدين عليه فقد وافق قول الإمام مالك الذي لا يشترط الشاهدين في عقد النكاح أو يكن العقد بالشاهدين وبلا ولي فقد وافق مذهب الإمام أبي حنيفة ويجعلون الفاسد كالصحيح إلا في بعض الأحكام المذكورة في كتب الفقه.

س: هل من شروط عقد الزواج أن يكون كاتبه من الرجال أم أنه يصح أن يكون من امرأة؟

جـ: اعلم بأن عقد الزواج الصحيح ما جمع شروطاً أربعة:

1 -

أن يكون من الولي المرشد.

2 -

بحضور شاهدي عدل أو رجل عدل وامرأتين.

3 -

رضا المكلفة العاقلة.

4 -

تعيين المرأة بالاسم أو بالوصف فما جمع هذه الشروط فهو صحيح سواء كان من يكتب هذا عدلاً أميناً أم عدلة أمينة مهما كانت هذه الأمينة تعرف الطرفين الزوج والولي وستحضر وهي محتجبة غير سافرة إن كان الحاضرون أجانباً عنها.

س: رجل مغترب في أمريكا قام بزواج ابنته التي في اليمن بواسطة موكله حيث أن الأب وكل في زواج البنت عمها وكان التوكيل بواسطة مكالمة تلفونية ولم تعلم بالوكالة ولا بخطبتها فهل العقد صحيح أم لا؟

جـ: الجواب إنًّ مؤاذنة المرأة شرط من شروط صحة العقد وإذنها يكون الصمت إن كانت بكراً وبالنطق إن كانت ثيباً لحديث (لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ)

(2)

وإذا كانت هذه البنت لم تجز هذا العقد فالعقد غير صحيح شرعاً اللهم إلا إن كانت قد زفت فعلاً

(1)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي حاتم المزني بتحسين الألباني للحديث في صحيح سنن الترمذي برقم (1085).

(2)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (5136).

ص: 15

فزفافها وسكوتها يعتبر رضاً منها بالعقد، ولا بُدَّ في التوكيل عن طريق الهاتف من حضور شهود يستمعون إلى الوكالة ولكن الأحوط عدم الوكالة بالهاتف والعدول إلى وكالة خطية مشهود عليها ومعمدة من قبل السفارة أو القنصلية وإرسالها بطريق البريد الجوي وهو الأحوط لأني لا أستطيع أن أجزم بجواز التوكيل في الزواج عن طريق التلفون وذلك لتشابه الأصوات.

‌وجوب المسمى من المهر أو مهر المثل

س: أفتونا في رجل زوج بناته لأولاد أخيه بدون مهر أو شرط وبدون رضاهن، فما الحكم في ذلك؟

جـ: إن رضا الزوجة بالزواج شرط من شروط صحة عقد النكاح ورضا البكر يكفي فيه السكوت ورضا الثيب لا بد فيه من أن يكون الرضا نطقاً لحديث (لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ)

(1)

لكن إذا كن قد خرجن من بيت والدهن إلى بيت الزوج أو إلى شقة الزوج أو غرفة الزوج ودخل كل زوج بزوجته فدخول كل زوج إلى زوجته بعد أن زفت إليه يعتبر موافقة ورضا وعلى كل زوج تسليم مهر زوجته لأن المهر لازم للعقد وواجب على من عقد له بزوجة لقوله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}

(2)

وقوله تعالى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(3)

وليس هو بشرط وهو للزوجات لا للأب ولا يعد رضا الأب شرطا اللهم إلا إذا كن قاصرات فإذا بلغن بعد الزواج رشدهن فلا مانع لهن من طلب فسخ عقد نكاحهن إن أردن ذلك هذا هو الحكم الشرعي لحديث (أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(4)

.

‌صحة عقد نكاح من يغير اسمها عند العقد بمصادقة الطرفين

س: يحصل في بعض القرى حال عقد النكاح أن بعض الناس يغيرون اسم المعقود بها باسم آخر فهل يكون العقد صحيح أولا؟

جـ: إن من يغير اسم المرأة حال عقد نكاحها معتقداً أن للأسماء تأثير في بقاء الزوجة لدى زوجها قد صدَّق من يزعم إن للاسم تأثير للمحبة أو في حسن العشرة ولا أصل له في الشريعة الإسلامية، أما من ناحية صحة العقد من عدمه فإذا كان العقد قد بني على أيِّ اسم من الأسماء فصادق عليه الطرفان فإن العقد صحيح لأن من شروط صحة عقد النكاح أن تكون المرأة المعقود بها قد تعينت بالاسم أو بالوصف أو بالإضافة للولي إذا لم يكن هناك غيرها وسواء كان الاسم قديماً أو كان جديداً.

‌وضع يد العاقد بالمرأة في يد المعقود له عادة وليست بشريعة

س: هل يشترط في عقد النكاح بين الزوج وولي المرأة أن يضع أحدهما يده في يد الآخر ويوضع غطاءٌ على أيديهما من قماش أو نحوه؟

(1)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (5136).

(2)

- النساء: (4).

(3)

- النساء: (25).

(4)

- سنن أبي داود: كتاب النكاح: باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها. حديث رقم (2096) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: جارية: البنت التي لم يسبق لها الزواج.

ص: 16

جـ: ليس هو بشريعة وإنما هي عادة، وإلا فالعقد يصح بالتلفظ ولا يشترط وضع يد أحدهما في يد الآخر ولا يجب ولا يسن ولا يندب، حيث وهوليس بأمر شرعي وإنما هو من جملة الأعراف والعادات.

‌جواز عقد الزواج بالمرأة وهي في أيام العادة الشهرية

س: هل يمنع شرعاً عقد الزواج بامرأة وهي في أيام العادة الشهرية؟

جـ: لا مانع من أن يعقد الولي للمرأة بالزوج الذي قد رضيت به زوجاً ولو كانت هذه المرأة المعقود بها في حالة حيض حتى يرد دليل صحيح صريح في الكراهة أو التحريم.

‌زواج الصبي غير صحيح

س: هل يصح عقد الصبي؟ ومن هو الصبي؟

جـ: الصبي لا يصح عقده ولا طلاقه وإنما يزوجه وليه ويطلق عنه وليه إن رأى في زواجه أو طلاقه مصلحة، وهذا هو رأي جمهور العلماء من المذاهب الأربعة، والصبي: هو الذي لم يبلغ الحلم ولم تظهر عليه أمارات البلوغ.

ومذهب (ابن حزم) الظاهري والسيد العلامة (محمد بن إسماعيل الأمير) وهو ما اختارته المحكمة العليا في الجمهورية اليمنية، أنَّ زواج الصبي لا يصح لأنه لا مصلحة له فيه، ولا أدري الآن ما هو المطبق في المحاكم الشرعية في الجمهورية اليمنية في هذا الوقت هل هو ما ذهب إليه الجمهور أو هو ما ذهب إليه ابن حزم والأمير.

س: رجل زوَّج ولده الصغير الذي لا يتجاوز عمره سبع سنين بالبنت الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها سبع سنين وحيث أن ولده المذكور لا زال صغيراً فقد قبل عقد النكاح عنه والده المذكور وقد رأى المتوسطون بين عائلة الزوج الصغير وعائلة الزوجة الصغيرة أن يفرقوا بين الزوجين بالطلاق فهل يطلق الطفل الصغير زوجته الصغيرة بنفسه أم يطلق عنه والده كما قبل عنه عقد النكاح؟

جـ: العقد للصغير لم ينعقد لأن الذي قرره بعض المحققين من العلماء المجتهدين وهو المختار عند علماء وزارة العدل والمحكمة العليا للاستئناف أن عقد النكاح للولد الصغير لا ينقعد ولا يقع ولا ينفذ لعدم المصلحة له بذلك وبناء على عدم انعقاده فلا حاجة إلى أن يطلق عنه وليه ولا أن يطلق بنفسه لأن الطلاق لا يكون إلا بعد صحة عقد النكاح وهو هنا لم يصح لعلة الصغر وعدم المصلحة، وعلى الولي الاتصال بالقاضي الشرعي المولى في المنطقة ليعرف صحة الاستفتاء من عدمه ويحرر اللازم بيد ولي الطفل وولي الطفلة على ضوء القرارات الصادرة من وزارة العدل والمبلغ بها إلى جميع المحاكم الشرعية في أنحاء الجمهورية اليمنية وهذا الرأي هو الذي كان قد رجحه (ابن حزم) في المحلى والعلامة (محمد بن إسماعيل الأمير) في منحه الغفار على ضوء النهار والله أعلم.

‌ولي المرأة الشرعي هو أقرب الذكور إليها من العصبة

س: من هو ولي المرأة الذي يحق له شرعاً أن يتولى عقد النكاح؟

جـ: هو أقرب الذكور من العصبات إليها، الأب فإن فقد فالأخ الشقيق فالأخ لأب فابن الأخ الشقيق فابن الأخ لأب فإن لم يوجدوا فالعم الشقيق فالعم لأب فابن العم الشقيق فابن العم لأب فإن فقدوا جميعا ًفتنتقل ولاية المرأة إلى القاضي الشرعي المتولي في المنطقة لأنه نائب عن السلطان الشرعي وهو (رئيس الدولة).

ص: 17

س: من هم العصبات؟

جـ: هم قرابة الرجل من جهة أبيه وجده كالأبناء وأبنائهم مهما نزلوا، والأب والجد مهما علا، والأخوة الأشقاء والأخوة لأب وأبنائهم مهما نزلوا، والأعمام الأشقاء والأعمام لأب وأبنائهم مهما نزلوا.

س: طلق رجل زوجته وله عليها طفلة لم ينفق عليها حتى بلغت رشدها فعقد لها للزواج ولم يسلم نفقتها للمنفق عليها، فما هو الحكم في ذلك؟

جـ: إنَّ ولاية عقد النكاح للبنت المذكورة إلى وليها الشرعي من العصبة وهو أقرب الأولياء عليها وهو ها هنا في هذه المسألة بالذات والدها المذكور في السؤال مهما كانت راضية حالة كونها عاقلة بالغة ويكفي للدلالة على رضاها السكوت لأن السكوت من البكر دال على الرضاء وهو أيِّ السكوت كاف لحديث (إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ)

(1)

فإذا نطقت بالرضاء فنطقها زائد على الواجب، والمهر خالص لها لقوله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}

(2)

وقوله تعالى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(3)

وأما ما يسمى بالشرط أو بالدفع أو بحق النار فهو لمن يفتح بيته لحفلة العرس فيتصرف بما تحتاجه وليمة العرس والزفاف، وأما النفقة والكسوة للبنت المذكورة فكله على والدها، وأما نفقة الماضي فإذا كان أهل الزوجة وهو والد الزوجة وجد هذه البنت قد انفق على البنت المذكورة بنية الرجوع على أبيها فلا مانع لهم من الرجوع عليه بقيمة ما انفق وإن كان قد انفق عليها تبرعاً منه أو كان قد التزم بها فلا يحق له الرجوع على الأب، وأما أم البنت فإن كانت ناشزاً أو مطلقة فلا نفقة على الزوج لها وإن كانت غير مطلقة وغير ناشزة فالنفقة على الزوج لحديث (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

(4)

وحديث (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)

(5)

.

(1)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (5136).

(2)

- النساء: (4).

(3)

- النساء: (25).

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الحجـ: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (2941) بلفظ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنْ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْتُ، أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ شيئاً مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَقَرَأَ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ (إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ فَقَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

أخرجه البخاري في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الحج، والدارمي في المناسك.

معاني الألفاظ: نساجة: نوع من الأكسية والثياب المنسوجة.

المنكب: المفصل الذي بين العضد والكتف. المشجب: أعواد تعلق عليها الثياب ومتاع البيت. أذن: أعلم وأخبر. الإستثفار: أن تشد المرأة وسطها وتضع محل الدم خرقة. الإهلال: النية والتلبية. لزم: داوم على ترديد التلبية. استلم الركن: لمسه و قبله أولمسه فقط أو أشار إليه بيده فقط. الرمل: المشي السريع مع تقارب الخطى. الباب: باب بني مخزوم، ويسمى الآن باب الصفا. الانصباب: الإنحدار. صعدتا: ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.

استقبلت: بدا لي أولا. الهدي: مايذبحه الحاج في حجه نسكا.

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الأحكام: باب القضاء على الغائب. حديث رقم (2211) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ هِنْدًا قَالَتْ: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ، قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)

أخرجه مسلم في الأقضية، والنسائي في أداب القضاة، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي منسد الأنصار، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: النفقات، المظالم والغصب.

ص: 18

‌عقد نكاح الأخ لأخته في وجود الأب غير صحيح إلا بإجازة أو وكالة من الأب

س: هل يصح عقد النكاح إذا زوَّج البنتَ أخوها بدون وكالة من الأب ولا رضا منه؟

جـ: لا يصح عقد النكاح إلا إذا كان بوكالة من الولي الشرعي (وهو الأب) لأنه هو الأقرب وإلا فالعقد غير صحيح ولو كانت الزوجة راضية بالزوج لأن العبرة بالرضا مع كون العاقد أقرب الناس إليها لحديث (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)

(1)

.

س: إن ابن عمي أقدم على عقد الزواج بأختي بدون علمي أو وكالة مني، السؤال هل عقد هذا الزواج صحيح أم أنه فاسد؟

جـ: اعلم بأنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) وقال صلى الله عليه وسلم (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا

(1)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي موسى برقم (1020).

ص: 19

وَلِيَّ لَهُ)

(1)

صدق رسول الله وقد قال الجمهور من العلماء: بأن شروط صحة عقد النكاح أن يكون العاقد للمرأة هو الولي وأن العقد بلا ولي باطل ولم يخالف في المسألة إلا الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان الذي أجاز للمرأة أن تزوج نفسها قياساً على جواز بيعها لسلعتها وهو قياس فاسد الاعتبار لمصادمته النصوص الصريحة في الدلالة على شرطية الولي المذكورة في أول هذا الجواب وإذا تقرر شرطية الولي فالولي هو من العصبة الأقرب فالأقرب فلا ولاية للأخ مع وجود الأب ولا ولاية للعم مع وجود الأب والأخ ولا ولاية لابن العم مع وجود الأخ اللهم إلا إذا كان الأخ أو غيره عاضلا للمرأة أو غائباً عنها فإن الولاية ستنتقل إلى من يليه من الأقارب فإذا صح أن ابن عمك عقد لأختك ولم تكن عاضلاً لها أي مانعاً من تزويجها ولا كنت غائباً فإن العقد لا يصح شرعاً والعبرة بالبرهان على أنك لم تعضل أختك ولا كنت غائباً عنها ولا مانع من عرض القضية على القاضي الشرعي المتولي في المنطقة ليعرف الحقيقة ويجري اللازم شرعاً.

س: هل يصح زواج امرأة إذا كان وليها في بلدة أخرى أو دولة أخرى بأن يعقد لها أخوها؟

جـ: أصبح العالم قرية ويستطيع الإنسان أن يتصل بوليها بواسطة التلفون والسفارات والقنصليات، فلا بُدَّ من إذنه ورضاه ويوكل من يثق به بعد تصديق الوكالة من القنصلية مع الختم الرسمي.

س: هل يصح عقد الزواج بالمرأة إذا تعذر الاتصال بوليها؟

جـ: المعمول به في المحاكم الآن أن المحكمة تتصل بوزارة العدل بشأن القضية والوزارة تتصل بوزارة الخارجية ووزارة الخارجية تتصل بالسفارة أو القنصلية التي في البلد الذي يقيم فيه الولي فترجع السفارة لهم خبراً عن الولي إما بالموافقة على الزواج والتوكيل لحديث (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)، وإما أنه عاضل فتزوجها المحكمة إذا رفض تزويجها الأولياء الآخرون الأقرب إليها من العصبات، والمحكمة لا تزوجها إلا في حالة إذا جاء الرد من السفارة أن الولي لم يوجد أو كان موجوداً وامتنع من التوكيل أو الحضور لأن (السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)

(2)

، وعضل الولي حرام لقوله تعالى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ

مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}

(3)

.

س: إذا تزوج رجل بامرأه من غير ولي لكون الولي تعذر الاتصال به لا بالتلفون ولا بالمراسلة ولا السفارة ولا غيرها لكونه يعيش في بادية في بلد آخر لا تصل إليه التلفونات ولا السفارة ولا غيرها من وسائل الاتصال ثم وجد الولي بعد وقوع الزواج فمن يجدد العقد الولي أو السلطان؟

جـ: إذا كانوا قد بذلوا الوسع في البحث عن الولي حتى لم يجدوه فالعقد صحيح لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}

(4)

وقوله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

(5)

وإن كانوا قد قصروا فالعقد غير صحيح.

س: إذا كان والد المرأة به (لمم من الجنون) فهل تنتقل الولاية إلى أخيها؟

(1)

- سنن ابن ماجة: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بتصحيح الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (1539).

(2)

- سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عائشة رضي الله عنها برقم (1102).

(3)

- البقرة: (232).

(4)

- التغابن: آية (16)

(5)

- البقرة: آية (236)

ص: 20

جـ: إن كان الأب هذا مجنوناً فتنتقل الولاية إلى أخيها وإن كان مرضه خفيفاً فلا والأولى في مثل هذه الحالة أن يُطلب من الأب أن يوكل أخا البنت أو غيره لأن الوكالة أحوط، فإن كان مجنوناً فقد انتقلت الولاية وإن لم يكن مجنوناً فقد وكَّل لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} .

س: لمن تكون ولاية البنت اليتيمة الأبوين التي لم يبق لها إلا عمها وخالها مع أنها تعيش في بيت خالها؟

جـ: الولاية للعم لأنه من العصبة فإن عضل تنتقل إلى ابن العم وهكذا فإن عدمت العصبة تنتقل الولاية إلى القاضي الشرعي المتولي في المنطقة لأن السلطان ولي من لا ولي له لحديث (فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)

(1)

، أما الخال فهو من ذوي الأرحام وليس من العصبات ولا تنتقل إليه الولاية أبدا إلا إذا وكله القاضي الشرعي بأن يعقد بها بالوكالة عن القاضي الشرعي، هذا رأي الجمهور خلافاً للحنفية القائلين بأن لذوي الأرحام كالخال أو ذوي السهام كالأخ لأم ولاية في النكاح وهذا القول الذي ذهب إليه الحنفية قد رجحه (الشوكاني) في (وبل الغمام)(حاشية شفاء الأوام) وأخذه صِدِّيق حسن خان القنوجي في (الروضة الندية) باللفظ ولم يعزه إلى شيخ الإسلام الشوكاني كما هي عادة صديق حسن من أخذ كلام الشوكاني باللفظ بلا عزوه إليه.

س: ما رأيكم في شخص خطب امرأة منذ أربع سنوات وحصل خلاف بين ولي المرأة والخاطب، فعقد الولي بالمخطوبة لابن عمها، ما لحكم؟

جـ: يصح العقد مع الإثم لكون العقد فوق الخطبة ويأثم الخاطب الثاني على خطبة السابق لحديث (وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ)

(2)

، ويصح العقد لأن النهي لا لذات العقد وإنما لأمر خارجي.

‌لا يصح أن يعقد بالمرأة شخص من ذوي الأرحام

س: هل يجوز أن يعقد بالمرأة جدها من جهة أمها؟

جـ: لا يجوز ولا يصح العقد لأنه ليس من العصبات وإنما هو من ذوي الأرحام إلا أنه يجوز أن يعقد بها بالوكالة من أقرب العصبات إلى المرأة.

س: هل يجوز أن يعقد بالمرأة أخوها من الأم؟

جـ: لا يجوز لأنه ليس من العصبات للمرأة وإنما هو من أسرة أخرى إلا أن يوكل الأخَ لأم أقربُ العصبات للمرأة فيعقد بها أخوها لأمها بالوكالة عن الولي الشرعي وهو أقرب العصبات إليها. لأن عقد النكاح للمرأة لا يكون إلا للعصبة لا لذوي السهام ولا لذوي الأرحام خلافاً للحنفية الذين أجازوا أن يعقد للمرأة أخوها من أمها وأيدهم الشوكاني في (وبل الغمام).

(1)

- سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عائشة رضي الله عنها بتصحيح الألباني للحديث في صحيح سنن الترمذي برقم (1102).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع. حديث رقم (5142) بلفظ (عن ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، كَانَ يَقُولُ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في االتجارات، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع.

ص: 21

س: توجد امرأة تقدم لخطبتها رجل فعقد له بها شخص غير وليها بوكالة من خالها فهل يحق للخال أن يقوم بعقد الزواج مع وجود أبيها وأخيها، أم أن ذلك لا يصح؟

جـ: الذي ذهب إليه الجماهير من علماء الفقه أن الخال وكذلك سائر ذوي الأرحام لا ولاية لهم في عقد الزواج وذهب البعض إلى أن لذوي الأرحام ولاية في النكاح وممن ذهب إلى القول بعدم الولاية لذوي الأرحام الهادوية وممن ذهب إلى القول بأن لذوي الأرحام ولاية في النكاح الإمام أبو حنيفة رحمه الله وسواء كان العمل بما رجحه الهادوية والجمهور أم بما رجحه أبو حنيفة فإنَّ العقد الصادر من الخال مع وجود الأب والأخ غير صحيح لأن عقده مع وجود الأب لا يصح لأنه عقد مع وجود من هو أولى منه وأقدم والعقد مع وجود من هو أقدم لا يجوز ولا ينفذ أبداً إلا إذا كان الولي سيجيز هذا العقد فإنه سينفذ بالإجازة ويصبح نافذ المفعول من وقتهالحديث (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)

(1)

، أما إذا لم يجز الولي الشرعي وهو الأب هذا العقد الصادر من الخال فالعقد غير صحيح عند أبي حنيفة لوجود من هو أولى وغير صحيح عند الجمهور لكون الخال غير ولي شرعاً هذا إن لم يكن الأب عاضلاً فإن كان عاضلاً (أي ممتنعاً من العقد) انتقلت الولاية إلى من يليه من العصبة وإذا عضلوا جميعاً أو لم يوجد من العصبة أحد انتقلت الولاية إلى رئيس الدولة وإلى القاضي الشرعي المتولي في المنطقة لقوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث الذي ورد في هذا الشأن (فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)

(2)

.

‌إذا تعدد الأولياء من درجة واحدة فالأولى تقديم الأكبر

س: إذا كان مع المرأة عدد من الأخوة الأشقاء فلمن تكون الولاية منهم؟

جـ: إذا كانوا أخوة أشقاء فمن باب الاحترام والأدب أن يقدم الأكبر، وأما من حيث الشريعة فالولاية لأيِّ واحد منهم ما داموا في درجة واحدة ومرتبة واحدة، أما إذا اختلفوا في درجة القرابة بأن كان لها أخ شقيق وأخ لأب، فالولاية للأخ الشقيق وإن كان هو الأصغر.

س: تقدم رجل لخطبة فتاة ولها أخوة من أبيها وأخوة من أمها فحدث بينهم خلاف من أجل مهرها وشرطها ونتيجة لهذا الخلاف فقد امتنعوا عن زواجها، ما قول العلماء في ذلك؟

جـ: اعلم أن على الأولياء تزويج من خطبت إليهم هذه الفتاة إذا كان الخاطب الطالب منهم الزواج مرضياً في دينه وأمانته وخلقه وقد رضيت به المخطوبة العاقلة البالغة زوجاً لها فلا يجوز لهم أن يعوقوها عن الزواج ويعضلوها ويمتنعوا عن العقد لها مهما كانت راضية وكان الخاطب كفواً في دينه وخلقه لحديث (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(3)

، وإذا عضلوها في هذه الحالة فهم آثمون لأنهم خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتزويج من جاء خاطباً وكان مرضياً في دينه وخلقه حيث قال (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) سواء كان عضلهم

(1)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي موسى رضي الله عنه برقم (1020).

(2)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عائشة رضي الله عنها بتصحيح الألباني للحديث في صحيح سنن الترمذي برقم (1102).

(3)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه. حدييث رقم (1084) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه ابن ماجة في النكاح.

ص: 22

بسبب أنهم يريدون مهراً كثيراً أم لأيِّ سبب من الأسباب التي تعرقل إجراء عقد النكاح وليس هناك سبباً شرعياً مسوغاً لترك العقد، كما أن مطالبة الخاطب بمهر زائد على القدر الذي لا يقدر على الزيادة عليه لا يجوز لأن المطالبة به يكون سبباً لحرمان الشباب من الزواج الذكور منهم والأناث الذي رغب الرسول صلى الله عليه وسلم فيه وحث عليه في حديث (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)

(1)

وسبب حرمان الشباب قد يؤدي إلى الانحراف لا سمح الله انحرافاً تكون عاقبته وخيمة ونتيجته سيئة، فإذااختلفوا فالولاية لأخوانها لأب لأنهم أقرب العصبة ويعقد بها أحدهم مهما كانت راضية.

‌إذا عقد بالمرأة عدد من الأولياء فيصح العقد لمن تختاره المرأة

س: امرأة معها عدد من الأخوة وتقدم لها عدد من الخطاب ورضيت فعقد بها كل واحد من إخونها بخاطب، فكيف الحل؟

جـ: عند علماء المذهب الهادوي: يصح العقد للأول منهما، وعند الشوكاني: يكون العقد لمن تختاره المرأة سواء كان الأول أو الآخر.

س: إذا كانت امرأة لها أخ من الأم وابن عم ولكنها لا ترضى أن يعقد لها ابن عمها ولم ترض أن تُؤخذ وكالة من ابن عمها فعقد لها أخوها من الأم، فما حكم هذا العقد هنا؟

جـ: هذا العقد غير صحيح عند الجمهور من العلماء الشافعية والمالكية والحنبلية والزيدية والهادوية وهو صحيح عند أبي حنيفة لأنه لا يشترط الولي.

‌تنتقل الولاية إذا عضل الولي إلى أقرب العصبات ثم إلى القاضي الشرعي

س: إلى من تنتقل ولاية المرأة إذا عضل الولي؟

جـ: إلى أقرب العصبات فتنتقل الولاية إلى أخيها فإن رفض العقد بها تنتقل الولاية إلى ابن أخيها فإذا رفض العقد بها تنتقل الولاية إلى عمها فإن رفض العقد بها تنتقل الولاية إلى ابن عمها فإن رفض ولم يبق لها ولي من العصبات تنتقل الولاية إلى القاضي الشرعي في المنطقة لأنه نائب عن الإمام أي (رئيس الدولة) لحديث (فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)

(2)

لأن الولاية الشرعية هي إلى السلطان (رئيس الدولة) ولكنه يوكّل القضاة في العقد نيابة عنه.

س: توجد امرأة أرادت الزواج من ابن أحد أقربائها الذين لهم ولاية عقد النكاح وقد رفض الولي الآخر أن يعقد بها،

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة. حديث رقم (5066) بلفظ (عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَخَلَوَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الصوم.

معاني الألفاظ: الباءة: تكاليف الزواج والقدرة عليه.

الوجاء: الوقاية والمنع من الوقوع في الزلل.

(2)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عائشة رضي الله عنها بتصحيح الألباني للحديث في صحيح سنن الترمذي برقم (1102).

ص: 23

فهل يصح أن يعقد أبو الخاطب لولده بها أم ماذا يلزم؟

جـ: المنصوص عليه هو أن ولاية عقد نكاح المرأة هو إلى الأقرب من العصبة الذكور فإن عضل الأقرب وامتنع من العقد فإن الولاية تنتقل إلى من يليه وإذا أمتنع من يليه انتقلت الولاية إلى من يليه إلى أن يمتنع أبعد العصبة من الذكور بالعقد على المرأة ممن قد رضيت به زوجاً فإذا أمتنع الجميع انتقلت الولاية إلى القاضي الشرعي في المنطقة فهو ولي من لا ولي لها أو من عضلها أولياؤها بعد رضاها بالزواج بمن هو كفؤ لها في الدين لحديث (فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ) فإذا كان والد هذا الخاطب هو أقرب الأولياء إليها بعد من قد كان أقرب منه ممن عضلها لا لسبب شرعي فلا مانع له من العقد بهذه الشروط كلها وهي:

أولاً: أن تكون راضية.

ثانياً: أن يكون من هو أقرب منه من العصبة قد امتنع من العقد بها.

ثالثاً: أن يكون الزوج كفؤاً لها في الدين.

رابعاً: أن يكون امتناع الأقرب بغيرسبب شرعي.

أما إذا لم تكن راضية فلا يصح العقد وكذلك إذا كان الأقرب لم يمتنع لم تنتقل الولاية إلى من بعده فإذا عقد لها البعيد مع عدم امتناع القريب لم يصح العقد، وهكذا إذا كان الزوج غير كفؤ لها في الدين فلا يحق للأبعد أن يعقد له بها مع وجود الأقرب لجواز أن الأقرب لم يعضلها اعتباطا بل لعله لم يمتنع إلا لكون الزوج غير كفؤ لها في الدين، وهكذا أيضاً إذا كان الامتناع لسبب شرعي وهو أن الأقرب يريد أن يتحرى ويسأل عن خلق الخاطب ويتأنى حتى يطمئن قلبه للإقدام على العقد، فإن أمتنع لمثل هذا السبب لا يكون عاضلاً ولا يكون امتناعه عضلاً ما دام امتناعه في صالح المرأة لا تكبراً ولا لغرض دنيوي، والصواب في مثل هذا هو الحضور عند القاضي الشرعي المتولي في المنطقة وعرض القضية وسيعرف الحقيقة ويجري اللازم شرعاً بحسب اختصاصه فالحاضر يرى ما لا يراه الغائب.

س: ما رأيكم في شاب تقدم للزواج ببنت والبنت راضية والأب رافض، فما الحل؟

جـ: الحل تنتقل الولاية إلى أقرب شخص من العصبة الأخ أو العم فيعقد بها وان رفضوا جميعاً تنتقل الولاية إلى القاضي الشرعي لحديث (فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ) فيجوز للمرأة أن تطالبهم بالعقد بها وإن لم يعقدوا بها تنتقل ولايتها للقاضي الشرعي، ولكن الذي يحصل أنَّ المرأة تستحي فلا تطالب ولكن هذه هي أحكام الشريعة الإسلامية.

‌الولي العاضل هو الممتنع عن تزويج المرأة لمن يرضى دينه وخلقه

س: من هو الولي العاضل؟

جـ: هو الذي يمتنع عن تزويج المرأة عند أن يتقدم لخطبتها من ترضى به المرأة وهو ذو خلق ودين.

‌تحريم منع زواج البنت بمن يرضى دينه وخلقه

س: بعض أولياء الأمور يمنع بناته من النكاح بمن هو كفء لهن، فما الحكم في ذلك؟

جـ: هذا لا يجوز وهو مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ

ص: 24

إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(1)

.

‌ولاية عقد نكاح المرأة المسلمة التي أبوها كافر لسلطان المسلمين

س: إلى من ولاية المرأة المسلمة التي أبوها كافر؟ هل لأبيها أم لسلطان المسلمين؟

جـ: ولاية المرأة المسلمة إذا كان أبوها كافراً لأقرب العصبة إليها من المسلمين ثم إذا لم يوجد لها أحد من العصبة المسلمين أو عضلوها تكون الولاية لسلطان المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان من غير أبيها لأنه كان كافراً ولا ولاية لكافر على مسلم لقوله تعالى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}

(2)

، وكذا أخوها معاوية بن أبي سفيان كان لا يزال كافراً وكان أبوها وأخوها عند زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وكانت في الحبشة والنبي في المدينة كما في حديث (أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، زَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ وَأَمْهَرَهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَجَهَّزَهَا مِنْ عِنْدِهِ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ، وَلَمْ يَبْعَثْ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ، وَكَانَ مَهْرُ نِسَائِهِ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ)

(3)

وما جاء في صحيح مسلم من أن أبا سفيان هو الذي زوج ابنته أم حبيبه بالنبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح عند المحدثين أو هو مؤول، وهو بلفظ (كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وسلم يا نبي الله ثلاث أعطنيهن قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان ازوجكها قال: نعم)

(4)

.

‌صحة تولي طرفي عقد النكاح شخص واحد

س: هل يصح أن يتولى طرفي عقد النكاح شخص واحد؟

جـ: نعم، يصح إذا كان الشخص هو الولي وهو المتزوج كأن تكون لشخص ابنة عم قد مات أبوها ولا ولياً لها سواه، فيرغب في الزواج منها فيعقد بها لنفسه، وكذا إذا كانت ولاية امرأة لقاض شرعي فيرغب في الزواج بها فيعقد بها لنفسه فيقول كل منهما (زوجت نفسي بفلانة وقبلت عقد النكاح لنفسي).

(1)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه. حدييث رقم (1084) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه ابن ماجة في النكاح.

(2)

- النساء: آية (141)

(3)

- سنن أبي داود: كتاب النكاح: باب الصداق. حديث رقم (2086) بلفظ (عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، زَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ وَأَمْهَرَهَا أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَجَهَّزَهَا مِنْ عِنْدِهِ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ، وَلَمْ يَبْعَثْ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ، وَكَانَ مَهْرُ نِسَائِهِ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2017).

أخرجه النسائي في النكاح، وأحمد في ومن مسند القبائل.

أطراف الحديث: النكاح.

(4)

صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه. حديث رقم (2501) بلفظ (: عن ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وسلم يا نبي الله ثلاث أعطنيهن قال نعم قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان ازوجكها قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم قال أبو زميل ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال نعم).

انفرد به مسلم.

ص: 25

‌صحة الوكالة في قبول عقد النكاح

س: هل تصح الوكالة في قبول عقد النكاح؟

جـ: يجوز أن يوكل الرجل من يقبل عقد النكاح عنه كأن يوكل الولد أباه أو أخاه أو غيرهما في قبول عقد النكاح لموكله لأن الوكالة جائزة في كل العقود والتصرفات لقوله تعالى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ}

(1)

وقوله تعالى {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

(2)

و لأحاديث كثيرة تفيد جواز الوكالة منها حديث (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلَالِ الْبُدْنِ الَّتِي نُحِرَتْ وَبِجُلُودِهَا)

(3)

وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه (أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ)

(4)

.

س: وكل رجل أخاه أن يعقد لابنته برجل ارتضته زوجاً لها وبعد مده قام رجل أجنبي بالتغرير على وكيل مدير الناحية باسم والد البنت المذكورة بأنه أجبر على العقد بابنته وأبوها لا يعلم بذلك ولا وكل هذا الرجل فحدثت مشاكل وغرامات كثيرة فهل العقد بالبنت المذكورة بمن ترتضيه بوكالة من والدها صحيح أم أنه باطل؟

جـ: اعلم بأن العقد الشرعي للنكاح هو الحاوي للإيجاب والقبول سواءً كان الإيجاب من الولي أو من وكيله وسواءً كان بقبول من الزوج أم من وكيله مهما كان الوكيل قد أضاف الإيجاب إلى موكله وكذلك الزوج إذا كان الزوج قد وكل بالقبول بشرط أن تكون المرأة قد تعينت بالاسم أو اللقب أو الإضافة وأن تكون قد رضيت بالزواج بالزوج الخاطب لها وأن يكون العاقد لها أقرب الأولياء مع حضور الشاهدين فإذا اجتمعت هذه الشروط مع الإيجاب والقبول كان العقد صحيحاً وعلى هذا الأساس فإذا كان هذا العقد قد احتوى على الإيجاب والقبول واجتمع فيه الشروط الأربعة فالعقد صحيح شرعاً ومن ادعى الإكراه فعليه الدليل على الإكراه والبرهان على الإجبار المدعى به لأن الأصل عدم الإجبار.

‌كتابة عقد النكاح في المحكمة الشرعية للتثبت فقط

س: هل كتابة العقد عند القاضي واجبة أم لا؟ وهل يكفي قول الولي زوجتك مع حضور الشاهدين؟

جـ: كتابة العقد عند القاضي ليست بواجبة وليست بشرط من شروط صحة العقد وإنما هي للتثبت، والمهم من

(1)

- الكهف: (19)

(2)

- يوسف: (62)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الوكالة: باب وكالة الشريك في القسمة. حديث رقم (2299) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلَالِ الْبُدْنِ الَّتِي نُحِرَتْ وَبِجُلُودِهَا).

أخرجه مسلم في الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، والدارمي في الزكاة.

أطراف الحديث: الحج.

معاني الألفاظ: جلال البدن: ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الوكالة: باب وكالة الشريك في القسمة وغيرها. حديث رقم (2300) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ)

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الأضاحي، الشركة.

معاني الألفاظ:

العتود: ولد المعز إذا قوي ورعى بنفسه.

ص: 26

الناحية الشرعية هو وجود الأقدم من الأولياء والشاهدين وتعيين المرأة بالاسم أو الصفة أو الإضافة ورضاها فقط أما كونه عند القاضي أم لا فليس بشرط. وإنما ذلك للتوثيق فقط وهو عمل جيد وحسن لو طبق في جميع المحافظات والمدن والقرى.

‌لا يصح عقد النكاح بالتلفون

س: هل يصح عقد النكاح بالتلفون إذا كان طرفا العقد في بلدين مختلفين؟

جـ: لا يصح لأن العقد يحتاج إلى شاهدين. ولأن الأصوات تقلد وتتشابه لكن يصح العقد بالوكالة لمن لم يكونا في بلد واحد.

‌إذا وجد قاض سيء السمعة فالأولى عقد النكاح عند غيره

س: إذا وجد قاضٍ فهل يصح أن يتولى عقد النكاح وهو سيء السمعة؟

جـ: الأولى أن يكون القاضي عالماً مجتهداً حسن السيرة والسمعة والسلوك، أمَّا إذا وجد قاضٍ سيء السمعة فالأولى أن يتولى عقدَ النكاح قاض حسن السمعة أو من تحيل المسألة إليه وزارة العدل

س: ورد في حديث المرأة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ)

(1)

فما تقصد بخسيسته؟

جـ: يعني أن الأب كان قد أساء إلى الشخص وألَّمَه وأراد أن يرضيه بأن زوجه بابنته.

‌رضاء البنت شرط لصحة عقد النكاح

س: من المعلوم أن كاتبي عقود النكاح لا يسألون النساء وبعض الأولياء يعقد عليها ولم تكن راضيه فهل يصح عقد النكاح مع جهالة رضاء البنت؟

جـ: يصح العقد إذا سكتت لأن السكوت رضا وإن لم تكن راضية فلها الحق أن تعترض ويكتب كاتب العقد في ورقة العقد ولم ترض المرأة بالعقد بل رفضت العقد والأحوط أن يسأل كاتب العقد المرأة قبل كتابة العقد فإن سكتت فهي راضية لحديث (إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ)

(2)

.

س: ما رأيكم في البنت التي سكتت عند خطبتها وفي اليوم الثاني صارت تبكي تعبيراً عن عدم رضائها

؟

جـ: إذا لم يكن الوالد قد عقد بها فلا يجوز العقد بها ولا يصح لعدم رضائها، وإن كان قد عقد بها بناءً على رضائها فقد صح العقد ونفذ وعليها أن تخالع الزوج ليطلقها لقوله تعالى {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ

(1)

سنن النسائي: كتاب النكاح: باب البكر يزوجها وهي كارهة. حديث رقم (3217) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ، قَالَتْ: اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ أَلِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ) ضعفه الألباني في ضعيف سنن النسائي برقم (3269).

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

(2)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (5136).

ص: 27

شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(1)

ولحديث (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)

(2)

، ولماذا لم تبك عند العقد إن كانت غير راضية أو تعبر عن عدم رضائها بأي تعبير.

والخلاصة: أنها إذا قد رضيت حال العقد فليس لها الرجوع عن الرضاء.

س: رجل زوج ولده البالغ بزوجة بالغة ولكن أباها قد زوجها جبراً؟

جـ: عقد النكاح لا يكون صحيحاً إلا إذا كان بولي وشاهدين مع تعيين المرأة بالاسم أو الوصف ومع معرفة رضائها فإذا كانت المرأة مكرهة غير راضية فلا يصح العقد بها من وليها إلا إذا أكرهت قبل الزواج ثم زفت إلى زوجها الذي كانت ترفض الزواج به قبل الزواج فإن زفافها إليه يعتبر رضاءً منها بالزواج ويصير العقد لهذا الزوج صحيحاً، أما إذا كانت الزوجة هذه عند أن زوجها وليها صغيرة غير مكلفة فليس لها اختيار ما دامت صغيرة فإذا دخل الزوج بها ثم مكثت عنده مدة قصيرة أو طويلة وهي لا تزال صغيرة قاصرة فلها أن تفسخ عقد نكاحها متى بلغت سواءً كان العاقد بها والدها أو غيره من الأولياء، وهكذا إذا وقع العقد من الولي للبنت الصغيرة بزوج لم يدخل عليها فلها أن تفسخ عقد نكاحها عند أن تبلغ لأن للقاصرة الخيار عند بلوغها فإن شاءت اختارت الفسخ وأن شاءت اختارت البقاء في عصمة هذا الزوج كما دل عليه الحديث الصحيح الآتي ذكره إن شاء الله تعالى، وأما إذا كانت البنت المعقود بها صغيرة فليس لها اختيار فإذا عقد لها وليها الشرعي بزوج ثم بلغت بعد العقد لها بهذا الزوج فلها الحق بأن تطالب بفسخ عقد نكاحها عند القاضي الشرعي المولى في المنطقة وعليه معرفة الحقيقة وإجراء اللازم الشرعي، فإذا صح لديه أنها تزوجت وهي صغيرة وأنها الآن قد بلغت فيحكم بذلك لأن الحق لها في أن تختار هذا الزوج أو تفسخ عقد النكاح منه لأنه قد صار لها الخيار منذ أن بلغت وعلمت أن لها الحق في المطالبة بالفسخ للعقد المذكور مطلقاً سواءً أكان العاقد لها والدها أم غيره من الأولياء وسواء كان الزوج الذي عقد له بها قد دخل بها أم لا وسواء أكانت قد مكثت عنده مدة قصيرة أم مدة طويلة ما دام العقد كان قبل البلوغ والمطالبة بفسخ العقد بعد البلوغ، وهذا كله إذا كان الزوج بالغاً، أما إذا كان الزوج قاصراً فالعقد للقاصر غير صحيح ولا ينفذ كما سيأتي وزيادة في الإيضاح نقول لا يخلو إما أن تكون البنت التي عقد لها وليها صغيرة أو كبيرة فإن كانت كبيرة فلا يخلو إما إن تكون راضية أو تكون مكرهة فإن كانت راضية فالعقد صحيح إن كان هذا العقد جامعاً للشروط المعتبرة في العقد وهو أن يكون العقد حاوياً للإيجاب والقبول باللفظ المعتبر شرعاً مع تعيين المرأة بالإسم أو الوصف وأن يكون بولي وشاهدين، وإن كانت مكرهة فالعقد غير صحيح لأن من شرط عقد النكاح رضاء المرأة الذي يكون بالنطق إن كانت ثيباً أو بالسكوت إن كانت بكرً لأن السكوت في حق المرأة البكر رضاء كما جاء في الحديث الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

(1)

- البقرة: (229)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الطلاق: باب الخلع وكيف الطلاق. حديث رقم (5273) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)

أخرجه النسائي في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق.

ص: 28

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ) هذا إذا لم تكن قد زفت إلى الزوج، أما إذا كانت قد زفت إلى الزوج ودخل عليها فإن الزفاف والدخول عليها يعتبر رضاء منها بالزواج ويكون الدخول عليها مصححاً للعقد لها بهذا الزوج إن كان بالغاً.

س: هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بتزويج النساء جبراً وتحديد المهور من قبل الحكومة أو من قبل المواطنين وتزف المرأة إلى الزوج راضيه أو غير راضية؟

جـ: الزواج لا يكون إلا برضاء الزوجة واقتناعها وبرضاء الزوج واقتناعه لا بالإكراه والإجبار وبالضغط ولا ينبغي إجبار الولي على أن يبحث عن زوج لابنته.

س: هل يقبل قول الأخ إذا كان هو أقرب الأولياء إلى أخته أنها أذنت له في العقد خاصة إذا كان ثقة؟

ج: لا بد في إذنها من شهادة شاهدين.

س: هل يأثم الأمين الشرعي إذا أجرى عقد النكاح دون أن يسمع موافقة البنت بناء على سؤال الولي بعذر أن المجتمع محافظ لا يسمح للأمين بسؤال البنت؟

ج: لا بد أن يسمع الأمين الموافقة من البنت بعد أن يكلمها بحضور معرفين أو يشهد شاهدان من الأسرة على أنها موافقة وهم إخوتها أو خالها أو عمها.

عقد زواج البنت الصغيرة التي لم تبلغ موقوف على رضائها عند البلوغ

س: ما حكم عقد زواج البنت الصغيرة التي لم تبلغ؟

جـ: هو موقوف على رضائها عند البلوغ فإذا بلغت واستمرت على زواجها فقد رضيت والعقد صحيح وإن بلغت وطلبت الفسخ فإن العقد ينفسخ لعدم رضائها لأن رضاء البنت شرط من شروط صحة عقد النكاح لحديث (إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ).

س: ما هو رأي الإسلام في رجل زوج ابنته البكر بغير رضائها وبعد عدة أيام هربت البنت من عند زوجها، فقال لها الوالد سوف أضربك إذا لم ترجعي إلى زوجك فلم ترجع إلى زوجها فضربها وهي تقول والله لو تقطعني لن أرجع فهل الوالد يحق له أن يضرب ابنته؟ وما العلاج لذلك؟

جـ: الدليل قد دلَّ على أن المرأة لا تتزوج إلا بعد رضائها ويكفي فيمن كانت بكراً أن تسكت عند مؤاذنتها بالزواج فإذا أعلمها الولي بأنه سيزوجها وسكتت فالسكوت منها رضاء، أما الثيب فلا بد من أن تنطق بلسانها بأنها راضية أو تكتب بخطها بأنها راضية لحديث (إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ) فمن عقد بها وليها ولم ترض بالعقد فإن العقد غير صحيح شرعاً ولكن إذا كانت قد زفت إلى الزوج ولو تحت الضغط أو المجاملة أو الحياء فالعقد أصبح نافذاً، أما بخصوص ما صدر من الأب نحو ابنته وفلذة كبده من الضرب فذلك لا يجوز مهما صح أنه ضربها لترجع إلى زوجها الذي زفت إليه مكرهة على حد ما جاء في السؤال، والأفضل في مثل هذه الحالة هو التفاهم حتى تقتنع الزوجة بالرجوع إلى بيت زوجها فإذا لم يتمكن المصلحون من ذلك فالأقرب تنشيزها لمدة محدودة وإذا لم يمكن فلا مانع من المخالعة بين الزوجين أو الحضور عند القاضي الشرعي في المنطقة التي يعيش فيها الزوجان.

ص: 29

‌يشترط إذن المرأة الثيب لصحة عقد النكاح

س: هل يشترط توكيل المرأة الثيب للولي بالعقد بها؟

جـ: يشترط إذنها لا وكالتها فيشترط لصحة عقدها إذنها أو إجازتها لحديث (إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ) فإذا لم تأذن أو تجز فالعقد غير صحيح والإذن يكون بالقرائن.

س: خطب رجل فتاة فوافق أبوها على الخطبة ولكن الفتاة وجميع أسرتها لم يوافقوا على تلك الخطبة وحدث أن أبا الفتاة خطب أخت هذا الرجل لابنه وهي وافقت على الزواج وتم زفاف الفتاتين بعد أن حدد مهر كل منهما على حدة إلا أن هذه الفتاة كانت مكرهة، فما هو حكم هذا الزواج؟

جـ: هذا العمل لا يجوز شرعاً وإكراه الرجل ابنته على الزواج لا تجوزه الشريعة الإسلامية الغراء ولكن إذا كانت المرأة قد زفت فإن زفافها يعتبر رضاء اللهم إلا إذا كانت المرأة صغيرة ثم بلغت بعد الزواج فلها الفسخ لعقد زواجها عند القاضي الشرعي المولى في المنطقة ليجري اللازم على ضوء ما قررته وزارة العدل وبمقتضى نظامها سواء أكان المزوج للمرأة هو الأب كما في هذا الاستفتاء أم غيره من الأولياء، وسواء كان البلوغ بالاحتلام أو بالإنبات أو بمضي خمسة عشر عاماً أو بالحيض أو بالنفاس.

س: شخص يقول إنه خطب بنت عمه وأعطاه عمه وعدا بابنته وبعد أن غادر إلى خارج الوطن فوجئ عند رجوعه أن عمه قد زوج ابنته طمعاً في المال فوقع الرجل في حيرة من أمره، فما الحكم؟

جـ: إذا كان الرجل المذكور قد عقد لابنته المذكورة لابن عمها عقداً شرعياً بالإيجاب والقبول مع رضائها بالنطق إذا كانت ثيباً وبالسكوت إذا كانت بكراً بشهادة عدلين ثُمَّ لما غاب الزوج زوجها برجل آخر فالعقد الأول هو العقد الشرعي الصحيح أما العقد الثاني فهو باطل وللزوج الأول مطالبة عمه بزوجته ابنة عمه وإن كان الكلام بينهم دون عقد شرعي مجرد كلام فالعم أثم والزوج الآخر أثم حيت خطب هذه المرأة على خطبة ابن عمها بعد التراضي بين الأول وعمه ولكن العقد صحيح مع الإثم لحديث (وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ)

(1)

.

‌تحريم اعتقاد أن تطليق الزوجة وتجديد عقد نكاحها سبب لإنجاب الأطفال

س: تزوج رجل بامرأة ومكثت معه عشر سنوات ولم تنجب ثم تحدث بذلك إلى بعض الناس فقيل له لعل عقد زواجكما كان وقت الزوال وإذا أردت أن تنجب امرأتك فينبغي لك أن تطلقها ثم تتزوجها بعقد جديد في وقت مناسب فقام الرجل المذكور بتطليقها ثم تزوجها من جديد وحدث أنها بعد ذلك أنجبت له أطفالا من الجنسين فنطلب منكم إفتاءنا في هذه القضية وهل لهذه العقيدة أيُّ أساس من الصحة أم أنها مجرد خرافة؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع. حديث رقم (5142) بلفظ (عن ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، كَانَ يَقُولُ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في االتجارات، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع.

ص: 30

جـ: هذه العقيدة لا أصل لها من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع وليست من الدين الإسلامي في شيء وإنما هي من جملة الخرافات والأباطيل والترهات التي لا يشهد لها العقل ولا النقل بل هي من البدع المحدثة في الإسلام ومن الشعوذة التي ما أنزل الله بها من سلطان ولا دخل للوقت الذي وقع فيه العقد لهذا الرجل بهذه المرأة أبداً ومن أفتى الزوج بأن المانع للزوجة من أن تلد هو أن العقد للزوج بهذه المرأة كان في وقت الزوال فليس بمفت ولا عالم ولا فقيه وليس لفتواه هذه أيُّ مستند من كتاب الله ولا من سنة رسوله ولا من إجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا من القياس الشرعي الصحيح الجامع لشروط القياس ولا من قول أحد من علماء الإسلام لا الإمام الشافعي ولا الإمام زيد بن علي ولا الإمام أبو حنيفة ولا الإمام مالك ولا الإمام أحمد بن حنبل ولا الإمام داوود الظاهري ولا الإمام جعفر الصادق ولا غيرهم من أتباع المذاهب الإسلامية المشهورة لأن المفتي إما أن يكون مجتهداً فالمجتهد إذا أفتى فإنه يقرن فتواه بدليل من الأدلة الشرعية أو يكون مستعداً لذكر الدليل على ما ذهب إليه في فتواه، وإما أن يكون مقلداً والمقلد إذا أفتى فإنه يقرن فتواه بكلام من كلام إمام من أئمة المذاهب الإسلامية المتبوعة أو يكون مستعداً لنقل كلام إمام من هؤلاء الأئمة رحمهم الله أو على الأقل يكون مستعداً لأن ينسب فتواه إلى نص كتاب من كتب الفقه الزيدي أو الشافعي أو الحنفي أو الحنبلي أو المالكي أو الظاهري أو الجعفري ونحن إذا طالبنا هذا المفتي بدليل فإنه لا يتمكن من إخراج دليل يدل على هذه الفتوى لا من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع ولا من القياس فليس هو من العلماء المجتهدين، وهكذا إذا طالبناه بأن ينقل لنا كلاماً من كلام الفقهاء الذين ألفوا في فروع الفقه الإسلامي لا يستطيع أن ينقل لنا أيَّ كلام من كلام الفقهاء لا الزيدية ولا الشافعية ولا الحنفية ولا غيرهم من فقهاء المسلمين وبناءً على ذلك فليس المفتي لهذه الفتوى من الفقهاء المقلدين أبداً، وإذا لم يكن من العلماء المجتهدين ولا من الفقهاء المقلدين فهو مشعوذ كذاب ومبتدع في الدين ما ليس من الدين وقد قال الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ)

(1)

. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)

(2)

كما أنه أيضاً دجال ومنجم والدجل والتنجيم محرمان شرعاً ومن قصد الدجال أو المنجم أو الكاهن أو العرَّاف ليسأله عن شئ فأخبره بشيء من الأشياء التي لا أصل لها في الشرع ولا في العقل ولا يؤيدها الدليل ولا الطب وصدقه فيما يقوله فهو آثم بذلك القصد وبالتصديق لما يقوله المنجم أو الكاهن أو العراف وقد جاء في الحديث الصحيح المرفوع إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه قال (مَنْ أَتَى كَاهِنًا قَالَ مُوسَى فِي حَدِيثِهِ فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، ثُمَّ اتَّفَقَا أَوْ أَتَى امْرَأَةً قَالَ مُسَدَّدٌ امْرَأَتَهُ حَائِضًا، أَوْ أَتَى امْرَأَةً قَالَ مُسَدَّدٌ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الصلح: باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود. حديث رقم (2697) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ).

أخرجه مسلم في الأقضية، وأبو داود في السنة، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

(2)

صحيح مسلم: كتاب الجمعة: باب تخفيف الصلاة والخطبة. حديث رقم (1435) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ).

أخرجه النسائي في صلاة العيدين، وأبو داود في الخراج والإمارة والفيء، وابن ماجة في المقدمة، الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة.

ص: 31

عَلَى مُحَمَّدٍ)

(1)

هذا وإذا كان ما ذكرته في سؤالك قد وقع فعلاً فهو من باب المصادفة فكم من امرأة لا تلد في أول زواجها وبعد أعوام تلد عدة أولاد من البنات أومن البنين أو من الجنسين أو بسبب علاج تستعمله المرأة أو الرجل فتلد عدة أولاد ذكوراً أو إناثاً أو من الجنسين معاً بعد أن كانت لا تلد فكم من امرأة لا تلد فتعالج أو يتعالج زوجها فتلد عدة مرات وهكذا، أمَّا أنَّ المرأة هذه كانت عقيمة بسبب يرجع إلى الوقت الذي وقع العقد فيه لها بهذا الزوج فلما طلقت وعقد لها بهذا الزوج في وقت آخر أصبحت ولوداً بسب هذا الوقت فلا أصل له من العقل ولا من النقل ولا من الدين ولا من الطب القديم ولا من الطب الحديث بل هو شعوذة وتضليل وضلال، ومن تعاطى إلى القول بهذا الرأي فهو كذاب ومن صدقه فهو جاهل والله يقول الحق ويهدي إلى سواء السبيل وهو ولي الهداية والتوفيق.

‌من أمارات الساعة استغناء الرجال بالرجال والنساء بالنساء

س: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا استغنى الرجال بالرجال فانتظروا القيامة)؟

جـ: اعلم أنه قد جاء في حديث أنس مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر أشياء من أمارات الساعة ومنها إذا استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال فبشرهم بريح حمراء تخرج من قبل المشرق فيمسخ بعضهم ويخسف ببعض ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) أخرجه الديلمي وهو حديث ضعيف وجاء في حديث آخر أخرجه الطبراني أن من علامات الساعة وأشراطها أن يستغني الرجال بالرجال والنساء بالنساء واستغناء الرجال بالرجال كناية عن اللواط وهو ما يسمى في هذا العصر بالشذوذ الجنسي وهو من المحرمات القطعية الوارد تحريمها في الكتاب العزيز وفي السنة النبوية المطهرة وأجمع على التحريم علماء المسلمين رحمهم الله تعالى واستغناء النساء بالنساء كناية عن السحاق، والسحاق هو: مباشرة المرأة المرأة بأن تعرك إحداهما فرجها بفرج الأخرى وهو محرم بنص الحديث الصحيح (وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ)

(2)

وبإجماع المسلمين ويعزر من صح شرعاً صدور ذلك منهما بالشهادة أو الإقرار كما قال علماء الفقه رحمهم الله والحديث الدال على التحريم هو نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن (وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) كما في الحديث الصحيح.

‌يجب إسماع الشاهدين الإيجاب والقبول

س: إذا تم عقد النكاح ولم يسمع الشاهدان، فهل العقد باطل؟

جـ: لا بد من إسماعهما الإيجاب والقبول.

(1)

سنن أبي داود: كتاب الطب: باب في الكاهن. حديث رقم (3904) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَتَى كَاهِنًا قَالَ مُوسَى فِي حَدِيثِهِ فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، ثُمَّ اتَّفَقَا أَوْ أَتَى امْرَأَةً قَالَ مُسَدَّدٌ امْرَأَتَهُ حَائِضًا، أَوْ أَتَى امْرَأَةً قَالَ مُسَدَّدٌ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود برقم (3904).

أخرجه الترمذي في الطهارة عن رسول الله، وابن ماجة في الطهارة وسننها، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الطهارة.

معاني الألفاظ: الكاهن: كاذب يدعي معرفة الأسرار ومستقبل الزمان.

(2)

صحيح مسلم: كتاب الحيض: باب تحريم النظر إلى العورات. حديث رقم (512) بلفظ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ).

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: الإفضاء: اجتماع الأبدان وتلامسها

ص: 32

‌بطلان عقد النكاح بفقدانه الشهود

س: حدث أن عمي عقد لي بابنته ولم يشهد على هذا العقد إلا امرأة واحدة فقط ولم أدخل على زوجتي حتى اليوم حيث قيل لي بأن هذا العقد فاسد أفيدوني بالجواب الشافي؟

جـ: اعلم بأن العقد الصحيح للمرأة بالرجل لا بد فيه من اجتماع الاربعه الشروط المذكورة في كتب الفقه وهي:

الأول: أن يكون من الولي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)

(1)

.

الثاني: أن يحضر شاهدان لا شاهداً واحداً أو شاهدة واحدة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7557)

(2)

.

الثالث: الرضاء من المرأة العاقلة البالغة ويعرف الرضاء والأذن من الثيب بالنطق بالأذن والرضاء من البكر فسكوتها يدل على الرضاء كما دل عليه الحديث المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ (إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ).

الرابع: تعيين المرأة بالاسم أو بالصفة أو باللقب أو بالإضافة إذا كان ليس له بنت غيرها ليكون العقد لامرأة معروفة لا لمجهولة فإذا اجتمعت هذه الشروط الأربعة كان العقد صحيحاً شرعاً، وإذا فقد شرط من هذه الشروط الأربعة كان العقد غير صحيح شرعاً وها هنا قد فقد شرط واحد وهو عدم وجود الشاهدين حال العقد إن صح ما جاء في الاستفتاء وكانت ابنة هذا الرجل قد رضيت بك زوجاً وعبرت عن رضاها بالنطق إن كانت ثيباً أو بالسكوت إن كانت بكراً، وحيث قد فقد هذا الشرط فالنكاح يكون باطلاً عند بعض العلماء وفاسداً عند آخرين وهم الهادوية والزيدية الذين يقسمون عقد النكاح إلى ثلاثة أقسام:

صحيح: وهو ما جمع الشروط الاربعه المذكورة سابقاً وفاسد وهو ما اختل فيه شرط من شروط العقد الصحيح ولم يخرق الإجماع مثل ألا يكون العقد صادراً من الولي فإنه سيوافق قول أبي حنيفة الذي لا يشترط الولي أو مثل أن يكون العقد بلا شاهدين فإنه سيوافق قول مالك الذي لا يشترط الشاهدين في صحة عقد النكاح.

باطل: وهو ما اختل فيه شرط أو شرطان ولم يوافق قول عالم بل خرق الإجماع مثل أن يكون العقد بلا ولي ولا شاهدين فهو باطل لأن من اشترط الولي كمالك لم يشترط الشاهدين ومن اشترط الشاهدين كأبي حنيفة لم يشترط الولي ويقولون بجواز الدخول في العقد الفاسد وله حكم الصحيح في جميع أحكام العقد الصحيح كالإرث وجواز الوطء ولحاق النسب وغير ذلك إلا في أحكام محصورة مذكورة في كتب الفقه فلا يكون حكمه مثل العقد الصحيح وعلى هذا الأساس فهذا العقد الصادر من عمك يكون عند علماء الهادوية من عقود النكاح الفاسدة التي يجوز الدخول فيها وعند أهل القول الثاني من عقود النكاح الباطلة التي لا يجوز الدخول فيها، وحيث إنك إلى الآن لم تدخل بزوجتك هذه فالأحوط لك أن تجدد العقد بحضور شاهدين عدلين يشهدان على الإيجاب الذي سيصدر من الولي والقبول منك وبهذا يكون العقد صحيحاً مهما كانت المرأة راضية وذكرت حال العقد بالاسم أو بالوصف أو باللقب أو بالإضافة إلى الأب إذا لم تكن معه بنت غيرها وتكون هذه المرأة زوجتك على جميع الآراء الفقهية ومطابقاً للشروط التي دلت عليها الأحاديث الشريفة المذكورة في أول هذا الجواب.

(1)

صحيح سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (1101).

(2)

سنن البيهقي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بتصحيح الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7557).

ص: 33

الخلاصة لما جاء في جوابي هذا ينحصر في ما يلي:

الزواج الصحيح هو ما كان من ولي مع وجود شاهدين ورضاء المعقود بها وتعريفها بالاسم أو نحوه.

الزواج الذي اختل في عقده شرط لعدم وجود شاهدين يكون فاسداً عند الهادوية لأنه لم يخرق الإجماع وباطل عند فريق آخر.

الزواج الذي يكون باطلاً ما اختل في عقده شرط أو شرطان وخرق الإجماع.

زواج السائل يكون عقده من العقود الفاسدة لكونه لم يحضر شاهدان ولم يخرق الإجماع عند علماء الهادوية، وحكمه جواز الدخول فيه كما سيكون باطلاً عند آخرين لا يجوز الدخول فيه.

الأحوط للسائل أن يصحح هذا العقد بإحضار شاهدين خروجاً من الخلاف وعملاً بحديث (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7557)

(1)

.

‌وجوب تعيين المعقود بها بالاسم أو الصفة إن كان للأب أكثر من بنت

س: إذا قال زوجني ابنتك ولم يسمها، فهل العقد باطل؟

جـ: لا بد من تعينها بالاسم أو الوصف وإلا فالعقد باطل للجهالة إذا كان مع الأب أكثر من بنت أما إذا لم يكن له غير بنت واحدة فالعقد صحيح إذا قال زوجتك بابنتي.

‌جواز عقد النكاح بالمرأة لكي يحل للرجل النظر إليها ولتسافر معه للحج ولغيره

س: كذلك نسمع أنه من لم يوجد لها محرم تسافر معه يعقد لها وليها برجل ويسمى هذا العقد (ملكة نظر) فهل هذا جائز وما هي هذه الملكة وهل تختلف عن العقد الشرعي وما الفرق بينهما كذلك إذا امتنع المحرم عن السفر مع قريبته فهل هو آثم وهل يجوز له أن يأخذ أجرة مقابل سفره مع قريبته؟

جـ: روي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال لا مانع للمرأة التي تريد أن تسافر إلى مكة لأداء فريضة الحج وهي مستطيعة من الناحية الصحية والمالية ولكن ليس لها محرم تسافر معه أن تسافر مع نساء أمينات موثوق بهن وأن تلكم النساء يقمن مقام المحرم ولكن الحديث الصحيح المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة، قال: اذهب، فحج مع امرأتك)

(2)

يجعلني أرجح القول بتحريم السفر على المرأة إلا مع محرم من محارمها أو مع زوجها كما أرجح أن المرأة التي لا تجد محرماً ولا تجد أيضاً زوجاً يرافقها لا يجب عليها الحج وأن المرأة لا تكون مستطيعه إلا إذا وجدت محرماً أو زوجاً يسافر معها، وإن هذا العقد صحيح مهما جمع أركان عقد النكاح وهي وجود الزوج والزوجة والإيجاب والقبول وهكذا شروط النكاح الصحيح وهي الولي العاقد ووجود شاهدين عدلين حال العقد وتعيين المرأة بالاسم أو اللقب أو بالإضافة إلى الولي إن لم يكن معه غيرها مع رضائها وبشرط أن لا يؤقت العقد

(1)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبو موسى رضي الله عنه بتصحيح الألباني للحديث في صحيح سنن الترمذي برقم (1101).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب لا يخلون رجل بامرأة. حديث رقم (5233) بلفظ (عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة، قال: اذهب، فحج مع امرأتك).

أخرجه مسلم في الحج، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: الحج، الجهاد والسير.

ص: 34

بمدة معينة بل يكون العقد مطلقاً غير مؤقت بزمن معين، أما إذا حصل التوقيت فالعقد غير صحيح شرعاً ومهما اجتمعت أركان العقد وشروطه وخلى العقد عن التوقيت صح العقد وحق للمعقود له أن يسافر معها وأن يتصل بها اتصالاً جنسياً وإذا مات أحدهما قبل الآخر ورث الحي من الميت وجرت عليهم جميع أحكام الزوجية، أما إذا حصل التوقيت فالعقد لا يكون صحيحاً وهكذا إذا حصل الشرط من الزوجة أو من وليها بأن الزوج لا يطأ هذه الزوجة فإن هذا الشرط يكون ملغى لأنه شرط مخالف لموجب العقد، وللمحرم أخذ أجرته من المرأة إذا كان قد طلب من المرأة أن تعطيه أجرته على السفر معها إن كانت المرأة متمكنة من تسليم المبلغ الذي يطلبه منها وكان المبلغ مناسباً غير مجحف وغير زائد على أجرة المثل وإذا لم تكن هذه المرأة متمكنة من الأجرة اللازمة ولا تستطيع إخراجها وقت السفر إلى مكة أو الاستعداد للسفر إلى مكة فعدم استطاعتها يجعلها غير داخلة في عموم الآية الكريمة التي لم توجب الحج إلا على من استطاع إليه سبيلاً وهي قوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}

(1)

وأما إذا امتنع الزوج عن الذهاب مع زوجته لأداء الحج فلعله غير آثم وحديث (اذهب، فحج مع امرأتك)

(2)

الأمر للإذن لا للوجوب.

س: يوجد بعض النساء ليس لهن محرم وتريد أداء فريضة الحج فتقوم بالاتفاق مع أحد الجيران الذين سيذهبون للحج في أن يعقد عليها عقد زواج لفترة الحج فإذا أكملت مناسك الحج وعادت إلى بيتها يطلقها، فما رأيكم في ذلك؟

جـ: اعلم بأن من عقد لها وليها برجل العقد الشرعي الصحيح الحاوي للإيجاب والقبول مع اجتماع جميع شروط عقد النكاح وهي الرضاء مع وجود الشهود والولي المرشد وتعيين المرأة بالاسم أو باللقب أو بأيِّ معرف فالعقد صحيح يحل به السفر والخلوة والاتصال الجنسي الذي يقع بين الزوجين والتوارث فيما بينهما بحيث يرثها إذا ماتت قبله وترثه إذا مات قبلها ولا يجب عليه طلاقها لكن إذا أراد أن يطلقها برضاه واختياره، أمَّا أنه ملزم بالطلاق فلا فالعقد قد صح، أما شرط الطلاق فهو ملغي.

‌بطلان نكاح المرأة نفسها من غير رضاء ولا مشاورة وليها

س: تزوجت امرأة برجل بدون إذن أهلها أو مشاورتهم وعقد لها خالها بالضغط والقوة مع أن والدها لم يكن غائباً وكذلك إخوانها وهم أولياء المرأة الشرعيون فهل يكون هذا العقد صحيحاً أم أنه عقد باطل؟

جـ: اعلم بأن هذا النكاح باطل حيث أن الذي عقد للمرأة ليس بولي والولي شرط في صحة عقد النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)

(3)

ومعناه أن لا نكاح صحيح ولا نكاح شرعي إلا بولي ولقوله صلى الله عليه وسلم (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ)

(4)

ولقوله صلى الله عليه وسلم (لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا)

(5)

فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على أن النكاح الذي يكون بلا ولي غير صحيح وإليه ذهب الجمهور من العلماء وهو مذهب الهادي والشافعي ومالك، وخالف في المسألة أبو حنيفة

(1)

- آل عمران: آية (97)

(2)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عباس رضي الله عنهمابرقم (5233).

(3)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي موسى بتصحيح الألباني للحديث في صحيح سنن الترمذي برقم (1101).

(4)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عائشة رضي الله عنها بتصحيح الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1102).

(5)

سنن ابن ماجة: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بتصحيح الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (1539).

ص: 35

حيث جوز للمرأة أن تزوج نفسها واحتج بالقياس على جواز بيعها لسلعتها وقد أجاب الجمهور على أبي حنيفة بأن هذا القياس باطل لأنه مصادم للنصوص كما أن الحنفية قد أجابوا على حديث (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) بأن النفي متوجه إلى نفي الكمال وليس النفي متوجه إلى نفي الصحة كما أجابوا على حديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) بأن المراد بقوله فنكاحها (باطل) أنه معرض للبطلان إذا حصل تدليس على المرأة لأن المرأة عاطفية تقبل التدليس والتعزير كما أجابوا على حديث (لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا) بأن أم المؤمنين عائشة وهي رواية الحديث عن النبي صلى قد زوجت بعض أقاربها فمخالفتها للحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن الحديث غير صحيح أو أنه منسوخ وقد رد الجمهور من العلماء القائلين بشرطية الولي لعقد النكاح على الحنفية القائلين بعدم اشتراط الولي في عقد النكاح بأن الأحاديث الدالة على شرطية الولي في النكاح الصحيحة وصريحة وجميع ما أول به الحنفية أدلة الجمهور هو خلاف الظاهر وقالوا: إن حديث (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) معناه لا نكاح صحيح إلا أن النفي إذا تعذر حمله على الحقيقة وهو نفي الذات يحمل على أقرب المجازات إلى الحقيقة وأقرب المجازات إلى الحقيقة هو نفى الصحة، أما أبعد المجازات إلى الحقيقة فهو نفي الكمال الذي حمله عليه الحنفية والخلاصة أن حمل حديث (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ)

(1)

على نفي الصحة هو الأقرب وحمله على نفي الكمال هو الأبعد والحمل على الأقرب أفضل من الحمل على الأبعد وقالوا في حديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) دليل صريح على أن وجود الولي في عقد النكاح من أهم الشروط وأن المرأة التي تزوج نفسها فزواجها باطل وغير صحيح شرعاً وأن تأويل الحنفية لهذا الحديث بأن المراد بأنه معرض للبطلان لأن المرأة سريعة البادرة وكثيراً ما تقبل التغرير والتدليس والخداع تأويل بعيد وقد مثل به صاحب الغاية في الأصول للتأويل البعيد وقالوا في مخالفة عائشة لما روته عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن تزويج المرأة المرأة أو المرأة نفسها العبرة بما روته مرفوعاً إلى النبي لا بما رأته رأياً لها إذا عرفت هذا عرفت أن المسألة خلافية بين الحنفية والجمهور وأن المذهب الصحيح هو القول بشرطية الولي في النكاح ولكن أهل المذهب الهادوي يجعلون مثل هذه المسألة إذا وقعت من النكاح الفاسد لا الباطل حيث نصوا على أن النكاح على ثلاثة أقسام:

الأول: صحيح وهو ما جمع الشروط كلها كأن يكون بعد إذن المرأة وبولي وشاهدين عدلين.

الثاني: باطل وهو ما خرق الإجماع ولم يوافق قول قائل من العلماء مثل أن يكون بلا ولي ولا شهود.

الثالث: فاسد وهو ما وافق قول قائل ولم يخرق الإجماع مثل أن يكون العقد بولي ولكن لا شاهد عليه فقد وافق قول الإمام مالك الذي لا يشترط الشاهدين في عقد النكاح أو يكون العقد بشاهدين ولا ولي فقد وافق مذهب الإمام أبي حنيفة ويجعلون الفاسد كالصحيح إلا في بعض الأحكام المذكورة في كتب الفقه.

س: إذا زوجت المرأة نفسها من غير وليها فعلم بعد ذلك الزوج أن لها ولياً فهل تستحق المهر كاملاً؟

جـ: إذا قد دخل الزوج بها فتستحق المهر كاملاً.

‌تعرف المرأة الولود الودود من جهة أقاربها من أبيها

س: كيف يعرف الرجل المرأة الولود الودود قبل الزواج؟

(1)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي موسى رضي الله عنه بتصحيح الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1101).

ص: 36

جـ: من جهة أخواتها وعماتها وبنات عمها.

‌جواز طلب المرأة المسلمة الزواج من رجل متدين

س: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تطلب الزواج من رجل متدين؟

جـ: نعم وألف نعم جائز لها ذلك لحديث (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(1)

.

(1)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (1004).

ص: 37

الباب الثاني: الأنكحة المحرمة

• تحريم زواج المتعة

• تحريم زواج التحليل

• يشترط في نكاح البائنة بالزوج الثاني أن يطأها لتحل للأول

• شروط النكاح المبيح للمطلقة طلاقاً بائناً الرجوع للزوج الأول

• تحريم زواج الشغار

• تحريم الزواج المعروف في اليمن بتبادل القرائب لما ينتج عنه من مشاكل

• جواز الزواج بالكتابية

• تحريم زواج المسلمة بكافر

• تحريم الزواج بالزاني أو الزانية

• جواز الزواج بالزانية بعد تحقق توبتها

• جواز زواج الرجل بامرأة قد زنى بها وأولاده من الزنا لا ينسبون إليه شرعاً

• تحريم الزواج بابنة الأخ أو زوجة الابن

• تحريم الزواج بابنة امرأته التي طلقها الزوج وهي ابنة رجل آخر

• تحريم الجمع بين خمس زوجات وتحريم الجمع بين أختين

• تحريم زواج الشخص بأصول من قد عقد له بها

• جواز تسمية الزوج والد زوجته عما وأمها عمة

• يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب

• جواز الزواج بطليقة ابن الأخ

• جواز الزواج بزوجة والد الزوجة إذا قد مات عنها أب الزوجة أو طلقها

• تحريم الجمع بين المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها أو بنت أخيها أو أختها

• تحريم الجمع بين المرأة وعمتها في وقت واحد

• وجوب الانتظار حتى انقضاء عدة المطلقة إذا كان يريد الزواج بالخامسة أو بأخت المطلقة

• تحريم الزواج بالخامسة قبل انتهاء عدة الزوجة الرابعة

• جواز زواج العبد بأربع إذا أذن له سيده

• تحريم الزواج بأم امرأة عقد له بها سواء دخل بها أم لم يدخل

• تحريم تدخل ولي المرأة بين المرأة وزوجها وإفساد العلاقة بينهما

• تحريم الزواج بامرأة قد عقد بها لوالد من يُراد العقد بها له

• بطلان عقد نكاح بامرأة لرجل وهي لا تزال في عقد نكاح الزوج الأول

ص: 38

• زواج الشغار جعل بضع إحدى المرأتين مهراً للأخرى

ص: 39

‌الباب الثاني: الأنكحة المحرمة

‌تحريم زواج المتعة

س: ما حكم زواج المتعة؟

جـ: جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والحنبلية والشافعية والزيدية والهادوية يقولون: بأن زواج المتعة منسوخ وأنه محرَّم للأدلة الدالة على هذا التحريم منها حديث (إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ)

(1)

هذا الحديث الصحيح الصريح يدل على تحريم نكاح المتعة وأن الأدلة الدالة على جواز نكاح المتعة منسوخة بهذا الحديث، ومن الأدلة المنسوخة حديث (كُنَّا فِي جَيْشٍ فَأَتَانَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا)

(2)

وحديث (أَيُّمَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَوَافَقَا فَعِشْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ لَيَالٍ فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَتَزَايَدَا أَوْ يَتَتَارَكَا تَتَارَكَا فَمَا أَدْرِي أَشَيْءٌ كَانَ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَنْسُوخٌ)

(3)

خلافا للشيعة الجعفرية، ونكاح المتعة إلى وصف الزنى وحكمه أقرب منه إلى و صف النكاح الشرعي وحكمه لأن آثار عقد النكاح الشرعي إدامة العلاقة بين الرجل والمرأة ولا تفك العلاقة بينهما إذا ساءت العشرة إلا بالطلاق الشرعي بين الرجل والمرأة، ووجوب الإنفاق على الزوج للزوجة ووجوب طاعة المرأة لزوجها في غير معصية الله ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الآثار منتفية في عقد نكاح المتعة، ولذا حرَّمه الرسول صلى الله عليه وسلم تحريماً مؤبداً والوقوع فيه بعد تحريمه وقوع في فاحشة الزنى المحرَّم تحريماً قطعيا في كتاب الله في قوله تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}

(4)

و إذا كان الله عز وجل قد حرَّم في هذه الآية تحريما قطعيا كل ما يقرب إلى الزنى من تبادل النظرات والعبارات الغرامية والملامسة والخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية فبالأولى تحريم نكاح المتعة لأن فيه كل مايقرب إلى الزنى بل فيه مجامعة المرأة الأجنبية الذي هو عين الزنى وحقيقته التي هي استمتاع الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية، وما إطلاق لفظ (نكاح المتعة) على مجامعة الرجل الأجنبي للمرأة الأجنبية إلا من باب التحايل على الشريعة الإسلامية التي حرمت الزنى ومن باب تغيير الحقائق الشرعية وتسمية الأفعال المحرمة بغير اسمائها كتسمية الخمر المحرم تحريما قطعياً في الشريعة الإسلامية بالمشروبات الروحية وكتسمية الربا المحرم تحريما قطعيا في الشريعة الإسلامية بالفائدة ونحوهما، ومن المعلوم أن تسمية الأفعال المحرمة بغير أسمائها الشرعية لا يغير من حقائقها الشرعية فيبقى الفعل المحرَّم محرَّما على فاعله وإن غير اسمه، وعلى هذ يظل استمتاع الرجل الأجنبي

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب نهي رسول الله عن المتعة. حديث رقم (5115) بلفظ (عن الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِمَا، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه، قَالَ: لِابْنِ عَبَّاسٍ، إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ)

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند العشرة المبشرين، ومالك في الصيد، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الحيل، المغازي.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب نهي رسول الله عن المتعة. حديث رقم (5117) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَا: كُنَّا فِي جَيْشٍ فَأَتَانَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّمَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَوَافَقَا فَعِشْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ لَيَالٍ فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَتَزَايَدَا أَوْ يَتَتَارَكَا تَتَارَكَا فَمَا أَدْرِي أَشَيْءٌ كَانَ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَنْسُوخٌ)

أخرجه مسلم في النكاح، وأحمد في أول مسند المدنيين.

(3)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهما برقم (5117)

(4)

- الإسراء: (32)

ص: 40

بالمرأة الأجنبية زنا اسما وحقيقة وحكما، يعاقب الله عز وجل الرجل والمرأة بعقوبة مرتكبي جريمة الزنا حتى وإن أطلقا على جريمتيهما لفظ (نكاح متعة) وقد أوجب الله عز وجل على من ارتكب فاحشة الزنى إقامة حد الزنى عليه وهو مائة جلدة للبكر والرجم حتى الموت للثيب قال تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

(1)

وأما قوله تعالى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}

(2)

فقد قال بعض المفسرين بأن المراد بأجورهن أي مهورهن الشرعية في النكاح الشرعي المستوفي شروط عقد النكاح الصحيح، والمراد بالاستمتاع بهن المذكور في الآية هو التلذذ بجماع المرأة المعقود عليها بعقد نكاح شرعي صحيح المراد به دوام العشرة بالمرأة، وعلى قول بعض المفسرين بأن المراد بها نكاح المتعة فهذا النكاح منسوخ بحديث (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه المتضمن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة، ومعنى الآية على هذا القول منسوخ بحديث النهي عن المتعة في حديث علي السابق الذكر، وأما قول ابن عباس رضي الله عنهما بجواز نكاح المتعة فهو قول صحابي ورأيٌ اجتهادي له ولا حجة في قول الصحابي ولا اجتهاده لأن الحجة ليست إلا في قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره، وربما في صحة النقل عن ابن عباس نظر لأنه لايمكن لصحابي جليل كابن عباس رضي الله عنهما أن يخالف النصوص الصحيحة الصريحة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الصحيحة التي تحرِّم تحريما قطعياً فعل الزنى وكل ما يقرب إليه ومنه ما يسمى نكاح متعة، ولكن أقرب الاحتمالات في حقه أن يقال: بان العزو إليه غير صحيح أو أنه قد رجع عن قوله إن صح النقل إليه.

س: هل يطلق الزوج عند انتهاء مدة طلاق المتعة؟

جـ: لا يحتاج إلى طلاق بل ينتهي بانقضاء المدة.

س: ما هو حكم الإسلام في الزواج المؤقت وهل يحتاج هذا النوع من الزواج إلى شهود؟

جـ: اعلم بأن الزواج المؤقت هو زواج المتعة وهو حرام، وما ورد من الأحاديث في إباحته فهو منسوخ عند الجماهير من علماء الأمة الإسلامية كالزيدية والحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية والظاهرية وغيرهم ولم يجزه أحد من علماء أئمة المذاهب الإسلامية غير الجعفرية وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له حظٌ من النظر.

س: ما رأيكم في من يقول بزواج المتعة؟

جـ: الأدلة قد دلت على تحريم زواج المتعة وجاءت الأحاديث الصحيحة تنسخ الدليل الذي كان قد أجازها في أول الإسلام وأجمع العلماء على تحريمها بعد موت ابن عباس الذي روي عنه أنه كان يجيزها للضرورة، فالحذر الحذر من الإقدام عليها والله يبري ذمتي فالمسألة خطيرة جداً لأنها تتعلق بالفروج، وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}

(3)

.

‌تحريم زواج التحليل

(1)

- النور: (2)

(2)

- النساء: (24)

(3)

- الإسراء: (32)

ص: 41

س: ما حكم زواج التحليل؟

جـ: هو حرام لحديث (لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ)

(1)

ولأن الزواج بقصد التحليل حرام.

‌يشترط في نكاح البائنة بالزوج الثاني أن يطأها لتحل للأول

س: إذا صادف أن تزوج رجل بامرأة مطلقة طلاقاً بائناً بينونة كبرى ولم يكن قاصداً التحليل وإنما قاصداً الزواج بها ولكنه طلقها قبل وطئها، فهل تحل لزوجها الأول؟

جـ: لا تحل للزوج الأول لأنه يشترط في النكاح بالزوج الثاني أن يطأها لحديث (لعلكِ تريدين أن تَرجِعي إلى رفاعةَ؟ لا، حتىا تذوقي عُسَيلتَهُ ويذوقَ عُسَيلتَكِ)

(2)

.

س: ما هو الزواج الذي تحل به المطلقة ثلاثاً للزوج الأول؟

جـ: هو الزواج الذي يتزوج الزوج الثاني بالمرأة لا بقصد التحليل وإنما يتزوجها ويصادف أن يموت أو تسوء العشرة بينهما فيطلقها، فبعد انتهاء عدتها تحل للزوج الأول ويشترط فيه أن يدخل بها الزوج الثاني ويتصل بها اتصالاً جنسياً لحديث (لعلكِ تريدين أن تَرجِعي إلى رفاعةَ؟ لا، حتىا تذوقي عُسَيلتَهُ ويذوقَ عُسَيلتَكِ).

س: لقد طلق أبي والدتي ثلاث طلقات متخللات الرجعة قبل ست سنوات فهل يجوز لوالدي أن يراجعها لأنهما يعيشان في بيت واحد بعد إنفصامهما؟ ما هو اللازم شرعاً في هذه المسألة؟

جـ: اعلم بأنه إذا صح وتقرر بأن والدك قد طلق والدتك ثلاث تطليقات متخللات الرجعة فلا تحل والدتك لوالدك حتى تتزوج برجل آخر يتصل بها إتصالاً جنسياً لا مجرد عقد بلا إتصال جنسي وبشرط أن يكون الزواج شرعياً وصحيحاً لم يقصد به التحليل لرجوعها إلى أبيك كما نص العلماء على ذلك وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى المرأة التي كانت تريد الرجوع إلى زوجها الأول قبل أن يتصل بها الزوج الثاني إتصالاً جنسياً وقال لها صلى الله عليه وآله وسلم (لعلكِ تريدين أن تَرجِعي إلى رفاعةَ؟ لا، حتىا تذوقي عُسَيلتَهُ ويذوقَ عُسَيلتَكِ) كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمى المحلل التيس المستعار في حديث (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ قَالُوا بَلَى

(1)

- سنن أبي داود: كتاب النكاح: باب في التحليل. حديث رقم (2076) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ إِسْمَعِيلُ وَأُرَاهُ قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ: المحلل: من يتزوج المطلقة ثلاثا لتحل لزوجها الأول. المحلل له: الذي طلق زوجته ثلاثا ويرغب في إعادتها.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب التبسم والضحك. حديث رقم (5943) بلفظ (عن عائشةَ رضي الله عنها، أَنْ رِفاعةَ القُرَظيُّ طلَّق امرأتَهُ فبتَّ طلاقَها، فتزوَّجها بعدَهُ عبدُ الرحمن بنُ الزُّبير، فجاءتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسولَ الله إنها كانت عند رِفاعةَ فطلَّقها ثلاثَ تطليقات، فتزوَّجَها بعدَهُ عبدُ الرحمن بنُ الزُّبير، وإنه والله ما معهُ يارسولَ الله إلاّ مثلُ هاذهِ الهدبة ـ لهدْبةٍ أَخذَتها من جلبابها، قال: وأبو بكرٍ جالسٌ عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وابنُ سعيدِ بنِ العاص جالسٌ ببابِ الحجرة ليُؤذَنَ له، فطفِقَ خالدٌ يُنادي أبا بكر، يا أبا بكر أَلا تزجُرُ هذهِ عما تجهرُ به عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ وما يزَيدُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على التبسم، ثم قال: لعلكِ تريدين أن تَرجِعي إلى رفاعةَ؟ لا، حتىا تذوقي عُسَيلتَهُ ويذوقَ عُسَيلتَكِ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، والطلاق، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الطلاق، واللباس، والأدب.

معاني الألفاظ: طلاق البتة: الطلاق ثلاثاً. الهدبة: طرف الثوب وهو كناية عن ضعفه الجنسي. تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك: كناية عن لذة الجماع.

ص: 42

يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ)

(1)

ولعن المحلل والمحلل له في حديث (لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ)

(2)

ولا مانع لأمك من البقاء في البيت الذي يسكن فيه والدك بشرط أن لا يراها ولا يخلو بها في غرفة واحدة لأنها قد أصبحت أجنبية مثل سائر النساء الأجنبيات.

س: هل التحليل المتفق عليه بين الزوج الأول والثاني يجوِّز رجوع المرأة إلى عصمة الزوج الأول شرعاً أم لا؟

جـ: لا عمل على زواج من قصد بزواجه التحليل المحرم شرعاً والملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث (لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ).

‌شروط النكاح المبيح للمطلقة طلاقاً بائناً الرجوع للزوج الأول

س: هل للنكاح المبيح للمطلقة طلاقاً بائناً بينونة كبرى الرجوع للزوج شروط؟ وما هي؟

جـ: نعم، لا بد للنكاح المبيح للمطلقة طلاقاً بائناً بينونة كبرى من شروط هي:

1 -

ألا يقصد الزوج الثاني بالزواج بها تحليلها للزوج الأول لحديث (لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ).

2 - لا بد أن يطأها لحديث (لعلكِ تريدين أن تَرجِعي إلى رفاعةَ؟ لا، حتىا تذوقي عُسَيلتَهُ ويذوقَ عُسَيلتَكِ).

3 -

لا بد من العدة إذا طلقها الزوج الثاني أو مات عنها لقوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}

(3)

وقوله تعالى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}

(4)

.

‌زواج الشغار جعل بضع إحدى المرأتين مهراً للأخرى

س: ما هو زواج الشغار؟

جـ: هو جعلُ بضع إحدى المرأتين مهراً للأخرى والعكس.

‌تحريم زواج الشغار

س: ما حكم زواج الشغار؟

جـ: هو حرام لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الشِّغَارِ)

(5)

.

(1)

- سنن أبي داود: كتاب النكاح: حديث رقم: (1778) بلفظ: (عن علي رضي الله عنه قال إسمعيل وأراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله المحلل والمحلل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5101).

أخرجه الترمذي في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ: المحلل: من يتزوج المطلقة ثلاثاً لتحل لزوجها الأول.

المحلل له: الذي طلق زوجته ثلاثاً ويرغب بإعادتها.

(2)

- سنن ابن ماجة: كتاب النكاح: باب المحلل والمحلل له. حديث رقم (1926) بلفظ (قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ).

انفرد به ابن ماجة، ولم أجده في صحيح ابن ماجه ولا في ضعيفة.

(3)

- البقرة: آية (228)

(4)

- البقرة: آية (224)

(5)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح. باب الشغار. حديث رقم (5112) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ)

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الحيل.

الصداق: المهر.

ص: 43

س: ما رأيكم إذا سمى المهر في زواج الشغار بعد العقد؟

جـ: عقد الشغار باطل من أساسه وتسمية المهر من بعد العقد لا يصحح العقد لأن ما بني على باطل فهو باطل وعليهم أن يعقدوا عقداً جديداً ويسمون المهر، هذا رأي الجمهور من العلماء، وأبو حنيفة قال: لا مانع من استدراك العقد بتسمية المهر.

‌تحريم الزواج المعروف في اليمن بتبادل القرائب لما ينتج عنه من مشاكل

س: ما رأيكم في الزواج المعروف في اليمن بالتبادل بحيث يزوج كل واحد الآخر بقريبته مع تسمية المهر لكل واحدة منهما حين العقد؟

جـ: عندي أن هذا الزواج في مدينة صنعاء جائز لأنه ليس بشغار لتسمية مهر كل من المرأتين ولأنه في مدينة صنعاء إذا ساءت العشرة بين أحد الزوجين مع زوجته حتى بلغت حد الطلاق بينهما فإن العرف في مدينة صنعاء ألا يرتبط طلاق إحداهما بالأخرى ولا مشاكل إحداهما مع زوجها بالأخرى، أمَّا في المناطق التي يرتبط طلاق إحداهما بالأخرى وهروب إحداهما من بيت زوجها إلى بيت أبيها لمشاكل مع زوجها بهروب الأخرى التي ليس بينها وبين زوجها أيّة مشاكل والعشرة بينهما على أحسن حال، فعندي أن هذا الزواج حرام لا لذات العقد ولا أنه شغار وإنما لما ينشأ عنه من مشاكل بين الأسرتين ولما قد يؤدي إلى طلاق المرأة التي ليس بينها وبين زوجها سوء عشرة ولتسببه في ضياع الأطفال.

س: ما زال بعض الناس يمارس زواج البدل أو زواج الشغار ويتجاهل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ)

(1)

، فكيف يكون الحل الشرعي إذا طلق واحد منهما أخت الآخر لأنه لم ينسجم معها؟ وماذا يجب على الزوج الباقي مع زوجته؟ هل يطلق هو أيضاً وهو لا يريد الطلاق أو يدفع مهراً ويعقد له من جديد؟

جـ: اعلم أنه قال بعض العلماء: لا مانع لمن تزوج بطريقة الشغار أن يتدارك الموضوع بتسمية المهر وتسليمه إلى الزوجة حيث والعلة في تحريم الشغار عدم ذكر المهر وجعل بضع إحدى الزوجتين مهراً للأخرى هكذا قال بعض العلماء، وقال آخرون العقد من أصله باطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الشغار بقوله صلى الله عليه وسلم (لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ) والنهي يقتضي عدم صحة المنهي وبناءً على هذا فيجب عليه إعادة العقد من جديد على الصفة المشروعة وهذا هو الأحوط.

‌جواز الزواج بالكتابية

س: هل يجوز للمسلم أن يتزوج بامرأة كتابية نظراً إلى أن تكاليف الزواج بالمسلمة أصبحت في هذه الأيام مرتفعة ارتفاعاً فاحشاً ويقال أن الزواج بالكتابية أقل تكلفة وغير مرهق لمن يرغب في ذلك؟

(1)

صحيح مسلم: كتاب النكاح: باب تحريم نكاح الشغار في الإسلام وبطلانه. حديث رقم (2539) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ).

أخرجه البخاري في النكاح، الحيل، والترمذي في النكاح، النذور والأيمان، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: النكاح.

معاني الألفاظ: نكاح الشغار: زواج امرأة في مقابل أخرى دون مهر.

ص: 44

جـ: اعلم أنه اختلف العلماء في جواز زواج المسلم بالكتابية وهي اليهودية أو النصرانية على قولين:

القول الأول: هو جواز زوج المسلم بالكتابية لقوله تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}

(1)

.

القول الثاني: تحريم زواج المسلم بالكتابية وإلى القول الأول ذهب جمهور العلماء وهو مذهب أهل السنة، وإلى القول الثاني ذهب الأقل من العلماء وهم الزيدية ومن وافقهم في تحريم زواج المسلم بالكتابية وقد احتج الجمهور من المسلمين على القول بالجواز بأن الأصل في كل شئ هو الجواز والإباحة حتى يرد دليل صحيح صريح يدل على التحريم، كما أنهم قد تبرعوا بدليل على الجواز مع كون الأصل معهم، والدليل على جواز نكاح الكتابية هو قوله تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}

(2)

وقد أجاب العلماء القائلون بتحريم زواج المسلم بالكتابية على الدليل الذي احتج به الجمهور من العلماء على جواز هذا النكاح بأن أهل الكتاب قد أصبحوا مشركين لأن اليهود قالوا {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} والمسيحيين قالوا {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} وحيث قد قالوا هذين القولين فقد صاروا مشركين والمشركة لا يجوز زواج المسلم بها بالإجماع، وهكذا أجابوا على من قال بالجواز بأن أهل الكتاب قد بدلوا وحرفوا ولكن الجمهور من العلماء قد ردوا على هذين الجوابين بأن القرآن قد جوز نكاح الكتابية في سورةالمائدة بالآية الكريمة {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} في حين أن أهل الكتاب قد قالوا هذين القولين من قبل نزول هذه الآية التي جوزت الزواج بالكتابية أو عند نزول هذه الآية التي جوزت الزواج بالكتابية والدليل على هذا أن القرآن قد حكى عنهم هذين القولين حيث قال {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}

(3)

كما أنهم أيضا كانوا قد حرَّفوا وبدَّلوا من أيام النبي صلى الله عليه وسلم بل ومن قبل أيام النبي صلى الله عليه وسلم حيث حكى عنهم ذلك في الكتاب العزيزفي قوله تعالى {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}

(4)

وقوله تعالى {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}

(5)

ولبعض علماء السنة نظرية في هذه المسألة جعلته يحكم بتحريم زواج المسلم بالكتابية وإن كان الدليل في القرآن الكريم قد دل على الجواز وذلك من ناحية الظروف التي كان المسلم في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش فيها وهكذا في أيام خير القرون فإن المسلم في تلك الأيام كان في غاية من التمسك الديني والورع والتقوى وكان المثل الأعلى في حسن السيرة

(1)

سورة المائدة: آية (5).

(2)

سورة المائدة: آية (5).

(3)

- التوبة: آية (9).

(4)

- البقرة: آية (75)

(5)

- آل عمران: آية (78)

ص: 45

والسلوك وكان المسلم في غاية من القوة والاعتزاز بإسلامه فكان المسلم إذا تزوج بامرأة من أهل الكتاب فبمجرد المخالطة وبالمجالسة تقف على أعماله من ناحية العلم والمعرفة والعبادة والمعاملة الحسنة لزوجته ولأولاده ولأسرته ولجيرانه فتعجب به فتسلم وتصبح بعد أيام من جملة المسلمات ولا سيما وأن المسلمين في تلكم العصور كانوا في غاية من القوة وقد جرت العادة بأن الضعيف يقلد القوي ويتابعه في كثير من أخلاقه وعاداته وتقاليده وفي بعض الأحيان قد يتابعه في دينه، وأما في هذه الأيام فقد أصبح البعض من الشباب مخالفاً لما كان عليه الشباب من المسلمين في عصر خير القرون ولم يبق المثل الأعلى في السلوك وحسن السيرة وفي العبادات والمعاملات وفعل الواجبات أو اجتناب المحرمات كما كان الشاب في أيام السلف الصالح فلا يرجى من زواجه بالكتابية أنها تعجب بأخلاقه وبديانته وبعبادته إلى حد أنها تقتدي به فتؤمن بالله وحده وتشهد بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتنخرط في سلك النساء المسلمات بل قد يخشى والعياذ بالله أن يصير حبه لها حباً يجعله يقلد ما في عاداتها وفي تقاليدها أو يتشبه بها في أخلاقها ومعتقداتها فتذوب عاداته وتقاليده في عاداتها وتقاليدها إلى أن يترك بعض الواجبات القطعية التي أوجبها الله على كل مسلم ومسلمة كالصلاة أو الصيام أو يرتكب بعض الكبائر التي دل على تحريمها الكتاب والسنة والإجماع وذلك كشرب الخمر ونحوه من المحرمات القطعية ولا سمح الله، والخلاصة: أنه يخشى عليه أن يذوب أمامها بدلاً من أن يجذبها ويجعلها تذوب أمامه كما يخشى عليه أن يخرج من الإسلام بدلاً من أن تدخل هي في الإسلام وبناءً على ذلك فيمكن أن نحكم بتحريم زواج الشاب المسلم بالشابة الكتابية من هذه الناحية لأن الزواج بها قد يكون مظنة لما هو حرام فيكون حراماً من باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(1)

هذا، وأما المغالاة في المهور فالإسلام يحرمه ولكن الكثير من المسلمين قد حملهم الجشع والطمع حتى ضحوا بمستقبل بناتهم وبراحتهن وبعفتهن في سبيل طمعهم وجشعهم حيث غالوا في المهور المغالاة التي أصبحت تزيد في كل عام زيادات خياليه وأضافوا إلى المهر أشياء ما أنزل الله بها من سلطان حتى أصبح الزواج متعذراً على الكثير من الشباب ولا سيما الفقراء، والمغالاة في المهر حرام للمفاسد التي تترتب على المغالاة في المهور من تعسير الزواج الذي يسبب إغلاق باب إشباع الرغبة الجنسية لدى الشباب والشابات عن طريق الزواج الشرعي ويسبب اضطرار الشباب والشابات إلى اشباع رغباتهم الجنسية عن طريق باب العلاقات المحرمة بين الشباب والشابات الذين تعسر عليهم الزواج الحلال بسبب المغالاة في المهور والمبالغة في تكاليف حفلات الزواج، وقد رغب الإسلام في تيسير المهر كما في حديث (انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)

(2)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن: باب القرآءة عن ظهر غيب. حديث رقم (5087) بلفظ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شيئاً جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ، هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي، قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّهَا قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الوكالة، النكاح.

ص: 46

‌تحريم زواج المسلمة بكافر

س: ما هو الدليل على تحريم زواج المسلمة بكافر؟ هل هو الإجماع أم أن هناك دليلاً من القرآن الكريم؟ وما هي الآية التي تدل على الحكم؟ وما مستند الإجماع وما مستند من يحرم هذا الزواج ممن ينكر حجية الإجماع وعدم إمكانه؟

جـ: اعلم أن زواج المرأة المسلمة بالكافر لأيِّ كافر كان لا يجوز شرعاً بل إن تحريم زواج المسلمة بالكافر مما علم من الدين ضرورة والدليل عليه الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى في سورة البقرة {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ}

(1)

أي لا تزوجوا بناتكم أو أخواتكم أو أيِّ امرأة مسلمة من أقاربكم ممن لكم عليهن ولاية النكاح بأيِّ مشرك حتى يترك دينه ويدخل في دين الإسلام وقوله تعالى في سورة الممتحنة {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}

(2)

والضمير في قول {لَا هُنَّ} راجع إلى النساء الذي قد علم المؤمنون أنهن مؤمنات في قوله {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}

(3)

والضمير في قوله {حِلٌّ لَهُمْ} راجع إلى الكفار وهكذا الضمير في قوله {وَلَا هُمْ} راجع إلى الكفار وقوله تعالى {لَا هُنَّ} راجع إلى المؤمنات والألف واللام في الكفار للجنس يشمل كل كافر سواء كان الكافر يهودياً أم نصرانياً أم مجوسياً أم بوذياً أم وثنياً أم هندوسياً أم ملحداً أم أيِّ كافر فالكل من هؤلاء لا يحل تزويج المسلمة بواحد من هؤلاء الكفار ولا يحل تمكين واحد منهم من الزواج بالمسلمة، وأما الدليل من السنة فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب ابنته (زينب) من مكة إلى المدينة في السنة الثانية من الهجرة بعد غزوة بدر الكبرى وهي زوجة أبي العاص بن الربيع ولما وصل زوجها أبو العاص إليها واستجار بها فأجارته أذن النبي صلى الله عليه وسلم لها في قبول استجارته بها بشرط ألا يمسها فلما أسلم أرجعها إليه بالعقد الأول كما جاء في بعض الروايات منها حديث (رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِي بْنِ الرَّبِيعِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الأول وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا)

(4)

أو بعقد جديد كما جاء في رواية أخرى، وأما الإجماع فقد أجمع المجتهدون العدول من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على تحريم زواج المسلمة

(1)

البقرة: آية (221).

(2)

- الممتحنة: آية (9).

(3)

- الممتحنة: آية (9).

(4)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ماجاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما. حديث رقم (1143) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِي بْنِ الرَّبِيعِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الأول وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه أبو داود في الطلاق، وابن ماجة في النكاح.

ص: 47

بالكافر من عصر خير القرون إلى عصرنا هذا ولا أظن أن عالماً من علماء الفقه الإسلامي قد جوز زواج المسلمة بالكافر لا قديماً ولا حديثاً ولا يتصور وجود عالم من علماء المسلمين يقول بجواز ذلك الزواج الذي سبق أنه يخالف الكتاب والسنة والإجماع.

‌تحريم الزواج بالزاني أو الزانية

س: هل يجوز الزواج بالزاني أو الزانية؟

جـ: يحرم على الرجل أن يتزوج بامرأة يعرف أنها زانية أو تعرف المرأة أن الرجل زان، ويحرم على الرجل التزوج بامرأة يعرف أنهازانية، و يحرم على المرأة التزوج برجل تعرف أنه يزني لأن القرآن ينهى عن ذلك في قوله تعالى {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}

(1)

.

‌جواز الزواج بالزانية بعد تحقق توبتها

س: هل يحل للرجل أن يتزوج بزانية من أجل سترها؟

جـ: إذا قد تابت فلا مانع بشرط أن تكون قد استبرأت بعد الزنا بحيضة إن كانت ذات حيض أو بوضع الحمل إن كانت ذات حمل أو بثلاثة شهور إن كانت ضهياً لا تحيض أو يائسة من الحيض أو منقطعة الحيض لعارض.

‌جواز زواج الرجل بامرأة قد زنى بها وأولاده من الزنا لا ينسبون إليه شرعاً

س: هل يجوز للرجل أن يتزوج بامرأة قد زنى بها من قبل وأنجبت له ولداً من الزنا؟

جـ: الولد أو الأولاد الذين يولدون بوطء غير شرعي كالزنا يلحقون بأمّهم حتى وإن كان الزاني معروفاً فلا يلحق به الأولاد ولا يرثون منه، وفي حالة ما إذا تزوج الرجل بالمرأة التي زنى بها وأنجبت له أولاداً بعد الزواج الشرعي فإن أولادها من الزنا لا يكونون محارماً لأولاده الشرعيين إلا من باب الرضاع فقط، ولا مانع للرجل أن يوصي للأولاد من الزنا بالثلث لأنها وصية لغير وارث أما أولاده بعد الزواج الشرعي فهم أولاده وتجري عليهم كل أحكام الأولاد بشرط الاستبراء بحيضة بعد الوطء المحرم.

‌تحريم الزواج بابنة الأخ أو زوجة الابن

س: حدث أن رجلاً قال لابنة أخته وزوجة ابنه بأنها إذا أرادت أن يكون زوجاً لها فلا مانع لديه وكان ذلك بسبب شجار بينه وبينها ثم إنه تعرى أمام الناس وأمامها، فما هو الجواب؟

جـ: زواج الرجل من بنت أخيه أو أخته لا يجوز وهو محرَّم تحريماً قطعياً وقد دل على تحريمه القرآن الكريم كما أن زواج الرجل من زوجة ابنه محرَّم أيضاً بل هو من المحضورات القطعية المذكورة في القرآن الكريم وهكذا يحرم الإسلام الزواج بالمرأة المحصنة أي المزوجة كما جاء في القرآن الكريم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}

(2)

وإذا صح ذلك وتقرر أن رجلاً يحاول الزواج

(1)

- النور: آية (3).

(2)

النساء: آية (23).

ص: 48

بابنة أخته المزوجة بابنه فهو يحاول أن يعمل عملاً محظوراً قطعياً من ثلاثة وجوه:

الأول: أنها ابنة أخته. الثاني: أنها حليلة ابنه.

الثالث: أنها محصنة أي مزوجة.

ولعل في السؤال مبالغة أو لعل الرجل المذكور الذي جاء في السؤال بأنه يقول إنه سينكحها وأما إذا كانت تريد أن تتزوج به فلا مانع عنده من ذلك لعله قال هذه المقالة في حالة غضب أو لعله مصاب بنوع من الجنون لأن كل مسلم عاقل يعيش في بلاد مسلمة عارف بأن زواج البنت بعمها حرام بالإجماع، وأن زواج زوجة الولد بوالد زوجها محظور بالإجماع، وأن زواج المتزوجة محظور بالإجماع، وإذا كان مجنوناً فالمجنون غير مخاطب بالشرعيات وقلم التكليف مرفوع عنه كمافي الحديث النبوي الشريف (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ)

(1)

وإذا كان في حالة غضب فيجب عليه أن يتوب ويندم على ما صدر منه من قوله لزوجة ابنه وبنت أخته في نفس الوقت بأنه سيتزوج بها إذا كانت تريد ذلك وأنه يعزم على عدم العودة للقول الذي لا يصدر من مسلم ولا يتفوه به مؤمن، وأما كون هذا الرجل تعرى أمام المرأة وأمام الحاضرين من الناس فلا شك أنه قد عمل ما هو محرَّم شرعاًلحديث (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ)

(2)

ولكنه قد عمل ما هو أعظم من التعري أمام الناس الحاضرين والمرأة وهو أنه قال لها أنه سينكحها أو سيتزوج بها إن كانت موافقة على زواجه بها في حين أن المسلمين جميعاً لا فرق بين العالم منهم والجاهل والأمي والمثقف يعرفون أن الزواج بابنة الأخت وزوجة الولد حرام بأدلة الكتاب والسنة والإجماع.

الخلاصة:

1 -

زواج الرجل بابنة أخته محرَّم تحريماً قطعياً بأدلة الكتاب والسنة الإجماع.

2 -

زواج الرجل بزوجة ابنه حرام أيضاً بأدلة الكتاب والسنة والإجماع.

3 -

زواج الر جل بمن هي مزوجة محرَّم قطعياً بأدلة الكتاب والسنة والإجماع من قال لزوجة ابنه وابنة أخته أنه يريد الزواج بها لعله مجنون أو في حالة غضب.

4 -

إذا صح أن هذا الرجل قد قال هذا الكلام في حالة جنون فالقلم مرفوع عنه وإذا تقرر أنه قاله وهو غضبان فعليه التوبة والرجوع إلى الله لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ

(1)

- سنن أبي داود: كتاب الحدود: باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً. حديث رقم (3825) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (4398).

أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ: الكبير الذي ضعف عقله.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الأدب عن رسول الله: باب ما جاء في حفظ العورة. حديث رقم (2718) بلفظ (حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال (حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2794).

أخرجه ابن ماجه في النكاح.

أطراف الحديث: الأدب عن رسول الله.

ص: 49

وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}

(1)

.

5 -

من صدر منه كلام مخالف للأدلة القطعية فلا يستغرب منه كشف عورته أمام ابنة أخته المزوجة بابنه وأمام الحاضرين، هذا إذا صح أن الكلام صحيح.

‌تحريم الزواج بابنة امرأته التي طلقها الزوج وهي ابنة رجل آخر

س: تزوج رجل بامرأة ومكثت معه فترة من الزمن ثم طلقها فتزوجت برجل آخر وأنجبت له بنتاً ولما بلغت البنت سن الزواج خطبها زوج أمها السابق فوافقت على الزواج، فهل يجوز له أن يتزوج بها أم أنها محرَّمة عليه تحريماً مؤبداً؟

جـ: من المعروف والمعلوم شرعاً أن من تزوج بامرأة ثم طلقها بعد أن دخل بها، لا يحل له أن يتزوج بابنة هذه المرأة التي ولدتها مطلقته بعد أن تزوجت برجل آخر، لأن الأدلة قد دلت على عدم جواز زواج الرجل بابنة زوجته مطلقا، ًمنها قوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}

(2)

وإن كانت هذه البنت ابنة رجل تزوج بأمها قبل الزوج الذي يريد أن يتزوج بهذه البنت كما هو الغالب، أم كانت هذه البنت ابنة رجل تزوج بأمها بعد طلاقها من الزوج الذي يريد أن يتزوج بها، لأنه لا يجوز لأحد أن يتزوج بأصول من قد تزوج بها ولا سيما والأصل في مثل هذا هو التحريم، فمن قال بالجواز فعليه الدليل الصحيح الصريح الخالي عن المعارضة.

‌تحريم الجمع بين خمس زوجات وتحريم الجمع بين أختين

س: رجل متزوج بخمس زوجات وكلهن في عصمته فهل عمله جائز أم لا؟ وما حكم الجمع بين الأختين؟

جـ: الجمع بين خمس زوجات حرام بإجماع المسلمين ولحديث (أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ، أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَخَيَّرَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ)

(3)

وكذلك الجمع بين الأختين حرام أيضاً بالإجماع لقوله تعالى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}

(4)

؟

س: امرأة ارتكبت جريمة الزنا فولدت ولداً فأراد الولد أن يتزوج ابنت الرجل الذي ارتكب جريمة الزنا مع أمه وهو لا يعلم أنه ابن زنا وأمه تعلم، فهل يجوز له الزواج ببنت هذا الرجل؟

جـ: قال العلماء: الحرام لا يحرم الحلال، فكل وطء لم يستند إلى نكاح صحيح فهو حرام، فيصح أن يتزوج بها لأنه لا يحرم على الإنسان إلا أخواته أو عماته من نكاح صحيح أم ما كان من ماء خبيث فيجوز، بل قد روي عن الشافعي ما هو أعظم من ذلك، وهو أنه يجوز للإنسان أن يتزوج بابنته من الزنا، مثل أن يزني رجل بامرأة

(1)

- التحريم: آية (8)

(2)

- النساء: آية (23)

(3)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ماجاء فيمن أسلم وعنده عشر نسوة. حديث قم (1128) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ، أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَخَيَّرَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه ابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في الطلاق.

(4)

النساء: آية (23).

ص: 50

عمرها سبعة عشر سنه ثم تغرّب عن البلاد لمدة سبعة عشر سنة، فرجع إلى بلاده فطلب من امرأة أن تبحث له عن زوجه فدلته على بنت المرأة التي زنا بها وهو لا يعلم من هي فيتزوج بها ثم بعد زواجه بها سألها من هي؟ ومن أمها؟ ومن أسرتها؟ فيعرف من إجابات البنت أنها بنته من الزنا، فعند الجمهور من العلماء: أنه يفارقها ويفصل بينهما حالاً، وعند الإمام الشافعي: أنه يجوز له البقاء معها زوجة له، لأن الحرام لا يحرم الحلال والحرام نقمة والحلال نعمة، والنقمة لا تعدم المرء النعمة، والزواج نعمه والزنا نقمة فلا تكون النقمة سبباً لحرمان النعمة.

‌تحريم زواج الشخص بأصول من قد عقد له بها

س: هل يحرم على الزوج أصول وفصول من عقد بها وهل يحرم عليها أيضا أصول وفصول من عقد بها أم أنه لا يحرم كل ذلك بمجرد العقد؟

جـ: من النساء التي يحرم على الرجل أن يتزوج بهن أصول من كانت زوجته سواء كانت زوجته قد فارقته بموت أو طلاق أو فسخ وسواء كان قد دخل بمن قد كانت زوجته أو لم يكن قد دخل بها وإنما الذي كان منه مجرد عقد فقط لقوله تعالى في سياق عدد المحرمات من النساء {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}

(1)

فهذه الآية تدل على تحريم زواج الرجل بأصول من كانت زوجته مطلقاً سواءً كان قد دخل بها أو كان قد عقد بها عقداً فقط ولم يدخل بها وسواءً كانت المرأة باقية على الزواج بالزوج أو كانت قد فارقته وسواءً كان الفراق بين الزوجين بموت الزوجة أم بطلاقها أم بفسخ عقد نكاحها منه وسواءً كان الفسخ من الزوجة أم من الزوج، وأمَّا فصول من كانت زوجة لرجل فهن من المحرّم عليه الزواج بهن أو بإحداهن سواءٌ كانت الزوجة باقية عند الرجل، أوقد فارقته بطلاق أو فسخ أو موت لكن بشرط أن يكون الرجل قد دخل بالمرأة، أما إذا كان مجرد عقد فقط فلا مانع له من الزاوج بأيِّ امرأة من فصول من كان قد عقد له بها مجرد عقد فقط ولم تكن قد زفت إليه ودخل بها لأن القرآن الكريم قيد التحريم بالدخول في تحريم الربائب ولم يطلقه كما أطلق في أمهات النساء وفي المسألة قول آخر وهذا هو الراجح لقوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}

(2)

قال العلماء ويدخل في ذلك جميع فروع من كانت زوجته إذا كان قد دخل بها، أما إذا لم يدخل بها فلا يحرم عليه الزواج بدلالة مفهوم الصفة لأن القرآن وصف المحرمات من الربائب بكونهن مدخول بهن مفهومه أن النساء اللاتي لم يكن قد وقع الدخول بهن فلا يحرمن على الرجال الذين كانوا قد تزوجوا بالنساء ولم يدخلوا بهن وإنما كان الزواج مجرد عقد لا سوى، وبناءً على ما سبق نقول من كان له زوجه فأمها تكون محرماً له وكذلك جدتها وأم جدتها وعليه فيحرم عليه التزوج بواحدة من أمهاتها سواءً كانت مدخولاً بها أم لم يكن قد دخل بها، ومن كان له زوجه ومعها بنت أو بنت بنت أو حفيدة بنت ابن فلا يجوز له أن يتزوج بواحدة منهن إذا كان قد دخل بالزوجة وإلا فلا مانع له من ذلك، فيحرم على المرأة أن تتزوج بأصول زوجها لأن القرآن قد دل على تحريم زواج الرجل بزوجة ابنه أو ابن ابنه لقوله تعالى {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} .

(1)

النساء: آية (23).

(2)

- النساء: آية (23).

ص: 51

‌جواز تسمية الزوج والد زوجته عما وأمها عمة

س: حينما يتزوج الرجل والمرأة فإن كلاً منهما ينادي أب وأم الآخر بقوله (يا عمي ويا عمتي) فهل هذه التسمية جائزة ومشروعة أم أنها غير مشروعة؟

جـ: اعلم أنه لا مانع للرجل من أن يسمى والد زوجته عماً أو أن يدعيه ويناديه بلفظ (العم) كما أنه لا مانع له أن يدعو والدة زوجته (عمة) ولا محظور في هذه التسمية ولا حرج ولا جناح عليه في هذه التسمية لأنه من باب الاحترام والتقدير وهو ليس بعم حقيقة وإنما هو من باب المجاز وكانت العرب في الجاهلية ثم في الإسلام تفعل ذلك فكان يدعو الرجل الرجل الآخر الذي يكبره سناً بقوله يا (عم) كما أن الرجل كان يدعو الرجل الآخر الذي يكون أصغر منه سناً بقوله (يا ابن أخي) وبناءً على ذلك ليس في قول الرجل لوالد زوجته بأنه عمه أو يناديه بقوله يا عم أيِّ حرج بل هو أعظم احتراماً وأخصَرُ عبارة من أن يقول عنه بأنه والد زوجته ولا يتصور أن يفهم أحد بأنه مجرد ما يقول له يا (عم) أو يقول عنه بأنه (عمه) أنه يكون عماً شرعياً فيكون وارثاً له إن لم يوجد من العصبة من هو أولى منة وأقرب إليه، وكما قلنا في الرجل فنقول كذلك في المرأة.

‌يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب

س: ما الذي يحرم على الرجل من النساء التزوج بهن من جهة الرضاع؟

جـ: يحرم على الرجل أن يتزوج بأمه من الرضاع أو جدته من الرضاع أو ابنته من الرضاع أو بنت ابنه أو ابنته من الرضاع، كما يحرم عليه أن يتزوج بأخته من الرضاع أو بنت أخيه أو أخته من الرضاع أو أم زوجته من الرضاع، كما يحرم عليه أن يجمع بين المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها من الرضاع لحديث (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ)

(1)

وحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ)

(2)

لأن الرضاع كالنسب، والرضاع من الأحكام التي أتى بها الإسلام، أما اليهود والنصارى فليس لديهم مسائل التحريم بالرضاع، فالنصارى واليهود لا يحرم على الرجل منهم الزواج بأخته أو أمه أو عمته من الرضاع.

‌جواز الزواج بطليقة ابن الأخ

س: حدث أن رجلاً تزوج بطليقة ابن أخيه بعد أن كانت قد أنجبت لابن أخيه ولدا، ً فهل تحل هذه المرأة لهذا الرجل أم أنها لا تحل له؟

جـ: اعلم بأنه لا مانع لأيِّ رجل من الزواج بزوجة ابن أخيه إذا كان ابن الأخ قد طلقها وانقضت عدتها منه

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب الشهادة على الأنساب والرضاع. حديث رقم (5099) بلفظ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُرَاهُ فُلَانًا لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ).

أخرجه مسلم في الرضاع، والترمذي في الرضاع، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الرضاع، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: النكاح.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت. حديث رقم (2451) بلفظ (عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فِي بِنْتِ حَمْزَةَ لَا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ)

أخرجه مسلم في النكاح، والنسائي في النكاح، وابن ماجه في النكاح، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

ص: 52

سواء كان ابن الأخ هذا قد دخل بهذه الزوجة أم لم يكن قد دخل بها وسواء كانت قد أنجبت له أم لم تكن قد أنجبت له المهم أنها قد طلقت من ابن الأخ واعتدت منه بعد طلاقها لأن زوجة الأخ أو زوجة ابن الأخ ليست من النساء اللاتي يحرم على الرجل أن يتزوجها حتى يمنع هذا الرجل من زواجه من هذه المرأة المطلقة ولم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ما يدل على تحريم نكاح من كانت قد تزجت بالأخ أو بابن الأخ، وما يعتقده بعض العامة من عدم جواز زواج الرجل بطليقة أخيه أو طليقة ابن أخيه لا أصل له في الشريعة الإسلامية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، اللهم إلا إذا كان هناك مانعاً شرعياً يمنع من الزاوج كرضاع بين هذه الطليقة وبين عم مطلقها فلا يجوز شرعاً أن يتزوج هذا العم بهذه الطليقة لأجل الرضاع لا لأجل أنه عم طليقها، أما إذا لم يكن هناك مانعاً من الزواج فالنكاح صحيح.

‌جواز الزواج بزوجة والد الزوجة إذا قد مات عنها أب الزوجة أو طلقها

س: تزوج رجل بامرأة ثم توفي والد زوجته ويرغب الرجل المذكور في أن يتزوج بالمرأة التي كانت زوجة لوالد زوجته وهي ليست بأم لزوجته، فهل يجوز له ذلك؟

جـ: إن كان المراد بأنه إذا كان للرجل أن يتزوج بالمرأة التي كانت زوجة والد زوجته على أساس بأنه قد طلق زوجته أو توفيت أو سيطلق زوجته ويتزوج بالمرأة التي كانت زوجة لوالد زوجته فلا مانع من ذلك لأن زوجته ليست بنتاً لهذه المرأة وإنما هي ربيبه لها فقط أي أن هذه المرأة التي يريد أن يتزوج بها ليست من أصول الرجل ولا من أصول زوجته فيحل له أن يتزوج بها إذا كانت زوجته الأولى قد توفيت أو طلقها، وإذا كان المراد بأن هذا الرجل يريد أن يتزوج بالمرأة التي كانت زوجة والد زوجته فيجمع بين الأولى والثانية فذلك جائز أيضاً وذلك في المذهب الهادوي وغيره من المذاهب الإسلامية الأخرى لأن المذهب الهادوي يحرم على الزوج أن يجمع بين المرأتين بحيث لو كان أحدهما ذكراً لحرم على الآخر الزواج به من الطرفين لا من طرف واحد وعلى هذا الأساس فإن المذهب الهادوي يجوز للرجل أن يجمع بين المرأتين إذ كانت قد بانت من والدها وقضت عدتها، وهكذا يجوز الجمع بين الأولى والثانية إذا كان والدها قد طلقها وقضت عدتها لأن تلك المذاهب تحرم الجمع بين الأختين الواردة في القرآن في قوله تعالى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} ثم الجمع بين المرأة وخالتها أو عمتها الواردة في السنن وهي لا تحرم الجمع بين غيرهما من النساء كما في حديث (لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا)

(1)

وعلى هذا الأساس فالمرأة وزوجة والدها الذي توفي لا مانع من الجمع بينهما.

‌تحريم الجمع بين المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها أو بنت أخيها أو أختها

س: هل يجوز للرجل أن يجمع بين امرأة وأختها أو عمتها أو خالتها في العدة؟

جـ: لا يجوز للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو أختها أو بنت أخيها أو بنت أختها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى لحديث لحديث (لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا) وإذا أراد الزوج الزواج بأخت الزوجة أو عمتها أو خالتها أو بنت أخيها أو بنت أختها فينتظر حتى انتهاء العدة.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب النكاح: با ب لا تنكح المرأة على عمتها. حديث رقم (3422) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا)

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند االمكثرين، ومالك في الرضاع، والدارمي في النكاح.

ص: 53

‌تحريم الجمع بين المرأة وعمتها في وقت واحد

س: تقول أن لي أخت من والدي ولها ابنة تزوجت بزوجي وقد أنجبت له ولداً وبنتاً وأنا الآن ما زلت في عصمته وأنا لا أستطيع العيش معه بعد هذه المشكلة الصعبة وذلك لأن الزوجة الجديدة هي بنت أختي؟

جـ: إذا صح أن بنت أختك من أبيك قد تزوجت بزوجك وقد أنجبت له في حين أنه لم يطلقك ولازلت في عصمته فما فعله زوجك هذا محرم شرعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا)

(1)

وهو المنصوص عليه في جميع كتب الفقه وشروح كتب الحديث وعليك أن ترفعي قضيتك هذه إلى القاضي الشرعي المولى في المنطقة ليجري اللازم حول هذا الموضوع الخطير إن صح ما جاء في هذا الاستفتاء.

‌وجوب الانتظار حتى انقضاء عدة المطلقة إذا كان يريد الزواج بالخامسة أو بأخت المطلقة

س: إذا طلق الرجل زوجته طلقة واحدة وأراد أن يتزوج امرأة أخرى فهل ينتظر حتى تنقضي العدة؟

جـ: إن كانت المرأة التي يريد الزواج بها أخت الزوجة المطلقة أو عمتها أو بنت أخيها أو بنت أختها فينتظر حتى تنقضي العدة لأنه لا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو بنت أخيها أو بنت أختها لحديث ((لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا) وحديث (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا)، أو كانت المطلقة هي الزوجة الرابعة ويريد الزواج بالخامسة فيجب عليه الانتظار حتى تنقضي العدة، أمَّا إذا كانت المرأة التي يريد الزواج بها أجنبية وليست أختا أو عمة أو بنت أخ أو أخت للزوجة المطلقة وليست هي الخامسة فيجوز له الزواج بها ولا ينتظر انقضاء عدة الزوجة المطلقة لقوله تعالى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}

(2)

.

‌تحريم الزواج بالخامسة قبل انتهاء عدة الزوجة الرابعة

س: هل يجوز للرجل أن يتزوج بالزوجة الخامسة قبل انتهاء عدة الزوجة الرابعة؟

جـ: لا يجوز للرجل أن يتزوج بالزوجة الخامسة قبل انقضاء عدة المرأة الرابعة لحديث (أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ، أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَخَيَّرَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ)

(3)

.

‌جواز زواج العبد بأربع إذا أذن له سيده

س: هل يجوز للعبد أن يتزوج بامرأتين أو أربع؟

(1)

صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب لا تنكح المرأة على عمتها. حديث رقم (4819) بلفظ (عَنْ الشَّعْبِيِّ سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا).

أخرجه النسائي في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

- النساء: آية (24)

(3)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ماجاء فيمن أسلم وعنده عشر نسوة. حديث قم (1128) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ، أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَخَيَّرَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه ابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في الطلاق.

ص: 54

جـ: الصحيح أن حكم العبد كحكم الحر فيجوز له أن يتزوج بأربع لقوله تعالى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}

(1)

ولكن بشرط إذن سيده، أما إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل لحديث (أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ)

(2)

ومن العلماء من قال: يجوز له الزواج باثنتين فقط لأنه على النصف من الحر والصحيح الأول لأنه لا فرق بين العبد أو الحر، وإنما الشرط إذن سيده.

‌تحريم الزواج بأم امرأة عقد له بها سواء دخل بها أم لم يدخل

س: تم عقد زواج رجل بفتاة وبعد خمسة أيام طلقها ولم يدخل عليها وبعد فترة طلب الزواج بأمها، فهل يجوز له ذلك أم أنه غير جائز؟

جـ: عقد النكاح للرجل بامرأة أيِّ امرأة كانت يمنع من الزواج بأم من كان قد عقد له بها فلا يحل له أن يتزوج بأم المعقود له بها مطلقاً أي سواءً كان قد وقع العقد فقط ولم يدخل بها أو كان قد دخل بها لأن العقد له بها محرِّم للزواج بأم المعقود بها لمن يحاول الزواج بالأم المذكورة بعد طلاق ابنتها لقوله تعالى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}

(3)

، وهذا بخلاف من كان قد عقد له بامرأة ثم طلقها قبل الدخول بها وأراد أن يتزوج بابنة هذه المرأة المطلقة قبل الدخول بها فإن الزواج بالبنت جائز إذا لم يكن الرجل قد دخل بالأم وإنما كان زواجه بالأم مجرد عقد فقط وإنما يحرم على الرجل أن يتزوج بابنة زوجته إذا كان الرجل قد دخل بالأم فقط لا إذا كان العقد قد وقع ولم يحصل بعدهُ دخول بالأم فذلك العقد لا يحرم الزواج بابنة المرأة المعقود له بها، فمن يريد أن يتزوج بامرأة كان قد عقد له بابنتها فزواجه بالأم محرم حتى ولو لم يكن هذا الرجل قد دخل بالبنت بعد العقد له بها ومن يريد أن يتزوج بامرأة كان قد عقد له بأمها فلا يخلو حال الأم هذه من شيئين إما أن يكون قد عقد للرجل بالأم ودخل بها أو كان العقد خالياً عن الدخول فإن كان العقد بالأم قد تعقبه دخول فإن الزاج بابنته هذه المرأة حرام وإن لم يتعقبه دخول بل كان مجرد عقد فلا مانع للمعقود له بالأم أن يتزوج بابنتها والدليل على هذا قوله تعالى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}

(4)

حيث أطلق تحريم نكاح أمهات النساء ولم يقيده بالدخول فقال {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} كما أنه في نفس الآية حرَّم الربائب وهن بنات الزوجات وقيد التحريم بالدخول فقال تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فلما أطلق التحريم لنكاح أمهات الزوجات ولم يقيده بالدخول كما قيد تحريم نكاح الربائب بالدخول كان إطلاق التحريم الأول دليل على أن العقد بالبنت محرِّم للزواج بالأم مطلقاً سواء كان العقد قد تعقبه دخول بالبنت أم لم يتعقبه دخول بها وإنما كان مجرد عقد فقط، كما أن تقييد تحريم الربائب بالدخول بأمهاتهن قد دل دلالة صريحة على أن

(1)

- النساء: آية (3)

(2)

سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده. حديث رقم (1029) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1112).

أخرجه أبو داود في النكاح، وأحمد في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: النكاح،

معاني الألفاظ: العاهر: الزاني

(3)

النساء: آية (23).

(4)

- النساء: آية (23).

ص: 55

‌تحريم نكاح الربيبة ليس على إطلاقه بل مشروط بالدخول بأمها وهذا الشرط هو المستفاد من صفة النساء بكونهن من اللاتي وقع عليهن الدخول ومفهومه أن من لم يكن قد دخل الزوج عليها فإن ابنتها غير محرمة عليه لقوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}

(1)

وهذا النص قد دل على مسألتين:

الأولى: مسألة بالمنطوق وهو أن الربيبة حرام زواجها بزوج أمها إذا كان هذا الزوج قد دخل بها. الثانية: مسألة بالمفهوم وهو أن الربيبة لا يحرم زواجها بمن كان قد عقد له بأمها ولم يتعقب العقد دخول حتى فارقها فإن العقد وحده لا يكون مانعاً من الزواج بالمعقود له بأمها ما دام هذا العقد لم يكن بعده دخول، وقد روي عن ابن عباس انه قال في قوله تعالى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} هي مبهمة ليس فيها شرط وإنما الشرط في الربائب قال ابن المنذر: هذا هو الصحيح لدخول جميع أمهات النساء في قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} كما أنه قد ورد في السنة ما يدل على هذا وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلْيَنْكِحْ ابْنَتَهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا)

(2)

.

أخرجه الترمذي بسند ضعيف وقد روي عن بعض أهل العلم جواز زواج الرجل بأم من كان قد عقد له بها إذا لم يكن قد تعقب العقد دخول أي أن حكم من يريد أن يتزوج بأم من كان قد عقد له بها مجرد عقد فقط مثل حكم من يريد أن يتزوج بابنة من كان قد عقد له بها أي أنه شرط في تحريم الزواج بالأمهات الدخول كما شرط الجميع الدخول في تحريم الربائب واحتج هذا القائل بهذا القول على ما ذهب إليه بحجتين:

الأولى: القراءة المروية عن علي وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير في هذه الآية الكريمة أنهم قرأوها هكذا (وأمهات نساكم اللاتي دخلتم بهن) حيث قيدت هذه القراءة تحريم نكاح أمهات النساء بالدخول فدل على أن التحريم مشروط بالدخول في حين أن قراءة جماهير القراء أطلقت تحريم النكاح بأمهات النساء ولم تفيده بالدخول فصاحب القول الأخير قد حمل المطلق وهي قراءة الجماهير على المقيد وهي قراءة هؤلاء وقد أجبت عن هذا الاحتجاج بأن هذه القراءة صريحة في الدلالة على المقصود ولكنها غير صحيحة من ناحية الإسناد لأن مثل هذا الحكم لا بد فيه من قراءة مروية من طريق العدل الضابط عن مثله متصلة الإسناد خالية عن العلة وعن الشذوذ فمن ادعي صحة هذه القراءة فعليه البرهان بأنها قد رويت بطريقة صحيحة رواها العدل الضابط عن مثله وهي متصلة الإسناد سالمة من كل علة أو شذوذ كما احتج هذا القائل بقوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} حيث قال إن قوله تعالى {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} راجع إلى قوله {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وإلى قوله

(1)

- النساء: آية (23)

(2)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ماجاء فيمن تزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يدخل بها. حديث رقم (1036) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلْيَنْكِحْ ابْنَتَهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا)

انفرد به.

لايوجد له مكررات.

ص: 56

{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}

(1)

وأجيب عنه بأن القاعدة في علم الأصول أن الصفة أو الشرط الواقعين بعد جمل متعاطفة أو بعد جملتين متعاطفتين يرجعان إلى الجملة الأخيرة لا إلى الجميع إلا لقرينة وبناء على ذلك فقوله تعالى {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} راجع إلى الجملة الأخيرة وهي قوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فقط أما قوله تعالى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} فلم توصف بشيء ولا قيدت بقيد.

‌تحريم تدخل ولي المرأة بين المرأة وزوجها وإفساد العلاقة بينهما

س: هناك رجل تزوج بابنة عمه وقد مكثت معه سنتين ثم حدث خلاف بينه وبين والدها فأخذ عمه زوجته ويطلب منه أن يطلقها، فما هو الحكم؟

جـ: إذا كانت الزوجة نفسها قد كرهت الزوج فلا مانع لها أو لوكيلها طلب الطلاق وإرجاع المهر أو بعضه من باب المخالعة، وأما إن كانت الزوجة تريد الزوج ولا تريد مفارقته فلا يجوز لوالدها أو لأحد من أقاربها التدخل فيما بينها وبين زوجها ولا الحيلولة بين الزوجين لغرض خلاف بين الزوج وأبو الزوجة هذا هو المقرر شرعاً والعبرة بما يصح بعد حضور الزوجة وزوجها ووالدها عند من يرتضونه من أهل الخير الذين يحبون الإصلاح بين الناس أو عند القاضي الشرعي الذي سيعرف الحقيقة ويجري اللازم شرعاً حيث والحاضر يعلم مالا يعلمه الغائب وليس الخبر كالمعاينة وليس السماع كالمشاهدة ولا من سيفتي حسب إفادة طرف واحد كمن سيحكم بعد سماع كلام الطرفين.

‌تحريم الزواج بامرأة قد عقد بها لوالد من يُراد العقد بها له

س: ما حكم الشريعة الإسلامية في قضية رجل عُقد له بامرأة ودفع نصف المبلغ المتفق عليه ولم يتمكن من دفع بقية المبلغ فأصر أهلها بأن يدفع المبلغ المتبقي عنده أو يطلقها مع العلم أن المرأة لم تزف إليه وقد أراد الرجل أن يطلقها على شرط أن تتزوج بابنه بنفس المبلغ المتفق عليه سابقاً وقد رضيت المرأة وأهلها بذلك، فهل يجوز للولد أن يتزوج بهذه المرأة أو أنه لا يجوز؟

جـ: اعلم أن الذي أراه وأفتى به هو عدم جواز زواج الولد بامرأة كان والده قد عُقد له بها فطلقها الوالد قبل أن يدخل بها لأن القرآن الكريم يقول {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}

(2)

والنكاح عند العلماء المحققين هو العقد فلما أن الرجل إذا مات عن زوجة عُقد له بها ولم يتم الدخول بها فترث منه زوجته المعقود بها له ولو لم يكن قد دخل بها لكونها قد أصبحت زوجته بمجرد العقد فكذلك إذا طلق الرجل زوجته المعقود بها يحرم على ولده الزواج بها لأنها قد صارت بمجرد العقد زوجة لأبية.

(1)

النساء: آية (23).

(2)

النساء: آية (22).

ص: 57

‌بطلان عقد نكاح بامرأة لرجل وهي لا تزال في عقد نكاح الزوج الأول

س: تزوج رجل بابنة عمه وقد مضى على زواجهما عامان وكان أبو هذه المرأة هو الذي عقد لها بابن عمها ثم سافر إلى خارج الوطن وبعد عودته إلى الوطن أخذ ابنته من بيت زوجها وطلب منه الطلاق ولما رفض أن يطلقها قام أبوها بتزويجها برجل آخر ولما علم الزوج بذلك أصيب بالشلل، فما قول العلماء في هذه القضية؟

جـ: العقد للزوج الثاني بالمرأة المزوجة بالزوج الأول والتي لم تطلق من هذا الزوج هو عقد باطل باطل إن صح وتقرر بأن هذه الزوجة قد تزوجت فعلاً بهذا الزوج الجديد في حين أن الزوج الأول لم يطلقها ولا صدر حكم بفسخ عقد نكاحها من الزوج الأول لأيِّ سبب من الأسباب المسوغة لفسخ عقد النكاح، ولا أدري هل ما جاء في هذا الاستفتاء الأخير صحيح أم فيه بعض مجازفة لأن الزواج بالمرأة المزوجة محرم تحريما قطعياً بالأدلة القطعية من الكتاب في قوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}

(1)

والسنة والإجماع والعامة والخاصة من المؤمنين الكل يعرفون هذا التحريم معرفة سائر المحرمات القطعية المعلوم تحريمها من الدين ضرورة، ولهذا فأنا أشك في هذه الواقعة وأنصح بعرض القضية على القاضي الشرعي المولى من الدولة في المنطقة التي تعيش فيها.

(1)

- النساء: آية (24)

ص: 58

الباب الثالث: أحكام المهر

• المهر ليس شرطاً من شروط صحة عقد النكاح

• وجوب تسمية المهر واستحباب تعجيله وجواز تأجيله أو بعضه

• استحباب تعجيل المهر وجواز تأجيله

• ما يشرطه ولي المرأة من النقود للعم أو الخال هو من البدع

• تحريم المغالاة في المهور

• تحريم تصرف ولي المرأة بمهرها إلا إذا آذنت له بلا خوف ولا حياء

• تحريم أخذ ولي المرأه من مهرها شيئاً إلا ما يحتاجه من تكاليف العرس

• يجب الوفاء بشروط الزوجة إذا لم يحرم حلالاً أو يحلل حراماً

• جواز تصرف المرأة في مهرها بما تشاء وكيف تشاء

• استحقاق المرأة للمهر بالخلوة بها

• وجوب إمهال المعسر في أداء ما تبقى لديه من المهر

• وجوب ارجاع مهر القريبة بعينه أو بمثله أو بقيمته بسعر يوم الرد

• جواز مطالبة الزوجة المطلقة بقية مهرها من الزوج المطلق لا من والده

• تحريم إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه

ص: 59

‌الباب الثالث: أحكام المهر والحقوق الزوجية

‌الفصل الأول: أحكام المهر

‌المهر ليس شرطاً من شروط صحة عقد النكاح

س: هل المهر شرط من شروط صحة عقد النكاح؟

جـ: المهر ليس شرطاً من شروط صحة عقد النكاح، وإنما هو واجب مستقل لقوله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}

(1)

وقوله تعالى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(2)

ولحديث (انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)

(3)

فيصح عقد النكاح ولو لم يسم المهر في عقد النكاح، ويكون لها مهر المثل أي مثل مهر أختها أو عمتها.

‌وجوب تسمية المهر واستحباب تعجيله وجواز تأجيله أو بعضه

س: نحن تعودنا في بلادنا ألا ندفع الأموال الباهضة في المهور أثناء الزواج ولكن يجهز كل منا أخته للآخر وتزف كل واحدة إلى زوجها وعند الدخول يدفع الزوج لزوجته (2000) ريال كصدقة لها، فهل هذا من الشغار المحرم؟

جـ: الزواج الشرعي: هو ما يسمى فيه المهر للزوجة معجلاً أو مؤجلاً لقوله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}

(4)

وقوله تعالى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(5)

ولحديث (انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)

(6)

وإذا لم يسم المهر فاللازم مهر المثل. والشغار: هو أن يكون بضع إحدى النساء مهراً للأخرى، وبناء على ذلك فإن كنتم تسمون المهر بمهر المثل فهو زواج شرعي وإن كنتم تسمون بضع إحدى النساء مهراً للأخرى فهو شغار

(1)

- النساء: آية (4)

(2)

- النساء: (25).

(3)

- صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن: باب القرآءة عن ظهر غيب. حديث رقم (5087) بلفظ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شيئاً جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ، هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي، قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّهَا قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الوكالة، النكاح.

(4)

- النساء: آية (4)

(5)

- النساء: (25).

(6)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث سهل بن سعد برقم (5087).

ص: 60

محرم شرعا لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الشِّغَارِ)

(1)

وإن كنتم لا تسمون المهر ولا تجعلون إحدى النساء مهراً للأخرى فعليكم مهر المثل.

س: ما حكم من مات وعليه مهر زوجته؟

جـ: من مات وعليه مهر زوجته فيجب على الورثة إخراجه من رأس التركة لأنه دين عند المتوفى إذا استطاعت الزوجة أن تبرهن على ذلك لحديث (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَنِي فُلَانَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمِي بِخَيْبَرَ، فَأَخَذَتْ سَهْمًا فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ)

(2)

.

‌استحباب تعجيل المهر وجواز تأجيله

س: ما حكم الشريعة المطهرة فيمن يتزوج بامرأة ويدخل عليها بدون دفع مهرها وقد لا يذكر المهر إلا إذا مرض مرضا شديداً فيوصي بمهرها، أما في ورقة العقد فيذكر المهر ولم يحدد موعد تسليمه، فهل يجوز تأخير المهر أم أنه غير جائز؟ وهل دخوله عليها جائز قبل أن يعطيها مهرها أم لا؟

جـ: اعلم بأن المهر واجب مستقل لقوله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}

(3)

وقوله تعالى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(4)

ولحديث (انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)

(5)

للعقد لا شرطاً من شروط العقد فمن تزوج بامرأة برضاها واختيارها وإذنها وكان العقد بالإيجاب والقبول الشرعيين من الولي الشرعي بحضور شاهدين أو أكثر فالعقد صحيح وعليه أن يسلم المهر معجلاً أو مؤجلاً حسب ما كان الاتفاق عليه لحديث (الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)

(6)

وحديث (مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّهَا قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ)

(7)

وعليه أن يخلص ذمتة ويسلم المهر عند أن يتمكن من تسليمه أو يستطيع قضاء ما عليه من المهر أو بعض المهر أولاً ثم يسلم البقية في دفعات فإن كانت المرأة محتاجة له فهو آثم، أما إذا كانت المرأة غير محتاجة له ولم تطالب زوجها

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح. باب الشغار. حديث رقم (5112) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ)

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الحيل.

الصداق: المهر.

(2)

سنن أبو داوود: كتاب النكاح: باب من تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات. حديث رقم (2117) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِرَجُلٍ أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلَانَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ: لِلْمَرْأَةِ أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلَانًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ، فَدَخَلَ بِهَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَكَانَ مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَنِي فُلَانَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمِي بِخَيْبَرَ، فَأَخَذَتْ سَهْمًا فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ) وقد صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود برقم (2117).

انفرد به أبو داود.

معاني الألفاظ: الصداق: المهر. السهم: النصيب المقدر من الميراث أو الغنيمة.

(3)

- النساء: آية (4)

(4)

- النساء: (25).

(5)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث سهل بن سعد برقم (5087).

(6)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث سهل بن سعد برقم (5087).

(7)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه برقم (5087).

ص: 61

بتعجيل المهر ولم تضيق على الزوج وتسامحت معه بطيبة من نفسها فلا مانع من بقاء المهر في ذمة الزوج وإن كان الأحوط هو أن يبادر الزوج بتسليم ما بذمته لزوجته من المهر أو من بقية المهر سواء كانت تطالب الزوج أو كانت قد أمهلته لأن ذلك المهر أو بقية المهر هو في ذمته كالدّين.

‌ما يشرطه ولي المرأة من النقود للعم أو الخال هو من البدع

س: ما يشترطه ولي المرأة للعمة وللخال وللخالة وللعموم وحق الأم، فهل عليها أدلة؟

جـ: ليس عليها أثارة من علم وليست بشريعة وإنما هي عادة وعرف وليس عليها دليل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع ولا قال بها أحد من الصحابة أو التابعين بل هي من البدع.

س: توجد في المنطقة بدع وعادات سيئة في مسألة الزواج مهور مرتفعة وشروط أخرى مرهقه للإخوة والأعمام والأخوال والجدود وغيرها كثير، وإذا وصلت العروس إلى بيت زوجها تطلب مبلغاً كثيراً من النقود باسم حق الفتشة، فهل هذا عمل مشروع أم لا؟

جـ: المشروع هو المهر المناسب الميسور لحديث (كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَزْوَاجِهِ)

(1)

مع دفع احتياجات العرس الضرورية بحسب الحال المناسبة، وأما ما يسمى بحق الخال أو بحق العم أو بحق الأم أو بحق الجد أو بحق ما يسمى بالفتشة فهي بدع ما أنزل الله بها من سلطان، ومن واجب العلماء والمشائخ والأعيان إرشاد الناس إلى تركها لأنها تحول بين الشباب من الجنسين وبين الزواج، وإذا حالت بينهما فيخشى أن تكون النتيجة سيئة وأن تكون العاقبة وخيمة.

س: ما حكم الطلبات الزائدة على المهر مثل حق الأب وحق الخال؟

جـ: الجواب: أن المشروع هو المهر مع متطلبات العرس الضرورية، وأما ما يسمى بحق العم أو الخال أو الجد فهي بدع ما أنزل الله بها من سلطان، ومن واجب العلماء والمشائخ والوجهاء تحذير الناس منها لأن هذه الأشياء تعقد سبل الزواج وتحول بين الشباب والزواج من الجنسين، وإذا حدث هذا فتكون العاقبة وخيمة.

‌تحريم المغالاة في المهور

س: هل المغالاة في المهر وتوابعه حرام شرعاً أم لا؟ وما حكم من يفعل ذلك؟

جـ: اعلم أن الواجب على الولي شرعاً تزويج من بلغت من النساء إذا رضيت بالزواج بمن يخطبها ممن يرضى الولي أمانته ودينه وخلقه ولا يجوز للولي أن يمتنع من العقد لمن قد رضيت به زوجاً بحجة قلة المهر ولا يحق له أن يحرم ابنته أو أخته أو أيِّ قريبة له من الزواج ممن قد أتى إليه خاطباً راغباً في الزواج بها مهما كان كفواً لها من ناحية الدين والخلق إذا كانت بالغة عاقلة راضية بأن يكون الخاطب زوجاً لها وشريكاً لها في الحياة، ومن امتنع عن العقد بابنته أو قريبته بعد الرضاء منها ممن كان ذو خلق ودين فهو آثم شرعاً، كما أنه

(1)

صحيح مسلم: كتاب النكاح: باب الصداق. حديث رقم (1426) بلفظ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَزْوَاجِهِ).

أخرجه النسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في النكاح.

معاني الألفاظ: الصداق: المهر.

أوقية: أربعون درهماً من الفضة.

ص: 62

عاضل شرعاً والعاضل في الشرع تنتقل ولايته على ابنته أو قريبته بأدنى عضل يقع منه إلى من يليه من الأقارب الأقرب فالأقرب فإن امتنع الأقرب عن العقد أو كان غائباً انتقلت الولاية إلى من بعده من الأولياء فإن لم يكن لها ولي غيره أو كان لها ولي آخر أو أولياء آخرون وامتنعوا جميعاً عن العقد بها أو كانوا غائبين الغيبة المحدودة في كتب الفقه، فالولاية تنتقل إلى القاضي الشرعي في المنطقة يعرف الحقيقة ويجري اللازم فهو ولي من لا ولي له من النساء في النكاح وولي من عضلها وليها أو أولياؤها من عقد النكاح ممن قد رضيت به زوجاً من الأكفاء من الناحية الأخلاقية والدينية كمافي حديث (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(1)

وسواء كان الولي قد امتنع عن تزويج ابنته أو قريبته نتيجة لطمعه بالمال الزائد أو الشرط الزائد أو كان نتيجة للخوف من أن تخرج التركة من ملكة إلى ملك ابنته بعد موته فيرثها زوجها وأولادها منه بعد موتها أو كان السبب هو غير هذين السببين من الأسباب التي تمنع الولي من زواج قريبته حتى تحرم من الزواج ويذهب شبابها وهي عانس فتتقدم في العمر تقدماً يجعل الرجال يرغبون عنها إلى حد أنها تصير ضحية الطمع وحب المال أو الحرص على بقاء التركة في يد أولاد الولي من الذكور ثم أولادهم وتكون العاقبة في بعض الأحيان وخيمة، حيث يموت وليها وتبقى فقيرة لا زوج يعولها ولا أبناء يقومون بواجب الإنفاق عليها كما تكون العاقبة في بعض الأحيان أنها تنحرف بأن يغويها الشيطان بالاتصال المحرم نتيجة لقوة الغريزة الجنسية أيام الشباب ولا سيما إن كانت فارغة لا عمل يلهيها وخصوصاً إذا كانت في نعيم ورفاهية بحيث لا تفكر في أيِّ شيء من الضروريات أو الكماليات إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أيَّ مفسدة، فالشباب والغناء والفراغ قد تكون هذه العوامل مدعاة للشر ويكون الولي العاضل لقريبته عن الزواج مسئولاً أمام الله عن أيِّ جريمة تحصل من المرأة ولا تكون وحدها هي المسؤلة أمام الله إذا عملت أيِّ عمل محرم أو غير مشروع أو انحرفت عن سلوكها وأصبحت في عداد المومسات والعياذ بالله، بل يشاركها في الإثم وفي الجريمة وليها الذي عصى الله بامتناعه عن زواجها نتيجة الجشع والطمع وحب المال أو الحرص على التركة غير مبال بمخالفته لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا بما يلحقه من الخزي والعار في الدنيا والعذاب في الآخرة وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم (إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) ولهذا نهى الله الأولياء عن عضلهم بمن قد رضيت به قريبته زوجاً لقوله تعالى {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}

(2)

وقرر العلماء انتقال الولاية من العاضل إلى من يليه فوراً ثم أخيراً إلى القاضي الشرعي يتولى عقد البالغة العاقلة الراضية بالزواج بمن هو كفؤ لها من الناحية الأخلاقية والدينية سواء رضي الولي أو لم يرض فلم يبق له حقٌ في الولاية عليهالحديث (فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)

(3)

أما إذا كان الزوج غير كفؤ للمرأة من ناحية الدين والأخلاق ورفض الولي العقد لقريبته بهذا الخاطب الذي ليس بكفؤ لهذه المرأة فلا يسمى عاضلاً ولا تنتقل ولاية عقد النكاح منه إلى من يليه من الأولياء أو إلى القاضي الشرعي المولى ولا حق لأحد من الأقارب أن يعقد لها لكونه في هذه الحالة

(1)

سنن الترمذي: كتاب النكاح: حديث رقم (1004) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1084).

أخرجه ابن ماجة في النكاح.

معاني الألفاظ: عريض: كبير

(2)

- البقرة: آية (132).

(3)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عائشة رضي الله عنها بتصحيح الألباني للحديث في صحيح سنن الترمذي برقم (1102).

ص: 63

غير عاضل، وهكذا إذا كان الولي لم يوافق على العقد بحجة أنه غير عارف بالزوج من ناحية الدين حتى يسأل ويبحث فإنه في هذه الحالة لا يسمى أيضا عاضلاً ولا تنتقل الولاية منه إلى غيره من الأولياء أو إلى القاضي لأن جهله بكفاءة الخاطب عذر له في التأني حتى يعرف كفاءة الخاطب من عدمها فإذا عرف الحقيقة واتضح له كفاءة الخاطب ثم امتنع عن العقد له وقد أصبحت قريبته راضية فإنه يصير عاضلاً لها ويحق لمن يليه من الأولياء أن يعقد لها كما يحق لها أن تتقدم إلى القاضي وتبرهن على العضل ليأذن لمن يليه بالعقد إن رضي وإلا فالإذن منه يكون لمن بعده من الأولياء الموجودين الحاضرين فإن غابوا جميعاً أو تمردوا أو غاب بعضهم وتمرد البعض فله الحق في العقد بها بمن ترضاه زوجاً من الأكفاء في الدين والخلق على رغم أنف كل ولي لحديث (فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)

(1)

هذا، واعلم أيها السائل بأن المهر هو ملك للزوجة تتصرف فيه كيف ما تشاء وليس لوالدها أو أيِّ ولي أخذ شيء من مهر من يعقد بها من بناته أو أحد قريباته إلا بطيبة من نفسها سواء كان قليلاً أم كثيراً فمن عقد لأخته أو ابنته أو بنت عمه وأخذ المهر كاملاً ولم يشتر للمعقود بها شيئا من الحلي أو من أيِّ شيء تملكه أو أخذ بعض المهر فهو ظالم للمعقود عليها ما لم تسمح به له عن رضا واقتناع واختيار، أما إذا سمحت له مسامحة ناتجة عن حياء أو خجل أو ضغط أو إكراه فحكم المسامحة هذه أنها غير معتبرة شرعاً.

س: بعض أولياء أمر الفتيات يبالغون في رفع المهور رغم أن من يتقدم للخطبة من الشباب هو ممن يرتضي خلقه ودينه؟

جـ: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) ولم يقل إذا جاءكم من عنده (مال وحسب) وبناء على ذلك إذا كنت كفؤا لهذه الفتاة في الدين وردك ولي الفتاة فهو مخطٍ ما دام أن الفتاة راضية بالزواج، ونخشى أن يندم على رده ذلك الفتى الصالح لأنه ورد في آخر الحديث (إلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) ولا مانع لك أيها السائل أن تتوسط بأقارب هذا الولي وأصدقائه فعسى أن يكون التوسط بهم مؤثراً فيه.

‌تحريم تصرف ولي المرأة بمهرها إلا إذا آذنت له بلا خوف ولا حياء

س: لي أخت تزوجت وهي صغيرة وتسلمت مهرها كاملاً ولكني احتفظت بنصف مهرها لدي حتى تبلغ رشدها وسلمتها نصف المبلغ المذكور وحدث أن أحد أعمامي طلب أن أسلمه إليه ويبقى في ذمته ديناً إلى وقت الطلب فسلمته إليه، فهل هذا عملي جائزاً أم غير جائز؟

جـ: اعلم بأن المهر للمرأة وليس لأحد من أوليائها كائناً من كان أن يتصرف بمهرها أبداً اللهم إلا إذا كانت قد بلغت سن الرشد وأذنت لوليها بأن يتصرف به فلا مانع له من ذلك مهما كان الإذن برضاها واختيارها ومن طيبة نفسها، أما إذا كان الإذن ناتجاً عن خوف أو حياء المرأة الكبيرة أو كانت حالة التصرف صغيرة غير مكلفة فإن التصرف من الولي بمهرها غير جائز شرعاً سواء أذنت عن خوف أو حياء أو من طيبة نفسها لأن الصغيرة التي لم تبلغ سن الرشد لا إذن لها ولا اختيار حتى تبلغ رشدها، والحاصل هو أن التصرف بالمهر لا يخلو بأن تكون صاحبة المهر هذه حال تصرف الولي بمهرها بالغة عاقلة أو تكون صغيرة أو مجنونة فإن كانت بالغة عاقلة ولم

(1)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عائشة رضي الله عنها بتصحيح الألباني للحديث في صحيح سنن الترمذي برقم (1102).

ص: 64

تأذن للولي بالتصرف فإقدامه على التصرف بمهرها حرام شرعاً، وإن أذنت بالتصرف إذناً ناتجاً عن خوف أو حياء فإقدامه على التصرف بمهرها حرام شرعاً، وإن أذنت بالتصرف وهي مكلفة إذناً ناتجاً عن رضاء واختيار وطيبة نفس منها فالتصرف حلال شرعاً، أما إذا كانت حال التصرف قاصرة أو مجنونة فالتصرف من الولي بالمال حرام شرعاً سواء أذنت بالتصرف أم لم تأذن.

‌تحريم أخذ ولي المرأه من مهرها شيئاً إلا ما يحتاجه من تكاليف العرس

س: رجل زوج بناته الثلاث بمبلغ كبير من المال حتى أن بعض الناس قال له بأن هذا المال حرام وأنه رشوه، فهل يقوم هذا الرجل بإنفاق هذا المال لبناء مسجد أو أنه لا يجوز؟

جـ: المغالاة في المهور حرام لأنها تكون سبباً من أسباب حرمان الشباب من الذكور والأناث من الزواج الذي نخشى أن يكون سبباً للدخول في المحظوروهوالزنا المحرم هووكل مايقرب إليه في قوله تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}

(1)

ولا سيما وأنت تقول عن هذا الولي بأنه زوج بناته الثلاث بمبلغ كبير من المال وحيث أن المبلغ المذكور هو مهر لكل واحدة من البنات فهو ملك للبنات وليس ملك للولي حتى يعمر به مسجداً ولا يحق للولي أن يأخذ من مهور بناته أيَّ شيء إلا برضاء كل واحده منهن رضاءً ليس فيه إحراج ولا مجامله ولا حياء اللهم إلا إذا كان بعض المبلغ قد تسلم للولي باسم شرط أو باسم حق النار وقد صرفه في احتياجات الزفاف فقد صرفه في مصرفة، أما ما كان باسم المهر فهو ملك خاص لكل واحدة من هؤلاء البنات.

‌يجب الوفاء بشروط الزوجة إذا لم يحرم حلالاً أو يحلل حراماً

س: إذا رفضت المرأة البقاء مع زوجها في صنعاء مثلاً وهو قد استأجر بيتاً، فهل تعتبر ناشزة؟

جـ: إن كان أولياء المرأة قد شرطوا على الزوج البقاء في البلاد فليست بناشزة ويجب عليه الوفاء بالشرط لحديث (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوج)

(2)

ويبقيها في البلاد، وإن لم يشرطوا عليه فهي ناشزة عاصية لله تعالى ويجب على أوليائها إيصالها إلى بيت الزوج الذي في المدينة، والرجل الحاذق هو الذي يتزوج بلا شروط.

‌جواز تصرف المرأة في مهرها بما تشاء وكيف تشاء

س: إذا تزوجت امرأة مقابل مبلغ مالي كشرط ولها أولاد على رجل سابق فهل يكون للأولاد شيء من ذلك المبلغ؟

جـ: ما سمي للمرأة حال العقد فهو لها ولها الحق في التصرف به كيفما تشاء لإخوتها أو لأولادها أو لمن تريد أن تعطيه من المبلغ المذكور من أقاربها أو غيرهم أو تحتفظ به لها فإذا توفيت فيكون لورثتها الشرعيين مثل سائر التركة.

س: سائل يقول إنه من المؤسف أن غالبية الناس يحبون الجشع والطمع ووصل بهم ذلك إلى حد المغالاة بالمهور فنجد الشخص منهم يزوج ابنته مقابل مبلغ جائر من المال فما موقف الشريعة من ذلك؟ وهناك من يزاول مهنة

(1)

- الإسراء: آية (32)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الشروط: باب الشروط في المهر عند عقد النكاح. حديث رقم (5151) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في النكاح.

ص: 65

المعالجة دون خبره ولا معرفة ولا قراءة وكتابة ويدعون معالجة الأمراض العصبية وغيرها من الأمراض الخطيرة وبوسائل عشوائية لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فهل هذا الاحتراف جائز ولو على حساب ابتزاز أموال الناس؟

جـ: اعلم: أن المغالاة بالمهور وبما يسمونه بالشرط وما يتبع ذلك حرام شرعاً لأن المغالاة في المهور وفيما يتبع المهور يجعل الزواج عسيراً على الشباب الفقراء وهم غالب الشباب ونخشى أن تكون هذه المغالاة سبباً من أسباب ترك الزواج الذي نخاف أن يكون سبباً للإنحراف والفساد ومن المعلوم أن الشيء الذي سيكون من أسباب الفساد وفعل الحرام يكون حراماً، وكم قد أفتى المفتون بتحريم هذه المغالاة؟!!! وكم قد خطب الخطباء؟!!! وكم قد وعظ الوعاظ والمرشدون؟!!! ولكن لا حياة لمن يفتونه أو يعظونه ويرشدونه فلم ينتفع الناس بتلكم المواعظ أو الخطب ولا بتلكم الفتاوى ولا انقادوا ولا قبلوا النصح ولا اتعظوا ولا اعتبروا ولا يسرو الزواج ولا تركوا المغالاة بل بالعكس قد زادوا في المهور في هذه الأعوام الأخيرة أكثر مما كانت عليه في الأيام السابقة وكلما نصحهم الناصحون زادوا في المغالاة أكثر مما كانوا عليه فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والجواب على الثاني بأن جميع ما جاء في الاستفتاء كله خرافات وأباطيل وشعوذة وكذب ودجل وإفك وافتراء وضحك على الساذجين من الناس ليأكلوا أموالهم بالباطل وهي محرمة في قوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}

(1)

ولحديث (إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)

(2)

(1)

- البقرة: آية (188)

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الحجـ: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (2941) بلفظ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنْ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْتُ، أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ شيئاً مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَقَرَأَ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ (إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ فَقَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

أخرجه البخاري في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الحج، والدارمي في المناسك.

معاني الألفاظ: نساجة: نوع من الأكسية والثياب المنسوجة.

المنكب: المفصل الذي بين العضد والكتف. المشجب: أعواد تعلق عليها الثياب ومتاع البيت. أذن: أعلم وأخبر. الاستثفار: أن تشد المرأة وسطها وتضع محل الدم خرقة. الإهلال: النية والتلبية. لزم: داوم على ترديد التلبية. استلم الركن: لمسه و قبله أولمسه فقط أو أشار إليه بيده فقط. الرمل: المشي السريع مع تقارب الخطى. الباب: باب بني مخزوم، ويسمى الآن باب الصفا. الانصباب: الانحدار. صعدتا: ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.

استقبلت: بدا لي أولا. الهدي: مايذبحه الحاج في حجه نسكا.

ص: 66

ولحديث (لَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ)

(1)

وانصح الجميع بأن لا يصدقوا هؤلاء الكذابين كما نرجوا من الجهات المختصة منع هؤلاء الدجالين من ممارستهم هذه الأعمال أو بضبطهم حتى يكفلوا من يضمن عليهم في عدم الممارسة لهذه الأعمال.

‌استحقاق المرأة للمهر بالخلوة بها

س: رجل تزوج بامرأة ثم تمردت عليه فلم يدخل عليها وبعد ذلك توفي الزوج المذكور فهل يجب على ولى المرأة هذه أن يعيد لورثة المتوفى شيئاً من المهر المدفوع أم لا؟

جـ: اعلم أنه لا يمكن الجواب على ذلك إلا إذا كان السؤال مفصلاً وإذا كان مجملاً فيجب أن يكون الجواب مجملاً وهو أن المرأة هذه إذا كانت قد زفت إلى زوجها وخلا بها خلوة صحيحة ثم تمردت عليه ثم توفي الرجل فالمرأة هذه مستحقة للمهر وللميراث منه، وإن كانت هذه المرأة لم تزف إليه وتمردت قبل الزفاف فالعقد غير صحيح لعدم رضائها بالزفاف لأن تمردها قبل الزفاف تعبير عن عدم رضائها ومن شرط العقد الرضاء وبناءً عليه فلا تستحق المهر، وإن كانت القضية مخالفه لما فصلته سابقاً فلها حكماً بحسب ما يوضحه السائل إن شاء الله.

‌وجوب إمهال المعسر في أداء ما تبقى لديه من المهر

س: رجل تزوج منذ خمسة أعوام وكان عنده عشرة آلاف ريال بقية صداق زوجته، ولما تغيب عن بيته جاء أهل زوجته وأخذوها عندهم ويطالبونه بتسليم بقية مهرها وهو معسر، فما قول العلماء في هذه القضية؟

جـ: إذا صح أن الحادثة هي كما جاء في السؤال بلا زيادة ولا نقصان فالأمر الشرعي يقضي على ولي المرأة بأن

(1)

- مسند أحمد: كتاب أول مسند البصريين: باب حديث عمروبن يثرب. حديث رقم (20170) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ غَنَمَ ابْنِ عَمِّي أَجْتَزِرُ مِنْهَا شَاةً، فَقَالَ: إِنْ لَقِيتَهَا نَعْجَةً تَحْمِلُ شَفْرَةً وَأَزْنَادًا بِخَبْتِ الْجَمِيشِ فَلَا تَهِجْهَا، قَالَ: يَعْنِي خَبْتَ الْجَمِيشِ أَرْضًا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْجَارِ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ) حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7662).

انفردبه

معاني الألفاظ: أجتزر: أي أذبح.

ص: 67

يرجعها إلى بيت زوجها وأنَّ على الزوج أن يحسن عشرتها من جميع النواحي، وأما مسألة ما تبقى من المهر فإن كان الزوج موسراً فيجب عليه تسليم هذه البقية وإن كان معسراً لا يتمكن من تحصيل المبلغ الذي بقي عنده فنظرة إلى ميسرة لقوله تعالى {وَإِنْ كَانَ

ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}

(1)

والمسألة تحتاج إلى من يتوسط من أهل الخير بين أهل الزوج وبين أهل الزوجة فإن تمكنا من الإصلاح فهو المطلوب وسيكون لهما الأجر على ما يعملانه من الصلح بين الزوج وولي الزوجة وحسم الخلاف فيما بين الأسرتين لحديث (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ)

(2)

وإن لم يتمكنا فليس هناك حل غير حضور الطرفين عند القاضي الشرعي المولى من الدولة في المنطقة التي يعيش فيها الزوجان.

‌وجوب ارجاع مهر القريبة بعينه أو بمثله أو بقيمته بسعر يوم الرد

س: ما حكم من أخذ مهر أخته ثم عوضها بالفلوس هل هذا من الربا؟

جـ: يجب عليه أن يرد المهر أو مثله أو يرد قيمته فلوسا بسعر يوم الرد لحديث (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً)

(3)

ولحديث (إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ)

(4)

‌جواز مطالبة الزوجة المطلقة بقية مهرها من الزوج المطلق لا من والده

س: طلقت امرأة قبل أربع سنوات وبقي من مهرها جزء كبير وتم تطليقها بسبب خلاف بين والد الزوج والزوج وقد تعهد الوالد أن يعطيها قطعة أرض أو بقية مهرها، فبماذا تطالب؟ ومن تطالب الزوج أم والده؟

جـ: تطالب الزوج بأن يعطيها بقية ما عنده من المهر الشرعي الذي استحل به فرج هذه الزوجة فهو المسؤول أمام الله عز وجل في {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ

سَلِيمٍ}

(5)

وهو المسؤول أمام القضاء، فيعرض هذا على من يحب فعل الخير والإصلاح لينصح المطلق بأن يسلم ما عنده لمطلقته من المهر الواجب شرعا وديانة وسيكون للمصلح الأجر المبين في حديث (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا:

(1)

البقرة: آية (280).

(2)

سنن أبي داود: كتاب الأدب: باب في إصلاح ذات البين. حديث رقم (4273) بلفظ (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود برقم (4919).

أخرجه الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع، وأحمد في مسند القبائل.

معاني الألفاظ: المراد الأحوال بين الناس.

الحالقة: التي تهلك وتستأصل الدين.

(3)

صحيح البخاري: كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس: باب في استقراض الإبل. حديث رقم (390) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع عن رسول الله، والنسائي في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الوكالة، الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، الهبة وفضلها.

(4)

- سنن النسائي: كتاب عشرة النساء: باب الغيرة. حديث رقم (2895) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ صَانِعَةَ طَعَامٍ مِثْلَ صَفِيَّةَ، أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَاءً فِيهِ طَعَامٌ، فَمَا مَلَكْتُ نَفْسِي أَنْ كَسَرْتُهُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَفَّارَتِهِ؟ فَقَالَ: إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ) صححه الألباني في صحيح النسائي برقم (3965)

أخرجه أبوداود في البيوع، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

لايوجد له مكررات.

(5)

- الشعراء: آية (89، 88)

ص: 68

بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ).

‌تحريم إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه

س: امرأة أسقطت جنينها وعمره أكثر من ستة أشهر لأسباب صحية وعملاً بنصيحة الأطباء أن هذا الجنين إذا بقي في بطنها فإن حياتها في خطر هل عليها إثم إذا فعلت ذلك وهل عليها كفارة قتل الخطأ؟ وإذا كانت واجبة فعلى من تجب؟

جـ: اعلم أن الإجهاض بعد نفخ الروح حرام شرعاًلقوله تعالى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}

(1)

ولحديث (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)

(2)

ولحديث (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ)

(3)

وإذا كان عمر هذا الجنين ستة أشهر فقد نفخ الله فيه الروح وإذا كان قد نفخ فيه الروح فلا يجوز إخراجه من بطن أمه بواسطة الإجهاض، وأما وجوب الكفارة فقد قال بذلك ابن حزم الظاهري، وابن قدامة في (المحلى) ولم يقل بالكفارة أصحاب المذهب الهادوي وتوسط مالك بن أنس فلم يقل بالوجوب ولا بانعدام المشروعية بل قال بمشروعية إخراج الكفارة على جهة الاستحسان كما حكى ذلك عنه ابن رشد المالكي، أما رأيي الشخصي في المسألة هو عدم الوجوب وعدم الاستحسان لأنه ليس قتل خطأ وإنما قتل عمد فلا تجب فيه كفارة ولا تستحب وعلى هذا الأساس فلا تجب الكفارة على أحد، وعقوبة القتل العمد مبينة في قوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}

(4)

.

(1)

- المائدة: آية (32)

(2)

صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب قذف المحصنات. حديث رقم (2767) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في الوصايا، وأبو داود في الوصايا.

أطراف الحديث: الطب، والحدود.

معاني الألفاظ: الموبقات: الذنوب المهلكة.

(3)

- سنن الترمذي: كتاب الديات: باب ماجاء في تشديد قتل المؤمن. حديث رقم (1315) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (1395)

اخرجه النسائي في تحريم الدم.

لايوجد للحديث مكررات.

(4)

- النساء: آية (93)

ص: 69

الفصل الثاني: الحقوق الزوجية

• تحريم خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية.

• عدم جواز دخول المرأة الحمام العام.

• جواز غناء المرأة في بيتها بصوت لم يصحبه آلة موسيقية وبعبارات مباحة.

• وجوب تعويد الأمهات بناتهن تغطية رؤوسهن من الصغر أمام الرجال الأجانب.

• تحريم خروج المرأة بغير إذن زوجها إلا لشيء مهم مستعجل وبحسب العرف والعادة.

• وجوب حسن معاشرة الزوجة.

• وجوب عمل المرأة عمل بيتها المعتاد.

• جواز معاشرة الزوجة أيام التشريق وفي غيرها من أيام السنة.

• تحريم امتناع المرأة عن طاعة زوجها وإجابته إلى فراشه.

• جواز بقاء الزوجة عند زوج قاطع للصلاة والأولى مخالعته.

• وجوب عمل المرأة في بيتها العمل المعتاد.

• جواز استخدام غير المسلمة في البيت المسلم إذا لم يخش منها تربية الأولاد تربية فاسدة.

• تحريم لعن الرجل زوجته أو غيرها ولا يستوجب فراق الزوجة من زوجها.

• تحريم عصيان المرأة لزوجها للضغط عليه للتنازل عن المتنازع عليه لوليها.

• جواز خروج الزوجة من بيت زوجها إلى بيت أهلها للزيارة.

• وجوب الوفاء بشروط المرأة التي لا تحرم حلالاً ولا تحلل حراماً.

• المرأة الناشزة هي العاصية لزوجها.

• لا يجوز استعمال علاج قطع الحمل إلاَّ للضرورة.

• جواز إجراء عملية قطع الحمل أو تأجيله للضرورة على أن تعمل العملية طبيبة مسلمة.

• جواز الإجهاض المبكر للضرورة القصوى.

• تحريم إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه.

• من رواسب الجاهلية حرص الأم على رؤية دم بكارة ابنتها بعد الزفاف.

• تحريم تفضيل بعض الزوجات على بعض.

• تحريم الاعتقاد في أن صاحب قبر يستطيع أن يأتي بأولاد لمن لم تنجب أولادا.

ص: 70

‌الفصل الثاني: الحقوق الزوجية

‌تحريم خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية

س: يذهب أحد المزارعين إلى البادية في (جزيرة سقطرى) من عادتهم أن يجلس في بيت صاحبه وتأتي زوجة صاحبه وتعطيه الطعام والشراب وكل احتياجاته وغالباً قد يكون زوجها غير موجود، فما الحكم في ذلك؟

جـ: قال تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

(1)

و قال النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ)

(2)

وحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)

(3)

وبناء على هذا الحديث فلا يجوز الخلوة بالمرأة إلا إذا كان معها محرم من محارمها.

‌عدم جواز دخول المرأة الحمام العام

س: ما حكم ذهاب النساء إلى الحمامات للاستحمام وهي الحمامات المعروفة؟ وهل هذا الحديث صحيح (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ)

(4)

؟

جـ: هذا الحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ) قد قال فيه العلماء: بأنه حسن لشواهده وهو يدل على عدم جواز دخول المرأة الحمام العام الذي هو خارج منزل الزوجية والكلام حول الموضوع طويل ويكفي إحالة السائلة إلى كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري.

‌جواز غناء المرأة في بيتها بصوت لم يصحبه آلة موسيقية وبعبارات مباحة

س: هل يجوز للفتاة أو المرأة أن تغني وهي في وسط المنزل عند أدائها للأعمال؟ أو لا يجوز ذلك؟

جـ: لا مانع للمرأة من التغني بصوتها الذي لم يصحبه موسيقى أو آلة طرب أخرى ولا هي في محل يمكن أن يسمع صوتها الأجانب، وإلا فلا يجوز ولا يحل.

(1)

- الأحزاب: آية (53).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من اكتتب في جيش فخرجت إمرأته حاجة. حديث رقم (3006) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ).

أخرجه مسلم في الحج، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: النكاح، الحج.

(3)

- مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: باب مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه. حديث رقم (1424) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2801).

أخرجه الترمذي في الأدب، والنسائي في الغسل والتيمم، والدارمي في الأشربة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الإزار: ثوب يلف به النصف الأسفل من الجسم.

(4)

سنن الترمذي: كتاب الأدب: حديث رقم (2725) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إِزَارٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2801).

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الأشربة.

معاني الألفاظ: الحليلة: الزوجة.

ص: 71

‌تحريم خلوة المرأة بإخوان الزوج أو السفور أمامهم

س: هل يجوز للمرأة أن تكشف وجهها لإخوة زوجها؟ وهل يجوز لها أيضا أن تكشف وجهها لأزواج أخواتها؟

جـ: أخو زوج المرأة أي حماها هو أجنبي عنها وهكذا أزواج أخواتها هم غير محارم لها فلا يحل لها الخلوة بأحد ولا السفور أمام أيِّ واحد منهم لحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ)

(1)

.

س: زوجي له إخوة شباب ونعيش جميعاً في بيت والده حالتي هي الشجار الدائم بيني وبين زوجي ووالديه بسبب تحجبي من إخوانه فهل يجيز لي الشرع الكشف عن وجهي أمامهم؟ أم أتجاوز كل كلامهم ولا يعتبر ذلك معصية لزوجي؟

جـ: لا مانع من كشف الوجه والكفين للضرورة فقط بشرط أن يكون اللبس ساتراً لجميع البدن وأن لا يكون فيه زينة، وأن لا يشف عما تحته، ولا يصف الجسم مع كثرة السكوت والاقتصار على الكلام الضروري بدون ضحك أو ابتسام أو مزاح، لأن الأصل التحريم لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} و لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) ولحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)

(2)

ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ)

س: يوجد (بسقطرى) منازل من العريش وغالباً يعمل صاحب الدار عريشاً خارجياً ومن عادة الناس هناك أن يأتي أحدهم إلى هذا العريش ويجلس فيه ولو في غياب صاحبه، فهل عليه إثم؟ وهل يجوز لزوجة صاحب العريش أن تدخل له القهوة (الشاي) كما هي عادتهم أم لا؟

جـ: أنصح من مرَّ بها أن لا يجلس فيها بغير إذن صاحبها اللهم إلا إذا علم أو غلب في ظنه أنَّ صاحب العريش آذن له بحيث أنه إذا عرف بأن المار بالعريش دخل فيه فلا مانع له من دخول العريش وإلا فلا، ولا يجوز لزوجة صاحب العريش الدخول عليه والخلوة به إلا بعد وجود محرم من محارمها لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} و لحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) ولحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ)

‌للمرأة أجر على ألم الولادة

س: هل كل امرأة تلد يسقط عنها ذنوبها؟

جـ: إن للمرأة أجراً على ما تلقاه من الألم عند الولادة فقد ثبتت أحاديث كثيرة وصحيحة منها حديث (مَا يُصِيبُ

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الرضاع: باب ماجاء في كراهية الدخول على المغيبات. حديث رقم (1091) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (1171).

أخرجه مسلم في السلام، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الاستئذان.

معاني الألفاظ: الحمو: أقارب الزوج من غير أبائه وأبنائه.

(2)

- مسند أحمد: سبق ذكره في هذا الباب من حديث جابر رضي الله عنه برقم (1424).

ص: 72

الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)

(1)

فإذا كان المؤمن يؤجر في الشوكة إذا دخلت رجله فبالأولى والأحرى أن تؤجر المرأة على ما تقاسي من ألم أثناء الولادة لا سيما إذا تعسر خروج المولود فالأجر أعظم والثواب أكثر حتى إذا تعسرت الولادة حتى ماتت فهي من جملة الشهداء كما جاء في الحديث (الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيد)

(2)

.

‌تجريم خلوة المرأة مع زوج أختها

س: هل يجوز للمرأة أن تركب مع زوج أختها في سيارته أو أنه لا يجوز؟

جـ: اعلم بأنه لا يجوز للمرأة أن تركب مع زوج أختها إلا مع وجود ناس آخرين ولو حتى شخص واحد، أما الخلوة به فهي حرام، وقد جاء في الحديث الشريف (أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) لحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) ولحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ)

‌وجوب تعويد الأمهات بناتهن تغطية رؤوسهن من الصغر أمام الرجال الأجانب

س: ما حكم النساء اللائي لا يعودن بناتهن على تغطية رؤوسهن من الصغر؟

جـ: يجب على المرأة أن تعود بناتها على تغطية رؤوسهن عن الرجال الأجانب من حال الصغر لكي لا يبغلن إلا وقد أصبحن متعودات، مثل سائر الأحكام التي يجب على الأولياء أن يعلموا أولادهم الصغار لكي لا يبلغوا حد التكليف إلا وهم عارفون بالواجب والمحظور والمندوب والمكروه والمباح لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وقوله تعالى: {

(1)

صحيح البخاري: كتاب المرضى: باب ما جاء في كفارة المرض. حديث رقم (5209) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ).

أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، والترمذي في الجنائز، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الجامع.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الجنائز: باب فضل من مات في الطاعون. حديث رقم (3111) بلفظ (عَنْ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَتِيكٍ وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو أُمِّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّهُ جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ، فَصَاحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: غُلِبْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّبِيعِ، فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ، فَجَعَلَ ابْنُ عَتِيكٍ يُسَكِّتُهُنَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دَعْهُنَّ، فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ، قَالُوا: وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمَوْتُ، قَالَتْ ابْنَتُهُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا، فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ جِهَازَكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟ قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في الجنائز، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الجنائز.

معاني الألفاظ: العيادة: الزيارة.

المطعون: الذي يموت بمرض الطاعون.

ذات الجنب: السل، أوذبول الجسم، أو قرحة في البطن. المبطون: الذي مات بمرض البطن.

بجمع: المرأة التي تموت في النفاس وولدها في بطنها.

ص: 73

وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ}

(1)

ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم (مُرُوا أَوْلَادَكُم بالصّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سبْع سنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ سنينَ)

(2)

.

‌وجوب احتجاب المرأة من أقارب الزوج

س: إن لنا بيتاً واحدا يضمنا نحن وأبانا وأمنا ولنا أخ كبير متزوج، فهل يجوز لنا مواجهة زوجة أخينا الأكبر؟

جـ: تحتجب احتجابا خفيفا بقدر الإمكان وبحسب المستطاع لحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ).

‌الحجاب الشرعي هو حجب المرأة رأسها ووجهها وجميع بدنها عن الرجل الأجنبي

س: ما هي شروط الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة؟ وما هي سنن لبسها الحجاب؟

جـ: أن تحجب رأسها ووجهها وصدرها وجميع بدنها سدا للذريعة.

قال أمير الشعراء (أحمد شوقي):

نظرة فابتسامة فسلام

فكلام فموعد فلقاء.

‌وجوب احتجاب المرأة من الرجال الأجانب منها

س: في قضية الحجاب هل يجب أن تلبس المرأة الحجاب وأن لا تظهر شعرها؟

جـ: قد أجبت عنه مراراً وخلاصة ما يقال هو أن تغطية شعر المرأة ورقبتها وسائر الأعضاء غير الوجه والكفين واجب عليها أمام كل الأجانب باتفاق العلماء، أماَّ تغطية الوجه والكفين ففي وجوب تغطيتها خلاف، فبعض العلماء أوجب تغطية الوجه واليدين أي الكفين وبعضهم لا يوجب ذلك، والأحوط هو الأول ولا سيما للشابة الجميلة كما كنت قد قلت إن بعض الفتيات تغطى رأسها وصدرها أو رقبتها وسائر جسدها وتقول بأنها محتجبة احتجاباً إسلامياً، والصواب هو القول بأنها محتجبة احتجاباً خفيفاً على قول بعض المذاهب الإسلامية لأن الكلام الأول سيكون مفهومه أن تغطية الوجه من البدع، وهذا سيكون مخالفاً للأدلة الدالة على وجوب تغطية الوجه والكفين منها قوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(3)

وحديث (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ)

(4)

(1)

- طه الآية (132).

(2)

- سبق ذكره في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بتصحيح الألباني للحديث في صحيح سنن أبي داود برقم (494).

(3)

- النور: الآية (30، 31).

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب وجوب الحج. حديث رقم (1513) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كبيراً لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاع).

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، ومالك في الحج.

أطراف الحديث: المغازي، الاستئذان.

معاني الألفاظ: الردف: الجلوس خلف الراكب.

ص: 74

‌تحريم حب الرجل المرأة الأجنبية

س: هل الحب العفيف محرم أم لا؟

حب الزوج لزوجته مباح أما حب الرجل لامرأة اجنبية فهو غير جائز سواء كانت متزوجة أو عازبه أو أرملة وهكذا حب الرجل للولد الأمرد لا يجوز.

قال أمير الشعراء (أحمد شوقي):

نظرة فابتسامة فسلام

فكلام فموعد فلقاء.

‌وجوب حسن معاشرة الزوجة

س: هل يجوز للزوج أن يعامل زوجته معاملة قاسية وأن يهينها ولا يكرمها مثل أن يبصق في وجهها كلما دخل عليها أو دخلت عليه؟

جـ: الحق أن على كل مسلم أن يرحم زوجته وأن لا يهنها على هذه الصفة كما أن عليها أن تحترمه وتقدره وقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على أن للزوجة على زوجها حقوقاً كما للزوج على زوجته حقوقا أيضاً قد ذكرتها في عدة فتاوى منها قوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(1)

وقوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

(2)

وقوله تعالى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ}

(3)

و حديث (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)

(4)

وحديث (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)

(5)

ولا مانع لها أو لوكيلها أو لأقرب الناس إليها من عرض القضية على القاضي الشرعي في المنطقة التي يعيش فيها هذا الزوج الذي يعامل زوجته معاملة سيئة، ويتوهم البعض من الناس أن الدين الإسلامي أو أن الشريعة المحمدية لا يوجب على الزوج لزوجته إلا أن يوفر لها المطالب المادية وهي (النفقة والكسوة والمسكن والعلاج ونحو ذلك) بحسب حالتهما مع الاتصال الجنسي وليس على الزوج نحو زوجته غير ذلك، والحقيقة هي أن الشريعة المحمدية صلوات الله وسلامه على صاحبها وعلى

(1)

- النساء: آية (19)

(2)

- البقرة: آية (229)

(3)

- البقرة: آية (228)

(4)

- سنن الترمذي: كتاب المناقب: باب فضل أزواج التبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (3895) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ) صححه الألباني بنفس الرقم.

أخرجه أبوداود في الأدب، والدارمي في النكاح.

(5)

- صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته. حديث رقم (2084) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)

أخرجه مسلم في الأيمان، والترمذي في الطلاق، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

ص: 75

آله توجب على الرجل نحو زوجته (النفقة والكسوة والعلاج والمسكن مع الاتصال الجنسي وغير ذلك) كما توجب عليه أيضاً مطلوب آخر ليس بمادي وإنما هو معنوي وهو (المعاشرة الحسنة بالكلمة الطيبة والبسمة والمعاملة الودودة والأخلاق الكريمة والرحمة والحنان والشفقة واحترامها كإنسان له روح وإحساس والمداعبة اللطيفة التي تطيب النفس ويذهب بها الغم وتسعد بها وإذا أخطأت كلمها بلين ورفق لا بعجرفة ولا بتكبر وإذا أساءت وغضب عليها فليرجع عن غضبه في أقرب وقت ممكن لأن المرأه ليست معصومة عن الخطأ) والدليل على ما ذكرته هو أن القرآن الكريم قد ذكر الزواج باعتباره آية من آيات الله في الكون ونعمة من نعمه تعالى على عباده حيث يقول {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}

(1)

فمن تأمل هذه الآية يعرف من خلالها أن الله سبحانه وتعالى قد جعل من أهداف الحياة الزوجية أومقوماتها السكون النفسي والمودة والرحمة بين الزوجين فهي كلها مقومات نفسية لا مادية ولا معنى للحياة الزوجية إذا تجردت عن هذه المعاني السامية وأصبحت مجرد أجسام متقاربة وأرواح متباعدة كما أن السنة المحمدية تحكي لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس وأخيرهم لأهله كما في حديث (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) وأنه كان مع أهله حسن المعاشرة حسن الخلق كما لا يخفى على من اطلع على كتب السيرة النبوية والشمائل المحمدية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.

كما أن بعض النساء يتوهمن أن واجبات المرأة نحو زوجها هو طاعته فيما يتعلق بالاتصال الجنسي أو في القيام بأعمال وتربية الأطفال وليس وراء ذلك شئ مع أن الواجبات على المرأة غير منحصرة في هذه الأشياء المادية بل هناك واجب عليها نحو زوجها من الناحية النفسية وهي أن تبش في وجهه وتلاطفه بالكلمة الطيبة وإذا لزم الأمر إلا أن تعاتبه فتعاتبه برفق ولين ولطف وإذا لزم الأمر إلى أن تطلب منه أيَّ مطلب مادي فتأتي في الأوقات المناسبة فأكثر الرجال الذين لا يلبون طلبات زوجاتهم ليس الحامل لهم على عدم تلبية الطلب هو البخل أو الحرص على المال ولكن السبب الحامل لهم هو عدم أسلوب بعض النساء في المطالبة بما تحتاجه من المطالب المادية الضرورية أو الكمالية وذلك بعدم الملاحظة للأوقات المناسبة أو بعدم ملاحظة العبارات اللطيفة التي تتمكن المرأه بواسطتها من تحقيق رغبتها والوصول إلى ما تطلبه من الضرورات والكماليات، وكم قد حصل بين زوجين متحابين سوء تفاهم بسبب عدم سوء تعبير المرأة في مطالبها لزوجها أو لعدم اختيارها للوقت المناسب لمطالبتها فبعض المشاكل التي تحدث بين الزوجين ترجع في بعض الأحيان إلى شراسة أخلاق المرأة وعدم احترامها وتقديرها لزوجها بصفته هو القوام عليها لقوله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}

(2)

كما ترجع في بعض الأوقات أيضاً إلى كبرياء بعض الرجال وعجرفتهم وعدم حنانهم ورحمتهم لنسائهم بصفتهن أسيرات لديهم وعلى هذا الأساس نوصي هذا الزوج الذي تستقبله زوجته فيبصق في وجهها ثلاثاً بأن يرحم زوجته ويعاشرها معاشرة حسنة بالكلمة الطيبة والبسمة المشرقة والمعاملة الودودة والكلام اللين اللطيف الذي تطيب به النفس ويذهب به الغم وتسعد به الحياة بدلاً من أن يقابلها بوجه مكفهر عبوس أو أن يبصق في وجهها ثلاث مرات بغير سبب على حد العبارة الواردة في الاستفتاء إذا صح ما جاء في هذا السؤال لأن المرأة ذات روح وإحساس تتألم مثل الرجل وتحس كما يحس الرجل بل إن المرأة أشد إحساساً من الرجل بالفعل الجارح أو الكلام الجارح وقدحث الرسول صلى الله عليه وسلم

(1)

الروم: آية (21)

(2)

- النساء: آية (24)

ص: 76

الزوج على الرفق في تعامله مع زوجته باللطف والبشاشة والظرافة والفكاهة في حديث (فَعَلَيْكَ بِالْكَيْسِ الْكَيْسِ)

(1)

، وإذا كانت قد أساءت فلا مانع له أن يؤدبها بأيِّ نوع من أنواع الأدب كالهجر أو العتاب أو الشكوى إلى أهلها فلا يتفل أو يبصق في وجهها فالبصق في وجهها تحقير لها وهي آدمية كما هو آدمي ولها نفسية كما أن له نفسية ولها إحساس كما له إحساس ولها شعور بالألم كما أن له شعورا بالألم أيضاً وإذا كان قد كرهها فلا مانع له من طلاقها قال الله تعالى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

(2)

وجوابي مبني على الظاهر وإذا كان في القضية ملابسات وأسباب ومسببات أو كان قد جرى من هذه المرأة أو يجري من هذه المرأة نحو زوجها أشياء أخرى استوجبت غضب الزوج عليها غضباً عظيماً إلى حد أنه يبصق إلى وجهها كلما وصلت إليه أو وصل إليها فلذلك حكمه لأن الاستفتاء إذا كان من جانب واحد يكون الجواب قاصراً وإذا كان من الجانبين يكون الجواب كاملاً وافياً ولذلك أقول ليس الغائب كالحاضر ولا الخبر كالمعاينة.

س: تزوج رجل بامرأة منذ ست سنوات وحدث أنهما لم ينجبا وحينما أجريت لهما فحوص طبية تبين أن المرأة غير صالحة للإنجاب على الإطلاق فأصبح الزوج حائراً في الأمر لأنه لا يرغب في طلاقها وليس له القدرة على أن يتزوج بامرأة أخرى فما هو الحل في ذلك؟ ثم إذا رفض أحدهما الآخر فهل يعود شيء من المال الذي دفعه الزوج للزوجة المذكورة في هذه الحالة؟

جـ: المسألة بسيطة وحلها راجع إلى الزوج بالخيار بين أحد الأمور الثلاثة:

1 -

إما أن يتزوج زوجة أخرى بجانب هذه الزوجة لأن تعدد الزوجات جائز شرعاً بشرط القدرة والعدل لقوله تعالى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}

(3)

.

2 -

وإما أن يطلق هذه الزوجة لأن الطلاق جائز شرعاً ولا سيما في مثل هذه الحالة لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}

(4)

.

3 -

وإما أن يصبر على هذه الزوجة العقيم ويحمد الله على أن له زوجة يحبها وتحبه ولا يفكر في الطلاق أو الزواج بأخرى ويحسن العشرة معها لقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ

فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}

(5)

.

وأما سؤالك عما لو رفض أحدهما الآخر هل يعود شيء من المال الذي دفعه الزوج المذكور للزوجة المذكورة

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب طلب الولد. حديث رقم (4845) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا دَخَلْتَ لَيْلًا فَلَا تَدْخُلْ عَلَى أَهْلِكَ حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ، وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَعَلَيْكَ بِالْكَيْسِ الْكَيْسِ)

أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، والترمذي في النكاح، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وابن ماجه في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

معاني الألفاظ: الاستحداد: إزالة الشعر النابت حول العورة.

(2)

- البقرة: آية (229).

(3)

- النساء: آية (3).

(4)

- الطلاق: آية 1 -

(5)

- النساء: آية (19)

ص: 77

فالجواب عليه بأنه إذا كان الرفض من الزوج فيكون بطلاق زوجته وليس له أيُّ شيء من المهر أو الشرط أو ما سلمه الزوج للزوجة، وإن كان الرفض من الزوجة بطلبها الطلاق فمهما طلبت الطلاق فعليها إرجاع ما سلمه الزوج أو بعضه بحسب التراضي ليطلقها طلاقاً خلعياً إلى مقابل عوض وهو المهر أو بعضه.

س: بعث برسالة مطولة شرح فيها مشكلته مع زوجته وبنت خاله التي مد يده إليها بالضرب قبل ثمان سنوات وأنه نادم على ما فعل وأنه يشعر بالأسى حينما أساء إلى زوجته بدون مبرر لذلك وأنه يخاف من عقاب الله تعالى ويطلب فتوى في ذلك؟

جـ: اعلم بأن المسألة بسيطة وليست بعظيمة كما قد تصورتها ولا مانع لك الآن من الندم على ما كان منك من الإساءة إلى زوجتك بضربها على الصفة المذكورة في السؤال فيجب عليك أن تطلب العفو منها والإحسان إليها ولا شك أنها ستعفو عنك إذا رأتك صادقاً في العزم على عدم العود إلى مثل هذا الاعتداء في المستقبل والأسف على ما كان قد صدر منك في الماضي، والتوبة من أيِّ ذنب تهدم ما قبله والحسنات يذهبن السيئات لقوله تعالى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(2)

وبناءً على ذلك لا تعذب نفسك بكثرة التفكير فيما كان وابدأ صفحة جديدة في حياتك مع زوجتك وشريكة حياتك وقريبتك لحديث (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)

(3)

وحديث (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)

(4)

وحاول أن تنسى ما مضى وأنقضي لتطمئن نفسك إن شاء الله تعالى وإذا عملت ما قلته لك فليس عليك إن شاء الله أيِّ عقاب بسبب ما جرى منك مهما عفت زوجتك عنك وأخلصت في توبتك لأن الله تعالى غافر الذنوب جميعاً قابل التوبة من جميع التائبين كما في قوله تعالى {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ

الرَّحِيمُ

(53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}

(5)

وفقك الله إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة وأصلح شئونك وهو تعالى ولي الهداية والتوفيق.

س: قال الله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}

(6)

بعض الرجال يفهم معنى هذه الآية بشكل خاطئ، فيفرد الزوج جناحه على زوجته، ويتحول من حمام وديع إلى صقر مخيف ويعامل زوجته وأولاده معاملة قاسية بعيدة كل البعد عن معاني العشرة بالمعروف التي امرنا به القرآن في

(1)

- هود: آية (114)

(2)

- البقرة: آية (222)

(3)

- سنن الترمذي: كتاب المناقب: باب فضل أزواج التبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (3895) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ) صححه الألباني بنفس الرقم.

أخرجه أبوداود في الأدب، والدارمي في النكاح.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته. حديث رقم (2084) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)

أخرجه مسلم في الأيمان، والترمذي في الطلاق، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

(5)

- الزمر: آية (53)

(6)

النساء: آية (34).

ص: 78

قوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ

فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}

(1)

فتعيش زوجته مكسورة الجناح مقهورة الصدر، لا تجرؤ أمامه حتى على الاستئذان منه للخروج، ويستغل هذا الموقف ويزيد تكبراً عليها فيمنعها من زيارات أهلها حتى يوم الجمعة، وعندما تكون هناك أعيادا ومناسبات وأعراسا يشترط عليها أن لا تذهب إلا يوم واحد، فلا تستطيع مشاركتهم في تلك الأفراح، ولا تستطيع حتى مساعدتهم في تلك المناسبات، فهل لشريعتنا السمحاء مخرج من تلك المفاهيم؟

جـ: هذا الذي جاء في السؤال مخالف لما جاءت به الشريعة الإسلامية الغراء لأن الذي جاء به الإسلام على الزوج إكرام زوجته، وحسن معاشرتها ومعاملتها بالمعروف، وتقديم ما يمكن تقديمه لها بما يؤلف قلبها فضلاً عن تحمل ما يصدر منها أو يصبر عليها، وأن يكون رفيقاً رحيماً لها عطوفاً عليها، والأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع طافحة بوجوب معاملة الزوج زوجته المعاملة الحسنة والسير معها السيرة الطيبة، ولا سيما المحافظة على سمعتها وشرفها منها قوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(2)

وقوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

(3)

وقوله تعالى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(4)

و حديث (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)

(5)

وحديث (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)

(6)

كما أن على الزوجة لزوجها حقوقا يجب عليه العمل بموجبها، وقد ألف العلماء رسائل منفردة ومؤلفات مستقلة في حقوق المرأة على زوجها، وحقوق الزوج على زوجته، وذكر سيد سابق في فقه السنة كثيراً من تلك الحقوق، فعلى كل زوج مراجعة ما جاء في كتاب النكاح من كتاب فقه السنة كما أن على كل زوجة الاطلاع على ما جاء في نفس هذا الكتاب من الحقوق الواجبة على الزوجة والعمل بموجب ما تضمنته تلك الفصول من هذا الكتاب.

س: هل يجوز للمرأة أن تؤآكل زوجها وهو قاطع للصلاة أو يصلي فرضا من الفروض الخمسة؟

جـ: لا مانع، لكن الأولى إذا كانت متدينة طلب الفسخ من الزوج لعدم الكفاءة الدينية لحديث (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)

(7)

وحديث (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ)

(8)

وحديث (ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة)

(9)

.

(1)

- النساء: آية (19)

(2)

- النساء: آية (19)

(3)

- البقرة: آية (229)

(4)

- البقرة: آية (228)

(5)

- سنن الترمذي: سبق ذكره من حديث عائشة رضي الله عنها برقم (3895).

(6)

- صحيح البخاري: سبق ذكره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (2084).

(7)

- سنن الترمذي: كتاب الإيمان: باب ما جاء في ترك الصلاة. حديث رقم (2621) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في الصلاة، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

(8)

- صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب ماجاء في ترك الصلاة. حديث رقم (242) بلفظ (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ)

أخرجه الترمذي في الإيمان، والنسائي في السنة، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الصلاة.

(9)

- سنن النسائي: كتاب الصلاة: باب الحكم في تارك الصلاة. حديث رقم (462) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ) صححه الألباني في صحيح سنن النسائي بنفس الرقم.

أخرجه مسلم في الإيمان.

ص: 79

س: في حالة طلب الزوج للطاعة المعروفة بين الزوج وزوجته وهو قاطع للصلاة هل تطعه الزوجة أم لا؟

جـ: تطعه ولكن تحاول فسخه لعدم الكفاءة الدينية.

‌جواز الكلام أثناء الجماع

س: هل يجوز التلفظ بكلام أثناء الجماع لإثارة الشهوة عند الزوجة؟

جـ: لا مانع ما لم يكن كلاماً محرماً وليس الكلام بمكروه عند الجمهور من العلماء خلافاً لعلماء المذهب الهادوي الزيدي فهو عندهم مكروه ولا دليل على الكراهة.

‌جواز استخدام ما ينشط جنسيا

س: ما حكم استخدام المنشطات الجنسية الخفيفة لا الضارة؟

جـ: لا مانع.

‌كراهة تقبيل الزوج زوجته وضمها إلى صدره أمام أبنائها

س: هل يجوز لزوج أن يقبل زوجته أمام أبنائها ويضمها إلى صدره؟

جـ: هذا مخالف للأدب وقلة حياء وقد جاء في الحديث (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ)

(1)

.

‌مشروعية طلب الزوج عفو ورضاء الزوجة التي اتهمها في عفتها بدون بينة

س: يوجد زوج وزوجة كبيرين في السن والرجل يتهم زوجته دائما بالفاحشة حتى أنها امتنعت من تمكينه منها، فما هو الذي عليهما؟

جـ: أولا يتوب إلى الله ويرضيها ويطلب العفو منها، ثم يقال لها واجب عليك تنفيذ أمره لكن بعد أن يطلب رضاءها لحديث (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)

(2)

.

‌وجوب عمل المرأة عمل بيتها المعتاد

س: هل عمل المرأة واجب عليها أم غير واجب؟

جـ: الواجب على المرأة أن تعمل عمل بيتها المعتاد كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنهافي حديث (أَنَّ فَاطِمَةَ عليهما السلام أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ فَلَمْ تُصَادِفْهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب إذا لم تستحي فاصبع ماشئت. حديث رقم (5655) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ)

أخرجه أبوداود في الأدب، وابن ماجه في الزهد، وأحمد في مسند الشاميين، ومالك في النداء للصلاة.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقائق والورع: باب منه. حديث رقم (2423) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)

أخرجه ابن ماجه في الزهد، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الرقاق.

ص: 80

خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ)

(1)

أما خارج البيت فلا يجوز إلا للضرورة وباستئذان زوجها وبشرط عدم مخالطتها للرجال اختلاطاً يخل بدينها وشرفها أما إذا لم يكن هناك ضرورة أو لم يأذن لها زوجها أو كانت في عملها خارج البيت تختلط بالرجال اختلاطاً يخل بشرفها وبدينها فلا يجوز لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

(2)

و لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ)

(3)

ولحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)

(4)

ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ)

(5)

.

‌جواز معاشرة الزوجة أيام التشريق وفي غيرها من أيام السنة

س: سمعنا من يقول أن من يعاشر زوجته أيام التشريق فقد عمل جريمة أشد من الزنا، فهل هذا صحيح؟

جـ: اعلم أن وطء الزوجة أيام التشريق ليس بحرام كتحريم الزنا ولا أدري من أين فهم أن هذا الوطء حرام كتحريم الزنا بل وإنه أشد من الزنا الذي هو من أعظم الفواحش ومن أكبر الكبائر وذلك لأن وطأها في هذه الأيام لمن لم يكن في منى أو في مكة يؤدي مناسك الحج جائز كسائر الأيام، وأما من وطء زوجته وهو في أثناء أداء مناسك الحج فلا يخلوا إما أن يعمل هذا العمل وقد رمى جمرة العقبة التي يرميها الحجاج في يوم عيد النحر وما بعده وطاف طواف الإفاضة الذي يعمله الحجاج في يوم العيد وما بعده من الأيام وهي أيام التشريق الثلاثة فوطؤه جائز شرعاً ولا مانع منه ما دام قد رمى جمرة العقبة وطاف طواف الإفاضة، أما إذا لم يكن قد طاف طواف الإفاضة حال وطئه لزوجته فهو آثم شرعاً وعليه الفدية وإعادة الحج في العام الآتي حين بطل حجه بسبب اتصاله بأهله اتصالاً جنسياً قبل طواف الإفاضة.

والخلاصة هي:

اتصال الرجل بزوجته أيام التشريق بعد رمي جمرة العقبة والحلق والتقصير وطواف الإفاضة جائز شرعاً.

اتصال الرجل بزوجته اتصالاً جنسياً قبل طواف الزيارة مبطل للحج وموجب للفدية وإعادة الحج في العام الآتي.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النفقات: باب عمل المرأة في بيت زوجها. حديث رقم (5046) بلفظ (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ عليهما السلام أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ فَلَمْ تُصَادِفْهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقظَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ).

أخرجه مسلم في الذكر والدعاء، والترمذي في الدعوات عن رسول الله، وأبو داود في الخراج والإمارة والفيء، الأدب، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث: فرض الخمس، المناقب، النفقات، الدعوات.

(2)

- الأحزاب: آية (53)

(3)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عباس رضي الله عنهما برقم (3006).

(4)

- مسند أحمد: سبق ذكره في هذا الباب من حديث جابر رضي الله عنه برقم (1424).

(5)

- سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حجيث عقبة بن عامر رضي الله عنه برقم (1091).

ص: 81

‌تحريم امتناع المرأة عن طاعة زوجها وإجابته إلى فراشه

س: ما حكم امتناع المرأة عن طاعة زوجها وإجابته إلى فراشه إذا كان متهاوناً في أداء الصلوات ولا يؤديها في وقتها وأحياناً يصلى فرضاً وآخر لا يصليه، إذا كان الزوج في رائحة فمه وجسمه كراهة فهل الزوجة آثمة إذا لم تجبه إلى طلبه في معاشرتها لعدم تحملها الرائحة؟

جـ: لا يجوز للزوجة أن تمتنع من تمكين زوجها من الاتصال الجنسي لحديث (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ)

(1)

سواء كان من المحافظين على الواجبات أم من المرتكبين للمحرمات أم لا ما لم يأمرها بشيء هو حرام فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لحديث (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)

(2)

وهكذا لا يحق لها الامتناع منه إذا كانت رائحته كريهة سواء كانت الرائحة من فمه أم من إبطه بل عليها أن تلزمه بأن يعمل اللازم في سبيل تخفيف هذه الرائحة بقدر الإمكان وبحسب المستطاع.

‌جواز جماع الزوجة في أيِّ وقت سوى الأوقات التي منع الشرع من الجماع فيها

س: هل هناك أوقات محددة يجامع الرجل فيها زوجته؟

جـ: ليس هناك أوقات محددة، إن المحدد هو التحريم في أوقات الصيام وحال الحيض والنفاس وحال المرض الذي قد يضر بصحة المرأة.

س: ما الحكم إذا كان الرجل أثناء معاشرته لزوجته يتخيل أنها امرأة أخرى ويتلذذ بذلك؟

جـ: قال العلماء هذا لا يجوز والله أعلم.

‌تحريم اتيان الزوجة في دبرها وتحريم تمكين الزوج منه

س: رجل يجامع زوجته في دبرها وهي كارهة، فهل يحق لها طلب الطلاق؟

جـ: هذ - إن صح - حرام لا يجوز له أن يعمل هذا العمل المحظور شرعا، ولا يجوز للمرأة أن تمكنه من نفسها ولها الحق في الامتناع والرفض والهروب من عنده الى عند أهلها، كما أن لها طلب الطلاق لكراهتها له، قال الله تعالى (نساؤكم حرث لكم)

(3)

والدبر محل الفرث لا الحرث فإنا لله وإنا أليه راجعون.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها. حديث رقم (4897) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ).

أخرجه مسلم في النكاح، وأبو داود في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: بدء الخلق، النكاح.

(2)

صحيح البخاري: كتاب أخبار الأحاد: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام. حديث رقم (2275) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ ادْخُلُوهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ: لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والنسائي في البيعة، وأبو داود في الجهاد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث: المغازي، الأحكام.

(3)

- البقرة: آية (223)

ص: 82

‌جواز إطلاع الرجل على بعض الكتب التي يتعلم منها كيف يضاجع زوجته

س: هل يجوز لشخص مقبل على الزواج أن يطلع على بعض الكتب ليتعلم كيف يضاجع زوجته، علماً أنها لا تحتوي على صور؟

جـ: لا مانع لا مانع.

‌تحريم التحدث بما يحصل بين الزوجين حال الجماع

س: بعض النساء يتحدثن مع زميلاتهن وصديقاتهن عما يجري معهن في فرش أزواجهن بكل وقاحة مع العلم أن الأزواج يكرهون ذلك، فما الحكم؟

جـ: هذا إن صح حرام لا يجوز.

‌جواز جماع المرأة الحامل والنفساء إذا انقطع الدم ولو قبل الأربعين

س: في بعض الأرياف تمتنع الزوجات عن تمكين أزواجهن من الجماع حال الحمل أو النفاس بعد انقطاع الدم بحجة عدم اكتمال الأربعين يوماً، فما رأيكم؟

جـ: لا مانع من جماع الحامل وإذا كان الدم قد انقطع عن المرأة النفساء فيجب عليها أن تغتسل وتصلي ويجامعها زوجها ولو قبل الأربعين مهما قد انقطع الدم واغتسلت الغسل الشرعي.

‌تحريم إتيان الزوجة في دبرها ووجوب التوبة النصوح

س: ما كفارة من أتى امرأته في دبرها؟

جـ: يتوب إلى الله توبة نصوحاً مثل الخمَّار والزاني وعليها أيضاً التوبة مثل غيرها من المذنبات إذا لم تكن مكرهة مغتصبة لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(2)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(3)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَ إِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُه وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(4)

.

(1)

- التحريم: آية (8)

(2)

- البقرة: آية (222)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(4)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

ص: 83

ما حكم ملاعبة الرجل لزوجته في دبرها باليد؟ وما حكم ملاعبته لها بذكره في دبرها ولكن دون إيلاج؟

جـ: هذا لا يجوز لأنه ربما يكون سبباً للإيلاج ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ،)

(1)

.

ضعف حديث (أن امرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم غاب عنها زوجها)

س: سمعت بأن امرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم غاب عنها زوجها وكان أبوها مريضاً فلم تزر أباها حتى مات لأن زوجها لم يأذن لها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله قد غفر لأبيها لطاعتها زوجها) وادعى أن هذا الحديث في صحيح البخاري؟

جـ: هذا الحديث غير موجود في صحيح البخاري ولا في صحيح مسلم ولا في غيرهما من كتب السنة المشهورة ولا في المعاجم وإنما أخرجه ابن عدي في كتاب الضعفاء بسند ضعيف كما في تخريج كتاب إحياء علوم الدين المسمى (المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في كتاب أحياء علوم الدين من الآثار) وبناء على ذلك فمن زعم أنه في صحيح البخاري فيوضح لنا في أيِّ باب لنكون له من الشاكرين، ولقد قرأت صحيح البخاري فلم أجد فيه هذا الحديث علماً بأن الشريعة الإسلامية شريعة سهلة وسمحة لا تشدد في طاعة الزوج إلى هذا الحد اللهم إلا إذا صح هذا الحديث ودون القول بتصحيحه مفاوز.

‌جواز بقاء الزوجة عند زوج قاطع للصلاة والأولى مخالعته

س: ما حكم بقاء الزوجة المصلية عند زوج لا يصلي؟

جـ: الصلاة واجبة وجوباً شرعياً على النساء والرجال لقوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}

(2)

فمن تركها فهو فاسق عاصٍ لله تعالى لحديث (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)

(3)

وحديث (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ)

(4)

وحديث (لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ)

(5)

وإذا اتفق أن الزوج لا يصلي والزوجة تصلي فعليها أن تأمره بالصلاة بحسب الإمكان وتنهاه عن تركها قدر المستطاع وإذا أمرها بفعل شيء يضيع وقت الصلاة فلا تطعه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (50) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وابن ماجه في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: حفظ وصان.

(2)

- البقرة: آية (43)

(3)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عبدالله بن بريدة رضي الله عنه برقم (2621).

(4)

- صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث جابر رضي الله عنه برقم (242).

(5)

- سنن النسائي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث جابر رضي الله عنه برقم (462).

ص: 84

الخالق لحديث (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) وإذا تمكنت من مخالعته أي طلب الطلاق مقابل المهر أو شيء منه فهو أفضل، وأما هروبها من عنده فلا يجب عليها، هذا كله على مذهب من لا يكفر تارك الصلاة، وأما على مذهب من يكفر تارك الصلاة فعليها ترك الزوج وفسخه لأنه قد أصبح كافراً بتركه للصلاة ولا تبقى الزوجة المسلمة عند زوج كافر.

‌جواز استخدام غير المسلمة في البيت المسلم إذا لم يخش منها تربية الأولاد تربية فاسدة

س: هل يجوز استخدام غير المسلمة في البيت المسلم أم لا؟

جـ: اعلم أن استخدام غير المسلمة في البيت جائز إلا إذا كانت ستربي الأولاد ويخشى منها أن تربى الأولاد تربية فاسدة فلا يجوز لأن كل ما يؤدي إلى الحرام حرام لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}

(1)

.

‌عدم وجوب إعطاء الزوجة زوجها مالا من دخلها الخاص بها

س: أفتونا فيمن تربي المواشي في بيت زوجها وهي تبيع منها وإذا طلب الزوج المحتاج منها نقوداً لم تعطه أي شيء، فما هو الواجب فعله؟

جـ: اعلم بأنه لا يجب على الزوجة التي تربي البقر والغنم والدجاج والمعز أن تعطي الزوج أيَّ شيء من قيمة البيض أو الدجاج الصغار أو الغنم الصغار أو العجول أو قيمة اللبن والسمن وليس له أن يطلهبا إلا إذا كانت تريد أن تعطيه من باب المساعدة أو التعاون فلا بأس اللهم إلا إذا كان الزوج يعاونها في تربية هذه الحيوانات أو كانت المحلات التي تجلس فيها هذه الحيوانات ملكه فله المطالبة لها في مقابل عمله معها إن كان يعمل معها أو أجرة المكان إن كان ملكه وبقدر أجرة المثل، وهكذا إن كانت المرأة تترك بعض أعمال المنزل الواجبة عليها حتى يضطر أن يؤجر من يعمل ذلك العمل المتروك فعليها أجرة من تعمل ذلك العمل.

‌جواز كذب الزوجة على زوجها للمصلحة

س: زوجي من النوع العصبي وهو شديد الغضب، مما يجعلني أحياناً أضطر إلى الكذب عليه، فأشعر بعدها بعذاب الضمير، أخشى أن تكون قد كتبت علي كذبة، فما نصيحتكم لي عند ذلك؟

جـ: إذا كانت المشكلة التي سيعرفها الزوج أو الموضوع سيؤدي إلى الهجر أو إلى إشعال الفتنة بين المرأة وزوجها أو بين أسرة الزوجة وأسرة الزوج أو إلى الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله، فلا مانع للزوجة من أن تكذب على زوجها وقد أجازه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح بلفظ (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْرًا، وَيَنْمِي خَيْرًا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا)

(2)

كما أجاز الكذب لمن يصلح بين الناس أو

(1)

- التحريم: آية (6)

(2)

- صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب: باب تحريم الكذب وبيان المباح منه. حديث رقم (2605) بلفظ (أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا).

أخرجه البخاري في الصلح، والترمذي في البر والصلة عن رسول الله، وأبو داود في الأدب، وأحمد في ومن مسند القبائل.

ص: 85

في الحرب.

‌تحريم لعن الرجل زوجته أو غيرها ولا يستوجب فراق الزوجة من زوجها

س: سمعنا أن من لعن زوجته فإن اللعن يعتبر طلاقاً، هل هذا صحيح أم غير صحيح؟

جـ: لعن المسلم حرام ولا سيما لعن المسلم زوجته ومن لعن زوجته فهو آثم وعليه أن يتوب إلى الله وأن يطلب من زوجته العفو فإن أبت فعليه أن يرضيها بأيِّ نوع من أنواع الرضاء أما أنها تحسب على الزوج طلقة فلا تحسب طلقة ولكن تعتبر معصية والعاصي عليه أن يتوب من معصيته وفي الحديث (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ وَلَا الطَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ)

(1)

وفي الحديث الصحيح (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)

(2)

والحديث الصحيح (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)

(3)

.

‌تحريم عصيان المرأة لزوجها للضغط عليه للتنازل عن المتنازع عليه لوليها

س: أنا امرأة متزوجة وأم لخمسة أطفال وعلاقتي بزوجي وعلاقته بي حسنة ولكن يوجد خلاف بين زوجي وبين والدي على أرض وقد ترافعا إلى الحاكم المولى وطالت المشكلة بينهما ولم يصلا إلى حل لها، والآن يطالبني والدي بأن أقنع زوجي بأن الأرض هذه ليست له وإن لم يقتنع فعلى أن أترك زوجي وأطفالي وأذهب إلى والدي فأطلب حل لهذه المشكلة، هل أترك زوجي وأطفالي أم أخالف أمر والدي وأبقى مع زوجي وأطفالي؟

جـ: المسألة خارجة عن اختصاصك وعليك أن لا تتحيري وأن تحافظي على الحياد فيما حصل أو يحصل بين زوجك ووالدك، وأطيعي والدك فيما يأمر به من الأوامر التي ليست فيها عصيان لزوجك، وليس من الطاعة أن تتمردي عن طاعة زوجك وأن تتركي زوجك وأطفالك لكي يحصل على زوجك الضغط العائلي ليسلم الأرض لوالدك ولكن اقنعي والدك وزوجك بأن المسألة شرعيه وما قررته المحكمة سيكون العمل بموجبه، وأفهمي كل واحد منهما بأنه لا حق لك في التدخل فيما بين الإثنين في شئ خارج عن اختصاصك الذي لا يتعدى الأمور المنزلية وتربية الأطفال والإشراف عليهم.

‌جواز خروج الزوجة من بيت زوجها إلى بيت أهلها للزيارة

س: هل يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الذهاب لزيارة والدها وأمها أم أنه لا يجوز له وقد سمعت حديثاً يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن امرأة استأذنت زوجها بزيارة والدها المريض فمنعها من ذلك؟

جـ: اعلم بأن على المرأة المزوجة أن تطيع زوجها في كل ما يأمرها به ولا تخرج من بيته إلا بإذنه ولا يجوز لها أن تخالف أمره إلا إذا أمرها بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لحديث (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا

(1)

مسند الإمام أحمد: مسند عبد الله بن مسعود: حديث رقم (3947) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ وَلَا الطَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ).

أخرجه الترمذي في البر والصلة.

أطراف الحديث: مسند باقي المكثرين.

معاني الألفاظ: الفاحش: البذيء والمتصف بسوء الخلق.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. حديث رقم (9) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأبوداود في الجهاد، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في الرقاق.

(3)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها برقم (3830).

ص: 86

الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) وللزوج أن يمنعها من الخروج إلا بإذنه لحديث (إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ زَوْجَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا)

(1)

ولحديث (إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ)

(2)

، أما إذا كان الخروج من بيته إلى بيت والدها للمرض أو الموت فلا أظن أن للزوج أيَّ حق في منعها من الخروج من منزله إلى منزل والدها لزيارته إذا كان والدها مريضاً مرضاً مخوفاً لأن روح الدين الإسلامي الحنيف العطف والتراحم وملاحظة تحسين العلاقة فيما بين الزوجين والعادات والأعراف كلها تقضي بعدم منع الرجل زوجته من زيارة والدها المريض مرضاً خطيراً، ومن الممكن القول بأن الأدلة الدالة على أن للرجل منع المرأة من الخروج من منزله إلى منزل آخر أو إلى محل ما لا يشمل كل الخروج حتى لزيارة والدها المريض مرض خطير في منزل قريب من منزلها بحيث لا تحتاج عند خروجها لزيارته إلى محرم أو مرافق فالعرف والعادة تقضيان بعدم منعها من الخروج للزيارة، وقد قال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}

(3)

س: رجل يمنع زوجته من الخروج إلى أيِّ مكان ويهددها دائماً إذا خرجت بالطلاق ثلاثاً، فما حكم الشرع في مثل هذا الرجل؟

جـ: لا مانع للزوج من منع زوجته من الخروج من البيت لحديث (إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ زَوْجَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا) ولحديث (إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ) وليس له أن يهددها بالطلاق البائن أو الرجعي فالطلاق شرعه الله لقطع العلاقة فيما بين الزوجين عند الضرورة لا للتهديد والتخويف والوعيد، لكن ليس للزوج منع زوجته على جهة الدوام والاستمرار وليس له منعها من الخروج إذا كان خروجها للضرورة أو لمناسبة اجتماعية أو لغير ذلك بحسب العرف الجاري في المنطقة وبمقتضى العادة السائدة في البلد الذي يعيش فيه الزوجان لقوله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} .

س: رجل زوج ابنته بمبلغ كبير من المال ثم أمرها أن تبقى لديه لتخدمه ثم أنها تتدعي الحرية فتخرج من بيت زوجها في الصباح ولا تعود إليه إلا في المساء؟

جـ: اعلم أن من زوج ابنته من أيِّ رجل فعلى الزوجة أن تطيع زوجها وليس على الأب أن يلزمها بترك زوجها وببقائها لدى والدها لتخدمه سواء كانت تزوجت بمبلغ يسير أم بمبلغ كبير اللهم إلا للضرورة أو في بعض الأيام لمناسبة تستدعي ذلك فلا مانع لها من أن تذهب إلى بيت والدها للخدمة هناك بحسب العادة وبمقتضى العرف

(1)

صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره. حديث رقم (4940) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ زَوْجَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا).

أخرجه مسلم في الصلاة، والترمذي في الجمعة عن رسول الله، والنسائي في المساجد، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، والدارمي في المقدمة، الصلاة.

طراف الحديث: الأذان، الجمعة.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن: باب قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا إن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه. حديث رقم (4517) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ، قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لِي عُمَرُ: كَذَا وَكَذَا قَالَتْ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ).

أخرجه مسلم في السلام، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

أطراف الحديث: الوضوء، النكاح، الاستئذان.

(3)

- الأعراف: آية (199)

ص: 87

قال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} واعلم بأن على الزوجة أن لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه ويحرم عليها الخروج من بيته في الصباح ولا تعود إلا في المساء.

س: هل يجوز للمرأة الخروج من البيت بغير محرم إلى التفرطة؟

جـ: لا مانع إذا أذن لها زوجها ولا يشترط المحرم إلا إذا كانت مسافرة لحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ)

(1)

.

‌تحريم خروج المرأة بغير إذن زوجها إلا لشيء مهم مستعجل وبحسب العرف والعادة

س: هل يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها ليلاً أو نهاراً بدون إذن من زوجها؟

جـ: الواجب على الزوجة عدم الخروج من البيت بغير إذن زوجها سواء كان الخروج نهاراً أم ليلاً إلا إذا كان الخروج مهماً مستعجلاً وخطيراً لا يمكن تأخيره حتى تستأذن من زوجها الذي قد يكون خارج البيت.

س: تزوج رجل امرأة واشترط على أهلها عدم خروجها من منزله عند اغترابه ثم خرجت المرأة من البيت لحصول زفاف عند الجيران فما موقف الشرع من هذه القضية؟

جـ: لا يجوز للمرأة أن تخرج من البيت إلا بإذن زوجها وإذا كان غائباً فلا يحق لها الخروج من بيته إلا ما كان قد جرى العرف والعادة للخروج لأجله مثل عرس أحد أقاربها الأقربين أو إحدى قريباتها من النساء فلعله لا مانع عملاً بالعادة والعرف لقوله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} .

س: وصلت رسالتك التي ضمنتها سؤالاً تطلب فيه معرفة اسم الرجل الذي يقال بأنه كان غائباً عن زوجته فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تخرج من البيت لزيارة والدها الذي كان مريضاً فلم بإذن لها الرسول إلى آخره.

جـ: اعلم بأن الحاجة إلى معرفة من هو هذا الرجل الذي غاب عن زوجته ولم تخرج من بيته مدة غيابه إلى أن مرض أبوها مرضاً مخوفاً فلم تخرج لزيارته فلما ألحّوا عليها بأن تخرج استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأذن لها بل قال إن طاعة زوجها أقدم من زيارة والدها حتى توفي فلما قدم زوجها من السفر أخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله قد غفر لوالدها بسبب طاعتها لزوجها ولا حاجة إلى ذكر اسم الزوجة هذه وذلك لوجهين:

الوجة الأول: أن الكتب الحديثية لم تذكر اسم الزوج ولا اسم الزوجة.

الوجه الثاني: هو أن هذا الحديث ضعيف وإذا كان ضعيفاً فلا لزوم لمعرفة اسم الزوج أو الزوجة ولا حاجة إلى ذلك ولقد أكثر الوعاظ من ذكر هذا الحديث في خطبهم حتى توهم الناس بأنه حديث صحيح أو حسن مع أنه ليس بصحيح ولا حسن بل هو ضعيف كما نص على ضعفه الحافظ زين الدين العراقي في تخريج إحياء علوم الدين للغزالي رحمه الله.

(1)

صحيح البخاري: كتابالجهاد والسير: باب من اكتتب في جيش وخرجت امرأته حاجة. حديث رقم (2784) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ) يقال هو أخو الزوج كأنه كره له أن يخلو بها.

أخرجه مسلم في السلام، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الاستئذان.

ص: 88

‌وجوب الوفاء بشروط المرأة التي لا تحرم حلالاً ولا تحلل حراماً

س: هل يجب على الزوج الوفاء بشروط المرأة؟

جـ: إذا قبل الزوج شروط المرأة التي لا تحلل حراماً ولا تحرم حلالاً فيجب عليه الوفاء بها، كأن تشترط عليه مثلاً أن تواصل الدراسة أو تشترط عليه البقاء في مدينة صنعاء ولا تخرج معه من مدينة صنعاء إلى الريف أو العكس فكل شرط مباح يجب على الزوج الوفاء به، أما إذا شرطت عليه أشياء محرمة شرعاً فلا يجب عليه الوفاء بها، أما إذا اشترطت عليه أشياءاً واجبة عليه كالوفاء بالنفقة وحسن العشرة فيجب عليه الوفاء بها وجوباً لحديث (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوج)

(1)

.

‌المرأة الناشزة هي العاصية لزوجها

س: من هي المرأة الناشزة؟

جـ: هي المرأة العاصية لزوجها ولها حكمين:

الأول: فيما بينها وبين الله فهي عاصية لله عز وجل بعصيانها لزوجها ولا تقبل لها صلاة لحديث (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ)

(2)

.

الثاني: أنها تسقط على الزوج النفقة لها ما دامت ناشزة، لأن المرأة الناشزة لا تجب لها النفقة لأن النفقة هي مقابل استمتاع الزوج بزوجته وفي مقابل تفرغها للقيام بحقوق الزوج البيتية، والمرأة الناشزة تعطل مهمتها الزوجية، ودليل النفقة للزوجة وللزوجات حديث (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

(3)

وحديث (خُذِي مَا

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الشروط: باب الشروط في المهر عند عقد النكاح. حديث رقم (5151) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في النكاح.

(2)

سنن الترمذي: كتاب الصلاة: بَابُ مَا جَاءَ مَنْ أَمَّ قَوْماً وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ. حديث رقم (328) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (360).

انفرد به الترمذي.

معاني الألفاظ: تجاوز: لا تقبل ولا ترفع إلى الله.

الآبق: العبد الذي يهرب.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الحجـ: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (2941) بلفظ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنْ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْتُ، أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ شيئاً مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَقَرَأَ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ (إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ فَقَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

أخرجه البخاري في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الحج، والدارمي في المناسك.

معاني الألفاظ: نساجة: نوع من الأكسية والثياب المنسوجة.

المنكب: المفصل الذي بين العضد والكتف. المشجب: أعواد تعلق عليها الثياب ومتاع البيت. أذن: أعلم وأخبر. الاستثفار: أن تشد المرأة وسطها وتضع محل الدم خرقة. الإهلال: النية والتلبية. لزم: داوم على ترديد التلبية. استلم الركن: لمسه و قبله أولمسه فقط أو أشار إليه بيده فقط. الرمل: المشي السريع مع تقارب الخطى. الباب: باب بني مخزوم، ويسمى الآن باب الصفا. الانصباب: الإنحدار. صعدتا: ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.

استقبلت: بدا لي أولا. الهدي: مايذبحه الحاج في حجه نسكا.

ص: 89

يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)

(1)

.

س: أفتوني عن حكم رجل تزوج بامرأة وعاش معها في بيت والدها وكان يدفع نقوداً كل شهر مقابل النفقة ثم حدث خلاف بينهما وأراد الزوج أن يذهب مع زوجته إلى بلد فرفض أبوها ثم غاب مدة ورجع فطالبه أبو الزوجة بمبلغ من المال وبالطلاق لهذا المرأة؟

جـ: اعلم أن العبرة في المسألة بما جرى حال العقد فإن كانت الزوجة أو أولياؤها قد شرطوا على الزوج بأن الزوجة لا تخرج من بيت أهلها وألا يخرجها من بيت أهلها فالشرط أملك والمؤمنون عند شروطهم وإذا لم تساعده على الخروج من بيت أهلها فلها الحق في عدم المساعدة مهما كان قد قبل الشرط حال العقد لحديث (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوج) ولا تعد ناشزة من زوجها بتصميمها بعدم الخروج معه ولا تكون عاصية وعليه النفقة وإذا كان قد سلم النفقة في كل شهر وفي كل يوم مثلاً فليس لها حق المطالبة في

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأحكام: باب القضاء على الغائب. حديث رقم (2211) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ هِنْدًا قَالَتْ: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ، قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)

أخرجه مسلم في الأقضية، والنسائي في أداب القضاة، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي منسد الأنصار، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: النفقات، المظالم والغصب.

ص: 90

النفقة مرة أخرى وإذا كان الطرفان غير متصادقين على تسليم النفقة فالعبرة بالبرهان، أما إذا لم تكن الزوجة أو وليها قد شرط على الزوج بقاءها في بيت أهلها فله الحق بالمطالبة بالخروج من بيت أهلها إلى بيته وإذا تمردت فتعد ناشزة والناشزة لا نفقة لها على الزوج حتى تطيعه، وأما طلب الطلاق لا مانع من طلبه مهما كانت كارهة له إذا أرجعت للزوج بعض المهر أو كله لقوله تعالى {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(1)

ولحديث (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)

(2)

.

‌جواز عمل المرأة المكياج لزوجها إذا لم يكن فيه تغيير لخلق الله تعالى

س: هل يجوز للمرأة أن تقوم بعملية الماكياج (المكياج) لتزيين وجهها وما هي الأمور التي يجب على المرأة أن تتبعها عند عمل الماكياج؟

جـ: اعلم بأن الافتاء بجواز عملية الماكياج على الإطلاق لا يمكن وإنما الممكن أن يقال بأن هذا الماكياج جائز إذا كان للزوج ولم يكن فيه تغيير لخلق الله، أما إذا كانت المرأة تعمل الماكياج ليراها الناس الأجانب فلا يجوز لقوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}

(3)

وحديث (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ)

(4)

وهكذا إذا كان في الماكياج تغيير لخلق الله فذلك غير جائز شرعاً بل هو محرم بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم تغيير خلق الله لحديث (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى)

(5)

.

(1)

- البقرة: (229)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الطلاق: باب الخلع وكيف الطلاق. حديث رقم (5273) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)

أخرجه النسائي في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق.

(3)

النور: الآية (30، 31).

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب وجوب الحج. حديث رقم (1513) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كبيراً لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاع).

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، ومالك في الحج.

أطراف الحديث: المغازي، الاستئذان.

معاني الألفاظ: الردف: الجلوس خلف الراكب.

(5)

صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب المتنمصات. حديث رقم (5595) بلفظ: عن علقمة قال: (عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى، مَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ).

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، والترمذي في الأدب عن رسول الله، والنسائي في الزينة، وأبو داود في الترجل، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، والدارمي في الاستئذان.

أطراف الحديث: تفسير القرآن، اللباس.

معاني الألفاظ: الواشمات: من تقوم بعمل الوشم وهو أثر وخز الجلد بالإبر.

النامصة: التي تزيل الشعر من الوجه أو الحاجب.

المتفلجات: المفرِّقات بين أسنانها بآلة تجلاً.

ص: 91

‌تحريم نتف شعر الوجه واليدين والساقين بقصد الزينة

س: ما حكم من تنتف شعر اليدين والوجه والرجلين بقصد الزينة سواء كانت عازبه أو متزوجة أو بقصد الزينة للزوج أو لنفسها؟

جـ: هذه هي النامصة التي لعنها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ).

‌تحريم طلب الزوجة الطلاق بدون سبب موجب

س: ما هو حكم الشريعة المطهرة في امرأة تقول لزوجها طلقني وسأذهب أتزوج من غيرك وتردد هذا الكلام كل يوم؟

جـ: اعلم بأن المرأة التي تقول لزوجها طلقني وسأذهب أتزوج غيرك فهي عاصية لزوجها إذا لم يكن هناك سبب لهذا الطلب من الأسباب المسوغة لهذا الطلب، أما إذا كان هناك سبب من الأسباب الشرعية المسوغة للطلاق فلا مانع من الحضور إلى القاضي الشرعي لفصل القضية.

س: حدث خلاف بسيط بين الرجل وزوجته فقامت المرأة وقالت لزوجها: طلقني فما حكم المرأة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون أيِّ سبب؟

جـ: قال النبي صلى الله عليه وسلم (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ)

(1)

فإذا صح عن هذه الزوجة أنها طلبت الطلاق بلا سبب فهي آثمة ويجب عليها التوبة لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(3)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(4)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا

(1)

- سنن أبي داود: كتاب الطلاق: باب الخلع. حديث رقم (1899) بلفظ (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) صححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2226)

اخرجه الترمذي في الطلاق، وابن ماجه في الطلاق، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الطلاق.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: البأس: الضرر والشدة التي تلجئها إلى طلب المفارقة.

(2)

- التحريم: آية (8)

(3)

- البقرة: آية (222)

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

ص: 92

زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُه وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(1)

.

‌تحريم سب الزوجة زوجها أو التكبر عليه

س: ما حكم الشرع في امرأة تقوم بسب زوجها وتترفع عليه، نرجو من فضيلتكم نصح مثل هذه المرأة وجزاكم الله خيراً؟

جـ: لا يجوز لأيِّ زوجة أن تشتم زوجها أو تسبه أو تقبحه أو تتكبر عليه أو تستخف به بل عليها الطاعة في المعروف وفي كل شيء مالم يأمرها بشيء حرام فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لحديث (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا)

(2)

كما أن على الزوج وجوباً حسن العشرة مع زوجته ورحمتها والحنو عليها والعطف والتغاضي عن كل ما تتكلم أو تعمل مخالفة له لقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ

فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}

(3)

والواجب على الزوج أن يقدم واجبات الزوجة عليه من الحقوق المادية والمعنوية قبل مطالبتها بحقوقه عليها لقوله تعالى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(4)

في الآية دلالة واضحة على أن الله عز وجل قدم حقوقهن على واجباتهن، والآية الجامعة لحقوق الزوجة أوالزوجات هي قوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

(5)

والرسول صلى الله عليه وسلم كان القدوة في حسن معاشرة أهله وقد حث الأزواج على حسن العشرة مع الزوجات في حديث (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)

(6)

.

‌تحريم استعمال علاج قطع الحمل إلاَّ للضرورة

س: هل يجوز استعمال علاج قطع الحمل مع القدرة على الحمل والإنفاق؟

(1)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

(2)

سنن الترمذي: كتاب الرضاع: باب ما جاء في حق الزوج على المرأة. حديث رقم (1159) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1159).

انفرد به الترمذي.

(3)

- النساء: (19)

(4)

- البقرة: (228)

(5)

- البقرة: (229)

(6)

- سنن الترمذي: كتاب المناقب: باب فضل أزواج التبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (3895) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ) صححه الألباني بنفس الرقم.

أخرجه أبوداود في الأدب، والدارمي في النكاح.

ص: 93

جـ: الظاهر أنه لا يجوز إلا للضرورة القصوى مثل أن يكون الوِلاد على المرأة عسيراً أو الحمل عليها عسيراً أو تحتاج إلى أن يعملوا لها العملية القيصرية.

‌تحريم تحديد النسل إلا للضرورة

س: هل تنظيم النسل بعد الولد الأول حلال أم حرام؟ وهل كل وسائل تنظيم الأسرة جائز التنظيم بها أم لا؟

جـ: لا يجوز تحديد النسل إلا للضرورة لقوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}

(1)

وقوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}

(2)

ولحديث (وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ)

(3)

وحديث (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ)

(4)

س: ما رأيكم في من يقوم بتحديد النسل لغير ضرورة؟

جـ: هذا لايجوز لقوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وقوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} ولحديث (وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) وحديث (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ)

(5)

.

س: ما حكم إجراء عملية من أجل قطع النسل علماً بأنه لا يوجد أي ضرر في المرأة يوجب ذلك، علماً بأن ذلك مع رضا الطرفين؟

جـ: إذا لم يكن هناك ضرورة فلا يجوز لأن ذلك مخالف {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وقوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} ولحديث (وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) وحديث (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ).

(1)

- الأنعام: آية (151)

(2)

- الإسراء: آية (31)

(3)

- سنن ابن ماجه: كتاب النكاح: بابا فضل النكاح. حديث رقم (1826) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ، وَمَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ) صححه الألباني في صيحح ابن ماجه برقم (1507).

انفردبه

لايوجدله مكررات.

معاني الألفاظ: الوجاء: الوقاية والمنع من الوقوع في الزلل.

(4)

- سنن النسائي: كتاب النكاح. باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء. حديث رقم (2050) بلفظ (عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (حسن صحيح).

أخرجه النسائي في النكاح.

معاني الألفاظ: الحسب: الشرف وقيل الأفعال الحسنة والسيرة الطيبة.

(5)

- سنن النسائي: كتاب النكاح. باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء. حديث رقم (2050) بلفظ (عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (حسن صحيح).

أخرجه النسائي في النكاح.

معاني الألفاظ: الحسب: الشرف وقيل الأفعال الحسنة والسيرة الطيبة.

ص: 94

‌جواز إجراء عملية قطع الحمل أو تأجيله للضرورة

س: هل يجوز للطبيب أن يعمل عملية قطع الحمل أو تأجيله مع قدرة المرأة على الحمل وقدرة الزوج على الإنفاق؟

جـ: لا يجوز للطبيب قطع الحمل أو تأجيله مع قدرة المرأة على الحمل وقدرة الزوج على الإنفاق إلا للضرورة القصوى لأن الضرورات تبيح المحظورات لقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(1)

وقوله تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(2)

إذا جاز للضرورة القصوى فتعمل المرأة العملية عند طبيبة مسلمة فإن لم تجد فعند طبيبة كافرة فإن لم تجد فعند طبيب مسلم فإن لم يجد فعند طبيب كافر والمهم أن تقدم المرأة قبل الرجل.

‌جواز توليد المرأة عند طبيبة أو طبيب متخصصين

س: هل يجوز دخول المرأة المستشفى عند الولادة مع العلم أن الأطباء في المستشفى من الرجال؟

جـ: إذا لم توجد طبيبة متخصصة في التوليد حال الولادة في أيِّ يوم أو ساعة فلا مانع من التوليد عند طبيب متخصص للضرورة لقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(3)

وقوله تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(4)

وإن كان يوجد مرأة طبيبة متخصصة فالأفضل أن تكون العملية عندها.

س: ما هو قولكم في امرأة نصحها الأطباء بعدم الحمل لأنها مريضة بمرض القلب؟

جـ: إذا كان الطبيب الناصح هو طبيب مسلم عدل ثقة خبير بالمرض فيجوز لها أن تستعمل علاجاً لمنع الحمل بهذه الشروط للضرورة القصوى وإلا فالأفضل هو الصبر والتوكل على الله تعالى لقوله تعالى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}

(5)

ولحديث (وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ فَقَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)

(6)

.

(1)

- البقرة: آية (173)

(2)

- الأنعام: آية (145)

(3)

- البقرة: آية (173)

(4)

- الأنعام: آية (145)

(5)

- الطلاق: آية (3)

(6)

- صحيح البخاري: كتاب الطب: باب من اكتوى أو اكوى غيره وفضل من لم يكتوي. حديث رقم (5705) بلفظ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ: مَا هَذَا؟ أُمَّتِي هَذِهِ؟ قِيلَ: بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، قِيلَ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلَأُ الْأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلَأَ الْأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ فَقَالَ: هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في صفة القيامة والرقائق، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: أحاديث الأنبياء، الطب، الرقاق.

معاني الألفاظ: يتطيرون: الطيرة هي التشاؤم الذي يصد صاحبه عن العمل.

يكتوون: يتداوون بالكي.

ص: 95

‌وجوب استئذان الزوجة من زوجها باستعمال حبوب منع الحمل

س: ما حكم المرأة التي تستخدم حبوب منع الحمل بدون علم زوجها مع العلم أن الزوج يريد الإنجاب؟

جـ: لا بد من مؤاذنته.

س: أنا أم لعشرة أطفال أكبر طفل عمره (12) سنة وقد تعبت كثيرا نتيجة الحمل والولادة المتتالية فأخبرت زوجي أني أريد استخدام العلاج للمباعدة بين الولادة فرفض، فهل استخدامي للعلاج دون علمه حرام؟

جـ: لابد من أن تتوسطي إلى الزوج بأن يرفق بك ويرحمك ويشفق عليك من التعب نتيجة توالي الحمل وقد جعل الله بين الزوجين مودة ورحمة كما في قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}

(1)

وكما في حديث (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)

(2)

.

‌جواز الإجهاض المبكر للضرورة القصوى

س: أنا امرأة متزوجة ولي عدة أطفال والأخير منهم مصاب بشلل وعمره ثمان سنوات وهوي يتعبني كثيراً من حمله الدائم بالإضافة إلى أعمال المنزل وتربية بقية إخوته، وأنا الآن حامل لشهر وأسبوع فهل يجوز لي أن أخرج الطفل الذي في بطني خاصة وإني في بداية الحمل؟

جـ: اعلمي أولاً أنه لا يجوز إخراج الجنين مطلقاً لأن فيه خطرا على الأم، وما فيه مضرة فهو حرام والقاعدة الفقهية تقول (أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)

(3)

فإذا نفخ فيه الروح فلا يجوز، وفيه قتل نفس إلا في حالة تهدد حياة الأم بالموت إذا استمر الجنين في بطنها، إذا صح أنك في الشهر الأول من الحمل أو في الأسبوع أو في الأسبوعين وشق عليك أن يكون هناك طفل جديد بجانب الطفل المشلول مع أخوته ولن يكون هناك ضرر على نفسك من الإجهاض ووافق زوجك وعلم بذلك فيجوز إخراجه الآن، أما إذا كان قد قارب نفخ الروح فلا يجوز لأن في إخراجه حينئذ قتل نفس وهومحرم لقوله تعالى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}

(4)

ولحديث (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

(1)

- الروم: آية (21)

(2)

- سنن الترمذي: كتاب المناقب: باب فضل أزواج التبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (3895) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ) صححه الألباني بنفس الرقم.

أخرجه أبوداود في الأدب، والدارمي في النكاح.

(3)

سنن ابن ماجة: كتاب الأحكام: باب من بنى في حقه ما يضر. حديث رقم (2369) بلفظ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى: أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (1909).

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

(4)

- المائدة: آية (32)

ص: 96

وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)

(1)

ولحديث (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ)

(2)

.

‌تحريم إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه

س: امرأة أسقطت جنينها وعمره أكثر من ستة أشهر لأسباب صحية وعملاً بنصيحة الأطباء أن هذا الجنين إذا بقي في بطنها فإن حياتها في خطر هل عليها إثم إذا فعلت ذلك وهل عليها كفارة قتل الخطأ؟ وإذا كانت واجبة فعلى من تجب؟

جـ: اعلم أن الإجهاض بعد نفخ الروح حرام شرعاً لقوله تعالى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}

(3)

ولحديث (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) ولحديث (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) وإذا كان عمر هذا الجنين ستة أشهر فقد نفخ الله فيه الروح وإذا كان قد نفخ فيه الروح فلا يجوز إخراجه من بطن أمه بواسطة الإجهاض، وأما وجوب الكفارة فقد قال بذلك ابن حزم الظاهري، وابن قدامة في المغني ولم يقل بالكفارة أصحاب المذهب الهادوي وتوسط مالك بن أنس فلم يقل بالوجوب ولا بانعدام المشروعية بل قال بمشروعية إخراج الكفارة على جهة الاستحسان كما حكى ذلك عنه ابن رشد المالكي.

أمَّا رأيي الشخصي في المسألة هو عدم الوجوب وعدم الاستحسان لأنه ليس قتل خطأ وإنما قتل عمد فلا تجب فيه كفارة ولا تستحب وعلى هذا الأساس فلا تجب الكفارة على أحد.

‌كذب ما يسمى بوصايا النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب

س: لقد اطلعت على كتاب يسمى (بوصايا النبي لعلي) ولم يذكر اسم المؤلف على الكتاب وقد ورد في هذا الكتاب حديث ووصايا منها ما يلي:

1 -

يا على لا تجامع اهلك في أول ليلة في الشهر ولا في ليلة النصف منه ولا سبع وعشرين منه فإنه إن كان يرتزق بينكما بولد يكون مختلاً في عقله.

2 -

يا علي لا تتكلم عند الجماع فإنه أن قضي بينكما بولد يكون أخرس وأصم وأبكم إلى غير ذلك من

(1)

صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب قذف المحصنات. حديث رقم (2767) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في الوصايا، وأبو داود في الوصايا.

أطراف الحديث: الطب، والحدود.

معاني الألفاظ: الموبقات: الذنوب المهلكة.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الديات: باب ماجاء في تشديد قتل المؤمن. حديث رقم (1315) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ)

اخرجه النسائي في تحريم الدم.

لايوجد للحديث مكررات.

(3)

- المائدة: آية (32)

ص: 97

الوصايا الواردة في هذا الكتاب والكتاب مذيل برسالة تسمى (برسالة التوكل) نرجوكم الإفادة عن صحة هذا الكتاب والوصايا الواردة فيه جزاكم الله خير الدنيا ونعيم الآخرة؟

جـ: هذه النسخة من الوصايا كانت قد طبعت في مدينة (دهلي) بالهند قبل مدة طويلة ثم طبعت أخيراً بالتصوير الفوتوغرافي في بيروت بعناية بعض أصحاب المكاتب بصنعاء وهي نسخة قد جمعت حوالي مأتين وثلاثين وصية ولم يذكر الطابع لها مؤلفاً ولا سنداً وقد ذكر سندها علماء الحديث المختصون كابن الجوزي في كتابه (الموضوعات الكبرى) والسيوطي في (اللئالئ المصنوعة) و (في تدريب الراوي) وحكماً على هذه النسخة بأنها موضوعة تبعاً للبيهقي الذي سبقهما بالحكم على هذا النسخة في كتابه (دلائل النبوة) بأنها موضوعة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا حكم عليها بالوضع الكثير ممن ألف في الأحاديث الموضوعة ممن رتب كتابه على الأبواب كابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة) ومحمد طاهر الفتني الهندي في (تذكرة الموضوعات) والشوكاني في (الفوائد المجموعة) وغيرهم، وهكذا من ألف في الموضوعات مرتباً مؤلفه على الحروف مثل الملا على القاري في (الأسرار المرفوعة) وفي (المصنوع) والقاوقجي في (اللؤلؤ المرصوع) وغيرهم وقد سبق أن حكم على هذا الحديث بالوضع الصاغاني في موضوعاته ونقل عنه البعض ممن ألف في الموضوعات الحكم بالوضع على هذه الوصايا كما نقل عنه أيضاً بعضاً ممن ألف في الأحاديث المشهورة كالعجلوني في (كشف الخفاء) والحوت البيروتي في كتابه (الأحاديث المشكلة) وفي كتابه (أسنى المطالب) وغيرهما، كما أن من العلماء المعاصرين الذين حكموا على هذه الوصية بالوضع عبد العزيز الغماري العالم المغربي المشهور في كتابه (التهاني على موضوعات الصاغاني).

والخلاصة: أن هذه الصحيفة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم لشهادة بضع عشر محدثاً في بضع عشر مؤلفاً وبناءً على ذلك فهذان الحديثان موضوعان مكذوبان على النبي صلى الله عليه وسلم فقبح الله من وضعها ولعن الله من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

‌من رواسب الجاهلية حرص الأم على رؤية دم بكارة ابنتها بعد الزفاف

س: هناك عادات عند بعض الناس بعد الدخول على الزوجة تدخل أمها لترى دم ابنتها للتأكد من أن ابنتها شريفة؟

جـ: هذه من رواسب الجاهلية، وإلا فهذا الشيء ستره الله فلا ينبغي كشفه.

س: لو أن رجلاً دخل على زوجته فوجد أن بكارتها قد فضت، فماذا يعمل؟

جـ: الأفضل له أن يسترها أو يطلقها وترد له نصف المهر لأن مهر الثيب نصف مهر البكر.

‌تحريم تفضيل بعض الزوجات على بعض

س: ما قول العلماء في رجل متزوج بامرأتين ويفضل إحداهما على الأخرى ويقول للأخرى، إذا لم ترض بما يصنع فإنه سيفارقها؟

جـ: هذا لا يجوز والعدل بين الزوجات واجب بأدلة صحيحة من الكتاب منها قوله تعالى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}

(1)

وقوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى

(1)

النساء: آية (129)

ص: 98

فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}

(1)

والسنة منها حديث (إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ)

(2)

وحديث (كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا)

(3)

فكان يعدل في القسم بين نسائه صلى الله عليه وسلم ومن طيب أخلاقه أنه كان يجمع أمهات المؤمنين عند من هي في نوبتها لكي يجالسهن ويؤانسهن ويلاطفهن ويبعد عنهن الشعور بالوحدة والوحشة والبعد عن رسول الله في الليالي التي هو عند نسائه الأخريات، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ومن خرج سهمها اصطحبها معه في سفره صلى الله عليه وسلم كما في حديث (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ)

(4)

والإجماع.

‌تحريم الاعتقاد في أن صاحب قبر يستطيع أن يأتي بأولاد لمن لم تنجب أولاداً

س: بعض الناس يقول لمن لم يعش له أطفالا اشتر أولادك من أحد الأولياء من أجل أن لا يموتوا وهم صغار، فما هو حكم من يعتقد هذا الاعتقاد أو يدعو إلى هذا؟

جـ: اعلم أنني قد أجبت مراراً أن هذه الظاهرة ليست خاصة بأرض اليمن بل هي في اليمن أخف من غيره من أقطار العالم الإسلامي إلا القليل منهم وقليل ما هم وذلك أن العقيدة في القبور قد عم بها البلوى في أكثر الديار الإسلامية إلا من رحم الله ممن لم يعتقد في القبور وهم القليل من الناس فالعقيدة في السيد (عبد القادر الجيلاني) وفي (الإمام أبي حنيفة) و (الإمام الشافعي) والسيدة (زينب) والسيدة (نفيسة) والسيد (أحمد البدوي) والسيد (المرسي أبو العباس) و (الإمام علي بن موسى الرضي) وغيرهم من العلماء والأولياء لا ينكر أحد ممن قد شاهد ما يعمله الناس عند قبور هؤلاء من البدع والاستغاثة بهم ومناداتهم وطلب قضاء الحوائج منهم، وأنا قد شاهدت ما يعمله الناس عند قبر (المرسى أبو العباس) المقبور في (الاسكندرية) وعند قبر السيد (أحمد البدوي) في مدينة (طنطا) بالوجه البحري من الديار المصرية شاهدت ما يشمئز منه نفوس الموحدين وكذلك رأيت عند قبر السيدة (زينب) و (الإمام الحسين بن علي) ما تقشعر منه جلود المؤمنين بالله وحده وأخيراً نظرت

(1)

- النساء: آية (3)

(2)

سنن الترمذي: كتاب النكاح عن رسول الله: باب ما جاء في التسوية بين الضرائر. حديث رقم (1141) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ) صححه لألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1141).

أخرجه النسائي في عشرة النساء، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الرضاع: باب القسم بين الزوجات. حديث رقم (3613) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَجَاءَتْ زَيْنَبُ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: هَذِهِ زَيْنَبُ فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا، فَقَالَ: اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ عَائِشَةُ الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا وَقَالَ أَتَصْنَعِينَ هَذَا)

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الهبة وفضلها: باب هبة المرأة لغير زوجها. حديث رقم (2593) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

أخرجه مسلم في في التوبة، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الشهادات، الجهادوالسير.

ص: 99

بعيني عند قبر (الإمام علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن زين العابدين علي بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي) رضوان الله عنهم جميعاً في مدينة مشهد المعروفة بمركز محافظة خراسان بالديار الإيرانية أشياء ما كنتُ أصدقها لولا أنني شاهدت ذلك كله بعيني فإني وجدتهم يطوفون حول ضريح (الإمام على الرضا) رضوان الله عليه كما يطاف حول الكعبة ويقصدون هذا القبر كما يقصد المسجد الحرام ويمكثون في مدينة مشهد الأيام والأشهر والأسابيع في عدد ضخم لا يتصوره الإنسان حتى لقد بلغ عدد هؤلاء في بعض الأعوام ما يقرب من مليون ومأتي ألف وخمسين ألفا، على كل فالاعتقاد في القبور قد شمل الكثير من الأمصار الإسلامية ولم يخص اليمن وحدها وإن كان يوجد السذج والجهلة فيهم من يعتقد في (العيدروس) أو (ابن علوان) أو (المهدي) وغيرهم لكنها ليست هي الأرض الوحيدة التي قد يوجد فيها من المخرفين من يعتقد في القبور كما يتوهم البعض من المستفتين ومنهم صاحب هذا الاستفتاء، والإسلام لا يجوز أن يشتري أحد من صاحب القبر أولاداً إن كان الطالب عقيماً لا يوجد له ولد، ولا أن يطلب الإنسان الصحة والشفاء والعافية أو الحياة لأولاده إن كانوا يمرضون أو يموتون صغاراً، وهكذا لا يجوز الإسلام للمسلم أن يستغيث بالمخلوق عند الشدائد ولا أن يطلب منه قضاء الحاجة عند الملمات ولا أن يسأل أيَّ شئ مما لا يسأل عنه غير الله سبحانه وتعالى، بل يطلب الإسلام من المسلم أن يسأل الله سبحانه وتعالى وأن يعمل وأن يدعو الله في الرخاء وفي الشدة أيَّ حاجة من حوائج الدنيا أو الآخرة وليقل كما قال نبي الله يونس عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام وهو في بطن الحوت والحوت في خضم البحر في الليل المظلم حيث قال {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}

(1)

كما قال الله عز وجل ونادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين والمراد بالظلمات هي الظلمات الثلاث ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل كما قال علماء التفسير رحمهم الله جميعاً قال الله تعالى {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}

(2)

فمن كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يجوز له شرعاً أن يعتقد أن صاحب القبر قادر على أن يجعل العقيم ولوداً.

لقد ناديت لو أسمعت حياً

ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو ناراً نفخت لها أضاءت

ولكن أنت تنفخ في رماد

‌جواز الزواج بالزوجة الثانية دون علم الزوجة الأولى

س: رجل تزوج على زوجته في السر ولم يخبرها بذلك فهل عليه إثم وهل يكون قد غشها؟

جـ: قانون الأسرة اليمني يمنع من ذلك، أما الفقهاء المتقدمون فلم يمنعوا من ذلك لقوله تعالى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}

(3)

.

(1)

- الأنبياء: آية (87).

(2)

- الأنبياء: آية (88).

(3)

- النساء: آية (3).

ص: 100

‌تحريم إخفاء الزوجة عن زوجها بعض الأمور المتعلقة بشؤون بيت الزوجية

س: بما أن الكذب يحل بين المرأة وزوجها لتجنب المشاكل فهل إخفاء بعض الأمور وعدم تبليغ الزوج لتجنب المشاكل يدخل في هذا الإطار؟

جـ: النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على الكذب على الزوج من الزوجة وعلى هذا فلا يجوز لها أن تخفي لحديث (وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)

(1)

وحديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)

(2)

.

‌جواز تقبيل الرجل ثدي المرأة

س: شخص قبل امرأته في ثديها وتحت السرة؟

جـ: لا مانع.

‌وجوب أمر الزوجة زوجها بالمعروف ونهيه عن المنكر بحسب الاستطاعة

س: زوجي مريض لا يصلي ولا يصوم مع أنه يقدر على ذلك، وأنا أنصحه دائما فأنا معه في خصام من أجل ذلك، فهل أنا آثمة عندما أكون في حالة شديدة من الغضب والصياح بهذا الأمر؟

جـ: حاولي النهي عن المنكر باللسان بحسب المستطاع لقوله تعالى {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}

(3)

ولحديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)

(4)

. وتوسطي بأقاربه وأصدقائه من الناس الذين يحبون فعل الخير.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب: باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله. حديث رقم (4721) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).

أخرجه الترمذي في البر والصلة عن رسول الله، وأبو داود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: البر والصلة والآداب.

معاني الألفاظ: البر: كلمة جامعة لأبواب الخير.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة المنافق. حديث رقم (32) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان عن رسول الله، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الشهادات، الوصايا، الأدب.

معاني الألفاظ: الآية: العلامة والدليل والبرهان. أخلف: نقض وعده.

(3)

- لقمان: آية (17)

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان النهي عن المنكر من الإيمان. حديث رقم (175) بلفظ (عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ وَهَذَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَقَالَ قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ فَقَالَ أَبُو سَعِيد: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ).

أخرجه البخاري في الجمعة، والترمذي في الفتن، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 101

‌استحسان طاعة الزوجة لأقارب زوجها

س: هل فرض الإسلام طاعة الزوجة لوالدي زوجها؟

جـ: لا، لكن من باب حسن العشرة وتقربا للزوج، ومن باب الإحسان إليهما وإلى الزوج لقوله تعالى {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}

(1)

‌تحريم لعن الزوجة والإساءة لها

س: ما رأيكم في رجل يلعن زوجته أكثر من مرة؟

جـ: هذا حرام، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ وَلَا الطَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ)

(2)

وفي الحديث الصحيح (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)

(3)

والحديث الصحيح (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) ولاسيما الزوجة التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم خيرافي حديث (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)

(4)

‌وجوب تزين كل واحد من الزوجين للآخر

س: كيف ينظر الشرع للمرأة وظهورها أمام زوجها بالمنظر الحسن والتزين له وماذا على الجانب الآخر، هل يجب على الرجل التجمل واللباس من أجل الزوجة؟

جـ: يجب على كل واحد من الزوجين التزين للآخر، وكما يجب على الزوجة التزين للزوج كذلك يجب على الزوج التزين لزوجته فلا يستمر الجزار بلبس المجزرة ولا العصار الذي يعصر السليط بلبسه حال عصر السليط ولا عامل الطين باللبس المملوء ترابا وغبارا أو عليه آثار الطين اليابس لقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(5)

وقوله تعالى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(6)

ولحديث (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)

(1)

- البقرة: آية (195)

(2)

مسند الإمام أحمد: مسند عبد الله بن مسعود: حديث رقم (3947) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ وَلَا الطَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ).

أخرجه الترمذي في البر والصلة.

أطراف الحديث: مسند باقي المكثرين.

معاني الألفاظ: الفاحش: البذيء والمتصف بسوء الخلق.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. حديث رقم (9) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأبوداود في الجهاد، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في الرقاق.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب أحديث الأنبياء: باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته. حديث رقم (2084) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)

أخرجه مسلم في الأيمان، والترمذي في الطلاق، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

(5)

-النساء: آية (19).

(6)

- البقرة: آية (228).

ص: 102

تحريم سهر الزوج في المعاصي

س: زوجي يتأخر الى آخر الليل في المعاصي وقبل الفجر يأتيني ولا أمكنه من نفسي بسبب سهره في المعاصي، فما الواجب على كلانا الزوج والزوجة؟

جـ: هو غالط إن صح وأنت غالطة إن صح أنك تمتنعين من تمكينه من الاتصال الجنسي الذي أحله الله وأمر المرأة بطاعة زوجها إذا طلبها لقضاء شهوته عند الحاجة كما في حديث (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ)

(1)

وحديث (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ)

(2)

وعليك الامتثال لأمره مع نصحه وإرشاده الى الحق ونهيه عن كل باطل، والسعي بواسطة أهل الخير والمحبين للإصلاح أن يصلح نفسه ولا يظلم زوجته.

(1)

سنن الترمذي: كتاب الصلاة: بَابُ مَا جَاءَ مَنْ أَمَّ قَوْماً وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ. حديث رقم (328) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (360).

انفرد به الترمذي.

معاني الألفاظ: تجاوز: لا تقبل ولا ترفع إلى الله.

الآبق: العبد الذي يهرب.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها. حديث رقم (4897) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ).

أخرجه مسلم في النكاح، وأبو داود في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: بدء الخلق، النكاح.

ص: 103

الباب الرابع: الولد للفراش

• لا ينسب إلى الزاني مولود

• الشريعة لا تعترف بالفحوصات الطبية في باب النسب

• تحريم اعتماد نتائج الفحوصات الطبية في إثبات انتساب الولد لأبيه

• من جامع امرأة غير زوجته على جهة الغلط فيسقط عنه حد الزنا بالشبهة

• وجوب تعزير من قبَل امرأة أجنبية

• إمكان الوطء كافٍ في انتساب الولد إلى الزوج

• ينسب ولد التلقيح الصناعي إلى أمه

• آراء العلماء في حكم التلقيح الصناعي

• يعزر الشركاء إذا اشتركوا في وطء الأمة في طهر واحد

• لا يجوز وطء الجارية المشتركة

• تحريم انتساب الإنسان إلى غير أبيه لمصلحة دنيوية

ص: 104

‌الباب الرابع: الولد للفراش

س: ما معنى لفظة (وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر) التي في حديث (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر)

(1)

؟

جـ: العاهر: هو الزاني. وللعاهر الحجر أي التراب ولا ينسب له الولد.

‌لا ينسب إلى الزاني مولود

س: إذا زنى شاب بشابة فبمن يلحق هذا الولد؟ وهل ينسب إلى أبيه الزاني؟

جـ: لا ينسب إلى الزاني أبداً ويكون ابن زنا.

س: ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ)

(2)

كيف تحتجب منه وهي عمته؟

جـ: هي عمته في الظاهر، والنبي صلى الله عليه وسلم عمل بالأحوط.

‌الشريعة لا تعترف بالفحوصات الطبية في باب النسب

س: إذا شك شخص في الولد الذي حملت به زوجته هل هو منه أم من الزنا، فهل يجوز له أن يذهب إلى مختبر الدم لفحص فصيلته؟

جـ: لا، الشريعة لا تعترف بالفحوصات، ولكن له أن يلاعن الزوجة عند القاضي الشرعي، وينفي نسب الولد إليه، لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ

مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ

مِنَ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الفرائض: باب الولد للفراش حرة كانت أو أمة. حديث رقم (2105) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَالَ: ابْنُ أَخِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، ثُمَّ قَالَ: لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم احْتَجِبِي مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ).

أخرجه مسلم في الرضاع، والنسائي في الطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، الخصومات، العتق، الوصايا، المغازي، الفرائض، الحدود، الأحكام.

معاني الألفاظ: اختصم: احتكم.

للفراش: لصاحب الفراش وهو الزوج. العاهر: الزاني.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الفرائض: باب الولد للفراش حرة كانت أو أمة. حديث رقم (2105) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِه، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ، فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ).

أخرجه مسلم في الرضاع، والنسائي في الطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، الخصومات، العتق، الوصايا، المغازي، الفرائض، الحدود، الأحكام.

معاني الألفاظ: اختصم: احتكم.

للفراش: لصاحب الفراش وهو الزوج. العاهر: الزاني.

ص: 105

الصَّادِقِينَ}

(1)

‌تحريم اعتماد نتائج الفحوصات الطبية في إثبات انتساب الولد لأبيه

س: هل حكم إثبات انتساب الولد لأبيه بالفحوصات الطبية مثل القيافة؟

جـ: لا يجوز.

‌من جامع امرأة غير زوجته على جهة الغلط فيسقط عنه حد الزنا بالشبهة

س: إذا غلط رجل ودخل بامرأة غير زوجته فما الحكم؟

جـ: إذا غلط الرجل وجامع امرأة غير زوجته على جهة الغلط ظناً منه أنها زوجته فهو شبهة يسقط عنه حد الزنا ولكن لا يجوز لزوجها أن يطأها حتى تحيض حيضة خوفاً أن تكون قد حملت من الرجل فإذا ظهر حملها من الرجل فلا يجوز لزوجها أن يجامعها حتى تلد، وينسب الولد إلى الرجل المجامع على جهة الغلط ولا عقاب عليه لكن العقاب على من تسبب في الغلط.

‌وجوب تعزير من قبَل امرأة أجنبية

س: رجل قبّل امرأة ولاعبها وأخرج ما في جوفه في جسمها ولكنه لم يدخل الميل في المكحلة فهل يكون زانيا؟

جـ: يسمى آثما لا زانيا وعليه التوبة النصوح لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(3)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(4)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(5)

والحاكم يعزره ولا حد عليه بل التعزير.

(1)

- النور: (6 - 9)

(2)

- التحريم: آية (8)

(3)

- البقرة: آية (222)

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(5)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

ص: 106

‌إمكان الوطء كافٍ في انتساب الولد إلى الزوج

س: إذا ولد للإنسان ولد مع أنه كان مسافراً، فهل ينسب إليه؟

جـ: إذا كان الزوج قد أمكنه الوطء فينسب إليه لأن إمكان الوطء كافٍ في إلحاق الولد بالزوج، وامكان الوطء: هو أن تمضي مدة بعد العقد وقبل الزفاف يمكن للزوج أن يطأ الزوجة فيه، فلو وقع العقد في الصباح وسافر بعد الظهر وظل غائباً مدة سنة أو أكثر فولدت المرأة فإن الولد ينسب إليه، لإمكان الوطء.

‌ينسب ولد التلقيح الصناعي إلى أمه

س: اختلف علماء العصر في الولد في باب التلقيح الصناعي الذي يعملونه الآن، وهو أن يأخذوا من الحيوانات المنوية لامرأة وحيوانات منوية لرجل فلمن ينسب هذا الولد للرجل الذي تخلق من مائه أو للمرأة التي زرع في رحمها وحبلت به تسعة اشهر فولدت به، ثم اختلفوا هل يجوز التلقيح الصناعي أو لا يجوز؟

جـ: أجاب العلماء: أنه إذا كان مني الرجل لوحده ومني المرأة لوحدها. والآلة التي استخدمت نظيفة من أيِّ مني آخر فيجوز، وقال بعض العلماء ومنهم شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت: لا يجوز التلقيح الصناعي وهو زنا في شكل آخر لأن الغالب أن التلقيح الصناعي لا يكون إلا إذا كان الزوج عقيماً فيوضع مني في رحمها من رجل آخر ولذلك الغالب فيمن يلقح تلقيحاً صناعياً أن يأتي لون الولد مخالف للون أبيه أو جده أو أعمامه أو أخواله لأنه من شخص آخر بعيد عنهم، والشيخ علي الطنطاوي ينسبه إلى أمه التي ولدته لقوله تعالى {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ}

(1)

‌آراء العلماء في حكم التلقيح الصناعي

س: سمعنا أن بعض الأطباء في أوروبا وأمريكا قاموا بعملية التلقيح الصناعي وسمعنا عن استئجار رحم بعض النساء ليتم فيها نمو الجنين في المدة المعروفة للحمل فما قول العلماء في هذا وهل هو جائز أم غير جائز؟

جـ: هذا التلقيح على صفات وأساليب فبعض هذه الأساليب حرام وبعضها جائزة.

الأسلوب الأول: هو أن تأخذ النطفة من رجل وتحقن في الموقع المناسب من زوجة رجل آخر حتى يقع التلقيح داخلياً في الرحم ويلجأ لهذا لأسلوب حينما يكون الزوج عقيماً لا بذره في مائه فيأخذون النطفة الذكرة من غيره وهذا حرام عند العلماء لأن النطفة نطفة زوج أجنبي ليس بزوج لهذه المرأة.

الأسلوب الثاني: هو أن يجري تلقيح خارجي في أنبوبة الاختبار بين نطفة مأخوذة من زوج وبويضة مأخوذة من مبيض امرأة ليست زوجته يسمونها متبرعة ثم توضع اللقيحة في رحم زوجته ويلجأون لهذا الأسلوب عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلاً أو معطلاً ولكن رحمها سليم قابل لوضع اللقيحة فيه وهذا أيضا حرام لأن الزوجة ليست زوجة الرجل المذكور.

الأسلوب الثالث: هو أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب اختبار بين نطفة رجل وبويضة امرأة ليست زوجة له يسمونهما متبرعين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى متزوجة ويلجأون إلى ذلك حينما تكون المرأة المتزوجة التي زرعت اللقيحة فيها عقيماً لسبب تعطيل مبيضها لكن رحمها سليم وزوجها أيضا عقيم ويريدان ولداً.

(1)

- سورة المجادلة: آية (2).

ص: 107

الأسلوب الرابع: أن يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بذرتي زوجين ثم تزرع في رحم امرأة تتبرع بحملها ويلجأون إلى ذلك حيث تكون الزوجة غير قادرة على الحمل بسبب في رحمها ولكن مبيضها سليم منتج أو تكون غير راضيه في الحمل ترفها فتتطوع امرأة أخرى بالحمل عنها وهذا غير جائز لأن المتطوعة بالحمل ليست زوجة للزوج، أما إذا كانت المتطوعة زوجة أخرى للزوج فلا مانع من ذلك كما سيأتي.

الأسلوب الخامس: أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج وتحقن في الموقع المناسب داخل مهبل زوجته أو رحمها حتى تلتقي النطفة التقاءً طبيعياً بالبويضة التي يفرزها مبيض زوجته ويكون التلقيح بينهما ثم العلوق بجدار الرحم بإذن الله كما في حالة الجماع وهذا الأسلوب يلجأون إليه إذا كان في الزوج قصور بسبب ما عن إيصال مائه في المواقعة إلى الموضع المناسب وهذا جائز لأن لماء ماء الزوج والبيضة من مهبل أو مبيض زوجته والرحم رحم امرأته فهو مثل الاتصال الجنسي بين الزوج وزوجته بشرط التحري.

الأسلوب السادس: أن نأخذ نطفة من زوج وبيضة ميبض زوجته فتوضعا في أنبوب اختبار طبي بشروط فيزيائية معينه حتى تلقح نطفة الزوج بيضة زوجته في وعاء الاختبار ثم تأخذ اللقيحة في الانقسام والتكاثر في أنبوب الاختبار ثم تؤخذ إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البيضة لتعلق في جداره وتنمو وتتخلق ككل جنين ثم في نهاية مدة الحمل الطبيعية تلده الزوجة طفلاً أو طفلة،

وأما ما ذكرنا من التلقيح الحلال فلا ينبغي للمسلمة أن تعمله إلا للضرورة القصوى.

‌يعزر الشركاء إذا اشتركوا في وطء الأمة في طهر واحد

س: إذا اشترك ثلاثة شركاء في وطء أمة في طهر واحد، فما عقوبتهم؟

جـ: يعزرون تعزيراً ولا يحدون لأن لكل منهم شبهة ملك في الأمة.

‌لا يجوز وطء الجارية المشتركة

س: إذا كانت جارية مشتركة بين أكثر من شخص فهل يجوز لهم أن يطئوها؟

جـ: لا يجوز شرعاً وطء الجارية المشتركة بين أكثر من مالك، ولكن تبقى مشتركة للخدمة، تخدم كل واحد أسبوعا أو شهراً بحسب ما يتفقون عليه.

س: إذا كان الشركاء في الأمة شريكان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة ووطئوها كلهم في طهر واحد. فكيف يترادون الدية؟

جـ: إذا كانا اثنين فيقرع بينهما وتكون لمن يخرج له السهم ويدفع للآخر نصف الدية، وإن كانوا ثلاثة فيدفع من خرج له السهم ثلثي دية وإن كانوا أربعة فيدفع للثلاثة الآخرين ثلاثة أرباع الدية وإن كانوا خمسه فيدفع للآخرين أربعة أخماس الدية وإن كانوا عشره فيدفع من خرج له السهم تسعة أعشار الدية وهكذا.

س: كيف جاز للمشتركين في الجارية أن يطأها كل واحد منهم في القصة التي حكم فيها علي بن أبي طالب في اليمن بأن يقرع بينهم ومن خرجت له يعيد لشريكيه ثلثي الدية لكل واحد ثلث الدية؟

جـ: لعل هذه القصة وقعت وهم في الجاهلية قبل إسلامهم حيث وطأها كل واحد منهم كما في حديث (أُتِيَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِثَلَاثَةٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ اثْنَيْنِ أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟ قَالَا: لَا، حَتَّى

ص: 108

سَأَلَهُمْ جَمِيعًا فَجَعَلَ كُلَّمَا سَأَلَ اثْنَيْنِ قَالَا: لَا، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالَّذِي صَارَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ)

(1)

، لأنهم كانوا في الجاهلية قبل أن يسلموا ولم تلد إلا وقد أسلموا.

س: إذا وقع أن وطأ كل مشترك في الجارية فأتت بولد، فلمن يكون؟

جـ: يستهم الشركاء عليه ومن يخرج السهم له يعطي الآخرين بقية الدية مثلما وقع في حكم علي بن أبي طالب في قصة الجارية المشتركة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ علي بن أبي طالب في حكمه وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة كقوله وفعله صلى الله عليه وسلم لكن إذا كانوا قد عملوا هذا العمل وهم مسلمون فيعزرون.

س: إذا وطأ جارية ثلاثة أشخاص في أطهار مختلفة، لمن يكون الولد؟

جـ: لمن وطأها في الطهر الأخير.

س: إذا أراد شخص أن يتبنى ولداً من الأولاد اللقطاء المرميين في الكراتين أو في القمامات، فهل يجوز أن ينسب الولد إلى من يتبناه؟

جـ: لا يجوز التبني الحقيقي، وإنما يجوز التربية فقط لأن الله عز وجل يقول {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}

(2)

وكذلك البنت المتبناة لا يجوز لمن يربيها أن يعقد بها عقد النكاح لأنه ليس الولي الشرعي لها، وإنما الولي الشرعي لها هو القاضي الشرعي المتولي في المنطقة، ويجوز للقاضي أن يوكل الشخص المتبني لها ليعقد بها بالوكالة عن القاضي الشرعي، أما التبني الحقيقي في الإسلام فهو محرم، فيقول قد زوجتك فلانة التي ربيتها بالوكالة عن القاضي الشرعي.

س: هل يجوز لمتبني اللقيطة أن يتزوج بها؟

جـ: إذا لم ترضع البنت لا من زوجته ولا من ابنته ولا من زوجة ابنه ولا من أمه ولا أخته، ولا من غيرها من المحارم فيجوز له الزواج بها، ويعقد له بها القاضي الشرعي، أما إذا رضعت من زوجته فهو أبوها من الرضاع ومن ابنته فهو جدها من الرضاع ومن زوجة ابنه فهو جدها من الرضاع ومن أمه فهو أخوها من الرضاع ومن أخته فهو خالها من الرضاع، وهكذا وهلم جراً وعلى هذه فقس.

س: إذا عقد الشخص لنفسه باللقيطة التي رباها، فهل العقد صحيح؟

جـ: لا يصح أن يعقد الشخص الملتقط باللقيطة لنفسه لأنه ليس ولياً لها، وإنما وليها القاضي الشرعي المتولي

(1)

سنن أبي داوود: كتاب الطلاق: باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد. حديث رقم (2269) بلفظ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِثَلَاثَةٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ اثْنَيْنِ أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟ قَالَا: لَا، حَتَّى سَأَلَهُمْ جَمِيعًا فَجَعَلَ كُلَّمَا سَأَلَ اثْنَيْنِ قَالَا: لَا، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالَّذِي صَارَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود برقم (2269).

أخرجه النسائي في الطلاق، وابن ماجة في الأحكام.

أطراف الحديث: الطلاق.

معاني الألفاظ: نفر: الفرد الواحد. وقعوا: كناية عن الجماع. غليا: من غلت القدر أي صاحا. متشاكسون: مختلفون متنازعون.

النواجذ: الأنياب. وقيل الأضراس.

(2)

الأحزاب: آية (5).

ص: 109

من الدولة في المنطقة.

‌تحريم انتساب الإنسان إلى غير أبيه لمصلحة دنيوية

س: رجل له ولد عمره (13) سنة يريد إدخاله إلى السعودية للعمل هناك لكن هذا السن غير مسموح له بالدخول إلى السعودية للعمل وهو ما اضطر الأب إلى نسب ابنه إلى الرجل الذي سيعمل عنده هناك وإلى زوجته بدلاً عن أمه الحقيقية، وإذا سأله أحد في السعودية عن اسمه يجيبهم بالاسم الثلاثي للرجل صاحب العمل، فهل هذا جائز أم لا؟

جـ: لا يجوز هذا حرام لحديث (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا)

(1)

ولحديث (وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)

(2)

وحديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)

(3)

.

(1)

صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب قول النبي من غشنا فليس منا. حديث رقم (146) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا).

أخرجه ابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب: باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله. حديث رقم (4721) بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا.

أخرجه الترمذي في البر والصلة عن رسول الله، وأبو داود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: البر والصلة والآداب.

معاني الألفاظ: البر: كلمة جامعة لأبواب الخير.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة المنافق. حديث رقم (32) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان عن رسول الله، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الشهادات، الوصايا، الأدب.

معاني الألفاظ: الآية: العلامة والدليل والبرهان. أخلف: نقض وعده.

ص: 110

الباب الخامس: مسائل متفرقة في النكاح

• آراء العلماء في حكم العادة السرية

• جواز العادة السرية لمن خاف على نفسه الوقوع في الحرام

• حكم العادة السرية من النساء حكمها من الرجال

• الفرق بين تحريم الزنا والعادة السرية

• جواز الزواج بمن صحت توبته من ذنوبه السابقة

• جواز التوسط إلى الوالدين للموافقة على الزواج بمن يرغب بها الولد

• جواز التصفيق للنساء في الصلاة

• الأولى ترك المحجرة في المناسبات

• كراهة التصفيق والصفير في حفلات الأعراس

• تحريم اظهار المرأة بعض أجزاء جسمها أمام النساء في صالات الأعراس

• وجوب احتجاب النساء من الشباب المميزين

• تحريم جماع الرجل زوجته في غرفة ينام معهما فيها الأقارب

• نهي الزوجة زوجها عن المنكر باللسان

• تحريم خلوة الرجل بزوجة أخيه أو النظر إليها

• كذب حديث (من نكح يده جاء يوم القيامة وهي حبلى من الزنى)

• الأصل البكار ةوعلى مدعي الثيوبية البرهان

• تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ولا توجد ضرورة لمصافحتها

• تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ولو كانت كبيرة في السن

• تحريم مصافحة زوجة الأخ

• تحريم مصافحة المرأة زوج خالتها

• شبهة مصافحة المرأة للرجل مع وجود حائل

• تحريم استرقاق المرأة الحرة وجواز الزواج بها

• وجوب طلب العفو المسامحة من الزوجة التي كان يضربها قبل الطلاق

• استحباب المسامحة في العفو عن من أساء

• قراءة الفاتحة في حفلات الأعراس والموت لم يرد به حديث صحيح

• جواز خروج المرأة في القرية أو المدينة لعملها الضروري بدون محرم

• خرافة الزواج بالجنية

• التبرع بالدم لامرأة لا يمنع عقد النكاح بها

ص: 111

• حصول زيادة حمل المرأة عن تسعة أشهر نادرا

ص: 112

‌الباب الخامس: مسائل متفرقة في النكاح

‌آراء العلماء في حكم العادة السرية

س: ما رأيكم في من يمارس العادة السرية من شباب الإسلام؟

جـ: اختلف أهل العلم في حكم العادة السرية على أقوال:

القول الأول: التحريم. القول الثاني: الإباحة.

القول الثالث: أن من صام ولم ينفعه الصيام من شدة الشهوة جازت له العادة المذكورة وإلا فلا لحديث (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)

(1)

.

القول الرابع: أن عليه أن يتركها إلا إذا كان الترك سيؤدي إلى دخوله في الفاحشة فلا مانع له من الممارسة لها للضرورة.

‌جواز العادة السرية لمن خاف على نفسه الوقوع في الحرام

س: هل العادة السرية حرام عند الرجال وما حكمه؟

جـ: قيل إنها مباحة، وقيل إنها حرام، وقيل إنها مكروهة، وقيل إن كان قد صام ولم تخف شهوته فهي مباحة وإن لم يكن قد صام فهي غير مباحة، وقيل إنها شبه من الشبهات لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ)

(2)

.

‌حكم العادة السرية من النساء حكمها من الرجال

س: ما حكم العادة السرية من النساء؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة. حديث رقم (5066) بلفظ (عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَخَلَوَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الصوم.

معاني الألفاظ: الباءة: تكاليف الزواج والقدرة عليه.

الوجاء: الوقاية والمنع من الوقوع في الزلل.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

ص: 113

جـ: حكمها من الرجال لحديث (إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)

(1)

.

‌الفرق بين تحريم الزنا والعادة السرية

س: هل مر تكب العادة السرية مثل من زنى هل هما في درجة واحدة في الذنب، وما حكمهما أصلاً؟

جـ: كلا وألف كلا فالزنا محرم تحريما قطعيا ومن الكبائر المحرمة بالأدلة القطعية من الكتاب منهاقوله تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}

(2)

وقوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

(3)

والسنة والإجماع ومرتكب الزنا عاص مجرم، أما العادة السرية فقيل هي مباحة، وقيل محرمة تحريما ظنياً، وهي عند من حرمها من صغائر الذنوب لا من كبائرها.

‌جواز الزواج بمن صحت توبته من ذنوبه السابقة

س: أنا فتاة أعمل موظفة عمري (37) سنة وأحببت رجلاً أصغر مني بست سنين رغم علمه بعملي وهو يحبني ويريد الزواج مني ولكن ماضيه ككل الشباب أسود ولكنه تاب وفتح الله عليه ويريد الاقتران مني، ولكن أمي رافضة لسمعته السابقة رغم إصراري على موافقتها إلا أنها تصر على الرفض، وحاولت بكل الطرق وقد بدأت أكره أمي وأدعو عليها بأن يحرمها الله من الجنة كما حرمتني من الزواج بمن أحب، قولوا لي هل هذا عقوق؟ وما الذي يجدر بي أن أفعل؟

جـ: لا تدعي على أمك ولكن توسطي بمن يحب فعل الخير والإصلاح بين الناس من الرجال الخيرين الصالحين ومن النساء الخيرات الصالحات إلى عند أمك ينصحون هذه الأم بأن لا تتدخل في مثل هذا الزواج مهما صح أن هذا الرجل الخاطب الراغب في الزواج قد تاب توبة خالصة كما في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(4)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(5)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(1)

سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب في الرجل يجد البلة في منامه. حديث رقم (204) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا، قَالَ: يَغْتَسِلُ، وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ، قَالَ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ، أَعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) حسنة الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (236) إلا قول أم سليم (المرأة ترى).

أخرجه الدارمي في الطهارة.

معاني الألفاظ: الشقائق: النظائر والأمثال كأنهن شققن منهم.

(2)

- الإسراء: آية (32)

(3)

- النور: (2)

(4)

- التحريم: آية (8)

(5)

- البقرة: آية (222)

ص: 114

فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(1)

لأن التوبة تهدم ما قبلها وتجب ما كان قد سبقها من الذنوب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه (أما علمت يا عمرو أن التوبة تهدم ما قبلها) وقد أجمع المسلمون على أن التوبة تهدم ما قبلها وأن باب التوبة مفتوح، وإن على الأم أن تعين ابنتها على طاعتها فتسهل لها الزواج بمن تحب البنت أن تتزوج به مهما صح أنه قد أصبح كفواً في الدين ويقولون لها أن ما للمرأة إلا الزواج ولا سيما وقد بلغت سنها (37) عاماً، وهكذا تستمر في الوساطة بالأقارب والأصدقاء والجيران وأهل الخير مرات عديدة حتى تقتنع الأم المعارضة.

‌جواز التوسط إلى الوالدين للموافقة على الزواج بمن يرغب بها الولد

س: أنا شاب أريد الزواج من إحدى الفتيات لكن أبي وأمي رافضين أن أتزوج من هذه الفتاة حتى أن أمي حلفت أني لن أتزوجها ما دامت تعيش، وأنا مصر على ما أريد، فماذا أفعل؟ وهل يعتبر هذا من عقوق الوالدين؟

جـ: هذه المسألة تحتاج إلى أن تتوسط إلى الوالدين بأحد الأقارب والأصدقاء من النساء والرجال الذين يحبون فعل الخير والإصلاح بين الناس ويقولون لهم رحم الله امرأ أعان ولده على طاعته.

‌جواز التصفيق للنساء في الصلاة

س: هل يجوز تصفيق النساء في المدارس والأعراس؟

جـ: لا مانع في الصلاة إذا غلط الإمام لحديث (مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ؟! مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْه، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ)

(2)

.

(1)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2498).

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الأذان: باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإما م الأول. حديث رقم (684) بلفظ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُك؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ؟! مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْه، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ).

أخرجه مسلم في الصلاة، والنسائي في الإمامة، وأبوداود في الصلاة، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في إقامة الصلاة، والدارمي في الصلاة.

أطراف الحديث: الجمعة، الصلح.

معاني الألفاظ: حانت: دخل وقتها. تخلص: تجاوز وتخطى. بين يدي: أمام. رابه: الريب، الشك و التردد.

ص: 115

س: ما حكم زغردة النساء عند دخول العروسة بيت العريس؟

جـ: عادة لكنها غير جائزة.

‌الأولى ترك المحجرة في المناسبات

س: ماحكم المحجرة (الزغردة) من النساء في المناسبات؟

جـ: لا لزوم لها.

‌كراهة التصفيق والصفير في حفلات الأعراس

س: ما الحكم فيما يفعله بعض الناس في الحفلات والأعراس من التصفيق والصفير؟

جـ: التصفيق من تقليد النصارى الأوربيين، والصفير من تقليد العرب قبل الإسلام في أيام الجاهلية، والتشبه بالكافرين حرام لحديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)

(1)

وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا)

(2)

.

س: هل يجوز اصطحاب الفرقة الغنائية الرجالية في الأعراس النسائية والتي أصبحت من الضروريات في وقتنا الحاضر؟

جـ: لا ضرورة لذلك أبدا، والغناء من حيث هو قيل: محرم، وقيل: مباح، وقيل: إنه شبهة وفي الحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ)

(3)

.

‌تحريم اظهار المرأة بعض أجزاء جسمها أمام النساء في صالات الأعراس

س: ما حكم إظهار النساء صدورهن وساقيهن ومفاتنهن وبعض افخاذهن بحجة الموضة في صالات الأعراس النسائية؟

(1)

- سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب في لبس الشهرة. حديث رقم (3512) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) قال عنه الألباني في صحيح أبي داود رقم (4031) بأنه (حسن صحيح).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الاستئذان والأدب: باب ماجاء في كراهية الإشارة باليد في السلام. حديث رقم (3619) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2695).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

ص: 1

جـ: التشبه بالكافرات حرام وإظهار الأفخاذ حرام لحديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا).

‌وجوب احتجاب النساء من الشباب المميزين

س: في مواسم الأفراح يحدث أن يدخل الصبيان الى قاعات النساء فما هو سن الطفل الذي تحتجب منه النساء هو التمييز أم البلوغ؟

جـ: سن التمييزلحديث (وَفَرّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجعِ)

(1)

.

‌تحريم جماع الرجل زوجته في غرفة ينام معهما فيها الأقارب

س: رجل وزوجته ينامان في غرفة وتنام معهم فيها خالة زوجته، فما الحكم؟

جـ: هي أجنبية عنه وليست من محارمه.

‌نهي الزوجة زوجها عن المنكر باللسان

س: زوجي مريض لا يصلي ولا يصوم رغم مرضه إلا أني أشعر أنه يستطيع الصلاة والصيام ونحن في خصام دائم على الصلاة والصيام فهل أنا آثمة عند ما أكون في حالة شديدة من الغضب والصياح معه لهذا الأمر؟

جـ: حاولي النهي عن المنكر باللسان بحسب المستطاع لقوله تعالى {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}

(2)

ولحديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)

(3)

وتوسطي بأقاربه وأصدقائه من الناس الذين يحبون فعل الخير

‌تحريم خلوة الرجل بزوجة أخيه أو النظر إليها

س: ما حكم الشرع في الحمو هل يجوز للمرأة الظهور على أخو الزوج؟

جـ: لايجوز لحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ)

(4)

ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا

(1)

- سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب متى يؤمر الغلام بالصلاة. حديث رقم (494) بلفظ (عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أَبِيهِ عن جدّهِ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَوْلَادَكُم بالصّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سبْع سنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ سنينَ، وَفَرّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجعِ) قال الألباني عن الحديث بأنه (حسن صحيح).

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

(2)

- لقمان: آية (17)

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان النهي عن المنكر من الإيمان. حديث رقم (175) بلفظ (عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ وَهَذَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَقَالَ قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ فَقَالَ أَبُو سَعِيد: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ).

أخرجه البخاري في الجمعة، والترمذي في الفتن، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(4)

صحيح البخاري: كتابالجهاد والسير: باب من التتب في جيش وخرجت امرأته حاجة. حديث رقم (2784) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ)، يقال هو أخو الزوج كأنه كره له أن يخلو بها.

أخرجه مسلم في السلام، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الاستئذان.

ص: 2

رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ)

(1)

فلا يجوز لها النظر ولا يجوز لها الخلوة به، وقد قال الله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

(2)

س: شاب متزوج من أسرة متدينة يتصل بأخوات زوجته ويتكلم معهن لمدة طويلة فهل عليه إثم رغم أن الكلام لا يخرج عن الشرع؟

جـ: إذا كان ليس فيه حب ولا عشق ولا هيام ولا مواعدة ولا ضحك ولا مزاح ولا تلميح وإنما هو كلام جدي محض وحديث عادي خالص فلا مانع وأن الأحوط والأحسن والأفضل تركه لأنه ربما يحصل به تهمة وترك موضع التهمة واجب والوقوف موقف التهم حرام لحديث (إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ)

(3)

وأنا أنصح بالترك ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وقدجاء في الحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ).

‌كذب حديث (من نكح يده جاء يوم القيامة وهي حبلى من الزنى)

س: (من نكح يده جاء يوم القيامة وهي حبلى من الزنى) هل هذا حديث؟

جـ: هذا الحديث موضوع.

‌الأصل البكارة وعلى مدعي الثيوبية البرهان

س: رجل تزوج أمرأة ثم دخل بها ثم بعد أيام قليلة إدعى أنها لم تكن بكراً وهي تنكر وتقول: أن بكارتها قد زالت بوطئه وليس عندها بينة وسيترتب على هذا تلويث سمعتها وسمعت أهلها فما الحكم؟

جـ: الأصل البكارة وعلى من ادعى أنها ثيب البرهان.

‌تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ولا توجد ضرورة لمصافحتها

س: ما هي الضرورة التي تبيح للشخص أن يصافح المرأة الأجنبية؟

جـ: لا ضرورة تستدعي المصافحة، ولم يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط كما في حديث (وَلَا

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الرضاع: باب ماجاء في كراهية الدخول على المغيبات. حديث رقم (1091) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (1171).

أخرجه مسلم في السلام، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الاستئذان.

معاني الألفاظ: الحمو: أقارب الزوج من غير أبائه وأبنائه.

(2)

- الأحزاب: آية (53)

(3)

صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق: باب صفة إبليس وجنوده. حديث رقم (3211) بلفظ (عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي يَقْلِبُنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا أَوْ قَالَ شَيْئًا).

أخرجه مسلم السلام، وأبو داود في الصوم، الأدب، وابن ماجة في الصيام، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الصوم.

أطراف الحديث: الاعتكاف، فرض الخمس، الأدب، الأحكام.

معاني الألفاظ: ليقلبني: يصحبني إلى منزلي. على رسلك: تأن وتمهل.

ص: 3

وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ)

(1)

ولحديث لحديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045).

‌تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ولو كانت كبيرة في السن

س: نحن طلاب علم ما حكم مصافحة العجائز الكبيرة في السن وأيضا القواعد علما أنهن يأخذن في أنفسهن علينا خاصة إذا طال غيابنا؟

جـ: المصافحة غير جائزة لحديث (وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ) ولحديث لحديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045).

ومن الممكن عرض هذا عليهن لأجل يقبلن عذركم.

‌تحريم مصافحة زوجة الأخ

س: مصافحة زوجة الأخ ما حكمها؟

جـ: مصافحتها غير جائزة لحديث (وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ) ولحديث لحديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045).

لأنها ليست محرما له.

‌تحريم مصافحة المرأة زوج خالتها

س: هل يجوز لفتاة تبلغ من العمر عشرين سنة أن تسلم على زوج خالتها؟

جـ: لا يجوز لحديث (وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ) ولحديث لحديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045).

وهو ليس محرما لها.

‌شبهة مصافحة المرأة للرجل مع وجود حائل

س: ما حكم السلام (المصافحة) للنساء مع وجود حائل في يدها؟

جـ: الظاهر أنه سيكون من الشبهات والمؤمنون وقافون عند الشبهات لأن عدم المصافحة هو الجائز والمشروع والمصافحة المباشرة هي المحرمة وما كان بواسطة القفازات من الشبهات التي لا أجزم بتحريمها ولا بإباحتها لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(1)

- صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن: باب إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات. حديث رقم (5412) بلفظ (أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ)

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في تفسير القرآن، وابن ماجه في الجهاد، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

ص: 4

‌تحريم استرقاق المرأة الحرة وجواز الزواج بها

س: امرأة تريد أن تخدم رجلاً وتريد أن تسكن معه وينفق عليها، فما هذه الحالة هل يصلح أن تكون ملكاً لليمين أم ماذا؟

جـ: لا يصلح أن تكون ملكا له أبدا لكونه حرام شرعا لحديث (ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ: الرَّجُلُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَالرَّجُلُ لَا يَأْتِي الصَّلَاةَ إِلَّا دِبَارًا يَعْنِي بَعْدَ مَا يَفُوتُهُ الْوَقْتُ، وَمَنْ اعْتَبَدَ مُحَرَّرًا)

(1)

، لكن يجوز أن يعقدوا بها له إذا لم تكن متزوجة لقوله تعالى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}

(2)

.

‌وجوب طلب العفو المسامحة من الزوجة التي كان يضربها قبل الطلاق

س: طلقت امرأة بعد أن كنت أضربها الضرب المبرح وأسبهاالسب الجارح وهي الآن على عصمة رجل آخر، فهل علي شيء؟

جـ: اطلب العفومنها.

‌استحباب المسامحة في العفو عن من أساء

س: رجل سلم على أخيه ثم ضغط على يده حتى آلمه فحلف أن لا يسامحه فتسامح منه مرة أخرى فلم يسامحه وقال أنه لا يحمل في قلبه عليه شيء؟

جـ: أرجو من هذا الولد الذي لا يحمل حقدا أن يقول له عفى الله عنك أو سامحك الله لأن العافين عن الناس لهم أجر عطيم عند الله لقوله تعالى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}

(3)

ولقوله تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا

الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ

وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا

ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}

(4)

وكل واحد منا يحب أن ينال الأجر.

‌قراءة الفاتحة في حفلات الأعراس والموت لم يرد به حديث صحيح

س: جرت العادة في الأعراس أو الموت أن يصلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويدعوا وفي آخر الدعاء يقولون (بحرمة الفاتحة) ويقرؤنها، ما رأيكم في هذا وهل إذا كنت معهم أقرأ معهم؟

جـ: لا مانع من قراءة الفاتحة وإن كان العمل لم يرد فيه حديث.

‌جواز خروج المرأة في القرية أو المدينة لعملها الضروري بدون محرم

س: أنا امرأة لدي ولد عمره تسع سنوات هل يجوز أن يكون لي محرم عند خروجي السوق؟

(1)

- سنن ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها: باب من ام قوما وهم له كارهنن. حديث رقم (960) بلفظ (عَنْ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ: الرَّجُلُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَالرَّجُلُ لَا يَأْتِي الصَّلَاةَ إِلَّا دِبَارًا يَعْنِي بَعْدَ مَا يَفُوتُهُ الْوَقْتُ، وَمَنْ اعْتَبَدَ مُحَرَّرًا)

اخرجه أبوداود في الصلاة.

لايوجد له مكررات.

(2)

- النساء: آية (24)

(3)

- الشورى: آية (40)

(4)

- فصلت: آية (34)

ص: 5

جـ: لا يجب المحرم إلا في السفر لا في المدينة أو القرية لحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ)

(1)

.

‌خرافة الزواج بالجنية

س: هل يجوز الزواج بالجنية؟

جـ: من سيعرف بها؟ وما اسمها؟ ومن وليها؟ وأين الشاهدان؟ لأن من شروط صحة عقد الزواج تعريف المرأة بالاسم أو اللقب، ومن شرط ذلك الولي فمن هو وليها؟ ومن شروطه شاهدان فأين هما الشاهدان؟ ومن شروطه الرضى، ورضى البكر السكوت فهل هي بكر أم ثيب؟.

‌التبرع بالدم لامرأة لا يمنع عقد النكاح بها

س: هل التبرع بالدم لامرأة يؤثر على عقد النكاح بها؟

جـ: لا يؤثر.

‌حصول زيادة حمل المرأة عن تسعة أشهر نادرا

س: هل فترة الجنين في رحم الأم تسعة أشهر لا تزيد عنها؟

جـ: قد تزيد نادرا.

(1)

- صحيح البخاري: كتابالجهاد والسير: باب من التتب في جيش وخرجت امرأته حاجة. حديث رقم (2784) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ). يقال هو أخو الزوج كأنه كره له أن يخلو بها.

أخرجه مسلم في السلام، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الاستئذان.

ص: 6

‌كتاب الطلاق

الباب الأول: الطلاق.

الباب الثاني: الخلع.

الفصل الأول: الخلع.

الفصل الثاني: الفسخ.

الباب الثالث: الإيلاء.

الباب الرابع: الظهار.

الباب الخامس: اللعان.

الباب السادس: العدة.

الفصل الأول: أنواع العدة.

الفصل الثاني: الإستبراء.

الباب السابع: النفقة.

الباب الثامن: الرضاع.

الباب التاسع: الحضانة.

ص: 7

الباب الأول: الطلاق

• الطلاق السني

• الطلاق البدعي

• تحريم طلاق الزوجة حال الحيض

• وقوع الطلاق البدعي مع الإثم

• الثلاث طلقة واحدة

• صور الطلاق البائن بينونة صغرى

• لا يقع الطلاق بصيغة التسويف

• عدم وقوع الطلاق بالعزم على الطلاق من دون تلفظ بالطلاق

• الطلاق بيد الرجل فقط

• الطلاق بإرادة المكلف والفسخ بحكم من الفاضي الشرعي

• الطلاق الرجعي طلاق الزوجة في المرة الأولى أو الثانية

• وجوب قضاء عدة المطلقة طلاقاً رجعياً في بيت زوجها

• وجوب احتساب عدة المطلقة طلاقاً رجعياً من يوم إنشاء الطلاق

• صفة مراجعة المطلقة هي قول الزوج راجعتك أو راجعت زوجتي فلانة

• جواز مراجعة الزوج عن طريق مخاطبة المطلقة بالمراجعة أو بواسطة وليها

• جواز ظهور المطلقة طلاقاً رجعياً أمام زوجها

• استحسان الإشهاد على الرجعة خشية المناكرة

• بطلان عقد المرأة بالزوج الثاني إذا صح مراجعتها من الزوج الأول قبل انقضاء العدة

• تحريم الرجوع إلى الزوجة المطلقة إلا بعقد ومهر جديدين إذا لم تكن هي الطلقة الثالثة

• تحريم كثرة التلفظ بالطلاق

• جواز طلب مخالعة الزوج إذا لم تطق البقاء معه

• وجوب التوارث بين الزوجين إذامات أحدهما في عدة الطلاق الرجعي

• وجوب قضاء أيام عدة المرأة المطلقة رجعياً في بيت زوجها

• الطلاق البائن بينونة كبرى طلاق الزوجة في المرة الثالثة

• تحريم خلوة الرجل بالمرأة المطلقة منه وحكمها حكم الأجنبية عنه

• تحريم بقاء الزوجة المطلقة طلاقا بائنا في بيت المطلق والعيش معه

• وقوع الطلاق المعلق بمجرد وقوع الشرط

• عدم وقوع الطلاق بالتسويف بالطلاق

ص: 8

• للزوج بعد الزواج الثاني بالمطلقة البائنة بينونة كبرى ثلاث طلقات

• قصة زواج الحسين (بؤرينب) ليرجعها لزوجها إن صحت القصة

• آراء العلماء في نفاذ طلاق من يريد بطلاقه التهديد ولا يريد وقوع الطلاق

• كناية الطلاق العبرة فيها بنية الزوج

• كتابة الطلاق على ورقة من كنايات الطلاق إلا إذا أرخها فهي طلاق صريح

• لفظ التحريم من كنايات الطلاق

• قول أنت طالق بنية التعليم لا يحسب طلقة

• طلاق الأخرس بالإشارة

• عدم وقوع الطلاق بالتفل

• عدم صحة طلاق الصبي أو المجنون

• طلاق المكره غير نافذ شرعاً

• آراء العلماء في وجوب طاعة الوالدين أو أحدهما بطلاق الزوجة

• عدم نفاذ طلاق المكره

• صحة طلاق المكره في باب الإيلاء

• وجوب البرهان على من يدعي طلاق الزوجة لأن الأصل عدم الطلاق

• خرافة القول أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عليا بطلاق عائشة رضي الله عنها

• وقوع طلاق السكران المتبقي له تمييز

• وقوع طلاق الهازل

ص: 9

‌الباب الأول: الطلاق

‌الطلاق السني

س: ما هو الطلاق السني؟

جـ: هو طلاق المرأة وهي حامل أو في طهر لم يمسها الزوج فيه هذا الطلاق السني من حيث الصفة، أما الطلاق السني من حيث العدد فهو أن يكون الطلاق طلقة واحدة، وهذا هو الطلاق المشروع لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ

حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}

(1)

ولحديث (مُرْهُ، فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُر، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاء)

(2)

.

‌الطلاق البدعي

س: ما هو الطلاق البدعي من حيث الصفة ومن حيث العدد؟

جـ: هو طلاق المرأة وهي حائض أو في طهر قد جامعها الزوج فيه هذا من حيث الصفة لحديث (مُرْهُ، فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُر، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاء) أما من حيث العدد فهو ان يطلق الرجل المرأة طلقتين أو ثلاثاً في وقت واحد وهو حرام بالإجماع لحديث (كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ)

(3)

والطلاق البدعي سواءً من حيث الصفة أو من حيث العدد محرم بالإجماع لأنه طلاق مخالف لما جاءت به الشريعة الإسلامية من وصف الطلاق المشروع، لحديث (مُرْهُ، فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُر، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ).

‌تحريم طلاق الزوجة حال الحيض

س: هل يجوز لرجل أن يطلق زوجته حال الحيض أو ينتظر حتى تطهر؟

(1)

- الطلاق: آية (1)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الطلاق: باب قول الله تعالى يا أيها النبي إذا طلفتم النساء. حديث رقم (5251) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الخطأبِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُرْهُ، فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُر، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ)

أخرجه مسلم في الطلاق، والترمذي في الطلاق، والنسائي في الطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق، وأحمد في مسند العشرة المبشرين، ومالك في الطلاق، والدارمي في الطلاق.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الطلاق: باب طلاق الثلاث. حديث رقم (3658) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخطأبِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ)

أخرجه النسائي في الطلاق، وابو داود في الطلاق.

معاني الألفاظ:

أناة: مهلة وسعة.

أمضاه: عاقبهم بإيقاعه ثلاثا.

أمضيناه: أنفذناه.

ص: 10

جـ: لايجوز طلاق الرجل امرأته حال الحيض كما أنه لا يجوز للرجل أن يطلق زوجته في طهر مسها فيه ومن طلق زوجته وهي حائض فهو آثم، وكذلك من طلق زوجته في طهر مسها فيه فهو آثم أيضاً وهذا يسمى طلاقاً بدعياً وهو محرم عند جميع العلماء ولكنه ينفذ مع الإثم عند الجمهور لحديث (مُرْهُ، فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُر، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ) خلافاً للجعفرية ولابن تيمية وللعلامة محمد إبراهيم الوزير الذين يقولون أن الطلاق البدعي لا يقع، أما الطلاق الذي يكون في طهر لم يمس الرجل فيه زوجته فيسمى بالطلاق السني وهو نافذ عند جميع العلماء.

‌وقوع الطلاق البدعي مع الإثم

س: هل يصح الطلاق البدعي مع الإثم؟

جـ: الصحيح أن الطلاق البدعي من ناحية الصفة يقع مع الإثم، وللشوكاني رأيان وللعلامة محمد بن اسماعيل الأمير رأيان أيضاً ففي بعض مؤلفاتهما أنه لا يقع وفي بعضها الآخر أنه يقع مع الإثم، أمَّا الجعفرية وابن تيمية فهم يقولون لا يقع لأنه طلاق بدعي وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، والجمهور من العلماء يقولون: بأنه يقع مع الإثم، أي الطلاق البدعي من ناحية الصفة ودليل الجمهور رواية (حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ)

(1)

.

س: رجل حلف يميناً بالطلاق بأن لا يقبل كذا وكذا من ابن أخته ولكنه تراجع الآن ويطلب إفتاءه في مقدار الكفارة في هذه الأيام؟

جـ: اعلم أن هذا الشيء راجع إلى الناطق بالطلاق في كلامه هذا وهو الذي سيسأل عنه يوم القيامه {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ

سَلِيمٍ}

(2)

فإذا كان قد أراد بهذه الكلمة الطلاق فإنها تحسب طلقه، وعليه المراجعة وهي في العدة وتبقى له طلقتان إذا لم تكن هذه هي الطلقة الثالثة وإلا حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، وإن أراد بها اليمين فعليه أن يخرج كفارة وهي إطعام عشرة مساكين وجبة غداء وصبوح أو وجبة غداء وعشاء أو أن يخرج قيمة الإطعام والقول قوله فيما أراد، وهو المقلد، وعليه اليمين إنه ماأراد إلاَّ اليمين ولم يرد الطلاق إن طلبت الزوجة اليمين أو طلبها وليها، وعلى كل حال هذا راجع إلى ذمته وهو الأعرف بما أراد بهذه الكلمة.

‌الثلاث طلقة واحدة

س: هل يقع الطلاق البدعي من حيث العدد؟ وهل يحسب طلقة أم ثلاثاً؟

جـ: مذهب جمهور العلماء وهم الشافعية والحنبلية والمالكية والحنفية أنه يقع ثلاث تطليقات، وذهب ابن تيمية والهادوية والشوكاني والأمير إلى أنه لا يقع إلا طلقة واحدة، لأن الطلقة الأولى وقعت على زوجته والثانية والثالثة وقعت على امرأة أجنبية عنه، لأن هؤلاء العلماء يشترطون تخلل المراجعة، والآن قوانين الأحوال الشخصيه في مصر والأردن وبعض الدول الأخر يأخذون بمذهب ابن تيمية يقولون: لأنه أرفق بالمرأة وبالأطفال

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الطلاق: باب إذا طلقت الحائض تعتد بذالك الطلاق. حديث رقم (5253) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ)

أخرجه مسلم في الطلاق، والترمذي في الطلاق، والنسائي في الطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في الطلاق، و الدارمي في الطلاق.

أطراف الحديث: الأحكام

(2)

- الشعراء: آية (89، 88)

ص: 11

الصغار، أمَّا في اليمن فمذهب الهادي يشترط لوقوع الطلاق تخلل المراجعة منذ أكثر من ألف سنة، وكان الطلاق في أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلافة أبي بكر وسنتين من خلافة عمر أن الثلاث الطلقات تحسب طلقة واحدة. ثم اجتهد عمر فجعل الثلاث التطليقات ثلاثاً زجراً للناس عنه كما في حديث (كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ) فقال فقهاء المذاهب أن الصحابة أجمعوا على إجتهاد عمر رضي الله عنه، وقال الهادي وابن تيمية والشوكاني والأمير ومن وافقه، إنَّ الصحابة في أيام عمر رضي الله عنه كانوا قد تفرقوا في الأمصار وإن الإجماع لم يتم، فنازعوا في دعوى الإجماع.

‌صور الطلاق البائن بينونة صغرى

س: ما هو الطلاق البائن بينونة صغرى؟

جـ: يكون في ثلاث صور هي:

إذا طلق الرجل زوجته ولم يراجعها حتى انقضت العدة فبانقضاء العدة تبين منه بينونة صغرى.

إذا طُلقت المرأة لمقابل عوض وهو الخلع، فإنها تبين من الزوج بينونة صغرى ولا يحق له أن يراجعها لا في العدة ولا بعد انقضاء العدة.

إذا طلق الزوج الزوجة قبل الدخول بها لقوله تعالى {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}

(1)

فإن أراد الزوج أن يراجعها فلا يحق له الا بمهر جديد وعقد جديد إن كانت راضية والا فقد أصبح خاطباً من الخطاب.

‌لا يقع الطلاق بصيغة التسويف

س: من قال: سأطلقك، هل يكون طلاقاً؟

جـ: الطلاق لا يكون إلا بصيغة الفعل الماضي أو الإنشاء أو بالنداء بأن يقول لها يا طالق، أما إن قال سأطلقك أو عزم على الطلاق ولم يتلفظ به فلا يقع طلاقاً.

‌عدم وقوع الطلاق بالعزم على الطلاق من دون تلفظ بالطلاق

س: رجل مغترب بلغه أن زوجته أخذت شيئاً من ماله فنوى في نفسه إن كان تصرفها خاطئا ليطلقها ولما تبين من الأمر اتضح أن تصرفها صحيح، فهل وقع عليه الطلاق أم تلزمه الكفارة؟

جـ: اعلم أنه إن صح بأنه لم ينطق بطلاق وإنما عزم عليه فلا تحسب عليه طلقه ولا تحسب عليه كفارة لأن الأصل هو عدم الطلاق وعدم وجوب الكفارة حتى يرد دليل على ذلك ولم يرد دليل على ذلك بل دل الدليل على عدم وقوع الطلاق وعدم وجوب الكفارة وهو الحديث الصحيح المصرح بلفظ (إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَعَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَااسْتُكْرِهُواعَلَيْهِ)

(2)

.

(1)

الأحزاب: آية (49).

(2)

- سنن ابن ماجة: كتاب الطلاق: باب طلاق المكره والناسي. حديث رقم (1675) بلفظ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الخطأ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة بنفس الرقم.

انفرد به ابن ماجة.

ص: 12

س: ما حكم الطلاق بالقلب دون النطق باللسان هل يعتبر طلاقاً أم لا؟

جـ: الطلاق بالقلب دون اللسان لا يسمى طلاقاً ولا تحسب طلقة ولا طلقتين ووجود هذا الخاطر في النفس وعدمه على السواء حتى ينطق بالطلاق.

‌الطلاق بيد الرجل فقط

س: هل يجوز أن تشترط المرأة أن يكون الطلاق بيدها؟

جـ: هذا رأي لبعض المذاهب، ومذهبي الشخصي أنه لا يكون الطلاق إلا بيد الرجل وبعض العلماء الذين يجوزون ذلك يقولون: بأنه يوكلها تطلق نفسها وهو من باب التوكيل، ورأيي أنه لا يكون الطلاق إلا بيد الرجل.

س: لماذا جعل الله الطلاق إلى الزوج لا إلى الزوجة؟

جـ: جعل الله الطلاق بيد الرجل لحكمتين:

الأولى: لأنه أثبت من المرأة، وقد جعل الله القوامة على المرأة للرجل في قوله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}

(1)

.

الثانية: لأنه سيتحمل تكاليف النفقة في العدة ونفقة وحضانة الأطفال لأنه سيكون على الزوج السكن والنفقة والعلاج لجميع الأطفال الذين ستكون الحضانة والولاده للزوجة لقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}

(2)

وقوله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}

(3)

‌الطلاق بإرادة المكلف والفسخ بحكم من الفاضي الشرعي

س: ما الفرق بين الفسخ والطلاق؟ وما الأحكام المترتبة على كل منهما؟

جـ: الطلاق يكون بلفظ الطلاق ومن قد طلق امرأته مرة تبقى له مرتين لقوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

(4)

والفسخ يكون بحكم من القاضي الشرعي، فإذا تزوج الزوج بالمرأة المفسوخة مرة أخرى فيبقى له عليها ثلاث طلقات لأن الفسخ لا يحسب طلقة.

‌الطلاق الرجعي طلاق الزوجة في المرة الأولى أو الثانية

س: ما هو الطلاق الرجعي؟

جـ: هو طلاق الزوجة في المرة الأولى أو الثانية لقوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فيحق للزوج أن يراجعها في العدة من دون عقد ولا مهر جديدين ولا شيء لأنها لا تزال زوجته وهو أحق بها

(1)

- النساء: آية (24)

(2)

- الطلاق: آية (7)

(3)

- البقرة: آية (223)

(4)

- البقرة: آية (229)

ص: 13

لقوله تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}

(1)

س: رجل تزوج بامرأة وله عليها أولاد ثم طلقها لتألمه من إدخالها لأناس آخرين دون إذنه، وبعد ذلك أرجعها إلى عصمة نكاحه، فهل الطلاق صحيح أم لا؟

جـ: اعلم بأن الطلاق بيد الرجل لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}

(2)

، فإذا كان هذا الرجل قد طلق زوجته بلفظ الطلاق أو بأيِّ لفظ من الألفاظ الدالة على الطلاق مما يسميه العلماء بكناية الطلاق مثل أن يقول لزوجته أنت علي حرام ناوياً الطلاق، فقد وقع الطلاق مهما كان المطلق مكلفاً مختاراً، ثم إذا كان قد راجعها وهي في العدة فالمراجعة صحيحة إذا كانت الطلقة هي أول طلقة وتبقى معه طلقتان، وهكذا إذا كانت هذه الطلقة هي الطلقة الثانية فلا مانع له من مراجعتها وتبقى معه طلقة واحدة لقوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} أما إذا كانت هذه الطلقة هي الطلقة الثالثة فلا يحل له مراجعتها حتى تنكح زوجاً غيره لأنها قد أصبحت مطلقة طلاقاً بائناً لقوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}

(3)

وهكذا الحكم إذا كانت الطلقة المذكورة إلى مقابل عوض دفعته الزوجة لزوجا إلى مقابل طلاقها، أو أبرأته مما عنده إلى مقابل الطلاق، فلا يحق له مراجعتها إلا برضائها وبعقد جديد ومهر جديد لقوله تعالى {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(4)

ولحديث (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)

(5)

أما إذا كانت مراجعة هذا الزوج لزوجته بعد انقضاء عدتها فالمراجعة لها غير صحيحة إلا بعقد جديد ومهر جديد، لأن الطلاق يكون رجعياً ويكون بائناً بينونة صغرى، فالطلاق الرجعي هو الذي تكون فيه الطلقة هي الأولى أو الثانية بلا عوض، وحكمه أنه لا مانع للزوج من مراجعتها إذا كانت المراجعة في أيام العدة، وإذا راجعها فالواجب عليها الرجوع وليس لها أن ترفض الرجوع لقوله تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}

(6)

والطلاق البائن بينونة صغرى هو الطلاق الذي يكون من الزوج إلى مقابل عوض تسلمه الزوجة لزوجها إلى مقابل أنه يطلقها أو تبرأه مما عنده لها، وحكمه أنه لا يبقى للزوج حق في مراجعتها لكونها قد قطعت العلاقة فيما بينها وبين زوجها بدفع المهر أو بعض المهر أو بإبرائه مما عنده وليس له أن يجبرها على الرجوع ولها الحق في رفض المراجعة منه، وإذا راجعها فلا حكم لها شرعًا بل وجود المراجعة وعدمه على السواء ولكن إذا أحب مراجعتها ورضيت هي بالرجوع فلا مانع له من الزواج بها زواجاً جديداً بعقد شرعي

(1)

- البقرة: آية (229)

(2)

- الطلاق: آية (1)

(3)

- البقرة: آية (230)

(4)

- البقرة: (229)

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الطلاق: باب الخلع وكيف الطلاق. حديث رقم (5273) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)

أخرجه النسائي في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق.

(6)

- البقرة: آية (228)

ص: 14

جديد ومهر جديد يتراضيان عليه إذا كانت الطلقة هي الأولى أو الثانية، أما إذا كانت الطلقة إلى مقابل عوض هي الثالثة فلا يجوز العقد بها حتى تتزوج برجل غيره ولأنها قد بانت منه بينونة كبرى فالطلاق البائن بينونة كبرى هو أن تكون الطلقة هي الثالثة سواءً كانت إلى مقابل عوض أو إلى غير مقابل، وحكم الطلاق البائن هو أن المرأة تحرم على المطلق ولا يحل له الزواج بها إلا إذا تزوجت برجل آخر ودخل بها واتصل بها اتصالا جنسياًلحديث (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ)

(1)

الحديث دليل صحيح صريح على أن من تزوج بالمرأة بعد انقضاء عدتها فمات قبل وطئها أو طلقها قبل الدخول بها أو بعد الدخول بها وقبل وطئها فإنها لا تحل للزوج الأول لحديث (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) وفي رواية (لا تحلين َلِزَوْجِكِ الأول حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ)

(2)

أما إذا لم تكن قد تزوجت برجل آخر فإنه لا يحل لمطلقها العقد بها مطلقاً لقوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}

(3)

وهكذا إذا كانت قد تزوجت برجل آخر لم يتصل بها اتصالا جنسياً وإنما عقد بها مجرد عقد فقط، فإن العقد بالزوج الآخر لا يكون مجوزاً لرجوعها إلى الزوج الأول بعقد جديد ومهر جديد حتى يتصل بها اتصالا جنسياً ويكون بينه وبينها ما يكون بين الزوجين لحديث (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) أما الخلوة بها فإنها غير كافية، فهذا خلاصة القول في أقسام الطلاق، وحكم كل قسم من أقسامه الثلاثة ليكون السائل وغيره على علم بالطلاق الذي تصح فيه المراجعة والذي لا يصح فيه المراجعة، والذي يصح فيه العقد من جديد والذي لا يصح فيه العقد من جديد إلا بعد الزواج بزوج آخر.

‌وجوب قضاء عدة المطلقة طلاقاً رجعياً في بيت زوجها

س: سمعت أنّه إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى لا يحق لها أن تغادر بيته إلى بيت أبيها ويجب عليها أن تعيش في بيته إلى أن تنقضي العدة المكتوبة، فماذا عليها أن تفعل بعد ذلك إذا لم يقم بإرجاعها؟

جـ: إن من طلق زوجته الطلقة الأولى أو الثانية وكانت الطلقة مجاناً لا بعوض أو إبراء وكان قد دخل بها فيجب أن لا تخرج من بيته وأن تقضي العدة في بيته حيث وأن الطلاق رجعي لا بائن ولا ينبغي له أن يخرجها من بيته إلا أن تأتي بفاحشة مبينة لقوله تعالى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب شهادة المختبي. حديث رقم (5260) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفاعَةَ الْقُر ظِيِّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ)

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الطلاق.

أطاف الحديث: الطلاق، اللباس.

معاني الألفاظ: طلاق البتة: الطلاق ثلاثا.

الهدبة: طرف الثوب وهو كناية عن ضعفه الجنسي.

عسيلته: كناية عن لذة الجماع.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الطلاق: باب من قال لإمرأته أنت علي حرام. حديث رقم (5265) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا وَكَانَتْ مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ تُرِيدُهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي وَإِنِّي تَزَوَّجْتُ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ يَقْرَبْنِي إِلَّا هَنَةً وَاحِدَةً لَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ، فَأَحِلُّ لِزَوْجِي الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِكِ الأول حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ)

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الطلاق.

أطاف الحديث: الطلاق، اللباس.

(3)

- البقرة: آية (230)

ص: 15

مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ

حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}

(1)

والنهي يقتضي التحريم والحكمة من البقاء ظاهرة في قوله تعالى {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} أما إذا كانت الطلقة هي الثالثة فقد بانت منه بينونة كبرى لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره لقوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}

(2)

وإذا كانت قد بانت منه بينونة كبرى فالواجب عليها أن تخرج من بيته لتعتد خارج بيته حيث لا مسوغ للبقاء، وأما إذا كان الطلاق مقابل عوض أو إبراء فهو الخلع والخلع تبين منه الزوجة بينونة صغرى لا تحل له إلا بمهر جديد وعقد جديد إن كانت راضية وإلا فلا، وإذا كانت قد بانت منه بينونة صغرى فلا تعتد في بيته بل تخرج منه لأنه لم يبق للزوج حق في مراجعتها وهذا كله إذا كان قد دخل بها، أما إذا لم يدخل بها وطلقها فلا عدة عليها لا في بيته ولا في بيتها لقوله تعالى {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}

(3)

والخلاصة هي:

من طلقت طلاقاً رجعياً فيجب عليها العدة في بيت زوجها.

ومن بانت منه بينونة كبرى أو صغرى فعليها العدة خارج بيت زوجها.

ومن طلقت قبل أن يدخل بها فليس عليها عدة لا في بيتها ولا في بيت زوجها.

وإذا أعتدت المرأة في بيت زوجها في الطلاق الرجعي ولم يرجعها زوجها في مدة العدة حتى انتهت العدة بوضع الحمل أو بثلاث حيض أو بثلاثة شهور إذا لم تكن ذات حمل ولا ذات حيض فعليها الخروج من بيته لأنه بانقضاء العدة قد صارت الزوجة بائنة منه بينونة صغرى.

وإذا لم يراجعها في العدة لا تحل له إلا بمهر جديد وعقد جديد مهما كانت راضية.

س: أفتونا هل على المرأة التي طلقها زوجها أن تقضي أيام عدتها في بيت أهلها أم في بيت مطلقها؟

جـ: اعلم أن المرأة المطلقة تعتد في بيت زوجها إذا كان الطلاق رجعيا، لقوًله تعالى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ

حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} أما إذا كان الطلاق بائناً بينونة صغرى أو كبرى تعتد في بيت أهلها، والطلاق الرجعي هو الطلاق الذي يكون بعد دخول الزوج بالزوجة ويكون طلاق إلى غير مقابل الإبراء، من الالتزام بالأولاد أو يكون بإرجاع بعض المهر أو كله ولا تكون طلقته هي الطلقة الثالثة وإنما تكون هي الأولى أو الثانية لقوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} والطلاق البائن بينونة صغرى هو الطلاق الذي يكون بطلب من الزوجة إلى مقابل التزام المرأة بنفقة الأولاد أو بنفقة العدة أو بإرجاع المهر أو بعضه أو بالإبراء إلى ما عند الزوج للزوجة إلى مقابل الطلاق، الطلاق البائن بينونة كبرى يكون الطلقة فيه هي الطلقة الثالثة التي سبقها طلقتان متخللات الرجعة، أما الطلاق قبل دخول الزوج بالزوجة المطلقة فهو وإن كان من باب الطلاق البائن بينونة صغرى ليس فيه عدة على الزوجة لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ

(1)

الطلاق: آية (1).

(2)

- البقرة: آية (230)

(3)

- الأحزاب: آية (49)

ص: 16

تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} والجدير بالذكر أن الطلاق الرجعي يصح فيه المراجعة وإذا مات الزوج في حال عدة الزوجة فإنها ترث منه لأن له حق المراجعة بخلاف الزوجة المطلقة طلاقاً بائناً فإنها لا ترث من زوجها ولا يحق له أن يراجعها مرة أخرى أي سواء كان الطلاق البائن من البينونة الصغرى أو البينونة الكبرى فالكل لا يحق للزوج أن يراجع زوجته إلا أنه في الطلاق البائن بينونة صغرى يجوز له أن يتزوج مطلقته بعقد جديد ومهر جديد إن كانت راضية بذلك، أما إذا لم تكن راضية فلها الحق أن ترفض وتتزوج بمن ترضاه أو تصبح أرملة بلا زوج لأن مطلقها أصبح خاطباً من الخطاب، أما المطلقة طلاقاً بائناً بينونة كبرى فلا يجوز له أن يتزوجها مرة أخرى حتى تنكح زوجاً آخر زواجاً شرعياً لقوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}

(1)

وبشرط أن تتصل الزوجة بالزوج الآخر اتصالاً جنسياً كما دل حديث زوجة رفاعة رضي الله عنها قال لها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد طلقت من زوجها أتحبين أن تعودي إلى رفاعة، قالت: نعم، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ).

‌وجوب احتساب عدة المطلقة طلاقاً رجعياً من يوم إنشاء الطلاق

س: رجل طلق زوجته وهو بعيد عنها وأرسل ورقة الطلاق إليها مع رسول سلمها إليه ولكن لم تصل هذه الورقة إلا بعد مضي عدة شهور من إنشاء الطلاق فهل يعتبر الطلاق من تاريخ إنشائه أم من تاريخ وصول الورقة إلى الزوجة وعلمها بالطلاق الصادر من زوجها وهل تحسب الأيام التي ما بين إنشاء الطلاق وبين علم الزوجة به من أيام العدة أم تلغي هذه الأيام وتحسب الأيام من يوم علمها فقط؟

جـ: اعلم بأن الطلاق يقع من يوم إنشائه وينفذ من وقت صدوره من الزوج، وأما الأيام التي ما بين إنشاء الطلاق وبين علم الزوجة هل تحسب من أيام العدة أم تلغى فالجواب مبني على مسألة فقهيه مشهورة وهي هل تكون العدة من حال وقوع الطلاق أم من حال العلم بالطلاق والذي ذهب إليه الجمهور من العلماء كالحنفية والشافعية ومالك والقاسم والمؤيد بالله يحيى بن حمزة هو القول بأنها تكون من حال وقوع الطلاق مطلقاً سواء كانت الزوجة عاقلة بالغة أم صغيرة أم مجنونة، وقد رجح هذا القول من المتأخرين الإمام شرف الدين والجلال والشوكاني، والذي ذهب إليه الأمير الصنعاني في (منحة الغفار) هو أن ابتداء العدة يكون من حال العلم مطلقاً سواء كانت الزوجة عاقلة حائلة أم صغيرة أم مجنونة والذي ذهب إليه علماء الهادوية هو التفصيل بين الزوجات فمن كانت عاقلة حائلة فابتداء العدة عندهم يكون من حال العلم بالطلاق، ومن كانت صغيرة أو مجنونه أو حائلة فابتداء العدة يكون من حال وقوع الطلاق ولو قبل العلم، والظاهر هو القول الأول وهو أن العدة تكون من حال وقوع الطلاق بلا فرق، ومن ادعى التفريق بين الزوجات أو ادعى بأن العدة لا تكون إلا بعد العلم فعليه الدليل، وقد قال الشوكاني: بأن هذه التفرقه لا يدري قصدها ولا مقتضاها وما استدلو به من أن الله سبحانه ذكر التربص في عدة ذوات الاقراء فقال {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}

(2)

وأن ذلك يدل على أنها لا بد أن تكون قاصدة الدخول في العدة فتسليم ذلك غايته أن تكون عدة الوفاة من وقت العلم لأن الله سبحانه وتعالى قال فيها {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}

(3)

فلم يبق وجه لهذا الفرق بل العدة للحامل

(1)

- البقرة: آية (230)

(2)

- البقرة: آية (228).

(3)

البقرة: آية (234).

ص: 17

والحائل العاقل على السواء والصغيره والمجنونه فلا علم لهما فالعدة فيهما لاحقه بالعدة للعاقل إن كانت من وقت الوقوع كانت لهمامن الوقت الذي يحصل فيه العلم إليهما، والحاصل أن هذه التفرقه لا تنبني على شرع مقبول ولا على معقول ولم يرد في الكتاب والسنه ما يدل على أنها لا تعتد إلا من وقت العلم بل ظاهر إطلاقات الكتاب والسنه أن العدة من عند وقوع الموت أو الطلاق وإن تأخر العلم بهما لأن هذه المده التي مضت بعد الوقوع وقبل العلم هي مدة من المدة المتعقبه لموت الزوج أو طلاقه فمن زعم أنه لا يحتسب بها فعليه الدليل، فإن عجز عنه فهي من جملة العدة، وليس على المرأة حداد ولا غيره حتى تعلم لأنها لا تكلف بلوازم العدة إلا بعد علمها وإلا كان ذلك من تكليف الغافل وهو مجمع على عدم تكليفه ولقوله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

(1)

هذا على تقدير أن هذا الحكم تكليفي أعني كون الموت أو الطلاق سببين للعدة فإن كانا وضعيين فالأمر أظهر، والحاصل أن العدة من وقت الوقوع على كل حال ولكل معتدة، ومن ادعى غير هذا فهو دعوى مجردة لا يعول على مثلها.

‌صفة مراجعة المطلقة هي قول الزوج راجعتك أو راجعت زوجتي فلانة

س: كيف يكون صفة رجوع المطلقة الطلقة الأولى أو الثانية إلى زوجها؟ وما الكلام الذي يجب أن يقول لها زوجها؟

جـ: يقول لقد راجعت زوجتي فلانة ويخاطبها بقوله لقد راجعتك أو قد راجعت فلانه ويجب عليه احتياطاً أن يشهد شاهدين عدلين لقوله تعالى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ

يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}

(2)

وهذا من باب الإحتياط، أما أن الشهادة شرط من شروط المراجعة فلا، ولا مانع له من أن يراجعها مراجعة فعليه وذلك بأن يباشرها لأن المراجعة قد تكون بالفعل كما تكون بالقول.

‌جواز مراجعة الزوج عن طريق مخاطبة المطلقة بالمراجعة أو بواسطة وليها

س: هل تتم مراجعة الزوج لزوجته عن طريقها أم عن طريق ولي أمرها؟

جـ: إذا طلقها الزوج طلاقاً رجعياً تكون المراجعة عن طريق ولي أمرها إن شاء المراجع أن تكون بواسطته، وقد تكون رأساً بأن يراجعها بلا واسطه فهما سواء وهو مخير.

‌جواز ظهور المطلقة طلاقاً رجعياً أمام زوجها

س: ماذا يجب على الزوجة المعتدة أن تفعل عندما تكون مع زوجها لوحدهما في المنزل هل يجوز لها أن تظهر عليه بشعرها أو تظهر عليه بزينتها أو تجلس معه ليأكلان من صحن واحد؟

جـ: يجوز للزوجة المعتدة في الطلاق الرجعي أن تظهر على الزوج المطلق في أيام العدة، أما إذا كان الطلاق بائناً بينونة صغرى أو كبرى أو قد مضت عدة الطلاق الرجعي فلا يجوز له أن ينظر إليها ولا يجوز لها أن تظهر أمامه، لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

(3)

و لحديث (لَا

(1)

- البقرة: آية (286).

(2)

- الطلاق: آية (1)

(3)

- الأحزاب: آية (53)

ص: 18

يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ)

(1)

وحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)

(2)

.

والخلاصة: أن المطلقة طلاقاً رجعياً يجوزلها أن تظهر أمام زوجها ويجوز له أن ينظر إليها فإذا لم يراجعها أثناء العدة أو إذا كان الطلاق بائناً بينونة صغرى أو كبرى فلا يجوز له أن يخلو بها ولا أن تبقى في بيته.

س: ما قولكم في من طلق زوجته ولم يراجعها حتى مضى على الطلاق ثلاث سنوات هل هذا ظلم أم لا؟

جـ: الطلاق قد وقع وإذا كان رجعياً فله الحق في المراجعة أيام العدة ولكن إذا مضت أيام العدة ولم يراجع زوجته فلا حق له في المراجعة بعد انقضائها ولكن يصح له أن يعقد عليها بمهر جديد وعقد جديد إن كانت راضية به وإلا فلا، وهكذا من كان قد طلق زوجته طلاقاً بائناً بينونة صغرى كمن طلق زوجته قبل الدخول بها، أمّا من كان قد طلقها زوجها ثلاث طلقات متخللات الرجعة فلا حق له في مراجعتها إلا بمهر جديد وبعقد جديد بعد أن يتزوج بها شخص آخر ثم يطلقها وبشرط أن الزوج الآخر لم يتزوجها بنية التحليل للزوج الأول لحديث (لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّل َوَ الْمُحَلَّلَ لَه)

(3)

وبشرط أن الزوج الأخير يطأها لا مجرد أن يكتفي بالعقد بها لحديث (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) وفي رواية (لا تحلين َلِزَوْجِكِ الأول حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ).

‌استحسان الإشهاد على الرجعة خشية المناكرة

س: إذا راجع الزوج زوجته المطلقة طلاقاً رجعياً فهل يشترط للرجعة أن يشهد عليها؟

جـ: لا يشترط، ولكن يستحسن الإشهاد عليها استحساناً لكي لا تحصل مناكرة ومن الممكن القول بالوجوب لدليل قوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من اكتتب في جيش فخرجت إمرأته حاجة. حديث رقم (3006) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ).

أخرجه مسلم في الحج، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: النكاح، الحج.

(2)

- مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: باب مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه. حديث رقم (1424) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2801).

أخرجه الترمذي في الادب، والنسائي في الغسل والتيمم، والدارمي في الأشربة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الإزار: ثوب يلف به النصف الأسفل من الجسم.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب النكاح: باب في التحليل. حديث رقم (2076) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ إِسْمَعِيلُ وَأُرَاهُ قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ) صححه الألباني في صحيح أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في النكاح، وابن ماجة في النكاح،، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ: المحلل: من يتزوج المطلقة ثلاثا لتحل لزوجها الأول.

المحلل له: الذي طلق زوجته ثلاثاُ ويرغب بإعادتها.

ص: 19

‌بطلان عقد المرأة بالزوج الثاني إذا صح مراجعتها من الزوج الأول قبل انقضاء العدة

س: ما قولكم في رجل طلق زوجته طلاقاً رجعيا ًواسترجعها بتقديم ورقة استشهاد واسترجاع إلى أحد العلماء أثناء عدتها ولكنه لم يبلغها بذلك واحتفظ بورقة الاسترجاع إلى بعد انتهاء العدة نسياناً منه على حد قوله في حين أني قد عقدت لها بالزواج من رجل آخر فأبرز الرجل الأول ورقة الاسترجاع طالباً زوجته، فهل تصح المراجعة أم أزوجها من الرجل الآخر؟

جـ: اعلم أن العبرة بصحة المراجعة للزوجة في مدة عدة الطلاق الرجعي فمهما صح أن الزوج الذي طلق زوجته طلاقاً رجعياً قد راجعها قبل انقضاء العدة فهو أحق بها من الخاطب الجديد لقوله تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}

(1)

ولا يحق لأحد من الأولياء أن يعقد بالمرأة قبل انقضاء العدة، وأما بعد انقضاء العدة فلا مانع له من العقد ولكن إذا صح أن المطلق قد راجعها قبل انقضاء العدة فالعقد للزوج الأخير غير صحيح شرعاً ما دام قد انكشف بأن الزوج قد راجعها أيام العدة حتى وإن لم تبلغ الزوجة ولا وليها بأنه راجعها، فوصول خبر المراجعة إلى الزوجة المطلقة رجعياً أو إلى وليها ليس بشرط في صحة المراجعة بل الشرط هو صحة وقوع المراجعة في أيام العدة.

س: طلق رجل امرأة فجامعها فماذا عليه؟ علماً بأن المرأة لا تعلم، فهل تأثم؟

جـ: إذا كانت الطلقة الأولى أو الثانية فلا شيء عليه ويعتبر مراجعة لقوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

(2)

وإن كانت الثالثة فهو آثم ويسمى زان لأنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره لقوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} أمَّا المرأة فالأصل عدم العلم.

‌تحريم الرجوع إلى الزوجة المطلقة إلا بعقد ومهر جديدين إذا لم تكن هي الطلقة الثالثة

س: تزوج رجل من اليمن ثم سافر إلى الخارج وتزوج بامرأة أخرى هناك ولما عاد إلى وطنه طلب منه أهل زوجته أن يطلق زوجته التي في خارج الوطن ثم طلقها ولما سافر إلى الخارج راجعها بعد ستة اشهر من طلاقها بدون عقد شرعي، فما هو الحكم في هذه القضية؟

جـ: من المعلوم أن للزوج ان يراجع زوجته ما دامت في العدة وإذا مضت العدة فلا بد له من عقد جديد ومن مهر جديد، كما أن العدة لمن كانت حاملاً تكون بوضع الحمل لقوله تعالى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}

(3)

ولا تكون بثلاث حيض إلا لمن كانت غير حامل وكانت من ذوات الحيض لقوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}

(4)

وإذا لم تكن المرأة حائضاً ولا حاملاً فعدتها مضي ثلاثة أشهر لقوله تعالى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}

(5)

وعلى هذا الأساس فإذا كان الرجل الذي طلب الاستفتاء قد رجع إلى زوجته بعد ستة أشهر من طلاقها وكانت حاملاً عند الطلاق وبقى الحمل إلى

(1)

- البقرة: آية (222)

(2)

- البقرة: آية (229)

(3)

- الطلاق: آية (4)

(4)

- البقرة: آية (228)

(5)

- الطلاق: آية (4)

ص: 20

أن راجعها بعد الأشهر الستة فلا مانع له من ذلك لعدم مضي العدة، أما إذا كانت غير حامل فبعد ستة شهور تكون عدتها قد مضت سواءً أكانت من الحيض أم من غير الحيض فإذا كانت هذه المرأة غير حامل ودخل بها زوجها بعد مراجعته مراجعة متأخرة عن الطلاق مدة ستة شهور فإن مراجعته غير شرعية ودخوله عليها غير جائز لأنه دخل عليها بمراجعة غير شرعية فيكون ما عمله حراما، ً وهذا كله مبني على أن هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية، أما إذا كانت هي الثالثة فلا يجوز له أن يدخل بها مطلقاً سواء كانت في العدة أم قد انقضت عدتها سواء عقد له بها أم راجعها بلا عقد فالكل حرام شرعاً حتى تنكح زوج غيره لقوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} .

