المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكتاب السابع: كتاب البيوع أولًا - أبواب ما يجوز بيعه وما - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - ت حلاق - جـ ١٠

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

الكتاب السابع: كتاب البيوع

أولًا - أبواب ما يجوز بيعه وما لا يجوز:

الباب الأول: باب ما جاء في بيع النجاسة وآلة المعصية وما لا نفع فيه.

الباب الثاني: باب النهي عن بيع فضل الماء.

الباب الثالث: باب النهي عن ثمن عسب الفحل.

الباب الرابع: باب النهي عن بيوع الغرر.

الباب الخامس: باب النهي عن الاستثناء في البيع إلا أن يكون معلومًا.

الباب السادس: باب بيعتين في بيعة.

الباب السابع: باب النهي عن بيع العربون.

الباب الثامن: باب تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرًا، وكل بيع أعان على معصية.

الباب التاسع: باب النهي عن بيع ما لا يملكه ليمضي فيشتريه ويسلمه.

الباب العاشر: باب من باع سلعة رجل ثم من آخر.

الباب الحادي عشر: باب النهي عن بيع الدَّين بالدَّين وجوازه بالعين ممن هو عليه.

الباب الثاني عشر: باب نهي المشتري عن بيع ما اشتراه قبل قبضه.

الباب الثالث عشر: باب النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان.

الباب الرابع عشر: باب ما جاء في التفريق بين ذوي المحارم.

الباب الخامس عشر: باب النهي أن يبيع حاضر لباد.

الباب السادس عشر: باب النهي عن النجش.

الباب السابع عشر: باب النهي عن تلقي الركبان.

ص: 5

الباب الثامن عشر: باب النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وسَومه إلا في المزايدة.

الباب التاسع عشر: باب البيع بغير إشهاد.

ثانيًا - أبواب بيع الأصول والثمار:

الباب الأول: باب من باع نخلًا مؤبرًا.

الباب الثاني: باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه.

الباب الثالث: باب الثمرة المشتراة يلحقها جائحة.

ثالثًا - أبواب الشروط في البيع:

الباب الأول: باب اشتراط منفعة المبيع وما في معناها.

الباب الثاني: باب النهي عن جمع شرطين من ذلك.

الباب الثالث: باب من اشترى عبدًا بشرط أن يعتقه.

الباب الرابع: باب أن من شرط الولاء أو شرطًا فاسدًا لغا وصح العقد.

الباب الخامس: باب شرط السلامة من الغبن.

الباب السادس: باب إثبات خيار المجلس.

رابعًا - أبواب الربا:

الباب الأول: باب التشديد فيه.

الباب الثاني: باب ما يجري فيه الربا.

الباب الثالث: باب في أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.

الباب الرابع: باب من باع ذهبًا وغيره بذهب.

الباب الخامس: باب مرد الكيل والوزن.

الباب السادس: باب النهي عن بيع كل رطب من حب أو ثمر بيابسة.

الباب السابع: باب الرخصة في بيع العرايا.

الباب الثامن: باب بيع اللحم بالحيوان.

ص: 6

الباب التاسع: باب جواز التفاضل والنسيئة في غير المكيل والموزون.

الباب العاشر: باب أن من باع سلعة بنسيئة لا يشتريها بأقل مما باعها.

الباب الحادي عشر: باب ما جاء في بيع العينة.

الباب الثاني عشر: باب ما جاء في الشبهات.

خامسًا - أبواب أحكام العيوب:

الباب الأول: باب وجوب تبين العيب.

الباب الثاني: باب أن الكسب الحادث لا يمنع الرد بالعيب.

الباب الثالث: باب ما جاء في المصرّاة.

الباب الرابع: باب النهي عن التسعير.

الباب الخامس: باب ما جاء في الاحتكار.

الباب السادس: باب النهي عن كسر سكة المسلمين إلا من بأس.

الباب السابع: باب ما جاء في اختلاف المتبايعين.

الكتاب الثامن: كتاب السلم

الكتاب التاسع: كتاب القرض

الباب الأول: باب فضيلته.

الباب الثاني: باب استقراض الحيوان والقضاء من الجنس فيه وفي غيره.

الباب الثالث: باب جواز الزيادة عند الوفاء والنهي عنها قبله.

الكتاب العاشر: كتاب الرهن

الكتاب الحادي عشر: كتاب الحوالة والضمان

الباب الأول: باب وجوب قبول الحوالة على المليء.

الباب الثاني: باب ضمان دين الميت المفلس.

الباب الثالث: باب في أن المضمون عنه إنما يبرأ بأداء الضامن لا بمجرد ضمانه.

ص: 7

الباب الرابع: باب في أن ضمان درك المبيع على البائع إذا خرج مستحقًا.

الكتاب الثاني عشر: كتاب التفليس

الباب الأول: باب ملازمة المليء وإطلاق المعسر.

الباب الثاني: باب من وجد سلعة باعها من رجل عنده وقد أفلس.

الباب الثالث: باب الحجر على المدين وبيع ماله في قضاء دينه.

الباب الرابع: باب الحجر على المبذر.

الباب الخامس: باب علامات البلوغ.

الباب السادس: باب ما يحل لولي اليتيم من ماله بشرط العمل والحاجة.

الباب السابع: باب مخالطة الولي اليتيم في الطعام والشراب.

الكتاب الثالث عشر: كتاب الصلح وأحكام الجوار

الباب الأول: باب جواز الصلح عن المعلوم والمجهول والتحليل منهما.

الباب الثاني: باب الصلح عن دم العمد بأكثر من الدية وأقل.

الباب الثالث: باب ما جاء في وضع الخشب في جدار الجار وإن كره.

الباب الرابع: باب في الطريق إذا اختلفوا فيه كم تجعل؟

الباب الخامس: باب إخراج ميازيب المطر إلى الشارع.

الكتاب الرابع عشر: كتاب الشركة والمضاربة

الكتاب الخامس عشر: كتاب الوكالة

الباب الأول: باب ما يجوز التوكيل فيه من العقود وإيفاء الحقوق وإخراج الزكوات، وإقامة الحدود وغير ذلك.

الباب الثاني: باب من وكل في شراء شيء فاشتري بالثمن أكثر منه وتصرف في الزيادة.

الباب الثالث: باب من وكل في التصدق بماله فدفعه إلى ولد الموكل.

ص: 8

الكتاب السادس عشر: كتاب المساقاة والمزارعة

الباب الأول: على ماذا عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود في أرض خيبر.

الباب الثاني: باب فساد العقد إذا شرط أحدهما لنفسه التبن أو بقعة بعينها ونحوه.

الكتاب السابع عشر: كتاب الإجارة

الباب الأول: باب ما يجوز الاستئجار عليه من النفع المباح.

الباب الثاني: باب ما جاء في كسب الحجام.

الباب الثالث: باب ما جاء في الأجرة على القرب.

الباب الرابع: باب النهي أن يكون النفع والأجر مجهولًا وجواز استئجار الأجير بطعامه وكسوته.

الباب الخامس: باب الاستئجار على العمل مياومة أو مشاهرة أو معاومة أو معاددة.

الباب السادس: باب ما يذكر في عقد الإجارة بلفظ البيع.

الباب السابع: باب الأجير على عمل متى يستحق الأجرة وحكم سراية عمله.

ص: 9

بسم الله الرحمن الرحيم

بك اللهم أستعين على نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار متوسلًا

(1)

إليك بنبيك المختار.

(1)

التوسل إلى الله تعالى هو اتخاذ وسيلة لإجابة الدعاء، والتوسل في دعاء الله أن يقرن الداعي في دعائه ما يكون سببًا في قبول دعائه، ولا بد من دليل عن كون هذا الشيء سببًا للقبول. ولا يعلم ذلك إلا من طريق الشرع. والتوسل ينقسم إلى قسمين: توسل مشروع، وتوسل ممنوع. أما التوسل المشروع فهو ما كان بوسيلة جاءت بها الشريعة وهو أنواع:

1 -

التوسل إلى الله تعالى بأسمائه.

2 -

التوسل إلى الله تعالى بصفاته.

3 -

التوسل إلى الله تعالى بأفعاله.

4 -

التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به.

5 -

التوسل إلى الله تعالى بحال الداعي.

6 -

التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابة دعائه.

7 -

التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح.

وأما التوسل الممنوع: وهو ما كان بوسيلة لم تثبت في الشرع وهو نوعان:

1 -

توسل المشركين بأصنامهم وأوثانهم وتوسل الجاهلين بأوليائهم.

2 -

توسل يكون بوسيلة سكت عنها الشرع.

• وقال ابن تيمية في "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" ص 152: "ثم إنهم - أي الصحابة رضي الله عنهم بعد موته إنما كانوا يتوسلون بغيره بدلًا عنه. فلو كان التوسل به حيًا وميتًا سواء، والمتوسل به الذي دعا له الرسول كمن لم يدعُ له الرسول، لم يعدلوا عن التوسل به - وهو أفضل الخلق وأكرمهم على ربه. وأقربهم إليه وسيلة - إلى أن يتوسلوا بغيره ممن ليس مثله. وكذلك لو كان أعمى توسل به ولم يدع له الرسول بمنزلة ذلك الأعمى، لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى، فعدولهم عن هذا إلى هذا - مع أنهم السابقون الأولون المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فإنهم أعلم منا بالله ورسوله، وبحقوق الله ورسوله، وما يشرع من الدعاء وينفع، وما لم يشرع ولا ينفع، وما يكون أنفع من غيره، وهم في وقت ضرورة ومخمصة =

ص: 11

قال المصنف رحمه الله:

[الكتاب السابع] كتاب البيوع

[أولًا] أبواب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

[الباب الأول] باب ما جاء في بيع النجاسة وآلة المعصية وما لا نفع فيه

1/ 2158 - (عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "إِنَّ الله حَرَّمَ بَيْعَ الخمْرِ والمَيْتَةِ والخِنْزِيرِ والأصْنامِ"، فَقِيلَ: يا رسولَ الله! أرأيْتَ شُحُومَ المَيتَةِ، فإنهُ يُطْلى بِها السُّفُنُ، ويدْهَنُ بِها الجُلُودُ، وَيسْتَصبحُ بِها النَّاسُ؟ فقالَ:"لَا، هُوَ حَرَامٌ"، ثمَّ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْدَ ذلِكَ: "قاتَلَ الله اليَهُودَ، إنّ الله لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثمّ باعُوهُ [وأكلُوا]

(1)

ثَمنهُ". رَواهُ الجَماعَةُ)

(2)

. [صحيح]

2/ 2159 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَعَنَ الله اليَهُود حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَباعُوها وأكلُوا أثْمانَها. وإنَّ الله إذَا حَرَّمَ على قَوْمٍ كلَ شَيءٍ حَرّمَ عليْهِمْ ثَمَنهُ". رَوَاهُ أحمَدُ

(3)

وأَبُو دَاوُدَ

(4)

. [صحيح]

= وجدب يطلبون تفريج الكربات، وتيسير العسير، وإنزال الغيث بكل طريق ممكن - دلل على أن المشروع ما سألوه دون ما تركوه.

ولهذا ذكر الفقهاء في كتبهم في الاستسقاء ما فعلوه دون ما تركوه، وذلك أن التوسل به حيًا هو من جنس مسألته أن يدعو لهم، وهذا مشروع .. " اهـ.

(1)

كذا في المخطوط (أ)، (ب)، والصواب (فأكلوا) من مصادر تخريج الحديث.

(2)

أحمد في المسند (3/ 324) والبخاري رقم (2236) ومسلم رقم (71/ 1581) وأبو داود رقم (3486 والترمذي رقم (1297) والنسائي رقم (4669) وابن ماجه رقم (2167) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه البيهقي (6/ 12) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (578).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (1/ 293، 322).

(4)

في سننه رقم (3488). =

ص: 12

وهُو حُجّةٌ في تَحْرِيم بيْع الدُّهْنِ النّجِسِ).

حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود

(1)

والمنذري

(2)

، ورجال إسناده ثقات، فإن أبا داود رواه عن مُسَدِّد عن بشر بن المفضل، وخالد الطحان عن خالد الحذاء، ورواهُ خالد الطحان أيضًا عن بركة أبي الوليد المجاشعي

(3)

، ثم اتفقا عن ابن عباس فذكرهم وكلهم أئمة ثقات، وبركة ثقة أيضًا.

قوله: (البيوع) جمع بيع، قال في "الفتح"

(4)

: جمع لاختلاف أنواعه، وهو في اللغة

(5)

: نقل ملكٍ إلى الغير بثمن.

والشراء قبوله. وفي الشرع

(6)

: كذلك مع قيد التراضي. وقد قيل في حده شرعًا غير ذلك، وكل واحد من البيع والشراء يطلق على الآخر، صرح بذلك جماعة من أئمة اللغة منهم: الأزهري

(7)

وابن قتيبة

(8)

. والحكمة في شرعية البيع والشراء أن حوائج كل من النوع الإنساني في الغالب متعلقة بما في يد الفرد الآخر منه، فكان في شرعهما وسيلة إلى بلوغ الغرض من ذلك بغير حرجٍ.

وقد أجمع المسلمون على جوازهما.

قوله: (بيع الخمر) فيه دليل على تحريم بيع الخمر، وقد نقل ابن المنذر

(9)

وغيره الإجماع على ذلك.

قال في "الفتح"

(10)

: وشذَّ من قال: يجوز بيعها أو يجوز بيع العنقود

= وهو حديث صحيح.

(1)

في السنن (3/ 759).

(2)

في "المختصر"(5/ 129).

(3)

بَرَكة المَجاشِعيُّ، أبو الوليد البصريُّ: ثقة. من الرابعة. (د ق). التقريب رقم الترجمة (655). وتهذيب التهذيب (1/ 218).

(4)

الفتح (4/ 287).

(5)

القاموس المحيط ص 911.

(6)

انظر: "المغني" لابن قدامة (6/ 5).

(7)

في: "تهذيب اللغة"(3/ 237).

(8)

في كتابه "أدب الكاتب" ص 455.

• قال أبو عبيد: "البيع من حروف الأضداد في كلام العرب، يقال: باع فلان، إذا اشترى، وباع من غيره، وأنشد قول طرفة:

ويأتيك بالأنباء من لم تبع له

بتاتًا ولم تضرب له وقت موعد

(9)

في كتابه "الإجماع"(ص 114 رقم 473).

(10)

الفتح (4/ 415).

ص: 13

المستحيل باطنه خمرًا، واختلف في علة ذلك فقيل: لنجاستها.

وقيل: لأنَّه ليس للمسلم فيها منفعة مباحة مقصودة، وقيل للمبالغة في التنفير عنها.

وأما تحريم بيعها على أهل الذمة فمبني على الخلاف في خطاب الكافر بالفروع

(1)

.

قوله: (والميتة) بفتح الميم: وهي ما زالت عنه الحياة لا بذكاة شرعية.

ونقل ابن المنذر

(2)

أيضًا الإِجماع على تحريم بيع الميتة، والظاهر أنه يحرم بيعها بجميع أجزائها.

قيل: ويستثنى من ذلك السمك والجراد وما لا تحله الحياة.

قوله: (والخنزير)، فيه دليل على تحريم بيعه بجميع أجزائه. وقد حكى صاحب الفتح

(3)

الإجماع على ذلك. وحكى ابن المنذر

(4)

عن الأوزاعي وأبي يوسف وبعض المالكية

(5)

الترخيص في القليل من شعره.

والعلة في تحريم بيعه وبيع الميتة هي النجاسة عند جمهور العلماء

(6)

فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة، ولكن المشهور عن مالك طهارة الخنزير.

(1)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 72) بتحقيقي: "والحقُّ ما ذهب إليه الأولون - أكثر الشافعية والعراقيين من الحنفية - وبه قال الجمهور، ولا خلافَ في أنهم مخاطَبون - أي الكفار - بأمر الإيمان لأنَّه مبعوث إلى الكافة، وبالمعاملات أيضًا، والمرادُ بكونهم مخاطبين بفروع العبادات أنهم مُؤاخذون بها في الآخرة مع عدم حصوله الشرطِ الشرعيِّ وهو الإيمان" اهـ.

وانظر: "البحر المحيط" للزركشي (1/ 297 - 403) للاطلاع على هذه المسألة بأدلتها.

(2)

في كتابه "الإجماع"(ص 114 رقم 472).

(3)

الحافظ ابن حجر في "الفتح"(4/ 415).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 416).

(5)

"ويجوز بيع صوف الميتة وشعرها، ووبرها من أي حيوان، مأكول اللحم أو غير مأكوله، حيًا أو ميتًا، بما في ذلك شعر الخنزير؛ لأن الشعر والصوف طاهران لا تحلهما الحياة، أُخذا في حال الحياة أو بعد الموت""مدونة الفقه المالكي وأدلته"(3/ 229).

(6)

كالإمام مالك، والشافعي، وأحمد، انظر:"الإفصاح عن معاني الصحاح في مذاهب الأئمة الأربعة" لابن هبيرة. (5/ 41 - 43).

ص: 14

قوله: (والأصنام) جمع صنم، قال الجوهري

(1)

: هو الوثن. وقال غيره

(2)

: الوثن ما له جثة، والصنم: ما كان مصوّرًا، فبينهما على هذا عموم وخصوص من وجه. ومادّة اجتماعهما إذا كان الوثن مصورًا، والعلة في تحريم بيعها عدم المنفعة المباحة، فإن كان ينتفع بها بعد الكسر جاز بيعها عند البعض ومنعه الأكثر.

قوله: (أرأيت شحوم الميتة

) إلخ، أي فهل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع، كذا في الفتح.

قوله: (ويستصبح بها الناس) الاستصباح

(3)

: استفعال من المصباح: وهو السراج الذي يشتعل منه الضوء.

قوله: (لا هو حرام) الأكثر على أن الضمير راجع إلى البيع، وجعله بعض العلماء راجعًا إلى الانتفاع، فقال: يحرم الانتفاع بها وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع من الميتة بشيء إلا ما خصه دليل كالجلد المدبوغ، والظاهر أن مرجع الضمير البيع لأنَّه المذكور صريحًا والكلام فيه.

ويؤيد ذلك قوله في آخر الحديث: "فباعوها"، وتحريم الانتفاع يؤخذ من دليل آخر كحديث:"لا تنتفعوا من الميتة بشيء"

(4)

وقد تقدم

(5)

، والمعنى لا تظنوا أن هذه المنافع مقتضية لجواز بيع الميتة فإن بيعها حرام.

قوله: (جملوه) بفتح الجيم والميم: أي أذابوه يقال: جمله إذا أذابه، والجميل: الشحم المذاب

(6)

.

(1)

في "الصحاح"(5/ 1969).

(2)

كابن منظور في "لسان العرب"(12/ 349).

(3)

انظر: "الصحاح"(1/ 380).

(4)

أخرجه أحمد (4/ 310 - 311) والترمذي رقم (1729) والنسائي رقم (4229) وابن ماجه رقم (3613). وهو حديث صحيح.

(5)

برقم (60) من كتابنا هذا.

(6)

النهاية (1/ 291): دار المعرفة. والفائق للزمخشري (1/ 232) وغريب الحديث للهروي (3/ 407).

ص: 15

وفي رواية للبخاري

(1)

: "جملوها ثم باعوها".

وحديث ابن عباس

(2)

فيه دليل على إبطال الحيل والوسائل إلى المحرم، وأن كل ما حرَّمه الله على العباد فبيعه حرام لتحريم ثمنه، فلا يخرج من هذه الكلية إلا ما خصه دليل.

والتنصيص على تحريم بيع الميتة في حديث الباب مخصص لعموم مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما حرم من الميتة أكلها"

(3)

وقد تقدم

(4)

.

وقوله: "لعن الله اليهود"، زاد في سنن أبي داود

(5)

: ثلاثًا.

3/ 2160 - (وعَن أبِي جُحَيْفَةَ أَنَّه اشْتَرى حَجامًا فأمَرَ فَكُسِرَتْ محاجِمُهُ، وقالَ: إنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ ثَمَن الدَّمِ، وَثَمَنَ الْكَلْبِ، وَكَسْبَ البَغِيِّ، ولَعَنَ الْواشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ، وآكِلَ الرِّبا وَمُوَكِلَهُ، ولَعَنَ المُصَوِّرينَ. مُتّفَقٌ عليهِ)

(6)

. [صحيح]

4/ 2161 - (وعَنِ أَبِي مَسْعودٍ عُقْبَةَ بن عَمْرو قَالَ: نَهَى [رَسُولُ الله]

(7)

صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، ومَهْرِ البَغِيِّ، وحُلْوَانِ الْكاهِنِ. رَواهُ الجَماعَةُ)

(8)

. [صحيح]

5/ 2162 - (وعَنْ ابْنِ عَبَّاس قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ،

(1)

في صحيحه رقم (2236).

(2)

تقدم برقم (2/ 2159) من كتابنا هذا.

(3)

وهو حديث صحيح.

أخرجه البخاري رقم (1492) ومسلم رقم (363) وأحمد (1/ 329) وأبو داود رقم (4121) والنسائي (7/ 172) وابن ماجه رقم (3610) والدارقطني (1/ 41) والبيهقي (1/ 15) من حديث ابن عباس.

(4)

برقم (55) من كتابنا هذا.

(5)

في سننه رقم (3488) وهو حديث ضعيف.

(6)

أحمد (4/ 308) والبخاري رقم (2238) ولم يخرجه مسلم.

انظر: "تحفة الأشراف"(9/ 101).

(7)

في المخطوط (أ): النبي.

(8)

أحمد (4/ 118، 119، 120) والبخاري رقم (2237) ومسلم رقم (39/ 1567) وأبو داود رقم (3481) والترمذي رقم (1276) والنسائي رقم (4666) وابن ماجه رقم (2159).

ص: 16

وقالَ: "إنْ جاءَ يطْلُبُ ثمَنَ الْكَلْبِ فَامْلأْ كَفَّهُ تُرابًا". رَوَاهُ أحمَدُ

(1)

وأَبُو داوُدَ)

(2)

. [إسناده صحيح]

6/ 2163 - (وعَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ والسِّنَّوْرِ. رَواهُ أحمَدُ

(3)

ومُسلِمٌ

(4)

وأبو داوُدَ)

(5)

. [صحيح].

حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود

(6)

والمنذري

(7)

والحافظ في التلخيص

(8)

ورجاله ثقات؛ لأن أبا داود رواه من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي، وهو من رجال الجماعة عن عبد الكريم بن مالك الجزري، وهو كذلك عن قيس بن حَبْتَر بفتح الحاء المهملة وإسكان الموحدة وفتح الفوقية، وهو من ثقات التابعين

(9)

كما قال ابن حبان.

وحديث جابر هو في مسلم

(10)

بلفظ: "سألت جابرًا عن ثمن الكلب والسنور فقال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك".

وقد أخرجه أبو داود

(11)

والترمذي

(12)

والنسائي

(13)

وابن ماجه

(14)

بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الهرّ".

وقال الترمذي

(15)

: غريب. وقال النَّسَائِي

(16)

: هذا حديث منكر، اهـ.

(1)

في المسند (1/ 289).

(2)

في سننه رقم (3482). إسناده صحيح.

(3)

في المسند (3/ 339).

(4)

في صحيحه رقم (42/ 1569).

(5)

في سننه رقم (3479).

وهو حديث صحيح.

(6)

في السنن (3/ 754).

(7)

في "المختصر"(5/ 126).

(8)

في "التلخيص"(3/ 7).

(9)

في "معرفة التابعين من الثقات" لابن حبان، تلخيص الإمام الذهبي، تحقيق عطا الله بن عبد الغفار أبو مطيع السندي (ص 271 رقم 3068) وانظر:"الثقات" لابن حبان (5/ 308) والتاريخ الكبير (7/ 148).

(10)

في صحيحه رقم (42/ 1569).

(11)

في سننه رقم (3480).

(12)

في سننه رقم (1280).

(13)

لم يخرجه النَّسَائِي. وانظر: "تحفة الأشراف"(2/ 335).

(14)

في سننه رقم (3250).

وهو حديث صحيح.

(15)

في السنن (3/ 578).

(16)

في السنن عقب الحديث رقم (4668).

ص: 17

وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني. قال ابن حبان

(1)

: يتفرّد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الاحتجاج به.

وقال الخطابي

(2)

: قد تكلم بعض العلماء في إسناده هذا الحديث، وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عبد البر

(3)

: حديث بيع السنور لا يثبت رفعه.

وقال النووي

(4)

: الحديث صحيح رواه مسلم وغيره انتهى. ولم يخرّجه مسلم من طريق عمر بن زيد المذكور، بل رواه

(5)

من حديث معقل بن عبد الله الجزري عن أبي الزبير قال: سألت جابرًا.

وقد أخرج الحديث أيضًا أبو داود

(6)

والترمذي

(7)

من طريق أخرى ليس فيها عمر بن زيد الصنعاني باللفظ الذي ذكره المصنف، ولكن في إسناده اضطراب كما قال الترمذي

(8)

.

قوله: (حرم ثمن الدم) اختلف في المراد به، فقيل: أجرة الحجامة فيكون دليلًا لمن قال: بأنها غير حلال، وسيأتي الكلام على ذلك في باب: ما جاء في كسب الحجام من أبواب الإجارة

(9)

.

وقيل: المراد به ثمن الدم نفسه، فيدل على تحريم بيعه، وهو حرام إجماعًا كما في الفتح

(10)

.

قوله: (وثمن الكلب)، فيه دليل على تحريم بيع الكلب، وظاهره عدم الفرق بين المعلَّم وغيره، سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز، وإليه

(1)

في "المجروحين"(2/ 82). وانظر: "الميزان"(3/ 198).

(2)

في معالم السنن (3/ 572 - مع السنن).

(3)

في "التمهيد"(12/ 189 - 190) ط: الفاروق.

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (10/ 234).

(5)

أي مسلم في صحيحه رقم (42/ 1569).

(6)

في سننه رقم (3479).

(7)

في سننه رقم (1279).

(8)

في السنن (3/ 577).

(9)

الباب الثاني عند الحديث رقم (5/ 2368 - 2372) من كتابنا هذا.

(10)

(4/ 425).

ص: 18

ذهب الجمهور

(1)

. وقال أبو حنيفة

(2)

: يجوز.

وقال عطاء

(3)

والنخعي

(4)

: يجوز بيع كلب الصيد دون غيره.

ويدل عليه ما أخرجه النَّسَائِي

(5)

من حديث جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد.

قال في الفتح

(6)

: ورجال إسناده ثقات، إلا أنه طعن في صحته.

وأخرج نحوه الترمذي

(7)

من حديث أبي هريرة، لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف، فينبغي حمل المطلق على المقيد، ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد إن صلح هذا المقيد للاحتجاج به.

وقد اختلفوا أيضًا هل تجب القيمة على متلفه؟ فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب، ومن قال بجوازه قال بالوجوب، ومن فصّل في البيع فصّل في لزوم القيمة.

(1)

قال النووي في "المجموع"(9/ 272): "فرع: ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز بيع الكلب، سواء كان معلمًا أو غيره، وسواء كان جروًا أو كبيرًا، ولا قيمة على من أتلفه، وبهذا قال جماهير العلماء.

وهو مذهب أبي هريرة، والحسن البصري، والأوزاعي، وربيعة، والحكم، وحماد، وأحمد، وداود، وابن المنذر، وغيرهم.

وقال أبو حنيفة: يصح بيع جميع الكلاب التي فيها نفع وتجب القيمة على متلفه، وحكى ابن المنذر عن جابر، وعطاء، والنخعي جواز بيع الكلب للصيد دون غيره.

وقال مالك: لا يجوز بيع الكلب، وتجب القيمة على متلفه، وإن كان كلب صيد أو ماشية؛ وعنه رواية كمذهبنا. ورواية كمذهب أبي حنيفة" اهـ.

(2)

الاختيار (2/ 251) واللباب في فقه السنة والكتاب (2/ 519 - 520).

(3)

حكاه عنه النووي في المجموع (9/ 272) واللباب (2/ 520).

(4)

حكاه عنه النووي في المجموع (9/ 272) وموسوعة فقه النخعي (1/ 321) و (2/ 813).

(5)

في سننه رقم (4668) وهو حديث صحيح.

(6)

(4/ 427).

(7)

في سننه رقم (1281) وقال: هذا حديث لا يصح من هذا الوجه.

وهو حديث حسن.

ص: 19

وروي عن مالك

(1)

أنه لا يجوز بيعه وتجب القيمة. وروي عنه أن بيعه مكروه فقط.

قوله: (وكسب البغيّ) في الرواية الثانية: "ومهر البغيّ"، والمراد ما تأخذه الزانية على الزنا وهو مجمع على تحريمه. والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتانية: وأصل البغي

(2)

: الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد.

واستدل به على أن الأمة إذا أكرهت على الزنا فلا مهر لها

(3)

. وفي وجه للشافعية: يجب للسيد [الحكم]

(4)

.

قوله: (ولعن الواشمة [والمستوشمة])

(5)

، سيأتي الكلام على هذا في باب: ما يكره من تزين النساء من كتاب الوليمة

(6)

إن شاء الله [تعالى]

(7)

.

قوله: (وآكل الربا وموكله)، يأتي إن شاء الله الكلام على هذا في باب التشديد في الربا من أبواب

(8)

الربا.

قوله: (ولعن المصورين) فيه أن التصوير من أشد المحرمات؛ لأن اللعن لا يكون إلا على ما هو كذلك، وقد تقدم ما يحرم من التصوير وما لا يحرم في أبواب اللباس

(9)

.

قوله: (وحلوان الكاهن) الحلوان بضم الحاء المهملة مصدر حلوته: إذا أعطيته.

قال في الفتح

(10)

: وأصله من الحلاوة شبه بالشيء الحلو من حيث أنه يؤخذ سهلًا بلا كلفة ولا مشقة. والحلوان أيضًا: الرشوة. والحلوان أيضًا: ما يأخذه الرجل من مهر ابنته لنفسه.

(1)

التمهيد (12/ 186 - 187).

(2)

النهاية (1/ 148 - 149) ط: دار المعرفة، وغريب الحديث (3/ 70).

(3)

الاستذكار (20/ 116).

(4)

زيادة من المخطوط (أ).

(5)

في المخطوط (ب): الموشومة.

(6)

عند الحديث رقم (2774 - 2780) من كتابنا هذا.

(7)

زيادة من المخطوط (ب).

(8)

عند الحديث رقم (2237 - 2238) من كتابنا هذا.

(9)

عند الحديث رقم (571 - 575) من كتابنا هذا.

(10)

في الفتح (4/ 427).

ص: 20

والكاهن، قال الخطابي

(1)

: هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن.

قال في الفتح

(2)

: حلوان الكاهن حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل، وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يَتَعَانَاهُ العرَّافون من استطلاع الغيب.

قوله: (فاملأ كفه ترابًا) كناية عن منعه من الثمن كما يقال للطالب الخائب: لم يحصل في كفه غير التراب.

وقيل: المراد التراب خاصة حملًا للحديث على ظاهره، وهذا جمود لا ينبغي التعويل عليه، ومثله حمل من حمل حديث:"حَثْوِ التراب في وجوه المدّاحين"

(3)

على معناه الحقيقي.

قوله: (والسنور) بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة وسكون الواو وبعدها راء: وهو الهرّ.