س: قمت بطلاق زوجتي وهذا ما أشرحه لك كيفية طلاقها، وهو أني قمت بكتابة ورقة بصيغة حرام وطلاق من حلالي ومالي كتبتها ثلاث مرات بحضور شاهدين هذا صيغته وكيفيته عندما طلقتها. فهل هذا الطلاق صحيح؟ أم أنه ناقص؟ وهل قد خرجت الآن من عقد نكاحي؟ وهل يحق لي الآن استرجاعها إلى عقد نكاحي وحيث أن هذا الطلاق أول مرة في حياتي لم يسبقه طلاق سابق لزوجتي أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ وبينوا لنا كيفية الطلاق هل مرة واحدة فقط أما ثلاث طلقات يفصلهن العادة حق المرأة؟ وجزاكم الله خيراً وحيث وقد صار المدة من وقت ما طلقتها عام ونصف؟

جـ: إذا كنت قد كتبت ورقة الطلاق هذه بخطك ونويت الطلاق فالطلاق قد وقع ولا مانع من أن تتزوج بها بعقد جديد وبمهر جديد إن كانت راضية ولم تكن هي الطلقة الثالثة، وذلك لكون أن العدة قد مضت.

س: ما رأي الشرع في رجل متزوج ومتفق مع زوجته فحدث خلاف بين الرجل وأبو البنت فيضغط على الرجل أن يطلق إبنته ويضغط أبو البنت على البنت في التخلص من زوجها ونتيجة للضغط الشديد والتهديد حصل الفراق والطلاق وهما غير راضين بهذا، وطلق الرجل زوجته بتهديد وضغط من العدل وعندما علمت المرأه بالطلاق بكت ولا زالت تبكي والرجل في حزن شديد والرجل عندما اجتمع عليه الناس لم يقل إلا كلمة واحدة وهي أنها طالقة فهل هذا طلاق شرعي وهل يجوز أن تتزوج برجل آخر، أما إكراه الرجل لابنته في التخلص من زوجها الهدف منه فقط هو كسب دراهم جديده من زوج جديد لابنته رغماً عنها أفيدونا؟

جـ: الطلاق قد وقع ولا مانع من مراجعة الرجل لزوجته إذا كانت لا تزال في العدة، وإذا كانت العدة قد أنتهت وهي راغبه في زواجها من جديد فلا مانع له من أن يتزوجها من جديد بعقد جديد ومهر جديد، فإذا امتنع الأب عن العقد لها وهي راضية انتقلت الولاية إلى من يليه من الأولياء فإذا لم يوجد لها ولي آخر أو امتنع عن العقد لها فإلى من يليه فإن امتنعوا جميعاً فوليها القاضي الشرعي في المنطقة لحديث (فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)

(1)

لأن هذا الضغط ليس بالإكراه الشرعي الذي لا ينفذ معه الطلاق.

‌تحريم كثرة التلفظ بالطلاق

س: هل يجوز كثرة التلفظ بالطلاق؟

(1)

سنن الترمذي: كتاب النكاح عن رسول الله: باب ما جاء لا نكاح إلا بولي. حديث رقم (1021) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1102).

أخرجه أبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، باقي مسند الأنصار، والدارمي في النكاح.

معاني الألفاظ: الولي: الأب ومن يقوم مقامه في التزويج.

ص: 21

جـ: لا يجوز كثرة التلفظ بالطلاق ولا ينبغي لأن الله عز وجل ما شرع الطلاق إلا للضرورة وعند الضرورة القصوى ولم يجعل الطلاق لعبة في يد بعض الرجال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ: وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ)

(1)

وقال العلماء: من طلق هازلاً وقع الطلاق على زوجته ولو كان يهزل به.

‌جواز طلب مخالعة الزوج إذا لم تطق البقاء معه

س: ماذا تفعل المطلقة طلاقاً رجعياً إذا لم تريد أن ترجع إلى مطلقها خصوصاً أن بينهما منازعات شديدة وأرادت أن تنفصل عنه نهائياً؟

جـ: المطلق طلاقاً رجعياً إذا راجع زوجته في مدة العدة فله الحق في المراجعة سواء كانت الزوجة المطلقة راضية بالرجوع أو كارهة فلا عبرة برضائها ولا حق لها في رفض الرجوع لقوله تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} ولكن إذا كانت قد كرهته كراهة شديدة إلى أقصى حد ممكن من الكراهية ولا تطيق البقاء معه وأصبحت العلاقة بينهما متوترة توتراً شديداً فلا مانع لها من مخالعة زوجها بإرجاع المهر إليه لقوله تعالى {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(2)

ولحديث (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)

(3)

في الحديث أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوجة ثابت بن قيس بن شماس برد حديقته التي أعطاها مقابل الطلاق.

‌وجوب التوارث بين الزوجين إذامات أحدهما في عدة الطلاق الرجعي

س: إذا طلق الرجل زوجته ثم مات بعد مدة قصيرة فهل ترث منه؟

جـ: إذا طلق الرجل المرأة ثم مات بعد مدة قصيرة فلا يخلوا إما أن يكون الموت وقع والمرأة في حال العدة وكان الطلاق بائناً أو لا يكون كذلك فإن كان قد طلقها وهي في حال العدة وكان الطلاق طلاقاً بائناً بينونة صغرى أو بينونة كبرى فإنها لا ترث منه ولا يرث منها لأنه ليس له أن يراجعها أثناء عدة الطلاق البائن، وسواء كان الطلاق البائن بينونة صغرى وهي التي طلقها زوجها حسب طلبها منه الطلاق إلى مقابل عوض تدفعه له ليوقع عليها الطلاق (وهو الخلع) أو كان الطلاق هذا طلاقاً بائناً بينونة كبرى وهو أن يطلقها زوجها الثلاث التطليقات المتخللات الرجعه فإن هذا الطلاق الآخر تُصبح المرأة به بائنة بينونة كبرى لا يحل له أن يتزوجها حتى تتزوج برجل آخر زواجاً شرعياً ويتصل بها إتصالاً جنسياً لقوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}

(4)

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الطلاق: باب ماجاء في الجد والهزل في الطلاق. حديث رقم (1184) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ) صححه الألباني في صحيح الترمذي بنفس الرقم.

اخرجه أبوداود في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق.

(2)

- البقرة: (229)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الطلاق: باب الخلع وكيف الطلاق. حديث رقم (5273) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)

أخرجه النسائي في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق.

(4)

- البقرة: آية (230)

ص: 22

و كما دل عليه حديث زوجة رفاعة رضي الله عنها قال لها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد طلقت من زوجها أتحبين أن تعودي إلى رفاعة، قالت: نعم، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) أما الطلاق الأول وهو الذي تبين المرأة من زوجها فيه بينونة صغرى فلا مانع له من أن يتزوج بها مرة أخرى ثانية أو ثالثه لكن بعقد جديد وبمهر جديد أيضاً ولو لم تكن قد تزوجت بزوج آخر، فهذا الرجل الذي طلق زوجته ومات وهي في العدة لا ترث منه ولا يرث منها ولو كان الموت قد وقع وهي في حال العدة لأحد الطلاقين البائنين، وإن كان الطلاق طلاقاً رجعياً وهو الطلاق الذي لم تكن طلقته هي الثالثة ولا هي إلى مقابل عوض ولو كانت هي الطلقة الأولى أو الثانية أي أن الطلاق الرجعي ما كانت الطلقة فيه غير ثالثة وكانت بلا عوض ففي هذا الطلاق الأرث فيه ثابت لكل واحد من الزوجين من تركة الآخر فإن مات قبلها وهي في عدة الطلاق الرجعي ورثته وإن ماتت قبله وهي في حال عدة الطلاق الرجعي ورثها وإذا اتفق أنهما ماتا معاً في لحظة واحدة وعلمنا أنه كم تقدم موت أحدهما على موت الآخر أو حصل عندنا الظن بأن موتهما كان في لحظة واحدة فلا توارث بينهما أبداً [أي لا ترث منه ولا يرث منها] فإذا كان للمرأة ورثة فلا يرثون من هذه المرأة في حالة موتهما معاً في لحظه واحدة إلا ما خلفته هي مما ورثته من أيِّ مورث لها قد مات قبلها فورثته أو مما كسبته بنفسها لنفسها، أما أنها ترث من الذي طلقها الطلاق الرجعي وكانت في العدة فلا ترث أصلاً مهما صح موتهما معاً في لحظة واحدة لأن من شرط التوارث أن يكون أحد الزوجين قد سبق الآخر بالموت، أي أن أحدهما تأخر موته عن موت الآخر سواء كان المتأخر أو المتقدم هو الزوج أو الزوجة.

هذا إن علمنا أو ظننا أن موتهما كان في لحظة واحدة أما إذا التبس الأمر ولم يظهر هل كان موت الزوج المطلق زوجته طلاقاً رجعياً وكانت في العدة قبل مطلَقته المذكورة بلحظة واحدة أم كان موته بعدها بلحظة واحدة أم ماتا معاً في لحظة واحدة فالارث ثابت فتكون المسألة مثل مسألة الغرقى والهدمى المذكوره في كتب الفرائض عند جميع أهل المذاهب الإسلامية المعمول بها وعلى الخلاف الذي حكاه العلماء في مسألة الغرقى والهدماء، فعلى المذهب الزيدي الهادوي والمذهب الأمامي الجعفري سيورث كل واحد من الزوجين من تركة الآخر وذلك بأن تقدر أن الزوجة هي التي ماتت أولاً فتكون تركتها لورثتها الشرعيين ويأخذ الزوج المذكور الربع إرثه من تركة هذه المرأة وبناء على ذلك فيضم ما سيأتي إلى تركته الأصلية ويقسم بين ورثته الشرعيين كما أن نقدر أن الرجل هو الذي توفي قبل المرأة فتكون تركته لورثته ومنهم هذه المرأة ويضم ما سيأتي لها إلى تركتها الأصلية التي ورثتها من أيِّ مورث غير الزوج وتقسم جميع ذلك كله بين جميع ورثتها غير الزوج المذكور.

أما على المذاهب الأخرى كالشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي فإن التركة التي خلفها الزوج المذكور تكون لورثته الأحياء على الفرائض الشرعية ولا تدخل المرأة فيهم ولا تحصل على إرث من الرجل أبداً وتكون التركة منحصرة في التركة التي خلفتها المرأة مما كسبته أو ورثته من مورث آخر غير هذا الزوج وتقسم على الفرائض الشرعية لجميع ورثتها الشرعيين الأحياء فقط ولا يدخل هذا الزوج من جملة الورثة أي أنه لا توارث بين الزوجين فلا ترثه ولا يرثها وبعبارة أوضح لا يرث ورثة الزوج من تركة الزوجة وإنما يرثون مما خلفه الزوج من المخلف الأصلي ويكون وجود المرأة وعدمه على السواء، وكذلك لا يرث ورثه الزوجة من تركة الزوج أيَّ شيء وإنما يرثون ممَّا خلفته الزوجة المذكورة من المخلف الأصلي فقط، أي أن كل واحد منهما لا يكون وارثاً ولا يكون موروثاً ما دام ولم يعرف من هو الذي تأخر موته ومن هو الذي تقدم موته وهذا المذهب الذي حكيته عن الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية هو المختار عند الهيئة العلمية لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية الذين رجحوا كلام الجمهور في مسألة الغرقى والهدمى على كلام الهادوية والجعفريه، لأن المسألة من المسائل

ص: 23

الخلافية التي لم يرد فيها نص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا بناءً على أن الرجل قد طلق المرأة شفاها واعتدت من وقت الطلاق أو بلغها كتابة وتبلغت بوقته وعرفنا تاريخ الموت بحيث ظهر أنه كان الموت وهي في خلال العدة ولم تنته العدة سواءً كانت ستعتد بالأشهر أو بالحيض الثلاث أوبوضع الحمل، أما إذا كان قد طلقها تحريراً وأرسل بالورقة التي قد كتب فيها الطلاق الرجعي ولكن تأخرت الرسالة عند الواسطة أو عند الرسول أو في مكتب البريد أو في أيِّ محل كان ولم تصل هذه الرسالة إلى المرأة لتقرأها أو يقرأها عليها أحد القراء إلا بعد شهر مثلاً وشرعت في العدة من وقت أن عرفت أنه طلقها وأتفق أن توفي بعد شهرين مثلاً، فهل تكون العبرة بحال وقوع الطلاق فتحسب العدة من يوم تحرير ورقة الطلاق أم العبرة بحال معرفتها بأنه قد طلقها فلا تحسب العدة إلا من يوم علمها أو ظنها بالطلاق أي أنها إذا كانت من اللائي عدتهن بالأشهر واعتدت بالشهور وصادف أنه توفي زوجها بعد أن أوقع عليها الطلاق الرجعي ولم تمض المدة المقررة شرعاً من يوم وصول البلاغ إليها ومن وقت علمها أو ظنها بأنه قد طلقها ولكن المدة ستكون قد مضت إذا كانت المدة ستحسب من يوم وقوع الطلاق فهل نحسب أيام العدة من وقت أن تحررت رسالة الطلاق فإذا كان الموت قد وقع بعد مضي المدة المقررة فلا إرث لها أم تحسب أيام العدة من وقت علمها أو ظنها بأنه طلقها بحيث أنها عند أن توفي لم تكمل العدة فنحكم لها بالإرث حيث ولم تمض المدة من يوم العلم أو الظن وإن كانت المدة قد مضت بالنظر إلى يوم وقوع الطلاق والجواب أن المسألة خلافيه فمن العلماء من ذهب إلى أن العبرة في مثل هذا بحال وقوع الطلاق وعلى هذا فلا إرث لها من الزوج الذي كان قدطلقها ومضى على الطلاق الشهور المقررة شرعاً لمن كانت عدتها بالشهور أو الحيض الثلاث لمن كانت عدتها بالحيض ولو كانت المدة لم تمض بالنظر إلى تاريخ علم المرأة أو ظنها أنه قد طلقها لأن العبرة عند هؤلاء العلماء بتاريخ وقوع الطلاق سواء كانت هذه المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً عاقلة أم صغيرة أم مجنونة وسواء كانت من النساء الحاملات أو من النساء الحائلات (وهن غير الحاملات) وهذا هو الذي ذهب إليه الإمام الشافعي ومن وافقه من العلماء المتقدمين ورجحه من المتأخرين الشوكاني رحمه الله، ومن العلماء من ذهب إلى التفصيل فقال لا يخلوا إما أن تكون المرأة من النساء العاقلات الحائلات فإن عدتها تكون من حين العلم أو الظن بأن زوجها قد طلقها وأما أن تكون من الصغار أو من المجنونات أو الحاملات فإن عدتها تكون من تاريخ وقوع الطلاق لا من تاريخ العلم أو الظن فعلى هذا فمن كانت عاقلة حائله فلا تحسب عدتها إلا من يوم العلم أو الظن ومن كانت صغيرة أو مجنونة أو حامله فتحتسب عدتها من يوم الطلاق لا من يوم العلم أو الظن بالطلاق وإلى المذهب الأخير الذي يفرق بين الحامل والحائل وبين العاقلة وغير العاقلة (وهي المجنونة والصغيرة) فيجعل العدة لمن كانت عاقلة حائلة من حين العلم أو الظن ولمن كانت حاملة أو مجنونة أو صغيرة من حين وقوع الطلاق إلى هذا المذهب ذهب الإمام المهدي مؤلف الأزهار وهو المختار عند علماء المذهب الزيدي الهادوي والكلام حول أدلة كل من الفريقين طويل لا يتسع الوقت لذكره.

وهذا كله بناءً على أنه وقع التصادق بين الزوجين وبين أهل الزج وورثته أما إذا كانت المرأة تدعى أن الطلاق من الزوج لم يبلغها إلا بعد موت الزوج أو قبل الموت بقليل بحيث أنها بعد أن علمت أو ظنت ظناً راجحاً شرعت في العدة التي مات الزوج قبل كمالها وتطالب بالإرث من الزوج على هذا الأساس وأهل الزوج وورثته ينكرون عدم علمها بذلك الطلاق وعدم معرفتها بأن الزوج قد طلقها ويدعون بأنها علمت بالطلاق في حين وقوعه وأنه لم يمت الزوج المطلق إلا وقد مضت المدة من يوم معرفتها بالطلاق الذي وقع بوقته ولم يتمكن ورثة الزوج من البرهان على وصول رسالة الطلاق إلى المرأة بوقته وعلى أنها قد قرأتها أو قرأها أحد عليها في حينه

ص: 24

فإن القول قولها بأنها لم تعرف أنه طلقها قبل الموت وأنها لم تمض على مدة العدة من يوم معرفتها وعليها اليمين بأنها لم تعرف بذلك الطلاق إلا قبل الموت وبناء على ذلك فإنها ترث من زوجها بعد أداء اليمين وحسابها على الله إن كانت قد فجرت في يمينها، وهذا الجواب كان بحسب السؤال وعلى ضوء الاستفتاء فإن تصادق عليه الطرفان ورضيا بهذا الجواب فبها ونعمت وإن لم يتصادقا على هذا الاستفتاء ولم يقنع أحدهما أو كلاهما بهذا الفتوى فاللازم حضور الطرفين في المحكمة الشرعية المختصة ليعرف القاضي الحقيقة ويستمع إلى البراهين الشرعية ويحكم بما يتوجه لديه شرعاً والحكم قاطع للنزاع وفيه المقنع للجميع.

‌وجوب قضاء أيام عدة المرأة المطلقة رجعياً في بيت زوجها

س: أفتونا هل على المرأة التي طلقها زوجها أن تقضي أيام عدتها في بيت أهلها أم في بيت مطلقها؟

جـ: اعلم أن المرأة المطلقة يجب عليها أن تعتد في بيت زوجها إذا كان الطلاق رجعياً، أما إذا كان الطلاق بائناً بينونة صغرى أو كبرى فلا تعتد إلا في بيت أهلها، والطلاق الرجعي: هو الطلاق الذي يكون بعد دخول الزوج بالزوجة أو يكون طلاقا إلى غير مقابل أو إلى مقابل الإبراء من الالتزام بالأولاد أو يكون بإرجاع بعض المهر أو كله وبشرط ألا تكون طلقته هي الطلقة الثالثة وإنما تكون هي الأولى أو الثانية، والطلاق البائن بينونة صغرى: هو الطلاق الذي يكون بطلب من الزوجة إلى مقابل التزام المرأة بنفقة الأولاد أو بنفقة العدة أو بإرجاع المهر أو بعضه أو بالإبراء إلى مقابل ما عند الزوج للزوجة إلى مقابل الطلاق، والطلاق البائن بينونة كبرى: أن تكون الطلقة فيه هي الطلقة الثالثة التي سبقها طلقتان متخللتان الرجعة، أما الطلاق قبل دخول الزوج بالزوجة المطلقة فهو وإن كان من باب الطلاق البائن بينونة صغرى لكن ليس فيه عدة على الزوجة والجدير بالذكر أن الطلاق الرجعي يصح فيه المراجعة وإذا مات الزوج في حال عدة الزوجة فإنها ترث منه لأن له حق المراجعة بخلاف الزوجة المطلقة طلاقا بائناً فإنها لا ترث من زوجها ولا يحق له أن يراجعها مرة أخرى أي سواء كان الطلاق البائن من البينونة الصغرى أو البينونة الكبرى فالكل لا يحق للزوج أن يراجع زوجته إلا أن في الطلاق البائن بينونة صغرى يجوز له أن يتزوج متطلقته بعقد جديد ومهر جديد إن كانت راضية بذلك، أما إذا لم تكن راضية فلها الحق أن ترفض وتتزوج زوجا آخر من ترضاه أو تصبح أرملة بلا زوج لأن مطلقها أصبح خاطباً من الخطاب، أما المطلقة طلاقاً بائناً بينونة كبرى فلا يجوز له أن يتزوجها مرة أخرى حتى تنكح زوجاً آخر زواجاً شرعياً بشرط أن تتصل الزوجة بالزوج الآخر اتصالاً جنسياً كما دل عليه حديث زوجة رفاعة رضي الله عنه قال لها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد طلقت من زوجها أتحبين أن تعودي إلى رفاعة؟ قالت: نعم، فقال لها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ).

‌الطلاق البائن بينونة كبرى طلاق الزوجة في المرة الثالثة

س: ما هو الطلاق البائن بينونة كبرى؟

جـ: من قد طلق زوجته ثلاث تطليقات متخللات الرجعة، فإذا أراد الزوج مراجعتها فليس له عليها رجعة، ولا يحق له أن يتزوج بها حتى تتزوج برجل آخر زواجاً شرعياً صحيحاً، ثم إذا طلقها أو مات عنها فحينئذ يجوز للزوج الأول أن يتزوج بها، أما من يتزوجها ليرجعها للزوج الأول فهو حرام وليس بزواج شرعي لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّل َوَ الْمُحَلَّلَ لَه) ولا يسمى زواجاً شرعياً وكذلك لا بد من أن يكون الزوج الثاني قد وطأها أما إذا لم يكون قد وطأها فلا تحل للزوج الأول لحديث (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) وعلى هذا الأساس إذا أراد الزوج الأول التزوج بها فيكون بعقد ومهر جديدين إن رضيت، وإلا فهو خاطب من الخُطاب

ص: 25

س: رجل طلق زوجته قبل ثلاثة أشهر وما زالت في بيته، فما الحكم علماً أنها الطلقة الثالثة؟

جـ: لا مانع للضرورة بشرط ألا يراها ولا يؤاكلها ولا يشاربها ولا يخلو بها في البيت والبيت فارغ من جميع سكان البيت لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

(1)

ولحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ)

(2)

وحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)

(3)

، وإن كان الأحوط انتقالها كما هو الأفضل والأحسن والأولى.

‌تحريم خلوة الرجل بالمرأة المطلقة منه وحكمها حكم الأجنبية عنه

س: هناك رجل طلق امرأته للمرة الثالثة لكن المرأة لا تزال جالسة في بيت مطلقها بحجة أنها جالسة عند أولادها علماً بأنهما يأكلان مع بعضهم البعض ويدخل البيت عندهم، فهل هذا يجوز شرعً أم لا؟

جـ: المرأة المطلقة طلاقاً بائناً بينونة كبرى حكمها مثل حكم المرأة الأجنبية لا يجوز لمطلقها أن يخلوا بها إلا مع محرم ولا يجوز له أن يسافر معها إلا مع محرم ولا يجوز له النظر إليها.

والخلاصة: هي أن هذه المطلقة حكمها مثل حكم الأجنبية في كل شيء بل تزيد على المرأة الأجنبية بحكم زائد وهو أن المرأة الأجنبية يحل له الزواج بها إذا لم يكن هناك مانع من الزواج مثل أن تكون مزوجة مثلاً، أما المطلقة ثلاثة فلا تحل لمطلقها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً صحيحاً وأن يدخل الزوج بها لحديث (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) وفي رواية (لا تحلين َلِزَوْجِكِ الأول حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ).

‌تحريم بقاء الزوجة المطلقة طلاقا بائنا في بيت المطلق والعيش معه

س: هل يجوز لزوجة مطلقة طلاقا بائنا العيش في نفس البيت الذي فيه مطلقها لكي ترعى الأطفال؟

جـ: الظاهر عدم الجواز لأنهما سيجتمعان في منزل واحد ليلا ونهارا بكرة وعشياً ولقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

(4)

ولحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) وحديث (وَمَنْ كَانَ

(1)

- الأحزاب: آية (53)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من اكتتب في جيش فخرجت إمرأته حاجة. حديث رقم (3006) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ).

أخرجه مسلم في الحج، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: النكاح، الحج.

(3)

- مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: باب مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه. حديث رقم (1424) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2801).

أخرجه الترمذي في الادب، والنسائي في الغسل والتيمم، والدارمي في الأشربة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الإزار: ثوب يلف به النصف الأسفل من الجسم.

(4)

- الأحزاب: آية (53)

ص: 26

يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ).

س: ما حكم من طلق زوجته ثلاثاً متخللات الرجعة؟

جـ: اعلم أن من طلق زوجه ثلاث طلقات متخللات الرجعة فإن زوجته تصبح عليه محرمة شرعاً لا يحل له منها ما يحل للرجل من زوجته ولا يجوز له الاتصال بها ولا يرثها أو ترثه وإذا ادعت عليه الزوجة أنه قد طلقها ثلاثاً متخللات الرجعة فعليها البرهان، وإذا لم تتمكن من إبراز برهان فالقول قول الزوج وعليه يمين فإن حلف أنه لم يطلقها ثلاثاً فلا مانع من بقائها عنده لأن الشريعة على الظاهر والله يتولى السرائر، وحكم الحاكم ينفذ ظاهراً لا باطناً وإذا كان الواقع هو ما ادعته الزوجة فالإثم كله على الزوج وهو المسؤول أمام الله وسيعاقبه الله عقاب اليمين الفاجرة وعقاب بقاء الزوجة لديه بعد طلاقها وذلك كله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرح في الحديث الصحيح بما يدل على أن حكم الحاكم ينفذ ظاهر لا باطناً حيث قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذْهَا)

(1)

كما جاء الوعيد على من يحلف اليمين الفاجرة في حديث (الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ)

(2)

و حديث (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)

(3)

فليتق كل من يطلق زوجته أكثر من ثلاث طلقات متخللات الرجعة وليعرف كل من قد طلق زوجته أكثر من ثلاث بأنها قد حرمت عليه تحريماً قطعياً لا تحل له إلا بعد أن تتزوج زوجاً غيره في نكاح شرعي غير مقصود به التحليل بشرط دخول الزوج الأخير على الزوجة والاتصال بها جنسياً، لحديث (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) وفي رواية (لا تحلين َلِزَوْجِكِ الأول حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ).

والخلاصة:

1 -

من طلق زوجته ثلاث تطليقات متخللات الرجعة أصبحت عليه حرام حتى تنكح غيره لقوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا

(1)

صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب من أقام البينة بعد اليمين. حديث رقم (2483) بلفظ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذْهَا).

أخرجه مسلم في الأقضية، والنسائي في آداب القضاة، وأبو داود في الأقضية، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية.

أطراف الحديث: المظالم والغصب، والحيل، الأحكام.

معاني الألفاظ: ألحن: أفصح ببيان حجته.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان والنذور: باب اليمين الغموس. حديث رقم (6182) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ)

أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، والنسائي في تحريم الدم، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في الديات.

معاني الألفاظ: الغموس: القسم الكاذب الذي يغمس صاحبه في النار.

(3)

صحيح مسلم: كتاب الأيمان: باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار. حديث رقم (196) بلفظ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)

اخرجه النسائي في أداب القضاة، وابن ماجه في الاحكام، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية، والدارمي في البيوع.

لايوجد للحديث مكررات.

معاني الألفاظ: اقتطع: امتلك حق اخيه المسلم ظلما بالحلف الكاذب.

ص: 27

فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}

(1)

.

2 -

حكم الحاكم ينفذ ظاهراً لا باطناً لحديث (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ).

3 -

ومن ادعت عليه زوجته أنه طلقها ثلاثاً ولم تتمكن من البرهان عليه وحلف على دعواها أنه باطل ردت إليه والإثم عليه وهو المسؤول أمام الله لحديث (شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ)

(2)

ولقاعدة (على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين).

س: بعض الناس يقول بأن المرأة إذا طلقها زوجها طلاقاً بائناً وراجعها زوجها فعليه أن يعقد بها على رجل لمدة يوم وليله ثم يطلقها، فهل هذا التحليل صحيح أو أنه غير صحيح؟ هذا والبعض الآخر يزعم أن وضع الأكاف وهو الوطاف على ظهر المرأة كاف في إرجاع المطلقة؟

جـ: اعلم بأن الأدلة الصحيحة تدل أن على من طلق زوجته طلاقاً بائناً بينونة كبرى بأن يكون طلاقه ثلاثة متخللات الرجعة فلا يجوز له أن يعقد بها مرة أخرى حتى تنكح زوجاً غيره يتزوج بها في عقد زواج شرعي ويتصل الرجل بهذه المرأة اتصالاً جنسياً بحيث أنه يطأها ولا يكفي العقد بلا وطء كما أنه لا بد بأن يكون الزوج الثاني هذا قد تزوجها قاصداً بالزواج الزواج الدائم ثم طلقها لأيِّ سبب من الأسباب التي يطلق الرجل امرأته من أجلها بشرط أن تعتد من الزوجين، أما إذا طلق الرجل امرأته فتزوجت برجل آخر وكان الأول قد طلقها ثلاث متخللات الرجعة حتى بانت منه بينونة كبرى فطلقها الأخير قبل أن يتصل بها اتصالاً جنسياً فإنه لا يجوز أن ترجع إلى الزوج الأول ما دام وأن الزوج الآخر لم يطأها لأنه من شرط نكاح الزوج الآخر أن يكون مع العقد الوطء، أما العقد دون الوطء فليس مجوزاً برجوعها إلى الزوج الأول بعقد النكاح المجرد عن الوطء، والدليل على هذا هو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن كانت تحاول الرجوع إلى زوجها الأول الذي كانت قد بانت منه بينونة كبرى بعقد جديد ولم يكن الزوج الآخر قد وطأها (لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) فقوله لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك فمعناه لا يمكن رجوعك إلى زوجك الأول بعقد جديد ومهر جديد إلا أن يتصل بك الزوج الجديد إتصالاً جنسياً وإذا لم يكن قد اتصل بك الزوج الأخير إتصالاً جنسياً بل كان العقد له بك مجرداً عن الوطء فلا يحل لك الرجوع إلى الزوج الأول حتى يطأ الزوج الثاني ومجرد العقد غير كاف في الرجوع إلى الزوج الأول، وكذلك لا يجوز رجوع الزوجة المطلقة طلاقاً بائناً إلى زوجها المطلق لها هذا الطلاق إذا كان الزوج الثاني

(1)

- البقرة: آية (228)

(2)

صحيح البخاري: كتاب الرهن: باب إذا احتلف الراهن والمرتهن ونحوه فالبينة على المدعي. حديث رقم (2332) بلفظ (: عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا فَقَرَأَ إِلَى عَذَابٌ أَلِيمٌ ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ فَحَدَّثْنَاهُ قَالَ فَقَالَ صَدَقَ لَفِيَّ وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ قُلْتُ إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا إِلَى وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البيوع عن رسول الله، تفسير القرآن عن رسول الله، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الأحاكم، وأحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: المساقاة، الخصومات، الرهن، الشهادات، تفسير القرآن، الأيمان والنذور، الأحكام، التوحيد.

ص: 28

قد تزوجها بمواطئة من الزوج الأول أو من المطلقة أو منهما معاً ليكون زواج الرجل الثاني محللاً للأول والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ) واللعن في اللغة: هو الطرد، فمعنى لعن الله المحلل والمحلل له طرد الله المحلل والمحلل له من رحمته وقد سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم (التَّيْسِ الْمُسْتَعَار) في حديث (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ)

(1)

.

‌وقوع الطلاق المعلق بمجرد وقوع الشرط

س: رجل قال لزوجته إذا ذهبت إلى مكان ما فأنت طالق، ثم ذهب للغربة لمدة سنة ولم يرجع إلا وقد انجبت له ولداً، مع أنها ذهبت إلى البيت الذي منعها منه، فما الحكم؟

جـ: بمجرد دخولها إلى المكان الذي علق الطلاق بدخوله تطلق لأنَّ العلماء يقولون بأن الطلاق المعلق يقع بمجرد وقوع الشرط، إلا على رأي العلامة ابن تيمية القائل بأنه تهديده للمرأة لا يقع به الطلاق، فيمكن حمل هذا الرجل البدوي على رأي ابن تيمية، مع أن رأي الجمهور هو الراجح.

س: أفتوني عن رجل قال وهو غاضب حرام وطلاق إذا توكلت على إخوتي أو على أيِّ شخص؟

جـ: اعلم أن من قال إذا توكلت وهو غاضب على إخوتي أو علي أيِّ شخص فإذا توكل (تحسب طلقة واحدة) وإن لم يتوكل لم تحسب ولا ينبغي للأب أن يجبر ابنه على شيء قد يكون هذا الشيء السبب في طلاق زوجة الولد، وهكذا لا ينبغي لأيِّ رجل أن يعلق أيِّ فعل على طلاق زوجته فلا دخل للزوجة في التوكيل من عدمه ولا علاقة للتوكيل وطلاق المرأة فمن يعلق فعلاً أو تركه على طلاق زوجته فهو آثم متلاعب بأحكام الله تعالى لأن الله تعالى شرع الطلاق حلاً بين الرجل وامرأته إذا تكدر البقاء معها وأصبحت المعيشة بين الزوجين متكدرة ولم يبق حل للمشكلة غير قطع علاقة الزوجين بالطلاق، وبناء على ذلك فمن يقول لآخر إذا عملت كذا وكذا فامرأتي طالق أو إذا لم أعمل كذا وكذا فامرأتي طالق يصدق عليه أنه متلاعب بشريعة الله حيث علق العمل وعدم العمل على طلاق زوجته التي لا دخل لها ولا ذنب في الموضوع وقد تكون تحبه وقد يكون هو يحبها وقد يكون معها أطفال صغار وقد تكون أمهم هي الضحية إذا كان هذا الطلاق هو الطلاق الثالث الذي تبين منه الزوجة بينونة كبرى لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً لا يقصد به التحليل ويتصل بها الزوج اتصالاً جنسياً لا مجرد عقد مقصور على الدخول بها، فيا أيها المسلمون تقيدوا بشريعة الله ولا تحلفوا بالطلاق ولا تعلقوا فعل أيِّ فعل أو تركه على تطليق نسائكم فتضحوا بنسائكم وأطفالكم حيث ستصبح الزوجات أرملات والأطفال من الذكور أو الأناث أيتاما فاقدين حنان الأمهات إن عاشوا عند الآباء أو رحمة الآباء إن عاشوا عند الأمهات، وهذه المسألة قد عمت مصائبها وكثرة المشاكل الناتجة عنها فإنا لله وإنا إليه راجعون.

س: ما رأيكم في رجل قال لزوجته إن ذهبت عند بيت فلان فأنت طالق فذهبت، فهل قد وقعت طلقه أم لا؟

جـ: قد وقعت طلقة، إلا أن ابن تيمية يقول إذا كان الزوج يريد تهديد الزوجة ولا يقصد الطلاق لا يقع طلاقاً، ولكن المعمول به الآن أنها تقع طلقة لأن الزوج علق الطلاق على ذهابها فذهبت فقد وقع الطلاق.

(1)

سنن ابن ماجة: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه بتصحيح الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (1585).

ص: 29

س: رجل طلق زوجته مرتين ولم تعلم لا هي ولا أهلها وفي المرة الثالثة قال لها إذا ذهبت إلى بيت أهلك فأنت طالق فذهبت؟

جـ: من طلق زوجته بلفظ صريح فقد طلقت سواءً علمت المرأة أم لم تعلم علم أهلها أم لم يعلموا، ومن قال لزوجته إذا ذهبت إلى مكان كذا فأنت طالق، فذهبت في الحال أو بعد مدة فقد قال العلماء بأنها تطلق حتى ولو آذن لها بالذهاب بعد مدة لأنه يريد أن يسحب كلمته ولا يصح سحب الكلام في الشريعة الإسلامية.

عدم وقوع الطلاق بالتسويف بالطلاق

س: إذا حلف الرجل على زوجته بالطلاق وقال إذا ذهبت إلى بيت والدها فما تتبعها إلا ورقة الطلاق وخرجت فعلاً فهل يعد هذا طلاقاً وما هو الحكم في ذلك؟

جـ: الكلام الوارد في السؤال غامض ويحتمل معنيين:

المعنى الأول: هو أن المراد إذا خرجت من بيتي إلى بيت والدك فسوف أطلقك وأرسل بورقة الطلاق بعدك فإذا خرجت بغير إذنه فلا تطلق إلا إذا طلقها أو أرسل بورقه الطلاق، ويحتمل أن يكون المعنى المراد إذا خرجت من بيتي إلى بيت والدك فأنت طالق فإذا خرجت فإنها تحسب طلقة واحدة وعليه المراجعة إن أراد في العدة إن لم تكن هذه الطلقة هي الثالثة، وحيث وهذا الكلام فيه نوع إجمالٍ فلا بد من إعادة السؤال من جديد وإيضاح هذا الرجل لكلامه هذا ليكون الجواب على بصيرة من الأمر ولا يكون الجواب مجازفة ولا سيما والقضية قضية طلاق تحتاج إلى تحري زائد، وعلى هذا الأساس فأنا لا أستطيع الفتوى بأن هذا الكلام يحسب طلقة ولا أستطيع الإفتاء بأنه لا يحسب طلقة حتى أعرف المقصود من هذا الكلام ويتضح لي المراد به، فإذا عرفت المراد به إذا خرجت من بيتي إلى بيت والدك بغير إذني فسوف أطلقك وأرسل بورقة الطلاق بعدك سأفيد السائل بأن الطلاق لا يقع إذا خرجت المرأة بغير إذن، وإن أراد بكلامه هذا إذا خرجتي من بيتي إلى بيت والدك بغير إذني فأنت طالق فأنا سأفيد السائل بأن هذا الكلام صريح في وقوع طلقة واحدة إن خرجت المرأة بغير إذن، أما الآن وقبل أن يتضح المقصود فأنا متوقف ومنتظر لإعادة السؤال مرة أخرى مفصلاً ليكون الجواب صريحاً وجازماً.

للزوج بعد الزواج الثاني بالمطلقة البائنة بينونة كبرى ثلاث طلقات

س: إذا طلق الرجل امرأته وتزوجها بعده رجل آخر ووطئها بدون قصد التحليل فهل للزوج عليها بعد الزواج الثاني ثلاث طلقات؟

جـ: عند الشوكاني: يستأنف ثلاث طلقات من جديد، وعند الهادوية: تحسب الطلقات السابقة من الثلاث، لأن الشوكاني يقول: إن الزواج الثاني قد هدم ما قبله والمسألة اجتهادية ليس فيها نصوص.

س: ما السر أن المرأة لا تصح لزوجها الأول في الطلاق البائن بينونة كبرى إلا بعد أن يطأها الزوج الثاني؟

جـ: السر هو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ) فلا بد أن يطأها الزوج الثاني في نكاح صحيح لا يراد به التحليل.

‌آراء العلماء في نفاذ طلاق من يريد بطلاقه التهديد ولا يريد وقوع الطلاق

س: هل ينفذ الطلاق من الزوج إذا كان مقصده التخويف والتهديد أم أنه لا ينفذ؟

جـ: اعلم أن العلماء في حكم طلاق من قصد التهديد والتخويف مختلفون هل يقع أم لا، والذي ذهب إليه

ص: 30

الجمهور هو وقوعه ونفوذه وهو المطبق في الجمهورية اليمنية، والذي ذهب إليه ابن تيمية هو عدم وقوعه وهو المعمول به في المحاكم المصرية.

س: رجل قال لزوجته أنت طالق إذا لم تحضري الباكت السيجارة باتهامه لها أنها أخذت السيجارة فحلفت له أنها لم تأخذها، ما حكم علماء الإسلام في هذه القضية؟

جـ: إن قول الرجل لزوجته انت طالق إذا لم تحضري (الباكت السيجارة) يريد التهديد لها يكون طلقة واحدة إذا لم تحضر (الباكت) عند الجمهور، ولا يحصل الطلاق عند العلامة ابن تيمية لأنه لا يقول بوقوع الطلاق المعلق على وقوع الشيء أو عدمه وعند الجمهور يقع إذا لم يحصل الشئ المعلق عليه الطلاق، ويقولون هو (صريح الطلاق ولا يحتاج إلى نية الطلاق).

قصة زواج الحسين (بؤرينب) ليرجعها لزوجها إن صحت القصة

س: ما رأيكم في قصة زواج الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهما (بؤرينب) زوجة عبدالله بن سلام التي تروي كتب الأدب والتاريخ أن معاوية بن أبي سفيان طلب منه ابنه (يزيد) ان يحتال لطلاقها من زوجها لكي يتزوج بها يزيد بن معاوية، فاحتال معاويه لطلاقها وأرسل الصحابي الجليل أبا الدرداء ومعه صحابي آخر رضي الله عنهما ليخطباها ليزيد بن معاويه بعد ان انتهت عدتها، ومرا على (الحسين بن علي بن أبي طالب) وهو في الكوفه ليسلما عليه، فقصا عليه القصة فطلب منهما خطبتها لنفسه مع يزيد، فاختارت الحسين بن علي ثم طلقها (الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ليرجعها لزوجها الأول؟

جـ: لا عبرة بما ورد في كتب الأدب أو التاريخ إن كان مخالفاً للأحاديث الصحيحة وإنما الحجة هي فيما ورد من الأحاديث الصحيحة، وعلى فرض صحة هذه القصة، فنقول هو مذهب للحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وكأنه يقول أن اللعن خاص بمن يرسل للخطبة من قبل الزوج الأول ويخص منه من يخطبها من ذات نفسه ليرجع الزوجة إلى الزوج الأول تطوعاً منه أي لعل مذهبه أن المحرم ما كان بتواطئ من الزوج الأول والثاني، وأما إذا كان الزواج بلا تواطئ بين الزوجين وإنما كان الزوج الثاني قد قصد التحليل من نفسه بلا علم من الزوج الأول ولا من الزوجة وبلا تواطؤ منهم فليس بحرام عنده، والله أعلم، هذا كله إن صحت القصة كما أن فعل الصحابي إن صح عنه لا حجة فيه على أحد ولو لم يعارض الحديث المرفوع فكيف وهذا الفعل منه قد عارض قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ)

(1)

.

‌كناية الطلاق العبرة فيها بنية الزوج

س: ما حكم التلفظ بكناية الطلاق؟

جـ: كناية الطلاق العبرة فيها بنية الطلاق فإن أراد الزوج الطلاق تكون طلقة وإن أراد غير الطلاق فلا تحسب طلقه وعليه اليمين بأنه لم يرد الطلاق لحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)

(2)

والقول قول

(1)

سنن أبي داوود: سبق ذكره في هذا الباب من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بتصحيح الألباني للحديث برقم (5101).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله. حديث رقم (1) بلفظ (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في فضائل الجهاد، والنسائي في الطهارة، والطلاق،، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الزهد،، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ: النية: القصد وعزم القلب على الفعل.

يصيب: ينال، والمراد: تحصيل أسباب العيش.

ص: 31

الزوج مع يمينه.

س: رجل تشاجر مع زوجته فقالت له طلقني لو أنت رجال فقال لها لك ما أردت، فهل تعتبر طلقة أم لا؟

جـ: هذه الكلمة ليست طلقة ولا تحسب طلقة إلا إذا نوى بها الطلاق فتكون طلقة مهما صح أنه نوى الطلاق لقوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}

(1)

ولحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) وإلا فلا.

‌كتابة الطلاق على ورقة من كنايات الطلاق إلا إذا أرخها فهي طلاق صريح

س: هل يعتبر كتابة الطلاق في ورقه طلاق صريح أم كناية طلاق؟

جـ: قال العلماء: الكتابة المرتسمة على بياض أو في السبورة أو نحوهما يكون من كنايات الطلاق إلا إذا كتب ورقة الطلاق وأرَّخها وأرسلها إلى الزوجة أو وليها فإنه يكون صريحاً بالقرائن، أما الكتابة على الماء أو في الهواء فلا يعتد بها، أما الكتابة المرتسمة فهي كناية طلاق والقول قول الزوج مع يمينه.

‌لفظ التحريم من كنايات الطلاق

س: قال رجل لأحد أقاربه في مشكله بينهما: قد حرمت زوجتي، فهل تحسب طلاقاً؟

جـ: عند الشوكاني: لا يقع طلاقاً لقوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، وعند علماء آخرين قالوا: إن نوى به طلاقاً فتعتبر طلقة وإن لم ينو فلا يقع طلاقاً لقوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ولحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)، والقول قول الزوج مع يمينه، والمسألة قد أُلف فيها عدة مؤلفات، والشوكاني عنده إن لفظ التحريم لا يكون من صريح الطلاق ولا من كنايات الطلاق، فوجودها وعدمها عنده على السواء.

‌قول أنت طالق بنية التعليم لا يحسب طلقة

س: أنا أعلم زوجتي عن بعض أحكام الطلاق وفي تعليمي لها قلت لها أنت طالق من باب التعليم، فهل تحسب طلقة واحدة؟

جـ: لا تحسب طلقة لقوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ولحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى).

س: ما حكم من قال لزوجته حرام؟

جـ: هي كناية طلاق فهو يرجع إلى نيته لقوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ولحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) فإن أراد بلفظ الحرام الطلاق فهو طلاق وإن أراد اليمين فهو يمين والقول قوله مع يمينه.

‌طلاق الأخرس بالإشارة

س: كيف يكون طلاق الأخرس؟

(1)

- البقرة: آية (227)

ص: 32

جـ: يكون بالإشارة المفهمة.

‌عدم وقوع الطلاق بالتفل

س: هل يقع الطلاق بالتفل أمام زوجته أو أنه لا يقع؟

جـ: إن الطلاق لا يكون إلا بالكلام أو بالكتابة مع النية لقوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} ولحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) كما يكون أيضاً بالاشارة المفهمة لمن كان لا يستطيع الكلام ممن يسمى بـ (الأخرس) وهو الذي لا يسمع ولا ينطق، أما بالتقل الوارد بالسؤال وهو أن الزوج يرمي بالريق من فمه إلى أمام الزوجة على حد تعبير السائل فلا يقع لأن التفل أو الدفل ليس من صريح الطلاق ولامن كناية الطلاق.

‌عدم صحة طلاق الصبي أو المجنون

س: هل يصح طلاق الصبي أو المجنون؟

جـ: لا يصح طلاق الصبي أو المجنون إجماعاً ولكن يطلق عن الصبي وليه إن رأى في الطلاق مصلحة، والمجنون يطلق عنه وليه إن رأى في الطلاق مصلحة، هذا على فرض أن العقد للصبي صحيح وإلا فالمختار عند ابن حزم والأمير في المنحة عدم صحة العقد للصبي لعدم المصلحة وهو الذي اختارته لجنة تقنين الأحكام الشرعية وصدر بخصوصه قرار جمهوري.

‌طلاق المكره غير نافذ شرعاً

س: تزوّج رجل بامرأة ومكثت معه ما يقرب من عام ولم يحدث بينهما أيُّ خلاف يذكر إلا أن أولياء المرأة منعوها أن تلحق بزوجها وبقي يطالبهم بذلك أكثر من عام ولم يلق منهم أيَّ تجاوب أو إنصاف وإنما دبروا له مكيدة فقد هددوه باطلاق النار عليه إذا لم يطلق فطلق مكرهاً تحت تهديد السلاح فهل يصح أو ينفذ طلاق المكره أم أنه غير صحيح وغير نافذ شرعاً؟

جـ: طلاق المكره غير صحيح وغير نافذ شرعاً لحديث (إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَعَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَااسْتُكْرِهُواعَلَيْهِ)

(1)

فمن طلق مكرهاً فطلاقه لا ينفذ والعبرة في هذا بالبرهان ويحسن حضور الطرفين عند القاضي الشرعي المولى في المنطقة لمعرفة الحقيقة ولإجراء اللازم بحسب البراهين.

‌عدم نفاذ طلاق المكره

س: تزوجت بنت عمي وغصبوني في المحكمة أن أطلقها فطلقتها طلقة واحدة ولم أستلم مهرها وكذلك زوجها أبوها؟

جـ: إذا كنت قد طلقتها طلقة واحدة ولم تكن مجبراً على طلقتها بحيث لم يبق لك اختيار وانقضت عدتها وخطبها الخاطب فتزوجها فذلك جائز شرعاً، أما إذا كنت قد طلقتها مكرهاً بحيث لم يبق لك اختيار وأجبرت على الطلاق إجباراً فالطلاق لا يقع لحديث (إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَعَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَااسْتُكْرِهُواعَلَيْهِ)، ولكن دعوى الإجبار والاكراه تحتاج إلى برهان وبينه يدل على أنك عندما طلقت المرأة كنت مكرهاً ومجبراً على ذلك لأنه بالإكراه

(1)

- سنن ابن ماجة: كتاب الطلاق: باب طلاق المكره والناسي. حديث رقم (1675) بلفظ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الخطأ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة بنفس الرقم.

انفرد به ابن ماجة.

ص: 33

وبالإجبار تبطل العقود الشرعية فتصير أي العقود الشرعية كأنها لم تكن، وذلك كالبيع أو الوقف أو العتق فمن باع أو أوقف أو أعتق وهو مكره على البيع أو الوقف أو العتق فإن البيع لا يقع والوقف لا يقع والعتق لا يقع، وكذلك من طلق وهو مكره فطلاقه لا يقع ووجوده وعدمه سواء مهما صح الإكراه، وحد الأكراه ما يخشى على نفسه القتل أو الضرر كما قرره علماء الشريعة الإسلامية.

س: هل يصح طلاق المكره؟

جـ: لا يصح طلاق المكره لحديث (إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَعَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَااسْتُكْرِهُواعَلَيْهِ) خلافاً لأبي حنيفة وهو مذهب ضعيف لكن لا بد من برهان على صحة الإكراه، كما أن حد الإكراه هو الذي لم يتبق للمكره قدرة على الدفاع.

‌آراء العلماء في وجوب طاعة الوالدين أو أحدهما بطلاق الزوجة

س: يوجد رجل متزوج بامرأة سلوكها حسن ولكن والدة هذا الرجل تحاول أن تفرق بينها وبين زوجها فأصبح في حيرة من أمره، فما هو حكم شريعة الإسلام؟

جـ: من العلماء من يقول بأن على الولد طاعة والديه إذا أمراه بطلاق زوجته لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر ابن عمر بطلاق زوجته طاعة لأبيه الذي كان قد أمره بطلاق زوجته، ومن العلماء من يقول لا يجب على الولد طلاق زوجته إذا أمره أحد والديه لأن الطلاق أبغض الحلال وإنما أمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ابن عمر بذلك لأنه كان قد عرف أن عمر لم يأمر ولده بذلك إلا وقد عرف بأن زوجته لا تصلح له زوجة، وعندي أن المسألة تحتاج إلى من يتوسط بين الرجل ووالدته ويسعى في إصلاح الشأن بين الطرفين ومعرفة الدافع الذي حمل الوالده على الأمر بطلاق زوجة ابنها فإن كانت متعنتة وليس لها أيُّ مبرر فعليه النصح لها بأسلوب لين، وإن كان لها مبرر لمطالبة ولدها بالطلاق فعلى الولد طاعة والدته.

والخلاصة لما جاء في جوابي هذا تنحصر فيما يلي:

1 -

من أمرته أمه بطلاق زوجته لا يتسرع حتى يتوسط من يدرس القضية فإن كانت الأم متعنتة كان اقناعها بأحسن أسلوب.

وإن كانت على حق طلق الولد زوجته.

س: رجل يطلب من ابنه أن يطلق زوجته وهو لا يريد؟

جـ: الطلاق لا يكون إلا بسبب وإذا لم يكن هناك سببا مسوغا لطلاق المرأة ولا وضَّح الوالد لولده السبب الموجب لطلب الطلاق إيضاحاً مربوطاً بمسوغ للطلاق فلا يجب على الولد أن يطلق زوجتهلقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ

فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}

(1)

وقوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

(2)

ولحديث (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)

(3)

وحديث (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ

(1)

- النساء: (19)

(2)

- البقرة: (229)

(3)

- سنن الترمذي: كتاب المناقب: باب فضل أزواج التبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (3895) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ) صححه الألباني بنفس الرقم.

أخرجه أبوداود في الأدب، والدارمي في النكاح.

ص: 34

خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)

(1)

، وإن كان ثم موجب للطلاق فلا مانع من طلاقها فالجواز والمنع متوقف على معرفة الحالة وعلى معرفة المسوغ لطلب الطلاق، أما الفتوى بوجوب الطلاق مطلقاً أو بعدم الوجوب مطلقاً فلا يمكن.

وإن كانت على حق طلق الولد زوجته.

س: ما قولكم في رجل غضب على ولده وعلى زوجة ولده الذين يعيشان في بيت منفرد عن والدهما فقال لابنه طلق زوجتك ولا تعصي أباك وإذا لم تطلق زوجتك فأمك طالق الطلقة الثالثة والأخيرة علماً بأن كلا الزوجتين لهما أطفال فهل تطلق الأم وتبقى زوجة الولد أم العكس وكيف الحل؟

جـ: الجواب والله الموفق للصواب هو أن إحدى الزوجتين ستصبح مطلقة فإن طلق الولد زوجته بقيت والدته وإن لم يطلقها فإن أمه ستطلق طلاقاً بائناً بينونة كبرى وأنت بالخيار ولا أستطيع أن أرجح طلاق إحدى الزوجتين لعدم معرفتي بالظروف التي تعيش أنت ووالدك فيها، هذا واعلم أن الناس في هذه الأيام ولا سيما الشباب قد أسرفوا في الطلاق إسرافاً عظيماً وأصبحت أكثر الفتاوى في مسائل الطلاق سواءً ما كانت أسئلتها بطريقة الكتابة أو بطريق الهاتف أو مشافهة، فهذا يقول طلقت زوجتي وأنا في غاية من الغضب، وهذا يقول طلقت زوجتي لكونها لم تمتثل أمري، وآخر يقول ما قولكم في رجل علق الأمر الفلاني بطلاق زوجته أو حلف على الشئ الفلاني أنه على الصفة الفلانية وأضاف أنه إذا لم يكن على الصفة الفلانية فزوجته طالق، ومنهم من يسأل عن حكم طلاق من طلق وهو فاقد شعوره بسبب استعماله بعض المشروبات المحرمه شرعاً، ومنهم من يأمر ولده بأن يطلق زوجته ويضيف قائلاً إذا لم تطلقها فأمك فلانة طالق ويكون قد طلقها مرتين قبل أن يطلقها هذه الطلقة التي ستكون هي الثالثة والأخيرة، ثم يأتي يسأل عن الحل أو عن الحكم الشرعي في القضية ويصادف أن زوجة الولد لها أطفال وزوجة الوالد مثلها لها أطفال أيضاً وهكذا وهلم جراً، فاتقوا الله يا عباد الله وارحموا أنفسكم وأهليكم وأطفالكم واعلموا ان الطلاق لم يشرع إلا لقطع العلاقة فيما بين الزوجين إذا قد توترت العلاقة فيما بينهما وأصبحت الحياة الزوجيه متعكرة وصعبة وكثرت المشاكل أو لم تحصل المودة والألفة بينهما من أول ما دخل بها أو أصبحت الزوجة متضررة من زوجها بأيِّ سبب من الأسباب أو غير ذلك من الأشياء المسوغة للطلاق، أما أن الوالد يغضب على ولده أو على زوجة ولده فيأمره بطلاقها ولا يكتفى بذلك حتى يضيف على الأمر قوله إذا لم تطلق زوجتك فأمك طالق ويكون قد طلقها مرتين ثم يأتي يسأل هل هناك مخرج من هذه المشكلة حيث أن أم الولد لها أولاد صغار وزوجة الولد أيضاً لها أولاد صغار ولو كان يخاف الله في نفسه ما عمل هذا العمل ولما ضحى بزوجته وأطفاله في سبيل الانتقام من زوجة ولده في حين أنه لا دخل لزوجته في القضية التي كانت سبباً في غضب الوالد على ولده وعلى زوجة ولده ولا شئ بينها وبين زوجها أو ولدها أو زوجة ولدها أي أنه لا ناقة لها ولا جمل في ذلك كما يقول المثل العربي وهذا إن صح ما جاء في الاستفتاء الوارد في السؤال فيها أيها الآباء أعينوا أولادكم على الطاعة، واعلموا أنهم قد نشأوا في زمن غير الزمن الذي

(1)

- صحيح البخاري: كتاب أحديث الأنبياء: باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته. حديث رقم (2084) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)

أخرجه مسلم في الأيمان، والترمذي في الطلاق، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

ص: 35

نشأتم فيه ويا أيها الأبناء أطيعوا والديكم وبروهم فطاعة الوالدين واجبة وجوباً قطعياً بأدلة الكتاب والسنة والإجماع، ويا أيها الأزواج لا تلعبوا بشريعة الإسلام ولا تجعلوا كلمة الطلاق لعبة تعبثون بها وتطلقون نساءكم لا لشيء أو لشيء تافه لا تستحق النساء بسببه الهجر فضلاً عن الطلاق، ويا أيتها الزوجات أطعن أزواجكن واسعين فيما يرضيهم ولا تتدخلن في شؤون الرجال أو فيما بين الأزواج ووالديهم أو بين الأزواج ووالداتهم واحترمن آباء أزواجكن وأمهاتهم، ويا أيتها الأمهات إتقين الله ولا تظن إحداكن أن زوجة ولدها ستكون لها كما كانت هي لأم زوجها فتحمل نفسها مالا تطيق فلو أن الآباء والأمهات حاولوا إعانة أبنائهم على الطاعة والأبناء بروا بآبائهم وأمهاتهم ورحموا زوجاتهم والزوجات طائعات لأزواجهن وعرف الأزواج أن الطلاق شرع للضرورة لما كثرت حوادث الطلاق، ولما شرد الأطفال، ولما رملت النساء، ولا سيما إذا كان المطلق الذي سيطلق زوجته للضرورة سيطلقها على الصفة المشروعة وهو أنه لا يطلقها وهي حائض فإن طلاق الحائض منهي عنه وصاحبه يأثم ويقع طلاقه مع الإثم، وكذلك لا يطلقها وهي طاهر ولكنه كان قد اتصل بها اتصالاً جنسياً فإن طلاقه يكون طلاقاً محرماً أيضاً مثل طلاق الحائض فيأثم المطلق ويكون الطلاق، بل الواجب على الزوج أن لا يطلقها إلاَّ في طهر لم يطأها فيه فإذا عزم على الطلاق لأيِّ سبب من الأسباب المسوغة للطلاق وهي حائض فلا يطلقها حتى تطهر فإذا طهرت طلقها وإذا عزم على الطلاق وهي طاهرة لكن كان قد إتصل بها إتصالاً جنسياً فلا يطلقها حتى تحيض وتطهر من الحيض يطلقها وهي طاهرة طهارة لم يمسها أثناءها وهذا هو الطلاق السني الذي لو عمل الناس به ولم يطلقوا زوجاتهم إلا وهن طاهرات طهارة لم يجامعوهن فيه لخفت حوادث الطلاق لأنها لم تطهر طهارة لم يتصلوا بهن فيها إلا وقد رجعوا عن عزمهم فيتلاشى الطلاق فالدين يسر والشريعة سمحة، ولكن الناس هم الذين عسروا الأشياء على أنفسهم، وهم الذين ورطوا أنفسهم، وهم الذين خالفوا الشرع فضحوا بأنفسهم وزوجاتهم وبأطفالهم وذلك بالمسارعة بالطلاق لا لسبب وإنما للتساهل في أمر الطلاق.

‌صحة طلاق المكره في باب الإيلاء

س: متى يصح طلاق المكره؟

جـ: الطلاق من شرطه عدم الإكراه إلا في باب الإيلاء فبعد مضى الأربعة الأشهر يجبرُ القاضي الشرعي الزوج على الكفارة والعودة إلى جماع زوجته أو الطلاق لقوله تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}

(1)

، فإذا طلق وهو مُجْبَرٌ من القاضي الشرعي فيصح طلاقه.

‌وقوع طلاق الهازل

س: هل يقع طلاق الهازل؟

جـ: يقع طلاق الهازل لحديث (ثَلَاثٌ: جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ، النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ)

(2)

(1)

- البقرة: آية (227، 226)

(2)

سنن الترمذي: كتاب الطلاق واللعان: باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق. حديث رقم (1104) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثٌ: جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ، النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ) حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (3027).

أخرجه أبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق.

ص: 36

‌وقوع طلاق السكران المتبقي له تمييز

س: هل طلاق السكران يقع أم لا؟

جـ: ذهب الشافعية وجماعة من العلماء إلى أن طلاق السكران لا يقع، وأنه مثل طلاق الطفل والمجنون، وذهب جماعه من العلماء وهم الحنفية والهادوية إلى أنه يقع عقوبة له، واختار قانون الأحوال الشخصية في الجمهورية اليمنية أن طلاق السكران على قسمين فيفصل فيه على النحو التالي:

الأول: إن كانت رائحة الرجل رائحة خمر ولكن بقي له تمييز ويعقل بعض الأشياء فطلاقه يقع، وإن كان السكران في حالة عدم تمييز ولا يميز بين الاشياء فطلاقه لا يقع.

‌خرافة القول أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عليا بطلاق عائشة رضي الله عنها

س: هل القول إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكل علياً ابن أبي طالب رضي الله عنه بطلاق عائشة رضي الله عنها صحيح؟

جـ: هذا من خرافات الجعفرية وهو غير صحيح لأن التوكيل لا يصح لما بعد الموت، كما أن هذا القول لا أصل له من الصحة ولم يرد بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وهي من الكذب المتعمد على الرسول صلى الله عليه وسلم وهومحرم كما في حديث (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْس كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ)

(1)

.

‌وجوب البرهان على من يدعي طلاق الزوجة لأن الأصل عدم الطلاق

س: رجل تزوج امرأة ومكث معها خمسة وثلاثون عاماً في مدينة (جبلة) وله امرأة أخرى في (همدان) وبعد وفاته ادعت زوجته التي في (همدان) وولدها بأن زوجته التي في (جبلة) مطلقة ولم تبلغ التي في (جبلة) إلا بعد أن وصلا إلى (جبلة) يطلبان الأموال التي في (جبلة) وحمل معها الورقة المزعومة التي تفيد بأن المذكورة مطلقة وتقول الورقة باسم آمنه بنت محسن واسمها الحقيقي آمنه بنت حسن أفتونا هل البلاغ في الطلاق شرط أم لا؟

جـ: إن العبرة في هذه المسألة وأمثالها بالبرهان الصحيح على أن الرجل المتوفى لم يمت إلا وقد طلق وإلاَّ لزم في هذا حضور الكاتب والشهود لصحة الورقة الحاكيه للطلاق من عدمه، وإن صح أن الورقة صحيحة وذلك بعدالة كاتبها وشهودها وقولهم بأن ما حرر الكاتب هو الواقع صح الطلاق، وإن لم تصح هذه الورقة فالأصل بقاء هذه المرأة في عصمة زوجها، ولا يعتبر صحة الورقة أو عدمها إلا بحضور الطرفين إلى القاضي الشرعي في المنطقة.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب ما يكره من النياحة على الميت. حديث رقم (1209) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ)

أخرجه مسلم في الجنائز، والترمذي في الجنائز، وأحمد في أول مسند المدنيين.

لايوجد له مكررات

معاني الألفاظ: النياحة: التكاء بصوت مرتفع مع ترديد عبارات السخط.

ص: 37

الباب الثاني: الخلع

الفصل الأول: الخلع

• جواز الخلع قبل الدخول

• وقوع الخلع بالقليل أو الكثير ما لم يجاوز زيادة على ما أخذت من الزوج

• جواز أخذ الزيادة على المهر إذا رضيت الزوجة والعبرة برضائها

• تحريم مطالبة الزوجة بإرجاع المهر والنفقة عليها لمقابل طلاقها

• المهر هو الذي يدفع للمرأة إلى يدها، والشرط هو الذي يعطى للولي

• للزوج إذا تزوج بالمختلعة منه مرة ثانية طلقتان

الفصل الثاني: الفسخ

• جواز فسخ عقد النكاح إذا كان أحد الزوجين مريضاً بمرض خطير معد

• جواز مطالبة المرأة بالفسخ في حالة عجز الزوج عن الوطء

• جواز طلب الزوجة فسخ عقد نكاحها إذا تضررت من غياب الزوج عنها

• جواز فسخ الأمة عقد نكاحها إذا اعتقت

• الطلاق لا يكون إلا من قبل الزوج والفسخ قد يكون من قبل الزوجة أو الزوجين

• الطلاق لا يتبع الفسخ

• الفسخ لايتبع الطلاق

• لاتوارث بين الزوجين بعد الفسخ

ص: 38

‌الباب الثاني: الخلع والفسخ

‌الفصل الأول: الخلع

س: لماذا سمي الخلع خلعاً؟

جـ: لأن المرأة تخلع الزوج كما تخلع الثوب.

س: هل الخلع يسمى طلاقاً أم فسخاً؟

جـ: بعض العلماء قالوا: بأن الخلع فسخ بدليل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: تعتد منه بحيضة في حديث (فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ)

(1)

وبعض العلماء يقولون: هو طلاق بدليل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)

(2)

فيمكن أن يُجمع بين الحديثين: بأن المرأة طلقت إلى مقابل عوض فنسميه طلاقاً، وأما أنه يُكتفي بحيضة فلنص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنها تعتد بحيضة واحدة، والصحيح: أنه طلاق ويكتفي فيه بأن تعتد المختلعة من زوجها بحيضة واحدة جمعاً بين الأدلة وهذا ما رجحه ابن القيم وتبعه الشوكاني في (وبل الغمام).

‌جواز الخلع قبل الدخول

س: هل يصح الخلع قبل الدخول بها؟

جـ: يجوز لها أن تطالب الزوج بالخلع قبل الدخول بها لقوله تعالى {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(3)

وترد للزوج نصف المهر لأن من طلقت قبل الدخول بها لها نصف المهر ولا مانع من الصلح بينهما بأن ترد أقل من النصف إذا رضي الطرفان.

س: إذا طلبت المرأة الخلع والزوج رافض، فكيف يعمل؟

جـ: يذهبون إلى القاضي الشرعي والقاضي الشرعي سيحكم بما يراه، وحكم القاضي يقطع النزاع.

س: ما الحكمة من الخلع؟

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الطلاق: باب ماجاء في الخلع. حديث رقم (1106) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (1185).

أخرجه أبوداود.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الخلع: أن يطلق الرجل زوجته مقابل مال تدفعه له.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الطلاق: باب الخلع وكيف الطلاق. حديث رقم (5273) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)

أخرجه النسائي في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق.

(3)

- البقرة: آية (229)

ص: 39

جـ: لأنه إذا طلبت الزوجة الطلاق والزوج لا زال راغباً في الزوجة أو كان غير راغب فيها وإنما ظالم لها، فقد شرع الله للمرأة أن تطالب بالخلع بحيث ترد على الزوج ما أخذت منه فيطلقها لقوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(1)

.

س: كيف يكون طلاق الخلع؟

جـ: يقول الزوج طلقت زوجتي (فلانة بنت فلان) إلى مقابل ما أرجعته من المهر أو لمقابل تنازلها عن المهر أو نصفه، المهم أن يذكر الزوج العوض المتراضى عليه الذي أرجعته المرأة له ولا يقول هي طالق بلفظ الطلاق فقط دون ذكر العوض، لأن الاكتفاء بلفظ الطلاق فقط هو في الطلاق الذي بدون عوض.

‌وقوع الخلع بالقليل أو الكثير ما لم يجاوز زيادة على ما أخذت من الزوج

س: هل يشترط في الطلاق الخلعي أن ترجع المهر كله أم يقع بأقل من المهر؟

جـ: يقع بالقليل والكثير مالم يجاوز زيادة على ما أخذت منه لحديث (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولَ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ، قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ وَلَا يَزْدَادَ)

(2)

، فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للزوج بأن يأخذ الحديقة ولا يزداد، وفيه دليل على أن الزيادة محرمة.

س: ما حكم استرجاع حق الدبلة والشرط وجميع ما خسره الزوج؟

جـ: كان الزواج في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منحصراً في المهر، ثم زيَّد الناس فيه أشياءً ما أنزل الله بها من سلطان مثل (الشرط) و (الدبلة) وغيرها.

ورأيي الشخصي: أن الأحاديث ما وردت إلا في المهر ولم ترد في هذه الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولكن في المذهب الهادوي: الذي يعملون به في المحاكم الشرعية، أن المرأة إذا أرادت مخالعة الزوج فعليها أن ترد المهر والشرط والكسوة وترد له نفقته عليها من يوم العرس إلى يوم المخالعة وترد نفقة أولادها منه، وأنا رأيي: أن إرجاع نفقتها التي أكلتها وهي زوجته ونفقة أولاده التي هي واجبة عليه منذ أن ولدوا إلى يوم المخالعة ليس عليه دليل، فالأحاديث تدل على إرجاع المهر، منهاحديث (اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) وحديث (فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ وَلَا يَزْدَادَ) وإن كان ولا بد فترجع الشرط أما النفقة فلا، وأنا أحياناً أتوسط بين المتخالعين من باب الصلح بأن يُرد للزوج بعض الشرط مع المهر، والبعض بأن يرد الشرط مع المهر إذا كان أب المرأة قادراً، وأحياناً أتوسط بإرجاع المهر فقط إذا كانت المرأة ووليها غير قادرين على إرجاع الشرط، أما المهر فإرجاعه واجب لأن الأدلة دلت عليه، وهكذا إرجاع بعض المهر إذا كان الطرفين قد قنعا بذلك البعض.

س: أنتم تعلمون ارتفاع الأسعار وتدهور العملة فكيف يحسب المهر؟

جـ: ترد المرأة عليه المبلغ الذي أعطاها سواءً ارتفعت العملة أم انخفضت لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

(1)

- البقرة: آية (229)

(2)

صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عباس رضي الله عنهما برقم (4971).

ص: 40

قال ترد على الزوج حديقته في حديث (اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) وحديث (فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ وَلَا يَزْدَادَ) فترد الحديقة غلت أو رخصت إلا إذا وقع الصلح بين الطرفين بإرجاع بعض المهر واقتنع الطرفان بذلك فلا مانع.

‌جواز أخذ الزيادة على المهر إذا رضيت الزوجة والعبرة برضائها

س: إذا رضيت الزوجة أن تعطي الزوج فلوساً أكثر مما أعطى فهل يأثم بما أخذه من الزوجة من ذهب وفلوس مع أنها راضية بأن تعطيه كم ما يريد لكي يطلقها؟

جـ: إذا قد رضيت بإعطاء الزوج زيادة على ما أعطى فيجوز له أن يأخذها العبرة بالرضا لحديث (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)

(1)

ولكن لا يجوز للمصلح أو القاضي أن يأمرها بالزيادة.

س: ما الحكم إذا كانت المرأة ليس لها رغبة في الجماع وطلبت من زوجها المخالعة فشرط عليها أن تدفع له تكاليف زواجه بزوجة أخرى؟

جـ: عليها أن ترجع له المهر لحديث (اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) وحديث (فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ وَلَا يَزْدَادَ) أما طلبه أن تزوجه بزوجة أخرى فهو تعسف منه.

‌تحريم مطالبة الزوجة بإرجاع المهر والنفقة عليها لمقابل طلاقها

س: ما رأي العلماء في رجل تزوج بامرأة ومكثت عنده سنة كاملة ثم طالبها بإرجاع غرامته مقابل الطلاق؟

جـ: من أراد أن يطلق زوجته فلا يحق له شرعاً أن يطلب من زوجته أيَّ شيء لا المهر ولا أقل من المهر ولا أكثر منه مهما كان قد دخل عليها وكان الطلاق بلا طلب من الزوجة، أما إذا كان الطلاق بطلب من الزوجة وهي التي تريد منه الطلاق والخروج من الزوجية فله الحق في المطالبة بإرجاع ما دفع إليها من المهر لحديث (اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) وحديث (فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ وَلَا يَزْدَادَ) لأن الطلاق ها هنا كان بطلب من الزوجة وهو المسمى عند العلماء بالخلع ولا مانع للزوج من المراجعة لزوجته في العدة في الصورة الأولى وهو الطلاق الذي يصدر من الزوج بلا طلب من الزوجة وبلا عوض منها، أما في الصورة الثانية وهو الطلاق الصادر من الزوج بطلب من الزوجة وبعوض من الزوجة لزوجها إلى مقابل الطلاق فلا يحق للزوج أن يراجع زوجته لا في أيام العدة ولا بعد أيام العدة لأنها قد بانت منه بينونة صغرى لا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد إذا كانت راضية ولم يكن قد سبق أن طلقها طلقتين قبل هذا الطلاق.

‌المهر هو الذي يدفع للمرأة إلى يدها، والشرط هو الذي يعطى للولي

س: هل للزوج أن يطلب إرجاع المهر مع أنه قد جامعها وفض بكارتها؟

جـ: الشريعة تجيز له أن يطالب بإرجاع المهر ما دامت هي التي تطلب الطلاق وإن كان قد جالسها وجامعها.

س: ما هو الفرق بين المهر والشرط ونرى في بعض المناطق يدفع الشرط ويؤجل المهر، فما الحكم؟

جـ: المهر الشرعي: هو الذي يدفع للمرأة إلى يدها، والشرط: هو الذي يعطي للولي ليقوم بالعرس، ولكن يحصل تحايل على النساء فيعجل الشرط ويؤجل المهر إلى أجل غير مسمى فلا تعطى المرأة المهر في بعض الحالات إلا

(1)

سنن البيهقي الكبرى. حديث رقم (11325) بلفظ (عن أبي حرة الرقاشي عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه).

ص: 41

عند الطلاق أو بعد موتها، ولا يجوز مماطلة الزوجة في المهر لأنه حق شرعي لها، وحرام تأجيل مهر المرأة إلا إذا كان الزوج معسراً فيؤجل إلى أن ييسر الله عليه.

‌للزوج إذا تزوج بالمختلعة منه مرة ثانية طلقتان

س: إذا تزوج الرجل بالمرأة المختلعة منه مرة ثانية بمهر وعقد جديدين، فهل له عليها ثلاث طلقات أم طلقتان فقط؟

جـ: على قول من قال: بأن الخلع طلاق لم يبق له إلا طلقتان، وعلى قول من قال بأنه فسخ فيبقى له ثلاث طلقات لأنه لم يتقدم طلاق، وإنما تقدم فسخ.

ص: 42

‌الفصل الثاني: الفسخ

‌جواز فسخ عقد النكاح إذا كان أحد الزوجين مريضاً بمرض خطير معد

س: ما هي العيوب التي يجوز فسخ عقد النكاح إذا وجد أ حدها في أحد الزوجين؟

جـ: في الماضي كانت العيوب هي البرص والجذام والجنون والآن قد حدثت عيوب هي أخطر من مرض البرص من هذه العيوب المعاصرة مرض الإيدز أو الزهري أو الطير، فهذه الأمراض الخطيرة الجديدة المعدية التي تفشت في أمريكا وأوربا تحتاج إلى اجتهاد جديد، وينبغي لمن يؤلف في الفقه أن يمثل في العيوب بمثل هذه الأمراض الخطيرة المعدية بدلاً من الجنون والجذام والبرص.

‌جواز مطالبة المرأة بالفسخ في حالة عجز الزوج عن الوطء

س: إذا كان زوج المرأة مريضاً لا يستطيع وطأها، فهل لها أن تطالب بالفسخ؟

جـ: يجوز لها أن تطالب بفسخ عقد نكاحها.

س: هل يحق للحاكم أن يفسخ عقد الزواج إذا ذهبت الزوجة إلى المحكمة لهذا السبب أم أنه لا يحق له ذلك؟

جـ: الحاضر يرى مالا يراه الغائب فإذا حضر الطرفان عند الحاكم الشرعي المختص وطالبت الزوجة من الحاكم فسخ عقد نكاحها فإنه سيعرف الحقيقة ويسمع من كلا الطرفين فيحكم بما يثبت لديه شرعاً، وإن رأى مسوغاً للفسخ فسيفسخ وإلا فلا فسخ إن لم يكن هناك مسوغ له.

‌جواز طلب الزوجة فسخ عقد نكاحها إذا تضررت من غياب الزوج عنها

س: رجل أرغم على البقاء في السجن في غير موطنه مدة خمسة عشر عاماً ولما أطلق سراحه عاد إلى بلده فوجد أن زوجته قد تزوجت برجل آخر، فماذا يصنع؟

جـ: اعلم بأن للزوجة إذا تضررت من عدم وجود الزوج عندها أن تطلب فسخ عقد نكاحها لتتزوج برجل آخر، فإذا كانت هذه المرأة قد فسخت عقد نكاحها من زوجها بحكم شرعي فلا مانع لها من ذلك، وإن لم تكن قد فسخت عقد نكاحها من زوجها المذكور عند القاضي الشرعي فلا مانع للزوج من الحضور عند القاضي ليعرف القاضي الحقيقة ويجري اللازم شرعاً.

س: امرأة تزوجت بشخص بعد زوجها حيث أن زوجها قد ذهب ليجاهد في سبيل الله وتأخر أكثر من خمس سنين، فهل زواجها من الآخرصحيح أم ماذا؟

جـ: لها الحق أن تطلب الفسخ عند الحاكم الشرعي المولى من الدولة في المنطقة مهما صح دعواها ومعها برهان على غيابه مدة الخمس السنوات.

‌جواز فسخ الأمة عقد نكاحها إذا اعتقت

س: هل يحق للأمه أن تفسخ عقد نكاحها إذا اعتقت؟

جـ: نعم، يجوز للأمة إذا اعتقت أن تفسخ عقد نكاحها إن أرادت لحديث (بريرة) حينما فسخت عقد نكاحها حينما اعتقت وهو بلفظ (أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى

ص: 43

لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِعبَّاسٍ يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟!! فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ رَاجَعْتِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ)

(1)

.

س: إذا أسلمت المرأة قبل إسلام زوجها الكافر، فهل تبقى على نكاحها؟

جـ: إذا أسلم الزوج قبل انقضاء عدت الزوجة فهما على عقد نكاحهما الأول، أما إذا لم يسلم إلا بعد انقضاء عدتها فيجوز له الرجوع إليها بدون عقد ومهر جديدين بدليل أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُرجعت لأبي العاص بن الربيع زوجها بدون عقد ولا مهر جديدين مع أنه لم يسلم إلا بعد سنتين من إسلام زينب زوجته كما في حديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ بِنِكَاحِهَا الْأَوَّلِ)

(2)

وبعض العلماء قالوا: إذا لم يسلم الزوج إلا بعد انقضاء العدة فلا ترجع إليه إلا بمهر وعقد جديدين لرواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جدد عقداً جديداً ومهراً جديداً لزينب بأبي العاص ابن الربيع، والرواية الصحيحة هي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرجع زينب لأبي العاص بن الربيع بدون عقد ولا مهر جديدين.

س: إذا أسلمت المرأة الكافرة وانقضت عدتها قبل إسلام زوجها، فهل يصح أن يتزوجها مسلم إن أراد ورضيت بالزواج منه؟

جـ: نعم، يصح أن يتزوج بها أيُّ مسلم إذا كانت قد انقضت عدتهالقوله تعالى {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}

(3)

وإذا أسلم زوجها الكافر بعد انقضاء العدة وأراد أن يطالب بإرجاعها إليه فلا حق له في المطالبة بها عند جميع العلماء.

‌الطلاق لا يكون إلا من قبل الزوج والفسخ قد يكون من قبل الزوجة أو الزوجين

س: ما الفرق بين الطلاق والفسخ؟

جـ: اعلم بأن الطلاق لا يكون إلا من الزوج أو من وكيل الزوج برضاء الزوج واختياره، أما الفسخ فيكون من قبل الزوجة التي تطلب الفسخ من عقد النكاح سواء رضي الزوج أو لم يرض، ومن الزوجين فهذان الأمران هما مما يفترق فيه الطلاق عن الفسخ، وهما أن الطلاق لا يكون إلا من الزوج أو من وكيل الزوج ولا يكون من المرأة بخلاف الفسخ فإنه يكون في بعض الحالات من الزوجة وحدها وفي بعض الحالات يكون من الزوج ومن الزوجة

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الطلاق: باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج. حديث رقم (4875) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِعبَّاسٍ يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟!! فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ رَاجَعْتِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ)

أخرجه الترمذي قي الرضاع، والنسائي في آداب القضاة، وأبوداود في الطلاق، وابن ماجه في الطلاق، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في الطلاق.

(2)

سنن ابن ماجة: كتاب النكاح: باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر. حديث رقم (2039) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ بِنِكَاحِهَا الْأَوَّلِ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (1647).

أخرجه الترمذي في النكاح عن رسول الله، وأبو داود في الطلاق.

(3)

- الممتحنة: آية (10)

ص: 44

معاً، وهكذا نقول الطلاق لا يكون إلا برضاء الزوج واختياره ولا ينفذ الطلاق من الزوج إذا كان مكرهاً بخلاف الفسخ، ومن الحالات التي يجوز للمرأة أن تطلب فسخ عقد نكاحها من زوجها إذا تزوجت وهي صغيرة لم تبلغ الحلم أو كانت مجنونة جنوناً أصلياً أو جنوناً طارئاً فلها الحق في المطالبة بفسخ عقد نكاحها عند بلوغها إن زوجها وليها وهي صغيرة أو عند أن تعرف أنه زوجها وليها وهي مجنونة لأنه ببلوغ الزوجة أو برجوع عقلها يتجدد لها الخيار كما نص على ذلك، وقد تفسخ الزوجة عقد نكاحها من زوجها لكونه متمرداً على الإنفاق عليها أو لكونه عاجزاً عن الإنفاق عليها أو لكونه مفقوداً وقد مضى على غيابه عامان حسب اختيارات وزارة العدل أو عند حصول الضرر عليها كما اختاره الشوكاني رحمه الله، وقد يكون الفسخ في بعض الأحيان حقاً للزوجة وحقاً للزوج أيضاً وذلك إذا كان الفسخ بعيب من العيوب التي يفسخ بها عقد الزواج بطلب من الزوجة أو بطلب من الزوج وهي على ثلاثة أنواع:

نوع يكون عيباً من عيوب الزوجة مثل القرن والرتق والعفل.

ونوع يكون من عيوب الزوج مثل الجب والخصي والعنيين.

ونوع يكون في الزوجين معاً وهي الجنون والجذام والبرص والرتق وعدم الكفاءة.

وهذا ما ذهب إليه الهادوية، وللعلماء في الفسخ بالعيب كلام طويل، وقد يكون الفسخ لأمور عارضة إذا حصل واحد منها كان سبباً لفسخ عقد النكاح رضي الزوجان أم كرهاً لأن هذه الأسباب ليست تحت إختيار الزوج ولا تحت إختيار الزوجة، بل هي طارئة على الزوجين موجبة لفسخ عقد النكاح فوراً والتفريق بين الزوجين بعد صحة وقوع واحد من الأسباب الآتي سردها وهي كما يلي:

أولاً: عند تجدد إختلاف الملتين بين الزوجين فمهما صح بأن الزوجة إرتدت لقوله تعالى {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}

(1)

ولقوله تعالى {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}

(2)

ثانياً: بتجدد الرق على الزوجين أو على أحدهما لأن العبد لا يجوز له أن يتزوج إلا بإذن مالكه والجارية المملوكة تصبح ملكاً لمن صح أنه مالكها ولا يبقى لزوجها أيُّ حق فيها ولهذا يفسخ عقد النكاح إذا انكشف أن الزوج عبد وليس بحر أو أن الزوجة جارية وليست بحرة كما قرره العلماء.

ثالثاً: بعتق الزوجة لما جاء في حديث (بريرة) زوجة (مغيث) وهو بلفظ (أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِعبَّاسٍ يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟!! فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ رَاجَعْتِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ).

رابعاً: بانكشاف الرضاع، والرضاع يجعل المرأة من محارم الرجل المتزوج بها لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ)

(3)

فإذا تزوج رجل بامرأة وأنكشف أن هذه المرأة أخت

(1)

الممتحنة: الآية (10).

(2)

- الممتحنة: الآية (10).

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب الشهادة على الأنساب والرضاع. حديث رقم (2451) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فِي بِنْتِ حَمْزَةَ، لَا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ)

اخرجه مسلم في الرضاع، والنسائي في النكاح، وابن ماجه في النكاح، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

ص: 45

الرجل من الرضاع أو عمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته مثلاً وجب التفريق بين الزوجين والحكم بفسخ عقد النكاح سواء رضيا بهذا الفسخ أو أحدهما أم كرها أم كره أحدهما، فهذه الأشياء التي ذكرتها من جملة الفوارق بين الطلاق والفسخ، وهناك أشياء أخرى يفترق بها الفسخ عن الطلاق لا يتسع الوقت لسردها ويكفي معرفة ما قد ذكرته في جوابي هذا على السؤال الأول.

‌الطلاق لا يتبع الفسخ

س: هل الطلاق يتبع الفسخ أم أنه غير تابع له؟

جـ: الطلاق لا يتبع الفسخ لأن الطلاق لا يكون إلا من زوج لمن كانت زوجة له والمرأة التي قد فسخ عقد نكاحها لم تبق زوجة لمن يريد أن يطلقها ولا بقي هو أيضاً زوجاً لها، فكيف يمكن وقوع طلاق ممن ليس بزوج للمرأة التي ليست بزوجة له.

‌الفسخ لا يتبع الطلاق

س: هل الفسخ يتبع الطلاق؟

جـ: إن الفسخ لا يتبع الطلاق لأن الفسخ لا يكون إلا لمن كانت زوجة له والمطلقة ليست بزوجة اللهم إلا إذا كان الطلاق رجعياً وكان المطلق قد راجعها فلا مانع من الفسخ لكن المرأة التي قد راجعها زوجها لا تسمى مطلقة.

‌لا توارث بين الزوجين بعد الفسخ

س: هل يصح التوارث بين الزوجين بعد الفسخ أو أنه لا يصح إذا كان الفسخ قبل الدخول هل يلزم الزوج نصف المهر المسمى أم أنه لا يلزمه؟

جـ: الفسخ حكمه مثل حكم الطلاق البائن بينونة صغرى والمرأة البائنة بينونة صغرى لا ترث مطلقها ولا يرثها مطلقها، إن المرأة تستحق نصف المهر إذا كان الفسخ من جهة الزوج وكان الزوج قد فسخها قبل الدخول، أما إذا كان الفسخ من جهة الزوجين أو من جهة الزوجة فقط فلا تستحق من المهر أيَّ شئ، وبناءً على ذلك فإذا كانت الزوجة قد قبضت المهر من الزوج فعليها إرجاع ما قبضته منه لكون الفسخ كان منها أو منهما معاً وهذا هو المطابق للقواعد الشرعية وذلك لأن الفسخ إذا كان منه فحكمه حكم المطلق زوجته قبل الدخول، أما إذا كان الفسخ قد وقع من الزوجة أو من الزوجين معاً فهي لا تستحق أي شيء لكونها هي التي طلبت الفسخ منفردة أو هي والزوج معاً وهذا هو الذي نص عليه القانون الشرعي للأحوال الشخصية الذي عملته لجنة الأحوال الشخصية المنبثقة من لجنة تقنين الأحكام في الشريعة الإسلامية في المادة الثالثة والثلاثين والمادة الخامسة والأربعين من قانون الأحوال الشخصية في الجمهورية اليمنية.

ص: 46

الباب الثالث: الإيلاء

• من آلى من زوجاته لمدة أقل من أربعة أشهر فلا كفارة عليه

• جواز مطالبة الزوجة الزوج بالرجوع أو الفسخ

• كفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين

ص: 47

‌الباب الثالث: الإيلاء

س:‌

‌ ما معنى الإيلاء في اللغة

؟

جـ: هو بمعنى الحلف آلى الرجل بمعنى حلف.

س: ما هو الإيلاء؟

جـ: هو أن يحلف الزوج ألاَّ يجامع امرأته أو جميع نسائه لقوله تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}

(1)

.

س: ما معنى لفظ (لا أقربهنَّ)؟

جـ: معناه يمين كأنه قال والله لا أقربهن أي لا أطأهن.

س: هل يصح التوقيت بدون أربعة أشهر؟

جـ: نعم، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت في إيلائه من نسائه شهراً كما في حديث (آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ)

(2)

.

‌من آلى من زوجاته لمدة أقل من أربعة أشهر فلا كفارة عليه

س: الرجل الذي آلى لمدة ثلاثة أشهر أو أقل من أربعة أشهر فهل يرجع بدون كفارة؟

جـ: من آلى من زوجاته لمدة أقل من أربعة أشهر فيرجع ولا يكفر لأنَّ الكفارة لا تجب عليه إلا إذا قد مضى على إيلائه أربعة أشهر، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم آلى من زوجاته شهراً فرجع ولم يكفر كما في حديث (آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ).

س: إذا آلى شخص من زوجته الأولى شهرين أو ثلاثة ليرتاح مع الزوجة الجديدة فهل يجوز له ذلك؟

جـ: لا يجوز فإنه يأثم بقصده هذا فيما بينه وبين الله لقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(3)

وقوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

(4)

وقوله تعالى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(5)

و لحديث (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ

(1)

- البقرة: آية (227، 226)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب من حلف الا يدخل على أهله شهرا. حديث رقم (5201) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ: إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ)

أخرجه مسلم في الصلاة، والترمذي في الصلاة، والنسائي في الإمامة، ووأبوداود في الصلاة، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في النداء للصلاة، والدارمي في الصلاة.

أطراف الحديث: الصلاة، الأذان،

معاني الألفاظ: حلف: آلى، وهنا حلف الَّا يدخل على نسائه شهراً.

(3)

- النساء: آية (19)

(4)

- البقرة: آية (229)

(5)

- البقرة: آية (228)

ص: 48

لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)

(1)

وحديث (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)

(2)

وحديث (إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ)

(3)

وحديث (كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا)

(4)

، ولا يجوز له أن يهجرها هذه المدة.

س: رجل آلى من زوجته خمسة أشهر ثم عاد بعد أربعة أشهر وبضعة أيام فهل عليه كفارة اليمين وكفارة مضى أكثر من أربعة اشهر؟

جـ: عليه كفارة واحدة فقط، لأن كفارة الإيلاء كفارة واحدة.

س: رجل آلى من زوجته لمدة شهر فإذا أراد أن يطأها قبل انقضاء المدة فهل تمكنه من نفسها قبل أن يكفر أم يطأها ثم يكفر؟

جـ: لا تمكنه من نفسها حتى يكفر.

س: ما حكم الشرع في شخص يحلف من زوجته لمدة ثلاثة أشهر وعشرين يوماً ثم يجامعها ثم يعود فيحلف منها حتى تكاد تنقضي الأربعة الأشهر فيجامعها وهكذا بقصد الإضرار بها؟

جـ: لهذه المرأة أن تطلب فسخ النكاح بحجة الكراهية والإضرار.

س: امرأة حلف منها زوجها أربعة أشهر وهي تريد أن تنفصل منه نهائيا، ً فهل يجوز لها ذلك؟

جـ: إذا كانت تريد الانفصال منه نهائياً فتخالعه لقوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ

(1)

- سنن الترمذي: كتاب المناقب: باب فضل أزواج التبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (3895) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ) صححه الألباني بنفس الرقم.

أخرجه أبوداود في الأدب، والدارمي في النكاح.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب أحديث الأنبياء: باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته. حديث رقم (2084) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)

أخرجه مسلم في الأيمان، والترمذي في الطلاق، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

(3)

سنن الترمذي: كتاب النكاح عن رسول الله: باب ما جاء في التسوية بين الضرائر. حديث رقم (1141) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ) صححه لألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1141).

أخرجه النسائي في عشرة النساء، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الرضاع: باب القسم بين الزوجات. حديث رقم (3613) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَجَاءَتْ زَيْنَبُ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: هَذِهِ زَيْنَبُ فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا، فَقَالَ: اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ عَائِشَةُ الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا وَقَالَ أَتَصْنَعِينَ هَذَا)

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 49

بِهِ}

(1)

س: رجل حلف ألا يطأ زوجته فوطأها، فماذا يفعل؟

جـ: يخرج الكفارة ويتوب لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(3)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(4)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُه وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(5)

.

‌جواز مطالبة الزوجة الزوج بالرجوع أو الفسخ

س: هل للزوجة حق في مطالبة الزوج إذا حلف على أقل من أربعة أشهر؟

جـ: ليس للزوجة حق المطالبة إذا حلف على مدة أقل من أربعة أشهرلقوله تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}

(6)

وإنما يجوز لها الحق إذا حلف ألاَّ يقربها لمدة أكثر من أربعة أشهر.

س: هل يجوز للمرأة أن تطالب الزوج عند القاضي الشرعي بعد مضي الأربعة الأشهر؟

جـ: نعم، يجوز لها أن تطالبه عند القاضي الشرعي بعد مضي أربعة أشهرلقوله تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .

‌كفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين

س: كيف تكون كفارة الإيلاء؟

(1)

- البقرة: آية (229)

(2)

- التحريم: آية (8)

(3)

- البقرة: آية (222)

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(5)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

(6)

- البقرة: آية (227، 226)

ص: 50

جـ: مثل كفارة اليمين المبينة في قوله تعالى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ

أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}

(1)

.

س: رجل آلى من زوجته شهرين وبعد شهر أراد أن يتصل بها بعد شهر، فهل عليه كفارة ويتصل بها أم عليه كفارة ويواصل الشهر الآخر؟

جـ: يخرج الكفارة ثم يتصل بها وان كان قد اتصل بها فيخرج الكفارة ولا يواصل الشهر الثاني، فالكفارة تكفي.

س: إذا كان للزوج أكثر من زوجة فآلى على إحداهن لمدة ما، فهل يأثم على إيلائه على زوجة دون الأخرى؟

جـ: نعم، يأثم لشيء آخر وهو أنه يجب عليه أن يعدل بين زوجاته لقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(2)

وقوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}

(3)

ولحديث (إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ)

(4)

.

(1)

- المائدة: آية (89)

(2)

- النساء: آية (19)

(3)

- البقرة: آية (229)

(4)

سنن الترمذي: كتاب النكاح عن رسول الله: باب ما جاء في التسوية بين الضرائر. حديث رقم (1141) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ) صححه لألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1141).

أخرجه النسائي في عشرة النساء، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

ص: 51

الباب الرابع: الظهار

• تعريف الظهار

• تحريم الظهار

• الظاهر أن قول الرجل لزوجته أنت على حرام كتحريم أمي ظهار

• لفظ أنتِ عليَّ حرام ليس بظهار

• الكفارة لتلفظ المظاهر بالقول الزور

• الظهار لا يكون الا من الزوج ولا يصح من الزوجة

• وجوب التوبة إذا جامع المظاهر قبل اخراج الكفارة

• كفارة الظهار على الترتيب لا التخيير

• الكفارات تعطي للمساكين

• لا تدفع الكفارة لمسكين واحد

• جواز معاونة المظاهر بالكفارة لإنفاقها على المساكين

• وجوب كفارتين على من ظاهر من امرأته ووطأها في نهار رمضان

• من ظاهر من زوجته ثم طلقها يجب عليه كفارة الظهار

• وجوب استئناف كفارة الصيام لمن أفطر لغير عذر شرعي أثناء صوم الكفارة

ص: 52

‌الباب الرابع: الظهار

‌تعريف الظهار

الظهار (لغة): مشتق من الظهر، وسمي ظهاراً لتشبيه الزوج المظاهر زوجته بظهر أمه، وإنما خص الظهر دون غيره لأنه موضع الركوب من البعير وغيره، والمرأة مركوبة إذا غشيت فكأن المظاهر إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي أراد (ركوبك عليَّ كركوب أمي للنكاح).

الظهار (شرعاً): هو قول الزوج لزوجته أنت عليَّ كظهر أمي.

‌تحريم الظهار

س: ما حكم الظهار؟

جـ: الظهار محرَّم لأن القرآن الكريم سماه زوراً في قوله تعالى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}

(1)

، فمن قال لزوجته أنتِ عليَّ كظهر أمي كان ظهاراً، ويجب عليه أن يكفر كفارة الظهار المبينة في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

(2)

ويحرم عليه إتيان زوجته قبل الكفارة.

س: ما هو الظهار؟ وما هي أحكامه؟

جـ: الظهار: هو قول الرجل لزوجته أنت عليَّ كظهر أمي، وقد كان الظهار في الجاهلية وفي أول الإسلام طلاق أي كان الرجل إذا قال لزوجته أنت عليَّ كظهر أمي طلقت، فلما ظاهر (أوس بن الصامت) من زوجته خولة كما في حديث (عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشْكُو إِلَيْهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ: اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا إِلَى الْفَرْضِ، فَقَالَ: يُعْتِقُ رَقَبَةً، قَالَتْ: لَا يَجِدُ، قَالَ: فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قَالَتْ: مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَتْ: فَأُتِيَ سَاعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ قَالَ: قَدْ أَحْسَنْتِ، اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ)

(3)

نزل حكم الظهار في سورة

(1)

- المجادلة: آية (2)

(2)

- المجادلة: آية (4، 3)

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الطلاق: باب في الظهار. حديث رقم (2214) بلفظ (عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشْكُو إِلَيْهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ: اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا إِلَى الْفَرْضِ، فَقَالَ: يُعْتِقُ رَقَبَةً، قَالَتْ: لَا يَجِدُ، قَالَ: فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قَالَتْ: مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَتْ: فَأُتِيَ سَاعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ قَالَ: قَدْ أَحْسَنْتِ، اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ، قَالَ وَالْعَرَقُ سِتُّونَ صَاعًا قَالَ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا إِنَّهَا كَفَّرَتْ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْتَأْمِرَهُ قَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبُو الْأَصْبَغِ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ إِسْحَقَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَالْعَرَقُ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا قَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ يَعْنِي بِالْعَرَقِ زِنْبِيلًا يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا) صححه الألباني في صحيح أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في ومن مسند القبائل.

معاني الألفاظ: الظهار: قول الرجل لزوجته أنت علىَّ كظهر أمي. صاعا: مكيال أهل المدينة تكال به الحبوب يسع أربعة أمداد. المكتل: السلة. العرق: إناء كبير تكال به الاشياء.

الفرض: أي إلى مافرض الله من الكفارة.

ص: 53

المجادلة وهوقوله تعالى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

(1)

وقد نص العلماء على أن الظهار محرَّم لأن القرآن قد سماه زوراً ومنكراً في قوله تعالى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} وإذا نوى الشخص بالظهار الطلاق أي لم ينوبه الظهار إنما نوى به الطلاق فإنه يكون طلاقاً في المذهب الهادوي لأنه يكون بهذه النية من كنايات الطلاق، وقيل لا يكون طلاقاً لأن الطلاق المشروع هو الذي أمر الله به في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}

(2)

وهذا لم يأمر الله به بل بالعكس سماه منكراً وسماه زوراً في قوله تعالى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ} وما كان منكراً وزوراً لا يكون طلاقاً شرعياً، وهذا القول الثاني هو الذي رجحه شيخ الإسلام الشوكاني.

س: إذا قال شخص أردت بقولي (أنتِ علىَّ كظهر أمي) الطلاق؟

جـ: عند الشوكاني: يجب عليه أن يكفر كفارة الظهار لأن الظهار ليس بطلاق فيعتق رقبة فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين فإن قرر الطبيب المسلم المختص أنَّ الصيام يضر بصحته فيطعم ستين مسكيناً لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}

(3)

ويجب أن يكفر مطلقاً سواءً أراد الظهار أو الطلاق، أما عند الهادوية فإنهم يجعلونه من كنايات الطلاق فيصدق قوله مع يمينه.

‌الظاهر أن قول الرجل لزوجته أنت على حرام كتحريم أمي ظهار

س: إذا قال الرجل لزوجته أنت علي حرام كتحريم أمي أثناء شجار حدث بينهما، فهل يعتبر هذا طلاقاً أم أنه ظهار تجب فيه كفارة الظهار؟

جـ: قد جاء في كتب الفقه الإسلامي أن من قال لزوجته أنت عليَّ كظهر أمي أو أنت علي حرام كتحريم أمي ونوى به الطلاق فإنها تطلق عند الهادوية لأنها عندهم من كنايات الطلاق، وعند الشوكاني وغيره من العلماء أنها تكون من باب الظهار، ويحب عليه كفارة ظهار الكفارة المذكورة في سورة المجادلة وهي قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} أما إذا لم ينو بهذا القول الطلاق بل نوى الظهار فهو ظهار بالإجماع، والخلاصة:

(1)

- المجادلة: آية (1 - 4).

(2)

- الطلاق: آية (1)

(3)

- المجادلة: آية (2 - 4).

ص: 54

أنه إن كان القائل هذا قد نوى الطلاق فتكون طلقة عند الهادوية وظهاراً عند غيرهم.

أما إذا لم ينو الطلاق فهو ظهار عند الجميع والظاهر أنه ظهار مطلقاً سواء نوى بهذا القول الطلاق أم لم ينو به الطلاق.

‌لفظ أنتِ عليَّ حرام ليس بظهار

س: إذا قال الرجل لزوجته أنت عليَّ حرام، أو تحرمي عليَّ، فهل يعد هذا ظهار؟

جـ: إذا لم يتلفظ من الأم ولا من ظهر الأم أو أيِّ جزء من أجزاء الأم فلا يعد ظهارا، وإنما يكون كناية من كنايات الطلاق.

‌الكفارة لتلفظ المظاهر بالقول الزور

س: هل الكفارة لتلفظه بالظهار وهو قول الزور أم لإرادة العود لوطء المرأة؟

جـ: من قال العلة هي التلفظ بالظهار قال يجب على المظاهر أن يكفر حتى في الظهار المطلق، ومن قال العلة هي إرادة الوطء، فمن ظاهر مؤقتاً فليس عليه كفارة بعد انقضاء المؤقت، الظاهر أن العلة كونه تلفظ بالقول الزور، وهو ذنب والذنب لا بد فيه من كفارة، وبناءً عليه فيخرج الكفارة مطلقاً لتلفظه بالقول الزور كما في قوله تعالى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} .

س: إذا ظاهر الرجل من زوجته لمدة محددة، فهل يجوز ذلك؟ ثم هل عليه كفارة؟

جـ: الظهار حرام، ويجب عليه كفارة لتلفظه بقول الزور لقوله تعالى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} .

س: إذا قال رجل لزوجته أنت علي كرأس أمي أو كـ (يد أمي) أو كأمي فما الحكم؟

جـ: علماء الظاهر قالوا: لا يسمى ظهار إلا إذا قال الرجل: أنتِ عليَّ كظهر أمي، أما غير لفظ (الظهر) فلا يسمى ظهاراً، والجمهور قالوا: يسمى ظهاراً ولا فرق بين لفظ كظهر أمي أو رأس أمي أو أيِّ جزء من أجزاء الأم.

س: إذا قال الرجل لزوجته أنتِ عليَّ كظهر بنتي أو أنت علي كبناتي، فهل يعد قوله هذا ظهاراً؟

جـ: عند علماء الظاهر لا يكون ظهاراً إلا بلفظ الأم فقط، وأما لفظ غير الأم فلا يكون ظهاراً، وعند غيرهم يكون ظهاراً قياساً على الأم، وعلماء الظاهر لا يعملون بالقياس.

س: رجل قال لزوجته أنتِ مني كأبي وأمي وأخي وأختي من باب العاطفه؟

جـ: إذا كان المراد أنه يريد أن يقول لها أنا أرى لك مثل ما أرى لأبي وأمي وأختي وأخي فهذا ليس بظهار، وإن كان قال لزوجته في حالة غضب أنتِ عليَّ كأختي أو أمي فهذا ظهار عند الجمهور من العلماء قياساً على الأم.

‌الظهار لا يكون الا من الزوج ولا يصح من الزوجة

س: هل يقع الظهار من الزوجة على زوجها مثل قولها جُعلتَ علىَّ كأبي أو كولدي أو كغيره من المحارم؟

جـ: لا تكون المرأة مطلقة ولا مظاهرة، فالطلاق والظهار لا يكونان إلا من الرجل على المرأة.

س: إذا قالت المرأة لزوجها أنتَ عليَّ كأبي أو كأخي، فهل هو ظهار أم طلاق؟

جـ: ليس قولها هذا ظهاراً ولا طلاقاً لأنه ليس لها حق الظهار ولا حق الطلاق وإنما يسمى هذا القول قلة أدب

ص: 55

وقلة طاعة للزوج.

س: إذا حلفت المرأة على أنها لا تتصل بزوجها ولا يتصل بها، فهل هو ظهار أم ماذا عليها؟

جـ: هو يمين وعليها أن تكفر وترجع إلى الذي هو خير وهو اتصالها بزوجها وإتصاله بها لحديث (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)

(1)

.

س: هل يجوز أن يزيد الظهار المؤقت على أربعة أشهر؟

جـ: لا مانع أن تزيد المدة على أربعة أشهر.

س: إذا ظاهر الرجل من زوجته وفارقها، فماذا عليه؟

جـ: يجب عليه أن يكفر أولاً ثم يفارقها ولها الحق أن تطالبه بالفسخ.

س: هل يجوز تقبيل المرأة وملاعبتها دون الجماع في مدة الظهار؟

جـ: لا يجوز، لا يجوز، لأنه لا يلاعب أمه (وزوجته قد جعلها مثل أمه).

س: هل يجوز للمظاهر وطء زوجته أثناء إطعام المساكين؟

جـ: لا يجوز، يجب عليه أن يكفر أولاً، ثم يجامع زوجته أما مجامعتها أثناء الكفارة فلا.

س: ما هي كفارة الظهار؟

جـ: هي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناًلقوله تعالى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}

(2)

.

‌وجوب التوبة إذا جامع المظاهر قبل اخراج الكفارة

س: ماذا على المظاهر لو أنه جامع قبل أن يكفر؟

جـ: يجب عليه التوبة لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(3)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(4)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ) وفي لفظ

(1)

صحيح مسلم: كتاب الأيمان: باب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها أن يأت الذي هوخير. حديث رقم (3115) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ).

أخرجه الترمذي في النذور والأيمان، ومالك في النذور والأيمان.

أطراف الحديث: الأيمان.

معاني الألفاظ: فليأت: فليفعل.

(2)

- المجادلة: آية (2 - 4).

(3)

- التحريم: آية (8)

(4)

- البقرة: آية (222)

ص: 56

(لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُه وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ) والكفارة المبينة في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}

‌كفارة الظهار على الترتيب لا التخيير

س: من كفر بإطعام ستين مسكيناً وهو يقدر على الصيام، فما حكم كفارته؟

جـ: وجودها وعدمها على السواء لمخالفته الترتيب الواجب في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} ، فإن كان لا يستطيع الصيام فلا بد من قرار الطبيب المختص المسلم بأنَّ الصيام يضره فينتقل إلى إطعام المساكين ولا تقبل دعوى عدم الإستطاعه إلا بقرار الطبيب المختص المسلم وإلا فكل شخص سيدعي عدم الإستطاعة.

‌الكفارات تعطي للمساكين

س: هل تعطى الكفارة للدولة؟

جـ: الدولة لا تأخذ إلا الزكاة، أما الكفارات فتعطى للمساكين وليست من الزكاة.

س: هل يشترط في إطعام الستين مسكيناً أن يكونوا مجتمعين أم متفرقين؟

جـ: لا فرق بين أن يكونوا مجتمعين أو متفرقين.

س: إذا كانت الأسرة كلها فقراء فهل تدفع لها الكفارة؟

جـ: يعطى لكل منهم ما يعطى لمسكين، ويقول: هذا للزوج، وهذا للزوجة، وهذا للولد أو الأولاد.

س: هل يطعم المظاهر الستين مسكيناً في يوم؟

جـ: يجوز له أن يطعم الستين مسكيناً في يوم أو يعطي كل مسكين نقوداً مقابل إطعامه إلى يده.

‌لا تدفع الكفارة لمسكين واحد

س: هل يجوز دفع الكفارة لشخص واحد؟

جـ: لا يجوز لقوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} .

س: هل يجوز دفع الكفارة كاملة لواحد من المساكين؟

جـ: لا يصح عند جمهور العلماء، وإنما يقول بهذا أبو حنيفة لأنه سيعطي مسكينا ويحرم منها بقية المساكين المنصوص عليهم في قوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} .

‌جواز معاونة المظاهر بالكفارة لإنفاقها على المساكين

س: إذا حلف رجل فهل يصح أن يكفِّر عنه شخص آخر؟

ص: 57

جـ: لا يصح أن يكفر شخص عن شخص آخر ولكن يعينه بأن يملكه الكفارة وهو ينفقهالحديث (فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قَالَتْ: مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَتْ: فَأُتِيَ سَاعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ قَالَ: قَدْ أَحْسَنْتِ، اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ).

‌وجوب كفارتين على من ظاهر من امرأته ووطأها في نهار رمضان

س: رجل ظاهر من امرأته ووطأها في نهار رمضان، فهل يجب عليه كفارة أم كفارتان؟

جـ: يجب عليه كفارتان لأنه قد فعل السببين.

‌من ظاهر من زوجته ثم طلقها يجب عليه كفارة الظهار

س: إذا ظاهر الرجل من زوجته ثم طلقها بعد ذلك، فهل عليه كفارة؟

جـ: نعم، يجب عليه الكفارة على القول بأن العلة هي قول الزور في قوله تعالى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} وهو الصحيح.

‌وجوب استئناف كفارة الصيام لمن أفطر لغير عذر شرعي أثناء صوم الكفارة

س: رجل يصوم كفارة الظهار فأفطر عمداً، فما الحكم؟

جـ: إذا أفطر لمرض فهو عذر وإن أفطر لشيء آخر فيستأنف الصيام لقوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} .

س: رجل ظاهر من امرأته ثم غاب عنها، فماذا تفعل؟

جـ: يجوز لها أن تطالب بفسخ عقد نكاحها بعد سنتين إن كان ينفق عليها أو بعد سنة إن كان لا ينفق عليها.

ص: 58

الباب الخامس: اللعان

• مشروعية الملاعنة لمن يتهم زوجته بالزنا

• كيفية اللعان أمام القاضي الشرعي

• لا يحتاج اللعان إلى تلفظ الزوج بالطلاق

• تحريم الملاعنة على الملاعِن على وجه التأبيد

• اللعان الموجب للفرقة بين الزوجين ما كان على الصفة المذكورة في سورة النور

• ابن الملاعنة ترثه أمه أو عصبتها

• عدم جواز زواج ابن الملاعنة بابنة الملاعِن

• تحريم لحوق ابن الملاعَنة بالزاني

• تحريم العمل بالشبه في النسب

• جواز إخبار المولود بأنه ابن زنا لأجل الميراث والولاية

• وجوب إقامة حد القذف على من يرمي الملاعَنة بالزنا

• لا عبرة بنتائج فحوصات الدم

• تحريم قذف الملاعنة أو ولد اللعان بالزنا

• الأولى للزوج الملاعنة إذا تيقن أن المولود ليس من مائه

• الأولى للزوج عدم الملاعنة إذالم يتيقن أن المولود من الزنا

• صحه الملاعنة ولو لم ينف الملاعِن نسب الولد إليه

• مشروعية تسليم الملاعنة نفسها لإقامة الحد عليها إذا تابت من الزنا

• وجوب تعزير الديوث

• معاني لفظ المحصنات في القرآن الكريم

• كل امرأة تلد وهي مزوجة فالولد للزوج

• الأولى لمن وجد رجلا يزني بامرأته أن يلاعنها ولايقتل الرجل الزاني

• الاولى لمن يلاعن زوجته ألا يذكر اسم الزاني

• عدم جواز اللعان بعد الطلاق

• جواز مطالبة المرأة الزوج باللعان أو البرهان إذا رماها بكلام جارح

ص: 59

‌الباب الخامس: اللعان

س:‌

‌ كيف تكون الملاعنة

؟

جـ: هي أن يحلف الرجل بأن يقول: أشهد لله وأحلف بالله العظيم أنها قد زنت أو أنها حامل من الزنا وإن كانت قد وضعت يقول: أحلف بالله أن هذا الولد من الزنا أربع مرات والخامسة أنَّ لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين، وهي تحلف بالله أربع مرات بأنها لم تزن وذلك بأن تقول: أشهد لله وأحلف بالله العظيم أني لم أزن والخامسة أنَّ عضب الله عليها إن كان من الصادقين لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ

مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ

مِنَ الصَّادِقِينَ}.

‌مشروعية الملاعنة لمن يتهم زوجته بالزنا

س: اكتشفت من جيراني أن زوجتي تقترف جريمة الزنا فما الحكم في بقائي معها كزوجة؟ وما هو الحكم في الأطفال؟ حيث وقد انجبت لي ولداً وبنتاً وهي الآن حامل وأنا الآن حائر في هذه القضيه وليس عندي إلمام بمعرفة القضايا الشرعية؟

جـ: رمي الرجل امرأته بالزنا بلفظ صريح فيه مخاطرة ومجازفة فاتق الله في نفسك وتثبت في كلامك ولا تتسرع ولا سيما إذا كانت هي زوجتك وإذا كنت رجلاً فحافظ على دينك كما تذكر في رسالتك فالمحافظ على دينه لا يرمي زوجته بزنا ولا يقول عنها بأنها قد عملت هذه الجريمة عدة مرات لأن جريمة الزنا في الشريعة الإسلامية لا تثبت إلا بأربعة شهود عدول يشهدون بأن المرأة والرجل قد عمل هذه الجريمة الشنعاء على الصفة الواردة في كتب السنة دون أيِّ لبس أو غموض أو بإقرار من الزاني نفسه ليس فيه إجبار ولا إكراه لكونه صحيح العقل هذا في قذف الأجنبي للأجنبية أو العكس، أما إذا كان المتهم بالزنا هي زوجة المتهم فحكم ذلك هي الملاعنة عند القاضي الشرعي وهي الأيمان من الزوج والزوجة على الصفة الواردة في القرآن في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ

مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ

مِنَ الصَّادِقِينَ} وفي كتب السنة (الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ)

(1)

ولا أدري كيف شهد الشهود الذين شهدوا على زوجتك هل كان الشهود قد

(1)

- صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن: باب قوله عز وجل (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين). حديث رقم (4468) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ! فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: هِلَالٌ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ، ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ).

أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: الشهادات، الطلاق.

معاني الألفاظ: تلكأ: تباطأ وتردد. أكحل العينين: ذا سواد في أجفان العين. سابغ: ضخم.

خدلجـ: ضخم ممتلئ.

ص: 60

شهدوا على زوجتك على الصفة المذكورة آنفاً وهل كانت الزوجة حاضرة حال أداء الشهادة أم كانت الشهادة مجملة وبغير حضورها وعلى كل حال فالمسألة خطيرة وتحتاج إلى تثبت ويكون كل شيء على الصفة الشرعية، وأما حكم بقائها عندك فإن كنت متأكداً من صحة ما تقول معرفة شرعية وصحيحة فالواجب عليك مفارقتها بطلاق وإن كنت لا تعرف معرفة حقيقية على الصفة الشرعية المذكورة سابقاً فلا تطلقها، وأما حكم الأولاد فإن كنت ستلاعنها عند القاضي الشرعي وتنفي نسبهم إليك أو تبقي بعضهم فإن القاضي سوف يفرق بينك وبينها ويلحق الأولاد بأمهم ولا يلحقهم بك ويرثون من أمهم ولا يرثون منك ولا ترث منهم إن كنت نفيتهم كلهم أو بعضهم فذلك الذي تنفيه غير لاحق بك بل لاحق بأمه، وإن كنت لم تلاعنها عند القاضي فالأولاد أولادك لأن (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر)

(1)

كما جاء في الحديث الصحيح وسواء طلقتها أولاعنتها فإنه يجب عليك أن تتأكد وتلاحظ الأمور الشرعية وتعرف أنه لا يرمي المسلم أو المسلمة بهذه الجريمة النكراء مسلم أو مسلمة إلا وهو عارف بما يثبت به هذه الجريمة وبأنه لا بد من الاعتراف من المتهم اعترافا حقيقيا ليس فيه رجوع أو بشهادة الأربعة الشهود العدول على مشاهدة الرجل والمرأه يمارسون هذه الجريمة الشنعاء على النعت السابق، وأن من اتهم زوجته بهذه المعصية الكبرى فلا مانع له من ملاعنتها عند القاضي الشرعي ونفي من يريد نفيه من الأولاد وتحرم عليه الزوجة تحريماً مؤبداً، أما إذا لم يلاعنها وقد عرف ارتكابها لهذه الفاحشة فعليه أن يطلقها ويلحق الأولاد بأبيهم وعلى الزوج المهر في كل الأحوال.

‌كيفية اللعان أمام القاضي الشرعي

س: سمعنا من الإذاعة جواباً على سؤال حول ملاعنة الزوج لزوجته ولم تظهر لنا كيفية الملاعنة لأن المجيب أحالها على الآية والحديث ولم نعرف الصيغة الشرعية لهذه الملاعنة فنطلب منكم الإيضاح ودمتم؟

جـ: اعلم بأن الرمي بالزنا خطيرٌ جداً إما في رمي الأجنبي للأجنبي أو الأجنبي للأجنبية أو العكس فلا بد من الاعتراف من المتهم بالزنا أو شهادة أربعة شهود عدول أنهم رأوا ذلك العضو من الرجل في ذلك العضو من المرأة فإذا لم يوجد أربعة شهود أو وجد أقل من الأربعة فالرامي لأيِّ شخص يكون قاذفاً ويحد حد القذف، أما في رمي الزوج زوجته فله حكم خاص في الإسلام وهو (اللعان) وهو إذا كان الزوج قد ادعى أن زوجته زنت فلا يطالب بأربعة شهود يشهدون على ذلك الفعل بل من قد رمى زوجته حكمه غير حكم رمي الأجنبي للأجنبي وهو أنهما يحضران إلى القاضي الشرعي فيعظهما ويحثهما على التصادق فإن إمتنعا بدأ بتحليف الزوج فيقول له قل والله العظيم إني لصادق فيما رميتك به من الزنا وأنفى ولدك هذا إن كان ثم ولداً ويكرره أربع مرات وفي المرة الخامسة ينتهي تحليف الزوج ثم يأمر الزوجة بالأيمان بأن يقول لها قولي والله العظيم إنه لمن الكاذبين في

(1)

صحيح البخاري: كتاب الفرائض: باب الولد للفراش حرة كانت أو أمة. حديث رقم (2105) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ: ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، ثُمَّ قَالَ: لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ، لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ).

أخرجه مسلم في الرضاع، والنسائي في الطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، الخصومات، العتق، الوصايا، المغازي، الفرائض، الحدود، الأحكام.

معاني الألفاظ: اختصم: احتكم.

للفراش: لصاحب الفراش وهو الزوج. العاهر: الزاني.

ص: 61

رميه لي بالزنا ونفيه لهذا الولد إن كان ثم ولداً قد نفى وذلك أربع مرات ثم بالخامسة تنتهي أيمانها، قال العلماء وإذا قدم القاضي تحليف الزوجة على زوجها أعاد أيمانها بعد أيمان الزوج لأن الترتيب واجب مالم يكن القاضي قد حكم فلا إعادة بعد الحكم، وبعد إكمال التحليف يفسخ الحاكم بينهما ولو بغير لفظ الفسخ ويحكم بنفي نسبة الولد فيسقط الحد عنه وينتفى النسب وينفسخ النكاح بينهما ويرتفع الفراش وتحرم الزوجة على الزوج الملاعن تحريماً مؤبداً، قال تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ

مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ

مِنَ الصَّادِقِينَ}

(1)

.

س: لماذا خص الرجل باللعن والمرأة بالغضب؟

جـ: خُصَ الرجل باللعن وهو الطرد من رحمة الله في قوله تعالى {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ

مِنَ الْكَاذِبِينَ} والمرأة بالغضب في قوله تعالى {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ

مِنَ الصَّادِقِينَ} لأن الغضب أشد من اللعن لأن المرأة هي التي تفعل الفاحشة وتتسبب في الجريمة.

س: كيف يستطيع الرجل أن يحلف ويجزم بأن الولد ليس ابنه وهو لم يشاهد الرجل الذي زنى بالمرأة؟

جـ: ما يستطيع أن يحلف إلا من هو متيقن كمن يسافر إلى بلدة وهو متيقن خلو رحم زوجته من الحمل كأن تكون حائضاً ويجلس غائباً مدة ما لا يرجع إلا وقد أصبحت حاملاً أو مرضعاً، وهو أعرف بنفسه ولا يجوز للزوج أن يحلف إلا إذا كان متيقناً.

‌لا يحتاج اللعان إلى تلفظ الزوج بالطلاق

س: هل تحتاج الملاعَنة إلى لفظ الطلاق بأن يقول الزوج هي طالق أو أنت طالق أو نحوه؟

جـ: لا يحتاج اللعان إلى تلفظ الزوج بالطلاق بل إن الزوجة تبين منه بمجرد الملاعنة وينفسخ عقد النكاح إلى الأبد بمجرد الملاعنة لأن الملاعنة تقطع العلاقة بين الملاعِن والملاعنة وبينها وبين أسرة الزوج الملاعِن، وكذا تنقطع العلاقه بين ولد الملاعَنة وبين الملاعِن وأسرته.

‌تحريم الملاعنة على الملاعِن على وجه التأبيد

س: هل المرأة الملاعَنة تحرم على الرجل الملاعِن على وجه التأبيد أو مؤقتاً؟

جـ: تحرم عليه إلى الأبد، اللهم إلا في حالة واحدة هي إذا كذَّب نفسه فيما رمى الزوجة به وسلم نفسه للمحكمة لإجراء حد القذف عليه ففي هذه الحالة يجوز له التزوج بها إن رضيت بمهر جديد وعقد جديد.

س: هل يجوز رجوع الزوجين إلى بعض بعد اللعان ولو بعد توبة الزوج ورجوعه عن اليمين؟

جـ: لا مانع إذا كذب الزوج نفسه واعترف بأنه افترى على زوجته وقذفها وتاب إلى الله.

‌اللعان الموجب للفرقة بين الزوجين ما كان على الصفة المذكورة في سورة النور

س: هل يجوز للمتلاعنين أن يتباشرا أو أنه يجب الفراق؟

جـ: اللعان الموجب للفرقة هو الذي يكون على الصفة التي ذكرها القرآن في سورة النور إذا كان عند القاضي

(1)

- النور: آية (6 - 9)

ص: 62

الشرعي، وأما غيره من الملاعنة التي تقع بين الزوجين حال الغضب فلا توجب الفرقة.

‌ابن الملاعنة ترثه أمه أو عصبتها

س: من يرث ابن الملاعنة؟

جـ: ترث ابن الملاعنة أمه، فإذا قد ماتت يرثه عصبة الأم، أما الرجل الملاعِن فلا يرثه لا هو ولا أحدٌ من أسرة الرجل الملاعِن لأنه لا علاقة بين ولد الملاعنة وبين الزوج الملاعِن ولا بين قرابة الرجل الملاعِن، ولا يجوز للولد أن ينظر إلى زوجة الرجل الملاعِن ولا أخته ابنت الرجل الملاعِن ولا عماته أخوات الرجل الملاعِن ولا يخلو بهن لأنه أجنبي عنهن.

‌عدم جواز زواج ابن الملاعنة بابنة الملاعِن

س: هل يجوز لولد الملاعنة أن يتزوج بأبنة الرجل الملاعِن التي هي أخته من غيرأمه؟

جـ: في المذهب الشافعي: يجوز له، وفي المذاهب الأخرى يقولون: فيه شبهة، يجب عليه اجتنابها لأنها ليست أخته حتى يجب عليه أن ينفق عليها، ولا هي امرأة أجنبية عنه يجوز له الزواج بها، فجعلوا لها منزلة بين منزلتين، وحكم بين حكمين: الجواز والتحريم، وهي الشبهة، وأخذ الجمهور بالأحوط، ودليل الجمهور هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين (سودة) في (عبد بن زمعة)(احْتَجِبِي مِنْهُ)

(1)

فلستِ بعمة له فهذا الحديث يدل على أن هناك حكم بين حكمين وأنه يعمل بالأحوط.

‌تحريم لحوق ابن الملاعَنة بالزاني

س: إذا نفي الزوج الولد فهل يلحق بالزاني؟

جـ: إذا نفى الرجل الملاعِن الولدَ فلا يلحق بالزاني وإنما يلحق بأمه لأن الزاني لا يلحق به ولد لحديث (وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ).

‌تحريم العمل بالشبه في النسب

س: هل يعمل بالشبه؟

جـ: لا يعمل بالشبه ولا عمل بالشبه لحديث (كَانَ عُتْبَةُ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ: ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، ثُمَّ قَالَ: لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ، لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ) ولم يعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشبه، بل حكم به للفراش.

س: إذا تزوج الرجل وولدت بعد خمسة اشهر، فهل هذا دليل على زناها؟ أي فهل الولد ابن زنا؟

جـ: الولد ليس بولده، فإن كانت قد تزوجت برجل آخر فترجم لحديث (الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ

(1)

صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عائشة رضي الله عنها برقم (2105).

ص: 63

ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ)

(1)

ولحديث (أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ قَالَ سُفْيَانُ كَذَا حَفِظْتُ أَلَا وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ)

(2)

ولحديث (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَهُ، أَنَّهُ قَدْ زَنَى، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ)

(3)

والمراد بلفظ (فشهد على نفسه) أقر على نفسه، الحديث دليل على وجوب رجم الزاني المحصن سواء كان رجلاً أو امرأة، وقد جاء في حديث (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَى، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيَّهَا فَقَالَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا، فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَر، تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَقَدْ زَنَتْ، فَقَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى؟)

(4)

وإلا فتجلد لقوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

(5)

.

‌جواز إخبار المولود بأنه ابن زنا لأجل الميراث والولاية

س: هل يُخبر الولد أنه ابن زنا أم لا يخبر؟

جـ: يُخبر لأجل الميراث، والولاية.

(1)

ـ صحيح مسلم:. كتاب الحدود: باب حد الزنى. حديث رقم (4390) بلفظ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ، قَالَ: فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَلُقِيَ كَذَلِكَ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ، قَالَ: خُذُوا عَنِّي، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ).

أخرجه الترمذي في الحدود، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الحدود.

معاني الألفاظ: الكربة: الضيق والشدة والغم في النفس. الربد: تغير البياض إلى السواد.

سبيلاً: مخلصاً بما جعل من الأحكام الشرعية. الثيب: من سبق له أن تزوج من قبل ذكراً كان أو أنثى.

الرجم: رمي الزاني المتزوج بالحجارة حتى الموت.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب الاعتراف بالزنا. حديث رقم (6829) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ عُمَرُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ قَالَ سُفْيَانُ كَذَا حَفِظْتُ أَلَا وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ).

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، ومالك في الحدود، والدارمي في الحدود.

أطراف الحديث: الشهادات، أحاديث الأنبياء.

(3)

ـ صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب المحصن. حديث رقم (6814) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَهُ، أَنَّهُ قَدْ زَنَى، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ).

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود، والنسائي في الجنائز.

(4)

ـ صحيح مسلم: كتاب الحدود: باب من اعترف على نفسه بالزنى. حديث رقم (4408) بلفظ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَى، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيَّهَا فَقَالَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا، فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَر، تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَقَدْ زَنَتْ، فَقَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى؟).

أخرجه الترمذي في الحدود، والنسائي في الجنائز، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في أول مسند البصريين، والدارمي في الحدود.

معاني الألفاظ:

أصاب: اقترف.

شكت: جمعت ولفت لئلا تتكشف في تقلبها.

الرجم: رمي الزاني المتزوج ذكراً كان أم أنثى.

(5)

- النور: آية 2 -

ص: 64

‌وجوب إقامة حد القذف على من يرمي الملاعَنة بالزنا

س: إذا قال الرجل الملاعِن للولد الملاعَن بعد اللعان أنت ابن زنا، فهل يقام عليه حد القذف؟

جـ: نعم، يقام على من يقذف ابنَ الملاعَنة حدُ القذف سواءً كان القذف من الرجل الملاعِن أم من غيره لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}

(1)

.

س: إذا لاعن الرجل الزوجة ورفضت أن تلاعن زوجها فهل ينسب الولد إلى جده؟

جـ: إذا لاعن الزوج فيجب إحضار الزوجة إلى المحكمة الشرعية وتلاعن أو تحبس.

‌لا عبرة بنتائج فحوصات الدم

س: يوجد أجهزة في عالم اليوم تبين الدم، هل هو من دم أبيه أم من دم غير أبيه، فهل يعمل بها؟

جـ: لا عمل على الأجهزة والاكتشافات للدم أو لغيره لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعمل بالشبه في حديث (ثُمَّ قَالَ: لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ، لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ) مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال (لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ)

(2)

لوجود شبه المولود بالرجل المتهم به، فإذا كان رسول الله صلى لم يعمل بالشبه الظاهر فكيف يُعمل بهذه الأجهزة.

‌تحريم قذف الملاعنة أو ولد اللعان بالزنا

س: هل يجوز قذف الملاعَنة بالزنا؟

جـ: لا يجوز قذفها ولا قذف ولد اللعان بالزنا، لأنها إن كانت صادقة وظلمها زوجها باللعان فهو حرام وإن لم تكن صادقة في أيمانها فقد حصنها اللعان، والملاعَنة داخلة في عموم المحصنات في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}

(3)

.

‌الأولى للزوج الملاعنة إذا تيقن أن المولود ليس من مائه

س: إذا رأى شخص امرأته وهي تزني أيهما أولى له أن يطلقها طلاقاً بائناً ويسترها أم يلاعنها؟

جـ: إذا سترها الزوج وطلقها فالولد سينسب إليه ولو كان من الماء النجس لحديث (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ

(1)

- النور: آية (5، 4)

(2)

-- صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن: باب قوله عز وجل (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين). حديث رقم (4468) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ! فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: هِلَالٌ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ، ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ).

أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: الشهادات، الطلاق.

معاني الألفاظ: تلكأ: تباطأ وتردد. أكحل العينين: ذا سواد في أجفان العين. سابغ: ضخم.

خدلجـ: ضخم ممتلئ.

(3)

- النور: آية (4)

ص: 65

الْحَجَرُ) وأما إذا لاعنها فله أن يدخل نفي الولد في أيمانه وينفي نسب الولد إليه،

ولذا يقول العلماء: أول حكم خولف في الإسلام هو استلحاق (معاوية بن أبي سفيان)(لزياد ابن أبية) لأن أبا سفيان كان قد زنى في الجاهلية بأمرأة اسمها سمية أم زياد بن أبيه (وأتت بزياد ابن أبيه) ولهذا خولف حديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر) باستلحاق معاوية لزياد ابن ابيه لأنه في هذه المسألة إذا طلقها الرجل فيلحق الولد به وإن لاعنها فيلحق الولد بأمه، وحديث (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) مقيد بالملاعنة.

‌الأولى للزوج عدم الملاعنة إذالم يتيقن أن المولود من الزنا

س: إذا جامع الرجل زوجته ثم بعد ذلك رآها تعمل الفاحشة فاشتبه عليه نسبة الولد إليه، بمن يلحق الولد؟

جـ: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) اللهم إلا إذا أراد أن يلاعنها فله ذلك، أما إذا لم يلاعنها فالولد له وهو ابنه.

‌صحه الملاعنة ولو لم ينف الملاعِن نسب الولد إليه

س: من لاعن زوجته وهو يدعي أن الولد ابنه فهل يعتبر ادعاؤه للولد قرينة براءة للمرأة ويعتبر قاذفاً ويقام عليه حد القذف؟

جـ: إذا لاعن الرجل زوجته ولم ينف نسب الولد إليه فالولد ولده، وتصح ملاعنته لزوجته وتلاعنه لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ

مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ

مِنَ الصَّادِقِينَ}

(1)

.

‌مشروعية تسليم الملاعنة نفسها لإقامة الحد عليها إذا تابت من الزنا

س: ما حكم توبة المرأة الملاعَنة إذا كانت فعلاً زانية، فهل لها أن تتوب إلى الله وهل يلزمها أن تعترف أم أنه لا يلزمها الاعتراف فتكتفي بما بينها وبين الله تعالى؟

جـ: ما دامت القضية قد وصلت إلى المحكمة فعليها تسليم نفسها لإقامة الحد عليها لحديث (فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ)

(2)

.

س: إذا غضب الرجل على زوجته ولم يطلقها ولم يلاعنها واعترفت له ثم أعلنت له توبتها فهل له أن يبقى زوجاً لها أم يجب عليه أن يلاعنها وإلا اعتبر ديوثاً؟

جـ: إذا كانت توبتها توبة صادقة خالصة وعرف الزوج منها صدق توبتها فلا مانع، وإن كانت غير صادقة في

(1)

- النور: آية (6 - 9)

(2)

- موطأ مالك: كتاب الحدود: باب ما جاء في من اعترف على نفسه بالزنا. حديث رقم (1299) بلفظ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ).

انفرد به مالك.

معاني الألفاظ: ثمرته: أي عقدة طرفه والمراد لم يلين. ركب به: ذهبت عقدة طرفه. يبدي لنا صفيحته: يظهر لنا ما استتر من أمره.

ص: 66

توبتها فيجب عليه أن يطلقها إذا لم يلاعنها لأن الزانية لا ينكحها إلا زانٍ لقوله تعالى {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}

(1)

، ولأن الذي يرضى بالفاحشة لزوجته أو أمه أو ابنته أو اخته أو قريبته يسمى ديوثاً، والدياثة من الكبائر، ومن أكثر الذنوب التي تدخل النار التساهل في معاصي الزنى المعبر عنها بلفظ (الفروج) في حديث (مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: التَّقْوَى وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَسُئِل، مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّارَ؟ قَالَ: الْأَجْوَفَانِ الْفَمُ وَالْفَرْجُ)

(2)

.

س: جاء في كتاب الدراري المضيئة إذا أقرت المرأة كان عليها حد زنى المحصن إلا إذا كان هناك شبهة فما هي الشبهة؟

جـ: هي إدعاؤها أنها مكرهة، وإذا ظهرت أمارات الإكراه فيقبل ويدرأ عنها الحد لأنَّ الحدود تدرؤ بالشبهات.

‌وجوب تعزير الديوث

س: ما حكم الديوث؟

جـ: من ناحية الديانة هي معصية كبيرة من الكبائر، وأما من ناحية الشريعة فعند علماء الهادوية يستحق القتل فمن ثبت أنه ديوث يقتل عند الهادوية، وعند جمهور العلماء: يعزر تعزيراً ولا يقتل لأنه لم يرد حديث في الأمهات الست يدل على مشروعية قتله.

‌معاني لفظ المحصنات في القرآن الكريم

س: ما المراد بلفظة المحصنات الواردة في القرآن الكريم؟

جـ: هو لفظ مشترك يطلق على عدة معان يدل على المقصود منها السياق، استخدم لفظ المحصنات في القرآن الكريم بمعنى الآتي:

1 -

المتزوجات: في قوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}

(3)

.

2 -

الحرائر: في قوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}

(4)

والتي في قوله تعالى {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}

(5)

المراد به هنا الحرائر.

3 -

العفيفات: في قوله تعالى {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}

(6)

.

4 -

العفيفات في قوله تعالى في سورة النور " {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ

(1)

- النور: آية (3)

(2)

- سنن ابن ماجة: كتاب الزهد: باب الذنوب. حديث رقم (3443) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: التَّقْوَى وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَسُئِل، مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّارَ؟ قَالَ: الْأَجْوَفَانِ الْفَمُ وَالْفَرْجُ) حسنه الألباني في صحيح ابن ماجة بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في مسند المكثرين.

(3)

- النساء: آية (24)

(4)

- النساء: آية (25)

(5)

النساء: آية (25).

(6)

- النور: آية (25)

ص: 67

عَذَابٌ عَظِيمٌ}

(1)

.

الخلاصة: قد وردت لفظة (المحصنات) في القرآن الكريم، مرة بمعنى المتزوجات، ومرة بمعنى الحرائر، ومرة بمعنى العفيفات.

‌كل امرأة تلد وهي مزوجة فالولد للزوج

س: إذا زنت المرأة وهي حامل من زوجها الحقيقي فبمن يلحق الولد؟

جـ: يلحق بزوجها لأن الولد للفراش كل من ولدت وهي تحت رجل أي هي في عصمته أو معتدة منه فالولد للزوج لحديث (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ).

س: ما حكم من يتهم زوجات أبنائه بالزنا؟ كأن يقول أنا زنيت بها وهذا الولد ابني وليس ابن ابني؟

جـ: نعوذ بالله من هذا الرجل إن صح أنه يوجد مثل هذا الرجل هو مجرم من وجوه:

الأول: أنه زنى. الثاني: أنه زنى بحليلة ابنه. الثالث: أنه قذف زوجة ابنه. الرابع: أنه يجاهر بالمعصية، ومثل هذا الرجل يؤخذ إلى المحكمة ويدعى عليه ويصدر حكم عليه بما يثبت لدى المحكمة في حقه، وينبغي أن ترفع الدعوى من زوجة الولد أو أهلها، أما أن يسكتوا على مثل هذه الجريمة فشيء عجيب.

‌الأولى لمن وجد رجلا يزني بامرأته أن يلاعنها ولايقتل الرجل الزاني

س: ما حكم من وجد رجلاً يزني بامرأته فقتله، فهل يقتل به؟

جـ: نعم، يقتل به لأنه سيعجز عن البرهان على أن المجرم كان في حالة زنا بأهله.

وثانياً: الحدود إقامتها إلى الدولة وليس إليه.

وثالثاً: الشريعة لم تأذن بقتله وإنما شرعت له الملاعنة فلا يجوز قتله على مذهب الجمهور إلا عند الهادوية: فهم يجوزون قتل من يجده الرجل مع زوجته أو ولده الصغير حال الفعل هذا الجواز فيما بينه وبين الله تعالى، أما عند الشريعة فإن استطاع أن يبرهن على أنه قتل المجرم في حالة إرتكابه للفاحشة وإلا فإنه يقتل به، ومذهب الجمهور أنه لا يجوز للإنسان أن يقتل فاعل الفاحشة لا ديانة ولا شريعة لأن الشريعة أمرت بالملاعنة.

‌الاولى لمن يلاعن زوجته ألا يذكر اسم الزاني

س: إذ لا عن الرجل زوجته وذكر اسم الزاني فما الحكم؟

جـ: إذا ذكر الملاعِن اسمَ الزاني فإن أثبت عليه بأربعة شهود يشهدون أنهم شاهدوا كالميل في المكحلة وإلا فيعتبر الملاعن قاذفاً ويحد حد القذف، هذا إذا كان الرجل المسمى قد طالب الملاعن عند القاضي الشرعي، فمن يريد أن يلاعن زوجته فلا يذكر اسم الزاني إذا لم يستطع أن يبرهن عليه، وكذلك المرأة إذا ذكرت اسم الزاني فتعتبر قاذفة وتحد حد القذف إذا طالب الزاني بذلك.

‌عدم جواز اللعان بعد الطلاق

س: ما الحكم إذا لاعن الرجل امرأته بعد أن طلقها؟

(1)

النور: آية (23)

ص: 68

جـ: لا يسمى لعاناً لأنه يلاعِن امرأة أجنبية عنه.

س: إذا وقعت الملاعنة فوضعت الجنين، فهل تعتد ولو بعد وضع الجنين؟

جـ: وضع الجنين كفى به عدة لقوله تعالى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}

(1)

‌جواز مطالبة المرأة الزوج باللعان أو البرهان إذا رماها بكلام جارح

س: امرأة تشكو من زوجها الذي مكثت معه ست سنوات وأنجبت له طفلين وحينما حدثت مشاكل بينه وبين والدها من حسابات ونقود وخلال هذه المشاكل وهي في بيت زوجها سمعت من الجيران بأن زوجها يشهر بها ويرميها بكلام جارح الأمر الذي أدى إلى أنها تكره البقاء معه وأصبح والدها لا يغادر المنزل وتختتم الرساله بالقول ما هو الحكم الشرعي في هذا الكلام الجارح وهل يعتبر لعاناً أم لا؟

جـ: اعلمي بأن هذا الكلام الصادر من هذا الزوج لا يعتبر لعاناً ولا مانع لك من أن توكلي من يطلب هذا الزوج إلى القاضي الشرعي ليسأله القاضي عن صحة ما قال فإن أنكر أنه قال هذا القول فهو المطلوب وعلى القاضي أن يحرر عليه رقماً بأنه منكر ما قيل عنه، وهكذا رجع عن قوله هذا واعتذر وكذب نفسه وعلى القاضي أن يرقم عليه رقماً بأنه قد كذب نفسه أو رجع عن كل ما قال عنك وأنه قد تاب من هذا الكلام الجارح وباب التوبة مفتوح، ولهذا يرد اعتبارك واعتبار والدك واعتبار أسرتك ويكون هذا الرقم كاف في الرجوع عما قاله عنك، وإذا أصر على قوله فلا مانع لوليك من المطالبة له بأن يلاعنك على الصفة الواردة في القرآن الكريم في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ

مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ

مِنَ الصَّادِقِينَ} والسنة النبوية العطرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام في حديث (فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ، ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ)

(2)

أو بالمطالبة بالطلاق بسبب الكراهية ليحكم الحاكم الشرعي باللازم نسأل الله لك الفرج والتوفيق إنه على ما يشاء قدير وإياك إياك أن تفكري في الإنتحار وحذاري من أن تصدقي الشيطان فتقتلي نفسك عمداً فيغضب الله عليك ويدخلك النار فاتق الله في نفسك ومن يتق الله يجعله مخرجاً.

(1)

- الطلاق: آية (4)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن: باب قوله عز وجل (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين). حديث رقم (4468) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ! فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: هِلَالٌ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ، ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ).

أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: الشهادات، الطلاق.

معاني الألفاظ: تلكأ: تباطأ وتردد. أكحل العينين: ذا سواد في أجفان العين.

سابغ: ضخم.

خدلجـ: ضخم ممتلئ.

ص: 69

‌الباب السادس: العدة والاستبراء

الفصل الأول: أنواع العدة

• تنقضي عدة الحامل بوضع الحمل

• حكم المرأة التي أتاها الحيض ثم انقطع عنها لعارض حكم اليائسة

• وجوب عدة المتوفى عنها قبل الدخول لأن الموت بمنزلة الدخول

• وجوب انتهاء عدة المتوفي عنها زوجها بخروج جنين متخلق

• عدة الوفاة واجبة سواء كانت الزوجة مهجورة أم غير مهجورة

• وجوب التفريق بين الزوج ومن تزوج بها وهي في العدة

• عدة زوجة المفقود المحكوم بفسخ نكاحها حيضة

• عدم جواز خروج المتوفي عنها زوجها من بيتها إلا للضرورة

• وجوب العدة في بيت زوجها الذي كانت تعيش معه فيه

• عدم جواز التطيب أو التزين للمتوفي عنها زوجها في مدة العدة

الفصل الثاني: الاستبراء

• الأمة: هي المرأة المسبية من دار الحرب

• وجوب استبراء الامة مطلقا

• تحريم وطء الأمة قبل الاستبراء

• وجوب الاستبراء على السابي أو المشتري

• علة تحريم وطء المسبية قبل الاستبراء هي لكي لايسقي الإنسان بمائه زرع غيره

• جواز مداعبة الجارية قبل الاستبراء إذا لم يخش الوقوع في الحرام

ص: 70

‌الفصل الأول: أنواع العدة

‌تنقضي عدة الحامل بوضع الحمل

س: إذا طلق الرجل زوجته وهي حامل في الشهر التاسع فهل تنقضي عدتها بوضع الحمل؟

جـ: نعم، تنقضي عدتها بوضع الحمل لقوله تعالى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}

(1)

ولحديث (قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ وَهِيَ حُبْلَى فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَخُطِبَتْ فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(2)

.

س: في عدة المتوفاة، هل المعمول به رأي الشوكاني أن عدتها تنقضي بوضع الحمل أم بأطول الأجلين؟

جـ: المعمول به أنها تنتظر أطول الأجلين، وهورأي ضعيف لمخالفته لمدلول الآية والحديث.

س: ما هي العدة للمطلقة الحامل أو الحائض أو اليائسة من الحيض؟

جـ: المطلقة تنتهي عدتها بمضي ثلاث حيض إن كانت من ذوات الحيض لقوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}

(3)

وبوضع الحمل إن كانت حاملاً لقوله تعالى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وبمضي ثلاثة أشهر إن كانت يائسة من الحيض لكبر سنها أو طفلة صغيرة لم يأتها الحيض لصغر سنها أو كانت ضهياء (أي لا تحيض طوال العمر) لقوله تعالى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}

(4)

‌حكم المرأة التي أتاها الحيض ثم انقطع عنها لعارض حكم اليائسة

س: كيف تعتد المرأة التي جاءها الحيض ثم انقطع عنها الحيض لعارض؟

جـ: عند الهادوية تنتظر حتى يأتيها الحيض أو تنتظر إلى سن اليأس أي إلى أن يبلغ عمرها ستون سنة، قال الشوكاني: هذا ظلم للمرأة وللرجل، أمَّا المرأة فيلزم من هذا القول أن تنتظر حتى تبلغ سن الستين سنة فقد تنتظر نحو أربعين سنة، وأما الزوج فسيلزمه أن ينفق عليها في كل هذه المدة لأنها في عدة طلاق رجعي، وقال الشوكاني: حكمها حكم اليائسة، ويصدق عليها قوله تعالى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} ويصدق عليها أنها يائسة، وإذا عاد الحيض اعتدت بالحيض.

‌وجوب عدة المتوفى عنها قبل الدخول لأن الموت بمنزلة الدخول

س: إذا توفي الزوج قبل ان يدخل بالزوجة بعد العقد، فهل عليها عدة وفاة؟

جـ: الموت بمنزلة الدخول فيجب عليها العدة لعموم قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ

(1)

- الطلاق: آية (4)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب فضل من شهد بدرا. حديث رقم (3994) بلفظ (عن أَبي سَلَمَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ، فَقَال: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، قُلْتُ: أَنَا {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلَامَهُ كُرَيْبًا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ وَهِيَ حُبْلَى فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَخُطِبَتْ فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

أخرجه مسلم في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في اللنكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في ومن مسند القبائل.

(3)

- البقرة: آية (228)

(4)

- الطلاق: آية (4)

ص: 71

أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}

(1)

وتستحق الميراث ولها المهر كاملاً.

‌وجوب انتهاء عدة المتوفي عنها زوجها بخروج جنين متخلق

س: هل تجب عدة الوفاه بالأشهر لمن توفى عنها زوجها وهي حامل بدون ثلاثة أشهر وفي اليوم الثاني من وفاة زوجها أسقطت حملها بدم فقط أم أنه لا بد من خروج جنين متخلق أو قطع لحم باعتبار انتهاء العدة بوضع الحمل؟

جـ: إن العدة لا تنقضي إلا بخروج جنين متخلق لا بخروج دم وفرث لأن خروج الدم لا يسمى بوضع لا لغة ولا شرعاً.

س: امرأة جاهلة بالعدة فمات زوجها ومرت أيام العدة ولم تعتد، فهل يجب عليها أن تقضي العدة؟

جـ: النساء يعرفن وجوب العدة إذا توفي الزوج.

‌عدة الوفاة واجبة سواء كانت الزوجة مهجورة أم غير مهجورة

س: هجر والدي والدتي أكثر من (35) سنة بسبب اختلال عقله حتى توفي في شهرنا هذا شوال، والآن والدتي تريد أن تحج وقد سلمت تكاليف الحج وتذاكر الطيران، فهل تجب عليها العدة مع العلم أنه لم يدخل عليها طوال هذه المدة، ولم يكن بينه وبينها أيُّ شيء من العشرة الزوجية؟

جـ: العدة والإحداد واجبان على المرأة بعد موت زوجها سواء كانت حاضرة أو غائبة مهجورة أو غير مهجورة لا فرق لعموم قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} .

‌وجوب التفريق بين الزوج ومن تزوج بها وهي في العدة

س: إذا طلق رجل زوجته وتزوجت وهي في العدة فلمن يكون الولد حيث أن كلاً منهما قد دخل بها؟

جـ: يجب أن يفرق بين الزوجة وزوجها الثاني، فإذا مضت العدة تتزوج بالزوج الأول أو بغيره ويحسب لها أقل الحمل وهي ستة أشهر فإذا مضت الستة الأشهر من بعد زواجها بالزوج الثاني فيلحق بالزوج الأول لأنه صاحب الفراش وأما الزوج الجديد والزوجة فيعزران لدخول الزوج بها وهي في عدة الزوج الأول.

‌عدة زوجة المفقود المحكوم بفسخ نكاحها حيضة

س: إذا كان زوج المرأة مفقوداً، فكيف تعتد؟

جـ: أولاً يحكم القاضي الشرعي بفسخها بعد مضي سنة أو سنتين وتعتد بثلاث حيض وبعض العلماء قال هو فسخ وتعتد بحيضة، الشوكاني: يقول تعتد المرأه في الفسخ بحيضة، والهادوية يقولون: تعتد المرأه من الفسخ بثلاث حيض، والله أعلم بماذا تعمل المحاكم الشرعية هذه الأيام.

(1)

- البقرة: آية (234)

ص: 72

‌عدم جواز خروج المتوفي عنها زوجها من بيتها إلا للضرورة

س: المرأة المتوفي عنها زوجها هل يجوز لها الخروج في العدة لحاجة رغم أنه يوجد من يسد حاجتها هذه، ولكنها تريد أن تخفف عن أهل بيتها؟

جـ: لا يجوز للمرأة المعتدة التي توفي زوجها الخروج لقضاء حوائجها إلا للضرورة وإلا فلا لحديث (إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ)

(1)

وكونها تريد التخفيف عن أهلها ليس بعذر ضروري.

‌وجوب العدة في بيت زوجها الذي كانت تعيش معه فيه

س: إذا سمعت المرأة بنبأ خبر وفاة زوجها وهي في بيت إحدى صديقاتها أو في مكان عام أو في عرس أو في مدينة أخرى ماذا عليها أن تعمل حيال ذلك؟

جـ: على الزوجة أن تعتد في البيت الذي وصل خبر وفاة زوجها وهي فيه فإذا كان هو البيت الذي كان الزوجان يعيشان فيه بقيت فيه وإن كانت عند أهلها أو عند بيت العرس مثلاً إذا أذن صاحب البيت فعليها أن تعتد في بيته وإن لم يأذن فتخرج وتعتد في البيت الذي كانا يعيشان فيه قبل الوفاة.

س: هل يجوز للمرأة الخروج لزيارة المرضى وهي في عدة وفاة زوجها؟

جـ: الأحوط عدم خروج المرأة المعتدة عدة وفاة زوجها لزيارة المرضى لحديث (إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ).

س: ما حكم خروج المرأة المعتدة لوفاة زوجها إلى المسجد لصلاة التراويح وكذا الاعتكاف؟

جـ: المرأة المعتدة لا تخرج إلا للضرورة في النهار لحديث (إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ) أما للاعتكاف ولصلاة التراويح فالظاهر عدم الجواز والله أعلم.

‌عدم جواز التطيب أو التزين للمتوفي عنها زوجها في مدة العدة

س: هل صحيح ما يدور في العادات الخاصة بالمرأة التي توفي عنها زوجها أنه لا يجوز لها أن تضع أيَّ دهان فيه رائحة مثل: الدهانات المعطرة أو أيَّ مرطب على جسمها أو شعرها طوال فترة العدة والتي هي أربعة أشهر وعشرة أيام؟ كما أنهم يقولون أن عليها أن تحتفظ بكل ما يتساقط عنها من الشعر أو قصاصة الأظافر إلى نهاية فترة العدة ثم تقوم بدفنها بعد أن تدهنها بالزيت فهل هذه من الخرافات؟ أم أن هذه من الشرع؟

جـ: لا يجوز للمرأة المعتدة أن تتطيب إلا إذا طهرت من الحيض، وإذا اغتسلت في أيام العدة، وهي مدة الأربعة

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الطلاق: باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا. حديث رقم (5336) بلفظ (قَالَتْ زَيْنَبُ: وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ: لِزَيْنَبَ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ، سُئِلَ مَالِكٌ مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا)

أخرجه مسلم في الطلاق، والترمذي في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق، ومالك في الطلاق.

معاني الألفاظ: الحفش: البيت الصغير الضيق.

ص: 73

الأشهر والعشرة الأيام، فلها أن تطيب جسمها (بالقسط)، أي بقسط من الظفار وهو نوع من البخور العادي، كما جاء في صحيح البخاري عن أم عطية رضي الله عنها بلفظ (كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا نَكْتَحِلَ، وَلَا نَتَطَيَّبَ، وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ)

(1)

وأما غير هذا من أنواع الطيب كالمسك والعطر والعود فلا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستثن غير ذلك النوع من الطيب فقط في تلك الحالة.

وما جاء في السؤال من أن عليها أن تحتفظ بما تساقط من الشعر وقصاصة الأظافر لا دليل عليه، إنما هو من الأباطيل والخرافات.

س: أفيدونا ماذا يجب على المرأة التي عليها حداد على زوجها فإنه يقال إنه إذا هطل مطر وهي في حوش البيت فإنه لا يجوز لها الانتقال إلى الغرفة حتى ينتهي المطر وأن تغسل الملابس في الظلام وأن لا يرى ملابسها أحد ولا تمسها الشمس وألا تلبس إلا ملابساً بيضاء وفي أيام الحيض تلبس ثيابها العادية وأن تحمل العصى طوال النهار وإذا سقطت شعرة من رأسها وضاعت ولم تجدها فعليها إثم وعليها أن تجمع شعرها وأظافرها المتساقطة وتدفنها في قبر زوجها بعد الحداد وأن تأخذ إبرة الخياطة وتغرسها في غطاء رأسها إذا خرجت إلى الحمام الليل وإذا حياها أحد لا ترد عليه التحية أفيدونا أفادكم الله؟

جـ: اعلم أن الواجب على الزوجة المتوفي عنها زوجها البقاء في بيت زوجها وعدم الخروج منه إلا للضرورة وعدم التطيب وعدم التزين فقط لحديث (كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا نَكْتَحِلَ، وَلَا نَتَطَيَّبَ، وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ).

س: ما هو ثوب العصب الذي كانت تلبسه المرأة المعتدة على زوجها؟

جـ: هو ثوب بعضه أسود وبعضه أحمر وبعضه أبيض.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الحيض: باب الطيب للمرأة بعد غسلها من الحيض. حديث رقم (313) بلفظ (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا نَكْتَحِلَ، وَلَا نَتَطَيَّبَ، وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ)

أخرجه مسلم في الطلاق، والنسائي في الطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق، وأحمد في أول مسند البصريين، والدارمي في الطلاق.

أطراف الحديث: الطلاق.

معاني الألفاظ: الإحداد: ترك الطيب والزينة. عصب: نوع من الثياب اليمنية.

النبذة: قطعة صغيرة.

الكست: عود يجعل في البخور والدواء.

ص: 74

‌الفصل الثاني: الاستبراء

‌الأمة: هي المرأة المسبية من دار الحرب

س: من هي الأمة؟

جـ: هي المرأة المسبية من دار الحرب سواء كانت بيضاء أو سوداء أو غيرهما كما في حديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ: لَهُمْ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ)

(1)

.

‌وجوب استبراء الامة مطلقا

س: من هي الأمة التي يجب استبراؤها؟

جـ: التي ورد النص فيها هي المرأة المسبية لحديث (أَنَّهُ أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ)

(2)

ولحديث (لَا توطأ حامل حَتَّى تَضَعَ، وَلَاغَيْر ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً)

(3)

ويقاس عليها الجارية المشتراة أو الموهوبة قياساً على المسبية، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن وطء الجارية المسبية الحامل حتى تضع حملها وغير الحامل حتى تحيض حيضة إن كانت من ذوات الحيض، والعلة الجامعة أن الشرع لا يريد للرجل أن يسقي بمائه زرع غيره.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها: باب هبة جماعة لقوم. حديث رقم (2417) بلفظ (عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ: لَهُمْ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ، فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ، فَقَالَ: لَهُمْ إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِيهِ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ، فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا، وَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ، هَذَا آخِرُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا)

أخرجه أبوداود في الجهاد، وأحمد في أ ول مسند الكوفيين.

معاني الألفاظ: القفول: الرجوع.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب النكاح: باب تحريم وطء الحامل المسبية. حديث رقم (3547) بلفظ (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ)

أخرجه أبوداود في النكاح، وأحمد في مسند الأنصار، والدارمي في السير.

معاني الألفاظ: مجح: هي الحامل التي قربت ولادتها.

فسطاط: الخيمة الكبيرة.

يلم: يطؤها.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب النكاح: باب في وطء السبايا. حديث رقم (2175) بلفظ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَرَفَعَهُ أَنَّهُ قَالَ: فِي سَبَايَا أَوْطَاسَ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه مسلم في الرضاع، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الطلاق.

معاني الألفاظ: الوطء: الجماع.

ص: 75

‌تحريم وطء الأمة قبل الاستبراء

س: ما حكم وطء الجارية قبل الاستبراء؟

جـ: التحريم، لنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث (أَنَّهُ أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ) وحديث (لَا توطأ حامل حَتَّى تَضَعَ، وَلَاغَيْرذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً).

‌وجوب الاستبراء على السابي أو المشتري

س: هل يجب الاستبراء على البائع أم على المشتري؟

جـ: يجب الاستبراء على المشتري أو السابي لحديث (أَنَّهُ أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ) وحديث (لَا توطأ حامل حَتَّى تَضَعَ، وَلَاغَيْرذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً) أما البائع فلا دليل يدل على وجوب استبرائه الأمة قبل البيع خلافاً للهادوية فإنهم يوجبون على البائع استبراء الأمة قبل بيعها.

‌علة تحريم وطء المسبية قبل الاستبراء هي لكي لايسقي الإنسان بمائه زرع غيره

س: ما العلة في تحريم وطء المسبية الحاملة مع أن الحمل قد تخلق من وطء الرجل الأول والوطأ لم يضر المسبيه؟

جـ: النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الوطء قبل الوضع لكي لا يسقى الإنسان بمائه زرع غيره في حديث (لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ)

(1)

.

‌جواز مداعبة الجارية قبل الاستبراء إذا لم يخش الوقوع في الحرام

س: إذا كان للمسلم جارية مسبية خرجت في سهمه فهل يجوز له أن يداعبها دون الجماع قبل الاستبراء؟

جـ: يجوز له ذلك إذا لم يخش الوقوع في المحظور وهو وطؤها قبل الوضع أو الحيضة وفي الحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(2)

.

(1)

- سنن أبي داود: كتاب النكاح: باب في وطء السبايا. حديث رقم (1844) بلفظ (عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَامَ فِينَا خَطِيبًا قَالَ: أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، يَعْنِي إِتْيَانَ الْحَبَالَى، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسَمَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ إِسْحَقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ زَادَ فِيهِ بِحَيْضَةٍ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ زَادَ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ قَالَ أَبُو دَاوُد الْحَيْضَةُ لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2158).

أخرجه أحمد في مسند الشاميين، والدارمي في السير.

معاني الألفاظ: إتيان الحبالى: كناية عن الجماع.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

ص: 76

الباب السابع: النفقة

• النفقة الواجبة هي الأكل والشرب والكسوة والسكن والعلاج

• وجوب نفقة الزوجة على الزوج

• وجوب النفقة على الزوج ولو كانت الزوجة غنية

• وجوب علاج الزوجة على زوجها لا على أهلها إلا للضرورة

• صار العرف أن الزوج لا ينفق على الزوجة قبل زفافها إليه

• نشوز الزوجة تمردها على الزوج وعصيانها له

• جواز منع الزوجة الناشزة النفقة

• وجوب معالجة الزوجة

• المحاكم الشرعية توجب للمتوفي عنها زوجها نفقة مدة العدة

• تحريم أخذ الزوجة من مال الزوج لإعطائه بيت أهلها بغير إذن الزوج

• تحريم تصدق المرأة من مال زوجها إلا بإذنه

• جواز إعطاء الزوجة عطاء لمقابل خدمتها له وهو مريض على الفراش

• وجوب نفقة المطلقة طلاقاً رجعياً

• تقدر النفقة الواجبة بحسب حال وضروف المنفِق

• وجوب نفقة الوالد المعسر على أولاده كل واحد بحسب ظروفه المالية

• مشروعية اختيار عدلين خبيرين لتقدير نفقة الأب على ابنه في حالة الاختلاف

• نفقة الولد المعسر على والده الميسر

• اختلاف العلماء في القريب الذي يجب على القريب الغني نفقته

• وجوب نفقة الوالدين المعسرين على الولد الموسر

• علاج الوالدين أو أحدهما على الموسرين والخدمة عليهم جميعا

• تحريم أخذ الولد من مال أبيه إلا بإذنه

• الفرق بين النفقة الواجبة وصلة الأرحام

ص: 77

• محارم الرجل التي يشرع صلتهن هن كل أنثى لها صلة بالأب أو الأم

• حديث (أنت ومالك لأبيك) ليس على حقيقته

• وجوب النفقة على الأخت الفقيرة من باب صلة الأرحام

• استحباب صلة رحم ابنة العم أوزوجة العم بدون مصافحة

• تحريم مصافحة زوجة العم أو الخال أو الأخ أو ابن الأخ

• من كان فقيراً تكفي صلته لرحمه ولو بالزيارة

ص: 78

‌الباب السابع: النفقة

‌النفقة الواجبة هي الأكل والشرب والكسوة والسكن والعلاج

س: ما المراد بالنفقة الواجبة؟

جـ: هي الأكل والشرب والكسوة والسكن والعلاج وكلما يحتاج إليه المنفَق عليه، وليست محصورة في الأكل والشرب، قال تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}

(1)

وقال تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}

(2)

.

‌وجوب نفقة الزوجة على الزوج

س: من هي المرأة التي يجب على الزوج أن ينفق عليها؟

جـ: يجب على الزوج نفقة زوجته مطلقاً سواءً كانت الزوجة صغيرة أم كبيرة وسواءً كانت صحيحة أم مريضة وسواءً كانت بكراً أم ثيباً وسواءً كانت عند أهلها أم عند زوجها وسواءً كانت مجنونة أم صحيحة، اللهم إلاً إذا كانت ناشزاً أي عاصية لزوجها فتسقط في هذه الحالة نفقتها لقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وقوله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} ولحديث (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)

(3)

س: ما المراد بلفظ المعروف في حديث (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)؟

جـ: المراد بالمعروف: بقدر الحاجة أي يجوز للزوجة أن تأخذ من مال الزوج بقدر الحاجة ولا تأخذ زيادة على قدر الحاجة.

س: توفي زوجي قبل أربعة عشر عاماً وكنت آخذ بعضاً من بضاعته التي كان يبيعها لأصرف قيمة ما أبيع في شراء محتاجات البيت الضرورية التي لا بد منها لمن تعيش في البيت لأنه كان رحمه الله بخيلاً علينا وعلى نفسه ولا زلت متشككة في جواز ما عملته مع أني قد أسقطت عنه ما كان في ذمته من المهر، وأرسلت من يحج عنه من فلوسي الخاصة، فما هو الذي عليّ الآن وهل أنا آثمة وما كفارة ما عملته؟

جـ: اعلمي أيتها الأخت السائلة أنه إذا صح جميع ما ذكرتيه في سؤالك هذا فلا جناح عليك فيما فعلت من أخذ شيء من ماله لصرف قيمته فيما تحتاجينه أنت وأولادك فقد شكت (هند بنت عتبة بن ربيعة) إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن زوجها (أبا سفيان) بخيل وأنه لا يفي بحاجاتها هي وأولادها فأذن لها النبي عليه الصلاة والسلام في أخذها ما يكفيها هي وأولادها بالمعروف في حديث (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) وفيه دليل على

(1)

- الطلاق: آية (7)

(2)

- الطلاق: (6)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأحكام: بابالقضاء على الغائب. حديث رقم (2211) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ هِنْدًا قَالَتْ: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ، قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)

أخرجه مسلم في الأقضية، والنسائي في أداب القضاة، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي منسد الأنصار، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: النفقات، المظالم والغصب.

ص: 79

جواز ما فعلتيه أنت في مال زوجك المذكور الذي كان يبخل على نفسه وعلى أسرته، وأنه لا جناح عليك فيما فعلتيه ولا إثم عليك إن صح ما جاء في السؤال ولا سيما وقد أعفيت زوجك المذكور عما في ذمته من المهر الذي كان عنده لك وخصوصاً أنك قد أرسلت من يحج عنه حجة الإسلام من مالك الخاص.

س: أفتونا عن رجل تزوج بامرأتين أنجبت له الزوجة الأولى ولدين وثلاث بنات وأنجبت له الزوجة الثانية ولدين وبنتين وهو عائش مع زوجته الأولى في بيت، أما الثانية فهي منعزلة في بيت آخر لا ينفق عليها والذي ينفق عليها هو ولده الأكبر وأراد الرجل أن يقسم أمواله على ورثته فطلقها احتيالاً عليها وبعد ذلك طالب الزوج بإرجاع زوجته، فهل عليه نفقة ستة عشر عاماً أم لا؟

جـ: اعلم أن العبرة في هذا بالبرهان فإذا صح أن الزوجة المذكورة كانت طائعة لزوجها غير ناشزة في المدة المذكورة فعليه نفقتها وسكنها طوال هذه المدة لقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وقوله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} وإن كانت ناشزة فلا نفقة لها لأن نفقة الزوجة تسقط بالنشوز.

س: رجل تزوج بامرأة ومكثت معه أكثر من أربعين عاماً وطلقها بعد هذه الفترة الطويلة ولم يوجد لها من يعولها وتزوج بامرأة أخرى، فهل يلزم عليه نفقة لزوجته الأولى بعد أن طلقها؟

جـ: أعلم بأنه من الناحية الشرعية لا مانع لهذا الرجل من طلاق زوجته وليس عليه من النفقة غير نفقة أيام العدة وطلاقه صحيح ونافذ ولو كانت كبيرة السن ولا يوجد لها من يعولها، ولكن من الناحية الإنسانية وعملاً بقوله تعالى {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}

(1)

ومن باب الوفاء وعدم نسيان العشرة الطويلة عليه أن يفي لها ولا ينساها من الصلة والمساعدة المالية في كل مناسبة نظراً للصحبة الطويلة والمعاشرة التي استمرت أكثر من أربعين عاماً، هذا {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}

(2)

.

س: تزوج رجل بامرأة وبعد فترة هجرها وتركها لدى أهلها ولم يعالجها ولم ينفق عليها لأنها مريضة وهي الآن عند والدتها الفقيرة، فماذا يجب على المذكور في شريعة الإسلام؟

جـ: اعلم أن المقرر شرعاً نفقة الزوجة على زوجها وكسوتها وسكنها وعلاجها ما لم تكن ناشزة لقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وقوله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} ولحديث (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) وأن نفقة الزوجة لا تسقط بالمطل وعلى هذا يجب على الزوج أن يسلم نفقة زوجته طوال السنين الماضية وعليه كسوتها ونفقتها طوال حياتها ما دامت طائعة لزوجها، أما إذا كانت ناشزة فلا يجب عليه شيء لا النفقة ولا العلاج ولا الكسوة ولا السكن.

س: أفتوني عن حكم رجل تزوج بامرأة وعاش معها في بيت والدها وكان يدفع نقوداً كل شهر مقابل النفقة ثم حدث خلاف بينهما وأراد الزوج أن يذهب مع زوجته إلى بلد فرفض أبوها ثم غاب مدة ورجع فطالبه أبو الزوجة بمبلغ من المال وبالطلاق لهذه المرأة؟

(1)

- البقرة: الآية (237).

(2)

- التوبة: آية (120)

ص: 80

جـ: اعلم أن العبرة في المسألة بما جرى حال العقد فإن كانت الزوجة وأولياؤها شرطوا على الزوج أن الزوجة لا تخرج من بيت أهلها وألا يخرجها من بيت أهلها فالشرط أملك والمؤمنون عند شروطهم، وإذا لم تساعده على الخروج من بيت أهلها فلها الحق في عدم المساعدة مهما كان قد قبل الشرط حال العقد ولا تعد ناشزة من زوجها بتصميمها على عدم الخروج معه ولا تكون عاصية ويجب عليه النفقة، وإذا كان قد سلم النفقة في كل شهر وفي كل يوم مثلاً فليس لها حق المطالبة في النفقة مرة أخرى، وإذا كان الطرفان غير متصادقين على تسليم النفقة فالعبرة بالبرهان، أما إذا لم تكن الزوجة أو وليها قد شرط على الزوج بقاءها في بيت أهلها فله الحق بالمطالبة بالخروج من بيت أهلها إلى بيته، وإذا تمردت فتعد ناشزة والناشزة لا نفقة لها على الزوج حتى تطيعه، وأما طلب الطلاق فلا مانع من طلبه مهما كانت كارهة له إذا أرجعت للزوج بعض المهر أو كله من باب الخلع لقوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}

(1)

‌وجوب النفقة على الزوج ولو كانت الزوجة غنية

س: هل يجوز للرجل أن ينفق على زوجته من مالها حيث وهي ميسورة الحال؟

جـ: لا يجوز لقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وقوله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} ولحديث (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ).

‌وجوب علاج الزوجة على زوجها لا على أهلها إلا للضرورة

س: هل علاج الأخوات المتزوجات على الأزواج أم على الإخوة؟

جـ: على الزوج لا على الإخوة لقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وقوله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} ولحديث (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) إلا للضرورة إذا كان الزوج عاجزاً.

‌صار العرف أن الزوج لا ينفق على الزوجة قبل زفافها إليه

س: هل تجب نفقة الزوجة وهي في بيت أبيها قبل أن تُزف إلى الزوج؟

جـ: إن كان أولياء الزوجة يماطلون الزوج في الدخول بها فلا تجب على الزوج نفقة، وإن كانوا لا يمنعون زفافها ولا يماطلون فيه وهم مستعدون للزفاف في أيِّ وقت يطلب فيه الزفاف فتجب عليه النفقة إذا طلبها منه ولي الزوجة، لكن العرف قد صار بأن الزوج لا ينفق على الزوجة حتى تُزف إليه والعمل بالعرف مشروع.

‌نشوز الزوجة تمردها على الزوج وعصيانها له

س: ما النشوز؟ وكيف يتم إذا أراد الزوج ذلك؟

جـ: النشوز: تمرد الزوجة على زوجها وهو من مسقطات النفقة مهما صح تمردها.

(1)

- البقرة: آية (229).

ص: 81

‌جواز منع الزوجة الناشزة النفقة

س: انا متزوج وساكن مع زوجتي في صنعاء وبعدما رزقت بمولود اليوم الثاني اتصل أبوها وقال لها تنزل تعز بدون أذني وأرسل لها أخوها، فما الواجب شرعا على الزوج والزوجة؟

جـ: إن كان السؤال عن هذه الزوجة من الناحية الدينية، فهذه الزوجة عاصية إن كان خروجها بلا إذن من الزوج وبلا ضرورة مستعجلة تقتضي سرعة السفر الى تعز، ويجب عليها التوبة لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(2)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(3)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُه وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(4)

لأن عصيان الزوج حرام شرعا وديانة، وإن كان السؤال من الناحية الشرعية والقضائية فالمرأة التي تخرج من بيت زوجها ومن مدينة الى مدينة بلا إذن من زوجها تكون ناشزة، والناشزة لا نفقة لها ولا كسوة ولا علاج مهما صح جميع ما جاء في الاستفتاء.

س: إذا هربت زوجة رجل موظف صغير إلى بيت أهلها مطالبة ببيت منفصل عن أم الولد مع أن مرتب الرجل لا يتحمل إيجار بيت والنفقة، فهل تعتبر ناشزة؟

جـ: يبحث عن حال الزوجة مع أم الزوج فإن كانت الزوجة مؤذية وتعمل أعمالاً استفزازية للأم وللزوج فتعتبرناشزاً وتسقط نفقتها، وإن كانت أم الولد هي المؤذية والبنت مؤدبة فلا تعتبر ناشزاً وتجب لها النفقة.

س: هل تجب نفقة الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً على الزوج إذا لم تبق في بيته وهربت إلى بيت أهلها.

جـ: نعم، تجب على الزوج نفقتها.

س: إذا حبس الزوجةَ أهلها في بيتهم، فهل لها نفقة؟

(1)

- التحريم: آية (8)

(2)

- البقرة: آية (222)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(4)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

ص: 82

جـ: لا، وتعتبر ناشزاً ولا نفقة لها.

‌وجوب معالجة الزوجة

س: هل تجب على الزوج معالجة الزوجة؟

جـ: نعم، يجب عل الزوج معالجة الزوجة.

س: تزوجت برجل منذ خمس وعشرون سنة ثم أصبت بمرض شديد ولم يعالجني زوجي وحينما اشتد عليَّ المرض كان يعيرني ويقول بأنه لا يريدني فدفعتني الضرورة إلى بيع كل ما أملك ولما استأصل الأطباء مرضي قرروا لي إجراء عملية وأجريت العملية وشفيت بحمد الله تعالى وزوجي تارك لي منذ اثني عشر عاماً أي من بداية مرضي ولم يدفع لي أيَّ شيء من نفقة أو سكنى وهو الآن يطلب مني العودة إلى بيته، وقد تزوج من امرأتين وحرمني من كل الحقوق اللازمة للزوجة على زوجها ولم أسمع منه خلال زيارته لي في مرضي إلا الكلام الجارح، أطلب منكم إجابة شافية على هذه الأسئلة؟

جـ: اعلمي أيتها الأخت أن نفقة الزوجة وإيجار البيت الذي كنت تسكنينه واجبة على زوجك كما أنه واجب عليه علاجك ولا يسقط الواجب بالمطل أي أن الزوج إذا لم يصرف على زوجته ولم يعالجها ولا أدى غيره من الواجبات عليه مدة طويلة أو قصيرة فإن المطل لا يكون عذاراً له عن أداء الحقوق الزوجية في الماضي أو الحال إلا إذا كانت المرأة ناشزة عن طاعة زوجها فلا يلزمه الإنفاق عليها ولا يلزمه شيء من الواجبات المادية كالنفقة والسكنى والدواء وكذلك إذا كانت المرأة فارة من بيت زوجها فلا يلزمه نفقتها، كما أنه يجب على الزوجة طاعة زوجها فلا تخرج من بيته بدون إذنه، وبناء على ذلك فلا مفر للزوج من تسليم كل ما لزمه في الماضي والحاضر إن صح أنك غير ناشزة وعليك من الآن الطاعة والامتثال والرجوع إلى بيت زوجك، وإذا لم ترجعي فأنت عاصية لله تعالى وإذا كان قد تزوج بزوجتين فلا مانع له من ذلك ما دام أنه سيعدل بين الزوجات، ولك الحق في المطالبة بمنزل منفرد وليس المقصود بالمسكن المنفرد أن يكون قد أعد لك بيتاً كاملاً ولكن منزلاً شرعياً ويتكون من مكان وحمام ومطبخ ومشرقه، ونحن نفتي بالظاهر والله يتولى السرائر.

‌المحاكم الشرعية توجب للمتوفي عنها زوجها نفقة مدة العدة

س: هل تعمل المحاكم الشرعية في مسألة نفقة المرأة المتوفى عنها زوجها في أيام عدتها برأي الشوكاني أم برأي الهادوية الذين يوجبون لها نفقة على الزوج مدة العدة، تُخرج من رأس تركة الزوج المتوفى؟

جـ: المحاكم الشرعية حالياً تعمل بمذهب الهادوية فيوجبون لها نفقة من مال الزوج حال عدتها تخرج من رأس ماله.

‌تحريم أخذ الزوجة من مال الزوج لإعطائه بيت أهلها بغير إذن الزوج

س: ما الحكم في أخذ المرأة شيئاً من بيت زوجها إلى بيت أهلها دون إذنه رغبة في إرضاء أهلها عنها رغم أنهم ميسوري الحال؟

جـ: إن المرأة التي تأخذ من مال زوجها لتعطيه أهلها لا يجوز إلا بإذنه فإذا لم تستأذن منه أو استأذنت منه ولم

ص: 83

يأذن لها وأخذت من ماله وسلمته إلى أهلها فهي آثمة لأنه (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)

(1)

سواء كان الأهل أغنياءاً أم فقراء الكل غير جائز مع عدم إذن الزوج.

‌تحريم تصدق المرأة من مال زوجها إلا بإذنه

س: هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها في غيابه أو بعد وفاته؟

جـ: لا يجوز إلا بإذنه فإذا أعلمته وأقرها فلا إثم علها وإذا لم يقرها فمن مالها الخاص لحديث (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) أما بعد موته فلعل المال للأيتام وقد شددالله عقوبة من يتصرف في مال الأيتام في غير مصلحتهم، قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}

(2)

فلها أن تتصرف من مالها.

‌جواز إعطاء الزوجة عطاء لمقابل خدمتها له وهو مريض على الفراش

س: ما رأيكم في الزوج الذي أعطى زوجته عطاءً مقابل خدمته لمدة سنتين وهو مريض على الفراش؟

جـ: هذا جائز بشرط ألا يكن حيلة على الورثة فإذا قد خدمته فعلاً فيوصي لها بقدر الخدمة لا زيادة ويقرر أجرة الخدمه عدلان خبيران مختاران من الطرفين من الزوجة ومن الورثة.

‌وجوب نفقة المطلقة طلاقاً رجعياً

س: من هي المرأة المطلقة التي تجب على الزوج نفقتها؟

جـ: هي الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً، أما المطلقة طلاقاً بائناً أو المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها في مذهب الشوكاني، أما عند الهادوية: فالمطلقة طلاقاً بائناً بينونة صغرى لا تجب نفقتها على زوجها إلا إذا كانت حاملاً.

‌تقدر النفقة الواجبة بحسب حال وضروف المنفِق

س: كيف تقدر النفقة الواجبة؟

جـ: بحسب حال وظروف المنفِق لقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}

(3)

فتقدير نفقة الغني غير تقدير نفقة الفقير، فالعبرة بحال المنفِق وظروفه.

‌وجوب نفقة الوالد المعسر على أولاده كل واحد بحسب ظروفه المالية

س: مرض أب وتم نقله إلى المستشفى للعلاج فقام أحد أولاده باقتراض نصف مبلغ المعالجة باسمه، وأوصى الأب أحد أبنائه ببيع جنبيته لتسديد المبلغ إلا أنها لم تساو إلا أقل من ربع المبلغ، وبعد موت الأب طلب الابن تقاسم التكاليف بين الذكور جميعاً أو إعطائه الجنبية مقابل تحمله نصف التكاليف مع أن الأولاد جميعهم بالغون مكتسبون، فهل له الحق في الجنبية؟ وهل تقسم التكلفة بين الجميع ذكوراً وإناثاً أم بين الذكور فقط؟

جـ: تكاليف المعالجة على كل واحد من البنين والبنات إذا كانوا موسرين وكان والدهم معسراً، المعالجة له كل

(1)

سنن البيهقي الكبرى: حديث رقم (11325) بلفظ (عن أبي حرة الرقاشي عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه).

(2)

- النساء: آية (10)

(3)

- الطلاق: آية (7)

ص: 84

واحد بحسب ظروفه وماليته، ومن كان منهم فقيراً معدماً فليس عليه شيء، وبخصوص الجنبية من أراد أن يشترك في ملكيتها فلا مانع له وتكون ملكيتها بين من سلم نصيبه من قيمة الجنبية وتكون مشتركة.

‌مشروعية اختيار عدلين خبيرين لتقدير نفقة الأب على ابنه في حالة الاختلاف

س: أنا موظف مرتبي (25000) ريال ولدي خمس بنات وولدان وأنا في بيت وحدي، وأبي مع ولده في بيت لوحده ولديه جربة قات إلا أنها لا تكفي لصرفته، وأنا أعطيه ملابس وبهارات وفلوسا بقدر الحاجة لكنه يشتكي للناس أني لا أعطيه علماً أن علي دين بمائتي ألف ريال، فماذا أفعل؟

جـ: عليك لوالدك ما يقدره عدلان مختاران من الطرفين بقدر حالتك المادية.

‌نفقة الولد المعسر على والده الميسر

س: هل يصح أن الولد يطالب أبيه بأن يعطيه ورثه حيث أن الولد فقير ليس له بيت ولا وظيفة ولا عمل وهو يعول أولادا مع العلم أن الوالد غني؟

جـ: عليه المطالبة بنفقة لا بإرث لأن على الغني الإنفاق على ولده الفقير شرعاً.

‌اختلاف العلماء في القريب الذي يجب على القريب الغني نفقته

س: من هو القريب الفقير الذي يجب على قريبه الغني نفقته؟

جـ: اختلف العلماء في تعيين القريب الذي تجب النفقة عليه على خمسة أقوال:

الأول: مذهب المالكية وهو اختيار الشوكاني: الأب أو الأم أو الابن أو البنت من في الدرجه الأولى، أي أن الولد الغني: يجب عليه أن ينفق على أبيه أو أمه أو عليهما، والأب الغني: يجب عليه أن ينفق على ابنه الفقير فقط وابنته الفقيرة، وهذا المذهب هو أضيق المذاهب لأنه حصر الإنفاق على القرابة في الدرجة الأولى، أما من في الدرجات الأخرى فيعطون من باب صلة الأرحام لا من باب الوجوب.

الثاني: مذهب الإمام الشافعي: وهو أوسع من مذهب المالكية لأن القريب هو الأب والجد ما على والابن وابن الابن ما نزل: فيجب على الإنسان الغني أن ينفق على ولده وولد ولده أو على أبيه وجده وجد أبيه.

الثالث: مذهب أبي حنيفة فقال: القريب هو من كان بينه وبين الغني محرمية، فعلى هذا القول يجب على الإنسان الغني أن ينفق على عمته وخالته وكل من لم يصح له التزوج بها إن لم يكن معها ابن أو أخ أو أب أو قريب غيره.

الرابع: مذهب الحنبلية: وهو أن القرابة هي في من كان بينهما توارث، فيجب على الغني أن ينفق على من يتفق معه في النسب أي في العصوبة بحيث لو مات كان الغني هو الذي سيرثه، فإذا كان فقيراً وليس معه قريب غني غيره فيجب على الغني النفقة عليه حتى لو لم يجتمعا إلا في الجد السادس أو السابع إذا لم يكن مع الفقير غني أقرب منه، إلا إذا كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً فلا تجب النفقة على القريب الكافر لأنه لا توارث بين مسلم وكافر.

الخامس: مذهب الهادوية: وهو مثل مذهب الإمام أحمد بن حنبل قالوا: يجب الإنفاق على الفقير الذي بينه وبين الرجل الغني توارث مالم يكن أحدهما كافراً فلا توارث بين كافر ومسلم إلا إذا كان القريب الكافر هو الوالدان أو أحدهما، فإنه يجب على الولد الغني ان ينفق على والديه أو أحدهما وإن كان أو كانا كافرين لقوله تعالى

ص: 85

{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}

(1)

والنفقة هي أقل ما يفيده قوله تعالى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} .

‌وجوب نفقة الوالدين المعسرين على الولد الموسر

س: لي ولد واحد ربيته حتى أصبح كبيراً ثم زوجته حتى أصبحت غير قادر على العمل وكسب العيش فمرضت مرضاً أقعدني في البيت، ثم أنفصل عنا وسكن في بيت آخر وأصبحنا أنا وأمه وحيدين عاجزين مع ست بنات ولا نجد من يساعدنا أو يصرف علينا وهو في بحبوحة من العيش، فهل يصح لي بأن أحرر لزوجتي شيئاً من أملاكي جزاء لأتعابها لأنها هي التي تخدمني بكل إخلاص ووفاء؟

جـ: حكم هذا الولد إن صح أنه عاق لوالده أو لوالديه وعقوق الوالدين من أكبر الكبائر كما نص على ذلك الأحاديث المروية في الصحيحين منها حديث (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)

(2)

وحديث (ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، فَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّور)

(3)

هذا من الناحية الدينية، أما من الناحية الشرعية فاللازم عليه الإنفاق على والديه النفقة اللازمة والمناسبة ويكسوهما ويعالجهما إن احتاجا إلى علاج، ولا مانع للوالد من عرض القضية على أصحاب الولد وأقاربه وأصدقائه ليعرفوه بأنه يجب عليه الإنفاق على والديه وكفايتهم، فإن اقتنع فهو المطلوب وإلاَّ عرضا القضية على القاضي الشرعي في المدينة أو المنطقة ليعرف الحقيقة ويجري اللازم شرعاً، وأما الوصية للزوجة فلا صحة لها لكونها وارثة ولا وصية لوارث، وأما للخدمة فلا تخلو إن كانت هذه الخدمة هي الخدمة المعتادة فلا تستحق الزوجة للأجرة عليها حتى تصح الوصية وإن كانت زائدة في عملها عن عمل الزوجات الأخريات فلا مانع من الوصية لها مقابل العمل الزائد عن المعتاد، لكن بشرط أن يكون بقدر العمل الزائد بلا زيادة في ذلك وإلا كان في ذلك حيلة على الورثة والحيلة حرام.

‌علاج الوالدين أو أحدهما على الموسرين والخدمة عليهم جميعا

س: عجوز فاقدة للذاكرة ولها ثلاثة أولاد كبار لهم أولاد في البلاد وبنتان متزوجتان ولهن عيال وهن بعيدات عن البلاد فمن يقوم برعايتها؟ علما بأن أولادها لا يردون عليها فعلى من يجب رعايتها وعلاجها؟

جـ: العلاج على جميع الموسرين من البنين والبنات والخدمة عليهم جميعا أو يبحثوا عن امرأة تخدمها وأجرتها

(1)

لقمان: آية (15).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب ما قيل في شهادة الزور. حديث رقم (2460) بلفظ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)

أخرجه مسلم في الايمان، والترمذي في الشهادات، وأحمد في أول مسند البصريين.

معاني الألفاظ: الزور: الكذب والباطل.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب عقوق الوالدين من الكبائر. حديث رقم (5520) بلفظ (حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، فَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ قَالَ شُعْبَةُ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البيوع عن رسول الله، تفسير القرآن عن رسول الله، والنسائي في تحريم الدم، والقسامة،

وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الأدب، الديات.

ص: 86

عليهم جميعا، كما أن نفقة هذه العجوز وكسوتها عليهم مهما كانوا موسرين لقوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}

(1)

.

‌تحريم أخذ الولد من مال أبيه إلا بإذنه

س: شاب يأخذ من مال أبيه ما يعينه في الدراسة بغير إذن أبيه علما أن أباه ليس فقيرا، لكن أباه يعطيه أقل مما يحتاج كثيراً، فهل ما يفعله الشاب جائز أم لا؟

جـ: لا يجوز إلا بإذن أبيه لحديث (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ) وحديث (ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، فَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّور).

‌الفرق بين النفقة الواجبة وصلة الأرحام

س: ما هو الفرق بين النفقة الواجبة للأقارب وبين صلة الأرحام؟

جـ: قال العلماء: هناك ثلاثة فروق:

الفرق الأول: النفقة الواجبة تجب إما يومية أو أسبوعية أو شهرية أو سنوية وصلة الأرحام ليست واجبة يومية ولا أسبوعية ولا شهرية ولا سنوية ولكن عند المناسبات أو عند الضرورة.

الفرق الثاني: هو أن النفقة الواجبة تجب على الغني ديانة فيما بين الغني وبين الله تعالى، وتجب قضاءً بمعنى أن للقاضي الشرعي أن يلزم القريب الغني بنفقة قريبه الفقير ويحددها يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً بحسب الحال وبحسب الضروف ويجبر الغني على الإنفاق جبراً بحكم القضاء إذا طلب الفقير من القاضي ذلك، أما صلة الأرحام فهي مشروعة فيما بين العبد وربه ولكن ليس للقاضي الشرعي أن يجبر الغني أو يتدخل في باب صلة الأرحام وإنما يحق للمحكمة أن تتدخل في باب وجوب النفقة، وليس لها الحق أن تتدخل في مسألة من يقصر في باب صلة الأرحام لأنه لا يحق للمحكمة التدخل، وإنما لأهل الخير والآخرين أن ينصحوا الغني بصلة أرحامه.

الفرق الثالث: أن النفقة الواجبة مستمرة دائمة، وصلة الأرحام ليست دائمة ولا مستمرة وإنما هي بحسب المناسبات كالأعياد ونحوها.

‌محارم الرجل التي يشرع صلتهن هن كل أنثى لها صلة بالأب أو الأم

س: بينوا لنا من هن المحارم اللاتي يجب صلتهن؟ وكيف تكون الصلة؟

ج: هن الأقارب من المحارم وبنات المحارم كالعمات والخالات والأخوات وبنات العمات وبنات الخالات وبنات الأخوات وغيرهن.

‌حديث (أنت ومالك لأبيك) ليس على حقيقته

س: كيف نجمع بين قول الفقهاء بأن نفقة الوالد واجبة على الولد وبين حديث (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ)؟

(1)

- الإسراء: آية (23)

ص: 87

جـ: حديث (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ)

(1)

المراد به المبالغة في وجوب نفقة الوالد على الولد وفي حق الوالد على ولده وليس هو على حقيقته كما يتوهم بعض العوام.

والحديث ليس على حقيقته لأسباب هي:

أولاً: أن الولد حُرٌ والحر لا يملك.

ثانياً: أن الشريعة جعلت للوالد السدس في مال الولد ميراثاً إن كان له أولاد ذكورفي قوله تعالى {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ

كَانَ لَهُ وَلَدٌ}

(2)

وهذا دليل على أن الحديث ليس على حقيقته ولو كان الحديث على حقيقته لكان المال كله للوالد، وهو دليل صحيح صريح أن المراد بالحديث المبالغة في حق الوالد من الطاعة والإنفاق.

س: ما رأيكم في موظف راتبه ستة آلاف ريال شهرياً، وهو يعول أسرته وله أولاد كثيرون وله والدان وليس معهما سواه، فهل تكون نفقة الوالدين على الدولة أم كيف يعمل القاضي الشرعي؟ علماً بأنه لا يأتي نصف الشهر إلاَّ وقد أكمل صرف المرتب؟

جـ: القاضي الشرعي سيقسم المرتب بين الولد ووالديه على عدد النفوس.

‌وجوب النفقة على الأخت الفقيرة من باب صلة الأرحام

س: هل تجب النفقة على الأخت الفقيرة؟

جـ: عند الشوكاني: لا تجب على الأخ الغني نفقتها وإنما تجب عليه من باب صلة الرحم، وعند الحنفية والحنبلية: تجب عليه نفقتها.

‌استحباب صلة رحم ابنة العم أوزوجة العم بدون مصافحة

س: هل يجوز صلة رحم ابنت العم أو زوجة العم مع أنه قد يقع في تحريم مصافحة المرأة الأجنبية؟

جـ: المصافحة مسألة جزئية تحريمها وارد بدليل ظني في حديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045) مع أن صلة الرحم مسألة قطعية بالكتاب في قوله تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى}

(3)

وقوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}

(4)

والسنة في حديث (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)

(5)

والإجماع فيجب على الإنسان أن يصل رحمه ولا يصافحها بل

(1)

سنن ابن ماجة: كتاب التجارات: باب ما للرجل من مال وولده. حديث رقم (2282) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (1869).

انفرد به ابن ماجة.

معاني الألفاظ: يجتاح: يحتاج الشئ الكثير كأنه أتى على ماله واستأصله.

(2)

- النساء: آية (11)

(3)

- النساء: آية (36)

(4)

- الإسراء: آية (26)

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب صلة الرحم وتحريم قطعها. حديث رقم (5849) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).

أخرجه مسلم في البر والصلة والأدب، وأبو داود في الزكاة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث الأدب.

معاني الألفاظ: ينسأ له في أثره: يظل ذكره بين الناس حتى بعد وفاته.

ص: 88

يعتذر لها بالعذر الشرعي، وإذا اضطر للمصافحة فهي معصية من الصغائر تكفرها حسنات الصلوات وغيرهاكما في حديث (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)

(1)

ويمكن أن يعطيها ما يريد أن يعطيها من دون مصافحة ولا يلزم من صلة الأرحام المصافحة.

‌تحريم مصافحة زوجة العم أو الخال أو الأخ أو ابن الأخ

س: هل يجوز مصافحة زوجة العم أو الخال؟

جـ: هما أجنبيات فلا يجوز لحديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045)، ومن الممكن أن تعتذر لها بأن الأمر الشرعي يقضي بعدم جواز المصافحة للمرأة الأجنبية أو أعرض عليهما هذا الجواب.

‌من كان فقيراً تكفي صلته لرحمه ولو بالزيارة

س: من كان فقيراً، فهل تكفي صلة الرحم بالزيارة؟

جـ: نعم، من كان فقيراً فتكفي صلته لرحمه ولو بالزيارة لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}

(2)

.

س: إذا جاء أب وابن من أهل الذمة يتقاضيان في النفقة بينهما عند القاضي الشرعي، فبماذا يحكم بينهما؟

جـ: يقضي بينهما بأحكام الشريعة الإسلامية لقوله تعالى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}

(3)

وقوله تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}

(4)

وقوله تعالى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}

(5)

وقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}

(6)

وقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(7)

وقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}

(8)

.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الطهارة: باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان. حديث رقم (243) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)

أخرجه الترمذي في الصلاة، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

- التغابن: آية (16)

(3)

- المائدة: آية (42)

(4)

- المائدة: آية (48)

(5)

- المائدة: آية (49)

(6)

- المائدة: آية (44)

(7)

- المائدة: آية (45)

(8)

- المائدة: آية (47)

ص: 89

الباب الثامن: الرضاع

• أثر الرضاع على الرضيع

• تحريم الزواج بالأخت أو العمة من الرضاع

• جواز الزواج بأخت الأخ من الرضاعة

• التعارض وقع بين حديث (إنما الرضاعة من المجاعة) وحديث (إرضعيه حتى يدخل عليك)

• تحريم الزواج بأخت البنت التي ارتضع من أبيها

• تحريم الزواج بالأخت من الرضاع

• تحريم الزواج بمن ارتضع من أمها

• تحريم الزواج بمن ارتضع معها من امرأة ثالثة

• الرضعة هي أن يمتص الطفل الثدي حتى يتركه من نفسه

• جواز إرضاع الولد الكبير لضرورة تجويز النظر

• وجوب تصديق قول المرضعة إذا كانت متدينة

• جواز الزواج بمن لم ترضع من أمه ولم يرضع من أمها ولا جمع بينهما ثدي ثالث

• تحريم الزواج ببنت الأخت من الرضاع

• إذا شرب الزوج من ثدي زوجته فلا تحرم عليه

• شربُ لبن الحيوانات لا يجعل المرتضعين منه أخوة من الرضاع

• لا يجوز التآخي بين شاب وشابة بواسطة الرضاع لتجويز السفر أو الدراسة أو غيرها

• تحريم إرضاع الرجل الكبير ليحل له النظر دون ضرورة لذلك

• وجوب التثبت من صحة الرضاع قبل الزواج

• ليس للأخ من الرضاع ولاية تزويج أخته من الرضاعة

• الخمس الرضعات يحرمن مجتمعات أو متفرقات

• تفرد الشريعة الإسلامية بأحكام الرضاع

• قدر الرضاع المحرِّم للزواج

• شروط الرضاع المحرِّم للزواج

• تحريم الزواج إذا كان في المرضعة لبن يصل إلى جوف الرضيع

• جواز إرضاع المرأة ولدها وهي جنب

ص: 90

‌الباب الثامن: الرضاع

‌أثر الرضاع على الرضيع

س: ما هو أثر الرضاع؟

جـ: إذا أرضعت امرأة طفلة قبل العامين فتصبح المرضعة أمّا للطفلة من الرضاع وزوجها أباً للطفلة من الرضاع وأبو زوج المرضعة جداً لها من الرضاع وأخو زوج المرضعة عماً للطفلة من الرضاع وأبناء المرضعة إخوة للطفلة من الرضاع وأولاد أبناء المرضعة أبناء أخوة الطفلة من الرضاع وأم المرضعة جدة الطفلة لأمها من الرضاع وأخوات المرضعة خالات الطفلة من الرضاع وإخوان المرضعة أخوال الطفلة من الرضاع وأبو المرضعة جد الطفلة من الرضاع، ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب لأن حكم الرضاع حكم النسب لحديث (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ)

(1)

وحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ)

(2)

.

وفي هذين البيتين تلخيص وضابط لجميع مسائل الرضاع.

أقارب ذي الرضاعة بانتساب

أجانب مرضع إلاَّ بنيه

ومرضعة أقاربها جميعاً

أقاربه ولا تخصيص فيه

(وذي الرضاعه: الرضيع)، (والمرضع: المرأة المرضعة)

س: إذا رضع الطفل من زوجة أخيه، فهل هي تحرم عليه إذا مات أخوه أو طلقها؟

جـ: نعم، لأن زوجة أخيه قد أصبحت أمه من الرضاع لحديث (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ) وحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ).

‌تحريم الزواج بالأخت أو العمة من الرضاع

س: حدث أن رجلاً له بنات عم وكانوا جميعاً قد رضعوا من جدتهم وهي كبيرة، فهل يصح أن يتزوج بواحدة منهن أو أنه لا يجوز؟

جـ: اعلم بأن الزواج لا يصح لأنهم قد صاروا إخوة من الرضاع وهكذا من لم يرضع لا يصح له الزواج بالبنت التي رضعت من الجدة لأنها برضاعها من الجدة قد أصبحت عمة من الرضاع لهذا الذي لم يرضع، والعمة من الرضاع لا يحل الزواج بها لحديث (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ) وحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب الشهادة على الأنساب والرضاع. حديث رقم (5099) بلفظ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُرَاهُ فُلَانًا لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ).

أخرجه مسلم في الرضاع، والترمذي في الرضاع، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الرضاع، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: النكاح.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت. حديث رقم (2451) بلفظ (عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فِي بِنْتِ حَمْزَةَ لَا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ)

أخرجه مسلم في النكاح، والنسائي في النكاح، وابن ماجه في النكاح، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

ص: 91

مِنْ النَّسَبِ) هذا كله إن كان بالمرضعة لبن حال الرضاع قد وصل إلى جوف الأطفال عند الهادوية ولو برضعة واحدة، أما عند الشافعية فلا تحرم الرضعة الواحدة وإنما الذي يحرم هي الخمس الرضعات لحديث (كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ)

(1)

أما إذا التبس الأمر ولم يعرف هل كان في المرضعة لبن حال الرضاع أو كان قد جف اللبن من ثديها لتقدمها في السن فالأولى عدم الزواج عملاً بالأحوط لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(2)

.

‌جواز الزواج بأخت الأخ من الرضاعة

س: هل يجوز للرجل أن يتزوج بأخت أخيه من الرضاعة؟

جـ: لا مانع.

‌التعارض وقع بين حديث (إنما الرضاعة من المجاعة) وحديث (إرضعيه حتى يدخل عليك)

س: ما هو التعارض الذي وقع بين الجمهور من العلماء والظاهرية؟

جـ: الظاهرية عندهم أن الرضاع محرِّم سواء ارتضع الولد قبل العامين أو بعد العامين لا فرق ما دام قد وصل الرضاع إلى بطن المرتضع، ودليل الظاهرية حديث (أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ)

(3)

وقال جمهور العلماء: الرضاع الذي يحرم لا يكون إلا داخل العامين حيث لا يزال الرضاع الغذاء الكامل للطفل ومنه ينبت لحم الطفل وينشز عظامه،

(1)

صحيح مسلم: كتاب الرضاع: باب التحريم بخمس رضعات. حديث رقم (1452) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ).

أخرجه الترمذي في الرضاع، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، ومالك في الرضاع، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الرضاع.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

(3)

صحيح مسلم: كتاب الرضاع: باب رضاعة الكبير. حديث رقم (2639) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ).

أخرجه البخاري في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الرضاع، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الرضاع.

ص: 92

وأما فيما بعدالعامين إذا ارتضع الطفل فإنه لا يحرم لحديث (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ)

(1)

وظل الخلاف بين الجمهور والظاهرية ستة قرون حتى جاء (شيخ الإسلام ابن تيمية) وجمع بين الحديثين بأن الرضاع لا يكون إلا في العامين ولا يحرم الرضاع في ما بعد العامين عملاً بحديث (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ)، وحديث (أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ) يحمل على من كانت حالته كحالة سالم مولى أبي حذيفة أي للضرورة ولا يحمل على غير هذه الحاله عملاً بالحديثين، وبهذا الجمع زال التعارض بين الحديثين وانتهى الخلاف الذي بين الجمهور والظاهرية، وتبع ابن تيمية في هذه المسألة علماء اليمن المتأخرون العلامة (صالح المقبلي) والعلامة (حسن الجلال) والسيد العلامة (محمد بن إسماعيل الأمير) والقاضي العلامة (محمد بن علي الشوكاني) والذي رجحه الشوكاني تبع لابن تيمية وابن القيم أن الرضاع للكبير لا يكون إلا لسبب خاص وهو من تربى في بيت أسرة من صغره ويُتحرج من دخوله على النساء في الكبر، فيرضع لتجويز النظر ولا يكون في غير هذه الحالة.

س: هل يكون العمل بما في مذهب الهادوية من التحريم برضعة واحدة عملاً بالأحوط؟

جـ: العمل بالأحوط: أن الرضعة الواحدة لا تجعل الرضيع أخاً للبنت التي ارتضع معها ولا هو أجنبي عنها، فيجوز له أن يخلو بها باعتبارها أختاً له، ولا يتزوج بها باعتبار أنها أجنبية عنه.

‌تحريم الزواج بأخت البنت التي ارتضع من أبيها

س: رضعتُ من امرأة ولها ضرة وللضرة بنات فهل يصح لي الزواج بابنت الضرة؟

جـ: لا يصح لأن صاحب اللبن هو زوج المرضعة، وأصبح أباً للرضيع من الرضاعة، وبنات الزوج أخوات للرضيع ولو من امرأة أخرى، والعلة هو الزوج صاحب اللبن، والرضيع قد أصبح أخاً للكل لأن الأب أبٌ للكل لحديث (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ) وحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ).

‌تحريم الزواج بالأخت من الرضاع

س: يوجد ولد رضع مع بنت من أم واحدة وأراد هذا الولد التزوج من أخت البنت التي رضع معها أفيدونا في حكم الشرع؟

جـ: إذا كان هذا الولد قد رضع من هذه المرأة فقد أصبحت هي أمّه وبناتها أخواته من الرضاعة ولا يجوز الزواج بالأخت من الرضاعة لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب كما في حديث (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ) وحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ).

س: من رضع مع بنت وهما صغار هل يكون بينهما محرمية ويصح سفر البنت مع الولد؟

جـ: من ثبت أنه ارتضع مع بنت من امرأة في حال الصغر أي قبل الفطام فإنه أخوها من الرضاعة ويجوزله أن يسافر معها لحديث (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ) وحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ).

س: ما قول العلماء فيما يلي: حدث أن طفلة التقمت ثدي امرأة وهي نائمة ولم تشعر المرأة بذلك فهل يصح لابن

(1)

صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت. حديث رقم (2453) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي، فَقَالَ: انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ).

أخرجه مسلم في الرضاع، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: النكاح.

ص: 93

هذه المرأة أن يتزوج بالطفلة المذكورة أو أنه لا يصح؟

جـ: اعلم أنه إذا صح أن هذه البنت قد التقمت الثدي ولم يدخل اللبن إلى جوفها فالزواج بها جائز وصحيح لعدم وصول اللبن إلى جوفها، وإن صح أنه وصل إلى جوفها ففيه اختلاف:

1 -

لا يصح الزواج وهو مذهب الهادوية.

2 -

عدم تحريم الزواج ما لم تكن خمس رضعات وهذا مذهب الشافعية واحتجوا بحديث عائشة رضي الله عنها (كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ)

(1)

وهو حديث صحيح مقيد للأدلة المطلقة.

ورأيي الشخصي هو عدم التحريم ما لم تكن الرضعات خمس لأن حديث عائشة مقيد للأدلة المطلقة.

س: يقول حدث أني رضعت مع عمي شقيق والدي من جدتي وعمرى أقل من عامين أما عمي فقد جاوز عمره العامين، فهل هذا الرضاع يصيرني أخاً له من الرضاع أم لا؟

جـ: إذا رضعت مع عمك أخي والدك وأنت في سن هو أقل من عامين فهو أخوك من الرضاعة وبناته هن بنات أخيك من الرضاعة، وبنات الأخ من الرضاعة يحرم الزواج منهن لحديث (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ) وحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ).

س: هناك ولد يريد الزواج من بنت خاله في حين أن أخاه الأكبر قد رضع من أمها، فهل يصح هذا الزواج أم لا؟

جـ: إن كان الولد الذي يريد أن يتزوج بالبنت لم يرضع من أم البنت ولم ترضع البنت من أم هذا الولد الذي يريد أن يتزوجها فلا مانع له، وزواجه من هذه البنت جائز شرعاً ولا تضره رضاعة أخيه الأكبر ولا تكون مانعاً له من الزواج بها ما دام أنه لم يرضع من أمها ولم ترضع هي من أمه، لأن المدار في تحريم الزواج هو على وقوع الرضاع ممن يريد الزواج لا من إخوته فرضاع الأخوة لا يؤثر في زواج أخيهم بهذه البنت التي لم ترضع من أم من يريد الزواج بها ولا رضع هو أيضاً من أمها كما هو المنصوص عليه في كتب الفقه.

‌تحريم الزواج بمن ارتضع من أمها

س: افتونا عن من رضع من امرأة قبل بلوغه حولين كاملين فهل يسري حكم الرضاع على جميع أولاد هذه المرأه سواء كان رضاعه متقدماً أم متأخراً؟

جـ: اعلم بأن من رضع من امرأة فقد أصبحت هذه المرأة أمه من الرضاع وأصبحت بناتها أخواتا للرضيع المذكور سواء كان رضاعه مع البنات أم كان قبلهن أم كان بعدهن لحديث (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ) وحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ).

س: رجل يرغب في أن يخطب ابنة عمه وكان قد رضع من أمها مع أختها الكبرى ولم يرضع مع من يريد أن يخطبها فهل يجوز له أن يخطبها؟

(1)

صحيح مسلم: كتاب الرضاع: باب التحريم بخمس رضعات. حديث رقم (1452) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ).

أخرجه الترمذي في الرضاع، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، ومالك في الرضاع، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الرضاع.

ص: 94

جـ: اعلم بأنه لا يصح الزواج بمن كان الخاطب قد رضع من أمها أو ضرة أمها لأن زوج الأم من الرضاع هو زوج ضرتها قد أصبح لهذا الخاطب أباً من الرضاعة وأصبحت بناته أخواتا للخاطب من الرضاعة وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ) و (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ).

س: ما هو حكم امرأة أرضعت طفلاً أثناء نومها بطريق الخطأ لأن هذه المرأة وابنتها وهذا الطفل كانوا نائمين في غرفة واحدة وهي ابنة عم الرضيع فهل يجوز للولد المذكور أن يتزوج بابنة عمه أم أنها قد أصبحت أختاً له من الرضاع؟

جـ: اعلم أنها إذا كانت الأم لهذه البنت قد أرضعت ابن عم البنت فقد صارت أماً له من الرضاع وأصبح الولد أخا للبنت كذلك فلا يجوز أن تتزوج البنت بهذا الولد سواء كانت الأم متعمدة في الرضاعة أم ناسية وسواء كانت نائمة أو كانت مستيقظة لأن المهم هو وصول اللبن إلى الجوف، لكن العلماء اختلفوا في حد اللبن الذي يُحرم الزواج ويجعل الرضيعة أخت الولد على أقوال: والذي اختاره علماء المذهب الهادوي الزيدي هو القول بأن الرضاع المحرم هو ما وصل لبنه إلى جوف الطفل سواء أكان في رضعة واحدة أو في عدة رضعات، والذي ذهب إليه علماء المذهب الشافعي هو القول بأنه لا بد من خمس رضعات لحديث عائشة رضي الله عنها (كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ)

‌تحريم الزواج بمن ارتضع معها من امرأة ثالثة

س: رجل يرغب في الزواج من فتاة ولكنه رضع معها من امرأة ليست بأم لواحد منهما فهل يجوز له الزواج بها أو أنه لا يجوز؟

جـ: اعلم بأن الزواج محرم عليك بهذه الفتاة إذا كنت قد رضعت أنت وهي من امرأة واحدة وأنتما صغيران قبل أن يبلغ عمر كما أو عمر الواحد منكما أكثر من حولين كاملين، ولا يحل لك بحال أن تتزوج بهذه الفتاة ما دامت وهي أختك من الرضاع ولا سيما إذا كانت الرضعة عدة أيام أو عدة رضعات لحديث (إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ) وحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ).

س: ما الفرق بين الرضعة والإملاجة والمصة؟

جـ: معنى المصة والرضعة والإملاجة واحد.

‌الرضعة هي أن يمتص الطفل الثدي حتى يتركه من نفسه

س: هل يشترط في الرضعة الواحدة أن يمتص الحليبَ الرضيعُ حتى يشبع؟

جـ: لا يشترط الشبع في الرضعة ولكن يمتص حتى يترك الثدي من نفسه سواء بقي دقيقة أو دقيقتين أو أكثر.

‌جواز إرضاع الولد الكبير لضرورة تجويز النظر

س: هل يجوز إرضاع الولد الكبير الذي عمره أكثر من عامين وبعد الفطام؟

جـ: الولد الكبير لا يرضع بفمه من ثدي المرأة، وإنما تصب المرأة حليباً من ثديها في إناء ويشربه الولد الكبير، إذا كان لضرورة تجويز النظر لمن كانت حالته كحالة (سالم مولى أبي حذيفة) وهي أنه إذا وجدت أسرة لا ولد لها وربت ولداً عندها فإذا كبر سيكون أجنبياً عن الزوجة وتتحرج الزوجة من دخوله عليها ويتحرج الزوج من

ص: 95

دخول الولد على زوجته، ودخوله ضرورة لوجوده في البيت ولاحتياج الأسرة إلى دخوله وخروجه ليقوم بنفعهم، ففي مثل هذه الحالة يجوز إرضاع الولد الكبير لتجويز النظر، وهذا على مذهب ابن تيمية وابن القيم والجلال والمقبلي والأمير والشوكاني خلافاً للهادي والأئمة الأربعة، وإلا فالجمهور من العلماء يقولون: وجود الرضاع بعد العامين وعدمه على السواء لحديث (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ)

(1)

مفهومه أما الرضاعة بعد العامين أي بعد استغناء الطفل بالأكل عن الرضاعة فلا تحرم.

س: إذا قلنا أن المرأه تحلب من ثديها حليباً ليشربه الكبير فكيف ومذهب الجمهور أن الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس رضعات؟

جـ: كل واحد يعمل بمذهبه فمن كان مذهبه أن الرضاع المحرم هو خمس رضعات فيحلب له خمس مرات، ومن كان مذهبه أن الرضاع المحرم رضعة فيحلب له في إناء ليشربه مرة واحدة، ومن كان مذهبه جعفرياً فيحلب له عشر مرات.

س: أنا وأخي ساكنان في بيت وأخي متزوج وأنا لست متزوجاً، وهذا يسبب لي حرجاً من دخول البيت، فهل يجوز لي أن أرضع من زوجة أخي حتى يحل لي النظر إليها؟

جـ: هذا يجوز على مذهب الظاهرية الذين يجوزون الرضاع مطلقاً، أما على رأي ابن تيمية فهو محصور في من تربى عند الأسرة في الصغر، ولم يجوزوا في غير هذه الحالة، أما على مذهب الجماهير من العلماء فلا يجوز أبداً.

س: إذا جوَّزنا العمل بمذهب ابن تيمية لمن حالته كحالة (سالم مولى أبي حذيفة) هل تحلب المرأة في إناء الإنسان خمس مرات ليشربه الرجل المربَى في البيت؟

جـ: نعم، الظاهر أنها تعمل هكذا.

س: ما معنى (الغلام الأيفع) الذي ورد في حديث (إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ)

(2)

؟

جـ: الولد الذي قد أصبح مراهقا.

‌وجوب تصديق قول المرضعة إذا كانت متدينة

س: هل يصدق قول المرضعة بالرضاع؟

جـ: إذا كانت ثقة متدينة عدلة فيقبل قولها عند شيخ الإسلام (محمد بن علي الشوكاني) والدليل قول النبي صلى

(1)

صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت. حديث رقم (2453) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي، فَقَالَ: انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ).

أخرجه مسلم في الرضاع، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: النكاح.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الرضاع: باب رضاعة الكبير. حديث رقم (2629) بلفظ (عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: لِعَائِشَةَ إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ، قَالَ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ؟! قَالَتْ: إِنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرْضِعِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ)

أخرجه البخاري في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبوداود في النكاح، وابن ماجه في النكاح، وأحمد في ومن مسند الأنصار، ومالك في النكاح.

ص: 96

الله عليه وآله وسلم (وَكَيْفَ وَقَدْ قِيلَ: دَعْهَا عَنْكَ)

(1)

عملا بقول المرضعة خلاف للهادوية وجماعة.

س: إني تزوجت بابن خالي وأنا لم أبلغ سن الرشد منذ خمس سنوات ووالدتي تفيد أنها أرضعته وإنني وإياه إخوان من الرضاع ولم يكن بيني وبينه أيُّ انسجام أو تفاهم طيلة هذه المدة الطويلة ولكن والدي وأم زوجي مصران ومصممان على أن أبقى زوجة له، فما هو حكم الإسلام في هذه القضية؟

جـ: اعلمي بأن إقرار الأم بأنها أرضعتكما إن كان قبل العقد فلا يجوز الزواج وذلك لما ورد في الحديث الصحيح الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يدل على وجوب التفريق بين الزوجين إذا أخبرت المرضعة بأنها أرضعت الزوجين، حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وَكَيْفَ وَقَدْ قِيلَ: دَعْهَا عَنْكَ) علماً أن المسألة من مسائل الخلاف فالذي ذهب إليه الهادوية هو عدم الوجوب إن كان الإقرار بعد العقد، أما قبله فلا يجوز.

‌جواز الزواج بمن لم ترضع من أمه ولم يرضع من أمها ولا جمع بينهما ثدي ثالث

س: رضع أخي الأكبر مع ابنة عمي الكبيرة وأريد الآن الزواج من ابنة عمي الصغيرة، فهل يصح الزواج أم لا؟

جـ: إذا لم ترضع هذه البنت من أمك ولا رضعت أنت من أمها ولا جمع بينكما ثدي أيِّ امرأة لا في وقت واحد ولا في أوقات مختلفة فلا مانع لك من الزواج من هذه البنت ولو كان أخوك قد ارتضع من أم هذه البنت، فإن ذلك لا يحرم عليك الزواج بها.

س: هل يجوز لأخي من النسب أن يتزوج بأختي من الرضاعة؟

جـ: نعم، يجوز ويجوز للأخ من النسب بأن يتزوج بأخت أخيه لأم لأنها من أسرة أخرى.

س: يوجد أخوان وأكبرهما له ولد رضع مع عمه من أم أبيه وله ولد يريد أن يتزوج بابنة عمه التي لم ترضع من جدتها أم أبيه، فما هو الحكم في هذه القضية؟

جـ: اعلما أيها السائلان أن زواج هذا الولد بابنة عمه جائز شرعاً إذا صح أنها لم ترضع من الجدة المذكورة لأنها أجنبية بالنسبة إلى ابن عمها المذكور في السؤال وليست عمة له من الرضاع.

‌تحريم الزواج ببنت الأخت من الرضاع

س: رجل يحاول أن يتزوج بفتاة رضع هو وإخوته مع أمها من جدة هذه الفتاة كما قرر ذلك والد الفتاة بخط مكتوب إلى أمين المحل وكذلك اعترفت والدته بالرضاع ولكن المذكور مصر على الزواج بهذه الفتاة التي هي بنت أخته من الرضاع، أفتونا في هذه القضية؟

جـ: إذا صح ما جاء في هذا السؤال فمحاولة هذا الشاب الزواج بهذه الفتاة غير جائز شرعاً لأن هذه المرأة ستكون بنت أخت هذا الشاب من الرضاع ولا سيما وقد شهد والد الشاب على هذا وأم المرأة التي أفادت بهذا الرضاع المحرم للزواج لحديث (وَكَيْفَ وَقَدْ قِيلَ: دَعْهَا عَنْكَ) وعلى هذا الأساس فلا يجوز لهذا الشاب ولا يحل له

(1)

صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب شهادة المرضعة. حديث رقم (2466) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ قِيلَ: دَعْهَا عَنْكَ أَوْ نَحْوَهُ).

أخرجه الترمذي في الرضاع، والنسائي في النكاح، وأبو داود في الأقضية، وأحمد في مسند المدنيين، ومسند الكوفيين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، الشهادات، العلم، النكاح.

ص: 97

الاقدام على هذا الزواج كما لا يحل للمرأة ولا لوليها الرضى بهذا الزواج.

س: في بعض القرى عادة هي أن المرأة ترضع أطفال الآخرين وصار الشخص إذا أراد الزواج ببنت يخشى أن تكون أخته من الرضاع، فما رأيكم؟

جـ: إذا كانت القرية منحصرة وقد تفشى الرضاع فالأحوط أن يترك ويتزوج من قرية أخرى.

‌إذا شرب الزوج من ثدي زوجته فلا تحرم عليه

س: ما الحكم إذا شرب الزوج من ثدي زوجته لبنا في أيِّ حال من الأحوال؟

جـ: إذا شرب الزوج من ثدي زوجته لبناً فلا يضر ولا تصبح أماً له لأن بعض الرجال يداعب زوجته فيمتص ثدي زوجته فيشرب قليلاً من اللبن فذلك لا يضر ولا يؤثر في صحة الزواج لأن الرضاع لا يحرم إلا إذا كان الرضيع طفلاً صغيراً محتاجاً إلى اللبن لحديث (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ) أما من كان كبيراً فرضاعه لا يحرم سواء كان زوجاً أو غيره.

‌شربُ لبن الحيوانات لا يجعل المرتضعين منه أخوة من الرضاع

س: هل إذا رضع الأطفال من لبن البقر أو الغنم يصبحون أخوة من الرضاعة؟

جـ: اعلم أن اللبن الذي يجعل الأخوين إخوة من الرضاع هو لبن المرأة، أما لبن البقر وغيرها من الحيوانات فلا يجعل الرضيعين أخوة فمن رضع من الأخوة الصغار مع غيرهم من الأخوات الصغيرات من الثدي الصناعي ومثله لبن بقرة أو معزة لا يكونون إخوة لأن اللبن ليس بلبن امرأة، وهكذا إذا اشترك أطفال في حضانة بامتصاص حليب (النيدو) فلا يكونون إخوة من الرضاع لأن اللبن المعروف بـ (النيدو) ليس بلبن آدمية.

‌لا يجوز التآخي بين شاب وشابة بواسطة الرضاع لتجويز السفر أو الدراسة أو غيرها

س: هل يجوز التآخي بين شاب وشابة بواسطة الرضاع من أم الشاب أو الشابة ليكونا أخوين من الرضاع ولتسافر الشابة مع الشاب لحج أو زيارة أو دراسة في الخارج أو زيارة أقارب خارج البلاد ويستدل على هذا بحديث (سالم) مولى أبي حذيفة؟

جـ: لا يجوز إلا في مثل صورة (سالم مولى أبي حذيفة) لأن العلماء الذين جوزوا حصروه في مثل صورة سالم مولى أبي حذيفة فقط، أما التآخي للدراسة في الخارج أو نحوها فلا يجوز أبداً.

س: إذا أرضعت الشابةُ الشابَ ثم زنى بها، فهل يعد اختلاف المذاهب شبهة؟

جـ: إذا زنى الرجل بمن أرضعته فهو أشد من الزنا بامرأة أخرى لأنه سيكون زانياً بأمه من الرضاع وهذا حرام بالأدلة القطعية من الكتاب منها قوله تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}

(1)

والسنة منها حديث (بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ)

(2)

وحديث

(1)

- الإسراء: آية (32)

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الحدود: باب في الرجل يزني بحريمه. حديث رقم (3744) بلفظ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقِيتُ عَمِّي وَمَعَهُ رَايَةٌ فَقُلْتُ: لَهُ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (4457).

أخرجه الترمذي في الأحكام عن رسول الله، والنسائي في الأحكام، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في النكاح.

ص: 98

(مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ)

(1)

والإجماع.

‌تحريم إرضاع الرجل الكبير ليحل له النظر دون ضرورة لذلك

س: على مذهب الظاهرية لو أرضعت امرأة رجلاً كبيراً ليحل له النظر والخلوة فقد يخشى أن يحدث بينهما مالا يحمد عقباه، وهل يجوز للرجل إن كان مذهبه ظاهرياً أن يرتضع من امرأة وهو رجل كبير؟

جـ: لم يبق أناس متمذهبون بالمذهب الظاهري بل هو منسوخ، العلماء لا يعملون بمذهب الظاهريه إنما بعض العلماء يعمل بمذهب ابن تيمية.

س: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة (انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ)

(2)

؟

جـ: معنى الحديث: تأكدن هل كان الرضاع قبل الفطام أم بعد الفطام، لأن الرضاع المحرم هو حال الصغر قبل الفطام.

‌وجوب التثبت من صحة الرضاع قبل الزواج

س: يرغب رجل بأن يتزوج بابنة عمه لكن أسرته منعوه من الزواج بها وقالوا بأنه رضع معها من ثدي واحد، فهل قولهم حجة في ذلك أو أنه ليس بحجة؟

جـ: من رضع مع آخر من ثدي واحد يصير أخاً له من الرضاع فإذا صح وتقرر أن هذه المرأة قد رضعت أنت وهي من ثدي واحد في حال الصغر فهي أختك من الرضاعة، وإذا كانت أختك من الرضاعة فالزواج بها حرام، فإذا كان أفراد أسرتك مستعدين بأن يشهدوا بأنك قد رضعت أنت وابنة عمك من ثدي واحد فليشهدوا بهذه الشهادة وعليك أن تقتنع بشهادتهم وتبحث عن امرأة أخرى، وإن كانوا غير مستعدين للشهادة على هذا الرضاع ولم يثبت هذا الرضاع بأيِّ طريقة من طرق الإثبات فلا مانع لك من الزواج بها، ولكن الأحوط ترك الزواج لأن الإقدام على الزواج مع ما قد قيل فيه شبهة والمؤمنون وقَّافُون عند الشبهات لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)، والأفضل من هذا كله هو الحضور عند القاضي الشرعي، أو يكون تقديم الاستفتاء من الطرفين، من السائل ومن أسرته في كلام مفصل وفي غاية من الوضوح ليكون الجواب متكاملاً حيث والمسألة خطيرة فيخشى من التسرع في الإجابة القاطعة أن تكون الحقيقة على خلاف ما فهمناه من السؤال.

س: هل يجوز للرجل أن يقبل أخته من الرضاعة؟

جـ: أخته من الرضاعة مثل أخته من النسب تماماً فإن كان يقبل أخته من النسب في رأسها فيقبل أخته من الرضاعة في رأسها، وإن كان يقبل أخته في يدها فيقبلها في يدها لأن حكم الرضاع مثل حكم النسب لحديث (إِنَّ

(1)

- سنن ابن ماجه: كتاب الحدود: باب من أتى ذات محرم ومن أتى بهيمة. حديث رقم (2554) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ، وَمَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (2094).

أخرجه الترمذي في الحدود.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: وقع: كناية عن الجماع.

(2)

صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله برقم (2435).

ص: 99

الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ) وحديث (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ).

‌ليس للأخ من الرضاع ولاية تزويج أخته من الرضاعة

س: هل تجوز الولاية على الأخت أو البنت من الرَّضاع؟

جـ: الأخت من الرضاع يحرم بها الزواج وتحل بها الخلوة ولا تجري على الأخوة من الرضاع بقية أحكام الأخوه من النسب، فليس للأخ من الرضاع حق ولاية تزويج الأخت من الرضاع، ولا يرثها ولا ترثه، ولا يجب عليه أن ينفق عليها إذا كانت فقيرة.

وأخوة الرضاع محصوره في أربعة أحكام هي:

1 -

جواز النظر إليها. 2 - جواز الخلوة بها. 3 - جواز سفرها معه. 4 - عدم جواز الزواج بها.

الخمس الرضعات يحرمن مجتمعات أو متفرقات

س: هل يشترط أن تكون الخمس الرضعات مجتمعات؟

جـ: لا يشترط، فالخمس الرضعات محرِّمات سواء كن مجتمعات أم متفرقات لعموم حديث (ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ).

س: كان في قرية امرأة كبيرة السن وكانت نساء القرية يضعن أبناءهن عندها فترضع الأطفال، فهل يعتبر أبناء القرية جميعاً إخوة من الرضاع مع أننا لا نعلم من ارتضع منها ممن لم يرتضع؟

جـ: من ثبت أنه ارتضع منها وفيها حليب خمس رضعات على القول الصحيح والطفل في الحولين فهو ابنها من الرضاع لحديث (ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ)، أما التشكك فلا يعمل به إلا أنه لا يخلو من أن يكون من الأمور المشتبهات والمؤمنون وقافون عند الشبهات لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ).

س: ما رأيكم في المرأة التي ترضع ولدها أربع سنوات، فهل يجوز لها ذلك؟

جـ: نعم، يجوز لها لكن الرضاع المحرِّم من الزواج هو ما كان في الحولين لحديث (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ).

س: امرأة تذوقت لبنها بلسانها ولم ينزل إلى جوف بطنها، فهل هذا فيه أيِّ إثم؟

جـ: لا إثم على هذه المرأة التي تذوقت من لبنها سواء وصل جوفها أو لم يصل.

‌تفرد الشريعة الإسلامية بأحكام الرضاع

س: هل أحكام الرضاع كانت في الملل السابقة؟

جـ: أحكام الرضاع لا وجود لها في الشرائع السماوية المنسوخة ولا في القوانين الوضعية لا الحالية ولا السابقة ولاتوجد إلا في الشريعة الإسلامية.

‌قدر الرضاع المحرِّم للزواج

س: ما هو القدر الذي يحرِّم من الرضعات؟

جـ: مذهب شيخ الإسلام الشوكاني والشافعية وهو مذهب العلامة محمد بن اسماعيل الأمير بأن الذي يحرِّم

ص: 100

خمس رضعات والأربع الرضعات لا تحرِّم، أما مذهب الهادوية والحنفية وجمهور العلماء فهو أن الرضاع يحرِّم مهما وصل إلى البطن سواءً كان رضعة أم أكثر، قال علماء المعاني أن الفعل المضارع إذا جاء بعد نكره مثل حديث (كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ) فهو يفيد الحصر والقصر، وهو أقوى من مفهوم حديث (لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَوْ الرَّضْعَتَانِ، أَوْ الْمَصَّةُ أَوْ الْمَصَّتَانِ)

(1)

مفهومه أن الثلاث أو الأربع الرضعات يحرِّمن فمنطوق حديث الخمس الرضعات أقوى من هذا المفهوم.

‌شروط الرضاع المحرِّم للزواج

س: ما هي شروط الرضاع الذي يحرِّم؟

جـ: هي:

1 -

أن يكون عمر الطفل أقل من عامين لحديث (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ) فإذا جاوز الطفل العامين من عمره فلا يحرِّم الرضاع الزواج.

2 -

أن يدخل اللبن إلى الجوف.

3 - أن يكون في المرأة المرضعة لبن.

‌تحريم الزواج إذا كان في المرضعة لبن يصل إلى جوف الرضيع

س: قامت امرأة كبيرة السن فرضعت بنات وأبناء أبنائها وكان هذا الرضاع عبارة عن تسلية لهم أثناء غياب أمهاتهم وكان يخرج من ثديها ماء سائل على شكل لبن، فما هو الحكم في هؤلاء البنات والأبناء إذا رغبوا في الزواج؟

جـ: المحرِّم من الزواج هو رضاع الطفل لبن يصل إلى جوف الطفل، فهذا السائل الذي خرج من ثدي العجوز إن كان لبناً فهو محرِّم للزواج، وإن كان ماء فلا يحرِّم الزواج.

‌جواز إرضاع المرأة ولدها وهي جنب

س: هل يجوز للمرأة أن ترضع ولدها وهي جنب؟

جـ: لا مانع، والأصل الإباحة.

(1)

صحيح مسلم: كتاب الرضاع: باب في المصة أو المصتان. حديث رقم (1451) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ حَدَّثَتْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَوْ الرَّضْعَتَانِ، أَوْ الْمَصَّةُ أَوْ الْمَصَّتَانِ).

أخرجه النسائي في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الرضاع.

ص: 101

الباب التاسع: الحضانة

• ولاية البنت بعد بلوغها لنفسها وتخير في البقاء عند من تريد

• وجوب إعطاء الأم أولادها لحضانتهم لكونها الأولى بحضانتهم

• تحريم إرجاع المطلقة الطفل المولود إلى المطلق بعد ولادته

• حق الحضانة بعد الأم للخالة

• المراد بالخالة أخت الأم

• وجوب النفقة والسكن والعلاج للمرضع وولدها الرضيع على ولي الولد الرضيع

ص: 102

‌الباب التاسع: الحضانة

‌ولاية البنت بعد بلوغها لنفسها وتخير في البقاء عند من تريد

س: توفي رجل وله بنت كان عمرها خمس سنوات وقامت أمها بتربيتها والإنفاق عليها حتى كبرت وبلغت رشدها ووصلت إلى سن الزواج، ولما تقدم لها رجل يريد أن يخطبها قام عمها الذي أهملها وتجاهلها طوال سنوات عديده يطالب أمها بأخذها لديه، ويدعي أن له الحق في كفالتها وبقائها عنده، فنطلب منكم أن تفتونا فيمن هو وليها أمها أم عمها؟

جـ: إذا كانت البنت قد بلغت رشدها فهي ولية نفسها ولا ولاية لأحد عليها لا للعم ولا للأم بل تخير في البقاء عند من تريد، فإن كانت تريد البقاء عند عمها فلا مانع لها من ذلك، وإن كانت تريد البقاء عند أمها فلا مانع لها أيضاً، ولا حق للعم في المطالبه ببقائها عنده إلا إذا كان في بقائها لدى والدتها غضاضة على الأسرة أو يخشى العم على ابنة أخيه مما يخل بدين البنت أو بشرفها، فإن ثبت ما يخشاه العم فلا مانع للعم من المطالبة ببقائها لديه حسب ما قرره العلماء في كتب الفقه الإسلامي، أما بالنسبة إلى زواج هذه البنت فليس للعم ولا للأم ولا لأحد من أقاربها أن يجبرها على الزواج بأيِّ شخص كائناً من كان، لأن من شروط صحة الزواج بالبنت المكلفة رضاءها ويكون رضاؤها بالنطق إن كانت ثيباً أو بالسكوت إن كانت بكراً، ولكن ليس لها أن تزوج نفسها بل لا يزوجها إلا وليها وهو أقرب الناس إليها من عصبتها الذكور فإذا كان لها أخ من الأبوين أو من الأب فقط فهو الذي سيعقد لها بالزوج الذي قد رضيت بالزواج منه، وإن لم يكن لها أخ من الأبوين أو من الأب فيزوجها عمها، فإذا رفض الحضور للعقد لها بالزوج المرضي لديها، انتقلت ولاية عقد الزواج إلى من يليه من العصبة الأقرب فالأقرب فإذا لم يوجد لها قريب من العصبة الذكور فوليها القاضي الشرعي المولى في المنطقة التي تعيش فهيا لحديث (فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ)

(1)

بشرط أن يكون رفض الولي لتولي العقد ليس له سبب مسوغ للرفض، أما إذا كان رفضه العقد لسبب شرعي كأن يكون الخاطب غير كفؤ لها في الدين بأن تكون من الفتيات المحافظات على دينهن ويكون الخاطب من المجاهرين بالمعاصي الكبار فإن رفض الولي للعقد بها لا يكن عضلاً مسوغاً لنقل الولاية منه إلى من يليه، وكذلك إذا كان رفضه مؤقتاً حتى يبحث عن هذا الخاطب هل هو كفؤ للبنت من جهة الدين أم أنه ليس بكفؤ لها من هذه الجهة، ولذلك فإن رفضه المؤقت لا يكون عضلاً مسوغاً لنقل الولاية منه إلى من يليه كما نص على ذلك العلماء.

والخلاصة لما جاء في جوابي هذا:

أولاً: ولاية الأم على ابنتها تنتهي ببلوغ البنت.

ثانياً: مهما بلغت البنت فهي ولية نفسها تبقى عند من تريد.

ثالثاً: إذا اختارت البنت البقاء عند أمها فلا يحق للعم أخذها لديه.

رابعاً: إذا خشي العم على البنت شيئاً يخل بشرفها إذا بقيت في بيت أمها فلا مانع له من أخذها لديه.

(1)

- سننن الترمذي: كتاب النكاح: باب لانكاح إلا بولي. حديث رقم (1102) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه أبوداود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في النكاح.

ص: 103

خامساً: ليس لأحد إجبارها على الزواج بعد بلوغها.

سادساً: إذا كانت قد رضيت بالخاطب لها زوجاً فلا حق لها في تزويج نفسها لحديث حديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ)

(1)

.

سابعاً: أن الذي يزوجها هو أقرب الناس من العصبة إليها من الذكور.

ثامناً: مهما عضل الولي البنت من الزواج فإن ولايته تسقط لمخالفته حديث (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(2)

وتنتقل إلى من يليه من العصبة الذكور.

تاسعاً: إذا كان الولي قد امتنع عن العقد لها لعدم وجود الكفاءة في الدين ولكي يبحث عن حالة الخاطب فلا يكون امتناعه عضلاً مسوغاً لنقل الولاية إلى من يليه.

‌وجوب إعطاء الأم أولادها لحضانتهم لكونها الأولى بحضانتهم

س: طلقني زوجي وقد أنجبت له أربعة أطفال وأخذ أولادي لديه وتركهم في بيته يتسولون من الناس، فهل يحق لي المطالبة بأولادي لأقوم بتربيتهم ورعايتهم؟ وعلى من تلزم النفقة؟

جـ: الأم أولى من غيرها من النساء في حضانة أولادها الصغار وبالولاية عليهم مطلقاً سواءً كان هؤلاء الأطفال ذكوراً أم أناثاً لحديث (أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ: لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي)

(3)

، أما الذكور فتنتهي الولاية عليهم إذا استغنوا بأنفسهم أكلاً وشرباً ولباساً ونوماً، وأما الأناث فلا تنتهي الولاية عليهن حتى يبلغن رشدهن بالحيض أو بغيره من أمارات البلوغ التي تبلغ بها البنات، وإذا بلغت البنت فتخير في البقاء عند أمها أو عند أبيها فإذا اختارت أحدهما بقيت لديه ولا حق للآخر في طلبها إلا إذا كان في بقائها عند الآخر غضاضة أو يخشى عليها الانحراف في دينها فله الحق في المطالبة بها، أما النفقة فهي على الزوج حسب ما يفرضها القاضي الشرعي المولى من الدولة في المنطقة التي يعيش فيها والد الأطفال إذا صح ما جاء في سؤالك هذا أيتها الأخت السائلة فأنت أولى بحضانة بناتك الصغار وأحق من غيرك بالولاية عليهن.

س: حدث أن رجلاً طلق زوجته وقد أنجيت له ولداً عمره أكثر من عام ولم يرض تسليمه إلى أمه بحجة أنها لا

(1)

سنن الترمذي: كتاب النكاح عن رسول الله: باب ما جاء لا نكاح إلا بولي. حديث رقم (1021) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1102).

أخرجه أبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، باقي مسند الأنصار، والدارمي في النكاح.

معاني الألفاظ: الولي: الأب ومن يقوم مقامه في التزويج.

(2)

سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ما جاء إذا جاء من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. حديث رقم (1004) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1084).

أخرجه ابن ماجة في النكاح.

معاني الألفاظ: عريض: كبير

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الطلاق: باب من أحق بالولد. حديث رقم (2276) بلفظ (عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ: لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

معاني الألفاظ: حواء: مكان يحويه ويحفظه ويحرسه.

ص: 104

تحسن تغذيته، فهل يجوز له أن يمنعه من أمه أم أنه لا يجوز؟

جـ: اعلما بأن الحق للأم في الحضانة كما يدل عليه النص الصريح عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي) إلا إذا كان هناك مرض أو جنون أو غيرهما من الأعذار الشرعية فإن حضانتها تسقط.

‌تحريم إرجاع المطلقة الطفل المولود إلى المطلق بعد ولادته

س: رجل طلق زوجته وهي حامل ونتج عن ذلك سوء تفاهم بين أسرة ذلك الرجل وأسرة المرأة وبعد أن وضعت المرأة الطفلة أخذ أهل المرأة المطلقة المولود وأوصلوه إلى بيت والده فور ولادته مباشرة وحدث أن هذا الوليد لم يبق على وجه الحياة إلا يوم واحدٌ ثم مات، فما حكم شريعة الإسلام في هذه القضية المؤسفة؟

جـ: اعلم بأن هذه المسألة تحتاج إلى تفصيلات وإلى إيضاحات لأننا لا ندري هل كان الموت بسبب أن أهل الزوجة ذهبو بالطفل إلى بيت الزوج ووضعوه من غير أن يسلموه إلى يد الزوج أو إلى يد أحد من أسرته أم كان الموت بسبب أهالي الزوج أهملوا الطفل ولم يراعوه ولم يهتموا به وبناء على عدم معرفة من هو الذي سبب موت هذا الطفل الصغير فلا نستطيع أن نفتي بشيء بخصوص الضمان، أما الإثم فلا شك أن أسرة الزوجة آثمون بفعلهم هذا كما أن أسرة الزوج والزوج نفسه آثمون إن كانوا قد تساهلوا في عدم المحافظة على هذا المولود.

‌حق الحضانة بعد الأم للخالة

س: من أحق بالحضانة بعد الأم الخالة أم الأب؟

جـ: الخالة قبل الأب في المذاهب كلها، لأن الخالة بمنزلة الأم في المذهب الشوكاني لحديث (وَإِنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ)

(1)

يقول إذا تزوجت الأم أو ماتت فينتقل حق الحضانة إلى الخالة، وفي المذهب الهادوي: يقولون إذا تزوجت الأم أو ماتت أو كانت غير صالحة للحضانة كأن كانت مجنونة فالحضانة تنتقل إلى أم الأم قبل الخالة، وعلى كل حال فالخالة أقدم من الأب في كل المذاهب.

‌المراد بالخالة أخت الأم

س: ما المراد بالخالة، هل هي أخت الأم أم زوجة الأب؟

جـ: إذا أطلق لفظ الخالة في اللغة العربية وفي الشريعة الإسلامية أو ورد لفظ الخالة في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية أو كتب الفقه الإسلامي فالمراد به الخالة أخت الأم لحديث (وَإِنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ) أما إطلاق لفظ (الخالة) على زوجة الأب فهو اصطلاح في اليمن من باب التأدب والاحترام مع زوجة الأب، والعرب كانوا يطلقون على كل امرأة مجهولة يا (خالة) ويطلق العربي على كل ولد صغير يا (ابن أخي).

(1)

- سنن أبي داود: كتاب الطلاق: باب من أحق بالولد. حديث رقم (1940) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إِلَى مَكَّةَ فَقَدِمَ بِابْنَةِ حَمْزَةَ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: أَنَا آخُذُهَا أَنَا أَحَقُّ بِهَا ابْنَةُ عَمِّي وَعِنْدِي خَالَتُهَا وَإِنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا ابْنَةُ عَمِّي وَعِنْدِي ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ أَحَقُّ بِهَا، فَقَالَ زَيْدٌ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا أَنَا خَرَجْتُ إِلَيْهَا وَسَافَرْتُ وَقَدِمْتُ بِهَا، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ حَدِيثًا قَالَ: وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَأَقْضِي بِهَا لِجَعْفَرٍ تَكُونُ مَعَ خَالَتِهَا وَإِنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ)

أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الجارية: البنت الصغيرة.

ص: 105

‌وجوب النفقة والسكن والعلاج للمرضع وولدها الرضيع على ولي الولد الرضيع

س: امرأة طلقها زوجها ومعها منه ثلاثة أولاد وهم صغار ولم يتجاوز أكبرهم أربع سنوات، فهل يجب على الزوج أن يعطيهم سكنا وكسوتهم أم النفقة الواجبة عليه هي الإطعام مع الكسوة؟

جـ: الظاهر أن عليها أو وليها اختيار عدل والمطلق يختار عدلا والعدلان يقرران ما يلزم شهريا مقابل الكسوة والنفقة والسكن والعلاج يسلم الزوج ذلك في رأس كل شهر.

ص: 106

‌كتاب المعاملات الشرعية

• الباب الأول: البيع.

• الباب الثاني: الربا.

• الباب الثالث: الخيارات.

• الباب الرابع: بيع السلم.

• الباب الخامس: القرض.

• الباب السادس: الشفعة.

• الباب السابع: الإجارة.

• الباب الثامن: الإحياء والإقطاع.

• الباب التاسع: الشركة.

• الباب العاشر: الرهن.

• الباب الحادي عشر: العارية والوديعة.

• الفصل الأول: الوديعة.

• الفصل الثاني: العارية.

• الباب الثاني عشر: الغصب.

• الباب الثالث عشر: العتق.

• الباب الرابع عشر: الوقف.

• الباب الخامس عشر: الهدايا.

• الباب السادس عشر: الهبات.

• الباب السابع عشر: مسائل متفرقة في المعاملات الشرعية.

ص: 107

الباب الأول: البيع

• صحة البيع بمجرد التراضي

• لا يبطل البيع بترك الإيجاب والقبول

• جواز بيع الرجل أمواله كلها حتى لو كان معه وارثون

• بيع الملامسة إذا لمس المشتري السلعة فقد تم البيع

• معرفة رضاء الأعجم بالإشارة

• تحريم بيع أيِّ جزء من أجزاء جسم الإنسان

• جواز التطوع بدم أو بجزء من أجزاء الجسم لمريض

• جواز شراء الدم للضرورة

• تحريم شراء الدم لخزنه أو لغير ضرورة

• جواز إعطاء المتبرع بدمه مكافأة

• تحريم بيع عسب الفحل

• جواز إعطاء مالك الحيوان الذكر الذي سينزو على الأنثى من نوعه مكافأة

• تحريم بيع الماء الخارج من عيون الأرض من ذات نفسه وجواز بيع الماء المحاز بنوع حيازة

• جواز حيازة الكلأ المباح وجواز بيع الكلأ المحاز بنوع حيازة

• فضل الماء المنهي عن منعه من الآخرين هو الخارج بدون بذل أيِّ سبب في إخراجه

• الأصل في كل بيع استوفى شروطه الصحة

• تحريم التحايل بإنقاص عدادات الكهرباء العامة

• معنى بيع حبل الحبلة بيع ما سيولد أو ما سيولد مما سيولد من أنثى الحيوانات

• تحريم بيع حبل الحبلة والمنابذة والملامسة

• بيع المنابذة إذا نبذ البائع السلعة إلى المشتري فقد تم البيع

• تحريم بيع الثمار قبل بدو صلاحها

• تحريم أخذ ثمن الثمرة المباعة قبل بدو صلاحها إذا أهلكتها جائحة قبل صلاحها

• جواز بيع الثمار الناضجة التي قد ظهر صلاحها

• تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمراً

• تحريم بيع السجائر

• كراهة بيع وشرب الشيشة

• تحريم بيع الحيوانات المحنطة لأنها ميتة

• جواز بيع العبيد والإماء

ص: 108

• تحريم بيع المعدوم بالمعدوم

• تحريم التفريق بين المحارم في بيع الإماء

• تحريم بيع لحم الحمر الأهلية

• تحريم شراء الإنسان ما علم أو غلب على ظنه أنه مسروق

• تحريم بيع وربح ما لم يضمنه البائع

• كيفية التخلص من ربح بيع ما لم يدخل في ضمان البائع

• تحريم بيع ما ليس في ملك البائع

• تحريم بيع محرر العقود من مال غيره لنفسه بالثمن الذي يعينه هو

• صحة بيع الإنسان ما يملكه وتحريم إيذاء الولد لأبيه باعتراضه على بيعه

• وجوب إبطال المحكمة الشرعية كل بيع فيه حيلة على بعض الورثة

• بطلان البيع إذا ظهرت الحيلة بشكل واضح وجلي

• جوب تحري الصدق في البيع والشراء

• جواز بيع السلع بسعرها القديم بعد ارتفاع سعرها

• وجوب اشتراط دفع ثمن الزمان والمكان وتسليم الثمن يداً بيد لصحة بيع المرأة

• جواز تملك المرأة ما تشتريه لها بمالها الخاص بها

• بطلان كتابة أمين منطقة بصيرة بيع بدون التأكد من مستندات البائع أو وكيله

• معنى بيعتين في بيعة هو قول البائع بعتك كذا على أن تبيعني كذا

• ضمان البائع إذا هلك المبيع المستثنى تحت يديه بسبب جنايته أو تفريطه

• كراهة تسعير السلع

• جواز الاستثناء المعلوم في المبيع وتحريم الاستثناء المجهول في المبيع

• جواز البيع بالمزاد العلني أو "الحراج"

• تحريم البيع على البيع

• صحة بيع الأب لأحد أبنائه بسعر الزمان والمكان

• جواز بيع الشيء الغائب إذا كان معلوماً محدداً

• وجوب تعيين الثمن لصحة البيع

• جواز بيع التقسيط عند الشافعي والشوكاني

• جواز اشتراط الخيار في البيع

• جواز السعاية وتقدر بقدر العمل ولا تكون نسبة معينة في المبيع

• جواز الربح في البيع والشراء بقدر العمل وتكلفته وكراهة المبالغة في الربح

ص: 109

• جواز توحيد سعر السلعة وبيعها لجميع المشترين بسعر واحد

• جواز شراء وسكن بيت مبني من أموال محرمة إذا لم يعمل عمل أهل المعاصي

• عدم نفاذ بيع الفضولي إلا إذا أجازه المالك

• تحريم البيع والشراء حال الخطبتين وصلاة الجمعة

• وجوب بيان العيب في المبيع

• تحريم بيع أحد الورثة من أموال التركة قبل القسمة ولا يصح البيع في ذلك

• تحريم طلب بائع أو ورثته زيادة في ثمن مبيع قد تم البيع فيه

• صحة بيع الرجل لابن ابنه بسعر الزمان والمكان

• تحريم البيع والشراء في عملة نقدية قد بطل التعامل بها

• جواز بيع البائع إلى مقابل خدمة

• اشتراط التوكيل قبل البيع أو الإجازة بعد البيع في صحة البيع عن الغير

• تحريم احتكار أقوات الناس

• جواز أخذ العمولة من التاجر البائع إذا لم يكن في أخذها خيانة المشتري

• تحريم الكذب في بيان سعر السلعة أو قدر الربح في البيع والشراء

• تحريم الشراء من دولة تشجع على سب الرسول صلى الله عليه وسلم

ص: 110

‌الباب الأول: البيع

‌صحة البيع بمجرد التراضي

س: هل يشترط في البيع الإيجاب والقبول؟

جـ: قال الفقهاء: يشترط الإيجاب والقبول إلا في المحقرات، ولكن المعمول به الآن في المحاكم الشرعية هو أن العبرة في صحة البيع مجرد التراضي لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(1)

ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)

(2)

وهو مذهب علماء اليمن المتأخرين العلامة (صالح المقبلي) والعلامة (حسن الجلال) والعلامة (محمد بن إسماعيل الأمير) وشيخ الإسلام القاضي العلامة (محمد بن علي الشوكاني) واختاره من أئمة اليمن الإمام (يحيى بن حميد الدين) وبلغ به المحاكم في عصره للعمل بموجبه.

س: ما رأيكم في المبايعة بالكتابة؟

جـ: المهم هو الرضا والقنوع من الطرفين بأيِّ وسيلة من الوسائل الدالة على الرضا سواء بصيغة البيع والشراء وهي الإيجاب والقبول أو بالمعاطاة وأحد يسلم السلعة والآخر يسلم الفلوس أو بالكتابة أو بالإشارة كله جائز وكله صحيح المهم الرضا لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(3)

ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).

(1)

- النساء: (29).

(2)

- مسند أحمد: كتاب مسند البصريين: حديث عم أبي حرة الرقاشي. حديث رقم (19774) بلفظ (عن أبي حرة الرقاشي عن عمه، قال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس فقال: يا أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم وفي أي يوم أنتم وفي أي بلد أنتم؟ قالوا: في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه، ألا وإن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل، ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع وإن الله عز وجل قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، ثم قرأ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم، فاتقوا الله عز وجل في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا وإن لهن عليكم ولكم عليهن حقا أن لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، قال حميد قلت للحسن ما المبرح قال المؤثر ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله عز وجل، ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وبسط يديه فقال: ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع) حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7662).

أخرجه أبو داود في النكاح، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: الزمام: الحبل الذي تقاد به الدابة. التشريق: الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الأضحى. الذود: الطرد والمنع.

مأثرة: من المآثر وهي مكارم الجاهليين ومفاخرهم.

الدين القيم: الذي لا عوج فيه. التحريش: الإغراء وتحريض البعض على الآخر.

العاني: الأسير وكل من ذل واستكان وخضع.

النشوز: العصيان ومخاصمة الأزواج.

مبرح: شديد وشاق.

(3)

- النساء: (29).

ص: 111

‌لا يبطل البيع بترك الإيجاب والقبول

س: هل يبطل البيع إذا طلبه أحد المتبايعين بحجة ترك الإيجاب أو القبول؟

جـ: لا يبطل البيع بترك الإيجاب والقبول لأن العبرة بالتراضي المشروع في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وفي حديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه) ولأن الإيجاب والقبول ما هو إلا أمارة لحصول التراضي فإذا قد تحقق التراضي فيكتفى به.

‌جواز بيع الرجل أمواله كلها حتى لو كان معه وارثون

س: هل يجوز للرجل أن يبيع أمواله كلها مع أن معه وارثين؟

جـ: نعم، يجوز له أن يأكل من أمواله بشرط ألا يسرف لقوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ

لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}

(1)

ولا يحتال.

‌بيع الملامسة إذا لمس المشتري السلعة فقد تم البيع

س: ما معنى بيع الملامسة في حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة)

(2)

؟

جـ: هي قول أحد المتبايعين للآخر إذا لمست السلعة فقد تم البيع.

‌معرفة رضاء الأعجم بالإشارة

س: كيف يعرف تراضي الرجل الأعجم؟

جـ: يعرف رضاء الرجل الأعجم بالإشارة، ويكون بيعه أو شراؤه صحيحاً.

‌تحريم بيع أيِّ جزء من أجزاء جسم الإنسان

س: هل يجوز للإنسان أن يبيع أحد أعضاء جسمه مثل بيع الكلية لمن هو مريض في المستشفى يحتاج لها خاصة إذا كان الشخص محتاجاً للمال؟

جـ: العلماء كلهم يقولون: لا يجوز بيع الدم ولا بيع أيِّ جزء من أجزاء جسم الإنسان لحديث (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ)

(3)

فالإنسان الحر لا يباع ولا يجوز بيع جزء منه فالكبد والكلية والرئة واليد وكل جزء من الإنسان لا يجوز

(1)

- الأعراف: آية (31)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب إبطال بيع الملامسة و المنابذة. حديث رقم (3780) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ).

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في البيوع.

أطراف الحديث: الصلاة، مواقيت الصلاة.

معاني الألفاظ: الملامسة: وجوب البيع حال لمس أحدهم سلعة الآخر.

المنابذة: بيع شيئين بأن يلقي كل منهما سلعته للآخر دون تفحصها.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب إثم من باع حراً. حديث رقم (2227) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ).

أخرجه ابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الإجازة.

ص: 112

بيعه.

‌جواز التطوع بدم أو بجزء من أجزاء الجسم لمريض

س: هل يجوز التطوع بالدم أو بجزء من أجزاء جسم الإنسان؟

جـ: يجوز التطوع بدم الإنسان لمريض آخر ويجوز للمتطوع له أن يكافئ المتطوع بأيِّ مكافئة لقوله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}

(1)

ولحديث (وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)

(2)

المحرم هو بيع الدم والأعضاء بيعاً.

‌جواز شراء الدم للضرورة

س: ماذا يفعل المضطر لشراء الدم إذا لم يجد متطوعاً؟

جـ: إذا أصبح الإنسان مضطراً للدم لمريضه ولم يجد متطوعاً فيجوز شراء الدم للضرورة لأن الضرورات تبيح المحضورات لقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}

(3)

وقوله تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(4)

وقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(5)

.

س: ما قولكم في سحب الدم من شخص إلى آخر؟ وفي بيعه وشرائه؟ وهل ثمة فرق بين الدم والخمر؟ وهل الضرورات تتيح المحظورات؟

جـ: إن إسعاف الرجل الصحيح غيره من الرجال أو النساء بالدم المسحوب بواسطة الإبرة من التعاون الذي أمر الله به في قوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}

(6)

أما صحة بيع الدم من الصحيح إلى المريض المحتاج إلى الدم من عدمه وعن ثمن الدم هل هو حلال أو هو حرام فهو مبني على الخلاف في دم الآدمي هل هو نجس أم أنه طاهر حيث والعلماء قد اختلفوا في دم الآدمي هل هو من جملة النجاسات أم أنه طاهر وليس بنجس، والذي ذهب إليه الجمهور من العلماء هو القول بنجاسة دم الآدمي وغيره من الدماء والذي ذهب إليه الحسن الهمداني أحد علماء الزيدية المتقدمين والظاهرية هو أن الدماء طاهرة وليست بنجسه سواءً كان دم الآدمي أو دم الحيوانات، ولم يستثن من الدماء غير دم الحيض فإنه نجس بالإجماع والكلام حول ما احتج به الطرفان طويل

(1)

- الرحمن: آية (60)

(2)

- سنن النسائي: كتاب الزكاة: باب من سأل بالله عزوجل. حديث رقم (2520) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ، وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)

أخرجه أبوداود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(3)

- البقرة: (173)

(4)

- الأنعام: آية (145)

(5)

- النحل: آية (115)

(6)

- المائدة: آية (2)

ص: 113

من الممكن الكلام على ذلك في فرصة أخرى فعلى قول من ذهب إلى رائي القائلين بطهارة دم الآدمي فلا مانع من بيع هذا الدم إذا كان صاحبه يريد بيعه وإلا فما سمعت إلى الآن أن أحداً من المرضى قد اضطر إلى شراء الدم من أحد الأصحاء أو أن أحد الأصحاء رفض أن يتبرع بكمية من دمه لأحد المصابين المضطرين إلى الدم ولا يخرج شيئاً من دمه إلا بثمن، وعلى مذهب من يقول بنجاسة الدم لا مانع للمصاب أو لأهل المصاب من شراء الدم مهما كان ضروريا ولم يوجد من يتبرع للمصاب بدم في الوقت الحرج وأن الكمية من الدم معينة لا مجهولة وذلك للضرورة لأن القاعدة الفقهية تقول عند الضرورات تباح المحظورات، و لقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}

(1)

وقوله تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(3)

وأما الفرق بين شرب الخمر وبين بيع الدم فهو أن تحريم شرب الخمر من المحرمات القطعية والمعلوم تحريمها من القرآن الكريم في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(4)

ومن السنة النبوية في حديث لحديث (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)

(5)

ومن إجماع المسلمين، وأما مسألة بيع الدم فهو مبني على نجاسته ومسألة نجاسة دم الآدمي ليست من المسائل القطعية ولا من المسائل المجمع عليها بل هي من المسائل الخلافية التي اختلفت فيها أنظار العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين حيث قد قال بطهارة دم الآدمي الحسن الهمداني والظاهرية والجلال والأمير الصنعاني والشوكاني وصديق حسن والألباني وإنما المجمع على نجاسته هو دم الحيض كما لا يخفى على من له إطلاع على كتب الفقه وشروح الحديث، وأيضا يوجد في التداوي بالخمر نص صحيح صريح مرفوعاً إلى رسول الله وهو حديث (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ)

(6)

قاله رسول الله عندما سئل عن التداوي بالخمر، وأما عن بيع الدم الذي يستخرج من الإنسان لأخيه الإنسان بواسطة الإبرة فلم يرد نص صريح ولا غير صريح لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف وأما الاحتجاج بقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(7)

على تحريم بيع الدم أو شرائه لمن كان

(1)

- البقرة: (173)

(2)

- الأنعام: آية (145)

(3)

- النحل: آية (115)

(4)

- المائدة: 90.

(5)

- صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب بيان أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام. حديث رقم (5308) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ).

أخرجه البخاري في الأشربة، والترمذي في الأشربة، والنسائي في الأشربة، وأبو داود في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في الأشربة، والدارمي في الأشربة.

معاني الألفاظ: يدمنها: يدوام على شربها.

(6)

صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب تحريم التداوي بالخمر. حديث رقم (3670) بلفظ (عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ، سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ).

أخرجه الترمذي في الطب عن رسول الله، وأبو داود في الطب، وأحمد في أول مسند الكوفيين، مسند القبائل.

(7)

- المائدة: (90).

ص: 114

مضطراً إليه لينقله من جسم البائع إلى جسم المشتري المصاب بنزيف دموي فاحتجاجه غير صحيح لأن الآية في تحريم الأكل.

والخلاصة:

‌تحريم الخمر قطعياً بدلالة الكتاب والسنة والإجماع

.

شارب الخمر فاسق عاص مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب بل مرتكب لأم الكبائر.

يحرم التداوي بالخمر للأدلة العامة وللدليل الخاص الوارد في حديث (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ).

لا يوجد عالم من علماء المسلمين يفتي بجواز شرب الخمر للتداوي أبدًا.

إسعاف المصاب بنزيف دموي بدم سائل آخر مشروع من باب التعاون، لا مانع من تسليم قيمة الدم إن كان صاحبه يطلب ثمنه وكان معلوماً قدره غير مجهول لأن الضرورات تبيح المحظورات.

لم يصح الاحتجاج بهذه القاعدة للتداوي بالخمر لأن تحريم الخمر قطعي إجماعي لم يصح الاحتجاج بهذه القاعدة في باب التداوي بالخمر لأنه قد ورد في الموضوع حديث خاص في المنع.

‌تحريم شراء الدم لخزنه أو لغير ضرورة

س: في أحد المستشفيات يقوم موظف في بنك الدم بشراء الدم من شباب عاطلين عن العمل؟ ويبيعه للمرضى، فما حكم ذلك؟

جـ: شراء الدم لضرورة العلاج والإسعاف يجوز للضروة، لكن شراء الدم لخزنه لا يجوز لحديث (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ)

(1)

.

س: هل ورد نص بتحريم الدم؟

جـ: نعم، ورد نص بتحريم بيع الدم، هوحديث (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ).

‌جواز إعطاء المتبرع بدمه مكافأة

س: هل يجوز إعطاء من يتبرع بدم منه لمريض مكافأة؟

جـ: نعم، يجوز إعطاء من يتبرع بدم منه لمريض مكافأة غير مشروطة لمقابل تبرعه وليأخذ له مأكولات تعوض دمه لقوله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}

(2)

ولحديث (وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)

(3)

والمحرم هو بيع الدم بثمن معلوم متراض عليه، كأن يقول: قيمة الجرام مبلغ قدره كذا.

س: ما هو ثواب التبرع بالدم وهل يأخذ المتبرع جزاء على ذلك؟ وهل الحصول على الثمن أو الجزاء يلغي ثواب

(1)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (2227).

(2)

- الرحمن: آية (10)

(3)

- سنن النسائي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عمر رضي الله عنهما برقم (2520).

ص: 115

التبرع؟

جـ: إن من يتطوع بدمه إسعافاً لغيره ممن هو مضطر إلى الدم فيه ثواب عظيم لأنه داخل في باب التعاون على البر والتقوى المأموربه في قوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}

(1)

وفي عموم فضل من فرَّج على مسلم كربته فرج الله كربته يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)

(2)

أما بيعه أي الدم لا يجوز لأن الدم جزء من الآدمي وبيع الآدمي الحر نفسه لا يجوز لحديث (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ) ولا مانع من مكافأة المتبرع له للمتبرع مكارمه بعد أن يتطوع بدمه مكارمه له لقوله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} ولحديث (وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)

(3)

أما البيع والشراء فلا يجوز.

‌تحريم بيع عسب الفحل

س: ما حكم بيع عسب الفحل أي منى الحيوان الذي سينزو على الأنثى من نوعه لتحمل؟

جـ: هو حرام لوجوه:

الأول: أنه نجس. الثاني: أنه معدوم الثالث: أنه مجهول.

الرابع: للنهي عنه في حديث (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ)

(4)

.

‌جواز إعطاء مالك الحيوان الذكر الذي سينزو على الأنثى من نوعه مكافأة

س: هل يجوز إعطاء مالك الحيوان الذكر الذي سينزو على الأنثى من نوعه لتحمل مكافأة؟

جـ: نعم، يجوز إعطاء المالك مكافأة أو مكارمه غير مشروطة لقوله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}

(1)

- المائدة: آية (2)

(2)

صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. حديث رقم (4867) بلفظ (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

أخرجه الترمذي في الحدود، والبر والصلة، والعلم، والقراءات، وأبو داود في الصلاة، والأدب، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة.

أطراف الحديث: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار.

معاني الألفاظ: الكربة: الضيق والشدة والغم الذي يأخذ بالنفس.

الالتماس: البحث والطلب.

(3)

- سنن النسائي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عمر رضي الله عنهما برقم (2520).

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الإجارة: باب عسب الفحل. حديث رقم (2123) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ)

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد للحديث مكررات.

معاني الألفاظ: عسب: الماء وقيل أجرة الجماع.

ص: 116

ولحديث (وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)

(1)

وينبغي للإنسان أن يكافئ مالك الحيوان ليغذيه لكون الحيوان يضعف بخروج المني منه، والمنهي عنه هو الشرط أو البيع.

‌تحريم بيع الماء الخارج من عيون الأرض من ذات نفسه وجواز بيع الماء المحاز بنوع حيازة

س: ما حكم بيع الماء؟

جـ: بيع الماء فيه تفصيل:

الماء الذي يخرج من عيون الأرض من ذات نفسه في أرض غير مملوكة دون أن يقدم الشخص أيَّ عمل أو جهد أو تكلفه في إخراجه لا يجوز بيعه والناس شركاء فيه لحديث (الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ)

(2)

، أما إذ قد تعب الشخص في إخراجه من الأرض أو استأجر آلة لحفر الأرض وإخراجه، أو حازه بأيِّ نوع من أنواع الحيازة فإنه يجوز للحائز بيعه والتصرف فيه ولم يعد يصدق عليه حديث (الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ) والدليل على ذلك شراء (عثمان) رضي الله عنه لبئر اليهودي الذي كان في المدينة المنورة أيام النبي صلى الله عليه وسلم وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك في حديث (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ)

(3)

وبناء على ذلك فكل ماء تعب الرجل أو غرم في إخراجه أو اشتراه من رجل قد تعب أو غرم في إخراجه فإنه يجوز لمن حازه أو اشتراه بيعه وشراؤه.

‌جواز حيازة الكلأ المباح وجواز بيع الكلأ المحاز بنوع حيازة

س: ما حكم بيع الحطب (الكلأ)؟

جـ: الكلأ في الأرض المباحة غير المملوكة يجوز لكل واحد أن يحوزه وأن يتملكه، أما إذا قد حاز الكلأ شخص بأيِّ نوع من أنواع الحيازة بأن يقطعه أو يحمله على ظهره أو على ظهر حيوان أو سيارة أو جمعه وحازه فيجوز للحائز بيعه والتصرف فيه ويجوز للمشتري شراؤه ممن قد حازه بأيِّ نوع من أنواع الحيازة، والدليل على ذلك قصة الرجل الفقير الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو الفقر فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم إحضار ما معه من أشياء في

(1)

- سنن النسائي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عمر رضي الله عنهما برقم (2520).

(2)

- سنن أبي داود: كتاب البيوع: باب في منع الماء. حديث رقم (3477) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو خِدَاشٍ وَهَذَا لَفْظُ عَلِيٍّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا، أَسْمَعُهُ يَقُولُ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

(3)

- سنن الترمذي: كتاب المناقب: باب في مناقب عثمان بن عفان. حديث رقم (3703) بلفظ (عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمْ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ، قَالَ: فَجِيءَ بِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا جَمَلَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِمَارَانِ، قَالَ: فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي، فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مِنْ مَالِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالْحَضِيضِ قَالَ فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ اسْكُنْ ثَبِيرُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ ثَلَاثًا). حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (3703).

أخرجه النسائي في الأحباس.

معاني الألفاظ: أشرف: أطل.

أنشده بالله: سأله وأقسم عليه.

الركض: الضرب بالرجل أي الرفس

ص: 117

بيته فأحضرها فباعها الرسول صلى الله عليه وسلم بدرهمين وقال صلى الله عليه وسلم للرجل درهم اشتر به طعاماً لأهلك ودرهم اشتر به فأساً فاشترى الفأس وقال له اذهب إلى الجبل واحتطب منه وأنفق على نفسك وأهلك منه وبعه كما في حديث (أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ فَقَالَ: أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، قَالَ ائْتِنِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَهُ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ)

(1)

فيه دليل على جواز حيازة الحطب (الكلأ) وبيعه وأن الإنسان إذا قد تعب في حيازة الكلأ فقد صار ملكه ولا يحل لغيره تملكه لكون الناس شركاء في ثلاث في حديث (الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ).

‌فضل الماء المنهي عن منعه من الآخرين هو الخارج بدون بذل أيِّ سبب في إخراجه

س: ما معنى فضل الماء المنهي عن منعه من الآخرين؟

جـ: ما زاد عن حاجة الشخص من الماء الذي من عين تخرج من الأرض بدون أي سبب من الإنسان في إخراج الماء فلا يجوز له أن يمنع الآخرين منه لحديث (الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ)، أما ما قد حازه من المياه فيجوز له بيعه ومنعه ولم يعد الناس شركاء فيه.

س: ما معنى لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ؟

جـ: المراد به الماء المباح الذي لم يحوزه أحد والكلأ المباح الذي لم يحزه أحد لحديث (الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ).

الأصل في كل بيع استوفى شروطه الصحة

(1)

سنن أبي داود: كتاب الزكاة: باب ما تجوز فيه المسألة. حديث رقم (1640) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ فَقَالَ: أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، قَالَ ائْتِنِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَهُ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ) ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داوود برقم (641).

أخرجه الترمذي في البيوع عن رسول الله، والنسائي في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: الحلس: كساء يجلل ظهر الدابة. القعب: إناء.

القدوم: آلة للنجر والنحت. النكتة: الأثر أو النقطة.

الدقعاء: التراب ومدقع: شديد، أي سوء احتمال الفقر. المغرم: الدين الذي يعجز عن أدائه، ثقيل وكبير.

ص: 118

س: امرأة توفيت وليس لها إلا ابنتها فقط أرادت هذه المرأة بيع بعض أملاكها فاشترتها منها ابنتها الوحيدة بسعر المنطقة وبوجود الشهود والعدول والأمين، وتم استلام المبلغ كاملاً وأصبح البيع صحيحاً، وبعد موت هذه المرأة ادعى أولاد عمها بطلان البيع لأنه حيلة على الورثة، فهل هذا صحيح؟

جـ: الأصل في البيع والشراء الصحة، ومن ادعى أن البيع غير صحيح أو أنه حيلة على الورثة فعليه البرهان الشرعي الصحيح، وإلا فالأصل الصحة.

‌تحريم التحايل بإنقاص عدادات الكهرباء العامة

س: هل يجوز مغالطة عدادات الكهرباء لأن الكهرباء نار والناس شركاء في ثلاث، منها النار؟

جـ: لا يجوز للإنسان الاحتيال والمغالطة في إنقاص أرقام عدادات استهلاك الكهرباء لأن الكهرباء بشراء الآلة وتوظيف الموظفين عليها وإنفاق الأموال عليها قد أصبحت محازة، فلا يجوز التلاعب بالعدادات والتهرب من ثمنها.

‌معنى بيع حبل الحبلة بيع ما سيولد أو ما سيولد مما سيولد من أنثى الحيوانات

س: ما معنى حبل الحبلة؟

جـ: بيع ما سيولد من الناقة أو البقرة أو ما سيولد مما سيولد من الناقة، أو ما سينبت من الشجرة لحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة)

(1)

.

‌تحريم بيع حبل الحبلة والمنابذة والملامسة

س: ما حكم بيع حبل الحبلة وبيع المنابذة والملامسة؟

جـ: لا يجوز لما فيها من الغرر لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا)

(2)

و لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ)

(3)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب بيوع الغرر وحبل الحبلة. حديث رقم (2143) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في البيوع.

أطراف الحديث: السلم.

(2)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عمررضي الله عنهما برقم (2143).

(3)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب إبطال بيع الملامسة و المنابذة. حديث رقم (3780) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ).

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في البيوع.

أطراف الحديث: الصلاة، مواقيت الصلاة.

معاني الألفاظ: الملامسة: وجوب البيع حال لمس أحدهم سلعة الآخر.

المنابذة: بيع شيئين بأن يلقي كل منهما سلعته للآخر دون تفحصها.

ص: 119

‌بيع المنابذة إذا نبذ البائع السلعة إلى المشتري فقد تم البيع

س: ما معنى بيع المنابذة؟

جـ: هو قول البائع للمشتري إذا نبذت إليك السلعة فهي لك.

‌تحريم بيع الثمار قبل بدو صلاحها

س: هل يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها؟

جـ: لا يجوز لأنه منهي عنه في حديث (وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَأَنْ لَا تُبَاعَ إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلَّا الْعَرَايَا)

(1)

ولأن بيع الثمار قبل بدو صلاحها يؤدي إلى النزاع أو لكي لا تحصل جائحة فتهلكه قبل صلاحه وفي رواية (لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ قَالَ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ حُمْرَتُهُ وَصُفْرَتُهُ)

(2)

.

س: إذا اشترى رجل مزرعة بطاطا بعد أن جرَّب شجرتين فلما جنى البطاطا وجده ليس كله مثل العينة التي اشترى على أساس أن البطاط مثلها، فهل يعتبر بيع غرر؟

جـ: نعم يعتبر بيع غرر لأن البطاط تحت الأرض غير مرأي إلا إذا شرط البائع على المشتري أنه يشترى منه الحاصل وهو صغير وكبير ومتوسط.

‌تحريم أخذ ثمن الثمرة المباعة قبل بدو صلاحها إذا أهلكتها جائحة قبل صلاحها

س: من باع الثمر قبل بدو صلاحه فأهلكته جائحة، فهل يضمن المشتري؟

جـ: من باع الثمر قبل بدو صلاحه وذلك قبل أن تخضر أو تصفر الثمرة فجاءت جائحة فأهلكته فلا يجوز للبائع أخذ الثمن من المشتري لأنه يأخذ الثمن بدون مقابل لحديث (نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى يَزْهُوَ فَقُلْنَا لِأَنَسٍ مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟)

(3)

بخلاف بيع الثمرة بعد بدو صلاحها فيجب على المشتري قطع الثمرة من الشجرة قبل أن تأتي جائحة فتهلكه.

(1)

ـ صحيح البخاري: كتاب المساقاة: باب الرجل يكون له شرب أو ممر في حائط. حديث رقم (2189) بلفظ (عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَعَنْ الْمُزَابَنَةِ وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَأَنْ لَا تُبَاعَ إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلَّا الْعَرَايَا).

أخرجه مسلم في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: البيوع، النكاح.

(2)

ـ صحيح مسلم: كتاب البيوع: باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحها. حديث رقم (3843) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ قَالَ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ حُمْرَتُهُ وَصُفْرَتُهُ).

أخرجه البخاري في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في البيوع، والدارمي في البيوع

أطراف الحديث: البيوع.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع. باب بيع المخاضرة. حديث رقم (2208) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى يَزْهُوَ فَقُلْنَا لِأَنَسٍ مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع، الزكاة.

ص: 120

‌جواز بيع الثمار الناضجة التي قد ظهر صلاحها

س: هل يجوز بيع الثمرة الناضجة؟

جـ: إذا قد اسود لون العنب الأسود واصفر لون البرقوق واحمر لون البلح فيجوز بيعه، وإن كان لم يبد صلاحه فلا يجوز بيعه لأنه يؤدي إلى التنازع بين البائع والمشتري ولحديث (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ)

(1)

وفي رواية (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ، قَالَ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ حُمْرَتُهُ وَصُفْرَتُهُ)

(2)

.

‌تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمراً

س: ما معنى لا يجوز بيع العصير لمن يتخذه خمراً؟

جـ: المراد به العنب الذي يعصر ليصير خمراً، فسمي عصيرا باعتبار ما سيئول إليه، وهو مثل قوله تعالى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}

(3)

المراد أعصر زبيباً يؤول إلى خمر، أما إذا قد صار العنب خمراً فلا يعصر.

‌تحريم بيع السجائر

س: ما حكم بيع السجائر؟

جـ: من كان مذهبه أن السجائر محرَّمة فهو حرام لحديث (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار)

(4)

ومن كان مذهبه أنها مكروهة فهو مكروه، ومن كانت عنده جائزة فهو جائز.

س: ما حكم شرب الدخان (السيجارة)؟ وما حكم بيعه إذ أن كثيراً من الناس يتهاونون في هذا الأمر مع علمهم بأضراره الخطيرة؟

جـ: إذا كانت مضرة فكل مضر حرام لحديث (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار).

‌كراهة بيع وشرب الشيشة

س: ما حكم شرب الشيشة؟

جـ: شبهة من الشبهات، وفي الحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(5)

.

(1)

ـ صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث جابر رضي الله عنه برقم (2189).

(2)

ـ صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عمررضي الله عنهما برقم (3843).

(3)

يوسف: آية (36).

(4)

سنن ابن ماجة: كتاب الأحكام: باب من بنى في حقه ما يضر جاره. حديث رقم (2408) بلفظ (: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (909).

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

ص: 121

‌تحريم بيع الحيوانات المحنطة لأنها ميتة

س: هل يحرم بيع الحيوانات المحنطة؟

جـ: هي ميتة وبيع الميتة حرام.

‌جواز بيع العبيد والإماء

س: قلتم أن الإنسان لا يباع ولا يشترى، فما قولكم في بيع العبيد والإماء؟

جـ: العبيد والإماء وردت الأدلة المتواترة بجواز بيع العبيد والإماء منها حديث (وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ)

(1)

والعبد هو الذي يؤسر من دار الحرب في أيام الحرب سواء كان لونه أبيضاً أو أصفراً أو أسوداً أو غيره.

‌تحريم بيع المعدوم بالمعدوم

س: ما حكم ما يفعله الصرَّافون اليوم حيث يتصل الصراف تلفونياً بمن يبيع الدولار فيتفق معه على بيع مبلغ معين من الدولارات بثمن معين؟

جـ: هذا بيع معدوم بمعدوم فهما يتبايعان على شيء غير موجود فلا يجوز.

‌تحريم التفريق بين المحارم في بيع الإماء

س: حديث (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

(2)

هل هو مطلق أم يشترط أن يكون الولد صغيراً؟ وهل ينطبق على التفريق بين الحيوانات الأم وولدها أو المرتبطة بعضها ببعض؟

جـ: الحديث مطلق لا فرق بين والدة وولدها، ولا فرق بين أن يكون الولد صغيراً أم كبيراً، أما الحيوانات فلم يرد دليل، والأصل الجواز.

‌تحريم بيع لحم الحمر الأهلية

س: حديث (إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه) والحمار الوحشي هل ثمنه حرام؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المساقاة: باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط. حديث رقم (2379) بلفظ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في البيوع، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع، الشروط.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع عن رسول الله: باب ما جاء في كراهية الفرق بين الأخوين أو بين الوالدة وولدها في البيع. حديث رقم (1283) بلفظ (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1566).

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

أطراف الحديث: السير عن رسول الله.

ص: 122

جـ: الحمار الوحشي يؤكل، أما الحمار الإنسي فهو الذي يركب ولا يؤكل لحمه ولا يذبح لحديث (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ)

(1)

وحديث (أكْفِئُوا الْقُدُورَ فَلَا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا)

(2)

فهو لا يجوز أكله ولا ذبحه.

‌تحريم شراء الإنسان ما علم أو غلب على ظنه أنه مسروق

س: لقد كنت مغترباً في أمريكا وكنت أعمل في إحدى المحلات التجارية فكان يأتي إليً أشخاص أحياناً ببعض السلع ويبيعونها مني بما يساوي نصف قيمتها مما يدل على أن هذه السلع مسروقة ولو لم أقم بشرائها لباعوها من غيري، فهل شرائي لها جائز أو أنه لا يجوز؟

جـ: لايجوز شراء ما قد عرف الإنسان أنه مسروق أو غلب في ظنه بأنه مسروق لأنه تشجيع للسارق على السرقة وتعاون معه على الإثم والعدوان المحرَّم في قوله تعالى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

(3)

وكون الإنسان يخشى أن يبيعه البائع من غيره لا يصح أن يكون عذراً لشراء المسروقات.

س: هل يجوز شراء الأشياء المسروقة مثل التلفون السيار؟

جـ: لا يجوز لأنه تشجيع للسارق على السرقة وتعاون معه على الإثم والعدوان المحرَّم في قوله تعالى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

(4)

.

‌تحريم بيع وربح ما لم يضمنه البائع

س: هل يجوز للإنسان أن يربح ما لم يضمنه؟

جـ: لا يجوز للمشتري أن يبيع ويربح ما لم يضمنه لحديث (لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ)

(5)

لأنه إذا سُرق المبيع فلا يزال في ضمان البائع ولم يدخل في ملك المشتري

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الحديبية. حديث رقم (3855) بلفظ (عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ قَالَ: إِنِّي لَأُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ بِلُحُومِ الْحُمُرِ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ)

انفرد به البخاري.

لايوجد له مكررات.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب فرض الخمس: باب مايسيب من الطعام في أرض الحرب. حديث رقم (2922) بلفظ (حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما يَقُولُ: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا، فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَكْفِئُوا الْقُدُورَ فَلَا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقُلْنَا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ)

أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، والنسائي في الصيد والذبائح، وأبوداود في الخراج والإمارة، وابن ماجه في الذبائح، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

(3)

- المائدة: آية 2 -

(4)

- المائدة: آية 2 -

(5)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك. حديث رقم (1234) بلفظ (حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ حَتَّى ذَكَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1234).

أخرجه النسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: سلف وبيع: أي أن يقول: بعتك هذه السلعة بكذا على أن تقرضني كذا.

يضمن: أي يضمن المعتق حق شريكه إذا كان المعتق موسراً.

ص: 123

ولا في ضمانه.

‌كيفية التخلص من ربح بيع ما لم يدخل في ضمان البائع

س: ما العمل إذا قد باع المشتري ما لم يضمنه؟

جـ: العمل أن يسلم الربح للبائع الأول لأن المبيع لا يزال في ضمان البائع الأول لمخالفة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن في حديث (لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) ومن يبيع السلعة قبل أن تدخل في ملكه يعمل معصيتين في آن واحد.

الأولى: بيع ما لم يقبضه ولم يدخل في ملكه.

الثانية: ربح ما لم يضمن لأنه يربح مبيعاً لم يقبضه ولم يدخل في ملكه وضمانه، والتخلص من هذا الإثم يكون بالتوبة إلى الله تعالى لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(2)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(3)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(4)

وإعطاء الربح للبائع الأول الذي لا زال المبيع في ضمانه.

‌تحريم بيع ما ليس في ملك البائع

س: ما معنى بيع ما ليس عندك؟

جـ: المراد به، بيع ما لم يدخل في ملكك ولم يكن في ضمانك وليس المراد ما ليس عندك أي ما ليس موجوداً عندك وهو في ملكك وفي ضمانك، وإنما المراد النهي عن بيع ما ليس في ملك الإنسان أو في ضمانه لحديث

(1)

- التحريم: آية (8)

(2)

- البقرة: آية (222)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(4)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

ص: 124

(وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ).

‌تحريم بيع محرر العقود من مال غيره لنفسه بالثمن الذي يعينه هو

س: قسم بيننا أمين المحل وبعد القسمة أخذ الفصول عنده وقام بتعطيل بعض المواضع بائعاً لنفسه وعمل بها بصائر لنفسه عندما علمنا بذلك أخبرناه أنه إذا أراد الشراء يكون بثمن عدول لكنه رفض فأخبرناه أننا حاجرين له لكنه لم يلتزم، فهل شراؤه صحيح؟

جـ: لا يصح أن يبيع الإنسان من نفسه لنفسه إن صح ما ذكرتم وفي الحديث (من اقتطع شبرا من الأرض ظلما، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين)

(1)

وفي رواية (مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ)

(2)

.

‌صحة بيع الإنسان ما يملكه وتحريم إيذاء الولد لأبيه باعتراضه على بيعه

س: يوجد رجل متمتع بقواه العقلية ويقوم بجميع واجباته الشرعية وكان له ابن في الغربة أهمله ولم ينفق عليه وهو في المهجر ولما قام والده ببيع بعض ممتلكاته لحاجته، قال ابنه بعد عوده من المهجر بأن أباه مختل العقل وأنه لا يصح له لا بيع ولا شراء، فهل يصح للولد أن يلفق على أبيه هذه الدعوى أم لا؟

جـ: إنه إذا صح ما جاء في الاستفتاء فلا حق للولد المطالبة بما باع والده من أيِّ مشتر أشترى من والده لأن الوالد باع ما في ملكه وتحت تصرفه وباع بيعاً صحيحاً شرعياً صادراً من المالك الشرعي للمبيعات المذكورة في السؤال، وذلك بدعوى أن والده مجنون هذا هو الأمر الشرعي في القضية اللهم إلا إذا كان الوالد شريكاً لولده في بعض المبيعات المذكورة فإذا برهن بأن الولد ليس شريكاً له فالبيع نافذ للوالد وغير نافذ إن صح شريك لوالده، وإلا فلا حق له في المطالبة بالمشتري من والده، والأفضل أن تعرض القضية على القاضي الشرعي في المدينة ليعرف الحقيقة ويجري اللازم شرعاً.

‌وجوب إبطال المحكمة الشرعية كل بيع فيه حيلة على بعض الورثة

س: رجل معه ولد واحد وثلاث بنات فأراد حرمان البنات من الميراث فقام ببيع ماله من الولد، فهل بيعه صحيح؟

جـ: بيع الوالد المال من الولد حيلة لا يجوز وهو ظالم لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)

(3)

وإذا كان لا بد

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المظالم والغصب: باب إثم من ظلم شيئا من الأرض. حديث رقم (2452) بلفظ (عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من اقتطع شبرا من الأرض ظلما، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في الديات، وأحمد في مسند العشرة المشرين بالجنة، والدرامي في البيوع.

أطراف الحديث بدء الخلق.

معاني الألفاظ: اقتطع: أخذ بغير حق.

طوق: جعل طوقاً في عنقه.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب المظالم: باب إثم من ظلم شيئا من الأرض. حديث رقم (2454) بلفظ (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ).

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: بدء الخلق.

(3)

صحيح البخاري: كتاب الهبة: باب الإشهاد في الهبة. حديث رقم (2447) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ).

أخرحه مسلم في الهبات، والترمذي في الأحكام عن رسول الله، والنسائي في النحل، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.

أطراف الحديث: الهبة وفضلها والتحريض عليها، الشهادات.

ص: 125

من البيع يجب أن يكون بثمن الزمان والمكان وبتقويم عدلين، وهكذا الأب يبيع من الولد الذي ما زال صغيراً وليس يملك شيئاً يشتري به المال فهو حيلة باطلة والحاكم الشرعي سيبطل مثل هذا البيع إذا طالب أولاد البنات ببطلانه.

س: ما حكم بيع الرجل أمواله للزوجة الجديدة أو إعطاء أموال باسم البيع من أولاد الزوجة الثانية، فهل يأثم الأب بهذا؟ وهل يأثم كاتب البصائر والشهود؟

جـ: يأثم الأب لقوله تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ

يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}

(1)

وقوله تعالى {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}

(2)

ولحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)

(3)

ويأثم كاتب البصيرة لحديث (لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ)

(4)

وفي رواية (يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ)

(5)

وقد صارت قاعدة أن الرجل يحب المرأة الجديدة والصغيرة ويحب أولاده منها، وقد تطورت إلى الخلافة فهارون الرشيد حملته زوجته (زبيدة) بأن يجعل ولاية العهد لولدها المأمون وهو أصغر من الأمين، وكانت هذه سبباً في الحروب التي وقعت بينهما.

(1)

- الكهف: آية (29)

(2)

- الفرقان: آية (19)

(3)

صحيح البخاري: كتاب الهبة: باب الإشهاد في الهبة. حديث رقم (2447) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ).

أخرحه مسلم في الهبات، والترمذي في الأحكام عن رسول الله، والنسائي في النحل، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.

أطراف الحديث: الهبة وفضلها والتحريض عليها، الشهادات.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب لايشهد على شهادة جور. حديث رقم (2456) بلفظ (عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا، قَالَ: أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأُرَاهُ قَالَ: لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ، وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ)

أخرجه مسلم في الهبات، والترمذي في الأحكام، والنسائي في النحل، وأبوداود في البيوع، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.

(5)

- صحيح مسلم: كتاب الهبات: باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة. حديث رقم (3056) بلفظ (عَنْ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً، ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا وَهَبْتَ لِابْنِي، فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ)

أخرجه البخاري في الهبات وفضلها، والترمذي في الأحكام، والنسائي في النحل، وأبوداود في البيوع، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.

معاني الألفاظ: الجور: الظلم والميل عن الحق.

ص: 126

س: هل يجوز لرجل أن يبيع لزوجته الأخيرة واحداً من بيوته أم أن هذا البيع حيلة على بقية الورثة؟

جـ: بيع الرجل المسكن لزوجته الأخيرة صحيح إن عرف أن البيع وقع بثمن عدلين فكان مطابقاً لثمن الزمان والمكان ودفع الثمن في موقف البيع والشراء بالمعاينة والمشاهدة لا بالإقرار وكانت المرأة وارثة لهذا الثمن أو لما يباع بهذا الثمن أو كان لها دخل وإلا فالبيع غير صحيح لأن ما كان فيه حيلة فهو باطل وحرام لقوله تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ

يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}

(1)

ولحديث (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا)

(2)

ومثل هذا يلزم حضور الطرفين إلى القاضي الشرعي المولى في المنطقة وعليه أن يعرف الحقيقة ويطلع على البراهين فإن تقرر بالبرهان أن هناك حيلة مبطلة للبيع وإلا فالأصل الصحة أما مجرد الفتوى فلا يجدي لأن الطرف المنازع قد ينكر صحة الحيلة.

‌بطلان البيع إذا ظهرت الحيلة بشكل واضح وجلي

س: قام رجل فباع قطعتين من أرضه لزوجة ابنة وابنتها بثمن زهيد ورمزي فادعى الورثة أن هذا البيع من قبيل الاحتيال عليهم، فهل هذا البيع صحيح أم لا؟

جـ: إذا ظهرت الحيلة بدليل واضح فالبيع غير صحيح وإلا فهو صحيح لأن الأصل الصحة حتى يرد دليل على الحيلة، ومثل هذه القضية لا يستغنى عنه بالفتوى لا بد من عرضها على قاضي المنطقة لعمل اللازم.

‌وجوب تحري الصدق في البيع والشراء

س: أنا بائع مشتر أحياناً أقوم بشراء سلعة مع آخر وعندما يأتي إلى مرابح ويقول لي خذ لك خمسة آلاف ريال ربح وبعنيها بسعرها الحقيقي فأبيعها له بعشرة آلاف وفي نيتي أنها خمسة آلاف ربحي وخمسة آلاف ربح لشريكي الآخر علماً أني لا أخبره أن لي شريكا فيها، فهل عملي هذا صحيح أم لا؟

جـ: لا بد أن تخبره أن لك شريكا وأنها خمسة في خمسة، وبركة البيع تحصل وتتحقق بالصدق كما في حديث (البيعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعيهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)

(3)

.

(1)

- الكهف: آية (29)

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الصلة والبر والآداب: باب تحريم الظلم. حديث رقم (4674) بلفظ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تبارك وتعالى، أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)

أخرجه الترمذي في صفة القيامة والرقاق، وابن ماجه في الزهد، وأحمد في مسند الأنصار، والدارمي في الرقاق.

لايوجد مكررات.

معاني الألفاظ: الصعيد: الموضع المرتفع أو الموضع الواسع من الأرض.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع. حديث رقم (2110) بلفظ (عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: الخيار: حق فسخ العقد أو إمضائه.

ص: 127

‌جواز بيع السلع بسعرها القديم بعد ارتفاع سعرها

س: شخص اشترى سلاحا قبل زمن بسعر قليل والآن قد ارتفعت قيمته خمسة أضعاف جاء إليه مشترٍ فباع له السلاح بالسعر القديم لأنه لا يعلم أن قيمته قد تضاعفت بينما المشتري على علم بذلك، فهل هذا البيع صحيح أم أنه من باب الغبن والخداع؟

جـ: لا غبن على مكلف، وفي الحديث (البيعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعيهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما).

‌وجوب اشتراط دفع ثمن الزمان والمكان وتسليم الثمن يداً بيد لصحة بيع المرأة

س: أشترى رجل من والدته ما خصَّها من بعد زوجها قبل خمسه وثلاثين عاماً وأقرت بالبيع وقبض الثمن، وله ثلاثة أخوه ووقعت قسمه شرعية في ذلك الوقت، فما هو الحكم في ذلك المبيع؟

جـ: إن بيع المرأه من قريبها يشترط فيه حسب اختيار وزارة العدل واللجنة العليا ثلاثة شروط:

1 -

أن تكون المرأة حائزة للمبيع.

2 -

أن يكون الثمن ثمن الزمان والمكان.

3 -

أن يكون الثمن مسلماً يداً بيد لا بالإقرار.

وما دام قد مضى على مدة البيع مدة طويلة فالظاهر أن وزارة العدل لا تقبل مثل هذالدعوى.

‌جواز تملك المرأة ما تشتريه لها بمالها الخاص بها

س: أنا موظفة اشتريت من مالي الخاص قطعتي أرض والآن زوجي وأولادي يقولون: أنه ليس لي في أيِّ شيء ملك وإنما هي لهم، فما رأي الشرع في هذا؟ وهل للمرأة ذمة مالية مستقلة؟

جـ: إن صح ما قلتيه فالشراء لك وحدك إذا لم يشاركك أحد في قيمة المال المشترى وكنت أنت التي سلمتي الثمن كاملاً من خالص ملكك، والعبرة بالبرهان على صحة دعواك.

‌بطلان كتابة أمين منطقة بصيرة بيع بدون التأكد من مستندات البائع أو وكيله

س: إذا قام أمين المنطقة بكتابة بصيرة لشخص دون توكيل، فهل هذا ملزم أم أنه غير ملزم؟

جـ: إذا كتب أمين المحل هذه البصيرة بدون توكيل ولا مستندات فوجود هذه البصيرة وعدمها على السواء، ولا حق لأخيك في ذلك الشيء المكتوب، ولا يحق لأمين المحل أن يتعاطى تحرير شيء لا أصل له ولا مستندات، والواجب عرض القضية على المحكمة لإجراء اللازم، هذا إن صح ما قلته عن الأمين، وإلا فالمسألة متوقفة على البراهين.

ص: 128

‌معنى بيعتين في بيعة هو قول البائع بعتك كذا على أن تبيعني كذا

س: ما معنى بيعتين في بيعة في حديث (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ)

(1)

؟

جـ: يمكن أن يفسر بأن يقول البائع بعتك بيتي على أن تبيعني بيتك أو بعتك سيارتي على أن تبيعني بيتك أو تبيعني سيارتك أو تشتري مني كذا، يمكن أن يحمل الحديث على هذا.

‌ضمان البائع إذا هلك المبيع المستثنى تحت يديه بسبب جنايته أو تفريطه

س: إذا استثنى البائع الركوب إلى مكان معين فهلكت السيارة، فهل يضمن البائع؟

جـ: نعم، يضمن لأنه أصبح وديعاً، وأما المالك فقد أصبح مالك المشترى، فإذا جنى أو فرط فيضمن. لأن الوديع يضمن إذا جنى أو فرط لحديث (العارية مؤداه)

(2)

وحديث (أدِّ الأمانة إلى من إئتمنك)

(3)

، أما إذا هلكت بدون جناية أو تفريط منه فلا يضمن.

‌كراهة تسعير السلع

س: ما هو دليل تحريم التسعير مع أن في الحديث امتناعه صلى الله عليه وسلم عن التسعير فقط ولم يحرم؟

جـ: ما دام وقد امتنع صلى الله عليه وسلم عن التسعير فامتناعه دليل للمانعين من التسعير، وخصوصاً أنه قال صلى الله عليه وسلم معللاً امتناعه (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ)

(4)

.

‌جواز الاستثناء المعلوم في المبيع وتحريم الاستثناء المجهول في المبيع

س: ما حكم من باع مزرعة واستثنى منها بعض الأشجار؟

جـ: لا يخلو الاستثناء إما أن يكون معلوماً محدداً فهو جائز، وإن كان غير معلوم ولا محدد فهو لا يجوز لأن فيه جهالة والجهالة تؤدي إلى التنازع، مثل أن يستثني اللبنة المحددة بكذا وكذا أو الشجرة الفلانية المحددة بكذا وكذا فهذا الاستثناء جائز لأنه معلوم، وكذلك استثناء بقالة في البيت المبيع شهراً فهذا جائز لأن جابراً استثنى

(1)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ماجاء في النهي عن بيعتين في بيعة. حديث رقم (1153) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ)

أخرجه النسائي في البيوع.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: النسيئة: البيع إلى أجل معلوم.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ما جاء أن العارية مؤداة. حديث رقم (1265) بلفظ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: فِي الْخُطْبَةِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ) صححه الألباني في صحيح الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه أبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام.

أطراف الحديث: الوصا

معاني الألفاظ: مؤداة: تعاد إلى صاحبها من غير ضمان.

الزعيم: الكفيل.

غارم: ضامن.

(3)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ما جاء في النهي للمسلم أن يدفع للذمي الخمر. حديث رقم (1264) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) صححه الألباني في صحيح الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه أبو داود في البيوع، والدارمي في البيوع.

(4)

سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ما جاء في التسعير. حديث رقم (1314) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1314).

أخرجه أبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.

ص: 129

ركوبه على الجمل إلى المدينة كمافي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ فَسَارَ بِسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ، قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ فَبِعْتُهُ فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي قَالَ: مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ فَهُوَ مَالُكَ)

(1)

. أما استثناء المجهول فهو مثل أن يستثني مدة غير محددة أو مساقه غير معينة فهذا لا يجوز لحديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَعَنْ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ)

(2)

.

س: كيف يجمع بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستثناء وبين استثنائه ظهر جمل جابر بن عبد الله رضي الله عنه؟

جـ: جمع العلماء بين الحديثين أن الاستثناء المنهي عنه هو الذي فيه جهالة والاستثناء الجائز هو الاستثناء المعلوم.

‌جواز البيع بالمزاد العلني أو "الحراج

"

س: ما قولكم في البيع بالمزاد العلني أو (الحراج)، وهل هناك مذاهب تجوِّزه؟

جـ: المذاهب الإسلامية كلها جوَّزت البيع بالمزاد العلني أو (الحراج) ودليلهم بيع النبي صلى الله عليه وسلم متاع الرجل الفقير الذي جاء يسأل الناس وباع النبي متاعه بالمزاد العلني واشترى له فأساً ليحتطب به ويأكل من ثمن الحطب، لفظه (أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ فَقَالَ: أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، قَالَ ائْتِنِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَهُ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ)

(3)

في هذا الحديث دليل على جواز البيع بالمزاد العلني.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الشروط: باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز. حديث رقم (2718) بلفظ (حَدَّثَنِي جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ فَسَارَ بِسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ، قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ فَبِعْتُهُ فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي قَالَ: مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ فَهُوَ مَالُكَ).

أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، والترمذي في النكاح، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

- سنن النسائي: كتاب البيوع: باب النهي عن الثنيا إلا أن تعلم. حديث رقم (4647) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَعَنْ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ) صححه الألباني في صحيح النسائي بنفس الرقم.

أخرجه البخاري في البيوع، ومسلم في البيوع، والترمذي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: المحاقلة: بيع الطعام في سنبله بالقمح.

المزابنة: بيع ثمر النخل بالتمر، وبيع العنب بالزبيب كيلاً.

المخابرة: زراعة أرض الغير على أن يكون الأجر بعض محصولها.

الثنيا: هي استثناء شيئ مجهول في عقد البيع.

(3)

سنن أبي داود: كتاب الزكاة: باب ما تجوز فيه المسألة. حديث رقم (1640) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ فَقَالَ: أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، قَالَ ائْتِنِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَهُ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ) ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داوود برقم (641).

أخرجه الترمذي في البيوع عن رسول الله، والنسائي في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: الحلس: كساء يجلل ظهر الدابة. القعب: إناء. القدوم: آلة للنجر والنحت. النكتة: الأثر أو النقطة.

الدقعاء: التراب ومدقع: شديد، أي سوء احتمال الفقر. المغرم: الدين الذي يعجز عن أدائه، ثقيل وكبير.

ص: 130

‌تحريم البيع على البيع

س: إذا أراد رجل بيع قطعة أرض فقومها العدلان المختاران فذهب يلزم المشتري بإحضار النقود فما رجع حتى فوجئ بزيادة في ثمنها أفتوني مأجورين؟

جـ: البيع على البيع حرام شرعاً وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع على البيع في غير بيع المزايدة وهو بيع (الحراج) وبناء على ذلك فالمشتري الأخير آثم لحديث (وَلَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ)

(1)

وفي رواية (لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ)

(2)

وفي رواية (لَا يَسُمْ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ)

(3)

والشراء نافذ مع البيع، أما بيع (الحراج) فقد ورد دليل على جوازه، كما ورد في الفقه وشرَّاح كتب السنة رحمهم الله.

‌صحة بيع الأب لأحد أبنائه بسعر الزمان والمكان

س: ما حكم البيع الشرعي من الأب لأحد أولاده بيع شرعي موثق بسعر محدد وبصيرة شرعية؟

جـ: لا مانع إذا كان الأولاد حاضرين ولا يريدون الشراء، أما إذا كانوا كلهم يريدون الشراء فلكل واحد أن يشتري ويكونون شركاء في الملك لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)

(4)

، ويكون الثمن بسعر الزمان والمكان ويسلم الثمن في الموقف بالمعاينة والمشاهدة.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه. حديث رقم (2140) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، النكاح.

معاني الألفاظ: التناجش: الزيادة في ثمن السلعة لخداع الآخر.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب النهي عن تلقي الركبان وأن بيعه مردود. حديث رقم (2165) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في البيوع، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، النكاح.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب النكاح: باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن. حديث رقم (3798) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَا يَسُمْ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَتِهِ).

أخرجه البخاري في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، النكاح.

(4)

صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه برقم (2447).

ص: 131

‌جواز بيع الشيء الغائب إذا كان معلوماً محدداً

س: هل يجوز بيع الشيء الغائب مع كونه معلوماً محدوداً؟

جـ: يجوز لأنه قد أصبح معلوماً محدداً.

‌وجوب تعيين الثمن لصحة البيع

س: نشتري السيارة بمبلغ خمسمائة ألف ريال ثم نبيعها بدون ذكر الثمن في العقد إنما بقول الثمن المتفق عليه حتى نبيعها بما يناسبنا من سعر، هل هذا جائز؟

جـ: لا يصح البيع بلا تعيين الثمن.

‌جواز بيع التقسيط عند الشافعي والشوكاني

س: ما حكم بيع التقسيط وهو بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل الأجل في تسليم الثمن؟

جـ: هي مسألة خلافية بين العلماء، فعند الهادوية: لا يجوز بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النسأ، ومن العلماء من قال بجوازه وهذا هو مذهب الشافعي ووافقه الشوكاني على ذلك.

س: ما معنى خيار المجلس في عقد البيع؟

جـ: هذه مسألة علمية ومعركة علمية بين العلماء،

مذهب المالكية والشوكاني: أن الخيار بينهما ما داما جالسين في المجلس ولم يفترقا تفرق أبدان لحديث (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)

(1)

ولحديث (الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ)

(2)

، حتى لو كانا تبايعا في طائرة أو على سيارة أو في سفينة مهما ظلا في السيارة أو الطيارة أو السفينة من الساعات فإن لهما خيار المجلس لأنه يصدق عليهما أنهما لم يفترقا، ولذا قالوا: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا اشترى شيئاً أعجبه يقوم من المجلس ويخرج إلى خارج المجلس لكي يتم البيع ولا يبقى مجالاً للفسخ، فمن اشترى شيئاً فقام من المجلس إلى خارج المكان الذي تم فيه البيع فإذا أراد الآخر فسخ العقد بحجة خيار المجلس فإنه لا يفسخ لأنهما قد تفرقا تفرق أبدان، أما عند علماء الهادوية والحنفية فإن المراد بالتفرق تفرق أقوال لا أبدان فيتم عقد البيع بمجرد الانتهاء من البيع بتسليم الثمن وقبض المبيع حتى ولو لم يتفرقا تفرق

(1)

صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع. حديث رقم (1976) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في البيوع عن رسول الله، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: الخيار: حق فسخ العقد أو إمضائه.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. حديث رقم (2111) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في البيوع.

معاني الألفاظ: الخيار: حق فسخ العقد أو إمضائه.

بيع الخيار: على امتداد مدة الخيار إلى ما بعد التفرق.

ص: 132

أبدان، والعمل الآن في المحاكم الشرعية في الجمهورية اليمنية هو بمذهب الهادوية والحنفية، علماً أنه قد ورد النهي عن مفارقة أحد الطرفين للآخر حيلة لإسقاط الخيار في حديث (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ)

(1)

، وما روى عن ابن عمر رضي الله عنه محمولاً على أنه لم يبلغه النهي.

‌جواز اشتراط الخيار في البيع

س: ما معنى حديث (إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ)

(2)

؟ هل هو خاص بالصحابي الذي أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم أم أنه يصلح لكل مسلم؟

جـ: بعض العلماء قالوا: هو خاص بالصحابي الذي كان يخدع في البيوع، وبعض العلماء قالوا: هو لكل إنسان فله أن يشتري ويشترط الخيار، فإن رضي البائع بالخيار فله الخيار وإن شرط البائع على المشتري عدم الخيار فلا خيار.

‌جواز السعاية وتقدر بقدر العمل ولا تكون نسبة معينة في المبيع

س: ما رأيكم في السعاية التي تؤخذ في البيع والشراء؟

جـ: السعاية جائزة لأنها أجرة عمل ولكن تكون بقدر العمل، وتقدر بقدر العمل ولا ينبغي أن تكون نسبة معينة في المبيع لأن السعاية أجرة عمل ويجب أن تقدر بقدر العمل والتعب، ففي بعض الأحوال يكون العمل كبيراً وفي بعضها الآخر يكون العمل قليلاً.

‌جواز الربح في البيع والشراء بقدر العمل وتكلفته وكراهة المبالغة في الربح

س: هل الربح في البيع محدد في الشرع أم أنه غير محدد؟

جـ: اعلم أن الربح الحلال غير محدد والربح الحرام غير محدد ولكن الربح يكون بقدر ما عمله التاجر وبقدر خدمته وتكلفته، وأن الزيادة في الربح على قدر التكاليف من باب الطمع.

‌جواز توحيد سعر السلعة وبيعها لجميع المشترين بسعر واحد

س: هل يجوز للبائع أن يبيع سلعة لزبون بسعر ولزبون آخر بسعر آخر أم يجب عليه توحيد الأسعار لجميع الزبائن؟

(1)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ماجاء في البيعين بالخيار مالم يتفرقا. حديث رقم (1168) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) قال عنه الألباني في صحيح الترمذي بأنه (حسن صحيح).

أخرجه النسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الخيار: حق فسخ البيع أو إمضائه.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الخصومات: باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه. حديث رقم (2414) بلفظ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ كَانَ رَجُلٌ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ فَكَانَ يَقُولُهُ).

أخرجه مسلم في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع، الاستقراض وأداء الديون.

معاني الألفاظ: الخلابة: الخديعة.

ص: 133

جـ: لا مانع مهما رضي كل مشتر بالثمن لقوله تعالى {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه) إلا إذا قال: له لا تبع مني إلا بسعر ما بعت من الناس، فلا ينبغي له أن يبيع منه إلا بالسعر الذي باع به للناس.

‌جواز شراء وسكن بيت مبني من أموال محرمة إذا لم يعمل عمل أهل المعاصي

س: قال سائل بأنه اشترى منزل من أناس كانوا يظلمون الناس ويسرقون أموالهم ويتركون الصلاة المكتوبة وأنه يرغب أن يسكن فيه لولا أنه يخالجه شك في ذلك والله تعالى يقول {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ}

(1)

أفيدونا في ذلك؟

جـ: لا مانع من سكن البيت إذا كان الساكن فيه لا يعمل مثل عمل الذين سكنوا من قبله وظلموا الناس أو ظلموا أنفسهم، وهذه الآية لا تشمل ما جاء في السؤال.

‌عدم نفاذ بيع الفضولي إلا إذا أجازه المالك

س: سائل يقول بأن والده باع ميراث والدته المتوفاة لخاله وهو صغير لم يبلغ رشده ولم يوكله أحد من ورثتها أو يجيز هذا البيع، فهل يحق له أن يقوم باسترجاع هذا المال المباع بطريقة لا تثير عليه غضب والده؟

جـ: اعلم بأن هذا البيع من والدك عمن كان مكلفاً من الورثة لا ينفذ إلا إذا كان بوكالة من المكلفين أو بإجازة منهم له، أما إذا لم يكن أحد من المكلفين قد وكله أو أجاز البيع فالبيع غير صحيح والبيع عن القاصر الذي لم يبلغ لا يكون إلا للإنفاق على القاصر أو لمصلحة القاصر وتعويضه بما هو أحسن أو بعدم حصول مصلحة للقاصر في بقائه إذا كان سيعوض بما هو أحسن، أما إذا كان لا للإنفاق على القاصر ولا لمصلحة ولا حصل تعويض فالبيع غير نافذ، والدعوى ستكون على المشتري الباسط على الأرض لدى الحاكم المتولي في المنطقة الذي سيعرف الحقيقة ويجري اللازم شرعاً بموجب الأدلة والبراهين.

‌تحريم البيع والشراء حال الخطبتين وصلاة الجمعة

س: ما حكم البيع والشراء أثناء خطبة وصلاة الجمعة، وما حكم الكسب الناتج عن هذا التعامل؟

جـ: البيع والشراء حال خطبتي الجمعة والصلاة حرام بنص قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ

تَعْلَمُونَ}

(2)

، ولا يجوز لأحد من المسلمين المكلفين الأحرار الذكور ممن لم يكن مريضاً ولا مسافراً أن يشتغل بالبيع والشراء في وقت الخطبتين أو الصلاة، ومن اشتغل بالبيع والشراء فهو آثم لأن القرآن أمر بترك البيع في قوله تعالى {وَذَرُوا} والأمر للوجوب، ومن ترك الواجب فهو آثم، أما عقد البيع والشراء وأخذ المشتري المبيع وإعطاء البائع الثمن فليس بباطل لكن الطرفين مشتركان في الإثم البائع والمشتري كلاهما قد تركا أمر الله وراء ظهورهما، فانا لله وإنا إليه راجعون ولا بورك لهما فيما كسبا ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(1)

إبراهيم: آية (45).

(2)

- الجمعة: آية (9)

ص: 134

‌وجوب بيان العيب في المبيع

س: اشتريت سيارة فبعتها ووجدت فيها خللا صغيرا ولم أعلم المشتري بذلك، فهل يعتبر هذا غش؟

جـ: كان الواجب أن تخبره بالعيب خشية من الدخول في حديث (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا)

(1)

وعملا بحديث (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)

(2)

وحديث (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)

(3)

ويجب عليك التوبة والاستغفار إذا لم يوجد الغريم، وإذا كان الغريم موجوداً فيجب أن تطلب منه العفو أو تسلم له ما يقابل العيب.

‌تحريم بيع أحد الورثة من أموال التركة قبل القسمة ولا يصح البيع في ذلك

س: رجل توفت زوجته ولها أموال وله ولد وبنتان، قام هذا الرجل ببيع أموال منها قبل قسمته ولم يجزه الورثة، فهل هذا جائز؟

جـ: لا يجوز البيع ولا يصح للزوج البيع من المال قبل قسمته.

‌تحريم طلب بائع أو ورثته زيادة في ثمن مبيع قد تم البيع فيه

س: رجل قام ببيع قطعة أرض واستلم قيمتها كاملة قبل (39) سنة، وبقيت الأرض عند البائع كشرك ثم توفي البائع والمشتري، وبعد فترة طلب أولاد المشتري من أولاد البائع تسليم الأرض إليهم وأولاد البائع يطلبون قيمتها من جديد ويسمونها نقيصة، فما الحكم؟

جـ: الأرض لأولاد المشتري، وأولاد البائع أجراء عند أولاد المشتري، هذا هو الأمر الشرعي.

‌صحة بيع الرجل لابن ابنه بسعر الزمان والمكان

س: رجل قام ببيع أرض لابن ابنه مقابل خمسة عشر ألف ريال ولم يعلم عم الولد بالبيع إلا بعد الموت، فهل يصح أن يدفع نصف المبلغ لابن أخيه ويأخذ نصيبه من الأرض؟

جـ: البيع والشراء إن صح ما ذكرتم صحيح، ولا يجوز لأحد المشاركة.

(1)

صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب قول النبي من غشنا فليس منا. حديث رقم (146) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا).

أخرجه ابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحبه لبفسه. حديث رقم (12) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في صفة القيامة والرقاق، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وابن ماجه في المقدمة، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في الرقاق.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: لايؤمن: لايكتمل إيمانه.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع. حديث رقم (2110) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: الخيار: حق فسخ العقد أو إمضائه.

ص: 135

‌تحريم البيع والشراء في عملة نقدية قد بطل التعامل بها

س: هل يجوز البيع والشراء بالعملة الملغية وبدلت بعملة جديدة حيث والملغية تباع وتشترى بأقل من الجديدة بكثير؟

جـ: لا يجوز البيع والشراء في عملة قد بطلت.

‌جواز بيع البائع إلى مقابل خدمة

س: بنى جدى بركة ماء وباعها لي بيعاً شرعياً عند الأمين وجعل ثمنها مقابل خدمته في الماضي والمستقبل، فهل يعتبر البيع صحيحا؟ وهل يلزم إجازة الورثة أم لا؟

جـ: الظاهر صحة البيع، ومن ادعى أنه باطل فعليه البرهان لأنه يدعي خلاف الظاهر، ولا حاجة لإجازة الورثة.

‌اشتراط التوكيل قبل البيع أو الإجازة بعد البيع في صحة البيع عن الغير

س: والدي شيخ كبير السن مقعد له خمسة أولاد يقوم أخي الأكبر بالتصرف والبيع من حق الوالد دون الرجوع إلى الوالد أو الإخوة، فما حكم تصرفاته؟

جـ: لا بد في صحة البيع عن الغير وفي ملك الغير من التوكيل من صاحب الحق قبل البيع أو الإجازة بعد البيع، وإلا فالبيع غير صحيح.

‌تحريم احتكار أقوات الناس

س: ما رأي الدين فيمن يحتكر أقوات الناس بوسائل غير شرعية؟ وهل يدخل ضمن الآية الكريمة {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

(1)

؟

جـ: الاحتكار حرام، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ)

(2)

الخاطئ: هو المذنب لأنه مشتق من الخطيئة فالاحتكار حرام لأنه معصية وخطيئة ولا سيما في السلع التي يحتاجها الناس كالمواد الغذائية والغاز والبترول والديزل ومواد البناء والعلاج ونحوها، وكذا المغالاة في الأسعار حرام لأن فيها إضرار بالناس وقد جاء في الحديث المرفوع (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)

(3)

والحديث صحيح بهذا اللفظ، ولولي الأمر تأديب من يضر الناس بالاحتكار أو المغالاة أو بهما معاً، بأيِّ نوع من أنواع التأديب وعلى الصفة التي يراها، وأما أن المحتكر والمغالي داخلان في عموم آية المحاربين المذكورة في السؤال فتجري عليه الدولة حد المحارب من القتل ونحوه فلا أظنه داخلاً في عموم هذه الآية الكريمة، ولا يسمى المحتكر محارباً لله ولرسوله ولا يعد من الساعين في الأرض فساداً.

(1)

المائدة: آية (33).

(2)

- صحيح مسلم: كتاب المساقاة: باب تحريم الاحتكار في الأقوات. حديث رقم (3013) بلفظ (عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ).

أخرجه الترمذي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: المساقاة.

معاني الألفاظ: الاحتكار: إمساك السلعة وعدم بيعها حتى يرتفع ثمنها.

(3)

- سنن ابن ماجة: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه برقم (2340)

ص: 136

‌جواز أخذ العمولة من التاجر البائع إذا لم يكن في أخذها خيانة المشتري

س: موظف أرسلته جهة عمله لشراء أشياء أو لعقد صفقة وقد أعطته الجهة المرسل إليها عمولة مع العلم أنه لم يتواطأ مع الجهة المرسل إليها، وأن البضاعة المباعة ذات جودة عالية، فما رأيكم في هذه العمولة؟

جـ: إذا كان ليس في أخذه هذه العمولة خيانة للمؤسسة ولا تفريط ولا تساهل فالظاهر الإباحة وإلا فلا لقوله تعالى {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}

(1)

وقوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}

(2)

.

‌تحريم الكذب في بيان سعر السلعة أو قدر الربح في البيع والشراء

س: أنا أقول للزبائن يعلم الله أن هذا لا يخارجني ولا أربح فيه مع أني رابح مبلغ أكثر من الربع؟

جـ: هذا القول لا يجوز لحديث (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) ولحديث (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ)

(3)

.

‌تحريم الشراء من دولة تشجع على سب الرسول صلى الله عليه وسلم

س: هل يجوز شراء العلاج الدانماركي كون الدنمارك هي دولة من ضمن الدول التي تشجع على سب الرسول صلى الله عليه وسلم؟

جـ: لا يجوز لقوله تعالى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(4)

.

(1)

- القصص: آية (26)

(2)

- المؤمنون: آية (8)

(3)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ماجاء في التجار وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (1120) بلفظ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي برقم (1209).

لايوجد له مكررات.

أخرجه الدارمي في البيوع.

(4)

- الممتحنة: آية (9)

ص: 137

الباب الثاني: الربا

• الربا لايكون إلا في الأصناف الستة المنصوص عليها

• وجوب التخلص من الأرباح الربوية بصرفها في وجه خير

• اشتراط رد القرض بزيادة نسبة معلومة

• شبهة العمل في البنوك الربوية

• ربح البنوك الإسلامية من باب المضاربة الشرعية

• كل بنك ليس فيه قرض جر منفعة فهو جائز

• الأولى التخلص من ربح الأموال المودعة في البنوك الربوية بصرفه في أيِّ مصرف لأنه حرام

• بيع الرديء بفلوس وشراء من جنسه جيداً بفلوس ولا يجوز بيع الرديء بالجيد مع زياد

• تحريم بيع الجنس بجنسه متفاضلاً ولو مع غيره

• لا يجوز بيع الذهب مخلوطاً بغيره بذهب خالص

• تحريم بيع التمر بالرطب إلا لأهل العرايا

• وجوب التساوي في الوزن أو الكيل في بيع العنب والزبيب

• تحريم بيع مكيل بموزون من جنس ربوي

• عدم جواز بيع اللحم بالحيوان خشية عدم التساوي

• جواز بيع الحيوان بالحيوان

• الذهب المحلي وغير المحلي سواء في تحريم بيعه بجنسه متفاصلاً

• جواز بيع الذهب بالفضة أو العكس إذا كان يداً بيد

• جواز بيع سيارة بسيارة أخرى

• جواز رد القرض زائداً أو من نوع جيد إذا كان بدون اشتراط المقرض

• تحريم بيع العينة لكونه رباً

• التفاضل في تبادل الذهب لا يكون ربا الا في حالة البيع والشراء

• تحريم اقتراض الدول الإسلامية من جهات دولية بفوائد ربوية

• تحريم أخذ القرض الربوي في كل الحالات

• تحريم ما يسمى بأذونات الخزانة كونها ربا

• جواز العمل في البنك الإسلامي وتحريمه في البنك الربوي

• جواز أخذ أرباح المال الربوي وصرفها في مصلحة عامة أو في أوجه الخير

ص: 138

‌الباب الثاني: الربا

‌الربا لا يكون إلا في الأصناف الستة المنصوص عليها

س: ما هو خلاف العلماء في علة الربا؟

جـ: علماء الظاهر والمقبلي قالوا: إن الربا لا يكون إلا في الأصناف الستة المنصوص عليها في حديث (إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى)

(1)

وفي رواية (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)

(2)

ولا يكون في غيرها لأن العلة لم ينص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، أما جمهور العلماء فهم يقولون بأنه يقاس على الستة الأصناف ما يماثلها، ولكنهم اختلفوا في العلة ما هي؟ فبعضهم قال: العلة هي الكيل، وبعضهم قال: الطعم، وبضعهم قال: الاقتيات، وبعضهم قال: الوزن، وبعضهم قال: العدد.

س: ما هي العلة في تحريم الربا في النقود؟

جـ: العدد، لأن الدنانير كانت تأتي للعرب في أيام الجاهلية من بلاد الفرس، والدراهم الفضية كانت تأتي للعرب قبل الإسلام من بلاد الروم، وحينما جاء الإسلام لم يكن للعرب عملة خاصة متميزة والإسلام في أول الأمر لم يكن له عملة خاصة به وإنما كان المسلمون يتعاملون بالدنانير الواصلة من بلاد الفرس والدراهم الواصلة من بلاد الروم، وكانت الدراهم والدنانير عند العرب قليلة، وكانوا يتعاملون بالحيوانات الدية مائة رأس من الإبل، أو مائتا رأس من البقر، أو ألف رأس من الشياة، لأن الحيوانات كانت كثيرة في بلاد العرب بينما كان الذهب والفضة قليلان، و بعد الفتوحات الإسلامية حينما فتحت بلاد الفرس وبلاد الروم وجدت الدراهم والدنانير بكثرة واتسع التعامل بها لأنه لم يكن للإسلام ضريبة دولية خاصة بهم، وظل التعامل بعملة الفرس والروم إلى أيام الخليفة

(1)

- صحيح مسلم: كتاب المساقاة: باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً. حديث رقم (4037) بلفظ (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ فَجَاءَ أَبُو الْأَشْعَثِ قَالَ: قَالُوا: أَبُو الْأَشْعَثِ أَبُو الْأَشْعَثِ فَجَلَسَ فَقُلْتُ لَهُ حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أَعْطِيَاتِ النَّاسِ فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى، فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ، فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ، ثُمَّ قَالَ: لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ أَوْ قَالَ وَإِنْ رَغِمَ، مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ).

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: أعطيات: يوم اجتماع الناس لأخذ عطاياهم من الغنائم.

البُرّ: القمح.

أربى: فعل الربا المحرم.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب المساقاة: باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً. حديث رقم (4038) بلفظ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ).

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في البيوع.

ص: 139

الأموي (عبد الملك بن مروان) فهو أول من ضرب العملة الإسلامية الدولية ومن حينها صار للمسلمين عملة إسلامية يتعامل بها، أما ما يوجد في بعض المتاحف من وجود عملة مكتوب عليها (خالد بن الوليد) أو غيره فإنما هي عملات محلية مثل العملات التي توجد الآن للتعامل بها بين أبناء القطر الواحد، كالأفلاس في اليمن أو الهلل في السعودية، أو نحوها من العملات التي لا يتجاوز التعامل بها بين أبناء القطر الواحد، قال بعض العلماء: إن العلة في الذهب والفضة هو العدد، فإذا كانت العلة العدد فلا يجوز التفاضل فيما يباع بالعد كالجوز في صنعاء فإنه يباع بالعدد.

‌وجوب التخلص من الأرباح الربوية بصرفها في وجه خير

س: ورثت بعد أبي مائة وسبعين ألف ريالاً ثم أودعتها في بنك خوفاً من تبديدها وعندما أخذتها أعطوني ثلاثمائة وستين ألف ريال أرباحا، فما حكم هذه الزيادة؟ علماً أن لي ولد فقير ليس له معاش ولا بيت وله تسعة أولاد وهو فقير وأنا مديونة، فهل يجوز لي أخذها وإعطاؤها في ابني وقضاء ديوني أم لا؟

جـ: الزيادة حرام، وتخلصي منها تخلصاً وليس بصدقة لحديث (لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ)

(1)

، وقولي له أنه من باب التخلص فقط ليقبله إن شاء أو لا يقبله.

س: كيف أتخلص من الفوائد الربوية شرعاً؟

جـ: اعمل بها محسنة، أي صدقة جارية.

‌اشتراط رد القرض بزيادة نسبة معلومة

س: ما هي المخالفات الشرعية في البنوك الربوية؟

جـ: خلاصتها كل قرض جر منفعة فهو ربا، ومن يريد التفاصيل فليأخذ المؤلفات الخاصة بالبنوك الشرعية والمؤلفات الخاصة بالبنوك الربوية ويطلع عليها ليعرف ما قاله العلماء بالتفصيل.

‌شبهة العمل في البنوك الربوية

س: هل العمل في البنوك الربوية حرام علماً أن حالنا ضعيف ولا يوجد لنا عمل غيره ونحن متحملون أسرة والتزامات؟

جـ: لا أستطيع الجواب بالمنع أو بالجواز بالعمل في البنك، ولكن كل واحد يستخير الله ويعمل بما يلهمه الله، وكل واحد يفتي نفسه، وفي الحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(2)

.

(1)

صحيح مسلم: كتاب الطهارة: باب وجوب الطهارة للصلاة. حديث رقم (224) بلفظ (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لِي يَا ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ، وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ).

معاني الألفاظ: الغلول: ما يؤخذ من الغنيمة خفية قبل قسمتها أو من المال العام على جهة التكتم والتحيل.

أخرجه الترمذي، وابن ماجة في الطهارة وسننها، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

ص: 140

‌ربح البنوك الإسلامية من باب المضاربة الشرعية

س: البنوك الربوية تعطى ربحاً والبنوك الإسلامية تعطى ربحاً، فما هو الفرق بينهما؟

جـ: البنوك الشرعية: ربحها هو ربح شرعي لأنه من باب المضاربة تأخذ المال من المساهمين وتتجر به في أراض وعقارات وغيرها وتربح ومن الربح تعطي أجرة العمال والموظفين وتوزع الربح على المساهمين بحسب نسبة أموالهم المودعة في البنك، والربح والخسارة بين البنك والمودع، والبنوك الإسلامية نوع من أنواع المضاربة الشرعية ولها أحكام.

أما البنوك الربوية: فهي تأخذ الربح من المستقرض منها سواء ربح أم لم يربح استثمر القرض أم استهلكه عمل به أم لم يعمل به، وتعطى المودعين أموالهم في البنوك الربوية ربحاً من الذي تأخذه على المستقرضين بالطرق غير الشرعية.

‌كل بنك ليس فيه قرض جر منفعة فهو جائز

س: ما رأيكم في الاستقراض من البنك الزراعي؟

جـ: إذا كان القرض جر منفعة فهو ربا سواء من بنك زراعي أو غير زراعي فالقاعدة هي هذه، وكل بنك ليس فيه قرض جر منفعة فهو جائز.

‌الأولى التخلص من ربح الأموال المودعة في البنوك الربوية بصرفه في أيِّ مصرف لأنه حرام

س: من يضع فلوسا في بنك ربوي وداعة ويعطيه البنك ربحاً في نهاية السنة مقابل إيداعه فلوسه لدى البنك، فهل يجوز له أخذ الربح؟

جـ: الربا حرام لقوله تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

(1)

وقوله تعالى {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}

(2)

ولحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ)

(3)

، وإذا أخذ المودع الربح فالأولى له صرفه في أيِّ مصرف خيري لا نقول أنها

(1)

- البقرة: آية (275)

(2)

- البقرة: (279)

(3)

- صحيح مسلم: كتاب المساقاة: باب لعن آكل الربا ومؤكله. حديث رقم (4069) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ قَالَ قُلْتُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ قَالَ إِنَّمَا نُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْنَا)

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة.

ص: 141

صدقة منه يتصدق بها ولكن ليتخلص من هذا المال الربوي الحرام لأنه لا صدقة من مال حرام كما في حديث (لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ).

س: هل يجوز لمن وضع فلوسه في بنك ربوي أن يبني بالربح الذي يعطيه البنك له مسجداً أو مشروعاً خيرياً ينتفع به الناس؟

جـ: لا يجوز لأنه مال حرام والحرام لا يتصدق به ولا ينفق منه على وجوه الخير، كما في حديث (لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ).

‌بيع الرديء بفلوس وشراء من جنسه جيداً بفلوس ولا يجوز بيع الرديء بالجيد مع زياد

س: كيف يعمل من معه بر أو شعير أو تمر أو زبيب رديء ويريد براً أو شعيراً أو تمراً أو زبيباً جيداً وليس معه فلوس يشتري بها النوع الجيد؟

جـ: يبيع النوع الرديء بفلوس ويشتري له التمر الجيد أو الزبيب الجيد أو البر الجيد أو الشعير الجيد بفلوس كل نوع بسعره.

ولا يجوز له بيع النوع الرديء بالنوع الجيد بزيادة في كمية الرديء لأنه ربا الفضل، وهكذا في القلا والعدس ونحوه مما يكال إذا قلنا أن العلة في تحريم الربا هي (الكيل)، أما إذا قلنا: أن العلة هي (الطعم) على رأي بعض العلماء فيدخل فيه كل ما يطعم مثل السكر ونحوه وبعض العلماء: قال العلة (القوت) فيدخل فيه كلما يقتات مثل العدس ونحوه. ومن قال: أن العلة هي (الوزن) فيدخل فيه الأسمنت لكونه مما يوزن.

س: أليس بيع قدح قمح رديء بقدح جديد ظلماً؟

جـ: حديث (إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى)، يفيد الجواز وهو ليس ظلماً لأنه تعامل يتم بموجب تراضى الطرفين، واللازم على البائع أن يبيع النوع الرديء بثمنه نقداً ويشتري بالثمن من النوع الجيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك لحديث (بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِم، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا)

(1)

.

‌تحريم بيع الجنس بجنسه متفاضلاً ولو مع غيره

س: هل يجوز بيع الشيء بجنسه متفاضلاً ولو مع غيره؟

جـ: لا يجوز بيع الجنس بجنسه متفاضلاً ولو مع غيره كأن يشتري رجل اثني عشر رطلاً من التمر بعشرة أرطال من التمر ومعها مبلغ مائة ريال أو مائتين ريال فهذا لا يجوز لأنه تحايل لبيع الشيء بجنسه وهو حرام.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه. حديث رقم (2202) بلفظ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَفْعَلْ، بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِم، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا).

أخرجه مسلم في المساقاة، والنسائي في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في البيوع، والدارمي في البيوع.

ص: 142

‌لا يجوز بيع الذهب مخلوطاً بغيره بذهب خالص

س: هل يجوز بيع الذهب مخلوطاً بغيره بذهب خالص؟

جـ: لا يجوز بيع الذهب مخلوطاً بغيره من غير الذهب بذهب خالص، بل يفصل الذهب عن غيره ويباع بذهب مثله بشرط التساوي والتقابض، وبياع الشيء الآخر بالفلوس، وعند الهادوية: يجوز بيع الذهب أو الفضة بجنسه إذا صاحب أحدهما غيره، والشوكاني: يقول بأنه لا يجوز، وفي أيام الدولة القاسمية: كانت العملة المحلية (العددي) مصنوعة من الفضة فكان الإنسان حينما يصرف الريال الفضة يبيعه بجنسه من العددي الفضي بأقل من وزن الريال الفضي وكان الناس يدخلون في حرج ومحظور، والشوكاني انتقد الدولة القاسمية لأنها أدخلت الناس في حرج، وكان يقول لا يجوز الصرف إلا للضرورة والإثم على الدولة التي أدخلت الناس في الحرج، والفقهاء الذين يتمذهبون بمذهب الهادي كانوا يقولون يصنع مع العددي الفضي (بقشتين) أو نحوها من عملة (نحاسية) لكي يخرجون من الربا عملاً بالمذهب الهادوي الذي يجوز بيع الجنس متفاضلاً إذا صحب أحد الشيئين غيره.

س: إذا باع إنسان ساعة فيها ذهب بقدر حبة ذهب بحبتين ذهب، الحبة الذهب بالحبة الذهب والحبة الأخرى الذهب مقابل بقية أجزاء الساعة فهل يجوز هذا البيع؟

جـ: خلط الذهب بغيره لا يجوز لحديث (إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى).

‌تحريم بيع التمر بالرطب إلا لأهل العرايا

س: هل يجوز بيع التمر بالرطب؟

جـ: إما أن يحصل التساوي بيقين فهو جائز، وأما أن ينقص أحدهما فهو غير جائز إلا لأهل العرايا بشرط أن يكون للأكل لا للبيع وبأن يكون في حدود خمسة أوسق لا فيما زاد عليها لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا)

(1)

ولحديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا وَبَيْعِ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلًا)

(2)

ولحديث (رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

(1)

- صحيح مسلم: كتاب البيوع: باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا. حديث رقم (3864) بلفظ (عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا).

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في البيوع، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ:

المزابنة: بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب البيوع: باب تحريم بيع الرطب بالتمر. حديث رقم (3870) بلفظ (عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا وَبَيْعِ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلًا).

أخرجه النسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في البيوع، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع، الزكاة.

ص: 143

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ)

(1)

.

‌وجوب التساوي في الوزن أو الكيل في بيع العنب والزبيب

س: هل يجوز بيع الزبيب الأسود بالزبيب الأبيض وكذا بيع العنب الأسود بالأبيض؟

جـ: يجب التساوي في بيع الزبيب أو العنب لأنهما جنس واحد لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ كَيْلًا)

(2)

.

س: هل يجوز بيع العنب بالزبيب كيلاً؟

جـ: لا يجوز لأن العنب إذا يبس سينقص.

‌تحريم بيع مكيل بموزون من جنس ربوي

س: هل يجوز بيع مكيل بموزون إن كانا من جنس واحد؟

جـ: لا يجوز بيع قدح قمح بعشرة كيلو قمح لأن أحدهما لا يتساوى مع الآخر لا في الوزن ولا في الكيل لحديث (إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى).

‌عدم جواز بيع اللحم بالحيوان خشية عدم التساوي

س: هل يجوز بيع اللحم بالحيوان؟

جـ: لا يجوز بيع مائة كيلوجرام لحماً بعجل ولا أربعين كيلوجرام لحماً بكبش خشية من عدم التساوي

‌جواز بيع الحيوان بالحيوان

س: هل يجوز بيع الحيوان بمثله؟

جـ: نعم، يجوز بيع الحيوان بمثله كأن يبيع الإنسان حيواناً كبيراً باثنين أو ثلاثة صغار من جنسه لأنه إذا قد حصل التراضي بين المتبايعين فالأصل جواز البيع والشراء في كل شيء لقوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(3)

والألف واللام في لفظ (البيع) عام وهو يفيد الاستغراق ويستثنى من هذا العموم بيع الأجناس الستة

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المساقاة: باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط. حديث رقم (2382) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: العرية: النخلة يهبها مالكها لأحد الناس يأكلها عاماً.

يخرصها: يقدر الثمر في رأس النخالة بالتخمين. الوسق: ما قدره ستون صاعاً من التمر أو نحوه

(2)

- صحيح صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام. حديث رقم (2171) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ كَيْلًا).

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع،، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في البيوع، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع، الزكاة.

معاني الألفاظ:

المزابنة: بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر، وبيع العنب بالزبيب كيلا

(3)

- البقرة: (275).

ص: 144

الربوية الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح التي تضمنها حديث عباده بن الصامت رضي الله عنه الذي هو بيان لقوله تعالى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} .

‌الذهب المحلي وغير المحلي سواء في تحريم بيعه بجنسه متفاصلاً

س: ما الحكم إذا بيع خمسون جراماً من الذهب المحلي بخمسين جراماً من الذهب الخليجي والفارق هو الجودة؟

جـ: الذهب الخليجي والمحلي على السواء مثل الحبوب المدفونة والجديدة فالذهب الخليجي واليمني سواءلحديث (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ)

(1)

.

س: ما الحكم إذا أراد رجل أن يبيع ساعة لرجل آخر بساعة أخرى؟

جـ: إذا كانت ساعة من ذهب بذهب فلا يجوز لعدم التساوي.

‌جواز بيع الذهب بالفضة أو العكس إذا كان يداً بيد

س: ما حكم بيع الذهب بالفضة؟

جـ: إذا اختلف الجنس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد لحديث (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْتُمْ)

(2)

ولحديث (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِير، ِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)

(3)

.

س: هل يجوز بيع خمسين جراماً من الذهب مصاغة بخمسين جراماً غير مصاغة علماً بأن نوع الذهب واحد؟

جـ: بعض العلماء يقولون: بأنه لا يجوز لأنه بيع ذهب بذهب مع اختلاف الوزن وهو حرام، وبعض العلماء أجاز البيع ولو اختلف الوزن لمقابل الصياغة، وهذا رأي ابن تيمية.

س: هل يجوز شراء الذهب ديناً إلى أجل؟

جـ: لا يصح ولا يجوز لحديث (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب بيع الفضة بالفضة. حديث رقم (2177) بلفظ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في البيوع.

معاني الألفاظ: تشفوا: تفاضلوا.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب بيع الذهب بالذهب. حديث رقم (2175) بلفظ (عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْتُمْ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والنسائي في البيوع، وأحمد في أول مسند البصريين.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب المساقاة: باب الصرف وبيع الذهب الورق نقدا. حديث رقم (2970) بلفظ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِير، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وابن ماجه في التجاراتأ، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في البيوع.

ص: 145

الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ).

‌جواز بيع سيارة بسيارة أخرى

س: إذا باع شخص سيارة بسيارة أخرى وساعة بساعة أخرى فهل هذا البيع يدخل في باب الربا؟

جـ: بيع سيارة بسيارة أخرى ليس فيه تفاضل ولا يدخل في باب الربا ولا ربا في السيارات، لقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا).

س: هل يجوز بيع الشيء بجنسه إذا كانا متساويين في الثمن لا في الكمية؟

جـ: لا بد أن يكون التساوي في الوزن أو الكيل لحديث (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِير، ِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ).

‌جواز رد القرض زائداً أو من نوع جيد إذا كان بدون اشتراط المقرض

س: إذا استلفت الجارة من جيرانها دقيقاً أو حبوباً وبعد مدة أرجعتها زائداً، فما الحكم؟

جـ: إذا زادت بطيبة من نفسها فالأحاديث تدل على جواز ذلك، منهاحديث (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً)

(1)

والمحرم هو اشتراط المقرض على المستقرض بإرجاع القرض زائداً أو يقرضه من نوع رديء ويشترط على المستقرض إرجاع القرض من نوع جيد، فهذا هو المحرم.

‌تحريم بيع العينة لكونه رباً

س: شخص باع تلفوناً ليس ملكه وإنما وكله صاحبه ببيعه له فباعه لشخص بـ (41000) ريالاً بالتقسيط وقام البائع الوكيل نفسه في نفس الوقت بشراء التلفون نفسه من المشتري نقداً بـ (30000) ريالاً، فهل هذا جائز أم لا؟

جـ: هذا لعله غير جائز لأنه من بيع العينة و صورته أن يشتري الرجل سلعة من الرجل بمائة ألف ريال مثلا فيبيعها من البائع بثمانين ألف ريال نقدا ويذهب من عند البائع بمبلغ الثمانين ألف ريال وحينما يقضي يقضي مبلغ المائة الألف الريال التي صارت في ذمته للبائع من السلعة، والمشتري لا يريد سلعة وإنما هو محتاج إلى نقود ولكن يشتري السلعة ليبيعها بنقود من البائع منه لقضاء حاجته بالنقود، فهذه العملية في الحقيقة ليست بيعاً ولا شراء وإنما هو قرض ربوي جاء بصورة البيع والشراء وهو من الحيل الظاهرة التي يلجأ إليها المرابون ليتستروا على عملية الربا بصورة البيع والشراء وهومحرَّم لدخوله تحت أدلة تحريم الرباالعامة ولحديث (ذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)

(2)

ومما يدل على تحريم بيع العينة ما رواه أبو اسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة

(1)

صحيح البخاري: كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس: باب في استقراض الإبل. حديث رقم (390) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع عن رسول الله، والنسائي في البيوع، وابن ماجة في الاحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الوكالة، الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، الهبة وفضلها.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب البيوع: باب في النهي عن العينة. حديث رقم (3462) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

معاني الألفاظ: العينة: بيع سلعة آجل بثمن ثم بيعها نقداً بثمن أقل.

أذناب البقر: كناية عن الاشتغال بأمور الدنيا من زراعة ونحوها.

ص: 146

فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم (فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ لِى جَارِيَةٌ وَإِنِّى بِعْتُهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الأَنْصَارِىِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَى عَطَائِهِ وَأَنَّهُ أَرَادَ بَيْعَهَا فَابْتَعْتُهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا، قَالَتْ: فَأَقْبَلَتْ: عَلَيْنَا فَقَالَتْ: بِئْسَمَا شَرَيْتِ وَمَا اشْتَرَيْتِ، فَأَبْلِغِى زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ)

(1)

وسواء صح هذا الحديث أم لم يصح فبيع العينة داخل تحت تحريم أدلة الربا العامة ومنها حديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم َقَال لا ربا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ)

(2)

وبيع العينة من ربا النسيئة وهو من ربا الفضل وهو داخل تحت النهي عن الربا في الأدلة العامة عن الربا لأن بيع العينة فيه حقيقة الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة.

‌التفاضل في تبادل الذهب لا يكون ربا الا في حالة البيع والشراء

س: هل يدخل تصرف الوالد في الربا بتبديله بدلة ذهب ببدلة ذهب مختلفتين في الوزن والنوع؟

جـ: لا يكون ربا إلا إذا كان بيعا وشراء.

‌تحريم اقتراض الدول الإسلامية من جهات دولية بفوائد ربوية

س: توجد جهات أجنبية تقوم بتقديم قروض ميسرة للحكومة اليمنية لدعم مشاريع خدمية وإنسانية وتنموية ولكنها تكون بفوائد، ونحن شركة يمنية نريد مساعدة هذه الجهات الأجنبية للحكومة لتعطى لنا عمولة على تسهيلات تقوم بها شركتنا لإنجاح القرض، وحيث أن الفوائد بسيطة يأخذونها مقابل صبرهم على المدى وموقف شركتنا من مساعدتهم، فماحكم هذه الزيادات الربوية؟

جـ: الظاهر أنه ربا والله أعلم.

‌تحريم أخذ القرض الربوي في كل الحالات

س: هل يجوز أن آخذ قرضا ربويا لضرورة شديدة كتوفير حق العلاج وبناء منزل خاص؟

جـ: لا يجوز لقوله تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

(3)

وقوله تعالى {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}

(4)

ولحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ

(1)

- الدار قطني: كتاب البيوع: برقم (3045) بلفظ (حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ خَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مُحِبَّةَ إِلَى مَكَّةَ فَدَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: لَنَا مِمَّنْ أَنْتُنَّ؟ قُلْنَا: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَكَأَنَّهَا أَعْرَضَتْ عَنَّا، فَقَالَتْ: لَهَا أُمُّ مُحِبَّةَ، يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ لِى جَارِيَةٌ وَإِنِّى بِعْتُهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الأَنْصَارِىِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَى عَطَائِهِ وَأَنَّهُ أَرَادَ بَيْعَهَا فَابْتَعْتُهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا، قَالَتْ: فَأَقْبَلَتْ: عَلَيْنَا فَقَالَتْ: بِئْسَمَا شَرَيْتِ وَمَا اشْتَرَيْتِ، فَأَبْلِغِى زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ، فَقَالَتْ: لَهَا أَرَأَيْتِ إِنْ لَمْ آخُذْ مِنْهُ إِلاَّ رَأْسَ مَالِى؟ قَالَتْ: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ) قَالَ الشَّيْخُ أُمُّ مُحِبَّةَ وَالْعَالِيَةُ مَجْهُولَتَانِ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا).

(2)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه برقم (2178).

(3)

- البقرة: آية (275)

(4)

- البقرة: (279)

ص: 147

وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ)

(1)

.

‌تحريم ما يسمى بأذونات الخزانة كونها ربا

س: ما رأيكم في ما يسمى بأذون الخزانة التي يقوم بها البنك المركزي اليمني بإنزالها للبيع بآجال متفاوتة بربح معلوم غير محتمل الخسارة يحصل عليها المشتري بعد انقضاء الأجل؟

جـ: أنا لا أعرف عن هذه الأذونات أي شيء ولا أدري هل هي حرام أو حلال إلا أني سمعت أنها حرام وأن فيها ربا والله أعلم والربا حرام لقوله تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

(2)

وقوله تعالى {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}

(3)

ولحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ).

‌جواز العمل في البنك الإسلامي وتحريمه في البنك الربوي

س: أريد أن أعمل محاسبا في بنك تجاري، فهل العمل في البنوك الربوية حلال أم حرام؟ وكذلك ما حكم العمل في البنوك الإسلامية؟

جـ: استخر الله، أما رأيي فالعمل في البنك الربوي حرام لحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) وفي الإسلامي مباح والله أعلم.

‌جواز أخذ أرباح المال الربوي وصرفها في مصلحة عامة أو في أوجه الخير

س: الفوائد الربوية هل يجوز تركها للبنك أم أخذها وأصرفها للمجاهدين؟

جـ: لا مانع من ترك الزائد على رأس مالك ولا مانع من أحذه وعمارة مصلحة مثل مرحاض المسجد أو طريق للمارة به أو نحو ذلك.

(1)

- صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث جابر رضي الله عنه برقم (4069).

(2)

- البقرة: آية (275)

(3)

- البقرة: (279)

ص: 148

الباب الثالث: الخيارات

• جواز رد المبيع بالعيب

• ليس للمشتري إرجاع المبيع إذا طرأ العيب عليه بعد الشراء

• ضمان من وكل شخصاً لبناء بيت فباعه فاكتشف عيباً في أساسات البيت

• جواز رد المبيع بخيار الرؤية

• ثبوت خيار الرؤية لورثة المشتري

• ثبوت الخيار لمن خدع في البيع أو الشراء أو باع سلعته قبل الوصول إلى السوق

• مدة الخيار بحسب تراضي البائع والمشتري

• القول قول البائع مع يمينه إذا اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن

• الخراج بالضمان

• ترد المصراة للبائع مع صاع من تمر

• لا يقاس على المصراة غيرها

• جواز بيع المعدوم إذا جاء طبقاً للمواصفات

• عقد الاستصناع

• عدم جواز رد المبيع إذا كان مطابقا لمواصفات المشتري

• جواز ضمان البائع أضرار المبيع المعيب إذا لم يبين عيبه للمشتري

• وجوب تبيين البائع العيب للمشتري

ص: 149

‌الباب الثالث: الخيارات

‌جواز رد المبيع بالعيب

س: متى يحق للمشتري رد المبيع للبائع؟

جـ: إذا كان المبيع معيباً ولم يبين البائع العيب للمشتري، مثل أن يبيع البائع بيتاً من المشتري على أساس أن حيطانه وقواطعه كلها من الأحجار ووجد المشتري أن قواطعه الداخلية من اللبن أو الطوب فللمشتري رد المبيع للبائع بهذا العيب، أو من يشتري سيارة على أساس أنها جديدة ثم يتضح للمشتري أنها قد استعملت فله رد السيارة للبائع بخيار العيب، وهكذا كل مبيع يتضح فيه عيب لم يبينه البائع للمشتري عند البيع فللمشتري رد المبيع بخيار العيب.

س: هل يجوز في حالة شراء بقرة لذبحها على أساس أنها غير حامل ردها إذا اتضح أنها حامل؟

جـ: يجوز للمشتري أن يردها إذا كان قد اشترط على البائع عدم العيب لأن هذا يعد عيباً.

‌ليس للمشتري إرجاع المبيع إذا طرأ العيب عليه بعد الشراء

س: إذا اشترى رجل مبيعاً فطرأ عليه العيب عقيب الشراء، فهل للمشتري أن يرجع المبيع للبائع بخيار العيب؟

جـ: إذا كان العيب أصلي في المبيع فللمشتري إرجاع المبيع بخيار العيب وإن لم يكن العيب أصلياً بل طارئاً بعد الشراء فليس للمشتري إرجاع المبيع لأن العيب طرأ على المبيع وهو في ملكه وليس في ملك البائع والعبرة بالبرهان في حالة التنازع.

س: إذا اشترى الرجل ثوباً فحضر به حفلة، فهل يجوز له إرجاع الثوب في اليوم الثاني بحجة أنه طويل عليه؟

جـ: إذا لم يوسخ الثوب بأن حضر مأدبة فتساقط على الثوب شيء من الأكل أو الشاي أو نحوه بل ظل كما هو فيجوز له إرجاعه، أما إذا اتسخ الثوب بشيء فالوسخ عيب للثوب لا يجوز له إرجاعه.

‌ضمان من وكل شخصاً لبناء بيت فباعه فاكتشف عيباً في أساسات البيت

س: رجل وكل شخصاً آخر ليبني له بيتاً فبنى البيت ثم باع الوكيل البيت فاكتشف المشتري عيباً في أساسات البيت، فعلى من يكون الضمان هل على البائع أو الوكيل الذي غش المشتري؟

جـ: الضمان لا يكون إلا على البائع ولكن للبائع أن يرجع على الوكيل لكونه غشه في بناء البيت.

‌جواز رد المبيع بخيار الرؤية

س: هل يجوز للمشتري رد المبيع الذي لم يكن قد رآه؟

جـ: للمشتري أن يرد المبيع بالجهالة إلا أن يكون البائع قد اشترط على المشتري أن ينظر إلى المبيع ويراه قبل البيع، فالحاذق لا يبيع إلا من شخص يشتري لنفسه فينظر المشتري المبيع ويراه قبل عقد البيع حتى يتوقى البائع فسخ عقد البيع بحجة عدم الرؤية إذا كان قد قبل عقد البيع وكيل المشتري لا المشتري نفسه.

‌ثبوت خيار الرؤية لورثة المشتري

س: من اشترى شيئاً واشترط خيار الرؤية فمات قبل رؤية المبيع، فهل لورثته خيار الرؤية إذا لم يرضوا بالشراء؟

جـ: يثبت خيار الرؤية لورثة المشتري.

ص: 150

‌ثبوت الخيار لمن خدع في البيع أو الشراء أو باع سلعته قبل الوصول إلى السوق

س: هل يثبت الخيار لمن غرر عليه وباع سلعته قبل الوصول إلى السوق فلما وصل إلى السوق وجد أسعار السلع غالية فيعرف أنه خدع في البيع ويريد أن يفسخ عقد البيع؟

جـ: نعم: يثبت الخيار لمن خدع وباع سلعته قبل الوصول إلى السوق بدعوى الغبن في البيع لحديث (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّلَقِّي وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ)

(1)

وحديث (لَا تَلَقَّوْا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ)

(2)

.

‌مدة الخيار بحسب تراضي البائع والمشتري

س: هل للخيار مدة محددة؟

جـ: بحسب تراضي البائع والمشتري وإن كان خياراً مطلقاً فللمشتري رد المبيع ولو بعد سنة لحديث (إِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا)

(3)

معنى لفظ (أَوْيَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا) أي أن يكون للبائع أو للمشتري أو لكل منهما خيار إلى أجل معلوم ثلاثة أيام أوأقل أو أكثر بحسب التراضي بين المتبايعين حين العقد، ولفظ (خيارا) مطلق غير محدد، وإنما تتقدر مدة الخيار بحسب التراضي بين المتبايعين لأن التراضي هو أساس جواز البيع وهو الأساس في تحديد مدة الخيار.

‌القول قول البائع مع يمينه إذا اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن

س: ما العمل إذا اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن؟

جـ: القول قول البائع مع يمينه والبينة على المشتري لحديث (إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ أَوْ يَتْرُكَا)

(4)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب النهي عن تلقي الركبان وأن بيعه مردود. حديث رقم (2162) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّلَقِّي وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في النكاح، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: النكاح، الشروط.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب البيوع: باب تحريم تلقي الجلب. حديث رقم (3802) بلفظ (عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَلَقَّوْا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ).

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ:

الجلب: المتاع المجلوب من خارج البلدة.

الخيار: حق إمضاء البيع أو فسخه.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب كم يجوز الخيار. حديث رقم (2107) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

(4)

- سنن النسائي: كتاب البيوع: باب اختلاف المتبايعين في الثمن. حديث رقم (3511) بلفظ (عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ أَوْ يَتْرُكَا). صححه الألباني في صحيح سنن النسائي بنفس الرقم

أخرجه الترمذي في البيوع، وأبو داود في البيوع، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: الرب: الصاحب والمالك والسيد.

ص: 151

‌الخراج بالضمان

س: ما معنى الخراج بالضمان؟

جـ: معناه إذا عمل المشتري بالمبيع المعيب فثمرة العمل بالمبيع تكون للمشتري لأنه ضامن للمبيع في فترة البيع فلو هلك المبيع كان في ضمان المشتريب لحديث (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ)

(1)

.

س: إذا باع رجل سيارة بالخيار وأعادها المشتري بعد شهر فهل للبائع مطالبة المشتري بإيجار السيارة للمدة؟

جـ: لا، لأن الخراج بالضمان لحديث (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ).

‌ترد المصراة للبائع مع صاع من تمر

س: في المصراة المشتري قد خسر على المصراة علفاً وماءً ورعاية هل يكون اللبن مقابل ما خسره ويعفى عن صاع التمر؟

جـ: في المصراة حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ينص على إرجاعها وصاع من تمر فعلى المشتري أن يرجع المصراة وصاعاً من تمر لنص النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في حديث (لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ)

(2)

وحديث (مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَلْيَنْقَلِبْ بِهَا فَلْيَحْلُبْهَا فَإِنْ رَضِيَ حِلَابَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِلَّا رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ)

(3)

ولو قد خسر على المصراة علفاً وغيره، ولذا قال علماء الحنفية والهادوية بأن حديث المصراة مخالف للقياس.

‌لا يقاس على المصراة غيرها

س: هل يقاس على المصراة غيرها؟

جـ: قال العلماء: المصراة لا يقاس عليها غيرها لأنها مخالفة للقياس.

س: رجل اشترى بقرة مصراة وعند تبين المشتري أن البقرة مصراة أرجع البقرة مع لبنها لأنه لم يستهلكه، فهل يجب

(1)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ماجاء في من يشترى العبد ويستغله ثم يجد به عيباً. حديث رقم (1286) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات.

معاني الألفاظ: الخراجـ: ما يحصل من غلة العين المبتاعة عبداً كان أو أمة.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم. حديث رقم (2004) بلفظ (عَنْ الْأَعْرَجِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، الشروط.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب البيوع: باب حكم بيع المصراة. حديث رقم (2804) بلفظ (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَلْيَنْقَلِبْ بِهَا فَلْيَحْلُبْهَا فَإِنْ رَضِيَ حِلَابَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِلَّا رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ).

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في البيوع، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: التصرية: حبس اللبن في الضرع لخداع المشتري.

الخيار: حق فسخ البيع أو إمضائه.

ص: 152

على البائع قبول البقرة مع لبنها أم أن له المطالبة بصاع التمر؟

جـ: له الحق في المطالبة بصاع التمر لنص النبي صلى الله عليه وسلم عليه في حديث (مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَلْيَنْقَلِبْ بِهَا فَلْيَحْلُبْهَا فَإِنْ رَضِيَ حِلَابَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِلَّا رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ) إلا إذا رضي البائع أن يقبل البقرة مع لبنها، فالتراضي هو المهم في كل مسألة من هذه المسائل.

س: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث (مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ)

(1)

ما المراد بقوله (لَا سَمْرَاءَ) في الحديث؟

جـ: أي على المشتري أن يرجع المصراة وصاعاً من تمر لا صاعاً من سمراء، لأنه يوجد نوع من البر اسمه (سَمْرَاءَ).

‌جواز بيع المعدوم إذا جاء طبقاً للمواصفات

س: ما حكم بيع المعدوم؟

جـ: العلماء في الماضي جوزوا فسخ بيع المعدوم لأنه مجهول وبيع المعدوم باطل ولا يجوز، ولا يوجد حديث ينص على تحريم بيع المعدوم ولكن العلماء يقولون بتحريم بيع المعدوم، واستنبط العلماء الحكم من عدة أحاديث منها حديث (وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ)

(2)

لفظ (وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) في الحديث يدل على تحريم بيع المعدوم.، لكن القوانين الجديدة تجوز بيع المعدوم لأنهم يقولون: بأنه ممكن وذلك كأن يحدد المشتري أوصافاً معينة وتصنع المبيع شركات طبقاً للمواصفات، فيشتريه وهو معدوم لم يكن قد وجد أو قد وجد المبيع ولكنه لا يزال (في اليابان أو غيرها)، فقال العلماء إذا جاء طبقاً للمواصفات فيصح البيع وهوما يطلقون عليه عقد الاستصناع، وحقيقته الآتي:

عقد الاستصناع

عقد الاستصناع: هو عقد على عمل معلوم أو صنع عين معلومة بأوصاف معلومة كأن العين المطلوبة مشاهدة، وهو مثل بيع السلم ويشترط فيه ما يشترط في بيع السلم ولا يخالف عقد السلم إلا في جواز تسليم بعض الثمن ففي عقد السلم يشترط تسليم الثمن كاملا في مجلس العقد وفي عقد الاستصناع يجوز تسليم بعض الثمن وتأجيل الباقي أو تقسيطه على دفعات، وعقد الاستصناع هو الأنسب لعصرنا الحاضر لأنه يساعد على تنشيط الصناعة والتجارة المحلية والدولية لمرونته في جواز تسليم الثمن معجلا أو مؤجلا أو مقسطا وهو عقد صالح لإنتاج وشراء جميع السلع التي يحتاجها الإنسان كفرد أو مجتمع أو دولة سواء كانت سلعاً غذائية أو دوائية أو مصنوعات مدنية أو عسكرية ويشترط في عقد الاستصناع الآتي:

(1)

- صحيح مسلم: كتاب البيوع: باب حكم بيع المصراة. حديث رقم (2804) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ).

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع،، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في البيوع، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

(2)

- سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عبد الله بن عمرو رقم (1234).

ص: 153

وصف العمل المطلوب وصفا دقيقا معلوما كأنه مشاهد للعاقدين أو وصف السلعة المطلوبة صناعتها من حيث جنس المبيع ونوعه وقدره ووصف كل شيء يتعلق به.

تعيين أجل تسليم المبيع.

تعيين مكان تسليم المبيع.

تعيين أجل تسليم الثمن أو بعضه المؤجل أو تعيين أجل تسليم كل قسط إن كان الثمن قد تم التراضي بين العاقدين على تسليمه مقسطا.

يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً على تأخير تسليم المبيع أو العمل إذا تأخر تسليم المبيع أو العمل عن موعد التسليم المتفق عليه أو على تأخير الثمن المؤجل أو تأخير قسطا من الأقساط المعلومة الأجل إذا تأخر عن موعد التسليم المعين في العقد، ويستثنى من تطبيق الشرط الجزائي حالة الظروف القاهرة التي قد تحدث لأي طرف من طرفي العقد، وعقد الاستصناع هو عقد ملزم لطرفي العقد بالوفاء بالمعقود عليه سواء كان المعقود عليه عملاً أو سلعة غائبة إذا توافرت الشروط المطلوبة فيه وبالوفاء بالثمن المعين سواء كان الثمن معجلا أو مؤجلاً أو مقسطاً ويكون الوفاء بالثمن بحسب التراضي بين الطرفين المبين في العقد.

‌عدم جواز رد المبيع إذا كان مطابقا لمواصفات المشتري

س: من فصل ثوباً أو كوتاً عند مخيط، فأراد المشتري أن يرجعه للبائع فهل له إرجاعه؟

جـ: إذا كان الثوب على مقياس الرجل كما طلب المشتري فليس له إرجاعه، وإذا وسطوا رجلاً من أهل الخبرة بالخياطة ليحكم بينهما فهو أفضل.

‌جواز ضمان البائع أضرار المبيع المعيب إذا لم يبين عيبه للمشتري

س: ما الحكم إذا باع رجل سيارة فراملها معطلة فأخذها المشتري فطلع في جبل فتردت بهم السيارة، فهل يضمن البائع ثمن السيارة وديات الرجال المتوفين والجرحى؟

جـ: إذا كان البائع قد وضح العيب للمشتري فلا يضمن وإن لم يوضح البائع العيب للمشتري بل غره وقال له هي سليمة كل شيء فيها سليم، فمن الممكن أن يضمن والعبرة بالبرهان.

س: ما حكم الإسلام في من باع جزءاً من بيت ولم يطالب المشتري البائع بإبراز مستندات الملك في وقت البيع؟

جـ: حكم البيع إذا لم يطالب بالمبيع أحد فالبيع صحيح، وإن ادعى ملكية البيت أحد فليطالب المشتري بالمستندات.

‌وجوب تبيين البائع العيب للمشتري

س: ما حكم تبيين البائع العيب للمشتري؟

جـ: تَبْيَين العيب واجب على البائع ويحرم عليه عدم تبيين العيب للمشتري، لحديث (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ)

(1)

وحديث (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا)

(2)

وقد قيل: أن الإمام أبا حنيفية

(1)

- سنن ابن ماجة: كتاب التجارات: باب من باع عيبا فليبينه. حديث رقم (1837) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ). صححه الألباني في صحيح ابن ماجة بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في مسند الشاميين.

(2)

صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب قول النبي من غشنا فليس منا. حديث رقم (146) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا).

أخرجه ابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 154

كان يتجر فباع وكيله بيعاً فيه عيب، فسأل (الإمام أبو حنيفة) الوكيل هل بينت للمشتري العيب قال: لا، فبحث الإمام عنه حتى وجده وبين له العيب وقال المشتري قد رضيت.

ص: 155

الباب الرابع: بيع السلم

• بيع السلَم هو تقديم المشتري الثمن في مبيع معلوم إلى مدة معلومة

• شروط بيع السلم

ص: 156

‌الباب الرابع: بيع السلم

‌بيع السلَم هو تقديم المشتري الثمن في مبيع معلوم إلى مدة معلومة

س: ما هو بيع السلَم؟

جـ: هو أن يقدم المشتري للبائع الثمن إلى أجل معلوم في مبيع معلوم ويتم البيع و الشراء بين الطرفين في حين أن المبيع يكون حال العقد معدوماً لحديث (مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ)

(1)

.

‌شروط بيع السلم

س: ما هي شروط بيع السلم؟

جـ: هي:

أن يكون الثمن معلوماً.

أن يكون المبيع معلوماً جنسه ومقداره ونوعه.

أن يكون الأجل معلوما لحديث (مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ).

قال بعض العلماء: وأن يكون مكان التسليم معلوماً لكي لا يؤدي إلى التنازع بين البائع والمشتري على مكان التسليم.

س: هل يشترط في بيع السلم دفع الثمن مقدماً؟

جـ: نعم: يشترط دفع الثمن معجلاً لحديث (مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) وإلا فسيكون بيع المعدوم بالمعدوم وهو لا يجوز.

س: ما معنى باب السلم باب السلف؟

جـ: السلف والسلم بمعنى واحد مثل لفظ أسد وليث من أسماء الأسد ألفاظ مترادفة وهي بمعنى واحد.

س: هل يجوز بيع المعدوم؟

جـ: بيع المعدوم لا يجوز أصلاً إلا في باب بيع السلم لأنه قد ورد فيه دليل خاص به في حديث (مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ)

(2)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب السلم: باب السلف في كيل معلوم. حديث رقم (2240) بلفظ (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: السلم.

(2)

صحيح البخاري: كتاب السلم: باب السلف في كيل معلوم. حديث رقم (2085) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ أَوْ قَالَ عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً شَكَّ إِسْمَاعِيلُ، فَقَالَ: مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع عن رسول الله، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجه في التجارات، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: السلم.

ص: 157

الباب الخامس: باب القرض

• القرض المستحب

• جواز رد المستقرض للمقرض أحسن مما اقترضه إذا لم يشترطه المقرض

• وجوب القضاء من نفس العملة المستقرضة وإن تعذر فبسعر يوم القضاء

• عدم جواز اقتضاء الدين من شخص أغلب أمواله من الحرام

• جواز طلب قضاء الدين تلميحاً أو تصريحاً

• وجوب السؤال دائماً عن المقرض لرد المال إليه

• وجوب إمهال المدين المعسر إلى أن ييسر الله عليه

• وجوب إرجاع الزوج ما استقرضه من زوجته

ص: 158

‌الباب الخامس: القرض

‌القرض المستحب

س: ما حكم القرض؟

جـ: هو مستحب لورود الأحاديث في فضله منها حديث (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)

(1)

وحديث (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة)

(2)

.

‌جواز رد المستقرض للمقرض أحسن مما اقترضه إذا لم يشترطه المقرض

س: هل يجوز أن يرد المستقرض للمقرض أحسن مما اقترض منه؟

جـ: نعم، يجوز للمستقرض أن يرد للمقرض أحسن مما اقترض منه أو أكثر منه لحديث (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً)

(3)

ولا مانع له من ذلك، والممنوع هو أن يشترط المقرض على المستقرض أن يرد أحسن أو أكثر مما اقترض.

س: أحيانا يرسل المقرض إلى المستقرض ليعطيه قاتاً، فهل على المستقرض إثم إذا أعطاه؟

جـ: الإثم على المقرض الذي يطالب المستقرض بإعطائه، وحكمه إن كان للمستقرض عادة أن يعطي المقرض قاتاً فلا شيء عليه، وإن كان إعطاؤه بنية أن عند المستقرض فلوساً فأخذه حرام لأنه من القرض الذي جر منفعة.

‌وجوب القضاء من نفس العملة المستقرضة وإن تعذر فبسعر يوم القضاء

س: رجل استقرض بالريال السعودي، وكان ثمن الريال السعودي ريالين يمنيين، وعند القضاء صار سعر الريال

(1)

صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. حديث رقم (4867) بلفظ (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

أخرجه الترمذي في الحدود، والبر والصلة، والعلم، والقراءات، وأبو داود في الصلاة، والأدب، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة.

أطراف الحديث: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار.

معاني الألفاظ: الكربة: الضيق والشدة والغم الذي يأخذ بالنفس. الالتماس: البحث والطلب.

(2)

- سنن ابن ماجة: كتاب: باب. حديث رقم (2421) بلفظ (عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة) حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (1987).

انفرد به ابن ماجة.

(3)

صحيح البخاري: كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس: باب في استقراض الإبل. حديث رقم (390) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع عن رسول الله، والنسائي في البيوع، وابن ماجة في الاحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الوكالة، الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، الهبة وفضلها.

ص: 159

السعودي أربعين ريالاً يمنياً، وصاحب المال يطلب قضاءه بصرف هذه الأيام، فهل يقضي المستقرض بسعر صرف يوم القرض أم يوم القضاء؟

جـ: من استقرض بالريال السعودي فيجب عليه أن يقضي بالريال السعودي وإذا تعذر عليه القضاء بالريال السعودي فيقضي بالريال اليمني بصرف يوم القضاء، ومن استقرض دولارات فيقضي دولارات، ومن استقرض حبوباً ذهبية فيقضي حبوباً ذهبية، ومن استقرض جنيهات استرليني فيقضي جنيهات استرليني، ومن استقرض أيَّ عملة فيقضي من عين تلك العملة، وفي حالة ما إذا تعذر عليه إرجاع عين تلك العملة فيجب عليه القضاء بسعر صرف يوم القضاء، مهما بلغت الزيادة في سعر العملة المستقرضة.

س: رجل استدان من امرأة ذهباً على أن يقضيها عيناً ثم اغترب للعمل وطلبت قضاءها فقام بقضائها بالتقسيط حتى أتم تسليم ما يقابل قيمته كاملاً إليها، ثم ارتفع الذهب فطلبت منه إرجاع ذهبها عيناً، فهل لها حق في ذلك مع كونها قد قبضت المال؟

جـ: إذا كان قد قضاها وقبضت جميع ما أقرضته بلا نقص إما ذهباً وإما ريالات بقدر سعر الثمن في يوم القضاء ولم يبق عنده جراماً واحداً ولا عشره ولا عشر عشره ولا ما قيمته ريالاً واحداً وبرئت ذمته فلا حق لها في المطالبة له وقد برئت ذمته سواء سلم ما عنده ذهباً عيناً أو سلمها ريالات بقدر سعر الذهب في تاريخ التسليم، وقد برئت ذمته من جميع ما كان لديه لها وثبت لها أجر المقرض فقد ورد في فضل القرض عدة أحاديث منها حديث (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)

(1)

وحديث (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة)

(2)

ويكفيها الأجر الذي قد كتب الله لها.

س: أخذ رجل أكياس أسمنت من المسجد قرضاً وبعد مده زاد سعر الأسمنت فطالبته في ذلك فأفاد بأنه سيدفع ثمنهن بسعرها السابق، فهل يلزمه إرجاع ما أخذه من القرض من الإسمنت أو الثمن بسعر الآن؟

جـ: على من استقرض كمية من الإسمنت أو من الطعام أو من أي شيء من الأشياء التي توزن أو تكال فعليه أن يرد الكميه بذاتها سواءً كان كيساً واحداً أم عدة أكياس وسواءً كانت من أملاك المسجد أو من ملك أي مواطن وسواء رخص السعر أم غلى أم بقي على ما هو عليه فإنه لا بد للمستقرض من إعادة مثله إلى المقرض له عند طلبه، وإذا تعذر عليه إعادة مثله فلا مانع من أن يسلم قيمته بسعره يوم القضاء لا بسعره يوم أن استقرضه سواء ارتفع السعر أو رخص.

‌عدم جواز اقتضاء الدين من شخص أغلب أمواله من الحرام

س: شخص عنده لي مال وأريد اقتضاءه ولكني أعلم أن أمواله حرام، فهل يجوز لي أخذ حقي من حرام؟

جـ: إن غلب الحرام على الحلال فلا تأخذه، وإن غلب المباح على الحرام فخذه.

‌جواز طلب قضاء الدين تلميحاً أو تصريحاً

س: بعض الناس يستقرض ثم ينسى أو يتهاون في القضاء، فهل يجوز للإنسان أن يتقاضاه؟

(1)

صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (4867).

(2)

- سنن ابن ماجة: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن مسعود رضي الله عنه برقم (2421).

ص: 160

جـ: لا مانع أن يلمح له أولاً وإن لم يؤثر التلميح فلا مانع له من أن يصرح له بأن عنده له قرضة مبلغها كذا وكذا، ولا وجه لترك القضاء حياء منه.

‌وجوب السؤال دائماً عن المقرض لرد المال إليه

س: اقترضت مبلغا من المال من شخص ثم لم أجد الشخص هل أتصدق بالمال إلى روحه أم ماذا أعمل؟

جـ: اسأل عنه دائماً حتى ترجع له ماله.

‌وجوب إمهال المدين المعسر إلى أن ييسر الله عليه

س: شخص أدان شخصاً آخر مائة وسبعون ألف ريالاً لمدة شهر لكنه لم يستطع الوفاء في المدة المحددة فتوسط أناس بدفع ألف ريال يومياً وكتبوا ذلك وشهدوا عليه فهل عليهم إثم في ذلك؟

جـ: إذا صح أن المدين معسر فقد عذره الله بقوله {وَإِنْ كَانَ

ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}

(1)

‌وجوب إرجاع الزوج ما استقرضه من زوجته

س: احتاج زوجي لمشخص كان معي من مهري فأقرضته إلى ميسرة، وبعد فترة فتح الله عليه وتيسرت أموره وطالبته بالمشخص ولكنه كان يرد عليّ بألفاظ سيئة، ابتاع زوجي المشخص من أخته وبعد فترة استقرضت منه مبلغاً كبيراً من الدين ثم ردت له المشخص بدلاً عن الدين الذي عليها أودع الرجل المشخص عند ابنتي أمانة ولا زال عندها إلى الآن وهو غير ذاكر له، هل يجوز لي أخذه من عندها دون علمه كوني قد خسرت عليه في زواجها وأصرف على أولادي ملابسهم وفي دراستهم وصرفة للبيت علماً بأنه مقصر في صرفة البيت؟

جـ: يجب على الزوج نفقة الأطفال ونفقة زوجته لقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}

(2)

وقوله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}

(3)

ولحديث (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)

(4)

ولحديث (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

(5)

(1)

- البقرة: آية (280)

(2)

- الطلاق: آية (7)

(3)

- الطلاق: (6)

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الأحكام: بابالقضاء على الغائب. حديث رقم (2211) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ هِنْدًا قَالَتْ: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ، قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)

أخرجه مسلم في الأقضية، والنسائي في أداب القضاة، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي منسد الأنصار، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: النفقات، المظالم والغصب.

(5)

- صحيح مسلم: كتاب الحجـ: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (2941) بلفظ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنْ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْتُ، أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ شيئاً مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَقَرَأَ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ (إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ فَقَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

أخرجه البخاري في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الحج، والدارمي في المناسك.

معاني الألفاظ: نساجة: نوع من الأكسية والثياب المنسوجة.

المنكب: المفصل الذي بين العضد والكتف. المشجب: أعواد تعلق عليها الثياب ومتاع البيت. أذن: أعلم وأخبر. الإستثفار: أن تشد المرأة وسطها وتضع محل الدم خرقة. الإهلال: النية والتلبية. لزم: داوم على ترديد التلبية. استلم الركن: لمسه و قبله أولمسه فقط أو أشار إليه بيده فقط. الرمل: المشي السريع مع تقارب الخطى. الباب: باب بني مخزوم، ويسمى الآن باب الصفا. الإنصباب: الإنحدار. صعدتا: ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.

استقبلت: بدا لي أولا. الهدي: مايذبحه الحاج في حجه نسكا.

ص: 161

و يجب عليه إرجاع المشخص لصاحبته لحديث (لَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ)

(1)

و لحديث (أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ لِي ذَلِكَ)

(2)

ولحديث (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ

(1)

- مسند أحمد: كتاب أول مسند البصريين: باب حديث عمروبن يثرب. حديث رقم (20170) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ غَنَمَ ابْنِ عَمِّي أَجْتَزِرُ مِنْهَا شَاةً، فَقَالَ: إِنْ لَقِيتَهَا نَعْجَةً تَحْمِلُ شَفْرَةً وَأَزْنَادًا بِخَبْتِ الْجَمِيشِ فَلَا تَهِجْهَا، قَالَ: يَعْنِي خَبْتَ الْجَمِيشِ أَرْضًا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْجَارِ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ) حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7662).

انفردبه

معاني الألفاظ: أجتزر: أي أذبح.

(2)

صحيح مسلم: كتاب الجهاد: باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين. حديث رقم (4857) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ لِي ذَلِكَ).

أخرجه الترمذي في الجهاد عن رسول الله، والنسائي في الجهاد، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الجهاد، والدارمي في الجهاد.

معاني الألفاظ: تكفر: تمحى وتزال.

الإحتساب: رجاء الثواب والأجر من الله تعالى.

ص: 162

أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)

(1)

.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الأيمان: باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار. حديث رقم (196) بلفظ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)

اخرجه النسائي في أداب القضاة، وابن ماجه في الاحكام، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية، والدارمي في البيوع.

لايوجد للحديث مكررات.

معاني الألفاظ: اقتطع: امتلك حق اخيه المسلم ظلما بالحلف الكاذب.

ص: 163

الباب السادس: الشفعة

• جواز الشفعة في المختلط من الأموال والعقارات

• جواز الشفعة على أساس الخلطة لا الجوار في قانون المعاملات اليمني

• أحاديث شفعة الجار مقيدة بالجار المخالط

• وجوب دفع غرامة المشتري المشفوع بما يقدره عدلان مختاران

• عدم جواز الشفعة بالجوار

• عدم جواز الشفعة لمن عرض عليه البيع قبل بيع المبيع من شخص آخر

• جواز الشفعة بالاشتراك في الجدار

• جواز الشفعة في الشيء المنقول

• لا شفعة للجار الملاصق

• لا شفعة لمستأجر العقار

• لا دليل على شفاع الأولوية

• أسباب الشفعة الاشتراك في الشيء أو السبب الموصل إليه

• جواز الشفعة مع التراخي اليسير

• جوازشفاع ولي المولود الصغير لمصلحة الصغير

• يدفع الشافع ثمن يوم الشفعة لا ثمن يوم الشراء

• حق الزيادة في ثمن المال المشفوع للمشتري المشفوع

• الشركاء سواء في الشفعة وإن اختلفت نسب أملاكهم

• جواز حق الشفعة لكل الجيران في الشارع المنسد

ص: 164

‌الباب السادس: الشفعة

‌جواز الشفعة في المختلط من الأموال والعقارات

س: في ماذا تكون الشفعة؟

جـ: تكون الشفعة فيما هو مختلط من الأموال والعقارات لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ)

(1)

مثل الخلطة في الأموال والعقارات والبيوت والدكاكين ونحوها وتصح الشفعة في الاشتراك في الطريق أو المسقى أو الطرق الخاصة أو الشوارع الصغيرة المنسدة في المدن لأن حكم الشارع المنسد حكم الحوش للبيوت، أما الاشتراك في الشارع العام غير المنسد فلا يسبب الشفعة على القول الصحيح، وهو المعمول به الآن في المحاكم الشرعية في الجمهورية اليمنية.

س: إذا كان هناك شريكان باع أحدهما نصيبه من مستأجر الأرض، فهل للشريك الآخر الشفاع؟

جـ: حق الشفعة ثابت لكل شريك مشارك شركة خلطة لشريكه سواء كان مستأجراً أولا، والاستئجار ليس بسبب شرعي إنما السبب الشرعي هو الخلطة لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ).

‌جواز الشفعة على أساس الخلطة لا الجوار في قانون المعاملات اليمني

س: هل يجيز قانون المعاملات المدنية اليمني الشفعة على أساس الخلطة أم الجوار؟

جـ: يجيز القانون اليمني الشفعة إذا كانا مختلطين ولا يجيز الشفعة بالجوار.

س: هل سبب الشفعة يكون بالخلطة وبالجوار أم بالخلطة فقط؟

جـ: الشفعة بالخلطة مسألة مجمع عليها لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ) أما الشفعة بالجوار فمسألة فيها خلاف بين العلماء، علماء الهادوية يقولون: بجواز الشفعة بالجوار، والشوكاني يقول: لا شفعة إلا بالخلطة لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ) ولا شفعة بالجوار، والقول الأخير هو المعمول به في الجمهورية اليمنية من بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر إلى الآن، وقد كان المعمول به قبل الثورة (الشفعة بالجوار) على ما ذهب إليه الهادوية ونص عليه مؤلف الأزهار.

‌أحاديث شفعة الجار مقيدة بالجار المخالط

س: ما المراد بأحاديث شفعة الجار؟

جـ: هي مقيدة بالجار المخالط لأنه لا شفعة إذا قد حددت الحدود وصرفت الطرق لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب بيع الأرض والدور والعروض مشاعاَ غير مقسوم. حديث رقم (2097) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في الأحكام، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع، الشركة.

معاني الألفاظ: الشفعة: أولوية الشريك في حق التملك بعوض.

ص: 165

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ) والمراد بلفظ الحديث (الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ)

(1)

هو الجار المخالط لا الملاصق، لأن لفظ الجار كما يطلق على الجار الملاصق يطلق على الجار المخالط.

‌وجوب دفع غرامة المشتري المشفوع بما يقدره عدلان مختاران

س: مجموعة من الأخوة باعوا قطعة أرض وأحدهم كان غائباً فحضر الأخ الغائب فشفع بعد أن تصرف المشتري في المبيع وخسر في عمل القطعة، فهل تثبت له الشفعة؟ وما حكم غرامته؟

جـ: الشفعة ثابتة لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ)، ويقدر عدلان مختاران من الطرفين غرامة المشتري ويعطى قدر غرامته.

س: اشترك اثنان في دكان فباع أحدهما نصيبه من هواء الدكان فهل للآخر أن يشفع الهواء؟

جـ: ليس لمن في الطابق الأسفل أن يشفع من في الطابق الأعلى.

‌عدم جواز الشفعة بالجوار

س: توجد أرض مختلطة في محل واحد وهي ملك لرجلين، وقد قام أحدهما بإشراك أرضه لرجل آخر وبعد فترة باع أرضه من الشريك المذكور، وكان جاره غائباً وحينما عاد الرجل من المهجر علم بالبيع طالب أن يشفع في البيع بحجة دعوى الجوار، ورفض المشتري التنازل عن البيع مع العلم أنها توجد أحكام في جواز الشفاع بالجوار، فهل يحق للرجل المطالبة بالشفعة أم أنه لا يحق؟ وما هو الحكم في هذه القضية؟

جـ: إذا كان الشافع خليطاً في المال المشفوع فله حق المطالبة بالشفعة بإجماع العلماء لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ)، أما إذا كان مجاوراً فقط وليس بخليط ففيه خلاف بين العلماء، فمن العلماء من أجاز الشفعة بالجوار ومنهم من لم يجز الشفعة بها والذي رجحته وزارة العدل والمحكمة العليا للنقض والإقرار هو القول الثاني أي قول من يذهب إلى عدم جواز الشفعة بالجوار، وبناءً على ذلك فالذي نوصي به الشافع هو عدم فتح دعوى الشفعة مهما لم يكن هذا الشافع خليطاً للمشفوع في المال الذي يريد أن يشفع فيه المشتري من الجار المذكور في السؤال لأن الحكم من الحاكم سيكون في غير صالحه لعدم وجود سبب قوي لهذه الشفعة حيث والجوار ليس سبباً مجوزاً للشفعة في المذهب المعمول به الآن والمطبق في جميع المحاكم الشرعية في محافطات ونواحي الجمهورية اليمنية، وأما ما قلته من الأحكام السابقة التي جرت من بعض الحكام الذين كانوا يحكمون بالشفعة بالجوار فهو مبني على المذهب الأول الذي يجعل الشفعة مشروعة للجار كما هي للخليط وهذا المذهب هو المذهب الذي كان مطبقاً قبل الثورة، وأما الحديث الدال على أن الشفعة بالجوار جائزة فالمراد بالجار الذي جاء في حديث (الْجَارُ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الشفعة: باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع. حديث رقم (2098) بلفظ (عن عمرو بن الشريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا سعد ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد: والله ما أبتاعهما فقال المسور والله لتبتاعنهما، فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة، قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمس مائة دينار ولولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الجار أحق بسقبه، ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمس مائة دينار فأعطاها إياه).

أخرجه النسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند الأنصار من مسند القبائل.

أطراف الحديث: الحيل.

ص: 166

أَحَقُّ بِسَقَبِهِ)

(1)

هو الجار المخالط لا من كان جاراً غير مخالط، والدليل على هذا أنه قد ورد حديث آخرهو حديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ) وهو يدل على أنه لا شفعة لأحدٍ مهما كانت قد حددت الحدود، وصرفت الطرق، وإذا كانت المسألة التي ذكرتها في السؤال قد تعينت فيها الطرق وحددت الحدود ولم يكن بين المالك الأصلي والمالك الجديد اختلاط فلا شفعة فيها، أما إذا كانت المسألة مبنية على أن المال مختلط ولم يكن قد تعين الملك في جهة مخصوصة ولا تحدد ملك كل واحد من حدود معينة فلا مانع للمالك الأصلي من المطالبة بالشفاع فيما لا زال مختلطاً ومشاعاً، والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال:(الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ) وقال أيضاً: (فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ) ولهذا اختلف العلماء في حكم الشفعة بالجوار فمن العلماء من ذهب إلى أن الشفعة تكون في الجار الذي ليس بخليط كما تكون للخليط، ومنهم أهل المذهب الهادوي ومن وافقهم محتجين بالحديث الأول (الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ) وعليه كانت الأحكام في الماضي ومنها الأحكام التي اطلع عليها السائل في سؤاله هذا، ومن العلماء من ذهب إلى أن الشفعة لا تكون للجار إلا إذا كان شريكاً لجاره أي خليطاً له في الملكية، ولم يكن قد تعين كل ملك بحدود معروفة معينة، ولا كان كل واحد من الملكين منفرداً، أما الجار الذي لم يكن مخالطاً بل كان ملكه منفرداً بحدود معينة فلا شفعة له، ومن هؤلاء شيخ الإسلام الشوكاني وغيره وهو الذي اختارته وزارة العدل ومحكمة النقض العليا وعملت بموجبه المحاكم الشرعية في جميع أنحاء الجمهورية اليمنية عملا بحديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ).

‌عدم جواز الشفعة لمن عرض عليه البيع قبل بيع المبيع من شخص آخر

س: إذا عرض الشريك البيع على شريكه قبل أن يبيعه من رجل آخر، فهل له حق الشفعة بعد أن قد عرض عليه الشريك الشراء فرفض أم لا؟

جـ: علماء الهادوية قالوا: له حق الشفعة لأنه لا شفعة عند العرض عليه لأنه لا يصح الشيء قبل أوانه، وعند الشوكاني: أنه لا شفعة له لأنه قد عرض عليه، لحديث (لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ)

(2)

وهو الذي اختارته المحكمة العليا.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الشفعة: باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع. حديث رقم (2098) بلفظ (عن عمرو بن الشريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا سعد ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد: والله ما أبتاعهما فقال المسور والله لتبتاعنهما، فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة، قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمس مائة دينار ولولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الجار أحق بسقبه، ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمس مائة دينار فأعطاها إياه).

أخرجه النسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند الأنصار من مسند القبائل.

أطراف الحديث: الحيل.

(2)

صحيح مسلم: كتاب المساقاة: باب الشفعة. حديث رقم (3017) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ).

أخرجه الترمذي في الأحكام، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: المساقاة.

معاني الألفاظ: الشفعة: أولوية الشريك في حق التملك بعوض. الربعة: الدار والمسكن ومطلق الأرض. الحائط: البستان.

آذن: أعلم وأخبر.

ص: 167

‌جواز الشفعة بالاشتراك في الجدار

س: إذا كان هناك اشتراكاً في جدار دكان، فهل تجوز به الشفعة؟

جـ: تجوز الشفعة في جدار الدكان بأن يكون الجدار نصفين والأرض التي تحت الجدار نصفين، أما في الدكان فلا، لأن الاشتراك إنما هو في الجدار فلا تصح الشفعة إلا في الجدار.

‌جواز الشفعة في الشيء المنقول

س: هل تكون الشفعة في الشيء المنقول؟

جـ: نعم، تكون الشفعة في الشيء المشترك المنقول مثل: الجنبية المشتركة بين الورثة أو مضخة البئر المشتركة أو أيِّ شيئ منقول مشترك لا مانع لبقية المشتركين من طلب الشفعة من المشتري لنصيب البائع لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ).

‌لا شفعة للجار الملاصق

س: هل الشريك المخالط يسمى جاراً؟

جـ: الجار ينقسم إلى قسمين: جار شريك في أصل المبيع أو شريك في الطريق الخاص أو المسقى أو الشارع المنسد أو نحوه فهذا له حق الشفعة، أما الجار الملاصق الذي ملكه ملاصق لملك البائع فلا شفعة له لحديث (فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ) والحديث صحيح.

س: يوجد رجل معه أرض باعها من رجل آخر فجاء أحد المجاورين المالكين لأرض مجاورة لهذه الأرض المباعة للمشتري فطلب من المشتري الشفعة فكان جواب المشتري على الشافع ليس لك حق في الشفعة وقد انتهت أيام الشفعة؟ فأفيدونا هل صحيح بأن أيام الشفعة قد انتهت؟ وما معنى انتهاء الشفعة؟ هل المراد أن مشروعيه الشفعة قد نسخت؟

جـ: اعلم بأن الشفعة من حيث هي لم تنته ولم تنسخ وإنما هي مشروعة من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لكنها تنقسم إلى شفعة بالخلطة والاشتراك، وإلى شفعه بالجوار: فالشفعة بالاشتراك والخلطة متفق عليها بين العلماء ولا يزال حكمها باقياً ومعمولاً به ومطبقاً إلى عصرنا هذا لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ)، وأما الشفعة بالجوار ففيها خلاف بين العلماء فمن العلماء من أثبتها وهو قول الهادوية وأبي حنيفة وهو الذي كان العمل بموجبه في بلادنا قبل الثورة، ومن العلماء من لم يثبت الشفعة بالجوار وهو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد بن حنبل والإمامية الجعفرية وهو المعمول به في المحاكم الشرعية من عقيب الثورة إلى يومنا هذا، فالذي قال بأن حكم الشفعة قد انتهى أراد بأن الرأي الفقهي الذي قال به الهادوية والحنفية وهو الذي ينص على مشروعية الشفعة بالجوار والذي كان مطبقاً في المحاكم الشرعية في بلادنا قد تعقبه ترجيح الرأي الفقهي الآخر الذي ينفي مشروعية الشفعة بالجوار، وأصبح هذا الرأي هو المطبق الآن في جميع المحاكم الشرعية في نواحي الجمهورية اليمنية عملاً بقول مالك وتلميذه الشافعي وتلميذ الشافعي أحمد بن حنبل وهو مذهب الجعفرية أيضاً وسبب ذلك هو أن مسألة الشفعة بالجوار ليست من المسائل القطعية التي تواترت فيها النصوص الصريحة وأجمع العلماء عليها بل هي من المسائل الظنية الأحادية التي اختلف فيها العلماء لأن أدلتها من ناحية الإسناد أحادية غير متواترة كما أنها من جهة المتن ليست من الأدلة الصريحة الدالة على مشروعيتها بالنص الصريح الخالي عن المعارضة،

ص: 168

وأما كونها مما لم يجمع عليه العلماء فلأن الخلاف حاصل من عصر السلف إلى يومنا هذا، وأما كونها من المسائل الظنية فلأن ما ورد فيها لا تزيد روايته على الآحاد كما أن دلالته ليست صريحة في الدلالة على المقصود ولا هي خالية عن المعارضة بدليل آخر، وذلك أن الدليل الدال على شفعة الجوار هو حديث (الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ)

(1)

وإن كان صحيحاً فهو أحادي، ويحتمل أن يكون المراد بالجار هو الملاصق مطلقاً أو الملاصق المقيدة ملاصقته بكون الطريق واحدة فيما بين الشيء المشفوع والشيء المشفوع به، أو المراد بالجار إذا كان الجار خليطاً وشريكاً فمن ذهب إلى مشروعية الشفعة بالجوار وهم الهادوية والحنفية عملوا بهذا الحديث لكونه قد أطلق ولم يقيد بجوار لكون الطريق واحدة، ولا بكونه قبل القسمة، ولا بكونه خليطاً، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم فعملوا بموجبه ومن لم يذهب إلى مشروعية الشفعة بالجوار قيدوه بكون الطريق واحده بدليل حديث (الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، يُنْتَظَرُبِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، إِذَاكَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا)

(2)

وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد والترمذي وصححه فحملوا المطلق على المقيد كما قيدوه بكون ذلك قبل القسمة، أما بعد القسمة فلا شفعة واحتجوا على ذلك بحديث جابر في البخاري وغيره (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ) فحملوا الحديث المطلق على هذا المقيد أي أنهم لم يثبتوا الشفعة إلا في الخلطة قبل القسمة وقبل تحديد الحدود أو في الجوار إذا كان الجاران مختلطين في الطريق أو في مجاري الماء فمن كان جاراً وليس بخليط ولا شريك في الطريق ولا في طرق الماء كان جاراً مجاوراً فقط وليس بخليط ولا شريك في الطريق ولا في الماء وماله قد حدد بحدود خاصة فله الشفعة بسبب الجوار لأن الجوار أي جوار يكون سبباً للشفعة ما دام ملاصقاً لجاره حيث وهو أحق بسقبه على القول الأول، أما على القول الثاني فلا يكون الجار الملاصق ممن له حق في المطالبة بشفعة إذا لم يكن خليطاً أو شريكاً في الطريق أو في طريق الماء حيث قد دلت الأدلة على اشتراط الخلطة والاشتراك في الطريق أو مسقى الماء وهذا هو القول الراجح لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ).

والخلاصة لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:

أولاً: شفعة الخليط قبل القسمة وقبل تحديد ملك كل واحد ثابتة ومشروعه عند الهادوية والحنفية والشافعية ومالك وأحمد والجعفرية لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ).

ثانياً: الشفعة بالجوار الذي لم يكن فيه خلطه ولا اشتراك في شيء مشروعه عند الهادوية والحنفية وهو المعمول به قبل الثورة في اليمن.

ثالثاً: الشفعة بالجوار الذي لم يكن فيه خلطه ولا اشتراك في شيء غير مشروعه عند مالك والشافعي وأحمد والجعفرية وهو المعمول به من بعد الثورة إلى يومنا هذا.

(1)

صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه برقم (2098).

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الأحكام: باب ما جاء في الشفعة للغائب. حديث رقم (1290) بلفظ (عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجار أحق بشفعته ينتظر به وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1369).

أخرجه أبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: الشفعة: أولوية الجار أو الشريك في حق التملك بعوض.

ص: 169

رابعاً: أدله شفعة الجوار ظنية من ناحية السند والدلالة وخلاف بين العلماء فيها.

خامساً: القول بعدم الشفعة بالجوار الذي ليس فيه خلطة ولا اشتراك في أيِّ شيء هو الراجح.

سادساً: من أثبت الشفعة بالجوار مطلقاً عمل بالحديث المطلق وهو (الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ)

سابعاً: من لم يعتمد الشفاع بالجوار إلا مع الاشتراك في الطريق الخاصة أو طريق الماء عمل بالحديث المقيد (قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ) وهو الذي اشترط أن تكون الطريق واحدة.

‌لا شفعة لمستأجر العقار

س: إذا كان الإنسان مستأجراً لبيت أو دكان أو أرض أو نحوه فباعه المالك من شخص آخر، فهل للمستأجر الشفاع بحجة أنه مستأجر ومحتاج للعين المباعة وأنه الأولى بها؟

جـ: ليس له حق الشفاع بالاستئجار ولا يشفع إلا إذا له سبب من أسباب الشفاع لأنه لم يرد أن المستأجر أولى بالمباع من المشتري لا في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع ولا في مذهب من المذاهب الإسلامية.

‌لا دليل على شفاع الأولوية

س: هل شفاع الأولوية مشروع؟

جـ: لم يرد به حديث وإنما هو اجتهاد استحسنه بعض العلماء استحساناً ولا دليل عليه.

‌أسباب الشفعة الاشتراك في الشيء أو السبب الموصل إليه

س: ما هي أسباب الشفعة؟

جـ: هي الاشتراك في الشيء أو السبب الموصل إليه كالاشتراك في البيت مثلاً أو في الحوش أو الدرج أو الشارع المنسد، أو كالاشتراك في مسقى المزرعة أو الطريق الخاصة أو في وسائل السقي كمواسير الماء ونحوها.

‌جواز الشفعة مع التراخي اليسير

س: هل الشفعة على الفور أم على التراخي؟

جـ: الشفعة على الفور وبالغ بعض علماء الهادوية إلى درجة أن الشافع يقدم إعلان شفعته قبل السلام، فيقول: أنا شافع السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والشوكاني: الشفعة عنده على التراخي.

‌جوازشفاع ولي المولود الصغير لمصلحة الصغير

س: هل يصح شفاع الرجل الصغير غير البالغ؟

جـ: نعم، تصح ويشفع له وليه أو الوصي عليه أو المنصوب عنه من الحاكم الشرعي مهما كان للصغير مصلحة في الشفاع، وإلا فلا يشفع له أحد إذا لم يكن له مصلحة.

‌يدفع الشافع ثمن يوم الشفعة لا ثمن يوم الشراء

س: إذا باع شخص قطعة أرض لتكون أرضية لعمارة بيت قبل سنة فارتفع ثمن الأرض فجاء من يريد الشفعة لا لأجل مضارة أو احتياج إلى الأرض وإنما رغبة في الربح الزائد على ثمن الشراء، فهل يدفع بثمن يوم الشراء أم يوم الشفعة؟

جـ: قررت وزارة العدل أن في مثل هذه المسألة يدفع الشافع ثمن يوم الشفعة لا ثمن يوم الشراء، ويقدر ثمن يوم

ص: 170

الشفعة بتقدير عدلين خبيرين، وهذا اجتهاد من قضاة وزارة العدل لأن معظم الشافعين لا يشفعون إلا رغبة في المبلغ الزائد على ما في بصيرة الشراء، وقرار وزارة العدل جاء حلاً لكل مسائل الرغبة في الشفعة من أجل الزيادة في الثمن.

س: اشترى رجل أرضاً مجاورة لأرض رجل آخر ولما طالب بأنه يحق له أن يشفع المبيع تآمر البائع والمشتري على رفع ثمنها ارتفاعاً غير معقول أفتونا في هذه القضية؟

جـ: لا شفعة لهذا الشافع إلا بثمن الزمان والمكان بقدر ما يقدره عدلان خبيران.

‌حق الزيادة في ثمن المال المشفوع للمشتري المشفوع

س: قلتم أن الشفعة في حالة مرور مدة على الشراء تكون بسعر الزمان والمكان فلمن تكون الزيادة في الثمن هل للبائع الأول أو الثاني؟

جـ: تكون للبائع الثاني أما البائع الأول فلم يبق له حق لأنه قد باع.

‌الشركاء سواء في الشفعة وإن اختلفت نسب أملاكهم

س: إذا تعدد الشركاء، فمن أحق بالشفعة منهم؟

جـ: لكل شريك من الشركاء حق في الشفعة لمن يريد الشفعة ويكونون سواء في الشفعة ولو اختلفت نسب أملاكهم، فيشفع من يملك نصف لبنة من المباع مثل من يملك خمسين لبنة، والرجال والنساء سواء في حق الشفاع.

والخلاصة: أن العبرة بالرؤوس لا بقدرالانصباء.

‌جواز حق الشفعة لكل الجيران في الشارع المنسد

س: إذا بيع بيت في شارع منسد، فهل يكون لجميع الجيران حق الشفعة؟

جـ: نعم، يجوز لجميع الجيران حق الشفعة ويكون البيت مشتركاً بينهم وتكون الشفعة بينهم على عدد الرؤوس، فمن له نصف بيت يكون له الحق في الشفعة مثل من يملك ثلثي البيت أو ثلاثة أرباع البيت.

ص: 171

الباب السابع: الإجارة

• شروط الإجارة

• جواز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن الكريم

• جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم

• جواز مرتبات مدرسيِّ تحفيظ القرآن الكريم

• تحريم الأجرة على نفس الأذان أو أداء الشهادة والأجرة التي تعطى هي لمقابل الوقت

• إذا لم تكن الأجرة معلومة فيستحق الأجير أجرة المثل

• وجوب وفاء المؤجر المستأجَر بالأجرة المعلومة فور انتهاء عمله

• تحريم استئجار الإنسان لعمل محرم

• تحريم تأجير عسب الفحل

• تحريم أجرة الكهانة

• تحريم مهر البغي المراد به في الحديث أجرة الزنا

• كراهة أجرة الحجام

• تحريم كل إجارة فيها جهالة

• جواز تأجير الأرض لمدة معلومة

• تحريم تأجير الأرض بما يخرج من جزء معلوم محدد منها

• تحريم استئجار دكاكين عمرت فوق القبور

• شبهة تأجير محل للعب (الأتاري)؟

• تحريم تأجير عمارة أو أرض لعمل محرم

• تحريم تأجير أيِّ عمارة لإنتاج أشرطة وأفلام أغاني محرمة

• تحريم طلب الأمناء مبالغاً كبيرة على كتابة بصائر البيع والشراء

• أجرة إصلاح الأرض المستأجرة عقيب السيول والأمطار بحسب عرف المنطقة

• تحريم أخذ الأجر في بيع البترول أو غيره زيادة على سعر السلعة المحدد من المالك

• المستأجر الذي أحيا الأرض بغرس أشجار مثمرة يقدر غرامته وأجرة عمله عدلان خبيران

• وجوب تقدير عدلين أجرة من أصلح الأرض الصالبة لزراعتها وغرسها بالأشجار

• المستأجر لا يضمن ما يحدث من خلل في العين المؤجرة إلا إذا جنى أو فرط في الحفظ

• إذا مات المريض بسبب المعالجة فالطبيب المختص لا يضمن ويضمن المتطبب

• وجوب تضمين المستؤجر لعمل شيء فأتلفه أو مواده وهو ليس ذو خبرة في العمل

• جواز استئجار الكفار إذا لم يكونوا محاربين

ص: 172

• عدم جواز تأجير المستأجر العين المؤجرة لمستأجر آخر

• تحريم أخذ مال لمقابل خروج المستأجر من العين المؤجرة وهو ما يسمى بحق المفتاح

• جواز أخذ نسبة بقدر العمل للعاملين في جمع التبرعات للأعمال الخيرية

• الحق في استئجار الأرض لمن استأجرها من المؤجر بعد موت المستأجر السابق

• جواز استئجار وسائل المواصلات بأجرة معلومة في اليوم بحسب التراضي بين المؤجر والمستأجر

• تحريم تأجير مبنى ليكون كنيسة

ص: 173

‌الباب السابع: الإجارة

‌شروط الإجارة

س: ما هي شروط الإجارة؟

جـ: يجب أن تكون الإجارة على شيء جائز وأن تكون الإجارة معلومة لدى المؤجر والمستأجر.

‌جواز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن الكريم

س: ما حكم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن الكريم؟

جـ: هي جائزة لحديث (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ)

(1)

وفيه دليل على جواز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن الكريم، وقد ألف العلامة المجتهد (محمد إسماعيل الأمير) رحمه الله رسالة قيمة رجح فيها الجواز وسماها (إقامة الحجة والبرهان على جواز أخذ الأجرة لتلاوة القرآن) فمن أحب الإطلاع عليها فلا مانع له، فقد طبعت مرتين ثم له حق أن يقتنع بما فيها وله الحق أن يرد عليها رداً علمياً بالأدلة الشرعية والقواعد المرعية.

س: ما حكم من يؤجر على قراءة سورة (يس) عند الموت؟

جـ: العلماء اختلفوا في حكم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن فمن العلماء من منعه ومنهم من أجازه، وقد احتج المانعون من أخذ الأجرة على تلاوة القرآن بأن ذلك من باب الرياء وهو محرم شرعاً وأجيب عن هذا الاحتجاج بأنه في غير محله وخارج عن النزاع لأن الرياء من أفعال القلب وهو فعل الأمر المستحسن ليراه غير الفاعل فيثني عليه أو فعل يفيد الطاعة أو ترك المعصية مريداً بذلك حصول شرف في الدنيا، فأين الرياء هذا من تلاوة القرآن بأجرة معلومة قد أجاز أخذها الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي؟! كما احتجوا أيضاً بحديث عمران ابن حصين مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَسَلُوا اللَّهَ تبارك وتعالى بِهِ، فَإِنَّ مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ)

(2)

أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني والبيهقي، وأجيب عنه بأن هذا الحديث دليل على تحريم تلاوة القرآن للاستجداء وسؤال المخلوقين كما يفعله بعض القراء الذين يتلون القرآن في أبواب المساجد ليعطيهم الناس صدقة، ولا يدل على تحريم تلاوة القرآن بالأجرة لا بالمطابقة ولا بالالتزام ولا بالتضمن ولا بالمفهوم ولا بالمنطوق، واحتجوا بحديث أبي سعيد مرفوعاً عند أبي نصر والبيهقي (تعلموا القرآن وسلوا به الجنة قبل أن يتعلم قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأ لله عز وجل

(3)

،

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الطب: باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم. حديث رقم (5405) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ).

انفرد به البخاري.

(2)

مسند أحمد: أول مسند البصريين: حديث عمران بن حصين. حديث رقم (19093) بلفظ (عَنِ الْحَسَنِ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَحَدُنَا آخِذٌ بِيَدِ صَاحِبِهِ فَمَرَرْنَا بِسَائِلٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَاحْتَبَسَنِي عِمْرَانُ وَقَالَ قِفْ نَسْتَمِعْ الْقُرْآنَ فَلَمَّا فَرَغَ سَأَلَ، فَقَالَ عِمْرَانُ: انْطَلِقْ بِنَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَسَلُوا اللَّهَ تبارك وتعالى بِهِ، فَإِنَّ مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (11069).

(3)

سنن البيهقي: شعب الإيمان: حديث رقم (2630) بلفظ (عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعلموا القرآن وسلوا به الجنة قبل أن يتعلم قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأ لله عز وجل.

ص: 174

والجواب أن هذا الحديث لا يدل على تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن ولا يصدق على من يأخذ أجرة على تلاوة القرآن التي قد دلت على جوازها الأدلة الصريحة الصحيحة التي سيأتي ذكرها في آخر هذا الجواب كحديث (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) وغيره من الأحاديث الدالة على جواز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن الكريم التي سيأتي بعضها إن شاء الله، وأقرب من يحمل عليه الأكل بالقرآن ويصدق عليهم هذا الحديث هم الذين يحرفون القرآن عن موضعه ويقلبون معانيه كالخوارج والباطنية والقرامطة وغلاة الصوفية كابن عربي الذي جعل العذاب الأليم من العذوبة ومن الملائمة وغيرهم ممن حرف القرآن عن معانيه وفسره بما ينافي مدلوله العربي لينالوا عند المتبعين لهم الرتب العلية والأموال الكثيرة، وقد نص على معنى جميع ما ذكرته العلامة المجتهد الكبير (محمد بن إسماعيل الأمير) رحمه الله في (إقامة الحجة والبرهان) رداً على شيخه العلامة محمد حيوة السندي المدني الذي حرم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن، إذا عرفت هذا عرفت أن من تلا كلام الله مريداً وجه الله وأخذ أجرة على تفريغ ساعات من وقته للتلاوة ووهب أجر تلاوته لعبد من عبيد الله فإنه لا يعد ممن يأكل بكلام الله، ولا يقول هذا من له أدنى إلمام بالمعارف العلمية بعد إقرار الرسول لأخذ أجرة الرقية بالقرآن في حديث (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) وجعله صلى الله عليه وسلم تعليم بعض آياته مهراً للزوجة في حديث (مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّهَا قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ)

(1)

كما قاله العلامة الأمير، وهكذا احتج المانعون لأخذ الأجرة على تلاوة القرآن بحديث عبادة أنه قال قلت يا رسول الله إن رجلاً أهدي إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب لأرمي به في سبيل الله قال (علَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، فَقُلْتُ: لَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَأَسْأَلَنَّهُ فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا)

(2)

أخرجه أبو داود وابن ماجة، وأجيب عنه بأن الحديث ضعيف لأنه من رواية مغيرة ابن زياد عن عبيد بن نسي وقد قال فيه الإمام أحمد أنه ضعيف له مناكير وقد أخرج من طرق أخرى كلها معلولة وعلى فرض أنه صحيح فلعل النبي لم يقل هذا القول إلا لأن عبادة علم القرآن جماعة من أهل الصفة الفقراء

(1)

- صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن: باب القرآءة عن ظهر غيب. حديث رقم (5087) بلفظ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شيئاً جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ، هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي، قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّهَا قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الوكالة، النكاح.

(2)

سنن أبي داود: كتاب البيوع: باب في كسب العلم. حديث رقم (2964) بلفظ: (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، فَقُلْتُ: لَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَأَسْأَلَنَّهُ فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3416).

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

ص: 175

مبتغيا بتعليمهم وجه الله فلما أراد أخذ القوس أخبره النبي بأنه أخذ شيئاً لا في مقابله شيء وأنه سيبطل به ما جعله لله خالصاً فيأثم بقبوله، وعلى فرض أن هذا التأويل بعيد فليس فيه دلالة على تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن وإنما قد يدل على تحريم أخذ الأجرة إلى مقابل تعليم الأخذ المأخوذ منه القرآن، وهذه مسألة أخرى وهي مسألة هل يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن أو لا يجوز أخذها وقد أجاز أخذ الأجرة إلى مقابل تعليم القرآن عطاء ومالك والشافعي والقاسم وأبو ثور وجمهور من العلماء وحرمه أحمد وإسحاق والهادوية والحنفية والكلام حول ما احتج به كل فريق لرأيه في المسألة الأخيرة طويل، وعلى فرض أن حديث عبادة صحيح وصريح في الدلالة على تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن فهو معارض بما هو أصح سنداً وأصرح دلالة وهو حديث ابن عباس عند البخاري وغيره مرفوعاً (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) وحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال كنا في سرية فنزلنا فجاءت جارية فقالت إن سيد الحي سليم (أي لديغ) وإن نفرنا غيب فهل منكم راق فقام معها رجل فرقاه فبرأ فأمر له ثلاثين شاة وسقانا لبناً فلما رجع قلنا له أكنت تحسن أو ترقي قال مارقيت إلا بأم الكتاب قلنا لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي فقال صلى الله عليه وسلم وما كان يدريه أنها رقية، أقسموا واضربوا لي معكم بسهم وأخرجه مسلم وأبو داود، وفي رواية أن أبا سعيد هو الذي رقا ذلك اللديغ، ووجه دلالة حديث (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) على جواز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن أنه أتى بلفظ عام إذ كلمة (ما) هنا بمعنى (شيء) فهو في قوة أحق شيء أخذتم عليه أجراً كتاب الله فيعم كل نوع ما استأجر على كتاب الله من رقية أو كتابة أو تلاوة بل ويعم التعليم أيضاً الذي اختلف في حكم أخذ الأجرة إلى مقابلة، فمنعه الحنفية والهادوية وأحمد وإسحاق، وأجازه عطا ومالك والشافعي والقاسم وأبو ثور والجمهور كما سبق في جوابي هذا، وكونه سيق في سبب خاص وهو الرقية لا يقصر عليه لما علم في الأصول أن (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) ويؤيد هذا الحديث الدال على جواز أخذ الاجرة على تلاوة القرآن حديث سهل بن سعد الدال على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل تعليم بعض سور القرآن مهراً للمرأة التي زوجها النبي الصحابي في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهمار في حديث (مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّهَا قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ)، ومن جملة ما احتج به المانع من أخذ الأجرة على تلاوة القرآن أن في أخذها زهداً عن الثواب وأجيب عنه بأن النبي قد أقر الصحابي على أخذ الأجرة على الرقية وعقد للمرأة بالصحابي الذي رغب في زواجها وجعل التعليم مهراً لها كما أن الأدلة قد دلت عموماً على جواز أخذ الأجرة على كل عمل يعمله الإنسان لغيره سواء كان العمل قولياً أو فعلياً فأخذ الأجرة في مقابل تلاوة القرآن داخل في العموم علاوة على دخلوه نصاً في الأدلة الدالة على جواز أخذ هذه الأجرة على جهة الخصوص، هذه خلاصة ما قاله الشيخ محمد حيوة السندي وخلاصة ما أجاب عنه العلامة الرباني (محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني) والراجح عندي هو ما قاله العلامة الأمير قدس الله روحه ونور ضريحه.

س: هل عندما يأخذ التالي الأجرة على تلاوة القرآن هل يكون على جزء أم على سورة أم على ما استطاع؟

جـ: اعلم أنه لا مانع من قراءة بعض السور أو الآيات أو الأجزاء ولا بد من النظر فيما يقول المعطي للتالي عند تسليمه المبلغ الذي قرر أن يسلمه، هل في أجزاء من القرآن؟ أو سورة؟ أو المصحف؟ ليشفي المريض أو لأيِّ غرض آخر، فيأخذ المبلغ أي التالي على حسب ما اشترط عليه المعطي.

ص: 176

‌جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم

س: هل يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم؟

جـ: علماء العصر أجازوا أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم عملاً بالمصلحة المرسلة، والأجرة تؤخذ لمقابل الوقت الذي سيقضيه معلم القرآن في تعليم القرآن الكريم لأن من هو مؤهل لتعليم القرآن الكريم معه أسرة وهو بحاجة إلى أن يعولهم فإذا لم يأخذ أجرة فسيضطر لترك تعليم القرآن ويبحث له عن عمل ليعول منه أسرته، وإذا تشاغل الناس كلهم بأعمال البحث عن المعاش فسيهمل القرآن الكريم ولم يوجد من يعلم الصبيان القرآن الكريم ويؤدي إلى جهل المسلمين بالقرآن الكريم، وتعلم القرآن وتعليمه لمن يجهله واجب على المسلمين، لذا أجاز علماء العصر أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم، أما إذا قلنا بتحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن ضاع القرآن الكريم لأن الناس سيتراكنون على تعليمه ولا نجد من يقوم بتعليم القرآن لأطفال المسلمين لأن كل أب مشغول بأعماله الخاصة، ولذا قرر العلماء جواز أخذ الأجرة لمقابل تلاوة القرآن لأنه من المصالح المرسلة التي لا بد منها.

‌جواز مرتبات مدرسيِّ تحفيظ القرآن الكريم

س: ما حكم مرتب مدرس تحفيظ القرآن؟

جـ: قال علماء العصر: يجب على الدولة أن تعطي معلم القرآن مرتباً لكي يقوم بتعليم الأبناء القرآن الكريم.

س: شخص درس دبلوم قرآن وعلومه بنية العمل والوظيفة، فهل يحق له أخذ راتب من هذه الوظيفة والنية على هذا الحال؟

جـ: لا مانع من أخذ المرتب إلى مقابل العمل.

‌تحريم الأجرة على نفس الأذان أو أداء الشهادة والأجرة التي تعطى هي لمقابل الوقت

س: هل أجرة المؤذن أو الشاهد جائزة أم محرمة؟

جـ: أجرة المؤذن على نفس الأذان حرام لحديث (إِنَّ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا)

(1)

وإنما الأجرة التي تعطى للمؤذن هي لمقابل الوقت الذي يقضيه في انتظار الأذان وإلى مقابل المداومة، وكذا الشاهد لا يجوز له أخذ الأجرة على أداء الشهادة لأن أداء الشهادة واجب على الشاهد كمافي قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}

(2)

وقوله تعالى {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}

(3)

وإنما يعطى أجرة إلى مقابل الوقت الذي يقضيه في الذهاب والإياب إلى المحكمة، أما إذا وجد الشاهد في المحكمة فطلب منه أداء الشهادة فلا يعطى أجرة لأنه لم يصرف وقتاً يقتطع فيه عن أعماله من أجل أداء الشهادة، وما يفعله المسلمون من إعطاء المؤذنين أجرة من بعد أيام الخلفاء الراشدين إلى اليوم إنما هو

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الصلاة: باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجراً. حديث رقم (193) بلفظ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: إِنَّ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (209).

أخرجه النسائي في الأذان، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في الأذان والسنة فيه، وأحمد في أول مسند المدنيين أجمعين.

معاني الألفاظ: الاحتساب: رجاء الثواب والأجر من الله تعالى.

(2)

- الطلاق: آية (2)

(3)

- البقرة: آية (283)

ص: 177

استحسان استحسنه العلماء.

‌إذا لم تكن الأجرة معلومة فيستحق الأجير أجرة المثل

س: إذا استأجر شخص بيتاً دون أن يحدد المؤجر الأجرة فكيف تقدر الأجرة؟

جـ: إذا لم تكن الأجرة معلومة وحصل التنازع بين المؤجر والمستأجر فيقدرها عدلان مختاران من الطرفين خبيران بالأجرة المناسبة للزمان والمكان، وفي كل عمل إذا عمل المستأجر العمل أو استأجر الإنسان الشيء قبل أن يعلم مقدار الأجرة فبحسب التراضي والتصالح، وإن حصل التنازع فيستحق الأجير مثل أجرة مثله في ذلك العمل، ولا يحكم بينهما إلا شخصان خبيران مختاران من أهل ذلك العمل.

‌وجوب وفاء المؤجر المستأجَر بالأجرة المعلومة فور انتهاء عمله

س: إذا اتفق المؤجرُ والمستأجر على أجرة عمل ما أجرة معينة معلومة وبعد انتهاء العمل لم يعط المؤجر المستأجر إلا نصف الأجرة المعينة فهل للمستأجر أن يرفع به شكوى إلى المحكمة؟

جـ: نعم، يجوز له أن يرفع به شكوى إلى المحكمة أو إلى الله عز وجل لأنه ورد في الحديث أن من استأجر أجيراً ولم يوفه أجره فالله خصمه يوم القيامة، لفظ الحديث (وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ)

(1)

.

‌تحريم استئجار الإنسان لعمل محرم

س: هل يجوز للإنسان أن يستأجر في عمل محرم كأن يستأجر ليعمل الزبيب أو العنب خمراً؟

جـ: لا يجوز للإنسان أن يُستأجر ليعمل عملاً محرماً لقوله تعالى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

(2)

.

‌تحريم تأجير عسب الفحل

س: هل يجوز استئجار الجمل أو الثور أو الكبش أو التيس أو نحوه لينزو على أنثى من جنسه؟

جـ: يحرم تأجير عسب الفحل لحديث (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ)

(3)

وتجوز المكارمة غير المشروطة، أما الشرط لمقابل عسب الفحل فهو حرام.

‌تحريم أجرة الكهانة

س: ما معنى (حُلْوَانِ الْكَاهِنِ) في حديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ،

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب إثم من باع حراً. حديث رقم (2227) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ).

أخرجه ابن ماجه في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الإجازة.

(2)

- المائدة: آية (2)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الإجارة: باب عسب الفحل حديث رقم (2284) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ).

أخرجه النسائي في البيوع، والترمذي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

معاني الألفاظ: عسب: ماءه وقيل أجرة الجماع.

ص: 178

وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ)

(1)

؟

جـ: المراد به ما يعطى للكاهن أجرة كهانته.

‌تحريم مهر البغي المراد به في الحديث أجرة الزنا

س: ما معنى (مَهْرِ الْبَغِيِّ) في حديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ)؟

جـ: ليس المراد به المهر الحقيقي الذي يعطى للمرأة لأن المهر الحقيقي للمرأة هو الذي يعطيه الزوج لقوله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}

(2)

وقوله تعالى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

(3)

ولحديث (انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)

(4)

، أما هذا فالمراد به أجرة الزنا وهي حرام وما سمي مهر إلا من باب المشاكلة كقوله تعالى {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا

(15) وَأَكِيدُ كَيْدًا}

(5)

فقابل كيد الكافرين بكيد الله تعالى في اللفظ لأن الله عز وجل يتنزه عن مشابهة الخلق في الكيد.

‌كراهة أجرة الحجام

س: هل أجرة الحجام حرام؟

جـ: هي مكروهة والصارف للنهي عن التحريم إلى الكراهة هو احتجام النبي صلى الله عليه وسلم وإعطائه الحجام أجرته وهي صاع من تمر كما في حديث (حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ)

(6)

أي من أجرته، وفي رواية (احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ)

(7)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب ثمن الكلب. حديث رقم (2237) بلفظ (عنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ).

أخرجه أبو داود في البيوع، وأحمد في مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: البيوع، واللباس.

معاني الألفاظ:

البغي: الزانية.

(2)

- النساء: آية (4)

(3)

- النساء: (25).

(4)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه برقم (5087).

(5)

الطارق: آية (15).

(6)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب ذكر الحجام. حديث رقم (2102) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع، الإجارة.

(7)

- صحيح البخاري: كتاب الإجارة: ضريبة العبد وتعاهد ضرائب الإماء. حديث رقم (2103) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع، الإجارة.

ص: 179

س: هل يجوز للحجام أخذ الأجرة؟

جـ: عند الإمام أحمد بن حنبل يجوز للحجام أخذ الأجرة ليطعمه لحصانه أو لراحلته كما في حديث (اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ)

(1)

لا ليطعمه أهله.

‌تحريم كل إجارة فيها جهالة

س: ما المراد (بقفيز الطحان)؟

جـ: هي أن يطحن الطحان صبرة من الطعام بجزء منها ولا يعلم مقدار الطعام في الصبرة ولا قدر الجزء الذي سيأخذه منها، ففيها جهالة وكلما فيه جهالة يؤدي إلى النزاع فهو منهي عنه، وبناء عليه فكل إجارة فيها جهالة فهي منهي عنها فتكون باطلة.

‌جواز تأجير الأرض لمدة معلومة

س: هل يجوز للإنسان أن يؤجر الأرض لمدة معلومة؟

جـ: يجوز تأجير الأرض بكل شيء لأن الأصل الجواز ويجوز تأجير الأرض بجزء معلوم مما يخرج منها كالثلث أو الربع أو النصف أو أقل أو أكثر المهم أن يكون شيئاً معلوماً من مجموع غلة الأرض المؤجرة لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا خَرَجَ مِنْهَا)

(2)

وفي رواية (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ)

(3)

في الحديثين دلالة واضحة على جواز تأجير الأرض بجزء معلوم من غلة الأرض المؤجرة، وتُقدَّم الأحاديث التي في صحيح البخاري الدالة على جواز تأجير الأرض بجزء معلوم من غلتها على حديث رافع بن خديج بلفظ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

(1)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ماجاء في كسب الحجام. حديث رقم (1189) بلفظ (عَنْ ابْنِ مُحَيِّصَةَ أَخَا بَنِي حَارِثَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ، فَنَهَاهُ عَنْهَا فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ حَتَّى قَالَ: اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (1277).

أخرجه أبوداود في البيوع، وابن ماجه في التجارات، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الحجام: الذي يعمل الحجامة وهي إخراج الدم الفاسد من البدن.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الحرث والمزارعة: باب المزارعة مع اليهود. حديث رقم (2331) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا خَرَجَ مِنْهَا).

أخرجه الترمذي في الأحكام، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة وماللك في كراء الأرض.

أطراف الحديث: المغازي، الشروط.

معاني الألفاظ: الشطر: النصف.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الحرث والمزارعة: باب المزارعة بالشطر ونحوه. حديث رقم (2328) بلفظ (عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ، ثَمَانُونَ وَسْقَ تَمْرٍ وَعِشْرُونَ وَسْقَ شَعِيرٍ، فَقَسَمَ عُمَرُ خَيْبَرَ فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنْ الْمَاءِ وَالْأَرْضِ أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ فَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْأَرْضَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْوَسْقَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتْ الْأَرْضَ)

أخرجه الترمذي في الأحكام، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، وماللك في كراء الأرض.

أطراف الحديث: المغازي، الشروط.

معاني الألفاظ:

الوسق: ما قدره ستون صاعاً من تمر ونحوه.

ص: 180

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ)

(1)

وفي رواية بلفظ (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجارة الأرضين) لأنه في حالة التعارض يقدم ما في صحيح البخاري على ما في غيره لأنه الأصح ولا تعارض بين حديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ) وبين أحاديث رافع بن خديج بلفظ (كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا، وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي، وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(2)

وبلفظ (عَمَّايَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الْأَرْبِعَاءِ أَوْ شَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ، فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: لِرَافِعٍ، فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، فَقَالَ رَافِعٌ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ)

(3)

وبلفظ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى رَافِعٍ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا عَلَى الْأَرْبِعَاءِ وَبِشَيْءٍ مِنْ التِّبْنِ)

(4)

لأن النهي في أحاديث رافع بن خديج عن تقسيم الأرض المؤجرة قسمين فتكون غلة قسم منها لصاحب الأرض وغلة القسم الآخر للمستأجِر، فقد يكون أحد القسمين غلته أكثر وأحسن من غلة القسم الآخر لكونه الأخصب أرضاً والأقرب مسقى للماء فيستأثر به مالك الأرض ويعطي القسم الآخر الذي هو قليل الغلة أو غلته رديئة لعدم خصوبة أرضه أو لبعده عن مسقى الماء، أو قد يحصل أن المستأجر يشترط أن تكون غلة القسم الأخصب أرضاً أو الأقرب لمسقى الماء أو الأكثر غلة والأجود نوعاً منها له وتكون غلة القسم الآخر الأقل غلة أو الأردأ غلة لصاحب الأرض ولهذه العلة نهى

(1)

- صحيح مسلم: كتاب البيوع: باب كراء الأرض. حديث رقم (3928) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ).

أخرجه البخاري في المزارعة، والنسائي في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الحرث والمزارعة: باب ما يكره من الشروط في المزارعة. حديث رقم (2332) بلفظ (عَنْ رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا، وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي، وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في الأحكام، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، وماللك في كراء الأرض.

أطراف الحديث: المغازي، الشروط.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الحرث والمزارعة: باب كراء الأرض بالذهب والفضة. حديث رقم (2346) بلفظ (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمَّايَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الْأَرْبِعَاءِ أَوْ شَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ، فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: لِرَافِعٍ، فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، فَقَالَ رَافِعٌ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في الأحكام، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، وماللك في كراء الأرض.

أطراف الحديث: المغازي، الشروط.

معاني الألفاظ: الأربعاء: النهر الصغير.

يستثنيه: يتركه ويجعله للأجرة.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الحرث والمزارعة: باب ما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (2344) بلفظ (عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ حُدِّثَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى رَافِعٍ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا عَلَى الْأَرْبِعَاءِ وَبِشَيْءٍ مِنْ التِّبْنِ).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في الأحكام، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، وماللك في كراء الأرض.

أطراف الحديث: المغازي، الشروط.

معاني الألفاظ: الكراء: أجرة الأرض.

الأربعاء: النهر الصغير.

التبن: ما تهشم من سيقان الذرة.

ص: 181

النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الإجارة كما في حديث (كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا، وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي، وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وبهذه الطريقة في تأجير الأرض سيحصل الغبن على أحد المتعاملين، إما على المستأجِر وإما على صاحب الأرض ويُظلم أحد المتعاملين قطعاً ولرفع الظلم عن أحدهما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تأجير الأرض بهذه الطريقة، وعلى هذا المعنى تحمل كل الروايات الواردة بالنهي عن كراء الأرض في أحاديث رافع بن خديج، والطريقة الجائزة في تأجير الأرض هي الطريقة التي عامل بها النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر حينما أجرَّ منهم أرض خيبر يزرعونها على أن يكون نصف الغلة الحاصلة من مجموع غلة الأرض كلها لصاحب الأرض ونصفها الأخر لمستأجر الأرض من اليهود، وهذا المعنى واضح في الروايات الواردة في تأجير النبي صلى الله عليه وسلم أرض خيبر من اليهود ليزرعوها بشطر ما يخرج من غلتها ومنها حديث (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا خَرَجَ مِنْهَا) وفي رواية (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ) وبهذا الجمع بين الروايات يتضح أن لا تعارض بين الروايات الناهية عن تأجير الأرض بقسمتها إلى قسمين، وبين الروايات المثبتة جواز تأجير الأرض بشطر ما يخرج من غلتها أو أقل أو أكثر العبرة بالتراضي بين المؤجر والمستأجر لأن التراضي هو أساس الجواز في كل المعاملات الشرعية لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(1)

ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)

(2)

، وأما حديث (مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ)

(3)

فليس فيه أيُّ دلالة على منع إجارة الأرض بشطر ما يخرج

(1)

- النساء: (29).

(2)

- مسند أحمد: كتاب مسند البصريين: حديث عم أبي حرة الرقاشي. حديث رقم (19774) بلفظ (عن أبي حرة الرقاشي عن عمه، قال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس فقال: يا أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم وفي أي يوم أنتم وفي أي بلد أنتم؟ قالوا: في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه، ألا وإن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل، ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع وإن الله عز وجل قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، ثم قرأ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم، فاتقوا الله عز وجل في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا وإن لهن عليكم ولكم عليهن حقا أن لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، قال حميد قلت للحسن ما المبرح قال المؤثر ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله عز وجل، ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وبسط يديه فقال: ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع) حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7662).

أخرجه أبو داود في النكاح، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: الزمام: الحبل الذي تقاد به الدابة. التشريق: الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الأضحى.

الذود: الطرد والمنع.

مأثرة: من المآثر وهي مكارم الجاهليين ومفاخرهم.

الدين القيم: الذي لا عوج فيه.

التحريش: الإغراء وتحريض البعض على الآخر.

العاني: الأسير وكل من ذل واستكان وخضع. النشوز: العصيان ومخاصمة الأزواج.

مبرح: شديد وشاق.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الحرث والمزارعة: باب ما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضاً في المزارعة والثمرة. حديث رقم (2341) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ).

أخرجه مسلم في البيوع، والنسائي في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: فضل الهبة والتحريض عليها.

ص: 182

من غلتها وإنما هو دليل على استحباب التراحم والتكافل والتعاون بين أفراد المجتمع المسلم وهذا المعنى هو الذي فهمه حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما من الحديث، وقد نقل الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن ابن عباس قوله (إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا)

(1)

فهم ابن عباس من الحديث حث النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الأرض على أن يمنح أخاه ليعملها ويزرعها ويأخذ غلتها كاملة مقابل الثواب الأخروي لكونه محتاجاً ويتصدق عليه بما يخصه من غلتها مقابل ملكيته للأرض وهو خير لصاحب الأرض من تأجير الأرض من أخيه المسلم مقابل إعطاء المستأجر جزء معلوم من غلتها لصاحب الأرض لأن ثواب الأخرة خير وأبقى وأنفع لصاحب الأرض لقوله تعالى {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}

(2)

، ويجوز تأجير الأرض لمدة معلومة بالنقود لعمل أيِّ شيئ مباح عليها لأن الأصل الجواز.

‌تحريم تأجير الأرض بما يخرج من جزء معلوم محدد منها

س: هل يجوز للإنسان أن يؤجر الأرض بما يخرج من جزء معلوم منها كأن يقول أكريها منك بشرط ما يخرج من نصفها الشرقي أو الغربي أو الجنوبي أو الشمالي؟

جـ: لا يجوز تأجير الأرض بما يخرج من جزء معلوم محدد منها مثل أن يقول لبنة لك ولبنة لي ربما أن الجزء المعين هو الذي يصل إليه الماء والجزء الثاني مرتفع لا يصل إليه الماء أو أن الجزء المعين هو الخصيب والثاني غير خصيب، ولكن يجوز كراء الأرض بشطر ما يخرج منها كلها مثلما عمل النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر في حديث (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا خَرَجَ مِنْهَا) وفي رواية (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ) وذلك على نصف ما يحصل أو ثلثه أو أقل أو أكثر بحسب التراضي.

‌تحريم استئجار دكاكين عمرت فوق القبور

س: ما حكم استئجار دكان أو دكاكين عمرت فوق القبور؟

جـ: اعلم بأن الإثم سيكون على المؤجر للدكان المعمور فوق القبور أو فوق القبر وعلى المستأجر الذي يستأجر دكاناً يعرف أنه قد عمر فوق القبر أو فوق القبور ويجب الخروج منه لحديث (عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا)

(3)

ولحديث (لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الحرث والمزارعة: باب ما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضاً في المزارعة والثمرة. حديث رقم (2342) بلقظ (عن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في الأحكام، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: المزارعة، الهبة وفضلها والتحريض عليها.

(2)

- الأعلى: (17، 16)

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الجنائز: باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه. حديث رقم (972) بلفظ (عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها).

أخرجه الترمذي في الحنائز عن رسول الله، والنسائي في القبلة، وأبو داود في الجنائز، وأحمد في مسند الشاميين.

أطراف الحديث: الجنائز.

ص: 183

عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ)

(1)

.

‌شبهة تأجير محل للعب (الأتاري)

؟

س: أفتونا في رجل يملك بيتا فاخرا أجر منه محلاً لرجل فتحه محلاً لألعاب الأتاري؟

جـ: هذه شبهة من الشبهات لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(2)

.

‌تحريم تأجير عمارة أو أرض لعمل محرم

س: لدي قطعة أرض يريد شخص استئجارها لعمل صالة أفراح فاشترطت عليه عدم إدخال المزمار فيها، فهل عليَّ إثم؟

جـ: إذا شرطت عدم استعمال المزمار والطرب فلا مانع، وإلا فالأفضل عدم الإيجار لمثل هذا العمل لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ).

‌تحريم تأجير أيِّ عمارة لإنتاج أشرطة وأفلام أغاني محرمة

س: عندنا مستأجر لديه معمل أغاني وفيديو كليبات أغاني هل الإيجار المكتسب من هذا المعمل يعتبر رزقا حلالا أم حرام؟ وما هي نصيحتكم لأصحاب هذه العمارة؟

جـ: نصيحتي أن يؤجروا العمارة لغير هؤلاء ويتقوا الله تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}

(3)

.

‌تحريم طلب الأمناء مبالغاً كبيرة على كتابة بصائر البيع والشراء

س: ما رأيكم في أمين طلب ثمانين ألف ريال على كتابة بصيرة لقطعة أرض عبارة عن خمس لبن؟

جـ: يجوز أن تكون أجرة البصيرة بقدر التعب والعمل وبحسب العرف وبمقتضى العادة ومثل أمثاله لحديث (لَا يَحِل مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيب نَفْسٍ مِنْهُ).

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الجنائز: باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه. حديث رقم (2245) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ).

أخرجه النسائي في الجنائز، وأبو داود في الجنائز، وابن ماجة في ما جاء في الجنائز، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: تخلص: تصل.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

(3)

- الطلاق: آية (3، 2)

ص: 184

‌أجرة إصلاح الأرض المستأجرة عقيب السيول والأمطار بحسب عرف المنطقة

س: استأجر شخص أرضاً على مدخل السيل وحينما يجيء السيل يدخل التراب إليها فيحتاج إخراج ما يدخله السيل أو يخربه السيل إلى عشرات الآلاف، فعلى من تكون أجرة إصلاح الأرض على المؤجر أم على المستأجر؟

جـ: بحسب العرف إن كان العرف أن إصلاح الأرض المستأجرة على المؤجر فعلى المؤجر، وإن كان على المستأجر فعلى المستأجر، وإن كانت قد صارت جائحة وصارت الأجرة كبيرة فليست على المستأجر.

‌تحريم أخذ الأجر في بيع البترول أو غيره زيادة على سعر السلعة المحدد من المالك

س: يوجد شخص يشتغل في محطة البترول وسعر الدبة أو الجلن البترول محدد فيحدث أن هذا الشخص يأخذ زيادة بسيطة من المستهلك فعندما ينتهي يحصل على مبلغ من هذه الزيادة، فهل يجوز له أخذها أم يجب عليه إعطاؤها لصاحب المحطة؟

جـ: اعلم أن هذه الزيادة ليست للأجير الذي أجره صاحب المحطة ببيع بترول ولا لصاحب المحطة إنما هو للمشتري، وعلى الرجل المتولي لبيع البترول أن يرجع الزيادة للمشتري لحديث (لَا يَحِل مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيب نَفْسٍ مِنْهُ)، اللهم إلا إذا كان هذا المشتري قدأذن للبائع أن يأخذ الزيادة فلا مانع للبائع من أخذ هذه الكسور ولو اجتمعت من الريالات من سعر الدبة أو الجلن بسعر محدد فيبيع فماللبائع غير ثمن ما باع، وما زاد فهو للأجير إن سمح له المشترون بأخذ هذه الزيادة.

‌المستأجر الذي أحيا الأرض بغرس أشجار مثمرة يقدر غرامته وأجرة عمله عدلان خبيران

س: رجل أعطى أرضه لشخص آخر ليزرعها وليغرسها قاتاً، فبعد فترة أراد المالك أخذ أرضه فرفض المستأجر بحجة أنه أحياها وغرسها قاتاً وأشجاراً مثرمة ويريد نسبة من الأرض أو من الأشجار لمقابل عمله فما الحكم؟

جـ: يقدر غرامة المستأجر عدلان خبيران يختارهما المالك والمستأجر ويدفع المالك له غرامته ويأخذ أرضه لأنه أجير مع مالك الأرض وليس هو شريك له في ملك الأرض.

‌وجوب تقدير عدلين أجرة من أصلح الأرض الصالبة لزراعتها وغرسها بالأشجار

س: ما هو حكم الشرع في رجل قام بقشب الأرض وزرعها ثم غرسها قاتا، والآن أصبح القات مغارس كبارا فهل يحق لمن أصلح الأرض وقام بزراعتها أن ينال من الارض مقابل ذلك؟

جـ: له أجرة عمله وشقاه وتعبه ما يقدره عدلان مختاران.

‌المستأجر لا يضمن ما يحدث من خلل في العين المؤجرة إلا إذا جنى أو فرط في الحفظ

س: من استأجر بيتاً فتكسرت زجاجاته، فهل يضمن؟

جـ: إن كان الزجاج تكسر بسبب زلازل أو عواصف أو بروق شديدة أو صاروخ فلا يضمن، وإن كان بتفريط منه كأن أهمل النوافذ مفتوحة مع الأبواب طوال الليل أو النهار حتى تكسرت الزجاجات بسبب ذلك أو نحوه فيضمن.

‌إذا مات المريض بسبب المعالجة فالطبيب المختص لا يضمن ويضمن المتطبب

س: إذا استؤجر طبيب لمعالجة مريض فعالجه فمات، فهل يضمن؟

جـ: إذا كان طبيباً مختصاً معه شهادة بأنه طبيب فلا يضمن، وإن لم يكن مختصاً بل كان متطبباً لا معرفة له

ص: 185

بالطب فيضمن لحديث (مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ)

(1)

.

‌وجوب تضمين المستؤجر لعمل شيء فأتلفه أو مواده وهو ليس ذو خبرة في العمل

س: إذا استؤجر مقاول لعمل صبة البيت، فلم ينجح في صبها بل صارت بحاجة إلى نزع وعمل بديل عنها، فهل يضمن هذا المقاول تكاليف صبة البيت وأجرة العمال؟

جـ: إن كان مقاولاً خبيراً مشهوداً له بالمقاولة فلا يضمن، وإن لم يكن له خبرة بالعمل فتعاطى فيضمن لحديث (مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ) في الحديث دلالة على أن من تطبب فقام بمعالجة إنسان فتضرر من معالجته أو مات فهو ضامن لما ينتج من معالجته وإذا مات فعليه ديته ويجب حبسه وتعزيره إضافة إلى تضمينه الأضرار الناتجة من تطببه، وكذا إذا عالج حيواناً فتضرر أو مات فهو ضامن لقيمة الحيوان أو ما ينقص من قيمته بسبب معالجته، ويقاس على الحديث كل من استؤجر على عمل فأقدم على العمل فيه وهو غير ماهر فيه ولا خبرة له بالعمل فيه فأفسد العين بتعاطيه فإنه يضمن قيمة ما أفسد فيها ويعزر لادعائه العلم والخبرة بعمل ما وهو لا يحسنه، لأنه سيفسد بعمله مال المؤجر الذي استؤجر لعمله وإفساد مال الغير أو إتلافه حرام لقوله صلى الله عليه وسلم يوم النحر (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا ' ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ' اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ)

(2)

.

‌جواز استئجار الكفار إذا لم يكونوا محاربين

س: هل يجوز استئجار الكفار؟

جـ: ما داموا معاهدين أو ذميين فيجوز التعامل معهم ومن ضمن التعامل استئجارهم إلا إذا كانوا محاربين مثل دولة إسرائيل فلا يجوز التعامل معهم لقوله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}

(3)

.

‌عدم جواز تأجير المستأجر العين المؤجرة لمستأجر آخر

س: استأجر شخص أرضاً واتفق مع صاحب الأرض على أجرة معينة فأجر جزءاً من الأرض لمستأجر آخر وأخذ الأجرة لنفسه ولم يعطها للمؤجر الأول، فما حكم عمله هذا؟

جـ: لا يحق للمستأجر أن يؤجر المال المستأجر لمستأجر آخرلقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}

(4)

ولحديث (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه).

‌تحريم أخذ مال لمقابل خروج المستأجر من العين المؤجرة وهو ما يسمى بحق المفتاح

س: هل يجوز للإنسان أن يأخذ مبلغاً من المال لمقابل خروجه من العين المؤجرة وهو ما يسمى بحق المفتاح في

(1)

- سنن النسائي: كتاب القسامة: باب صفة شبه العمد وعلى من دية الأجنة وشبه العمد. حديث رقم (4748) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ) حسنه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (4845).

أخرجه أبو داود في الديات، وابن ماجة في الطب.

معاني الألقاط:

تطبب: تكلف في الطب وهو لا يعلمه.

(2)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي بكرة رضي الله عنه برقم (1739).

(3)

-الممتحنة: آية (8)

(4)

- المائدة: آية (1)

ص: 186

هذه الأيام؟.

جـ: حق المفتاح حرام لأن المستأجر يأخذ مبلغاً مالياً ليس لمقابله شيء، وهوحرام لحديث (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا).

س: هل يجوز أن أدفع لصاحب محل مبلغا مقابل نقل قدم، فهل هذا جائز أم محرم مع الدليل؟

جـ: الظاهر أن هذا العطاء غير مشروع لكون الذي سيأخذ الفلوس غير مالك العمارة أو المعرض أو الوكالة، وهومحرم عليه لأن المبنى ملك غيره وليس ملكه حتى يستفيد منه واستغلال مال الغير بغيررضائه حرام كما في حديث (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا).

س: ما حكم حق المفتاح وهو ما يسمى (نقل قدم)؟

جـ: هذا لا أصل له في الشريعة الِإسلامية ولا في كتب الفقه الإسلامي.

س: إذا استأجر رجل بيتاً فيه مضخة، فتعطلت المضخة بعد أربعة أشهر من استئجاره فهل يضمن؟

جـ: ينبغي أن تحصر جميع الموجودات في البيت عند بداية الاستئجار فإن كانت المضخة قديمة وقد سبق تعطيلها من قبل فلا يضمن، وإن كانت جديدة وتعطلت بسببه فيضمن.

‌جواز أخذ نسبة بقدر العمل للعاملين في جمع التبرعات للأعمال الخيرية

س: هل يجوز أخذ نسبة أو جزء من التبرعات للعاملين على جمعها كما في الجمعية الخيرية لتعليم القرآن الكريم وكم تكون هذه النسبة؟

جـ: لا مانع، لكن لا أستطيع تقدير الأجرة لأنها بحسب العمل ولا أدري كم قدر العمل.

‌الحق في استئجار الأرض لمن استأجرها من المؤجر بعد موت المستأجر السابق

س: استأجر والدنا رحمه الله أرضاً وبعد موته صارت إجارة الأرض لي ولإخواني، والآن تريد أختي وخالتي الاشتراك في الإجارة علماً أن العرف قديماً وحالياً هو عدم استحقاق الأرحام الأرض المستأجرة لأن الأرض المستأجرة من أملاك الناس وليست ملكا لوالدي رحمه الله، فهل لهن حق في ذلك أم لا؟

جـ: الحق لمن استأجر من المؤجر بعد الموت الذكور أو الأناث.

‌جواز استئجار وسائل المواصلات بأجرة معلومة في اليوم بحسب التراضي بين المؤجر والمستأجر

س: اتفق صاحب باص مع سائق أن يستأجر الباص مقابل مبلغ ثابت يومي مهما كانت الظروف وأن يكون تغيير الزيت أسبوعياً على المالك بينما البترول والحوادث على السائق، فهل هذا جائز مع أن البعض قال أن المبلغ الثابت محضور وإنما الصحيح بالنسبة علماً أن العقد بينهما عقد إجارة، فما هو الصحيح؟

جـ: هذا إيجار ولا مانع منه لأن الأصل الجواز.

‌تحريم تأجير مبنى ليكون كنيسة

س: ما رأي الشرع في من يؤجر بيته كنيسة للنصارى يتعبدون فيها؟

ص: 187

الباب الثامن: الإحياء والإقطاع

• تعريف الأرض الميتة والمندثرة والفرق بينهما

• الأرض المندثرة ملكيتها للدولة

• جواز إحياء الأرض لا تحجرها

• جواز إقطاع رئيس الدولة أرضاً ميتة لمن في إقطاعه مصلحة

• جرى العرف بأن الأشجار اليابسة من مراهق القبائل تكون مشاعة بين أفراد القبيلة

ص: 189

‌الباب الثامن: الإحياء والإقطاع

‌تعريف الأرض الميتة والمندثرة والفرق بينهما

س: ما الفرق بين الأرض الميتة والمندثرة؟

جـ: الأرض الميتة هي التي لم يسبق إلى إحيائها أحد بل هي باقية على ما خلقها الله عز وجل كأرض الربع الخالي من الجزيرة العربية التي لا تزال صحراء على ما خلقها الله تعالى، أما الأرض المندثرة فهي التي قد سبق إلى إحيائها في يوم ما من الدهر ولكن انقرض من أحياها على أثر حرب من الحروب أو انتشار مرض من الأمراض الفتاكة كالطاعون أو نحوه، (وتصلب)

(1)

وتهمل ولم يعرف من ورثتها أحد ولم يستطع أحد أن يبرهن على مليكتها، فتكون ملكيتها للدولة.

‌الأرض المندثرة ملكيتها للدولة

س: هل كل من أحيا أرضاً مندثرة مثل من أحيا أرضاً ميتة تكون له؟

جـ: يشترط في إحياء الأرض أن تكون أرضاً ميتة وهي أرض صحراء لم يسبق إلى تملكها أحد، أما الأرض المندثرة التي قد سبق إحياؤها وعليها آثار العمران مثل الطريق أو البئر أو المساكن أو الجدار أو السواقي أو أيِّ أثر من آثار العمران ولكنها اندثرت على آثار حروب أو مرض كمرض الطاعون أو زلازل أو نحوها، وهي ليست ميتة وإنما في طريقها إلى الموت، وتكون صالبة وليست مزروعة لكن يظهر عليها أثر من آثار العمران، وهذه الأرض إذا كان يدعى ملكيتها من ليس معه بصائر ولا فصول ولا شهود ولا أيُّ برهان فمثل هذه الأرض لا تكون أرضاً ميتة هي لمن سبق إلى إحيائها، وإنما تكون مليكتها للدولة.

‌جواز إحياء الأرض لا تحجرها

س: هل من احتجز أرضاً ولم يحييها تكون له؟

جـ: الحديث يقول (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ)

(2)

ولم يقل من يحتجز أرضاً أو يحتجرها إلا إذا احتجزها الشخص ليحييها فهي له.

س: ما حكم من احتجز أرضاً وشرع في إحيائها وجاء شخص آخر يعمر فيها أو يغرس أشجاراً فيها؟

جـ: الشخص الآخر يعتبر ظالماً معتدياً على حق أخيه ويجب قلع شجره أو خراب عمارته لحديث (وَلَيْسَ لِعِرْقٍ

(1)

تصلب: أي مهملة لا تزرع ولا تحرث ولا يغرس فيها شيء.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الخراج والإمارة والفيء. باب في إحياء الموات. حديث رقم (3074) بلفظ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ، حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ فَلَقَدْ خَبَّرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الْآخَرِ فَقَضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِأَرْضِهِ، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُؤُوسِ وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ حَتَّى أُخْرِجَتْ مِنْهَا، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ إِسْحَقَ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ مَكَانَ الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَأَنَا رَأَيْتُ الرَّجُلَ يَضْرِبُ فِي أُصُولِ النَّخْلِ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الأحكام، ومالك في الأقضية.

معاني الألفاظ: الموات: أرض لا زرع فيها ولا عمارة ولامالك لها.

عم: طوال تامة النمو.

ص: 190

ظَالِمٍ حَقٌّ)

(1)

.

س: هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به) وما صحته؟

جـ: صح بهذا المعنى حديث (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ) وذلك في الأرض الذي لم يتقدمها إحياء.

‌جواز إقطاع رئيس الدولة أرضاً ميتة لمن في إقطاعه مصلحة

س: هل يجوز لرئيس الدولة أن يعطى من الأرض التي تكون ملكيتها إلى الدولة بعض الأشخاص أو القبائل؟

جـ: نعم، يجوز لرئيس الدولة أن يقطع من يرى في إقطاعه الأرض الميتة أو جزءاً من الأرض الميتة مصلحة، وإذا كانت لقبيلة أو لقبائل فتكون بينهم مناصفة أو بحسب عدد الرؤوس أو بأيِّ طريقة كانت، المهم أن يكون في ذلك مصلحة.

‌جرى العرف بأن الأشجار اليابسة من مراهق القبائل تكون مشاعة بين أفراد القبيلة

س: ما حكم المَراهق (الساحات) التي تتبع القبائل هل يجوز بيع كلئها؟

جـ: كانت ساحة العالم الإسلامي واحدة وكلأها مشاعٌا بين جميع المسلمين، ثم كانت تقع مشاكل بين القبائل على المراعي والحطب والماء ثم استحسن العلماء وقضاة الشرع الإسلامي أن تقسم الساحات بين القبائل وتحدد مساحة كل قبيلة حتى لا تدخل في نزاع مع القبائل الأخرى، والساحة التي تحدد لقبيلة تكون المراعي والأشجار اليابسة مشاعة لجميع أفراد القبيلة ولا يحق لأحد من أفراد القبيلة أن يحتطب من الشجر الأخضر.

(1)

سنن أبي داود: سبق ذكره في هذا الباب من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه برقم (2671).

ص: 191

الباب التاسع: الشركة والمضاربة

• إذا خرج الماء أو الكلأ في أرض مباحة لم يسبق إلى حيازة أيِّ منهما أحد فيكونان مباحان

• وجوب تقديم حاجة الناس للماء على سقي الزرع

• وحوب عمل سواقي لجميع أجزاء المزرعة المشتركة وتقسم بحسب الثمن لا المساحة

• المضاربة داخلة تحت أدلة الوكالة والإجارة

• حكم المضاربة

• حكمة المضاربة

• جواز عقود المضاربة ما لم تشمل على ما لم يحل

• جواز كون نسبة الربح بين صاحب المال وصاحب العمل بحسب التراضي بينهما

• جواز اشتراك أشخاص كثيرين في تجارة بمبالغ مختلفة ويقسم الربح بحسب نسب أموالهم

• في باب المضاربة الخسارة تكون على صاحب المال فقط

• الاتفاق بين الشركاء يلزم من حضر أو وكل ولا يلزم من لم يحضر أو يوكل

• جواز الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية

• تحريم تعاون الموظف في شركة أو غيره مع غيره على الإثم

• وجوب إزالة ما يؤدي إلى الإضرار بالجار في بيته من الأشجار والجدران وغيرها

• تحريم رفع الجار جدار بيته حتى يمنع دخول أشعة الشمس إلى بيت جاره

• جواز تكوين جمعيات اقتصادية ليدفع المجموع في الشهر لواحد منهم بحسب سهم القرعة

• عدم صحة بيع الشيء المشترك بدون وكالة من جميع الشركاء

• في الشركة العرفية لا حق في المكتسب لمن لم يعمل في الاكتساب

• جواز أخذ الفلوس التي يعطيها الزبائن لعامل في عمل تجاري بطيبة من أنفسهم

• وجوب اختيار عدلين خبيرين يقدران ما يستحقه الأخوان لمقابل عملهما

• وجوب استئذان الشريك شريكه في التصرف بالمال المشترك بين شركاء

• يحاسب الشريك شركاءه في المال المباع المشترك بسعر يوم البيع

• في الشركة العرفية يكون غلة محصول التركة والمكتسب للجميع

• تحريم خيانة الموظف لشركته أو مؤسسته الرسمية أو الأهلية

• تحريم أخذ الموظف في شركة المبالغ الزائدة من صرف العملات بدون إذن الشركة

• تحريم أخذ الموظف مبلغاً مالياً لمقابل توظيف من يتقدم بطلب الوظيفة العامة

• تحريم الخيانة في العمل الوظيفي

• شبهة العمل مع شركة أدوية تقدم الرشوة للأطباء لكتابة علاجاتها للمرضى

ص: 192

‌الباب التاسع: الشركة والمضاربة

‌إذا خرج الماء أو الكلأ في أرض مباحة لم يسبق إلى حيازة أيِّ منهما أحد فيكونان مباحان

س: ما معنى حديث (الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ)

(1)

؟

جـ: معنى الحديث أن الماء إذا خرج في أرض مباحة وكان الكلأ في أرض مباحة فيكون الناس شركاء في الماء والكلأ، أما إذا قد تحجر الماءَ شخص أو حفر البئرَ شخص أو مد الأنابيبَ أو المواسير أو حازه في الوايتات أو الخزانات أو نحوها شخصُ فلم يعد الماء مشتركاً بل من حازه فقد تملكه، وكذا من حفر بالارتوازات أو ركب المضخات أو بذل أيَّ جهد أو مال في إخراج الماء من الأرض فقد تملكه ولا يجوز لأحد أن يأخذه أو يأخذ منه بحجة أن الناس شركاء في الماء لأن الماء قد صار مملوكاً، ومثل الماء الكلأ فإنه يكون مباحاً إذا كان في الأرض المباحة، أما إذا قد حيز بأيِّ نوع من أنواع الحيازة كأن جمعه الشخص وحزمه أو جمعه وكوَّمه أو جمعه وحمله على الحمير أو الجمال أو السيارات فمن حازه فقد تملكه، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مما قد حيز بحجة حديث (الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ).

‌وجوب تقديم حاجة الناس للماء على سقي الزرع

س: عندي بئر أستخدمها لسقي الزرع وفي بعض الأحيان يقل ماء الشرب في المنطقة ويحتاج الناس الماء للشرب، فهل يجوز لي أن أستخدمها لسقي الزرع والناس في حاجة إلى الماء للشرب؟

جـ: في هذه الحالة وأشباهها يُقدم الناس بشرب الماء لأنهم أحوج إليه وهو واجب من باب الإسعاف وعملا بحديث (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)

(2)

.

‌وحوب عمل سواقي لجميع أجزاء المزرعة المشتركة وتقسم بحسب الثمن لا المساحة

س: إذا كانت مزرعة واحدة وقسمت بين أربعة أخوة، والماء في أطراف المزرعة فيستقي اثنان ويمنعان الماء عن الآخرين، فما الحكم؟

(1)

ـ سنن أبي داود: كتاب البيوع: باب في منع الماء. حديث رقم (3477) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو خِدَاشٍ وَهَذَا لَفْظُ عَلِيٍّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا أَسْمَعُهُ يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

(2)

صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. حديث رقم (4867) بلفظ (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

أخرجه الترمذي في الحدود، والبر والصلة، والعلم، والقراءات، وأبو داود في الصلاة، والأدب، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة.

أطراف الحديث: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار.

معاني الألفاظ: الكربة: الضيق والشدة والغم الذي يأخذ بالنفس. الالتماس: البحث والطلب.

ص: 193

جـ: يستحسن أن يعملوا سواقي لسقاية المزرعة كلها وتقسم بحسب الثمن بحيث سيكون الجزء القريب من الماء أغلى والبعيد عن وصول الماء إليه سيكون أرخص، فتقسم أجزاء المزرعة بحسب الثمن ثم يسهم عليها بين المقتسمين بسهم القرعة، ولا بد من عدول لتثمين المزرعة قبل القسمة وقسمتها بحسب الثمن، والتسهيم بعد ذلك.

‌المضاربة داخلة تحت أدلة الوكالة والإجارة

س: هل كانت المضاربة موجودة أيام النبي صلى الله عليه وسلم؟

جـ: كانت موجودة أيام الجاهلية ثم أقرها النبي صلى الله عليه وسلم وعلى فرض أن المضاربة ليس فيها دليل خاص أو لم يقرها النبي صلى الله عليه وسلم أو كانت غير موجودة أيام النبي صلى الله عليه وسلم فهي داخلة تحت أدلة الوكالة وهي مشروعة بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ}

(1)

وقوله تعالى {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

(2)

وأما من السنة فقد جاءت أحاديث كثيرة تفيد جواز الوكالة منها حديث عروة البارقي (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكَّله يشتري له شاة فاشترى شاة بدينار وباعها بدينارين ثم اشترى بدينار شاه)

(3)

وحديث (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلَالِ الْبُدْنِ الَّتِي نُحِرَتْ وَبِجُلُودِهَا)

(4)

وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه (أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ)

(5)

، وتحت أدلة الإجارة وهي مشروعة في الكتاب والسنة، أما من الكتاب فقوله تعالى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}

(6)

وأما من السنة فحديث (اسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيًا خِرِّيتًا، الْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ

(1)

- الكهف: (19)

(2)

- يوسف: (62)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب المناقب: باب سؤال المشركين النبي أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر. حديث رقم (3770) بلفظ (عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في البيوع عن رسول الله، الجهاد عن رسول الله، والنسائي في الخيل، وأبو داود في البيوع، التجارات، الأحكام، الجهاد، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في الجهاد.

أطراف الحديث: الجهاد والسي، فرض الخمس.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الوكالة: باب وكالة الشريك في القسمة. حديث رقم (2299) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلَالِ الْبُدْنِ الَّتِي نُحِرَتْ وَبِجُلُودِهَا).

أخرجه مسلم في الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، والدارمي في الزكاة.

أطراف الحديث: الحج.

معاني الألفاظ: جلال البدن: ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه.

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الوكالة: باب وكالة الشريك في القسمة وغيرها. حديث رقم (2300) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ)

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الأضاحي، الشركة.

معاني الألفاظ:

العتود: ولد المعز إذا قوي ورعى بنفسه.

(6)

- الطلاق: (6)

ص: 194

بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلَاثٍ، فَارْتَحَلَا وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمْ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَهُوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ)

(1)

في الآية والحديث دلالة على مشروعية الإجارة ويدل على مشروعية الإجارة من القرآن الكريم قوله تعالى {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}

(2)

وقوله تعالى {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا

يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}

(3)

وقوله تعالى {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}

(4)

وأما القول بعدم جواز الإجارة فهو قول مخالف للنصوص القرآنية والحديثية الكثيرة التي دلت على جواز الإجارة ومشروعيتها، فالأدلة قد وردت بجواز الوكالة وبجواز الإجارة، فالمضاربة داخلة تحت كل منهما فالمضاربة مشروعة بالأدلة الكلية.

‌حكم المضاربة

س: ما حكم المضاربة؟

جـ: هي جائزة بأدلة الإجارة والوكالة من الكتاب ومن السنة لأن المضاربة داخلة تحت مسمى الإجارة ومعناها لأن رب المال يؤجر العامل يتجر في ماله ويجعل رب المال أجرة للعامل هي النسبة من الربح التي يعطيها لمقابل عمله في ماله وهي داخلة تحت مسمى الوكالة لأن رب المال يوكل العامل في شراء سلع تجارية بماله ويوكل العامل في بيع السلع التي اشتراها بمال رب المال فهو وكيل لرب المال في الشراء وفي البيع، وقد قال شيخ الإسلام (الشوكاني) في كتابه (وبل الغمام) ما نصه (وعندي أن المضاربة داخلة تحت قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(5)

وقوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

(6)

بل كل ما دل على جواز البيع وعلى جواز الإجارة وعلى جواز الوكالة دل عليها وبيان ذلك أن المالك للنقد دفعه إلى آخر ووكله بالشراء له بنقده ما رآه ووكله أيضاً ببيعه وجعل له أجرة على تولي البيع وتولي الشراء وهي ما سماه له من الربح فجواز البيع والشراء داخل تحت أدلة الوكالة وجواز جعل جزء من الربح للوكيل داخل تحت أدلة الإجارة) انتهى كلامه رحمه الله.

قال الحافظ بن حجر: (الذي نقطع به أنها كانت ثابتة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بها وأقرها وقد نُقل أن حكيم بن حزام كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة ألا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تجعله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئاً من ذلك فأنت ضامن مالي).

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الإجارة: باب استئجار المشركين عند الضرورة. حديث رقم (2263) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، اسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيًا خِرِّيتًا، الْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلَاثٍ، فَارْتَحَلَا وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمْ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَهُوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ).

أخرجه أبو داود في اللباس، وأحمد في مسند الشاميين.

أطراف الحديث: الصلاة، البيوع.

معاني الألفاظ:

الخريت: الدليل والمرشد.

(2)

- الكهف: (77)

(3)

-: القصص: (26)

(4)

- يوسف: (72)

(5)

- البقرة: (275)

(6)

- النساء: (29)

ص: 195

‌حكمة المضاربة

س: ما الحكمة من تشريع المضاربة؟

جـ: أباح الإسلام المضاربة تيسيراً على الناس ورحمة بهم فقد يكون البعض من يملك مالاً ولكنه غير قادر على استثماره أو ليس لديه الوقت لاستثماره والاتجار به وقد يكون البعض من الناس لا يملك مالاً ولكنه يملك القدرة على استثمار المال ولديه وقت كافٍ لاستثمار المال والاتجار فيه فأجاز الشرع المضاربة لينتفع كل واحد من الآخر، فرب المال ينتفع بخبرة العامل المضارب والمضارب ينتفع بالمال ويتحقق بعقد المضاربة تعاون المال والعمل وبالمضاربة تتحقق مصالح الطرفين وينتفع كل منهما بما يمتلكه الآخر وهي الوسيلة المثلى لتشغيل رؤوس المال الإسلامية وهي وسيلة لتحقيق نمو اقتصادي ونهضة اقتصادية مثلى في المجتمعات الإسلامية وهي من الوسائل المباركة والناجحة في إعانة أصحاب رؤوس الأموال على تشغيل أموالهم واستثمارها في المجالات الاقتصادية المباحة والتي يعود نفعها على المجتمعات الإسلامية بالنفع والخير والرخاء الاقتصادي لجميع أبناء المجتمع وفي إعانة الفقراء والعاطلين من أصحاب الخبرات الاقتصادية والاستثمارية على إيجاد فرص عمل وتقليل نسبة البطالة وعدد العاطلين عن العمل في المجتمعات الإسلامية والبشرية، ولعل البنوك الإسلامية المعاصرة معتمدة في كثير من أنشطتها على المضاربة لكونها وسيلة إسلامية مباحة وتسبب النجاح لمن يتعامل بها تعبداً لله تعالى في استثمار الأموال وتجنباً للتعامل الربوي في الاستثمار الذي تقوم عليه كثير من الأنشطة الاقتصادية للبنوك الربوية المنتشرة في طول العالم الإسلامي وعرضه.

‌جواز عقود المضاربة ما لم تشمل على ما لم يحل

س: هل تجوز عقود المضاربة؟

جـ: تجوز ما لم تشتمل على ما لم يحل لقوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وقوله تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}

(1)

.

‌جواز كون نسبة الربح بين صاحب المال وصاحب العمل بحسب التراضي بينهما

س: هل يجوز لصاحب العمل في باب المضاربة أن يكون له ثلثي الربح ولصاحب المال الثلث؟

جـ: هي بحسب التراضي بينهما يجوز أن يكون لصاحب العمل الثلثان أو الثلث أو النصف أو غيره بحسب ما يتراضيان عليه لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).

‌جواز اشتراك أشخاص كثيرين في تجارة بمبالغ مختلفة ويقسم الربح بحسب نسب أموالهم

س: هل يجوز أن يشترك ثلاثة أشخاص أو أكثر في تجارة ولو كانت المبالغ المالية مختلفة؟

جـ: نعم، يجوز ويقسم الربح بحسب نسب أموالهم.

‌في باب المضاربة الخسارة تكون على صاحب المال فقط

س: هل يجوز أن شخصاً يدفع المال والآخر يعمل ويكون الربح بينهما؟

(1)

- الأعراف: آية (157)

ص: 196

جـ: نعم، يجوز أن شخصاً يدفع المال والآخر يعمل بالمال ويكون الربح بينهما بحسب التراضي بينهما اللهم إلا إذا حصلت خسارة فتكون على رب المال لأن العامل عبارة عن وكيل أو أجير أو عامل مع صاحب المال، اللهم إلا إذا شرط رب المال على العامل شروطاً وخالفها العامل فيضمن الخسارة بسبب مخالفته لشروط رب المال، كأن يشترط رب المال على العامل ألا يتجر في الخضروات أو في المكان الفلاني فإذا خالف العامل شروط رب المال وحصلت خسارة فيضمنها العامل لمخالفته للشروط، أما إذا لم يشترط رب المال على العامل أيِّ شروط واتجر العامل وحصلت خسارة فلا يضمنها.

‌الاتفاق بين الشركاء يلزم من حضر أو وكل ولا يلزم من لم يحضر أو يوكل

س: لدينا دكان والدنا نشتغل فيه جميعاً وتوسعنا في التجارة وفتحنا دكانا آخر واتفقت أنا وإخواني دون علم والدي وأخواتي بأن نسعى جميعاً في التجارة ويكون المستطلع لي وحدي على أن أترك لهم الدكاكين نهاية العام وأعيد ضماره والآن عند تقسيم التركة أنا محتار هل يجوز لي أخذ المستطلع أم لا؟

جـ: المؤمنون عند شروطهم لحديث (الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ)

(1)

، لكن إذا لم يحضر النساء عند الاتفاق وكان الدكان مشتركا بين الجميع فلا يكون الاتفاق حجة على من لم يحضر ولم يوكل، ويجب اختيار عدل من البنات وعدل من بقية الورثة لقسمة التركة المختلطة.

‌جواز الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية

س: ما حكم الشرع في الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية؟

جـ: إذا هي مضاربة فالمضاربة جائزة

‌تحريم تعاون الموظف في شركة أو غيره مع غيره على الإثم

س: أنا موظف (محاسب + أمين صندوق) في شركة مساهمة لثلاثة شركاء يدير الشركة أحدهم يقوم المدير العام مع المدير المالي بشكل سري بعمل مستندات غير حقيقية وبمبالغ كبيرة جداً وتقيد في الحسابات لا أدري بعلم الشركاء أم بغير علمهم، كما يقوم المدير المالي بأخذ مبالغ أكثر من راتبه بدون علم المدير العام ولا أعلم هل تقيد في حسابه أم لا حاولت البحث عن عمل آخر ولم أجد، وأنا أشعر بالذنب في هذا العمل، هل يجوز البقاء في هذا العمل أم لا؟

جـ: راجع في نقلك إلى عمل آخر في نفس المؤسسة أو استخر الله وما ألهمك عملته، وقد حرم الله التعاون على الإثم والعدوان تحريما قطعيا في قوله تعالى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

(2)

‌وجوب إزالة ما يؤدي إلى الإضرار بالجار في بيته من الأشجار والجدران وغيرها

س: ما حكم من يغرس له شجرة أو أشجاراً في حوشه يؤدي إلى الإضرار بجاره؟

جـ: من كان له شجرة في حوشه ولكنها تؤدي إلى الإضرار بالجار كأن تغطي أغصانها وتمنع وصول أشعة

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الاحكام: باب ماذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح. حديث رقم (1352) بلفظ (حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) صححه الألباني في صحيح الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه ابن ماجة في الأحكام.

(2)

- المائدة: آية 2 -

ص: 197

الشمس إلى حوش الجار أو عروقها تصل إلى أساس بيت الجار وتضر بالأساس أو أغصانها تؤذي المارة في الطريق فيجب على صاحب الشجرة رفع الضرر منها، فكل من يضر جاره بشجرة فيجب على صاحب الشجرة رفع الضرر وإن رفض صاحب الشجرة رفع الضرر فيحق لمن عليه الضرر أن يرفع الضرر من حوشه أو طريقه أو يقطع ما سيضر بأساسات بيته من عروق الشجرة أو سيسد عليه غرفة تفتيش حمّامِه فكل ضرر مرفوع، وإذا كانت أغصان شجرة الجار تغطي على حوش بيت الرجل وتمنع وصول الشمس إلى الحوش فله أن يطالب مالك الشجرة برفع الضرر فإن رفض فلصاحب الحوش المتضرر بعدم وصول الشمس إلى حوشه أن يقطع أغصان الشجرة التي تظل حوشه وتمنع وصول أشعة الشمس إليه لحديث (أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)

(1)

.

س: هل يجوز للجار أن يغرز خشبة في جدار جاره إذا احتاج لذلك؟

جـ: عند الظاهرية يجوز له ولا يجوز لصاحب البيت أن يمنع جاره من غرز خشبته لحديث (لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ)

(2)

، وعند علماء اليمن وهو المعمول به في المحاكم الشرعية الآن أنه لا يحق للجار أن يخرق بيت جاره ليغرز خشبته عملاً بحديث (أَلَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ)

(3)

وصاحب البيت نفسه غير طيبة بغرز خشبة في جداره، قال علماء الظاهرية: إن هذا الحديث مخصص بحديث (لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ) ما لم يحصل لصاحب البيت ضرر فإنه لا ضرر ولا ضرار فكل ضرر يرفع، ويحمل حديث (لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ) على الندب لا على الوجوب، لأن الأصل حرمة مال المسلم على أيِّ مسلم آخر لحديث (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ)

(4)

ولحديث (أَلَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ).

(1)

سنن ابن ماجة: كتاب الأحكام: باب من بنى في حقه ما يضر. حديث رقم (2369) بلفظ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى: أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (1909).

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب المظالم والغصب: باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره. حديث رقم (2283) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في الأحكام، وأبو داود في الأقضية، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الأقضية.

أطراف الحديث: الأشربة.

معاني الألفاظ: يغرز: يضع ويركز ويسند.

(3)

- مسند أحمد: كتاب مسند البصريين: حديث عم أبي حرة الرقاشي. حديث رقم (19774) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ غَنَمَ ابْنِ عَمِّي أَجْتَزِرُ مِنْهَا شَاةً فَقَالَ إِنْ لَقِيتَهَا نَعْجَةً تَحْمِلُ شَفْرَةً وَأَزْنَادًا بِخَبْتِ الْجَمِيشِ فَلَا تَهِجْهَا قَالَ يَعْنِي خَبْتَ الْجَمِيشِ أَرْضًا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْجَارِ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7662).

أخرجه أبو داود في النكاح، والدارمي في البيوع.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب الخطبة في منى. حديث رقم (1739) بلفظ (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا بَلَى، قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟ قُلْنَا بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ).

أخرجه مسلم في القسامة والمحاربين، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في أول مسند البصريين، والدارمي في المناسك.

أطراف الحديث: العلم، بدء الخلق.

ص: 198

س: هناك بيت من طابقين الطابق الأسفل لشخص والطابق الأعلى لشخص آخر ثم تهدم هذا البيت واستولى على العرصة صاحب الطابق الأسفل وقال لصاحب الطابق الأعلى ليس لك حق في العرصة، فما حكم الشرع في هذه القضية؟

جـ: على صاحب الطابق الأسفل أن يصلح طابقه ليعمر عليها صاحب الطابق الأعلى ولكن مثل هذه المسألة تحتاج إلى حضور عند القاضي الشرعي في المنطقة ليعرف الحقيقة ويستمع إلى أقوال الطرفين ويجري اللازم على ضوء البراهين والحجج.

‌تحريم رفع الجار جدار بيته حتى يمنع دخول أشعة الشمس إلى بيت جاره

س: هل يجوز للجار أن يرفع جداره حتى يمنع دخول أشعة الشمس إلى بيت جاره بحجة أنه يستر بيته؟

جـ: قال قضاة المحكمة العليا للنقض والإقرار أنه لا يجوز للجار أن يرفع جدار بيته حتى يمنع دخول أشعة الشمس إلى بيت جاره لأنَّ جاره يتضرر بمنع دخول الشمس إلى بيته ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام كما في حديث (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ).

س: هل يجوز لمن ترك بين بيته وبين بيت جاره خمسين سنتيمتراً أن يفتح نوافذ لبيته في الطابق العلوي؟

جـ: يجوز له أن يفتح عقوداً لا نوافذاً ولا ميزاباً لأنه إذا فتح النوافذ أو عمل الميزاب سيستعمل هواء جاره.

‌جواز تكوين جمعيات اقتصادية ليدفع المجموع في الشهر لواحد منهم بحسب سهم القرعة

س: هل يجوز تكوين جمعيات اقتصادية بحيث كل واحد يدفع مبلغاً مالياً متساوياً في السهم الواحد ليدفع ما يجمع في الشهر لواحد منهم بحسب سهم القرعة؟

جـ: هذا جائز ومن ادعى عدم الجواز فعليه الدليل الصحيح الخالي عن المعارضة والأصل الجواز.

‌عدم صحة بيع الشيء المشترك بدون وكالة من جميع الشركاء

س: رجل احتاج ثلاثين ألف ريال فطلب صاحبه أن يُبصِّر (يكتب له بصيرة) في موضع ما مقابل المبلغ، فوافق الرجل تحت ضغط الحاجة ولكنه بصَّر له بدون تعطيل الفصل ولا تسليم البصيرة الأصل ولا شهود ولا توقيع بائع وبعد سبعة أشهرعاد أولاد المشتري من السعودية يريدون استلام الموضع الذي هو مشاع بين أربعمائة لبنة، فهل يصح البيع؟

جـ: إذا صح أن الأرض مشتركة وأن البائع باع الأرض المشتركة بلا وكالة ولا إجازة فالبيع سيكون نافذاً في نصيب البائع فقط ولا يكون بيعاً نافذاً في حق غيره من الشركاء، ولا مانع للشريك من الشفعة إذا كانت الأرض مشاعة ومشتركة.

ص: 199

‌في الشركة العرفية لا حق في المكتسب لمن لم يعمل في الاكتساب

س: لي ثلاثة أولاد اثنان كبار وواحد صغير اكتسبت أنا والاثنين الكبار واشترينا أراضا وعمرنا بيوتا بينما الولد الصغير كان يدرس ثم أدخلنا الولد الصغير في المكتسبات وأعطيناه بصائر في أراض، والآن الولد الصغير موظف مع الدولة وله معاش وهو رافض أن يجعل المعاش في كسب الجميع وعمر له بيتا وانفصل لوحده، فهل له حق في مكتسبي مع إخوته؟

جـ: إذا صح أن التسوية كانت وهذا الولد صغير ولم يعمل فلا حق له في المكتسب إن صح ما قلتم.

‌جواز أخذ الفلوس التي يعطيها الزبائن لعامل في عمل تجاري بطيبة من أنفسهم

س: نحن شريكان لدينا عامل أمين يعطيه الزبائن فلوسا مقابل رجوعه للعمل عندهم مرة أخرى بعد انتهاء العمل الأول يعطونها كهبة له والعامل يعمل بمعداتنا، فهل الفلوس التي تعطى له كهبة جائزة له أم عليه إرجاعها إلى الشركاء؟

جـ: إذا كان بطيبة من نفوس المعطين فهو حلال لحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).

‌وجوب اختيار عدلين خبيرين يقدران ما يستحقه الأخوان لمقابل عملهما

س: ثلاثة أخوة أحدهم مغترب خارج الوطن كان يرسل بفلوس بين فترة وأخرى لأخويه المقيمين في اليمن، وقاموا بشراء أراض وبنوا بيتاً مكوناً من طابق واحد وبيتاً مكوناً من طابقين كل طابق مكون من شقتين، الأخوان لم يشاركا بمبالغ مالية وإنما قاموا بالإشراف والمتابعة، فهل يستحقان نصيباً فيما تم ذكره من البيوت والأموال؟

جـ: نعم، يستحقان إلى مقابل عملهما ما يقدره لهما عدلان خبيران مختاران من الطرفين.

‌وجوب استئذان الشريك شريكه في التصرف بالمال المشترك بين شركاء

س: أنا امرأة أسكن في بيت أنا وابن زوجي لي الثلث فيه وله الثلثان ذهبت إلى بيت ابني ومكثت عنده وعندما عدت إلى بيتي منعني ابن زوجي من الدخول لأنه قد أجرى ترميمات وإصلاحات في البيت من رنج وتغيير كهرباء وغيره مع أنه لم يؤاذنني بها ويريد غرامته، فهل يصح له أن يجري ترميمات في نصيبي دون أخذ إذن مني؟

جـ: إذا كان تصرف في ملك الجميع ولم يؤذن أحد الشريكين بأيِّ تصرف فليس على أحد الشريكين غرامة لأن ما كان مشتركاً بين اثنين أو أكثر لا يكون التصرف من أحدهم في الشيء المشترك إلا بإذن خاص، ومن الممكن في هذه الحالة الصلح بين الطرفين بنظر من يحب الإصلاح بين الناس.

‌يحاسب الشريك شركاءه في المال المباع المشترك بسعر يوم البيع

س: نحن أربعة أخوة مشتركين في سيارة لكن أحدنا باع السيارة واشترى بها دكانا خاصا به ووعدنا أن يدفع لنا قيمة السيارة، كان ذلك قبل حوالي عشرين سنة، ونحن الآن نطالبه بقيمة السيارة، فهل يدفع لنا قيمة السيارة بسعر يوم البيع أم بسعرها الآن؟

جـ: بسعر ما باعها.

‌في الشركة العرفية يكون غلة محصول التركة والمكتسب للجميع

س: نحن أربعة أخوة نسكن في بيت واحد مع الوالد يقوم الأول والثاني بدفع مبلغ شهري للوالد في صرفة البيت ويشتغل الثالث والرابع في محل للوالد ويقوم بادخار الأرباح الشهرية طلبنا من الوالد دفع مبلغ شهري عن كل واحد

ص: 200

ويكون له ما اكتسبه ملكاً خاصاً لكن الوالد قال ما دام واحنا بيت واحد فالكسب للجميع ومن يريد أن يستقل بكسبه فلينفصل ويخرج من البيت، فهل هذا جائز شرعاً؟

جـ: إذا كتب لكم الوالد بيدكم أن سعي كل ولد لنفسه وليس للوالد أيِّ شيء فاجلسوا جميعاً عنده، وأما إذا لم يكتب فالحاصل والمكتسب يكون للجميع إلا إذا انفردتم.

‌تحريم خيانة الموظف لشركته أو مؤسسته الرسمية أو الأهلية

س: لدينا قطعة أرض معروضة للإيجار بـ (1500) $ أتى إلينا مندوب شركة وقال أن شركته موافقة على استئجارها ولكنه اشترط علينا تأجيرها بـ (1800) $ لتوقيع العقد على أن يكون مبلع الـ (300) له دون علم الشركة، فهل علينا إثم إذا وقعنا له هذا العقد أم لا؟

جـ: هذا لا يجوز هذا خيانة، وهوتعاون على الإثم وقد حرَّمه الله تحريما قطعيا في قوله تعالى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

(1)

.

‌تحريم أخذ الموظف في شركة المبالغ الزائدة من صرف العملات بدون إذن الشركة

س: أعمل في شركة خاصة محصلا فلوسا من العملاء ونظام التحصيل في الشركة يكون بالدولار فآخذها من العملاء بالريال وأحولها إلى الدولار وعندما أحصلها من العميل فإني أحسبها بسعر صرف اليوم بينما الصرَّاف الذي أصرفها عنده يحسبها لي بسعر أقل بحكم التعامل المستمر معه، فهل يجوز لي أخذ الزيادة والفوارق بدون علم الشركة؟

جـ: الظاهر عدم الجوازلحديث (مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

(2)

.

‌تحريم أخذ الموظف مبلغاً مالياً لمقابل توظيف من يتقدم بطلب الوظيفة العامة

س: يقوم بعض الموظفين بأخذ مبالغا من الناس لغرض توظيفهم ويتخذونها بيع وشراء، فهل هذا جائز؟

جـ: المعطي لا إثم عليه والآخذ عليه إثم خيانة الأمانة في الوظيفة العامة لقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ

سَمِيعًا بَصِيرًا}

(3)

وقوله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ

ظَلُومًا جَهُولًا}

(4)

وقوله

(1)

- المائدة: آية (2)

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب تحريم هدايا العمال. حديث رقم (4820) بلفظ (عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنْ الْأَنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، قَالَ: وَمَا لَكَ؟ قَالَ سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَأَنَا أَقُولُهُ: الْآنَ، مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى).

أخرجه أبو داود في الأقضية، وأحمد في مسند الشاميين.

معاني الألفاظ: الغلول: الأخذ من الغنيمة خفية قبل قسمتها أو الأحذ من الأموال العامة التي تحت ولاية الموظف العام فوق ما هو مقررله بحسب اللوائح أو القوانين المنظمة للأجور والمرتبات.

(3)

- النساء: آية (58)

(4)

- الأحزاب: آية (72)

ص: 201

تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}

(1)

وقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

(2)

و خيانة الموظف العام تخالف قوله تعالى {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}

(3)

وخيانة الموظف العام صفة من صفات المنافقين كما في حديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)

(4)

‌تحريم الخيانة في العمل الوظيفي

س: ضابط في معسكر وظف ثلاثة من أقربائه في المعسكر واتفق مع قائد المعسكر على عدم حضورهم وجلوسهم في البيت مقابل أن يأخذ له (3000) ثلاثة آلاف ريال، وأنا آخذ جزءا من معاشاتهم رغم موافقة الجميع، فهل يجوز ذلك؟

جـ: الظاهر أن هذا لا يجوز لقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ

سَمِيعًا بَصِيرًا}

(5)

وقوله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ

ظَلُومًا جَهُولًا}

(6)

وقوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}

(7)

وقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

(8)

و خيانة الموظف العام تخالف قوله تعالى {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}

(9)

وخيانة الموظف العام صفة من صفات المنافقين كما في حديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)، وكل واحد يفتي نفسه ويحاسب ضميره ويستخير الله وما ألهمه الله عمله وقد جاء في الحديث الصحيح (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ)

(10)

.

(1)

- المؤمنون: آية (8)

(2)

- الأنفال: آية (27)

(3)

- القصص: آية (26)

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة المنافق. حديث رقم (32) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان عن رسول الله، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الشهادات، الوصايا، الأدب.

معاني الألفاظ: الآية: العلامة والدليل والبرهان. أخلف: نقض وعده.

(5)

- النساء: آية (58)

(6)

- الأحزاب: آية (72)

(7)

- المؤمنون: آية (8)

(8)

- الأنفال: آية (27)

(9)

- القصص: آية (26)

(10)

- سنن النسائي: كتاب الأشربة: باب الحث على ترك الشبهات. حديث رقم (5727) بلفظ (عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْديِّ قَالَ: قُلْتُ: لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما، مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْهُ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) صححه الألباني في صحيح النسائي.

أخرجه الترمذي في صفية القيامة والرقائق والورع، وأحمد في مسند أهل البيت، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: الريبة: الشك والتردد.

ص: 202

‌شبهة العمل مع شركة أدوية تقدم الرشوة للأطباء لكتابة علاجاتها للمرضى

س: أعمل مندوباً في شركة أدوية تقوم بالتعاقد مع أطباء بدفع مبالغ أو نسب معينة مقابل كتابة أدوية للمرضى من أدوية الشركة، وأقوم أنا بتوصيل هذه المبالغ للأطباء والبحث عن تعاقدات أخرى وكذلك مع الصيادلة، فهل العمل معهم جائز؟

جـ: الله أعلم والظاهر أنها شبهة والمؤمنون وقافون عند الشبهات لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(1)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

ص: 203

الباب العاشر: الرهن

• مشروعية الرهن في الكتاب والسنة

• مشروعية الرهن في السفر والحضر

• رهن النبي صلى الله عليه وسلم عند يهودي ليضرب المثل الأعلى في ترفع الوالي العام عن أموال الأمة

• رهن النبي صلى الله عليه وسلم أسوة لكل ولاة أمور المسلمين في الترفع عن الأخذ من أموال الأمة الخاصة والعامة

• عدم مشروعية رهن الإنسان وإنما يرهن الجماد أو الحيوان

• جواز انتفاع المرتهن بالرهن مقابل مؤن الرهن

• عدم جواز الانتفاع بالسيارة المرهونة

• جواز بيع الرهن بما فيه

• جواز بيع العين المرهونة إذا مضت مدة معينة برضا الراهن

• وجوب رد الرهن الذهب بعينه وإن تعذر رد العين أو المثل فيرد القيمة بسعر يوم الرد

• غلة العين المرهونة للمرتهن

• جواز اقتسام غلة المال المرهون بين الراهن والمرتهن

• لا يضمن المرتهن العين المرهونة إذا هلكت أو فقدت إلا إذا جنى أو فرط

• جواز قبض الرهن حتى يستوفي المرتهن جميع ماله عند الراهن

• لا يجوز للمرتهن رهن الرهن

• عدم جواز أخذ المال المرهون لقضاء حوائج المرتهن

• جواز التصدق بالمرهونات القديمة التي لم يعرف صاحبها

• الدبلة ليست من الشرع الإسلامي وإنما هي من تقاليد الغرب

ص: 204

‌الباب العاشر: الرهن

‌مشروعية الرهن في الكتاب والسنة

س: ما حكم الرهن؟

جـ: الرهن مشروع في الكتاب في قوله تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}

(1)

والسنة في حديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ)

(2)

وحديث (وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ)

(3)

.

‌مشروعية الرهن في السفر والحضر

س: هل الرهن لا يشرع إلا في السفر أم يجوز في السفر والحضر؟

جـ: الرهن مشروع في السفر والحضر لأن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعاً له عند يهودي في المدينة المنورة كمافي حديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ) وحديث (وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ).

‌رهن النبي صلى الله عليه وسلم عند يهودي ليضرب المثل الأعلى في ترفع الوالي العام عن أموال الأمة

س: لماذا رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي ولم يرهنه عند مسلم؟

جـ: لأن المسلم قد لا يرضى أن يأخذ رهناً من النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن يعطى من دون رهن أو من مسلم لا يرضى أن يأخذ الرهن أو القضاء، والنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يضرب للمسلمين المثل الأعلى في عزة النفس وفي ترفع ولي الأمر العام وبُعدَه عن أموال الأمة العامة والخاصة، وكذلك ليدلل على جواز التعامل مع الكافرين الذميين أو المعاهدين لا المحاربين.

‌رهن النبي صلى الله عليه وسلم أسوة لكل ولاة أمور المسلمين في الترفع عن الأخذ من أموال الأمة الخاصة والعامة

س: هل في رهن النبي صلى الله عليه وسلم عند يهودي أسوة لولاة الأمر من المسلمين في الترفع عن الأخذ من أمول الأمة العامة والخاصة؟

جـ: نعم، في رهن النبي صلى الله عليه وسلم عند يهودي أسوة وقدوة لكل ولاة أمور المسلمين في كل زمان وفي كل مكان على الترفع والتنزه عن الأخذ من أموال الأمة الخاصة وكذا الأخذ من أموال الأمة العامة أكثر مما يستحقونه بموجب

(1)

- البقرة: آية (283)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الرهن: باب من رهن درعه. حديث رقم (2509) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والنسائي في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

أطراف الحديث: البيوع، السلم.

معاني الألفاظ: القبيل: الكفيل.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة. حديث رقم (1937) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم صَاعُ بُرٍّ وَلَا صَاعُ حَبٍّ، وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ)

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 205

القوانين واللوائح المنظمة، وفي الزهد والتقلل من الدنيا والرضا منها بالقليل في المطعم والمشرب والمسكن والملبس والمركب وفي كل شؤون الدنيا، وفيه أسوة وقدوة للموظفين العامين في الكف عن الأموال الخاصة للأمة والترفع عن الأخذ منها، ومن أدلة تأسي شاغلي الوظائف العامة في الدولة في الرضا بالقليل والزهد في الدنيا والتقلل في أمور المعيشة قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ

تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ

تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}

(1)

وقد تأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في التحقق بمعنى الآية الكريمة الخلفاء الراشدون والخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، وصلاح الدين الأيوبي فكل واحد منهم عاش متقللا من الدنيا في أمور معيشته زاهداً في دنياه مؤثراً آخرته متعففاً عن أموال رعيته العامة والخاصة، وكان كل واحد منهم قدوة صالحة لكبار المسؤولين وصغارهم من المدنيين والعسكريين ولسائر أفراد الأمة في ولايته وفي عصره وامتد أثر قدوة كل واحد منهم للأحياء بعد موته ولا زالوا قدوات صالحة في الحكم الرشيد وفي الزهد في الدنيا والتقلل منها وفي العفة والتنزه عن الأموال العامة والخاصة للحكام في ولايتهم حتى عصرنا هذا.

‌عدم مشروعية رهن الإنسان وإنما يرهن الجماد أو الحيوان

س: هل يجوز رهن الرجل أو حبسه كرهينة؟

جـ: هذا لا يسمى رهنا، الرهن: هو رهن الشيء الجماد أو الحيوان بتراض بين الراهن والمرهون لديه.

‌جواز انتفاع المرتهن بالرهن مقابل مؤن الرهن

س: هل يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن مقابل مؤن الرهن؟

جـ: يجوز للمرتهن أن ينتفع بفوائد الرهن خلافاً للهادوية والحنفية لأنهم قالوا إن حديث (الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ)

(2)

مخالف للقياس، ولكن قد أجيب عنهم بأن القياس الذي يصادم نصاً صحيحاً يكون قياساً فاسد الاعتبار.

‌عدم جواز الانتفاع بالسيارة المرهونة

س: هل يجوز الانتفاع بالسيارة المرهونة؟

جـ: الظاهر أنه لا يجوز لأنه استهلاك كبير، والجواز إذا كان انتفاع بحليب أو ركوب حيوان لأيام محدودة حيث لا يضر العين المرهونة كما في حديث (الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ).

‌جواز بيع الرهن بما فيه

س: هل يجوز للمرتهن بيع الرهن بما فيه؟

جـ: المرتهن إذا اشترط على الراهن أن له الحق في بيع العين المرهونة عند حلول الأجل إذا لم يف الراهن

(1)

- الأحزاب: (28، 29)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الرهن: باب الرهن مركوب ومحلوب. حديث رقم (2511) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ).

أخرجه الترمذي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الرهن.

ص: 206

بالدين في وقته المحدد المتراضى عليه بين الراهن والمرتهن من حين الرهن فيجوز له بيع العين المرهونة بسعر الزمان والمكان وإذا كان ثمن العين المرهونة زائداً عن الدين الذي له على الراهن فيجب إعادة الثمن الزائد إلى الراهن، وإن كان ثمن العين ناقصاً فيجب على الراهن توفية المرتهن بالمبلغ الزائد على ثمن العين المرهونة المباعة، ودليل جواز بيع الرهن عند حلول الأجل إذا عجز الراهن عن دفع مبلغ الدين هو التراضي الذي تم بين الراهن والمرتهن حين الرهن لأن التراضي أساس الجواز في كل المعاملات الشرعية التي لم يمنع منها مانع شرعي، وهنا لا يوجد مانع شرعي صحيح يمنع المرتهن من بيع العين المرهونة عند حلول آجل الدين إذا عجز الراهن عن الوفاء، وأما حديث (أن رسول الله عليه سلم قال: لا يغلق الرهن) فقد ضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة برقم (481)، وبناء على هذا فشرط المرتهن على الراهن بيع العين المرهونة عند حلول الأجل في حالة عجز الراهن عن الوفاء بدين المرتهن شرط صحيح وليس بفاسد لأن الأصل الجواز، ولا يقوى الحديث الضعيف على مقاومة الأصل فضلا على أن يقدم عليه وهذا هو رأي شيخ الإسلام الشوكاني في كتابه (السيل الجرار).

س: رجل زوج ابنته وأخذ من الزوج سلاحاً رهناً إلى بعد شهرين فهل إذا مضت مدة الشهرين ولم يسلم الزوج الفلوس يقطع الرهن في المرهون فيه؟

جـ: إذا كان بينهما تراض على أن السلاح يقطع في نهاية الشهرين فالعبرة بتراضيهما لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(1)

ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)

(2)

وإن لم يتراضيا فلا يقطع الرهن لأن العبرة بالتراضي بينهما.

(1)

- النساء: (29).

(2)

- مسند أحمد: كتاب مسند البصريين: حديث عم أبي حرة الرقاشي. حديث رقم (19774) بلفظ (عن أبي حرة الرقاشي عن عمه، قال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس فقال: يا أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم وفي أي يوم أنتم وفي أي بلد أنتم؟ قالوا: في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه، ألا وإن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل، ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع وإن الله عز وجل قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، ثم قرأ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم، فاتقوا الله عز وجل في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا وإن لهن عليكم ولكم عليهن حقا أن لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، قال حميد قلت للحسن ما المبرح قال المؤثر ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله عز وجل، ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وبسط يديه فقال: ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع) حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7662).

أخرجه أبو داود في النكاح، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: الزمام: الحبل الذي تقاد به الدابة.

التشريق: الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الأضحى.

الذود: الطرد والمنع.

مأثرة: من المآثر وهي مكارم الجاهليين ومفاخرهم. الدين القيم: الذي لا عوج فيه. التحريش: الإغراء وتحريض البعض على الآخر.

العاني: الأسير وكل من ذل واستكان وخضع. النشوز: العصيان ومخاصمة الأزواج.

مبرح: شديد وشاق.

ص: 207

‌جواز بيع العين المرهونة إذا مضت مدة معينة برضا الراهن

س: هل يجوز أن يتكاتبوا على أن يغلق الرهن في مدة معينة لمدة سنة مثلاً؟

جـ: لا مانع، إذا فوض الراهن المرهون لديه ببيع العين المرهونة إذا مرت مدة معينة ولم يدفع المبلغ المرهون فيه لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).

‌وجوب رد الرهن الذهب بعينه وإن تعذر رد العين أو المثل فيرد القيمة بسعر يوم الرد

س: أفتونا في رجل رهن فصاً من أفصاص ذهبية بمبلغ خمسة عشر ألف ريال من قبل عشر سنوات ولمدة محدودة بشهرين ولم يسلم الراهن ما بذمته في الوقت المحدود، ويطلب اليوم الراهن الرهن فماذا يجب على من أخذ الرهن لديه هل يسلم له سعر الذهب بسعر وقت الرهن، أم يجب أن يسلم له الذهب بسعر الوقت الراهن؟

جـ: إن الرهن يجب رده بعينه لأنه أمانه والأمانة يجب ردها بعينها لقول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}

(1)

وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (أدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ)

(2)

وإذا تعذر رد الأمانة بعينها أو بمثلها فعليه أن يؤدي ثمنها بسعريوم الرد لا يوم الرهن، وهكذا إذا كانت العين المرهونة لها أجل محدد مقدر بمدة معلومة وقد بذلها الشخص المرهون عنده للراهن في المدة المحددة ورفض قبولها وأذن له بصرفها وقت الحاجة فإنه في هذه الحالة يجب ردها بعينها أو بمثلها أو بثمنها بسعر يوم الرد.

‌غلة العين المرهونة للمرتهن

س: هل تكون غلة العين المرهونة مدة الرهن للراهن أو للمرهون عنده؟

جـ: تكون غلة العين المرهونة للمرهون عنده إذا كانت مما في حديث (الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ)

(3)

.

‌جواز اقتسام غلة المال المرهون بين الراهن والمرتهن

س: رجل احتاج مالاً من شخص آخر فطلب المقرض منه مزرعته رهناً، واشترط المقترض أن يقوم المقرض بزراعة الأرض ويقسم لصاحب المزرعة (المقترض) من الغلة وتكون القسمة بينهما حسب الاتفاق، فهل هذا جائز؟

جـ: لا مانع، لأن الأصل الجواز وبحسب التراضي بينهما لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).

س: رجل تاجر أجَّر من رجل قطعة أرض لزرعها مقابل إعطائه ربع غلتها وبعد أيام احتاج صاحب الأرض فلوساً

(1)

النساء:) 58).

(2)

سنن أبي داود: كتاب البيوع: باب في الرجل يأخذ من تحت يده. حديث رقم (3068) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) صححه الألباني صحيح الجامع الصغير برقم (240).

أخرجه الترمذي في البيوع، والدارمي في البيوع.

(3)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (2511).

ص: 208

فرهن من المستأجر نصفها وأعطى المستأجر نصف الغلة مقابل الرهن هل يجوز هذا؟

جـ: العبرة بالتراضي فإذا تم التراضي بينهما فلا مانع لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).

‌لا يضمن المرتهن العين المرهونة إذا هلكت أو فقدت إلا إذا جنى أو فرط

س: هل يضمن المرتهن إذا هلكت العين المرهونة أو فقدت أو عطبت؟

جـ: لا يضمن المرتهن إلا إذا فرط في الحفظ أو جنى على العين المرهونة.

س: إذا فقد المرهون تحت جائحة وقعت، فهل يضمن المرهون لديه؟

جـ: لا يضمن إذا فقد المرهون بسبب جائحة وقعت لأنه فاعل خير.

‌جواز قبض الرهن حتى يستوفي المرتهن جميع ماله عند الراهن

س: إذا رهنت جنبية عند واحد وكان عندي له فلوس من أول وعندما أوفيته بالفلوس الأخيرة لم يرض أن يسلم الجنية حتى أسلم الفلوس الأولة، فهل يجوز له ذلك؟

جـ: نعم، يجوز له ألا يعيد الرهن حتى يستوفي بفلوسه كاملة من عند الراهن.

‌لا يجوز للمرتهن رهن الرهن

س: رهن شخص عند آخر جنبية وعندما جاء ليأخذ الرهن أعلمه الرجل المرهون عنده أنه قد رهنها عند شخص آخر، فهل يجوز له ذلك؟

جـ: لا يجوز رهن الرهن أبداً لحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).

‌عدم جواز أخذ المال المرهون لقضاء حوائج المرتهن

س: ما حكم من أخذ من المال المرهون عنده إذا احتاج؟

جـ: لا يجوز له أن يأخذ من المال المرهون عنده أبداً، وإذا قد فعل فيخرج بدله من ماله لحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).

‌جواز التصدق بالمرهونات القديمة التي لم يعرف صاحبها

س: شخص عنده رهون لديون مر عليها الدهر ولم يطالبه أحد بها، فهل يستخدمها أم يبيعها أم ينتفع بقيمتها؟

جـ: يسأل عن أصحابها وإذا لم يوجدوا يتصدق بها، لكنهم إذا حضروا فإنه سيكون ضامناً إذا كان قد تصدق بها أو انتفع بها لنفسه.

‌الدبلة ليست من الشرع الإسلامي وإنما هي من تقاليد الغرب

س: ما حكم لبس الدبلة للرجال والنساء وكذلك الخاتم؟

جـ: ليس لها حكم شرعي، وإنما هي من تقاليد الغرب، والتشبه بالكافرين حرام لحديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ

ص: 209

مِنْهُمْ)

(1)

وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا)

(2)

.

(1)

- سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب في لبس الشهرة. حديث رقم (3512) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) قال عنه الألباني في صحيح أبي داود رقم (4031) بأنه (حسن صحيح).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الاستئذان والأدب: باب ماجاء في كراهية الإشارة باليد في السلام. حديث رقم (3619) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2695).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

ص: 210

الباب الحادي عشر: العارية والوديعة

الفصل الأول: الوديعة

• ربح من أخطأ بمتاجرته بالمال المودع لديه نصفين بينه وبين صاحب المال

• وجوب رد الودائع وإخراج الديون من رأس تركة الميت

• جواز استخدام الأدوات المودعة إذا أذن المودع

• عدم ضمان الوديع إلا إذا جنى على الوديعة أو فرط في حفظها

• عدم ضمان المرسل معه إلا إذا جنى أو فرط

• عدم جواز إعارة الوديعة بدون إذن صاحبها

• من وضع عند آخر شيئا يبقى أمانة عنده حتى يسلمه إليه أو إلى ورثته

ص: 211

‌الباب الحادي عشر: العارية والوديعة

‌الفصل الأول: الوديعة

‌ربح من أخطأ بمتاجرته بالمال المودع لديه نصفين بينه وبين صاحب المال

س: إذا وضع شخص عند آخر مبلغاً من المال وداعة، فهل يجوز للمودع لديه أن يتاجر بها ليكون الربح بين المودع والمودع لديه؟

جـ: قد أخطأ حينما يتاجر بالمبلغ بدون إذن مالكه لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(1)

ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)

(2)

ولكن إذا قد وقع فيكون الربح بينهما نصفين من باب المضاربة مثلما عمل أبو موسى الأشعري مع عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب حيث أعطاهما من أموال المسلمين مالاً لإيصاله إلى عمر بن الخطاب فابتاعوا به وباعوا وجعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ربحه بناء على مشورة كبار الصحابة مضاربة نصفه لعبد الله بن عمر وأخيه عبيد الله والنصف الآخر لبيت مال المسلمين.

‌وجوب رد الودائع وإخراج الديون من رأس تركة الميت

س: شخص أودع الناس عنده ودائعاً كثيرة، فهل يجب على ورثته رد الودائع وقضاء ديونه؟

جـ: يجب على وصيه أن يرد الودائع وإن لم يكن معه وصي فينصب القاضي الشرعي عليه وصياً ليرجع الودائع التي عليه، وكذلك الديون يجب إخراجها من رأس التركة قبل القسمة حتى لو استغرقت الديون كل التركة ويجب قضاء الدين حتى من قيمة بندقه وسيارته وجنبيته أو أيِّ شيء يملكه لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}

(3)

‌جواز استخدام الأدوات المودعة إذا أذن المودع

س: وضع عندي بعض الأدوات الخاصة بالعمل، فهل يجوز لي استخدامها في البيت مثل التلفاز والمسجل والسيارة وغيرها؟

جـ: لا مانع إذا كان قد أذن لك لحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه) وإلا فلا.

‌عدم ضمان الوديع إلا إذا جنى على الوديعة أو فرط في حفظها

س: وضع رجل وداعة عند رجل المستودع عنده غني وعنده ودائع كثيرة فإذا سرقت فهل يضمن الرجل المستودع عنده؟

جـ: لا يضمن إلا إذا فرط في الحفظ أو جنى على الوديعة.

س: ما قولكم في امرأة ودعت مالاً عند جارتها فقالت لها إذا ماتت تعطى المال لولدها الكبير؟

(1)

- النساء: (29).

(2)

- مسند أحمد: سبق ذكره في الباب السابق من حديث أبي حرة الرقاشي برقم (19774).

(3)

- النساء: آية (11)

ص: 212

جـ: يجب على المرأة أن تعطى الوداعة الوصي أو المنصوب من القاضي الشرعي خشية من المفاضلة بين الأولاد فلا يجوز أن تفضل الأم أحدهما على الآخر، اللهم إلا إذا كانت تعطى الصغير لمساواته بالكبير وكانت قد أعطت الكبير عطية فلا مانع من ذلك من باب المساواة فيجوز لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)

(1)

وإن لم تكن قد أعطت الكبير ولا الصغير شيئاً فيجب أن يقسم بينهما بحسب الفرائض الشرعية.

‌عدم ضمان المرسل معه إلا إذا جنى أو فرط

س: إذا أعطى رجل مصلح ساعات ساعته ليصلحها، فأعطى المصلح شخصاً آخر ليعطيها مالكها فظلت عليه، فهل يضمن؟

جـ: إذا أعطى المصلِّح الرسول والرسول ضاعت عليه أو سقط فانكسرت عليه فإنه لا يضمن لا المصلح للساعات ولا الرسول لأنه لم يفرط ولم يجن عليها، وحكم الرسول مثل حكم المرهون لديه لا يضمن إلا إذا فرط أو جني عليها لأنه محسن وليس على المحسنين من سبيل لقوله تعالى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}

(2)

‌عدم جواز إعارة الوديعة بدون إذن صاحبها

س: حدث أن رجلاً أودع سلاحاً عند رجل آخر فأعاره لشخص آخر بدون إذن صاحبه، فهل يجوز له أم أنه لا يجوز؟

جـ: على المودع لديه ألاَّ يعير أحداً الوديعة التي هي أمانة عنده وعلى صاحب السلاح أن يطلب سلاحه من الذي أودعه لديه وإذا كان غائباً وعرف سلاحه عند من استعاره فيطالبه به إن أمكن وإلا فاللازم الحضور عند القاضي الشرعي في المنطقة ليعرف الحقيقة ويجري اللازم بحسب اختصاصه وبمقتضى ما يصح لديه لأن الحاضر يرى ما لا يراه الغائب، وليس السامع كالمشاهد ولا من يعرف القضية من خلال الإطلاع على كلام من طرف مثل من سيعرفها من كلام الطرفين ويطلع على برهان كل واحد من الطرفين.

‌من وضع عند آخر شيئا يبقى أمانة عنده حتى يسلمه إليه أو إلى ورثته

س: رجل اعتدى على رجل فحكّم المعتدي المعتدى عليه بجنبية، ثم ذهب المعتدي ولم يرجع الى التراضي ولم يأخذ جنبيته، هل الجنبية حق المعتدي تصبح حلالا للمعتدى عليه أم لا؟

جـ: تبقى أمانة عنده، وعليه أن يسأل ويبحث عن صاحبها أو ورثة صاحبها ليسلمها له أولهم لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه كما في حديث (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه).

(1)

صحيح البخاري: كتاب الهبة: باب الإشهاد في الهبة. حديث رقم (2447) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ).

أخرحه مسلم في الهبات، والترمذي في الأحكام عن رسول الله، والنسائي في النحل، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.

أطراف الحديث: الهبة وفضلها والتحريض عليها، الشهادات.

(2)

- التوبة: آية (91)

ص: 213

الفصل الثاني: العارية

• ضمان المستعير للعارية إذا جنى أو فرط أو شرط عليه المعير بأنها عارية مضمونة

• الحزم اشتراط المعير على المستعير بكون الإعارة عارية مضمونة

• تحريم منع مالك الحيوان الذكر من النزو عل أنثى غيره

• آراء العلماء في حكم أخذ من ظفر بمال لشخص عنده مال للظافر قد رفض إرجاعه

• وجوب إرجاع الظافر الزائد على حقه للمأخوذ عليه

• جواز أخذ الشخص ماله بعينه ممن أخذه عليه

• براءة ذمة الخائن إذا أخذت منه المظلمة بغير رضاء منه

• السيارة والمسجلة والتلفزيون لا تعتبر من الماعون لأنهاليست من الأشياء الضرورية

ص: 214

‌الفصل الثاني: العارية

‌ضمان المستعير للعارية إذا جنى أو فرط أو شرط عليه المعير بأنها عارية مضمونة

س: هل يضمن المستعير العارية إذا هلكت أو عطبت أو فقدت عند المستعير؟

جـ: لا يضمن المستعير إلا إذا فرط في الحفظ أو جنى عليها أو إذا شرط المعير على المستعير الضمان فإن المستعير يضمن مطلقاً سواء فرط أو جنى أو لم يفرط أو لم يجنِ، ويستحسن للرجل الحاذق أن يشرط الضمان على المستعير لأن المستعير هو الذي يطالب المعير بالعارية، بحيث إذا فقدت العين المعارة أو هلكت أو عطبت فيضمن المستعير العارية لدليل استعارة النبي صلى الله عليه وسلم السيوف من صفوان بن أمية في غزوة حنين، حيث قال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم:(أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟! فَقَالَ: لَا، بَلْ عَمَقٌ مَضْمُونَةٌ)

(1)

.

‌الحزم اشتراط المعير على المستعير بكون الإعارة عارية مضمونة

س: عندنا جيران إذا استعاروا الشيء لا يرجعونه إلا مكسوراً ولا يرجعون الشيء المستعار إلا بصعوبة، فهل يجوز لنا منع إعارتهم؟

جـ: لا تمنعوا الإعارة ولكن اشرطوا عليهم أنها عارية مضمونة كما في حديث (أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟! فَقَالَ: لَا، بَلْ عَمَقٌ مَضْمُونَةٌ)، فإذا كسروا الشيء المعار فيضمنونه وخير الأمور أوسطها لا تمنعوا الإعارة ولا تعيرونهم بغير شرط الضمان.

‌تحريم منع مالك الحيوان الذكر من النزو عل أنثى غيره

س: هل إذا امتنع الرجل من إعطاء جمله أو ثوره أو كبشه أو تيسه لينزو على أنثى من جنسه يأثم؟

جـ: إذا طلب صاحب الأنثى الذكر لينزو على أنثاه ومنعه فهو آثم لأنه من الماعون المحرَّم منعه في قوله تعالى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}

(2)

.

س: هل يجوز منع إطراق فحل الحيوانات؟

جـ: لا يجوز لأنه من الماعون لقوله تعالى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} ، ولا يجوز بيع عسب الفحل لحديث (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ)

(3)

ولكن يجوز المكارمة وهي إعطاء صاحب الفحل شيئاً غير مشروط ولا معلوم مكافأة له لتغذية الحيوان.

(1)

- سنن سنن أبي داود: كتاب البيوع: باب في تضمين العور. حديث رقم (3562) بلفظ (عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْهُ أَدْرَاعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ: أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟! فَقَالَ: لَا، بَلْ عَمَقٌ مَضْمُونَةٌ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في مسند القبائل.

معاني الألفاظ:

عمق: عارية.

(2)

- الماعون: آية (7)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الإجارة: باب عسب الفحل. حديث رقم (2123) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ)

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد للحديث مكررات.

معاني الألفاظ: عسب: الماء وقيل أجرة الجماع.

ص: 215

س: هل يجوز منع عسب الفحل إذا كان يضر بالحيوان الفحل؟

جـ: إذا كان معه قرار من الطبيب البيطري أن الإنزال على الأنثى يضر الفحل فيجوز لمالكه منعه في هذه الحالة، أما إذا لم يكن معه قرار من الطبيب البيطري فلا يجوز له منعه لأنه من الماعون المحرم منعه في قوله تعالى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} .

‌آراء العلماء في حكم أخذ من ظفر بمال لشخص عنده مال للظافر قد رفض إرجاعه

س: ما هي مسألة الظفر؟

جـ: هي أنه يجوز للشخص إذا ظفر بمال شخص عنده مال للظافر بالمال قد رفض إرجاعه أخذه،

من العلماء من قال لا يجوز للشخص الظافر بمال من مطله في ماله أخذه، ومن العلماء من قال يجوز للشخص الظافر بأن يأخذ من مال المماطل له مقدار ما عنده له، ويجب عليه إرجاع الباقي، والدليل قوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}

(1)

وقوله تعالى {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا}

(2)

وقوله تعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}

(3)

أما ابن حزم الظاهري فقال ليست المسألة من باب الجواز بل إنه يجب على الإنسان الظافر بمال مماطله أن يأخذ قدر ماله وجوباً من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه يخلص المماطل مما في ذمته، ففي المسألة مذهبان:

المذهب الأول: يقول بعدم جواز أخذ مال المماطل لمن ظفر بماله.

المذهب الثاني: يقول بجواز أن يأخذ الظافر بقدر ماله، وهو مذهب العلامة (محمد بن إسماعيل الأمير).

‌وجوب إرجاع الظافر الزائد على حقه للمأخوذ عليه

س: قلتم بأنه يجوز أن يأخذ الإنسان حقه إذا ظفر به عند من غصبه أو نهبه أو مطله، فما الحكم إذا ظفر بأكثر من حقه؟

جـ: إذا ظفر بأكثر من حقه يجب عليه إرجاع الزائد على حقه ويحتال بإيصال الزائد إلى المالك بأيِّ وسيلة مثل أن يضعها في ظرف ويرسل بها إليه من مجهول أو يحتال بأيِّ وسيلة توصل المبلغ الزائد إلى المالك دون أن يعرف من المرسل له أو يقدم له الزائد في صورة هدايا.

‌جواز أخذ الشخص ماله بعينه ممن أخذه عليه

س: رجل اغتصب مني مالي وبعد فترة حصلت مالي بعينه، فهل يجوزلي أخذ مالي أو بدلا منه؟

جـ: إذا كنت على يقين وتمكن من أخذه خفية ولا يشعر بك أحد فلا مانع على مذهب ابن حزم.

‌براءة ذمة الخائن إذا أخذت منه المظلمة بغير رضاء منه

س: هل تبرأ ذمة الخائن إذا أخذت منه المظلمة ولو بغير رضاء منه؟

جـ: نعم تبرأ ذمته.

(1)

- سورة البقرة: آية (194).

(2)

سورة الشورى: آية (40).

(3)

- سورة النحل: آية (126).

ص: 216

س: روى ابن حزم في مسألة الظفر أنه واجب عليه أن يأخذ ما يجد وإذا ادعى عليه فلينكر وإذا أستحلف فليحلف وهو مأجور فما نوع هذا اليمين؟

جـ: هذه يمين جائزة ما دام أجاز له الأخذ فلا يسمى يمينا فاجرة بل تسمى يمينا بارة عند ابن حزم.

‌السيارة والمسجلة والتلفزيون لا تعتبر من الماعون لأنهاليست من الأشياء الضرورية

س: هل تعتبر السيارة والمسجلة والتلفزيون من الماعون؟

جـ: لا تعتبر هذه الأشياء من الماعون لأن السيارة تشترى بمليون ريال وإذا أعطاها لشخص آخر فقد تتعطل أو تصطدم فتهلك، الماعون الأشياء الضرورية التي يحتاجها الجيران فيما بينهم.

س: إذا كان جار الرجل يتاجر بالخيل والأبقار، فهل لجاره حق في هذه الحالة؟

جـ: إذا كان التاجر سيعطى جاره بقرة يحلبها أو يعطيه خيلاً ليجاهد بها في سبيل الله فذلك العطاء فيه أجرلقوله تعالى {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}

(1)

، أما أن الجار يطالب التاجر بحجة أن له حق المطالبة للتاجر فلا لأنها ليست من الماعون المراد في قوله تعالى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} .

(1)

- البقرة: آية (215)

ص: 217

الباب الثاني عشر: الغصب

• تحريم الغصب

• تحريم اغتصاب أرض مملوكة لصالح أيِّ مصلحة عامة بدون تعويض عادل

• الغاصب هو الذي يأخذ الشيء من غير حرز

• تحريم الانتفاع بالمغصوب مطلقاً

• وجوب ضمان المغصوب مطلقاً

• وجوب رد العين المغصوبة أو مثلها أو قيمتها إن أتلفت

• من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فالزرع لمالك الأرض

ص: 218

‌الباب الثاني عشر: الغصب

‌تحريم الغصب

س: ما حكم الغصب؟

جـ: الغصب حرام لحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)

(1)

ولحديث (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)

(2)

وفي رواية (مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ)

(3)

ولحديث (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ)

(4)

ولحديث (وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ)

(5)

ولحديث (مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ)

(6)

ويقلع شجره وليس له شيء اللهم إلا من باب الصلح إذا صالح القاضي الشرعي أو غيره بين الغاصب ومالك المال المغصوب على أن يبقى الغاصب رزعه أو عمارته في الأرض المغصوبة ويعطيه مالكها شيئاً ولو يسيراً مقابل غرامته أو قيمة مواده ولو ما يساوي نصف القيمة أو أكثر أو أقل.

(1)

- مسند أحمد: كتاب مسند البصريين: حديث عم أبي حرة الرقاشي. حديث رقم (19774) بلفظ (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7662).

أخرجه أبوداود في النكاح، والدارمي في البيوع.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب المظالم والغصب: باب إثم من ظلم شيئا من الأرض. حديث رقم (2452) بلفظ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَرْوَى فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا إِلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في الديات، وأحمد في مسند العشرة المشرين بالجنة، والدرامي في البيوع.

أطراف الحديث بدء الخلق.

معاني الألفاظ: اقتطع: أخذ بغير حق.

طوق: جعل طوقاً في عنقه.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب المظالم: باب إثم من ظلم شيئا من الأرض. حديث رقم (2454) بلفظ (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ).

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: بدء الخلق.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب الخطبة في منى. حديث رقم (1739) بلفظ (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ).

أخرجه مسلم في القسامة والمحاربين، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في أول مسند البصريين، والدارمي في المناسك.

أطراف الحديث: العلم، بدء الخلق.

(5)

- سنن أبي داود: كتاب الإمارة والفيء والخراجـ: باب في إحياء الموات. حديث رقم (3073) بلفظ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حق) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الأحكام، ومالك في الأقضية.

معاني الألفاظ: الموات: أرض لا زرع فيها ولا عمارة ولا مالك لها. عرق ظالم: كل ما يغرس أو يبني الرجل في أرض غيره بإذنه.

(6)

- سنن أبي داود: كتاب البيوع: باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها حديث رقم (3403) بلفظ (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ) صححه الألباني في صحيح أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الأحكام، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين.

ص: 219

س: ماهي أدلة تحريم الغصب في الكتاب والسنة؟

جـ: الغصب محرم بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}

(1)

النهي في الآية يدل على تحريم أكل أو أخذ أموال الغير بالباطل تحريماً قطعياً في دلالته لأنه يفيد تحريم الأكل أو الأخذ أو الا ستيلاء على مال أيِّ مسلم أو ذمي أو معاهد بغير وجه حق، والنهي عن الأكل في الآية يدل على تحريم ما يساوي الأكل في إخراج مال المسلم من ملكيته بغير وجه حق في تملكه سواء بالغصب أو السرقة أو بأيِّ طريقة من طرق التحايل على تملك مال المسلم بغير وجه حق، والنهي في الآية عام يعم تحريم تملك الأموال الخاصة بطريقة غير مشروعة كما يعم تحريم أخذ أو تملك الأموال العامة بطريقة الغلول من الأموال العامة التي تحت ولاية الموظف العام أو بطريق الغصب للممتلكات العامة العقارية أو المنقولة ممن يستخدم نفوذه الرسمي من موظفي الدولة العسكريين أو المدنيين أو من أصحاب النفوذ الشعبي كمشائخ القبائل ومسؤولي الأحزاب والجماعات والطوائف وغيرهم فالنهي عام يعم التملك بغير وجه حق سواء من الأموال الخاصة بالأفراد أو العامة التي هي ملك للمجتمع كله والتي يطلق عليها لفظ (أملاك الدولة)، وأما من السنة فحديث (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) وفي رواية (مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ) في الروايتين دلالة على أن من يغتصب من الأرض شيئا ولو يسيرا قدر شبر من الأرض يطوقه الله عز وجل بسبع أرضين يوم القيامة، وإذ كان الله سيعاقب الغاصب هذا العقاب على اغتصابه قدر شبر من الارض فكيف سيكون عذاب الله وعقابه على ما زاد على الشبر؟!!! ومعنى الحديث أن الأرض التي يغتصبها الغاصب على مالكها في الدنيا يحولها الله عز وجل يوم القيامة إلى طوق على عنقه يعذبه الله به، ويكون العذاب على قدر الذنب، وكلما كبرت الأرض المغصوبة كلما كبر عذاب الغاصب لها في نار جهنم، ومن السنة حديث (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ) ولفظ (أموالكم) جمع مضاف وهو يفيد عموم الأموال الخاصة والأموال العامة فكلها محرمة على من يستولي عليها أو يتملكها بغير وجه حق مشروع.

‌تحريم اغتصاب أرض مملوكة لصالح أيِّ مصلحة عامة بدون تعويض عادل

س: قام فاعل خير ببناء مدرسة جوار أرضنا وسورها وقام بضم أرضنا توسعة للمدرسة ونحن أيتام قاصرون وقد طلبنا الدولة أو من بنى المدرسة بتعويضنا أو إزالة الاستحداث، فهل يجوز له اغتصاب أرضنا؟

جـ: إن صح ما ذكرتم فما فعله فاعل الخيرلا يجوز لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} و لحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)، ولحديث (يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ)

(2)

وهذا معروض على

(1)

- البقرة: (188)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب المناقب: باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. حديث رقم (3639) بلفظ (حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ: فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ قَالَ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ، قَالَ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَكَانَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ، قَالَ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قَالَ: فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً، قَالَ: قَالَ: جَعَلُوا يَنْقُلُونَ ذَاكَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ فَانْصُرْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ)

أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، والترمذي في الصلاة، والنسائي في المساجد، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: الحائط: البستان.

ص: 220

أهل الخير والإصلاح ليعملوا اللازم أو إلى الحاكم الشرعي المولى من الدولة في البلد.

‌الغاصب هو الذي يأخذ الشيء من غير حرز

س: ما الفرق بين الغصب والسرقة؟

جـ: السرقة لا تكون إلا من حرز، أما الذي يأخذ الشيء ولم يفك الحرز فهو يسمى غاصب أو ناهب، والسارق هو الذي يفك الحرز ويأخذ المال خفية لا علانية.

‌تحريم الانتفاع بالمغصوب مطلقاً

س: هل يجوز للإنسان أن ينتفع بالمغصوب؟

جـ: لا يجوز للإنسان أن ينتفع بالمغصوب مطلقاً لا يأكله ولا يشربه ولا يشمه ولا ينتفع به بأيِّ انتفاع لحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).

‌وجوب ضمان المغصوب مطلقاً

س: من أتلف المغصوب هل يضمنه؟

جـ: نعم يجب أن يضمن مثله إن كان مثلياً أو قيمته إن كان قيمياً، سواء فرط أم لم يفرط جنى أو لم يجن على المال المغصوب فهو يضمن مطلقاً.

‌وجوب رد العين المغصوبة أو مثلها أو قيمتها إن أتلفت

س: هل يجب على الغاصب رد المغصوب؟

جـ: نعم، يجب على الغاصب رد العين المغصوبة وإن كانت قد تلفت فيجب عليه رد مثلها إن كانت مثلياً أو قيمتها إن كانت قيمياً.

س: شخص أكل مالاً حراماً، هل لا يستجيب الله له دعاءه؟ وما هو الشيء الذي يكفر هذاالذنب؟ وهل التوبة تكفي؟

جـ: التوبة من أموال الناس هو إرجاعها إلى أصحابها خوفاً من الله سبحانه وتعالى وهي واجبة وجوبا قطعيا في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(2)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ

(1)

- التحريم: آية (8)

(2)

- البقرة: آية (222)

ص: 221

مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(1)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُه وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(2)

.

‌من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فالزرع لمالك الأرض

س: ما معنى حديث (مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ)؟

جـ: معناه أن يختار المالك والزارع عدلين لتقدير نفقة الزارع (قيمة البذور وأجرة العمل) ويكون الزرع لمالك الأرض، هذا هو رأي الشوكاني، خلافاً للهادوية فهم يقولون بأن الزرع للزارع وعليه أن يعطي أجرة الأرض لمالكها ودليلهم حديث) الزرع للزارع وإن كان غاصباً) وهذا الحديث موجود في البحر الزخار ولكن ليس له أصل عند علماء الحديث لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وهو معارض للأحاديث الصحيحة منها حديث (وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ) والصحيح أن الزرع يكون لمالك الأرض ويعطى الزارع في أرض غيره أجرته.

س: كيف تجمع بين حديث (وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ) وحديث (مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ)؟

جـ: من اغتصب الأرض وغرس فيها أو عمر فيها فيطبق عليه حديث (وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ) فيقلع غرسه وتخرب عمارته بدون أن يعطى شيئاً لأنه غاصب ظالم إلا من باب الصلح، ومن زرع في أرض غيره بغير إذنهم وهو لم يغتصب أصل الأرض فالزرع لا يكون له وإنما لمالك الأرض، ويعطى مالك الأرض الزارع أجرته، والفرق أن الزارع بغير إذن لم يغتصب أصل الأرض.

س: هل القول بأن (ما أخذ بوجه الحياء فهو حرام) حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟

جـ: أنا لم أعرف أن هذا القول حديث، ولكن الحديث الصحيح (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه) هذا حديث صحيح يغني عن غيره.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

ص: 222

الباب الثالث عشر: العتق

• شرع الإسلام ستة عشر وسيلة للتحرر من الرق

• استحباب مكاتبة العبد لينال حريته

• جواز العتق بشرط خدمة السيد

• وجوب عتق من ضربه سيده أو مثل به

• الولاء لمن أعتق

• تحريم بيع العبد المدبر أو هبته إلا للضرورة

• أم الولد هي الأمة التي استولدها سيدها وتعتق فور موت سيدها

• سريان عتق العبد المشترك إذا أعتقه أحد الشركاء المالكين له

• جواز كشف المرأة وجهها لعبدها المملوك لها

ص: 223

‌الباب الثالث عشر: العتق

‌شرع الإسلام ستة عشر وسيلة للتحرر من الرق

س: كيف أجاز الإسلام الرق وهو دين الحرية؟

جـ: الإسلام نظم الرق وحث على تقليله والتلخص منه وذلك بأن جعل للعتق من الرق وسائلاً كثيرة هي:

1 -

كفارة الظهار.

2 - كفارة المجامع أهله في نهار رمضان.

3 - كفارة القتل الخطأ.

4 -

المبادلة بأسرى المسلمين. 5 - إطلاق الأسير من باب المن على الأسرى بلا مقابل.

6 -

إطلاق الأسير على فداء كإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم أسرى بدر لمقابل تعليم الأسرى أولاد الأنصار القراءة والكتابة. 7 - كفارة اليمين. 8 - ملك ذا رحم. 9 - المكاتبة. 10 - العتق بشرط خدمة السيد مدة معلومة. 11 - عتق من ضربه سيده أو مثل به. 12 - جعل الولاء لمن أعتق. 13 - عتق المدبر. 14 - عتق أم الولد. 15 - العتق إذا أعتق العبد أحد الشركاء في ملكه.

16 - العتق رغبة في الثواب.

أولاً: هذه الرقية كانت منتشرة في العالم الجاهلي وعرفتها جميع الأمم والملل، فقد عرفها الرومان والفرس واليونان فإذا امتنع المسلمون من الرق فستستأسر الأمم الأخرى من المسلمين أسرى وكيف نعاملهم إذا لم يكن لهم أسرى عند المسلمين للضغط عليهم من أجل مبادلتهم بإطلاق أسرى المسلمين، لكن لو تتخذ كل الأمم قرارات بمنع الرق فهو مناسب والمسلمون سيلتزمون.

ثانياً: إن الإسلام قد رغب في العتق وجعل للعتق ستة عشر وسيلة وجعله قربة من القرب إلى الله عز وجل.

ثالثاً: الإسلام نظم العتق والحرية بحيث لا يعتق العبيد مرة واحدة في وقت واحد لأنه سيفاجأ المجتمع بعدد كبير من العبيد محررين عاطلين عن العمل ولا توجد أسباب دخل لهم، ولكنه نظم العتق وجعل له أسباباً تقلله وتبدده تدريجياً بحيث لا تمر خمس أو ست سنين إلا وقد تحرر العبيد وصاروا أحراراً بدون أن تحصل مشكلة في المجتمع، وكان الرق ينقرض بعد الفتوحات الإسلامية تدريجياً ولا يمر وقت قصير إلا وقد صار جميع العبيد أحراراً.

س: ما حكم من ملك ذا رحم محرم؟

جـ: من ملك ذا رحم محرم يعتق عليه فوراً لحديث (مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ)

(1)

.

فمن ملك أباه أو جده أو أمه أو جدته أو أخاه أو أخته أو عمه أو خاله أو خالته فإنه يعتق بمجرد دخول العبد والأمة في ملكه، وهذا مما يبدد الرق.

‌استحباب مكاتبة العبد لينال حريته

س: من هو المكاتب؟ وما حكمه؟

(1)

سنن الترمذي: كتاب الأحكام عن رسول الله: باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم. حديث رقم (1285) بلفظ (عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فِيمَا يَحْسِبُ حَمَّادٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1365).

أخرجه أبو داود في العتق، وابن ماجة في العتق، وأحمد في أول مسند البصريين.

أطراف الحديث: الأحكام.

معاني الألفاظ: الرحم: القرابة.

المحرم: من لا يحل له نكاح المرأة على التأبيد.

ص: 224

جـ: المكاتب: هو العبد الذي يطلب من سيده أن يعتقه لمقابل إعطائه مبلغاً من المال يدفعه للسيد بعد مدة معلومة محددة، فإن استطاع أن يجمع المبلغ ويسلمه لسيده عتق وإن عجز عن تحصيل المبلغ وتسليمه فيعود عبداً، والمكاتبة مشروعة لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}

(1)

وهذه من الوسائل التي تبدد الرق وتقلله.

‌جواز العتق بشرط خدمة السيد

س: هل يجوز العتق بشرط الخدمة؟

جـ: يجوز العتق بشرط الخدمة كأن يقول السيد لعبده إذا خدمتني لمدة سنة أو مدة العمر أو أيِّ مدة يحددها السيد فبعد انتهاء المدة يصير العبد حراً.

‌وجوب عتق من ضربه سيده أو مثل به

س: ما حكم من يضرب عبده؟

جـ: من مثَّل بعبده أو لطمه حتى ظهر اللون الأحمر أو الأسود أو جرحه فيعتق العبد عليه لحديث (مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ)

(2)

ولكن بعض العلماء قالوا: يعتق بمجرد اللطم أو الضرب، وبعضهم قالوا: لا يعتق إلا بحكم القاضي الشرعي، وعلى كلا القولين يجب المرور على القاضي الشرعي أو المحكمة الشرعية لتحرير العبد المضروب، وهذا من الوسائل التي تبدد الرقية أيضاً.

‌الولاء لمن أعتق

س: هل هناك وسائل أخرى لتبديد الرق غير ما سبق ذكره؟

جـ: نعم، جعل الشرع الإسلامي الولاء لمن أعتق لحديث (مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)

(3)

فالولاء لا يجوز أن يباع ولا يوهب لأنه مثل النسب يحرم بيعه وهبته لحديث (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

(1)

- النور: آية (32).

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الأيمان: باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده. حديث رقم (2131) بلفظ (عَنْ فِرَاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ زَاذَانَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ دَعَا بِغُلَامٍ لَهُ فَرَأَى بِظَهْرِهِ أَثَرًا، فَقَالَ: لَهُ أَوْجَعْتُكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَنْتَ عَتِيقٌ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الْأَرْضِ فَقَالَ مَا لِي فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ مَا يَزِنُ هَذَا، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ َ)

أخرجه أبوداود في الأدب، وأحمد في مسند الكثرين.

معاني الألفاظ: لم يأته: لم يفعل مامايستحق العقوبة.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب من اشترط في البيع شرطا لا يحل. حديث رقم (2168) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ: لَهُمْ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ).

أخرجه مسلم في العتق، والترمذي في البيوع، وأبو داود في العتق، وابن ماجة في الدعاء، ومالك في العتق والولاء.

أطراف الحديث: الصلاة، الزكاة.

ص: 225

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ)

(1)

، وهذا من الأسباب أو الوسائل التي تبدد الرق وتقلله.

‌تحريم بيع العبد المدبر أو هبته إلا للضرورة

س: ما هو التدبير؟

جـ: هو قول السيد لعبده أنت حر بعد موتي أي أن السيد دبَّر حرية العبد إلى ما بعد موته، فبمجرد موت السيد يصير العبد المدبر حراً ولا يعد من التركة ولا يجوز بيع العبد المدبر في حياة المالك إلا للضرورة لحديث (بَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُدَبَّرَ)

(2)

وحديث (دَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(3)

.

‌أم الولد هي الأمة التي استولدها سيدها وتعتق فور موت سيدها

س: ما حكم أم الولد؟

جـ: الجارية المملوكة بملك اليمين يجوز لمالكها أن يطأها بعد استبرائها بحيضة إن كانت من ذوات الحيض أو بالوضع إن كانت حاملاً أو بمدة شهرين إن لم تكن من ذوات الحيض، فإذا وطأها وحملت وولدت ولداً فإنها تصير أم ولد تعتق بمجرد موت مالكها لحديث (أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا)

(4)

فأم الولد هي التي يملكها سيدها بالملك الشرعي بالشراء أو بالسبي إذا خرجت في نصيبه بعد قسمة الغنائم، فإذا وطأها وولدت له ولداً فلا تباع ولا يجوز لمالكها أن يبيعها حتى ولو مات ولدها بل تبقى تخدم السيد حتى يموت، فإذا مات عتقت فوراً ولم تبق من التركة بحيث أنها تدخل في نصيب أحد الوارثين لأنه قد أعتقها ولدها، وتعتد بموت سيدها وتصبح حرة بعد ذلك، وهذه وسيلة من وسائل تقليل الرق وتبديده.

‌سريان عتق العبد المشترك إذا أعتقه أحد الشركاء المالكين له

س: إذا كان العبد مشتركاً بين عدة شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، فهل يسري العتق؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب العتق: باب بيع الولاء وهبته. حديث رقم (2350) بلفظ (أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ)

اخرجه مسلم في العتق، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في الفرائض، وابن ماجه في الفرائض، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في العتق والولاء، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: بيع الولاء: بيع المعتٍق أو ورثته ميراث المعتَق إذا مات.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب بيع المدبر. حديث رقم (2078) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: بَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُدَبَّرَ)

أخرجه مسلم في الأيمان، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في العتق، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: دبرعبده: قال له أنت حر بعد موتي.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الأيمان: باب جواز بيع المدبر. حديث رقم (2156) بلفظ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرًا يَقُولُ: دَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ جَابِرٌ: فَاشْتَرَاهُ ابْنُ النَّحَّامِ عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فِي إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ)

أخرجه البخاري في البيوع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في العتق، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: دبرعبده: قال له أنت حر بعد موتي.

(4)

سنن ابن ماجة: كتاب الأحكام: باب أمهات الأولاد. حديث رقم (2507) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ذُكِرَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا) ضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه برقم (496).

ص: 226

جـ: يسرى العتق ويعتق العبد وعلى الشريك الذي أعتق نصيبه أن يدفع نصيب كل شريك في العبد لكونه أعتقه بدون مؤاذنتهم ولا رضائهم، فإذا كان الشريك فقيراً لا يستطيع دفع أنصبة شركائه فيسعى العبد ويجمع الأموال ليدفع نصيب الشركاء الآخرين من قيمته، ويثمن عند عتقه لمعرفة قيمته التي منها يكون نصيب الشركاء، كما في حديث (مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ شِرْكًا أَوْ قَالَ نَصِيبًا وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهُوَ عَتِيقٌ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ)

(1)

وفي رواية (مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ أُعْتِقَ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا يُسْتَسْعَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ)

(2)

وحديث (مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ)

(3)

، وهذا من الوسائل التي تبدد الرق وتقلصه.

‌جواز كشف المرأة وجهها لعبدها المملوك لها

س: هل يجوز للمرأة أن تكشف وجهها للعبد المملوك لها؟

جـ: نعم، يجوز للمرأة أن تكشف وجهها للعبد المملوك.

(1)

- ضحيح البخاري: كتاب الشركة: باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل. حديث رقم (2311) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ شِرْكًا أَوْ قَالَ نَصِيبًا وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهُوَ عَتِيقٌ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ، قَالَ لَا أَدْرِي قَوْلُهُ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ قَوْلٌ مِنْ نَافِعٍ أَوْ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

أخرجه مسلم في العتق، والترمذي في الأحكام، والنسائي في البيوع، وأبوداود في العتق، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، ومالك في العتق والولاء.

معاني الألفاظ: الشقص: النصيب والحصة.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الشركة: باب الشركة في الرقيق. حديث رقم (2322) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ أُعْتِقَ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا يُسْتَسْعَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ)

أخرجه مسلم في العتق، والترمذي في الأحكام، وأبوداود في العتق، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في مسندالمكثرين.

معاني الألفاظ: الشقص: النصيب والحصة.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب العتق: باب ذكر سعاية العبد. حديث رقم (2760) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ)

أخرجه البخاري في الشركة، والترمذي في الأحكام، وأبوداود في العتق، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في مسندالمكثرين.

معاني الألفاظ: الشقص: النصيب والحصة.

ص: 227

الباب الرابع عشر: الوقف

• الواقف من حبًس ملكه في سبيل الله

• لا يصح تحديد الوقف بمدة محددة

• جواز انتفاع الواقف بالوقف كواحد من المسلمين

• تحريم التصرف في الوقف إلا لمصلحة الوقف

• وجوب تعويض مال الوقف إذا أخذ كطريق للسيارات

• تحريم بيع الوقف

• جواز بيع الوقف لمصلحة أو للضرورة

• تحريم الرجوع عن الوقف إذا قد سلمه للقائم على الموقوف له أو لمتولي الأوقاف

• تحريم إخفاء وققية الواقف واستغلال الأرض الموقوفة

• وجوب التقيد في استعمال الوقف في حدود ما خصصه الواقف من الاستعمال

• يجوز لمتولي أموال الوقف الأكل منها بالمعروف

• وجوب متابعة أموال الوقف على متولي أموال الوقف

• من أوقف أغلبية أمواله يخرج منها الثلث وقفاً والباقي للورثة

• تحريم وقف الذرية إذا كان للذكور من دون الأناث

• الوقف المحرم ما يقصد به مضاررة الورثة أو المفاضلة بينهم أو على القبور

• تحريم الوقف من تركة الميت تحيلاً على الأناث

• تحريم الوقف لبعض الورثة لدراسة سور من القرآن الكريم دون البعض الآخر

• لا يجوز الوقف مضاررة للورثة

• بطلان كل وقف فيه حيلة على الأناث

• تحريم الوقف على القبور

• بطلان الوقف لأجل زواج بعض الأولاد أو التسوية بينهم في الزواج

• جواز تحرير الوقف إذا كان فيه ظلم أو لمصلحة الوقف

• جواز بيع الوقف أو تعويضه بما هو أحسن وأنفع للوقف بموجب حكم شرعي

• جواز تحرير الوقف وتعويضه بمثله للضرورة

• جواز بيع مفارش أو ممتلكات قديمة لمسجد لصالح المسجد خوفاً عليها من التلف

• جواز انتفاع الواقف بغلة المال الموقوف قبل التخلي عنه للموقوف له

• تقسيم غلة الموقوف بين الوقف والعامل يكون بحسب العرف في المنطقة

ص: 228

• جواز صرف جزء من غلة وقف المسجد لأمام وخطيب المسجد

• جواز تحويل مبلغ مالي معين لمصلحة إلى مصلحة أخرى

• جواز تحويل أوقاف القباب لمساجد محتاجة أو لدور تحفيظ القرآن الكريم

• جواز الصرف من فائض أموال مسجد غني على مسجد فقير

• جواز نقل ممتلكات مسجد مستغن عنها لمسجد محتاج لها

• تحريم بناء مسجد إلا من مال حلال في أرض حلال

• تحريم نقل المصاحف من مسجد إلى مسجد آخر الا لمصلحة وبنظر الواقف أو متولي الأوقاف

• جواز نقل كتب وأشرطة من مسجد لمسجد آخر

• تحريم بيع الكتب التي طبعتها مؤسسة خيرية أو فاعل خير وأوقفها لله تعالى

• تحريم استعمال ميكرفون المسجد إلا بإذن من الواقف أو وكيله أو وصيه

• وجوب محاسبة الوقف بأجرة منفعة البركة

• تحريم توسعة منزل أو أيِّ عمارة في حوش مسجد

• جواز تحويل المساجد المندثرة أو المنسية إلى شيء آخر ينتفع منه

• جواز تحويل عين موقوفة بطل نفعها إلى مصلحة أخرى بإذن من وزارة الأوقاف

• تحريم التصرف في أرضية لمنشأة موقوفة بطل نفعها إلا بإذن من الواقف أو وزارة الأوقاف

• جواز تحويل وقف في دريس إلى وقف لمسجد لمصلحة الوقف والواقف

• تحريم أذية المصلين بالتغوط حول المسجد

• جواز منع السباحة في برك الأرياف إذا كانت ستغير الماء

• الوصي مقدم في رعاية مال الوقف الموصى به على غيره من الورثة

ص: 229

‌الباب الرابع عشر: الوقف

‌الواقف من حبًس ملكه في سبيل الله

س: من هو الواقف؟

جـ: هو من حبَّس ملكه في سبيل الله، مثل ما حبَّس خالد بن الوليد متاعه وسلاحه في سبيل الله كما في حديث (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهِيَ عَلَيْ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا)

(1)

وكل وقف أراد به صاحبه القربة إلى الله تعالى فهو وقف صحيح، وإذا قرأتم في الكتب أن أول من حبَس هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه فالمراد به الوقف أي أول من أوقف وقفاً لا أنه أول من حبس الأشخاص أي أمر بسجنهم.

‌لا يصح تحديد الوقف بمدة محددة

س: هل يصح الوقف أن يكون محدداً لمدة معينة أو يعين الوقف لشيء معين؟

جـ: الوقف لا يحدد لمدة معينة لأنه يحبس أصله إلى يوم القيامة فلا يصح أن يحدد الوقف لمدة محددة ولكن يجوز أن يعين الوقف لمسجد أو لطلبة علم أو لأيِّ قربة، ويجوز له أن يحدد ولاية الوقف هل إلى سادن المسجد أو إلى وزارة الأوقاف أو إلى شخص معين.

‌جواز انتفاع الواقف بالوقف كواحد من المسلمين

س: هل يجوز للواقف الانتفاع بالوقف؟

جـ: يجوز له الانتفاع به كواحد من المسلمين مثل ما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه في وقفه بئراً في المدينة المنورة حيث أوقفها على المسلمين وجعل دلوه كأحد دلاء المسلمين كما في حديث (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ)

(2)

فيجوز لمن يوقف مسجداً أن يكون هو وأولاده من جملة

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الزكاة: باب قول الله تعالى (وفي الر قاب) حديث رقم (1468) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهِيَ عَلَيْ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا).

أخرجه مسلم في الز كاة، وأبو داود في الزكاة، والترمذي في الزكاة، والنسائي في الزكاة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

ـ سنن الترمذي: كتاب المناقب: باب في مناقب عثمان بن عفان. حديث رقم (3703) بلفظ (عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمْ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ، قَالَ: فَجِيءَ بِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا جَمَلَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِمَارَانِ، قَالَ: فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي، فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مِنْ مَالِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالْحَضِيضِ قَالَ فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ اسْكُنْ ثَبِيرُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ ثَلَاثًا). حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (3703).

أخرجه النسائي في الأحباس.

معاني الألفاظ: أشرف: أطل.

أنشده بالله: سأله وأقسم عليه. الركض: الضرب بالرجل أي الرفس

ص: 230

المصلين، ومن وقف معهداً أو مدرسة تحفيظ للقرآن الكريم فيكون أولاده من جملة الدارسين من الطلبة.

‌تحريم التصرف في الوقف إلا لمصلحة الوقف

س: هل يجوز التصرف في الوقف من الواقف أو ورثته؟

جـ: الوقف لا يباع إلا لمسوغ شرعي وبحكم شرعي ولمصلحة شرعية بشرط التعويض عنه بما هو مثله أو أفضل منه.

س: رجل أوقف موضعاً وولى عليه أحد أولاده وله خمسة أولاد وبنت طلبوا قسمة هذا الوقف بينهم ولكن المولى رفض تقسيمه، فهل هذا صحيح؟

جـ: الوقف لا يباع ولا يشترى ولا يقسم إلا للضرورة ولمصلحة شرعية وبحكم شرعي من الحاكم الشرعي مع التعويض عنه بمثله.

‌وجوب تعويض مال الوقف إذا أخذ كطريق للسيارات

س: مجموعة بيوت كانت طريقهم وطريق السيارة من فوق المقابر، حولوا الطريق من مال الوقف، فما اللازم عليهم؟

جـ: الواجب تعويض ما أخذ من أموال الوقف إن صح ما ذكرتم.

‌تحريم بيع الوقف

س: قطعة أرض موقوفة في تلاوة القرآن بين ثلاثة إخوة أحدهم له بنت تقرآ وتكتب أعطاها نصيبه من الأرض هل يجوز ذلك؟ وهل يجوز لها بيع نصيبها؟

جـ: لا يجوز بيع الوقف ولا مانع من أن تتلو القرآن الأناث إن كن يحسن التلاوة.

‌جواز بيع الوقف لمصلحة أو للضرورة

س: توفي رجل وأوقف بيته الذي يسكن فيه على أولاده وأولادهم ومن احتاجت من الإنات الأرامل إليه وقفاً لا يباع ولا يشترى ولا يوهب، وبعد فترة تفرق الأولاد وذهب البعض إلى المدينة وأصبح البيت مهجوراً والآن مهدداً بالخراب، فهل يجوز مبادلته للمجاورين له على أن يتم التعويض في مكان آخر وينتفعوا به كحق ارتفاق أم لا؟

جـ: لا مانع من بيع الوقف بشرط أن يكون لمصلحة أو للضرورة، وأن يكون بحكم شرعي من الحاكم الشرعي مع التعويض بمثله بدلاً عنه.

س: يوجد لدينا شخص يريد أن يبني بيتاً في مال الوقف ويريد أن يبدله من ماله في بقعة أخرى، فهل يصح ذلك؟

جـ: لا مانع من بيع الوقف وتعويضه بما هو أحسن وأنفع بعد عرض القضية على القاضي الشرعي ليجري اللازم بأن يصدر في الموضوع حكماً يكون حجة لهذا الشخص.

ص: 231

‌تحريم الرجوع عن الوقف إذا قد سلمه للقائم على الموقوف له أو لمتولي الأوقاف

س: حدث أن أهل قرية من القرى أوقفوا جميعاً أرضاً لصالح مسجد وبعد عشرين سنة طالب بعض أهل القرية بإرجاع الأرض الموقوفة لصالحهم، مع أن الغلات قد تسلمها المسجد، فهل يجوز لهم الرجوع؟

جـ: لا يجوز الرجوع عن الوقف، أما الوصية إلى ما بعد الموت فيجوز للشخص الرجوع عن وصيته في حياته، أما الوقف إذا قد سلمت غلاته إلى متولي الأوقاف فلا يجوز الرجوع عنه.

س: هل يجوز للواقف أن يتراجع عن وقفة؟

جـ: إذا كان أوقف المال ولم ينسلخ المال الموقوف من ملكه فيجوز له الرجوع عنه، أما إذا قد انسلخ المال الموقوف من ملك الواقف وسلمه لسادن المسجد أو لمتولي الأوقاف فلا يجوز له الرجوع عنه.

‌تحريم إخفاء وققية الواقف واستغلال الأرض الموقوفة

س: أوقف رجل أرضا من أملاكه وأودع الوقفية لدى رجل فقام بإخفاء الوقفية واستغل الأرض لمصلحته الخاصة، فما هو الحكم في ذلك؟

جـ: من صح عنه بأنه أخفى الوصية الحاكية بالوقف المذكور واستغل الأرض الموقوفة لصالحه فلا شك أنه آثم لإخفاء الوقفية وللأكل من بذور الأرض الموقوفة بالباطل إن صح الاستفتاء.

‌وجوب التقيد في استعمال الوقف في حدود ما خصصه الواقف من الاستعمال

س: هل يجوز غسل الثياب بالصابون في الأماكن الخاصة بالوضوء؟ أم أنه لا يجوز؟

جـ: اعلم بأن المحل الذي وقفه الواقف لشيء معين لا يجوز استعماله لغير ما أوقفه الواقف لأن تطبيق نص الواقف واجب، فإذا كان الواقف لحمّامّات مسجد النساء أوقفه لتتوضأ النساء فيها للصلاة في المسجد الموقوف على النساء ولمن تريد أن تغسل ثيابها بالصابون فلا مانع لمن تريد من النساء أن تغسل الثياب بالصابون في هذه الحمامات، وإن كان الواقف لم يوقف هذه الحمامات أو الحنفيات إلا لمن تريد أن تتوضأ للصلاة فلا يجوز لأيِّ امرأة أن تغسل ثيابها بالصابون في هذه الحمامات مهما كانت خاصة بمن تريد الوضوء، وبناءً على ذلك فاللازم الرجوع إلى نص الوقفية أو إلى ما سيقوله الواقف إن كان حياً أو وصى الواقف الذي أسند الواقف وصيته إليه مهما كان الوصي على قيد الحياة.

‌يجوز لمتولي أموال الوقف الأكل منها بالمعروف

س: هل يجوز لمن يتولى أموال الوقف أن يأكل منها؟

جـ: يجوز لمن يتولى أموال الوقف أن يأكل منها بالمعروف غير متمول بحسب الزمان والمكان وبقدر عمله لا زيادة على أجرة عمله.

س: كيف تكون إجارة العامل على الأوقاف؟ وهل يجوز أن يتصرف في الوقف؟

جـ: يجب العمل بنص الواقف وأما إجارة من يعمل مال الوقف فتكون بحسب عمله وسعيه.

س: هل يجوز قرض المشاريع الضرورية للقرية مثل مشروع المياه والمدرسة لمدة سنة أو أكثر أو أقل من أموال المسجد (ريع الوقف) وهل يجوز لوكيل الوقف أن يقترض منه لنفسه عند الحاجة مع نية إرجاعه؟

جـ: لا يجوز أخذ أيِّ شيء من أموال وقف المسجد أبداً، لكن إذا كان هناك ضرورة قصوى مثل إسعاف مريض

ص: 232

مستعجل أو موت فلا مانع للضرورة بشرط أن تعمل وصية بخطك أن عندك وفي ذمتك كذا وكذا للوقف وتسلم الورقة إلى الزوجة أو الولد وعند قضائه تمزق الورقة.

‌وجوب متابعة أموال الوقف على متولي أموال الوقف

س: لدينا أراضي وقف مؤجرة منذ حياة والدنا، وبعد وفاته لم نتابع الإيجارات هذه ولم نطالب بها تجنباً للشريعة وبنية أن يكون ثوابها إلى روح والدنا، بمعنى أننا جعلنا مسئولية تسليم إيجار الوقف على مسئولية المستأجرين لأنهم رافضون تسليمها، فهل هذا جائز؟

جـ: لا بد من متابعة الإيجارات كلها أو توكلوا وكيلاً يتابع أو تلحقوها بوزارة الأوقاف.

‌من أوقف أغلبية أمواله يخرج منها الثلث وقفاً والباقي للورثة

س: إذا كان الأب في حياته أوقف أغلبية أملاكه، فهل لأولاده بعد موته أن يخرجوا الثلث وقفاً فقط والباقي لأولاده؟

جـ: إذا صح أن هذا الشخص قد أوقف أملاكه فيجب على أولاده أن يخرجوا ثلث أملاكه وقفاً.

‌تحريم وقف الذرية إذا كان للذكور من دون الأناث

س: هل وقف الذرية جائز؟

جـ: الوقف جائز ولكن بشرط ألا يكون فيه حيلة لا على البنات ولا على أيِّ وارث، والرجل يجب عليه ألا يعمل بين أولاده ما يؤدي إلى الشجار والنزاع بل يجب عليه أن يترك الأمور كما هي.

س: قام جدي بوقف أراض متعددة وبعد موت أبي رحمه الله قام الأقارب الذكور بتقسيم الوقف فيما بينهم ولم يعطوننا شيئاً لأننا نساء، فهل يحق لنا المطالبة بنصيبنا في الوقف أم لا؟

جـ: الوقف الذي فيه حرمان النساء حرام وغير جائز فيعرض هذا على من يحب فعل الخير والإصلاح يعطي كل ذي حق حقه من الذكور والأناث أو الحاكم.

س: إذا كان هناك حيلة في التركة على البنات كأن يوصي الأب بالمال وقف ذرية على الذكور دون الأناث، فهل تبطل الوصية وتقسم التركة بحسب الفرائض الشرعية؟

جـ: نعم، تبطل كل حيلة في التركة ويقسم المال على البنين والبنات وكل وصية أو وقف لوارث دون وارث فهي باطلة لأنها حيلة على بعض الورثة وهذه الوصية تبطل لسببين هما:

أولاً: لأن في هذه الوصية حرمان لبعض الورثة. ثانياً: لأنها وصية لوارث.

س: هل يجوز للإنسان أن يقف على الذكور من الأولاد وأولاد الأولاد؟

جـ: لا يجوز مثل هذا الوقف لأنه تحيل على البنات وأولاد البنات، ولأن فيه حيفاً وظلماً.

‌الوقف المحرم ما يقصد به مضاررة الورثة أو المفاضلة بينهم أو على القبور

س: ما هو الوقف المحرم؟

جـ: هو الوقف الذي يقصد به مضاررة الورثة أو المفاضلة بينهم أو الوقف على القبور.

س: مكثت عمتي عندي سبع سنوات وهي مريضة وأنا وأخي كنا مع بعض وكنت أنا وزوجتي وحدنا نقوم على خدمتها وعندما شفيت طرحت ما تملكه من أموال لي وقف ذرية، فهل هذا جائز؟

ص: 233

جـ: لك أجرتك بحسب ما يقدره عدلان مختاران من الطرفين.

‌تحريم الوقف من تركة الميت تحيلاً على الأناث

س: توفي جدنا وخلف أموالاً فقام الأولاد بقسمتها وجعلوا الأراضي الزراعية وقفاً لمساجد المنطقة وأصبحوا يتصرفون فيه كما يشاءون، وحرموا البنات من ذلك الوقف وجعلوا لهن وقف الحراثة مدى حياتهن، فهل هذا جائز أم لا؟

جـ: أفيدوا من الذي أوقف الأموال هل هو الجد أو ورثة الجد فإن كان الواقف الجد فلا اعتراض عليه في وقف ما يريد وقفه، وإن كان الواقف هم ورثة الجد فلا يصلح الوقف ولا ينفذ إلا في نصيب الواقف، أما نصيب من لم يوقف مثل الأناث إذا لم يوقفن نصيبهن فلا يزال نصيبهن باقيا، ويعرض على من يلزم للعمل بهذا.

‌تحريم الوقف لبعض الورثة لدراسة سور من القرآن الكريم دون البعض الآخر

س: رجل أوقف أراضيا من ماله لمن بعده لمقابل دراسة سورة (يس) وسورة (تبارك) في طوال شهر رمضان، فهل هذا الوقف جائز؟

جـ: إن كان الوقف لجميع أولاده وسيدرسون فهو جائز، وإن كان للبعض منهم دون الآخرين فهو باطل لأنه خصص بعض الورثة بشيء دون بعض لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)

(1)

، إلا إذا أجاز الورثة فلا مانع.

‌لا يجوز الوقف مضاررة للورثة

س: هل يجوز الوقف مضاررة للورثة؟

جـ: لا يجوز أن يقف الإنسان مضاررة لورثته، لأن ما كان فيه حيلة فهو باطل وحرام لقوله تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ

يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}

(2)

ولحديث (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا)

(3)

.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الهبة: باب الإشهاد في الهبة. حديث رقم (2447) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ).

أخرحه مسلم في الهبات، والترمذي في الأحكام عن رسول الله، والنسائي في النحل، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.

أطراف الحديث: الهبة وفضلها والتحريض عليها، الشهادات.

(2)

- الكهف: آية (29)

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الصلة والبر والآداب: باب تحريم الظلم. حديث رقم (4674) بلفظ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تبارك وتعالى، أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)

أخرجه الترمذي في صفة القيامة والرقاق، وابن ماجه في الزهد، وأحمد في مسند الأنصار، والدارمي في الرقاق.

لايوجد مكررات.

معاني الألفاظ: الصعيد: الموضع المرتفع أو الموضع الواسع من الأرض.

ص: 234

‌بطلان كل وقف فيه حيلة على الأناث

س: هل يصح الوقف الذي فيه حيلة على الأناث وأولاد الأناث؟

جـ: لا يصح بل هو باطل ويبطل الوقف ويكون وقفاً بين الذكور والأناث أو يقسم من جملة التركة بحسب الفرائض الشرعية، وكل وقف يشتم منه رائحة الحيلة على الأناث أو على بعض الأولاد فهو باطل، لأن ما فيه حيلة فهو باطل وحرام لقوله تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ

يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} ولحديث (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا).

‌تحريم الوقف على القبور

س: هل يجوز الوقف على القبور؟

جـ: الوقف على القبور حرام كالوقف على قبر (أبي طير) أو (ابن علوان) أو (المهدي) أو غيرها، ومن أوقف على زخرفة القبور أو لعمارة قباب عليها أو نحوها فهو حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر على بن أبي طالب ألا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه ولا تمثالاً إلا طمسه كما في حديث (أَلأ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ)

(1)

، فالوقف على القبور منكر كبير ومعصية عظيمة.

س: هل يجوز أن يقف شخصٌ وقفاً لقبر الهادي أم لا؟

جـ: الوقف للقبر لا يجوز.

بطلان الوقف لأجل زواج بعض الأولاد أو التسوية بينهم في الزواج

س: هل يصح للرجل أن يوقف لأحد أولاده لمقابل زواجته لكونه زوج إخوانه الكبار؟

جـ: لا يصح الوقف لأجل الزواج، وإنما يوصي لمن لم يزوجه وصية إن كان الوالد قد زوج البعض من الأولاد دون البعض.

‌جواز تحرير الوقف إذا كان فيه ظلم أو لمصلحة الوقف

س: هل يجوز تحرير الوقف؟

جـ: لا يجوز تحرير الوقف إلا في حالتين:

الأولى: أن يكون في الوقف حيف أو ظلم ولكن يكون بحكم شرعي من القاضي الشرعي مقرر من المحكمة العليا.

الثانية: إذا كان لشيء فيه مصلحة للوقف كأن تكون الأرض معرضة للغصب أو النهب وتباع ويشترى بثمنها عقاراً آخر للوقف كأن يشتري دكاناً أو نحوه للوقف.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الجنائز. باب الأمر بتسوية القبر. حديث رقم (2240) بلفظ (عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلأ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ).

أخرجه الترمذي في الجنائز، والنسائي في الجنائز، وأبو داود في الجنائز، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: الطمس: الإزالة والإبطال والمحو.

المشرف: البارز المرتفع عن مستوى الأرض.

ص: 235

س: بعد الاطلاع على وصية الوالد وجدنا أنه أوقف قطعتي أرض زراعية وقف قراءة الفاتحة والإخلاص في أولاده وأولادهم، وكذلك المنزل الذي نسكن فيه وقف قراءة في أولاده فقط، وكذلك المكتبة التي يملكها في أولاده وأولادهم، هل هذه الوصية صحيحة لأنه لا وصية لوارث، وإذا كان ما أوقفه صحيحاً في الأرض فكيف في المنزل وقد أحرم الأم منه وكيف يستفاد منه رغم كثرة الأولاد، فهل وقف المنزل صحيحاً؟ وكيف يستفاد من المكتبة؟ هل تقسم بالتساوي وهل البنات داخلات في الوقف لأنه لم يحدد اسمهن في الوصية؟

جـ: أنتم بالخيار، إما أن تكون الأوقاف لمن يريد أن يتلو القرآن من الذكور والأناث ويأخذ كل واحد نصيبه ذكراً أو أنثى ويطالع في الكتب كل واحد ذكراً أو أنثى، أو تحرروا الوقف عند الحاكم الشرعي المولى من الدولة في المنطقة، لأن كل وقف فيه حيلة على الأناث أو بعض الورثة فهو باطل وحرام لأنه من الظلم المحرَّم في قوله تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ

يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} وفي حديث (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا).

‌جواز بيع الوقف أو تعويضه بما هو أحسن وأنفع للوقف بموجب حكم شرعي

س: يوجد لدينا شخص يريد أن يبني بيتاً في مال الوقف ويريد أن يبدله من ماله في بقعة أخرى، فهل يصح ذلك؟

جـ: لا مانع من بيع الوقف وتعويضه بما هو أحسن وأنفع بعد عرض القضية على القاضي الشرعي ليخرج حكماً شرعياً في القضية ويُقَرَّر من المحكمة العليا.

‌جواز تحرير الوقف وتعويضه بمثله للضرورة

س: خلف والدي رحمه الله بيتا فيه دكان وجعل الدكان وقفاً في درس له وأنا الناظر عليه، والآن جاء مشتر للبيت ولا يتم البيع بدون الدكان، فأنا محتار بين حرمان الورثة من حقهم في بيع البيت وبين التفريط في الوقف، فما اللازم عمله؟

جـ: بع البيت كاملاً واستثن الدكان فهو وقف خارج عن المبيع، والمثمنون العدول يثمنون البيت فقط ويخرجون الدكان من الثمن، وإذا لم تجدوا مشترياٍ يوافق على شراء البيت وحده بدون الدكان وكل شخص يشترط أنه لا يشتري البيت إلا مع الدكان فلا مانع من تحرير وقف الدكان بحكم شرعي من حاكم شرعي مولى من الدولة مقرر في المحكمة العليا مع التعويض بدكان آخر في نفس البلد للضرورة.

‌جواز بيع مفارش أو ممتلكات قديمة لمسجد لصالح المسجد خوفاً عليها من التلف

س: قمنا بفرش المسجد بمفارش جديدة ووضعنا المفارش السابقة في المخازن ونخاف عليها من التلف بسبب الرطوبة، فهل يجوز لنا بيعها وجعل قيمتها لصالح المسجد وعلى نية الواقفين؟

جـ: لا مانع بشرط أن يكون ذلك إلى نية الواقفين مع التحري في الأثمان بقدر ما يقدره عدلان خبيرين لا مجازفة.

‌جواز انتفاع الواقف بغلة المال الموقوف قبل التخلي عنه للموقوف له

س: امرأة أوقفت أرضاً كبيرة نصفها لصالح المسجد ونصفها لدريس القرآن الكريم، ونوت أن يكون سارياً بعد موتها، فهل لها الحق في الانتفاع في أرضها وثمارها وهي لا زالت على قيد الحياة؟

جـ: نعم، إذا كانت الأرض لا زالت بيدها، وإلا فلا.

ص: 236

‌تقسيم غلة الموقوف بين الوقف والعامل يكون بحسب العرف في المنطقة

س: قطعة أرض زراعية مزروعة نقوم بتعهدها وتحصيل غلتها وهي موقوفة على مسجد، كم يكون لنا مقابل عملنا فيها؟ وكم للمسجد؟

جـ: بحسب العرف الجاري في البلد وبمقتضى العادة في مثل هذه المسألة وبقدر العمل.

‌جواز صرف جزء من غلة وقف المسجد لأمام وخطيب المسجد

س: هل يجوز إعطاء من يقوم على المسجد أذانا وصلاة وخطبة ونظافة من الأموال التي هي لصالح المسجد من أموال وقف للمسجد من محلات تابعة أو ما شابه ذالك؟

جـ: إذا استغنى المسجد عن بعض الِإيجارات في بعض الشهور فلا مانع، وإلا فلا.

‌جواز تحويل مبلغ مالي معين لمصلحة إلى مصلحة أخرى

س: سلم لي من فاعل خيرمبلغ (500000) خمسمائة ألف ريال، كان ماراً بمسجد في الحيمة طريق الحديدة ينقصه خزان مياه ومصلى نساء لاستكمال النواقص وبعد فترة ذهبت الى المسجد المحدد فوجدته قد تم توسعته وعمل مصلى للنساء وخزان للمياه من قبل المحسنين هائل سعيد وحيدر فاهم، والآن لم أجد صاحب المبلغ بالرغم من ذهابي لمنطقته ثلاث مرات علماً أنه يوجد اثنان محتاجين للزواجة عمرهم حوالي الأربعين، فهل أعطيها لهما أم لا؟

جـ: لا يجوز تبديل ما كان فاعل الخير قد عينه في محسنة إلى التزويج، لكن يكون في محسنة أخرى.

‌جواز تحويل أوقاف القباب لمساجد محتاجة أو لدور تحفيظ القرآن الكريم

س: قطعة أرض موقوفة لقباب شهارة، القائمون علي الأرض يصعب عليهم التواصل أو الوصول إلى هذه القباب أو مسئوليها، هل يجوز إنفاقها لأحد الأوقاف الأخرى في بلدتهم أو للتحفيظ أم أنه لا يجوز؟

جـ: لا مانع، ولكن بواسطة الحاكم وبحكم من الحاكم.

‌جواز الصرف من فائض أموال مسجد غني على مسجد فقير

س: هل يجوز أن يحوَّل وقف من مسجد لمسجد؟

جـ: لا يجوز التحويل ما دام المسجد الموقوف عليه موجوداً وفيه مصلون.

س: يوجد لدينا مسجد قديم في منطقة هجرها أهلها وله أوقاف كثيرة، فهل يجوز نقلها لبناء مسجد آخر؟

جـ: اعلم أنه لا مانع من نقل وقف الجامع الذي قد صار مهجوراً إلى جامع آخر من الجوامع المقامة بعد عرض القضية على وزارة الأوقاف لتأمر باللازم لأن ولاية الأوقاف إليها أو بحكم قاضٍ شرعي مقرر من المحكمة العليا.

س: هل يجوز أن يحول من غلة أموال مسجد غني لمسجد فقير؟

جـ: يجوز الصرف على مسجد فقير من فائض أموال مسجد غني بشرط أن يكون بموافقة الواقف أو متولي الأوقاف في المنطقة.

س: يوجد لدينا مسجد قديم في منطقة هجرها أهلها وله أوقاف كثيرة فهل يجوز نقلها لبناء مسجد آخر؟

جـ: اعلم أنه لا مانع من نقل وقف الجامع الذي قد صار مهجوراً إلى جامع آخر من الجوامع المقامة بعد عرض القضية على وزارة الأوقاف.

ص: 237

‌جواز نقل ممتلكات مسجد مستغن عنها لمسجد محتاج لها

س: لدينا مسجد في قريتنا قد تم الاستغناء عن الأبواب التي تخص الحمامات التابعة له واستبدالها بأبواب جديدة، فهل يجوز التبرع بها لمسجد آخر؟ علماً أن في القرية المسجد الكبير الجامع للناس ليس لحماماته أبواب، فهل يجوز نقلهن له أم لا؟

جـ: لا يسمى تبرعاً بل يسمى نقل أبواب وقف مسجد إلى مسجد آخر لمصلحة ولعدم احتياج الأول لهذه الأبواب.

‌تحريم بناء مسجد إلا من مال حلال في أرض حلال

س: هل يجوز بناء مسجد من أموال مفروض على المواطنين من دون طيبة من نفوسهم لفقرهم مع أنهم بذلوا تقديم العون العملي، فما موقف الشرع من ذلك؟

جـ: لا يجوز بناء المسجد إلا من مال حلال في أرض حلال وإذا صح أن رجلاً أجبر بعض الناس أن يسلموا فلوساً لعمارة المسجد في حين أ نهم فقراء لا يتمكنون من تسديد ما عليهم لهذا الرجل وقد بذلوا أنفسهم للمساهمة في البناء ليكونوا عمالاً، فهذا لا ينبغي ولا يصح شرعاً إذا صح أن الواقعة كما جاءت في السؤال وقد كان اللازم أن من كان ذا مال فيسلم مالاً وأن من كان فقيراً يستطيع العمل فليساهم في عمارة المسجد بعمل وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِل مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيب نَفْسٍ مِنْهُ)

(1)

.

‌تحريم نقل المصاحف من مسجد إلى مسجد آخر الا لمصلحة وبنظر الواقف أو متولي الأوقاف

س: هل يجوز نقل المصاحف من مسجد إلى مسجد آخر؟

جـ: اعلم أنه لا يجوز نقل مصحف من مسجد إلى آخر إذا كان هذا المصحف موقوفاً على المسجد الأول لأن تطبيق نص الواقف واجب شرعاً مثل تطبيق نص الشارع إلا إذا كان هناك مصلحة ظاهرة فلا مانع بشرط أن يكون النقل لمن له ولاية عامة مثل وزارة الأوقاف إذا كان بنظر الوزارة أما إذا كان المصحف بنظر الواقف ولا تزال ولايته إليه فلا مانع من نقل المصحف لمصلحة يراها هو أو وصيه، وإلا فالأصل بقاء المصحف كما هو عليه.

‌جواز نقل كتب وأشرطة من مسجد لمسجد آخر

س: رجل أوقف لمسجد كتبا وأشرطة وفي المسجد نفس الكتب والأشرطة، فهل يجوز أن نعطيها لمسجد آخر؟

جـ: استأذنوا من الذي أوقف إن كان معروفاً وموجوداً، وإذا لم يكن معروفاً أو كان غير موجود فلا مانع لكم من ذلك مهما لم يوجد أو لم يعلم من هو.

‌تحريم بيع الكتب التي طبعتها مؤسسة خيرية أو فاعل خير وأوقفها لله تعالى

س: ما حكم بيع وشراء الكتب التي تم طباعتها من قبل مؤسسة خيرية أو فاعل خير ووزعت وقفا لله تعالى، فما هو الحكم؟

جـ: لا يجوز بيعها، وهي وقف من أوقاف أهل الخير.

(1)

- مسند أحمد: سبق ذكره في الأبواب السابقة من حديث عم أبي حرة الرقا شي رقم (19774).

ص: 238

‌تحريم استعمال ميكرفون المسجد إلا بإذن من الواقف أو وكيله أو وصيه

س: ما قول العلماء في رجل من أهل الخير تبرع بـ (ميكرفون وجهاز) وقفاً للجامع باسم الجامع فجاء أحد المواطنين فقام بتحويله إلى المعهد ولم يحوله إمام المسجد، فما هو الحكم في أخذه؟

جـ: اعلم بأن (الميكرفون) المذكور قد صار وقفاً للجامع المذكور فلا يجوز إخراجه من المسجد في بعض المناسبات إلى المدرسة إلا بإذن من الواقف أو من وكيل الواقف إن كان الواقف حياً أو من وصية إن كان قد مات ولا عبرة بالإذن من إمام المسجد أو قيمه إلا إذا كانا وكيلين عن الواقف إن كان حياً أو وصيان عنه إن كان قد مات لأن ولاية الوقف للواقف أو لوكيله في الولاية على الوقف مهما كان الواقف حياً أو وصية إن كان ميتاً، أما إذا لم يكن قد أذن الواقف أو وكيله أو وصيه إن كان ميتاً فلا يجوز لأحد إخراجه لا للحفل ولا لغيره ولا حق للقيم ولا لغيره في الإذن في إخراج الميكرفون من المسجد إلى أيِّ حفل أو إلى أيِّ بيت أو أيِّ مكان، وإنما الحق في الإذن هو إذن الواقف أو وكيله أو وصيه فإن جهل الواقف أو وكيله أو وصية في الوقف فالإذن لمتولي الأوقاف في تلك المناطق التي فيها هذا المسجد إن كان هناك متولي أوقاف للمنطقة، وإلا فالولاية لوزير الأوقاف والإرشاد.

‌وجوب محاسبة الوقف بأجرة منفعة البركة

س: يوجد مسجد وله بركة استغني عنها بخزانات حديدية ثم أصبح الأهالي يحولون البركة لسقي مزارعهم والمسجد يحتاج إلى أموال لتحسينه، فهل يعود جزء مما يستفيد منه المزارعون لمصلحة المسجد أم ليس على المزارعين شيء؟

جـ: على المزارعين أن يحاسبوا الوقف بما تبرأ به ذمتهم وبقدر ما يقدره عدلان خبيران عدل عن أهالي المزارعين وعدل عن المسؤولين عن الأوقاف.

‌تحريم توسعة منزل أو أيِّ عمارة في حوش مسجد

س: رجل يسكن بجوار المسجد ويريد أن يتوسع ويدخل جزءا من بيته في حوش المسجد، فهل هذا جائز؟

جـ: إن صح هذا فهذا حرام لا يجوز لا شرعاً ولا ديانة ولا قضاء.

‌جواز تحويل المساجد المندثرة أو المنسية إلى شيء آخر ينتفع منه

س: هل يجوز أن تحول المساجد التي قد صارت منسية إلى شيء آخر؟

جـ: المساجد المنسية في مدينة صنعاء بقيت عبارة عن زبالة لرمي القمامات، وقال علماء العصر: لا مانع من تحويل المسجد المنسي إلى شيء آخر لمصلحة بنظر ناظر الأوقاف، فإذا قد تحول إلى دكان أو شيء آخر فيجوز للحائض أو الجنب المكث فيه لأنه لم يعد اسمه مسجداً، أما قبل تحويله إلى شيء آخر فلا يجوز للحائض ولا للجنب المكث في المسجد سواء كان عامراً بالمصلين أو قافراً.

س: أوقف أجدادي أراضيا في شعوب والروضة في دريس ولكنها الآن دخلت في المخطط العمراني للمدينة وتعذر زراعتها وبعضها غصبت من قبل بعض الناس، فهل يجوز بيعها وشراء بيوت بدلاً عنها وجعلها وقف دريس لأجداي؟

جـ: لا مانع مما ذكرتم، ولكن لا بد من مسوغ شرعي ومصلحة شرعية وبحكم شرعي من الحاكم الشرعي المولى من الدولة مع التعويض بنفس الثمن.

ص: 239

س: يوجد مسجد مهجور بجانب بيت ومن جهة مقبرة اموات وهو مضايق للبيت جدا، فهل يجوز لصاحب البيت هدمه أم لا يجوز؟

جـ: لا يجوز خراب أيِّ مسجد ونقل أحجاره لبناء مسجد آخر بدلا عنه إلا إذا قد بطل نفع المسجد في المقصود، ولم يبق بجانبه من سيصلي فيه.

‌جواز تحويل عين موقوفة بطل نفعها إلى مصلحة أخرى بإذن من وزارة الأوقاف

س: شخص أوقف بركة لتشرب منها الجمال والحمير وأتبعها مزرعة ورهقا تكون غلتها لهذه البركة، وكان هذا في السابق، أما الآن فقد أصبحت البركة عند مجيء الأمطار عبارة عن مياه راكدة وتتجمع فيها الحشرات والبعوض وتنقل الأمراض، فهل يجوز دفنها وجعلها مزرعة وتحويل غلتها ومرافقها لصالح مسجد أو مدرسة أم لا؟

جـ: لا يجوز إلا بأمر من ذي الولاية العامة على الأوقاف وهو وزير الأوقاف والإرشاد أو نائبه، أو بحكم شرعي من الحاكم المولى من الدولة في المنطقة.

س: يوجد مسجد قديم بعيد عن الحي ولا أحد يصلي فيه ونريد أخذ حجارته لنبني بها مدرسة، فهل يجوز لنا ذلك؟

جـ: إذا صح أن هذا المسجد قد بطل نفعه في المقصود فإنه لا مانع من أخذ حجارة هذا المسجد لبناء مدرسة بعد أخذ الإذن من وزارة الأوقاف لأن الولاية في مثل هذه الحالة هي للوزارة المذكورة.

‌جواز تحويل وقف في دريس إلى وقف لمسجد لمصلحة الوقف والواقف

س: هل يجوز تحويل قطعة أرض زراعية بها رهق (مقطع أحجار) موقوفة في دريس لجدي إلى وقف لصالح مسجد فقير كون المجاورين لنا يأخذون من الأحجار التابعة للمقطع؟

جـ: لا يجوز تبديل وقف الدريس إلى المسجد إلا لمصلحة وبحكم شرعي من الحاكم الشرعي المولى من الدولة.

‌تحريم أذية المصلين بالتغوط حول المسجد

س: ما الحكم على من يخربون حائط المسجد ويتغوطون حوله؟

جـ: من المعلوم أن التغوط على حائط المسجد المذكور لا يجوز شرعا والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن البول في المساجد في حديث (بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ: لَهُ، إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عز وجل، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ)

(1)

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن البول

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الطهارة: باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات. حديث رقم (429) بلفظ (حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ عَمُّ إِسْحَقَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ: لَهُ، إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عز وجل، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ)

أخرجه البخاري في الوضوء، والترمذي في الطهارة، والنسائي في الطهارة، وابن ماجه في الطهارة وسننها، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الطهارة، والدارمي في الطهارة.

معاني الألفاظ: مه: كلمة زجروإنكار بمعنى أكفف.

ص: 240

في أبواب المساجد فبالأولى والأحرى التغوط على الحائط لأن تأذي الناس من رائحة الغائط أشد من تأذيهم من رائحة البول في باب المسجد، ولا سيما وقد رود النهي عن أذية المسلم كما لعن النبي صلى الله عليه وسلم " من آذى المسلمين في طرقهم في حديث (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلّ)

(1)

كما يدل على تحريم من أذاهم في مكان عبادتهم وقد نص العلماء على وجوب البعد عن الناس والبعد عن المسجد محتجين بما ذكرته سابقاً، فإذا صح وتقرر ما جاء في السؤال فاللازم على الأهالي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بخصوص هذا الموضوع وإذا لم يتمكنوا فليعرضوا القضية على المسئول في المنطقة ليعرف الحقيقة ويجري اللازم الشرعي.

‌تحريم التصرف في أرضية لمنشأة موقوفة بطل نفعها إلا بإذن من الواقف أو وزارة الأوقاف

س: منذ مدة طويلة نقل مسجد من وسط مقبرة إلى مكان آخر ونقل الوقف التابع له وبقية عرصة المسجد السابق وسط المقبرة محصورة إلى وقتنا هذا، والآن شرع أناس في حفر قبور لهم في هذه العرصة بحسب فتوى لهم والذي أفتاهم يقول بأن المسجد نقل للضرورة وأن الصلاة في هذا المكان منهي عنها لأنها مقبرة وأن عمر بن الخطاب نقل مسجد الكوفة القديم إلى مكان آخر وجعل مكان الأول سوقاً للثمارين وبقينا محتارين عن جواز ذلك فأفتونا؟

جـ: اعلم أخي السائل بأنه إن بطل نفع هذه العرصة من المقصود بها وهي الصلاة وأصبحت هذه العرصة غير صالحه للصلاة ولا يحتاجها المصلون فتصير ولايتها لمن بيده الولاية على المسجد إن كان له متول بموجب وصية شرعية من الواقف للمسجد، وإذا لم يكن لأحد ولاية على هذا المسجد فالولاية تكون لصاحب الولاية العامة وهي الآن ممثلة في وزارة الأوقاف، فعلى الأهالي عرض القضية عليها لتأمر باللازم فلا يجوز الإقدام على هذه العرصة بلا إذن من وزارة الأوقاف.

س: توجد لدينا مقبرة واحدة فقط وحولها وقف لبعض المساجد وليس فيها شيء من المصالح، فهل يصح دفن الأموات في ذلك الوقف علماً بأن مساحة المقبرة ضيقة والمنطقة جبلية؟

جـ: أقول لكم بأن الجواب يتحتم على عدم الجواز إلا لمصلحة أرجح بموجب حكم من القاضي الشرعي أو بإذن من وزارة الأوقاف.

‌الوصي مقدم في رعاية مال الوقف الموصى به على غيره من الورثة

س: امرأة أوقفت سبع لبن ونصف لجامع عمرته هي في الوطن وأوقفتها للجامع وأوصت زوج ابنتها، فهل الوقف حق المسجد يقسم بين الورثة أم يبقى على نظر الوصي فقط؟

جـ: على نظر الوصي فالوصي مقدم على الجميع.

‌جواز منع السباحة في برك الأرياف إذا كانت ستغير الماء

س: هل يجوز منع من يقوم بالسباحة بالبرك الموجودة في الأرياف؟

جـ: هذه البرك التي أوقفها الواقف ليشرب الناس منها ويسقون منها أنعامهم فلا يجوز لأحد أن يغير ماءها

(1)

سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب المواضع التي نهى النبي عن البول فيها. حديث رقم (24) بلفظ (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (26).

أخرجه ابن ماجة في الطهارة وسننها.

معاني الألفاظ: الموارد: طرق الماء.

ص: 241

بالسباحة فيها، وإن كان واقفها أوقفها ليتوضأ الناس منها أو يغترفوا منها ماء للوضوء، فلا حق لأحد في السباحة فيها، وإذا لم يعلم الناس كيف نص الوقفية وكان الناس في حاجة إلى ماءها للشرب أو لسقي الحيوانات أو للوضوء، وكانت السباحة ستغير الماء حتى لا يصبح صالحاً للشرب أو لسقي الحيوانات أو للوضوء، والناس مضطرون إلى ماءها فهم أقدم من الذين يسبحون في الماء حتى يتغير ولا يصبح صالحاً للوضوء أو لشرب الأنعام المحترمة أو لشرب بني الإنسان، لأن الوضوء واجب، وحفظ النفس واجب، وإسعاف الحيوان العاطش واجب. أما السباحة فهي من المباحات فلا يقدم من سيعمل المباح على من سيعمل الواجب.

ص: 242

الباب الخامس عشر: الهدايا

• مشروعية التهادي بين المسلمين

• تحريم قبول هدية الكفار لمن كان ذا ولاية عامة إذا كانت ستضر بدينه أو بمصالح المسلمين

• تحريم قبول هدايا الكافرين التي تضر المسلم في عقيدته أو عبادته أو ولائه

• كراهة رد الهدية إلا لمانع شرعي كأن يكون المهدي له قاضياً أو والياً

• تحريم قبول القاضي للهدية

• تحريم الرجوع في الهدية

• وجوب التسوية بين الأولاد في الهدايا أو الهبات

• العدل في الزواج بين الأولاد يكون بحسب ما يناسب كل واحد من الجنسين

• المساواة في العطايا واجبة بين الأولاد لا بين الأحفاد

• عدم صحة تصرف من فقد عقله أو اختل شعوره لكبر سنه بهبة أو هدية أو غيرها

• وجوب المساواة بين الزوجات في الهدايا

• جواز أخذ أو استرجاع هدية الزوجة إذا احتاج الزوج وأرجعتها بطيب من نفسها

• تحريم طلب الشيء من مالكه لإهدائه للسائل

ص: 243

‌الباب الخامس عشر: الهدايا

‌مشروعية التهادي بين المسلمين

س: هل يشرع قبول الهدية؟

جـ: يشرع قبول الهدايا ومكافأة فاعلها لحديث (تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْر)

(1)

وحديث (وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)

(2)

، والهدايا جائزة بين المسلمين يقال: إن الإمام مالك أهدى الليث بن سعد طبقاً مملوءاً تمراً من تمر المدينة فقبل الليث بن سعد الهدية وأعاد الطبق مملوءا بالدراهم.

س: ما حكم الهدايا التي تعطى لأحد وهو في الخروج الدعوي؟

جـ: إن أعطيت له قبلها لنفسه وإن أعطيت للمجموعة تكون للمجموعة كلها.

‌تحريم قبول هدية الكفار لمن كان ذا ولاية عامة إذا كانت ستضر بدينه أو بمصالح المسلمين

س: هل يشرع قبول هدايا الكفار؟

جـ: نعم، يشرع قبول هدايا الكفار لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهدايا من المقوقس عظيم مصر، ولكن ورد حديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم رد هدية مشرك وقال لا نقبل هدايا المشركين، فكيف الجمع بين الدليلين؟ نقول بأن الجمع بين الحديثين هو: أنه إذا كانت هدية الكافر لا تضر بعقيدته ولا يتأثر بالكافرين فيجوز له قبول هدية الكافر، أما إذا كانت الهدية ستضر بعقيدته أو بولائه وديانته فلا يجوز له قبول هدية الكافرين هذا إذا كان الإنسان من أفراد الناس، أما إذا كان المسلم رئيساً أو ملكاً أو سلطاناً أو قائداً أو نحوه فإن كانت هدية الكافرين ستضر به أو بمصالح المسلمين فلا يجوز له قبول هدايا الكافرين مهما كانت ستؤثر على عقيدة المسلمين أو شريعتهم أو تضر بوحدتهم أو ولائهم أو أمن ولاياتهم أو أيِّ مصلحة من مصالحهم، أما إذا كانت الهدية لا تؤثر ولا تضر فيجوز قبولها جمعاً بين الدليلين، لأن بعض الأدلة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية من الكافر، وبعض الأدلة تدل على المنع من قبول الهدية فجمع العلماء بين الأدلة بهذا الجمع.

‌تحريم قبول هدايا الكافرين التي تضر المسلم في عقيدته أو عبادته أو ولائه

س: ما رأيكم في هدايا الكافرين مثل هدايا المبشرين حينما يهتموا بالمسلم ويهدون له من أجل أن يخرجوه من الدين الإسلامي ويدخلونه في الدين المسيحي؟

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الولاء والهبة: باب حث النبي صلى الله عليه وسلم على التهادي. حديث رقم (2056) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ) ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي برقم (2130).

أخرجه البخاري في الهبة وفضلها، ومسلم في الزكاة.

معاني الألفاظ: الوحر: الحقد والغيظ.

(2)

- سنن النسائي: كتاب الركاة: باب من سأل بالله عز وجل. حديث رقم (2520) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ، وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)

اخرجه أبوداود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين.

ص: 244

جـ: مثل هذه الهدايا التي تضر المسلم في دينه فقبولها حرام، لأنهم لم يهدوا له حباً في سواد عيونه وإنما لكي ينصِّرونه ويخرجونه من الدين الإسلامي.

س: إذا قبل الرجل هدية النصراني من أجل دعوة الرجل إلى النصرانية ولكن الرجل لا تؤثر عليه الهدية ولن يستجيب للنصراني بالدخول في النصرانية، فهل قبولها جائز؟

جـ: إذا كان واثقاً ومتأكداً من نفسه أن هدية النصراني لا تؤثر عليه فيجوز قبولها، أما إذا كانت ستؤثر عليه وتسبب دخوله في الدين النصراني فيحرم قبولها.

‌كراهة رد الهدية إلا لمانع شرعي كأن يكون المهدي له قاضياً أو والياً

س: هل يجوز رد الهدية؟

جـ: لا يجوز رد الهدية إلا لمانع كأن يكون المهدي له قاضياً فيجب على القاضي رد الهدية لأنها رشوة وهدايا الأمراء غلول لحديث (اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا)

(1)

إلا هدية من كان يهدي له قبل أن يتولى القضاء فلا مانع من قبولها إذا لم يكن له خصم عند الإهداء.

‌تحريم قبول القاضي للهدية

س: إذا كان القاضي لا يتأثر بالهدايا ولا يؤثر المهدي على خصمه فهل يجوز للقاضي أن يأخذ الهدية في مثل هذه الحالة من أحد الخصمين؟

جـ: لا يجوز للقاضي أخذ الهدية أبداً لحديث (اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا)، اللهم إلا إذا كان المهدي شخص يُهدَي له من قبل تولي القضاء وهي لا تؤثر عليه فيجوز له أن يأخذ الهدية بعد خروج الحكم، أما قبل خروج الحكم فلا يجوز للقاضي قبول الهدية أبداً.

‌تحريم الرجوع في الهدية

س: هل يجوز الرجوع في الهدية؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الهبة وفضلها: باب من لم يقبل الهدية لعلة. حديث رقم (2597) بلفظ (عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا).

أخرجه مسلم في الإمارة، وأبوداود في الخراج والإمارة والفيء، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الزكاة.

أطراف الحديث: الجمعة، الزكاة.

معاني الألفاظ: الرعاء: صوت البعير.

الخوار: صوت البقر. اليعار: صوت الشاة.

العفرة: بياض غير ناضح مشوب بحمرة أوسمرة.

ص: 245

جـ: يحرم على الإنسان أن يرجع في هديته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ)

(1)

وفي رواية (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِد فِي قَيْئِهِ)

(2)

بعض العلماء قالوا: هذا التشبيه المنفر الموحش يدل على التحريم، وقال بعض العلماء: الرجوع في الهدية مكروه فقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الراجع في هديته كالكلب الراجع في قيئه، والكلب حيوان غير مخاطب بالتكاليف، وعندي أن الرجوع في الهدية حرام.

‌وجوب التسوية بين الأولاد في الهدايا أو الهبات

س: هل يشرع للإنسان أن يهدي لأحد أولاده أو لبعضهم؟

جـ: يجب على الإنسان إذا أهدى لأحد أولاده هدية أو كسوة أو نقوداً أو قرضاً أو هبة أو أيَّ شيء فيجب عليه أن يهدي للآخرين مثله ويجب عليه التسوية بينهم، فإذا أهدى أو وهب لبعضهم أو لأحد منهم فيجب عليه أن يعطي كل واحد من الآخرين مثله، وإذا زوج بعضهم يجب عليه أن يزوج الآخرين مثله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)

(3)

وإذا أوصى للبعض فيُعطي الآخرين مثله حتى ولو لم يوص لأنه من باب وجوب التسوية بين الأولاد لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ).

س: والدي يفضل أخي عليَّ ويمكنه من ماله ليتصرف به كيف يشاء وأنا ساهمت في هذا المال بعملي حينما كنت خارج الوطن وسعيت مع والدي وحرمني من سعيي، فما العمل؟

جـ: اعلم بأن الجواب مترتب على صحة ما جاء في سؤالك هذا، فإذا صح أنك عملت وسعيت وتعبت فلك من المال المكتسب في المدة التي عملت فيها بقدر سعيك وجهدك وتعبك من تاريخ شروعك في العمل مشاركة لوالدك إلى تاريخ انفصالك عنه، واللازم عليك هو التوسط بأحد أقارب والدك أو أصدقائه لكي يفهم والدك بأحسن أسلوب أن عليه أن يعطيك قدراً من المال المكتسب في الأيام التي عملت فيها، وإذا حصل خلاف في القدر الذي تستحقه فاللازم أن يختار والدك عدلاً خبيراً بعملك وأن تختار عدلاً خبيراً بعملك ليجتمعا معاً ويتفاوضا ويقدرا لك ما يلزم من الكسوبة بحسب عملك وسعيك وجهدك، وإذا لم يقتنع والدك فلا مانع لك من الحضور عند القاضي الشرعي في المنطقة أو من يحصل عليه التراضي من القضاة لحل المشكلة، وهذا كله مبني على أن هناك مالاً مكتسباً غير أصلي وأنه حصل وقد بلغت وشاركت في تحصيله، وإذا لم يكن هناك مال مكتسب أو كان موجوداً قبل بلوغك ومشاركتك في العمل أو كان بعد بلوغك ولكنك ما كنت تعمل ولا تشارك والدك في السعي فلا حق لك

(1)

صحيح البخاري: كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها: باب هبة الرجل لزوجته والمرأة لزوجها. حديث رقم (2400) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ).

أخرجه مسلم في الهبات، والترمذي في البيوع، والنسائي في الهبة، الرقبى، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: الهبة وفضلها والتحريض عليها، الحيل.

(2)

- صحيح البخاري: قد سبق ذكره في هذا البات من حديث ابن عباس رضي الله عنهما رقم (2621).

(3)

صحيح البخاري: كتاب الهبة: باب الإشهاد في الهبة. حديث رقم (2447) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ).

أخرحه مسلم في الهبات، والترمذي في الأحكام عن رسول الله، والنسائي في النحل، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.

أطراف الحديث: الهبة وفضلها والتحريض عليها، الشهادات.

ص: 246

في المطالبة بنصيبك من ذلك.

س: نحن ثلاثة أخوة من أب وأم وكلا الأبوين على قيد الحياة ولكنهما أي الأبوان لا يعاملان أبناءهما على وجه التسوية، فما هو واجب الشرع الإسلامي في هذا الموضوع؟

جـ: اعلم أنه إذا صح ما جاء في السؤال فما حكيته عن أبويك لا يجوز شرعاً والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالعدل بين الأولاد قائلاً (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) اللهم إلا إذا كان لإخوتك سعى وكسب مؤثر في زيادة التركة فهما يستحقان من الزيادة في التركة ما يقدره عدلان بحسب سعيهما وتعبهما، أما إذا لم يكن لهما سعي وكسب فلا يستحقان أيَّ شيء، والأفضل أن تتوسط بأصدقاء والدك وأصحابه وأقاربه لينصحوه بأن لا يعمل أيَّ شيء يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)، وما يخشى أن يكون سبباً للنزاع بين الأولاد في المستقبل.

س: سأل رجل يشكو من معاملة أبيه السيئة له مع أنه أكبر أولاده مغترباً ويأتي لزيارة أهله مرة في كل عامين وهو لا يعارض والده في شيء وقد أرسل نقوداً كثيرة وأرسل لوالده وقام بشراء أراض وبيوتاً وكتب مستند الشراء باسمه واسم أخيه الأصغر الذي يحسن والده معاملته ويفضله عليه فيطلب من البرنامج أن يدله إلى وسيلة لاستخراج أمواله من عند أبيه بالحسنى؟

جـ: اعلم أن مسألتك هذه تحتاج إلى وساطة من زملاء أبيك وإخوانه وأصحابه فهم الذين سيذكرون أباك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) ويذكرونه بما في تصرفه من ضرر وأنه ربما يكون تصرفه هذا سبباً في سوء تفاهم بين الأولاد طول حياته وبعد مماته، وأن هذا العمل ستكون نتيجته سيئة وعاقبته وخيمة وسيحدث هذا التصرف الشجار بين الأولاد ويكون الوالد هو المسئول أمام الله ثم أمام القضاء، وهذا كله مبني على صحة ما جاء في هذا السؤال وهو أن والدك يعمل هذه الأعمال التي ذكرتها إلى حد أنه اشترى أرضاً عملها باسمه واسم أخيك وأن قيمة الأرض من النقود هي من خالص ملكك، وعلى كل حال فالمسألة تحتاج إلى الواسطة وإلى أسلوب لطيف في تحسين العلاقة لكي يتمكن الواسطة من استخراج مالك من حق شرعي وملكية خاصة من غير أن يجرج والدك أو يدخل عليه ألماً، وإذا عملت إجازة من عملك خارج الوطن قدم واسطة لتحل المشكلة بإذن الله.

س: ما حقوق الوالد على ولده وما حقوق الولد على والده لأن بعض الناس يفضلون بعض أبنائهم على بعض ويعطونهم والبعض الآخر محرومون؟

جـ: حق الوالد على ولده بره وطاعته لأن طاعة الوالدين واجبة بالأدلة الشرعية الصحيحة الواردة من القرآن، منها قوله تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}

(1)

والسنة منها حديث (مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ)

(2)

(1)

- النساء: آية (36)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب من أحق الناس بحسن الصحبة. حديث رقم (5514) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ)

أخرجه مسلم في البروالصلة والأدب، وابن ماجه في الفرائض، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

ص: 247

والإجماع، وحق الولد على والده أن يسوي بينه وبين إخوته لما ورد في حديث النعمان بن بشير الذي أراد والده (بشير بن سعد) أن يفضله على إخوته في العطية على سائر إخوته وليشهد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك حيث قال الرسول إني لا أشهدعلى ظلم وبقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)، ولهذا قرر العلماء وجوب المساواة بين الأولاد في الوصايا وغيرها وقالوا إن من أوصى لأحد أولاده دون الآخرين من الأولاد وجب على القاضي الشرعي المتولي لقسمة التركة أن يخرج مثل هذا للأولاد الآخرين أو يخرج لكل واحد من الأخوة مثل ما أوصى به الموصي لأخيه الذي خصه بالوصية من بين سائر إخوته، وهكذا إذا كانت الورثة بنات وأنه من اللازم اخراج شيء إلى مقابل العطية التي كانت الوصية بها للموصى له من بين أخواته أو إخوانه ولكن المخرج للبنت يكون على النصف من المخرج للذكر مثل المواريث الشرعية أي للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}

(1)

، هذا إذا لم يكن هناك إجازة من الورثة فإذا وجدت إجازة من الورثة جازت الوصية، وهذا الكلام إذا لم يكن هناك مسوغاً للوصية لأحد من الأولاد، أما إذا كان هناك مسوغاً لتخصيص بعض الورثة بوصية فلا مانع من الوصية له من بين سائر أولاده وذلك كأن يكون مريضاً مرضاً مزمناً أو أعمى فلا مانع للوالد من الوصية له من بين سائر إخوانه أو أخواتها علماً أن هذا فيمن يوصي لا إلى مقابل شيء مادي كان في ذمة الوالد لولده مثل ما إن كان الولد وارثاً من أمه أوجدته ثم باع عنه الأب إرثه الذي من أمه أوجدته أو من أيِّ مورث أو موص كان ثم أوصى له بشيء إلى مقابل ما باع عنه بلا زيادة ولا نقصان فهذه الوصية غير دخلة في باب التفضيل بين الأولاد في المنح والعطايا، بل من باب براءة ذمة الموصي مما باع عنه إرثه الذي من جدته أو أمه أو أيِّ مورث كان أو موص.

س: إذا أهدى الرجل هدايا مختلفة لأبنائه كأن يعطي أحداً ساعة والآخر شيئاً آخر متفاوت الأثمان، فهل هذا جائز؟

جـ: في الأشياء البسيطة الغالب أن يتسامحوا فيها ولكن الأشياء الثمينة يجب التسوية فيها، فمثلاً إذا أعطى أحد أولاده ساعة بخمسين ألف ريال والآخر شيئاً قيمته ألفا ريال، فهذا لا يجوز لتفاوت الثمن بينهما، لأنه يجب عليه المساواة بينهم إلا إذا كان أحدهم يخدمه خدمة زائدة فيعطيه لمقابل عمله كالأجرة، كأنه عنده سائق بأجرته.

‌العدل في الزواج بين الأولاد يكون بحسب ما يناسب كل واحد من الجنسين

س: العدل في الزواج بين الأولاد والبنات هل تعطى الأناث مثل الذكور أم لا؟

جـ: يكون بحسب ما يناسب كل واحد من الجنسين.

‌المساواة في العطايا واجبة بين الأولاد لا بين الأحفاد

س: رجل زوج أولاده الأربعة والآن عازم على زواج أولادهم إلا أن أحد أولاده عاصيا له ومتعبا له ويسبب له الكثير من الخسارات والغرامات، والأب لا يريد تزويج أولاده إلا أن هذا الولد يمنع أباه من تزويج أولاد الآخرين حتى يساويهم بأولاده، فهل هذا صحيح؟

جـ: الأدلة قد دلت على وجوب المساواة والعدل بين الأولاد لا بين الأحفاد كما في حديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ).

(1)

- النساء: آية (11)

ص: 248

‌عدم صحة تصرف من فقد عقله أو اختل شعوره لكبر سنه بهبة أو هدية أو غيرها

س: هل يجوز للأب أن يعطي لأحد أبنائه قطعه أرض في تكاليف زواجه ولم يعط لأبنائه مثله وقد تجاوز عمره مائة عام ولا يكاد يميز في ما يضره وما ينفعه مع العلم بأن الولد يضايق أباه ويعتدي عليه؟

جـ: العبرة بالبرهان فإن صح بأن هذا الرجل قد أصبح في أرذل العمر وأصبح لا يعقل ما يفعله أو ما يقوله فإن تصرفه لا يصح لأن من شروط صحة تصرفه أن يكون عاقلاً، أما من فقد عقله واختل شعوره في تصرفه في ماله فإن تصرفه غير صحيح وغير نافذ، وإن صح أنه ما زال عاقلاً ولكن تصرف بالبيع إلى ولده تحت الضغط والإكراه والإجبار والضرب فإنه غير صحيح وغير نافذ شرعاً لأن من شروط صحة التصرف بالبيع أن يكون البائع مختاراً فإن باع وهو مكره فإنه غير صحيح وغير نافذ، وإن صح أن الرجل المذكور تصرف بالبيع إلى ولده المذكور وهو صحيح العقل ولم يكن مكرهاً فإن بيعه صحيح، فإذا كانت البصيرة المذكورة تحكى البيع والشراء للأرض المذكورة بحيث يكون الثمن مناسباً للزمان والمكان وبحسب ما يقدره عدلان فالبيع صحيح، وإنما شرط العلماء ذلك خشية أن يكون هذا البيع به حيله على بقية الأولاد لا سيما البنات إن كان هناك بناتا، وإذا كانت البصيرة تحكي الهبة أو التمليك مقابل الخدمة أو منافع أو كسب أو عمل فإنها صحيحة بقدر أجرة الخدمة أو العمل لا فيما يزيد على ذلك، وإن كانت البصيرة تحكي الهبة أو التمليك إلى مقابل الخدمة ولا عمل ولكن مجاناً فإن هذا لا يجوز لأن في هذه الهبة تفضيل بعض الأولاد على البعض الآخر، وهذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) وأبى أن يشهد على ما فيه تفضيل بعض الأولاد وقال (لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ)

(1)

وفي رواية (يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ)

(2)

أي على ظلم، وعلى هذا كله يجب عرض القضية على القاضي الشرعي في المنطقة ليعرف الحقيقة، ويستمع إلى مقال الطرفين ويجري اللازم الشرعي على ضوء البراهين، أما الفتوى فغير نافع لأني لا أدري كيفية الوصية من طرف البائع، هل هو بكامل عقله أم هو مختل؟ لأنه لو فرض أنه لا زال معقولاً، فأنا لا أعلم تصرفه هل كان مختاراً أم مكرهاً تحت تهديد؟، وإن كان مختاراً لا أدري هل كان هناك مسوغاً للتمليك أم لا؟ لأجل ذلك كله لا تحسم المسألة إلا بالحضور عند القاضي الشرعي لأن الحاضر يعرف مالا يعرفه الغائب وليس الخبر كالمعاينة ولا السماع كالمشاهدة ولا السماع من طرف كالسماع من طرفين.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب لايشهد على شهادة جور. حديث رقم (2456) بلفظ (عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا، قَالَ: أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأُرَاهُ قَالَ: لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ، وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ)

أخرجه مسلم في الهبات، والترمذي في الأحكام، والنسائي في النحل، وأبوداود في البيوع، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الهبات: باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة. حديث رقم (3056) بلفظ (حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً، ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا وَهَبْتَ لِابْنِي، فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ)

أخرجه البخاري في الهبات وفضلها، والترمذي في الأحكام، والنسائي في النحل، وأبوداود في البيوع، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.

معاني الألفاظ: الجور: الظلم والميل عن الحق.

ص: 249

‌وجوب المساواة بين الزوجات في الهدايا

س: رجل له زوجتان إحداهن لا تنجب فأهدى لها بيتاً من أملاكه وكتب أن زوجته الأخرى معها بيت وأولادها كل واحد معه بيت، فهل يجوز له هذا؟

جـ: يجب على الرجل أن يعدل بين زوجاته ولا بد من المساواة بين الزوجتين إلا أن ترضى الزوجة الأخرى وتسامح الزوج فيما أعطاه للزوجة الأخرى فلا مانع لقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

(1)

وقوله تعالى {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

(2)

ولحديث (إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ)

(3)

وحديث (كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا)

(4)

فكان يعدل في القسم بين نسائه صلى الله عليه وسلم ومن طيب أخلاقه أنه كان يجمع أمهات المؤمنين عند من هي في نوبتها لكي يجالسهن ويؤانسهن ويلاطفهن ويبعد عنهن الشعور بالوحدة والوحشة والبعد عن رسول الله في الليالي التي هو عند نسائه الأخريات، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ومن خرج سهمها اصطحبها معه في سفره صلى الله عليه وسلم كما في حديث (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ)

(5)

.

‌جواز أخذ أو استرجاع هدية الزوجة إذا احتاج الزوج وأرجعتها بطيب من نفسها

س: إذا أهدى الرجل لزوجته بدلة من الذهب فحصلت للرجل ظروف واحتاج إلى مال فأرجعت الزوجة البدلة الذهب، فهل تحل له؟

جـ: إذا أرجعتها بطيب من نفسها فتحل له ويجوز له أخذها ما دامت أرجعتها من نفسها لقوله تعالى {وَآتُوا

(1)

- النحل: آية (90)

(2)

- المائدة: آية (8)

(3)

سنن الترمذي: كتاب النكاح عن رسول الله: باب ما جاء في التسوية بين الضرائر. حديث رقم (1141) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ) صححه لألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1141).

أخرجه النسائي في عشرة النساء، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الرضاع: باب القسم بين الزوجات. حديث رقم (3613) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَجَاءَتْ زَيْنَبُ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: هَذِهِ زَيْنَبُ فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا، فَقَالَ: اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ عَائِشَةُ الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا وَقَالَ أَتَصْنَعِينَ هَذَا)

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الهبة وفضلها: باب هبة المرأة لغير زوجها. حديث رقم (2593) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

أخرجه مسلم في في التوبة، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الشهادات، الجهادوالسير.

ص: 250

النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}

(1)

.

‌تحريم طلب الشيء من مالكه لإهدائه للسائل

س: إذا رأى شخص مع شخص شيئاً فأعجبه فطلب من مالكه إهداءه له فأعطاه إياه هدية، فهل هذا جائز أم حرام لأنه إحراج وقد يهدي له بدون طيبة نفس؟

جـ: الإحراج حرام فإذا أعطى المسئول السائل استحياء بدون طيبة نفس فهو حرام لحديث (ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه)

(2)

وهذا نفسه غير طيبة وإنما هو إحراج فهو حرام.

(1)

- النساء: آية (4)

(2)

مسند أحمد: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي حرة الرقاشي رضي الله عنه بتحسين الألباني للحديث في صحيح الجامع الصغير برقم (7662).

ص: 251

الباب السادس عشر: الهبات

• تحريم تفضيل الذكور من الأولاد على الأناث في الهبات والعطايا

• تحريم تفضيل الأم بعض أبنائها على البعض الآخر

• تحريم عدم العدل بين الأولاد

• النحلة بمعنى العطية

• جوز رجوع الواهب المكره

• جواز استرجاع الهبة في حياة الواهب

• وجوب تخصيص الهبة لمن نص الواهب عليه ولا يشاركه فيها غيره إلا برضائه

• وجوب تقدير السعاية باختيار عدلين خبيرين لتحقيق العدالة

• جواز إعطاء الأب أحد أولاده شيئا من أمواله مقابل خدمته له مدة طويلة

ص: 252

‌الباب السادس عشر: الهبات

‌تحريم تفضيل الذكور من الأولاد على الأناث في الهبات والعطايا

س: رجل يفضل بين الأولاد والبنات بحجة أن البنات في بيوت أزواجهن، فهل يجوز له التفاضل بين البنات والأولاد؟

جـ: لا يجوز التفاضل والمفاضلة بين الأولاد لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)

(1)

ولا يتشاءم أحد في البنات لأنه لا يزال التشاؤم بالبنات موجوداً وهو من رواسب الجاهلية كما في قوله تعالى {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}

(2)

، بل قد وردت أحاديث في فضل تربية البنات، منهاحديث (لَا يَكُونُ لِأَحَدِكُمْ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ)

(3)

.

س: أصبح الناس يفضلون الأولاد على البنات بحجة أن الأولاد ينفقون على زوجاتهم وأولادهم دائماً أما البنات فهن يتزوجن ولا يتحملن شيئاً، فما قولكم في هذا؟

جـ: النفقة شيء والعطية شيء آخر، فالمحرَّم هو العطية لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)، أما النفقة فيمكن للأب أن ينفق على أبنائه كما ينفق على بناته فهو ينفق على البنت قبل الزواج وعندما تهرب من بيت زوجها وإذا طلقت أو مات زوجها فإنها ترجع إلى أبيها وينفق عليها، ولكن الذي يحرم هو أن يعطى بعض الأولاد من أمواله دون البعض الآخر.

‌تحريم تفضيل الأم بعض أبنائها على البعض الآخر

س: هل تأثم الأم إذا فاضلت بين الأبناء في العطية؟

جـ: نعم، تأثم حكمها حكم الأب لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ). ولكن الواجب عليها أن تجعل أموالها بينهم بحسب الفرائض الشرعية للذكر مثل حظ الانثيين لقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}

(4)

أو تعطيهم هبة بحسب الرؤوس.

‌تحريم عدم العدل بين الأولاد

س: ما رأي الشرع فيمن لم يعدل بين أولاده بل يظلم أولاده وقد لا يشعر؟

جـ: عدم العدل بين الأولاد حرام لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) لأنه إما أن يساوي الإنسان بين الأولاد أو يحرم الجميع ولا يعطيهم شيئاً، وعدم التسوية بين الأولاد يؤدي إلى عقوق أبنائه له.

س: قام والدنا ببيع بيتنا الغالي الثمن لتزويج أخينا الكبير وغرم كثيرا من أجل هذا العرس وكنا قصارا لا ندري بشيء، ثم كبرنا وحالتنا متعبة وأخونا الكبير مرتاح ويستطيع تزويجنا ولكنه يماطل ووالدنا ما زال حيا ولكنه عاجزا

(1)

صحيح البخاري: سبق ذكره في الأبواب السابقة من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه برقم (2447).

(2)

- النحل: آية (59، 58)

(3)

- سنن الترمذي: كتاب البروالصلة: باب ماجاء في النفقة على البنات والأخوات. حديث رقم (1825) بلفظ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَكُونُ لِأَحَدِكُمْ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ)

(4)

- النساء: آية (11)

ص: 253

عن تزويجنا، فماذا يلزم أخونا الكبير علما أن قيمة البيت تكفي لتزويجنا جميعا الستة وشراء بيت مريح، وقيمته (مائة مليون ريال يمني)؟

جـ: لا يجب على الأخ أن يزوج أخاه لا شرعا ولا قضاء بل يجب على الوالد إذا صح أنه زوج الولد الكبير أن يزوج أولاده الآخرين ولو يبيع ما يمكن بيعه، ولو يوصي بتزويج البقية من قيمة البيت لأجل يحصل العدل والمساواة بين الأولاد الواجبة شرعا وديانة وقضاء لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) فيحب على الوالد العدل والعمل بموجب الحديث.

النحلة بمعنى العطية

س: ما معنى (انْحَلْ ابْنِي)؟

جـ: النحلة: بمعنى العطية، وانحل ابني هذا إعطه مالاً.

س: ما رأيكم في رجل منع أحد أبناء أبنائه ما كان يعطيه له بسبب مرض عضال في الولد؟

جـ: لا يجوز للرجل أن يعطي أحد أبناء أبنائه دون الآخرين لحديث (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)، ولا يوصي لأحد أبناء أبنائه دون الآخرين اللهم إلا إذا كان لسبب خاص كأن يكون الولد مقعداً أو مريضاً على اجتهاد الإمام (يحيى بن حميد الدين) في اختياراته، أما الأحاديث فلا تجيز العطية في شيء.

‌جوز رجوع الواهب المكره

س: أنا امرأة لي أموالاً اكتسبتها من حقي الخاص وعقود البيع باسمي، أجبرني زوجي بالتهديد والضرب على إسقاط أولاد زوجته الثانية، وأنا الآن رجعت عن إسقاطهم في أملاكي مع أني رافضة لإسقاطهم من ذلك اليوم، فهل رجوعي صحيح؟

جـ: لا مانع من رجوعك عن الإسقاط.

س: أوقفت نصف بيتي لأخواتي وبنات عمي وهو إرثي بعد أبي للسكن لهن عند حدوث مشاكل لهن وأجرن البيت لهن وإيجار البيت يستلمنه ويقسمنه بينهن أي بنات عمي فقط، والآن أريد الرجوع في هبتي لأني قد أصبحت فقيرا، فما رأيكم؟

جـ: إذا صح أنك قد أصبحت فقيراً فلا مانع من الرجوع عن الهبة إذا كانت المسألة مسألة هبة، أما إذا كانت المسألة مسألة وقف وقد استلمن (الموقوف عليهن) المفتاح وأجرن الموقوف عليهن، فلا يجوز الرجوع عن الوقف بعد التخلي عنه إلى الموقوف عليهن.

‌جواز استرجاع الهبة في حياة الواهب

س: رجل له أولاد ذكوراً وإناثاً قام ببناء بيتين بيتاً للذكور وبيتاً للأناث كبر الذكور فزوجهم وسكن كل واحد في بيت يخصه، وزوج البنات وكل واحدة الآن في بيت زوجها، كبر سن الرجل وأصبح محتاجاً إلى مال لينفق به على نفسه وعلى زوجته، فهل يجوز له بيع البيت المخصص للبنات بحكم إنهن غير محتاجات له وأنهن مكفيات وهو محتاج؟

جـ: لا مانع له من الاسترجاع لما أعطى الجميع لا للبعض دون البعض.

ص: 254

‌وجوب تخصيص الهبة لمن نص الواهب عليه ولا يشاركه فيها غيره إلا برضائه

س: لي هبة من إحدى المحسنات مخصصة لي وحدي، ويريد والدي إدخال إخواني فيها مع عدم رضائي، فهل لهم حق فيها؟

جـ: الهبة لمن نصت الواهبة عليه، ولا يدخل أحد ممن لم تنص الواهبة على دخوله إلا بطيبة من نفس الموهوب له وبرضائه واختياره واقتناعه لحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).

‌وجوب تقدير السعاية باختيار عدلين خبيرين لتحقيق العدالة

س: إذا كان أحد الأولاد قد اشتغل مع الأب وله سعاية فكيف يعطي الأب الابن الأكبر لمقابل سعيه؟

جـ: إذا كان أحد أولاد الرجل قد اشتغل معه وأراد أن يعطيه مقابل عمله معه فما يعطيه الأب للابن لا يسمى (عطية) وإنما هو واجب على الأب إعطاء الولد مقابل عمله ويسمى (سعاية)، ولكن لا يعطيه أكثر مما سعى فيظلم الأولاد الآخرين أو يعطيه أقل مما يستحق فيظلمه فالأحسن ألا يجازف الأب ويعطي الولد مجازفة بل يختار الطرفان (وهما الأب والولد الساعي) عدلين خبيرين إن كان الوالد حياً وإلا اختار العدل الثاني بقية الورثة يقدران سعاية الولد بحسب سعيه وعمله لكي لا يظلمه ولا يظلم الأولاد الآخرين.

‌جواز إعطاء الأب أحد أولاده شيئا من أمواله مقابل خدمته له مدة طويلة

س: رجل له بنت متزوجة على خدمته في بيته وأرضه مدة عشر سنوات فقرر لها أجرتها قبل وفاته ثمانين ألف ريالا، فهل هذا البيع جائز أم لا؟

جـ: لا مانع من ذلك في حياته يتصرف كما يريد.

ص: 255

الباب السابع عشر: مسائل متفرقة في المعاملات الشرعية

• وجوب قضاء من يأخذ مبالغ مالية من التبرعات بجعلها في وجه من أوجه الخير

• جواز أخذ الأجرة على طرح السلاح في أبواب المؤسسات الحكومية

• تحريم أخذ أيِّ شيء من مال الغير بدون إذنه

• وجوب التوبة من كل مال تحيل فيه على الغير بإخراج قدر المال المأخوذ على الغير والتصدق به إذا

• لم يعرف صاحبه

• تحريم وضع كبائن تأخذ فلوسا أكثر من المستحق بحسب نظام الأتصالات

• كراهة فتح محل إنترنت لما يحتوي عليه من برامج خليعة

• تحريم بيع ونشر المطبوعات التي تسخر من الإسلام

• تحريم شراءأيِّ سلعة من دولة تشجع على سب الرسول صلى الله عليه وسلم

• تحريم الكذب في بيان أيِّ شيء في البيع والشراء

• جواز مطالبة الولد لوالده بما أودعه لديه إذا تصرف فيه

• أرباح المبالغ النقدية المودعة في البريد من الربا

• لفظ الكسب والعمل والخدمة بمعنى واحد

• وجوب تعويض القصَّار إذا باع الولي من أموالهم في غير مصلحتهم

• سعي المرأة لنفسها في حياتها وبعد موتها يكون لورثتها

• ليس للأناث حق في ما اكتسبه الذكور من إخوانهن إلا إذا ساهمن في الثمن

• وجوب التخلص من المال الحرام برده إلى مالكه أو ورثة مالكه

• جواز أخذ الأموال التي تعطيها بعض الفضائيات كجوائز لحل أسئلتها

• تحريم أخذ مال المسابقات التي مقابل غرامة

• استحباب قضاء الولد دين أبيه أو جده من ملكه

• تحريم أخذ مبالغ مالية من أناس عن طريق الغصب لصرفها في مصلحة

• تحريم الإعتداء على أيِّ مصلحة عامة تقدم خدمات عامة

• الأصل الإباحة في أعمال التجارة

ص: 256

‌الباب السابع عشر: مسائل متفرقة في المعاملات الشرعية

‌وجوب قضاء من يأخذ مبالغ مالية من التبرعات بجعلها في وجه من أوجه الخير

س: طالبة في حلقة ذكر طُلب منها أن تجمع تبرعات فجمعت مبلغ (3000) ثلاثة آلاف ريال فصرفتها في يوم من الأيام لحاجة الأسرة الشديدة إليها، علماً أن حالتها متعسرة ثم لم تستطع إرجاع تلك النقود، فما الحكم في ذلك؟

جـ: لا بد من أن تقضي الثلاثة الآلاف ولو تدريجياً في كل أسبوع بعض ما عندها.

‌جواز أخذ الأجرة على طرح السلاح في أبواب المؤسسات الحكومية

س: ما حكم من يأخذ فلوسا على ما يسمى ب (الأمانات) التي توضع في أبواب المرافق الحكومية أو المستشفيات مثل طرح السلاح وأخذ صاجب الأمانة عليه فلوسا؟

جـ: هي أجرة عمل.

‌تحريم أخذ أيِّ شيء من مال الغير بدون إذنه

س: شخص أخذ فلوسا من صاحب محل وهو مبلغ كبير، وقال: أنه سوف يتوب بعد أن يأخذ المال بدون علم صاحب المال، وللعلم أن صاحب المال غني جداً، فهل يجوز أخذ المال؟

جـ: أخذ المال لا يجوز لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(1)

ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)

(2)

. ولحديث (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)

(3)

وفي رواية (مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ)

(4)

وحديث (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)

(5)

(1)

- النساء: (29).

(2)

- مسند أحمد: سبق ذكره في الأبواب السابقة من حديث أبي حرة الرقاشي برقم (19774).

(3)

- صحيح البخاري: كتاب المظالم والغصب: باب إثم من ظلم شيئا من الأرض. حديث رقم (2452) بلفظ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَرْوَى فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا إِلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا؟! أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في الديات، وأحمد في مسند العشرة المشرين بالجنة، والدرامي في البيوع.

أطراف الحديث بدء الخلق.

معاني الألفاظ: اقتطع: أخذ بغير حق.

طوق: جعل طوقاً في عنقه.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب المظالم: باب إثم من ظلم شيئا من الأرض. حديث رقم (2454) بلفظ (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ).

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: بدء الخلق.

(5)

- صحيح مسلم: كتاب الأيمان: باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار. حديث رقم (196) بلفظ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)

اخرجه النسائي في أداب القضاة، وابن ماجه في الاحكام، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية، والدارمي في البيوع.

لايوجد للحديث مكررات.

ص: 257

س: شخص نوى أن يأخذ مالاً على صاحب المال ثم يتوب بعدها علماً أن صاحب المحل غني لن يعلم بالسرقة، فهل يجوز له ذلك؟

جـ: أخذ المال لا يجوز، وهو كبيرة من كبائر الإثم لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)، وحديث (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ) وحديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)

(1)

‌وجوب التوبة من كل مال تحيل فيه على الغير بإخراج قدر المال المأخوذ على الغير والتصدق به إذا لم يعرف صاحبه

س: شخص كان يعمل في محطة بنزين وكان يحتال وينقص من العدد وكان جاهلا فما يلزمه للتوبة؟

جـ: هذه تسمى مظالم ملتبسة وعليه أن يتوب ويخرج بقدر ما غالط ونهب وسرق بحسب غلبة ظنه صدقة على نية مالكها لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(3)

ولحديث ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(4)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُه وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(5)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة المنافق. حديث رقم (32) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان عن رسول الله، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الشهادات، الوصايا، الأدب.

معاني الألفاظ: الآية: العلامة والدليل والبرهان. أخلف: نقض وعده.

(2)

- التحريم: آية (8)

(3)

- البقرة: آية (222)

(4)

صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(5)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

ص: 258

‌تحريم وضع كبائن تأخذ فلوسا أكثر من المستحق بحسب نظام الأتصالات

س: أنا رجل أعمل في مركز اتصالات ولكن فيه إحدى الكبائن تأخذ فلوسا أكثر من المستحق، فهل هذا جائز علما بأني أخبرت صاحب المركز بذلك ولكنه لم يبد أيَّ أمر، هل هو جائز وما حكمي في هذا المحل بحكمي عامل؟

جـ: هذا إن صح لا يجوز، لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ولحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه)، وحديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ).

‌كراهة فتح محل إنترنت لما يحتوي عليه من برامج خليعة

س: ما تنصح من يريد أن يفتح محل إنترنت تجاري حيث والإنترنت يحتوي على برامج مفيدة وغير مفيدة بل بعضها محرمة، فما الحكم؟

جـ: فتح هذا المحل شبهة من الشبهات، والمؤمنون وقافون عند الشبهات لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(1)

ولقوله تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}

(2)

‌تحريم بيع ونشر المطبوعات التي تسخر من الإسلام

س: ما حكم بيع ونشر المطبوعات التي تسخر من الإسلام وشرائها والترويج لها؟ وما حكم من يفعل ذلك؟

جـ: هذا حرام حرام حرام لقوله تعالى {قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ

تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ

بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}

(3)

.

‌تحريم شراءأيِّ سلعة من دولة تشجع على سب الرسول صلى الله عليه وسلم

س: هل يجوز شراء العلاج الدانماركي كون الدنمارك هي دولة من ضمن الدول التي تشجع على سب الرسول صلى الله عليه وسلم؟

جـ: لا يجوز لقوله تعالى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

(2)

- الطلاق.

(3)

- التوبة: آية (64 - 66)

ص: 259

فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(1)

.

‌تحريم الكذب في بيان أيِّ شيء في البيع والشراء

س: أنا أقول للزبائن يعلم الله أن هذا لا يخارجني ولا أربح فيه مع أني رابح مبلغ أكثر من الربع؟

جـ: هذا القول لا يجوز لحديث (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)

(2)

ولحديث (وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)

(3)

وحديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ).

‌جواز مطالبة الولد لوالده بما أودعه لديه إذا تصرف فيه

س: أعطيت والدي وإخواني مبلغ (40000) أربعين ألف ريال سعودي أمانة وكنت مغترباً في السعودية ولكنهم صرفوها، فهل يجوز لي مطالبتهم بالمبلغ حيث وأنها مودعة لديهم كأمانة؟

جـ: إذا صح ما ذكرته فلك الحق في المطالبة.

‌أرباح المبالغ النقدية المودعة في البريد من الربا

س: يقوم البريد بتحديد نسبة الربح في نهاية العام بعد حساب الأرباح كاملة، فهل هذا من الربا؟

جـ: نعم.

‌لفظ الكسب والعمل والخدمة بمعنى واحد

س: ما الفرق بين السعاية مع الوالد وأن تكتسب معه تجارة وعقارات وبين أن تخدمه ولم تكتسب معه شيء، وهل يجوز الأخذ مقابل الخدمة؟

جـ: الكسب والعمل والخدمة كله بمعنى واحد ويقدره عدلان.

‌وجوب تعويض القصَّار إذا باع الولي من أموالهم في غير مصلحتهم

س: رجل باع مال زوجته المتوفية وأولاده القصار بغير إذنهم، فهل البيع هذا صحيح أم لا؟

(1)

- الممتحنة: آية (9)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع. حديث رقم (2110) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا).

أخرجه مسلم في البيوع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: الخيار: حق فسخ العقد أو إمضائه.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب: باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله. حديث رقم (4721) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).

أخرجه الترمذي في البر والصلة عن رسول الله، وأبو داود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: البر والصلة والآداب.

معاني الألفاظ: البر: كلمة جامعة لأبواب الخير.

ص: 260

جـ: يجب عليه تعويض القصار إن لم يكن قد عوضهم، ولا يجيز القاصر لأنه غير مكلف لكن ولي القاصر إن باع لمصلحة القاصر جاز منه البيع.

‌سعي المرأة لنفسها في حياتها وبعد موتها يكون لورثتها

س: رجل تزوج امرأة وخلف منها ولداً وبنتاً ثم توفيت ثم تزوج امرأة ثانية وخلف منها ولداً وبنتاً اكتسب الرجل مع المرأة الثانية وولديه الأكبر والأصغر مالاً ثم توفيت المرأة، فهل سعيها يكون لزوجها أم لولدها بعد موتها؟

جـ: سعي المرأة لنفسها إن صح أنها سعت، وبعد موتها يكون لورثتها على الفرائض الشرعية.

‌ليس للأناث حق في ما اكتسبه الذكور من إخوانهن إلا إذا ساهمن في الثمن

س: أنا فتاة لي خمسة أخوة قام أحد إخواني بشراء أرض زراعية باسمه وفتح الله عليهم واشتروا أراضٍيا وعددا من السيارات وبعد زواجي حصل خلاف بين إخواني وتم تقسيم كل ما ذكر بين إخواني الخمسة ولم يعطوني نصيبي بحجة أنها أتت بشطارتهم، فهل لي نصيب مما ذكر أم لا؟

جـ: إذا كنت ساهمتي في المبلغ المشترى به فلك نصيب، وإلا فلا.

‌وجوب التخلص من المال الحرام برده إلى مالكه أو ورثة مالكه

س: رجل سافر مع امرأته من اليمن إلى الخليج وهناك أخذ الرجل ذهب زوجته ولم يعيده إليها عندما طلبته فاضطرت إلى أخذ فلوس عليه دون علمه ولكنها لم تكن تعلم أن المال مشترك بينه وبين شريكه وعند عودتهما إلى اليمن قرر الزوج بيع نصيبه إلى شريكه الذي توفي فيما بعد، ثم إنه بعد عودته رد الذهب إلى زوجته فردت المرأة نصف المبلغ وأبقت نصف المبلغ الذي لشريكه المتوفي ولم تخبر زوجها عنه، ماذا على المرأة هذه فعله؟

جـ: يجب عليها تسليم ما عندها له من المبلغ.

‌جواز أخذ الأموال التي تعطيها بعض الفضائيات كجوائز لحل أسئلتها

س: توجد بعض القنوات الفضائية تعطي بعض الأسئلة وتضع عليها جوائز لمن يحلها ولا يعرف مصدر أموال الجوائز، فهل تجوز المشاركة في حلها وأخذ الجوائز التي يعطونها؟

جـ: إذا لم يغرم في متابعتها فلا مانع.

س: ما حكم المسابقات التي تكون عبر التلفزيون وكذلك التي ترسل برسائل وتكون عن طريق الفرز للفائزين مثل المجلات فهل ما يتحصل عليه منها حلال؟

جـ: إذا لم يكن هناك غرامة على من سيتسابق فلا مانع وإلا فلا.

‌تحريم أخذ مال المسابقات التي مقابل غرامة

س: شاركت في مسابقة عبر الهاتف ويقدمون لنا أسئلة فإن أجبنا على الأسئلة دخلنا ضمن القرعة ولقد فزت في هذه المسابقة وربحت (600. 000) ستمائة الف ريال يمني، فهل هذا المبلغ حلال أم حرام؟ وهل يجوز لي أن أقضي ديوني وأتزوج منه أم لا فإن كان حراما، فماذا أعمل وقد استلمت المال كاملاً من الشركة.؟

جـ: العلماء يقولون: بأن المسابقة التي إلى مقابل غرامة غير جائزة، وأنا أرى أنك لا تأخذ وتتصرف بمال غير جائز شرعا ولا مانع من تقديم السؤال إلى أحد العلماء الكبار عله يرخص لك في التصرف فيه لأني لم أوت من

ص: 261

العلم إلا قليلاً، ومن قلد عالما لقي الله سالماً.

‌استحباب قضاء الولد دين أبيه أو جده من ملكه

س: رجل باع من ملكه مساحة (90) تسعين لبنة لقضاء دين جده فقامت زوجة المتوفي بتعويضه لبنة لبنة من ملكها الخاص وأجازتها ابنتها الوارثة فيما قامت به من تصرف، فما رأيكم في هذا؟

جـ: لا مانع، وهما محسنتان في فعلهما هذا والله يحب المحسنين كما في قوله تعالى {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}

(1)

.

‌تحريم أخذ مبالغ مالية من أناس عن طريق الغصب لصرفها في مصلحة

س: هل يصح لرجل يأخذ من أناس مبلغا من المال غصباً دون رضائهم ليعمل به خيراً مصلحة، هل هذا جائز له؟

جـ: هذا إن صح غير جائز شرعاً وديانة لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} و لحديث (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه).

‌تحريم الإعتداء على أيِّ مصلحة عامة تقدم خدمات عامة

س: هل يجوز استهداف المصالح الموجودة في أيِّ دولة والتي تخدم اليهود والنصارى؟

جـ: لا يجوز وهونوع من الإفساد في الأرض، وعقوبة من يفعله تطبيق حد الحرابة عليه أو عليهم إن كانوا جماعة لقوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(2)

.

‌الأصل الإباحة في أعمال التجارة

س: رجل يريد شراء محل تجاري في مكان حساس ولكنه سيزيد ضعف قيمة المحل لأنه في موقع حساس فهل هو من نقل القدم أم أنه من التراضي في البيع والشراء؟

جـ: الأصل الإباحة في البيع والشراء.

(1)

- البقرة: آية (195)

(2)

- المائدة: (34، 33)

ص: 262

‌كتاب الأيمان

• مشروعية الحلف بالله أو باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفات الله تعالى

• تحريم الحلف بغيرالله أو باسم من أسمائه

• لا ينبغي الإكثار من الأيمان

• تحريم الأيمان الكاذبة في البيع والشراء وغيره

• تحريم الحلف على جهة المزاح

• قول الزوجة لزوجها ِإن فعل كذا فهو عليها كأبيها أو ابنها أو أخيها لا يكون يمينا

• تحريم الحلف بغير الله

• تحريم الحلف بالطلاق

• تحريم اشتراط أداء اليمين عند قبر من يطلق عليه (ولي)

• قول أمانة عليك ليس بيمين

• جواز الاستثناء في الأيمان بشرط أن يكون متصلاً إلا لضرورة سعال أو عطاس أو نحوه

• قول ابن عباس بجواز التراخي في الاستثناء في الأيمان قول ضعيف

• آراء العلماء في انعقاد اليمين على الغير

• جواز الكفارة إذا كان في الحنث وفعل الشيء المحلوف عليه خير

• تحريم الرجوع في يمين ترك مضغ القات وشرب الدخان

• وجوب الوفاء ببيعة العمل الدعوي ولا كفارة لها

• آراء العلماء في تعيين اليمين اللغو

• تحريم الحلف بقول (أنا برئ من الإسلام)

• اليمين الغموس هي التي يعلم الحالف كذبها ويقتطع بها مال امرئ مسلم

• وجوب التوبة من الأيمان المعقودة

• اليمين على نية المحلف في الحقوق

• يمين المكره لا حنث فيها ولا كفارة

• آراء العلماء في قبول الشهادة بعد قبول أداء اليمين

• يشرع للمسلم إبرار قسم أخيه

• كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة وإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام

• الكفارة تعطى لعشرة مساكين

• وجوب إطعام المساكين وجبتين في اليوم

ص: 263

• وجوب تعدد الكفارات بتعدد الأيمان إن كانت الأيمان على أشياء مختلفة

• جواز إخراج الكفارة للمساكين من الأقارب

• جواز إعطاء الكفارة للجمعية الخيرية بشرط أن يوضح لهم ليصرفوها للمساكين

• جواز إخراج الكفارة لفقراء من المجاهدين

• وجوب الترتيب في كفارة اليمين

• جواز التراخي في إخراج كفارة اليمين

• وجوب صيام ثلاثة أيام متتابعة في كفارة اليمين

• اشتراط التتابع في صوم كفارة اليمين

• تحريم الحلف بالإحراج

• جواز الحلف في الجامع الكبير بصنعاء بين المسمورة والمنقورة

• جواز الحلف في قبلة الجامع وعلى سورة الحشر من القرآن الكريم

• جواز إخراج كفارة اليمين عن شخص آخر

• تشبيك الأيدي حال اليمين عادة لا شريعة

ص: 264

كتاب الأيمان

‌مشروعية الحلف بالله أو باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفات الله تعالى

س: ما هو المشروع في الأيمان؟

جـ: المشروع هو الحلف بالله أو باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفات الله تعالى.

س: رجل يقسم بدين الكعبة فأجبنا بأنه لا يجوز أن يقسم بهذا فأجاب بأن الكعبة ليس لها دين، فهل يجوز القسم بهذه الطريقة؟ وهل يجوز أن نقول أو نطلق بأن ليس للكعبة دين؟

جـ: اعلم بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال (أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ)

(1)

وبناءً على ذلك فمن حلف بدين الكعبة فقد خالف الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعليه التوبة والاستغفار، ولا فرق بين أن يقول بالكعبة أو يقول بدين الكعبة فالكل غير جائز، ولا مانع بأن يحلف برب الكعبة لأن رب الكعبة هو الله فإذا حلف برب الكعبة فكأنه حلف بالله وحكم الحلف برب الكعبة مثل الحلف بالله تعالى.

‌تحريم الحلف بغيرالله أو باسم من أسمائه

س: ما حكم من يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم؟

جـ: لا يجوز الحلف بغير الله عز وجل لا بالآباء ولا بالأمهات ولا بأيِّ مخلوق حتى ولا بالأنبياء والمرسلين لحديث (أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ).

س: هل يجوز التحليف بـ والله الحاطم الناقم؟

جـ: الحاطم الناقم ليست من أسماء الله.

س: ما الحكم فيمن يحلف بـ الأمانة، الكعبة، الشرف؟

جـ: قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالأمانة، كما لا يجوز الحلف بالكعبة، ولا مانع من الحلف برب الكعبة وهو الله لا بالكعبة لحديث (أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ).

س: ما الحكم فيمن يقول قسماً بآيات الله؟ أو أقسم بآيات الله؟

جـ: لا قسما إلا بالله أوباسم من أسمائه أو بصفة من صفاته سبحانه وتعالى لحديث (أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ).

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب من لم ير إكفار من قال ذالك متأولا. حديث رقم (6108) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الخطأبِ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ).

أخرجه مسلم في الأيمان، والترمذي في الأيمان والنذور، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، والدارمي في الأيمان والنذور.

أطراف الحديث: الأيمان والنذور، المناقب.

ص: 265

‌لا ينبغي الإكثار من الأيمان

س: ما معنى قوله تعالى {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}

(1)

؟

جـ: معنى الآية ألاّ يكثر الشخص من الأيمان كقول البعض والله كذا والله كذا والله كذا فيحلف في اليوم الواحد عشرات المرات وهذا لا ينبغي.

س: ما الحكم فيمن يشترط على المحلف أن يحلف على رؤوس أولاده أو يحلف على حاله وماله؟

جـ: الحلف لا يكون إلا باسم من أسماء الله أو بصفة من صفاته، ولا يكون الحلف بغير ذلك كما دل عليه الدليل في حديث (أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ).

‌تحريم الأيمان الكاذبة في البيع والشراء وغيره

س: ما نصيحتكم لمن يكثر من الأيمان الكاذبة في بيعه وشرائه وحديثه؟

جـ: لا يجوز لأيِّ مسلم أن يكثر من الأيمان الكاذبة لا في بيعه ولا في شرائه ولا في أيِّ معاملة بينه وبين الناس لحديث (الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ)

(2)

.

‌تحريم الحلف على جهة المزاح

س: هل يجوز الحلف على جهة المزاح؟ وهل يعتبر لغو اليمين؟

جـ: لا يجوزلأيِّ إنسان أن يحلف مزاحاً ولا هزلاً، فالهزل والمزاح باليمين حرام ولا تسمى يمينه يمين لغو وهو مؤاخذ بها لقوله تعالى {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}

(3)

.

‌تحريم الحلف بقول (أنا برئ من الإسلام)

س: ما حكم الشرع فيمن قال (أنا برئ من الإسلام)؟

جـ: هذا حرام وعليه التوبة ولا يكون يمينا.

‌قول الزوجة لزوجها ِإن فعل كذا فهو عليها كأبيها أو ابنها أو أخيها لا يكون يمينا

س: امرأة تزوج زوجها من غير علمها وعندما سمعته قالت: إن خطب فهو عليها كأبوها وإن تزوج فهو عليها كابنها؟

جـ: هذا القول من الزوجة لا يكون طلاقاً ولا ظهارا ولا فسخا فلا تزال زوجته، وعليها أن تتوب الى الله من هذا الكلام ولا تعود الى مثله.

(1)

البقرة: آية (224).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب يمحق الله الربا ويربي الصدقات. حديث رقم (1945) بلفظ (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ)

أخرجه مسلم في المساقاة، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: منفقة: سبب لسرعة بيعها ورواجها.

(3)

- البقرة: (224)

ص: 266

‌تحريم الحلف بغير الله

س: ما حكم الحلف بغير الله؟

جـ: الحلف بغير الله حرام لحديث (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ)

(1)

و حديث (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ)

(2)

وحديث (مَنْ كَانَ حَالِفاً فَلَا يَحْلِفْ إلاَّ بِاللّهِ)

(3)

وحديث (لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم وَلَا بِأُمَّهَاتِكُم وَلَا بِالأَنْدَادِ، وَلَا تَحْلِفُوا إلاَّ بالله، وَلَا تَحْلِفُوا بِالله إلاَّ وَأنْتُمْ صَادِقُونَ)

(4)

.

س: نرجوا من فضيلتكم التوضيح في قوله صلى الله عليه وآله وسلم (أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ) في حديث (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، َ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ)

(5)

ففي هذا الحديث حلف بغير الله.

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الأيمان والنذور: باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله. حديث رقم (1535) بلفظ (عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَا وَالْكَعْبَةِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه البخاري في الأيمان والنذور، ومسلم في الأيمان، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في النذور والأيمان، والدارمي في النذور والأيمان.

معاني الألفاظ: الرياء: القيام بالفعل طلبا للسمعة.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان والنذور: باب من حلفَ بملةٍ سوى ملةِ الإِسلام. حديث رقم (6652) بلفظ (عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ، قَالَ: وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في النذور والأيمان عن رسول الله، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في أول مسند المدنيين أجمعين.

أطراف الحديث: الجنائز، المغازي، تفسير القرآن، الأدب.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الأيمان: باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى. حديث رقم (4235) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ: مَنْ كَانَ حَالِفاً فَلَا يَحْلِفْ إلاَّ بِاللّهِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ).

أخرجه البخاري في الشهادات، والترمذي في النذور والأيمان، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، ومالك في النذور والأيمان، والدارمي في النذور والأيمان.

أطراف الحديث: الأيمان.

(4)

- سنن أبو داوود: كتاب الأيمان والنذور: باب لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم. حديث رقم (3250) بلفظ (عن أبي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم وَلَا بِأُمَّهَاتِكُم وَلَا بِالأَنْدَادِ، وَلَا تَحْلِفُوا إلاَّ بالله، وَلَا تَحْلِفُوا بِالله إلاَّ وَأنْتُمْ صَادِقُونَ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود.

أخرجه النسائي في الأيمان والنذور.

معاني الألفاظ: الأنداد: الأصنام وكل ما يعبد من دون الله.

(5)

- صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الأسلام. حديث رقم (12) بلفظ (عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ جَمِيعًا عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ)

أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، والنسائي في كتاب الصلاة، وأبوداود في الصلاة، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

لايوجد له مكررات.

ص: 267

جـ: قال بعض العلماء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بها لا لمعنى اليمين لأن بعض الألفاظ ليست على أصلها مثل (تَرِبَتْ يَدَاكَ) في حديث (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)

(1)

فمعناها دعوة عليه بالفقر حتى تلتصق بالتراب وعلى فرض عدم التأويل فإن أحاديث النهي عن الحلف بغير الله أرجح لأن قول الرسول المبلغ أرجح من فعله، وهناك قاعدة إذا تعارض حديث دال على النهي وحديث يدل على الإباحة فيعمل بالحديث الدال على النهي عملاً بالأحوط.

س: إذا قال الرجل حرام ويمين فهل تسمى لفظة (حرام) طلاق أم يمين؟ وهل عليه كفارة؟

جـ: لفظة (حرام) إن نوى بها الشخص طلاقاً تقع طلاقاً، وأن نوى بها يميناً تقع يميناً، والعلامة (محمد بن إسماعيل الأمير) قال: لا تقع طلاقاً ولا يميناً لأنها ليست صفة من صفات الله تعالى وليس عليه كفارة.

س: رجل حلف بقوله بأن امرأته عليه كظهر أمه إذا دخل مكان كذا، فماذا عليه إن دخل المكان؟

جـ: إن أراد بقوله الظهار من زوجته فعليه كفارة الظهار المبينة في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

(2)

وإن أراد الطلاق فتطلق زوجته وعليه مراجعتها إن لم تكن هي الطلقة الثالثة، هذا إن كان عامياً لأن العوام لا يقصدون بهذه الكلمة إلا الطلاق فتكون كناية طلاق هكذا قال العلماء ومنهم صاحب الأزهار للمذهب الهادي، ونفى صحة القول بأن هذه الكلمة قد تكون طلاقاً مع نية الطلاق شيخ الإسلام الشوكاني وقال لا ينبغي أن تكون هذه اللفظة من كنايات الطلاق مع كون القرآن قد سمّاها زوراً في قوله تعالى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}

(3)

‌تحريم الحلف بالطلاق

س: ما حكم الشرع فيمن يحلف بالطلاق؟

جـ: لا يجوز ولا ينبغي الحلف بالطلاق لحديث (مَنْ كَانَ حَالِفاً فَلَا يَحْلِفْ إلاَّ بِاللّهِ)

(4)

وإذا حلف بقوله (على الحرام

(1)

صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب الأكفاء في الدين. حديث رقم (4802) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

أخرجه مسلم في الرضاع، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

معاني الألفاظ: تربت يداك: دعاء بالفوز والفلاح، وقد تطلق للتأنيب.

(2)

- المجادلة: آية (4، 3)

(3)

- المجادلة: آية (2)

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الأيمان: باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى. حديث رقم (4235) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ: مَنْ كَانَ حَالِفاً فَلَا يَحْلِفْ إلاَّ بِاللّهِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ).

أخرجه البخاري في الشهادات، والترمذي في النذور والأيمان، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، ومالك في النذور والأيمان، والدارمي في النذور والأيمان.

أطراف الحديث: الأيمان.

ص: 268

والطلاق) أو (حرام وطلاق) فيرجع إلى نيته فإن كان قد نوى الطلاق وقعت طلقة لأن هذا الكلام من كنايات الطلاق، وكنايات الطلاق إن كان قد نوى بها الطلاق وقعت طلقة، وإن نوى اليمين فعليه إخرج كفارة اليمين والقول قوله، ويحلف بالله العظيم أنه ما نوى الطلاق فيرحم نفسه ولا يحلف إلى على يقين، وإلا فإنه سيعاقب عقاب اليمين ثم عقاب بقاء المرأة لديه وقد حرمت عليه.

‌تحريم اشتراط أداء اليمين عند قبر من يطلق عليه (ولي)

س: ما الحكم لمن يشترط اليمين عند قبر ولي من الأولياء؟

جـ: هذا لا يجوز، وهونوع من الشرك الذي حرم الله على فاعله دخول الجنة وأوجب له النار في قوله تعالى {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}

(1)

وقوله تعالى {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}

(3)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}

(4)

ولحديث (مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ)

(5)

وحديث (مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ) وحديث (مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّار)

(6)

.

‌قول أمانة عليك ليس بيمين

س: بعض الناس يقولون أمانة عليك فما رأيكم في هذا القول؟

جـ: هذا غير منهي عنه، المنهي عنه هو الحلف بالأمانة لحديث (مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا)

(7)

.

‌جواز الاستثناء في الأيمان بشرط أن يكون متصلاً إلا لضرورة سعال أو عطاس أو نحوه

س: ما حكم الاستثناء في الأيمان؟

جـ: يجوز الاستثناء في الأيمان ولكن بشرط أن يكون الاستثناء متصلاً ولا يجوز التراخي فيه إلا لضرورة كسعال أو بلع ريق أو عطاس أو نحوه.

(1)

- المائدة: (72)

(2)

- الزمر: آية (65)

(3)

- النساء: آية (48)

(4)

- النساء: آية (116)

(5)

- صحيح البخاري: كتاب العلم: باب من خص بالعلم قوما دون قوم. حديث رقم (126) بلفظ (سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ ذُكِرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: لَا، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا)

أخرجه مسلم في الإيمان، وأحمد في باقي مسند المكثررين.

(6)

- صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب ماجاء في الجنائز ومن كان آخركلامه لاإله إلا الله. حديث رقم (1162) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ، وَقُلْتُ: أَنَا مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ)

أخرجه مسلم في الإيمان، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

(7)

- سنن أبي داود: كتاب الأيمان والنذور: باب كراهية الحلف بالأمانة. حديث رقم (2831) بلفظ (عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا) صحيحه الألباني في صحيح أبي داود برقم (3253)

اخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

لايوجد للحديث مكررات.

ص: 269

س: من حلف وقال سراً إن شاء الله، فما حكم يمينه؟

جـ: إن شاء الله لا تكون استثناءً إلا إذا علق اليمين بشيء في المستقبل، أما إذا حلف أنه ما عمل شيئاً قد مضى فلا عمل بقوله إن شاء الله لأن الناس قد تلاعبوا بلفظة (إن شاء الله).

‌قول ابن عباس بجواز التراخي في الاستثناء في الأيمان قول ضعيف

س: هل هناك قول للعلماء بجواز التراخي في الاستثناء في الأيمان؟

جـ: هو مذهب حبر الأمة (عبدالله بن عباس) ولكنه مذهب ضعيف لأنه سيؤدى إلى عدم إتمام المعاملات المالية وغيرها من العقود كالبيع والشفعة والإجارة وبيعة الخلفاء وغيرها من عقود المعاملات.

‌آراء العلماء في انعقاد اليمين على الغير

س: هل تنعقد اليمين على الغير؟

جـ: عند الهادوية: أن اليمين تنعقد على الغير، فبناءً على هذا القول فمن حلف على إنسان آخر ولم يبر قسمه فيجب على الحالف أن يكفر، ولكن علماء اليمن المتأخرين مثل (المقبلي) و (الجلال) و (الشوكاني) و (الأمير) قالوا: إن اليمين لا تنعقد على الغير لأن الإنسان الآخر ليس تحت سلطة الحالف، ولأنّ للغير إرادته وقدرته وطاقته، وللحالف إرادته وقدرته وطاقته، والإنسان لا يحاسب إلاَّ على أفعال نفسه ولا يحاسب على أفعال الغير، وكان الأولى بالإنسان الآخر أن يبر قسم أخيه ويلبي طلب أخيه جبراً لخاطره لحديث (أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ)

(1)

وقد أساء الإنسان الآخر بعدم إبرار قسم أخيه وأثِم.

س: إذا دعى رجلٌ رجلاً أن يتناول طعام الغداء عنده وحلف الداعي على المدعو ويغلب في ظن الداعي أن المدعو سيستجيب له ولكن المدعو لم يحضر، فهل يحنث الحالف وتجب عليه كفارة؟

جـ: لا يحنث الحالف لأن اليمين على الغير لا تنعقد ويأثم المحلوف عليه بعدم إبرار قسم الحالف لحديث (أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ) ولا تجب عليه كفاره، هذا ما ذهب إليه جماعة من العلماء منهم الإمام (شرف الدين) و (الجلال) و (المقبلي) و (الأمير) و (الشوكاني).

س: دعوت أحد أصدقائي للغداء فلم يرض فقلت له والله لا بد أن تصل وتتغدى عندي فانتظرته ولم يصل فسألت بعض العلماء فقال: عليك كفارة، وسألت آخرين فقالوا: لا كفارة عليَّ فتحيرت فأفيدوني جزاكم الله خيراً؟

جـ: من أجابك أيها السائل بأن عليك الكفارة فهو مبني على أن اليمين تنعقد على الغير وهو مذهب الهادي، ومن أجابك أنه لا كفارة عليك فهو مبني على أن اليمين لا تنعقد على الغير وهو مذهب المقبلي والأمير والشوكاني، وبناء على ذلك فعليك الكفارة عند الهادوية، وليس عليك كفارة عند الشوكاني والأمير وغيرهما، ورأيي

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان والنذور: باب إبرار القسم. حديث رقم (1163) بلفظ (عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ وَالْإِسْتَبْرَقِ).

اخرجه مسلم في اللباس والزينة، والترمذي في اللباس، والنسائي في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: الجنائز، الزينة.

معاني الألفاظ: التشميت: أن يقال للعاطس رحمك الله إذا حمد الله. القسي: ثياب مخططة بالحرير. استبرق: ما غلظ من الحرير.

ص: 270

الشخصي هو عدم وجوب الكفارة لأن اليمين على الغير لا تنعقد لأمور:

1 -

لأنه غير داخل في مقدور الحالف وغير داخل في إمكانه والعلماء يشترطون في اليمين أن يكون في مقدور الحالف.

2 -

قال تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}

(1)

وحفظها على الغير غير ممكن.

3 -

الرؤيا التي فسرها أبو بكر رضي الله عنه عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، فقال أبو بكر رضي الله عنه والله لتحدثني ما الذي أخطأت، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تقسم)

(2)

ولم يبين له حكم يترتب على قسمه ولم يأمره بالكفارة مع أنه في وقت حاجة وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجو.

‌جواز الكفارة إذا كان في الحنث وفعل الشيء المحلوف عليه خير

س: إذا حلف الشخص على شئ ليس في الحنث فيه خير وفعل الشيء خير، فهل يشرع للحالف التكفير عن اليمين حتى وإن لم يكن في فعله خيرٌ؟

جـ: لا يكفر الحالف إلا إذا كان في فعل الشيء المحلوف عن فعله خير أما إذا لم يكن في فعله خير فلا يكفرلحديث (من حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)

(3)

.

س: حلفت ألا أتزوج أبداً إلا عندما يقول لي إخواني وقد أقسمت عدة مرات ألا أتزوج فما يلزمني إذا أردت الزواج؟

جـ: اعلم أنه عند أن تتيسر لك زوجة وتعقد بها، يجب عليك إخراج كفارة وهي إطعام عشرة مساكين لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في الحديث الصحيح المصرح بأن من حلف على شيء ورأى شيئاً خيراً منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمنيه في حديث (من حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)، والزواج خير من العزوبة لحديث (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)

(4)

.

(1)

المائدة: (89).

(2)

سنن أبو داود: كتاب الأيمان والنذور: باب في القسم هل يكون يميناً. حديث رقم (3286) بلفظ (عن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: كَانَ أبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أنَّ رَجُلاً أتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: إنِّي أرَى اللَّيْلَةَ فَذَكَرَ رُؤْيَا فَعَبَّرَهَا أبُو بَكْرٍ فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: أصَبْتَ بَعْضاً وَأخْطَأْتَ بَعْضاً، فقالَ: أقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَارَسُولَ الله بِأبِي أنْتَ لَتُحَدِّثَنِّي ما الَّذِي أخْطَأْتُ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا تُقْسِمْ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه البخاري في التعبير، ومسلم في الرؤيا، والترمذي في الرؤيا عن رسول الله، وابن ماجة في تعبير الرؤيا.

أطراف الحديث: السنة.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الأيمان: باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها. حديث رقم (4247) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَعْتَمَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ الصِّبْيَةَ قَدْ نَامُوا فَأَتَاهُ أَهْلُهُ بِطَعَامِهِ، فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ أَجْلِ صِبْيَتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَكَلَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ).

أخرجه البرمذي في النذور والأيمان، ومالك في النذور والأيمان.

معاني الألفاظ: أعتم: أخر صلاة العشاء حتى اشتداد ظلمة الليل.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة. حديث رقم (5066) بلفظ (عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَخَلَوَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الصوم.

معاني الألفاظ: الباءة: تكاليف الزواج والقدرة عليه.

الوجاء: الوقاية والمنع من الوقوع في الزلل.

ص: 271

س: نحن أهل قرية قمنا بالتعاون على عمارة مسجد وحدث خلاف بين اثنين من الأهالي وواحد منهما حلف يميناً بان لا يتعاون في بناء هذا المسجد وهو قادر على التعاون، فما يجب عليه إذا رجع عن يمينه بعدم التعاون؟

جـ: اعلم بأنه لا مانع لهذا الرجل من أن يكفر عن اليمين الصادر منه ثم يتعاون مع من يريد أن يصلح المسجد أو يكمل عمارته مهما كان مستطيعاً لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أجاز التكفير عن اليمين التي تكون من الإنسان على شئ هو خلاف الخير في قوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله (من حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) ولا شك أن التعاون على عمارة المسجد أو إصلاحه خير من عدم التعاون على ذلك.

س: حدث أن امرأة قالت لابنها بأنها لن تكلم ابنها مرة ثانية وإذا كلمته ستكون له مثل أخواته فما قول العلماء في ذلك؟

ثانياً: ما قولكم في أمٍ كثيرا ما تفتش ملابس أولادها من اجل المحافظة عليهم من أي مكروه فهل يوجد مانع من ذلك أم أنه لا مانع؟

جـ: اعلمي أيتها الأخت السائلة بأنها إذا حلفت باسم من أسماء الله أو بصفة من صفات الله ثم حنثت باليمين فيحب عليها الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين وإذا هي لم تتمكن من إطعامهم لفقرها فيجب عليها صيام ثلاثة أيام متتابعة كما في قوله تعالى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ

أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ

أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}

(1)

وأما الكلام المذكور في السؤال فلا يجوز فيه الكفارة وإن كان فيه ما يخالف الأدب الذي يجب أن تتحلى به المرأة المسلمة ولا سيما إذا كانت المرأة هي أم مع ولدها.

والجواب على السؤال الثاني: اعلمي أنه لا مانع من ذلك.

س: ما كفارة اليمن المنعقدة؟

جـ: قال النبي صلى الله عليه وسلم (من حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) فإن كان الذي حلفت على ألا تعمله خيراً فكفِّر واعمله وإن كان لا خير فيه فلا تأته ولا تكفِّر عنه، فمثلاً إذا حلفت ألا تكلم صديقك فكفر وكلمه، وإن حلفت ألا تشرب الدخان فلا تشرب الدخان ولا تكفر لأن الدخان ليس بخير وإنما هو شر مضر كما قرره الأطباء، و الكفارة هي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم ومن لم يتمكن من إطعامهم أوكسوتهم لفقره فيجب عليه صيام ثلاثة أيام متتابعة كما في قوله تعالى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ

أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ

(1)

- المائدة: آية (89)

ص: 272

يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ

أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}

(1)

‌تحريم الرجوع في يمين ترك مضغ القات وشرب الدخان

س: ما الحكم في من حلف ألا يخزن القات وأن لا يشرب الدخان ثم عاد لهما؟

جـ: هو آثم برجوعه، وعلى هذا الشخص ترك ما حلف أنه لا يعمله والإقلاع عنه.

س: ماذا يفعل من حلف بالله أنه لن يخزن بعد اليوم طول عمره وعاد بعد فترة؟

جـ: تب إلى الله ولا تعد إلى القات حسب اليمين والمهم التوبة فإذا حصلت التوبة النصوح فلا لزوم للكفارة عملا بقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(3)

وبحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(4)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(5)

س: لقد حلفت يمينا أني لن أتناول القات وتناولته فهل عليَّ كفارة؟

جـ: لا كفارة عليك بل عليك أن تترك القات وتتوب الى الله وتستمر على ترك القات.

‌وجوب الوفاء ببيعة العمل الدعوي ولا كفارة لها

س: حلفت يميناً قائلاً: أقسم بالله العظيم أن أكون ملتزماً بما تنصه عليَّ مرحلة الدعوة ولكن لشدة الظروف لا أستطيع الوفاء بالشروط وأريد أن أُكفِّر عنها مع العلم أني ناوي السير مع الدعاة فما هي كفارتها، أي هذه البيعة حيث يقول البعض أنها لا كفارة لها؟

(1)

- المائدة: آية (89)

(2)

- التحريم: آية (8)

(3)

- البقرة: آية (222)

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(5)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

ص: 273

جـ: لا كفارة لها بل يجب الوفاء بها لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}

(1)

ولحديث (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ)

(2)

لأن عدم الالتزام والوفاء بالعهد خصلة من خصال النفاق، والمنافقين في الدرك الأسفل من النار كما في قوله تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}

(3)

.

‌آراء العلماء في تعيين اليمين اللغو

س: ما هي يمين اللغو؟

جـ: اختلف العلماء في تعينها على ثلاثة أقوال:

القول الأول: قول الحنفية والهادوية: أنها اليمين التي يحلف عليها الحالف ظاناً أنها واقعة على ما حلف عليه فينكشف خلاف ما حلف عليه.

القول الثاني: قول الشافعية: أنها اليمين التي تخرج بغير قصد اليمين مثلما قالت عائشة رضي الله عنها هي قول الرجل (لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ)، وتفسير الصحابي مقدم على غيره.

القول الثالث: قول سعيد بن المسيب أنها يمين الغضب، والصحيح: هو قول عائشة وهو أن اليمين اللغو هي التي لا يقصد بها الحالف يميناً وإنما هي قول الرجل (لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ) بلا قصد الحلف.

س: نشاهد بعض الناس يتكلمون بكل ما يحلو له من سب وشتم وحين يستنكر عليه أحد يقول (لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم) وبعض الناس يستولي على أموال غيره أو يظلمه ثم يتخلص من فعله باليمين ويكفر عنها معتقداً أن الكفارة تخلصه من الإثم وبعض الناس يكذب ويحلف بالله وحينما تزجره يقول لك سأكفر عن يميني فنطلب من علمائنا الأفاضل الإجابة الشافية؟

جـ: اعلم أن يمين اللغو هي اليمين التي يحلف الإنسان فيها على شئ ظاناً وقوعه فينكشف خلافه مثل أن يحلف بأن محمداً في المسجد ظاناً أنه في المسجد ثم ينكشف أنه قد خرج من المسجد وأنه حال اليمين لم يكن في المسجد، أو هي اليمين التي تخرج من فم الإنسان من غير قصد أو عزم على اليمين مثل قول الرجل (لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ) فهذه اليمين لا يؤاخذ الله الحالف بها، وإنما يؤاخذه باليمين المعقودة التي يحلف بها الحالف ليقتطع مال أخيه المسلم أو نحو ذلك كما في حديث (الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ)

(4)

و حديث (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ

(1)

- المائدة: أية (1)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة النفاق. حديث رقم (23) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأبوداود في السنة، وأحمد في مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: خالصا: كامل النفاق.

(3)

- النساء: أية (145)

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان والنذور: باب اليمين الغموس. حديث رقم (6182) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ)

أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، والنسائي في تحريم الدم، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في الديات.

معاني الألفاظ: الغموس: القسم الكاذب الذي يغمس صاحبه في النار.

ص: 274

لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)

(1)

، أما السب والشتم فهو حرام شرعا لحديثً (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ)

(2)

والمؤمن ليس بلعان ولا طعان ومن سبَّ أو شتم أو طعن في أخيه المسلم فهو آثم شرعاً واعتذاره بأنه إنما يعمل هذا العمل لكونه مستنداً لقوله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}

(3)

اعتذار غير صحيح وغير مقبول وإنما هو من باب قولهم العذر أقبح من الفعل لأنه ضم إلى السبِّ والشِّتم المحرمين شرعاً شيئاً زائداً على الذنب وأقبح منه وهو تفسير الآية الكريمة بمعنى لا تدل عليه اللغة لا بمطابقة ولا بتضمن ولا التزام وبما لا يدل على هذا التفسير أيُّ دليل شرعي، واعلم بأن كفارة اليمين ليس مشروعه لكل يمين تصدر من الإنسان وإنما تكون فيما ورد النص فيه مثل أن يحلف الإنسان على شئ من الأشياء ثم يرى أن الخير في عدم هذا الشيء كمن يحلف أنه لا يكلم والده أو أخاه أو صديقه ثم يندم على اليمين حيث أنه لا خير في هجر الوالد أو الأخ أو الصديق والخير كل الخير في مواصلة الوالد أو الأخ أو الصديق أو في عدم هجره، فمثل هذا الإنسان المشروع في حقه أن لا يهجر أباه أو أخاه أو صديقه وأن يتكلم معهم ويكفر عن يمينه عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (من حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) أما من يستولي على بعض أموال أخيه أو يظلمه بأيِّ ظلم من أنواع الظلم ثم يتخلص من ذلك الاعتداء الصادر منه على المال أو بعضه أو الاعتداء بظلمه بأيِّ نوع من أنواع الظلم باليمين معتقداً بأن اليمين قد قطعت العلاقة فيما بينه وبين غريمه المعتدى عليه أمام الله تعالى فهذا الإنسان خاطئ في اعتقاده بأن اليمين قد جعلته في حل أو جعلته غير مسئول أمام الله لكونه قد كفر عن يمينه هذه بأيِّ نوع من أنواع الكفارة المذكورة في القرآن في قوله تعالى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ

أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ

أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}

(4)

لأن هذه الكفارة غير مسوغة لأخذ مال أخيه بغير حق من الحقوق الشرعية وغير مجوزة للظلم الذي صدر منه ولا زال مسئولاً أمام الله عز وجل عن أخذ المال أو عن ظلمه لأخيه بأيِّ نوع من أنواع الظلم لقوله تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ

يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}

(5)

ولحديث

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الأيمان: باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار. حديث رقم (196) بلفظ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)

اخرجه النسائي في أداب القضاة، وابن ماجه في الأحكام، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية، والدارمي في البيوع.

لايوجد للحديث مكررات.

معاني الألفاظ: اقتطع: امتلك حق اخيه المسلم ظلما بالحلف الكاذب.

(2)

- مسند الإمام أحمد: مسند عبد الله بن مسعود: حديث رقم (3947) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ، وَقَالَ ابْنُ سَابِقٍ مَرَّةً بِالطَّعَّانِ وَلَا بِاللَّعَّانِ).

أخرجه الترمذي في البر والصلة.

أطراف الحديث مسند باقي المكثرين.

معاني الألفاظ: الفاحش: البذيء المتصف بسوء الخلق.

(3)

المائدة: آية (89).

(4)

- المائدة: آية (89).

(5)

- الكهف: آية (29)

ص: 275

(يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا)

(1)

وإن كان قد أصبح بريئاً أمام القاضي لأن حكم القاضي ينفذ ظاهراً لا باطناً كما دلت عليه الأدلة الصحيحة من السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام فمن ادعى على إنسان أن لديه مبلغاً من المال فأنكر المدعي عليه هذه الدعوى وطالب بالبرهان على الدعوى ولم يتمكن المدعي من إقامة البرهان لكون مستنداته قد ظلت أولم يكن قد كتب على غريمه مستنداً فيما عنده له واضطر إلى طلب اليمين من غريمة المنكر فحلف الغريم فإن القاضي سيحكم على المدعي بالقنوع وبكف الخطاب عن المدعى عليه وسيكون هذا الحكم نافذاً في الظاهر بمعنى أنه لم يبق للمدعي أيُّ حق في المطالبة للغريم ما دام ولم يتمكن من البرهان على دعواه وطلب من المدعى عليه اليمين وحلف المدعى عليه فعلاً، أما في الباطن فإن الحكم غير نافذ ولا يزال المدعى عليه مسئولاً أمام الله تعالى لحديث (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذْهَا)

(2)

وقد جاء الوعيد الشديد على من يحلف اليمين الفاجرة في حديث (الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ) و حديث (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ).

‌اليمين الغموس هي التي يعلم الحالف كذبها ويقتطع بها مال امرئ مسلم

س: ما هي اليمين الغموس؟

جـ: هي التي يعلم الحالف كذبها ويقتطع بها مال امرئ مسلم لحديث (الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ) و حديث (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)، وهي من الكبائر.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الصلة والبر والآداب: باب تحريم الظلم. حديث رقم (4674) بلفظ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تبارك وتعالى، أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)

أخرجه الترمذي في صفة القيامة والرقاق، وابن ماجه في الزهد، وأحمد في مسند الأنصار، والدارمي في الرقاق.

لايوجد مكررات.

معاني الألفاظ: الصعيد: الموضع المرتفع أو الموضع الواسع من الأرض.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب من أقام البينة بعد اليمين. حديث رقم (2483) بلفظ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذْهَا).

أخرجه مسلم في الأقضية، والنسائي في آداب القضاة، وأبو داود في الأقضية، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية.

أطراف الحديث: المظالم والغصب، والحيل، الأحكام.

معاني الألفاظ: ألحن: أفصح ببيان حجته.

ص: 276

س: ما هي اليمين الغموس؟ وهل لها كفارة؟

جـ: اليمين الغموس: هي اليمين التي يحلف الحالف بها يميناً وهوفاجر لأجل يأخذ بها مال أخيه المسلم بغير حق، ولا كفارة لها بل يجب عليه أن يتوب ويرجع ما أخذ لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ) وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ).

س: ما الحكم فيمن يحلف أن هذه السلعة بكذا وكذا وهي ليست كما يقول هل تعتبر يمين غموس؟

جـ: هذا يمين حرام مطلقاًلحديث (الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ)

(2)

وإذا كان سيقتطع بها مالاً فهي غموس لحديث (الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ) و حديث (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ).

س: طلب مني شخص فلوسا دينا فقلت له ليس معي فطلب مني اليمين فحلفت لأني أعرف أنه لن يردها وأنا معي فلوس، فهل عليَّ كفارة؟

جـ: عليك التوبة الخالصة مثلما يتوب سائر أهل المعاصي الكبار لأن هذه يمين فاجرة.

س: ما الحكم في من حلف بالله فجوراً ثم ندم على فعله، فماذا يلزمه؟

جـ: يجب عليه أن يتوب إلى الله توبة خالصة ويندم على ما كان منه ويعزم على عدم العودة إلى هذا الذنب العظيم، وإذا كان قد استقطع مالاً لأحد فمن تمام التوبة أن يرجع ما أخذ ولا تتم توبته إلا بإرجاع ما أخذ كثيراً أو قليلاً، ولا تصح التوبة ولا تقبل إلا بإرجاع لكل ذي حق حقه لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ) وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا

(1)

- التحريم: آية (8)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب يمحق الله الربا ويربي الصدقات. حديث رقم (1945) بلفظ (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ)

أخرجه مسلم في المساقاة، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: منفقة: سبب لسرعة بيعها ورواجها.

ص: 277

يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ).

‌وجوب التوبة من الأيمان المعقودة

س: كنت أحلف دائما وكثيرا ولم أوف بالأيمان، والأن لا أدري كم حلفت ونسيت بعضها، وأريد أن أتوب، فما الذي عليَّ فعله؟

جـ: تخرج الكفارة لكل يمين حلفتها ولم تعمل بموجب ما حلفت، وذلك بحسب ما غلب على ظنك.

‌اليمين على نية المحلف في الحقوق

س: هل اليمين على نية المحلِّف أم على نية المستحلَف؟ وما حكم الشرع فيمن يحلف على شيء ويضمر غيره؟

جـ: اليمين على نية المحلِّف في الحقوق لا على نية الحالف، إلا فيما كان في دعوى باطلة آثمة وفي من يطلب من الإنسان أيَّ حق لا حق له فيه، وإنما لإدخال الضررعليه.

‌يمين المكره لا حنث فيها ولا كفارة

س: ما حكم يمين المكره؟

جـ: يمين المكره لا يجب عليه الوفاء بها ولا يأثم بالحنث فيها ولا تلزمه كفارة لحديث (إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَعَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَااسْتُكْرِهُواعَلَيْهِ)

(1)

وحد الإكراه هو أن يُهدَّدُ الشخص بالقتل أو قطع عضو من أعضائه وأن يكون المهدِّد قادراً على تنفيذ تهديده وبيده آلة القتل أو القطع كأن يكون معه البندق أو المسدس لقتله أو السكين أو نحوها لتقطيع أجزائه وأن يكون المهدِّد قد أغلق على المكره الباب وحبسه في مكان لحاله والمهدِّد قادرٌ متمكن من تنفيذ التهديد وقد غلب على ظن الحالف أن المهدِّد سينفذ التهديد، ففي مثل هذه الحالة يُعتبر الإكراه، أما إذا هُدد المكرَه بالحبس أو نحوه فلا يُعد إكراها.

س: إذا خُوف الرجل بإتيان أهله أو شيء مما يخل بعرض أو شرف أولاده، فهل يعتبر مكرهاً؟

جـ: نعم، من هُدِدَ بإتيان أهله ينبغي له أن ينقاد ويُعتبرمكرهاً.

‌آراء العلماء في قبول الشهادة بعد قبول أداء اليمين

س: هل تقبل الشهادة بعد قبول اليمين؟

جـ: هذه مسألة خلافية بين العلماء، ذهب الهادوية وجماعه من العلماء إلى أن الشهادة تقبل، والإمام (يحيى بن محمد حميد الدين) ذهب في اختياراته إلى أنه لا تقبل الشهادة العادلة بعد أخذ اليمين لحديث (شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ)

(2)

فقد أتى في الحديث بلفظ أو التخييرية، وما دام وقد حلف المدعى عليه فقد استوجب النار بالحنث في

(1)

- سنن ابن ماجة: كتاب الطلاق: باب طلاق المكره والناسي. حديث رقم (1675) بلفظ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الخطأ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة بنفس الرقم.

انفرد به ابن ماجة.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الرهن: باب إذا احتلف الراهن والمرتهن ونحوه فالبينة على المدعي. حديث رقم (2332) بلفظ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا فَقَرَأَ إِلَى عَذَابٌ أَلِيمٌ ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ فَحَدَّثْنَاهُ قَالَ فَقَالَ صَدَقَ لَفِيَّ وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ قُلْتُ إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا إِلَى وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البيوع عن رسول الله، تفسير القرآن عن رسول الله، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الأحاكم، وأحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: المساقاة، الخصومات، الرهن، الشهادات، تفسير القرآن، الأيمان والنذور، الأحكام، التوحيد.

ص: 278

يمينه إذا اقتطع به مال امرئ مسلم لحديث (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ) ولكن بشرط أن يكون أداء اليمين بحسب طلب الغريم وبحضوره، أمَّا إذا حلف المدعى عليه بدون طلب اليمين منه فلا تسقط الشهادة وإن حلف بدون حضور المدعى فعليه أن يعيد اليمين بحضور المدعى إن طلب المدعى ذلك، وهذا القول الأخير هو الراجح عند شيخ الإسلام الشوكاني رحمه الله.

‌يشرع للمسلم إبرار قسم أخيه

س: هل يشرع إبرار قسم المسلم؟

جـ: نعم، يشرع للمسلم أن يبر بقسم أخيه لحديث (أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ)

(1)

.

‌كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة وإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام

س: ما هي كفارة اليمين؟

جـ: هي ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم في قوله تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ

أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ

أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}

(2)

.

‌الكفارة تعطى لعشرة مساكين

س: هل يجوز إطعام كفارة اليمين مسكيناً واحداً لمدة عشره أيام أو تعطي النقود لمسكين واحد؟

جـ: الجمهور يقولون يجب على الحانث إطعام عشرة مساكين لقوله تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ

أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ

أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} فيطعم الحانث عشرة مساكين خلافاً للحنفية فهم يقولون: يطعم الحانث مسكيناً عشرة أيام ويؤولون قوله تعالى {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} بأن يخرج الحانث إطعام عشرة مساكين حتى ولو أعطاها لمسكين واحد، وهو تأويل بعيد.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان والنذور: باب إبرار القسم. حديث رقم (1163) بلفظ (عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ وَالْإِسْتَبْرَقِ).

اخرجه مسلم في اللباس والزينة، والترمذي في اللباس، والنسائي في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: الجنائز، الزينة.

معاني الألفاظ: التشميت: أن يقال للعاطس رحمك الله إذا حمد الله.

القسي: ثياب مخططة بالحرير.

استبرق: ما غلظ من الحرير.

(2)

المائدة: آية (89).

ص: 279

س: أشاهد بعض الناس هذه الأيام يشترون بمائة أو بمائتي ريال حلويات ويوزعونها على الأطفال ويقولون هذه كفارة يمين، هل تصح هذه كفارة لأيمانهم؟ وهل من نصيحة لهم؟

جـ: الواجب إطعام عشرة مساكين فقراء.

‌وجوب إطعام المساكين وجبتين في اليوم

س: هل إطعام العشرة المساكين وجبة واحدة أم وجبتين؟ وهل يمكن إعطاؤهم نقوداً بدل الطعام؟

جـ: قال العلماء: يطعمون وجبتين، أمَّا جواز إعطائهم نقوداً، فينظر إلى حال الفقير فإن كان سيصرف النقود في ثمن علاج أو طعام لأولاده فيعطي نقوداً، وإن كان سيصرف النقود في ثمن قات أو سيجارة فيطعمه الحالف ولا يعطى الفقير نقوداً.

س: إذا حلف شخص تقي وأراد أن يكفر بإطعام عشرة مساكين، فهل يجوز له أن يطعم أهله مع أنهم من أفقر الناس؟

جـ: إن كان الشخص غنياً فيطعم عشرة مساكين من غير أهله، وإن كان فقيراً فيصوم ثلاثة أيام.

‌وجوب تعدد الكفارات بتعدد الأيمان إن كانت الأيمان على أشياء مختلفة

س: إذا كثرت الأيمان فهل يكفر عن كل يمين أم تكفي كفارة واحدة؟

جـ: إذا كانت الأيمان على أشياء مختلفة مثل أن يقول والله لن أقرأ فقرأ، والله لن أدخل البيت فدخل البيت، والله لن أكتب كذا فكتب، فيُكفِر عن كل يمين حلفه كفارة، وإن كانت الأيمان على شئ واحد مثل أن يقول والله لا أدخل البيت فيقال له في اليوم الثاني أدخل البيت، فقال والله لا أدخل البيت، وفي اليوم الثالث قيل له ادخل البيت فقال والله لا أدخل البيت، فهذا لا يخلو أما أن يكون الحالف قد كفر فيما بينها فيكفر عن كل يمين كفارة، وإن لم يكن قد كفر فيكفر كفارة واحدة لأن الأيمان عبارة عن يمين واحدة، فتعتبر اليمين الثانية مؤكدة للأولى والثالثة مؤكدة للثانية وهكذا.

س: إذا أراد الإنسان أن يتوب ويكفر عن أيمانه المعقودة ولكنه لا يعلم أعدادها فكيف يفعل؟ وهل تكفي كفارة واحدة لكل تلك الأيمان أم ماذا؟

جـ: يعمل بغالب ظنه ويحاسب نفسه وضميره ويتحرى في عدد الأيمان إذا كانت كل يمين في موضوع ولم تكن كلها في موضوع واحد.

‌جواز إخراج الكفارة للمساكين من الأقارب

س: هل يجوز إخراج الكفارة للمساكين من الأقارب؟

جـ: نعم، يجوز وتكون صلة وكفارة.

‌جواز إعطاء الكفارة للجمعية الخيرية بشرط أن يوضح لهم ليصرفوها للمساكين

س: هل يجوز إعطاء الكفارة لجمعيه خيرية؟

جـ: إذا كان للجمعية الخيرية بند لأخذ الكفارات وصرفها للمساكين فيجوز بشرط أن يوضح الشخص المعطي لهم أنها كفارة يمين لكي يصرفوها للمساكين.

ص: 280

‌جواز إخراج الكفارة لفقراء من المجاهدين

س: هل يجوز إخراج الكفارة للمجاهدين؟

جـ: النص ورد في إعطائها للمساكين في قوله تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} ولكن إذا أعطاها للمجاهدين فلا مانع إن كانوا مساكيناً.

‌وجوب الترتيب في كفارة اليمين

س: هل كفارة اليمين على وجه التخيير أم على وجه الترتيب؟

جـ: على وجه الترتيب لا على وجه التخيير لأن الله تعالى يقول في القرآن الكريم {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ

أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}.

‌جواز التراخي في إخراج كفارة اليمين

س: هل يجوز إخراج كفارة اليمين على التراخي؟

جـ: لا مانع، والأصل المسارعة لقوله تعالى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}

(2)

ولحديث (صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ)

(3)

‌وجوب صيام ثلاثة أيام متتابعة في كفارة اليمين

س: كفارة اليمين صيام ثلاثة أيام متقطعة أم متتابعة؟

جـ: متتابعة لقراءة ابن مسعود لأن القراءة من الصحابي بمنزلة الحديث الأحادي.

‌اشتراط التتابع في صوم كفارة اليمين

س: هل يشترط التتابع في صوم الكفارة؟

جـ: نعم، لقراءة ابن مسعود (متتابعات).

‌تحريم الحلف بالإحراج

س: إذا وقف الإنسان في موقف محرج وليس أمامه مخرج إلا اليمين، فما حكم اليمين هنا؟

(1)

- آل عمران: آية (133)

(2)

- الأنبياء: آية (90)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأذان: باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطى رقاب الناس. حديث رقم (804) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ)

أخرجه النسائي في السهو، وأحمد في أول مسند المدنيين.

معاني الألفاظ: فتخطى رقاب: تجاوز ومربين الصفوف.

ص: 281

جـ: الإحراج شيء والإكراه شئ آخر فمن حلف محرجاً فهو آثم، ومن طلق محرجاً طلقت زوجته لأن الإحراج غير الإكراه.

‌جواز الحلف في الجامع الكبير بصنعاء بين المسمورة والمنقورة

س: ما الحكم في الحلف بالجامع الكبير بين المسمورة والمنقورة؟

جـ: إن رأى القاضي والغريم المصلحة في هذه البقعة فلا مانع، وإلا فلا لزوم.

‌جواز الحلف في قبلة الجامع وعلى سورة الحشر من القرآن الكريم

س: ما حكم تخصيص الحلف في قبلة الجامع، وعلى سورة الحشر؟

جـ: إن رأى الحاكم والغريم والمتوسطون المصلحة في هذه المسألة فلا مانع، وإلا فلا.