وفيه دليل على تحريم بيع الهرّ، وبه قال أبو هريرة ومجاهد [وجابر بن

(1)

في معالم السنن (3/ 711 - مع السنن) وعبارته: "حلوان الكاهن: هو ما يأخذه المتكهن عن كهانته وهو محرم وفعله باطل، يقال: حلوت الرجل شيئًا يعني: رشوته.

وأخبرني أبو عمر قال: حدثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي، قال: ويقال لحلوان الكاهن: الشنع والصهيم.

قال الشيخ: "وحلوان العراف حرام كذلك، والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن إنما يتعاطى الخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار، والعراف: هو الذي يتعاطى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوها من الأمور" اهـ.

(2)

الفتح (4/ 427).

(3)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد في المسند (6/ 5) والبخاري في الأدب المفرد رقم (339) ومسلم رقم (68/ 3002) والترمذي في السنن رقم (2393) وفي "العلل"(2/ 834) وابن ماجه رقم (3742) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (295) و (296) والطبراني في المعجم الكبير (20/ 579) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 242). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

عن أبي معمر قال: قام رجل فأثنى على أمير من الأمراء فجعل المقداد يحثو في وجهه التراب، وقال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المدَّاحين التراب.

ص: 21

زيد]

(1)

، حكى ذلك عنهم ابن المنذر، وحكاه المنذري

(2)

أيضًا عن طاوس، وذهب الجمهور إلى جواز بيعه

(3)

.

وأجابوا عن هذا الحديث بما تقدم من تضعيفه، وقد عرفت دفع ذلك.

وقيل: إنه يحمل النهي على كراهة التنزيه، وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق ولا من المروءات، ولا يخفى أن هذا إخراج النهي عن معناه الحقيقي بلا مقتضى.

[الباب الثاني] باب النهي عن بيع فضل الماء

7/ 2164 - (عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبدٍ أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الماءِ. رَواهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ ماجَهْ

(4)

وصَحَّحَهُ الترمِذِيُّ). [صحيح]

(1)

في أكثر طبعات نيل الأوطار (جابر وابن زيد) وهو خطا. والصواب ما أثبتناه كما في المخطوط (أ) و (ب) ومراجع فقهية أخرى.

(2)

في "مختصر السنن"(5/ 126).

(3)

قال النووي في "المجموع"(9/ 274): "فرع: بيع الهرة الأهلية جائز بلا خلاف عندنا إلا ما حكاه البغوي في كتابه في شرح مختصر المزني عن ابن القاص أنه قال: لا يجوز، وهذا شاذ باطل مردود، والمشهور جوازه. وبه قال جماهير العلماء نقله القاضي عياض عن الجمهور.

وقال ابن المنذر: أجمعت الأمة على أن اتخاذه جائز، ورخص في بيعه: ابن عباس، وابن سيرين، والحكم، وحماد، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي.

قال - أي ابن المنذر -: وكرهت طائفة بيعه، منهم: أبو هريرة، ومجاهد، وطاوس، وجابر بن زيد" اهـ.

وانظر: "البيان" للعمراني (5/ 61) و"مختصر السنن"(5/ 126) والمغني (6/ 360) و"المعرفة" للبيهقي (8/ 176 - 177).

(4)

أحمد (3/ 417) وأبو داود رقم (3478) والترمذي رقم (1271) والنسائي رقم (4663) وقال الترمذي حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

ص: 22

8/ 2165 - (وعَنْ جابِرٍ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ. رَواهُ أحمَدُ

(1)

وابْنُ ماجَهْ)

(2)

. [صحيح]

حديث إياس قال القشيري: هو على شرط الشيخين.

وحديث جابر هو في صحيح مسلم

(3)

ولفظه لفظ حديث إياس، وكذا أخرجه النسائي

(4)

.

والحديثان يدلان على تحريم بيع فضل الماء وهو الفاضل عن كفاية صاحبه. والظاهر أنه لا فرق بين الماء الكائن في أرض مباحة أو في أرض مملوكة، وسواء كان للشرب أو لغيره، وسواء كان لحاجة الماشية أو الزرع، سواء كان في فلاة أو في غيرها.

وقال القرطبي

(5)

: ظاهر [هذا]

(6)

اللفظ النهي عن نفس بيع الماء الفاضل الذي يشرب فإنه السابق إلى الفهم.

وقال النووي

(7)

حاكيًا عن أصحاب الشافعي: إنه يجب بذل الماء في الفلاة بشروط:

أحدها: أن لا يكون ماء آخر يستغني به.

الثاني: أن يكون البذل لحاجة الماشية لا لسقي الزرع.

الثالث: أن لا يكون مالكه محتاجًا إليه.

ويؤيد ما ذكرنا من دلالة الحديثين على المنع من بيع الماء على العموم حديث أبي هريرة عند الشيخين

(8)

مرفوعًا بلفظ: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به

(1)

في المسند (3/ 356).

(2)

في السنن رقم (2477).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (34/ 1565) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (590) والبيهقي (6/ 15) من حديث جابر ولفظه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء".

(3)

في صحيحه رقم (34/ 1565).

(4)

في سننه رقم (4660).

(5)

في "المفهم"(4/ 441).

(6)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (أ).

(7)

في شرحه لصحيح مسلم (10/ 229).

(8)

البخاري رقم (6962) ومسلم رقم (36، 37/ 1566).

ص: 23

فضل الكلأ"، وذكره صاحب جامع الأصول

(1)

بلفظ: "لا يباع فضل الماء"، وهو لفظ مسلم.

وسيأتي هذا الحديث وما في معناه في باب النهي عن منع فضل الماء

(2)

من كتاب إحياء الموات.

ويؤيد المنع من البيع أيضًا أحاديث: "الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار"

(3)

، وستأتي في باب: الناس شركاء في ثلاث

(4)

من كتاب إحياء الموات أيضًا.

وقد حمل الماء المذكور في حديثي الباب على ماء الفحل، وهو مع كونه خلاف الظاهر مردود بما في حديث جابر الذي أشار إليه المصنف، فإنه في صحيح مسلم

(5)

بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء، وعن منع ضراب الفحل".

وقد خصص من عموم حديثي المنع من البيع للماء ما كان منه محرزًا في الآنية، فإنه يجوز بيعه قياسًا على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب لحديث الذي أمره صلى الله عليه وسلم بالاحتطاب ليستغني به عن المسألة. وهو متفق عليه

(6)

من حديث أبي هريرة، وقد تقدم في الزكاة

(7)

.

وهذا القياس بعد تسليم صحته إنما يصح على مذهب من جوَّز التخصيص

(1)

(1/ 484 رقم 310).

(2)

الباب الثاني عند الحديث (5/ 2400 - 8/ 2403) من كتابنا هذا.

(3)

أخرجه أحمد في المسند (5/ 364) وأبو داود رقم (3477).

من حديث أبي خراش.

وهو حديث صحيح.

وأخرجه ابن ماجه برقم (2472) من حديث ابن عباس.

وهو حديث صحيح دون: "وثمنه حرام".

(4)

الباب الثالث عند الحديث رقم (9/ 2404 - 10/ 2405) من كتابنا هذا.

(5)

في صحيحه رقم (35/ 1565).

(6)

أخرجه أحمد (2/ 475) والبخاري رقم (1470) ومسلم رقم (106/ 1042).

(7)

تقدم برقم (1591) من كتابنا هذا.

ص: 24

بالقياس، والخلاف في ذلك معروف في الأصول

(1)

، ولكنه يُشْكِلُ على النهي عن بيع الماء على الإطلاق ما ثبت في الحديث الصحيح من أن عثمان اشترى نصف بئر رومة من اليهودي وسبلها للمسلمين بعد أن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من يشتري بئر رومة فيوسع بها على المسلمين وله الجنة؟ " وكان اليهودي يبيع ماءها

(2)

الحديث، فإنه كما يدل على جواز بيع البئر نفسها وكذلك العين بالقياس عليها يدل على جواز بيع الماء لتقريره صلى الله عليه وسلم لليهودي على البيع.

ويجاب بأن هذا كان في صدر الإسلام، وكانت شوكة اليهود في ذلك الوقت قوية والنبي صلى الله عليه وسلم صالحهم في مبادئ الأمر على ما كانوا عليه، ثم استقرت

(1)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 525): "المسألة الثالثةُ والعشرون: في التخصيص بالقياس. ذهب الجمهور إلى جوازه. وقال الرازي في المحصول (3/ 96): وهو قولُ أبي حنيفة والشافعي ومالك، وأبي الحسين البصري في المعتمد (2/ 275): والأشعريِّ وأبي هاشم أخيرًا. وحكاه ابن الحاجب في مختصر المنتهى - 2/ 153) - عن هؤلاء، وزاد معهم الإمام الرابع أحمد بن حنبل، وكذا حكاه ابن الهمام في التحرير (1/ 321)

" اهـ.

ثم قال الشوكاني "ص 528": "والحقُّ الحقيقُ بالقَبول أنه يُخصَّص بالقياس الجليِّ لأنه معمولٌ به لقوة دَلالتهِ وبُلوغها إلى حد يوازن النُصوص. وكذلك يخُصّص بما كانت عِلّتُه منصوصةً أو مُجْمعًا عليها. وأما العلةُ المنصوصةُ فالقياسُ الكائنُ بها في قوة النصِّ.

وأما العلة المجمعُ عليها فلكون ذلك الإجماع قد دل على دليل مُجمعٍ عليه.

وما عدا هذه الثلاثةِ الأنواع من القياس فلم تَقُم الحجةُ بالعمل به من أصله" اهـ.

(2)

أخرجه البخاري (5/ 406 - 407 رقم 2778 رقم الباب 33 - مع الفتح) معلقًا. ووصله الدارقطني (4/ 199 - 255) والبيهقي (6/ 167) من طريقين عن عبدان، به.

قلت: وقد خالف شعبةَ وزيد بن أبي أنيسة: يونس بن أبى إسحاق وإسرائيل بن يونس، فروياه عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عثمان أشرف عليهم حين حصروه

وأخرجه أحمد في المسند (1/ 59) وفي "فضائل الصحابة" رقم (751) والنسائي (6/ 236)، وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (1309) والدارقطني (4/ 198) من طريقين عن يونس بن أبي إسحاق، به.

وأخرجه الترمذي رقم (3699) وعمر بن شبَّه في "تاريخ المدينة"(4/ 1195) والدارقطني (4/ 199) والبيهقي (6/ 167) من طرق عن عبيد الله بن عمرو، به وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.

وهو حديث صحيح.

ص: 25

الأحكام وشرع لأمته تحريم بيع الماء فلا يعارضه ذلك التقرير. وأيضًا الماء هنا دخل تبعًا لبيع البئر، ولا نزاع في جواز ذلك.

[الباب الثالث] باب النهي عن ثمن عسب الفحل

9/ 2166 - (عَن ابْنِ عُمَرَ قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ عَسْبِ الفَحْلِ. رَوَاهُ أحمَدُ

(1)

والبُخاريُّ

(2)

والنَسائيُّ

(3)

وأبُو داوُدَ)

(4)

. [صحيح]

10/ 2167 - (وعَنْ جابِرٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ ضرابِ الفَحْلِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(5)

والنَّسائيُّ)

(6)

. [صحيح]

11/ 2168 - (وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ كِلَابٍ سَأَلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الفَحْلِ فَنَهاهُ، فقالَ: يا رَسُولَ الله إِنَّا نَطْرُقُ الفَحْلَ فَنُكْرِمُ، فَرَخَّصَ لَهُ في الكَرامَةِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريبٌ)

(7)

. [صحيح]

في الباب عن أنس غير حديث الباب عند الشافعي

(8)

.

وعن علي عند الحاكم في علوم الحديث

(9)

(1)

في المسند (4/ 12).

(2)

في صحيحه رقم (2884).

(3)

في سننه رقم (4671).

(4)

في سننه رقم (3429).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1273).

وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (35/ 1565).

(6)

في سننه رقم (4670).

وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (1274) وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه النسائي رقم (4672).

وهو حديث صحيح.

(8)

في "السنن"(2/ 72 رقم 423).

وقد أخرجه الترمذي والنسائي من غير طريق الشافعي كما تقدم في التعليقة السابقة.

(9)

ص 109 في الجنس الخامس من المدلسين؛ قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير، =

ص: 26

وابن حبان

(1)

والبزار

(2)

.

وعن البراء عند الطبراني

(3)

، وعن ابن عباس عنده

(4)

أيضًا.

قوله: (عَسْب الفحل)

(5)

بفتح العين المهملة وإسكان السين المهملة أيضًا وفيآخره موحدة ويقال له: العسيب أيضًا، والفحل: الذكر من كل حيوان فرسًا كان أو جملًا أو تيسًا أو غير ذلك.

قد روى النسائي

(6)

من حديث أبي هريرة: نهى عن عسب التيس.

واختلف فيه؛ فقيل: هو ماء الفحل. وقيل: أجرة الجماع.

= وربما فاتهم الشيء عنهم فيدلِّسونه.

قال الحاكم عقب الحديث: "قال أبو عبد الله محمد بن نصر: وهذا حديث لم يسمعه الحسن بن ذكوان من حبيب بن أبي ثابت، وذلك أن محمد بن يحيى حدثنا قال: حدثنا أبو معمر قال: حدثني عبد الوارث عن الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت، وعمرو هذا منكر الحديث فدلّسه الحسن عنه" اهـ.

(1)

لم أقف عليه.

(2)

لم أقف عليه.

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (357) والعقيلي في "الضعفاء"(1/ 224) وعبد الله في زوائد المسند (1/ 147) بسند ضعيف جدًّا، حسن بن ذكوان ضعيف، وهو لم يسمع من حبيب بن أبي ثابت، بينهما عمرو بن خالد القرشي مولاهم المتهم بالكذب.

وأخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 1776) وقال: وهذا الحديث يرويه الحسن بن ذكوان عن عمرو خالد، وعمرو متروك الحديث، ويُسقِط الحسن بن ذكوان من الإسناد عمرو بن خالد لشدة ضعفه.

(3)

في "المعجم الكبير"(2/ رقم 1176).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 87) وقال: "فيه يحيى بن عباد بن دينار الحرشي، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات" اهـ.

قلت: انظر: "الفرائد على مجمع الزوائد"، تأليف: خليل بن محمد العربي. (ص 76 - 77 رقم 110): حيث قال: "وأحسب أن اسمه الأخير (يحيى) خطأ ناتج عن تحريف من حاتم، وأن ذكر المزي له في شيوخ العروقي من الأوهام، بدليل أن أبا حاتم لما روى حديث سهل في الحلية - (3/ 255) - عن الطبراني جاء على الصواب: حاتم بن عباد - بن دينار الجرشي - " اهـ.

(4)

أي عند الطبراني في المعجم الكبير (11 رقم 11692).

(5)

عسب الفحل: ماؤه، فرسًا كان أو بعيرًا أو غيرهما. أغريب الحديث للهروي (3/ 192).

(6)

في "المجتبى" رقم (4675) وفي السنن الكبرى رقم (4680) وهو حديث صحيح.

ص: 27

ويؤيد الأول حديث جابر

(1)

المذكور في الباب.

وأحاديث الباب تدل على أن بيع ماء الفحل وإجارته حرام لأنه غير متقوّم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه، وإليه ذهب الجمهور

(2)

.

وفي وجه للشافعية والحنابلة، وبه قال الحسن وابن سيرين وهو مرويّ عن مالك

(3)

أنها تجوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة.

وأحاديث الباب ترّد عليهم لأنها صادقة على الإجارة.

(1)

تقدم برقم (1167) من كتابنا هذا.

(2)

قال ابن قدامة في "المغني"(6/ 302 - 303) "عسبُ الفحل، ضِرابُه، وبيعُه أخذُ عوضِه.

وتسمَّى الأجرةُ عسْبَ الفحل مجازًا.

وإجارةُ الفحلِ للضرابِ حرامٌ، والعقد فاسِدٌ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وحكي عن مالك جوازُه. قال ابن عقيل: ويحتملُ عندي الجوازُ؛ لأنَّهُ عقد على منافع الفحلِ ونزْوهِ، وهذه منفعة مقصودَةٌ، والماء تابع، والغالب حصولُه عَقِيبَ نزوهِ، فيكوَن كالعقدِ على الظِّئْرِ، ليحصل اللبنُ في بطنِ الصبيِّ.

ولنا، ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع عسب الفحل، رواه البخاري. وعن جابر قال: نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل. روَاه مسلم.

ولأنَّهُ مما لا يَقْدِرُ على تسليمه، فأشبه إجارَةَ الآبق. ولأنَّ ذلك متعلق باختيار الفحل وشهوتهِ، ولأن المقصود هو الماءُ، وهو مما لا يجوز إفراده بالعقد، وهو مجهول.

وإجارةُ الظِّئْر خُولف فيه الأصل لمصلحةِ بقاء الآدمي، فلا يقاسُ عليه ما ليس مثله.

فعلى هذا إذا أعطى أجرةً لِعَسْب الفحل فهو حرام على الآخذ لما ذكرناه، ولا يحرم على المعطي؛ لأنه بذلَ ماله لتحصيل مباحٍ يحتاج إليه

وإن أعْطَى صاحِبَ الفحلِ هدية، أوَ أكرمَهُ من غير إجارةٍ، جاز. وبه قال الشافعي

" اهـ.

وانظر: "البيان" للعمراني (7/ 290 - 291) و"المعرفة" للبيهقي (8/ 146 - 149).

(3)

يجوز استئجار الفحل للضراب مدة معلومة كيوم، أو عدد مرات، كمرتين أو ثلاث، لأنه عقد على منافع الفحل وهي معلومة، ويحمل حديث النهي عن عسب الفحل، على استئجار الفحل لينزو على الأنثى حتى تحمل، لأنها إجارة مجهولة، فقد لا تحمل الأنثى، وإذا تم استئجار الفحل على الوجه الجائز مدة معلومة أو مرات معدودة، وعرف حمل الأنثى بإعراضها عن الفحل قبل تمام المدة أو العدد، انفسخت الإجارة، ولزم من الأجرة بقدر المدة التي استوفيت" اهـ.

[مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 418 - 419)؛ والتهذيب في اختصار المدونة (3/ 364) والمنتقى للباجي (5/ 22)].

ص: 28

قال صاحب الأفعال

(1)

: أعسب الرجل عسبًا: اكترى منه فحلًا ينزيه ولا يصح القياس على تلقيح النخل، لأن ماء الفحل صاحبه عاجز عن تسليمه بخلاف التلقيح.

قال في الفتح

(2)

: وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه.

قوله: (فرخص له في الكرامة)، فيه دليل على أن المعير إذا أهدى إليه المستعير هدية بغير شرط حلت له.

وقد ورد الترغيب في إطراق الفحل. أخرج ابن حبان في صحيحه

(3)

من حديث أبي كبشة مرفوعًا: "من أطرَقَ فرسًا فاعقب كان له كأجر سبعين فرسًا".

[الباب الرابع] باب النهي عن بيوع الغرر

12/ 2169 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهَى عَنْ بَيْعِ الحَصاةِ وعَنْ بَيْعِ

(1)

كتاب "الأفعال" لابن القوطية (ت: 367 هـ) ص 189.

(2)

الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(4/ 461).

(3)

رقم (4679) ولفظه: "من أطْرَقَ فرسًا، فعقب له الفَرَسُ، كان لَهُ كأجر سبعين فرسًا حُمِلَ عليها في سبيل اللهِ، وإن لم تُعْقِبْ، كان له كأجر فرسِ حُمِلَ عليه في سبيل اللهِ".

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (4/ 231) والطبراني في "الكبير"(ج 22 رقم 853).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 266) وقال: ورجا لهما - أي أحمد والطبراني - ثقات".

• وأخرج الترمذي رقم (1626) عن عدي بن حاتم الطائي أنَّهُ سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أي الصدقة أفضل؟ قال: خدمةُ عبدٍ في سبيل الله، أو ظِلّ فسطاط، أو طروقة فحل في سبيل الله".

وهو حديث حسن، والله أعلم.

• وأخرج الترمذي رقم (1627) أيضًا عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل "الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله، ومنيحة خادم في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله".

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وهو أصح عندي من حديث معاوية بن صالح - أي المتقدم برقم (1626).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

ص: 29

الغَرَرِ. رَواهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخاريَّ)

(1)

. [صحيح]

13/ 2170 - (وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تَشْتَروا السَّمَكَ فِي المَاءِ فإنَّه غَرَرٌ". رَواهُ أحمَدُ)

(2)

. [إسناده ضعيف]

14/ 2171 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ. رَواهُ أحمَدُ

(3)

ومُسْلِمٌ

(4)

والترمِذِيُّ

(5)

.

وفي رِوايَة: نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ، وحَبلُ الحَبَلَةِ أَنْ تُنْتِجَ النّاقَةُ ما في بَطْنِها ثمَّ تَحْملُ التَّي نتِجَتْ. رَواهُ أَبُو دَاوُدَ

(6)

.

وَفِي لَفْظٍ: كان أَهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَبْتاعونَ لُحومَ الجَزورِ إلى حَبَلِ الحَبَلَةِ، وحَبَلُ

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 376) ومسلم رقم (4/ 1513) وأبو داود رقم (3376) والترمذي رقم (1230) والنسائي رقم (4518) وابن ماجه رقم (2194).

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (1/ 388).

قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (15491) وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 214) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 340) والخطيب في "تاريخ بغداد"(5/ 369)، بسند ضعيف. وقد روي مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أصح.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 80) وقال: "رواه أحمد موقوفًا ومرفوعًا، والطبراني في "الكبير" كذلك، ورجال الموقوف رجال الصحيح، وفي رجال المرفوع شيخ أحمد محمد بن السماك ولم أجد من ترجمه، وبقيتهم ثقات" اهـ.

قلت: هو محمد بن صبيح، أبو العباس المذكر المعروف بابن السماك. ترجم له البخاري في التاريخ الكبير (1/ 106) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 295) وابن حبان في ثقاته (9/ 32، 67) والخطيب في "تاريخه"(5/ 368) والحافظ في "التعجيل" تعجيل المنفعة (2/ 182 - 183).

قال محمد بن عبد الله بن نمير: ليس حديثه بشيء. الجرح والتعديل (7/ 295)، وقال ابن حبان: مسثقيم الحديث - الثقات (9/ 32) "اهـ.

["الفرائد على مجمع الزوائد" (ص 305 رقم 489)].

قلت: ولم يذكر الطبراني رحمه الله أن الإسناد منقطع من الطريقين.

(3)

في المسند (2/ 108).

(4)

في صحيحه رقم (5/ 1514).

(5)

في سننه رقم (1229)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(6)

في سننه رقم (3380). وهو حديث صحيح.

ص: 30

الحَبَلَةِ أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ ما في بَطنِها، ثمَّ تَحْمِلُ التي نُتِجَتْ، فَنَهاهُمْ [رسول الله]

(1)

صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

.

وَفِي لَفْظٍ: كانوا يَبْتاعُونَ الجَزورَ إلى حَبَلِ الحَبَلَةِ فَنَهاهُمْ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ. رَواهُ البُخاريُّ)

(3)

. [صحيح]

حديث ابن مسعود في إسناده يزيد بن أبي زياد عن المسيب بن رافع عن ابن مسعود، قال البيهقي

(4)

: فيه إرسال بين المسيب وعبد الله، والصحيح وقفه.

وقال الدارقطني في العلل

(5)

: اختلف فيه والموقوف أصح، وكذلك قال الخطيب

(6)

وابن الجوزي.

وقد روى أبو بكر بن أبي عاصم

(7)

عن عمران بن حصين حديثًا مرفوعًا.

وفيه النهي عن بيع السمك في الماء فهو شاهد لهذا.

قوله: (نهى عن بيع الحصاة)

(8)

اختُلِف في تفسيره؛ فقيل: هو أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة ويرمي الحصاة، أو من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرَّمي.

وقيل: هو أن يشرط الخيار إلى أن يرمي الحصاة.

(1)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (أ).

(2)

أحمد في المسند (2/ 15) والبخاري رقم (3843) ومسلم رقم (6/ 1514).

(3)

في صحيحه رقم (2143).

(4)

في السنن الكبرى (5/ 340).

(5)

في "العلل الواردة في الأحاديث النبوية"(5/ 275 - 276 س 878).

(6)

في "تاريخ بغداد"(5/ 369).

(7)

في كتاب البيوع - كما في "التلخيص"(3/ 14) ولفظه: "نهى عن بيع ما في ضروع الماشية قبل أن تحلب، وعن الجنين في بطون الأنعام، وعن بيع السمك في الماء، وعن المضامين والملاقيح، وحبل الحبلة وعن بيع الغرر".

• المضامين: ما في أصلاب الفحول.

• الملاقيح: الأمهات وما في بطونها من الأجنة، أو ما في ظهور الجمال الفحول، جمع ملقوحة.

(8)

انظر: "النهاية"(1/ 389) ط: دار المعرفة. والفائق للزمخشري (1/ 287) وتفسير ما في الصحيحين للحميدي (73/ 534).

ص: 31

وقيل: هو أن يجعل نفس الرمي بيعًا

(1)

.

ويؤيده ما أخرجه البزار

(2)

من طريق حفص بن عاصم عنه أنه قال: يعني إذا قذف الحصاة فقد وجب البيع.

قوله: (وعن بيع الغرر) بفتح المعجمة وبراءين مهملتين.

وقد ثبت النهي عنه في أحاديث منها المذكور في الباب.

ومنها عن ابن عمر عند أحمد

(3)

وابن حبان

(4)

.

ومنها عن ابن عباس عند ابن ماجه

(5)

.

ومنها عن سهل بن [سعد]

(6)

عند الطبراني

(7)

.

ومن جملة بيع الغرر بيع السمك في الماء كما في حديث ابن مسعود

(8)

.

ومن جملته بيع الطير في الهواء وهو مجمع على ذلك، والمعدوم والمجهول والآبق وكل ما دخل فيه الغرر بوجه من الوجوه.

(1)

قال الغزالي في "الوسيط"(3/ 71): "وهو أن يجعل رَمْي الحصاة بيعًا، أو يقول: بعتُ منك من السلع ما تقع عليه حصاتك إذا رميتَ، أو بعتُ من الأرض إلى حيث تنتهي حصاتك؛ فالكل فاسدٌ؛ لما سبق من المعاني". وانظر: "المجموع"(9/ 416).

(2)

لم أقف عليه.

(3)

في المسند (2/ 144).

(4)

في صحيحه رقم (4972).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 338).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 80) وقال: "رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات".

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (2195).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 171): "هذا إسناد ضعيف لضعف أيوب بن عتبة قاضي اليمامة".

ولهذا الحديث شواهد منها حديث أبي هريرة، وابن عمر وغيرهما وهو بهما صحيح.

(6)

في المخطوط (ب): سعيد.

(7)

في المعجم الكبير (ج 6 رقم (5899)، وفي الأوسط رقم (5515).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 80) وقال: "رجاله رجال الصحيح خلا إسماعيل بن أبي الحكم الثقفي، وثقه أبو حاتم ولم يتكلم فيه أحد" اهـ.

(8)

تقدم برقم (2170) من كتابنا هذا.

ص: 32

قال النووي

(1)

: النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدًّا.

ويستثنى من بيع الغرر أمران:

(أحدهما): ما يدخل في المبيع تبعًا بحيث لو أفرد لم يصح بيعه.

(والثاني): ما يتسامح بمثله، إما لحقارته أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه.

ومن جملة ما يدخل تحت هذين الأمرين بيع أساس البناء، واللبن في ضرع الدابة والحمل في بطنها، والقطن المحشو في الجبة.

قوله: (حبل الحَبَلَة)

(2)

الحبل بفتح الحاء المهملة والباء، وغَلَّطَ عياض

(3)

من سكن الباء وهو مصدر حبلت تحبل، والحبلة بفتحهما أيضًا جمع حابل مثل ظَلَمَة وظالم وكَتَبَة وكاتب، والهاء فيه للمبالغة.

وقيل: هو مصدر سمي به الحيوان، والأحاديث المذكورة في الباب تقضي ببطلان البيع، لأن النهي يستلزم ذلك كما تقرر في الأصول

(4)

.

واختلف في تفسير حبل الحبلة، فمنهم من فسره بما وقع في الرواية من تفسير ابن عمر كما جزم به ابن عبد البر

(5)

.

وقال الإسماعيلي (6) والخطيب

(6)

: هو من كلام نافع، ولا مناقاة بين الروايتين.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (10/ 156).

(2)

انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" لابن الملقن (7/ 75 - 78). لضبط "الحبلة" ومعناها، وتفسير العلماء لها، وعلة النهي في بيع حبل الحبلة. فهو مفيد.

و"النهاية في غريب الحديث والأثر"(1/ 328) ط: دار المعرفة.

(3)

في "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" له (1/ 175) حيث قال:، قوله: نهى عن حبل الحبلة، بفتح الحاء والباء فيهما، ويروى في الأول بسكون الباء أيضًا، والفتح أبين وأصح فيهما" اهـ.

(4)

تقدم بيانه مرارًا. وانظر: "إرشاد الفحول" بتحقيقي (ص 384 - 387) والبحر المحيط (2/ 442).

(5)

الاستذكار (20/ 96) والتمهيد (12/ 203) ط: الفاروق.

(6)

حكاه عنهما الحافظ في "الفتح"(4/ 357).

ص: 33

ومن جملة الذاهبين إلى هذا التفسير مالك

(1)

والشافعي

(2)

وغيرهما، وهو أن يبيع لحم الجزور بثمن مؤجل إلى أن يلد ولد الناقة.

وقيل: إلى أن يحمل ولد الناقة ولا يشترط وضع الحمل، وبه جزم أبو إسحاق في التنبيه

(3)

، وتمسك بالتفسيرين المذكورين في الباب فإنه ليس فيهما ذكر أن يلد الولد.

ولكنه وقع في رواية متفق عليها

(4)

بلفظ: "كان الرجل يبتاع إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها"، وهو صريح في اعتبار أن يلد الولد ومشتمل على زيادة فيرجح.

وقال أحمد

(5)

وإسحاق

(6)

وابن حبيب المالكي

(7)

والترمذي

(8)

وأكثر أهل اللغة

(9)

منهم أبو عبيدة

(10)

وأبو عبيد

(11)

: هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال، [فتكون]

(12)

علة النهي على القول الأول جهالة الأجل، وعلى القول الثاني: بيع الغرر لكونه معدومًا ومجهولًا وغير مقدور على تسليمه.

ويرجح الأول قوله في حديث الباب: "لحوم الجزور"، وكذلك قوله:"يبتاعون الجزور"، قال ابن التين

(13)

: محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين، وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أم ولادة ولدها؟ وعلى الثاني: هل المراد بيع الجنين الأول أو جنين الجنين؟ فصارت أربعة أقوال، كذا في الفتح

(14)

.

(1)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 418): بيع ما يتعذر تسليمه.

(2)

المجموع (9/ 415 - 416).

(3)

(1/ 365 - 367 - مع شرح السيوطي).

(4)

أخرجه أحمد (2/ 15) وأخرجه البخاري. رقم (3843) ومسلم رقم (6/ 1514).

(5)

المغني (6/ 300).

(6)

ذكره ابن عبد البر في الاستذكار (20/ 97 رقم 29398).

(7)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 358).

(8)

في السنن (3/ 531).