‌جواز إخراج كفارة اليمين عن شخص آخر

س: مالحكم فيمن حلف على شيء فجاءه آخر وقال أناأكفِّر عنك يمينك، هل يجوز أن يكفر الشخص عن شخص آخر؟

جـ: لا مانع بعد أن يوكله الحالف وينيبه.

‌تشبيك الأيدي حال اليمين عادة لا شريعة

س: هل لتشبيك الأيدي عند الحلف أصل في الشرع؟

جـ: هذه عادة لا شرع.

ص: 282

‌كتاب النذر

• استحباب النذر المطلق الذي هو قربة لله تعالى

• وجوب الوفاء بكل نذر فيه قربة لله تعالى وهو في استطاعة الناذر

• وجوب صيام السنة المنذور بها

• وجوب الوفاء بنذر القربة قبل الإسلام

• الإسلام يجب ما قبله من المعاصي أما النذر فيجب الوفاء به

• معنى حديث (إِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ)

• لا بد من التلفظ بالنذر وينعقد بأي لفظ

• من نذر باللفظ ولم ينو النذر بالقلب فلا نذر عليه

• تحريم عدم الوفاء بالنذر

• وجوب تنفيذ النذر على الفور

• مصرف النذر على القبور في مصالح الإسلام والمسلمين

• تحريم النذر للأموات ووجوب عدم الوفاء بنذر للأموات وإخراج كفارة يمين للمساكين

• كراهة النذر المشروط

• لا ينعقد نذر من نذر أن يحج سبعة مواسم حافي القدمين وتجب عليه كفارة يمين

• النذور التي لا تنعقد وكفارتها كفارة يمين هي المجهول و في معصية الله وفيما لا يطيقه

• استحباب النذر غير المشروط لشفاء مريض أو قضاء دين أو نحوه

• النذر المشروط إذا لم يتحقق الشرط فلا يجب الوفاء به

• وجوب الوفاء بالنذر بالوكيرة

• عدم انعقاد النذر بالرؤيا المنامية

• الأولى إخراج مال ليتصدق به لحل المشكلات وتفريج الكرب بدلاً عن النذر المشروط

• من نذر نذراً غير مشروع أو نذر فيما لا يطيقه فلا يجب عليه الوفاء وتجب عليه كفارة يمين

• لا ينعقد النذر فيما لا يملكه الناذر

• من نذر أن يذبح ولده قربة لله تعالى فلا ينعقد النذر لأنه معصية وتجب عليه كفارة يمين

• إذا مات الناذر وقد نذر عدة نذور فإنها تتزاحم من الثلث

• من نذر بثلث أمواله وأوصى بثلث أمواله فتتزاحم في الثلث

• من نذر بجميع أمواله لا ينفذ النذر إلا في الثلث فقط

• تحريم الرجوع في النذر

ص: 283

• تحريم العدول عن الشيء المنذور به إلى شيء آخر إلا للضرورة

• تحريم النذر بالذبح لصرف الجن

• آراء العلماء في النذر على مباح

• تحريم النذر على المولد النبوي إذا كان فيه محرَّمات

• عدم مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي

• وجوب الوفاء بنذر المولد إذا لم يكن فيه اختلاط الرجال بالنساء ولم يكن فيه ألفاظ شركية

• تحريم النذر للقبور

• تحريم الذبح لغير الله تعالى

• صحة من نذر بقربة وأهدى ثوابها لوالده

• وجوب كفارتين على من نذر نذرين غير منعقدين

• لا دليل على وجوب الكفارة على من نذر نذراً فيما لا يملكه الناذر

• لا ينعقد النذر على الغير

• لا ينعقد نذراً لمجنون

ص: 284

كتاب النذر

‌استحباب النذر المطلق الذي هو قربة لله تعالى

س: ما معنى قوله تعالى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}

(1)

؟

جـ: معناه الوفاء بالنذر المطلق الذي هو قربة لله تعالى كأن ينذر بالحج إلى بيت الله الحرام لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ)

(2)

.

‌وجوب الوفاء بكل نذر فيه قربة لله تعالى وهو في استطاعة الناذر

س: رجل مرض فنذر أن يقوم من الليل الساعة الثانية بعد منتصف الليل إن شفاه الله تعالى، ولكنه تعب بعد فترة، فماذا يعمل؟ وهل هو من النذر المشروط الذي لا يفعل شيئاً؟

جـ: هو من النذر المشروط الذي لا يرد القضاء لحديث (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ)

(3)

، النذر المشروط هو المراد بحديث (لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ، فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ، فَيُؤْتِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ)

(4)

ولكن ما دام وقد نذر فيجب عليه الوفاء بنذره لأنه في استطاعة الناذر الوفاء به.

س: نذر رجل أن يصوم شهراً لله تعالى إذا رزق بمولود وقد استجاب الله دعائه ورزق ولداً وقد وجد في كتاب سبل السلام في باب مباحث في النذر حديث ينص أن كفارة النذر ككفارة اليمين وقد أخرج هذا الحديث أبو داود بإسناد صحيح، ثم أنه قد كفّر وأطعم عشرة مساكين ولكنه لم يقتنع بذلك ويطلب الإفادة؟

جـ: إن من نذر أن يصوم شهراً لله تعالى فعليه الإيفاء بنذره لأنه نذر بقربة وطاعة ومن نذر أن يطيع الله فليطعه، وأما أنه يجب على من نذر أن يصوم أن يكفر عن النذر بدلاً عن الصوم فلا يجب عليه ولا تجزي الكفارة عن الصوم وإنما تجزئ الكفارة على من نذر إذا كان الناذر قد نذر بمعصية لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ).

(1)

- الإنسان: آية (7).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب النذر: باب النذر في الطاعة. حديث رقم (6696) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ).

أخرجه الترمذي في النذور والأيمان، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في النذور والأيمان، والدارمي في النذور والأيمان.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب النذر: باب النذر. حديث رقم (6693) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ).

أخرجه مسلم في النذر، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في النذور والأيمان.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب النذر: باب الوفاء بالنذر وقوله يوفون بالنذر. حديث رقم (6694) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ، فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ، فَيُؤْتِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ).

أخرجه الترمذي في النذور والأيمان، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 285

س: من نذر بالذهاب للجهاد في سبيل الله ولم يستطع الذهاب مع العلم بأن الذهاب صعب جداً، فماذا يلزمه؟

جـ: إذا كان الناذر شاباً قوياً ويستطيع الذهاب وقد أذن له أبواه والدخول إلى أرض الجهاد متيسر فيجب عليه الوفاء بنذره لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) وإن كان مريضاً لا يستطيع الذهاب أو لم يأذن له أبواه أو الدخول إلى أرض الجهاد غير متيسر فلا ينعقد النذر لأن مخالفة الأبوين والخروج للجهاد بغير إذن منهما محرم لحديث (إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا)

(1)

وحديث (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ)

(2)

وهكذا إذا كان الدخول إلى أرض الجهاد غير ممكن.

س: رجل مرض ثم نذر لئن شفاه الله ليجعلن نفسه في سبيل الله، فماذا يعمل بعد أن شفاه الله تعالى؟

جـ: يوقف حياته في صالح الإسلام والمسلمين لقوله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

(3)

ولحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ).

س: رجل حلت به مشكلة فنذر لله تعالى إذا انفرجت المشكلة أنه يصوم كل خميس، ولما انفرجت أوفى بنذره لكن في بعض الأيام توقف عن الصوم بحجة عمله ومشاغله، فما الواجب عليه؟

جـ: لا بد من صوم كل يوم خميس ولا سيما وهو يوم عطلة لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ).

‌وجوب صيام السنة المنذور بها

س: امرأة نذرت إن تزوجت بفلان أن تصوم سنه فتزوجته، فما الحكم؟

جـ: يجب أن تصوم سنة كاملة عدا الأيام المحرم صومها لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) إن نوت متتابعة فتتابع، وإن نوت صوم (360) يوماً متفرقة فلا يجب عليها التتابع فهو عائد إلى ذمتها، أما أنتم فلا تنذروا إن ضاع عليكم شئ ولكن صوموا أو صلوا أو تصدقوا وأوصيكم ألا تنذروا نذراً مشروطاً أو نذراً معلقا.

‌وجوب الوفاء بنذر القربة قبل الإسلام

س: ما حكم من نذر بقربة وهو غير مسلم ثم أسلم؟

جـ: يجب عليه الوفاء بنذره لأن عمر رضي الله عنه نذر باعتكاف ليلة في المسجد الحرام فقال له رسول الله

(1)

- سنن أبو داود: كتاب الجهاد: باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان. حديث رقم (2166) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2528).

أخرجه ابن ماجة في الجهاد.

(2)

- البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب الجهاد بإذن الوالدين. حديث رقم (2782) بلفظ (سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ)

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الجهاد، والنسائي في الجهاد، وأبوداود في الجهاد، وابن ماجه في الجهاد، وأحمد في مسند المكثرين.

(3)

- الأنعام: آية (162)

ص: 286

صلى الله عليه وآله وسلم (أَوْفِ بِنَذْرِكَ)

(1)

.

‌الإسلام يجب ما قبله من المعاصي أما النذر فيجب الوفاء به

س: هل الإسلام يجب ما قبله من النذر وغيره؟

جـ: الإسلام يجب ما قبله من الذنوب والمعاصي أما النذر فيجب الوفاء به بدليل حديث عمر (أَوْفِ بِنَذْرِكَ).

‌معنى حديث (إِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ)

س: ما هو معنى حديث (إِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ)

(2)

؟

جـ: هذا الحديث جاء بلفظ (إِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ) وجاء بلفظ (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ)

(3)

والحج يهدم ما قبله والمراد به أنه إذا عمل الإنسان عملا محرما قبل أن يسلم ثم أسلم لا يكتب المحرم في سيئاته، أما إذا كان قد عمل حسنة فالظاهرأنها لا تهدم وذلك لأن عمر بن الخطاب كان قد نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فسأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له:(أَوْفِ بِنَذْرِكَ).

‌لا بد من التلفظ بالنذر وينعقد بأي لفظ

س: هل لا بد من التلفظ بالنذر؟ وهل له ألفاظ خاصة؟

جـ: لا بد من التلفظ بالنذر، وينعقد بأيِّ لفظ (كان) يدل على النذر ولو باللغة الفارسية أو بأيِّ لغة غير اللغة العربية.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الاعتكاف: باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم. حديث رقم (1902) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ أُرَاهُ قَالَ لَيْلَةً قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْفِ بِنَذْرِكَ).

أخرجه مسلم في الأيمان، و الترمذي في النذور والأيمان، و النسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الصيام، والكفارات، و أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، ومسند المكثرين من الصحابة،

والدارمي في النذوروالأيمان.

أطراف الحديث: الاعتكاف، فرض الخمس، المغازي، الأيمان والنذور.

(2)

- مسند أحمد بن حنبل: كتاب الشاميين: باب بقية حديث عمرو بن العاض عن النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (17145)(عَنْ قَيْسِ بْنِ سُمَيٍّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا)

انفرد به.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب كون الإسلام يهدم ماقبله. حديث رقم (173) بلفظ (عَنْ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا، قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِـ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟! قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا؟؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ، وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي)

اخرجه أحمد في مسند الشاميين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: سياق الموت: أي حال حضور.

ص: 287

‌من نذر باللفظ ولم ينو النذر بالقلب فلا نذر عليه

س: رجل نذر بلسانه ولم ينوه بقلبه فما الواجب عليه؟

جـ: إذا لم ينو النذر فلا نذر ولا وفاء لأن الأعمال بالنيات لحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)

(1)

فمن صح أنه نذر باللفظ ولم ينوه فلا يجب عليه أن يعمل المنذور به.

‌تحريم عدم الوفاء بالنذر

س: هل يعتبر من لم يف بنذره مرتكباً كبيرة من الكبائر؟

جـ: لا يعتبر عدم الوفاء بالنذر كبيرة من الكبائر ولكنه معصية ويأثم بعدم الوفاء لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) ولم يرد دليل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول (أن من لم يف بنذره فقد آتى باباً من أبواب الكبائر).

س: إذا كان الناذر لا يريد تنفيذ نذره، فما الحكم هل يكفر كفارة واحده أم في كل نذر كفارة؟

جـ: يجب عليه الوفاء بالنذر لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) فإذا لم ينفذ النذر نسياناً لا شئ عليه وإن كان غير ناس فهو معصية ويكفر عن كل نذر.

‌وجوب تنفيذ النذر على الفور

س: هل يجوز التراخي في تنفيذ النذر أم أنه يجب على الفور؟

جـ: يجب تنفيذه على الفور مهما كان الناذر مستطيعاً لقوله تعالى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}

(3)

ولحديث (صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ)

(4)

س: ما حكم الشرع فيمن يؤخر النذر عن موعده؟

جـ: الأولى والأفضل والأحوط تعجيل إخراج النذر مهما كان النذر فيه قربة لأن المسارعة إلى فعل الخير مشروعة

(1)

- صحيح البخاري: كتاب بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله. حديث رقم (1) بلفظ (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في فضائل الجهاد، والنسائي في الطهارة، والطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الزهد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ: النية: القصد وعزم القلب على الفعل.

يصيب: ينال، والمراد: تحصيل أسباب العيش.

(2)

- آل عمران: آية (133)

(3)

- الأنبياء: آية (90)

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الأذان: باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطى رقاب الناس. حديث رقم (804) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ)

أخرجه النسائي في السهو، وأحمد في أول مسند المدنيين.

معاني الألفاظ:

فتخطى رقاب: تجاوز ومربين الصفوف.

ص: 288

كما دلت على ذلك الأدلة الشرعية من الكتاب العزيز منها قوله تعالى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وقوله تعالى {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} والسنة المطهرة منها حديث (صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ).

‌مصرف النذر على القبور في مصالح الإسلام والمسلمين

س: ما رأيكم في ماذا يصرف النذر على القبور؟

جـ: يصرف في مصالح الإسلام والمسلمين.

‌تحريم النذر للأموات ووجوب عدم الوفاء بنذر للأموات وإخراج كفارة يمين للمساكين

س: قام طفل فشرب من قارورة القاز متوهماً بأنه ماء فأصيب بالإغماء والقيء والحمى والمرض الشديد فخافت أمه ونذرت لأحد الأولياء أنه إذا شفي ابنها مما حدث علماً بأن الأم لم تف بالنذر الذي نذرت فما رأي العلماء في ذلك؟

جـ: النذر لا يكون إلا لله لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) ولا يكون للأموات فمن نذر لصاحب القبر فنذره لا ينعقد لأنه ليس من الطاعة ويجب عليه إخراج كفارة مثل كفارة اليمينلحديث (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ)

(1)

وقد تكلم العلماء عن ذلك طويلاً، خلاصته: هو عدم انعقاد النذر وإن عليه كفارة مثل كفارة اليمين ومن أراد من المستمعين الإطلاع على ما قيل في تحريم النذر لأصحاب القبور فليطالع باب النذر من (الدراري المضيئة) أو (السيل الجرار) للشوكاني أو تطهير الاعتقاد للأمير الصنعاني.

‌كراهة النذر المشروط

س: ما رأيكم في النذر المشروط؟

جـ: النذر المشروط لا ينبغي ولا يستحب وإنما يستخرج به من مال البخيل كمافي حديث (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ)، النذر المشروط هو المراد بحديث (لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ، فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ، فَيُؤْتِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ).

‌استحباب النذر غير المشروط لشفاء مريض أو قضاء دين أو نحوه

س: حينما يمرض الإنسان هل يجوز له أن ينذر نذرا فيه قربة لله أم أنه لا ينبغي له أن يوجب على نفسه شيء لم يوجبه الله عليه؟

جـ: لا مانع من النذر بأيِّ نذر فيه قربة من القرب بل هو مندوبٌ لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) بشرط أن لا يقيد بقيود ولا بشرط من الشروط التي يشترطها الناذرون كأن يقول نذرت بكذا إن شفى الله مريضي وذلك

(1)

- صحيح مسلم: كتاب النذر: باب في كفارة النذر. حديث رقم (4229) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ).

أخرجه الترمذي في النذور والايمان، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وأحمد في مسند الشاميين.

معاني الألفاظ: النذر: الزام النفس بفعل مشروطا بتحقق المراد.

ص: 289

لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرنا بأن ذلك لا ينفع وإنما يستفاد به من مال البخيل كمافي حديث (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ)، النذر المشروط هو المراد بحديث (لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ، فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ، فَيُؤْتِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) ولكن إذا كان أحد من الناس قد نذر نذراً مشروطاً فيجب عليه الوفاء به وجوباً إذا كان قد وقع الشرط.

‌لا ينعقد نذر من نذر أن يحج سبعة مواسم حافي القدمين وتجب عليه كفارة يمين

س: شخص نذر أن يحج ماشياً حافي القدمين سبعة مواسم إذا خزن بالقات فترك القات فترة ثم رجع يخزن بالقات، فماذا يفعل؟

جـ: إذا صح وتقرر أنه لا يستطيع أن يحج سبعة مواسم ماشياً حافي القدمين فيجب عليه أن يكفر كفارة يمين لحديث (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) وإلا وجب عليه الوفاء بما نذر وهذا الشيء راجع إلى ذمته وهو الذي سيسأل عنه يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ

سَلِيمٍ}

(1)

.

‌النذور التي لا تنعقد وكفارتها كفارة يمين هي المجهول و في معصية الله وفيما لا يطيقه

س: ما هي أنواع النذر التي لا تنعقد وكفارته كفارة يمين؟

جـ: الأول: النذر الذي لا يسميه الناذر، كأن ينذر الناذر نذراً مجهولاً لحديث (من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا أطاقه فليف به) فقد ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود برقم (3322).

الثاني: النذر في معصية الله تعالى لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ).

الثالث: النذر فيما لا يطيقه الناذر لحديث (نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ)

(2)

.

‌النذر المشروط إذا لم يتحقق الشرط فلا يجب الوفاء به

س: قلتم بأن النذر المشروط لا يرد القضاء، فإذا لم يتحقق الشيء الذي علق عليه الناذر النذر، فهل يجب الوفاء بالنذر؟

جـ: إذا لم يتحقق الشيء الذي شرط الناذر على تحققه النذر فلا يجب على الناذر الوفاء بالنذر.

س: رجل نذر بأنه إذا فاز في الامتحان فسيصوم ثلاثة أيام ولكنه رسب فهل يصوم الثلاثة الأيام؟

جـ: ما دام وهو لم يفز في الامتحان فلا يجب عليه الصيام لأنه نذر معلق أو مشروط ولا ينبغي للإنسان أن ينذر نذراً مشروطاً ومن أراد القربة إلى الله تعالى لقضاء حاجته فليعمل عملاً خيِّراً كأن يتصدق أو يصوم أو يعمل أيَّ عمل خير قبل وقوع ذلك الشيء الذي يريد قضاءه.

(1)

- الشعراء: آية (89، 88)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب من نذر المشي إلى الكعبة. حديث رقم (1866) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ).

أخرجه مسلم في النذر، والترمذي في النذوروالأيمان، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في النذور والأيمان.

ص: 290

‌وجوب الوفاء بالنذر بالوكيرة

س: ما قول الشرع في النذر بالوكيرة إذا حصل له أمر في نفسه أو ماله أو ولده فقال نذرت بوكيرة؟

جـ: إذا كانت الوكيرة: عبارة عن وليمة يعملها الناذر ليأكل منها الفقير والغني وغيرهما فيجوز النذر لها، وإذا نذر بالوكيرة فقد انعقد النذر ويجب الوفاء به لأنه قربة إلى الله تعالى لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ).

‌عدم انعقاد النذر بالرؤيا المنامية

س: ما حكم من نذر وهو نائم؟

جـ: من رأى في المنام أنه نذر أو طلق أو زوج لا يكون نذرا ولا طلاقا ولا زواجاً،

‌النذر المشروع لا يكون ولاينعقد إلا في اليقضة

.

الأولى إخراج مال ليتصدق به لحل المشكلات وتفريج الكرب بدلاً عن النذر المشروط

س: قلتم أن النذر المشروط لا يفعل شيئاً، فما نصيحتكم لمن كان له مريض أو محبوس أو أيُّ شيء يريد حلاً له أو مخرجاً منه؟

جـ: يخرج صدقة يتصدق بها على الفقراء والمساكين ولا ينتظر حل المشكلة ثم يخرج الصدقة لأن الصدقة تطفئ غضب الرب، وإذا لم يشف المريض أو يطلق المسجون أو يفرج الكرب فإنها عمل خير يحسب له ثوابه وأجره عند الله تعالى لقوله تعالى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}

(1)

. ولحديث (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)

(2)

فالأولى الصدقة أو الصوم أو التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة لتفريج الكرب وللخروج من الأزمات بدلاً عن النذر المشروط، كما في قوله تعالى {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا

تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ

أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا

يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ

(26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}

(3)

فقد استجاب الله دعاء نبي الله موسى عليه السلام وحقق له طلبه وأفرج عنه كربته بسبب عمله الخالص لله تعالى في سقي

(1)

- الزلزلة: آية (7)

(2)

صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. حديث رقم (4867) بلفظ (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

أخرجه الترمذي في الحدود، والبر والصلة، والعلم، والقراءات، وأبو داود في الصلاة، والأدب، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة.

أطراف الحديث: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار.

معاني الألفاظ: الكربة: الضيق والشدة والغم الذي يأخذ بالنفس.

الالتماس: البحث والطلب.

(3)

- القصص: آية (24 - 28)

ص: 291

المواشي.

‌من نذر نذراً غير مشروع أو نذر فيما لا يطيقه فلا يجب عليه الوفاء وتجب عليه كفارة يمين

س: ماذا على من نذر نذراً لم يشرعه الله تعالى أو نذر نذراً مشروعاً ولكنه لا يطيق الوفاء به كمن ينذر أن يسافر إلى مكة ماشياً حافياً بدون نعال وهو لا يطيق السفر ماشياً حافياً بدون نعال لمدة خمسة وأربعون يوماً؟

جـ: يجب عليه كفارة يمين لأنه لا يستطيع الوفاء بنذره لحديث (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ).

‌لا ينعقد النذر فيما لا يملكه الناذر

س: هل ينعقد النذر فيما لا يملكه الناذر؟

جـ: النذر فيما لا يملكه الناذر لا ينعقد لحديث (لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)

(1)

.

س: امرأة نذرت ذات يوم بجنين تحمله ذكراً كان أو أنثى لله سبحانه وتعالى ولدى الوضع كان المولود ذكراً فهل هذا النذر صحيح؟ وإذا كان كذلك فما الذي تصنعه؟

جـ: النذر لا يصح ولا ينفذ إلا ما كان فيه قربة وكان الناذر يملك الشيء المنذور به لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) وأنت لا تملكين ولدك ولا هو من أملاكك بل هو ملك لله تعالى هذا ما أراه واعتقده على ضوء القواعد الشرعية التي قررها العلماء.

‌من نذر أن يذبح ولده قربة لله تعالى فلا ينعقد النذر لأنه معصية وتجب عليه كفارة يمين

س: ما حكم من نذر أن يذبح ولده قربة لله تعالى؟

جـ: هذا نذر لا ينعقد لأنه معصية لله تعالى لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ)

(2)

وتجب على الناذر كفارة يمين لحديث (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ)، هذا رأي شيخ الإسلام (محمد بن علي الشوكاني) أما الهادوية فقالوا: يجب عليه أن يذبح كبشا ًبدلاً عن الولد قياساً على فعل نبي الله إبراهيم حينما ذَبحَ بدل ابنه إسماعيل كبشاً، وقد رد الشوكاني على الهادوية أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا، وعلى فرض

(1)

- سنن أبي داود: كتاب الأيمان والنذور: باب في النذر فيما لا يملك حديث رقم (3316) بلفظ (عن عمران بن حصين، قال: كانت العضباء لرجل من بني عقيل، وكانت من سوابق الحاج، قال: فأسر، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو في وثاق، والنبي صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد! علام تأخذني وتأخذ سابقة الحاج؟! قال: نأخذك بجريرة حلفائك ثقيف، قال: وكان ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقد قال فيما قال: وأنا مسلم، أو قال: وقد أسلمت، فلما مضى النبي صلى الله عليه وسلم ناداه: يا محمد يامحمد قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقا فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ قال: إني مسلم قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، قال: يا محمد إني جائع فأطعمني، إني ظمآن فاسقني قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قال: هذه حاجتك أو قال: هذه حاجته: ففودي الرجل بعد بالرجلين قال: وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله، قال: فأغار المشركون على سرح المدينة فذهبوا بالعضباء قال: فلما ذهبوا بها وأسروا امرأة من المسلمين قال: فكانوا إذا كان الليل يريحون إبلهم في أفنيتهم فنوموا ليلة وقامت المرأة فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا حتى أتت العضباء، قال: فأتت على ناقة ذلول مجرسة قال: فركبتها ثم جعلت لله عليها إن نجاها الله لتنحرنها، قال: فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ـ ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر النبي بذلك فأرسل إليها فجيئ بها وأخبر بنذرها فقال: بئس ما جزيتيها أو جزتها إن الله أنجاها عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب النذر: باب النذر في الطاعة. حديث رقم (6696) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ).

أخرجه الترمذي في النذور والأيمان، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في النذور والأيمان، والدارمي في النذور والأيمان.

ص: 292

أن شريعة من قبلنا شريعة لنا فذلك مشروط عند القائلين به أن لا يكون مخالفاً لما جاء في شريعتنا وذبح الولد في شريعتنا حرام لأنه معصية لله تعالى في قوله تعالى {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}

(1)

وقوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}

(2)

ولحديث (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ)

(3)

.

‌إذا مات الناذر وقد نذر عدة نذور فإنها تتزاحم من الثلث

س: إذا مات الناذر وقد نذر عدة نذور فكيف يكون تنفيذها إذا كان نذره لا ينفذ إلا في الثلث؟

جـ: إذا مات الناذر وقد نذر عدة نذور فإنها تتزاحم في الثلث، بل حتى لو كان قد نذر عدة نذور وأوصى عدة وصايا فكل الوصايا والنذور تتزاحم في الثلث، أمَّا إذا كان عليه نذر واحد فقط فإنه يخرج من الثلث أو بقدر الثلث فقط لحديث سعد بن أبي وقاص (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ)

(4)

.

‌من نذر بثلث أمواله وأوصى بثلث أمواله فتتزاحم في الثلث

س: إذا نذر شخص بماله كله فيجزئ الثلث، فهل هذا الثلث يمنع من وصيته بالثلث أم أن النذر بالثلث لا يمنع الوصية بالثلث؟

جـ: إذا كان الناذر قد أخرج النذر في حياته وأنسلخ منه فيجوز له أن يوصى بالثلث من مخلفه بعد موته، وإن كان لم يخرج النذر في حياته وأوصى بثلث ماله فيتزاحم النذر مع الوصية في ثلث ماله بعد موته لحديث (قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ).

(1)

- المائدة: آية (32)

(2)

- النساء: آية (93)

(3)

- سنن الترمذي: كتاب الديات: باب الحكم في الدماء. حدييث رقم (1318) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو الْحَكَمِ الْبَجَلِيُّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (1318).

انفرد به الترمذي.

لايوجد للحديث مكررات.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الوصايا: باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أين يتكففوا الناس. حديث رقم (2742) بلفظ (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِير، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ).

أخرجه مسلم في الوصايا، والترمذي في الوصايا، وأبو داود في الوصايا، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، ومالك في الأقضية، والدارمي في الوصايا.

أطراف الحديث: الإيمان، الجنائز، الوصايا، المناقب.

معاني الألفاظ:

العيادة: الزيارة.

العالة: الفقراء.

فِي: فم.

ص: 293

‌من نذر بجميع أمواله لا ينفذ النذر إلا في الثلث فقط

س: ما حكم من نذر بجميع أمواله؟

جـ: لا ينفذ النذر إلا في الثلث مثل الوصية لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ).

‌تحريم الرجوع في النذر

س: هل يجوز الرجوع في النذر؟

جـ: لا يجوز الرجوع عن النذر ولا عن الوقف ولا يصح الرجوع فيهما.

‌تحريم العدول عن الشيء المنذور به إلى شيء آخر إلا للضرورة

س: إني نذرت أن أقوم بتلاوة القرآن الكريم كاملاً في الحرم المكي في شهر رمضان القادم ولكني الآن غيرت رأيي وأرغب في دفع خمسمائة ريال مقابل ذلك لخمسة مساجد في أدوات كهربائية لأن هذه المساجد في حاجة إليها، فهل يجوز لي أن أفعل ذلك أم أنه لا بد من الإيفاء بالنذر السابق؟

جـ: النذر الواجب فيه شرعاً على الناذر الإيفاء به ولا يجوز العدول عن الشيء المنذور به لشيء آخر إلا لضرورة، وذلك مثل من ينذر أن يصلي في الحرم في الشهر الفلاني أو في العام الفلاني فتعذر وصوله إلى الحرم لأسباب قاهرة أو لسبب قاهر جعل الوصول إلى الحرم متعذراً أو مستحيلاً، وبناء على ذلك فلا بد من إيفائك بما نذرت به ولا يمكن العدول عنه إلا للضرورة ولا ضرورة تمنع مما نذرت به فتوكل على الله واعمل بموجب النذر الصادر منك وسارع واستعد لعمل ما أوجبته على نفسك لحديث (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ).

‌تحريم النذر بالذبح لصرف الجن

س: ما حكم النذر بالذبح على عتبة المنزل وقت عمارته لكي لا تحتل الجن البيت؟

جـ: لا يجوز النذر لصرف الجن وهونوع من أنواع الإشراك بالله تعالى، وقد حرَّمه الله تحريما قطعيا في قوله تعالى {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}

(1)

وقوله تعالى {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}

(3)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}

(4)

ولحديث (مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ) وحديث (مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ) وحديث (مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّار)

(5)

.

(1)

- المائدة: (72)

(2)

- الزمر: آية (65)

(3)

- النساء: آية (48)

(4)

- النساء: آية (116)

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب ماجاء في الجنائز ومن كان آخركلامه لاإله إلا الله. حديث رقم (1162) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ، وَقُلْتُ: أَنَا مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ)

أخرجه مسلم في الإيمان، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

ص: 294

س: ما رأيكم بالنذر بالذبح في نصف رجب مع اعتقاد بأنه إذا ترك الذبح فسيهدم البيت؟

جـ: الذبح للتصدق على الفقراء مشروع وقربة إلى الله تعالى، وأما اعتقاد أن عدم الذبح يخرب البيت فهو اعتقاد باطل وهونوع من أنواع الإشراك بالله تعالى المحرَّم تحريما قطعيا في قوله تعالى {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} وقوله تعالى {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} ولحديث (مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ) وحديث (مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ) وحديث (مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّار).

‌آراء العلماء في النذر على مباح

س: هل النذر على مباح لا يصح بالإجماع أم أن فيه خلاف؟

جـ: النذر على المباح فيه خلاف، ولا مانع من النذر في المباح ويستدل عليه (بأن امرأة نذرت أن تضرب بالدف إذا عاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة) فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(أَوْفِي بِنَذْرِكِ)

(1)

وبعض العلماء قالوا: النذر على المباح ينعقد، وبعض العلماء قالوا: ليس هذا نذراً مباحاً خالصاً وإنما هو نذر مباح مراد به القربة إلى الله تعالى.

س: رجل نذر لئن أغناه الله تعالى أن يتزوج بفلانة، فهل يلزم الوفاء؟

جـ: هذا نذر في مباح فإن كان الرجل مستطيعاً فيوفى بالنذر لأن الزواج من باب المندوب، وإن كان فقيراً أو أن فلانة لا ترغب في الزواج به فلا ينعقد النذر لأنه غير مستطيع الوفاء والنذر لا ينعقد على الغير لأنه ليس تحت سلطة الناذر.

‌تحريم النذر على المولد النبوي إذا كان فيه محرَّمات

س: ما رأيكم فيمن ينذرون بمولد ويذبحون في هذا المولد الذبائح؟

جـ: المولد لا يخلو إما أن يكون فيه محرَّمات كاختلاط الرجال بالنساء وغناء ومعازف وطرب أو فيه أحاديث مكذوبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو حرام ولا ينعقد النذر على الحرام وكفارته كفارة يمين، وأما إن كان فيه أذكار وصلوات على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتصدق على الفقراء والمساكين فالظاهر أنه يجب الوفاء به فالمواليد مختلفة مواليد بدعية ومواليد غير بدعية، هذا أحد الاحتمالات وهناك احتمال آخر وهو أن المواليد غير مشروعه لكونها لم تكن معروفه أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أيام السلف الصالح فيكون

(1)

- سنن أبي داود: كتاب الأيمان والنذور: باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر. حديث رقم (2880) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ، قَالَ أَوْفِي بِنَذْرِكِ، قَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَذْبَحَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا مَكَانٌ كَانَ يَذْبَحُ فِيهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: لِصَنَمٍ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: لِوَثَنٍ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: أَوْفِي بِنَذْرِكِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3312).

انفرد به أبو داود.

معاني الألفاظ: النذر: إلزام النفس بفعل مشروطاً بتحقق المراد.

ص: 295

عملها بدعه فلا ينعقد النذر بها، وكفارة نذرها كفارة يمين لحديث (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ)

(1)

.

‌عدم مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي

س: الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، هل له دليل من السنة؟ وهل عمله الصحابة أو الخلفاء أم هو بدعة؟

جـ: لم يعمل المولد لا رسول الله ولا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا التابعون لهم بإحسان ولا علماء الحديث ولا علماء الفقه، وأول من عمله هو الملك المظفر الذي كان ملكا على بعض مناطق العراق في القرن الخامس وتبعته الدولة الفاطمية الشيعية في مصر واختلف العلماء في حكمه فقيل: إنه من شعائر الله، وقيل هو بدعة، وقد ألف العلماء في هذا الموضوع مؤلفات مستقلة منهم من رجح المنع، ومنهم من رجح الجواز.

‌وجوب الوفاء بنذر المولد إذا لم يكن فيه اختلاط الرجال بالنساء ولم يكن فيه ألفاظ شركية

س: هل يجب على من نذر بقراءة مولد النبي أن يفي بنذره أم أنه لا يجب نظراً لأن بعض كتب المولد فيها أحاديث موضوعة كما أنه يتم في التجمع للقراءة شيء من الاختلاط؟

جـ: هذه المسألة كثيرة الوقوع وأنا أرى أن من نذر بقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم السيرة الصحيحة مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر الله وليس فيه اختلاط فالوفاء بهذا النذر واجب، أما إذا كان في هذا الاجتماع اختلاط أو كان فيه أحاديث موضوعة فلا يجب الوفاء به لأن فيه معصية لله تعالى لأنه داخل في عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْس كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ)

(2)

لأن بعض الكتب فيها قصص مكذوبة مثل قصة انشقاق القمر ودخوله إلى كم الرسول وتسليمه على الرسول بعد نزوله إليه والحديث الصحيح يحكي انشقاق القمر فقط كما في حديث (انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ وَفِرْقَةً دُونَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اشْهَدُوا)(1) وأعلم أيها السائل أنه لا يجب عليك الوفاء بنذرك إذا كان فيه كذب على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو اختلاط لأن كل واحد من هذين النذرين معصية، وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ).

‌تحريم النذر للقبور

س: هل يجوز النذر للقبور؟

جـ: النذر للقبور لا يجوز كالنذر لقبر (علي بن أبي طالب) في النجف أو النذر لقبر السيد (البدوي) أو (المهدي) أو غيرهما لأن النذر للقبور يزيد العوام اعتقاداً في صاحبها، والنذر لا يكون إلا للأحياء لينتفعوا به،

(1)

- صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه برقم (4229).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب ما يكره من النياحة على الميت. حديث رقم (1209) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ)

أخرجه مسلم في الجنائز، والترمذي في الجنائز، وأحمد في أول مسند المدنيين.

لايوجد له مكررات

معاني الألفاظ: النياحة: التكاء بصوت مرتفع مع ترديد عبارات السخط.

ص: 296

أما أهل القبور فهم بحاجه إلى الدعاء والاستغفار لهم.

س: ما حكم من نذر لقبور الخمسة أهل الكساء؟

جـ: هو من النذر للقبور وهو لا يجوز ولكن ينذر الناذر إن أراد في القرب مثل النذر للفقراء والمساكين أو لطلبة العلم أو للغرباء، أما الخمسة فهم لا يحتاجون النذر إلى قبورهم لأنه من باب النذر على الميت والنذر على الميت لا ينعقد.

س: ما قول علماء الإسلام في رجل زوج ابنته بخمسين ألف ريال ثم نذر بمبلغ وقدرة عشرون ألف ريال لابن علوان من أجل أن يشفي ابنته من المرض، فهل هذا حرام أم لا؟

جـ: اعلم بأن المغالاة في المهور حرام لأنه يودي إلى الفساد وقد سبق الجواب مني ومن غيري عدة مرات وقد جاء في كتب التاريخ الإسلامي أن الإمام الحافظ (سعيد بن المسيب) التابعي المشهور زوج ابنته وكانت أيضا عالمة بشاب فقير صالح كان يدرس الحديث النبوي الشريف في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند سعيد بن المسيب بثلاثة دراهم، كما حكى هذه القصة مفصلة ووصف الخطبة والزواج وصفاً شعرياً رائعاً مصطفى صادق الرافعي رحمه الله وذلك في كتابه المشهور المسمى (وحي القلم)، وأما النذر لقبور الأموات بقصد طلب شفاء ابنته المريضة من أصحاب القبور فهو حرام سواء كان الميت هو ابن علوان المقبور في (يفرس) أو المهدي المقبور في (الغراس) أو ابن عجيل المقبور في (بيت الفقيه) أو الجيلاني المقبور في (بغداد) أو الإمام الأعظم أبو حنيفة المقبور في (المحله) المعروفة بـ (الأعظمية) في (بغداد) أو الإمام الكاظم المقبور في (المحلة) المعروفة بـ (الكاظمية) في (بغداد) أو السيد احمد البدوي المقبور في (طنطا) أو المرسي أبو العباس المقبور في (الإسكندرية) أو السيدة زينب المقبورة في (القاهرة) أو الإمام علي الرضا ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق المقبور في (المشهد) بـ (خراسان) كل ذلك حرام شرعاً، ولا يجوز أبدا لأن الميت لا ينفع الحي ولا يغني عنه شيئاً، كما دلت عليه الأدلة الشرعية من الكتاب منها قوله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}

(1)

وقوله تعالى {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ

يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}

(2)

والسنة وإجماع السلف وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو سيد الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين وخاتم الأنبياء المرسلين قد قال وهو حي لابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها (وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا)

(3)

فبالأولى والأحرى أن لا ينفعه ابن علوان أو غيره من أهل القبور.

(1)

- الزمر: (38)

(2)

- يسن: آية (24، 23)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن: باب وأنذر عشيرتك الأقربين ألن جناحك. حديث رقم (4771) بلفظ (عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا).

أخرجه مسلم في الأيمان، والترمذي في تفسير القرآن عن رسول الله، والنسائي في الوصايا، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الرقاق.

ص: 297

‌تحريم الذبح لغير الله تعالى

س: هناك بعض الناس إذا أصيب بمرض ينذر بذبيحة لرجل ميت يطلقون عليه أنه ولي صالح وحينما يذبح للولي المزعوم لم ينذر به لله ولم يذكر اسم الله عليه حال الذبح، فهل هذه الذبيحة حلال أم حرام؟ وهل أهل بها إلى غير الله؟

جـ: الإسلام يمنع من الذبح لغير الله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث الصحيح (وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ)

(1)

كما أن من الناس من يشد الرحال إلى قبور الأموات معتقداً انه بذلك العمل يتقرب إلى الله تعالى وأن له أجراً على عمله هذا والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى)

(2)

ومنهم من يظن أن صاحب القبر يشفع له والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول (وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا) كما أن منهم من صار يدعو الميت ويستغيث به والله سبحانه وتعالى يقول {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}

(3)

ومنهم من صار يكتب على قبر الميت المدح والثناء على القبر ومنهم من رفع بعض قبور العلماء أو وضع فوقها تابوتاً أو قفصاً أو قبة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر الإمام علي رضي الله عنه بأن لا يدع قبراً مشرفاً إلا طمسه في حديث (أَلأ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ)

(4)

والخلاصة: هو أن الإسلام يحرم الذبح لغير الله ويحرم السفر باسم العبادة إلى غير المساجد الثلاثة ويحرم دعاء غير الله والاستغاثة بغير الله ويحرم رفع القبور ووضع القباب فوقها أو الكتابة عليها فمن كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يذبحن ذبيحة لغير الله ولا يدعو غير الله ولا يستغيث بأحد غير الله ولا يشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، لأن ذلك كله محرَّم شرعاً دلت عليه أدلة الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح رضوان الله عليهم جميعاً وألحقنا بهم صالحين.

س: ما معنى أن رجلاً جعل أمواله في (رتاج الكعبة)؟

جـ: هو أن يقف أمواله في جوف الكعبة، ولكن قد أخرجت الأموال التي في الكعبة وقال العلماء: الكعبة غنية عن هذه الأموال، ولكن الآن ما تزال أموال توضع عند قبر (على الرضا).

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الأضاحي: باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله. حديث رقم (3657) بلفظ (حدثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة قال كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إليك قال فغضب وقال ما كان النبي صلى اللهم عليه وسلم يسر إلي شيئا يكتمه الناس غير أنه قد حدثني بكلمات أربع قال فقال ما هن يا أمير المؤمنين قال: قال (لعن الله من لعن والده ولعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من آوى محدثا ولعن الله من غير منار الأرض).

أخرجه النسائي في الضحايا، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث: الأضاحي.

معاني الألفاظ: آوى: حمى ونصر.

المحدث: الجاني.

منار الأرض: علامات الأرض وظواهرها.

(2)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (1171).

(3)

- سورة الجن: آية (18).

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الجنائز. باب الأمر بتسوية القبر. حديث رقم (2240) بلفظ (عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلأ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ).

أخرجه الترمذي في الجنائز، والنسائي في الجنائز، وأبو داود في الجنائز، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: الطمس: الإزالة والإبطال والمحو.

المشرف: البارز المرتفع عن مستوى الأرض.

ص: 298

‌صحة من نذر بقربة وأهدى ثوابها لوالده

س: إذا نذر شخص بنذر ليكون الثواب لوالده المتوفى كأن يبني مسجداً، فهل يصح نذره؟

جـ: نعم، يصح لأن الولد من سعي أبيه.

‌وجوب كفارتين على من نذر نذرين غير منعقدين

س: إذا نذر أحد نذرين وعلم أن النذرين لا ينعقدان قبل أن يفي بهما، فهل يجب عليه كفارة أو كفارتان؟

جـ: تجب عليه كفارتان.

‌لا دليل على وجوب الكفارة على من نذر نذراً فيما لا يملكه الناذر

س: إذا كان النذر فيما لا يملكه الناذر، فهل تجب عليه كفارة؟

جـ: لم يرد دليل يدل على وجوب الكفارة على من نذر نذرا بما لا يملكه، والأصل العدم والمرأة التي نذرت أن تذبح الناقة التي أنجتها من العدو لم يقل لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن عليها كفارة يمين بل قال لها لا نذر فيما لا يملك ابن آدم في حديث (وَأُسِرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَأُصِيبَتْ الْعَضْبَاءُ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْوَثَاقِ وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بُيُوتِهِمْ، فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ الْوَثَاقِ فَأَتَتْ الْإِبِلَ فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنْ الْبَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْعَضْبَاءِ فَلَمْ تَرْغُ، قَالَ: وَنَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ وَنَذِرُوا بِهَا فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ، قَالَ: وَنَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ فَقَالُوا الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنَّهَا نَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ بِئْسَمَا جَزَتْهَا نَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْد)

(1)

.

لا ينعقد النذر على الغير

(1)

- صحيح مسلم: كتاب النذر: باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد. حديث رقم (3099) بلفظ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِى عُقَيْلٍ فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي؟ وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟ فَقَالَ: إِعْظَامًا لِذَلِكَ، أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَقِيقًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، قَالَ: لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وَظَمْآنُ فَأَسْقِنِي، قَالَ: هَذِهِ حَاجَتُكَ، فَفُدِيَ بِالرَّجُلَيْنِ، قَالَ: وَأُسِرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَأُصِيبَتْ الْعَضْبَاءُ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْوَثَاقِ وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بُيُوتِهِمْ، فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ الْوَثَاقِ فَأَتَتْ الْإِبِلَ فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنْ الْبَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْعَضْبَاءِ فَلَمْ تَرْغُ، قَالَ: وَنَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ وَنَذِرُوا بِهَا فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ، قَالَ: وَنَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ فَقَالُوا الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنَّهَا نَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ بِئْسَمَا جَزَتْهَا نَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ).

أخرجه النسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وأحمد في أول مسند البصريين، والدارمي في النذور والأيمان، السير.

معاني الألفاظ: الحلف: العهد والميثاق. الغضباء: ناقة مشقوقة الأذن، وهو لقب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم.

سابقة: أراد الغضباء، كناية عن سرعتها حيث كانت لا تسبق. الجريرة: الذنب والجناية. الفدية: مال يدفع لفك الأسير.

الرغاء: صوت البعير. منوقة: مذللة.

عجزها: ركبتها قاعدة في مؤخرها لتهرب عليها.

نذِروا: أحسوا بهربها.

النذر: إلزام النفس بفعل مشروط بتحقق المراد.

ص: 299

س: هل ينعقد النذر على الغير؟

جـ: لا ينعقد النذر على الغير لأن الغير ليس تحت سلطة الناذر.

‌لا ينعقد نذراً لمجنون

س: إذا نذر مجنون، فهل ينعقد نذره؟

جـ: إذا كانت حركاته وتصرفاته تدل على أنه مجنون فإن النذر لا ينعقد لأنه غير داخل في عموم الأوامر والنواهي أي غير مخاطب بالشرعيات.

ص: 300

‌كتاب الأطعمة

الباب الأول: الأطعمة.

الباب الثاني: الصيد والذبح.

الباب الثالث: الضيافة.

الباب الرابع: آداب الأكل.

ص: 301

الباب الأول: باب الأطعمة

• الأصل في المطعومات الحل

• أدلة أن الأصل في المطعومات الحل

• الأصل حل أكل لحم (القنفذ)

• جواز أكل لحم الحمر الوحشية

• الفراء هو الحمار الوحشي

• جواز أكل لحم كل حيوان بحري

• جواز أكل لحم الوبر

• جواز أكل البطة

• الأصل جواز أكل لحم الخيل

• جواز أكل لحم الضب

• جواز أكل لحم الأرنب

• جواز أكل لحم فحل غنم رضع من أنثى حمار

• تعريف الضبع

• آراء العلماء في حكم أكل لحم الضبع

• تحريم أكل لحم الثعلب

• الجلالة هي كل حيوان يأكل العذرة

• تحريم أكل لحم الجلالة أو شرب لبنها إذا كان طعم النجاسة أو لونها أو شمها موجوداً

• تحريم أكل اللحوم المستورة من البلدان الكافرة لذبحها على غير الطريقة الإسلامية

• تحريم أكل لحم الهدهد

• آراء العلماء في حكم أكل الضفادع

• تحريم أكل لحم البومة لاستخباثها

• تحريم أكل لحم (الهر)

• تحريم أكل لحم الفيل

• ما استخبثه الأكثر من الأمم أو من العرب فهو المستخبث

• تحريم أكل الثعابين عند من يستخبث أكلها وجواز أكلها عند من لم يستخبث أكلها

• آراء العلماء في حكم بعض الأجبان والمعلبات التي يقال بأن بينها شحم خنزير

• جواز استخدام جلود الحيوانات للصناعات الجلدية المتنوعة

• تحريم أكل الميتة

ص: 302

• حرم العلماء الدخان للضرر الذي يسببه

• إذا وقعت الفأرة أو أيُّ نجاسة بين مائع فيحرم أكله وإن وقعت بين جامد فتلقى وما حولها

• تحريم الأكل مما يعلم الإنسان بأنه حرام

• تحريم أكل لحم الغراب والتداوي به

• شبهة الأكل من طعام من يتعامل بالربا

ص: 303

‌الباب الأول: الأطعمة

‌الأصل في المطعومات الحل

س: ماهو الأصل في الأشياء الحل أم التحريم؟

جـ: الأصل في المطعومات الحل لا التحريم.

‌أدلة أن الأصل في المطعومات الحل

س: ما هو الدليل على أن الأصل الإباحة في المطعومات؟

جـ: الدليل هو أدلة من الكتاب منها قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}

(1)

وقوله تعالى {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}

(2)

وأدلة من السنة منها حديث (إن الله فرض عليكم فرائضاً فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم فلا تسألوا عنها) وأدلة التحريم محصورة مذكورة في كتب الحديث والفقه وما عداها فهو حلال.

‌الأصل حل أكل لحم (القنفذ)

س: ما قولكم في القنفذ؟

جـ: ورد حديث ضعيف بأن (القنفذ) خبيث، وإذا تعارض الحديث الضعيف والأصل فلا يعمل بالحديث الضعيف ونرجع إلى الأصل، والأصل الحل.

س: ما حكم أكل لحم القنفذ؟

جـ: اعلم بأن العلماء مختلفون في أكل لحم القنفذ وهو الحيوان الذي يسمى في بلادنا (بالشبريزه) على ثلاثة أقوال:

الأول: هو الحكم على لحمها بأنه حرام وهو قول أبي طالب ويحيى بن حمزة.

الثاني: القول بأن القنفذ من الحيوانات التي يجوز أكل لحمها مع الكراهة وهذا هو قول علماء الهادوية ورجحه العلامة: الحسن بن أحمد الجلال في كتاب (ضوء النهار).

الثالث: هو أنه من الحيوانات التي تؤكل بلا كراهة وهذا القول هو قول الشافعية ورجحه الإمام ابن حزم الظاهري في كتابه (المحلى) والعلامة محمد بن اسماعيل الأمير في كتاب (سبل السلام) وشيخ الإسلام القاضي محمد بن علي الشوكاني في كتاب (السيل الجرار).

وقد احتج أصحاب القول الأول: بحديث أبي هريرة مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في القنفذ أنه (خبيث من الخبائث)

(3)

أخرجه أبو داوود في السنن واحتج أهل القول الثاني: على الكراهة لا التحريم

(1)

- الجاثية: آية (13)

(2)

- لقمان: آية (20)

(3)

مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: حديث رقم (8597) بلفظ: عن عيسى بن نميلة الفزاري عن أبيه قال كنت عند ابن عمر فسئل عن أكل القنفذ فتلا هذه الآية (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) إلى آخر الآية فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال (خبيث من الخبائث) فقال ابن عمر إن كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قاله.

أخرجه أبو داود في الأطعمة 3305، ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود برقم (3799).

معاني الألفاظ: الخبيث: المحرم.

الخبائث: المحرمات.

ص: 304

بالأصل وهو الجواز لأن الأصل في كل شيء الجواز، وقالوا بأن الحديث ليس بصحيح حتى يكون دليلاً على تحريم أكل لحم القنفذ لكون الراوي له عن أبي هريرة مجهولاً فلا يكون حجة على التحريم وغاية ما يمكن أن يستفاد منه هو الكراهة كما نص على معنى هذا الجلال في (ضوء النهار) واحتج أهل القول الثالث: بالأصل وهو عدم القول بالتحريم أو بالكراهة عملاً بالقاعدة التي يعمل بها الفقهاء وهي أن (الأصل في الأشياء الإباحة) ومن ادعى تحريم أيِّ شيء أو كراهته فعليه الدليل الصحيح الصريح الخالي عن المعارضة، فإن استطاع المحرِّم لأكل لحم هذا الحيوان أو القائل بالجواز مع الكراهة إبراز دليل صريح صحيح كان العمل به وإن لم يستطع كان الرجوع إلى الأصل وهو الإباحة وجواز الأكل هو الواجب، وهذا الحديث الذي احتج به أهل القول الأول على التحريم وأهل القول الثاني على الكراهة غير صحيح عند علماء الحديث لجهالة الراوي عن الصحابي أبي هريرة فسيكون الحديث ضعيفاً كما قاله الخطابي في معالم السنن والبيهقي في السنن وابن حزم في المحلى والدميري في حياة الحيوان وابن حجر في بلوغ المرام والأمير في سبل السلام والشوكاني في السيل الجرار وغيرهم فلا يكون دليلاً على التحريم الذي ذهب إليه أهل القول الأول، ولا يكون دليلاً على القول بالكراهة الذي ذهب إليه أهل القول الثاني، وأما ما قاله الجلال بأن غاية ما يدل عليه هذا الحديث هو الكراهة حيث وهو ليس بصحيح من جهة السند فقد أجاب عنه صاحب (السيل الجرار) بأن الكراهة حكم شرعي والحكم الشرعي لا بد فيه من صحة الدليل الذي يحتج به القائل بالكراهة فإذا لم يصح هذا الحديث من ناحية السند فلا يصح الاحتجاج به على الكراهة، وإن صح السند سيكون دالاً على التحريم لا على الكراهة، هذا معنى ما قاله مؤلف السيل الجرار وكل ما سبق هو بالنسبة إلى من لا يستقذر أكله من الناس الذين يعتبرون أكله ولا يتقززون من ذلك، أما من كان يستقذر أكله فالأحوط له عدم أكله سواء صح عنده هذا الحديث أم لم يصح، هذا والجدير بالذكر أن الدميري مؤلف حياة الحيوان يذهب إلى أن الحديث المذكور ضعيف وعلى فرض صحته لا يكون دليلاً على التحريم لجواز أن يكون الخبث في الحديث هو خبث عمله أي أن القنفذ خبيث في عمله لا أكله كما هو المشاهد والمعروف عنه أنه ينقض على الزرع فيتدحرج بشوكة القوى من طرف الحقل إلى طرفه الآخر فتكسر بفعلها جميع قصب الذرة التي يمر عليها هذا الحيوان الشرس ولا يغادر الحقل حتى يفسد ما فيه من الزرع أو يفسد أكثر ما فيه، الخلاصة أن الدميري قد رد على من احتج بحديث (خبيثه من الخبائث) بوجهين:

الأول: أن الحديث من ناحية الرواية غير صحيح.

الثاني: أن دلالته من ناحية المتن غير صريحة بالمقصود لكون الخبث غير صريح في الدلالة على تحريم الأكل لجواز أن يكون المراد به هو خبث الفعل وهو احتمال بعيد لا يدفع الظهور والأولى الاعتماد على الوجه الأول وهو عدم صحة سند الحديث.

والخلاصة لما جاء في جوابي منحصر فيما يلي:

أولاً: أكل لحم القنفذ حرام عند علي ابن أبي طالب ويحيى بن حمزة عملاً بحديث (خبيثة من الخبائث)

ثانياً: أكل لحم القنفذ جائز مع الكراهة عند الهادوية والجلال لكون الحديث غير صريح فيحمل على الكراهة.

ثالثاً: أكل لحم القنفذ حلال بلا كراهة عند الشافعية وابن حزم والأمير والشوكاني لكون الحديث غير صحيح فلا

ص: 305

يكون صالحاً للاحتجاج به لا على التحريم ولا على الكراهة لأن الكراهة والتحريم من الأحكام الشرعية التي لا تثبت إلا بدليل صحيح.

رابعاً: رد الدميري على من احتج بالحديث بضعف الحديث وباحتمال أن يكون خبيثاً بفعله لا أن لحمه خبيث أي حرام.

خامساً: الأحوط لمن كان يستقذر أكله أن لا يأكل من لحمه سواء كان الحديث عنده صحيحاً أو غير صحيح وسواء كان على رأي من يحرم أكله أو من يكرهه أو من يبيحه بلا كراهة.

سادساً: من جملة من ضعف حديث (خبيثة من الخبائث) الخطابي والبيهقي وابن حزم وابن حجر والدميري والأمير والشوكاني.

وبناءً على ما سبق فإن من كان هادوياً فلا مانع له من أكل هذا الحيوان إلا أن أكله فيه كراهة فقط وليس بمحرم في هذا الرأي، ومن كان شافعياً فلا مانع له من أكله بلا كراهة.

أما رأيي الشخصي: فهو حرام على من كان سيستقذره ويستخبثه، وحلال لمن كان لا يستخبثه ولا يستقذره، أما تحريمه على من سيستخبثه فلأن الشرع قد حرم كل خبيث لقوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}

(1)

فهذا الحيوان داخل في عموم المستخبثات لمن يستخبث أكله ويستقذره، وأما تحليله فلأن الأصل هو الإباحة حتى يرد دليل صريح في الدلالة على المقصود والدليل الذي سبق ذكره غير صريح من جهة السند فلا يصلح للاحتجاج به على الكراهة أو التحريم.

‌جواز أكل لحم الحمر الوحشية

س: ما حكم أكل لحم الحمر الوحشية؟

جـ: الحمار الوحشي يحل أكله، وهو يشبه الحمار الأهلي إلا أنه مخطَّرٌ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أكل من الحمر الوحشية في حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة النبوية، أما الحمر الأهلية فقد ورد النهي عن أكلها في غزوة خيبر في السنة السابعة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم في حديث (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ)

(2)

وحديث (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ)

(3)

. فالحمر تنقسم إلى قسمين حمر أهلية إنسية، وحمر وحشية، الحمر الوحشية يحل أكلها والحمر الإنسية يحرم أكلها.

(1)

- الأعراف: آية (157)

(2)

صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد: باب لحوم الحمر الإنسية. حديث رقم (5101) بلفظ (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ).

أخرجه مسلم في الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، والترمذي في الصيد، والسير، والنسائي في الصيد والذبائح، وأبو داود في الأطعمة، وابن ماجة في الصيد، وأحمد في مسند الشاميين، ومالك في الصيد، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الذبائح والصيد، الطب.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة خيبر. حديث رقم (3855) بلفظ (عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ قَالَ: إِنِّي لَأُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ بِلُحُومِ الْحُمُرِ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ)

انفرد به البخاري.

لايوجد له مكررات.

ص: 306

‌الفراء هو الحمار الوحشي

س: ما هو (الفراء)؟

جـ: هو الحمار الوحشي لحديث (فَرَأَوْا حِمَارًا وَحْشِيًّا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ فَلَمَّا رَأَوْهُ تَرَكُوهُ حَتَّى رَآهُ أَبُو قَتَادَةَ، فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ يُقَالُ لَهُ الْجَرَادَةُ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَتَنَاوَلَهُ، فَحَمَلَ فَعَقَرَهُ، ثُمَّ أَكَلَ فَأَكَلُوا فَنَدِمُوا، فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ قَالَ: مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَهَا)

(1)

.

‌جواز أكل لحم كل حيوان بحري

س: هل ما يشبه الكلب من حيوانات البحر حرام؟

جـ: بعض العلماء ومنهم علماء الهادوية يقولون: بأنه يحرم من حيوانات البحر ما هو على هيئة حيوانات البر المحرَّمة، مثل حيوانات البحر التي تشبه الكلب وتسمى كلب البحر، وجمهور العلماء وهو رأي الشوكاني: بأنه يجوز أكل كل حيوانات البحر بل أجازوا أكل ميتة البحر فضلاً عما يشبه الحيوانات البرية المحرَّمة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجاز أكل ميتة البحر فضلاً عما يشبه حيوانات البر في حديث (ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا)

(2)

ولحديث (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ)

(3)

.

س: هل يحرم شيء من صيد البحر أم كله حلال؟

جـ: كله جائز عند العلماء لقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ}

(4)

ولحديث (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ) إلا أن الهادوية قالوا: ما كان يشبه حيوان بري محرَّم فهو حرام.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب اسم الفرس والحمار. حديث رقم (2642) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَخَلَّفَ أَبُو قَتَادَةَ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَوْا حِمَارًا وَحْشِيًّا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ فَلَمَّا رَأَوْهُ تَرَكُوهُ حَتَّى رَآهُ أَبُو قَتَادَةَ، فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ يُقَالُ لَهُ الْجَرَادَةُ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَتَنَاوَلَهُ، فَحَمَلَ فَعَقَرَهُ، ثُمَّ أَكَلَ فَأَكَلُوا فَنَدِمُوا، فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ قَالَ: مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَهَا).

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الحج، والدرامي في المناسك.

أطراف الحديث: الحج، الهبة، الحج، الجهاد والسير، المغازي، الأطعمة، الذبائح والصيد.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الشركة: باب الشركة في الطعام والنهد والعروض. حديث رقم (2303) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَأَنَا فِيهِمْ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، فَقُلْتُ وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟!! فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا).

أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، والترمذي في صفة القيامة والرقائق، والنسائي في الصيد والذبائح، وابن ماجة في الزهد، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع، والدارمي في الصيد والذبائح.

أطراف الحديث: الجهاد والسير، المغازي، الصيد والذبائح.

معاني الألفاظ: بأزواد: طعام السفر. المزود: وعاء يحمل فيه الزاد. يقوته: يعطينا حاجته وما يسد رمقه. الظرب: الجبل الصغير.

(3)

- سنن ابن ماجة: كتاب الصيد: باب صيد الحيتان والجراد. حديث رقم (2625) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

(4)

- المائدة: آية (96)

ص: 307

‌جواز أكل لحم الوبر

س: يوجد في الريف وفي بعض الغابات صيد يسمى ب (الوبر) وله أنياب وله يدان ورجلان كأيدي وأرجل القط وشعره يشبه شعر القط وليس له ذنب، وهو يتغذى من الحشائش والشجر التي تربو في الغابات وقد سمعنا أن الحيوانات التي لها أنياب وأسنان في الفك العلوي لا يجوز صيدها ولا أكلها، فما هو الحل في هذا الموضوع؟

جـ: أكل لحم الوبر حلال وليس بحرام شرعاً وصيده جائز وليس بمحظور، والدليل على جواز صيده وحل أكله هو الأصل لأن الأصل في الأشياء هو الإباحة ومن ادعى التحريم لأكل لحم الوبر أو بتحريم صيده فعليه الدليل الصحيح الصريح الخالي عن المعارضة، وأما قول من قال لك بأن أكل ما كان له ناب فأكله حرام فكلامه صحيح ولكن ليس على إطلاقه بل يشترط فيه أنه إذا كان له ناب وكان من السباع المفترسة لأن الحديث النبوي يصرح بتحريم أكل كل ما كان ذا ناب من السباع، فالحديث قد قيد ما كان من الحيوانات ذا ناب وهو أن يكون من السباع ويخرج بهذا القيد كل حيوان ولو كان ذا ناب ولكنه ليس بسبع، وذلك مثل الجمل فالجمل له ناب ولكنه ليس بسبع ولا هو من الحيوانات المفترسة، وكذلك الوبر فله ناب ولكن ليس بسبع ولا هو بمفترس فيحل أكله ويجوز صيده، ولكن الواجب على من صاده للأكل أن يذكيه أي يذبحه في المذبح المعروف ما بين الرأس والرقبة بعد أن يصيده كما نص على ذلك العلماء في باب الصيد.

‌جواز أكل البطة

س: ما رأيكم في أكل الوزة؟

جـ: الوزة والبطة يجوز أكلهما لأن الأصل الجواز.

‌الأصل جواز أكل لحم الخيل

س: هل يؤكل لحم الخيل؟

جـ: على مذهب الجمهور من العلماء يؤكل لأن الأصل الجواز ولأنه أُكل في أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ)

(1)

وحديث (نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ)

(2)

وحديث (أَطْعَمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الْخَيْلِ، وَنَهَانَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ)

(3)

، وبعض العلماء قالوا: يحرم أكله لأن الله تعالى قال {وَالْخَيْلَ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب لحوم الخيل. حديث رقم (3896) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ)

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في الأطعمة، والنسائي في الصيد والذلائح، وأبوداود في الأطعمة، وابن ماجه في الذبائح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الأضاحي.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من لحيوم الخيول. حديث رقم (2595) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ)

أخرجه البخاري في المغازي، والترمذي في الأطعمة، والنسائي في الصيد والذلائح، وأبوداود في الأطعمة، وابن ماجه في الذبائح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الأضاحي.

(3)

- سنن الترمذي: كتاب الأطعمة: باب ماجاء في أكل لحوم الخيل. حديث رقم (1715) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَطْعَمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الْخَيْلِ، وَنَهَانَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (1793).

أخرجه البخاري في المغازي، والنسائي في الصيد والذلائح، وأبوداود في الأطعمة، وابن ماجه في الذبائح، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الأضاحي.

لايوجد له مكررات.

ص: 308

وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}

(1)

والرد عليهم أن الآية لا تدل على تحريم ولا عدم تحريم فيرجع إلى الأصل وهو جواز الأكل.

س: ما حكم أكل لحم الخيل؟

جـ: جائز عند الشافعية والجمهور لأن الأصل الجواز ولأنه أُكل في أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ)) وحديث (نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) وحديث (أَطْعَمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الْخَيْلِ، وَنَهَانَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ) وحرام عند الهادوية والحنفية.

‌جواز أكل لحم الضب

س: هل يجوز أكل لحم الضب؟

جـ: يجوز أكله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما لم يأكله وكره أكله هي كراهة طبيعية أي كراهة تقززية لا كراهة شرعية كما في حديث (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَيْفُ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَيْمُونَةَ وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا، قَدْ قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتْ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَنْ الضَّبِّ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ، قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَيَّ)

(2)

.

‌جواز أكل لحم الأرنب

س: هل يجوز أكل لحم الأرانب؟

جـ: قال علماء المذهب الهادوي: أنه يكره أكل لحم الأرانب، والجمهور من العلماء يجوزون أكل لحم الأرانب، والصحيح: أنه لا كراهة في أكل لحمها وأن أكل لحمها جائز مباح لأن الأصل الجواز.

‌جواز أكل لحم فحل غنم رضع من أنثى حمار

س: ما قولكم في فحل غنم رضع من أنثى حمار فأراد أهله أن يذبحوه، فهل يحل لهم أكله؟

(1)

النحل: آية (8).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الاطعمة: باب ماكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل. حديث رقم (5391) بلفظ (عن أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَيْفُ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَيْمُونَةَ وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا، قَدْ قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتْ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَنْ الضَّبِّ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ، قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَيَّ).

أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، والنسائي في الصيد والذبائح، وابن ماجة في الصيد، وأحمد في ومن مسند بني هاشم. وملك في الجامع، والدارمي في االصيد.

معاني الألفاظ: المحنوذ: المشوي.

ص: 309

جـ: ما دام أنه (تيس) ماعز فيحل أكله وكونه رضع من الدابة لا يضر ولايحرم أكل لحمه.

‌تعريف الضبع

س: ما هو الضبع؟

جـ: هو ما يسمى في اليمن باللغة العرفية (العِرْج).

‌آراء العلماء في حكم أكل لحم الضبع

س: ما حكم أكل لحم الضبع؟

جـ: فيه خلاف ولم يجمع العلماء على أكل لحمه، ومن العلماء من أجاز أكل لحمه واستدل بحديث يدل على جواز أكل لحمه بلفظ (قُلْتُ: لِجَابِرٍ، الضَّبُعُ أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: أَقَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ)

(1)

وهو مخصص لدليل تحريم حديث (نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) فيعمل بالخاص فما تناوله وبالعام فيما بقي، وبعض العلماء قالوا: يحرم أكل لحم الضبع، وقالوا: بأنها من السباع ولا يجوز أكل لحم السباع لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ)

(2)

.

‌تحريم أكل لحم الثعلب

س: جوَّز الشافعية استخدام الثعلب هل يصح؟ وما هو حالات استخدام الثعلب عند الشرع؟

جـ: الظاهر أن الثعلب ذو مخالب وأنياب فهو يأكل الكثير من الدجاج وعلى هذا فأكله حرام لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ).

‌الجلالة هي كل حيوان يأكل العذرة

س: هل الجلالة هي أي حيوان يأكل القاذورات أم هي حيوانات معينة؟

جـ: هي كل حيوان يأكل العذرة.

‌تحريم أكل لحم الجلالة أو شرب لبنها إذا كان طعم النجاسة أو لونها أو شمها موجوداً

س: ما حكم أكل لحم الجلالة أو شرب لبنها؟

جـ: إذا كان في اللحم طعم النجاسة أو لونها أو شمها فلا يجوز أكل لحمها أو شرب لبنها، أما إذا قد استحالت

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الحجـ: باب ماجاء في الضبع يصيدها المحرم. حديث رقم (1791) بلفظ (عَنْ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ: لِجَابِرٍ، الضَّبُعُ أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: أَقَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في مناسك الحج، وأبو داود في الأطعمة، وابن ماجة في الصيد، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المناسك.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد: باب أكل كل ذي ناب من السباع. حديث رقم (5530) بلفظ (عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ).

أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، والترمذي في الأطعمة، والنسائي في الصيد والذبائح، وأبو داود في الأطعمة، وابن ماجة في الصيد، وأحمد في مسند الشاميين، ومالك في الصيد، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الطب.

ص: 310

بعد ثلاثة أيام ولم يوجد للنجاسة طعم ولا شم ولا لون لا في اللحم ولا في اللبن فهي حلال لأن الاستحالة مطهرة وهي حلال في الأصل، وحرمت لمانع فإذا زال المانع فقد عادت إلى الأصل وهو الحل.

س: ذكر المؤلف أن العلة في الجلاّلة هي التغير وبعض العلماء قدروا مدة بقائها متغيرة بثلاثة أيام، فما هو الصواب؟

جـ: الظاهر العبرة بالتغير وغلبة الظن بالاستحالة.

س: كم المدة التي تستحيل فيها الجلالة؟ وهل تختلف المدة من حيوان إلى آخر بقرة، ناقة، عنزه، شاة، دجاجة؟

جـ: بعض العلماء قدروا المدة بثلاثة أيام، والظاهر أن التقدير لا دليل عليه وتبقى حتى يغلب على الظن أنها قد استحالت.

‌تحريم أكل اللحوم المستورة من البلدان الكافرة لذبحها على غير الطريقة الإسلامية

س: ما حكم اللحوم المستوردة كالدجاج المستورد واللحوم المثلجة المستوردة والمفرومة وغيرها؟ وإن كان فيه شبهة، فلماذا لا يفتي رسمياً لأن الكثير من الناس لا يعرفون ذلك؟

جـ: أنا قد أفتيت في الإذاعة والتلفزيون والصحافة وغيرها بأن أكلها حرام وإذا لم يكن حرام فهو شبهة من الشبهات لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(1)

وذلك لأن البالغ أنهم لا يذبحونها على الطريقة الإسلامية، وأما قول المصدِّرين لها وكتابتهم عليها أنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية فهو دعوى من الشركة ودعاية لها ولا يُصدقون في قولهم هذا لأنه وُجد سمك مكتوب عليه عبارة (مذبوح على الطريقة الإسلامية) ووجدت دجاجة لا يزال رأسها غير مذبوح وهي ميتة مكتوب عليها مذبوحة على الطريقة الإسلامية وهي لم تذبح أصلاً، وأكلها محرَّم لوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}

(2)

لأنه يصدق عليها وصف الميتة، واللحوم هذه إن جاءتنا من بلاد بوذية غير كتابيه فهي محرَّمة على كل الأحوال، وإن جاءتنا من بلاد كتابية فهي محرَّمة لكونها تذبح على غير الطريقة الإسلامية لأن حل أكل ذبيحة الكتابي هو إذا ذبح على الطريقة الإسلامية.

س: ما هو حكم الإسلام في الدجاج المذبوحة المستوردة من الخارج حيث لا نعلم كيف كان ذبحها هل ذبحها إنسان أو كان ذبحها بآله ميكانيكية، وهل ذبحها مسلم أو كتابي أو وثني فهل يجوز أكلها أم لا؟ وهل يجوز أكل ما ذبح بالآلة المذكورة؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

(2)

- النحل: آية (115)

ص: 311

جـ: ما انهر الدم وأفرى الأوداج أي كان الذبح في محل الذبح المعتاد بحيث سكب الدم وقطع العروق التي ما بين الرقبة والرأس وهو المسمى بالذبح وذلك في جميع الحيوانات ما عدا الإبل فمحله ما بين الرقبة ومقدم الجمل أو الناقة وهو المسمى بالنحر فالمشروع في نحر الإبل أن يكون قطع رقبته على الصفة المشروعة وتكون الرقبة تابعه للرأس، والمشروع في ذبح باقي الحيوانات أن يكون القطع للرأس فقط وتكون الرقبة تابعه لسائر الجسد في جميع الحيوانات، وسواءً كان بالسكين أو بما يقوم مقام السكين من الأشياء الحادة ولو كانت من نوع المكائن الحديثة ما دام والذبح أو النحر وقع على الصفة التي جاء بها الشرع الإسلامي من قطع العروق وإخراج الدم على النعت الوارد في السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام في حديث (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ)

(1)

، وهذا فيما إذا كان الإنسان قد تحقق أنه كان الذبح على هذه الصفة أو غلب في ظنه أنه كان الذبح على هذه الصفة، أما إذا تشكك الإنسان ولم يعرف هل كان الذبح على الطريقة الإسلامية أو كان بطريقة أخرى لا توافق الطريقة الإسلامية فإنه مع الشك لا يجوز الأكل من هذه الذبيحة، وهكذا إذا كان قد عرف الإنسان أنه لم يذبح على الطريقة الإسلامية فإنه لا يجوز أكلها فبالأولى والأحرى حكم الأكل من الذبيحة التي لا يعرف الإنسان هل الذي تولى ذبحها مسلم أو كتابي أو وثني هل الأكل من هذه الذبيحة جائز أم هو محرَّم شرعاً فالجواب أنه لا يكون إيجابياً على الإطلاق بمعنى أنه جائز مطلقاً وبلا تفصيل ولا يكون سلبياً بمعنى أنه محرَّماً وغير جائز مطلقاً، وإنما ينبغي أن يفصل في هذه الذبيحة التي لم يعرف هل الذابح لها من المسلمين أم من أهل الكتاب أم من الملحدين أم من الوثنيين أم من الشيوعيين أم من المعطلين وذلك التفصيل هو أن نقول لا يخلو إما أن يكون الإنسان قد عرف أن الذي ذبح هذه الذبيحة مسلم أو عرف أن الذي ذبحها كتابي أي يهودي أو نصراني أو عرف أن الذي ذبحها ليس بمسلم ولا كتابي وإنما هو من الكفار المشركين أو الوثنيين أو المعطلين أو الملحدين أو الشيوعيين أو غيرهم من أهل الملل الكفرية التي لا تدين بكتاب، إن كان قد عرف الإنسان أن الذي ذبح هذه الذبيحة مسلم فلا شك في جواز أكلها وهذه مسألة معلومة من الدين ضرورة لا تحتاج إلى استدلال وهذا هو القسم الأول من أقسام الذبائح، وإن كان قد عرف المسلم أنه تولى ذبح هذه الذبيحة كتابي فأكلها جائز شرعاً لأن القرآن قد دل على جواز ذلك في قوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}

(2)

ومن جملة الطعام الحلال أكل ذبائحهم كما دل على جواز الأكل أيضاً لذبيحة الكتابي السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام حيث أكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشاه التي ذبحتها اليهودية في غزوة خيبر في القصة المشهورة الواردة في كتب السنة النبوية في حديث (لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ الْيَهُودِ فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد: باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنما. حديث رقم (5543) بلفظ (عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قُلْتُ: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّنَا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلَا ظُفُرٌ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ، وَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَأَصَابُوا مِنْ الْغَنَائِمِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ النَّاسِ فَنَصَبُوا قُدُورًا فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ، ثُمَّ نَدَّ بَعِيرٌ مِنْ أَوَائِلِ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا مِثْلَ هَذَا).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأحكام والفوائد، والنسائي في الضحايا. وأبوداود في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الشركة الجهادوالسير.

معاني الألفاظ: المدية: السكين. أنهر: أسال وصب. أوابد: نافرة متوحشة. ند: هرب ونفر.

(2)

المائدة: آية (6).

ص: 312

لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَبُوكُمْ؟ قَالُوا: أَبُونَا فُلَانٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا، قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ فَقَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اخْسَئُوا فِيهَا وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ: لَهُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَعَم، قَالَ: هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سَمًّا؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ)

(1)

وفي أسفار السيرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وإن لم يعرف من الذي ذبحها فليسم الله ويأكل لحديث (إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ)

(2)

.

‌تحريم أكل لحم الهدهد

س: ما حكم أكل لحم الهدهد؟

جـ: البعض من العلماء قالوا: يحرم أكل لحم الهدهد لأن رائحته كريهة.

‌آراء العلماء في حكم أكل الضفادع

س: ما حكم أكل الضفادع؟

جـ: البعض من العلماء يحرم أكلها ويقول هي مستخبثة لقوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}

(3)

والبعض يجيزون أكلها لأن الأصل هو الحل.

‌تحريم أكل لحم البومة لاستخباثها

س: ما حكم أكل لحم البومة؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الطب: باب مايذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (3169) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ الْيَهُودِ فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَبُوكُمْ؟ قَالُوا: أَبُونَا فُلَانٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا، قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ فَقَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اخْسَئُوا فِيهَا وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ: لَهُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَعَم، قَالَ: هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سَمًّا؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ).

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة.

أطراف الحديث: الجزبة، المغاوي.

معاني الألفاظ: بررت: أحسنت وقلت خيراً وحقا.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات. حديث رقم (5507) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ).

أخرجه النسائي في الضحايا، وأبو داود في الضحايا، وابن ماجة في الذبائح، ومالك في الذبائح، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الذبائح والصيد، التوحيد.

(3)

- الأعراف: آية (157)

ص: 313

جـ: إن كان لها مخلب فهي محرَّمة وإن كانت مستخبثة فهي من الخبائث التي تندرج تحت قوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}

(1)

.

س: ما هي البومة؟

جـ: هي أم سليم، وهي لا تجلس إلا في الخرائب الأماكن الخالية من السكان.

‌تحريم أكل لحم (الهر)

س: ما حكم أكل لحم الهر؟

جـ: قال العلماء: لايجوز أكله لأنه ذي ناب وقد ورد النهي عن بيعه في حديث (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْهِرِّ وَثَمَنِهِ)

(2)

وقال العلماء: ما حرم بيعه حرم أكله.

‌تحريم أكل لحم الفيل

س: ما حكم أكل لحم الفيل؟

جـ: حرام لأن معه زلومة يقاتل بها.

‌ما استخبثه الأكثر من الأمم أو من العرب فهو المستخبث

س: قد يكون الشيء خبيثاً عند قوم وغير خبيث عند قوم، فهل يكون حلالاً عند قوم حراماً عن آخرين؟

جـ: قال العلماء: ما استخبثه الأكثر من الأمم أو من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم فهو المستخبث لقوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} .

‌تحريم أكل الثعابين عند من يستخبث أكلها وجواز أكلها عند من لم يستخبث أكلها

س: ما حكم أكل الثعابين؟

جـ: الثعابين، قال العلماء: في جزء منها سم وجزء آخر ليس فيه سم، وأن في بعض البلدان يقطعون الجزء الذي فيه سم ويأكلون الجزء الآخر، والظاهر أنها إن كانت مستخبثة فهي محرَّمة وإن كانت عند أناس غير مستقذرة ولا مستخبثة فهي حلال، وفي صنعاء هي مستخبثة.

‌آراء العلماء في حكم بعض الأجبان والمعلبات التي يقال بأن بينها شحم خنزير

س: ما حكم بعض الأجبان والمعلبات المستوردة من الخارج والتي بينها شحم خنزير؟

جـ: كلما كان فيه أو بينه لحم خنزير فهو حرام لقوله تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}

(3)

، أما ما فيه شحم خنزير فعلى مذهب الظاهرية والشوكاني أن نجاسة الخنزير تكون في لحمه فقط لا في شحمه، فعلى مذهب الظاهرية والشوكاني ستكون

(1)

الأعراف: آية (157)

(2)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ماجاء في كراهة ثمن الكلب والسنور. حديث رقم (1201) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْهِرِّ وَثَمَنِهِ)

أخرجه النسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وابن ماجه في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(3)

- الأنعام: آية (145)

ص: 314

رخصة لأكل هذه الأجبان.

‌جواز استخدام جلود الحيوانات للصناعات الجلدية المتنوعة

س: هل يجوز استخدام جلود الحيوانات للصناعات الجلدية كالنعال والشماط ونحوها؟

جـ: إذا كانت هذه الحيوانات مما يذبح على الطريقة الإسلامية فيجوز الانتفاع بجلود هذه الحيوانات هذا على القول بنجاسة الميتة، أما على القول بأنه لا يحرم من الميتة إلا أكلها فيجوز الانتفاع بجلودها لحديث (هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا، قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ: إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا)

(1)

والمسألة من المعارك العلمية التي لم تحل حتى الآن، والجمهور من العلماء يقولون: بأنه يجوز استخدام الجلود إذا دبغت لحديث (إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ)

(2)

وفي رواية (أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)

(3)

والهادوية خالفوا وقالوا: لا يجوز الانتفاع بجلد الميتة حتى ولو دبغ لحديث (أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ) والرد على الهادوية من ستة أوجه:

الأول: أن الحديث مضطرب من ناحية السند.

الثاني: أن الحديث مرسل لأن الراوي (عبدالله بن عكيم) ليس بصحابي.

الثالث: أنه مضطرب من ناحية المتن في بعض الروايات قبل موت النبي بشهر، وفي بعض الروايات قبل موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أيام، وفي بعض الروايات بثلاثة أشهر.

الرابع: أن لفظ الإهاب يطلق في اللغة العربية على الجلد قبل أن يدبغ.

الخامس: على فرض أن الإهاب يطلق على كل جلد فحديث (أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) مخصص لحديث (أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ). فيعمل بالخاص فيما تناوله وبالعام في الباقي.

السادس: على فرض أن الحديثين متعارضان فيرجح الحديث الأصح، وما كان في الأمهات الست وما قد روى

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الزكاة: باب المسألة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (1397) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: وَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا، قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ: إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا)

أخرجه مسلم في الحيض، والترمذي في اللباس، والنسائي في الفرع والعتيرة، وأبوداود في اللباس، وابن ماجه في اللباس، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، ومالك في الصيد، والدارمي في الأضاحي.

(2)

صحيح مسلم: كتاب الحيض: باب طهارة جلود الميتة بالدباغ. حديث رقم (547) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ).

أخرجه الترمذي في اللباس، والنسائي في الفرع والعتيرة، وأبو داود في اللباس، وابن ماجة في اللباس، وأحمد في مسند بني هاشم، ومالك في الصيد، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الحيض،

معاني الألفاظ: الدباغ: عملية لتطهير الجلد.

الإهاب: الجلد قبل الدبغ.

(3)

- سنن النسائي: كتاب الفرع والوتيرة: باب جلود الميتة. حديث رقم (4168) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)

أخرجه مسلم في الحيض، والترمذي في اللباس، وأبو داود في اللباس، وابن ماجة في اللباس، وأحمد في مسند بني هاشم، ومالك في الصيد، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الحيض،

معاني الألفاظ: الدباغ: عملية لتطهير الجلد.

الإهاب: الجلد قبل الدبغ.

ص: 315

من عدة طرق، وهوحديث (إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ) أصح.

‌تحريم أكل الميتة

س: ما حكم ما قطع من الكبش وهو حي؟

جـ: حكمه أنه ميتة لحديث (مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ) ويحرم أكله لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ويحمل حديث (مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ)

(1)

على ما قطع من بهيمة الأنعام من الحيوان الإنسي لا من الصيد، الحديث يستدل به على تحريم أكل العضو المقطوع من الحيوان الإنسي لأنه ميتة والميتة يحرم أكلها بالدليل القطعي في قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}

(2)

ولا يستدل بالحديث على تحريم الأكل من العضو المقطوع من الصيد بسبب فعل آلة الصيد في جسم الحيوان المصاد لأن ذكاة الصيد هي جرحه أو عقره في أيِّ عضو من أعضاء جسمه، وقد كان بعض العرب يبعد ثربة الكبش ويأكلها ولذلك حرَّمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

‌حرم العلماء الدخان للضرر الذي يسببه

س: هل هناك دليل على أن الدخان حرام؟ وهل هو من الخبائث؟

جـ: علماء اليمن الأولون مثل العلامة (محمد بن اسماعيل الأمير) قال: الدخان جائز، وعلماء العصر يحرمون الدخان، ولا معارضة لأن (الأمير) قصد المداعة وهي أخف من السيجارة ضرراً، وعلماء العصر يقصدون السيجارة وهي مضرة تسبب للإنسان السرطان الرئوي، ولذا قال العلماء: هي حرام للضرر الذي تسببه لحديث (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار)

(3)

.

س: ما رأيكم أنتم في الدخان؟

جـ: عندي أنه محرَّم لحديث (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار) ولكن تحريما خفيفا ليس مثل تحريم شرب الخمر أو الحشيش أو نحوه.

‌إذا وقعت الفأرة أو أيُّ نجاسة بين مائع فيحرم أكله وإن وقعت بين جامد فتلقى وما حولها

س: إذا وقع الفأر أو أيُّ نجاسة بين إناء من السمن أو العسل بعضه مائع وبعضه جامد، فما هو الحكم؟

جـ: إذا وقع الفأر أو غيره من النجاسات بين صفيحة سمن أو عسل بعضها جامد وبعضها مائع فإن وقعت بين المائع إذا كان المائع في أعلى الإناء فتصير متنجسة ويحرم أكله ويراق الشيء الذي وقعت فيه، وإن وقعت فيه بين الجامد في حالة ما إذا كان الجامد في أعلى الإناء فتلقى النجاسة وما حولها، والباقي طاهر يجوز أكله

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الصيد: باب ماقطع من الحي فهوميت. حديث رقم (1480) بلفظ (عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه أبوداود في الصيد.

معاني الألفاظ: الجب: القطع.

(2)

- المائدة: (3).

(3)

سنن ابن ماجة: كتاب الأحكام: باب من بنى في حقه ما يضر جاره. حديث رقم (2408) بلفظ (: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (909).

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

ص: 316

لحديث (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ وَكُلُوا سَمْنَكُمْ)

(1)

.

س: ما حكم الفأر؟ وما حكم ما وقع فيه الفأر؟

جـ: إذا وقع الفأر بين مائع ومات فيه فإنه يحرم أكله لأنه نجس لكونه ميتة، وإذا وقع بين شيء جامد فيلقى وما حوله لحديث (أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ وَكُلُوا سَمْنَكُمْ).

‌تحريم الأكل مما يعلم الإنسان بأنه حرام

س: رجل سرق تفاحا وأنا أدري فأكلت منها، فهل أكلي حرام؟

جـ: الأكل من الحرام لا يجوز، لأنه من صفات أهل النار، وقد ذم الله فاعله في قوله تعالى {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}

(2)

.

‌تحريم أكل لحم الغراب والتداوي به

س: ما حكم أكل لحم الغراب؟ وهل يجوز التداوي به؟

جـ: الغراب من ذوات المخلب من الطير لا يجوز أكله لحديث (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ)

(3)

ولا يحل العلاج بشيء لا يجوز أكله.

‌شبهة الأكل من طعام من يتعامل بالربا

س: أخي يتعامل بالربا ودعاني أتغدى عنده، فهل يجوز لي الذهاب عنده للغداء؟

جـ: استخر الله وما ألهمك الله عملته، وفي الحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(4)

.

(1)

- صحيح البخاري: الوضوء: باب مايقع من النجاسات في السمن أو الماء. حديث رقم (5538) بلفظ (عَنْ مَيْمُونَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ وَكُلُوا سَمْنَكُمْ).

أخرجه الترمذي في الأطعمة، والنسائي في الفرع والعتيرة، وأبو داود في الأطعمة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الجامع، والدارمي في الطهارة.

(2)

- المائدة": آية (42)

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الأطعمة: باب النهي عن أكل السباع. حديث رقم (3803) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، والنسائي في الصيد والذبائح، وابن ماجة في الصيد، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في الأضاحي.

معاني الألفاظ: السبع: المفترس من الحيوانات.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

ص: 317

الباب الثاني: الصيد والذبح

• ما صيد بالمحدد فهو تذكيته وما صيد بغير المحدد فلا يحل أكله إلا بعدتذكيته قبل موته

• وجوب ذكر اسم الله تعالى عند الذبح

• ذكاة الجنين ذكاة أمه

• جواز ذباحة المرأة الذبيحة

• جواز أكل ذبيحة تارك الصلاة

• صيغة البسملة

• جواز الأكل من الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها ويذكر الآكل اسم الله عند الأكل

• تحريم أكل الصيد الذي لم يذكر الصائد اسم الله حين الرمي ومات من الرمي

• تحريم أكل اللحوم المستوردة من بلدان كافرة لأنها تذبح على غير الطريقة الإسلامية

• الأكل من لحم (العقير) شبهة من الشبهات والمؤمنون وقَّافُّون عند الشبهات

• تحريم ذبح ما يسمى بالهجر العقير وجواز قبوله وهو حي

• تحريم الذبح عند عمارة البيت الجديد لحفظ أهل البيت من الجن

• تحريم خلس جلد الدجاج بدون ذبحها

• تحريم ذبح الحيوان في غير موضع الذبح الشرعي إلا إذا ندً

• وجوب غسل موضع لعاب الكلب في الصيد سبع مرات إحداهن بالتراب

• جواز التصدق بلحم الحيوان المريض إذا ذبح وفيه أثر حياة ويبين للفقراء أنه كان مريضاً

• تحريم أكل شيء من الحيوان بعد موته لأنه ميتة

• تحريم أكل الجلاّلة إذا وجد فيها عين النجاسة أو شمها أو طعمها

• تحريم أكل صيد الكلب المعلم إذا شاركه كلب آخر

• جواز اقتناء الكلب لحراسة الزرع أو الماشية أو للصيد

• جواز اقتناء الكلب لحراسة البيت أو السيارة

• جواز أكل ما صاده الكلب المعلم حتى لو مات بدون تذكية وتحريم غير المعلم إلا إذا ذكي

• تحريم أكل ما أكله الكلب من صيد البحر وجواز أكل ما أكل منه الطير

• جواز أكل الصيد المجهول صائده إذا وجده وفيه أثر حياة وتحريم أكله إذا وجده ميتاً

• تحريم أكل الصيد إذا وقع بين الماء فمات

• معنى لفظ الحديث (فند بعير من إبل القوم)

• تحريم تعذيب الحيوان بالذبح في غير موضع الذبح الشرعي

ص: 318

‌الباب الثاني: الصيد والذبح

‌ما صيد بالمحدد فهو تذكيته وما صيد بغير المحدد فلا يحل أكله إلا بعد تذكيته قبل موته

س: هل الصيد يحتاج إلى تذكيته؟

جـ: ما صيد بالمحدد كالرمي بالرصاص الناري فحكمه حكم السلاح المحدد فتذكيته رميه، أما إذا صاد الصائد الصيد بالشيء غير المحدد كالرمي بالحجارة أو نحوه وقتل به صيداً فإنه لا يحل إلا إذا تمكن الإنسان من تذكيته قبل موته وإلا فهو ميتة يحرم أكله لقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(1)

.

س: رمى رجل صيداً فوصل إليه وهو حي ومشى به قليلاً فمات، فهل يجوز أكله؟

جـ: إذا صاده بمثقل ولم يذكه فهو ميتة لا يحل أكله لقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

‌وجوب ذكر اسم الله تعالى عند الذبح

س: هل هناك ألفاظ محددة تقال عند الذبح؟

جـ: يقول الذابح (بسم الله) لقوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}

(2)

وبعض العلماء قالوا: يستحسن أن يضيف إلى البسملة لفظة (الحمد لله).

‌ذكاة الجنين ذكاة أمه

س: ذبحت شاة ومات جنينها في بطنها بذبح أمه، فما حكم أكل لحم الجنين؟ وما الدليل؟

جـ: لا مانع من أكله وقد جاء في الحديث الصحيح (كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ)

(3)

وفي رواية (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ)

(4)

مهما كان الذبح على الطريقة الإسلامية.

‌جواز ذباحة المرأة الذبيحة

س: هل يجوز أن تذبح المرأة؟

جـ: يجوز للمرأة أن تذبح لأن النساء شقائق الرجال ولحديث (أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

(1)

- البقرة: آية (173)

(2)

- الأنعام: آية (121)

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الضحايا: باب ماجاء في ذكاة الجنين. حديث رقم (3827) بلفظ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجَنِينِ، فَقَالَ: كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ، وَقَالَ مُسَدَّدٌ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ، أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الأطعمة، وابن ماجة في الذبائح.

معاني الألفاظ: الذكاة: الذبح الشرعي.

(4)

- سنن أبي داود: كتاب الضحايا: باب ماجاء في ذكاة الجنين. حديث رقم (3828) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الدارمي في الأضاحي.

ص: 319

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا)

(1)

.

س: ورد في حديث نبوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للراعي الذي قال للرسول إذا حصلت لي عارضة في الغنم بماذا أدركها قال أدركها بحجر إذا كان حاداً فهل هذا حديث صحيح أم لا؟

جـ: الذبح بالحجر الحاد قد ورد في حديث كعب بن مالك وأن النفس التي ذبحت هي امرأة وهوبلفظ (أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا) ولها شاهد من حديث زيد بن ثابت عند البخاري وأحمد وفيه دليل على جواز ذبح الحيوان بالحجر إذا كان حاداً وفيه دليل على جواز ذبح المرأة.

‌جواز أكل ذبيحة تارك الصلاة

س: هل يجوز أكل ذبيحة تارك الصلاة وكذلك صدقته؟

جـ: لا مانع، لأنه ليس بكافر كفراً صريحاً حقيقياً إنما هو كافر نعمة.

‌صيغة البسملة

س: ما هي صيغة البسملة؟

جـ: هي أن يقول الذابح بسم الله لحديث (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ)

(2)

وبعض العلماء قالوا: يقول بسم الله الرحمن الرحيم.

س: هل التسمية شرط لصحة الذبح أم واجب؟

جـ: هي واجب لحديث (سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ)

(3)

.

‌جواز الأكل من الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها ويذكر الآكل اسم الله عند الأكل

س: ما حكم أكل الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها؟

جـ: إذا عرفنا أن الذابح ذبح على الطريقة الإسلامية سواءً كان من الكتابيين أو المسلمين فنسم الله ونأكل

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد: باب ذبيحة المرأة والأمة. حديث رفم (5080) بلفظ (عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا)

أخرجه ابن ماجه في الذبائح، وأحمد في ومن مسند القبائل. ومالك في الذبائح.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد: باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنما. حديث رقم (5543) بلفظ (عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قُلْتُ: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّنَا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلَا ظُفُرٌ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ، وَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَأَصَابُوا مِنْ الْغَنَائِمِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ النَّاسِ فَنَصَبُوا قُدُورًا فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ، ثُمَّ نَدَّ بَعِيرٌ مِنْ أَوَائِلِ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا مِثْلَ هَذَا).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأحكام والفوائد، والنسائي في الضحايا، وأبو داود في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الشركة الجهادوالسير.

معاني الألفاظ: المدية: السكين.

أنهر: أسال وصب. أوابد: نافرة متوحشة.

ند: هرب ونفر.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الصيد والذبائح: باب ذبيحة الأعراب ونحوهم. حديث رقم (5507) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَقَالَ: سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ).

أخرجه النسائي في الضحايا، وأبو داود في الضحايا، وابن ماجة في الذبائح، ومالك في الذبائح، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: البيوع، التوحيد.

ص: 320

لحديث (سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ).

‌تحريم أكل الصيد الذي لم يذكر الصائد اسم الله حين الرمي ومات من الرمي

س: إذا رمى الرامي السهم ولم يذكر اسم الله تعالى، فهل يجوز أكل الصيد؟

جـ: إذا لم يسم الله تعالى فلا يأكله لقوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}

(1)

.

س: إذا صدت الأرنبة ولم أسم الله عليها، هل أكلها جائز أم لا؟

جـ: لابد من التسمية وإلا فلا يجوز لقوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} .

‌تحريم أكل اللحوم المستوردة من بلدان كافرة لأنها تذبح على غير الطريقة الإسلامية

س: هل يجوز أن نسمي الله على الذبيحة التي تستورد مذبوحة عند أكلها عملاً بحديث (سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ)؟

جـ: البالغ في هذه الأيام أن الدجاج وغيره من الحيوانات الأخرى المستورد لحمها لا يذبحونها على الطريقة الإسلامية وإنما يميتونها بطرق أخرى، والمراد بالحديث أن الرومان في أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يذبحون المذبوحة على الطريقة الإسلامية ولكنهم لا يذكرون اسم الله عليها فقال (سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ).

‌الأكل من لحم (العقير) شبهة من الشبهات والمؤمنون وقَّافُّون عند الشبهات

س: ما حكم أكل لحم ما يسمى ب (العقير أو الهجر) الذي يذبح عند الشخص أو القبيلة لإرضائها؟

جـ: أنا متوقف في هذه المسألة

(2)

وأقول الله أعلم، والإنسان إذا لم يكن متيقناً من المسألة فيقول الله أعلم أحسن مما يغامر ويقول بشيء لم يتيقنه.

س: ما هو الحكم الفصل في حكم ما يسمى بالعقير أو الرضا هل يجوز ذبح الذبيحة أم تسليمها إلى من يستحقها أم لا؟

جـ: العلماء في هذا العصر قد اختلفوا في العقير هل هو التحريم أو الإباحة وأنا متوقف عند هذه المسألة لا بكونها محرمة ولا بكونها مباحة ولكني أجعلها من الشبهات لحديث (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ)

(3)

والمؤمنون وقَّافُّون عند

(1)

الأنعام: آية (119).

(2)

سئل شيخنا حفظه الله، عن هذه المسألة مرة أخرى من قبل طلاب سنة أخرى من طلاب جامعة الإيمان فأجاب بأن الذبح والأكل لما يسمى عند القبائل اليمنية بـ (العقير أو الهجر) شبهة من الشبهات وذلك لأن الذبيحة تذبح عند بيت المراد إرضائه ولا تذبح في المجزرة، وكأن القصد من الذبح التقرب إلى المذبوح لديه لإرضائه هذا فحوى إجابته وترجيحه في هذه المسألة.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

ص: 321

الشبهات.

س: ما حكم (ذبح الذبيحة التي تسمى الهجر أو العقير) في الشريعة الإسلامية علماً بأنه لا يتم الإعفاء إلا بذلك؟

جـ: الهجر هو أن الرجل يأتي بالثور أو الكبش فيذبحه عند باب بيت المجني عليه ولا يتم العفو عند القبائل إلا بهذا الهجر، والعلماء مختلفون فبعضهم قال هو جائز وبعضهم قال إنه حرام لأنه أُهلَّ به لغير الله حيث ذبح إرضاء للقبيلة أو لرجل أو لأسرة وبعضهم قال يجوز للضرورة لأنه إذا لم يتم هذا تتعقد المشكلة ويحصل سفك دماء، أما أنا فأعتبره شبهة من الشبهات والمؤمنون وقَّافُّون عند الشبهات لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ).

س: رجل أخطأ على رجل فحكمه (فهجره) وذبح ثورا ليرضيه، فما الحكم؟

جـ: لا يذبح لآدمي لا ثور ولا كبش لأنه سيكون من الذبح لغير الله لقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}

(1)

.

‌تحريم ذبح ما يسمى بالهجر العقير وجواز قبوله وهو حي

س: هل يجوز الهجر عند الإصلاح بين الناس؟

جـ: لا يجوز الذبح لقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} ، أما قبوله وعدم ذبحه فلا مانع.

‌تحريم الذبح عند عمارة البيت الجديد لحفظ أهل البيت من الجن

س: ما حكم الشرع فيمن يذبحون عند عمارة البيت الجديد ويسمون هذا الذبح بالغدى أو الفدية، وإذا لم يذبحوا وحصل بعد ذلك لهم من الأشياء الكريهة أو من الحوادث المؤلمة فيقال لهم السبب هو عدم الغدى؟

جـ: الذبح المذكور في السؤال وهو الذبح عند إكمال عمارة البيت الجديد لكي يحفظ الله أهل البيت الذين سيسكنون فيه من الجن ونحو ذلك مما يعتقده بعض العوام فهذا لا يجوز لاعتقاد أن الذبح يقي أهل البيت من الشرور والحوادث المؤلمة وهو مما أُهلَّ به لغير الله وقد حرمه الله تحريما قطعيا في قوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} ، أما إذا كان الذبح بلا اعتقاد أن عدم الذبح سيضرهم فلا مانع منه، هذا، والخلاصة:

أن من سيذبح معتقداً أن الذبح يصرف الجن عن البيت وعن من سيسكن في البيت فالذبح هذا بدعة من البدع وخرافة من الخرافات وحرام ولا سيما من سيريق دم المذبوح على رأس جدار أو على مردم الباب لقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} .

(1)

- البقرة: آية (173)

ص: 322

من سيذبح الكبش ليأكله هو وأقاربه وأصدقاؤه وجيرانه ومن شارك في بناء البيت ولا يعتقد فيه أيِّ عقيدة فلا بأس به لأن الأصل الإباحة في كل ما لم يكن فيه عقيدة فاسدة أو زعم باطل.

س: ما هو حكم الدين الإسلامي في الذباحة عند إكمال البناء الجديد؟ هل هو مشروع أم أنه مما أهل به لغير الله؟

جـ: هذا العمل من البدع والخرافات والأباطيل والترهات التي ليست من الإسلام في شيء ولم ترد في الكتاب العزيز ولا في السنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ولم يجمع المسلمون عليها بل بالعكس فإن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة تدل على تحريم ذلك فقد صرح القرآن بذلك في قوله تعالى {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} وجاء في حديث صحيح (وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ)

(1)

، وبناءً على ذلك فإن من سقف سقفاً في أيِّ عمارة أو عقد أيِّ عقد من أبواب المبنى فلا ينبغي له أن يذبح كبشاً معتقداً أنه بهذه الذباحة سيصرف عن العمارة الجن، أو لتكون هذه الذباحة لسكان المبنى من الشياطين ولا ينبغي لأحد من العامة أو الخاصة أن يعتقد أن ذبح الكبش على سقف المبنى أو الباب لازم أو أنه من الضروريات بل ذلك كله من الترهات والأباطيل والخرافات التي لا تستند إلى دليل صحيح ولا إلى شبهة دليل، بل ما أنزل الله بها من سلطان، وإذا كان أساتذة البناء وعمال البناء يلحون على مالك البناء في الذبح على سقف اللبيت فلا مانع أن يعطيهم مبلغاً من المال مواساة لهم وتشجيعاً ومكافأة أو يذبح لهم كبشاً بصفة عادية أي بحسب العادة التي تذبح بها الكباش في سطح البيت أو في الحوش ويريق الدم على القاع مثلما يذبح الجزار الذبيحة في محل ذباحة الغنم والبقر، أما أن تكون الذباحة على عتبة الباب ويصب الدم على عقد الباب اعتقاداً بأن الذبح على هذه الصفة وصب الدم على عقد الباب ينفع البيت وساكنيه وأن هذه العملية نافعة ضد الشياطين فهذه هي البدعة والخرافة التي لا يمكن تصديقها واعتقاد صحتها إلا بعد تضحية بجزء كبير من العقل، وترك الأدلة الشرعية وراء الظهور.

س: إذا لم يكن تقبيل الحيوان إلى جهة الكعبة أثناء الذبح شرطاً للذبح فلماذا نرفض حل أكل الدجاج المستورد المثلج؟

جـ: الدجاج المثلج ليس العلة فيه عدم تقبيله، العلة هي أننا متشككون من عدم ذبحه على الطريقة الإسلامية بل قيل أنهم يميتونهن بالصعق الكهربائي.

س: هل العلة في عدم حل الدجاج المثلج هي لأنهم يذبحونها بغير السكين؟

جـ: العلة هي إماتتها بغير الطريقة الإسلامية كالصعق بالكهرباء أو نحوه.

س: لماذا الشوكاني لم ينص على عدم حل ذبحية الكتابي؟

جـ: في أيام الشوكاني لم تكن قد وجدت الكهرباء.

(1)

صحيح مسلم: كتاب الأضاحي: باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله. حديث رقم (3657) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إِلَيْكَ قَالَ فَغَضِبَ وَقَالَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إِلَيَّ شَيْئًا يَكْتُمُهُ النَّاسَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ حَدَّثَنِي بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعٍ: قَالَ: فَقَالَ: مَا هُنَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ).

أخرجه النسائي في الضحايا، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث: الأضاحي.

معاني الألفاظ: آوى: حمى ونصر.

المحدث: الجاني. منار الأرض: علامات الأرض وظواهرها.

ص: 323

‌تحريم تعذيب الحيوان بالذبح في غير موضع الذبح الشرعي

س: هل يجوز ذبح الحيوان من خلف الرقبة؟

جـ: لا يذبح إلا من عند الأوداج لكي لا يعذب الحيوان لحديث (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ)

(1)

س: ما معنى كلمة (فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) في حديث (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)

(2)

؟

جـ: معناه أن يريح الذابح المذبوحة بالذبح في الموضع الذي يميتها حالاً، وإذا لم يعرف الذبح وسيعذب الذبيحة فيستعين بغيره من أهل الخبرة.

س: كيف يكون الذبح بالظفر والسن في حديث (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلَا ظُفُرٌ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ)؟

جـ: أهل الحبشة كان معهم أسنان كبيرة وأضافر مربية كبيرة والحديث ينص على هذا وهو أن الحبشة كانوا يقتلون الصيد بأسنانهم وأضفارهم وهذه وحشية.

‌تحريم خلس جلد الدجاج بدون ذبحها

س: هل يجوز خلس جلد الدجاج بدون ذبحها؟

جـ: لا يجوزلحديث (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).

س: هل يجوز ذبح الحيوان مثل الحمامة بيده؟

جـ: لا يجوز أن يذبحها إلا بآلة لأنه سيعذب الحيوان لحديث (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).

س: هل يجوز ذبح الجمل من عند حلقه والكبش أو الثور من عند رقبته؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد: باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنما. حديث رقم (5543) بلفظ (عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قُلْتُ: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّنَا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلَا ظُفُرٌ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ، وَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَأَصَابُوا مِنْ الْغَنَائِمِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ النَّاسِ فَنَصَبُوا قُدُورًا فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ، ثُمَّ نَدَّ بَعِيرٌ مِنْ أَوَائِلِ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا مِثْلَ هَذَا).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأحكام والفوائد، والنسائي في الضحايا. وأبودازد في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الشركة الجهادوالسير.

معاني الألفاظ: المدية: السكين. أنهر: أسال وصب. أوابد: نافرة متوحشة. ند: هرب ونفر.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الصيد والذبائح: باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة. حديث رقم (5028) بلفظ (عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).

أخرجه الترمذي في الديات، والنسائي في الضحايا، وأبو داود في الضحايا. ووابن ماجة في الذبائح، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الأضاحي.

ص: 324

جـ: العلماء قالوا: يجوز جوازاً فقط، وهو خلاف السنة، والأفضل أن يكون ذبح الكباش والبقر من عند الرأس و الجمل ينحر من عند الرقبة لحديث (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).

س: ما حكم صيد الحمام بالأقواس التي يلعب بها الأولاد في هذه الأيام؟

جـ: يجوز: ولكن بشرط أن يذكيها ولا يتلاعب بها ويعذبها، أما إذا ذبحها وأكلها فهو جائز.

‌تحريم ذبح الحيوان في غير موضع الذبح الشرعي إلا إذا ندً

س: إذا لم تهرب البهيمة على صاحبها ولكنه ذبح البهيمة من نصفها، فهل يجوز هذا الذبح؟

جـ: لا يجوز ذبح الحيوان من نصفه إلا إذا ندً لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيد جواز الذبح في غير الرقبة بما إذا ندًت البهيمة للضرورة فقط، لحديث (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).

‌وجوب غسل موضع لعاب الكلب في الصيد سبع مرات إحداهن بالتراب

س: كم مرة يغسل مكان لعاب الكلب من الصيد؟

جـ: سبع مرات إحداهن بالتراب.

س: هل لعاب الكلب المعلم نجس؟ وإذا كان نجساً فكيف يطهره؟

جـ: نعم، لعاب الكلب المعلم نجس ولا منافاة بين كون لعابه نجساً وبين حل صيده، فأكل صيده جائز ويغسل لعاب الكلب منه أولاً ثم يؤكل لحديث (إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ)

(1)

، ولا منافاة بين أكل الصيد ونجاسة لعاب الكلب فيغسل الصائد النجاسة أولاً، ثم يذبحه ويأكل لحمه.

‌جواز التصدق بلحم الحيوان المريض إذا ذبح وفيه أثر حياة ويبين للفقراء أنه كان مريضاً

س: رجل ماتت عليه نعجة وكانت مريضة قبل الموت فذكاها ووزعها صدقة على الفقراء، فما الحكم؟

جـ: من الناحية الشرعية إذا كان قد ذكاها وفيها أثر حياة فهي حلال، ولكن من الناحية الطبية كان ينبغي له أن يقول للفقراء بأنها كانت مريضة ولكني ذكيتها، فمن أراد أن يأكل منها أكل، ومن لم يرد أن يأكل منها فلا يأكل، ولا يوهم الفقراء بأنها كانت صحيحة لأن لحم المريض يقول الأطباء بأنه يؤدي إلى أمراض.

س: نرجو تفسير قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ}

(2)

وهل إذا قمنا بذبح المنخنقة أو المتردية قبل موتهما هل هي حلال أم أنها حرام؟

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الطهارة: باب حكم ولوغ الكلب. حديث رقم (418) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ)

أخرجه البخاري في الوضوء، والترمذي في الطهارة، والنسائي في الطهارة، وأبوداود في الطهارة وسننها، وابن ماجه في الطهارة وسننها، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الطهارة.

معاني الألفاظ: الولوغ: الشرب بطرف اللسان.

(2)

- المائدة: آية (3)

ص: 325

جـ: اعلم أن الآية تدل على تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها من الأشياء المذكورة في الآية إلا إذا كنتم ستذكون الحيوانات بأن تذبحوها في مكان الذبح قبل أن تخرج روحه فإنه حلال ولو كان هذا الحيوان متردياً من جبل أو من سطح أو كان قد اختنق وخشيتم أن يموت فذكيتموه فلا بأس من ذلك، وكذلك إن كان منطوحاً أو مضروباً فالكل جائز أكله مهما أدركتموه وذبحتموه قبل موته فمن قال لك خلاف ما تدل عليه الآية فلا تصدقه، وتعرف الحياة بتحريك يدها أو رجلها أو ذنبها أو عينها أو نحو ذلك، أما إذا لم تحرك رجلها أو يدها أو ذنبها ولا جريان نفسها فإنها في هذه الحالة ميتة ولا تحللها التذكية.

س: ما حكم من اشترى بقرة لذبحها ووجد أنها حامل، فهل يذبح ابنها أم يرميه؟

جـ: يذبح ابنها ولا يرميه، إلا أن الأطباء يقولون أنه لا ينبغي للإنسان أن يذبح البقرة الحامل لأن لحمها فيه ضعف فهذا من الناحية الطبية فقط، أما من الناحية الشرعية فيجوز ذبحها وأكل لحمها.

‌تحريم أكل شيء من الحيوان بعد موته لأنه ميتة

س: رجل مات له جمل فأخذ كبده بعد موته، هل يجوز له ذلك؟

جـ: لا يجوز أخذ كبده ولا طحاله ولا أيِّ جزء منه لأنه ميتة لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ولحديث (إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا)

(1)

‌تحريم أكل الجلاّلة إذا وجد فيها عين النجاسة أو شمها أو طعمها

س: الجلالة إذا سقطت من سطح منزل أو شاهق فأدرك الرجل أن فيها حياة فذبحها، هل يجوز أكلها؟

جـ: إذا وجد أن فيها عين النجاسة أو شمها أو طعمها فلا يجوز أكلها لحديث (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا)

(2)

، وإن لم يوجد للنجاسة أثر لأنها قد استحالت إلى شيء آخر فيجوز أكلها.

‌تحريم أكل صيد الكلب المعلم إذا شاركه كلب آخر

س: ما المراد بلفظ الحديث (فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ) حتى ولو كان الكلب الآخر معلماً؟

جـ: نعم، يحرم أكله سواء كان الكلب المشارك معلماً أو غير معلم، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ) في حديث (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ، قَالَ: فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ)

(3)

فجعل العلة

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الزكاة: باب المسألة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (1397) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: وَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا، قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ: إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا)

أخرجه مسلم في الحيض، والترمذي في اللباس، والنسائي في الفرع والعتيرة، وأبوداود في اللباس، وابن ماجه في اللباس، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، ومالك في الصيد، والدارمي في الأضاحي.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الأطعمة: باب النهي عن أكل الجلالة وألبانها. حديث رقم (3785) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم

أخرجه الترمذي في الأطعمة.

معاني الألفاظ: الجلالة: الحيوان الذي يأكل العذرة.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الوضوء: باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان. حديث رقم (169) بلفظ (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ، قَالَ: فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ)

أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، والترمذي في الصيد، والنسائي في الصيد والذبائح، وأبوداود في الصيد، وابن ماجه في الصيد، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في الصيد.

ص: 326

هي التسمية وهذا لفظ الحديث بعدم الحل.

‌جواز اقتناء الكلب لحراسة الزرع أو الماشية أو للصيد

س: هل يجوز اقتناء الكلاب لحراسة الزرع أو الماشية؟

جـ: يجوز استخدام الكلب لحراسة الزرع والمواشي أو للصيد لأن النصوص تجيز ذلك فقط، منها حديث (مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ)

(1)

وحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ)

(2)

وحديث (نَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ مَاشِيَةٍ)

(3)

.

‌جواز اقتناء الكلب لحراسة البيت أو السيارة

س: هل يجوز اقتناء الكلب لحراسة السيارة التي يوقفها مالكها خارج البيت أو لحراسة البيوت؟

جـ: يمكن أن يجوز اقتناء الكلب لحراسة السيارة بدل الماشية ولحراسة البيت بدلاً عن الزرع.

‌جواز أكل ما صاده الكلب المعلم حتى لو مات بدون تذكية وتحريم غير المعلم إلا إذا ذكي

س: إذا صاد الكلب المعلم الصيد فمات ولم يذكه الصائد، فهل يجوز أكله؟

جـ: حكم الكلب المعلم مثل حكم السكين فيجوز أكل ما صاده الكلب المعلم حتى ولو لم يذكه الصائد، أما الكلب غير المعلم فحكمه مثل الحجر فإن صاد شيئاً وذكاه الإنسان فيجوز أكله، وإن مات بدون تذكيه فلا يجوز أكله.

‌تحريم أكل ما أكله الكلب من صيد البحر وجواز أكل ما أكل منه الطير

س: ما قذفه البحر فوجدنا أنه قد أكل منه كلب أو طائر فهل يجوز أكله؟

جـ: ما قد أكل منه الكلب فلا يجوز أكله، وأما الطائر إذا أكل من صيد البحر فيجوز أكله.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المزارعة: باب اقتناء الكلب للحرث. حديث رقم (2154) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ)

اخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في الأحكام والفوائد، والنسائي في الصيد والذبائح، وأبوداود في الصيد، وابن ماجه في الصيد، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: القيراط: قدرعظيم من الأجروالثواب.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق: باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه. حديث رقم (3076) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ)

اخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في الأحكام والفوائد، والنسائي في الصيد والذبائح، وأبوداود في الصيد، وابن ماجه في الصيد، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع، والدارمي في الصيد.

لايوجد له مكررات.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب المساقاة: باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه. حديث رقم (2937) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ مَاشِيَةٍ)

اخرجه البخاري في بدءالخلق، والترمذي في الأحكام والفوائد، والنسائي في الصيد والذبائح، وأبوداود في الصيد، وابن ماجه في الصيد، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع، والدارمي في الصيد.

ص: 327

‌جواز أكل الصيد المجهول صائده إذا وجده وفيه أثر حياة وتحريم أكله إذا وجده ميتاً

س: إذا وجد شخص ظبياً مضروباً برصاصة ولم يجد عنده أحداً، فهل يجوز له أخذه كأن وجده في صحراء وإذا تركه في الصحراء تعفن؟

جـ: إذا وجده ميتاً فلا يجوز أكله لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}

(1)

وإن وجده وفيه أثر حياة وذكاه فيجوز أخذه وأكله لأن الأصل الجواز.

‌تحريم أكل الصيد إذا وقع بين الماء فمات

س: إذا رمى الإنسان طائراً ووقع في الماء وتبعه مباشرة ووجده قد مات، فهل يأكله؟

جـ: لا يجوز أكله لأنه يحتمل أنه مات من الرمية ويحتمل أنه مات بسبب الماء.

‌معنى لفظ الحديث (فند بعير من إبل القوم)

س: ما المقصود بلفظ (ثمَّ إِنَّ بَعِيرًا نَدَّ) في حديث (إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا)

(2)

؟

جـ: أي هرب، أحياناً يصرع الحيوان ويصير كالمجنون ويند أي يسرع في مشيه ولا أحد يستطيع أن يلحقه أو يمسكه ومن أقترب منه عقره.

س: ما معنى لفظ الحديث (إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ)؟

جـ: معناه أن لهذه الحيوانات كالجمال عادات كعادات الوحش.

س: ما حكم من وجد خروفاً مرمياً برصاصة فوجده ميتاً فذبحه، فهل تعتبر الرصاصة ذكاة له حتى وإن لم يقصد الرامي رميه؟

جـ: لا يجوز أكله لأنه ميتة لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ولا تعتبر الرصاصة ذكاة له بل لا بد من التذكية الشرعية وإلا فهو ميتة.

(1)

- المائدة: آية (3)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الشركة: باب من عدل عشرا من الغنم بجزور في القسم. حديث رقم (2507) بلفظ (عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا فَعَجِلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ، ثُمَّ إِنَّ بَعِيرًا نَدَّ وَلَيْسَ فِي الْقَوْمِ إِلَّا خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بِسَهْمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا، قَالَ: قَالَ جَدِّي: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْجُو أَوْ نَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ، فَقَالَ: اعْجَلْ أَوْ أَرْنِي مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأحكام والفوائد، والنسائي في الصيدوالذبائح. وأبوداود في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الجهادوالسير.، الذبائح والصيد.

معاني الألفاظ: كفأ: قلب. ند: هرب ونفر. حبسه: أصابه.

أوابد: نافرة متوحشة.

مدى: جمع مدية وهي السكين.

ص: 328

الباب الثالث: الضيافة

• وجوب الضيافة عند الشوكاني واستحبابها عند جمهور العلماء

• الضيف هو الشخص الغريب الذي لا يعرفه المضيف

• مدة الضيافة ثلاثة أيام

• جواز مطالبة الضيف بحق الضيافة لمدة ثلاثة أيام

• جواز الوقوف للضيف

• الأولى للمضطر الأكل من الثمار المتساقطة

• الخبنة طرف الثوب

• تحريم أخذ المضطر شيئاً من الثمار إلى خارج الحائط

• تحريم أكل العامل من ثمار الحائط إلا إذا اضطر اضطراراً أو أذن له صاحب البستان

ص: 329

‌الباب الثالث: الضيافة

‌وجوب الضيافة عند الشوكاني واستحبابها عند جمهور العلماء

س: هل الضيافة مشروعة على جهة الوجوب أو السنية؟

جـ: هي عند الجمهور على جهة السنية وعند الشوكاني على جهة الوجوب لأن الأمر يقتضي الوجوب في قوله صلى الله عليه وسلم (فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ)

(1)

.

‌الضيف هو الشخص الغريب الذي لا يعرفه المضيف

س: ما المراد بالضيف في الأحاديث؟

جـ: هو الشخص الغريب الذي لا يعرفه الشخص المضيف وليس هو الشخص المعروف أو القريب للمضيف كما هو معروف في هذه الأيام.

‌مدة الضيافة ثلاثة أيام

س: كم مدة الضيافة؟

جـ: مدة الضيافة ثلاثة أيام لحديث (الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ)

(2)

وحديث (الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يُؤْثِمُهُ؟ قَالَ: يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ)

(3)

.

‌جواز مطالبة الضيف بحق الضيافة لمدة ثلاثة أيام

س: إذا لم يضيف الشخص الضيف فهل يجوز للضيف أن يطالب المضيف بحق الضيافة؟

جـ: يجوز له أن يأخذ من مال المضيف ما يكفيه لمدة ثلاثة أيام لحديث (فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ)، ويجوز للجائع المضطر أن يأكل من بستان أو نحوه ما يسد رمقه ولا يأخذ خبنة لحديث (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المظالم والغصب: باب قصاص المظلوم. حديث رقم (2281) بلفظ (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْنَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَا، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ: لَنَا، إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ)

أخرجه مسلم في اللقطة، والترمذي في السير، وأبوداود في الأطعمة، وابن ماجه في الأدب، وأحمد في مسند الشاميين.

(2)

- صحيح البحاري: كتاب الرقاق: باب حفظ اللسان وقول النبي صلى الله عليه وسلم فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ. حديث رقم (5995) بلفظ (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعَ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ جَائِزَتُهُ، قِيلَ: مَا جَائِزَتُهُ؟ قَالَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ)

أخرجه مسلم في اللقظة، والترمذي في البروالصلة، وأبوداود في الأطعمة، وابن ماجه في الأدب، وأحمد في أول مسند المدنيين، ومالك في الجامع، والدارمي في الأطعمة.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب اللقطة: باب الضيافة ونحوها. حديث رقم (3256) بلفظ (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يُؤْثِمُهُ؟ قَالَ: يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ)

أخرجه البخاري في الأدب، والترمذي في البروالصلة، وأبوداود في الأطعمة، وابن ماجه في الأدب، وأحمد في ومن مسند القابائل، ومالك في الجامع، والدارمي في الأطعمة.

معاني الألفاظ: جائزته: يعطيه ما يجوزبه مسافة يوم وليلة.

ص: 330

خُبْنَةً)

(1)

وحديث (مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)

(2)

وحديث (سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ وَهُوَ يَسْأَلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ قَالَ: وَسَأَلَهُ عَنْ الثِّمَارِ وَمَا كَانَ فِي أَكْمَامِهِ؟ فَقَالَ: مَنْ أَكَلَ بِفَمِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ وُجِدَ قَدْ احْتَمَلَ فَفِيهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ وَضَرْبُ نَكَالٍ، فَمَا أَخَذَ مِنْ جِرَانِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ)

(3)

أي لا يأخذ معه شيئاً وإنما يجوز له أن يأكل في بطنه فقط.

‌جواز الوقوف للضيف

س: ما حكم الوقوف للضيف سواء كبيرا أو صغيرا؟

جـ: لا مانع لحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ).

‌الأولى للمضطر الأكل من الثمار المتساقطة

س: إذا دخل الرجل الحائط وتحت الشجر ثمار متساقطة من الشجر، فهل يأكل ما يكفيه من الثمار المتساقط أم يأخذ مما على الشجرة؟

جـ: الأولى له أن يأكل من المتساقط تحت الشجر وإن لم يوجد ثمار متساقطة فيجوز له أن يأكل من الثمار التي على الشجر لحديث (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً).

‌الخبنة طرف الثوب

س: ما هي (الخبنة) في حديث (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً)؟

جـ: هي طرف الثوب. والمراد بالخبنة في الحديث أنه يجوز للرجل أن يأكل من ثمار الحائط غير متخذ في ثوبه شيئاً.

(1)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ماجاء في الرخصة في أكل الثمر للماربها. حديث رقم (1308) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً)

أخرجه النسائي في قطع يد السارق، وأبوداود في اللقطة، وابن ماجه في الحدود، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: خبنة: المراد لا يؤخذ منه شيئا في ثوبه خفية.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ماجاء في الرخصة في أكل الثمر للماربها. حديث رقم (1310) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)

أخرجه النسائي في قطع يد السارق، وأبوداود في اللقطة، وابن ماجه في الحدود، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: خبنة: المراد لا يؤخذ منه شيئا في ثوبه خفية.

(3)

- مسند أحمد: كتاب المكثرين من الصحابة: باب مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. حديث رقم (6641) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ وَهُوَ يَسْأَلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ قَالَ: وَسَأَلَهُ عَنْ الثِّمَارِ وَمَا كَانَ فِي أَكْمَامِهِ؟ فَقَالَ: مَنْ أَكَلَ بِفَمِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ وُجِدَ قَدْ احْتَمَلَ فَفِيهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ وَضَرْبُ نَكَالٍ، فَمَا أَخَذَ مِنْ جِرَانِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجِدُ فِي السَّبِيلِ الْعَامِرِ مِنْ اللُّقَطَةِ؟ قَالَ عَرِّفْهَا حَوْلًا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجِدُ فِي الْخَرِبِ الْعَادِيِّ قَالَ فِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ)

ص: 331

‌تحريم أخذ المضطر شيئاً من الثمار إلى خارج الحائط

س: هل يجوز للجائع أن يأخذ ما يحتاجه في الطريق من البستان؟

جـ: لا يجوز وهذا مخالف لحديث (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً).

س: هل جواز الأكل من الحائط بحديث (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً) يدخل فيه الراعي بجوار الحائط أم أنه خاص بالضيف فقط؟

جـ: هو خاص بالضيف.

‌تحريم أكل العامل من ثمار الحائط إلا إذا اضطر اضطراراً أو أذن له صاحب البستان

س: هل يجوز للعامل الذي يعمل في البستان أن يأكل من ثمار البستان بدون إذن صاحب البستان؟

جـ: لا يجوز إلا إذا اضطر للأكل منه اضطراراً أو أذن له صاحب البستان والغالب أن أصحاب البساتين يأذنون للعمال أن يأكلوا منها بدون أخذ خبنة.

س: ما معنى (فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ)؟

جـ: معنى الحديث إذا جاء الضيف وامرأة الرجل مريضة أو مشغولة فيعطيه الرجل شيئاً لمقابل ضيافته ليأكله في أيِّ مكان كان أو يعمله لنفسه.

ص: 332

الباب الرابع: آداب الأكل

• من آداب الأكل التسمية والحمد عند الفراغ والأكل باليمين ومما يلي الآكل ولعق الأصابع

• وجوب الأكل باليمين

• تحريم الأكل باليد اليسرى

• الأكل متكئاً خلاف الأفضل

• جواز الارتفاع عن المائدة أثناء الطعام

• كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يتوسع في أنواع المطعومات

• جواز أكل الخضروات المسقية بماء المجاري لأن النجاسة قد تحللت بين التراب

ص: 333

‌الباب الرابع: آداب الأكل

‌من آداب الأكل التسمية والحمد عند الفراغ والأكل باليمين ومما يلي الآكل ولعق الأصابع

س: ما هي آداب الأكل؟

جـ: يشرع للآكل التسمية والأكل باليمين والأكل مما يلي الآكل، لحديث (يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ)

(1)

، ويشرع لعق الأصابع لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، قَالَ: وَقَالَ: إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ)

(2)

والحمد عند الفراغ من الطعام والدعاء بالمأثور في حديث (الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، رَبَّنَا)

(3)

وفي رواية (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ)

(4)

، ولا يأكل متكئاً لحديث (لَا آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ)

(5)

والمتكئ: هو الذي يجلس متمكناً على مقعدته.

س: ما هو رأي الخطابي في المتكئ؟

جـ: الخطابي: يقول ليس المراد بالمتكئ هو من يجلس متكئاً على إحدى جنبيه، والمراد بالمتكئ عند الخطابي: هو أن يجلس الآكل متربعاً.

س: هل هناك دعاء قبل الأكل غير التسمية؟

جـ: لا، لا يوجد دعاء قبل التسمية.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأطعمة: باب التسمية على الطعام والأكل باليمين. حديث رقم (4957) بلفظ (سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ).

أخرجه أبو داود في الأطعمة، وابن ماجة في الأطعمة، وأحمد في أول مسند المدنيين أجمعين، ومالك في الجامع، والدارمي في الأطعمة.

أطراف الحديث: الأطعمة.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب استحباب لعق الأصابع والقصعة وأكل القمة. حديث رقم (3795) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، قَالَ: وَقَالَ: إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ)

أخرجه الترمذي في الأطعمة، وأبوداود في الأطعمة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الأطعمة.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأطعمة: باب مايقول إذا فرغ من طعامه. حديث رقم (5027) بلفظ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، رَبَّنَا)

أخرجه الترمذي في الدعوات، وأبوداود في الأطعمة، وابن ماجه في الأطعمة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الأطعمة.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الأطعمة: باب مايقول إذا فرغ من طعامه. حديث رقم (5028) بلفظ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ وَقَالَ: مَرَّةً إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ، وَقَالَ مَرَّةً الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى رَبَّنَا)

أخرجه الترمذي في الدعوات، وأبوداود في الأطعمة، وابن ماجه في الأطعمة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الأطعمة.

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الأطعمة: باب الأكل متكئاً. حديث رقم (4980) بلفظ (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لِرَجُلٍ عِنْدَهُ، لَا آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ).

أخرجه الترمذي في الأطعمة، وأبو داود في الأطعمة، وابن ماجة في الأطعمة، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في الأطعمة.

أطراف الحديث: الأطعمة.

ص: 334

‌وجوب الأكل باليمين

س: هل الأكل باليمين مندوب أم واجب؟ وهل آداب الأكل كلها واجبة؟

جـ: الظاهر أنه واجب لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شبَّه من يأكل أو يشرب بشماله بالشيطان في حديث (لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا)

(1)

أما الآداب الأخرى فالظاهر أنها مندوبة.

‌تحريم الأكل باليد اليسرى

س: هل الأكل بالشمال محرم أم مكروه؟

جـ: عندي أن الأكل بالشمال محرم لتشبيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للآكل بشماله بالشيطان في حديث (لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا) وللذي قال له (كُلْ بِيَمِينِكَ، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: لَا اسْتَطَعْتَ: مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ)

(2)

.

س: هل الأكل بثلاث أصابع سنة؟

جـ: نعم الأكل بثلاث أصابع سنة لحديث (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا)

(3)

وفي رواية (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا)

(4)

.

س: هل من السنة لعق الإناء؟

جـ: ليس المراد لعق الإناء حقيقة بلسانه وإنما ينظفه بيده ويسلت الإناء حتى لا يبقى فيه شيئاً من الطعام لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، قَالَ: وَقَالَ: إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما. حديث رقم (3765) بلفظ (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا قَالَ وَكَانَ نَافِعٌ يَزِيدُ فِيهَا وَلَا يَأْخُذُ بِهَا وَلَا يُعْطِي بِهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الطَّاهِرِ لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ).

أخرجه الترمذي في الأطعمة، وأبو داود في الأطعمة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في الجامع، والدارمي في الأطعمة.

أطراف الحديث: الأشربة.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما. حديث رقم (3766) بلفظ (حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: لَا اسْتَطَعْتَ: مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ).

أخرجه أحمد في أول مسند المدنيين أجمعين، والدارمي في الأطعمة.

معاني الألفاظ: فما رفعها: أصابها الشلل فلم يعد يستطيع رفعها.

في: فم

(3)

- صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابي بن كعب رضي الله عنه برقم (3790).

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب استحباب لعق الأصابع والقصعة وأكل القمة. حديث رقم (3791) بلفظ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَوْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا)

أخرجه الترمذي في الأطعمة، وأبوداود في الأطعمة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الأطعمة.

ص: 335

طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ)

(1)

.

س: هل لعق الأصابع بعد كل لقمة أم بعد الأكل؟

جـ: بعد كل لقمة.

س: ما معى (سلت الإناء بعد الأكل) في حديث (وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ)؟

جـ: يسلت الآكل الإناء حتى لا يبقى فيه شيئ من الأكل.

س: ما هي الجلسة المسنونة على الأكل؟

جـ: يضع ركبتيه على الأرض مثل الجلوس للصلاة.

‌الأكل متكئاً خلاف الأفضل

س: هل حديث (لَا آكُلُ مُتَّكِئًا) يدل على التحريم؟

جـ: لا هو ليس نهياً قولياً حتى يدل على التحريم، وإنما هو إخبار عن فعل وهو يدل على الأفضلية.

‌جواز الارتفاع عن المائدة أثناء الطعام

س: هل يجوز الإرتفاع عن المائدة أثناء تناول الطعام؟

جـ: لا مانع، لأن الأصل الجواز.

كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يتوسع في أنواع المطعومات

س: ما معنى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يتوسع في الألوان وكأنه يأكل بلغة؟

جـ: معناه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يجمع بين أكثر من إدام على الطعام الواحد بل كان يأكل على الطعام إداماً واحداً إن وجد، ولا يتوسع في أنواع المطعومات بل يأكل بلغة ما يكفيه ويسد حاجته.

‌جواز أكل الخضروات المسقية بماء المجاري لأن النجاسة قد تحللت بين التراب

س: ما حكم أكل الخضروات والفواكه التي تسقى بنجاسة كمياه المجاري؟

جـ: إذا قد استحالت النجاسة ولم يبق لها شم ولا طعم ولا لون في النباتات فلا مانع.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب استحباب لعق الأصابع والقصعة وأكل القمة. حديث رقم (3795) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، قَالَ: وَقَالَ: إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ)

أخرجه الترمذي في الأطعمة، وأبوداود في الأطعمة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الأطعمة.

ص: 336

‌كتاب الأشربة

• كل مسكر حرام سواء كان قليلاً أم كثيراً

• تحريم ما يسكر كثيره

• كل مسكر حرام ولو سمي بغير اسم الخمر لعلة الإسكار

• تحريم شرب النبيذ إذا قد صار مسكراً في جميع المذاهب الإسلامية

• الأصل في النبيذ الذي لم يتغير ويباع في الأسواق الجواز

• جواز الانتباذ في أيِّ إناء وشرب النبيذ ما لم يكن مسكراً

• جواز شرب النبيذ قبل تغيره

• كراهة انتباذ جنسين مختلطين لاستعجال التخمر فيه

• تحريم تخليل الخمر

• تحريم شرب الخمر للتداوي

• تحريم طاعة المرأة زوجها في مشاركته في شرب الخمر أو مساعدته في شرب الخمر

• استحباب الشرب باليد اليمنى وكون الشارب قاعداً وكون الشرب على ثلاثة أنفاس

• استحباب إعطاء الشراب من على يمين الساقي حتى لو كان طفلاً أو أمياً

• كراهة تنفس الشارب في الإناء

• تحريم الشرب أو الأكل في آنية الذهب أو الفضة

• جواز تعليق أواني الذهب أو الفضة للزينة

ص: 337

كتاب الأشربة

‌كل مسكر حرام سواء كان قليلاً أم كثيراً

س: ما حكم المسكر القليل؟

جـ: هو حرام لحديث (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)

(1)

ولحديث (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)

(2)

وكل مسكر حرام سواءً كان قليلاً أم كثيراً.

‌تحريم ما يسكر كثيره

س: ما رأيكم في عصير اسمه (موسي) فيه نسبة كحول 5% هل يجوز شربه علما أنه لا يسكر؟

جـ: ما أسكر كثيره فقليله حرام لحديث (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ) ولحديث (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ).

‌كل مسكر حرام ولو سمي بغير اسم الخمر لعلة الإسكار

س: هل يجوز شرب السائل المسكر إذا سمي بغير اسم الخمر، كالبيرة ونحوها؟

جـ: كل مسكر حرام ولو سمي بغير اسم الخمر لأن العلة هي الإسكار، والأسماء لا يترتب عليها أحكام شرعية، والبيرة إن كان كثيرها مسكراً فقليلها حرام لحديث (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ) ولحديث (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ).

‌تحريم شرب النبيذ إذا قد صار مسكراً في جميع المذاهب الإسلامية

س: ما هو مذهب الحنفية في النبيذ؟

جـ: أنا لم أعرف ما هي نظرة المذهب الحنفي للنبيذ ولكن إذا قد صار النبيذ مسكراً فهو حرام في جميع المذاهب الإسلامية لحديث (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ) ولحديث (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ).

‌الأصل في النبيذ الذي لم يتغير ويباع في الأسواق الجواز

س: ما حكم نبيذ الزبيب الذي يباع في (سوق الملح) مع أننا لا نعلم مقدار المدة التي ينتبذ فيها؟

جـ: نبيذ الزبيب في أيِّ سوق كان الأصل فيه الجواز وعدم التغير وهو ليس مسكراً، وإذا كان قد أسكر فهو حرام يجب إراقته فوراً في أيِّ سوق كان.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الأشربة: باب الخمر من العسل وهو البتع. حديث رقم (5586) بلفظ (عن أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْبِتْعِ وَهُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ).

أخرجه مسلم في الأشربة، والترمذي في الأشربة، والنسائي في الأشربة، وأبو داود في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأشربة، والدارمي في الأشربة.

أطراف الحديث: الوضوء.

معاني الألفاظ: البتع: شراب يتخذ من العسل.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الأشربة: باب ماجاء ما أسكر كثيره فقليله حرام. حديث رقم (1865)(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) قال الألباني عن الحديث في صحيح سنن الترمذي (حسن صحيح).

أخرجه أبو داود في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 338

‌جواز الانتباذ في أيِّ إناء وشرب النبيذ ما لم يكن مسكراً

س: هل يجوز الانتباذ في أيِّ إناء؟

جـ: نعم، يجوز الانتباذ في أيِّ إناء، ويجوز شرب النبيذ مالم يكن مسكراً لحديث (نَهَيْتُكُمْ عَنْ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا)

(1)

أما النهى عن الانتباذ في أواني الدباء والحنتم والمزفت والمقير الواردة في حديث (وَنَهَاهُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ)

(2)

فكان النهي في أول الإسلام ثم نسخ النهي بحديث (فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا).

‌جواز شرب النبيذ قبل تغيره

س: هل يجوز شرب النبيذ قبل غليانه؟

جـ: إذا كان النبيذ لم يتغير ولم يزبد فيجوز ولو بعد ثلاثة أيام أو أربعة أيام، أما إذا قيل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ثلاثة أيام يعطي للخادم ولا يشرب النبيذ فنقول هذا دليل على جواز شرب النبيذ إذ لو كان محرماً لأراقه ولما أعطاه للخادم، وبناءً عليه فنقول يجوز للإنسان أن يشرب النبيذ ولو بعد أسبوع مالم يتغير ويزبد، وتغيره يختلف من المناطق الحارة إلى المناطق الباردة، ففي المناطق الباردة يتأخر تغيره عن المناطق الحارة لأنه في البلاد الباردة لا يزبد إلا بعد مدة طويلة بخلاف المناطق الحارة، أو ما ينتبذ في أوان حارة كـ (الانتباذ في الدُّباء أو الحنتم) أو نحوه.

س: ما الحكم في شراب يستخرج من شجر النخل الصغيرة ويسمى (النبيذ) وكيفيتة تقطع الشجرة ويوضع إناء تحتها ليسيل السائل في الإناء ثم يشرب؟

جـ: إذا لم يكن السائل مسكراً فيجوز شربه ولا عبرة بالأسماء لأنّ العلة في المشروبات هي الإسكارلحديث (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)، فما كان يسكر كثيرة فقليله حرام لحديث (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) ولا عبره بكونه يسمى نبيذاً بل العبرة بالاسكار لا بالأسماء.

‌كراهة انتباذ جنسين مختلطين لاستعجال التخمر فيه

س: هل يجوز انتباذ جنسين مختلطين؟

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم. حديث رقم (5086) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَهَيْتُكُمْ عَنْ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا).

أخرجه النسائي في الأشربة، وأبو داود في الأشربة، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

معاني الألفاظ: النبيذ: شراب حلو يتخذ غالبا من التمر.

السقاء: وعاء يوضع فيه الشراب.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب العلم: باب تحريض النبي صلى الله علبه وسلم وفد. حديث رقم (53) بلفظ (عن شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ الْوَفْدُ أَوْ مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى، قَالُوا: إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ عز وجل وَحْدَهُ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ. وَنَهَاهُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ).

أخرجه مسلم في الأشربة، والترمذي في الإيمان، والنسائي في الأشربة، وأبو داود في الأشربة، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: الإيمان، الوكالة.

معاني الألفاظ:

شقة: مكان.

الدباء: القرع، والمراد هنا إناء يصنع من القرع. الحنتم: إناء يصنع من طين. المزفت: إناء يطلى بالزفت أوالقار.

النقير: جذغ الشجر ينقر ويتخذ وعاء.

المقير: إناء يطلى بالقار.

ص: 339

جـ: هو مكروه لاستعجال التخمّر فيه ومن الممكن أن يكون محرماً لحديث (لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ وَبَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ نَبِيذًا)

(1)

الحديث دليل على تحريم الجمع بين جنسين مختلطين في نبيذ واحد لأن خلط الجنسين في النبيذ يسرع التخمر فلا يجمع بين زبيب وتمر أو تمر وبسر أو حب وشعير أو ذره وقمح في الانتباذ كما لا يجمع بين أيِّ جنسين مختلطين في الانتباذ لحديث (لَا تَنْتَبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا وَلَا تَنْتَبِذُوا الرُّطَبَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا وَلَكِنْ انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ)

(2)

.

‌تحريم تخليل الخمر

س: هل يجوز تخليل الخمر؟

جـ: لا يجوز لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تخليل الخمرفي حديث (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا فَقَالَ: لَا)

(3)

إلا أن يتخلل من ذات نفسه فيجوز، ولا يجوز التحيُّل في تخليل الخمر بل الواجب على الإنسان أن يريق الخمر ولا يعالجه لتخليله.

‌تحريم شرب الخمر للتداوي

س: هل يجوز شرب الخمر بنسب قليلة للتداوي به؟

جـ: لا يجوز لحديث (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)

(4)

وقال صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ)

(5)

فيجب تصديق قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقديمه على قول الأطباء.

س: هل قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) تجوًّز شرب القليل من الخمر للعلاج؟

جـ: هذه القاعدة يعمل بها في غير الخمر، أما الخمر ففيها حديث بأنها (داء وليست بدواء) كما في حديث (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ).

(1)

صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين. حديث رقم (5118) بلفظ (عن ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ لِي عَطَاءٌ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ وَبَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ نَبِيذًا).

أخرجه البخاري في الأشربة، والترمذي في الأشربة، والنسائي في الأشربة، وأبو داود في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: البسر: أول مايدرك من التمر.

النبيذ: شراب حلو يتخذ غالبا من التمر.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين. حديث رقم (5127) بلفظ (عَنْ أِبِي قَتَادَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَنْتَبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا وَلَا تَنْتَبِذُوا الرُّطَبَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا وَلَكِنْ انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ).

أخرجه البخاري في الأشربة، والنسائي في الأشربة، وأبو داود في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الأشربة.

معاني الألفاظ: الإنتباذ: الإلقاء والطرح لتصير نبيذا.

الزهو: ماخالطه صفرة وحمرة من أول التمر.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الاشربة: باب تحريم تخليل الخمر. حديث رقم (5111) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا فَقَالَ: لَا).

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في الأشربة، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الأشربة.

(4)

صحيح البخاري: كتاب الأشربة: باب شراب الحلوى والعسل. حديث رقم (5290) بلفظ (َقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ لِأَنَّهُ رِجْسٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ).

(5)

- صحيح مسلم: كتاب الاشربة: باب تحريم التداوي بالخمر. حديث رقم (5112) بلفظ (عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ).

أخرجه مسلم في الأشربة، وأبو داود في الأشربة، وأحمد في مسند الكوفيين.

ص: 340

س: قيل أن بعض أنواع الخمر فيها علاج لبعض الأمراض، فهل هذا القول صحيح وهل يجوز شربها للضرورة؟

جـ: الجواب والله الموفق للصواب، أنه قد أجاب سيد الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين الرسول الأعظم والشفيع المكرم (محمد بن عبدالله) صلى الله عليه وآله وسلم منذ أربعة عشر قرناً حيث سأله رجل عن الخمر فنهاه عنها فقال الرجل إنما أصنعها للدواء فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي، وهكذا حديث (إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ)

(1)

، هكذا قال صلى الله عليه وآله وسلم (إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ) وفي حديث (وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) وهكذا نقول لكل من يدعي أن في الخمرة دواء بل نقول له أن فيه عدة أضرار، هي:

أولاً: أنها تضر الكبد والمعدة ضرراً بالغاً حتى لقد قيل أن معهد الإحصاء القومي في فرنسا قرر أن الخمور بدأت تقتل من الفرنسيين أكثر مما يقتل مرض السل، ولا حياة لمن كان مضروراً في كبده أو معدته.

ثانياً: إن الخمر يضر روح الإنسان حيث تصده عن ذكر الله وعن الصلاة وعن كل شعيرة من شعائر الدين كما قال الله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}

(2)

ولا خير في إنسان يعيش بلا روح دينية ولا جسم صحيح.

ثالثاً: إن الخمر تزيل عقل الإنسان ولا أدري أيُّ إنسان هذا الذي سيعيش بلا جسم صحيح ولا روح دينية ولا عقل سليم قال ابن الوردي:

واهجر الخمرة إن كنت فتى

كيف تسعى في جنون من عقل

رابعاً: أن الخمر تفسد صِلات المحبة بين مدمن الخمر وبين الناس وتوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين قال الله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} .

خامساً: إن شارب الخمر ينغمس في الشهوات إلى أبعد مدى وتطوع له نفسه انتهاك الأعراض وقتل النفوس، وكم حدثت حوادث قتلت فيها نفوس وانتهكت فيها أعراض نتيجة لشرب الخمر.

سادساً: أنها تضيِّع الأموال وتبذرها وكم نهى الإسلام عن إضاعة المال، كما في حديث (وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ)

(3)

وعن الإسراف والتبذير، وقد نهى الإسلام عن إضاعة الأموال والإسراف في إنفاقها والتبذير بها في المباح فكيف إذا كان في الحرام قال تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ

لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}

(4)

وقال تعالى {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}

(5)

الإسراف والتبذير محرمان إذا أسرف

(1)

سنن أبي داود: كتاب الطب: باب الأدوية المكروهة. حديث رقم (3376) بلفظ (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود برقم (3874).

(2)

المائدة: آية (91)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب عقوق الوادين من الكبائر. حديث رقم (5518) بلفظ (عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَمَنْعًا وَهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ)

أخرجه مسلم في المساجدومواضع الصلاة، والنسائي في السهو، وأبوداود في الصلاة، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في الرقاق.

(4)

- الأعراف: (31).

(5)

- الإسراء: (27).

ص: 341

الإنسان في الإنفاق على ما هو مباح وحلال، فكيف بمن يضيع أمواله في الحرام.

سابعاً: ولا ننسى الضرر الأدبي الذي يصيب شاربها حيث يذهب ما كان يتمتع به من حشمه ووقار واحترام بين الأهل والأبناء والأصدقاء، وإن منظر الرجل التي تفعل الخمر برأسه فعلها لمنظر مُزْرٍ يدعو إلى الرثاء ويبعث على السخرية وتشمئز منه النفوس الكريمة.

ثامناً: أن شارب الخمر يضحي بأسرته جميعاً ولا سيما بأطفاله الصغار من البنات والبنين وأيُّ خطر فادح يصيب أسرة هذا الرجل الذي أصيب في عقله وجسمه ودينه ودنياه لا شك أن مثل هذه الأسرة تصاب بأفدح الخطر من حيث رعايتها والقيام على شؤون الزوجة والأولاد الصغار من البنين والبنات وقد تكون في أمس الحاجة إلى قليل من المال بينما عائلها ينفق الأموال على هذه السموم.

تاسعاً: إن شرب الخمر يفسد المجتمع ويجعله مجتمعاً منهاراً لا قوة به ولا عزة ولا كرامة لأن المجتمع يتكون من الأفراد والمجتمع الذي يتكون من أفراد هذه حالتهم لا شك أنه يكون مجتمعاً منهاراً فاسداً خبيثاً لا يمكن لمثله أن يكتب له البقاء لأنه سيكون منزوعاً عنه الفضيلة ومتجرداً عن مكارم الأخلاق قال الشاعر:

(وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا)

وقال آخر:

وليس بعامر بنيان قوم

إذا أخلاقهم كانت خراباً

عاشراً: إن الخمر تسبب الموت أحياناً حتى قال بعض الباحثين إن الإنسان لم يصب بضربة أشد من ضربة الخمر، ولو عمل أحدٌ إحصاءً عاماً لكل المصابين بالجنون والأمراض المعضلة بسبب الخمر ولكل من انتحر أو مات بسبب شربه للخمر وعمَّا تسببه من حوادث خطيرة وعمن يشكو في العالم من آلام عصبية ومعدية ومعوية بسبب الخمر وعمن أورد نفسه مورد الإفلاس بسبب الخمر لو عمل هذا الإحصاء لكان إحصاءً هائلاً، والمراد بالخمر هي تلك المادة الكحولية التي تحدث الإسكار فما كان فيه قوة الإسكار فهو الخمرة من أيِّ مادة من المواد كانت، وبأيِّ اسم من الأسماء سماها الناس، وذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)

(1)

أخرجه مسلم ولقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس وهو على منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيام خلافته (الخمر ما خامر العقل).

س: رجل مريض أخبره الطبيب ونصحه بشرب البيرة لإخراج الأملاح، فما رأيكم؟

جـ: إذا أخبر الطبيب المسلم بأن البيرة مسكرة إذا كثرت فيحرم شربه لأن الله تعالى لم يجعل الشفاء في المحرمات، وإن أخبر الطبيب المسلم بأن شراب البيرة لا إسكار فيه أبداً فيشربه.

س: هل يجوز استخدام الحشيش أي خلط قليل من الحشيش مع بيض كعلاج لعدم تساقط الشعر؟

جـ: لا يجوز استخدام المحرمات للعلاج، فالعلماء في الماضي أجازوا استخدام التخدير للضرورة فقط، وتساقط

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام. حديث رقم (5187) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ).

أخرجه البخاري في الأشربة، والترمذي في الأشربة، والنسائي في الأشربة، وأبو داود في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في الأشربة، والدارمي في الأشربة.

ص: 342

الشعر ليس ضرورة.

‌تحريم طاعة المرأة زوجها في مشاركته في شرب الخمر أو مساعدته في شرب الخمر

س: يوجد رجل يشرب الخمر بين أهله وفي بيته وامرأته هي التي تقوم بتقديم الخمر لزوجها هل يحق لولي أمرها أن يمنعها من البقاء عند زوجها أم أنه لا يحق له ذلك؟

جـ: على الأب أن ينهي ابنته ويمنعها من الحضور عند زوجها عند شرب الخمر ويعرِّف ابنته أن تقديم الخمر حرام لحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ)

(1)

، وأن أمر الزوج لزوجته بأن تناوله كأس الخمر حرام، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لحديث (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)

(2)

وأنه يجب طاعته في كل شئ ليس فيه عمل محرم، أما ما كان من هذا النوع أو من أن تشاركه شرب الخمر أو تنفيذ أو أمره في شراء الخمر أو في حفظه فلا تطيعه في مثل هذه الحالة أبداً.

‌استحباب الشرب باليد اليمنى وكون الشارب قاعداً وكون الشرب على ثلاثة أنفاس

س: ما هي آداب الشرب؟

جـ: آداب الشرب هي:

1 -

الشرب باليد اليمنى لحديث (لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا).

أن يشرب الإنسان قاعداً لحديث (لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ)

(3)

.

أن يشرب على ثلاثة أنفاس لحديث (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا)

(4)

.

‌استحباب إعطاء الشراب من على يمين الساقي حتى لو كان طفلاً أو أمياً

س: هل من السنة أن يعطى الشراب لمن على يمين الساقي أو يقدم الأفضل أو الأسن أو الأوجه في المجلس؟

(1)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب النهي أن يتخذ الخمر خلا. حديث رقم (1516) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ)

أخرجه ابن ماجه في الأشربة.

لايوجد له مكررات.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية. حديث رقم (4743) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ ادْخُلُوهَا، فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ: لِلْآخَرِينَ قَوْلًا حَسَنًا، وَقَالَ: لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ).

أخرجه البخاري في المغازي، والنسائي في البيعة، وأبو داود في الجهاد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب كراهة الشرب قائما. حديث رقم (5247) بلفظ (عن أَبُو غَطَفَانَ الْمُرِّيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ).

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب كراهة التنفس في نفس الإناء واستحباب التنفس. حديث رقم (5255) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ، قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا).

أخرجه البخاري في الأشربة، والترمذي في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: أبرأ: أنفع وأسوغ.

ص: 343

جـ: من السنة أن يعطي الساقي من على يمينه حتى لو كان من على يمينه طفلاً أو عجوزاً أو أمياً أو امرأة أو رجلاً وحتى لو كان من على يساره عالماً أو فاضلاً فالسنة هي أن يبدأ الإنسان بسقي من على يمينه إلا أن يأذن من على يمينه بتقديم من على يساره في الشراب للحديث الصحيح الوارد عن انس رضي الله عنه وعن سهل بن سعد رضي الله عنه بلفظ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ، وَقَالَ: الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ)

(1)

.

‌كراهة تنفس الشارب في الإناء

س: ما يكره للشارب؟

جـ: يكره للإنسان أن يتنفس في الإناء وهو يشرب لحديث (إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ)

(2)

والجمع بين حديث (إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ) الذي يفيد كراهة التنفس في الإناء وبين حديث (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا) الذي يفيد استحبات التنفس ثلاثا أثناء الشرب، لا معارضة بين الحديثين لأن الحديث الذي يفيد كراهية التنفس في الإناء هو أنه يكره للإنسان أن يتنفس في الإناء حالة كون الإناء في فمه، والحديث الذي يفيد استحباب التنفس ثلاثاً أثناء الشرب هو أن يتنفس الإنسان والإناء بعيد عن فمه.

س: هل النهي عن الشرب من فم السقاء يشمل الماء المصفى في أواني بلاستيكية أو زجاجية مثل ما يسمى بـ (مياه شملان، حده، معين) ونحوه من المياه المعدنية؟

جـ: من كان مذهبه ظاهرياً سيقول ما دام الماء في إناء فلا يشرب من في السقاء بل يُسكب الماء في إناء شرب ويشرب منه عملاً بحديث (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ أَوْ السِّقَاءِ)

(3)

، ومن كان مذهبه حنفياً أو هادوياً ينظر إلى علل الأحكام فسيقول هذا الماء الذي في قوارير الزجاج أو البلاستيك الذي يشاهده من يريد الشرب فللإنسان أن يشرب من القوارير المختومة لأن القارورة مثل الإناء الذي يُشرب به لكون الشارب يشاهد الماء، وهو متيقن أنه ماء مصفى لا يشوبه أيُّ شائب.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الأشربة: باب الأيمن فالأيمن في الشرب. حديث رقم (5296) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ: الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ).

أخرجه مسلم في الأشربة، والترمذي في الأشربة، وأبو داود في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

، ومالك في الجامع، والدارمي في الأشربة.

أطراف الحديث: المساقاة. الهبة وفضلها والتحريض عليها. الأشربة.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الأشربة: باب النهي عن التنفس في الإناء. حديث رقم (5307) بلفظ عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ، وَإِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ).

أخرجه مسلم في الطهارة، والترمذي في الطهارة، والنسائي في الطهارة، وأبو داود في الطهارة، وابن ماجة في الطهارة وسننها، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في الطهارة.

أطراف الحديث: الوضوء.

(3)

صحيح البخاري: كتاب الأشربة: باب الشرب من فم السقاء. حديث رقم (5304) بلفظ: (حَدَّثَنَا بِهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ أَوْ السِّقَاءِ، وَأَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي دَارِهِ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في الأحكام، وأبو داود في الأقضية، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الأقضية.

أطراف الحديث: المظالم والغصب، الأشربة.

معاني الألفاظ: السقاء: وعاء يوضع فيه الشراب.

ص: 344

‌تحريم الشرب أو الأكل في آنية الذهب أو الفضة

س: ما حكم الأكل أو الشرب في آنية الذهب أو الفضة؟

جـ: يحرم الأكل أو الشرب في آنية الذهب أو الفضة لحديث (لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ)

(1)

ولحديث (الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ)

(2)

وعند الشافعية لا يجوز للإنسان الوضوء أو الغسل في إناء الذهب أو الفضة قياساً على الأكل أو الشرب، وقال المقبلي: لا قياس في العبادات وهذا من شؤم القياس.

‌جواز تعليق أواني الذهب أو الفضة للزينة

س: هل يجوز تعليق أواني الذهب أو الفضة في الحمامات أو في الغرف للزينة؟

جـ: إن كانت للزينة وليست للأكل أو الشرب أو اللبس فالظاهر أنه يجوز لأنَّ الأصل الجواز.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الأشربة: باب آنية الفضة. حديث رقم (5202) بلفظ (عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ).

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، والترمذي في الأشربة، والنسائي في الزينة، وأبو داود في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الأشربة.

أطراف الحديث: الأطعمة، الأشربة

معاني الألفاظ: الديباجـ: نوع من الحرير.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الأشربة: باب آنية الفضة. حديث رقم (5203) بلفظ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ).

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الجامع، والدارمي في الأشربة.

ص: 345

‌كتاب الأضحية

الباب الأول: أحكام الأضحية.

الباب الثاني: أحكام الوليمة.

الفصل الأول: أحكام وليمة العرس.

الفصل الثاني: أحكام العقيقة.

ص: 346

الباب الأول: أحكام الأضحية

• تعريف الأضحية

• وجوب الأضحية على من يجد سعة من المال

• أعلى الأضحية ناقة أو جمل وأوسطها بقرة وأقلها شاة

• عدم إجزاء ذبيحة العيد عن الأضحية والنذر

• وقت الأضحية من بعد صلاة العيد حتى غروب يوم رابع العيد

• لا يشترط ذبح الأضحية عقيب صلاة العيد

• استحباب ذبح الأضحية في الجبانة

• جواز ذبح الأضحية ليلاً في أيام التشريق

• وجوب ذكر اسم الله عند ذبح الأضحية

• أفضل الأضحية السمين من الحيوان

• جواز استعمال الأضحية في تلقيح الأناث من جنسه

• آراء العلماء في عمر الأضحية

• استحباب استسمان الأضحية

• استحباب الصدقة من الأضحية وجواز الأكل منها والادخار

• حكمة الأضحية التذكير بقصة ذبح نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام

• عدم مشروعيةقص أظافر المرأة أو شعرها إذا هي ستشتري الأضحية من مالها

• الذبيحة في يوم عرفة لا تسمى أضحية

• من الخرافات صبغ الثياب وشبابيك البيت بدم الأضحية

• لا يلزم من ضحى في سنة أن يضحي في كل السنين

• آراء العلماء في حلق الشعر أو تقليم الأظافر لمن سيضحي من بعد دخول شهر ذي الحجة

• تحريم الأخذ من الشعر والأظافر خاص برب الأسرة فقط

• إجزاء الشاة عن أسرة واحدة

• إجزاء البقرة في الأضحية عن سبعة بيوت

• إذا أكل المضحِّى من الأضحية وادخر ولم يتصدق فهو خلاف الأفضل

• الكسيرة هي المريضة التي لا تعقل ما تأكله

• استحباب أن يذبح المضحي أُضحيته بنفسه وجواز توكيله غيره

• وجوب إعطاء أجرة الجزار من غير الأضحية

• تحريم بيع جلود الأضاحي والأولى إعطاؤها الجمعية الخيرية لتستفيد منها

ص: 347

• جواز الانتفاع بجلد الأضحية

• شرط أضحية الماعز أن تكون ثنية لا جذعاً

• شرط أضحية البقر أو الجمال أو الماعز أن يكون قد مضى من عمرها عامان

• الأضحية من الضأن لا بد أن يكون سنها جذعاً

• خصي الأضحية ليس عيباً فيها

• الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام

• ذبح الدجاجة لايسمى أضحية

ص: 348

‌الباب الأول: أحكام الأضحية

‌تعريف الأضحية

س: ما تعريف الأضحية؟

جـ: الأضحية (لغة): اسمها مشتق من الوقت الذي شرع بدء ذبحها فيه، وبهذا الوقت سمي عيد الأضحى ويوم الأضحى.

الأضحية (شرعاً): هي ما يذبحه المسلم من بهيمة الأنعام في يوم النحر أوفي أيام التشريق التي بعده بقصد التقرب إلى الله عز وجل وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يضحي بكبشين كبش عن نفسه صلى الله عليه وسلم وعن أسرته وكبش عن أمته، وإحياء لذكرى ذبح نبي الله إبراهيم ابنه اسماعيل عليهما السلام امتثالا لأمر الله عز وجل بذبح اسماعيل عليه السلام في قوله تعالى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}

(1)

، الأضحية شرعت في السنة الثانية من الهجرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم.

‌وجوب الأضحية على من يجد سعة من المال

س: ما حكم الأضحية؟

جـ: الظاهرية قالوا بأنها واجبة، والجمهور قالوا: بأنها سنة، وأدلة القائلين بالوجوب حديث (إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً)

(2)

وحديث (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا)

(3)

وقوله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}

(4)

والأمر للوجوب على تفسير من فسر الآية بأن المراد بها فصل صلاة العيد وانحر الأضحية، ومن العلماء من فسرها بأن المراد (فصل لربك لا للأصنام وانحر لربك لا للأصنام) ومن قال بالسنية جعل القرينة الصارفة للوجوب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضحَّى عنه وعن أمته، ورأى الشوكاني: أن من معه سعة من المال فيجب عليه أن يضحي.

س: هل تجب الأضحية على المرأه إذا كانت الأسرة لا يوجد فيها رجال؟

جـ: إذا كانت المرأة مستطيعة ولا يوجد رجال فيشرع لها أن تضحي لأن النساء شقائق الرجال هذا إذا كانت تملك

(1)

- الصافات: (102).

(2)

سنن أبي داود: كتاب الضحايا: باب ما جاء في إيجاب الضحايا. حديث رقم (2406) بلفظ (أَخْبَرَنَا مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: وَنَحْنُ وُقُوفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً، أَتَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هَذِهِ الَّتِي يَقُولُ النَّاسُ الرَّجَبِيَّةُ، قَالَ أَبُو دَاوُد الْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ هَذَا خَبَرٌ مَنْسُوخٌ) حسنه الألباني في صحيح سنن أبو داود برقم (2788).

أخرجه الترمذي في الأضاحي، أخرجه النسائي في الفرع والعتيرة، و ابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في مسند الشاميين.

معاني الألفاظ: العتيرة: شاة تذبح في رجب.

(3)

- سنن ابن ماجة: الأضاحي: باب الأضحية واجبة أم لا. حديث رقم (2549) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا) حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

(4)

الكوثر: آية (2).

ص: 349

أضحية أو هي قادرة على شراء أضحية لحديث (إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)

(1)

.

س: فضيلة الشيخ هناك رجل يستطيع أن يضحي ولكن لم يضح، فهل هو آثم؟

جـ: هو آثم على مذهب من يقول أن الأضحية واجبه على المستطيع لحديث (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا)، أما على مذهب الجمهور الذين يقولون إنها سنة فليس بآثم.

س: ماذا ترجحون وجوب الأضحية على القادر أم سنيتها؟

جـ: الراجح عندي الوجوب على من كان مستطيعاً لحديث (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا).

س: ما رأيكم في من يشتري اللحم يوم العيد ولا يضحي وهو قادر على أن يضحي؟ وما رأيكم فيمن كان فقيرا ولا يملك قيمة الأضحية فيشتريها؟ وما رأيكم في من ضحى بديك؟

جـ: لا مانع لمن كان قادرا على أن يضحي أن يشتري لحما في يوم عيد الأضحى ولا يذبح أضحية لأن الأضحية ليست واجبة وإنما هي من السنن المؤكدة، والسنن المؤكدة يستحق صاحبها الثواب ولا يستحق العقاب، وأما من كان فقيرا وضحى فقد عمل السنة المؤكدة لحديث (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ)

(2)

وحديث (فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ)

(3)

وكتب الله له الأجر بينما الأول قد حرم الأجر، وأما من سيضحي بديك فلا تسمى أضحية ولا يكون ذبح الديك أضحية ولا ثواب له بل أخشى أن يكون آثما إذا كان ذبحه للديك بطريقة الاستهزاء لقوله تعالى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ

تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ

بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}

(4)

والأعمال بالنيات.

‌أعلى الأضحية ناقة أو جمل وأوسطها بقرة وأقلها شاة

س: لمن تشرع الأضحية؟ وما حكمها؟ هل على كل فرد أضحية أم تكفي الأسرة الواحدة أضحية؟

(1)

سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب في الرجل يجد البلة في منامه. حديث رقم (204) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا، قَالَ: يَغْتَسِلُ، وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ، قَالَ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ، أَعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) حسنة الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (236) إلا قول أم سليم (المرأة ترى).

أخرجه الدارمي في الطهارة.

معاني الألفاظ: الشقائق: النظائر والأمثال كأنهن شققن منهم

(2)

- صحيح البحاري: كتاب الأضاحي: باب في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (5127) بلفظ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ)

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وأبوداود في الضحايا، وابن ماجه في الأضاحي، وأحمد في باقي مسند الكثرين، والدارمي في الأضاحي.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الاضاحي: باب الأضحية للمسافر وللنساء. حديث رقم (5122) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَحَاضَتْ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: مَا لَكِ؟ أَنَفِسْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ)

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبوداود في المناسك، وابن ماجه في المناسك، وأحمد في باقي مسند الانصار، والدارمي في المناسك.

(4)

- التوبة: آية (65 - 66)

ص: 350

جـ: تشرع الأضحية على كل بيت وأقلها شاة لأن الشاة تكفي عن أسره، والبقرة تكفى لسبعة بيوت، والجمل أو الناقة تكفي لعشرة بيوت أي لعشر أسر لحديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ)

(1)

والأدلة قد دلت على ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضحي عن أسرته بشاة كما في حديث (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ) وفي رواية (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ)

(2)

وحديث (فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ)، وأقل الأضحية شاة وأوسطها بقرة وأعلاها جمل أو ناقة.

‌عدم إجزاء ذبيحة العيد عن الأضحية والنذر

س: رجل رأى ثعباناً فأراد قتله لكن الثعبان التوى على يده حتى كاد يكسرها فنذر لئن خلصه الله من هذا الثعبان ليذبحن كبشاً فأراد تأخير النذر إلى يوم العيد فهل يكون نذراً وأضحية؟

جـ: لا يكون إلا وفاءً بالنذر أو أضحية بحسب النية أي لا تكون الذبيحة الواحدة للنذر وللأضحية معاً بل إن نوى النذر كان للنذر، وإن نوى الذبيحة للأضحية كانت أضحية لحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)

(3)

.

‌وقت الأضحية من بعد صلاة العيد حتى غروب يوم رابع العيد

س: متى تذبح الأضحية؟ ومتى يبدأ وقتها؟ ومتى آخر وقت ذبح الأضحية؟

جـ: يبدأ وقت الأضحية من صباح يوم العيد ولكن بشرط أن تكون بعد صلاة العيد لحديث (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ)

(4)

وقد أمر النبي صلى الله عليه

(1)

- سنن أبي داود: كتاب الضحايا: باب حديث رقم (2808) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وابن ماجة في الضحايا، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الضحايا، والدارمي في الأضاحي.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الأضاحي: باب أضحية النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (5554) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وأبوداود في الضحايا، وابن ماجه في الأضاحي، وأحمد في باقي مسند الكثرين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الجمعة، الحج، الجهاد والسير، المغازي، الأضاحي، التوحيد.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله. حديث رقم (1) بلفظ (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في فضائل الجهاد، والنسائي في الطهارة، والطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الزهد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ: النية: القصد وعزم القلب على الفعل.

يصيب: ينال، والمراد: تحصيل أسباب العيش.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الأضاحي: باب سنة الأضحية. حديث رقم (5546) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأضا حي، والنسائي في الضحايا، وابن ماجة في الضحايا، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الجمعة، الحج.

ص: 351

وسلم من ذبح أضحيته قبل الصلاة بإعادة ذبح أضحية بعد صلاة العيد لان المذبوح قبل الصلاة لا يجزئ في التحقق بنسك الأضحية وهو مخالف للمشروع في الأضاحي لأنه ذبح في غير الوقت المشروع لذبح الأضحية لحديث (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ)

(1)

وفي رواية (ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُضْحِيَةً ذَاتَ يَوْمٍ، فَإِذَا أُنَاسٌ قَدْ ذَبَحُوا ضَحَايَاهُمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَآهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ قَدْ ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ حَتَّى صَلَّيْنَا فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ)

(2)

ولحديث (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، فَقَالَ: اجْعَلْهُ مَكَانَهُ وَلَنْ تُوفِيَ أَوْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)

(3)

في الأحاديث دلالة واضحة على عدم إجزاء ذبح الأضحية قبل صلاة العيد، والمراد بالصلاة صلاة الإمام والمراد بالإمام إمام المسلمين أو رئيس الدولة أو المسئول الأول في الدولة الإسلامية، ولكن اختلفت أنظار العلماء هل المراد بالصلاة صلاة المضحي نفسه أم صلاة الإمام؟ فالإمام مالك جعل الألف واللام للعهد وهي الصلاة المعهودة في صباح يوم العيد وهي الصلاة الكبرى التي تؤدي في الجبانة التي يصلى فيها رئيس الدولة، ومذهب الجمهور، أن المراد بالصلاة صلاة المضحي نفسه، وآخر وقت ذبح الأضحية هو غروب يوم رابع العيد أي آخر أيام التشريق.

‌لا يشترط ذبح الأضحية عقيب صلاة العيد

س: هل يشترط أن يكون ذبح الأضحية عقيب صلاة العيد؟

جـ: لا يشترط بل يصح الذبح عقيب صلاة العيد أو ظهر يوم العيد أو في العصر أو في العشاء أو في يوم ثاني العيد وسواءً كان الذبح في النهار أو في المساء من أيام التشريق ولا فرق فيمن سيذبح يوم العيد أن يكون الذبح قبل الظهر أو بعد الظهر أو بعد العصر المهم ألا يذبح الأضحية قبل صلاة العيد.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأضاحي: باب الأكل يوم النحر. حديث رقم (5561) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ، وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَدَّقَهُ، قَالَ: وَعِنْدِي جَذَعَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَا أَدْرِي أَبَلَغَتْ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وابن ماجة في الضحايا، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الجمعة، الحج.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأضاحي: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم فليذبح. حديث رقم (5562) بلفظ (عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُضْحِيَةً ذَاتَ يَوْمٍ، فَإِذَا أُنَاسٌ قَدْ ذَبَحُوا ضَحَايَاهُمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَآهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ قَدْ ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ حَتَّى صَلَّيْنَا فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: الجمعة، الأيمان والنذور.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الاضاحي: باب سنة الأضحية. حديث رقم (5545) بلفظ (عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، فَقَالَ: اجْعَلْهُ مَكَانَهُ وَلَنْ تُوفِيَ أَوْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأضاحي. النسائي في صلاة العيدين، وأبو داود في الضحايا، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

معاني الألفاظ: النحر: الذبح.

المسنة: مادخل في السنة الثانية من المعز.

ص: 352

‌استحباب ذبح الأضحية في الجبانة

س: أيهما أفضل أن يذبح الإنسان الأضحية في بيته أم في الجبانة؟

جـ: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذبح في الجبانة لكي يعرف الفقراء والمساكين بالذبيحة ليعطيهم منها، فالذبيحة في الجبانة أفضل من الذبيحة في البيت لمن كان يريد أن يتصدق على الفقراء أو المساكين إذا كانوا لا يكاد يوجدون إلا في الجبانة لحديث (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى)

(1)

.

‌جواز ذبح الأضحية ليلاً في أيام التشريق

س: ما حكم الذبح ليلاً؟

جـ: لا مانع من الذبح ليلاً بشرط أن يكون مساء يوم ثاني أو ثالث أو مساء رابع العيد أما خامسه فليست بأضحية.

‌وجوب ذكر اسم الله عند ذبح الأضحية

س: ماذا يقول المضحى عندما يذبح الأضحية؟

جـ: يقول باسم الله والله أكبر لحديث (ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا)

(2)

.

‌أفضل الأضحية السمين من الحيوان

س: ما هو أفضل الأضحية؟ وما الذي لا يجزئ في الأضاحي؟

جـ: الأفضل استسمان الأضحية لأنها قربة إلى الله تعالى وأحسن شيء في الأضحية هي أن تكون من السمان لأن الإنسان يتقرب إلى الله بأحسن شيء ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين كما في حديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ)

(3)

وكان الصحابة رضوان الله عليهم يسمنون ضحاياهم وأما الذي لا يجزئ في الأضاحي هو أن تكون ذات عيب وذلك بأن تكون عرجاء أو عوراء أو كسيرة أو عجفاء أو يكون فيها أيُّ عيب

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأضحية: باب الأضحى والمنحر بالمصلى. حديث رقم (5552) بلفظ (عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى)

أخرجه ابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في مسند المكثرين.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الأضاحي: باب استحباب التضحية وذبحها مباشرة بلا توكيل. حديث رقم (5061) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا).

أخرجه البخاري في الأضاحي، والترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وأبو داود في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الأضاحي.

معاني الألفاظ: الأملح: الذي بياضه أكثر من سواده.

الصفحة: جا نب العنق.

(3)

سنن ابن ماجه: كتاب الأضاحي: باب أضاحي رسول الله صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (3113) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ لِمَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (2547).

أخرجه ابن ماجة في الأضاحي.

أطراف الحديث: باقي مسند الأنصار.

معاني الألفاظ: الأملح: الذي بياضه أكثر من سواده.

ص: 353

بحيث لا تبتاع، فالتي لا تبتاع لعيبها لا تجوز الأضحية بها، وكذلك كلما ترد به الماشية من العيوب بعد البيع لا تقبل في الأضحية.

‌جواز استعمال الأضحية في تلقيح الأناث من جنسه

س: هل يجوز استخدام الأضحية في تلقيح الأنثى وأخذ علف مقابل ذلك؟

جـ: نعم يجوز أن تستخدم لكنه يحرم أخذ الأجرة أو المساومة عليها إلا إذا أعطى صاحب الأنثى دون طلب من صاحب الأضحية، أي لا مانع من أن يكرم صاحب الأنثى صاحب الحيوان الذكر بشيء من باب المكارمة والوفاء لا أن يكون بين الطرفين شرط لحديث (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ)

(1)

.

‌آراء العلماء في عمر الأضحية

س: ما هو الخلاف بين العلماء في عمر الأضحية؟ وما هو الراجح مع الدليل؟

جـ: لا يجوز الأضحية بما سنه أقل من سنتين من الإبل أو البقر أو الماعز وتجوز الأضحية بالجذع من الضأن لحديث (لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ)

(2)

ولا يجزئ من الماعز إلا الثنى وهو ماله سنتان لحديث (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، فَقَالَ اجْعَلْهُ مَكَانَهُ وَلَنْ تُوفِيَ أَوْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ) ولا تعارض بين الحديثين لأن حديث جابر في جواز إجزاء الجذع من الضأن وحديث البراء في فعل أبي برده بن نيار هو في عدم إجزاء الجذع من الماعز واختلف علماء اللغة في لفظة (الجذع) فبعظهم قال: الجذع هو ابن سنة، وبعضهم قال: الجذع هو ابن ستة أشهر وأكثر علماء اللغة على أن الجذع هو ابن سنة، والجمهور من العلماء عملوا بالأحوط فقالوا: لا تجزئ الأضحية من الضأن إلا ما كان ابن سنة لأن أكثر علماء اللغة قالوا: بأن الجذع هو ابن سنة أي أنه لا يجزئ في الأضحية من الضأن إلا ما قد مضى عليه سنة.

‌استحباب استسمان الأضحية

س: ما صحة حديث (استسمنوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط)؟

جـ: هو حديث ضعيف وليس بصحيح، ويغني عن هذا الحديث الضعيف الحديثان الصحيحان المذكوران في كتاب الدراري المضية، وهما (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الإجارة: باب عسب الفحل. حديث رقم (2123) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ)

أخرجه الترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد للحديث مكررات.

معاني الألفاظ: عسب: الماء وقيل أجرة الجماع.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الأضاحي: باب سن الأضحية. حديث رقم (5055) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ).

أخرجه النسائي في الضحايا، وأبو داود في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: المسنة: ماتمت سنة فما فوق.

الجذعة: ماتمت ستة أشهر إلى سنة من الضأن.

ص: 354

سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ) وحديث (إن الصحابة كانوا يسمنون ضحاياهم)

(1)

.

‌استحباب الصدقة من الأضحية وجواز الأكل منها والادخار

س: هل يجوز للإنسان أن يدخر من الأضحية؟

جـ: يجوز الأكل من الأضحية، ويستحب التصدق منها لقوله تعالى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}

(2)

ولحديث (كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا)

(3)

ويجوز الادخار منها لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الأعوام نهى الصحابة عن الادخار وفي العام الذي بعده أجاز لهم الادخار من الأضاحي، وإذا قسَّم الإنسان الأضحية أثلاثاً فهو أفضل فيأكل ثلاثاً ويتصدق على الفقراء والمساكين بثلث، ويهدي للأقارب والجيران بثلث لحديث (كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا).

س: نقوم بتوزيع الأضحية أثلاثا ما عدا الدواخل من كبد وأمعاء وقلب ورئة، وكذلك الرأس نستأثر بهن لنا مع نيتنا تطبيق السنة بتقسيم الأضحية إلى أثلاث، فهل فعلنا مخالف للسنة؟

جـ: لا مانع من ذلك كله لحديث (كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا).

‌حكمة الأضحية التذكير بقصة ذبح نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام

س: ما الحكمة من الأضحية؟ وهل صحيح أنها فداء لأهل البيت؟

جـ: الأضحية شرعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذكرى قصة ذبح نبي الله إبراهيم ولده إسماعيل عليهما السلام التي ذكرها الله في قوله تعالى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ

نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}

(4)

، وقد قال علماء الهادوية: أن من نذر أن يذبح ولده يجب عليه أن يذبح بدله كبشاً مثل فعل نبي الله إبراهيم عليه السلام، وقد رُدَّ عليهم بأن قصة ذبح نبي الله إبراهيم ولده إسماعيل من شرع من قبلنا وشرع من قبلنا ليس بشرع لنا، وعلى فرض أنه شرع لنا فقد خالف شريعتنا لأن ذبح الابن معصية لله تعالى ولا نذر في معصية الله تعالى لحديث (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ)

(5)

، ولا نذر فيما لا يملك الإنسان لحديث (لا وفاء لنذر في معصية

(1)

صحيح البخاري: كتاب الأضاحي: باب في أضحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين أقرنين ويذكر سمينين. حديث رقم (0) بلفظ (بَاب فِي أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَيُذْكَرُ سَمِينَيْنِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ).

لا يوجد تخريج للحديث.

(2)

- الحجـ: (28).

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأضاحي: باب حديث رقم (5569) بلفظ (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِي؟ قَالَ: كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا).

أخرجه مسلم في الأضاحي.

(4)

- الصافات: آية (102 - 109)

(5)

- صحيح البخاري: كتاب النذر: باب النذر في الطاعة. حديث رقم (6696) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ).

أخرجه الترمذي في النذور والأيمان، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في النذور والأيمان، والدارمي في النذور والأيمان.

ص: 355

الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)

(1)

والأب لا يملك حياة ابنه كما أن ذبح الابن معصية فهو نذر لا ينعقد أبداً لعدم الملك وللذبح المحرم شرعاً، وبناءً عليه فلا يجب عليه ذبح كبش بل يجب عليه كفارة يمين وهو إطعام عشرة مساكين.

‌عدم مشروعيةقص أظافر المرأة أو شعرها إذا هي ستشتري الأضحية من مالها

س: والدتي ساكنة معي في بيت واحد وقد قامت بشراء الأضحية من مالها، فهل عليها الامتناع عن الحلق والتقصير وتقليم الأظافر أم أمتنع أنا عن ذلك؟

جـ: إذا صح أن والدتك هي التي اشترت الأضحية من مالها الخاص فيشرع لها من باب السنة لا من باب الوجوب أن لا تقص شعرة من شعر رأسها ولا تقص ظفراً من أظفارها من أول يوم في شهر ذي الحجة إلى يوم النحر ولا تحلق أيِّ شعرة من شعر بدنها لما ورد في الحديث الصحيح الذي يعم الرجال والنساءوهو بلفظ (أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا)

(2)

لأن حكم النساء مثل حكم الرجال في جميع الأحكام الشرعية كما في حديث (إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)

(3)

إلا ما ورد النص في مخالفة أحكامها أحكام الرجال كالإرث وعدم وجوب صلاة الجمعة أو الجهاد ولا تحج إلا بمحرم وغير ذلك من الأحكام المذكورة في كتب الحديث والفقه الإسلامي ولا مانع من الحلق ومن قص الشعر وقص الأظافر لكنه خلاف السنة لا أنه من الواجب.

(1)

- سنن أبي داود: كتاب الأيمان والنذور: باب في النذر فيما لا يملك حديث رقم (3316) بلفظ (عن عمران بن حصين، قال: كانت العضباء لرجل من بني عقيل، وكانت من سوابق الحاج، قال: فأسر، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو في وثاق، والنبي صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد! علام تأخذني وتأخذ سابقة الحاج؟! قال: نأخذك بجريرة حلفائك ثقيف، قال: وكان ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقد قال فيما قال: وأنا مسلم، أو قال: وقد أسلمت، فلما مضى النبي صلى الله عليه وسلم ناداه: يا محمد يامحمد قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقا فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ قال: إني مسلم قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، قال: يا محمد إني جائع فأطعمني، إني ظمآن فاسقني قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قال: هذه حاجتك أو قال: هذه حاجته: ففودي الرجل بعد بالرجلين قال: وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله، قال: فأغار المشركون على سرح المدينة فذهبوا بالعضباء قال: فلما ذهبوا بها وأسروا امرأة من المسلمين قال: فكانوا إذا كان الليل يريحون إبلهم في أفنيتهم فنوموا ليلة وقامت المرأة فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا حتى أتت العضباء، قال: فأتت على ناقة ذلول مجرسة قال: فركبتها ثم جعلت لله عليها إن نجاها الله لتنحرنها، قال: فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ـ ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر النبي بذلك فأرسل إليها فجيئ بها وأخبر بنذرها فقال: بئس ما جزيتيها أو جزتها إن الله أنجاها عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الأضاحي: باب من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو يريد أن يذبح أضحية. حديث رقم (5089) بلفظ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا).

أخرجه الترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وأبو داود في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الأضاحي.

معاني الألفاظ: يمس: يقص ويأخذ.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب في الرجل يجد البلة في منامه. حديث رقم (204) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا، قَالَ: يَغْتَسِلُ، وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ، قَالَ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ، أَعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) حسنة الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (236) إلا قول أم سليم (المرأة ترى).

أخرجه الدارمي في الطهارة.

معاني الألفاظ: الشقائق: النظائر والأمثال كأنهن شققن منهم

ص: 356

س: هل هذا حديث (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ)؟

جـ: هذا الحديث كان بسبب وهو دخول الدافة إلى المدينة النبوية أيام المجاعة في أيام الحج، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ادخار اللحوم وأمرهم بإعطاء القادمين من البوادي الفقراء، وفي السنة التي بعدها أباح الادخار وقال (فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا) لأنهم أصبحوا في السنة التي بعدها في رخاء لا في مجاعة.

‌الذبيحة في يوم عرفة لا تسمى أضحية

س: هناك من يذبح يوم الوقوف بعرفة ويسمونها وقفة، فهل له أصل في السنة؟

جـ: ليس لها أصل في السنة ولا تسمى أضحية ولكنها نوع من القرب إذا كان يذبح الإنسان ليتصدق منها على الفقراء والمساكين أو يصل به أرحامه أو يحسن به إلى جيرانه.

‌من الخرافات صبغ الثياب وشبابيك البيت بدم الأضحية

س: ما حكم صبغ الثياب وشبابيك البيت بدماء الأضاحي في يوم النحر؟

جـ: هذا من الخرافات التي ليس عليها دليل إلا الغول والعنقاء وبيض الأنوق وغيرها من الأشياء التي لا وجود لها.

‌لا يلزم من ضحى في سنة أن يضحي في كل السنين

س: هل من ضحى مرة يلزمه أن يضحي كل السنين؟

جـ: لا يُلزم من ضحى مرة أن يضحي في كل السنين ولكن يشاع قول بين الناس أن من ضحى سنة ولم يضح في السنوات الأخرى أنه سيعمى، وهكذا يقولون أن من صام الست من شوال سنة ولم يصم السنوات الأخرى فإنه يعمى، وكلها من الأباطيل والترهات والخرافات التي لا دليل عليها لا من العقل ولا من النقل.

‌آراء العلماء في حلق الشعر أو تقليم الأظافر لمن سيضحي من بعد دخول شهر ذي الحجة

س: هل يندب لمن سيضحي ألَّا يحلق رأسه أو يقلم أظافره أم لا؟

جـ: المندوب لمن سيضحي ألا يحلق رأسه ولا يقلم أظافره من بعد دخول شهر ذي الحجة حتى يذبح الأضحية ومن يريد أن يحلق شعر رأسه أو يقلم أظافره فيكون في آخر شهر ذي القعدة قبل دخول شهر ذي الحجة، لحديث (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ)

(1)

وهذه سنة قد نسيها الناس، فالناس لا يقبلون على الحلاقة كثيراً إلا قبل العيد بيومين أو يوم، والشافعي عنده أن الأخذ من الشعر والأظافر مكروه، وعند أحمد بن حنبل والظاهرية أنه يحرم عليه الأخذ من شعره أو ظفره، وعند الهادوية الأفضل للإنسان عدم الأخذ من شعره أو ظفره.

‌تحريم الأخذ من الشعر والأظافر خاص برب الأسرة فقط

س: هل عدم الأخذ من الشعر والأظافر لمن سيضحي مندوب لكل أفراد الأسرة أم لرب الأسرة فقط؟

(1)

صحيح مسلم: كتاب الضحايا: باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو يريد التضحية. حديث رقم (6355) بلفظ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ).

أخرجه الترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وأبو داود في الضحايا، وابن ماجة في الاضاحي، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الأضاحي.

ص: 357

جـ: لرب الأسرة فقط لأنه هو من سيشتري الأضحية أو يربيها.

س: ما حكم من قص أو حلق شعره بعد العشرين من ذي الحجة؟

جـ: يجوز القص أو الحلق من بعد ذبح الأضحية في صبيحة يوم العيد.

س: هل عدم الحلق أو قص الأظافر لمن سيضحي يشمل الجزار الذي سيذبح الأضحية أم لا؟

جـ: لا يشمل الجزار لأن الجزار عبارة عن وكيل للمضحي في الذبح فقط.

س: ما هي الحكمة من عدم قص الأظافر أو حلق الشعر لمن سيضحى في أيام عشر ذي الحجة؟

جـ: الله أعلم، الأحاديث وردت هكذا منهاحديث (أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا) النهي في الحديث يفيد التحريم كما قال الحنابلة والظاهرية، فعلينا أن نسمع ونمتثل ونقول سمعنا وأطعنا ويحتمل أن الحكمة التشبه بالمحْرمين للحج.

س: هل يجوز لغير المضحي أن يأخذ من شعره وأظافره؟

جـ: نعم، يجوز لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيد عدم الأخذ من الشعر والأظافر لمن سيضحي كما في حديث (إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا).

‌إجزاء الشاة عن أسرة واحدة

س: هل تجزئ الشاة عن ثلاثة بيوت؟ وما الدليل؟

جـ: الشاه تجزئ عن أسرة واحدة لحديث (كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى)

(1)

سواء كان عدد أفراد الأسرة الواحدة قليلين أو كثيرين ولا يجزئ في الأضحية أن يشترك في الكبش أكثر من أسرة لحديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ضَحِّ أَنْتَ بِه)

(2)

وفي رواية (قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ، قَالَ: ضَحِّ بِهَا) في الأحاديث دلالة صريحة على أن الرأس الواحد من الضأن أو الماعز لا يجزئ إلا عن أسرة واحدة ولا يجزئ اشتراك أكثر من أسرة في ذبح الواحد من الضأن أو الماعز.

س: شخص أسرته أربعة أشخاص ومعه أمه وأبيه يعيشون معه في بيت واحد ويأكلون من مائدة واحدة ولكنهما

(1)

سنن الترمذي: كتاب الأضاحي عن رسول الله: باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزي عن أهل البيت. حديث رقم (1425) بلفظ (حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَال: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (2563).

أخرجه ابن ماجة في الأضاحي، ومالك في الضحايا.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأضاحي: باب أضحية النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (5555) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ضَحِّ أَنْتَ بِهِ).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأضا حي، والنسائي في الضحايا، وابن ماجة في الضحايا، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الزكاة، الشركة بين الناس.

معاني الألفاظ: عتود: ولد المعز إذا قوي ورعى بنفسه.

ص: 358

مستطيعان أن يضحيا، فهل تجزئ عنهم أضحية واحدة؟

جـ: الظاهر أنهم ما داموا جميعاً ساكنين وعايشين في بيت واحد فيجزئ عنهم أضحية واحدة والله أعلم.

س: نحن عشره أولاد في البيت هل يجوز أن نضحى بكبش؟

جـ: إذا كان أهل الدخل في الأسرة في حدود الثلاثة يجوز، وإذا كانوا أكثر فالظاهر عدم الجواز والله اعلم.

س: هل هناك عدد محدد للأضحية في الأسرة الواحدة خاصة إذا كان أب وأولاده؟

جـ: لا يوجد عدد محدد إذا كان الأب وأولاده موظفين فلا يجوز ذبح الشاة لأكثر من ثلاثة.

س: نحن أخوان في بيت واحد وعندي أسرة ثلاثة أولاد وأخي عنده أربعة أولاد فهل يصح لنا أن نذبح شاة لنا جميعاً؟

جـ: إذا كان الجميع عالة عليك وأنت المنفق عليهم جميعاً فأضحية واحدة لحديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ضَحِّ أَنْتَ بِه)، وإن كان المنفق متعددا مثل أن تكون النفقة عليك وعلى أخيك فالظاهر أنه لا بد من أن يكون أضحيتين مهما كان كل واحد منفق وكل واحد له دخل من مرتبه أو تجارته أو عمله الحر في مهنة من المهن، والعلم عند الله.

س: إذا وقعت حرب واجتمع في بيت واحد أسرة كثيرة وضحوا أضحية، فهل تجزئ عنهم؟

جـ: تجزئ عن أسرة واحدة عن أسرة الشخص الذي دفع قيمة الأضحية، وإن كانوا دفعوا ثمنها جميعاً فيجزئ عن أسرتين أو ثلاث فقط.

س: هل تجزئ الشاة عن أسرة الرجل وعن أسرة أبيه وأسرة عمه؟

جـ: إذا كانوا في بيت واحد فيجزئ والمراد بالبيت الواحد أن يكون أكلهم واحداً والمطبخ لهم جميعاً واحداً ويأكلون جميعاً من مائدة واحدة.

س: قلتم أن أضحية الشاة لثلاثة بيوت والشوكاني قال لأهل كل بيت شاة؟

جـ: لا يوجد حديث يدل على أن الشاة تكفي عن ثلاثة بيوت أو بيت واحد لكن وجدنا أن الجمل يغني عن عشرة لحديث (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ)

(1)

وحديث أن البقرة أو الثور يكون لسبعة لحديث (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ) أما أن الشاة تجزئ عن ثلاثة بيوت فلم نجد الحديث من أصله ولكنها أقوال العلماء في جميع المذاهب.

(1)

صحيح مسلم: كتاب الحجـ: باب الاشتراك في الهدي وإجزاء البدنة والبقرة كل منهما. حديث رقم (2322) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ).

أخرجه الترمذي في الحج، والأضاحي، والنسائي في الضحايا، وأبو داود في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الضحايا، والدارمي في المناسك، والأضاحي.

أطراف الحديث: الحج.

معاني الألفاظ: البدنة: البعير أو الناقة.

ص: 359

‌إجزاء البقرة في الأضحية عن سبعة بيوت

س: هل تجزئ البقرة عن خمسين من أهل قرية يشتركون فيها أضحية؟

جـ: لا تجزئ البقرة إلا عن سبع أسر فقط لحديث (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ).

‌إذا أكل المضحِّى من الأضحية وادخر ولم يتصدق فهو خلاف الأفضل

س: هل يجوز للمضحي أن يأكل ويدخر دون أن يتصدق منها؟

جـ: نعم، يجوز له ولكنه خلاف الأفضل والأفضل أن يتصدق وإلا فيباح له أن يأكل نصفها ويدخر نصفها أو أقل أو أكثر ولكنه خلاف الأفضل لحديث (فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا).

س: إذا ضحى الرجل دون أن يتصدق، فهل تسمى أضحية؟

جـ: نعم، تسمى أضحية لكن يستحب التصدق بالثلث وإهداء الثلث لحديث (فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا).

س: هل إذا أمسك المضحي الأضحية على نفسه وأسرته ولم يتصدق فهل هو آثم؟

جـ: لا يأثم لكن إذا تصدق فهو أفضل لأنه لا يشترط أن يتصدق وهي تسمى أضحية.

س: هل يجوز أكل الأضحية وعدم التصدق منها؟ وما الدليل؟

جـ: يجوز له الأكل من الأضحية ويندب له التصدق منها ندباً فمباح له الأكل منها ومباح له الادخار منها ومندوب له التصدق منها لحديث (فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا).

س: في الحديث (فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا) كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن الادخار الأصل أن الأمر للوجوب، فما هو الصارف هنا؟

جـ: ورد الأمر بعد النهي في الحديث (لا تدخروا) ثم جاء في رواية (فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا) فالأمر بعد النهي للندب أو للإباحة بحسب السياق، مثال الندب حديث (نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا)

(1)

ورود الأمر بعد النهي يفيد الإباحة ولكن لما كان التعليل في الحديث بأنها تذكر بالآخرة والتذكير بالآخرة مندوب وليس مباحاً كان الأمر للندب، ومثال الإباحة قوله تعالى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ

تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}

(2)

ورود الأمر بعد النهي عن البيع وقت صلاة الجمعة والسعي والعمل فالأمر بالانتشار في الأرض ليس واجباً ولكنه مباح وليس مندوباً لأن السعي في الأصل مباح.

‌الكسيرة هي المريضة التي لا تعقل ما تأكله

س: ما معنى الكسيرة التي لا تنقى؟

(1)

صحيح مسلم: كتاب الجنائز: باب استئذان النبي ربه عز وجل في زيارة قبر أمه. حديث رقم (1623) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا).

أخرجه النسائي في الجنائز، الضحايا، الأشربة، وأبو داود في الجنائز، الأشربة، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

أطراف الحديث: الأضاحي، الأشربة.

معاني الألفاظ: النبيذ: شراب حلو يتخذ غالباً من التمر. السقاء: وعاء يوضع فيه الشراب.

(2)

الجمعة: آية (10).

ص: 360

جـ: المريضة التي لا تعقل لأن الشاة أو البقرة التي هي صحيحة تستطيع أن تنقى ما تأكله من بين الحصى ونحوه، والمريضة التي لا تنقي وتأكل ما لقيت.

س: رجل اشترى شاة ووجد بطنها محروقاً كأنها كانت مريضة، فما حكم هذه الشاة؟ هل تعتبر أضحية مع أن المرض لم يظهر عليها حتى ذبحها؟

جـ: الظاهر أنها تجزؤه لأنه ذبحها معتقداً صحتها.

س: ما حكم مسلوبة الآلية لأن الحديث الذي ورد فيها ضعيف؟ فهل هو من العيوب؟

جـ: نعم لأن هناك عيوب أخرى هي من ضمنها، وبعض العلماء يقول لا بد في الأضحية أن تكون سمينة.

س: إذا كانت الشاه حاملاً، هل تجزئ عن الأضحية؟

جـ: الأصل الجواز في كل شيء.

س: رجل اشترى كبشاً من السوق، وفي الطريق كسرت رجله، فهل يجزئ عن الأضحية؟

جـ: الأولى أن يبيعه ويشتري كبشاً آخر للأضحية وإن ذبحه فلا يجزئ عن الأضحية لأنه معيب بالكسر.

‌خصي الأضحية ليس عيباً فيها

س: هل الخصي عيب في كبش الأضحية؟

جـ: الخصي ليس عيباً في كبش الأضحية لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضحى بكبش خصى والكبش المخصي يكون أسمن وأحسن كما في حديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ).

‌استحباب أن يذبح المضحي أُضحيته بنفسه وجواز توكيله غيره

س: هل مباشرة المضحي ذبح الأضحية بنفسه مندوب أم المباشرة والتوكيل سواء؟

جـ: يذبح المضحي الأضحية بنفسه لحديث (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ)

(1)

أو يوكل سواء لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكل الجزار وأعطى أجرته من غير الأضحية لحديث (أَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى الْبُدْنِ وَلَا أُعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا)

(2)

.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الأضاحي: باب أضحية النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (5554) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وأبوداود في الضحايا، وابن ماجه في الأضاحي، وأحمد في باقي مسند الكثرين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الجمعة، الحج، الجهاد والسير، المغازي، الأضاحي، التوحيد.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأضاحي: لا يعطى الجزار من الهدي شيئا. حديث رقم (1601) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُمْتُ عَلَى الْبُدْنِ، فَأَمَرَنِي فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا، قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى الْبُدْنِ وَلَا أُعْطِيَ عَلَيْهَا شيئاً فِي جِزَارَتِهَا)

أخرجه مسلم في الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، والدارمي في المناسك.

أطراف الحديث: الحج، الوكالة.

معاني الألفاظ: البدنة: البعير.

الجلال: مايطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه.

ص: 361

‌وجوب إعطاء أجرة الجزار من غير الأضحية

س: ما حكم أخذ الجزار الجلد والرأس أجرة له؟

جـ: الجزار إذا كان فقيراً فيعطى من الأضحية لكونه فقيراً، أما الأجرة فيجب إعطاء أجرته من غير الأضحية، وإذا أخذ الجزار الجلد أو الرأس فيأخذها مجاناً باسم صدقة إن كان فقيراً أو هدية إن كان غنياً لا باسم أجرة لأن الأجرة يجب أن تعطي له من غير الأضحي لحديث (بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُمْتُ عَلَى الْبُدْنِ، فَأَمَرَنِي فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا، قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى الْبُدْنِ وَلَا أُعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا)، الحديث في البخاري يقول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بإعطاء الجزار أجرته، وفيه دليل على مشروعية إعطاء الجزار أجرته وأن أخذه للرأس وللجلد لا يكون أجرة.

‌تحريم بيع جلود الأضاحي والأولى إعطاؤها الجمعية الخيرية لتستفيد منها

س: إذا باع الرجل جلد أضحيته وأخذ ثمنه وتصدق به، هل هو جائز؟

جـ: ما دام أنه يسمي بيع فهو غير جائز ولكن يعطي الجلد للجمعيات الخيرية التي تستفيد منه لحديث (بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُمْتُ عَلَى الْبُدْنِ، فَأَمَرَنِي فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا).

‌جواز الانتفاع بجلد الأضحية

س: ما قولكم فيمن يقول بجواز تمزيق جلد الضحية؟

جـ: الأصل في كل شيء الجواز لحديث (بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُمْتُ عَلَى الْبُدْنِ، فَأَمَرَنِي فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا) ومن ادعى تحريم شيء فعليه الدليل.

‌شرط أضحية الماعز أن تكون ثنية لا جذعاً

س: ما سن الأضحية من الماعز؟ وهل يجزئ منها الجذع؟

جـ: يشترط في الماعز أن تكون ثنية لا جذعة لحديث (لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ).

‌شرط أضحية البقر أو الجمال أو الماعز أن يكون قد مضى من عمرها عامان

س: أفتونا في السن المجزي في الأضحية؟

ج: جذع من الضأن أو ثني من المعز أي من سيضحي بكبش يجب أن يكون الكبش في عام واحد ومن سيضحي بمعز فيجب أن يكون التيس أو المعزة في عامين وهكذا عمر الجمل أو الثور الذي سيضحي به الناس يكون الواحد قد مضى من عمره عامين قمريين لحديث (لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ).

الأضحية من الضأن لا بد أن يكون سنها جذعاً

س: من يشتري صغاراً من الضأن ويذبحها في أيام العيد، فهل تعتبر أضحية؟

جـ: الأضحية لا بد أن يكون سنها جذعاً لحديث (لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ)، وهذه لا تسمى أضحية وتعتبر أكلاً لأولاد المشتري أو صدقه أو نحوه.

ص: 362

س: شاة عمرها أقل من سنة هل تجزئ أضحية؟

جـ: عند الشافعية تجزئ وعند الهادوية والشوكاني لا بد أن يكون عمرها سنة لحديث (لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ).

س: إذا كان الرجل يعيش مع امرأته فقط، فهل يجزئ عنهم كبش عمره أربعة أشهر؟

جـ: إذا كان سيتصدق منه فله أجر الصدقة، أما أنه أضحية فليس بأضحية أبداً.

‌الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام

س: ما الذي يجزئ من الأضاحي؟

جـ: لا يجزئ غير الضأن والمعز والبقر والإبل لحديث (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ)

(1)

وحديث (فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ) وحديث (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ) وحديث (لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ) ولا يجزئ الضبي ولا الأرنبة ولا الحمار الوحشي ولا الفرس عند من يجوز أكل لحم الفرس.

‌ذبح الدجاجة لايسمى أضحية

س: يوجد امرأة لا تطيق رؤية اللحم سواء لحم الضأن أو البقري فكانت تذبح دجاجاً، فهل تجوز الأضحية بالدجاج للضرورة؟

جـ: لا يشترط في الأضحية أن ينظر المضحي للحم الأضحية فالأولى لها أن تشتري أضحية وتوكل من يذبحها عنها ويتصدق بلحمها أو يأكل منها وكيلها ولا تسمى الدجاجة أضحية لحديث (لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ).

(1)

- صحيح البحاري: كتاب الأضاحي: باب في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (5127) بلفظ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ)

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وأبوداود في الضحايا، وابن ماجه في الأضاحي، وأحمد في باقي مسند الكثرين، والدارمي في الأضاحي.

ص: 363

الباب الثاني: أحكام الوليمة وحكم العقيقة وأحكام الختان

الفصل الأول: أحكام الوليمة

• وجوب إجابة دعوة وليمة العرس

• وجوب إجابة الدعوة للصائم ويدعو لصاحب الوليمة

• كراهة حضور الوليمة إذا كانت ستشتمل على معصية الله تعالى

ص: 364

‌الباب الثاني: الوليمة

‌الفصل الأول: وليمة العرس

‌وجوب إجابة دعوة وليمة العرس

س: هل تجب الإجابة إلى الوليمة؟ ومن يقدم إذا جاءت للإنسان دعوتان؟

جـ: تجب الإجابة على من دعي إلى وليمة العرس لحديث (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا)

(1)

وحديث (وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم

(2)

وحديث (شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ)

(3)

وحديث (الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ، وَالثَّانِيَ مَعْرُوفٌ، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ)

(4)

ولا تسمى وليمة إلا وليمة العرس، أما الدعوة إلى طعام من أجل دخول بيت جديد فهي تسمى (وكيرة) والدعوة إلى مناسبة حدوث مولود جديد تسمى (عقيقة) وهكذا، وإذا جاءت للإنسان دعوتان في وقت واحد فيقدم الأقرب بابا فتقدم إجابة دعوة الجار على دعوة غير الجار إذا لم يعرف السابق منهما، أما إذا عرف السابق منهما فيقدم إجابة دعوة السابق منهما.

س: كان هناك عرس لثلاثة شباب من جيراننا وكنت أعلم ذلك قبل أسبوعين وكان هناك عرس لأحد أقربائي وقد جاءتني دعوة الجار قبل دعوة القريب، فمن أجيب؟

جـ: اعتذر لصاحب الحق وهو الجار وقل له الحق لك ولكن عارض ذلك دعوة من أقرب الناس إليَّ وإن رفضت ستحصل وحشة فيما بيني وبينه وأخشى أن يكون سببا لقطعية الرحم، ولا مانع لك من الذهاب إلى الجار عملاً بنص الحديث (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا) وتعتذر للقريب.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب حق إجابة الوليمة والدعوة. حديث رقم (4775) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا)

أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، وأبوداود في الأطعمة، وابن ماجه في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله. حديث رقم (4779) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم

أخرجه مسلم في النكاح، وأبوداود في الأطعمة، وابن ماجه في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في النكاح، والدارمي في الأطعمة.

لايوجد له مكررات.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب النكاح: باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة. حديث رقم (2586) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ)

أخرجه البخاري في النكاح، وأبوداود في الأطعمة، وابن ماجه في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في النكاح، والدارمي في الأطعمة.

معاني الألفاظ: الوليمة: طعام العرس.

(4)

- سنن أبي داود: كتاب الأطعمة: باب في كم تستحب الوليمة. حديث رقم (324) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ رَجُلٍ أَعْوَرَ مِنْ ثَقِيفٍ كَانَ يُقَالُ: لَهُ مَعْرُوفًا أَيْ يُثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا إِنْ لَمْ يَكُنْ اسْمُهُ زُهَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ فَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ، وَالثَّانِيَ مَعْرُوفٌ، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ، قَالَ قَتَادَةُ وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ دُعِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ فَأَجَابَ، وَدُعِيَ الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَأَجَابَ، وَدُعِيَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَلَمْ يُجِبْ وَقَالَ أَهْلُ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فَدُعِيَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَلَمْ يُجِبْ وَحَصَبَ الرَّسُولَ) ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود برقم (3745).

أخرجه أحمد في أول مسند البصريين، والدارمي في الأطعمة.

لايوجد له مكررات

معاني الألفاظ: الوليمة: طعام العرس.

ص: 365

‌وجوب إجابة الدعوة للصائم ويدعو لصاحب الوليمة

س: إذا دعي إنسان إلى وليمة وهو صائم، هل تشرع له الإجابة؟

جـ: يجب عليه الإجابة ويصلي لهم والمراد بالصلاة الدعاء لأن الصلاة في اللغة الدعاء فيشرع للصائم أن يستجيب الدعوة لحديث (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا) ويدعو لهم.

‌كراهة حضور الوليمة إذا كانت ستشتمل على معصية الله تعالى

س: هل يجوز حضور الوليمة إذا كانت ستشتمل على محرمات؟

جـ: إذا كانت الوليمة ستشتمل على معصية كشرب خمر أو غيره من المحرمات فالواجب على المدعو اجتنابها وعدم حضور هذه الوليمة التي تدار فيها كؤوس الخمر، وإذا حضرها فهو آثم مرتكب ذنباً محرماًلقوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}

(1)

ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن حضور وليمة تدار فيها كؤوس الخمر.

س: هل يجوز لمن يدعى أن يدعو غيره معه؟

جـ: الذي يأتي الوليمة دون دعوة يسمى (طفيلي) والتطفل غير جائز لأنه يدخل البيت بلا إذن من صاحب البيت لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}

(2)

.

س: هل يستحب إجابة دعو لغير عرس؟

جـ: نعم، يستحب إجابة دعوة حضور وليمة طعام لغير العرس لحديث (لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ)

(3)

(1)

- الأعراف: آية (157)

(2)

- النور: آية (28، 27)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها. حديث رقم (2380) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ)

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 366

الفصل الثاني: أحكام العقيقة

• تعريف العقيقة

• آراء العلماء في حكم العقيقة على المولود

• استحباب حلق رأس المولود والتصدق بوزن شعره في اليوم السابع

• مشروعية العقيقة للمستطيع

• يسمى المولود ندباً في اليوم الأول ووجوباً في اليوم السابع

• جواز التكني بأبي القاسم

• جواز أن تلقب أسرة نفسها بيت المصطفى

• خرافة تسمية المولود باسم غير حسن لكي يعيش

• تحريم تسمية المولود باسم من أسماء الله الحسنى

• كراهة التسمية أو المناداة بلفظ (غفورة)

• جواز تسمية المولود حافظ أو حفيظة

• جواز تسمية الولد عبد المطلب

• جواز التسمي ببعض أسماء البلدان

• تحريم تلطيخ رأس المولود بدم العقيقة وتحريم ذبح أذن المولود لأنه مثلة

• عدم مشروعية إقامة احتفال في آخر السنة الأولى من ولادة المولود

ص: 367

‌الفصل الثاني: أحكام العقيقة

‌تعريف العقيقة

س: ماهي العقيعة لغة وشرعا؟

جـ: العقيقة (لغة): الأصل في العقيقة الشعر الذي على رأس المولود فسميت الذبيحة عند حلق ذلك الشعر عقيقة.،

العقيقة (شرعاً): هي ذبيحة تذبح عن المولود لحديث (مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا)

(1)

.

‌آراء العلماء في حكم العقيقة على المولود

س: ما حكم العقيقة؟ وما هي؟ ومتى تشرع؟

جـ: قال بعض العلماء: إذا كان الإنسان في سعة من المال فهي واجبة لحديث (مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) وقال بعض العلماء: هي مسنونة، وتشرع في اليوم السابع للمولود، وهي شاتان

(2)

عن الذكر وشاة عن الأنثى لحديث (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا)

(3)

وفي رواية النسائي (كبشين كبشين)

(4)

قال الألباني ورواية النسائي هي الأصح، والراجح: أن ذبح العقيقة سنة مؤكدة لحديث (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ)

(5)

وحديث (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ كَأَنَّهُ كَرِهَ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب العقيقة: باب إماطة الأذى عن المولود في العقيقة. حديث رقم (5049) بلفظ (حَدَّثَنَا سَلْمَانُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى)

أخرجه الترمذي في الأضاحي، والنسائي في العقيقة، وأبوداود في الضحايا، وابن ماجه في الذبائح، وأحمد في أول مسند المدنيين، والدارمي في الأضاحي.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: العقيقة: الذبيحة التي تذبح عن المولود.

(2)

- رواية البخاري تدل على أنه يجزئ عن المولود الذكر والأنثى رأس واحد من الضأن لمن لم يستطع أن يعق برأسين وهويستطيع أن يعق برأس واحد، ومن يستطع أن يعق برأسين فهو أفضل من باب الاستحباب لا الوجوب، و ذبح الرأس الواحد يصدق علي الذابح أنه أهرق دما وفي مصطلح الحديث أن ما في صحيح البخاري يقدم على مافي غيره من كتب السنة الأخرى، والسنة القولية تقدم على السنة الفعلية، مع أنه في رواية لأبي داود أن النبي عق عن الحسن والحسين شاة شاة أي شاة واحدة عن كل وا حد منهما وهي رواية تؤكد وتقوي معنى رواية البخاري، ورواية للترمذي تفيد بأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن بشاة وهي تقوي وتؤكد معنى رواية البخاري، ورواية النسائي التي تدل على ذبح كبشين عن الذكر لا تقوى على معارضة رواية البخاري المعضدة برواية أبي داود ورواية الترمذي، والشريعة مبنية على التيسير.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الضحايا: باب في العقيقة. حديث رقم (2841) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في العقيقة.

معاني الألفاظ: عق: ذبح عقيقة وهي ذبيحة عن المولود.

(4)

- النسائي: كتاب العقيقة: باب كم يعق عن الجارية. حديث رقم (4230) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما بِكَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ) صححه الألباني في صحيح سنن النسائي بنفس الرقم.

انفرد به النسائي.

(5)

- سنن أبي داود: كتاب االضحايا: باب في العقيقة. حديث رقم (2838) بلفظ (عَنْ سَمُرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه البخاري في العقيقة، والترمذي في الأضاحي، والنسائي في في العقيقة، وابن ماجة في الذبائح، وأحمد في أول مسند البصريين، والدارمي في الأضاحي.

معاني الألفاظ: العقيقة: ذبيحة تذبح عن المولود.

ص: 368

الِاسْمَ، وَقَالَ: مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ)

(1)

والحديث يدل على أن حكم العقيقة سنة وليس واجبا لأن تعليق ذبح العقيقة على إرادة المولود له يدل على أن ذبح العقيقة سنة وليس واجبا لأن الواجب يكون بصيغة الجزم دون نظر إلى إرادة المأمور أو رغبته، كصيغ الأوامر الدالة على وجوب الوضوء والصلاة والصوم وغيرها من الواجبات فهي صيغ أفعال أمر تدل على الوجوب المطلق دون نظر إلى تخيير المأمور في فعل الطهارة أو الصلاة أو الصوم أو عدم فعلها كما في ذبح العقيقة.

س: هل يصح أن أعطي كبشي العقيقة لجمعية خيرية يقومون بعمل إفطار الصائم وللفقراء؟

جـ: يستحسن أن توزعهما بنفسك يوم ذبح العقيقة.

‌استحباب حلق رأس المولود والتصدق بوزن شعره في اليوم السابع

س: هل يجب حلق شعر رأس المولود والتصدق بوزن شعره في اليوم السابع، وإذا كان واجباً فهل بالموس أم بالماكينة؟ وهل التصدق بوزن الشعر يكون ذهباً أو فضة؟

جـ: ليس ذلك واجبا وإنما هو سنة، ولا مانع من الموس ولا مانع من الماكينة كله سواء.

س: كيف تقسم العقيقة؟ ولمن تعطى؟ وهل يجوز أكل الأهل منها؟

جـ: تكون للفقراء والمساكين والجيران وأهل البيت ووالدي المولود.

‌مشروعية العقيقة للمستطيع

س: إذا كان أب المولود لا يستطيع شراء العقيقة، فماذا يفعل؟

جـ: المشروعية للمستطيع، وأما غير المستطيع فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها لقوله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} .

(2)

س: أيهما أفضل في العقيقة؟ أن يتصدق بها على الفقراء والمساكين أم دعوة الناس إليها؟

جـ: كله خير فيعطي نصفها للفقراء والمساكين، والنصف الآخر يدعو الناس إليها.

س: ما هو المشروع في يوم سابع المولود؟

جـ: أن يحلق رأس المولود ويتصدق بوزن شعره ذهباً لحديث (عقَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحَسَنِ

(1)

- سنن أبي داود: كتاب االضحايا: باب في العقيقة. حديث رقم (2842) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أُرَاهُ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْعَقِيقَةِ، فَقَالَ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ، وَقَالَ: مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ، وَسُئِلَ عَنْ الْفَرَعِ، قَالَ: وَالْفَرَعُ حَقٌّ وَأَنْ تَتْرُكُوهُ حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا شُغْزُبًّا ابْنَ مَخَاضٍ أَوْ ابْنَ لَبُونٍ فَتُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ تَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْزَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتَكْفَأَ إِنَاءَكَ وَتُولِهُ نَاقَتَكَ) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الأضاحي، والنسائي في العقيقة، وابن ماجة في الذبائح، والدارمي في الأضاحي.

معاني الألفاظ: النسك: الذبح تقربا وطاعة.

مكافئنان: أي متكافئتان في السن، وقيل متساويتان. الجارية: الطفلة حديثة الولادة. الفرع: أول ما تلده الناقة، وكانوا يذبحونه لآلهتهم.

شغربا: هو الغليظ الذي اشتد لحمه.

ابن مخاض: هوما دخل في السنة الثانية من الإبل.

ابن لبون: هومادخل في السنة الثالثة من الإبل.

الوبر: شعر الإبل. كفأ: قلب.

توله: من الوله وهو ذهاب العقل من فقدان الولد.

(2)

- البقرة: آية (286)

ص: 369

بِشَاةٍ وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً)

(1)

، ووزن الشعر سيكون بسيطاً لأن الشعر خفيف لا سيما شعر المولود، ويسمى المولود بالاسم الحسن إذا لم يكن قد سمي عقب ولادته.

س: ما حكم إذا اجتمع في عيد الأضحى ذبح العقيقة وذبح الأضحية هل تجزئ واحدة عن الاثنتين أو أنه يؤجل أحدهما؟

جـ: لا يجزئ الذبح إلا إما للأضحية أو للعقيقة أو يذبح يوم أضحية ويوم عقيقة.

س: وهل يجوز حلق رأس البنت في اليوم السابع من الولادة؟

جـ: لا مانع من حلق رأس البنت للنظافة لحديث (مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى)

(2)

.

‌يسمى المولود ندباً في اليوم الأول ووجوباً في اليوم السابع

س: متى يسمى المولود؟

جـ: يسمى ندباً من أول يوم، ووجوباً في اليوم السابع.

س: هل حديث (خير الأسماء ما حمد وعبد) صحيح أم أنه من الأحاديث المسموعة ومن أفواه الناس ولا وجود لها في الكتب؟

جـ: اعلم أن حديث (خير الأسماء ما حمد وما عبد) لا أصل له في كتب السنة النبوية ولا وقف عليه الحُفَّاظ الذين ألَّفُوا في الأحاديث الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا ذكره السيوطي في (الجامع الصغير) ولا المناوي في (كنوز الحقائق) ولا غيرهما ممن جمع الأحاديث النبوية على الحروف المعجمة مما يدل على أنه غير موجود في كتب المتقدمين من رجال الحديث لا بسند صحيح ولا بسند حسن ولا بسند ضعيف بل ولا بسند في رجاله كذاب أوضاع بدليل عدم وجوده في (العلل المتناهية) الذي ألَّفَّه ابن الجوزي في الأحاديث الواهية ولا في كتابه الآخر (الموضوعات من الأحاديث المرفوعات) ولا في (الدر الملتقط) للصاغاني ولا في (الموضوعات) للصاغاني أيضا ولا في (أحاديث القصاص) لابن تيمية ولا في غير هذه الكتب التي أُلِفت في القرن الثامن من الهجرة وما قبله من القرون السابقة لا بنفي الصحة ولا بإثبات الصحة ولا حتى بذكره مجرداً من الكلام عنه من حيث الرواية مما يدل أيضاً على أن الذي اخترعه أو وضعه كان متأخراً عن عصور التدوين وعصور التأليف في كل نوع من أنواع الحديث أو في الأحكام المرتبة على ترتيب أبواب الفقه التي تقدم العبادات والمعاملات ثم تذكر الولائم وأحكام المولود في آخر باب الأيمان، وإنما ذكره المؤلفون المتأخرون ممن عاش في آخر القرن التاسع وما بعده واهتم بجمع الأحاديث المشتهرة والدارجة على السنة الناس لبيان ما هو صحيح وما هو غير صحيح وما هو مشهور كحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما هو مشهور كأثر موقوف على صحابي وما هو مشهور وهو من كلام أحد التابعين أو من جاء بعدهم من العلماء، كما أوضحوا ما

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الأضاحي: باب العقيقة بشاة. حديث (1519) بلفظ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحَسَنِ بِشَاةٍ وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً قَالَ فَوَزَنَتْهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه مالك في العقيقة.

(2)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه برقم (5049).

ص: 370

هو من كلام المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم وما هو من كلام الصوفية أو النحاة أو مثل من الأمثال المشهورة عند الناس حيث ميزوا بين الطيب والخبيث وبينوا للناس ما هو مثل عربي أو عرفي وما هو أثر أو حديث، وذلك مثل الحافظ السيوطي مؤلف (الدرر المنتثرة من الأحاديث المشتهرة) الذي قال في درره هذه عند ذكره لهذا الحديث و حديث (خير الأسماء ما حمد وما عبد) لم أقف عليه، وقد نقل كلامه هذا من جاء بعده من الحفاظ المتأخرين وأقروه ك (الملأ على القارئ) و (بشير ظافر الأزهري) و (القاوقجي) وغيرهم ممن ألف في بيان الأحاديث الموضوعة أو التي لا أصل لها في كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وكما قال السيوطي في (الدرر المنتثرة) قال معاصره وشيخه الحافظ السخاوي مؤلف كتاب (المقاصد الحسنة) وهو الكتاب الذي جمع فيه كثير من الأحاديث الدارجة على الألسنة حيث قال في هذا الحديث (ما علمته) وقد تبعه من جاء بعده ممن اختصر مؤلفه المذكور كتلميذه الحافظ (الدبيع) مؤلف كتاب (تميز الطبيب من الخبيث) الذي اختصر به المقاصد الحسنه لشيخه السخاوي ونقل كلام السخاوي هذا وأقرَّه عليه وكذلك الحافظ الزرقاني الذي اختصر (المقاصد الحسنة) معقباً الأحاديث التي نقلها من المقاصد الحسنة بصفة موجزه برأيه حولها بعبارة في غاية الإيجاز فإنه عقب على هذا الحديث بقوله (لا أعرفه) وكذلك راجعت كتاب (كشف الخفاء ومزيل الإلباس عن الأحاديث الدارجة على ألسنة الناس) للعجلوني وهو الكتاب الذي اختصر به (المقاصد الحسنة) وزاد في كل حرف من الحروف المعجمة التي رتب السخاوي الأحاديث عليها عدة أحاديث لم يذكرها السخاوي وتكلم عليها فإنه في هذا الحديث قد نقل عن العلامة الغزي مؤلف كتاب (إتقان ما يحسن من ذكر الأحاديث الدارجة على الألسن) إلى أن قال عن هذا الحديث أنه (حديث باطل) وأقر العجلوني الغزي على حكمه على هذا الحديث بالبطلان ولم يعترضه أو يتعقبه أو يعلق عليه بأي نوع من التعليق مما يدل على أنه يذهب إلى بطلان هذا الحديث المزعوم نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك راجعت الكتب التي اهتم مؤلفوها بجمع الأحاديث الموضوعة أو التي لا أصل لها من الحفاظ المتأخرين عن السيوطي وعن السخاوي فوجد تهم جميعاً ينقلون عن السيوطي أو عن السخاوي ما قاله الواحد من هذين الحافظين عن هذا الحديث المزعوم من نقلوا عنه على قوله ولا يعقبوا عليه بأيِّ عبارة تدل على عدم إقرارهم لهما أو لأحدهما على قوله بعدم وجود أصل لهذا الحديث أو بعدم علمه بهذا الحديث أو بعدم وقوفه عليه، وذلك مثل (الملاّ على القارئ) مؤلف كتاب (الأسرار المرفوعة) الذي جمع فيه بعض الأحاديث الموضوعة والقاوقجي مؤلف كتاب (اللؤلؤ المرصوع فيما لا أصل له أو بأصله موضوع) فإن كلا العالمين المذكورين قد نقل في كتابه في الموضوعات عن السيوطي رحمه الله أنه قال عن هذا الحديث (لم أقف عليه) وقد أقراه على كلامه هذا، كما أن الحافظ الألباني العلامة المعاصر قد نقل عن السيوطي أنه قال في هذا الحديث لا أصل له وقد أيده على كلامه هذا ولم يعترضه كما يعترضه كثيراً في مؤلفاته عند أن يعثر على غلطة تصدر من السيوطي ولا سيما في الكتاب الذي جمعه الألباني في الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة وفي (ضعيف الجامع الصغير) أي أن الحافظ الألباني لم ينقد السيوطي أو يتعقبه بل أيده على كلامه هذا ولعل السيوطي صرح بأنه لا أصل له في أحد مؤلفاته التي ألَّفَها في الموضوعات، أما الجملة التي في (الدرر المنتثرة) وهي قوله (لم أقف عليه) بدلاً من قوله (لا أصل له) وعلى كل حال فالمؤدي واحد لأن عدم وقوفه على هذا الحديث بعد البحث مما يدل على أنه لا أصل له كما لا يخفى على من له ذوق سليم، وهكذا الحافظ (محمد بشير ظافر) الأزهر المالكي مؤلف كتاب (تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين) فإنه في كتابه هذا أقرّ السخاوي رحمه الله على تصريحه بعدم علمه لهذا الحديث المزعوم إلا إن عبارة الأزهري التي نقلها عن السخاوي هي قوله (لا أعلمه)

ص: 371

والتي في المقاصد هي قول السخاوي (ما علمته) والمؤدي واحد، هذا وممن نفى وجود هذا الحديث المحدث مرعي الكرمي في (فوائده المجموعة) وغيره من المتأخرين والخلاصة لما جاء في جوابي هذا هي:

أن علماء الحديث لم يذكروا حديث (خير الأسماء ما حمد أو عبد) في كتبهم التي جمعت الكثير الطيب من كلام النبي ولا وجود لهذا الحديث أصلاً في السنن ولا في المعاجم ولا في المستندات لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف.

إن المتأخرين من المحدثين لم يعثروا له على أصل ولا علموه حديثاً ولا وقفوا عليه ومن هؤلاء السخاوي والسيوطي والديبع والعجلوني والزرقاني والملا على القارئ والقاوقجي والغزى والأزهري والكرمي والألباني الحافظ المعاصر وغيرهم.

‌جواز التكني بأبي القاسم

س: هل يجوز لشخص أن يكني ابنه (بأبي القاسم) أم أنه غير جائز؟

جـ: لا مانع لرجل أن يكني ولده بأبي القاسم كما أنه لا مانع له أيضاً في أن يكني نفسه بتلك الكنية وما ورد النهي عن التكني بأبي القاسم في حديث (تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي)

(1)

محمول على عصره صلى الله عليه وآله وسلم بدليل ما ورد في سنن أبي داود وسنن الترمذي من تجويز النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التكني بهذه الكنية في حديث (مَا الَّذِي أَحَلَّ اسْمِي وَحَرَّمَ كُنْيَتِي، أَوْ مَا الَّذِي حَرَّمَ كُنْيَتِي وَأَحَلَّ اسْمِي)

(2)

وحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وُلِدَ لِي بَعْدَكَ أُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَكَانَتْ رُخْصَةً لِي)

(3)

.

س: ما حكم التسمي بهذه الأسماء عبد النبي، عبد النور، عبد المطلب؟

جـ: عبدالنبي لايجوز، عبدالنور لايجوز، عبدالمطلب يجوز.

‌جواز أن تلقب أسرة نفسها بيت المصطفى

س: امرأة من بيت مصطفى، هل يجوز أن تلقب بيت المصطفى؟

جـ: لا مانع.

(1)

-صحيح البخاري: كتاب العلم: باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (107) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ)

أخرجه مسلم في المقدمة، والترمذي في الرؤيا، وأبوداود في الأدب، وابن ماجه في تعبير الرؤيا، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: يتمثل: يتصور.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الأدب: باب في الرخصة في الجمع بينهما. حديث رقم (4317) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ وَلَدْتُ غُلَامًا فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا وَكَنَّيْتُهُ أَبَا الْقَاسِمِ، فَذُكِرَ لِي أَنَّكَ تَكْرَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا الَّذِي أَحَلَّ اسْمِي وَحَرَّمَ كُنْيَتِي، أَوْ مَا الَّذِي حَرَّمَ كُنْيَتِي وَأَحَلَّ اسْمِي) ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود برقم (4968).

انفرد به.

لايوجد له مكررات.

(3)

- سنن الترمذي: كتاب الأدب: باب ماجاء في كراهية الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته. حديث رقم (4967) بلفظ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وُلِدَ لِي بَعْدَكَ أُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَانَتْ رُخْصَةً لِي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) صححه الألباني

ص: 372

‌خرافة تسمية المولود باسم غير حسن لكي يعيش

س: يقوم بعض الناس الذين أنجبوا أطفالاً ثم ماتوا وهم صغار يقومون بتسمية أولادهم الجدد باسم (شوعي أو شوعية) من أجل أن يعيشوا ولا يموتوا كإخوانهم الذين سبقوهم، فهل عملهم هذا جائز أم أنه غير جائز؟ وما هو الواجب على أهلهم وعشيرتهم؟

جـ: هذه خرافة من الخرافات وترهة من الترهات وبدعة من البدع التي لا أصل لها في الإسلام ومن كان يعيش بين هذه الأسر فيجب عليه أن ينهي عنها بقدر الامكان وبحسب المستطاع وذلك النهي يكون باللسان إن أمكن ذلك فإن لم يمكن فبالقلب وهو أضعف الإيمان لحديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)

(1)

.

س: الوالدة رأت في المنام أنه سوف يأتيها من ابنها البكر ولد وأخبرها أن تسميه هارون وفعلاً ولد المولود وأسمته (هارون) ولكنه كثير البكاء فأشار أكثر الناس أن تغير اسمه ولكنها تصر على بقاء اسمه وتذكرنا بالرؤيا فأخبرناها أنها مجرد رؤيا غير ملزمة، فما رأيكم أنتم؟

جـ: تستخير الله وما ألهما الله عملته ولا أستطيع أن أجيب بوجوب تغيير الاسم أو بتحريم تغييره.

س: هل يجوز تسمية البنات آية أو غفران؟

جـ: الأفضل أن تكون التسمية بأسماء أمهات المؤمنين لأن الآية كلمة تطلق على المعجزة وعلى القطعة من القرآن، والغفران هو مصدر لغفران الله لعباده.

‌تحريم تسمية المولود باسم من أسماء الله الحسنى

س: هل يجوز أن يسمي الأب ابنه باسم من أسماء الله الحسنى؟

جـ: لا يجوز، لقوله تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا

يَعْمَلُونَ}

(2)

.

‌كراهة التسمية أو المناداة بلفظ (غفورة)

س: امرأة تسمى أمة الغفور ويناديها الناس يا غفورة، فما الحكم الشرعي؟

جـ: الغفور هو الله، كما في قوله تعالى {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}

(3)

.

‌جواز تسمية المولود حافظ أو حفيظة

س: ما رأيكم في تسمية الولد حافظا هل هو جائز؟

جـ: لا مانع

‌جواز تسمية الولد عبد المطلب

س: ما قولكم في تسمية عبدالمطلب، هل هو جائز؟

جـ: لا مانع لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقر هذا الاسم ولم ينكره حيث قال (أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ

(1)

- صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه برقم (175).

(2)

- الأعراف: آية (180)

(3)

- الحجر: آية (49)

ص: 373

عَبْدِ الْمُطَّلِبْ)

(1)

‌جواز التسمي ببعض أسماء البلدان

س: هل يجوز التسمي ببعض أسماء البلدان؟

جـ: الأسماء التي لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها أثر لا بأس بالتسمي بها والتسمي بأسماء البلدان لا بأس به، وقد كان هناك أناس يتسمون ببلدانهم وأقرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يأمرهم بتغييره مثل (هند) تسمى به ذكر مثل (هند بن أبي هالة) وأنثى مثل (هند بنت عتبة) ولم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم هذا الاسم مع أنه اسم تلك البلاد المشهورة ب (الهند).

‌تحريم تلطيخ رأس المولود بدم العقيقة وتحريم ذبح أذن المولود لأنه مثلة

س: ما حكم خدش الإذن للطفل أو الطفلة وتلطيخ رأس الطفل بدم العقيقة؟

جـ: عندي أنه لا يجوز تلطيخ الطفل بالدم ولا يجوز ذبح أذن الطفل أو الطفلة لأنه مثلة وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنها في حديث (كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ)

(2)

وبعض العلماء أجازوا تعليق القرط للبنت، أما الولد فلا ينبغي تعليق الأقراط في أذنه وكان البعض من الناس يعلقون الأقراط في آذان الأطفال، الذكر والأناث، قال الشاعر ابن الوردي واسمه عمر بن الوردي وقد مر به صبي في أذنه قرطان:

مر بنا مقرَّط ووجهه يحكي القمر

قلت أبو لؤلؤة منه خذوا ثأر عمر

وفي هذا البيت تلميح بقصة قتل عمر بن الخطاب لأنه قصد أن يأخذوا ثأر عمر ابن الوردي لأنه فتن بجمال هذا الولد المقرط، وفيه تلميح إلى قصة أبي لؤلؤة المجوسي الذي قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والولد المقرَّط هو الذي علق في أذنيه قرطين.

‌عدم مشروعية إقامة احتفال في آخر السنة الأولى من و لادة المولود

س: يوجد أناس يعملون مؤدبة واجتماعات وأفراحا في أوآخر السنة الأولى من ولادة أطفالهم ويسمون ذلك عيد ميلاد، فهل عملهم هذا مباح أم أنه بدعة وتقليد للأجانب؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من قال خذها وأنا ابن فلان. حديث رقم (2815) بلفظ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، أَوَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ الْبَرَاءُ وَأَنَا أَسْمَعُ: أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُوَلِّ يَوْمَئِذٍ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذًا بِعِنَانِ بَغْلَتِهِ، فَلَمَّا غَشِيَهُ الْمُشْرِكُونَ نَزَلَ فَجَعَلَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ، قَالَ فَمَا رُئِيَ مِنْ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ أَشَدُّ مِنْهُ)

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، والترمذي في الجهاد، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

معاني الألفاظ: العنان: حبل تقاد به الدابة.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب قصة عكل وعرينة. حديث رقم (2871) بلفظ (عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَوْدٍ وَرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبَانُ وَحَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ عُرَيْنَةَ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ)

أخرجه مسلم في القسامة والمحاربين والقصاص، والترمذي في الطهارة، والنسائي في الطهارة، وأبوداود في الحدود، وابن ماجه في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: استوخموا: كرهوا الإقامة بها لمرض أصابهم.

ص: 374

جـ: هذه العادة لم يعرفها العرب والمسلمون وإنما أتت إلينا من بلدان الكافرين، فمن عملها متشبهاً بالأجانب من الأوروبيين وغيرهم فقد عمل محضوراً أو مكروهاً لأن من تشبه بقوم فهو منهم لحديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)

(1)

وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا)

(2)

، ومن عملها حامداً لله وشاكراً على ما أنعم عليه من البنات أو البنين فلا مانع له من ذلك والأعمال بالنيات لحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)

(3)

.

(1)

- سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب في لبس الشهرة. حديث رقم (3512) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) قال عنه الألباني في صحيح أبي داود رقم (4031) بأنه (حسن صحيح).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الاستئذان والأدب: باب ماجاء في كراهية الإشارة باليد في السلام. حديث رقم (3619) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2695).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله. حديث رقم (1) بلفظ (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في فضائل الجهاد، والنسائي في الطهارة، والطلاق،، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الزهد،، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ: النية: القصد وعزم القلب على الفعل.

يصيب: ينال، والمراد: تحصيل أسباب العيش.

ص: 375

الفصل الثالث: أحكام الختان

• وجوب ختان الطفل وجواز ترك الطفلة بلا ختان

• قد يولد الطفل مختون ولا يحتاج إلى ختان

• موت الطفل قبل ختانه أسقط على الأحياء مشروعية ختانه

ص: 376

‌الفصل الثالث: أحكام الختان

‌وجوب ختان الطفل وجواز ترك الطفلة بلا ختان

س: ما هو السر في ختان الطفل دون الطفلة؟ وهل يجوز تركها دون ختان؟

جـ: الختان مشروع لحديث (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ)

(1)

وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن الختان على الذكور كما جاء في بعض الأحاديث أنه يشرع للذكور والأناث ولهذا فإن بعض العلماء يخص المشروعية بالذكور فقط وبعضهم جعلوا المشروعية على الذكور والأناث لحديث (لَا تُنْهِكِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ)

(2)

، ومن ذهب إلى أن الختان مشروع على النساء لا يجعله واجباً وإنما يجعله من المسنونات لحديث (الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ، مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ)

(3)

، ولهذا نقول بأن ترك الأنثى بلا ختان ليس بحرام، لأن من قال بمشروعية الختان للنساء يجعله غير واجب على ولي الطفلة بل هو من المسنونات والمسنون لا يأثم تاركه وإنما يؤجر فاعله وإنما الذي يأثم تاركه هو الواجب لا المسنون، ومن أراد الإطلاع على ما قاله العلماء فعليه بكتاب تحفة الودود لابن القيم.

‌قد يولد الطفل مختون ولا يحتاج إلى ختان

س: بعض الناس إذا ولد له ولد يصيح في اليوم السادس أو السابع بأنه مختون وبعض الناس يقول بأنه مختون من الملائكة، فهل هذا صحيح أم لا؟

جـ: بعض الأولاد يوجد مختون على صفة الطفل المختون، أما أنه من الملائكة فلم يرد حديث صحيح يدل على ذلك.

س: نسمع أن بعض الأطفال يختنون بعد ولادتهم ولا نعلم صفة هذا الختان إلا أن بعض الناس يزعم أنه يختنهم الملائكة؟

جـ: الملائكة لا تختن أحداً ولن تختن أحداً ولكن قد يولد بعض الأطفال مختوناً ولكنه في غاية من الندور والشذوذ، أما أن يولد طفل غير مختون ثم بعد يوم أو أيام يقال عنه أن الملائكة ختنته فذلك من الأباطيل

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الاستئذان: باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط. حديث رقم (5823) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ)

أخرجه مسلم في الطهارة، والترمذي في الأدب، والنسائي في الطهارة، وأبوداود في الترجل، وابن ماجه في الطهارة وسننها، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع.

معاني الألفاظ: الاستحداد: إرالة الشعر النابت حول العورة.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الأدب: باب ماجاء في الختان. حديث رقم (4587) بلفظ (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا تُنْهِكِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ)

انفرد به.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الختان: قطع الجزء الزائد من الأعضاء التناسلية.

(3)

- مسند أحمد: كتاب أول مسند البصريين: باب حديث أسامة الهذلي رضي الله عنه. حديث رقم (91791) بلفظ (عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ، مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ)

انفردبه.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الختان: قطع الجزء الزائد من الأعضاء التناسلية.

ص: 377

والخرافات ومن الأكاذيب والترهات.

‌موت الطفل قبل ختانه أسقط على الأحياء مشروعية ختانه

س: عاش مولود خمس عشر يوماً ثم توفي ولم يكن قد ختن، فهل يجوز دفنه قبل أن يختن أم لا؟

جـ: موت الطفل قبل ختانه قد أسقط عنكم مشروعية ختانه ولا مانع من دفنه.

ص: 378

‌كتاب اللباس

• وجوب ستر العورة في الملأ والخلاء

• تحريم إسبال الثياب إلى أسفل الأقدام أو الكعبين

• تحريم لبس الحرير الخالص أو الذهب أو الثياب المصبوغة بالعصفر أو ثوب الشهرة للرجال

• حكم لبس النظارة أو الساعة من الذهب

• تحريم لبس الساعة الذهبية أو التختم بالذهب

• تحريم افتراش الحرير الخالص كتحريم لبسه

• جواز لبس الحرير للتداوي

• آراء العلماء في جواز لبس الحرير الخالص أيام الحرب

• آراء العلماء في جواز لبس الحرير المخلوط

• تحريم قلع الأسنان وهي صحيحة لاستبدالها بأسنان من ذهب

• تحريم تلبيس الأسنان بالذهب للزينة

• جواز تركيب الإنسان لنفسه أسناناً من ذهب للضرورة

• جواز تجبير السن بالذهب إذا كان للضرورة

• الذهب المحلق ما يصنع منه حلق خواتم وأساور ومشاخص وحبوب ذهبية

• تحريم لبس الذهب الأبيض لكونه ذهبا

• تحريم لبس الرجل سلساً من الذهب

• كراهة لبس الذهب في الجنبية

• جواز تختم الرجل بالماس لعدم النص بتحريمه

• الجمع بين حديث لبسه صلى الله عليه وآله وسلم الثوب الأحمر و نهيه عن المعصفر

• ثوب الشهرة هو الانفراد بلبس ثوب لم يسبق أن لبس أحد من أهل قطره أو بلده مثله

• ثبوت شراء النبي صلى السراويل ولم يثبت لبسه للسراويل

• جواز لبس الرجل ثياب المرأة للضرورة

• تحريم تشبه الرجال بالنساء في إطالة شعر الرأس أو اللباس أو غيره

• تحريم أخذ جزء من شعر الرأس وترك الباقي

• تحريم لبس البنطلون الضيق

• تحريم لبس اللباس الضيق الذي يحكي حجم العورة سواء للرجل أو المرأة

• تحريم تشبه المرأة بالنساء الكافرات في لبس الثياب أو غيره

ص: 379

• وجوب احتجاب المرأة

• تحريم اللباس الضيق الذي يصف جسم المرأة

• وجوب أمر المرأة بالاحتجاب من الرجال الأجانب

• وجوب احتجاب المرأة من الرجل الأجنبي العاقل والمجنون

• جواز خروج المرأة بدون شربات إذا كانت الجزمة ساترة للقدمين

• وجوب ستر قدمي المرأة بالسروال أو بالشربات لأن جسم المرأة كله عورة

• وجوب احتجاب المرأة من زوج أختها لأنه ليس من محارمها

• تحريم تزين المرأه بالمكياج إلا لزوجها

• تحريم تزين المرأة وخروجها إلى الأماكن العامة

• كراهة خلع البالطو في غير بيت الزوج

• جواز لبس المرأة في الصلاة الثياب الأبيض

• جواز صلاة المرأة في ثياب زينتها

• جواز لبس المرأة جبة الزوج للوقاية من البرد

• جواز لبس المرأة السلاح الشخصي لضرورة الدفاع عن نفسها

• استحباب صبغ الرجل شعر رأسه أو لحيته بالحنا

• تحريم صبغ الشعر باللون الأسود

• تحريم صبغ الرجال شعر لحاهم ورؤسهم باللون الأسود

• تحريم صبغ الرجال شعر لحاهم ورؤسهم باللون الأسود

• جواز تخفيف اللحية تخفيفا بسيطا

• تحريم وصل المرأة شعرها بشعر آخر

• جوازلبس قباعة الجامعة لكونه قد صار عرفا عند المسلمين

• كراهة إلباس الأطفال ملابس فيها صور لذوات أرواح

• جواز لبس عدسات العين للمرأة للضرورة

• تحريم تعطر المرأة خارج بيت زوجها

• تحريم الانتفاع ببقايا القماش في محل خياطة بدون إذن صاحب اللباس

• تحريم خياطة ملابس النساء المنافية للآداب الشرعية

ص: 380

كتاب: اللباس

‌وجوب ستر العورة في الملأ والخلاء

س: هل ستر العورة واجب في الملأ والخلاء أم في الملأ فقط؟

جـ: يحرم على الإنسان كشف عورته إلا عند الضرورة كقضاء الحاجة أو عند ضرورة العلاج، لحديث (حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ)

(1)

فيجب على الإنسان أن يستر عورته ولو كان خالياً منفرداً لأن الله عز وجل يراه والملائكة تراه.

‌تحريم إسبال الثياب إلى أسفل الأقدام أو الكعبين

س: بعض الناس يسبلون إزارهم إلى أسفل أقدامهم ولا يعلمون أنهم آثمون في ذلك وأنه لا يجوز تطويل الإزار إلى أسفل الكعب، فما نصيحتكم في ذلك؟

جـ: الأحاديث الدالة على تحريم الإسبال صحيحة كحديث (مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّار)

(2)

وحديث (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

(3)

وغيره من الأحاديث وقد ألف العلامة (محمد بن إسماعيل الأمير) رسالة قيمه في تحريم الإسبال سماها (احتفاء الأقوال في تحريم الإسبال) وقد طُبِعت ونُشِرت في المكاتب فيمكن الإطلاع عليها.

‌تحريم لبس الحرير الخالص أو الذهب أو الثياب المصبوغة بالعصفر أو ثوب الشهرة للرجال

س: ما هي الأشياء التي يحرم على الرجال لبسها دون المرأة؟

جـ: يحرم على الرجل لبس الحرير الخالص ويحل للمرأة أن تلبس الحرير الخالص لحديث (وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ

(1)

سنن الترمذي: كتاب الأدب عن رسول الله: باب ما جاء في حفظ العورة. حديث رقم (2718) بلفظ (حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا؟ قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ ٍ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2794).

أخرجه ابن ماجه في النكاح.

أطراف الحديث: الأدب عن رسول الله.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار. حديث رقم (5450) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ).

أخرجه النسائي في الزينة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب المناقب: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لوكنت متخذا خليلا. حديث رقم (3392) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ، قَالَ مُوسَى: فَقُلْتُ: لِسَالِمٍ أَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ ذَكَرَ إِلَّا ثَوْبَهُ)

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، والترمذي في اللباس، والنسائي في الزينة، وأبوداود في اللباس، وابن ماجه في اللباس، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في الجامع.

معاني الألفاظ: الخيلاء: الفخر والتكبر.

ص: 381

الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالْحَرِير و ِ وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالْإِسْتَبْرَقِ)

(1)

ويحرم على الرجل أن يتختم بالذهب ويحل لبس الذهب للمرأة للحديث (وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالْإِسْتَبْرَقِ)، ويحل للرجل أن يلبس الحرير المخلوط أو ما كان أقل من أربع أصابع لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْحَرِيرِ إِلَّا هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الْإِبْهَامَ، قَالَ فِيمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ يَعْنِي الْأَعْلَامَ)

(2)

وفي رواية (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا هَكَذَا، وَصَفَّ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِصْبَعَيْهِ)

(3)

أو ما كان للتداوي كما في حديث (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَوَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الْقَمْلَ، فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي الْحَرِيرِ)

(4)

.

2 -

أما الذهب فالتختم به يحرم على الرجل سواءً كان الرجل في حالة الصلاة أم في غير حالة الصلاة، ويحرم على الرجل التختم بالذهب سواءً كان الذهب قليلاً أم كثيراً لحديث (وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ) وحديث (نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ)

(5)

وحديث (إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَلَّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا)

(6)

وحديث (إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب الأمر باتباع الجنائز. حديث رقم (1239) بلفظ (عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَال: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ الْمَظْلُوم، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالْحَرِير و ِ وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالْإِسْتَبْرَقِ).

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، والترمذي في اللباس، والنسائي في الجنائز، وابن ماجة في الكفارات، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: النكاح الأشربة.

معاني الألفاظ: القسي: ثياب مخططه بالحرير. استبرق: ما غلظ من الحرير.

(2)

صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر ما يجوز منه. حديث رقم (5490) بلفظ (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ بِأَذْرَبِيجَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْحَرِيرِ إِلَّا هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الْإِبْهَامَ، قَالَ فِيمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ يَعْنِي الْأَعْلَامَ).

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، والنسائي في الزينة، وأبو داود في اللباس، وابن ماجة في الجهاد، اللباس، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر مايجوز. حديث رقم (5381) بلفظ (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا هَكَذَا، وَصَفَّ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِصْبَعَيْهِ، وَرَفَعَ زُهَيْرٌ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ)

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، والنسائي في الزينة، وأبوداود في اللباس، وابن ماجه في الجهاد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب الحرير في الحرب. حديث رقم (2762) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَوَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الْقَمْلَ، فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي الْحَرِيرِ فَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا فِي غَزَاةٍ).

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، والترمذي في اللباس عن رسول الله، والنسائي في الزينة، وأبو داود في اللباس، وابن ماجة في اللباس، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الجهاد والسير، اللباس.

(5)

- صحيح مسلم: كتاب اللباس والزينة: باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر. حديث رقم (3876) بلفظ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ)

أخرجه الترمذي في اللباس، والنسائي في الزينة، وابن ماجه في اللباس، وأحمد في مسند العشرة، ومالك في النداء للصلاة.

معاني الالفاظ: القسي: ثياب مخططة بالحرير.

(6)

- سنن النسائي: كتاب الزينة: باب تحريم لبس الذهب. حديث رقم (5170) بلفظ (عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَلَّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا)

أخرجه الترمذي في اللباس.

ص: 382

فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي)

(1)

.

3 -

يحرم على الرجل لبس الثياب المصبوغة بالمعصفرلحديث (نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ) وحديث (رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا، قَالَ: بَلْ أَحْرِقْهُمَا)

(2)

.

4 -

يحرم على الرجل لبس ثوب الشهرة لحديث (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ)

(3)

وفي رواية (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ)

(4)

.

5 -

يحرم على الرجل أن يلبس لبس النساء لحديث لحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ)

(5)

وحديث (لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ)

(6)

.

‌حكم لبس النظارة أو الساعة من الذهب

س: هل يجوز لبس نظارة من الذهب أو ساعة من الذهب؟ أو فيهما طلاوة من الذهب أو الفضة؟

جـ: هذه مشكلة لأنا إن نظرنا إلى كون الرجل يلبسهما عند لبسه الثياب، فهما حرام، وإن نظرنا إلى أنهما ليستا للبس بل النظارة للنظر كما أن الساعة آلة لضبط القوت فليستا بحرام، فهي مشكلة وأقول: الله أعلم ولا أستطيع أن أقول بأنهما حلال ولا أنهما حرام، ولكني أستطيع أن أقول إن النظارة أو الساعة المطليتين بالذهب شبهة من

(1)

- سنن النسائي: كتاب الزينة: باب تحريم الذهب على الرجال. حديث رقم (5055) بلفظ (عَنْ ابْنِ زُرَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي) صححه الألباني في صحيح النسائي برقم (5195).

أخرجه أبوداود في اللباس، وابن ماجه في اللباس.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب اللباس والزينة: باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر. حديث رقم (3873) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا، قَالَ: بَلْ أَحْرِقْهُمَا).

أخرجه النسائي في الزينة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: اللباس والزينة.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب في لبس الشهرة. حديث رقم (4029) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فِي حَدِيثِ شَرِيكٍ يَرْفَعُهُ، قَالَ: مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ، زَادَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ثُمَّ تُلَهَّبُ فِيهِ النَّارُ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ: ثَوْبَ مَذَلَّةٍ) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داوود بنفس الرقم.

أخرجه ابن ماجة في اللباس، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

معاني الألفاظ: تلتهب: تشتعل لهباً وتحترق.

(4)

-سنن ابن ماجه: كتاب اللباس: باب من لبس ثوب شهرة من الثياب. حديث رقم (3596) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (2921).

(5)

- صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب المتشبهون بالنساء والمتشبهات بالرجال. حديث رقم (5425) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ)

أخرجه الترمذي في الأدب، وأبوداود في الأدب، وابن ماجه في النكاح، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في الاستئذان.

(6)

- صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت. حديث رقم (5436) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ، قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فُلَانًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا)

أخرجه الترمذي في الأدب، وأبوداود في الأدب، وابن ماجه في النكاح، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في الاستئذان.

معاني الألفاظ: المخنث: ذكر أشبه بالنساء في هيئته وأحواله.

ص: 383

الشبهات والمؤمنون وقّافُّون عند الشبهات لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ،)

(1)

.

‌تحريم لبس الساعة الذهبية أو التختم بالذهب

س: هل يجوز للمسلم أن يؤدي الصلاة وهو يتختم بالذهب أو يلبس ساعة ذهبية أو ما شابه ذلك؟

جـ: لبس الذهب والتختم بالذهب حرام على المسلم بالأدلة الصحيحة المصرحة بالنهي عن لبس الذهب عموماً كما في حديث (إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَلَّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا) وعن التختم بالذهب على جهة الخصوص كما في حديث (وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ) وحديث (نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ) ومن الممكن إلحاق الساعة الذهبية بالتختم بالذهب والحكم على لابس الساعة الذهبية بأنه يلبس المحرم لبسه قياساً على التختم بالذهب، فالأصل هو التختم بالذهب والفرع هو لبس الساعة الذهبية والعلة الجامعة بين الأصل والفرع هي الخيلاء والحكم هو التحريم، كما أن من الممكن أن يكون لبس الساعة الذهبية محرماً لكونه داخلاً في اللبس ومن ضمن الملبوسات المحرمة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن لبس الذهب للرجال فيشمل النهي جميع الملبوسات المحرمة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن لبس الذهب للرجال فيشمل النهي جميع الملبوسات الذهبية ويدخل لبس الساعة الذهبية في العموم، وبناءً على ذلك فليس التحريم خاصاً بوقت الصلاة فقط بل هو محرم في جميع الأوقات سواء كان اللابس في حالة صلاة أو كان خارج الصلاة فمن كان يتختم بخاتم من ذهب وينزعه حال الصلاة وبعد فراغه من الصلاة يعود إلى لبسه متوهماً بأن التحريم خاص بوقت الصلاة فهو غالط لأن الأدلة الدالة على تحريم التختم بالذهب في حديث (وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ) وحديث (نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ) لم تخص التحريم بوقت الصلاة ولا قيدته بوقت الصلاة وحيث لم تخصه بوقت الصلاة ولا قيدته بوقت الصلاة فيبقى التحريم شاملاً لجميع الأوقات، ويحتمل أنّ السّاعة ليست بخاتم ولا هي ملبوسة وإنما هي عبارة عن آلة لضبط الوقت فلا يحرم على الرجال وضعها في إحدى الأيدي سواء في الصلاة أو خارج الصلاة، هذا كله بالنسبة إلى الرجال أما النساء فلا مانع لهن من لبس الذهب سواء خارج الصلاة أو في حالة الصلاة لأن لبس الذهب حلال للإناث حرام على الرجال كما جاء في الحديث الصحيح (إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَلَّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا) ونص عليه الفقهاء في كتب الفقه وكما نص عليه شُرَّاح كتب السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.

‌تحريم افتراش الحرير الخالص كتحريم لبسه

س: هل يجوز للرجل أن يفترش الحرير الخالص؟

جـ: لا يجوز للرجل أن يفترش الحرير الخالص كما أنه لا يجوز له لبس الحرير الخالص لأن افتراش الحرير الخالص مثل لبسه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن افتراش الحرير كما نهى عن لبسه في حديث

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (50) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وابن ماجه في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: حفظ وصان.

ص: 384

(نَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ)

(1)

خلافاً للهادوية الذين أجازوا الافتراش ولم يجيزوا اللبس مع أن الكل قد ورد النهي عنه في حديث (وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ).

‌جواز لبس الحرير للتداوي

س: قال صلى الله عليه وآله وسلم (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) فكيف أجيز لبس الحرير الخالص للعلاج مع أن لبسه محرم؟

جـ: جواز لبس الحرير للتداوي ورد بدليل خاص في حديث (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَوَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الْقَمْلَ، فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي الْحَرِيرِ) فيعمل بالخاص فيما تناوله وبالعام في الباقي، ولا معارضة بين عموم حديث (وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالْإِسْتَبْرَقِ) وخصوص حديث (فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي الْحَرِيرِ) فما قد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أجازه فنجوزه، وما لم يرد فيه دليل خاص فيبقى داخلاً تحت عموم التحريم في حديث (وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالْإِسْتَبْرَقِ).

‌آراء العلماء في جواز لبس الحرير الخالص أيام الحرب

س: هل يجوز لبس الحرير الحقيقي أيام الحرب؟

جـ: علماء المذهب الهادوي: أجازوا لبس الحرير لإرهاب العدو، وللضرورة، وقال الشوكاني: أما للضرورة فيجوز لبس الحريرلحديث (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَوَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الْقَمْلَ، فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي الْحَرِيرِ) وأما لإرهاب العدو فلا يجوز لأن العدو لا يرهب بلبس الحرير إنما يرهب بإعداد القوة العسكرية كإعداد الجيوش والمعدات الحربية ونحوها، عملاً بقول الله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}

(2)

.

‌آراء العلماء في جواز لبس الحرير المخلوط

س: هل يجوز لبس الحرير المخلوط؟

جـ: بعض العلماء أجازوا لبس الحرير المخلوط وبعضهم لم يجيزوا، والشوكاني: ممن أجاز لبس الحرير المخلوط، ولذا قال في كتاب الدراري المضيئة (الحرير الخالص).

‌تحريم قلع الأسنان وهي صحيحة لاستبدالها بأسنان من ذهب

س: هل يجوز للمرأة أن تخلع أسنانها التي خلقها الله تعالى بدون أيِّ ضرر أو خلل فيها وأن تستبدلها بأسنان ذهبية؟ هل عملها هذا جائز أم أنه محرم شرعاً؟

جـ: المرأة التي تقلع أسنانها وتنزعها وهي صحيحة لتعوضها بأسنان من الذهب لا للضرورة وإنما للتحسين

(1)

- صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب افتراش الحرير وقال عبيدة هو كلبسه. حديث رقم (5837) بلفظ (عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ).

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، والترمذي في الأشربة عن رسول الله، والنسائي في الزينة، وأبو داود في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، اللباس، وأحمد في باقي مسند الأنصار، الدارمي في الأشربة.

(2)

- الأنفال: آية (60).

ص: 385

والتزين فقط نفتي بأن ذلك لا يجوز لأنه من باب تغيير خلق الله دون ضرورة وذلك غير جائز شرعاً، والأدلة من القرآن والسنة المطهرة دالة على ذلك، منها قوله تعالى {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}

(1)

‌تحريم تلبيس الأسنان بالذهب للزينة

س: ما حكم الذهب الذي تلبَّس به الأسنان؟

جـ: قال بعض العلماء: لا يجوز لبسه إلا للضرورة كجبر السن أو الضرس بالذهب أما إذا كان الإنسان سيلبِّسُ سنه بالذهب للزينة فلا يجوز لحديث (إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَلَّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا) وحديث (إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي)

(2)

، لأن السن في حالة الضرورة إذا لبسها من حديد أو من نحاس أو فضة فستنتن فأجيز الذهب لجبر الأسنان للضرورة قياساً على جبر الأنف بالذهب الذي قد أجازه النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود بلفظ (فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ)

(3)

.

‌جواز تركيب الإنسان لنفسه أسناناً من ذهب للضرورة

س: ما حكم تركيب الرجل لنفسه أسنانا من ذهب للضرورة؟

جـ: لا مانع لحديث (فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ).

‌جواز تجبير السن بالذهب إذا كان للضرورة

س: رجل تخلعت معظم أسنانه وأضراسه فعوضها بأسنان وأضراس ذهبية وبعد ذلك شككه ناس لأنه حينما يؤدي الصلاة فإنها باطلة، فما حكم الإسلام في هذه القضية؟

جـ: اعلم أن التحلي بالذهب حرام على جميع الذكور إلا ما خصصه الحديث الصحيح الصريح أو القياس الصحيح الجامع وقد ورد في الحديث أنه لا ما نع من اتخاذ أنف ذهب كما جاء في حديث الصحابي الذي شكا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن أنفه قد جرحت من بعض حروب الجاهلية فاتخذ أنفاً من فضة فأنتنت فأذن له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتخذ له أنفاً من ذهب في حديث (فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ)، وقاس العلماء جبر السن على جبر الأنف ولقد ذكر أبو داود حديث الأنف تحت عنوان تجبير السن أي أنه لم يأت بحديث على تجبير السن لعدم وروده وجعل العنوان تجبير السن لكي يبين للناس أنه لا فرق بين تجبير الأنف وتجبير السن مهما كان للضرورة من باب القياس الأصل جواز تجبير الأنف، والفرع تجبير السن، والعلة الجامعة بين الأصل والفرع هي الضرورة، والحكم هو الجواز.

‌الذهب المحلق ما يصنع منه حلق خواتم وأساور ومشاخص وحبوب ذهبية

س: ما هو الذهب المحلق الذي يحرمه الألباني؟

(1)

- النساء: آية (119)

(2)

- سنن النسائي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث زرير رضي الله عنه برقم (5055).

(3)

سنن أبي داوود: كتاب الخاتم: باب ما جاء في ربط الأسنان بالذهب. حديث رقم (4232) بلفظ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داوود بنفس الرقم.

ص: 386

جـ: هو كل ما يصنع محلقاً، حلقا منه توضع في الأصابع، وحلقاً لتكون أساور في الأيدي، و المعلق يعلَّق كالمشاخص والحبوب الذهبية، وغيرها من الحلي الذهبية التي تعلقه المرأة في عنقها.

‌تحريم لبس الذهب الأبيض لكونه ذهبا

س: هل يجوز لبس الذهب الأبيض؟

جـ: الذهب الذي يحرم على الرجال في حديث (إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَلَّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا) وحديث (إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي)

(1)

ليس من شرطه أن يكون أصفر فما يسمى ذهباً فهو حرام سواءً كان ذهباً أصفر أو أبيض أو غيره.

‌تحريم لبس الرجل سلساً من الذهب

س: ما حكم لبس الرجل سلساً من الذهب؟

جـ: يحرم على الرجل أن يلبس سلساً من الذهب لثلاثة أوجه:

الأول: لكونه ذهباً والذهب يحرم لبسه على الرجال للأحاديث الصحيحة الواردة في التحريم، ومنها حديث (إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَلَّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا) وحديث (إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي)

(2)

.

الثاني: لكونه تشبهاً بالنساء لأن لبس الذهب خاص بالنساء وتشبه الرجال بالنساء حرام لحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) وحديث (لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ)

(3)

.

الثالث: لكونه تشبهاً بالكافرين لحديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا) فالبعض من شباب الكفار المايعين يلبسون ملابس وزينة النساء، وهم اللذين يلقبون الآن بالخنافس ولعلهم الذين كانوا يسمون قديماً بالمخنثين فالمخنثون المذكورون في كتب الفقه والسير والتاريخ هم المتشبهون بالنساء في اللباس أو في الكلام أو في المشي وليسو الذين يعملون معصية الشذوذ الجنسي كما يتوهمه العوام وبعض طلبة العلم.

‌كراهة لبس الذهب في الجنبية

س: ما حكم لبس الذهب للرجل إذا كان على الجنبية أو غيرها؟

جـ: يحرم على الرجل لبس الذهب بالإجماع لحديث (إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَلَّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا) وحديث (إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي)، أما الجنبية ففيه خلاف بين العلماء قيل أنه جائز لكونه سلاحا وقيل بعدم الجواز لكونه قد صار ملبوساً لا سلاحاً.

(1)

- سنن النسائي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث زرير رضي الله عنه برقم (5055).

(2)

- سنن النسائي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث زرير رضي الله عنه برقم (5055).

(3)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عباس رضي الله عنهما برقم (5436).

ص: 387

س: هل تجوز الصلاة بالجنبية المذهبة؟

جـ: هذه مسألة خلافية وهي هل يجوز للرجل لبس الجنبية التي فيها ذهب أو لا يجوز سواء كان اللبس في الصلاة أو خارج الصلاة، فقيل لا يجوز لبس الجنبية التي فيها ذهب لا في الصلاة ولا خارج الصلاة، وقيل بالجواز وأنا متوقف.

‌جواز تختم الرجل بالماس لعدم النص بتحريمه

س: هل يجوز التختم بخواتيم الألماس مع أنه أغلى من الذهب؟

جـ: نعم، يجوز التختم بالخواتيم الألماس وإن كان أغلى من الذهب لعدم وجود نص بتحريمه.

‌الجمع بين حديث لبسه صلى الله عليه وآله وسلم الثوب الأحمر و نهيه عن المعصفر

س: كيف الجمع بين حديث لبس النبي صلى الله عليه وآله وسلم الثوب الأحمركما في حديث (رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ)

(1)

وحديث النهي عن لبس المعصفر من الثياب كما في حديث (نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ) وحديث (رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا، قَالَ: بَلْ أَحْرِقْهُمَا)؟

جـ: جمع الشوكاني: بين الحديثين بأن المراد بالمنهي عنه هو الثياب المصبوغة بالعصفر، وما لم يصبغ بالعصفر فيجوز لبسه، وغير الشوكاني جمع بينهما بأن الثوب المنهي عن لبسه هو الثوب الأحمر القاني، والجائز هو الثوب الخفيف الحمرة.

س: هل النهي عن الثوب المعصفر عام للرجل والمرأة؟

جـ: نعم، لأن النهي يدل على التحريم مطلقاً ولأن النساء شقائق الرجال لحديث (إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)

(2)

.

‌ثوب الشهرة هو الانفراد بلبس ثوب لم يسبق أن لبس أحد من أهل قطره أو بلده مثله

س: ما هو ثوب الشهرة؟

جـ: هو أن يطلب الشخص من المخيط أن يخيط له ثوباً لم يكن قد لبس أحد من أهل بلاده أو قطره مثله ليشتهر به، وهو محرم لحديث (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ).

س: هل ثوب الشهرة هو الذي يكون غريبا ونادر الوجود على أهل بلدته أو مدينته أو قطره؟

جـ: ثوب الشهرة هو الذي يقصد لابسه أن يكون هذا الثوب لا يلبس أحد مثله.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب الثوب الأحمر. حديث رقم (5510) بلفظ (عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ).

أخرجه مسلم في الفضائل، والترمذي في المناقب، والنسائي في الزينة، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب في الرجل يجد البلة في منامه. حديث رقم (204) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا، قَالَ: يَغْتَسِلُ، وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ، قَالَ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ، أَعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) حسنة الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (236) إلا قول أم سليم (المرأة ترى).

أخرجه الدارمي في الطهارة.

معاني الألفاظ: الشقائق: النظائر والأمثال كأنهن شققن منهم.

ص: 388

‌ثبوت شراء النبي صلى السراويل ولم يثبت لبسه للسراويل

س: هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس السراويل أم لا؟

جـ: اعلم أن لبس السراويل كان معروفاً في عصر الرسول وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى سراويل كما في حديث (فَجَاءَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ)

(1)

وفي رواية (فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ فَبِعْنَاهُ)

(2)

وفي رواية النسائي (فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِمِنًى وَوَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ، فَاشْتَرَى مِنَّا سَرَاوِيلَ فَقَالَ: لِلْوَزَّانِ زِنْ وَأَرْجِحْ)

(3)

، أما كونه لبس السراويل فلم يرد حديث صحيح أنه لبسها.

‌جواز لبس الرجل ثياب المرأة للضرورة

س: هل يجوز للرجل أن يلبس لباس المرأة من أجل التخفي أيام الحرب والجهاد؟

جـ: يجوز له للضرورة إذا كان العرف لا يزال احترام النساء في الحرب ولا يتعرض لهن، مثل ما ورد أنه في أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أحد الصحابة "كرهت أن اضرب هذه المرأة بسيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

‌تحريم تشبه الرجال بالنساء في إطالة شعر الرأس أو اللباس أو غيره

س: ما رأيكم فيمن يطوِّل شعر رأسه ويقول بأنه سنة، فهل هو تشبه بالمرأة؟

جـ: إن كان الإنسان يطوِّل شعر رأسه مثلما يعمل بعض الرجال الأعراب فلا شيء فيه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يطيل شعر رأسه حتى يصل إلى منكبيه كما في حديث (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ إِلَى مَنْكِبَيْهِ) وإن كان الإنسان يطوِّل شعر رأسه مثل (الخنافس)(المخنثون) الذين يتشبهون بالنساء فهو حرام، والمخنثون الذين نفاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة المنورة إلى الطائف في حديث (لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ، قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فُلَانًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا) ليسوا من كان يفعل أو يفعل به الفاحشة، وإنما كان يطلق لفظ المخنث على من يتشبهون بالنساء في مشيهم أو كلامهم أو حركاتهم أو لبسهم، وهم من يسمون في هذه الأيام بـ (الخنافس).

س: ما هو حكم الإسلام في الذين يتشبهون من الرجال بالنساء في اللباس وفي تمشيط الشعر وفي المشية؟

جـ: الرجل الذي يتشبه بالنساء في لبسه أو في مشيه أو في تمشطه آثم ومرتكب لشيء عظيم وكذلك المرأة التي

(1)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ماجاء في الرجحان في الوزن. حديث رقم (1326) بلفظ (عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَفَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ، فَجَاءَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِلْوَزَّانِ زِنْ وَأَرْجِحْ)

أخرجه النسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع. وأحمد في مسند الكوفيين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: البز: الثياب أو أثاث البيت.

(2)

- سنن أبي داود: سبق ذكره في هذا الباب من حديث سويد بن قيس رضي الله عنه برقم (2898).

(3)

- سنن النسائي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث سويد بن قيس رضي الله عنه برقم (4515).

ص: 389

تتشبه بالرجال آثمة وملعونة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ)، واللعن هو الطرد من رحمة الله.

‌تحريم أخذ جزء من شعر الرأس وترك الباقي

س: ما حكم من أخذ جزءا من شعر رأسه وترك الباقي أطول؟

جـ: حلق بعض الرأس وترك البعض يسمى لغة (القزع) وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع في حديث (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ الْقَزَعِ)

(1)

.

س: بعض النساء في الأعراس تتعرى للنساء وتكشف عن رأسها، فهل هذا من التشبه بالكافرات؟ هذا يحصل كثيراً في الأعراس، ما حكم هذا؟

جـ: إذا لم تقصد التشبه بالكافرات ولن يراها رجل، فالظاهر أنه جائز وإن كان الأفضل والأحوط تركه لقوله تعالى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(2)

.

س: هل يحرم لبس البنطلون للمرأة من باب التشبه بالرجال؟

جـ: نعم، يحرم على المرأة أن تلبس بنطلوناً لأنه تشبه بالرجال لحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ)، إلا إذا كانت في منزلها عند النساء أو عند زوجها أو أقاربها فلعله لا مانع.

‌تحريم لبس البنطلون الضيق

س: ما حكم لبس الملابس الضيقة من بناطل و (فنايل كُم) و (نصف كُم) للشباب وتسريحات الشعر (تايسُن) وغيرها من التسريحات؟

ج: شبهة من الشبهات، وفي الحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(3)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب القزع. حديث رقم (5466) بلفظ (عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ الْقَزَعِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، قُلْتُ: وَمَا الْقَزَعُ؟ فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: إِذَا حَلَقَ الصَّبِيَّ وَتَرَكَ هَا هُنَا شَعَرَةً، وَهَا هُنَا وَهَا هُنَا، فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَيْ رَأْسِهِ، قِيلَ لِعُبَيْدِاللَّهِ، فَالْجَارِيَةُ وَالْغُلَامُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، هَكَذَا قَالَ: الصَّبِيُّ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَعَاوَدْتُهُ فَقَالَ: أَمَّا الْقُصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِمَا، وَلَكِنَّ الْقَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعَرٌ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ شَقُّ رَأْسِهِ هَذَا وَهَذَا)

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، والنسائي في الزينة، وأبوداود في الترجل، وابن ماجه في اللباس، وأحمد في مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: القزع: حلق بعض شعر الرأس وترك بعضه.

(2)

- النور: آية (31)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

ص: 390

‌تحريم لبس اللباس الضيق الذي يحكي حجم العورة سواء للرجل أو المرأة

س: ما حكم امرأة فتاة تلبس أمام إخوانها البنطلون الضيق أو غير الضيق؟

جـ: لبس اللباس الضيق غير جائز إذا كان يحكي حجم العورة سواء كان اللابس له المرأة أو الرجل.

س: بعض الطلاب في بعض الجامعات يلبسون ثوباً أخضر وكذلك الطالبات عندما يكون حفل التخرج، فهل هذا تشبه؟

جـ: لا يجوز للمرأة لبس ما يشبه لبس الرجال لحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ).

س: بعض الشباب يذهب إلى محلات الأزياء فيأخذ بعض الثياب المشجرة التي تباع للنساء ثم يخيطها شمزان رجالي، فهل هذا من باب التشبه؟

جـ: الظاهر أنه لا مانع إذا كان القماش متحداً والخياط مختلفاً.

س: هناك نوع من الأحذية أعزكم الله مشتركة بين الرجال والنساء وعندنا في تهامة يستعملها الرجال والنساء، فهل هذا من التشبه؟

جـ: لا مانع ما دام أنه مشترك بين النساء والرجال.

س: هل يجوز للرجل أن يلبس لبس المرأه أثناء التمثيل المسرحي كما يفعل بعض الممثلين اليوم.

جـ: لا يجوز التشبه ولا حاجة إلى التمثيل.

س: بعض النساء تلبس النظارة، فهل هذا تشبه بالرجال؟

جـ: لا مانع ما دام هناك حاجه للبس النظارة لأن لبس النظارة مشترك بين الرجال والنساء.

‌تحريم تشبه المرأة بالنساء الكافرات في لبس الثياب أو غيره

س: هل الدبلة من الذهب حرام على النساء؟

جـ: إن أرادت المرأة التشبه بالنساء الكافرات فهو حرام، وهكذا كلما تلبسه المرأة بقصد التشبه بالكافرات فهو حرام لحديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا) أما إذا لم تقصد التشبه بالكافرات فلا مانع لأن لبس الذهب حلال ومباح لجميع النساء المسلمات لحديث (إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَلَّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا).

ص: 391

‌وجوب احتجاب المرأة

س: هل حجاب المرأة واجب عليها في الريف والمدن أم في المدن فقط؟

جـ: حكم النساء التي في المدن والتي في الريف واحد فما أوجب العلماء على المرأة لا يكون خاصاً بمن كانت في المدن دون من كانت في الريف والأدلة التي دلت على وجوب الحجاب، منها قوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(1)

وحديث (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ)

(2)

لم تفرق بين امرأة وأخرى ولكن من الممكن أن نقول أن المرأة التي تعيش في البادية وتعتاد كشف وجهها ويديها دون رأسها ورقبتها وصدرها سيوافق عملها هذا رأي بعض العلماء الذين يقولون أن على المرأة أن تستر رأسها ورقبتها وصدرها وجميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وأن المرأة التي تعيش في المدينة وتعتاد تغطية جميع أعضائها حتى الوجه واليدين تعمل بموجب ما ذهب إليه بعض العلماء وهم الذين يقولون بأن على المرأة أن تغطي جميع بدنها حتى الوجه وذلك مبني على اختلافهم في الحجاب الواجب على المرأة باتفاق جميع المسلمين هل هو تغطية جميع البدن ما عدا الوجه أم هو تغطية جميع البدن حتى الوجه أيضاً فمن العلماء من جعل الحجاب الواجب على المرأة أن تعمله هو تغطية الرأس والرقبة والصدر والظهر وجميع البدن ما عدا الوجه، ومن العلماء من جعل الحجاب هو تغطية جميع أعضاء المرأة حتى الوجه أيضاً وقد احتج الأولون بأدلة كثيرة ومنها حديث جابر أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة يوم العيد ثم قام صلى الله عليه وسلم متوكئاً على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من وسط النساء أي جالسة في وسطهن سفعا الخدين (أي في خديها تغير وسواد) فقالت لم يا رسول الله قال (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ)

(3)

قال جابر فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن

(1)

النور: الآية (30، 31).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب وجوب الحج. حديث رقم (1513) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كبيراً لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاع).

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، ومالك في الحج.

أطراف الحديث: المغازي، الاستئذان.

معاني الألفاظ: الردف: الجلوس خلف الراكب.

(3)

صحيح البخاري: كتاب الزكاة: باب الزكاة على الأقارب. حديث رقم (1393) بلفظ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا)

أخرجه مسلم في صلاة العيدين، والنسائي في صلاة العيدين، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في باقي مسند الكثرين.

معاني الألفاظ: أرينكن: أراني الله النساء ليلة الإسراء.

ص: 392

وخواتمهن، قال بعض العلماء ففي هذا الحديث ما يدل على عدم وجوب تغطية الوجه واليدين والحديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم، وهناك أدله أخرى استدلوا بها على عدم وجوب تغطية الوجه وأن الحجاب يكون على الرأس والعنق والصدر والساعدين والساقين، وأما الوجه واليدين فهما خارجان عن الحجاب، كما احتج الآخرون القائلون بأن الحجاب هو تغطية جميع بدن المرأة حتى الوجه واليدين بأدلة شرعية صحيحة وذلك كحديث ابن عمر مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفاز)

(1)

أخرجه البخاري وغيره و (القفاز) هو ما تلبسه المرأه في يدها فيغطي أصابعها وكفيها والساعد أحيانا من البرد أو عند معاناة العمل كالغزل ونحوه، قالوا فهذا الحديث يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللائي لم يحرمن، وأيضاً قالوا إن كشف المرأة وجهها مظنة لحصول شهوة لدى من يراها كاشفة وجهها أو حصول حب قد يكون سبباً للدخول في المحظور ولا سيما إن كانت المرأة شابة جميلة وهناك أدلة أخرى تدل على أن الحجاب يعم تغطية جميع أعضاء المرأة حتى وجهها ويديها وبناءً على ذلك كله فمن كشفت رأسها أو عنقها أو ظهرها أو ساعدها أو ساقيها أمام الرجال الأجانب فهي آثمة شرعاً لمخالفتها الأدلة الشرعية من الكتاب منها قوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والسنة منهاحديث (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ) وحديث (لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفاز) والإجماع الدالة على وجوب ستر المرأة أعضائها المذكورة آنفاً سواء كانت المرأة هذه من سكان المدن أم من سكان الريف ومن سترت جميع أعضائها ما عدا الوجه والكفين فقد عملت الحجاب على مذهب من يجعل الحجاب غير شامل للوجه ولا الكفين ممن احتج بحديث جابر المذكور سابقاً وغيره من الأدلة المذكورة في المطولات وقلدت من قال بهذا القول من أئمة المذاهب الفقهية

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الإحصار وجزاء الصيد: باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة وقالت عائشة رضي الله عنها لا تلبس المحرمة ثوبا بورس أو زعفران. حديث رقم (1741) بلفظ (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال: يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس، ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين).

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الحج عن رسول الله، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في الحج، والدارمي في المناسك.

أطراف الحديث: الصلاة، الحج، اللباس.

معاني الألفاظ: البرنس: ثوب ملتصق به غطاء للرأس. الزعفران: نوع من أنواع الصبغة.

الورس: نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به.

تنتقب: تحتجب.

ص: 393

الذين لا يشترطون في الحجاب تغطية الوجه واليدين سواء كانت هذه المرأة تسكن في المدينة أم في الريف، ومن سترت جميع أعضائها حتى الوجه واليدين فقد عملت بالأحوط ووافقت مذهب القائلين بأن الحجاب لا يكون حجاباً شرعياً إلا بتغطية جميع بدن المرأة حتى الوجه واليدين وهم أهل القول الثاني الذين احتجوا بحديث ابن عمر عند البخاري وغيره مرفوعاً (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين) الدال على أن غير المحرمات من النساء كن يسترن وجوههن وأيديهن وهم الذين قالوا إن كشف المرأة وجهها قد يكون سبباً للدخول في المحظور فأوجبوا ستر الوجه سداً للذريعة وحيلولة بين الجنسين وبين الدخول في شئ لا يحمد عقباه وخشية من أن تكون عاقبة الكشف وخيمة وأن تكون نتيجة عدم تغطية الوجه سيئة وسواءً كانت هذه المرأة تسكن في المدينة أم في الريف والمذهب الأخير هو الأولى لأن فيه عملاً بالأحوط وسداً لذريعة الفساد، هذا ولا بُدَّ على كلا المذهبين من أن يكون الثوب الذي تستتر به المرأه غير زينة في نفسه مما قد يلفت أنظار الرجال إلى المرأه لقوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} إلى آخر الآية.

كما أنه يجب ألا يكون الثوب صفيفاً يشف الجسم ولا يظهر جسمُ المرأة من خلفه فإن كان رقيقاً يظهر جسمُ المرأة من خلاله فلبسها أمام الرجال الأجانب حرام شرعاً للحديث الصحيح المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)

(1)

وكذلك يجب أن يكون ثوب المرأة فضفاضاً غير ضيق فإن كان ضيقاً يصف حجم المرأة ويظهر منه رقة خصرها وضخامة عجزها حرام عليها لبسه لحديث أسامة الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بأن يأمر امرأته بأن تجعل تحتها غلاله لئلا تصف حجم عظامها ولفظه (مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا)

(2)

، وهكذا يجب أن لا يكون معطراً أو مبخراً فإن تعطرت المرأه في جسمها أو ثوبها أو تبخرت وخرجت أمام الرجال وهي معطره مبخرة كانت آثمة شرعاً وذلك لورود الأدلة الصحيحة الصريحة في الدلالة على تحريم ذلك، وذلك لحديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ)

(3)

(1)

صحيح مسلم: كتاب اللباس والزينة: باب النساء كاسيات عاريات. حديث رقم (3971) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُ وسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا).

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع.

أطراف الحديث: الجنة وصفة نعيمها وأهلها،

معاني الألفاظ: ثيابهن شفافة تصف، أو محسورة لا تستر، مميلات لأكتافهن أثناء المشي، ومميلات للناظر لهن، مائلات عن الحق، أو مائلات يمشين بتبختر وميوعة.

البخت: جمال طويلة الأعناق.

(2)

- مسند أحمد: كتب مسند الأنصاررضي الله عنهم: باب مسند أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (2787) بلفظ (عَنِ ابْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ أُسَامَةَ قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسْ الْقُبْطِيَّةَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا)

انفرد به

معاني الألفاظ: القبطية: ثوب مصري رقيق أبيض.

(3)

سنن النسائي: كتاب الزينة: باب ما يكره للنساء من الطيب. حديث رقم (9422) بلفظ (عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ) حسنه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (5141).

ص: 394

هكذا جاء في الحديث الصحيح، وحديث إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيباً وبالأولى والأحرى إذا خرجت إلى غير المسجد لحديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ)

(1)

وحديث (إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لِامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذَا الْمَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنْ الْجَنَابَةِ)

(2)

، ومما يجب على المرأة في لبسها أن لا يشبه لباس الرجال فإن لبست ثوباً يشبه لباس الرجال صارت آثمة ملعونة لما ورد من الأحاديث الصحيحة الصريحة في الدلالة على تحريم هذا اللبس حيث وبعضها صرح فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم دخولها الجنة وبعضها بلفظ اللعن الدال على الطرد من رحمة الله وغير ذلك، منهاحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) وحديث (لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ)، كما يجب أن لا يكون مشابهاً لبس الكافرات لأن الأدلة الصحيحة قد دلت على تحريم التشبه بالكفار، منها حديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا) وأخيراً لا يكون الثوب لباس شهرة لورود الوعيد الشديد لمن يلبس ثوب شهره في حديث (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ) وفي رواية (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ) وهوعام للنساء والرجال،

فهذه جملة ما يجب على المرأة أن تعلمه وتلتزمه سواء على المذهب الأول أو على المذهب الثاني وسواء كانت مدنيه أو بدويه فالكل سواء في جميع ما تقدم والنصوص الواردة في تحريم إظهار الزينة وفي تحريم لبس الثياب الرقيقة والثياب الضيقة والمعطرة والتي تشبه لبس الرجال أو الكافرات أو فيه شهرة لم تفرق بين البدوية والحضرية ولا بين المرأه التي تكشف وجهها تقليداً لمن جوَّز ذلك، ولمن تستره تقليداً لمن منع من ذلك وعملاً بالأحوط الكل سواء.

والخلاصة لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:

أولاً: يجب أن لا يكون ثوب المرأه الذي تلبسه أمام الأجانب زينة في نفسه.

ثانياً: يجب أن لا يظهر ما تحته (أي لا يكون رقيقاً). ثالثاً: أن لا يكون ضيقاً.

رابعاً: يجب ألا يكون معطراً أو مبخراً.

خامساً: يجب ألا يشبه لباس الرجال.

سادساً: يجب ألا يشبه ثياب الكافرات وألا يكون ثوب شهرة.

سابعاً: يجب أن تعم الثياب التي تلبسها المرأة جميع الأعضاء عند جماعة من العلماء.

ثامناً: يجب أن يعم ثياب المرأة جميع أعضائها ما عدا الوجه واليدين عند جماعة من العلماء.

تاسعاً: الخلاف في الوجه واليدين قديم مذكور في كتب الفقه والحديث والتفسير.

(1)

صحيح مسلم: كتاب الصلاة: باب خروج النساء إلى المساجد إذا أصابت بخوراً. حديث رقم (675) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ).

أخرجه النسائي في الزينة، وأبو داود في الترجل، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الترجل: باب في امرأة تتطيب للخروج. حديث رقم (3643) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيبِ يَنْفَحُ وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ، فَقَالَ يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ، جِئْتِ مِنْ الْمَسْجِدِ، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لِامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذَا الْمَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنْ الْجَنَابَةِ، قَالَ أَبُو دَاوُد الْإِعْصَارُ غُبَارٌ)

أخرجه مسلم في الصلاة، والنسائي في الزينة، وأحمد في مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: ينفح: تنتشر رائحة.

ص: 395

عاشراً: كل فريق من فريقي العلماء قد تمسك بحجج قد ذكرت بعضها.

حادي عشر: الراجح عندي هو العمل بمذهب من أوجب ستر جميع الأعضاء لأنه هو الأحوط وفيه سدُّ الذريعة وإغلاق باب الفتنة.

ثاني عشر: وجوب ستر المرأة رأسها وعنقها وساعديها وساقيها وظهرها وبطنها وركبتيها مجمع عليه من العلماء.

ثالث عشر: ستر الوجه والكفين هو موضع الخلاف.

رابع عشر: جميع الأحكام المذكورة سابقاً مثل ألاّ يكون الثياب زينة في نفسه وأن لا يشف ما تحته ولا يكون رقيقاً ولا ضيقاً ولا مطيباً ولا يشبه ثياب الرجال ولا الكافرات وأن يعم البدن كله عند جماعة وما عدا الوجه واليدين عند آخرين هو لجميع النساء لا فرق بين ساكنات المدن وبين ساكنات الريف.

‌تحريم اللباس الضيق الذي يصف جسم المرأة

س: كثر في الآونة الأخيرة ظهور عباءات نسائية ضيقة إلى درجة أنها تصف جسم المرأة، فما حكمها؟ وماهي نصيحتكم لمن يلبسن مثل هذه العباءات؟

جـ: إن صح ما قلتم فهو مما لا ينبغي ولا يجوز وهذه نصيحتي للآباء والأخوة والأولياء والأزواج وكل إنسان مسئول عن بناته وأخواته وزوجته في الدنيا والآخرة، وقد قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}

(1)

وقد جاء في الحديث الصحيح (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)

(2)

ولقاء الله قريب.

‌وجوب أمر المرأة بالاحتجاب من الرجال الأجانب

س: يوجد لدينا بعض النساء لا يتحجبن ويمشين كاشفات وسافرات مع المطالبين بذلك فبماذا تنصحون الأزواج والزوجات والآباء والأمهات في هذه القضية؟

جـ: من المعلوم أن الحجاب واجب على كل مسلمة بالغة عاقلة وعلى جميع الآباء أن يأمر كل واحد ابنته بأن تحتجب عن كل رجل ليس زوجاً لها ولا محرماً من محارمها كائناً من كان، وإذا تزوج رجل بامرأة سافرة فيجب على الزوج أن يأمرها بالاحتجاب لأنه أصبح المسئول عنها، وقد قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}

(3)

وقد جاء في الحديث الصحيح (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ

(1)

- التحريم: آية (9)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأحكام: باب قول الله تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (6605) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في الجهاد، وأبوداود في الإمارة والخراج والفيئ، وأحمد في مسند المكثررين.

(3)

- التحريم: آية (9)

ص: 396

رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) كما أنه يجب على الأب التعاون مع الزوج في تنفيذ الأمر عملا بقوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

(1)

ففي الحجاب الخير الكثير وفي السفور الشر الكثير والله أعلم.

‌وجوب احتجاب المرأة من الرجل الأجنبي العاقل والمجنون

س: هل يجوز للمرأة أن تضع حجابها أمام المجنون؟

جـ: العاقل والمجنون سواء لا فرق بين العاقل والمجنون مهما كانا أجنبيين.

‌جواز خروج المرأة بدون شربات إذا كانت الجزمة ساترة للقدمين

س: هل يجوز خروج المرأة بدون شربات؟

جـ: لا مانع، المهم الستر ويكفي في ستر القدمين القنطرة (الجزمة).

‌وجوب ستر قدمي المرأة بالسروال أو بالشربات لأن جسم المرأة كله عورة

س: ما حكم كشف المرأة جلبابها؟ وما هو حد جلباب المرأة؟

جـ: الشرشف (أي الخمار) أو الستار أو المصون وعلى المرأة ستر قدميها بالسروايل والشربات.

‌وجوب احتجاب المرأة من زوج أختها لأنه ليس من محارمها

س: هل تحتجب المرأة من زوج أختها؟

جـ: زوج أخت المرأه ليس بمحرم لها ولا يجوز له النظر إليها كما أنه لا يجوز لها أن تسفر أمامه بل يجب عليها أن تحتجب منه كما تحتجب من غيره من الرجال لأنه بالنسبة إليها أجنبي عنها والدليل على أنه أجنبي عنها أنه يصح له أن يتزوجها إذا كانت أختها قد توفت أو فارقته فراق فسخ أو طلاق غاية الأمر أنه لا يجوز له في الحال الحاضر أن يتزوج بها وأختها متزوجة به بنص القرآن بتحريم الجمع بين الأختين فالمحرًم هو الجمع بين الأختين في قوله تعالى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}

(2)

والزواج بواحدة وحدها ثم بواحدة وحدها هو الجائز شرعاً، والخلاصة هو أنها أجنبية عنه ولا يجوز له أن يراها وعليها أن تحتجب منه، كما أنه يجب عليه عدم النظر إليها لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}

(3)

.

‌تحريم تزين المرأه بالمكياج إلا لزوجها

س: ما حكم تزين المرأه بالمكياج؟

جـ: إذا كان لزوجها فلا بأس به أما لغيره فهو حرام، لقوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}

(4)

.

(1)

- المائدة: آية 2 -

(2)

- النساء: آية (23)

(3)

- النور: آية (30)

(4)

- النور: آية (31)

ص: 397

‌تحريم تزين المرأة وخروجها إلى الأماكن العامة

س: هل يجوز للمرأة أن تتزين وتخرج إلى موارد المياه أو إلى السوق أو إلى المزرعة وهي على تلك الحال؟

جـ: هذا لا يجوز، والأدلة على هذا كثيرة، منها قوله تعالى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

س: هل يجوز للمرأة أن تكشف ما تحت الكعبين عند لبس الحذاء في الشارع أو يجب عليها أن تلبس الشراب؟

جـ: يجب عليها أن تحاول ستر رجلها بحسب الإمكان وبقدر المستطاع لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}

(1)

.

‌كراهة خلع البالطو في غير بيت الزوج

س: هل يجوز للمرأة أن تخلع البالطو في غير بيت زوجها؟

جـ: الأولى ألا تخلعه.

س: هل يجوز للنساء لبس البنطال سواء عند النساء أو عند الزوج؟

جـ: لا مانع.

س: هل يجوز استعمال المكياج للنساء؟

جـ: لا مانع تتزين به للزوج.

س: هل يجوز للمرأة أن تلبس اللباس العسكري أيام الجهاد مثلما هو حاصل في (البوسنة والهرسك)؟

جـ: إذا كانت المرأة ستلبس اللباس العسكري للضرورة لكي تلبِّس على الأعداء بأنها امرأة، ولكي تُجنب الأسر في أيدي الأعداء، فالظاهر في مثل هذه الحالة الجواز لأن الضرورات تبيح المحظورات والله أعلم.

‌جواز لبس المرأة في الصلاة الثياب الأبيض

س: هل يجوز للمرأة أن تلبس ثياب زوجها؟ وهل يعتبر تشبهاً بالرجال؟

جـ: إذا كان للصلاة فيجوز أن تلبس الثياب الأبيض لأن الثوب الأبيض مشتركاً بين الرجل والمرأة والتشبه بالرجال هو أن تلبس (العسيب) أو (الجنبية) أو (الشال) أو (العمامة) أو غيرها مما هو خاص بالرجل.

س: هل يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجال أمام زوجها إذا كان راضياً بذلك؟

جـ: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرأة المتشبهة بالرجال والرجال المتشبهين بالنساء من الرجال في حديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) ولا فرق بين أن يكون زوجها راضياً أو غير راض.

(1)

- التغابن: آية (16)

ص: 398

‌جواز صلاة المرأة في ثياب زينتها

س: هل يجوز للمرأة أن تصلي في ثوب زينتها؟

جـ: نعم، يجوز للمرأة أن تصلي في ثوب زينتها.

‌جواز لبس المرأة جبة الزوج للوقاية من البرد

س: هل يجوز للمرأة أن تلبس ثوب زوجها كجبته أو كوته لتتقي به من البرد؟

جـ: نعم، يجوز لها أن تلبس إذا كان للوقاية من البرد وإن كان للتشبه بالرجال أو لتدخل بين النساء وتخيفهن بإيهامهن أنها رجل، فلا يجوز وهو حرام لأنه تشبه بالرجال وفيه إخافة.

‌جواز لبس المرأة السلاح الشخصي لضرورة الدفاع عن نفسها

س: هل يجوز للمرأة أن تلبس السلاح كالآلي والمسدس، أو الجنبية للدفاع عن نفسها؟

جـ: إذا كانت ستلبس السلاح للضرورة للدفاع عن نفسها فيجوز لها أن تلبس السلاح الآلي أو المسدس أو الجنبية أو السكين أو غيرها بل يجوز لها للدفاع عن النفس حتى استخدام المدفع أو نحوه لأن العلماء قد قرروا قاعدة فقهية وهي عند الضرورات تباح المحظورات.

‌استحباب صبغ الرجل شعر رأسه أو لحيته بالحنا

س: هل يجوز للرجل أن يتحنى أم هو تشبه بالنساء؟

جـ: إذا كان للدواء أو العلاج فيجوز، وإن كان للزينة فلا يجوز إلا ما كان في اللحية أو الرأس فهو سنة وقد جاء في حديث (غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ)

(1)

.

س: كيف كان شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

جـ: كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم شعر ليس بأجعد كشعر الأفارقة وليس أصفر مثل شعر الأوربيين بل كان شعره شعراً عربياً متوسطا، ً وكان يصل إلى كتفه صلى الله عليه وآله وسلم وفي بعض الأحاديث كان يصل إلى أذنيه كما في حديث (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ إِلَى مَنْكِبَيْهِ) جمع العلماء بين الحديثين بأن شعره صلى الله عليه وآله وسلم إذا قصَّره يصل إلى أذنيه وإذا أرسله صلى الله عليه وآله وسلم يصل إلى كتفيه.

س: هل كان للنبي ضفائر من الشعر وهل هذا خاص به؟

جـ: كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم شعر يصل إلى أذنه في بعض الأحاديث وفي بعضها إلى كتفيه وإذا أردنا الجمع بين الأحاديث نقول كان إذا تركه يصل إلى الكتف وإذا قصره يصل إلى الأذن، وليس هو خاصاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب اللباس والزينة: باب استحباب خضاب الشيب بصفرة أوحمرة وتحريمه بالسواد. حديث رقم (2925) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ)

اخرجه النسائي في الزينة، وأبوداود في الترجل، وابن ماجه في اللباس، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: الثغام: نبات أبيض الزهر والثمر.

ص: 399

‌تحريم صبغ الشعر باللون الأسود

س: يوجد شاب يبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً وبدأ شعر رأسه يبيًض، فهل يجوز له أن يصبغ شعر رأسه بصباغ اسود لأنه إذا بقي على هذه الحالة فإنه قد يتعرض لكثير من المضايقات من بعض الناس؟

جـ: صبغ شعر الرأس أو الذقن بالصباغ الأسود غير جائز شرعاً لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال وقد رأى أبا قحافة (والد أبي بكر الصديق) رضي الله عنهما عند أن أوصله ولده أبو بكر إلى النبي يوم فتح مكة ورأسه أبيض كأنه الثغامه (والثغامه زهر أبيض لا يخالطه لون آخر) قال (غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ) وهذا حديث صحيح وهكذا لما ورد من الوعيد الشديد الذي توعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين يصبغون شعر ذقونهم بالصباغ الأسود حيث قال: (إنه سيأتي قوم يخضبون شعرهم بالسواد كأن ذقونهم حواصل الطير لا يشمون رائحة الجنة أو لا يريحون رائحة الجنة)

(1)

كما في سنن أبي داود رحمه الله مما يدل على تحريم صباغ الشعر بالصباغ الأسود ولكن ليست هذه المسألة من المسائل القطعية ولا القول بالتحريم من الأقوال التي أجمع عليها علماء الإسلام فقد خالف في هذه المسألة بعض العلماء فذهبوا إلى عدم التحريم ورجحوا القول بالجواز عملاً بالقاعدة الأصولية الدالة على أن التحريم من الأحكام الشرعية والأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل صحيح صريح خال عن المعارضة قالوا ولم يرد دليل صحيح صريح خالٍ عن المعارضة يدل على تحريم الصباغ للرأس أو للذقن بالصباغ الأسود حتى نجعله من المحرًمات والقيام مقام المنع كاف في الاحتجاج ومن ادعى أنه قد ورد دليل صحيح صريح خال عن المعارضة يدل على التحريم فعليه البرهان وأجابوا عن الدليلين المذكورين آنفاً اللذين احتج بهما الأولون على التحريم بأنها ليست صحيحة صريحة في التحريم حتى نذهب إلى التحريم استناداً إليهما لأن الحديث الأول وإن كان صحيحاً من ناحية السند فهو ليس بصريح من ناحية الدلالة لأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم (وجنبوه السواد) لا يدل صراحة على التحريم المذكور ولا على وجوب تجنب السواد لمن يريد أن يغير بياض شعر رأسه أو ذقنه لجواز أن يكون الأمر للندب أو للإرشاد حيث الأمر لم يكن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي قحافة نفسه وإنما كان لمن معه من المرافقين له عند وصوله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أنه يحتمل أن يكون الأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لمن كان مرافقاً لأبي قحافه بأن يغيروا بياضه بشيء غير السواد لا يكون عاماً لجميع من كان يريد أن يغير شعر رأسه أو ذقنه بالسواد بل يكون خاصاً بمثل من كان مثل أبي قحافة الذي قد بلغ من الكبر عتياً وأصبح شعر رأسه وذقنه في غاية من البياض الكلي الذي عمَّ جميع شعر رأسه وذقنه ولم يبق من شعره شعرة واحدة سوداء وبقي مدة من الزمن وهو على هذه الصفة وعرفه الناس جميعاً وهو أبيض الشعر فإنه إذا غير شعره فجأة وأصبح في ليلة وضحاها أسود الشعر كأنه جناح غراب بعد أن كان شديد بياض الشعر كأنه ثغامة سيكون منظره غريباً على الناس الذين عرفوه منذ زمن طويل أبيض الشعر حيث كان أبو قحافة في ذلك التاريخ في عشر التسعين أي كان عمره نيفاً وثمانين عاماً فله حوالي ثلاثين عاماً وهو شايب الرأس والذقن هكذا يقول العلامة (محمد رشيد رضا) في المنار أي أنه جعل الأمر المذكور خاصاً بمن كانت حالته مثل حالة أبي قحافة فمفهومه أن من كانت حالته مخالفه لحالة أبي قحافة فلا باس بأن يغير بياضه تدريجاً بالسواد هذا كله بالنسبة إلى الحديث الأول الذي احتج به المانعون من تغيير بياض شعر الرأس أو الذقن بالسواد، أما بالنسبة إلى الحديث الثاني الذي احتج به المانعون من هذا التغيير فقد أجاب عنه المجوزون لهذا التغيير بأنه حديث غير صحيح لأنه وإن كان في سنن أبي داود ففي

(1)

سنن أبي داود: كتاب الترجل: باب ما جاء في خضاب السواد. حديث رقم (4212) بلفظ (عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود بنفس الرقم.

ص: 400

سنده مقال يدل على ضعفه بل قد عده بعضهم في الموضوعات والخلاصة أن للعلماء في هذه المسألة أقوال ثلاثة هي:

القول الأول: أنَّ تغيير الشعر بالسواد حرام للحديثين المذكورين آنفاً.

القول الثاني: إنه جائز لأن الحديث الأول المصرح بقول النبي (جنبوه السواد) صحيح لكن الأمر للإرشاد لا للوجوب والحديث الثاني الذي توعد المغيٍرين لشعرهم بالسواد بعدم شمهم لرائحة الجنة ليس بصحيح بل ضعيف أو موضوع.

القول الثالث: التفصيل وهو أن من سيغير شعره بالسواد منذ أن بدأ يظهر فيه البياض فيصبغه تدريجياً فذلك جائز، ومن كان قد أبيضً شعره وبقي مدة حتى تكامل الشيب فذلك غير جائز أما ما أرجحه فهو عدم الجواز مطلقاً سواء أكان الخضاب الأسود هذا سيستعمل تدريجياً أو بعد أن يبيضٌ الشعر لأن الأمر حقيقة في الوجوب مجاز في غيره والمجاز لا بد فيه من وجود قرينه صارفه للأمر من الوجوب إلى الإرشاد وها هنا لم نجد قرينة ظاهره تصرف الأمر في قوله (وجنبوه السواد) من الوجوب إلى الإرشاد وعملاً بالأحوط.

‌تحريم صبغ الرجال شعر لحاهم ورؤسهم باللون الأسود

س: ما حكم استخدام الرجال للصبغة السوداء؟

جـ: هذا غير جائز شرعاً.

تحريم صبغ الرجال شعر لحاهم ورؤسهم باللون الأسود

س: ما حكم استخدام الرجال للصبغة السوداء؟

جـ: هذا غير جائز شرعاً.

س: هل يجوز صبغ الرأس بأيِّ لون ما عدا الأسود وما هو الدليل؟

جـ: الحرام هو الأسود الذي ورد فيه النهي وغيره لم يرد فيه تحريم، والأصل الجواز.

‌جواز تخفيف اللحية تخفيفا بسيطا

س: ما حكم تخفيف اللحية تخفيفا بسيطا؟

جـ: إذا كان تخفيفا بسيطا فلا مانع منه.

‌تحريم وصل المرأة شعرها بشعر آخر

س: ما حكم استخدام النساء لما يعرف بالباروكة؟

جـ: لا يجوز ذلك لأنه مخالف للسنة فقد ثبت في الصحيح حديث (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ)

(1)

، والله أعلم

(1)

- صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب الوصل في الشعر. حديث رقم (5481) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَقَالَ نَافِعٌ الْوَشْمُ فِي اللِّثَةِ)

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، والترمذي في اللباس، والنسائي في الزينة، وأبوداود في الترجل، وابن ماجه في النكاح، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

معاني الألفاظ: الواصلة: التي تصل شعر المرأة بشعر آخر.

ص: 401

‌جواز لبس قباعة الجامعة لكونه قد صار عرفا عند المسلمين

س: لبس قباعة الجامعة في حفل التخرج من الجامعة هل يعتبر من التشبه بالكفار؟

جـ: الظاهر أنه قد صار عرفا عند المسلمين

‌كراهة إلباس الأطفال ملابس فيها صور لذوات أرواح

س: ما هو الحكم الشرعي في إلباس الصبي الثياب التي فيها صور لذوات أرواح؟

جـ: لا يحسن.

‌جواز لبس عدسات العين للمرأة للضرورة

س: فتاة تلبس عدسات ملونة في المناسبات الخاصة بالنساء وتلبسها لأنها تعاني من قصر النظر، فهل هذا جائز أم لا؟ وما الحكم لمن تلبسها لأجل الزينة وتحسين المنظر لا للحاجة إليها؟

جـ: إن كان ذلك للضرورة فهو أمر مباح والأصل في الأشياء الإباحة والدين يسر والشريعة سمحة، وأما إن كان ذلك العمل للزينة فالله أعلم.

‌تحريم تعطر المرأة خارج بيت زوجها

س: ما حكم خروج المرأة وهي متعطرة؟ وما الذي تفعله إن أرادت الدخول بين النساء ولها رائحة طيبة وتخشى الوقوع في ذلك المحظور؟

جـ: خروج المرأة متعطرة إلى الشوارع أو إلى الشارع حرام ومن خرجت متعطرة فهي آثمة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حرًم هذا الخروج في حديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ، لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ) ولا مانع من أن تستصحب معها قارورة العطر الصغيرة في جيبها حتى إذا وصلت إلى حوش البيت الذي ستذهب إليه فتتعطر في باب البيت عطراً خفيفاً من الذي سيزول بعد قليل وقبل الخروج من البيت الذي ستجلس فيه عند النساء بحيث لا تخرج إلى الشارع إلا وقد زال.

‌تحريم الانتفاع ببقايا القماش في محل خياطة بدون إذن صاحب اللباس

س: أعمل خياطاً في محل خياطة فهل يجوز لي الانتفاع ببقايا البز (القماش) الزائد عن حاجة الزبون علماً أن الباقي لا ينتفع به الزبون ولكني بتجميعه أعمل ستارة أو وسادة فما الحكم؟

جـ: لا يجوز إلا بعد إذن من صاحب البز.

‌تحريم خياطة ملابس النساء المنافية للآداب الشرعية

س: ما حكم خياطة الملابس النسائية المنافية للآداب الشرعية؟

جـ: إذا صح أنها منافية للباس الشرعي والآداب فلا يجوز خياطها.

ص: 402

‌كتاب الطب

• جواز التداوي

• الأفضل في حق من يصبر على الألم ولا يجزع التفويض

• جواز التداوي بالحجامة

• جواز معالجة المرأة عند الطبيب الأجنبي

• جواز إعطاء المرأة المريضة صورتها لمن يتكفل بعلاجها للضرورة

• جواز الرقي بالقرآن الكريم والأدعية النبوية وحرمتها بما فيه شرك

• تحريم الذبح للحماية أو الوقاية من الجن

• تحريم كشف أيِّ جزء من جسم المرأة أمام من يعالج بالرقية الشرعية

• تحريم ما يسمى بالتذرعة لإخراج العين

• نفع الرقية الشرعية بتلاوة التالي للقرآن بنفسه لا بشريط مسموع

• الأفضل للشخص الذي سيصبر على الألم عدم التداوي إذا كان لا يعوقه عن أفعال الخير

• تحريم التداوي بالمسكر

• تحريم التداوي بلحم الخنزير

• أبوال الإبل ليست بنجسه وليست من التداوي بالمحرًمات

• عدم ورود ما يدل على أن الماء النازل من سطح الكعبة أثناء هطول الأمطار شفاء

• كراهة التداوي بالكي

• حديث (العين تدخل الرجل القبروالجمل القدر) ضعيف

• خرافة المحية بآيات قرآنية ليشربها المريض

• تحريم الاستشفاء بأكل صفحة من القرآن كل يوم

• تحريم التداوي بشرب بول الإنسان

• جواز الإستغسال من العين

• جواز نقل عضو من شخص لآخر للضرورة

• جواز إسقاط الجنين للضرورة القصوى قبل الأربعين يوما

• جواز إبطال السحر بالسحر إذا عرف أن من يبطل السحر ليس مشعوذا

• تحريم التداوي بـ (ا لقِذّاء) لأنه من الشعوذة

• حرمة العلاج بالشعوذة

• خرافة التقذية

• جواز التداوي عند من يعرف الطب الشعبي وعدم الجواز عند المشعوذين

ص: 403

• تحريم التطير

• تحريم قتل الأطفال الذين يولدون مشوًهين

• حكم تلبيس الأسنان أو تبديلها بذهب للضرورة

• جواز الكشف عن نوع الجنين طبياً وهو في بطن أمه

• تحريم الكذب في بيع الأدوية

• تحريم أكل أو شرب كل ما فيه ضرر على عقل الإنسان أو بدنه

• كراهة عمليات التجميل للوجه

• جواز إجراء عملية تصغير الأنف للضروروة

• تحريم بيع عضو من أعضاء الميت المسلم لزراعته في جسم إنسان حي

• تحريم تشريح جثة الميت

• جواز الذهاب الى من يعالج بالطب الشعبي العربي

• جواز منع المريض مرضا معديا من مخالطة الاصحاء

ص: 404

كتاب الطب

‌جواز التداوي

س: ما حكم التداوي من المرض؟

جـ: حكم التداوي الجواز والإباحة لحديث (تداووا فإن لكل داء دواء)

(1)

.

س: هل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (تداووا عباد الله) دال على الوجوب؟

جـ: لا يدل على الوجوب بل يدل على الإذن والدليل على أن الرسول صبر على المرض الذي سببه السم الذي وضعته المرأة في ذراع الشاة وهوبلفظ (لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيه سم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود فجمعوا له فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه فقالوا نعم يا أبا القاسم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبوكم قالوا أبونا فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم بل أبوكم فلان فقالوا صدقت وبررت فقال هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه فقالوا نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل النار فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اخسئوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا ثم قال لهم فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه قالوا نعم فقال هل جعلتم في هذه الشاة سما فقالوا نعم فقال ما حملكم على ذلك فقالوا أردنا إن كنت كذابا نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك)

(2)

وكذلك صبر بعض الصحابة مثل عمران بن حصين الذي كانت الملائكة تسلم عليه إلى أن تداوى فلم تسلم الملائكة عليه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كان بك مرض وكنت تصبر وتحتسب ثم شكوت منه وتعالجت فتركت الملائكة)

(3)

.

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الطب: باب ما جاء في الدواء والحث عليه. حديث رقم (1961) بلفظ: (عن أسامة بن شريك قال قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى قال (نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو قال دواء إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (2930).

أخرجه أبو داود في الطب، وابن ماجة في الطب.

معاني الألفاظ: الهرم: الضعف بسبب الكبر و أمراض الشيخوخة.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الطب: باب ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (5777) بلفظ (عن أبي هريرة أنه قال (لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيه سم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود فجمعوا له فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه فقالوا نعم يا أبا القاسم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبوكم قالوا أبونا فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم بل أبوكم فلان فقالوا صدقت وبررت فقال هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه فقالوا نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل النار فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اخسئوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا ثم قال لهم فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه قالوا نعم فقال هل جعلتم في هذه الشاة سما فقالوا نعم فقال ما حملكم على ذلك فقالوا أردنا إن كنت كذابا نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك).

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة.

أطراف الحديث: الجزية، الطب.

معاني الألفاظ: بررت: أحسنت وقلت خيراً وحقاً.

(3)

- لم أجد له أصلا في الكتب التسعة.

ص: 405

‌الأفضل في حق من يصبر على الألم ولا يجزع التفويض

س: أيهما أفضل للإنسان أن يفوض الأمر إلى الله ولا يتعالج أو يتعالج ولا يفوض الأمر إلى الله تعالى؟

جـ: يختلف باختلاف الحالات فمن كان سيصبر على الألم ولا يجزع فالتفويض في حقه أفضل ولا يتداوى، ومن كان سيجزع من المرض ولا يستطع الصبر ويعرف من نفسه عدم الصبر فالأفضل في حقه التداوي لحديث المرأة التي كانت تصرع فطلبت من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يدع الله لها بالشفاء، والحديث هو (أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا)

(1)

لأن المريض يؤجر على كل ألم يحصل له، بحيث أن أهل العافية يتمنون لو قرضوا بالمقاريض حينما يشاهدون ثواب أهل البلاء في الآخرة.

س: هل يمكن حمل أحاديث الصبر على المرأة التي تصاب بالصرع خاص بالصرع؟

جـ: لا نقول أنه خاص بالصرع ولا بالمرأة لأن حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشيء على بعض الصحابة هو حكم لجميع المسلمين إلا إذا ورد دليل خاص.

‌جواز التداوي بالحجامة

س: ما حكم الحجامة؟

جـ: جائزة لحديث جابر (إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ)

(2)

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحتجم في الكاهل و الأخدعين كما في حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في الأخدعين وعلى الكاهل)

(3)

.

س: من أين أخذتم الدليل على كراهة الحجامة حيث أنه لا يوجد في كتاب الدراري المضيئة؟

جـ: على صاحب السؤال أن يراجع كتاب الإجارة وسيجد فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (كسب الحجام خبيث)

(4)

وأحاديث أخرى تدل على التحريم فضلاً عن الكراهة، وإنما يدل على الكراهة لأن المسوغ لنقلها

(1)

صحيح البخاري: كتاب الطب: باب فضل من يصرع من الريح. حديث رقم (5652) بلفظ: (حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا).

أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الطب: باب الدواء بالعسل. حديث رقم (5251) بلفظ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ).

أخرجه مسلم في السلام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الطب.

معاني الألفاظ: شرطة: المشرط الذي يشق به موضع الحجامة.

لذعة بنار: حرق خفيف بالنار.

(3)

سنن الترمذي: كتاب الطب: ماجاء في الحجامة. حديث رقم (1976) بلفظ (عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في الأخدعين وعلى الكاهل) صححه الألباني في صحيح سنن أبن ماجة برقم (2823).

معاني الألفاظ: احتجم: الحجامة هي إخراج الدم الفاسد من البدن. الأخدع: عرق بجانب العنق. الكاهل: ما بين الكتف والعنق.

أخرجه أبو داود في الطب، وابن ماجه في الطب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(4)

- صحيح مسلم: كتاب المساقاة: باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي. حديث رقم (2932) بلفظ (حَدَّثَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ).

أخرجهالترمذي في البيوع، والنسائي في الصيد والذبائح، وأبو داود في البيوع، وأحمد في مسندالشاميين، والدارمي في الببيوع.

معاني الألفاظ: الحجام: من يخرج الدم الفاسد من البدن. المحاجم: المراد أدوات الحجام.

الواشمة: من تقوم بعمل الوشم، وهو أثر وخز الجلد بالإبر. المستوشمة: التي تطلب لنفسها.

ص: 406

من التحريم إلى الكراهة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وأعطى الحجام أجرته كما في حديث (احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ)

(1)

، وفي رواية منه بلفظ (احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، وَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ)

(2)

‌جواز معالجة المرأة عند الطبيب الأجنبي

س: هل يجوز للمرأة إذا أصابها مرض أن تتعالج لدى الدكتور وقد يصل به الأمر إلى كشف جسدها؟

جـ: اعلم أن الفقهاء أجازوا للطبيب النظر إلى المرأة الأجنبية عند الضرورة وبناء على ذلك فعلى المرأة التي تريد العلاج أن تتعالج عند امرأة مسلمة فإن لم توجد فعند امرأة كافرة فإن لم توجد فعند طبيب مسلم فإن لم يوجد فعند طبيب كافر للضرورة بشرط عدم وجود دكتورة عارفة بالمرض وبعلاجه المناسب وبشرط وجود المحرم عند المعاينة والكشف عن المرض.

‌جواز إعطاء المرأة المريضة صورتها لمن يتكفل بعلاجها للضرورة

س: إني فتاة مصابة بمرض وهو انزلاق العمود الفقري ولن يستطيع والدي على هذا العلاج والإشاعة وطلبت مني جمعية خيرية مساعدتي وطلبوا مني صورة فهل يجوز لي أن أتصور لكي أسلمها للجمعية؟

جـ: لا مانع من أخذ صورتك للضرورة.

‌جواز الرقي بالقرآن الكريم والأدعية النبوية وحرمتها بما فيه شرك

س: ما حكم الرقية؟

جـ: هي جائزة بما يجوز لحديث (اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ)

(3)

.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الإجارة: ضريبة العبد وتعاهد ضرائب الإماء. حديث رقم (1997) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ).

أخرجه مسلم في المساقاة، السلام، والترمذي في البيوع عن رسول الله، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث البيوع، الإجارة، الطب.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب المساقاة: باب حل أجرة الحجامة. حديث رقم (1577) بلفظ: (حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، وَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ يَعْنِي الْفَزَارِيَّ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ وَلَا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ).

أخرجه البخاري في البيوع، الإجارة، الطب، والترمذي في البيوع عن رسول الله، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: المساقاة، السلام.

(3)

صحيح مسلم: كتاب السلام: باب لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك. حديث رقم (4079) بلفظ (عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ)

أخرجه أبو داود في الطب.

معاني الألفاظ: الرقية: تعويذ المريض بقراءة أذكار مشروعة عليه.

ولما ورد في صحيح البخاري: كتاب الطب: باب مسح الراقي الوجع بيده اليمنى. حديث رقم (5418) بلفظ: (عن عائشة رضي الله عنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما فذكرته لمنصور فحدثني عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة بنحوه).

أخرجه مسلم في السلام، وابن ماجة في الطب، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

أطراف الحديث: المرضى، الطب.

معاني الألفاظ: السقم: المرض.

ص: 407

‌تحريم الذبح للحماية أو الوقاية من الجن

س: ما حكم من كان مريضاً ونذر أن يذبح في رأس كل سنة للجن؟ مع أنه يخاف أنه إذا قطع النذر أن يعود المرض؟

جـ: الذبيحة من أجل الجن حرام، وهي من الخرافات والشعوذة وإذا كان الإنسان سيذبح فيذبح ليتصدق به على الفقراء والمساكين، أما الذبح للجن فلا يجوز لأن الذبح للجن من الخرافات والشعوذة وأخشى أن يكون داخل في الذبح لغير الله، وهونوع من الشرك الذي حرًم الله على فاعله دخول الجنة وأوجب له النار في قوله تعالى {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}

(1)

وقوله تعالى {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}

(3)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}

(4)

ولحديث (مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ)

(5)

وحديث (مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ) وحديث (مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّار)

(6)

.

‌تحريم كشف أيِّ جزء من جسم المرأة أمام من يعالج بالرقية الشرعية

س: هل يكشف للراقي أيُّ موضع من جسم المرأة عند الرقية؟

جـ: الظاهر: عدم الجواز والله أعلم.

‌تحريم ما يسمى بالتذرعة لإخراج العين

س: ما قولكم في التذرعة علما بأنه يقرأ المذرِّع آية الكرسي وسورة الإخلاص وأول وآخر سورة البقرة؟

جـ: إن كان لقراءة القرآن فلا بأس وإن كان للخيط أو العقدة فهي خرافة.

(1)

- المائدة: (72)

(2)

- الزمر: آية (65)

(3)

- النساء: آية (48)

(4)

- النساء: آية (116)

(5)

- صحيح البخاري: كتاب العلم: باب من خص بالعلم قوما دون قوم. حديث رقم (126) بلفظ (سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ ذُكِرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: لَا، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا)

أخرجه مسلم في الإيمان، وأحمد في باقي مسند المكثررين.

(6)

- صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب ماجاء في الجنائز ومن كان آخركلامه لاإله إلا الله. حديث رقم (1162) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ، وَقُلْتُ: أَنَا مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ)

أخرجه مسلم في الإيمان، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

ص: 408

س: عندنا في البلاد يستخدمون لعلاج العين التذريعة بالشال وقراءة القرآن على المصاب وفي يد المقري ملح فما رأيكم؟

جـ: طلب الشفاء بالقرآن مشروع أما غيره فلا أصل له في الشرع.

س: رجل يرقي الناس بالفاتحة والمعوذات وبالتنقيس وكسر بيض الدجاج وذلك بالرقى على البيض مع ذلك يشفى بعض الناس، علماً أن المعالج أمي تعلم القرآن في الكَّتاب (المنزلة)، فهل هذا جائز؟

جـ: لا مانع من الرقية بالفاتحة، فقد ورد فيه حديث صحيح، أما (النقاس) فلا أصل له في الشرع وهكذا لا أصل للبيض سواء كانت بيضة دجاجة أو حمامة أو ببغاء أو أيِّ بيضة كله خرافة من الخرافات وترهة من الترهات.

‌نفع الرقية الشرعية بتلاوة التالي للقرآن بنفسه لا بشريط مسموع

س: هل تنفع الرقية الشرعية بالأشرطة المسموعة؟

جـ: لا بد من تلاوة التالي للقرآن بنفسه لا بتسجيل.

الأفضل للشخص الذي سيصبر على الألم عدم التداوي إذا كان لا يعوقه عن أفعال الخير

س: قلتم أن الأفضل لمن لم يجزع هو عدم التداوي مع أن المرض سيعوق المريض من خير كثير مثل الدعوة إلى الله تعالى والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

جـ: الأفضل للشخص عدم التداوي إذا كان عدم التداوي لا يعوقه عن أفعال الخير، أما إذا كان المرض سيعوقه عن أفعال الخير ويفوت عليه فرص العبادة والدعوة إلى الله وفعل الأعمال الصالحة وعن الأعمال العبادية المتعدية فالأفضل له التداوي.

س: هل يجوز التفرغ للعمل لرقية الناس بالقرآن؟

جـ: لا يتفرغ الشخص تفرغاً كاملاً ولكن يجوز لو خصص بعض وقته.

س: كثير من النساء من تصاب بمرض الصرع تلبٌس الجان بالمرأة فما نصيحتكم لنا عندما نجد هذه الحالات وما هي الرقى؟

جـ: هذه ليست خاصة بالمرأة قد يتلبًس الجان بالرجل ولكن إذا كان هناك رجلاً من الفضلاء المتدينين يريد أن يصلح بين الرجل وجني الرجل وبين المرأة وجنيُّ المرأة ويقول اخرج و إلا دعوت عليك ثم يخرج الجني كما روي عن ابن تيمية أنه كان يتلو بعض الآيات فقال الجني: (أحرقتني يا شيخ) وقد روي أن بعض المتصوفين روحياً يُمكَّنون من مخاطبة الجني وإخراجه من الرجل والمرأة ويشترط في الرجل الذي يخرج الجني:

(1)

أن يكون مسلماً صحيح العقيدة.

(2) أن يكون مكثراً من تلاوة القرآن.

(3)

أن يكون معروفاً بالتقوى بادية عليه آثار الصلاح.

‌تحريم التداوي بالمسكر

س: هل يجوز التداوي بالقليل من المسكر للضرورة إذا قال الطبيب أنه العلاج الوحيد للمرض؟

جـ: أما رأيي الشخصي فهو القول بالتحريم وبعدم جواز المعالجة بأيِّ نوع من أنواع الخمر للأدلة السابقة ولا سيما وأن النبي المعصوم بأبي هو وأمي قد صرح لمن سأله عن الخمر بأنه ليس بدواء ولكنه داء فكيف يجوز

ص: 409

لنا أن نصدق أيِّ طبيب يقول لنا أن الخمر قد يكون دواء بعدما قال لنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم أنه (ليس بدواء ولكنه داء) فهل نصدق الطبيب أن هناك أمراض لا علاج لها غير المسكر ونكذب النبي الذي لا ينطق عن الهوى الذي قال إنه ليس بدواء ولكنه داء، وإذا كان الشاعر قد قال:

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

فنحن نقول:

إذا قال الرسول فصدقوه

فإن القول ما قال الرسول

كيف لا وهو رسول رب العالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وهو الصادق المصدوق، والنبي المعصوم فصلوات الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

فهذا الحق ليس به مرا

فدعي من بنيات الطريق

وخصوصاً أن الأبحاث الطبية الأخيرة قد أثبتت أن الأشربة التي تسكر ليس فيها أيُّ دواء لأيِّ مرض من الأمراض على الإطلاق كما نص على معنى ذلك الدكتور محمد علي البار في كتابه (الخمر بين الطب والفقه) وقرر المؤتمر الدولي الحادي والعشرين لمكافحة المسكرات المنعقد في (هلسنكي) 1939 م أن الطبيب الذي يصف لمريضه شيئاً من الخمر يعتبر في عرف هذا المؤتمر طبيباً متأخراً في فنه بضعة عشر عاما كما في كتاب (نظرية الضرورة الشرعية للعلامة جميل محمد مبارك نقلاً عن كتاب الخمر بين الإسلام والقوانين الوضعية) وعلى هذا الأساس يكون التداوي بالمسكر محرًما من باب سد الذرائع وقد صرًح كثير من الفقهاء في باب الأطعمة والأشربة من كتب الفقه بتحريم التداوي بالمسكر وذلك كالعلامة المهدي في الأزهار وهو على المذهب الهادوي كما سبقه غيره من علماء المذهب الهادوي والمالكي والحنبلي كما في تفسير العلامة القرطبي المالكي الذي نسب هذا القول إلى المذهب المالكي وكما في كتاب (زاد المعاد) للعلامة ابن القيم الحنبلي الذي نسبه إلى المذهب الحنبلي كما في (زاد المعاد) وممن صرح بذلك من علماء اليمن المجتهدين شيخ الإسلام الشوكاني كما في (السيل الجرار) وقد خالف في المسألة بعض العلماء ورجحوا جواز التداوي بالمسكر للضرورة مستدلين بالأدلة الدالة على أن الضرورات تبيح المحظورات كقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(1)

وغيرها من الآيات الدالة على إباحة المحرًمات عند الضرورات وأجابوا عن الأدلة التي احتج بها الأولون بحملها على غير الضرورة، قالوا أما إذا اضطر المسلم إلى المعالجة بالمسكر فلا مانع من المعالجة للضرورة للأدلة الدالة على أن الضرورات تبيح المحرًمات كالآية السابقة وغيرها، وفي لفظ آخر عند أحمد وابن ماجه (إن ذلك ليس بشفاء)

(2)

أي ليس بشاف وهذا الحديث مؤكد لما قد سبق في حديث أبي هريرة المرفوع (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ)

(3)

فكيف يكون الشئ الواحد خبيثاً ويكون دواء شافياً فهذه الأدلة تدل على عدم جواز التداوي بأيِّ مسكر وعلى أيِّ صفة وفي كل حالة من الحالات وخصوصاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عن ذلك إلا بعد أن أوضح له السائل بأنه للدواء لا لشيء آخر ولا سيما

(1)

البقرة الآية: (173).

(2)

صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث طارق بن سويد الجعفي رضي الله عنه برقم (3670).

(3)

سنن الترمذي: كتاب الطب عن رسول الله: باب ما جاء في من قتل نفسه بسم أو غيره. حديث رقم (1968) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ قَالَ أَبُو عِيسَى يَعْنِي السُّمَّ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (2045).

ص: 410

وأن الرسول قد صرح بأنه ليس بدواء ولكنه داء فكيف يجوز لنا بعد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ليس بدواء ولكنه داء أن نقول بجواز التداوي به إذا كان الطبيب قد قرر لأيِّ مريض علاجاً من الأشربة المسكرة التي يسمونها (كحوليه) على أن هناك أدلة أخرى تدل على عدم جواز التداوي بالمسكر غير ما تقدم من النصوص ألا وهي سد الذريعة ولأن في القول بإباحة التداوي بالمسكر ذريعة إلى تناولها وإلى ممارسة شربها ولو من غير ضرورة لأننا نخشى على من يتعالج بالمسكرات في حال مرضه أن يعتاد ممارسة شربها فلا يمضي عليه أياماً حتى يصبح من عشاقها ومن المعتادين لشربها ثم لا يمضي عليه شهر أو شهور حتى يكون في عداد شاربي المسكرات.

والخلاصة: أن التداوي بالخمر حرام، حرام، حرام، وقد تكلمت بنحو هذا في كتاب الأطعمة والأشربة.

س: هل يجوز لأحد من المسلمين المرضى أن يتعالج بمسكر للضرورة إذا كان الطبيب المختص قد قرر للمريض علاجاً مسكراً مفيداً في قراره أن الضرورة تستدعي ذلك العلاج المسكر وأنه لا علاج للمرضى غير هذا المسكر وهل يجوز لأحد من الناس أن يجعل هذه المسألة من باب الضرورات تبيح المحظورات؟

جـ: اعلم أنه لا يجوز لأحد من الناس التداوي بالخمر مطلقاً سواء كان قليلاً أو كثيراً وذلك لكون شرب الخمر محرًماً تحريماً قطعياً بالأدلة المتواترة الواردة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة وأجمع على هذا التحريم العلماء المجتهدون من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من عصر النبوة إلى عصرنا هذا كما جاء النص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنهي عن التداوي بالحرام كما في حديث أبي الدرداء مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء ولا تتداووا بالحرام)

(1)

أخرجه أبو داود والخمر من أعظم المحرمات ومن أكبر الكبائر المحظورات، وهكذا جاء النص بالنهي عن التداوي بالخبيث كما في حديث أبي هريرة مرفوعاً عند أبي داود والترمذي وأحمد والخمر خبيث بل هو من أخبث الخبائث وقد سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التداوي بالخمر الصحابي (طارق بن سويد) فنهاه النبي عن ذلك أو كره له أن يصنعها ولما راجعه السائل بأنه إنما يصنعها للدواء أجابةُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه (ليس بدواء ولكنه داء) كما في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي من حديث الصحابي المذكور، وقد روي عن بعض العلماء أنه أجاز التداوي بالخمر للضرورة إذا قرر الطبيب الماهر المختص إسعافه بشيء من الخمر وهذا مخالف لنص الحديث الصحيح الصريح الدال على أنه ليس بدواء بل هو داء.

س: هل يجوز شرب الخمر لضرورة العطش؟

جـ: شرب الخمر حرام، ولا ضرورة إلا إذا كان الشخص سيموت من العطش فيشرب قطره أو نحوها مما يدفع ضرورة الهلاك ولا يشرب حتى يرتوى لأنه حرام، والضرورة تقدر بقدرها.

‌تحريم التداوي بلحم الخنزير

س: هل يجوز التداوي بالحرام مثل لحم الخنزير أم لا؟

جـ: إن الشرع الإسلامي لا يجوِّز التداوي بمحرًم شرعاً والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن التداوي

(1)

صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب تحريم التداوي بالخمر. حديث رقم (3670) بلفظ: (عن علقمة بن وائل عن أبيه وائل الحضرمي أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها فقال إنما أصنعها للدواء فقال إنه ليس بدواء ولكنه داء).

أخرجه الترمذي في الطب، وأبو داود في الطب، وأحمد في مسند الكوفيين، ومسند القبائل

ص: 411

بالحرام فقال (إن الله لم يجعل شفاءكم في ما حرم عليكم) وبناء على ذلك فمن تعالج بلحم الخنزير فهو آثم شرعاً لأنه أكل لحماً محرًماً في الدين الإسلامي تحريماً قطعياً في قوله تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}

(1)

ومن قال له بأن في أكله علاج للضعف الجنسي فقد غرَّه وغشه وعليه التوبة النصوح والندم على ما عمله والعزم على عدم العودة.

س: هل يجوز للمسلم أن يتداوى بدواء إطار الكبسولة منه مصنوع من جلاتين الخنزير؟

جـ: الدليل قد دل على تحريم أكل لحم الخنزير في قوله تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال (إن الله لم يجعل دوائكم فيما حرًم عليكم) ولا أدري ماهي الكبسولة كما لا أعلم عن جلاتين الخنزير أيِّ شيء لأني لست بعالم كبير وغيري أعلم مني، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.

‌أبوال الإبل ليست بنجسه وليست من التداوي بالمحرًمات

س: ما هو الرد على من يستدل بجواز التداوي بالمحرًمات بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعرنيين بأن (يَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا)

(2)

والأبوال نجسة؟

جـ: لا نسلم أن الأبوال نجسه لأن المسألة فيها اطلاقان وتفصيل.

القول الأول: أن الأبوال جميعها ما عدى بول الآدمي طاهرة وهو قول الظاهرية ودليلهم الأصل حيث أن الأصل في الأشياء الطهارة والدليل لم يرد إلا في نجاسة بول الآدمي فقط.

القول الثاني: أنّ أبوال جميع الحيوانات نجسة وهو قول الشافعية ودليلهم الحديث الصحيح حينما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين يعذبان فقال صلى الله عليه وآله وسلم (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ: ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا)

(3)

وقالوا الألف واللام في البول في الحديث للعموم فهي تعم

(1)

- الأنعام: آية (145)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الطب: باب من خرج من أرض لا تلائمه. حديث رقم: (5727) بلفظ (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا أَوْ رِجَالًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ وَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَوْدٍ وَبِرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَانْطَلَقُوا حَتَّى كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ وَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ).

أخرجه مسلم في القسامة والمحاربين، والترمذي في الطهارة عن رسول الله، الأطعمة عن رسول الله، والنسائي في الطهارة، تحريم الدم، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، الطب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الوضوء، الزكاة، الجهاد والسير، المغازي، تفسير القرآن، الطب، الحدود، الديات.

معاني الألفاظ: استوخموا: كرهوا الإقامة فيه لمرض أصابهم فيها. سمر أعينهم: كحل أعينهم بالمسامير المحمية.

(3)

صحيح البخاري: كتاب الوضوء: باب من الكبائر أن لا يستتر الإنسان من بوله. حديث رقم (209) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ: ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا).

أخرجه مسلم في الطهارة، والترمذي في الطهارة، والنسائي في الجنائز، وأبو داود في الطهارة، وابن ماجة في الطهارة وسننها، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في الطهارة.

أطراف الحديث: الوضوء، الجنائز، الأدب.

معاني الألفاظ: الحائط: البستان. النميمة: نقل الكلام بين الناس على سبيل الإفساد. الجريد: غصن النخل المجرد من ورقه.

ص: 412

جميع الأبوال.

القول الثالث: التفصيل وهو أن بول ما يؤكل لحمه من الحيوانات طاهر وبول ما لا يؤكل لحمه نجس وهذا قول الهادوية الزيدية والشوكاني رجح مذهب الظاهرية وهو أن جميع أبوال الحيوانات طاهرة لأن اللام ليست للجنس في حديث القبر، وإنما المراد بها بول الإنسان نفسه والدليل أن الألف واللام للعهد وليست للجنس ما ورد في رواية البخاري أيضاً بلفظ (أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ) والصحيح أن أبوال جميع الحيوانات طاهر وإذا وردت رواية تحتمل وتحتمل ورواية صريحة فيعمل بالرواية الصريحة وعلى فرض أن الألف واللام في الحديث للجنس وليست للعهد كما قال الشافعي فنقول هي خاصة بالتداوي بأبوال الإبل فقط، فيعمل بالخاص فيما تناوله وبالعام في الباقي.

‌عدم ورود ما يدل على أن الماء النازل من سطح الكعبة أثناء هطول الأمطار شفاء

س: يقال بأن المياه النازلة من سطح الكعبة المشرفة أثناء هطول الأمطار فيها شفاء من الألم لمن يشربها فهل هذا القول صحيح أو أنه غير صحيح؟

جـ: اعلم بأن دعوى من يدعي بأن من يشرب من الماء هذا يكون شربه منه شفاء للألم يحتاج إلى برهان لصحة دعواه لأن الأصل هو العدم ومن ادعى خلاف الأصل فعليه الدليل والأفضل أن يشرب من ماء زمزم لأنه قد ورد فيه ما يدل على مشروعية شربه فمن شرب من ماء زمزم بنية الشفاء من الألم فقد عمل بالنص الوارد فيه في حديث (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ)

(1)

، وأما من ادعى أن من شرب من الماء النازل من الكعبة فعليه أن يأتي بالنص الصحيح الصريح وأين هو هذا النص الصحيح الصريح.

‌كراهة التداوي بالكي

س: ما حكم الكيّ؟

جـ: هو مكروه لحديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (نَهَى عَنْ الْكَيِّ، قَالَ فَابْتُلِينَا فَاكْتَوَيْنَا فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا)

(2)

وهو ليس محرماً لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرهم على الكي ولكنه مكروه للنهي عنه، والظاهر أن النهي للتنزيه والفعل لبيان أن النهي ليس للتحريم، هذا هو الجمع بين الأحاديث.

(1)

- سنن ابن ماجه: كتاب المناسك: باب الشرب من زمزم، حديث رقم (3052) بلفظ (حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (2502).

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

لايوجد له مكررات.

وفي مصنف ابن أبي شيبة حديث بلفظ (زمزم طعام طعم وشفاء سقم)

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الطب: باب ما جاء في كراهية الكي. حديث رقم (1972) بلفظ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْكَيِّ، قَالَ فَابْتُلِينَا فَاكْتَوَيْنَا فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (2828).

أخرجه أبو داود في الطب، وابن ماجة في الطب، وأحمد في مسند البصريين،

أطراف الحديث: الطب.

ص: 413

‌حديث (العين تدخل الرجل القبروالجمل القدر) ضعيف

س: ما صحة أن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر وهل أصيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

جـ: حديث أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال (الْعَيْنُ حَقٌّ)

(1)

حديث صحيح وحديث أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال (العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر) ضعيف ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عُين بل ورد أنه سُحر، كما في حديث (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُحِرَ حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ قَالَ سفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقًا، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ، فَقَالَ: هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ قَالَتْ فَقُلْتُ أَفَلَا أَيْ تَنَشَّرْتَ، فَقَالَ: أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ شَرًّا)

(2)

.

‌خرافة المحية بآيات قرآنية ليشربها المريض

س: هل تجوز المُحية وهي أن يكتب الشخص بقلم حبر على أوراق أسماء الله الحسنى ثم يصب عليها ماء في كأس حتى يشرب المداد ما حكم هذا؟

جـ: هذه خرافة.

‌تحريم الاستشفاء بأكل صفحة من القرآن كل يوم

س: أصيب شخص بمرض فوصف له بعض الناس وصفه غريبة لشفائه من مرضه وهي أن يأكل في كل يوم صفحه من صفحات القرآن الكريم وإذا لم يشف فعليه أكل مصحف آخر فما قول العلماء في هذه الوصفة لأنني في جدال مع صاحب المرض وقد قلت بأن هذا العلاج غير صحيح وأن القرآن انزله الله سبحانه وتعالى للعمل بمبادئه وتلاوة آياته؟

(1)

صحيح البخاري: كتاب الطب: باب العين حق. حديث رقم (5299) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ).

أخرجه مسلم في السلام، وأبو داود في الطب، وابن ماجة في الطب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: اللباس.

معاني الألفاظ: الوشم: أثر وخز الجلد بالإبر وحشوه بالكحل.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الطب: باب هل يستخرج السحر. حديث رقم (5765) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُحِرَ حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ قَالَ سفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقًا، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ، فَقَالَ: هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ قَالَتْ فَقُلْتُ أَفَلَا أَيْ تَنَشَّرْتَ، فَقَالَ: أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ شَرًّا).

أخرجه مسلم في السلام، وابن ماجة في الطب، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

أطراف الحديث: الجزية، بدء الخلق، الطب، الأدب، الدعوات.

معاني الألفاظ: مطبوب: مسحور.

ومشاقة: ما يسقط من الشعر حين يمشط.

ص: 414

جـ: لا أصل لما جاء في الاستفتاء من الشرع الإسلامي ومن وصف لمريض بأن يأكل ورقة واحدة أو أكثر من أوراق المصحف الكريم لكي يشفيه الله من مرضه فهو غالط مبتدع منحرف مشعوذ ولا ينبغي تصديقه ولا العمل بموجب وصفه هذا بل يجب ردعه وزجره والإنكار عليه والإيضاح للمريض ولجميع من يلزم أن يعرف هذا الكذب بأن أكل القرآن الكريم أو صفحاته على حد كلام السائل هو من الخرافات والأباطيل والترهات، وأن زعم من يزعم بأن ذلك علاج لأيِّ مرض أو لمرض مخصص فهو محض الكذب والافتراء ولا أصل له من الشرع ولا من الدين ولا من الطب القديم ولا من الطب الحديث، وهكذا قول هذا المبتدع بأن المريض إذا لم ينتفع بأكل ورقة أو عدة أوراق من القرآن الكريم أو صفحة أو صفحات منه على حد كلام السائل فيأكل مصحفاً كاملاً ليشفى من مرضه ويبرأ من علته كل ذلك الكلام هراء وباطل وكذب ودجل وشعوذة وشيء ما أنزل الله به من سلطان ولا دليل عليه لا من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع ولا من القياس ولا من الاستحسان ولا من كلام أحد من الصحابة أو التابعين أو ممن جاء بعدهم من العلماء المجتهدين بل ولا من العقل ولا من الطب ولا من الذوق، فالقرآن أنزل من عند الله هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان لا لتؤكل أوراقه علاجاً لأيِّ مرض من الأمراض النفسية أو الحسية أو لمرض مخصوص كما لا يخفى على كل من له عقل سليم وذوق مستقيم، والقرآن أنزل من عند الله تعالى للعمل بموجب ما فيه من الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات ولينتفع الناس بما فيه من عظات ومواعظ وحكم وعبر وأن يعتقدوا بما جاء من الآيات العظيمة في التوحيد والمعاد وفي محاربة الوثنية والكفر والإلحاد لا ليأكل المريض منه صفحه أو أكثر من صفحات هذا القرآن العظيم ليكون أكله علاجاً لمرضه وشفاء من دائه وإذا لم يشف هذا الأكل فعليه أن يأكل مصحفاً آخر كما أفتاه بهذه الفتوى من وصفه السائل بأحد العلماء وعندي أنه لا يصدق عليه الوصف ولا يستحق عَدّه من العلماء لأن العالم الحقيقي لا يصف علاجاً لمرض حسي أو مرض نفسي بأكل صفحات من القرآن الكريم ولا يتجرأ على مثل هذه الفتوى أو على وصف هذا العلاج إلا جاهل، وبناءً على ذلك فالحق مع السائل الذي حكم بأن هذا العلاج باطل وأن القرآن أنزله الله سبحانه وتعالى للتلاوة وللعمل بما فيه كما أنه أنزل للإعجاز لا ليكون صفحات لآكله علاجاً وأوراقه لمن مضغها دواء هذا والله الموفق.

‌تحريم التداوي بشرب بول الإنسان

س: بعض الناس يشرب بول نفسه بحجة أنه علاج فهل يجوز له شرب البول؟

جـ: لا يجوز شرب البول، ولا ندري من هو هذا الذي ينصحه بشرب بوله هل طبيب مختص أم من كلام العجائز المخرفين، أما حكم صلاته فصلاته صحيحة وهو آثم بشرب البول.

‌جواز الإستغسال من العين

س: ما هو الاستغسال؟ وما حكمه؟

جـ: هو طلب الرجل المصاب بالعين أن يغسل الشخص العاين الذي أصابه بالعين يديه ورجليه ويصب الماء على المصاب بالعين، وحكمه: أنه جائز لدلالة الأحاديث على جوازه منها حديث (الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا)

(1)

.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب السلام: بابالطب والمرض والرقى. حديث رقم (4058) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا)

أخرجه الترمذي في الطب، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: العين: الحسد وهو ماتسببه العين من سوء وأذى بقدرالله.

ص: 415

س: نرجوا منكم أن توضحوا لنا كيفية الغسل داخل الإزار؟

جـ: ينضح الماء إلى داخل الإزار.

س: أنا مريض أرسلت لي والدتي ماء من البركة حق المسجد أتدهن به لأن أمي تظن أن سبب مرضي العين فهل يجوز لي استخدامه؟

جـ: هذا لا أصل له، ولا دليل عليه، والمياه ليست شفاء إلا ماء زمزم لحديث (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ).

‌جواز نقل عضو من شخص لآخر للضرورة

س: ما حكم نقل عضو آدمي محكوم عليه بالإعدام أم بالانتهاء بحادث أو غيره لمريض آخر لإنقاذه وبرضى الجميع وبالمجان؟

جـ: إذا كان مجاناً فلا مانع لحديث (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ)

(1)

.

س: ما حكم نقل الأعضاء البشرية من شخص لآخر؟

جـ: لا مانع للضرورة إذا لم يحصل ضرر على الشخص المنقول منه.

‌جواز إسقاط الجنين للضرورة القصوى قبل الأربعين يوما

س: ما الحالات التي يجوز فيها إسقاط الجنين (الإجهاض)؟

جـ: لا يجوز إلا للضرورة القصوى إذا كان في مدة (39) تسعة وثلاثينيوماً، لا في الأربعين وما بعدها بشرط إذن الزوجين لقوله تعالى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}

(2)

‌جواز إبطال السحر بالسحر إذا عرف أن من يبطل السحر ليس مشعوذا

س: هل يجوز إبطال السحر بالسحر؟

جـ: إذا قد عُرف أن الشخص الذي يبطل السحر لا يشعوذ فيجوز لكن بعض المدعين المعالجة يعالجون بالشعوذة فيدخل المريض إلى الواحد منهم وهو نصف مجنون وما يخرج من عنده إلا مجنوناً جناناً كاملاً وبعضهم يستخدم في معالجة المريض الضرب بالعصا ونحوه ففي مثل هذه الحالات لا يجوز، أما إذا كان العلاج خالياً عن الشعوذة فيجوز، قال الشاعر:

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب إثم من باع حراً. حديث رقم (2227) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ).

أخرجه ابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الإجازة.

(2)

- المائدة: آية (32)

ص: 416

عرفت السحر لا للسحر ولكن لتوقيه

ومن لم يعرف الشر من الشر يقع فيه

‌تحريم التداوي بـ (ا لقِذّاء) لأنه من الشعوذة

س: ما حكم القذًاء؟

جـ: حكم القذًاء، وهو وضع العطبة فوق الجسم وادعاء إخراج الدم أو اللحم أو الوسخ من فوق القلب أو من داخل الجسم بعد أن يمسح القذاء على موضع في الجسم لا هو من الطب ولا من الشرع ولا من العقل.

‌حرمة العلاج بالشعوذة

س: رجل يعالج المرضى عنده مصحف شريف يعالج الناس به، بأن يكتبوا من بعض السور القرآنية ثم يضعوها في الماء، وعليها ماء ورد ومسك وزعفران وزيت زيتون، ثم يكتب بعضها من مرة وبعضها من سبع، ثم يضعها على الماء ممزقة، ثم يأمر بالغسل به مرة أو سبع مرات، ويعالج بالأعشاب، فهل هذا حرام وافتراء ودجل وشرك أم ماذا؟

جـ: هذا غير جائز.

‌خرافة التقذية

س: ما حكم ما يسمى "القذِّة" من البقرة وهو أن يخرج المقذي من البقرة أشياء من أجل أن تحبل؟

جـ: خرافة ولا يقذى للبقر بل للإنسان، وعلى كل حال فالقذا شعوذة وخرافة للإنسان أو للحيوان.

‌جواز التداوي عند من يعرف الطب الشعبي وعدم الجواز عند المشعوذين

س: ما حكم من يذهبون إلى المشعوذين للعلاج ويتركون الأخصائيين من الأطباء؟

جـ: اعلم أن المعالجة عند من يعرف الطب الشعبي لا مانع منها أما من كان مشعوذاً فلا ينبغي الذهاب إليه والله الموفق.

س: ما‌

‌ معنى (لا يرقون ولا يسترقون)

(1)

؟

جـ: الراقي: هو المعالج، والمسترقي: هو الذي يطلب العلاج.

س: ماذا يصنع المضطر للمعالجة أثناء مرضه إذا لم يكن في محله مستوصف أو ليس له قدرة للذهاب إلى المدينة هل يذهب إلى المشعوذ أم كيف وإذا ذهب إليه فعلى من يكون الإثم؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الطب: باب من اكتوى أو أكوى غيره وفضل من لم يكتوي. حديث رقم (5705) بلفظ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ: مَا هَذَا؟ أُمَّتِي هَذِهِ؟ قِيلَ: بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، قِيلَ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلَأُ الْأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلَأَ الْأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ فَقَالَ: هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في صفة القيامة والرقائق، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: أحاديث الأنبياء، الطب، الرقاق.

معاني الألفاظ: يتطيرون: الطيرة هي التشاؤم الذي يصد صاحبه عن العمل.

يكتوون: يتداوون بالكي.

ص: 417

جـ: المضطر للعلاج يتعالج بالعقاقير الطبية القديمة أو بالعلاجات الطبية الحديثة أما الذي يذهب إلى المشعوذ (أو المقذي) أو (الذي يفتح الكتاب) فهو جانٍ على نفسه ومخطئٌ لأنه ألقى بماله وبدنه إلى التهلكة، كما أن المشعوذ آثم وظالم للمريض ولنفسه أيضاً حيث أنه يأكل أموال الناس بالباطل هذا إذا لم يكن المشعوذ قد أضر بصحة المريض، أما إذا قدأضر بصحة المريض فهو ضامن كما جاء في الحديث (مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ)

(1)

الذي أخرجه الترمذي.

‌تحريم التطير

س: ما معنى الطيرة؟ وما حكمه؟

جـ: الطيرة هي التشاؤم بالطيور كالغراب أو البومة أو الرجل الأعور أو نحوه وحكمه حرام والتطير حرام ولا يجوز وقدحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من التطير في (وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ، قَالَ: ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ)

(2)

.

‌تحريم قتل الأطفال الذين يولدون مشوًهين

س: أطباء المستشفى الذي نعمل فيه يجوِّزون قتل الأطفال الذين يولدون مشوًهين وذلك بمنعهم من الطعام من أجل ألَّا يكونوا عبئاً على الأسرة وهناك من يرى خطأ ذلك ويحتج بقوله عز وجل {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}

(3)

وقوله أيضاً {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}

(4)

ثم يسأل ما هو الرأي الصواب في هذه المسألة؟

جـ: هذا حرام وهو قتل نفس محترمه وهو أيضاً كبيرة من الكبائر الوارد الوعيد عليها في الكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}

(5)

وقال تعالى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ

(1)

- سنن النسائي: كتاب القسامة: باب صفة شبه العمد وعلى من دية الأجنة وشبه العمد. حديث رقم (4748) بلفظ (: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ) حسنه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (4845).

أخرجه أبو داود في الديات، وابن ماجة في الطب.

معاني الألفاط: تطبب: تكلف في الطب وهو لا يعلمه.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله. حديث رقم (1246) بلفظ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَال: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ! مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي، وَلَا ضَرَبَنِي، وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: فَلَا تَأْتِهِمْ، قَالَ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ، قَالَ: ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ).

أخرجه النسائي في السهو، وأبوداود في الصلاة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الصلاة.

أطراف الحد يث: السلام.

معاني الألفاظ: كهرني: زجرني وعبس في وجهي. الكاهن: كاذب يدعي معرفة الأسرار ومستقبل الزمان. الطيرة: التشاؤم الذي يصد صاحبه عن العمل. يخطون: نوع من الكهانة، يزعمون معرفة الغيب باستخدام الرمل.

صك: ضرب.

(3)

- سورة الأنعام: آية (151).

(4)

- سورة التكوير: آية (8، 9).

(5)

- سورة النساء: آية (93)

ص: 418

فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}

(1)

.

‌حكم تلبيس الأسنان أو تبديلها بذهب للضرورة

س: ما حكم من يضع بدل أسنانه أسنانا من ذهب؟

جـ: لا مانع للضرورة لا للزينة

‌جواز الكشف عن نوع الجنين طبياً وهو في بطن أمه

س: هل يجوز الكشف على الجنين لمعرفة نوع الجنين بدون مرض، وهل يجوز في المرض؟

جـ: الأصل الإباحة حتى يرد دليل بالمنع.

‌تحريم الكذب في بيع الأدوية

س: أنا أعمل صيدليا ويتردد شباب عليَّ يطلبون أدوية ممنوعة ومخدٍرة ومنوٍمة ومنشٍطة، يمنع بيعها إلا بوصفة من الطبيب فأقول لهم أنها غير موجودة مع أنها موجودة، فهل يجوز لي أن أكذب أم لا؟

جـ: اعتذر لهم بأن القانون يمنع تسليم أيِّ علاج من هذه العلاجات إلا للضرورة وبقرار من دكتور مختص خشية من العقاب.

‌تحريم أكل أو شرب كل ما فيه ضرر على عقل الإنسان أو بدنه

س: ما حكم من يشرب السيجارة ويمضغ القات؟

جـ: ما كان فيه ضرر على العقل أو البدن أو الصحة فهو حرام.

‌كراهة عمليات التجميل للوجه

س: ما حكم إجراء عمليات التجميل للوجه؟

جـ: هذه تقاليد جديدة غزتنا من الخارج لا أستطيع أن أحكم بتحريمها ولا بإباحتها.

س: ما حكم عمليات التجميل؟

جـ: لا حاجة لها ولا ينبغي.

‌جواز إجراء عملية تصغير الأنف للضروروة

س: هل يجوز للشخص إجراء عملية تصغير الِأنف لأنه يتعرض لسخريات لا يتحمًلها؟

جـ: الظاهر أنه لا مانع من ذلك إذا كانت الضرورة تستدعي ذلك لأن الضرورات تبيح المحظورات وإلا فهو من تغيير خلق الله.

‌تحريم بيع عضو من أعضاء الميت المسلم لزراعته في جسم إنسان حي

س: هل يجوز قطع عضو من أعضاء الميت المسلم كعينة أو نحو ذلك لزرعه ببدن الحي مع تسليم الدية؟

جـ: لا يجوز للمسلم أن يبيع جزءا من أجزاء جسمه لأن العلماء يقولون: بيع المسلم الحر حرام، والعين جزء من أجزاء المسلم الحي، فلا يجوز عندي هذا البيع لحديث (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ،

(1)

- المائدة: آية (32)

ص: 419

وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ)، والله أعلم.

‌تحريم تشريح جثة الميت

س: هل يجوز تشريح الجثة لغرض معرفة سبب الوفاة؟

جـ: قال بعض علماء العصر: إذا أذن الميت قبل موته فيجوزللمصلحة، أما أنا شخصيا فأنا أعد هذا التشريح نوعا من المثلة، والمثلة حرام لحديث (كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ)

(1)

، والله أعلم

‌جواز الذهاب الى من يعالج بالطب الشعبي العربي

س: عندنا رجل يدعي أنه يعالج بالطب الشعبي، فهل يجوز لنا الذهاب إليه؟

جـ: إذا كان العلاج عربي طبيعي وللمعالج به معرفة فلا مانع من الذهاب اليه، وإلا فلا لزوم لذهابكم اليه.

‌جواز منع المريض مرضا معديا من مخالطة الاصحاء

س: هل يجوز منع المريض مرضا معديا أن يسكن بين الأصحاء؟

جـ: الظاهر أنه لا مانع لولي الأمر من منعه لمصلحة المجتمع والله أعلم

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب قصة عكل وعرينة. حديث رقم (2871) بلفظ (عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَوْدٍ وَرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ)

أخرجه مسلم في القسامة والمحاربين والقصاص، والترمذي في الطهارة، والنسائي في الطهارة، وأبوداود في الحدود، وابن ماجه في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: استوخموا: كرهوا الإقامة بها لمرض أصابهم.

ص: 420

‌كتاب المفلس

• جواز الحجر على المفلس

• آراء العلماء في حكم الحجر على من يبذٍر وهو ليس مفلساً ولا مديوناً

• عدم جواز أخذ الورثة الحجر عن مورثهم

• وجوب الحجر على من يستدين أموال غيره ليعبث بها

• يستثنى للمحجور عليه المنزل الذي يملكه من قبل تحمل الديون

• لا حجر على المنفق في سبيل الله حتى ولو أنفق ماله كله

• لا تبرأ ذمة المفلس حتى يقضي كل أصحاب الديون ديونهم أو يسامحونه

• يقتسم الغرماء أموال المفلس بحسب نسبة ديونهم

• المفلس هو من يحجر عليه القاضي الشرعي أيَّ تصرف في ماله

ص: 421

كتاب المفلس

‌المفلس هو من يحجر عليه القاضي الشرعي أيَّ تصرف في ماله

س: من هو المفلس لغة؟

جـ: المفلس لغة: هو الذي لا يجد فلساً.

س: من هو المفلس في الشرع الإسلامي؟

جـ: هو من يحجر عليه القاضي الشرعي أيَّ تصرف في ماله لقضاء أصحاب الديون التي عليه، والحجر لصالح أصحاب الديون، والقاضي الشرعي يحجر على المفلس التصرفات في ماله ويحصر أمواله ويقوِّمها بقدر الزمان والمكان فإن جاءت بقدر الديون فيعطي كل واحد من أصحاب الدين وفاءه من مال المحجور عليه، وإن حُصِرت أمواله وديونه واتضح للمحكمة أن أمواله لا تفي إلا بثلثي ديونه أو النصف أو الثلث أو نحوه فيعطى كل واحد من أصحاب الدين بنسبة ثلثي دينه أو نصفه أو ثلثه أو ربعه أو نحوه وآخر مثله وهكذا فيكون كل غريم أسوة للغرماء اللهم إلا من وجد عين ماله باقياً فله أن يأخذ عين ماله إن كان باقياً سليماً كما هو.

‌جواز الحجر على المفلس

س: ما حكم الحجر على المفلس؟

جـ: يجوز الحجر على المفلس حفاظاً على أموال الغرماء، وعلى القاضي أن يعلن عدم التعامل مع المحجور عليه ويحصر أمواله ومستنداته ويُغلِّق عليها.

‌آراء العلماء في حكم الحجر على من يبذٍر وهو ليس مفلساً ولا مديوناً

س: هل يجوز الحجر على من يبذٍر وهو ليس مفلساً ولا لديه ديون للغير؟

جـ: هذه مسألة خلافية بين العلماء، الهادوية والحنفية ذهبوا إلى أنه لا حجر على من كان عاقلاً بالغاً غير مديون ولا متفلس فليس لزوجته ولا لأولاده أو لأبيه أو إخوته أن يطالبوا بالحجر عليه، وليس للقاضي الشرعي أن يتدخل في شئون هذا الشخص وأمثاله وإنما الحجر على المجنون أو القاصر أو المديون المتفلس وهذا هو المعمول به في المحاكم الشرعية الآن. وذهب جماعة من العلماء وهو ترجيح الشوكاني إلى جواز الحجر على من كان سفيهاً مبذراً ودليل العلماء الأولين الذين قالوا بعدم جواز الحجر على المبذر هو بأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على أنه حجر على رجل مبذٍر غير مديون ولا مجنون ولا صبي ولا متفلس، والعلماء الذين قالوا: بجواز الحجر على المبذٍر استدلوا بقصص تفيد أنه كان الحجر معروفاً لدى الصحابة، منها حديث عبدالله ابن الزبير أنه قال: أما آن لأمير المؤمنين أن يحجر على أم المؤمنين (عائشة) وأم المؤمنين (عائشة) كانت موصوفة بالكرم في حين كان عبدالله بن الزبير في غاية من البخل، ولقوله تعالى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}

(1)

.

‌عدم جواز أخذ الورثة الحجر عن مورثهم

س: أفتوني في حكم الإسلام فيمن يحاول أن يمنع والده من أن يتصرف في أملاكه بالبيع أو بالرهن لحاجته الماسة إلى ما يقوم بسد عوزه ونفقته الضرورية؟

(1)

النساء: آية (5).

ص: 422

جـ: ليس لأحد الأولاد ولا أحد الورثة أن يمنع الرجل المذكور في السؤال من تصرف الرهن أوالبيع أو التأجير أو المزارعة أو المغارسة أو أيِّ تصرف يريد أن يتصرف به كائناً هذا التصرف ما كان إلا إذا كان الرجل المذكور مسرفاً مبذراً سئ التصرف في ماله فلا مانع لأحد الأولاد أن يتصل بالقاضي الشرعي وعلى القاضي الشرعي أن يعرف الحقيقة ويجري ما يلزم شرعاً أن يجريه بخصوص الموضوع وبحسب ما يصح لديه شرعاً بعد أن تتضح له الحقيقة ببراهينها، أما أن أحد الأولاد يتدخل في القضية من ذات نفسه لا حق له شرعاً في ذلك وهذا على من يرى الحجر على المسرف والمبذر ومنهم الشوكاني، وأما على رأي الحنفية أو الهادوية فلا حق للحاكم الشرعي بالتدخل.

‌وجوب الحجر على من يستدين أموال غيره ليعبث بها

س: ما الحكم فيمن استدان مال غيره ولعب به أو تعبث به؟

جـ: يجب على القاضي الشرعي أن يعلن الحجر عليه ويغلِّق على جميع أموال المحجور عليه.

‌يستثنى للمحجور عليه المنزل الذي يملكه من قبل تحمل الديون

س: هل يستثنى المنزل للمحجور عليه؟

جـ: بعض العلماء قالوا يستثنى البيت من الحجر والبيع وبعض العلماء قالوا: يفصَّل إن كان البيت الذي يسكنه قديماً وهو من أيام أبيه أو جده وانتقل إلى ملك المفلس بواسطة الإرث أو أن شراءه له قديم وليس من أموال الغرماء فيستثنى له، وإن كان البيت حديث العمارة بحيث يغلب على الظن أنه بناه من أموال الغرماء فلا يستثنى له البيت بل يحجر عليه لأنه من أموال الغرماء ولكي لا يُفتح الباب لكل من يأخذ أموال الناس ويعمر بها ويعلن إفلاسه لكن البيت الذي آل إلى ملكه بالإرث من أقربائه أو اشتراه قبل الاستدانة من الغرماء فلا يحجر عليه ويستثنى له.

س: رجل أخذ فلوساً من رجل ليتاجر بها ولكنه ذهب وتزوج في هذه الحالة هل هو مفلس هل تصادر زوجته وتطلق؟

جـ: إذا كانت جارية اشتراها فتصادر وتباع ويقضي الغرماء، وأمَّا إذا معه فلوس أو شئ يباع جنبيه أو بندق أو غيره فللغرماء أن يتصرفوا فيها وإلا فلا، أما مصادرة الزوجة فلا تصادر.

س: مع غلاء الأسعار يضطر بعض الناس أن يستلفوا من أكثر من تاجر فقام التجار برفع شكوى ضد هؤلاء ولم يكن معهم فلوس، فهل يبيعون من أموالهم تسديداً للدين؟

جـ: نعم: يباع من أموالهم إنما الذي لا يباع الثوب الذي يستر عورته وعورة أولاده أو البيت القديم الذي كان قد ملكه من بعد موت أبيه قبل أن يستلف الفلوس.

س: إذا كان رجل معه أرضيه وهذه الأرضية من قبل أن يكون أمين صندوق وثبت أن هذه الأرضية من قبل اشتراها وعندما كان أمين الصندوق بنى هذه الأرضية وأن الفلوس التي بنى بها الأرضية ثبت أنها من حق الدولة، فما هو الحكم؟

جـ: يصادر هذا المنزل وحده أما الأرضية فلا تصادر.

ص: 423

س: ما حكم الشرع في رجل كان يعمل في مخدرات مع ناس واقترض منهم مبلغاً كبيراً من الفلوس لشراء مخدرات علماً بأن بعض الناس يتجرون في مخدرات؟

جـ: يؤخذ كل ما معه ثم يقسم على حسب الديون.

س: إذا كان هناك مفلساً ولكنه كتب المال الذي عنده والبيوت بأسماء أبنائه فما حكم الشرع في ذلك؟

جـ: إذا ظهر بقرينة أنها ملكه وأنه تحيّل فلا تصدق الحيلة بل تصادر.

‌لا حجر على المنفق في سبيل الله حتى ولو أنفق ماله كله

س: هل يحجر على المنفق في سبيل الله حتى ولو انفق ماله كله أم الذي ينفقه على رغباته وشهواته؟

جـ: من يقول بجواز الحجر على غير المفلس يقول: يحجر على من ينفق ماله تبذيراً على رغباته وأهوائه وشهواته وفيما لا ينفع مثل من يشتري قاتاً بآلاف الريالات أو يصطحب مجموعة من الناس ويدخلهم الفندق ويحاسب عليهم ويشتري القات والسيجارة ويوزعها لأصحابه ويدخلهم المطعم ويقول على حسابي ففي مثل هذه التصرفات وأمثالها يحجر على المنفق المبذر عند من يجوِّز الحجر على المديون غير المفلس، أما من ينفق أمواله للمجاهدين أو الفقراء والمساكين في سبيل الله فلا يحجر عليه حتى ولو أنفق ماله كله في سبيل الله لأنه فعل خير.

‌لا تبرأ ذمة المفلس حتى يقضي كل أصحاب الديون ديونهم أو يسامحونه

س: من أفلس وحجر على أمواله وبيعت وقسمت بين أهل الدين ولكنها لم تف بالديون، فهل تبرأ ذمته؟

جـ: فيما بين المفلس وبين أصحاب الدين ما عليه إلا أن يحجر على أمواله وتوزع بينهم بواسطة المحكمة الشرعية بنسبة الموجود ولكن فيما بينه وبين الله لا تبرأ ذمته حتى يقضي كل أصحاب الديون أو يسامحونه ويجب عليه أن يعمل ويجمع فلوساً ليقضي به أصحاب الدين المتبقى لهم في ذمته.

س: إذا كان عند الرجل دين لشخص ولم يستطع أن يوفيه وهو يملك قطعة أرض فهل يلزمه أن يبيع قطعة الأرض التي يريد أن يعمر عليها بيتاً لأولاده أم يُعطى مهلة؟

جـ: اللازم أن يبيع الأرض ويقضي الدين وسيفتح الله عليه لأن الله يقول {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}

(1)

.

‌يقتسم الغرماء أموال المفلس بحسب نسبة ديونهم

س: ما معنى أسوة الغرماء؟

جـ: يعني أن كل الغرماء متساوون ويعطى كل واحد بنسبة دينه فلا يعطى من دينه خمسون ألفا مثل من دينه خمسة ملايين.

س: إذا كانت على شخص دية لشخص ودين لشخص ومال لآخر فماذا نفعل علماً أن الرجل مفلس؟

جـ: نقول كلكم سواء نعطي من الدية البعض ونعطي لكل واحد بحسب نسبته.

(1)

الطلاق: (2، 3).

ص: 424

‌كتاب اللقطة

• اللقطة الشيء الذي له قيمة ولو يسيرة

• وجوب التعريف باللقطة لمدة سنة

• استمرار التعريف باللقطة مدة السنة

• وجوب التعريف باللقطة لا سيما في مكة

• تحريم التصرف باللقطة قبل مضي السنة

• جواز التصرف في اللقطة بعد مضي سنة على التعريف بها

• وجوب قسمة ربح مال اللقطة إذا وجد صاحبها

• جواز صرف اللقطة بعد السنة مع ضمانها إن وجد صاحبها يوماً من الدهر

• وجوب ضمان ضالة الحيوانات إذا جنى عليها الملتقط أو فرط في حفظها

• جواز الانتفاع بلبن ضالة الحيوانات في مقابل حفظها وعلفها

• الأولى عدم التقاط اللقطة

• القول (بأن اللقية حلال والسرقة حرام) لا دليل عليه لا من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع

• جواز السؤال عن الطفل الضائع من ميكرفون المسجد في غير أوقات الصلوات الخمس

• وجوب إرجاع اللقطة بسعر يوم الرد لا يوم الاستهلاك

• وجوب إتلاف الملتَقط المحرم كالخمر ونحوه

• جواز تسمية اللقيط باسم الملتقط شكلياً

• جواز الادعاء على من وجد الإنسان ملكه عنده

ص: 425

بها في غير الصحف.

س: يعتاد الناس في جزيرة (سقطرى) الصيد ولكل واحد منهم بجانب البحر عريشاً يضع فيه شباكه وأدوات الصيد ويأتي صيّادون من خارج المنطقة التي يقطنون فيها أو من خارج الجزيرة ويصطادون معهم وتضيع عليهم بعض أدوات الصيد مثل السكاكين والحبال أو ينسونها فهل تؤخذ مثل هذه رغم أن أصحابها لا يعودون لها غالباً، وكيف إذا عرفها بعد فترة وجهونا مأجورين؟

جـ: أنصح من لقي مثل هذه الأدوات بعدم أخذها وعلى فرض أنه أخذها فأنا أنصح الآخذ بأن يعرّف بها سنة كاملة وبعد سنة يستعملها وإذا جاء صاحبها فعليه أن يسلّمها له بعد أن يعرف أنه صاحبها وإذا قد تلفت يضمن قيمتها لحديث (اعْرِفْ وِكَاءَهَا أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ).

س: وجدت لقطة في مكان عام يأتيه الناس من أماكن شتى ويحتمل أن صاحبها لن يعود ثم إنى سألت صاحب دكان هل جاء رجل يسأل عن شئ؟ فهل أنا آثم أم لا؟

جـ: عرِّف بها وأنت لست آثماً لحديث (اعْرِفْ وِكَاءَهَا أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ) ومن الآن فصاعدا ينبغي للإنسان ألاَّ يلتقط اللقطة لأنه سيلزمه التعريف بها.

س: حفظكم الله هل يمكن أن تقدر ثمن العصا في الزمان هذا بما يقابل الدرهم بالريالات فمثلاً إذا وجد قلم قيمته (200) ريال فهل يعرف به؟

جـ: القلم الذي سعره (200) ريال يعرف به وإن كان هناك عصا بهذا الثمن أو أكثر فيجب التعريف بها

س: إذا كان خاتم ذهب لا يزيد ثمنه عن ألفي ريال ولقطه ملتقط في مدينة واحتاج إلى ثمنه بعد أن عرَّف به ولم يأت صاحبه فما الحكم؟

جـ: إذا قد عرَّف به سنة فهنيئاً له، على أنه يضمن إذا جاء صاحبه.

س: إذا وجد رجل مبلغ عشرة آلاف ريال فكيف يعرِّف لأنه إذا عرَّف سيدعي أيُّ شخص أنه له؟ فما هو الحل لأن الفلوس لا تعرف؟

جـ: إذا كانت في شمطة أو في صرّة فتعرف، أما إذا كانت مكشوفة فالظاهر أن الفلوس لا تتعين، إلا أنه يجب أن يسأل السائل عنها عن نوعها هل فئة مائة أو ألف أو خمسين.

س: إذا وجد أحدنا زينة مدفونة في التراب أو في الجدار فهل حكمها حكم اللقطة؟

جـ: نعم حكمها حكم اللقطة.

س: إذا وجدت لقطة في المسجد أو في أيِّ مكان فهل أعرف بها في المكان الذي وجدتها فيه أم في أيِّ مكان؟

جـ: خارج المسجد.

س: وجدت قبل سنة ساعة في الحمامات الجامعية وقد عرّفتها مرتين فقط ولها سنتان ولم يسأل عنها أحد؟

جـ: يلزم تعريفها أكثر من مرة ويجب تعليق ورقة يكتب عليها وجدت ساعة فمن هي له فعليه الوصول إلى غرفة فلان وفلان والآن اكتب إعلان من معه شيء ضائع منذ سنتين يأتي إلى عند فلان أو فلان.

ص: 426

‌وجوب التعريف باللقطة لا سيما في مكة

س: ما حكم تعريف الضالة في مكة؟

جـ: تعريف الضالة واجب لا سيما في مكة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حث على التعريف بمكة لأهمية ضالة مكة في حديث (ولَاتَحِلّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ)

(1)

لأن من في مكة بعد انقضاء أيام الحج وهي قليلة سينصرف الحجاج إلى بلدانهم ويصعب بعد ذلك إيصالها إلى مالكها بخلاف ضالة غير مكة فإنه يمكن الملتقط استمرار التعريف بها لمدة سنة أو إلى أن يعثر على مالكها.

س: إذا وجد أحدنا لقطة في مكة فأخذها ليوصلها إلى مكان اللقطة، فما الحكم؟

جـ: لا يجوز له أخذ اللقطة أبداً لأن هناك شرطه وهم سيأخذون اللقطة ونحن نحذركم من أخذها في اليمن فكيف بأخذها في مكة؟ ّ!!.

‌تحريم التصرف باللقطة قبل مضي السنة

س: هل يجوز استعمال الضالة في خلال مدة التعريف أم لا يجوز له؟

جـ: قبل السنة لا يجوز استعمالها ولا التصرف فيها.

س: وجدت ساعة قبل تسعة أشهر وعرّفتُ بها ولم أجد لها مالكاً، فماذا أفعل بها؟

جـ: ينتظر الملتقط ثلاثة أشهر يعرف بها علاوة على التسعة الأشهر وبعد تمام السنة يتصرف فيها.

س: وجدت ساعة مكسر زجاجها قبل ثمانية أشهر وأصلحت الزجاجة، فماذا أعمل بها؟

جـ: انتظر أربعة أشهر للتعريف بها وبعد انقضاء السنة تصرف فيها، وإذا جاء صاحبها بعد السنة ترجعها له وتعلمه بخسارتك على إصلاحها.

س: ما قولكم فيمن وجد خمسمائة ريال فأكلها، فما الحكم؟

جـ: إذا كانت في محفظة فيجب معرفة عفاصها ووكائها، أما إذا وجدها ملقاة وسط الشارع فالفلوس لا تتعين، إلا بالسؤال عنها هل هي من فئة ألف ريال أو خمسين ريالاً.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب في اللقطة: باب كيف تعرف لقطة أهل مكة. حديث رقم (2434) بلفظ (حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِلَّا الْإِذْخِرَ، فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ مَا قَوْلُهُ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

أخرجه مسلم في الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في الديات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: العلم، الديات.

معاني الألفاظ: يختلى: يقطع نباته.

ص: 427

‌جواز التصرف في اللقطة بعد مضي سنة على التعريف بها

س: كنت في سفر أنا وأخي ومعنا رجل ثالث ولقيت إطار قاطرة فأخذته وبعد سنة بعتُ الإطار خوفاً عليه من التلف من المطر والشمس والرياح وأعطيت أخي ثلث قيمته والرجل الذي كان معنا ثلثاً وبقي عندي ثلث، فما حكم الثلث الذي عندي؟

جـ: بعد تعريف السنة يجوز التصرف فيه، بشرط الضمان للإطار كله إن جاء صاحبه.

‌وجوب قسمة ربح مال اللقطة إذا وجد صاحبها

س: وصل نزيل إلى أحد الفنادق ونسي هناك حقيبه فيها من المال ما يقارب المليون فأخذ أصحاب الفندق المال وعرَّفوا به ولكن الرجل لم يعد فأخذوا المال وبنوا به فندقاً آخر، فما الحكم إذا رجع الرجل هل يعطى المال فقط أم يعطى المال والربح؟

جـ: يعيدون له بعض الربح لأجل يكون مثل المضاربة ولا تبرأ الذمة إلا بذلك.

‌جواز صرف اللقطة بعد السنة مع ضمانها إن وجد صاحبها يوماً من الدهر

س: بعد مضي السنة كيف يتصرف في اللقطة؟

جـ: يصرفها في مصلحة عامه أو يصرفها في الفقراء والمساكين أو يعطيها لصندوق المسجد أو يصرفها في نفسه ولكن في كل الأحوال يضمن قيمتها متى وجد صاحبها.

‌وجوب ضمان ضالة الحيوانات إذا جنى عليها الملتقط أو فرط في حفظها

س: ما حكم من وجد ضالة من الحيوانات ثم ماتت فهل يغرم ثمنها أم لا؟

جـ: إذا جنى عليها بالضرب أو فرط في حفظها فيضمن، أما إذا لم يجن عليها أو يفرط في حفظها فلا يضمن لأنه جاءها أجل الله وليس عليه شيء.

‌جواز الانتفاع بلبن ضالة الحيوانات في مقابل حفظها وعلفها

س: رجل وجد بقرة فبقيت أربع سنوات وأنجبت ثلاثة مواليد ثم جاء صاحبها فكيف الفصل بينهم بخصوص الميلاد والحليب؟

جـ: الحليب والمواليد للملتقط في مقابل العلف فإذا لم تلد البقرة يعطى صاحب البقرة قيمة العلف للملتقط.

س: هل تقاس الشاة الملقوطة على الشاة المرهونة في شرب لبنها؟

جـ: نعم، تقاس الشاة الملقوطة على الشاة المرهونة في جواز الانتفاع بشرب لبنها.

س: لكثرة الأغنام بجزيرة (سقطرى) قد يصل ملك أحدهم خمسمائة رأس بل وأكثر واقل أحياناً ويسأل هؤلاء الإخوة عن حكم الأغنام الضائعة أو الضالة التي يجدونها أثناء رعي الأغنام بين أغنامهم ماذا يصنعون بها حيث أخبرني أحدهم أن جملة الأغنام الضائعة معه عشرون رأس وجدها وتوالدت له بين أغنامه، فهل يعتبرها ملكا له خاصة بعد أن يعرِّف بها، وهل يشرب من لبنها ويتصرف فيها كيفما شاء؟ وما الحكم إذا عرفها صاحبها بعد زمن طويل وقد توالدت وانتفع بها وجهونا مأجورين حيث وهذه من المسائل الهامة لديهم؟

جـ: لا تكون مشكلة بل يُعرِّف بها ويرعاها ويشرب من لبنها وإذا أنتجت وجاء مالكها يسلمها مع ما نتج منها إلى صاحبها وله أجرة ما عمل مع الأغنام ومع تربية الناتج منها ويقرر الأجرة عدلان خبيران مختاران من

ص: 428

الطرفين.

‌الأولى عدم التقاط اللقطة

س: هل يأثم الإنسان إذا وجد لقطة ولم يلقطها؟

جـ: إذا كان الشخص يعلم انه لا يوجد من يلقطها حتى تموت فإن كانت حيواناً فيلقطها وإلا فيتركها ليلتقطها شخص غيره.

س: ما قولكم أنه تضيع عليَّ بعض الأقلام هنا في الجامعة فأجدها مع مجموعة أقلام تشبهها في مكان الضالة فأتحرى في أخذ حقي فقط ولا أدري أخذت حقي أو غيره، فهل يحق لي آخذه أم لا؟

جـ: إذا غلب في ظنك أنها ملكك فخذها، وإن غلب أنها ليست لك فلا تأخذها، والأفضل وضع اسمك عليها أو وضعها في مكان خاص.

القول (بأن اللقية حلال والسرقة حرام) لا دليل عليه لا من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع

س: ما رأيكم في القول (اللقيةُ حلالٌ والسرقةُ حرامٌ) هل هذا القول صحيح؟

جـ: ليس لهذا القول أصل ولا مستند لا من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع ولا من قول الصحابة ولا من قول التابعين إلا الغول والعنقاء وبيض الأنوق.

‌جواز السؤال عن الطفل الضائع من ميكرفون المسجد في غير أوقات الصلوات الخمس

س: هل يجوز السؤال عن الطفل الضائع في المسجد أم أنه من باب إنشاد الضالة الذي لا يجوز؟ وهل يجوز أن يقال له إن سأل عنه في المسجد لا رده الله عليك؟

جـ: يجوز أن يسأل الإنسان عنه في ميكرفون المسجد في غير أوقات الصلوات الخمس ولكن يسأل في الصباح بعد شروق الشمس أو بعد الظهر أو العصر أو نحوها، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقال لمن يسأل عن الضالة في المسجد (لا ردها الله عليك)

(1)

وفي رواية (لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له)

(2)

ولكن الناس لا يعقلون وقد يتألم والده أو قريبه ويستنكر لأنه ينتظر أن يتعاطف الناس معه ويعاونونه في البحث عنه.

س: هل يجوز الإعلان عن اللقيط الغلام في المسجد حيث أنه ليس من الضالة لأنه لا يجوز الإعلان عن الضالة في المسجد والضالة محددة بالحيوانات واللقيط هو إنسان فما الحكم؟

جـ: لا يجوز لأن المساجد لم تبن إلا لذكرالله ولكن يفعل إعلان بالخط العريض خارج الجامع.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب المساجد: باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد. حديث رقم (568) بلفظ (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا).

أخرجه الترمذي في البيوع عن رسول الله، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في المساجد والجماعات، وأحمد في باقي مسند المكثرين،

والدارمي في الصلاة.

معاني الألفاظ: ينشد: يبحث و يطلب.

ضالة: المال الضائع من دابة أو غيره.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب المساجد: باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد. حديث رقم (569) بلفظ (عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له).

أخرجه ابن ماجة في المساجد والجماعات، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

أطراف الحديث: المساجد ومواضع الصلاة.

ص: 429

س: عندنا في هذا المسجد صندوق داخل المحراب لحفظ الظالة فهل هذا جائز أم أنه من نشد الضالة المحرم؟

جـ: ليس فيه دوشة ولا شيء ومن وجد شيئاً أدخله الدولاب دون ضجة وهذا جائز.

‌وجوب إرجاع اللقطة بسعر يوم الرد لا يوم الاستهلاك

س: وجدت خاتماً في سطح بيت كنت أشتغل فيه ولم أعرّف به وبعته وأريد أن أرد ثمنه فهل يكون بسعر تلك الأيام أم بسعر هذه الأيام؟

جـ: يكون بسعر هذه الأيام.

‌وجوب إتلاف الملتَقط المحرم كالخمر ونحوه

س: إذا وجد رجل قارورة خمر فهل يجب التعريف بها؟

جـ: لا يجب عليه التعريف بل يجب عليه إتلاف هذا الشيء وكذلك إذا وجد كرتون حشيش أو مخدرات فيجب عليه حرقه ولكنه يحترز من أن يشم دخان الحشيش عند إحراقه فيصير كالأخبل

‌جواز تسمية اللقيط باسم الملتقط شكلياً

س: زوجان في بلد الغربة وجدا لقيطاً فأخذاه لتربيته وهما مضطران لتسميته باسم الأب لإدخاله في الإقامة وتسجيله في المدرسة وغيرها من المعاملات التي سيحتاجها وبنيتهما ألا يؤثران على حقوق الورثة وأن يهبا له هبة، فهل هذا جائز؟

جـ: لا مانع من التسمية شكلياً لا حقيقة فلا بنوة في الإسلام ولا تبني في الإسلام فليس هوولدهما شرعا.

‌جواز الادعاء على من وجد الإنسان ملكه عنده

س: إذا ضاع عليك شيء ووجدته عند أناس في مكان آخر هل تأخذه؟

جـ: ادعي عليه في المحكمة.

ص: 430

‌كتاب الوكالة

• جواز التوكيل في جميع التصرفات

• تحريم أخذ وكيل المشتري فارق السعر إلا بإذن المشتري مالك الفلوس

• لا تصح وكالة الصبي أو المجنون أو المحجور عليه من قبل المحكمة الشرعية

• صحة وكالة الموكل قبل الحجر عليه من المحكمة الشرعية

• ربح بيع وشراء الوكيل للموكل

• خسارة الفضولي على الفضولي نفسه

• الإجازة أقوى من الوكالة

• جواز أخذ أجرة وصي اليتيم وتقديرها بحسب الزمان والمكان

• جواز صرف ما يتبرع به لليتيم في حاجاته المعيشية والدراسية

• تحريم أخذ مال اليتيم بدون وجه حق

ص: 431

كتاب الوكالة

‌جواز التوكيل في جميع التصرفات

س: ما حكم الوكالة؟

جـ: هي جائزة في جميع التصرفات في باب البيع والشراء في باب الرهن في باب الهبة في باب النكاح وفي باب الطلاق وغيره لحديث عروة البارقي (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ)

(1)

وهو دليل على جواز الوكالة بل في الحديث دلالة على ثلاثة أحكام هي:

الأول: جواز الوكالة.

الثاني: نفاذ بيع الفضولي إذا أجازه المالك.

الثالث: أن الربح يكون للموكِّل لا للفضولي والوكيل إذا طلب أجرته فله أجرة المثل لمقابل عمله لأن الأصل هو المالك لأنه صاحب رأس المال وهو لولا إجازته لما نفذ البيع، والوكالة جائزة بأدلة الكتاب والسنة والإجماع، في الكتاب قوله تعالى:{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}

(2)

وقوله تعالى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ}

(3)

وقوله تعالى {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

(4)

وفي السنة بالأحاديث المتواترة التي تدل على مشروعية التوكيل منها حديث (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلَالِ الْبُدْنِ الَّتِي نُحِرَتْ وَبِجُلُودِهَا)

(5)

وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه (أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ)

(6)

وحديث (وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ لِرَجُلٍ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المناقب: باب سؤال المشركين النبي أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر. حديث رقم (3770) بلفظ (عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في البيوع عن رسول الله، الجهاد عن رسول الله، والنسائي في الخيل، وأبو داود في البيوع، التجارات، الأحكام، الجهاد، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في الجهاد.

أطراف الحديث: الجهاد والسي، فرض الخمس.

(2)

- سورة يوسف: آية (55).

(3)

- الكهف: (19)

(4)

- يوسف: (62)

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الوكالة: باب وكالة الشريك في القسمة. حديث رقم (2299) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلَالِ الْبُدْنِ الَّتِي نُحِرَتْ وَبِجُلُودِهَا).

أخرجه مسلم في الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، والدارمي في الزكاة.

أطراف الحديث: الحج.

معاني الألفاظ: جلال البدن: ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه.

(6)

- صحيح البخاري: كتاب الوكالة: باب وكالة الشريك في القسمة وغيرها. حديث رقم (2300) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ)

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأضاحي، والنسائي في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الأضاحي.

أطراف الحديث: الأضاحي، الشركة.

معاني الألفاظ:

العتود: ولد المعز إذا قوي ورعى بنفسه.

ص: 432

هَذَا فَارْجُمْهَا فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا)

(1)

وأما الإجماع فقد أجمع العلماء على جواز التوكيل.

‌تحريم أخذ وكيل المشتري فارق السعر إلا بإذن المشتري مالك الفلوس

س: طلب شخص من شخص صديق له بأن يشتري له بعض المتطلبات من السوق فقام هذا الشخص بشرائها من أحد معارفه بسعر أقل من سعر السوق المعروف لدى الجميع فمن حق من يكون فارق السعر هذا، هل لصاحب الفلوس أم لمن قام بالشراء؟

جـ: لصاحب الفلوس لأنه هو المالك للفلوس ولا مانع من أن يكون للمشتري لكن بإذن صاحب الفلوس.

‌لا تصح وكالة الصبي أو المجنون أو المحجور عليه من قبل المحكمة الشرعية

س: من هم الذين لا تصح وكالتهم؟

جـ: هم الصبي والمجنون والمحجور عليه من قبل المحكمة الشرعية.

س: من هم الذين لا يجوز لهم التوكيل؟

جـ: هم من ثبت عليهم الحجر عن التصرفات في أموالهم من قبل القاضي الشرعي.

‌صحة وكالة الموكل قبل الحجر عليه من المحكمة الشرعية

س: ما حكم وكالة الموكل قبل أن يحجر القاضي عليه؟

جـ: الوكالة صحيحة قبل الحجر إذا كان تاريخ الوكالة متقدم على الحجر.

ربح بيع وشراء الوكيل للموكل

س: ما حكم الربح إذا اشترى الوكيل وباع وربح ولكنه أخذ الربح له ولم يعطه للموكِّل؟

جـ: هو حرام.

‌خسارة الفضولي على الفضولي نفسه

س: إذا خسر الفضولي على من تكون الخسارة؟

جـ: الخسارة إن كانت من الوكيل فهي على المالك لأن المالك هو الذي وكله في البيع، وأما خسارة الفضولي فهي على الفضولي نفسه لأن المالك لم يوكله في البيع إنما وكله في الشراء فقط.

‌الإجازة أقوى من الوكالة

س: هل يصح الرجوع في الإجازة؟

جـ: لا يصح الرجوع في الإجازة، إذا قد أجاز المالك تصرفات الفضولي نفذ التصرف المجاز ولا يحق للمالك

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأحكام: باب هل يجوز للحاكم أن يرسل رجلاً وحده ينظر في حد. حديث رقم (6566) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنهما قَالَا جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ صَدَقَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَقَالُوا لِي عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ لِرَجُلٍ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا).

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود عن رسول الله، والنسائي في آداب القضاة، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في مسند الشاميين، ومالك في الحدود، والدارمي في الحدود.

ص: 433

الرجوع في الإجازة، ولذا قال العلماء الإجازة أقوى من الوكالة لأن الوكالة يحق للموكل أن يعزل الوكيل، ولا يحق للمالك إذا قد أجاز تصرف الفضولي أو الوكيل أن يرجع في إجازته.

‌جواز أخذ أجرة وصي اليتيم وتقديرها بحسب الزمان والمكان

س: هل يجوز لوصي اليتيم أن يأخذ أجرة عمله؟

جـ: يجوز له أن يأخذ أجرة على وكالته بالمعروف ولا يجوز أن يأكل مال اليتيم وإنما يأخذ أجرته بالمعروف بحسب الزمان والمكان لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}

(1)

‌جواز صرف ما يتبرع به لليتيم في حاجاته المعيشية والدراسية

س: هل يجوز لمن يكفل يتيماً أن يأخذ ماله الذي يعطيه إياه فاعلي الخير والتصرف فيه أم لا؟

جـ: لا مانع لصرفها في حاجات اليتيم مثل الكسوة والكتب وغيرها.

‌تحريم أخذ مال اليتيم بدون وجه حق

س: هل يجوز أخذ مال اليتيم؟

جـ: لا يجوز أخذ مال اليتيم لأنه حرام بالكتاب والسنة والإجماع ومن أدلة الكتاب قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} .

(1)

- النساء: آية (10)

ص: 434

‌كتاب الحوالة

• وجوب قبول الحوالة إن كان المحال عليه غنياً

• لا يشترط في المحال عليه أن يكون لديه دين للمُحِيل

ص: 435

كتاب الحوالة

‌وجوب قبول الحوالة إن كان المحال عليه غنياً

س: هل يجب قبول الحوالة؟

جـ: نعم، يجب على الإنسان قبول الحوالة لحديث (فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ)

(1)

ولكن بشرطين هما:

1 -

أن يكون المحال عليه غنياً يقدر أن يدفع ما أُحيل عليه، وإذا كان المحال عليه فقيراً فللمحال له أن يمتنع.

2 -

إذا تمرد المحال عليه عن الدفع فللمحال له الرجوع على المحيل بوفائه لأنه الغريم الأصلي ٍ

‌لا يشترط في المحال عليه أن يكون لديه دين للمُحِيل

س: هل يشترط في المحال عليه أن يكون لديه دين للمحِيل؟

جـ: لا يشترط أن يكون لدى المحال عليه دين للمحيل المهمُّ أن يكون المحال عليه غنياً وأن يقبل الحوالة.

س: ما معنى (فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ)؟

جـ: من أحيل بوفاء دينه على شخص غني فليقبل إلا إذا أحيل على رجل مفلس أو مطَّال فلا يقبل.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الحوالة: باب مطل الغني ظلم. حديث رقم (2287) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في البيوع، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: الحوالة، الاستقراض وأداء الديون.

معاني الألفاظ: المماطلة: تأخير سداد الدين من غير عذر.

المليء: الغني.

ص: 436

‌كتاب الضمانة

• الضمانة قسمان: ضمانة مال وضمانة وجه

• معنى ألفاظ الضمين والكفيل والزعيم واحد لكونها ألفاظ مترادفة

• جواز اشتراط الضمين على المضمون عليه دفع الغرامة التي تلحق الضمين بسبب ضمانة

• تحول ضمين الوجه إلى ضمين مال يلزمه دفع ما على المضمون عليه

• تحريم الضمان في حد من حدود الله تعالى

• لا ضمان على القاتل عمداً في القصاص ويجوز الضمان عليه في الدية

ص: 437

كتاب الضمانة

‌الضمانة قسمان: ضمانة مال وضمانة وجه

س: ما أقسام الضمانة؟

جـ: هي قسمان: ضمانة مال وضمانة وجه.

ضمانة المال: هي أن يضمن الشخص على شخص آخر في تسليم مبلغ معين من المال في مدة معلومة فإن دفع المبلغ المكفول عليه وإلا فيجب على الضامن تسليم المبلغ فيصير الضمين هو المطالب بتسليم المبلغ الذي هو ضمين فيه، أما ضمين الوجه: فهو أن يضمن شخص على شخص للمحكمة الشرعية أو لجهة ضبط مسئوله بإيصال الشخص في مدة معلومة إلى المحكمة الشرعية أو إلى السجن أو إلى أيِّ مكان ضمن إيصال الشخص المكفول عليه إليه، فإن أوصل الضامن المكفولَ عليه في الوقت المحدد وإلا انقلب إلى كفيل مال يدفع ما هو على المضمون عليه من المال.

‌معنى ألفاظ الضمين والكفيل والزعيم واحد لكونها ألفاظ مترادفة

س: ما الفرق بين الضمين والكفيل؟

جـ: معناهما واحد، فالضمانة بمعنى الكفالة، وكذا لفظ الزعيم والكفيل والضمين هي ألفاظ مترادفة معناها واحد.

‌جواز اشتراط الضمين على المضمون عليه دفع الغرامة التي تلحق الضمين بسبب ضمانة

س: هل يشرع للضمين أن يشترط على المضمون عليه أن يدفع غرامته إذا لحقته غرامة بسبب ضمانته عليه؟

جـ: نعم يجوز للضمين أن يشترط على المضمون عليه تحمُّل ما لحق الضمين من الغرامة بسبب ضمانته عليه.

‌تحول ضمين الوجه إلى ضمين مال يلزمه دفع ما على المضمون عليه

س: ما الفرق بين ضمين المال أو الوجه؟

جـ: ضمين المال يجب عليه أن يسلم ما ضمنه من المال على المضمون عليه للمضمون له إذا لم يسلم المال المضمونُ عليه في الوقت المحدد، أمَّا ضمين الوجه فلا يلزمه إلا إيصال الشخص المضمون عليه إلى المحكمة أو إلى الجهة التي ضمن إيصال الشخص إليها كالسجن أو الإدارة أو نحوها، إلا إذا لم يوصل الشخصَ المضمون عليه إلى الجهة التي ضمن إيصال المضمون عليه إليها فيتحول إلى ضمين مال يجب عليه دفع ما على المضمون عليه من الأموال.

‌تحريم الضمان في حد من حدود الله تعالى

س: هل يصح الضمان في حد من حدود الله كالسرقة أو شرب الخمر أو الزنا أو اللواط أو غيره؟

جـ: لا يجوز الضمان في حد من حدود الله تعالى.

‌لا ضمان على القاتل عمداً في القصاص ويجوز الضمان عليه في الدية

س: هل تصح الضمانة على القاتل؟

جـ: إن كان القتل عمداً والورثة يطالبون بالقصاص فلا يضمن على القاتل أصلاً، وإذا كان الورثة يطالبون بالدية لا بالقصاص فيجوز الضمان على القاتل، أما إذا كان القتل خطأ فيضمن في دفع الدية، وإذا التبس القتل فالأصل في القتل العمديه فلا يضمن في القتل.

ص: 438

كتاب الصلح

ص: 439

‌كتاب الصلح

• الصلح مشروع بالكتاب والسنة والإجماع

• استحباب عرض القاضي الصلح بين المتخاصمين قبل المحاكمة

• جواز الصلح بأقل من الدية أو الدية أو أكثر

• جواز الصلح بوضع جزء من الدين مقابل تعجل الوفاء

• جواز الصلح بقبول الدية وتغريب القاتل عمداً عن البلاد

• تحريم كل صلح بما يخالف شريعة الله عز وجل

• في المسائل الملتبسة يصلح القاضي الشرعي بين المتخاصمين صلحاً بحسب التراضي بينهم

• تحريم الرجوع عن الصلح إذا قد تم التراضي بين المتصالحين

• تحريم ذبح الحيوان (المسمى بالعقير) عند من يراد الصلح معهم أو بينهم

• جواز طلب المحكم العدال بشرط إرجاعه لمن يستحقه

• اشتراط أن يكون المصلح محايدا ومفوضا من الجميع

• وجوب تسليم ما عند الشيخ من أسلحة شخصية أو غيرها لأصحابها

ص: 440

كتاب الصلح

‌الصلح مشروع بالكتاب والسنة والإجماع

س: هل الصلح مشروع؟

جـ: هو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع مالم يكن فيه تحريم حلال أو تحليل حرام، أما الكتاب فلقوله تعالى {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}

(1)

وقوله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}

(2)

وقوله تعالى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}

(3)

وأما السنة فحديث (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا)

(4)

وحديث (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا)

(5)

وحديث (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ، قَالُوا: بَلَى قَالَ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ)

(6)

، وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون على جوازه.

‌تحريم كل صلح بما يخالف شريعة الله عز وجل

س: ما قولكم في الحكم بالعرف المستند إلى أقوال ابن زنباع مثل دفع دية قتيل العمد (بالمهدعش أو بالمربع أو المسدس)؟

جـ: يجوز الصلح بأيِّ شئ ما لم يكن فيه مخالفة للشريعة الإسلامية، وكل صلح يخالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو حرام لحديث (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا).

س: ما هو دليل استثناء الصلح الذي يحلل حراماً أو يحرم حلالاً؟

جـ: حديث (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا).

(1)

النساء: آية (114).

(2)

- الحجرات: (9).

(3)

- النساء: (128).

(4)

- سنن الترمذي: كتاب الأحكام: باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس. حديث رقم (1272) بلفظ (حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1352).

أخرجه ابن ماجة في الأحكام.

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الصلح: ليس من الكاذب الذي يصلح بين الناس. حديث رقم (2692) بلفظ (أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا).

أخرجه مسلم في البر والصلة والأدب، والترمذي في البر والصلة، وأبو داود في الأدب، وأحمد في مسند القبائل.

(6)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة: باب منه. حديث رقم (2509) بلفظ (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ، قَالُوا: بَلَى قَالَ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه أبو داود في الأدب، وأحمد في مسند القبائل.

معاني الألفاظ: ذات البين: المراد الأحوال بين الناس.

ص: 441

‌استحباب عرض القاضي الصلح بين المتخاصمين قبل المحاكمة

س: هل يندب للقاضي أن يندب المتقاضيين إلى الصلح؟

جـ: نعم: يندب للقاضي أن يندب المتقاضيين للصلح قبل المحاكمة لقوله تعالى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}

(1)

ولحديث (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) ولحديث (أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ)

(2)

وحديث (يَا كَعْبُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيْ الشَّطْرَ، قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ)

(3)

..

‌جواز الصلح بأقل من الدية أو الدية أو أكثر

س: هل يجوز الصلح بأقل من الدين أو الدية؟

جـ: يجوز الصلح بقضاء الدين بأقل أو أكثر وإذا كان الصلح بالزيادة في باب الديات فلا تسمى بالمهدعش ولا بالمربع ولا بالمسدس ولا بغيره ولكن تسمى صلحاً بكذا المهم تراضي الطرفين المتصالحين لقوله تعالى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} .

‌جواز الصلح بوضع جزء من الدين مقابل تعجل الوفاء

س: هل يجوز الصلح بوضع جزء من الدين ويتعجل الوفاء؟

جـ: نعم: يجوز لصاحب الدين أن يعفى المدين من جزء من الدين مقابل أن يدفع له المدين الدين قبل حلول أجل الدين لحديث (يَا كَعْبُ فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ، فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قُمْ: فَاقْضِهِ).

(1)

- النساء: آية (128)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأحكام: باب فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. حديث رقم (2360) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِلزُّبَيْرِ أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).

أخرجه مسلم في الفضائل، والترمذي في الأحكام، والنسائي في آداب القضاة، وأبو داود في الأقضية، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث: المساقاة، الصلح.

معاني الألفاظ:

شريجـ: مسيل ماء.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الخصومات: باب كلام الخصوم بعضهم في بعض. حديث رقم (2418) بلفظ (عنْ كَعْبٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى يَا كَعْبُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيْ الشَّطْرَ، قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ).

أخرجه مسلم في الفضائل، والترمذي في الأحكام، والنسائي في آداب القضاة، وأبو داود في الأقضية، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ:

سجف: الستر.

ص: 442

‌جواز الصلح بقبول الدية وتغريب القاتل عمداً عن البلاد

س: ما هو الحكم فيمن يصلح بين أناس وقع بينهم قتل على أن يسلموا الدية ويذهب المتهم بالقتل يعيش في بلاد أخرى أو في قرية أخرى هل هذه من باب القبيلة أم أن لها أصلاً في الشرع الشريف؟

جـ: اعلم أن مثل هذا السؤال الذي سألت عنه قد وقع في أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقد جاء في كتب السيرة المحمدية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند أن فتح مكة المكرمة أمن أهل مكة جميعاً إلا أشخاصاً سماهم ومنهم (وحشي بن حرب) الذي كان قد قتل سيد الشهداء (الحمزة بن عبدالمطلب بن هاشم) رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في يوم أحد وقصته مشهورة في كتب السيرة المحمدية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، وقد قتل البعض من هؤلاء فعلاً مثل (عبدالله بن خطل) كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عفا عن البعض بشفاعة بعض الصحابة مثل (عبدالله بن أبي سرح) الذي شفع فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه، كما أن (وحشي بن حرب) واجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم راجياً منه العفو فطلب منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقص عليه كيفية قتله عمه (الحمزة بن عبد المطلب) رضي الله عنه في يوم أحد فلما فرغ (وحشي بن حرب) من حكايته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم للكيفية التي قتل فيها (حمزة بن عبد المطلب) عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم أحد عفا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه وأمره حال عفوه عنه بأن يغيب وجهه عنه بحيث لا يراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو المعصوم يأمر وحشياً الذي قتل عمه بأن يغيب وجهه عنه خشية من أن يراه مرة أخرى أو مرات فيغضب عليه عند أن يراه حيث يتذكر أنه قاتل عمه رضي الله عنه فبالأولى والأحرى أن يُؤمر القاتل في هذه الأيام بأن ينتقل من قريته إلى قرية أخرى أو من قبيلته إلى قبيلة أخرى خشية من أن يراه ورثة المقتول وهو في حالة راحة ومسرة وهم في حالة حزن وغم وشقاء فتعود إليهم غريزة الغضب وحب الانتقام فيحدث مالا يحمد عقباه من إثارة الفتنة من جديد وتكون بسبب ذلك النتيجة وخيمة والنهاية سيئة، إذا تقرر هذا عرفت أنه لا مانع لمن يريد أن يصلح بين ورثة المقتول وبين القاتل أن يجعل من جملة مواد الصلح أن يترك القاتل قريته أو ناحيته إلى قرية أو ناحية أخرى.

وأن لهذه العملية أصلاً في السنة النبوية وفي السيرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وأن هذا الفعل ليس من الأعراف القبلية بل هو من الشريعة الإسلامية لأن الشريعة الإسلامية هي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره وهذا قد ثبت بالفعل والتقرير.

‌في المسائل الملتبسة يصلح القاضي الشرعي بين المتخاصمين صلحاً بحسب التراضي بينهم

س: إذا كان بين متخاصمين مسألة ملتبسة فكيف يعمل القاضي الشرعي أو المصلح بينهما؟

جـ: يصلح بينهما بحسب التراضي ويتقاسموا ويسهم عليه.

‌تحريم الرجوع عن الصلح إذا قد تم التراضي بين المتصالحين

س: هل يجوز الرجوع عن الصلح؟

جـ: إذا قد رضي به الجميع فلا يجوز وإن لم يكن قد رضي به الجميع فيجوز الرجوع عنه.

ص: 443

‌تحريم ذبح الحيوان (المسمى بالعقير) عند من يراد الصلح معهم أو بينهم

س: ما رأيكم بالصلح الذي يسبقه ذبح رأس بقر أو أغنام أو نحوه وفي بعض الحالات لا يتم الصلح إلا بعد ذبح غنم أو بقر؟

جـ: الأولى أن يدفعوا قيمة الثور أو نحوه أو يأتوا بالثور معهم ولكن يدفعوه لمن يقدم لهم حياً بدون أن يذبحوه عند من يُراد الصلح معهم أو بينهم، وفي بعض القبل قد انتشر الوعي بينهم وصاروا يتسلمون الحيوان حياً ثم يبيعونه أو يشتغلون به أو يتصرفون فيه بأيِّ تصرف وأنتم (أيها الطلاب) وعوا الناس بأن ذبح العقير حرام، وانصحوهم بأن يقبلوا الحيوان ولا يذبحونه أو يتصرفون فيه بأيِّ تصرف، ولا يوجد في الأحكام الشرعية أن الصلح لا يتم إلا بعقير أو أنهم يذبحون حيواناً لكي يتم الصلح.

‌جواز طلب المحكم العدال بشرط إرجاعه لمن يستحقه

س: ما حكم العدال مثلما يقول القبائل عدّل؟

جـ: لا مانع، بشرط إرجاع العدال لمن يستحق إرجاعه اليه.

‌اشتراط أن يكون المصلح محايدا ومفوضا من الجميع

س: ما شروط المصلح في الشريعة؟

جـ: الصلح بين الناس جائز على أيِّ صفة بشرط أن لا يكون الصلح محرما لشيء مباح ولا مجوزا لشيء محرم، وأن يكون المصلح بين الناس محايدا غير متحيز الى طرف من الأطراف، وأن يكون المصلح مفوضا من الجميع تفويضا ناتجا عن اقتناع لا عن ضغط أو إجبار أو إكراه أو حياء أو مجاملة.

‌وجوب تسليم ما عند الشيخ من أسلحة شخصية أو غيرها لأصحابها

س: مات شيخ القبيلة وعنده أسلحة الناس وبصائر أراضيهم وبيوتهم، ما هو الواجب على الورثة؟

جـ: على الورثة إخراج جميع ما عند المتوفي من أسلحة ونحوها، كما أن المسئول عن ذلك هو الوصي.

ص: 444

‌كتاب الخصومات

(قس بن ساعده الأيادي) هو أول من قرر قاعدة (على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين)

• وسائل الإثبات الشرعية هي الإقرار والشهادة واليمين

• عدم وجوب أداء شهادة من شاهد شخصاً وهو يزني إذا لم يكن ثمَّ شهود غيره

• جواز حكم القاضي بموجب إقرار المدعى عليه

• وجوب إلزام القاضي المدعي باليمين المتممة (إذا طلبها المدعى عليه)

• عدم جواز عمل القاضي الشرعي باعترافات متهم تحت التعذيب أو الإكراه

• جواز الاكتفاء بالإقرار مرة واحدة

• تحريم الرجوع عن الإقرار إلا في باب حد الزنا فقط

• جواز قبول اليمين من الرجل الصالح والفاسق

• قبول شهادة من يقرر قوله أو فعله مهما كان عدلاً متديناً

• تحريم شهادة الزور لأنها من أكبر الكبائر

• إذا عجز المدعى عن إقامة البينة على دعواه فليس له إلا يمين المدعى عليه وإن كان فاسقاً

• جواز قبول المدعى يمين الرد بموجب تراضٍ بين المدعى والمدعى عليه

• في حالة تعارض البينتان ولم يوجد مرجح بينهما يقسم المدعى بينهما نصفين

• أراء العلماء في جواز أن يحكم القاضي الشرعي بعلمه

• جواز الحكم بموجب نكول المدعى عليه عن اليمين

• اشتراط عدالة الشهود في قبول الشهادة للحكم بموجبها

• لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا صاحب حقد أو عداوة ولا قريب لقريبه

• أشرطة الفيديو لا تعتبر من البينات وإنما تعتبر من القرائن فقط

• تحريم العمل أو القضاء بقول (المبشع)

ص: 445

كتاب الخصومات

(قس بن ساعده الأيادي) هو أول من قرر قاعدة (على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين)

س: من أول من قرر قاعدة (على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين)؟

جـ: هو (قس بن ساعده الأيادي) أحد حكام العرب قبل الإسلام فجاء الإسلام مؤيداً لها.

‌وسائل الإثبات الشرعية هي الإقرار والشهادة واليمين

س: ما هي البينات التي يحكم القاضي الشرعي بموجبها؟

جـ: يحكم القاضي بعدة وسائل للإثبات هي:

1 -

الإقرار وهو سيد الأدلة فمن أقر بشئ حكم القاضي بموجب الإقرار.

2 -

شهادة رجلين. 3 - شهادة رجل وامرأتين. 4 - رجل ويمين المدعي، وتسمى اليمين المتممة للشاهد الواحد.

5 -

يمين المنكر، لأن فجوره على نفسه إذا فجر وليس عليه في الشريعة إلا اليمين.

6 -

يمين الرد وهي التي يتورع المنكر عن اليمين فيردها على المدعى وتسمى يمين الرد.

‌عدم وجوب أداء شهادة من شاهد شخصاً وهو يزني إذا لم يكن ثمَّ شهود غيره

س: أفتونا في حكم من شهد على رجل بأنه ارتكب جريمة الزنا ولم يشهد على ذلك غيره هل يصدق في الشهادة أم لا يصدق؟

جـ: إذا شاهد رجل رجلاً آخر يعمل جريمة الزنا ولم يكن هناك شهود غيره فالشهادة منه لا تقبل شهادته وحده لأن شهادة الزنا لا بد فيها من توفر أربعة شهود عدول فإذا كانوا أقل فشهادتهم لا توجب الحد بل يعدوا قاذفين للرجل أو للمرأة أو لهما معاً لو سمَّاهما أو سمَّى أحدهما بحيث لو طالبا بحدِّه حدَّ القذف لوجب عليه الحدُّ وذلك للأدلة الدالة على ذلك حفظاً للأعراض منها قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}

(1)

.

‌جواز حكم القاضي بموجب إقرار المدعى عليه

س: هل يحكم القاضي الشرعي بموجب إقرار المدعى عليه؟

جـ: إذا كان الشخص المقرُّ بالغاً عاقلاً غير هازل وليس المقربه مستحيلاً عقلاً ولا عادة فيصدَّق في إقراره ويحكم القاضي بموجبه إلا إذا قامت القرنية على أن إقراره هزلاً أو سخرية أو مستحيلاً عقلاً أو عادة فلا يقبل إقراره، مثل أن يقر أنه ضرب أو قتل شخصاً في العاصمة الصينية أو الهندية أو الأمريكية أو الروسية ليلة الأمس في زمن يستحيل عقلاً وصوله إلى المكان المقر فيه بالقتل وهو ليلة يوم الإقرار، وذلك في الزمن الماضي الذي لم يكن العالم يعرف الطائرات ولا غيرها من وسائل المواصلات.

(1)

النور: الآية (4)

ص: 446

‌وجوب إلزام القاضي المدعي باليمين المتممة (إذا طلبها المدعى عليه)

س: ما قولكم من يأمر باليمين المتممة على المدعي هل القاضي أم المدعى عليه هو الذي يطلبها؟

جـ: المدعى عليه يطلبها والقاضي يلزم بها.

‌عدم جواز عمل القاضي الشرعي باعترافات متهم تحت التعذيب أو الإكراه

س: هل يحكم القاضي الشرعي باعترافات من صدرت منه اعترافات نتيجة إرهابه أو تعذيبه أو أنها اعترافات غير صحيحة أفيدونا مأجورين؟

جـ: تعذيب المتهم قبل إدانته لكي يعترف لا يجوز شرعاً وإذا اعترف مكرهاً فاعترافه لا يكون في نظر الشريعة الإسلامية إقراراً شرعياً يحكم القاضي الشرعي على المتهم بموجبة.

‌جواز الاكتفاء بالإقرار مرة واحدة

س: هل يشترط أن يكون الإقرار عدة مرات أم يكتفي بمرة واحدة؟

جـ: قال الشوكاني: يكتفي بإقرار المقر مرة واحدة خلافاً للحنفية والهادوية.

‌تحريم الرجوع عن الإقرار إلا في باب حد الزنا فقط

س: هل يجوز للمُقرُّ أن يرجع عن إقراره؟

جـ: لا يجوز للإنسان أن يرجع عن إقراره ولا يقبل منه الرجوع عن الإقرار إلا في باب حد الزنا فقط، أمافي غير حد الزنا فلا يحق للمقر الرجوع عن إقراره، ولا يقبل منه الرجوع عن إقراره.

‌جواز قبول اليمين من الرجل الصالح والفاسق

س: هل اليمين تقبل من الرجل الصالح الورع فقط أم تقبل من كل رجل حتى ولو كان فاجراً؟

جـ: تقبل اليمين من الرجل الصالح الفاضل ومن الرجل الفاسق الفاجرلأن إثم فجوره على نفسه.

‌قبول شهادة من يقرر قوله أو فعله مهما كان عدلاً متديناً

س: هل تقبل شهادة من يقرر قوله أو فعله؟

جـ: عند علماء المذهب الهادوي، لا تقبل شهادته لأنه مقرر لفعله وعند مجموعة من العلماء ومنهم الشوكاني أنه إذا كان الشخص متديناً فتقبل شهادته مهما كان عدلاً متديناً غير مضنة الكذب.

‌تحريم شهادة الزور لأنها من أكبر الكبائر

س: ما حكم شهادة الزور؟

جـ: هي من أكبر الكبائر جاء في صحيحي البخاري ومسلم (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)

(1)

وهذا دليل صحيح صريح على تحريم شهادة الزور وأنها من أكبر كبائر الذنوب.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب ما قيل في شهادة الزور. حديث رقم (2460) بلفظ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ).

أخرجه مسلم في الغيمان، والترمذي في البر والصلة، والشهادات، وتفسير القرآن، وأحمد في مسند البصريين.

أطراف الحديث: الأدب، الاستئذان، استتابة المرتدين.

معاني الألفاظ: الزور: الكذب والباطل.

ص: 447

س: ما هو حكم الإسلام فيمن يقدم ويتجرأ على شهادة الزور أكثر من مرة، أفيدونا جزاكم الله خير؟

جـ: المسلم الذي يشهد الزور فاسق عاصٍ لله مرتكب لكبيرة من أكبر الكبائر ومن أعظم الذنوب وقد قرنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإشراك بالله كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ).

‌إذا عجز المدعى عن إقامة البينة على دعواه فليس له إلا يمين المدعى عليه وإن كان فاسقاً

س: هل يقبل يمين المدعى عليه وإن كان فاسقاً فاجراً؟

جـ: إذا لم يستطع المدعى أن يبرهن على دعواه فليس له إلا يمين المدعى عليه وإن كان فاسقاً.

‌جواز قبول المدعى يمين الرد بموجب تراضٍ بين المدعى والمدعى عليه

س: هل تجب على المدعى يمين الرد؟

جـ: لا تجب على المدعى يمين الرد إذا طلب المنكر يمين المدعى وليس للقاضي إلزامه بيمين الرد ولكن إذا رضي المدعى أن يحلف ورضي بيمينه المدعى عليه فيجوز بموجب تراضيهما على إرجاع اليمين على المدعى إذا كان المدعى عليه متورعاً تقياً.

‌في حالة تعارض البينتان ولم يوجد مرجح بينهما يقسم المدعى بينهما نصفين

س: ما العمل إذا تعارضت البينتان ولم يوجد مرجح لأحدهما؟

جـ: إذا تعارضت البينتان ولم يوجد مرجح بينهما قُسِّم المدعى بينهما نصفين.

س: هل تقبل البينة بعد أخذ اليمين؟

جـ: هذه مسألة خلافية بين العلماء فذهب جماعة منهم إلى أنه لا تقبل البينة بعد أخذ اليمين لحديث (شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ)

(1)

حيث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يجمع بين اليمين والبينة وإنما خيره بين البينة أو قبول اليمين، وذهب جماعة من العلماء منهم الهادوية إلى جواز قبول البينة بعد اليمين، وقالوا: بأن البينة العادلة خير من اليمين الفاجرة.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الرهن: باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه فالبينة على المدعي. حديث رقم (2516) بلفظ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا فَقَرَأَ إِلَى عَذَابٌ أَلِيمٌ، ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ فَحَدَّثْنَاهُ قَالَ فَقَالَ صَدَقَ لَفِيَّ وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، قُلْتُ: إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآية إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا إِلَى وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البيوع، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: المساقاة، الخصومات.

ص: 448

‌أراء العلماء في جواز أن يحكم القاضي الشرعي بعلمه

س: هل يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه حتى ولو لم يستطع المدعى أن يقيم البينة على دعواه؟

جـ: هذه مسألة خلافية، مذهب الهادوية أن للقاضي أن يحكم بعلمه لأن القاضي يجوز له أن يحكم بشهادة الشاهدين والشهادة لا تفيد إلا غلبة الظن ولا تفيد اليقين مع أن علمه يفيده اليقين وهذا هو ما رجحه شيخ الإسلام الشوكاني، فبالأولى والأحرى أن يحكم بعلمه الذي يفيد اليقين، وقال بعض العلماء: لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه وهذا المذهب هو الذي اختارته وزارة العدل في الجمهورية اليمنية والمحكمة العليا لأن الناس قد كثرت شكاواهم من القضاة مع أن القضاة يحكمون بموجب البينات الشرعية فكيف إذا حكم القاضي الشرعي بعلمه ولم يستند في حكمه إلى إثباتات وبينات شرعية تقرأ في المحكمة بوجود الطرفين.

‌جواز الحكم بموجب نكول المدعى عليه عن اليمين

س: هل يجوز للقاضي الحكم على المدعى عليه بنكوله عن اليمين؟

جـ: الظاهرأن للقاضي أن يحكم بموجب نكول المدعى عليه عن اليمين لأنه لو لم يكن لديه حق لمضي في اليمين.

‌اشتراط عدالة الشهود في قبول الشهادة للحكم بموجبها

س: هل تشترط عدالة الشهود؟

جـ: نعم، تشترط عدالة الشهود لقوله تعالى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}

(1)

‌لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا صاحب حقد أو عداوة ولا قريب لقريبه

س: من هم الذين لا تقبل شهادتهم؟

جـ: لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا تقبل شهادة ذي غمر أي صاحب حقد أو ضنين أي متهم بينه وبين المشهود عليه عداوة كما لا تقبل شهادة القريب لقريبه، ولا شهادة العبد لسيده ولا تقبل شهادة القاذف لقوله تعالى {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}

(2)

ولا تقبل شهادة بدوي على صاحب مصر أو مدينة والغالب أنه إن كان البدوي عدلاً تقبل شهادته وإن كان غيرعدل فلا تقبل شهادته.

‌أشرطة الفيديو لا تعتبر من البينات وإنما تعتبر من القرائن فقط

س: هل أشرطة الفيديو تعتبر من البينة حيث تسجل على المدعى عليه صورة وصوتاً؟

جـ: أشرطة الفيديو تعتبر من القرائن فقط لأنَّ بعض الناس الذين لهم خبره يستطيعون أن يزوروا ويدخلوا صورة في صورة ويداخلوا بين الصور، وهناك من يستطيع أن يقلد الصوت وهناك مصورون يستطيعون أن يداخلوا بين الصور فمثلاً يأخذون صورة لرجل وهو يضحك ويأخذون صورة لامرأة وهي تضحك وكل من الرجل والمرأة يضحك في موقف منفرد بعيداً عن الآخر ويستطيع المصور أن يداخل الصورتين ويظهر هما وكأنهما يضحكان في موقف واحد وأمام بعضهما وأن كلا منهما يغازل الآخر، وقد وقع مثل هذا التداخل للصور للشيخ العلامة (محمد عبده المصري) وأُدعى عليه بأنه يغازل بعض البنات وأثبت محاميه أمام القضاء إمكانية التزوير وتداخل الصور

(1)

- الطلاق: آية (2).

(2)

النور: آية (4).

ص: 449

وبناءً عليه فأشرطة الفيديو لا تفيد غلبة الظن وإنما تفيد القرينة فقط.

س: فقدت نقود على رجل وذهب إلى المشعوذ والذي يعرف بـ (المبشع) فأفاده بأن النقود أخذتها بنت جاره وحدث أن هذه البنت كانت غير موجودة فذهب إلى مشعوذ آخر فقال إن هذه النقود أخذها رجل وامرأة ولا يوجد في بيته إلا رجل هو ابنه وزوجته وثبت أنهما بريئان وبعد مدة وجد نقوده تحت فراشه وفي بيته دون أن يرشده المشعوذون إلى ذلك فما هو حكم الإسلام في الشعوذة والمشعوذين؟

جـ: اعلم بأن هذه الشعوذة لا أصل لها في الدين الإسلامي ولا دليل عليها من الأدلة الشرعية التي هي المصدر الرئيسي للتشريع الإسلامي ويحرم على المسلم أن يسئ الظن بمن أخبره المشعوذ أو صاحب المنزل بأنه هو السارق كما لا يجوز للقاضي الشرعي أن يعتمد على ما يخبر به المشعوذ أو صاحب المنزل مالم يجد المتاع المسروق عند السارق أو يقر السارق إقراراً شرعياً بلا إكراه.

‌تحريم العمل أو القضاء بقول (المبشع)

س: لقد سرق علينا ذهب بمبلغ (700. 000 ريال يمني) وقد دلونا على ما يسمى بـ (المبشع) أي الذهاب إلى رجل أو امرأة وهو يدلنا على مكان الذهب، فما قولكم في هذا؟

جـ: هذا الشيء لا عمل عليه شرعا، والشريعة لا بد فيها من شاهدين أو إقرار، وأما (المبشع) فلا عمل على كلامه ولا يعترف به الإسلام.

ص: 450

‌كتاب القضاء

• تحريم طلب القضاء والحرص عليه

• قصة تولي القاضي العلامة شيخ الإسلام (محمد بن علي الشوكاني) للقضاء

• جواز تولي القضاء بقصد إقامة العدل بين الناس

• فضيلة صاحب الفتاوى لم يتول القضاء في محكمة شرعية

• من شروط القاضي الإجتهاد

• من صفات القاضي العدالة والورع

• تحريم التحاكم عند كافر إذا كان سيخالف أحكام الإسلام

• كراهة تولية الأعمى القضاء

• وجوب التسوية بين المتخاصمين في مجلس القضاء

• وجوب سماع القاضي لكلام وحجج الطرفين

• اختيار وزارة العدل في اليمن أن القاضي لا يجوز له الحكم بعلمه

• إذا أخطأ القاضي في الحكم بعد التحري والإجتهاد فلا إثم عليه

• وجوب تيسير التقاضي وتسهيل دخول المتخاصمين على القاضي

• جواز اتخاذ القاضي أعواناً من الكتاب والحجاب لأداء مهمته

• استحباب عرض القاضي الصلح على المتخاصمين قبل التقاضي

• حكم القاضي ينفذ ظاهراً ولكنه لا يحلل الحرام

• تحريم قضاء القاضي وهو غضبان

• تحريم أخذ القاضي الرشوة

• تحريم الإفتاء بغير علم

• تحريم المحاماة بالباطل وجوازها بالحق

• قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار

• تحريم قبول القاضي للهدايا

ص: 451

كتاب القضاء

‌تحريم طلب القضاء والحرص عليه

س: هل يجوز طلب القضاء؟

جـ: لا يجوز طلب القضاء ولا يجوز تولية من يحرص على القضاء لأنه لم يحرص عليه إلا لكونه يريد أن ينهب الناس أو يحقد على الناس ويضرهم بولايته، ومن يطلب القضاء أو يحرص عليه يجب على الوالي لأمور المسلمين (الرئيس أو الملك أو السلطان) أن لا يوليه القضاء لحديث (إِنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَأَلَهُ، وَلَا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ)

(1)

.

قصة تولي القاضي العلامة شيخ الإسلام (محمد بن علي الشوكاني) للقضاء

س: هل طلب القاضي (محمد بن علي الشوكاني) القضاء؟

جـ: لم يطلب القاضي العلامة شيخ الإسلام (محمد بن علي الشوكاني) القضاء ولكنه طُلب منه تولي القضاء بعد أن مات القاضي العلامة (يحيى بن صالح السحوَلي) الذي كان يتولى منصب قاضي القضاة في اليمن فأرسل الإمام

(2)

الذي كان يتولى اليمن للقاضي الشوكاني أن يُولَّى منصب قاضي قضاة اليمن فرفض ثم أشار عليه العلماء بأن يتولى القضاء لكي لا يتولاه من لا يحسن القضاء ويتضرر منه الناس وبقي متردداً نحو أسبوع يستخير الله تعالى ويستشير ثم اشترط على الإمام شروطاً لقبوله منصب قاضي قضاة اليمن فقبلها الإمام وهي:

1 -

أنه يعطى الصلاحية للحكم على أقرباء الإمام وأبنائه ووزرائه وقادته فقال له الإمام المتولي في تلك الفترة لك الحق أن تحكم على من فوق سريري هذا.

2 -

أنه يحبس المتمرد من المتقاضين ويطلقهم ولا أحد يتدخل في حبسهم ولا إطلاقهم وله حق أن يطلق من حبسه وزيره إذا كانت شرعية قضائية.

3 -

أن تعطي الدولة القضاة مرتبات كافية لكي يحكموا بين الناس ولا يأخذوا منهم رشوة.

ولما قبل الإمام شروطه قبل القضاء وقال للإمام لك عليّ أن لا أضع حجراً على حجر أي أنه لا يثرى من القضاء ويعمر له البيوت والعمارات ولا يستفيد منه شيئاً لأنه كان مقصده إقامة العدل والحكم بالشريعة بين الناس، والجدير بالذكر أنه تولى القضاء مدة إحدى وأربعين عاماً وظل في القضاء منذ تولّى القضاء حتى توفاه الله تعالى.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الأحكام: باب ما يكره من الحرص على الإمارة. حديث رقم (6616) بلفظ (عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أَمِّرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَهُ، فَقَالَ: إِنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَأَلَهُ، وَلَا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ).

أخرجه النسائي في الطهارة، آداب القضاة، وأبو داود في الخراج والإمارة والفيء، الأقضية، الحدود، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: الإجارة، استتابة المرتدين، الأحكام.

(2)

-وهو المنصور علي بن المهدي عباس.

ص: 452

‌جواز تولي القضاء بقصد إقامة العدل بين الناس

س: ما حكم من يطلب القضاء في وقتنا الحاضر؟ ومن يطالب بالانضمام إلى جماعة إسلامية؟

جـ: من سيطلب القضاء أو الإمارة ليعدل بين الناس فلا بأس فعدله بين الناس سيغطي إثم طلبه للقضاء، أمَّا من يطلب الانضمام إلى جماعة إسلامية ليعلم الناس ويعظهم فلا كلام في مشروعيته وهو مشروع.

س: ما معنى (نعمت المرضعة وبئست الفاطمة)؟

جـ: نعمت المرضعة، هي الدنيا عند إقبالها بالولاية والسلطة حينما يتجمهر حوله الناس ويسمعون له ويطيعون.

وبئست الفاطمة، حينما يعزل من القضاء أو الولاية ولا يتبعه أحد ولا يتجمهر حوله الناس فهو مثلما يفطمون الطفل.

س: فضيلة الشيخ ما رأيك ورأي الشرع فيمن يطلب القضاء لإصلاحه والعمل على استقلاله عن الحكام؟

جـ: إذا كان الشخص سيطلب القضاء لأجل أن يخفف من ظلم القضاة ولأجل ألاَّ يتولى المنصب هذا رجل عاجز أو مرتشي أو ظالم فلا مانع من ذلك، وهذه هي الحجة التي أقنعوا بها الشوكاني وقالوا له إذا لم تكن أنت قاضي القضاة فسيتولى هذا المنصب رجل جاهل أو ظالم.

‌فضيلة صاحب الفتاوى لم يتول القضاء في محكمة شرعية

س: فضيلة الشيخ هل توليتم القضاء؟

جـ: بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عينوني قاضياً (الحاكم الأول بصنعاء) ولكني رفضت ولا أستطيع القضاء وأنا عارف بنفسي لأني لم أتول القضاء لا في الملكية ولا في الجمهورية ففي أيام الملكية كنت عضواً في المقام أي عند نائب الإمام أو ولي العهد أجيب عن بعض الشكاوى أو حل بعض القضايا الشرعية، أما قاض في محكمة فلم أتول القضاء أبداً.

‌من شروط القاضي الإجتهاد

س: ما يشترط في القاضي؟

جـ: عند الشوكاني: يشترط في القاضي أن يكون مجتهداً ولكن هذا الشرط في أيامنا قد صار مستحيلاً لأننا لم نجد القاضي المقلد فضلاً عن القاضي المجتهد لأن بعض القضاة يتولى القضاء وهو غير ملم بالأحكام الشرعية فالمقلدلا يعرف الأحكام الشرعية فيحكم برأيه فربما يكون الحكم مخالفاً للشرع.

‌من صفات القاضي العدالة والورع

س: ما هي صفات القاضي؟

جـ: هي العدالة لأنه يشترط في القاضي أن يكون عادلاً وقد ورد في الحديث أن القاضي العادل يتمنى أنه لم يقض بين اثنين وفي الحديث (مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ)

(1)

وورد حديث (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ

(1)

سنن أبي داوود: كتاب الأقضية: باب في طلب القضاء. حديث رقم (3100) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3571).

أخرجه الترمذي في الأحكام عن رسول الله، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الأقضية.

ص: 453

عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عز وجل وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ، وَأَهْلِيهِمْ، وَمَا وَلُوا)

(1)

وردت أحاديث في تولي القضاء وأحاديث في الترهيب من تولي القضاء، قال العلماء أحاديث الترغيب في من يعرف من نفسه أنه سيعدل بين الناس وأنه عالم بأحكام الشريعة الإسلامية وأحاديث الترهيب في من يتولى القضاء وهو لم يعرف أحكام الشريعة الإسلامية أو يعرف من نفسه أنه ضعيف وأنه يمكن أن يميل أو يجامل في القضاء بين المتخاصمين ولذا ورد في الحديث (الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ، قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لَا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ)

(2)

.

‌تحريم التحاكم عند كافر إذا كان سيخالف أحكام الإسلام

س: ما قولكم في رجل يعيش في بلاد الكفار ثم صار بينه وبين آخر مشكلة، فهل له أن يتحاكم في محاكم الكفار إذا ظن العدل من القاضي؟

جـ: إذا كان الكافر في حكمه سيخالف أحكام الإسلام فلا يجوز.

‌كراهة تولية الأعمى القضاء

س: هل يجوز تولية الأعمى القضاء؟ وهل له دليل من الكتاب أو السنة أو الأجماع أو القياس؟

جـ: ذهب جماعة من العلماء إلى الجواز وذهب آخرون إلى عدم الجواز وعندي المسألة إذا كانت مما يضطر القاضي فيها الى النظر لا يجوز أن يكون قاضيا فيها، وإذا كانت من المسائل التي لا يضطر القاضي فيها الى النظر يجوز له النظر فيها ويحكم بما يتوجه لديه شرعا.

‌وجوب التسوية بين المتخاصمين في مجلس القضاء

س: هل يجب على القاضي أن يساوي بين المتخاصمين في مجلس القضاء؟

جـ: نعم يجب على القاضي أن يساوي بين الغريمين في مجلس القضاء اللهم إلا إذا كان أحد المتخاصمين كافراً فلا يجب على القاضي التسوية بينهما وقد تقاضي على بن أبي طالب رضي الله عنه مع يهودي

(3)

عند القاضي

(1)

صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر. حديث رقم (3406) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عز وجل وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ، وَأَهْلِيهِمْ، وَمَا وَلُوا).

أخرجه النسائي في آداب القضاة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

معاني الألفاظ: المقسط: العادل.

(2)

سنن الترمذي: كتاب الأحكام: باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاضي. حديث رقم (1244) بلفظ (عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ، قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لَا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3573).

أخرجه أبو داود في الأقضية، وابن ماجة في الأحكام.

(3)

سنن البيهقي: بلفظ: عن جابر عن الشعبي قال: (خرج علي بن أبي طالب إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعا قال فعرف علي الدرع فقال هذه درعي بيني وبينك قاضي المسلمين قال وكان قاضي المسلمين شريح كان علي استقضاه قال فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس القضاء وأجلس عليا في مجلسه وجلس شريح قدامه إلى جنب النصراني فقال له علي أما يا شريح لو كان خصمي مسلما لقعدت معه مجلس الخصم ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصافحوهم ولا تبدؤوهم بالسلام ولا تعودوا مرضاهم ولا تصلوا عليهم ولجوهم إلى مضايق الطرق وصغروهم كما صغرهم الله اقض بيني وبينه يا شريح فقال شريح تقول يا أمير المؤمنين قال فقال علي هذه درعي ذهبت مني منذ زمان قال فقال شريح ما تقول يا نصراني قال فقال النصراني ما أكذب أمير المؤمنين الدرع هي درعي قال فقال شريح ما أرى أن تخرج من يده فهل من بينة فقال علي رضي الله عنه صدق شريح قال فقال النصراني أما أنا أشهد أن هذه أحكام الأنبياء أمير المؤمنين يجيء إلى قضيه وقاضيه يقضي عليه هي والله يا أمير المؤمنين درعك اتبعتك من الجيش وقد زالت عن جملك الأورق فأخذتها فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قال فقال علي رضي الله عنه إمام إذا أسلمت فهي لك وحمله على فرس عتيق قال فقال الشعبي لقد رأيته يقاتل المشركين هذا لفظ حديث أبي زكريا وفي رواية بن عبدان قال يا شريح لولا أن خصمي نصراني لجثيت بين يديك وقال في آخره قال فوهبها علي رضي الله عنه له وفرض له ألفين وأصيب معه يوم صفين).

ص: 454

(شريح) وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لولا أن غريمي ذمي لجلست بجنبه على السواء.

س: ما صحة رواية أن القاضي شريح ساوى في المجلس بين الإمام (علي بن أبي طالب) واليهودي؟

جـ: هذا الحديث يورده أصحاب السير والتاريخ لكن علماء الحديث يضعفونه والشوكاني يضعفه.

س: الشوكاني قال يجب التسوية في المجلس إلا إذا كان أحد المتخاصمين كافراً، فهل يوجد دليل؟

جـ: نعم، لأنه وردت أحاديث على أنه لا ينبغي أن يُساوي بين الكافر والمسلم ليس للكافر ولاية على المسلم أو مساواة ووردت أحاديث في غير باب القضاء وأن المسلم لا يقول للكافر السلام عليكم ولا يقول وعليكم السلام وهوبلفظ (إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ)

(1)

وأن نضايق أهل الكتاب في الطريق بلفظ (لَاتَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ)

(2)

وأنهم إذا أتوا بجزية يأتوا بها وهم صاغرون في قوله تعالى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

(3)

.

‌وجوب سماع القاضي لكلام وحجج الطرفين

س: هل يجب على القاضي أن يسمع الطرفين أم يكتفي بسماع أحدهما؟

جـ: نعم، يجب أن يسمع لكل واحد منهما حتى يتم كلامه يسمع كلام المدعى حتى ينتهي من كلامه ويطلب من المدعى عليه أن يرد على الدعوى ويطلب من المدعي البينة فإن لم يستطع طلب من المنكر اليمين وتنتهي القضية، فالشريعة سهلة ميسرة ولكن عقَّدتها التعليمات وكان القضاء أيام الخلفاء الراشدين يسمع القاضي للدعوى والبينات في موقف واحد وتنتهي القضية كان القضاء كالاستفتاء تماماً في اليسر والسهولة، وكان لعمر بن الخطاب صاحب ينظِم دخول المتقاضين إليه.

‌اختيار وزارة العدل في اليمن أن القاضي لا يجوز له الحكم بعلمه

س: إذا جاء خصمان إلى القاضي يتخاصمان في قضية وكان القاضي يعلم القضية من قبل أن يتولى القضاء

(1)

صحيح البخاري: كتاب الإستئذان: باب كيف الرد على أهل الذمة في الإسلام. حديث رقم (5903) بلفظ (حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ).

أخرجه مسلم في السلام، والترمذي في تفسير القرآن عن رسول الله، وأبو داود في الأدب، وابن ماجة في الأدب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: استتابة المرتدين.

(2)

سنن أبي داوود: كتاب الأدب: باب في السلام على أهل الذمة. حديث رقم (5205) بلفظ (عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي إِلَى الشَّامِ فَجَعَلُوا يَمُرُّونَ بِصَوَامِعَ فِيهَا نَصَارَى فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ أَبِي: لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ) صححه الألباني في سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي الاستئذان والآداب عن رسول الله.

معاني الألفاظ: الصومعة: مكان ينقطع فيه الرهبان للعبادة.

(3)

التوبة: آية (119).

ص: 455

ولكن الخصم الثاني استطاع أن يقيم الحجة والبينة على دعواه، فهل للحاكم أن يحكم بناءً على الظاهر ويحكم بموجب أدلة الخصم وبينته أم يحكم بموجب علمه وإن خالف الأدلة والبينات التي أوردها المتقاضي الثاني؟

جـ: هذه مسألة مشهورة وهي هل للقاضي أن يحكم بعلمه أم لا يحق للقاضي أن يحكم بعلمه، قال الشوكاني والمهدي: يحكم بعلمه، وقال علماء آخرون وهو اختيار وزارة العدل في الجمهورية اليمنية أن القاضي الشرعي لا يحق له أن يحكم بعلمه، ولكن إذا كان القاضي يعلم بقضية من القضايا فالأولى أن الدعوى ترفع في محكمة شرعية أخرى ويدعي القاضي الشرعي للإدلاء بشهادته أمام المحكمة الأخرى التي رُفِعت الدعوى أمامها.

س: هل يجوز للقاضي الشرعي أن يقيم حد جريمة الزنا على من يعلم بأنه يقترف جريمة الزنا وهو لم يعترف؟

جـ: لا يقيم الحد بل لا بدَّ من البينة، والقاضي يكون شاهداً مع غيره أمام محكمة أخرى، وقال (علي بن أبي طالب) لأن أخطئ في العفو خير من أخطئ في الحبس.

س: ما معنى قول الفقهاء ولا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي؟

جـ: معنى هذا أنه لا يقبل أن يكتب قاضي صنعاء إلى قاضي الحديدة بل لا بد من حضور الشهود إلى قاضي الحديدة، ولا يقبل كلام قاضي صنعاء بأن الشهود شهدوا لديه دون حضور الشهود لدى قاضي الحديدة.

‌إذا أخطأ القاضي في الحكم بعد التحري والإجتهاد فلا إثم عليه

س: إذا حكم القاضي فأخطأ غير متعمد فهل يأثم؟

جـ: هو معذور لحديث (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)

(1)

لأنه غير متحيز وقد بذل وسعه وجهده في الوصول إلى معرفة الحق.

‌وجوب تيسير التقاضي وتسهيل دخول المتخاصمين على القاضي

س: هل يجب على القاضي أن ييسر التقاضي؟

جـ: نعم، يجب على القاضي الشرعي أن ييسر التقاضي ويسهل دخول المتخاصمين عليه ويجب عليه أن يتفرغ في أوقات معينه للقضاء يأتي إليه المتقاضين ولا ينبغي للمتقاضين أن يشغلوا القاضي ويحرجوه بحيث يأتون إليه في كل الأوقات في الصباح وبعد العصر والمساء لأنه يحتاج إلى أوقات للجلوس مع أهله وأوقات للمطالعة وأوقات لكذا ولكن يحدد للمتقاضين وقتاً معيناً يأتون إليه فيه فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الاحتجاب بلفظ (مَا مِنْ إمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوي الْحَاجَةِ والخَلَّةِ وَالمَسْكَنَةِإلاَّ أغْلَقَ الله أبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ، فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائجِ النَّاسِ)

(2)

.

(1)

ـ صحيح البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ. حديث رقم (7352) بلفظ (عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر).

أخرجه مسلم في الأقضية، وأبو داود في الأقضية، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين من الحصابة ومسند الشاميين.

(2)

سنن الترمذي: كتاب الأحكام: باب ما جاء في إمام الرعية. حديث رقم (1332) بلفظ (حدّثني أبُو الْحَسَنِ قَالَ: قالَ عَمْرُو بْنِ مُرّةَ لِمُعَاوِيَةَ،: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: مَا مِنْ إمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوي الْحَاجَةِ والخَلَّةِ وَالمَسْكَنَةِإلاَّ أغْلَقَ الله أبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ، فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائجِ النَّاسِ) صححه الألباني في صحيح في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه مسند الشاميين.

معاني الألفاظ: الخلة: الحاجة والفقر.

ص: 456

‌جواز اتخاذ القاضي أعواناً من الكتاب والحجاب لأداء مهمته

س: هل يجوز للقاضي أن يكون له أعوان يعاونونه؟

جـ: يجوز للقاضي الشرعي أن يكون له أعوان من الكتاب والحجاب يعاونونه لأداء مهمته.

‌استحباب عرض القاضي الصلح على المتخاصمين قبل التقاضي

س: هل يجوز أو يندب للقاضي الشرعي أن يندب المتخاصمين للصلح؟

جـ: يندب للقاضي أن يرشد المتخاصمين إلى الاستيضاع والصلح قبل التقاضي لحديث (أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ)

(1)

وحديث (يَا كَعْبُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيْ الشَّطْرَ، قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ)

(2)

..

‌حكم القاضي ينفذ ظاهراً ولكنه لا يحلل الحرام

س: هل ينفذ حكم القاضي ظاهراً أو باطناً؟

جـ: حكم القاضي ينفذ ظاهراً فقط لأن حكم القاضي على الظاهر مما ورد إليه من الدعوى والبينات فمن ادعى حق غيره وحكم له القاضي وهو يعلم أنه لا يستحقه فحكم القاضي لا يحلل الحرام ولكنه ينفذ أمام القضاء والشرطة والنيابة وغيرها، أما فيما بين العبد وربه فهو حرام لحديث (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذْهَا)

(3)

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأحكام: باب فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. حديث رقم (2360) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِلزُّبَيْرِ أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).

أخرجه مسلم في الفضائل، والترمذي في الأحكام، والنسائي في آداب القضاة، وأبو داود في الأقضية، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث: المساقاة، الصلح.

معاني الألفاظ:

شريجـ: مسيل ماء.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الخصومات: باب كلام الخصوم بعضهم في بعض. حديث رقم (2418) بلفظ (عنْ كَعْبٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى يَا كَعْبُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيْ الشَّطْرَ، قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ).

أخرجه مسلم في الفضائل، والترمذي في الأحكام، والنسائي في آداب القضاة، وأبو داود في الأقضية، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ:

سجف: الستر.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الحيل: باب إذا غصب جارية فزعم انها ماتت. حديث رقم (6967) بلفظ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذْهَا).

أخرجه مسلم في الأقضية، والنسائي في آداب القضاة، وأبو داود في الأقضية، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية.

أطراف الحديث: المظالم والغصب، والحيل.

معاني الألفاظ: ألحن: أفصح ببيان حجته.

ص: 457

فحكم القاضي هو في الظاهر، أما فيما بينه وبين الله فهو حرام ويجب عليه التحلل منه.

س: هل قول: (الشريعة على الظاهر والله يتولى السرائر) حديث صحيح؟

جـ: هذا ليس بحديث لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف وإنما هو قاعدة فقهية.

س: نحن طلاب علم فهل يمكننا أن نصرف الناس عن المحاكم لنصالح بينهم؟

جـ: إذا كان الناس يحبونكم فسيأتون إليكم من ذوات أنفسهم بغير أن تثبطوهم عن المحاكم، هذا إذا كنتم حسني السيرة والسلوك والقاضي (أحمد بن محمد بن علي الشوكاني) تولى القضاء من دون أن يكون هناك دولة، فكان يأتي إليه المتخاصمون من (بني مطر، وخولان) وغيرها، ولشدة هيبته عند الناس قال أحد الدواشين (المداحين) يا (قاضي من عند الله) أي أنك تستمد سلطتك من عند الله وحكمك ينفذ باقتناع لا بتولية الدولة لك.

‌تحريم قضاء القاضي وهو غضبان

س: هل يجوز للقاضي أن يقضي وهو غضبان؟

جـ: قال العلماء لا يجوز للقاضي أن يقضي وهو غضبان لحديث (لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ)

(1)

وقال العلماء يلحق بالغضب الجوع والعطش أو تشويش الفكر بأيِّ شيء فلا يجوز للقاضي أن يقضي وهو مشوش الفكر مشغول البال بأيِّ شيء.

س: إذا قضى القاضي وهو غضبان فما حكم حكمه في هذه الحالة؟

جـ: إذا كان حكمه في حالة الغضب أو تشويش الفكر موافقاً للحق فينفذ وإن لم يكن موافقاً للحق فلا ينفذ، وقد حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة وهو غضبان في قصة الأنصارى والزبير بن العوام في شأن سقى الماء، فقال الأنصارى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حكمت للزبير لأنه ابن عمتك فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال:(اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ) أيْ حتى تستغني، ولكن لا يستدل بهذا الحديث على جواز حكم القاضي وهو غضبان لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معصوم من الخطأ.

‌تحريم أخذ القاضي الرشوة

س: هل يجوز للقاضي أن يأخذ الرشوة؟

جـ: لا يجوز للقاضي أخذ الرشوة لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(1)

صحيح البخاري: كتاب الأحكام: باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان. حديث رقم (6739) بلفظ (سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى ابْنِهِ وَكَانَ بِسِجِسْتَانَ بِأَنْ لَا تَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ).

أخرجه مسلم في الأقضية، والترمذي في الأحكام عن رسول الله، والنسائي في آداب القضاة، وأبو داود في الأقضية، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في أول مسند البصريين.

ص: 458

وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ)

(1)

واللعن: هو الطرد من رحمة الله وكأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (اللهم اطرد الراشي والمرتشي من رحمتك) واللعن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الفعل دليل التحريم.

س: هل يجوز للإنسان أن يتعامل بالرشوة إذا كان له معاملة ضرورية وهو يعلم أن حقه لن يخرج إلا إذا دفع فلوساً رشوة؟

جـ: إذا كان الدفع لاستخراج حقه وهو يعلم قطعاً أنه يستخرج حقه ولا يخرج حقه إلابدفع الرشوة ففي هذه الحالة يجوز، وإن كان يدفع الرشوة للحاكم لكي يتساهل في أخذ بينات الخصم الثاني فهي حرام.

س: إذا كان لا يمكن الحصول على الحق إلا بالرشوة لفساد الموظف فهل يجوز دفع رشوة علما أنه إذا أمتنعتُ عنها خسرت حقي وتضررت، فما حكم الشرع في ذلك؟

جـ: إذا كنت تعلم أن الحق معك والحاكم قد عرف الحق ولكن يظهر أنه لن يخرج الحكم إلا بفلوس فهل يجوز لك أن تسلم فلوساً لاستخراج الحق الذي لك أم لا؟ قال بعض العلماء: لا مانع من ذلك ويكون الظالم هو الحاكم وهو الآثم، وأما أنت فليس عليك شئ لأنك تريد استخراج حقك وأنت في هذه الحالة مضطر.

س: إذا لم يتمكن الإنسان من الحصول على استخراج حقه إلا بالرشوة فهل يُلعن مع الملعونين؟ مع أنه يعطيها وهو كاره؟

جـ: إذا كان مضطراً لدفع الرشوة لاستخراج حق شرعي له ولا يمكن خروجه إلا بالرشوة ففي هذه الحالة يجوز له إعطاء الرشوة والإثم على الحاكم المرتشي، وإن كان يريد بالرشوة شيئاً ليس له فيه حق فلا يجوز إعطاء الرشوة وهي حرام على الراشي والمرتشي لحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ).

‌قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار

س: ما مدى صحة هذا الحديث الذي يقول (القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار).

جـ: حديث (الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ، قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لَا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ)

(2)

فالقاضي الذي في الجنة هو الذي عرف الحق وحكم به، والقاضيان اللذان في النار هما القاضي الذي عرف الحق ولم يحكم به، أو القاضي الذي يحكم في القضية وهو لا يعرف الحق من الباطل.

‌تحريم قبول القاضي للهدايا

س: ما حكم الهدايا التي تقدم للقضاة؟

جـ: الهدايا التي تقدم للقاضي أو الرشوة فهي حرام لحديث (اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا

(1)

سنن الترمذي: كتاب الأحكام: باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم. حديث رقم (1336) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1336).

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما برقم (1244).

ص: 459

لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلَّا، جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ، لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، أَلَا، هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا؟)

(1)

وحديث (هَدَايَا الأُمَرَاءِ غُلُولٌ)

(2)

وقبول الرشوة لحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) فالهدية التي تهدى إليه لكونه قاضياً هي حرام إلا من كان للقاضي به صلة أو علاقة وكانت العادة بينهما تبادل الهدايا فيجوز للقاضي قبولها، والهدايا التي تهدى للقاضي لكونه قاضياً نوع من الرشوة.

س: هل يجوز للقاضي أخذ الهدايا؟ وهل تحرم عليه في مكان القضاء فقط؟

جـ: لا يجوز للقاضي إذا قد تولى القضاء أن يأخذ الهدايا لأنه لم يهد له إلا ليحكم للمهدي، ولا يجوز له أن يأخذ من أهل القرية أو المديرية أو المحافظة أو الجهة التي هو متول عليها.

س: كثير من القضاة في عصرنا تكثر لهم الهدايا من المواطنين فلو شاركهم آخرون في هذه الهدايا إذا كانت مما يؤكل فهل المشارك آثم؟

جـ: إذا كنت عارفاً أن هذا الأكل أهدي للقاضي لكونه قاضيا فلا تأكله، وإذا غلب في ضنك أن هذا الأكل مشترى من فلوس القاضي فكل أو أهدي إليه لا لكونه قاضياً بل لكونه صديقاً.

‌تحريم الإفتاء بغير علم

س: ما يكون الحكم على من نصب نفسه للإفتاء وهو ليس بأهل للإفتاء وتقع بسبب فتاويه مصائب ومشاكل؟

جـ: لا يجوز للإنسان أن ينصب نفسه للفتوى وهو ليس بأهل لها لحديث (أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّار)

(3)

ولحديث (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الاحكام: باب هدايا العمال. حديث رقم (7174) بلفظ (أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلَّا، جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ، لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، أَلَا، هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا؟)

أخرجه مسلم في الإمارة، وأبوداود في الخراج والإمارة والفيئ، والدارمي في الزكاة.

أطراف الحديث: الزكاة، الهبة وفضلها والتحريض عليها.

(2)

ـ- مسند أحمد: كتاب باقي مسند الأنصار: باب حديث أبي حميد الساعدي. حديث رقم (22495) بلفظ (عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7021).

أخرجه البخاري في الحيل، ومسلم في الإمارة، وأبوداود في الخراج والإمارة والفيئ، والدارمي في الزكاة.

معاني الألفاظ:

غل: خان، المراد به في هذا الحديث ما يأخذه الموظف العام أو الوالي العام أو القاضي الشرعي من هدايا أو رشاوى من المعاملين الذين لهم معملات لديه، أو من المتقاضين الذين لهم قضية نزاع شرعي لدى قاض من القضاة، والمراد به في الحديث السابق ما يأخذه الوالي العام أو الموظف العام من المال العام الذي تحت ولايته زائدا عما هو مقررله ولأمثاله بحسب القوانين واللوائح التي تحدد المرتبات والأ جور لموظفي الدولة.

(3)

ـ- سنن الدارمي: كتاب المقدمة: باب الفتيا وما فيه من الشدة. حديث رقم (157) بلفظ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ).

انفرد به الدارمي.

ص: 460

يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)

(1)

ولا يجوز للإنسان أن يحلل أو يحرم بغير علم.

‌تحريم المحاماة بالباطل وجوازها بالحق

س: ما حكم جعل محامين للمتهمين عند المحاكمة؟ وهل يعتبر تدخلاً في اختصاص القاضي؟

جـ: توكيل المحامي جائز ولكن بشرط أن المحامي لا يحامي إلا إذا كان لموكله الحق بعد إطلاعه على ما بأيدي موكله من البيِّنات، والمحاماة إن كان القصد منها المدافعة عن المظلومين ونصرة الضعفاء من الأيتام والأرامل والأطفال ونحوهم فهي جائزة، وإن كان المحامي سيدافع عن موكله بحق أو بباطل ويحاول مغالطة الطرف الذي معه الحق وإبطال حقه فهي حرام.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب العلم: باب كيف يقبض العلم. حديث رقم (100) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا).

أخرجه مسلم في العلم، والترمذي في العلم، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، والدارمي في المقدمة.

أطراف الحديث: الاعتصام بالكتاب والسنة.

معاني الألفاظ: الانتزاع: الأخذ بشدة.

القبض: الموت.

ص: 461

‌كتاب الحدود والقصاص

الباب الأول: حد الزنا.

الباب الثاني: حد اللواط.

الباب الثالث: حد السرقة.

الباب الرابع: حد القذف.

الباب الخامس: حد شارب الخمر.

الباب السادس: حد المحارب.

الباب السابع: من يستحق القتل.

الباب الثامن: القصاص.

الباب التاسع: الديات.

الباب العاشر: مسائل متفرقة في الحدود والقصاص والديات

ص: 462

الباب الأول: حد الزنا

• وجوب جلد الزاني الحر مائة جلدة وتغريبه لمدة عام إن كان بكراً

• من ثبت عليه الزنا يقام عليه الحد

• قتل الذمي والمعاهد إذا زنا بمسلمة لمخالفته العهد الذي بينه وبين المسلمين

• جواز استبدال النفي بالسجن لمصلحة

• ثبوت حكم رجم الزاني المحصن في الشريعة الإسلامية

• اشتراط التلفظ بصريح العبارة في الإقرار بالزنا

• جوازنصح الزاني بالتستروالتوبة قبل بلوغ الخبر إلى المحكمة الشرعية

• جواز الرجوع عن الإقرار في باب الزنا

• سقوط حد الزنا بالرجوع عن الإقرار بالزنا

(قصة سلطان مصر (قانصوه الغوري)

• سقوط حد الزنا عن المرأه إذا توفرت قرائن الإكراه

• تعزير من لم يصرح بالزنا في إقراره

• استحباب التأكد من الوقوع في الفاحشة قبل إقامة الحد على الفاعل

• من زنى بأكثر من امرأة فإن كان قد أقر وجلد عن كل مرة وإلا فيجلد مرة واحدة

• لا يقبل كلام المرأه على شخص بالزنا بل تحد حد القذف إذا لم تثبت دعواها على الرجل

• لا يقبل التحليل الطبي في إثبات جريمة الزنا

• وجوب حد الزنا على من وقع على امرأة مجنونة إن أقر أو شهد عليه أربعة شهود

• وجوب شهادة أربعة شهود لإقامة حد الزنا

• كيفية التوبة

• حمل المرأة غير المزوجة دليل على الزنا

• تحريم الشفاعة في الحدود

• مشروعية الحفر للمرجوم

• جلد الرجل ممتداً والمرأة قائمة

• لا يقاصص الجالد بمن مات من إقامة الحد عليه

• إقامة الحدود من اختصاص ولي أمر المسلمين

• وجوب تنصيف حد الجارية إذا زنت

• جواز قتل من أراد اغتصاب زوجة أو إحدى محارم رجل

• جواز إمهال المرأة الحبلى والمريض المأمول الشفاء عن إقامة الحد

ص: 463

• وجوب استبراء رحم من تزوج بامرأة قد زنا بها قبل الزواج بها

• ابن الرجل من الزنا ليس ابناً شرعياً له لأنه من الماء النجس ولا نسب بينهما

• وجوب رجم المرأة المحصنة التي تزني ولو مع صبي

• الإحصان يتحقق بعقد النكاح ووطء المرأه

• وجوب إقامة حد شرب الخمر أولاً ثم حد الزنا ثانياً على من زنا وهو سكران

• قيام حد الزنا على الكافر أو الكافرة إذا ترافعوا أمام القضاء الإسلامي

• وجوب قتل من زنا بإحدى محارمه

• تحريم عفو القاضي عن حد الزنا

• لايقام حد الزنا على من يمارس العادة السرية

• لا يصدق اسم الزنا على من عمل الفاحشة من فوق الثياب

• جماع الخاطب لخطيبته قبل العقد عليها زنا

• لحاق الولد بأمه إذا زنت المرأة وهي غير محصنة

• جواز زواج الزاني بالزانية بشرط عدم وطئها قبل الولادة بالحمل من الزنا

• وجوب الأمر بالمعروف باليد في حال الاستطاعة

• وجوب التكتم والتوبة على من وقع في فاحشة الزنا

• جنتان جزاء من ترك الزنا خوفا من الله تعالى

ص: 464

‌الباب الأول: حد الزنا

‌وجوب جلد الزاني الحر مائة جلدة وتغريبه لمدة عام إن كان بكراً

س: ما حكم الزاني إذا كان حراً؟ وهل يكفي الإقرار بالزنا مرة واحدة؟

جـ: حكم الزاني إن كان بكراً فيجلد مائة جلدة ويغرب لمدة عام، وإن كان ثيباً فيجلد ثم يرجم، قال (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه الذي أمر بجلد ورجم امرأة زنت جلدتها بالقرآن الكريم ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوبلفظ (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ قَدْ رَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

هذا إن كان الزاني حراً فيجمع بين الجلد والرجم في حد الزاني المحصن، أما العبد فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}

(2)

فيجلد الزاني العبد أو الزانية الأمة خمسين جلدة حتى وإن كان ثيباً لأن الرجم لا يتنصف والتغريب هو مذهب الشافعي والشوكاني، ولكن الحنفية والزيدية لا يقولون بالتغريب ويمكن التوسط بأن تحبس المرأة الزانية، وعلماء المذهب الحنفي وعلماء المذهب الزيدي يقولون لا بد من أن يقر الزاني أربع مرات، والجمهور والشوكاني واختيار وزارة العدل أنه يكفي الإقرار بالزنا مرة واحدة فقط لحديث (وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا)

(3)

فاعترفت فرجمها ولم يقل لآنيس إن اعترفت أربع مرات فارجمها وتردد الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة ماعز فكرر الإقرار ليتأكد هل ماعز عارف ما هو الزنا وهل وقع في الزنا فعلاً أم لا وهوبلفظ (لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَنِكْتَهَا لَا يَكْنِي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ)

(4)

.

س: ما هو دليل جلد الزاني قبل الرجم؟

جـ: حديث (علي بن أبي طالب) الذي أمر بجلد امرأة زنت وهي محصنة ثم رجمها، وقال (قَدْ رَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقد قال العلماء أن الصحابي إذا قال من السنة كذا فله حكم الحديث المرفوع، لأن المراد بها سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

‌من ثبت عليه الزنا يقام عليه الحد

س: إذا ثبت زنا العبد بسيدته فما الحكم؟

(1)

ـ صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب رجم المحصن. حديث رقم (6812) بلفظ (عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

(2)

النساء: آية (25).

(3)

صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب الاعتراف بالزنا. حديث رقم (2147) بلفظ (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا).

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود، والنسائي في آداب القضاء، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في مسند الشاميين، ومالك في الحدود، والدارمي في الحدود.

أطراف الحديث: الشهادات، الصلح، الشروط، الأيمان والنذور، الأحكام، أخبار الآحاد، الاعتصام بالكتاب والسنة.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت. حديث رقم (6824) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَنِكْتَهَا لَا يَكْنِي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ).

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود، وأبو داود في الحدود، وأحمد في مسند بني هاشم.

ص: 465

جـ: إذا اعترفت المرأة بالزنا فيقام عليها حد الزنا والعبد يجلده سيده خمسين جلدة.

س: إذا اعترف الزاني أنه زنا قبل ثلاث سنوات أو أكثر وهو مصر على أن يقام عليه الحد فهل يقام عليه الحد؟

جـ: نعم، يقام عليه الحد ما دام وقد وصلت قضيته إلى المحكمة الشرعية.

س: شاب غير محصن اعترف أنه زنى عشر مرات، فما حده؟

جـ: حده أن يجلد ألف جلدة وغاية الأمر أنها توزع على عدة أيام.

س: إذا اعترف أحدهم عند القاضي ولم يكن عند القاضي أحد وأصدر القاضي الحكم ثم أنكر الرجل أنه زنا فهل يقام عليه الحد؟

جـ: إذا أُتى المحتسب بشاهدين وشهدا على إقرار المتهم بالزنا فيجلده القاضي حتى ولو أنكر وبعض العلماء يقولون أنه لا بد من أربعه شهود لأن الشهود على الزنا يستلزم أربعة شهود على الإقرار.

س: هل يقام حد الزنا على امرأة غاب عنها زوجها لمدة سنه ونصف وجاءت بمولود؟

جـ: نعم إذا أقرت أو شهد عليها أربعة شهود، أما الولد فهو للفراش مهما عقد للرجل بالمرأة وأمكن الوطء لحديث (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ)

(1)

.

‌قتل الذمي والمعاهد إذا زنا بمسلمة لمخالفته العهد الذي بينه وبين المسلمين

س: إذا زنى يهودي بامرأة مسلمة فهل يقام عليه الحد؟

جـ: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حد اليهودي الذي زنى باليهودية فبالأولى إذا زنى بالمسلمة وهوبلفظ (أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ)

(2)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الفرائض: باب الولد للفراش حرة كانت أو أمة. حديث رقم (2105) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَالَ ابْنُ أَخِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم احْتَجِبِي مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ).

أخرجه مسلم في الرضاع، والنسائي في الطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، الخصومات، العتق.

معاني الألفاظ:

اختصم: احتكم.

للفراش: لصاحب الفراش وهو الزوج.

العاهر: الزاني.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام. حديث رقم (6841) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ).

أخرجه مسلم في الحدود، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في الحدود، والدارمي في الحدود.

أطراف الحديث: الجنائز، المناقب.

ص: 466

‌جواز استبدال النفي بالسجن لمصلحة

س: هل يجوز للإمام أن يستبدل النفي بالسجن لمصلحة؟

جـ: إذا رأى الإمام استبدال النفي بالسجن لمصلحة لكون المنفي سيفسد في الأرض أكثر أو نحوه فيجوز له الاستبدال وإلا فالمنصوص عليه هو النفي في الأرض وليس للإمام اسبتدال النصوص وإنما له أن يجتهد اجتهاداً مراعاة للمصلحة، ولا يجوز تفسير النفي في آية {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

(1)

بالسجن.

س: هل يصح جلد الإنسان إذا أقر أنه زنى في أبيات من الشعر؟

جـ: نعم، إذا صرح بأنه أدخل الميل في المكحلة.

‌ثبوت حكم رجم الزاني المحصن في الشريعة الإسلامية

س: يقال أن آية الرجم نسخت تلاوتها وبقي حكمها فلماذا نسخت؟

جـ: قد ورد الدليل على أن آية الرجم نسخت تلاوتها وبقي حكمها، وإذا كان قد جاء الدليل فليس علينا أيُّ شيء غير أن نقبل النص ونعمل بموجبه ونفتي على ضوئه، وعلى فرض عدم ورود ما يدل على نسخ التلاوة وبقاء الحكم المذكور فذلك لا يضرنا ولا يدل على عدم مشروعية الرجم للزاني المحصن في الشرع أبداً، وذلك أنه قد ورد حكم الرجم للزاني المحصن في عدة أحاديث صحيحة صريحة تبلغ حد التواتر، وبناءً على ذلك فحكم الرجم في الشريعة الإسلامية ثابت ثبوتاً قطعياً بالأدلة الصحيحة المتواترة، منها حديث على بلفظ (قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)

(2)

وحديث (واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها) وحديث اعتراف ماعز بالزنى بلفظ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمْ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ)

(1)

_ المائدة: (33).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب رجم المحصن. حديث رقم (6814) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيّ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمْ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ).

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود، والنسائي في الجنائز وأبو دود في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الحدود.

أطراف الحديث: الطلاق.

ص: 467

تَعَالَى؟!!)

(1)

، وهي كافية في الدلالة على المطلوب على فرض عدم صحة الحديث الدال على أن هذا الحكم كان قرآناً يتلى ثم نسخ في التلاوة وبقي الحكم ودون تسليم عدم صحة هذا الحديث مفاوز وعقبات.

‌اشتراط التلفظ بصريح العبارة في الإقرار بالزنا

س: هل يكفي الإقرار بالزنا والشهادة على الزنا بأن يكون كناية أم لا بد أن يكون صريحاً؟

جـ: لا بد من التصريح بالزنا في الإقرار بقوله أنا زنيت بها أو نكحتها وكذلك في الشهادة لا بد من التصريح بأنه شاهد العضو في العضو كالميل في المكحلة ولا تكفي الكناية لا في الإقرار ولا في الشهادة على الزنا مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لماعز (أنكتها) قال نعم (نكتها) في هذا دليل على أنه لا بد من اللفظ الصريح بالزنا في الإقرار وفي الشهادة على الزنا.

‌جوازنصح الزاني بالتستروالتوبة قبل بلوغ الخبر إلى المحكمة الشرعية

س: رجل مسن زنى فسأل أحد العلماء فنصحه بالتوبة، فما رأيكم؟

جـ: ينصح الرجل بالستر والتوبة لحديث (مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ)

(2)

.

‌جواز الرجوع عن الإقرار في باب الزنا

س: هل يصح الرجوع عن الإقرار في الزنا أو عن الشهادة في الزنا؟

جـ: يصح الرجوع عن الإقرار في باب الزنا لما ورد في حديث قصة ماعزبلفظ (أن ماعزاً صرخ بهم فقال: يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي، فلم ينزعوا عنه، فلما أخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فهلا تركتموه وجئتموني به)

(3)

وهي صحيحة.

س: إذا زنت امرأة وحملت من الزنا وأقرت بالزنا وفي اليوم الثاني رجعت عن الإقرار فهل يصح رجوعها عن الإقرار؟

(1)

- صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه برقم (4408).

(2)

- موطأ مالك: كتاب الحدود: باب ما جاء في من اعترف على نفسه بالزنا. حديث رقم (1299) بلفظ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ).

انفرد به مالك.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الحدود: باب رجم ماعز بن مالك. حديث رقم (4420) بلفظ (عن حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ، مَنْ شِئْتُمْ مِنْ رِجَالِ أَسْلَمَ مِمَّنْ لَا أَتَّهِمُ قَالَ وَلَمْ أَعْرِفْ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ فَجِئْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَسْلَمَ يُحَدِّثُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُمْ حِينَ ذَكَرُوا لَهُ جَزَعَ مَاعِزٍ مِنْ الْحِجَارَةِ حِينَ أَصَابَتْهُ أَلَّا تَرَكْتُمُوهُ وَمَا أَعْرِفُ الْحَدِيثَ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَ الرَّجُلَ إِنَّا لَمَّا خَرَجْنَا بِهِ فَرَجَمْنَاهُ فَوَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ صَرَخَ بِنَا يَا قَوْمُ رُدُّونِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ قَوْمِي قَتَلُونِي وَغَرُّونِي مِنْ نَفْسِي وَأَخْبَرُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ قَاتِلِي، فَلَمْ نَنْزَعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ فَلَمَّا رَجَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ وَجِئْتُمُونِي بِهِ لِيَسْتَثْبِتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ، فَأَمَّا لِتَرْكِ حَدٍّ فَلَا قَالَ فَعَرَفْتُ وَجْهَ الْحَدِيثِ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ:

الجزع: عدم الصبر.

الغرر: الخداع.

ص: 468

جـ: الرجوع عن الإقرار في باب الزنا جائز.

‌سقوط حد الزنا بالرجوع عن الإقرار بالزنا

س: بماذا يسقط حد الزنا؟ وهل يصح الرجوع عن الإقرار في باب الحدود عموماً وفي باب الزنا على الخصوص؟

جـ: يسقط حد الزنا بالرجوع عن الإقرار بالزنا أو بتكذيب الشهود أنفسهم أو بقيام قرينة تدل على كذب الشهادة أو الإقرار مثل أن تقر المرأة أو يشهد الشهود على الزنا وبعد الكشف توجد المرأة رتقى أو لم تفض بكارتها، فهذا قرينة على أن الإقرار أو الشهادة شهادة زور، وبناءً عليه يسقط عن المرأة حد الزنا، أما الرجوع عن الإقرار بالزنا في باب الزنى فيجوز الرجوع لأن ماعزاً قال يا قوم (ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي، فلم ينزعوا عنه، فلما أخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فهلا تركتموه وجئتموني به) وأما الرجوع عن الإقرار في غير الزنا فلا يجوز ولا يصح الرجوع عن الإقرار في باب القتل أو السرقة أو شرب الخمر أو غيره من الإقرارات.

(قصة سلطان مصر (قانصوه الغوري)

ويذكر المؤرخون أنه وقعت قصة في مصر أيام السلطان (قانصوه الغوري) حيث كانت امرأة لها عاشقان أحدهما تحبه ويحبها والثاني يحبها ولا تحبه وحدث أن دُعي زوجها لحضور وليمة عرس في حي الإمام الشافعي والمرأة أرسلت للرجل العاشق الذي تحبه بأن يأتي إليها والعاشق الثاني علم فبعد أن تأكد أن العاشق الآخر قد دخل عند المرأة عمل خطة لكشفهما متلبسين بالجريمة فجهز سلاليم للصعود إلى سقف البيت وأحضر القاضي والشرطي وذهب إلى حارة الإمام الشافعي لإحضار الزوج وإبلاغه فقال للزوج زوجتك في خلوة مع الرجل العاشق لها فلان فذهب إلى البيت مع هذا الرجل والقاضي والشرطي والنجار الذي سيقلع الباب وصعدوا السلالم ووصلوا إلى باب الغرفة التي فيها العاشق مع المرأة، فرفضت المرأة والرجل العاشق فتح الباب وقلع النجار الباب فاعترف الرجل واعترفت المرأة بالزنا وطلبت من زوجها سترها والعفو عنها على أن تعطيه حليها وكلما معها من الحلي والأموال، وطلب العاشق أن يعفى عنه ويعطي الزوج ما يريد من الأموال فرفض الزوج العفو عنهما وحرر القاضي الشرعي محضراً باعترافهما ثم علم السلطان (قانصوه) بالحادثة وطلب من القاضي الشرعي تحرير الحكم الشرعي لإجراء الحد عليهما وهو الرجم فحرر القاضي الشرعي الحكم بالحد عليهما وصادف أن اليوم الثاني يوم عيد توديع الحجاج في القاهرة فأجل السلطان تنفيذ الحكم إلى ما بعد الاحتفال بعيد سفر الحجاج وصادف أن محامياً أو وكيلاً من وكلاء الشريعة أرشد الزاني والزانية إلى الرجوع عن الإقرار فطلبا الحضور إلى القاضي فأذن لهما فحضرا إلى القاضي الشرعي فطلبا منه أن يكتب محضراً برجوعهما عن الإقرار فكتب على ظهر الحكم رجوعهما عن الإقرار وبعد الاحتفال بعيد سفر الحجاج طلب السلطان (قانصوه) من القاضي الحكم بإقامة الحد عليهما فأعلمه القاضي بأنهما قد رجعا عن الإقرار بالزنا، وأن الحد قد سقط عنهما فقال السلطان (قانصوه) هذا لا يكون بعد أن اعترفا أمام القاضي ووجدتموهما متلبسين في غرفة مغلقة عليهما، فجمع السلطان قضاة مصر من الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية وأحضر معهم الشيخ (زكريا الأنصاري)(وكان عمره تسعين سنة) وهو (آخر تلميذ لابن حجر العسقلاني) فسأل السلطان كل واحد منهم فكان يجيب عليه أنه يصح الرجوع عن الإقرار في الزنا وسأل الشيخ زكريا الأنصاري فقال يصح الرجوع عن الإقرار في الزنا فقال إلى ذمتك يا شيخ زكريا فقال إلى ذمة صاحب الضريح الإمام الشافعي فقال إذا نفذتُ الحد ماذا سيكون، قال أحد القضاة يحد السلطان بهما قصاصاً أو يسلم الدية لأنه يعتبر قتل عمد، فقال اذهبوا عني فقد عزلتكم جميعاً، ثم نصب المشنقة بجوار بيت

ص: 469

القاضي الذي صارح السلطان بالقصاص أو بالدية قال يقص السلطان بهما ونفذ الحد عليهما، هذه القصة يذكرها المؤرخون وهي تذكر كمثال للرجوع عن الإقرار في باب الزنا.

‌سقوط حد الزنا عن المرأه إذا توفرت قرائن الإكراه

س: إذا زنت امرأة وادعت الإكراه، فهل يقام عليها الحد؟

جـ: إذا ادعت المرأة الإكراه فيسقط عليها الحد إذا قامت قرائن على الإكراه؟

تعزير من لم يصرح بالزنا في إقراره

س: إذا أقر شخص أنه ضاجع امرأة ولم يتحقق الميل في المكحلة ولم يقر أن العضو في العضو كالميل في المكحلة، فهل يقام عليه الحد؟

جـ: يعزر تعزيراً فقط.

‌استحباب التأكد من الوقوع في الفاحشة قبل إقامة الحد على الفاعل

س: ما الحكمة من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (أنكتها) كما في حديث ماعز؟

جـ: يعلِّمنا أن نتأكد قبل إقامة الحدود.

س: إذا زنى الشخص المميز الذي هو دون البلوغ فهل يقام عليه الحد؟

جـ: لا يقام الحد إلا على البالغين.

‌من زنى بأكثر من امرأة فإن كان قد أقر وجلد عن كل مرة وإلا فيجلد مرة واحدة

س: ما حكم من زنى بأكثر من امرأة هل يجلد أكثر من مرة؟

جـ: إذا كان الشخص قد زنى وأقر فيجلد على كل مرة وإن لم يقام عليه الحد وأقر بها في وقت واحد فيجلد مرة واحده مثل كفارة اليمين إذا لم يكن قد كفر على كل يمين فيكفر مرة واحدة على الأيمان المتعددة على الشيء الواحد.

س: إذا زنى رجل بامرأة أكثر من مرةٍ فهل يرجم بعدد المجامعة أو يرجم مرة واحدة؟

جـ: يرجم مرة واحده لأنه إقرار واحد.

‌لا يقبل كلام المرأه على شخص بالزنا بل تحد حد القذف إذا لم تثبت دعواها على الرجل

س: هل يقبل كلام المرأة في إقرارها بشخص أنه زنى بها فيقام عليه الحد؟

جـ: إقرار المرأة حجة عليها، أمّا كلامها على الشخص المعين فليس بحجة بل إذا طلب الرجل من المرأة الإثبات عليه وإلا فيطلب إقامة حد القذف عليها فإن لم تستطع أن تثبت عليه فيقام عليها حد القذف أولاً قبل حد الزنا، ثم يقام عليها حد الزنا، وبالمثل لا يقبل كلام الزاني إذا ادعى أنه زنا بفلانة وإذا لم يستطع الإثبات وطالبت بإقامة حد القذف عليه فإنه يحد أولاً حد القذف ثم يحد حد الزنا، لأن الغالب أن المرأة الزانية لا تذكر الرجل الذي زنى بها وإنما تذكر رجلاً صالحاً كان ينهاها عن الفجور، وكذا الرجل الزاني الغالب أنه لا يذكر في إقراره المرأة التي زنى بها وإنما يقذف امرأة عفيفة كانت لا تستجيب لنزواته الحيوانية أو تنهاه عن فجوره.

ص: 470

‌لا يقبل التحليل الطبي في إثبات جريمة الزنا

س: هل يثبت الزنا على المرأة بالتحليل الطبي إذا اتضح أن المني الذي في رحمها من غير منى زوجها؟

جـ: لا يقبل التحليل الطبي في إثبات الزنا فالشريعة لم تقبل الشهود الثلاثة في إقامة حد الزنا فكيف تقبل التحليل الطبي لإثبات جريمة الزنا، وبناءً عليه لا يقبل التحليل الطبي في الشريعة الإسلامية.

س: رجل تزوج بامرأة وهو لا ينجب ثم تزوج بأخرى وأنجبت له ولداً وكشف عليه وهو لا ينجب، فما حكم الولد ولمن ينسب؟

جـ: الشريعة على الظاهر والله يتولى السرائر لحديث (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ)

(1)

.

س: هل تغرب المرأة؟

جـ: بعض العلماء قالوا: لا تغرب المرأة وظاهر الأدلة عدم الفرق بين الرجل والمرأة.

‌وجوب حد الزنا على من وقع على امرأة مجنونة إن أقر أو شهد عليه أربعة شهود

س: يقال بأن رجلاُ اختلى بفتاة مع أنها مختلة في عقلها منذ أن خلقت، فما هو الحكم على الرجل وعلى هذه الفتاة؟

جـ: من دخل على مجنونة لا تعقل شيئاً وعمل معها جريمة أخلاقية فبالنسبة لها فالقلم مرفوع عنها بدليل الحديث الصحيح بأن المجنون مرفوع عنه قلم التكليف وهوبلفظ (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل)

(2)

وحديث (نَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)

(3)

، وبالنسبة للشاب الذي اختلى بها إن صح ما جاء في الاستفتاء فحكمه مثل حكم المكلفين المتهمين بهذه التهمة إن أقر على نفسه بلا إكراه بأنه اختلى بها من دون أن يطأها وإنما عمل معها مقدمات الوطء أو شهد عليه شهود بذلك فيعزر تعزيراً فقط، وإن أقر بأنه وطأها وطئاً شرعياً بلا إكراه ولا إجبار لدى القاضي أجرى عليه الحكم الشرعي بإذن من ولي الأمر بعد تقريره من المحكمة العليا، وكذلك إن شهد عليه أربعة شهود عدول بأنهم رأوا ذلك العضو منه في ذلك العضو منها وإذا لم يكمل نصاب الشهود الأربعة يكون الشهود قاذفين فإذا ادعى عليهم الشاب بأنهم قذفوه وطلب إجراء الحد عليهم فلا مانع له من ذلك، والحاصل لما أجبت به على السؤال بأن الأمر خطير جداً لأن الدين الشريف شدد في التهمة بالزنا تشديداً عظيماً وجعل نصاب

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الفرائض: باب الولد للفراش حرة كانت أو أمة. حديث رقم (2105) بلفظ (عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد هذا يا رسول الله بن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة فلم تره سودة قط).

أخرجه مسلم في الرضاع، والنسائي في الطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، الخصومات، العتق.

معاني الألفاظ:

اختصم: احتكم.

للفراش: لصاحب الفراش وهو الزوج.

العاهر: الزاني.

(2)

ـ سنن أبي داود: كتاب الحدود: باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً. حديث رقم (4398) بلفظ (عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

(3)

ـ سنن ابن ماجة: كتاب الطلاق: باب طلاق المكره والناسي. حديث رقم (1675) بلفظ (عَنْ أَبِي ذَرَ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الخطأ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة بنفس الرقم.

انفرد به ابن ماجة.

ص: 471

الشهادة أربعه شهود عدول في حين أنه لم يشدد هذا التشديد في دعوى القتل واكتفى في القصاص بشهادة عدلين فقط صيانة للأعراض ومحافظه عليها كما جعل الشهود الذين لم يكمل نصابهم من القاذفين على من شهدوا عليه بالزنا ويجلدون ثمانين جلدة ولا تقبل لهم شهادة أبداً ويصبحون من الفاسقين إلا من تاب وكذَّب نفسه في المحكمة على ما شهد به كما تدل عليه الآيات القرآنية في سورة النور، ولا ينبغي للعاقل أن يورط نفسه بالإقدام على مثل هذا الاتهام أو الشهادة على مثل هذا الفعل إذا كان عارفاً بأنه لا يكمل نصاب الشهادة على هذا الجرم العظيم.

‌وجوب شهادة أربعة شهود لإقامة حد الزنا

س: كم نصاب الشهود في حد الزنا؟

جـ: لا بد من أربعة شهود بنص الكتاب والسنة والإجماع وإذا لم يشهد الشهود الأربعة على أنهم شاهدوا العضو في العضو كالميل في المكحلة فإن الشهود ينقلبون قاذفين ويجلدون حد القذف أو لم يصرح بعض الشهود برؤية العضو في العضو كما في قصة الشهود على (المغيرة بن شعبة) حيث تردد في الشهادة (زياد ابن أبيه) وانقلب الشهود قاذفين وحدهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حد القذف عملا بقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}

(1)

.

كيفية التوبة

توبة القاذف أن يندم على ما صدر منه من قذف لغيره وأن يكثر من الاستغفار وأن يعزم في نفسه فيما بينه وبين الله تعالى على عدم العودة إلى قذف مسلم أو مسلمة محصنين بالإسلام وبالعفة عن الفاحشة، وأن يكذب نفسه مما قذف به غيره أمام المحكمة التي تم القذف أمامها لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه للشهود الذين شهدوا أمام عمر على المغيرة بن شعبه في قصته الشهيرة المعروفة (من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما يستقبل ومن لم يفعل لم أجز شهادته فاكذب ثلاثة منهم أنفسهم أمام عمر رضي الله عنه وكان يقبل شهادتهم، وأبى أبو بكرة أن يكذب نفسه فكان لا يقبل شهادته).

س: هل يشترط في الشهود الأربعة أن يكونوا ذكوراً؟

جـ: نعم ورد في الحديث (أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود) وهو مع كونه مرسلاً في إسناده ضعف ولهذا قال الجمهور لا بد أن يكونوا ذكوراً خلافاً للشيخ الداعية (محمد الغزالي) فقال إنه تقبل شهادة المرأة وأجاب عنه علماء العصر بأنه مخالف للأحاديث الواردة في الموضوع.

س: هل إذا شهد شاهدان على رجل وامرأة بالزنا وفي يوم آخر شهد شاهدان آخران بالزنا على الرجل والمرأة، فما الحكم فهل يقام عليهم الحد؟

جـ: لا يقام الحد لأن تلك حادثة وتلك حادثة أخرى وفي مثل هذا تدرأ الحدود بالشبهات.

س: إذا رأى أحدنا رجلاً وامرأة يزنيان وكان بمقدوره الإثبات بثلاثة شهود فهل يفعل ذلك؟

جـ: يستر ما ستر الله.

(1)

النور: آية (4)

ص: 472

س: كيف نجمع بين تحريم التجسس وشهادة الشهود الأربعة فإذا دخل رجل وامرأة في بيت ورآهما أربعة شهود، فهل على الشهود متابعتهم؟

جـ: التجسس حرام لا يجوز، لكن إذا صادف أن شاهدوا الجريمة بشرط أن يكونوا رجالاً عدولاً.

س: إذا وجد أربعة رجال عدول فرأوا رجلاً على امرأة على مسافة فهل يجب عليهم الاقتراب لملاحظة التفاصيل أم لا؟

جـ: لا يجوز هذا من التجسس المحرم.

‌حمل المرأة غير المزوجة دليل على الزنا

س: امرأة حملت وهي بكر، فما حكم هذا الحمل؟

جـ: تعتبر زانية لأن الحبل دليل على أن المادة المنوية قد دخلت إلى رحم المرأة.

س: إذا زنت امرأة وحملت وهي بكر ولكنها لم تقر بالزنا، فهل يقام عليها الحد؟

جـ: الظاهر أن الحمل دليل على وجود الزنا.

‌تحريم الشفاعة في الحدود

س: هل تجوز الشفاعة في الحدود أم لا تجوز؟

جـ: لا يجوزلحديث (منْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ)

(1)

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استنكر شفاعة (أسامة بن زيد) في المرأة المخزومية التي سرقت وقال صلى الله عليه وسلم (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟!!! ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)

(2)

وبناءً عليه فلا تجوز الشفاعة في الحدود.

‌مشروعية الحفر للمرجوم

س: هل يشرع الحفر للمرجوم أم لا؟

(1)

ـ سنن أبي داود: كتاب الأقضية: باب في من يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها. حديث رقم (3597) بلفظ (عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ، قَالَ: جَلَسْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَجَلَسَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

معاني الألفاظ: حال: حجز ومنع. الشفاعة: التوسط في إمضاء الأمر وقضاء الحوائج. الحد: العقاب الشرعي.

نزع: أخذ وجذب.

الردغ: الطين والوحل وما يسيل من عصارة أهل النار.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان. حديث رقم (6787) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟!!! ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا).

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود، والنسائي في قطع السارق، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الحدود.

أطراف الحديث: الشهادات، المناقب، المغازي، الحدود.

ص: 473

جـ: وردت بعض الأحاديث بعضها تدل على الحفر وبعضها لا تدل على الحفر والظاهر أن الحفر للمرجوم مشروع لأن المثبت مقدم على النافي.

‌جلد الرجل ممتداً والمرأة قائمة

س: هل يجلد الزاني أو الزانية قائماً أم جالساً أم ممتداً؟

جـ: يجلد الرجل ممتداً والمرأة قائمة لأن المرأة عورة فتجلد وهي قائمة لكي لا تنكشف عورتها.

س: ما هي كيفية الجلد من حيث تحرك اليد وما الحكم إذا زاد الجالد عدة جلدات؟

جـ: يؤدب الجالد إذا زيَّد على ما ورد في القرآن الكريم ويكون الجلد بعصا صغيرة وتتحرك اليد بتحرك الذراع في إطار محدود لأن المراد التشهير مع التعذيب.

س: بعض العلماء ينهون عن رجم الزاني في رأسه بل يرجم في ظهره؟

جـ: نعم نهى الرسول عن رجم الزاني في رأسه في حديث (إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ)

(1)

ولكن يرجم في ظهره.

‌لا يقاصص الجالد بمن مات من إقامة الحد عليه

س: من مات من إقامة الحد عليه في الجلد هل يقص به الجالد؟

جـ: لا يقاصص الجالد بمن مات من إقامة أيِّ حد من الحدود، وقد قال (علي بن أبي طالب) لو مات الشخص من إقامة الحد عليه في جريمة الخمر لأديته من بيت مال المسلمين لأن حد الخمر لم يحدد في القرآن لكريم ولا السنة المطهرة.

س: ما الحكم إذا مات المحدود أثناء الجلد؟

جـ: لا يُعطى ورثته أيَّ شئ من ديته إلا شارب الخمر فإنه يعطى دية كاملة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقدرها.

إقامة الحدود من اختصاص ولي أمر المسلمين

س: رجل زنى بامرأة وكلاهما كانا بكراً فقتلهما أبو البنت فما الحكم؟

جـ: لا يجوز قتلهما والحدود ليس إقامتها إلى أبي البنت لأنه قد يقتل كل واحد غريمه ويدعي أنه وجده في حالة زنا.

‌وجوب تنصيف حد الجارية إذا زنت

س: ما حكم الجارية إذا زنت؟ وكم تجلد؟

جـ: يحدها مالكها وحدها نصف حد الحر وهو خمسون جلدة، والعبد حده مثل حد الجارية لأنه لا فارق بين العبد والجارية إلا الذكورة وهي غير معتبرة في الحدود.

س: إذا زنت الجارية فهل يجوز لمالكها أن يبيعها؟

(1)

- سنن أبو داود: كتاب الحدود: باب في ضرب الوجه في الحد. حديث رقم (3895) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (4495).

أخرجه أحمد في مسند المكثرين.

ص: 474

جـ: نعم، إذا زنت الجارية فلمالكها أن يبيعهالأنه ربما يشتريها شخص يعفها وقد يكون لا يملك جواري كثيرات ولكن بشرط أن يبين مالكها للمشتري العيب الذي باعها من أجله وهو أنها تزني.

‌جواز قتل من أراد اغتصاب زوجة أو إحدى محارم رجل

س: ما حكم من قتل رجلاً أراد اغتصاب زوجته والاعتداء على محارمه؟

جـ: فيما بين الرجل وبين الله لا شيء عليه لأنه مدافع عن عرضه ودينه وإذا قتل فهو شهيد لحديث (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ)

(1)

ولكن في المحكمة الشرعية قد يعتبرونه قاتل عمد لأنهم سيقولون الأصل العمدية ودعوى انه ما قتله إلا لكونه وجده يزني بزوجته يحتاج إلى برهان شرعي ومن أين له البرهان الشرعي.

س: حديث عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم علياً لقتل رجل كان يدخل على مارية القبطية فهل نستفيد منه أنه يجوز لمن وجد في بيته رجلاً أن يقتله؟

جـ: الحديث هذا من الأحاديث المشكلة علىَّ حيث أن النبي قال لعلي بن أبي طالب اقتل فلاناً فهو يدخل على فلانة فكشف عن عورته فإذا هو مجبوب فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فتراجع وهذا مشكل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله من غير بينة وشهود، فإذا قيل أنه نبي قد أوحي إليه فكيف رجع عن قتله بعد أن أخبره (علي بن أبي طالب) وهذا من الأحاديث المشكلة عليّ، وحديث أن أمرأة خرجت من صلاة الصبح فأغتصبها رجل في سكه من شوارع المدينة ثم صاحت المرأة وجاء رجل فقال سأدركه واستمرت المرأة في الصياح فجاء رجل آخر فقال سأدركه فأدرك الرجل الأول الذي يبحث عن الزاني فأمسكه الثاني وجاء به إلى المرأة فقال للمرأة أنا الذي أسرعت أبحث عن المجرم فأصرت على أنه هو الذي زنى وجئ به إلى الرسول فحكم عليه بالقتل ثم جاء الزاني الحقيقي كيف أنه صلى الله عليه وسلم صدق امرأة واحدة كل ذلك يحتاج إلى بحث ومراجعة كبار العلماء.

‌جواز إمهال المرأة الحبلى والمريض المأمول الشفاء عن إقامة الحد

س: هل ترجم الحبلى؟ وهل يرجم المريض مرضاً خطيراً أم لا؟

جـ: المريض مرضاً مأمول الشفاء يمهل ويبادر برجم المريض المشرف على الموت ويجلد بعثكول حتى يطهر من المعصية كما في حديث (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى أُضْنِيَ فَعَادَ جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالُ قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ اسْتَفْتُوا لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي قَدْ وَقَعْتُ عَلَى جَارِيَةٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ الضُّرِّ مِثْلَ الَّذِي هُوَ بِهِ لَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْكَ لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ مَا هُوَ إِلَّا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً)

(2)

،

(1)

- سنن أبي داود: كتاب السنة: باب في قتال اللصوص. حديث رقم (1173) بلفظ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الديات، والنسائي في تحريم الدم، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الحدود: باب حد المريض. حديث رقم (3878) بلفظ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى أُضْنِيَ فَعَادَ جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالُ قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ اسْتَفْتُوا لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي قَدْ وَقَعْتُ عَلَى جَارِيَةٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ الضُّرِّ مِثْلَ الَّذِي هُوَ بِهِ لَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْكَ لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ مَا هُوَ إِلَّا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (2103).

أخرجه ابن ماجه في الحدود، وأحمد في مسند الأنصار.

معاني الألفاظ: الشمراخ: الغصن الكبير.

ص: 475

والحبلى لا ترجم وإنما تنتظر حتى تلد وترضع الولد حتى يستغني عن أمه ثم يقام الحد عليها.

‌وجوب استبراء رحم من تزوج بامرأة قد زنا بها قبل الزواج بها

س: ما هو الحكم إذا زنى شخص بامرأة ثم تزوج بها؟

جـ: إذا أراد أهل المرأة أن تُغطى المشكلة ولم يقم عليهما الحد فعقدوا بالمرأة للرجل فالولد الذي حملت به من الزنا ليس ابنا شرعياً له لأنه من الماء النجس الخبيث ولا ينسب إلى الرجل ولا يرثه، وإذا أراد الرجل أن يجعل له شيئاً من المال فيوصى له وصية من الثلث فقط، ويجب على الزوج عدم الاتصال الجنسي بالمرأة بعد عقد النكاح حتى تضع ما في بطنها من الزنا لكي تستبرئ من الوطء النجس الخبيث لأن الولد الذي ستحمل به بعد عقد النكاح هو ولده الشرعي وهو الذي سينسب إليه ويرثه، أما الولد الذي من الزنا سواءً كان ذكراً أو أنثى فلا ينسب إلى الرجل شرعاً لأنه من الماء الخبيث النجس غير الطاهر.

‌ابن الرجل من الزنا ليس ابناً شرعياً له لأنه من الماء النجس ولا نسب بينهما

س: رجل زنى بامرأة فولدت ولداً والرجل أصبح له بنات من الزوجة الشرعية والولد الذي من الزنا أصبح غنياً فهل يجوز له أن يطلب الزواج بابنة الرجل الذي زنى بأمه مع أن أمه تعلم أنه ولد الرجل من الزنا؟

جـ: الولد ليس ابناً شرعياً للرجل لأنه من الماء النجس الخبيث وليس من الماء الشرعي الطاهر فعند الإمام الشافعي يجوز التزوج لأنه لا نسباً شرعياً بين الولد والبنت ولا بين الولد والرجل ولا محرميه ولا توارث بينهما، وقد قيل أن الشافعي لم يجوز هذا الزواج وإنما كرهه كراهة حظر وأن رأيه مثل رأي الجمهور القائلين بالتحريم.

‌وجوب رجم المرأة المحصنة التي تزني ولو مع صبي

س: إذا مارست امرأة محصنة الزنا مع صبي هل ترجم هذه المرأة؟

جـ: نعم، ترجم لأنها مارست الزنا ولو مع صبي.

‌الإحصان يتحقق بعقد النكاح ووطء المرأه

س: إذا عقد لشخص بامرأة ولم يدخل بها ثم زنى فهل هو محصن؟

جـ: لا يسمى محصنا إلا من عقد له بامرأة ودخل بها ووطأ المرأة سواءً كانت المرأة باقية معه أم مطلقة أم متوفاة فإنه يسمى محصنا.

س: رجل عقد على امرأة ثم طلقها قبل الدخول عليها وزنا بعد طلاق زوجته، فما الحكم؟

جـ: لا يسمى الرجل محصناً إلا إذا تم العقد مع الوطء وهذا لا يقال له ثيب ولا يقال له محصن.

س: الرجل الذي طلق زوجته أو ماتت ثم زنى هل يكون محصنا؟

ص: 476

جـ: المحصن من قد تزوج سواء كانت حية أو قد ماتت أو قد طلقت.

‌وجوب إقامة حد شرب الخمر أولاً ثم حد الزنا ثانياً على من زنا وهو سكران

س: ما حكم من يزني وهو فاقد العقل بالسكر وهو محصن فهل يقام عليه الحد أم لا؟

جـ: نعم، يقام عليه حد شرب الخمر ثم حد الزنا.

س: إذا زنى رجل وتاب فهل يعد قاذفاً له من قال له يا زاني؟

جـ: نعم، ما دام وقد تاب، حتى المرأة الملاعنة من قال لها يا زانية يحد حد القذف.

‌قيام حد الزنا على الكافر أو الكافرة إذا ترافعوا أمام القضاء الإسلامي

س: إذا زنت المرأه الكافرة هل يقام عليها الحد؟

جـ: إذا تحاكم الكفار إلى المسلمين فيحكم عليهم بأحكام الشريعة الإسلامية لقوله تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}

(1)

أما إذا تحاكموا إلى شريعتهم ولم ترفع قضيتهم أمام القضاء الشرعي الإسلامي فلا يحكم عليهم بأحكام الشريعة الإسلامية.

‌وجوب قتل من زنا بإحدى محارمه

س: ما حكم من زنى بإحدى محارمه كأخته أو ابنته أو أمه أو عمته أو غيرها؟

جـ: حكمه أنه يقتل.

س: رجل زنى بأمه أو أخته في حال إعطائها مخدراً أو في رضاهما؟

جـ: يقتل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمربقتله في حديث (بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ)

(2)

وحديث (مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ)

(3)

.

‌تحريم عفو القاضي عن حد الزنا

س: زنت امرأة واعترفت بالزنا فهل يحق للقاضي أن يعفو عنها؟

جـ: لا يجوز للقاضي أن يعفو عنها ولكن يجوز له أن يؤخر قيام الحد عليها لعذر ضروري كالمرض أو النفاس.

(1)

- المائدة: آية (48)

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الحدود: باب في الرجل يزني بحريمه. حديث رقم (3744) بلفظ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقِيتُ عَمِّي وَمَعَهُ رَايَةٌ فَقُلْتُ: لَهُ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ (صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (4457).

(3)

- سنن ابن ماجه: كتاب الحدود: باب من أتى ذات محرم ومن أتى بهيمة. حديث رقم (2554) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ، وَمَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (2094).

أخرجه الترمذي في الحدود.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: وقع: كناية عن الجماع.

ص: 477

‌لا يقام حد الزنا على من يمارس العادة السرية

س: هل من ينكح يده أو يعمل ما يسمى بالعادة السرية عليه حد؟

جـ: ليس عليه حدٌّ بالإجماع إلا أن بعض العلماء أجازه وقال هو مثل إخراج دم الحجامة وبعضهم حرمه وقال ليس هو من الزوجات ولا ملك اليمين وقد قال الله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}

(1)

ومن قال بأنه حرام قال يعزر من يمارس العادة السرية ولا يحدُّ بالإجماع.

‌لا يصدق اسم الزنا على من عمل الفاحشة من فوق الثياب

س: هل الذي عمل الفاحشة من خلف البنطلون هو حكمه حكم الزاني؟

جـ: لا، وإنما هو عاص ولا يسمى زانيا.

‌جماع الخاطب لخطيبته قبل العقد عليها زنا

س: رجل خطب إمرأة فجامعها قبل أن يعقد عليها؟

جـ: هذا الجماع زنا ولذلك نحن نقول لا يجوز اجتماع الخاطب والمخطوبة إلا مع وجود محرم ولا تجوز الخلوة خشية الزنا فإذا تم العقد والزواج بهذه المرأة فلا يجوز الدخول بها إلا بعد أن يستبرأها بحيظة فإذا حملت فلا يجوز الدخول بها حتى تضع حملها لئلا يسقى بمائه الطاهر زرع مائه الخبيث، ولأن هذا من مائه الطاهر وذلك من مائه الخبيث.

‌لحاق الولد بأمه إذا زنت المرأة وهي غير محصنة

س: امرأة زنت غير محصنة ثم أقيم عليها حد الزنا الجلد، فما حكم الولد؟

جـ: الولد يلحق بأمه ولا يلحق بالزاني لأن للعاهر الحجركما في حديث (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) ولا يقال للشخص هذا ابنه من الزنا أو أخوه من الزنا لأنه لا ينسب الولد إلى الزاني أبداً وإذا مات الولد فترثه أمه أو عصبة أمه ولا علاقة له بالزاني.

‌جواز زواج الزاني بالزانية بشرط عدم وطئها قبل الولادة بالحمل من الزنا

س: هل يصح زواج الزاني من الزانية وهما غير محصنين؟

جـ: إذا زنى شخص لم يتزوج بامرأة بكر ثم حملت المرأة وأراد الآخرون أن يستروهم وذلك بتزويج كل واحد منهما بالآخر فهم مخيرون:

(1)

بين الانتظار حتى تضع المرأة ثم الزواج بها بعد الولادة وقضاء العدة.

(2)

أو بين العقد بها إذا كان الرجل الزاني مستعجلاً ومستحيياً من الناس لكن بشرط أن لا يطأها وإذا ولدت قبل الزواج فليس الولد أخو ولده بعد الزواج بها ولا يرث منه لأنه ولد زنا ولأنه من نطفة نجسة خبيثة وكذلك لا يجوز أن ينظر إلى بنات أمه وأبيه بعد الزواج وليس له ميراث من بعد أبيه إلا إذا تفضل عليه الرجل من المال

(1)

سورة المؤمنون: آية (5، 6، 7)

ص: 478

بوصية من الثلث، أما أن له ميراثاً شرعياً مثل أخوته بعد الزواج بأمه فلا ميراث له.

‌وجوب الأمر بالمعروف باليد في حال الاستطاعة

س: كنت في طريقي من قريتي إلى قرية أخرى فوجدت امرأة من قريتي مع شاب وهما يزنيان فضربتهما ضرباً شديداً وهددتهما بالسلاح وأردت أن استدعي الناس عليهما لكنهما حلفا بالله ألاَّ يعودا لِمثل هذه الجريمة أبداً علماً أن الشاب تاب وأكثر أوقاته في المسجد، فهل علي إثم في ضربهما وتهديدهما والكتم عنهما؟

جـ: ليس عليك إثم أبداً بل خيراً فعلت أدبتهما ثم كتمت عنهما لأنك نهيت عن المنكر باليد.

‌وجوب التكتم والتوبة على من وقع في فاحشة الزنا

س: رجل زنا في نهار رمضان، ما الحد الذي يقام عليه، أفتونا جزاكم الله خيرا؟

جـ: إنا لله وإنا إليه راجعون عليه التكتم والستر وعدم إفشاء الخبر ثم التوبة إلى الله من الزنا في رمضان فقد فتح الله باب التوبة، وإذا ظهر الخبر فلا يؤمن خضوعه للمحاكمة، وما يحكم به الحاكم هوالحد.

س: أنا شخص زنيت بتسع نساء والآن أريد التوبة وقد قلت في نفسي أنه لا فائدة من التوبة لأنني إلى النار فهل لي توبة؟ وماذا أفعل؟ وما هي الكفارة؟

جـ: المسألة لا تحتاج إلى استفتاء لأن باب التوبة مفتوح لكل من أخلص في التوبة ولو زنا بأكثر من زانية فلا تيأس من رحمة الله ولا تقول لا فائدة أبداً واترك هذا الوسواس وثق بالله فهو قابل التوبة لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(2)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(3)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُه وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(4)

.

(1)

- التحريم: آية (8)

(2)

- البقرة: آية (222)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(4)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

ص: 479

‌جنتان جزاء من ترك الزنا خوفا من الله تعالى

س: ما هو جزاء من ترك الزنا خوفا من الله تعالى؟

جـ: قال الله تعالى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}

(1)

فإذا صح أنك خفت الله وما تركته إلا خوفا من الله فلك الجنة بل جنتان.

(1)

- الرحمن: آية (46)

ص: 480

الباب الثاني: حد اللواط

• وجوب اشتراط شهادة رؤية العضو في العضو كالميل في المكحلة لإقامة حد اللواط

• إقامة الحدود من اختصاص القاضي الشرعي

• وجوب تعزير من يأتي امرأته في دبرها

• وجوب قتل من يأتي أخته أو قريبته في دبرها

• تحريم السحاق بين المرأتين

• وجوب التوبة النصوح من اللواط ومن كل معصية

• وجوب كتم خبر اللواط وإذا قد انتشر يرفع بهما الى المحكمة الشرعية لإقامة الحد عليهما

• وجوب تعزير من ينكح البهيمة

ص: 481

‌الباب الثاني: حد اللواط

س: ما حد اللوطي؟

جـ: لم يذكر حد اللواط في القرآن مثل حد الزنا والسرقة والحرابة ولذا اختلف العلماء في حد اللواط على ثلاثة أقوال هي:

القول الأول: أن حد اللواط مثل حد الزنا سواءً كان فاعلاً أو مفعولاً به قياساً على الزنا وهذا رأي الهادوية ومن وافقهم.

القول الثاني: أنه يقتل والقائلون بأنه يقتل اختلفوا في صفة القتل، فقال بعضهم يقتل بالسيف وهي آلة القتل التي كان يقتل بها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهي السيف ودليلهم حديث (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ)

(1)

، وقال بعضهم:(يحرق بالنار) وهو مذهب أبي بكر الصديق وعبدالله بن الزبير وهشام بن عبدالملك وقال بعضهم (بالرجم من أعلى شاهق في البلدة) وهو مذهب عبدالله ابن عباس رضي الله عنه واختيار الشوكاني: أن الفاعل أو المفعول به يقتل بشرط أن يكون المفعول به مختاراً غير مكره، أما إذا كان مكرهاً فلا يقتل لأن المكره لا تجرى عليه الأحكام الشرعية وأن يكون مكلفاً لا صبياً لأن الصبي غير مكلف.

القول الثالث: وهو قول الظاهرية: أنهما يعزران فقط ولا يقتلان ولا يرجمان ولا يجلدان ويعزر الفاعل فقط إن كان المفعول به مغتصباً أو مكرهاً لأن علماء الظاهرية لا يقولون بالقياس وقالوا: حديث (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ) لم يصح عندنا.

س: إذا لاط عبد فهل يجلد أم يقتل؟

جـ: يجلد لأن القتل لا ينصف وإنما ينصف الجلد.

س: ما رأيكم أنتم في حد اللوطي؟

جـ: رأيي الشخصي أنه يقتل بالسيف لأنه إذا رجم من أعلى شاهق ربما لا يقتل ويعذب ويكون الرجم مثلة به والمثلة حرام لحديث (كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ)

(2)

وبشرط الاعتراف الشرعي الذي لم يكن عن إكراه أو بشهادة عدلين.

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الحدود: باب من عمل قوم لوط. حديث رقم (2609) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (2091).

أخرجه ابن ماجه في الحدود، وأبو داود في الحدود.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب قصة عكل وعرينة. حديث رقم (2871) بلفظ (عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَوْدٍ وَرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ)

أخرجه مسلم في القسامة والمحاربين والقصاص، والترمذي في الطهارة، والنسائي في الطهارة، وأبوداود في الحدود، وابن ماجه في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: استوخموا: كرهوا الإقامة بها لمرض أصابهم.

ص: 482

‌وجوب اشتراط شهادة رؤية العضو في العضو كالميل في المكحلة لإقامة حد اللواط

س: هل يشترط لإقامة حد اللواط أن يشهد الشهود برؤية العضو في العضو كالميل في المكحلة؟

جـ: نعم، يشترط في الشهادة التصريح برؤية العضو كالميل في المكحلة.

س: هل حكم اللواط مثل الزنا لا بد فيه من أربعة شهود؟

جـ: نعم، علماء المذهب الهادوي ومن وافقهم قالوا يقاس اللواط على الزنا، وقالوا: لا يثبت إلا بأربعة شهود مثل الزنا، وأما العلماء الذين لم يقيسوا اللواط على الزنا فقالوا: يثبت اللواط عليه بالإقرار أو بشهادة شاهدين لأنه حكم مستقل بنفسه.

س: إذا كان الفاعل في اللواط مكرهاً هل يقام عليه الحد؟

جـ: إذا كان مكرهاً أو صح أنه مكرهاً فلا يقام عليه الحد لأن كل مكره سواءً في باب الزنا أو اللواط أو غيره فلا يقام عليه الحد، والإكراه حده هو إلاَّ يبقى للمكرَه أيُّ اختيار وهو غير الإحراج لأن المحرج لا يسمى مكرهاً ولا يطبق عليه حكمه.

س: ولدٌ شابٌ قتل ولداً لاط به وقيل أن القتل خطأ، فما الحكم؟

جـ: إذا ثبت القتل فإنه يقتل به، لأن الفاعل إذا كان قد بلغ فيجرى عليه حد اللواط، والولد المفعول به لا يخلو إما أن يكون بالغاً أو غير بالغ وإذا كان قد بلغ فلا يخلو إما أن يكون مكرهاً أو غير مكره فإن كان مختاراً فحكمه حكم اللوطي الفاعل فيجرى عليه الحد، وإن كان مغتصباً فليس عليه شيء وإن كان صغيراً لم يبلغ فلا حد عليه.

س: رجل يلوط بأهل القرية ويفسد الشباب ويصعب الإتيان بأربعة شهود للادعاء عليه في المحكمة، فهل يجوز لي أن أقتله سراً؟

جـ: لا يجوز قتله وإنما يدعى عليه في المحكمة إن كان هناك بينة.

‌إقامة الحدود من اختصاص القاضي الشرعي

س: هل يصح للعاقل أو لشيخ القبيلة أن يأمر بضرب الزاني أو اللوطي تأديباً أو تعزيراً أوحداً؟

جـ: الشريعة لا تسند إقامة الحدود والتعزير إلا إلى القاضي الشرعي المتولي في المنطقة بأمر من رئيس الدولة.

‌وجوب تعزير من يأتي امرأته في دبرها

س: ما حكم من أتى امرأته في دبرها هل حده حد اللوطي؟

جـ: لم يقل العلماء بهذا وقالوا إنما يعزر ولم يقولوا بحده حد اللواط وقد لعنه رسول الله في حديث (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا)

(1)

.

(1)

- سنن أبي داود: كتاب النكاح: باب في جامع النكاح. حديث رقم (3904) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود برقم (3904).

أخرجه ابن ماجه في النكاح، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ: الكاهن: كاذب يدعي معرفة الأسرار ومستقبل الزمان.

ص: 483

‌وجوب قتل من يأتي أخته أو قريبته في دبرها

س: أخبرني رجل أن رجلاً عندهم وطأ أخته في دبرها، فما الحكم؟

جـ: لوطي بلا شك ويقتل.

‌تحريم السحاق بين المرأتين

س: ما هو السحاق؟ وما حكمه؟

جـ: السحاق: هو أن تعشق المرأة المرأة الأخرى حتى (تفتحر)

(1)

فيها بحيث يكون فرج إحداهما ملتصقاً بفرج الأخرى مع الحركة منهما أو من أحداهما فهذا هو السحاق وحكم فاعله التعزير.

‌وجوب التوبة النصوح من اللواط ومن كل معصية

س: ما جزاء اللواط؟ وما توبته؟ وما هي الكفارة؟ وما على التائب من هذه المعصية أن يفعل؟

جـ: عليه قبل كل شيء التوبة النصوح ولا يفشو الخبر لأحد ولا يصل الخبر إلى المحكمة، أما إذا وصل إلى المحكمة أو إلى النيابة فسيحكم الحاكم عليه بأن حكمه مثل حكم الزاني فإن كان عزباً فيجلد أو محصناً فيرجم.

‌وجوب كتم خبر اللواط وإذا قد انتشر يرفع بهما الى المحكمة الشرعية لإقامة الحد عليهما

س: ما حكم من رأى أوسمع خبر شخصين عملا اللواط؟

جـ: حكم الإسلام أن الواجب كتم هذا الخبر عن جميع الناس، وإذا قد انتشر الخبر يرفع بهم الى الحاكم الشرعي المتولي في المنطقة أو الى النيابة العامة لإجراء اللازم.

‌وجوب تعزير من ينكح البهيمة

س: من يأتي البهيمة فما الحكم؟

جـ: يعزر فقط لحديث (لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ حَدٌّ)

(2)

وذلك بأن يربط ويقال هذا أتى البهيمة ويعزر بعدد من الضربات.

(1)

- كلمة عرفية بمعنى تدلك الفرج بفرج الأخرى حتى يخرج المني أو المذي.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الحدود: باب فيمن أتى بهيمة. حديث رقم (3872) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ حَدٌّ) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (4465).

أخرجه الترمذي في الزهد عن رسول الله.

معاني الألفاظ: يأتي: كناية عن الجماع.

ص: 484

الباب الثالث: حد السرقة

• شروط وجوب قطع يد السارق كونه مكلفاً مختاراً سرق من حرز ما قيمته ربع دينار

• استحسان تعليق يد السارق في عنقه ليرتدع غيره

• المسجد حرز لأثاثه فقط

• قدرالربع الدينار جرام وعشر الجرام من الذهب

• معاني ألفاظ (الخائن، المنتهب، المختلس)

• وجوب توبة السارق وإرجاع المسروق لمالكه

• تحريم أخذ شيء من بستان أو طعام الغير إلاَّ ليأكل منه إذا كان مضطراً

• تحريم السرقة من مال الوالد

• لا يقام حد السرقة على الزوجة إذا سرقت من مال زوجها

• السارق من يأخذ المسروق من حرزوالخائن يأخذه من دون فك الحرز

• وجوب ضبط من يأخذ أموال الدولة لإرجاعها إلى ملكية الدولة

• جواز تهديد السارق لا قتله إلا إذا أصبح صائلا معتديا

• وجوب إقامة حد السرقة على من يباشر السرقة ويعزرمن يخطط للسرقة

• تحريم شراء مسروقات من السارق

• تحريم سرقة القات كسرقة الذهب أو الفضة أو غيرها

• سقوط حد السرقة بعفو المسروق عليه إذا لم يكن قد وصل علم السرقة إلى المحكمة الشرعية

• آراء العلماء في قطع يد جاحد العارية

• السرقة من مال الأب شبهة يدفع بها الحد

ص: 485

‌الباب الثالث: حد السرقة

‌شروط وجوب قطع يد السارق كونه مكلفاً مختاراً سرق من حرز ما قيمته ربع دينار

س: ما حد السارق؟

جـ: أن تقطع يده كما نص القرآن الكريم في قوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا

نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

(1)

قال العلماء: لا تقطع يد السارق إلا بأربعة شروط هي:

الأول: أن يكون السارق مكلفاً فلا تقطع يد الصبي أو المجنون لحديث (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ)

(2)

.

الثاني: أن يكون السارق مختاراً لا مكرهاً لحديث (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)

(3)

.

الثالث: أن يكون السارق قد سرق الشيء من حرز لأن أخذ الشيء لا يسمى سرقاً إلا إذا أخذه من حرز، والحرز هو أن يكسر القفل أو يفتح الباب أو يكسر زجاج السيارة أو نحوها.

الرابع: أن يكون الشيء المسروق قد بلغ النصاب، والنصاب عند الهادوية ما قيمته دينار ذهب أو عشرة دراهم من الفضة، ومذهب أهل الحديث والشوكاني أن القطع يكون فيما قيمته ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم فضية، وهو الراجح عندي.

‌استحسان تعليق يد السارق في عنقه ليرتدع غيره

س: ماذا يندب في حد السرقة؟

جـ: 1 - يندب تلقين السارق بما يسقط الحد. 2 - أن يحسم موضع القطع بالقطران أو نحوه.

3 -

أن تعلق يد السارق في عنقه لينزجرغيره.

س: هل يجوز أن تخدر يد السارق ليسهل عليه القطع؟

جـ: الظاهر أنه لا مانع من ذلك.

س: هل يؤخذ من السارق الشئ الذي سرقه بعد عقوبته بالقطع؟

جـ: بعض العلماء قالوا: لا يؤخذ منه شئ لكي لا يجمع عليه بين عقوبتين، وبعض العلماء قالوا: يؤخذ منه ما

(1)

- المائدة: آية (38)

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الحدود: باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً. حديث رقم (3825) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (4398).

أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

(3)

- سنن ابن ماجة: كتاب الطلاق: باب طلاق المكره والناسي. حديث رقم (3302) بلفظ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (1675).

انفرد به ابن ماجة.

ص: 486

هو موجود وما قد استهلك فلا يسترجع منه.

س: هل يجوز ضرب السارق أو تعزيره حتى يعترف بالسرقة؟

جـ: لا يجوز، والعلماء يقولون الإقرار إذا وقع تحت الضرب فوجوده وعدمه على السواء ويقولون لا اعتراف إلا عن اقتناع.

س: إذا سرق السارق وقطعت يده اليمنى ثم سرق مرة ثانية فهل تقطع يده اليسرى، أفيدونا؟

جـ: لا تقطع يده اليسرى بل تقطع رجله.

س: ما معنى قول الشوكاني (يندب تلقين السارق)؟

جـ: يندب إذا رأيت إنساناً (أخضع)

(1)

ويتحدث أنه سرق فلا يقطع يده مباشرة بل يتثبت من صحة قوله.

‌المسجد حرز لأثاثه فقط

س: ما حكم سارق الأحذية إذا أمسكوه فهل يضربوه أم يعطي الثمن مرتين وإذا كان هناك حذاء أغلى من ربع دينار ذهب فهل تقطع يده؟

جـ: المسجد ليس بحرز للأحذية ومن سرق منه شيئاً لا تقطع يده ولكن من سرق شيئاً من أدوات المسجد فتقطع يده لأن المسجد حرز لأثاثه.

‌قدر الربع الدينار جرام وعشر الجرام من الذهب

س: كم قدر الربع الدينار بالعملات الحالية؟

جـ: ما كان قيمة لأربعة جرامات وعشر أو ثمن من الذهب.

س: رجل سرق منديلاً لا يساوي ربع دينار فلما وصل البيت وجد في المنديل مبلغاً من المال فهل تقطع يده؟

جـ: نعم، تقطع يده، إذا كان قد فك الحرز.

س: ما حكم من سرق أكثر من ربع دينار وكان بسبب الجوع أو الحاجة؟ هل يجوز قطع يده أم يقاس على ما عمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام المجاعة؟

جـ: عمر اجتهد ونظر إلى المصلحة لأن الزمن زمن مجاعة ومن يريد أن يجتهد يجتهد وينظر المصلحة إذا كانت أيام مجاعة.

س: ما حكم من يسرق علفاً لبقرته لأنه لا أرض له، فهل يجوز له؟

جـ: لا يجوز لأنه (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)

(2)

إلا ما ورد فيه النص.

‌معاني ألفاظ (الخائن، المنتهب، المختلس)

س: ما هي معاني هذه الألفاظ الخائن -المنتهب- المختلس؟

(1)

- كلمة عرفية معناها معتوه ضعيف العقل.

(2)

- سنن البيهقي الكبرى. حديث رقم (11325) بلفظ (عن أبي حرة الرقاشي عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه).

ص: 487

جـ: المختلس: هو الذي يجلس عند الشخص فإذا الشخص غفل عنه أو اشتغل بشيء أخذ المختلس الشيء وهرب به.

المنتهب: هو الذي يدخل إلى داخل البيت ويأخذ الشيء من أمام مالكه بالقوة والتهديد فينهب الشيء ويقول لمالكه لو تتكلم لأقتلنك ويأخذ الشيء من أمام مالكه نهبة ينتهبه على مرأى ومسمع من مالك الشيء أيام الفتن.

الخائن: هو الذي تأمنه الدولة وتجعله أميناً لصندوق على مال من أموال المسلمين فيخون الدولة ويأكل المال المؤتمن عليه أو يأكل منه.

‌وجوب توبة السارق وإرجاع المسروق لمالكه

س: رجل اشتغل في محل تجارة وكان التاجر يعطي الشغال فلوساً قليلة مقابل أجرته فكان الأخير يأخذ من الصندوق دون أن يعلم صاحب الدكان وبعد أن تاب هذا الرجل أراد أن يرجع المال الذي أخذ فكيف يعمل؟

جـ: يدخل المال في (ظرف) ويعطيه لأهل البيت يكتب فيه هذا أمانه لفلان بن فلان.

‌تحريم أخذ شيء من بستان أو طعام الغير إلاَّ ليأكل منه إذا كان مضطراً

س: من سيأخذ الطعام من حق غيره هل يجوز له أن يأخذ منه أيْ من الطعام إذا كان لا يملك في بيته قوت أولاده؟

جـ: النبي صلى الله عليه وسلم قال يأكل ولا يأخذ معه لحديث (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً)

(1)

وحديث (مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)

(2)

وحديث (سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ وَهُوَ يَسْأَلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ قَالَ: وَسَأَلَهُ عَنْ الثِّمَارِ وَمَا كَانَ فِي أَكْمَامِهِ؟ فَقَالَ: مَنْ أَكَلَ بِفَمِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ وُجِدَ قَدْ احْتَمَلَ فَفِيهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ وَضَرْبُ نَكَالٍ، فَمَا أَخَذَ مِنْ جِرَانِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ)

(3)

.

س: هل يشترط في الذي يدخل البستان ويأكل منه أن يكون جائعاً ومضطراً؟

(1)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ماجاء في الرخصة في أكل الثمر للماربها. حديث رقم (1308) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً)

أخرجه النسائي في قطع يد السارق، وأبوداود في اللقطة، وابن ماجه في الحدود، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: خبنة: المراد لا يؤخذ منه شيئا في ثوبه خفية.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ماجاء في الرخصة في أكل الثمر للماربها. حديث رقم (1310) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)

أخرجه النسائي في قطع يد السارق، وأبوداود في اللقطة، وابن ماجه في الحدود، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: خبنة: المراد لا يؤخذ منه شيئا في ثوبه خفية.

(3)

- مسند أحمد: كتاب المكثرين من الصحابة: باب مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. حديث رقم (6641) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ وَهُوَ يَسْأَلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ قَالَ: وَسَأَلَهُ عَنْ الثِّمَارِ وَمَا كَانَ فِي أَكْمَامِهِ؟ فَقَالَ: مَنْ أَكَلَ بِفَمِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ وُجِدَ قَدْ احْتَمَلَ فَفِيهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ وَضَرْبُ نَكَالٍ، فَمَا أَخَذَ مِنْ جِرَانِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجِدُ فِي السَّبِيلِ الْعَامِرِ مِنْ اللُّقَطَةِ؟ قَالَ عَرِّفْهَا حَوْلًا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجِدُ فِي الْخَرِبِ الْعَادِيِّ قَالَ فِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ)

ص: 488

جـ: الأحاديث لم تشترط كونه مضطراً ولكن كونه جائعاً فيحل له.

س: الزوج إذا أخذ لزوجته من هذه الأرض حيث لا يوجد لديهم ما يسد رمقهم من الأكل وإذا لم يأخذ لها ستجوع، فما الحكم؟

جـ: لا يجوز لأن الأحاديث تدل على أن الزوج لا يتخذ خبنة ولم تفرق الأحاديث بين أن يكون لزوجته أو لغيرها.

س: قلتم إن الشخص إذا كان جائعاً فيجوز له أن يأكل من مال غيره غير متخذ خبنة، فهل إذا كان أهله جائعين يجوز له أن يأخذ لهم معه؟

جـ: الأحاديث تقول يجوز له أن يأكل غير متخذ خبنة مطلقاً كما في حديث (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً) ولم تذكر إن كان معه أهل أو أولاد، بل لم تفصل الأحاديث والقاعدة الأصولية تقول ترك الاستفصال في قضايا الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.

‌السرقة من مال الأب شبهة يدفع بها الحد

س: ما حكم سرقة الرجل من مال أبيه؟

جـ: السرقة من مال الأب تكون شبهه يُدرأ بها الحد، أما المال فيضمن وكذا من سرق من مال الدولة تكون شبهة ولا يقام عليه الحد ولكنه يضمن ما سرقه.

‌تحريم السرقة من مال الوالد

س: هل السرقة على الوالدين حرام فقد كشفني أبي وأنا أسرق عليه، فقال: السرقة على والديك ليست حراما؟

جـ: السرقة من مال الوالد حرام لحديث (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه).

‌لا يقام حد السرقة على الزوجة إذا سرقت من مال زوجها

س: هل السرقة المشبوهة مثل سرقة الولد على أبيه أو العكس تعتبر سرقة تقام عليها الحد؟

جـ: لا يقام الحد إذا سرق الولد من مال والده أو الزوجة من مال الزوج لكن يضمن الولد وتضمن الزوجة.

س: هل من سرق من بيت المال لا تقطع يده؟

جـ: نعم، لا تقطع يده لأن له شبهة لكنه يضمن.

س: ما حكم من يأخذ على جده مالاً والجد لا يدري لأنه كان شيبة وبعد موت جده أراد أن يرد المال الذي أخذه من جده فماذا يفعل هل يتصدق بالمال أم ماذا يفعل؟

جـ: يعطي المال الذي أخذه للورثة.

س: ما الحكم إذا أخذ الولد من مال أبيه للضرورة دون أن يدري أبوه؟

جـ: إذا كان المال المأخوذ لدواءٍ ضروري أو كساء ضروري أو لشيء لا بد منه فهو جائز لأن الرسول قال لهند

ص: 489

بنت عتبة (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)

(1)

وأما لغير ذلك فلا يجوز.

س: ما حكم من يأخذ على أبيه أو جده أو عمه أو غير ذلك وهو يأخذ بالكثير هل هو آثم؟

جـ: إذا كان الآخذ لا زال صغيراً فهو غير آثم لكن إذا بلغ والأشياء التي سرقها موجودة فيجب عليه إرجاعها وإذا كان قد أكلها فهنيئا مريئا لأنه كان مرفوعاً عنه القلم.

‌السارق من يأخذ المسروق من حرزوالخائن يأخذه من دون فك الحرز

س: كيف نوفق بين حديث (تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا)

(2)

وحديث (لَيْسَ عَلَى خَائِن، وَلَامُنْتَهِبٍ، وَلَامُخْتَلِس قَطْعٌ)

(3)

ويبقى اسمه خائن فقط؟

جـ: الجواب هو أن السارق هو الذي يأخذ المال من الحرز بينما الخائن لا يفك الحرز فلا معارضة بين الأحاديث.

س: إذا سرق السارق من مال الدولة ومسك قبل خروجه من الحرز، فهل يقام عليه الحد؟

جـ: نعم، يقام عليه إذا قد ثبتت عليه السرقة لأن الحد لله تعالى أي حق من حقوق الله تعالى.

‌وجوب ضبط من يأخذ أموال الدولة لإرجاعها إلى ملكية الدولة

س: ما رأيكم فيمن يخون ويأخذ أموال الدولة بالملايين، فما الحكم؟

جـ: هذا يسمى خائناً ولا يسمى سارقاً ويجب على الدولة ضبطه لإرجاع ما أخذه من أموال الدولة أو بيع بيته وممتلكاته لإرجاع أموال الدولة.

‌جواز تهديد السارق لا قتله إلا إذا أصبح صائلا معتديا

س: هل يجوز قتل السارق إذا اعتدى على صاحب المال؟

جـ: لا يجوز قتل السارق إلا إذا أصبح صائلاً معتدياً فيجوز قتله ولكن هذا فيما بينه وبين الله، أما فيما بينه وبين أهل القتيل فالمحكمة ستطلب الأدلة والبراهين اللهم إلا إذا كان يستطيع تقديم براهين على اعتداء السارق.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النفقات: باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير إذنه. حديث رقم (5364) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ).

أخرجه مسلم في الأقضية، والنسائي في آداب القضاة، وأبوداود في البيوع، وابن ماجة في التجارات، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، والمظالم والغصب.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب في كم يقطع. رقم (6789) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا).

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود، والنسائي في قطع يد السارق، وأبوداود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الحدود، والدارمي في الحدود.

(3)

- سنن النسائي: كتاب قطع السارق: باب مالا قطع فيه. حديث رقم (4989) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَيْسَ عَلَى خَائِن، وَلَا مُنْتَهِبٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ) صححه الألباني في صحيح النسائي بنفس الرقم.

أخرجه أبوداود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الحدود.

معاني الألفاظ: النهبة: المال الماخوذ على وجه القهر والعلانية.

ص: 490

س: إذا دخل السارق المزرعة من فوق الجدار ورآه صاحب المزرعة فماذا يعمل بهذا السارق، هل يرميه بالرصاص؟

جـ: يرمي إلى جنبه بغرض تهديده.

‌وجوب إقامة حد السرقة على من يباشر السرقة ويعزرمن يخطط للسرقة

س: إذا كان رجل من ضمن عصابة سرقة وسرق بعض أفراد العصابة وبعض أفراد العصابة كان يخطط لهم فهل يقام حد السرقة عليهم جميعاً؟

جـ: يقام حد السرقة على من يباشر السرقة، أما المخطط للسرقة فليس بمباشر للسرقة فلا يحد بل يعزر.

‌تحريم شراء مسروقات من السارق

س: ما حكم شراء مسروقات من السارق أو منهوبات من الناهب؟

جـ: لا يجوز شراء مسروقات من السارق أو الناهب لقوله تعالى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

(1)

.

س: ما حكم من يشتري شيئاً من شخص مشكوك في أمانته؟

جـ: لا يجوز الشراء من شخص يسرق أو يتعامل مع السرق لقوله تعالى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .

‌تحريم سرقة القات كسرقة الذهب أو الفضة أو غيرها

س: ما حكم سارق القات؟ وهل يجوز قتله؟

جـ: لا فرق بين من يسرق القات أو الذهب أو الفضة أو غيره مهما كانت السرقة من حرز، ولا يجوز قتله.

س: قتل شخص وهو يحرس القات، فهل يعتبر شهيد؟

جـ: نعم يعتبر شهيد لأنه قتل وهو يحرس ملكه ويدافع عن ماله لحديث (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ)

(2)

.

‌سقوط حد السرقة بعفو المسروق عليه إذا لم يكن قد وصل علم السرقة إلى المحكمة الشرعية

س: ما الذي يسقط بعفو المسروق عليه؟

جـ: يسقط بعفو المسروق عليه إقامة حد السرقة على السارق ولكن بشرط أن يكون العفو قبل وصول علم الحادثة إلى الدولة أو القاضي الشرعي، أما إذا قد بلغ القاضي الشرعي أو ولي أمر المسلمين الخبر فيجب إقامة

(1)

- المائدة: آية (2)

(2)

- سنن أبي داود: كتاب السنة: باب في قتال اللصوص. حديث رقم (1173) بلفظ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الديات، والنسائي في تحريم الدم، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

ص: 491

الحد على السارق لحديث (تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ)

(1)

.

‌آراء العلماء في قطع يد جاحد العارية

س: هل تقطع يد جاحد العارية؟

جـ: بعض العلماء قالوا: تقطع يد جاحد العارية لحديث عائشة بأن المرأة المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها وهوبلفظ (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟! ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم سَرَقَتْ، لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا)

(2)

وبعض العلماء قالوا: لا تقطع يد جاحد العارية لأنه يسمى خائناً ولا تقطع يد خائن ولا منتهب وقد توقف في هذه المسألة العلامة السيد/ محمد بن اسماعيل الأمير، و (الشوكاني) تردد في قطع يد جاحد العارية، والصحيح أنه لا تقطع يد جاحد العارية.

(1)

- سنن أبي داو: كتاب الحدود: باب العفو عن الحدود مالم يبلغ السلطان. حديث رقم (4376) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في الحدود.

أطراف الحديث: قطع السارق.

معاني الألفاظ: تعافوا: تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إلي فإذا رفعت أقمتها. الحد: العقاب المقدر في الشرع.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب كراهية الشفاعة في الحد إذا وقع. رقم (6788) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمْ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ؟ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟! ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم سَرَقَتْ، لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا)

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود، والنسائي في قطع يد السارق، وأبوداود ف الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الحدود.

أطراف الحديث: المناقب، الشهادات.

ص: 492

الباب الرابع: حد القذف

• تحريم قذف المحصنات بغير حق

• ثبوت حد القذف بإقرار القاذف بالقذف أو بالشهادة عليه

• حكمة الحدود تطهير المحدود من الذنب

• سقوط حد القذف بإقامة البينة على المقذوف بالزنا أو بإقراره بالزنا

• كل قاذف يجلد ثمانين جلدة

• حد القذف حق لمن يطالب به

• من ثبت عليه القذف يقام عليه الحد

• يشترط لإقامة حدالقذف أن يكون بلفظ صريح بالزنا أو اللواط

• يعتبر لفظ (يازنوه) قذف لأم الولد أو البنت

• من يريد أن يتوب من الزنا فلا يذكر اسم من عصى الله معه لكي لا يطالب بحد القذف

• من علم بامرأة تزني الأولى له أن يلمح لزوجها تلميحاً ولا يصرح لكي لا يطالب بحد القذف

• العلامة (محمد بن إبراهيم الوزير) أخرج للأحاديث التي رواها المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص

• ومعاوية شواهد من الأمهات الست

• من علم بيت تقام فيه الدعارة يجب عليه إبلاغ القاضي الشرعي لتغيير المنكر

• من رأى امرأة وهي تزني ولم يستطع الإثبات فالأولى نصحها وتحذيرها

ص: 493

‌الباب الرابع: حد القذف

س:‌

‌ ما حكم حد القذف

؟

جـ: حد القذف مشروع في الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

(2)

وأما السنة فحديث (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)

(3)

، وفي السنة النبوية ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أصحاب الإفك وهم مسطح بن أثانة وحمنة بنت جحش وحسان بن ثابت.

س: لماذا لم يجلد (عبدالله بن أبي) رئيس المنافقين؟

جـ: لأن الحدود تطهره وهو منافق لا يطهره الحد وقيل لأنه لم يثبت عليه ألفاظ صريحة توجب الحد لأنه كان يحرك غيره ويتكلم بكلام غير صريح حتى لا يقام عليه الحد.

‌تحريم قذف المحصنات بغير حق

س: أفتونا فيمن يقذف المحصنات والمحصنين بدون وجه حق؟

جـ: قذف المحصنات والمحصنين بغير برهان من المعاصي الكبار فمن صح أنه قذف محصناً أو محصنة بلفظ صريح فهو فاسق ولا تقبل له شهادة ويجري عليه حد القذف ثمانون جلدة اللهم إلا إذا تاب فتقبل شهادته وذلك بأن يكذِّب نفسه فيما صدر منه، وأما الحد فلا يخلوا إما أن يكون القاذف قد كذَّب نفسه قبل أن تصل القضية إلى المحكمة الشرعية أو بعدها إن كان قبلها قبلت بلا حد عليه، وإن كان بعدها فلا بُد في التوبة من تسليم نفسه أولاً بإجراء الحد عليه مهما صح عنه القذف بالشهادة أو بالإفراد.

‌ثبوت حد القذف بإقرار القاذف بالقذف أو بالشهادة عليه

س: متى يثبت حد القذف؟

جـ: يثبت بإقرار القاذف بالقذف أو بالشهادة عليه.

حكمة الحدود تطهير المحدود من الذنب

س: ما الحكمة من الحدود؟

(1)

- النور: (4، 5)

(2)

- النور: (23)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب قذف المحصنات. حديث رقم (2767) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في الوصايا، وأبو داود في الوصايا.

أطراف الحديث: الطب، الحدود.

معاني الألفاظ:

الموبقات: الذنوب المهلكة.

ص: 494

جـ: هي تطهير للمحدود من الذنب.

‌سقوط حد القذف بإقامة البينة على المقذوف بالزنا أو بإقراره بالزنا

س: متى يسقط حد القذف؟

جـ: يسقط بشيئين إما بإقامة البينة وهي أربعة شهود على أن المقذوف وقع في الزنا ويشهدوا على الصفة التي في الأحاديث النبوية، أو بإقرار المقذوف بالزنا.

‌كل قاذف يجلد ثمانين جلدة

س: هل حد القذف الثمانون جلدة توزع على القاذفين أم كل واحد يجلد ثمانين جلدة؟

جـ: يقول الله عز وجل في القرآن الكريم {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ولم يقل أحد من العلماء بتجزءة حد القذف بين القاذفين والنبي صلى الله عليه وسلم جلد كل واحد من أصحاب الإفك ثمانين جلدة، وظاهر الآية القرآنية والأحاديث النبوية أنه يجلد الشخص الواحد ثمانين جلدة والنبي صلى الله عليه وسلم جلد كل من (حسان بن ثابت) و (مسطح بن آثانه) و (حمنة بنت جحش) ثمانين جلدة.

س: ما الحكم إذا دخل رجل على قوم في مجلس فقذفهم بالزنا بصيغة القذف؟

جـ: يجب عليه إظهار شهود على هؤلاء بالزنا وإلا أقيم عليه حد القذف.

‌حد القذف حق لمن يطالب به

س: ما حكم من دخل على قوم فقال لأحدهم زنيت زنيت وقال للثاني والثالث والرابع، فكم حد يقام عليه؟

جـ: إذا طالبه واحد فحده مرة واحدة فقط، وإذا طالب الثاني مرتين، وإذا عفا عنه أحد يسقط الحد عن المعفى ويبقى حد الآخرين، وحد القذف حق للمطالبين به.

‌من ثبت عليه القذف يقام عليه الحد

س: في قرية من القرى يستعملون لفظة (ولد زنا) فيكلم بعضهم بعضاً بهذا اللفظ، فكيف يكون التعامل معهم؟ هل نجاريهم؟ أم ماذا نعمل؟

جـ: مهمتنا تغيير ما عليه الناس وإخضاع حياة الناس للشريعة المطهرة لا أن نخضع الشريعة لحياة الناس، فالشريعة تقول: أن من قُذفَ يطلب من القاضي الشرعي إقامة الحد على القاذف لتغيير هذه المنكرات.

س: متى يقام الحد؟

جـ: إذا اعترف القاذف بالقذف الصريح وهو أن يقول (يا زاني) أو نحوه أو بإحضار المقذوف الشهود ليشهدوا على القاذف بالقذف الصريح وهو قول (يا زاني).

س: من قذف شخصاً ثم رجع عن قذفه، فما الحكم؟

جـ: يجب عليه أن يكذِّب نفسه عند القاضي الشرعي ويتوب إلى الله ويطلب من غريمه العفو والمسامحة.

س: شاب تزوج بامرأة وأراد جماعها في أول ليلة فقال إنه جامعها رجل قبله فطلقها هذا الرجل ثم ذهبوا إلى الحاكم فوجدوها عذراء، فهل هذا قاذف أم لا؟

جـ: نعم قاذف ولكن يشترط أن يقول أنتِ زنيتِ وعلى الزوج أن يطلب العفو والمسامحة من زوجته أو يلاعنها

ص: 495

عند الحاكم على الصفة التي في سورة النور في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ

مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ

مِنَ الصَّادِقِينَ}

(1)

‌يشترط لإقامة حدالقذف أن يكون بلفظ صريح بالزنا أو اللواط

س: إذا قال رجل لرجل يا ابن الحرام، فهل هذا قذف؟

جـ: لا يسمى قذفاً لأن هذا اللفظ يطلق على المرتشي والسارق وقاطع الطريق ولا بد أن يكون القذف بلفظة زانية أو قحبة أو زاني أو لوطي.

‌يعتبر لفظ (يازنوه) قذف لأم الولد أو البنت

س: في هذه الأيام يتبادل الناس فيما بينهم ألفاظاً مثل (يا زنوه)، فهل يعتبر هذا اللفظ قذفاً؟

جـ: نعم، يعتبر هذا قذفاً لأم الولد واللازم بأن الولد يقول لأمه ليعلمها والأم توكل وكيلاً ليطالب بإقامة حد القذف على القاذف فإذا جاء بشهود وإلا جلد سواء أكان عن طريق المزاح أو عن طريق الاعتياد أو غيره.

س: إذا قال رجل لآخر لقد زنيتَ وعمرك أحد عشر عاماً ولم يأت بالشهود، فهل هذا القول قذف؟

جـ: نعم يعتبر قذفاً.

‌من يريد أن يتوب من الزنا فلا يذكر اسم من عصى الله معه لكي لا يطالب بحد القذف

س: هل من يريد أن يتوب من الرجال أو النساء يعتبر من شروط توبتهم ذكر من عصى الله معه بالزنا؟

جـ: من يريد أن يتوب إلى الله فلا يذكر الشخص الزاني أو الزانية لأنه لو طالبوه بالشهود قد يعجز ويحدونه حد القذف، ولكن يتوب فيما بينه وبين الله ولا يذكر الشخص الذي فعل الفاحشة معه لأن أعراض الآخرين ليست مباحة.

س: إذا قذف الرجل امرأة وهي غير عفيفة ولكنها معروفه بالزنا؟

جـ: إذا كانت المرأة المقذوفة غير عفيفة فيؤدب تأديباً ولا يقام عليه الحد.

‌من علم بامرأة تزني الأولى له أن يلمح لزوجها تلميحاً ولا يصرح لكي لا يطالب بحد القذف

س: إذا وجد رجل امرأة تزني فهل يجوز له أن يقول لزوجها بأن يطلقها؟

جـ: يلمح لزوجها تلميحاً ولا يصرح لكي لا يطالب الزوج بحد القذف على الناصح.

‌العلامة (محمد بن إبراهيم الوزير) أخرج للأحاديث التي رواها المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص ومعاوية شواهد من الأمهات الست

س: هل المغيرة بن شعبة هو راو الأحاديث النبوية الواردة في الأمهات الست؟

جـ: نعم، المغيرة بن شعبة راوي أحاديث في الأمهات عند أهل السنة لكنه عند الشيعة من أعداء (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه ولم يقبلوا أحاديث المغيرة بن شعبة لكن العلامة الكبير (محمد بن ابراهيم الوزير) قد أخرج

(1)

- النور: آية (6 - 9)

ص: 496

لكل حديث رواه المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان شواهد من الأمهات الست من طرق غير طرق المغيرة أو غيره وهو بحث نفيس يوجد في كتاب (الروض الباسم) ولا يوجد في غيره من الكتب.

‌من علم بيت تقام فيه الدعارة يجب عليه إبلاغ القاضي الشرعي لتغيير المنكر

س: إذا كان هناك بيت للدعارة والناس يدخلون على النساء في هذه الدار، فماذا يفعل؟

جـ: على من يعلم بذلك إحضار القاضي الشرعي والشرطة لإطلاعهم على ما في هذه الدار من المحرمات لتغييرها، ولا يقول لهم في الدار زنا حتى لا يكون قاذفاً يقام عليه حد القذف ولكن يقول هناك مسألة خطيرة جداً ينبغي الإطلاع عليها.

س: هل قد ثبت حد الزنا بشهود أربعة عبر التاريخ؟

جـ: الله أعلم.

من رأى امرأة وهي تزني ولم يستطع الإثبات فالأولى نصحها وتحذيرها

س: إذا رأى شخص امرأة تزني ولم يستطع أن يأتي بأربعة شهداء، فماذا يفعل وهو يريد النهي عن المنكر؟

جـ: الأولى أن يسترها أو يرسل من ينصحها ويحذرها لأن السكوت هو الأولى لعدم وجود أربعة شهود.

ص: 497

الباب الخامس: حد شارب الخمر

• ارتداد من يشرب الخمر منكراً لتحريمه وفسق من يشربه معتقداً لتحريمه

• عدم تحريم الخمر قبل الإسلام

• تحريم شرب الخمر

• وجوب إقامة حد الخمر على شارب الخمر

• وجوب محاكمة السكران القاتل على شرب الخمر وعلى القتل

• جلد السكران

• من أقر بشرب الخمر عدة مرات إذا لم يكن قد حد من قبل فيحد مرة واحدة

• حكم الحشيش مثل حكم الخمر ويجلد شاربه كما يجلد شارب الخمر

• ثبوت حد الخمر بالإقرار أو بشهادة عدلين أو بالشهادة على تقيئه الخمر

• ما أسكر العقل فهو خمر ولو سمي بأيِّ اسم

• كل مسكر حرام ولو سمي بغير اسم الخمر

• تعزيزُ من يُتهم بشرب الخمر ولم يثبت عليه شرب الخمر

• من تقيء الخمر يثبت عليه شرب الخمر

• الخمر لا يعالج المرض ولكنه يخدر الجسم فقط

• جواز شرب الخمر للمضطر كمن يغص بلقمة فيشرب قطرتين لإنزال اللقمة

• جواز وضع الجوز بين الشاي لأنه لايسكر

• تحريم شرب ماء العنب بعد أن يصير خمرا

ص: 498

‌الباب الخامس: حد السُكر

‌ارتداد من يشرب الخمر منكراً لتحريمه وفسق من يشربه معتقداً لتحريمه

س: ما حكم من يشرب الخمر؟

جـ: من يشرب الخمر منكراً لتحريمه فهو كافر مرتد، ومن يشرب الخمر معتقداً لتحريمه فهو فاسق عاص لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}

(1)

وقوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}

(2)

‌عدم تحريم الخمر قبل الإسلام

س: سائل يستفسر عن تحريم الخمر قبل الإسلام هل كانت غير محرمة؟ وما قول علمائنا في هذه المسألة؟

جـ: كان الخمر في بداية الإسلام غير محرم ثم حرم أثناء الصلاة ثم حرم أخيراً ونهائياً إلى يوم الدين بعد نزول قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(3)

فالأدله على تحريم الخمر تحريماً قطعياً من عدة أوجه كما بين ذلك الإمام الزمخشري في الكشاف فلعنة الله على الخمرة وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه من يومنا هذا إلى يوم الدين كما في حديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ)

(4)

.

‌تحريم شرب الخمر

س: ما حكم شرب الخمر؟

جـ: شرب الخمر محرَّم تحريماً قطعياً بأدلة الكتاب والسنة والإجماع.

‌وجوب إقامة حد الخمر على شارب الخمر

س: كم حد شرب الخمر؟

جـ: اتفق العلماء على وجوب إقامة الحد على شارب الخمر واختلفوا في مقدار حد شارب الخمر فمذهب جماعة من العلماء ومنهم الهادوية أن حد شارب الخمر ثمانون جلدة ومذهب الإمام الشافعي أن حد شارب الخمر أربعون جلدة كما في رواية (فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ قَالَ فَجَلَدَ الْوَلِيدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَجْلِدَهُ)

(5)

، وذهب (الشوكاني) إلى أن حد شارب الخمر ليس محدوداً بعدد معين

(1)

- النساء: آية (14)

(2)

- الجن: آية (23)

(3)

- المائدة: آية (90)

(4)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب النهي أن يتخذ الخمر خلا. حديث رقم (1516) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ)

أخرجه ابن ماجه في الأشربة.

لايوجد له مكررات.

(5)

- صحيح البخاري: كتاب المناقب: باب هجرة الحبشة. حديث رقم (3583) بلفظ: حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا لَهُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ خَالَكَ عُثْمَانَ فِي أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيمَا فَعَلَ بِهِ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَانْتَصَبْتُ لِعُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً وَهِيَ نَصِيحَةٌ فَقَالَ أَيُّهَا الْمَرْءُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَانْصَرَفْتُ فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلَاةَ جَلَسْتُ إِلَى الْمِسْوَرِ وَإِلَى ابْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَحَدَّثْتُهُمَا بِالَّذِي قُلْتُ لِعُثْمَانَ وَقَالَ لِي فَقَالَا قَدْ قَضَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْكَ فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَهُمَا إِذْ جَاءَنِي رَسُولُ عُثْمَانَ فَقَالَا لِي قَدْ ابْتَلَاكَ اللَّهُ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا نَصِيحَتُكَ الَّتِي ذَكَرْتَ آنِفًا قَالَ فَتَشَهَّدْتُ ثُمَّ قُلْتُ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَكُنْتَ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنْتَ بِهِ وَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَقَالَ لِي يَا ابْنَ أَخِي آدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ قُلْتُ لَا وَلَكِنْ قَدْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا خَلَصَ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا قَالَ فَتَشَهَّدَ عُثْمَانُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَكُنْتُ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ كَمَا قُلْتَ وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَبَايَعْتُهُ وَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ عَلَيَّ قَالَ بَلَى قَالَ فَمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ قَالَ فَجَلَدَ الْوَلِيدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَجْلِدَهُ وَكَانَ هُوَ يَجْلِدُهُ وَقَالَ يُونُسُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ مَا ابْتُلِيتُمْ بِهِ مِنْ شِدَّةٍ وَفِي مَوْضِعٍ الْبَلَاءُ الِابْتِلَاءُ وَالتَّمْحِيصُ مَنْ بَلَوْتُهُ وَمَحَّصْتُهُ أَيْ اسْتَخْرَجْتُ مَا عِنْدَهُ يَبْلُو يَخْتَبِرُ مُبْتَلِيكُمْ مُخْتَبِرُكُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَلَاءٌ عَظِيمٌ النِّعَمُ وَهِيَ مِنْ أَبْلَيْتُهُ وَتِلْكَ مِنْ ابْتَلَيْتُهُ).

أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث: المناقب.

معاني الألفاظ: البيعة: العهد على السمع والطاعة.

ص: 499

بل هو مفوض إلى رئيس الدولة أو القاضي الشرعي فقد يستحسن أن يجلده ثمانين جلدة أو أقل أو أكثر بحسب السوابق والحالات لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل صحيح صريح يحدد جلد شارب الخمر بعدد معين بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بجلد شارب الخمر، وكان الصحابة يجلدون شارب الخمر حتى يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم حسبكم وكان من الصحابة من يجلد شارب الخمر بالسوط ومنهم من يجلده بالنعال ومنهم من يجلده بالعصا إلى أن يوقفهم النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث (فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَخْزَاكَ اللَّهُ، قَالَ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ)

(1)

وهذا دليل على أن الجلد يكون بحسب المصلحة للزجر وأنَّ الجلد لا يحدد بعدد معين ثمانين جلدة كما قال علماء المذهب الهادوي أو أربعين جلدة كما قال علماء المذهب الشافعي بل يجلد بحسب ما تقتضيه مصلحة زجره.

س: يقال أن هناك حديث بمعنى أن شارب الخمر يجلد في الأولى ثم إذا شرب الثانية يجلد ثم إذا شرب الثالثة يجلد ثم إذا شرب الرابعة يقتل، هل هذا الحديث صحيح؟

جـ: هذا الحديث صحيح منسوخ بحديث آخر وهو أنه جيء بعد ذلك برجل قد شرب الخمر أربع مرات فلم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم، وترك النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قد أمر به ينفي الوجوب

‌وجوب محاكمة السكران القاتل على شرب الخمر وعلى القتل

س: ما قول الشرع في السكران القاتل؟

جـ: يحاكم على السكر وعلى القتل عند الحاكم الشرعي المولى من الدولة في المنطقة وهو يحكم بما صح لديه في السكر وفي القتل

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة. حديث رقم (6781) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ اضْرِبُوهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَخْزَاكَ اللَّهُ، قَالَ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ).

أخرجه أبو داود في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 500

‌جلد السكران

س: هل يجلد السكران بعد أن يصحو من السكر أم يجلد وهو متلبس بالسكر؟

جـ: عند علماء المذهب الهادي أنه يجلد بعد أن يصحو من السكر، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بجلده حالة كونه متلبساً بالسكر كما في حديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِنُعَيْمَانَ أَوْ بِابْنِ نُعَيْمَانَ وَهُوَ سَكْرَانُ، فَشَقَّ عَلَيْهِ وَأَمَرَ مَنْ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ، فَضَرَبُوهُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَكُنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ)

(1)

والعمل بموجب الحديث هو الواجب.

‌من أقر بشرب الخمر عدة مرات إذا لم يكن قد حد من قبل فيحد مرة واحدة

س: خمار اعترف بشرب الخمر عشرين مرة، فهل يجلد مرة واحدة أم عشرين مرة؟

جـ: إذا لم يكن قد حد من قبل فالظاهر أنه يجلد مرة واحدة، والأولى له أن يتستر بستر الله تعالى كما في حديث (وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ)

(2)

وحديث (مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ)

(3)

.

‌حكم الحشيش مثل حكم الخمر ويجلد شاربه كما يجلد شارب الخمر

س: متى عرف المسلمون الحشيش المسكر؟

جـ: لم يكن الحشيش موجوداً أيام النبي صلى الله عليه وسلم ولا في أيام الصحابة ولا التابعين ولا في أيام الأئمة المتبوعين ولذا فهو غير مذكور في كتب الفقه المتقدمة ولم يدخل إلى العالم الإسلامي إلا في آخر القرن السادس الهجري أتى به التتار من الشرق، ولذا بدء يذكر في كتب ابن تيمية وغيره من العلماء المتأخرين مثل ابن حجر العسقلاني

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة. حديث رقم (6774) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِنُعَيْمَانَ أَوْ بِابْنِ نُعَيْمَانَ وَهُوَ سَكْرَانُ، فَشَقَّ عَلَيْهِ وَأَمَرَ مَنْ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ، فَضَرَبُوهُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَكُنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ).

أخرجه أحمد في أول مسند المدنيين أجمعين، أول مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: الوكالة، الحدود.

معاني الألفاظ: الجريد: غصن النخل المجرد من رقه.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة الإيمان حب الأنصار. حديث رقم (17) بلفظ (أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رضي الله عنه وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك).

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الجمعة عن رسول الله، والنسائي في البيعة، الإيمان وشرائعه، وابن ماجة في الحدود، الجهاد، وأحمد في مسند المكيين، باقي مسند الأنصار، ومالك في الجهاد، والدارمي في السير.

أطراف الحديث: المناقب، المغازي، تفسير القرآن، الحدود، الديات، الفتن، الأحكام، التوحيد.

معاني الألفاظ: النقيب: كبير القوم المعني بشؤونهم. عصابة: جماعة من الناس. البيعة: العهد على السمع والطاعة. البهتان: أفظع الكذب.

الفرية: الكذب.

(3)

- موطأ مالك: كتاب الحدود: باب ما جاء في من اعترف على نفسه بالزنا. حديث رقم (1299) بلفظ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ).

انفرد به مالك.

ص: 501

والمهدي صاحب الأزهار وغيرهم، ولذا حكم العلماء بأن حكم الحشيش مثل حكم الخمر ويجلد شاربه كما يجلد شارب الخمر، وكان الصواب أن يقال في عنوان هذا الباب (حد السكر) أو حد (ما يغير العقل) لأنه في أيام النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من المسكرات إلا الخمر ولكي لا يأتي من يقول أنا أكل الحشيش على العسل أكلاً لا شرباً فليس عليَّ حد لأن هناك من يخلط الحشيش بالعسل ويلحسه لحساً فالصواب أن يكون العنوان (حد المسكر أو حد المغير للعقل) ليدخل فيه كل ما يسكر أو كل ما يغير العقل من المسكرات.

‌ثبوت حد الخمر بالإقرار أو بشهادة عدلين أو بالشهادة على تقيئه الخمر

س: بم يثبت حد شرب الخمر؟

جـ: بإقرار شارب الخمر أو بشهادة عدلين على شربه الخمر وتكفي الشهادة على تقيئه للخمر.

‌ما أسكر العقل فهو خمر ولو سمي بأيِّ اسم

س: ما رأيكم في حديث (يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا)؟

جـ: ما أسكر العقل فهو خمر وكلما أسكر كثيره فقليله حرام، فالمسكر خمر ولو سمي بأيِّ اسم لحديث (كُلُّ مسكر خمر، وَكُلُّ مسكر حرام)

(1)

وحديث (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَر، فهو حرام)

(2)

وحديث (ما أسكر كثيره فقليله حرام)

(3)

.

س: ما حكم الشرع في التنباك؟

جـ: الخلاصة العلة (الإسكار) فكلما يسكر فهو حرام ولو سمي بأيِّ اسم غير اسم الخمر أو المسكر، أما ما لم يسكر فليس بحرام.

‌كل مسكر حرام ولو سمي بغير اسم الخمر

س: ما حكم شرب البيرة؟

جـ: كل مسكر حرام ولو سمي بغير اسمه وقد ورد حديث (يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا)

(4)

.

تعزيزُ من يُتهم بشرب الخمر ولم يثبت عليه شرب الخمر

س: هل يعزر شارب الخمر؟

(1)

- صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عمر رضي الله عنهما برقم (5186).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الوضوء: باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر. حديث رقم (242) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَر، فَهُوَ حَرَامٌ).

أخرجه مسلم في الأشربة، والنسائي في الأشربة، وأبو داود في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الأشربة، والدارمي في الأشربة.

أطراف الحديث: الأشربة.

(3)

- سنن النسائي: كتاب الأشربة: باب تحريم كل شراب أسكر كثيره. حديث رقم (2623) بلفظ (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام) صححه الألباني في صحيح سنن النسائي بنفس الرقم.

أخرجه أبو داود في الأشربة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

(4)

- سنن النسائي: كتاب الأشربة: باب منزلة الخمر. حديث رقم (5564) بلفظ (عَنْ شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَفْصٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا) صححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (5674).

أخرجه أحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الأربة.

ص: 502

جـ: التعزير لا يكون إلا إذا كانت المسألة مسألة تهمة فقط ولم يثبت عليه شرب الخمر والتعزير لا يكون فوق عشرة أسواط لحديث (لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ)

(1)

والتعزير يكون بشهادة شاهد واحد أو يتهم بشرب الخمر تهمة شديدة.

‌من تقيء الخمر يثبت عليه شرب الخمر

س: من شوهد يتقيء الخمر، هل يثبت عليه شرب الخمر؟

جـ: من شوهد يتقيء الخمر يحكم عليه بأنه شارب خمر وإن ادعى الإكراه لا يصدق لأن الأصل عدم الإكراه والأصل أن كل من شرب الخمر غير مكره.

س: هل يجلد من تقيء الخمر؟

جـ: نعم، يجلد من تقيء الخمر وإذا أنكر أن رائحة القيء رائحة خمر وإنما هو رائحة خل فلا بد من شاهد عدل خبير بالخمر، وهنا تحصل مشكله إن أتينا برجل صالح متدين ليشهد على أن القيء رائحته رائحة خمر فهو لا يعرف الخمر ولا يستطيع أن يشهد، وإن أتينا برجل فاسق يعرف الخمر فشهادة الفاسق لا تقبل ومن شروط الشهادة عدالة الشاهد، والحل هو أن نأتي برجلين كانا فاسقين يشربان الخمر قد تابا وصلح حالهما فيشهدان على رائحة الخمر لأنهما يعرفان الخمر ورائحته من أيام فسقهما، ويقام على متقيء الخمر الحد.

‌الخمر لا يعالج المرض ولكنه يخدر الجسم فقط

س: بعض الأطباء ينصحون المريض بشرب البيرة لعلاج الأملاح، فما الحكم؟

جـ: قد سبق القول في باب الأطعمة، بأن التداوي لا يجوز بالمحرم ولا نصدق الأطباء ونعمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم، ولا نصدق الأطباء والأطباء المعاصرون يقررون بأن الخمر لا يعالج المرض ولكنه يخدر الجسم حتى لم يعد يحس المريض بشيء لأن جسمه مخدر فقط، أما الشفاء فلا يشفى ولا يؤثر في المرض لكنه يخدر المريض حتى يجعله قطعة لا تحس بشيء.

‌جواز شرب الخمر للمضطر كمن يغص بلقمة فيشرب قطرتين لإنزال اللقمة

س: ما حكم من يشرب الخمر مضطراً؟

جـ: من يشرب الخمر مضطراً إذا غصَّ بلقمة فيجوز له أن يشرب قطرة أو قطرتين لإنزال اللقمة من حلقه لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب كم التعزير والأدب. حديث رقم (6344) بلفظ (حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بُرْدَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ).

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في الحدود.

أطراف الحديث: الحدود.

(2)

- المائدة: (3).

ص: 503

بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا عَلَيْهِ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(2)

ولكن الضرورة تقدر بقدرها، أما أن يشرب زيادة على قدر الضرورة فهو حرام لأنه قد يشرب الخمر الكثير وتعجبه ويصير معتاداً لشرب الخمر، أما للتداوي بالخمر فلا يجوز ولا ضرورة للتداوي بالخمر، وقال العلماء إذا استطاع من شرب الخمر للغصة أن يتقيء فليتقيء.

‌جواز وضع الجوز بين الشاي لأنه لايسكر

س: هل الجوز الذي يوضع بين الشاي مسكر كما يقول بعض الناس؟

جـ: نسمع بأنه يخدر ولا يسكر.

‌تحريم شرب ماء العنب بعد أن يصير خمرا

س: ما حكم شرب ماء العنب بعد أن صار مزبداً؟

جـ: كلما أسكر فهو حرام سواء كان عنباً أو غيره لحديث (كُلُّ مسكر خمر، وَكُلُّ مسكر حرام) وحديث (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَر، فهو حرام) وحديث (ما أسكر كثيره فقليله حرام).

س: بعض العوام يدخل بعض الفنادق الفاخرة ويطلب شراب ليم ويحصل أن هذا الشراب ممزوج بالخمر، فما الحكم؟

جـ: هذا الشخص معذور ولكن يجب عليه الابتعاد عن فنادق الأجانب وعدم الدخول إليها.

س: ما حكم من شرب الخمر مكرهاً؟

جـ: من شرب الخمر مكرهاً فلا حد عليه لحديث (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)

(3)

.

(1)

- البقرة: آية (172)

(2)

- النحل: آية (115)

(3)

ـ سنن ابن ماجة: كتاب الطلاق: باب طلاق المكره والناسي. حديث رقم (1675) بلفظ (عَنْ أَبِي ذَرَ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الخطأ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة بنفس الرقم.

انفرد به ابن ماجة.

ص: 504

الباب السادس: حد المحارب

• المحارب من يفسد في الأرض بالتقطع في الطرقات ويقتل عمداً عدواناً ويخيف السبيل

• المحارب من يحمل السلاح ويأخذ أموال الآخرين بالقوة

• حكم من يروج بيع الخمر والمخدرات حكم المفسد في الأرض المحارب لله ولرسوله

• وجوب إقامة الحد على المحارب

• ثبوت حد الحرابة بالإقرار أو الشهود

• لا يثبت بالشاهد الواحد حدٌّ وإنما تنشأ تهمة على المشهود عليه

• الحكم بالحد من خصائص القاضي الشرعي المتولي من قبل الدولة

• حد الحرابة القتل أو الصلب أو النفي من الأرض

• ضرب نكال ضرب خفيف

• الجاسوس قد ورد في قتله حديث

• وجوب قيام حدِّ المحارب على من يتقطع وينتهب الأموال سواء في المدن أو خارج المدن

• من توبة المحاربين إرجاع الأموال المنهوبة

• وجوب ضبط من يسرق الميكرفونات أو غيرها من المساجد

• لا يجوز لولي الدم أن يسقط حدَّ الحرابة عن المعتدين

• لا يجوز للإمام أن يسقط الحدود لمصلحة

• جواز الستر عن المسلم أو المسلمة قبل وصول الجريمة إلى القاضي الشرعي

• جواز استبدال القاضي الشرعي أو إمام المسلمين النفي من الأرض بالسجن استحساناً

• يسمى من يؤوي المفسدين من قطاع الطرق أو القتلة أو يعلمهم مفسداً

ص: 505

‌الباب السادس: حد المحارب

‌المحارب من يفسد في الأرض بالتقطع في الطرقات ويقتل عمداً عدواناً ويخيف السبيل

س: من هو المحارب؟

جـ: هو من يفسد في الأرض بالتقطع في الطرقات ويقتل عمداً عدواناً أو يخيف السبيل.

‌المحارب من يحمل السلاح ويأخذ أموال الآخرين بالقوة

س: ما الفرق بين المحارب والسارق؟

جـ: السارق: هو من يأخذ الشيء خفية وإذا عُرف هرب.

والمحارب: هو من يحمل السلاح ويأخذ أموال الآخرين بالقوة فهو صائل متعدٍ على الآخرين ويخيف السبيل.

‌حكم من يروج بيع الخمر والمخدرات حكم المفسد في الأرض المحارب لله ولرسوله

س: ما هو حد من يروج الخمر والمخدرات ببيعها لغيره؟

جـ: مفسد في الأرض.

‌وجوب إقامة الحد على المحارب

س: ما حكم المحارب؟

جـ: أجمع العلماء على وجوب إقامة الحد على المعتدي أو المعتدين في الطرقات المخيفين للسبيل لقوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(1)

.

‌ثبوت حد الحرابة بالإقرار أو الشهود

س: بم يثبت حدُّ الحرابة؟

جـ: إما بالإقرار وإما بالشهود.

‌لا يثبت بالشاهد الواحد حدٌّ وإنما تنشأ تهمة على المشهود عليه

س: هل يثبت حدُّ الحرابة بالشاهد الواحد؟

جـ: الشاهد الواحد لا يثبت به الحد وإنما تنشأ به تهمة على المشهود عليه.

‌الحكم بالحد من خصائص القاضي الشرعي المتولي من قبل الدولة

س: ما حكم من قتل المفسد قبل إيصاله إلى القضاء؟

جـ: إقامة الحدِّ من وظائف الدولة وليس من وظائف الشخص ولا يحكم بالحدِّ إلا القاضي الشرعي المتولى من قبل الدولة.

(1)

- المائدة: آية (34، 33)

ص: 506

‌حد الحرابة القتل أو الصلب أو النفي من الأرض

س: ما هو حدُّ المحارب؟

جـ: هو المذكور في قوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .

واختلف العلماء في لفظة (أو) هل هي للتقسيم أو للتخيير فذهب جماعة من العلماء إلى أن (أو) للتقسيم، فقالوا: يقتل المفسدون إذا كانوا قد قتلوا وأخافوا الطريق، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا كانوا قد سرقوا فقط ولم يقتلوا، أما إذا لم يقتلوا ولم يسرقوا فيعاقبون بالصلب فقط جزاء إخافتهم للطريق، أو ينفون من الأرض في حالة عدم القتل أو الأخذ للأموال وقال آخرون وهو مذهب الشوكاني: أن لفظة (أو) للتخيير فالإمام مخير بين القتل أو التقطيع أو الصلب أو النفي من الأرض فإن رأى القاضي أو رئيس المحكمة الشرعية أن يقتلوا فيقتلوا وأن رأى أن المصلحة في أن يقطعوا فقط فتطقع أيديهم وأرجلهم من خلاف حتى وإن كانوا قد قتلوا وإن رأى أن المصلحة في التقتيل فيقتلوا حتى ولو لم يثبت أنهم قد قتلوا، وإن رأى أن المصلحة في صلبهم أو نفيهم فقط فيصلبوا أو ينفوا حتى ولو كانوا قد قتلوا أو أخذوا المال أو قتلوا وأخذوا المال وأخافوا الطريق، فـ (أو) عند هؤلاء العلماء: تدل على التخيير فقط، فالمحكمة الشرعية مخيرة في الحكم بحسب ما تقتضية المصلحة.

‌ضرب نكال ضرب خفيف

س: ما معنى ضرب نكال؟

جـ: ضرب تعزير أي ضرباً خفيفاً.

س: أحد العلماء يقول بأنه يجوز التعزير ولو بالقتل كما في الحاسوس، ما رأيكم؟

جـ: المالكية يقولون يجوز التعزير ولو بالقتل لكن أنا لا أوافق هذا المذهب.

الجاسوس قد ورد في قتله حديث

س: في الحديث (لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ)

(1)

فهل الحديث مقصور في حق المعاصي الكبيرة التي فيها حد من حدود الله فقط أم أنه شامل لجميع المعاصي، وبعض العلماء جوز قتل الجاسوس والمختلس، فما دليلهم في مقابل الحديث السابق؟

جـ: الجاسوس قد ورد في قتله حديث بلفظ (ما حَمَلَك على ما صنعتَ؟ قال حاطب: والَّلهِ ما بي أن لا أكونَ مؤمناً باللَّه ورسولهِ صلى الله عليه وسلم، أردتُ أن يكونَ لي عندَ القوم يدٌ يَدفَعُ اللَّهُ بها عن أهلي ومالي، وليس أحدٌ من أصحابِكَ إلاَّ لهُ هناكَ من عَشيرتِه مَنْ يَدفَعُ اللَّهُ بهِ عن أهلهِ وماله، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: صَدقَ، ولا تَقولوا لهُ إلا خيراً، فقال عمرُ: إنهُ قد خانَ اللَّهَ ورسولَه والمؤمنين، فدَعني فلأضرِبْ عُنُقَه، فقال: أليسَ من أهل بَدر؟ فقال: لعلَّ اللَّهَ اطلع

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب كم التعزير والأدب. حديث رقم (6344) بلفظ (حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بُرْدَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ).

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في الحدود.

أطراف الحديث: الحدود.

ص: 507

على أهل بدر فقال: اعملوا ما شِئتم فقد وَجَبَتْ لكُم الجنة أو فقد غَفَرتُ لكم، فدمعَت عَينا عمر وقال: اللَّهُ ورسولهُ أعلم)

(1)

والمختلس لم يرد في قتله حديث.

‌وجوب قيام حدِّ المحارب على من يتقطع وينتهب الأموال سواء في المدن أو خارج المدن

س: هل لا بد لتسمية المتقطعين مفسدين أن تكون الطريق في الصحراء أم أنه يصدق عليهم أنهم مفسدون حتى لو تقطعوا في شوارع المدن أو بدخول البيوت؟

جـ: مذهب الهادوية: أن الإفساد لا يكون إلا خارج المصر ولا يقام حد المحارب على من يتقطع ويخيف الناس في المدن، والذي ذهب إليه جماعة من العلماء وهو مذهب الشوكاني واختيار الإمام (يحيى بن محمد بن حميد الدين) أن حد المحارب يقام على من يفسد فيقتل أو ينتهب البيوت في المدن الرئيسية، والصحيح أنه لا فرق بين من يتقطع ويقتل وينتهب المال في الطرقات خارج المصر أو داخل المصر ولا يلزم من قصة العرنيين الذين ساقوا إبل بيت مال المسلمين أيام النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت خارج المدينة أن حد المحارب لا يطبق ولا يجري إلا إذا كان الإفساد خارج المصر لأن الآية عامة تعم كل محارب، ولفظ حديث العرنيين هو (قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ)

(2)

، وقد قال علماء أصول الفقه: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويجب العمل بالعموم ولا ينظر إلى السبب الخاص فقوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فمن صدق عليه أنه محارب يجرى عليه حد المحارب مطلقاً سواءً كان في المصر أو خارج المصر لعموم اللفظ الشامل لكل محارب سواءً كان خارج المصر

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب فضل من شهد بدرا. حديث رقم (3895) بلفظ (عن عليٍّ رضي الله عنه قال: بَعَثني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبا مَرْثَدٍ الغَنَويَّ والزبير، وكلُّنا فارسٌ، ـقال: انطلِقوا حتى تأتوا رَوضةَ خاخ فإن بها امرأةً منَ المشركين معها كتابٌ من حاطِبِ بن أبي بِلْتعةَ إلى المشركين، فأدركناها تَسيرُ على بَعير لها حيثُ قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقلنا: الكتاب فقالت: ما معنا كتاب، فأنخناها، فالتمسْنا فلم نَرَ كتاباً، فقلنا: ما كذبَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لتخرجِنَّ الكتابَ أو لنجرّدنَّكِ، فلما رأتِ الجدَّ أهْوَت إلى حُجْزَتهاـ، وهي محتجِزةٌ بكِساء، فأخرجَتهْ، فانطلَقنا بها إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسولَ اللَّهِ، قد خانَ اللَّه ورسولَه والمؤمنين، فدَعني فلأضرِب عنقَه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما حَمَلَك على ما صنعتَ؟ قال حاطب: والَّلهِ ما بي أن لا أكونَ مؤمناً باللَّه ورسولهِ صلى الله عليه وسلم، أردتُ أن يكونَ لي عندَ القوم يدٌ يَدفَعُ اللَّهُ بها عن أهلي ومالي، وليس أحدٌ من أصحابِكَ إلاَّ لهُ هناكَ من عَشيرتِه مَنْ يَدفَعُ اللَّهُ بهِ عن أهلهِ وماله، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: صَدقَ، ولا تَقولوا لهُ إلا خيراً، فقال عمرُ: إنهُ قد خانَ اللَّهَ ورسولَه والمؤمنين، فدَعني فلأضرِبْ عُنُقَه، فقال: أليسَ من أهل بَدر؟ فقال: لعلَّ اللَّهَ اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شِئتم فقد وَجَبَتْ لكُم الجنة أو فقد غَفَرتُ لكم، فدمعَت عَينا عمر وقال: اللَّهُ ورسولهُ أعلم).

أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، والترمذي في، وأبو داود في الجهاد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الوضوء: حديث رقم (226) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَهَؤُلَاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ).

أخرجه مسلم في القسامة والمحاربين والقصاص والديات، والترمذي في الطهارة عن رسول الله، اللباس عن رسول الله، الأطعمة عن رسول الله، والنسائي في الطهارة، تحريم الدم، أبو داود في الحدود، ابن ماجه في الحدود، الطب، أحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الزكاة، الجهاد والسير، المغازي، تفسير القرآن، الطب، الحدود، الديات.

معاني الألفاظ: اجتووا: أصابهم الجوى وهو داء البطن إذا تطاول. اللقحة: الناقة الحلوب والقريبة العهد بالولادة.

صحوا: شفوا وعادوا أصحاء.

سمرت أعينهم: كحل أعينهم بمسامير محمية على النار.

ص: 508

أو داخله.

س: يروى أن مجموعة شباب ممن لا يخافون الله قاموا باختطاف فتاة في عمر الثالثة عشر من عمرها وبقيت عندهم عشرة أيام وهم يغتصبونها ليلاً ونهاراً حتى عندما أعادوها إلى أهلها مرضت مرضاً عقلياً من شدة ما وقع عليها؟ فهل يقام على هؤلاء حد الزنا أم حد الحرابة؟

جـ: إذا ثبت بالشهود أو الإقرار فيجرى على هؤلاء حدًّ الحرابة لأنهم من المفسدين في الأرض.

س: ما رأي الشرع الإسلامي فيما يحدث في مصر من قتل السياح الذين يدخلون إلى مصر وهم يحملون الأمراض الخطيرة مثل الإيدز لنشرها في المجتمع المصري؟ وهل يعتبرون معاهدين؟

جـ: نعم، يعتبرون معاهدين لأن الدولة المصرية هي التي تسمح لهم بالدخول، والقتل لا يجوز إلا بعد محاكمتهم لحديث (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)

(1)

.

وإلا فهي فوضى وتشويه لسمعة المسلمين بمثل التصرفات الفوضوية.

‌من توبة المحاربين إرجاع الأموال المنهوبة

س: إذا كان المحاربون قد قتلوا أنفساً ونهبوا أموالاً وأتوا تائبين لكنهم قتلة فهل يقام عليهم حدُّ القصاص؟

جـ: من تمام التوبة أن يردوا الأموال إن كانوا قد أخذوا أموالاً، أما إذا كانوا قد أخافوا السبيل فقط ولم يأخذوا أموالاً فإنه يعفى عنهم إذا تابوا من قبل أن يقدر ولي الأمر عليهم لقوله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(2)

أما القتل فليس لأولياء المقتولين المطالبة بالقصاص لأن الحق ها هنا هو لولي أمر المسلمين وليس لأبناء المقتولين، فما داموا قد جاءوا طائعين مستسلمين منقادين من قبل القدرة عليهم فلا يقتلوا لأن الحق للدولة وليس للأولاد.

‌وجوب ضبط من يسرق الميكرفونات أو غيرها من المساجد

س: ما حكم من يعتدي على بيت من بيوت الله (مسجداً) فيرمى الميكرفون وجهاز الميكرفون ويقطع أسلاك الميكرفون بحجة أن الميكرفون يزعجه وقت صلاة الفجر، فهل هذا يدخل في حكم المحارب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؟

جـ: هذا لا يسمى محارباً ولكن هذا يحتاج إلى ضبط وتأديب وترفع قضيته إلى وزارة الأوقاف لضبطه وحبسه حتى يأتي بكفيل يكفل عليه بعدم التعرض للمسجد وأدوات المسجد مرة أخرى وينبغي لوزارة الأوقاف الاتصال بوزارة الداخلية لضبط هذا الشخص حتى يرجع ما كسرَّ من أدوات المسجد ويكفل بعدم التعرض للمسجد مرة أخرى.

‌لا يجوز لولي الدم أن يسقط حدَّ الحرابة عن المعتدين

س: هل يجوز لولي من يُقتل في الطرقات على أيدي المحاربين أن يعفو عن القاتلين المحاربين؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجزنية والموادعة: باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم. حديث رقم (2930) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا).

أخرجه النسائي في القسامة، وابن ماجة في الديات، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: الديات.

(2)

- االمائدة: آية (34)

ص: 509

جـ: ليس لولي المقتول أو المقتولين العفوعن القتل لأن المسألة ليست مسألة قصاص لولي الدم أن يعفو ويسقط عن القاتل أو القاتلين حكم القتل بل إن المسألة مسألة حدود، وإقامة الحدود واجبة على ولي أمر المسلمين، وليست المسألة من باب القصاص التي هي من حق أولياء الدم، ومسألة المحارب هي من باب الحدود.

‌لا يجوز للإمام أن يسقط الحدود لمصلحة

س: هل يجوز للإمام أن يعفو ويسقط الحدود؟ وهل هو من المصالح أو المفاسد؟

جـ: لا يجوز للإمام أن يسقط الحدود، وبعض العلماء قالوا: إلا لمصلحة والصحيح أنه لا مصلحة في إسقاط الحدود بعد أن قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة ذلك القول الشديد (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟! ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم سَرَقَتْ، لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا)

(1)

.

‌جواز الستر عن المسلم أو المسلمة قبل وصول الجريمة إلى القاضي الشرعي

س: هل يجوز الصلح في الحدود قبل وصولها إلى القاضي الشرعي؟

جـ: الستر عن المسلم أو المسلمة جائز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّه)

(2)

وحديث (تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ)

(3)

وحديث (فَهَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ)

(4)

فيشرع الستر، أما بعد وصولها إلى القاضي فلا يسمى صلحاً ولا يجوز محاولة التستر عليه.

‌جواز استبدال القاضي الشرعي أو إمام المسلمين النفي من الأرض بالسجن استحساناً

س: هل لولي الأمر أن يستبدل بالنفي في الأرض السجن أي يسجن المفسد الذي لم يقتل ولم ينهب؟

جـ: إذا كان من باب الاستحسان فيجوز، أما أننا نفسر النفي في الآية بالسجن فلا.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب كراهية الشفاعة في الحد إذا وقع. رقم (6788) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمْ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ؟ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟! ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم سَرَقَتْ، لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا)

أخرجه مسلم في الحدود، والترمذي في الحدود، والنسائي في قطع يد السارق، وأبوداود ف الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الحدود.

أطراف الحديث: المناقب، الشهادات.

(2)

- موطأ مالك: كتاب الحدود: باب ما جاء في من اعترف على نفسه بالزنا. حديث رقم (1299) بلفظ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ).

انفرد به مالك.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الحدود: باب العفو عن الحدود مالم تبلغ السلطان. حديث رقم (4376) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في قطع السارق.

(4)

ـ سنن أبي داود: سبق ذكره من حديث صفوان بن أمية رضي الله عنه برقم (4394).

ص: 510

الباب السابع: من يستحق القتل حداً

• جواز قتل قاطع الصلاة حداً عند الشوكاني

• وجوب قتل من يسبُّ الدين أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو القرآن الكريم حداً

• تحريم سبِّ الله ورسوله

• تحريم قتل الكافر المعاهد

• الكافر الذمي هو الذي يسلم الجزية للدولة الإسلامية

• السحر حرام

• من يكتب أشياء غير معروفه فهو مشعوذ

(تعلم السحر ولا تعمل به هذا) مثل وليس بحديث

• حكم المسحور مثل حكم المجنون

• الديوث هو من يرضى لمحارمه بفعل الفاحشة

• الانترنت حسنه حسن وقبيحه قبيح

• إقامة الحدود من اختصاص الدولة وليس من اختصاص الأشخاص

• من يسمح بدخول الرجال الأجانب إلى بيته والجلوس مع أهله متساهل وعاصٍ لله تعالى

ص: 512

‌الباب السابع: من يستحق القتل حداً

‌جواز قتل قاطع الصلاة حداً عند الشوكاني

س: نحن نعرف أن قاطع الصلاة يقتل فما هو مذهب الشوكاني، هل يقتل حداً أم كفراً؟

جـ: مذهب الشوكاني أن قاطع الصلاة يقتل حداً.

س: رجل قال لأمه يلعن دين ربك علماً أننا نصحناه وهو إلى الآن مستمر في قطع الصلاة فما الحكم؟

جـ: هذا مجرم للآتي:

(1)

عقوق الوالدين (2) قطع الصلاة (3) سب الله والدين، وإذا هناك شهود عليه فيقدم للمحكمة وتحكم المحكمة باللازم.

س: من هم الذين يستحقون القتل حدا؟

جـ: الكافر الحربي، والمرتد، والساحر، والكاهن، والساب لله تعالى أو لرسوله صلى الله عليه وسلم أو للإسلام أو للكتاب أو السنة، والطاعن في الدين، والزنديق بعد استتابتهم، والزاني المحصن، واللوطي مطلقاً، والمحارب بعد المحاكمة الشرعية عند الحاكم الشرعي.

‌وجوب قتل من يسبُّ الدين أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو القرآن الكريم حداً

س: ما حكم الشريعة الإسلامية فيمن يسب الدين والرسول والقرآن الكريم؟

جـ: من يسب الدين أو الرسول أو القرآن الكريم من المسلمين حكمه هو القتل لأنه قد أصبح مرتداً لحديث (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)

(1)

.

س: ما حكم من يسبُّ الله عز وجل أو يسبُّ النبي صلى الله عليه وسلم أو يسبُّ الإسلام؟

جـ: يقدم للمحاكمة عند الحاكم الشرعي المولى من الدولة وهو يطلب منه أولا أن يتوب الى الله وإذا ثبت وتقرر أنه سب الإسلام أو سب الله أو سب النبي صلى الله عليه وسلم حكم عليه بالقتل وعلى رئيس الدولة تنفيذ الحكم.

‌تحريم سبِّ الله ورسوله

س: رجل وجد آخر يسبُّ الله ورسوله فقتله، فهل إذا أُخذ فحكم عليه بالقتل هو شهيد؟

جـ: لا يجوز له القتل ولكن يجب عليه إدانة الساب في المحكمة.

‌تحريم قتل الكافر المعاهد

س: هل يجوز قتل الكافر المعاهد؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب لا يعذب بعذاب الله. حديث رقم (3017) بلفظ (عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه حَرَّقَ قَوْمًا فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَقَتَلْتُهُمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ).

أخرجه الترمذي في الحدود، والنسائي في تحريم الدم، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: استتابة المرتدين.

ص: 513

جـ: لا يجوز قتل الكافر المعاهدلأن العهود محترمة في الإسلام لحديث (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)

(1)

.

س: من هو الكافر المعاهد؟

جـ: هو الذي يدخل بلاد الإسلام لمدة مؤقتة ليعمل طبيباً أو دبلوماسياً أو خبيراً أو سائحاً أو غيره من الأعمال.

س: إذا قتل مسلم كافراً معاهداً، فهل يقتل المسلم بالكافر المعاهد؟

جـ: لا يقتل المسلم بالكافر المعاهد ولكنه يأثم بقتل المعاهد ويجب على المسلم إعطاء دية الكافر المعاهد، والدليل على تحريم قتل المسلم بالكافر حديث (ولَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ)

(2)

.

‌الكافر الذمي هو الذي يسلم الجزية للدولة الإسلامية

س: ما الفرق بين الكافر المعاهد والكافر الذمي؟

جـ: الذمي هو الكافر الذي يسلم الجزية للدولة الإسلامية والذي هو أحد رعايا الدولة الإسلامية، والكافر المعاهد هو من لم يكن مواطناً من مواطني الدولة الإسلامية ولا ساكناً في بلاد المسلمين بصورة دائمة، وإنما هو من يأتي إلى البلاد الإسلامية لعمل عملامؤقتا فيها أو سائحاً من السياح.

س: معلوم أن من السنة أن الأب يعلم ابنه الصلاة لسبع ويضربه عليها لعشر فإذا بلغ وقطع الصلاة، فهل يجوز للأب أن يقتله؟

جـ: الأولى أن يكون السؤال عن جواز ضربه أو حبسه أو تعزيره لحديث (مُرُوا أَوْلَادَكُم بالصّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سبْع سنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ سنينَ)

(3)

وفي لفظ (علِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ)

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجزنية والموادعة: باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم. حديث رقم (2930) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا).

أخرجه النسائي في القسامة، وابن ماجة في الديات، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: الديات.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الديات: حديث رقم (6915) بلفظ (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ: لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ).

أخرجه مسلم في الحج، العتق، والترمذي في الديات، الولاء والهبة، والنسائي في القسامة، وأبو داود في المناسك، الديات، وابن ماجة في الديات، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، والدارمي في الديات.

أطراف الحديث: الحج، الجهاد والسير، الجزية والموادعة، الفرائض، والديات، الاعتصام بالكتاب والسنة.

معاني الألفاظ: العقل: تعويض مالي مقدر شرعاً مقابل قتل أو جرح ما يخلص به من الأسر.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب متى يؤمر الغلام بالصلاة. حديث رقم (494) بلفظ (عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أَبِيهِ عن جدّهِ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَوْلَادَكُم بالصّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سبْع سنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ سنينَ، وَفَرّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجعِ) قال الألباني عن الحديث بأنه (حسن صحيح).

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

ص: 514

س: ما حكم الذي ينتسب إلى اليهود ويفضل نسبهم على نسبه؟

جـ: من انتسب إلى غير أهله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلا إذا اعتنق اليهودية فهو مرتد لحديث (مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ)

(1)

.

س: ما الحكم فيمن يقول أن دين مسيلمة أفضل من دين محمد صلى الله عليه وسلم من باب المزاح أو يقول إن الصلاة ثقيلة؟

جـ: يعزر فقط.

س: رجل عند نزول المطر أدى المطر إلى تحطيم الزرع فقال هذا الرجل إن الله قد مات ولم يبق إلا ابنه، فما الحكم؟

جـ: هذا يقال عنه إنه مرتد ويستتاب فإن تاب وإلا فيقتل لحديث (مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) وذلك بعد إحضاره إلى المحكمة ليحاكم على كلامه هذا.

س: هل سبُّ الصحابة داخل في سب الرسول وما حكم من يسبُّ الصحابة؟

جـ: الذي يسبُّ الصحابة يسمى فاسقاً منافقاً وعلى الحاكم أن يحكم بتأديبه وتعزيره لقوله تعالى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ

أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}

(2)

ولحديث (لَا تَسبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ)

(3)

س: الحديث (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

(4)

استدل به الشوكاني على كفر الكاهن ولماذا لم يستدل به على كفر من أتى الكاهن أو العراف مع أنه يقول بكفر من يقطع الصلاة عملاً بحديث (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَر)

(5)

؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة الطائف. حديث رقم (3983) بلفظ (عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَبَا بَكْرَةَ وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَا: سَمِعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ)

أخرجه مسلم في الإيمان، وأبوداود في الأدب، وابن ماجه في الحدود، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، والدارمي في السير.

(2)

- الفتح: آية (29)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب مناقب الصحابة: باب قوله لو كنت متخذا خليلاً. حديث رقم (3397) بلفظ (عَنْ أَبِي سعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا تَسبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ).

أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، والترمذي في المناقب عن رسول الله، وأبو داود في السنة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: المد: مكيال يقدر بملء الكفين ويعادل ربع الصاع.

(4)

مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: باب باقي المسند السابق. حديث رقم (9171) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وقد صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5939).

أخرجه الترمذي في الطهارة، وأبو داود في الطب، وابن ماجة في الطهارة وسننها، والدارمي.

معاني الألفاظ: الكاهن: كاذب يدعي معرفة الأسرار ومستقبل الزمان.

(5)

- سنن الترمذي: كتاب الإيمان: باب ما جاء في ترك الصلاة. حديث رقم (2621) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في الصلاة، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

- مسلم: كتاب الإيمان: باب ماجاء في ترك الصلاة. حديث رقم (242) بلفظ (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ)

أخرجه الترمذي في الإيمان، والنسائي في السنة، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الصلاة.

ص: 515

جـ: أنا ما زلت أتردد في كفر الساحر والكاهن، و (الشوكاني) ممن لا يكفر تارك الصلاة كما ترون كلامه في نيل الأوطار.

‌السحر حرام

س: رجل يشعوذ لكن لا فيما يضر الناس ولكن فيما ينفعهم مثلاً إذا ضاع شيء فهو يعلمهم بمكانه وإذا عُمل سحر على إنسان متزوج فهو ينقض السحر، فهل يأثم بعمله؟

جـ: إذا كان الإنسان يعمل السحر فهو ساحر والسحر حرام لقوله تعالى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}

(1)

ولحديث (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

‌من يكتب أشياء غير معروفه فهو مشعوذ

س: ما رأيكم في رجل متدين معه كتب يعالج بعمل حروز وبعض العلاجات الشعبية ولكن يكتب في الحروز بعض الألفاظ غير المعروفة؟

جـ: إذا كان الشخص يعالج بالأشياء العربية الشعبية التي كان يعالج بها الأولون فلا بأس، وإن كان يشعوذ ويكتب أشياءً غير معروفة فهو مشعوذ ويجب منعه ويجب أن يرفع به إلى وزارة العدل أو القاضي الشرعي الذي سيتولى محاكمته ومنعه.

س: ما حكم الذي يذهب إلى عند الساحر ليسحر آخر فإذا مات المسحور أو تأثر فعلى من التعويض هل على المباشر الذي عمل السحر وهو الساحر أم على الذي طلب منه عمل السحر؟

جـ: المسؤولية على المباشر للسحر وهو الساحر، أما الذي طلب منه عمل السحر فليس المسؤولية عليه لكنه يعزر.

س: ما حكم عمل حروز بعضها أسماء وإشارات وحروف وآيات قرآنية؟

جـ: إن كانت بغير الحروف العربية وبأشكال وأرقام غريبة فلا تجوز.

(تعلم السحر ولا تعمل به هذا) مثل وليس بحديث

س: هل هو حديث صحيح (تعلم السحر ولا تعمل به)؟

(1)

- البقرة: آية (102)

ص: 516

جـ: ليس هو بحديث لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف وإنما هو مثل من الأمثلة.

س: كيف تثبت على الساحر؟ وكيف نعرفه هل بشهود أم بماذا؟

جـ: إذا أقر في المحكمة أو يشهد عليه الشهود أنه سحر فلان بن فلان.

س: رجل ساحر حوَّل الثلاجة إلى دجاجة على مجمع من الناس فماذا يكون هذا الشخص؟

جـ: هذا الشخص ساحر وعليه التوبة وعلى الدولة تأديبه.

س: يوجد ساحر في بلدنا إذا هناك عرس يعمل ورقه من كتابه يجعل الرجل يبتعد عن فراش زوجته حتى يحصل على بعض النقود، فما الحكم؟ وإذا حصل بينه وبين أحد شجار فإن خصمه يتحول إلى مجنون؟

جـ: يحاكم لأن الحاكم هو الذي يقيم الحد وليس كل إنسان يقيم الحد لنفسه.

س: عندنا في البلاد رجل يدعي أنه ساحر ويأتي ويأخذ أوراق من القرآن ويضعها في النار ثم يأمر المرأة المريضة المرور من فوق هذه النار المبخرة بالقرآن ويأمر بذباحة كبش أبيض أو أسود ثم يأخذ ربع هذا الكبش إلى الحمام ويقول لأجل تأكل الجن وتشفي المريضة؟

جـ: هذا دجال ومشعوذ وكذاب ومستهزئ بالقرآن، وهذا الفعل حرام.

س: ما حكم الشرع فيمن هو كاهن أو ساحر وصلى خلفه الناس مع علمهم بسحره؟

جـ: الصلاة صحيحة والأفضل أن تكون الصلاة خلف غيره لحديث (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَة، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)

(1)

.

س:‌

‌ من هو الزنديق

؟

جـ: هو الذي يعمل في الخفاء ضد الإسلام والمسلمين مثل من كان يسلم من أهل الكتاب من الذين صاروا يضعون الأحاديث الموضوعة والقصص المكذوبة على الأنبياء مثل قصة احتيال نبي الله داود عليه السلام على (أوريا) ليقتله ليتزوج بزوجته التي تعلق قلب نبي الله داود بها لما راءها ذات مرة من فوق سطح بيته أو محرابه، ومثل الملحدين الذين يشككون في وجود الله تعالى ونحوهم.

س: من هو أشد خطراً على الإسلام المنافق أو الزنديق؟

جـ: الزنديق أشد لأنه يعمل ضد الإسلام.

س: هل يجوز قتل من يسبُّ عائشة رضي الله عنها؟

(1)

- صحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب من أحق بالإمامة. حديث رقم (1530) بلفظ (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَة، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ).

أخرجه الترمذي في الصلاة، والنسائي في الإمامة، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في مسند الشاميين.

أطراف الحديث: المساجد ومواضع الصلاة.

معاني الألفاظ: التكرمة: الموضع الخاص لجلوس الرجل مما يعد لإكرامه

ص: 517

جـ: إذا كان ينكر آيات سورة النور التي نزلت في تبرئة عائشة فقد أنكر قطعياً من الدين واللازم محاكمته عند القاضي الشرعي، ليحكم عليه بما يثبت لديه.

‌حكم المسحور مثل حكم المجنون

س: ما حكم من سبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مسحور وليس مجنوناً؟

جـ: حكم المسحور مثل حكم المجنون لا يخاطب بشيء من أحكام الشريعة الإسلامية.

‌الديوث هو من يرضى لمحارمه بفعل الفاحشة

س: هل صحيح أن من يدخل التلفزيون بيته يعتبر ديوثاً؟

جـ: قال العلماء: الديوث: هو من يرضى لمحارمه بفعل الفاحشة وهذا الذي أدخل التلفزيون إلى بيته لا يسمى ديوثاً لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً لأن التلفزيون حُسنُه حُسنٌ وقبيحُهُ قُبحٌ.

‌الانترنت حسنه حسن وقبيحه قبيح

س: ما حكم العمل في محلات الانترنت؟ وما حكم الانترنت شرعاً؟

جـ: حسنه حسن وقبيحه قبيح

‌إقامة الحدود من اختصاص الدولة وليس من اختصاص الأشخاص

س: في حديث (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ: فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)

(1)

وحديث (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)

(2)

وحديث (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فهل يقتل من يأتي عملاً من هذه الأعمال؟

جـ: القتل لا يكون إلا بواسطة القاضي الشرعي وتنفذ الحكم الدولة وإلاَّ فستكون فوضى وكل واحد يقتل الآخر ويدعي أن المقتول مرتد أو ساحر أو كاهن أو نحوه، فالعلماء يقولون: لا بدَّ من المحاكمة لكي يقر أو يُشهد عليه فلا بد من المحاكمة واثبات الدعوى عليه إما إقراراً أو شهادة، وليس تنفيذ الأحكام أو الحدود إلى الأشخاص وإنما هو من اختصاص الدولة، فالمسؤولية على الدولة في تنفيذ الأحكام، على أن هذا الكفر كفر نعمة لا كفر حقيقي.

س: رجل علم أنَّ بنته زنت واعترفت البنت فقام بجلدها ثمانين جلدة دون الرجوع إلى القاضي، فما الحكم؟

(1)

- سنن ابن ماجة: كتاب الطهارة وسننها: باب النهي عن إتيان الحائض. حديث رقم (528) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ: فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الطهارة، وأبو داود في الطب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ:

الكاهن: كاذب يدعي معرفة الأسرار ومستقبل الزمان.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الطب: باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان. حديث رقم (5782) بلفظ (عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)

أخرجه أحمد في باقي مسند الانصار.

معاني الألفاظ: العراف: كاهن يدعي معرفة الغيب.

ص: 518

جـ: أنا أعتقد أنه ليس آثماً لأنه أقام الحد عليها وستر ما ستر الله وخصوصاً على مذهب الشوكاني لحديث (مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ)

(1)

، والله أعلم ما سيقول أهل العلم في الجواب على هذا السؤال.

س: إذا دخلتُ البيت ووجدت رجلاً مع أختي أو زوجتي فقتلتهما غيرة على عرضي، فهل عليَّ إثم؟

جـ: في حق الزوجة يلاعنها وينفي الولد إذا ولدت في المحكمة الشرعية، وفي حق الأخت لا يقتلها لأن الحدود ليست بنظره إلى حد أنه يقتل أخته، وليس من حقه إقامة الحدِّ عليها أبداً.

س: ما قولكم في قول (سعد بن عباده) والله لو وجدت رجلاً مع إمرأتي لضربت عنقه غير مصفح ولم أتردد والرسول صلى الله عليه وسلم قال (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟!!! وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي)

(2)

أليس هذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بقتل الرجل الذي يجده مع زوجته؟

جـ: النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعاتبه ولم يقره على قوله ولذا نزلت آية الملاعنة وهي قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ

مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ

مِنَ الصَّادِقِينَ}

(3)

فآية اللعان وقصة هلال في الحديث الصحيح أصرح من قصة سعد بن عباده، وهي بلفظ (الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ)

(4)

.

(1)

- موطأ مالك: كتاب الحدود: باب ما جاء في من اعترف على نفسه بالزنا. حديث رقم (1299) بلفظ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ).

انفرد به مالك.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب التوحيد: باب قول النبي لا شخص أغير من الله. حديث رقم (6866) بلفظ (عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟!!! وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ).

أخرجه مسلم في اللعان، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: الحدود.

معاني الألفاظ: مصفح: ضارب بحده لا بعرضه.

(3)

- النور: (6 - 9).

(4)

-صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن: باب قوله عز وجل (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين). حديث رقم (4468) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ، قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: هِلَالٌ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا وَقَالُوا إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ).

أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الطلاق، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: الشهادات، الطلاق.

معاني الألفاظ:

تلكأ: تباطأ وتردد.

أكحل العينين: ذا سواد في أجفان العين.

سابغ: ضخم.

خدلجـ: ضخم ممتلئ.

ص: 519

س: هل تعتبر المرأة ديوثة إذا رأت من زوجها بعض الفساد أو علمت وسكتت وهي راضية أو سترت عليه؟

جـ: ما قد سمعتُ بامرأة ديوثة، وإنما يقال رجل ديوث.

‌من يسمح بدخول الرجال الأجانب إلى بيته والجلوس مع أهله متساهل وعاصٍ لله تعالى

س: ما هو الحكم فيمن يسمح لقطاع الصلاة بدخول بيته والجلوس مع أهله وبناته مع أن صاحب البيت يصلي ويكثر التنفل، فهل يعتبر ديوثاً؟

جـ: هذا يسمى متساهلاً ومجاملاً في حدود الله وعاصياً لله تعالى لكن لا يسمى ديوثاً لان الديوث: هو الذي يرضى لابنته أو زوجته أو أخته أو قريبته بفعل الفاحشة، وقد توعد الله الديوث بالوعيد الشديد بحرمانه من الجنة في حديث (ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ)

(1)

وحديث (ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ)

(2)

.

(1)

- سنن النسائي: كتاب الزكاة: باب المنان بما أعطى. حديث رقم (2515) بلفظ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ: وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى) صححه الألباني في صحيح النسائي برقم (2561) وقال عنه (حسن صحيح).

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الديوث: الذي لاغيرة له على أهله.

(2)

- مسند أحمد: كتاب مسند المكثرين: باب مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب. حديث رقم (5117) بلفظ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ)

اخرجه النسائي في الزكاة.

معاني الألفاظ: العقوق: العصيان وعدم الطاعة.

ص: 520

الباب الثامن: القصاص

وجوب الدية لا القصاص في قتل الخطأ

جواز الرجوع عن التنازل عن الدية

قتل الصبي أو المجنون قتل خطأ والدية على عاقلة الصبي أو المجنون

اختيار وزارة العدل في اليمن الآن لزوم قتل القاتل عمداً والممسك معه

إذا اجتمعت قبيلة على قتل امرأة بكر بتهمة الزنا فيقتلون بها جميعاً ما عدى الأب

من أراد قتل زيد عمداً فقتل عمراً فحكمه قتل عمدٍ لأنَّ كليهما قتل نفس محترمة

القصاص لا يسمى حداً

لا يقتل الأصل بالفرع

سقوط حق المطالبة بالقصاص بتنازل واحد من الورثة عن القصاص

جواز قتل الرجل بالمرأة والعكس

سقوط القصاص بعفو أحد الورثة سواءً كان من الرجال أو النساء

لا يقتل حر بعبد

إهدار القصاص في حالة إثبات القاتل أن قتله للمقتول كان دفاعاً عن نفسه

لا بدَّ لقتل القاتل من صدور حكم شرعي تجنباً للفوضى وكثرة القتل

إجراء محاكمة القاتل بالقصاص بعد ضمان نصيب القصار من الورثة من الدية

تحريم مساعدة القاتل على الهروب من وجه العدالة

لا يجوز قتل المسلم بالكافر

ترتب ثلاثة حقوق على القتل العمد حق الله تعالى وحق أولياء المقتول وحق المقتول نفسه

جواز القصاص في الأعضاء والجروح

نَسخت الآية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} حديث ((أن رجلاً قتل مائة نفس))

آية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} مخصصة لآية {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

قبول توبة القاتل إذا سلم نفسه للقصاص

ص: 521

‌الباب الثامن: القصاص

‌وجوب الدية لا القصاص في قتل الخطأ

س: ما حكم قتل الخطأ وقتل الصبي والمجنون؟

جـ: حكم قتل الخطأ يجب فيه الدية لا القصاص لأنه خطأ وكذا قتل الصبي أو المجنون خطأ حتى ولو كان قتل الصبي عمداً فهو خطأ وكذا عمد المجنون خطأ، والخطأ لا يقتل به لا الصبي ولا المجنون وإنما تدفع الدية.

‌جواز الرجوع عن التنازل عن الدية

س: هل يجوز التنازل عن الدية؟

جـ: جواز الرجوع عن التنازل عن النصيب من الدية إذا لم يكن الى مقابل والله أعلم.

‌قتل الصبي أو المجنون قتل خطأ والدية على عاقلة الصبي أو المجنون

س: في حالة ما إذا قتل الصبي أو المجنون قتيلاً فهل يجب على ولي الصبي أو المجنون دفع الدية؟

جـ: الدية تجب على عاقلة الصبي أو المجنون وليس على وليه فقط، وإنما تجب على قبيلته أو عشيرته.

س: ما رأيكم إذا أخذ الورثة الدية ثم بعد فترة قتلوا القاتل مع العلم أن الدية ليست من المحكمة الشرعية إنما هي عن طريق العرف والقبيلة؟

جـ: لا يجوز أن يقتلوه بعد أخذ الدية أبداً.

س: ما الحكم إذا رجم صبي أو مجنون رجلاً آخر في عينه، فهل عليه كفارة خطأ؟

جـ: يعطى والي الصبي أو المجنون نصف الدية تدفعها العاقلة وليس عليه كفارة خطأ لأن الأحكام التكليفية ساقطة عنه لأن النبي قال: (رفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَستَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ)

(1)

.

س: ما رأيكم في رجل مجنون قتل مجنوناً آخر فاجتمع أهل القرية فقتلوا المجنون الثاني فما يلزم أهل القرية لو طالبهم أهل المجنون الثاني؟

جـ: يلزمهم القصاص أو الدية فإذا تعين القاتل فإنه يقتل به وإذا كانوا كلهم قد أجمعوا على قتله واشتركوا في قتله فيقتلون به جميعاً لقول عمر (لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم)

(2)

.

‌اختيار وزارة العدل في اليمن الآن لزوم قتل القاتل عمداً والممسك معه

س: ما هو اللازم إذا أمسك رجل رجلاً وقتله رجل آخر غير الممسك؟

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الحدود عن رسول الله: باب ما جاء فيمن لا يجب عليه حد. حديث رقم (1423) بلفط (عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: رفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَستَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ) صححه الألباني في صحيح الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه ابن ماجة في الطلاق، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ: رفع القلم: كناية عن عدم التكليف.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الديات: باب إذا أصاب قوم من رجل يقتص منهم كلهم. حديث رقم (6896) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ غُلَامًا قُتِلَ غِيلَةً، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ اشْتَرَكَ فِيهَا أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ، وَقَالَ مُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ، إِنَّ أَرْبَعَةً قَتَلُوا صَبِيًّا).

معاني الألفاظ:

غيلة: الخديعة والغدر.

ص: 522

جـ: يقتل القاتل ويحبس ويعزر الممسك هكذا وردت بهذا أحاديث منهاحديث (خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَمَاهَا يَهُودِيٌّ بِحَجَرٍ، قَالَ: فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِهَا رَمَقٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا، فَأَعَادَ عَلَيْهَا، قَالَ: فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا، فَقَالَ لَهَا فِي الثَّالِثَةِ، فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا، فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ)

(1)

، واختيار وزارة العدل الآن أن يقتل القاتل والممسك عملاً بقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لَوْ اشْتَرَكَ فِيهَا أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ) وعقوبة الآخرة تعم جميع المشتركين في القتل كما في حديث (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ)

(2)

، وسبب قول عمر بن الخطاب "لو تمالأ أهل صنعاء على قتل رجل لقتلتهم به هو أن امرأة فاسقة يعشقها سبعة رجال، وكان لزوجها ولد من امرأة أخرى غيرها اسمه (أصيل) فقالت لهم إني أخشى من ابن زوجي أن يفضحنا فقالوا لها: هل نقتله؟ قالت: نعم، فتمالئوا جميعاً على قتله فقتلوه ورموه في بئر قصر غمدان، وكان موقع البئر شرقي شمال جامع صنعاء الكبير حيث كان يوجد في ذلك المكان قصر غمدان، وبعد أن قتلوه افتقدته أمه فبحثت عنه في جميع شوارع وأماكن صنعاء حتى اشتهر الولد المفقود (أصيل) من كثرة بحث وسؤال أمه عنه، وذات يوم مشى رجل من عند بئر قصر غمدان ورأى (الذباب الأخضر) يطلع من البئر والذباب الأخضر لا يوجد إلا على جثة آدمي فشك أن الولد المفقود في البئر فأبلغ والي اليمن في ذلك الحين وكان الوالي هو (يعلي بن أميه) فخرج مع بعض أعوانه ورجال من أعيان صنعاء فأمر شخصاً بأن ينزل إلى البئر ليكشف ما فيها وصادف أن هذا الرجل الذي أمره الأمير بالنزول إلى البئر هو أحد المجرمين فنزل وحرَّك الجثة ووضعها في كهف في البئر وصعد من البئر، وقال: لم أجد شيئاً، وكانت رائحة الجثة قد سبقته في الصعود حتى شمها الأمير ومن معه، فقال الأمير: بلى يوجد شئ، وأمر شخصاً آخر بالنزول إلى البئر للكشف عما فيها فنزل الرجل الثاني ووجد الجثة وقال وجدت جثة، فأمر الأمير بإطلاعها فلما أطلعوها وجدوها جثة الولد (أصيل) فألقى القبض على الرجل المجرم الذي أُمر بالنزول إلى البئر في المرة الأولى، وحُبس ودل على بقية الأشخاص الستة الذين كانوا معه واعترفوا جميعاً بجريمة القتل وتمالئهم جميعاً على قتل الولد (أصيل) ثم رفع والي اليمن أمرهم إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر الوالي بقتلهم جميعاً، وقال قولته المشهورة (والله لو تمالأ أهل صنعاء على قتل رجل لقتلتهم به) فقتلوا جميعاً.

س: إذا أجتمع أربعة أشخاص أو أكثر على قتل شخص واحد هل يقتلون به قصاصاً؟ أم أنه يلزمهم دفع الدية فقط؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الديات: باب إذا قتل بحجر أو بعصا. برقم (6877) بلفظ (عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَمَاهَا يَهُودِيٌّ بِحَجَرٍ، قَالَ: فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِهَا رَمَقٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا، فَأَعَادَ عَلَيْهَا، قَالَ: فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا، فَقَالَ لَهَا فِي الثَّالِثَةِ، فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا، فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ).

أخرجه مسلم في القسامة والمحاربين والقصاص والديات، والترمذي في الديات، وأبو داود في الديات، وابن ماجة في الديات، والدارمي في الديات، والنسائي في القسامة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الخصومات، الوصايا.

معاني الألفاظ: الأوضاح: حلي من فضة.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الديات: باب الحكم في الدماء. حدييث رقم (1318) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو الْحَكَمِ الْبَجَلِيُّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (1318).

انفرد به الترمذي.

لايوجد للحديث مكررات.

ص: 523

ثانياً: إذا اقتص الورثة ممن قتل مورثهم هل تبرأ ذمة القاتل من عذاب الله يوم القيامة أم لا؟

جـ: إذا اجتمع جماعة على قتل رجل فإن العلماء اختلفوا فيه على أقوال ثلاثة:

القول الأول: أنه يُقتل منهم من كان فِعلُه مباشراً ومؤثراً في القتل، وهذا هو المختار للمذهب الهادوي الزيدي.

القول الثاني: ما اختاره علماء وزارة العدل ومحكمة النقض والإقرار العليا بأنه يقتل كل من كان قد حمل السلاح وتآمر ولو لم يباشر عملية القتل مهما كان قد حمل السلاح أو ترصد واستعد لمقاتلة من سيغير على المقتول ولو لم يباشر القتل.

القول الثالث: لأهل الظاهر أن القصاص يسقط ولا يسلم القتلة إلا الدية، وهذا قول شاذ مردود عليه لأنه مخالف للأدلة الشرعية ومناف للحكمة الشرعية التي من أجلها شرع القصاص.

والجواب على الثاني: القاتل إذا اقتص منه الورثة بدم مورثهم فإن الطلب من الورثة للقاتل قد انتهى بالقتل قصاصاً ولم يبق لهم أيُّ حق أو دعوى أو طلب بالنسبة لما بين القاتل وأولياء الدم، أما بالنسبة لما بين القاتل والمقتول فالله سبحانه وتعالى أعلم وهو علام الغيوب وما المسئول بأعلم من السائل.

س: إذا قتل أشخاص شخصاً وذلك بقلع عينه أو ظفره أو قطع شفتيه فهل يمثل بهم مثله أو يدفعون عدة ديات لكونهم مثلوا به؟

جـ: إذا كان المقتول قد مثلوا به فيؤرش وإذا مات بشيء آخر بعد التمثيل به فلا يكون إلا القتل أو تغلظ الدية لمقابل المثلة به.

س: رجل لديه سيارة فمشى بها فهرولت عليه فلم يستطع إيقافها وأمامه رجل فقتله بالسيارة فصادف أن المقتول هو عدو صاحب السيارة، فما الحكم الشرعي؟

جـ: هذه المسألة تحتاج إلى دراسة لمعرفة الحقيقة.

س: إذا تلقى مجموعة لشخص يريدون قتله فتنبه لهم فقتلهم دفاعاً عن النفس لأن الدفاع عن النفس واجب، فماذا يحكم عليه في وزارة العدل هذه الأيام؟

جـ: إن استطاع أن يقيم البرهان على أنه قتلهم دفاعاً عن النفس كأن يشاهده شهود أثناء الحادث فالمحكمة تبرئه، وإن لم يكن معه شهود فسيقيمون دعوى عليه والمحكمة ستحكم بالظاهر، ولكن فيما بينه وبين الله تعالى لا شيء عليه لحديث (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ)

(1)

.

‌إذا اجتمعت قبيلة على قتل امرأة بكر بتهمة الزنا فيقتلون بها جميعاً ما عدى الأب

س: في بعض القبائل إذا زنت البنت البكر يجتمعون ويقتلونها، فما الحكم؟

جـ: إقامة الحدود ليس إلى القبيلة ولا إلى أهلها أو أخوالها، وإنما يجب أن يستروها لحديث (مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ

(1)

- سنن أبي داود: كتاب السنة: باب في قتال اللصوص. حديث رقم (1173) بلفظ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الديات، والنسائي في تحريم الدم، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

ص: 524

الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ)

(1)

وإذا قد ظهر الأمر واتضح وشاع بين الناس فتقدم للمحاكمة الشرعية لأنه ربما أنها مغتصبة أو مكرهة أو مخدوعة أو مستغفلة بأن كانت نائمة واستغفلت أو غيره، ويصح للمحكمة قبول دعوى وبرهان الإكراه، وإذا كانت ثياب المرأة ممزقه ويظهر على جسمها آثار الضرب والجنايات والقاضي الشرعي يعرف القرائن ويستمع إلى البراهين فلا يجوز قتل المرأة إذا اتهمت بالزنا من قبل قبيلتها، وإذا اجتمعوا على قتلها فيقتلون بها جميعاً ما عدى الأب فلا يقتل لأنه لا يقتل أصل بفرع.

‌من أراد قتل زيد عمداً فقتل عمراً فحكمه قتل عمدٍ لأنَّ كليهما قتل نفس محترمة

س: من أراد أن يقتل زيدا لعداوة بينهما فأخطأ زيداً وقتل عمراً فهل يسمى خطأ أم عمد؟

جـ: قال بعض العلماء: يسمى قتله خطأ ما دام وهو كان لا يريد إلا خصمه فلان، وقال بعض العلماء أن قتله يعتبر قتل عمد لأنه كان يريد قتل زيد فقتل عمراً وكلاهما قتل نفس محترمه فهو عمدٌ يقتل به قصاصاً إن طالب أولياء الدم بالقصاص، وهذا القول الأخير هو المطبق في وزارة العدل وفي المحاكم الشرعية في الجمهورية اليمنية.

‌القصاص لا يسمى حداً

س: هل القصاص حدٌ أو تطهير؟

جـ: القصاص لا يسمى حداً ولذا فالجمهور من العلماء يقولون في الحدود كتاب الحدود والقصاص.

‌لا يقتل الأصل بالفرع

س: هل يقتل الأصل بالفرع؟

جـ: لا يقتل والد بولده فإذا قتل الأصل الفرع فإنه يأثم وأما القتل فلا يقتل أصل بفرع، فمن يقتل ولده أو ولد ولده من ذكر أو أنثى فإنه لا يقتل به ولكنه يأثم ويجب عليه دفع الدية إذا طلبها ورثة المقتول من أبنائه وزوجته وغيرهم من الورثة، هذا بالنظر إلى أحكام الدنيا أما بالنسبة لأحكام الآخرة فإن قتل الفرع حرام لقوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}

(2)

وإذا تاب القاتل فإن التوبة هي فيما بين العبد وبين الله تعالى، أما فيما بين القاتل والمقتول فالأمر موكول إلى علم الله تعالى.

س: أقدم رجل على قتل ابنه عمداً لا خطأً مقابل مبلغاً من المال لم يسدده لابنه فحكمت المحكمة على الوالد بدفع الدية وهناك من استنكر حكم المحكمة وطالب بتنفيذ عقوبة الإعدام على الأب لأنه قتل ابنه عمداً فما هو الوجه

(1)

- موطأ مالك: كتاب الحدود: باب ما جاء في من اعترف على نفسه بالزنا. حديث رقم (1299) بلفظ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ).

انفرد به مالك.

(2)

- سورة النساء: آية (93).

ص: 525

الشرعي في هذه القضية؟ علماً بأن المحكمة تقول لا يقاصص الأب بالابن فما هو البرهان الذي استندت إليه المحكمة؟ وما هي الحكمة من وراء ذلك؟

جـ: المستند الذي استند إليه القاضي الشرعي هو قول الفقهاء في كتب الفقه بعدم القصاص بالأب إذا قتل ابنه، والدليل الذي احتج به العلماء على ذلك الحكم هو ما أخرجه الترمذي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ (وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ)

(1)

قال ابن حجر في التلخيص وفي إسناده الحجاج بن أرطأة، قال وله طرق أخرى عند أحمد والأخرى عند الدار قطني والبيهقي أصح منها، وصح عند البيهقي أن سنده ثقات ورواه الترمذي من حديث سراقة وإسناده ضعيف وفيه اضطراب واختلاف على عمرو بن شعب عن أبيه عن جده فقيل عن عمرو وقيل عن سراقة وقيل بلا واسطة وهي عند أحمد وفيها أبو مسلم المكي وهو ضعيف لكن تابعه الحسن بن عبدالله عن عمر بن دينار قاله البيهقي، وقال عبد الحق هذه الأحاديث كلها معلولة لا يصح فيها شيء وقال الشافعي حفظت عن عدد من أهل العلم لقيتهم (ألا يقتل الوالد بالولد) وبذلك أقول قال الشافعي هكذا في الأم وهو رأي الجمهور، قال الشوكاني في السيل الجرار ولا يخفاك أن مجموع ما ذكر يقوي بعضه بعضاً فتقوم به الحجة، وليس إلا الإعلال من طريق انقطاع في بعضها وقد تعددت الروايات في بعض الروايات هكذا في السيل الجرار، وأما الدية فهي ثابتة إن طلبها ورثة القتيل وقد خالف في المسألة داود بن علي الظاهري الذي ينسب إليه المذهب الظاهري الذي قال بمشروعية قتل الوالد بولده قصاصاً إذا كان القتل عمداً، كما أن مالك بن أنس رضي الله عنه فصل في المسألة تفصيلاً لا دليل عليه وهو أن الوالد إذا أضجع ولده وذبحه وهو مضطجع كما تذبح الشاه ثبت القصاص بالوالد بولده، وإن كان الوالد قد قتل ولده على غير هذه الصفة فلا قصاص بينهما حتى ولو كان القتل ظلماً وعدواناً.

س: ما الحكم إذا قتل أب كافر ولده المسلم؟

جـ: لا يقتل والد بولده لحديث: (وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ) فهوأعم من أن يكون الوالد مسلماً أو كافراً فهو أعم وبناءً عليه فلا يقتل الوالد الكافر بقتل ابنه المسلم بخلاف باب المواريث فإنه لا توارث بين أهل ملتين مختلفتين، وأما في باب النفقة فإنه يجب على الابن المسلم نفقة والده أو والديه المسلمين.

‌سقوط حق المطالبة بالقصاص بتنازل واحد من الورثة عن القصاص

س: بماذا يثبت القصاص؟ وماذا يلزم للورثة إذا أسقط بعض الورثة القصاص؟

جـ: يحق لكل واحد من الورثة في القتل العمد العدوان المطالبة بالقصاص ولكن إذا قد عفا واحد من الورثة عن حقه في القصاص فإن القصاص يسقط على جميع الورثة، ويجوز العفو عن القصاص لكل واحد من الورثة الرجال والنساء لا فرق بينهم، والغالب أن أولياء المحكوم عليه بالقصاص يحاولون التأثير على المرأة أو النساء من أولياء المقتول لإقناعها بالعفو عن القاتل وقبول الدية لأن المرأة عاطفية وسرعان ما تتأثر فتعفو وبالتالي يسقط حق المطالبة بالقصاص على جميع الورثة، ولذا فبعض أولياء المقتول يبدأون بتحذير النساء اللاتي لهن

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الديات: باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه هل يقاد منه أم لا. حديث رقم (1321) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1401).

أخرجه ابن ماجة في الحدود، والدارمي في الديات.

معاني الألفاظ: الحد: العقاب المقدر في الشرع.

ص: 526

حق في دم المقتول من العفو قبل بدء المطالبة بالقصاص، ويهددونهن بالقتل إن عفون عن القصاص.

س: مالحكم فيما إذا بلغ الطفل ابن المقتول وطلب القصاص من قاتل أبيه مع أن الورثة قد قبلوا الدية؟

جـ: إذا قد عفا أحد الورثة عن القصاص فيسقط حق القصاص على الجميع.

س: إذا قتل الأخ أخاه فعفت الأم عن القصاص، فهل يسقط القصاص؟

جـ: نعم، يسقط القصاص لأن الأم وارثة والقصاص يسقط بعفو أيِّ واحد من الورثة حتى ولو كانت من النساء.

س: رجل قتل زوجته عمداً ولهذه المرأة أطفال صغار ولها أب وأخوة فعفى عن القصاص أحد إخوانها، فما الحكم؟

جـ: العبرة بعفو الأب، أمَّا الأخ فليس وارثاً مع وجود الأب فعفو الأخ وعدمه على السواء لأنه ليس بوارث وليس له دخل في القضية، لأنه إذا قُتل الشخص فيطالب بدمه ابنه وإن لم يكن له ابن وله ابن ابن فيطالب بالدم ابن ابنه وإن لم يكن ابن ولا ابن ابن فيطالب بالدم أبوه أو جده، وإن لم يكن أبوه موجوداً فإن لم يكن له ابن ولا حفيد ولا أب ولا جد فيطالب بالدم أخوه أو إخوانه.

‌سقوط القصاص بعفو أحد الورثة سواءً كان من الرجال أو النساء

س: بماذا يسقط القصاص؟

جـ: يسقط بعفو بعض الورثة عن القصاص سواء كان البعض من النساء أو من الرجال.

س: ما الحكم إذا اختلف أولياء المقتول فبعضهم يريدون القصاص وبعضهم يريدون الدية؟

جـ: إذا عفا عن القصاص بعض الورثة سقط القصاص، وحكم القاضي الشرعي بالدية لأن القصاص لا يتبعض.

س: ما الحكم إذا قتل زوج والد زوجته فعفت الزوجة عن زوجها من القصاص ولم يعف إخوانها؟

جـ: سبق الجواب بأنه إذا عفا واحد من الورثة عن القصاص يسقط حق القصاص على الجميع.

‌إجراء محاكمة القاتل بالقصاص بعد ضمان نصيب القصار من الورثة من الدية

س: ماذا يصنع إذا كان مع المقتول أولاد لم يبلغوا الحلم؟

جـ: قال علماء المذهب الهادوي: أنه يجب الانتظار حتى يبلغ الأولاد أو الولد الحلم فإذا بلغ الحلم فهو مخيرٌ بين المطالبة بالقصاص أو قبول الدية، ولكن وزارة العدل قررت الآن عدم الانتظار لأنه ربما لا يبلغ الطفل الحلم إلا وقد مات القاتل في الحبس ولكن القاضي الشرعي يطلب من أولياء الدم المطالبين بالقصاص التزاماً بأنه إذا بلغ الطفل ورغب في طلب الدية بأنهم يدفعون له نصيبه من الدية فبعد أن يكتبوا التزاماً بدفع نصيب الولد أو الأولاد القصار إن بلغوا الحلم وطلبوا نصيبهم من الدية وتعمد الالتزام المحكمة الشرعية، تتم المحاكمة ويحكم على القاتل بالقصاص وقرار وزارة العدل هذا قرار جيد لأن القاصر بعد بلوغه لا يطلب إلا أحد الأمرين، إما القصاص وقد قص أو الدية وقد ضمن نصيب القاصر من الدية.

‌تحريم مساعدة القاتل على الهروب من وجه العدالة

س: ما حكم من يساعد القاتل على الهرب من وجه العدالة؟

جـ: اعلم أن من يعين القاتل عمداً أو خطاً على الهرب من وجه العدالة فهو آثم وعمله هذا غير جائز شرعاً لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان المنهيان عنهما في القرآن الكريم في قوله تعالى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ

ص: 527

وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

(1)

.

‌جواز قتل الرجل بالمرأة والعكس

س: هل يقتل الرجل بالمرأة والعكس؟

جـ: نعم، يقتل الرجل بالمرأة وتقتل المرأة بالرجل لعموم قوله تعالى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}

(2)

.

س: إذا قتل رجل امرأة وهي حامل فهل يعتبر قاتل للمرأة وللجنين الذي في بطنها؟ وما حكمه؟

جـ: إن كان القتل عمداً فيقتل بالمرأة وإن كان خطأً فيعطى القاتل دية المرأة، وأما الجنين ففيه غرة وهي نصف عشر الدية.

س: قلتم أن الرجل يقتل بالمرأة وأن الدليل هو قتل اليهودي الذي قتل المرأة وهوبلفظ (خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَمَاهَا يَهُودِيٌّ بِحَجَرٍ، قَالَ: فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِهَا رَمَقٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا، فَأَعَادَ عَلَيْهَا، قَالَ: فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا، فَقَالَ لَهَا فِي الثَّالِثَةِ، فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا، فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ)، فهل نقول أن هذا في حق غير المسلم؟ وما الدليل على قتل الرجل المسلم؟

جـ: أهل الذمة حكمهم حكم المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهودي واليهودية اللذين زنيا وهوبلفظ (أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْم، ِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ)

(3)

.

‌لا يجوز قتل المسلم بالكافر

س: هل يقتل المسلم بالكافر؟

جـ: اختلف العلماء، ذهب الجمهور من العلماء إلى أنه لا يقتل المسلم بالكافر، ولكن قالوا: المسلم الذي يقتل

(1)

-المائدة: (2)

(2)

- المائدة: آية (45)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب الرجم في البلاط. حديث رقم (6819) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْم، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ).

أخرجه مسلم في الحدود، وأبو داود في الحدود، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في الحدود، والدارمي في الحدود.

أطراف الحديث: الجنائز، المناقب، تفسير القرآن.

معاني الألفاظ: التحميم: تسويد الوجه.

التجبية: الجلد وأن يحملا على دابة ويجعل أحدهما إلى قفا الآخر. أجنأ: أمال وأحنى ظهره عليها ليقيها ويحميها.

ص: 528

معاهداً يأثم لحديث (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)

(1)

والمسلم لا يقتل قصاصاً بالكافر ولكن يجب عليه إخراج دية الكافر مع الإثم خلافاً لأبي حنيفة الذي يجوز قتل المسلم بالكافر، وقد حصلت قصة أيام هارون الرشيد حيث حكم القاضي أبو يوسف بقتل مسلم بكافر عملاً بمذهب أبي حنيفة فضج أهل بغداد احتجاجاً على حكم القاضي أبو يوسف فاستدعى الخليفة هارون الرشيد القاضي أبا يوسف وسأله فأخبره القاضي بالحكم وبأنه حكم على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة، فقال الرشيد للقاضي تدارك الأمر لكي لا يؤدي إلى فتنة فسأل القاضي أبو يوسف هل كان الذمي المقتول يدفع الجزية للدولة وطلب البراهين على دفعه للجزية فعجزوا عن الإثبات ببرهان على دفع الذمي الجزية للدولة الإسلامية وثبت لدى القاضي أن الكافر المقتول ليس ذمياً لأن الذمي هو الذي يدفع الجزية للدولة الإسلامية، فحكم بإبطال حكم القصاص وحكم بدفع دية الكافر لكن الذي يقتل الذمي أو المعاهد فهو آثم لورود الوعيد الشديد من النبي صلى الله عليه وسلم على من قتل المعاهد.

س: إذا قتل المسلم كافراً في بلدة إسلامية وهو في حمايتها هل يقاص أم لا؟ وإذا كان الكافر قد دخل البلاد سائحاً وقتل فما هو الوجه الشرعي في ذلك؟ كذلك إذا قتل الكافر مسلماً وهو في بلده وهو تحت حمايته فهل يقاص به أم لا؟

جـ: إذا قُتل الكافر المعاهد فلا قصاص بين الكافر والمسلم ولا يقتل المسلم بالكافر ولو كان القتل عمداً وليس معنى هذا أن قتل المسلم الكافر المعاهد لا إثم فيه بل عليه إثم عظيم لحديث (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)، والدليل على أنه لا يقتل المسلم بكافر معاهد حديث امير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (ولَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ)

(2)

كما في صحيح البخاري وغيره، كما أن الدليل في قتل المسلم الكافر المعاهد وزر حديث (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

(3)

أخرجه أبو داود بسند حسن كما أخرجه البيهقي أيضاً بزيادة هي وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصبعه إلى صدره فقال (ألا ومن قتل معاهداً له ذمة

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجزنية والموادعة: باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم. حديث رقم (2930) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا).

أخرجه النسائي في القسامة، وابن ماجة في الديات، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: الديات.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الديات: حديث رقم (6915) بلفظ (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ: لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ).

أخرجه مسلم في الحج، العتق، والترمذي في الديات، الولاء والهبة، والنسائي في القسامة، وأبو داود في المناسك، الديات، وابن ماجة في الديات، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، والدارمي في الديات.

أطراف الحديث: الحج، الجهاد والسير، الجزية والموادعة، الفرائض، والديات، الاعتصام بالكتاب والسنة.

معاني الألفاظ: العقل: تعويض مالي مقدر شرعاً مقابل قتل أو جرح ما يخلص به من الأسر.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الخراج والإمارة والفيء: باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات. حديث رقم (2654) بلفظ (حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ الْمَدِينِيُّ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3052).

انفرد به أبو داود.

معاني الألفاظ: دنية: لا صقوا ومتصلوا النسب. المعاهد: من بينه وبين المسلمين عهد. الحجيجـ: الخصم الغالب بالحجة والبرهان.

ص: 529

الله وذمة رسوله حرم الله عليه ريح الجنة وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا) ً ومن قتل معاهداً فعليه ديته، وأما إذا كان الكافر هو الذي قتل المسلم فإنه يقتل به لأن أدلة مشروعية القصاص لم تفرق بين أن يكون القاتل مسلماً أو كافراً وهي كلها تدل على أن القاتل الكافر يقتل لقتله المسلم إذا كان القتل عمداً عدواناً، وإنما لم يقتل المسلم بالكافر لأنه قد ورد دليل خاص بعدم قتله وهوحديث (ولَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) فكان الدليل على عدم قتله مخصصاً لعموم أدلة القصاص، وفي قتل الكافر بالمسلم عمداً لم يرد دليل تفصيل وبقي على أصل أدلة العام الدالة على القصاص بل إن الأدلة تدل على قتل الكافر بالمسلم بفحوى الخطاب لأنه إذا كان المسلم يقتل بالمسلم إذا كان القتل ظلماً عداوناً فبالأولى إذا كان القاتل كافراً.

‌لا يقتل حر بعبد

س: هل إذا قتل الحر العبد يقتل به؟

جـ: اختلف العلماء في ذلك فمن العلماء من قال يقتل الحر بالعبد لعموم قوله تعالى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}

(1)

ومن العلماء من قال لا يقتل الحر بالعبد وهو الشوكاني، ولم ينص على هذه المسألة في كتاب الدراري المضية لأنها مسألة خلافية وليس فيها نصوص وإنما هي مسالة اجتهادية، أما إذا قتل العبد الحر فالعبد يقتل بالحر بالإجماع.

‌إهدار القصاص في حالة إثبات القاتل أن قتله للمقتول كان دفاعاً عن نفسه

س: متى يهدر القصاص؟

جـ: إذا ثبت أن القاتل ما قتل المقتول إلا دفاعاً عن نفسه.

س: إذا هاجمني لصوص أو قطاع طريق في منطقة خالية بعيدة من الناس ثم تبادلنا إطلاق النار فقتلوا واحد منا أو قتلنا واحداً منهم فهل ينطبق علينا الحديث الذي يقول (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّار)

(2)

إذا كان ينطبق علينا فكيف أدافع عن نفسي أو على من معي وإذا قتلت في هذه المعركة هل أنا شهيد؟

جـ: من المعلوم أن قتل المسلم للمسلم حرام اللهم إلاّ َإذا كان دفاعاً عن النفس بحيث أن المسلم المعتدي عليه لا يتمكن من النجاة بنفسه من المعتدي عليه بأيِّ شيء غير القتل دفاعاً عن نفسه فلا مانع له من الدفاع عن نفسه بالقتل لقوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ولحديث (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ)

(3)

، أما إذا كان من الممكن رد الاعتداء بجرح المعتدي في رجلة أو في عضو من أعضائه التي لا يكون جرحها مميتاً فيقدم المعتدي عليه عليه الضرب

(1)

سورة المائدة: آية (45)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما). حديث رقم (30) بلفظ (عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟!! قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ).

أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، والنسائي في تحريم الدم، وأبو داود في الفتن والملاحم، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في مسند البصريين.

أطراف الحديث: الديات، الفتن.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب السنة: باب في قتال اللصوص. حديث رقم (1173) بلفظ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الديات، والنسائي في تحريم الدم، وابن ماجة في الحدود، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

ص: 530

أو الطعن على واحد من الأعضاء التي لا تكون في غالب الأحوال سبباً للموت، هذا بالنسبة إلى ما بين العبد وخالقه، أما بالنسبة إلى القضاء أو بالنسبة إلى ما يدعيه المجني عليه على المدافع فإن كان الدفاع مقصوراً على الضرب أو الجرح أو الطعن في غير المقتل أو ما يدعيه ورثة المقتول إن كان الدفاع بالقتل فالشريعة على الظاهر فإذا استطاع الشخص المدافع أن يبرهن على صحة دعواه (الدفاع) فسيكون العمل بموجب البرهان إن كان صحيحاً، وإن لم يستطع فسيكون الحكم عليه لعدم البرهان لأن الشريعة على الظاهر والله يتولى السرائر،

والخلاصة: أن دعوى الدفاع أمام المحكمة الشرعية لا بدَّ فيه من البرهان الشرعي فإن تمكن المدافع من إقامته وإلا فسيكون الحكم عليه عملاً بالظاهر، أما ما بينه وبين ربه فهو بريء أمام الله.

س: إذا أراد شخص قتلي فدافعت عن نفسي فقتلته، فما الحكم؟

جـ: إذا كان فيما بينك وبين الله تعالى فلا شيء عليك لحديث (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ) ولكن فيما بينك وبين المحكمة الشرعية إما أن تبرهن أن الرجل كان يريد قتلك فدافعت عن نفسك وإلا فالمحكمة ستحكم عليك بالقصاص

‌لا بدَّ لقتل القاتل من صدور حكم شرعي تجنباً للفوضى وكثرة القتل

س: هل يجوز للرجل أن يقتل من قتل أباه أو عمه أو أخاه أو ولده؟

جـ: لا يقتله لأنه لا بدَّ لقتل القاتل من محاكمة وصدور حكم من القاضي الشرعي بقتله ولا يقتله بغير حكم لأن هذا يؤدي إلى الفوضى وكثرة القتل، وتنفيذ الأحكام وإقامة الحدود ليست من اختصاص الأفراد وإنما هي من واجبات الدولة.

س: في بعض القبائل لا يسلمون القاتل ويدافعون عنه ويحولون دونه، فهل يعتبرون مشاركين للقاتل؟ وهل إذا لقي ولي المقتول القاتل بنفسه يجوز له أن يقتله بدون محاكمة؟

جـ: القبلية شيء والشريعة شيء، في الشريعة لا يجوز المدافعة والمحاماة عن قاتل العمد ولولي المقتول أن يطلب القصاص من القاتل في المحكمة الشرعية، والدولة تنفذ الحكم ولا يقتله بنفسه.

س: إذا كنت أنا ووالدي في سفر فإذا برجل قال عندنا له مال فقتل والدي فقتلته، فهل يحق لي قتله؟

جـ: لا بد من محاكمة وإلا سادت فوضى بين الناس.

س: وجد قتيل ولم يوجد شهود سوى رجل وامرأتين على القاتل، فهل يقام الحد؟

جـ: العلماء يقولون لا تقبل شهادة النساء في القصاص خلافاً للشيخ محمد الغزالي.

‌ترتب ثلاثة حقوق على القتل العمد حق الله تعالى وحق أولياء المقتول وحق المقتول نفسه

س: يوجد رجل قتل نفساً عمداً عدواناً وعمل المنكرات ونهب الأموال وبعد ذلك تاب وتصدق ورد حقوق الناس التي نهبها منهم، فهل يقبل الله منه توبته أم أنها غير مقبولة؟

جـ: اعلم بأن من قتل مسلماً عمداً عدوانا فعليه ثلاثة حقوق:

الحق الأول: لله تعالى لأن الله تعالى نهى عن القتل فإذا قتل القاتل مسلماً معصوم الدم فقد عصى الله فإذا تاب إلى الله تاب الله عليه والتوبة هي الندم على ما كان منه والعزم على عدم العودة على فعل الذنب والله عز وجل

ص: 531

{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}

(1)

من جميع التائبين كائنين من كانوا.

الحق الثاني: حق ورثة المقتول وهم أولياء الدم حيث ولهم الحق في المطالبة بالقصاص أو بالدية بدليل قوله تعالى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}

(2)

وبدليل الأحاديث الواردة في كتب السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وتوبة القاتل بالنسبة إليهم هو أن يصل إليهم نادماً مقراً معترفاً تائباً يرجو منهم العفو مجاناً أو العفو وأخذ الدية أو القصاص، فإن طلبوا من القاتل القصاص وعفا البعض عن الدية برئت ذمته من الدية ومن القصاص بالنسبة إليهم وإن عفا البعض عن القصاص وطلب الدية أو عفا عن القصاص والدية ولم يعف الآخرون وطالبوا بالقصاص سقط القصاص حتى ولو كان الذي عفا عن القصاص شخص واحد فإنه بمجرد عفوه يسقط القصاص مطلقاً سواء كان الشخص الذي عفا رجلاً أم امرأة هذا كله بالنسبة إلى أولياء الدم، أما بالنسبة إلى المقتول فالحق الذي له يبقى إلى يوم القيامة وفي يوم القيامة يصلح الله بينهما ويعفى المقتول عمن قتله ويعوض الله المقتول عن عفوه لأخيه إن خلصت توبة القاتل وإلاَّ عذب بحق أخيه وحق الله كما قاله العلامة المجتهد الكبير (محمد بن اسماعيل الأمير) في منحة الغفار حاشية ضوء النهار.

‌جواز القصاص في الأعضاء والجروح

س: هل يثبت القصاص في الأعضاء والجروح؟

جـ: نعم، يثبت القصاص في الأعضاء والجروح لقوله تعالى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}

(3)

ولكن القضاة في هذه الأيام لا يطبقون القصاص في الجروح خوفاً من السريان ولعدم التمكن أو القدرة من المساواة في القصاص، ففي الغالب يُعدل إلى أرش الجروح أي أن الجنايات والقصاص في الأعضاء والجروح ثابت وجائز بشرط أن يؤمن عدم السراية.

‌نَسخت الآية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} حديث ((أن رجلاً قتل مائة نفس))

س: كيف نجمع بين قوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}

(4)

والحديث (كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ هل مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ)

(5)

؟

(1)

- غافر): 2).

(2)

- الإسراء: (33).

(3)

المائدة: آية (45).

(4)

- النساء: (93).

(5)

- صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: باب حديث الغار. حديث رقم (3211) بلفظ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَت فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ).

أخرجه مسلم في التوبة، وابن ماجة في الديات، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 532

جـ: اعلم أنه لا معارضة بين هذه الآية والحديث لأن الحديث هو حكاية عن من قبلنا من الأمم وشريعة من قبلنا ليست شريعة لنا، ولسنا متعبدين بفعل ما ورد فيها كما هو مذهب جمهور علماء الأصول لأن علماء الأصول اختلفوا في شريعة من قبلنا هل هي شريعة لنا؟، فمن العلماء من ذهب إلى أن شريعة من قبلنا هي شريعة لنا، ومنهم من ذهب إلى أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا، والصحيح: هو أن الشريعة الإسلامية غير محتاجة لأدلة من شرائع أخرى لأن لكل رسول من رسل الله شرعة ومنهاجاً، وبناء على ذلك فالعمل على ما جاء في الآية الكريمة المصرحة على أن من قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً وما جاء في الحديث عن قبول توبة من قتل مائة نفس هو حكاية عمن قبلنا من الأمم السابقة كما هو نص الحديث، وحكاية النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمم السابقة لا يكون حجة علينا ولا دليل فيها على الحكم علينا بحيث نعمل بما تضمنته هذه الحكاية، وعلى فرض أن شريعة من قبلنا شريعة لنا فقد عارض الحديث الآية الكريمة القطعية الدلالة على أن (من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه) فالعمل على ما جاء في الآية الكريمة لأن شريعة الإسلام ناسخة لكل ما جاء من الشرائع السابقة، فيكون ما جاء في الحديث منسوخاً والآية ناسخة والعمل يكون بالناسخ لا بالمنسوخ، وعلى كلا المذهبين فالعمل على ما نصت عليه الآية الكريمة لا على الحديث لأن الحديث ظني السند والآية قطعية السند.

آية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} مخصصة لآية {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

س: أجمع أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بأن أهل معرفة الله لا يخلدون في النار وأهل نكرانه يخلدون مستدلين بالآيات والأحاديث الصحيحة، فكيف نجمع بين قولهم وقول الله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية أرجو التوضيح فقد أشكل علينا؟

جـ: آية عقوبة القاتل التي هي {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} مخصصة لآية {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وغيرها فبقية أهل الكبائر تحت المشيئة، والقاتل سيخلد في النار والله أعلم.

‌قبول توبة القاتل إذا سلم نفسه للقصاص

س: جاء في الحديث الصحيح بأن الحدود كفارة فإذا أقيم الحد على القاتل فهل يقتص المقتول يوم القيامة؟

جـ: إذا كان القاتل قد سلم نفسه للقصاص وتاب توبة خالصة فسيغفر الله له يوم القيامة ويعوض المقتول بعوض حتى يرضى.

ص: 533

الباب التاسع: الديات

• دية المسلم مائة رأس من الإبل أو ألف دينار من الذهب أو عشرة آلاف درهم من الفضة

• تقديرات وزارة العدل للديات والأروشات تتغير بحسب قيمة العملات

• ليس في الشريعة الإسلامية ما يسمى بدية السلامة ولكن يؤدب ويعزر المعتدي

• تقدير الدية في اليمن أقل من تقديرها أيام الرسول صلى الله عليه وسلم

• تقدير أرش بعض الجنايات ثبتت بالأحاديث النبوية وبعضها استحسنه العلماء استحساناً

• قتل العمد هو مباشرة القتل بآلة قاتلة

• في التوبة من القتل العمد يجب تقديم النفس وبذلها للقصاص

• قتل الثأر حرام ولا يجوز القتل إلا بمحاكمة شرعية

• جواز الحكم بالقصاص وبالدية على من قتل شخصين

• شبه العمد هو القتل بآلة لا يقتل مثلها في العادة كالسوط والعصا والحجر الصغيرة

• تخيير ولي الدم بين القصاص أو أخذ الدية أو العفو في شبه العمد

• جواز الصلح في القصاص بالدية أو بأقل أو أكثر منها

• قتل الخطأهو كمن يصطاد حيوان فيقع في إنسان

• اشتراط التتابع في صيام كفارة القتل الخطأ

• صحة صوم كفارة القتل الخطأ ممن يقصر في أداء الصلوات

• وجوب كفارة الخطأ على المرأة التي مات مولودها بسبب نومها عليه

• جواز صوم كفارة قتل خطأ واحدة عن أنفس متعددة في حوادث المواصلات العامة

• كفارة قتل الخطأ حق لله تعالى لايسقط بعفو أولياء دم المقتول

• الكفارة لا تكون إلا على قتل الخطأ

• من حفر حفرة في الشارع وسقط فيها شخص فهو قتل خطأ يتحمل الدية صاحب الحفرة

• حق أولاد المقتول القصار في الدية ثابت ولا يصح التنازل عنه

• عاقلة القاتل عشيرته أو قبيلته أو أهل حارته أو أفراد معسكره إن كان في الجيش

• دية المرأة نصف دية الرجل

• دية الجنين غرة وهي قيمة عبد أو أمة

• دية الخنثى مثل دية الرجل إذا بال من آلة الرجل

• دية الكافر نصف دية المسلم

• دية المرأة الذمية نصف دية المرأة المسلمة

ص: 534

• أرش ما كان في الجسد من الأعضاء زوج كاليدين أو الرجلين أو العينين أو نحوها دية كاملة

• أرش الجناية المنقلة عشر الدية ونصف عشرها

• أرش الجناية الهاشمة للعظم عشر الدية

• أرش الجناية الموضحة للعظم نصف عشر الدية

• تقدير أرش الدامية الصغرى والكبرى والمحمرة والسمحاق

• أرش الجناية على الإصبع عشر الدية والأصابع سواء

• أرش الجناية على السن الواحد نصف عشر الدية

• لا يجمع على الجاني بين معالجة المجني عليه وتسليم ارش الجناية

• من عضَّه كلب حراسة فالمعالجة أو الأرش على صاحب الكلب

• قتل حوادث السيارات كلها من القتل الخطأ

• كل حوادث السيارات من القتل الخطأ وتغلظ الدية على من يسوق وهو غير متعلم

• العبد تقدر قيمته إذا كان سليماً وقيمته معيباً بالجناية ويدفع الجاني فارق القيمة

• أرش جناية الحيوانات هي أن تقدر قيمة الحيوان قبل الجناية عليه وبعدها

• جواز الاتفاق على تضمين مالك الماشية قيمة ماأكلته من زرع غيره

• تحريم قتل القرود إلا إذا كانت مؤذية أو صائلة

• أرش الجناية على السيارات والمركبات بتقدير قيمتها قبل الجناية عليها وبعدها

• لا تلزم العاقلة بدفع ما يحدث في السيارة وإنما تلزم بدية المقتول خطأ لتحريم دم المسلم

ص: 535

‌الباب التاسع: الديات

‌دية المسلم مائة رأس من الإبل أو ألف دينار من الذهب أو عشرة آلاف درهم من الفضة

س: كم دية المسلم؟

جـ: دية المسلم في أيام النبي صلى الله عليه وسلم كانت مائة من الإبل أو مائتين من البقر أو ألف رأس من الشياه أو ألف دينار من الذهب أو عشرة آلاف وفي رواية اثنا عشر ألف درهم من الفضة، وفي هذه الأيام أصبحت هذه الديات من المستحيل لأن قيمة هذه الأعداد من هذه الأنواع صارت مرتفعه لو ثمنا رأساً من البقر بمتوسط سعر هذه الأيام وقلنا قيمته خمسون ألف ريال يمني مثلاً فسيكون قيمة مائتين رأس من البقر عشرة ملايين ريال يمني، وهكذا لو ثمنا الشياه أو الإبل فالعلماء هذه الأيام قد قدروا الدية بمبلغ ثلاثمائة وخمسين ألف ريال ثم ضاعفوها إلى مبلغ سبعمائة ألف ريال يمني وبلغنا أن وزارة العدل الآن بصدد مضاعفة الدية بحسب ما يناسب هذه الأيام.

‌تقديرات وزارة العدل للديات والأروشات تتغير بحسب قيمة العملات

س: هل تقديرات وزارة العدل للديات والأروشات ثابتة؟

جـ: هي تتغير من وقت لآخر بحسب قيمة العملات.

‌ليس في الشريعة الإسلامية ما يسمى بدية السلامة ولكن يؤدب ويعزر المعتدي

س: هناك ما يسمى بدية السلامة، وذلك بأن الإنسان إذا اعتدى على شخص ولكنه لم يقتله فيلزم المعتدي بإعطاء دية السلامة للمعتدى عليه، ما رأيكم في ذلك؟ وما حكم هذه الدية؟

جـ: هذا في (القبلية) أما في الشريعة الإسلامية فليس فيها ما يسمى بدية السلامة، ولكن في الشريعة أن المعتدى يؤدب ويعزر لمقابل إفزاعه الشخص المعتدى عليه، أما دية السلامة فهي عادة (وقبيلة) وليست بشريعة.

س: رجل صوب البندق على شخص فلم يقتله فألزمه الناس بأن يؤدي دية السلامة، فما الحكم؟

جـ: هذا حكم عرفي وليس شرعي.

‌تقدير الدية في اليمن أقل من تقديرها أيام الرسول صلى الله عليه وسلم

س: قرأت في جريدة أن الدية التي يعمل بها في اليمن أقل من الدية على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ما مدى صحة هذا المقال؟

جـ: الدية في اليمن أقل وأنا قد قلت لكم بأن هذا استحسان من وزارة العدل وليس للقدر المقرر من الوزارة وهو (700) سبعمائة ألف ريال بالعملة اليمنية أصل في الشريعة بل الدية في الشريعة ألف دينار ذهب وسيقدر بأربعة آلاف جرام ذهب والأربعة آلاف غالية جداً.

‌تقدير أرش بعض الجنايات ثبتت بالأحاديث النبوية وبعضها استحسنه العلماء استحساناً

س: ما معنى الجنايات الدامية والهاشمة والمنقلة وغيرها؟ وهل على هذه التسمية وتقديرات أروشها أدلة نبوية؟

جـ: بعض الجنايات مثل الجائفة والآمة والهاشمة والموضحة والمنقلة عليها أدلة وهي مذكورة في الأحاديث النبوية منها، حديث (وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ

ص: 536

الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ)

(1)

، وحديث (وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَنْفِ إِذَا جُدِعَ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَإِذَا جُدِعَتْ ثَنْدُوَتُهُ فَنِصْفُ الْعَقْلِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ عَدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ أَوْ مِائَةُ بَقَرَةٍ أَوْ أَلْفُ شَاةٍ، وَفِي الْيَدِ إِذَا قُطِعَتْ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَفِي الرِّجْلِ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الْعَقْلِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَثُلُثٌ أَوْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الشَّاءِ، وَالْجَائِفَةُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَفِي الْأَصَابِعِ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَسْنَانِ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ)

(2)

وبعضها مثل الدامية الصغرى والكبرى والباضعة وغيرها استحسنها العلماء استحساناً وليس عليها أدلة منصوصة كما في وبل الغمام للشوكاني.

‌قتل العمد هو مباشرة القتل بآلة قاتلة

س: ما الفرق بين قتل العمد والخطأ؟

(1)

سنن النسائي: كتاب الفسامة: باب في ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول واختلاف الناقلين. حديث رقم (4770) بلفظ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقُرِئَتْ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ هَذِهِ نُسْخَتُهَا، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قَيْلِ ذِيِ رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ، أَمَّا بَعْدُ وَكَانَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ) ضعفه الألباني في ضعيف سنن النسائي برقم (4869).

انفرد به النسائي.

أطراف الحديث: القسامة.

معاني الألفاظ: الدية: تعويض مالي يقدر شرعاً مقابل قتل أو جرح. البينة: دليل يثبت صدق الدعوى. القود: القصاص، وهو مجازاة الجاني بمثل صنيعه. ولي القتيل: من يطلب القصاص أو العفو. أوعب جدعه: قطعه كاملاً. الصلب: الظهر. المأمومة: الجرح الذي يصل إلى غشاء محيط المخ. الجائقة: الطعنة التي يبلغ جوف الرأس أو جوف البطن.

المنقلة: الإعتداء الذي يكسر فيه العظم. الموضحة: الجرح الذي يظهر في العظم.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الديات: باب ديات الأعضاء. حديث رقم (4564) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَوِّمُ دِيَةَ الْخَطَإِ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَ مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ عَدْلَهَا مِنْ الْوَرِقِ، وَيُقَوِّمُهَا عَلَى أَثْمَانِ الْإِبِلِ فَإِذَا غَلَتْ رَفَعَ فِي قِيمَتِهَا وَإِذَا هَاجَتْ رُخْصًا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَبَلَغَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ أَرْبَعِ مِائَةِ دِينَارٍ إِلَى ثَمَانِ مِائَةِ دِينَارٍ وَعَدْلُهَا مِنْ الْوَرِقِ ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَمَنْ كَانَ دِيَةُ عَقْلِهِ فِي الشَّاءِ فَأَلْفَيْ شَاةٍ، قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم إِنَّ الْعَقْلَ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ عَلَى قَرَابَتِهِمْ فَمَا فَضَلَ فَلِلْعَصَبَةِ، قَالَ وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَنْفِ إِذَا جُدِعَ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَإِذَا جُدِعَتْ ثَنْدُوَتُهُ فَنِصْفُ الْعَقْلِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ عَدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ أَوْ مِائَةُ بَقَرَةٍ أَوْ أَلْفُ شَاةٍ، وَفِي الْيَدِ إِذَا قُطِعَتْ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَفِي الرِّجْلِ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الْعَقْلِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَثُلُثٌ أَوْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الشَّاءِ، وَالْجَائِفَةُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَفِي الْأَصَابِعِ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَسْنَانِ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَقْلَ الْمَرْأَةِ بَيْنَ عَصَبَتِهَا مَنْ كَانُوا لَا يَرِثُونَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا، وَإِنْ قُتِلَتْ فَعَقْلُهَا بَيْنَ وَرَثَتِهَا وَهُمْ يَقْتُلُونَ قَاتِلَهُمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَوَارِثُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا، قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا كُلُّهُ حَدَّثَنِي بِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَبُو دَاوُد: مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ هَرَبَ إِلَى الْبَصْرَةِ مِنْ الْقَتْلِ) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في القسامة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، والدارمي في الديات.

أطراف الحديث: الديات.

معاني الألفاظ: يقومها: يقدر ما يعادل قيمتها. الدية: تعويض مالي يقدر شرعاً مقابل قتل أو جرح. العدل: القيمة والمثل. الورق: الفضة. غلت: من الغلاء وهو ارتفاع ثمنها وزيادة سعرها. العقل: الدية. العصبة: القرابة من جهة الأب. الجدع: قطع الأنف والأذن وغيرها من الأطراف.

الثنذوة: أرنبة الأنف. المأمومة: الجرح الذي يصل إلى غشاء محيط المخ. الجائفة: الطعنة التي يبلغ جوف الرأس أو جوف البطن.

ص: 537

جـ: العمد: هو مباشرة القتل بآلة قاتلة بندق أو مسدس أو خنجر أو حجر كبيرة أو نحوه، والخطأ: هو إذا أراد الشخص قتل الحيوان فوقعت في الآدمي المحترم الدم أو تسبب في القتل كمن حفر حفرة فيقع الرجل فيها فيسمى مسببا، والمسبب نوع من أنواع القتل الخطأ.

وشبه العمد: هو مباشرة الضرب بآلة لا تقتل في العادة كالسوط والعصا.

س: ما معنى قتل العمد غير العدوان؟ وكيف صورته؟

جـ: مثل أن تحكم المحكمة بالقصاص على شخص قتل عمداً عدواناً فتأمر المحكمة شخصاً بتنفيذ الحكم، فيقتل المحكوم عليه بالرصاص تنفيذاً للحكم، فهو قتل عمد لكنه ليس قتل عدوان

‌في التوبة من القتل العمد يجب تقديم النفس وبذلها للقصاص

س: إذا قتل شخص شخصاً ولم يعلم به أحد وأراد أن يتوب، فهل تكفى التوبة فيما بينه وبين الله أم أنه لازم لتوبته تسليم نفسه للقصاص؟

جـ: لا بدَّ في التوبة من القتل العمد العدوان من تسليم نفسه للقصاص لأنه قصاص وليس حداً من حدود الزنا أو شرب الخمر أو غيره من القاذورات التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ)

(1)

.

س: إذا قتل رجلٌ والدهُ وأعترف وأقر بذلك ولكن إخوانه عفوا عنه ولم يطالبوا بدية ولا قصاص، فهل يقبل عفو الورثة؟

جـ: نعم، يُقبل عفو الورثة في الدنيا، أما فيما بينه وبين الله فشيء آخر فالقاتل مسئول عن ثلاثة أشياء:

(1)

التوبة فيما بينه وبين الله وتتمثل في بذل نفسه للقصاص.

(2)

وأما بالنسبة إلى حق الورثة فالورثة يطالبونه بالقصاص أو بالدية أو العفو فإذا عفو أو اقتصوا منه أو أخذوا الدية سقط حق الورثة.

(3)

وحق للمقتول يطالب به يوم القيامة حيث يقول يا رب اسأل هذا لماذا قتلني؟؟ قال بعض العلماء: يؤخذ من حسنات القاتل وتعطى للمقتول، وقال بعضهم يقال اعف عنه ما دام أنه قد تاب.

‌قتل الثأر حرام ولا يجوز القتل إلا بمحاكمة شرعية

س: قتل شخص شخصاً من قبيلة أخرى فاجتمع أربعة أشخاص من قبيلة المقتول وتآمروا على قتل شيخ قبيلة القاتل ثأراً للشخص المقتول من قبيلتهم مع أن الشيخ المقتول لم يكن متآمراً على قتل صاحبهم، فما حكم ذلك؟

جـ: لا يجوز قتل الشيخ ولا يجوز قتل أيِّ شخص إلا بمحاكمة شرعية.

(1)

- موطأ مالك: كتاب الحدود: باب ما جاء في من اعترف على نفسه بالزنا. حديث رقم (1299) بلفظ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ).

انفرد به مالك.

ص: 538

‌جواز الحكم بالقصاص وبالدية على من قتل شخصين

س: رجل قتل أخته وزوجها عمداً، فما الحكم؟

جـ: يقص بهما إلا إذا ادعى ورثة الزوج الدية فيحكم لهم بالدية، وإذا أدعى أولياء الأخت بالقصاص فيحكم عليه بالقصاص، ويحكم عليه بالدية من ماله، ويحكم عليه بالقصاص.

س: إذا رأيت قاتل أبي فقتلته، فما علي من الناحية الشرعية؟

جـ: أما ما بينك وبين الله فما عليك شيء، وأما أمام القضاء فستحاكم وتطلب المحكمة منك إعطاء الأدلة على أنه قاتل أبيك.

‌شبه العمد هو القتل بآلة لا يقتل مثلها في العادة كالسوط والعصا والحجر الصغيرة

س: ما هو شبه العمد؟

جـ: شبه العمد هو قتيل السوط والعصا والحجر الصغيرة.

س: امرأة قتلت ابنها حيث ركضته برجلها وهي لا تعلم، فهل عليها دية أم ماذا؟

جـ: هذا قتل شبه عمد وفيه دية مغلظة.

‌تخيير ولي الدم بين القصاص أو أخذ الدية أو العفو في شبه العمد

س: ما حكم شبه العمد؟ هل هو حكم العمد أم حكم الخطأ؟

جـ: قتل العمد ولي الدم يكون مخيراً بين القصاص أو أخذ الدية أو العفو، وقتل الخطأ ليس فيه إلا الدية.

س: هناك رجلان أحدهما يتوعد الآخر بالقتل فإذا كان أحدهما يباشر الصيد فرمى الآخر، فما حكم القتل هذا؟

جـ: العبرة بالبراهين الشرعية على أنه قتله عمداً وعدواناً.

س: رجل قتل شخصاً بمسكة يده، فما حكمه؟

جـ: قبضة اليد لا يقتل بمثلها في العادة، فهذا يعتبر من قسم شبه العمد.

‌جواز الصلح في القصاص بالدية أو بأقل أو أكثر منها

س: هل يجوز الصلح في القصاص بعد النزول إلى المحكمة؟

جـ: نعم، يجوز الصلح في القصاص قبل وأثناء وبعد المحكمة بالدية أو بأكثر أو بأقل.

س: ما هي الدية المهدشة؟

جـ: هي أن يقول رجل لآخر أنت آمن ثم يقتله في داره، ويقال له عند القبائل عيب، والعيب هذا يدفع القاتل إحدى عشر دية وهذا طاغوت، ولكن يمكن أن يكون بينهم صلح بحيث يدفع القاتل عدد من الديات باسم الصلح.

س: رجل قتل شخصاً فحكم عليه بالدية ثم هرب إلى تونس وبعد مدة رجع وهو ثري فطلب أهل المقتول الدية فرفض، ما الحكم؟

جـ: تلزمه المحكمة الشرعية بإعطاء الدية أو قتله.

ص: 539

س: أحد الشباب اعتدى على امرأة حامل وأراد عمل الفاحشة معها فسقط الطفل، فهل يقام عليه حد الحرابة أم يدفع دية الطفل أم ماذا؟

جـ: يدفع دية الطفل ويؤدب ويعزر لذنبه هذا.

‌قتل الخطأ هو كمن يصطاد حيوان فيقع في إنسان

س: ما هو قتل الخطأ؟

جـ: هو من يصطاد الحيوان فيقع في الآدمي، هذا قتل خطأ لا يحكم على القاتل بالقصاص ويدفع دية مخففة، قدر العلماء أن تخفيف الدية عن المغلظة بإنقاص خمس دية المغلظة فتكون دية الخطأ هذه الأيام بحسب تقديرات وزارة العدل في هذه الأيام خمسمائة وستين ألف ريال يمني.

س: في هذه الأيام عادة عند الأولاد وهي التعلق في خلف السيارات دون علم سائق السيارة، فهل إذا قتل أحدهم يلزم به صاحب السيارة أم ليس عليه شئ؟

جـ: قلت لكم أن العلماء يقولون بأن القتل فيما عدى قتل العمد يعتبر قتل خطأ، لأن دم الآدمي محترم ولا يهدر، ولكن العلماء يجعلون القتل من المخفف فيه وهو الخطأ.

س: رجل وجد أخته وهي تعمل الجريمة مع شخص آخر فهرب الرجل لكنه مسك أخته فضربها ضرباً شديداً ثم حبسها في غرفة فماتت، فما الحكم؟

جـ: الظاهر أنه من الخطأ لأن الناس لا يموتون من اللطم والركض لأنه لو كان يريد قتلها لأطلق عليها الرصاص ولكن عليه الدية ولا قصاص فيه.

‌اشتراط التتابع في صيام كفارة القتل الخطأ

س: ما حكم من قتل مؤمناً خطأ ودفع الدية وصام الشهرين إلا أنه أفطر فيها عشرة أيام، فهل يستأنف صيام شهرين آخرين؟

جـ: هذه المسألة واضحة في القرآن الكريم في قوله تعالى {وَمَا كَانَ

لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا

خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى

أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ

مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}

(1)

ولا تحتاج إلى فتوى لأن الله عز وجل في القرآن يشترط صيام شهرين متتابعين فالتتابع لا بد منه في صيام الكفارة.

س: إذا قتلت امرأة ولدها خطأ فعليها الدية وصيام شهرين متتابعين فكيف يكون التتابع وهناك انقطاع بسبب الحيض؟

جـ: تصوم شهرين متتابعين، أما أيام الحيض فلا مانع لها أن تفطر فيها كما تفطر في رمضان ثم تقضي الأيام التي أفطرت فيها كما تقضي ما تركته من الصيام في شهر رمضان.

(1)

النساء: (92).

ص: 540

‌صحة صوم كفارة القتل الخطأ ممن يقصر في أداء الصلوات

س: ما حكم من يصوم شهرين متتابعين كفارة قتل خطأ ولا يحضر المسجد وهو كما يقول أهله: إنه ينام أكثر النهار دون أن يصلي؟

جـ: إذا قد فرغ من صيام الشهرين المتتابعين فقد عمل الواجب الذي أوجبه الله عليه في القرآن، وما يعمله شيء آخر، يجب عليه الرجوع إلى الله والتوبة النصوح وباب التوبة مفتوح لمن تاب وأناب ورجع إلى الله بإخلاص.

‌وجوب كفارة الخطأ على المرأة التي مات مولودها بسبب نومها عليه

س: ما الحكم في امرأة نامت وهي ترضع طفلها فانضغظ ثديها على فم الطفل فمات؟

جـ: يجب عليها أن تصوم شهرين متتابعين لقوله تعالى {وَمَا كَانَ

لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا

خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى

أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ

مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.

‌جواز صوم كفارة قتل خطأ واحدة عن أنفس متعددة في حوادث المواصلات العامة

س: إذا تسبب شخص ما في قتل شخصين خطأ، فهل يصوم عن كل نفس شهرين متتابعين؟ أم ماذا؟

جـ: بعض العلماء في هذا العصر يرى أن عليه كفارة واحدة وهي صيام شهرين فقط اجتهادا منه لكثرة الحوادث، فقد تصدم الحافلة وفيها الأربعون والخمسون ويموتون جميعا أو يموت الأكثر منهم وقد تحرق أو تغرق الباخرة وفيها المائة والمائتان، وقد تسقط الطائرة وفيها أكثر من هذا والسائق واحد، فلهذا الأرجح أن تكون كفارة واحدة لعموم البلوى والله أعلم.

‌كفارة قتل الخطأ حق لله تعالى لايسقط بعفو أولياء دم المقتول

س: حدث أن رجلاً كان يسوق قلاباً فلم يشعر إلا بباص صغير تحت القلاب وقتل صاحب الباص خطأً حسب نتيجة الكشف على الحادث وتنازل أهل المقتول عن صاحب القلاب وقالوا يجب عليه الكفارة، فهل تجب عليه الكفارة أم لا؟

جـ: اعلم أنه لا تعارض بين الكفارة وبين العفو الصادر من ورثة المقتول لأن دية الخطأ تكون واجبة على القاتل خطأ لورثة المقتول إلا إذا صدر العفو منهم عن الدية فإنها تسقط على القاتل، وأما الكفارة فهي ما بين القاتل خطأ وبين الله عز وجل وليست بين القاتل خطأ وبين ورثة المقتول حتى تسقط هذه الكفارة بعد العفو عن الدية، وفي هذه المسألة قد عفا الورثة عن الدية وبقيت الكفارة هذا إن صح أن القتل كان خطأ وتحتاج المسألة إلى تفصيل، فإذا كان هذا الشخص هو السبب في قتل صاحب الدباب وتقرر هذا فعليه صوم شهرين متتابعين لا يفصل بينها بأيِّ فطر اللهم إلا إذا كان الإفطار لعذر ضروري من الأعذار القاهرة التي لا دخل للإنسان فيها مثل الحيض والمرض الذي يخشى ضرر الصيام عليه، فإذا طهرت الحائض أو شفي المريض كان عليه البناء على ما قد صام، أما إذا كان العذر ليس من الأعذار القاهرة وهو داخل تحت إرادة الإنسان ودخله مثل السفر فإنه لا يسوغ للصائم صيام هذه الكفارة أن يفطر بل عليه مواصلة الصوم ولو كان مسافراً فإن السفر لا يبيح له الإفطار في هذا الصوم، وذلك لأن صوم الكفارة مخالف لصوم رمضان الذي يجوز للإنسان الفطر فيه إذا كان مسافراً، وإنما كان مخالفاً لأن الآية قد نصت على وجوب التتابع وأصل التتابع ألا يكون هناك أيَّ فاصل، ولم يرد دليل

ص: 541

على جواز الإفطار في السفر في صوم الكفارة أي كفارة القتل الخطأ، وحيث لم يرد دليل فالأصل البقاء للوجوب وإنما جاز الإفطار للحائض والمريض لأن هذين العذرين ليس تحت قدرة الإنسان ولا تحت اقتداره وإنما جازا للضرورة لأن الضرورات تبيح المحظورات، وأما الآية التي جوزت الإفطار في المرض والسفر فهي في سياق شهر رمضان لا في سياق الصوم من حيث هو كما معناها واضح في قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

(1)

.

س: هل يجب على المرأة التي مات طفلها وهي نائمة بجانبه صيام كفارة قتل الخطأ؟

جـ: إن غلب على ظنها أن الموت بسببها فيجب عليها أن تصوم شهرين متتابعين، وإن غلب على ظنها أن الموت كان بلا سبب منها، فلا يجب عليها الصوم.

‌الكفارة لا تكون إلا على قتل الخطأ

س: إذا قتل شخص عمداً ثم عُفي عنه، هل يجب عليه صيام الكفارة شهرين؟

جـ: الكفارة لا تجب إلا على قتل الخطأ، وأما العمد فلم ينص على وجوب الكفارة في القرآن الكريم.

‌من حفر حفرة في الشارع وسقط فيها شخص فهو قتل خطأ يتحمل الدية صاحب الحفرة

س: رجل حفر حفرة في الشارع فسقط فيها شخص، فهل ُيلزم به حافر الحفرة؟

جـ: هذا قتل من قسم الخطأ فيتحمل الدية صاحبُ الحفرة.

‌حق أولاد المقتول القصار في الدية ثابت ولا يصح التنازل عنه

س: إذا قُتل شخص قتلاً خطأ وله أولاد كبار وقصار وأراد الكبار التنازل عن الدية، فما حكم حق الأولاد الصغار؟

جـ: حق الأولاد الصغار ثابت ولا يصح تنازل الأولاد الكبار عنه، فمن يريد أن يتنازل فليتنازل عن حصته، أما الأولاد القصار فإذا بلغوا الحلم فلهم الحق في المطالبة بحصتهم في الدية.

‌عاقلة القاتل عشيرته أو قبيلته أو أهل حارته أو أفراد معسكره إن كان في الجيش

س: يقول بعض الناس أن الطفل إذا دخل إلى قدام السيارة فلم يره السائق فصدمه فإنه لا شئ على السائق لأن المصدوم هو الذي تسبب في الصدمة، ما رأيكم في هذا؟ ومتى يكون السائق هو المخطئ إذا صدم شخصاً؟

جـ: العلماء جميعاً يقولون بأن دم المسلم لا يهدر، ولكنهم يقولون بأن مثل هذا القتل يكون خطأ ويكون فيه الدية لا القصاص، والدية تكون على عاقلة القاتل، وهي إمَّا عشيرته أو قبيلته أو أفراد الجيش إن كان موظفاً في الجيش لأن في الشريعة الإسلامية لا يهدر دم المسلم.

س: إذا كنت أنا وصاحب معي في جهة وكنا نضرب على العدو فوقعت رصاصة في صاحبي خطأ فهل علي الدية؟

جـ: الدية على عاقلة القاتل إلا أن يعفو أولياء المقتول عن الدية، مثل القصة التي وقعت في أيام النبي صلى الله عليه وسلم حيث أن المسلمين قتلوا مسلماً منهم خطأ فعفا عنه أولياء المقتول والقصةهي بلفظ (صَرَخَ إِبْلِيسُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي

(1)

- البقرة: آية (184)

ص: 542

النَّاسِ يَا عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ حَتَّى قَتَلُوا الْيَمَانِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي أَبِي فَقَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ)

(1)

.

س: إذا صدم إنسان إنساناً آخر فتلفت بعض أجهزة الإنسان مثل السمع والبصر والكلى؟

جـ: يجب عليه إعطاء ثلاث ديات.

س: من هم العاقلة؟

جـ: هم عصبة القاتل فمثلاً إذا قتل شخص من بني الحارث شخصاً من أرحب بطريق الخطأ فيعطى بني الحارث الدية.

س: هل تعتبر دية الخطأ من قبل العاقلة واجبه أم هي مساعدة منهم؟

جـ: هي واجبة على العاقلة يتقاسمونها مدة ثلاث سنين، وهي إجبارية تحكم بها المحكمة الشرعية.

س: رجل طلب مفتاح سيارة وهو لا يجيد القيادة فصدم شخصاً، فهل يتحمل مالك السيارة شيئاً من الدية؟

جـ: لا يتحمل المالك شيئاً لأنه لم يباشر الجريمة ولم يعلم هل الرجل مجيد للسياقة أم لا.

‌دية المرأة نصف دية الرجل

س: كم دية المرأة؟ وكم أرش المرأة؟

جـ: دية المرأة نصف دية الرجل وأرش جنايات المرأة مثل أرش الرجل إلى نحو الثلث، وفيما زاد على الثلث تكون أروش المرأة على النصف من أرش الرجل، ولكن لا يحسب النصف إلا فيما زاد على الثلث أما فيما قبل الثلث فهو مثل ارش الرجل خلافاً للتابعي الجليل (سعيد بن المسيب) فإنه برغم كونه أعلم التابعين فإنه غلط في هذه المسالة وقال: بأنه إذا زاد الأرش على الثلث يكون أرش المرأة على النصف من أرش الرجل مطلقاً بحيث ممكن ينقص بدلاً من أن يزيد، والعلماء يقولون: أرش المرأة على النصف من دية جروح الرجل فيما زاد على الثلث من الدية الكاملة، أما فيما دون الثلث فيبقى مساوياً لدية جروح الرجل حتى لا يتجرأ من يريد الجناية على المرأة فيعتدون عليها لتكثير الجنايات فيها حتى تكون دية الجروح أكثر من ثلث الدية لكي تحسب على النصف من دية جروحات الرجل فتنقص أكثر مما لو كانت دية الجروح في حدود ثلث الدية أو الأقل، مع أن المراد كما قال العلماء أن دية جروح المرأه إذا زادت على الثلث تحسب على نصف دية جروح الرجل فيما زاد على الثلث فقط لا النصف في الكل.

س: شخص رمى امرأة في يدها فتعطلت وأصبحت مشلولة، فما الحكم؟

جـ: يجب عليه نصف دية المرأة

(1)

صحيح البخاري: كتاب الديات: باب العفو في الخطأ بعد الموت. حديث رقم (6890) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: صَرَخَ إِبْلِيسُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي النَّاسِ يَا عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ حَتَّى قَتَلُوا الْيَمَانِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي أَبِي فَقَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ انْهَزَمَ مِنْهُمْ قَوْمٌ حَتَّى لَحِقُوا بِالطَّائِفِ).

انفرد به البخاري.

أطراف الحديث: بدء الخلق، المناقب، المغازي، الأيمان والنذور، الديات.

ص: 543

‌دية الجنين غرة وهي قيمة عبد أو أمة

س: إذا ضرب رجل امرأة حاملاً في بطنها فأسقطت الحمل فخرج ميتا، ً فكم ديته؟

جـ: دية الجنين غرة وهي قيمة عبد أو أمة أي مقدار نصف عشر الدية، وإذا اخرج الجنين حياً واستهل بأيِّ علامة من علامات الحياة كالعطاس أو السعال أو البكاء أو الحركة أو نحوها فمات ففيه دية كاملة مثل دية غيره لا فرق بين دية ابن الدقيقة الواحدة وبين ابن المائة السنة، وبين دية الرجل الكبير والصغير والعالم والجاهل فدية الجميع دية واحدة لا فرق بين دية رجل وغيره من الرجال ولا بين دية امرأة وغيرها.

‌دية الخنثى مثل دية الرجل إذا بال من آلة الرجل

س: كيف تكون دية الخنثى؟

جـ: إن كان يبول من آلة الذكر فديته دية ذكر وإن كان يبول من آلة الأنثى فديته دية أنثى، وإن كان يبول من الاثنين معا أو من فرج لا هو مثل فرج المرأة ولا هو مثل ذكر الذكر فإن كان في أيام الأولين فكانوا يقولون له نصف دية الرجل ونصف دية المرأة، وإن كان الآخرين فنقول لهم اعملوا له عملية فإن غلبت الذكورة على الأنوثة أعطيناه دية ذكر، وإن غلبت الأنوثة أعطيناه دية أنثى.

س: امرأة قتلت ابنها حيث ركضته برجلها وهي لا تعلم، فهل عليها دية أم ماذا؟

جـ: هذا قتل شبه عمد، وفيه دية مغلظة.

‌دية الكافر نصف دية المسلم

س: كم دية الكافر؟

جـ: نصف دية المسلم.

‌دية المرأة الذمية نصف دية المرأة المسلمة

س: إذا كانت دية المرأة المسلمة على النصف من دية الرجل المسلم، فكم تكون دية المرأة الذمية؟

جـ: تكون دية المرأة الذمية على النصف من دية المرأة المسلمة.

‌أرش ما كان في الجسد من الأعضاء زوج كاليدين أو الرجلين أو العينين أو نحوها دية كاملة

س: ما دية الأطراف؟

جـ: ما كان في الجسد من الأعضاء زوج كاليدين أو الرجلين أو العينين أوالأذنين أو الشفتين أو البيضتين دية كاملة وفي الواحد منها نصف الدية، أما مثل الأنف ففيها الدية كاملة، والذكر الدية، والجناية الجائفة أو الآمة ثلث الدية.

س: إذا كان هناك أعور فلطمه أحد الناس حتى عمي، فما الحكم؟

جـ: يعطي اللاطم دية كاملة وهذا في الأعور الذي لا يوجد معه سوى عين واحدة كان ينظر بها فلطمها أحد الناس فرجع فصار أعمى، هذا هو أحد القولين، وقيل بل دية العين فقط وهي نصف دية الإنسان.

ص: 544

س: في الآية {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى}

(1)

أي أنه لا يقتل ذكر بأنثى، فأرجوا التوضيح.

جـ: هذا مفهوم الآية، وقد عارض منطوق الحديث أن النبي قتل رجلاً بامرأة في حديث (فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ)

(2)

فإذا تعارض المفهوم والمنطوق فيقدم العمل بالمنطوق.

‌أرش الجناية المنقلة عشر الدية ونصف عشرها

س: كم أرش المنقلة؟

جـ: عشر الدية ونصف العشر.

‌أرش الجناية الهاشمة للعظم عشر الدية

س: كم أرش الهاشمة للعظم؟

جـ: عشر الدية.

‌أرش الجناية الموضحة للعظم نصف عشر الدية

س: كم أرش الجناية التي توضح العظم؟

جـ: نصف عشر الدية والمراد بالموضحة التي توضح العظم ولا تهشمه.

‌تقدير أرش الدامية الصغرى والكبرى والمحمرة والسمحاق

س: ما حكم الجروح التي تصيب الوجه بالأظافر عند حصول عراك بين شخصين أو أكثر؟

جـ: إذا خرج الدم وسال فهي دامية كبرى وإن خرج الدم من بقعته ولم يسل فهي دامية صغرى، وإذا أحمر الوجه أو أسود فتسمى محمّره أو مسوّده، وإذا دخلت في اللحمة تسمى متلاحمة، وإذا أدخلت كثيراً تسمى سمحاق.