(9)

النهاية (1/ 328) وتهذيب اللغة (5/ 81).

(10)

اللسان (11/ 139) وتهذيب اللغة (5/ 81).

(11)

في غريب الحديث (1/ 208 - 209) له.

(12)

في المخطوط (ب): (فيكون).

(13)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 358).

(14)

(4/ 358).

ص: 34

قوله: (أن تُنْتَج) بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه، والفاعل الناقة، قال في الفتح

(1)

: وهذا الفعل وقع في لغة العرب على صيغة الفعل المسند إلى المفعول.

قوله: (الجزور) بفتح الجيم وضم الزاي، وهو البعير ذكرًا كان أو أنثى.

15/ 2172 - (وعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شِراءِ مَا فِي بُطُونِ الأنْعامِ حَتَّى تَضَعَ، وعَنْ بَيْعِ ما في ضُروعِها إلَّا بِكَيْل، وعَنْ شِراءِ العَبْدِ وَهْوَ آبِقٌ، وعَنْ شِراء المَغانِم حتَّى تُقْسَمَ، وعَنْ شِراءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وعَنْ ضَرْبَةَ الغَائِصِ. رَواهُ أحمَدُ

(2)

وابْنُ ماجَهْ

(3)

وللتِّرْمِذِيِّ

(4)

مِنْهُ: شِراءُ المَغانِمِ وقالَ: غَريبٌ). [ضعيف]

16/ 2173 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاس قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ المَغانِمِ حتَّى تُقْسَمَ. رَوَاهُ النَّسائيُّ)

(5)

. [صحيح]

17/ 2174 - (وعَنِ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ. رَواهُ أحمدُ

(6)

وأبو دَاوُدَ)

(7)

. [حسن لغيره]

(1)

(4/ 358).

(2)

في المسند (3/ 42).

(3)

في سننه رقم (2196).

(4)

في سننه رقم (1563) وقال: غريب. يعني ضعيف.

وقال ابن حزم في "المحلى"(8/ 390) عقب الحديث: "جهضم، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن زيد العبدي مجهولون، وشهر متروك".

وأعله ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 373 رقم 1108) عن أبيه بابن إبراهيم هذا، فقال:"شيخ مجهول".

وانظر: "الإرواء"(5/ 132 - 133 رقم 1293).

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

في السنن رقم (4645).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 137) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

وهو حديث صحيح.

(6)

في المسند (2/ 472).

(7)

في سننه رقم (3369). =

ص: 35

18/ 2175 - (وعَن ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُبَاعَ ثَمَرٌ حَتَّى يُطْعَمَ أَوْ صوفٌ على ظهَرٍ أوْ لَبَنٌ في ضِرْع أوْ سَمْنٌ في لَبَني. رَوَاهُ الدَّراقُطْنِيُّ)

(1)

. [صحيح لغيره]

حديث أبي سعيد أخرجه أيضًا البزار

(2)

والدارقطني

(3)

. وقد ضعف الحافظ إسناده، وشهر بن حوشب فيه مقال تقدم

(4)

. وقد حسّن الترمذي

(5)

ما أخرجه منه.

ويشهد لأكثر الأطراف التي اشتمل عليها أحاديث أخر منها أحاديث النهي عن بيع الغرر، وما ورد في النهي عن بيع الملاقيح والمضامين، وما ورد في حبل الحبلة على أحد التفسيرين.

وحديث أبي هريرة في إسناد أبي داود رجل مجهول

(6)

.

وحديث ابن عباس الآخر أخرجه أيضًا البيهقي (7) وفي إسناده عمر بن فروخ قال البيهقي

(7)

: تفرد به وليس بالقوي انتهى، ولكنه قد وثقه ابن معين

(8)

وغيره.

= بسند ضعيف لجهالة الراوي عن أبى هريرة لكن الحديث حسن لغيره.

(1)

في سننه رقم (3/ 14 رقم 40).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 340) وقال: "تفرد برفعه عمر بن فروخ، وليس بالقوي، وقد أرسله عنه وكيع، وأخرجه غيره مرفوعًا" اهـ.

وقد تعقب ابن التركماني البيهقي في تضعيف عمر بن فروخ.

وقال الحافظ في "التقريب" رقم (4955): عمر بن فروخ: صدوق ربما وهم.

وقال المحرران: بل: ثقة، فلا ندري من أين جاء المصنف بهذه العبارة، فقد وثقه ابن معين، وأبو حاتم، ورضيه أبو داود، وقال: مشهور، وذكره ابن حبان في "الثقات".

وقال البيهقي وحده: "ليس بالقوي"، ولا يقف هذا القول أمام توثيق ابن معين وأبي حاتم وأبي داود اهـ.

وانظر: الجرح والتعديل (6/ 128) وتهذيب التهذيب (3/ 246). وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(2)

لم أقف عليه.

(3)

في سننه (3/ 15 رقم 44).

(4)

شهر بن حوشب ليس بالقوي انظر: "الميزان (2/ 283) والمجروحين (1/ 361).

(5)

قلت: بل قال: "غريب" انظر: السنن (4/ 132).

والحديث ضعيف انظر ما قاله ابن حزم في: المحلى (8/ 390) وقد تقدم آنفًا.

(6)

وهو الراوي عن أبي هريرة كما تقدم.

(7)

في السنن الكبرى (5/ 340) وقد تقدم.

(8)

كما في تهذيب التهذيب (3/ 246) وقد تقدم.

ص: 36

وقد رواه عن وكيع مرسلًا أبو داود في المراسيل

(1)

وابن أبي شيبة في مصنفه

(2)

. قال: ووقفه غيره على ابن عباس وهو المحفوظ.

وأخرجه أيضًا أبو داود

(3)

من طريق أبي إسحاق عن عكرمة، والشافعي

(4)

من وجه آخر عن ابن عباس، والطبراني في الأوسط

(5)

من طريق عمر المذكور، وقال: لا يروى عن النبي إلا بهذا الإسناد.

وفي الباب عن عمران بن حصين مرفوعًا عند أبي بكر بن أبي عاصم

(6)

بلفظ: "نهى عن بيع ما في ضروع الماشية قبل أن تحلب، وعن الجنين في بطون الأنعام، وعن بيع السمك في الماء، وعن المضامين، والملاقيح، وحبل الحبلة، وعن بيع الغرر".

قوله: (عن شراء ما في بطون الأنعام)، فيه دليل على أنه لا يصح شراء الحمل، وهو مجمع عليه، والعلة الغرر وعدم القدرة على التسليم.

قوله: (وعن بيع ما في ضروعها)، هو أيضًا مجمع على عدم صحة بيعه قبل انفصاله لما فيه من الغرر والجهالة، إلا أن يبيعه منه كيلًا، نحو أن يقول: بعت منك صاعًا من حليب بقرتي، فإن الحديث يدل على جوازه لارتفاع الغرر والجهالة.

(1)

في المراسيل لأبي داود رقم (183).

(2)

في المصنف (6/ 534) رقم (1959). كلاهما عن عكرمة مرسلًا.

(3)

في المراسيل لأبي داود رقم (182)، من طريق زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"لا تبع أصواف الغنم على ظهورها، ولا تبع ألبانها في ضروعها".

أبو إسحاق السبيعي اختلط بأخَرَة، والراوي عنه زهير بن معاوية ممن سمع منه بعد الاختلاط.

لكن له متابعًا من رواية الثوري عنه أخرجها عبد الرزاق (8/ 75) والثوري ممن سمع منه قبل الاختلاط.

لكن روى أبو إسحاق عن عكرمة بالعنعنة وهو مدلس.

(4)

في مسنده رقم (502 - ترتيب) بسند ضعيف لضعف موسى بن عبيدة الربذي.

(5)

في الأوسط رقم (3708).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 102): "ورجاله ثقات".

(6)

في كتاب البيوع كما في "التلخيص الحبير"(3/ 14).

ص: 37

قوله: (وعن شراء العبد الآبق)، فيه دليل على أنه لا يصح بيعه.

وقد ذهب إلى ذلك الهادي

(1)

والشافعي

(2)

.

وقال أبو حنيفة

(3)

وأصحابه، والمؤيد (4) بالله، وأبو طالب

(4)

: إنه يصح موقوفًا على التسليم.

واستدلوا بعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}

(5)

، وهو من التمسُّك بالعام في مقابلة ما هو أخص منه مطلقًا، وعلة النهي عدم القدرة على التسليم إن كانت عين العبد الآبق معلومة، وإلا فمجموع الجهالة والغرر عدم القدرة على التسليم.

قوله: (وشراء المغانم) مقتضى النهي عدم صحة بيعها قبل القسمة، لأنه لا ملك على ما هو الأظهر من قول الشافعي وغيره لأحد من الغانمين قبلها فيكون ذلك من أكل أموال الناس بالباطل.

قوله: (وعن شراء الصدقات)، فيه دليل على أنه لا يجوز للمتصدّق عليه بيع الصدقة قبل قبضها لأنه لا يملكها إلا به، وقد خصص من هذا العموم المصدّق، فقيل: يجوز له بيع الصدقات قبل قبضها، وهو غير مقبول إلا بدليل يخص هذا العموم، وجعل التخلية إليه بمنزلة القبض دعوى مجردة، على تسليم قيامها مقام القبض فلا فرق بينه وبين غيره.

قوله: (وعن ضربة الغائص)، المراد بذلك أنه يقول من يعتاد الغوص في البحر لغيره: ما أخرجته في هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثمن، فإن هذا لا يصح لما فيه من الغرر والجهالة.

قوله: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم)، سيأتي [في]

(6)

الكلام على هذا في باب النهي عن الثمر قبل بدوّ صلاحه.

قوله: (أو صوف على ظفر)، فيه دليل على عدم صحة بيع الصوف ما دام

(1)

البحر الزخار (3/ 313).

(2)

المجموع (9/ 344).

(3)

الاختيار (2/ 268) والبناية في شرح الهداية (7/ 281).

(4)

البحر الزخار (3/ 313).

(5)

سورة البقرة، الآية:275.

(6)

زيادة في المخطوط (ب).

ص: 38

على ظهر الحيوان، وإلى ذلك ذهب العترة

(1)

والفقهاء، والعلة الجهالة والتأدية إلى الشجار في موضع القطع.

قوله: (أو سمن في لبن) يعني لما فيه من الجهالة والغرر.

19/ 2176 - (وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قالَ: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُلامَسَةِ والْمُنَابَذَةِ في البَيْعِ؛ والْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدِهِ باللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهارِ وَلَا يُقلِّبُهُ؛ والْمُنابذةُ أنْ يَنْبُذَ الرَّجُلُ إلى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَينْبُذَ الآخَرُ بِثَوْبِهِ وَيكُونَ ذلِكَ بَيْعَهُما مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ ولَا تَرَاضٍ. مُتفقٌ عَلَيْهِ)

(2)

. [صحيح]

20/ 2177 - (وعَنْ أنَسٍ قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ المُحاقَلَةِ والمُخاضرَةِ والمُنابَذَةِ والمُلَامَسَةِ والمُزَابَنَةِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (عن الملامسة والمنابذة)، هما مفسران بما ذكر في الحديث، ذكر البخاري

(4)

ذلك في اللباس عن الزهري، وقد فسرا بأن الملامسة: أن يمس الثوب ولا ينظر إليه؛ والمنابذة أن يطرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه وينظر إليه، وهو كالتفسير الأول.

قال في الفتح

(5)

: ولأبي عوانة عن يونس: أن يتبايع القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها، أو يتنابذ القوم السلع كذلك، [فهذا]

(6)

من أبواب القمار.

وفي رواية لابن ماجه

(7)

من طريق سفيان عن الزهري: [المنابذة]

(8)

: أن يقول: ألق إليّ ما معك وألقي إليك ما معي.

وللنسائي

(9)

من حديث أبي هريرة: الملامسة: أن يقول الرجل للرجل:

(1)

البحر الزخار (3/ 321).

(2)

أحمد (3/ 95) والبخاري رقم (2144) ومسلم رقم (3/ 1512).

(3)

في صحيحه رقم (2207).

(4)

في صحيحه رقم (2147).

(5)

في الفتح (4/ 359).

(6)

في المخطوط (ب): (فهو).

(7)

في سننه رقم (2170) وهو حديث صحيح.

(8)

في المخطوط (ب): (أن المنابذة).

(9)

في سننه رقم (4517) وهو حديث صحيح.

ص: 39

أبيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر أحد منهما إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسًا.

والمنابذة: أن يقول: "أنبذُ ما معي وتنبذُ ما معكَ، فيشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري [كل واحد منهما]

(1)

كم مع الآخر

(2)

.

وروى أحمد

(3)

عن معمر أنه فسر المنابذة بأن يقول: إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع. والملامسة: أن يلمس بيده ولا ينشره ولا يقلبه إذا مسه وجب البيع.

ولمسلم

(4)

عن أبي هريرة: الملامسة: أن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل. والمنابذة: أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر، لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه.

قال الحافظ

(5)

: وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنها مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين.

قال: واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور، هي أوجه للشافعية

(6)

.

أصحها بأن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب

(1)

زيادة من المخطوط (ب) ومن النسائي.

(2)

وهو جزء من الحديث السابق عند النسائي برقم (4517).

(3)

في المسند (3/ 95) وقد تقدم.

(4)

في صحيحه رقم (2/ 1511).

(5)

في الفتح (4/ 359).

(6)

قال النووي في "المجموع"(9/ 416): "وأما بيع الملامسة ففيه تأويلات: (أحدها): تأويل الشافعي وجمهور الأصحاب، وهو أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستلم، فيقول صاحبه: بعتكه بكذا، بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته.

(والثاني): أن يجعلا اللمس بيعًا، فيقول: إذا لمسته فهو بيع لك.

(والثالث): أن يبيعه شيئًا على أنه متى لمسه انقطع خيار المجلس وغيره، ولزم البيع.

وهذا البيع باطل على التأويلات كلها، وفي الأول احتمال لإمام الحرمين، وقال صاحب التقريب: تفريعًا على صحة نفي خيار الرؤية قال: وعلى التأويل الثاني له حكم المعاطاة.

(والمذهب) الجزم ببطلانه على التأويلات كلها" اهـ.

ص: 40

الثوب: بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته، وهذا موافق للتفسير الذي في الأحاديث.

الثاني: أن يجعلا نفس اللمس بيعًا بغير صيغة زائدة.

الثالث: أن يجعلا اللمس شرطًا في قطع خيار المجلس، والبيع على التأويلات كلها باطل.

ثم قال: واختلفوا في المنابذة على ثلاثة أقوال، وهي ثلاثة أوجه للشافعية.

أصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعًا كما تقدم في الملامسة، وهو الموافق للتفسير المذكور في الأحاديث.

والثاني: أن يجعلا النبذ بيعًا بغير صيغة.

والثالث: أن يجعلا النبذ قاطعًا للخيار، هكذا في الفتح

(1)

.

والعلة في النهي عن الملامسة والمنابذة الغرر والجهالة وإبطال خيار المجلس، وحديث أنس يأتي الكلام على ما اشتمل عليه من المحاقلة والمزابنة في باب النهي عن بيع الثمر قبل بدوّ صلاحه.

وأما المخاضرة المذكورة فيه فهي بالخاء والضاد المعجمتين، وهي بيع الثمرة خضراء قبل بدوّ صلاحها. وسيأتي الخلاف في ذلك.

[الباب الخامس] باب النهي عن الاستثناء في البيع إلا أن يكون معلومًا

21/ 2178 - (عَنْ جَابِرٍ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى عَنِ المُحاقَلةِ والمُزَابَنَةِ والثُّنْيا إلَّا أنْ تُعْلمَ. رَوَاهُ النَّسائيُّ

(2)

والترْمِذيُّ وصحَّحَهُ)

(3)

. [صحيح]

الحديث أخرجه مسلم

(4)

بلفظ: "نهى عن الثنيا"، وأخرجه أيضًا بزيادة:

(1)

(4/ 359).

(2)

في سننه رقم (4633).

(3)

في سننه رقم (1290) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (85/ 1536).

ص: 41

"إلا أن تُعلم" [النسائي

(1)

و]

(2)

ابن حبان في صحيحه

(3)

. وغلط ابن الجوزي فزعم أن هذا الحديث متفق عليه، وليس الأمر كذلك، فإن البخاري لم يذكر في كتابه الثنيا، وهو يدل على تحريم المحاقلة والمزابنة، وسيأتي الكلام عليهما.

والثنيا

(4)

بضم المثلثة وسكون النون، المراد بها الاستثناء في البيع نحو أن يبيع الرجل شيئًا ويستثني بعضه، فإن كان الذي استثناه معلومًا نحو أن يستثني واحدة من الأشجار أو منزلًا من المنازل أو موضعًا معلومًا من الأرض صح بالاتفاق، وإن كان مجهولًا نحو أن يستثني شيئًا غير معلوم لم يصح البيع.

وقد قيل: إنه يجوز أن يستثني مجهول العين إذا ضرب لاختياره مدّة معلومة، لأنه بذلك صار كالمعلوم، وبه قالت الهادوية

(5)

.

وقال الشافعي

(6)

: لا يصح لما في الجهالة حال البيع من الغرر وهو الظاهر، لدخول هذه الصورة تحت عموم الحديث، وإخراجها يحتاج إلى دليل، ومجرد كون مدّة الاختيار معلومة وإن صار به على بصيرة في التعيين بعد ذلك، لكنه لم يصر به على بصيرة حال العقد وهو المعتبر.

والحكمة في النهي عن الاستثناء المجهول ما يتضمنه من الغرر مع الجهالة.

[الباب السادس] باب بيعتين في بيعة

22/ 2179 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ فَلهُ أوْكسُهُما أو الربَا". رَوَاهُ أَبُو داوُدَ

(7)

.

(1)

في سننه رقم (3880).

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(3)

رقم (1114 - موارد).

وهو حديث صحيح.

(4)

النهاية (1/ 221) والمجموع المغيث (1/ 279).

(5)

البحر الزخار (3/ 296).

(6)

في الأم (4/ 125).

(7)

في سننه رقم (3461).

ص: 42

وفي لفظٍ: نَهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ. رَواهُ أحمدُ

(1)

والنَّسائيُّ

(2)

والتِّرمذيُّ وصحَّحهُ)

(3)

. [حسن]

23/ 2180 - (وعَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ عَن أبِيهِ قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صفْقَتَيْنِ في صَفْقَةٍ، قالَ سِمَاكٌ: هُوَ الرَّجُلُ يَبِيعُ البَيْعَ فيقُولُ: هُوَ بِنَسا بكَذا وهُوَ بنَقْدٍ بكَذا وكَذَا. رَواهُ أحمدُ)

(4)

. [صحيح لغيره]

حديث أبي هريرة باللفظ الأول في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة

(5)

، وقد تكلم فيه غير واحد.

قال المنذري

(6)

: والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري أول صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بيعتين في بيعة"، انتهى.

وباللفظ الثاني عند من ذكره المصنف، وأخرجه أيضًا الشافعي

(7)

ومالك في بلاغاته

(8)

.

وحديث ابن مسعود أورده الحافظ في التلخيص

(9)

وسكت عنه.

(1)

في المسند (2/ 432، 475، 503).

(2)

في سننه رقم (4632).

(3)

في سننه رقم (1231) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" رقم (600) وابن حبان في صحيحه رقم (1109 - موارد) والبيهقي (5/ 343). وحسنه الألباني في "الإرواء"(5/ 149 - 150).

(4)

في المسند (1/ 398) بسند ضعيف لضعف شريك.

قلت: وأخرجه الشاشي رقم (291).

وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(5)

انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(3/ 662 - 663).

وقال الحافظ في "التقريب" رقم (6188) عنه: صدوق له أوهام. وقال المحرران: بل صدوق حسن الحديث

".

(6)

في "المختصر"(5/ 98).

(7)

حكاه عنه البيهقي في "المعرفة"(8/ 156 رقم 11473).

(8)

في الموطأ (2/ 663 رقم 72).

ووصله الترمذي رقم (1231) وقال: حديث حسن صحيح والنسائي رقم (4632) كلاهما من حديث أبي هريرة. وهو حديث صحيح.

(9)

في "التلخيص"(3/ 27).

ص: 43

وقال في مجمع الزوائد

(1)

: رجال أحمد ثقات. وأخرجه أيضًا البزار

(2)

والطبراني

(3)

في الكبير والأوسط.

وفي الباب عن ابن [عمر]

(4)

عند الدارقطني

(5)

وابن عبد البر

(6)

.

قوله: (من باع بيعتين) فسَّره سماك بما رواه المصنف عن أحمد

(7)

عنه، وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي

(8)

فقال: بأن [يقول]

(9)

: بعتك بألف نقدًا أو ألفين إلى سنة، فخذ أيهما شئت أنت وشئت أنا.

ونقل ابن الرفعة

(10)

عن القاضي أن المسئلة مفروضة على أنه قبل على الإبهام.

أما لو قال: قبلت بألف نقدًا أو بألفين بالنسيئة صح ذلك.

وقد فسر ذلك الشافعي

(11)

بتفسير آخر فقال: هو أن يقول: بعتك ذا العبد

(1)

في "مجمع الزوائد"(4/ 84).

(2)

في المسند (1277، 1278).

قال الهيثمي: "قال سماك: الرجل يبيع البيع، فيقول: هو بنسأ بكذا وكذا، وهو بنقد بكذا وكذا، رواه البزار، وأحمد، وروى له الطبراني، في الأوسط، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل صفقتان في صفقة"، ورواه في الكبير ولفظه: "الصفقة بالصفقتين ربًا". وهو موقوف.

ورواه البزار كذلك، وزاد: وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء. ورجال أحمد ثقات (4/ 84).

(3)

في المعجم الكبير (ج 9 رقم 9609). وفي الأوسط رقم (1610).

(4)

في المخطوط (ب): (عمرو)، وهو خطأ والصواب ما أثبتناه من (أ) ومصادر التخريج.

(5)

لم أقف عليه عند الدارقطني في سننه.

(6)

في "التمهيد"(12/ 197)، ط: الفاروق.

(7)

سبق تخريجه في الصفحة السابقة حاشية (4).

(8)

انظر: المعرفة للبيهقي (8/ 157 رقم 11475).

(9)

في المخطوط (ب): (تقول).

(10)

ابن الرفعة: أحمد بن محمد بن علي (ت: 716 هـ).

وكتابه: "كفاية النَّبيه في شرح التنبيه" وهو شرح كبير، يقع في نحو عشرين مجلدًا، وهو من أفضل ما وضع على "التنبيه" من شروح بل إن كثيرًا من الشروح المتأخرة عالة عليه.

منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية تحت رقم (228 - فقه شافعي)[معجم المصنفات (ص 236 - 237 رقم 694)].

(11)

انظر: روضة الطالبين (3/ 399) والوسيط (3/ 71 - 72).

ص: 44

بألف على أن تبيعني دارك بكذا: أي إذا وجب لك عندي وجب لي عندك، وهذا يصلح تفسيرًا للرواية الأخرى من حديث أبي هريرة

(1)

لا للأولى، فإن قوله:(فله أوكسهما) يدل على أنه باع الشيء الواحد بيعتين، بيعة بأقل وبيعة بأكثر.

وقيل في تفسير ذلك: هو أن يسلفه دينارًا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال: بعني القفيز

(2)

الذي لك عليّ إلى شهرين بقفيزين، فصار ذلك بيعتين في بيعة، لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيردّ إليه أوكسهما وهو الأول، كذا في شرح السنن لابن رسلان.

قوله: (فله أوكسهما) أي أنقصهما.

قال الخطابي

(3)

: لا أعلم أحدًا قال بظاهر الحديث وصحح البيع بأوكس الثمنين إلا ما حكي عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد، انتهى. ولا يخفى أن ما قاله هو ظاهر الحديث، لأن الحكم له بالأوكس يستلزم صحة البيع به.

قوله: (أو الربا) يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم [إذا]

(4)

لم يأخذ الأوكس بل أخذ الأكثر، وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره ابن رسلان.

وأما في التفسير الذي ذكره أحمد

(5)

عن سماك وذكره الشافعي

(6)

ففيه متمسك لمن قال: يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النَّساء.

وقد ذهب إلى ذلك زين العابدين عليّ بن الحسين والناصر والمنصور بالله والهادوية والإمام يحيى

(7)

.

(1)

المتقدم برقم (2179) من كتابنا هذا.

(2)

القفيز = 33 ليتر. والجريب = 132 ليتر.

والقفيز عشر الجريب 136.6 متر مربع.

والجريب = 1366.416 متر مربع.

انظر كتابي: "الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان الشرعية".

(3)

في "معالم السنن"(3/ 739 - مع السنن).

(4)

في المخطوط (ب): (إذ).

(5)

في المسند (1/ 398) وقد تقدم.

(6)

انظر: "المعرفة للبيهقي"(8/ 156) وقد تقدم.

(7)

البحر الزخار (3/ 294).

والشفاء (2/ 413 - 414).

ص: 45

وقالت الشافعية والحنفية

(1)

وزيد بن علي والمؤيد بالله والجمهور

(2)

: إنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه وهو الظاهر، لأن ذلك المتمسك هو الرواية الأولى من حديث أبي هريرة

(3)

، وقد عرفت ما في راويها من المقال، ومع ذلك فالمشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره وهو النهي عن بيعتين في بيعة، ولا حجة فيه على المطلوب، ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع كما سلف عن ابن رسلان قادحًا في الاستدلال بها على المتنازع فيه، على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصورة، وهي أن يقول:[بعتك]

(4)

نقدًا بكذا، ونسيئة بكذا، لا إذا قال: من أول الأمر: نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه، مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة، ولا يدل الحديث على ذلك، فالدليل أخص من الدعوى.

وقد جمعنا رسالة في هذه المسألة وسمَّيناها: (شفاء الغليل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل)

(5)

وحققناها تحقيقًا لم نسبق إليه.

والعلة في تحريم بيعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين والتعليق بالشرط المستقبل في صورة بيع هذا على أن يبيع منه ذاك ولزوم الربا في صورة القفيز الحنطة.

قوله: (أو صفقتين في صفقة)، أي بيعتين في بيعة.

[الباب السابع] باب النهي عن بيع العربون

24/ 2181 - (عَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيه عَنْ جَدِّهِ قالَ: نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

بدائع الصنائع (5/ 158).

(2)

المغني (6/ 333).

(3)

رقم (2179) من كتابنا هذا.

(4)

زيادة من المخطوط (ب).

(5)

لم أعثر على هذه الرسالة مخطوطة أو مطبوعة، رغم بحثي الشديد عنها، كما لم أقف على ذكرٍ لها في فهارس المخطوطات التي أوردت مؤلفات الشوكاني رحمه الله.

ص: 46

عَنْ بَيْع الْعُرْبَان. رَواهُ أَحمدُ

(1)

والنَّسائيُّ

(2)

وأَبُو دَاودَ

(3)

، وهْوَ لِمَالِكٍ في المُوطإِ)

(4)

. [ضعيف].

الحديث منقطع لأنه من رواية مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب ولم يدركه، فبينهما راوٍ لم يسم، وسماه ابن ماجه

(5)

فقال: عن مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي، وعبد الله لا يحتج بحديثه.

وفي إسناد ابن ماجه هذا أيضًا حبيب كاتب الإمام مالك

(6)

، وهو ضعيف لا يحتج به.

وقد قيل: إن الرجل الذي لم يسم هو ابن لهيعة، ذكر ذلك ابن عدي

(7)

وهو أيضًا ضعيف.

ورواه الدارقطني

(8)

(1)

في المسند (2/ 183).

(2)

لم يعزه صاحب التحفة (6/ 320) للنسائي.

(3)

في سننه رقم (3502).

(4)

في الموطأ رواية يحيى بن يحيى (2/ 609 رقم 1) ورواية أبي مصعب الزهري (2/ 305 رقم 2470) وفي كليهما: "عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب

"، وكذا رواية إسحاق بن عيسى عند أحمد (2/ 183)، والبلاغ إنما من رواية عبد الله بن مسلمة أخرجه أبو داود رقم (3502)، وهشام بن عمار أخرجه ابن ماجه رقم (2192).

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

في سننه رقم (2193) وهو حديث ضعيف.

(6)

حبيب بن أبي حبيب، كاتب مالك، واسم أبيه زريق، وقيل: مرزوق، أبو محمد المصري، وقيل: المدني. قال أحمد: ليس بثقة. قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو داود: كان من أكذب الناس. وقال ابن عدي: أحاديثه كلها موضوعة.

[المجروحين (1/ 265) والجرح والتعديل (3/ 100) والكاشف (1/ 145) والمغني (1/ 146) والميزان (1/ 452) والتقريب (1/ 149)].

(7)

في "الكامل"(4/ 153).

(8)

قال الحافظ في "لسان الميزان"(7/ 302 - ط: إحياء التراث): "روى الدارقطني في "غرائب مالك" من طريق أحمد بن هارون البَرْذَعِي، ثنا عيسى بن طلحة الرازيُّ، ثنا الهيثم بنُ اليمان، ثنا مالك، عن عمرو بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان".

قال الدارقطني: تفرد به الهيثم بن اليمان، عن مالك، عن عمرو بن الحارث. وقد رواه =

ص: 47

والخطيب

(1)

عن مالك عن عمرو بن الحارث عن عمرو بن شعيب وفي إسنادهما الهيثم بن اليمان، وقد ضعفه الأزدي

(2)

. وقال أبو حاتم

(3)

: صدوق.

ورواه البيهقي

(4)

موصولًا من غير طريق مالك.

وأخرج عبد الرزاق في مصنفه

(5)

عن زيد بن أسلم أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العربان في البيع فأحله. وهو مرسل، وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى

(6)

وهو ضعيف.

قوله: (العُربان)

(7)

بضم العين المهملة وإسكان الراء ثم موحدة مخففة،

= حبيب عن مالك، عنه، عن عبد الله بن عامر الأسلمي. وقيل: عن مالك، عن ابن لهيعة.

وهو في الموطأ (2/ 609 رقم 1) عن مالك أنه بَلَغَهُ عن عمرو بن شعيب اهـ.

(1)

لم أقف عليه عند الخطيب في "تاريخ بغداد".

(2)

كما في "الميزان"(4/ 326 رقم الترجمة 9318).

(3)

في الجرح والتعديل (9/ 86) وقد قال: صالح صادق.

(4)

في السنن الكبرى (5/ 342، 343).

(5)

كما في "التلخيص الحبير"(3/ 39) وقال الحافظ: "وهذا ضعيف مع إرساله والأسلمي هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى. وانظر: "التمهيد" ط: الفاروق (12/ 9 - 10).

(6)

قال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن معين: كذاب، وقال يحيى: كنا نتهمه بالكذب.

وروى الشافعي عنه وقال: كان ثقة في الحديث.

المجروحين (1/ 105) والجرح والتعديل (2/ 125) والميزان (1/ 57، 64).

(7)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 177): قيل: سُمِّي بذلك لأن فيه إعرابًا لعقد البيع، أي: إصلاحًا وإزالة فساد لئلا يملكه غيره باشترائه. الفائق (2/ 410).

• وبيع العربون: هو أن يدفع المشتري جزءًا من الثمن مقدمًا على أنه إن تم البيع حُسب من الثمن، وإن رجع المشتري وكره إتمام البيع لا يرجع إليه ما دفعه.