‌أرش الجناية على الإصبع عشر الدية والأصابع سواء

س: كم أرش الإصبع؟

جـ: عشر الدية كما في حديث (وَفِي الْأَصَابِعِ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ)

(3)

والأصابع كلها سواء.

(1)

- البقرة: (178).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الخصومات: باب ما يذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم. حديث رقم (2236) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ؟ أَفُلَانٌ؟ أَفُلَانٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ)

أخرجه مسلم في القسامة، والترمذي في الديات، والنسائي في القسامة، وأبودوود في الديات، وابن ماجة في الديات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الديات.

معاني الألفاظ: الأوضاح: حلي من فضة. الرضح: الدق والكسر.

الرمق: بقية الروح وآخر النفس.

القود: القصاص وهو مجازات الجاني بمثل صنيعه.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الديات: باب ديات الأعضاء. حديث رقم (4564) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَوِّمُ دِيَةَ الْخَطَإِ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَ مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ عَدْلَهَا مِنْ الْوَرِقِ وَيُقَوِّمُهَا عَلَى أَثْمَانِ الْإِبِلِ فَإِذَا غَلَتْ رَفَعَ فِي قِيمَتِهَا وَإِذَا هَاجَتْ رُخْصًا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَبَلَغَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ أَرْبَعِ مِائَةِ دِينَارٍ إِلَى ثَمَانِ مِائَةِ دِينَارٍ وَعَدْلُهَا مِنْ الْوَرِقِ ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَمَنْ كَانَ دِيَةُ عَقْلِهِ فِي الشَّاءِ فَأَلْفَيْ شَاةٍ، قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْعَقْلَ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ عَلَى قَرَابَتِهِمْ فَمَا فَضَلَ فَلِلْعَصَبَةِ، قَالَ: وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَنْفِ إِذَا جُدِعَ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَإِذَا جُدِعَتْ ثَنْدُوَتُهُ فَنِصْفُ الْعَقْلِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ عَدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ أَوْ مِائَةُ بَقَرَةٍ أَوْ أَلْفُ شَاةٍ، وَفِي الْيَدِ إِذَا قُطِعَتْ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَفِي الرِّجْلِ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الْعَقْلِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَثُلُثٌ أَوْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الشَّاءِ، وَالْجَائِفَةُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَفِي الْأَصَابِعِ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَسْنَانِ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَقْلَ الْمَرْأَةِ بَيْنَ عَصَبَتِهَا مَنْ كَانُوا لَا يَرِثُونَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا، وَإِنْ قُتِلَتْ فَعَقْلُهَا بَيْنَ وَرَثَتِهَا وَهُمْ يَقْتُلُونَ قَاتِلَهُمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم َ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَوَارِثُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم

أخرجه النسائي في القسامة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، والدارمي في الديات.

أطراف الحديث: الديات.

معاني الألفاظ: يقومه: يقدر ما يعادل قيمتها. الدية: تعويض مالي يقدر شرعاً مقابل قتل أو جرح. العدل: القيمة والمثل. الورق: الفضة.

غلت: من الغلاء وهو ارتفاع ثمنها وزيادة سعرها. العقل: الدية. العصبة: القرابة من جهة الأب. الجدع: قطع الأنف والأذن وغيرها من الأطراف. الثنذوة: أرنبة الأنف.

المأمومة: الجرح الذي يصل إلى غشاء محيط المخ.

الجائفة: الطعنة التي يبلغ جوف الرأس أو جوف البطن.

ص: 545

س: ما رأيكم فيمن لطم شخصاً حتى أفقده حاسة الشم؟

جـ: يعطى الدية كاملة.

س: نرجو منكم توضيح الحديث الذي يقول في الإصبعين عشرة من الإبل وفي الثلاث ثلاث من الإبل نرجو التوضيح؟

جـ: هذا ليس حديثاً وإنما هو من قول ربيعه الرأي شيخ الإمام مالك يتكلم مع (سعيد بن المسيب) فقال قطعنا أصبعاً فقال فيها عشر الدية عشرة من الإبل، فقال: قطعنا الإصبع الثانية فقال فيها عشر الدية الثانية، ثم قال: قطعنا الرابعة فقال فيها عشرة إبل، فقال: قطعنا الخامسة، فقال: فيها خمس إبل تبعا للقاعدة العامة، إذا جاوز الثلث ففيه نصف دية الرجل.

س: إذا كان لرجل ست أصابع فقطعت السادسة، فهل يعطي الدية عليها؟

جـ: نعم، يقدرها الحاكم بما يراه بحسب الحالة التي هو فيها.

س: رجل يده مشلولة ينتفع بها وأفسدها رجل آخر عليه، فهل عليه أرش؟

جـ: إذا كانت يد رجل مشلولة ثم قطعها شخص فيها الحكومة اللازمة، ولكنه لا يؤدي نصف الدية، ومثله رجل عينه لا تبصر ولكن هيئتها جميله وإذا تزوج فإن زوجته لا تستقبحه وبعضهم أعور عينه مسدولة لكن إذا لبس نظاره بدأ كأنه ليس أعور هذا لا يدفع الجاني نصف الدية، بل يأتي بالثمن أو الربع على حسب قرار الحاكم في حق العين غير المبصرة ولكنها جميلة.

‌أرش الجناية على السن الواحد نصف عشر الدية

س: كم أرش السن؟

جـ: أرش كل سن نصف عشر الدية والأسنان سواء.

س: إذا ضرب رجل رجلاً آخر فكسر نصف سنه، فما مقدار أرش هذا؟

جـ: يذهب بالمجني عليه إلى عند الطبيب ويقدر هل الكسر نصف السن أو ثلثها أو ربعها فإذا قال قضى على ثلثها فيعطي الجاني ثلث دية السن، وإن قال تضرر عرق السن فيعطى الدية كلها.

ص: 546

‌لا يجمع على الجاني بين معالجة المجني عليه وتسليم ارش الجناية

س: رجل ضرب برصاص في عرس فوقعت الرصاصة في رجل آخر فعلى من يكن العلاج؟

جـ: إما أن يعطى الجاني أرش الجناية وعلاج المجني عليه على نفسه كما تقول الشريعة الإسلامية، أو يُعالج على حساب الجاني ولا يعطيه أرشاً ويكون العلاج بدل الأرش كما يفعل بعض القبائل ولا يجمع للمجني عليه بين المعالجة والأرش، أو يقطع قيمة المعالجة من قيمة الأرش.

س: رجل أبكم رجم أباه بحجر صغيرة فمات الأب بعد 3 أيام، فهل يسقط عنه الحد لأنه أبكم؟

جـ: الأبكم هو ذكي وله عقل لكن يعتبر قتل خطأ لأنه بحجر صغيرة فديته على العاقلة، والأبكم ليس مجنوناً.

س: في قرية من قرى (الطويلة)

(1)

حدث أن أطفالاً يلعبون أحدهم عمره (12) سنه، والثاني (11) سنه لكن الذي عمره (12) سنه دهس الذي عمره (11) سنه فكسر يده فعولج الولد وطلب الأب خمسين ألف، فكم الدية الشرعية في هذا؟ وهل هناك دية بين الأطفال؟

جـ: الدية لازمة وهي دية خطأ ولكن على عاقلته فإذا بطلت اليد تكون نصف دية وإن لم تبطل فيلزم ما يقدره الحاكم الشرعي أو المصلح بينهم.

س: هل يصح أكل الأرش أو التصدق به؟ أو ماذا يُفعل بهذا الأرش؟

جـ: عند القبائل الابن لا يأكل دية أبيه بل يتصدق بها أو يعمل بها محسنة لكن في الشرع لا مانع للورثة من أكل دية مورثهم ولا مانع للمجني عليه أن يأكل الأرش الذي أعطي له.

‌من عضَّه كلب حراسة فالمعالجة أو الأرش على صاحب الكلب

س: رجل يملك كلب حراسة ويتركه أحياناً فإذا مر رجل وعضَّه الكلب فعلى من يكون العلاج؟

جـ: على صاحب الكلب أن يحفظ كلبه، وإذا عضَّ شخصاً فالمعالجة أو الأرش على صاحب الكلب.

‌قتل حوادث السيارات كلها من القتل الخطأ

س: ما حكم القتل في حوادث السيارات؟

جـ: القتل في حوادث السيارات كلها خطأ.

‌كل حوادث السيارات من القتل الخطأ وتغلظ الدية على من يسوق وهو غير متعلم

س: رجل غير متعلم لسياقة السيارات وليس لديه رخصة سياقه فصدم شخصاً فهل يعتبر من شبه العمد أم من الخطأ؟

جـ: كل حوادث السيارات هي من قسم القتل الخطأ إلا أنه يغلظ عليه ويشدد عليه، قال علماء وزارة العدل: أن من صدم وهو غير متعلم لسياقة السيارات وليست له رخصة سياقة أو خرج إلى الرصيف أو صدم وهو ساكر ففي وزارة العدل قرار يعتبر هذه الحالات شبه عمد فتغلظ على الجاني في مثل هذه الحالات الدية وتجعل عليه دية مغلظة.

س: إذا تردى شخص من على سيارة شرطة بدون علم صاحب السيارة، فماذا على سائق السيارة؟

(1)

- إحدى المديريات اليمنية تقع في محافظة المحويت.

ص: 547

جـ: حوادث السيارات قتل خطأ ولا فرق بين سيارة شرطة أو غير شرطة كل السيارات سواء وحوادثها إما قتل خطأ أوشبه عمد.

‌العبد تقدر قيمته إذا كان سليماً وقيمته معيباً بالجناية ويدفع الجاني فارق القيمة

س: كيف تقوم جناية العبد؟

جـ: لا يؤرش العبد كما يؤرش الحر وإنما تقدر قيمته إذا كان سليماً بواسطة النخاس الذي يبيع العبيد والجواري وقيمته معيباً بالجناية فيدفع الجاني فارق القيمة لسيد العبد، وتقدر أروش جناية العبد بالنسبة لقيمته.

س: لمن تسلم دية العبد إن قتل لورثته أم لوليه؟

جـ: لا لورثته ولا لوليه تسلم لمالكه وكذلك دية اصبعه تسلم لمالكه لا إليه.

‌أرش جناية الحيوانات هي أن تقدر قيمة الحيوان قبل الجناية عليه وبعدها

س: كيف تقوَّم الجناية على الحيوانات؟

جـ: لا يؤرش جناية الحيوان مثل جناية الآدمي الحر وإنما تُقَّوم قيمة الحيوان قبل الجناية عليه وقيمته بعد الجناية ويلزم الجاني بدفع الفارق بين قيمة الحيوان المجني عليه أو يلزم بدفع قيمة الحيوان إن أُتلف أو عدمت المنفعة منه.

س: رجل قتل كلباً يحرس بيتا وحائط قات متعمداً بالسلاح، فحدثت مشكله بين الرجل وصاحب القات، فكيف يحكم بينهم؟

جـ: يحكم بينهم بحسب العرف، أما في الشريعة فالنبي (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ)

(1)

ولأن بيع الكلب حرام ولكن درأ للفتنة يفوض الطرفان واحداً من المشايخ العقال وهو يصلح بينهم لأن الكلب في الإسلام لا يباع ولا يشترى.

‌جواز الاتفاق على تضمين مالك الماشية قيمة ماأكلته من زرع غيره

س: إذا تعارف أهل البلاد على أن الماشية إذا دخلت وأكلت الزرع فإن صاحب الماشية يدفع ما أهلكته حيث لا يوجد من يحرس الزرع، فهل يجوز ذلك؟

جـ: يجوز إذا تعارفوا على أن من دخلت حيواناته في مزرعة آخر فإنه يظمّن.

س: من قتل هرة عند القبائل يعطى مكانس للمساجد، فما الحكم؟

جـ: من قتل هرة فهو آثم فقد ورد في الحديث الصحيح (عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، قَالَ فَقَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب ثمن الكلب. حديث رقم (2238) بلفظ (عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَثَمَنِ الدَّمِ، وَنَهَى عَنْ الْوَاشِمَةِ وَالْمَوْشُومَةِ. وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ-.

أخرجه أبو داود في البيوع، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: البيوع، الطلاق، اللباس.

معاني الألفاظ: الحجام: من يخرج الدم الفاسد من البدن. المحاجم: المراد أدوات الحجام.

الواشمة: من تقوم بعمل الوشم، وهو أثر وخز الجلد بالإبر.

المستوشمة: التي تطلب لنفسها.

ص: 548

الْأَرْضِ)

(1)

وإن كان خطأ فليس عليه شيء.

‌تحريم قتل القرود إلا إذا كانت مؤذية أو صائلة

س: نحن نعرف بأن القرود إذا كانت مؤذية فيجوز قتلها وهي لا تكون مؤذية إلا في الصيف في أيام الزراعة، فهل يجوز قتلها في الشتاء وهي غير مؤذية في هذه الأيام أفتونا مأجورين؟

جـ: قتل القرود غير جائز إلا إذا تحقق صدور الضرر منها أو كانت صائلة بحيث أنها تهجم على الرجل أو المرأة أو تقذفهما بالحجارة أو غيرها كما يحدث في بعض الأحيان فلا مانع من ذلك من باب مدافعة العدو الصائل، وأما الأذية التي تصدر منها بأخذ الثمرة أيام الصيف عند حصول الثمرة فليست هذه الأذية مجوزة لقتلها.

‌أرش الجناية على السيارات والمركبات بتقدير قيمتها قبل الجناية عليها وبعدها

س: كيف تقدر الجناية على السيارات أو المركبات؟

جـ: تقدر قيمتها سليمة قبل الجناية عليها وقيمتها بعد الجناية عليها ويدفع الجاني الفارق بين القيمتين، وفي حوادث صدام السيارات يجب أن يدفع الجاني قيمة ما جناه في سيارة المجني عليه لأنه المعتدي إذا كان المجني عليه سائراً في خطه ولم يحصل منه أيُّ خطأ

‌لا تلزم العاقلة بدفع ما يحدث في السيارة وإنما تلزم بدية المقتول خطأ لتحريم دم المسلم

س: هل يلزم العاقلة أن تدفع لسائق السيارة ما يحدث في سيارته من خلل بسبب الصدام أي تدفع له المبلغ الذي يستلزمه إصلاح السيارة؟

جـ: الشريعة الإسلامية لم تجعل للحديد تحريم فتدفع العاقلة أجور إصلاح السيارة، إنما جعلت التحريم لدم المسلم فقط فلا تلزم العاقلة إلا بدية المقتول خطأ، أما السيارة أو غيرها من الآلات فلا تلزم عاقلة السائق بإصلاح الخلل الحادث بسبب الصدام أو غيره.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المساقاه: باب فضل سقي الما. حديث رقم (2365) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، قَالَ فَقَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ).

أخرجه مسلم في السلام، البر والصلة والآداب، والدارمي في الرقاق.

أطراف الحديث: بدء الخلق، أحاديث الأنبياء.

معاني الألفاظ: الخشاش: حشرات الأرض وهوامها.

ص: 549

الباب العاشر: مسائل متفرقة في الحدود والقصاص والديات

• وجوب التوبة النصوح على من وقع في معصية عليها حدٌّ شرعي

• تحريم الإضراب في السجون وغيرها

• تحريم اتهام مسلم أو مسلمة بمعصية من الكبائر بدون بينة

• تحريم قتل المرأة الزانية بدون حكم بالحدِّ الشرعي عليها

• تتحقق توبة السارق بإرجاع الشيء المسروق لمالكه

• وجوب رد من أخذ على غيره شيئا بعينه أو بقيمته يوم الرد

• وجوب دفع أرش القاتل على من فشل في تنفيذ حكم القصاص عليه

• تحريم قتل المريض من أجل إنهاء معاناته

• القذف بالزنا لا يقع إلا إذا قصد به شخصاً أو أشخاصاً بأعيانهم

ص: 550

‌الباب العاشر: مسائل متفرقة في الحدود والقصاص والديات

‌وجوب التوبة النصوح على من وقع في معصية عليها حدٌّ شرعي

س: ما حكم من عمل معصية عليها حدٌّ مثل (الزنا ٍ، اللواط) فهل يقدم نفسه للمحكمة أم يتوب ويستر نفسه وهل له توبة؟

جـ: نعم له توبة وباب التوبة مفتوح الى يوم قيام الساعة الى عند طلوع الشمس من مغربها، ومن تمام التوبة أن يستر نفسه ولا يفشي السر لأحد لا لكبير ولا لصغير ولا لذكر ولا أنثى ولا لقريب ولا لبعيد يخلص في توبته ومهما أخلص رجع على ما كان عليه قبل أن يعصي اللهعزوجل لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(2)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(3)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُه وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(4)

.

س: رجل زنا والعياذ بالله ثم تاب ولم يجر عليه حدُّ الجلد وهو الآن في حيرة؟

جـ: قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ)

(5)

فعليه التوبة الخالصة يتوب الله عليه، فباب التوبة مفتوح لمن دخله إلى آخر هذه الدنيا، والتوبة تهدم ما قبلها وتجب ما قبلها من الذنوب، وعليه أن يكتم ما قد عمل من المعاصي عن القريب

(1)

- التحريم: آية (8)

(2)

- البقرة: آية (222)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(4)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

(5)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

ص: 551

والبعيد وعن الرجال والنساء وفضل الله واسع.

س: شاب مراهق عاش في بلاد الكفر (أوكرانيا) وشرب الخمر لسنة ونصف وزنا لسنة، فماذا عليه أن يفعل؟

جـ: يتوب ويخلص التوبة ومن شروط التوبة ألا يخبر الناس بما كان قد فعل لحديث (مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ)، ويكثر من الندم والاستغفار والله غفور رحيم.

س: رجل عاد من عمله فوجد رجلاً يزني بزوجته فلم يملك نفسه فأمسك بالرجل ولكن المرأة اعترضته وهرب الرجل فخنق المرأة وماتت وعفى عنه إخوانها لأن أبوها قد توفي والآن لا ينام، فماذا عليه أن يفعل؟

جـ: يكثر من ذكر الله ومن تلاوة القرآن ومن الاستغفار والتوبة.

‌تحريم الإضراب في السجون وغيرها

س: بعض الأسرى في السجون يقومون بالِإضراب عن الطعام فتتضرر حالتهم الصحية، ما حكم عملهم هذا؟

جـ: هذه عادة أجنبية لا يقرها الإسلام.

‌تحريم اتهام مسلم أو مسلمة بمعصية من الكبائر بدون بينة

س: رجل يقوم باتهام صديق له بالزنا واللواط، فما الحكم في ذلك؟

جـ: لا يحل لمسلم أن يتهم مسلماً بأيِّ معصية من المعاصي لحديث (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)

(1)

.

‌تحريم قتل المرأة الزانية بدون حكم بالحدِّ الشرعي عليها

س: زوجت ابنتي وبعد سبعة أشهر من الزواج كلمت أبا زوجها عن أعمال (رذيلة) كانت تعمله مع ناس قبل الزواج فكلم ولده وتم التطليق وبعد فترة غابت عن البيت يومين ثم مرة أخرى غابت يوم وأخر مرة غابت أربعين يوماً بحثنا عنها فوجدناها في أماكن الرذيلة وهي الآن مربوطة في البيت وتتكلم بكل ما عملت بدون شعور لا هي مجنونة ولا هي هبلاء بل صحيحة العقل والآن ألاقى ظغوطاً من الأسرة عليَّ بقتلها ولكني متردد ومحتار في ذلك ومنتظر فتواكم فسأمضي بما تشيرون عليَّ، فما رأيكم؟

جـ: لا يجوز قتل هذه البنت أبداً وعليكم بالصبر والستر {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}

(2)

لا تقتلها لا تقتلها لا تقتلها لأنك ستحبس في الدنيا ثم تدخل جهنم في الآخرة والعياذ بالله، اللهم اشهد وذمتي بريئة.

‌تتحقق توبة السارق بإرجاع الشيء المسروق لمالكه

س: ما حكم من سرق أو أخذ شيئا على شخص؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. حديث رقم (9) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأبوداود في الجهاد، وأحمد في مسند المكثرين، والدارمي في الرقاق.

(2)

- النساء: (93)

ص: 552

جـ: يجب على من أخذ على شخص أو سرق عليه أيَّ سرقة أن يردها إليه، ويتوب إلى الله من إفزاع أخيه وازعاجه، ومن أخذ ماله بغير حق.

‌وجوب رد من أخذ على غيره شيئا بعينه أو بقيمته يوم الرد

س: أخذت على أحد زملائي مائة دولار فهل أعيدها بسعر يوم الصرف أم بما يساويها يوم الأخذ بالريال اليمني؟

جـ: أخرجها بعينها أو بسعر يوم الرد.

‌وجوب دفع أرش القاتل على من فشل في تنفيذ حكم القصاص عليه

س: رجل أقيم عليه حدُّ القصاص الشرعي بواسطة رجال مختبرين عن طريق القضاء والداخلية وبعد تنفيذ حد القصاص أخذه أهله ليواروا جثته وبعد فترة من الزمن ظهر أنه لا زال يتنفس فأخذوه للمستشفى فعرف الأطباء انه منفذ فيه حكم الإعدام بوجود علامة على ظهره توضع لتحديد مكان ضرب النار لمن سيعدمه فتمت معالجته، واستلمته الشرطة من جديد وقاموا بتنفيذ حكم الإعدام من جديد فهل يسقط الحد بمجرد تنفيد حكم الإعدام الأول أم لا بد من إنفاذ الموت ولو أعادوا تنفيذه؟ وهل لأهل المعدوم مرتين حق في المطالبة بشيء كون الإعدام قد نفذ وانتهى؟

جـ: مثل هذه الحادثة قد وقعت في عصر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي أيام كان عامل صنعاء في اليمن في أيام الخليفة عمر الأمير (يعلى بن أمية)، وذلك أن بعض أهل المحويت ادعى على رجل عند (يعلى بن أمية) أنه قتل والده ولما صح عند يعلى بن أمية أن الغريم المذكور المدعى عليه قد قتل والد المدعي قال للمطالب بالقصاص اقتص من القاتل، فأخذ ولي الدم السيف وضرب عنق القاتل وتركت جثة المقتول قصاصاً ولم يسع أحد إلى دفنها فقام أهل المقتول قصاصاً وجسوا المقتول وعرفوا أنه لم يمت ولا زالت الروح فيه موجودة فعالجوه حتى شفي، ولقيه رجل وهو يعمل فأخبر أهل المقتول الذين طلبوا القصاص بأن المقاصص لا زال حياً فأتوا به إلى يعلى بن أمية وطالبوا بقتله مرة أخرى، فقال لهم يعلى سلموا الأرش الذي فيه لكي تقتلوه مرتين، فذهب ولي المقتول الأول إلى المدينة النبوية يشكوا يعلى إلى الخليفة عمر فأمر عمر بطلب يعلى في أيام الموسم ليجتمع به في مكة وعند قدوم عمر رضي الله عنه إلى مكة، فلما اجتمعا قال له عمر رضي الله عنه هذا يشكوك بأنك لم تأمر بقتل قاتل والده قصاصاً فأجاب يعلى بأني قد أمرته بقتله ولكنه فشل في قتله فيسلم أرش ما عمل ليكون قتله مرة ثانية، والخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه يسمع فأجاب بأن الحق مع يعلى وأن اللازم تسليم الأرش أولاً، فرفض تسليم الأرش، فلم يأذن الخليفة (عمر) بالقتل مرة أخرى، هكذا في كتاب (نيل الأماني في تاريخ القطر اليماني) تأليف يحيى بن الحسين بن المؤيدي القاسم وغيره وقد أقر الصحابة (تقرير عمر وعلي) ما عمله يعلى بن أمية.

‌تحريم قتل المريض من أجل إنهاء معاناته

س: لدينا مريض مرضه شديد وله مدة طويلة من الزمن ويعاني معاناة شديدة من المرض، فهل يجوز لنا قتل هذا المريض لإنهاء معاناته ومرضه، أفتونا؟

جـ: هذا الشيء حرام تحريما قطعيا بالكتاب والسنة والإجماع داخل في عموم قوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} .

ص: 553

‌القذف بالزنا لا يقع إلا إذا قصد به شخصاً أو أشخاصاً بأعيانهم

س: شخص تحدث عن تجنيد النساء فقال إن تجنيدهن فتح لباب الزنا، فهل هذا يعتبر قذفاً أم لا؟

جـ: هذه الكلمات لا تكون قذفاً بالزنا عند العلماء لأن القذف بالزنا هو أن يقول الرجل فلانة بنت فلان زانية فمن قال هكذا لأيِّ امرأة عفيفة وهو كاذب فهوقاذف، أما هذه الكلمات فهي فلسفة ضد التجنيد ولم يعين امرأة بعينها ولا عين بناتاً بأعيانهن فليس بقذف شرعي صحيح.

ص: 554

‌كتاب الوصايا والمواريث

الباب الأول: الوصية

الباب الثاني: المواريث

ص: 555

الباب الأول: الوصايا

• وجوب الوصية على من له مال وندبها على من ليس له مال وعليه دين

• جواز الوصية لبعض الأولاد لمقابل تكاليف زواجهم إذا كان الموصي قد زوج الأولاد الكبار

• جواز تصرف الموصى له بالوصية في غير الزواج

• وجوب تطبيق وصية الموصي حرفياً

• تحريم الوصية ضراراً أو لوارث أوفي معصية الله تعالى

• تحريم الوصية لأولاد الأولاد من أجل تقليل ميراث البنات

• وجوب إخراج مؤن تجهيز الميت الضرورية من رأس التركة

• وجوب إخراج الدين قبل الوصايا من رأس التركة

• صحة الوصية لوارث أو من يدلي بوارث إذا كانت لمقابل

• الوصية الى مقابل الخدمة من رأس التركة

• وجوب تنفيذ الوصية التي لمقابل عمل إبراء لذمة الموصي

• تحريم إجازة وصي القصار من الورثة النفقات غير الضرورية

• صحة الوصية في الثلث فقط إلا من لا وارث له فتصح بماله كله

• تتزاحم الوصايا في الثلث

• جواز الوصية للمولود الملتقط في حدود ثلث مال الموصى

• جواز نفاذ وصية من أوصى بماله في الثلث فقط

• صحة الوصية لوارث إذا أجازها الورثة

• شروط إجازة المرأة للوصية لوارث

• عدم صحة رجوع الوارث في إجازة الوصية لوارث أو غيره

• وجوب قسمة التركة قبل تنفيذ الوصايا إذا أجاز الوصية البعض ورفض البعض الآخر

• صحة الوصية للولد الأخرس أو الأعجم أو المعوق العاجز عن العمل

• ثبوت الدين على الميت ببينة مدعي الدين أو بخط الميت المعروف أو وصية

• عدم مشروعية الوصية بالذبائح وشراء القات بعد موته

ص: 556

‌الباب الأول: الوصايا

‌وجوب الوصية على من له مال وندبها على من ليس له مال وعليه دين

س: ما حكم الوصية؟

جـ: الوصية واجبة على كل من عليه دين و له مال، أما من كان فقيراً ولا يملك أيَّ مال وعليه دين فيندب له أن يوصي بقضاء الدين لعل الله ييسر محسناً يتصدق عليه فيقضي دينه لحديث (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)

(1)

، وتكون الوصية مندوبة لمن يريد أن يوصي بصدقة جارية أو بأيِّ قربة من القرب.

س: هل يجوز مطالبة الأب بعمل وصية في حياته أم حين موته أم لا تجوز؟

جـ: لا مانع لكل إنسان أن ينصح غيره بأن يعمل وصية سواء كان الناصح ولداً أو والداً أو قريباً أو بعيداً وسواء كان الذي سيوصي مريضاً أو معافاً، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى المسلم بأن يوصي في حديث (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)

‌جواز الوصية لبعض الأولاد لمقابل تكاليف زواجهم إذا كان الموصي قد زوج الأولاد الكبار

س: إذا مات الرجل عن بعض أولاده وهم لم يتزوجوا فأوصى لهم من التركة بحق لمقابل تكاليف زواج كل منهم، فهل يصح ذلك؟

جـ: إن كان قد زوّج واحداً أو اثنين أو أكثر من الأولاد الكبار فيجب عليه أن يوصي للأولاد الصغار بإخراج تكاليف زواجهم، وإذا لم يوص فيجب على القاضي الذي سيقسم المال بينهم أن يخرج تكاليف زواج الأولاد الصغار، لماذا؟ لأنه من باب التسوية بين الأولاد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُم)

(2)

، فيجب على من كان قد زوّج أولاده الكبار أو أحد أولاده من ماله الخاص أن يوصي للآخرين من باب المساواة بين الأولاد، وهذا هو رأي العلماء عملاً بالحديث السابق، أما قانون الأحوال الشخصية بالجمهورية اليمنية فقد أوجب على الأب أن يوصي بأجرة تعليم الولد الصغير فإذا كان قد درس الولد الأول ومات وقد تخرج من الثانوية بينما الولد الثاني لا زال في المرحلة الابتدائية أو لا زال صبياً، فيوجب القانون الوصية بنفقة تعليمه.

(1)

- سنن النسائي: كتاب الوصايا: باب الكراهية في الوصية. حديث رقم (3557) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)

أخرجه البخاري في الوصايا، ومسلم في الوصايا، والترمذي في الوصايا، وأبوداود في الوصايا، وابن ماجه في الوصايا، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الهبة: باب الإشهاد في الهبة. حديث رقم (2447) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ).

أخرجه مسلم في الهبات، والترمذي في الأحكام، والنسائي في النحل، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند الكوفيين، ومالك في الأقضية.

أطراف الحديث: الهبة، والشهادات.

ص: 557

س: توفي رجل وخلف أولاداً كثيرين وأوصى بثلث ممتلكاته لولديه الصغيرين مقابل تعليمهما وتكاليف زواجهما، فما هو حكم هذه الوصية؟

جـ: اعلم أن العدل بين الأولاد في الوصية واجب شرعاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) كما أن الوصية للوارث غير مشروعه وغير نافذة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)

(1)

لكن إذا كان الوالد قد زوّج إخوة الولدين الصغيرين من ماله الخاص لا من سعيهم فلا مانع له من أن يوصي بشيء لولديه الصغيرين في تكاليف زواجه بل ذلك واجب عليه من باب المساواة بين الأولاد، وهكذا لا مانع له من الوصية للولدين الصغيرين بشيء من أمواله إلى مقابل تعليمهما إذا كان إخوانهما الكبار قد تعلموا على نفقة الوالد المذكور من باب المساواة بين الأولاد الواجبة على كل وارث ولكن يشترط في مثل هذه الوصية أن تكون بقدر ما يلزم للزواج وللتعليم، فإذا كان الشيء الذي أوصى به هذا المتوفى كثيراً أو هو ثلث ما يملك لكنه زائدٌ على محتاجات الزواج والتعليم فالزائد هذا لا تنفذ الوصية فيه، بل يكون تركة للجميع يقسم على جميع الورثة على الفرائض الشرعية.

‌جواز تصرف الموصى له بالوصية في غير الزواج

س: رجل أوصى لابنه الصغير مبلغاً من المال في زواجه أسوة بإخوانه الكبار، فهل هذا صحيح؟ واذا استعمل الموصى له هذا المال في غير الزواج كالتجارة وغيره فهل هذا صحيح؟

جـ: الوصية صحيحة، ولا مانع له من التصرف بما أوصى له في شيء آخر.

‌وجوب تطبيق وصية الموصي حرفياً

س: أوصى رجل بقطعة أرض زراعية بأن تكون غلتها للمحتاجين الذين يطوفون بالأبواب، في هذه الأيام لم يعد لهم وجود، وجعل الولاية لابنه وللابن هذا أخوات محتاجات لم يجدن من بعولتهن، فهل لهن الحق في هذه الوصية أم لا؟

جـ: اعلم أن اللازم على الموصي أن يطبق وصية الموصى ويعمل بموجب ما نصت عليه حرفياً وإذا لم يبق أحد ممن يطوفون على الأبواب فليتصدقوا للفقراء والمساكين والعاجزين الذين يقفون في أبواب المساجد، وهناك رأي لبعض العلماء يقول: إن ما بطل مصرفة يرجع وقفاً لورثة الميت للذكور والأناث معاً، وعليه نص علماء المذهب الهادي وإذا كان مقلداً للهادي فليصرفها على إخوانه ذكوراً وإناثاً، هذا عند انعدام الذين يطوفون بالأبواب، ولا يجوز لهذا أن يصرفه على نفسه دون أخواته وهذا بناء على مذهب الهادي، أما الراجح عندي فهو عدم رجوع ما قد بطل نفعه إلى ورثة الواقف وقفاً بل يصرف في قربة أخرى كما رجحه الجلال والشوكاني.

س: رجل أوصى (بثلث ماله) لبناء مسجد جديد ومتكامل، وبعد أن مات قام الوصي بترميم وإصلاح المسجد القديم واستولى على الباقي من ثلث المال الموصى به، فما الجواب؟

(1)

سنن النسائي: كتاب الوصايا: باب إبطال الوصية للوارث. حديث رقم (3581) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ عَلَى نَاقَتِهِ وَأَنَا تَحْتَ جِرَانِهَا وَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا وَإِنَّ لُعَابَهَا يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) صححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (3643).

أخرجه الترمذي في الوصايا، وابن ماجة في الوصايا، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الوصايا.

أطراف الحديث: الوصايا.

ص: 558

جـ: تطبيق وصية الموصي واجب شرعاً فعلى من كان وصياً أن يطبق وصية من أوصاه فلا يعمل شيئاً لم يوص به الموصي، فإذا صح أن الموصي في وصيته المذكورة قدأوصى ببناء مسجد جديد وكان المبلغ يكفي لعمارة مسجد جديد ولم يعمر الموصي مسجداً جديداً واكتفى بإصلاح وترميم مسجدا قديما فهو آثم إن صح ما جاء في الاستفتاء اللهم إلا إذا كان المبلغ الموصى به لا يكفي لعمارة مسجد جديد فاضطر الموصي إلى إصلاح وترميم المسجد القديم، ولهذا أنصح بعرض القضية على القاضي الشرعي في المنطقة لأن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب وليس السماع كالمشاهدة والله الموفق.

س: إذا أوصى رجل عند موته بأن لا يغسله ويصلي عليه إلا رجل معين وأوصى ألاّ يقبر إلا في موضع معين، فهل تنفذ وصيته؟

جـ: نعم، تنفذ وصيته إلا إذا تعذر وصول الشخص المعين أو كان الموضع بعيداً فكرامة الميت دفنه فيقبر.

‌تحريم الوصية ضراراً أو لوارث أوفي معصية الله تعالى

س: متى تحرم الوصية؟ ومتى تبطل؟

جـ: لا تصح الوصية ضراراً لأن القرآن قد نهى عن الوصية ضراراً في قوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ}

(1)

ولا تصح لوارث لحديث (إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) فالجمهور من العلماء يقولون لا تصح الوصية لوارث، وعلماء المذهب الهادوي والجعفري يقولون أن الوصية للوارث صحيحة، والإمام (يحيى حميد الدين) اختار مذهب الجمهور ومذهب علماء اليمن المتأخرين من أنه لا تصح الوصية لوارث عملاً بالأحاديث الصحيحة، وهذا هو اختيار وزارة العدل من أن الوصية لا تصح لوارث ولا لمن يدلي بوارث مثل ابن الوارث فكل وصية لابن الإبن في حياة الابن هي حيلة على الأناث أو غيرهن، أما الوصية لابن الإبن الذي قد مات أبوه فهي وصية صحيحة لأنها وصية لابن الابن الذي أقامه جدة مقام أبيه، ولا تصح الوصية في معصية الله، ولا تنعقد.

س: يوجد رجل ليس له من الأولاد سوى بنت وولد فقام بعمل سجل بكل ما يملك للولد بدعوى أنه يقوم بالإنفاق على والده العاجز، فهل يجوز للأب أن يحرم ابنته من تركته بدعوى النفقة، علماً أن هذا الأب ما زال على قيد الحياة؟

جـ: اعلم أنه لا يصح ولا يجوز لأحد أن يوصي لولده الذكر بجميع ما يملكه ليحرم أخت الولد من الميراث، وإذا صح أن في ذمة الأب لولده أيَّ شيء وتقرر عدم الحيلة فاللازم إخراج ما لدى الوالد لولده بحسب ما يصح ويتقرر بلا زيادة ولا نقصان، إما أن يوصي الوالد بجميع ما يملكه في هذه الدنيا إلى مقابل النفقة الماضية التي لا يعرف قدرها وإلى مقابل النفقة في المدة المقبلة التي لا يعرف عدد أعوامها أو شهورها إلا الله سبحانه فالظاهر منها الحيلة، ويخشى أن تكون هذه الحيلة سبباً في توتر العلاقة بين الولد الموصى له وأخته المحرومة من الميراث، وفي محاكمة شرعية قد تطول بعد موت هذا الموصي، وبناءً على هذا فإن كان هذا الرجل ما زال على قيد الحياة كما يحكيه الاستفتاء فنوصيه بأن يطرح القضية من أولها إلى آخرها على القاضي الشرعي ليعرف القاضي الحقيقة ويحرر الوصية أو التسجيل على حد تعبير صاحب الاستفتاء على ضوء الواقع وبمقتضى

(1)

- النساء: آية (12)

ص: 559

الأمر الشرعي لأن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب وليس الخبر كالمعاينة ولا السماع كالمشاهدة، هذا والله الموفق.

‌تحريم الوصية لأولاد الأولاد من أجل تقليل ميراث البنات

س: رجل له بنين وبنات وله أراض فأوقف الثلث لأولاد أولاده وأحرم البنات وأولاد البنات، فهل يجوز ذلك أم لا يجوز؟

جـ: كل وصية فيها إحرام للوارث مما فرضه الله له فهي غير صحيحة ولا سيما إذا كان المحروم بنتا أوًبنات، وبناءً على ذلك فالرجل الذي توفي وله بنين وبنات وله أرض وأوقف الثلث لأولاد أولاده وأحرم البنات ومن سيرثهن آثم والوقفية غير صحيحة لأن في هذه الوقفية تفضيل البنين على البنات، وقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لبشير بن سعد الذي كان يحاول أن يمنح أحد أولاده منحة لم يمنحها لغيره من أولاده الآخرين (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ).

س: امرأة لها أولاد وأولاد أولاد فأوصت بتركتها التي ورثتها من زوجها لأحد أولاد ولدها وأحرمت الآخرين، فما الحكم في ذلك؟

جـ: الوصية لوارث دون وارث لا تجوز إلاّ بمقابل سعي أو بيع عن قاصر ما كان ورثه من أمه أو من أيِّ مورث، وإلا فلا يجوز شرعاً لحديث (إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ).

‌وجوب إخراج مؤن تجهيز الميت الضرورية من رأس التركة

س: ما حكم المبالغ التي تدفع في يوم موت الميت من تجهيز القبر والكفن وما يدفع لمن يدرس ما يسمى بـ (ختمة الدفن) للميت أو أجرة تلاوة عن الميت مطلقاً، وما يدفع في قيمة مأكولات كالذبيحة أو قيمة الحلويات والمشروبات ونحوها؟

جـ: الأشياء الضرورية كأجرة حفر القبر أو قيمة القبر وقيمة الكفن وأجرة المغسل والدفن، تخرج من رأس التركة سواء أوصى بها الميت أم لم يوص بها، أما غير الأشياء الضرورية مثل قيمة الطعام أو ما يعطى للدريس (التلاوة) أو الولائم أو ما يخرج باسم الكفارات على الميت وغيرها، فلا يخلو إما أن يكون الميت قد أوصى بها أم لا، فإن كان الميت قد أوصى بها فإنها تخرج من ثلث الميت، وإن لم يكن الميت قد أوصى بها فإنه يتحملها من عملها إلا أن يجيز الورثة صرفها فالورثة أحوج إلى المال لا سيما إذا كان في الورثة قصار، فالذي أخرجها وصرف الأموال متعاط فيتحمل خسارة نفسه.

س: ما هي الأشياء التي تخرج من رأس تركة الميت؟

جـ: اعلم أن المخرج من تركة الميت تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ما يخرج من رأس التركة ولا يحتاج إلى الإجازة من الورثة وهي الزكاة التي على الميت والنذور المعينة و ما يحتاجه الميت من عند موته إلى عند دفنه وهو قيمة الكفن والحنط وقيمة أحجار القبر وأجرة الحفر وأجرة المغسّل إذا كان المغسل لا يغسله إلا بأجرة، وهكذا أجرة من سيحمله إن كان محل القبر بعيداً يحتاج إلى من يحمل الميت بالأجرة وكذلك قيمة ماء الغسل إذا كان الماء لا يوجد إلا بالقيمة وهكذا ما يصح من الديون عند الميت فتقضى الديون وما سبق ذكره يجب إخراجه من رأس التركة مهما صحت الديون وعلم بقاؤها في ذمة الميت حتى انتقل إلى رحمة الله سوى أوصى بها الميت أولم يوص بها، وسوى رضي الورثة أولم يرضوا

ص: 560

فإخراجها واجب من رأس التركة.

القسم الثاني: ما يخرج من الثلث كأجرة من يحج عن الميت إذا أوصى بأن يحجوا عنه سوى كانت الحجة هي حجة الإسلام أو حج تطوع أوصى بها الميت تنفلاً، وهكذا الوصية على الفقراء والمساكين وعلى المساجد والمدارس والسبل وكذلك سائر ما يصرفه الوصي في يوم الموت من الأشياء التي اعتاد الناس إخراجها في يوم الموت وما بعد الموت فكلها لا تكون إلا من الثلث لا من رأس التركة، كما أنها لا تخرج إلا إذا كان الميت قد أوصى بها، أما إذا كان الميت لم يوص بها فلا يخرج من الثلث إلا إذا أجاز الورثة إخراجها، أما إذا لم يجيزوا إخراجها ولا كان الميت قد أوصى بها فالمخرج لها متبرع بإخراجها يخرجها من ماله لا من مال الورثة، ومن جملة ما يجب إخراجه من ثلث تركة الميت أجرة من يدرس ما تيسر من القرآن إذا كان التالي لا يدرس القرآن ولا يهديه إلى روح الميت إلا بالأجرة سوى قلنا بجواز أخذ الأجرة إلى مقابل تلاوة القرآن أو لم نقل بجوازها وسواء قلنا بأن ثواب قراءة الحي إلى روح الميت تصل إليه أو قلنا بعدم وصول الثواب إلى الميت، لأن العلماء مختلفون في حكم المسألتين الأخيرتين فقال بعضهم: لا يحل لأحد أخذ الأجرة إلى مقابل تلاوة القرآن، وقال آخرون: لا مانع من أخذ مقابل تلاوة القرآن مطلقاً والذي رجحه العلامة المجتهد المطلق (محمد بن إسماعيل الأمير) قدس الله روحه هو جواز الأجرة إلى مقابل تلاوة القرآن، وقد ألف في ذلك مؤلفاً مستقلاً سماه (إقامة الحجة والبرهان على جواز أخذ الأجرة إلى مقابل تلاوة القرآن) وأهم ما احتج به حديث (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّه)

(1)

وهو حديث صحيح، كما أن العلماء أيضاً اختلفوا في وصول ثواب قراءة الحي إلى الميت وبعبارة أخرى اختلفوا في قراءة الحي القرآن وإهدائه إلى الميت هل يصل الثواب إليه وينتفع به أو لا يصل الثواب إلى الميت ولا ينتفع به، فالمروي عن الإمام الشافعي عدم الوصول والمروي عن الإمام أحمد بن حنبل في إحدى الروايات عنه الوصول، وهذه المسألة من المعارك العلمية التي لا يخوض في ميدانها إلا الأبطال ولا يحوم حول حافاتها إلا الفحول من الرجال والذي رجحه العلامة الأمير في رسالته المشهورة (بشرى الحبيب) المطبوعة في أخر (جمع الشتيت) وصول الثواب إلى الميت وانتفاعه بها، والله أعلم بالصواب وفوق كل ذي علم عليم.

‌وجوب إخراج الدين قبل الوصايا من رأس التركة

س: أيهما يقدم إخراج الدين أو الوصايا؟

جـ: يجب أن يقدم إخراج الدين لقول الله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}

(2)

س: توفي رجل وخلف خمسة أولاد وأربع بنات وقد أوصى بدين عليه وحجة وكفارة صلاة وكفارة يمين وقد قام ورثته بحصر جميع مخلفه وبعض الورثة غير مجيز لكل ما في الوصية وثلث التركة لا يكفي فأيها أهم الحجة أو الدين أو الكفارات أفتونا مأجورين؟

جـ: الدين الذي يصح على المتوفى لا يكون إخراجه من ثلث التركة ولا يحتاج إلى إجازة من الورثة بل الواجب

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الطب: باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم. حديث رقم (5405) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟؟ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ).

انفرد به البخاري.

(2)

- النساء: الآية (11).

ص: 561

شرعاً إخراجه من رأس التركة التي خلفها الميت وتسليمه فوراً إلى أصحابه بعد معرفة المبالغ وكميتها ومعرفة أصحابها لبراءة الذمة سواء رضي الورثة أو كرهوا وسواء أجازوا أم لم يجيزوا مهما قد ثبت الدين عند المتوفى بالوصية أو بالإقرار أو بالشهادة، أما الوصية بالحج والكفارات فتخرج من الثلث سواء أجاز الورثة إخراجها أم لم يجيزوا مهما صح أن المتوفى أوصى بذلك لأن الموصي له أن يوصي بما يريد أن يوصي به في حدود الثلث، وليس للورثة أن يعارضوا هذه الوصية التي لا تتجاوز الثلث، ما دام وهي في حجة وكفارات وليست لوارث ولا لمن يدلي بوارث ولا فيها حيلة على الورثة.

س: توفي رجل وخلف ولدين وبنتين وأوصى بثلث المخلف لولده الصغير وفي نفس الوقت فإن في ذمة المتوفى ديون كثيرة وقد تستغرق كل التركة فكيف تقسم التركة؟ وما هو الحكم في هذه القضية؟

جـ: تخرج الديون التي على الميت لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ، وبعد إخراج الدين تقسم التركة حسب الفروض للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ، أما الوصية للصغير فهي غير نافذة حيث وأنه من جملة الورثة وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح المرفوع (إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) أما إذا كان الدين أكثر من المخلف فالدين مقدم على الورثة حيث ويعطى من التركة مقدار الديون حتى ولو لم يبق منها شيئاً، فالدين قبل الإرث حيث دلت الأدلة الصحيحة الصريحة على ذلك، منها حديث (أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي قَدْ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ دَيْنًا كَثِيرًا وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ دَعَوْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي أَصْحَابَكَ، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَنْ وَالِدِي أَمَانَتَهُ، وَأَنَا أَرْضَى أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلَا أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا، وَحَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً)

(1)

وحديث (إِنَّ أَخَاكَ مُحْتَبَسٌ بِدَيْنِهِ فَاقْضِ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَدَّيْتُ عَنْهُ إِلَّا دِينَارَيْنِ ادَّعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَلَيْسَ لَهَا بَيِّنَةٌ، قَالَ: فَأَعْطِهَا فَإِنَّهَا مُحِقَّةٌ)

(2)

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الوصايا: باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة. حديث رقم: (2629) بلفظ (حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ، فَلَمَّا حَضَرَ جِزَازُ النَّخْلِ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي قَدْ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ دَيْنًا كَثِيرًا وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ دَعَوْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي أَصْحَابَكَ، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَنْ وَالِدِي أَمَانَتَهُ، وَأَنَا أَرْضَى أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلَا أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا، وَحَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً).

أخرجه النسائي في الوصايا، البيوع، وأبو داود في الوصايا، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: البيوع، في الاستقرض وأداء الديون، الهبة وفضلها والتحريض عليها، الصلح، المناقب، المغازي.

(2)

- سنن ابن ماجه: كتاب الأحكام: باب أداء الدين عن الميت. حديث رقم (2424) بلفظ (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ الْأَطْوَلِ أَنَّ أَخَاهُ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ عِيَالًا فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَهَا عَلَى عِيَالِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَخَاكَ مُحْتَبَسٌ بِدَيْنِهِ فَاقْضِ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَدَّيْتُ عَنْهُ إِلَّا دِينَارَيْنِ ادَّعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَلَيْسَ لَهَا بَيِّنَةٌ، قَالَ: فَأَعْطِهَا فَإِنَّهَا مُحِقَّةٌ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة. حديث رقم (1988).

أخرجه أحمد في أول مسند البصريين.

معاني الألفاظ: البينة: دليل يثبت صد الدعوى.

ص: 562

‌صحة الوصية لوارث أو من يدلي بوارث إذا كانت لمقابل

س: امرأة لها ولدان توفي أحدهما وله أولاد وعند وفاتها أوصت بشيء من مالها لأولاد ولدها المتوفى مقابل مال كان عندها لأبيه، فهل هذا صحيح؟

جـ: نعم، الوصية صحيحة وإن لم يجز الورثة، لأنها مقابل مال لوالد الأولاد لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}

س: ما رأيكم في رجل أوصى بتركته لأبناء بنت زوجته لأنهم يخدمونه ويعملون في أمواله وينفقون عليه وعلى زوجته التي هي جدتهم، وليس له أولاد ولا أقارب إلا العصبة وهؤلاء الذين هم أقرباء من العصبة لا ينفقون عليه ولا يهتمون به، فهل تصح الوصية التي كتبها وإن لم تصح فكيف يحصلون على أجرتهم وأتعابهم من جدهم؟.

جـ: يجب أن يخرج لهم من الوصية بقدر خدمتهم بحيث لا تزيد ولا تنقص حتى لو زادت على الثلث فيجوز لأنها مقابل خدمة.

‌الوصية الى مقابل الخدمة من رأس التركة

س: هل الوصية الى مقابل عمل أو خدمة تكون من الثلث أو من رأس التركة؟

جـ: الوصية الى مقابل العمل أو الخدمة تكون من رأس التركة لا من الثلث.

‌جواز الوصية لأحد الأحفاد لمقابل أداء الحج عن الموصي

س: توفيت امرأة عن زوج وولد من زوج سابق وكانت قد أوصت لولدها بقطعة أرض ليحج عنها وحدث أن الولد كان صغيراً عند وفاة والدته وظلت الوصية المذكورة وقسمت تركة المرأة بين ولدها وزوجها ثم ظهرت الوصية فقام الولد بأداء فريضة الحج عن والدته وطالب بإطلاق الأرض الموصى بها من والدته فلم يجب إلى طلبه، فما هو الحكم؟

جـ: إذا كان الولد قد حج عن والدته فهو أحق بهذه الأرض الموصى بها له إذا كانت قيمتها تساوي غرامة من حج عن هذه الموصية، أما إذا كان ثمنها أكثر فليس للولد إلا ما قيمته يساوي أجرة الحج لكونه وارثاً والوارث لا يستحق غير الأجرة فقط، والباقي للورثة وعلى من خرجت هذه الأرض في نصيبه أن يرجع على بقية الورثة ليعطيه كل واحد بقدر الوصية حتى يستوفي نصيبه، والأفضل في مثل هذه القضية أن يدفع كل واحد من الورثة أجرة الحج بحسب الزمان والمكان ويدفع كل وارث بحسب نصيبه من الإرث وهو الأفضل والأسهل، ويبقى كل وارث على ما جاء له في فصله أو يحضر الجميع عند القاضي ليعرف الحقيقة ويجري اللازم بعد حضور كل الورثة لديه لأن الفتوى ليست كالحكم.

س: هل يحق للجد أن يوصي لحفيده ببعض من أملاكه بتكاليف حجه الإسلام أو مقابل تلاوة القرآن وإهداء ثوابها إليه أو أنه لا يحق له ذلك؟

جـ: اعلم أنه لا مانع من أن يوصى الموصي لأحد أحفاده بشيء إلى مقابل أن يحج عنه إذا كان الموصى به بقدر الأجرة المعتادة التي يحج بها الحجاج عن الأموات هذه الأيام أي بحسب أجرة الزمان والمكان، وأما أن يوصى له بشيء مقابل الدرس للقرآن فإن كان لفظ الوصية إلى مقابل ما تيسر فهذه حيلة غير نافذة، وإن كان بلفظ آخر فلا مانع من تنفيذ الوصية بشرط أن يكون الموصى له ممن يحسن التلاوة وأن يتلو من القرآن بقدر ما كان سيتلوه بنفس الموصى به غير الحفيد ممن يحسنون التلاوة، وبشرط أن لا يشتم من هذه الوصية رائحة

ص: 563

الحيلة على باقي الورثة حيث والوصية كانت لمن يدلي بوارث وهو والد الولد، والغالب في مثل هذه الوصية أن تكون حيله على الورثة، ولهذا لا نستطيع أن نحكم بشيء أو نفتي بشيء قبل معرفة نص الوصية المذكورة والتي لعلها قد تكون من الوصايا الباطلة شرعاً لكونها من الحيل على الأولاد أو البنات.

س: ما رأيكم في من أوصى بمائة لبنة من أمواله في ما يسمى بالدرس (التلاوة) وهي في أحسن المال، هل تصح هذه الوصية؟

جـ: نعم، إذا كانت في حدود الثلث لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ)

(1)

، فإذا زادت على الثلث تبطل في الزائد على الثلث.

س: امرأة قبل أن تموت أوصت ببعض أموالها لمن سيحج عنها، علماً بأن الذي سيحج عنها ليس بوارث ولكن أجازه الورثة؟

جـ: الوصية صحيحة سواء أجاز الورثة أم لم يجيزوا بشرط أن تكون في حدود الثلث لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ)، فإذا كانت لا تفي بتكاليف الحج فيعملوا لها بلاغة وهي أن يرسلوا بالمال إلى أحد المغتربين في جدة أو مكة أو غيرها فيحج عن هذه المرأة، فإذا كان الحاج يحتاج إلى ثلاثة آلاف ريال سعودي فيعطى ألف ونصف لأنه لا يحتاج إلى جواز أو طائرة أو أيِّ شيء وهو حج صحيح فيه جميع مناسك الحج إلا أن الحاج لا يخرج من البلد، وعليه أن يستشهد شهيدين أو ثلاثة شهود يشهدون أنه أدى الحج لفلان المؤجر للحج عنه فهذا يجزئ.

‌وجوب تنفيذ الوصية التي لمقابل عمل إبراء لذمة الموصي

س: قلت أنه لا تصح الوصية لوارث إلا في حالة رضى الورثة أو في حالة مقابل عمل كالزوجة تخدم زوجها، فهل تصح الوصية لوارث مقابل عمل حتى ولو رفض الورثة؟

جـ: إذا كانت الوصية لمقابل عمل فهي صحيحة سواء رضي بها الورثة أم لم يرضوا فيجب عليهم تنفيذ الوصية إبراء لذمة الموصي.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الوصايا: باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أين يتكففوا الناس. حديث رقم (2537) بلفظ (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ).

أخرجه مسلم في الوصايا، والترمذي في الوصايا عن رسول الله، وأبو داود في الوصايا، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، ومالك في الأقضية، والدارمي في الوصايا.

أطراف الحديث: الإيمان، الجنائز، الوصايا، المناقب، المغازي، النفقات، المرضى، الدعوات، الفرائض.

معاني الألفاظ: العيادة: الزيارة.

العالة: الفقراء. فِي: فم

ص: 564

س: قمت أنا وزوجتي برعاية والدتي وخدمتها مدة طويلة فأوصت بجميع ما تملكه لي ولزوجتي مقابل قيامنا بذلك، فهل تصح وصيتها لنا علماً بأن لها ورثة آخرين هن ثلاث بنات؟

جـ: ما عملته الوالدة لولدها ولزوجة ولدها من الوصية لهما بجميع ما تملكه على وجه الأرض غير نافذ وغير صحيح شرعاً لأن وصيتها لولدها غير جائزة شرعاً فهو وارث (وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها أيضاً تفضيل لولدها على البنات المذكورات في السؤال مع أن الكل هم أولاد هذه المرأة، وقد جاء في الحديث الصحيح المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) إلاَّ إذا أجاز الورثة الوصية فإنها تنفذ، وأما بالنسبة إلى زوجة الولد فهي ليست بوارثة من والدة زوجها فالوصية من أم الزوج لهذه الزوجة صحيحة شرعاً لكن لا تتجاوز الثلث من التركة لأن المتوفية لا يحق لها أن توصي بأكثر من الثلث، وحيث أنها قد أوصت بجميع التركة فلا تنفذ الوصية إلا في الثلث فقط، والبقية تكون للورثة على الفرائض الشرعية، وعلى فرض أن الثلث كان قليلاً أو أن أجرة خدمة الزوجة لأم الزوج ستكون أكثر من الثلث فلا مانع من اختيار عدلين يقرران كمية ما تستحقه الزوجة من أجرة مدة خدمتها بحسب معرفتهما للمدة ولكيفية الخدمة ويخرجان لهذه الزوجة من التركة ما تستحقه ولو كان أكثر من الثلث، وهذا مبني على أنه يوجد تفاهم وتصادق بين جميع الورثة، فإذا لم يكن هناك تفاهم ولا تصادق فاللازم رفع القضية إلى القاضي المولى في المنطقة.

‌تحريم إجازة وصي القصار من الورثة النفقات غير الضرورية

س: ما حكم ما يعمله أهل الميت من إعداد الطعام للآخرين في يوم الموت أو أيام الموت؟

جـ: هو حرام للآتي:

أولاً: لأنه بدعة لمخالفته الحديث النبوي: (اصْنَعُوا لِأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ)

(1)

.

ثانياً: لقول (جرير ابن عبد الله البجلي): (كنا نعد إعداد الطعام من أهل الميت من النياحة)، والنياحة محرمة، وعندنا في اليمن أشياء غريبة مخالفة لتعاليم الشرع الإسلامي، وهي إعداد الطعام وذبح الذبائح من أهل الميت للآخرين خلافاً للحديث النبوي (اصْنَعُوا لِأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ) وما يعمل عكس الحديث تماماً.

ثالثاً: أحياناً يكون للميت أطفال قصار والميت فقير فيكون أكلاً لأموال اليتامى وأكل أموال اليتامى حرام لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}

(2)

وليس لوصي القصار أن يجيز صرفيات المتعاطي من أموال القصار أبداً، اللهم إلا الأشياء الضرورية الواجبة في الشريعة الإسلامية من أجرة حفر القبر وقيمة الكفن وأجرة المغسل والدفن لأنها واجبات شرعية، ولأن حكمها حكم الدين تخرج من رأس التركة، والمراد بالورثة الذين يجيزون تصرفات المتعاطي هم البالغون العاقلون، أما القصار فلا يجوز

(1)

- سنن الترمذي: كتاب الجنائز: باب ما جاء في صنع الطعام لأهل جعفر. حديث رقم (919) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اصْنَعُوا لِأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ) وقد حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3132).

أخرجه أبو داود في الجنائز، وابن ماجة في ما جاء في الجنائز.

معاني الألفاظ: النعي: الإخبار بموت أحد

(2)

- النساء: آية (10)

ص: 565

لوصيهم أن يجيز الصرفيات غير الضرورية أبداً.

‌صحة الوصية في الثلث فقط إلا من لا وارث له فتصح بماله كله

س: هل يجوز لشخص أن يوصي بجميع تركته؟

جـ: لا تصح الوصية إلا في الثلث لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) إلا إذا كان الشخص غريباً لا وارث له لا من ذوي السهام ولا من العصبات ولا من ذوي الأرحام، فيجوز له أن يوصي بماله كله لأن المال في هذه الحالة سيؤول إلى بيت مال المسلمين، وهو أولى من بيت المال ليوصي به في القُرب.

‌تتزاحم الوصايا في الثلث

س: هل يجوز لرجل أن يوصي بأكثر من الثلث لمسجد أو لمصلحة عامة علماً بأن له بنت وزوجة؟

جـ: لا يجوز أن يوصي الشخص بأكثر من الثلث لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) فما زاد على الثلث فهو باطل، سواء كان لمسجد أو لطلبة العلم أو لأيِّ مصلحة أخرى، فيبطل الزائد وتثبت وصيته بالثلث، وإذا كان قد أوصى بعدة وصايا فتتزاحم كلها في الثلث.

س: لي أم كنت في حياتها أعرض عليها الحج وتقول لم أقدر على التعب ولكن عندما أموت حج لي وعندما توفيت حجيت لها وعندما أديت الحجة عنها قام أخي وسجل لي في قطعة الأرض مقابل حق الحجة وفيه واحد من الورثة اعترض، هل هذا البيع صحيح لمقابل أداء الفريضة عنها؟ لقد سألت أختي التي أكبر مني وقالت أمي أوصت بهذه القطعة لمقابل حجتها أفتونا مأجورين؟

جـ: إذ صح أنها أوصت بالحجة أو تصالح الورثة على أنها أوصت بها فأخرجوا الحجة من الثلث وإلا فمن أجاز من الورثة خرجت أجرة الحجة من حسابه، ومن لم يجز من الورثة لا يخرج من حسابه أيُّ شيء.

الخلاصة: هي أنها لا تخرج من الثلث إلا إذا صحت الوصية أو تصادق عليها الورثة، أما إذا لم تصح الوصية ولا تصادق عليها الورثة فلا تخرج أجرة الحجة إلا من نصيب من أجاز.

‌جواز الوصية للمولود الملتقط في حدود ثلث مال الموصى

س: إني امرأة لم أنجب أطفالاً وقد توفي زوجي فقمت بتبني طفلة يتيمة ليس لها أحد غير الله تعالى وقد تربت لدي وكبرت وأحببتها وإنني أملك بيتاً أفكر أن أوصي لها به، فهل تصح وصيتي لها أم أنها لا تصح؟

جـ: لا مانع لك بأن توصي لهذه البنت التي تربت لديك بما تسمح نفسك بشرط أن لا تزيد عن ثلث التركة التي ستُخلفينها، ومهما أوصيتي لها بشيء فلا تصح الوصية إلا في حدود الثلث لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى

ص: 566

فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ)، وما كان زائداً فلا يصح ولا ينفذ إلا في الثلث فقط، وإذا كنت ستوصين وصايا أخرى فستتزاحم جميع الوصايا في الثلث فقط، وليس للموصية غير الثلث.

‌جواز نفاذ وصية من أوصى بماله في الثلث فقط

س: ما الحكم فيمن أوصى بجميع ماله إلى جمعية خيرية لكي يحرم ابنه العاق من الميراث؟

جـ: الوصية لا تنفذ إلا في الثلث والباقي للورثة لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ)، وإذا كان له ولد واحد وليس له زوجة ولا أم ولا جدة فجميع التركة للولد بعد إخراج الثلث للجمعية الخيرية سواء كان هذا الولد عاقاً لوالده أم باراً فالعقوق من كبائر الذنوب لكنه لا يمنع من الإرث ولا يكون علة لإحرام الوارث من الإرث إنما الذي يمنع من الإرث القتل أو الرق أو الكفر، فلو كان هذا الولد عبداً أو كافراً أو كان قتل أباه لكان الكفر أو القتل أو العبودية مانعاً للولد من الورث، لكنه حر مسلم غير قاتل لأبيه فيرث والده ولا يُمنع من الإرث أبداً، ولا تكون وصية والده نافذة في جميع التركة فلا تنفذ إلا في الثلث كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن له أن يوصي بزيادة على الثلث وهوبلفظ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ).

س: ما قول علماء الإسلام في أولاد عصوا والدتهم ولم يحضروا مرضها وموتها ودفنها وعند مرضها قام برعايتها أولاد أخيها فأوصت بمالها لأولاد أخيها، فهل يجوز لأولادها المطالبة بميراثهم من بعد والدتهم أم لا؟

جـ: اعلم أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر وقد جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)

(1)

ولكن العقوق لا يمنع من الإرث ولا يجوز لهذه الأم أن توصي بجميع مالها لأولاد أخيها لتحرم أولادها من الإرث، وبناء على ذلك فإذا صحت الوصية المذكورة بخط أمين وهذه الوصية مشهود عليها فهي وصية نافذة في حدود الثلث لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) وما زاد على الثلث يكون لورثة الموصية للذكر مثل حظ الأنثيين إن كان الأولاد ذكوراً وإناثاً واعلم أن العقوق ليس من موانع الإرث،

(1)

صحيح البخاري: كتاب الديات: باب إثم من أشرك بالله وعقوبته. حديث رقم (6408) بلفظ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البر والصلة، والشهادات، وتفسير القرآن، وأحمد في مسند البصريين.

أطراف الحديث: الأدب، والاستئذان، والشهادات.

ص: 567

وإنما الذي يمنع الميراث القتل أوالرق أواختلاف الدين.

س: إذا كان لرجل ولدان أو أكثر أحدهما بار بوالديه والآخرعاق ظالم لوالديه فهل يجوز للرجل أن يوصي زيادة للابن البار؟

جـ: قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث مطلقاً سواء أكان عاقاً أم باراً إلا إذا كان الولد البار يخدم أباه خدمة زائدة على القدر المعتاد فيأخذ من الوصية مقابل خدمته دون زيادة أو نقصان.

س: تزوجت امرأة برجل ثم توفي منها ولم ينجب عنها وكان لهذه المرأه أراضٍ ورثتها من بعد أبيها وزوجها وكانت تتصرف ببيع ممتلكاتها من الأراضي من ابن عم زوجها ثم كانت تنفق على أولاده بالثمن المذكور من أجل أن يكون البيع شرعياً، وما تبقى من هذه الأرضي تصرفت به كما يلي الثلث الأول أوصت بوقفه، كما أوصت بالثلث الثاني للأولاد الذين كانت تنفق عليهم والذين صار البيع إلى أبيهم، أما الثلث الأخير فقد أوصت بنصفه لبنت من ضمن هؤلاء الأولاد، ولم يبق من تركتها سوى السدس فقط، فهل تصرفها هذا صحيح أو أنه حيله على ورثتها الشرعيين علماً بأنها قد توفيت ولها أخ لأبيها لا غير؟

جـ: اعلم أن تصرف هذه المرأة بما معها من الأراضي بالبيع وصرف الأثمان في الإنفاق على أولاد ذلك الرجل لا مانع منه شرعاً لأنها تتصرف فيما تملك فلا وجه لمنعها أو حجرها أو القول بأن تصرفها غير صحيح أو غير نافذ، وأما الوصايا فالوصايا لمن لم يكن وارثاً ولا هو ممن يدلي بوارث صحيحة ونافذة شرعاً، وهكذا الوصية بالثلث المذكور وقفاً لا مانع من هذه الوصية إذا كان الوقف بشيء مشروع وفيه قربه، لكن القاعدة الشرعية تصرح بأن ليس لأحد أن يوصي بأكثر من الثلث، والحديث النبوي الصريح يقضي بأن الوصية لا تتجاوز الثلث أبداً، وبناءً على ذلك فكل ما أوصت به هذه المرأة للبنت المذكورة في السؤال وللأولاد المذكورين في السؤال وللوقف سيكون جميع ذلك من الثلث لا من الزائد على الثلث وتتزاحم كلها في الثلث ولا تتجاوز الثلث أبدا لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ)، والثلثان من التركة يكونان لورثتها على الفرائض الشرعية، وإذا كان الوارث واحداً من العصبة كالأخ لأب مثلاً يكون الثلثان له وحده.

الخلاصة: أن التركة ستوزع على ما قلته وهو أن ثلثها تكون للوصايا كلها متزاحمة فيه، والثلثان الباقيان يكونان للورثة أو للوارث هذا إن صح أن المرأة المذكورة قد عملت هذه العملية على الصفة التي جاءت في هذا الاستفتاء، وإن ثم مخالفة أو ملابسه فمن الأفضل عرض القضية على القاضي الشرعي ليعرف الحقيقة ويطلع على نصوص الوصايا كلها ويجري اللازم بحسب اختصاصه وعلى ضوء القواعد الشرعية والنصوص الفقهية وبموجب ما جاء في كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

‌صحة الوصية لوارث إذا أجازها الورثة

س: هل تصح الوصية لوارث؟

جـ: لا تصح إلا أن يجيزها الورثة، فإذا أجاز بعض الورثة ولم يجز البعض الآخر فتخرج من نصيب من أجاز ولا

ص: 568

تخرج من نصيب من لم يجز.

‌شروط إجازة المرأة للوصية لوارث

س: قد نذرت بثلث أرضي لأخي ولي أم وأختان وزوجة فقط وقد أجازت الأم والزوجة والأختان بهذا النذر، فهل يعتبر هذا النذر صحيحاً أم انه غير صحيح؟

جـ: اعلم أن النذر ها هنا هو بمعنى الوصية لأن تصرفات غير العارفين حكمها مثل حكم الوصية لا تنفذ إلا بعد الموت وبناء على ذلك فالوصية هذه غير صحيحة وغير نافذة شرعاً لأنها وصية لوارث والوصية لوارث لا تصح ولا تنفذ شرعاً لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عنها أو نفى صحتها حيث قال (إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) وذلك لكون الأم سترث السدس والزوجة الربع والباقي للأخ ولأختيه المذكورتين في السؤال مهما كان الأخ هو وأختاه أشقاء للناذر أي أن الجميع إخوة للأبوين والأخ هذا وارث له من الإرث مثل أختيه، اللهم إلا إذا أجازت النساء المذكورات هذه الوصية بعد موت الموصي فإن الإجازة تجعل الوصية نافذة شرعاً وإذا أجاز البعض دون البعض نفذت الوصية في حصة من أجاز دون من لم يجز هذه الوصية والمراد بالإجازة هي الإجازة التي تكون بعد الموت، ويجب أن يبين للمرأة كم مقدار إرثها والنقص فيه إذا هي أجازت وكم سيكون إرثها الكامل إذا لم تجز الوصية لهذا الوارث، لأن النساء يجهلن معنى الإجازة ولا يظهر لهن بأن الإجازة ستنقص من إرثهن الثلث كما في هذه المسألة ونحوها أو أقل من الثلث كما في غيرها من المسائل ونظائرها من المسائل التي قد يوصي الموصي لبعض الورثة بثلثه كاملاً لا إلى مقابل شئ، ومثلاً في هذه المسألة سيكون للأخ الثلث من باب الوصية وذلك ثمانية قراريط من أربعة وعشرين قيراطاً ويبقى ستة عشر قيراطاً للأم السدس ثلاثة قراريط وللزوجة الربع أربعة قراريط والباقي تسعة قراريط وثلث قيراط للعصبة للذكر مثل حظ الأنثيين خمسة قراريط إلا ثلثاً للأخ ولأختيه خمسة قراريط إلا ثلثا لكل واحدة النصف وهو قيراطان وثلث قيراط وسيكون هذا الأخ قد ظفر بنصيب الأسد، لأنه سيأخذ الثلث أولاً ثم إرثه المضاعف على إرث كل واحدة من أختيه ويكون المجموع ثلاثة عشر قيراطاً إلا ثلثاً قيراط الأكثر من نصف التركة وتكون النساء قد غبنَّ غبناً فاحشاً وخصوصاً الأختين لأن الإرث الذي سيخص الواحدة منهن لا يتجاوز القيراطان والثلث وأين القيراطان والثلث من ثلاثة عشر قيراط إلا ثلث وأين الثرى من الثريا وأين أكثر من نصف التركة مما هو أقل من عشر التركة، ولهذه الحكمة قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله قد أعطي كل ذي حق حقه (وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) وجاء في بعض الروايات زيادة في آخر الحديث وهي إلا بإجازة من الورثة وسواء صحت هذه الزيادة أم لم تصح فإن العلماء قد أجمعوا على مدلولها وهي أن الإجازة تصير الوصية نافذة ولو كانت لوارث لأن الوارث قد تنازل عن حقه بالإجازة، ولكن لما كثر الغبن على النساء وكثر ظلم الرجال للنساء وكثرت الحيل على النساء في الوصايا شرط علماء الشريعة المحققون بأن الإجازة لا تكون مجوِّزة الوصية لوارث إلا بشروط هي:

1 -

أن تكون الإجازة بعد الموت.

2 -

أن تكون الإجازة من المرأة برضائها واختيارها بلا مجاملة ولا ضغط ولا حياء.

3 -

أن تعرف المرأة ما يحصل عليها من نقص إذا هي أجازت وكم سيكون إرثها الكامل إذا لم تجز الوصية للوارث.

أن تعرف المرأة أنها غير ملزمة بالإجازة وأن لها الحرية في رفض الإجازة للوصية للوارث وإني أوصي كل من يوصي بأن (لا يوصي لوارث) لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على أنه (وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) وأن لا يتحيل

ص: 569

في وصيته على النساء لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى بالضعيفين المرأة واليتيم، كما أرجو من كُتّاب الوصايا والأمناء أن لا يساعدوا الموصي على كتابة أيِّ وصية فيها حيلة أو ضرر أو أيُّ شيء مخالف للأمر الشرعي مما يعلمون بأن فيه الإثم على الموصى ومنازعة بين الورثة وعدم نفوذه بعد طول المحاكمة، وهكذا أرجو من القسَّامين للتركة التي قد يحصل في وصية المورث ذكر هذه الوصية أن يعملوا بها وأن يوضحوا للنساء بما يلي:

أولاً: أن لا عبرة بالإجازة التي تقع قبل الموت بل بالتي تقع بعد الموت.

ثانياً: أن الإجازة لا تصحح الوصية وتجعلها نافذة إلا إذا كانت برضاء المرأة واختيارها بلا ضغط ولا مجاملة ولا استحياء ولا إكراه ولا إجبار.

ثالثاً: أن تعرف المرأة بما سيحصل عليها من نقص إذا هي أجازت وكم سيكون إرثها الكامل إذا لم تجز الوصية للوراث.

رابعاً: أن يعرفوا المرأة بأن لها الحرية الكاملة في أن تجيز الوصية للوراث أو ترفض هذه الإجازة وأنها غير ملزمة بأن تجيز الوصية للوارث وأنها إذا لم تجز هذه الوصية فلا جناح عليها وأن عدم إجازتها لا يكون عقوقاً للموصِى ولا قطع رحم للموصَى له بل براءة لذمتهم.

‌عدم صحة رجوع الوارث في إجازة الوصية لوارث أو غيره

س: توفي والدنا وله أولاد ووالده وأخوات وقد حصلت والدة المتوفى على سهم من الإرث وقدره الثلث ولكنها أنذرت به لنا وقد أثبتت هذا النذر في ورقة شرعية بشهودها وبعد عامين توفيت والدة المتوفى فحصلنا على إجازة شرعية من عماتنا بالنذر الذي نذرته جدتنا باعتبار أننا من الوارثين لجدتنا وبعد ست عشر سنة عماتنا تراجعن عن إجازتهن وطالبن بالثلث الذي كان لجدتنا والذي صار لنا بالنذر منها علماً بأننا قد تصرفنا بجزء من ذلك الثلث في حياتها وبعد وفاتها، فما هو الوجه الشرعي في هذا الموضوع؟

جـ: اعلم بأن النذر ها هنا بمعنى الوصية والوصية لا تكون للوارث إلا بإجازة الورثة فإذا صحت الإجازة بعد الموت بمدة فالظاهر أنها صحيحة نافذة من حينه ولا حكم للرجوع، هذا والله سبحانه ولي الهداية والتوفيق.

‌وجوب قسمة التركة قبل تنفيذ الوصايا إذا أجاز الوصية البعض ورفض البعض الآخر

س: من المعروف أنه يتم تنفيذ الوصية قبل تقسيم التركة ولكن ما هي الحالة التي يجب فيها تقسيم التركة قبل تنفيذ الوصية؟

جـ: إذا أوصى رجل لوارث فأجازها بعضهم ومنع بعضهم فإنه يجب تقسيم التركة ثم يتم تنفيذ الوصية للوارث من حصة الورثة الذين أجازوا الوصية.

س: ما قولكم في رجل أوصى لابن ابنه أو نذر له بقطعة من الأرض لأن ابن ابنه كان أكثر خدمة لجده وعاش مع جده مع وجود أبيه وكان يخدم جده كثيراً علماً بأن له أحفاد آخرون لكنهم لا يخدمونه فهل ينعقد ذلك النذر أم يبطل علماً أن الأرض التي أعطيت للحفيد من جده أعطاه بعضها وصية أو نذر وأعطاه قطعة أرض أخرى مقابل تلك الخدمة مع العلم بأن ما أعطاه للحفيد من هبة أو نذر أو وصية كلها لا تساوي الثلث وهل يعتبر ما حصل عليه الولد سعياً؟

جـ: لا يخلو إما أن يكون الورثة قد أجازوا أم لا فإن أجازوا صحت الوصية، وإذا لم يجيزوا الوصية فتصح

ص: 570

الوصية في قدر الخدمة بتقدير عدلين يقدران الخدمة ويثمنان الموصى به ولا يأخذ الموصي له إلا بقدر الخدمة، أما على مذهب الجمهور فقالوا: الوصية لابن الابن صحيحة سواء خدم أم لم يخدم لأنه غير وارث لكن وزارة العدل قررت بأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) وقررت الوزارة زيادة: (ولا لمن يدلي بوارث) كابن الابن أو نحوه.

س: يوجد لدينا بيت مكون من طابقين فقال لنا أبونا الطابق الأسفل أوصي به لأختكم فلانة فقلنا جميعاً رضينا بما أوصيت لأختنا، فهل تصح أم لا؟ وهل هذه الوصية خارجة عن نصيب أختنا من الميراث مع العلم أن ثمنها يقارب ثمن جملة الإرث؟

جـ: هذه وصية لوارث لا تصح إلا بإجازة من الورثة وشرط الإجازة ألا تكون إلا بعد الموت، أما إجازة قبل الموت فوجودها وعدمها على السواء لأنها لا تسمى إجازة شرعية من الورثة إلا بعد الموت والوصية تنفذ بعد الموت، أما في حالة حياة الموصي فتعتبر الإجازة طاعة ومجاملة، أما إذا قد قالوا بعد الموت قد أجزنا نفذت الوصية، أما إذا لم يجيزوا بعد الموت فهي غير نافذة.

س: نصحت رجلاً أوصى لأولاد أولاده الذكور دون الأناث وقلت له اتق الله فقال هذا مالي أعطيه من أريد لورثتي وأولاد أولادي الذين يرثوني أرجو من فضيلتكم رداً شافياً؟

جـ: من الناحية الإنسانية لا ينبغي وهل آباؤهم أحياء أو أموات إذا كان الأب حيا أوصى مع وجوده فالوصية باطلة عند وزارة العدل وإذا كان أبوهم قد مات فالوصية صحيحة.

س: رجل أوصى لأبناء أحد أولاده الذكور دون الأناث ولم يوص لأبناء أبنائه الآخرين فهل الوصية صحيحة؟

جـ: إذا كان على رأي وزارة العدل فهي باطلة.

س: توفي رجل وخلف أولاداً ذكوراً وإناثاً وقام الذكور باحتكار الأموال الثمينة من التركة بدعوى أنها موقوفة عليهم من والدهم وموصى لهم بها ومنها سعاية لهم لأنهم سعوا في الحصول عليها، فما رأي الشريعة الإسلامية في ذلك؟ والسؤال الثاني يقول ماتت امرأة وفي بطنها جنين يتحرك فقام أحد الأشخاص بأخذ عود وضرب الجنين حتى أسكت تحركه فما حكم ذلك في الشريعة الإسلامية؟

جـ: اعلم بأن الأصل في التركة عدم الوقف وعدم الوصية وعدم السعي وأن التركة تقسم على الورثة حسب الفرائض الشرعية الواردة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة، ومن ادعى أن له سعياً في التركة فلا مانع من سماع دعواه عند القاضي الشرعي المتولي في المنطقة فإن أثبت صحة دعواه فسيحكم له القاضي بما يصح له شرعاً بحسب البراهين وبموجب البيّنة على صحة السعي وبقدر عمله وسعيه وكده وتعبه ووجاهته وبمقتضى ما يقدره عدلان مختاران بنظر القاضي الشرعي حسب العادة وبمقتضى القواعد الشرعية، وإن لم يثبت ما يدعيه الأولاد الذكور كان رجوعه إلى الأصل وهو عدم السعي، فالمسألة محتاجة إلى الحضور عند القاضي لقوله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}

(1)

، وهكذا دعواه الوقف والوصية يقال الأصل عدم الوقف وعدم الوصية ومن ادعى أن له وصية أو وقفاً فعليه البرهان وهو إبراز الوقفية أو الوصية إلى القاضي وسيطّلع القاضي على نصها فإن كان الوقف أو الوصية صحيحين من

(1)

- النساء: آية (59)

ص: 571

الناحية الشرعية فسيصححها ويحكم بموجبها، وإن كانت الوصية أو الوقف منه حيلةً على البنات أو فيه تفضيل الذكور على الأناث أو فيه وصية لوارث لا لمقابل عمل ولا تعويض عن شئ فسيحكم القاضي بعدم الصحة، فالمسألة على كل حال لا بد من عرضها على القاضي ليعرف الحقيقة ويجري اللازم بحسب اختصاصه لأن الحاضر يرى مالا يراه الغائب ولا يمكن الفتوى بموجب السؤال المجمل الوارد من طرف واحدً ومن وكيل البنات وحده ما لم يكن السؤال مفصلاً مع ذكر لفظ الوصية أو الوقفية ومن جميع الورثة، ولهذا أفيدك بأن الحضور عند القاضي ضروري ولا تحتل المشكلة بغيره.

والجواب على السؤال الثاني اعلم بأن الشخص الذي صدر منه الضرب لا يجوز إن صح صدوره منه على هذه الصفة وقد كان اللازم إسعاف المرأة وحملها على سيارة إلى أقرب دكتور مختص وقد نص العلماء على مشروعية شق بطنها وإخراج الجنين من بطن أمه الميتة، وهذه العملية هي التي تسمى بالعملية القيصرية لأن أول من استُخرِج من بطن أمه بوساطة شق البطن هو القيصر ملك الروم قبل البعثة المحمدية بقرون كما في كتب التاريخ والله الموفق.

س: قلتم بأن ابن الابن لا تصح له الوصية من جده كيف ذلك وهو ليس وارثا لجده؟

جـ: قلت بأن وزارة العدل قررت ألاَّ وصية لوارث ولا لمن يدلي بوارث.

س: جدي أوصى قبل موته لولده الصغير بالسيارة لكي يتزوج لأنه قد زوج أبناءه من قبله وكذلك أوصى لولد ولده بالجنبية، والكل راض عن هذه الوصايا؟

جـ: الوصية صحيحة ما داموا راضيين، أما إذا اختلفوا فينظر في قيمة السيارة وتكاليف الزواج فيأخذ الموصي له بقدر تكاليف الزواج، فإذا كانت قيمة السيارة زائدة أخذ الزيادةَ الورثةُ وإذا كانت القيمة ناقصة فيوفيه الورثة.

س: ما قول علماء الشريعة في رجل كتب لابن ابنه بالثلث من ماله علماً بأن الثلث كان مرهوناً فذهب الولد إلى السعودية وجمع فلوساً وخرَّج الثلث علماً بأن الولد معه أخيه الصغير وأربع بنات؟

جـ: إذا كان الولد الموصي له لا يزال والده حياً ومات الجد والأب موجودٌ فلا تصح الوصية لأنه لا وصية لوارث، والوصية هذه هي حيلة إما على بنات أو على ابن من أم أخرى.

س: أوصى رجلٌ لابن الابن بثلث المال، فهل تصح هذه الوصية علماً بأن ابن الابن ليس بوارث؟

جـ: إذا كان أبو الولد موجوداً فالوصية باطلة عند وزارة العدل، أما عند بقية العلماء فهي صحيحة، أما إذا مات أبو الحفيد فهي صحيحة بالإجماع.

‌صحة الوصية للولد الأخرس أو الأعجم أو المعوق العاجز عن العمل

س: إذا أوصى الوالد لولده الأخرس أو الأعجم دون إجازة الورثة فهل تنفذ الوصية؟

جـ: إذا أوصى الوالد لولده الأخرس أو الأعجم قال العلماء: لا مانع وإن لم يجز الورثة، أما إذا أوصى لأمه العجماء فلا تنفذ الوصية.

‌ثبوت الدين على الميت ببينة مدعي الدين أو بخط الميت المعروف أو وصية

س: كيف يثبت الدين على الميت؟

جـ: يثبت بالبينة من مدعي الدين أو بخط الميت المعروف أو بوصيته، فإذا قد ثبت الدين على الميت فيجب

ص: 572

إخراجه من رأس التركة.

‌عدم مشروعية الوصية بالذبائح وشراء القات بعد موته

س: ما حكم من يوصي بالذبائح والقات بعد موته؟ وما حكم هذه البدعة؟

جـ: كلما يعتقد الإنسان أنه حرام لا يشرع له تنفيذه.

ص: 573

الباب الثاني: المواريث الشرعية

• الفروض المقدرة النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس

• الإقعاد: هو إقعاد الرجل الذي مات ابنه قبله أولاد ابنه مقعد أبيهم في الميراث

• مشروعية إعطاء أولاد الولد الذي قد مات بحسب الحالات

• جواز تنازل الوالدين عن ميراثهما لمن أرادا من أولادهما أو أحفادهما

• عدم جواز قسمة تركة الرجل الغائب غيبة طويلة ما لم يحكم القاضي الشرعي بموته

• جواز تقدير سعاية الابن في غرس الأشجار وإعطائه سعايته وقسمة باقي التركة

• تحريم حرمان النساء من الميراث

• تحريم منع المرأة من إرث مراهق أموالها من الميراث

• وجوب قسمة التركة وإعطاء الأنثى المستند الذي فيه بيان وتحديد نصيبها من التركة

• وجوب تعويض الزوجة عما باعه الزوج من أموالها

• وجوب إخراج فريضة كل وارث من التركة لا سيما النساء

• كل تنازل عن الميراث إلى مقابل لا يجوز الرجوع عنه

• أهل النصف

• أهل الربع

• أهل الثمن

• أهل الثلثان

• أهل الثلث

• أهل السدس

• ترتيب الوارثين حسب درجة قربهم من الميت

• تقديم من ينتسب إلى الميت بنسبين على من ينتسب إليه بنسب واحد في الميراث

• خلاف الشيعة الجعفرية في توريث أهل العصبات

• يقاسم الجد الأخوة ما لم تنقصه المقاسمة عن السدس

• وجوب المبادرة بقسمة تركة الميت بعد موته

• يقدم في قسمة التركة أهل الفرائص وما تبقى من التركة يكون للعصبات

• وجوب تقسيم تركة الميت بعد موته وإعطاء كل وارث نصيبه ليتصرف فيه

• جواز قسمة التركة قبل بلوغ القصار سن الخامسة عشر

• الأخوات مع البنات عصبة

• وجوب العول إذا زادت السهام

ص: 574

• خلاف الحنفية والشافعية في توريث ذوي الأرحام

• لا توريث لذوي الأرحام إلا في المذهب الحنفي والهادوي

• في توريث ذوي الأرحام نصيب الذكور والأناث على السواء

• وجوب حرمان قاتل مورثه من الميراث

• وجوب حرمان قاتل مورثه من الميراث وجواز مطالبته بسعايته مع مورثه

• آراء العلماء في توريث القاتل مورثه خطأ من تركة مورثه

• وجوب حرمان المرتد من الميراث

• لا توارث بين أهل ملتين مختلفتين

• ميراث ابن الملاعنة لأمه أو لعصبة أمه

• وجوب توريث الطفل الذي مات حال ولادته إذا ظهرت عليه أمارة الحياة

• وجوب توريث المرأة من زوجها حتى ولو مات بعد العقد وقبل الدخول بها

• ميراث العبد المعتق للوارثين من قرابته وإن لم يكن معه وارثون فيكون لمعتقه أو لعصبة معتقه

• وقوف صحة قسمة الرجل أمواله في حياته على إجازة الورثة بعد موته

• وجوب دفع نصيب كل أخ من قيمة السيارة المشتركة بينهم بسعر يوم البيع

• تحريم توريث أشرطة الأغاني

• وجوب قضاء الديون التي استدانها الميت للضرورة على الدولة

• تحريم حرمان الأناث من الميراث

• تحريم قسمة تركة الغائب المنقطعة أخباره حتى يحكم القاضي الشرعي بموته

• ليس للزوجة من بيت زوجها إلا نصيبها من الميراث

• وجوب تقسيم الدّية على الفرائض الشرعية بين الورثة

• وجوب توريث المطلقة طلاقاً رجعياً لا بائناً إذا مات الزوج المطلق قبل انقضاء عدة المطلقة

• وجوب إبطال مقسِّم التركة كل ما فيه حيلة على أحد من الورثة لا سيما الأناث

• آراء العلماء في كيفية توريث الغرقى والهدمى

• وجوب تسليم أيِّ مال لميت إلى وصيه أو إلى جميع ورثته بحسب الفرائض الشرعية

• الإرث الشرعي لمن يستحقه سواء كان غنيا أو فقيرا

• تحريم أخذ الوارث أكثر من نصيبه إلا إذا كان لمقابل سعاية أو زواجه

• الولد الملتقط ليس وارثا شرعيا لمن رباه

• وجوب تمييز أموال كل وارث من كل تركة ولا سيما النساء ليتصرف كل وارث في أرثه

• الأصل بقاء الزوجية ومن ادعى الطلاق فعليه البرهان

ص: 575

• الفصول حجة بين المتقاسمين

ص: 576

‌الباب الثاني: المواريث الشرعية

‌الفروض المقدرة النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس

س: ما هي الفروض المذكورة في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الإجماع؟

جـ: هي ست: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس، بعضهم يقول هي النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما.

الإقعاد: هو إقعاد الرجل الذي مات ابنه قبله أولاد ابنه مقعد أبيهم في الميراث

س: ما هو الإقعاد في باب الفرائض؟

جـ: الإقعاد بمعنى الوصية، والوصية لا تكون إلا في حدود الثلث لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ)

(1)

، والمقصود بالاقعاد هو أن يقعد الرجل الذي مات ابنه قبله أولاد ابن ابنه مقعد أبيهم في الميراث، والعلماء يشترطون ألا يتجاوز الإقعاد الثلث لأنه وصية والوصية يجب ألا تتجاوز ثلث مال الموصي، وإذا زاد الإقعاد على الثلث فلا ينفذ إلا في الثلث، وإذا صادف أن الموصي قد أوصى بعدة وصايا غير الإقعاد فتتزاحم الوصايا كلها في الثلث وينقص على كل وصية بنسبتها مثل ديون المفلس إذا كانت أموال المفلس لا تفي بديونه، فإنه ينقص على جميع الدائنين بحسب نسبة ديونهم، أما ديون الموصي فتخرج من رأس التركة لا من ثلث الميت لأن الدين يجب إخراجه قبل القسمة وقبل الوصايا وقبل كل شيء لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}

(2)

ومثل الدين مؤنة الدفن فإنها تخرج مع الدين من رأس التركة مطلقاً سواء أوصى بها الميت أم لم يوص بها.

س: رجل توفى أبوه قبل جده فأوصى له جده بمال معين من ر أس التركة مع كون هذا الرجل له أخت فهل تأخذ هذه الأخت نصيبها علماً بأن الجد لم يصرح بالوصية إلا لأولاد الابن المتوفى؟

جـ: ابن ابنه وبنت ابنه هما ليسا وارثين فالجد يوصي لمن شاء لكن في اختيارات وزارة العدل ما كان سيرثه الولد المتوفى يكون لأولاده من بعده سواء أوصى أو لم يوص بشرط أن يكونوا فقراء وأن يكون في حدود الثلث، وقد صدر هذا بقانون رسمي وقع عليه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وهناك قاعدة فقهية تنص على أنه (لا

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الوصايا: باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أين يتكففوا الناس. حديث رقم (2742) بلفظ (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِير، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ).

أخرجه مسلم في الوصايا، والترمذي في الوصايا، وأبو داود في الوصايا، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، ومالك في الأقضية، والدارمي في الوصايا.

أطراف الحديث: الإيمان، الجنائز، الوصايا، المناقب.

معاني الألفاظ:

العيادة: الزيارة.

العالة: الفقراء.

فِي: فم.

(2)

- النساء: آية (12)

ص: 577

يرث من في الدرجة السفلى مع وجود من في الدرجة العليا).

س: توفيت امرأة ليس لها وارث سوى أخ وأخت من أب وأخ وأخت من أم وبنات بنتها التي توفيت أمهن في حياة جدتهن، فكيف تقسم التركة مع العلم بأن الجدة لم توص لبنات بنتها بأيِّ شيء وهن فقيرات؟

جـ: الإرث لهذه المرأه التي ماتت وخلفت أخا وأختا لأب وأخا وأختا لأم وبنات بنتها المتوفية أمهن قبلها تكون على الصفة التالية: للأخ والأخت لأم ثلث التركة، يكون بينهما نصفين نصف للأخ لأم ونصف للأخت لأم أي يقسم بينهما على السواء للأخ لأم السدس وللأخت لأم السدس، وباقي الإرث تكون للعصبة وهما الأخ لأب والأخت لأب للذكر مثل حظ الأنثيين فإذا قسمنا التركة على القراريط وجعلنا التركة (24) قيراط يكون للأخ لأم أربعة قراريط والأخت لأم أربعة قراريط، والباقي ستة عشر قيراطاً، فللأخ لأب عشرة قراريط وثلثي قيراطاً وللأخت لأب خمسة قراريط وثلث قيراط ولا شئ لبنات البنت لكونهن في درجة أدنى من درجة الأخوات والأخوة المذكورين، ولا يرث من هو في درجة سفلى في وجود من هو أعلى منه، وأيضاً بنات البنت هن من ذوي الأرحام وليس من العصبات ولا من ذوي السهام وقد أختلف العلماء في ذوي الأرحام هل لهم إرث أم لا فذهب بعض العلماء إلى أن ذوي الأرحام يرثون بشرط أن لا يكون من الورثة من هو أقدم منهم وأولى بالإرث من ذوي السهام والعصبات، وهذا هو المعمول به في المحاكم الشرعية التي لا تحكم بالإرثية لمن كان رحامياً أو لا تعطي من كان رحامياً من تركه المتوفى إلا إذا لم يكن هناك وارثاً أقدم من ذوي الأرحام وهم أهل السهام والعصبات، وذوو الأرحام لا يرثون مطلقاً سواءً كان ذوو العصوبة موجودين أم غير موجودين فلا حظ لذوي الأرحام من التركة، ولا يرثون لأن سبب الميراث عند أهل هذا القول الثاني منحصر في ذوي السهام والعصبات وهذا قول الشافعي ولهذا فإن بنات البنت ليس لهن أرث لا عند الشافعية ولا عند الهادوية، لأن ذوي الأرحام عند الشافعية لا يرثون مطلقاً، أما عند الزيدية الهادوية فلكون أرثهم مشروطاً بعدم وجود من هو أقدم منهم وهم العصبات وذوو السهام، اللهم إلا إذا كانت المتوفية قد أوصت لبنات بنتها فاللازم إخراج الوصية في حدود ثلث التركة وهو ما يسمى بالإقعاد إلا أنه كان من وزارة العدل دراسة هذه المسألة وتقرير إخراج نصيب من مات من أولاد المتوفى قبل وفاة المورث سواءً هو الجد أم الجدة وسواءً كان الأحفاد ذكوراً أم إناثا وسواء كان العدد قليلاً أم كثيراً أم كان واحداً فقط بشرط أن يكون الحفيد أو الأحفاد فقراء، وإذا كانوا غير فقراء فلا حق لهم في تركة المتوفى، وهذه هي الوصية الإجبارية لأن القسَّام يجبر الورثة على إخراج ما كان سيرثه ابن المتوفى أو بنت المتوفى لأولاد الابن أو البنت ولا يحتاج القساَّم في أن يسمع من الورثة إجازتهم له على إخراج هذا النصيب، وهذا الاختيار الصادر من وزارة العدل قد رفع إلى السلطات العليا وقد صدر بموجبه قرار جمهوري ضمن قرار قوانين المواريث والوصايا الذي جمع (73) ثلاثة وسبعين ماده وهذه المسألة منصوص عليها في المادة (33) ونصها:(إذا توفي شخص ذكراً كان أم أنثى عن أولاد ابن غير وارثين له أو كانوا وارثين له بقدر يقل عن ميراث أبيهم منه لو كان حياً عند موته أو كانوا أولاد بنت من الطبقة الأولى والدهم فقير ولم يقعدهم المتوفى أو يوصي لهم أو أوصى لهم بقدر يقل عن نصيب مورثهم منه لو فرض حياً فيحسب من تركته بقدر نصيب مورثهم منه لو فرض حياً وبشرط أن لا يتجاوز عن ثلث التركة) ولا أدري هل هو الآن مطبق في جميع المحاكم الشرعية في الجمهورية اليمنية أو مطبق في بعضها دون البعض الآخر أو أنه غير مطبق في جميعها.

‌مشروعية إعطاء أولاد الولد الذي قد مات بحسب الحالات

س: ما رأيكم في توريث أولاد الولد الذي قد مات؟

ص: 578

جـ: في رأيي بأنه يرضخ لهم بحسب أحوالهم عملاً بقوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}

(1)

فعندي أنه لا يحرم أولاد الولد نهائياً ولا يعطونهم إرث والدهم كاملاً ولكن يعطون بحسب ظروفهم لأنه أحياناً يكون ابن الإبن موظفاً أو تاجراً أو معه إرث من أمه إن كانت بنت تاجر أو وصية من جدتهم أو غيرها والعم فقير، وأحياناً يكون ابن الإبن فقيراً ولا شيء مع أولاد الأولاد فيعطون بحسب الحالة وكل حالة تختلف عن الأخرى والمعمول به والمطبق في المحاكم الشرعية في العالم الإسلامي كله أنه لا يرث أهل الطبقة السفلى مع أهل الطبقة العليا، وفي اليمن قررت وزارة العدل توريث أولاد الابن إذا كانوا فقراء بما لا يزيد على الثلث من تركة الميت.

‌جواز تنازل الوالدين عن ميراثهما لمن أرادا من أولادهما أو أحفادهما

س: توفي رجل عن ابن وزوجة وأبوين وتنازل الوالدان عن نصيبهما فما الحكم في ذلك؟

جـ: لا مانع إذا كان ذلك برضاهما.

‌عدم جواز قسمة تركة الرجل الغائب غيبة طويلة ما لم يحكم القاضي الشرعي بموته

س: حدث أن رجلاً غاب عن أهله منذ خمس وعشرين سنه وبعد عشر سنوات قام إخوته بتقسيم مخلف والدهم وأبقوا ميراثه فما قول العلماء هل يوزع ميراث الغائب على ورثته لطول غيبته أو أنه يبقى ميراثه كما هو بدون توزيع حتى يعود أو يتأكدوا من وفاته أفيدونا؟

جـ: اعلم بأنه لا ينبغي قسمة مال الغائب ما دام غائباً لأن ملكيته ثابتة ولأن حياته هي الأصل ولا وجه للاستعجال الذي ذكرتماه، ولا يحق لأحد المطالبة بنصيبه من الإرث ما دام المالك على قيد الحياة ولم يثبت أنه قد مات بحكم شرعي، اللهم إلا إذا قد تقرر بحكم شرعي أن عمره قد تجاوز السبعين عاماً فلا مانع من تقسيم تركته بشرط أخذ الضمان من جميع الورثة بأنه إذا عاد الغائب يسلم كل واحد ما أخذ، كما اجتهد بهذا بعض علماء اليمن المتأخرين ممن أدركنا عصره وإن كان الأحوط عندي هو وجوب بقاء التركة على ما هي عليه حتى يصل الغائب أو يصح موته بحكم شرعي لأن الأصل هو الحياة سواء لمن كان عمره فوق السبعين عاماً أو فوق التسعين.

س: ما المراد بلفظ الأولاد في اللغة العربية؟

جـ: المراد به ما يعم الذكر والأنثى.

‌جواز تقدير سعاية الابن في غرس الأشجار وإعطائه سعايته وقسمة باقي التركة

س: رجل له أولاد واحد منهم غرس موضعاً للأشجار في حياة والدهم وهم في بيت واحد ثم توفي والدهم واقتسموا التركة فأفاد الولد أنه لم يعط من الموضع الذي زرعه أو ما يقابله من الأرض الأخرى؟

جـ: اعلم أنه إذا صح ما جاء في السؤال ليس له إلا أتعابه وسعايته، أما أصل الموضع فهو من جملة التركة والعبرة في هذا على البرهان عند القاضي الشرعي المتولي في المنطقة لأنه سيعرف من الطرفين ويحكم باللازم شرعاً، كما أن الحكم الشرعي الصادر من الحاكم الشرعي له قوته وشرعيته فلا مانع من عرض القضية على القاضي ليحكم بالواجب شرعاً.

(1)

النساء: آية (8).

ص: 579

‌تحريم حرمان النساء من الميراث

س: رأينا في المحافظات الجنوبية أنَّ بعض الناس لا يورثون النساء؟

جـ: هذا حرام مخالف للكتاب في قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}

(1)

والسنة في حديث (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)

(2)

. والإجماع.

‌تحريم منع المرأة من إرث مراهق أموالها من الميراث

س: يوجد لدينا عرف أن المرأة إذا تزوجت برجل من خارج القرية فإنها ترث المال ولا ترث الرهق التابع له ويرثه إخوتها فهل هذا جائز؟

جـ: هذا مخالف للشرع في قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}

(3)

و في حديث (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) ولحقوق المرأة.

‌وجوب قسمة التركة وإعطاء الأنثى المستند الذي فيه بيان وتحديد نصيبها من التركة

س: توجد لي أخت وحيدة ولها عندي نصيبها من مخلف أبيها وهي لم تطالبني به فهل لي أن أعرض عليها ما يخصها أم كيف؟

جـ: عليك أن تقسم تركة المتوفى وتسلم لأختك ما يسمى بالفصل أو الفرز وهي الورقة التي تحدد ما لأختك من إرث أبيها لتبرأ ذمتك بما لديك لها من الإرث المذكور، وإذا لم تقسم التركة حتى الآن فيجب عليك أن تسلم غلول نصيبها من التركة مؤقتاً حتى تتم القسمة نهائياً لتركة أبيكم.

س: هناك شخص كان يبني بيتاً قبل القسمة من ماله الشخصي، فهل يقسمه أم ماذا؟

جـ: من عمر بيتاً أو اشترى جنبية أو سيارة من ماله فهي حق لأولاده ولا دخل لإخوته فيه.

س: أوقفت نصف بيتي لأخواتي وبنات عمي وهو إرثي بعد أبي للسكن لهن عند حدوث مشاكل لهن وأجرن البيت لهن وإيجار البيت يستلمنه ويقتسمنه بينهن أي بنات عمي فقط، والآن أريد الرجوع في هبني لأني قد أصبحت فقيرا، فما رأيكم؟

جـ: إذا صح أنك قد أصبحت فقيراً فلا مانع من الرجوع عن الهبة إذا كانت المسألة مسألة هبة، أما إذا كانت المسألة مسألة وقف وقد استلمن (الموقوف عليهن) المفتاح وأجرن الموقوف عليهن، فلا يجوز الرجوع عن الوقف بعد التخلي عنه إلى الموقوف عليهن.

(1)

- النساء: آية (11)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الفرائض: باب ميراث الولد من أبيه وأمه. حديث رقم (6732) بلفظ (عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر).

أخرجه مسلم في الفرائض، والترمذي في الفرائض، وأبو داود في الفرائض، وابن ماجة في الفرائض، وأحمد في مسند بني هاشم، والدارمي في الفرائض.

أطراف الحديث: الفرائض.

معاني الألفاظ: الفرائض: أنصبة المواريث المقدرة في كتاب الله.

(3)

- النساء: آية (11)

ص: 580

‌وجوب تعويض الزوجة عما باعه الزوج من أموالها

س: رجل باع على زوجته قليلا من المال وقام بتعويضها في البيت الأصلي الذي كان يسكن أول عمره فيه برضاها واختيارها وكان أخوها موجودا والشهود موجودين، فهل هذا التعويض صحيح؟

جـ: نعم، بشرط أن يكون التعويض بالثمن الذي يقدره العدلان.

‌وجوب إخراج فريضة كل وارث من التركة لا سيما النساء

س: يوجد أناس توفوا سنة (1382 هـ) وأناس توفوا قبل مائة سنة ولم تقسم تركاتهم ومخلفات كل من مات منهم ولا ما خلفه كل من مات من الذكور والأناث، وأن من مات منهم أخذ تركته الأرشد من الورثة ووزع للورثة الأرض للقوت فقط إذا تضررت النساء فقط، أما ما خلفه من النقود فلم توزع وكذلك الحبوب وإنما يأخذها الأرشد من الذكور، وأما النساء فلم تعط أيُّ امرأة أيَّ شئ إلا أنها إذا تزوجت ورملت وليس لها أولاد فيلزمها البقاء في بيت والدها للمعيشة فقط، أما إذا كان لها أولاد فليس لها إلا الزيارة في العيدين الإسلاميين وذلك بأن يزرها أحدهم ويدفع لها مبلغاً قليلاً من النقود وهو ما يسمى بزيارة الأرحام في الأعياد، وأما إذا أرادت المطالبة بحقها لأولادها فهذا يعد عندهم عاراً ويعيرها أدنى واحد من القرية لأن كل بيت في القرية فيه ما في أيِّ بيت آخر لم تحصل أيُّ امرأة من تلك القرية على أية فريضة شرعية ولم تقسم أية تركة قسمة شرعية أفتونا مأجورين فالمسألة حادثة؟.

ثانياً: بأن أهل هذا المحل متفقون منذ القدم أن البنات لا يتزوجن إلى خارج محلهم ولا إلى أناس غيرهم حتى ولو كانوا قاصرين في محلهم حتى إذا أتى إنسان من غير محلهم يريد خطبة إحدى بناتهم شرطوا عليه شروطاً قاسية لا يقدر عليها ويحملونه من الشرط مالا يستطيع الوفاء به حتى ولو عجزت البنات وحرمن من لذة الحياة، فما قولكم في هذه التقاليد الجائرة؟

جـ: اعلم بأن إحرام الوارث جريمة كبيرة جداً وأن إخراج فريضة كل وارث واجب بأدلة الكتاب والسنة والإجماع ولا سيما النساء اللائي يخجلن من المطالبة بإرثهن لقوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ}

(1)

وقد جاءت هذه الآية بعدآية المواريث مباشرة وجعلت منع الميراث للنساء أو لغيرهن تعد لحدود الله تعالى، وقوله تعالى {وَمَا كَانَ

لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}

(2)

وقوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}

(3)

وأمَّا اعتياد حرمان النساء في بعض النواحي من الإرث فهو حرام شرعاً والعادة والعرف لا تخالف الأدلة الشرعية فهذه العادة أو هذا العرف مردود على صاحبه بالأدلة الشرعية القطعية من الكتاب والسنة والإجماع، والأفضل أن تشكوا هذه النساء المحرومات من الإرث إلى وزارة العدل التي ستأمر القاضي الشرعي باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة حول هذا الموضوع وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما جاء في الأثر، وكما أنه لا يجوز إحرام النساء من الإرث لا يجوز إحرامهن من الزواج ممن يخطب الواحدة منهن ممن ترضى أمانته وعدالته وخلقه سواء كان من القبيلة التي منها الولي أم من أية قبيلة كانت لحديث (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ

(1)

- النساء: آية (14)

(2)

- الأحزاب: آية (36)

(3)

- الجن: آية (23)

ص: 581

دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(1)

ولا يجوز الحيلولة دون الخاطب الكفؤ في ديانته وبين المخطوبة بسبب المادة أو التقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان.

س: توفي رجل وله مال ورثه من والده وله أخت شقيقة وعم وخال وأخته هي وارثة معه من مخلف والده ومات قبل القسمة وأوصى قبل موته بجزء من الأرض لمن يحج عنه وجزء لأحد المساجد وجزء لخاله مقابل ما غرم عليه في علاجه فكيف تقسم تركته؟

جـ: اعلم بأنه إذا كان المراد والمقصود بهذا الكلام بأن شخصاً توفى وله ولد ذكر وبنت ولم تقسم التركة التي خلفها هذا الشخص إلى أن توفي الولد الذكر وخلف الأخت الشقيقة والعم لأب فالجواب عليه بأن تركة المتوفى الأول تكون لولده الذكر وبنته للذكر مثل خط الاثنين، ثم بعد موت هذا الولد الذكر يكون إرثه كما يلي:

لأخته الشقيقة النصف والباقي للعم لأنه أقرب العصبة الذكور، وأما الخال فليس له من الإرث شيء لكونه من ذوي الأرحام الذين لا يرثون إلا عند عدم وجود العصبة، وبناءً على ذلك فهذه الأخت لها إرثان إرث من والدها ثم إرث من أخيها هذا كله بالنسبة إلى الإرث، أما بالنسبة للوصايا فهي تختلف من حيث المَخرَج فبعضها يخرج من رأس التركة وهي أجرة الحفر لقبر الميت وقيمة الكفن وأجرة المغسل وبعضها يُخرج من ثلث التركة وهي الوصية لأحد المساجد والوصية في حجه إلى بيت الله الحرام عند بعض العلماء، أما شيخ الإسلام الشوكاني فهو ممن يجعل الحجة من رأس التركة كما في وبل الغمام، وإخراجها من الثلث هو المطبق في المحاكم الشرعية وإخراجها من الرأس هو الراجح لحديث

(فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى)

(2)

، وأما موضوع الوصية بجزء من الأرض لخاله لأنه قد غرم عليه مبالغا في علاجه طيلة عشرين عاماً لكونه كان مصاباً بالشلل، فالجواب عليه بأن العبرة بالبرهان فإن صح وتقرر أن المتوفى كان يستدين من خاله وأنه ما كان يعطيه الخال المبالغ إلا بنية الرجوع عليه في المستقبل وعلى أساس أنه يقضيه فيكون إخراج الدين من الرأس قبل قسمة التركة بين الورثة، وإن صح وتقرر بأن الخال كان يساعد المتوفى ويعينه على أمور دنياه تقرباً إلى الله وإحساناً إلى ابن أخته من باب صلة الأرحام أو نحو ذلك لا بنية الرجوع عليه ولا باسم الدين فيكون إخراج هذا الجزء من الأرض من الثلث، فإذا كان الثلث لا يتسع لأكثر من وصية يحصل النقص على الجميع لأن القاعدة الشرعية تقتضي أن الوصايا التي من الثلث تتراحم في الثلث.

والخلاصة في قولي هذا ينحصر فيما يلي:

تركة المتوفى الأول لابنه وابنته للذكر مثل حظ الأنثيين إن لم يكن هناك غيرهما.

تركة المتوفى الثاني للأخت النصف والباقي للعم ولا شيء للخال.

هذه الأخت سيكون لها إرثان أولاً من والدها وثانياً من أخيها.

(1)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه. حدييث رقم (1084) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه ابن ماجة في النكاح.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الصوم: باب من مات وعليه صوم. حديث رقم (1953) بلفظ (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: نعم قال فدين الله أحق أن يقضى).

أخرجه مسلم في الصيام، والترمذي في الصوم، وأبو داود في الأيمان والنذور، وابن ماجة في الصيام، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

ص: 582

قيمة الكفن وأجرة حفر القبر تخرج من رأس التركة.

الوصية لأحد المساجد تكون من الثلث.

الوصية للحجة تكون من الثلث عند بعض العلماء وهو المطبق في المحاكم الشرعية ومن الرأس عند الشوكاني.

أما نفقة الخال على المتوفى إن صح شرعاً بأنه كان باسم الدين يكون من رأس التركة، وإن كان من باب الصلة كان من الثلث.

وأخيراً إذا زادت الوصايا التي تخرج من الثلث على الثلث فيكون النقص من الجميع كل وصّية بحسبها.

‌كل تنازل عن الميراث إلى مقابل لا يجوز الرجوع عنه

س: جدتي تسكن عندنا منذ خمسة وثلاثين سنة، توفي والدي قبل خمس سنوات وقبل خمسة أشهر طالبت بميراثها وقالت: إنها تريد بناء جامع به، فقلنا: لها تتنازل عن ميراثها الذي لها من قبل والدي مقابل بناء الجامع ومعيشة لها فوافقت وعمدنا تنازلها في المحكمة وبدأنا في بناء الجامع، أتى لها ولدها وطلب منها البقاء عنده فوافقت على الذهاب معه وبعد أسبوع جاءت مع ولدها تطلب ميراثها وتتراجع عن تنازلها بحجة أن تنازلها يدخلها النار، ونحن قد بدأنا في بناء الجامع وخصصنا المبلغ لهذا الغرض وتم تقسيم ما تبقى من ميراثها بيننا، فهل لها حق في ذلك؟

جـ: كل تنازل إلى مقابل لا يجوز الرجوع عنه، وكل تنازل إلى غير مقابل يجوز الرجوع عنه.

‌أهل النصف

س: من هم أهل النصف؟

جـ: هم خمسة أصناف:

1 -

البنت المفردة. 2 - بنت الابن المفردة التي ليس لها أخوة ولا أخوات وليس للميت أولاد يحجبونها.

3 -

الأخت لأبوين المفردة التي ليس معها أحد من الأناث ولا من الذكور.

4 -

الأخت لأب المفردة التي ليس معها أحد من الأخوة الذكور أو الأناث.

5 -

الزوج إذا لم يكن هناك من يحجبه أي إذا لم يكن للميتة فرع وارث ذكر أو أنثى.

‌أهل الربع

س: من هم أهل الربع؟

جـ: هم ثلاثة أصناف:

1 -

الزوج المحجوب.

2 - الزوجة غير المحجوبة.

3 - الأم مع الزوجة والأب.

‌أهل الثمن

س: من هم أهل الثمن؟

جـ: هي الزوجة المحجوبة أو الزوجات المحجوبات.

‌أهل الثلثان

س: من هم أهل الثلثان؟

ص: 583

جـ: هم أربعة أصناف:

1 -

البنتان فصاعداً بشرط انفرادهن عن المعصب.

2 - بنتا الابن فصاعداً مع عدم وجود المسقط أو المعصب.

3 -

الأختان لأبوين فصاعداً مع عدم وجود المسقط أو المعصب.

4 -

الأختان لأب فصاعداً مع عدم وجود المسقط أو المعصب.

‌أهل الثلث

س: من هم أهل الثلث؟

جـ: هم صنفان:

1 -

الأم مع عدم وجود الحاجب لها وهو الاثنان من الأخوة فصاعداً.

2 -

الاثنان من الأخوة لأم فصاعداً مع عدم وجود المسقط.

‌أهل السدس

س: من هم أهل السدس؟

جـ: هم سبعة أصناف:

1 -

بنت الابن أو بنات الابن مع البنت الواحدة. 2 - الأخت الواحدة أو الأخوات لأب مع الأخت الواحدة لأبوين.

3 -

الأب مع الأولاد أو أولاد البنين الذكور.

4 - الأم المحجوبة.

5 -

الجدة مع عدم وجود الأم. 6 - الجد مع وجود العدد من الأخوة فوق الخمسة. 7 - الأخ الواحد لأم مع عدم وجود المسقط.

‌ترتيب الوارثين حسب درجة قربهم من الميت

س: كيف يُرتب الوارثون؟

جـ: الأبناء ثم أبناء الأبناء مهما نزلوا ثم الأب ثم الجد مهما علا ثم الأخوة لأبوين ثم الأخوة لأب ثم أبناء الأخوة لأبوين ثم أبناء الأخوة لأب مهما نزلوا ثم الأعمام لأبوين ثم الأعمام لأب ثم أبناء الأعمام لأبوين ثم أبناء الأعمام لأب مهما نزلوا، فإذا عدمت العصبات يرث الميت ذوو الأرحام.

‌تقديم من ينتسب إلى الميت بنسبين على من ينتسب إليه بنسب واحد في الميراث

س: هل يقدم في الميراث من ينتسب إلى الميت بنسبين على من ينتسب إلى الميت بنسب واحد؟

جـ: نعم لا يرث من ينتسب إلى الميت بنسب مع وجود من ينتسب إلى الميت بنسبين أي لا يرث الأخوة لأب مع وجود الأخوة لأبوين.

‌خلاف الشيعة الجعفرية في توريث أهل العصبات

س: هل يوجد خلاف في توريث العصبات؟

ص: 584

جـ: العصبات يرثون عند أهل السنة جميعاً الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية وأهل الظاهر وحتى عند الزيدية، ولم يخالف في توريثهم غير الشيعة الجعفرية فهم لا يورثون العصبات، والزائد على الفرائض يرجع على أهل الفرائض رداً عليهم ولا شيء لأهل العصبات.

يقاسم الجد الأخوة ما لم تنقصه المقاسمة عن السدس

س: كيف يكون ميراث الجد مع الأخوة؟

جـ: يقاسم الجد الأخوة ما لم تنقصه المقاسمة عن السدس فإذا أنقصته المقاسمة عن السدس رد إلى السدس ويكون النقص على الأخوة فقط، وهذا أعدل المذاهب ولا نقول أن الجد يسقط الأخوة أو أن الأخوة يسقطون الجد وميراث الجد مع الأخوة لا دليل عليه من الكتاب أو السنة وإنما هو من المسائل الاجتهادية.

‌المسألة الحمارية

س: ما هي المسألة الحمارية؟

جـ: هي أن رجلاً مات في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان له أخوة لأم وأخوة لأبوين فاستغرق أهل الفرائض التركة وأراد عمر أن يورث الأخوة لأم ولا يورث الأخوة لأب وأم فقالوا يا أمير المؤمنين أمنا واحدة فقال أنتم أخوة لأب وأم، فقالوا: هب أنَّ أباناً كان حماراً ونحن مشتركون في الأم، ووزارة العدل الآن في الجمهورية اليمنية قد قررت اشتراك أخوة الميت لأبيه وأمه مع أخيه أو إخوانه لأمه لأن توريث الأخوة لأب وأم من باب الأولى بفحوى الخطاب لأنه إذا كان الشرع قد ورث أخوة الميت لأمه فتوريث الأخوة لأب وأم من باب الأولى والأحرى ولم تعد المسألة الحمارية موجودة.

‌وجوب المبادرة بقسمة تركة الميت بعد موته

س: كم المدة التي ينتظر بعد الموت حتى تقسم التركة؟

جـ: لا ينتظر إلا إذا كانت زوجة الميت حبلى لأنه لا يعلم هل سيكون المولود ذكراً أو أنثى وهل سيكون مولوداً واحداً أو أكثر، أما إذا لم تكن زوجة الميت حبلى فتصح القسمة حتى من يوم الموت، أما إذا كانوا يريدون القسمة وفي الورثة جنين في بطن أمه، فيقال لهم أخروا نصيب اثنين لأنه إن ولدت المرأة اثنين فهو نصيبهما وإن كان واحداً ذكراً أخذ نصيبه وقسم الباقي بين الورثة وإن كانت بنتاً تأخذ نصيبها والباقي يقسم بين الورثة بحسب فرائضهم.

‌يقدم في قسمة التركة أهل الفرائص وما تبقى من التركة يكون للعصبات

س: من يقدم في قسمة التركات؟

جـ: يقدم أهل الفرائض وما تبقى من التركة بعد إخراج نصيب أهل الفرائض فيعطى للعصبة لحديث (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)

(1)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الفرائض: باب ميراث الولد من أبيه وأمه. حديث رقم (6732) بلفظ (عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر).

أخرجه مسلم في الفرائض، والترمذي في الفرائض، وأبو داود في الفرائض، وابن ماجة في الفرائض، وأحمد في مسند بني هاشم، والدارمي في الفرائض.

أطراف الحديث: الفرائض.

معاني الألفاظ: الفرائض: أنصبة المواريث المقدرة في كتاب الله.

ص: 585

‌وجوب تقسيم تركة الميت بعد موته وإعطاء كل وارث نصيبه ليتصرف فيه

س: إذا مات الأب وورثه الورثة ولكن بعضهم أخذ كل شيء والآخرون لاشي ولم يطالبوا بنصيبهم، فهل هم آثمون؟

جـ: يجب على من بيده الإرث أن يشعر الورثة الآخرين بأن يحضروا لمعرفة مالهم من الإرث ليقبضوا إرثهم أو يبيعوه.

‌جواز قسمة التركة قبل بلوغ القصار سن الخامسة عشر

س: هل يحق لأم الأولاد القصار طلب تأجيل القسمة إلى أن يكبر القصار لأن لديهم أخوة أشقاء كبار؟

جـ: لا مانع من التأخير ولا من القسمة يحضر عن القصار الوصي عنهم أو المنصوب عن القصار من الحاكم الشرعي المولى من الدولة.

‌الأخوات مع البنات عصبة

س: ما حكم الأخوات مع البنات؟

جـ: الأخوات مع البنات عصبة يرثن الباقي من التركة.

‌وجوب العول إذا زادت السهام

س: كيف العمل إذا تزاحمت الفرائض؟

جـ: يرجع إلى العول فتزيد السهام وينقص من الأنصبة تقول العرب عالت الدابة بذنبها إذا رفعته، فالعول: هو الارتفاع، فتعول المسألة من أصل أربعة وعشرين إلى سبعة وعشرين، وهكذا، والشوكاني في أول عمره كان يعارض عول المسائل وفي آخر عمره ألف كتاباً سماه (إيضاح القول في مسألة إثبات العول) فالعول يقول به الجماهير من العلماء ولم يخالف فيه إلا ابن عباس والجعفرية والسيد العلامة حسن الجلال.

‌خلاف الحنفية والشافعية في توريث ذوي الأرحام

س: هل في مسائل المواريث خلاف بين المذاهب الإسلامية؟

جـ: الخلاف في باب المواريث قليل لأن مسائل المواريث ثابتة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة أو الإجماع، وإنما يوجد خلاف بين الحنفية والهادوية والشافعية في توريث ذوي الأرحام، فالحنفية والهادوية يقولون: بأن ذوا الأرحام أولى من بيت مال المسلمين، والشافعية يقولون: بأن بيت المال أولى من توريث ذوي الأرحام.

‌لا توريث لذوي الأرحام إلا في المذهب الحنفي والهادوي

س: هل يرث ذوو الأرحام في جميع المذاهب؟

جـ: لا يرث ذوو الأرحام إلا في المذهب الحنفي والهادوي ولا يرثون في المذهب الشافعي.

س: ما هو الراجح عندكم في ميراث ذوي الأرحام للدولة أم لذوي الأرحام أم ماذا عندكم؟

جـ: عندي أن ذوا الأرحام أقرب من كل أحد.

س: هل يرث ذوو الأرحام؟

ص: 586

جـ: عند الحنفية والزيدية إذا لم يكن مع الميت أهل فرائض ولا عصبات فإن ميراثه لذوي الأرحام وعندهم أن ذوا الأرحام أقدم من الدولة، وعند الشافعي ومن وافقه من العلماء أن الميت إذا لم يكن معه وارثون من أهل الفرائض أو العصبات فإن ماله يكون لبيت مال المسلمين ولا يرثه ذوو الأرحام من أقربائه، ودليل الهادوية والحنفية قوله تعالى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ

اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

(1)

.

في توريث ذوي الأرحام نصيب الذكور والأناث على السواء

س: هل للذكر مثل حظ الأنثيين في ميراث ذوي الأرحام؟

جـ: ميراث ذوي الأرحام الذكور والأناث على السواء، ولا يرث الذكر مثل حظ الأنثيين إلا في ميراث العصبات.

‌وجوب حرمان قاتل مورثه من الميراث

س: هل يرث قاتل مورثه؟

جـ: عند الهاودية إذا كان القاتل قد قتل مورثه عمداً فلا يرث لا من التركة ولا من الدية وإن كان القتل خطأ فلا يرث من الدية ويرث من التركة، وعند الشافعي والشوكاني: لا يرث قاتل مورثه مطلقاً لا من الدية ولا من التركة، وهذا ما اختاره قانون الأحوال الشخصية في الجمهورية اليمنية.

‌وجوب حرمان قاتل مورثه من الميراث وجواز مطالبته بسعايته مع مورثه

س: حدث أن رجلاً له ثلاثة أولاد وبنت على امرأة واثنان على امرأة أخرى فحصل بين الولدين وأبيهما خلاف فأصروا على قطع الطريق على أبيهما وأطلقا عليه النار حتى أردياه قتيلاً، فهل يحق لهما أن يأخذا من مخلف أبيهما شيئاً علماً بأنهما قد اكتسبا بعض الأموال في حياته وهما وإياه في حالة شركة عرفية أم لا؟

جـ: إذا صح القتل وتقرر شرعاً أن الأولاد قتلوا والدهم فليس لهم أرث لأن القتل من موانع الإرث كما قرره علماء الفرائض محتجين بحديث (لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاثٌ)

(2)

وحديث (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ)

(3)

، أما ما صح أنه ملك لهم وثبت أن لهم سعي فلهم الحق في المطالبة به والعبرة بالبرهان الصحيح عند القاضي الشرعي في المنطقة التي يسكنها الطرفان.

س: رجل قتل أخاه فهل يجوز للقاتل أن يرث من المقتول حيث وأن المقتول له أخوة آخرون وليس له أولاد؟

جـ: القاتل لا يرث سواء كان القتل عمداً أم خطئاً لا من المال ولا من الدية وبعض العلماء يقولون: بأن القاتل الخطأ يرث من المال ولا يرث من الدية والظاهر القول بعدم الفرق.

(1)

الأنفال: آية (75).

(2)

- سنن ابن ماجة: كتاب الديات: باب القاتل لا يرث. حديث رقم (2158) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ قَتَلَ ابْنَهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ عُمَرُ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، فَقَالَ: ابْنُ أَخِي الْمَقْتُولِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاثٌ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، ومالك في العقول.

معاني الألفاظ: الحقة: هي أنثى الإبل التي دخلت في السنة الرابعة. جدعة: أنثى الإبل التي دخلت في السنة الخامسة. الخلفة: هي أنثى الإبل التي بلغت نصف أجل الحمل.

(3)

- سنن الترمذي: كتاب الفرائض: باب إبطال ميراث القاتل. حديث رقم (3025) بلفظ (عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2109).

أخرجه ابن ماجه في الفرائض.

ص: 587

‌آراء العلماء في توريث القاتل مورثه خطأ من تركة مورثه

س: تقاتل بعض إخوتي مع آخر فكان والدي هو الضحية حيث قتل خطأ فهل يرث القاتل خطأ من المقتول خطأ مثلما أن القاتل عمداً لا يرث وأنه يرث من المال دون الدية؟

جـ: اعلم بأن المسألة خلافية فقيل: بأن القاتل خطأ لا يرث من المال ولا من الدية وهو مذهب الشافعي، وقيل لا يرث من الدية وأما من المال فيرث وهو مذهب الهادوية الزيدية المنصوص عليه في كتاب فرائض (العصيفري) وشروحها، وقد أقر مشروع قانون الأحوال الشخصية اليمني أن القتل مانع للإرث سواء كان خطأ أم عمداً إلا أن يكون القاتل منفذاً لحد أو قصاص بشرط أن يكون القاتل عاقلاً حال ارتكابه جريمة القتل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه أبو داود والنسائي (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ) وفيما اخرج مالك في الموطأ وأحمد وبن ماجة والنسائي والشافعي وعبدالرزاق والبيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ) وهذه الأحاديث وإن كان بعضها ضعيفاً إلا أنه يقوي بعضها بعضاً ولم يقيد القتل بالعمد أو بالخطأ هذا هو معنى ما صرح به مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي قننته لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في الجمهورية اليمنية، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام الشوكاني رحمة الله عليه وهو الراجح عندي حيث والألف واللام في قوله (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ) دالة على العموم، وكذلك النكرة في سياق النفي في قوله (لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاثٌ) يدل على العموم أيضا ومن ادعى التخصيص بالعمد فعليه الدليل الصريح المرفوع الصحيح الخالي عن المعارضة وأين هو هذا الدليل؟!!.

س: هل يرث الأب إذا قتل ولده؟

جـ: لا يرث القاتل ممن قتله سواء كان القاتل الأب أو الابن فحكم الأب مثل الإبن في باب الميراث ولكن على الخلاف الذي بين العلماء في توريث القاتل.

‌وجوب حرمان المرتد من الميراث

س: ما حكم تركة المرتد؟

جـ: الردة نوع من الكفر، فعند الشافعي والشوكاني لا يرث المُرتدُ أولاده لأنه لا توارث بين أهل ملتين مختلفتين لحديث (لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ)

(1)

ولأنه لا فرق بين أن يكون الكفر أصلي أو قد أسلم ثم ارتد، وعند الهادوية يكون ميراث المرتد لأولاده

‌لا توارث بين أهل ملتين مختلفتين

س: هل يجوز التوارث بين أهل ملتين مختلفتين؟

جـ: لا يجوز التوارث بين أهل ملتين مختلفتين لحديث (لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ). ولأن الكفر ملل مختلفة بدليل قوله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ}

(2)

س: إذا كان الأب يهودياً والابن نصرانياً وترافعوا عند القاضي المسلم فهل يرث أحدهما الآخر؟

(1)

سنن الترمذي: كتاب الفرائض: باب لا يتوارث أهل ملتين. حديث رقم (2108) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2108).

(2)

- البقرة: آية (113)

ص: 588

جـ: لا يرث أحدهما من الآخر لحديث: (لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ).

‌ميراث ابن الملاعنة لأمه أو لعصبة أمه

س: كيف يكون ميراث ابن الملاعنة؟

جـ: ترثه أمه أو عصبة أمه أو العكس ولا يرثه الزوج الملاعن ولا قرابته لأنه لا علاقة للابن بهم.

س: كيف يكون ميراث ابن الزانية؟

جـ: إذا زنت امرأة وحملت وولدت وهي غير متزوجة فابن الزانية ترثه أمه ويرث من أمه.

‌وجوب توريث الطفل الذي مات حال ولادته إذا ظهرت عليه أمارة الحياة

س: هل يرث الطفل إذا مات حال ولادته؟

جـ: لا يرث إلا إذا استهلَّ بأن عطس أو تنفس أو بكى أو ظهرت عليه أمارات الحياة، أما إذا لم يعطس أو يبكي أو يتنفس أو نحوه فلا يرث ولا يصلي عليه ولا يقبر في المقبرة لأنه جماد لا حرمة له.

‌وجوب توريث المرأة من زوجها حتى ولو مات بعد العقد وقبل الدخول بها

س: رجل متزوج معه من الأولاد عشرة فقام بخطبة امرأة أخرى وتم العقد وقبل أن تصل إليه توفي هذا الرجل، فهل تورَّث بعده من أمواله؟

جـ: لهذه المرأة التي كان العقد بها بزوج مات بعد العقد وقبل أن تزف إليه ويدخل بها الإرث الشرعي وهو الثمن من التركة إذا لم يكن لهذا الزوج غيرها أو نصف الثمن إذا كان له زوجه أخرى أو ثلث الثمن إذا كان له زوجتان غيرها، أما إذا كانت هي الرابعة فليس لها إلا ربع الثمن من التركة وذلك لكون الموت بمنزلة الدخول، فمن توفى عنها زوجها قبل دخوله بها يكون حكمها حكم من دخل بها كما دل عليه الحديث الصحيح الذي هوبلفظ (لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ َقَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ الَّذِي قَضَيْتَ فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ)

(1)

.

‌‌

‌ميراث العبد المعتق للوارثين من قرابته وإن لم يكن معه وارثون فيكون لمعتقه أو لعصبة معتقه

س: لمن يكون ميراث العبيد المعتَقَين؟

جـ: يكون ميراث العبد المعتَق لعصبته إذا لم يكن معه ذو سهام فإن لم يكن معه وارثون من قرابته فيكون ميراثه لسيده الذي أعتقه، وقيل أن ذوا أرحامه يقدمون على معتقه.

‌وقوف صحة قسمة الرجل أمواله في حياته على إجازة الورثة بعد موته

س: بعض الآباء يقسمون أموالهم بين أولادهم قسمة شرعية في حال حياتهم خوفاً على أبنائهم من النزاع بعد موتهم، ويودع الأب الفصول عند أمين ويوصيه أن يسلم لكل واحد فصله بعد موته، فهل تصح هذه القسمة؟

(1)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ماجاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها. حديث رقم (1145) بلفظ (عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ الَّذِي قَضَيْتَ فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، والدارمي في النكاح.

معاني الألفاظ: يفرض: يقدرويعين. الصداق: المهر. الوكس: النقص. شطط: زيادة.

ص: 589

جـ: لا يسمى إرث إلا بعد موت الأب ولا تسمى قسمة تنقل الملك إلى الورثة إلا بعد الموت، وهذه القسمة موقوفة على إجازة الورثة، فإن أجازوها ورضوا بها صحت وتصبح قسمة صحيحة، أما إذا عارضوا أو عارض البعض فله الحق أن يعترض عليها.

‌وجوب دفع نصيب كل أخ من قيمة السيارة المشتركة بينهم بسعر يوم البيع

س: أب قسم بين أولاده التركة في عام 1986 م ولم يبق بينهم إلا سيارة وهي مع أحد الأولاد قام ببيعها وفتح دكان له في عام 1986 م والآن طلب البقية حقهم في السيارة فأفاد أنه سيعطيهم حقهم بحساب يوم البيع لا بحساب يوم الطلب، فما رأيكم في ذلك؟

جـ: اللازم على الأخ أن يسلم لإخوته قيمة ما خصهم في السيارة بسعر يوم البيع.

‌تحريم توريث أشرطة الأغاني

س: إذا كان الميت قد ترك استريو أشرطة أغاني (محل بيع أغاني) فكيف تقسم وهل يجوز بيعها؟

جـ: من كان يعتقد بأن الأغاني حرام فلا يجوز له بيعها وإنما ترمى وتكسر.

‌وجوب قضاء الديون التي استدانها الميت للضرورة على الدولة

س: إذا مات إنسان وعليه دين نحو مائة ألف ريال يمني وليس معه أموال يسددون منها وأولاده صغار، فهل على الدولة قضاء دينه؟ وهل لزوجته أن تذهب وتطالب الدولة بقضاء دين زوجها؟

جـ: نعم، الأمر الشرعي هو أن الدولة تقضي الدين عمن يموت وعليه دين وهو فقير، ولكن لا أدري هل الدولة ستقضي عنه أو أنها تقول لو فتح هذا الباب فسيكون الناس كل واحد يستدين ديناً ويعمر بيتاً أو يشتري سيارة ويحول على الدولة، فالأمر الشرعي شيء، وقضية الدولة شيء آخر.

‌تحريم حرمان الأناث من الميراث

س: رجلٌ مات قبل والده بمدة طويلة وخلف أبناءاً ذكوراً وإناثاً فهل يرث أبناء المتوفى من جدهم أو أنهم لا يرثون مع العلم أن جدهم رباهم، وحينما كبروا وبلغوا مبلغ الرجال استغلوا ضعف جدهم وأرغموه على بيع أملاكه من رجل آخر ثم استرجعوا هذه الأملاك بصكوك شرعية وهم بهذا يريدون حرمان عماتهم من مخلف جدهم؟

جـ: اعلم أن هذه المسألة تحتاج إلى حضور عند القاضي الشرعي في المنطقة التي تعيش فيها هذه الأسرة وسيعرف الحقيقة وسيجري اللازم الشرعي على ضوء البراهين والمستندات بمقتضى القواعد الشرعية وقرارات وزارة العدل والله الموفق.

س: ما حكم حرمان الأناث من الميراث؟

جـ: هذا حرام حرام حرام لا يجوز لأيِّ مسلم لا يورث النساء ومن لا يورث النساء فقد خالف بفعله الكتاب والسنة والأجماع فيرحم نفسه ولا يظلمها ولقاء الله قريب والله يبري ذمتي.

‌تحريم قسمة تركة الغائب المنقطعة أخباره حتى يحكم القاضي الشرعي بموته

س: ما قول علماء الإسلام فيما يلي رجل غاب عن وطنه وله أخ شقيق وأختان وله منذ غاب خمسة وخمسون عاماً ولا ندري أين اختفى وانقطعت أخباره بعد ما ذهب، وتركة الغائب في يد أحد الورثة وهو الآن يبيع منها ويتصرف فيها بدون إذن الورثة أفيدونا؟

ص: 590

جـ: اعلم أنه لا يجوز لأحد من أقارب الغائب أن يتصرف في أموال هذا الغائب لحاجاته الشخصية أبداً وجميع تركة الغائب لا تزال ملكاً له، اللهم إلاّ إذا كان هذا الغائب معه من يجب أن ينفق عليه مثل الزوجة فلا مانع لها من البيع في إنفاق الواجب لها عليه، ولكن إذا كان قد مضى على الغائب وقت طويل وكان هناك شهود سيشهدون عند الحاكم أن عمر الغائب قد جاوز سبعون عاماً فلا مانع للقرابة أن يحضروا إلى القاضي الشرعي ليستمع إلى الشهادة من الشهود المقاربين له في السن، فإذا شهدوا على أن عمره قد تجاوز سبعين عاماً ربما يحكم بجواز قسمة تركته بين أقربائه على الفرائض الشرعية، وبعد أن يحكم القاضي بذلك يمكن قسمة التركة على الورثة حسب الفرائض الشرعية مع أخذ الضمان من كل وارث أنه إذا رجع الغائب فعلى كل واحد أن يعيد له ما ورثه منه إن كان موجوداً أو يعوضه بالقيمة إن كان قد تصرف فيه لأن الأعمار بيد الله.

‌ليس للزوجة من بيت زوجها إلا نصيبها من الميراث

س: إذا مات الرجل ولم يكن له ولد وله أهل فهل يجوز لزوجته أن تحتفظ ببيتهما أي بيت الزوجية أم لا؟

جـ: ليس لها من البيت ومن بيت زوجها غير الإرث الشرعي المفروض من عند الله.

‌وجوب تقسيم الدّية على الفرائض الشرعية بين الورثة

س: حدث أن رجلين كانا على دراجة نارية فصدمتها سيارة فقتلا فحكم على صاحب السيارة بدفع ديتهما فقام أحد الأبوين لأحد القتيلين ببناء مسجد بدية ولده، وقام الثاني بالحج عن ولده، هل عملهما هذا جائز أو أنه لا يجوز؟

جـ: اعلم بأن اللازم تقسيم الدّية على الفرائض الشرعية وإذا كان الأب الأول يريد أن يعمر مسجداً فيكون من نصيبه إلا إذا أجاز بقية الورثة ما فعل الأب فلا مانع من عمارة المسجد بجميع التركة، وإذا كان الأب الثاني يريد أن يحج عن ولده بالفلوس أو يعمل أيَّ مشروع خيري إلى روح ولده فيكون من نصيب الوالد إلا إذا أجاز عمله الورثة كلهم فلا مانع من ذلك أيضاً.

‌وجوب توريث المطلقة طلاقاً رجعياً لا بائناً إذا مات الزوج المطلق قبل انقضاء عدة المطلقة

س: حصلت حادثة مات فيها رجل قبل شهور وجاء أهل زوجته التي كانت عند أهلها نافرة قبل وفاته جاؤوا يطلبون الإرث من تركة الزوج ما ملكه لنفسه وما ورثه من أبيه، وأجاب أهل المتوفى بأنه قد طلقها من قبل ما يتوفى بمدة وأبرزوا ورقه مصورة صورة فوتغرافية كاتبها معروف وشهودها معروفون يفيد بأنه قد طلقها، فهل هي وارثة كما تتدعي أم ليس لها إرث كما يدعي أهل الميت؟

جـ: إذا طلق الرجل المرأة ثم مات بعد مدة قصيرة فلا يخلوا إما أن يكون الموت وقع والمرأة في حالة العدة وكان الطلاق بائناً أولاً يكون كذلك، فإن كان قد طلقها وهي في حالة العدة وكان الطلاق بائناً بينونة صغرى أو كبرى فإنها لا ترث منه ولا يرث منها لأنه ليس له أن يراجعها أثناء عدة الطلاق البائن وسواء كان الطلاق البائن بينونة صغرى وهي التي طلقها زوجها حسب طلب منها مقابل عوض تدفعه له مقابل الطلاق وهو الخلع أو كان هذا الطلاق بائن بينونة كبرى وهو أن يطلقها زوجها الثلاث الطلقات المتخللات الرجعة، فإن هذا الطلاق الآخر تصبح المرأة بعده بائنة بينونة كبرى لا يحل له أن يتزوجها حتى تتزوج برجل آخر زواجاً شرعياً ويتصل بها اتصالاً جنسياً مباشراً، أما الطلاق الأول وهو الذي تبين فيه المرأة من زوجها بينونة صغرى فلا مانع للزوج بأن يتزوج بها مرة ثانية أو ثالثة بعقد جديد وبمهر جديد أيضا ولكن إن لم تكن قد تزوجت بزوج آخر، فهذا الرجل الذي طلق زوجته ومات وهي في العدة لا ترث منه ولا يرث منها ولو كان الموت قد وقع وهي في حال العدة البائنة، وإن كان الطلاق طلاقاً رجعياً وهو الطلاق الذي لم تكن الطلقة الثالثة ولا هي إلى مقابل عوض ولو

ص: 591

كانت هي الطلقة الأولى أو الثانية أي أن الطلاق الرجعي ما كانت الطلقة فيه غير ثالثة وكانت إلى غير عوض ففي هذا الطلاق الإرث فيه واجب لكل من الزوجين من تركة الآخر، فإن مات قبلها وهي في عدة الطلاق الرجعي ورثت، وإن ماتت قبله وهي في حال الطلاق الرجعي ورثها، وإذا اتفقا أنهما ماتا معاً في لحظة واحدة وعلمنا أنه لم يتقدم موت أحدهما على الآخر أو حصل عندنا ظن أنهما ماتا في لحظة واحدة لا توارث بينهما أبداً أي لا ترث منه ولا يرث منها أبداً، فإذا كان للمرأة ورثه فلا يرثون من هذه المرأة في حال موتهما معاً في لحظة واحدة إلا ما خلفته هي مما ورثته من بعد موت من كان قد مات قبلها فورثته أو مما كسبت لنفسها بنفسها، أما أنها ترث من الزوج الذي طلقها الطلاق الرجعي وكانت في العدة فلا ترث أصلاً مهما صح موتهما معاً في لحظة واحدة لأن من شرط التوارث أن يكون أحد الزوجين قد مات قبل الآخر.

‌وجوب إبطال مقسِّم التركة كل ما فيه حيلة على أحد من الورثة لا سيما الأناث

س: توفيت امرأة وخلفت أولاداً ذكوراً وإناثاً وقد كانت لها أراضٍ ورثتها من بعد والدها وحدث أن زوجها باع هذه الأراضي وكتب لأولاده الذكور مستنداً بأنه سيعوضهم في مقابل ما باعه من أموال والدتهم بالسوية، أما البنات فقد أحرمهن من هذه الأموال، فما هو حكم الشريعة في هذه القضية؟

جـ: التسوية واجبة والتحيُّل على البنات في الإرث لا يجوز، والحكم في هذا إن على من سيتولى القسمة أن يساوي بين الورثة ويبطل كل ما فيه الحيلة أو الاحتيال.

‌آراء العلماء في كيفية توريث الغرقى والهدمى

س: انقلبت سيارة برجل مع والده وماتا معاً ولم يعرف أيهما مات قبل صاحبه فكيف يكون تقسيم مخلفهما مع العلم أن لكل منهما تركة خاصة به وزوجة وأولاد؟

جـ: هذه المسألة تسمى في علم الفرائض بمسألة الغرقى والهدمى والذي ذهب إليه بعض العلماء أن كل واحد من الموتى يرث من الآخر والذي ذهب إليه علماء آخرون هو أن كل ميت يرثه ورثته الأحياء، فتركت الأب تكون لورثته الأحياء على الفرائض الشرعية وليس للولد ولا لورثة الولد الذي توفي مع والده ولم يعرف من مات أولاً أيُّ شيء، وتركة الوالد المتوفى مع والده في هذه الحادثة تكون لورثته الأحياء فقط على الفرائض الشرعية وليس للأب ولا لورثة الأب من تركة هذا الولد الذي توفي مع والده شئ، وهذا القول الأخير هو الذي اختارته اللجنة العلمية اليمنية المكلفة بتقنين أحكام الشريعة الإسلامية، وهي من المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص صريح صحيح مرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والله لموفق.

س: إذا قتل ابن وابنه ولم يعرف من مات الأول، فما الحكم؟

جـ: الأب يرثه أولاده عدا الولد الميت والولد يرثه أبناؤه ولا يدخل أبوه في الإرث.

س: توفي زوج وزوجة وأولادهما في حادث اختناق ولم يعرف من السابق في الموت منهم، فهل يرث أولياء الزوجة وورثتها أم لا؟

جـ: اعلم أن هذه المسألة يسميها علماء المواريث الغرقى والهدمى وقد ذهب علماء الزيدية الهادوية إلى توريث كل واحد من الآخر على التفصيل المذكور في كتب الفرائض، وقالت الشافعية والمالكية والحنفية بعدم توريث أحدهما من الآخر بل كل واحد من الزوجين يرثه ورثته الأحياء وهذا القول الأخير هو القول الذي قررته لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية (الهيئة العلمية اليمنية) وبناء على ذلك فتركت الزوجة لعصبتها الأقربين إليها.

ص: 592

‌وجوب تسليم أيِّ مال لميت إلى وصيه أو إلى جميع ورثته بحسب الفرائض الشرعية

س: رجل قبل أن يموت قال لي: خذي هذه الدبلة الذهب وبيعيها واشتري لي علاج، وكان معه ابن يعالجه وجاء اليوم الثاني ومات هذا الرجل، فهل أعطي هذه الدبلة لهذا الولد الذي يعالج أباه أم لمن أعطيها؟

جـ: سلمها للوصي أو لجميع الورثة كلهم.

س: شخص وضع عندي مبلغا من المال ثم توفي وأنا أتواصل مع أهله ليأخذوها فلم يتجاوبوا معي، فهل أتصدق بها على نيته ولكن إن طالبوني ماذا أقول لهم؟

جـ: سلمها للورثة كلهم، وإن رفضوا باقتناع فهي لك.

‌الإرث الشرعي لمن يستحقه سواء كان غنيا أو فقيرا

س: هل إذا كان الرجل غنيا عن الميراث وله الشيء الكثير من غير الميراث هل ينقص حقه من الميراث أو لا يعطى لأنه غني والآخرون ليسوا كذلك؟

جـ: الإرث الشرعي يكون لمن يستحقه غنيا أو فقيرا.

‌تحريم أخذ الوارث أكثر من نصيبه إلا إذا كان لمقابل سعاية أو زواجه

س: توفي رجل وخلف ستة أولاد أحدهم كان عنده جنبية بخمسة وعشرين مليون ريال يمني وقال: إنها بدل تزويجه فهل يجوز له أخذ الجنبية أم تزويجه على عرف المنطقة؟

جـ: إذا صح ما جاء في السؤال فهذا العمل لا يصح شرعا لأنه ليس لأحد من الأولاد غير نصيبه من الإرث، ولا حق له في الزيادة على الإرث إلا إذا كان الوالد قد زوج بعض الأولاد فيخرج لهذا الولد محتاجات الزواج بحسب العرف، هذا ما ظهر لي والله أعلم.

‌الولد الملتقط ليس وارثا شرعيا لمن رباه

س: رجل وزوجته تبنيا طفلا حتى بلغ التاسعة من عمره كونهما لم ينجبا ربيا هذا الطفل تربية لا تخدم مستقبله حيث عوداه أن يستجيبا لكل طلباته حتى ولو يقترضوا لأجل إرضائه، توفي الرجل مديونا، يقوم أخو زوجة المتوفي بإعالتها والطفل وتسديد ديون المتوفي، و توجد قضية في المحكمة المتوفي شريك فيها المطلوب حصر الورثة ما موقع الطفل من التركة والوراثة؟

جـ: الطفل ليس بوارث شرعي ممن رباه وعاش على نفقته ولا يسمى ولدا ولا هو من الورثة.

‌وجوب تمييز أموال كل وارث من كل تركة ولا سيما النساء ليتصرف كل وارث في أرثه

س: ما حكم رجل توفي عن ثلاثة أولاد وبنت وقسم بينهم في حياته ولكن حصة البنت في الميراث دخلت ضمن حصة الأولاد الثلاثة، والمطلوب من الأولاد حصة البنت من الغلول لمدة خمس سنوات وإخراج حقها من الميراث؟

جـ: يجب على الأولاد تمييز إرث أختهم وإخراجه الى حيز الوجود وتسليمه يداً بيد الى أختهم مع الغلول للمدة الماضية إن صح ما جاء في الاستفتاء لقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}

(1)

.

(1)

- النساء: آية (11)

ص: 593

‌الأصل بقاء الزوجية ومن ادعى الطلاق فعليه البرهان

س: والدي توفي وخلف زوجتين والدتي وخالتي وبعد مماته قمنا بطلب تقسيم التركة وادعى إخواني أن والدي قد طلق زوجته قبل خمس سنوات من وفاته، واحضروا ورقة تضمنت أن والدي طلق زوجته قبل خمس سنوات، وقاموا بذلك لكي يخرجونا من حكم حصر الورثة؟

جـ: الأصل بقاء الزوجية ومن ادعى الطلاق فيأتي بشاهدين عدلين على وقوع الطلاق أو ورقة مشهود عليها بشاهدين عدلين معروفين ومعروف الأمين الذي كتب الورقة وعدالته.

‌الفصول حجة بين المتقاسمين

س: هل الفصول حجة بين المتقاسمين؟

جـ: إن الفصول حجة بين المتقاسمين فإذا نازع أحد الورثة غيره من الورثة فليس لكل واحد من الورثة غير ما في فصله إلا إذا ظهر شيء متروك فاللازم قسمته على الفرائض الشرعية مثل أصله، ولا يكون الفصل أو الفصول حجة على غير المتقاسمين إذا لم يكن بيد صاحب الفصل أو أصحاب الفصول برهان على أن مورثهم كان مالكا ثابتا ومات وهو ثابت حائز أو لم يكن بيدهم بصائر تحكي تركة مورثهم أو مثل هذه المسائل اللازم فيهاحضور عند الحاكم الشرعي في المنطقة ليعرف الحقيقة ويجري اللازم شرعا على ضوء البراهين التي يبرزها الأطراف جميعا.

ص: 594

‌الباب الثالث: مسائل متفرقة في الوصايا و المواريث

‌هواء (علو) البيت يكون بحسب التراضي عليه بين المقتسمين

س: هواء البيت (العلو) لمن يكون هل لأصحاب الدور السفلي أم العلوي أم ماذا؟

جـ: على ما يكون التراضي بين الطرفين.

‌لا يرث الجد السدس من المال الذي أقعد فيه أولاد الميت قبله

س: والدنا توفي قبل أبيه حيث أن جدي أقعدنا بشهادة بعض أفراد الأسرة ومن القرية أيضاً حين دفن والدنا ومن ثم توفي جدنا وتمت الموافقة والاختيار على تقسيم تركة جدنا ولكن عند التقسيم قال أحد أعمامي أنه يريد سدس جدنا من التركة التي أقعدنا فيها، فهل يحق لجدنا السدس من التركة التي أقعدنا فيها أم لا؟

جـ: لا يصح أن يأخذ السدس من المال الذي أقعدكم فيه.

‌الأرضية الموهوبة من الدولة تكون لمن وهبتها له الدولة

س: بعد وفاة والدي أخرج جدي قطعة أرض من رئيس الجمهورية لنا نحن أولاد المتوفي ومن ثم بيعت واشترينا بيت ثم بيع البيت وتقاسمنا المال نحن الاخوة فقط وبعدها بفترة طويلة قمنا بمطالبة أعمامي بقسمة تركة جدنا الذي أقعدنا فوافق أعمامي على أن تدخل هذه الأرض ضمن القسمة لنأخذ سدس والدنا فقمنا بكتابة ورقة على أن تدخل الأرض في القسمة فهل يحق لجدنا السدس من الأرض الموهوبة لنا أم لا؟

جـ: الأرض لمن عينتهم الدولة ولمن ملكهم رئيس الجمهورية.

‌وجوب المبادرة بقضاء الدين عن الميت عقيب موته

س: ابن عمي عليه ديون من ثلاثين إلى أربعين ألف تقريباً، هل يعاقب عليها؟ وماذا على أهله؟ علماً أنه قد مات متشهداً مبتسماً؟

جـ: على الوصي إخراج ما صح عنده من الديون، وإذا لم يكن معه وصي فعلى جميع الورثة إخراج ما عليه من الديون وجوباً لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}

(1)

ولو يبيعون من تركته ما باعوا.

‌وجوب براءة ذمة المتوفى الذي مات وعليه دين ويخرج الدين من رأس تركته

س: رجل اقترض (500) ريال فضي أيام الإمام يحيى ثم إنه توفي ولم يقض ما عليه ولم يوص بقضائه كما أن المقرض قد توفي أيضاً، فهل يجب القضاء على جميع الورثة؟

جـ: نعم، يجب تبرأة ذمة المتوفى المذكور لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} .

‌وجوب تنصيب المحكمة وصياً على الأيتام إذا لم يكن لهم وصياً معيناً

س: توفي أب وخلف مبلغاً من المال في البنك وبعد فترة نما المبلغ إلى أن صار الضعف ثم قام الابن الأكبر الذي عمره 16 عاماً مع عمه بسحب جزء من المال لفتح بقالة وبعد أشهر قليلة فشل المشروع وتم إعلان إفلاسها ثم

(1)

- النساء: (13)

ص: 595

تم سحب مبلغ ثانٍ في زواج لهذا الولد ونخاف أن يبدد المبلغ مع الأيام علماً أن للمتوفي أولادا وبناتا قصار، البعض منهم صم وبكم بالإضافة إلى أمهم، فما العمل؟

جـ: سحب الفلوس هذه لابد أن يكون بنظر الوصي على القصار وعلى ما يملكه المتوفى مما عند الناس أو لدى البنك، وإذا لم يكن هناك وصيا فيعرض على الحاكم المتولي في المنطقة لينصب وصياً عن القصار ممن تثق به المحكمة ويعرف الحاكم أنه ثقة والمنصوب يجري اللازم.

س: جدي أوصى بموضعين طعمة لقمة حاصلة للدراويش في جامع القرية قبل مائة وخمسين سنة تقريباً، وانقطع المصرف ولم يبق درويش واحد في جامع القرية، وتقسم الورثة الوقف فيما بينهم وتفرق المال، والآن أخاف أن يكون عملنا هذا غير جائز فأنا مستعد لإرجاع قسمي أو تعويضه لكن البعض رافض إعادة قسمه، فهل هذا جائز أم لا؟

جـ: الوقف المذكور لا يباع ولا يشترى ولا يقسم بل يكون على ما هو عليه وقفاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإذا قد بطل نفعه في المقصود به ينتقل إلى مصلحة أخرى من المصالح التي سيرجع ثوابها إلى المتوفى الواقف، وأما للورثة فيكفي كل واحد من ذكر أو أنثى ما بقي له من الإرث حال القسمة والوقف باق وقفا.

‌مشروعية تقاسم الأولاد قضاء دين والدهم كل واحد بحسب ظروفه ودخله المالي

س: أب له أربعة أولاد طرد أحد أبنائه وطلب منه قضاء نصف الدين والبقية بعض الدين، مع العلم أنهم يتقاضون رواتب شهرية تفوق الثمانين ألف ريال شهرياً، والمطرود عسكري راتبه لا يكفي صرفته وأولاده، فهل يلزمه قضاء الدين والمال ما زال تحت تصرف الأب؟ وكم يكون نصيبه بين إخوانه في تحمل الدين؟

جـ: كل واحد بحسب مدخوله.

‌تحريم تصرف الوديع بمستندات ووثائق المودع المتوفي بدون إذن الورثة

س: شخص قبل وفاته أودع جميع مستندات ووثائق مخلفه الوقف والحر والغلول على أساس الحفظ إلى وقت الطلب، فهل للمودع لديه التصرف في المستندات والمخلف بدون إذن الورثة أم لا؟ وما مسئوليته حول ما هو متعلق فيها من حر ووقف وغلول؟

جـ: لا يجوز التصرف من الوديع بأوراق المودع بلا إذن من الملاك لقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}

(1)

ولحديث (أدِّ الأمانة إلى من إئتمنك)

(2)

.

(1)

- النساء: آية (58)

(2)

- سنن الترمذي: كتاب البيوع: باب ما جاء في النهي للمسلم أن يدفع للذمي الخمر. حديث رقم (1264) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) صححه الألباني في صحيح الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه أبو داود في البيوع، والدارمي في البيوع.

ص: 596

‌كتاب الجهاد

الباب الأول: أحكام الجهاد.

الباب الثاني: الغنائم.

الباب الثالث: أحكام الأسير والجاسوس والهدنة.

الباب الرابع: أحكام البغاة.

ص: 597

الباب الأول: أحكام الجهاد

• الجهاد لإعلاء كلمة الإسلام ونشر الدين الإسلامي

• من كان يقصد بتدربه على المصارعة الجهاد في سبيل الله فهي عبادة

• وجوب الجهاد وجوباً كفائياً وأحياناً وجوباً عينياً

• الجهاد فرض عين إذا حاصر الكفار البلدة أوا لمدينة من كل جهة

• وجوب الجهاد في سبيل الله سواءً كان للمسلمين إمام عادل أو لم يكن لهم إمام عادل

• تحريم تولي المرأة منصباً في الجيش أو الأمن أو أيِّ ولاية عامة

• تحريم مبايعة الوالي الذي يحكم بالقوانين الوضعية إلا لمجاهدة الكافرين

• وجوب طاعة القائد

• جواز الخروج على ولي الأمر الظالم بطريقة سلمية

• ضعف حديث (يغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين ولشهيد البحر الذنوب والدين)

• اشتراط رضا الوالدين في الجهاد

• وجوب استئذان الوالدين إلا إذا كان الجهاد فرض عين

• تحريم قتل النساء والأطفال والشيوخ المسنين وقلع الأشجار وحرقها

• جواز النكاية بالعدو سواءً بقلع الأشجار أو حرقها أو غيرها

• تحريم التمثيل بالكافر

• تحريم تحريق قتلى أو أسرى الكفار بالنار

• تحريم المثلة بالكافرين وجواز تخويفهم

• عدم جواز قتل أسرى المسلمين الذين يجعلهم العدو درعا بشريا له

• جواز قتل الرجل كبير السن إذا كان ذا رأي في الحرب

• جواز الكذب لخداع العدو في الحرب

• استحباب تشجيع المجاهدين بأشياء مادية أما الأوسمة فهي نوع من الرياء إلا لمصلحة

• يعتبر العاملون في سفارات الدول غير الإسلامية معاهدين

• جواز الاستعانة بالأقوياء من أهل الشرك للحماية في تبليع الرسالة

• تحريم الاستعانة بالقتلة في القتال لإهدار حقوق الآدميين من الورثة

• تحريم الاستعانة بالكافرين إذا كان المسلمون ضعافاً لا يستطيعون إخراج الكافرين

• تحريم الفرار من الزحف

• جواز الانسحاب لمصلحة للجهاد أو إلى فئة

ص: 598

• جواز الفرار إذا صار البقاء إلقاء للنفس في التهلكة

• جواز مقاتلة المسلم الذي يقاتل في صفوف الكافرين

• في قتال المسلمين بعضهم البعض وجوب القتال مع المحق ضد المبطل

• جواز تبييت الكفار

• وجوب قضاء الدين إلا أن يُسامِحَ الشهيدَ صاحبُ الدين

• ضعف حديث "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"

• جواز الفرار إذا صار البقاء إلقاء للنفس في التهلكة

• وجوب الجهاد بالمال لمساعدة المجاهدين بالسلاح لأهل الباطل في بلدان المسلمين

ص: 599

‌الباب الأول: أحكام الجهاد

‌الجهاد لإعلاء كلمة الإسلام ونشر الدين الإسلامي

س: ما هو القصد من الجهاد في الإسلام؟

جـ: الجهاد في سبيل الله تعالى شرع من أجل إعلاء كلمة الإسلام ونشر الدين الإسلامي وليس هو مشروع من أجل مصلحة رئيس الدولة أو لمصلحة شخصية أو دنيوية للمجاهد، والتاريخ الإسلامي يذكر لنا قصة عزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه للقائد العظيم المنتصر (خالد بن الوليد) رضي الله عنه حينما جاءه قرار العزل في أيام المعركة، فاستمر (خالد بن الوليد) يقود الجيش حتى تحقق الانتصار، واستمر جندياً في الجيش الإسلامي بعد عزله من القيادة لأنه يجاهد من أجل إعلاء كلمة الإسلام، ولما سئل عن عزله واستمراره في الجهاد فقال (أنا لا أحارب من أجل عمر ولكني أحارب من أجل رب عمر، فإذا كان عمر قد عزلني من إمارة الجيش فرب عمر لم يعزلني عن الجهاد في سبيل الله تعالى).

‌من كان يقصد بتدربه على المصارعة الجهاد في سبيل الله فهي عبادة

س: ما رأيكم فيمن يذهب إلى أوربا للمصارعة ليصرع كافراً وليفوز بالحزام الذهبي، فهل هذا نوع من الجهاد؟ وهل كرة القدم وغيرها من أعمال الرياضة التي يتقوى بها الجسد تعد من أعمال الجهاد؟

جـ: نقول هذه الأعمال من المصارعة ونحوها ترجع إلى النية إن كانت نية الشخص أن يتعلم المصارعة لكي يتدرب على مصارعة الكفار ومجاهدتهم عند الضرورة وعند جهاد الكافرين فهي عبادة وجهاد من باب مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإن كانت نيته الحصول على الجائزة والشهرة فليست من باب الجهاد، فهذه الأعمال وغيرها من أعمال التدريبات والرياضة داخلة تحت حديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)

(1)

وتحت حديث (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

(2)

فالعبرة والمدار على النية والقصد من هذه الأعمال.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله. حديث رقم (1) بلفظ (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في فضائل الجهاد، والنسائي في الطهارة، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الزهد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

معاني الألفاظ: النية: القصد وعزم القلب على الفعل.

يصيب: ينال، والمراد: تحصيل أسباب العيش.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. حديث رقم (2810) بلفظ (عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في فضائل الجهاد، والنسائي في الجهاد، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: العلم، فرض الخمس، التوحيد.

معاني الألفاظ: للمغنم: أي من أجل الغنيمة في الحرب.

للذكر: أي للمدح.

ليرى مكانه: ليرفع قدره.

ص: 600

‌وجوب الجهاد وجوباً كفائياً وأحياناً وجوباً عينياً

س: ما حكم الجهاد؟

جـ: الجهاد فرض كفاية وأحياناً يكون فرض عين إذا قد دخل العدو البلدة أو استنفر الشخص إمامُ المسلمين للجهاد كما في حديث (وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا)

(1)

ففي هذه الحالات يصبح الجهاد فرض عين، والجهاد بعد إخلاص النية يكفر الخطايا إلا الدين يجب عليه إخراجه قبل الخروج إلى الجهاد لحديث (أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ لِي ذَلِكَ)

(2)

.

‌الجهاد فرض عين إذا حاصر الكفار البلدة أوا لمدينة من كل جهة

س: متى يكون الجهاد فرض عين؟

جـ: في حالة ما إذا قد حاصر الكفار البلدة أو المدينة من كل جهة.

س: هل يعتبر خروجنا للدعوة إلى بعض القبائل جهاد في سبيل الله؟

جـ: هذا يسمى جهاد باللسان لحديث (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ)

(3)

.

س: إذا كان ملك البلد أو رئيسها يكره طائفة من الناس فأمرهم بالجهاد لكي يزيل عقبة من الطريق وهو لا يريد بذلك الجهاد بل يريد التخلص منهم، فهل عليهم السمع والطاعة إذا علموا بذلك؟

جـ: إذا كان جهاد كفار أو بغاة أو مفسدين في الأرض فإنه تجب طاعته، وإذا لم يكن الجهاد كذلك فلا يجوز والله أعلم.

س: هل الجهاد في فلسطين وغيرها فرض كفاية أم فرض عين علينا أهل اليمن؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب لايحل القتال بمكة. حديث رقم (22783) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ، لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، قَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ قَالَ: قَالَ: إِلَّا الْإِذْخِرَ)

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في السير، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في مسند بني هاشم، والدارمي في السير.

أطراف الحديث: الحج، البيوع.

معاني الألفاظ: العضد: القطع. الأذخر: نبات طيب الرائحة. النفير: الخروج للجهاد.

(2)

صحيح مسلم: كتاب الجهاد: باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين. حديث رقم (4857) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ لِي ذَلِكَ).

أخرجه الترمذي في الجهاد عن رسول الله، والنسائي في الجهاد، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الجهاد، والدارمي في الجهاد.

معاني الألفاظ: تكفر: تمحى وتزال.

الإحتساب: رجاء الثواب والأجر من الله تعالى.

(3)

سنن النسائي: كتاب الجهاد: باب التشديد في ترك الجهاد. حديث رقم (3045) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) صححه الألباني في الجامع الصغير برقم (3090).

أخرجه أبو داود في الجهاد، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الجهاد.

أطراف الحديث: الجهاد.

ص: 601

جـ: بعض العلماء قالوا يجب الجهاد على سوريا ومصر وفلسطين والأردن ولبنان الدول المحيطة بفلسطين لأنه لا يمكن الوصول إلى فلسطين إلا من هذه البلاد.

س: إذا كان الجهاد فرض عين فهل يجب الجهاد على الخنثى المشكلة؟

جـ: لا يوجد هذه الأيام خنثي مشكله لأن العمليات الجراحية تظهر هل هو ذكر أم أنثى.

س: أيهما أفضل الجهاد في سبيل الله أم طلب العلم؟

جـ: أولا ًيتعلم لقوله تعالى {وَمَا كَانَ

الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ

فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}

(1)

، ثم يجاهد لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ

وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ

تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}

(2)

والجمع بين الشيئين أفضل.

س: هل يمكن أن نقول لمن له عائلة وأسرة فيهما فجاهد؟

جـ: هذا محل اجتهاد، النبي صلى الله عليه وسلم نص على الأم والأب ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك كما ورد في حق الأبوين لحديث (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ)

(3)

.

س: فضيلة الشيخ هل إذا خرج الرجل إلى الجهاد بدون إذن والديه ورضاهما ثم استشهد ينال ثواب المجاهد أم لا؟

جـ: الراجح أن الله سبحانه وتعالى سيغفر له لأنه خرج مجاهداً في سبيل الله وفضل الله واسع والله أعلم.

س: رأيت في التلفزيون أن المرأة تشارك في الجهاد في جنوب السودان فما حكم اشتراك المرأة في الجهاد؟

جـ: أنا أرى أن المرأة لا تذهب إلى الجهاد لا في جنوب السودان ولا في غيره لقوله تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}

(4)

وقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ولحديث (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ)

(5)

وحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ)

(6)

وحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)

(7)

.

(1)

- التوبة: آية (122)

(2)

- الصف: آية (10 - 13)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب الجهاد بإذن الأبوين. حديث رقم (3004) بلفظ (سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الجهاد، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الأدب.

(4)

- الأحزاب: آية (33)

(5)

- صحيح البخاري: كتاب تقصير الصلاة: باب في كم تقصر الصلاة. حديث رقم (1088) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ).

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الرضاع، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع.

(6)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب لا يخلون رجل بامرأة. حديث رقم (5233) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ).

أخرجه مسلم في الحج، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: الحج، الجهاد والسير.

(7)

- مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: باب مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه. حديث رقم (1424) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2801).

أخرجه الترمذي في الادب، والنسائي في الغسل والتيمم، والدارمي في الأشربة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الإزار: ثوب يلف به النصف الأسفل من الجسم.

ص: 602

‌وجوب الجهاد في سبيل الله سواءً كان للمسلمين إمام عادل أو لم يكن لهم إمام عادل

س: سمعنا فتوى أن الجهاد في سبيل الله لا يكون واجباً إلا في وجود إمام عادل للمسلمين، ما صحة هذه الفتوى؟ وما حكم الجهاد في فلسطين؟

جـ: الجهاد في سبيل الله للكفار وبنية إعلاء كلمة الله واجب مطلقاً سواءً كان للمسلمين إمام أو لم يكن وسواء كان الإمام عادلاً أو غير عادل متديناً أو غير متدين لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(1)

وقوله تعالى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ

تَعْلَمُونَ}

(2)

فيزيد بن معاوية هو الذي تولى قيادة الجيش الذي ذهب لفتح بلاد القسطنطينية، وكان في الجيش عبدالله بن الزبير وعبد الله بن عباس وأبو أيوب الأنصاري من الصحابة، فهؤلاء كانوا كلهم تحت سلطة (يزيد بن معاوية) وهم من الصحابة لأن المقصد إعلاء كلمة (لا إله إلا الله) ورفع راية الإسلام، وتوفى أبو أيوب الأنصاري في القسطنطينية وقبر هناك.

س: هل يشترط لوجوب الجهاد وجود دولة إسلامية؟

جـ: جهاد الكفار مشروع سواءً كان يوجد دولة إسلامية أم لم توجد دولة إسلامية.

س: هل يشترط في الوالي أو القائد أن يكون عدلاً ليكون الجهاد في سبيل الله؟

جـ: لا يشترط أن يكون القائد عدلاً بل يشترط أن يكون الجهاد بنية الجهادلإعلاء كلمة (لا إله إلا الله) كما في حديث (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

(3)

.

(1)

- المائدة: آية (35)

(2)

- التوبة: آية (41)

(3)

صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. حديث رقم (2810) بلفظ (عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في فضائل الجهاد، والنسائي في الجهاد، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: العلم، فرض الخمس، التوحيد.

معاني الألفاظ: للمغنم: أي من أجل الغنيمة في الحرب.

للذكر: أي للمدح.

ليرى مكانه: ليرفع قدره.

ص: 603

‌تحريم تولي المرأة منصباً في الجيش أو الأمن أو أيِّ ولاية عامة

س: هل يجوز للمرأة أن تتولى منصباً في الجيش وتتعلم القتال؟

جـ: لا يجوز لأنها معرضة للحمل والوضاع والإرضاع، وقد قال الله تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}

(1)

وقال تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

(2)

.

س: إذا ذهبت المرأة مع المجاهدين، فهل يشترط لها محرم أم لا؟

جـ: نعم لا بد لها من محرم، وأما خروج النساء في يوم أُحد فهو لأن جبل أُحد هو في أطراف المدينة ولا يُعتبر سفراً فيعتبر هو من ضواحي المدينة، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ) ولحديث (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ) وحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ).

س: هل يبيح الإسلام للمرأة أن تتولى القضاء والحكم؟

جـ: قال الجمهور لا يصح لحديث (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً)

(3)

وقال أبو حنيفة: يصح للمرأة أن تتولى القضاء فيما يصح أن تشهد فيه كالأموال والحقوق لا في الحدود والقصاص، وقال محمد بن ابن جرير الطبري لا مانع للمرأة من تولي القضاء، والراجح: عندي عدم الصحة والله أعلم.

‌تحريم مبايعة الوالي الذي يحكم بالقوانين الوضعية إلا لمجاهدة الكافرين

س: من هو الإمام الذي تجوز له بيعة الجهاد؟ وهل يشترط فيه أن يحكم بالكتاب والسنة أو لا يشترط بل تجوز له البيعة حتى ولو كان يحكم بالقوانين الوضعية؟

جـ: إذا كان الوالي الذي يحكم بالقوانين الوضعية يبايعه الناس لمجاهدة الكفار فتجوز مبايعته لجهاد الكفار، أما في الأمور الأخرى ليحكم بالقوانين الوضعية فلا تجوز مبايعته لقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}

(4)

وقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(5)

وقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}

(6)

.

(1)

- الأحزاب: آية (33)

(2)

- الأحزاب: آية (53)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (4425) بلفظ (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً).

أخرجه الترمذي في الفتن، والنسائي في آداب القضاة، وأحمد في أول مسند البصريين.

أطراف الحديث: الفتن.

(4)

ـ المائدة: (44)

(5)

ـ المائدة: (45)

(6)

- المائدة: (47)

ص: 604

س: إذا كان هناك واليان كلاهما ظالمان أحدهما يستحل الأموال والآخر يستحل الفروج فمع من يقاتل المسلمون، وهل هناك قاعدة تنظم مثل هذا؟

جـ: يحارب مع من كان سينهب الأموال لأن نهب المال أخف من استحلال الفروج، ولأن استحلال الفروج يؤدي إلى خلط الأنساب والعياذ بالله من استحلال الفروج.

س: هل فرض العين لا يعينه إلا الأمام وإذا لم يوجد إمام كأيامنا هذه فمن يعين فرض العين؟

جـ: لا يشترط تعيين الإمام فبعض الناس كان يجاهد تطوعاً دون دعم من الإمام أو تعيين من الإمام في أيام الدولة الأموية والعباسية وإلى أيامنا هذه، فهؤلاء يوجبون على أنفسهم الجهاد ويذهبون للجهاد مثل الإمام حسن البنا وإخوانه في حرب تحرير فلسطين.

س: إذا كان هناك حاكم ظالم يعتقل العلماء، فهل يتعين على المسلمين جهاده أم لا؟

جـ: النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصبر وعدم الخروج على الظالم ما لم يظهر الكفر البواح مثل مصطفى كمال أتاتورك.

‌وجوب طاعة القائد

س: من المعلوم أن طاعة الأمير واجبة فإذا التقى الجيشان وحمي الوطيس وأصدر الأمير أوامره بالانسحاب، فهل تجب طاعته؟

جـ: نعم، إذا كان ينسحب الجيش إلى فئة أو إلى مكان عال أو إلى عند الماء إذا كان غير موجود فلا بأس، وإن قال لن نستطيع المقاومة سننهزم فلا يطيعون لأنه (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)

(1)

وإذا قال لهم أنه انسحاب فني فلابأس إذا كان لمصلحة مثلما عمل خالد ابن الوليد في غزوة مؤتة.

س: الأمير قد يكون في الجيش أو في السفر أو في تنظيم العمل بعيداً عن البلاد، فهل تجب الطاعة للأمراء في هذه الجهات؟

جـ: منذ لحظة توزيع الجيش يصبح أفراد الجيش رعية لأمير الجيش منذ تأميره عليهم لأن الرسول صلى الله علية و سلم أمر الناس أن يطيعوا (أسامة بن زيد)

(2)

ولما مات الرسول صلى الله علية و سلم فأمر أبو بكر أسامة أن يغادر المدينة إلى الجهاد، واستأذن الخليفة أبو بكر رضي الله عنه (أسامة بن زيد) في إبقاء عمر رضي الله عنه لأن الحل والعقد في أمور أفراد الجيش الذين في جيش أسامه لأسامة وأبو بكر خليفة المسلمين يستأذن (أسامه) قائد الجيش واستنئذانه دليل على أن طاعة قائد الجيش واجبة حتى ولو كان الجيش مازال

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية. حديث رقم (4742) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا، فَأَوْقَدَ نَارًا، وَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ قَوْلًا حَسَنًا، وَقَال: لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)

أحرجه البخاري في المغازي، والنسائي في البيعة، وأ بوداود في الجهاد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

(2)

صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنهما في مرضه الذي توفي فيه. حديث رقم (4468) بلفظ (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ فَقَالُوا: فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ قُلْتُمْ فِي أُسَامَةَ وَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ).

وحديث رقم (4469) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ)

ص: 605

داخل البلد.

‌جواز الخروج على ولي الأمر الظالم بطريقة سلمية

س: هل يجوز الخروج على ولي الأمر بطريقة سلميه مثل الانتخابات؟

جـ: لا مانع إذا كان بطريقة سلمية

(1)

.

ضعف حديث (يغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين ولشهيد البحر الذنوب والدين)

س: هل صحيح أن شهيد المعركة في البحر له أجران؟ ويكفر عنه ديونه؟

جـ: نعم، ويقاس على شهيد البحر شهيد الجو لأن القتال من الطائرة كالقتال من السفينة إن صح الحديث وإلا فالظاهر أنه ضعيف وهوبلفظ (وَإِنَّ اللَّهَ عز وجل وَكَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ إِلَّا شَهِيدَ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى قَبْضَ أَرْوَاحِهِمْ وَيَغْفِرُ لِشَهِيدِ الْبَرِّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا إِلَّا الدَّيْنَ وَلِشَهِيدِ الْبَحْرِ الذُّنُوبَ وَالدَّيْنَ)

(2)

.

‌اشتراط رضا الوالدين في الجهاد

س: هل يشترط في الجهاد رضا الوالدين؟

جـ: نعم، يشترط رضاء الوالدين مطلقاً سواءً كان مع الأب أولاد آخرون أم لا لأن العلة هي رضاء الوالدين وليس هي احتياج الوالد لمنافع الولد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل، هل معك إخوة آخرون ليقوموا بمنفعة أبويك، وإنما أطلق ولم يستفصل، والعلماء يقولون:(ترك الاستفصال في قضايا الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال) وهذه قاعدة فقهية مطردة.

س: هل يدخل الجنة من جاهد مع معارضة والديه لجهاده إذا استشهد في جهاده ذلك؟

جـ: فضل الله واسع والكلام هو أنه يشرع للمجاهد أن يستأذن والديه قبل الذهاب للجهاد في سبيل الله تعالى، لحديث (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ)

(3)

.

(1)

- لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبين وجوبا قطعيا في قوله تعالى {يَابُنَيَّ أَقِمِ

الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} وقوله تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وفي حديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)() وحديث (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)

(2)

سنن الترمذي: كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: باب ما جاء في صيد البحر اللمحرم. حديث رقم (778) بلفظ (عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: شَهِيدُ الْبَحْرِ مِثْلُ شَهِيدَيْ الْبَرّ، وَالْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ كَالْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ فِي الْبَرِّ، وَمَا بَيْنَ الْمَوْجَتَيْنِ كَقَاطِعِ الدُّنْيَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَإِنَّ اللَّهَ عز وجل وَكَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ إِلَّا شَهِيدَ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى قَبْضَ أَرْوَاحِهِمْ وَيَغْفِرُ لِشَهِيدِ الْبَرِّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا إِلَّا الدَّيْنَ وَلِشَهِيدِ الْبَحْرِ الذُّنُوبَ وَالدَّيْنَ) ضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي برقم (850).

أخرجه ابن ماجة في الجهاد.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب الجهاد بإذن الأبوين. حديث رقم (3004) بلفظ (سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ).

أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الجهاد، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الأدب.

ص: 606

‌وجوب استئذان الوالدين إلا إذا كان الجهاد فرض عين

س: هل يجب استئذان الوالدين؟ أم ما حكم الاستئذان؟

جـ: حكم استئذان الوالدين واجب وإذا لم يأذنا فتجب طاعتهما لأن طاعة الوالدين فرض عين والجهاد فرض كفاية وإذا تعارض فرض العين وفرض الكفاية فيرجح فرض العين، أما إذا كان الجهاد فرض عين كأن حاصر العدو البلدة فيصير الجهاد فرض عين وفي هذه الحالة يجب الجهاد ولو لم يأذن الوالدان لأنه سيتعارض فرض عين مع فرض عين ولكن طاعة الوالدين فرض عين شخصي والجهاد فرض عين مصلحته عامه متعديه فيها منفعة متعدية للمجتمع بحمايته ودفاع الكفار عنه، فيجب تقديم فرض العين المتعدي على فرض العين الشخصي.

س: هل يجوز التورية في الاستئذان من الوالدين؟

جـ: لا تجوز التورية بل لا بد من الاستئذان الصريح بأنه يريد أن يجاهد في سبيل الله، وإذا لم يرضيا فليوسط عليهما من معاريفهما من يقنعهما.

س: هل من معه زوجة وأولاد صغار يقال له ففيهم فجاهد؟

جـ: لم يرد نص في الزوجة والأولاد مثل الأبوين وتبقى المسألة محل اجتهاد، فإن كان مضطراً للبقاء عندهم فيبقى عندهم، وإن لم يكن مضطراً للبقاء عندهم فيجاهد والمسألة محل اجتهاد لعدم وجود نص يبين حكمها.

س: ما هي التورية في الجهاد؟

جـ: هي اللفظ الذي يحتمل معنيين.

س: ما هي التورية؟

جـ: هي إيهام العدو بفعل الشيء ثم مخالفته كأن يقول القائد للجاسوس سأغزو مدينة تعز ثم يفاجأ العدو بغزوه مدينة الحديدة، ومن التورية قول الشاعر:

إن قومي أهل سوء أهل ظلم متوالي

كلفوني بيع خيلي برخيص وبغالي

وهذا تورية لأنه يحتمل أنهم كلفوه بيع خيله بثمن رخيص وغال، ويحتمل أنهم كلفوه بيع خيله وبغاله.

س: ما حكم من أراد الجهاد في فلسطين أو في كوسوفا مع أن أراض المسلمين محتلة، فهل يجب الاستئذان من الوالدين حتى في هذه الحالة؟

جـ: لا بد من الاستئذان لأن الجهاد لم يتعين عليه في وجود مليار مسلم.

س: هل صحيح أن من خرج مجاهداً دون إذن والديه في جهاد تطوع ثم استشهد يبقى على جبل بين الجنة والنار أو على الأعراف؟ وهل ورد شيء في ذلك؟ وما صحة الشيء؟

جـ: قال بعضهم: في تفسير الأعراف أن الأعراف هي السور التي على الجنة، وقال بعضهم: هم أهل الفترة الذين عاشوا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، وقال بعضهم: هم من خرج مجاهداً دون إذن والديه لأنهم خلطوا عملاً صالحاً وهو الجهاد وآخر سيئا وهو عصيان الوالدين.

ص: 607

س: إذا تعارضت أوامر الأم والأب في الذهاب إلى الجهاد، فأيهما يُعمل به؟

جـ: لا يذهب الشخص للجهاد إلا بعد رضاهما الاثنين جميعاً، و إلا فلا يذهب، وأوامر الأم أقدم من أوامر الأب لحديث (مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ)

(1)

.

‌تحريم قتل النساء والأطفال والشيوخ المسنين وقلع الأشجار وحرقها

س: ماذا يجب على أمير الجيش قبل القتال؟

جـ: أن يوصي الجيش بألاَّ يقتلوا نساءً ولا أطفالاً ولا شيوخاً مسنين ولا رهباناً في الكنائس ولا يقتلوا الحيوانات ولا يقلعوا الشجر.

س: فضيلة الشيخ قلت إنه يحرم قتل النساء فكيف وبعض النساء أخطر على الإسلام من الرجال في أمريكا، فهل مثل هؤلاء النساء يجوز قتلهن؟.

جـ: نعم، وقد قلنا إلا إذا كانت تقاتل أو لها رأي يستشيرونها ليتقووا برأيها على المسلمين.

‌جواز النكاية بالعدو سواءً بقلع الأشجار أو حرقها أو غيرها

س: هل يجوز إحراق وتقطيع وقلع شجر الأعداء نكاية بالعدو؟

جـ: الصحابة في غزوة بني النضير منهم من اجتهد ورأى أن المصلحة في تقطيع وقلع شجر بني النضير، وبعضهم رأي أن المصلحة في ترك الشجر وعدم تقطيعه وقلعه أملاً في انتصار المسلمين وأن هذه الأشجار ستصير غنائماً للمسلمين، والقرآن أقرَّ الفريقين في قوله تعالى {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}

(2)

.

س: ما حكم تحريق الشجر والأصنام والمتاع؟

جـ: ثبت ذلك عن الشارع إذا كان فيه مصلحة، وقد جاء في كتب السير أن النبي لما حاصر يهود بني النضير كان بعض المسلمين يأخذ الشجر ويقطعها، وبعضهم ينهى عن ذلك فطلبهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لماذا تُقطع الشجر؟ قال: لأنه يغلب في ظني أننا لا نستطيع أن نفتح بلاد بني النضير وندخل النكاية عليهم بأيِّ شيء كان حتى ولو بقطع الشجر، وقال للآخر وأنت لماذا تنهى عن ذلك؟ قال: يغلب في ظني أننا سنفتح هذه البلاد وأن هذه الأشجار والمساكن ستكون للمسلمين فأردت ألا يأخذها المسلمون إلا وهي سليمة، فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم بل وأقر هم القرآن فنزلت الآية {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب من أحق الناس بحسن الصحبة. حديث رقم (5514) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ)

أخرجه مسلم في البروالصلة والأدب، وابن ماجه في الفرائض، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(2)

الحشر: آية (5).

ص: 608

الْفَاسِقِينَ}

(1)

.

‌تحريم التمثيل بالكافر

س: هل تجوز المثلة في الحرب؟

جـ: لا يجوز التمثيل بالكافر.

س: ما هو حكم المثلة؟

جـ: حرام لحديث سليمان بن بريده عن أبيه عن جده وفيه (وَلَا تَمْثُلُوا)

(2)

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة، يجوز قتله، أما قطع أنفه أو قلع عينه أو قطع عورته أو لسانه أو غيرها فهو مخالف للإسلام وللعرف وللقبيلة وللمروءة، وأخرج نحو ذلك أحمد وابن ماجة من حديث صفوان وأحاديث النهي عن المثلة كثيرة، منهاحديث (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ)

(3)

.

‌تحريم تحريق قتلى أو أسرى الكفار بالنار

س: هل تحريق الكافرين بالنار من قتلى أو أسرى الكافرين جائز؟

(1)

الحشر: آية (5).

(2)

صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير: باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته لهم. حديث رقم (2361) بلفظ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ: ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا).

أخرجه الترمذي في الديات عن رسول الله، السير عن رسول الله، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في السير.

معاني الألفاظ: السرية: مجموعة من الجيش لهما مهمة خاصة. الغلول: ما يؤخذ من الغنيمة قبل قسمتها ومن أيِّ مال عام عن طريق التكتم والتخفي، ويكون زائدا عما يستحقه الموظف بحسب القوانين واللوائح المنظمة للأجور والمرتبات في المؤسسة التي يعمل فيها الموظف. الغدر: نقض العهد. المثلة: تشويه الجسد قبل القتل أو بعده.

الفيء: ما يؤخذ من العدو من مال ومتاع بغير حرب. الجزية: ما يدفعه أهل الذمة للدولة الإسلامية.

الذمة: العهد.

أخفر: نقض العهد.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الجهاد: باب في النهي عن المثلة. جديث رقم (2667) بلفظ (عَنْ الْهَيَّاجِ بْنِ عِمْرَانَ أَنَّ عِمْرَانَ أَبَقَ لَهُ غُلَامٌ فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَيَقْطَعَنَّ يَدَهُ، فَأَرْسَلَنِي لِأَسْأَلَ لَهُ، فَأَتَيْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ، فَأَتَيْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في أول مسند البصريين، والدارمي في الزكاة.

معاني الألفاظ: أبق العبد: إذا هرب فهو آبق. المثلة: تشويه الجسد قبل القتل أو بعده.

ص: 609

جـ: لا يجوز لحديث (لا يعذب بالنار إلا رب النار)

(1)

.

س: ما حكم إحراق الكافر بالنار؟

جـ: حرام لأن النبي صلى قال (لا يعذب بالنار إلا الله) وفي حديث آخر (لا يعذب بالنار إلا رب النار) فلا يجوز الإحراق بالنار، وأما التحريم للإحراق بالنار فلحديث أبي هريرة عند البخاري وغيره قال (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْثٍ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا بِالنَّارِ وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا)

(2)

.

‌تحريم المثلة بالكافرين وجواز تخويفهم

س: هل يجوز المثلة في قتل الكافرين من أجل إنزال الرعب في قلوب الكافرين؟

جـ: الظاهر أن المثلة لا تجوز، ولكن يجوز تخويفهم ويذكر أن (طارق ابن زياد) سمع أن بين الجيش جواسيساً من الأسبان وأتى باثنين من أسرى الكافرين وقال اقتلوهما ولكن جنوده لم يقتلوهما وإنما أخفوهما، ثم أتى بجثتين من قتلى الكافرين وقال اطبخوهما وأوهم الناس أنه قتلهما وأوهمهم أنه طبخهما وأكلوهما مع أنه ذبح بقراً وضأناً طبخ لحمها وقدمها للأكل وأكل الجيش لحم الضأن والبقر، ولكن الكافرين تسامعوا وبث فيهم الخوف والرعب، مع أنه عُرف أخيراً أنه لم يعمل بهما عملا غيرشرعي فمثل هذا العمل الذي فيه تخويف للأعداء وغير مخالف للشرع جائز.

‌عدم جواز قتل أسرى المسلمين الذين يجعلهم العدو درعا بشريا له

س: إذا كان المسلمون في حرب مع الكفار وكان هناك أسرى من المسلمين وأتخذ الكفار الأسارى درعاً فهل يجوز للمسلمين قتل هذا الدرع لكي يتم الانتصار على الكفار من باب جواز ارتكاب المفسدة الصغرى لدرء مفسدة كبرى؟

جـ: الجمهور من العلماء قالوا: لا يجوز قتلهم، وأنا من القائلين بهذا القول، ومن العلماء من قال: بالجواز من باب المصالح المرسلة لأننا نقتل القليل للبقاء على حياة الكثير.

‌جواز قتل الرجل كبير السن إذا كان ذا رأي في الحرب

س: هل يجوز قتل الرجل كبير السن؟

جـ: لا يجوز إلا إذا كان صاحب رأي ومشورة في الحرب مثل (دريد بن الصمة) فيقتل لنكايته بالمسلمين ولاستقواء الكافرين برأيه.

(1)

سنن أبي داود: كتاب الجهاد: باب كراهية حرق العدو بالنار. حديث رقم (2299) بلفظ (: حدثني محمد بن حمزة الأسلمي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية قال فخرجت فيها وقال (إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار فوليت فناداني فرجعت إليه فقال إن وجدتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2673).

أخرجه أحمد في مسند المكيين.

معاني الألفاظ: سرية: مجموعة من الجيش لها مهمة خاصة.

(2)

- مسنداحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: باب باقي المسند السابق. حدث رقم (8107) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْثٍ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا بِالنَّارِ وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا)

أخرجه البخاري في الجهاد والسير، والترمذي في السير، وأبوداودفي الجهاد، والدارمي في السير.

ص: 610

‌جواز الكذب لخداع العدو في الحرب

س: هل الكذب جائز في الحرب؟

جـ: يجوز الكذب لخداع العدو لحديث (الْحَرْبَ خَدْعَةً)

(1)

س: هل يجوز الكذب في الحرب؟

جـ: نعم، يجوز الكذب في الحرب فلما ثبت عند مسلم من حديث جابر أن النبي (لما بعث محمد بن مسلمة ليقتل كعب بن الأشرف)، هذا كعب بن الأشرف هو عربي بالنسبة إلى نسبه ولكنه يهودي بالنسبة إلى دينه وهو عربي من عرب الحجاز ولكنه تهوَّد (دخل في الدين اليهودي) وكان من أشد أعداء الرسول وكان يؤلب العرب لقتال النبي فأرسل النبي محمد بن مسلمة ليقتله

قال: يا رسول الله فأذن لي فأقول: قال قد فعلت، أي أذن له أن ينال منه في مقال ولو كان كذباً كما وقع منه في هذه القصة، لأنه عندما وصل إليه قال له بلغني أنك تجمع جيشاً ضد هذا الرجل أي ضد الرسول، قال: نعم، لقد أخبرتكم من أول الأمر لكنكم أدخلتموه المدينة، قال وأنا من المناصرين لك وأنا كذا وأنا كذا وأخيراً اغتاله، وقصته مذكورة في حديث (مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ، قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ، قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلَاحَ، فَوَعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ فَأَخْبَرُوهُ)

(2)

فالكذب جائز في الحرب لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجاز محمد بن مسلمة في الكذب على كعب بن الأشرف ليقتله، وقال النبي (الْحَرْبَ خَدْعَةً) أخرجه البخاري، وأخرج مسلم حديث أم كلثوم بنت عقبة قالت (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا)

(3)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب الحرب خدعة. حديث رقم (3030) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: هَلَكَ كِسْرَى، ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرٌ لَيَهْلِكَنَّ ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ، وَلَتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَسَمَّى الْحَرْبَ خَدْعَةً)

أخرجه مسلم في الفتن واشراط الساعة، والترمذي في الفتن، وأحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة.

اطراف الحديث: فرض الخمس، المناقب.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الرهن: باب رهن السلاح. حديث رقم (2510) بلفظ (سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ? فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ، قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ، قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلَاحَ، فَوَعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ).

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، وأبو داود في الجهاد.

أطراف الحديث: الجهاد والسير، المغازي.

معاني الألفاظ: الوسق: ما قدره ستون صاعاً من التمر ونحوه.

(3)

صحيح البخاري: كتاب الصلح: ليس من الكاذب الذي يصلح بين الناس. حديث رقم (2692) بلفظ (أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا).

أخرجه البخاري في الصلح، والترمذي في البروالصلة، وأبوداود في الأدب، وأحمد في ومن مسند القبائل.

ص: 611

س: ما حكم كذب (محمد بن مسلمة) في قتل كعب بن الأشرف؟

جـ: هو جائز لأنه خدع اليهودي (كعب بن الأشرف) والحرب خدعه ومثله قصة (نعيم بن مسعود الأشجعي)

(1)

حينما كذب على اليهود وقريش في غزوة الأحزاب وفرق بين جيوش الكفار المتحزبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضوان الله عليهم.

س: في الحديث (الْحَرْبَ خَدْعَةً) وجاء (وَلَا تَغْدِرُوا) فما الفرق بينهما؟

جـ: الخدعة إذا كان المسلمون مع الكافرين في حالة حرب فيقومون بخداعهم والغدر عندما يكون المسلمون معهم في حالة صلح أو هدنه فيغدرون بهم.

‌ومن الغدر قتل الرسل فهو غدر محرَّم وأول ملك غدر في الإسلام هو (عبدالملك بن مروان)

س: هل يجوز الخداع في الحرب؟

جـ: نعم، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى (الْحَرْبَ خَدْعَةً) وهو ثابت في الصحيحين، قال النووي واتفقوا على جواز خدعة الكفار في الحرب كيف ما أمكن إلا أنه لا يكون فيه نقض عهد، أما الخديعة فنخدعهم بغير نقض العهد، ولا نغدر فلا يجوز الغدر بالكافر وهو مؤمَّن لأن النبي صلى (نهى عن الغدر) في حديث (وَلَا تَغْدِرُوا) وقال يرفع لواء للغادر يوم القيامة ويقال هذه غدرة فلان وهوبلفظ (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ بِغَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

(2)

قيل أن أول من غدر في الإسلام هو (عبد الملك بن مروان).

س: كيف يجمع بين حديث رسول صلى الله عليه وآله وسلم (وَلَا تَغْدِرُوا) وبين مباغتته عندما أغار على هوازن؟

جـ: الغدر، هو إذا قال الرجل للكافرين سلموا أنفسكم من عمل على باب بيته راية بيضاء وألقى السلاح فهو آمن وكلهم سلموا السلاح، وبعد أن دخل مصرهم قام بقتلهم فهو حرام، أما إذا هاجمهم فلا مانع من مباغتتهم ومهاجمتهم في ديارهم ما داموا يعادون الإسلام لحديث (مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ: هُمْ مِنْهُمْ)

(3)

.

(1)

ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (زاد المعاد) في سياقه لغزوة الخندق ما نصه: (فكان مما هيأ من ذلك أن رجلاً من غطفان يقال له نعيم بن مسعود بن عامر رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنت رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة، فذهب من فوره ذلك إلى بني قريضة وكان عشيراًِ لهم في الجاهلية فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه فقال يا بني قريضة إنكم قد حاربتم محمداً وإن قريشاً إن أصابوا فرصة انتهزوها و إلا استمروا إلى بلادهم راجعين وتركوكم ومحمداً فانتقم منكم قالوا فما العمل يا نعيم قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن قالوا: لقد أشرت بالرأي، ثم مضى على وجهه إلى قريش قال لهم: تعلمون ودي ونصحي لكم، قالوا: نعم، قال: إن يهوداً قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم ثم ذهب إلى غطفان فقال فهم مثل ذلك، فلما كان ليلة السبت من شوال بعثوا إلى يهود إنا لسنا بأرض مقام وقد هلك الكراع والخف فانهضوا بنا حتى نناجز محمداً، فأرسل إليهم اليهود أن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن، فلما جاءتهم رسلهم بذلك، قالت قريش: صدقكم والله نعيم، فبعثوا إلى يهود إنا والله لا نعطي إليكم أحداً فاخرجوا معنا حتى نناجز محمداً، فقالت قريضة: صدقكم والله نعيم، فتخاذل الفريقان وأرسل الله عز وجل على المشركين جنداً من الريح فجعلت تقوض من خيامهم ولا تدع لهم قدراًإلا كفأتها ولا طنباً إلا قلعته و لا يقر لهم قرار، وجند الله يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف)

(2)

صحيح البخاري: كتاب الجزية والموادعة: باب إثم الغادر للبر والفاجر. حديث رقم (3188) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ بِغَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب أهل الدار بيتون فيصاب الولدان والذراري. حديث رقم (2672) بلفظ (عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رضي الله عنهم، قَالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ: هُمْ مِنْهُمْ).

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، والترمذي في السير، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في أول مسند المدنيين.

أطراف الحديث: المساقاة.

ص: 612

س: هل يجوز للمجاهد إذا مر مع بعض إخوانه على أكمة فيها كمين ومؤن للعدو اقتحام الأكمة لكي لا يقطع العدو خط الرجعة على المجاهدين ولو بدون إذن القيادة؟

جـ: هذا راجع إلى الحالات وتقدر كل حالة في حينها بحسب المصلحة ولا أستطيع أن اقطع فيها.

‌استحباب تشجيع المجاهدين بأشياء مادية أما الأوسمة فهي نوع من الرياء إلا لمصلحة

س: ما حكم الأوسمة التي تعطى من الدولة لبعض الأفراد المشتركين في القتال؟

جـ: النبي صلى الله عليه وسلم كان يكافئ المجاهدين بشيء مادي مثل (سلمة بن الأكوع) الذي أبلى في الجهاد وهو رجل فكافئه بسهم ثالث مع أنه راجل وليس راكباً، أما الأوسمة فهي نوع من الرياء إلا إذا كان في إعطائها أو منحها مصلحة فلا مانع مع تحقق المصلحة عند رئيس الدولة.

قصة صاحب النقب:

في أيام الخليفة (عبد الملك بن مروان) انتدب قائد الجيش الإسلامي الذي كان يحارب في بلاد الروم (مسلمة بن عبد الملك بن مروان) شخصاً لعمل نقب في جدار معسكر الرومان وقام بعمل النقب شخص من أفراد الجيش الإسلامي وتسلل من النقب في الليل، وقتل حارس البوابة، وفتح الباب، وصاح الله أكبر معلناً فتح المدينة للمجاهدين، واندفع الجيش الإسلامي، وانهزم الرومان، وانتصر المسلمون بعد حصار عدة شهور، ولما أراد القائد (مسلمة بن عبد الملك) مكافئة الشخص الذي فتح النقب جمع الجيش ونادى، من صاحب النقب؟ من صاحب النقب؟ ولم يجبه أحد، وفي اليوم الثاني جمع الجيش ونادى من صاحب النقب؟ أو من يعرف صاحب النقب؟ ولم يجبه أحد، وفي اليوم الثالث قال: عزمت على صاحب النقب إلا أن يأتيني وطاعة القائد واجبة، ثم جاءه شخص ملثم وقال للقائد صاحب النقب يشترط على القائد شروطاً، فهل تقبلونها قال القائد نعم، ماهي الشروط؟ قال الشخص:

الشرط الأول: ألا تسألوه عن اسمه.

الشرط الثاني: ألا تكتبوا للخليفة بمكافئته.

الشرط الثالث: إذا أخبركم به وذهب ألا تتبعوه ولا تبحثوا عنه بين الجنود، فهل تقبلون شروطه؟ قال القائد: نعم، قال أنا صاحب النقب، وذهب ودخل في صفوف الجيش واختفى ولم يعرف (مسيلمة) اسمه، هذا هو الإخلاص، وقد سُمع (مسيلمة بن عبدالملك) يقول في دعائه في الصلاة أو عقيب الصلاة، اللهم احشرني أنا وصاحب النقب.

‌يعتبر العاملون في سفارات الدول غير الإسلامية معاهدين

س: هل إقامة السفارات الكافرة في بلاد الإسلام يعتبر من تولي الكفار؟

جـ: هذه من باب المعاهدات، ومن يعمل فيها يعتبر معاهداً، ولا يجوز قتل المعاهدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَوْلَا

ص: 613

أَنِّي لَا أَقْتُلُ الرُّسُلَ أَوْ لَوْ قَتَلْتُ أَحَدًا مِنْ الرُّسُلِ لَقَتَلْتُكَ)

(1)

و لحديث (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)

(2)

.

‌جواز الاستعانة بالأقوياء من أهل الشرك للحماية في تبليع الرسالة

س: هل استعان رسول الله بمشرك عند عودته من الطائف؟

جـ: استعان الرسول صلى الله عليه وسلم ب (المطعم بن عدي) عند عودته من الطائف ليدخل في جواره لحمايته من المشركين.

‌تحريم الاستعانة بالقتلة في القتال لإهدار حقوق الآدميين من الورثة

س: القتلة الذين حُكم عليهم بالإعدام، هل يجوز للدولة أن تستعين بهم في القتال؟ وإذا قتل فهل يكفر القتل ذنبه مثل القصاص؟

جـ: الحقوق قسمان: حقوق لله تعالى وحقوق للآدميين، فالقاتل هومسؤل عن الآتي:

أولاً: هو مسئول أمام الله تعالى ويعاقبه الله تعالى لقوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}

(3)

.

ثانياً: هو مسئول أمام الورثة، فإما أن يقبلوا الدية أو لهم أن يطالبوا بالقصاص منه لحديث (وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ)

(4)

.

ثالثاً: هو مسئول أمام المقتول يطالبه يوم القيامة بحقه منه.

فالجواب عن السؤال، إن القتل في المعركة لا يسقط حق الورثة ولا حق المقتول ولا يجوز للدولة أن تدفعهم إلى المعركة وتسقط حقوق الآدميين من الورثة، ولا يكفر قتله عنه لأنها حقوق آدميين.

(1)

- مسندأحمد: كتاب مسند المكثرين: باب مسند عبدالله بن مسعود. حديث رقم (3139) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ مُسَيْلِمَةَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَهُ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَهُ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا أَنِّي لَا أَقْتُلُ الرُّسُلَ أَوْ لَوْ قَتَلْتُ أَحَدًا مِنْ الرُّسُلِ لَقَتَلْتُكَ).

اخرجه أبوداود في الجهاد، والدارمي في السير.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الجزنية والموادعة: باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم. حديث رقم (2930) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا).

أخرجه النسائي في القسامة، وابن ماجة في الديات، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: الديات.

(3)

- النساء: آية (93)

(4)

- صحيح البخاري: كتاب في اللقطة: باب كيف تعرف لقطة أهل مكة. حديث رقم (2434) بلفظ (حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِلَّا الْإِذْخِرَ، فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ مَا قَوْلُهُ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

أخرجه مسلم في الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في الديات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: العلم، الديات.

معاني الألفاظ: يختلى: يقطع نباته.

ص: 614

‌تحريم الاستعانة بالكافرين إذا كان المسلمون ضعافاً لا يستطيعون إخراج الكافرين

س: هل النبي صلى الله علية و سلم استعان بالمشرك في يوم الهجرة أم استأجره استئجاراً؟ فإذا كان استأجره استئجاراً فمن أين وجه الدلالة بالاستعانة به حتى يستعينوا بالاشتراكيين أو الملحدين أو بالنصارى أو اليهود على المسلمين؟

جـ: الاستعانة تنقسم إلى قسمين: استعانة بالكافرين بأجرة، واستعانة بالكافرين بغير أجرة، فالنبي صلى الله علية وسلم حينما استعان بالكافر هو استعان بالمشرك بالأجرة، والكلام هو حول الاستعانة من حيث هي سواء كانت استعانة باجرة أو استعانة بغير أجرة، فتجوز الاستعانة بالكافرين بأجرة أو بغير أجرة إذا كان المسلمون قادرين على إخراجهم في أيِّ وقت ولا يحصل من الاستعانة بهم أيُّ ضرر على المسلمين، ولا تجوز الاستعانة بهم بأجرة أو بغير أجرة إذا لم يستطع المسلمون إخراجهم أو كان سيحصل من الاستعانة بهم ضرر على المسلمين، كأن كانوا هم أقوى أو أكثر من المسلمين أو فيهم خبراء أو مهندسون أو طيارون والمسلمون ليس معهم خبراء ولا مهندسون ولا طيارون بحيث لا يستطيعون إخراجهم أو الاستغناء عنهم.

س: قلتم بأنه تجوز الاستعانة بالمشركين إذا كانوا قليلين مع أن الرسول صلى الله علية و سلم، قال:(فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ)

(1)

ولفظ المشرك نكره في سياق النفي تفيد العموم، أي أنا لا أستعين بأيِّ مشرك ولو كان واحداً، فكيف نوفق بين قولكم وبين هذا الحديث؟

جـ: قلت لكم أننا جمعنا بين الحديثين المتعارضين، وحينما توجد أحاديث متعارضة يقدم الجمع بينها على الترجيح، لأن الجمع مهما أمكن فهو الأولى.

‌تحريم الفرار من الزحف

س: ما حكم الهروب من أرض المعركة؟

جـ: الفرار من الزحف كبيرة من كبائر الإثم، ولكن الإسلام جوَّز التحول إلى فئة أو إلى مكان آخر ليقاتل منه، إما إلى مكان مرتفع أحسن من الذي هو فيه، أو إلى أقرب مكان فيه ماء، أو إلى أيِّ منطقة أحسن من التي هو فيها لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}

(2)

، فلا يسمى فراراً من الزحف، والتحول إلى بقعة أحسن أو إلى جماعة من جماعات المجاهدين فيجوز للمتحول ولا يصدق عليه أنه فرَّ فراراً من الزحف، الفرار المحرم هو الذي يفرُّ من أرض المعركة إلى بيته أو بلاده أو إلى أيِّ مكان إذا كان فراره تركاً للمعركة والجهاد، بخلاف من يفرُّ من موقع إلى موقع استراتيجي أحسن منه أو ينضم إلى جماعة من جماعات المجاهدين ليتقوى بهم.

(1)

صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير: باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر. حديث رقم (4677) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلِقْ).

أخرجه الترمذي في السير عن رسول الله، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في السيرة.

(2)

- الأنفال: آية (16، 15)

ص: 615

س: هل يجوز للمسلم عند مواجهة الكفار الانسحاب والفرار من المعركة؟

جـ: لا يجوز له أن يفرَّ وينسحب لأنه يسبب شيئا بين المسلمين من الضعف إلا إذا كان متحرفاً لقتال ينسحب إلى بقعة مرتفعة بحيث يستطيع القضاء عليهم، أو متحيزاً إلى فئة أي ينظم إلى جماعة آخرين من أجل أن يهجموا مرة واحدة عليهم فلا بأس، أما إذا كان سيهرب فهو ممنوع شرعاً وهو من الكبائر وثبت في الصحيحين وغيرهما (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ)

(1)

يعني من الكبائر، ومثله الذين يهربون بالجملة من المعركة وإن اختلفت مسوغات الفرار، وإذا كان الإنسان سيفر إلى جماعة أخرى من المجاهدين فهو جائز، بدليل {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} مثلاً كان في سرية لا يوجد فيها ماء وهرب إلى سرية فيها ماء فلا بأس، أو كان في واد فارتفع إلى الجبل لكي يقضي عليهم من فوق الجبل، بل هو أولى ولا يسمى هذا فراراً أو ليس عليه ذنب، إنما الذنب لمن سيفر من الجيش إلى غير رجعة.

‌جواز الانسحاب لمصلحة للجهاد أو إلى فئة

س: في معركة مؤتة عاد (خالد بن الوليد) بالجيش من المعركة، ولم يسمهم النبي صلى الله علية و سلم فرارين بل قال (بَلْ أَنْتُمْ الْعَكَّارُونَ وَأَنَا فِئَتُكُمْ)

(2)

؟

جـ: النص دل على أنهم انسحبوا لمصلحة للجهاد وأنه ليس فراراً من الزحف.

‌جواز الفرار إذا صار البقاء إلقاء للنفس في التهلكة

س: إذا فر الجيش ولم يبق إلا شخصا أو أفرادا قليلين، فهل يجوز الفرار في هذه الحالة لأن البقاء إلقاء بالنفس إلى التهلكة في مثل هذه الحالة؟

جـ: نعم، إذا كان البقاء في المعركة يعتبر إلقاء بالنفس إلى التهلكة.

(1)

صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب قذف المحصنات. حديث رقم (2767) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في الوصايا، وأبو داود في الوصايا.

أطراف الحديث: الطب، والحدود.

معاني الألفاظ: الموبقات: الذنوب المهلكة.

(2)

سنن الترمذي: كتاب الجهاد: باب ماجاء في الفرار من الزحف. حديث رقم (1638) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاخْتَبَيْنَا بِهَا وَقُلْنَا هَلَكْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْفَرَّارُونَ، قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ الْعَكَّارُونَ وَأَنَا فِئَتُكُمْ، قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً يَعْنِي أَنَّهُمْ فَرُّوا مِنْ الْقِتَالِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بَلْ أَنْتُمْ الْعَكَّارُونَ وَالْعَكَّارُ الَّذِي يَفِرُّ إِلَى إِمَامِهِ لِيَنْصُرَهُ لَيْسَ يُرِيدُ الْفِرَارَ مِنْ الزَّحْفِ)

أخرجه أبوداود في الجهاد.

وفي صحيح البخاري: كتاب الغزوات: باب غزوة مؤتة من أرض الشام. حديث رقم (4260) بلفظ (أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جَعْفَرٍ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ قَتِيلٌ فَعَدَدْتُ بِهِ خَمْسِينَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي دُبُرِهِ يَعْنِي فِي ظَهْرِهِ).

وحديث رقم (4261) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ).

ص: 616

‌جواز مقاتلة المسلم الذي يقاتل في صفوف الكافرين

س: هل يجوز مقاتلة المسلم المرغم على القتال في صفوف الكفار؟

جـ: ما دام وهو يقاتل في صفوف الكفار فالظاهر أنه مع الكفار والعبرة بالظواهر والله يتولى السرائر، و (العباس بن عبدالمطلب) حينما أسر في معركة بدر قال: يا رسول الله أنا ما خرجت مع المشركين إلا ظاهرياً و إلا فأنا معكم، فقال له النبي صلى الله علية و سلم:(ظاهرك علينا) والعبرة بالظاهر، وهذا الحديث يدل على أن العبرة بالظواهر.

في قتال المسلمين بعضهم البعض وجوب القتال مع المحق ضد المبطل

س: كيف يجمع العلماء بين حديث (إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّار، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ)

(1)

، وبين قوله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}

(2)

؟

جـ: الآية محمولة على حالة ما إذا قد عُرف المحق من المبطل فيجب أن يقاتل المسلمون مع المحق ضد المبطل، ويعمل بحديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، إذا عرفنا أن كلا الطرفين مبطلان بأن كان كل منهما يسعى للملك والسلطة والمصالح الدنيوية، فيعمل بحديث (إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّار، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ).

س: لو أن دولة مسلمة قامت بالاعتداء علينا فما يجب علينا هل ندافع عن أنفسنا ونقاتل، أم ماذا نصنع؟

جـ: أولاً نريد أن نعرف أيُّ الدولتين معتدية وأيها على الحق، لأن القتال بين المسلمين من أيام بني أميه و عبدالله بن الزبير رضي الله عنه وكل يدعي أنه على الحق.

وكل يدعي وصلاً بليلى

وليلى لا تقر لهم بذاك

وكل واحد يدعي أنه على الحق فإذا عرفنا أن هذا مع الحق وأن هذا مع الباطل، فيجب القيام مع صاحب الحق عملاً بقوله {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ، أما إذا كانوا جميعاً على باطل فلنتوقف لأنها فتنة عملاً بقول الرسول صلى الله علية و سلم (إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّار، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ).

س: كيف يجمع بين قوله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} وحديث (إِذَا تَوَاجَهَ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الفتن: باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما. حديث رقم (6556) بلفظ (عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟؟!! قَالَ إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ)

أخرجه مسلم في الفتن، والنسائي في تحريم الدم، وأبوداود في الفتن، وأحمد في أول مسند البصريين.

(2)

سورة الحجرات: آية (9)

ص: 617

الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّار، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ)؟

جـ: قال العلماء: إذا عرفنا أن أحدهما محق والآخر مبطل فلنقاتل مع المحق ضد المبطل عملاً بهذه الآية، وإذا لم يتضح المحق من المبطل فنتوقف عن القتال، أو كان الجميع مبطلين ويقاتلون لأجل السلطة من أجل الدنيا.

‌جواز تبييت الكفار

س: هل يجوز تبييت الكفار؟

جـ: نعم، لحديث الصعب ابن جثامة في الصحيحين وغيرهما أن النبي (مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ: هُمْ مِنْهُمْ)

(1)

وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة والنسائي من حيث سلمة بن الأكوع قال (بيتنا هوازن مع أبي بكر الصديق أمره علينا النبي) والبيات: هو الغارة في الليل، وقال الترمذي وقد رخص قوم في الغارة في الليل وكرهه بعضهم، قال أحمد وإسحاق لا بأس أن يبيت العدو ليلاً.

س: ما معنى تبييت الكفار؟

جـ: يعني مهاجمتهم في الليل وأخذ الأسارى منهم.

‌وجوب قضاء الدين إلا أن يُسامِحَ الشهيدَ صاحبُ الدين

س: هل إذا كان المجاهد عليه دين مهر زوجته فاستشهد هل عليه آثم؟ وكيف الحكم إذا قد سامحته من المهر؟

جـ: من كان عليه دين لا فرق بين أن يكون هذا الدين لزوجته أو لتاجر أو لأيِّ إنسان يجب عليه قضاؤه، والدين للزوجة مثله مثل أيِّ دين، والدين سواءً كان مهراً لها أم اقتراضاً منها أم أخذاً من ميراثها فكله دين يجب على الرجل الوفاء به لحديث (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ)

(2)

، أما من قد سامحه صاحب الدين بطيبة من نفسه فقد برأت ذمته سواءً كان المسامح رجلاً أو امرأة وسواءً كان المسامح زوجته أو غير زوجته.

س: غريق البحر هل يسمى شهيدا؟

جـ: نعم، غريق البحر يسمى شهيدا وقد ورد في حديث صحيح أن النبي صلى الله علية و سلم قال (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّه)

(3)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب أهل الدار بيتون فيصاب الولدان والذراري. حديث رقم (2672) بلفظ (عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رضي الله عنهم، قَالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ: هُمْ مِنْهُمْ).

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، والترمذي في السير، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في أول مسند المدنيين.

أطراف الحديث: المساقاة.

(2)

صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين. حديث رقم (4860) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ)

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

(3)

صحيح البخاري: كتاب الأذان: باب التهجير إلى صلاة الظهر. حديث رقم (615) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا).

أخرجه مسلم في الصلاة، الإمارة، البر والصلة والآداب، والترمذي في الصلاة، الجنائز عن رسول الله، والبر والصلة، والنسائي في المواقيت، الأذان، وأبو داود في الأدب، وابن ماجة في المساجد والجماعات، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في النداء للصلاة.

أطراف الحديث: الأذان، المظالم والغصب، الشهادات، الجهاد والسير، الطب.

معاني الألفاظ: فأخره: أبعده عن الطريق. المطعون: الذي يموت بمرض الطاعون. المبطون: من مات بمرض في البطن.

صاحب الهدم: من مات تحت الهدم. استهم: اقترع. التهجير: التبكير. العتمة: صلاة العشاء.

ص: 618

ضعف حديث "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"

س: ما صحة الحديث (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس)؟

جـ: هذا الحديث عند أهل الحديث ضعيف.

‌جواز الفرار إذا صار البقاء إلقاء للنفس في التهلكة

س: إذا انسحب الجيش ولم يبق إلا واحداً أو اثنين، فهل يجوز لهم الفرار؟

جـ: نعم، يجوز لهم الفرار إذا كانوا قليلين واحتمال قتلهم كبير فلا يصح أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة لقوله تعالى {وَلَا

تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(1)

.

‌وجوب الجهاد بالمال لمساعدة المجاهدين بالسلاح لأهل الباطل في بلدان المسلمين

س: ما هو الواجب على المسلمين لما يحصل في العراق، فلسطين، وأفغانستان، مع النصيحة للذين لا يقدرون على الجهاد بالنفس؟

جـ: الجهاد بالمال لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ

وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ

تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}

(2)

وقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}

(3)

.

(1)

- البقرة: آية (195)

(2)

- الصف: آية (10 - 131)

(3)

- الحجرات: آية (15)

ص: 619

الباب الثاني: الغنائم

• كيفية تقسيم الغنائم

• جواز قطع مرتب الجندي من قيمة سهمه من الغنائم

• ذوو القربى بنو هاشم وبنو عبد المطلب من بني عبد مناف

• ليس للنساء سهم في الغنائم وإنما يرضخ لهن

• تحريم وطء المرأة المأسورة قبل استبرائها بحيضة أو بوضع الحمل إن كانت حاملاً

• وجوب فعل ولي الأمر الأصلح للمسلمين في الأرض المفتوحة

ص: 620

‌الباب الثاني: الغنائم

‌كيفية تقسيم الغنائم

س: كيف تقسم الغنائم؟

جـ: ما غنمه الجيش لهم أربعة أخماسه، وخمسه يصرفه الإمام في مصارفه، الدليل قوله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(1)

.

‌جواز قطع مرتب الجندي من قيمة سهمه من الغنائم

س: هل توزع الغنائم على الجيش؟ علماً بأنهم يستلمون مرتبات من الدولة؟

جـ: يمكن أن نقول أن الغنائم إذا كانت أكثر من المعاش فيقطع المعاش من قيمة الغنيمة، وتعطى الزيادة للجندي.

‌ذوو القربى بنو هاشم وبنو عبد المطلب من بني عبد مناف

س: من هم أولو القربى؟

جـ: هم بنو المطلب وبنو هاشم ابنا عبد مناف لأن عبد مناف له أربعة أولاد هم:

هاشم: الذي من ذريته بني هاشم ومنهم النبي صلى الله عليه وسلم.

المطلب بن عبد مناف: ومنهم الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي.

نوفل بن عبد مناف: الذي من ذريته جبير بن مطعم.

عبد شمس بن عبد مناف: والذي من ذريته (بني أمية).

وأولو القربى بنو المطلب وبنو هاشم من بني عبد مناف، أما بنو عبد شمس وبنو نوفل فهم لا يحسبون من ذوي القربى، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت الآية التي في سورة الأنفال التي نزلت عقب واقعة بدر أخرج النبي صلى الله عليه وسلم سهم لبني هاشم ولبني المطلب ابني عبد مناف، ولم يعط منه بني نوفل ولا بني أمية ابنا عبد شمس بن عبد مناف.

س: ما هي حجة من يدعي اليوم أنه (من أهل البيت) وهل سهمهم يصرف فيمن يطلق عليهم لفظ السادة؟

جـ: هم ليسوا موجودين في صنعاء فقط وإنما في جميع المناطق اليمنية (حضرموت، صنعاء، .. إلخ) في جاوة في سنغافورة، في الصين، في اندونيسيا، في الديار المصرية، وهناك في الديار المصرية السادة البكرية أي من ذرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والسادة العلوية أي من ذرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هؤلاء نحترمهم لاحترام النبي صلى الله عليه وسلم ونحبهم لأنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بشرط أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بد من هذا، أي أنهم مسلمون، أما إذا كانوا عصاة، فالعاصي ليس له احترام ولا حب ولا ينفعه نسبه إلى أحد، قال تعالى في

(1)

-الأنفال: (41)

ص: 621

قصة ابن نبي الله نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ

ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ

عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}

(1)

مع أنه ابنه من صلبه و لم ينفعه أبوه وهو نبي، وهذا الذي يطلق عليه لفظ (السيد) ليس من أهل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان عاصياً فاسقاً فاجراً مخالفا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم

إلخ، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يتبرأ منهم قال (زين العابدين علي بن الحسين) المعصية شديدة وهي من بيت النبوة أشد لأنه ورد في القرآن {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}

(2)

يعني إذا عصت والعياذ بالله زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فالمعصية ستكون منها أشد.

‌ليس للنساء سهم في الغنائم وإنما يرضخ لهن

س: ما هو سهم المرأة التي خرجت في الحرب؟

جـ: ليس للنساء سهم في الحرب وإنما يرضخ للمرأة رضخاً أي تعطى بعض السهم، وقد كان الرسول صلى الله علية و سلم يقدر لهن تقديراً، كما في حديث (هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ)

(3)

.

‌تحريم وطء المرأة المأسورة قبل استبرائها بحيضة أو بوضع الحمل إن كانت حاملاً

س: هل يجوز أن يطأ الرجل المرأة المأسورة من الأعداء في الحرب؟

جـ: لا يجوز، إلا إذا خرجت في سهمه بعد توزيع الغنائم، ويشترط أن يستبرأها بحيضة واحدة، وإذا كانت حاملاً حتى تضع جنينها لحديث (عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ ّ!! كَيْفَ

(1)

- هود: (46).

(2)

- الأحزاب: (30 - 33).

(3)

صحيح مسلم: كتاب المغازي: باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب. حديث رقم (4661) بلفظ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسِ خِلَالٍ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ، كَتَبَ إِلَيْهِ نَجْدَةُ، أَمَّا بَعْدُ فَأَخْبِرْنِي، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؟ وَمَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ؟ وَعَنْ الْخُمْسِ، لِمَنْ هُوَ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ فَلَا تَقْتُلْ الصِّبْيَانَ، وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ فَلَعَمْرِي إِنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ ضَعِيفُ الْعَطَاءِ مِنْهَا فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ، وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ؟ وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ هُوَ لَنَا، فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا ذَاكَ).

أخرجه الترمذي في السير عن رسول الله، والنسائي في قسم الفيء، وأبو داود في الجهاد، الخراج والإمارة والفيء، الأيمان والنذور، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في السير.

أطراف الحديث: الجهاد والسير.

معاني الألفاظ: خلة: خصلة وصفة.

سهم: النصيب من الغنيمة. الخمس: خمس الغنائم المفروض لله ورسوله.

يحذين: يعطين الحذوة وهي العطية

ص: 622

يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟!!)

(1)

.

‌وجوب فعل ولي الأمر الأصلح للمسلمين في الأرض المفتوحة

س: ما حكم الأرض المفتوحة؟

جـ: الأرض المفتوحة أمرها إلى الإمام فيفعل فيها الأصلح كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأرض خيبر، حيث أخذ أموالهم كلها وهم في الحصن، وقال هي للمسلمين الذين فتحوا خيبر، و بعد أن قسمها الرسول صلى الله علية و سلم قال اليهود ومن سيعمل فيها، فقال الرسول صلى الله علية و سلم: أنتم أجراء للمسلمين كما في حديث (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا وَكَانَتْ الْأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَلِلْمُسْلِمِينَ وَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، فَسَأَلَتْ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُقِرَّهُمْ بِهَا أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ)

(2)

، وفي عهد (عمر بن الخطاب) فتح المسلمون بلاد الشام ثم فتحوا بلاد مصر ثم ليبيا هذا في الغرب، أما في الشرق، فإنهم فتحوا بلاد العراق وبلاد الفرس (إيران) فلم يفعل (عمر) مثل فعل الرسول صلى الله علية و سلم حين قسم خيبر على من فتحها لأنه لو فعل كان سيكون من المسلمين من يتملَّك مقاطعات ويكونون أغنياء جداً، وأمهات المؤمنين والصحابة الذين في المدينة سيكونون فقراءاً أجراءاً عند هؤلاء المسلمين الأغنياء، فقال: اسألوا كم كان يأخذ الرومان من أهل الشام؟ قالوا: كانوا يأخذون ضريبة على الأرض الفلانية كذا وكذا، على اللبنة كذا، قال: افرضوا عليهم خراجا بهذا القدر وأنزل منه قليلاً.

قال: كم كانت دولة الفرس تأخذ من العراقين ضريبة؟

قالوا: كذا وكذا، ففعل معهم كما فعل مع أهل الشام.

فجعل الأرض خراجية ويعطى خراجها كل من ملكها سواء كان مسلماً أو كافراً، والأرض الخراجية هي التي فتحها المسلمون وفرضوا على أهلها خراجاً.

والأرض الزكوية: هي التي دخلها الإسلام طوعاً مثل اليمن فلا يجوز أن يأخذ أحد منها سوى الزكاة، ولا يجوز

(1)

صحيح مسلم: كتاب النكاح: باب في وطء المسبية. حديث رقم (2611) بلفظ (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ ّ!! كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟!!).

أخرجه أبو داود في النكاح، وأحمد في مسند الأنصار.

معاني الألفاظ: مجح: هي الحامل التي قربت ولادتها. فسطاط: خيمة كبيرة. يلم: يطؤها.

(2)

صحيح البخاري: كتاب المزارعة: باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلاً. حديث رقم (2213) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا وَكَانَتْ الْأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَلِلْمُسْلِمِينَ وَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، فَسَأَلَتْ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُقِرَّهُمْ بِهَا أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ).

أخرجه الترمذي في الأحكام عن رسول الله، والنسائي في الأيمان والنذور، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، مسند المكيين، مسند الشاميين، ومالك في كراء الأرض.

أطراف الحديث: الإجارة، المزارعة، الشركة، الشروط، فروض الخمس، المغازي.

معاني الألفاظ: الكراء: التأجير.

ص: 623

لأيِّ والٍ أن يأخذ على أرض اليمن خراجاً لأنها لم تفتح عنوة، بل أسلم أهلها طواعية، وقال (عمر) مبينا وجه المصلحة في اجتهاده (أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا)

(1)

.

(1)

صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة خيبر. حديث رقم (4235) بلفظ (أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا).

أخرجه أبو داود في الخراج والإمارة والفيء، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث: المزارعة، فرض الخمس، المغازي.

معاني الألفاظ: ببانأً: معدمين لا يملكون شيئاً.

ص: 624

الباب الثالث: أحكام الأسير والجاسوس والهدنة

• جواز قتل الجاسوس إذا ثبت عليه التجسس على المسلمين للكافرين

• نزول حكم الجزية في السنة التاسعة للهجرة النبوية

• تحريم الغدر بالكافر بعد تأمينه

• تحريم أخذ أموال الأسير إذا أسلم قبل قسمة الغنائم

• تحريم نقض العهد مع الكافرين إلا إذا قد غدروا في عهدهم

• جواز قتل وأسر الكافرين الحربيين وتحريم التمثيل بهم

• يعتبر السائحون من الدول غير الإسلامية مستأمنين

• تحريم المعاهدة مع اليهود المغتصبين فلسطين

• وجوب مناصرة المجاهدين في فلسطين وفي غيرها من بلاد المسلمين

• جواز استرقاق الأسير من دار الحرب

• العبد

• مشروعية تحرير العبد الكافر إذا أسلم

• جواز تأمين المسلم الكافر

• جواز مهادنة الكفار إلى مدة أقل من عشر سنوات

ص: 625

‌الباب الثالث: أحكام الأسير والجاسوس والهدنة

‌جواز قتل الجاسوس إذا ثبت عليه التجسس على المسلمين للكافرين

س: ما حكم تأمين الجاسوس؟

جـ: الجاسوس إن صح أنه جاسوس فإن حكمه راجع إلى رأى رئيس الدولة أو أمير الجيش فإن رأى أن يعمل بالأمان عملنا به، وإن رأى أن المصلحة في قتله قتلناه، كما في حديث (عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَيْنٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ، فَقَتَلَهُ فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ)

(1)

وحديث (بَعَثني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبا مَرْثَدٍ الغَنَويَّ والزبيرَ وكلُّنا فارسٌ، قال: انطلِقوا حتى تأتوا رَوضةَ خاخ فإن بها امرأةً منَ المشركين معها كتابٌ من حاطِبِ بن أبي بِلْتعةَ إلى المشركين، فأدركناها تَسيرُ على بَعير لها حيثُ قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقلنا: الكتاب، فقالت: ما معنا كتاب، فأنخناها، فالتمسْنا فلم نَرَ كتاباً، فقلنا: ما كذبَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لتخرجِنَّ الكتابَ أو لنجرّدنَّكِ، فلما رأتِ الجدَّ أهْوَت إلى حُجْزَتها وهي محتجِزةٌ بكِساء. فأخرجَتهْ، فانطلَقنا بها إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسولَ اللَّهِ، قد خانَ اللَّه ورسولَه والمؤمنين، فدَعني فلأضرِب عنقَه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما حَمَلَك على ما صنعتَ؟ قال حاطب: والَّلهِ ما بي أن لا أكونَ مؤمناً باللَّه ورسولهِ صلى الله عليه وسلم، أردتُ أن يكونَ لي عندَ القوم يدٌ يَدفَعُ اللَّهُ بها عن أهلي ومالي، وليس أحدٌ من أصحابِكَ إلاَّ لهُ هناكَ من عَشيرتِه مَنْ يَدفَعُ اللَّهُ بهِ عن أهلهِ وماله، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: صَدقَ، ولا تَقولوا لهُ إلا خيراً، فقال عمرُ: إنهُ قد خانَ اللَّهَ ورسولَه والمؤمنين، فدَعني فلأضرِبْ عُنُقَه، فقال: أليسَ من أهل بَدر؟ فقال: لعلَّ اللَّهَ اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شِئتم فقد وَجَبَتْ لكُم الجنة، أو فقد غَفَرتُ لكم)

(2)

والرسول حكمه حكم المؤمَّن فلا يجوز قتله.

س: ما حكم الجاسوس المؤمن هل يجوز قتله؟

جـ: إذا صح أنه جاسوس يكون أمره موكَّلاً لإمام المسلمين يفعل الأصلح في شأنه، فيجوز قتله ويجوز تركه، فإن كانت المصلحة تقتضي قتله فيقتل، وإن كانت المصلحة تقتضي حبسه فيحبس، وإن كانت تقتضي تركه

(1)

صحيح البخاري: كتاب الجهاد: باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان. حديث رقم (3051) بلفظ (عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَيْنٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ، فَقَتَلَهُ فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ).

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، وأبو داود في الجهاد، وأحمد في أول مسند المدنيين أجمعين، والدارمي في السير.

معاني الألفاظ: الإنفتال: الانتهاء و الانصراف.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب فضل من شهد بدرا. حديث رقم (3895) بلفظ (عن عليٍّ رضي الله عنه قال: بَعَثني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبا مَرْثَدٍ الغَنَويَّ والزبيرَ وكلُّنا فارسٌ، قال: انطلِقوا حتى تأتوا رَوضةَ خاخ فإن بها امرأةً منَ المشركين معها كتابٌ من حاطِبِ بن أبي بِلْتعةَ إلى المشركين، فأدركناها تَسيرُ على بَعير لها حيثُ قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقلنا: الكتاب، فقالت: ما معنا كتاب، فأنخناها، فالتمسْنا فلم نَرَ كتاباً، فقلنا: ما كذبَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لتخرجِنَّ الكتابَ أو لنجرّدنَّكِ، فلما رأتِ الجدَّ أهْوَت إلى حُجْزَتها وهي محتجِزةٌ بكِساء. فأخرجَتهْ، فانطلَقنا بها إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسولَ اللَّهِ، قد خانَ اللَّه ورسولَه والمؤمنين، فدَعني فلأضرِب عنقَه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما حَمَلَك على ما صنعتَ؟ قال حاطب: والَّلهِ ما بي أن لا أكونَ مؤمناً باللَّه ورسولهِ صلى الله عليه وسلم، أردتُ أن يكونَ لي عندَ القوم يدٌ يَدفَعُ اللَّهُ بها عن أهلي ومالي، وليس أحدٌ من أصحابِكَ إلاَّ لهُ هناكَ من عَشيرتِه مَنْ يَدفَعُ اللَّهُ بهِ عن أهلهِ وماله، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: صَدقَ، ولا تَقولوا لهُ إلا خيراً، فقال عمرُ: إنهُ قد خانَ اللَّهَ ورسولَه والمؤمنين، فدَعني فلأضرِبْ عُنُقَه، فقال: أليسَ من أهل بَدر؟ فقال: لعلَّ اللَّهَ اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شِئتم فقد وَجَبَتْ لكُم الجنة، أو فقد غَفَرتُ لكم، فدمعَت عَينا عمر وقال: اللَّهُ ورسولهُ أعلم).

أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، والترمذي، وأبو داود في الجهاد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

ص: 626

فيترك مثل فعل النبي صلى الله علية و سلم بالشاعر (أبو عزة الجمحي) حينما عفى عنه النبي صلى الله علية و سلم في معركة بدر، لأن المصلحة كانت تقتضي تركه، وفي يوم أحد لقيه النبي صلى الله علية و سلم بعد انتهاء المعركة وقد ذهب جيش المشركين وبقي (أبو عزة الجمحي) يتجسس على المسلمين، فقال: يا محمد اعف عني ولا أحاربك أبداً، فقال له قد عفونا عنك في معركة بدر ولم تف بوعدك، ولن أتركك لتمسح عارضيك في مكة، وتقول خدعت محمداً مرتين (لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ)

(1)

وأمر بقتل (أبي عزة الجحمي) لأن المصلحة تقتضي قتله.

‌نزول حكم الجزية في السنة التاسعة للهجرة النبوية

س: متى نزل حكم الجزية؟

جـ: نزل حكم الجزية في السنة التاسعة من الهجرة، كما في قوله تعالى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

(2)

.

‌تحريم الغدر بالكافر بعد تأمينه

س: هل يجوز الغدر بالكافر بعد تأمينه؟

جـ: لا يجوز لحديث (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ) ولحديث (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ)

(3)

وحديث (وَلَا تَغْدِرُوا)

(4)

وحديث (يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

(5)

وحديث (مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ

(1)

صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. حديث رقم (6133) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ).

أخرجه مسلم في الزهد والرقائق، وأبو داود في الأدب، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الرقاق.

(2)

- التوبة: آية (29)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة النفاق. حديث رقم (23) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأبوداود في السنة، وأحمد في مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: خالصا: كامل النفاق.

(4)

صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير: باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته لهم. حديث رقم (2361) بلفظ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ: ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا).

أخرجه الترمذي في الديات عن رسول الله، السير عن رسول الله، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في السير.

معاني الألفاظ: السرية: مجموعة من الجيش لهما مهمة خاصة. الغلول: ما يؤخذ من الغنيمة قبل قسمتها ومن أيِّ مال عام عن طريق التكتم والتخفي، ويكون زائدا عما يستحقه الموظف بحسب القوانين واللوائح المنظمة للأجور والمرتبات في المؤسسة التي يعمل فيها الموظف. الغدر: نقض العهد. المثلة: تشويه الجسد قبل القتل أو بعده.

الفيء: ما يؤخذ من العدو من مال ومتاع بغير حرب. الجزية: ما يدفعه أهل الذمة للدولة الإسلامية.

الذمة: العهد.

أخفر: نقض العهد.

(5)

صحيح البخاري: كتاب الفتن: باب إذا قال الرجل عند قوم كلاما ثم خرج فقال بخلافه. حديث رقم (7111) بلفظ (عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ).

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، والترمذي في السير عن رسول الله، وأبو داود في الجهاد، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: الجزية، الأدب، الحيل.

ص: 627

عَهْدٌ فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا وَلَا يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ)

(1)

.

‌تحريم أخذ أموال الأسير إذا أسلم قبل قسمة الغنائم

س: إذا أسلم الأسير فهل يعصم ماله؟

جـ: نعم، تحجز أمواله ولا تقسم بين الغنائم لأنه أصبح مسلماً يحترم ماله ولا يجوز أخذه، أو إذا عرض أسير على المسلمين أن يقوم بتخذيل أعداء المسلمين مقابل إرجاع أمواله فيجوز إرجاع أمواله لمقابل قيامه بالتخذيل لصالح المسلمين بل يجب إرجاع أموالهم إذا شرطوا على المسلمين إرجاع أموالهم مقابل قيامهم بأعمال كبيرة لتقوية المسلمين واضعاف أعداء الإسلام عملاً بوجوب الوفاء بالشروط في حديث (الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ)

(2)

.

‌تحريم نقض العهد مع الكافرين إلا إذا قد غدروا في عهدهم

س: هل يجوز نقض العهد مع الكفار؟

جـ: لا يجوز نقض العهد في الإسلام لأن النبي صلى الله علية و سلم نهى عن الغدر في الإسلام في حديث (وَلَا تَغْدِرُوا) وحديث (يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وحديث (مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا وَلَا يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) إلا إذا قد نقضوا العهد مثلما عمل يهود بني قريضة حينما نقضوا العهد مع النبي صلى الله علية وسلم وتعاونوا مع قريش وغطفان على قتال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث (فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنْ الْغُبَارِ

(1)

- سنن الترمذي: كتاب السير: باب ما جاء في الغدر. حديث رقم (1580) بلفظ (أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَيْضِ قَال سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ أَهْلِ الرُّومِ عَهْدٌ وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ عَلَى فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، وَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا وَلَا يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ قَالَ فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه أبو داود في الجهاد، وأحمد في مسند الشاميين، أول مسند الكوفيين.

معاني الألفاظ: الإغارة: المباغتة في القتال. ينبذ: يعلن نقض العهد. على سواء: على علم بذلك.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الاحكام: باب ماذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح. حديث رقم (1352) بلفظ (حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) صححه الألباني في صحيح الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه ابن ماجة في الأحكام.

ص: 628

فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم فَأَيْنَ؟ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ)

(1)

.

‌جواز قتل وأسر الكافرين الحربيين وتحريم التمثيل بهم

س: ما هو الذي يحرم على المجاهدين؟ وما الذي يجوز لهم؟

جـ: يجوز للمجاهدين أن يقتلوا الكافرين ويجوز لهم أسر الكافرين، ويحرم عليهم التمثيل بالكافرين لأن المثلة حرام نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ)

(2)

وحديث (اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تُمَثِّلُوا)

(3)

‌يعتبر السائحون من الدول غير الإسلامية مستأمنين

س: هل يجوز قتل السائحين الأجانب الذين يأتون من البلدان الكافرة الأوربية والأمريكية؟

جـ: لا يجوز قتل السائحين الأجانب لأنهم مستأمنون يدخلون البلاد بإذن وآمان من الدولة، والتأشيرة على جواز السائح بالدخول هي بمثابة الأمان له والأذن بدخوله.

(1)

صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب مرجع النبي من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة. حديث رقم (3813) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ وَهُوَ حِبَّانُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنْ الْغُبَارِ فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم فَأَيْنَ؟ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ، قَالَ هِشَامٌ فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا رضي الله عنه.

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، والنسائي في المساجد، وأبو داود في الجنائز، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

أطراف الحديث: الصلاة، الجهاد والسير، المناقب، المغازي.

معاني الألفاظ: الأكحل: عرق في وسط الذراع.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الجهاد: باب في النهي عن المثلة. جديث رقم (2667) بلفظ (عَنْ الْهَيَّاجِ بْنِ عِمْرَانَ أَنَّ عِمْرَانَ أَبَقَ لَهُ غُلَامٌ فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَيَقْطَعَنَّ يَدَهُ، فَأَرْسَلَنِي لِأَسْأَلَ لَهُ، فَأَتَيْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ، فَأَتَيْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في أول مسند البصريين، والدارمي في الزكاة.

معاني الألفاظ: أبق العبد: إذا هرب فهو آبق.

المثلة: تشويه الجسد قبل القتل أو بعده.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الجهاد: باب في دعاء المشركين. حديث رقم (2613) بللفظ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، والترمذي في السير، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في السير.

معاني الألفاظ: الغلول: ما يؤحذ من الغنيمة قبل قسمتها، ومن أيِّ مال عام بطريقة الخيانة. المثلة: تشويه الجسد قبل القتل أو بعده.

ص: 629

‌تحريم المعاهدة مع اليهود المغتصبين فلسطين

س: ما رأيكم في معاهدة الفلسطينيين والعرب مع اليهود؟ محتجين بمعاهدة النبي صلى الله علية و سلم مع اليهود؟

جـ: معاهدة النبي صلى الله علية وسلم مؤقتة حتى يتقوى المسلمون واليهود في ذلك الحين لم يغتصبوا على المسلمين شيئاً ولم يعتدوا على المسلمين، أما اليهود اليوم فهم قد اغتصبوا الأراضي واخرجوا منها أهلها ونهبوا الخيرات وقتلوا الأطفال والنساء والرجال وعاثوا في الأرض فساداً، ومثلهم مثل من يعتدي على شخص فيحتل بيته ويقتل أطفاله ويخرج من البيت نساءه ويغتصب البيت وحوشه ومرافقه، ويقول نتفاوض على أن يكون لي ثلاثة أرباع ساحة البيت ومرافقه ولمالكه ربع الساحة، أما أصل البيت فقد صار ملكي.

‌وجوب مناصرة المجاهدين في فلسطين وفي غيرها من بلاد المسلمين

س: ما حكم مناصرة المسلمين المجاهدين في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين بالمال والدعاء؟

جـ: أنا أرى أن من كان يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله ويصلي الصلوات الخمس ويزكي ماله ويصوم رمضان ويحج الى بيت الله إن كان مستطيعا اليه سبيلا فيجب علينا (مناصرته بالمال والدعاء).

‌جواز استرقاق الأسير من دار الحرب

س: ما هي الأحكام المتعلقة بالأسير والجاسوس والهدنة؟

جـ: تسمى هذه الأحكام مسائل الأحوال الدولية أو الأحوال السياسية إضافة إلى مسألة المعاهدات الدولية بعكس الأحوال الشخصية كالزاوج والحضانة والوصايا

إلخ، أما مسائل البيع والشراء والإجارة والرهن والهبة فهي تسمى مسائل الأحوال المدنية، ومسائل الحدود والبغاة والجناة تسمى مسائل الأحوال الجنائية، أما حكم الأسير فيجوز استرقاق الأسير بإجماع العلماء، ولكن اختلفوا هل يسترق العرب فذهب الهادوية الزيدية إلى عدم جواز استرقاق العرب، وإنما يعرض عليهم الإسلام أو القتل، يقول الغربيون أن المسلمين يسترقون الإنسان وهذا يعد خرقاً لحقوق الإنسان، والجواب عنه أن الاسترقاق موجود من أيام الأمم الماضية كاليونان والرومان وكل أمم العالم القديم، فلو جاء الإسلام وألغى الرقية، وتحارب المسلمون مع إحدى هذه الأمم وأخذوا أسرى من المسلمين فإنهم سيسترقونهم بينما لا يحق للمسلمين استرقاق الأسرى، وهذا يفت من عضد المسلمين ولكن الرسول صلى الله علية وسلم حاول القضاء المنظم على الرق فجعل له وسائلاً، منها:

1 -

كفارة للظهار.

2 - كفارة للقتل.

3 - كفارة لمن يطأ امرأته في نهار رمضان.

4 -

أمر الإنسان بإحسان معاملة الرقيق ولين الكلام معهم وعدم تكليفهم بما لا يطيقون كما في حديث أنس قال خدمت رسول الله عشر سنين (فوالله ما قال لشيء عملته لم عملته ولا لشيء لم أعمله لِم لم تعمله).

5 -

نهى الإسلام عن قسوة المعاملة مع الرقيق كما في حديث (مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ)

(1)

و من مثل بعبده فإنه يجب أن يعتقه حالاً، إلا إذا ضرباً خفيفاً يقصد التأديب.

(1)

صحيح مسلم: كتاب الأيمان: باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده. حديث رقم (3130) بلفظ (عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَقَدْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا، قَالَ: فَأَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ عُودًا أَوْ شَيْئًا فَقَالَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ مَا يَسْوَى هَذَا إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ).

أخرجه أبو داود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: الأيمان.

ص: 630

كما شرع الإسلام تبادل أسرى الحرب، أضف إلى أنه لو قام الإسلام بتحريم الرق لحصل هناك كارثة اجتماعية فإن هؤلاء لا يملكون قوت يومهم، وبالتالي سيلجأون إلى الجرائم والسرقة والتسول وبيع الأعراض كما حدث في أمريكا عندما أعلن الرئيس الأمريكي (إبراهام لنكلن) فالإسلام من حكمته جعل القضاء على الرق تدريجياً حتى يتجنب حدوث مثل هذه الكوارث الاجتماعية.

العبد

و (العبد): هو الذكر أو الأنثى المأسورة من دار الحرب في أيام الحرب سواء أكان أبيض أو أسود أو من نسل هؤلاء، فإذا ما انتصر المسلمون على اليهود فلا مانع من توزيعهم في الغنائم واسترقاقهم

‌مشروعية تحرير العبد الكافر إذا أسلم

س: ما حكم العبد الكافر إذا أسلم؟

جـ: إذا أسلم عبد كافر صار حراً بمجرد دخوله في الإسلام كما فعل النبي صلى الله علية و سلم في غزوة الطائف وكما فعل أبو بكرة (نفيع بن الحارث) الذي هو (أبو بكرة) راوي بعض الأحاديث فبعد أن سمع منادي النبي صلى الله علية و سلم نزل في بكرة، والبكرة هي العجلة وربط في طرفها خشبة ونزل حتى وصل إلى الأرض فسمي (أبو بكرة) أي أبو عجلة. مثل (أبي هريرة) سمي بذلك لأنه كان له هرة صغيرة تسمى هريرة فكني بذلك وكان يحب تلك الكنية حتى أن الرسول صلى الله علية و سلم كناه بذلك، والأصل أن اسمه (عبد الرحمن) لكن كنيته غلبت على اسمه، وحديث غزوة الطائف هوبلفظ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وَإِمَّا السَّبْيَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ، فَقَالَ النَّاسُ طَيَّبْنَا لَكَ ذَلِكَ، قَالَ: إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ، فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا، فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ، وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا)

(1)

.

(1)

صحيح البخاري: كتاب العتق: باب من ملك من العرب رقيقاً فوهب وجامع وفدي وسبى الذرية. حديث رقم (2540) بلفظ (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ذَكَرَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وَإِمَّا السَّبْيَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ، فَقَالَ النَّاسُ طَيَّبْنَا لَكَ ذَلِكَ، قَالَ: إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ، فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا، فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ، وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا).

أخرجه أبو داود في الجهاد، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: الوكالة، الهبة وفضلها والتحريض عليها، فرض الخمس، المغازي، الأحكام.

معاني الألفاظ: عرفاؤكم: جمع عريف، وهو القائم بأمور الناس ومصالحهم.

ص: 631

‌جواز تأمين المسلم الكافر

س: ما حكم من أمنَّه المسلمون من الكفار؟

جـ: من أمنه المسلمون أو أحدهم صار آمناً لأن النبي صلى الله علية و سلم قال: (ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ)

(1)

حتى المرأة إذا أمنته فإنه يؤمن مثل ما أمنت زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم زوجها أبو العاص بن الربيع وقد خرجت وقالت أيها الناس لقد أمنت العاص بن الربيع وهو عندي فأمنوه قال النبي صلى الله علية وسلم سمعتم ما قالت زينب؟ قالوا: نعم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لم أكن أعلم أنه عندها ثم قال لها لا مانع من أن تؤمنيه ولكن على شرط ألا يقربك لأن الكفر قد منعه هي مسلمة وهو كافر فلما أسلم اتصل بها.

‌جواز مهادنة الكفار إلى مدة أقل من عشر سنوات

س: هل تجوز مهادنة الكفار؟

جـ: نعم، ولكن بشرط إلى أجل أكثره عشر سنين كما عاهد الرسول صلى الله عليه وسلم كفار قريش في السنة السادسة ولكن ليس مثل المعاهدة التي بين (محمد أنور السادات) وإسرائيل فهي أبدية وأيضاً اليهود غاصبون لأرض فلسطين التي هي ملك الفلسطينين.

(1)

- سنن الترمذي: كتاب السير: باب ماجاء في أمان العبد والمرأة. حديث رقم (1505) بلفظ (عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا قَالَتْ أَجَرْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ، قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَجَازُوا أَمَانَ الْمَرْأَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَقُ أَجَازَ أَمَانَ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَأَبُو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَيْضًا وَاسْمُهُ يَزِيدُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَجَازَ أَمَانَ الْعَبْدِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ قَالَ أَبُو عِيسَى وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ أَعْطَى الْأَمَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى كُلِّهِمْ)

أخرجه البخاري في الصلاة، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، وأبوداود في الجهاد، ومالك في النداء للصلاة، والدارمي في الصلاة.

معاني الألفاظ: الإجارة: عهد بالمنع والحماية.

ص: 632

الباب الرابع: أحكام البغاة

• البغاة هم الخارجون على جماعة المسلمين وإمامهم

• وجوب قتال البغاة حتى يرجعوا إلى الحق

ص: 633

‌الباب الرابع: أحكام البغاة

‌البغاة هم الخارجون على جماعة المسلمين وإمامهم

س: من هم البغاة؟

جـ: هم الخارجون على جماعة المسلمين وإمامهم.

‌وجوب قتال البغاة حتى يرجعوا إلى الحق

س: ما هي أحكام البغاة؟

جـ: يجب قتال البغاة حتى يرجعوا إلى الحق فلا يقتل أسيرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يتبع مدبرهم، ولا تؤخذ أموالهم إلا الأموال التي في ميدان المعركة، كما روى عن الإمام علي بن أبي طالب، ودليل قتال البغاة حتى يرجعوا إلى الحق قول الله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}

(1)

، وقال الشوكاني بأنه لا يجوز أخذ أموالهم أبداً لعدم ورود الدليل بذلك، وقد سُئلت عن الانفصاليين في حرب (1994 م) عن الجمهورية اليمنية فأجبت بأنه لا يجوز نهب أموال المواطنين في مدينة عدن أبداً، أما أموال المسئولين فهي أموال الدولة ولا يجوز أخذها إلا بأذن رئيس الدولة لأن هؤلاء المسئولين قد انفصلوا عن الأمة وفارقوا الجماعة وبغوا على الأمة، فيجب قتال الطائفة الباغية حتى ترجع إلى الحق ولا يقتل أسيرهم وقد أخرج أحمد عن طريق الزهري قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافدون فأجمعوا أن لا يباد أحد ولا يؤخذ على تأويل القرآن، وأخرج البيهقي عن علي أنه قال يوم الجمل:(إن ظهرتم على القوم فلا تطلبوا مدبراً ولا تجهزوا على جريح وانظروا إلى ما حملوا في الحرب من آلة فاقبضوه، والباقي لورثتهم) قال البيهقي هذا منقطع، والصائب أنه لم يأخذ منهم شيئاً، وقد أخرج البيهقي بلفظ هاجت الفتنة الأولى فأدركت في هذه الفتنة رجالاً ذوي عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن شهدوا بدراً، وبلغنا أنهم يرون أن أمر الفتنة لا يقام فيه على رجل قاتل في تأويل القرآن قصاصاً من قتل، ولا حد في سبي المرأة إذا سبيت، ولا يرى عليها حد ولا يرى بينها وبين زوجها ملاعنة ولا يقذفها أحد إلا أقيم عليه الحد، ويرى أن ترجع إلى زوجها الأول بعد أن تنهي عدتها من زوجها الآخر، ويرى أن يرثها زوجها الأول، انتهى.

(1)

- الحجرات: (9).

ص: 634

‌كتاب الفتاوى العامة

الباب الأول: الأحكام العملية.

الباب الثاني: الآداب.

الباب الثالث: القصص التاريخية.

الباب الرابع: بحوث فقهية.

ص: 635

الباب الأول: الأحكام العملية

• آراء العلماء في جواز الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم

• تحريم أعياد الأم والميلاد ونحوها إذا كانت بنية التشبه بالكافرين

• تحريم الاحتفال بعيد الأم لأنه تشبه بالكفار

• بدء ظهور المذاهب الإسلامية

• من كان الدليل معه لا ينتقد في أيِّ مذهب

• وجوب تقديم الحديث الصحيح على الإجماع في الاستدلال على الأحكام الشرعية

• النصوص الدالة على طلب العلم وفضله محصورة على طلب العلم الشرعي

• المراد بالعلم الوارد في القرآن والسنة هو العلم الديني

• كراهة طلب العلم من أجل الوظيفة

• مشروعية التماس رضا الوالدين في التفرغ لطلب العلم الشرعي

• وجوب الإخلاص في طلب العلم والإكثار من مطالعة كتب التفسير والحديث والفقه

• مشروعية مطالبة من أنكر الأحاديث الصحيحة بدليل على عدم صحتها

• وجوب الإفتاء بما يطابق الدليل الشرعي أو يوافقه

• جواز الاجتهاد في مسألة ما المبني على دليل صحيح صريح فيما ذهب إليه ولا إثم عليه

• وجوب عمل المجتهد بالأرجح لديه وغيره يقلد من يثق بعلمه

• احتياج المفتي للإكثار من قراءة كتب الأحاديث والفقه وأصول الفقه

• وجوب طلب العلم الشرعي بقدر الإمكان وبحسب المستطاع

• إجماع الأمة على حكم شرعي غير قول جمهور العلماء

• أمة الدعوة هم جميع بني آدم وأمة الإجابة هم المسلمون

• وجوب الإخلاص في القول أو الفعل لا سيما من كان طالب علم أو داعيا إلى الله عز وجل

• وجوب ابتغاء وجه الله في طلب العلم

• تحريم سبِّ العلماء والدعاة والانتقاص منهم

• التقية: هي أن يوافق على رأي غيره في الظاهر ويخالفه في الباطن

• وجوب الوفاء بالعهد

• العهود تحتاج الى وفاء

• تكريم المرأة في الإسلام

• حكم الغِنَّاء

ص: 636

• تحريم مشاهدة الأفلام المائعة وجواز مشاهدة الأفلام النافعة

• تحريم مشاهدة ما يثير الغرائز الجنسية من الأفلام الخليعة

• وجوب منع وتعزير من يبث الأفلام الخليعة في الفنادق وغيرها

• كراهة تمثيل الأنبياء وكراهة مشاهدة تمثيل الأنبياء

• جواز سماع الأشياء المباحة والبرامج الدينية في التلفزيون أو الراديو

• تحريم اليانصيب والسهرات المشبوهة ومحلات الفساد

• كراهة حضور المراقص الليلية

• استحباب افتتاح اللقاءات والمهرجانات والمؤتمرات بالقرآن الكريم

• تحريم التطبيع مع اليهود

• فتوى علماء اليمن في حكم التطبيع مع اليهود وإعادة توطينهم في اليمن وكان من ضمن الموقعين عليها فضيلة القاضي (محمد بن إسماعيل العمراني)

• تحريم منع الآباء أبناءهم من حفظ وفهم معاني السور الفرآنية

• السنة مبيَّنة لما أجمله القرآن الكريم

• حجية من لا يقول بالقياس

• بعض مسائل الفقه عليها أدلة من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس

• عدم جواز التأمين على الحياة

• تحريم خروج المرأة من بيتها متعطرة

• أحاديث الأقطاب والأبدال ليست صحيحة

• تحريم الإفتاء بغير علم بأدلة الكتاب والسنة

• تحريم التصدق من المال الحرام

• لفظ (الحر) في الحديث معناه الفرج

• مشروعية تأسيس الجمعيات الخيرية لتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية

• جواز قبول التبرعات للأعمال الخيرية ولا عبرة بالشك في مال المتبرع

• جواز استثمار أموال جمعية خيرية لصالح الجمعية في أعمال مضمونة النجاح

• جواز قتل الكلاب الضارة

• كراهة قتل الكلاب إذا لم تكن ضارة

• جواز إحراق النمل بالنار إذا كان مضراً وتحريم إحراق الجراد بالنار

• تحريم قتل النمل من دون ضرورة لقتلها

• جواز قتل الحشرات المنزلية الضارة

• جواز تربية الحمام في المنزل

ص: 637

• جواز تربية الطيور للزينة في البيوت أو الحدائق العامة

• وجوب مساواة الإسلام بين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية إلا ما خصهن دليل خاص

• جواز ركوب المرأة سيارة الأجرة بمفردها داخل المدينة عند الضرورة

• استحباب التبرع بالدم لإنقاذ المرضى

• استحباب الاجتماع في ليالي رمضان لتلاوة ما تيسر من القرآن الكريم

• تحريم اختلاء الموظف بالموظفة في مكان واحد وجواز الكلام حول مهام العمل

• تحريم خلوة المرأة بابن خالتها أو أيِّ رجل من أقاربها أو أقارب زوجها

• تحريم مصافحة المرأة الأجنبية

• تحريم النظر إلى النساء المتبرجات ولو بدون شهوة

• تحريم تبرج المرأة في الطرقات والشوارع العامة

• تحريم النظر الى المرأة الأجنبية

• جواز نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي للضرورة وبدون شهوة

• جواز كلام المرأة للرجل الأجنبي بصوت خشن وبقدر الحاجة

• تحريم ضياع وقت الإنسان في غير مفيد لا دنيا ولا دين

• تحريم حبس أيِّ حيوان بلا طعام ولا ماء حتى يموت

• الدين الإسلامي ليس مقصوراً على الصلوات وإنما هو شامل لكل جوانب الحياة

• تحريم حلق اللحية

• تحريم القمار والإسراف

• جواز إفتاء المرأة إذا كانت عالمة في الفقه

• أفضل الأحزاب من كانت مواد قانونه نصوص كتاب الله تعالى والسنة النبوية

• استحباب قضاء وقت فراغ الشباب في تلاوة القرآن الكريم

• تحريم محاربة مدارس ومدرسي تحفيظ القرآن الكريم

• جواز التسبيح بالمسبحة

• جواز التسبيح بالمسبحة

• جواز سماع صوت المرأة إذا لم يكن فيه رقه ولا كلام عاطفي

• تحريم اتخاذ تماثيل للزينة إلا إذا قطع منها عضو لا يمكن أن يعيش الحيوان بدونه

• كراهة اقتناء بعض التماثيل الطبيعية أو الحيوانية في المنزل بقصد الزينة

• تحريم مصافحة الرجل الأجنبي للأجنبية

• أخو الزوج ليس بمحرم للزوجة

ص: 638

• وجوب إخلاص التوبة من المعاصي والاستعانة بالله على ذلك والإكثار من الطاعات

• وجوب استمرار التائب في طاعة الله

• جواز الدعاء بالمغفرة لقاتل نفسه ولكل عاص لله تعالى

• باب الاجتهاد مفتوح على مصراعيه لمن كان أهلاً للاجتهاد

• حكم الشرع في الانتخابات

• جواز طلب الترشح أو الترشيح في الانتخابات العامة

• حكم الإسلام في التصوير

• تحريم تعليق الصور المجسمة في المنازل

• تحريم تصوير المرأة في كامل زينتها وتحميض صورها في الاستديو

• تحريم التفاخر بالأنساب ومشروعية التفاضل بالتقوى

• استحباب إحياء الأرض بالزراعة ولا سيما غرس الأشجار

• وجوب إلزام مسؤلي الدولة والموظفين والرعايا بأداء الصلاة حين سماع الأذان

• أولاد الكفار الذين يموتون قبل البلوغ ناجون من النار

• تحريم توجيه السلاح إلى مسلم بسبب اختلاف على أموال

• جواز ما يسمى بـ (البرع) الرقصة الشعبية في اليمن

• جواز الرقص الشعبي اليمني (البرع) وتحريمه مع المزمار

• جواز إهداء المصحف المترجم بغير اللغة العربية لمن يرجى إسلامه

• وجوب العمل بالعرف الجاري في المؤسسات الرسمية للدولة

• تحريم التوقيع عن الغير بصورة مستمرة في الجيش أو في غيره من المؤسسات

• تحريم تواطؤ الموظف العام مع رئيسه على التغيب عن العمل

• جواز أخذ الموظف مرتبا بدون عمل إذا أذن له المسؤول عليه

• وجوب رد من أخذ زيادة على مبلغ راتبه الشهري على جهة الخطأ

• تحريم أخذ الموظف مما أؤتمن عليه لأنه خيانة

• تحريم أخذ شيء من ممتلكات مشاريع المياه أو الكهرباء أو التلفونات أو غيرها

• تحريم أيِّ مبلغ مالي يأخذه شرطي المرور مقابل تغاضيه عن المخالفات المرورية

• تحريم أخذ أيِّ مبلغ متوفر بدون إذن من المسئول

• تحريم أخذ المسئول أيِّ مبلغ من اعتماد مؤسسته الحكومية

• تحريم زيادة العامل الشيء الموزون لمقابل أخذ زيادة في قيمته من المشتري

• تحريم استعمال الموظف ممتلكات الوظيفة العامة في المصلحة الشخصية

ص: 639

• تحريم أخذ الموظف العام الرشوة

• تحريم الرشوة في الشهادة العلمية وغيرها

• استحباب الاستمرار على العمل الصالح وكراهة التكاسل عنه

• جواز سبِّ الإنسان لمن ظلمه

• الاسلام دين ودولة

• جواز عمل وشراء اللوحات التي مكتوب فيها آيات قرآنية

• جواز قراءة أذكار المساء من بعد المغرب

• جواز الاجتماع على قراءة المأثورات بصورة جماعية

• جواز القول (قلدك الله)

• جواز كتابة لفظ (الى السيد/ فلان) في الرسائل بين المسلمين

• جواز تفسير الأحلام لمن له خبرة بتفسيرها

• تحريم العمل بقول (المسفلة) التي تدعي أنها تكلم أرواح الأموات

• جواز نقل عضو من حي أو ميت إلى حي للضرورة

• جواز السباحة للرجال في مسبح عام للمسلمين ولغير المسلمين

• تحريم كشف الفخذين أثناء الألعاب الرياضية

• تحريم ممارسة النساء للألعاب الرياضية مع الرجال أو أمام الرجال

• تحريم ارتياد أماكن يحدث فيها معاص لله سبحانه وتعالى

• عدم جواز قتل الذر

• جواز قتل كل حيوان ضار

• مقدار الجزية ديناراً من الذهب

• تحريم الاعتداء على الذمي المعاهد

• جواز العيش في دولة غير إسلامية لمن يلتزم بتعاليم الإسلام في أداء الواجبات

• وجوب منع الدولة الإسلامية المعاهد أو الذمي من نشر دين غير الد ين الإسلامي

• تحريم وضع المصاحف في أركان المنزل لمنع السحر والشياطين

• تحريم سبِّ الدين الإسلامي

• تحريم الاحتفال بعيد الميلاد إذا كان بقصد التشبه بالكفار

• كراهة تصفيق الرجال في الاحتفالات العامة لكونه تقليدا للكافرين

• وجوب احترام المصحف ووضعه في مكان مرتفع عن الأرض

• وجوب التزام المسلم المغترب في بلاد الكافرين بالإسلام

ص: 640

• تحريم التصرف في أموال أو ممتلكات جهة مخصوصة لغير صالح الجهة نفسها

• جواز قراءة سور معينة من القرآن الكريم كل يوم

• تحريم التشبه بالكافرات

• جواز كشف كفي المرأة للضرورة

• استحباب إعادة حفظ القرآن الكريم لمن كان قد نسيه

• تحريم مخالفة القول للفعل

• أخذ المال الحرام مانع لاستجابة الدعاء

• جواز الدعاء على الظالم

• تحريم الانتفاع بجلد الخنزير

• وجوب غض البصر وعدم الخلوة بأيِّ فتاة محرَّمة أثناء الدراسة

• تحريم اختلاط النساء بالرجال في الوظائف العامة

• تحريم كل عمل أو كل شيء فيه أكل أموال الناس بالباطل

• الدش حسنه حسن وقبيح قبيح

• جواز التصوير لبرنامج ديني يعرض في التلفزيون

• جواز لعبة الشطرنج

• وجوب توبة من حلف ألا يمضغ القات فعاد إلى مضغه

• تحريم سفر المرأة بالسيارة بدون محرم

• جواز تقصير شعر الحاجبين إذا كان مشوها للصورة

• تحريم قص شعر الحاجب أعظم من نتفه

• تحريم نتف الشعر الأبيض من الرأس و اللحية

• جواز إزالة شعر الحاجب المشوه للصورة

• جواز إزالة الشعر من وجه المرأة إذا كان مشوها صورتها

• جواز الدف في الأعراس

• وجوب التوبة النصوح لمن حلف ألا يعمل شيئاً ثم عاد فعمله

• تحريم المشاركة أو الاقتراض من رجل ماله كله أو بعضه من حرام

• جواز تغميض العينين عند النظر إلى المذيعات في القنوات الفضائية

• تحريم المكياج لأنه تغيير لخلق الله

• الأولى أن تكون نغمة التلفون كلمة حكمة

• تحريم الغش في الامتحانات وشراء الشهادات الدراسية

ص: 641

• تحريم الغش في الإمتحانات وفي التجارة وفي كل شيء

• تحريم الغش والسرقة في استهلاك الماء والكهرباء العامة

• تحريم تزوير أوراق لأخذ مبالغ مالية من المؤسسات الرسمية

• تحريم الكذب والغش والتزوير

• تحريم كشف عورة المرأة المسلمة أمام المرأة الكافرة في الحمامات العامة

• تحريم كشف عورة المرأة بين النساء وهي كعورة الرجل بين الرجال

• جواز العمل في البنك الإسلامي وتحريمه في البنك التجاري

• تحريم القمار في لعب كرة القدم

• التحذير من اقتناء كتب قراءتها مضرة بالدين والدنيا

• جواز نظر المرأة إلى العالم أثناء طلبها للعلم

• تحريم استخدام صور النساء في الإعلانات التجارية في الفضائيات

• تحريم قطع رخص للنساء لسياقة السيارات الأجرة

• جواز سياقة المرأة للسيارة الخاصة بها للضرورة

• جواز خروج المرأة في القرية أو المدينة لعملها الضروري بدون محرم

• وجوب الاحتياط والتحري في أموال الأيتام

• تحريم وضع أشياء فوق رف مكتوب فيه اسم الله عز وجل

• تحريم أخذ الموظف مبالغ مالية قيمة علاجات لم يشترها

• تحريم بيع الوظائف العامة في الدولة بالرشوة

• تحريم قراءة القرآن مع شرب المداعة أو السيجارة

• تحريم القات والدخان إذا أضر بصحة الإنسان أو بعقله أو نفقته

• تحريم ظهور المرأة من نافذة البيت ورفع صوتها ليسمعها الرجال الأجانب

• لا إثم على من خالف من قال له (بحجر الله أو بحجر رسوله)

• جواز حبس الطيور في المنزل

• جواز لعن اليهود والكافرين

• تحريم الاستهزاء بالمؤمنين

• استحباب الإكثار من تلاوة القرآن الكريم وكتب الحديث والسيرة لإصلاح القلوب

• وجوب مقاطعة منتجات الدول التي تتعمد الإساءة لرسول الله

• مشروعية ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كاملة عند الكتابة

• جواز قراءة الأذكار المأثورة جماعياً

ص: 642

• تحريم مشاهدة أيِّ شيء غير جائز شرعا لمن يشارك في شبكة الإنترنت

• تحريم النسخ إذا كان حقوق النسخ محفوظة

ص: 643

‌الباب الأول: الأحكام العملية

‌آراء العلماء في جواز الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم

-

س: ما قول علمائنا الأفاضل في إقامة الاحتفالات بمولد نبينا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه؟ وهل الاحتفال بهذه المناسبة سنة أم بدعة؟ وهل الغريق ومن مات بالصاعقة شهيدان؟

جـ: قد أجبت عنه مراراً وخلاصته: أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتفل بمولد نفسه أو أمر الصحابة بأن يحتفلوا به، أو رغب في ذلك أو أقر أحداً على ذلك، وهكذا لم يحتفل الصحابة بعد موته ولا من بعدهم من التابعين، وقد قال ابن خلكان وغيره من المؤرخين أن أول من احتفل بالمولد النبوي على هذه الصفة هو الملك المظفر (كوكبوري) صاحب أربل بالعراق، في أول القرن السابع، ويقال أيضا أن الدولة الفاطمية كانت تحتفل بالمولد النبوي قبل الملك المظفر بقرون وذلك في منتصف القرن الرابع من الهجرة النبوية على صاحبها أفضلا لصلاة والسلام، أما أول من أبتدع اجتماع الناس على قراءة المولد النبوي في أيِّ وقت فهو أحد ملوك الشراكسه بمصر كما قاله الأمام محمد رشيد رضا في مجلة المنار، ويقال أنه الملك المظفر صاحب أربل كما نص عليه شيخ الإسلام الشوكاني في بعض فتاواه بالمولد النبوي، وقد ذهب الحافظ ابن حجر العسقلاني إلى استحباب المولد النبوي مستنبطاً مما ورد في البخاري ومسلم (لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ)

(1)

فقد استنبط منه مشروعية تعظيم اليوم الذي فيه ولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان ذلك أن النبي قد عظم اليوم الذي أغرق الله فيه فرعون وأنجى فيه موسى عليه السلام، فبالأولى والأحرى تعظيم اليوم الذي أغرق الله فيه الكفر و الضلال بمولد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وأنجى الأمة الإسلامية من ضلال الإلحاد والشرك الموجب لدخول النار، هذا إيضاح ما قاله الحافظ بن حجر كما نقله عنه دحلان في السيرة النبوية والحلبي في إنسان العيون، فمسألة الاحتفال بالمولد النبوي في يوم المولد من جملة المسائل الخلافية التي اختلفت أنظار العلماء فيها باختلاف نظرياتهم، فالذين استحسنوه نظروا إلى هذا الاستنباط الذي ذكرته آنفاً المنقول عن الحافظ بن حجر رحمه الله وذهبوا إلى أنه من تعظيم شعائر الله وإحياء لذكرى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، والذين ذهبوا إلى أنه بدعة نظروا إلى أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله ولا من تقريره، كما لم يرو عن خير القرون أنهم عملوا ذلك.

والجواب عن السؤال الثاني أنه قد ورد في الغريق أنه شهيد، ولم يرد في من مات بالبرق والحريق أنه شهيد.

س: ما حكم الموالد والقيام عند الترحيب وطعن المجذوب؟

(1)

صحيح البخاري: كتاب المناقب: باب إتيان اليهود النبي حين قدم المدينة. حديث رقم (3649) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ).

أخرجه مسلم في الصيام، وأبو داود في الصوم، وابن ماجة، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في الصوم.

أطراف الحديث: الصوم، أحاديث الأنبياء، تفسير القرآن.

ص: 644

جـ: هذه بدع لا أصل لها وقد جاء في الحديث (وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)

(1)

.

‌تحريم أعياد الأم والميلاد ونحوها إذا كانت بنية التشبه بالكافرين

س: ما حكم الشرع في الاحتفال بعيد الأم والميلاد وهل هي بدعة حسنة أم سيئة؟

جـ: العبرة بالنية، فمن كان قد نوى التشبه بالنصارى فهو غير جائز لأن (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)

(2)

وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا)

(3)

ومن كان قد نوى أن الأطفال يتربون على طاعة والدتهم أو نوى أنه يحمد الله على أن رزقه طفلا واحتفل حمدا لله وشكرا له فلا مانع.

‌تحريم الاحتفال بعيد الأم لأنه تشبه بالكفار

س: ما حكم عيد الأم؟ وهل هو حرام أم مكروه؟

جـ: هو تشبه بالكفار، والاسلام يأمر بحب الأم وصلتها ونفقتها وطاعتها طوال العام لا في يوم واحد لقوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا

رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا}

(4)

ولحديث (مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ)

(5)

.

بدء ظهور المذاهب الإسلامية

س: متى بدأت تظهر المذاهب الإسلامية؟ وأيها أقرب إلى العمل بالسنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل

(1)

صحيح مسلم: كتاب الجمعة: باب تخفيف الصلاة والخطبة. حديث رقم (1435) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ).

أخرجه النسائي في صلاة العيدين، وأبو داود في الخراج والإمارة والفيء، وابن ماجة في المقدمة، الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب في لبس الشهرة. حديث رقم (3512) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(3)

- سنن الترمذي: كتاب الاستئذان والأدب: باب ماجاء في كراهية الإشارة باليد في السلام. حديث رقم (3619) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ)

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(4)

- الإسرراء: آية (23 - 25)

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب من أحق الناس بحسن الصحبة. حديث رقم (5514) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ)

أخرجه مسلم في البروالصلة والأدب، وابن ماجه في الفرائض، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

ص: 645

الصلاة والسلام؟ ثانياً: هل يؤجر من أسهموا في اختراع ما فيه منافع للناس من غير المسلمين مع العلم أنهم لم يقصدوا باختراعاتهم وجه الله بل يريدون بها الشهرة والمكاسب المادية أو الإنسانية؟

جـ: ظهرت المذاهب الفقهية في القرن الثاني من الهجرة النبوية في العصر العباسي، أما في عصر الخلفاء الراشدين وفي عصر بني أمية فلم تكن المذاهب قد ظهرت، ومن المعروف أن لكل إمام قواعد طبقها من جاء بعده من خدمة مذهبه، ولا أستطيع أن أفضل إمام مذهب على غيره فكلهم من رسول الله ملتمس رشفاً من البحر أو غرفاً من الديم، وأما من خدم الإنسانية باختراع ما ينفع الناس من النصارى فليس لهم أجر عند الله ما داموا كفاراً غير مؤمنين بالله تعالى وحده وبرسول الله صلى الله عليه وسلم وبسائر الأنبياء والمرسلين والملائكة المطهرين وبالكتب المنزلة على رسل الله وباليوم الآخر، كما أنهم لم يقصدوا باختراعاتهم وجه الله ونفع عباد الله وإنما مصالحاً دنيوية نتيجة لاختراعهم أيِّ مخترع من هذه المخترعات، وقد جاء في الحديث الصحيح (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)

(1)

.

س: هل يجوز تتبع العلماء في الرخص؟

جـ: لا يجوز.

س: كثرت العقائد (الأشعرية، الماتريدية، وغيرها) ماذا تنصحونا أن ندرس؟

ج: كتب الفقه وكتب السلف.

س: أنا طالب عالم أدرس الفقه عند أحد العلماء العاملين، فأحيانا يسألني بعض أصحابي عن أشياء بسيطة في الصوم والصلاة فاجيبهم بما تعلمت، فما رأيكم في هذا من ناحية الجواز والتحريم؟

جـ: أخبرهم ما قال صاحب الكتاب بالنص والصفحة.

‌من كان الدليل معه لا ينتقد في أيِّ مذهب

س: ما رأيكم في الانتقاد الموجه للمذهبين الزيدي والهادوي لمخالفتهما لأغلب المسائل في المذاهب الأربعة المشهورة؟

جـ: من كان الدليل معه لا ينتقد في أيِّ مذهب، ومن كان الدليل خلاف قوله ينتقد في كل مذهب.

‌وجوب تقديم الحديث الصحيح على الإجماع في الاستدلال على الأحكام الشرعية

س: أيُّهم يقدم إجماع العلماء جميعهم على مسألة أو حديث ظني صحيح والإجماع خلافه؟

جـ: إذا كان الحديث صحيحاً فيقدم لقوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ

(1)

صحيح البخاري: كتاب بدء الوحي: كيف كان بدء الوحي. حديث رقم 1 - بلفظ (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في فضائل الجهاد، والنسائي في الطهارة، والطلاق، والأيمان والنذور، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الزهد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث الإيمان، العتق، المناقب، النكاح، الأيمان والنذور، الحيل.

معاني الألفاظ: النية: القصد وعزم القلب على الفعل.

يصيب: ينال والمراد تحصيل أسباب العيش.

ص: 646

الْعِقَابِ}

(1)

، أما إذا كان فيه احتمالات أو ضعف أو نسخ فالإجماع أولى.

س: هل المذاهب الإسلامية منحصرة في المذاهب الأربعة؟

جـ: إعلم بأن المذاهب الإسلامية كثيرة وقد انقرض أكثرها ولم يبق منها غير القليل، وليست الباقية منحصرة في الأربعة المذاهب بل هي سبعة مذاهب كلها باقية إلى يومنا هذا، فمنها المذهب الحنبلي الذي يتمذهب به أهل نجد والمنسوب إلى الإمام (أحمد بن حنبل) رضي الله عنه وكان من تلاميذ الإمام الشافعي، ومنها المذهب الشافعي الذي يتمذهب به الكثير من المسلمين في عباداتهم وهو منسوب إلى الإمام (محمد بن إدريس الشافعي) وكان من تلاميذ الإمام (مالك بن أنس الأصبحي) رضي الله عنه ومن تلاميذ (محمد بن الحسن الشيباني) تلميذ الإمام (أبي حنيفة) رضي الله عنهما، ومنها المذهب المالكي الذي يتمذهب به المسلمون في تونس والجزائر والمغرب الأقصى وموريتانيا وهو منسوب إلى (الإمام مالك) رضي الله عنه، ومنها المذهب الحنفي المشهور في تركيا وغيرها من أقطار العالم الإسلامي والمنسوب إلى (الإمام أبي حنيفة) رضي الله عنه ويعد من تلاميذ (الإمام زيد بن علي) رضي الله عنه ومنه المذهب الزيدي الذي يتمذهب به أهل المناطق الجبلية الشمالية والوسطى في اليمن وينسب إلى الإمام (زيد بن علي) رضي الله عنه ومنها المذهب الإمامي الجعفري الذي يتمذهب به بعض العراقيين والجمع الغفير من الإيرانيين وهو منسوب إلى الإمام (جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين رضي الله عنه وهو ابن أخ الإمام زيد بن علي) رحمه الله، ومنها (المذهب الإباضي) الموجود حالياً في عمان وبعض نواحي ليبيا والجزائر وكان أئمة هذه المذاهب على وفاق ووئام ومحبة واحترام متبادل كما لا يخفى على من طالع سيرهم وعرف أحوالهم بالرغم من مخالفتهم بعضهم بعضاً في الاجتهاد، لأن كل إمام كان يذهب إلى ما ترجح لديه بحسب أصوله وبمقتضى فهمه في حين أنه كان في نفس الوقت يحترم معارضيه، وكل من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم، ومع الأسف أنه حصل سوء تفاهم بين أتباع هذه المذاهب في عصور الانحطاط حتى صاروا كأنهم أعداء، وحتى صار البعض من أهل السنة الحنفية والشافعية والحنبلية والمالكية يسيئون الظن بالشيعة والزيدية الهادوية، وهكذا العكس صار البعض من الزيدية والجعفرية يسيئون الظن بأهل السنة كالأحناف والشوافع والحنابلة والمالكيين بل صار البعض من أهل السنة كالحنفية يسيء ظنه بالحنبلية والعكس في حين أن الطرفين من أهل السنة، وهكذا صار المسلمون يتناسون جميعاً بأنهم أمة واحدة حتى تمكن العدو الكافر من محاربتهم ومن الكيد لهم وبهم، ومن الاستعمار لبلادهم، والتاريخ الإسلامي يحكي لنا أن التتار لم يتمكنوا من فتح بغداد والقضاء على الدولة العباسية وإباحة عاصمة الخلافة في حادثة التتار المشهورة التي قتل ضحيتها أكثر من مليون مسلم في بغداد التي قتل التتار فيها آخر خليفة عباسي أشنع قتلة إلا بسبب العداوة التي كانت بين أهل السنة الذين كان يتزعمهم (الخليفة وولده)، والشيعة الذين كان يتزعمهم الوزير (ابن العلقمي) وكم حكى المؤرخون من حوادث جرت نتيجة للتعصبات المذهبية والطائفية وذهب ضحيتها عدد من الناس فإنا لله وإنا إليه راجعون، أما في هذا العصر فقد بذل كثير من زعماء الإصلاح من العلماء المسلمين جهوداً مشكورة من أجل تقارب المسلمين وتوحيد صفوفهم وتضامنهم وتكاتفهم لأن قوة المسلمين كامنة في وحدتهم وتمسكهم بعقيدتهم الإسلامية الموحدة، وكان هدف هؤلاء العلماء يتلخص في أنه يتوجب على المسلمين أن (يتفقوا فيما يتفقون فيه ويتسامحوا ويعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه) عملاً بقوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا

(1)

- الحشر: آية (7)

ص: 647

وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}

(1)

لأن أعداء الإسلام على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم يحاولون القضاء على المسلمين بدون أن يفرقوا بين مذهب ومذهب أو طائفة وأخرى والكفر كما يقال ملة واحدة، قال سبحانه {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

(2)

هذا والله نسأل أن يجمع شمل المسلمين ويلم شعثهم ويوحد كلمتهم إنه سميع مجيب وهو ولي الهداية والتوفيق.

س: هل يجب على الإنسان أن يتقيد ويلتزم بمذهب واحد فقط أفيدوني؟

جـ: إيجاب الالتزام بمذهب معين لا دليل عليه، ولا مانع من التقليد لأيِّ عالم من العلماء المجتهدين في أيِّ مسألة من المسائل الفقهية مالم يكن هناك تتبع للرخص من كل مذهب، فهذا لا يجوز ولا ينبغي، فمثلاً من سيعقد له عقد النكاح بلا شهود تقليداً للإمام مالك وبلا ولي تقليداً للإمام أبي حنيفة سيكون عقده هذا خارقاً للإجماع وذلك لكونه سيكون سراً بلا ولي ولا شهود وهذا حرام بالإجماع.

‌النصوص الدالة على طلب العلم وفضله محصورة على طلب العلم الشرعي

س: هل تنزل الآيات والأحاديث الواردة في فضل العلم وطلبه والأجر المترتب على ذلك على طلب العلم الدنيوي كالطب والهندسة والزراعة وغيرها، وهل قوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}

(3)

يدخل الذكر في هذه العلوم المذكورة؟

جـ: الظاهر أنه لا يدخل فيه ولافي قوله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}

(4)

ولافي حديث (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)

(5)

ولا في حديث (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)

(6)

.

(1)

آل عمران: آية (103)

(2)

البقرة: آية (217)

(3)

- النحل: آية (43)

(4)

- المجادلة: آية (11)

(5)

- سنن ابن ماجه: كتاب المقدمة: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. حديث رقم (183) بلفظ (عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَتَيْتُكَ مِنْ الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: لَا ? قَالَ: وَلَا جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجه بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في العلم.

معاني الألفاظ: الالتماس: القصد والطلب. وافر: تام وكامل.

(6)

- صحيح البخاري: كتاب العلم: باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. حديث رقم (69) بلفظ (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ)

أخرجه مسلم في الإمارة، وابن ماجه في المقدمة، وأحمد في مسند الشاميين، ومالك في الجامع، والدارمي في المقدمة.

ص: 648

‌المراد بالعلم الوارد في القرآن والسنة هو العلم الديني

س: هل يأثم من يهمل ويتهاون في طلب العلم الآتي (الرياضيات، والإنجليزي، والعلوم) أم لا؟

جـ: جماهير العلماء يقولون أن المراد بالعلم الوارد في الكتاب والسنة هو العلم الديني لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما بعث إلا ليعلم الناس العلم الديني لا الجغرافيا ولا الفيزياء لقوله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}

(1)

ولحديث (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)

(2)

وحديث (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)

(3)

.

‌كراهة طلب العلم من أجل الوظيفة

س: كيف كان طلبكم للعلم وكيف وصلتم الى ما وصلتم إليه لأنني طالب علم؟ وبماذا تنصحني؟

جـ: بحسن النية، وطلبي للعلم هو أني طلبت العلم لأجل العلم ولأجل أعلم الناس لا لأجل الوظيفة ثم جاءت الوظيفة، ولا ينبغي لأحد أن يطلب العلم لأجل يقال له عالم أو لأجل أن يتوظف لحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) وحديث (وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ)

(4)

.

‌مشروعية التماس رضا الوالدين في التفرغ لطلب العلم الشرعي

س: أنا أريد طلب العلم الشرعي ووالديَّ يريدان أن أتجند في الجيش فاستخرت الله فأطمئن قلبي لطلب العلم الشرعي ووالديَّ يرفضان ذلك؟

جـ: لا بد من رضا الأبوين.

‌وجوب الإخلاص في طلب العلم والإكثار من مطالعة كتب التفسير والحديث والفقه

س: أنا طالب علم فبماذا تنصحوني؟

جـ: أنصحك بكثرة الحفظ والمطالعة ليلاً ونهاراً والإخلاص في طلب العلم.

(1)

- المجادلة: آية (11)

(2)

- سنن ابن ماجه: سبق ذكره في هذا الباب من حديث كثير بن قيس رضي اللهه عنه برقم (183).

(3)

- صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث معاوية رضي الله عنه برقم (69).

(4)

صحيح مسلم: كتاب الجهاد: باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار. حديث رقم (4900) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ).

أخرجه الترمذي في الزهد عن رسول الله، والنسائي في الجهاد، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: يقضي: يحكم.

الجود: المبالغة في الكرم.

ص: 649

‌مشروعية مطالبة من أنكر الأحاديث الصحيحة بدليل على عدم صحتها

س: ما حكم من أنكر الأحاديث الصحيحة؟

جـ: يطالب بإبراز الدليل على عدم صحتها.

‌وجوب الإفتاء بما يطابق الدليل الشرعي أو يوافقه

س: هل يجوز للمفتي أن يفتي بخلاف سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يعرف الحكم فيها، كأن يأتي إليه رجلان من منطقتين مختلفتين فيسألانه حول مسألة واحدة فيفتي كلاً منهما حسب مذهبه السائد في منطقته مع العلم أن أحد هذين القولين على الأقل خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هو جائز؟

جـ: يذكر القولين ثم يرجح أحد القولين الذي يطابق الدليل.

‌جواز الاجتهاد في مسألة ما المبني على دليل صحيح صريح فيما ذهب إليه ولا إثم عليه

س: هل يأثم من يجتهد في مسألة من المسائل المعاصرة التي لم يسبق فيها إجتهاد؟

جـ: من كان له دليل صحيح صريح في الدلالة على ما ذهب إليه لا يأثم.

‌وجوب عمل المجتهد بالأرجح لديه وغيره يقلد من يثق بعلمه

س: ما موقف المسلم من اختلاف العلماء؟

جـ: يعمل بالأرجح عنده إن كان من أهل الترجيح، وإلا قلد من يثق بعلمه من الأحياء أو من الأموات.

‌احتياج المفتي للإكثار من قراءة كتب الأحاديث والفقه وأصول الفقه

س: ماذا يحتاج المفتي حتى يكون في قمة سلم الفتوى؟

جـ: يحتاج الى قراءة الأحاديث وكتب الفقه وأصول الفقه.

‌وجوب طلب العلم الشرعي بقدر الإمكان وبحسب المستطاع

س: رجل طلب العلم درس ما تيسر له من كتب الحديث والفقه والوعظ فهل يستحب له أن يدّرس ويعلم الناس أمور دينهم أم لا بد له من إجازة؟

جـ: اعمل ما تيسر لك بحسب الإمكان وبقدر المستطاع.

‌إجماع الأمة على حكم شرعي غير قول جمهور العلماء

س: قلتم يوما بأن الناس يظنون بجمهور العلماء أنهم على الصواب وقد يكون الحق مع غيرهم كيف ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) وقيل المقصود بهم العلماء لأن العوام قد يجتمعون على غير الحق أفتونا جزاكم الله خيرا؟

جـ: إجماع الأمة شيء وقول الجمهور شيء أخر فلا معارضة فالإجماع اتفاق المجتهدين العدول من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر والجمهور هم بعض العلماء وقولهم وفعلهم ليس بحجة، وقول (لا تجتمع أمتي على ضلالة) ضعفه بعض علماء الحديث.

ص: 650

‌أمة الدعوة هم جميع بني آدم وأمة الإجابة هم المسلمون

س: هل هذا العالم من يهود ونصارى ومسلمين وغيرهم يعتبر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أم أن المسلمين فقط يعتبرون من أمته صلى الله عليه وسلم، وهل سيحاسبون من يهود ونصارى ومجوس حساب أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟

جـ: هؤلاء كلهم من أمة دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما أمة الإجابة فهم المسلمون وحدهم.

‌وجوب الإخلاص في القول أو الفعل لا سيما من كان طالب علم أو داعيا إلى الله عز وجل

س: أفتونا في رجل يريد أن يعمل كداعية إسلامي، فما هي الشروط الشرعية التي تمنحه الدخول في ذلك العمل؟ وما هي الكتب التي يحصل عليها؟

جـ: يخلص في العمل أولا، ثم يستعين بكتب الحديث مثل صحيح (الترغيب والترهيب).

س: ما الأسباب التي تؤدي الى الإخلاص؟ وما هي أسباب استجابة الدعاء؟

جـ: الإخلاص في العبادة.

‌وجوب ابتغاء وجه الله في طلب العلم

س: ماهي نصيحة القاضي لطالب العلم؟

جـ: أنصح طالب العلم أن ينوي بطلبه للعلم وجه الله تعالى ثم نفع الناس ونفع نفسه لا أن يقال له علامة لحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) وحديث (وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ) ثم أنصحه ان لا يتعصب لجماعة ضد جماعة.

‌تحريم سبِّ العلماء والدعاة والانتقاص منهم

س: ما حكم سبِّ العلماء والانتقاص من قدرهم تحت مسمى الجرح والتعديل؟

جـ: لا يجوز سبُّ العلماء، ولا حاجة إلى الجرح في هذه الأيام، حيث قد جمع العلماء الأحاديث الصحيحة وحدها، وغير الصحيحة وحدها.

‌التقية: هي أن يوافق على رأي غيره في الظاهر ويخالفه في الباطن

س: ماهي التقية؟ وفي أيِّ مذهب هي؟ وهل هي جائزة؟ وما أدلتها؟

جـ: التقية في المذهب الجعفري ومفهومها أنه يوافق على رأي غيره في الظاهر ويخالفه في الباطن عند الضرورة، وهذا لا يجوز.

س: هل المذهب الزيدي موافق للمذاهب الإسلامية الأخرى؟

جـ: اعلم بأن المذهب الزيدي هو أحد المذاهب الإسلامية وينسب إلى الإمام (زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً) وهو لا يخالف ولا يخرج في أكثر المسائل الفقهية عن المذاهب الأربعة ولا سيما مذهب الأمام أبي حنيفة رضي الله عنه، كما لا يخفى على من طالع مجموع الأمام زيد بن علي الذي شرحه القاضي (حسين بن أحمد السياغي) رحمه الله بالشرح المطول المسمى (الروض النضير شرح مجموع زيد بن علي

ص: 651

الكبير) وقد اختلف الزيدية الذين جاؤا بعده في الفروع إلى مذهبين أحدهما المذهب الناصري وهو الذي أسسه الأمام الناصر وقد انقرض المتمذهبون بهذا المذهب، والمذهب الثاني هو المذهب الهادوي وهو الذي أسسه الإمام الهادي (يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ابن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب) وهو الذي عليه الزيدية الذين يقطنون في الجبال الشمالية من اليمن وهم يوافقون في الغالب أحد المذاهب الإسلامية الأربعة وخصوصاً المذهب الحنفي بل هو إلى المذهب الحنفي أقرب من المذهب الحنبلي إلى المذهب الحنفي، ولا سيما في مسائل الفقه المتعلقة بالمعاملات، كما أنهم أيضاً يوافقون المذهب الذي كان عليه الأمام (زيد بن علي) في بعض المسائل ويخالفونه في بعضها كما لا يخفى على كل من كان له اطلاع على مجموع الأمام زيد بن علي وأمالي أحمد بن عيسى والجامع الكافي وغيرها من الكتب التي ألفها أتباع الإمام (زيد بن علي) وكان عارفاً بما نص عله الأمام الهادي (يحيى بن الحسين) في كتاب الأحكام وغيره من مؤلفاته في الفقه، وبما نص عليه الإمام المهدي في الأزهار، ومن جملة المسائل التي اختلفت فيها آراء الأمام (زيد بن علي) والإمام (الهادي) المسائل التي سألت عنها في استفتائك هذا، وهي مسألة ضم اليدين على الصدر حال القيام في الصلاة، ورفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، فالإمام (زيد بن علي) ممن يذهب إلى مشروعية الضم لليدين عند القيام في الصلاة كما نص على ذلك في كتاب الصيام من مجموع زيد بن علي الذي جمعه تلميذه أبو خالد الواسطي، كما أنه ممن يذهب إلى مشروعية الرفع لليدين عند تكبيرة الإحرام كما نص عليه في كتاب الصلاة من المجموع المذكور، والإمام الهادي يمنع من ذلك كما جاء في مؤلفاته ومؤلفات من جاء بعده من علماء الهادوية رحمهم الله جميعاً، فمن رفع وضم فهو زيدي تابع للإمام زيد بن علي فيه، ومن لم يجوز الرفع والضم فهو هادوي، على أن بعض الهادوية لم يوافقوا الأمام الهادي في نفيه لمشروعية الضم والرفع في الصلاة بل ذهبوا إلى مشروعية الضم والرفع في الصلاة لكونها قد ثبتت في كتب أهل السنة وفي كتب الزيدية المتقدمين نفسها، كما أن علماء اليمن المتأخرين الذين نبذوا التقليد وراء ظهورهم واجتهدوا في جميع المسائل الشرعية وتحرروا في أقوالهم قد ذهبوا إلى أن الرفع والضم في الصلاة من السنن، كما أن من السنن أيضاً التأمين والدعاء في الصلاة محتجين بالأدلة الكثيرة الدالة على مشروعية الرفع عند تكبيرة الإحرام وعند النقل من القيام إلى الركوع ومن الركوع إلى الاطمئنان، وهكذا بالأدلة على مشروعية الضم والتأمين والدعاء في الصلاة وهي كثيرة وصحيحة أيضاً، ومن هؤلاء العلماء المجتهدين الأمام الكبير (محمد ابن إبراهيم الوزير) مؤلف (العواصم والقواصم) ومؤلف (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم) وغيرهما من المؤلفات القيمة التي لا يعرف قدرها إلا من طالعها بتحقيق وتدقيق وكان من الملمين بكتب السنة وغيرها من علوم الاجتهاد، وكذلك الشيخ العلامة المحقق (صالح بن مهدي المقبلي) رحمه الله مؤلف (المنار على البحر الزخار) والعلامة الحافظ (محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني) مؤلف (سبل السلام شرح بلوغ المرام ومنحة الغفار حاشية ضوء النهار والعدة شرح العمدة وغيرها من المؤلفات الحرة المستقلة التي يعز وجود نظيرها)، وأخيراً القاضي الحافظ (محمد بن علي الشوكاني) مؤلف (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار والدراري المضيئة شرح الدرر البهية ووبل الغمام حاشية شفاء الأوام وكتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار) وغير هؤلاء من علماء اليمن الكبار الذين فتحوا باب الاجتهاد المطلق على مصراعيه غير هيابين ولا وجلين وتحرروا في آرائهم تحرراً جعلهم يخالفون المذهب الهادوي الذي كان يتمذهب به أسلافهم، والفضل في ذلك راجع إلى المذهب الهادوي نفسه لأنه نص على تحريم التقليد لمن كان أهلا للاجتهاد لما نص على أن التقليد في الفروع جائز لغير المجتهد، وعلى كل حال فالضم والرفع من المسائل الخلافية وهي عند القائلين بمشروعيتها هيئة من هيئات الصلاة وسنة من السنن لا فريضة من

ص: 652

الفرائض التي يستحق تاركها الإثم على تركها فمن ضم أو رفع فقد أحسن وأقام السنة ومن لم يضم ولم يرفع فلا حرج عليه، أما ما أرجحه في هذه المسألة فهو الضم والرفع على جهة السنة ولكني لا أحكم بتخطئة أحد ممن لا يضم ولا يرفع في الصلاة، والمهم هو الإخلاص والخشوع والخضوع في الصلاة

‌وجوب الوفاء بالعهد

س: ماذا يجب على المسلم إذا عاهد ولم يف بعهده وهل تلزمه كفاره؟

جـ: الوفاء بالعهد واجب شرعاً والأدلة الشرعية دالة على ذلك، ويجب على من لم يف بالعهد أن يتوب إلى الله حيث خالف ما أمر الله به في قوله تعالى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ

مَسْئُولًا}

(1)

وقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}

(2)

وعمل ما نهى عنه الله ورسوله إلى حد أن جعل خلف الوعد من علامات المنافق في حديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه في حديث (وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُور، ِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)

(3)

كما أن عليه الاعتذار لمن عاهده ولم يف بوعده بعد أن يفي بالوعد لمن عاهده ولا تلزمه كفارة.

‌العهود تحتاج الى وفاء

س: هل من عاهد الله ولم يستطع وفاء ذلك العهد وهو في طاعة الله، هل هناك كفارة للعهد وما هي كفارة العهد إذا لم استطع الوفاء به؟

جـ: العهود تحتاج إلى وفاء لقوله تعالى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ

مَسْئُولًا}

(4)

وقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}

(5)

.

‌تكريم المرأة في الإسلام

س: هل تتساوى المرأة بالرجل في الأمور الدينية والدنيوية أم أنه يوجد تفاوت بين المرأة والرجل في الأمور المذكورة؟ وما هو العمل الذي تقوم به المرأة المسلمة؟

جـ: الإسلام يقرن المرأة بالرجل في الأحكام الشرعية يقول الله سبحانه وتعالى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ

(1)

- الإسراء: آية (34)

(2)

- المائدة: آية (1)

(3)

- صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والأدب: باب قبح الكذب وحسن الصدق. حديث رقم (6580) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُور، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)

أخرجه البخاري في الأدب، والترمذي في البر والصلة، وأبوداود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: البر: كلمة جامعة لأبواب الخير.

(4)

- الإسراء: آية (34)

(5)

- المائدة: آية (1)

ص: 653

وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا

وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}

(1)

ويقول تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

(2)

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (إنّمَا النّسَاءُ شَقَائِقُ الرّجَالِ)

(3)

إلا أن الإسلام قد فرق في بعض الأحوال بين الرجل والمرأة، وذلك كالإرث والشهادة وعدم الصلاة والصوم في أيام العادة الشهرية والنفاس، وعدم صلاحيتها للحكم، وعدم جواز الخلوة بها إلا مع محرم بها، وتحريم مسها على من لم يكن زوجها أو محرماً لها، ووجوب احتجابها عن الرجال الأجانب، وأن لا تسافر إلا مع محرم وأن لا تؤم الرجال في الصلاة ولا يجب عليها صلاة الجمعة ولا الجهاد في سبيل الله وأن ديتها مثل نصف دية الرجل وأن خير صف تصلي فيه جماعة هو آخرها، وأن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وغير ذلك من الفوارق التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وقد أطال الكلام حول هذه الفوارق وغيرها من الفوارق بين الرجل والمرأة في الإسلام وربط كل فارق بدليله من القرآن والسنة الشيخ مصطفى الجمامي في كتاب النهضة الإصلاحية، فمن أحب الوقوف عليها فليراجعها إن شاء.

وأما ما يجب أن تعمله المرأة فهو طاعة زوجها وأن تعمل الأعمال البيتية وأن تربي أولادها وتحافظ على صحتهم ونظافتهم وغذائهم وتخلق فيهم روح الشجاعة والدين والفضيلة والأخلاق وتغرس في قلوبهم العقيدة الإسلامية الصحيحة، قبل أن تدنس بدرن الإلحاد أو الشعوذة والخرافات لأن أحضان الأمهات هي المدارس الأولية اللاتي يدرس فيها أولاد الأمة، والكليات التي يتخرج منها رجال الغد ونساء الغد الذين سيتألف منهم المجتمع الإنساني الجديد، وذلك لأن أخلاق الطفل صورة مصغرة من أخلاق أمه، ولأن الطفل لا يمتثل لأي أمر سوى أمرها ولا يقلد أحدا في أيِّ عمل سواها ولا يألف أحداً غيرها ولا يعتمد على مخلوق دونها ولا يركن على إنسان مثل ركونه عليها فهي التي تؤثر على لسانه بكلامها وعلى قلبه بعقائدها بل هي التي تطبع عليه أخلاقها وعقائدها وأفكارها وآرائها ومبادئها فإن كانت من النساء الجاهلات اللاتي يؤمن بالترهات والخرافات والأباطيل فإن أطفالها ينشئون في ظلام من الجهل وفي ديجور من الضلال، وإن كانت من النساء الفاجرات فإن الأطفال يقومون بتمثيل دور أمهم في الفجور والعصيان، وإن كانت من المؤمنات الفاضلات فإن أطفالها ينشئون على ما شاهدوا عليه أمهم من الصلاح والفضل والإيمان، فالإسلام يوجب على المرأة أن تطع زوجها وتعمل أعمال بيتها وتتعلم أمور دينها ودنياها، وتربي أولادها تربية دينية سليمة، ولا يوجب عليها أن تحمِّل نفسها مالا تُطيق من الأعمال خارج المنزل والتي قد ترهق أعصابها وتجعلها تنسى تربية أطفالها فيصبحون أمراضا في أجسامهم أو في عقائدهم أو تفكيرهم، لا يوجب عليها هذه الأعمال المرهقة خارج المنزل إلا في حالات الضرورة القصوى.

وليس النبت ينبت في جنان

كمثل النبت ينبت في الفلاة

وأخلاق الوليد تقاس حسناً

بأخلاق النساء الوالدات

(1)

- الأحزاب: (35).

(2)

النحل: (97).

(3)

سنن أبي داوود: كتاب الطهارة: باب في الرجل يجد البلة في منامه. حديث رقم (204) بلفظ (عن عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الرّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَاماً، قال: يَغْتَسِلُ، وَعن الرّجُلِ يَرَى أنْ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَجِد الْبَلَلَ، قال: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ أُمّ سُلَيْمٍ: المَرْأةَ تَرَى ذَلِكَ، أعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قال: نَعَمْ، إنّمَا النّسَاءُ شَقَائِقُ الرّجَالِ) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داوود.

أخرجه الدارمي في الطهارة.

معاني الألفاظ: شقائق: النظائر والأمثال كأنهن شققن منهم.

ص: 654

فيا صدر الفتاه رحبت صدراً

فأنت مقر أسنى العاطفات

إذا استند الوليد عليك لاحت

تصاوير الجنان مصورات

نراك إذا ضممت الطفل لوحاً

يفوق جميع ألواح الحياة

لأخلاق الصبي بك انعكاس

كما انعكس الخيال على المرآة

وما ضربات قلبك غير درس

لتلقين الخصال الفاضلات

فأول درس تهذيب السجايا

يكون عليك يا صدر الفتاة

فكيف نظن بالآباء خيراً

إذا نشؤ بحضن الجاهلات

وهل يرجى لأطفال كمال

إذا ارتضعوا بثدي الناقصات

هذه هي وظيفة الأم وهذا هو الواجب عليها وهذه هي المرأة المسلمة والأم التي عرفناها من كتب السنة المحمدية ومن سيرة السلف الصلاح، وهكذا كانت الأمهات في أيام الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وأيام الصحابة وأيام التابعين رضي الله عنهم جميعاً وألحقنا بهم صالحين وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع.

‌حكم الغِنَّاء

س: هل الغناء مباح أم أنه محرَّم؟ وهل يأثم المستمع إليه أم لا؟ وكذلك ما هو الحكم فيمن يتاجرون بالأغاني المسجلة ويكسبون أرباحا من الاتجار بها؟

جـ: هذه المسائل قد سبق مني عدة أجوبة عليها وعلى أمثالها وخلاصتها أن من يذهب إلى تحريم الغناء يحرِّم الاستماع إليه ويحرِّم بيع آلة الغناء ومن يذهب إلى إباحة الغناء يجوز الاستماع له وبيع آلاته ومدار ما احتج به المحرمون للغناء هو الأحاديث الواردة في تحريم الغناء وبعضها قد رويت بأسانيد ضعيفة وبعضها سنده صحيح، وقد أجاب المبيحون للغناء على هذه الأحاديث بأن الأحاديث الواردة في التحريم ليست بصحيحة من ناحية الإسناد وإن ما ورد منها بسند صحيح ليست بصريحة من ناحية الدلالة، والكلام حول الموضوع طويل وقد ألف العلماء في الموضوع عدة رسائل والله أعلم.

س: هل الاستماع للأغاني العاطفية أو إلى المزامير ونحوها جائزاً شرعاً م أنه محرم وغير جائز؟

جـ: إن مسألة الاستماع إلى الغناء وممارسة هذا الفن الذي ذاع وشاع في هذه الأيام من المسائل العلمية التي اختلفت أقوال العلماء فيها على ثلاثة أقوال: فمن العلماء من ذهب إلى أن الغناء وتعاطي هذا الفن من المحرمات، ومن العلماء من ذهب إلى أنه إذا كان مما لا يثير الشهوة أو أن لا يكون مدعاة آو وسيلة إلى إثارتها أو تهيجها فهو من المباحات، ومن العلماء من توقف في هذه المسألة ولم يجزم لا بالتحريم ولا بالإباحة، وممن ذهب إلى التحريم جماعة من العلماء منهم الشيخ (صالح بن مهدي المقبلي) صاحب كتاب (الأبحاث المسددة) والشيخ (مصطفى الحمامي) إمام وخطيب الجامع الزينبي بمدينة القاهرة ومؤلف كتاب النهضة الإصلاحية رحمهم الله جميعاً، وممن ذهب إلى الجواز العلامة (ابن حزم الظاهري الأندلسي) مؤلف المحلى رحمه الله والعلامة الكبير (محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني) رحمة الله عليه، وكذلك العلامة المحقق (محمد رشيد رضى) صاحب تفسير المنار رحمه الله وغيرهم من العلماء في هذا القرن، وممن توقف في هذه المسألة ولم يجزم لا بالتحريم ولا بالجواز شيخ الإسلام (محمد بن علي الشوكاني) قدس روحه في عالم البرزخ وذلك في كتابه المشهور (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار) هذا وقد احتج القائلون بالتحريم بالأحاديث الواردة عن النبي

ص: 655

-صلى الله عليه وسلم الدالة على التحريم وهي كثيرة قد سردها المحقق المقبلي في كتاب (الأبحاث المسددة في فنون متعددة)، والعلامة (عباس بن أحمد بن إبراهيم) في تتمة الروض النضير شرح مجموع زيد ابن علي الكبير واحتج القائلون بالجواز بأن الأصل في الأشياء كلها هو الإباحة ومن ادعى التحريم لأيِّ شيء فعليه الدليل الصحيح الصريح الدال على التحريم، وإلا فالأصل هو الجواز والقيام مقام المنع كاف في الاستدلال، قالوا الأحاديث الواردة في تحريم السماع المصرحة بذلك الحكم فإنها غير صحيحة من جهة الإسناد والحديث الصحيح المروي في البخاري ليس صريحاً في الدلالة على التحريم، وأما الذين توقفوا في هذه المسألة ولم يجزموا لا بالإباحة ولا التحريم فإن الأدلة اشتبهت عندهم فجعلوا القضية من المشتبهات والمؤمنون وقَّافُّون عند الشبهات، وسواء كان الراجح هو القول بالتحريم أو هو القول بالإباحة فإن المسألة هذه ليست من القطعيات التي يفسق من عمل بها وإنما هي من المسائل الظنية التي لم يوجد لها دليل قطعي متواتر صريح ولا أجمع على تحريمه العلماء حتى تكون من القطعيات ومن ادعى الإجماع على تحريمها فقد خالف الواقع كما صرح في ذلك الحافظ (الشوكاني) في كتاب (تشريف الأسماع في إبطال دعوى الإجماع على تحريم السماع).

س: في الأغاني جميعها هل هي حلال أم حرام أم الحرام التي تحرك المشاعر وتثير الغرائز؟

جـ: الموسيقى والأغاني التي لا تثير المشاعر ولا تحرك الغريزة الجنسية جائزة عند بعض علماء العصر وحرام عند آخرين كالألباني وهو الأحوط، وإذا لم تكن محرمة فهي من الشبهات والمؤمنون وقافون عند الشبهات لحديث (الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ)

(1)

.

س: لديَّ محل إيجار أجهزة وسماعات أعراس والبعض يستأجرها في العرس ويقوم بتشغيل الأغاني والمزمار والعود مقابل أجرتها، فهل هذا المال حرام أم حلال؟

جـ: هذا شبهة من الشبهات والمؤمنون وقّافون عند الشبهات لحديث (الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ).

س: ما حكم البيانو وهو عبارة عن آلة موسيقية؟

جـ: شبهة من الشبهات لا أستطيع أن أفتي بتحريمه ولا بإباحته لحديث (الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب من اسبترأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)

أخرجه مسلم في المساقة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع العير من دحولها. يواقعه: يدخله. حمى الله: محارمه التي لا يحل لمسلم أن يتعداها أو ينتهكها. محارمه: ما حرمه ونهى عن إتيانه. مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

ص: 656

يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ).

س: ما رأيكم في الفرق الموسيقية التي تحضر لإحياء أعراس النساء وتكون في غرفة معزولة عن مكان العرس؟

جـ: لا لزوم لذلك والعلماء لا زالوا مختلفين في الغناء الذي من الرجل ليسمعه الرجال فضلاً عن رجل يحضر للغناء للنساء أو رجال يغنون للنساء.

‌تحريم مشاهدة الأفلام المائعة وجواز مشاهدة الأفلام النافعة

س: هل مشاهدة الأفلام السينمائية حرام أم لا وهل الكسب منها حلال أم أن فيه شبهة؟ ثم هل مشاهدة ما يبث التلفزيون من تمثيليات ومسرحيات وأفلام وغيرها حلال أم حرام؟

جـ: اعلم أنَّ مسألة المشاهدة للسينما لا يمكن أن نحكم بأنها حلال أو حرام على وجه الإطلاق لأن السينما من حيث هي عبارة عن آلة شبه المرآة فالمرآة تحكي ما أمامها وتعكس صورة لما قابلها فإن كان ما قابلها جميلاً فتكون الصورة التي تنعكس منها جميلة، وإن كان ما قابلها قبيحاً فتكون الصورة قبيحة، وبعبارة أخرى السينما مثل القارورة من الزجاج التي يخزن فيها السائل من الشراب الحرام ومن الشراب الحلال، فإن كان ما في القارورة خمر فبقاء القارورة وما فيها عند المسلم حرام والشراء لها حرام وبيعها حرام وحملها حرام، وإن كان ما في القارورة عسل فبقاء القارورة وما فيها حلال وشرائها حلال وبيعها حلال كذلك، وهكذا السينما من حيث هي ليس حلالاً ولا حراماً حتى توضع فيه الأفلام السينمائية التي تحكي الصور الخليعة فهي حرام، وإن كانت تحكي المواقف العربية الرائعة فليست بحرام، وهلم جرا، وهكذا نقول: في التلفزيون فليس بحرام لذاته ولا حلال لذاته ولا عبرة بنفس المحطة المرسلة أو الدافعة ولا بنفس الجهاز الآخذ وإنما العبرة بالشيء الذي يعرض في المحطة المرسلة وتتلقاه الأجهزة الآخذة، فإن كان أخباراً وصوراً للحوادث التي تحكيها الأخبار فذلك جائز وحكمه مثل حكم الجريدة التي نطالعها في كل يوم أو الرسالة التي تصلنا بطريق البرق أو البريد فالإطلاع على الأخبار يكون بمطالعة ما يصل بطريق البرق أو البريد أو الهاتف أو الجريدة أو المجلة أو الإذاعة أو التلفزيون هذا بالنسبة إلى الأخبار، أما بالنسبة إلى بقية البرامج فإن كانت الأفلام من الأفلام التي تتلى فيها الآيات القرآنية فذلك جائز وليس بحرام بل هو مشروع ومندوب لأنه مثل أن نستمع إلى تلاوة القرآن الكريم من جهاز الراديو أو من التالي في أحد الجوامع أو من المسجلات فكله استماع لكلام الله عز وجل لا فرق بين أن يكون من المسجلة أو من المسجد أو من المذياع أو من التلفزيون، وهكذا، إن كان المعروض من الأفلام التي تحكي لنا الأحاديث النبوية والسيرة المحمدية والفتاوى الشرعية والدروس الدينية والمسائل الفقهية والمحاضرات التاريخية الإسلامية والروايات التي تمثل البطولات العربية والفتوحات الإسلامية والصور التي تصور لنا عالم الطيور وسائر الحيوانات، وهكذا الأفلام التي ترينا العلوم العصرية الحديثة من طب أو تشريح أو كيمياء أو زراعه أو غيرها من العلوم النافعة كل ذلك جائز بل حسن، وهكذا القصص التاريخية العظيمة التي ترينا عظمة قواد المسلمين وعلمائهم الأبطال كخالد ابن الوليد والعز ابن عبد السلام وصلاح الدين بن أيوب والسلطان سيف الدين (قطز) هازم جيوش التتار وغيرها فذلك جائز بل حسن، وأما الأفلام المائعة التي يخشى أن تؤدي إلى إثارة الغريزة الجنسية ولا سيما الشباب فهي حرام، وهكذا ما يخشى منها تعلم السرقات مثل الأفلام البوليسية التي تنطوي على الحيل ونحو ذلك لأن ما يخشى منه أن يكون سبباً للحرام فهو حرام، سواء كان الإنسان سيطلع عليه في كتاب أو مجلة أو صورة فوتوغرافية أو فلم سينمائي أو تلفزيوني أو على أيِّ صفة كانت فذلك كله حرام، لأن كلما يؤدي إلى حرام فهو حرام والله الموفق.

ص: 657

س: ما حكم الإسلام في مشاهدة التلفزيون أثناء عرضه للأفلام غير المؤدبة التي قد تؤدي إلى سوء العواقب؟

جـ: فقد سبقت مني الإجابة مراراً والخلاصة: أن حكم التلفزيون يختلف بحسب الأفلام التي ستعرض فيه إن كانت هذه الأفلام تتضمن تلاوة الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية أو الفتاوى الدينية أو المسائل الشرعية أو الحوادث التاريخية أو الأحاديث والأبحاث العلمية أو الروايات الرائعة التي تهدف إلى التربية والتعليم والتهذيب والتثقيف والإرشاد والتوجيه والتوعية والدعوة إلى مكارم الأخلاق، وكذلك الأفلام التي تري المشاهدين عالم الحيوانات أو عالم النبات وعالم البحار أو غيرها من الأشياء التي تعرف المشاهد ملكوت الله وعجائب المخلوقات في الأرض وغير ذلك مما تزيد الإنسان إيماناً بالله وتوسع دائرة معارفه وتنمي ملكته وتزيد في معلوماته فهذه كلها حلال غير حرام والنظر إليها جائز وغير محظور، وإن كانت هذه الأفلام من الأفلام الغير مؤدبة التي تحتوي على الصور الخليعة بمشاهدتها والتي تثير الغرائز الجنسية عند الشباب أو التي تحتوي على القصص التي يكون ضررها أعظم من نفعها فمشاهدتها غير جائزة لأن ما يؤدي إلى الفساد وإلى الانحلال فهو حرام.

س: أفتونا عن حكم الإسلام في التمثيل والممثلين ومن يقومون بهذه الأدوار التي تتخللها أعمال الميوعة؟

جـ: إن كان في الروايات التي تكون في التمثيل شيء من الحرام فهي حرام كمثل الروايات التي يكون فيها بعض الميوعة وتكون سبباً لإفساد الشباب لأن ما يستدعي الحرام حرام في ذاته، أما إ ذا لم يكن فيها شيء من الحرام بل فيها تهذيب للأخلاق وإحياء للتاريخ الإسلامي العظيم ولرجاله العظام فليس بحرام وذلك كمثل رواية فتح (سعد بن أبي وقاص) لبلاد العراق، وفتح (قتيبة بن مسلم الباهلي) لبلاد خراسان وبلاد ما وراء النهر، وفتح (طارق بن زياد) للأندلس وغيرها من الروايات العظام التي تشجع الشباب المسلم وتذكره بعظمة قادة الجيوش الإسلامية، وتنسيه ما يحكيه الفرنسيون عن نايليون وعن رجالات الغرب الصليبي.

س: هل مشاهدة التلفاز والاستماع إلى الفُتيا حرام أم لا؟

جـ: لا يقال عن التلفاز من حيث هو أيُّ شيء لأن التلفزيون عبارة عن آلة ترينا الصور لقراء يقرؤون القرآن أو للعلماء الذين يحاضرون بالمحاضرات الدينية أو الفتاوى الشرعية أو مختلف فنون العلوم الحديثة النافعة أو أيِّ شيء نافع فهذه الصور جائز مشاهدتها، أما إذا كانت تلك الصور لأفلام خليعة أو أغاني ماجنة أو للصور العارية أو للروايات الغرامية أو لنحو ذلك من الأفلام التي لا تفيد الشباب بل تفسدهم فهذه الأفلام محرمة كمالا يخفى على كل ذي ذوق سليم.

س: هل مشاهدة الأغاني العاطفية من الفيديو أو التلفزيون والإستماع إليها جائز أم أنه غير جائز؟

جـ: حكم التلفاز والفيديو حكم أيِّ كتاب من الكتب التي ألفت عبر القرون على اختلافها، فإن كانت الأفلام محتوية على أشياء تفسد أخلاق الناس ولا سيما الشباب من البنات والبنين فهي حرام لأن أيَّ شيء يؤدي إلى الحرام فهو حرام، وإن كانت محتوية على الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية أو الروايات الحماسية أو الفنون الطبية أو الفوائد الدينية فليست بحرام، ومثلها مثل الكتب فما كان من الكتب محتوياً على السحر أو الشعوذة أو الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقراءتها حرام، وكذلك ما كان منها محتوياً على الكلام المائع والأدب المفضوح فالمطالعة فيها حرام أيضا، والعكس إذا كانت الكتب محتوية على المسائل الشرعية أو الدينية أو العربية أو الطبية أو غيرها من المسائل التي تنفع المطلع في دينه أو دنياه فالمطالعة فيها حلال، وقد يكون الإطلاع عليها مندوباً في بعض الأحيان وواجباً في بعض الأحيان.

ص: 658

س: ما حكم النظر إلى امرأة في التلفزيون تغني مكشوفة الصدر والرأس والساقين هل هو جائز أم أنه حرام؟

جـ: إن استماع الأغاني من التلفزيون سيثير غريزة الشباب الجنسية فالظاهر أنه حرام لأن ما يضن الإنسان أنه سيكون سبباً في الدخول في شيء محضور يكون حراماً، وإن كان سماع هذه الأغاني لا يدعو إلى الإباحية ولا يثير الغريزة الجنسية فالظاهر أنه غير حرام وإن كان الأولى اجتنابه.

س: ما الحكم القاطع في رجل يشاهد الأفلام الإباحية (نادراً) علماً بأنه يستغفر الله بعده ويداوم على الصلاة؟

جـ: لا يجوز مشاهدة ما يؤدي إلى الفساد في الدين لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}

(1)

.

‌تحريم مشاهدة ما يثير الغرائز الجنسية من الأفلام الخليعة

س: ما حكم رؤية المسلسلات علماً بأنه هناك ممثلات يمثلن وهن كاشفات الشعر، كاشفات الساقين والذراعين؟

جـ: لا ينبغي مشاهدة ما يثير الغريزة الجنسية ولاسيما من كان شابا من الجنسين لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} .

‌وجوب منع وتعزير من يبث الأفلام الخليعة في الفنادق وغيرها

س: ما حكم الذين يشاهدون القنوات الخليعة والذين يهيئون لها في الفنادق وغيرها؟

جـ: هذا إن صح لا يجوز لأنه داع الى الفساد والى ارتكاب المحرَّم نعوذ بالله، وقد قال الله تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}

(2)

. وقال تعالى {الَّذِينَ إِنْ

مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}

(3)

وقال تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

(4)

‌كراهة تمثيل الأنبياء وكراهة مشاهدة تمثيل الأنبياء

س: هناك مسلسل عرضته قناة المنار بعنوان (مريم القديسة، أو مريم العذراء) ويمثل أحدهم دور زكريا عليه السلام إلا أن وجهه لا يظهر فقد جعلوه كالنور وهناك امرأة تمثل أنها مريم عليها السلام، ماحكم مشاهدة هذا المسلسل؟

جـ: تمثيل الأنبياء لا ينبغي كما لا ينبغي مشاهدته.

(1)

- النور: آية (32، 31)

(2)

- المائدة: آية (79، 78)

(3)

- الحجـ: آية (41)

(4)

- آل عمران: آية (104)

ص: 659

‌جواز سماع الأشياء المباحة والبرامج الدينية في التلفزيون أو الراديو

س: هل يجوز لي مشاهدة التلفزيون أو سماع الراديو؟

جـ: لا مانع إذا كانت المشاهدة لشيء مباح أو مشروع.

‌تحريم اليانصيب والسهرات المشبوهة ومحلات الفساد

س: ما قول العلماء فيما بدأ ينتشر هذه الأيام في بلدنا من مسابقات يدفع الشخص مثلاً مائة ريال لكي يستلم فيما بعد عند السحب ألف دولار على سبيل الحظ فيما يسمى (اليانصيب) وكذلك الإعلانات عن بعض السهرات والحفلات مع بعض الفرق الموسيقية أو في متابعة بعض الأفلام أو المسرحيات التي تحتوي على مخالفات للشرع والتي صارت تقام في بعض الصالات وبعض المحلات، ويروج لها بصورة ملفتة بغرض تدمير القيم والأخلاق، وتهيئة الظروف لتطبيع الناس على الفساد بمختلف صوره حتى يتسنى في نهاية المطاف تمرير مخططات التطبيع مع أعداء الإسلام، وفي مقدمتهم اليهود -لا قدر الله- في سائر بلاد المسلمين؟

جـ: انتشار المخالفات الواردة في السؤال من المعاصي الوافدة التي تضاف إلى المعاصي السابقة وهي تنذر بالمزيد من عذاب الله، والمزيد من التمكين لأعداء الإسلام من الكافرين والمنافقين، و (اليانصيب) هو الميسر وهو قرين الخمر والأنصاب الأزلام في التحريم، وقد حرَّم القرآن كل ذلك بأبلغ صيغ التحريم وهي الأمر بالاجتناب، ويعني ذلك عدم المقاربة فضلاً عن المباشرة كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}

(1)

، وأنواع الموسيقى والأفلام والمسرحيات المشبوهة تحتوي على فساد وإفساد وضلال وإضلال، ومثل ذلك يندرج تحت قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}

(2)

، ويجب على كل مسلم مقاطعة المحلات التي تقوم بنشرذلك، وعدم التعامل معها في كل ما من شأنه إعانتها على نشر المنكر كالتوظف معها، أو نشر إعلاناتها أو طبعها أو السماح لها باستئجار الأماكن، أو تقديم أيِّ نوع من أنواع الخدمات لها فإن كل ذلك حرام والله يقول {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ

اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

(3)

وعلى أقسام الشرطة والنيابات والقضاء القيام بواجباتهم في إزالة هذه المنكرات وغيرها كـ (محلات الأتاري ومحلات الترويج للأشرطة الماجنة مسموعة ومرئية، ومحلات الترويج للقنوات المشفرة) التي تحمل الوباء الخطير، والشر المستطير، وسيسألهم الله عن ذلك (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)

(4)

وقدقال الله تعالى {الَّذِينَ إِنْ

مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ

(1)

- المائدة: (90).

(2)

- سورة لقمان: (6).

(3)

المائدة: (2).

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الأحكام: باب قول الله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول. حديث رقم (7138) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في الجهاد، وأبوداود في الخراج والإمارة والفيء، وأحمد في مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الجمعة، العتق.

ص: 660

وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وعليه فالواجب على كل مسلم تحصين نفسه ومن تحت ولايته وغيرهم من إخوانه إلى أقصى استطاعته من هذه المعاصي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله المستعان، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

‌كراهة حضور المراقص الليلية

س: نحن طلاب يمنيون ندرس في إحدى الدول العربية، ونريد فتواكم في الذهاب الى الديسكو الملاهي الليلية حيث أن بعض الطلاب يدَّعون بأن هذا الشيء غير محرم، والبعض يقول: مكروه، فما رأيكم يا فضيلة القاضي؟

جـ: أنا لا أرى للشباب المثقف العربي المسلم المتورع أن يضحي بأوقاته الذهبية في الذهاب الى المراقص الليلية لأنها تميّع الشاب وتضيِّع عمره وغربته في أشياء مخالفة للدين وللعروبة، ومن حام حول الشيء يوشك أن يقع فيه، وإذا لم يكن من المحرمات فهي من الشبهات، والمؤمنون وقافون عند الشبهات لحديث (الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ).

‌استحباب افتتاح اللقاءات والمهرجانات والمؤتمرات بالقرآن الكريم

س: ما حكم افتتاح اللقاءات والمهرجانات والمؤتمرات بالقرآن الكريم؟

جـ: لا مانع، بل هو خير من أيِّ كلام أخر يفتتح به.

‌تحريم التطبيع مع اليهود

فتوى علماء اليمن في حكم التطبيع مع اليهود وإعادة توطينهم في اليمن وكان من ضمن الموقعين عليها فضيلة القاضي (محمد بن إسماعيل العمراني)

الحمد لله القائل {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}

(1)

. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فإن اليهود أمة غضب الله عليهم ولعنهم على لسان أنبيائهم، كما قال سبحانه {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}

(2)

وقال سبحانه {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}

(3)

وقد وصفهم الله تعالى في كتابه بما لا يخفى على أحد من المسلمين، فهم الذين يطعنون في ذات الرب سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}

(4)

وقال سبحانه في اليهود {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا

(1)

- البقرة: (120)

(2)

- المائدة: (78)

(3)

- المائدة: (60).

(4)

- المائدة: (64)

ص: 661

عَذَابَ الْحَرِيقِ}

(1)

ومن جرائمهم كفروا بالله تعالى، وكذبوا رسله، وقتلوا الأنبياء والمصلحين، كما قال سبحانه {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}

(2)

، بل إنهم لا يتركون مصلحاً أو آمراً بالقسط إلا قتلوه وتآمروا عليه، كما أخبر الله عنهم، فقال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}

(3)

، ولقد تآمروا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهموا بقتله، ووضعوا له السم، وآذوه بأنواع الإيذاء في حياته، ولا يزالون يتطاولون عليه ويسيئون إليه بعد مماته صلى الله عليه وسلم، واليهود أشد الناس فساداً في الأرض، فهم يستبيحون الأمم الأخرى كما قال سبحانه {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}

(4)

، وجرائم اليهود في حق الله تعالى وفي حق الأنبياء وإفسادهم في الأرض، وتحريفهم للتوراة وعداواتهم للأنبياء والمصلحين وغير ذلك من الجرائم لا تخفى على أحد ولا يزال اليهود متصفين بنقض العهد كما أخبر عنهم سبحانه بقوله {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}

(5)

والمعلوم من تاريخ اليهود أنهم نقضوا العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وتآمروا على قتاله مع المشركين والمنافقين ومعلوم حقدهم على الإسلام والمسلمين وحرصهم على بث الفرقة وإثارة الفتن بينهم، وهم يسعون اليوم لإقامة دولة اليهود الكبرى على أنقاض الدول العربية وفي أرضها!

لقد احتل اليهود أرض فلسطين بعد أن قتلوا أبناءها وأخرجوهم من ديارهم وسلبوا ممتلكاتهم وحاربوا العرب من أجل ذلك، واستعانوا بالقوى الدولية على تحقيق أهدافهم ولا يزالون يسعون لإقامة دولة اليهود الكبرى من النيل إلى الفرات ومن الإسكندرونة إلى المدينة المنورة وإلحاقها بفلسطين المحتلة، ويسعون في هذه الفترة مع من يعينهم من القوى الدولية لتحطيم مقومات العرب من دين وأخلاق وقوة واقتصاد وجيش وأمن ووحدة سياسية ويفرضون على العرب اليوم التسليم بكل ما فعلوا ضدهم وضد إخوانهم في فلسطين، ويطلبون منهم الرضا بالأمر الواقع واعتبار ذلك أمراً طبيعياً بينما هم لا يتوقفون عن تنفيذ بقية مخططاتهم المدمرة للعرب والمسلمين ومقوماتهم!

واليوم نسمع عن عودة هؤلاء اليهود إلى اليمن باسم الزيارة لأهليهم أو السياحة بعد أن نبذوا الجنسية اليمنية وخرجوا من البلاد خروجاً نهائياً، فخرجوا محاربين للجيوش العربية ومنها جيش اليمن ونحن نحذر من أن الهدف الحقيقي لهم هو إعادة استيطانهم في اليمن وتمكينهم من شراء الأراضي اليمنية والعقارات وادعاء الملكية وتشكيل أقلية يهودية تعيش تحت الحماية الأجنبية وتعرض اليمن لضغوط دولية إن لم يسلموا لها ولخططها الماكرة، كما يهدفون في هذه المرحلة إلى إعادة معابدهم وابتزاز ثروات اليمن والتملك في البلاد! وقياماً بواجب البيان الذي أخذ الله ميثاقه على العلماء ونصحاً للأمة وإبراء للذمة نفتي بما يلي:

أولاً: إن موالاة أعداء الإسلام محرَّم شرعاً وبخاصة هؤلاء اليهود لأنهم في حالة حرب مع العرب والمسلمين

(1)

- آل عمران: آية (181)

(2)

- البقرة: (61)

(3)

- آل عمران: (21)

(4)

- آل عمران: (75)

(5)

- البقرة: (100)

ص: 662

واغتصاب لأرضهم ومقدساتهم ويخططون لإقامة دولتهم اليهودية الكبرى على أراضي المسلمين وعليه فيحرم شرعاً التطبيع معهم كما يدل على ذلك قوله تعالى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(1)

، وكما قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

(2)

.

وكما قرر ذلك علماء المسلمين في فتاواهم منذ بداية تكالبهم على أرض فلسطين عام 1935 م إلى يومنا هذا.

ثانياً: يحرم التعامل مع هؤلاء اليهود الحربيين بيعاً أو شراء أو استثماراً أو تمليكاً للأراضي حتى لا يكون سبباً في توطينهم وادعائهم الإقامة حيث يملكون وحتى لا يكون ذريعة لإعادة استيطانهم في اليمن.

ثالثاً: يوصي العلماء المسلمين جميعاً والشعب اليمني خصوصاً حكاماً ومحكومين بالتنبه لخطر موالاة اليهود والحذر من خططهم الماكرة والوقوف صفاً واحداً أمام هذا الخطر الداهم، الذي يهدف إلى حرب الإسلام والمسلمين مما يستوجب الوقوف أمام المخططات التي تسير في هذا الاتجاه وتشجع على موالاة اليهود والمحاربين للإسلام والمسلمين وإقامة العلاقات معهم.

نسأل الله أن يوفق الأمة الإسلامية لما فيه خيرها وصلاحها وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

‌تحريم منع الآباء أبناءهم من حفظ وفهم معاني السور الفرآنية

س: هناك بعض الآباء يمنع أولاده من حفظ معاني السور القرآنية الموضوعة في كتاب التربية الإسلامية المقرر على طلاب المدارس من وزارة التربية والتعليم ويزعم أن هذا التفسير غير صحيح وإنما هو تفسير مستورد وكذلك يقول بأن شرح الأحاديث النبوية الموجودة في الكتاب المذكور غير صحيح أيضا فما هو ردكم على هؤلاء الناس؟

جـ: اعلم بأنه لا ينبغي لهذا الأب أن يمنع ابنه من حفظ التفسير المقرر على ولده حفظه ثم إن كان هذا الأب من العلماء فلا مانع له من التعليق على البحث الذي لا يراه صحيحاً مهما كان عالماً بعلوم اللغة والحديث وما قاله علماء التفسير الكبار في تفسير الآيات والسور القرآنية المقرر على الطلبة حفظها ومعرفة تفسيرها، وإن كان غير عالم فغير العالم لا ينبغي له أن يدس أنفه في أهم العلوم وهو تفسير كتاب الله وليس من حقه أن يتدخل في علم هو من أخطر العلوم.

‌السنة مبيَّنة لما أجمله القرآن الكريم

س: هل هناك أحكام استقلت بها السنة مع ذكر الأمثلة إن تكرمتم لأن بعض الناس يدعي بأن السنة عبارة عن توضيح لما ورد في القرآن فقط دون أن تستقل بأحكام بمفردها؟

جـ: قد اتفق العلماء على أن الأحاديث النبوية تكون في بعض الأحيان مؤيدة لما جاء في القرآن كالأحاديث التي تأمر بالصلاة والصوم والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلا، وقد تكون مبينة لما أجمله القرآن كالأحاديث الواردة في صفة الصلاة وأوقاتها وعدد ركعاتها وفي أحكام الزكاة والصوم والحج المفصلة لما جاء في القرآن مجملاً، ولكنهم اختلفوا في الأحاديث الواردة في السنة التي لم تكن مؤيدة لما جاء في القرآن ولا مبينة لما أجمله

(1)

- الممتحنة: (9)

(2)

- المائدة: آية (51)

ص: 663

القرآن، هل تكون داخلة في النصوص القرآنية فيكون الأمر من النبي بها أمراً من الله تعالى بمعنى، هل هذا النوع من السنة النبوية داخل في الأوامر الواردة في القرآن بوجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر به أم أن هذا النوع من السنة شيء مستقل بذاته وبعبارة أخرى هل تستقل السنة بالتشريع وتكون أحاديثها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي وتثبت بها أحكام شرعية جديدة عن طريق الاستقلال أم عن دخولها تحت نصوص القرآن ولو بتأويل، فذهب الشاطبي مؤلف الموافقات وآخرون إلى الثاني وذهب الجمهور إلى الأول، قال الشافعي رحمه الله في الرسالة ما معناه لم أعلم من أهل العلم مخالفاً في أن سنن النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة وجوه اجتمع العلماء على وجهين:

أحدهما: ما أنزل فيه نص كتاب فبين رسول الله ما نص عليه الكتاب.

والآخر ما أنزل الله فيه جملة كتاب فبين النبي معنى ما جاء مجملاً في الكتاب، وهذان الوجهان لم يختلفوا فيهما.

والوجه الثالث: ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب، فمنهم من قال جعل الله له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب، ومنهم من قال لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب، ومنهم من قال بل جاءت به رسالةالله فأثبتت سنته بفرض الله ولعل مراد الشافعي بالخلاف في القسم الثالث ليس هو الخلاف في وجوده بل في مفرده، هل هو على الاستقلال بالتشريع كما قال أصحاب القول الأول والثالث والرابع، أم بدخوله ضمن نصوص القرآن كما قال أصحاب القول الثاني، وبيان ذلك هو أن السنة قد وردت بأحكام سكت عنها القرآن فلم يثبتها ولم ينفها كالأحاديث الصحيحة الواردة في السنة الدالة على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، والدالة على الشفعة، وعلى رجم الزاني المحصن، وعلى إرث الجدة وغيرها من الأحاديث المثبتة لأحكام لا توجد في القرآن لا إثباتاً ولا نفياً، وهم الجمهور يقولون: القرآن قد نص على تحريم الزواج بالأمهات وغيرها مما جاء في الآية الكريمة، ولم ينص على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها فجاءت السنة بحكم جديد نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها، فهذا التحريم حكم جديد استقلت به السنة لم يوجد في القرآن ما يدل عليه لا إجمالاً ولا تفصيلاً، وكذلك يقولون: جاء القرآن بإباحة البيع وبأن البيع والشراء يكون عن تراض، ولم يذكر الشفعة لا بجواز ولا بمنع فجاءت السنة بالشفعة فكانت أحكام الشفعة أحكام جديدة استقلت بها السنة، وهكذا غير هذه الأحاديث التي جاءت بها السنة ولم ترد في القرآن، والعلماء الذين قالوا بأن جميع ما جاء في السنة من هذا النوع لم يكن مثبتاً لأحكام جديدة بل هي كلها داخلة تحت نصوص القرآن كقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}

(1)

.

‌حجية من لا يقول بالقياس

س: ما هي حجة العلماء الذين لا يقولون بالقياس؟ وما هو دليلهم على ذلك؟

جـ: اعلم بأن حجة العلماء الذين لا يقولون بالقياس هو القيام مقام المنع، حيث أن الأصل هو عدم القياس، وأن الحجة هي ما جاء عن الله في القرآن الكريم أو عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية المطهرة الواردة من وجه

(1)

سورة النساء: آية (59)

ص: 664

صحيح، والدليل هو على من يدعي بأن القياس حجة شرعية بعد الكتاب والسنة أو بعد الكتاب والسنة والإجماع فالأولى في السؤال هو أن تقول: ما حجة العلماء الذين يقولون بأن القياس حجة؟ والجواب: بأن لهم عدة حجج مذكورة في كتب الأصول في أول بحث القياس فراجع شرح غاية السؤل في علم الأصول للحسين بن القاسم أو إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني، لأن الوقت لا يتسع لذكرها لا سيما وقد جمعت في رسالتك هذه العديد من الأسئلة الفقهية والأصولية.