وبيع العربون على هذه الصورة ممنوع عند المالكية لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - وهو ضعيف - ولأنه بيع غرر وأكل مال بالباطل.

وهو أيضًا قول الشافعي، وأصحاب الرأي، وبعض الحنابلة. وقال الإمام أحمد: لا بأس به، وفعله عمر لما اشترى دار السجن من صفوان بن أمية، وضعّف الحديث المروي في النهي عنه.

وقال الجمهور: يحتمل أن الشراء الذي اشتري لعمر بالعربون كان على العربون الجائز، =

ص: 48

ويقال فيه: عُربون بضم العين والباء، ويقال بالهمز مكان العين.

قال أبو داود

(1)

: قال مالك

(2)

: وذلك فيم نرى والله أعلم أن يشتري الرجل العبد أو يتكارى الدابة ثم يقول: أعطيك دينارًا على أني إن تركت السلعة أو الكراء فما أعطيتك لك، اهـ.

وبمثل ذلك فسره عبد الرزاق

(3)

عن زيد بن أسلم، والمراد أنه إذا لم يختر السلعة أو اكترى الدابة كان الدينار أو نحوه للمالك بغير شيء وإن اختارهما أعطاه بقية القيمة أو الكراء.

وحديث الباب يدل على تحريم البيع مع العربان، وبه قال الجمهور (4)، وخالف في ذلك أحمد

(4)

فأجازه، وروي نحوه عن عمر وابنه.

ويدل على ذلك حديث زيد بن أسلم المتقدم وفيه المقال المذكور والأولى ما ذهب إليه الجمهور لأن حديث عمرو بن شعيب قد ورد من طرق يقوي بعضها بعضًا ولأنه يتضمن الحظر وهو أرجح من الإباحة كما تقرر في الأصول

(5)

.

والعلة في النهي عنه اشتماله على شرطين فاسدين.

(أحدهما): شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانًا إن اختار ترك السلعة.

(والثاني): شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع.

= الذي يُرد فيه العربون إذا لم يتم البيع، حتى يتفق فعل عمر مع الحديث.

وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي في قراره (رقم 3/ 76/ و 8) بجواز بيع العربون إذا قيد زمن الانتظار بمدة محدودة، فيحسب العربون من الثمن إذا تم الشراء، وإذا ترك المشتري إتمام العقد يكون العربون من حق البائع.

[مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 434 - 435) والمغني (331 - 332). والمجموع (9/ 408)].

(1)

في السنن (3/ 768).

(2)

في "التمهيد" ط: "الفاروق"(12/ 9).

(3)

انظر حاشية (5) في الصفحة السابقة.

(4)

المغني (6/ 331 - 332).

(5)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 916) بتحقيقي: "إنه يقدّم ما يقتضي الحظر على ما يقتضي الإباحة، قال ابنُ السمعاني: - كما في البحر المحيط (6/ 192) -: وهو الصحيح، وقيل: هما سواءٌ".

ص: 49

[الباب الثامن] باب تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرًا وكل بيع أعان على معصية

25/ 2182 - (عَنْ أنَسٍ قال: لَعَنَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في الخَمْرِ عَشَرَةً: عاصِرَها، ومُعْتَصِرَها، وشَارِبَها، وحامِلَها، والمَحْمُولَة إليهِ، وسَاقِيهَا، وبَائِعَهَا، وآكِلَ ثَمَنِها، والمُشْتَرِيَ لَهَا، والمُشتَرَاةَ لَهُ. رواهُ التِّرمذيُّ

(1)

وابْنُ ماجَهْ)

(2)

. [صحيح بشواهده]

26/ 2183 - (وعَنِ ابْنِ عمَرَ قالَ: لُعِنَتِ الْخَمْرَةُ على عشَرَةِ وُجُوهٍ، لُعِنَتِ الخَمْرَةُ بِعَيْنِها، وَشارِبِها، وسَاقِيهَا، وبَائِعِهَا، ومُبْتَاعِهَا، وعاصِرِهَا، ومُعْتَصِرِها، وحامِلِها، والمحمُولةِ إليهِ، وآكِل ثَمَنِها. رواهُ أحمدْ

(3)

وابْنُ ماجَهْ

(4)

وأبُو داوُدَ

(5)

بنَحْوِهِ لكنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ وآكِلِ ثَمَنِها. ولَمْ يقُلْ: عشَرَة). [صحيح بطرقه]

الحديث الأول قال الحافظ في التلخيص

(6)

: ورواته ثقات.

والحديث الثاني في إسناده عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي

(7)

أمير الأندلس، قال يحيى: لا أعرفه. وقال قوم: هو معروف وصححه ابن السكن

(8)

.

(1)

في سننه رقم (1295) وقال: هذا حديث غريب.

(2)

في سننه رقم (3381).

وللحديث شواهد بها يكون الحديث صحيحًا.

وانظر: "غاية المرام" ص 54 رقم (60) للمحدث الألباني.

(3)

في المسند (1/ 72).

(4)

في سننه رقم (3380).

(5)

في سننه رقم (3674).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1957) والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 305 - 306) والحاكم (4/ 144 - 145) والبيهقي (8/ 287) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح بطرقه. انظر: الإرواء رقم (1529).

(6)

في "التلخيص"(4/ 136).

(7)

قال الحافظ في "التقريب" رقم الترجمة (3927): عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، أمير الأندلس: مقبول

(8)

كما في "التلخيص"(4/ 136).

ص: 50

وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي داود

(1)

.

وعن ابن عباس عند ابن حبان

(2)

.

وعن ابن مسعود عند الحاكم

(3)

.

وعن بريدة عند الطبراني في الأوسط

(4)

من طريق محمد بن أحمد بن أبي خيثمة بلفظ: "من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرًا فقد تقحَّم النار على بصيرة".

حسنه الحافظ في بلوغ المرام

(5)

.

وأخرجه البيهقي

(6)

بزيادة: "أو ممن يعلم [أن]

(7)

يتخذه خمرًا".

وقد استدل المصنف رحمه الله [تعالى]

(8)

بحديثي الباب على تحريم بيع

(1)

في سننه رقم (3485)، وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (5356).

قلت: وأخرجه أحمد (1/ 316) والطبراني في الكبير رقم (12976) والحاكم (4/ 145) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(3)

لم أجده في المستدرك من حديث عبد الله بن مسعود.

بل أخرجه البزار في مسنده (5/ 39 رقم 1600) والطبراني في المعجم الكبير (ج 10 رقم 10057) وابن عدي في "الكامل"(5/ 1888). في ترجمة عيسى بن أبي عيسى الحنّاط.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 118) وقال: وفيه عيسى بن أبي عيسى الحناط وهو متروك".

وانظر: "العلل" لابن أبي حاتم (2/ 26 - 27 رقم 1558).

(4)

رقم (5356).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 90) وقال: فيه عبد الكريم بن عبد الكريم، قال أبو حاتم: حديثه على الكذب" اهـ.

(5)

رقم الحديث (37/ 772) بتحقيقي، وهو حديث باطل.

وانظر: "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 389 رقم 1165).

قال الذهبي في "الميزان"(1/ 523 رقم 1951) في ترجمة الحسن بن مسلم: "أتى بخبر موضوع في الخمر، ثم ساقه من رواية ابن حبان".

(6)

في شعب الإيمان رقم (5619) بسند ضعيف جدًّا.

(7)

كذا في المخطوط (أ) و (ب). وفي شعب الإيمان رقم (5619): "أنه".

(8)

زيادة من المخطوط (ب).

ص: 51

العصير ممن يتخذه خمرًا، وتحريم كل بيع أعان على معصية قياسًا على ذلك، وليس في حديثي الباب تعرض لتحريم بيع العنب ونحوه ممن يتخذه خمرًا، لأن المراد بلعن بائعها وآكل ثمنها بائع الخمر وآكل ثمن الخمر، وكذلك بقية الضمائر المذكورة هي للخمر ولو مجازًا كما في عاصرها ومعتصرها، فإنه يئول المعصور إلى الخمر، والذي يدلّ على مراد المصنف حديث بريدة الذي ذكرناه لترتيب الوعيد الشديد على من باع العنب إلى من يتخذه خمرًا

(1)

.

ولكن قوله: "حبس"، وقوله: "أو ممن يعلم [أن]

(2)

يتخذه خمرًا"، يدلان على اعتبار القصد والتعمد للبيع إلى من يتخذه خمرًا، ولا خلاف في التحريم مع ذلك.

وأما مع عدمه فذهب جماعة من أهل العلم إلى جوازه منهم الهادوية

(3)

مع الكراهة ما لم يعلم أنه يتخذه لذلك، ولكن الظاهر أن البيع من اليهودي والنصراني لا يجوز لأنه مظنة لجعل العنب خمرًا.

ويؤيد المنع من البيع مع ظن استعمال المبيع في معصية ما أخرجه الترمذي

(4)

. وقال: غريب من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا

(1)

قال ابن قدامة في "المغني"(6/ 317 - 318): "أنَّ بَيْعَ العصير لمن يعتقدُ أنه يتخذُه خمرًا محرَّم. وكرهه الشافعي، وذكر بعض أصحابه أن البائع إذا اعتقد أنه يعصرُها خمرًا، فهو مُحرَّم، وإنما يكره إذا شكَّ فيه.

وحكى ابن المنذر عن الحسن وعطاء والثوري؛ أنَّه لا بأسَ ببيع التمر ممن يتخذه مسكرًا. قال الثوري: بع الحلال ممن شئت، واحتج لهم بقول الله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، ولأن البيع تم بأركانه وشروطه.

ولنا قول الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وهذا نهي يقتضي. التحريم، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لعن في الخمر عشرةً

اهـ.

وانظر: "الفروع (4/ 42) وبدائع الصنائع (5/ 233) والكافي (2/ 677) وحلية العلماء (4/ 119) ومغني المحتاج (2/ 37 - 38).

(2)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) وفي شعب الإيمان رقم (5619): (أنه).

(3)

البحر الزخار (3/ 300).

(4)

في سننه رقم (3195) وقال: هذا حديث غريب إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة.

والقاسم ثقة، وعلي بن يزيد يُضعف في الحديث قاله محمد بن إسماعيل. وأخرجه أيضًا الترمذي رقم (1282).

ص: 52

القينات المغنيات ولا تشتروهنّ ولا تعلِّموهن، ولا خير في تجارة فيهنّ، وثمنهنَّ حرام"

(1)

.

[الباب التاسع] باب النهي عن بيع ما لا يملكه ليمضي فيشتريه ويسلمه

27/ 2184 - (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَام قالَ: قلْتُ: يا رسُولَ الله يأتِينِي الرَّجُلُ فيَسْألنِي [عَن]

(2)

البَيعِ لَيْس عنْدِي [ما]

(3)

أبيعُهُ منْهُ، ثمَّ أبْتاعُهُ مِن السُّوقِ، فقال:"لَا تَبعْ ما لَيْس عنْدكَ"، رواهُ الخَمْسَةُ)

(4)

. [صحيح]

(1)

قال الشوكاني في "السيل الجرار"(2/ 543).

"أقول: قد أراد المصنفُ بهذا الإشارةَ إلى ما هو جائزٌ للبيع وإلى ما لا يجوز بيعُه، فكل ما كان يتعلق به منفعةٌ يُحِلُّها الشرْعُ فبيعُه جائزٌ، وكلُّ ما كان لا منفعةَ له أصلًا، وكانت تلك المنفعةُ غيرَ جائزةٍ فبيعُه غيرُ جائزٍ، لأن الوسيلةَ إلى الحرام حرامٌ، ولكن لا بد أن يكون النفعُ في ذلك الشيء لا يكونُ في حرام على كل حال، أما لو كان مما يمكن أن يكون نفعُه حلالًا في حالة وحرامًا في حالة، أو مما يستعمله هذا في حرام، وهذا في حلال، فإن علمَ البائعُ أن ذلك المشتريَ لا يستعمله إلا في حرام لم يَحِلَّ بيعُه وإن علِمَ أنه يستعمله في حلال حلّ بيعُه، وإن بقيَ الأمرُ ملبّسًا مع إمكان استعمالِه في الحلال والحرامِ جاز بيعُه لأنه لم يوجد المانعُ من البيع، ومجردُ التردُّد مع عدم الترجيحِ لا اعتبارَ به".

ثم يذكر الشوكاني رحمه الله الأدلة على ذلك

ثم يتابع فيقول:

"فالحاصلُ أنه إذا كان الغالبُ في الانتفاع بالمبيع هو المنفعة المحرَّمةَ فلا يجوز بيعُه، وكانت هذه الغَلَبَةُ توجب حصولَ الظنِّ للبائع بأن المشتريَ ما أراد بشرائه لتلك العين إلا تلك المنفعةَ المحرّمةَ، وأما إذا لم تكن ثَمّ غلبَةٌ فالأمرُ كما قدمنا، ومن هذا بيعُ العِنبِ والتَّمر إلى من يغلِب على الظن أنه يتخذه خمرًا، وبيعُ آلاتِ الملاهي إلى من يلهو بها، فإن ذلك غيرُ جائزٍ لأن تلك المنفعة حرامٌ، وكلُّ حرايم يحرُم بيعُه والمنفعةُ هي المقصودةُ لا مجردُ العَيْنِ من غير نظر إلى وجه من وجوه الانتفاع بها" اهـ.

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ)، (ب) والمثبت من مصادر الحديث.

(4)

أحمد في المسند (3/ 402، 434) وأبو داود رقم (3503) والترمذي رقم (1232) والنسائي رقم (4613) وابن ماجه رقم (2187).

وهو حديث صحيح.

ص: 53

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه

(1)

، وقال الترمذي

(2)

: حسن صحيح، وقد روي من غير وجه

(3)

عن حكيم، انتهى.

وفي بعض طرقه عبد الله بن عصمة

(4)

، زعم عبد الحق

(5)

أنه ضعيف جدًّا، ولم يتعقبه ابن القطان

(6)

، بل نقل عن ابن حزم

(7)

أنه مجهول.

قال الحافظ: وهو جرح مردود، فقد روى عنه ذلك ثلاثة، كما في التلخيص

(8)

، وقد احتج به النسائي.

وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند أبي داود

(9)

والترمذي

(10)

وصححه والنسائي

(11)

وابن ماجه

(12)

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا

(1)

في صحيحه رقم (4985) بسند صحيح.

(2)

في السنن (3/ 535).

(3)

أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (4983) والدارقطني (2/ 9) وابن الجارود في المنتقى رقم (602) وعبد الرزاق في المصنف رقم (14214).

وأحمد (3/ 402) والطيالسي رقم (1318) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 41) والبيهقي (5/ 313) من طرق.

(4)

عبد الله بن عصمة روى عنه جمع وذكره ابن حبان في "الثقات"(5/ 27).

(5)

في الأحكام الوسطى (6/ 253).

(6)

في "بيان الوهم والإيهام"(2/ 318).

(7)

في المحلى (8/ 519): ولكنه قال: متروك.

وقال عنه الحافظ في "التقريب"(1/ 433): "مقبول".

وقال الذهبي في "الكاشف"(2/ 98): "ثقة".

وقال في "الميزان"(2/ 461): "لا يُعرف".

قلت: وقول الذهبي في الكاشف "ثقة" في شك منه، ولا بد أنه تصحيف من لجنة التحقيق. والمعتمد قول الذهبي في الميزان.

وقال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(2/ 386): "قال ابن حزم في "البيوع": متروك، وتلقى ذلك عبد الحق فقال: ضعيف جدًّا، وقال ابن القطان: بل هو مجهول الحال. وقال شيخنا: لا أعلم أحدًا من أئمة الجرح والتعديل تكلم فيه بل ذكره ابن حبان في "الثقات" اهـ.

(8)

التلخيص الحبير (3/ 10).

(9)

في السنن رقم (3504).

(10)

في السنن رقم: (1234) وقال: حديث حسن صحيح.

(11)

في السنن رقم: (4612).

(12)

في السنن رقم (2188).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

ص: 54

يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح، ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك".

قوله: (ما ليس عندك) أي ما ليس في ملكك وقدرتك، والظاهر أنه يصدق على العبد المغصوب الذي لا يقدر على انتزاعه ممن هو في يده، وعلى الآبق الذي لا يعرف مكانه، والطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه.

ويدل على ذلك معنى (عند) لغة. قال الرَّضيُّ: إنها تستعمل في الحاضر القريب وما هو في حوزتك وإن كان بعيدًا

(1)

انتهى، فيخرج عن هذا ما كان غائبًا خارجًا عن الملك أو داخلًا فيه خارجًا عن الحوزة، وظاهره أنه يقال لما كان حاضرًا وإن كان خارجًا عن الملك.

فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبع ما ليس عندك"، أي ما ليس حاضرًا عندك ولا غائبًا في ملكك وتحت حوزتك.

قال البغوي

(2)

: النهي في [هذا]

(3)

الحديث عن بيوع الأعيان التي لايملكها.

أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السَّلَم بشروطه، فلو باع شيئًا موصوفًا في ذمته عام الوجود عند المحل المشروط في البيع جاز، وإن لم يكن المبيع موجودًا في ملكه [حالة]

(4)

العقد كالسَّلَم.

قال: وفي معنى بيع ما ليس عنده في الفساد بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله، فإن اعتاد الطائر أن يعود ليلًا لم يصح عند الأكثر إلا النحل فإن الأصح فيه الصحة كما قاله النووي في زيادات الروضة، وظاهر النهي تحريم [بيع]

(5)

ما لم يكن في ملك الإنسان ولا داخلًا تحت مقدرته.

وقد استثني من ذلك السَّلَم، فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم، وكذلك إذا كان المبيع في ذمة المشتري إذ هو كالحاضر المقبوض.

(1)

انظر: "تاج العروس"(5/ 131).

(2)

في شرح السنة (8/ 140 - 141).

(3)

زيادة من المخطوط (أ).

(4)

في المخطوط (ب): (حال).

(5)

سقطت من المخطوط (ب).

ص: 55

[الباب العاشر] باب من باع سلعة من رجل ثم من آخر

28/ 2185 - (عَنْ سَمُرَةَ [بن جندب]

(1)

عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أيُّما امْرَأةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهْيَ لِلأوَّلِ مِنْهُما، وأيُّما رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهْوَ لِلأَولِ مِنْهُما". رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا أن ابْنَ ماجَهْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فَصْلَ النِّكاحِ)

(2)

. [ضعيف]

وهْوَ يَدُلُّ بعُمُومِهِ على فَسادِ بَيْعِ البَائِعِ المَبيعَ وَإِنْ كانَ في مُدَّةِ الْخِيارِ).

الحديث هو من رواية الحسن عن سمرة، وفي سماعه منه خلاف قد تقدم وقد حسنه الترمذي

(3)

وصححه أبو زرعة وأبو حاتم والحاكم

(4)

.

قال الحافظ

(5)

: وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة، ورجاله ثقات.

ورواه الشافعي وأحمد

(6)

والنسائي

(7)

من طريق قتادة عن الحسن عن عقبة بن

(1)

زيادة من المخطوط (ب).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 8) وأبو داود رقم (2088) والترمذي رقم (1110) والنسائي رقم (4682) وابن ماجه رقم (2190).

قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 174 - 175) والبيهقي (7/ 139، 141) والطيالسي رقم (903) من طرق.

قال الترمذي: حديث حسن.

وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.

وصححه أيضًا أبو زرعة وأبو حاتم كما في "التلخيص"(3/ 339).

وقال الحافظ: "وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة. فإن رجاله ثقات".

وقال الألباني في الإرواء (6/ 255): "قلت: بل صحته متوقفة على تصريح الحسن بالتحديث فإنه كان يدلس، كما ذكره الحافظ نفسه في ترجمته من "التقريب" فلا يكفي والحالة هذه ثبوت سماعه من سمرة في الجملة، بل لا بد من ثبوت حصوص سماعه في هذا الحديث كما هو ظاهر".

وخلاصة القول أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

في السنن (9/ 413).

(4)

كما في "التلخيص"(3/ 339).

(5)

في "التلخيص"(3/ 339).

(6)

في المسند (4/ 194).

(7)

في السنن الكبرى (6/ 86 رقم 6235) من طريق قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر، =

ص: 56

عامر. قال الترمذي

(1)

: الحسن عن سمرة في هذا أصح.

قوله: (فهي للأول منهما) فيه دليل على أن المرأة إذا عقد لها وليَّان لزوجين كانت لمن عقد له أول الوليين من الزوجين، وبه قال الجمهور

(2)

، وسواء كان قد دخل بها الثاني أم لا.

وخالف في ذلك مالك وطاوس والزهري. وروي عن عمر

(3)

، فقالوا: إنها تكون للثاني إذا كان قد دخل بها، لأن الدخول أقوى، والخلاف في تفاصيل هذه المسألة بين المفرِّعين طويل.

قوله: (وأيما رجل باع

) إلخ، فيه دليل على أن من باع شيئًا من رجل ثم باعه من آخر لم يكن للبيع الآخر حكم، بل هو باطل لأنه باع غير [ما يملك]

(4)

، إذ قد صار في ملك المشتري الأول ولا فرق بين أن يكون البيع الثاني وقع في

= وسمرة بن جندب، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله سواء".

(1)

قال الترمذي: الحسن، عن سمرة في هذا أصح، وقال ابن المديني: لم يسمع الحسن من عقبة شيئًا. كما في "التلخيص"(3/ 339).

(2)

قال ابن قدامة في "المغني"(9/ 428 - 429 رقم 1127): "وجملة ذلك أنه إذا كان للمرأة وليان، فأذنت لكل واحدٍ منهما في تزويجها، جاز سواءٌ أذنت في رجل معين أو مطلقًا، فقالت: قد أذنت لكل واحدٍ من أوليائي في تزويجي من أراد.

فإذا زوَّجها الوليان لرجلين، وعلم السابق منهما، فالنكاح له، دخل بها الثاني أو لم يدخل.

وهذا قول الحسن، والزهري، وقتادة، وابن سيرين، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأبي عُبيد، وأصحاب الرأي.

وبه قال عطاء، ومالك، ما لم يدخل بها الثاني، فإن دخل بها الثاني صار أولى؛ لقول عمر: إذا أنكح الوليان، فالأول أحق، ما لم يدخل بها الثاني.

ولأن الثاني اتصل بعقده القبض فكان أحق. ولنا - أي للحنابلة - ما روى سمرة وعقبة - تقدم تخريجهما - ورويَ نحو ذلك عن علي وشريح، ولأن الثاني تزوج امرأةً في عصمة زوج، فكان باطلًا، كما لو علم أنَّ لها زوجًا، ولأنه نكاح باطل لو عَرِيَ عن الدخول، فكان باطلًا وإن دخلَ، كنكاح المعتدة والمرتدة، وكما لو علمَ" اهـ.

(3)

قال ابن قدامة في "المغني"(9/ 429): حديث عمر رضي الله عنه، فلم يصححه أصحاب الحديث، وقد خالفه قول علي رضي الله عنه، وجاء على خلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم ".

(4)

في المخطوط (ب): (ما ملك).

ص: 57

مدة الخيار أو بعد انقراضها، لأن المبيع قد خرج عن ملكه بمجرد البيع.

[الباب الحادي عشر] باب النهي عن بيع الدَّين بالدين وجوازه بالعين ممن هو عليه

29/ 2186 - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكالِئِ بالكالئِ)، رَواه الدَّارَقُطْنيُّ

(1)

. [ضعيف]

30/ 2187 - (وعَنِ ابْنِ عمَرَ قالَ: أَتَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقُلْتُ: إنِّي أبِيعُ الإِبلَ بالْبَقِيعِ فأبيعُ بالدَّنَانِيرِ وآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبيعُ بالدَّراهِمِ وآخُذُ الدَّنَانِير، فقالَ:"لا بأسَ أنْ تأخُذَ بسعْرِ يَوْمِها ما لَمْ تَفْتَرقا وبَيْنكُمَا شَيْءٌ"، رَواهُ الخَمْسَةُ

(2)

. [ضعيف]

وفي لفْظِ بعْضِهِمْ: أبِيعُ بالدّنانيرِ وآخُذُ مَكانَها الوَرِقَ، وَأبيعُ بالوَرِقِ وآخُذُ مَكانها الدَّنانيرَ.

(1)

في سننه رقم (3/ 72 رقم 270).

قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 57) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وهو ليس كما قالا، والذي يبدو أنهما صحَّحاه على أن راويه هو "موسى بن عقبة" الحافظ الكبير وليس كذلك. بل هو "موسى بن عبيدة الربذي" الضعيف المتروك.

وقد ضعَّف الألباني رحمه الله الحديث في الإرواء (5/ 220 رقم 1382).

قلت: وأخرجه البزار رقم (1280 - كشف) وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 80) مطولًا. وقال: قلت: في الصحيح طرف منه رواه البزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف.

قلت: وليس في الصحيح متن حديث الباب.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

• وانظر ترجمة موسى بن عبيدة الربذي في: الكامل (6/ 2333) والثقريب (2/ 286).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 83) وأبو داود رقم (3354) والترمذي رقم (1242) والنسائي رقم (4582) وابن ماجه رقم (2262).

قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر.

وأفصح ابن حزم في المحلى (8/ 503 - 504) عن علة هذا الحديث بقوله: "سماك بن حرب ضعيف يقبل التلقين، شهد عليه بذلك شعبة".

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف. وقد ضعفه الألباني في الإرواء (5/ 173 رقم 1326).

ص: 58

وَفِيهِ دَلِيلٌ على جَوَازِ التَّصرُّفِ في الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإنْ كانَ في مُدّةِ الْخِيارِ وعلى أن خِيَارَ الشَرْطِ لَا يَدْخُلُ الصَّرْفَ).

الحديث الأول صححه الحاكم

(1)

على شرط مسلم، وتعقب بأنه تفرد به موسى بن عبيدة الربذي كما قال الدارقطني

(2)

وابن عدي

(3)

.

وقد قال فيه أحمد

(4)

: لا تحل الرواية عنه عندي ولا أعرف هذا الحديث عن غيره. وقال: ليس في هذا أيضًا حديث يصح، ولكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين.

وقال الشافعي

(5)

: أهل الحديث يوهنون هذا الحديث، اهـ.

ويؤيده ما أخرجه الطبراني

(6)

عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بيع كالئ [بكالئ]

(7)

دين بدين" ولكن في إسناده موسى المذكور فلا يصلح شاهدًا.

والحديث الثاني صححه الحاكم

(8)

وأخرجه ابن حبان

(9)

والبيهقي

(10)

.

وقال الترمذي

(11)

: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث سماك بن حرب، وذكر أنه روي عن ابن عمر موقوفًا.

وأخرجه النسائي

(12)

موقوفًا عليه أيضًا. قال البيهقي

(13)

: والحديث تفرد

(1)

في المستدرك (2/ 57) وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

بل هو حديث ضعيف كما تقدم.

(2)

في "العلل" كما في "التلخيص"(3/ 62).

(3)

في "الكامل"(6/ 335).

(4)

نقله عنه ابن عدي في الكامل في المرجع السابق.

(5)

في "الأم"(4/ 17 رقم 1446).

(6)

في المعجم الكبير (ج 4 رقم 4375).

(7)

في المخطوط (ب): (بالكالئ).

(8)

في المستدرك (2/ 44) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(9)

في صحيحه رقم (4920).

(10)

في السنن الكبرى (5/ 284).

(11)

في السنن (3/ 544).

(12)

في سننه رقم (4582) وهو حديث صحيح.

(13)

في السنن الكبرى (5/ 284).

ص: 59

برفعه سماك بن حرب. وقال شعبة: رفعه لنا سماك وأنا أفرّقه.

قوله: (الكالئ بالكالئ) هو مهموز. قال الحاكم: عن أبي الوليد حسان هو بيع النسيئة بالنسيئة، كذا نقله أبو عبيد في الغريب

(1)

، وكذا نقله الدارقطني عن أهل اللغة. وروى البيهقي

(2)

عن نافع قال: هو بيع الدَّين بالدَّين.

وفيه دليل على عدم جواز بيع الدين بالدين، وهو إجماع كما حكاه أحمد في كلامه السابق، وكذا لا يجوز بيع كل معدوم بمعدوم.

قوله: (بالبقيع)، قال الحافظ

(3)

: بالباء الموحدة كما وقع عند البيهقي في بقيع الغرقد.

قال النووي: ولم يكن إذ ذاك قد كثرت فيه القبور. وقال ابن باطيش: لم أر من ضبطه والظاهر أنه بالنون، حكى ذلك عنه في التلخيص

(4)

وابن رسلان في شرح السنن.

قوله: (لا بأس

) ألخ، فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيره، وظاهره أنهما غير حاضرين جميعًا، بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم، فيدلّ على أن ما في الذمة كالحاضر.

قوله: (ما لم تفترقا وبينكما شيء) فيه دليل على أن جواز الاستبدال مقيد بالتقابض في المجلس، لأن الذهب والفضة مالان ربويان، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر إلا بشرط وقوع التقابض في المجلس، وهو محكيّ عن عمر وابنه عبد الله والحسن والحكم وطاوس والزهري ومالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وغيرهم

(5)

.

(1)

(1/ 20) وانظر: "النهاية"(2/ 556) ط: المعرفة والفائق (3/ 273).

(2)

في السنن الكبرى (5/ 285).

(3)

في "التلخيص الحبير"(3/ 61).

(4)

(3/ 61).

(5)

انظر: "المغني"(6/ 112 - 113) وبداية المجتهد (3/ 374 - 376 المسألة الأولى) بتحقيقي، وحلية العلماء (4/ 147 - 149) ورؤوس المسائل الخلافية بين جمهور الفقهاء لأبي المواهب الحسين بن محمد العكبري الحنبلي (2/ 674 - 675) ورؤوس المسائل للزمخشري ص 278 - 279.

ص: 60

وروي عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب، وهو أحد قولي الشافعي أنه مكروه، أي الاستبدال المذكور، والحديث يردّ عليهم.

واختلف الأوّلون، فمنهم من قال: يشترط أن يكون بسعر [يومها]

(1)

كما وقع في الحديث وهو مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة والشافعي: إنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص، وهو خلاف ما في الحديث من قوله:(بسعر يومها) وهو أخص من حديث: "إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد"

(2)

، فيبنى العامُ على الخاص.

[الباب الثاني عشر] باب نهي المشتري عن بيع ما اشتراه قبل قبضه

31/ 2188 - (عَنْ جَابِر قالَ: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ابْتَعْتَ طعَامًا فلا تَبعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ". رَوَاهُ أحمَدُ

(3)

ومُسْلِمٌ)

(4)

. [صحيح]

32/ 2189 - (وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُشْتَرى الطَّعَامُ ثمَّ يُباعُ حَتَّى يُسْتَوْفَى. رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

ومُسْلِمٌ

(6)

.

ولمُسْلِمٍ

(7)

أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنِ اشْتَرَى طعامًا، فَلا يَبعُه أحَتَّى يَكْتَالَهُ] ")

(8)

. [صحيح]

33/ 2190 - (وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ قالَ: قُلْتُ: يا رسُولَ الله [إنِّي]

(9)

أشْتَري بُيوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمْ عليَّ؟ قالَ: "إذا اشْتَرَيْتَ شَيْئًا فَلا تَبِعْهُ

(1)

في المخطوط (ب): يومهما.

(2)

أخرجه أحمد (5/ 320) ومسلم رقم (81/ 1587) وأبو داود رقم (3350) والترمذي رقم (1240). وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (3/ 327).

(4)

في صحيحه رقم (41/ 1529).

(5)

في المسند (2/ 329).

(6)

في صحيحه رقم (40/ 1528).

(7)

في صحيحه رقم (39/ 1528).

(8)

في المخطوط (ب): (حتى يقبضه يكتاله).

(9)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 61

حَتَّى تَقْبِضَهُ". رَوَاهُ أحمدُ)

(1)

. [صحيح لغيره]

34/ 2191 - (وعَنْ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تُباعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ يَحوزَها التُّجَّارُ إلى رِحالِهِمْ. رَواهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

والدَّارَقُطْنِيُّ)

(3)

. [حسن]

35/ 2192 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كانوا يَتبايَعُون الطَّعَامَ جُزافًا بِأَعْلى السُّوقِ، فَنَهاهُمْ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَبيعُوهُ حَتَّى يَنْقُلوهُ. رَواهُ الجَماعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ ماجَهْ

(4)

. [صحيح]

وَفي لَفْظٍ في الصَّحِيحَيْنِ

(5)

: حَتَّى يُحَوِّلوهُ. [صحيح]

ولِلْجَمَاعَةِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ

(6)

: "مَنِ ابْتاعَ طَعَامًا فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ". [صحيح]

ولِأَحْمَدَ

(7)

: "مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِكَيْلٍ أوْ وَزْنٍ فَلا يَبِعْهُ حَتّى يَقْبِضَهُ"، ولأبي

(1)

في المسند (3/ 402) وفيه رجل مبهم. وقد جاء التصريح باسمه وهو يعلى بن حكيم عند ابن الجارود في المنتقى (رقم 602) وابن حبان رقم (4983) والدارقطني في سننه (3/ 9 رقم 27) من طريق همام بن يحيى العوذي.

وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 41) والدارقطني (3/ 8 - 9 رقم 25) من طريق أبان بن يزيد العطار.

كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، عن يعلى بن حكيم، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن خزام، به.

قلت: وعبد الله بن عصمة لم يجرحه أحد ولم يوثقه إلا ابن حبان كما تقدم قريبًا.

وخلاصة القول، أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(2)

في سننه رقم (3499) وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.

(3)

في سننه رقم (3/ 13 رقم 36).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 40) وابن حبان في صحيحه رقم (4984).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(4)

أحمد (2/ 15) والبخاري رقم (2137) ومسلم رقم (37/ 1527) وأبو داود رقم (3494) والنسائي رقم (4606).

(5)

البخاري رقم (2137) وفيه: "حتى يؤوه" ومسلم رقم (37/ 1527).

(6)

أحمد (2/ 59) والبخاري رقم (2136) ومسلم رقم (36/ 1526) وأبو داود رقم (3492) والنسائي رقم (4596) وابن ماجه رقم (2226).

(7)

في المسند (2/ 111) بسند ضعيف لضعف ابن لهيعة. =

ص: 62

دَاوُدَ

(1)

والنَّسَائيِّ

(2)

: نَهَى أنْ يَبيعَ أحَدٌ طعَامًا اشْتَراهُ بِكَيْل حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ). [صحيح]

36/ 2193 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنِ ابْتاعَ طَعَامًا فلَا يَبِعْهُ حَتى يَسْتَوْفيَهُ"، قال ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا أحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ. رَواهُ الجَماعَةُ إلَّا التّرْمِذِيَّ)

(3)

. [صحيح]

وفي لفْظٍ في الصَّحِيحَيْنِ

(4)

: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فلا يَبِيعْهُ حتى يَكْتالَهُ"). [صحيح]

حديث حكيم بن حزام، أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير

(5)

، وفي إسناده العلاء بن خالد الواسطي

(6)

، وثقه ابن حبان

(7)

وضعفه موسى بن إسماعيل.

وقد أخرج النسائي

(8)

بعضه، وهو طرف من حديثه المتقدم في باب النهي عن بيع ما لا يملكه.

وحديث زيد بن ثابت، أخرجه أيضًا الحاكم

(9)

وصححه، وابن حبان

(10)

وصححه أيضًا.

قوله: (إذا ابتعت طعامًا)، وكذا قوله في الحديث الثاني: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم

إلخ. وكذا قوله: من اشترى طعامًا.

وكذلك بقية ما فيه التصريح بمطلق الطعام في حديث الباب في جميعها

= قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3495) والنسائي (4604) والطحاوي في شرح المعاني (4/ 38) والطبراني رقم (13098) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 314) وهو حديث صحيح.

(1)

في سننه رقم (3495) وقد تقدم.

(2)

في سننه رقم (4604) وقد تقدم.

(3)

أحمد (1/ 368) والبخاري رقم (2135) ومسلم رقم (19/ 1522) وأبو داود (3497) والنسائي رقم (4600) وابن ماجه رقم (2227).

وهو حديث صحيح.

(4)

البخاري رقم (2132) ومسلم رقم (31/ 1525).

(5)

في المعجم الكبير (ج 3 رقم 3108).

(6)

انظر: تهذيب التهذيب (3/ 342 - 343).

(7)

في "الثقات"(7/ 267).

(8)

في سننه رقم (4613).

(9)

في المستدرك (2/ 40) وقد تقدم.

(10)

في صحيحه رقم (4963) وقد تقدم.

ص: 63

دليل على أنه لا يجوز لمن اشترى طعامًا أن يبيعه حتى يقبضه من غير فرق بين الجزاف وغيره، وإلى هذا ذهب الجمهور

(1)

.

وروي عن عثمان البتي أنه يجوز بيع كل شيء قبل قبضه، والأحاديث تردّ عليه، فإن النهي يقتضي التحريم

(2)

بحقيقته، ويدل على الفساد المرادف للبطلان

(3)

كما تقرر في الأصول، وحكى في الفتح

(4)

عن مالك في المشهور عنه

(5)

الفرق بين الجزاف وغيره، فاجاز بيع الجزاف قبل قبضه، وبه قال الأوزاعي

(6)

وإسحاق

(7)

.

(1)

قال النووي رحمه الله في "المجموع"(9/ 326 - 327): "فرع: في مذاهب العلماء في بيع المبيع قبل القبض. قد ذكرنا أن مذهبنا - أي الشافعية - بطلانه مطلقًا، سواء كان طعامًا أو غيره، وبه قال ابن عباس، ثبت ذلك عنه، ومحمد بن الحسن.

قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن من اشترى طعامًا فليس له بيعه حتى يقبضه.

قال: واختلفوا في غير الطعام على أربعة مذاهب:

(أحدها): لا يجوز بيع شيء قبل قبضه سواء جميع المبيعات كما في الطعام، قاله الشافعي ومحمد بن الحسن.

(والثاني: يجوز بيع كل مبيع قبل قبضه إلا المكيل والموزون قاله عثمان بن عفان، وسعيد بن المسيب، والحسن، والحكم، وحماد، والأوزاعي وأحمد وإسحاق.

(والثالث): لا يجوز بيع مبيع قبل قبضه إلا الدور والأرض، قاله أبو حنيفة وأبو يوسف.

(والرابع): يجوز بيع كل مبيع قبل قبضه إلا المأكول والمشروب، قاله مالك وأبو ثور.

قال ابن المنذر: وهو أصح المذاهب لحديث النهي عن بيع الطعام قبل أن يستوفى - ثم ذكر النووي الأدلة -

" اهـ.

وانظر: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(3/ 282 - 284) بتحقيقي، والمغني لابن قدامة (6/ 188 - 191) رقم المسألة (733).

(2)

إرشاد الفحول (ص 384) بتحقيقي، وتيسير التحرير (1/ 375) والتبصرة ص 99.

(3)

إرشاد الفحول (ص 386). وتيسير التحرير (1/ 377).

(4)

في "الفتح"(4/ 350 - 351).

(5)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 302 - 308).

والاستذكار (19/ 257 رقم 28936 و 28941).

(6)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(19/ 257 رقم 28938): وقول الأوزاعي في ذلك كقول مالك في الطعام إذا ابتيع جزافًا.

(7)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(19/ 260 رقم 28957): وقال إسحاق وأبو عبيد: كل شيء لا يكال، ولا يوزن، فلا بأس ببيعه قبل قبضه.

ص: 64

واحتجوا بأن الجزاف يرى فيكفي فيه التخلية، والاستيفاء إنما يكون في مكيل أو موزون.

وقد روى أحمد

(1)

من حديث ابن عمر مرفوعًا: من اشترى طعامًا بكيل أو وزن فلا يبيعه حتى يقبضه. ورواه أبو داود

(2)

والنسائي

(3)

بلفظ: "نهى أن يبيع أحد طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه"، كما ذكره المصنف، وللدارقطني

(4)

من حديث جابر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري".

ونحوه للبزار

(5)

من حديث أبي هريرة. قال في الفتح: بإسناد حسن قالوا: وفي ذلك دليل على أن القبض إنما يكون شرطًا في المكيل والموزون دون الجزاف.

واستدل الجمهور بإطلاق أحاديث الباب، وبنصّ حديث ابن عمر، فإنه صرّح فيه بأنهم كانوا يبتاعون جزافًا، الحديث.

ويدل لما قالوا: حديث حكيم بن حزام

(6)

المذكور لأنه يعم كل مبيع.

ويجاب عن حديث ابن عمر وجابر اللذين احتج بهما مالك ومن معه بأن التنصيص على كون الطعام المنهي عن بيعه مكيلًا أو موزونًا لا يستلزم عدم ثبوت

(1)

في المسند (2/ 111) بسند ضعيف لضعف ابن لهيعة.

(2)

في سننه رقم (3495).

(3)

في سننه رقم (4654).

وقد تقدم. وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (3/ 8 رقم 24).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2228) وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 183): "هذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو عبد الرحمن الأنصاري

".

وخلاصة القول أن الحديث حسن، والله أعلم.

(5)

في المسند رقم (1265 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 98 - 99) وقال: فيه مسلم بن أبي مسلم الجرمي، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله رجال الصحيح". وانظر ص 71 رقم التعليقة (1) من هذا الجزء.

(6)

تقدم برقم (33/ 2190). من كتابنا هذا.

ص: 65

الحكم في غيره، نعم لو لم يوجد في الباب إلا الأحاديث التي فيها إطلاق لفظ الطعام لأمكن أن يقال: إنه يحمل المطلق على المقيد بالكيل والوزن.

وأما بعد التصريح بالنهي عن بيع الجزاف قبل قبضه كما في حديث ابن عمر فيتحتم المصير إلى أن حكم الطعام متحد من غير فرق بين الجزاف وغيره.

ورجح صاحب ضوء النهار

(1)

أن هذا الحكم، أعني تحريم بيع الشيء قبل قبضه مختص بالجزاف دون المكيل والموزون وسائر المبيعات من غير الطعام، وحكي هذا عن مالك.

ويجاب عنه بما تقدم من إطلاق الطعام والتصريح بما هو أعم منه كما في حديث حكيم، والتنصيص على تحريم بيع المكيل من الطعام والموزون كما في حديث ابن عمر وجابر، وما حكاه عن مالك خلاف ما حكاه عنه غيره، فإن صاحب الفتح

(2)

حكى عنه ما تقدم، وهو مقابل لما حكاه عنه، وكذلك روى عن مالك ما يخالف ذلك ابن دقيق العيد

(3)

وابن القيم

(4)

وابن رشد في أبداية،

(5)

المجتهد

(6)

وغيرهم.

وقد سبق صاحب ضوء النهار إلى هذا المذهب ابن المنذر، ولكنه لم يخصص بعض الطعام دون بعض، بل سوَّى بين الجزاف وغيره، ونفى اعتبار القبض عن غير الطعام.

وقد حكى ابن القيم في بدائع الفوائد

(7)

عن أصحاب مالك كقول ابن

(1)

(3/ 1128).

(2)

(4/ 351).

(3)

في "إحكام الأحكام"(3/ 150).

(4)

في "بدائع الفوائد"(3/ 250 - 251).

(5)

في المخطوط (ب): (نهاية).

(6)

(3/ 282 وما بعدها).

(7)

قال ابن القيم في بدائع الفوائد (2/ 250 - 251): "فائدة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه ونهى عن بيع ما لم يقبض في حديث حكيم بن حزام، وزيد بن ثابت.

فقال أصحاب مالك: النهي مخصوص بالطعام دون غيره.

فمنهم من قال: هو من باب حمل المطلق على المقيد وهو فاسد كما تقدم، فإنه عام وخاص، ولفظه:"إذا اشتريت شيئًا فلا تبعه حتى تقبضه".

ومنهم من قال: خاص وعام تعارضا فقدم الخاص على العام وهو أفسد من الأول إذ لا تعارض بين ذكر الشيء بحكم وذكر بعضه به بعينه.

ومنهم من قال: هو من باب تخصيص العموم بالمفهوم وهذا المأخذ أقرب لكنه ضعيف =

ص: 66

المنذر، ويكفي في ردّ هذا المذهب حديث حكيم فإنه يشمل بعمومه غير الطعام، وحديث زيد بن ثابت فإنه مصرح بالنهي في السلع.

وقد استدل من خصص هذا الحكم بالطعام بما في البخاري

(1)

من حديث ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من عمر بكرًا كان ابنه راكبًا عليه، ثم وهبه لابنه قبل قبضه".

ويجاب عن هذا بأنه خارج عن محل النزاع لأن البيع معاوضة بعوض، وكذلك الهبة إذا كانت بعوض وهذه الهبة الواقعة من النبي صلى الله عليه وسلم ليست على عوض، وغاية ما في الحديث جواز التصرّف في المبيع قبل قبضه بالهبة بغير عوض، ولا يصح الإلحاق للبيع وسائر التصرفات بذلك، لأنه مع كونه فاسد الاعتبار قياس مع الفارق، وأيضًا قد تقرر في الأصول

(2)

أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر الأمة أو نهاها أمرًا أو نهيًا خاصًّا بها ثم فعل ما يخالف ذلك ولم يقم دليل يدل على التأسي في ذلك الفعل بخصوصه كان مختصًا به، لأن هذا الأمر أو النهي الخاصين بالأمة في مسئلة مخصوصة هما أخص من أدلة التأسي العامة مطلقًا، فيبنى العام على الخاص.

وذهب بعض المتأخرين

(3)

إلى تخصيص التصرف الذي نهى عنه قبل القبض بالبيع دون غيره قال: فلا يحل البيع ويحل غيره من التصرفات وأراد بذلك الجمع بين أحاديث الباب وحديث شرائه صلى الله عليه وسلم للبكر، ولكنه يعكر عليه أن ذلك يستلزم إلحاق جميع التصرفات التي بعوض وبغير عوض بالهبة بغير عوض، وهو إلحاق مع الفارق.

وأيضًا إلحاقها بالهبة المذكورة دون البيع الذي وردت بمنعه الأحاديث تحكم، والأولى الجمع بإلحاق التصرفات بعوض بالبيع، فيكون فعلها قبل القبض

= هنا لأن الطعام هنا وإن كان مشتقًا فاللقبية أغلب عليه حيث لم يلج معنى يقتضي اختصاص النهي به دون الشراب واللباس والأمتعة فالصواب التعميم" اهـ.

(1)

في صحيحه رقم (2115، 2610، 2611).

(2)

إرشاد الفحول ص 169 بتحقيقي. ونهاية السول (3/ 37 - 38).

(3)

كتب في المخطوط (أ) فوق هذه الكلمة العبارة التالية: "السيد محمد الأمير رحمه الله".

ص: 67

غير جائز، وإلحاق التصرّفات التي لا عوض فيها بالهبة المذكورة وهذا هو الراجح.

ولا يشكل عليه ما قدمنا من أن ذلك الفعل مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك إنما هو على طريق التنزل مع ذلك القائل بعد فرض أن فعله صلى الله عليه وسلم يخالف ما دلت عيه أحاديث الباب، وقد عرفت أنه لا مخالفة فلا اختصاص.

ويشهد لما ذهبنا إليه إجماعهم على صحة الوقف والعتق قبل القبض.

ويشهد له أيضًا ما علل به النهي فإنه أخرج البخاري

(1)

عن طاوس قال: قلت: لابن عباس: كيف ذاك؟ قال: دراهم بدراهم، والطعام مرجأ، استفهمه عن سبب النهي [فأجابه]

(2)

بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باع دراهم بدراهم، ويبين ذلك ما أخرجه مسلم

(3)

عن ابن عباس أنه قال لما سأله طاوس: ألا تراهم يبتاعون بالذهب والطعام مرجأ؟ وذلك لأنه إذا اشترى طعامًا بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام، ثم باع الطعام إلى آخر بمائة وعشرين مثلًا، فكأنه اشترى بذهبه ذهبًا أكثر منه، ولا يخفى أن مثل هذه العلة لا ينطبق على ما كان من التصرفات بغير عوض، وهذا التعليل أجود ما علل به النهي، لأن الصحابة أعرف بمقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن المنع من كل تصرف قبل القبض من غير فرق بين ما كان بعوض وما لا عوض فيه لا دليل عليه إلا الإلحاق لسائر التصرفات بالبيع، وقد عرفت بطلان إلحاق ما لا عوض فيه بما فيه عوض، ومجرد صدق اسم التصرف على الجميع لا يجعله مسوغًا للقياس عارف بعلم الأصول.

قوله: (حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)، فيه دليل على أنه لا يكفي مجرد القبض بل لا بد من تحويله إلى المنزل الذي يسكن فيه المشتري أو يضع فيه بضاعته، وكذلك يدل على هذا قوله، في الرواية الأخرى: حتى يحوِّلوه. وكذلك ما وقع في بعض طرق مسلم

(4)

عن ابن عمر بلفظ: "كنا نبتاع الطعام، فبعث

(1)

في صحيحه رقم (2132).

(2)

في المخطوط (ب): (فأجاب).

(3)

في صحيحه رقم (31/ 1525).

(4)

في صحيحه رقم (33/ 1527).

ص: 68

علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه".

وقد قال صاحب الفتح

(1)

: إنه لا يعتبر الإيواء إلى الرحال، لأن الأمر به خرج مخرج الغالب، ولا يخفى أن هذه دعوى تحتاج إلى برهان لأنها مخالفة لما هو الظاهر، ولا عذر لمن قال: أنه يحمل المطلق على المقيد من المصير إلى ما دلت عليه هذه الروايات.

قوله: (جزافًا)

(2)

بتثليث الجيم والكسر أفصح من غيره: وهو ما لم يعلم قدره على التفصيل.

قال ابن قدامة

(3)

: يجوز بيع الصبرة جزافًا لا نعلم فيه خلافًا إذا جهل البائع والمشتري قدرها.

قوله: (ولا أحسب كل شيء إلا مثله)، استعمل ابن عباس القياس، ولعله لم يبلغه النص المقتضي لكون سائر الأشياء كالطعام كما سلف.

قوله: (حتى يكتاله) قيل: المراد بالاكتيال القبض والاستيفاء كما في سائر الروايات، ولكنه لما كان الأغلب في الطعام ذلك صرح بلفظ الكيل وهو خلاف الظاهر كما عرفت.

والظاهر أن من اشترى شيئًا مكايلة أو موازنة فلا يكون قبضه إلا بالكيل أو الوزن، فإن قبضه جزافًا كان فاسدًا، وبهذا قال الجمهور كما حكاه الحافظ عنهم في الفتح

(4)

، ويدل عليه حديث اختلاف الصاعين.

(1)

الحافظ ابن حجر في (الفتح" (4/ 350).

(2)

الجزاف - مثلث الجيم والكسر أفصح - هو: بيع الشيء بلا كيل ولا وزن ولا عدد بل التقدير والحزر، كالحب مكوَّمًا على الأرض، أو في أكياس، وكالزيت في الصهريج أو في الوعاء، وكالخضروات في الصنادق والأكياس، والكتان مربوطًا حزمًا، وكالمساحات والأراضي برؤيتها والاطلاع عليها [(مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 302)].

(3)

في "المغني"(6/ 201).

وانظر: "الأعلام بفوائد عمدة الأحكام"(7/ 166 - 174) والبيان للعمراني (5/ 192 - 193). ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 302 - 308).

(4)

في "الفتح"(4/ 351).

ص: 69

[الباب الثالث عشر] باب النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان

37/ 2194 - (عَنْ جابرٍ قَالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعام حتى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعانِ صاع البَائِعِ، وصَاعُ المشْترِي. رَواهُ ابْنُ ماجَهْ

(1)

والدَّارقُطنيُّ)

(2)

. [حسن]

38/ 2195 - (وعَنْ عُثْمانَ قالَ: كُنْتُ أَبْتاعُ التَّمْرَ مِنْ بَطْنٍ مِنَ اليَهُودِ يقالُ لَهُمْ: بنُو قَينُقاعَ وأَبيعُهُ برِبْحٍ فَبَلَغَ ذلِكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: "يا عُثْمَانُ إِذا ابْتَعْتَ فاكتَلْ وإذَا بِعْتَ فَكِلْ". رواهُ أحمدُ

(3)

وللبُخارِيِّ منْهُ بغيْرِ إسْنادِ

(4)

كَلَامِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم). [حسن]

حديث جابر أخرجه أيضًا البيهقي (5)، وفي إسناده ابن أبي ليلى، قال البيهقي

(5)

: وقد روي من وجه آخر.

(1)

في سننه رقم (2228).

(2)

في سننه رقم (8/ 3 رقم 24).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 16 رقم 787): "هذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو عبد الرحمن الأنصاري

وله شاهد من حديث ابن عباس، وابن عمر، رواهما الشيخان وغيرهما" اهـ. وهو حديث حسن.

(3)

في المسند (1/ 62، 75).

(4)

البخاري (4/ 343 - 344 - رقم الباب (51) - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في "الفتح"(4/ 344): "ووصله الدارقطني من طريق عبيد الله بن المغيرة المصري عن منقذ مولى ابن سراقة عن عثمان بهذا، ومنقذ مجهول الحال؛ لكن له طريق أخرى أخرجها أحمد وابن ماجه والبزار من طريق موسى بن وردان عن سعيد بن المسيب عن عثمان به، وفيه ابن لهيعة ولكنه من قديم حديثه، لأن ابن الحكم أورده في "فتوح مصر" من طريق الليث عنه

" اهـ.

قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (52) والبزار رقم (379) وابن ماجه رقم (2230) والطحاوي (4/ 17) والبيهقي (5/ 315) والدارقطني (3/ 8) من طرق.

وخلاصة القول: أن حديث عثمان بن عفان حديث حسن، والله أعلم.

(5)

في السنن الكبرى (5/ 316).

ص: 70

وفي الباب عن أبي هريرة عند البزار

(1)

بإسناد حسن.

وعن أنس وابن عباس عند ابن عدي بإسنادين ضعيفين جدًّا كما قال الحافظ

(2)

.

وحديث عثمان أخرجه عبد الرزاق

(3)

ورواه الشافعي

(4)

وابن أبي شيبة

(5)

والبيهقي

(6)

عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

قال البيهقي

(7)

: روي موصولًا من أوجه إذا ضم بعضها إلى بعض قوي.

وقال في مجمع الزوائد

(8)

: إسناده حسن.

واستدل بهذه الأحاديث على أن من اشترى شيئًا مكايلة وقبضه ثم باعه إلى غيره لم يجز تسليمه بالكيل الأوّل حتى يكيله على من اشتراه ثانيًا، وإليه ذهب الجمهور كما حكاه في الفتح

(9)

عنهم.

قال

(10)

: وقال عطاء: يجوز بيعه بالكيل الأوّل مطلقًا، وقيل: إن باعه بنقد

(1)

في المسند (رقم 1265 - كشف) بسند حسن.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 99) وقال: "فيه مسلم بن أبي مسلم الجرمي، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله رجال الصحيح".

"قلت: مسلم بن أبي مسلم الجرمي، ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 188) وقال: مسلم بن عبد الرحمن الجرمي من الغزاة، روى عنه المنذر بن شاذان، وقال: إنه قتل مائة ألف من الروم.

وذكره الخطيب في "تاريخه"(13/ 100) وقال: وكان ثقة.

وقال ابن حبان في "الثقات"(9/ 158): ربما أخطأ.

وقال الأزدي - كما في لسان الميزان (7/ 92): حدث بأحاديث لا يتابع عليها.

وأورده ابن حجر في اللسان (7/ 92) ولم يذكر توثيق الخطيب له، واقتصر في ذكر من غمزه، مع أنه قال في أول ترجمته: سكن بغداد. فكان ينبغي عليه البحث في تاريخ بغداد، لأنه مظنته" اهـ.

[الفرائد على مجمع الزوائد - تأليف: خليل بن محمد العربي (ص 335 - 336)].

(2)

في "التلخيص"(3/ 63).

(3)

في المصنف رقم (14213).

(4)

انظر: "معرفة السنن والآثار"(8/ 110 رقم 11306).

(5)

في المصنف (7/ 197).

(6)

في السنن الكبرى (5/ 315).

(7)

في السنن الكبرى (5/ 316).

(8)

مجمع الزوائد (4/ 98).

(9)

(4/ 351).

(10)

أي الحافظ في الفتح (4/ 351).

ص: 71

جاز بالكيل الأوّل، وإن باعه بنسيئة لم يجز [بالأَوْلى]

(1)

.

والظاهر ما ذهب إليه الجمهور من غير فرق بين بيع وبيع للأحاديث المذكورة في الباب التي تفيد بمجموعها ثبوت الحجة، وهذا إنما هو إذا كان الشراء مكايلة، وأما إذا كان جزافًا فلا يعتبر الكيل المذكور عند أن يبيعه المشتري.

[الباب الرابع عشر] باب ما جاء في التفريق بين ذوي المحارم

39/ 2196 - (عَنْ أبي أَيُّوبَ قالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلدِها فَرَّق الله بَيْنَهُ وبَيْنَ أحِبَّتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ". رَواهُ أحمدُ

(2)

والتِّرمِذيُّ)

(3)

. [صحيح]

40/ 2197 - (وعَنْ عَليٍّ، قالَ: أَمَرَنِي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أبِيعَ غُلَامَينِ أخَوَيْنِ فبِعْتُهُما وفَرَّقْتُ بَيْنَهُما فَذَكَرْتُ ذلِكَ لهُ، فقالَ: "أَدْركْهُما فارْتَجعهُما ولَا تَبعْهُما إلَّا جَمِيعًا". رَواهُ أحمَدُ)

(4)

. [حسن لغيره]

(1)

في المخطوط (أ): (بالأول).

(2)

في المسند (5/ 412، 414).

(3)

في سننه رقم (1283) وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 55) والدارمي (2/ 227) والبيهقي (9/ 126) والطبراني في الكبير (ج 4 رقم 4080) والدارقطني (3/ 67 رقم 256) والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 280 رقم 456).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (1/ 97 - 98).

وقال الحافظ في "بلوغ المرام" رقم الحديث (31/ 766) بتحقيقي: "رواه أحمد، ورجاله ثقات، وقد صححه ابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، والطبراني، وابن القطان" اهـ.

قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 65 رقم 249) والحاكم في المستدرك (2/ 54) وقال: "حديث غريب صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقيل: عن الحكم بن ميمون بن أبي شبيب عن علي، وهو صحيح أيضًا "اهـ. ووافقه الذهبي.

وقال ابن القطان - كما في "نصب الراية"(4/ 26) -: "ورواية شعبة لا عيب بها، وهي =

ص: 72

وفي روايَةٍ: وهَبَ لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم غُلَامينِ أَخَوَيْنِ فبِعْتُ أَحَدَهُما فقالَ لِي: "يا عَليّ ما فَعَلَ غُلامُكَ؟ " فأخبَرْتُهُ، فقالَ:"رُدَّهُ، رُدَّهُ". رَوَاهُ التِّرمذي

(1)

وابْنُ مَاجَهْ)

(2)

. [ضعيف]

41/ 2198 - (وعَنْ أَبِي مُوسى قَالَ: لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الوَالِدِ وَوَلدِهِ وبيْنَ الأخِ وأخِيهِ. رواهُ ابْنُ ماجَهْ

(3)

والدارقُطْنيُّ)

(4)

. [ضعيف]

= أولى ما اعتمد في هذا الباب" اهـ.

وقال ابن عبد الهادي في "التنقيح"(2/ 584): "وهذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرج في شيء من الكتب السنة، ورجاله رجال الصحيحين.

لكن سعيد بن أبي عروبة لم يسمع من الحكم شيئًا، قاله أحمد بن حنبل والنسائي وغيرهما

"اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.

(1)

في سننه رقم (1284) وحسّنه.

(2)

في سننه رقم (2249).

قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 66 رقم 250).

من طريق الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتيبة عن ميمون بن أبي شبيب عن علي رضي الله عنه، بنفس متن حديث الباب، وخالف أبو خالد الدالاني فرواه بلفظ مغاير أخرجه أبو داود رقم (2696) والحاكم (2/ 55) والدارقطني (3/ 66 رقم 251). وقال أبو داود (3/ 145):"ميمون لم يدرك عليًا - قتل بالجماجم" اهـ.

فالصواب الرواية الأولى، والله أعلم.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، وقد ثبت بلفظ آخر، والله أعلم.

(3)

في سننه رقم (2250).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 193 - 194): "هذا إسناد ضعيف لضعف طليق بن عمران، وإبراهيم بن إسماعيل

" اهـ.

(4)

في السنن (3/ 67 رقم 255).

قال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 25): "وذكر الدارقطني فيه اختلافًا على طليق: فمنهم من يرويه عن طليق عن أبي بردة عن أبي موسى، ومنهم من يرويه عن طليق عن عمران بن حصين، ومنهم من يرويه عن طليق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وهكذا ذكره عبد الحق في أحكامه من جهة الدارقطني، ثم قال: وقد اختلف فيه على طليق، فأخرجه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن طليق عن أبي بردة عن أبي موسى، وأخرجه أبو بكر بن عياش عن التيمي عن طليق عن عمران بن حصين، وغير ابن عياش يرويه عن سليمان التيمي، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وهو المحفوظ عن التيمي. انتهى كلامه.

ص: 73

42/ 2199 - (وعَنْ عَليّ أنهُ فَرَّقَ بيْنَ جارِيةٍ وَوَلدِها فنَهاهُ النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ وَرَدَّ البَيْعَ. رَوَاه أبُو دَاوُدَ

(1)

والدَّارقطنيُّ)

(2)

. [حسن]

حديث أبي أيوب أخرجه أيضًا الدارقطني

(3)

والحاكم

(4)

وصححه، وحسنه الترمذي

(5)

، وفي إسناده حُيَيّ بن عبد الله المعافري وهو مختلف فيه

(6)

.

وله طريق أخرى عند البيهقي

(7)

، وفيها انقطاع لأنها من رواية العلاء بن كثير الإسكندراني

(8)

عن أبي أيوب ولم يدركه.

وله طريق أخرى عند الدارمي

(9)

.

وحديث أبي موسى إسناده لا بأس به، فإن محمد بن عمر بن الهياج صدوق

(10)

، وطُليق بن عمران مقبول

(11)

.

= قال ابن القطان: وبالجملة فالحديث لا يصح، لأن طليقًا لا يُعرف حاله، وهو خزاعي انتهى كلامه" اهـ.