‌بعض مسائل الفقه عليها أدلة من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس

س: هل جميع المسائل الفقهية لها دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس؟ وما هو اللازم على من صام أياماً في رمضان وترك بعضها لغير عذر شرعي؟

جـ: اعلم أن بعض المسائل في الفقه بعضها عليها دليل وبعضها داخلة تحت عمومات وقياس خفي أو استحسان ومن أحسن كتب الفقه (الدرر البهية) مع شرحه (الدراري المضيئة) للشوكاني، واعلم أن من صام رمضان وأفطر بعضه من غير عذر شرعي آثم إثماً عظيماً وعليه أن يتوب ويقضي، ومن أفطر رمضان كاملاً لغير عذر فإثمه أكبر وعليه التوبة والقضاء.

‌عدم جواز التأمين على الحياة

س: نحن مجموعة من المواطنين نعمل لدى إحدى مؤسسات الدولة ونرغب في عمل تأمين على الحياة لدى إحدى شركات التأمين الوطنية المملوكة للدولة مئة بالمائة، وعندما استفسرنا من أحد مسئولي الشركة عن النشاط المالي والاستثماري الذي تمارسه هذه الشركة أجاب بأن نشاط الشركة المالي والاستثماري هو نشاط اجتماعي واقتصادي وخدماتي 100% وفوئده عائدة لليمن، حيث أن هذه الشركة تعمل في مجالات الاستثمار الزراعي والصناعي والخدماتي وغيره وأن نصف عائدات الشركات المالية تدعم بها ميزانية الدولة وما عدى ذلك لا نعلم عنه شيئاً، والسؤال هو ما رأي علماء الدين في اشتراكنا في ا لتأمين على الحياة لدى هذه الشركة بالتحديد، هل هو جائز أولاً؟ ما رأي علماء الدين في التأمين على الحياة عموماً؟

جـ: لقد اختلفت أراء علماء العصر في حكم التأمين على الحياة فقيل بالجواز، وقيل بعدم الجواز، والأحوط هو القول بعدم الجواز، هذا والله سبحانه ولي الهداية والتوفيق.

س: ما حكم العمل في شركات التأمين؟

جـ: أنا متوقف في مسألة العمل في شركة التأمين منذ عشرين عاماً، ولقد كنت في مجلس النواب فلما قُدم قانون (التأمين) إلى المجلس وكان الخلاف بين الأعضاء فمنهم من أجازه ومنهم من لم يجزه، وكنت متوقفاً منذ ذلك اليوم.

‌تحريم خروج المرأة من بيتها متعطرة

س: لقد سمعت حديثاً معناه أن المرأة إذا تعطرت وخرجت إلى الأسواق فهي زانية فهل معنى الحديث أنها زانية حقاً أم هي كناية عن عبارة أخرى؟

جـ: لم يرد بالزانية أي الزانية الحقيقية وإنما المراد المبالغة في التحريم، فقد سماها زانية مجازاً لا حقيقة لأنها عملت ما هو حرام شرعاً.

س: ما حكم لبس العروس لما يسمى بفستان الفرح الأبيض مع العلم أنه غالي الثمن ويكشف الكثير من أعلى جسد

ص: 665

المرأة؟

جـ: إذا صح أنه يكشف بعض المفاتن فهو غير جائز.

‌أحاديث الأقطاب والأبدال ليست صحيحة

س: يقول بعض الناس أن هناك أقطاب وأبدالا، فمنهم الأقطاب والأبدال؟

جـ: قد وردت أحاديث في الأبدال والأقطاب ذكرها السخاوي في كتابه المقاصد الحسنه وجمعها أيضاً تلميذه السيوطي في رسالة مستقلة ولكنها من ناحية السند ليست بصحيحة.

‌تحريم الإفتاء بغير علم بأدلة الكتاب والسنة

س: يوجد أناس عندنا يدعون بأنهم علماء ولا يشتغلون لجمع المال أبدا ويعتمدون على ما يأتيهم من هبات من الزوار الذين يأتون إليهم بالهدايا، وعندما يأتي الناس إليهم يتعالون عليهم وهم يفتون من كتبهم علماً بأن كتبهم ليست صحيحة ويفتون بقضاء الصلاة عن الميت ولا يفتون بقضاء الصوم عنه مع أن الحديث يدل على قضاء الصوم فقط؟

جـ: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلاله وكان من هديه صلى الله عليه وسلم العمل كما كان صلى الله عليه وسلم يهتم بقضاء الصوم إلى حد أنه قال (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ)

(1)

وكان يأمر بوحدة الجماعة وينهى عن التفرق، وإن الشباب الصالح كانوا يصلون مع الجماعة ولا يتهربون منها.

‌تحريم التصدق من المال الحرام

س: هل يجوز للإنسان أن يتصدق من المال المسروق أو المحرَّم؟ وهل يكتب له أجر الصدقة؟

جـ: اعلم أن الصدقة من المال المسروق حرام ولا تكتب لصاحبها صدقه وليس له ثواب على هذه الصدقة إن كانت من المال الحرام الذي كان مصدره من السرقة أو الرشوة أو غلول الأموال العامة أو غيره من وسائل الكسب المحرَّم شرعاً لأنه قد ورد ما يدل على هذا التحريم وعلى عدم قبول هذه الصدقة كما في الحديث الصحيح (لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ)

(2)

.

‌لفظ (الحر) في الحديث معناه الفرج

س: وجدنا في صحيح البخاري لفظ (يأتي في آخر الزمان رجال يستحلون الحرَّ والحرير) وفي بلوغ المرام (يستحلون الخز والمعازف) ولم نجد معنى الحر في كتب اللغة؟

جـ: إن هذا الحديث المذكور قد أخرجه البخاري بلفظ (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الصوم: باب من مات وعليه صوم. حديث رقم (1952) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ).

أخرجه مسلم في الصيام، وأبو داود في الصوم، الأيمان والنذور، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الطهارة: باب وجوب الطهارة للصلاة. حديث رقم (534) بلفظ (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالَ: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لِي يَا ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ).

أخرجه الترمذي في الطهارة. وا بن ماجه في الطهارة وسننها، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

معاني الألفاظ: غل: خان.

ص: 666

وَالْمَعَازِفَ)

(1)

، وقد اختلفت نسخ صحيح البخاري في لفظة (الحر) هل هو بالحاء المهملة وبالراء المهملة أيضا أم أنه بالخاء والزاي المعجمتين، والذي رجحه الحافظ بن حجر العسقلاني في فتح الباري هو باللفظ الأول أي أنه بـ (الحاء والراء المهملتين) بدليل أنه قال في الفتح في شرح هذا الحديث ما نصه هو جميع الروايات من صحيح البخاري بالحاء المهملة ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره، وأما ابن العربي فقال انه عند البخاري بالمعجمتين وقال ابن العربي هو بالمعجمتين تصحيح وإنما رويناه بالمهملتين وهو (الفرج) أي (يستحلون الزنى) وقال ابن الأثير المشهور في رواية هذا الحديث بالإعجام وهو ضرب الابريسم، وقال ابن العربي (الخز) بالمعجمتين والتشريك أي مختلف في حكمه شرعاً، وبناءً على ما سبق من اختلاف نسخ صحيح البخاري، نقول: الجواب على قول السائل بأنه لم يجد اسم الحر في أيِّ كتاب من الكتب المتقدمة أو المتأخرة نقول إنه موجود في صحيح البخاري في بعض النسخ.

‌مشروعية تأسيس الجمعيات الخيرية لتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية

س: هل تأسيس الجمعيات الخيرية لتعليم العلوم الشرعية ورعاية الفقراء وبناء المستشفيات مشروع أم أنه بدعة؟

جـ: اعلم أنه لا مانع من تأسيس جمعيات خيرية لتعليم القرآن الكريم وللمحاضرات العلمية أو لمكافحة الأمية أو لغيرها من المنافع حيث وذلك داخل في عموم قوله تعالى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} والتعاون هذه الأيام أصبح بتأسيس الجمعيات الخيرية، ولا بأس بالدعاية لهذه الجمعية وستكون الدعاية لها من باب ما لا يتم فعل الخير إلا به فهذا يكون مشروعاً بأصله ولكي يقتدي بمن يؤسس جمعية خيرية غيره من الناس الذين يحبون الخير للناس، وقد ورد في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (خير الناس أنفعهم للناس) والمهم النية الحسنة والمقصد الحسن للحديث الصحيح (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) ولو قلنا إن في تأسيس الجمعيات الخيرية والدعاية لها نوع من الرياء للزم منه أن يكون فعل الصحابي الذي تصدق على القوم الذين وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم في حالة يرثى لها فرغب النبي في التصدق عليهم ودعا لمن يتصدق عليهم فبدأ صحابي فتصدق عليهم وأثنى عليه الناس وأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (منْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ)

(2)

، ولو كان تأسيس الجمعيات الخيرية والدعاية لها رياء لكان فعل هذا الصحابي رياء ولو كان رياء لما أقره النبي

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأشربة: بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. حديث رقم (5530) بلفظ (عن أَبُي عَامِرٍ أَوْ أَبُي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

معاني الألفاظ: الحر: الزنا.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب العلم: باب من سن سنة حسنة أو دعا إلى هدى. حديث رقم (6751) بلفظ (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ،. قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللّهِ، عَلَيْهِمُ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ، فَحَثَّ النَّاسَ عَلى الصَّدَقَةِ، فَأَبْطَؤُوا عَنْهُ، حَتَّى رُئِيَ ذلِكَ فِي وَجْهِهِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ).

أخرجه الترمذي في العلم عن رسول الله، والنسائي في الزكاة، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في المقدمة.

أطراف الحديث: الزكاة.

معاني الألفاظ: الحاجة: الشدة والضيق.

الورق: الفضة.

ص: 667

-صلى الله عليه وسلم على ما عمله بمرأى ومسمع من الرسول ولنهاه ولكنه أقره على عمله وأثنى عليه، هذا ما أراه وفوق كل ذي علم عليم.

‌جواز قبول التبرعات للأعمال الخيرية ولا عبرة بالشك في مال المتبرع

س: نحن نجمع تبرعات لصالح تحفيظ القرآن الكريم ويوجد متبرع يعطينا مبلغا ولا نعرف من أيِّ شخص هو المبلغ؟ ومن أين المبلغ؟ ولكن عندنا شك أن المبلغ يأتي من طرق مشبوهة فما هو حكم المبلغ؟ وهل يجوز التصرف فيه؟

جـ: الشريعة على الظاهر.

‌جواز استثمار أموال جمعية خيرية لصالح الجمعية في أعمال مضمونة النجاح

س: جمعية خيرية في رصيدها مبلغ (600000) ريال، اقترح أحد أعضائها استثماره في أرضه وذلك ببناء بيت صغير وتأجيره ويكون الإيجار مناصفة بين الجمعية والعضو إن تم تأجيره وإن لم يستأجر فيتم رد المبلغ كاملاً بعد سنتين، فهل في ذلك ربا؟

جـ: لا مانع.

‌جواز قتل الكلاب الضارة

س: هل يجوز قتل الكلاب إذا أضرت بالناس؟ أم أنه لا يجوز؟

جـ: قتل الكلاب جائز مهما دعت الضرورة لذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار)

(1)

.

‌كراهة قتل الكلاب إذا لم تكن ضارة

س: ما حكم قتل الكلاب التي في المناطق الزراعية سواء كانت ضارة أم لا؟

جـ: يعملون ما يريدون بعد أن يستخيروا الله، وأما أني أجيب بجواز قتلها فلا.

‌جواز إحراق النمل بالنار إذا كان مضراً وتحريم إحراق الجراد بالنار

س: هل يجوز إحراق النمل بالنار؟ وهل يجوز أن يحرق الجراد بالنار؟

جـ: النمل إن كان منها ضرر فيجوز إحراقها وإن لم يكن منها ضرر فلا يجوز إحراقها بالنار، أمَّا الجراد فلا يجوز إحراقه بالنار لأنه لا ضرر منه ولكني حتى الآن لم أقف على حديث يبين كيف كان الجراد يؤكل في أيام النبي

(2)

صلى الله عليه وسلم وفي أيام الصحابة الكرام ولا زلت أبحث عن الطريقة التي كان الجراد يؤكل بها أو الكيفية عن أكل الجراد في أيام النبي صلى الله عليه وسلم لأني كنت متحرجاً ولا زلت أتحرج من إحراق الجراد بالنار، وقدورد حديث ضعفه الألباني

(1)

سنن ابن ماجة: كتاب الأحكام: باب من بنى في حقه ما يضر جاره. حديث رقم (2408) بلفظ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (909).

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

(2)

سنن الترمذي: كتاب الحج عن رسول الله: باب ما جاء في صيد البحر للمحرم. حديث رقم (778) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَاسْتَقْبَلَنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَجَعَلْنَا نَضْرِبُهُ بِسِيَاطِنَا وَعِصِيِّنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كُلُوهُ فَإِنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْر) ضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي برقم (850).

أخرجه أبو داود في المناسك، وابن ماجة في الصيد، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: رِجل جراد: جراد كثير.

ص: 668

بلفظ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَاسْتَقْبَلَنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَجَعَلْنَا نَضْرِبُهُ بِسِيَاطِنَا وَعِصِيِّنَا) وكنت أحاول أن أقتلها بوضعها بين الماء ولكنها لم تكن تموت بوضعها بين الماء، وكنت ولا زلت متحرجاً من إحراقها بالنار لحديث (لا يعذب بالنار إلا رب النار)

(1)

.

‌تحريم قتل النمل من دون ضرورة لقتلها

س: هل يجوز قتل النمل من دون ضرورة لقتلها؟

جـ: لا يجوز.

‌جواز قتل الحشرات المنزلية الضارة

س: هل يجوز قتل الحشرات التي في المنازل؟

جـ: ما كان قد حصل منه الضرر جائز.

‌جواز تربية الحمام في المنزل

س: ما حكم الشرع في تربية الحمام في البيت وهي ذاهبة وعائدة غير محبوسة ونوفر لها الحب؟

جـ: لا مانع.

‌جواز تربية الطيور للزينة في البيوت أو الحدائق العامة

س: هل يجوز وضع طيور زينة في البيوت والحدائق العامة؟

جـ: نعم.

س: توجد تقاويم معلقة في بعض المساجد وهي تحمل صوراً ودعايات لبعض المنتجات الأجنبية مثل أدوات التجميل المغيرة لخلق الله هل يجوز ذلك أم أنه حرام؟

جـ: وضع التقويم في جدار المسجد على الصفة التي ذكرها السائل لا يجوز شرعاً ما دام وفيها بعض الصور التي تشغل المصلي عن أداء الصلاة بخشوع علماً أنَّ صلاة المصلين وهم ينظرون إلى هذه الصور صحيحة ولكنها مكروهة كراهة تنزيهية فقط.

س: ما حكم الإسلام فيمن يسبون آباءهم؟

جـ: اعلم أن سبَّ الآباء والأمهات لا يجوز شرعاً سواء كان الذي سيسبُّ أباه سيسبُّه سباٍّ مباشراً أوكان سبباً حاملاً للغير على سبِّ أبيه مثل أن يسبَّ الرجل أبا رجل آخر فيكون سبباً في سبِّ الرجل الآخر أباه كما ورد النهي عن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

‌وجوب مساواة الإسلام بين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية إلا ما خصهن دليل خاص

س: كثيراً ما نسمع ونقرأ في وسائل الإعلام مساواة المرأة بالرجل، فهل هناك دليل على ذلك؟

جـ: اعلم أن النساء شقائق الرجال في الأحكام الشرعية، أما ما قد ورد الدليل على أن لها حكم مخالف لحكم الرجل فلا تتساوى هي والرجل فيه وهي أحكام كثيرة مذكورة في كتب الفقه وفي شروح الحديث ولا يخلو باب من

(1)

سنن أبي داود: سبق ذكره في هذا الباب من حديث حمزة الأسلمي رضي الله عنه بتصحيح الألباني للحديث في صحيح سنن أبي داود برقم (2673).

ص: 669

أبواب الفقه إلا ذكر فيه بعض أحكام المرأة المخالفة للرجل.

‌جواز ركوب المرأة سيارة الأجرة بمفردها داخل المدينة عند الضرورة

س: هل يجوز لصاحب السيارة أن يوصل امرأة وهي بدون محرم في نفس المدينة؟

جـ: لا مانع بشرط أن يكون قد فتح الزجاج التي في السيارة ولا تكون مغلقة، ولا يجوز أن يخرج معها إلى خارج البلد إلا مع وجود محرم لحديث (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ)

(1)

وحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ)

(2)

وحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) وحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)

(3)

‌استحباب التبرع بالدم لإنقاذ المرضى

س: ما هو ثواب التبرع بالدم وهل يأخذ المتبرع جزاء على ذلك؟ وهل الحصول على الثمن أو الجزاء يلغي ثواب التبرع؟

جـ: إن من يتطوع بدمه إسعافاً لغيره ممن هو مضطر إلى الدم فيه ثواب عظيم لأنه داخل في باب التعاون على البر والتقوى الذين أمرالله بالتعاون عليهما في قوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وفي عموم فضل من فرج على مسلم كربته فرج الله كربته يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَاكَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)

(4)

، أما بيعه (أي الدم) لا

(1)

- صحيح البخاري: كتاب تقصير الصلاة: باب في كم تقصر الصلاة. حديث رقم (1088) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ).

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الرضاع، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب لا يخلون رجل بامرأة. حديث رقم (5233) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ).

أخرجه مسلم في الحج، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: الحج، الجهاد والسير.

(3)

- مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: باب مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه. حديث رقم (1424) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2801).

أخرجه الترمذي في الادب، والنسائي في الغسل والتيمم، والدارمي في الأشربة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الإزار: ثوب يلف به النصف الأسفل من الجسم.

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. حديث رقم (4867) بلفظ (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

أخرجه الترمذي في الحدود، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة.

أطراف الحديث: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار.

معاني الألفاظ: الكربة: الضيق والشدة والغم الذي يأخذ بالنفس. الالتماس: البحث والطلب.

ص: 670

يجوز لأن الدم جزء من الآدمي وبيع الآدمي الحر نفسه لا يجوز لحديث (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ)

(1)

، ولا مانع من مكافأة المتبرَع له للمتبرِّع مكارمه بعد أن يتطوع بدمه مكارمةً له، أمَّا البيع والشراء فلا يجوز.

س: هل يؤجر الشخص عند استماعه إلى المذياع وهو يبث تلاوة قرآن أو أحاديث نبوية؟

جـ: من المعروف أن من يستمع إلى القراءان من المذياع إلى الفتوى الشرعية والدينية له أجر عظيم إذا كان مقصوده باستماعه القرآن هو رجاء ما أعده الله من الأجر لمن يستمع إلى تلاوة القرآن الكريم، وكذلك استماعه إلى الأحاديث النبوية أو إلى الفتوى الدينية والشرعية له الأجر مهما كان القصد من الاستماع إلى الأحاديث أو الفتوى هو الاستفادة والمعرفة، فهو كمثل من يطالع في كتب السنة أو الحديث، لحديث (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)

(2)

وحديث (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)

(3)

.

‌استحباب الاجتماع في ليالي رمضان لتلاوة ما تيسر من القرآن الكريم

س: ما هي الحكمة في قراءة تخميس القصائد الوترية في شهر رمضان بصوت جماعي ومرتفع في المنازل وغيرها، وهل هذا العمل مشروع أم أنه غير مشروع؟

جـ: الأفضل لمن كانوا سيجتمعون للسمر في ليالي رمضان أو في غيرها هو تلاوة ما تيسر من القرآن كما كان يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم أو قراءة كتب الأحاديث الصحيحة المشتملة على الأحكام الشرعية أو على الشمائل المحمدية أو على السيرة النبوية فقراءة هذه الكتب أفضل من القصائد بكثير لحديث (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) وحديث (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ).

س: هل يوجد خلاف بين العلماء المعاصرين في حكم التصوير الفوتوغرافي ومن هم القائلون بالجواز والقائلون بعدم الجواز؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب إثم من باع حراً. حديث رقم (2227) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ).

أخرجه ابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الإجازة.

(2)

- سنن ابن ماجه: كتاب المقدمة: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. حديث رقم (183) بلفظ (عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَتَيْتُكَ مِنْ الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: لَا ? قَالَ: وَلَا جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجه بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في العلم.

معاني الألفاظ: الالتماس: القصد والطلب. وافر: تام وكامل.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب العلم: باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. حديث رقم (69) بلفظ (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ)

أخرجه مسلم في الإمارة، وابن ماجه في المقدمة، وأحمد في مسند الشاميين، ومالك في الجامع، والدارمي في المقدمة.

ص: 671

جـ: اعلم بأن علماء العصر مختلفون في حكم التصوير الفوتغرافي اختلافاً عظيماً ولكل قائل حجته، وللمزيد من الإطلاع راجع كتاب الحلال والحرام للدكتور (يوسف القرضاوي).

س: تنتشر في بيوت كثير من المسلمين كثير من الصور المعلقة على الجدران، فما الحكم؟

جـ: الظاهر أنه لا مانع.

س: سمعنا أنه لم يثبت في كتب السنة أن يقول القارئ (صدق الله العظيم) بعد انتهائه من قراءة القرآن أفيدونا في ذلك؟

جـ: اعلم أن قول القارئ (صدق الله العظيم) مما استحسنه القراء بعد تلاوة القرآن، وأما أنه ورد حديث صحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من فعله أو من تقريره فلا أعلم، والله أعلم.

‌تحريم اختلاء الموظف بالموظفة في مكان واحد وجواز الكلام حول مهام العمل

س: نعلم أن من الوزارات والمؤسسات وغيرها من القطاعات تقوم بتوظيف فتيات للعمل في تلك الأماكن، هل يجوز للموظفين من الرجال مخالطتهن والتحدث معهن أم لا؟

جـ: اختلاء الموظف بالموظفة في مكان واحد غير جائز شرعاً لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

(1)

و لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) ولحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ)، أما الكلام بين الموظف والموظفة على غير خلوة فهو على قسمين:

القسم الأول: أن يكون الكلام حول الأعمال والمهام فهذا لا مانع منه للضرورة.

القسم الثاني: أحاديث حول مواضيع عاطفية كالعتاب والشوق وأحاديث الاجتماع والقران فهذا لا يجوز، وهكذا لا يجوز أيِّ كلام يدخل المتكلم في التهمة وسوء الظن ممن رآه يتكلم مع أيِّ فتاة.

س: امرأة لها ولد ولها أخت متزوجة قامت هذه المرأة وزوج أختها بالتواصل بالتلفون يومياً والخروج معه بالسيارة أكثر الاحيان علماً بأنها في بداية الأربعينات وهو يكبرها بسبع سنوات، وتحلف المرأة أنها تنظر إليه كأخ وهو كذلك يحلف بأنه ينظر إليها كأخت، وأنه يرحمها ويعطف عليها ويحلفون بالله العظيم بذلك أمام أخت المرأة كي تقتنع أنه ليس بينهما أيُّ شيء حرام، وأنهم ينظرون الى العلاقة بينهم كصداقة أخوية، ولكن أخت المرأة نصحت أختها بالتخلي عن زوجها تفاديا لخراب الأسرة ولم تقتنع بما حلفوا به، فحلف كل من الزوج والمرأة أنه لن يترك الآخر حتى تغمض عينه متحدياً بذلك الولد والزوجة، علماً أن ولد المرأة ينصح والدته ويهدد بترك البيت وأن يتبرأ منها، مع العلم أن المرأة والزوج لا يدخلان في المحظور ويؤديان ما عليهما من فرائض، والنقطة الأساسية هي الخروج معاً لمنفعة المرأة والتواصل بالتلفون، فما هو الحكم بذلك؟

جـ: إذا كان الواقع ما ذكرتم فهذا الرجل يخلو بأخت زوجته عند الذهاب إلى أيِّ محل في المدينة وهي أجنبية عنه، وقد حرَّم الشرع الخلوة بالأجنبية لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ

(1)

- الأحزاب: آية (53)

ص: 672

لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} و لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) ولحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) فأنصح بالتباعد.

س: موظفة في مركز حكومي تعمل كشافة للنساء والأطفال منذ زمن بعيد، ويقتضي طبيعة عملها الخلوة بالمريض ومعاونته وتوضيعه في مكانه الصحيح على الوضعية الصحيحة ما يقتضي لمسه بيدها، ما يجعلها تمتنع عن عمل كشافة للرجال إلا أنها أحيانا تجبر من قبل مديرها على ذلك بالرغم من وجود فني كشافة رجل، مع العلم أن مديروها يسخرون من التزامها ويصفونه بأنه دين جديد، علماً بأنه قد تم ضبط أكثر من فني مع أكثر من مريضة في وضعية غير شريفة في أكثر من مستشفى، فما الحكم؟

جـ: النبي صلى الله عليه وسلم قد حرَّم لمس الرجل للمرأة الأجنبية و حرَّم لمس المرأة للرجل الأجنبي في حديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045)، و حرم الشرع على المرأ ة الخلوة بالأجنبي لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} و لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) ولحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ) وقد قال الله تعالى {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}

(1)

.

‌تحريم خلوة المرأة بابن خالتها أو أيِّ رجل من أقاربها أو أقارب زوجها

س: هل يجوز للمرأة أن تقابل ابن خالتها أو تعيش معه ومع أفراد أسرته في بيت واحد مع العلم أنه يمكن العيش في بيت خالها شقيق أمها؟

جـ: لا تخلو به ولا ينظر إلى صدرها وشعرها ورأسها لأنه غير محرم لها لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} و لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) ولحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ).

‌تحريم مصافحة المرأة الأجنبية

س: كنت في حوار مع صديقي حول مصافحة المرأة الأجنبية فقلت له بأنه حرام بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصافح امرأة أجنبية في حياته، فأجاب أنه على العكس فهناك حديث أن الجارية كانت تأخذ بيده صلى الله عليه وسلم وتنطلق به حيث شاءت لقضاء حاجتها، وهذا دليل على جواز مصافحة المرأة الاجنبية، فما هو رأيكم؟

جـ: هذه التي كانت تأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم (أمة) والكلام في الحرة، وليس هذا الحديث دليل صريح على أنه صافحها أو لمس بيده يدها، وكيف وقد قال صلى الله عليه وسلم (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045)،

(1)

- الطلاق: آية (3، 2)

ص: 673

فهذا الحديث حديث قولي صريح في الدلالة على تحريم المصافحة وهو أرجح من الدليل الذي استدل به صاحبك.

‌تحريم النظر إلى النساء المتبرجات ولو بدون شهوة

س: ما حكم النظر إلى النساء العاريات تحت ذريعة عدم الشهوة، وأنها لا تثيره هذه النظرات؟

جـ: حرام لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}

(1)

.

‌تحريم تبرج المرأة في الطرقات والشوارع العامة

س: ما موقف الإسلام من تبرج المرأة بزينتها في الشوارع العامة؟

جـ: هذا لا يجوز لقوله تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}

(2)

ولحديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ، لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ)

(3)

.

‌تحريم النظر الى المرأة الأجنبية

س: هل النظر الى المرأة حرام؟

جـ: النظر الى المرأة الأجنبية حرام لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} ولحديث (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَر)

(4)

.

س: ما هو الداعي لاختلاف العلماء في بعض المسائل، نرجو التوضيح؟

جـ: بعض العلماء يصح عنده حديث ولا يصح عند الآخر أو يفسر أحد العلماء حديثاً ويفسره آخر تفسيراً مختلفاً أو يعمل أحد العلماء بدليل عام والآخر بقياس، والكلام طويل جداً، وقد تكلم بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه) رفع الملام عن الأئمة الأعلام (وقد أوفى الموضوع حقه فمن أراد أن يعرف فليرجع إليه.

‌جواز نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي للضرورة وبدون شهوة

س: ما حكم نظر المرأة للطبيب والمعلم والبائع وكذلك نظرة الرجل؟

(1)

- النور: (30)

(2)

- الأحزاب: آية (33)

(3)

- سنن النسائي: كتاب الزينة: باب مايكره للنساء من الطيب. حديث رقم (5141) بلفظ (عَنْ الْأَشْعَرِيِّ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ، لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ). حسنه الألباني في صحيح سنن النسائي بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الأدب، وأبوداود في الترجل، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في الاستئذان.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب وجوب الحج. حديث رقم (1513) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَر، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كبيراً لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ)

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبوداود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، ومالك في الحج، والدارمي في المناسك.

أطراف الحديث: المغازي، الاستئذان.

معاني الألفاظ: الردف: الجلوس خلف الراكب.

ص: 674

جـ: لا مانع للضرورة.

‌جواز كلام المرأة للرجل الأجنبي بصوت خشن وبقدر الحاجة

س: ماهي الضوابط التي تبيح للمرأة أن تتكلم مع رجل أجنبي؟

جـ: الكلام حول بيع أو شراء أو نحوه ويكون الكلام كلاما ليس فيه ميوعة أو عاطفة أو مزاح أو دلال أو ضحك غير عادي خشية من الدخول في المحظور لقوله تعالى {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}

(1)

.

قال أمير الشعراء/ أحمد شوقي:

نظرة فابتسامة فسلام

فكلام فموعد فلقاء.

‌تحريم ضياع وقت الإنسان في غير مفيد لا دنيا ولا دين

س: هل يجوز إضاعة الوقت في غير فائدة؟

جـ: لا يجوز لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

(2)

.

‌تحريم حبس أيِّ حيوان بلا طعام ولا ماء حتى يموت

س: كان لنا في قريتنا حماران فحدثت بسبب دخولهما مزرعة لجيراننا مشكلة بيننا وبينهم فما كان من أخي إلا أن قام بسوقهما إلى جبل ليس فيه ماء ولا مرعى فربطهما هناك حتى ماتا من الجوع والعطش، فما هو الحكم عليه؟

جـ: لقد ورد في الحديث الصحيح (عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، قَالَ: فَقَالَ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ)

(3)

،

فهذا دليل صحيح صريح على تحريم حبس أيِّ حيوان بلا طعام يطعمه وسواء كان حمارا أو غيره، وهذا الإنسان يعتبر آثماً لأنه ارتكب محرَّماً على لسان سيد المرسلين وعليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً بالندم على فعله والعزم على عدم العودة إلى مثل هذا العمل القبيح شرعاً وعقلاً، وأن يكثر من الصوم والصدقة والصلاة لأن باب التوبة مفتوح إلى قيام الساعة والله تواب رحيم لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(4)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ

(1)

- الأحزاب: آية (32)

(2)

- الحشر: آية (18)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب المساقاة: باب فضل سقي الماء. حديث رقم (2365) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، قَالَ: فَقَالَ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ).

أخرجه مسلم في السلام، والدارمي في الرقاق.

أطراف الحديث: بدء الخلق، أحاديث الأنبياء.

معاني الألفاظ: الخشاش: حشرات الأرض وهوامها.

(4)

- التحريم: آية (8)

ص: 675

الْمُتَطَهِّرِينَ}

(1)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(2)

وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُه وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

(3)

.

س: هل يجب على الإنسان أن ينصح أهله وجيرانه وزملاءه حتى ولو لم يسمع المنصوح؟

جـ: اعلم أن على الإنسان أن ينصح أهله وجيرانه وأصدقاءه بقدر المستطاع فإن نفع النصح فذلك هو المطلوب وإن لم ينفع في المنصوح فقد بذل الإنسان جهده وأراح ضميره وأرضى خالقه

على المرء أن يسعى إلى الخير جهده

وليس عليه أن تتم المطالب

ويكون قد عمل بحديث (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِين، َ وَعَامَّتِهِمْ)

(4)

وحديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ).

‌الدين الإسلامي ليس مقصوراً على الصلوات وإنما هو شامل لكل جوانب الحياة

س: هل من حافظ على الصلوات فقط دون بقية الأعمال الأخرى يدخل الجنة؟

جـ: إن الدين الإسلامي فيه سعادة البشرية وليس مقصور على الصلاة بل إن فيه زكاة وصوما وحجا

وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وتركا للكبائر من الذنوب، مثل شهادة الزور والزنا واللواط والقذف والسحر وليس الإسلام منحصراً في الصلاة فقط وإن كانت هي أهم أركان الإسلام لقوله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}

(5)

.

‌تحريم حلق اللحية

س: ما حكم حلق اللحية؟

جـ: اعلم أن حلق اللحية حرام عند جمهور العلماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا

(1)

- البقرة: آية (222)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(3)

سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2422) بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ)

أخرجه البخاري في الدعوات، وأحمد في مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دوية: البرية التي لا نبات فيها.

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان أن الدين النصيحة. حديث رقم (194) بلفظ (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِين، وَعَامَّتِهِمْ)

أخرجه النسائي في البيعة، وأبوداود في الأدب، وأحمد في مسند الشاميين.

(5)

- الأنعام: آية (163، 162)

ص: 676

الْمَجُوسَ)

(1)

والأمر ها هنا للوجوب الظني، وقيل بل هو للندب، والراجح هو القول الأول.

س: ما حكم حلق اللحية؟

جـ: الحلق حرام وإعفاؤها واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحية في حديث (جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ) والأمر يقتضي الوجوب والأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي يقتضي التحريم.

‌تحريم القمار والإسراف

س: ما حكم القمار والإسراف؟

جـ: القمار والإسراف حرام لأن القمار نوع من أنواع الميسر وهو حرام بدليل قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}

(2)

ولأن الإسراف مما لا يحبه الله قال تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ

لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}

(3)

.

‌جواز إفتاء المرأة إذا كانت عالمة في الفقه

س: هل يصح تلقي الفتوى الدينية من امرأة أم لا بدَّ أن يكون المفتي رجلاً؟

جـ: اعلم أن النساء شقائق الرجال فإذا كانت المرأة عالمة في الفقه علماً ناتجاً عن دراسة مثلما يدرس الرجال فلا مانع لها من أن تفتي في المسائل التي تحفظها كما يفتي الرجل، والمهم هنا هو العلم والمعرفة بالمسائل ممن سيفتي سواء كان رجلاً أو امرأة لقوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ

لَا تَعْلَمُونَ}

(4)

.

س: هل ممارسة لعبة الكرة جائزة أم أنها نوع من أنواع القمار؟

جـ: اعلم أنه لا مانع من ممارسة الرياضة البدنية فهي من المباحات وهي من المقويات للجسم وقد قيل العقل السليم في الجسم السليم، بل جاء في الحديث (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلَ خَيْر)

(5)

إن كان المراد بالقوة قوة الجسم لا قوة الإرادة لكن إن كنت تشعر بالحقد على من غلبك فالمباح هنا يصير حراماً، لأن ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الطهارة: باب خصال الفطرة. حديث رقم (383) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ).

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: جزوا: قصوا.

(2)

المائدة: آية (90).

(3)

الأنعام: آية (141).

(4)

- النحل: آية (43)

(5)

صحيح مسلم: كتاب القدر: باب الأمر بالقوة وترك العجز والإستكانة. حديث رقم (6725) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلَ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللّهِ، وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كان كذا وكذا لم يُصبني كذا، وَلكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللّهِ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ).

أخرجه ابن ماجة في المقدمة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 677

س: رجل قتل شخصا ظلماً وعدواناً وعمل المنكرات ونهب الأموال وبعد ذلك تاب وتصدق ورد حقوق الناس التي نهبها منهم، فهل يقبل الله منه؟

جـ: اعلم أن من قتل مسلماً عمداً فعليه ثلاثة حقوق:

1 -

الحق الأول لله لأن الله تعالى حرَّم القتل فإذا قتل مسلم مسلماً فقد عصى الله فإذا تاب إلى الله تاب الله عليه والتوبة هي الندم على فعل الذنب والعزم على عدم العودة إليه والله تعالى غافر الذنب قابل التوب من جميع التائبين.

2 -

حق ورثة المقتول (أولياء الدم) حيث ولهم الحق في المطالبة بالقصاص أو بالدية بدليل قوله تعالى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}

(1)

وتوبته إليهم هو تسليم نفسه إليهم، فإن طلبوا القصاص سلم نفسه للقصاص وإن طلبوا الدية أعطاهم وإن عفوا عنه منهما فقد برئت ذمته، ويبقى حق المقتول إلى يوم القيامة ولعل الله يوم القيامة سيصلح بينهما ويعطي المقتول عوضاً من فضله إن خلصت توبته، كما قاله العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في منحة الغفار.

س: ما هو موقف الإسلام في من يتشبه بأخلاق العجم من الكفار وعاداتهم؟

جـ: الجواب هو أن من تشبه بقوم فهو منهم لحديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)

(2)

وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا)

(3)

وعلى المسلم أن يجعل قدوته الرسول صلى الله عليه وسلم لا أن يجعل اليهود والنصارى قدوته لقوله تعالى {لَقَدْ كَانَ

لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ

يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ

وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}

(4)

، ولقوله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ

تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(5)

.

س:‌

‌ ما هي السنة وما هي البدعة

؟

جـ: السنة: هي قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره، كما أن السنة تطلق على ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ندباً لا إيجاباً، فمن فعلها استحق الثواب ولم يستحق تاركها العقاب.

(1)

- الإسراء: (33)

(2)

- سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب في لبس الشهرة. حديث رقم (3512) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) قال عنه الألباني في صحيح أبي داود رقم (4031) بأنه (حسن صحيح).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(3)

- سنن الترمذي: كتاب الاستئذان والأدب: باب ماجاء في كراهية الإشارة باليد في السلام. حديث رقم (3619) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2695).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(4)

- الأحزاب: (21)

(5)

- آل عمران: (31)

ص: 678

والبدعة: هي ما ليس لها أصل في الشرع، وقدجاء في الحديث (وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)

(1)

.

س: ما قول علماء الإسلام في ترجمة القرآن من العربية إلى الأجنبية، وقد سمعنا بأن معاني القرآن ترجمت إلى الفرنسية والأمريكية، فهل ترجمة القرآن جائز أم لا؟

جـ: قد اختلفت أنضار علماء الشريعة الإسلامية في ترجمة القرآن إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرهما من لغات العالم، فمنهم من جوز ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الأجنبية، ومنهم من لم يجوز ذلك، فالذين جوزوا الترجمة نظروا إلى أن القرآن قد أحتوى على عبر وعظات وأكثر أمم العالم لا يفقه العربية ولا يفقه هذه العبر والعظات والأمثال ومحصور فهمها على من كان عربياً، أما من كان أجنبياً فيحرم من هذه الأحكام والعقائد إذا لم تترجم هذه العقائد إلى اللغة الأجنبية ولذلك جوزوا ترجمة معاني القرآن إلى جميع لغات العالم، ولا تكون الفائدة محصورة على العرب وحدهم ولذلك جوزوا ترجمة معاني القرآن، أما الذين لم يجوزوا ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية نظروا إلى أن القرآن قد احتوى على قدر كبير من البلاغة وفي كل آية حد كبير من البلاغة بحيث لا يستطيع ترجمة ذلك إلى اللغة الأجنبية ولا يجد المترجم إلى اللغة الأجنبية ما يساعده من الكلمات التي تخرج من اللغة العربية إلى غيرها من اللغات أبداً ولا سيما وأن علماء التفسير لا زالوا يستخرجون معاني القرآن ووصاياه من عهد الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا، فالزمخشري يأتي بنكات لم يأتي بها الطبري، ويأتي البازري بآراء ما لا يتعرض لها الزمخشري، والشيخ محمد عبده يبدي عبراً لم يذكرها ابن كثير ولا البيضاوي، وبناء عليه فإن مترجم القرآن لا يستطيع ترجمة الآيات القرآنية مراعياً للنكات البيانية والأساليب البلاغية ويضطر إلى أن يترجم الآيات بحسب ما ظهر له من المعاني ولا يعرج على المعاني والنتائج التي قد استخرجها علماء التفسير عبر القرون، وهناك من حاول الجمع بين الغرض الذي من أجله جوز الأولون ترجمه القرآن إلى اللغات الأجنبية والغرض الذي من أجله لم يجوز الآخرون ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبية فيحسن أن يلخص من القرآن الكريم كتاب يحوي أهم الأحكام الشرعية الواردة في القرآن الكريم، كتاب يحوي أهم المغازي القرآنية من عقائد وأحكام ومعاملات وعبر وعضات ومكارم الأخلاق بأحسن أسلوب هذا الملخص العربي إلى اللغات الأجنبية ليعرفه العالم بأجمعه ثم يترجم إلى اللغات الأجنبية ونكون بهذا الرأي قد جمعنا بين الرأيين ونشرنا عقائد الإسلام وحافظنا على نصوصه.

س: أفيدونا في قولهم (يؤجر المرء على رغم أنفه)؟

جـ: قد ورد في بعض الكتب ولكن لم يرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه قد ورد في الحديث الصحيح المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ)

(2)

المراد بأنهم قوم دخلوا الإسلام مكرهين

(1)

صحيح مسلم: كتاب الجمعة: باب تخفيف الصلاة والخطبة. حديث رقم (1435) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ).

أخرجه النسائي في صلاة العيدين، وأبو داود في الخراج والإمارة والفيء، وابن ماجة في المقدمة، الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب الأسارى في السلاسل. حديث رقم (2788) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ).

أخرجه ابن ماجة في الجهاد، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: تفسير القرآن.

ص: 679

وحسن إسلامهم وصاروا من الأتقياء فقد ثبت أجرهم على رغم أنفهم.

‌أفضل الأحزاب من كانت مواد قانونه نصوص كتاب الله تعالى والسنة النبوية

س: ما قول العلماء في الأحزاب؟ وما أفضلها في الإسلام؟

جـ: أفضل الأحزاب من كانت مواد قانونه ونصوصه كتاب الله وسنته والقياس الشرعي الصحيح وإجماع العلماء وأصحاب رسول لله.

‌استحباب قضاء وقت فراغ الشباب في تلاوة القرآن الكريم

س: ماذا يفعل الشاب المسلم في وقت فراغه؟

جـ: عليه أن يقرأ القرآن ويذكر الله تعالى ويسبح ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الله، ويطالع في كتب التفسير والسيرة النبوية وقصص الصحابة والعلماء العاملين وسير عظماء الإسلام وعباقرته من المحدثين والمجاهدين والأئمة الهادين إلى الصراط المستقيم لحديث (نِعْمَتَانِ: مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ)

(1)

.

س: هل يجوز تسمية الحيوان بتسمية تشبه أسماء الإنسان أم أنه لا يجوز؟

جـ: تسمية الحيوان بأيِّ أسم حلال وجائز شرعاً لأن الأصل هو الحل، وحتى يرد نهي عن الشيء، وها هنا لم يرد دليل على تحريم تسمية الخيل والإبل والأنعام بل ورد ما يدل على الجواز، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمى خيله وإبله بأسماء معروفه كما ورد في كتب السير والشمائل ولا مانع من تسميتها بأيِّ أسم يميزها عن غيرها.

س: قام رجل بكتابة لافته بالكهرباء وهي عبارة عن آية قرآنية محرفة وعلقها في بيته فقد كتب فيها {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا

(33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا

(34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}

(2)

فهل يجوز تغيير القرآن وتحريفه؟

جـ: ما كان فيه تحريف للقرآن فهو حرام سواء كان في لافته أو بالكهرباء، وكلمالم يكن فيه تغيير أو تحريف في القرآن أو حذف فلا مانع من كتابته سواء كان في لافته أو بالكهرباء أو غيره.

س: هل يشرع نذر ثواب قراءة الفاتحة إلى روح الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى روح غيره من الموتى المسلمين أم أن هذا النذر غير مشروع؟

جـ: هذه الأعمال لم ترد في كتب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ولم تعرف عن السلف رضي الله عنهم، وإنما استحسنه المتأخرون استحساناً.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الرقاق: باب لا عيش إلا عيش الآخرة. حديث رقم (5933) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نِعْمَتَانِ: مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ)

أخرجه الترمذي في الزهد، وابن ماجه في الزهد، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في الرقاق.

لايوجد للحديث مكررات.

معاني الألفاظ: مغبون: خاسر محروم من الأجر.

(2)

طه: آية (25 - 35).

ص: 680

‌تحريم محاربة مدارس ومدرسي تحفيظ القرآن الكريم

س: يوجد لدينا في القرية مدرسة تحفيظ القرآن الكريم ومنظمة أمريكية لتعليم النساء والأولاد بعض الحرف والرياضة، مع العلم أن الأشخاص الذين يعملون في المنظمة يسعون إلى محاربة مدرسة التحفيظ بحجة أن المنظمة الأمريكية أفضل من مدرسة التحفيظ، فما رأيكم؟ وبما تنصحون العاملين في المنظمة؟

جـ: لا يجوز تثبيط طلبة القرآن ولا يجوز تثبيط مدرسي علوم القرآن وتحفيظه إن صح أن هناك من يسعى ضدهم.

‌جواز التسبيح بالمسبحة

س: هل يجوز التسبيح بالمسبحة أم لا؟

جـ: لا مانع، لأن الأصل الجواز.

جواز التسبيح بالمسبحة

س: البعض من الناس يعقد التسبيح بيمينه فأيهما أفضل باليمين أم باليدين معا أم بالمسبحة، علما بأن البعض يقول: بأنها بدعة؟

جـ: لا مانع من التسبيح باليد اليمنى أو باليدين معا والأفضل اليد اليمنى فقط، والمسبحة ليست بدعة كما أنها ليست سنة، هي عبارة عن شيء مذكر للذكر أو آلة لعد التسبيح والتحميد والتكبير والاستغفار، علما أنها لم تكن موجودة أيام النبي صلى الله عليه وسلم ولا أيام الصحابة رضي الله عنهم.

‌جواز سماع صوت المرأة إذا لم يكن فيه رقه ولا كلام عاطفي

س: يقال بأن صوت المرأة عورة فهل إذا ارتفع صوت المرأة في قول الحق، هل هو عورة؟

جـ: إن صوت المرأة عورة إذا كان الكلام لا داعي له مثل الكلام الفارغ والمائع والذي قد يكون سبباً في ما هو محرَم شرعاً، وأما كلامها في المسائل الضرورية بالعبارات الواضحة التي ليس فيها هزل ولا ضحك ولا ميوعة ولا رقة ولا عتبا فليس بمحرم شرعاً لحديث (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَر، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كبيراً لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ)، فكلام المرأة يختلف باختلاف الحالة والموقف وصفة الكلام وهيئته ونغماته، وهذا مما لا يخفى على كل ذي فهم سليم وذوق مستقيم.

‌تحريم اتخاذ تماثيل للزينة إلا إذا قطع منها عضو لا يمكن أن يعيش الحيوان بدونه

س: من المعروف أن اتخاذ التماثيل للزينة محرَّم ولكن سمعنا بأن التماثيل يمكن أن تتخذ للزينة إذا ما نكست أي لا تكون مستقيمة وإنما تكون مائلة نحو الأرض قليلاً، وكذلك يمكن أن تتخذ للزينة إذا ما طمس أحد مكونات وجهها كأن تقلع الأذن أو الأنف حتى يتشوه وجه التمثال، أفتونا ما مدى صحة هذه المقولة من عدمها؟

جـ: إتخاذ التماثيل محرَّم إلا إذا قد قطع منها عضو من الأعضاء التي لا يمكن أن يعيش الحيوان بدونه سواء كان من الأشياء التي يعمل الناس منها التماثيل أم كان من الحيوانات المحنطة.

ص: 681

كراهة اقتناء بعض التماثيل الطبيعية أو الحيوانية في المنزل بقصد الزينة

س: ما حكم بعض التماثيل الطبيعية أو الحيوانية الجميلة التي نضعها في المنزل لغرض الزينة فقط؟

جـ: لا يجوز.

‌تحريم مصافحة الرجل الأجنبي للأجنبية

س: تعود الناس في محلنا أنهم يزورون محارمهم في الأعياد والمناسبات الأخرى، ويحدث أنهم يصافحون النساء وإذا لم يفعل أيُّ واحد ذلك يقال له بأنه متكبر؟

جـ: اعلم بأن حديث عدم مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء عند البيعة يدل على كراهة مصافحة الرجل الأجنبي للمرأة الأجنبية مطلقاً أي سواء خشي الفتنة أم أمنها كما في حديث (قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ)

(1)

، وأن الحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045) يدل على تحريم مصافحة الأجنبي للأجنبية سواء خاف الفتنة أم أمن الفتنة إلا أن هذا الذنب سيكون إنشاء الله من الذنوب الصغائر لا من الكبائر والذنوب الصغائر تكفر بالوضوء وبالصلوات الخمس حيث أن الوضوء وأداء إحدى الصلوات يكفر ما عمله الإنسان من الذنوب الصغائر، وأما الجواب على السؤال الرابع والأخير حول الأذان هو أن الأذان من المسجد كاف للسامع ولأهل البلد، وأما الإقامة فلا بد من أن تقيموا الصلاة لأنفسكم، ويكفي أن يؤديها واحد منكم.

س: زوجة أخو الجد هل تعتبر محرماً يجوز مصافحتها؟

جـ: زوجة أخي الجد ليست بمحرم فلا يجوز مصافحتها لحديث (وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ)، ولحديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045).

س: ما حكم من يصافح امرأة أخيه أو بنت عمه أو بنت خاله؟

جـ: لا يجوز إلا إذا كان بين الرجل والمرأة رضاع، لأن مصافحة المرأة الأجنبية غير جائز لحديث (وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ

(1)

صحيح البخاري: كتاب الشروط: باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة. حديث رقم (2512) بلفظ (أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َ عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ إِلَى غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ).

أخرجه النسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، الجهاد، السنة، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: الحج، الشروط، المغازي.

معاني الألفاظ: امتعضوا: شق عليهم.

ص: 682

يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ)، ولحديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045).

‌أخو الزوج ليس بمحرم للزوجة

س: هل يجوز لزوجة الأخ أن تكشف عن وجهها لأخي زوجها؟

جـ: لا يجوز، لأنه ليس بمحرم لها ولحديث (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ)

(1)

.

س: نحن نشاهد مسئولينا في التلفزيون أنهم يصافحون النساء حيث والرسول صلى الله عليه وسلم يحذرنا من مصافحة النساء، فلماذا تبث هذه العادة رغم أن مسئولينا يجب عليهم أن يكونوا قدوة للآخرين؟

جـ: أفتى كثير من العلماء بتحريم مصافحة الرجل الأجنبي للمرأة الأجنبية في هذا البرنامج وفي غيره من وسائل الإعلام، و مصافحة المرأة الأجنبية غير جائز لحديث (وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ)، ولحديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045).

س: إني أعلم بأن الغش في كل شيء محرَّم لكن بعض الزملاء قد برعوا في الغش في الامتحانات الدراسية مما أدى إلى أنهم تفوقوا عليَّ بصوره غير مشروعه، فهل يجوز لي أن استخدم وسيلتهم هذه للحفاظ على تفوقي عليهم في الامتحانات أو أن هذا عمل غير جائز؟

جـ: اعلم أن حديث (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا)

(2)

يدخل فيه كل غش يصدر من كل من يغش سواءً كان الغش في بضاعة أو في النقود أو في اختبار الطلبة، ولا فرق بين الذي سيغش هو الطالب نفسه أو هو المراقب نفسه لأن الجميع قد دخلوا في العموم المستفاد من لفظه (من) لأن لفظه (من) من ألفاظ العموم كما تقرر في علم أصول الفقه، وخاصة إذا كان الطالب من طلبة العلوم الدينية أو الطبية أو غيرها من العلوم كما لا يخفى.

س: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال للمدينة (يثرب) فليستغفر الله؟

جـ: اعلم أنه قد قال ابن الجوزي في هذا الحديث المروي عن البراء من قال للمدينة (يثرب) فليستغفر الله ثلاث مرات هذا حديث لا يصح، وقال النسائي في أحد رواته متروك، وهكذا قال ابن الجوزي في الموضوعات فقد تعقبه السيوطي في (اللآلئ المصنوعة) بقوله قلت أخرجه أحمد في مسنده قلت حدثنا إبراهيم بن مهدي قال: حدثنا صالح به أي بهذا الحديث، وقال الحافظ بن حجر في القول المسدد اخطأ ابن الجوزي فإن يزيد وإن ضعفه بعضهم من قبل حفظه فلا يلزم أن يكون كل ما حدث به موضوعاً، ويشهد له ما في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة: أمرت بقرية تأكل القرى يقولون (يثرب) وهي (المدينة) ونقل ابن طاهر الفتني الهندي في تذكرة

(1)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب لا يخلون رجل بامرأة ذو محرم والدخول. برقم (5232) بلفظ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ).

أخرجه مسلم في السلام، والترمذي في الرضاع، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الاستئذان.

معاني الألفاظ: الحمو: أقارب الزوج غير أبائه وأبنائه.

(2)

صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب قول النبي من غشنا فليس منا. حديث رقم (146) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا).

أخرجه ابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 683

الموضوعات عن السيوطي أنه قال في الوجيز حديث من سمى المدينه بيثرب تفرد به يزيد متروك قلت يزيد وإن ضعفه البعض من قبل حفظه فلا يلزم منه وضع كل حديثه وله شاهد في الذيل، وقال في الجامع الصغير (من سمى المدينة بيثرب فليستغفر الله ثلاث مرات) أخرجه أحمد عن البراء ورمز له بعلامة الصحة وهي الصاد والحاء، وقال الألباني في ضعيف الجامع الصغير في الأحاديث الضعيفة أنه (ضعيف)، أما المناوي مؤلف فيض القدير شرح الجامع الصغير فقد أقر السيوطي ولم ينقده أو يرد عليه.

‌وجوب إخلاص التوبة من المعاصي والاستعانة بالله على ذلك والإكثار من الطاعات

س: رجل اعتاد ارتكاب المعاصي منذ وقت طويل ولكنه يؤدي الصلاة والصوم وغيرهما من الواجبات فكيف يتمكن من عدم الوقوع في هذا الذنب العظيم ويخشى أن لا يستطيع ترك الخمر؟

جـ: من كان مرتكباً لكبائر الذنوب فعليه الندم والعزم على عدم فعل أيِّ كبيرة والتوبة النصوح من فعل أيِّ كبيرة من الكبائر التي يمارسها، وهكذا من كان مرتكباً لكبيرة واحدة عليه العزم على تركها والتو به النصوح من مقارفتها قبل أن يأتيه الموت فجأة وهو مصر على المعاصي الكبار أو على أيِّ معصية واحدة من المعاصي، أما إذا كان مصراً على عدم التوبة فهو فاسق عاصٍ لله ولرسوله مستحق لما توعد به الشرع الشريف من العقاب الموعود به لمرتكب الكبيرة في قوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}

(1)

وقوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}

(2)

وقوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}

(3)

سواء كانت هي شرب الخمر أم الزنى أم غيرها من كبائر الذنوب فليتق الله في نفسه ويحاسبها قبل أن يأتيه الموت فجأة فيموت مصراً على المعصية الكبيرة، وأما أعماله التي يعملها من صوم وصلاة فهي صحيحة إذا كان يؤديها على الصفة المشروعة بحيث أنه عند أن يتوب لا يقضي الصوم أو الصلاة أو غيرهما من العبادات المفروضة التي كان يعملها وهو متلبس بالمعصية الكبيرة وفي الزمن الذي كان يمارس فيه فعل إحدى المحرَّمات، وأما كونها مقبولة عند الله أو غير مقبولة فمن الممكن أن يقال أنها غير مقبولة لأن الله سبحانه قد نص على عدم القبول بقول {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}

(4)

ومن كان يعبد الله ولكنه يمارس فعل كبيرة من كبائر الذنوب لا يصدق عليه أنه من المتقين لأن من اتقى الله لا يقدم على فعل الكبيرة، وإذا أراد أن يتخلص هذا الرجل من الوقوع في هذا الذنب العظيم فما عليه إلا أن يخلص النية ويتوب إلى الله فإذا اتقى الله تيسر له التخلص من هذا الذنب العظيم، فقد كان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب البعض منهم الخمر قبل تحريمها ومن كان منهم مدمناً على شربه كان لا يستطيع تركه ولكن عند أن نزل قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}

(5)

عزم كل شارب على الترك فعلا وأراق كل واحد ما كان لديه من الخمر فوراً، ولم يؤثر عليه ترك الخمر أيَّ شيء في صحته ولا في طبعه، ولم يقل كل واحد منهم كيف أستطيع التخلص من الإدمان على شرب الخمر، بل عزموا عزماً صحيحاً

(1)

- النساء: آية (14)

(2)

- الجن: آية (23)

(3)

- الأحزاب: آية (36)

(4)

سورة المائدة: آية (27)

(5)

سورة المائدة: آية (90)

ص: 684

وتغلبوا على طبعهم بقوة إيمانهم وأصبحوا لا يشعرون بشيء من التعب لأن العزم فوق كل شيء، كما أصبحوا يمارسون أعمالهم الدينية والدنيوية كغيرهم ممن لم يكونوا يشربون الخمر قبل تحريمه لا يحسون بألم أو كسل لأن قوة الإيمان فوق كل شيء

(وإذا حلت الهداية قلباً

نشطت بالعبادة الأعضاء)

فمن كان ممارساً فعل معصية كبيرة معترفاً بأنها من كبائر الذنوب ويعتذر بأنه لا يستطيع أن يترك ما كان قد اعتاده وأنه قد حاول بكل ممكن أن يترك هذا الذنب ولكنه لم يستطع الصبر على تركه أو أنه لا يتمكن من عدم ممارسة شرب الخمر أو نحوه، فهو كذاب في زعمه أنه لا يستطيع تركه وعاص لله ولرسوله، ولو قد صح عزمه على التوبة الخالصة لقد ترك فعل المعصية ورجع إلى الله وعمل عملاً صالحاً غفر الله له به ما تقدم من ذنبه وقبل توبته، ولما احتاج أن يكلفك أن تسأل عن كيفية استطاعة الرجل التخلص من الوقوع في هذا الذنب العظيم، فكم من عاص عزم على التوبة إلى الله وترك كل شيء حرام كان يمارسه وأصبح من الصالحين في أقرب وقت ممكن ولم يكلف أحداً من الناس أن يسأل هذا السؤال، ولكن عليك أن تنصحه بأن يخلص النية لله وأن يعزم على التوبة النصوح ويندم على ما كان منه ويرجع إلى الله ليصبح من المغفور لهم ذنوبهم لأن التوبة تهدم ما قبلها من الذنوب ويكون له ثواب التائبين كما يكون لك ثواب الدال على الخير والمرشد إلى الحق لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ) وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ).

س: كيف تكون التوبة وما هي شروطها؟

جـ: التوبة: هي الندم على ما فات من المعاصي والعزم على عدم الرجوع إلى ذلك الذنب والرجوع إلى الله وكثرة الاستغفار والذكر وقراءة القرآن، وأما شروط التوبة إ ذا كان الذنب من المذنب إلى أخيه في دم أو عرض أو مال فلا بد أن يطلب العفو منه أو يسلم نفسه للقصاص إذا كان قاتل عمد إذا لم يرض الورثة بالدية أو بالعفو مجاناً، أو الدية إن كان قاتل خطأ ويسلم ما لديه من مال مغصوب أو منهوب أو مسروق إلى صاحبه إلا إذا عفى عنه غريمه برضائه واختياره، وهكذا إن كان قد استحل عرض أخيه بقذف فعليه أن يطلب العفو منه أو يسلم نفسه للحد إن كانت المسألة قد وصلت إلى القاضي الشرعي.

‌وجوب استمرار التائب في طاعة الله

س: لماذا أرجع الى التفكير في الذنب الماضي بعد أن تبت منه فإني خائفة على نفسي أن أقع فيه، ماذا أعمل؟

جـ: من تاب يجب عليه أن يستمر في طاعة الله ولا يتذ كر الماضي المؤسف.

(1)

- التحريم: آية (8)

ص: 685

س: يوجد رجل تعدى حدا من حدود الله في كبيرة من الكبائر وهو لا يعلم، فما حكمها؟

جـ: يتوب إلى الله فباب التوبة مفتوح لكل من طرقه لا فرق بين ذنب وذنب فغفران الله يعم الصغير والكبير لقوله تعالى {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ

الرَّحِيمُ

(53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ

لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}

(1)

.

‌جواز الدعاء بالمغفرة لقاتل نفسه ولكل عاص لله تعالى

س: هل يجوز الدعاء بالرحمة للمسلم المنتحر (قاتل نفسه)؟ وهل يخلد في النار؟

جـ: لا مانع من الدعاء لكل من مات من المسلمين ولو كان عاصيا، علما أن الحديث الصحيح مصرح بأنه سيعذب بما قتل به نفسه (أتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ)

(2)

.

س: هل يجوز تلاوة القرآن والتالي مستلقياً على ظهره بدون أيِّ عذر يبرر هذا العمل؟

جـ: اعلم بأنه لا مانع من قراءة القرآن في الوقت الذي يكون القارئ فيه مستلقياً على ظهره ولكن الأفضل أن يكون القارئ قاعداً مستقبلاً القبلة، هذا والجدير بالذكر أنه ورد في حديث نبوي صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجل أن يستلقي على ظهره كما ورد حديث صحيح عن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم أنه رؤي في المسجد مستلقياً على ظهره وقد جمع العلماء بين الحديثين بأن النهي إذا كان المستلقي لابساً ثوباً قصيراً يخشى معه أن تنكشف عورته إذا استلقى على ظهره والجواز إذا كان عليه ثوب سابغ أو ثوبان أو كان لابساً سراويل بحيث أنه لا يخشى انكشاف عورته.

س: أفيدونا كيف يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمع لا يصغي إلى الإرشاد والتوجيه؟

جـ: الأدلة قد دلت على أن الإنسان ينهى عن المنكر بيده فإذا لم يستطيع فينهى عنه بلسانه فإذا لم يستطع فينهى بقلبه وهو أضعف الإيمان منها حديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)

(3)

.

(1)

- الزمر: آية (53 - 58)

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الجنائز: باب ترك الصلاة على قاتل نفسه. حديث رقم (2259) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ).

أخرجه الترمذي في الجنائز، والنسائي في الجنائز، وابن ماجة في ماجاء في الجنائز، وأحمد في أول مسند البصرين.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان النهي عن المنكر من الإيمان. حديث رقم (175) بلفظ (عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ وَهَذَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَقَالَ قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ فَقَالَ أَبُو سَعِيد: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ).

أخرجه البخاري في الجمعة، والترمذي في الفتن، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 686

س: حفر رجل بئراً في وسط المنطقة لكل من يريد الاغتراف منها وحدث أن الرجال يتزاحمون مع النساء أثناء الاغتراف وحاولنا منع هذا المنكر وقررنا للرجال ساعتين كل يوم منفردين عن النساء، ثم تتبعهم النساء، ثم البهائم، فوافق البعض ورفض الباقون فهل عملنا هذا تغيير منكر أم أنه خطأ فنرجوا الإفادة في هذا الأمر لاختلاط النساء بالرجال؟

جـ: اعلم أن اختلاط النساء بالرجال حرام لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

(1)

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن باختلاط النساء مع الرجال في الصلاة خلفه كما في حديث (صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا)

(2)

وبالأولى والأحرى عند شرب الماء أو حمله إلى البيوت، وهكذا كانت عادة المسلمين أيام النبي صلى الله عليه وسلم وأيام السلف الصالح بل كانت العادة هذه عند بعض الأمم السابقة كما في قصة ابنتي النبي شعيب عليه الصلاة والسلام المذكورة في القرآن حيث قالتا لموسى {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}

(3)

.

‌باب الاجتهاد مفتوح على مصراعيه لمن كان أهلاً للاجتهاد

س: ذكر مؤلف كتاب شواهد الحق (يوسف بن إسماعيل النبهاني) بأن الاجتهاد قد انقطع منذ مئات السنين باتفاق علماء المذاهب ولم يبق لكل مسلم إلا أن يتبع مذهب من هذه المذاهب، وقال لا يدعي الاجتهاد اليوم إلا مختل العقل، فما قول العلماء في هذه المسألة؟

جـ: اعلم أن ما قاله الشيخ (يوسف النبهاني) دعوى منه لا دليل عليها والشاعر يقول:

والدعاوى إن لم تقم عليها

بينات فأبناؤها أدعياء

وباب الاجتهاد مفتوح على مصراعيه لمن كان أهلاً للاجتهاد وهو من قد حفظ القرآن وعلوم العربية، والأصول، وحفظ الأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، قال تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ

لَا تَعْلَمُونَ}

(4)

، أما من لم يكن قد حاز علوم الاجتهاد فلا يحق له أن يجتهد خشية من أن يغلط أو يخطئ في الاجتهاد.

س: ما هو حكم الالتزام بأحد المذاهب الأربعة أو غيرها؟ فقد سمعنا أنه من يلتزم بمذهب معين فلا يصح له الخروج عن هذا المذهب إلا للضرورة ويقلد مذهب آخر في هذه المسألة ثم يعود إلى مذهبه؟ أما العامي فليس له

(1)

- الأحزاب: آية (53)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الأذان: باب المرأة وحدها تكون صفا. حديث رقم (685) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا).

أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، والترمذي في الصلاة، والنسائي في الإمامة، وأبو داود في الصلاة،، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في النداللصلاة، والدارمي في الصلاة.

أطراف الحديث: الصلاة، تفسير القرآن.

(3)

القصص: آية (23)

(4)

- النحل: آية (43)

ص: 687

مذهب معين؟ وإذا كان العلماء لا يصح لهم أن يخرجوا عن مذاهبهم؟ فما هو حكم خيار هذه الأمة الذين سبقوا عصر المذاهب والتابعين وتابعيهم؟

جـ: اعلم إن الصحابة والتابعين وهم خير القرون الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم (خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)

(1)

الحديث، ما كانوا يعرفون التقليد لمذهب محدود ولا يقلدون إماماً معيناً، بل كان منهم العالم ومنهم الجاهل، فكان الجاهل يسأل أيَّ عالم فيفتيه العالم بما يعرفه في المسألة المسئول عنها، ولم يكن الناس في تلك القرون أو في تلكم العصور أو في عصر الصحابة والتابعين كلهم من العلماء المجتهدين، ولا كان الناس يقلدون عالماً بعينه في جميع المسائل المتعلقة بالمعاملات أو العبادات أو بعبارة أخرى بالمسائل التعبدية وبالمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية، وبالمسائل المتعلقة بالأحوال المدنية، وبالمسائل المتعلقة بالأحوال الجنائية، والدليل على المسألة الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يعدون بالآلاف ولم يعرف عنهم جميعاً أنهم كانوا كلهم علماء يفتون الناس في الصلاة والصيام والزكاة والحج والنكاح الطلاق والمواريث والبيع والشراء وجميع مسائل الدين الشرعية، بل الذين كانوا يفتون الناس جماعة معروفه، لا يتجاوز عددهم المائة أو التسعين منهم، وذلك كالخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين، وغير هؤلاء ممن حفظوا الأحاديث الكثيرة، والبقية الواحد منهم يسأل غيره فيفتيه بما يرى ولم يكن كل واحد من الصحابة عالماً مجتهداً يستنبط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، بل كان الجاهل يسأل العالم كما كان العالم يسأل العالم الآخر عما لا يعلمه، أو يدل العالم الجاهل على عالم آخر ممن يظن أنه أعرف بالمسألة منه، وهكذا كان الأمر في عصر التابعين، فقد كان علماء المدينة يفتون الناس ولا يتجاوز عددهم المائة أو التسعين والبقية وهم الآلاف من الناس كانوا يسألون غيرهم، وقد اشتهر من التابعين (سعيد بن المسيب) و (سعيد بن جبير) و (الحسن البصري) و (محمد بن سيرين) و (الشعبي) و (مكحول) و (عطاء)، وغيرهم.

والدليل على المسألة الثانية: أنا لم نسمع أن جماعة التزموا التقليد لابن عباس أو أن جماعة كانوا يقلدون أحد الخلفاء الراشدين أو ابن مسعود أو ابن عمر، بل ولا سمعنا أن أحدا كان مقلداً لأحدٍ من الصحابة المذكورين آنفاً أو لغيرهم من الصحابة أو التابعين، ولم يعرف أن هناك جماعة من الناس قد تبعوا عبد الله بن عباس في جميع المسائل الشرعية والصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج أو النكاح أو الطلاق أو كان يوجد مذهب علوي أو عمري أو مسعودي أو عائشي أو مكحولي أو لمن تبع الإمام علي في كل شيء أو لمن يقلده في جميع المسائل الشرعية أو يقلد عمراً أو ابن مسعود أو عائشة أو الحسن البصري أو سعيد بن المسيب أو مكحول، كما سمعنا أخيراً باسم الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي والجعفري والظاهري والإباضي، لمن يقلد أبا حنيفة أو الشافعي أو غيره فهذه المذاهب لم تظهر إلا بعد عصر الصحابة و التابعين فجمد الناس عليها جمدوا على الأربعة المذاهب فقط، وزعم بعض الناس أنه لا بد للمسلم أن يكون متمذهباً لأحد المذاهب الأربعة وإن لم يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة فهو مبتدع، ولكن الصحيح الذي عليه المحققون أنه لا يقتصر على المذاهب

(1)

صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد. حديث رقم (2458) بلفظ (سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ).

أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، والترمذي في المناقب، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومسند الكوفيين.

أطراف الحديث: المناقب، الرقاق، الأيمان والنذور.

ص: 688

الأربعة المشهورة بل لا مانع لأيِّ جاهل أن يستفتي أيَّ عالم من أيِّ مذهب كان هذا العالم، سواءً كان من المتمذهبين لأحد المذاهب الأربعة أو لأحد المذاهب الثمانية المذكورة آنفاً أو كان هذا العالم من المقلدين لأحد العلماء المجتهدين الذين ظهروا أخيراً مثل ابن تيمية والجلال والمقبلي والشوكاني والأمير وغيرهم، أو كان هذا العالم من المجتهدين في هذا العصر حيث أن باب الاجتهاد مفتوح لكل من حاز علوم الاجتهاد المذكورة في أصول الفقه ولا تقتصر المذاهب على الأربعة المذاهب بل ولا على المذاهب الثمانية كما أنه لا ينبغي سد باب الاجتهاد على من كان أهلاً للاجتهاد ولا على العامي إلا أن يسأل وما على المسئول إلا الإجابة على أساس أن يقول المسئول للسائل فالحكم كذا وكذا، وإن كنت تريد المذهب الفلاني فالمسألة على الصفة الفلانية، وإن كنت تريد مذهبي الشخصي فهو كذا وكذا، والخلاصة أن بعض العلماء زعم أن المذاهب منحصرة في المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي مع أن هناك مذاهب أخرى مثل الجعفري والزيدي والظاهري والإباضي لا تبعد عن المذاهب الأربعة بعداً يجعلها غير معدودة من المذاهب الإسلامية المشهورة التي حصروها في الأربعة المذاهب المذكورة آنفاً ولا سيما المذهب الظاهري فإن من اطلع على كتاب المحلى لابن حزم لا بد وأن يعرف أنه يشبه كثيراً المذهب المالكي، وكذا المذهب الزيدي الهادوي فإن من اطلع على البحر الزخار للإمام المهدي لا بد وأن يعرف أن المذهب الزيدي الهادوي يقرب من المذهب الحنفي كثيراً، وكذا من اطلع على كتاب (لقاء الجوهر) من كتب الإباضية لا بد أن يعرف أنه قريب من المذهب الزيدي وأنه يتفق معه إلا في بعض المسائل، كما أن البعض من العلماء قد أغلق باب الاجتهاد بلاد دليل ولا حجة، فكم ترك الأول للآخر، وقد عرفنا أن من علماء الحنابلة من اجتهد في عدة مسائل وبرهن على ما ذهب إليه بأدلة قوية وذلك كـ (ابن تيمية) رحمه الله، كما أن من علماء الزيدية من فتح باب الاجتهاد على مصراعيه ودخل غير هياب ولا وجل مثل (الوزير والجلال والأمير والمقبلي والشوكاني) وغيرهم، وزعم أناس أنه لا يمكن الخروج من أيِّ مذهب إلى مذهب آخر، لأنه لا بد من التزام مذهب معين ممن قلده الناس مع أنه لا مانع من أن يسأل المقلد العالم فيفتيه العالم بما يراه مناسباً لسؤاله، وإن كان يسأل عن مذهب معين أفتاه بموجب ذلك المذهب، وإن كان يسأله عن رأيه فلا مانع من أن يفتيه برأيه كما كان العمل عليه أيام الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وأرضاهم وألحقنا بهم صالحين.

س: سمعنا أنه لم يثبت في كتب السنة أن يقول القارئ (صدق الله العظيم) بعد انتهائه من قراءة القرآن أفيدونا في ذلك؟

جـ: اعلم أن قول القارئ (صدق الله العظيم) مما استحسنه القراء بعد تلاوة القرآن، وأما أنه ورد حديث صحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من فعله أو من تقريره فلا أعلم.

‌حكم الشرع في الانتخابات

س: ما حكم الشرع في الانتخابات؟

جـ: إن الأصل في الانتخابات الحل والجواز، ومن ادعى التحريم فعليه الدليل الصحيح الصريح.

‌جواز طلب الترشح أو الترشيح في الانتخابات العامة

ص: 689

س: ما رأيكم في من يريد أن يرشح نفسه في الانتخابات العامة، هل هو داخل في حديث (إِنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَأَلَهُ، وَلَا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ)

(1)

؟

جـ: الحديث فيمن يطلب الإمارة لا في غيره.

‌حكم الإسلام في التصوير

س: ما حكم الإسلام في التصوير فقد سمعت من يقول بأن التصوير حرام ولم يقصد به الصور الخليعة فقط ولكن حتى الصور العادية التي تؤخذ للذكرى وتوضع على الجدران ولم يجوز إلا الصور الصغيرة التي تؤخذ من أجل ما تتطلبه المعاملة كصور الجوازات ونحوها التي لم تكن لغرض الذكرى، فما هو القول الراجح؟

جـ: اعلم أن علماء العصر قد اختلفوا في حكم التصوير الفوتوغرافي إذا كانت هذه الصورة من الصور العادية التي يضعها الناس على الحائط للذكرى، وهي لم تكن من الصور الصغيرة التي تلصق بالبطاقات الشخصية أو الجوازات والشهادات وغيرها، فمن العلماء من أجاز اخذ تلك الصور وتعليقها على جدران المكاتب أو الغرف مهما كانت لصاحب المكتب أو الغرفة لنفسه أو لأحد إخوانه أو أقاربه أو أصدقائه أو غيرهم، كما أجازوا أن التصوير ما دام الصور عادية ليس فيها أيِّ خلاعة مما قد يكون فيه إثارة الغريزة لمن يرى، ومن العلماء من منع من ذلك كله أيِّ التصوير لأيِّ إنسان أو حيوان ومن تمكين المصور من أخذ صورته بهذه الآلة ومن تعليقها على الجدران ولم يجوزه إلا إذا كان لغرض من الأغراض التي قد يضطر الناس إليها في بعض الأحيان، مما فيه مصلحه فمهما حصلت المصلحة فلا مانع من ذلك وذلك كالصور الصغيرة التي تؤخذ للمعاملة، وقد احتج المحرِّمون بالأحاديث الصحيحة الصريحة للدلالة على تحريم التصوير وهي أحاديث كثيرة أجمع الحفاظ على صحتها ولم يضعفها أحد من رجال الأحاديث المتقدمين أو المتأخرين أو المعاصرين قالوا إلا إذا كان التصوير لمصلحه فلا مانع من ذلك وهذا إذا كان التصوير ضرورياً، وقد أجاب أهل القول الثاني القائلون بجواز التصوير ولو لغير مصلحة أو ضرورة على أهل القول الأول المجوِّزين للتصوير على أيِّ صفة كانت سواءً للضرورة أو لغير ضرورة ما لم تكن تلك الصور من الصور الخليعة الممنوعة عند الجميع بأجوبة كثيرة أهمها ما يلي:

الأول: أن القرآن قد دل على الجواز حيث قد حكى عن الجن أنهم كانوا يعملون للنبي سليمان ما يشاء من محاريب وتماثيل وشريعة النبي سليمان شريعة لنا وأجيب عنهم بأن هذه الآية ليست صريحة في جواز صور التماثيل والصور لكل ذي روح لأنه يحتمل أنها تماثيل لذي روح ويحتمل أنها لأشجار وجمادات، وعلى فرض أنها صريحة فشريعة من قبلنا من الأنبياء ليس شرعاً لنا وعلى فرض أنها شريعة لنا فهذا الحكم قد نسخ بما جاء في شريعتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدلة الدالة على تحريم التصوير والتي منها حديث (وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ)

(2)

وحديث (إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَقَالَ: إِنَّ الْبَيْتَ

(1)

ـ صحيح البخاري: كتاب الأحكام: باب ما يكره من الحرص على الإمارة. حديث رقم (6616) بلفظ (عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أَمِّرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَهُ، فَقَالَ: إِنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَأَلَهُ، وَلَا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ).

أخرجه النسائي في الطهارة، وأبو داود في الخراج والإمارة والفيء، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: الإجارة، استتابة المرتدين.

(2)

صحيح البخاري: كتاب الطلاق: مهر البغي والنكاح الفاسد. حديث رقم (4928) بلفظ (حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ).

أخرجه أبو داود في البيوع، وأحمد في مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: البيوع، واللباس.

معاني الألفاظ: الواشمة: من تقوم بعمل الوشم وهو أثر وخز الجلد بالإبر. المستوشمة: التي تطلب لنفسها الوشم. البغي: الزانية.

ص: 690

الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ)

(1)

وحديث (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً)

(2)

.

الثاني: أن هذا ليس من باب التصوير بل من باب الحبس للصورة، وقد أجيب عن هذا الجواب بأن التصوير الفوتغرافي أو التصوير الشمسي هو مثل التصوير بالريشة أو بالقلم فالكل صوره لغة وعرفاً لأن من يعمل هذه العملية بآلة التصوير يسمى مصوراً لغة وشرعاً.

الثالث: أن الأحاديث الدالة على التحريم هي من الأحاديث الأحادية والأحاديث الأحادية لا تفيد القطع ولا يمكن أن ينسب إلى الإسلام تحريم فن من الفنون الجميلة إلا بدليل قطعي، وقد أجيب عن هذا الجواب بجوابين: أحدهما أن الأحاديث الأحادية يعمل بها في جميع الأحكام الشرعية سواء كانت من باب العبادات أو المعاملات وسواء كانت المعاملات من الأحوال الشخصية أو من الأحوال المدنية أم من الأحوال الاجتماعية أو الجنائية أو من الأمور السياسية الدولية ولا يشترط العلماء في الأحاديث التي يحتجون بها في هذه الأبواب أن تكون متواترة بل ولو كانت أحاديه مهما كانت حسنه أو صحيحة، وأكثر الأحكام الشرعية في جميع الأبواب المذكورة آنفاً أحادية، والمتواتر هو القليل، والجواب الثاني أن أحاديث النهي عن التصوير أو المحرَّمة للتصوير قد بلغت حد التواتر جاءت عن ابن عمر وابن عباس وعن أبي سعيد وعائشة وأبي هريرة عند الشيخين، وعلي عند مسلم وجابر عند الترمذي وعن أسامه عند أبي داود وعن غيرهم، والتواتر يثبت بأقل من هؤلاء الجماعة، هذا ما رد به أهل القول الثاني وهم المانعون للتصوير إلا لضرورة أو مصلحة على أهل القول الأول المجوزين للتصوير مطلقاً.

والرابع: هو أن الأحاديث الدالة على تحريم التصوير قد أشارت بعضها إلى العلة التي من أجلها كان التصوير حراماً وهو قوله صلى الله عليه وسلم (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً) والمصورون الآن لا يصورون الصور لأجل هذه العلة وهي المضاهاة بما خلقه الله فإذا انتفت العلة انتفى المعلول، وأجيب بأن العلة في التحريم ليست هي المضاهاة بخلق الله فقط بل هناك عله أخرى وهي خشية أن تعبد الصورة من دون الله،

(1)

صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب التجارة في بيع ما يكره لبسه الرجال والنساء. حديث رقم (1963) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَقَالَ: إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ).

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الجامع.

أطراف الحديث: بدء الخلق، النكاح، اللباس، التوحيد.

معاني الألفاظ: النمرقة: الوسادة التي يجلس عليها.

(2)

صحيح البخاري: كتاب اللباس: باب نقض الصور. حديث رقم (5497) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ فَرَأَى أَعْلَاهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، ثُمَّ دَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَهُ، فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ مُنْتَهَى الْحِلْيَةِ).

أخرجه مسلم في اللباس والزينة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: التوحيد.

معاني الألفاظ: التور: قدر كبير يصنع من الحجارة ونحوها.

ص: 691

بدليل ما جاء في الحديث الآخر الدال على أن العلة ليست منحصرة في المضاهاة بخلق الله بل هناك عله أخرى وهي خشية الرجوع إلى الوثنية وحماية العقيدة من الشرك وعبادة الصور والتماثيل وهو حديث أم حبيبة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (أولئِكَ إذا ماتَ منهمُ الرجلُ الصالحُ بَنوا على قبرِهِ مَسجداً ثمَّ صوَّروا فيه تلك الصُّورة، أولئِكَ شِرارُ الخَلقِ عندَ اللهِ)

(1)

هذه خلاصة لما قاله علماء العصر القائلون بجواز التصوير للإخوان والأقارب وغيرهم ممن يتصور للذكرى وتوضع الصور في إطار وتعلق في جدار الغرف والمكاتب ولذا رد عليهم المانعون من ذلك، أما إذا كان التصوير للشخص لمصلحة كالصور الصغيرة في المعاملات فلا مانع من عند الطرفين، وكذلك الصور المائعة الخليعة التي تؤخذ لبعض الفتيات الجميلات مما قد يثير غريزة الجنس الآخر من بني آدم ولا سيما الشباب فهي حرام عند الجميع، ومن أراد التوسع في الموضوع فليراجع فتوى مجلة المنار للعلامة محمد رشيد رضا، والحلال والحرام للقرضاوي، والرسائل التي ألفها بعض علماء العصر في حكم الإسلام في التصوير كالدكتور الصابوني، والشيخ الفوزان، والشيخ الألباني، وغيرهم، وهذه الرسائل الثلاث هي من مطبعة المدرسة السلفية وقد طبعتها مطبعة المدني بالقاهرة.

س: نشاهد بعض الناس يقتني كمية كبيرة من الصور الخليعة العارية، فما هو حكم الإسلام في هذا العمل؟ ثم هل يجوز أن تلتقط صور فوتغرافية للعروسين أثناء احتفالهما بهذه المناسبة أم أنه غير جائز؟

جـ: جميع ما ذكرته في سؤالك هذا من العادات التي غزتنا من الخارج والذي أصبح البعض منا يقلد الأجانب في هذه العادة السيئة التي تتنافى مع المروءة والعروبة والإسلام، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)

(2)

وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا)

(3)

.

س: أريد أن أعمل مشروع (استوديو تصوير وتحميض الصور) وبعض الناس يقولون بأن التصوير حرام، فهل أقوم بفتح المشروع أم أنه حرام؟

جـ: لا مانع من ذلك.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب بناء المساجد على القبور. حديث رقم (1317) بلفظ (عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: لمَّا اشتكى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرتْ بعضُ نِسائِه كَنيسةً رأيْنَها بأرضِ الحَبشةِ يُقالُ لها ماريةُ، وكانتْ أُمُّ سَلمةَ وأُمُّ حَبيبةَ رضي الله عنهما أتَتا أرضَ الحبشةِ فذَكرتا مِنْ حُسْنها وتَصاويرَ فيها، فَرفعَ رأْسَهُ فقال: أولئِكَ إذا ماتَ منهمُ الرجلُ الصالحُ بَنوا على قبرِهِ مَسجداً ثمَّ صوَّروا فيه تلك الصُّورة، أولئِكَ شِرارُ الخَلقِ عندَ اللهِ).

أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، والنسائي في المساجد، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

أطراف الحديث: الصلاة، المناقب.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب في لبس الشهرة. حديث رقم (3512) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) قال عنه الألباني في صحيح أبي داود رقم (4031) بأنه (حسن صحيح).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(3)

- سنن الترمذي: كتاب الاستئذان والأدب: باب ماجاء في كراهية الإشارة باليد في السلام. حديث رقم (3619) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2695).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

ص: 692

‌تحريم تعليق الصور المجسمة في المنازل

س: ما حكم تعليق الصور المجسمة والغير مجسمة في المنازل وغيرها؟

جـ: الظاهر أن الصور غير المجسمة لا مانع منها، أما المجسمة فلعلها تشبه الأصنام فتكره والله أعلم {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}

(1)

.

‌تحريم تصوير المرأة في كامل زينتها وتحميض صورها في الاستديو

س: ما هو حكم الشرع في أن تتصور امرأة مع زوجها ثم يذهبون بالفيلم إلى استديو التصوير للتحميض وجسد المرأة عاريا؟

جـ: لا يجوز ولا ينبغي.

‌تحريم التفاخر بالأنساب ومشروعية التفاضل بالتقوى

س: توجد تقاليد لدى بعض الناس بأن من يقوم بأعمال غزل ونسيج صوف أو يحترف صناعه الفخار أو بحلاقة الشعر وأمثالها كالدباغة والذباحة وما شابههما أنه قليل اصل وأنه ليس من أبناء الأصول، فما موقف الإسلام من هذه العادة؟

جـ: اعلم أن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين أحد من الناس بحسب المهنة أو العمل، ولا فرق في الدين الإسلامي بين التاجر والفلاح والزارع والدلال والموظف والحلاق والحجام والجزار والصائغ فهم جميعاً أمام الله سواء مهما استووا في العلم وتقوى الله وحسن الخلق قال الله تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}

(2)

وقال {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}

(3)

وقال {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}

(4)

وجاء في السنة النبوية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)

(5)

كما جاء فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم (يَا بَنِي بَيَاضَةَ أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ)

(6)

أي زوجوه وتزوجوا بإحدى قرائبه من النساء كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للأولياء (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ

(1)

- يوسف: آية (76)

(2)

الحجرات: آية (13).

(3)

الزمر: آية (9).

(4)

افاطر: آية (28).

(5)

مسند أحمد: كتاب باقي مسند الأنصار: باب حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (22291) بلفظ (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ ثُمَّ قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ: وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2963).

انفرد به.

معاني الألفاظ: أيام التشريق: الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الاضحى.

(6)

سنن أبي داود: كتاب النكاح: باب في الأكفاء. حديث رقم (1798) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا هِنْدٍ حَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَافُوخِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا بَنِي بَيَاضَةَ أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ، وَقَالَ وَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَدَاوُونَ بِهِ خَيْرٌ فَالْحِجَامَةُ) حسنه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (2102).

ص: 693

فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)

(1)

، كما جاء مرفوعاً أن أفضل المسلمين وأقربهم عند الله أحسنهم خلقاً فمن كان تقياً كان عند الله أفضل من غيره ممن لا يتقي الله، ولو كان المتقي حلاقاً وغير المتقي عطاراً أو بزازاً بل ولو كان غير المتقي شيخاً أو رئيساً أو زعيماً، ومن كان عالماً هو أفضل عند الله من غيره من الجهال ولو كان العالم صانعاً أو جزاراً أو من أسرة مهنتهم الدباغة أو جزر الحيوانات، أو كان الجاهل رئيس قبيلة من أشرف القبائل وأعرقها نسباً، ولكن العادات والتقاليد غلبت على النصوص الشرعية، ولا تزول العادات إلا بنشر النصوص الصحيحة بين الناس وشرحها لهم وبث الوعي الإسلامي الصحيح تدريجاً في المؤلفات والرسائل وفي الخطب والإذاعة والصحافة وفي جميع وسائل الإعلام، أما مفاجأة الناس بالأمر لهم بأن يتزاوجوا رأساً قبل بث الوعي الإسلامي فيخشى منه الفتنة والدخول في أشياء تضر الأسر في الحاضر والمستقبل ويحصل منها مالا يحمد عقباه.

‌استحباب إحياء الأرض بالزراعة ولا سيما غرس الأشجار

س: أرجو من العلماء أن يذكروا لنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الترغيب في غرس الأشجار وزراعة الحبوب؟

جـ: اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رغب في الزراعة وغرس الأشجار في عدة أحاديث فمنها قوله (مَنْ غَرَسَ غَرْسًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ آدَمِيٌّ، وَلَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عز وجل إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً)

(2)

وقوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ غَرَسَ غَرْسًا أَوْ زَرَعَ زَرْعًا فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ سَبُعٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ طَيْرٌ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ)

(3)

وقوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلَتْ الْعَافِيَةُ مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ)

(4)

وقال صلى الله عليه وسلم (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتْ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ)

(5)

وقوله صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَزْرَعُ زَرْعًا أَوْ يَغْرِسُ غَرْسًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ)

(6)

وقوله صلى الله عليه وسلم يجري للعبد أجر وهو في قبره بعد

(1)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه. حدييث رقم (1084) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه ابن ماجة في النكاح.

(2)

مسند أحمد: كتاب مسند القبائل: من حديث أبي الدرداء عويمر. حديث رقم (26234) بلفظ (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا بِدِمَشْقَ، فَقَالَ لَهُ أَتَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟! فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ غَرَسَ غَرْسًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ آدَمِيٌّ، وَلَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عز وجل إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (26234).

انفرد به أحمد بن حنبل

معاني الألفاظ: الصدقة: ما يعطى تقرباً إلى الله.

(3)

مسند أحمد: باقي مسند الأنصار: حديث أم بشر امرأة زيد بن حارثة. حديث رقم (25798) بلفظ (عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ غَرَسَ غَرْسًا أَوْ زَرَعَ زَرْعًا فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ سَبُعٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ طَيْرٌ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ) صححه شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لمسند أحمد برقم (27088).

معاني الألفاظ: الصدقة: ما يعطى تقرباً إلى الله.

(4)

مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: حديث رقم (13976) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلَتْ الْعَافِيَةُ مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5974).

أخرجه الدارمي في البيوع.

معاني الألفاظ: العافية: السباع والطيور التي تقع على الجيف.

الصدقة: ما يعطى تقرياً إلى الله.

(5)

مسند أحمد: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه برقم (26234).

(6)

مسند أحمد: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أم بشر رضي الله عنها برقم (25798).

ص: 694

موته (من علم علماً أو أجرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بني مسجداً أوورث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته) وهذه الأحاديث كلها مذكورة في صحيح الجامع الصغير وزياداته تأليف الشيخ الألباني وهو كتاب قيم جمع فيه ما في الجامع الصغير للسيوطي وما في زيادة الجامع من الأحاديث الزائدة على ما في الجامع الصغير وهو أيضاً للسيوطي وقد التزم الألباني في كتابه هذا أن لا يذكر فيه إلا ما كان صحيحاً أو حسناً.

س: هل يعتبر تجهيز طعام العشاء ثم قراءة المولد النبوي أثناء السمر في رمضان أو إحياء ليلة المولد النبوي هل يعتبر هذا العمل قربة يحصل لمن قام به الثواب من الله تعالى أو أنه لا يعتبر ولايعد قربة؟

جـ: لا مانع من ذلك بشرط أن لا يكون في الاجتماع اختلاط الرجال بالنساء، وبشرط أن يكون الكتاب الذي سيقرئونه في المجلس من الكتب الصحيحة الخالية عن الأحاديث الموضوعة لأن بعض ما يسمى بالمواليد احتوى على أحاديث لا أصل لها، والأفضل قراءة كتب السنة الصحيحة ففيها الخير والبركة وبها يعرف المسلم أمور دينه ودنياه.

س: نطلب منكم إرشادنا إلى أحسن كتاب في ناسخ الكتاب والسنة؟

جـ: أحسن كتاب ألف في الناسخ والمنسوخ في القرآن هو أكثرها جمعاً للآيات القرآنية الناسخة والمنسوخة هو كتاب (النسخ في القرآن الكريم) تأليف الدكتور: (مصطفى زيد) أستاذ الشريعة المساعد في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، وقد احتوى هذا الكتاب على دراسة تشريعية وتاريخية نقدية قد لا توجد في غيره من المؤلفات في هذا الفن العظيم، وهو في مجلدين كبيرين يزيد حجم كل مجلد على أكثر من (500) خمسمائة صفحة، وأما أحسن كتاب ألف في الناسخ والمنسوخ من السنة النبوية فلا أعلم ما قد ألفه العلماء في هذا العصر في هذا الفن من التأليف، وأحسن الكتب التي قرأتها في هذا الفن من مؤلفات المتقدمين هو كتاب الحازمي الذي سماه (الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار) وقد طبع قديماً كما طبع حديثاً طبعة محققة مصححة، ولعله قد ألف ممن جاء من المتأخرين المعاصرين في هذا الفن أحسن من كتاب الاعتبار، ولكنني لم أطلع على شيء مما يمكن أنه قد ألف بعد كتاب الاعتبار المذكور آنفاً وهو الكتاب الوحيد الذي كان يدرسه طلبة العلم الذين يتطلعون إلى معرفة الأحاديث الناسخة والمنسوخة في السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وغيره من شراح كتب السنة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وقد ذكر خلاصة لما جاء في كتاب الاعتبار من الأحاديث التي أجمع العلماء على أنها منسوخة ومن الأحاديث التي اختلف الناس في كونها منسوخة وغير منسوخة العلامة الحافظ:(محمد بن إبراهيم الوزير) في كتابه المشهور (الروض الباسم في الذود عن سنة أبي القاسم) الذي اختصره من كتابه الكبير والذي سماه (العواصم والقواصم).

س: ما قولكم فيمن يدخل الرجال الأجانب إلى بيته وتظهر زوجته أمامهم في حالة زينتها؟

جـ: اعلم أنه لا يجوز إظهار زينة المرأة عند من يحل له التزوج بها، واعلم أن إدخال الرجل بيته من الأجانب وعدم احتجاب زوجته أو بنته أمامهم من الكبائر لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ولحديث (ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ،

ص: 695

وَالدَّيُّوثُ)

(1)

وحديث (ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ)

(2)

.

س: هل يجوز الأكل من طبخ امرأة لا تصلي رغم محاولة الزوج تعليمها الصلاة؟

جـ: إن الصلاة واجب قطعي على كل مسلم ومسلمة كما أن من الواجب الشرعي على الرجل نحو زوجته أن يعلمها الصلاة ويأمرها بالصلاة لقوله تعالى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}

(3)

وقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}

(4)

وأما الأكل من الطعام الذي تعمله المرأة التي لا تصلي فليس حرام بل الحرام هو عدم تعليمها الصلاة.

س: يوجد طفل لا يتكلم ولا يسمع ويبلغ من العمر (11) عاماً، فكيف نفهمه أمور الدين؟

جـ: اللازم الانتظار حتى يتمكن هذا الطفل من الفهم لما يشار به كسائر العجم والخرس، وإذا لم يتمكن من معرفة الإشارة فهو ممن رفع الله عنهم القلم إن شاء الله.

س: هل يمكن أن تعرفونا ما هو المكان الذي هبط فيه آدم وما هو اسم الشجرة التي أكلها منها آدم؟

جـ: اعلم بأن من اطلع على كتب التفسير وقصص الأنبياء يجد المفسرين يذكرون عدة أقوال فقيل: هي النخلة، وقيل العنب، وقيل الحنطة، وقيل هي اللوز، وقيل: إن الأرض هي الهند، وقيل أرض ما بين مكة والطائف، ويقولون: أن حواء هبطت إلى أرض جدة ولكن مثل هذا لا ينبغي الخوض فيه لأنه لا يوجد أيُّ دليل على ذلك والله أعلم.

س: ما حكم وضع الطبل بين النساء في الأعراس؟

جـ: إن وضع من يضرب الطبل أو غيره بين النساء فهو حرام، وهكذا وضع الرجال خلف النساء، وكذلك وضع النساء أمام الرجال في صلاة الجماعة فضلاً عن الأعراس كما في حديث (صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي

(1)

- سنن النسائي: كتاب الزكاة: باب المنان بما أعطى. حديث رقم (2515) بلفظ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ: وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى) صححه الألباني في صحيح النسائي برقم (2561) وقال عنه (حسن صحيح).

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الديوث: الذي لاغيرة له على أهله.

(2)

- مسند أحمد: كتاب مسند المكثرين: باب مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب. حديث رقم (5117) بلفظ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ)

اخرجه النسائي في الزكاة.

معاني الألفاظ: العقوق: العصيان وعدم الطاعة.

(3)

طه: الآية (132).

(4)

التحريم: آية (6).

ص: 696

بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا)

(1)

وجوب إلزام مسؤلي الدولة والموظفين والرعايا بأداء الصلاة حين سماع الأذان

س: لماذا الدولة لم تلزم المواطنين بالصلاة عند سماع الآذان؟ والله جل جلاله يقول {الَّذِينَ إِنْ

مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.

جـ: يقدم إلى مسئولي الدولة الذين لهم الأمر والنهي وبأيديهم هم السلطة، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

‌أولاد الكفار الذين يموتون قبل البلوغ ناجون من النار

س: ما رأي أصحاب الفضيلة العلماء فيمن يقول أن أبناء اليهود الصغار الذين يموتون ولم يبلغوا الحلم يدخلون الجنة؟.

جـ: الصحيح أن أولاد الكفار القاصرين الذين لم يبلغوا الحلم ناجون وحديث (ما من مولود إلا يُولَدُ على الفطرةِ، فأبواه يُهوِّدانِهِ أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه)

(2)

صحيح، وإنما قولهم أن أولاد الكفار يكونون خدم أهل الجنة فهو قول البعض من العلماء وليس حديثا.

‌تحريم توجيه السلاح إلى مسلم بسبب اختلاف على أموال

س: كنت مع أحد الناس على خلاف بسبب قطعة أرض وعندما اجتمعنا فوق الأرض لنحل المشكلة قام أحد أصحاب غريمي وهو حارسه بإشهار السلاح وتعميره وتوجيهه نحوي أنا وأولادي الثلاثة ولكن صاحبه أبعده من جانبنا وعليه، فما حكم هذه المسألة في الشريعة المطهرة؟

جـ: هذا لا يجوز ولا ينبغي، وقد نهى الشرع الإسلامي عن توجيه المؤمن السلاح القاتل إلى أخيه المسلم في حديث (لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ)

(3)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأذان: باب المرأة وحدها تكون صفا. حديث رقم (685) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا).

أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، والترمذي في الصلاة، والنسائي في الإمامة، وأبو داود في الصلاة،، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في النداللصلاة، والدارمي في الصلاة.

أطراف الحديث: الصلاة، تفسير القرآن.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب التفسير والقرآن: باب لا تبديل لخلق الله. حديث رقم (4657) بلفظ (أن أبا هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يُولَدُ على الفطرةِ، فأبواه يُهوِّدانِهِ أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه، كما تُنتَج البهيمة بهيمةً جَمعاءَ، هل تحِسّونَ فيها من جَدعاء؟ ثم يقول: {فطرة الَّلهِ التي فَطَرَ الناسَ عليها، لا تبديلَ لخلقِ الله، ذلكَ الدِّينُ القيِّم} (الروم: 30).

أخرجه مسلم في القدر، والترمذي في القدر عن رسول الله، والنسائي في الجنائز، وأبو داود في السنة، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجنائز.

أطراف الحديث: الجنائز، القدر.

(3)

ـ صحيح البخاري: كتاب الفتن: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من حمل. حديث رقم (7072) بلفظ (عَنْ هَمَّامٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ).

أخرجه مسلم في البر والصلة، والترمذي في الفتن، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 697

‌جواز ما يسمى بـ (البرع) الرقصة الشعبية في اليمن

س: ما حكم الشرع فيما يسمى بـ (البرع) الرقصة الشعبية في اليمن؟

جـ: هذه مباحة لأنها رياضة، والأصل في الأشياء الإباحة.

س: ما حكم ما يسمى بالبرع لأن هناك من يقول بالتحريم بحجة أن الطاسة والمرفع من آلات اللهو والطرب وإنما أباح الشرع في الأعراس الدف للنساء، ويقولون الأصل في الملاهي المنع كما يقول بعض الفقهاء، نرجوا الجواب مقروناً بالدليل المقنع؟

جـ: الأصل في الأشياء الإباحة ومن ادعى تحريم أيِّ شيء فعليه الدليل، فيرجى من السائل أن يأتي لي بالدليل الذي يدل على تحريم البرع فإن استطاع وإلا فالأصل الإباحة.

‌جواز الرقص الشعبي اليمني (البرع) وتحريمه مع المزمار

س: سمعنا بأن البرع الذي يقام في الأعراس حرام، هل قال العلماء بتحريمه؟

جـ: البرع مباح ما لم يكن هناك مزمارا.

‌جواز إهداء المصحف المترجم بغير اللغة العربية لمن يرجى إسلامه

س: ما حكم الشرع في رجل له مصحف بحاشيته ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الانجليزية ويريد أن يهديه لأحد النصارى رجاء أن يسلم، فهل هذا العمل جائز أم لا؟

جـ: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)

(1)

فإذا كانت نيته رجاء إسلامه فالظاهر الجواز، والأحوط عدم تمكين الكافر من المصحف الشريف.

‌وجوب العمل بالعرف الجاري في المؤسسات الرسمية للدولة

س: تحصلت على منحة دراسية إلى الخارج على حساب الجامعة التي أعمل فيها ثم منحتني الجامعة أربع تذاكر سفر واحدة لزوجتي وثلاث لأولادي على حسب لائحتها وأسوة بزملائي الذين أخذوا تذاكرهم وتصرفوا بها، فهل لي أن أتصرف بهذه التذاكر عند عدم سفر أسرتي معي؟

جـ: هذا عمل حكومي إداري اعملوا بالمعروف في هذا وأمثاله، واستخيروا الله وليس عندي نص في هذه المسألة أرجع إليه ولكن كل واحد يفتي نفسه.

س: امرأة موظفة أخذت إجازة دراسية مع المرتب انتهت الدراسة ولها طفل معاق تجلس دائماً بجانبه والمسئولية عليها فقط، والمسئولون عليها يعرفون حالها وحال ابنها المعاق ويصرفوا لها جزءا من مرتبها وهي في البيت عند ابنها الذي تسهر عليه ليلاً ونهاراً وليس لها دخل غير هذا الجزء من المرتب، فهل يعتبر هذا الجزء كمعيشة لها وولدها المعاق لأن الدولة تدفع ذلك؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب بدء الوحي: كيف كان بدء الوحي. حديث رقم (1) بلفظ (سمعت عمر بن الخطأب رضي الله عنهم على المنبر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).

أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في فضائل الجهاد، والنسائي في الطهارة والطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الزهد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث: الإيمان، العتق.

معاني الألفاظ: النية: القصد وعزم القلب على الفعل.

يصيب: ينال والمراد تحصيل أسباب العيش.

ص: 698

جـ: هذه أمور حكومية لا دخل لمن يفتي في المسجد فيها، ومثل هذه المسألة كل واحد يستخير الله ويعمل ما ألهمه الله.

‌تحريم التوقيع عن الغير بصورة مستمرة في الجيش أو في غيره من المؤسسات

س: يقوم بعض العسكر بالتوقيع عن زملائهم في غيابهم لئلا يخصم عليهم من رواتبهم، فهل هذا جائز أم لا؟

جـ: هذا تزوير هذا حرام والتزوير من الكبائر.

‌تحريم تواطؤ الموظف العام مع رئيسه على التغيب عن العمل

س: موظف اتفق مع رئيسه المباشر على أن يتغيب بشكل دائم ويرفع به حضوراً مقابل قسمة الراتب نصفين بينهما، فهل هذا جائز؟

جـ: الظاهر عدم جواز هذا التصرف والله أعلم.

‌جواز أخذ الموظف مرتبا بدون عمل إذا أذن له المسؤول عليه

س: ما حكم المعاش الذي يأخذه الموظف من الدولة بغير عمل؟ هل هو حق له على الدولة أم هو حرام؟

جـ: يجوز للموظف أخذه إذا كان المسؤول عنه قد أذن له وإلا فلا.

‌وجوب رد من أخذ زيادة على مبلغ راتبه الشهري على جهة الخطأ

س: أنا أستلم راتبا حكوميا وفي شهر من الشهور أخطأ أمين الصندوق وزاد على الراتب مبلغ (2. 000 ريال يمني) فهل أنا آثم علما أنه يخصم مائة ريال شهريا من راتبي، أليست الزيادة بدل المائة المخصومة شهريا من راتبي؟

جـ: يجب عليك رد المبلغ.

‌تحريم أخذ الموظف مما أؤتمن عليه لأنه خيانة

س: أعمل مع الدولة أميناً لمخزن بـ (12000) مبلغ اثني عشرألف ريال وعملي كثير وغيري يستلم مثل مرتبي وهو جالس على الكرسي، فهل يجوز لي أخذ شيء مما بداخل المخزن بدون علم رئيسي أم لا؟

جـ: لا يجوز لأنها خيانة، وخيانة الموظف العام في ماأئتمن عليه هي الغلول المحرَّم في قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}

(1)

وفي حديث (مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

(2)

وحديث (مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى

(1)

- آل عمران: آية (161)

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب تحريم هدايا العمال. حديث رقم (4720) بلفظ (عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنْ الْأَنْصَارِ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، قَالَ: وَمَا لَكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ، مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى)

أخرجه أبو داود في الأقضية، وأحمد في مسند الشاميين.

معاني الألفاظ: الغلول: ما يؤخذه الموظف العام من المال العام زائد عما هو مقررله ولأمثاله بحسب القوانين واللوائح التي تنظم العمل وتقرر المستحقات المالية من المرتبات والعلاوات والمكافآت وغيرها من الحقوق المالية ويكون الأخذ عن طريق التكتم والتخفي عن الآخرين.

ص: 699

عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ)

(1)

وحديث: (لَا يَحِلُّ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قَدْرُ هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ)

(2)

.

‌تحريم أخذ شيء من ممتلكات مشاريع المياه أو الكهرباء أو التلفونات أو غيرها

س: ما قولكم في رجل قام بتفكيك مواصير المياه التي توصل لمشروع المياه إلى المنازل ثم باعها بحجة أنه سيخرج من الدولة مواصير أخرى مع الرغم من أننا الضامنون أمام الدولة؟

جـ: لا يصح ما ذكرتم فهو لا يجوز لكونه مال عام ملكيته ومنفعته للجميع وقدحرَّم الشرع الأموال العامة والخاصة في حديث (فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا؟ كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ أَلَا نَعَمْ)

(3)

‌تحريم أيِّ مبلغ مالي يأخذه شرطي المرور مقابل تغاضيه عن المخالفات المرورية

س: رجل مرور يأخذ من السائق مبلغاً من المال مقابل تغاضيه عن النواقص من أوراق السيارة ورخصة القيادة وغيرها أو مخالفته لقواعد السير وعدم تسجيل مخالفة عليه، فهل هذا جائز أم لا؟

جـ: هذا غير جائز.

‌تحريم أخذ أيِّ مبلغ متوفر بدون إذن من المسئول

س: أعمل في مزرعة حكومية يدفع إليَّ مديري مبلغاً من المال لصرفه في مستلزمات المزرعة أقوم بتوفير كل ما يلزم للمزرعة ومع ذلك يبقى جزء من المبلغ زائداً فأدخره لي دون علم المدير وارفع له بأني صرفته في كذا وكذا، فهل هذا جائز؟

جـ: الظاهر أنه غير جائز.

(1)

- سنن أبي داود: كتاب الخراج والإمارة والفيئ: باب في أرزاق العمال. حديث رقم (2943) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ) صححه الألباني في صحيح أبي داود بنفس الرقم.

انفرد به أبوداود.

معاني الألفاظ: غل: خان، وهو هنا ما يؤخذه الموظف العام من المال العام زائد عما هو مقررله ولأمثاله بحسب القوانين واللوائح التي تنظم العمل وتقرر المستحقات المالية من المرتبات والعلاوات والمكافآت وغيرها من الحقوق المالية ويكون الأخذ عن طريق التكتم والتخفي عن الآخرين.

(2)

- سنن النسائي: كتاب قسمة الفيئ: باب في فداء الأسير بالمال. حديث رقم (4069) بلفظ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ بَعِيرٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قَدْرُ هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7661)

انفرد به النسائي

معاني الألفاظ: وبرة: شعرة. أفاء: أعطى وأنعم.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الحدود: باب ظهر المؤمن حمى إلا من حد أو حق. حديث رقم (6287) بلفظ (عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَلَا أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: أَلَا شَهْرُنَا هَذَا، قَالَ: أَلَا أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: أَلَا بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ: أَلَا أَيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: أَلَا يَوْمُنَا هَذَا، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ أَلَا نَعَمْ، قَالَ: وَيْحَكُمْ أَوْ وَيْلَكُمْ لَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في تحريم الدم، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الحج، المغازي.

ص: 700

‌تحريم أخذ المسئول أيِّ مبلغ من اعتماد مؤسسته الحكومية

س: تقوم الدوائر والمؤسسات الحكومية بصرف مبالغ للمدراء والمسئولين تسمى اعتمادات لتسيير أمور العمل لكن البعض يستقطع جزءاً منها لنفسه، فهل هذا جائز؟

ج: الظاهر أنه غير جائز لأنه خيانة، وخيانة الموظف العام في ماأئتمن عليه هي الغلول المحرَّم في قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} وفي حديث (مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وحديث ((مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ) وحديث:(لَا يَحِلُّ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قَدْرُ هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ)

‌تحريم زيادة العامل الشيء الموزون لمقابل أخذ زيادة في قيمته من المشتري

س: أنا عامل على ميزان أزيد الكمية وأحصل على مبلغ من المشتري وصاحب الشركة غني ومرتاح، فما الحكم؟

جـ: هذا إن صح لا يجوز، لأن فيه غش وخيانة لحديث (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا)

(1)

وحديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)

(2)

.

‌تحريم استعمال الموظف ممتلكات الوظيفة العامة في المصلحة الشخصية

س: ما حكم استعمال الموظف بعض الأغراض الحكومية الصغيرة بالمكتب استعمالا شخصيا كالقلم والظرف والمسطرة ونحوها؟

جـ: إذا كان من الأشياء اليسيرة البسيطة فالظاهر أنه لا مانع، وإلا فلا.

‌تحريم أخذ الموظف العام الرشوة

س: ما حكم أخذ الرشوة من الناس علماً بأني أتقاضى مرتبا على عملي؟

جـ: الرشوة حرام بنص الحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي)

(3)

.

ولا فرق بين رشوة ورشوة قال تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}

(4)

.

(1)

صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب قول النبي من غشنا فليس منا. حديث رقم (146) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا).

أخرجه ابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة المنافق. حديث رقم (32) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان عن رسول الله، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الشهادات، الوصايا، الأدب.

معاني الألفاظ: الآية: العلامة والدليل والبرهان. أخلف: نقض وعده.

(3)

- سنن أبي داود: كتاب الأقضية: باب كراهية الرشوة. حديث رقم (3580) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) صححه الألباني في صحيح أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الأحكام، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

(4)

- الطلاق: آية (3، 2)

ص: 701

‌تحريم الرشوة في الشهادة العلمية وغيرها

س: شخص أكمل الثانوية وأراد التقدم للجامعة ففوجئ بأن الجامعة لا تقبل إلا فوق معدله فطلب منه أحد الموظفين مبلغا مقابل قبوله ماذا عليه أن يفعل في مثل هذا الحالة؟

جـ: الظاهر أنها رشوة وأنها تزوير، والرشوة حرام بنص الحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي).

‌استحباب الاستمرار على العمل الصالح وكراهة التكاسل عنه

س: ما حكم من يعمل عملا صالحا ويتركه تكاسلا أو يتركه من أجل الناس حتى لا يقولوا عنه مرائي وما نحوه؟

جـ: لا ينبغي التكاسل في الأعمال الصالحة أو لأجل قول الناس إلا لمسوغ وذلك إذا كان فعل العمل الصالح ينتج عنه فتنة لحديث (لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ)

(1)

.

‌جواز سبِّ الإنسان لمن ظلمه

س: ما حكم سبِّ الظالم من المظلوم؟

جـ: لا مانع لمن ظلم أن يسبَّ ظالمه إن صح أنه ظلمه لقوله تعالى {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}

(2)

.

‌الاسلام دين ودولة

س: هل الإسلام يفصل الدين عن الدولة؟

جـ: إن الدين الإسلامي دين ودولة وبعبارة أخرى الدين الإسلامي هو عقيدة وشريعة ومعاملة وسياسة وأخلاق وإدارة، وما تمكن الصحابة والتابعون من فتح المدن والأقطار وإدخال الجم الغفير من الناس في الدين الاسلامي أو في الخضوع للمسلمين ولتسليم الجزية اليهم إلا بهذا الدين العظيم الجامع للعقيدة الصافية من أوساخ الوثنية والشرك، وللعبادة الخالصة لله تعالى، وللسلوك الحسن والعدل والأخلاق، ولولا أن الدين الإسلامي دين ودولة ما استطاع السلف الصالح قيادة الأمم على اختلاف اجناسها ولغاتها وعناصرها وديارها، وسياسة الشعوب على اختلاف عقائدها وقوانينها وأوضاعها، ولما خضع لدولتها الهنود والقبط والروم والفرس والبربر وغيرها من الأمم والشعوب التي دخلت تحت طاعة المسلمين الى حد أن الدولة الإسلامية في القرن الأول من الهجرة وصلت الى بلاد السند شرقا وإلى حدود فرنسا غربا، فهذا هو قول علماء المسلمين المحققين، أما غيره فهو قول المغفلين المقلدين لما يقوله رجال أوروبا من المستعمرين والمخربين.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب فضل بنيان مكة. حديث رقم (1483) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ)

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في مناسك الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبوداود في المناسك، وابن ماجه في المناسك،

وأحمد في بافي ومن مسند الأنصار، والدارمي في المناسك.

معاني الألفاظ: حزر: قدر وخمن.

(2)

- النساء: آية (148)

ص: 702

‌جواز عمل وشراء اللوحات التي مكتوب فيها آيات قرآنية

س: هل يجوز شراء أو بيع اللوحات التي مكتوب عليها الآيات القرآينة؟ أو صنع مثل هذه اللوحات؟

جـ: لا مانع لأن الأصل الجواز.

‌جواز قراءة أذكار المساء من بعد المغرب

س: متى تكون قراءة أذكار المساء؟

جـ: من بعد المغرب.

‌جواز الاجتماع على قراءة المأثورات بصورة جماعية

س: ما حكم الاجتماع لقراءة المأثورات بصورة جماعية؟

جـ: لا مانع.

‌جواز القول (قلدك الله)

س: ما رأيكم في من يقول (قلدك الله) وما معناها؟

جـ: معناها أن هذه المسألة قلادة في عنقك، إما عدلت وإما ظلمت.

‌جواز كتابة لفظ (الى السيد/ فلان) في الرسائل بين المسلمين

س: ما رأي الشرع في الرسائل بين المسلمين وبين المسلمين والأجانب وأن تكون الرسالة مبدوءة بـ (سيد فلان) فهل هذا جائز أم محرم؟

جـ: إذا كان المخاطب مسلما فلا مانع.

‌جواز تفسير الأحلام لمن له خبرة بتفسيرها

س: ما حكم تفسير الأحلام والاعتقاد بصحتها، وهل هي من أنواع الشعوذة؟

جـ: ليست الأحلام شعوذة.

‌تحريم العمل بقول (المسفلة) التي تدعي أنها تكلم أرواح الأموات

س: هناك أشخاص يقولون: أنهم يستطيعون أن يكلموا أرواح الموتى، فهل هذا صحيح؟

جـ: هؤلاء هن المسفلات وقد اختلف العلماء في صحة ما تقول المسفلة عن الأموات، فذهب البعض الى صحة ذلك منهم العلامة (محمد بن اسماعيل الأمير)، ومنهم من ذهب الى انه كذب وخرافة، ومنهم الدكتور (محمد عبدالرحمن غنيم) خطيب مسجد الزبيري علما أن بعضهن كذابات، وعلى كل حال فالحاكم الشرعي لا يعمل بموجب ما أخبرت المسفلة به، ولا يحكم بشيء إلا ببرهان شرعي شهادة أو إقرار أمام القاضي.

‌جواز نقل عضو من حي أو ميت إلى حي للضرورة

س: ما قول الشرع في نقل الأعضاء من حي لآخر أو نقله من ميت أجاز النقل هو أو ورثته لحي مضطر لذلك العضو، مثل الكلى أو الكبد أو غيرها بنظر اخصائيين متخصصين ولديهم خبرات ومعرفة؟

جـ: لا مانع للضرورة وبقرار من طبيب مختص ماهر مهما كان النقل تبرعاً لا شراء لحديث (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ

ص: 703

يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ)

(1)

.

‌جواز السباحة للرجال في مسبح عام للمسلمين ولغير المسلمين

س: ما رأي الشرع في السباحة في حوض سباحة مع يهود ونصارى كلهم رجال وهم معلقون الصليب على صدورهم والحوض عام لجميع الناس، مثل البحر، ونحن ساترون عوراتنا؟

جـ: لا مانع مع ستر العورة والفخذين لحديث (غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّهَا مِنْ الْعَوْرَةِ)

(2)

.

‌تحريم كشف الفخذين أثناء الألعاب الرياضية

س: ما حكم مشاهدة مباريات كأس العالم علماً بأن الصورة مكشوفة ونرى كذلك النساء أثناء تصويرهم للمباراة؟

جـ: الفخذ عورة بنص صحيح عن النبي صلى الله عيليه وسلم فلا يجوز النظر الى فخذ أي أنسان لا حي ولا ميت ولا ذكر ولا أنثى، لحديث (غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّهَا مِنْ الْعَوْرَةِ).

‌تحريم ممارسة النساء للألعاب الرياضية مع الرجال أو أمام الرجال

س: هل تجوز الرياضة للنساء وما هي الضوابط؟

جـ: الله أعلم كيف هذه الرياضة؟ وكيف صفتها؟ وأين ستكون؟ وهل يظهر فيها حجم العورة أم لا؟، الله أعلم.

‌تحريم ارتياد أماكن يحدث فيها معاص لله سبحانه وتعالى

س: يوجد في المدن السياحية والفنادق السياحية في بلادنا حمامات ومسابح خاصة باليمنيين ولا يوجد فيها اختلاط ويقوم كثير من اليمنيين بالتردد إليها بغرض السباحة والاستحمام ولكن بعض الاخوان الملتزمين قال لأحد المرتادين إليها لا يجوز أو يكره ارتياد هذه الأماكن، والسبب أنها دعم لبقاء هذه المناطق التي يزورها الكفار من سائحين وسائحات ويحدث فيها معاص متنوعة فهل زيارة هذه الأماكن من باب دعم الباطل، وهل هي مكروهة أم مباحة؟

جـ: النبي صلى الله عليه وسلم يقول (استفت قلبك وإن أفتاك المفتون)

(3)

وكل واحد يفتي نفسه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (وَالْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)

(4)

وكما قال (الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ

(1)

- صحيح البخاري: كتاب البيوع: باب إثم من باع حراً. حديث رقم (2227) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ).

أخرجه ابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الإجازة.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الأدب: باب ما جاء أن الفخذ عورة. حديث رقم (795) بلفظ (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّهَا مِنْ الْعَوْرَةِ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

انفرد به الترمذي.

(3)

- لم أجد له تخريجا.

(4)

- صحيح مسلم: كتاب البروالصلة والأدب: باب تفسير البروالإثم. حديث رقم (4632) بلفظ (عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقَالَ: الْبِرُّ: حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)

أخرجه الترمذي في الزهد، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الرقاق.

معاني الألفاظ: حاك: لم ينشرح له الصدروحصل منه الشك كونه ذنبا.

ص: 704

فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ)

(1)

والمؤمنون وقا فون عند الشبهات.

‌عدم جواز قتل الذر

س: هل يجوز قتل الذر إذا كانت مؤذية، وما حكم من قتلها بغير وجه حق؟

جـ: لا يجوز.

س: هل يجوز قتل أو رجم الكلب المؤذي، في كلا الحالتين كانت مؤذية أو غير ذلك؟

جـ: لا يجوز.

‌جواز قتل كل حيوان ضار

س: ماهو الضابط في جواز قتل الحيوانات الضارة والمؤذية؟

جـ: ما كان ضاراً فيجوز قتله لحديث (خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ، الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحُدَيَّا وَالْغُرَابُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ)

(2)

.

‌مقدار الجزية ديناراً من الذهب

س: ما هو مقدار الجزية من أهل الذمة؟ ومن الذي تجب عليه؟

جـ: هو دينار على أيِّ مكلف ذكر ليس بشيخ هرّم ولا عبد مملوك ومن كان مجنوناً أو صبياً أو أنثى أو كان شيخاً هرماً أو عبداً مملوكاً فليس عليه جزية، والشيخ الهرم هو الشيخ الكبيرالفاني.

‌تحريم الاعتداء على الذمي المعاهد

س: ما هي العقوبة الدنيوية والأخروية لمن يقوم بالاعتداء على أهل الذمة، وهل يهود اليمن لا زالوا أهل ذمة، وما هو معيار اعتبار أهل الذمة؟

جـ: هم الآن مؤمَّنون معاهدين وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (أَلَا مَنْ قَتَلَ نَفْسًا

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب من اسبترأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)

أخرجه مسلم في المساقة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع العير من دحولها. يواقعه: يدخله. حمى الله: محارمه التي لا يحل لمسلم أن يتعداها أو ينتهكها. محارمه: ما حرمه ونهى عن إتيانه. مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق: باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم. حديث رقم (3315) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحُدَيَّا وَالْغُرَابُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ).

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الأضاحي.

معاني الألفاظ: العقور: المؤذي المتوحش.

ص: 705

مُعَاهِدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يُرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)

(1)

.

‌جواز العيش في دولة غير إسلامية لمن يلتزم بتعاليم الإسلام في أداء الواجبات

س: أعيش مع زوجي في أمريكا بحثاُ عن الرزق، ويعمل زوجي في مهنة شريفة ونقيم شعائر الدين كاملة مع جماعة المسلمين هناك، فهل علينا إثم في العيش في بلاد الكفر؟

جـ: إذا كان عمله عملاً حلالاً مباحاً شريفاً ولم تكن بقالة من البقالات التي يباع فيها الخمر ولحم الخنزير ويعمل في المباحات ولا يعمل في المحرَّمات، فلا مانع من بقائكم هناك.

‌وجوب منع الدولة الإسلامية المعاهد أو الذمي من نشر دين غير الد ين الإسلامي

س: هل يجوز الاعتداء على المعاهد الذي تأكدنا أنه يقوم بنشر دين غير الإسلام؟

جـ: يجب على الدولة منعه من نشر دين غير الدين الإسلامي في بلاد المسلمين.

‌تحريم وضع المصاحف في أركان المنزل لمنع السحر والشياطين

س: هل وضع المصحف في البناء جائز بنية الحرز للبيت ومن فيه حصانته أم أنه غير جائز، وهل يعتبر من هجر القرآن أم لا، مع العلم أنه بنية الحصانة والحرز من الحسد والأسحار والشياطين وغير ذلك؟

جـ: هذا غير مشروع ولا ينبغي.

‌تحريم سبِّ الدين الإسلامي

س: لديَّ والدة وأنا المسئول عن أمور البيت تقوم بسبِّ الجيران وتسبُّ أولادها وتسبُّ الدين الإسلامي وعند ما نقوم بمنعها تقول أنا قد ضربناها، فما هو الحكم؟

جـ: توسط بخالك أخيها وتوسط بأختك وخالتك ينصحون أمك ويعلمونها بأن سبَّ الجيران وشتم الجيران حرام، وسبُّ الدين يحتاج إلى محاكمة وإذا ثبت أنها سبَّت الدين فالحاكم يطلب منها أن تتوب إلى الله وإذا لم تتب فالحاكم عارف ما هو حد من يسبُّ الدين وهوحد القتل.

س: والدي اعتاد طيلة حياته أن يذبح كل سنة رأس غنم ويعزم الأقارب والجيران ويأكلونه مع العصيد ثم بعد ذلك يقرؤون سورة (يس) بعدها يفترقون، ويريد أن يوصي بموضع أرض لهذا الأمر بعد وفاته، هل نوفي بالوصية؟ علماً بأن هذا فوق طاقتنا والأرض في القرية وخيرها محدود ونحن مستورون الحال فقط، علماً بأن والده فعلها بدون وضع أرض كان ميسور الحال ولديه ما يكفي من الغنم، ولكن والدي يريد أن يضع أرضاً ويوصي بها بذلك، فهل إذا فعلتها طاعة له في حياته ولم أستمر بعد وفاته عليَّ إثم؟

جـ: أطع والدك ونفذ ما قال سواءً كان حياً أم ميتاً.

(1)

ـ سنن الترمذي: كتاب الديات: باب ما جاء فيمن يقتل معاهدا. حديث رقم (1403) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَلَا مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يُرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) صححه الألباني في صحيح الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه ابن ماجة في الديات.

معاني الألفاظ: المعاهد: من بينه وبين المسلمين عهد. أخفر: نقض العهد. يرح: يجد ويشم.

ص: 706

‌تحريم الاحتفال بعيد الميلاد إذا كان بقصد التشبه بالكفار

س: ما حكم الاحتفال بمرور سنة أو سنتين مثلاً أو أكثر لولادة الشخص وهو ما يسمى بعيد الميلاد وإطفاء الشمعة؟

جـ: إن كان القصد والنية التشبه بالكفار فهو غير جائز لحديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا) وإن كان القصد والنية الشكر لله على نعمة صلاح الولد أو البنت ليكون قرة عين للوالدين فلا مانع لحديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى).

‌كراهة تصفيق الرجال في الاحتفالات العامة لكونه تقليدا للكافرين

س: ما حكم تصفيق الرجال في المناسبات والاحتفالات؟

جـ: هذا من تقليد الأجانب النصارى.

‌وجوب احترام المصحف ووضعه في مكان مرتفع عن الأرض

س: ما حكم وضع المصحف على الأرض لفترة قصيرة أو طويلة؟ وهل يجب وضعه في مكان مرتفع عن الأرض بمقدار شبر على الأقل؟

جـ: نعم، لا يجوز وضعه على الأرض بل فوق الكرسي أو المتكأ أو الوسادة أو الكتاب آو أيِّ شيء آخر.

‌وجوب التزام المسلم المغترب في بلاد الكافرين بالإسلام

س: كثير من الشباب يسافر إلى بلاد الكفر للدراسة أو النزهة أو غيرها هل هناك شروط يلتزم بها المسافر إلى بلاد الكفر؟

جـ: يجب عليه أن يبقى على دينه ويعمل الواجبات ويترك المحرَّمات والشبهات لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ).

‌تحريم التصرف في أموال أو ممتلكات جهة مخصوصة لغير صالح الجهة نفسها

س: هل يجوز لمدير دار قرآن وعلوم شرعية أو المشرفين أن يأكلوا أو يأخذوا من محتويات الدار من طعام وفرش وبطانيات، وكذلك الزوار والضيوف من مشائخ وغيرهم، هل يجوز لهم الأكل من طعام الطلاب؟ علماً أن المتبرع لا يدفع شيء إلا باسم الطلاب؟

جـ: لا يجوز التصرف بأيِّ شيء من الأشياء التي تطوع المتطوعون بها لطلبة العلوم الدينية لا من أكلهم ولا من فرشهم، ويعرض هذا على من يلزم العرض عليه من الذين يتساهلون بأخذ شيء من المتطوعين، أو يعلق هذا الجواب على لوحة ليطلع عليها كل آخذ براءة للذمة.

‌جواز قراءة سور معينة من القرآن الكريم كل يوم

س: رجل يعاني من بعض الأمراض يخصص له قراءة سورة (الأنعام والكهف ويسن) يومياً بقصد التقرب إلى الله وللشفاء ويخشى أن قراءته قد تعوقه عن قدرته على إكمال المصحف فهل عليه إثم في ذلك؟

جـ: لا مانع.

ص: 707

‌تحريم التشبه بالكافرات

س: إذا لبست المرأة ملابس هندية ووضعت على جبهتها النقطة الحمراء، فهل هذا تشبه بالكافرات؟

جـ: نعم، وقدقال الرسول صلى الله عليه وسلم (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)

(1)

وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا)

(2)

.

س: هل يجوز مشاهدة نشرة الأخبار التي تظهر فيها المذيعة متبرجة؟

جـ: لا مانع من التركيز على الأخبار لا على وجه المذيعة أو صدرها لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(3)

وحديث (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ)

(4)

، أما إذا كان المشاهد سيركز على صورة المذيعة أو صدرها لشهوة فهو حرام وغير جائز لأنه من دواعي الدخول في الحرام والعياذ بالله.

‌جواز كشف كفي المرأة للضرورة

س: هل يجوز للمرأة أن تخرج وهي كاشفة كفيها؟

جـ: لا مانع من كشف الكفين للضرورة.

(1)

- سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب في لبس الشهرة. حديث رقم (3512) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) قال عنه الألباني في صحيح أبي داود رقم (4031) بأنه (حسن صحيح).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(2)

- سنن الترمذي: كتاب الاستئذان والأدب: باب ماجاء في كراهية الإشارة باليد في السلام. حديث رقم (3619) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2695).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(3)

النور: الآية (30، 31).

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب وجوب الحج. حديث رقم (1513) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كبيراً لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاع).

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، ومالك في الحج.

أطراف الحديث: المغازي، الاستئذان.

معاني الألفاظ: الردف: الجلوس خلف الراكب.

ص: 708

‌استحباب إعادة حفظ القرآن الكريم لمن كان قد نسيه

س: ما حكم من حفظ شيء من القرآن ثم نسيه؟

جـ: يحاول استعادته بحسب المستطاع وبقدر الإمكان ولا إثم لأن الله يعفي عن النسيان لحديث (إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)

(1)

.

‌تحريم مخالفة القول للفعل

س: نشاهد أناساً يصلون ويتحدثون بكلام طيب في المسجد لكن أفعالهم وأخلاقهم خارج المسجد مخالفة لصلاتهم وأقوالهم، ما تنصحون مثل هؤلاء؟

جـ: أنصح كل مسلم ومسلمة أن لا يكون فعله مخالف لقوله لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}

(2)

.

‌أخذ المال الحرام مانع لاستجابة الدعاء

س: ما الأسباب المانعة عن إجابة الدعاء؟

جـ: أكل الحرام من الموانع لاستجابة الدعاءلحديث (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ، أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)

(3)

وهكذا مما يمنع قبول الدعاء أن لا يكون فيه إثم أو قطيعة رحم لحديث (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ)

(4)

.

(1)

- سنن ابن ماجة: كتاب الطلاق: باب طلاق المكره والناسي. حديث رقم (1675) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخطأ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة بنفس الرقم.

انفرد به ابن ماجة.

(2)

- الصف: آية 2 -

(3)

ـ صحيح مسلم: كتاب الزكاة: باب قبول الصدقة من كسب طيب. حديث رقم (2343) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ، أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ).

أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الرقاق.

معاني الألفاظ: أشعث الشعر: ملبد مغبر الشعر غير ممتشط.

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء: باب بيان الله يستجاب للداعي مالم يعجل. حديث رقم (4914) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ)

أخرجه البخاري في الدعوات، والترمذي في الدعوات، وأبوداود في الصلاة، وابن ماجه في الدعاء، وأحمد في مسند المكثرين، ومالك في النداء للصلاة.

معاني الألفاظ: فيستحسر: ينقطع عن الدعاء.

ص: 709

‌جواز الدعاء على الظالم

س: هل يجوز أن أدعوا على من ظلمني وإن كان مسلماً؟

جـ: لا مانع إن صح أنك مظلوم وهو ظالم، وقد قال الله تعالى {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}

(1)

وفي الحديث (اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ)

(2)

.

‌تحريم الانتفاع بجلد الخنزير

س: هل يجوز استخدام جلد الخنزير في صناعة الأحذية أم أنه كعمل بني اسرائيل عندما حرم الله عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها؟

جـ: الظاهر أنه حرام وأن الذي حُرِّم أكله يحرم الانتفاع به.

‌وجوب غض البصر وعدم الخلوة بأيِّ فتاة محرَّمة أثناء الدراسة

س: أنا طالب في كلية طب الأسنان وفيها الدراسة مختلطة وفيها فتن، منها النظر إلى النساء بكثرة جداً، فبماذا تنصحونني حتى لا أفتن في ديني؟

جـ: أنصحك بغض النظر بحسب الإمكان وبقدر المستطاع لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}

(3)

وحديث (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ) وعدم الخلوة بأيِّ فتاة كانت ومن كانت لحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ)

(4)

وحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)

(5)

وعدم الكلام مع إحداهن إلا كلاماً يتعلق بالوظيفة وبالعمل وأن يكون الكلام جدياً ليس فيه ضحك ولا نكتة ولا مزاح ولا دلال ولا دلع خشية من أن يكون له عاقبة سيئة ونتيجة وخيمة.

(1)

- النساء: آية (148)

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الغصب والمظالم: باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم. حديث رقم (2268) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الزكاة، والنسائي في الزكاة، وأبوداود في الزكاة، وابن ماجه في الزكاة، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في الزكاة.

(3)

النور: الآية (30، 31).

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من اكتتب في جيش فخرجت إمرأته حاجة. حديث رقم (3006) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ).

أخرجه مسلم في الحج، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: النكاح، الحج.

(5)

- مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: باب مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه. حديث رقم (1424) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2801).

أخرجه الترمذي في الادب، والنسائي في الغسل والتيمم، والدارمي في الأشربة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الإزار: ثوب يلف به النصف الأسفل من الجسم.

ص: 710

‌تحريم اختلاط النساء بالرجال في الوظائف العامة

س: هل يجوز العمل المختلط لفنيي الأشعة في المستشفيات مثل أن يعمل الفني كشافة للمريضة وتعمل الفنية كشافة للمريض، وهل يجوز للمرضى الرضى بالعمل المختلط؟

جـ: لا يجوز إلا للضرورة الملحة عند عدم وجود رجال يعملون هذا العمل، أما مع وجود من يعمله فلا يجوز لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ولحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) وحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)، وإنما أجيز عند الضرورة لأن العلماء يقولون عند الضرورات تباح المحضورات.

س: نرجوا من فضيلتكم الإجابة على هذه الفتوى، وهي:

هل يجوز لفنية الاشعة أن تعمل كشافة للرجال وهناك فني في المكتب؟

ماذا تعمل الفنية في حال غياب الفني الذي معها لأيِّ ظرف علماً أنها لو مانعت عمل الكشافة للرجال في حال غيابه ستقوم الإدارة بخصم قسط من الراتب أو الفصل من العمل.

ماذا تعمل الفنية في حالة انعدام الفني وطلبوا منها العمل المختلط لغاية الحصول على فني بديل للأول وهي لا تعلم كم هي الفترة أو المدة حتى يأتي الفني، علماً بأن الإدارة غافلة تماماً عن الجانب الديني، ولا يهمها حرام أم حلال؟

جـ: أنا أجيب عليك من الناحية الدينية التي ألقى بها الله والتي تلقين بها الله ولا دخل للإفتاء بالإدارة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5045) والعلماء يقولون لا يمس الرجل المرأة لا في يدها ولا في سائر الأعضاء كما لا تمس المرأة الرجل لا في يده ولا في سائر الأعضاء سواء في فترة مجهولة أو معلومة أو على الأبد.

‌تحريم كل عمل أو كل شيء فيه أكل أموال الناس بالباطل

س: ما حكم المسابقات التي يتصل فيها المتصلون ويحصل فيها فائز واحد على جائزة تصل إلى المليون بدون تعب وجهد إنما بالقرعة، علماً أن المستفيد الوحيد من هذه المسابقات هي شركات الاتصالات، إضافة إلى أنه يقدم هذه البرامج مذيعات متبرجات خاضعات بالقول مثيرات للرجال يظهرن بالتلفاز ويعلق صورهن باللوحات الإعلانية في الشوارع، فهل هذا جائز؟

جـ: كل ما فيه أكل أموال الناس بالباطل فهو حرام لقوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}

(1)

ولحديث (إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)

(2)

ولحديث (لَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ

(1)

- البقرة: آية (188)

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الحجـ: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (2941) بلفظ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنْ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْتُ، أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ شيئاً مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَقَرَأَ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ (إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ فَقَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

أخرجه البخاري في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الحج، والدارمي في المناسك.

معاني الألفاظ: نساجة: نوع من الأكسية والثياب المنسوجة.

المنكب: المفصل الذي بين العضد والكتف. المشجب: أعواد تعلق عليها الثياب ومتاع البيت. أذن: أعلم وأخبر. الإستثفار: أن تشد المرأة وسطها وتضع محل الدم خرقة. الإهلال: النية والتلبية. لزم: داوم على ترديد التلبية. استلم الركن: لمسه و قبله أولمسه فقط أو أشار إليه بيده فقط. الرمل: المشي السريع مع تقارب الخطى. الباب: باب بني مخزوم، ويسمى الآن باب الصفا. الإنصباب: الإنحدار. صعدتا: ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.

استقبلت: بدا لي أولا. الهدي: مايذبحه الحاج في حجه نسكا.

ص: 711

مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ)

(1)

، كما أن كل ما سيؤدي إلى إفساد الشباب فهو حرام سواء بالصور المائعة في الشوارع أو في التلفزيون من باب سد الذريعة لأن ما يؤدي إلى الحرام حرام وقدقال الله عزوجل

(1)

- مسند أحمد: كتاب أول مسند البصريين: باب حديث عمروبن يثرب. حديث رقم (20170) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ غَنَمَ ابْنِ عَمِّي أَجْتَزِرُ مِنْهَا شَاةً، فَقَالَ: إِنْ لَقِيتَهَا نَعْجَةً تَحْمِلُ شَفْرَةً وَأَزْنَادًا بِخَبْتِ الْجَمِيشِ فَلَا تَهِجْهَا، قَالَ: يَعْنِي خَبْتَ الْجَمِيشِ أَرْضًا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْجَارِ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ) حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (7662).

انفردبه

معاني الألفاظ: أجتزر: أي أذبح.

ص: 712

{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}

(1)

وفي الحديث (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)

‌الدش حسنه حسن وقبيح قبيح

س: نحن سكان قرية ريفية ونعتبر منقطعين إعلامياً عن الخارج وقام البعض يريد تركيب دشات ستالايت ليشاهد القنوات التلفزيونية، فقام أحد المدرسين يقول من اشترى هذا الدش فقد خان الله ورسوله بالرغم من أن منطقتنا محافظة؟

جـ: الدش حسنه حسن وقبيحه قبيح.

‌جواز التصوير لبرنامج ديني يعرض في التلفزيون

س: ما حكم التصوير بالفيديو لإعداد برنامج ديني يعرض في التلفزيون؟

جـ: لا مانع عندي من ذلك.

س: ما حكم التصوير بالكاميرا صوراً عائلية وما شابهها من أجل الذكرى والتسلية فقط لا غير؟

جـ: الظاهر أنه لا مانع والله أعلم.

‌جواز لعبة الشطرنج

س: ما حكم لعبة الشطرنج؟ وهل تساوي لعبة النرد؟

جـ: النرد ورد في تحريمه حديث صحيح بلفظ (مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ)

(2)

ولم يرد في الشطرنج حديث يحرمه،

س: ما حكم ما يسمى بلعبة الشطرنج؟

جـ: إذا لم تشغل المصلي عن حضور جماعة الصلاة ولا يحصل حقد من طرف على الطرف الآخر ولا يحصل غرامة على أحد فلا مانع من الممارسة لهذه اللعبة، إلا إذا كانت ستكون سبباً في التأخر عن الصلاة أو تسبب حقداً أو غرامة فهي حينئذ حرام.

‌وجوب توبة من حلف ألا يمضغ القات فعاد إلى مضغه

س: ما حكم من حلف يمينا بالله أنه لن يخزن القات وإذا خزن فإنه يخرج من الملة، وبعد فترة خزن وأراد أن يتوب إلى الله؟

(1)

- النور: آية (19)

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الأدب: باب في النهي عن اللعب بالنرد. حديث رقم (4287) بلفظ (عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ)

اخرجه ابن ماجه في الأدب، وأحمد في أول مسند الكوفيين، ومالك في الجامع.

لايوجد للحديث مكررات.

معاني الألفاظ: النرد: مايعرف بلعبة الطاولة.

ص: 713

جـ: يتوب إلى الله توبة نصوحاً لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(2)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ) وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ).

‌تحريم سفر المرأة بالسيارة بدون محرم

س: هل يجوز لزوجتي أن تسافر من اليمن إلى السعودية بسيارة أخي مع العلم أن أخي مع عائلته المتكونة من زوجته وبنته البالغة وأولاده الصغار ذكوراً وإناثاُ وسأكون أنا في انتظار زوجتي في بلاد الغربة؟

جـ: لا يجوز لحديث (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ)

(3)

وحديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ)

(4)

.

‌جواز تقصير شعر الحاجبين إذا كان مشوها للصورة

س: ما حكم المرأة التي تقوم بتقصير حاجبها وذلك للضرورة ولزوجها وذلك لأن الشعر يكون طويلاً من أعلى الحاجب ومن أسفل الحاجب مع طول الشعرة الواحدة؟

جـ: لا مانع ما دام الشعر زائداً على المعتاد ومشوه للصورة.

‌تحريم قص شعر الحاجب أعظم من نتفه

س: اصبحت النساء هروبا من اللعن المذكور في حديث النامصات الذي هوبلفظ (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ)

(5)

يقصصن حواجبهن فما الحكم؟

جـ: القص أعظم من النتف لأنه يطلع بسرعة.

(1)

- التحريم: آية (8)

(2)

- البقرة: آية (222)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب تقصير الصلاة: باب في كم تقصر الصلاة. حديث رقم (1088) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ).

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الرضاع، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب لا يخلون رجل بامرأة. حديث رقم (5233) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ).

أخرجه مسلم في الحج، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: الحج، الجهاد والسير.

(5)

- سبق تخريجه في الحديث السابق له.

ص: 714

‌تحريم نتف الشعر الأبيض من الرأس و اللحية

س: هل يجوز أن ينتف الإنسان الشعر الأبيض من الرأس واللحية؟

جـ: هذا لا يجوز هذا منهي عنه.

س: أنا طالب في كلية طب الأسنان وأحياناً نقوم بأعمال تعطى عليها بعض الدرجات وألاحظ بعض زملائي لا يستطيعون القيام بذلك العمل لسبب ما، فهل إذا أعطيته عملي فأخذ هو الدرجة وأنا حرمت منها يعتبر من الإيثار أم من الضرر؟

جـ: هذا إن صح لا يجوز والله أعلم.

‌جواز إزالة شعر الحاجب المشوه للصورة

س: امرأتي شعر حواجبها متصل وهذا يشوهها فأمرتها بنزعه، فهل هذا جائز لي؟

جـ: ما كان مشوهاً للصورة ملفت للنظر لا مانع من إزالته وإلا فلا.

‌جواز إزالة الشعر من وجه المرأة إذا كان مشوها صورتها

س: يا قاضي بعض النساء في وجوههن شعر فهل يجوز إزالته سواء كان قليلا أو كثيرا؟

جـ: لا مانع إذا كان مشوها للصورة.

‌جواز الدف في الأعراس

س: هل يجوز للنساء سماع الغناء المصحوب بالطبل في الأعراس؟

جـ: الدف جائز في الأعراس دون الطرب.

‌وجوب التوبة النصوح لمن حلف ألا يعمل شيئاً ثم عاد فعمله

س: من عاهد الله تعالى على أنه لا يعمل شيئاً ثم لم يف بالعهد، فهل عليه شيء أم ماذا؟

جـ: يتوب التوبة الخالصة ولا يعمل ذلك الشيء لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ) وفي لفظ (لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَأَضَلَّهَا فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ).

‌تحريم المشاركة أو الاقتراض من رجل ماله كله أو بعضه من حرام

س: هل يجوز مشاركة رجل مسلم في مشروع استثماري علماً أن الشريك في ماله شبهة حيث يعمل في بلاد الكفر ودخله من بقالة يباع فيها الخمور وغيرها من المحرَّمات علماً أن المشروع في اليمن وهو مشروع حلال؟ وهل يجوز لي الاستقراض منه لعمل مشروع منفرد؟

جـ: الأحوط الترك {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ

ص: 715

قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}

(1)

، ولا يجوز أن تقترض منه.

‌جواز تغميض العينين عند النظر إلى المذيعات في القنوات الفضائية

س: ما حكم النظر إلى المذيعة في التلفزيون حيث أن كثيراً من الملتزمين ينظرون إليها بحجة الأخبار؟

جـ: يغمض إذا كان يخشى على نفسه الفتنة أو يجلس معاكس للتلفزيون إذا كان يخشى الفتنة لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}

(2)

وحديث (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ)

‌تحريم المكياج لأنه تغيير لخلق الله

س: ما حكم استعمال المكياج أمام الزوج، أو أمام النساء في المناسبات؟ وما حكم حضور الأعراس؟ وما هي الضوابط الشرعية لذلك؟

جـ: المكياج تغيير لخلق الله وهو غير جائز، وما كان فيه تشبه بالكافرات فهو حرام لحديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)

(3)

وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا)

(4)

.

س: ما حكم من يقوم بالاتصال بالقنوات الفضائية التي تعلم الناس السحر ويدَّعون كذباً وزوراً أنهم يعلمون الغيب ويشفون المرضى وغير ذلك، حيث نرى هذه القنوات منتشرة في هذه الأيام.

جـ: لا يجوز ولا ينبغي لأيِّ رجل أو امرأة لا صبي ولا شاب ولا شيخ ولا كهل مشاهدة هذه القنوات، ولا يجوز تصديق جميع ما يقوله السحرة والكهان، ولا فرق بين القنوات وغير القنوات فـ (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ: فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)

(5)

هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين الإتيان أو فتح القناة.

(1)

- الطلاق: آية (3، 2)

(2)

النور: الآية (30، 31).

(3)

- سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب في لبس الشهرة. حديث رقم (3512) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) قال عنه الألباني في صحيح أبي داود رقم (4031) بأنه (حسن صحيح).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(4)

- سنن الترمذي: كتاب الاستئذان والأدب: باب ماجاء في كراهية الإشارة باليد في السلام. حديث رقم (3619) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2695).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(5)

ـ سنن ابن ماجة: كتاب الطهارة وسننها: باب النهي عن إتيان الحائض. حديث رقم (528) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ: فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الطهارة،، وأبو داود في الطب،، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: الكاهن: كاذب يدعي معرفة الأسرار ومستقبل الزمان.

ص: 716

الأولى أن تكون نغمة التلفون كلمة حكمة

س: ما حكم النغمات الموسيقية التي في التلفونات؟

جـ: لا ينبغي، والأحسن أن تكون كلمة حكمة.

‌تحريم الغش في الامتحانات وشراء الشهادات الدراسية

س: أنا طالب اشتريت شهادة أول وثاني ثانوي شراء ولم أدرس أو أختبر ولكني لم أكن أعرف الحكم الشرعي إلا الآن، والآن أريد أن أدرس ثالث ثانوي، فهل عليَّ أن أعيد السنتين الأولتين أم يكفي أني تبت إلى الله مما وقعت فيه؟

جـ: نعم نعم وما عملته غش.

س: ما حكم الغش في الامتحانات الدراسية، حيث أن المدرسين يقومون بالسماح للطلاب بالغش؟

جـ: الغش حرام في الاختبار وغير الاختبار ولا يجوز السماح لأحد بأن يغش أبداً سواء كان المسامح استاذاً أو غير أستاذ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا)

(1)

.

‌تحريم الغش في الإمتحانات وفي التجارة وفي كل شيء

س: إني أعلم بأن الغش في كل شيء محرم لكن بعض الزملاء قد برعوا في الغش في الامتحانات الدراسية مما أدى إلى أنهم تفوقوا علىَّ بصورة غير مشروعة، فهل يجوز لي أن استخدم وسيلتهم هذه للحفاظ على تفوقي عليهم في الامتحانات أو أن هذا عمل غير جائز افتونا؟

جـ: اعلم أيها الأخ السائل أن حديث (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) يدخل في كل غش يصدر من كل من يغش سواء كان الغش في بضاعة أو في النقود أو في اختبار الطلبة ولا فرق بين الذي سيغش هو الطالب نفسه أو هو المراقب نفسه لأن الجميع قد دخلوا في العموم المستفاد من لفظه (من) لأن لفظة (من) من الفاظ العموم كما تقرر في علم أصول الفقه، وخاصة إذا كان الطالب من طلبة العلوم الدينية أو الطبية أو غيرها من العلوم كما لا يخفى.

‌تحريم الغش والسرقة في استهلاك الماء والكهرباء العامة

س: ما نصيحتكم لأهل بيت يقومون بأخذ الماء والكهرباء بدون إذن من الدولة، وذلك بأنهم لم يقوموا بتسديد ما عليهم؟

جـ: هذا حرام هذا غير جائز لأنه غش وسرق

‌تحريم تزوير أوراق لأخذ مبالغ مالية من المؤسسات الرسمية

س: أنا موظف في مؤسسة حكومية يعتمد لي مبلغ (15000) خمس عشرألف ريال سنوياً بدل علاج بشرط تقديم فواتير تثبت ذلك وأحياناً لا أتعرض لمرض فأقوم بأخذ فواتير من صيدلية لصرف المبلغ المعتمد لأني إذا لم أقدم فواتير فسوف يذهب نهاية السنة إلى جيوب المدراء ولن يعود إلى خزينة الدولة، فهل يجوز لي ذلك؟

(1)

صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب قول النبي من غشنا فليس منا. حديث رقم (146) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا).

أخرجه ابن ماجة في الحدود، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 717

جـ: الظاهر أنه كذب وزور وأنه شبهة من الشبهات والمؤمنون وقافون عند الشبهات لحديث (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ)

(1)

.

‌تحريم الكذب والغش والتزوير

س: شخص ذهب للجهاد بإذن والديه ورضاهما والآن لم يأت منه أيِّ اتصال أو رسالة ولا يعلم مصيره، وجهة العمل التي كان يعمل لديها تطلب حضوره، ووالداه ليس لديهما إلا معاش هذا الولد، فهل يجوز لهما أن يقطعا له شهادة وفاة؟

جـ: الكذب حرام والتزوير حرام والغش حرام لحديث (وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)

(2)

وحديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)

(3)

وحديث (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا).

‌تحريم كشف عورة المرأة المسلمة أمام المرأة الكافرة في الحمامات العامة

س: ما حكم اختلاط النساء المسلمات بالنساء الكافرات في الحمامات العامة وهن شبه متعريات، وهل يجوز لصاحبة الحمام السماح لهن بالدخول في وجود نساء مسلمات في الحمام، وهل يجب عليهن الخروج في حال دخول الأجنبيات الكافرات أم لا؟

جـ: قد ورد نهي المرأة المسلمة عن كشف رأسها للكافرة ولا ينبغي لصاحبة الحمام أن تأذن للكافرة بالدخول على المسلمات في الحمام العام للنساء كما أن على المسلمة الخروج إذا وجدت الكافرة في الحمام.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها.

يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه.

مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب: باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله. حديث رقم (4721) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).

أخرجه الترمذي في البر والصلة عن رسول الله، وأبو داود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: البر والصلة والآداب.

معاني الألفاظ: البر: كلمة جامعة لأبواب الخير.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة المنافق. حديث رقم (32) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان عن رسول الله، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الشهادات، الوصايا، الأدب.

معاني الألفاظ: الآية: العلامة والدليل والبرهان. أخلف: نقض وعده.

ص: 718

‌تحريم كشف عورة المرأة بين النساء وهي كعورة الرجل بين الرجال

س: ما حكم عورة المرأة إذا ظهرت بين النساء؟

جـ: مثل عورة الرجل بين الرجال لحديث (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ)

(1)

.

‌جواز العمل في البنك الإسلامي وتحريمه في البنك التجاري

س: ما حكم الشرع في العمل في البنوك مهما كانت تجارية أو إسلامية أو زراعية أو البنك المركزي؟

جـ: الظاهر أن العمل في البنك الإسلامي جائز، وأما في غيره فكل واحد يستخير الله هل يعمل فيه أم لا وما ألهمه الله عمله به.

‌تحريم القمار في لعب كرة القدم

س: هل يجوز أخذ المال من فريقين يلعبون الكرة على أنه من فاز يدفع له الفريق الآخر؟

جـ: لا يجوز.

‌التحذير من اقتناء كتب قراءتها مضرة بالدين والدنيا

س: اذكروا لنا بعض الكتب التي تنصحون بعدم اقتنائها لما فيها من روايات وقصص كاذبة، مع ذكر أسماء المؤلفين إن أمكن؟

جـ: (بدائع الزهور) لابن إياس المعري و (شمس الأخبار) للقرشي و (شمس المعارف).

س: ما رأيكم في كتاب (دلالات الخيرات)؟

جـ: هذا كتاب (دلالات الخيرات) من الكتب التي حذر منها العلماء من قراءتها وتصديق ما جاء فيها من الأحاديث والأذكار، والأفضل لك ولغيرك ممن يريد مطالعة وقراءة كتب في الأدعية والأذكار فيطالع وليقرأ (كتاب الأذكار) للنووي و (الحصن الحصين) للجزري و (تحفة الذكرين) للشوكاني.

‌جواز نظر المرأة إلى العالم أثناء طلبها للعلم

س: هل يجوز للمرأة أن تنظر إلى العالم أو الشيخ أثناء طلبها للعلم؟

جـ: نعم، يجوز لأن الصحابيات كن ينظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما كن يسألنه صلى الله عليه وسلم أو يستفتينه كما في حديث (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَر، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى

(1)

سنن الترمذي: كتاب الأدب عن رسول الله: باب ما جاء في حفظ العورة. حديث رقم (2718) بلفظ (حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال (حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2794).

أخرجه ابن ماجه في النكاح.

أطراف الحديث: الأدب عن رسول الله.

ص: 719

عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كبيراً لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ)، ويسألن الخلفاء الراشدين والعلامة السخاوي تلميذ الحافظ ابن حجر كأن أحد مشائخه من العالمات، وكذلك غيره كما في كتب التاريخ.

‌تحريم استخدام صور النساء في الإعلانات التجارية في الفضائيات

س: ما نصيحتكم للشركات التجارية التي تجعل دعاياتها الإعلامية صورا للنساء أو تقوم بعمل حفل يجتمع فيه الرجال والنساء، وما حكم الشرع في ذلك؟

جـ: هذا إن صح لا يجوز لما يخشى منه على الشباب، وقد كانت فتنة بني اسرائيل في النساء كما في حديث (فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ)

(1)

.

‌تحريم قطع رخص للنساء لسياقة السيارات الأجرة

س: هناك طلب لإدارة المرور بأن تقطع رخصا للنساء بأن يشتغلن في سواقة سيارات الأجرة، فماهي نصيحتكم للمرور؟

جـ: هذا قد وقع وقد استلمت المذكورات الرخص من الشهر الماضي وليس مجرد طلب بل قد وقع ولا حول ولا قوة إلا بالله.

‌جواز سياقة المرأة للسيارة الخاصة بها للضرورة

س: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تقود السيارة كي تذهب إلى عملها أو لكي توصل أولادها الى مدارسهم؟

جـ: لا مانع في المدينة أو في نفس القرية فقط.

‌جواز خروج المرأة في القرية أو المدينة لعملها الضروري بدون محرم

س: أنا امرأة لديَّ ولد عمره تسع سنوات هل يجوز أن يكون لي محرم عند خروجي السوق؟

جـ: لا يجب المحرم إلا في السفر لا في المدينة أو القرية.

‌وجوب الاحتياط والتحري في أموال الأيتام

س: نحن مؤسسة خيرية نكفل (2571) يتيما نقوم باستقطاع (15) ريال يمني من مخصصات جميع الأيتام لبند علاج اليتيم ونقوم بعلاج الأيتام الذين يمرضون فقط خلال العام حيث يبلغ إجمالي المبلغ الذي يستقطع في السنة (462. 780) واجمالي ما يستقطع من كل يتيم طوال السنة هو (180) ريال يمني فهل يجوز ذلك علما أنها إذا صرفت لليتيم فلن نعالج أحدا من الأيتام؟ ونستقطع (170) ريال يمني للأنشطة ويستفيد منها الأيتام الذين هم في سن الدراسة؟

جـ: اعملوا ما تشاؤون وتصرفوا كيفما شئتم بحسب اجتهادكم، أما أنا فلا أستطيع أن أجيب بأخذ شيء مما هو

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب أكثر أهل الجنة الفقراء. حديث رقم (4925) بلفظ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)

أخرجه الترمذي في الفتن، وابن ماجه في الفتن، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لا يوجد للحديث مكررات.

معاني الألفاظ: حلوة خضرة: المراد حسنها ونضارتها، أو سرعة فنائها كالنبات.

ص: 720

لليتيم لعلاج يتيم آخر فلا أستطيع الجواب خشية الدخول في أكل مال اليتيم بغير حق شرعي، وقد ورد الوعيد في أخذ أموال الأيتام في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}

(1)

.

‌تحريم وضع أشياء فوق رف مكتوب فيه اسم الله عز وجل

س: هل يجوز وضع أشياء مثل المزهرية والمسجلة فوق الرف المذكور فيه اسم الله؟

جـ: الظاهر عدم الجواز.

‌تحريم أخذ الموظف مبالغ مالية قيمة علاجات لم يشترها

س: ما حكم أخذ فواتير من الصيدلية بمبالغ وعلاجات لم آخذها لكي أقدمها إلى مقر عملي وأحصل منهم على تلك المبالغ أو جزء منها، وذلك من حقوقي على عملي؟

جـ: لايجوز.

‌تحريم بيع الوظائف العامة في الدولة بالرشوة

س: هل يجوز بيع الوظائف واستلام الوظيفة عن طريق الرشوة؟

جـ: لا يجوز بيع الوظائف بطريق الرشوة لأن الرشوة حرام لحديث (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي)

(2)

.

‌تحريم قراءة القرآن مع شرب المداعة أو السيجارة

س: هل يجوز قراءة القرآن الكريم بصوت جماعي في مقايل العزاء أو الموالد أو غيرها من المناسبات والناس مخزنين ومدخنين؟

جـ: قراءة القرآن مع التدخين لا تجوز.

‌تحريم القات والدخان إذا أضر بصحة الإنسان أو بعقله أو نفقته

س: هل القات والدخان (السيجارة) حرام أم حلال؟ مع ذكر الدليل؟

جـ: ما كان سيضر بصحة الإنسان أو عقله أو يكون سببا في تأخير الصلاة أو التقصير في نفقات من يعوله الإنسان فهو غير جائز، لحديث (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)

(3)

، وإلا فالأصل الجواز.

‌تحريم ظهور المرأة من نافذة البيت ورفع صوتها ليسمعها الرجال الأجانب

(1)

- النساء: آية (10)

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الأقضية: باب كراهية الرشوة. حديث رقم (3580) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) صححه الألباني في صحيح أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الأحكام، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

(3)

- سنن ابن ماجة: كتاب الأحكام: باب من بنى في حقه ما يضر بغيره. حديث رقم (1909) بلفظ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

ص: 721

س: بين بيتي وبيت عمي (والد زوجتي) شارع 4 متر وتظهر زوجتي من النافذة أو الباب ووجها مكشوف وتقوم بالكلام مع أمها وقد وجدتها أكثر من مرة ووالدها يقول إنه جائز لأن صوت المرأة ليس عورة، وأن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كن يسلمن على الصحابة من أمام باب بيتها مع العلم أن عصرنا ليس كعصر الصحابة وأنتم تعلمون ذلك، ثم إنها تذهب إلى بيت أهلها بدون إذني وأبوها يقول إنه جائز إنه من حقها، فهل هذا صحيح؟

جـ: لا يجوز للمرأة أن تظهر من النافذة وترفع صوتها للجيران أو أهلها أو للمارة في الشارع لقوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

(1)

ولقوله تعالى {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}

(2)

، كما لا يجوز لها الخروج بغير إذن زوجها.

‌لا إثم على من خالف من قال له (بحجر الله أو بحجر رسوله)

س: بعض الناس عندما يريدون أخذ أو طلب شيء منك يقولون لك بحجر الله أو بحجر رسوله، فهل عليَّ إثم إذا لم أجبه إلى طلبه؟

جـ: ليس عليك إثم.

‌جواز حبس الطيور في المنزل

س: ما حكم حبس الطيور والهرر في أقفاص في المنزل مع إعطائها طعامها وشرابها؟

جـ: لا مانع من حبس الطيور بشرط أن يتفقد الطيور وما تحتاج إليه من أكل أو شرب يومياً صباحاً ومساء، وإذا كان سيخرج في أيام العيد من صنعاء إلى عدن أو الحديدة أو العكس يوكل من يتفقدها من الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء ويسلم له مفتاح المنزل لأجل هذا الغرض أو ينقل البرج (القفص) مع الطيور إلى عند الجيران أو الأقارب مدة غيابه عن بيته والدليل على هذا حديث (عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ)

(3)

.

‌جواز لعن اليهود والكافرين

س: هل يجوز لعن اليهود والكفار؟

جـ: نعم، لقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ

(1)

- الأحزاب: (53)

(2)

- الأحزاب: (32)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب المساقاة: باب فضل سقي الماء. حديث رقم (2365) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، قَالَ: فَقَالَ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ).

أخرجه مسلم في السلام، والدارمي في الرقاق.

أطراف الحديث: بدء الخلق، أحاديث الأنبياء.

معاني الألفاظ: الخشاش: حشرات الأرض وهوامها.

ص: 722

ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}

(1)

.

‌تحريم الاستهزاء بالمؤمنين

س: ما حكم الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله والرسول صلى الله عليه وسلم؟

جـ: هذا إن صح حرام لا يجوز، وقد قال الله تعالى {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ

(104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}

(2)

.

‌استحباب الإكثار من تلاوة القرآن الكريم وكتب الحديث والسيرة لإصلاح القلوب

س: ما هي الأعمال التي تزيد في حب الله تعالى وحب رسوله في القلوب، وما هي الكتب الي تزيد من ذلك؟

جـ: قراءة القرآن الكريم، وقراءة السيرة النبوية، وكتب الحديث.

‌وجوب مقاطعة منتجات الدول التي تتعمد الإساءة لرسول الله

س: هل مقاطعة منتجات الدول التي أساءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاد في سبيله؟

جـ: المقاطعة للدول المذكورة واجبة.

‌مشروعية ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كاملة عند الكتابة

س: ما الحكم لمن يكتب (صلعم) أو (ص) أو يقول صلى الله عليه وسلم قولاً دون كتابة؟

جـ: لا مانع.

‌جواز قراءة الأذكار المأثورة جماعياً

س: ما حكم الاجتماع لقراءة المأثورات واحد يقرأ والبقية ينصتون إليه؟

جـ: لا مانع.

‌تحريم مشاهدة أيِّ شيء غير جائز شرعا لمن يشارك في شبكة الإنترنت

س: ما هي الضوابط التي يجب على من سيستخدم الإنترنت مراعاتها؟ وهل يجوز اللعب فيها؟

جـ: أن لا يشاهد أيِّ شيء غير جائز شرعا.

(1)

- الأحزاب: آية (64 - 68)

(2)

- المؤمنون: آية (104 - 111)

ص: 723

‌تحريم النسخ إذا كان حقوق النسخ محفوظة

س: لديَّ سؤال بخصوص الأشرطة عند عودتي لليمن اشترى بعض الأشرطة من الأناشيد والمحاضرات وفي بلاد الغربة لا أجد منها وبعض الأصحاب تعجبهم ويريدون نسخ منها، فهل يجوز أن أنسخ منها عدة نسخ علما بأنه يكتب في الأشرطة لا يسمح بالنسخ؟

جـ: إذا كانت حقوق النسخ محفوظة فلا يجوز النسخ.

ص: 724

الباب الثاني: الآداب

• جواز تقبيل الولد ركبتي والديه أحياناً احتراماً لهما

• تحية الإسلام هي التلفظ بالسلام عليكم

• جواز إلقاء السلام على النساء إذا لم يحصل سوء ظن أو فتنة

• آراء العلماء في حكم رد الجماعة المسلَّم عليهم هل هو فرض كفاية أم فرض عين

• تحريم عقوق الوالدين

• تحريم تبرئ الأب من الولد العاصي

• ليس لإبليس توبة ولن يتوب إلى يوم القيامة

• تحريم سبِّ زوجة الأب

• جواز السلام أو رد السلام على المرأة الأجنبية وتحريم مصافحتها

• جواز السلام أو رد السلام على المرأة الأجنبية

• جواز السلام بالإشارة باليد مع التلفظ بالسلام

• تحريم سبِّ الرجل أبيه أو صلاته

• تحريم سبِّ الأب في غيابه

• تحريم سبِّ العلماء والصالحين

• تحريم التلفظ بالألفاظ البذيئة

• زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين

• تحريم عصيان الوالدين

• وجوب البر بالوالدين بحسب الإستطاعة

• استحباب زيارة الأرحام

• لا يوجد تحديد أوقات معينة لزيارة الأقارب

• وجوب حسن معاملة الأخ الكبير لإخوانه الصغار

• تحريم قطع الرحم

• استحباب الصدقة على من كان ظاهره الفقر

• وجوب طاعة الوالدين وتحريم تفضيل الزوجة على الأم

• مشروعية دعاء الوالد لولده لمن تحققت دعوته على ولده

• وجوب المساواة والعدل بين الأولاد

• جواز كذب الرجل على زوجته لمصلحة

• تحريم الكذب إلا في ثلاثة مواضع

ص: 725

• تحريم الكذب في الرؤيا المنامية

• تحريم الكذب ولاسيما على الأطفال

• استحباب زيارة المريض ولو لم يستصحب الزائر معه شيئا من الفواكه أو المشروبات

• جواز إطلاق اسم خال الزوج للزوجة والعكس

• تحريم قول الرجل لزوجة ابنه أنه يريد الزواج بها

• وجوب الصبر على الجار المؤذي

• تحريم هجر المسلم فوق ثلاثة أيام

• وجوب التصالح وتحريم التهاجر بين المتخاصمين

• استحباب المسامحة في العفو عمن أساء

• استحباب السكوت عن المسيء وعدم الرد عليه

• تشميت العاطش سنة

• جواز تشميت المرأة إذا عطست إذا لم يكن فيه فتنة أو تهمة

• جواز استخدام غير المسلمة في البيت إذا لم يخش ضررها في تربية الأولاد

• استحباب التعاون بين أفراد الأسرة أو القبيلة أو غيرهما

• من أداب الدعاء استقبال القبلة والطهارة واليقين في الإجابة

• تحريم الغيبة

• وجوب نصح من يكثر التحدث في أعراض الناس وغيبتهم

• الكبر بطر الحق وغمط الناس

• تحريم الحسد

• تحريم رفع المرأة صوتها ليسمعها الرجال الأجانب

• تحريم دخول المرأة الحمامات العامة

• وجوب تغطية المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب

• جواز ذهاب النساء إلى صالات الأعراس إذا خلت من المحرَّمات

• تحريم التفريط في حقوق الغير بسبب الحياء

• تحريم النميمة

• فضل الصبر وكتم الغيض

• تحريم مخالفة الشخص لما يأمر به وينهى عنه

• وجوب الإكثار من العبادة في الخلوة وكثرة الدعاء والاستغفار

• الاستمرارعلى الطاعات وترك المحرمات ومجالسة أهل الخير

ص: 726

• المسلم الحق

• كراهة ضرب الأبناء والإكتفاء بالتوبيخ والتهديد في حالة أخطائهم

• وجوب التوبة النصوح من كل ذنب

• وجوب التخلص من حقوق الآدميين بقدر الإمكان

ص: 727

‌الباب الثاني: الآداب

‌جواز تقبيل الولد ركبتي والديه أحياناً احتراماً لهما

س: هل يجوز السجود على ركبة الأم أو الأب أم لا؟

جـ: اعلم أن في هذه العبارة مبالغة لأن السلام على الوالد أو الوالدة في الركب ليس من باب السجود وإنما هو من باب الخضوع والاحترام والأحسن أن يكون السؤال هل يجوز شرعاً أن يسلم الرجل على والديه ويقبل ركبتهما؟ والجواب أنه جائز شرعاً لا واجب شرعاً لأن الأصل في كل شيء هو الجواز حتى يرد دليل يدل على تحريمه أو على الوجوب، والخلاصة: أن السجود للمخلوق لا يجوز وأن تقبيل الولد ركبة أبيه أو أمه ليس سجوداً ولكنه من باب الاحترام والتقدير.

س: ما قولكم فمن يقول أنّ من ينحني لتقبيل ركبتي والديه فهو آثم ومشرك بالله؟

جـ: مسألة تقبيل الولد قدم والدته أو قدم والده هل هو مشروع أو غير مشروع محل نظر لأنه من المحتمل أن يقال بأنه غير مشروع لأنه لم يرو أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقبلون قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قدوم أحدهم عليه أو عند قدومه صلى الله عليه وسلم عليهم عند رجوعه من الغزوات أو من أيِّ سفر ولا صباح كل يوم أو عقب صلاة الفجر أو في الأعياد لاعن ابنته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها ولا عن ولديها الحسن بن علي أو الحسين بن علي رضي الله عنهما ولا عن أخواتها زينب زوجة أبي العاص بن الربيع رضي الله عنه أو رقية زوجة عثمان ابن عفان رضي الله عنه ولا عن أم كلثوم زوجة عثمان أيضا وهكذا لم يرو عن أمهات المؤمنين أو عن إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أنهن قبلن قدم النبي صلى الله عليه وسلم أو ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا كبار الصحابة رضي الله عنهم لم يرو عن أحد منهم أنه قبل قدم النبي صلى الله عليه وسلم أو ركبتيه في عيد أو عند قدوم أحدهم من سفر بل ولا في أيِّ مناسبة من المناسبات مع أنه كان أحب إليهم من أولادهم ومن آبائهم ومن الناس أجمعين، ويحتمل أن لتقبيل الولد لركبتي والديه أصل في السنة وهو ما جاء في حديث قدوم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين وعلى رأس الوفد رئيس الوفد (الأشج) أو (أشج عبد القيس) بلفظ (إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ: وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ عز وجل وَحْدَهُ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ، قَالَ شُعْبَةُ رُبَّمَا قَالَ النَّقِيرِ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ، قَالَ: احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ)

(1)

(1)

- صحيح البخاري: كتاب العلم: باب حض النبي وفد القيس على حفظ الإيمان. حديث رقم (85) بلفظ (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَنْ الْوَفْدُ أَوْ مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى، قَالُوا: إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ: وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ عز وجل وَحْدَهُ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ، قَالَ شُعْبَةُ رُبَّمَا قَالَ النَّقِيرِ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ، قَالَ: احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ).

أخرجه مسلم في الإيمان، الأشربة، والترمذي في السير عن رسول الله، الإيمان عن رسول الله، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأبو داود في الأشربة، السنة، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: الإيمان، مواقيت الصلاة، الزكاة، فرض الخمس، المناقب، المغازي، الأدب، أخبار الآحاد، التوحيد.

معاني الألفاظ: شقة: مكان.

الدباء: القرع، وهو إناء يصنع من القرع.

الحنتم: إناء يصنع من طين وشعر.

المزقت: إناء يطلى بالزفت أو القار.

النقير: جذع الشجر ينقر ويتخذ وعاء.

المقير: إناء يطلى بالقار.

الدُّبَّاء والحَنْتَمِ والنَّقِيرِ: وهي أَوعية كانوا يَنْتَبِذُون فيها فكان النبيذُ فيها يغلي سريعاً ويُسْكِر، فنهاهم عن الانْتِباذ فيها، ثم رَخَّص، صلى الله عليه وسلم في الانْتِباذ فيها بشرط أَنْ يشربوا ما فيها وهو غير مسكر.

ص: 728

فقد جاء في هذا الحديث أنهم لما قدموا المدينة ولما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم نزلوا عن رواحلهم وتقدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون عليه ويقبلون قدميه

(1)

ولم يرو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك التقبيل أو كرهه كما كره القيام له عند قدومه عليهم الوارد في حديث آخر، وهذا إن دلَّ على شيءٍ فهو أن تقبيل الركبتين من الولد لإحدى والديه أو لهما معاً غير مكروه شرعاً لأنه لو كان مكروهاً أو محظوراً لكان النبي صلى الله عليه وسلم منعهم من ذلك، والأحسن في مثل هذا أن يجمع بين حجة من يقول أن تقبيل الركبتين مشروع وبين من يقول بأنه ممنوع بأن يقال لا يشرع الاستمرار على تقبيل ركبتي الوالدين والمحافظة على ذلك التقبيل على الصفة التي كانت معتادة عند الكثير من الناس في كل مناسبة بحيث أن من اعتاد ذلك التقبيل يعد نفسه باراً بوالديه، ومن لم يعمل عمله لا يعد من البارين لوالده أو لوالدته أو لهما جميعاً لأنه لو كان ذلك مشروعاً على جهة الدوام لكان أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحق الناس به، ولكانوا هم السابقين إلى مثل هذا التعظيم والاحترام، ولكن إذا أحب أحد الأولاد أن يعبر عن حبه لوالدته أو لوالده أو لهما معاً في بعض المناسبات مثل أيام الأعياد أو عند قدوم أحدهما أو قدومه هو من السفر أو في أيِّ مناسبة من المناسبات فيقبل ركبتي والدته أو والده أو يقبل ركبتي كل واحد من والديه من غير أن يجبراه على ذلك فلا مانع له من ذلك ولا يسمى بفعله مبتدعا ما دام ولم يكن فعله هذا على جهة الدوام والاستمرار ولا بأمر منهما أو من أحدهما وإنما يعمل ذلك نادراً بلا أمر، وإنما صدر منه ذلك من نفسه تعبيراً عن خالص حبه وشوقه إليهما أو إلى أحدهما ولا يقال لمن عمل هذا العمل نادراً أنه عاص أو آثم لأنه لو كان التقبيل على هذه الصفة من العصيان لما أقر النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس عليه لأنه لا يقر أحداً على أيِّ معصية أو إثم أو على أيِّ شيء مناف للشريعة المحمدية الغراء، وإذا قلنا أنه لا يسمى بفعله هذا مبتدعاً ولا عاصياً فبالأولى والأحرى لا يسمى بفعله هذا مشركاً بالله على حد ما جاء في السؤال بأن من يقول بأن من يقبل ركبتي والديه أو من ينحني لتقبيل والديه مشركا بالله لأن الحكم على أحد المسلمين بأنه مشرك عظيم الخطر، لأن التكفير للمسلم يحتاج إلى دليل قطعي لأن كونه مسلماً مقطوع به ولا يجوز إخراج المسلم من إسلامه المقطوع به إلى الكفر والشرك بالله إلا بيقين أو بدليل قطعي، أي أن من كنا على يقين من إسلامه فلا يخرجه من إسلامه المتيقن إلا بيقين ولا يوجد دليل ظني يدل على أن من قبَّل ركبتي والديه فقد أصبح مشركاً فضلاً عن دليل قطعي يدل على ذلك، وهذا كله إن صح أن هناك من يزعم أن تقبيل ركبتي الوالدين شرك وأن من قبل ركبتيهما يكون بفعله هذا مشرك بالله، وكيف يكون مشركاً وهذا التقبيل قد عمله وفد عبد القيس ولم ينههم النبي عن ذلك بل أقرهم وحاشاه من أن يقر أحداً على فعل هو من الشرك بالله سبحانه وتعالى، والحاصل أن الناس في هذه المسألة ما بين الإفراط والتفريط والصواب هو التوسط ما بين الإفراط والتفريط.

أي من الناس من يظن أن تقبيل الولد ركبتي والديه مندوب أو واجب أو أنه من كمال الطاعة وهذا الظن ليس عليه دليل ولم يرد ما يدل على مشروعيته من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره على أنه مشروع على جهة الندب أو الوجوب، ولا روي عن أحد من أهل بيته صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من أصحابه أنه كان يعمله أو يقول بأنه

(1)

- زيادة تقبيل الأقدام مروية في تاريخ البخاري وليس هي في صحيح البخاري ولا في أيِّ كتاب من كتب الأحاديث الصحيحة، ولعدم ذكرها في الأحاديث الصحيحة فهي ضعيفة ولا يجوز الاستدلابها على جواز تقبيل الأقدام.

ص: 729

مشروع، ومن الناس من يظن أنه بدعة وأن من عمله فهو آثم بل ومشرك على حد ما جاء في هذا السؤال وهذا أيضا ليس عليه أثارة من علم ولا دلَّ على كونه بدعة أو شركاً أيُّ دليل، ولا سيما إذا كان نادراً وبلا أمر من الأبوين خصوصاً أنه قد جاء ما يدل على جوازه نادراً وبلا أمر كما في حديث وفد عبد القيس وغيره.

والصواب هو التوسط وذلك بالقول بأنه غير مشروع لعدم ورود ما يدل على المشروعية على الدوام ومن فعله نادراً بلا أمر فهو غير مبتدع لوروده في حديث وفد عبد القيس والدين يسر والشريعة سمحة.

‌تحية الإسلام هي التلفظ بالسلام عليكم

س: ما سبب انتشار كلمة (صباح الخير)(مساء الخير) رغم أن القرآن الكريم يتحدث عن السلام؟

جـ: الناس غلبوا العادة على الشرع والإسلام يرجح الشرع على العادة والعرف فالشرع قد شرع لنا التحية الإسلامية بدلاً من تحيات العرب والجاهلية حيث كانوا يقولون (أببت اللعن) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بترك هذه التحية وشرع لنا بأن نقول (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فلا يجوز لأحد أن يحي أحداً من إخوانه المسلمين بغيرها من الألفاظ لا بقول (صباح الخير) ولا بقول (مساء الخير) ولا (صباح النور)(ولا مساء النور) ولا بغيرها، هذه الألفاظ التي تعوَّد عليها البعض من الناس تاركين تحية الإسلام وهي (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) مستبدلين الذي هو خير بالذي هو أدنى.

‌جواز إلقاء السلام على النساء إذا لم يحصل سوء ظن أو فتنة

س: هل يجوز إلقاء السلام على النساء والصبيان والمجانين والمتكبرين؟

جـ: لا مانع من السلام على النساء إذا لم يحصل سوء ظن أو فتنة أو كلام من الناس.

س: هل يجب الرد على التحية الإسلامية وهي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أفيدونا في ذلك؟

جـ: الأدلة الدالة على وجوب رد السلام على من يسلِّم على أخيه المسلم أو إخوانه المسلمين لم تفرق بين من كانوا يسمعون السلام عليهم من أخيهم المسلم وهو على المنبر أو على المنصة أو على السيارة أو على الماشية أو من جهاز الإذاعة المسموعة أو المرئية أو من أيِّ بقعة كانت وعلى أيِّ صفة كانت، ومن ادعى أن من استمع إلى السلام من جهاز الراديو أو من جهاز التلفزيون فلا يشرع له الإجابة أو لا تجب عليه الإجابة على المسلم فعليه الدليل الصريح الصحيح الخالي عن المعارضة لكن هذه الإجابة ليست من الواجبات العينية التي تجب على كل مكلف بل هي من الواجبات المفروضة فرض كفاية التي إذا قام بها البعض سقط الوجوب عن الباقين.

س: هل قول الناس (أسعد الله صباحكم) بدلاً عن السلام الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه (السلام تحيتنا وأمان أهل ذمتنا) كما قال (من لم يبدأ بالسلام فلا تجيبوه)؟ وهل التحية بقولهم (صبحكم الله بالخير) ونحوها بدعه أم مشروعة؟

جـ: اعلم أن السلام من السنن المؤكدة التي ورد فيها عدة أحاديث صحيحة مرفوعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مذكورة في دواوين السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ومشهورة شهرة لا ينكرها أحد من العلماء، منها حديث (لا يَحلُّ لمسلم أن يَهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاث، يَلتقيانِ فيصدُّ هذا ويَصدُّ هذا، وخيرُهما الذي يَبدأُ

ص: 730

بالسلام)

(1)

وحديث (يَسلِّمُ الصغيرُ على الكبير والمار على القاعد، والقليل على الكثير)

(2)

وحديث (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَينَكُمْ)

(3)

وحديث (من بدأ بالسلام فهو أولى بالله عز وجل ورسوله)

(4)

، وأما قولهم (صباح الخير) أو (مساء الخير) أو غيرها من الكلمات التي يحيي الناس بها بعضهم بعضاً فلم ترد في السنة النبوية لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وأما حديث (السلام تحية ملتنا وأمان لذمتنا) الذي جاء في سؤالك هذا فقد عده أبن الجوزي من الموضوعات كما عده أيضا الصاغاني في (الدر الملتقط في تبين الغلط) ولم يوافقهما من جاء بعدهما من الحفاظ كالسيوطي في (اللئالئ المصنوعه) وابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة المرفوعة) وابن طاهر في (تذكرة الموضوعات) والعلة التي من أجلها حكم عليه ابن الجوزي هي أن الطبراني رواه من حديث أبي هريرة بسند فيه (عصمة بن محمد الأنصاري) وقد تفرد به وهو كذاب يضع الحديث كما قال عنه يحيى بن معين يحدث بالبواطل عن الثقات ليس ممن يكتب حديثه إلا اعتباراً كما قال العقيلي، وقد تابعه على هذا الحكم بالوضع الصاغاني مؤلف (الدر الملتقط) ولكن من جاء بعدهما قد وجد لهذا الحديث طرقاً أخرى، منها ما أخرجه البيهقي في الشعب من وجه آخر عن أبي هريرة أيضا كما أخرجه أيضا من حديث أبي أمامه وصححه الضياء في المختارة وأخرجه البيهقي أيضا من طرق عن ابن مسعود مرفوعاً وموقوفاً وأخرجه عن ابن عمر موقوفاً وأخرجه القضاعي في مسند الشبهات من حديث أنس رضي الله عنه، وكذلك حديث (لا كلام قبل السلام) ليس بصحيح بل هو من الأحاديث المنكرة كما قال الترمذي وغيره كما في (اللئالئ) و (التنزيه) و (الفوائد المجموعة) وغيرهما على أن الحافظ المعلمي قد نقد جميع الطرق المذكورة وتكلم في سند كل طريق من الطرق التي في أسانيد أحاديث أبي أمامه وأبي هريرة وغيرهما مما يجعل الحديث موضوعاً أو في غاية من الضعف كما صرح الحافظ الألباني بأنه ضعيف جداً، وهكذا حديث (من يبدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه) أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن أبي حاتم في العلل وقال عنه السخاوي في المقاصد الحسنة رجاله من أهل الصدق لكن فيه بقية وهو مدلس وقد عنعنه لكن تابعه حفص بن عمر الأيلي وحفص تركوه ومنهم من كذبه، وعبد العزيز (وهو الذي روى عنه بقية هذا الحديث ضعفه بعضهم بسبب الإرجاء ولا يقدح فيه عند الجمهور، قال الشيخ خليل الميس مدير (أزهر لبنان) في

(1)

-- صحيح البخاري: كتاب الإستئذان: باب السلام للمعرفة وغيرها. حديث رقم (6094) بلفظ (عن أبي أيوبَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: لا يَحلُّ لمسلم أن يَهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاث، يَلتقيانِ فيصدُّ هذا ويَصدُّ هذا، وخيرُهما الذي يَبدأُ بالسلام).

أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، والترمذي في البر والصلة عن رسول الله، وأبو داود في الأدب، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الجامع.

أطراف الحديث: الآداب.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الاستئذان: باب تسليم القليل على الكثير. حديث رقم (5763) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِير، ِ وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ)

أخرجه مسلم في السلام، والترمذي في الاستئذان والآداب، وأبوداد في الأدب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان أنه لايدخل الجنة إلا المؤمنين. حديث رقم (81) بلفظ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ و حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٍ)

(4)

- سنن أبي داود: ب كتاب الأدب: باب في فضل من بدأ بالسلام. حديث رقم (4522) بلفظ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ الذُّهْلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ وَهْبٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الْحِمْصِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ)

أخرجه الترمذي في الاستئذان، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

لايوجد للحديث مكررات.

ص: 731

تعليقاته على كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي قلت وقد صرح بقية بالحديث عند ابن السني وابن أبي حاتم ومع ذلك ذكر عن أبي زرعة أنه قال هذا حديث لا أصل له يسمع بقية هذا الحديث من عبد العزيز إنما هو عن أهل حمص وأهل حمص لا يميزون هذا، ولا يشهد لهذا الحديث حديث كان رسول الله لا يأذن لمن لم يبدأ بالسلام لأنه أيضا حديث واه عده ابن الجوزي من الواهية في كتابه (العلل المتناهية) وقال فيه هذا حديث لا يصح قال ابن حبان إبراهيم (أبي إبراهيم بن يزيد الخوزي)(الراوي عن أبي الزبير هذا الحديث) يروى عن أبي الزبير وغيره مناكير كبيرة حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها، وقال يحيى ليس بثقة وسواء أكانت هذه الأحاديث من الأحاديث الضعيفة أو الحسنة أو الموضوعة فقد ورد في موضوع مشروعية السلام عدة أحاديث صحيحة مذكورة في دواوين السنة النبوية بعضها يصرح بأن السلام من حق المسلم على المسلم، وبعضها يأمر المسلمين بأن يفشوا السلام، وبعضها يرغب النبي صلى الله عليه وسلم في السلام، بل قد ورد في الموضوع آيات قرآنية كقوله تعالى {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}

(1)

وكقوله تعالى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ

فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ

عَلَى كُلِّ

شَيْءٍ حَسِيبًا}

(2)

وكقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

(3)

بل جاء في القرآن ما يدل على أن السلام مشروع قديم حيث أن الملائكة عند أن زاروا إبراهيم الخليل بدأوه بالسلام كما في قوله تعالى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}

(4)

قال سلام كما جاء في الحديث إن الله أمر آدم بأن يسلم على الملائكة فجاءهم آدم فقال لهم السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه رحمه الله كما في حديث أبي هريرة مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البخاري ومسلم بلفظ (خَلقَ اللهُ آدمَ وطولهُ سِتُّونَ ذِراعاً، ثم قال: اذهَبْ فسلمْ على أُولئكَ منَ الملائكة فاستمِعْ ما يُحيُّونَك، تحيَّتُك وتحيَّة ذُرِّيتكَ، فقال: السَّلام عليكم فقالوا: السلامُ عليكَ ورحمة اللهِ، فزادوهُ: ورحمةُ اللهِ)

(5)

وبناءً على ذلك فالسلام مشروع بأدلة الكتاب والسنة كما أجمع على مشروعية السلام علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لأن فيما جاء في القرآن وفي صحيح السنة ما يكفي في الاحتجاج على أن المشروع عند اللقاء هو (السلام) لا غيره من الكلمات التي اعتاد الناس التحية بها مثل (أسعد الله صباحكم) أو (صبحكم الله بالخير والعافية) أو (مساك الله بالخير) أو نحوها من الكلمات التي لم يرد فيها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وعلى هذا الأساس فالمشروع للمسلم أن يقول لصاحبه المسلم عند اللقاء به أو عند الدخول إلى بيته أو مكتبه أو دكانه أو إلى أيِّ محل يجده فيه (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) أحسن من أن يقول له (صباح الخير) أو (أسعد الله صباحكم) أو (مساكم) ولا مانع من أن يجمع بين التحيتين على أن يبدأ أولاً بالسلام ثم يقول له (أسعد الله

(1)

النور: آية (61)

(2)

النساء: آية (86)

(3)

-النور: آية (27)

(4)

الذاريات: آية (24، 25)

(5)

- صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق: باب بدء خلق آدم وريته. حديث رقم (3256) بلفظ (عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: خَلقَ اللهُ آدمَ وطولهُ سِتُّونَ ذِراعاً، ثم قال: اذهَبْ فسلمْ على أُولئكَ منَ الملائكة فاستمِعْ ما يُحيُّونَك، تحيَّتُك وتحيَّة ذُرِّيتكَ، فقال: السَّلام عليكم فقالوا: السلامُ عليكَ ورحمة اللهِ، فزادوهُ: ورحمةُ اللهِ، فكلُّ مَنْ يَدخُلُ الجنةَ على صورةِ آدمَ، فلم يَزَلِ الخَلقُ يَنقُصُ حتى الآنَ).

أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الاستئذان.

ص: 732

صباحك بالخير) أو نحو هذه الجملة لأنه دعاء لأخيه بأن يكون في سعادة كأنه يقول اسأل الله أن يجعلك سعيداً في هذا الصباح لأن هذه الجملة من الجمل التي لفظها خبر ومعناها الإنشاء مثل رحم الله فلاناً أي أسأل الله له الرحمة، ودعاء المسلم لأخيه مشروع إذا كان سيكون على صفة لا تعارض السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت على صفة مخالفه للسنة مثل أن يكون بدلاً عن السلام المشروع عند اللقاء يكون غير مشروع، فالدعاء حينئذ سيكون مشروع بأصله ولكنه غير مشروع بوصفه، هذا وأما ما رواه عبدالله بن الإمام أحمد عن الحسن مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحاب الصفة كيف أصبحتم فليس بحجة على جواز إبدال السلام المشروع بقولهم كيف أصبحتم، لوجهين:

الوجه الأول: أن هذا الحديث على فرض صحة سنده إلى الحسن فهو مرسل من مراسيل الحسن البصري ومراسيل التابعين غير صحيحة أي أن علماء الحديث لا يقبلون من المراسيل إلا مراسيل الصحابي، أما مراسيل غير الصحابي فلا يقبلونه بل يجعلون الحديث الذي أرسله غير الصحابي من قسم الحديث الضعيف وخصوصاً مراسيل الحسن البصري فهي أضعف من غيرها.

الوجه الثاني: أنه ليس في الحديث تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل السؤال عن كيفية صباحهم عوضاً عن السلام عليهم بل فيه تصريح بأنه سألهم عن حالهم في ذلك الصباح، ففيه دليل على مشروعية سؤال المسلم المسلم عن حاله عند اللقاء، أما أن فيه حجة على ترك التسليم وجعل السؤال عن الحال بدلاً عنه فلا، والظاهر أنه ما قال لهم (كيف أصبحتم) إلا بعد أن سلم عليهم السلام المشروع الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة الوارد في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين والذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم من حق المسلم على المسلم في حديث (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِز، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ)

(1)

ولهذا كله فالأحوط هو التسليم أولاً ثم السؤال عن الحال في الصباح أو في المساء بقول المسلم بعد التسليم لأخيه كيف أمسيتم أو كيف أصبحتم التي اختصرها العامة فقالوا كـ (مسيتو) أو كـ (صبحتوا) أو التسليم ثم الدعاء من المسلم لأخيه المسلم بأن يكون صباحه صباح خير أو صباح نور، وقد ورد في سنن ابن ماجه بإسناد لين من حديث أبي سعيد الساعدي أن النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام دخل على العباس رضي الله عنه فقال السلام عليكم فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقال: كيف أصبحتم؟ قالوا بخير بحمد الله كيف أصبحت بأبينا وأمنا يا رسول الله؟ فقال: أصبحت بخير أحمد الله وهو بلفظ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ؟ قَالُوا: بِخَيْرٍ نَحْمَدُ اللَّهَ، فَكَيْفَ أَصْبَحْتَ بِأَبِينَا وَأُمِّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ بِخَيْرٍ، أَحْمَدُ اللَّهَ)

(2)

فهذا الحديث قد جمع النبي صلى الله عليه وسلم فيه التحية المشروعة مع المجاملة المعتادة وهي السؤال عن

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب الأمر باتباع الجنائز. حديث رقم (1164) بلفظ (أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِز، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ).

أخرجه مسلم في السلام، والترمذي في الأدب عن رسول الله، والنسائي في الجنائز، وأبو داود في الأدب، وابن ماجة في الجنائز، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

سنن ابن ماجة: كتاب الأدب: باب الرجل يقال له كيف أصبحت. حديث رقم (3794) بلفظ (عن أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَ: «كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ؟» قَالُوا: بِخَيْرٍ نَحْمَدُ اللَّهَ، فَكَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ بِأَبِينَا وَأُمِّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَصْبَحْتُ بِخَيْرٍ، أَحْمَدُ اللَّهَ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة وقال: (أن الحديث حسن لغيره).

انفرد به ابن ماجة.

ص: 733

حالة المخاطب صباح ذلك اليوم، فمن كان يريد أن يحتج على أن السلام هو المشروع وأن غيره من الكلمات التي صار الناس يحيى بها بعضهم غير مشروع فليأت بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة المؤيدة بالإجماع بدلاً من الاحتجاج بحديث (السلام تحية أمتنا وأمانا لأهل ذمتنا) وهكذا حديث من (بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه) فإن كلا الحديثين غير صحيحين.

والخلاصة لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:

(1)

التحية المشروعة هي (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) أو الاكتفاء بالسلام عليكم لكن الأفضل هو أن يتم السلام بالرحمة والبركات.

(2)

قولهم (صباح الخير) أو (مساء الخير) خلاف المشروع الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

حديث (السلام تحية ملتنا وأمان أهل ذمتنا) حكم ابن الجوزي والصاغاني بوضعه واعترض السيوطي وابن عراق على ابن الجوزي بأن له طرق أخرى وأجاب عليهم المعلمي بأن جميع طرقه لا يخلوا من راو مجروح.

(4)

حديث (من بدأ بالسلام قبل الكلام فلا تجيبوه) غير صحيح عند الحفاظ.

(5)

حديث (لا يؤذن لمن لم يبدأ بالسلام) هو من الأحاديث الواهية.

(6)

قد جاء في بعض الأحاديث الجمع بين السلام وغيره.

(7)

يغنى عن الاحتجاج بهذه الأحاديث الاحتجاج بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة وهي كثيرة معروفة عند العلماء.

(8)

من يريد أن يحيي غيره بغير السلام فلا مانع له لكن بعد أن يأتي بالتحية المشروعة وهي (السلام عليكم وإن زاد ورحمة الله وبركاته) فهو أفضل.

س: هل ورد النهي عن السلام على من يأكل أو يتوضأ؟

جـ: السلام من القائم على الجالس مشروع بالإجماع ولا فرق بين من كان جالساً يأكل أو جالساً يتوضأ للصلاة، ولم أطلع على حديث صحيح صريح في الدلالة على عدم مشروعية السلام على من كان يتوضأ أو يأكل حتى يكون هذا الحديث مخصصاً للأدلة الدالة على جهة العموم على مشروعية السلام على الجالس من القادم إليه، وبناءً على ذلك فاللازم العمل بالأدلة العامة الدالة على مشروعية السلام على الجالس من القادم إليه حتى يرد دليل صحيح صريح في الدلالة على أنه لا يشرع السلام من القائم على القاعد إذا كان القاعد في حال الأكل أو في حال الوضوء للصلاة، بل قد جاء بما يدل من باب مفهوم المخالف على الجواز وهو الحديث الصحيح الذي حكى عن بعض الصحابة أنهم سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حال الصلاة فلم ينههم النبي عن ذلك، بل أجاب عنهم بالإشارة بإصبعه كما جاء في بعض الأحاديث بلفظ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي لِحَاجَةٍ ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يَسِيرُ قَالَ قُتَيْبَةُ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَلَمَّا فَرَغَ دَعَانِي، فَقَالَ: إِنَّكَ سَلَّمْتَ آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي، وَهُوَ مُوَجِّهٌ حِينَئِذٍ قِبَلَ الْمَشْرِقِ)

(1)

وبالكلام بعد فراغه من الصلاة، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقر من سلم عليه

(1)

صحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة. حديث رقم (540) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي لِحَاجَةٍ ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يَسِيرُ قَالَ قُتَيْبَةُ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَلَمَّا فَرَغَ دَعَانِي، فَقَالَ: إِنَّكَ سَلَّمْتَ آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي، وَهُوَ مُوَجِّهٌ حِينَئِذٍ قِبَلَ الْمَشْرِقِ).

أخرجه البخاري في الصلاة، الجمعة، والترمذي في الصلاة، والنسائي في السهو، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد، والدارمي في الصلاة.

أطراف الحديث: المساجد ومواضع الصلاة.

معاني الألفاظ: آنفاً: قبل قليل.

قِبل: جهة وصوب.

وحديث رقم (541) بلفظ (عن جابر قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق فأتيته وهو يصلي على بعيره فكلمته فقال لي بيده هكذا، وأومأ زهير بيده، ثم كلمته فقال لي هكذا فأومأ زهير أيضا بيده نحو الأرض، وأنا أسمعه يقرأ يومئ برأسه، فلما فرغ قال: ما فعلت في الذي أرسلتك له فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي، قال زهير وأبو الزبير جالس مستقبل الكعبة فقال بيده أبو الزبير إلى بني المصطلق فقال بيده الكعبة).

ص: 734

وهو يصلي فبالأولى والأحرى أن يقر من يسلم على الآكل في حال أكله أو المتوضئ في حال وضوئه، هذا وأما ما جاء في بعض الآثار (لا سلام على أكل أو لا سلام على طعام) فليس هذا الكلام حديثاً نبوياً كما نص على ذلك السخاوي في (المقاصد الحسنه) والعجلوني في (الكشف) والديبع في (التمييز) والبيروتي في (أسنى المطالب) وغيرهم من العلماء الذي ألفوا في الأحاديث المشهورة الدارجة على ألسنة الناس وميزوا فيها الطيب من الخبيث كما ميزوا بين الصحيح والضعيف والموضوع من الحديث، وأما قول بعض العلماء الذين نقلوا حديثه هذا بأن معناه صحيح فليس بصحيح، وأما قول بعض العوام عند قدومهم على من كان على مائدة الطعام:(لا سلام على طعام) فإن المراد هنا بالسلام المصافحة، وليس مرادهم التحية بالسلام، وعلى فرض أنهم يريديون بالسلام التحية فما يفعله العوام أو يقولونه ليس حجة شرعية بل الحجة الشرعية هو الأدلة الدالة على مشروعية السلام العامة لجميع الناس على أيِّ صفة كان المسلم عليه، ولا سيما وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم من سلم عليه وهو في حال الصلاة وبالأولى من كان يغسل يديه أو وجهه أو يتمضمض أو يغسل أيَّ عضو من أعضاء الوضوء فإن رده السلام غير عسير عليه، وهكذا بالأولى من كان يأكل فإنه لا يصعب عليه أن يقول وهو في حال أكله وعليكم السلام ورحمة الله.

‌آراء العلماء في حكم رد الجماعة المسلَّم عليهم هل هو فرض كفاية أم فرض عين

س: دخل علينا إنسان وكنا جماعة فسلم علينا جميعاً ولكن لم يرد عليه غير واحد منا فحدث عتاب لمن لم يرد عليه وأجاب من لم يرد عليه لأنه من باب فرض الكفاية، وأنه إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وأنكر هذا الرأي آخرون من الحاضرين، فما هو رأي فضيلتكم؟

جـ: اختلف العلماء هل يجب على الجماعة المسلَّم عليهم أن يردوا على المسلِّم جميعاً أم يكفي أن يجيب الواحد على المسلِّم عن الجميع أي يرد السلام على من سلم عليهم من باب فرض الكفاية وهو أن الوجوب على الجميع ولكن إذا قام به البعض سقط عن الباقين، أم أنه من باب فروض الأعيان وهي التي تجب على كل فرد على حدة، فقال بعضهم إن المسلم إذا سلم على جماعة من الناس ورد أحدهم فإن رد البعض كافٍ ومسقط الوجوب على الجميع، وقال آخرون إن الواجب على الجميع أن يردوا التحية ولا يكفي أن يرد عن الجميع السلام واحد، أي أنه من باب فروض الأعيان الواجبة على جميع الناس فرداً فرداً.

وإلى القول الأول: وهو أنه من فروض الكفايات ذهب الإمام مالك بن أنس والإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمهما الله تعالى وغيرهما من العلماء.

وإلى القول الثاني: وهو أنه من فروض الأعيان ذهب الكوفيون رحمهم الله تعالى احتج أهل القول الأول بالحديث

ص: 735

المروي عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يُجْزِيءُ عن الْجَماعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِيءُ عن الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ)

(1)

أخرجه الإمام أحمد والبيهقي كما في فتح الغفار ونسبة في الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير إلى أبي داود رحمه الله وهو في الجزء الرابع من سنن أبي داوود رضي الله عنه، وأجاب عنهم أهل القول الثاني بأن الحديث صريح بالمقصود ولكنه ليس بصحيح من ناحية الإسناد لأن في سنده سعيد بن خالد الخزاعي المدلجي قال فيه أبو زرعة الرازي ضعيف وقال أبو حاتم ضعيف الحديث وقال البخاري فيه نظر وقال الدار قطني ليس بالقوي وقد ترجم له الخزرجي في الخلاصة ترجمة مختصرة تحكي تضعيفه لهذا الراوي، واحتج أهل القول الأول بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يُجْزِيءُ عن الْجَماعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِيءُ عن الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ)

(2)

أو كما قال والحديث قد ذكره السيوطي في الجامع الصغير واعترف بصحته الحافظ محمد ناصر الدين الألباني في صحيح الجامع الصغير وعزاه إلى أبي نعيم في الحلية والألباني متشدد في التصحيح، فإذا احتج بالحديث فهو صحيح عند غيره بالأولى والأحرى أما الحافظ السيوطي فهو متساهل في التصحيح إلى حد أنه رحمة الله ذكر في الجامع الصغير عدة أحاديث هي عند أهل الحديث من الأحاديث الموضوعة فضلاً عن أن تكون من الأحاديث الضعيفة، كما لا يخفى على من طالع الجامع الصغير مع مراجعة فيض القدير للحافظ المناوي رحمه الله، وبناء على هذا فالرد على السلام من أحد الجماعة المسلم عليهم كافٍ، هذا هو الذي أراه ولكل ناظراً نظره.

‌تحريم عقوق الوالدين

س: لي ولد واحد ربيته حتى أصبح رجلاً ثم زوجته وحينما كبرت في السن وعجزت عن العمل وكسب العيش وأصبت بمرض أقعدني في البيت لا حول لي ولا قوة انفصل ولدي عني مع زوجته وبقيت مع أمه في البيت عاجزين عن العمل مع ست بنات لا نجد من يساعدنا أو ينفق علينا وهو في بحبوحة من العيش، فهل يصح لي أن أحرر لزوجتي وصية من أملاكي مقابل أتعابها لأنها هي التي تخدمني بكل إخلاص ووفاء؟

جـ: حكم هذا الولد إن صح ما جاء في الاستفتاء بأنه عاق لوالده أو لوالديه وعقوق الوالدين من أكبر الكبائر كما ورد في الحديث الصحيح المروي في الصحيحين بلفظ (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)

(3)

وحديث (ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ

(1)

سنن أبي داود: كتاب الأدب: باب ما جاء في رد واحد عن الجماعة. حديث رقم (5205) بلفظ (عن الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، قالَ: يُجْزِيءُ عن الْجَماعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِيءُ عن الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (5210).

انفرد به أبو داود.

(2)

سنن أبي داود: سبق ذكره في هذا الباب من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه برقم (5205).

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب ما قيل في شهادة الزور. حديث رقم (2460) بلفظ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)

أخرجه مسلم في الايمان، والترمذي في الشهادات، وأحمد في أول مسند البصريين.

معاني الألفاظ: الزور: الكذب والباطل.

وفي صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب عقوق الوالدين من الكبائر. حديث رقم (5520) بلفظ (حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، فَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ قَالَ شُعْبَةُ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البيوع عن رسول الله، تفسير القرآن عن رسول الله، والنسائي في تحريم الدم، والقسامة،

وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الأدب، الديات.

ص: 736

النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، فَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّور)

(1)

، وأما الخدمة فلا تخلو فإن كانت هذه الخدمة هي الخدمة المعتادة فلا تستحق الزوجة الأجرة عليها حتى تصح الوصية، وإن كانت زائدة على المعتاد الذي تعتاده الزوجات فلا مانع من الوصية لها إلى مقابل العمل الزائد على المعتاد لكن بشرط أن يكون بقدر العمل الزائد بلا زيادة على ذلك، وإلا كانت حيلة على الورثة والحيلة حرام.

‌تحريم تبرئ الأب من الولد العاصي

س: هل يجوز للأب أن يتبرأ من ولده العاصي؟

جـ: لا يجوز.

‌ليس لإبليس توبة ولن يتوب إلى يوم القيامة

س: هل إذا تاب ابليس عليه لعنة الله ورجع إلى الله يقبل الله توبته؟ وما هو الدليل من القرآن والسنة؟

جـ: باب التوبة مفتوح، لكن إبليس لا يتوب ولن يتوب إلى يوم الدين لقوله تعالى {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}

(2)

.

س: خرجت من منزل والدي واستأجرت منزلاً هرباً من المشاكل، فهل أكون بهذا عاق لوالدي؟

جـ: لست عاقاً بهذا الفعل.

‌تحريم سبِّ زوجة الأب

س: حصل أن رجلاً سبَّ زوجة أبيه، فما هو الحكم؟

جـ: سبُّ المسلم حرام وخصوصاً زوجة الأب الذي ينبغي احترامها لإحترام الأب إن كان الولد الذي بدأ بسبِّ زوجة أبيه من غير أن تكون هذه الزوجة قد بدأت بسبِّ ولد زوجها أو ظلمته أو أساءت إليه، ولهذا أنا لا أستطيع أن أدين هذا الولد أو أبرأه ما دام ولم أستمع لكلام زوجة والد هذا الولد بحضور الولد ولا إلى كلام الولد بحضور زوجة أبيه.

(1)

- سنن النسائي: كتاب الوصايا: باب إبطال الوصية للوارث. حديث رقم (3643) بلفظ (عن عمرو بن خارجة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث). صححه الألباني في صحيح سنن النسائي بنفس الرقم.

أخرجه الترمذي في الوصايا، وابن ماجة في الوصايا، وأحمد في مسند الشاميين، والدارمي في الوصايا.

أطراف الحديث: الوصايا.

(2)

- الحجر: آية (36 - 38)

ص: 737

‌جواز السلام أو رد السلام على المرأة الأجنبية وتحريم مصافحتها

س: هل يصح أن يسلم الرجل على المرأة الأجنبية؟ وهل يصح أن ترد عليه السلام؟ علماً أن هذه المرأة الأجنبية هي أخت زوجته؟

جـ: لا مانع لأيِّ شخص من أن يسلم على من يريد أن يسلم عليه من قرابته كائناً من كان، بل ذلك مستحب ومشروع لأن أدلة مشروعية السلام لمن يقدم على أناس لم تفرق بين أن يكون المسلم عليهم رجالاً أو نساءً، ولا سيما أن هذه المرأة التي يسأل السائل عن السلام عليها هي قريبة لزوجته وبعبارة أخص أخت زوجته كما أنه لا مانع للمرأة المسلم عليها بأن ترد على الرجل الذي يسلم عليها، لأن أدلة وجوب رد السلام لم تفرق بين أن يكون المسلِّم رجلاً أو امرأة وبين أن يكون المسلَّم عليه رجلاً أو امرأة، ولا سيما أن المرأة هذه هي من أقرب النساء إلى هذا الرجل، ولكن بشرط أن يكون السلام من الرجل على المرأة أيِّ امرأة كانت أخت زوجته أوغيرها مجرداً عن المصافحة لأن النبي

لم يصافح أيِّ امرأة أجنبية من النساء، ولم تمس يده الشريفة يد امرأة لم تكن من زوجاته ولا من محارمه كما نصت عليه كتب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، كما يشترط ألا يكون هناك فتنة أو يكون السلام سبباً أو من الأسباب التي تكون ذريعة للاختلاط بين النساء والرجال أو يكون سبباً لعلاقة غير مشروعة بين الرجال والنساء، أو يكون سبباً للخلوة بامرأة أجنبية حيث ورد النص بتحريم الخلوة بالأجنبية في حديث (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ)

(1)

وحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)

(2)

كما ورد عن النبي أن المؤمنين وقَّافُّون عند الشبهات، وإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه في حديث (الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ)

(3)

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من اكتتب في جيش فخرجت إمرأته حاجة. حديث رقم (3006) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ).

أخرجه مسلم في الحج، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم.

أطراف الحديث: النكاح، الحج.

(2)

- مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: باب مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه. حديث رقم (1424) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2801).

أخرجه الترمذي في الادب، والنسائي في الغسل والتيمم، والدارمي في الأشربة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الإزار: ثوب يلف به النصف الأسفل من الجسم.

(3)

-- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب من اسبترأ لدينه. حديث رقم (52) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)

أخرجه مسلم في المساقة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبوداود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.

أطراف الحديث: البيوع.

معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع العير من دحولها. يواقعه: يدخله. حمى الله: محارمه التي لا يحل لمسلم أن يتعداها أو ينتهكها. محارمه: ما حرمه ونهى عن إتيانه. مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.

ص: 738

، وهكذا حرم النبي صلى الله عليه وسلم اختلاط الرجال بالنساء في جماعة الصلاة فضلاً عن غيرها من المجالس والمجتمعات كما في حديث (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ)

(1)

وهكذا يشترط ألا يكون السلام سبباً لإساءة الظن به لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن رآه يتكلم مع زوجته (إنها صفيةُ بنتُ حُيَيّ. فقالا: سبحانَ اللهِ يا رسولَ اللهِ، قال: إن الشيطانَ يجري من الإنسانِ مَجرى الدمِ، وإني خَشِيتُ أن يَقذِفَ في قلوبكما سوءاً، أو قال: شيئاً)

(2)

.

والخلاصة: هي أن السلام الجائز هو المجرد عن كل شيء والذي لا يعقبه موعد ولا مصافحه ولا خلوه ولا اختلاط ولا لمس ولا فتنة ولا سوء الظن به من أحد، أما إذا كان هناك شيئاً من هذه الأشياء فذلك غير جائز شرعاً، فالإسلام قد حرَّم على الرجال أن يختلطوا بالنساء كما حرَّم على النساء أن يختلطن بالرجال في جماعة الصلاة التي هي من أهم العبادات بل هي أهمها حيث أمر ألا تكون النساء في الصفوف مختلطة بالرجال في جماعة الصلاة التي هي من أهم العبادات بل هي أهمها حيث أمر أن يكون الرجال في الصفوف الأولى، وأن تكون النساء في الصفوف الأخرى، وحرَّم على المرأة المصلية أن تتخلل صفوف الرجال أو تتقدم عليهم وبالأولى والأحرى أنه يحرم على المرأة أن تختلط بالرجال أو على الرجال أن يختلطوا بالنساء في غير الصلاة، فإذا كان الرجل سيسلم على المرأة أو على النساء ثم يختلط بهن فإن السلام حينئذ غير جائز شرعاً لا لذات السلام بل لما يعقبه من الاختلاط المحرَّم شرعاً، أما إذا كان الرجل سيسلم على المرأة أو على النساء ولا يعقب السلام أيُّ اختلاط فذلك جائز شرعاً كما أن الإسلام يدعو المسلم إلى أن يهتدي بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح النساء الأجنبيات وفي الحديث الصحيح (وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ)

(3)

فإذا كان السلام من الرجل على المرأة الأجنبية مجرداً عن المصافحة فهو مشروع وإن كان السلام منه

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الصلاة: باب الصلاة على الحصير. حديث رقم (380) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ، دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ، قَالَ: أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ)

أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، والترمذي في الصلاة، والنسائي في المساجد، وأبو داود في الصلاة، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في النداء للصلاة، والدارمي في الصلا ة.

معاني الألفاظ: نضح: رش.

(2)

صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق: باب صفة إبليس وجنوده. حديث رقم (3211) بلفظ (عن صفيةَ بنتِ حُيَيّ قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُعتكفاً، فأتَيتُهُ أزورُهُ ليلاً، فحدَّثُته ثم قمتُ فانقلبتُ، فقامَ معي ليَقلبَني، وكان سكُنها في دار أسامةَ بن زيدٍ، فمرَّ رجلانِ منَ الأنصارِ، فلما رأيا النبيَّ صلى الله عليه وسلم أسرَعا فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفيةُ بنتُ حُيَيّ. فقالا: سبحانَ اللهِ يا رسولَ اللهِ، قال: إن الشيطانَ يجري من الإنسانِ مَجرى الدمِ، وإني خَشِيتُ أن يَقذِفَ في قلوبكما سوءاً، أو قال: شيئاً).

أخرجه مسلم السلام، وأبو داود في الصوم، الأدب، وابن ماجة في الصيام وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الصوم.

أطراف الحديث: الاعتكاف، فرض الخمس، الأدب، الأحكام.

معاني الألفاظ: ليقلبني: يصحبني إلى منزلي. على رسلك: تأن وتمهل.

(3)

صحيح البخاري: كتاب الشروط: باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة. حديث رقم (2512) بلفظ (أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم َ عَلَى ذَلِكَ فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ إِلَى غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ).

أخرجه النسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، الجهاد، السنة، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

أطراف الحديث: الحج، الشروط، المغازي.

معاني الألفاظ: امتعضوا: شق عليهم.

ص: 739

على المرأة الأجنبية مقروناً بالمصافحة فهو غير مشروع، وهكذا نقول الإسلام يحرِّم الخلوة بالأجنبية على كل مسلم ليس زوجاً لها ولا محرماً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) وحديث (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) فإذا كان السلام من الرجل على المرأة مجرداً عن الخلوة بها فهو مشروع وإن كان السلام مقروناً بخلوة أو سيكون للاجتماع في خلوة أو سبباً لحصول فتنة فهو ممنوع، كما نقول إن السلام من الرجل على المرأة مشروط بالا يحصل على المسلم تهمة أو إساءة ظن بالرجل الذي سيسلم على المرأة الأجنبية سواءً كان الذي سيسئ الظن به من يراه من الناس والذين يعتادون عدم السلام على المرأة الأجنبية من الذي مر من عندها أم سيكون سوء الظن به من المرأة الأجنبية التي لا تعتاد السلام من الرجال الأجانب عند أن يمروا من عندها، أما إذا كان السلام من الرجل على المرأة سيؤدي إلى حصول تهمة أو إساءة ظن من الذين سيشاهدون ويسمعون السلام أومن المرأة نفسها فإن السلام منه عليها والحالة على هذه الصفة غير مشروع، لأن السلام من حيث هو مسنون ورفع التهمة عن المؤمن بسوء الظن به واجب عليه، فإذا كان المسنون من فعله سيتعارض مع واجب فالواجب ترك المسنون، والدليل على هذا ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في رمضان في المسجد فجاءت زوجته (صفيه) إلى المسجد زائرة له فحينما رجعت من عنده وخرجت من المسجد قام النبي صلى الله عليه وسلم معها إلى باب المسجد كالمودع لها فلما رآه بعض الصحابة يتكلم معها تقدموا نحوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (على رسلكما، إنها صفيةُ بنتُ حُيَيّ. فقالا: سبحانَ اللهِ يا رسولَ اللهِ، قال: إن الشيطانَ يجري من الإنسانِ مَجرى الدمِ، وإني خَشِيتُ أن يَقذِفَ في قلوبكما سوءاً، أو قال: شيئاً).

قال العلماء فيه دليل على أنه يشرع للإنسان أن يرفع عن نفسه التهمة ممن يخشى منه سوء الظن نتيجة لأيِّ عمل قد يظن بعض الناس أنه غير جائز شرعاً أو تكون صورته صورة المحرم شرعاً، هذا بالنسبة إلى الرجل الذي سيسلم على المرأة الأجنبية، أما بالنسبة للمرأة هل ترد عليه أم لا؟ فالجواب عليه: إن المشروع على المرأة رد السلام على كل من يسلم عليها مطلقاً سواءً كان المسلم عليها امرأة أو رجلاً قريباً أو رجلاً أجنبياً لقوله تعالى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ

فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ

عَلَى كُلِّ

شَيْءٍ حَسِيبًا}

(1)

، ولكن إذا كان المسلِّم عليها رجلاً أجنبياً فلا بد أن يكون الرد خالياً عن كل شيء يؤدي إلى الفتنة، وألا يكون فيه مصافحة ولا خلوة، ولا لمس، ولا اختلاط وألا يحصل بسببه سوء ظن من أحد، للأدلة المذكورة آنفاً، أما إذا كان الرد مقروناً بشيء من هذه الأشياء فالأولى تركه.

‌جواز السلام أو رد السلام على المرأة الأجنبية

س: توفي عمي (أخو والدي) وله تسع بنات ولم يوجد له أولاد ونحن الأقرب لزيارة البنات، هل يصح السلام عليهن والزيارة؟

جـ: يجوز زيارتهن بلا مصافحة.

(1)

- النساء: آية (86)

ص: 740

س: هل يلزم السامع أو القارئ رد السلام عندما يلقي المذيع في التلفزيون أو الراديو السلام؟

جـ: نعم، ويكفي البعض.

‌جواز السلام بالإشارة باليد مع التلفظ بالسلام

س: هل يجوز السلام بالإشارة باليد؟

جـ: لا مانع من السلام بالإشارة مع التلفظ بالسلام.

‌تحريم سبِّ الرجل أبيه أو صلاته

س: ما قولكم في رجل يسبُّ أباه ويسبُّ صلاته ويتفوه على أبيه بكلام فاحش، فما هو الحكم على هذا الولد العاق؟

جـ: أعلم أن من سبَّ أباه أو أمه أو سبَّ صلاتهما أو صيامهما أو أتى بكلام قذر فهو آثم إثماً عظيماً لأنه عمل عملاً وقال قولاً لا ينبغي أن يفعله أو يقوله المسلم لأخيه فكيف بوالديه أو أحدهما فذلك الولد المشئوم عاق لوالديه مرتكب لكبيرة عظيمة وليس هناك عقوبة دنيوية لهذا العاق مثل عقوبة السكران والقاذف وغيرهما من أهل المعاصي التي لها حدود، إنما عقوبته في الدار الآخرة إلا أن يتوب من هذا توبة نصوحاً فباب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها.

‌تحريم سبِّ الأب في غيابه

س: ماحكم من يسبُّ الأب في غيابه؟

جـ: آثم آثم آثم.

‌تحريم سبِّ العلماء والصالحين

س: بعض الناس يسبُّ ويكيل التهم على العلماء والناس الصالحين، ما حكم الإسلام في عملهم هذا؟

جـ: لا ينبغي لأحد أن يسبَّ أحداً أو يغتابه سواء كان الذي يتعرض للسبِّ عالماً أو جاهلاً ولا فرق ولكن سبَّ العالم أعظم إثماً وأكبر جرماً، وفي الحديث (سبابُ المسلم فُسوقٌ وقِتالُهُ كفرٌ)

(1)

.

س: ما حكمكم في من يتكلم في الشيخ/ عبد المجيد الزنداني والشيخ/ عايض القرني والشيخ/ علي القرني وغيرهم؟

جـ: لا يجوز لأحد أن يتكلم في أيِّ مسلم مؤمن ولاسيما من يتكلم في أعراض العلماء وهو بكلامه سيضر نفسه عند الله ويأخذ من ذنوبهم وفي الحديث (سبابُ المسلم فُسوقٌ وقِتالُهُ كفرٌ) وحديث (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ

(1)

صحيح البخاري: كتاب الفتن: باب قول النبي سباب المسلم فسوق. حديث رقم (6922) بلفظ (قال عبدُ الله: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: سبابُ المسلم فُسوقٌ وقِتالُهُ كفرٌ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإيمان عن رسول الله، والنسائي في تحريم الدم، وابن ماجة في المقدمة، الفتن، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث الإيمان، الأدب.

ص: 741

عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)

(1)

.

‌تحريم التلفظ بالألفاظ البذيئة

س: ما حكم من يشتم أخيه مثل أن يقول: يا كلب أو يا حمار أو يا أهبل وغيرها من الألفاظ البذيئة؟

جـ: هذا بلا شك لا يجوز لأن الله لايحب الفاحش ولا المتفحش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى الذي يتكلم بالكلام البذي المؤذي لأخيه المسلم، وفي الحديث (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ)

(2)

.

‌زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين

س: لماذا سميت عائشة بأم المؤمنين؟

جـ: لقب أم المؤمنين ليس خاصاً بعائشة رضي الله عنها وإنما بجميع نساء النبي صلى الله عليه وسلم يطلق عليهن أمهات المؤمنين لا فرق بين إحداهن أو الأخرى وإنما كلهن أمهات المؤمنين لأن الله حرَّم على المؤمنين التزوج بهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دلَّ على هذه التسمية الكتاب في قوله تعالى {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}

(3)

والسنة في أحاديث منها حديث (وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ)

(4)

وحديث (ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ وَيَدْعُو لَهُنَّ وَيَدْعُونَ لَهُ)

(5)

والاجماع.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب البروالصلة والأدب: باب تحريم الظلم. حديث رقم (4678) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)

أخرجه الترمذي في صفة القيامة، وأحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة.

لايوجد للحديث مكررات.

معاني الألفاظ: القذف: الاتهام بالزنا من دون شهود.

(2)

- مسند الإمام أحمد: مسند عبد الله بن مسعود: حديث رقم (3947) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ، وَقَالَ ابْنُ سَابِقٍ مَرَّةً بِالطَّعَّانِ وَلَا بِاللَّعَّانِ).

أخرجه الترمذي في البر والصلة.

أطراف الحديث مسند باقي المكثرين.

معاني الألفاظ: الفاحش: البذيء المتصف بسوء الخلق.

(3)

- الأحزاب: (6).

(4)

- صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن: باب واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. حديث رقم (4123) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ اللَّهَ فِي ثَلَاثٍ أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ نِسَائِهِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ قُلْتُ إِنْ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا مِنْكُنَّ حَتَّى أَتَيْتُ إِحْدَى نِسَائِهِ، قَالَتْ: يَا عُمَرُ أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟! فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ الْآيَةَ)

أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، والترمذي في تفسير القرآن، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في مسند العشره، والدارمي في المناسك.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: البر: الرجل الصالح.

(5)

- صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن: باب قوله تعالى لاتدخلوا بيوت النببي إلا أن يؤذن لكم. حديث رقم (4420) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ وَيَدْعُو لَهُنَّ وَيَدْعُونَ لَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ رَأَى رَجُلَيْنِ جَرَى بِهِمَا الْحَدِيثُ فَلَمَّا رَآهُمَا رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلَانِ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ وَثَبَا مُسْرِعَيْنِ، فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ بِخُرُوجِهِمَا أَمْ أُخْبِرَ فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في تفسير القرآن.

ص: 742

‌تحريم عصيان الوالدين

س: إذا بذل والد لولده جميع وسائل التعليم فلم يواصل التعليم، فما هو الحكم في ذلك؟

جـ: الوالد الذي بذل لولده جميع وسائل التعليم قد عمل ما يلزم عليه نحو ولده وإذا كان الولد قد رفض جميع ما بذل والده من وسائل التعليم فالولد قد أساء إلى نفسه وجنى على نفسه بنفسه، أما حق الوالد على ولده فهو حق عظيم فعليه أي على الولد طاعة والده وعدم عصيانه فيما يأمره به، فقد وردت الأدلة الصحيحة الصريحة في وجوب طاعة الوالدين منها قوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}

(1)

وقوله تعالى {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ

تَعْمَلُونَ}

(2)

وحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)

(3)

كما وردت الأدلة الصحيحة في تحريم العقوق وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر كما جاء الحديث الصحيح المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظ (إن من أكبرِ الكبائر أن يَلعنَ الرجلُ والِدَيه، قيل يا رسول الله، وكيف يَلعَنُ الرجل والِدَيه؟ قال: يسُبُ الرجلُ أبا الرجل فيسبُّ أباه، ويسب أمَّه فيسب أمَّه)

(4)

وحديث (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فقال: ألا وشهادة الزور، فما زال يرددها حتى قلنا ليته سكت)

(5)

.

س: رجل يشكو من والده الذي ساءت العلاقة بينه وبينه بسبب اختلاف شخصي وأنه اغترب من وطنه بسبب ذلك وحاول الابتعاد عن والده، ولا يدري ما الذي يحكم عليه الإسلام في مثل هذه المسألة وهل يقبل الله توبته إذا رجع لطاعة والده والامتثال لأوامره أم لا؟

(1)

- الإسراء: (23).

(2)

- لقمان: (14)

(3)

- صحيح مسلم: كتاب البروالصلة والأدب: باب بر الوالدين وأيهما أحق به. حديث رقم (4623) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)

أخرجه البخاري في الأدب، وابن ماجه في الأدب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(4)

صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب لا يسب الرجل والديه. حديث ر قم (5836) بلفظ (عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبرِ الكبائر أن يَلعنَ الرجلُ والِدَيه، قيل يا رسول الله، وكيف يَلعَنُ الرجل والِدَيه؟ قال: يسُبُ الرجلُ أبا الرجل فيسبُّ أباه، ويسب أمَّه فيسب أمَّه).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البر والصلة عن رسول الله، وأبو داود في الأدب، وأحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة.

(5)

ـ صحيح البخاري كتاب الديات: باب إثم من أشرك بالله وعقوبته. حديث رقم (6408) بلفظ (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنهم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور وشهادة الزور ثلاثا أو قول الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البر والصلة، وأحمد في مسند البصريين.

أطراف الحديث: الأدب والاستئذان والشهادات.

ص: 743

جـ: اعلم أن طاعة الوالدين واجبة وجوباً قطعياً بأدلة الكتاب والسنة والإجماع منها قوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا

(1)

وقوله تعالى {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ

تَعْمَلُونَ}

(2)

وحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)

(3)

وبناء على ذلك فعليك طاعة والدك في كل ما يأمرك به إلا إذا أمرك في أمر غير جائز شرعاً فلا تطعه لأنه (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)

(4)

، ويمكنك أن تتوسط بأقارب أبيك وأصحابه وزملائه لكي يحسّنوا العلاقة بينك وبين والدك لكي يقتنع ولعله سيقتنع بإذن الله تعالى.

س: وصلت رسالة من امرأة وفيها تشكو من ابنها الذي يعاملها بقسوة وبشده ويهددها بإطلاق الرصاص عليها، فماذا تصنع؟

جـ: اعلم أن هذا الولد عاق والعقوق من أكبر الكبائركما في حديث (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فقال: ألا وشهادة الزور، فما زال يرددها حتى قلنا ليته سكت) ولا مانع لك من الاتصال بمدير المنطقة أو حاكمها الشرعي وعرض القضية على أحدهما ليعرف الحقيقة ويجري اللازم فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

س: ما عقوبة من يقول لوالده (مخنوث) و (يا ابن القحبة) ويبصق إلى وجهه وهو عاق لوالديه؟

جـ: بالنسبة إلى الآخرة فعقوبته عظيمة جداً والعقوق من أكبر الكبائر ومن أعظم الذنوب والعذاب عليه شديد كما في حديث (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)، وأما في الدنيا فهو عاق وقاذف لأبيه يجب عرض الدعوى عليه من والديه عند الحاكم المولى من الدولة يحبس هذا العاق أو يحكم عليه بأيِّ عقاب.

س: ما هي نصيحتكم لبنت وأبناء يعصون أمهم بحجة أنها ترفع صوتها عليهم وبحجة أنها تجامل بعض أبنائها؟

جـ: عقوق الوالدين حرام لاسيما الأم فإن طاعتها واجبة أعظم من وجوب طاعة الأب والصبر عليها واجب لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ).

س: ما حكم الإسلام فيمن يسبُّون آباءهم؟

(1)

- الإسراء: (23).

(2)

- لقمان: (14)

(3)

- صحيح البخاري: سبق ذكره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (4623).

(4)

صحيح البخاري: كتاب أخبار الآحاد: باب في إجازة خبر الواحد. حديث رقم (6716) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا، فَأَوْقَدَ نَارًا، وَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ: لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ).

أخرجه مسلم في الإمارة، والنسائي في البيعة، وأبو داود في الجهاد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث: الأحكام، المغازي.

ص: 744

جـ: لا يجوز سبُّ المسلم أوالمسلمة أيَّ مسلم أومسلمة وبالأولى لا يجوز سبُّ الآباء والأمهات سواء كان الذي سيسبُّ أباه سيسبه سباًّ مباشراً أو كان سبباً حاملاً للغير على سبِّ أبيه مثل أن يسبَّ الرجل أبا رجل آخر فيكون سبباً في سبِّ الرجل الآخر أباه كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث (إن من أكبرِ الكبائر أن يَلعنَ الرجلُ والِدَيه، قيل يا رسول الله، وكيف يَلعَنُ الرجل والِدَيه؟ قال: يسُبُ الرجلُ أبا الرجل فيسبُّ أباه، ويسب أمَّه فيسب أمَّه).

‌وجوب البر بالوالدين بحسب الإستطاعة

س: رجل والده مريض في البلاد وهذا الرجل يريد أن يطيع والده ويخدمه ولكنه رب أسرة في صنعاء وهو الذي يصرف عليهم ويعولهم، فإن خرج الى البلاد سيضر بأسرته وأبنائه وإن جلس في صنعاء خاف أن يعق أباه علما بأن له أخوة في البلاد عند والده ووالده راض عنه، فما الذي يجب على الولد عمله ليخرج من حيرته؟

جـ: البر بالوالد يكون بحسب الإمكان وبقدر المستطاع ولاسيما وهو راض عنه لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}

(1)

، وخصوصا وهناك من الأولاد من يقوم بالواجب.

‌استحباب زيارة الأرحام

س: تزوجت قبل حوالي سبعة وعشرين عاماً ورغم مرور هذه السنين كلها لا زلت أتذكر ما كانت تعاملني به خالتي زوجة والدي من المعاملة القاسية والكيد والحقد الذي لا زال في قلبها حتى الآن، ولم تكتف بتلك المعاملة بل لقد تجرأت حالياً إلى أن حرَّمت على نفسها صورتي، وأنا امرأة يتيمة ليس لي إلا زوجي ووالدي الذي طالما أردت زيارته في بيته ولكن خالتي تقف بالمرصاد حقداً منها عليَّ بتحريم صورتي، ووالدي يفهم تلك المعاملة جداً ولكنه يتغاضى ولا يعطي موضوعي أيَّ أهمية كأنه لا يعنيه من الأمر شيء أفيدوني؟

جـ: اعلمي أن هذه المسألة تحتاج إلى توسط بعض أصدقاء والدك الذي أصبح لا حول له ولا قوة وأصبح الحل والعقد بيد زوجته إن صح ما جاء في السؤال، وإذا كانت زوجة والدك قد حرمت صورتك فوالدك لم يحرم صورتك وعلى زملاء والدك وأصحابه أن ينصحوه ألا يكون سلبياً إلى هذا الحد وألا يخضع لزوجته ويجاملها إلى حد أنها تحول بينه وبينك ويرشدونه إلى أنه يضغط على زوجته بأن تحايد ولا تكون معك ولا عليك، وإن لم يتمكن من الضغط عليها فليزرك إلى بيت زوجك رأس كل أسبوع أو الشهر أو أيِّ مناسبة لأن في الزيارة لك أجر عظيم له، وفي قطعها إثم عظيم إذا لم يكن يزرك إلى بيت زوجك، وهكذا من الممكن أن تتوسطي إلى زوجة أبيك بأقاربها أن ينصحوها ألا تحقد عليك على هذه الصفة وأن هذا الحقد ليس من صالحها وإنما يضرها في الدنيا والآخرة، وأنصح جميع الآباء ألا يبخلوا بالزيارة على بناتهم.

س: ما حكم عدم الذهاب إلى حفلات الأعراس من الأقارب التي توجد فيها غناء، وهل تعتبر قطيعة رحم مع العلم أن البعض منهم يغضبون منا إذا لم نذهب إلى أعراسهم؟

جـ: قطيعة الرحم حرام بالإجماع لقوله تعالى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}

(2)

ولحديث (الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا

(1)

- التغابن: آية (16)

(2)

- محمد: آية (23، 22)

ص: 745

قَطَعَهُ اللَّهُ)

(1)

وسماع الغنا فيه خلاف فلا تتركوا المسألة المجمع عليها لأجل مسألة خلافية.

س: أمي وأخواتي من الرضاعة يحتجن كثيراً وظروفهن المعيشية صعبة جداً وأنا بعيداً عنهن، فهل تجب عليَّ نفقتهن؟

جـ: لا تجب عليك النفقة الشرعية لهن، لكن من باب الصلة فقط.

لا يوجد تحديد أوقات معينة لزيارة الأقارب

س: هل توجد مدة محددة في زيارة الأقارب والأرحام بحيث يأثم من تأخر عنها؟

جـ: لا يوجد تحديد للزيارة.

‌وجوب حسن معاملة الأخ الكبير لإخوانه الصغار

س: ما حكم تجسس الأخ الكبير على أخيه الذي هو أصغر منه وتفتيش أغراضه وأوراقه الشخصية بحجة أن ذلك في مصلحته؟

جـ: هذا إن صح لا يجوز لقوله تعالى {وَلَا تَجَسَّسُوا}

(2)

.

‌تحريم قطع الرحم

س: الأب قاطع لرحم أخته فقام الابن ينوب عن أبيه ليصل رحم أبيه، فهل يكفر هذا عن الأب؟

جـ: الولد قد عمل الذي يجب عليه وفضل الله واسع.

‌استحباب الصدقة على من كان ظاهره الفقر

س: هل الصدقة تجب على الذين يجلسون على أبواب المساجد أو في الطرقات وغيرها لأنه لا يعرف هل هم بحاجة إلى ذلك أم لا؟

جـ: العبرة بالظاهر فمن كان ظاهره الفقر وكان مقعداً أو عاجزاً تصدقنا عليه، ومن كان غنياً ولا ندري أنه غني فحسبه الله.

‌وجوب طاعة الوالدين وتحريم تفضيل الزوجة على الأم

س: لي ولد عاص يتهددني بالضرب فأهرب منه وإذا لم أهرب منه فإنه فعلاً يضربني وكلما نصحه من اطلع على عمله يجيبه بجواب وقح ويفضل امرأته عليَّ فما الحل؟

جـ: طاعة الوالدين واجبة شرعاً بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة فمن صح أنه يؤذي والديه أو أحدهما فهو عاص لله تعالى ومرتكب لكبيرة من الكبائر كما في الحديث المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال لبعض أصحابه (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ:

(1)

- سنن الترمذي: كتاب البر والصلة: باب ما جاء في رحمة الناس. حديث رقم (1924) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ) صححه الألباني في صحيح الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه أبوداود في كتاب الأدب.

معاني الألفاظ: الشجنة: عروق الشجر المشتبكة.

(2)

- الحجرات: آية (12)

ص: 746

أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ) وحديث (ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، فَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّور) وقد قرن العقوق بالشرك وحكم عليهما بأنهما من أكبر الكبائر فمن كان يؤمن بالله فليتق الله ويبر بأمه وأبيه، وضربهما حرام وقد حرم القرآن على الولد أن يقول لوالديه (أُفٍّ) في قوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا

رَبَّيَانِي صَغِيرًا}

(1)

فبالأولى والأحرى الضرب، ومن صح أنه يضرب والدته فإنه مجرم وآثم إثماً عظيماً، يجب على الناس نهيه عن ذلك لحديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ).

س: إذا عرف شخص أن والدته ووالده يتضايقون من وجود زوجته فقام بإفرادها في منزل آخر تجنياً للمشاكل، فهل يعتبر منه ذلك طاعة لهما أم ماذا؟

جـ: يجب على الرجل أن يطيع والديه كما يجب عليه أن يحسن عشرته مع زوجته ولا يجوز له أن يطيع والديه طاعة عمياء وإلى حد أن يظلم زوجته كما لا يجوز له أن يحسن عشرته مع زوجته ويعطف عليها عطفاً زائداً إلى حد أنه يعصي والديه لأجلها ومن أجلها، وقد أحسنت بما جمعت من الطاعة لوالدتك وإعطاء زوجتك ما تحتاجه بحيث لا يحصل بينها وبين والدتك أيُّ شيء مما قد يحصل بين الزوجة ووالدة الزوج، وزوجتك التي أفردتها في بيت خاص لها ومنعتها من التدخل في شئون والدتك، لكن يجب عليك بروالدتك واحترامها وطاعتهاعملا بحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)

(2)

فجزاك الله خيراً.

س: إذا كان الولد يطيع أمه أكثر من طاعته والده بحجة أنهما متخاصمان، فما هو الواجب عليه أو على والديه؟

جـ: يطيع الاثنين والأم أقدم من الأب لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)، وإن كان الأبوان كلاهما طاعتهما واجبة لقوله تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}

(3)

وقوله تعالى {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ

تَعْمَلُونَ}

(4)

.

‌مشروعية دعاء الوالد لولده لمن تحققت دعوته على ولده

س: ولد كان يشرب السيجارة والشمة بدون علم والده وكان ناجحاً في أعماله ولكنه بعد أن اكتشفه والده دعا عليه

(1)

- الإسراء: آية (24، 23)

(2)

- صحيح مسلم: كتاب البروالصلة والأدب: باب بر الوالدين وأيهما أحق به. حديث رقم (4623) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ)

أخرجه البخاري في الأدب، وابن ماجه في الأدب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(3)

- الإسراء: (23).

(4)

- لقمان: (14)

ص: 747

بألَا يوفقه الله دنيا ولا آخرة ومن بعدها لم ينجح في أعماله حتى ضاق والده على ولده من عاقبة دعوته عليه، فماذا يجب على الولد والوالد؟

جـ: الواجب على الوالد أن يكثر من الدعاء لولده بالهداية والتوفيق والعمل الصالح، والواجب على الولد طاعة والده والاستماع لكلامه وتنفيذ أوامره.

‌وجوب المساواة والعدل بين الأولاد

س: رجل يوجد معه أربعة أولاد كل يعيش لوحده وأودع أحد الأولاد مبلغاً من المال عند والده، ولما طلب الولد المبلغ أنكره والده، فما الحكم؟

جـ: اعلم أنه يجب على هذا الوالد أن يعدل بين أولاده وأن لا يطلب من أحدهم ما لا يطلبه من الآخر ولا يحق له أن يماطل أحد أولاده، ما لم يكن محتاجاً فيجب على جميع الأولاد أن ينفقوا على والدهم النفقة التامة إن كانوا موسرين وهو معسر، وكذلك العكس يجب على الوالد أن ينفق على أولاده إن كان موسراً وهم معسرون.

س: ما حكم الدعاء على الأولاد بقصد التخويف؟

جـ: لا يجوز.

‌جواز كذب الرجل على زوجته لمصلحة

س: هل يجوز الكذب على الزوجة حتى لا تتوتر العلاقة الزوجية أم أنه لا يجوز؟

جـ: اعلم أن الكذب حرام بالأدلة الصحيحة من الكتاب في قوله تعالى {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}

(1)

والسنة منهاحديث (وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)

(2)

وحديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)

(3)

والإجماع إلا ما استثناه النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذب الرجل على زوجته

(1)

- النحل: (105).

(2)

- صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب: باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله. حديث رقم (4721) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُور، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).

أخرجه الترمذي في البر والصلة عن رسول الله، وأبو داود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: البر والصلة والآداب.

معاني الألفاظ: البر: كلمة جامعة لأبواب الخير.

وفي موطأ مالك: كتاب الجامع: باب أن عبد الله بن مسعود قال عليكم بالصدق. حديث رقم (1571) بلفظ (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: لَا) ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب برقم (1752).

انفرد به مالك.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة المنافق. حديث رقم (32) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان عن رسول الله، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الشهادات، الوصايا، الأدب.

معاني الألفاظ: الآية: العلامة والدليل والبرهان. أخلف: نقض وعده.

ص: 748

وكذب من يصلح بين شخصين أو فئتين والكذب في الحرب فالكذب في هذه الحالات الثلاث جائز بورود حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا)

(1)

.

‌تحريم الكذب إلا في ثلاثة مواضع

س: هل يجوز الكذب في النصيحة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)؟

جـ: الكذب جائز في ثلاثة مواضع:

الأول: في الحرب. الثاني: الإصلاح بين المتخاصمين. الثالث: كذب الزوج على زوجته والزوجة على زوجها لحديث (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا) أما عند النصيحة فلم يرد حديث.

س: هل يجوز لرجل تعويد أولاده وأهله على ألفاظ كأن يقول لأهله إن جاء أحد يسأل عني أخبروه أني خارج البيت مع أنه موجود في البيت وتتكرر تلك الكذبات، هل هذا جائز شرعاً؟ وهل هناك دليل على مشروعيته؟

جـ: الكذب لا يجوز في أيِّ حالة من الأحوال إلا في الآتي:

1 -

في حالة حرب المسلمين للكافرين لحديث (الْحَرْبَ خَدْعَةً)

(2)

.

2 -

في حالة صلح بين رجلين أو امرأتين أو قبيلتين لحديث (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ)

(3)

.

3 -

كذب الزوج على زوجته والعكس وهو كذب الزوجة على زوجها، لأنه قد ورد ما يدل على هذا في حديث (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا).

(1)

- صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب: باب تحريم الكذب وبيان المباح منه. حديث رقم (1747) بلفظ (أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا).

أخرجه البخاري في الصلح، والترمذي في البر والصلة عن رسول الله، وأبو داود في الأدب، وأحمد في مسند القبائل.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب الحرب خدعة. حديث رقم (3030) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: هَلَكَ كِسْرَى، ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرٌ لَيَهْلِكَنَّ ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ، وَلَتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَسَمَّى الْحَرْبَ خَدْعَةً)

أخرجه مسلم في الفتن واشراط الساعة، والترمذي في الفتن، وأحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة.

اطراف الحديث: فرض الخمس، المناقب.

(3)

سنن أبي داود: كتاب الأدب: باب في إصلاح ذات البين. حديث رقم (4273) بلفظ (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود برقم (4919).

أخرجه الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع، وأحمد في مسند القبائل.

معاني الألفاظ: ذات البين: المراد الأحوال بين الناس.

الحالقة: التي تهلك وتستأصل الدين.

ص: 749

‌تحريم الكذب في الرؤيا المنامية

س: زوجي لا يصلي فكذبت عليه وقلت له إني رأيت في المنام أن الله يعذبه لأنه لا يصلي، فهل هذا حرام؟

جـ: يجوز للمرأة أن تكذب على زوجها كما يجوز له أن يكذب عليها كما جاء في الحديث لكن لا يجوز لأيِّ رجل أو أيِّ امرأة أن تكذب في الرؤيا فيقول: رأيت كذا وكذا ولم يكن قد رأى في المنام ما قال: إنه رأى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك وقال من (من قال بأنه رأى في المنام ولم يكن قد رأى كلفه الله يوم القيامة)

(1)

وليس بقادر، وهذه المرأة قد كذبت حيث أفادت أنها حلمت بشيء لم تحلم به في المنام فعليها التوبة.

س: ما حكم كذبة ابريل؟

جـ: الكذب حرام دائماً وإنما يجوز في ثلاثة مواضع في الحرب أو الصلح بين المتخاصمين أو كذب الرجل على زوجته لورود الحديث الصحيح بجواز الكذب في هذه المواضع وهوبلفظ (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا).

س: هل يجوز الكذب لاستخراج حق؟ وكذلك هل تجوز الرشوة لاستخراج حق؟ وقد ورد النهي عن المثلة فكيف والنبي قد سمر عيون شباب من بني قريضة وحلق شواربهم؟

جـ: هذا كذب واضح وصريح فإني لم أجد في كتاب من كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بما ورد في السؤال وكان الأجدر بهذا أن يقول حلق ذقنهم لأن حلق الشارب من السنة، وأما الكذب لاستخراج حق فلا يجوز لأنه لم يرد عن النبي صلى جواز الكذب إلا في ثلاثة مواضع:

1 -

الصلح بين المتخاصمين.

2 -

الكذب على الزوجة.

3 -

الكذب على العدو، أما الرشوة لاستخراج حق فقد أجازها بعض العلماء ومنعها البعض الآخر والإثم على أخذ الرشوة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ)

(2)

أما قصة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمر أعين العرنيين في حديث (قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ)

(3)

فقد نزلت الآية لنسخ فعل النبي صلى قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ

(1)

- لم أجد له تخريجا.

(2)

سنن الترمذي: كتاب الأحكام عن رسول الله: باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم. حديث رقم (1256) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

(3)

ـ صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه برقم (6805).

ص: 750

فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

(1)

، فلما نزلت وبينت حكم الحرابة أنه القتل أو الصلب أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض فلم تقل تعذبوهم ولا تسمروا أعينهم وإنما هو عقاب النبي ففعل النبي منسوخ بهذه الآية الكريمة.

س: علمنا أنه يجوز الكذب على الزوجة فهل ذلك على العموم أم في حالات خاصة؟

جـ: الظاهر أنه في الأشياء العادية تقول هذا الثوب أحسن من ثوب فلان أو فلانة، أما إذا كان الكذب سيترتب عليه أضرار فلا يجوزلقوله تعالى {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}

(2)

ولحديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) ولتحذير النبي صلى الله عليه وسلم منه في حديث (وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُور، ِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).

‌تحريم الكذب ولاسيما على الأطفال

س: ما حكم الكذب على الأطفال؟

جـ: الكذب محرَّم في الإسلام ويكون أشدُّ حرمة عندما نربي أولادنا عليه، فالمولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما في حديث (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)

(3)

فلا يجوز الكذب على الأطفال على الدوام، والله أعلم.

‌استحباب زيارة المريض ولو لم يستصحب الزائر معه شيئا من الفواكه أو المشروبات

س: أنا امرأة فقيرة إذا مرضت إحدى قريباتي أو جاراتي لا أزورهن لأن العادة اليوم طغت على العبادة فأصبحت الزيارة بالمال أو بشراء شيئ من الفواكه والعصائر، فماذا أفعل؟

جـ: ليس من شروط زيارة المريض أو المريضة أن يكون الزائر قد استصحب معه فاكهة أو شرابا بل الزيارة تكون مشروعة ولو لم يكن الزائر قد استصحب معه أيَّ شيء وأنا كثير ما أزور ولا استصحب أيَّ شيء.

‌جواز إطلاق اسم خال الزوج للزوجة والعكس

س: هل يجوز للرجل أو للمرأة أن يطلق اسم الخال على خال الآخر أم أنه غير جائز؟

جـ: إطلاق اسم الخال للرجل على خال زوجته لا مانع منه من باب الاحترام والتقدير وليس معناه أن الرجل قد صار خالاً شرعياً للرجل، ولا مانع للزوجة أن تسمي خال زوجها خالاً حيث وأنه من باب الاحترام والتقدير وليس

(1)

- المائدة: (33)

(2)

- آل عمران: (61)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب ماقيل في أولاد المشركين. حديث رقم (1385) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ).

أخرجه مسلم في القدر، والترمذي في الجنائز، والنسائي في الجنائز، وأبو داود في السنة، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجنائز.

أطراف الحديث: القدر، تفسير القرآن.

معاني الألفاظ: الجدع: قطع الأنف والأذن أو غيره من الأطراف.

ص: 751

المراد به أن خال الزوج قد أصبح خالاً شرعياً للزوجة، وقد كان العرب يدعون الشخص إذا كان كبيراً في السن وعمره أكبر من عمر المتكلم يا عم، وإذا كان أصغر من عمر المتكلم يقولون يا ابن أخي، ويدعون المرأة إذا كانت أكبر من المتكلم يا أماه أو يا عمتاه أو يا خالة، ولا يريدون بهذه الكلمات العم أو ابن الأخ الحقيقي ولا العمة أو الأم أو الخالة الحقيقية.

‌تحريم قول الرجل لزوجة ابنه أنه يريد الزواج بها

س: حدث أن رجلاً قال لابنة أخته وزوجة ابنه بأنها إذا أرادت إحداهما أن يكون زوجاً لها فلا مانع لديه وكان ذلك بسبب شجار بينه وبينها ثم إنه تعرى أمام الناس وأمامها، فما هو الجواب؟

جـ: زواج الرجل من بنت أخيه أو بنت أخته لا يجوز وهو محرم تحريماً قطعياً وقد دل على تحريمه القرآن الكريم في قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ}

(1)

كما أن زواج الرجل من زوجة ابنه محرم أيضاً بل هو من المحضورات القطعية المذكورة في القرآن الكريم في قوله تعالى {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} وهكذا يحرم الإسلام الزواج بالمرأة المحصنة في قوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ}

(2)

أي المزوجة كما جاء في القرآن الكريم، وإذا صح وتقرر أن رجلاً يحاول الزواج بابنة أخيه المزوجة بابنه فهو يحاول أن يعمل عملاً محضوراً قطعياً من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: أنها ابنة أخيه. الوجه الثاني: أنها حليلة ابنه. الوجه الثالث: أنها محصنة أي مزوجة، ولعل في السؤال مبالغة أو لعل الرجل المذكور الذي جاء في السؤال بأنه يقول: إنه سينكحها، وأما إذا كانت تريد أن تتزوج به فلا مانع عنده من ذلك لعله قال هذه المقالة في حالة غضب أو لعله مصاب بنوع من الجنون لأن كل مسلم عاقل يعيش في بلاد مسلمة عارف بأن زواج البنت بعمها حرام بالإجماع، وأن زواج زوجة الولد بوالد زوجها محضور بالإجماع، وأن زواج المتزوجة محضور بالإجماع، وإذا كان مجنوناً فالمجنون غير مخاطب بالشرعيات وقلم التكليف مرفوع عنه في الحديث النبوي الشريف (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ)

(3)

وإذا كان في حالة غضب فيجب عليه أن يتوب ويندم على ما صدر منه من قوله لزوجة ابنه وبنت أخيه في نفس الوقت بأنه سيتزوج بها إذا كانت تريد ذلك، وعليه التوبة النصوح وهو أن يندم على ما صدر منه ويعزم على عدم العودة إلى هذا القول الذي لا يصدر من مسلم ولا يتفوه به مؤمن، وأما كون هذا الرجل تعرى أمام المرأة وأمام الحاضرين من الناس فلا شك أنه قد عمل ما هو محرَّم شرعاً ولكنه قد عمل ما هو أعظم من التعري أمام الناس الحاضرين والمرأة وهو أنه قال لها أنه سينكحها أو سيتزوج بها إن كانت موافقة على زواجه بها في حين أن المسلمين جميعاً لا فرق بين العالم منهم والجاهل والأمي والمثقف يعرفون أن الزواج بابنة الأخ وزوجة الولد حرام بأدلة الكتاب والسنة والإجماع.

والخلاصةهي:

(1)

- النساء: آية (23).

(2)

- النساء: (24).

(3)

ـ سنن أبي داود: كتاب الحدود: باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً. حديث رقم (4398) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.

أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

ص: 752

أن زواج الرجل بابنة أخيه محرَّم تحريماً قطعياً بأدلة الكتاب والسنة الإجماع.

زواج الرجل بزوجة ابنه حرام أيضا بأدلة الكتاب والسنة والإجماع.

زواج الرجل بمن هي مزوجة محرَّم تحريماً قطعياً بأدلة الكتاب والسنة والإجماع.

من قال لزوجة ابنه وابنة أخيه أنه يريد الزواج بها لعله مجنون أو في حالة غضب.

إذا صح أن هذا الرجل قد قال هذا الكلام في حالة جنون فالقلم مرفوع عنه وإذا تقرر أنه قاله وهو غضبان فعليه التوبة والرجوع إلى الله تعالى.

من صدر منه كلام مخالف للأدلة القطعية فلا يستغرب منه كشف عورته أمام ابنة أخيه وزوجة ابنه وأمام الحاضرين.

هذا إذا صح أن الكلام صحيح وإلا فالظاهر أن فيه مبالغة.

‌وجوب الصبر على الجار المؤذي

س: يوجد عندنا امرأة حجت مرتين وتصلي وتصوم ولكنها تؤذي جيرانها ومن نصحها ردت عليه بالسبِّ والأذى، فما هو الحكم؟

جـ: اعلم أن الإحسان إلى الجار واجب وأذيته حرام شرعاً للأدلة الدالة على ذلك من الكتاب في قوله تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}

(1)

والسنة في حديث (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ)

(2)

وحديث (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)

(3)

وحديث (وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ)

(4)

وحديث (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ)

(5)

والإجماع فمن صح أنه يؤذي جاره فهو آثم وإن صلى وصام مرة أو مرتين أو أكثر من ذلك سواء كان

(1)

- النساء: (36).

(2)

- صحيح البخاري: كتاب النكاح: باب الوصاة بالنساء. حديث رقم (4787) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا).

أخرجه مسلم في الإيمان، الرضاع، والترمذي في الطلاق واللعان عن رسول الله، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: أحاديث الأنبياء، النكاح، الأدب، الرقاق.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب الوصاة بالجار. حديث رقم (5556) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)

أخرجه مسلم في البروالصلة والأدب، وأحمد في مسند المكثرين.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب إثم من لايأمن جاره بوائقه. حديث رقم (5557) بلفظ (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ)

أخرجه أحمد في أول مسند المدنيين.

معاني الألفاظ: البوائق: الشرور والمصائب.

(5)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخرفلا يؤذ جاره. حديث رقم (5559) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الطلاق، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في النكاح.

ص: 753

رجلاً أم امرأة، وأنا أنصح هذه المرأة أن تتوب إلى الله وتندم على ذلك وتعزم على عدم مؤاذاة جيرانها وأن تطلب العفو والمسامحة ممن آذت والله يتوب على من تاب وشديد العقاب على من لم يتب كما في قوله تعالى {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}

(1)

.

س: كيف تكون المعاملة مع الجار المؤذي والسيئ؟

جـ: على الإنسان إذا ابتلي بجار مؤذ أن يصبر ويتحمل لقوله تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا

الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ

وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا

ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}

(2)

ليكون له الأجر، ولجاره الوزر إن صح بأن الجار هو المؤذي، وإن المجاور له يتعرض لأذية الجار بلا سبب من المجاور له.

‌تحريم هجر المسلم فوق ثلاثة أيام

س: هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه أنه من تخاصم مع أخيه ثلاثة أيام لا تقبل أعمالهما فكيف إذا كان الصديق لا أخلاقي ولا أريد صحبته، فهل تقبل أعمالي؟

جـ: الحديث في من يهجر صديقه وهوبلفظ (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ)

(3)

.

س: أبي لديه مشاكل مع عمي منذ عدة سنوات وكلاً منهما مقاطع للآخر، وإن أبي يمنعنا من رؤية عمي أو التكلم معه أو مع أبنائه، فماذا أعمل هل أقاطع عمي وأولاده طاعة لأبي؟ أم أزور عمي دون أن يدري أبي؟

جـ: توسط إلى والدك بمن يحب فعل الخير والإصلاح ينصح الوالد بأن الهجر حرام ولا سيما زيادته على ثلاثة أيام وفي الحديث (لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)

(4)

وهذا معروض على الأقارب والأصدقاء للوالد لسرعة نصحه.

‌وجوب التصالح وتحريم التهاجر بين المتخاصمين

س: اثنان متخاصمان وكل واحد قلبه صافي عن الآخر، فهل يبقيان على خصامهما أم يجب عليهما أن يصطلحا؟

(1)

- الحجر: آية (50، 49)

(2)

- فصلت: أية (35، 34)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب الهجرة ز حديث رقم (5613) بلفظ (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ)

اخرجه مسلم في البر والصلة و الأدب، والترمذي في البر والصلة، وأبوداود في الأدب، وأحمد في باقي مسند الانصار، ومالك في الجامع.

اطراف الحديث: الاستئذان.

(4)

- صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية. حديث رقم (4742) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا، فَأَوْقَدَ نَارًا، وَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ قَوْلًا حَسَنًا، وَقَال: لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ).

أحرجه البخاري في المغازي، والنسائي في البيعة، وأ بوداود في الجهاد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

ص: 754

جـ: يجب عليهما الصلح ويحرم عليهما الهجرلحديث (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ).

س: أنا طالب في المدرسة في بعض الأحيان تحدث بيني وبين أحد زملائي مشاحنة فنفترق لمدة يوم أو يومين ثم أبدأ أنا بالصلح كل مرة وعندما أبدأ بالصلح يقلل من قيمتي ويتجرأ علي ونحن الآن متخاصمون فما تنصحونني به؟

جـ: أبدأه بالسلام ولا ضرر عليك عند الله لحديث (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ)

‌استحباب المسامحة في العفو عمن أساء

س: رجل سلم على أخيه ثم ضغط على يده حتى آلمه فحلف أن لا يسامحه فتسامح منه مرة أخرى فلم يسامحه وقال إنه لا يحمل في قلبه عليه شيء؟

جـ: أرجو من هذا الولد الذي لا يحمل حقدا أن يقول: له عفى الله عنك أو سامحك الله لأن العافين عن الناس لهم أجر عظيم عند الله لقوله تعالى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}

(1)

وكل واحد منا يحب أن ينال الأجر.

‌استحباب السكوت عن المسيء وعدم الرد عليه

س: إذا أذاني أحدهم فهل أرد عيه بمثلها؟

جـ: اتركه واحلم عنه لقوله تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا

الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ

وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا

ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}

(2)

.

‌تشميت العاطش سنة

س: هل تشميت العاطس إذا حمد الله سنة مؤكدة أم مستحبة أم ذلك للندب؟ وهل يكون الرد واجبا أم مستحبا أم سنة مؤكدة أم للندب؟

جـ: سنة مؤكدة لحديث (إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ)

(3)

‌جواز تشميت المرأة إذا عطست إذا لم يكن فيه فتنة أو تهمة

س: ما حكم تشميت المرأة الأجنبية إذا عطست؟

جـ: لا مانع إذا لم يحصل فتنة أو تهمة لحديث (إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) وإلا فلا ينبغي.

‌جواز استخدام غير المسلمة في البيت إذا لم يخش ضررها في تربية الأولاد

س: هل يجوز استخدام غير المسلمة في البيت المسلم أم لا؟

(1)

- الشورى: آية (40)

(2)

- فصلت: آية (35، 34)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب إذاعطس كيف يشمت. حديث رقم (5756) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ)

أخرجه أبوداود في الأدب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

ص: 755

جـ: اعلم أن استخدام غير المسلمة في البيت جائز إلا إذا كانت ستربي الأولاد ويخشى منها أن تربى الأولاد تربية فاسدة فلا يجوز لأن كل ما يؤدي إلى الحرام حرام، وقد قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}

(1)

.

‌استحباب التعاون بين أفراد الأسرة أو القبيلة أو غيرهما

س: يقع من بعض القرى أو القبائل الاتفاق على التعاون فيما بينهم بأنه إذا حصل من أيِّ فرد شجار أو تضارب مع واحد ليس منهم واستحق غرامة مالية تقوم تلك القرية الأخرى بمعاونته في هذه الغرامة، فهل هذا التعاون جائز ويكون فيه الخير أم هو تعاون على الإثم والعدوان؟

جـ: اعلم بأن التعاون على ما فيه خير مشروع على جهة الندب وقد يكون واجباً في بعض الأحيان سواء كان التعاون بين الأسرة أو القبيلة أو بين أهل المدينة أو القرية وما يعمله بعض القبائل في هذه الأيام هو من جملة هذا التعاون المشروع لقوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}

(2)

.

‌من أداب الدعاء استقبال القبلة والطهارة واليقين في الإجابة

س: ما هي آداب الدعاء؟

جـ: استقبال القبلة والجلوس على الركبتين والطهارة والخشوع والخضوع

‌تحريم الغيبة

س: أحياناً أتحدث أنا وزميلي عن بعض الزملاء في الكلية عن أشياء فعلوها، فهل هذا يعتبر من الغيبة (مثلاً أقول فلان قال كذا أو فلان عمل كذا)؟

جـ: إذا كان المغتاب يكره ما يحدث الناس عنه فهو من الغيبة المحرَّمة شرعاً لحديث (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)

(3)

، وأنا أوصي كل إنسان وأوصي نفسي بعدم الغيبة لأحد لئلا تنتقل ذنوبهم إلىَّ لكوني اغتبتهم، نسأل الله السلامة وأن يجنبنا الغيبة والنميمة وأذية المسلم بحسب الإمكان وبقدر المستطاع لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ

بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}

(4)

.

(1)

- التحريم: آية (6)

(2)

- المائدة: آية 2 -

(3)

- صحيح مسلم: كتاب البروالصلة والأدب: باب تحريم الغيبة. حديث رقم (4690) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)

اخرجه الترمذي في البروالصلة، وأبوداود في الأدب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: الغيبة: ذكرك المرأ بمايكره حال غيابه.

(4)

- الحجرات: (12)

ص: 756

‌وجوب نصح من يكثر التحدث في أعراض الناس وغيبتهم

س: لي صديق كثيرا ما يتحدث عن أعراض الناس وقد نصحته ولكن دون جدوى ويبدو أنها أصبحت عنده عادة، وأحيانا يكون كلامه في الناس عن حسن ظن، فهل أهجره أم ماذا؟

جـ: انصحه بقدر المستطاع وبحسب الإمكان لحديث (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِين، َ وَعَامَّتِهِمْ)

(1)

وحديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)

(2)

، لكن لا تهجره لأن الهجر حرام.

‌الكبر بطر الحق وغمط الناس

س: هل من يقول (أنا) والتكلم عن نفسه كثيراً يعتبر متكبراً؟ وبماذا تنصحونه؟

جـ: لا يسمى متكبرا لأن (الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَغَمَطَ النَّاسَ)

(3)

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

‌تحريم الحسد

س: كيف أتقي الحسد؟

جـ: اذكر أن الحسد حرام وأن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أي أن الحسد يهلك جميع الحسنات، فإذا ذكرت هذا الكلام الصادر عن الصادق المصدوق سيد الأنبياء والمرسلين في حديث (إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ أَوْ قَالَ الْعُشْبَ)

(4)

وحديث (دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ)

(5)

لابد وأن تترك الحسد، اسأل الله التوفيق والعفو والعافية في الدنيا والآخرة.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان أن الدين النصيحة. حديث رقم (194) بلفظ (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِين، وَعَامَّتِهِمْ)

أخرجه النسائي في البيعة، وأبوداود في الأدب، وأحمد في مسند الشاميين.

(2)

- صحيح مسلم سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه برقم (175).

(3)

- سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب ماجاء في الكبر. حديث رقم (2569) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا، فَقَالَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ حُبِّبَ إِلَيَّ الْجَمَالُ وَأُعْطِيتُ مِنْهُ مَا تَرَى حَتَّى مَا أُحِبُّ أَنْ يَفُوقَنِي أَحَدٌ، إِمَّا قَالَ: بِشِرَاكِ نَعْلِي وَإِمَّا قَالَ بِشِسْعِ نَعْلِي، أَفَمِنْ الْكِبْرِ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَغَمَطَ النَّاسَ)

انفرد به أبوداود.

معاني الالفاظ: الشراك: أحد سيور النعل.

(4)

- سنن أبي داود: كتاب الأدب: باب في الحسد. حديث رقم (4257) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ أَوْ قَالَ الْعُشْبَ)

انفردبه

معاني الألفاظ: الحسد: بمني زوال نعمة الغير.

(5)

- سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقاق والورع: باب منه. حديث رقم (2434) بلفظ (عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)

أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: دب: آتى وفشا.

ص: 757

‌تحريم رفع المرأة صوتها ليسمعها الرجال الأجانب

س: بعض الطالبات في الجامعة يتعمدن رفع أصواتهن فما الحكم في ذلك؟ وبماذا تنصحونهن؟

جـ: أنصح من صح من الشابات الطالبات أنها ترفع صوتها أن كل واحدة تغض من صوتها أمام الشباب من الطلبة وأمام الدكاترة وأمام الناس جميعاً فالحياء من الإيمان لقوله تعالى {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}

(1)

والحياء فيه الخير الكثير وخفت الصوت من الفتاة نوع من الحياء والفتاة ذات الحياء تكون محل احترام عند الصغير والكبير، والله يصلح الجميع آمين اللهم آمين.

‌تحريم دخول المرأة الحمامات العامة

س: ما قول الشرع في دخول الحمامات العامة فبعض النساء يقلن أنه حرام، فهل وردت أحاديث تدل على تحريم ذلك؟

جـ: قد ورد حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في نهي النساء عن دخول الحمام بلفظ (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ)

(2)

.

‌وجوب تغطية المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب

س: يدور نقاش حاد في أحد مقرات العمل حول الحجاب والنقاب وأيهما أرجح دليلاً هل الحجاب والنقاب أو تغطية الرأس وإبداء الكفين والوجه وهو ما يسمى بـ (الحجاب الإسلامي) أم تغطية الوجه كاملاً، أفتونا ما هو الراجح فقهاً وشرعاً حيث هناك كثير من الموظفات يردن التنقب إن كان أفضل وأرجح وأحوط لدينهن؟

جـ: الأفضل و الأحوط تغطية الوجه أمام الأجانب من الرجال لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}

(3)

وحديث (كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ)

(4)

، وأما قولهم أن الكشف عن الوجه وحده وتغطية الشعر والصدر والرقبة حجاب إسلامي فالعبارة غير صحيحة لأنه يوهم أن تغطية الوجه كله حجاب يدعى غير إسلامي، والصواب أن يقال له

(1)

- الأحزاب: آية (32)

(2)

سنن الترمذي: كتاب الأدب: حديث رقم (2725) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إِزَارٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2801).

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الأشربة.

معاني الألفاظ: الحليلة: الزوجة.

(3)

النور: الآية (30، 31).

(4)

- صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب وجوب الحج. حديث رقم (1513) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كبيراً لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاع).

أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، ومالك في الحج.

أطراف الحديث: المغازي، الاستئذان.

معاني الألفاظ: الردف: الجلوس خلف الراكب.

ص: 758

حجاب على رأي بعض علماء المذاهب الإسلامية.

س: ما هو الحجاب الشرعي؟ وهل هناك علامات يعرف بها الحجاب الشرعي؟

جـ: قال الله تعالى {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}

(1)

وهو ما يغطي الرأس والصدر ويلزم منه الأمر بتغطية الوجه، هذا هو الأحوط.

‌جواز ذهاب النساء إلى صالات الأعراس إذا خلت من المحرَّمات

س: ما حكم ذهاب النساء إلى صالات الأعراس؟

جـ: لا مانع إذا لم يكن هناك تكشف ولا تشبه بالكافرات في الزي لحديث (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)

(2)

وحديث (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا)

(3)

ولا سماع العود.

‌تحريم التفريط في حقوق الغير بسبب الحياء

س: رجل سموح جداً طيب القلب خجول قد يؤدي بكثرة تسامحه إلى التفريط في حقوق الغير، فمثلاً نظراً لخجله قد يتنازل عما لابنته من حقوق حتى لا يكون عرضة للوم، فهل تصرفه هذا ملزم لابنته مع ما فيه من إجحاف أم لا؟

جـ: لا حياء في شيء واجب عليه عمله، ولا بد من المطالبة بما تستحق ابنته، وهذا الجواب مني عذراً له في الاعتذار لمن يستحي أن يطالبه.

‌تحريم النميمة

س: تحدث اثنان عن زميل لي في الكلية فذهبت إلى زميلي هذا وأخبرته بما تحدث الاثنان به فهل هذا يعتبر من النميمة أم أنه من حق الصاحب على صاحبه؟

جـ: إذا كان الحديث الذي نقلته مما يؤلم المنقول إليه فلا يجوز، وأخشى أن يكون من النميمة المحرم على كل مسلم ممارستها لحديث (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ: ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا)

(4)

وحديث (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ)

(5)

.

(1)

- الاحزاب: آية (31)

(2)

- سنن أبي داود: كتاب اللباس: باب في لبس الشهرة. حديث رقم (3512) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) قال عنه الألباني في صحيح أبي داود رقم (4031) بأنه (حسن صحيح).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(3)

- سنن الترمذي: كتاب الاستئذان والأدب: باب ماجاء في كراهية الإشارة باليد في السلام. حديث رقم (3619) بلفظ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2695).

انفرد به.

لايوجد للحديث مكررات.

(4)

صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عباس رضي الله عنهما برقم (209).

(5)

- صحيح مسلم: كتاب البروالصلة: باب تحريم النميمة. حديث رقم (4718) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا)

أخرجه البخاري في الأدب، والترمذي في البروالصلة، وأبوداود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: النميمة: نقل الكلام بين الناس على سبيل الإفساد.

ص: 759

‌فضل الصبر وكتم الغيض

س: أحياناً يحدث ظلم من بعض الدكاترة لبعض الطلاب مما يجعل الطالب يسبُّ ويشتم الدكتور ليس أمامه وإنما عند زملائه، فما الحكم؟ وبماذا تنصحوننا؟

جـ: الأفضل الصبر وكتم الغيظ فمن صبر ظفر ومن كتم الغيظ نجح وفاز والله مع الصابرين والكاظمين الغيظ لقوله تعالى {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}

(1)

وقوله تعالى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}

(2)

وقوله تعالى {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}

(3)

والحياة تحتاج إلى صبر ومن جزع ندم ومن صبر أفلح وفاز ونجح، ولا ينجح في الحياة إلا الصابر.

‌تحريم مخالفة الشخص لما يأمر به وينهى عنه

س: ما حكم من يأمر الناس بالصلاة والصيام والزكاة وعدم النفاق والكذب وأن جزاء من يفعل ذلك النار، وهو لم يفعل ذلك؟

جـ: يمقته الله أشد المقت كما في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}

(4)

وقوله تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}

(5)

والمقت: أشد الغضب.

س: خطر وعقوبة من يقول شيء ثم يفعل خلافه، ما عقوبة ذلك؟

جـ: يكون عليه إثم عظيم لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} وقوله تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} والمقت: أشد الغضب.

‌وجوب الإكثار من العبادة في الخلوة وكثرة الدعاء والاستغفار

س: ماذا يفعل من يخشى على نفسه النفاق؟

جـ: يكثر من العبادة في الخلوة ويدعو الله عز وجل كثيرا بالتوفيق وحسن الخاتمة ويكثر من الاستغفار لحديث (مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)

(6)

وحديث (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ

(1)

- آل عمران: آية (146)

(2)

- الشورى: آية (43)

(3)

- آل عمران: آية (134)

(4)

- الصف: آية (3، 2)

(5)

- البقرة: آية (44)

(6)

- صحبح البخاري: كتاب الإيمان: باب سؤال جبريل. حديث رقم (48) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، قَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ، قَالَ: مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الْآيَةَ، ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ: رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ، قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ جَعَلَ ذَلِك كُلَّهُ مِنْ الْإِيمَانِ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وابن ماجه في المقدمة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: أشراطها: العلامات والدلائل على قرب القيامة.

ص: 760

إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً)

(1)

وحديث (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)

(2)

وحديث (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)

(3)

.

‌الاستمرار على الطاعات وترك المحرمات ومجالسة أهل الخير

س: أريد منك وصية تنفعني وتسعدني في دنياي وآخرتي؟

جـ: استمر على الطاعة ومجالسة أهل الخير ولا تجالس قرناء الشر، لحديث (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)

(4)

.

‌المسلم الحق

س: من هو المسلم الحق؟

جـ: المسلم الحق هو: من يطع الله ورسوله طاعة كاملة في اجتناب النواهي وامتثال الأوامر بحسب الاستطاعة، أما من كان يعامل الناس معاملة حسنة بالإحسان الى الجيران وبر الوالدين وصلة الأرحام وإسعاف المريض والعطف على المنكوب والتفريج عن المكروب ولكنه لا يصلي أو لا يصوم فليس بمسلم كامل الإسلام لأنه بتركه للصلاة قد ترك أهم ركن من أركان الإسلام، بل هو الركن الذي جعله الرسول الأعظم الركن الفارق بين المسلم والكافر، وصرح العلماء بأن على من يتولى أمور المسلمين الأمر لجميع المسلمين البالغين بأن يحافظوا عليها

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (2832) بلفظ (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً)

أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، وابن ماجه في الأدب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

(2)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب فضل التسبيح. حديث رقم (5926) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)

أخرجه مسلم في البروالصلة والأدب، والترمذي في الدعوات، وابن ماجه في الأدب، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في النداء للصلاة.

لايوجد له مكررات.

(3)

- صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والاستغفار والتوبة: باب استحباب الاستغفار والاستكثارمنه. حديث رقم (4871) بلفظ (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَغَرَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)

اخرجه أبوداود في الصلاة، وأحمد في مسند الشاميين.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب البروالصلة والأدب: باب المسك. حديث رقم (5108) بلفظ (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)

أخرجه مسلم في البروالصلة والأدب، وأحمد في أول مسند الكوفيين.

معاني الألفاظ: الكير: آلة لنفخ النار وإشعالها.

ص: 761

وأن من يجاهر بتركها ويرفض أداءها عاص لله ولرسول الله فاسق مجروح العدالة يستتاب فإن تاب وإلا كان إمهاله ثلاثة أيام، وإذا لم يتب بعد ثلاثة أيام فلولي الأمر أن يقتله لكونه قاطعا للصلاة، مصرا على عدم التوبة بعد استتابته كما هومعروف في كتب الفقه وشروح الحديث، وهكذا من كان يصلي ويصوم ولكنه إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا اؤتمن خان فإنه لا يكون مسلما كامل الإسلام بل هو منافق وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم كما جاء في الحديث الصحيح المرفوع الى الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظ (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)

(1)

وحديث (وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُور، ِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)

(2)

وأما قولهم (الدين المعاملة) فلم يرد في كتب الحديث لا بسند صحيح ولاحسن ولا ضعيف.

‌كراهة ضرب الأبناء والإكتفاء بالتوبيخ والتهديد في حالة أخطائهم

س: ماحكم ضرب الآباء للأبناء بقصد تأديبهم؟ وهل يأثمون على ذلك؟

جـ: لا ينبغي ضرب الأبناء بل يكون بالتوبيخ والتهديد ثم القبص لقوله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}

(3)

ولقوله تعالى {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}

(4)

ولحديث (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ)

(5)

.

‌وجوب التوبة النصوح من كل ذنب

س: هل للمذنب توبة حتى وإن كان في اللواط مع الشعور بالإثم والحزن والاعتراف بالذنب؟

جـ: باب التوبة مفتوح للزاني واللوطي والخمار وغيرهم ولا ييأس أحد من غفران الله بعد التوبة النصوح لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة المنافق. حديث رقم (32) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الوصايا، الشهادات.

معاني الالفاظ: أخلف: نقض وعده.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والأدب: باب قبح الكذب وحسن الصدق. حديث رقم (6580) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُور، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)

أخرجه البخاري في الأدب، والترمذي في البر والصلة، وأبوداود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: البر: كلمة جامعة لأبواب الخير.

(3)

- آل عمران: (159)

(4)

- التوبة: (128)

(5)

- صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والأدب: باب فضل الرفق. حديث رقم (4698) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ).

أخرجه البخاري في الأدب، والترمذي الأدب والاستئذان، وابن ماجة في الأدب، والدارمي في الرقاق.

معاني الألفاظ: شانه: قبَّحه وعيَّبه.

ص: 762

كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(1)

وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}

(2)

ولحديث (اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

(3)

.

‌وجوب التخلص من حقوق الآدميين بقدر الإمكان

س: شخص في محل أجر أحد زبائنه سيد يهات فوضع المستأجر رهنا مبلغا من المال، ثم أعاد المستأجر الوديعة ولكن صاحب المحل تعذر بعدم توفر نقود على الرغم من وجودها ثم اغلق المحل تماما، والآن يريد أن يتوب إلى الله ويتخلص من المبلغ، فكيف يتخلص منه على أنه لا يذكر حتى صورة الشخص، هل يتبرع الى نية الشخص أم ماذا؟

جـ: يسأل عنه بقدر الإمكان وبحسب المستطاع.

(1)

- التحريم: آية (8)

(2)

- البقرة: آية (222)

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الدعوات: باب التوبة. حديث رقم (5834) بلفظ (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ)

أخرجه مسلم في التوبة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

ص: 763

الباب الثالث: القصص التاريخية

• ذو القرنين كان ملكاً صالحاً وليس بنبي

• عدم صحة قصة (عوج بن عنق)

• أويس ابن عامر القرني المرادي اليمني

• إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه مارية القبطية رضي الله عنها

• نسب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

• الشاعر الصوفي البرعي

• شعيب بن مهدم ليس هو نبي الله شعيب المذكور في القرآن الكريم

• قبور الأنبياء عليهم السلام غير معروفة ما عدا قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

• أول من أسلم من أهل اليمن (زيد بن حارثه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

• استحباب مطالعة كتب السنة الصحيحة بدلاً عن مطالعة كتب القصص الخيالية

• فائدة كتاب المستطرف من الناحية الأدبية أكثر من الناحية الحديثية

• لم يتزوج علي إلا فاطمة الزهراء من بنات النبي صلى الله عليه وسلم

• عدم صحة ما رواه ابن بطوطة عن شيخ الإسلام ابن تيمية عن حديث النزول

• الصحيح عدم صحة القول بحياة الخضر

• سكان القارتين الأمريكتين مخاطبون برسالة الإسلام من تاريخ اكتشافهما فقط

• عدم صحة القول بإجبار (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه بمبايعته لأبي بكر الصديق رضي الله عنه

• اكتشاف مكان كهف أهل الكهف

• عدم صحة القول بأن جابر ابن عبدالله رضي الله عنهما كان له ولدان قتل أحدهما الآخر

• عدم صحة القول بجلد عمر رضي الله عنه لأحد أولاده في حد الزنا

• عدم صحة قصة قتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الجن

• عدم صحة القول برجوع بلالاً من الشام إلى المدينة لمتاعبة الرسول صلى الله عليه وسلم له في المنام

• مشاهدة رفات شيخ الإسلام الشوكاني حين نقله من قبر إلى قبر

• تتلمذ أئمة الحديث من بعضهم البعض

• جواز الترضي على أبي سفيان وزوجته وجواز عدم الترضي عنهما

ص: 764

‌الباب الثالث: القصص التاريخي

‌ذو القرنين كان ملكاً صالحاً وليس بنبي

س: هل كان ذو القرنين نبياً أم ملكاً عادلاً؟

جـ: اعلم أنه لم يرد دليل صحيح يدل على أن ذا القرنين كان نبياً وبناءً على ذلك فلنبق على الأصل وهو القول بعدم نبوته، أما القول بأنه كان ملكاً عادلاً صالحاً فهو الأحوط عندي.

‌عدم صحة قصة (عوج بن عنق)

س: نرجو من العلماء الأفاضل أن يفتونا مشكورين في سيرة (عوج ابن عنق) ومع أيِّ نبي من الأنبياء كان وكيف كان حجمه ومعاملته لجيل عهده؟ وكم تعمر؟ لأنه مذكوراً في بعض الأحاديث النبوية ولم نجد له أيَّ سيرة أو ذكر في القرآن العظيم، فنطلب الإجابة ولكم الشكر؟

جـ: هذا (عوج بن عنق) أو (عوج بن عوق) قد ذكره بعض علماء اللغة ووصف بعض صفاته وصفاً مختصراً ومجملاً، أما علماء القصص الذين أرخو لعصر ما قبل الإسلام مثل مؤلف كتاب (نفائس العرائس) ومؤلف كتاب (بدائع الزهور) وغيرها فقد ذكروا بعض أوصافه بصفة مطوله وخيالية وتكلموا عن العصور التي عاش فيها كلاماً يمجه السمع، ويخالف نص القرآن والسنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، ومع الأسف الشديد أن بعض المفسرين قد قلدوا القصصين فذكروا تلكم الأوصاف الخيالية التي وضعها القصاص في تفاسيرهم للقرآن الكريم، وذلك مثل الكرماني وغيره من المفسرين الذين ذكروا قصة (عوج بن عنق أو عوج بن عوق) عن ابن عباس رضي الله عنه، ومثل ابن المنذر والثعلبي والقرطبي الذين ذكروا قصته عن ابن عمر رضي الله عنه، وهكذا ذكرها من المفسرين أيضا البغوي والخازن وابن عطية وغيرهم كما ذكر بعض صفاته الشيخ (ابن حبان) أحد المحدثين المشهورين في كتاب (العظمة) بسند إلى التابعي (وهب ابن منبه) رحمه الله، وكلها من الإسرائيليات التي أدخلها بعض من أسلم من أهل الكتاب وروجها من جاء بعدهم وأغتر بها الكثير من العامة والقليل من المؤلفين، وقد قيل إنه من بقية قبائل عاد، وقيل من العمالقة، كما قالوا: عن طوله أنه كان ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعاً وثلث ذراع، وقيل ثمانمائة ذراع وأن عرضه أربعمائة ذراع، كما قالوا عن عمره أنه تعمر ثلاثة آلاف سنة وستمائة سنه، كما قالوا أن أمه إحدى بنات سيدنا آدم وأنه عاش إلى أيام نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ثم عاش بعد الطوفان إلى أيام موسى بن عمران عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، علماً أن بين بنت آدم عليه السلام وبين موسى بن عمران آلاف الأعوام، وبناءً على أن الشيخ (ابن حبان) قد ذكر هذه القصة عن وهب وأسندها فقد تبرى من العهدة بذكره لسندها، ولكن حيث ذكر أن في سندها (عبد المنعم ابن إدريس عن أبيه عن وهب رحمه الله فهي قصة باطله غير صالحه للاحتجاج على فرض أنها مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وهي من قول وهب ابن منبه الذي كان يروي الإسرائيليات عن أهل الكتاب، كما بينه حفاظ السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وقد اختلف أهل اللغة في اسمه وفي اسم والده على قولين:

فقيل: إن اسمه عوج وقيل اسمه عوق، كما قيل في اسم والده انه عنق وقيل (عوق) قال المجد في القاموس في مادة (عوج)(وعوج بن عوق) بضمهما رجل ولد في منزل آدم فعاش إلى زمن موسى وذكر من عظيم خلقه قال في تاج العروس هذا هو الصواب لا كما اشتهر أنه ابن عنق، كما سيأتي للمصنف (أي صاحب

ص: 765

القاموس) في عوج، وقال القزار في جامع اللغة (عوج بن عنق) رجل من الفراعنة كان يوصف من الطول بأمر شنيع قال الخليل رحمه الله ذكر أنه كان إذا قام كان السحاب له مئزراً، وقال في القاموس في مادة (عوق وعوق) كنوح والدعوج الطويل ومن قال (عوق ابن عنق) فقد أخطأ، قال في تاج العروس هذا الذي خطأه هو المشهور، قال شيخنا وزعم قوم من حفاظ التاريخ أن عنقاً هي أم عوج وعوق والده فلا خطا ولا غلط وفي شعر علقمة الدمشقي المتوفى سنة (597).

أعور الدجال يمشي

خلف عوج بن عناق

ذكر معنى هذا المحقق أبو غدة في تعليقاته على المنار المنيف للحافظ ابن القيم رحمه الله،

وقد ذكر هذه القصة (قصة عوج بن عنق) السيوطي في (الأوج في أخبار عوج) وتعقبها بقوله هذا الخبر باطل كذب آفته (عبد المنعم)، قال الذهبي في الميزان قصاص ليس يعتمد عليه تركه غير واحد وأفصح أحمد بن حنبل فقال كان يكذب على (وهب ابن منبه) وقال (البخاري) ذاهب الحديث وقال (ابن حبان) يضع الحديث على ابنه وعلى غيره، وقال الحافظ (ابن حجر) في اللسان نقل ابن أبي حاتم عن إسماعيل بن عبدا لكريم قال مات إدريس وعبد المنعم رضيع، وكذا قال (أحمد) عند أن سئل عنه لم يسمع من أبيه شيئاً وقال (ابن معين) كذاب خبيث وقال (الفلاسي) متروك وقال (أبو زرعة) وأهم الحديث وقال (أبو أحمد الحاكم) ذاهب الحديث وقال (ابن المديني) و (النسائي) ليس بثقة انتهى، قال (السيوطي) وما رأيتهم أوردوا حديثاً من روايته إلا حكموا عليه بالبطلان، وفي كتاب (الموضوعات) لابن الجوزي كثير بل ذكر ابن الجوزي أن أباه إدريساً أيضاً متروك مسقط هذا الخبر بالكلية إلى آخر ما قاله السيوطي رحمه الله، والخلاصة لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:

(1)

اسم هذا الرجل (عوج بن عنق) وقيل (عوج بن عوق) وقيل غير ذلك.

(2)

قيل هو من بقية قبيلة عاد وقيل من العمالقة وقيل من الفراعنة.

(3)

قيل عن طوله أنه (3333) ذراعاً وثلث ذراع وقيل (800) ذراع وعرضه (300) ذراع.

(4)

قيل أنه تعمر (3600) سنه وقيل عاش من أيام بنت آدم والدته إلى أيام موسى.

(5)

قرر (ابن القيم) في المنار و (ابن كثير) في البداية والنهاية أن جميع ما روي عن هذا الرجل باطل وموضوع.

(6)

قرر (السيوطي) أن ما رواه أبو الشيخ (ابن حبان) في كتاب العظمة عن وهب من وصفه لهذا الرجل موضوع.

(7)

ما قيل عنه أنه عاش من (أيام نوح إلى أيام موسى) مخالف لما جاء في القرآن من أن ذرية نوح هم الباقون بعد الطوفان، ولما تقرر من هلاك جميع قوم نوح الذين عادوه.

(8)

لا التفات إلى ذكر قصة هذا الرجل في كتب التفسير ولا حجة لمن ذكرها من المفسرين للقرآن كابن المنذر والكرماني والثعلبي والقرطبي والبغوي والخازن وابن عطية وغيرهم.

‌أويس ابن عامر القرني المرادي اليمني

س: قرأت عن (أويس بن عامر) هل هو صحابي أو غير صحابي؟ ومن رآه من الصحابة؟ وأين ولد؟ وأين مات أو قتل؟

ص: 766

جـ: (أويس بن عامر القرني) ليس صحابيا وإنما هو من التابعين وقد رأى أويس رحمه الله أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه كما جاء في صحيح مسلم رحمه الله، وهكذا لقي أيضاً أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه كما في كتب السير والتاريخ، وروى عنه يسير بن عمرو وابن أبي ليلى وغيرهما حكايات يسيرة وكان زاهداً عابداً متقشفاً، أما (مولده) فهو في اليمن من قبيلة قرن من قبائل مراد اليمنية، وأما (موته) فقد قيل أنه استشهد في معركة نهاوند وهي المعركة العظيمة التي وقعت بين الجيش الإسلامي وبين الجيش الكفري في عصر الخليفة (عمر بن الخطاب)، وقيل مات شهيداً في معركة صفين وهي المعركة التي جرت بين أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه و (معاوية ابن أبي سفيان) سنة (37) هجرية، الموافق (657) ميلادية وقد أخرج مسلم وغيره عن أسير بن جابر رضي الله عنه قال كان (عمر بن الخطاب) إذا أتى عليه أمداد اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: وكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال:(سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرِأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللّهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ)

(1)

إلى آخر الحديث وفيه (ففطن له الناس فانطلق على وجهه)، وقد ترجم له (ابن سعد) في الطبقات و (أبو نعيم) في الحلية و (ابن الجوزي) في صفوة الصفوة و (ابن الأثير) في أسد الغابة و (الذهبي) في سير أعلام النبلاء وفي تاريخ الإسلام و (ابن حجر) في الإصابة وفي لسان الميزان و (ابن عساكر) في التهذيب وغيرهم.

‌إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه مارية القبطية رضي الله عنها

س: (إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أمه (مارية القبطية) وهل هي عربية أم من الأقباط؟

جـ: إن والدة (إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم (مارية) ليست عربية بل هي قبطية من أقباط مصر من قرية مصريه اسمها (حفنه) وقد أخرج (ابن سعد) عن أبي هريرة مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي) قال الإمام النووي هي سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم ابنه إبراهيم أهداها له (المقوقس) ملك مصر، روينا عن ابن أبي خيثمة وخليفة ابن خياط قالا قدم (حاطب ابن أبي بلتعة) سنة سبع من عند

(1)

- صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب فضائل أويس القرني. حديث رقم (6444) بلفظ (عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرِأْتَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرِأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللّهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَوَافَقَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ، قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرِأَ مِنْهُ، إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللّهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنَّ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ، فَأَتَى أُوَيْساً فَقَال اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْداً بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ أُسَيْرٌ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لأِوَيْسٍ هَاذِهِ الْبُرْدَةُ؟).

أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، والدارمي في المقدمة.

أطراف الحديث: فضائل الصحابة.

معاني الألفاظ: أمداد: جمع مدد، وهو الجماعة من الغزاة الذين يمدون المسلمين في الغزو. البر: حسن المعاملة وكمال الطاعة.

لأبره: لأجابه وجعله باراً في قسمه. غبراء: الضعفاء والصعاليك الذين لا يؤبه بهم. الرث: القديم البالي. أحدث: أقرب.

ص: 767

(المقوقس) بـ (مارية) أم إبراهيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وببغلته دلدل وحماره يعفور وكانت (مارية)(بيضاء جعدة جميلة) فأسلمت فتسراها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت حسنة الدين توفيت سنة (10) في خلافة (عمر) هكذا قاله الواقدي وأبو عبيده وقيل سنة (15) ودفنت بالبقيع.

‌نسب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

س: ما هو اسم النبي صلى الله وسلم ونسبه؟

جـ: ورد حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهيرة بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركه بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان)، والله أعلم.

‌الشاعر الصوفي البرعي

س: هل القول بموت الشاعر الصوفي البرعي في طريق المدينة المنورة صحيح؟

جـ: اعلم أن موت البرعي الصوفي الشاعر في الطريق التي ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة واقع وقد ذكره المؤرخون الذين ترجموا الشاعر (عبد الرحيم البرعي) صاحب الديوان المشهور، وهذا شيء عادي وليس البرعي بأول من مات غريباً، وأما ما قيل من أن قبره يمشي نحو المدينة ببطء من بعد أن دفن فيه البرعي إلى يومنا هذا وأنه سيواصل مشيه البطيء من يومنا هذا إلى آخر عمر الدنيا حتى يصل إلى عند القبر الشريف وأنه عند أن يصل إلى عند القبر الشريف تقوم القيامة، فهو من الكلام الفارغ الذي يمجه السمع ولا يسوغه العقل بل هو من العقائد الباطلة والخرافات الفاسدة ومن الترهات والأباطيل التي اخترعها الدجالون والمشعوذون والكذابون المفترون على البرعي هذه الكذبة التي لا يتصور أن يصدقها الجهال السذج فضلاً عن أن يصدقها غيرهم من الناس، واللازم عليك وعلى أمثالك من المثقفين أن تحيطوا العامة علماً أن جميع ما يحكى عن البرعي أو عن غيره من الأولياء من القصص الخيالية أمثال هذه القصة هي كلها من الكذب الذي لا يكاد يصدقه العاقل إلا إذا ضحى بعقله، وأنه لا دليل على صحة هذه القصة إلا الغول والعنقاء وبيض.

‌شعيب بن مهدم ليس هو نبي الله شعيب المذكور في القرآن الكريم

س: عرف جبل بمنطقة حظور بني مطر (بجبل النبي شعيب) فهل المقصود هنا بالنبي شعيب هو الذي أرسل إلى أهل مدين أم أنه أرسل إلى اليمن نبي آخر بنفس الاسم أم ماذا؟ علماً بأن هناك عادة لبعض الجهلة من أبناء المنطقة وهي ذهاب المرأة التي لا تنجب أطفالاً أو التي يموت أطفالها إلى القبر المذكور للتبرك بصاحب القبر، فهل هذا جائز أم انه محرم ولا يجوز شرعاً؟

جـ: اعلم أن النبي (شعيب) الذي في الجبل المعروف (بجبل النبي شعيب) في منطقة بني مطر هو غير النبي (شعيب) الذي بعثه الله إلى أهل مدين والمذكور في القرآن الكريم لأن شعيباً المذكور في القرآن لم يكن من أهل اليمن ولم يرسل إلى أهل اليمن ولا وصل أيضا إلى اليمن، وإنما هذا المسؤل عنه هو (شعيب بن ذي مهدم) قال عنه علماء التاريخ أنه نبي أرسله الله إلى أهل حظور المنطقة المعروفة غرب مدينة صنعاء وما جاورها من المناطق.

ص: 768

‌قبور الأنبياء عليهم السلام غير معروفة ما عدا قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

-

س: يوجد لدينا مسجد وقبر يقال أنه قبر نبي الله (نوح) عليه السلام، فهل هذا القول صحيح أم أنه غير صحيح؟

جـ: اعلم أن علماء السنة يقولون بأن قبور الانبياء الأولين صلوات الله عليهم وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم غير معروفة على التحقيق مثل ما عرف قبر خاتم الانبياء (محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وقد قال الحافظ الجزري في عدة الحصن الحصين لا يعرف قبر نبي من الأنبياء على التحقيق غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

س: هل يوجد قبر في بلاد أخرى باسم قبر النبي (نوح) عليه السلام أم أنه لا يوجد؟

جـ: يقال إن في جبل لبنان قبراً كان الناس يعتقدون أنه قبر نبي الله (نوح) عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام وبيَّن عدم صحة ذلك المتأخرون من علماء السنة والتاريخ وقالوا لا أصل له من الصحة وإنما شاع هذا الاعتقاد في العصور المتأخرة، وكان أول ظهور هذه الإشاعة في القرن السابع من الهجرة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وممن نص على هذا الحافظ (السخاوي) في كتاب المقاصد الحسنة فيما يجري من الحديث على الألسنة، والحافظ (العجلوني) في كتاب كشف الخفاء والحافظ (الديببع) في تمييز الطيب من الخبيث فيما يجري على ألسنة الناس من الحديث، والحافظ (الحوت البيروتي) في كتاب أسنى المطالب كلهم صرحوا في آخر مؤلفاتهم المذكورة بأن ما شاع بين الناس من أن قبر (نوح) في جبل لبنان لا أصل له من الصحة، وأن حدوث هذه الإشاعة كان في القرن السابع من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ويقال أن قبر (نوح) في مدينة أو قرية الكرك.

‌أول من أسلم من أهل اليمن (زيد بن حارثه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

-

س: من هو أول رجل دخل الإسلام من أهل اليمن ومن أيِّ منطقة هو وفي أيِّ عام ومن أسلم على يده؟

جـ: أول من أسلم من أهل اليمن ممن جاء الإسلام وهو بمكة (زيد بن حارثه) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بيع في مكة المكرمة واشتراه رسول الله قبل البعثة النبوية وتبناه (أي جعله أبنا له) على ما كان عليه العرب من التبني لمن يريد الرجل أن يتبنا فيُصبح ولداً له يرثه ويعقل عنه، فكان يسمى (زيد بن محمد) حتى نزل قوله تعالى {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}

(1)

وقوله تعالى {مَا كَانَ

مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}

(2)

فسمي (زيد بن حارثة) وهو الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه صريحاً في القرآن الكريم ولم يذكر أحد من الصحابة في القرآن الكريم باسمه الصريح في القرآن العظيم غير (زيد بن حارثة) هذا رضي الله عنه وأرضاه ولم يكن (زيد بن حارثة) حجازياً ولا مكياً ولا عدنانياً ولا قرشياً وإنما كان يمنياً حميرياً، كما أسلم أيضاً من أهل اليمن (ياسر بن عامر) اليمني المذحجي العنسي وولده عمار بن ياسر رضي الله عنه كما أسلمت السيدة (سمية) زوجة الصحابي (ياسر بن عامر) ووالدة (عمار بن ياسر) رضي الله عنه و (ياسر بن عامر) هذا هو أول شهيد في الإسلام، كما أن السيدة (سمية) رضي الله عنها أول شهيدة في الإسلام، ولقد نص علماء السيرة المحمدية ورجال التاريخ أن أسرة ياسر بن عامر (وهم ياسر وسمية وعمار) أول أسرة يمينة أسلمت قبل الهجرة، وهكذا أسلم (قيس بن مالك الأرحبي) من بلاد أرحب المعروفة في شمال العاصمة صنعاء عند أن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يهاجر من مكة إلى اليمن وإلى قبيلة أرحب بالذات ولكن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أرجعه إلى

(1)

الأحزاب: (5)

(2)

الأحزاب: (40)

ص: 769

اليمن ليتأكد من قبيلة أرحب ومن مدى استعدادهم لوصول النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وبقائه بين ظهرانيهم يحمونه كما يحمون أولادهم، وقصته مشهورة ذكرها (أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني) في الأكليل وغيره، وأول من أسلم من أهل اليمن ممن أسلم في نفس اليمن (ذئيب الخولاني) الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم (عبدالله) والذي كان الأسود العنسي قد أمر بإحراقه بالنار ولم يؤثر فيه الحريق، وأول من اسلم من أهل اليمن ممن هاجر من اليمن إلى المدينة وبقي في المدينة (أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس) الذي هاجر من وادي زبيد هو وأسرته في أول السنة السابعة من الهجره النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام فهو أي (أبو موسى الأشعري) أول يمني هاجر هو وأسرته إلى المدينة وأسرته أو أهل بيته أول أهل بيت يمني هاجروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأول أسرة يمنية غادرت أرض اليمن الخضراء إلى المدينة المنورة مسلمة حباً لله ولرسول الله بعد الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

‌استحباب مطالعة كتب السنة الصحيحة بدلاً عن مطالعة كتب القصص الخيالية

س: يقوم بعض الناس بقراءة بعض الكتب في مجالسهم الخاصة ويدعون بأنها كتب نافعة، وهذه الكتب هي كتاب (رأس الغول) وكتاب (فتوح اليمن) و (السبعة الحصون) وكتاب (دقائق الأخبار) وكتاب (درة الناصحين) و (قصة الزير سالم) و (قصة الحسن البصري) و (أرض واق الواق) مع أني أشك في ما جاء فيها وأنه غير صحيح، فأرجو من العلماء فتوى شافية؟

جـ: اعلم بأن كتاب (رأس الغول) وكتاب (فتوح اليمن) وكتاب (السبعة الحصون) وكتاب (قصة الحسن البصري) وكتاب (جزر واق الواق) كنت قد اطلعت عليها قديماً وهي عبارة عن كتب تجمع عدة قصص خيالية لا أصل لها من الصحة ولا يعرفها المؤرخون المعتمد عليهم ولا يصححون ما جاء فيها، وأما بقيت الكتب الواردة في السؤال وهي (درة الناصحين) و (دقائق الأخبار) و (قصة الزير سالم) فلم أطلع عليها ولعلها من جنس الأولى، والأفضل لمن كان يريد أن يشغل وقته بالمطالعة أو بالإملاء لبعض الكتب في بعض المحال أن يشغل وقته بمطالعة أو إملاء كتاب من كتب السنة النبوية كـ (الترغيب والترهيب) للمنذري أو (رياض الصالحين) للنووي أو (فتح الغفار) للرباعي أو غيرها من كتب السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، أو يطالع أو يملي في كتب من كتب السيرة النبوية كـ (سيرة ابن هشام) أو (سيرة زيني دحلان) أو (بهجة المحافل في السير والمعجزات والفضائل) للعامري أو غيرها من كتب السير المذكورة التي حكت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من يوم ولادته إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، أو أن يطالع في كتب التاريخ العام المذكورة مثل (تاريخ الأمم والملوك) تأليف ابن جرير الطبري أو (تاريخ المسعودي المسمى بمروج الذهب) أو (التاريخ الكامل) تأليف بن الأثير أو كتاب (البداية والنهاية) لابن كثير أو (تاريخ القاضي عبد الرحمن بن محمد المغربي المعروف بابن خلدون المسمى العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ ملوك العرب والعجم والبربر وغيرهم من ذوي السلطان الأكبر) ويوجد الكثير منها في المكتبات المحلية والمعارض التي تعرض في كل عام في صنعاء وغيرها، فالمطالعة في واحد من تلكم الكتب المذكورة آنفاً أو الإملاء في واحد من هذه الكتب فيها فوائد وعبر ولذة لمن داوم على مطالعتها، كما أن في مطالعة الكتب الصحيحة في الحديث النبوي كالترغيب والترهيب ورياض الصالحين وفتح الغفار أجر عظيم لمن طالعها، ويستفيد المطالع فيها فوائد دينية وشرعية لا نظير لها، وبمطالعتها تتوسع دائرة معارفه توسعاً عظيماً ويرق قلبه ويتطهر فؤاده ويتنور قلبه ويتفقه في دينه ويعرف أمور آخرته ودنياه، وأما المطالعة في قصة الحسن البصري والسبع الحصون وجزائر الواق الواق وغيرها من القصص الخيالية التي لا أصل لها في الواقع إنما قتل وقت المطالع بلا

ص: 770

نتيجة بل بالعكس تجعله يعتقد صحة ما جاء فيها في حين أنه لا أصل لها في الواقع، ولا يتصور من أيِّ عاقل أن يصدق بعض ما جاء فيها إلا إذا ضحى بعقله الذي ميزه الله به لكي يعرف الصدق من الكذب والممكن من المستحيل.

‌فائدة كتاب المستطرف من الناحية الأدبية أكثر من الناحية الحديثية

س: ما قول العلماء في كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف) للابشيهي وما جاء فيه من الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

جـ: كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف) للابشيهي هو من أحسن المؤلفات في الأدب، وفيه أمثال وحكم وقصص وأبيات شعرية وأخبار ولطائف، كما أن فيه بعض أحاديث منسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى من سيطالع فيه التحري ولا يصدق ما جاء فيه من الأحاديث كلها ولا يكذبها بل عليه أن يراجعها في كتب الحديث أو يسأل المختصين في علم الحديث عنها، ومثله كتاب (نزهة المجالس) تأليف عبدالرحمن الصفوري فإن مؤلفه رحمه الله قد ملئه بالموضوعات من الأحاديث مما لا يدخل تحت الحصر وبه حكايات لا أصل لها، وكذلك كتاب (بدائع الزهور) الذي ألفه ابن إياس المصري في أخبار الأنبياء فيه أخبار باطلة وخرافات إسرائيلية، وكذلك (سيرة البكري) قال ابن حجر الهيثمي عنها في الفتاوى الحديثية لا يجوز قراءتها لأن أغلبها باطل وكذب واختلاق فيحرم الكل حيث أنه لم يميز المؤلف بين الصحيح والباطل، وكذلك كتاب (الروض الفائق في المواعظ والرقائق) للحرييفش فيه الكثير من الموضوع، وكتاب (قرة العيون ومفرح القلب المحزون) للسمرقندي نص على ذلك العلامة محمد بن البشير ظافر الأزهري في كتابه تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين.

س: ما مدى صحة الأحاديث الواردة في كتاب (الروض الفائق في المواعظ والرقائق) وفي أمثالهما من الكتب؟

جـ: اعلم بأن كتاب (بدائع الزهور في وقائع الدهور) التي لا يثق العلماء المجتهدون بما فيه لأن غالب ما فيه مستند إلى ما جاء في الإسرائيليات وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا نصدقهم ولا نكذبهم، وكذلك مثله كتاب (نفائس العرائس) للثعلبي لا ينبغي تصديق ما فيه ولا تكذيبه أيضا لأن أكثر ما فيه من الإسرائيليات وقد نقل الكثير مما في هذين الكتابين من القصص الواردة في كتب التفسير. العلامة الدكتور (محمد أبو شهية) في كتابه القيم (الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير) وهكذا أقول: في كتاب (الروض الفائق في المواعظ والرقائق) هو من الكتب التي احتوت على بعض الأحاديث التي لم تصح عند الحفاظ، والأولى لمن أراد أن يطالع كتاباً يفيده فليطالع كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي رحمه الله فهو أفضل وأحسن بكثير من الروض الفائق.

س: ما رأي علماء السنة في ما في كتاب (قرة العيون) وكتاب (تنبيه الغافلين) من الأحاديث الصحيحة أم لا؟

جـ: كتاب (قرة العيون) جامع الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة، وكذا (تنبيه الغافلين) فهو قد جمع بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة الموضوعة إلا أن في الطبعة الأخيرة قد كتب عليه تخريج مختصر طبع في أسفل الصفحات بُيِّن فيه الصحيح والضعيف والموضوع، وأنا أحثكم على مطالعة (رياض الصالحين) للنووي الذي قد طبع عدة مرات وأحسن طبعة التي خرَّجها حافظ العصر (محمد ناصر الدين الألباني) حفظه الله ويليها الطبعة التي طبع في أسفل الكتاب (دليل الفالحين شرح رياض الصالحين) لابن علان رحمه الله.

ص: 771

‌لم يتزوج علي إلا فاطمة الزهراء من بنات النبي صلى الله عليه وسلم

-

س: هل تزوج (علي بن أبي طالب) كرم الله وجهه من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاطمة) رضي الله عنها فقط أم أنه تزوج أختها أمامة رضي الله عنها بعد وفاة (فاطمة) لأني وجدت ذلك في أحد الكتب؟

جـ: اعلم بأن الإمام (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه لم يتزوج من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم غير سيدة نساء العالمين (فاطمة الزهراء) رضي الله عنها ولم يتزوج غيرها من بنات النبي أما أمامة التي تزوج بها بعد موت فاطمة رضي الله عنها فليست ببنت النبي، وإنما هي (بنت بنت النبي) صلى الله عليه وسلم لأن أمامة هذه هي (بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوها هو (أبو العاص بن الربيع) أي أنها بنت أخت (فاطمة) لا أختها، وحفيدة النبي صلى الله عليه وسلم لا ابنته عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.

عدم صحة ما رواه ابن بطوطة عن شيخ الإسلام ابن تيمية عن حديث النزول

س: هل صحيح ما رواه (ابن بطوطة) في رحلته من أن (ابن تيمية) خطب على المنبر وشرح حديث النزول بأنه نزول حقيقي، ومثله بنزوله من المنبر وأنه نزل من المنبر فعلاً؟

جـ: اعلم أن ما رواه (ابن بطوطة) في رحلته عن شيخ الإسلام (ابن تيمية) أنه رآه يخطب على منبر الجامع يوم الجمعة بدمشق ويمثل نزول الله عز وجل كمثل نزوله من المنبر إلى أرض الجامع وأنه نزل فعلاً غير صحيح عند العلماء المحققين والباحثين المنصفين، ولعل (ابن بطوطة) سمع بعض أعداء (ابن تيمية) يحكون عنه هذه الفرية، فحكاها عنه وزعم أنه رآه حال خطبته ذلك وما راءه وما سمعه، أو أن بعض تلاميذ (ابن بطوطة) الذين طالعوا هذه الرحلة أضافوها بوحي من أعداء (ابن تيمية) والرد على هذه القصة من وجوه ثلاثة:

الأول: أن (ابن تيمية) لم يكن خطيباً للجامع الأموي، وإنما كان يعظ الناس ويحاضرهم على الكرسي ولم يطلع منبر جامع دمشق ولا غيره من المنابر.

الثاني: أن (ابن بطوطة) لم ير (ابن تيمية) ولم يجتمع به لكونه ما وصل إلى دمشق إلا أواخر شهر رمضان سنة (726 هـ) كما تحكيه رحلته المشهورة، وكان (ابن تيمية) يومئذ مسجوناً في قلعة دمشق كما تحكيه كتب التاريخ أنه دخل السجن المذكور في أوائل شعبان من السنة المذكورة. ولم يخرج منه حتى انتقل إلى رحمة الله، لأن جميع المؤرخين حكوا عنه أنه لم يخرج من السجن حتى توفي وشيعه الناس في موكب جنائزي كبير، وقيل أنه لم يجتمع مثل هذا الجمع على أيِّ جنازة لا أمير ولا عالم ولا حاكم وصُلي عليه عدة مرات رحمه الله.

الثالث: أن (ابن تيمية) ذكر حديث النزول في معظم كتبه وردَّ فيها على المجسمة الذين يقولون بأن الله ينزل نزولا حقيقيا ولم يقل فيها بأنه نزول حقيقي مثل نزول الناس.

‌الصحيح عدم صحة القول بحياة الخضر

س: هل (الخضر) ما زال على قيد الحياة لأن بعض الناس يقولون ما زال حياً يظهر على الناس في صور مختلفة ويطلب منهم مطالب فإن لبوا وإلا عوقبوا؟

جـ: من قال لك بأن (الخضر) ما زال حياً فهو متبع من قال من العلماء الذين قالوا بأنه ما زال حياً، ومن قال بأن (الخضر) قد مات ولم يعش إلى الآن قد اتبع العلماء الذين قالوا بأن الخضر لم يعش إلى الآن، والأرجح عند المحققين هو عدم وجوده لا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عصرنا بالأولى والأحرى، وما ورد من الأحاديث التي تحكي اجتماعه برسول الله صلى الله عليه وسلم فهي كلها لا تصلح للاحتجاج لكونها في غاية من الضعف إن لم تكن موضوعه عن النبي صلى الله عليه وسلم أي مكذوبة عليه، ومن أراد التوسع في ما قاله العلماء في هذا الموضوع وعلى الأدلة الدالة على

ص: 772

عدم وجوده في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا ما بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عصرنا هذا فليطالع ما قاله (ابن القيم) في (المنار المنيف)، كما أن العلماء أختلفوا في كونه نبيا أو وليا فمن العلماء من قال بأنه نبي واحتج بأن موسى بن عمران تعلم منه ولا يتعلم النبي إلاّ من نبي مثله ولا سيما بأنه قد قال عنه ربنا {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}

(1)

فالعلم اللدُّني لا يكون إلاَّ لنبي، واحتج من قال بأنه ولي بأنه لم يرد حديث صحيح يبين أنه نبي، وما استدل به القائلون بنبوته ليس فيها دلالة صريحة تدل على نبوته.

‌سكان القارتين الأمريكتين مخاطبون برسالة الإسلام من تاريخ اكتشافهما فقط

س: كيف كان إبلاغ النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة سكان أهل أمريكا الأصليين لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وسلم بلغ الرسالة إلى كافة الخلق من أنس وجان وحسب ما كلفه به الله سبحانه وتعالى والأمريكتين اكتشفت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فهل كان يوجد منهم في القارتين أم أنهم انتقلوا من القارات وهل وجدت القارات في عهده صلى الله عليه وسلم؟

جـ: القارة الأمريكية كانت مسكونة قبل أن يكتشفها (كريستوف كولمبس) وهم الذين سموا ساكنوها الهنود الحمر ولا زالوا الآن موجودين في البرازيل ولكنهم صاروا شرذمة قليلين، وقال بعض العلماء: بأن سكان الأمريكيتين مخاطبون بالعمل بحسب الرسالة المحمدية من تاريخ اكتشاف أمريكا إلى اليوم لا من قبل اكتشافها أي قبل حوالي خمسمائة عام والعلم عنده تعالى وحده.

‌عدم صحة القول بإجبار (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه بمبايعته لأبي بكر الصديق رضي الله عنه

-

س: يدعي بعض الناس أن أمير المؤمنين (علي ابن أبي طالب) رضي الله عنه لم يبايع أبا بكر بالخلافة وإنما أخذت منه البيعة وهو يواري رسول الله في القبر وهدد بالقتل وهو في القبر إن لم يبايع أبا بكر، فبايعه بشماله وهو في هذه الحالة، فهل هذه القصة صحيحة أم أنها غير صحيحة؟

جـ: اعلم أن هذه القصة كذب وافتراء وليس لها أصل من الصحة عند العلماء لوجوه:

الأول: أنها غير مذكورة في كتب الحديث وكتب السير والتاريخ المشهورة ولا في الأمهات ولا في غيرها من كتب السنة ولا في الأسانيد والمعاجم وغيرها، وهكذا لم توجد في تاريخ (ابن جرير الطبري) ولا في تاريخ (ابن كثير) ولا (اليعقوبي) ولا (المسعودي) ولا (ابن خلدون) ولا غيرهم من المؤرخين المشهورين الذين اعتمد الناس على مؤلفاتهم، فأين الدليل على صحة من زعم أنها وقعت على هذه الصفة المذكورة في السؤال ومن الذي قالها.

الثاني: أن أبا بكر لم يكن حاضراً عند دفن النبي صلى الله عليه وسلم.

الثالث: أن من الحاضرين العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فهل كان العباس سيصبر على ما زعم هذا القائل من تهديد أبي بكر لأمير المؤمنين (علي ابن أبي طالب) بالسيف حتى يبايعه على الصفة المذكورة في هذا الاستفتاء كلا وألف كلا.

الرابع: أن أمير المؤمنين (عليا) كان المثل الأعلى في القوة والشجاعة تشهد له مواقفه العظيمة يوم هجرة النبي، ويوم بدر وأُحد والخندق وخيبر وحنين وغيرها من المشاهد العظيمة الدالة على شجاعته وإقدامه وقوته، فهل كان من المعقول أن يصبر على هذا التهديد المزعوم وهو ذلك البطل الصنديد الذي قال عنه الشاعر مصوراً شجاعته:

(1)

- الكهف: (65)

ص: 773

وعلي يلقى الألوف بقلب

صور الله فيه شكل فناها

والخلاصة: أن في هذه القصة التي لا أصل لها ما يدل على أن علياً لم يكن شجاعاً قوياً في حين أنه كان في غاية الشجاعة والقوه بدليل الأخبار المتواترة الدالة بشجاعته حتى ضرب الناس به المثل في المتواتر المعنوي، كما ضربوا المثل للمتواتر المعنوي بكرم حاتم الطائي، وغير هذه الوجوه الدالة على أن هذه القصة لا أصل لها من الصحة وأنها من وضع الرافضة الذين يبغضون الخلفاء الراشدين ويسبونهم متناسين ما ورد في فضلهم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية كالآيات التي اثنت على السابقين الأولين وعلى من بايع النبي تحت الشجرة والأحاديث المبشرة لهم بالجنة وغير ذلك مما قد ورد في السنة النبوية، منها قوله تعالى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ

أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} وخصوصاً من كان من السابقين الأولين إلى الدخول في الإسلام الذين بايعوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عند أن كان الإسلام غريباً وهم الذين قال الله فيهم {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ

خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}

(1)

أو كانوا ممن بايعوا النبي بيعة الرضوان حيث صرح القرآن الكريم بأن الله قد رضي عنهم في قوله تعالى {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}

(2)

أو كانوا من أهل بدر الذين أخبر النبي أنهم ممن غفر الله لهم حيث قال (لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ)

(3)

أو كانوا من العشرة المبشرين بالجنة وذلك مثل الخلفاء الراشدين حيث أنهم من السابقين الأولين ومن أهل بيعة الرضوان ومن أهل بدر ومن العشره المبشرين بالجنة فمن سبهم أو سب بعضهم فهو عاص لله وعاص لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه خالف ما جاء في القرآن من الثناء على الصحابة عموماً وعلى السابقين الأولين على جهة الخصوص لا سيما من كان من أهل بيعة الرضوان أومن أهل بدر فإن السابَّ لهم أو لأحدهم يخالف النص القرآني المقدس

(1)

- التوبة: آية (100)

(2)

الفتح: آية (18)

(3)

صحح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب الجاسوس. حديث رقم (2785) بلفظ (عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ ففَقُلْنَا: الْكِتَابُ فَقَالَتْ: مَا مَعَنَا كِتَابٌ، فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا، فَقُلْنَا: مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَتُخْرِجِنَّ الْكتاب َلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ، فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ حَاطِبٌ: وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ فَقَالَ: لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ).

أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، والترمذي في تفسير القرآن، وأبو داود في الجهاد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.

أطراف الحديث: الجهاد والسر، والمغازي، وتفسير القرآن، والاستئذان، واستتابة المرتدين.

معاني الألفاظ: الظعن: الركوب للسفر.

الظعينة: المرأة في السفر. العقيصة: ضفيرة الشعر.

ص: 774

والنص النبوي الشريف، فالقرآن يقول {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}

(1)

فالسابَّ لهم أو لبعضهم يشتم من رضي الله عنهم ويسب من أثنى عليهم القرآن والسنة كما أنهم يسيئون الظن بمن أخبر النبي أنهم من أهل الجنة وبأن الله قد اطلع عليهم فقال (لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) ولقد نص علماء السنة على تحريم سبهم أو سب واحد منهم وهكذا علماء أهل البيت قد نهوا عن ذلك كما نص على ذلك العلامة الكبير الإمام (يحيى بن حمزة) رضي الله عنه في رسالته المطبوعة المسماة (الرسالة الوازعة للمعتدين عن سب صحابة سيد المرسلين) وهو من كبارعلماء أهل البيت ومن علماء الزيدية الكبار ومن المشهور عنهم الحفظ والعلم والإجتهاد والإنصاف فما قاله عنهم أرجح من كلام غيره، وهكذا نص على مثل ذلك الإمام الكبير محمد بن علي الشوكاني في رسالته القيمة (إرشاد الغبي إلى مذهب الآل في صحب النبي)

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

ولقد روى القاضي أحمد بن سعيد الرياني أحد علماء الزيدية الكبار في القرن السادس للهجرة وممن تولى القضاء بصنعاء في عصر الإمام (عبدالله بن حمزة) رحمه الله عن الهادي (يحيى بن الحسين) الذي ينسب إليه المذهب الهادوي الزيدي بأنه (أي الهادي) أمر بجلد من صح عنده أنه يسب الخلفاء الراشدين وبعبارة أخص أمر بجلد من يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد ذكر هذه المسألة العلامة (يحيى بن الحسين بن القاسم) في كتاب المستطاب قال: وقد ذكرها العلامة ابن الوزير في الهداية، هذا ولو كانت هذه القصة المسئول عنها واقعة لما غفل عن ذكرها المؤرخون الذين جمعوا في كتبهم كل شاردة وواردة سواء من كان قد ألف في التاريخ الإسلامي العام المرتبة حوادثة على السنين كابن جرير وابن الأثير وابن كثير والمسعودي واليعقوبي وابن خلدون، أو من ألف في تراجم الصحابة من العلماء الكبار الذين يعدون من أهل التاريخ ومن أهل السنة المهتمين بجمع تراجم الصحابة مرتبة على الحروف كالحافظ (ابن عبدالبر) مؤلف الاستيعاب في تراجم الأصحاب و (ابن الأثير) مؤلف أسد الغابة و (ابن حجر العسقلاني) مؤلف الإصابة في تمييز الصحابة بل لو كانت واقعة لاشتهرت شهرة عظيمة ولتناقلها المؤرخون وغيرهم خلفاً عن سلف لأنها من الحوادث الغريبة التي تتوفر الدواعي إلى نقلها، ومن القصص النادرة التي تلفت نظر المؤلفين إلى تدوينها بل ولكونها من القصص التي تعارض الأحاديث النبوية بل والآيات القرآنية الدالة على أن الصحابة كانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم، بل وتعارض أيضا ما يروى عن أبي بكر رضي الله عنه من الورع والتقوى والتأني والرصانة وعدم التسرع في الأمور، كما تعارض ما روى عن علي رضي الله عنه من القوه والشجاعة وما كان يتحلى به من الأخلاق الفاضلة كما أنه كرم الله وجهه كان من أباة الضيم لا يعرف الذل إليه سبيلا ولا تعرف المحاباة إليه طريقاً، فهؤلاء الذين وضعوا هذه القصة يحسبون أنهم يحسنون إلى أمير المؤمنين (علي) رضي الله عنه أو يظنون بعملهم هذا أنهم يحسنون صنعا بما اخترعوه، وأن أمير المؤمنين (علي) رضي الله عنه بايع أبا بكر مكرها على هذه الصفة ولم يشعروا أنهم قد أساءوا إليه حيث اخترعوا قصة تدل على أنه كان محابيا أو جباناً في حين أن الواقع بخلافه كيف لا وهو كان ممن لا يخاف في الله لومة لائم، كما كان المثل الأعلى في الشجاعة والإقدام التي أجمع عليها اعداؤه فضلاً عن أحبائه، فيا عجباً من هؤلاء الكذابين المفترين على أصحاب سيد المرسلين بهذه الفرية التي تتنافى مع الدين والعقل

(1)

الفتح: آية (18)

ص: 775

والتاريخ، ومثل ما جاء في هذا الاستفتاء ما كنت سمعته منذ مدة طويلة مثل هذه القصة بعينها لـ (يزيد بن معاوية) مع (عمرو بن العاص) وهي أن (معاوية) كان قد أوصى ولده (يزيد) بأن لا ينزل القبر يواري أباه ويدخله اللحد، وأمره بأن يقدم (عمرو) لهذا العمل كاحترام له وتكريم فإذا نزل ولحده وحاول أن يطلع من القبر يكون من (يزيد) وجنوده وحراسه الأمر لـ (عمرو) بأن يبايع (يزيد) وهو في القبر ولا يمكنه من الطلوع إلا بعد أن يبايع (يزيد) خليفة للمسلمين وإذا لم يبايع ضربه الحراس بسيوفهم وقالوا إن (يزيد) عمل هذه العملية فتمكن من أخذ البيعة من (عمرو بن العاص) تحت الضغط والتخويف إلى آخر القصة المخالفة للتاريخ من وجهين:

الأول: أن (عمرو بن العاص) كان قد توفي بمصر قبل معاوية بـ (17) عاماً فكيف يحضر دفن معاوية في دمشق عاصمة الخلافة الإسلامية أو عاصمة الدولة الأموية في ذلك العصر بعد أن توفي في الفسطاس عاصمة الديار المصرية في ذلك العصر سنة (43 هـ).

الثاني: أن (يزيد بن معاوية) كان في اليوم الذي توفي فيه والده ودفن في مدينة دمشق كان خارج مدينة دمشق ولم يحضر موت والده ولا دفنه ولا الصلاة عليه، وإنما سمع بموت والده وهو خارج العاصمة المذكورة مسافراً قافلاً من سفره إلى دمشق بعد أيام من موت والده وبعد دفنه ذهب إلى قبر والده وصلى على قبره كما جاء في كتب التاريخ، فكيف يروون عنه هذه الرواية ولم يكن حاضراً في دمشق فضلاً عن حضوره حال الدفن، ولهذا قال العلماء ما استعنا على كذب الكذابين بمثل التاريخ.

س: لماذا سمي الصحابي الجليل (أبو عبيده ابن الجراح) أمين الأمة من قبل الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم؟ وما هي المناسبة؟

جـ: تسمية (أبي عبيده بن الجراح) أمين هذه الأمة لأن أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والدين فاخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بيد أبي عبيده بن الجراح وقال (هذا أمين هذه الأمة) كما جاء في صحيح مسلم رحمه الله بلفظ (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا تَفْعَلْ فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنَّا لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا، قَالَا: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا فَقَالَ: لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: قُمْ، يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ)

(1)

.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المعازي: باب قصة أهل نجران. حديث رقم (4029) بلفظ (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا تَفْعَلْ فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنَّا لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا، قَالَا: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا فَقَالَ: لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: قُمْ، يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ).

أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، والترمذي في المناقب عن رسول الله، وابن ماجة في المقدمة، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

أطراف الحديث: المناقب، المغازي، أخبار الآحاد.

معاني الألفاظ: الملاعنة: الدعاء بالهلاك على الكاذب منهم. العقب: الذرية.

استشرفوا: تطلعوا له.

ص: 776

‌اكتشاف مكان كهف أهل الكهف

س: من هم أصحاب الكهف الذي حكى القرآن الكريم قصتهم؟ وكم عددهم؟ وفي أيِّ مكان؟ هل كانوا في جزيرة العرب أو في غيرها؟ وما معنى قول الله تعالى حاكياً عنهم {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}

(1)

؟

جـ: معنى الآية: أن هؤلاء الفتية الذين ناموا في الكهف قالوا عند أن استيقظوا أرسلوا واحداً منكم بعملتكم الفضية إلى المدينه فلينظر أحسن طعام من الأطعمة الموجودة في المدينة التي تباع فيها ويكون ذلك على جهة الكتمان بحيث لا يظهر خبرنا لأحد، وأما مكان الكهف فقد كان بعض المفسرين وبعض المؤلفين في قصص الأولين يقولون: بأن الكهف الذي رقد فيه الفتية المذكور قصتهم في سورة الكهف هو في جبل في قرية اسمها (أفسوس) في آسيا الصغرى في الأرض التي تسمى بالأناضول والتي كانت تسمى من قبل ببلاد الروم وصارت الآن تسمى بتركيا، ولكن الأدلة قد دلت أخيراً على أن هذا الكهف الذي في (أفسوس) لا ينطبق على ما جاء في القرآن الكريم، والظاهر عندي أن هذا الكهف هو الكهف الذي عثر عليه الأستاذ (محمد تيسير ضبيان) أحد علماء الأردن في هذا العصر في الجبل الذي كان يسمى بـ (الرجيم) وأصبح اسمه الآن (الرقيم)، والذي يبعد عن مدينة (عمان) عاصمة الدولة الأردنية بحوالي ثمانية كيلومترات، والدليل على أن هذا الأخير هو الكهف المذكور في القرآن أن مفتح بابه إلى الجنوب بحيث أن الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم في فجوة منه أي في متسع من الكهف أي في بقعة واسعة في وسط الكهف حيث ينالهم روح الهواء فلا يؤذيهم برد الغار ولا حر الشمس لأن ما جاء في هذه الآية وما جاء في أقوال المفسرين لها ينطبق كل الانطباق على هذا الكهف الذي في جبل (الرجيم) والذي أصبح اسمه الآن (الرقيم) خارج مدينة عمان فإنه يتجه إلى الناحية الجنوبية والشمس تطل عليه حين تشرق وتبعث بأشعتها إلى مدخل بابه ولكنها لا تنفذ إلى داخله حيث توجد الفجوة التي كانوا يقيمون فيها ويستمر الوضع كذلك حتى وقت غروبها، وهذا ما جاء في الآية الكريمة وفي تفسير ابن جرير الطبري والقرطبي وابن كثير والشوكاني وغيرهم، ومن الأدلة على ما استظهرته أن الأستاذ (ضبيان) قد عثر على المسجد الذي ورد ذكره في هذه السورة وذلك فوق الكهف حيث ظهر سبعة أعمده أثريه قديمه تحت الأنقاظ التي أزيلت أخيراً من فوق هذا الكهف، وربما كانت الأعمدة سبعة رمزاً لعدد هؤلاء الفتيان، وكذلك الفترة التي أخلدوا فيها إلى النوم وهي ثلاثمائة سنة شمسية أو ثلاثمائة سنة وتسع سنين قمرية قد أيدتها الاكتشافات الأثرية الأخيرة، وكذلك الفجوة الواردة في القرآن قد وجدت فعلاً في داخل هذا الكهف وهي ممتدة إلى أعلى الكهف بواسطة نفق في هذا الكهف، ومن الأدلة على ذلك أيضا ما روي عن بعض الصحابة والقادة والكتاب ممن ذكرهم العلامة (ضبيان) المكتشف لهذا الكهف وذلك قصة الصحابي (سعيد بن عامر) التي ذكرها الواقدي في فتوح الشام وزيارة الأمير (أسامة بن منقذ) وغيرها من القصص الدالة على أن السلف قد قالوا عن هذا الكهف بأنه الكهف المذكور في القرآن وقد أيدتها وعززتها الحفريات التي أجرتها دار الآثار العامة في ذلك الموقع والتي كشفت عن القبور السبعة للفتيان السبعة، والقبر الصغير الذي قبر فيه الكلب، وعن المسجد المذكور في القرآن والفجوة وطراز البناء والنقوش والكتابات والزخرفة والنقود البيزنطية التي عثر عيها حال الحفر وكلها تدل دلالة صريحة على العصر الذي ظهروا فيه وتتفق إلى حد بعيد مع ما جاء في القرآن الكريم، وما ورد من روايات إسلامية في مختلف العصور، وأما ما كان يقوله بعض المفسرين، وأحد المؤرخين المسلمين الذين تابعوا رجال الكهنوت والمؤرخين المسيحيين من أنه الكهف الذي في (أفسوس) فهو

(1)

الكهف: آية (19).

ص: 777

غير صحيح لوجوه:

أولاً: أن المسجد الوارد في القرآن لا أثر له في (أفسوس) لا فوق الكهف ولا بجواره بينما هو موجود في كهف الأردن وهو (السبع الدعائم) التي عثر عليها الأستاذ (ضبيان) بمساعدة مصلحة الآثار بدولة الأردن.

ثانياً: على إثر الحفريات التي أجريت في كهف (أفسوس) ظهرت فيه مئات المدافن وهي مبنية من الطوب، أما الكهف الذي أكتشف قرب عمان فقد ظهرت فيه ثمانية مدافن الثامن منها صغير لعله مدفن الكلب وهي منقورة في الصخر وهي بيزنطية أستدل على كونها بيزنطية بالزخرفة والنقوش التي عثر عليها.

ثالثاً: لا يوجد في كهف (أفسوس) أية نقوش أو كتابات تدل على أنه هو المقصود في حين أن جدران كهف (الرجيم) في مدينة عمان مليئة بالكتابات والنقوش والخطوط اليونانية والكوفية والثمودية.

رابعاً: تبين أن باب كهف (أفسوس) يقع في الشمال الشرقي فآية الشروق لا تنطبق عليه تماماً.

خامساً: لا توجد فجوة في كهف (أفسوس) في حين أنه عثر في كهف (الرجيم) على الفجوة المذكورة في القرآن الكريم {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ}

(1)

أي في متسع من الكهف وهذا المتسع هو الآن في وسط هذا الكهف.

سادساً: أن تاريخ كنيسة (أفسوس) يرجع للقرن الأول الميلادي في حين أن المعبد أو المسجد الذي أقيم في الكهف على أثر استيقاظ أصحاب الكهف يرجع تاريخه إلى زمن الإمبراطور توجوش أي إلى القرن الخامس وهذا يتفق على وضع كهف (الرقيم) وقد عثر فيه على لحود لهذا الأمبراطور مع قطع من الفخار البيزنطي، وممن زار هذا الكهف وأيد ما قاله العلامة محمد (ضبيان) من علماء هذا العصر (أبو الأعلى المودودي) العلامة الباكستاني المعروف في رحلة قام بها في البلدان العربية عند أن زار الأردن في يناير عام (1960 م) وكثيراً من المعالم الإسلامية في البلدان العربية وأخرج كتاباً عن هذه الرحلة التاريخية، وفيه فصل خاص عن (كهف أصحاب الكهف) ومن علماء باكستان المؤيدين لهذا القول الشيخ (محمد شفيع) مفتي باكستان السابق رحمه الله، وهكذا رجح هذا الرأي من علماء الإسلام (أبو الكلام أزاد) الزعيم الهندي المشهور وذلك في تفسيره الذي ألفه باللغة الأردية وترجم من الأردية إلى اللغة الإنجليزية، وهناك صحف ومجلات عربية وإسلامية اهتمت بنشر هذا الاكتشاف الهام المؤيد بالأدلة الدينية والتاريخية الدالة على إثبات ما كان يقوله المفسرون وبعض المؤرخين من أن كهف أصحاب الكهف في (أفسوس) بتركيا لا أصل له من الصحة، وأن الكهف الذي في الأردن هو الذي يتناسب مع النص القرآني الوارد في سورة الكهف الحاكية لقصة أصحاب الكهف والدالة على أن باب الكهف إلى الجهة الجنوبية وأن فيه فجوة وأن {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}

(2)

ومهما يكن من الأمر فهذه الأدلة التي ذكرها العلامة (محمد تيسير ضبيان) وغيره من علماء هذا العصر الذين رجحوا في مقالاتهم ومؤلفاتهم أن الكهف المذكور في القرآن ليس هو كهف (أفسوس) وإنما هو كهف الأردن الذي اكتشف أخيراً إنما هي عندي قرائن وأمارات، أما أني أجزم بأن الكهف الذي ذكره الله في القرآن في سورة الكهف هو نفس الكهف الذي كان العثور عليه أخيراً في محل (الرجيم) على مسافة سبعة كيلومترات من مدينة عمان فإني لا أجزم به، ولا أحكم على هذا الكهف بأنه هو المذكور في القرآن، ولا أستطيع أقول أن الكهف المذكور في القرآن أنه الكهف المذكور على جهة الجزم لأن تفسير كلام الله على جهة الجزم لا يكون إلا بآية أخرى أو بحديث نبوي

(1)

- الكهف: آية (17)

(2)

- الكهف: آية (21)

ص: 778

صحيح أو حسن أو بكلام العرب الذي ينص عليه علماء اللغة المتخصصون، والأحوط هو أن نطلع على ما قيل ثم نقول: آمنا بالله وصدقنا بما جاء في كتاب الله ونفوض تفسير مالا نعلمه من كلام الله إلى الله تعالى فهو العالم بكل شيء وإليه مرجع كل شيئ.

س: يوجد كتاب يسمى (نفائس العرائس) وغيره من كتب قصص الأنبياء وفيه من الأشياء الغريبة والتي لم تعرف في غيرها ولا يصدقها عقل، فهل هي صحيحة أم لا؟

ثانياً: يوجد شخص يدعي علم النجوم والتنجيم وفي نفس الوقت يؤم الناس في الصلوات الخمس، فهل تصح الصلاة خلفه أم لا؟

جـ: اعلم بأن كتاب (نفائس العرائس) وكتاب (بدائع الزهور) مملوءان بالإسرائيليات التي لا ينبغي للمطلع أن يصدقها أو يكذبها اللهم إلا ما قد كان منها يخل بعصمة الأنبياء فإنما يخل بها فاللازم هو تكذيبها وعدم تصديقها، وأما الثاني فجوابه بأن الصلاة خلق هذا الرجل الذي يتعاطى علم النجوم أو علم الرمل صحيحة شرعاً ولكن الأولى أن يكون إمام الصلاة غيره من العلماء أو الفضلاء.

‌عدم صحة القول بأن جابر ابن عبدالله رضي الله عنهما كان له ولدان قتل أحدهما الآخر

س: ما هي قصة ضيافة الصحابي الجليل (جابر بن عبد الله) لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل أحد ولديه الصغيرين الآخر؟

جـ: قصة أولاد (جابر بن عبدالله) في يوم الخندق وأنه لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم ضيفاً على جابر، اتفق أن ولديه أحدهما قتل الآخر وفر هارباً ومات في التنور، وأن زوجة جابر سترت أمرهما إلى أن تمت عملية الأكل ثم أحضرت الولدين ميتين بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنه دعا لهما فقاما حيين، ذكرها بعض أهل السير كالكلبي ونحوه، ولا أصل لها عند علماء السنة النبوية، بل هي كما قال:(الحافظ البيروتي) مؤلف كتاب (أسنى المطالب) موضوعة، ولا سيما وأن من درس علم التاريخ لا بد وأن يعرف أنها غير صحيحة من ناحية التاريخ لأن يوم الخندق كان ستة أربع أو خمس من الهجرة على الخلاف، وجابر لم يتزوج إلا بعد أن قتل والده في يوم أحد في السنة الثالثة كما جاء في كتب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فكيف يكون لجابر رضي الله عنه ولدان يتمكن أحدهما من قتل الآخر والهرب بعد قتله في تلك المدة القصيرة التي لا تتجاوز عاماً واحداً، والحاصل أن هذه القصة غير صحيحة وذلك من وجهين:

(1)

من حيث الرواية: حيث لم يروها علماء الحديث وعلماء السيرة النبوية المحققون، وإنما رواها البكري وغيره من القصصيين الذين لا يحتج بما جاء في كتبهم إذا لم يرد في كتب أهل الحديث وكتب أهل السير المحققين.