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

في سننه رقم (2696) وضعفه أبو داود بأن ميمون بن أبي شبيب لم يدرك عليًا.

(2)

في السنن (3/ 66 رقم 251).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(3)

في السنن (3/ 67 رقم 256) وقد تقدم.

(4)

في المستدرك (2/ 55) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي. وقد تقدم.

(5)

في السنن (3/ 585).

(6)

قال الحافظ في "التقريب" رقم (1605): صدوق يهم.

قال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال البخاري: فيه نظر.

وقال النسائي: ليس بالقوي وقال ابن معين: ليس به بأس.

وقال ابن عدي: أرجو أنَّهُ لا بأس به إذا روى عنه ثقة.

وذكره ابن حبان في "الثقات". [تهذيب التهذيب (1/ 510)].

وخلاصة القول فيه: أنه (ضعيف يُعتبر به)، والله أعلم.

(7)

في السنن الكبرى (9/ 126).

(8)

انظر: جامع التحصيل (ص 305 رقم 652).

(9)

في مسند الدارمي المعروف بـ "سنن الدارمي"(3/ 1611 رقم 2522).

(10)

كما في "التقريب" رقم الترجمة (6174) وقال المحرران: بل ثقة.

(11)

كما في "التقريب" رقم الترجمة (3546).

ص: 74

وحديث عليّ الأول رجال إسناده ثقات كما قال الحافظ

(1)

، وقد صححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم والطبراني وابن القطان.

وحديثه الثاني هو من رواية ميمون بن أبي شبيب

(2)

عنه، وقد أعله أبو داود

(3)

بالانقطاع بينهما، وأخرجه الحاكم

(4)

وصحح إسناده، ورجحه البيهقي لشواهده.

وفي الباب عن أنس عند ابن عديّ

(5)

بلفظ: "لا يولهن والد عن ولده"، وفي إسناده مبشر بن عبيد وهو ضعيف.

ورواه

(6)

من طريق أخرى فيها إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن أرطاة، وقد تفرد به إسماعيل وهو ضعيف في غير الشاميين.

وعن أبي سعيد عند الطبراني

(7)

بلفظ: "لا توله والدة بولدها".

(1)

في "بلوغ المرام" رقم الحديث (31/ 766) بتحقيقي كما ذكر أيضًا ما ذكره الشوكاني من المصححين للحديث. وقد تقدم.

(2)

قال الحافظ في "التقريب" رقم الترجمة (7046): صدوقٌ كثير الإرسال.

وقال المحرران: أرسل عن: علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر الغفاري وعائشة، بل قال عمرو بن علي: ولم أُخبر أن أحدًا يزعم أنه سمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فروايته عنهم منقطعة.

ولم يخرج له مسلم شيئًا في "الصحيح" وإنما روى له في مقدمة كتابه.

(3)

في السنن (3/ 145).

(4)

في المستدرك (2/ 55) وقال: صحيح. وسكت عنه الذهبي.

(5)

في "الكامل في ضعفاء الرجال"(6/ 418).

من طريق مبشر بن عبيد، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا توله والدة عن ولدها".

وهو حديث ضعيف جدًّا لأن مبشر هذا بيّن الأمر في الضعف، وعامة ما يرويه غير محفوظ.

(6)

في "الكامل في ضعفاء الرجال"(1/ 296).

من طريق إسماعيل بن عياش، حدثنا الحجاج بن أرطاه، عن الزهري، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يولَهنَّ ولد على والدةٍ".

(7)

في الكبير من حديث قتادة في حديث طويل. وقد ذكره ابن الصلاح في مشكل الوسيط أنه يروى عن أبي سعيد، وهو غير معروف، وفي ثبوته نظر، كذا قال، وقال في موضع آخر: إنه ثابت. =

ص: 75

وأخرجه البيهقي

(1)

بإسناد ضعيف عن الزهري مرسلًا.

والأحاديث المذكورة في الباب فيها دليل على تحريم التفريق بين الوالدة والولد، وبين الأخوين. أما بين الوالدة وولدها فقد حكى في البحر

(2)

عن الإمام يحيى أنه إجماع حتى يستغني الولد بنفسه.

وقد اختلف في انعقاد البيع، فذهب الشافعي

(3)

إلى أنه لا ينعقد. وقال أبو حنيفة

(4)

، وهو قول للشافعي

(5)

: إنه ينعقد.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحرم التفريق بين الأب والابن. وأجاب عليه صاحب البحر

(6)

بأنه مقيس على الأمّ، ولا يخفى أن حديث أبي موسى

(7)

المذكور في الباب يشمل الأب، فالتعويل عليه إن صحّ أولى من التعويل على القياس.

وأما بقية القرابة فذهبت الهادوية

(8)

والحنفية

(9)

إلى أنه يحرم التفريق بينهم قياسًا.

وقال الإمام يحيى (8) والشافعي

(10)

: لا يحرم.

= قلت: - القائل الحافظ ابن حجر - عزاه صاحب مسند الفردوس للطبراني من حديث أبي سعيد. وعزاه الجيلي في شرح التنبيه لرزين.

كما في "التلخيص الحبير"(3/ 36).

(1)

في السنن الكبرى (5/ 8) من حديث أبي بكر بسند ضعيف.

وأبو عبيد في غريب الحديث، من مرسل الزهري وراويه عنه ضعيف. [التلخيص الحبير 3/ 36].

(2)

البحر الزخار (3/ 317).

(3)

المجموع شرح المهذب (9/ 442).

(4)

البناية في شرح الهداية (7/ 397 - 398) والاختيار (2/ 272).

(5)

التبيان للعمراني (5/ 57 - 58) والوسيط (3/ 68 - 69) والمجموع شرح المهذب (9/ 443 - 444).

(6)

البحر الزخار (3/ 318).

(7)

تقدم برقم (41/ 2198) من كتابنا هذا، وهو حديث ضعيف.

(8)

البحر الزخار (3/ 318).

(9)

بدائع الصنائع (5/ 228 - 229).

(10)

البيان للعمراني (5/ 58) وقال العمراني: ليس بمشهور عنه.

قلت: وقال داود والشيعة: يجوز بيعها. ورُويَ ذلك عن عليٍّ وابن عباس، وابن الزبير رضي الله عنهم وأرضاهم. [البيان (5/ 57)].

ص: 76

والذي يدلّ عليه النصّ هو تحريم التفريق بين الإخوة، وأما بين من عداهم من الأرحام فإلحاقه بالقياس فيه نظر، لأنه لا تحصل منهم بالمفارقة مشقة كما تحصل بالمفارقة بين الوالد والولد وبين الأخ وأخيه، فلا إلحاق لوجود الفارق، فينبغي الوقوف على ما تناوله النص.

وظاهر الأحاديث أنه يحرم التفريق سواء كان بالبيع أو بغيره مما فيه مشقة تساوي مشقة التفريق بالبيع إلا التفريق الذي لا اختيار فيه للمفرق كالقسمة، والظاهر أيضًا أنه لا يجوز التفريق بين من ذكر لا قبل البلوغ ولا بعده

(1)

،، وسيأتي بيان ما استدلّ به على جوازه بعد البلوغ.

43/ 2200 - (وعَنْ سَلَمَة بْنِ الأكْوَعِ قالَ: خَرَجْنا مَعَ أبي بَكْرٍ أمَّرَهُ عَلَيْنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فغَزوْنا فَزارَةَ، فلمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَاءِ أَمَرَنا أبو بَكْرٍ فَعَرَّسْنا، فلمَّا صَلَّيْنا الصُّبْحَ أمَرَنا أبو بكْرٍ فشَنَنَّا الغارَةَ فَقَتَلْنا على المَاءِ مَنْ قتَلْنا، ثمَّ نَظَرْتُ إلى عنُقٍ مِنَ النَّاسِ فِيهِ الذُّرِّيَّةُ والنِّساءُ نَحْوَ الْجَبَلِ وأنَا أَعْدُو في أثَرِهِمْ، فَخَشَيتُ أنْ

(1)

قال ابن قدامة في "المغني"(6/ 371 - 372): "فصل: فإن فَرَّقَ بينهما قبلَ البلوغ، فالبيعُ باطل. وبه قال الشافعي فيما دون السَّبْع. وقال أبو حنيفة: البيعُ صحيح؛ لأنَّ النهي، لمعنًى في غير البيع، وهو الضررُ اللاحقُ بالتفريق، فلم يمنع صحةَ البيع، كالبيع في وقت النداءِ.

ولنا - أي الحنابلة - حديث علي، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمره بردَّهما، ولو لزم البيعُ لما أمكنَ ردهما.

وروى أبو داود في سننه، أنَّ عليًّا فرقَ بين الأم وولدها، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ المبيعَ. ولأنه بيعُ محرَّمٌ، لمعنى فيه، ففسد، كبيع الحمُر؛ ولا يصحُّ ما قاله؛ فإنَّ ضُررَ التفريق حاصل بالبيع، فكان لمعنى فيه. فأما تحديدُه بالسبع؛ فإن عمومَ اللفظ يمنعُ ذلك، ولا يجوزُ تخصيصُه بغير دليل، وإن كان فرَّق بينهما بعد البلوغ جاز.

وقال أبو الخطّاب: فيه روايتان؛ إحداهما: لا يجوز لعموم النهي.

والثانيةُ: يجوز. وهي الصحيحة؛ لما روي أن سلمة بن الأكوع أتى أبا بكرٍ بامرأةٍ وابنتها، فنفلَه أبو بكر ابنتها، فاستوهبها منه النبي صلى الله عليه وسلم فوهبها له.

وأهدِيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم مارية، وأختُها سيرينُ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم سيرينَ لحسان بن ثابت، وترك مارية له.

ولأنه بعد البلوغ يصير مستقلًا بنفسه، والعادةُ التفريق بين الأحرار فإن المرأة تُزوجُ ابنتها، ويُفرَّقُ بين الحرة وولدها إذا افترق الأبوان" اهـ.

ص: 77

يَسْبِقُوني إلى الجَبَلِ فَرَمَيْتُ بَسهْمٍ فَوَقَعَ بَيْنَهُم وبَيْنَ الجَبلِ، قالَ: فجَئتُ بهِمْ أسُوقُهُمْ إلى أبي بكْرٍ وَفيهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ فَزارَةَ عَلَيْها قَشَعٌ مِنْ أَدَمٍ ومَعَهَا ابْنةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ العَرَبِ وأَجمَلِهِ، فَنَفلَني أبُو بَكْرٍ ابنتَهَا، فَلَمْ أكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا حتى قَدِمتُ المَدِينَةَ ثمَّ بِتُّ فلمْ أكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا، فلَقيَني النبيُّ صلى الله عليه وسلم في السُّوق، فقالَ:"يا سَلمةُ هَبْ لِي المَرْأةَ؟ "، فقُلتُ: يا رسُولَ الله لقَدْ أعجَبْتَنِي وما كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَسكَتَ وتَرَكَنِي حتى إذَا كانَ مِنَ الْغَدِ لَقِيَني في السُّوقِ، فقالَ:"يَا سلمةُ هَب لِي المَرْأةَ لله أَبُوكَ؟ "، فَقُلْتُ: هِيَ لَكَ يا رسُولَ الله، قالَ: فَبَعَثَ بِها إلى أهْلِ مَكَّةَ وفي أيْدِيهِمْ أَسَارَى مِنَ الْمسْلِمِينَ فَفَدَاهُمْ بِتلْكَ الْمَرْأَةِ. رَوَاهُ أحمدُ

(1)

ومُسلِمٌ

(2)

وأَبُو دَاودَ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (فعرسنا)، التعريس

(4)

: النزول آخر الليل للاستراحة.

قوله: (شننا الغارة) شن الغارة: هو إتيان العدو من جهات متفرقة. قال في القاموس

(5)

: شنّ الغارة عليهم: صبها من كل وجه كأشنها.

قوله: (عنق) أي جماعة من الناس. قال في القاموس

(6)

: العنق بالضم وبضمتين وكأمير وصرد: الجيد ويؤنث، الجمع أعناق، والجماعة من الناس والرؤساء.

قوله: (قشع من أدم)، أي: نطع، قال في القاموس

(7)

: القشع بالفتح: الفرو الخلق، ثم قال: ويثلث والنطع أو قطعة من نطع.

قوله: (فلم أكشف لها ثوبًا) كناية عن عدم الجماع.

وقد استدل بهذا الحديث على جواز التفريق. وبوّب عليه أبو داود

(8)

بذلك، لأن الظاهر أن البنت قد كانت بلغت.

(1)

في المسند (4/ 46).

(2)

في صحيحه رقم (46/ 1755).

(3)

في سننه رقم (2697).

وهو حديث صحيح.

(4)

النهاية (2/ 181) وتفسير غريب ما في الصحيحين (8046).

(5)

القاموس المحيط (ص 1561).

(6)

القاموس المحيط (ص 1178).

(7)

القاموس المحيط (ص 970).

(8)

في السنن (3/ 146 رقم الباب 134 - باب الرخصة في المدركين يفرق بينهم).

ص: 78

قال المصنف

(1)

رحمه الله: هو حجة في جواز التفريق بعد البلوغ، وجواز تقديم القبول بصيغة الطلب على الإيجاب في الهبة ونحوها. وفيه أن ما ملكه المسلمون من الرقيق يجوز ردّه إلى الكفار في الفداء، اهـ.

وقد حكى في الغيث

(2)

الإجماع على جواز التفريق بعد البلوغ، فإن صح فهو المستند لا هذا الحديث، لأن كون بلوغها هو الظاهر غير مسلم إلا أن يقال:[إنه]

(3)

حمل الحديث على ذلك للجمع بين الأدلة.

وقد روي عن المنصور بالله والناصر في أحد قوليه أن حدّ تحريم التفريق إلى سبع.

وقد استدل على جواز التفريق بين البالغين بما أخرجه الدارقطني

(4)

والحاكم

(5)

من حديث عبادة بن الصامت بلفظ: "لا تفرّق بين الأم وولدها، قيل: إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية"، وهذا نص على المطلوب صريح لولا أن في إسناده عبد الله بن عمرو [الواقعي]

(6)

وهو ضعيف، وقد رماه علي بن المديني بالكذب

(7)

، ولم يروه عن سعيد بن عبد العزيز غيره.

وقد استشهد له الدارقطني بحديث سلمة المذكور، ولا شكّ أن مجموع ما ذكر من الإجماع وحديث سلمة وهذا الحديث منتهض للاستدلال به على التفرقة بين الكبير والصغير

(8)

.

(1)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(327/ 2).

(2)

الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار. تأليف: أحمد بن يحيى المرتضى الحسني. وهو شرح على كتاب المؤلف "الأزهار في فقه الأئمة الأطهار"[مؤلفات الزيدية (2/ 297)].

(3)

في المخطوط (ب): إن.

(4)

في السنن (3/ 68 رقم 258) وقال: "عبد الله هذا هو الواقعي، وهو ضعيف الحديث، رماه علي بن المديني بالكذب، ولم يروه عن سعيد غيره".

(5)

في المستدرك (2/ 55) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: موضوع، وابن حسان كذاب".

(6)

في المخطوط (أ) الواقفي. والمثبت من (ب) ومصادر التخريج وهو الصواب.

(7)

انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (5/ 119) والمغني (1/ 349) والميزان (2/ 468).

(8)

في المخطوط (ب): كتب فوقها: "في الحكم".

ص: 79

[الباب الخامس عشر] باب النهي أن يبيع حاضر لباد

44/ 2201 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يبيعَ حاضرٌ لِبَادٍ. رواهُ البُخاريُّ

(1)

والنَّسائيُّ)

(2)

. [صحيح]

45/ 2202 - (وعَنْ جابرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يَبيعُ حاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُق اللهُ بَعْضَهُم مِنْ بَعْضٍ". رَواهُ الجَماعَةُ إلَّا الْبخاريَّ)

(3)

. [صحيح]

46/ 2203 - (وعَنْ أنَسٍ قالَ: نُهِينا أنْ يَبيعَ حاضِرٌ لِبَادٍ وإنْ كانَ أخَاهُ لأبيهِ وأمِّهِ. متَّفقٌ عَلَيْهِ

(4)

.

ولأبي دَاوُدَ

(5)

والنَّسائيَّ

(6)

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى أن يَبيعَ حاضِرٌ لِبَادٍ وإنْ كان أبَاهُ أوْ أخاهُ). [صحيح]

47/ 2204 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَلَقُّوا الرُّكْبَانَ وَلَا يَبعْ حاضِرٌ لِبَادٍ"، فَقيلَ لابْنِ عبَّاسٍ: ما قَوْلهُ: لا يَبعْ حاضِرٌ لِبَادٍ؟ لَا يَكُونُ لهُ سِمْسارًا. رَواهُ الجَماعَةُ إلَّا الترْمذِيَّ)

(7)

. [صحيح]

(1)

في صحيحه رقم (2159).

(2)

في سننه رقم (4497).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (3/ 307) ومسلم رقم (20/ 1522) وأبو داود رقم (3442) والترمذي رقم (1223) والنسائي رقم (4495) وابن ماجه رقم (2176).

وهو حديث صحيح.

(4)

البخاري رقم (2161) ومسلم رقم (21/ 1523).

(5)

في سننه رقم (3440).

(6)

في سننه رقم (4492).

وهو حديث صحيح.

(7)

أخرجه أحمد (1/ 368) والبخاري رقم (2158) ومسلم رقم (19/ 1521) وأبو داود رقم (3439) والنسائي رقم (4500) وابن ماجه رقم (2177). =

ص: 80

قوله: (حاضر لباد) الحاضر: ساكن الحضر، والبادي: ساكن البادية.

قال في القاموس

(1)

: الحضر، والحاضرة والحضارة وتفتح خلاف البادية، والحضارة: الإقامة في الحضر، ثم قال: والحاضر خلاف البادي. وقال البَدْوَ: والبادية والبادات والبداوة خلاف الحضر، وتَبَدَّى: أقام بها، وتبادى: تشبه بأهلها، والنسبة بداوي وبدوي وبدا القوم: خرجوا إلى البادية

(2)

، انتهى.

قوله: (دعوا الناس

) إلخ، في مسند أحمد

(3)

من طريق عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه، حدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، فإذا استنصح الرجل [الرجُلَ]

(4)

فلينصح له".

ورواه البيهقي

(5)

من حديث جابر مثله.

قوله: (لا تلقوا الركبان) سيأتي الكلام عليه.

قوله: (سمسارًا)

(6)

بسينين مهملتين.

قال في الفتح

(7)

: وهو في الأصل القيم بالأمر والحافظ، ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيره.

= وهو حديث صحيح.

(1)

القاموس المحيط ص 482.

(2)

القاموس المحيط ص 1629.

(3)

في المسند (3/ 418 - 419) و (4/ 259) بسند ضعيف.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 83) وقال: رواه أحمد، وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط".

وله شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم رقم (5/ 2162) ولفظه: "حق المسلم على المسلم ست

وإذا استنصحك فانصح له

".

وقوله صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يصيب بعضهم من بعض"، له شاهد من حديث جابر عنه مسلم رقم (1522)، ولفظه:"دعوا الناس يُرزق بعضهم من بعض". وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بشواهده، والله أعلم.

(4)

زيادة من المخطوط (ب).

(5)

في السنن الكبرى (5/ 347).

(6)

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 805): "سمسر والسَّماسِرة جمع سِمْسار، وهو القيم بالأمر الحافظ له. وهو في البيع اسم للذي يدخل في البائع والمشتري متوسِّطًا لإمضاء البيع" اهـ.

(7)

(4/ 371).

ص: 81

وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي من غير فرق بين أن يكون البادي قريبًا له أو أجنبيًا، وسواء كان في زمن الغلاء أو لا، وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا، وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة.

وقالت الحنفية

(1)

: إنه يختص المنع من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل المصر.

وقالت الشافعية

(2)

والحنابلة

(3)

: إن الممنوع إنما هو أن يجيء البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال، فيأتيه الحاضر فيقول له: ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر.

قال في الفتح

(4)

: فجعلوا الحكم منوطًا بالبادي ومن شاركه في معناه، قالوا: وإنما ذكر البادي في الحديث لكونه الغالب، فألحق به من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين، وجعلت المالكية البداوة قيدًا.

وعن مالك

(5)

: لا يلتحق بالبدويَ في ذلك إلا من كان يشبهه. فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق فليسوا داخلين في ذلك.

وحكى ابن المنذر

(6)

عن الجمهور أن النهي للتحريم إذا كان البائع عالمًا والمبتاع مما تعمّ الحاجة إليه ولم يعرضه البدوي على الحضري. ولا يخفى أن تخصيص العموم بمثل هذه الأمور من التخصيص بمجرّد الاستنباط

(7)

.

(1)

بدائع الصنائع (5/ 232).

(2)

الحاوي الكبير (5/ 346 - 348) وحلية العلماء (4/ 309 - 311). ومعرفة السنن والآثار (8/ 163 - 165).

(3)

المغني (6/ 308 - 310).

(4)

في "الفتح"(4/ 371).

(5)

الكافي (2/ 738، 739)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 111 - 113).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 371).

(7)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" ص 528 بتحقيقي: "والحقُّ الحقيقُ بالقَبول أنه يُخصَّص بالقياس الجليِّ لأنه معمولٌ به لقوة دَلالته وبُلوغها إلى حد يوازِن النُّصوصَ وكذلك يُخَصّص بما كانت عِلّتُه منصوصةً أو مُجْمعًا عليها، وأما العلةُ المنصوصة فالقياسُ الكائنُ بها في قوة النصِّ. وأما العلةُ المجمعُ عليها فلكون ذلك الإجماع قد دل على دليل مُجْمع عليه، وما عداه هذه الثلاثةِ الأنواع من القياس فلم تقُم الحجةُ بالعمل به من أصله" اهـ.

ص: 82

وقد ذكر ابن دقيق العيد

(1)

فيه تفصيلًا حاصله أنه يجوز التخصيص به حيث يظهر المعنى، لا حيث يكون خفيًا، فاتباع اللفظ أولى، ولكنه لا يطمئن الخاطر إلى التخصيص به مطلقًا، فالبقاء على [ظواهر]

(2)

النصوص هو الأولى، فيكون بيع الحاضر للبادي محرّمًا على العموم وسواء كان بأجرة أم لا؟ وروي عن البخاري

(3)

أنه حمل النهي على البيع بأجرة لا بغير أجرة فإنه من باب النصيحة. وروي عن عطاء

(4)

ومجاهد

(5)

وأبي حنيفة

(6)

أنه يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقًا، وتمسكوا بأحاديث النصيحة، وروي مثل ذلك عن الهادي، وقالوا: إن أحاديث الباب منسوخة، واستظهروا على الجواز بالقياس على توكيل البادي للحاضر فإنه جائز.

ويجاب عن تمسكهم بأحاديث النصيحة بأنها عامة مخصصة بأحاديث الباب.

فإن قيل: إن أحاديث النصيحة وأحاديث الباب [بينها]

(7)

عموم وخصوص من وجه، لأن بيع الحاضر للبادي قد يكون على غير وجه النصيحة، فيحتاج حينئذ إلى الترجيح من خارج كما هو شأن الترجيح بين العمومين المتعارضين، فيقال: المراد ببيع الحاضر للبادي الذي جعلناه أخص مطلقًا هو البيع الشرعي،

(1)

في إحكام الأحكام (3/ 115).

(2)

في المخطوط (ب): (ظاهر).

(3)

في صحيحه رقم (4/ 370 رقم الباب 68 - مع الفتح) معلقًا.

(4)

ذكره البخاري في صحيحه في الباب السابق معلقًا. وقال الحافظ في الفتح (4/ 371): وصله عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الله بن عثمان - أي ابن خيثم - عن عطاء بن رباح قال: سألته عن أعرابي أبغ له فرخص لي".

(5)

قال الحافظ في "الفتح"(4/ 371): "وأما ما رواه سعيد بن منصور من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: "إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد لأنه أراد أن يصيب المسلمون غرتهم، فأما اليوم فلا بأس، فقال عطاء: لا يصلح اليوم. فقال مجاهد: ما أرى أبا محمد إلا لو أتاه ظئر له من أهل البادية إلا سيبيع له".

فالجمع بين الروايتين عن عطاء أن يحمل على كراهة التنزيه، ولهذا نسب إليه مجاهد ما نسب

" اهـ.

(6)

البناية في شرح الهداية (7/ 392 - 393) وشرح معاني الآثار (4/ 12) واللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 512 - 514).

(7)

في المخطوط (ب): (بينهما). =

ص: 83

بيع المسلم للمسلم الذي بينه الشارع للأمة، وليس بيع الغش والخداع داخلًا في مسمى هذا البيع الشرعي، كما أنه لا يدخل فيه بيع الربا وغيره مما لا يحل شرعًا، فلا يكون البيع باعتبار ما ليس بيعًا شرعيًا أعم من وجه حتى يحتاج إلى طلب مرجح بين العمومين، لأن ذلك ليس هو البيع الشرعي.

ويجاب عن دعوى النسخ بأنها إنما تصح عند العلم بتأخر الناسخ ولم ينقل ذلك. وعن القياس بأنه فاسد الاعتبار لمصادمته النص، على أن أحاديث الباب أخص من الأدلة القاضية بجواز التوكيل مطلقًا، فيبنى العام على الخاص.

واعلم أنه كما لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي، كذلك لا يجوز أن يشتري له، وبه قال ابن سيرين والنخعي. وعن مالك

(1)

روايتان، ويدل ذلك ما أخرجه أبو داود

(2)

عن أنس بن مالك أنه قال: كان يقال: لا يبع حاضر لباد. وهي كلمة جامعة لا تبع له شيئًا ولا تبتاع له شيئًا.

ولكن في إسناده أبو هلال محمد بن سليم الراسبي

(3)

، وقد تكلم فيه غير واحد.

وأخرج أبو عوانة في صحيحه

(4)

عن ابن سيرين قال: لقيت أنس بن مالك فقلت: لا يبع حاضر لباد، أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم؟ قال: نعم، قال محمد: صدق إنها كلمة جامعة، ويقوي ذلك العلة التي نبه عليها صلى الله عليه وسلم بقوله:"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"، فإن ذلك يحصل بشراء من لا خبرة له بالأثمان كما يحصل ببيعه.

وعلى فرض عدم ورود نص يقضي بأن الشراء حكمه حكم البيع، فقد تقرر أن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما، كما أن لفظ الشراء يطلق على

(1)

الكافي لابن عبد البر (2/ 738، 739) وبداية المجتهد (3/ 320 - 321).

(2)

في سننه رقم (3440) وهو حديث صحيح.

(3)

محمد بن سُلَيم، أبو هلالٍ الراسبي: صدوق فيه لين قاله الحافظ في "التقريب" رقم الترجمة (5923).

(4)

في مسنده (3/ 274 رقم 4945).

وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (21، 22/ 1523).

ص: 84

البيع لكونه [مشتركًا]

(1)

بينهما، والخلاف في جواز استعمال المشترك في معنييه أو معانيه معروف في الأصول

(2)

.

والحق الجواز إن لم يتناقضا.

[الباب السادس عشر] باب النهي عن النجش

48/ 2205 - (عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم نَهى أنْ يَبِيعَ حاضرٌ لِبَادٍ وأنْ يَتَناجَشَوْا)

(3)

. [صحيح]

49/ 2206 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: نَهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم النَّجْشِ. متَّفقٌ عَلَيْهِمَا)

(4)

. [صحيح]

قوله: (النجش) بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة.

قال في الفتح

(5)

: وهو في اللغة

(6)

تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد،

(1)

في المخطوط (ب): (مشترك).

(2)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 105) بتحقيقي: "إذا عرفتَ هذا لاح لك عدمُ جوازِ الجمع بين معْنَين المشتركِ أو معانيه، ولم يأتِ من جوَّزَه بحجة مقبولةٍ، وقد قيل إنه يجوز الجمعُ مجازًا لا حقيقةً، وبه قال جماعة من المتأخرين، وقيل يجوز إرادةُ الجمع لكن بمجرد القصد لا من حيث اللغة.

وقد نُسب هذا إلى الغزالي والرازي، وقيل: يجوز الجمعُ في النفي لا في الإثبات، فيقال مثلًا: ما رأيتُ عينًا، يُراد العينُ الجارحة وعينُ الذهب وعينُ الشمس وعينُ الماء، ولا يصح أن يُقالَ: عندي عينٌ وتُرادُ هذه المعاني بهذا اللفظَ.

وقيل بإرادة الجميع في الجمع فيقال مثلًا: عندي عيونٌ ويراد تلك المعاني، وكذا المثنى فحُكمه حكم الجمع فيقال مثلًا: عندي جَوْنانِ ويراد أبيضُ وأسودُ، ولا يصحّ إرادة المعنيين أو المعاني بلفظ المفرد، وهذا الخلاف إنما هو في المعاني التي يصح الجمعُ بينها وفي المعنيين اللذين يصحُّ الجمعُ بينهما لا في المعاني المتناقضة" اهـ.

[وانظر: الإبهاج (1/ 263) ونهاية السول (2/ 138 - 140)].

(3)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 274) والبخاري رقم (2160) ومسلم رقم (12/ 1515).

(4)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 108) والبخاري رقم (2142) ومسلم رقم (13/ 1516).

(5)

(4/ 355).

(6)

تهذيب اللغة (10/ 542) والصحاح (3/ 1021).

ص: 85

يقال: نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشًا. وفي الشرع

(1)

: الزيادة في السلعة، ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الإثم، ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش.

وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغرِ غيره بذلك.

وقال ابن قتيبة

(2)

: النجش: الختل والخديعة. ومنه قيل للصائد: ناجش، لأنه يختل الصيد ويحتال له.

قال الشافعي

(3)

: النجش: أن تحضر السلعة تباع فيعطي بها الشيء وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السوَام فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه.

قال ابن بطال

(4)

: أجمع العلماء على أن الناجش عاصٍ بفعله.

واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك. ونقل ابن المنذر

(5)

عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع إذا وقع على ذلك، وهو قول أهل الظاهر

(6)

ورواية عن مالك

(7)

، وهو المشهور عند الحنابلة

(8)

إذا كان بمواطأة البائع أو صنعته والمشهور عند المالكية

(9)

في مثل ذلك ثبوت الخيار، وهو وجه للشافعية

(10)

قياسًا على المصراة. والأصح عندهم صحة البيع مع الإثم، وهو قول الحنفية

(11)

(1)

قال ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(7/ 43): "وحقيقة النجش عند الفقهاء: أن يزيد في ثمن السلعة لا لرغبة فيها بل ليخدع غيره ويغره ليزيد ويشتريها. وهو من المنهيات للضرر، والناجش آثم لأجل خدعته

" اهـ.

(2)

في غريب الحديث (1/ 32).

(3)

في الأم (10/ 144 - اختلاف الحديث).

(4)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 270). وانظر: "المعرفة"(8/ 159).

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 355).

(6)

المحلى (8/ 448).

(7)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 442 - 444).

(8)

المغني (6/ 304 - 305).

(9)

التمهيد (12/ 290 - 291).

(10)

الحاوي الكبير (5/ 343).

(11)

الاختيار (2/ 272) والبناية في شرح الهداية (7/ 394).

ص: 86

والهادوية

(1)

.

وقد اتفق أكثر العلماء على تفسير النجش في الشرع بما تقدم. وقيد ابن عبد البر

(2)

وابن حزم

(3)

وابن العربي

(4)

التحريم بأن تكون الزيادة المذكورة فوق ثمن المثل، ووافقهم على ذلك بعض المتأخرين من الشافعية، وهو تقييد للنص بغير مقتض للتقييد.

وقد ورد ما يدلّ على جواز لعن الناجش؛ فأخرج الطبراني

(5)

عن ابن أبي أوفى مرفوعًا: "الناجش آكل ربا خائن ملعون"، وأخرجه ابن أبي شيبة

(6)

وسعيد بن منصور موقوفًا مقتصرين على قوله: "آكل الربا خائن".

[الباب السابع عشر] باب النهي عن تلقي الركبان

50/ 2207 - (عَنِ ابْنِ مَسْعودٍ قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

(7)

. [صحيح]

51/ 2208 - (وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُتَلَقَّى الجَلَبُ، فإن تَلقَّاهُ إنسانٌ فابْتاعهُ فَصاحِبُ السِّلْعَةِ [فيها]

(8)

بالْخِيارِ إِذَا وَردَ السُّوقَ. روَاهُ

(1)

ضوء النهار (3/ 1262).

(2)

التمهيد (12/ 290).

(3)

المحلى (8/ 448).

(4)

في "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس"(2/ 851).

(5)

في المعجم الكبير كما في "مجمع الزوائد"(4/ 83): وقال الهيثمي: ورجاله ثقات إلا أني لا أعرف للعوام بن حوشب من ابن أبي أوفى سماع، والله أعلم. اهـ.

قلت: وقد قال العلائي في "جامع التحصيل"(ص 304 رقم 596): "العوام بن حوشب عن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أقيمت الصلاة كبر. قال أحمد بن حنبل: العوَّام لم يلق ابن أبي أوفى أكبر من لقيه سعيد بن جبير إن كان لقيه هو يروي عنه وعن طاووس" اهـ.

(6)

في المصنف (6/ 559).

(7)

أحمد (1/ 430) والبخاري رقم (2149) ومسلم رقم (15/ 1518).

(8)

في المخطوط (ب): (فيه).

ص: 87

الجَمَاعَة إلَّا البُخاريَّ)

(1)

. [صحيح]

وَفِيهِ دَلِيلٌ على صِحَّةِ البَيْع).

في الباب عن ابن عمر عند الشيخين

(2)

.

وعن ابن عباس عندهما

(3)

أيضًا.

قوله: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي البيوع)، فيه دليل على أن التلقي محرم.

وقد اختلف في هذا النهي هل يقتضي الفساد أم لا؟ فقيل: يقتضي الفساد، وقيل: لا، وهو الظاهر، لأن النهي ههنا لأمر خارج وهو لا يقتضيه كما تقرر في الأصول

(4)

.

وقد قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية

(5)

وبعض الحنابلة

(6)

؛ وقال غيرهم بعدم الفساد لما سلف، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"فصاحب السلعة فيها بالخيار"(1)، فإنه يدلّ على انعقاد البيع، ولو كان فاسدًا لم ينعقد.

وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الحديث الجمهور، فقالوا: لا يجوز تلقى الركبان، واختلفوا هل هو محرّم أو مكروه فقط.

وحكى ابن المنذر

(7)

عن أبي حنيفة

(8)

أنه أجاز التلقي، وتعقبه الحافظ

(9)

بأن الذي في كتب الحنفية أنه يكره التلقي في حالتين: أن يضر بأهل البلد، وأن يلبّس السعر على الواردين. اهـ.

والتنصيص على الركبان في بعض الروايات خرج مخرج الغالب في أن من

(1)

أخرجه أحمد (2/ 403) ومسلم رقم (17/ 1519) وأبو داود رقم (3437) والترمذي رقم (1221) والنسائي رقم (4501) وابن ماجه رقم (2178). وهو حديث صحيح.

(2)

البخاري رقم (2165) ومسلم رقم (14/ 1517).

(3)

أي عند البخاري رقم (2163) ومسلم رقم (19/ 1521).

(4)

تقدم مرارًا وانظر: "إرشاد الفحول"(ص 390) بتحقيقي.

(5)

انظر: بداية المجتهد (3/ 319) بتحقيقي.

(6)

المغني (6/ 313).

(7)

حكاه الحافظ في "الفتح"(4/ 374).

(8)

الاختيار (2/ 272) حيث قال: وتلقي الجلب مكروه ويجوز البيع. وبدائع الصنائع (5/ 232).

(9)

في "الفتح"(4/ 374).

ص: 88

يجلب الطعام يكون في الغالب راكبًا، وحكم الجالب الماشي حكم الراكب.

ويدل على ذلك حديث أبي هريرة المذكور

(1)

، فإن فيه النهي عن تلقي الجلب من غير فرق. وكذلك حديث ابن مسعود

(2)

المذكور فإن فيه النهي عن تلقي البيوع.

قوله: (الجَلَب)

(3)

بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول المجلوب، يقال: جلب الشيء جاء به من بلد إلى بلد للتجارة.

قوله: (بالخيار) اختلفوا هل يثبت له الخيار مطلقًا، أو بشرط أن يقع له في البيع غبن؟ ذهبت الحنابلة

(4)

إلى الأوّل وهو الأصح عند الشافعية

(5)

، وهو الظاهر، وظاهره أن النهي لأجل منفعة البائع وإزالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه.

قال ابن المنذر

(6)

: وحمله مالك

(7)

على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة، وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي قال: والحديث حجة للشافعي لأنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق، اهـ.

وقد احتج مالك (7) ومن معه بما وقع في رواية من النهي عن تلقي السلع حتى تهبط الأسواق، وهذا لا يكون دليلًا لمدعاهم، لأنه يمكن أن يكون ذلك رعاية لمنفعة البائع، لأنها إذا هبطت الأسواق عرف مقدار السعر فلا يخدع، ولا مانع من أن يقال: العلة في النهي مراعاة نفع البائع ونفع أهل السوق.

واعلم أنه لا يجوز تلقيهم للبيع منهم كما لا يجوز للشراء منهم، لأن العلة التي هي مراعاة نفع الجالب أو أهل السوق أو الجميع حاصلة في ذلك.

(1)

تقدم برقم (51/ 2208) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (50/ 2207) من كتابنا هذا.

(3)

النهاية (1/ 276) والمجموع المغيث (1/ 338).

(4)

المغني (6/ 313).

(5)

الأم (10/ 148 - 149 - اختلاف الحديث). ومعرفة السنن والآثار (8/ 167).

(6)

حكاه الحافظ في "الفتح"(4/ 374).

(7)

بداية المجتهد (3/ 319) وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 113).

ص: 89

ويدل على ذلك ما في رواية للبخاري

(1)

بلفظ: "لا يبع"، فإنه يتناول البيع لهم والبيع منهم، وظاهر النهي المذكور في الباب عدم الفرق بين أن يبتدئ المتلقي الجالب بطلب الشراء أو البيع أو العكس.

وشرط بعض الشافعية

(2)

في النهي أن يكون المتلقي هو الطالب، وبعضهم اشترط أن يكون المتلقي قاصدًا لذلك، فلو خرج للسلام على الجالب أو للفرجة أو لحاجة أخرى فوجدهم فبايعهم لم يتناوله النهي؛ ومن نظر إلى المعنى لم يفرق وهو الأصح عند الشافعي

(3)

.

وشرط الجويني

(4)

في النهي أن يكذب المتلقي في سعر البلد ويشتري منهم بأقل من ثمن المثل. وشرط المتولي من أصحاب الشافعي أن يخبرهم بكثرة المؤنة عليهم في الدخول. وشرط أبو إسحاق الشيرازي

(5)

أن يخبرهم بكساد ما معهم، والكل من هذه الشروط لا دليل عليه، والظاهر من النهي أيضًا أنه يتناول المسافة القصيرة والطويلة، وهو ظاهر إطلاق الشافعية.

وقال بعض المالكية

(6)

: ميل

(7)

. وقال بعضهم أيضًا: فرسخان

(8)

. وقال

(1)

في صحيحه رقم (2165).

(2)

البيان للعمراني (5/ 353 - 354) والحاوي الكبير (5/ 349).

(3)

قال العمراني في "البيان"(5/ 353 - 354): "فرع: وإن خرجَ لحاجة غير التلقي، فوافى القافلةَ

فهل يجوزُ له أن يشتري منهم؟ فيه وجهان:

أحدُهما: يجوز؛ لأنَّهُ لم يقصد التلقي.

والثاني: لا يجوز.

قال ابن الصبَّاغ: وهو الصحيح؛ لأنَّ المعنى الذي نُهي عن التلقي لأجله موجودٌ" اهـ .. وانظر: "المهذب" (3/ 145) وروضة الطالبين (3/ 413) والمجموع (12/ 101).

(4)

الجويني:. هو الإمام أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن حَيُّويه الجويني، والد إمام الحرمين. من أصحاب الوجوه عند الشافعية. وكان إمامًا في التفسير والفقه والأصول، والعربية والأدب. وله مصنفات عدة. توفي سنة (438 هـ وقيل: 434 هـ).

[طبقات السبكي (5/ 73) وشذور الذهب (3/ 261) والنجوم الزاهرة (5/ 42)].

(5)

في كتابه "المهذب"(3/ 144). وانظر: البيان للعمراني (5/ 352).

(6)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 113).

(7)

الميل = 1848 م.

(8)

الفرسخ = 5544 م. والفرسخان = 5544 × 2 = 11088 م.

ص: 90

بعضهم: يومان. وقال بعضهم: مسافة قصر، وبه قال الثوري

(1)

.

وأما ابتداء التلقي، فقيل: الخروج من السوق وإن كان في البلد، وقيل: الخروج من البلد وهو قول الشافعية، وبالأول قال أحمد

(2)

وإسحاق والليث والمالكية

(3)

.

[الباب الثامن عشر] باب النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وسَومه إلا في المزايدة

52/ 2209 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يَبعْ أحَدُكُمْ على بَيْعِ أخِيهِ، ولَا يَخْطُبْ على خِطْبَةِ أخِيهِ إلّا أنْ يأذَنَ لَهُ". رواهُ أحمَدُ

(4)

. [صحيح]

وللنَّسائيِّ

(5)

: "لَا يَبعْ أحَدُكُمْ على بَيْعِ أخِيهِ حتى يَبْتاعَ أَوْ يَذَرَ". [صحيح]

وَفِيهِ بَيانُ أنهُ أرَادَ بالبَيْعِ الشِّرَاءَ).

53/ 2210 - (وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ على خِطْبَةِ أخِيهِ، وَلَا يَسُومُ على سَوْمِهِ".

وَفِي لفْظٍ: "لَا يَبعْ الرَّجُلُ على بيْعِ أخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ على خِطْبَةِ أخِيهِ".

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(6)

. [صحيح]

54/ 2211 - (وَعَنْ أنَسٍ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم باعَ قَدَحًا وحِلْسًا فِيمَنْ يَزِيدُ. رواهُ أحمَدُ

(7)

والتِّرْمِذِيُّ)

(8)

. [ضعيف]

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 275).

(2)

المغني (6/ 312 - 314).

(3)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 113).

(4)

أحمد في المسند (2/ 142). قلت: وأخرجه مسلم رقم (50/ 1412) والبخاري رقم (5142) وأبو داود رقم (2081) وغيرهم. وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (4504) وهو حديث صحيح.

(6)

أحمد (2/ 508) والبخاري رقم (2140) ومسلم رقم (38/ 1408).

(7)

في المسند (3/ 100، 114).

(8)

في سننه رقم (1218). =

ص: 91

حديث ابن عمر أخرجه أيضًا باللفظ الأول مسلم

(1)

، وأخرجه أيضًا البخاري

(2)

في النكاح بلفظ: "نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وأن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب"، وأخرج نحو الرواية الثانية من حديثه ابن خزيمة

(3)

وابن الجارود

(4)

والدارقطني

(5)

، وزادوا:"إلا الغنائم والمواريث".

وحديث أنس أخرجه أيضًا أبو داود

(6)

[والنسائي

(7)

]

(8)

وحسنه الترمذي

(9)

وقال: لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي عنه. وأعله ابن القطان بجهل حال أبي بكر الحنفي. ونقل عن البخاري أنه قال: لم يصح حديثه

(10)

.

ولفظ الحديث عند أبي داود

(11)

وأحمد

(12)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى على قدح وحلس لبعض أصحابه، فقال رجل: هما عليّ بدرهم، ثم قال آخر: هما عليَّ بدرهمين"، وفيه:"أن المسئلة لا تحل إلا لأحد ثلاثة"، وقد تقدم.

= قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1641) والنسائي (4508) وابن ماجه رقم (2198) وابن الجارود في المنتقى رقم (569).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان، وعبد الله الحنفي الذي روى عن أنس هو أبو بكر الحنفي" اهـ.

وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 34): "

وأعله ابن القطان بجهل حال أبي بكر الحنفي، ونقل عن البخاري أنه قال: لا يصح حديثه" اهـ.

وهو حديث ضعيف وقد ضعفه الألباني في الإرواء رقم (1289).

(1)

في صحيحه رقم (50/ 1412).

(2)

في صحيحه رقم (5142).

(3)

كما في "الفتح"(4/ 354).

(4)

في "المنتقى" رقم (570).

(5)

في سنته رقم (3/ 11 رقم 32).

قلت: وأخرجه البيهقي (5/ 344).

وإسناده صحيح ورجاله ثقات، والله أعلم.

(6)

في سننه رقم (1641) وقد تقدم.

(7)

في سننه رقم (4508) وقد تقدم.

(8)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (أ).

(9)

عقب الحديث رقم (1218) من سننه.

(10)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 34).

(11)

في سننه رقم (1641) وقد تقدم.

(12)

في المسند رقم (3/ 114) وقد تقدم.

ص: 92

وفي الباب عن أبي هريرة [لعله]

(1)

[غير حديث الباب]

(2)

عند الشيخين

(3)

، وعن عقبة بن عامر عند مسلم

(4)

.

قوله: (لا يبع) الأكثر بإثبات الياء على أن لا نافية، ويحتمل أن تكون ناهية وأشبعت الكسرة كقراءة من [قرأ]

(5)

{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ}

(6)

، وهكذا ثبتت الياء في بقية ألفاظ الباب

(7)

.

قوله: (إلا أن يأذن له) يحتمل أن يكون استثناء من الحكمين، ويحتمل أن يختص بالأخير، والخلاف في ذلك وبيان الراجح مستوفى في الأصول

(8)

.

ويدل على الثاني في خصوص هذا المقام رواية البخاري التي ذكرناها.

قوله: (لا يخطب الرجل

) إلخ، سيأتي الكلام على الخطبة في النكاح

(9)

إن شاء الله.

قوله: (ولا يسوم) صورته أن يأخذ شيئًا ليشتريه فيقول المالك: رده لأبيعك خيرًا منه بثمنه، أو مثله بأرخص، أو يقول للمالك: استرده لأشتريه منك بأكثر.

وإنما يمنع من ذلك بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر، فإن كان ذلك تصريحًا فقال في الفتح

(10)

: لا خلاف في التحريم، وإن كان ظاهرًا ففيه وجهان للشافعية.

وقال ابن حزم

(11)

: إن لفظ الحديث لا يدل على اشتراط الركون، وتُعُقِّب

(1)

زيادة من المخطوط (أ).

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

البخاري رقم (2140) ومسلم رقم (11/ 1515).

(4)

في صحيحه رقم (56/ 1414).

(5)

في المخطوط (ب): قراءته.

(6)

سورة يوسف، الآية:90.

(7)

الياء في (يتقي) حذفت للجزم فصار الفعل (يتقِ) ثم أُشْبِعَتْ كسرة القاف فنشأت الياء، وصار (يتقي) فهذه الياء الثانية ليست ياء الفعل وإنما هي ياء الإشباع

[معجم القراءات، تأليف: د، عبد اللطيف الخطيب (4/ 333 - 334)].

(8)

إرشاد الفحول (ص 503 - 507).

(9)

في باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه. عند الحديث رقم (2634 - 2636) من كتابنا هذا.

(10)

(4/ 354).

(11)

في المحلى (8/ 448).

ص: 93

بأنه لا بد من أمر مبين لموضع التحريم في السوم، لأن السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقًا كما حكاه في الفتح

(1)

عن ابن عبد البر، فتعين أن السوم المحرّم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك.

وأما صورة البيع على البيع والشراء على الشراء، فهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار: افسخ لأبيعك بأنقص، أو يقول للبائع: افسخ لأشتري منك بأزيد.

قال في الفتح (1): هذا مجمع عليه.

وقد اشترط بعض الشافعية

(2)

في التحريم أن لا يكون المشتري مغبونًا غبنًا فاحشًا، وإلا جاز البيع على البيع والسوم على السوم لحديث:"الدين النصيحة"

(3)

.

وأجيب عن ذلك بأن النصيحة لا تنحصر في البيع على البيع والسوم على السوم، لأنه يمكن أن يعرّفه أن قيمتها كذا فيجمع بذلك بين المصلحتين، كذا في الفتح (1)، وقد عرفت أن أحاديث النصيحة أعم مطلقًا من الأحاديث القاضية بتحريم أنواع من البيع، فيبنى العام على الخاص.

واختلفوا في صحة البيع المذكور. فذهب الجمهور إلى صحته مع الإثم، وذهبت الحنابلة

(4)

والمالكية

(5)

إلى فساده في إحدى الروايتين عنهم، وبه جزم ابن حزم

(6)

، والخلاف يرجع إلى ما تقرر في الأصول

(7)

من أن النهي المقتضي للفساد هو النهي عن الشيء لذاته أو لوصف ملازم لا لخارج.

قوله: (وحلسًا) بكسر الحاء المهملة وسكون اللام: كساء رقيق يكون تحت برذعة البعير، قاله الجوهري

(8)

.

والحلس: البساط أيضًا، ومنه حديث: "كن حلس بيتك حتى تأتيك يد

(1)

(4/ 354).

(2)

البيان (5/ 348 - 349). وانظر: الحاوي الكبير (5/ 344 - 345).

(3)

أخرجه مسلم رقم (95/ 55).

(4)

المغني (8/ 307 - 308).

(5)

التمهيد (12/ 264).

(6)

المحلى (8/ 448).

(7)

وقد تقدم مرارًا، وانظر: إرشاد الفحول ص 386.

(8)

في "الصحاح"(3/ 918).

ص: 94

خاطئة أو ميتة قاضية"، كذا في النهاية

(1)

.

قوله: (فيمن يزيد)، فيه دليل على جواز بيع المزايدة، وهو البيع على الصفة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم كما سلف.

وحكى البخاري

(2)

عن عطاء أنه قال: أدركت الناس لا يرون بأسًا في بيع المغانم فيمن يزيد. ووصله ابن أبي شيبة

(3)

عن عطاء ومجاهد.

وروى هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال: لا بأس ببيع من يزيد، وكذلك كانت تباع الأخماس.

وقال الترمذي

(4)

عقب حديث أنس المذكور: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسًا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث.

قال ابن العربي

(5)

: لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث، فإن الباب واحد والمعنى مشترك، اهـ.

ولعلهم جعلوا تلك الزيادة التي زادها ابن خزيمة

(6)

وابن الجارود

(7)

والدارقطني

(8)

، قيدًا لحديث أنس المذكور، ولكن لم ينقل أن الرجل الذي باع عنه صلى الله عليه وسلم القدح والحلس كانا معه من ميراث أو غنيمة، فالظاهر الجواز مطلقًا إما لذلك وإما لإلحاق غيرهما بهما، ويكون ذكرهما خارجًا مخرج الغالب لأنهما الغالب على ما كانوا يعتادون البيع فيه مزايدة، وممن قال باختصاص الجواز بهما الأوزاعي (9) وإسحاق

(9)

.

وروي عن النخعي

(10)

أنه كره بيع المزايدة.

واحتج بحديث جابر

(11)

الثابت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال في مدبر:

(1)

النهاية (1/ 414) والفائق (1/ 305) وغريب الحديث للخطابى (1/ 287).

(2)

أخرجه البخاري (4/ 354 رقم الباب 59 - مع الفتح) معلقًا.

(3)

في المصنف (12/ 436، 437).

(4)

في السنن (3/ 522).

(5)

في عارضة الأحوذي (5/ 224).

(6)

كما في "الفتح"(4/ 354) وقد تقدم.

(7)

في المنتقى رقم (570) وقد تقدم.

(8)

في السنن (3/ 11 رقم 32) وقد تقدم. وإسناده صحيح ورجاله ثقات.

(9)

حكاه عنه الحافظ في الفتح (4/ 354).

(10)

في موسوعة فقه النخعي (1/ 325).

(11)

أخرجه البخاري رقم (2141) ومسلم رقم (997).

ص: 95

"من يشتريه مني، فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم".

واعترضه الإسماعيلي

(1)

فقال: ليس في قصة المدبر بيع المزايدة، فإن بيع المزايدة أن يعطي به واحد ثمنًا، ثم يعطي به غيره زيادة عليه.

نعم يمكن الاستدلال له بما أخرجه البزار

(2)

من حديث سفيان بن وهب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع المزايدة. ولكن في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.

[الباب التاسع عشر] باب البيع بغير إشهاد

55/ 2212 - (عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ أنَّ عَمَّهُ حَدَّثهُ وكانَ مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ ابْتاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرابي فاسْتَتْبَعهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فرَسِهِ فأسْرَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المَشْيَ وَأَبْطأَ الأعْرَابِيُّ، فَطَفِقَ رِجالٌ يَعْتَرِضُونَ الأَعْرَابِيَّ فَيُساومُونَهُ بالْفَرَسِ لَا يَشْعُرونَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ابْتاعَهُ، فَنادَى الأعْرَابيُّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: إنْ كُنْتَ مُبْتاعًا هذا الْفَرَسَ فابْتَعْهُ وإلا بعْتُهُ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الأعْرَابِيِّ:"أوْ لَيْسَ قَدِ ابْتَعْتهُ مِنْكَ"، قالَ الأعْرَابِيُّ: لَا والله ما بعْتُكَ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"بَلَى قَدِ ابْتَعْتهُ"، فَطَفِقَ الأعْرَابِيُّ يقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا، قالَ خُزَيْمَةُ: أنا أشْهَدُ أَنَّكَ قَدِ ابْتَعْتَهُ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى خُزَيْمَةَ فقال:"بِمَ تَشهدُ؟ "؟ فقالَ: بِتَصْدِيقكَ يا رسُولَ الله، فجَعَلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ شَهَادَةَ رجُلَيْنِ. رَوَاهُ أحمدُ

(3)

والنَّسائيُّ

(4)

وأبُو دَاودَ)

(5)

. [صحيح]

الحديث سكت عنه أبو داود

(6)

والمنذري

(7)

، ورجال إسناده عند أبي داود

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 354).

(2)

في المسند (رقم 1276 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 84) وقال: إسناده حسن.

قلت: بل إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة.

(3)

في المسند (5/ 315 - 316).

(4)

في سننه رقم (4647).

(5)

في سننه رقم (3607).

(6)

في السنن (4/ 32).

(7)

في المختصر (5/ 224).

ص: 96

ثقات. وأخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك

(1)

.

قوله: (ابتاع فرسًا) قيل: هذا الفرس هو المرتجز

(2)

المذكور في أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمي بذلك لحسن صهيله كأنه بصهيله ينشد رجز الشعر الذي هو أطيبه، وكان أبيض، وقيل: هو الطِّرف بكسر الطاء، وقيل: هو النجيب.

قوله: (من أعرابي) قيل: هو سواء بن الحارث. وقال الذهبي: هو سواء بن قيس المحاربي.

قوله: (فاستتبعه) السين للطلب: أي أمره أن يتبعه إلى مكانه، كاستخدمه إذا أمره أن يخدمه. وفيه شراء السلعة وإن لم يكن الثمن حاضرًا، وجواز تأجيل البائع بالثمن إلى أن يأتي إلى منزله.

(1)

في المستدرك (2/ 17، 18) وقال: "صحيح الإسناد، ورجاله باتفاق الشيخين ثقات ولم يخرجاه، وعمارة بن خزيمة سمع هذا الحديث من أبيه أيضًا. ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح.

(2)

أخرج أبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه"(رقم 450): عن ابن عباس قال: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرس يقال له: المرتجز" بسند ضعيف جدًّا.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 261) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه سليمان بن داود الشاذكوني وهو ضعيف.

قلت: سليمان بن داود المنقري الشاذكوني البصري الحافظ أبو أيوب، قال البخاري: فيه نظر، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة. وساق، له ابن عدي أحاديث خولف فيها، ثم قال: وللشاذكوني حديث كثير مستقيم، وهو من الحفاظ المعدودين، ما أشبه أمره بما قال عبدان: يحدث حفظًا فيغلط.

[الميزان للذهبي (2/ 205 رقم الترجمة 13451]

• والمرتجز: بالراء والتاء المثناة فوق، ثم الجيم والزاي: هو الذي اشتراه من الأعرابي، فشهد له خزيمة بن ثابت.

[الرصف لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفعل والوصف" لمحمد بن عبد الله العاقولي (2/ 364)].

• المرتجز: سمي به لحسن صهيله، كأنه ينشد رجزًا، وكان أبيض، واسم أمه "الفلاءة"، وقد اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم من أعرابي اسمه سواء بن الحارث بن ظالم. وشهد له خزيمة بن ثابت فجعل شهادته بشهادة رجلين.

وللنبي صلى الله عليه وسلم عدة أفراس سوى المرتجز واللحيف، منها السكب فرسه يوم أحد، اشتراه بعشر أواق وهو أول فرس ملكه، والظّرب أهداه له فروة الجذامي، ولزاز، والورد أهداه له تميم الداري، وسَبْحة، واليعسوف

وقد جمع أكثر أسمائها وأفاض في الكلام عليها الزرقاني في شرح المواهب اللدنية (3/ 384 - 388) ط: الأزهرية 1328 هـ.

ص: 97

قوله: (فطفق) بكسر الفاء على اللغة المشهورة، وبفتحها على اللغة القليلة.

قوله: (بالفرس) الباء زائدة في المفعول، لأن المساومة تتعدى بنفسها، تقول: سمت الشيء.

قوله: إلا يشعرون

) إلخ، أي لم يقع من الصحابة السوم المنهي عنه بعد استقرار البيع، والنهي إنما يتعلق بمن علم، لأن العلم شرط التكليف.

قوله: (لا والله ما بعتك)، قيل: إنما أنكر هذا الصحابي البيع وحلف على ذلك لأن بعض المنافقين كان حاضرًا، فأمره بذلك وأعلمه أن البيع لم يقع صحيحًا، وأنه لا إثم عليه في الحلف على أنه ما باعه، فاعتقد صحة كلامه لأنه لم يظهر له نفاقه، ولو علمه لما اغتر به، وهذا وإن كان هو اللائق بحال من كان صحابيًا، ولكن لا مانع من أن يقع مثل ذلك من الذين لم يدخل حبّ الإيمان في قلوبهم، وغير مستنكر أن يوجد في ذلك الزمان من يؤثر العاجلة، فإنه قد كان بهذه المثابة جماعة منهم كما قال تعالى:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}

(1)

، والله يغفر لنا ولهم.

قوله: (هَلُمْ) بضم اللام وبناء الآخر على الفتح لأنه اسم فعل، وشهيدًا منصوب به وهو فعيل بمعنى فاعل: أي هلم شاهدًا، زاد النسائي

(2)

: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم والأعرابي وهما يتراجعان"، وطفق الأعرابي يقول: هلم شاهدًا إني قد بعتكه.

قوله: (بم تشهد)، أي: بأي شيء تشهد على ذلك ولم تك حاضرًا عند وقوعه؟ وفي رواية للطبراني

(3)

: بم تشهد ولم تكن حاضرًا؟

والحديث استدل به المصنف على جواز البيع بغير إشهاد.

قال الشافعي

(4)

: لو كان الإشهاد حتمًا لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني الأعرابي من غير حضور شهادة، ومراده أن الأمر في قوله تعالى:

(1)

سورة آل عمران، الآية:152.

(2)

في سننه رقم (4647) وهو حديث صحيح.

(3)

في المعجم الكبير (ج 22 رقم 946).

(4)

في الأم (4/ 180).

ص: 98

{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}

(1)

ليس على الوجوب، بل هو على الندب، لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم قرينة صارفة للأمر من الوجوب إلى الندب.

وقيل: هذه الآية منسوخة

(2)

بقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}

(3)

.

وقيل: مُحْكمة، والأمر على الوجوب

(4)

، قال ذلك أبو موسى الأشعري

(5)

(1)

سورة البقرة، الآية:282.

(2)

قال ابن الجوزي في "ناسخ القرآن ومنسوخه"(ص 266 - 267): "قلت: وهذا ليس بنسخ، لأن الناسخ ينافي المنسوخ. ولم يقل ها هنا: فلا تكتبوا ولا تشهدوا، وإنما بيّن التسهيل في ذلك، ولو كان مثل هذا ناسخًا، لكان قوله:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6، والنساء: 43] ناسخًا للوضوء بالماء. وقوله: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} ناسخًا قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92].

والصحيح أنه ليس ها هنا نسخ. وأنه أمر ندب، وقد اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرس الذي شهد فيه خزيمة بلا إشهاد" اهـ.

• قال الطبري في "جامع البيان"(6/ 54 - شاكر): "وإنما يكون الناسخ ما لم يجز اجتماع حكمه وحكم المنسوخ في حال واحدة على السبيل التي قد بيناها، فأما ما كان أحدهما غير ناف حكم الآخر، فليس من الناسخ والمنسوخ في شيء" اهـ.

(3)

سورة البقرة، الآية:(283).

(4)

قال النحاس في "الناسخ والمنسوخ"(2/ 109): "

افترق العلماء فيها على ثلاثة أقوال:

(فمنهم): من قال: لا يسع مؤمنًا إذا باع بيعًا إلى أجل، أو اشترى إلا أن يكتب كتابًا ويشهد إذا وجد كاتبًا، ولا يسع مؤمنًا إذا اشترى شيئًا أو باعه إلا أن يشهد، ولا يكتب إذا لم يكن إلى أجل، واحتجوا بظاهر القرآن.

وقال بعضهم: هذا على الندب والإرشاد لا على الحتم.

وقال بعضهم: هو منسوخ

" اهـ.

(5)

• أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 97 رقم 407): عن أبي موسى قال: "ثلاثة لا يستجاب لهم دعوة: رجل آتى سفيهًا ماله وقال الله: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]، ورجل كانت عنده امرأة سيئة الخلق فلم يفارقها ولم يطلقها، ورجل اشترى ولم يشهد".

• وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 146) عن أبي موسى ولفظه: "قال: ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه، ورجل آتى سفيهًا ماله، وقد قال الله عز وجل: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] ".

• وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 302) عن أبي موسى مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لتوقيف أصحاب شعبة =

ص: 99

وابن عمر

(1)

والضحاك

(2)

وابن المسيب وجابر بن زيد

(3)

ومجاهد

(4)

وعطاء

(5)

والشعبي والنخعي

(6)

وداود بن علي وابنه أبو بكر والطبري (7).

قال الضحاك: هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل.