(2)

من ناحية التاريخ: الذي استفدناه من الأحاديث والتراجم الدالة على أن جابراً لم يتزوج إلا بعد قتل أبيه عبدالله شهيداً في أحد في السنة الثانية التي كانت قبل غزوة الخندق بعام، والعام الواحد لا يتسع للزواج والحمل والرضاع فقط، فكيف يتسع لما هو أكثر ذلك وهو نشأة الولدين وتقدمهما في السن إلى حد أن أحدهما يتمكن من قتل أخيه على الصفة المذكورة في هذه القصة الموضوعة، وبناءً على ذلك فأنا أنصح الأخ السائل بأن لا يطالع مثل هذه الكتب التي يغلب على أكثر قصصها الوضع أو الضعف الشديد، وعليه أن يطالع كتب السير الصحيحة أو القريبة من الصحة، وكذلك الكتب التي اهتمت بجمع المعجزات أو بجمع الخصائص النبوية ومن أحسن هذه الكتب كتاب (بهجة المحافل) في السير والمعجزات والخصائص، و (الفضائل) للعلامة العامري أحد علماء اليمن في القرن العاشر للهجرة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، والذي عاش في مدينة حرض التي لا تبعد عن بلاد أفلح اليمن بلاد الأخ السائل إلا قليلاً، فهذا الكتاب من أفضل الكتب لمن أراد

ص: 779

مطالعة السيرة النبوية والخصائص المحمدية والمعجزات الخارقة للعادة الواردة في كتب السنة النبوية، وقد نص (السيوطي) وغيره من الحفاظ على أن مؤلف (البكري) هذا لا يعمل به ولا يعتمد على ما فيه.

عدم صحة القول بجلد عمر رضي الله عنه لأحد أولاده في حد الزنا

هذا، ومن القصص التي رواها بعض القصاص ولم تصح عند علماء الحديث قصة الخليفة (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه مع ولده (أبي الشهبل) التي رواها (سعيد بن مروق) وهي أن امرأة كانت تدخل على آل عمر ومعها صبي فقال لها (عمر): ما هذا الصبي الذي معك؟ قالت: هو ابنك وقع علىِّ (أبو الشحمة) فهو ابنك فأرسل إليه (عمر بن الخطاب) رسولاً فلما وصل سأله عن الذي زعمته المرأه فأقره، فقال (عمر) لـ (علي بن أبي طالب) كرم الله وجهه اجلده فجلده (عمر) خمسين جلده، وجلده (علي) خمسين جلدة، فقال أبو شحمة لأبيه (عمر) يا أبي قتلتني فأجابه (عمر) بقوله: إذا لقيت ربك فأخبره أن أباك يقيم الحدود فهذه القصة موضوعة لا أصل لها، وجاء في بعض روايات هذه القصة زيادة على ما ذكرته وهي التصريح بأن أبا شحمه مات من الضرب، وهذه الزيادة موضوعة أيضا كما نص على ذلك الحفاظ كـ (السيوطي) في اللائي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة والحافظ (البيروتي) في أسنى المطالب.

عدم صحة القول برجوع بلالاً من الشام إلى المدينة لمتاعبة الرسول صلى الله عليه وسلم له في المنام

وكذلك من القصص التي ذكرها بعض علماء السير ولم تصح عند الحفاظ قصة رحيل (بلال بن رباح) مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى بلاد الشام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه رجع من الشام إلى المدينة بسبب أنه رأى النبي في المنام يعاتبه على تركه المدينة، وأن (الحسن بن علي بن أبي طالب وأخاه الحسين) رضي الله عنهما تعلقا به وترجيا منه أن يؤذن في مسجد المدينة كما كان يؤذن في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لما أذن وسمع الناس أذانه تذكروا أيام النبي صلى الله عليه وسلم فبكوا ولا سيما عندما سمعوه يقول: أشهد أن محمداً رسول الله زاد بكاؤهم حتى ارتجت المدينة، فهذه القصة غير صحيحة بل هي من الأحاديث الضعيفة عند (ابن كثير) في البداية والنهاية و (المزني) في التهذيب و (الذهبي) في الميزان و (ابن حجر العسقلاني) في لسان الميزان، ومن الموضوعات عند آخرين كالمولى (علي بن سلطان القاري) و (الألباني) وغيرهما.

هذا والجدير بالذكر أن من جملة من ذكر هذه القصة مطولة الدكتور (محمد بن سعيد البوطي) في كتابه فقه السيرة، وقد رد عليه الحافظ (الألباني) رداً مطولاً في مؤلفه الذي سماه (دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات البوطي في كتابه فقه السيرة) كما أن من جملة من جوّز هذه القصة (السبكي) في شفاء الأسقام، وقد رد عليه معاصره (ابن عبد الهادي) في كتابه (الصارم المنكي في الرد على السبكي).

‌عدم صحة قصة قتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الجن

س: يحكى في بعض الكتب انه بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس والصحابة رضوان الله عليهم حوله جلوساً أيضا إذ أقبل عليهم رجل ملثم من البر فسلم على النبي فقال له النبي، من أنت؟ وما اسمك؟ فكشف الرجل عن وجهه فلما نظر إليه الصحابة استعاذوا بالله منه ولاذوا برسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك الرجل من الجن فقال له النبي ما اسمك؟ فقال أنا اسمي (غطرفة) وقد جئت اشتكي من كفار الجن ونحن مسلمون، فلما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم أرسل معه (علي بن أبي طالب) فذهب (علي) رضي الله عنه مع الجني كما تقول الحكاية وقاتل الجن إلى آخر ما جاء في هذه القصة، فهل هذه القصة صحيحة وثابتة أو أنها غير صحيحة؟

ص: 780

جـ: اعلم بأن هذه القصة ليست بصحيحة ولا رواها علماء السنة بسند صحيح أو حسن أو ضعيف بل نص بعض العلماء من السنة على أنها من الموضوعات التي لا أصل لها في كتب الحديث، وممن نص على ذلك ابن أمير حاج في المدخل كما حكاه (العجلوني) في (كشف الخفاء) و (الملا على القاري) في الأسرار المرفوعة وهكذا نص على أن هذه القصة من الموضوعات شيخ الإسلام (ابن تيمية) رحمه الله في رسالة له صغيرة في الأحاديث الموضوعة طبعت أخيراً ضمن بعض أبحاث حديثيه بعنوان (علم الحديث) لـ (ابن تيمية).

‌مشاهدة رفات شيخ الإسلام الشوكاني حين نقله من قبر إلى قبر

س: هل صحيح أنك رأيت الإمام (محمد بن علي الشوكاني) رحمه الله وجسمه سليم تماماً عند نقله من قبره إلى مكان آخر؟ وفي أيِّ عام؟

جـ: في عام (1387 هـ) الموافق (1967 م) والموجود هو العظم فقط لا لحم ولا عيون ولا بشرة ولا دم ولا عروق ولكن أسنان وعظم.

‌تتلمذ أئمة الحديث من بعضهم البعض

س: كيف تتلمذ أئمة الحديث من بعضهم البعض؟

جـ: الترمذي ومسلم من تلاميذ البخاري، والبخاري من تلاميذ أحمد بن حنبل، وأحمد بن حنبل من تلاميذ الشافعي، والشافعي من تلاميذ مالك ومن تلاميذ محمد بن الحسن الشيباني، والشيباني من تلاميذ أبو حنيفة، وأبو حنيفة من تلاميذ زيد بن علي.

‌جواز الترضي على أبي سفيان وزوجته وجواز عدم الترضي عنهما

س: لماذا عندما يذكر أبو سفيان بن حرب وزوجته هند بنت عتبة لا يرضى عنهما؟

جـ: من أراد الترضى على أبي سفيان وزوجته هند فلا يجبر على عدم الترضي عنهما ولا يكره، ومن أراد أن لا يترضي عنهما فلا مانع ولا نكرهه أو نجبره على الترضي عنهما.

ص: 781

الباب الرابع: بحوث فقهية وحديثيه

• الإمام السيوطي وأحاديث الجامع الصغير

• خلاصة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم

• السنة في لأمطار والسيول والرعد والبرق والاستسقاء

• أسئلة عن مجموعة من الأحاديث (1)

• القول (عليكم بالمدن وإن جارت) ليس بحديث

• كذب حديث (أكثر منافقي أمتي قراؤها)

• ضعف حديث (من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشر عقوبة ست منها في الدنيا وثلاث عند

• الموت وثلاث في القبر وثلاث عند خروجه من القبر)

• حديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)

• حديث (إذا ابتلت النعال فصلوا في الرحال) لا أصل له في الأمهات

• حديث (أرغب الرغائب دعاء غائب لغائب) لا أصل له في كتب الحديث

• كذب حديث (إذا سئلتم بالله فاخرجوا من دياركم)

• قول (أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا)

• أفضل كتب الجرح والتعديل كتاب الجرح والتعديل لـ (ابن أبي حاتم)

• ضعف حديث (المؤمن إذا قال صدق وإذا قيل له صدق).

• كذب حديث (الحديث في المسجد في غير ذكر الله يأكل الحسنات)

• القول (اتق شر من أحسنت إليه) ليس بحديث

• قول (الكبرعلى أهل الكبر صدقة) ليس بحديث

• تحريم قول الإنسان بجاه الله

• اليهود أصحاب ديانة سماوية لكنهم قد حرفوا وبدلوا الشريعة السماوية

• قول (الحسنة تخص والسيئة تعم) ليس بحديث

• عدم جواز العمل بأفعال وأقوال المسحور الذي لا يعقل ما يعمله وما يقوله

• قول (الحي أفضل من الميت) ليس بحديث

• أسئلة عن مجموعة أخرى من الأحاديث (2)

• أسئلة عن مجموعة أخرى من الأحاديث (3)

• أسئلة عن مجموعة أخرى من الأحاديث (4)

• فتاوى حديثية

(أحاديث انفردت بها الهادوية)

ص: 782

‌الباب الرابع: بحوث فقهية وحديثيه

‌الإمام السيوطي وأحاديث الجامع الصغير

سئلت هل صحيح أن أحاديث الجامع الصغير ليس فيها حديث موضوع وأن جميع ما فيه صحيح أو حسن أو ضعيف؟

فأجبت كالتالي:

كتاب (الجامع الصغير في أحاديث البشير والنذير) للحافظ السيوطي رحمه الله المتوفى سنة (911 هـ) من أحسن ما جمعه العلامة من أحاديث السنة النبوية، وقد تضمن هذا الكتاب القيم حوالي عشرة آلاف حديث كما حصرها العلامة النبهاني، وصرح بذلك العدد في أول كتابه (الفتح الكبير في ضم الزيادات على الجامع الصغير) منتقداً على العلامة المناوي مؤلف (فيض القدير شرح الجامع الصغير) ومن تبعه من العلماء الذين ألفوا في عدد أحاديث هذا الكتاب وأنهوها إلى عشرة آلاف حديث وستمائة حديث وأربعة وثلاثين حديثاً

(1)

وقد التقطها المؤلف من كتابه المطول الذي أسماه (الجامع الكبير) والذي جمع فيه من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله حوالي مائة ألف حديث، وقد رتب الإمام السيوطي رحمه الله أحاديث (الجامع الصغير) القولية على الحروف المعجمة مبتدئاً بالأحاديث القولية التي أولها (الألف) ومنتهياً بالأحاديث التي أولها (الياء) ذاكراً عقب كل حديث المصدر الذي منه كان نقل الحديث والصحابي الذي روى الحديث أي أنه التزم بذكر المخرج للحديث والراوي له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان منقولاً من مصدرين أو عدة مصادر بأن أخرجه إمامان من أئمة الحديث أو أكثر من إمام فإنه يذكر جميع من أخرجه كما أنه يذكر أسماء الرواة الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم مهما كان عددهم، رامزاً لكل كتاب برمز يميزه عن غيره من الكتب حسب ما قدمه في هذا الكتاب العظيم وبمقتضى الاصطلاح الذي عمله لهذه الكتب التي نقل (جامعه الصغير) منها، كما أنه قد رمز لما كان صحيحاً بلفظه (صح) ولما كان حسناً بحرف (الحاء) المفردة وهكذا، ولما كان ضعيفاً بحروف (الضاد)، وأخيراً صرح بأنه التزم في مؤلفه هذا بأن لا يذكر فيه إلا ما كان صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً، أما ما كان من الأحاديث الموضوعة فإنه لم يذكره في كتابه هذا كما نص على ذلك في مقدمة كتابه بقوله:(وقد بالغت في تحريره فتركت القشر وأخذت اللباب وصنته عما تفرد به وضاع أو كذاب)

(2)

، ولكني لاحظت عند مطالعتي لهذا الكتاب القيم بمجرد ما تصفحت بعض صفحاته الكثيرة التي تجمع الصفحة الواحدة منه أكثر من ثلاثين سطراً وتحتوي على حوالي ثلاثين حديثاً بعض أحاديث رمز لها بالصحة وليست صحيحة بل حسنة أو ضعيفة بل وجدت فيه بعض أحاديث رمز لها بالصحة في حين أنها موضوعة فيكون بذكره لها قد خالف ما قرره في مقدمة الكتاب من وجهين:

الوجه الأول: أنه خالف اصطلاحه بالرمز بلفظه (صح) لما كان صحيحاً.

الوجه الثاني: أنه حشر في مؤلفه بعض أحاديث قد نص العلماء على أنها من الأحاديث المفتراة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنها من الأخبار الموضوعة المنصوص عليها في المؤلفات التي ألفها أصحابها في بيان الأحاديث الموضوعة ليحذروا الناس من العمل بها أو الاعتقاد بأنها من السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام في حين

(1)

- الفتح الكبير بضم الزيادة إلى الجامع الصغير للنبهاني صفحة (ح ب).

(2)

- الجامع الصغير (ص 3 ـ جزء 1 مطبعة الحلبي).

ص: 783

أنه قد صرح في المقدمة المذكورة بأنه قد ترك القشر وأخذ اللب وأنه قد صانه عما تفرد به وضَّاع أو كذاب

(1)

بل إن بعض الأحاديث الموضوعة التي أدخلها في كتابه قد ذكرها هو في مؤلفه في الموضوع الذي سماه (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) أو في ذيله على كتاب (الموضوعات) الذي سمَّاه (التعقبات على الموضوعات) كما سيأتي الكلام إن شاء الله على بعض هذه الأحاديث:

ومن هذه الأحاديث التي ذكرها في جامعه الصغير رامزاً لها بحرفي (صح) الحديث الذي ذكره المؤلف في (حرف الصاد) من حديث ابن عمر عند ابن عساكر مرفوعاً بلفظ (صلاة التطوع أو الفريضة بعمامة تعدل خمساً وعشرين صلاة بعير عمامة، وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة بغير عمامة

الخ الحديث)

(2)

مع أنه حديث موضوع كما نص عليه علماء السنة النبوية الذين صنفوا في الموضوعات مثل الحافظ (علي بن محمد بن عراق الكناني) المتوفى سنة (963 هـ) في الفصل الثالث من كتابه من مؤلَفِه (تنزيه الشريعة المرفوعة) حيث قال: حديث (أن الصلاة بعمامة تعدل خمساً وعشرين صلاة بغير عمامة، وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة بغير عمامة) إلى آخر الحديث الذي نسبه إلى الديلمي وابن عساكر من حديث ابن عمر قال الحافظ ابن حجر في (اللسان) هذا حديث منكر بل موضوع وفي سنده من لم أعرفه ولا أدري الآفة ممن

(3)

، كما ذكر ابن عراق أيضاً حديث (الصلاة في العمامة بعشرة آلاف حسنة) أخرجه الديلمي من حديث أنس وفيه (أبَّان ابن عياش)

(4)

، وذكره الحافظ الشوكاني المتوفى سنة (1250 هـ) في كتاب اللباس والختم من كتابه المشهور (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) ونقل عن السخاوي وابن حجر أنه قال في حديث (صلاة في عمامة بعشرة آلاف حسنة) في إسناده متهم، وقال في (المقاصد) موضوع

(5)

.

وقد ذكره الشيخ علي القاري المتوفى سنة (1014 هـ) في (موضوعاته) ونقل عن (علي بن محمد الشاذلي المصري)، المتوفى سنة (929 هـ) أنه قال فيه: هذا حديث باطل

(6)

.

وقال الحافظ الديبع المتوفى سنة (944 هـ) في (تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث) ما لفظة (صلاة بخاتم تعدل سبعين بغير خاتم) وهذا موضوع كما قال شيخنا السخاوي عن شيخه (ابن حجر) المتوفى سنة (852 هـ) وذكر حديث ابن عمر بنحو ما ذكره شيخه السخاوي. وذكر الحافظ العجلوني المتوفى سنة (1162 هـ) هـ في كتاب (كشف الخفاء وإزالة الإلباس فيما يجري من الأحاديث على ألسنة الناس) حديث رقم (1603) هذا الحديث وحكى فيه كلام السخاوي في (المقاصد) وكذلك الحافظ محمد الحوت البيروتي المتوفى سنة (1276 هـ) في (أسنى المطالب) حكم بضعف هذا الحديث وحديث صلاة بخاتم

الخ، أو الصلاة في العمامة بعشرة آلاف حسنة تبعاً لـ (ابن حجر) وكذلك ما رواه وممن نص على عدم صحة هذا الحديث الحافظ (عبد الرءوف المناوي) المتوفى سنة (1029 هـ) في (فيض القدير وشرح الجامع الصغير) حيث قال: في شرح الحديث من الجامع الصغير: عزاه (ابن حجر) إلى (الديلمي) عن ابن عمر أيضاً وقال: إنه (موضوع) ونقله عنه السخاوي وارتضاه، قال في (اللسان) أخرج ابن النجار عن مهدي بن ميمون قال دخلت على سالم بن عبدالله بن

(1)

- الجامع الصغير (ص 3 ـ جزء 1 مطبعة الحلبي).

(2)

- الجامع الصغير (ج 2 - صفحة (48) مطبعة الحلبى).

(3)

- تنزيه الشريعة المرفوعة من الأحاديث الشنيعة الموضوعة ج (4)، ص (124).

(4)

- نفس المصدر السابق ص (124) ج 2 - .

(5)

- الفوائد المجموعة ص (188).

(6)

- صفحة (51) من الموضوع.

ص: 784

عمر وهو يعتم فقال: يا أبا أيوب ألا أحدثك بحديث؟ فقلت: بلى، قال: دخلت على ابن عمر فقال: لي يا بني أحِبَّ العمامة يا بني أعتم تحلم وتكرم وتوقر ولا رآك الشيطان إلا ولى هارباً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر الحديث وفيه مجاهيل هذا كلام المناوي رحمه الله

(1)

وقال الشيخ (محمد الشقيري) من علماء الحديث في هذا القرن ومن تلاميذ السيد (محمد رشيد رضا) صاحب المنار في كتاب (السنن والمبتدعات في الأذكار والصلوات) عن الأحاديث الواردة في الصلاة بالعمامة وفضلها: (لا شك أنها باطلة وموضوعة) وذكر، وذكر هذا الحديث في بعضها.

وقد ذكر هذا الحديث الحافظ (الألباني) في الجزء الثاني من المجلد الأول من سلسلة (الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) برقم (127) وحكم عليه بٍأنه (موضوع) وساق كلاماً طويلاً حول الكلام عليه كما ذكر أيضاً حديث جابر (ركعتان بعمامة خير من سبعين ركعة بلا عمامة) الذي ذكره السيوطي في (حرف الراء) من (الجامع الصغير) كما ذكر أيضاً حديث أنس مرفوعاً بلفظ (الصلاة في العمامة تعدل بعشرة آلاف حسنة) وحكم على جميع هذه الأحاديث الثلاثة بـ (الوضع) كما نقل عن الحافظ (ابن رجب) أنه قال في الحديث المروي عن أبي هريرة مرفوعاً (صلاة بعمامة أفضل من سبعين صلاة بغير عمامة) الذي رواه محمد بن نعيم: أن محمداً هذا كذاب وأن الحديث باطل

(2)

.

هذا، والجدير بالذكر أن الشيخ (الألباني) نقل عن الشيخ (المُلا علي القاري) في (موضوعاته) أنه نقل عن الشيخ (علي بن محمد الشاذلي المصري) المتوفى سنة (929 هـ) أنه قال في هذا الحديث:(أنه حديث باطل) ثم تعقبه بأن السيوطي أورده في الجامع الصغير مع التزامه بأنه لم يذكر فيه الموضوع، ونقل العجلوني عن النجم، أو نجم الدين الغزي مؤلف (إتقان ما يحسن بذكر الأحاديث الدارجة على الألسن) والشيخ (علي القاري) مؤلف الموضوعات أنهما استشكلا الحكم على الحديث بالوضع بعد أن نقل كل واحد ما قاله بعض الحفاظ في عدم صحته وفي الحكم عليه بالوضع بأنه من أحاديث الجامع الصغير الذي التزم مؤلفه بألا يذكر فيه حديثاً موضوعاً، وقد أجاب عنهما الحافظ (الألباني) بأن هذا التعقب باطل تغني حكايته عن الرد عليه وما جاءهم ذلك إلا من حسن ظنهم بعلم السيوطي وعدم معرفتهم بما في الجامع الصغير من الأحاديث الموضوعة لتي نص السيوطي نفسه في غير الجامع الصغير على بعضها كهذا الحديث وغيره

(3)

.

والخلاصة: بأن الحديث المذكور (موضوع) كما قال الحافظ (ابن حجر) في (لسان الميزان)

(4)

و (السخاوي) في المقاصد الحسنة و (الديبع) في تمييز الطيب من الخبيث و (العجلوني) في كشف الخفاء و (نجم الدين الغزي) في (إتقان ما يحسن) و (البيروتي) في أسنى المطالب و (ابن عراق) في تنزيه الشريعة و (القاري) في موضوعاته و (علي بن محمد الشاذلي المصري) المتوفى سنة (929 هـ) فيما نقله عنه القاري في موضوعاته و (الشوكاني) في الفوائد المجموعة و (المناوي) في فيض القدير و (الشقيري) في السنن والمبتدعات و (الألباني) في الأحاديث الضعيفة والموضوعة وغيرهم من الحفاظ ومنهم (السيوطي) نفسه في ذيله علي كتاب الموضوعات ونقل عن الحافظ (ابن حجر العسقلاني) أنه قال فيه (أنه حديث موضوع).

(1)

- فيض القدير ص (225)، ج (4).

(2)

أنظر الألباني ج 2 - ص (25) وما بعدها.

(3)

- الأحاديث الضعيفة والموضوعة ج 2 - ص (26).

(4)

- لسان الميزان ج (3) ص (244).

ص: 785

وبناءً على ذلك فلا عمل عليه وإن ورد في (الجامع الصغير) ورمز له مؤلفه بـ (الصحة) ما دام وقد حكم بوضعه بضعة عشر حافظاً وعلى رأسهم الحافظ (السيوطي) مؤلف الجامع الصغير نفسه في ذيله على الموضوعات، وهذا كله مما يدل على أن الإمام (السيوطي) قد خانته ذاكرته فظن أنه صحيح وليس بالصحيح بل ولا بالحسن ولا بالضعيف.

• ومن الأحاديث التي ذكرها (السيوطي) في (الجامع الصغير) ورمز لها بالصحة (عج حجر إلى الله تعالى فقال: إلهي وسيدي، عبدتك كذا وكذا سنة، ثم جعلتني في أُسٍ كنيف، فقال: أما ترضى أن عدلت بك عن مجالس القضاة) أخرجه تمام وابن عساكر عن أبي هريرة (صح)، مع أن هذا الحديث هو من الأحاديث المفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نص عليه الحفاظ ولم يُرو عن أحد المحدثين أنه صححه أبداً لا من المتقدمين ولا من المتأخرين ولا من المعاصرين، ولقد قال الحافظ (علي بن عراق الكناني) المتوفى سنة (963 هـ) في الفصل الثالث من (باب القضاء) من كتابه (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة) بعد نقله عن تمام أنه قال في هذا الحديث أنه منكر، أن أبا معاوية راوية ضعيف ما نصه (قلت: قال الذهبي في "تلخيص الواهيات" وابن حجر في لسان الميزان: هذا موضوع)، وقال الحافظ ابن طاهر الفتني في تذكرة الموضوعات نقلاً عن (ذيل الموضوعات) للسيوطي حديث منكر.

وقال الحافظ (الشوكاني) في الفوائد المجموعة لا شك أنه موضوع مختلق.

وقال (الحوت البيروتي) في أسنى المطالب عن هذا الحديث: أنه خبر لم يصح وليس كل قاض مبطلاً، فقد ورد أن (القضاة ثلاثة) قاض في الجنة، وقاضيان في النار.

وهكذا حكم بوضع هذا الحديث الحافظ (الألباني) في ضعيف الجامع الصغير وفي والأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السئ في الأمة.

ولا يقال له شاهداً يقويه، وهو حديث (شكت مواضع النواويس إلى الله تعالى وبقاع الأرض، فقالت: يارب لم تخلق بقعة أقذر ولا أنتن مني، يلقي عليَّ أهل نارك وأهل معصيتك، فقال الجبار تبارك وتعالى (اسكتي، فموضع القضاة أنتن منك) لأنا نقول: وهذا الحديث أيضاً موضوع كما قاله الحافظ (ابن الجوزي) في كتابه (الموضوعات) وأقرَّه (السيوطي) في (اللآلئ المصنوعة) وقال (ابن عراق) فيه مجاهيل، وأحدهم وضعه، كما حكم بوضعه (ابن طاهر الفتني) في (تذكرته) و (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة.

والخلاصة:

أن الحديث الأول موضوع لشهادة (الذهبي وابن حجر وابن عراق وابن طاهر والشوكاني وغيرهم).

وأن الحديث الثاني موضوع أيضاَ وبشهادة (ابن الجوزي والسيوطي وابن طاهر وابن عراق والشوكاني) رحمهم الله جميعاً.

والنواويس: (جمع ناووس) وهو مقبرة النصارى، والحجر المنقور الذي توضع فيه جثة الميت.

•ومن الأحاديث التي ذكرها السيوطي في الجامع الصغير، وهي من الأحاديث الموضوعة، حديث (ربيع أمتي البطيخ والعنب) وهو حديث موضوع، كما نص عليه (ابن الجوزي) في (موضوعاته) وأقره (السيوطي) نفسه

ص: 786

في (اللآلئ المصنوعة)

(1)

و (ابن عراق) في (تنزيه الشريعة)

(2)

، كما حكم بوضعه ابن القيم في (المنار)

(3)

وأقرَّه الشيخ علي القاري في (موضوعاته الكبرى)

(4)

، وهكذا حكم بوضعه (ابن طاهر) في (تذكرته)

(5)

وغيره من الحفاظ المتأخرين اللذين نقلوا عن (ابن الجوزي) الحكم على هذا الحديث بالوضع وأقرَّوه ولم ينقدوه، ومنهم (السيوطي) نفسه في (أعذب المناهل) ولكن لعل هذا الحديث وغيره من الأحاديث الموضوعة التي ضمها الجامع الصغير الذي صانه مؤلفه عن كل ما تفرد بروايته وضَّاع أو كذاب، قد دسها بعض النسَّاخين لهذا الكتاب، أو لعل الإمام (السيوطي) نفسه كان قد ذكره في كتابه هذا على أساس أنه سيغربل كتابه ويزيل ما لا يصح أنه على شرطه فوافقته منيته قبل أن يتمكن من ذلك، لأنه مات ولم يكن قد جاوز الثانية والستين سنة من عمره.

•ومن الأحاديث التي ذكرها الإمام السيوطي رحمه الله في كتابه الجامع الصغير، وليست صحيحة ولا حسنة ولا ضعيفة، وإنما هي من الأحاديث الدارجة على ألسنة الناس أو مذكورة في كتب الفقه ولا أصل لها عند علماء السنة النبوية المطهرة حديث (اختلاف أمتي رحمة) فهذا الحديث أو هذه الجملة لم يعثر لها علماء الحديث على أصل من أصول السنة النبوية، لا في الصحاح ولا في السنن ولا في المعاجم ولا في المستندات، بل ولا في المستدركات ولا في الأجزاء ولا في أيِّ كتاب من كتب الحديث المسندة، بل ولا عرف الحفاظ لهذا الحديث أو لهذه الجملة سنداً ولا اسماً للراوي ولا للمخرج لهذا الحديث أبداً لا في كتب المتقدمين ولا في كتب المتأخرين ولا في كتب المحدثين المعاصرين.

وقد راجعت الجامع الكبير للسيوطي نفسه فوجدته يأتي بالعبارات التي أتى بها في (الجامع الصغير) عقب ذكره لهذا الحديث، وهي: نص المقدسي في (الحجة) والبيهقي في (الرسالة الأشعرية) بغير سند، وأورده الحكيمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم، ولعله خُرِّج في بعض كتب الحفاظ)، وهكذا راجعت (كنز العمال) للمتقي الهندي فوجدته قد ذكر هذا الحديث المزعوم في (حرف الفاء) في الباب الذي عقده لذكر الأحاديث الواردة في فضل العلم والعلماء، ولم يذكر من خرَّجه ولا من رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم بل أتى بنفس العبارة التي ذكرها (السيوطي) في الجامع الكبير وفي الجامع الصغير، وهكذا لم يعثر من جاء بعدهم من شراح الجامع الصغير، لا (العزيزي) مؤلف (السراج المنير)، ولا (المناوي) مؤلف (فيض القدير) ولا غيره ممن علق على هذا الحديث أو شرحه ولا من ألف في الأحاديث الدارجة على ألسنة الناس والمشهورة بين الناس، بل بالعكس حيث المناوي ينقل عن السبكي أنه (أي السبكي) لم يقف على سند لهذا الحديث لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا موضوع، وأن الشيخ (زكريا الأنصاري) قد أقرَّه على هذا القول في تعليقه على تفسير البيضاوي رحمه الله، وممن صرح بأنه لا أصل لهذا الحديث الحافظ (ابن حجر العسقلاني) في (اللآلئ المنثورة) و (المحقق المقبلي) في (العلم الشامخ) كما صرح بأنه موضوع الحافظ (ابن حزم الظاهري) في (الأحكام) و (الملا علي القاري) في (موضوعاته الكبرى) و (الحافظ الغماري) في (المغير على موضوعات الجامع الصغير) والحافظ (الألباني) في (ضعيف الجامع الصغير) وفي (الأحاديث الضعيفة والموضوعة) وفي (هامش صفة صلاة النبي) صلى الله عليه وسلم وفي مجلة الوعي الإسلامي وغيرهم من حفاظ السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.

(1)

اللآلئ المصنوعة ج 2 - ص (210).

(2)

تنزيه الشريعة ج 2 - ص (327).

(3)

- ص (21).

(4)

- ص (108، 107).

(5)

ص (172).

ص: 787

• ومن الأحاديث التي ذكرها الإمام (السيوطي) في (جامعه الصغير) الذي صرح في مقدمته بأنه لم يذكر في كتابه إلا ما كان صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً، وأنه قد صانه عما تفرد به وضَّأع أو كذاب، حديث جابر (من كثرت صلاته في الليل حسن وجهه بالنهار) مع أنه ليس من الأحاديث الصحيحة المرفوعة إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ولا من الأحاديث الحسنة بل ولا من الأحاديث الضعيفة أيضاً وإنما هو من الأحاديث التي نص عليها الحفاظ على أنها من الأحاديث التي وضعت على النبي صلى الله عليه وسلم بغير قصد من الواضع لها، وأنها ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل من كلام ثابت بن موسى الذي سمعه من شيخه (شريك)، قال الحاكم: إن ثابت دخل على شريك وهو يملي ويقول حدثنا الأعمش عن سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكت ليكتب المستملي فلما نظر إلى ثابت قال (من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وقصد بذلك ثابتاً لزهده وورعه فظن ثابت أنه متن ذلك الإسناد فكان يحدث به،

وقد تبع صاحب (المقاصد) من جاء من بعده ممن ألف في الأحاديث الدارجة على الأسنة كـ (الديبع) في (تمييز الطيب من الخبيث)

(1)

و (العجلوني) في (كشف الخفاء)

(2)

و (الحوت البيروتي) في (أسنى المطالب)

(3)

وغيرهم، كما عد هذا الحديث من الموضوعات الصاغاني في موضوعاته

(4)

وتبعه من جاء بعده ممن ألف في الموضوعات مثل (ابن الجوزي) في موضوعاته الكبرى

(5)

و (الشوكاني) في الفوائد المجموعة

(6)

والأستاذ (نجم الدين خلف) في تعليقاته على موضوعات الصاغاني

(7)

و (الملا علي القاري) في المصنوع

(8)

و (الغماري) في المغير على موضوعات الجامع الصغير

(9)

وغيرهم، وقد مثل بهذا المثل للحديث المصنوع من غير قصد (بعض) من ألف في علم مصطلح الحديث، و (النووي) في التقريب و (زين الدين العراقي) في الألفية وغيرهم، وقد نقل (المناوي) في الفتح أن المحدثين لا يثبتون هذا الحديث كما نقل عن (العقيلي) أنه قال في هذا الحديث:(باطل لا أصل له) ولم يتابع ثابتاً عليه ثقة، وأطنب (ابن عدي) في رده على من زعم أن هذا الكلام من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقال (أي ابن عدي) أنه حديث منكر، مثلوا به للموضوع غير المقصود، وممن مثل به (العراقي) في متن الألفية وقال: لا أصل له ولم يقصد به ثابت وضعه إلى آخر ما قاله (المناوي) في فيض القدير

(10)

وقال المناوي أيضاً: ومن أعجب العجاب أن المؤلف (أي السيوطي) مؤلف الجامع الصغير قال في كتابه (أعذب المناهل) أن الحفاظ حكوا على هذا الحديث بالوضع وأطلقوا على أنه موضوع هذه عبارته

(11)

فكيف يورده في كتاب ادعى أنه صانه عما تفرد به وضَّاع، وأورده (ابن الجوزي) في الموضوعات، وقال الذهبي: فيه ثابت بن موسى الظبي الكوفي (العابد)، قال (يحيى بن معين) كذاب. وقال غيره خبر باطل، وقال الحاكم: هذا لم يثبت عن المصطفي صلى الله عليه وسلم

(1)

ص (168)

(2)

ص

(3)

- ص (230)

(4)

- ص (48)

(5)

- فيض القدير ج (6) ص (213).

(6)

ص (35).

(7)

- ص (48).

(8)

- ص (192).

(9)

ص (192).

(10)

- الباعث الحثيث ص (77)

(11)

- فيض القدير ج (6) ص (213).

ص: 788

ولم ينطق به قط علماء الحديث

(1)

وقال الشوكاني: تواردت أقوال الأئمة على عدِّ هذا الحديث في الموضوعات على سبيل الغلط لا التعمد، وقال (ابن حجر الهيتمي المكي) في فتاواه الحديثية: أطبقوا على أنه موضوع مع أنه في (سنن ابن ماجة)

(2)

، وقال السخاوي عن هذا الأثر في (المقاصد الحسنة): لا أصل له، كما قال أيضاً: اتفق أئمة الحديث (ابن عدي، والدارقطني، والعقيلي، وابن حبان، والحاكم) على أنه من قول شريك قاله لثابت لما دخل عليه، وقال ابن عدي: سرقه جماعة من ثابت كـ (عبدالله بن شبرمة الشريكي وعبد الحميد بن بحر) وغيرهما

(3)

.

ومنهم من مثل به للحديث (المدرج) من كلام الراوي مثل (السيوطي) نفسه في (تدريب الراوي شرح تقريب النووي) و (ابن حجر العسقلاني) مؤلف (النخبة) و (شاكر) مؤلف الباعث الحثيث

(4)

، و (صبحي الصالح) مؤلف علوم الحديث

(5)

و (نورالدين عتر) مؤلف منهج النقد في علوم الحديث

(6)

.

والخلاصة:

أن حفاظ السنة النبوية قد أجمعوا على أن هذه الجملة التي جعلها السيوطي من جملة الأحاديث النبوية المبدوءة بحرف (الميم) من الجامع الصغير ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام ثابت.

ولكنهم اختلفوا في النوع الذي يمكن دخولها فيه، فمنهم من جعل كلام ثابت نوع (المدرج) كـ (ابن حجر العسقلاني وشاكر وصبحي والإمام السيوطي نفسه في التدريب)، ومنهم من جعله من الموضوع وهم الأكثر كـ (الحاكم والعقيلي وابن عدي والدارقطني والصاغاني وابن الجوزي وابن الصلاح والنووي والعراقي والمناوي والسخاوي وابن حجر الهيتمي والديبع والعجلوني والشوكاني والبيروتي ونجم الدين خلف والقاري والغماري)، ومنهم السيوطي نفسه في أعذب المناهل.

ولكن لعل هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي ضمها الجامع الصغير الذي صانه مؤلفه من كل ما تفرد بروايته وضَّاع أو كذاب قد دسها بعض النساخين لهذا الكتاب أو لعل الإمام السيوطي نفسه كان قد أدخلها في كتابه هذا على أساس أنه سيغربل كتابه ويزيل ما لا يصح أنه على شرطه فوافته منيته قبل أن يتمكن من ذلك لأنه مات ولم يكن قد جاوز الثانية والستين سنة من عمره.

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

(1)

فيض القدير ج (6) ص (213).

(2)

صفحة (422) ج 1 - .

(3)

المقاصد الحسنة ص (5 42) وص (426).

(4)

ص (77)

(5)

- أنظر علوم الحديث.

(6)

- ص (425).

هذا وممن جزم بأنه من المدرج ابن حبان كما في توضيح الأفكار للسيد (محمد الأمير الصنعاني) ج 2 - ص (67).

ص: 789

خلاصة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم

اعلم أن الحوادث التي وقعت في أيام النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً، وسأذكر لك أهمها فيما يلي:

• قبل أن يهاجر النبي إلى المدينة في يوم الإسراء والمعراج فرضت الصلوات الخمس، وكما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج المشهور.

(1)

في السنة الأولى من الهجرة

شرع الأذان والإقامة.

وفيها صلى النبي أول صلاة جمعة.

وخطب أول خطبة، وأول جمعة كانت في وادي (وابورى) بين المدينة وقباء.

أما أول من صلى جمعة من الأنصار فهو (اسعد بن زرارة).

وفيها كانت أول صلاة على ميت في الإسلام.

وأول من صلى النبي على جنازته (اسعد بن زرارة).

وأول من صلى النبي على قبره (البراء بن معرور).

وفيها أيضاً عمر النبي صلى الله عليه وسلم المسجد النبوي بعد مسجد (قباء) الذي هو أول مسجد عمر بعد الهجرة.

وقد كان عمر مسجد (قباء) قبل وصوله إلى المدينة، وكان مسجد (قباء) أول مسجد عمر بعد الهجرة.

وفيها زيد في صلاة الحضر أربعاَ، وقد كانت الصلاة كلها مثنى مثنى، منذ أن شرعت يوم الإسراء بمكة، فلما انتقل النبي مهاجراً، أصبحت العشاء والعصران أربعاَ، وقيل إنما كان ذلك في الثانية.

وفيها صام النبي عاشوراء، قبل أن يشرع صوم رمضان.

وفيها آخى النبي بين المهاجرين والأنصار، وعمل المعاهدة بين المسلمين واليهود.

(2)

وفي السنة الثانية

شرع صوم رمضان، ونسخ وجوب صوم يوم عاشوراء، وبقى مسنوناً.

وكذلك شرعت زكاة الأموال وزكاة الفطر.

وشرع الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى.

وشرعت صلاة العيدين.

واستقبال الكعبة بدلاً عن بيت المقدس، وفيها تزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه بفاطمة الزهراء رضي الله عنها.

وفيها دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها، وذلك بعد غزوة بدر.

وفيها كانت غزوة (بني قينقاع) وذلك في شوال.

وفي شهر رجب، جهز النبي صلى الله عليه وسلم (عبدالله بن جحش) رضي الله عنه في السرية التي قتل فيها أول من قريش، وأول أسير، وأول غنيمة غنمها المسلمون، وأول خمس في الإسلام.

وكتب النبي صلى الله عليه وسلم المعاقل، وهي الديات.

ص: 790

وقتل (ذو الشمالين) ببدر.

وفيها توفيت (رقية) بنت النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

وفي السنة الثالثة

ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما.

وغزوة أحد ثم حمراء الأسد ثم بني النضير ثم سرية الرجيع، ثم بئر معونة.

وفيها تزوج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة وزينب بنت خزيمة رضي الله عنها.

وتزوج عثمان أم كلثوم رضي الله عنها.

وفيها نزل حكم الحجاب (على القول الضعيف)

وفيها استشهد (سعد بن الربيع) رضي الله عنه، وقسمت تركته على الفرائض الشرعية، وهي أول تركة في الإسلام.

(4)

وفي السنة الرابعة

نزول مشروعة الحجاب (على القول الصحيح)

ورخصة التيمم.

وقصة الإفك.

وتحريم الخمر (على قول).

وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بـ (أم سلمة) و (جويرية بنت الحارث) رضي الله عنهما.

ووقعت فيها غزوة ذات الرقاع، وبني المصطلق، والخندق، وقريظة.

(5)

وفي السنة الخامسة

كانت غزوة ورخصة التيمم، وقصة الإفك، وكذلك غزوة الخندق، وبني فريضة على بعض الأقوال.

وفيها شرعت صلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف، حيث كسف القمر في هذه السنة، و صلاة الكسوف كانت أول صلاة كسوف.

وفي السنة الخامسة، وقيل في السادسة أو التاسعة أوالعاشرة فرض الله الحج لمن استطاع إليه سبيلاً.

(6)

وفي السنة السادسة

شرعت صلاة الخوف على الأصح، وأول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي صلاته في (عسفان) آخر هذا العام.

وفي هذه السنة كانت بيعة الشجرة، والمعاهدة بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش.

وقصة كعب بن عجرة في الترخيص له في الحلق.

وظهار أوس بن الصامت من زوجته خولة وهو أول من ظاهر في الإسلام ونزل قوله تعالى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي

ص: 791

تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}

(1)

.

ونزول تحريم الخمر على قول (الدمياطي) وقيل السنة الثالثة وقيل السنة الرابعة.

وفيها اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم.

والأمر بامتحان المؤمنات المهاجرات، والنهي عن استبقاء الزوجات الوثنيات.

ونزول آية النهي عن الإمساك بعصم الكوافر قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا

آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}

(2)

.

وقصة العرنيين التي نزل فيها حكم المحاربين والمفسدين في الأرض.

وزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة رضي الله عنها.

(7)

وفي السنة السابعة

فيها عمرة القضاء، وغزوة خيبر.

‌تحريم أكل لحم الحمر الأهلية والبغال

‌تحريم زواج المتعة

.

مكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم للملوك.

اتخاذ الخاتم وقيل: على قول، وقيل: كان اتخاذ الخاتم في السنة السادسة.

ونوم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الوادي عن صلاة الفجر.

وفيها سمَّت اليهودية الشاة.

وقدوم رسولي (باذان) أمير اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من كسرى ملك الفرس، وكان فيها زواج النبي صلى الله عليه وسلم بصفية وميمونة رضي الله عنهما، ودخوله على مارية القبطية أم ولده إبراهيم.

وإسلام أبي هريرة رضي الله عنه وقومه.

وإسلام باذان أمير اليمن، وعمران بن حصين وقيل: أن إسلامه كان بمكة قبل الهجرة.

وقدوم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه من الحبشة.

وقدوم (أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط) رضي الله عنها مهاجرة من مكة إلى المدينة وهي أول امرأة مهاجرة.

وغزوة ذات القرى وغزوة السلاسل على قول، وقيل: في السنة الثامنة للهجرة.

وفيها قتل (شيرويه) والده كسرى وأبرويز ملك الفرس.

(1)

- المجادلة: آية (1)

(2)

- الممتحنة: آية (10)

ص: 792

وفيها وضع منبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: في السنة الثامنة، وقيل غير ذلك.

وفيها رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته (زينب) إلى زوجها (أبي العاص ابن الربيع) رضي الله عنهما.

(8)

وفي السنة الثامنة

كان فتح مكة، وسرية الخبط، وسرية العنبر أو سيف البحر.

وفيها كانت غزوة مؤتة وهي أول حرب بين الرسول صلى الله عليه وسلم والعجم.

وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن.

وفيها غزوة أوطاس وحنين والطائف.

وقدوم وفد عبد القيس من البحرين على أحد الأقوال.

وتحريم نكاح المتعة للمرة الأخيرة تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة.

وقصة عبدالله بن زمعة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم الولد للفراش.

وتعيين النبي صلى الله عليه وسلم (عتاب بن أسيد) أميراً على مكة، و (أبا محذورة) مؤذناً بمكة، وفيها وفاة (زينب) بنت النبي رضي الله عنها.

وفيها أسلم أبو سفيان وزوجته هند وجمهور أهل مكة.

(9)

وفي السنة التاسعة

كانت غزوة تبوك.

وحج أبو بكر رضي الله عنه بالناس، وإعلان علي بن أبي طالب رضي الله عنه البراءة.

(10)

وفي السنة العاشرة

حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع.

(11)

وفي السنة الحادية عشرة

انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.

هذه خلاصة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الإيجاز، وأنصح بمطالعة (سيرة الحلبي) و (سيرة دخلان) و (بهجة المحافل) للعامري، تجد تفاصيل جميع ما ذكرته لك موجزاً.

ص: 793

السنة في لأمطار والسيول والرعد والبرق والاستسقاء

إلى أسرة برنامج فتاوى الأكارم:

ماذا يحب عليَّ من فعل أو قول في الحالات الآتية:

1 -

عند نزول المطر. 2 - عند سماع الرعد ورؤية البرق. 3 - عند تساقط البرَدَ. 4 - عند نزول المطر ليلة الجمعة. 5 - عند رؤية السيول الضخمة. 6 - عند نزول المطر بغزارة واستمراره حتى نشعر بالخوف من تهدم البيت.

7 -

هل الصلاة في المطر جائزة في البيت؟ وماذا عن جمع صلاة الظهر والعصر أو المغرب والعشاء؟

8 -

يوجد أناس يقولون أنه لا يستحب قراءة القرآن الكريم أثناء نزول المطر، فما صحة هذا؟.

الجواب

(1)

المشروع عند نزول المطر أن يقول الإنسان: (اللهم صَيِّبًا نَافِعًا)

(1)

، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ذالك كما في صحيح البخاري من حديث عائشة، وظاهره أنه كان يقول ذلك مرةً واحدة، ولكن الحديث في مصنف ابن أبي شيبة أنه كان يقول هذا القول مرتين أو ثلاثاً، فيحسن من القائل أن يقول هذا القول ثلاثاً عملاً بالأحوط.

(2)

المشروع للإنسان أن يقول إذا سمع الرعد أو الصواعق: (اللَّهُمَّ، لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ)

(2)

، لأن النبي كان يقول ذلك كما في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو وضعف النووي إسناده، ولكن أكثر العلماء يعملون بالحديث الضعيف في باب الأدعية والأذكار ولا سيما إذا كان الضعف خفيفاً، قال العلماء: وإنما كان يقول هذا القول، لأن احتمال الإهلاك والتعذيب بهذه الآيات الكونية أمر قريب وممكن، نسأل الله اللطف.

(3)

- وأما ما يقال عند سماع الرعد، فقد ورد حديث أخرجه أبو داود في (مراسيله) عن عبد الله بن أبي جعفر (قوما سمعوا الرعد فكبروا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم الرعد فسبحوا ولا تكبروا)، كما أنه قد أخرج (ابن أبي شيبة) عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول:(إذا سمع الرعد سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جريرعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد قال: سبحان من يسبح الرعد بحمده).

(4)

(5)(6) وأما عند نزول المطر بغزارة فالمشروع أن يقول الإنسان: (اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ، وَالظِّرَابِ، وَالْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ)

(3)

لأن النبي قال ذلك كما في البخاري ومسلم، وكذلك عند كثرة السيول العظيمة، ينبغي أن يقال

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الجمعة: باب مايقال إذا أمطرت. حديث رقم (974) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ، قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا)

أخرجه النسائي في الاستسقاء، وابن ماجه في الدعاء، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

لايوجد له مكررات.

(2)

-سنن الترمذي: كتاب الدعوات: باب مايقول إذا سمع الرعد. حديث رقم (2372) بلفظ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ قَالَ: اللَّهُمَّ، لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ)

أخرجه أحمد في مسند المكثرين.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الاستسقاء: باب الدعاء إذا تقطعت السبل من كثرة المطر. حديث يث رقم (1017) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَلَكَتْ الْمَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتْ السُّبُلُ، فَدَعَا فَمُطِرْنَا مِنْ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ، وَتَقَطَّعَتْ السُّبُلُ، وَهَلَكَتْ الْمَوَاشِي، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا، فَقَامَ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ، وَالظِّرَابِ، وَالْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، فَانْجَابَتْ عَنْ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ).

أخرجه مسلم في صلاةالاستسقاء، والنسائي في الاستسقاء، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع.

أطراف الحديث: الجمعة، الدعوات.

ص: 794

هذا القول ومن الممكن أن يقال عند تساقط البرَدَ، ولا فرق في الأقوال المذكورة أن المطر في ليلة الجمعة أو في أيِّ وقت.

(7)

والجمع بين صلاتي المغرب والعشاء أو بين صلاتي الظهر والعصر رخصة عند العلماء كما سبق الجواب مني مرار.

(8)

ولا وجه لقول من قال أنه لا يستحب قراءة القرآن عند نزول المطر فقراءة القرآن مستحبة في أيِّ وقت لم يرد النهي عن القراءة فيه، ومن ادعى عدم مشروعية قراءة القرآن عند نزول المطر فعليه الدليل.

وماذا يجب في الحالات الآتية:

(9)

الاستسقاء وكذلك الدعاء إلى الله تعالى باسم النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء والقرآن مثل: (بمحمد مُنّ علينا يالله بالأمطار، بعلي يالله من علينا بالأمطار، بالقرآن يالله من علينا بالأمطار .. إلخ)

10) يتم أخذ ثور ويدورون به في المناطق المجاورة للقرية ويدعون بهذه الأدعية بعد أن يكملوا صلاة الاستسقاء ويذبحون الثور أفتونا جزاكم الله خير، لأنه يوجد خلا ف كبير في القرية وغيرها من المناطق حول جواز ذلك وعدم جوازه؟

الجواب

(9)

المشروع في الاستسقاء أن يخرج الناس إلى جبانة أي (صحراء) كما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم يصلون ركعتين جماعة، ويخطب فيهم أحد الحاضرين من الخطباء الفضلاء يدعوهم إلى التوبة والإخلاص في رجوعهم إلى الله، وهم يذكرون الله ويكثرون من الإستغفار ويحولون رداءهم رجاء أن يغيثهم بالأمطار النافعة غير الضارة لحديث (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ)

(1)

، وأما التوسل بالأموات، فقد اختلف العلماء في جوازه، فمن العلماء من أجازه ومنهم من منعه لأنه من الشرك المحرم كما في قوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ

يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}

(2)

وقوله تعالى {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ

(1)

صحيح البخاري: كتاب الاستسقاء: باب تحويل الراء في الاستسقاء. حديث رقم (1012) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، يُحَدِّثُ أَبَاهُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ).

أخرجه مسلم في صلاة الاستسقاء، والترمذي في الجمعة، والنسائي في الاستسقاء، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في أول مسند المدنيين، ومالك في النداء للصلاة، والدارمي في الصلاة.

أطراف الحديث: الجمعة، الدعوات

(2)

منها ما يأتي:

1 -

الكهف: (110)

ص: 795

إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ

كَفَّارٌ}

(1)

وقوله تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}

(2)

وقوله تعالى {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}

(3)

وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}

(4)

وقوله تعالى {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}

(5)

، وأدلة المسألة مذكورة في المطولات، والأحوط هو القول بعدم جواز التوسل بالأموات لأن الله سميع قريب مجيب.

(10)

وأما ذبح الحيوانات فإن كان الذابحون يعتقدون أن ذبائح الحيوانات سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم وأنها مشروعةعلى جهة الوجوب أو أنها شرط من شروط صحة الاستسقاء فلا وجه لذلك الاعتقاد ولا دليل عليه، وإن كانوا قاصدين الصدقة بلحومها للفقراء والمساكين والطيور الجائعة ولم يقصدوا بالذبح أنها مشروعة على جهة الندب أو الوجوب أو الشرطية، فلا مانع من ذباحتها وإلا فلا.

(1)

- الزمر: آية (3)

(2)

- يونس: آية (18)

(3)

- الأعراف: آية (197)

(4)

- الأعراف: آية (194)

(5)

- الزمر: آية (45)

ص: 796

‌أسئلة عن مجموعة من الأحاديث

(1)

سؤال عن مجموعة من الأحاديث التالية:

س: قرأت في بعض الكتب أن من جوامع كلم المصطفى صلى الله عليه وسلم مما فيه خير الدنيا والآخرة الأحاديث التالية:

(1)

(زر غباً تزدد حباً)(2)(الحرب خدعة)

(3)(المؤمنون عند شروطهم)(4)(يد الله مع الجماعة)

(5)(تهادوا تحابوا)

(6)(ترك الشر صدقة)

(7)(خير الأمور أوسطها)

(8)

(كل ميسر لما خلق له)

(9)(الوحدة خير من جليس السوء)(10)(السعيد من وعظ بغيره)

(11)

(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)(12)(انتظار الفرج بالصبر عبادة)

(31)(المرء على دين خليله)

(14)

(لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)

(15)(لا خير في بدن لا يألم ولا يزكى)

(16)

(إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه)

ما صحة هذه الأحاديث؟ ومن أخرجها؟.

الجواب

حديث (زر غباً تزدد حباً) روي عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة عند البزار والبيهقي في (الشعب)، ولكنه بالرغم من كثرة طرقه فإنه ضعيف، ولكن السخاوي في (المقاصد الحسنة)، ونجم الدين الغزي في (صيانة الألسن) بعد ذكرهما لطرق الحديث، قالا: وبمجموعها يتقوى الحديث.

وحديث (الحرب خدعة) صحيح أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث جابر مرفوعاً.

وحديث (المؤمنون عند شروطهم، ما وافق الحق ذلك) صحيح، أخرجه الحاكم عن أنس وعن عائشة مرفوعاً.

وحديث (يد الله مع الجماعة) أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن، كما قال العلامة الغزي رحمه الله في كتاب (إتقان ما يحسن من الأحاديث الدارجة على الألسن)، والعلامة الغزي هو (نجم الدين محمد بن محمد الغزي) من علماء دمشق في القرن الحادي عشر في القرن الهجري.

وحديث (تهادوا تحابوا) أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) والطيالسي في (الكنى) عن أبي هريرة مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أخرجها أحمد والترمذي (تهادوا إن الهدية تذهب وحر الصدر)، ولا تحقرن جارة لجارتها ولو بشق فرسن شاة) وفي رواية ابن عساكر (تهادوا تحابوا، تصافحوا يذهب الغل بينكم) وعند الطبراني وابن عساكر عن عائشة (تهادوا تزداوا حباً، وهاجروا تورثوا أبناءكم مجداً، وأقيلوا الكرام عثراتهم).

وحديث (ترك الشر صدقة) لا أعلم بهذا اللفظ، ولكن قد ورد بمعناه وهو أن (من لم يستطع أن يفعل الخير فليكف عن الشر).

وحديث (خير الأمور أوسطها) وفي لفظ: (أوساطها) أخرجه السمعاني في (ذيل تاريخ بغداد) ولكن بسند فيه مجهول عن علي مرفوعاً، وله شاهد عند الديلمي عن ابن عباس وكلاهما فيه ضعف.

وحديث (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) أخرجه الطبراني عن ابن عباس، ومثله ما أخرجه الطبراني عن عمران بن حصين أيضاً بلفظ: اعملوا فكل ميسر لما يهدى إليه من القول).

وحديث (الوحدة خير من جليس السوء) أخرجه الحاكم وأبو الشيخ والعسكري عن أبي ذر مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: (الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، وإملاء الخير خير من الصمت،

ص: 797

والصمت خير من إملاء الشر) وله شاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه عند الديلمي.

وحديث (السعيد من وعظ بغيره) أخرجه مسلم عن ابن مسعود مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ (السعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه).

وحديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) أخرجه أبو داود الطاليسي وأحمد وأبو يعلى في (مسانيدهم) والدارمي والترمذي والنسائي وآخرون عن الحسن بن علي رضي الله عنهما بلفظ (دع ما يريبك إلى مالا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة) إلا أن النسائي لم يخرج الزيادة، وهي (فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة) قال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه ابن حبان.

وحديث (انتظار الفرج عبادة) أخرجه الترمذي وابن أبي الدنيا في (الفرج) عن سعد بن أبي وقاص، وأخرجه أيضاً أبو داود والنسائي والبيهقي في (الشعب) والعسكري في (الأمثال) والديلمي كلهم عن ابن مسعود مرفوعاً بلفظ (اسألوا الله من فضله فإن الله يحب أن يُسئل من فضله، وأفضل العبادة انتظار الفرج) وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في بعض حواشيه، لكن قال الترمذي عنه هكذا رواه حماد بن واقد وليس بالحافظ، (وقال البيهقي) تفرد به حماد، وليس بالقوي، وله (شواهد)، وأما اللفظ الذي ذكره السائل وهو زيادة (بالصبر) فقد أخرجه العسكري والقضاعي عن عبدالله بن عمر مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(انتظار الفرج بالصبر عبادة) وله شاهد عن ابن عباس عند القضاعي مرفوعاً بلفظ: (انتظار الفرج بالصبر عبادة).

وأما حديث (المرؤ مع خليله فلينظر أحدكم من يخالل) فأخرجه أبو داود كما في (كنز الحقائق).

وحديث (المؤمن يؤلف، ولا خير فيمن يألف ولا يؤلف) أخرجه أحمد عن سهل بن سعد، ورمز له السيوطي في (الجامع الصغير) بـ (الصاد والحاء)(صح).

وحديث (لا خير في بدن) ذكره السيوطي في (الجامع الصغير) بلفظ (لا خير في مال لا يرزأ منه، وجد لا ينال منه) أخرجه ابن سعد عن عبدالله بن عبيد الله بسند مرسل وضعفه.

وحديث (إذا أتاكم كريم قومٍ فأكرموه) أخرجه ابن ماجة عن ابن عمر مرفوعاً بسند ضعيف.

س: ما صحة حديث (تزوجوا صغاراً وحجوا كباراً)؟

جـ: هذا غير صحيح.

س: ما صحة الحديث القائل (عليكم بالمدن وإن جارت)؟

جـ: ليس بحديث.

س: ما صحة هذا الحديث (كل ذي عاهة شيطان)؟

جـ: غير صحيح.

س: ما صحة حديث (من رأيتموه يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)

(1)

؟

(1)

- سنن التررمذي: كتاب الإيمان: باب ماجاء في حرمة الصلاة. حديث رقم (2542) بلفظ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ الْآيَةَ)

أخرجه ابن ماجه في المساجد والجماعات، واحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الصلاة.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: يتعاهد: يتردد عليه ويعمره.

ص: 798

جـ: هذا حديث محفوظ موجود في الكتب بلفظ (إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ) لكن في سنده ضعف.

س: ما صحة حديث (من أضحك مصلياً فكأنما أبكى نبياً)؟

جـ: لا أصل له.

س: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) هل هذا حديث أم لا؟

جـ: هذا حديث صحيح بلفظ (مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ)

(1)

.

س: (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل) هل هذا حديث صحيح؟

جـ: هو ضعيف.

س: (من قرأ حم (الدخان) في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك) هل هو حديث صحيح؟

جـ: ضعيف.

س: ما صحة الحديث (من أضحك مصلياً فكأنما أبكاني)؟

جـ: لا صحة له.

س: نرجوا من فضيلتكم إرشادنا إلى بعض الكتب التي جمعت الأحاديث الموضوعة مع ذكر أسماء المؤلفين إن أمكن؟

جـ: (الموضوعات) لا بن الجوزي و (الآلئ المصنوعة) للسيوطي و (تنزيه الشريعة المرفوعة) لابن عراق الكناني و (تذكرة الموضوعات) لابن طاهر الفتني و (الفوائد المجموعة) للشوكاني و (النخبة البهية) للأمير المالكي و (اللؤلؤ الموضوع) للقاوقجي و (المصنوع) للملا على القاري.

س: ما رأيكم في الحديث الذي يقول: من قرأ سورة كذا فله كذا من الفضل هل هو صحيح أم لا؟

جـ: موضوع.

س: ما رأيكم في حديث (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد)

(2)

ومنها الطلاق، هل هو صحيح أم لا؟

جـ: جمهور المحدثين يحكمون على هذا الحديث الذي هوبلفظ (ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ، النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ

(1)

- سنن الترمذي: كتاب البروالصلة: باب ماجاء في الشكر لمن أحسن إليك. حديث رقم (1878) بلفظ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ)

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الطلاق: باب في الطلاق على الهزل. حديث رقم (1875) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ، النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ)

أخرجه الترمذي في الطلاق، وابن ماجه في الطلاق.

معاني الألفاظ: الرجعة: ارجاع المطلقة إلى النكاح من غير عقد جديد.

ص: 799

وَالرَّجْعَةُ) أنه صحيح، وجمهور الفقهاء يقولون بأن طلاق الهازل يقع ومنهم الهادوي والزيدي.

س: ما صحة حديث (صلوا صلاة مودع) الذي يقوله الإمام قبل الشروع في الصلاة بالناس؟

جـ: لا أدري هل هو صحيح أم لا.

س: ما صحة حديث (كرامة الميت دفنه)؟

جـ: هذا ليس بحديث، لكن معناه قد وردت به أحاديث، وهو سرعة المبادرة إلى دفن الميت.

كذب حديث (أكثر منافقي أمتي قراؤها)

س: حديث (أكثر منافقي أمتي قراؤها) ما مدى صحته؟

جـ: من أين نقلتم هذا الحديث.

ضعف حديث (من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشر عقوبة ست منها في الدنيا وثلاث عند الموت وثلاث في القبر وثلاث عند خروجه من القبر)

س: ما صحة حديث (من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشر عقوبة، ست منها في الدنيا، وثلاث عند الموت، وثلاث في القبر، وثلاث عند خروجه من القبر)؟

جـ: هذا حديث ضعيف وفي كتب الحديث من الأحاديث الصحيحة ما يغني عنه.

س: سمعنا دعاء من أحد الناس وهو (كمثل شجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار) هذا الدعاء يقرأ عندما يصاب الإنسان في جسمه وخاصة في جلده أي مرض ويقال في آخر الدعاء (مالها من قرار) سبع مرات، ثم ينفث في يديه ويمسح بها على مكان الألم ويقرأ الفاتحة هل هذا الدعاء صحيح؟ وهل في علمكم ورد غير هذا الدعاء؟

جـ: هذا لا أصل له.

‌حديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)

س: ما صحة حديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)؟

جـ: هذا الحديث أخرجه أبو داوود رحمه الله وهو مرسل والمرسل من قسم الضعيف لكن العلماء قد تقبلوه واشتهر على ألسنتهم مع كونه مرسلاً.

حديث (إذا ابتلت النعال فصلوا في الرحال) لا أصل له في الأمهات

س: ما صحة هذا الحديث (إذا ابتلت النعال فصلوا في الرحال)؟

جـ: هذا الحديث وجدته في (كتاب الشفاء للأمير الحسين أحد مؤلفي الفقه الهادوي الزيدي) ولم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث لا في الأمهات ولا في غيرها، لكن بمعنى هذا الحديث حديث ابن عباس: أنه أمر المنادي أي

ص: 800

المؤذن أن يقول في أيام المطر الذي ينزل وقت دخول وقت الصلاة (أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ)

(1)

‌حديث (أرغب الرغائب دعاء غائب لغائب) لا أصل له في كتب الحديث

س: ما صحة هذا الحديث (أرغب الرغائب دعاء غائب لغائب)؟

جـ: لم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الحديث لكن ورد بمعناه وهو حديث أن الدعاء مستجاب من الغائب للغائب.

‌كذب حديث (إذا سئلتم بالله فاخرجوا من دياركم)

س: ما صحة حديث (إذا سئلتم بالله فاخرجوا من دياركم)؟

جـ: هذا الكلام غير صحيح.

‌قول (أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا)

س: ما صحة القول (أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تركها غرق وهوى)؟

جـ: هذا حديث ضعيف.

‌أفضل كتب الجرح والتعديل كتاب الجرح والتعديل لـ (ابن أبي حاتم)

س: ما هو أفضل كتاب في الجرح والتعديل؟

جـ: (كتاب الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم، و (الميزان للذهبي) و (التهذيب) لابن حجر، و (الخلاصة) للخزرجي.

‌ضعف حديث (المؤمن إذا قال صدق وإذا قيل له صدق)

.

س: ما صحة حديث (المؤمن إذا قال صدق، وإذا قيل له صدق)؟

جـ: هو موجود في الكتب لكن سنده ضعيف.

‌‌

‌كذب حديث (الحديث في المسجد في غير ذكر الله يأكل الحسنات)

س: ما صحة حديث (الحديث في المسجد في غير ذكر الله يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)؟

جـ: هذا الحديث موضوع وليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

‌القول (اتق شر من أحسنت إليه) ليس بحديث

س: ما قولكم في القول (اتق شر من أحسنت إليه)؟

جـ: ليس بحديث.

‌قول (الكبرعلى أهل الكبر صدقة) ليس بحديث

س: هل هذا حديث (الكبر على أهل الكبر صدقة)؟

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأذان: باب الأذان للمسافر إذا كانوا في جماعة والإقامة. حديث رقم (596) بلفظ (حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ: أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ، أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ)

أخرجه مسلم في صلاة المسافرين، والنسائي في الأذان، وأبوداود في الصلاة، وأحمد في مسند المكثرين. ومالك في النداء للصلاة.

معاني الألفاظ: الرحال: البيت والمنازل.

ص: 801

جـ: هذا ليس بحديث نبوي.

‌تحريم قول الإنسان بجاه الله

س: ما حكم من يقول بجاه الله؟

جـ: لا يجوز أن يقول بجاه الله.

‌اليهود أصحاب ديانة سماوية لكنهم قد حرفوا وبدلوا الشريعة السماوية

س: هل اليهود أصحاب ديانة سماوية؟

جـ: نعم، لكنهم قد حرَّفوا وبدَّلوا الشريعة السماوية.

‌قول (الحسنة تخص والسيئة تعم) ليس بحديث

س: هل هذا حديث (الحسنة تخص والسيئة تعم)؟

جـ: ليس هذا حديث.

‌عدم جواز العمل بأفعال وأقوال المسحور الذي لا يعقل ما يعمله وما يقوله

س: هل يؤاخذ المسحور بأقواله وأفعاله؟

جـ: إذا قد بلغ السحر في المسحور حد أقصى وأصبح المسحور لا يعقل ما يعمله ولاما يقوله وصار مثل المجنون فإنه لا يؤاخذ كما لا يؤاخذ المجنون والله أعلم.

‌قول (الحي أفضل من الميت) ليس بحديث

س: ما صحة القول (الحي أفضل من الميت)؟

جـ: قال العلامة نجم الدين الغزي مؤلف كتاب (إتقان ما يحسن بذكر الأحاديث الدارجة على الألسن) كما نقله عنه مؤلف كتاب (كشف الخفاء) ما نصه: (الحي أفضل من الميت) ليس بحديث ولا يصح معناه على الإطلاق بل إن أريد به الحي إذا تساوى مع الميت في فضله كالإسلام والعلم كان الحي أفضل من الميت بما يكسبه بعده من الأعمال، قال: معناه صحيح، وذكر لذلك شاهدين مرفوعين الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدلان على أن من كانوا متساوين في الإسلام ومات أحدهم قبل الآخرين فإن أجر من تأخر موتهم أكثر ودرجتهم عند الله أعظم لكونهم عاشوا بعده مدة صلوا فيها وصاموا في الوقت الذي كان أولهم موتا قد انقطع عمله بموته وصار تحت التراب طيلة المدة التي كان المتأخر موته يصلي ويصوم.

ص: 802

‌أسئلة عن مجموعة أخرى من الأحاديث

(2)

فضيلة العلامة الوالد (محمد بن إسماعيل العمراني) ــ حياكم الله ــ جاء في بعض الكتب أحاديث نبوية شريفة من مثل الأحاديث الآبية:

(من كنوز البر كتمان الصدقة والمرض والمصيبة).

(داووا مرضاكم بالصدقة).

(حصنوا أموالكم بالزكاة). (صدقة السر تطفئ غضب الرب). (الحمى رائد الموت)(الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)(اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله). فهل هذه الأحاديث صحيحة؟ أفيدونا عنها وعمن رواها وأخرجها لتعم الفائدة جميع الناس، ولكم الجزيل من المولى عز وجل.

الجواب عن السؤال الأول: أن حديث (من كنوز البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة) أخرجه أبو نعيم في (الحلية) عن ابن عمر بسند ضعيف.

والجواب عن السؤال الثاني: وهو أن حديث (داووا مرضاكم بالصدقة) قد أخرجها الطبراني من حديث أبي أمامة، وأخرجه الديلمي عن ابن عمر بزيادة (فإنها تدفع عنكم الأمراض)، وله شواهد كثيرة ولكنها ضعيفة.

والجواب عن السؤال الثالث: وهو عن حديث (صدقة السر تطفئ غضب الرب) أخرجه الطبراني في (الصغير) من حديث عبدالله بن جعفر مرفوعاً، وفي (سنده)(أصرم بن حوشب) وهو ضعيف جداً، وله شواهد كثيرة ولكنها ضعيفة.

والجواب عن السؤال الرابع: وهو (حصنوا أموالكم بالزكاة) أخرجه البيهقي في (الشعب) عن أبي أمامة مرفوعاً (حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة) وفي سنده فضالة بن جبير صاحب مناكير، وهو حديث ضعيف، وله شواهد ضعيفة.

والجواب عن السؤال الخامس: وهو عن حديث (الحمى رائد الموت) أخرجه أبن السني في (الطب) عن أنس مرفوعاً وله شواهد، وقد قال السخاوي في (المقاصد الحسنة) وبالجملة فهو حديث حسن.

والجواب السادس: وهو عن حديث (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فالحديث صحيح بلفظ (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِر)

(1)

، وقد غلط العلماء الصاغاني الذي جعله من الأحاديث الموضوعة في رسالته التي ألفها في (الموضوعات)، وكيف لا يغلطه العلماء وقد أخرجه من هو أعلم منه وأعرف وأقدم ألا وهو الأمام مالك بن أنس في (الموطأ) والإمام مسلم بن الحجاج في (الصحيح) والإمام الترمذي في (سننه) وقال حسن صحيح وهو من مرويات أبي هريرة مرفوعاً.

والجواب عن السؤال السابع: وهو عن حديث (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) فقد أخرجه الترمذي والطبراني من حديث أبي أمامة وله شواهد، وكلها ضعيفة، هذا موجز عما قاله العلماء عن هذه الأحاديث الواردة في السؤال، من أراد الإطلاع على ما قيل في هذه الأحاديث فليطلع على كتاب (المقاصد الحسنة في كثير من الأحاديث الدارجة على الألسنة) للحافظ السخاوي أو كتاب (إتقان ما يحسن من الأحاديث الدارجة على الألسن)

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الزهد والرقاق: حديث رقم (5256) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ)

أخرجه الترمذي في الزهد، وابن ماجه في الزهد، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

لايوجد له مكررات.

ص: 803

للحافظ الغزى وغيرها من الكتب المؤلفة في الأحاديث المشتهرة عند المتأخرين.

‌أسئلة عن مجموعة أخرى من الأحاديث

(3)

السؤال هل حديث:

1 ـ (تجاوز عن ذنب السخي) صحيح أم لا؟

2 ـ وكذا حديث: (اطلبوا الخير عند حسان الوجوه)؟

3 ـ وحديث: (طعام البخيل داء)؟

4 ـ وحديث: (لا تعلموهن الكتابة (أي النساء)؟

الجواب:

حديث (تجاوزوا عن ذنب السخي فإنه كلما عثر أخذ الله بيده) حديث ضعيف وإن كان ابن الجوزي في (موضوعاته الكبرى)، والصاغاني في (موضوعاته) وأحمد الغماري في على (المغير على موضوعات الجامع الصغير) قد عدُّوه من الموضوعات وليس بموضوع، بل ضعيف لشواهده وذلك لأن السيوطي قد تعقب ابن الجوزي في (اللآلئ المصنوعة) بأن له شواهد تخريجه من الموضوع إلى الضعيف.

كما أن الأستاذ نجم الدين عبد الرحمن خلف في تعليقاته المفيدة على (الموضوعات للصاغاني) قد ذكر له شواهد تدل على ما دل عليه هذا الحديث، وقال: أعتقد أنه ليس من اللائق أن يحكم على هذا الحديث بالوضع بعد سرد هذه الطرائق بل هو بعيد عن ذلك بكثير، و قصارى ما يقال فيه أنه ضعيف، كما تعقبه أيضا الشيخ (عبدالعزيز الغماري) وذلك في كتابة وإنما اقتصر بالحكم بالضعيف فقط، ولم يتجاوز إلى الحكم بالوضع لأن في سنده (بشير بن عبدالله الدارسي) وهو ضعيف، والمعروف عن ابن الجوزي والصاغاني والشيخ (أحمد الغماري) أنهم من المتشددين.

حديث (اطلبوا الخير من حسان الوجوه) قال عنه السيوطي: أنه حسن أو صحيح وبعكس هذا الحكم حكم عليه آخرون من الحفاظ بأنه (موضوع) كابن طاهر المقدسي الفتنى في (تذكرة الموضوعات) وابن الجوزي في (موضوعاته الكبرى)، وتابعهما ابن تيمية وتلميذه ابن القيم حيث قال عنه ابن تيمية: أنه موضوع، وقال ابن القيم: إنه باطل، وعده من الموضوعات من العلماء المتأخرين السندرسي الطرابلسي في (الكشف الإلهي عن شديد الضعف بوضعه) وبين من حكم بصحته حيث حكم على طرقه كلها بأنها ضعيفة فقط.

والخلاصة: هي أن من حكم بوضعه أستند إلى أن في سنده (الحكم بن عبدالله الإيلي) وكان يضع الحديث، كما أن في سنده (محمد بن يوسف الكيعي) وقد تكلم فيه الذهبي في (الميزان) و ابن حجر في كتاب (لسان الميزان)، ومن ضعفه نظر إلى أنه قد ورد من طرق أخرى ضعيفة، فرجح القول بضعف الحديث ضد من قال بوضعه كما لا يخفى على من طالع تعليقات الدكتور (محمد زكار) على (الكشف الإلهي في شديد الضعف) والموضوع والواهي (للسندرسي) رحمه الله.

حديث (طعام البخيل داء وطعام السخي دواء) وأن هذا الحديث أخرجه ابن عدي من حديث مالك في (غرائبه) عن نافع عن ابن عمر، وقال ابن عدي عنه: إنه لا يثبت، وان فيه مجاهيل وضعفاء وأنه باطل، وقال عنه الذهبي في (الميزان) وابن حجر في (اللسان) إنه كذب، ونقل السخاوي في (المقاصد الحسنة) عن شيخه (ابن حجر) أنه قال في هذا الحديث: إنه حديث منكر، وهكذا نقل عن (ابن حجر) القول بأنه منكر (الملا علي القاري) في (الأسرار المرفوعة)، هذا، وقد حكم على هذا الحديث بالوضع جماعة ممن ألفوا في الموضوعات من الحفاظ المتأخرين، وذلك كـ (القاري) في (الأسرار المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة) و (القاوقجي) في (اللؤلؤ المرصوع

ص: 804

في ما قيل فيه لا أصل له أو بأصله موضوع) و (الأزهري المالكي) في كتاب (تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين) والشيخ أحمد الغماري في كتاب (المغير على موضوعات الجامع الصغير) والألباني في (ضعيف الجامع الصغير) وسبقهم إلى الحكم بالوضع الذهبي في (الميزان) وابن حجر في (اللسان) و السندرسي في (الكشف الإلهي).

حديث (لا تعلموهن الكتابة) ــ أي النساء ــ ولا تسكنوهن في الغرف وعلموهن، سورة النور) إن هذا الحديث موضوع كما نقل عن الجماعة من الحفاظ كـ (الذهبي) في (الميزان) ونقله عنه (الألباني) في الجزء الثاني من المجلد الأول من كتابه (الأحاديث الضعيفة) استطراداً ومؤيداً الحكم عليه بأنه معارض للحديث الصحيح الذي فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض النساء بأن تعلم بعض أمهات المؤمنين، هذا وممن حكم على هذا الحديث بالوضع ابن الفتنى الهندي في (تذكرة الموضوعات) محتجاً بأن في سنده وضاعاً ومتروكاً.

والخلاصة لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيم يلي:

حديث (تجاوزوا عن ذنب السخي فإنه كلما عثر أخذ الله بيده) في سنده (بشر بن عبدالله الدارسي) وهو ضعيف، وقد حكم عليه بالوضع ابن الجوزي و الصاغاني وأحمد الغماري كما ضعفه السيوطي وعبد العزيز الغماري ونجم الدين عبدالرحمن خلف والألباني في (ضعيف الجامع الصغير)

حديث (طلبوا الخير عند حسان الوجوه) موضوع عند ابن الجوزي وابن طاهر المقدسي وابن تيمية وابن القيم االجوزي والسندرسي، وصحيح ٍأو حسن عند السيوطي، وضعيف عند العراقي.

حديث (طعام البخيل داء وطعام السخي دواء) موضوع عند ابن عدي والذهبي وابن حجر والسندرسي والقاري والقاوقجي والأزهري المالكي والألباني وأحمد العماري.

حديث (لا تعلموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف) موضوع عند الذهبي وابن طاهر الفتني الهندي والألباني.

ص: 805

‌أسئلة عن مجموعة أخرى من الأحاديث

(4)

فضيلة الوالد العلامة (محمد بن إسماعيل العمراني)

حياكم الله.

جاء في بعض الكتب أن هناك أحاديث مروية عن الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم من مثل الأحاديث الآتية، ويقال أنها من جوامع تشبيهاته وتمثيلاته صلى الله عليه وسلم:

(1)

(أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)(2)(مثل أصحابي كالملح لا يصح الطعام إلا به)

(3)

(أمتي كالمطر، لا يدرى أوله خير أم آخره، أينما وقع نفع). (4)(عمالكم أعمالكم، وكما تكونوا يولى عليكم)(5)(الدال على الخير كفاعله)

(6)(إن للقلوب تصدأ كصدأ الحديد، وجلاؤها الإستغفار)

فما صحة هذه الأحاديث من عدمها؟ من رواها وأخرجها أفيدونا أفادكم الله.

الجواب:

حديث: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) أخرجه البيهقي وأسنده الديلمي بلفظ: (أصحابي بمنزلة النجوم في السماء بأيهم اقتديتم اهتديتم) وهو عند المحدثين ضعيف، ويغني عنه الأحاديث الصحيحة الواردة في كتب السنة المطهرة في مناقب الصحاب رضي الله عنهم منها حديث (لَا تَسبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ)

(1)

وأما حديث: (أصحابي كالملح لا يصلح الطعام إلا به) فأخرجه أبو يعلى عن أنس مرفوعاً بسند ضعيف.

وأما حديث: (أمتي كالمطر، لا يدرى أوله خير أم آخره) فقد أخرجه الترمذي وأبو يعلى والدارقطني عن أنس بن مالك مرفوعاً، وله شواهد عن ابن عمر وعن عمار رضي الله عنهما عند الطبراني، وأخرجه البزار عن عمران بن حصين، وأما قول النووي في فتاواه: أنه حديث ضعيف، فقد رده العجلوني بأن الحديث حسن ولعله إنما حسنه لكثرة شواهده (وليس فيه زيادة أينما وقع نفع).

وأما حديث: (كما تكونوا يولى عليكم) أو (يؤمر عليكم) وأخرجه البيهقي بلفظ (يؤمر عليكم) وبحذف أبي بكرة فيكون منقطعاً الطبراني عن الحسن البصري أنه سمع رجلاً يدعو على الحجاج فقال له: (لا تفعل إنكم من أنفسكم أُتيتم، وإنا نخاف إذا عُزِل الحجاج أو مات أن يتولى عليكم القردة والخنازير) فقد روي أن (أعمالكم عمالكم وكما تكونوا يولى عليكم).

وأما حديث: (الدال على الخير كفاعله) فقد أخرجه العسكري وابن منيع والمنذري عن ابن عباس مرفوعاً في حديث أوله (كل معروف صدقة والدال على الخير كفاعله، والله يحب إغاثة اللهفان) وأخرجه العسكري أيضاً عن بريدة مرفوعاً بلفظ: (الدال على الخير كفاعله) وهكذا بهذا اللفظ الترمذي والبزار عن أنس بن مالك رضي الله عنه وقال الترمذي غريب، وأخرجه الإمام مسلم بن الحجاج وأبو داود والترمذي وصححه عن أبي مسعود البدري بلفظ:(مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)

(2)

وله شاهد من حديث ابن مسعود.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب مناقب الصحابة: باب قوله لو كنت متخذا خليلاً. حديث رقم (3397) بلفظ (عَنْ أَبِي سعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا تَسبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ).

أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، والترمذي في المناقب عن رسول الله، وأبو داود في السنة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: المد: مكيال يقدر بملء الكفين ويعادل ربع الصاع.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب أوغيره. حديث رقم (3509) بلفظ (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: مَا عِنْدِي فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)

اخرجه الترمذي في العلم، وأبوداود في الأدب، وأحمد في مسند الشاميين.

لايوجد له مكررات.

معاني الألفاظ: أبدع بي: انقطع بي السبيل لموت دابتي.

ص: 806

وأما حديث: (إن للقلوب صدأ كصدأ الحديد، وجلاؤها الإستغفار) فلم أطلع عليه ولم أدر من رواه ولا من أخرجه ولا ما قيل فيه، لقصوري وقلة بضاعتي في علم الحديث الشريف الذي لم أوت من العلم به إلا قليلاً.

ص: 807

‌فتاوى حديثية

س: ما معنى تربت يداك؟

جـ: هي كناية عن الفقر أي لصقت يداك بالتراب فصارت كلمة عادية.

س: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أو كما قال: (من تزوج امرأة لمالها فلا بارك الله له في مالها)

جـ: الحديث الذي أخرجه ابن حبان من حديث أنس مرفوعاً هو بلفظ: (من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلاً، ومن تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقراً، ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة لم يتزوج إلا ليغض بصره أو يحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها) قال ابن الجوزي (موضوع) لأن في سنده (عبد السلام ابن عبد القدوس) يروي الموضوعات و (عمر بن عثمان) متروك وأقره الشوكاني في الفوائد المجموعة ولكن قد تعقب ابن الجوزي (السيوطي) في اللآلئ المصنوعة وابن عراق في تنزيه الشريعة بـ (أن عبد السلام) من رجال ابن ماجة، وأن أبا حاتم ضعفه ولم يحكم عليه بأنه (وضَّاع) و (عمر بن عثمان) هو الحمصي وليس هو الكلالي والمشهور بالوضع هو الكلالي، وأما الحمصي فليس مجروحاً فيكون الحديث عند السيوطي وابن عراق (ضعيفاً) لا (موضوعاً).

والخلاصة:

الحديث وارد عن أنس مرفوعاً عند الديلمي بلفظ غير اللفظ الوارد في السؤال.

الحديث من قسم الأحاديث الضعيفة وليس بصحيح عند المحدثين ولا موضوع كما قال ابن الجوزي.

ابن الجوزي حكم بوضعه لأن في سنده (عبد السلام ابن عبد القدوس وعمر بن عثمان).

وأن السيوطي وابن عراق قد نقدا ابن الجوزي بأن عمر هذا هو الحمصي وأن عبد السلام (ضعيف) لا (وضَّاع).

س: ما معنى عبارة (فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا)

(1)

التي وردت في الحديث؟

جـ: أي أن تدوم العشرة بينكما لأنه إذا رأى المخطوبة وهي رأت الخاطب فهو أحرى لرضا كل منهما بالآخر، ولكن لا يجوز أن يخلو الخاطب بامرأة مخطوبة ولا أن يسافرا معاً لا في سيارة ولا في قطار ولا في غيرهما، وإنما ينظر إليها بحضور وليها، أما الاجتماع بالخطيبة والخلوة بها فهو حرام ولا يجوز أن يذهبا الحديقة معاً أو يختلي بها في أي مكان.

س: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استغنى الرجال بالرجال فانتظروا القيامة)؟

جـ: اعلم أنه قد جاء في حديث أنس مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر أشياء من أمارات الساعة منها إذا استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال فبشرهم بريح حمراء تخرج من قبل المشرق فيمسخ بعضهم ويخسف ببعضهم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) أخرجه الديلمي وجاء في حديث آخر أخرجه الطبراني أن من علامات الساعة وأشراطها أن يستغني الرجال بالرجال والنساء بالنساء واستغناء الرجال بالرجال كناية عن اللواط وهو ما يسمى

(1)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة. حديث رقم (1087) بلفظ (عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي بنفس الرقم.

أخرجه النسائي في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في النكاح.

معاني الألفاظ: أحرى: أجدر وأولى. يؤدم: يوفق ويؤلف والمراد المودة والمحبة.

ص: 808

في هذا العصر بالشذوذ الجنسي وهو من المحرمات القطعية الوارد تحريمها في الكتاب والسنة النبوية المطهرة وأجمع على التحريم علما ء المسلمين رحمهم الله تعالى، واستغناء النساء بالنساء كناية عن السحاق، والسحاق: هو مباشرة المرأة المرأة بأن تعرك إحداهما فرجها بفرج الأخرى وهو محرم بنص الحديث الصحيح الآتي وبإجماع المسلمين وتعزرا من صح شرعاً صدور ذلك منهما بالشهادة أو الإقرار كما قال علماء الفقه رحمهم الله، و الحديث الدال على التحريم هو نهي النبي في حديث (وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ)

(1)

.

س: لقد اطلعت على كتاب يسمى بـ (وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لعلي) ولم يذكر اسم المؤلف على الكتاب وقد ورد في هذا الكتاب حديث ووصايا منها ما يلي:

1 -

يا علي لا تجامع أهلك في أول ليلة في الشهر ولا في ليلة النصف منه ولا سابع وعشرين منه فإنه إن كان يرتزق بينكما بولد يكون مختلاً في عقله.

2 -

يا علي لا تتكلم عند الجماع فإنه إن قضي بينكما بولد أخرس وأصم وأبكم إلى غير ذلك من الوصايا الواردة في هذا الكتاب والكتاب مذيل بـ (رسالة التوكل) نرجوكم الإفادة عن صحة هذا الكتاب والوصايا الواردة فيه جزاكم الله خير الدنيا ونعيم الآخرة؟

جـ: هذه النسخة من الوصايا كانت قد طبعت في مدينة (دلهي) بالهند قبل مدة طويلة ثم طبعت أخيراً بالتصوير الفوتوغرافي في بيروت بعناية بعض أصحاب المكاتب بصنعاء، وهي نسخة قد جمعت حوالي مائتين وثلاثين وصية لم يذكر الطابع مؤلفاً ولا سنداً، وقد ذكر سندها علماء الحديث المختصون كابن الجوزي في كتابه (الموضوعات الكبرى) والسيوطي في (اللآلئ المصنوعة وفي تدريب الراوي) وحكما على هذه النسخة بأنها (موضوعة) على النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا حكم عليها بالوضع الكثير ممن ألف في الأحاديث الموضوعة ممن رتب كتابه على الأبواب كابن عراق الكناني في (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة) ومحمد طاهر الهندي في تذكرته (الموضوعات) والشوكاني في (الفوائد المجموعة) وغيرهم، وهكذا من ألف في الموضوعات مرتباً مؤلفه على الحروف الأبجدية مثل المُلا علي القاري في (الأسرار المرفوعة) وفي (المصنوع) والقاوقجي في (اللؤلؤ المرصوع) وغيرهم، وقد حكم بالوضع على هذه الوصايا بعض ممن ألف في الأحاديث المشهورة كالعجلوني في (كشف الخفاء) والحوت البيروتي في كتابه (الأحاديث المشكلة) وفي كتابه (أسنى المطالب) وغيرهما كما أن من العلماء المعاصرين الذين حكموا على هذه الوصية بالوضع عبدالعزيز الغماري العالم المغربي المشهور في كتابه (التهاني على موضوعات الصاغاني).

(1)

ـ صحيح مسلم: كتاب الحيض: باب تحريم النظر إلى العورات. حديث رقم (766) بلفظ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ).

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: الإفضاء: اجتماع الأبدان وتلامسها.

ص: 809

س: في حديث (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ، قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)

(1)

فماذا يقصد به؟

جـ: يقصد بقوله صلى الله عليه وسلم (وإن كان فيه) أي وإن لم يساوِ المرأة في النسب فإن (فإن تقدم لخطبة من كانت ابنة قاضٍ أو كانت هاشمية وهو ليس بهاشمي أو كانت ابنة شيخ وهو ليس ابن شيخ وهكذا فيزوج لأن الشريعة لا تقيم اعتباراً للأحساب والأنساب وإنما تعتبر الدين والخلق فقط، فالمدار في الكفاءة هو الدين والاستقامة ولا يُنظر إلى شيء آخر.

س: ورد في حديث المرأة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ)

(2)

، فما تقصد بكلمة خسيسته؟

جـ: يعني أن الأب كان قد أساء على الشخص وألَّمَه وأراد أن يرضيه بأن زوجه بابنته.

س: ورد في الحديث قوله (وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ)

(3)

كيف تحتجب منه وهي عمته؟

جـ: هي عمته في الظاهر، والنبي صلى الله عليه وسلم عمل بالأحوط.

س: هل صحيح أن الحجر الأسود من الجنة؟ وأنه كان أبيض فسودته الذنوب؟ وأنه يشهد لمن قبَّله يوم القيامة؟

جـ: الجواب والله الموفق للصواب أنه قد ورد ما يدل على أن الحجر الأسود من الجنة عدة أحاديث:

منها، حديث (الحجر الأسود من الجنة) أخرجه أحمد عن أنس والنسائي عن ابن عباس، وصححه الألباني في المجلد الثاني من صحيح الجامع الصغير في حرف (الحاء) وفي الجزء السادس من (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السئ في الأمة) وصححه السيوطي.

ومنها حديث أنس مرفوعاً صححه الألباني في الكتابين المذكرين سابقاً وأخرجه سمويه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحجر الأسود من حجارة الجنة) صححه السيوطي.

ومنها الحديث الذي أخرجه البيهقي عن عبدالله بن عمرو مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لولا ما مسَّ الحجر من أنجاس الجاهلية، ما مسه ذو عاهة إلا شفي، وما على الأرض من الجنة غيره) رمز السيوطي لحسنه بـ

(1)

- سنن الترمذي: كتاب النكاح: حديث رقم (1005) بلفظ (عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ، قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ).

(2)

- سنن النسائي: كتاب النكاح: حديث رقم (3217) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ، قَالَتْ: اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ أَلِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ).

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الفرائض: باب الولد للفراش حرة كانت أو أمة. حديث رقم (2105) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصَانِي أَخِي إِذَا قَدِمْتُ أَنْ أَنْظُرَ ابْنَ أَمَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبِضَهُ فَإِنَّهُ ابْنِي، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي، فَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ).

أخرجه مسلم في الرضاع، والنسائي في الطلاق، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في الأقضية، والدارمي في النكاح.

أطراف الحديث: البيوع، الخصومات، العتق.

معاني الألفاظ: اختصم: احتكم. للفراش: لصاحب الفراش وهو الزوج. العاهر: الزاني.

ص: 810

(الحاء) وأقره المناوي، وهو بلفظ:(كان الحجر الأسود أشد بياضاً من الثلج حتى سودته خطايا بني آدم)، كما ورد ما يدل على أنه كان أبيض فسودته الخطايا، وأنه نزل من الجنة، كما في حديث ابن عباس عند الترمذي مرفوعاً:(نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن، فسودته خطايا بني آدم) وقد حسنه السيوطي في الجامع الصغير.

وورد ما يدل على أنه يشهد على من استلمه يوم القيامة، كما في حديث ابن عباس عند ابن ماجة (ليأتين هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق) وقد صححه الألباني في (تخريج الترغيب) وفي صحيح الجامع الصغير في (حرف النون)، وأخرجه الترمذي وقال:(حسن) وتبعه السيوطي في الجامع الصغير حيث رمز له بعلامة الحسن وهي (الحاء)، وروى الترمذي عن ابن عباس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(والله ليبعثنه يوم القيامة (يعني الحجر) له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق) وقد صححه الألباني في (تخريج المشكاة) وفي صحيح الجامع الصغير، وأخرجه ابن خزيمة عن ابن عباس مرفوعاً:(الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة، وإنما سودته خطايا المشركين يبعث يوم القيامة مثل (أُحُد) يشهد لمن استلمه وقبَّله من أهل الدنيا) صححه السيوطي.

والخلاصة لما جاء في جوابي ينحصر فيما يلي:

(أولاً) ورد في كون الحجر الأسود من الجنة أحاديث صحيحة، ذكرت منها خمسة أحاديث.

(ثانياً) ورد في كونه كان أبيض ثلاثة أحاديث صحيحة عند المُحدِّثين المذكورين آنفاً.

(ثالثاً) ورد في كونه يشهد لمن استلمه يوم القيامة ثلاث أحاديث صحيحة صالحة للاحتجاج.

س: هل القول المشهور (بشر البخيل بحادث أو وارث) وكذلك (طلب العلم من المهد إلى اللحد) هل هما حديثان أم لا؟

جـ: هذان الأثران لم أقف عليهما في كتب السنة النبوية المطهرة المرتبة على الحروف المعجمة ولا في غيرها من الكتب المرتبة على الأبواب ولا أدري كيف اشتهرت بين الناس هذه الشهرة في حين أنها غير موجودة في كتب الحديث، فمن وقف عليها في بعض الكتب الحديثية وعرف من رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وأفادني فجزاه الله خيراً، ومن دلني على مصدر من المصادر الجامعة للأحاديث النبوية تحوي هذين الحديثين فله الشكر والله ولي التوفيق.

س: نطلب منكم إرشادنا إلى أحسن كتاب في ناسخ الكتاب والسنة؟

جـ: أحسن كتاب أُلِّف في الناسخ والمنسوخ في القرآن هو أكثر جمعاً للآيات القرآنية الناسخة والمنسوخة هو كتاب (النسخ في القرآن الكريم) تأليف الدكتور: (مصطفى زيد) أستاذ الشريعة المساعد في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، وقد احتوى هذا الكتاب على دراسة تشريعية وتاريخية نقدية قد لا توجد في غيره من المؤلفات في هذا الفن العظيم، وهو في مجلدين كبيرين يزيد حجم كل مجلد على أكثر من خمسمائة صفحة، وأما أحسن كتاب أُلِّف في (الناسخ والمنسوخ من السنة النبوية) فأنا لا أعلم ما قد ألفة العلماء في هذا العصر في هذا الفن من التأليف، وأحسن الكتب التي قرأتها في هذا الفن من مؤلفات المتقدمين هو كتاب الحازمي الذي سمَّاه (الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار) وقد طبع قديماً كما طبع حديثاً طبعة محققة مصححة، ولعله قد ألَّف من جاء من المتأخرين المعاصرين في هذا الفن أحسن من كتاب الاعتبار، ولكني لم اطلع على شيء مما يمكن أنه قد

ص: 811

ألف بعد كتاب الاعتبار المذكور آنفاً، وهو الكتاب الوحيد الذي يدرسه طلبة العلم الذين يتطلعون إلى معرفة الأحاديث الناسخة والمنسوخة في السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وغيره من شُرَّاح كتب السنة المحمدية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام وقد ذكر خلاصة لما جاء في كتاب الاعتبار من الأحاديث التي أجمع العلماء على أنها منسوخة ومن الأحاديث التي اختلف الناس في كونها منسوخة وغير منسوخة العلامة الحافظ:(محمد بن إبراهيم الوزير) في كتابه المشهور (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم) الذي اختصره من كتابه الكبير والذي سمَّأه (العواصم والقواصم).

ص: 812

(أحاديث انفردت بها الهادوية)

المذهب الزيدي الهادوي مذهب من مذاهب المسلمين الفقهية والإعتقادية المشهورة، وله قواعده وأصوله وكتبه، وقد أُلِّفت في ذلك عشرات المؤلفات وقد درس شيخنا القاضي العلامة (محمدبن إسماعيل العمراني) حفظه الله ورعاه في أول نشأته كتب الزيدية الهادوية، ثم فتح الله عليه فتحرر من ربقة التقليد وأصبح لا يعوِّل إلا على الدليل الصحيح، وأصبح أثناء تدريسه بعد ذلك يورد آراء الزيدية الهادوية ويبين ما صح منها لديه وما لا يصح، وكان يورد الأحاديث التي انفردت بها كتب الزيدية الهادوية عن كتب أهل السنة بحسب المناسبة، وربما كتب لي بعضها بيده، فكنت أسجلها واحتفظ بها بغية أن أفيد منها وأستفيد منها فجمعتها مرتبة على الأبواب مبيناً كلامه حفظه الله، ذاكرا كتب الهادوية التي ورد فيها الحديث، وقبل أن أعرض عليك هذه الأحاديث، أذكر لك أهم كتب الهادوية التي وجدت فيها هذه الأحاديث:

1 -

(شفاء الأوام) للأمير الحسين، وهو الذي حشَّى عليه الشوكاني في كتابه (وبل الغمام حاشية شفاء الأوام) وكلاهما مطبوع و (الأوام): هم العطشى.

2 -

(البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار) للإمام المهدي صاحب كتاب (متن الأزهار) المشهور وكلاهما مطبوع.

3 -

(الانتصار) للإمام يحيى بن حمزة، وهو مخطوط.

- (شرح الأزهار) للعلامة عبدالله بن مفتاح، وهو أشهر شروح الأزهار، وهو المراد عند الإطلاق وهو مطبوع.

5 -

(أصول الأحكام) للإمام أحمد بن سليمان، وهو مخطوط.

6 -

(مجموع الإمام زيد بن علي) برواية وجمع أبي خالد الواسطي، وهو مطبوع.

7 -

(الروض النضير) للعلامة السياغي، وهو شرح لـ (مجموع زيد بن علي) المتقدم ذكره، وكلاهما مطبوع.

8 -

(القسطاس المقبول) للإمام الحسن بن عز الدين وهو مخطوط.

9 -

(أمالي أحمد بن عيسى) من رواية أحمد بن منصور، ويلقبها الهادوية (بخاري أهل البيت). وهي مطبوعة.

10 -

(تخريج الضمدي) وهو عبد العزيز الضمدي، وهو مخطوط.

11 -

(تخريج ابن بهران) وهو محمد بن يحيى بن بهران وهو مخطوط.

12 -

(كتاب المناهي) للعلامة محمد بن الإمام الهادي يحيى بن الحسين وهو مخطوط.

13 -

(الغطمطم) لا بن حريوة السماوي، وهو رد بل سبٌّ للشوكاني بسبب تأليفه كتابه (السيل الجرار)، وقد طبع (الغطمطم) ولا حول ولا قوة إلا بالله!

14 -

(البدور المضيئة في الرد على المسائل المرضية) للعلامة (محمد ابن إسماعيل الأمير) للسيد أحمد الخطيب. وهو مخطوط.

15 -

(الأحكام) للإمام الهادي يحيى بن الحسين.

16 -

(العقد الثمين في معرفة رب العالمين) للأمير الحسين.

ص: 813

بعد هذه المقدمة هاك ما وعدتك من الأحاديث:

‌باب قضاء الحاجة

حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفجخ تفجخ الظليم في الاستنجاء) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي، يتفجخ: أي يفرق بين رجليه عند التبرز كما يفعل الظليم وهو الظبي، كذا فسَّر (التفجخ) القاضي العمراني، وبحثت في عدة معاجم مثل:(القاموس المحيط) و (معجم المقاييس) فلم أجد مادته، ووجدت مواد مشابهة بنفس المعاني.

حديث (حجرين للصفيحتين)، ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، والمقصود استخدام حجرين لصفحتي الدبر في الاستنجاء.

‌باب الوضوء

حديث (وضوء المؤمن كدهنه) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي، ويقصد به الاقتصاد في الوضوء لدرجة أنه يمر الماء على أعضاءه كما يدهن أعضاءه بالدهان.

حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالوضوء من الحدث ومن أذى المسلم) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، و (أصول الأحكام) للإمام أحمد بن سليمان، ومعنى ذلك أن أذية المسلم ناقضة للوضوء.

‌باب الغسل

حديث (إذا جامع أحدكم أهله فلا يغتسل حتى يبول) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين ومعناه: إذا جامع الإنسان وأصبح جنباً فأراد أن يغتسل فلا بد أن يبول أولاً، فإن لم يحضره البول اغتسل ثم إذا جاءه البول أعاد الغسل.

‌في الأذان

حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يقال (حي على خير العمل) ورد في (مجموع زيد بن علي) المروي عن أبي خالد الواسطي وفي (أمالي أحمد بن عيسى) وفي (التجريد) للمؤيد بالله وفي (الجامع الكافي) للسيد العلوي وغيرها.

‌في الصلاة

حديث (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى في الصلاة وقال: إنه من فعل اليهود) ورد في كتاب (المناهي) للعلامة محمد بن الإمام الهادي يحيى ابن الحسين، ونقله ابن حريوة السماوي في (الغطمطم التيَّار) والسيد أحمد بن الخطيب في (البدور المضيئة في الرد على المسائل المرضية) للعلامة (محمد ابن إسماعيل الأمير)

حديث (دسوهما في الليل دساً) ورد في البحر الزخار للإمام المهدي، يريد صلاة ركعتي الفجر والمسارعة إليها قبل ظهور الضوء.

حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإمامة النساء أن تكون في الوسط) في مجموع الإمام زيد الذي رواه أبو خالد الواسطي.

حديث التشهد (بسم الله وبالله) ورد في (أمالي أحمد بن عيسى) وغيره أي أن يبدأ التشهد بهذه العبارة.

حديث (لا ظهران في يوم) ورد في البحر الزخار للإمام المهدي.

ص: 814

حديث (وأما المكتوبة فالقرار القرار) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين وهو تكملة لحديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي النافلة على الراحلة، وأما المكتوبة فالقرار القرار) أي لا تصلى المكتوبة على الراحلة، وإنما تصلى عل الأرض.

حديث (إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم فأنصتوا) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، وأنكر وجوده الشوكاني، وقال الضمدي: لم أجده إلا في كتب الأئمة.

حديث (أن تكبيرات العيد تكون بعد القراءة) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي نقلاً عن الإمام يحيى بن حمزة في (الانتصار).

حديث (إذا ابتلت النعال فصلوا في الرحال) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، أي أنه بمجرد المطر اليسير الذي يبل النعال فيسوغ للمسلم أن يصلي في بيته.

حديث (صلاة يوم الغدير) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين.

حديث ابن مسعود مرفوعاً (إذا ركع أحدكم فليقل سبحان الله وبحمده) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين.

حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف عتاب ابن أسيد) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين.

حديث (صلاة المرأة في بيتها خير من الصلاة في المسجد إلا عجوزاً في منقلها) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، والمنقل: هو الحذاء لأنه آلة النقل، ولذلك يسمون سوق الأحذية في (صنعاء القديمة) سوق المنقالة.

في الجنائز

حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثوبين صحاريين) ورد في البحر الزخار للإمام المهدي.

حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مشى حتى مات إلا خلف الجنازة) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، وفي البحر الزخار للإمام المهدي.

حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المشيعين أن يكونوا خلف الجنازة) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين.

حديث (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على القبر) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي.

حديث (الأمر بتوسيد اليمين في الميت) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي.

حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم ربَّع قبر حمزة وإبراهيم) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين أي جعله مُربَّعاً.

حديث (الغسل بالحَرَض في حديث أم عطية ورقية) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي.

حديث عن علي بن العباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كرَّه الصلاة على الميت في المسجد) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، ولم يقف عليه الضمدي ولا الشوكاني.

في (الشفاء) للأمير الحسين حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وجهوه إلى القبلة) ولم يوجد في كتب السنة بصيغة الأمر، لكن وجد في حديث آخر وهو حديث (أصاب الفطرة).

حديث (أن سعد بن معاذ أصيب فسارع النبي صلى الله عليه وسلم وقال لئلا تبدرنا الملائكة بغسله كما ابتدرنا بغسل حنظلة) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، ولم يجده الضمدي.

حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء بدر) ورد في (أمالي أحمد بن عيسى).

ص: 815

حديث علي مرفوعاً (ليس منا من حلق، ولا من سلق، ولا من دعا بالويل والثبور)، ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، ولا توجد زيادة (ولا من دعا بالويل والثبور) في كتب الحديث.

حديث (من مات على غير وصية مات ميتة جاهلية) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، ولم يجده الضمدي في كتب الحديث.

‌باب الصيام

حديث (وآخر معك) ورد في البحر الزخار للإمام المهدي، والمراد بقوله (وآخر معك) أي النبي نفسه شاهد الهلال أيضاً مثل ما شاهده هذا الصحابي.

حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يُقبِّل نساءه وهو صائم) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي.

حديث (الترخيص المستعطش بالفطر و الإطعام نصف صاع) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي، و (الشفاء) للأمير الحسين و (الروض النضير) للسياغي.

حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم الشك) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين.

حديث (أن بلالاً أخرج يوماً للصحابة فضلة سحور رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى الرسول صلى الله عليه وسلم الفجر فقالوا كيف يا بلال تأكل بعد أن صلينا صلاة الفجر؟! فقال: ما أخرجته لكم إلا وهو يأكل) هكذا في (الانتصار) للإمام يحيى بن حمزة ونقله في (تخريج البحر).

حديث (شعبان شهري ورجب شهرك يا علي ورمضان شهر الله) ورد في شرح عبدالله ابن مفتاح على متن (الأزهار) للإمام المهدي، و (الشفاء) للأمير الحسين.

حديث (الصيام ثلاثة أيام من كل شهر، الخميس في أوله، والأربعاء في وسطه، والخميس في آخره) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين.

حديث (من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي وفي (الانتصار) للإمام يحيى بن حمزة.

حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل في ليالي القدر) ورد في (مجموع زيد بن علي) وأورده الأمير الحسين في (الشفاء).

حديث (من صام الدهر فقد وهب نفسه لله) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي وفي (الانتصار) للإمام يحيى ابن حمزة.

حديث (الحج عرفة، الحج عرفة، الحج عرفة) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين.

حديث (من لم يقبل الرخصة فعليه من الإثم مثل جبل عرفة) ورد في (الانتصار) للإمام يحيى بن حمزة في كتاب الحج.

حديث (الرد دانق من حرام يعدل عند الله سبعين حجة) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، ولم يجده الضمدي في كتب الحديث.

ص: 816

‌أحاديث متفرقة

حديث (نهى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن كشف عورته حال كون النبي صلى الله عليه وسلم طفلاً صغيراً) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي.

حديث (الزرع للزراع وإن كان غاصباً) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين وفي (البحر الزخار) للإمام المهدي.

حديث (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المعاطاة) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي.

حديث معاذ (أقيس الأمر بالأمر) ورد في (القسطاس المقبول) للإمام الحسن بن عز الدين (شرح معيار العقول في علم الأصول) للإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى، والمقصود أنها زيادة في حديث معاذ المشهور.

حديث (إن فجر ظهرك فلا يفجر بطنك) ورد في (الروض النضير) للسياغي. قاله لمن جامع في نهار رمضان، فأكل أو أراد أن يأكل.

حديث (احتمل لأخيك سبعين عذراً) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي.

حديث (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما) ورد في (الانتصار) ليحيى ابن حمزة، و (البحر الزخار) للإمام المهدي.

حديث (الناس أكفاء بعضهم لبعض إلا فاطمة) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين.

حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق استشار السعود الثلاثة) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين أي استشار ثلاثة من الصحابة كل منهم يدعى (سعد).

حديث (أن أبا أيوب الأنصاري قتل شهيداً) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين.

حديث (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) ورد في (الانتصار) ليحيى بن حمزة.

حديث (أن جيش الروم يوم مؤتة ثمانون ألف) ورد في (البحر الزخار) للإمام المهدي.

حديث (الآن تم إقرارك) في (البحر الزخار) للإمام المهدي وهذا بعد أن أقرَّ ثلاث مرات.

حديث (لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها) ورد في (الشفاء) للأمير الحسين، ولم يجده الضمدي.

حديث (ليس شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) ورد في (العقد الثمين في معرفة رب العالمين) للأمير الحسين.

حديث (سيكون قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة فاقتلوهم) رواه الإمام الهادي عن جده في كتاب (الأحكام).

حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الديوث) ورد في (أمالي أحمد بن عيسى).

حديث (أن يهودياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليطلب دَيَناً له على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن موعد الدَيَن قد حلَّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لنا بقية يومنا يا يهودي) ورد في (أمالي أحمد بن عيسى).

ص: 817

كتاب

أحاديث أكثرها من المشهور على الألسن وهي ضعيفة أو موضوعة

ص: 818

‌س: (اتق شر من أحسنت إليه) هل هو حديث صحيح أو حسن أو ضعيف أو موضوع أم هذا الكلام من الحكم والأمثال

؟

جـ: هذا ليس بحديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا أصل له في كتب السنة النبوية ولا في الشريعة المحمدية لوجهين:

الوجه الأول: أنه لم يعثر عليه أحد من العلماء في أيِّ كتاب من كتب الحديث وشروحها ولا هو مذكور في كتب الموضوعات التي ألفها المتقدمون من الحفاظ لا في موضوعات (ابن الجوزي) ولا (الصاغاني) ولا (السيوطي) ولا (ابن عراق الكناني) ولا غيرهم وقد ذكره (السخاوي) في (المقاصد الحسنة) وقال لا أعرفه، ويشبه أن يكون من كلام بعض السلف وهو محمول على اللئام وساق كلاماً طويلاً حول ما قيل في الموضوع، وجاء من بعده ممن ألف في الأحاديث المشهورة على السنة الناس فنقلوا عن (السخاوي) قوله (لا أعرفه) وأقروه على ذلك، وذلك مثل تلميذه (الديبع) في (تمييز الطيب من الخبيث) و (العجلوني) في (كشف الخفاء) وغيرها، وهكذا من ألف في الموضوعات من الحفاظ المتأخرين مثل (ابن طاهر الفتني) في (تذكرة الموضوعات) و (الملا علي القاري) في (موضوعاته الصغرى) وفي (موضوعاته الكبرى) و (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة) وغيرهم، الجميع كانوا ينقلون عن (السخاوي) أنه قال لا أعرفه ويقرونه على هذا النفي،

وجاء بعده تلميذه الحافظ (عبدالرحمن الديبع) المتوفى سنة (944) في (تمييز الطيب من الخبيث) فلم يزد على نقله لكلام شيخه (السخاوي) الذي قال عن هذا الكلام (لا أعرفه) واختصر بعض ما قاله حول هذا الموضوع

(1)

، كما جاء بعدهما الحافظ ((العجلوني)) المتوفي سنة (1162) الذي نقل قول (السخاوي) الذي لم يعرف هذا الكلام كحديث نبوي شريف، واختصر بعض ما أتى به (السخاوي) من الأقوال حول الموضوع كما في (كشف الخفاء)، وهكذا من ألف في العصور المتأخرة في الأحاديث الموضوعة كـ (الملا علي بن سلطان القاري) المتوفى سنة (114) في موضوعاته الصغرى المسماة (المصنوع في الحديث الموضوع)

(2)

وفي موضوعاته الكبرى التي سماها (الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة)

(3)

والحافظ (الشوكاني) المتوفى سنة (250) في كتاب (الفوائد المجموعة) في الأحاديث الموضوعة

(4)

وغيرهما من الحفاظ المتأخرين، الجميع اكتفوا بالنقل عن (المقاصد) لـ (السخاوي) أنه قال لا أعرفه،

وقد علق عليه الشيخ (محمد الصباغ) العلامة السوري الذي صحح (موضوعات القارئ الكبرى) وعلق عليها بقوله بالمعنى لا أظن أن هذا الكلام من أقوال بعض السلف لأن هذا القول على إطلاقه يزهد في الإحسان، وبمثل ما قاله (الصباغ) بصفة مطولة قاله الشيخ (مصطفى أبو سيف الحمامي) مؤلف كتاب (النهضة الإصلاحية) وغيره.

الوجه الثاني: إن هذا الكلام معارض للأدلة الشرعية كما سبق أن نقلنا عن (الصباغ) وعن (الحمامي) وذلك لأن الأدلة الشرعية والآداب المرعية والأخلاق الإسلامية والعربية والطبائع البشرية والسجايا الإنسانية ترغب في الإحسان إلى كل ذي روح مهما كان حتى ولو كان ذو الروح حيواناً فضلاً عن أن يكون إنساناً وهذا الكلام يدل بمضمونه الأمر بعدم الإحسان إلى الناس مهما كانوا لأن عاقبة الإحسان ستعود على المحسن بالضرر لأن كل

(1)

- صفحه 14.

(2)

- صفحه 45.

(3)

- صفحه 80.

(4)

- صفحه 3.

ص: 819

من أحسن الناس إليهم لا بد من أن يسيئوا إلى المحسن مهما كان هذا المحسن ولا بد من أن ينال المحسن شراً ممن أحسن إليه سواء كان فرداً أو جماعة لأن لفظة مَنْ مِنْ ألفاظ العموم فيعم كل إنسان يأتيه أيُّ إحسان من الناس، وعلى هذا الأساس سيكون هذا الكلام أو هذه الجملة مغلقةً لباب الإحسان وناهية عن تعاطي الإحسان وآمرة بتجنب كل إحسان في الدنيا وتكون النتيجة المنع من الإحسان الذي قد جاء به القرآن والسنة والإجماع وأقوال السلف من الصحابة والتابعين، ومن الممكن أ نجعل هذا الكلام من الأمثال أو من الحكم ولكن بشرط أن نضيف إليها كلمة (اللئام) ويكون المثل هكذا (اتق شر من أحسنت إليه من اللئام) لأن النفس اللئيمة الخبيثة تأبى أن تموت حتى تسيء إلى من أحسن إليها وبالعكس النفس الشريفة الطيبة تأبى أن تموت حتى تحسن إلى من أساء إليها فضلاً عن الذي أحسن إليها فإنها تكافئه على ما قدم من الخير إليها بأيِّ نوع من أنواع المكافأة حتى بالشكر أو الدعاء له بالخير إلى مقابل ما صدر منه من الإحسان على حد قول أبي الطيب المتنبي:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

أما إذا بقي الكلام مطلقاً غير مقيد وعاماً بلا مخصص فلا يصح أن يكون مثلاً ولا حكمة كما لا يخفى على من كان له ذوق سليم وفهم مستقيم، والخلاصة لما جاء في جوابي هذا يتخلص فيما يلي:

قولهم (أتق شر من أحسنت إليه) ليس بحديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا موضوع.

2.

هذا الكلام لم يتكلم منه علماء السنة المتقدمين ونفى معرفته المتأخرون كـ (السخاوي) والديبع و ((العجلوني)) والقاري و (الشوكاني) والصباغ والحمامي وغيرهم وهو مخالف ضمناً للأدلة الشرعية وللأخلاق الإنسانية.

3.

هذا الكلام لا يصح أن يكون أثراً ولا مثلاً ولا حكمة فضلاً عن أن يكون حديثاً.

4.

هذا الكلام من الممكن أن يكون حكمة أو مثلاً أو قولاً لأحد السلف إذا ضم إليه عبارة تدل على التقييد بـ (اللئام) والله ولي الهداية والتوفيق وسبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم.

‌س: اطلعت على كتاب لشرف الدين العاملي عنوانه (أبو هريرة) وفيه يزعم العاملي بأن (أبا هريرة) كان يكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل يجوز الطعن في صحابي جليل كـ (أبي هريرة) الذي وهب نفسه لحفظ السنة ورايتها عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نرجو ت

وضيح ما تقول الحقيقة؟

جـ: كتاب (أبو هريرة) الذي ألفه شرف الدين العاملي أحد علماء الإمامية الجعفرية في هذا العصر لا أثق فيه، وعلى المطلع عليه أن يطلع عليه اطلاع البصير اليقظ الناقد لا إطلاع المقلد أو الضعيف المستسلم ويزن جميع ما يطلع عليه بميزان الكتاب والسنة وبما قاله العلماء المختصون في حفظ السنة ورجالها، ولا بد أن يظهر له الحق وتظهر له الحقيقة جلية واضحة ويرجِّح ما ظهر له أنه حق ويضعِّف ما ظهر له أنه ضعيف، ونقول للسائل بما قاله علماء هذا العصر العلامة (حمزة والسباعي) وغيرهما من علماء العصر الذين ألفوا في هذا الموضوع نتيجة لما قاله العاملي في كتابه (أبي هريرة) وتبعه الاستاذ (أبو ريه) في رسائله الثلاثة (أبو هريرة شيخ الضبرة) و (قصة الحديث) و (أضواء على السنة المحمدية) حيث تكلم في هذه الكتب الثلاثة كلاما غير لائق في (أبي هريرة) ولا سيما في الكتاب الثالث الذي سماه (أضواء على السنة المحمدية) الذي آثار ضجة في الأوساط العلمية، وفي جميع الديار الإسلامية بمجرد ما ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب، ولم يمض على طبعه إلا مدة غير طويلة حتى استنكره كثير من علماء السنة النبوية الغيورين عليها والذائبين عنها وما قيل عنها وردوا ما جاء في كتاب (أبي هريرة) بعدة ردودات من العلماء الذين تولوا الرد عليه، العلامة (عجاج الخطيب) الذي ألف كتابا عظيما سماه (السنة قبل التدوين) وأجاب فيه على كثير من الشبهات التي ذكرها (أبو

ص: 820

ريه) وأسلافه في التضليل في السنة وفي مؤلفات أهل السنة وأرشد القراء إلى الصراط المستقيم صراط الصحابة والتابعين والأئمة الراشدين رحمهم الله جميعاً وألحقنا بهم صالحين، كما ألف كتاباً خاصاً بالصحابي الجليل (أبي هريرة) رضي الله عنه سماه (أبو هريرة الرواية) ضمن سلسله أعلام العرب، وهي ضمن السلسلة التي تحوي تراجم كثير من العلماء والفقهاء ورجال العلم والاجتهاد والملوك والزعماء والأبطال ورجال الفكر والسياسة في العالم العربي قديماً وحديثاً، وقد ذكر جملة صالحه قال فيها منذ أن أسلم أبو هريرة إلى أن توفي، كما ذكر جميع ما قيل فيه من جرح ورد على ذلك رداً علمياً نزيهاً مؤيداً ما قال بالبراهين والمستندات بكلام رزين وتحقيق مستبين بأسلوب الباحث المحقق، كما رد عليه أيضا العلامة (عبد الرحمن المعلمي) في كتاب خاص سماه (الأنوار الكاشفة لما في كتاب أبي ريه من التضليل والمجازفة) كما رد عليه العلامة (حمزة) أحد رجال العلم والحديث بمكة المكرمة بكتاب أسماه (ظلمات أبي ريه على أضواء السنة المحمدية) ومن أحسن من رد عليه العلامة (مصطفى السباعي) في كتابه (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) فمن أطلع على هذه الكتب الخمسة ألا وهي:(السنة قبل التدوين) لعجاج الخطيب، و (أبو هريرة الراوية) للخطيب أيضا، وكتاب (الأنوار الكاشفة لما في كتاب أبي ريه من التضليل والمجازفه) للشيخ عبدالرحمن المعلمي وكتاب (ظلمات أبي ريه على أضواء السنة المحمدية) لابن حمزة و (السنة ومكانتها في التشريع)(لمصطفى السباعي) من أطلع على هذه الكتب أو على بعضها على الأقل لا بد من أن يعرف ما في كتاب (العاملي) من مجازفة لأن أكثر ما قاله (العاملي) قد قاله (أبو ريه) وما قيل في الرد على (أبي ريه) يصلح أن يكون رداً على (العاملي) ومالم يكن في كتاب أبي ريه وهو في (كتاب العاملي) من الممكن الرجوع إلى غيرها من كتب المصطلح والرجال والصحابة وشروح كتب السنة النبوية.

‌س: هل يشهد حديث (اعمل عمل امرئ يظن أنه لن يموت أبدا واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غدا الوارد في الجامع الصغير هل يشهد هذا الحديث لحديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) وهل الحديثان حديث واحد مروي بالمعنى أم هما حديثان مختلفان ف

ي اللفظ، ومتفقان في المعنى، أم هما مختلفان في اللفظ والمعنى؟

جـ: حديث (اعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبداً واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غداً) لا يشهد لحديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) لأن الحديث الأول ضعيف كما سيأتي والحديث الثاني الذي هو (اعمل لدنياك) لا يعرف الحفاظ من رواه عن النبي ولا من أخرجه فكيف يشهد حديث ضعيف لحديث لا أصل له ولا يعرف له راو ومخرج، وأما المقطع الثاني من السؤال فهو أنهما ليسا بحديث واحد وإنما هما حديثان، وبعبارة أصح وإنما أحدهما حديث مستقل بنفسه وهو حديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) الذي لم يُعرف من أخرجه ولا من رواه، والآخر هو نصف حديث لا حديثا كاملا وبعبارة أصح هو الشطر الثاني لحديث أخرجه البيهقي والديلمي عن عبد الله بن عمر أما الشطر الأول منه فهو (إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ)

(1)

وأما الشطر الثاني فهو (واعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبدا واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غدا) وهو الذي ذكره (السيوطي) في الجامع الصغير في حرف الألف عند الذكر للأحاديث التي أولها ألف بعدها عين وقد كان الصواب أن يذكر الحديث كاملاً عند ذكره الأحاديث التي أولها (ألف) بعدها (نون) لأن أوله (إن المنبت)

(1)

- مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين: باقي المسند السابق. حديث رقم (12579) بلفظ (حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ).

انفرد به أحمد بن حنبل.

ص: 821

وهذا الحديث الذي ذكره (السيوطي) الشطر الثاني منه ليس بصحيح ولا بحسن وإنما هو ضعيف كما يدل عليه رمز (السيوطي) له بحرف (الضاد) وأقره المناوي في (فيض القدير بشرح الجامع الصغير) كما صرح بكونه ضعيفاً (الألباني) في (ضعيف الجامع الصغير) وفي (المجلد الأول من الأحاديث الضعيفة الموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) ولم يصححه أحد من المحدثين أو يحسنه والسبب الذي من أجله حكموا عليه بالضعف هو أن في سنده مجهول وضعيف، أما المجهول فهو (مولى عمر بن عبد العزيز) وأما الضعيف فهو (عبد الله بن صالح) وكنيته (أبو صالح) والجواب على الفقرة الثالثة بأن حديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) وحديث (اعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبداً) مختلفان في اللفظ ومختلفان في المعنى أيضا، وبعبارة أصح بأن حديث (اعمل لدنياك) وحديث (إن هذا الدين متين) الذي لم يذكر (السيوطي) إلا الشطر الثاني وهو (اعمل عمل امرئ) مختلفان في اللفظ ومختلفان أيضا في المعنى، أما كونهما مختلفين في اللفظ فظاهر، وأما كونهما مختلفين في المعنى فلأن حديث (اعمل لدنياك) صريح في أن المراد بالعمل العمل الدنيوي، وحديث (اعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبداً) المراد بالعمل العمل للآخرة بدليل سياق هذا الحديث من أوله إلى آخره حيث ونصه (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عباده ربك فإن المنبت لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى فاعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبداً، واحذر حذرا مرئ يخشى أن يموت غدا) ومن تأمل هذا النص لا بد وأن يعرف أن هذا السياق ليس نصاً في أن العمل المذكور فيه هو العمل للدنيا بل الظاهر منه انه يعنى العمل للآخرة، والغرض من الحث على العمل. (فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا)

(1)

أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعاً وقد روي الحديث بنحوه من طريق أخرى بلفظ (أصلحوا دنياكم واعملوا لآخرتكم كأنكم تموتون غداً) رواه أبو هريرة وأخرجها القضاعي وهو حديث ضعيف جداً وجاء أيضا بلفظ (ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعاً فإن الدنيا بلاء الآخرة) أخرجه الخطيب في تلخيص المتشابه في الركب وهو باطل كما قال (الألباني) وأخرجه ابن عساكر في تاريخه وزاد في آخره (ولا تكونوا كلاً على الناس) وجاء في حديث أنس مرفوعاً (خيركم من لم يترك آخرته لدنياه ولا دنياه لآخرته ولم يكن كلاً على الناس) وفي سنده يغنم بن سالم وهو وضاع، ومن أراد أن يعرف صحة ما قلته فليراجع فهرست المجلد الأول والثاني من كتاب (الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) ويراجع الكلام في كل حديث من الأحاديث التي ذكرتها في جوابي هذا في مظانها فقد توسعت فيها توسعاً لا يكاد يجده طالب العلم في أيِّ كتاب من كتب السنة النبوية المطهرة هذا والله ولي الهداية والتوفيق.

‌س: هل حديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) صحيح أم هو من الأحاديث المشهورة على ألسنة الناس ولا أصل له في كتب السنة

؟

جـ: هذا الحديث لم أقف عليه مرفوعاً بهذا النص في أيِّ مصدر من كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب الدين يسر. حديث رقم (38) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ).

أخرجه مسلم في صفة القيامة والجنة والنار، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وابن ماجة في الزهد، وأحمد في باقي مسند المكثرين. أطراف الحديث: المرضى، الرقاق.

معاني الألفاظ:

يشاد: كلف نفسه من العبادة فوق طاقتها. غلبه: اشتد وشق عليه

السداد: التوسط في العمل من غير إفراط ولا تفريط، اقتربوا من السداد والصواب في أداء الطاعات.

الغدوة: الخروج أول النهار.

الروحة: الخروج آخر النهار.

الدلجة: السير أول الليل، وقيل سير الليل كله.

ص: 822

وعلى آله أفضل الصلاة والسلام لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف لا في الأمهات الست ولا في غيرها من المجاميع والمسانيد والسنن أو غيرها من مؤلفات المتقدمين، كما لم أقف عليه في الكتب الجامعة لأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم المشهورة أو المرتبة على الحروف، وقد ذكره أخيراً العلامة (أحمد بن الصديق الغماري) أحد علماء المغرب الأقصى المتخصصين في علوم الحديث ممن أدركت عصرهم في رسالة خاصة جعل عنوانها (إياك أن تغتر بحديث اعمل لدنياك) قرر في هذه الرسالة عدم وجود أصل لهذا الحديث بهذا النص مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما ذكره العلامة المعاصر (محمد ناصر الدين الألباني) الحافظ المشهور في المجلد الأول من كتابه المشهور بـ (الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) برقم ثمانية وفي الصفحة العشرون وصرح في أول كلامه عنه بأنه لا أصل له مرفوعاً وإن اشتهر على الألسنة في الأزمنة المتأخرة حتى أن الشيخ (عبد الكريم العامري) المغربي لم يورده في كتابه (الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث) إلى آخر كلامه والذي خلاصته أنه قد جاء في الأثر عن عبدالله بن عمر أنه قال (أحرث لدنياك كأنك تعيش أبداً إلى آخره) أخرجه (ابن قتيبة) في (غريب الحديث) ولكنه لا يصلح أن يكون شاهداً لهذا الحديث لوجوه ثلاثة:

الأول: أنه بلفظ (احرث) لا بلفظ (اعمل)

الثاني: أنه موقوف على ابن عمر وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الثالث: أن في سنده (عبدالله بن العيزار) ولم نجد من ترجمه كما جاء من حديث (عبدالله بن عمرو بن العاص) مرفوعاً عند (ابن المبارك) في هذا بلفظ (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك فإن المنبتَّ لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى، فاعمل عمل امرئ يظن أنه لن يموت أبداً، واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غداً) يمكن أن يكون شاهداً للحديث المسئول عنه حيث والنصف الثاني من هذا الحديث يدل على معنى مقارب لمعنى الحديث المسئول عنه ولكنه لا يصلح أن يكون شاهداً له لوجوه ثلاثة:

الأول: أن في سنده (مولى عمر بن عبدالعزيز) وهو مجهول ولا يحتج بحديث في سنده مجهول.

الثاني: أن في سنده (أبو صالح) كاتب (الليث) واسمه (عبدالله بن صالح) وهو ضعيف ولا حجة في حديث أحد رواته ضعيف.

الثالث: أن سياق الحديث لا يدل على معنى الحديث المسئول عنه حيث والسياق يدل على أن العمل المراد به العمل للآخرة لا العمل للدنيا، وأن الغرض منه هو الحضُّ على الاستمرار برفق في العمل الصالح وعدم الانقطاع عنه فهو كقوله صلى الله عليه وآله وسلم (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ، وَقَالَ: اكْلَفُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ) أخرجه البخاري.

هذا خلاصة كلام الحافظ (الألباني) حفظه الله، وقد جاء في حديث أبي هريرة مرفوعاً عند (القضاعي) (أصلحوا دنياكم واعملوا لآخرتكم كأنكم تموتون غداً) كما جاء أيضا بهذا اللفظ عند (الديلمي) في (مسند الفردوس) من حديث أنس مرفوعاً ولكنه لا يصلح أن يكون شاهداً للحديث المسئول عنه لوجوه ثلاثة:

الأول: أن في سند حديث أبي هريرة (سليمان ابن أرقم) وهو ضعيف جداً.

الثاني: أن في سنده أيضا (مقدام بن داود) وهو أيضا ضعيف جداً وهكذا في حديث أنس (زاهر بن طاهر الشحامي) قال في (الميزان) كان يخل بالصلوات فترك الرواية عنه جمع كما فيه أيضا راوٍ مجهول.

ص: 823

الوجه الثالث: على فرض صحة الحديث يأمر بإصلاح الدنيا فقط وإصلاح الدنيا قد ورد أن النبي كان يدعوا به فيقول (وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي)

(1)

أما الحديث المسئول عنه فلم يكن الأمر فيه بإصلاح الدنيا بل الأمر بالعمل للدنيا عملاً متواصلاً كعمل من سيعيش عيشاً أبدياً فهو على فرض صحته يدل على معنى غير معنى الحديث المسئول عنه، وهكذا جاء في حديث أنس مرفوعاً (ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعاً فالدنيا بلاغ للآخرة) وهو حديث باطل كما قاله (الألباني) في آخر المجلد الأول من كتابه المذكور أيضاً كما جاء أيضا بهذا اللفظ عند (أبي بكر الأزدي) من حديث أنس أيضاً بزيادة في الحديث وهي (ولم يكن كلاً على الناس) وفي سنده (سالم بن يغنم) وهو وضاع كما قاله (الألباني) في أول المجلد الثاني من كتابه المذكور سابقاً، وليس في الحديثين أمرٌ بالعمل الدنيوي المستمر، والخلاصة لما جاء في جوابي هذا يتلخص فيما يلي:

أولاً: حديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً إلى آخره) لم أعثر عليه في كتب الحديث.

ثانياً: حكم بعدم وجود أصل له الحافظ (أحمد الغماري) في رسالة خاصة بهذا الحديث.

ثالثاً: حكم الحافظ (الألباني) على هذا الحديث بأنه لا أصل له بهذا اللفظ مرفوعاً.

رابعاً: قد جاء بمعنى هذا الحديث عن عبدالله بن عمر ولكنه موقوف عليه وبسند فيه ضعف وبلفظ (احرث).

خامساً: جاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص (فاعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبداً) ولكن في سنده مجهول وضعيف كما أن سياقه يدل على أن العمل المأمور به هو العمل الأخروي لا الدنيوي.

سادساً: جاء في الحديث (ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعاً) وهو حديث باطل كما جاء هذا الحديث بزيادة (ولم يكن كلاً على الناس) وهو حديث موضوع.

س: سمعت في بعض الإذاعات أن حديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هذا الكلام صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن رواه ومن أخرجه أفيدونا؟

جـ: اعلم أن هذا الحديث بهذا اللفظ لم يرد في كتب السنة النبوية بأيِّ سند ولا في أيِّ كتاب من كتب الحديث، ولم يعرف من الصحابي الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أخرجه من المحدثين بعد البحث الشديد في كتب السنة النبوية، فمن أخبرك أيها السائل أن قولهم (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم قد نطق بهذا الكلام وتكلم بهذا اللفظ فاطلب منه أن يفيدك بالصحابي الذي رواه وبالمحدث الذي أخرجه أو بالكتاب الذي تضمن الكلام لهذا الموضوع.

س: هل هذا الكلام (الجزاء من جنس العمل) حديث أو أثر؟

جـ: هذا الكلام لم يعرفه علماء الحديث أبداً كما يدل عليه كلام الحافظ (السخاوي) في المقاصد الحسنة وكذلك كلام من جاء بعده من العلماء الذين ألفوا في الأحاديث المشتهرة على الألسنة وهذا من الأحاديث الضعيفة.

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والإستغفار: باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل. حديث رقم (4897) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ).

انفرد به مسلم.

ص: 824

‌س: هل حديث (الرجل الذي سافر ومنع زوجته من الخروج فمرض أبوها واستأذنت فلم يأذن لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات والدها ولم تزره) صحيح أم ضعيف

؟

جـ: هذا الحديث قد ذكره بعض من ألف في التصوف والأخلاق كالإمام (الغزالي) في (إحياء علوم الدين) حيث ذكره مفصلاً كما جاء في السؤال أو قريباً منه، ولكن الحافظ العراقي عند تخريجه لهذا الحديث نص على ضعفه كما في (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار) وذكره بعض من ألف في الفقه كمؤلف (منار السبيل) الذي ذكره في كتاب النكاح مختصراً من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ (أن رجلاً سافر ومنع زوجته من الخروج فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حضور جنازته فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم (اتق الله ولا تخالفي زوجك) فأوحى الله إليه أي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إني قد غفرت لها بطاعتها زوجها) وقد نسبه مؤلف (منار السبيل) إلى (ابن بطة) في (أحكام النساء) ولكن الحافظ (الألباني) قد علق على هذا الحديث في كتابه (إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل) بقوله (ضعيف) أخرجه الطبراني في (الأوسط) من طريق عصمة بن المتوكل قال أخبرنا زافر عن سليمان عن ثابت البناني عن أنس ابن مالك به (أي بهذا الحديث) وقال (أي الطبراني) لم يروه عن زافر إلا عصمه قال الألباني وهو (أي عصمة) ضعيف، قال العقيلي في صفحة (325) من كتاب (الضعفاء) عن (عصمة) قليل الضبط للحديث يهم وهما وقال أبو عبدالله (يعني البخاري) لا أعرفه ثم ساق له حديثاً مما اخطأ في متنه وقال (الذهبي) هذا كذب على (شعبة وشيخه زافر هو ابن سليمان القهستاني) ضعيف أيضاً قال الحافظ في (التقريب)(صدوق كثير الأوهام) وقال (الهيثمي) في (المجمع) رواه (الطبراني) في (الأوسط) وفيه (عصمة المتوكل) وهو ضعيف إذا عرفت أن هذا الحديث قد اختلف لفظه في منار السبيل، وفي (الإحياء) أن الله أوحى إلى النبي أن الله قد غفر لوالد الزوجة بطاعتها زوجها، وفي اللفظ الوارد في (منار السبيل) هو غفران الله لها بطاعة زوجها، والحديث من أصله غير صحيح لما قيل عنه من الضعف في السند على ما جاء في تخريج (الإحياء) وفي تخريج (المنار)، كما أن في قوله فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حضور جنازته نظر لأن حضور النساء لتشييع الجنائز منهي عنه ولو كان الحديث صحيحاً لأولناه بأن المراد فاستأذنته في الحضور لمشاهدته قبل خروج جنازته ولكنه غير صحيح فلا حاجه إلى التأويل لأن التأويل لا يكون إلا لما كان الحديث صحيحاً لا لما كان ضعيفاً.

وبناءً على ما سبق فلا حجة لأحد في الاستدلال على وجوب طاعة الزوجة زوجها بهذا الحديث ولا على الاحتجاج على منع المرأة من زيارة والدها إذا كان مريضاً مرضاً مخوفاً حتى ولو كان في مرض الموت إذا كان زوجها غائباً وقد أمرها بأن لا تخرج من بيته وذلك أن الاحتجاج بأيِّ حديث على أيِّ حكم لا بد فيه من أن يكون الحديث صحيحاً أو حسناً، وهذا الحديث ليس بصحيح ولا حسن بل هو في غاية الضعف لأن في سنده ضعيفين لا ضعيف واحد وهما (عصمة ابن المتوكل) و (زافر بن سليمان).

وقد وردت الأدلة الصحيحة على وجوب طاعة الزوجة زوجها وعلى عدم جواز خروج الزوجة من بيت زوجها إلا بإذنه، ونص العلماء على ذلك في كتب الفقه ولكنهم لم ينصوا على وجوب طاعة المرأة زوجها طاعة عمياء إلى حد أن لا تخرج من بيت زوجها إلى بيت أهلها لزيارة والدها المحتضر أو المريض مرضاً مخوفاً حتى يقدم زوجها من السفر وإذا لم يقدم من السفر فتبقى في بيته حتى يموت والدها ويمضي على موته يوماً أو يومين أو أكثر إلى أن يصل زوجها من رحلته وإن طالت، وعلى فرض أن أحد الفقهاء قد نص على ذلك في بعض المؤلفات فلا ينبغي أن نقلده ما دام لم يأت على زعمه بدليل صحيح، وإذا كان قد احتج بهذا الحديث فقد عرفت أنه غير صحيح وغير حسن بل هو في غاية الضعف فلا يصلح للاحتجاج به.

ص: 825

‌س: حديث (الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر) هل هو صحيح أم هو من الأحاديث الضعيفة التي لا يجوز الاحتجاج بها ومن هم أهل (الوبر) ومن هم أهل (المدر) علماً أنه من أحاديث الجامع الصغير الذي نزهه (السيوطي) عن الموضوعات

؟

جـ: اعلم أن هذا الحديث ليس بصحيح ولا حسن ولا ضعيف بل هو من الأحاديث التي نص العلماء المختصون على أنها من الأحاديث (الموضوعة) التي لا يجوز العمل بموجبها ولا الاعتقاد بأنها من الأحاديث التي قالها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجوز روايتها لأحد إلا مع البيان أنها من الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لأن في سنده (إبراهيم بن عبدالله بن همام الصنعاني) وهو ابن أخ العلامة (عبدالرزاق بن همام الصنعاني) الحافظ المشهور مؤلف (الجامع) المعروف بـ (جامع عبدالرزاق) وهو (أي إبراهيم بن عبدالله بن همام الصنعاني) كذاب كما نص على ذلك (ابن طاهر الفتني الهندي) في (قانون الموضوعات) و (ابن عراق الكناني) في (تنزيه الشريعة) والسيد (أحمد الغماري) في (المغير على موضوعات الجامع الصغير) و (المناوي) في (فيض القدير شرح الجامع الصغير) الذي نقل في كتابه هذا عن ابن حبان أنه قال في (إبراهيم) هذا، أنه كان يروي عن (عبدالرزاق) مقلوبات كثيرة لا يجوز الاحتجاج بها، وعن عبدالحق أنه (أي إبراهيم) كان قد حدث بالمناكير وأهل المدر هم (أهل المدن) وأهل الوبر هم (أهل البوادي).

‌س: ما رأيكم في حديث (الناس نيام فإذا ماتوا استيقضوا) هل هو حديث صحيح أو ضعيف

؟

جـ: هذا الحديث لا وجود له في كتب السنة النبوية المرفوعة إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا موضوع بل ولا جاء مرسلاً أو منقطعاً أو معضلاً لا في الأمهات الست ولا في غيرها من المعاجم أو السنن أو المسانيد أو غيرها من المصنفات في الحديث النبوي التي ألفها علماء السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، ولم يوجد أيضا في الكتب التي ألفها العلماء المؤلفون المتقدمون لجمع الأحاديث الموضوعة لتحذير الناس من العمل بموجبها أو الاعتقاد أنها من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا (ابن الجوزي) ولا (الصاغاني) ولا (السيوطي) ولا (ابن عراق الكناني) ولا غيرهم من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله جميعاً، أما (ابن طاهر الهندي) مؤلف كتاب (تذكرة الموضوعات) و (الشوكاني) مؤلف كتاب (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) فإنهما نقلا عن مختصر تخريج (الأحياء) أن هذا الكلام هو من كلام أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) كرم الله وجهه، وهكذا ذكره ممن ألف في الموضوعات من المتأخرين (الملا علي القاري) في موضوعاته الكبرى المسماة (الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة) وفي موضوعاته الصغرى التي سميت (بالمصنوع في معرفة الحديث الموضوع) فقد نسبه في الكتابين المذكورين إلى الإمام (علي رضي الله عنه كما نسبه الحفاظ الذين ألفوا مؤلفات خاصة بالأحاديث الدارجة على الألسنة والمشهورة عند الناس إلى الإمام (علي) رضي الله عنه لا إلى المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرفعه أحد منهم إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل اتفقوا جميعاً على وقفه على أمير المؤمنين (علي) كرم الله وجهه وعلى رأس هؤلاء المؤلفين من الحفاظ المتأخرين الذين اهتموا بجمع الأحاديث المشهورة (السخاوي) في (المقاصد الحسنة) ومعاصره (السيوطي) في (الدرر المنتثرة) وتلميذه أي تلميذ (السخاوي)(الديبع) في (تمييز الطيب من الخبيث) وتبعهم من جاء بعدهم ممن ألف في الأحاديث المشتهرة (العجلوني) في (كشف الخفاء) والزرقاني في (مختصر المقاصد) و (البيروتي) في (أسنى المطالب) وغيرهم، وقد حكى الشيخ (عبد الوهاب الشعراني) في طبقاته هذا الكلام عن (سهل التستري الصوفي) حيث قال في ترجمته كما حكاه عنه (العجلوني) أنه قال (الناس نيام فإذا ماتوا استيقظوا وإذا استيقظوا ندموا وإذا ندموا لم ينفعهم ندمهم) ولا مانع من أن يكون من كلام أمير المؤمنين (علي) رضي الله عنه واستشهد به (التستري) وزاد عليه قوله (وإذا

ص: 826

استيقظوا ندموا وإذا ندموا لم ينفعهم ندمهم) وسواء كان من كلام الإمام (علي) رضي الله عنه كما هو المشهور، أم من كلام (التستري) كما قاله (الشعراني) في طبقاته وسواء قد جاء باللفظ الأول أم باللفظ الذي ذكره (الشعراني) عن (التستري) فهو على كل حال ليس من الأحاديث النبوية الشريفة المرفوعة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فمن زعم أنه حديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو قام خطيباً يعظ الناس ويذكرهم ويقول لهم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الناس نيام فإذا ماتوا استيقظوا) فلا تصدقوه لأنه لو كان من الأحاديث المرفوعة لذكره علماء السنة المطهرة المختصين بذكر الأحاديث النبوية من المتقدمين والمتأخرين ولم نجده في كتب المتقدمين ولا في كتب المتأخرين من حفاظ السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وإنما وجد في كتاب (إحياء علوم الدين) لـ (الغزالي) رحمه الله وقد نص العلماء على أن حجة الإسلام (الغزالي) من أكبر علماء الإسلام في الأصول والفقه والتصوف وغيرها من العلوم التي برز فيها هذا الإمام حتى لقب بحجة الإسلام ولكنهم مجمعون على أنه لم يكن حجة في علم السنة النبوية، وأن كتاب (الإحياء) قد جمع أحاديث كثيرة بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف وبعضها موضوع وبعضها موقوف على الصحابي وبعضها من كلام أحد التابعين كما لا يخفى على كل من اطلع على تخريج (الإحياء) الذي ألفه الحافظ (زين الدين العراقي) أو مختصره الذي ألفه (الفيروز آبادي) أو (شرح الإحياء) لـ (المرتضى الزبيدي)، والإمام (الغزالي) نفسه قد اعترف بقلة بضاعته في علم الحديث كما حكاه عنه الشيخ (عبدالفتاح أبو غدة) العلامة السوري المعاصر وغيره من العلماء حيث قال الإمام الغزالي نفسه (بضاعتي في الحديث مزجاة).

وممن نص على أن كتاب (الإحياء) ليس من المصادر التي يرجع إليها في معرفة صحة الحديث وعدمه (الحوت البيروتي) في آخر كتابه (أسنى المطالب) وذلك لأنه جمع فيه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع والموقوف وعلى هذا الأساس فليس صاحب (الإحياء) ممن يوثق بكلامه إذا رفع الموقوف أو احتج بالضعيف أو الموضوع ولا سيما إذا عارض كلامه من هو أعلم منه بالأحاديث الصحيحة وغير الصحيحة والمرفوعة والموقوفة مثل هذا الحديث الذي جاء في السؤال فقد عارض كلامه كلام علماء الحديث المتخصصين وعلى رأسهم (القاوقجي) الذي صرح بأنه ليس مرفوعاً و (ابن طاهر) و (الشوكاني) اللذان نقلا عن (الفيروز آبادي) أنه من كلام علي رضي الله عنه، وأقره على ذلك كما نسبه إلى الإمام (علي) رضي الله عنه (الملا علي القاري) و (السخاوي) و (السيوطي) و (الديبع) و (العجلوني) و (الزرقاني) و (البيروتي) وغيرهم من المحدثين كما نسبه (الشعراني) إلى (سهل التستري)، هذه خلاصة ما قيل في حديث (فإذا ماتوا استيقظوا) والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وعليه المرجع والمآب وهو ولي الهداية والتوفيق وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

‌س: هل حديث (الناس نيام فإذا ما ماتوا انتبهوا) ضعيف أو صحيح

؟

جـ: اعلم أن هذا الحديث لا وجود له في كتب السنة النبوية المرفوعة إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا بسند صحيح ولا ضعيف بل ولا جاء معضلاً ولا معلاً لا في الأمهات الست ولا في غيرها من المعاجم أو الأسانيد ولا ذكر في الكتب التي ألفها العلماء الأولون في الكتب الموضوعة كـ (ابن الجوزي) و (الصاغاني) ولكنه موجود في كتب الأحاديث الموضوعة التي ألفها المتأخرون مثل (القاوقجي) مؤلف (اللؤلؤ المرصوع في الحديث الموضوع) الذي نفى أن يكون هذا الحديث مرفوعا إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن هذا من قول الإمام (علي بن أبي طالب) كرم الله وجهه.

ص: 827

‌س: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن (الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم)؟ وأن على من طلق زوجته طلاقاً رجعياً في العدة لا بد من أن يخبرها بأنه قد راجع في العدة وأنه إذا لم يخبرها فتزوجت بغيره جاهلة المراجعة فزواجها غير صحيح

؟

جـ: اعلم أنه قد جاء في حديث أنس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (يدعي الناس يوم القيمة بأمهاتهم ستراً عليهم من الله عز وجل قال عنه (ابن الجوزي) في كتابه (الموضوعات) هذا حديث لا يصح والمتهم به إسحاق (وهو ابن إبراهيم الطبري) قال (ابن عدي) هو منكر الحديث ومن حديثه هذا الحديث، وقال (ابن حبان) يأتي عن الثقات بالأشياء (الموضوعات) لا يحل كتب حديثه إلاّ على التعجب، هكذا قال (ابن الجوزي) ولكن قد تعقبه (السيوطي) في (اللئالئ المصنوعة) بأنه له طريق أخرى عند الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعاً (أن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم ستراً منه) عن عبادة هكذا قال (السيوطي)، ولكن قد تعقب (ابن عراق) في (تنزيه الشريعة) كلام (السيوطي) بأنه من طريق (أبي حذيفة بن بشر) وهو كذاب وضاع فلا يصلح شاهداً، وقد ثبت ما يخالفه ففي (سنن أبي داود) بإسناد جيد كما قاله (النووي) في كتاب (الأذكار) من حديث أبي الدرداء مرفوعاً (إنكم تدعون يوم القيمة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسنوا أسماءكم) وفي الصحيح من حديث ابن عمر مرفوعاً (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيمة يرفع لكل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلان بن فلان) ومن ألفاظه (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ بِغَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

(1)

فهذان الحديثان الصحيحان دالان على أن الناس يدعون بآبائهم لا بأمهاتهم كما في الحديثين الضعيفين أو الموضوعين.

‌س: أفتونا عن حديث (إذا حضر العِشاء والعَشَاء فابدءوا بالعَشاء) من رواه ومن أخرجه أو حسنه أو صححه أو ضعفه

؟

جـ: هذا الحديث لا أصل له بهذا اللفظ عند علماء السنة المحمدية كما قال الحافظ العراقي في شرحه على (سنن الترمذي) حيث قال في شرحه هذا لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ، كما أنه قال في تخريجه لأحاديث (إحياء علوم الدين) لـ (لغزالي) أن المعروف في كتب الحديث (إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة) ولقد تابع العراقي من جاء بعده من الحفاظ الذين ألفوا في الأحاديث الدارجة على الألسن أو في الأحاديث الموضوعة من المتأخرين عن العراقي وممن عاش في القرن التاسع الهجري وما بعده من القرون إلى عصرنا هذا، وذلك مثل تلميذه الحافظ (ابن حجر العسقلاني) مؤلف فتح الباري وتلميذ ابن حجر الحافظ (السخاوي) مؤلف (المقاصد الحسنة) وتلميذ (السخاوي) الحافظ (الديبع) وغيرهم من الحفاظ كـ (السيوطي) مؤلف (الدرر المنتثرة) و ((العجلوني)) مؤلف (كشف الخفاء) و (ابن طاهر الفتني الهندي) مؤلف (تذكرة الموضوعات) و (الملا علي القاري) مؤلف (الأسرار المرفوعة) و (المصنوع في معرفة الحديث الموضوع) والحوت البيروتي في (أسنى المطالب) و (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة) وغيرهم ممن نقل عن العراقي عدم وجود هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الحديث وأقر العراقي على نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ المسجوع في كتب السنة المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام،

هذا وممن أقر نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الحديث من علماء العصر الشيخ (محمد الصباغ) الذي حقق وعلق على كتاب (الأسرار المرفوعة) لـ (الملا على القاري) حيث قال معلقاً على كلام القاري الذي أقر العراقي على نفي وجود هذا الحديث بهذا اللفظ ما نصه (ويبدوا أن تحريفاً اعترى هذا الحديث من قبل من يولعون بالمحسنات اللفظية، وسواء كان هذا الحديث قد ورد في كتب السنة بهذا اللفظ أو لم يرد ففي كتب

(1)

صحيح البخاري: كتاب الجزية والموادعة: باب إثم الغادر للبر والفاجر. حديث رقم (3188) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ بِغَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

ص: 828

السنة ما يدل على ما هو أعم من هذا المعنى بسند صحيح عن أنس بن مالك مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند البخاري في صحيحه بلفظ (إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ)

(1)

فقوله و (وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ) أعم من أن تكون صلاة العشاء الواردة في الحديث المشهور على الألسن أو تكون صلاة المغرب وبمثل ما جاء في البخاري جاء في صحيح مسلم رحمه الله تعالى، كما في حديث عائشة مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ)

(2)

كما في صحيح البخاري ومسلم رحمه الله تعالى فلفظة (صَلَاةَ) ها هنا نكرة في سياق النفي والنكرة في سياق النفي تفيد العموم فتعم كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها، كما أن النفي ها هنا بمعنى النهي أي لا يصلي أحد بحضرة طعام يتوق إليه سواء كانت الصلاة ظهراً أو عصراً أو فجراً أو مغرباً أو عشاءً، وعلى هذا الأساس فلا ينبغي لأحد أن يستدل على عدم جواز الدخول في الصلاة إذا كان الأكل حاضراً وكان المصلي جائعاً بهذا الحديث الذي جاء في بعض الكتب واشتهر على ألسنة الناس ولا أصل له في علم الحديث، بل اللازم على من يريد الاحتجاج على عدم الصلاة بحضور الأكل لمن كان جائعاً بحديث (إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ) وذلك لكون هذا الحديث في صحيح البخاري ومسلم ولكونه يعم صلاة المغرب وصلاة العشاء أو يحتج بحديث (لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ) لكونه في صحيح مسلم ولكونه يعم جميع الصلوات وجميع الأطعمة التي تحضر حال دخول أيِّ وقت من أوقات الصلوات الخمس أو غيرها.

هذا وقد نقل بعض العلماء عن مصنف (أبي بكر ابن أبي شيبة) الحافظ المتوفى سنة (235) أن الحديث قد جاء بلفظ (إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدءوا بالعشاء) وليس ذلك بصحيح أصلاً أي أن من نقل عن (ابن أبي شيبة) أنه روى الحديث باللفظ المتداول على ألسنة الناس فهو غالط ولا أصل له في مصنف (ابن أبي شيبة) ولا في غيره من المؤلفات المسندة، قال (السيوطي) ووهم من عزاه لمصنف (ابن أبي شيبة) قال (الملا علي القاري) في (الأسرار المرفوعة) ما معناه وقد سبق (العسقلاني)(السيوطي) بهذا الكلام حيث قال في (فتح الباري)(لفظ ابن أبي شيبة وحضرت الصلاة) كما أخرجه في مسنده لا أنه في المصنف بلفظ (حضرت العشاء) كما توهم، وقد نقل (السخاوي) في (المقاصد) عن شيخه الحافظ (ابن حجر العسقلاني) أنه عقب على كلام شيخه العراقي الذي قال عن حديث (إذا حضر العشاء والعشاء فابدءوا بالعشاء) أنه لا أصل له في كتب الحديث بقوله لكن رأي بخط الحافظ قطب الدين (يعني الحلبي) أن ابن أبي شيبة أخرجه عن إسماعيل يعني ابن علية عن ابن إسحاق حدثني عبدالله بن رافع عن أم سلمه مرفوعاً (إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدءوا بالعشاء) فإن كان ضبطه فذاك وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل أي ابن عليه الذي رواه عن ابن

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأذان: باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة. حديث رقم (631) بلفظ (حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ).

أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، وابن ماجة في الصلاة، وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الصلاة.

أطراف الحديث: الأطعمة.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب المساجد: باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام. حديث رقم (1246) بلفظ (عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، قَالَ: تَحَدَّثْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَدِيثًا، وَكَانَ الْقَاسِمُ رَجُلًا لَحَّانَةً وَكَانَ لِأُمِّ وَلَدٍ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ، مَا لَكَ لَا تَحَدَّثُ كَمَا يَتَحَدَّثُ ابْنُ أَخِي هَذَا؟ أَمَا إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ هَذَا أَدَّبَتْهُ أُمُّهُ وَأَنْتَ أَدَّبَتْكَ أُمُّكَ، قَالَ: فَغَضِبَ الْقَاسِمُ وَأَضَبَّ عَلَيْهَا، فَلَمَّا رَأَى مَائِدَةَ عَائِشَةَ قَدْ أُتِيَ بِهَا، قَامَ قَالَتْ: أَيْنَ؟ قَالَ: أُصَلِّي قَالَتْ: اجْلِسْ، قَالَ: إِنِّي أُصَلِّي، قَالَتْ: اجْلِسْ غُدَر، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ).

اخرجه أبوداود في الطهارة، وأحمد في باقي مسند الأنصار.

معاني الألفاظ: لحانة: كثير الخطأ في الإعراب. أضب: حقد. الأخبثان: البول والغائط.

ص: 829

إسحاق بلفظ (وحضرت العشاء) ثم قال (ابن حجر) ثم راجعت (مصنف ابن أبي شيبة) فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد، وبناءً على ذلك فلعل (الحلبي) توهم وهماً (أن ابن أبي شيبة) رواه باللفظ المشهور عند الناس الذي لا أصل له بهذا اللفظ في كتب الحديث، أو لعله اعتمد على نسخة من نسخ المصنف غير صحيحة، ومهما يكن من شئ فالذي يكون الاعتماد عليه هو كلام الحافظ (ابن حجر العسقلاني) فهو أرجح من كلام (الحلبي) رحمه الله عند تعارض النقلين عن مصنف (ابن أبي شيبة) رحمه الله (إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام).

والخلاصة لما جاء في كلامي هذا ينحصر فيما يلي:

1.

لا وجود لهذا الحديث بلفظ (إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدءوا بالعشاء) في كتب السنة كما قال العراقي وتابعه من جاء بعده من الحفاظ وعلى رأسهم تلميذه (العسقلاني) ثم تلميذ تلميذه (السخاوي) ثم تلميذ (السخاوي)(الديبع) كما تابعه أيضا (السيوطي) و (العجلوني) و (ابن طاهر الفتني) و (القاري) و (الشوكاني) وغيرهم.

2.

قد ورد في البخاري ومسلم بلفظ أعم وأشمل وهو حديث (إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ) لأن لفظة (الصَّلَاةُ) ها هنا تعم المغرب والعشاء.

3.

قد ورد في الصحيح حديث آخر دال على هذا المعنى بلفظ أعم من الحديث السابق وهو حديث (لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ) الذي شمل جميع الفرائض والسنن والنوافل كما شمل طعام العشاء وغيره.

4.

من روى عن (مصنف ابن أبي شيبة) أنه أخرج الحديث بلفظ (إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدأوا بالعشاء) فهو غالط فهذا الحديث بهذا اللفظ المسجوع لا وجود له في (مصنف ابن أبي شيبة) أصلاً والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

‌س: هل حديث (إذا كان آخر الزمان واختلف الأهواء فعليكم بدين أهل البادية والنساء) حديث صحيح

؟

جـ: هذا الحديث هو من الأحاديث التي ذكرها (السيوطي) في جامعه الصغير وهي من الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حديث (إذا كان آخر الزمان واختلف الأهواء فعليكم بدين أهل البادية والنساء) هو حديث موضوع لأن في سنده (محمد بن عبدالرحمن السليماني) وهو من الوضاعين على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال (ابن طاهر المقدسي) له نسخة ألهم بوضعها وقال (السخاوي) حدث عن أبيه بـ (200) حديث كلها موضوعة لا يحل ذكرها إلا على وجه التعجب، ولقد عدّ هذا الحديث من الموضوعات جماعة من الحفاظ الذين ألفوا في الموضوعات وذلك كـ (الصاغاني) و (ابن طاهر) المقدسي و (ابن الجوزي) وأقره (السيوطي) نفسه في (اللئالئ المصنوعة) كما أقرهما (ابن عراق الكناني) في (تنزيه الشريعة المرفوعة) وهكذا حكم بوضعه (الملا على القاري) في كتاب (الأسرار المرفوعة) و (الألباني) في كتاب (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة).

والخلاصة: أن (السيوطي) التزم في (الجامع الصغير) أن لا يذكر فيه الموضوع في حين أن هذا الحديث موضوع باعترافه.

ص: 830

‌س: سمعت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التلفزيون عن بعض العلماء يقولون فيه (إذا كثر البشر ونطق الحجر وطلع الكافر القمر واجتمع اليهود في أرض المحشر فترقبوا الساعة والساعة أدهى وأمر) والثاني: هل صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال

(شمت أخاك ولو كان خلف سبعة أبحر)؟

جـ: حديث (إذا كثر البشر ونطق الحجر إلى آخره) لم يوجد في كتب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام لا بسند صحيح ولا بسند حسن ولا بسند ضعيف لا في الأمهات ولا في غيرها من السنن والمسندات والمعاجم والمستخرجات والمستدركات، وكذلك لم يوجد في الكتب التي اهتم مؤلفوها بجمع الأحاديث الدارجة على الألسن مثل كتاب (اللئآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة) للحافظ بن حجر العسقلاني و (المقاصد الحسنة في الأحاديث الدارجة على الألسنة) للحافظ (السيوطي) و (تمييز الطيب من الخبيث فيما يجري على السنة الناس من الحديث) للحافظ الديبع و (كشف الخفاء) و (رفع الإلباس في ما يجري من الأحاديث على السنة الناس) للحافظ (العجلوني) و (اسنى المطالب في الأحاديث المتداولة على الألسنة على المراتب) وكذلك أيضا لم أجده في (الجامع الصغير للسيوطي) ولا في (الفتح الكبير) للنبهاني ولا في (كنوز الحقائق) للمناوي ولا في غيرها من كتب الأحاديث الجامعة للأحاديث النبوية المرتبة على الحروف أو على الأبواب، ومن العجيب أنه لم يوجد في كتب الموضوعات مثل كتاب (ابن الجوزي) المسمى بـ (الموضوعات الكبرى) وكتاب (السيوطي) المسمى (اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) وكتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة) الذي ألفه الحافظ (علي بن محمد بن عراق الكناني) وكذلك لم يوجد هذا الحديث في كتاب (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) لشيخ الإسلام (الشوكاني) رحمهم الله جميعاً، كما أنه لم يوجد في الكتب التي ألفت في موضوع (أمارة يوم القيامة وفي أحاديث الفتن وقيام الساعة) فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إذا كثر البشر ونطق الحجر وطلع الكافر سطح القمر واجتمع اليهود في أرض المحشر فترقبوا الساعة والساعة أدهى وأمر) فعليه أن يوضح من روى هذا الحديث؟ ومن أخرجه؟ وفي أي كتاب يوجد هذا الحديث من الكتب التي جمعت الأحاديث الصحيحة والضعيفة؟ لأكون له من الشاكرين، على أنه قد ورد بعض فقرات هذا الحديث ولكن لم يرد هذا اللفظ في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أذكر من كتب السنة.

والجواب على الحديث الثاني: الذي يأمر المسلم أن يشمِّت أخاه وإن كان خلف سبعة أبحر وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (شمت آخاك ولو كان خلف سبعة أبحر) غير موجود في كتب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام لا في كتب الصحاح ولا في كتب الضعاف ولا في الأحاديث المنكرة ولا الموضوعة فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (شمت أخاك ولو كان خلف سبعة أبحر) فعليه البرهان وبيان من روى هذا الحديث بهذا اللفظ ومن اخرجه لأكون له من الداعين بأن يجزيه الله خيراً، مع أنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مشروعية تشميت العاطس أحاديث صحيحة ولكن ليس فيها كلها لفظ (ولو كان خلف سبعة أبحر) ابداً ولا جاء هذا اللفظ مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما جاء في كتاب (اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) للسيوطي من كلام لبعض العلماء أنه قال (أوحي الله لنبيه داود بأن يشمت العاطس وإن كان خلف سبعة أبحر) ونسبه إلى كتاب نوادر الأصول للحكيم الترمذي، وهذا ليس بحديث نبوي مرفوع إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ولا تكلم به ولا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه بأن يشمت العاطس وإن كان خلف سبعة أبحر.

والخلاصة أنه إن كان المراد الاحتجاج على مشروعية تشميت العاطس فهناك حديث صحيح مشهور عند الناس

ص: 831

جميعاً دال على تشميت العاطس وهوبلفظ (إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ)

(1)

وإن كان المراد هو الاحتجاج على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تكلم بكلام يدل على أنه قد أشار إلى أنه سيوجد في آخر الزمان الراديو أو التلفزيون كما قال السائل في سؤاله هذا، وأنه قد صرح بهذا اللفظ المسئول عنه وهو (تشمت أخاك وإن كان خلف سبعة أبحر) لا نسلم بوجود هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب السنة النبوية، وإن فرضنا أنه قد وجد فلا نسلم بأنه صحيح أو حسن أو ضعيف وإذا لم يكن صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً فلم يبق غير أن يكون من الموضوعات المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أني لم أجده حتى في كتب الموضوعات، فمن وجده في أيِّ كتاب من كتب السنة النبوية وأفادني فجزاه الله خيراً، وقد كان على السائل أن يتصل أولاً بمن سمع منه هذا الحديث ويطلب منه الإيضاح عن هذا الحديث بهذا اللفظ ومن أخرجه ومن رواه ومن صححه أو حسنه أو ضعفه وفي أيِّ كتاب وجده من كتب السنة النبوية ولا يحفظه حتى يعرف ما قيل فيه حتى لا يدخل في عداد من يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مالم يقله وينخرط في عموم رواة الأحاديث الموضوعة التي لا أصل لها في كتب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام هذا والله سبحانه ولي الهداية والتوفيق.

‌س: ما قولكم في حديث (إذا كثرت الفتن فعليكم باليمن) هل هو حديث صحيح أو غير صحيح وما قولكم في من قال بأن هذا الحديث مكذوب مع العلم بأني محتار في قوله هذا لأني لا أسمع بحديث مكذوب وإنما أسمع بحديث صحيح وحسن وضعيف وشاذ وغيره

؟

جـ: اعلم بأن الحديث المذكور في السؤال قد روي في بعض كتب التاريخ اليمني مثل كتاب (الدر المنثور في فضائل اليمن الميمون) المنسوب إلى العلامة (محمد الأهدل) وقد ذكره (الملا علي القاري) بلفظ (إذا كثرت الفتن فعليكم باليمن) وذكره المحقق المقبلي رحمه الله في كتابه (الأرواح النوافح) ولكنه جعل محور كلامه هو حول ترجيح الرواية التي بلفظ (إذا كثرت الفتن فعليكم باليمن) على الرواية التي بلفظ (إذا كثرت الفتن فعليكم بأطراف اليمن) والواقع بأن هذا الحديث غير موجود في كتب السنة المطهرة المعروفة، ولم نعرف من الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الذي أخرجه من أهل الأمهات أو الصحاح أو السنن أو المسندات أو المعاجم، وقد ذكره العلامة (ابن عراق الكناني) في كتابه (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة) ناقلاً عن الحافظ (ابن تيمية) أنه قال عن هذا الحديث بأنه بهذا اللفظ لا يعرف، ولقد كنت بحثت عنه قديماً ووجدته في كتاب (أحاديث القصاص) لابن تيمية ولقد قال عنه هذا اللفظ لا يعرف، ولكن الذي في السنن أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال (لعبد الله بن حوالة) (سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً: جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ)

(2)

وفي مسند أحمد بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب إذاعطس كيف يشمت. حديث رقم (5756) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ)

أخرجه أبوداود في الأدب، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

(2)

- سنن أبي داود: كتاب الجهاد: في سكني الشام. حديث رقم (2124) بلفظ (عَنْ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً: جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2483).

أخرجه أحمد في مسند الشاميين.

معاني الألفاظ: الاجتباء: الاصطفاء والاختيار

غدركم: جمع غدير وهي القطعة من الماء يغادرها السيل.

ص: 832

سَيَكُونُ جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، فَقَالَ رَجُلٌ: فَخِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكَ بِالشَّامِ عَلَيْكَ بِالشَّامِ ثَلَاثًا عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ، قَالَ أَبُو النَّضْرِ مَرَّتَيْنِ فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ) وقد علق عليه العلامة محمد الصبان بأن رواية سنن أبي داود مخالفة شيئاً ما وهي (سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً: جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ) وأورده الشيخ (محمد ناصر الدين الألباني) في تخريج أحاديث كتاب فضائل الشام ودمشق، وقال:(حديث صحيح) فإن له أربع طرق وسرد طرقه هناك، وبهذا تعرف أن حديث (إذا هاجت الفتن أو إذا كثرت الفتن فعليكم باليمن أو بأطراف اليمن) لا وجود له، ولكن قد ورد حديث آخر جاء في سنن أبي داود بسند صحيح (فإن أبيتم أي بالالتحاق بجند الشام فعليكم بيمنكم) فهو شاهد للحديث المسئول عنه والذي لم يقف عليه (ابن تيمية) ولا عرفه، هذا والجدير بالذكر أنك قلت في سؤالك هذا بأنك لم تسمع بحديث مكذوب وإنما الذي تسمعه هو أن الحديث صحيح أو حسن أو ضعيف أو شاذ أو غيرها، والجواب هو أن الحديث المكذوب هو الحديث الموضوع والأحاديث الموضوعة كثيرة قد نص عليها العلماء المختصون في مؤلفات خاصة، كما أن الرواة الذين رماهم الحفاظ بالوضع أو بالكذب على رسول الله كثيرون، ولمزيد من الفائدة لك ولمن يستمع إلى هذا البرنامج أقول بأن من جميلة المؤلفات في الأحاديث الموضوعة المرتبة على الحروف الأبجدية هو كتاب (تذكرة الموضوعات) لـ (ابن طاهر) المقدسي، وكتاب (الغماز على الماز) للسمهوري وكتاب (الكشف الإلهي في شديد الضعف والموضوع والواهي) للطرابلسي وكتاب (المصنوع في الحديث الموضوع) للملأ على القاري وكتاب (الاستنارة المرفوعة في الأحاديث الموضوعة)(للملا على القاري) وكتاب (النخبة البهية في الأحاديث المكذوبة على خير البرية) للأمير الكبير المالك الأزهري وكتاب (اللؤلؤ المرصوع فيما لا أصل له أو بأصله موضوع) للقاوقجي وكتاب (تحرير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين) تأليف ظافر الأزهري المالكي وكتاب (المغير على موضوعات الجامع الصغير) تأليف أحمد بن الصديق الغماري، وكتاب (ضعيف الجامع الصغير وزيادته) للعلامة محمد ناصر الدين الألباني ومن المؤلفات في الأحاديث الموضوعة المرتبة على الأبواب كتاب (الموضوعات من الأحاديث المرفوعات) تأليف (ابن الجوزي) و (اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) للسيوطي و (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة) لـ (ابن عراق الكناني) و (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) للشوكاني وغير هذه الكتب التي ألفها الحفاظ في ذكر الأحاديث الموضوعة، أما الوضاعون فهم كثيرون قد تكلفت بذكر أسمائهم وكناهم وتراجمهم الكتب المؤلفة في علم الرجال مثل كتاب (الميزان) للذهبي و (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم كما تكفل بجمعهم (برهان الدين الحلبي) في كتابه (الكشن الخبيث فيمن علم بوضع الحديث) وقد سرد أسماء الكثير منهم (ابن عراق الكناني) في مقدمة كتابه (تنزيه الشريعة المرفوعة على الأحاديث الشنيعة الموضوعة) وإنما أطلت الكلام في الجواب على قولك بأنك متحير لم تدر ما هو الحديث المكذوب لأحيطك علماً بأن الحديث المكذوب هو الحديث الموضوع على رسول الله صلى الله

ص: 833

عليه وآله وسلم كذباً، وأن العلماء قد ألفوا عدة مؤلفات جامعة للأحاديث الموضوعة كذباً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الصلاة والسلام وهي كثيرة، ولم أذكر لك إلا ما قد طبع منها لتطلب ما تريد طلبه منها مما يوجد بالمكتبات بصنعاء وغيرها، والله ولي الهداية والتوفيق.

‌س: نريد منكم جزاكم الله خيراً أن توضحوا لنا مدى صحة هذين الحديثين وهما (أول ما خلق الله نور نبيه محمد) هل هو صحيح أو غير صحيح وهل يتناقض مع حديث أول ما خلق الله القلم؟ إن آدم عليه السلام رأى مكتوباً في العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فقال يا مول

اي من هذا الذي قرنت اسمه باسمك فقال هذا أحد أولادك ولولاه ما خلقتك؟

جـ: قد نص علماء الحديث المختصون على أن حديث أول ما خلق الله نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير صحيح بل هو من (الموضوعات) كما نصوا على عدم صحة حديث لولا محمد ما خلق الله الأفلاك.

‌س: ما صحة حديث (إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن) أو (من جانب اليمن)

؟

جـ: هو من الأحاديث المتداولة على بعض ألسنة أهل اليمن وقد ذكره حجة الإسلام (الغزالي) في (إحياء علوم الدين) ونقل (الملا على القاري) في كتابه (المصنوع في الحديث الموضوع) عن الحافظ (زين الدين العراقي) أنه قال لم أجد له أصلاً وقد اعترضه العلامة (عبدالفتاح أبو غدة) في تعليقاته على (المصنوع) بقوله الذي رأيته في تخريج الإحياء للعراقي في كتاب (قواعد العقائد) في الفصل الثاني هذا ما نصه (حديث إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن) أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في حديث قال فيه (وأجد نفس ربكم من قبل اليمن) ورجاله ثقات وقال الحافظ (الهيتمي) في كتاب (مجمع الزوائد) في الجزء العاشر في صفحة (55) و (56) عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ألا إنَّ الإيمان يمان والحكمة يمانية وأجد نفس ربكم من قبل اليمن) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير (شبيب أبي رفع) وهو ثقة ورواه (البيهقي) في (الأسماء والصفات) في صفحة (462) و (463) عن الصحابي سلمه بن نفيل السكوني في حديثه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مولٍ ظهرة قبل اليمن (إني أجد نفس الرحمن ها هنا) وقد رواه (البزار) في (مسنده) و (الطبراني) في (الكبير) ولفظه (إني أجد نفس الرحمن من ها هنا وأشار إلى اليمن) ورواه (الطبراني) أيضاً في مسند الشاميين عن أبي هريرة بلفظ (الإيمان يمان والحكمة يمانية وأجد نفس الرحمن من قبل اليمن) ورواه في (الأوسط) عن أبي هريرة أيضاً بلفظ (وأجد نفسي ربكم من قبل اليمن) وأسانيد هذه الروايات صحيحة كما بسطه الشيخ (محمد بن مسلم الحيدر آبادي) في (القول المستحسن في فخر الحسن) وكذلك نقل (الملا على القاري) في كتاب (الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة) عن العراقي أنه قال لم أجد له أصلاً واعترضه العلامة (محمد الصباغ) في تعليقاته على كتاب (الأسرار المرفوعة) بأنه موجود في مسند أحمد ونقل سند الحديث من المسند وأحال على (مجمع الزوائد) وهكذا نقل (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) عن صاحب المختصر أنه قال لم أجده والمراد بالمختصر (مختصر تخريج إحياء علوم الدين) للعلامة (الفيروز أبادي) الذي اختصر تخريج العراقي للـ (الإحياء) وقد أجاب عن (الشوكاني) واعترضه العلامة (المعلمي) في تعليقاته على (الفوائد المجموعة) بالنقل عن (السيوطي) في (الجامع الكبير) للحديث بتخريجه وذكر من رواه.

والخلاصة: أن الحديث مخرج معروف سنده والراوون له وموجود في (مسند أحمد) و (معجم الطبراني الكبير والأوسط) و (مسند البزار) وأنه في عداد الأحاديث الصحيحة لا في عداد الأحاديث الموضوعة ولعل العراقي لم يقف عليه أول الأمر فصرح في تخريجه للـ (الإحياء) بأنه لم يجد له أصلاً وقلده (الفيروز أبادي) في (المختصر) وقال عن هذا الحديث بأنه لم يجده، فلما اطلع (الملا على القاري) على كلام العراقي الذي صرح فيه

ص: 834

بعدم وقوفه عليه ظنه موضوعاً فعده في (المصنوع) من جملة الأحاديث الموضوعة مع كونه قد صرح في أول كتابه هذا أنه لا يذكر من الأحاديث إلاَّ الأحاديث التي لم يختلف العلماء في الحكم عليها بالوضع، كما أنه قد عده أيضا في موضوعاته الكبرى الذي سماها (الأسرار المرفوعة) كما أن (الشوكاني) اطلع على ما قاله (الفيروز أبادي) في (مختصره) فنقل كلامه وعده من الموضوعات في حين أن العراقي قد نص على تخريجه في نفس كتابه هذا كما نقله عنه (أبو غده) ولعل نصه هذا في نسخة أخرى من نسخ التخريج للـ (الإحياء) لأن تخريج (الإحياء) له نسختان كبرى وصغرى ومهما يكن فلا يلزم من قول العراقي لم أجده عدم وجوده لأنه قد وجده غيره وهكذا لا يلزم من قول (الفيروز أبادي) أنه غير موجود عدم وجوده لأنه قد وجده غيره ومن حفظ حجة على من لم يحفظ والمثبت مقدم على النافي وكذلك لا يلزم من نقل (الملا على القاري) و (الشوكاني) عمن قبلهما أنه لم يجده أنه غير موجود لأن نقلهما عن من قبلهما عدم الوجود لا يدل على عدم وجوده في الواقع، وبناء على ذلك فعلى من يطلع على كتاب (المصنوع) لـ (القاري) أن لا يغتر بنقل القاري عن العراقي عدم وجود هذا الحديث بل يراجع ما قاله (أبو غده) في تعليقاته على هذا الكتاب، وعلى من يطلع على كتاب (الأسرار المرفوعة) أن لا يصدق ما نقله (القاري) عن العراقي عن هذا الحديث بل عليه أن يراجع ما قاله (الصباغ) في تعليقه على هذا الكتاب، وعلى من يطلع على ما قاله (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة) أن لا يغتر بنقله عن صاحب (المختصر) عدم وجود هذا الحديث وعليه مراجعة ما قاله العلامة (المعلمي) في تعليقاته على (الفوائد المجموعة)، وأما معنى هذا الحديث فمعناه (إني أجد الفرج من قبل اليمن) كما قال (البيهقي) في كتاب (الأسماء والصفات) وقال العلامة (محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الأصبهاني) في كتابه (مشكل الحديث) معناه إني لأجد تفريج الله عني وتنفيسه عن كربتي بنصرته إيَّاي من قبل أهل اليمن إلى آخر ما قاله رحمه الله، وبهذه المناسبة أذكر أني سئلت قبل أعوام عن هذا الحديث فأجبت عنه بجواب غير صحيح حيث قلت في الجواب عن السائل عمن أخرج هذا الحديث (أخرجه مسلم في صحيحه) والواقع أنه غير موجود في صحيح مسلم وأن نسبتي هذا الحديث إلى صحيح مسلم كان غلطاً مني حيث خطر ببالي حديث آخر أخرجه مسلم في فضل أهل اليمن وهو الحديث الذي أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته أنه سيذب الناس لأهل اليمن عند الحوض ولفظه (إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ)

(1)

إلى آخر الحديث الذي قال عنه (النووي) في شرحه صحيح مسلم أن معناه أطرد الناس عنه غير أهل اليمن ليرفض على أهل اليمن كما أضاف قائلاً وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام، والأنصار من اليمن فيدفع غيرهم حتى يشربوا كما دفعوا في الدنيا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعدائه والمكروهات، ومعنى يرفض عليهم يسيل عليهم إلى آخر كلامه في باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وصفاته، وحاصل ما جاء في جوابي هذا يتلخص فيما يلي:

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الفضائل: باب إثبات حوض النبي وصفاته. حديث رقم (4256) بلفظ (عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ، فَسُئِلَ عَنْ عَرْضِهِ فَقَالَ: مِنْ مَقَامِي إِلَى عَمَّانَ، وَسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ فَقَالَ: أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنْ الْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالْآخَرُ مِنْ وَرِقٍ).

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.

معاني الألفاظ: الذود: الطرد والمنع.

الميزاب: قناة يجري فيها الماء.

الورق: الفضة.

ص: 835

أولاً: غلط (القاري) في كتابه (المصنوع) و (الأسرار) حيث عد هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة مغتراً بما جاء في (تخريج العراقي للإحياء) من عدم وجود هذا الحديث.

ثانياً: غلط (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة) حيث عد هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة مغتراً بكلام صاحب (مختصر تخريج الإحياء) الذي أفاد فيه أنه لم يجده.

ثالثاً: الحديث صحيح من حديث أبي هريرة عند أحمد في (المسند) و (الطبراني) في (الأوسط) ومن حديث سلمة بن نفيل عند (البيهقي) في (الأسماء والصفات) و (البزار) في (المسند) و (الطبراني) في (الكبير).

رابعاً: من أراد أن يبحث عما قيل في هذا الحديث فلا يغتر بما جاء في (المصنوع) أو (الأسرار) أو (الفوائد المجموعة) بل يراجع تعليقات (أبي غده) على (المصنوع) أو تعليقاته على (الأسرار) أو تعليقات (المعلمى) على (الفوائد) أو يراجع (مسند أحمد) أو (مجمع الزوائد).

خامساً: معنى هذا الحديث أني أجد تفريج الله عني في تنفيسه عن كربتي من قبل أهل اليمن.

سادساً: لم يخرج مسلم هذا الحديث وما جاء في بعض أجوبتي القديمة في هذا البرنامج من عزوى هذا الحديث إلى مسلم كان غلطاً مني صادراً على جهة السهو أو النسيان وإنما أخرج حديث (إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ) ثم إني بعد تحرير هذا الجواب اطلعت على كتاب (الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) للحافظ (الألباني) فوجدته قد قرر ضعف هذا الحديث، والله سبحانه وتعالى ولي الهداية والتوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

‌س: قرأت في كتاب هذا الحديث (إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ

مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) فهل هذا الحديث صحيح؟ وإذا كان صحيحاً فهل هو إشادة باليمنيين؟ وعرفونا ما هو معنى (متفق عليه) عند ختام أي حديث مروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعنى أخرجه الشيخان وغيرهما، وهل هما المعتمدان أكثر من غيرهما في رواية الحديث الشريف؟

جـ: حديث (إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ)

(1)

هو صحيح عند الحفاظ وهو مدح وثناء لقبيلة الأشاعرة المعروفة في تهامة اليمن والذين منهم أبو موسى الأشعري (عبد الله بن قيس) ومعنى قول المحدثين بعد أن يذكروا الحديث متفق عليه أي أنه أخرجه البخاري ومسلم وهما المرادان بقولهم أخرجه البخاري والبخاري هو الإمام الكبير (محمد إسماعيل البخاري) المتوفي سنة (256) والإمام (مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري) المتوفى سنة (261) وقد قال الجماهير من المحدثين عن صحيح الإمام البخاري أنه أصح كتاب في الحديث، كما أنَّ صحيح مسلم في الدرجة الثانية بعد البخاري، كما اعترفوا للإمام مسلم بأن صحيحه أحسن من صحيح البخاري من ناحية الصناعة حتى قال قائلهم في المقارنة فيما بين الصحيحين:

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الشركة: باب الشركة في النهد والطعام والعروض. حديث رقم (2306) بلفظ (عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ).

أخرجه مسلم في فضائل الصحابة.

معاني الألفاظ: أرملوا: فني زادهم.

ص: 836

تشاجر قوم في البخاري ومسلم لديَّ وقالوا أيّ ذين تقدموا

فقلت لقد فاق البخاري صحة كما فاق في حسن الصناعة مسلم

والكلام حول السبب الذي من أجله كان صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم طويل جداً معروف لدى علماء أصول الحديث.

‌س: هل حديث (أكرموا عمتكم النخلة فإنما خلقت من فضيلة طينة آدم)

؟

جـ: (أكرموا عمتكم النخلة) قد ذكره علماء كثيرون وهو من الأحاديث المشهورة على الألسنة وهو في الحقيقة من (الموضوعات)، كما في موضوعات (ابن الجوزي) وتذكرة الموضوعات (للمقدسي) وتذكرة الموضوعات لـ (ابن طاهر) الهندي والفوائد المجموعة (للشوكاني) والأحاديث الضعيفة والموضوعة (للألباني)، والسبب في الحكم عليه بالوضع أن في سنده (جعفر بن أحمد) وهو من الوضاعين وتفرد به (مسرور بن سعيد) وهو من المنكرين الحديث.

‌س: حديث (أنا وأتقياء أمتي براء من التكلف) هل هو حديث صحيح أم ضعيف أم موضوع

؟

جـ: اعلم أن هذا الحديث قد ذكره بعض علماء السنة المتأخرين الذين ألفوا في الأحاديث الموضوعة ونصوا على أنه غير ثابت بهذا اللفظ، ونصوا على أن له شواهد تدل على معنى هذا الحديث، قال (ابن طاهر الفتني الهندي) في (تذكرة الموضوعات) (أنا وأتقياء أمتي براء من التكلف) قال (النووي) ليس بثابت قلت روى معناه بسند ضعيف وأورده (الغزالي) وقال في (المختصر) هو ضعيف وقال (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة) قال (النووي) ليس ثابت وقال في (المقاصد) روي بمعناه بسند ضعيف كما ذكره أيضاً (السيوطي) في (اللئاليء المصنوعة) وقال بعد أن نقل عنه أنه ليس بثابت قلت روى البخاري عن أنس أنه قال (كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:(نهينا عن التكلف)

(1)

حكاه عن (اللئاليء)(العجلوني) في (كشف الخفاء) وفيه عندي نظر سيأتي وجهه في آخر كلامي هذا، وهكذا ذكره من ألف في الأحاديث الدارجة على الألسن من الحفاظ المتأخرين وذلك كـ (السخاوي) ومعاصره (السيوطي) وتلميذه (الديبع) ومن جاء بعدهم من المؤلفين في الأحاديث المتداولة على ألسنة الناس كـ (العجلوني) و (البيروتي) وغيرهما ولقد قال (السخاوي) في (المقاصد الحسنة) في هذا الحديث ما نصه (أنا والأتقياء من أمتي بريئون من التكلف) قال (النووي)(ليس بثابت) انتهى، وقد أخرجه (الدار قطني) في (الأفراد) من حديث الزبير بن العوام مرفوعاً (إلا أني برئ من التكلف وصالحوا أمتي) وسنده ضعيف وأورده الغزالي في (الإحياء) بلفظ (أنا وأتقياء أمتي برآء من التكلف)، وقال (سلمان) كما عند (أحمد) و (الطبراني) في (معجمه الكبير) و (الأوسط) و (أبي نعيم) في (الحلية) لمن استضافه (لولا أنا نهينا عن التكلف لتكلفت لكم) وإلى هذا أشار شيخنا (أبو حجر) بقوله روى مرفوعاً من حديث (سلمان) والصحيح عنه من قوله وقال عمر رضي الله عنه، كما أخرجه البخاري عن أنس عنه (نهينا عن التكلف، ونقل (العجلوني) عن (السيوطي) المعاصر لـ (السخاوي) أنه قال في (الدرر المنتثرة من الأحاديث المشتهرة) إذا عرفت هذا عرفت أن الحديث المسئول عنه بنفس اللفظ (أنا وأتقياء أمتي براء من التكلف) غير ثابت كما قال (النووي)، وأقره من نقل هذا القول عنه ممن ألف في الموضوعات من المتأخرين كـ (السيوطي) في (اللئالئ) و (ابن طاهر) في (التذكرة) و (الشوكاني) في (الفوائد) وهكذا أقره من نقل عنه من المتأخرين الذين ألفوا في الأحاديث المشهورة المتداولة

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعني. حديث رقم (6749) بلفظ: عن أنس قال كنا عند عمر فقال نهينا عن التكلف.

انفرد به البخاري.

ص: 837

على ألسنة الناس كـ (السخاوي) في (المقاصد) و (السيوطي) في (الدرر) و (الديبع) في (التمييز) و (العجلوني) في (الكشف) و (البيروتي) في كتاب (أسنى المطالب) وغيرهم.

كما أنه له شاهد بلفظ يقرب من هذا اللفظ وهو حديث الزبير بن العوام مرفوعاً (إلا أني برئ من التكلف وصالحوا أمتي) الذي أخرجه (الدار قطني) في (الأفراد) كما في (المقاصد) و كما في (التمييز) وسنده ضعيف كما قال (السخاوي) و (الديبع)، كما أن له شاهد آخر بلفظ (نهينا عن التكلف) وهو في صحيح البخاري ولكنه موقوف على عمر رضي الله عنه، وكما في (الدرر) و (المقاصد) و (التمييز) وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو من رواية أنس عن عمر لا من رواية عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما غلط مؤلف (اللئالئ) في كلامه الذي نقله عنه (العجلوني) في (الكشف) حيث نقل عنه أنه قال (قلت روى البخاري عن أنس أنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: نهينا عن التكلف) والصواب (كنا عند عمر بن الخطاب فقال نهينا عن التكلف) كما في (التمييز) و (أسنى المطالب) أي أنه من كلام عمر لا من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جعله (النووي) في (رياض الصالحين) من مسند ابن عمر لا مسند أبيه عمر رضي الله عنه، قال (ابن علان) في دليل (الفالحين) وهو موقوف لفظاً مرفوع حكماً، وكذلك روى موقوفاً على (سلمان) ومرفوعاً من حديثه ولكن الصحيح أنه من قوله لا من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال (ابن حجر العسقلاني) شيخ (السخاوي) رحمه الله.

وحيث قد قال علماء الأصول أن قول الصحابي (نهينا عن كذا) يكون حكمه حكم المرفوع إلى النبي وإن كان من قول الصحابي لأن المتبادر من قول الصحابة (نهينا) أن الذي نهاهم هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون حكم الموقوف على عمر مثل حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيصح أن يكون شاهداً صحيحاً للحديث المسئول عنه لكون هذا الشاهد في صحيح البخاري رحمه الله أي أن حديث عمر الموقوف عليه شاهد صحيح للحديث المسئول عنه وذلك من ناحية الدراية ومن ناحية الرواية أيضا، أما من ناحية الرواية فلأنه في صحيح البخاري، وأما من ناحية الدراية فحكم الموقوف هاهنا مثل حكم المرفوع عند علماء الأصول، وعلى هذا الأساس فالتكلف محرم شرعاً لحديث عمر الموقوف لفظاً والمرفوع حكما والصحيح سنداً وخصوصاً وقد شهد له حديث (سلمان) الموقوف لفظاً والمرفوع حكما الذي أخرجه أحمد و (أبو نعيم) و (الطبراني) كما أنه قد أخرج (الحاكم) عن (سلمان) رضي الله عنه أنه قال (نهي عن التكلف للضيف) أخرجه الحارس وهو حديث رمز له (السيوطي) في (الجامع الصغير) بالصحة كما صححه (الألباني) في (صحيح الجامع الصغير) وذكره في الأحاديث الصحيحة، ونقل (المناوي) في كتاب (فيض القدير) عن (الذهبي) أن سنده لين، والله ولي الهداية والتوفيق وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

‌س: هل صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (أنا مدينة العلم وعلى بابها)

؟

جـ: حديث (أنا مدينة العلم وعلى بابها) من الأحاديث التي اختلف فيها الحفاظ في صحتها فمنهم من حكم على هذا الحديث بأنه موضوع وذلك كـ (ابن الجوزي) والذهبي وابن معين وأبو حاتم والقزويني والمعلمي والألباني، ومنهم من حكم عليه بأنه حديث حسن وذلك كـ (السيوطي) في أحد قوليه و (ابن حجر) و (الشوكاني) ومنهم من حكم عليه بأنه صحيح كـ (السيوطي) في آخر قوليه والحافظ (أحمد بن يوسف) و (السياغي) مؤلف الروض النظير والشيخ (أحمد الغماري) أحد علماء الحديث في المغرب الأقصى وكذلك أخوه (عبدالله الغماري) وسواء كان هذا الحديث صحيحاً أو حسناً أو موضوعاً فقد ورد في فضل أمير المؤمنين (على بن أبي طالب) رضي الله عنه وكرم وجهه من الأخبار ما يكفي ويشفي وذلك مثل حديث (من كنت مولاة فعلى مولاه) وحديث (أنت مني بمنزلة

ص: 838

هارون من موسى) وحديث (من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله) الذي أخرجه أحمد والحاكم من حديث أم سلمه وحديث (أقضاكم علي) وغيرها من الأحاديث الصحيحة الدالة على فضل أمير المؤمنين (على) رضوان الله عليه.

‌س: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟) وأنها عائشة أم هو من كلام الشيعة؟ وهل صحيح أن (السيوطي) ذكر في الجامع الصغير أحاديث موضوعة

.

جـ: الحديث الوارد في السؤال موجود في كتب السنة البنوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام وقد أخرجه الإمام أحمد في المسند بلفظ (أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟)

(1)

والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه ولم يضعفوه من ناحية الإسناد بل لقد نص على صحته الحاكم وابن حبان كما صححه من المتأخرين الذهبي وابن كثير و (ابن حجر العسقلاني) وغيرهم، وهكذا صححه أيضا من المتأخرين (البرزنجي) ومن المعاصرين (الألباني) في كتابه الأحاديث الصحيحة وقد جاء بلفظ غير اللفظ الوارد في السؤال وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (أيتكن تنبحها كلاب الحوأب) وجاء أيضا بلفظ آخر ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (لا بد من أن تنبح عليك كلاب الحوأب) وأنه أضاف إلى هذا القول قوله مخاطباً لأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه (فإذا خالفت عليك يا علي فطلقها عني ثلاثاً) فهذا الحديث بهذا اللفظ وبهذه الزيادة لا وجود له في كتب السنة المطهرة لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وإنما الذي جاء في كتب الحديث هو ما قلته سابقاً وهو أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أمهات المؤمنين أو لهن جميعاً (أيتكن تنبحها كلاب الحوأب؟) فقط ولم يزد على هذا القول ما جاء في السؤال وهو انه قال للإمام علي رضي الله عنه (فإذا خالفت عيك يا علي فطلقها عني ثلاثاً) فهذه الزيادة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولعلها من زيادات الرافضة.

والخلاصة: هي أن الحديث الوارد في السؤال قد جمع جملتين الجملة الأولى هو قوله (لابد من أن تنبح عليك كلاب الحوأب) أو (لابد ما تنبح عليك كلاب الحوأب) وهذه الجملة لم ترد في كتب الحديث بهذا اللفظ لكن قد ورد في كتب الحديث بلفظ آخر وهوقوله صلى الله عليه وآله وسلم لزوجاته رضوان الله عنهن (أيتكن تنبحها كلاب الحوأب)، والجملة الثانية قوله مخاطباً أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه (إذا خالفت عليك فطلقها عني ثلاثاً) وهذه الجملة لم ترد في كتب الحديث لا بهذا اللفظ ولا بلفظ آخر يدل على هذا المعنى، ولا ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه وكل أحداً من أصحابه رضي الله عنهم بأن يطلق إحدى زوجاته أمهات المؤمنين لا على رضي الله عنه ولا غيره من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لا وكالة مطلقه ولا وكالة مشروطة بوجود المخالفة لا عائشة ولا حفصة ولا أم حبيبه ولا غيرهن من أمهات المؤمنين لا بسند صحيح ولا بسند حسن ولا بسند ضعيف، ولا أتى حديث يدل على معنى ما جاء في هذه الجملة من الأمر لأمير المؤمنين (علي) رضي الله عنه بأن يطلق عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذا خالفته لا مرسلاً ولا موصولاً ولا منقطعاً ولا منكراً بل

(1)

- مسند أحمد: كتاب باقي مسند الأنصار: حديث السيدة عائشة. حديث رقم (23513) بلفظ (عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أَتَتْ عَلَى الْحَوْأَبِ سَمِعَتْ نُبَاحَ الْكِلَابِ، فَقَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَنَا: أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟ فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: تَرْجِعِينَ عَسَى اللَّهُ عز وجل أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ.

أطراف الحديث: باقي مسند الأنصار.

ص: 839

بالعكس فقد أخرج الحاكم وصححه البيهقي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه (إن وليت من أمرها أي من أمر عائشة شيئاً فأرفق بها) كما جاء في بعض الروايات أن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال لأصحابه بعد انتهاء معركة الجمل إنها (أي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لزوجه نبيكم في الدنيا والآخرة كما في البداية والنهاية لابن كثير، وهكذا لم يصح عند الحفاظ ما رواه بعض المؤرخين (أن عبدالله بن الزبير) أخبر خالته عائشة بأن ذلك الموضع الذي وصلت إليه هو غير موضع (الحوأب) وأنه أوصل شهوداً شهدوا زرواً عند عائشة رضي الله عنها أن ذلك الموضع الذي نزلت فيه هو موضع آخر وأنه لا يسمى (بالحوأب) وأن الحوأب: هو موضع آخر وأن هذه الشهادة أول شهادة زور كانت في الإسلام كل ذلك غير صحيح كما قاله الحافظ (الألباني) في الأحاديث الصحيحة، ولقد قال ابن العربي المالكي في كتابه (العواصم من القواصم) أن حديث (أيتكن تنبحها كلاب الحوأب) غير صحيح ولم يوافقه العلماء على ما زعمه من عدم صحة هذا الحديث بل نقدوه واعترضوه وتعقبوه فيما قاله من عدم صحة هذا الحديث، ومن هؤلاء العلماء العلامة (البرزنجي) مؤلف كتاب الأشاعرة وغيره من المتأخرين.

وهكذا لا صحة لما قاله (محب الدين الخطيب) في تعليقاته على (العواصم من القواصم) من عدم صحة هذا الحديث مويداً لما قاله (ابن العربي) حيث قد رد عليه من هو أعلم منه ومن ابن العربي وهو الحافظ (الألباني) الذي أطال الكلام حول تصحيح هذا الحديث نقلاً عن العلماء الذين صححوه بحثوا عن أسانيد الحديث وعن صحته على ضوء ما قاله علماء مصطلح الحديث، وبعد البحث عن تراجم رواة الحديث في كتب الرجال وعما قاله أئمة هذا الشأن في هذا الحديث الذي قد صح عند (ابن حبان) و (الحاكم) و (الذهبي) و (ابن كثير) و (العسقلاني) رحمهم الله جميعاً.

والخلاصة: أن كلام (ابن العربي) و (محب الدين الخطيب) قد عورض بكلام من هو أعلم منهما بالحديث كـ (ابن حبان) و (الحاكم) و (الذهبي) و (ابن كثير) و (العسقلاني) و (البرزنجي) و (الألباني) وغيرهم وخصوصاً أن (الألباني) قد برهن على صحة دعواه بأدلة صحيحة وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وهكذا لم يصح ما رواه بعض المؤرخين أن (عبدالله بن الزبير) أتى بجماعة شهدوا زوراً أن هذا الموضع المسمى (الحواب) الوارد في الحديث ليس هو الموضع الذي وصلت إليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عند خروجها من مكة إلى البصرة في الحادثة المسماة بـ (حادثة الجمل) وأنه لا صحة لقول من قال أن هذه الشهادة أول شهادة زور في الإسلام كما قال (الألباني) وغيره، ومهما يكن من الأمر فسواءً صحت هذه القصة أو لم تصح فإن مثل هذه القصة وغيرها من القصص والأخبار التي ينقلها بعض المؤرخين عن بعض الصحابة لا فائدة لأحدٍ في كثرة البحث عنها والتعمق في دراستها والخوض في مدلولاتها حيث والجميع قد قدموا على ما قدَّموا، وعلينا أن نعمل الأعمال الصالحة التي ستنفعنا في الدنيا والآخرة والتي سنسئل عنها أمام الله، وأما من قد مضى من السلف فلا لزوم لكثرة البحث عنها حيث ومن المعلوم أنه (لا تنفعنا حسناتهم كما لا تضرنا سيئاتهم إن كانوا قد أساؤا) هذا، ومن الأحاديث التي ذكرها الإمام (السيوطي) في (جامعه الصغير) وهو من (الموضوعات) عن علماء السنة (حديث تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له العرش)، وذلك لأنه من رواية عمرو بن جميح عن جوبير بن سعيد عن الضحاك بن حمرة وعمرو بن جميح كان كذاباً خبيثاً كما قال يحيى بن معين وكان يروي المناكير عن المشاهير والموضوعات عن الأثبات كما قال الخطيب وقد ترجم له النسائي في كتابه [الضعفاء والمتروكون) وقال (متروك) كما ترجمه الذهبي في الميزان ونقل تكذيبه عن ابن معين كما نقل عن الدار قطني وجماعة أنهم قالوا (متروك) وعن ابن عدي أنه متهم بالوضع وعن البخاري أنه (منكر الحديث) وقال (ابن طاهر) الفتني في

ص: 840

ترجمته من قانون الموضوعات (كذاب) وفي الوجيز وهو للسيوطي نفسه كذاب غير ثقة ولا مأمون ووثقه أبو داود، وأما جويبر بن سعيد فقد عده البخاري في تاريخه من الضعفاء كما ترجمه الذهبي في الميزان ونقل عن ابن معين أنه قال في جويبر (ليس بشيء) وقال (الجوزجاني) لا يشتغل به وقال (النسائي والدار قطني وغيرهما) متروك الحديث كما ترجمه (ابن طاهر) في قانون الموضوعات، ونقل عن اللئاليء (للسيوطي) أنه ضعيف كما نقل عن الوجيز وهو أيضا (للسيوطي) أنه كذاب وقال عنه أيضا أنه متروك، مرة يروى عن الضحاك ومرة قال هالك كما ترجمه ابن حجر في تقريب التهذيب ووصفه بأنه ضعيف جداً وترجمه الخزرجي في الخلاصة ونقل عن ابن معين أنه قال فيه (ليس بشيء) وعن النسائي ليس بثقة وأما ابن حبان فوثقه، وأما الضحاك فقد ترجمه النسائي وقال (ليس بثقة) كما ترجمه (البخاري) في تاريخه الكبير و (الذهبي) في الميزان و (ابن حجر) في تقريب التهذيب وقال ضعيف وترجمه (ابن عراق) في أوائل تنزيه الشريعة ونقل عن (الدار قطني) أنه كان يضع الحديث، وهكذا ترجمه (ابن طاهر) في قانون الموضوعات ونقل عن (المنذري) في الترغيب والترهيب أنه قال عنه (ليس بشيء) وقال (البخاري) منكر الحديث، ووثقه ابن حبان وحسن حديثه الترمذي وقديماً جرحه ابن معين وقال فيه (ليس بثقة) وهكذا جرحه ابن عدي وقال كل رواياته مناكير إما سنداً وإما متناً، وقد نقل الألباني عن (ابن الجوزي) أنه قال في هذا الحديث (لا يصح، فيه آفات الضحاك مجروح، وجويبر ليس بشيء وعمرو كان يتهم بالوضع) وليس (ابن الجوزي) هو الوحيد الذي حكم على هذا الحديث بالوضع من بين سائر الحفاظ الذين ألفوا في الأحاديث الموضوعة بل قد حكم على هذا الحديث بالوضع غيره مثل (الصاغاني) في رسالته المختصرة في الموضوعات و (ابن عراق الكناني) في تنزيه الشريعة و (ابن طاهر) الفتني في تذكرة الموضوعات و (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة) و (الغماري) في المغير و (الألباني) في ضعيف الجامع الصغير وفي الأحاديث الضعيفة والموضوعة وَ (نَجم خَلَف عبدالرحمن) في تعليقاته المطولة على رسالة (الصاغاني) المختصرة وغيرهم بل لقد كان ممن حكم عليه بالوضع (السيوطي) نفسه فقد عده في اللئاليء المصنوعة من الموضوعات التي ذكرها (ابن الجوزي) واقره على ذلك (السيوطي) حيث قال بعد ذكره لهذا الحديث (لا يصح) قال (الخطيب) عمرو بن جميح كذاب يروي المناكير عن المشاهير والموضوعات عن الأثبات والمراد بقول (ابن الجوزي) وغيره في هذا الحديث (لا يصح) أنه حديث موضوع أو باطل لأن القاعدة عند الحفاظ أنهم إذا أتوا بهذه العبارة في المؤلفات المخصوصة بجمع الأحاديث الموضوعة أو بجمع أسماء الوضاعين والمتروكين فإنهم يعنون بها (أن الحديث موضوع أو باطل) بخلاف قولهم (لا يصح) في غير كتب الموضوعات أو في غير الكتب التي تجمع أسماء الوضاعين فالمقصود بها (أن الحديث ليس بصحيح) وقد يكون حسناً أو ضعيفاً وما نحن بصدده هو من القسم الأول وهو الذي يراد فيه بقولهم لا يصح أنه حديث موضوع أو باطل أو لا أصل له، وهذه القاعدة قد ذكرها من الحفاظ المعاصرين (عبد الفتاح أبو غدة) نفع الله بعلومه في مقدمته القيمة لكتاب (المصنوع) للملا علي القاري وهو في الحديث الموضوع وفي مقدمته (لكتاب المنار المنيف في الصحيح والضعيف) للحافظ (ابن القيم) رحمه الله والخلاصة: أن في سند هذا الحديث الضحاك الوضاع، وعلى فرض أنه ليس بوضاع ففي سنده أيضا جويبر بن سعيد وهو كذاب بشهادة الإمام (السيوطي) نفسه وغيره، وعلى فرض أنه ليس بكذاب ففي نفس السند (عمرو بن سعيد) وهو كذاب بشهادة الإمام (السيوطي) نفسه وغيره من الحفاظ حسبما سبق النقل عنهم آنفاً، ولهذا عد الحفاظ المؤلفون في الأحاديث الموضوعة هذا الحديث من جملة (الموضوعات) وذلك كـ (ابن الجوزي) و (الصاغاني) و (ابن عراق) و (ابن طاهر) الفتني و (الشوكاني) و (الغماري) و (الألباني) و (نجم خلف) وغيرهم ومن هؤلاء الإمام (السيوطي) نفسه في اللئاليء فكيف ساغ له أن يدخل هذا الحديث في (الجامع

ص: 841

الصغير) الذي شرط فيه أن لا يدخل فيه حديثاً موضوعاً وهو الذي وافق الحفاظ على عدة من جملة الموضوعات كما وافقهم على الحكم على من في سنده بأنه كذاب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

‌س: افيدونا عمن أخرج حديث (تقتل عماراً الفئة الباغية) ومنهم الذين أخرجوه من المحدثين

؟

جـ: الجواب أن حديث (وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ)

(1)

حديث صحيح بإجماع الحفاظ بل هو من الأحاديث المتواترة كما نص على ذلك (السيوطي) في كتابة (قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) وقد أخرجه الشيخان من حديث (أبي سعيد) ومسلم من حديث (أبي قتادة وابن مسعود) والحاكم من حديث (حذيفة وابن مسعود) وأحمد من حديث (عمار بن ياسر) وعمرو بن العاص وابنه عبدالله وعمر بن حزم وخزيمة بن ثابت وأبو يعلي، والطبراني من حديث (عثمان بن عفان وأنس وأبي هريرة) والرافعي في تاريخه من حديث أبي رافع فهؤلاء أربعة عشر صحابي كلهم قد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث (وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ) وأخرجه عن هؤلاء الأربعة عشر الحفاظ المذكورون آنفاً وأخرجه أيضا ابن عساكر من حديث جابر بن عبدالله وقال وروى حديث عمار عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان وعبدالله بن عباس وعمرو بن العاص وابنه عبدالله وابن عمر وأبي رافع وعبدالله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وزيد بن أبي أوفي الأسلمي وجابر بن سمرة وجابر بن عبدالله وأبي قتادة وعمر بن حزم وخزيمة بن ثابت وأبي أيسر وكعب بن عمر وزياد بن أبي العز وكعب بن مالك وانس وأبي أمامة الباهلي وعائشة وأم سلمة وتم سماعها كلها بأسانيدها فهؤلاء خمسة وعشرون صحابياً كلهم قد رووا هذا الحديث الذي جاء في السؤال، وقد دخل الأربعة عشر المذكورون سابقاً في عداد هؤلاء الخمسة والعشرين الذين ذكرهم ابن عساكر رحمه الله، وقد عد هذا الحديث من الأحاديث المتواترة العلامة الكتاني في كتابه (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) وهو الحديث السابع والثلاثون بعد المأتين من كتابة هذا وهو الذي نقل فيه كلام (السيوطي) في كتابه (الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة) معدداً من روى الحديث من الصحابة كما في (الأزهار المتناثرة) وزاد في رواية رواة آخرين حتى بلغ عدد الرواة واحد وثلاثون راوياً، وقال ممن صرح بتواتره (السيوطي) في خصائصه الكبرى وقال الحافظ (ابن حجر) في الإصابة تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ (وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ) وأجمعوا على أنه قتل مع علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه بصفين سنة سبعة وثلاثين من الهجرة وله ثلاثة وتسعون سنة، هذا والجدير بالذكر أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمار (وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ) لم يكن عند حفر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخندق كما جاء في السؤال بل كان عند عمارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه المسجد النبوي في السنة الأولى من الهجرة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام كما في كتب السنة النبوية والسيرة المحمدية، وقد جاء في صحيح

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الصلاة: باب التعاون في بناء المسجد. حديث رقم (428) بلفظ (عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلِابْنِهِ عَلِيٍّ انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ، قَالَ يَقُولُ: عَمَّارٌ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ)

اخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

معاني الألفاظ: الاحتباء: أن يجلس على مؤخرته ويجمع فخذيه إلى صدره.

ص: 842

البخاري أن عمار بن ياسر كان ينقل مع الصحابة اللبن في بناء مسجده ويقول وهو ينقل اللبن قول (عبدالله بن رواحة) رضي الله عنه،

هذا الحمال لا حمال خيبر

هذا أبر بناء وأطهر.

ويقول أيضا قول عبدالله بن رواحة:

اللهم إن الأجر أجر الآخرة

فارحم الأنصار المهاجرة.

وأصل البيت:

لا همَّ إن الأجر أجر الآخرة

فارحم الأنصار والمهاجرة

وقيل بأن البيتين لامرأة من الأنصار وبعد هذا البيت:

وعافهم من حر نار ساعرة

فإنها لكافر وكافرة

كما أخرج البخاري عن أبي سعيد قال كنا نحمل في بناء المسجد لبنة لبنة وعمار يحمل لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل ينفث التراب عنه ويقول ويح عمارا يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وهوبلفظ (كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ، قَالَ يَقُولُ: عَمَّارٌ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَن).

والخلاصة: هي أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ، قَالَ يَقُولُ: عَمَّارٌ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَن) لم يكن يوم الخندق بل عند عمارة المسجد النبوي الشريف، وأن هذا الحديث من الأحاديث المتواترة عند الحفاظ وأن قتله كان في معركة (صفين) في إحدى المعارك الحربية التي جرت بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه وبين معاوية بن أبي سفيان وأصحابه من أهل الشام وسميت هذه المعارك بحرب صفين.

‌س: يقول في السؤال الأول حديث (توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم)

؟

جـ: اعلم بأن حديث (توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم) ليس بحديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف بل هو من الأحاديث (الموضوعة) على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومثل حديث (إذا ضاقت عليكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور) لا أصل له من الصحة بل هو من الأحاديث المكذوبة على الرسول المعصوم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.

‌س: وضحوا لنا صحة الأحاديث الآتية:

1) (تستغفر الأرض للابس السراويل).

2) (ركعة بعمامة تعدل سبعين ركعة بدون عمامة) وهل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس عمامة سوداء.

3) (عمر الدنيا سبعة آلاف سنة) هل هو صحيح أم لا

؟

جـ: 1 - حديث (تستغفر الأرض للابس السراويل) غير صحيح ولم يرد عند الحفاظ والجدير بالذكر أن السراويل ليس جمع سروال كما يتوهمه بعض الناس أنه مفرد وجمعه سراويلات أي أن لفظة (سراويل) وزن جمع، والحال أنه مفرد ويطلق على واحد من السراويلات، أما إذا أراد الإنسان الجمع فيقول (السراويلات)، أما حديث (صلاة بعمامة تعدل سبعين صلاه بغير عمامة) فهو غير صحيح، وهكذا حديث (صلاة بعمامة تعدل سبعين صلاة بغير عمامة) وإنما من (الموضوعات) وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم (لبس عمامة سوداء) في حديث صحيح أخرجه مسلم بلفظ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ، وَقَالَ قُتَيْبَةُ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ

ص: 843

عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ)

(1)

وأما حديث (عمر الدنيا سبعة آلاف سنة) فهو غير صحيح بل هو موضوع.

‌س: سمعت من بعض الناس حديثاً ما معناه أن الشجر والحجر في فلسطين سوف تتكلم وتقول يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فأقتله إلا شجرة الغرقد فلا تتكلم، وأن اسرائيل تقوم بزرع هذه الشجرة فمن الذي روى هذا الحديث وفي أيِّ كتاب

؟

جـ: حديث (بأن الحجر والشجر تقول للمسلم يا مسلم ورائي يهودي تعال فاقتله) صحيح.

‌س: ما قولكم في حديث (حبب إلي من دنياكم ثلاث: النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة)

(2)

هل هو صحيح أو غير صحيح وهل لفظة ثلاث واردة أم لا أصل لها في كتب الحديث

؟

جـ: أصل الحديث في سنن الإمام النسائي رحمه الله وفي مسند الطبراني الأوسط وظاهر سنده الصحة وقال (ابن طاهر) سنده جيد، أما زيادة لفظة (ثلاث) فلم توجد في كتب السنة النبوية ولا أصل لها في كتب الحديث المسندة، وإنما وجدت في بعض كتب التصوف مثل (إحياء علوم الدين) للغزالي كما وجدت أيضاً في كتاب (الكشاف) تفسير الزمخشري المشهور في تفسيره لسورة آل عمران ولم يقف الحفاظ على هذه الزيادة ولا عرفوها في أي كتاب من كتب السنة المحمدية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام كما نص على معنى ذلك الحافظ (الزركشي) في كتاب (اللئاليء المنثورة في الأحاديث المشهورة)، والحافظ (ابن حجر السقلاني) في تخريج الكشاف والحافظ (السيوطي) في (الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة) كما نص عليه الحافظ (السخاوي) في المقاصد الحسنة بذكر كثير من الأحاديث الدارجة على الألسنة والحافظ (ابن طاهر الفتني الهندي) في تذكرة الموضوعات والحافظ (عبدالرحمن الديبع الشيباني) في تمييز الطيب من الخبيث فيما يجري على السنة الناس من الحديث و (العجلوني) في (كشف الخفاء ومزيل الإلباس عن الأحاديث الدارجة على السنة الناس) و (الملا علي بن سلطان القاري) في المصنوع لمعرفة الحديث الموضوع والأسرار المرفوعة بذكر الأحاديث الموضوعة والحافظ (البيروتي) في أسنى المطالب والحافظ (الشوكاني) في نيل الأوطار شرح منتقى الأخيار وفي (الفوائد المجموعة) في الأحاديث الموضوعة وغيرهم من حفاظ السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، ولا شك ولا ريب أن زيادة لفظة (ثلاث) مفسدة لمعنى الحديث لأن زيادتها جعلت (الصلاة من أمور الدنيا) مع أنها من أمور الآخرة بل هي أهم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين كما ذكر معنى ذلك (ابن طاهر) الفتني وغيره من الحفاظ، وقد تكلف بعض العلماء في الجواب على من قال بأن هذه الزيادة مفسدة للمعنى بكلام قال عنه (ابن طاهر) بأنه لا يساوي شيئاً، وبناءً على ذلك فزيادة لفظة (ثلاث) في هذا الحديث غير صحيحة من (جهة الرواية) بل لا أصل لها في كتب السنة المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، كما أنها أيضاً غير صحيحة من (جهة الدراية) لأن زيادتها ستغير المعنى حيث ستكون

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الحجـ: جواز دخول مكة بغير إحرام. حديث رقم (2418) بلفظ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ وَقَالَ قُتَيْبَةُ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ)

أخرجه الترمذي في الجهاد، والنسائي في مناسك الحج، وأبوداود في اللباس، وابن ماجه في اللباس، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في اللباس.

(2)

- سنن النسائي: كتاب عشرة النساء: باب حب النساء. حديث رقم (3878) بلفظ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ. صححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (39499).

أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين 11845، 12584، 12526.

أطراف الحديث: عشرة النساء 3879.

معاني الألفاظ: قرة العين: تعبير يقال لكل ما يفرح ويسر.

ص: 844

الصلاة من أمور الدنيا مثل الطيب والنساء، أي أن هذه المسألة من مسائل علم الحديث النبوي فكلام علماء الحديث المختصين الذين ذكرتهم آنفاً مقدم على ما أدرجه الغزالي والزمخشري في كتابهما من زيادة لفظة ثلاث في هذا الحديث لأنهم أي أصحاب الحديث أصحاب الفن الذي ما هذه المسألة إلا جزءً من مسائله اللاتي لا تعد ولا تحصى، وهم أعلم من الغزالي في علم الحديث ومن الزمخشري أيضا وأكثر منهما حفظاً وتحقيقاً واطلاعاً على ما ألفه حفاظ السنة من أصحاب الصحاح والسنن والمسندات والمسانيد والمعاجم وغيرهم، كما أن الإمام الغزالي من علماء الفقه والأصول والتوحيد والتصوف الكبار وممن أجمع العلماء على تقدمه وتحقيقه في هذه الفنون جميعها ولا سيما التصوف الحقيقي فهو إمامه الذي لا يختلف فيه اثنان، و (كتابه الإحياء أحسن كتاب أخرج للناس في علم التصوف الحق) ولكنه لم يكن من علماء الحديث ولا من حفاظ السنة، وكتابه (الإحياء) قد جمع المئات من الأحاديث الموضوعة أو التي لا أصل لها كما لا يخفى على من اطلع على تخريجه الذي ألفه الحافظ العراقي رحمه الله، وهكذا الإمام الزمخشري هو من أكبر أئمة اللغة العربية وهو المبرز في معرفة النحو والصرف والبلاغة والذي لا يقدر أحد من الحفاظ المذكورين آنفاً أن يأتوا بمثل ما أتى في كشافه من أسرار اللغة العربية ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ولكنه في نفس الوقت ليس من علماء الحديث ولا من المبرزين في علوم السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وعلى هذا الأساس لا يكون كلامهما أرجح من كلام الحفاظ في مسألة هي من صميم اختصاص علماء الحديث وهكذا نقول لو تعارض كلام هؤلاء الحفاظ مع كلام للزمخشري مثلاً في مسألة هي من مسائل اللغة العربية فنفى الزمخشري وجودها وأثبتها (ابن حجر والسخاوي) لكان كلام الزمخشري أرجح من كلام (ابن حجر أو السخاوي) وغيرهما، وإن كان الزمخشري نافياً وغيره مثبتاً لأن الزمخشري ها هنا هو المختص بمثل ذلك وأحق من غيره بالعمل بموجب ما قاله في المسألة التي هي جزء من العلوم التي يعرفها الزمخشري أكثر من غيره من العلماء المتخصصين في علوم الحديث، مثل (ابن حجر وغيره من حفاظ السنة النبوية) على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.

والخلاصة: لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:

1 -

حديث (حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ) أخرجه النسائي وأحمد.

2 -

زيادة ثلاث لم يقف عليها (الزركشي) ولا العسقلاني ولا (السيوطي) ولا (السخاوي) ولا (الديبع) ولا (العجلوني) ولا (الفتني) ولا (القاري) ولا (الشوكاني) ولا (البيروتي) ولا غيرهم من الحفاظ.

3 -

هذه الزيادة مفسدة للمعنى ومن تكلف في تخريجها لم يأت بشيء.

4 -

كلام هؤلاء الحفاظ وغيرهم أرجح من كلام مؤلفي (الإحياء والكشاف) لأن هذه المسألة من اختصاصهم.

5 -

كلام صاحبي (الإحياء والكشاف) أرجح من كلام هؤلاء الحفاظ لو كانت المسألة من مسائل العلوم المتخصصين فيها.

‌س: حديث (حب الوطن من الإيمان) هل هو صحيح أم لا وما معناه

؟

جـ: حب الوطن من الإيمان ليس بحديث شريف وقد كان منى البحث عنه في مظانه في جميع كتب الحديث القديمة والحديثة فلم أعثر عليه ولا على من رواه من الصحابة أو التابعين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما لم أعثر على من أخرجه من أهل الأمهات وغيرها من كتب السنة كالمسندات والمعاجم والسنن والمستدركات وتراجم الرواة مما يدل على عدم وجوده في كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام التي ألفها المتقدمون من علماء الحديث، كما لم أجده أيضا في كتب السنة التي جمعها المتأخرون من علماء الحديث في مؤلفاتهم التي تأتي بمتون الأحاديث مجرده عن السند مع عزو كل حديث إلى كتاب أو إلى

ص: 845

عدة كتب من كتب المحدثين المتأخرين وذلك مثل (كنز الحقائق) و (الجامع الصغير) و (الفتح الكبير) و (تيسير الوصول) وغيرها من كتب المتأخرين الأمر الذي دلني على أنه ليس من كلام سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله وسلم، ولما تصفحت الكتب التي ألفها المتأخرون من الحفاظ في الأحاديث المشهورة على الألسنة كـ (تمييز الخبيث من الطيب) و (ماله أصل ومالا أصل له) والكتب التي ألفها الحفاظ ليوضحوا للناس الأحاديث المفتراة على رسول الله وجدت الكثير من هذه المؤلفات قد تعرض مؤلفوها لذكر هذا الكلام الذي قيل عنه أنه حديث شريف ونصوا على أنه من (الأحاديث الموضوعة) وذلك كـ (الصاغاني) في كتابه (الموضوعات) و (الحوت البيروتي) في (أسنى المطالب) و (الملا علي القاري) في المصنوع في الحديث الموضوع والشيخ (محمد ناصر الدين الألباني) في الأحاديث الضعيفة والموضوعة والشيخ (محمد الصباغ) في تعليقاته على كتاب الأسرار المرفوعة والأستاذ (نجم عبدالرحمن خلف) في تعليقاته على موضوعات القاري وغيرهم كما وجدت البعض قد صرح بعدم وقوفه عليه وذلك كـ (الزركشي) في كتاب التذكرة في الأحاديث المشتهرة و (السخاوي) في المقاصد الحسنة في الأحاديث الدارجة على الألسنة و (ابن طاهر الفتني الهندي) في تذكرة الموضوعات وغيرهم، والبعض من العلماء لم يصرح بأنه موضوع ولكنه صرح بلفظ يقرب من الحكم عليه بالوضع (السيد معين الدين الصفوي) الذي نقل عنه الملا علي القاري أنه قال عن هذا الكلام انه غير ثابت، وبعض المصادر لم تصرح بالوضع ولكنها قد سردته من جملة الأحاديث التي جمعت باسم (أنها موضوعة) مثل الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة فقد سرد مؤلفها هذا الكلام من جملة الأحاديث التي تضمنها كتابه ونقل عن (الزركشي) أنه قال عن هذا الكلام لم أقف عليه وأقره على ذلك كما أقر الصفوي على الحكم على هذا الكلام بعدم ثبوته، وعدم الوقوف من قبل العلماء الذين ألفوا في الأحاديث المشهورة وأقروا من قبلهم على عدم الوقوف على هذا الكلام في كتب السنة كـ (السيوطي) في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة الذي نقل عن (الزركشي) عدم وقوفه عليه وأقره على ذلك ولم يتعقبه بشي كما عمل كذلك (الديبع) في كتاب تمييز الطيب من الخبيث حيث نقل عن شيخه (السخاوي) عدم وقوفه على هذا الحديث أو هذا الكلام واقره على ذلك ولم يتعقبه بأي شيء أو يعلق عليه بأي تعليق أما (العجلوني) مؤلف كتاب (كشف الخفاء) فقد نقل عن (الصاغاني) الحكم على هذا الكلام بأنه موضوع كما نقل عن (السخاوي) عدم وقوفه عليه وأقرهما معاً على ما قاله حول هذا الكلام الذي قيل عنه أنه حديث وليس بحديث.

والخلاصة: هي أن هذا الكلام ليس بحديث لعدم وقوف الحفاظ عليه في كتب الحديث أو لحكمهم عليه بأنه من الأحاديث الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما دل عليه كلام (الصاغاني) و (ابن طاهر) الفتني و (الزركشي) و (السخاوي) و (السيوطي) و (القاري) و (الصفوي) و (الديبع) و (العجلوني) و (البيروتي) و (الألباني) و (نجم عبدالرحمن خلف) و (الصباغ) وغيرهم من الحفاظ رحمهم الله جميعاً،

وأما معناه فهو أن حب الوطن بعض من الأيمان وهذا لا يستقيم من الناحية الشرعية لأن حب الوطن أمر طبيعي جبلي يستوي فيه الفاسق والمؤمن والكافر ولا علاقة له بالدين وإلا للزم منه أن سلمان الفارسي الذي أحب البلاد العربية وعلى الأخص المدينة المنورة ولم يحب فارس البلاد الذي ولد هو وآباؤه وأجداده فيها وتربى فيها والتي هي وطنه ومسقط رأسه أن يكون قد نقص جزء من إيمانه، كما أنه سيلزم أن يكون أبو جهل وعتبة بن ربيعه وغيرهما من كفار قريش قد ملكوا جزءاً من الإيمان أو اتصفو بجزء من الإيمان لأنهم كانوا يحبون وطنهم مكة واللازم باطل وكذلك الملزوم.

ص: 846

‌س: هل قولهم (حب الهرة من الإيمان) حديث أم لا

؟

جـ: اعلم أن ما قلته سابقاً في قولهم (حب الوطن من الإيمان) أقوله أيضا في قولهم (حب الهرة من الإيمان) أي أنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (حب الهرة من الأيمان) ولم يروه حديثاً أحد من الحفاظ، كما أنه لا يصح من ناحية الدراية أن يتكلم النبي بهذه الكلمة التي تجعل حب الهر جزء من أجزاء الإيمان، أما أنه لم يرو حديثاً فلعدم وجوده في مظانه من كتب الحديث القديمة والحديثة ومن ذكره من المتأخرين إنما ذكره لكي يوضح للناس أنه من الأحاديث الموضوعة أو التي لا أصل لها في كتب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وذلك كـ (الصاغاني) في موضوعاته الصغرى المعروفة برسالة (الصاغاني) في الموضوعات في الصفحة (47) والقاري في موضوعاته الكبرى في الصفحة (182 - 183) وفي الصغرى الصفحة (91) و (ابن طاهر) في تذكرته في الصفحة (11) و (الحوت البيروتي) في أسنى المطالب في الصفحة (92) من هذا الكتاب و (العجلوني) في (كشف الخفاء) في الصفحة (327) من الجزء الأول وغيرهم من الحفاظ الذين اهتموا بجمع الأحاديث المتداولة على الألسن والموضوعات على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأما أنه لا يصح من ناحية الدراية أو من ناحية المتن فلأن حب الهرة من الأمور الجِبلِية الطبيعية التي يستوي فيها المؤمنون والفجار والمسلمون والكفار والموحدون وأهل الإلحاد ولو كان معنى هذه الكلمة صحيحاً للزم أن المؤمن الذي لا يحب الهرة ناقص الإيمان لحب الهرة ولا يقال أنه قد ورد في الحديث الصحيح المرفوع إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في الهرة أنها من الطوافين عليكم والطوافات فيكون شاهداً لهذا المروى لأنا نقول له أن قولهم (حب الهر من الأيمان) قد دل على أن حب الهر جزء من الإيمان أو من علامات الإيمان وقوله صلى الله عليه وآله وسلم (أنها من الطوافين عليكم والطوافات) لا يدل على أن حب الهرة من الإيمان لا بالمنطوق ولا بالمفهوم ولا بالعموم ولا بالخصوص ولا بدلالة المطابقة ولا بدلاله لتضمن ولا الالتزام كما لا يخفى على من كان له معرفة بعلوم اللغة والأصول والبلاغة وكان له ذهن سليم وفهم مستقيم.

‌س: هل هو صحيح حديث (أخروهن حيث أخرهن الله)

؟

جـ: هذا الحديث أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جداً عن علماء الحديث وورد في كتب الزيدية برجال غير معترف بهم عند علماء الحديث، وقد أخرجه الإمام المرشد بالله من علماء الزيدية في أماليه.

‌س: ما صحة حديث (حجوا لهن ولا تحجوا بهن) ما سنده وحديث (خذوا نصف دينكم عن الحميراء)

؟

جـ: اعلم أن قولهم حجوا لهن أي النساء ولا تحجوا بهن ليس بحديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا شاذ ولا منكر ولا أصل له في كتب السنة المطهرة بل هو معارض لما جاء في الكتاب والسنة والإجماع لأن الأدلة من الكتاب والسنة لم تفرق بين الرجل والمرأة في وجوب الحج على من استطاع إليه سبيلاً، وهكذا أجمع المسلمون من أيام السلف الصالح إلى يومنا هذا على أن وجوب الحج على المستطيع يشمل الرجال والنساء على حد سواء، هذا ومن استطاعة المرأة أن يكون لها زوج يرافقها في السفر أو أحد محارمها ممن حرم عليه زواجها، وأما الفقرة الثانية وهو حديث (خذوا شطر دينكم عن الحميراء أو خذوا نصف دينكم) لا أصل له من الصحة كما نص على ذلك الحافظ المزي الحافظ (الذهبي) والحافظ (ابن كثير) والحافظ (السخاوي) و (السيوطي) وغيرهم من الحفاظ كما في المقاصد ومختصره و (كشف الخفاء) والدرر وأسنى المطالب (للبيروتي) وغيرها من كتب الحديث التي جمعت الأحاديث المشهورة المتداولة على السنة الناس، وهكذا قد نصت بعض الكتب التي جمعها مؤلفوها لبيان الأحاديث الموضوعة على عدم وجود أصل لهذا الحديث وذلك مثل الأسرار المرفوعة (للقاري) والمصنوع في الحديث الموضوع (للقاري) أيضا و (الفوائد المجموعة)(للشوكاني) والمنار لـ (ابن القيم) وهكذا نصت على وضع

ص: 847

هذا الحديث وعلى عدم وجود هذا الحديث في كتب السنة المؤلفات في السير والتاريخ مثل (شرح المواهب اللدنية) و (البداية والنهاية) وغيرها من المؤلفات.

والخلاصة: هو أن هذا الحديث لا أصل له بتصريح من علماء السنة المختصين كـ (الزهري) و (الذهبي) و (ابن كثير) و (السخاوي) و (السيوطي) و (القاري) و (الشوكاني) و (البيروتي) و (الزرقاني) وغيرهم والله الموفق.

‌س: ما صحة حديث (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) هل كلمة (مسلمة) هي زيادة في الحديث أومن أصل الحديث

؟

جـ: اعلم أن حديث (طلب العلم فريضة على كل مسلم)

(1)

قد ورد من عدة طرق، وأما زيادة و (مسلمة) فلا وجود لها في لفظ الحديث ولكن معناها صحيح لأن النساء شقائق الرجال في جميع الأحكام الشرعية من الصلاة والزكاة والصوم والحج ومعرفة أمور الدين ومكارم الأخلاق إلا ما قد نص الشرع على عدم دخولها في الأدلة العامة مثل عدم وجوب الصلاة المفروضة عليها إذا كانت حائضاً وعدم وجوب الصوم حال الحيض وقضاء الصوم دون الصلاة لمن لم تصل حال الحيض أو تصوم، وتقييد وجوب الحج بوجود الزوج والمحرم، وأن إرثها على النصف من إرث الذكر، وغيرها من الأحكام التي قد وردت الأدلة بمخالفتها للرجل، هذا والله ولي الهداية والتوفيق.

‌س: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (خذوا نصف دينكم عن الحميرا) يعني عائشة رضي الله عنها ومن الذي رواه وأخرجه؟ وكذلك حديث شفاعة حافظ القرآن لعشرة من أهل بيته من أخرجه ورواه

؟

جـ: هذا الحديث لا وجود له في دوواين السنة النبوية المطهرة لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا هو مخرج في الأمهات الست ولا في غيرها من كتب السنة المطهرة لا في المعاجم ولا المسندات ولا السنن ولا المجاميع بل ولا وجود له في كتب (الموضوعات) التي ألفها المتقدمون من علماء الحديث كـ (ابن الجوزي) و (الصاغاني) وغيرهما من المتقدمين ولقد نفى وجود أصل لهذا الحديث جماعة من علماء القرن الثامن كـ (ابن القيم) كما في المنار و (الذهبي) و (المزني) وتبعهما (ابن كثير) كما في البداية والنهاية ثم (الزركشي) كما في كتاب الإجابة، كما أن الحافظ (ابن حجر) الذي عاش في القرن التاسع لم يقف على أصل لهذا الحديث كما في تخريجه لكتاب (ابن الحاجب) وقد نقل كلام ابن كثير من جاء بعده من الحفاظ الذين ألفوا في الموضوعات أو في المشهورات أو في الشمائل النبوية وأقروه جميعاً على عدم وجود أصل لهذا الحديث ومن هؤلاء (السخاوي) في المقاصد الحسنة و (الديبع) في تمييز الطيب من الخبيث و (السيوطي) في الدرر المنتثرة و (العجلوني) في (كشف الخفاء) و (الزرقاني) في مختصر المقاصد وفي المواهب اللدنية و (الملا علي بن سلطان القاري) في الأسرار المرفوعة وفي المصنوع و (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة) في الأحاديث الموضوعة و (الحوت البيروتي) في أسنى المطالب و (محمد بشير ظافر الأزهري) في كتابه تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيِّد المرسلين وغيرهم من الحفاظ المتأخرين رحمهم الله جميعاً، وهكذا صرح جماعة من الحفاظ المعاصرين ممن ألف في ترجمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أو ممن ألف في الفقه النبوي أو علق على بعض

(1)

- سنن الدارمي: كتاب المقدمة: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. حديث رقم (220) بلفظ (: عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب) ضعف الألباني الشطر الثاني من الحديث من قوله (واضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب) ضعيف الجامع الصغير برقم (224).

انفرد به ابن ماجة.

ص: 848

الكتب المؤلفة في الأحاديث المشهورة الدارجة على الألسنة أو في الأحاديث الموضوعة وذلك مثل الشيخ (محمد ناصر الدين الألباني) في كتابه المشهور الذي ألفه في آداب الزفاف والأستاذ (عبدالحميد طهماز) في كتابه المشهور السيدة عائشة أم المؤمنين والشيخ (عبدالفتاح أبو غدة) في تعليقاته على المنار المنيف وعلى كتاب المصنوع في الحديث الموضوع والأستاذ (سعيد الأفغاني) في تعليقاته على كتاب الإجابة والشيخ (خليل الميس) في تعليقاته على أسنى المطالب وعلى كتاب الدرر المنتثرة، و (محمد إسحاق السلفي) في تعليقاته على كتاب الغماز للمسهوري والشيخ (محمد السعيد) في تعليقاته على الأسرار المرفوعة وغيرهم من الحفاظ الذين نصوا على عدم وجود هذا الحديث في كتب السنة أو أقروا من نفي وجوده على نفيه وجوده في كتب الحديث أو صرحوا بعدم وقوفهم على هذا الحديث أو اقروا من صرح بعدم وقوفه ولم يتعقبوه أو ينقدوه بل سكتوا عنه سكوتاً يدل ضمناً على الموافقة والتأييد، وبناء على ما قلته آنفاً فهذا الحديث لا اصل له بشهادة هؤلاء الحفاظ الكبار وهم (ابن القيم) و (الذهبي) و (المزي) و (ابن كثير) و (الزركشي) والعسقلاني و (السخاوي) و (السيوطي) و (الديبع) و (العجلوني) و (القاري) و (الشوكاني) و (الحوت البيروتي) و (محمد بشير ظافر الأزهري) و (الألباني) و (أبو غدة) و (طهماز) و (الأفغاني) و (خليل الميس) و (محمد السعيد) وغيرهم.

ولكن قد جاء في فضل عائشة رضي الله عنها أحاديث أخرى كما أنه لا ينكر أحد كثرة روايتها للأحاديث النبوية وحفظها وعلمها وفقهها وذكائها وفتاواها واستدراكاتها على الصحابة في بعض المسائل الدينية مما ذكرها (الزركشي) في روضة الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة وغيرها من المسائل المذكورة في كتب الفقه وشروح كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وهكذا أقول في حديث شفاعة حافظ القرآن لعشرة لأهل بيته الحديث أخرجه الترمذي بلفظ (من قرأ القرآن فاستظهره وحل حلاله وحرم حرامه ادخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار) قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس له إسناد صحيح (وحفص بن سليمان كوفي ضعيف) وكذلك في سنده (كثير بن زاده) وهو ضعيف أيضا ولكن قد جاء في فضل القرآن وفي فضل تلاوته أحادث صحيحة مدونه في كتب السنة المحمدية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام والله والهداية والتوفيق.

‌س: ما قولكم في حديث (سيكذب عليَّ فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) هل هو صحيح أم لا

؟

جـ: حديث (سيكذب عليَّ من بعدي) ليس له أصل في كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ولا أخرجه أحد من المحدثين الذي جمعوا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا البخاري ولا مسلم ولا أهل السنن ولا مالك في الموطأ ولا أحد من أهل المعاجم أو المسندات أو غيرهم لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف لا عن أحد من الصحابة أوالتابعين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا على أحد من رواة الحديث ممن جاء بعد الصحابة أو التابعين رضي الله عنهم جميعاً وإنما جاء في بعض كتب الأصول التي ألفها علماء أصوليون ولكنهم غير محدثين كـ (البيضاوي) و (السبكي) ومن تبعهما ممن ألف في الأصول من المتأخرين كـ (الطبري)(وهو أحد علماء اليمن الذين عاشوا في النصف الثاني من القرن الحادي عشر) في شرحه على متن الكافل لـ (ابن بهران) رحمهم الله جميعاً، ولا عجب من ذكر هذا الحديث في بعض كتب الأصول التي لم يكن مؤلفوها من المتخصصين في الحديث وإنما العجب من الحافظ (ابن كثير) الذي ذكره في كتابه الباعث الحثيث وهو في علم أصول الحديث، ومن العلامة (الطيبي) الذي ذكره في الخلاصة وهي في علم أصول الحديث وتبعهما الحافظ (اللكنوي) أحد علماء الهند المتأخرين المتخصصين في علم الحديث فقد ذكر هذا الحديث في كتابه (الأجوبة الفاضلة على الأسئلة العشرة الكاملة) وهكذا الحافظ (الشوكاني) الذي زاد على من

ص: 849

قبله بأن ألصقه بالحديث الصحيح المتواتر تواتراً لفظياً وهو حديث (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وصرح بصحة هذا الحديث الذي ركبه من الحديث الذي لا أصل له في كتب السنة والحديث الصحيح المتواتر تواتراً لفظياً فقال في رسالته (كشف الريبة عما لا يجوز من الغيبة) أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (سيكذب عليَّ فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) والواقع هو أن الجملة الأولى وهي قوله (سيكذب علي) لا أصل لها في كتب الحديث ولا يعرفها علماء الحديث ولا وقفوا لها على راوٍ أو مخرج، ولا عثروا عليها لا مرسلة ولا منقطعة فضلاً عن طريق مسنده، أما الجملة الثانية فهي من الأحاديث المتواترة تواتراً لفظياً ومما أجمع العلماء على كونها من الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطريق التواتر كما في قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة للسيوطي وفي نضم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني وغيرهما من كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.

س: هل حديث سيكذب عليَّ حديث صحيح أم لا؟

جـ: اعلم بأن حديث سيكذب عليَّ قد احتج به بعض علماء أصول الفقه في مؤلفاتهم الأصولية كصاحب مختصر المنتهى وصاحب جمع الجوامع ومن علماء اليمن الطبري في شرحه على الكتاب الذي ألفه (محمد بن يحيى بهران الصعدي) كما احتج به بعض من ألف في الأحاديث الموضوعة كـ (الصاغاني) في مقدمة كتابه الموضوعات و (ابن عراق الكناني) في مقدمة كتابه تنزيه الشريعة، والواقع أن هذا الحديث قد اشتهر ولكن لم يعثر الحفاظ على أصل له فنفى وجوده كثير من المؤلفين في الأحاديث الموضوعة أو في تخريجات بعض كتب الأصول أو في الأحاديث المشتهرة على الألسنة كـ (المحلى) و (الزركشي) و (العجلوني) و (الحوت البيروتي) و (أبي غدة) و (عبدالعزيز الغماري) و (نجم عبدالرحمن خلف) و (عبدالله الغماري) و (عبدالوهاب عبداللطيف) وغيرهم هذا والله الموفق.

‌س: أفتونا في صحة الحديث الآتي قال رسول صلى الله عليه وسلم: (صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك)، هل هذا الحديث صحيح أم أنه غير صحيح)

؟

جـ: هذا الحديث قد روي بعدة طرق ضعيفة عن جماعة من الصحابة إلى حد أن ابن الغرس قال الذي فهمته من كلامهم أي علماء الحديث أنه ضعيف أو حسن لغيره، وقد أطال الكلام حوله (السخاوي) في المقاصد الحسنة و (العجلوني) في كشف الخفاء وغيرها، وهومذكور في صحيح الجامع الصغير (للألباني) والدرر المنتثرة (للسيوطي) والأسرار المرفوعة (للملا علي القاري) وغيره.

‌س: سمعت خطيباً يخطب في موضوع عقوق الوالدين ويذكر قصة (علقمة الذي لم يتمكن من الشهادتين حال استحضاره فأخبر بعض الصحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الخبر فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هل له أم فأخبر بذلك فطلب النبي صلى الله عليه وآله وس

لم أمه وسألها عنه فأفادته بأنه كان يصلي ولكنه كان عاصياً لوالدته وأن النبي أمر بجمع الحطب ليحرقه أمام والدته فرحمته والدته ورضيت عنه فتمكن من أداء الشهادتين) فهل هذه القصة صحيحة أم لا؟

جـ: حديث (علقمة) قد ذكره بعض العلماء في مؤلفاتهم مطولاً وسموا هذا الرجل باسم (علقمة) وأسهبوا في وصف القصة كما في كتاب (تنبيه الغافلين) للسمرقندي رحمه الله وقد علق عليه العلامة (عبدالعزيز الوكيل) بقوله أخرجه أحمد والطبراني مختصراً كما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وقال إسناده ليس بالقوي وحكم الحافظ (ابن الجوزي) في كتابه الموضوعات من الأحاديث على هذا الحديث بأنه من الأحاديث (الموضوعة) حيث قال هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي طريقه (فايد) قال أحمد بن حنبل (فايد)

ص: 850

متروك الحديث، وقال (يحيى) ليس بشيء وقال (ابن حبان) لا يجوز الاحتجاج به وقال (العقيلي) لا يتابعه على هذا الحديث إلا من هو مثله وفي الإسناد (داود ابن إبراهيم) قال (أبو حاتم الرازي) كان يكذب وقد اعترض (السيوطي) على (ابن الجوزي) في اللئاليء المصنوعة بأن داود لم ينفرد به وذكر لها طرقاً أخرى عند (الخرائطي) في مساوئ الأخلاق وقد أخرجه (البيهقي) في كتاب شعب الأيمان و (الطبراني) من حديث (عبدالله ابن أبي أوفى) بألفاظ مختلفة ولكن تلك الطرق الثلاث في سندها (فايد أبو الورقاء) وهو متروك قال عنه (العقيلي) لا يتابع عليه كما قال (السيوطي) نفسه بعد أن ذكر هذا الحديث.

والخلاصة: هي أن (ابن الجوزي) عده من الموضوعات لكون سنده فيه (داود بن إبراهيم) وهو كذاب ولكون فيه (فايد) وهو ممن لا يجوز الاحتجاج به، واعتراض (السيوطي) بأن له طرقاً أخرى ليس فيها (داود بن إبراهيم) لا تجعل الحديث حسناً لان الطرق الثلاث الخالية من داود فيها (فايد أبو الورقاء) وهو متروك الحديث كما قال (أحمد) وليس بشيء كما قال (يحيى) وممن لا يجوز الاحتجاج به كما قال (ابن حبان) وممن لا يتابعه إلا من كان مثله كما قال (العقيلي) ولهذا عده من الموضوعات من جاء بعد (السيوطي) ممن ألف في الموضوعات مثل (ابن طاهر الفتني الهندي) في تذكرة الموضوعات وغيره وقد بحثت عن تراجم (داود ابن إبراهيم) و (فايد أبو الورقاء) في كتب الرجال فوجدت جميع من ترجم لهما قد رما هما بالكذب أو بما يدل على جرحهما بما يقارب الكذب، قال الحافظ (عبدالرحمن بن أبي حاتم) في كتاب الجرح والتعديل ما لفظه (داود ابن إبراهيم) قاضي قزوين روى عن شعبة ووهيب روى عنه محمد بن أيوب سمعت أبي يقول (داود بن إبراهيم) هذا متروك الحديث كان يكذب، قدمت قزوين مع خالي فحمل إلى خالي مسنده فنظرت في أول مسند أبي بكر رضي الله عنه فوجدته إذا حدث عن شعبة كذب فتركته، وجهد خالي أن أكتب عنه شيئاً فلم تطاوعني نفسي ورددت الكتب عليه، وقال برهان الدين الحلبي في الكشف الحثيث فيمن رمى بوضع الحديث (داود بن إبراهيم) قاضي قزوين قال (أبو حاتم) متروك الحديث كان يكذب، قال (الذهبي) ومن مصائبه فذكر حديثاً ثم قال (فايد) هالك يعني (فايد بن عبدالرحمن) المذكور في سنده الحديث الذي ساقه غير أن قوله ومن مصائبه مع كونه متروكاً كذاباً قرينه أنه وضعه والله اعلم.

ولعل الحديث المذكور هو الحديث المسئول عنه لأن في سند هذا الحديث هذان الراويان (داود بن إبراهيم وفايد بن عبدالرحمن)، وقال (ابن حجر العسقلاني) في تقريب التهذيب (فايد بن عبدالرحمن الكوفي أبو الورقاء العطار) متروك اتهموه من صغار الخامسة بقي إلى حدود الستين، أما الحافظ (عبدالرحمن ابن أبي حاتم) فقد ترجمه في كتابه الجرح والتعديل ترجمة استوفى منها ذكر مشائخه وقال أخبرنا عبدالرحمن أخبرنا عبدالله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلىَّ قال سئل أبي عن (قايد أبي الورقا) فقال متروك الحديث أخبرنا عبدالرحمن قال قري علي العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول أبو الورقا اسمه (فايد) ليس بثقة وليس بشيء، وحدثنا عبدالرحمن قال سمعت أبي وابا زرعه يقولون (فايد أبو الورقا) لا يشتغل به سمعت أبي يقول (فايد) ذاهب الحديث لا يكتب حديثه وكان عند مسلم بن إبراهيم عنه فكان لا يحدث عنه وكنا لا نسئل عنه وأحاديثه (عن ابن أبي أوفى) بواطيل لا تكاد ترى لها أصلاً كأنه لا يشبه حديث (ابن أبي أوفى) ولو أن رجلاً حلف أن عامة حديثه كذب لا يحنث،

وقد سبق هؤلاء (النسائي) حيث قال في كتابه الضعفاء والمتروكون (فايد أبو الورقاء) متروك الحديث وزاد المعلقان على الكتاب ما نصه قال (البخاري) عن أبي أوفى منكر الحديث تركه أحمد والناس وروي عباس عن يحيى ضعيف وقال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه، وقال (ابن طاهر) في قانون الموضوعات (فايد بن

ص: 851

عبدالرحمن أبو الورقاء) يضعَّف في الحديث، وقال آخر متروك قلت قال الحاكم مستقيم الحديث وفي الوجيز (فايد العطار أبو الورقاء) ليس بقوي.

والخلاصة: هي أن حديث (علقمة) غير صحيح لأن في سنده (فايد أبو الورقاء) وهو متروك الحديث كما قال (أحمد بن حنبل) وليس بشيء كما قال (يحيى بن معين) ولا يجوز الاحتجاج به كما قال (ابن حبان) ولا يتابعه على رواية هذا الحديث إلا من كان مثله كما قال (العقيلي) وهو هالك كما قال (الذهبي) وهو متروك متهم كما قال (ابن حجر) ذاهب الحديث لا يكتب حديثه كما قال (أبو حاتم وأبو زرعة) وأحاديثه عن ابن أبي أوفى بواطيل لا يكاد يرى لها أصلاً وكأنه لا يشبه حديثه حديث ابن أبي أوفى إلى حد أنه إذا حلف رجل أن عامه حديثه كذب لا يحنث كما قال (أبو زرعة وأبو حاتم) وهو منكر الحديث كما قال (البخاري) وأحسن ما قيل فيه أنه مستقيم الحديث كما قال (الحاكم) أو أنه ليس بالقوي كما قال (صاحب الوجيز والبيهقي) أو أنه مع ضعفه يكتب حديثه كما قال (ابن عدي) كما أن في سنده أيضا (داود بن إبراهيم) وهو متروك الحديث كان يكذب كما قال (أبو حاتم) وكان معدوداً من (الوضاعين) كما يدل عليه كلام (ابن أبي حاتم) في الجرح والتعديل و (الحلبي) في الكشف الحثيث و (ابن الجوزي) في الموضوعات وغيرهم وأن نقد (السيوطي) لـ (ابن الجوزي) بأن (داود بن إبراهيم) لم ينفرد برواية هذا الحديث لأنه قد روى من طرق أخرى ليس فيها داود المذكور غير نافع وغير مجدٍ، لأن الطرق الخالية عن داود فيها (فائد بن عبدالرحمن أبو الورقاء) وهو مجروح عند الجمهور من الحفاظ قد ذكرت أكثرهم في جوابي هذا، وكون الحديث موجوداً في كتاب (تنبيه الغافلين) لا يدل على صحته لأن السمرقندي مؤلف تنبيه الغافلين ليس من الحفاظ وكتابه هذا قد جمع فيه الصحيح والضعيف والموضوع فلا اعتماد عليه، ومن الأحاديث التي ذكرها في كتابه هذا وهي غير صحيحة عند الحفاظ هذا الحديث الذي قد سمعت ما قاله الحفاظ في سنده وما قالوه في أحد رواته وهو (داود بن إبراهيم) وفي أحد رواته في الطرق الأخرى وهو (فايد بن عبدالرحمن أبو الورقاء) مما يدل على عدم صحة هذا الحديث، وهكذا وجود هذا الحديث في كتاب الكبائر (للذهبي) لا يدل على صحة الحديث لأن الذهبي وإن كان من أكبر الحفاظ النقاد فهو في كتابه هذا قد تساهل فذكر بعض أحاديث غير صحيحة نبه عليها الحافظ المعاصر (عبدالفتاح أبو غدة) في تعليقاته على الأجوبة الفاضلة للعلامة (اللكنوي) ومن هذه الأحاديث حديث علقمة هذا، وحديث (لو علم الله كلمة أدنى من أفٍ لحرمها فقل للعاق يعمل ما يشاء فلن يدخل الجنة وقل للبار يعمل ما يشاء فلن يدخل النار) مع أن في سند حديث (لو علم الله كلمة أدنى من أف لحرمها)(أصرم بن حوشب) وهو من الوضاعين الكذابين عند الحفاظ ومنهم (الذهبي) نفسه كما في ترجمته في الميزان، وهكذا القول في حديث (علمقة) الذي نحن بصدده الجواب عنه في سنده (داود ابن إبراهيم) وهو من قد سمعت ما قاله الحفاظ في ترجمته و (فايد بن عبدالرحمن) الذي جرحه الحفاظ بما ذكرته في أول جوابي كما جرحه أيضا الذهبي نفسه ووصفه بكونه هالك كما جرح أيضا (داود بن إبراهيم) ولقد قال الحافظ (أبو غدة) بعد ذكره للأحاديث التي ذكرها (الذهبي) في كتاب الكبائر وهي غير صحيحة بل هي في عداد الموضوعات ما نصه وليته كان (أي الذهبي) أخلى كتابه من هذه الموضوعات، فإن في الحديث الصحيح ما يغني عن الضعيف فضلاً عن الموضوع، ولكن لكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة ولكل عالم هفوة إلى آخر كلامه حفظه الله

وأقول ولله در بشار بن برد القائل:

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها

كفى المرء نبلا أن تعد معايبه

ولقد جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة من النصوص الدالة على تحريم عقوق الوالدين وعلى وجوب طاعتهما الكثير الطيب الذي لا يحتاج معه إلى ذكر الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة مثل حديث (علقمة)

ص: 852

هذا وغيره من الأحاديث التي يذكرها بعض الوعاظ والخطباء وهي غير صحيحة عند علماء الحديث وحفاظ السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام وهم أهل الاختصاص الذين خدموا السنة المحمدية وميزوا الطيب من الخبيث وبينوا الصحيح من الضعيف والصدق من الكذب فجزاهم خيراً ورحمهم ورضي عنهم وألحقنا بهم صالحين آمين.

‌س: هل حديث (علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل) صحيح أم ضعيف

؟

جـ: هذا الحديث لا أصل له في كتب السنة كما نص عليه الحفاظ كـ (الدميري) و (ابن حجر العسقلاني) كما حكاه (السخاوي) في المقاصد وغيره وهو الذي صرح به (المناوي) في فيض القدير و (ابن حجر الهيثمي) في فتاواه الحديثية وكل من ألف في الأحاديث المشهورة مثل (الزركشي) في اللئاليء المنثورة و (السخاوي) في لمقاصد الحسنة و (السيوطي) في الدرر المنتثرة و (السمهوري) في الغماز على اللماز و (القسطلاني) في مختصر المقاصد و (الديبع) في تمييز الطيب من الخبيث و (العجلوني) في كشف الخفاء و (البيروتي) في أسنى المقاصد وغيرهم، وهكذا صرح بأنه لا وجود لهذا الحديث في كتب الحديث من ألف في الموضوعات من الحفاظ المتأخرين كـ (ابن طاهر) في تذكرة الموضوعات و (الملا علي القاري) في الأسرار المرفوعة وفي المصنوع و (الكرمي) في الفوائد الموضوعة و (السندروسي) في الكشف الإلهي في شديد الضعف والموضوع والواهي و (الطرابلسي) و (الشوكاني) في الفوائد المرفوعة و (القاوقجي) عن الأحاديث المذكوبة على سيد المرسلين في اللؤلؤ المرصوع و (المالكي الأزهري) في تحذير المسلمين و (محمد الأمير المالكي الكبير) في النخبة البهية وغيرهم ومن المعاصرين (محمد ناصر الدين الألباني) في الأحاديث الضعيفة والمرفوعة وغيرهم من علماء العصر الذين حققوا وعلقوا على بعض المؤلفات السابق ذكرها كـ (مصطفى عبدالقادر عطا) في تعليقه على اللئاليء و (محمد عبدالقادر) في تعليقه على الغماز و (محمد إسحاق السلفي) في تعليقه على الغماز أيضاً و (خليل محمد الدين الميس) في تعليقه على الدرر وفي تعليقه على أسنى المطالب و (محمد الصباغ) في تعليقه على مختصر المقاصد وغيرهم.

والخلاصة: أن (حديث علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) لا أصل له بشهادة (الدميري) و (العسقلاني) و (الهيثمي) و (المناوي) و (الزركشي) و (السخاوي) و (السيوطي) و (الشهودي) و (العسقلاني) و (الحوت البيروتي) و (ابن طاهر) و (القاري) و (الكرمي) و (الشوكاني) و (القاوقجي) و (الطرابلسي) و (المالكي) و (الألباني) و (مصطفى عطا) و (محمد عطا) و (محمد إسحاق) و (خليل محيي الدين الميسي) و (الصباغ) وغيرهم، ويغني عن هذا الحديث الأحاديث الكثيرة الواردة في فضل العلماء كحديث (العلماء ورثة الأنبياء) وهو حديث صحيح أخرجه أهل السنن الأربعة وغيره من الأحاديث الصحيحة الواردة في كتب السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام بل الآيات القرآنية الدالة على فضل العلماء كقوله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}

(1)

وقوله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}

(2)

.

‌س: هل (عليكم بدين العجائز) من الأحاديث

؟

جـ: ليس من الأحاديث الصحيحة ولا الحسنة ولا الضعيفة بل هو من الأحاديث المفتراة على رسول الله صلى الله

(1)

- سورة فاطر: آية (28).

(2)

- المجادلة: آية (11)

ص: 853

عليه وآله وسلم والتي لا أصل لها في كتب السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام كما نص على ذلك (الصاغاني) في موضوعاته و (السخاوي) في المقاصد الحسنة و (الملا علي القاري) في موضوعاته الصغرى و (العجلوني) في كشف الخفاء و (الشوكاني) في الفوائد المجموعة و (الألباني) في الأحاديث الضعيفة والموضوعة وغيرهم، وقال (ابن طاهر المقدسي) في تذكرته لم أقف له على أصله ووافقه من جاء بعده ممن نقل كلامه وأقره مثل (زين الدين العراقي) في تخريج الإحياء و (ابن طاهر الفتني الهندي) في تذكرة الموضوعات وغيرهم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

‌س: سمعت شخصاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (كاد الفقر أن يكون كفراً) فهل هذا الحديث صحيح ومن أخرجه ومن رواه؟ وهل يتصادم مع الحديث النبوي القائل ما معناه أول من يدخل الجنة هم فقراء أمتي

؟

جـ: إنَّ حديث (كاد الفقر أن يكون كفراً) ليس بصحيح ولا حسن بل هو ضعيف لأن في سنده (يزيد الرقاشي) وهو ضعيف والذي أخرجه هو (أحمد بن منيع) عن الحسن أو أنس مرفوعاً كما أخرجه (أبو نعيم) في (الحلية) و (ابن السكن) في (مصنفه) و (البيهقي) في (الشعب) و (ابن عدي) في (الكامل) عن الحسن وبناء عليه فلا حجة فيه حتى يقال أنه سيعارض حديث (أول من يدخل الجنة فقراء أمتي)

(1)

.

‌س: هل حديث (كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد) صحيح أو ضعيف وكذلك حديث (كنت نبياً وآدم بين الطين والماء) وحديث (لولاك ما خلقت الأفلاك)

؟

جـ: حديث (كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد) قال (الألباني) أخرجه (أحمد بن حنبل) في المسند وفي السند قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي قال حدثنا منصور بن سعد عن بديل عن عبدالله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال (قلت يا رسول الله متى كنت نبياً قال: وآدم بين الروح والجسد) وأخرجه (ابن أبي عاصم) في كتاب السنة و (أبو نعيم) في كتاب الحلية من طرق أخرى عن (ابن مهدي) إلا أنه وقع في الحلية (كنت) و رواية أحمد وابن أبي عاصم وتابعه إبراهيم بن طهمان عن بديل عن ميسرة بلفظ الحلية وأخرجه (البخاري) في التاريخ و (ابن سعد) وتابعه خالد الحذاء عن عبدالله بن شقيق عن رجل قال الحديث.

وأخرجه ابن أبي عاصم قال حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن خالد به وأخرجه ابن سعد إلى آخر ما قاله (الألباني) في الأحاديث الصحيحة رقم (1856) في المجلد الرابع منها، كما صححه الألباني أيضا في صحيح الجامع الصغير وفي نفس رقم 4457 وقد سبق الألباني غيره من الحفاظ في تصحيح هذا الحديث وذلك كـ (السيوطي) في الجامع الصغير رقم (6424) واقره (المناوي) في فيض القدير حيث ذكر لهذا الحديث عدة شواهد منها ما أخرجه (الحاكم) عن ميسرة بلفظ (قلت يا رسول الله متى كنت نبياً قال وآدم بين الروح والجسد) قال (الحاكم) صحيح وأقره (الذهبي) وأخرجه (أحمد) و (الطبراني) باللفظ المذكور عنه قال (الهيثمي) رجالهما رجال الصحيح فـ (المناوي) قد عقب الرواية التي في سندها من قيل فيه منكر وهو (قيس ابن الربيع) والتي قال

(1)

- صحيح مسلم: كتاب الزهد والرقائق: باب. حديث رقم (5290) بلفظ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَجَاءَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالُوا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّا وَاللَّهِ مَا نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لَا نَفَقَةٍ وَلَا دَابَّةٍ وَلَا مَتَاعٍ فَقَالَ لَهُمْ مَا شِئْتُمْ إِنْ شِئْتُمْ رَجَعْتُمْ إِلَيْنَا فَأَعْطَيْنَاكُمْ مَا يَسَّرَ اللَّهُ لَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ ذَكَرْنَا أَمْرَكُمْ لِلسُّلْطَانِ وَإِنْ شِئْتُمْ صَبَرْتُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الْأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَالُوا فَإِنَّا نَصْبِرُ لَا نَسْأَلُ شَيْئًا.

أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة 6290.

ص: 854

فيها (الترمذي) أنه حديث غريب والتي قال فيه (البخاري) لا اعرفه بالرواية التي صححها (الحاكم) و (الذهبي) وقد ذكره (السخاوي) في المقاصد من حديث أبي هريرة مرفوعاً أنه أخرجه (الترمذي) وقال حسن صحيح وفي لفظ (وآدم منجدل في طينته) كما نقل عن صحيح ابن حبان (الحاكم) بلفظ (إني كنت مكتوبا خاتم النبيين وإنَّ آدم منجدل في طينته)، أما (حديث كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) وفي رواية أخرى (وكنت نبياً ولا آدم ولا طين ولا ماء) فلا أصل له عند الحفاظ ولم يقف أحد منهم على أصل له عند الحفاظ ولم يقف أحد منهم على أصله بل حكم عليه بعضهم بالوضع، ولا يعرف عن أحد من الحفاظ أنه وقف له على سند أو ضعفه أو حسنه بل الجميع متفقون على عدم وجود سند له معتبر أو غير معتبر إلا أن بعضهم كان يحكم عليه بأنه (موضوع) وبعضهم يقول لا أصل له وآخرون يقولون لم نقف عليه، كما أن البعض من الحفاظ كان يقر من حكم بوضعه وآخرون يقرون من نفي وجود أصل له، كما أن منهم من كان ينقل عن غيره عدم الوقوف عليه ويقره على ذلك.

والخلاصة: هو أن الحديث مشهور عند بعض الصوفية وعند بعض من ألف في مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما عند الحفاظ من المحدثين وهم أهل الاختصاص فلا أصل له عندهم أبداً، كما لا يخفى على كل من اطلع على كتب الموضوعات مثل موضوعات (الصاغاني) وتنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة لـ (ابن عراق الكناني) وتذكرة الموضوعات لـ (ابن طاهر) الفتني والأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة (للملا على القاري) والمصنوع في الحديث المرفوع (للقاري) أيضاً واللؤلؤ المرصوع (للقاوقجي) وذيل الموضوعات (للسيوطي) والأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة (للألباني) وغيرها، وهكذا نص على ذلك الكثير من المؤلفين في الأحاديث المشهورة الدارجة على الألسنة من حفاظ السنة المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام وذلك كـ (الزركشي) في كتاب التذكرة في الأحاديث المشتهرة و (السيوطي) في كتاب الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة و (السخاوي) في كتاب المقاصد الحسنة و (الديبع) في كتاب تمييز الطيب من الخبيث و (العجلوني) في كتاب كشف الخفاء و (البيروتي) في كتاب أسنى المطالب وغيرهم هذا، وممن نص على أن هذا الحديث (موضوع) شيخ الإسلام (ابن تيمية) كما أن من العلماء الذين أقروا (السخاوي) على عدم وقوفه على هذا الحديث (المناوي) في كتاب فيض القدير شرح الجامع الصغير وغيره من الحفاظ المتأخرين، هذا والجدير بالذكر أن (السخاوي) في المقاصد الحسنة نقل عن شيخه الحافظ (ابن حجر العسقلاني) رحمه الله أنه حكم على هذا الحديث بأنه ضعيف ولم يذكر المصدر الذي نص الحافظ فيه على ضعف هذا الحديث الذي لم يعثر الحفاظ على أصل له أو على سند أو على راوٍ أو مخرج لأن الحكم على أيِّ حديث بالضعف لا يكون إلا بعد معرفة سنده ومخرجه حيث يقف المحدث على راو ضعيف أو على انقطاع في السند أو على أيِّ موجب للحكم بضعف الحديث وهذا الحديث لم يعرف الحفاظ مخرجه ولا سنده ولا راوية فكيف يتأتى الحكم عليه بـ (الضعف) قبل معرفة السند والمخرج والراوي كما أن (الشوكاني) لم يذكر هذا الحديث في (الفوائد المجموعة) بل ذكر حديث (كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث) ونقل عن (ابن تيمية) وعن (الصاغاني) أنه (موضوع) وقد سبق ذكره، وأما حديث (لولاك ما خلقت الأفلاك) فهو من الأحاديث (الموضوعة) كما نص عليه الحفاظ في مؤلفاتهم التي جمعوا فيها الأحاديث الموضوعة كي يحذروا الناس من اعتقاد صحتها أو حسنها أو ضعفها.

‌س: كيف يعرف الحديث المكذوب الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبأي دليل نتمكن من تكذيب الراوي، أرجو الجواب مفصلاً

؟

جـ: قد ألف العلماء عدة مؤلفات في ذكر من رُمى بوضع الحديث ويكفي المطالعة لموجز أسمائهم في مقدمة

ص: 855

كتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة) لـ (ابن عراق الكناني) رحمة الله تعالى أو لكتاب قانون الوضاعين لـ (ابن طاهر) الفتني الهندي رحمة الله تعالى وأحسن ما يطالع لمعرفة من هم المحدثون ممن يكذب هو الإطلاع على كتب الموضوعات مثل (كتاب اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) للسيوطي وهو الكتاب الذي ذكر الأحاديث الموضوعة التي ذكرها (ابن الجوزي) في كتاب الموضوعات وأقر بعضها أي بعض ما ذكره (ابن الجوزي) من الموضوعات ونقد البعض ولكن نقد (السيوطي) لم يوافقه من أتى بعده من العلماء على جميع ما نقده من الأحاديث بل نقدوه أيضاً على نقده لـ (ابن الجوزي) في بعض نقد (السيوطي) على ابن الجوزي رحمهما الله جميعاً كما تراه في كتاب (الفوائد المجموعة) في الأحاديث الموضوعة (للشوكاني) وغيره من مؤلفات المتأخرين الذين عقبوا على (السيوطي) في بعض ما أضافه على (ابن الجوزي) وأحسن منه أي من (كتاب للئآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) الذي ألفه (السيوطي)(كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة) لـ (ابن عراق الكناني) رحمه الله تعالى فهو أحسن من غيره ممن سبقه في التأليف في الأحاديث الموضوعة، لأن ابن عراق رحمه الله بوَّب كتابه هذا على الأبواب والفصول فبدأ أولاً: بالأحاديث المتعلقة بأصول الدين ثم ثنى بالأحاديث المتعلقة بالفقه من كتاب الطهارة إلى آخر العبادات ثم إلى آخر المعاملات وجعل لكل باب من هذه الأبواب ثلاثة فصول الفصل الأول لما سرده (ابن الجوزي) في كتابه الموضوعات وأقره (السيوطي) على الحكم عليها بالوضع، الفصل الثاني لما سرده (ابن الجوزي) في كتابه الموضوعات وأقره (السيوطي) على الحكم عليها بالوضع، الفصل الثالث فيما لم يذكره (ابن الجوزي) في كتابه الموضوعات ولا (السيوطي) في اللئالئ المصنوعة.

والخلاصة: أن (ابن الجوزي) في الموضوعات أدخل بعض أحاديث صحيحة أو حسنة أو ضعيفة في جملة الموضوعات، كما أنه يوجد بعض الأحاديث الموضوعة التي قد نص العلماء على وضعها لم يذكرها (ابن الجوزي) ضمن الأحاديث الموضوعة التي جمع فيها الأحاديث الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء بعده (السيوطي) ونقد البعض منها في (كتاب اللئالئ المصنوعة) وسكت عن البعض ولم يتعرض للأحاديث التي فاتت (ابن الجوزي) رحمه الله، وأخيراً أتى (ابن عراق) بما يشفي ظمأ العاطش الظمئآن وهو أنه أفرد ما نص (ابن الجوزي) على وضعه وأقره (السيوطي) بفصل مستقل، وما نص عليه (ابن الجوزي) واعترضه (السيوطي) بفصل منفصل مستقل، وما فات (ابن الجوزي) من الأحاديث الموضوعة بفصل مستقل، فهذا الكتاب أي كتاب (تنزيه الشريعة) لـ (ابن عراق) أحسن كتاب أخرج للناس في بيان الأحاديث المكذوبة على سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، وهكذا ألف جماعة من علماء الحديث في الموضوعات مثل (ابن طاهر الفتني الهندي) في كتابه تذكرة الموضوعات و (الملا علي القاري) في كتابه الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة المسمى بالموضوعات الكبرى والذي اختصره في كتابه المسمى المصنوع في الحديث الموضوع وهو المسمى بـ (الموضوعات الصغرى) وشيخ الإسلام (الشوكاني) في كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة وأخيراً الحافظ (محمد بن ناصر الدين الألباني) في كتابه المشهور (الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) ومن تمكن من مراجعة هذه الكتب جميعها لا بد وأن يعرف أن الكتب التي ألفت في الموضوعات قد استوفت الكثير من الأحاديث المكذوبة وهي في أكثر الأحيان واغلبها تتفق في الحكم على الحديث بـ (الوضع) وفي أقل الأحيان تختلف آراء مؤلفيها في الحكم على الحديث بالوضع.

والخلاصة: أن من يريد أن يعرف الحديث (الموضوع) فعليه أن يطالع الكتب المنحصرة فيما يلي: (اللئآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) للسيوطي (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة) لابن

ص: 856

عراق الكناني و (تذكرة الموضوعات) لابن طاهر الفتني و (الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة) للملا علي القاري وكتابه الآخر المسمى (المصنوع في الحديث الموضوع) و (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) للإمام الشوكاني وكتاب (الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) للألباني وغيرها من المؤلفات التي دبجتها أقلام الحفاظ من رجال السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وإذا لم يجد في هذه الكتب بغيته فعليه بمطالعة ما قد ألفه المحدثون في الأحاديث الدارجة على الألسنة فإن مؤلفيها قد نصوا على ما يدور على الألسن من الأحاديث وبينوا الصحيح منها والحسن والضعيف والموضوع كما بينوا ما هو من الحِكَم وما هو من الأمثال ونسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم غلطاً، ومن أشهر هذه المؤلفات كتاب (المقاصد الحسنة في كثير من الأحاديث الدارجة على الألسنة) للحافظ السخاوي ومن أخصرها كتاب (تمييز الطيب من الخبيث فيما يجري على السنة الناس من الحديث) لابن الديبع اليماني وكتاب (أسنى المطالب في الأحاديث على المراتب) ومن أكثر ما جمع وأكبرها حجماً وأحسنها سرداً للشواهد والمتابعات كتاب (كشف الخفاء وإزالة الإلباس فيما يجري من الأحاديث على السنة الناس) للعجلوني الجراحي رحمه الله تعالى لأنه قد جمع فيه ما في المقاصد وما في التمييز وما في كتاب اللئآلي المنثورة في الأحاديث المشهورة للحافظ بن حجر، وإذا لم يجد المطلع ما في هذه الكتب فليراجع الكتب المؤلفة في تخريج الأحاديث في كتب الفقه المربوطة بالأدلة أو في كتب التصوف الإسلامي التي تذكر الأحاديث في أكثر المسائل الأخلاقية وتجمع بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة والحسنة والموضوعة وما هو من الحِكَم أو من الأمثال أو من الآثار الموقوفة على أحد الصحابة أو من أقوال أحد التابعين أو أحد الأئمة المتبوعين وذلك كتخريج ابن حجر لأحاديث التلخيص، وتخريج ابن بهران لأحاديث البحر الزخار للإمام المهدي، وتخريج الضمدي لأحاديث شفاء الأوام للأمير الحسين، وتخريج العراقي لأحاديث إحياء علوم الدين للغزالي رحمهم الله جميعاً، وغيرها هذه الكتب المؤلفة في التخريج.

‌س: هل الأحاديث التالية صحيحة أو ضعيفة وهي حديث (لا تسترضعوا أولادكم الحمقاء فإن اللبن يعدي) وحديث (جبلت القلوب على حب من أحسن إليها إلى آخره)

؟

جـ: حديث (لا تسترضعوا أولادكم الحمقاء فإن اللبن يعدي) غير صحيح وهكذا حديث (الرضاع يغير الطباع) ليس بصحيح وقد نسبه (السخاوي) في المقاصد الحسنة إلى (الوضع) من حديث (ابن عباس) رضي الله عنهما وإلى أبي الشيخ من حديث (ابن عمر) ومهما يكن فهو (حديث ضعيف) كما قال (ابن عرار) وقال عنه (المناوي) بـ (أنه منكر) وذلك لأن في سنده (صالح بن عبدالجبار) قال (الذهبي) في الميزان (أنه منكر) وذكر هذا الحديث وعقب بقوله وفيه انقطاع هكذا قال (الحوت البيروتي) في أسنى المطالب هذا وممن ضعفه (السيوطي) في الجامع الصغير و (الألباني) في ضعيف الجامع الصغير، وأما حديث (جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها) فهو حديث مشهور ذكره جميع من ألف في الأحاديث المشهورة كـ (الزركشي) في اللئآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة و (السخاوي) في المقاصد الحسنة و (السيوطي) في الدرر المنتثرة و (الديبع) في تمييز الطيب من الخبيث و (العجلوني) في كشف الخفاء وغيرهم من حديث ابن مسعود مرفوعاً وموقوفاً وهو لا يصح موقوفاً ولا مرفوعاً، قال (السخاوي) هو باطل من الوجهين أي من الطريق التي رفعته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن الطريق التي جعلته موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه، وقال (ابن كثير) هذا الحديث لا يصح وقال (البيروتي) لا أصل له وحكم عليه بـ (الوضع) من المتأخرين والمعاصرين (الملا علي القاري) في كتاب الأسرار المرفوعة و (القاوقجي) في كتاب اللؤلؤ المرصوع و (الغماري) في كتاب المغير و (الأستاذ محمد بن إسحاق) في تعليقه على كتاب الغماز و (الألباني) في المجلد الثاني من سلسلة الأحاديث

ص: 857

الضعيفة ومحتجاً على الحكم عليه بالوضع بأن في إسناده (إسماعيل بن أبان القروي) قال (ابن حبان) كان يضع الحديث كما في الضعفاء لـ (ابن حبان) والميزان (للذهبي) ويضيف السائل وهل حديث (استعينوا على نجاح حوائجكم بالكتمان) إلى آخره صحيح أو ضعيف وحديث (طاعة النساء ندامة) وحديث (روحوا القلوب ساعة فساعة) والجواب على هذه الأسئلة بما يلي:

أما حديث (استعينوا على نجاح حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود) فقد أخرجه البيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية والطبراني في الأوسط من حديث معاذ كما في الدرر والمقاصد والتمييز والكشف و (الفوائد المجموعة) وغيرها وهو حديث موضوع كما قال الحفاظ لأن في سنده سعيد بن سلام العطر قال (ابن الجوزي) كذاب وقال البخاري يذكر بوضع الحديث وقال احمد بن طاهر كذاب وقال الذهبي في الميزان من منكراته هذا الحديث وقال ابن حبان سعيد يضع الحديث وقال البيهقي كذبه أحمد أما (ابن طاهر) المقدسي القيسراني فقد صرح بأن في إسناده طاهر بن المفضل الحلبي قال وهو الذي وضعه وأن في سنده أيضاً سعيد بن سالم وهو متروك.

والخلاصة: هي أن سبب الوضع أن في سنده من كذبه (ابن الجوزي) و (البخاري) و (ابن حبان) و (أحمد بن حنبل) و (الذهبي) و (ابن طاهر القيسراني) وغيرهم، وأما حديث (طاعة النساء ندامة) فقد أخرجه (القضاعي) و (العسكري) و (الديلمي) وغيرهم عن عائشة، وحكم بوضعه (ابن الجوزي) في موضوعاته الكبرى و (القاري) في الأسرار المرفوعة وضعفه (الألباني) في ضعيف الجامع الصغير، وقد جاء بلفظ (طاعة المرأة ندامة) من حديث (زيد بن ثابت) وهو (موضوع) كما قال (ابن الجوزي) في موضوعاته الكبرى، وهكذا يقول (الألباني) فيما نقله عنه الدكتور (محمد محمود أحمد بكار) في تعليقاته على الكشف الإلهي وصرح به (الألباني) في ضعيف الجامع الصغير وعزاه إلى الأحاديث الضعيفة.

وأما حديث (روحوا القلوب ساعة فساعة) فقد أخرجه (الديلمي) بسند ضعيف عن أنس بن مالك مرفوعاً ولكن قد جاء ما يشهد أنه قال ساعة وساعة أي ساعة للعبادة وساعة للراحة.

والخلاصة: لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:

حديث (لا تسترضعوا أولادكم الحمقاء فإن اللبن يعدي) هو غير صحيح.

حديث (الرضاع يغير الطباع) في سنده (صالح بن الجبار) وقد ضعفه (ابن عرار) وحكم بكونه منكراً (المناوي) أما (الذهبي) فقد حكم عليه بـ (أنه منكر وبأنه منقطع)، وضعفه (الألباني) في ضعيف الجامع الصغير.

حديث (جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبعض من أساء إليها) قال (البيروتي) وهو (موضوع) عند (القاري) و (القاوقجي) و (الغماري) والأستاذ (محمد بن إسحاق) و (الألباني). حديث (طاعة النساء ندامة) ضعفه (الألباني) وحكم بوضعه (ابن الجوزي) كما حكم بوضعه (القاري).

حديث (طاعة المرأة ندامة) موضوع عند (ابن الجوزي) و (الألباني).

حديث (روحوا القلوب ساعة فساعة) ضعيف ولكن له شاهد صحيح عند مسلم.

‌س: حديث (لا تسمي إصبعك السبابة فإن اسم السبابة اسم جاهلي إنما هي المسبحة) هل هو صحيح

؟

جـ: النهي الوارد في تسمية الأصبع المسبحة بالإصبع السبابة قد رواه أبو خالد الواسطي من طريق محمد الباقر من كلام أمير المؤمنين الإمام (علي بن أبي طالب) كرم الله وجهة لا من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

ص: 858

ولكن قد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يكره الأسماء القبيحة ويسميها بأسماء حسنه.

‌س: ما صحة حديث (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) هل هو صحيح أم لا

؟

جـ: حديث (لا ضرر ولا ضرار)

(1)

مروي عن (أبي سعيد) وعن (عبادة بن الصامت) وعن (ابن عباس) وعن (عائشة) وعن (أبي هريرة) وعن (عمرو بن عوف) وعن (أبي جعفر) مرسلاً بأسانيد فيها مقال لكنه حسن لشواهده، وأما زيادة في (الإسلام) فقد أخرجها الطبراني وأبو داود في المراسيل.

‌س: سمعنا حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه (لعن الله الكاذب ولو كان مازحاً) فهل هذا صحيح أم غير صحيح

؟

جـ: من المعلوم أن (لعن الكاذب) قد ورد في القرآن الكريم وقد وردت أحاديث كثيرة في تحريمه، أما ما جاء في السؤال فلا أدري من رواه وسواء صح أم لم يصح ففي الأدلة الصحيحة ما يكفي في الدلالة على تحريم الكذب، منها حديث (وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)

(2)

وحديث (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)

(3)

.

‌س: قرأت في أحد الكتب هذا الحديث (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) فهل هو حديث صحيح

؟

جـ: حديث (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) صحيح عند الحفاظ بل هو من الأحاديث الصحيحة المتواترة كما نص عليه (السيوطي) و (المرتضى) و (الكناني) في مؤلفاتهم في الأحاديث المتواترة.

والخلاصة: لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:

أولاً: حديث أن النبي قال في الأشعريين (فأنا منهم وهم مني)

ثانياً: المراد بقول المحدثين متفق عليه أي أنه أخرجه البخاري ومسلم.

ثالثاً: المراد بقولهم أخرجه الشيخان البخاري ومسلم.

رابعاً: البخاري أحسن كتب الحديث من ناحية القوة والصحة ومسلم من ناحية الصناعة.

خامساً: حديث كاد الفقر أن يكون كفراً ليس بصحيح بل هو ضعيف.

(1)

- سنن ابن ماجة: كتاب الأحكام: باب من بنى في حقه ما يضر بجاره. حديث رقم (2331) بلفظ: عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا ضرار.

أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار 21714

معاني الألفاظ: لا ضرر ولا ضرار: أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئاً من حقه.

(2)

- صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب: باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله. حديث رقم (4721) بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا.

أخرجه الترمذي في البر والصلة عن رسول الله، وأبو داود في الأدب، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

أطراف الحديث: البر والصلة والآداب.

معاني الألفاظ: البر: كلمة جامعة لأبواب الخير.

(3)

- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب علامة المنافق. حديث رقم (32) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان عن رسول الله، والنسائي في الإيمان وشرائعه، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الشهادات، الوصايا، الأدب.

معاني الألفاظ: الآية: العلامة والدليل والبرهان. أخلف: نقض وعده.

ص: 859

سادساً: حديث (نحن معاشر الأنبياء لا نرث ولا نورث) لا أصل له.

سابعاً: حديث (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) بهذا اللفظ لم يقف عليه الضمدي في كتب السنة.

ثامناً: قول النبي (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ)

(1)

صحيح متواتر.

تاسعاً: حديث (الموت كفارة لكل مسلم) فيه خلاف وليس على ظاهره.

عاشراً: حديث (إن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته) صحيح أخرجه الشيخان.

حادي عشر: (إنَّ جبريل جاء إلى النبي ومعه ملك الموت) لا أدري كيف صحته.

ثاني عشر: حديث (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) حديث صحيح متواتر، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وهو ولي الهداية والتوفيق.

‌س: حديث (لكل نبي خليل وخليلي عثمان بن عفان) هل سيعارض حديث (لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) وكيف الجمع بين الحديثين

؟

جـ: اعلم أن القاعدة عند علماء الأصول وشُرَّاح كتب السنة البنوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام أنه لا يرجح بين الحديثين المتعارضين إن أمكن الجمع بينهما أو يحكم على أحدهما بأنه ناسخ وعلى الآخر بأنه منسوخ إن لم يمكن الجمع بينهما وعرف التاريخ أو يرجح أحدهما على الآخر إن لم يمكن الجمع بينهما ولا عرف المتقدم من المتأخر إلا بعد أن يكون الحديثان المتعارضان من الأحاديث التي يحتج بها العلماء (أي الصالحات للاستدلال بها) بأن يكونا صحيحين أو حسنين أو أحدهما صحيح والآخر حسن، أما إذا كان أحد الحديثين من الأحاديث الصالحات للاستدلال والآخر مما لا يصلح للاحتجاج بأن يكون حديثاً ضعيفاً أو موضوعاً فلا، لأن الحديث الضعيف والموضوع لا يصلحان للاحتجاج بهما في الأحكام الشرعية عند جميع العلماء، وكذلك في الفضائل والمناقب والترغيب والترهيب عند جماعة من العلماء لا يحتج بهما أيضا، وقال جماعة من العلماء: بجواز الاحتجاج بالضعيف في الترغيب والترهيب والفضائل ولا يجوز الاحتجاج به في إثبات أيِّ حكم من الأحكام الشرعية، وأما الحديث الموضوع فلا يحتج به مطلقاً لا في الترغيب والترهيب أو المناقب أو الفصائل ولا في الأحكام الشرعية وإذا كان العلماء قد أجمعوا على أن الحديث الموضوع لا يحتج به مطلقاً لا في الفضائل ولا في المناقب ولا في الترغيب والترهيب ولا في غيرها فبالأولى والأحرى أن يعارضوا به حديثاً صحيحاً صالحاً للاحتجاج، وهذا الحديث الذي جاء في السؤال والذي قيل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مدح به عثمان بن عفان فقال (لكل نبي خليل من أمته وإن خليلي عثمان بن عفان) هو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يحتج بها أبداً لا في الفضائل ولا في الترغيب ولا في الترهيب ولا في أيِّ شيء لأن

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب حديث بني النضير. حديث رقم (3730) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا أَرْضَهُ مِنْ فَدَكٍ وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ، وَاللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي).

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، والنسائي في قسم الفيء، وأبو داود في الخراج والإمارة والفيء، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، وباقي مسند الأنصار، ومالك في الجامع.

أطراف الحديث: المناقب، المغازي، الفرائض.

معاني الألفاظ: الصدقة: الزكاة.

ص: 860

في سند هذا الحديث (إسحاق بن نجيح الملطي) وهو من الرواة الكذابين عند حفاظ السنة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام،

قال الحافظ (ابن حجر العسقلاني) في ترجمته من كتابه التقريب (كذبوه) وقال الحافظ (ابن طاهر الفتني الهندي) في كتاب قانون الموضوعات في ترجمة هذا الراوي الكذاب (إسحاق بن نجيح الملطي أكذب الناس) قال (أحمد) وكان يضع وهو الذي وضع الوصية (لعلي) رضي الله عنه في الجماع وقال الخزرجي في خلاصة تهذيب الكمال في ترجمة هذا الراوي كذَّبه (أحمد) و (ابن معين) وقال (ابن عراق الكناني) في ترجمته في مقدمة كتابه تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة (كذاب) يضع الحديث وقال (الغماري) في كتابه المغير على موضوعات الجامع الصغير في إسحاق لملطي الراوي لهذا الحديث (إسحاق هذا ركن من أركان الكذب) وقال الحافظ (ابن الجوزي) في كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية في هذا الحديث هو حديث لا يصح و (إسحاق بن نجيح) أحد رجاله قال فيه (أحمد) هو من أكذب الناس وقال (يحيى) هو معروف بالكذب والوضع وقد نقل (المناوي) هذا الكلام عن (ابن الجوزي) في كتاب فيض القدير شرح الجامع الصغير وأقره عليه وهكذا حكم على هذا الراوي بأنه (كذاب) غير هؤلاء الحفاظ ولكني اكتفيت بذكرهم لكونهم من كبار المحدثين ومن أشهر من تكلم في رجال الحديث أو ترجمهم، وكيف لا يحكم على هذا الراوي بأنه (وضاع) وقد حكم عليه بأنه (وضاع)(أحمد بن حنبل) و (يحيى بن معين) و (ابن حجر العسقلاني) و (ابن طاهر الفتني) و (ابن الجوزي) و (الغماري)، وليس هذا (الوضاع) هو الرجل الوحيد من الوضاعين قد وجد اسمه في سند هذا الحديث، فهناك أيضا راو آخر في نفس سند هذا الحديث هو أيضاً من الوضاعين الكذابين عن المحدثين ألا وهو (يزيد بن مروان) الذي جرحه (يحيى بن معين) أيضا وقال فيه (كذاب) وقال عنه (ابن حبان) يروى الموضوعات عن الأثبات لا يحل الاحتجاج به بحال، كما حكاه عنهما (ابن الجوزي) في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية وقد نقله عن (ابن الجوزي)(المناوي) في فيض القدير وقد ترجم هذا الراوي (يزيد بن مروان) المتأخرون من علماء الحديث الذين اهتموا بجمع أسماء الوضاعين من الرواة كـ (ابن عراق الكناني) في مقدمة كتابه تنزيه الشريعة حيث نقل في ترجمته عن (ابن معين وأحمد بن حنبل) مثلما نقل عنهما (ابن الجوزي) في العلل المتناهية الذي نقله عنه (المناوي) في الفيض، وبناءً على أن في سند حديث (لكل نبي خليل من أمته وإن خليلي عثمان بن عفان) هذين الراويين الكذابين فالحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ضوء ما سبق من النقل عن (أحمد بن حنبل) و (ابن معين) و (ابن حبان) و (ابن الجوزي) و (ابن حجر) و (ابن طاهر) و (الخزرجي) و (ابن عراق) و (المناوي) وغيرهم، وهو الذي جزم به من علماء الحديث المتأخرين وممن أدركت عصرهم الحافظ (أحمد الغماري) أحد علماء المغرب الأقصى الذي قال في كتابه المغير على موضوعات الجامع الصغير بعد أن حكم بوضع هذا الحديث، العجب أن في الحديث المخرج في الصحيح المتفق على صحته نفي الخلة لغير ربه وأنه لو كان متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً وحيث أنه لا يصلح لمعارضته فلا حاجة إلى الجمع بين الحديثين فيرد الحديث (الموضوع) ويطرح ويبقى العمل بالحديث الصحيح الساري المفعول وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتخذ خليلاً من الناس لا أبا بكر ولا عثمان ولا غيرهما ولو كان متخذ خليلاً لكان أبا بكر هو خليله كما في حديث (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ)

(1)

، هذا ولا يخفى أن

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المناقب: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لوكنت متخذاخليلا. حديث رقم (2383) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي)

أخرجه أحمد في ومن مسند بني هاشم.

ص: 861

(لعثمان بن عفان) رضي الله عنه فضائل قد وردت لها أحاديث صحيحة فلا حاجة إلى ذكر هذا الحديث الموضوع المعارض للحديث المجمع على صحته، و (عثمان بن عفان) غني عن مثل هذا الحديث الذي في سنده كذابان بما ورد في فضله خصوصاً وفي العشرة المبشرين بالجنة وفي السابقين الأولين عموماً وهي في كتب السنة المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.

‌س: حديث (لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أف لحرمه فليعمل العاق ما يشاء فلن يدخل الجنة وليعمل البار ما يشاء فلن يدخل النار) هل هو صحيح أم لا

؟

جـ: هذا الحديث موجود في صحيفة علي الرضَّي عن الباقر رضي الله عنه لا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال القاضي (محمد مشحم) في تخريجه لهذه الصحيفة لم أجده عنه أي عن الباقر، قال (وهو صحيح) ثم نسبه إلى كتاب (تنبيه الغافلين) للسمرقندي وقد أجبت عن (مشحم) بعدم صحته، وكون السمرقندي أخرجه كما قال (مشحم) لا يجدي لأن السمرقندي ليس من علماء الحديث المختصين وكتابه المذكور ليس من مصادر السنة المطهرة كيف وقد نص علماء الحديث كـ (الحوت البيروتي) في آخر كتاب أسنى المطالب على أن في كتاب (تنبيه الغافلين) أحاديث موضوعه، وهذا الحديث هو من جملة الموضوعات في هذا الكتاب لأن في سنده (أصرم بن حوشب الهمداني) كما سيأتي وقد أخرجه من علماء السنة (الدارمي) من حديث الحسين بن علي مرفوعاً كما في تخريج كتاب (تنبيه الغافلين) للعلامة (عبدالعزيز الوكيل) وفي تنزيه الشريعة ل (ابن عراق) وغيرهما وقد نصَّ على أن هذا الحديث موضوع بعض من ألف في الأحاديث الموضوعة مثل (ابن طاهر) في تذكرة الموضوعات و (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة) وغيرهما كما أن (ابن عراق الكناني) قد ذكره في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة وعده من الموضوعات في الفصل الثالث من كتاب الحدود من هذا الكتاب القيم، والسبب الذي من أجله عد هذا الحديث من الموضوعات هو أن في سنده (أصرم بن حوشب الهمداني) وقد ترجمه علماء الجرح والتعديل ترجمة تدل على أنه كان كذاباً وضاعاً،

والخلاصة المستفادة مما قاله (عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي) في كتاب الجرح والتعديل و (الذهبي) في ميزان الاعتدال أن (يحيى بن معين) صرح بأنه كذاب خبيث.

والخلاصة: المستفادة من كلام (ابن طاهرالفتني الهندي) في قانون الموضوعات و (الذهبي) في الميزان و (الحلبي) في الكشف الحثيث عمن رُمي بوضع الحديث أنه كان يضع الحديث على الثقات وزاد العلامة (السامرائي) في تعليقاته على الكشف الحثيث عن (العقيلي) عن (أصرم بن حوشب) أنه كان يقول بالرجعة، ومن قد قيل فيه أنه كذاب أو وضاع أو خبيث أو نحو هذه العبارات لا يكون حديثه صحيحاً ولا حسناً بل ولا ضعيفاً بل يكون حديثه من الموضوعات المكذوبات على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا سيما وأن الجارح لهذا الراوي بهذا الجرح هو (ابن معين) و (ابن حبان) و (العقيلي) وغيرهم من رجال الحديث، وأيدهم من جاء بعدهم كالحافظ (عبدالرحمن ابن أبي حاتم الرازي) والحافظ (الذهبي) والحافظ (السيوطي) والحافظ (ابن طاهر الفتني) والحافظ (الشوكاني) وأخيراً (السامرائي)،

ومن الغريب أن القاضي (محمد مشحم) صرح في تخريجه لصحيفة الإمام علي الرضي بأن هذا الحديث صحيح وعزى تخريجه إلى (تنبيه الغافلين) للسمرقندي مع أن السمرقندي سرد رجال سند الحديث ومنهم (أصرم بن حوشب) الذي قد سمعت ما قاله علماء الجرح والتعديل في ترجمته وأنه وضاع وكذاب ونحو هذه العبارتين، كما أن من الغريب أيضاً أن الحافظ (الذهبي) المعروف بإطلاعه العظيم على تراجم رواة الحديث والمشهور بـ (النقد) على من قبله من المحدثين قد ذكر هذا الحديث في كتابه (الكبائر) كما ذكر أيضا حديث (علقمة) الذي لم يتمكن

ص: 862

من أداء الشهادتين حال استحضاره حتى عفت عنه أمه ورضت عنه بعد أن طلبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه وأمر بجمع الحطب ليحرق ولدها العاق لها فأشفقت على ولدها وخافت عليه من النار فرضت عنه، في حين أن هذين الحديثين من الأحاديث التي لا تصلح للاحتجاج بها لأن في سندها (كذاب) بتصريح من علماء الجرح والتعديل حسبما سبق النقل عنهم في أول جوابي هذا على الاستفتاء عن حديث (لو علم الله كلمة أدنى من أفٍ لنهى عنها أو لحرمها فليعمل العاق ما شاء فمصيره النار وليعمل البار ما شاء فمصيره إلى الجنة)، وهناك أحاديث أخرى في كتاب (الكبائر) احتج بها (الذهبي) في هذا الكتاب وهي غير صحيحة عنده بل موضوعه ذكرها العلامة المعاصر (عبدالفتاح أبو غدة) في تعليقاته المفيدة وتحقيقاته الفريدة على كتاب الأجوبة الفاضلة على الأسئلة العشرة الكاملة للعلامة (اللكنوي الهندي) رحمه الله وهذه من غلطات (الذهبي) التي تغتفر له بجانب فضله، وقد قيل قديماً (السيف قد ينبو) و (الجواد قد يكبو) وقالوا:(لكل جواد كبوة) و (لكل صارم نبوة) و (لكل عالم هفوة).

ومهما يكن من الأمر فإن طاعة الوالدين من الواجبات القطعية المفروضة على كل مسلم ومسلمة بالأدلة الصحيحة الواردة في القرآن العظيم وفي السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وعقوق الوالدين من الكبائر بنص الحديث الصحيح الصريح في الدلالة على عظم ذنب العاق وعلى أن العقوق من أكبر الكبائر وهو الحديث الذي اتفق على إخراجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)

(1)

إلى آخر الحديث وغيره من الأحاديث الدالة على تحريم العقوق المدونة في كتب الحديث النبوي التي ألفها علماء السنة المحمدية صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً،

وبناءً على ذلك فلا حاجة إلى ذكر بعض الأحاديث الموضوعة في بعض كتب الزهد والأخلاق والرقائق وفي بعض الخطب التي يخطب بها بعض الخطباء والوعاظ ما دام وهناك آيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة تغني عن أحاديث القصاص والوعاظ وفيها ما يكفي ويشفي (وإذا جاء نهر الله أبطل نهر معقل).

والخلاصة: لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:

أولاً: حديث (لو علم الله شيئاً أدنى من أفٍ لحرّمَه فليعمل العاق ما يشاء فلن يدخل الجنة) غير صحيح.

ثانياً: جاء هذا الكلام مروياً عن الباقر من قوله لا مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الشهادات: باب ما قيل في شهادة الزور. حديث رقم (2460) بلفظ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)

أخرجه مسلم في الايمان، والترمذي في الشهادات، وأحمد في أول مسند البصريين.

معاني الألفاظ: الزور: الكذب والباطل.

وفي صحيح البخاري: كتاب الأدب: باب عقوق الوالدين من الكبائر. حديث رقم (5520) بلفظ (حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، فَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ قَالَ شُعْبَةُ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في البيوع عن رسول الله، تفسير القرآن عن رسول الله، والنسائي في تحريم الدم، والقسامة،

وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: الأدب، الديات.

ص: 863

ثالثاً: جاء هذا الكلام مرفوعاً إلى رسول الله في كتاب (تنبيه الغافلين) بسند فيه (أصرم بن حوشب) وأخرجه الدارمي من حديث الحسين.

رابعاً: قد ذكر هذا الحديث (الذهبي) في كتاب (الكبائر) محتجاً به على عظم هذا الذنب.

خامساً: مؤلِّف (تنبيه الغافلين) ليس محدِّثاً وهذا الكتاب فيه الغث والسمين.

سادساً: مؤلف كتاب (الكبائر) حافظ مؤرخ ناقد ولكنه في كتاب (الكبائر) ذكر هذا الحديث الموضوع.

سابعاً: يرد احتجاج (الذهبي) بهذا الحديث المروي بسند فيه (أصرم بن حوشب) كلام الذهبي نفسه في الميزان في ترجمة هذا الراوي.

ثامناً: ممن عد هذا الحديث من الموضوعات (ابن عراق) و (ابن طاهر) و (الشوكاني) وغيرهم.

تاسعاً: في القرآن والسنة الصحيحة في الأمر بطاعة الوالدين وفي تحريم العقوق ما يكفي ويشفي ويغني عن الموضوعات

عاشراً: لا ينبغي لأيِّ مؤلف أو خطيب أن يأتي بحديث (موضوع) ولا سيما وفي الصحيح ما يكفي.

حادي عشر: ما زعمه القاضي (مشحم) من صحة هذا الحديث غير صحيح.

‌س: هل صحيح أن النبي قال (لولا النساء لعبد الله حقاً) وأنه قال (من لم يكن معه صدقه فليلعن اليهود)

؟

جـ: هذان الحديثان ليسا من الأحاديث الصحيحة المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما لا يخفى على من له اطلاع على كتب السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم،

أما حديث (لولا النساء لعبد الله حقاً حقاً) فقد أخرجه ابن عَدي من حديث عمر رضي الله عنه ولكنه عقب ذلك بقوله هذا حديث منكر ولا أعرفه إلا من هذا الوجه، و (عبدالرحمن بن زيد العمي) أحاديثه كلها لا يتابعه الثقات عليها وقد نقل الحافظ (الألباني) في المجلد الأول من الأحاديث الضعيفة الموضوعة عن البخاري أنه قال فيه (تركوه) وعن (ابن حاتم) أنه قال (يترك حديثه، منكر الحديث، كان يفسد أباه يحدث عنه بالطامات، وقال ابن معين كذاب خبيث) والحديث أورده (ابن الجوزي) في الموضوعات من طريق (ابن عدي) ثم قال لا أصل له، (عبدالرحيم وأبوه) متر وكان وقد روى هذا الحديث بلفظ (لولا النساء لدخل الرجال الجنة) أخرجه (أبو نعيم) في أخبار أصبهان و (الثقفي) في الثقفيات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي سنده (بشر بن الحسين) وسيأتي الكلام حول جرحه كما روى بلفظ (لولا النساء لعبد الله حق عبادته) أخرجه (الديلمي) في مسند الفردوس عن انس أيضا وفي سنده (بشر بن الحسين) قال (الذهبي) في ترجمته قال (الدارقطني) متروك كما نقل (الذهبي) في ترجمته من الميزان عن أبي حاتم أنه قال عن بشر هذا يكذب على الزبير وهذا الحديث المروي بلفظ (تعبد الله حق عبادته) وبلفظ (لولا النساء دخل الرجل الجنة) هو من روايته عن الزبير بن عدي، وقال (ابن حبان) يروى بشر بن الحسين عن نسخة موضوعة شبيهاً بمائة وخمسين حديثاً، وإنما ذكرت الحديثين الأخيرين وهما (حديث لولا النساء دخل الرجال الجنة) أو (لولا المرأة لدخل الرجل الجنة) وحديث (لولا النساء لعبد الله حق عبادته) لأن (السيوطي) في اللئاليء المصنوعة تعقب (ابن الجوزي) الذي حكم على حديث (لولا النساء لعبد الله حقاً حقا) بأنه (موضوع) بأن له شاهدا وهذا الشاهد هو حديث (لولا النساء دخل الرجال الجنة) في حين أن هذا الحديث لا يصلح أن يكون شاهداً لأنه (موضوع) عند الحفاظ ومنهم (السيوطي) نفسه فقد عده من الموضوعات في مختصره الذي ألفه في الموضوعات كما عده منها (الغماري) في المغير، وهكذا الحديث الثالث الوارد بلفظ (لولا النساء لعبد الله حق عبادته) هو أيضا (موضوع) والحاصل هو أن الحديث المسئول عنه والشاهد الذي ذكره (السيوطي) في اللئاليء والحديث الثالث أيضا الذي من الممكن أن يدعي أحد أنه شاهد كلها لا تصح بل هي

ص: 864

كلها (موضوعة) كما صرح بذلك (الألباني) في ضعيف الجامع الصغير وفي الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأما حديث (من لم يكن معه صدقه فليلعن اليهود) فهو أيضا غير صحيح كما قال (الحوت البيروتي) في أسنى المطالب وغيره من المحدثين.

‌س: ما مدى صحة حديث (لولا أنكم تذنبون لأتى الله بأناس يذنبون فيستغفرون الله ويطلبون الرضا منه عزوجل فيغفر لهم المولى)

؟

جـ: اعلم أن حديث (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) حديث صحيح أخرجه مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرج (أحمد) و (أبو يعلى) من حديث (أنس بن مالك) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:(والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم) وفي الباب عدة أحاديث عن (ابن عمر) و (ابن عباس) و (أبي سعيد الخدري) ولعل الخطأ المقصود به هنا الخطأ ضد الصواب لا الخطأ ضد العمد لأن الذي ضد العمد قد عفا الله عنه، وفي هذا الحديث دليل على كثرة الخطايا من بني الإنسان وهو أمر جبلي وقد خلقهم الله على ذلك وأمرهم بالخير ونهاهم عن الشر، والعصمة لا تكون إلا للأنبياء وفي هذا الحديث إرشاد للناس إلى الاستغفار لأنه رافع للذنب كما قال تعالى {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}

(1)

وقوله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا

فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}

(2)

وقوله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ

اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}

(3)

.

‌س: هل صحيح أن النبي قال (لولا حوى لم تخن أنثى زوجها) وما معناه

؟

جـ: أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ)

(4)

ومعنى قوله يخبث الطعام لم يتغير ريحه ومعنى قوله لم يخنز اللحم لم يتغير ولم ينتن، قال (المناوي) يعني لولا أنهم (أي بنو اسرائيل سنوا ادخار اللحم حتى خنز لما ادخر لحم يخنز) قال فهو إشارة إلى أن خنز اللحم شيء عوقب به بنو إسرائيل بكفرانهم نعمة ربهم حيث ادخروا السلوى فنتن وقد نهاهم عن الادخار ولم يكن ينتن قبل ذلك، وفي بعض الكتب الإلهية لولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنه الأغنياء عن الفقراء، كما قال أيضا في معنى (وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ) معللاً الخيانة من النساء لأنها (أي حوى) أم النساء فأشبهنها ولولا أنها سنت هذه السنة لما سلكتها أنثى مع زوجها فإن البادي بالشيء كالسبب الحامل لغيره على الإتيان به فلما خانت سرت في بناتها الخيانة فقلما تسلم امرأة من خيانة زوجها بفعل أو قول وليس المراد بالخيانة الزنا حاشا وكلا لكن لما مالت إلى شهوة

(1)

- سورة النساء آية 110.

(2)

- سورة آل عمران آية 135.

(3)

- سورة الأنفال آية 33.

(4)

- صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: باب خلق آدم وذريته. حديث رقم (3083) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ).

أخرجه مسلم في الرضاع، وأحمد في باقي مسند المكثرين.

أطراف الحديث: أحاديث الأنبياء.

ص: 865

النفس من أكل الشجرة وزينت ذلك لآدم مطاوعة لعدوه إبليس عد ذلك خيانة، وأما من بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها وأضاف (المناوي) إلى كلامه هذا قوله وفيه إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم لما وقع من أمهن الكبرى وأن ذلك من طبعهن والعرق دساس فلا يفرط في لوم من فرط منهن بشيء من غير قصد أو نادراً، وأخيراً قال (المناوي) وينبغي لهن أن لا يتمسكن بهذا في الاسترسال على هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن أنفسهن،

هكذا قال (المناوي) في معنى هذا الحديث المسئول عنه شارحاً له في المجلد الخامس من كتابه (فيض القدير شرح الجامع الصغير) والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أدرى هل المقصود بهذا الحديث ما قاله (المناوي) في كلامه الذي ذكرته آنفاً أم القصد به شيء آخر كما أني لا أدري هل صحيح ما قاله (المناوي) من أن خنز اللحم أي تغير رائحته كان عقاباً من الله لبني اسرائيل لكونهم ادخروا السلوى حتى أنتن وأن اللحم في الزمن القديم قبل أن يدخر بنو اسرائيل السلوى كان لا ينتن أم أن ذلك غير صحيح، حيث أن (المناوي) لم يبرهن على صحة ما ادعاه ببرهان صريح صحيح.

‌س: من روى وأخرج حديث (ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل) وهل هو صحيح أو ضعيف

؟

جـ: اعلم أن حديث (ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل) أخرجه (ابن النجار) و (الديلمي) في مسند الفردوس وأشار (السيوطي) في الجامع الصغير إلى ضعفه كما في النسخ المطبوعة في دار الكتب العلمية في بيروت وكما في النسخ المطبوعة بأعلى صفحات (فيض القدير) وهو حديث غير صحيح عند الحفاظ ولا حسن أيضا وإنما هو من الأحاديث الضعيفة أو المنكرة إن لم يكن من الموضوعة وقد نقل (المناوي) المتوفى (911) في (فيض القدير) عن (العلائي) أنه قال في هذا الحديث إنه (حديث منكر) تفرد به (عبدالسلام بن صالح العابد) قال (النسائي) متروك وقال (ابن عدي) مجمع على ضعفه قال (العلائي) وقد روي معناه عن الحسن من قوله وهوالصحيح وأقر (المناوي)(العلائي) فيما نقله عنه من تضعيف هذا الحديث، ولقد راجعت ما قاله علماء الجرح والتعديل في ترجمة (عبدالسلام الراوي) لهذا الحديث فوجدت الحافظ (ابن أبي حاتم وهو عبدالرحمن بن أبي حاتم) في كتابه القيم الذي سماه (الجرح والتعديل) فوجدته يقول في ترجمته سألت (أبي) عنه فقال: لم يكن عندي بصدوق وهو ضعيف ولم يحدثني عنه، وأما (أبو زرعة) فأمر بأن نضرب على حديث (أبي الصَّلت وعبد السلام المذكور) وقال لا أحدث عنه ولا أرضاه، كما راجعت (الكشف الحثيث عمن رمى بوضع الحديث) تأليف (برهان الدين الحلبي) المتوفى سنة (1441 هـ) فوجدته يقول في ترجمته (الرجل صالح إلا أنه شيعي رافضي خبيث متهم بوضع حديث الإيمان إقرار بالقلب) كما راجعت (تقريب التهذيب) للحافظ ابن حجر المتوفى سنة (852 هـ) فوجدته يقول في ترجمته نزل نيسابور له مناكير وكان يتشيع وأفرط (العقيلي) فقال (كذاب)، أما الحافظ (ابن عراق الكناني) المتوفى سنة (963) فقد قال في ترجمته من مقدمته لكتاب (تنزيه الشريعة) التي جمع فيها من رمى بالوضع مرتباً لأسمائهم على الحروف (عبدالسلام بن صالح أبو الصلت الهروي) اتهمه بالكذب غير واحد، وهكذا قال (ابن طاهر الفتني الهندي) في قانون الضعفاء والموضوعات (عبدالسلام بن صالح) متهم قلت وثقة (ابن معين) وقال لي ممن يكذب، وقيل معدود في الزهاد، وفي الميزأنه صالح إلا أنه شيعي، وفي موضع آخر قال هو (عبدالسلام بن صالح الهروي أبو الصلت) كذاب وقال (الحاكم) ثقة مأمون وقال (محمد بن طاهر المقدسي) المعروف بـ (ابن القيسراني) المتوفى سنة (507 هـ) في حرف الياء من تذكرة الموضوعات عند ذكره لحديث (يد الله على المؤذن حتى يفرغ من أذانه) (فيه أبو

ص: 866

الصلت عبدالسلام بن صالح كذاب) وقال (الشوكاني) في (الفوائد المجموعة) عند ذكره لحديث (أنا مدينة العلم وعلى بابها) أن (أبا الصلت الهروي) هذا قد وثقه (ابن معين) و (الحاكم) وقد تكلم (المعلمي) في تعليقاته على (الفوائد المجموعة) في الكلام على حديث (يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم إلا لمعرفتي بكم قوموا مغفوراً لكم) كلاً ما مطولاً حول هذا الراوي، ونقل عن (الدار قطني) وغيره أنه متهم بالوضع، كما أنه أعتذر لـ (يحيى بن معين) الذي وثقه في كلام طويل، ولقد راجعت (ضعيف الجامع الصغير)(للألباني) فوجدته قد حكم على هذا الحديث بأنه (موضوع) وأحال الكلام عليه على كتابه (الأحاديث الضعيفة) وعلى (تخريج الاقتضاء).

وخلاصة ما جاء في كلامي هذا عن حديث (ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل) أنه (موضوع عند الألباني) و (منكر عند العلائي) و (ضعيف عند السيوطي والمناوي) وأن السبب في ضعفه أو نكارته هو تفرد (عبدالسلام بن صالح أبو الصلت الهروي) بروايتة وهو (أي عبدالسلام بن صالح أبو الصلت) وإن وثقه (ابن معين والحارث) فهو مجروح عند غيره من المحدثين الذين حكموا بضعفه في الحديث مثل (النسائي) الذي قال عنه متروك، و (أبو حاتم) الذي ضعفه و (أبو زرعة) الذي ضرب على حديثه و (الدار قطني) الذي اتهمه بالوضع و (العقيلي) الذي قال فيه كذاب كما كذبه غيره مثل (ابن طاهر القيسراني المقدسي) و (ابن عدي) الذي ضعفه و (الذهبي) في بعض كلامه و (ابن طاهر الفتني الهندي) الذي قال في ترجمته متهم، و (ابن عراق) الذي قال في ترجمته اتهمه بالكذب وغيره، كما أطال (المعلمي) في الكلام على جرحه أما (ابن حجر) فقد حكم عليه بأن له مناكير، وعلى هذا الأساس فالحديث ضعيف جداً إن لم يكن موضوعاً وكيف لا يكون ضعيفاً وقد تفرد بروايته راوٍ جرحه (النسائي) و (الدار قطني) و (العقيلي) و (أبو حاتم الرازي) و (ولده عبدالرحمن) و (أبو زرعة) و (ابن طاهر المقدسي) و (ابن طاهر الهندي الفتني) و (الذهبي) و (ابن عراق) و (العلائي) و (المناوي) و (ابن حجر العسقلاني) و (المعلمي) وغيرهم من الحفاظ رحمهم الله جميعاً، وكلامهم أرجح من توثيق (ابن معين والحاكم) لهذا الراوي الذي تفرد برواية هذا الحديث، هذا خلاصة ما قيل في هذا الحديث من ناحية الرواية، أما من ناحية المعنى فقد دلت الأدلة على أن الإيمان لا بد فيه من العمل كما في حديث (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)

(1)

والخلاصة لما جاء في كلامي هذا ينحصر فيما يلي:

أولاً: حديث (ليس الإيمان بالتنمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل) ليس بصحيح عند الحفاظ.

ثانياً: السبب في عدم صحته أن في سنده (عبدالسلام بن صالح أبو الصلت).

ثالثاً: هذا الراوي (وثقه ابن معين والحاكم).

رابعاً: جرحه حوالي (خمسة عشر من الحفاظ) المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين وهم المذكورون في جوابي هذا قبل هذه الخلاصة.

خامساً: لم يكتف (الألباني) بالحكم على الحديث بالضعف بل حكم عليه بأنه (موضوع).

(1)

- صحيح البخاري: كتاب الأشربة: باب قول الله تعالى إنما الخمر والميسر الأنصاب والأزلام. حديث رقم (5150) بلفظ (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ).

أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في الإيمان، والنسائي في قطع الساق، الأشربة، وأبو داود في السنة، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الأربة.

أطراف الحديث: المظالم والغصب، الحدود.

ص: 867

سادساً: الكلام حول الحديث لا يدل على عدم اشتراط العمل في الإيمان حيث وقد دلت الأدلة الصحيحة على اشتراط العمل في صحة إيمان المؤمن، ولا يكفي الاعتقاد مع عدم العمل والله ولي الهداية والتوفيق.

‌س: هل حديث (من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله) صحيح أم ضعيف

؟

جـ: اعلم أن هذا الحديث أخرجه (أحمد) و (ابن ماجة) و (العقيلي) وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعاً وهو ليس صحيح ولا حسن بل هو ضعيف ضعفاً شديداً إن لم يكن موضوعاً، وقد قال عنه (أحمد) غير صحيح وقال عنه ابن حبان (موضوع) وأورده (ابن الجوزي) في (الموضوعات) وضعفه (السيوطي) في الجامع الصغير والعلامة (الألباني) في ضعيف الجامع الصغير، وإنما ضعفوه لأن في سنده (يزيد بن أبي زياد) قال عنه البخاري (منكر الحديث) و (تركه النسائي).

‌س: أفيدونا عن حديث منسوب إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ونصه (من تعلم لسان قوم أمن مكرهم) فهل هو حديث صحيح أم أنه حديث ضعيف كما أفادنا أحد الأخوان جزيتم عنا خيراً

؟

جـ: اعلم أن قولهم (من حفظ لسان قوم أمن مكرهم) أو (من تعلم لسان قوم أمن مكرهم) هو من الحكم العربية التي تحض الإنسان على أن يتعلم بعض اللغات الأجنبية زيادة في الكمال وليست هذه الجملة حديثاً نبوياً صحيحاً ولا حسناً ولا ضعيفاً ولم أجده في كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام لا في الأمهات الست ولا في غيرها من المسندات والمعاجم والأجزاء بل لم أجدها في الكتب التي جمع مصنفوها فيها الأحاديث المشتهرة على ألسن الناس كـ (اللئالئ والمقاصد والدرر والتمييز وكشف الخفاء) وغيرها بل ولا في المؤلفات التي جمع فيها مصنفوها الأحاديث الموضوعة ليحذروا الناس من الاعتقاد بأنها من أحاديث سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم ولا ذكرها (ابن الجوزي) في موضوعاته ولا (السيوطي) ولا (ابن عراق) ولا (ابن طاهر الهندي) ولا (الشوكاني) ولا غيرهم ممن ألف في الموضوعات مرتباً تأليفه على الأبواب، وهكذا لم يذكره (ابن طاهر المقدسي) ولا (السنهوري) ولا (القاري) ولا (القاوقجي) ولا (الأزهري) ولا غيرهم ممن ألف في الموضوعات مرتباً لكتابه على الحروف الأبجدية، إنما الذي نص على أن هذه الكلمة ليست من الأحاديث الصحيحة هو الحافظ (محمد ناصر الدين الألباني) رحمه الله ونفع بعلومه ذكره استطراداً في المجلد الأول من الأحاديث الصحيحة ويغني عن هذا الحديث الذي لا أصل له في كتب السنة الحديث الصحيح المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أمر فيه (زيد بن ثابت) بأن يتعلم كتابة اليهود حيث قال له (تعلم كتاب اليهود فإني لا أمنهم على كتابنا) وهذا الحديث قد ذكره (الألباني) في أحاديثه الصحيحة من سلسلة الأحاديث، وقال رواه (أبو داود) و (الترمذي) و (الحاكم) وصححه و (أحمد) كلهم عن عبدالحميد بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجه بن زيد عن أبيه قال لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بي إليه فقرأت عليه فقال لي فذكر الحديث، وقد ساق (الألباني) طرق هذا الحديث ثم قال وهذا الحديث في معنى الحديث المتداول على الألسنة (من تعلم لسان قوم أمن من مكرهم) ولكن لا أعلم له أصلاً بهذا اللفظ ولا ذكره أحد ممن ألف في الأحاديث المشتهرة على الألسنة فكأنه إنما اشتهر في الأزمنة الأخيرة، هكذا قال الحافظ (الألباني) فجزاه الله عن المسلمين خيراً، هذا وبالله التوفيق.

‌س: أفيدونا عن قولهم (من حفظ لغة قوم أمن مكرهم)

؟

جـ: ليس بحديث صحيح مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرد في كتب السنة لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف، ولكن ورد في كتب السنة ما يشهد له وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (قد أمر زيد

ص: 868

بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود لكي يترجم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يصل إليه) والأمر أعظم من الترغيب في تعليم اللغة الأجنبية.

‌س: ما صحة حديث (من حفظ لغة قوم أمن مكرهم)

؟

جـ: هذا الحديث قد نص الحافظ (الألباني) على عدم وجوده في كتب الحديث، ولكن قد جاء في كتب الحديث ما يدل على معنى هذا الحديث وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود) بل إن معنى هذا الحديث أقوى من قولهم (من حفظ لغة قوم أمن مكرهم) لأن الحديث الذي صرح أن رسول الله (أمر زيد بن ثابت) يدل على أن تعلم اللغة الأجنبية (واجب على الكفاية) وهو ابلغ من الترغيب في حفظ اللغة، والله ولي الهداية والتوفيق.

‌س: قرأت حديثاً في كتاب (إحياء علوم الدين) لأبي حامد الغزالي قال قال صلى الله عليه وآله وسلم (من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد) ما صحة هذا الحديث

؟

جـ: حديث (من عشق فعف فكتم فمات) مات شهيداً أخرجه الحاكم وفي سنده ضعف ولذا حكم الجمهور من الحفاظ بأنه حديث ضعيف بل ذهب أبن القيم إلى أنه (موضوع).

‌س: سمعنا من بعض الناس أن (من مات بصاعقة فهو شهيد) وأورد حديثاً قدسياً يقول (من مات بسيفي فهو ضيف) فهل هذا الحديث صحيح ومن أخرجه من المحدثين

؟

جـ: اعلم بأن الشهداء الذين نص عليهم صلوات الله وسلامه عليه هم محصورون ولا أعرف دليلاً على أن من مات بالصاعقة يسمى شهيداً شرعاً فمن زعم أن من مات بالصاعقة فهو شهد فعليه البرهان الصحيح الصريح الخالي عن المعارضة، والحديث القدسي الذي جاء في السؤال بلفظ (من مات بسيفي فهو ضيفي) لم أطلع عليه، فعلى من قال بأن الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا بأن من مات بسيفه فهو ضيفه أو أن النبي عليه الصلاة والسلام قد حكى عن الله عز وجل أنه قال هذا القول فعليه أن يذكر المصدر الذي نقل منه هذا الحديث والمخرج الذي أخرجه والصحابي الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى فرض صحة هذا الحديث فليس فيه دلالة على أن المصعوق يسمى شهيداً شرعاً.

‌س: قرأت حديثاً يقول (نحن معاشر الأنبياء لا نرث ولا نورث) وإذا كان الحديث صحيحاً فما الحكمة من وراء عدم توريث الأنبياء عليهم السلام لأولادهم وأهليهم؟ وهل يستوي في ذلك جميع الأنبياء والرسل من بداية آدم عليه السلام إلى نهاية خاتم الأنبياء (محمد صلى الله

عليه وآله وسلم) نرجو رداً شاملاً شافياً؟

جـ: حديث (نحن معاشر الأنبياء لا نرث ولا نورث) لا وجود له في كتب السنة بهذا اللفظ كما لا وجود في كتب السنة له بلفظ (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) كما نص على عدم وجوده بهذا اللفظ الأخير العلامة (الضمدي) في تخريج كتاب شفاء الأوام تأليف الأمير الحسين بن محمد رحمه الله، أما اللفظ الصحيح في هذا الحديث فهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ)

(1)

(1)

- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب حديث بني النضير. حديث رقم (3730) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا أَرْضَهُ مِنْ فَدَكٍ وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ، وَاللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي).

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، والنسائي في قسم الفيء، وأبو داود في الخراج والإمارة والفيء، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، وباقي مسند الأنصار، ومالك في الجامع.

أطراف الحديث: المناقب، المغازي، الفرائض.

معاني الألفاظ: الصدقة: الزكاة.

ص: 869

وهذا الحديث بهذا اللفظ الأخير صحيح مروي عن (عمر) و (عثمان) و (علي) و (سعد ابن أبي وقاص) و (العباس) كما في البخاري ومسلم، وعن (أبي بكر) و (عبد الرحمن بن عوف) و (الزبير) و (أبي هريرة) كما في صحيح مسلم، وعن (عائشة) كما في أبي داود و (طلحة) كما في النسائي وعن (حذيفة) و (ابن عباس) كما في الطبراني، وقد عد هذا الحديث من ألف في الأحاديث المتواترة من جملة الأحاديث المتواترة منهم (السيوطي) في كتاب (قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) ومنهم السيد (محمد مرتضى الزبيدي) صاحب تاج العروس شرح القاموس في كتابه (لقط اللئاليء المتناثرة في الأحاديث المتواترة) والعلامة (محمد جعفر الكتاني) في كتاب (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) وكلهم تابعوا الحافظ (ابن حجر) الذي قال في أماليه إنه حديث صحيح متواتر، هذا خلاصة: ما يقال عن حديث أن النبي (لا يورث)، أما ما هي العلة؟ فالله اعلم ما هي العلة، المهم هو أن الحديث صحيح متواتر.

‌س: هل ثبت أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال (نصرني الشباب وخذلني الشيوخ) أو أنه لم يثبت

؟

جـ: الذين ناصروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا من الشيوخ ومن الشباب ولعل أكثرهم كان من الشباب، فأما الحديث الذي جاء في السؤال وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(نصرني الشباب وخذلني الشيوخ) فلم أطلع عليه، فمن اطلع على هذا الحديث في كتب الحديث وأفادني عمن أخرجه ورواه وبالمصدر الذي ذكره فجزاه الله عني خيراً وسأكون له من الشاكرين، هذا والجدير بالذكر أن (ياسر والد عمار بن ياسر) كان من السابقين الأولين وقد أسلم وهو (شيخ طاعن في السن) وهكذا زوجته (سمية) رضي الله عنها كانت طاعنه في السن.

‌س: هل صحيح أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى ملك الموت ودار بينهما كلام مفاده أن ملك الموت قال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم (إنما أنا رسول ومأمور بنزع أرواح العباد) وهذا ما سمعته من بعض الناس أفيدونا أفادكم الله تعالى

؟

جـ: الذي أحفظه ولا أدري ما قيل فيه أنَّ جبريل جاء إلى النبي صحبه ملك الموت وقال يا (أحمد) إن الله اشتاق إليك فقال النبي فاقبض يا ملك الموت كما أمرت فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي لفظ أتاه جبريل عليه السلام فقال يا (محمد) إن الله أرسلني إليك تكريماً لك وتشريفاً ليسألك عما هو أعلم به منك يقول لك كيف تجدك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مغموماً وأجدني يا جبريل مكروباً ثم جاء اليوم الثاني والثالث فقال له ذلك فرد عليه النبي بمثل ذلك وجاءه معه في اليوم الثالث ملك فقال له جبريل عليه السلام هذا ملك الموت يستأذن عليك ما استأذن أحداً من قبلك ولا يستأذن على أحد من بعدك أتأذن له فأذن له فدخل فسلم عليه ثم قال يا (محمد) إن الله أرسلني إليك فإن أذنت لي أن أقبض روحك قبضت وإن أمرتني أن أترك تركت قال أو تفعل؟ قال: نعم وبذلك أمرت، فنظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجبريل عليه السلام فقال له يا محمد إن الله قد اشتاق إلى لقاءك، وهناك روايات أخرى ولا أدري من أخرج هذا الحديث كما لا أدري هل هو صحيح أو ضعيف لكني نقلته من آخر المجلد الثالث من كتاب إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون تأليف علي بن برهان الدين الحلبي المعروف بالسيرة الحلبية ولا مانع من عرض السؤال هذا إلى من هو أعلم مني وأوسع إطلاعا لأني قليل البضاعة في علم السنة النبوية والسيرة المحمدية حيث لم أوت من العلم إلا قليلاً.

ص: 870

‌س: هل صحيح أن في صحيح البخاري أحاديث ضعيفة

؟

جـ: في صحيح البخاري أحاديث قليلة ضعفها بعض علماء الحديث ذكرها (ابن حجر) في مقدمة فتح الباري ورد على كل ما فيها، ومن أراد معرفتها فعليه مراجعة كتاب فتح الباري في مقدمته.

‌س: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمر بأن تكون جنازة المرأة مرتفع سقفها عند أن ماتت إحدى بناته ومن هي هذه البنت ومن روى الحديث الذي قيل عن النبي أنه أمر بذلك، وهل هو صحيح

؟

جـ: لقد اطلعت على بضعة عشر مرجعاً من كتب الحديث والتراجم والتاريخ ولا سيما كتب الأوائل أو الأوليات فوجدت بعض المؤلفات يطلق على (النعش) الذي عليه شيء مرتفع كـ (القبة المستطيلة) كلمة (النعش) فقط كما في كتاب (خلاصة تهذيب الكلام) و (عنوان النجابة) و (أوائل العسكري) و (شفاء الأمير الحسين) و (مجموع زيد بن علي) و (مسامرة الأوائل)،

وبعضها يقول في التعبير عن ذلك (برفع النعش) أو (بالنعش المرتفع) كما في كتاب (الأوائل) للخزاعي و (الطبقات لابن سعد) كما عرفت من هذه المصادر أن السبب الذي من أجله صنعت هذه ألقبه هي ستر حجم المرأة الميتة بحيث لا يرى الناس حجمها، وهكذا عرفت أن أشهر الأقوال هو القول بأن التي أمرت بصنعة ذلك هي السيدة (أسماء بنت عميس) الصحابية المشهورة التي كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهاجرت معه إلى الحبشة ورجعت معه وبعد استشهاده في غزوة مؤتة في السنة السابعة تزوجت بعده أبا بكر رضي الله عنه ولما توفي أبو بكر تزوجت الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولكن اختلفت الروايات في أول امرأة عملت لها أسماء هذه القبة والرواية المشهورة هي أنها (أي أسماء) عملت أو أمرت بعمل هذه القبة على النعش للسيدة (فاطمة الزهراء) رضي الله عنها التي توفت بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بستة شهور أو بأقل من ستة شهور، وهناك رواية تقول أن أول من عمل على نعشها شبه الأضلاع أو قبة هي أم المؤمنين (زينب بنت جحش) رضي الله عنها وقد تأخر موتها إلى أيام الخليفة عمر رضي الله عنه بعد موت السيدة فاطمة رضي الله عنها بعدة أعوام كما في خلاصة تهذيب الكمال والوسائل للسيوطي والطبقات لابن سعد ومحاضرات الأوائل للشيخ علاء الدين أحد علماء تركيا في القرن الحادي عشر من الهجرة النبوية على صاحبها وعلى آله أفضل الصلاة والسلام بل إن هناك رواية غريبة وهي أن أول من عمل لها هذه القبة هي (أم كلثوم) بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي توفت في السنة التاسعة من الهجرة في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسامرة الأوائل للسيوطي نقلاً عن ابن سعد في الطبقات، بل هناك رواية أغرب منها وهي أن أول من عمل لها هذه القبة على نعشها هي (رقية) بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي توفيت في رمضان من السنة الثانية من الهجرة كما في (تخريج الضمدي) لشفاء الأمير الحسين بن محمد منسوباً إلى الطبراني في الأوسط وأن أسماء خاطبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إني كنت بالحبشة وهم نصارى أهل كتاب وهم يجعلون للمرأة نعشا فوقه أضلاع يكرهون أن يوصف شيء من خلقها أفلا أجعل لابنتك نعشاً أي على هذه الصفة فقال (اجعليه) فهو أول نعش في الإسلام وذلك لرقية ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسامرة الأوائل للسيوطي ونقله الضمدي في تخريج شفاء الأمير الحسين عن الطبراني في معجمه الأوسط من حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها، ويمكن الجمع بين رواية من روى أن أول من عمل لها هذا النعش المرتفع الذي عليه سترة مرفوعة على أعواد من النساء هي (فاطمة) الزهراء رضي الله عنها وبعدها (زينب أم المؤمنين) كما في عنوان النجابة في تراجم من مات بالمدينة المنورة من الصحابة للشيخ (مصطفى العلوي الرافعي) حيث قال أول من غطى نعشها في الإسلام (فاطمة) ثم بعدها (زينب) رضي الله عنهما، ومنهم

ص: 871

من يقول أن أول من أمرت بوضع هذا النعش المرتفع الذي يعمله الناس على سرير المرأة عند حملها إلى المقبرة هي (أم أيمن) عند قدومها من الحبشة وليست (أسماء) وهي رواية شاذة ذكرها (السيوطي) رحمه الله في مسامرة الأوائل عن طارق بن شهاب رحمه الله، وعلى كل حال فهذه الكيفية التي تعمل على نعش المرأة هي قديمة في الإسلام، يرجع تاريخها إلى عصر الخلفاء الراشدين سواء كانت المشير بها هي أسماء بنت عميس أو أم أيمن رضي الله عنها أو غيرهما، وسواء كانت (فاطمة) الزهراء هي أول من عمل لها هذا النعش المرفوع سقفه أم هي (زينب بنت جحش أم المؤمنين) رضي الله عنها، وأما أنها عملت لأم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي توفت في السنة التاسعة أو لرقية بنت النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام التي كانت قد توفت في رمضان من السنة الأولى وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر أسماء بنت عميس أو أمرها بذلك العمل بعد ما أشارت عليه فيحتاج الباحث إلى تصحيح الروايتين ولا اظن هاتين الروايتين صحيحتين ولو فرضنا أنهما صحيحتان لكانت الكيفية هذه من السنة النبوية لأنها ستكون من قسم أقوال النبي حيث أمرها بذلك العمل بقوله (اجعليه) في الحديث الذي حكا هذا الفعل عن أسماء عند موت رقية رضي الله عنها أو من قسم التقرير كما في الحديث الذي حكا هذا الفعل عن أسماء في موت أم كثلوم ولكن هيهات إن يصح هذان الحديثان ولا سيما الحديث الذي حكته أسماء أنها عملته عند موت (رقية) فهو لا يصح من الناحية التاريخية قبل الناحية الحديثية، وذلك لكون (أسماء بنت عميس) عند موت رقية في رمضان سنة (2) من الهجرة كانت في أرض الحبشة حيث وقد كانت هاجرت مع زوجها (جعفر بن أبي طالب) قبل الهجرة إلى المدينة بعدة أعوام كما لا يخفى على من له اطلاع بكتب السير والتاريخ،

وأيضاً لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند موت ابنته (رقية) ودفنها في المدينة موجوداً في المدينة بل كان صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ في بدر الكبرى وقد كان وصول رسول النبي إلى المدينة مبشراً بانتصار النبي والمسلمين على كفار قريش عقيب دفن عثمان رضي الله عنه ومن حضر معه جثمان زوجته رقية في مقبرة البقيع، أي أن حديث أمر النبي أسماء بنت عميس بأن تعمل على جنازة ابنته رقيه نعشاً مستنماً حسب رأيها ستراً لها من أن يظهر حجم جسدها لا يصح لأمرين:

الأول: أن (أسماء بنت عميس) كانت في تاريخ موت رقية في بلاد الحبشة وموت رقية كان في المدينة سنة اثنتين من الهجرة.

الثاني: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن حال وفات رقية في المدينة بل كان في (بدر) لأنها ماتت وهو غائب عنها في بدر ودفنت قبل رجوعه من بدر.

والخلاصة لما جاء في كلامي هذا ينحصر فيما يلي:

أولاً: القبة المستطيلة التي توضع فوق (جنازة المرأة) تسمى النعش المرتفع.

ثانياً: أول من أمر أن تُصنع هذه القبة على القول المشهور (أسماء) وقيل أنها (أم أيمن) رضي الله عنها.

ثالثاً: كانت أول امرأة حملت على نعش هي (فاطمة) الزهراء على القول المشهور وقيل أنها (زينب بنت جحش أم المؤمنين) رضي الله عنها.

رابعاً: قد أحسن من جمع بين القولين فقال إن أول من حملت على هذا النعش (فاطمة) أيام أبي بكر ثم (زينب) أيام عمر رضي الله عنهم.

خامساً: ما روى أن أول من حملت على مثل هذا النعش المرتفع سقفه هي (أم كلثوم بنت النبي) صلى الله عليه وآله وسلم محتاج إلى تصحيح روايته.

ص: 872

سادساً: ما روى أن أول من حملت عليه هي (رقية بنت النبي) صلى الله عليه وآله وسلم غير صحيح لكون أسماء كانت في الحبشة يوم موت رقية ولكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في بدر لا في المدينة، والله ولي الهداية والتوفيق وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

‌س: هل يبشر الميت قبل موته؟ وبماذا يبشر؟ وهل هناك أدله على ذلك

؟

جـ: المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته كما جاء في حديث (عبادة بن الصامت) في صحيحي البخاري ومسلم، كما جاءت أحاديث أخرى (فيما يبشر به المؤمن في قبره وفي ما يبشر به المؤمن عند الوفاة) وهي أحاديث مذكورة في شرح كتاب (تأنيس الغريب وبشرى الكئيب بلقاء الحبيب) للعلامة (محمد بن إسماعيل الأمير) قدس الله روحه ونور ضريحه.

‌س: هل يعتبر الموت كفارة للذنوب وما الدليل على ذلك من الكتاب والسنة

؟

جـ: من قال إن الموت كفارة للذنوب استند إلى الحديث الذي رواه أنس مرفوعاً عند البيهقي والقضاعي بلفظ (الموت كفارة لكل مسلم) وهو (صحيح) عند (أبي بكر بن العربي) و (حسن) لغيره (عند العراقي في أماليه) و (موضوع) عند (ابن الجوزي) و (الصاغاني) وعلى فرض أنه صحيح فهو محمول على شخص مخصوص وليس على ظاهره كما نقل (السخاوي) معنى هذا الاحتمال عن شيخه (ابن حجر) رحمه الله تعالى.

‌س: حديث (يؤتى يوم القيامة ببعض أصحابي فيدخلون النار فأقول أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك) هل هو حديث صحيح

؟

جـ: اعلم بأن حديث (يؤتى يوم القيامة ببعض أصحابي فيدخلون النار فأقول أصحابي أصحابي فيقال لي بأنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) هو من الأحاديث الصحيحة لكن لا ندري من هم هؤلاء الأصحاب حتى نفسر بهم الحديث، وعلينا أن نقول سمعنا وآمنا.

‌س: أفتونا مأجورين عن حديث (يؤجر المرء رغم أنفه) وحديث (حكمي على الواحد حكمي على الجماعة) هل هما حديثان؟ وما درجة كل واحد منهما

؟

جـ: قولهم (يؤجر المرء على رغم أنفه) ليس بحديث كما نص عليه من ألف في الأحاديث الموضوعة من الحفاظ المتأخرين مثل (الملا علي القاري) في الأسرار المرفوعة و (البشير ظافر الأزهري المالكي) في كتاب تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين، وهكذا نص على كونه ليس بحديث من ألف في الأحاديث المشهورة المتداولة على ألسنة الناس كـ (السخاوي) في المقاصد الحسنة وتلميذه (الديبع) في تمييز الطيب من الخبيث و (الزرقاني) في مختصر المقاصد و (العجلوني) في كشف الخفاء و (الحوت البيروتي) في كتاب أسنى المطالب وغيرهم ولكن يشهد له حديث (يعجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل)، وحديث (حكمي على الواحد حكمي على الجماعة) لا يعرف كما نقله (الفارابي) عن (الزركشي) وقال (العراقي) في تخريج البيضاوي لا أصل له، وأنكر وجوده (الذهبي) وصرح بعدم وجود أصل لهذا الحديث المتأخرون من علماء الحديث الذين ألفوا في الأحاديث الموضوعة من المتأخرين مثل (الملا علي القاري) في كتاب الأسرار المرفوعة وفي اللئالئ المصنوعة و (الشوكاني) في الفوائد المجموعة وفي أدب الطلب و (القاوقجي) في اللؤلؤ المرصوع و (البشير ظافر الأزهري) في تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين وغيره، كما نص على عدم وجود أصل لهذا الحديث في كتب السنة العلماء الذين ألفوا في الأحاديث المشهورة كـ (السخاوي) في المقاصد وتلميذه (السيوطي) في الدرر المنتثرة وتلميذ (السخاوي)(الديبع) في تمييز الطيب من الخبيث و (الزرقاني) في مختصر المقاصد و (العجلوني) في كتاب كشف الخفاء و (الحوت البيروتي) في أسنى المطالب، ولكن تشهد له الأدلة الدالة على أن الشريعة المحمدية عامة لجميع الناس وأن خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عام للحاضرين والغائبين والله الموفق.

ص: 873