قال الطبري

(7)

: لا يحل لمسلم إذا باع أو اشترى أن يترك الإشهاد وإلا كان مخالفًا لكتاب الله [تعالى]

(8)

، قال ابن العربي

(9)

: وقول العلماء كافة: إنه على الندب وهو الظاهر.

وقد ترجم أبو داود

(10)

على هذا الحديث باب: إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به، وبه يقول شريح.

وفي البخاري

(11)

أن مروان قضى بشهادة ابن عمر وحده.

وأجاب عنه الجمهور بأن شهادة ابن عمر كانت على جهة الإخبار.

= هذا الحديث على أبي موسى. ووافقه الذهبي.

قلت: قول الحاكم علي شرط الشيخين فيه نظر، لأن المثنى بن معاذ ليس من رجال البخاري.

وأما وقف الحديث لا يضر لأن الرافع له معاذ بن معاذ العنبري وهو ثقة متمّن.

(1)

حكاه عنه النحاس في "الناسخ والمنسوخ"(2/ 109).

(2)

أخرجه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 98 رقم 410) والطبري في "جامع البيان"(6/ 47 رقم (6322) و (6/ 84 رقم 6406) شاكر.

(3)

أخرجه عنه ابن المنذر كما في "الدر المنثور"(2/ 122).

(4)

أخرجه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 97 - 98 رقم 408).

(5)

حكاه عنه النحاس في "الناسخ والمنسوخ"(2/ 110).

(6)

أخرجه النحاس في "الناسخ والمنسوخ"(2/ 110 رقم 287) بسند حسن.

(7)

قال الطبري في "جامع البيان"(6/ 84 - 85): "قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن الإشهاد على كل مبيع ومشتري، حقٌّ واجبٌ وفرضٌ لازم، لما بينا: من أنَّ كلَّ أمرٍ لله، ففرضٌ، إلا ما قامت حُجته من الوجه الذي يجب التسليم له بأنه ندب وإرشاد، وقد دللنا على وَهْي قول من قال: ذلك منسوخ بقوله: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] فيما مضى ص (53 - 55)، فاغنى عن إعادته" اهـ.

(8)

زيادة من المخطوط (أ).

(9)

في "أحكام القرآن"(1/ 251).

(10)

في السنن (4/ 31 رقم الباب 20).

(11)

في صحيحه (5/ 284 رقم الباب 23 - مع الفتح) معلقًا.

ص: 100

ويجاب أيضًا عن شهادة خزيمة

(1)

بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعلها بمثابة شهادة رجلين، فلا يصح الاستدلال بها على قبول شهادة الواحد.

وذكر ابن التين أنه صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته بشهادتين: "لا تعد"، أي: تشهد على ما لم تشاهده.

وقد أجيب عن ذلك الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد

(2)

.

وقد تمسك بهذا الحديث جماعة من أهل البدع فاستحلوا الشهادة لمن كان معروفًا بالصدق على كل شيء ادعاه، وهو تمسك باطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة لا يجوز أن يحكم لغيره بمقاربتها فضلًا عن مساواتها حتى يصح الإلحاق.

(1)

وهو حديث صحيح.

أخرجه أحمد في المسند (5/ 215 - 216) وأبو داود رقم (3607) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2085) و (2089) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 146) وفي "شرح مشكل الآثار" رقم (4802) والطبراني (ج 22/ رقم 946) والحاكم (2/ 17 - 18) والبيهقي (10/ 145 - 146) والنسائي (7/ 301 - 302) وغيرهم من طرق.

(2)

قاله الخطابي في معالم السنن (4/ 32 - مع السنن).

ص: 101

[ثانيًا] أبواب بيع الأصول والثمار

[الباب الأول] باب من باع نخلًا مؤبرًا

1/ 2213 - (عَنِ ابْنِ عمَرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ ابْتاعَ نَخْلًا بَعْدَ أنْ يؤبَّرَ فَثَمَرَتُها لِلَّذِي بَاعَهَا إلَّا أنْ يَشتَرِط المُبْتاعُ، وَمَنِ ابْتَاعَ عبْدًا فمَالُهُ لِلْذِي باعهُ إلَّا أنْ يَشتَرِطَ المُبْتاعُ". رَواهُ الجماعة)

(1)

. [صحيح]

2/ 2214 - (وَعَنْ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أن ثَمَرَة النَّخْلِ لِمَنْ أَبَّرَها إلا أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتاعُ، وقَضَى أنّ مالَ المَمْلُوكِ لِمَنْ باعَهُ إلّا أنْ يشْترَط المُبْتاعُ. رَواهُ ابْنُ ماجَهْ

(2)

وعَبْدُ الله بْنُ أحمدَ في المُسْندِ)

(3)

. [صحيح لغيره]

حديث عبادة في إسناده انقطاع لأنه من رواية إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن عبادة ولم يدركه

(4)

.

(1)

أخرجه أحمد (2/ 9، 82، 150) والبخاري رقم (2379) ومسلم رقم (80/ 1543) وأبو داود رقم (3433) والترمذي رقم (1244) والنسائي رقم (4636) ابن ماجه رقم (2211).

قلت: وأخرجه الطيالسي (ص 249 رقم 1805) وابن الجارود مفرقًا رقم (628، 629) والدارمي مقتصرًا على ذكر العبد (2/ 253) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 324) وغيرهم.

(2)

في سننه رقم (2213).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 179): "هذا إسناد ضعيف لضعف إسحاق بن يحيى بن الوليد، وأيضًا لم يدرك عبادة بن الصامت، قاله البخاري والترمذي وابن حبان وابن عدي

" اهـ.

(3)

في المسند (5/ 326).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 326).

ويشهد له حديث ابن عمر.

وخلاصة القول: أن حديث عبادة بن الصامت حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(4)

تقدم من "مصباح الزجاجة"(2/ 179).

ص: 102

قوله: (نخلًا) اسم جنس، يذكر ويؤنث، والجمع: نخيل.

قوله: (بعد أن يؤبر) التأبير

(1)

: التشقيق والتلقيح، ومعناه: شقُّ طلعِ النَّخلة الأنثى ليذرَّ [فيها]

(2)

شيءٌ من طلع النَّخلة الذكر.

وفيه دليل على أن من باع نخلًا وعليها ثمرةٌ مؤبرةٌ لم تدخل الثمرة في البيع بل تستمرّ على ملك البائع.

ويدل بمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة تدخل في البيع وتكون للمشتري، وبذلك قال جمهور العلماء

(3)

، وخالفهم الأوزاعي

(4)

وأبو حنيفة

(5)

فقالا: تكون للبائع قبل التأبير وبعده.

وقال ابن أبي ليلى

(6)

: تكون للمشتري مطلقًا وكلا الإطلاقين مخالف لحديثي الباب الصحيحين، وهذا إذا لم يقع شرط من المشتري بأنه اشترى الثمرة، ولا من البائع بأنه استثنى لنفسه الثمرة، فإن وقع ذلك كانت الثمرة للشارط من غير فرق بين أن تكون مؤبرة أو غير مؤبرة.

قال في الفتح

(7)

: لا يشترط في التأبير أن يؤبره أحد بل لو تأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به.

(1)

معنى (أُبرت) تشققت، والتأبير: التلقيح وهو تشقيق الكمام عنه، ويقال: له الأبار سواء تشقق بحط شيء من ذكر طلع النخل فيها أم بنفسها لكن يسمى وضع الذكر فيها تلقيحًا. قال أهل اللغة: أبرت النخل بتخفيف الباء الموحدة أُبره بضمها أبرًا كأكلته أكلًا وأبرته بالتشديد أؤبرّه تأبيرًا كعلمته أعلمه تعليمًا. ويقال: من المخفف نخلة مأبُورة ومن المشدد مُؤَبّرة.

والآبَار: في غير النخل عقد ثمره وثبات ما يثبت وسقط ما يسقط من نوره اهـ.

[الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (7/ 155)] وانظر: النهاية (1/ 30).

(2)

في المخطوط (ب): (فيه).

(3)

انظر: "المغني"(6/ 130 - 131).

(4)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (6/ 131).

(5)

المبسوط للسرخسي (13/ 167 - 168).

(6)

حكاه الشافعي عنه في "الأم"(8/ 233 - اختلاف العراقيين). والعمراني في "البيان"(5/ 235) وابن المنذر في كتابه الإجماع (ص 116 رقم 482، 78) حيث قال: "

وانفرد ابن أبي ليلى فقال: الثمر للمشتري، وإن لم يشترط، لأن ثمر النخل من النخل" اهـ.

(7)

(5/ 402).

ص: 103

قوله: (إلا أن يشترط المبتاع)، أي المشتري بقرينة الإشارة إلى البائع بقوله:"من باع" وظاهره أنه يجوز له أن يشترط بعضها أو كلها.

وقال ابن القاسم

(1)

: لا يجوز اشتراط بعضها.

ووقع الخلاف فيما إذا باع نخلًا بعضه قد أبر وبعضه لم يؤبر، فقال الشافعي

(2)

: الجميع للبائع. وقال أحمد

(3)

: الذي قد أبر للبائع والذي لم يؤبر للمشتري وهو الصواب.

قوله: (ومن ابتاع عبدًا

) إلخ، فيه دليل على أن العبد إذا ملكه سيده مالًا ملكه، وبه قال مالك

(4)

والشافعي

(5)

في القديم

(6)

.

وقال في الجديد

(7)

(1)

حكاه عنه ابن عبد البر في "التمهيد"(12/ 14).

(2)

الأم (4/ 83).

(3)

المغني (6/ 133).

(4)

المنتقى للباجي (4/ 170) وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 278 - 279).

(5)

الأم (6/ 83) والحاوي الكبير (5/ 265 - 266).

(6)

القديم: أقوال الشافعي في بغداد أو بعد خروجه منها وقبل إقامته في مصر، وهي ما أفتى به قولًا أو تصنيفًا. ومنها: كتاب (الحجة).

ويفهم من القول القديم أن الخلاف بين قولي الشافعي القديم والجديد، وأن القديمَ مرجوحٌ، والراجحَ والذي يعمل به هو الجديد. وأشهر رواة القول القديم: الإمام أحمد بن حنبل، والزعفراني، والكرابيسي، وأبو ثور.

وقد رجع الشافعي عن تلك الأقوال ومنع منها. وقال: لا أجعل في حِلٍّ من رواه عني. أما ما قاله بعد خروجه من العراق، وقبل استقراره في مصر فالمتأخر الجديد، والمتقدم قديم.

فإن كان في مسألة قولان جديدان فيكون العمل بآخرهما إن عُلم ذلك، فإن لم يعلم المتأخر منهما فيعتمد ما رجحه الشافعي. فإن قالهما في وقت واحدٍ ثم عمل بأحدهما فهذا العمل ترجيح.

وقد رجح من أقوال الشافعي في القديم تسعة عشرة مسألة ووقعت الفتوى بها" اهـ. [انظر: هذه المسائل في: 9 المجموع"(1/ 66 - 67) ط: دار الفكر بيروت، والفوائد المدنية لمحمد الكردي المدني (242 - 249) رو: المكتبة الإسلامية، ديار بكر - تركيا والخزائن السنية (ص 179 - 180) - الملحق الثالث].

(7)

الجديد: أقوال الشافعي التي قالها بعد إقامته في مصر، سواء كانت تصنيفًا أو إفتاءً.

وأشهر رواة قوله الجديد: البُوَيْطي، والمزني، والربيع المرادي، والربيع الجِيزي، =

ص: 104

أبو حنيفة والهادوية

(1)

أن العبد لا يملك شيئًا أصلًا.

والظاهر الأول، لأن نسبة المال إلى المملوك تقتضي أنه يملك؛ وتأويله بأن المراد أن يكون شيء في يد العبد من مال سيده وأضيف إلى العبد للاختصاص والانتفاع لا للملك كما يقال: الجلّ للفرس، خلاف الظاهر.

واستدل بالحديثين على أن مال العبد لا يدخل في البيع حتى الحلقة التي في أذنه والخاتم الذي في أصبعه والنعل التي في رجله والثياب التي على بدنه.

وقد اختلف في الثياب على ثلاثة أقوال:

(الأول): أنه لا يدخل شيء منها، وهو الذي نسبه المارودي

(2)

إلى جميع الفقهاء وصححه النووي

(3)

قال الماوردي: لكن العادة جارية بالعفو عنها فيما بين التجار.

(الثاني) أنها تدخل في مطلق البيع للعادة، وبه قال: أبو حنيفة

(4)

وكذلك قالت الهادوية

(5)

في ثياب البذلة.

= وحرملة، ويونس بن عبد الأعلى، وعبد الله بن الزبير المكي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وأبوه عبد الله.

والثلاثة الأول هم الذين تصدوا لذلك وقاموا به، والباقون نقلت عنهم أشياء محصورة على تفاوت بينهم.

وكتاب "الأمالي" و"المبسوطة" تصنيف حرملة من كتب الجديد.

والقول الجديد يدل على أن الخلاف بين قولي الشافعي الجديد والقديم، وأن الجديد هو الراجح والقديم هو المرجوح.

هذا إذا اختلف القديم والجديد، أما إذا اتفقا فالأمر واضح، وإن تعرض للمسألة في الجديد دون القديم فظاهر أنه المذهب، أما إن تعرض للمسألة في القديم دون الجديد فالفتوى على القديم، لأنَّ رجوعه عن القديم من حيث الإجمال، ولا يلزم من رجوعه من حيث الإجمال رجوعه في كل فرد من المسائل، فالمرجوح عنه إنما هو من حيث المعظم أو فيما نص على الرجوع فيه، بخف ما لم يتعرض لذكره في الجديد" اهـ.

[انظر: "الفوائد المدنية: (242) والمجموع (1/ 68) والخزائن السنية ص 180)].

(1)

البحر الزخار (3/ 303).

(2)

الحاوي الكبير (5/ 268).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (10/ 192).

(4)

شرح فتح القدير (6/ 260).

(5)

البحر الزخار (3/ 373).

ص: 105

(الثالث): يدخل قدر ما يستر العورة، والمذهب الأول هو الأولى، والتخصيص بالعادة مذهب مرجوح

(1)

.

قوله: (إن مال المملوك) فيه التسوية بين العبد والأمة.

واعلم أن ظاهر حديثي الباب يخالف الأحاديث التي ستأتي في النهي عن بيع الثمرة قبل صلاحها، لأنه يقضي بجواز بيع الثمرة قبل التأبير وبعده.

قال في الفتح

(2)

: والجمع بين حديث التأبير وحديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح سهل، وهو أن الثمرة في بيع النخل تابعة للنخل، وفي حديث النهي مستقلة، وهذا واضح جدًّا، اهـ.

[الباب الثاني] باب النهي عن بيع الثمر قبل بدوّ صلاحه

3/ 2215 - (عَنِ ابْنِ عمَرَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عَنْ بَيْعِ الثّمَار حتَّى يَبْدُو صَلَاحُها، نَهَى البَائعَ والمُبْتَاعَ. رَوَاهُ الجَماعةُ إلَّا التِّرمذيَّ

(3)

. [صحيح]

وَفِي لَفْظٍ: نَهى عَنْ بيْع النَّخْلِ حتّى تَزْهُو، وعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حتّى يَبْيَضَّ وَيَأمَنَ العَاهَة. رَوَاهُ الجماعةُ إلَّا البّخارِيَّ وابْنَ ماجَهْ)

(4)

. [صحيح]

4/ 2216 - (وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَتَبايعُوا الثِّمَارَ حَتَّى يَبْدُو صَلَاحُهَا". رَواهُ أَحْمَدُ

(5)

ومُسْلِمٌ

(6)

والنَّسائيّ

(7)

وابْنُ ماجَهْ)

(8)

[صحيح]

(1)

إرشاد الفحول ص 531 - 533 بتحقيقي.

(2)

(3/ 405).

(3)

أحمد (4/ 37، 46) والبخاري رقم (2194) ومسلم رقم (49/ 1534) وأبو داود رقم (3367) والنسائي رقم (4519) وابن ماجه رقم (2214).

(4)

أحمد (2/ 5) ومسلم رقم (50/ 1535) وأبو داود رقم (3368) والترمذي رقم (1226) والنسائي رقم (4551).

(5)

في المسند (2/ 262).

(6)

في صحيحه رقم (56/ 1538).

(7)

في سننه رقم (4521).

(8)

في سننه رقم (2215).

وهو حديث صحيح.

ص: 106

5/ 2217 - (وعَنْ أنَسٍ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ العِنَبِ حتَّى يَسْوَدَّ، وعَنْ بيْعِ الحَبِّ حتَّى يشْتَدَّ. رَواهُ الخَمسَةُ إلَّا النّسائيّ)

(1)

. [صحيح]

6/ 2218 - (وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهَى، قالوا: وَما تَزْهَى؟ قالَ: "تَحْمَرُّ"، وقالَ: "إذَا مَنَعَ الله الثَّمَرَةَ فَبِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أخِيك". أَخْرَجاهُ)

(2)

. [صحيح]

حديث أنس الأول أخرجه أيضًا ابن حبان

(3)

والحاكم

(4)

وصححه.

قوله: (يبدو) بغير همزة أي يظهر، والثمار بالمثلثة جمع ثمرة بالتحريك، وهي أَعم من الرطب وغيره.

قوله: (صلاحُها)، أي: حمرتها وصفرتها.

وفي رواية لمسلم

(5)

: "ما صلاحه؟ قال: تذهب عاهته".

واختلف السلف هل يكفي بدوُّ الصلاح في جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلًا جاز بيع جميع البساتين، أو لا بدّ من بدوّ الصلاح في كل بستان على حدة، أو لا بد من بدو الصلاح في كل جنس على حدة، أو في كل شجرة على حدة؟ على أقوال:

والأول قول الليث

(6)

وهو قول المالكية بشرط أن يكون متلاحقًا.

(1)

أحمد في المسند (3/ 221، 250) وأبو داود رقم (3371) والترمذي رقم (1228) وابن ماجه رقم (2217).

وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".

وهو حديث صحيح، انظر: الإرواء رقم (1364).

(2)

البخاري رقم (2208) ومسلم رقم (15، 16/ 1555).

(3)

في صحيحه رقم (4993).

(4)

في المستدرك (2/ 19) وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 47 - 48) والبيهقي (5/ 301) والبغوي في شرح السنة رقم (2082).

(5)

في صحيحه رقم (52/ 1534).

(6)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 286).

ص: 107

والثاني: قول أحمد

(1)

.

والثالث: قول الشافعية

(2)

.

والرابع: رواية عن أحمد

(3)

.

قوله: (نهى البائع والمبتاع)، أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل، وأما المشتري فلئلا يضيع ماله ويساعد البائع على الباطل.

قوله: (تزهو) يقال: زها النخل يزهو: إذا ظهرت ثمرته، وأزهى يزهي إذا احمر أو اصفر، هكذا في الفتح

(4)

. وقال الخطابي

(5)

: إنه لا يقال في النخل: تزهو إنما يقال: تُزهى لا غير، وهذه الرواية ترد عليه.

قوله: (عن بيع السنبل حتى يبيض)، بضم السين وسكون النون وضم الباء الموحدة: سنابل الزرع.

قال النووي

(6)

: معناه يشتد حبه وذلك بدو صلاحه.

قوله: (ويأمن العاهة) هي الآفة تصيبه فيفُسد، لأنه إذا أصيب بها كان أخذ ثمنه من أكل أموال الناس بالباطل.

وقد أخرج أبو داود

(7)

عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا طَلَعَ النَّجْمُ صباحًا

(1)

المغني (6/ 156).

(2)

الأم (4/ 98) والحاوي (6/ 193).

(3)

المغني (6/ 157).

(4)

(4/ 398).

(5)

في معالم السنن (3/ 665).

وقال ابن الأعرابي - كما في تهذيب اللغة (6/ 371) -: يقال: زها النخل يزهوا إذا ظهرت ثمرته، وأزها يزهى إذا احمر أو اصفر.

وقال الأصمعي - كما في تهذيب اللغة (6/ 371) -: لا يقال في النخل: أزهى، إنما يقال: يُزهى.

وحكاهما أبو زيد لغتين، وقال الخليل: أزهى النخل بدا صلاحه" اهـ.

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (10/ 179).

(7)

لم أقف عليه في السنن.

بل أخرجه أحمد في المسند (2/ 341، 388) والطحاوي في مشكل الآثار رقم (2287) والطبراني في الأوسط رقم (1305) والبزار رقم (1292 - كشف) من طرق.

وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار رقم (2282) والطبراني في الصغير (1/ 41) وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 121) من طريق أبي حنيفة، عن عطاء، عن أبي هريرة، به مرفوعًا. =

ص: 108

رُفِعَت العاهَةُ عن كل بلد"، وفي رواية: "رفعت العاهة عن الثمار"، والنجم

(1)

: هو الثريا، وطلوعها صباحًا يقع في أول فصل الصيف وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار.

وأخرج أحمد

(2)

من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة: سألت ابن عمر عن بيع الثمار فقال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة، قلت: ومتى ذلك؟ قال: حتى تطلع الثريا".

قوله: (حتى يسود)، زاد مالك في الموطأ

(3)

: "فإنه إذا اسودَّ ينجو من العاهة والآفة"، واشتداد الحب قوته وصلابته.

قوله: (إذا منع الله الثمرة

) إلخ، صرح الدارقطني بأن هذا مدرج من قول أنس وقال: رفعه خطأ، ولكنه قد ثبت مرفوعًا من حديث جابر عند مسلم

(4)

بلفظ: " [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]

(5)

: إن بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ "، وسيأتي

(6)

.

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 153) وقال: "فيه عسل بن سفيان وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ ويخالف. وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح" اهـ.

قلت: عِسْل بن سفيان وإن كان ضعيفًا فهو متابع.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(1)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 716): "النجم في الأصل: اسم لكل واحدٍ من كواكب السماء، وجمعُه: نجوم، وهو بالثُّريَّا أخَصُّ، جعلوه علمًا لها، فإذا أُطلق فإنما يرادُ به هي، وهي المرادة في هذا الحديث.

وأراد بطلوعِها طلوعَها عند الصبح، وذلك في العشر الأوسط من أيار، وسقوطُها مع الصبح في العشر الأوسط من تشرين الآخر

" اهـ.

(2)

في المسند (2/ 42).

قلت: وأخرجه الشافعي رقم (511 - ترتيب المسند) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 23) وفي شرح مشكل الآثار رقم (2283) و (2284) والطبراني في المعجم الكبير رقم (13287) والبيهقي (5/ 300) والبغوي في شرح السنة رقم (2079) وابن عبد البر في التمهيد (2/ 192) من طرق.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في الموطأ (2/ 618 رقم 11).

(4)

في صحيحه رقم (14/ 1554).

(5)

زيادة من المخطوط (ب).

(6)

برقم (2222) من كتابنا هذا.

ص: 109

وفيه دليل على وضع الجوائح، لأن معناه أن الثمر إذا تلف كان الثمن المدفوع بلا عوض فكيف يأكله البائع بغير عوض؟ وسيأتي الكلام على وضع الجوائح.

والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أنه لا يجوز بيع الثمر قبل بدو صلاحها.

وقد اختلف في ذلك على أقوال.

(الأول): أنه باطل مطلقًا، وهو قول ابن أبي ليلى والثوري

(1)

، وهو ظاهر كلام الهادي والقاسم

(2)

.

قال في الفتح

(3)

: ووهم من نقل الإجماع فيه. (والثاني): أنه إذا شرط القطع [فيه]

(4)

لم تبطل وإلا بطل، وهو قول للشافعي

(5)

وأحمد

(6)

ورواية عن مالك

(7)

، ونسبه الحافظ

(8)

إلى الجمهور، وحكاه في البحر

(9)

عن المؤيد بالله.

(الثالث): أنه يصح إن لم يشرط التبقية، وهو قول أكثر الحنفية

(10)

.

قالوا: والنهي محمول على بيع الثمار قبل أن توجد أصلًا.

وقد حكى صاحب البحر

(11)

الإجماع على عدم جواز بيع الثمر قبل خر وجه.

وحكى أيضًا الاتفاق على عدم جواز بيعه قبل صلاحه بشرط البقاء.

وحكى أيضًا عن الإمام يحيى أنه خص جواز البيع بشرط القطع الإجماع.

(1)

قال ابن عبد البر في الاستذكار (19/ 103 رقم 28361): "وقال مالك بن أنس، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: لا يجوزُ بيعُ الثمار حتى يبدو صلاحها" اهـ.

(2)

البحر الزخار (3/ 315).

(3)

(4/ 394).

(4)

زيادة من المخطوط (ب).

(5)

البيان للعمراني (5/ 252 - 253).

(6)

المغني (6/ 149).

(7)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 284) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 286).

(8)

في "الفتح"(4/ 394).

(9)

البحر الزخار (3/ 314).

(10)

شرح فتح القدير (6/ 264).

(11)

البحر الزخار (3/ 315).

ص: 110

وحكى عنه أيضًا أنه يصح البيع بشرط القطع إجماعًا، ولا يخفى ما في دعوى بعض هذه الإجماعات من المجازفة.

وحكى في البحر

(1)

أيضًا عن زيد بن علي والمؤيد بالله والإمام يحيى وأبي حنيفة والشافعي أنه يصح بيع الثمر قبل الصلاح تمسكًا بعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}

(2)

، قال أبو حنيفة

(3)

: ويؤمر بالقطع، والمشهور من مذهب الشافعي هو ما قدمنا.

وأما البيع بعد الصلاح فيصح مع شرط القطع إجماعًا، ويفسد مع شرط البقاء إجماعًا إن جهلت المدة، كذا في البحر

(4)

.

قال الإمام يحيى: فإن علمت صح عند القاسمية إذ لا غرر. وقال المؤيد بالله

(5)

: لا يصح للنهي عن بيع وشرط.

واعلم أن ظاهر أحاديث الباب وغيرها المنع من بيع الثمرة قبل الصلاح، وأن وقوعه في تلك الحالة باطل كما هو مقتضى النهي.

ومن ادعى أن مجرد شرط القطع يصحح البيع قبل الصلاح فهو محتاج إلى دليل يصلح لتقييد أحاديث النهي، ودعوى الإجماع على ذلك لا صحة لها لما عرفت من أن أهل القول الأول يقولون بالبطلان مطلقًا، وقد عوَّل المجوِّزون مع شرط القطع في الجواز على علل مستنبطة فجعلوها مقيدة للنهي، وذلك مما لا يفيد من لم يسمح بمفارقة النصوص بمجرد خيالات عارضة وشبه واهية تنهار بأيسر تشكيك.

فالحق ما قاله الأولون من عدم الجواز مطلقًا. وظاهر النصوص أيضًا أن البيع بعد ظهور الصلاح صحيح، سواء شرط البقاء أم لم يشرط، لأن الشارع قد جعل النهي ممتدًا إلى غاية بدو الصلاح، وما بعد الغاية مخالف لما قبلها.

ومن ادعى أن شرط البقاء مفسد فعليه الدليل، ولا ينفعه في المقام ما ورد

(1)

البحر الزخار (3/ 315).

(2)

سورة البقرة، الآية:275.

(3)

البناية في شرح الهداية (7/ 174) والاختيار (2/ 247).

(4)

البحر الزخار (3/ 315).

(5)

البحر الزخار (3/ 315).

ص: 111

من النهي عن بيع وشرط، لأنه يلزمه في تجويزه للبيع قبل الصلاح مع شرط القطع وهو بيع وشرط.

وأيضًا ليس كل شرط في البيع منهيًا عنه، فإن اشتراط جابر بعد بيعه للجمل أن يكون له ظهره إلى المدينة قد صححه الشارع كما سيأتي، وهو شبيه بالشرط الذي نحن بصدده، وتقدم أيضًا جواز البيع مع الشرط في النخل والعبد لقوله:"إلا أن يشترط المبتاع"، وأما دعوى الإجماع على الفساد بشرط البقاء كما سلف فدعوى فاسدة، فإنه قد حكى صاحب الفتح

(1)

عن الجمهور أنه يجوز البيع بعد الصلاح بشرط البقاء ولم يحك الخلاف في ذلك إلا عن أبي حنيفة

(2)

.

وأما بيع الزرع أخضر وهو الذي يقال له: القصيل

(3)

، فقال ابن رسلان في شرح السنن: اتفق العلماء المشهورون على جواز بيع القصيل بشرط القطع.

وخالف سفيان الثوري وابن أبي ليلى فقالا: لا يصح بيعه بشرط القطع. وقد اتفق الكل على أنه لا يصح بيع القصيل من غير شرط القطع، وخالف ابن حزم الظاهري

(4)

فأجاز بيعه بغير شرط تمسكًا بأن النهي إنما ورد عن السنبل. قال: ولم يأت في منع بيع الزرع مد نبت إلى أن يسنبل نص أصلًا.

وروي عن أبي إسحاق الشيباني

(5)

قال: سألت عكرمة عن بيع القصيل فقال: لا بأس، فقلت: أنه يسنبل فكرهه، اهـ. كلام ابن رسلان.

والحاصل: أن الذي في الأحاديث النهي عن بيع الحب حتى يشتد، وعن بيع السنبل حتى يبيض، فما كان من الزرع قد سنبل أو ظهر فيه الحب كان بيعه قبل اشتداد حبه غير جائز، وأما قبل أن يظهر فيه الحب والسنابل فإن صدق على بيعه حينئذٍ أنه مخاضرة كما قال البعض: إنها بيع الزرع قبل أن يشتد لم يصح بيعه لورود النهي عن المخاضرة كما تقدم في باب النهي عن بيوع الغرر، لأن التفسير المذكور صادق على الزرع الأخضر قبل أن يظهر فيه الحب والسنابل،

(1)

(4/ 394).

(2)

بدائع الصنائع (5/ 173).

(3)

القصيل: هو ما اقتُصِلَ من الزرع أخضر [القاموس المحيط ص 1354].

(4)

المحلى (8/ 405).

(5)

ذكره ابن حزم في المحلى (8/ 405).

ص: 112

وهو الذي يقال له: القصيل، ولكن الذي في القاموس

(1)

أن المخاضرة بيع الثمار قبل بدو صلاحها، وكذا في كثير من شروح الحديث فلا يتناول الزرع لأن الثمار حمل الشجر كما في القاموس

(2)

.

وسيأتي في تفسير المحاقلة ما يرشد إلى أنها بيع الزرع قبل أن تغلظ سوقه، فإن صح ذلك فذاك، وإلا كان الظاهر ما قاله ابن حزم

(3)

من جواز بيع القصيل مطلقًا.

7/ 2219 - (وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى [رسُولُ الله]

(4)

صلى الله عليه وسلم عَنْ المُحاقَلَةِ والمُزَابَنَةِ والمُعاومَةِ والمُخَابَرَةِ

(5)

.

وفي لَفْظٍ: بَدَل المُعاومَةِ: وعَنْ بَيْعِ السِّنِينَ)

(6)

. [صحيح]

8/ 2220 - (وعَنْ جابر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حتَّى يَبْدُو صلاحُهُ

(7)

.

وفِي رِوايَةٍ

(8)

: حتَّى يَطيبَ.

وفي رِوايةٍ

(9)

: حَتّى يُطْعَمَ). [صحيح]

9/ 2221 - (وعَنْ زيدِ بْنِ أبي أُنَيْسَةَ عَنْ عَطاءٍ عَنْ جابرٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُحاقَلَةِ والمُزابَنَةِ والمُخابَرَةِ وأنْ يَشترِي النَّخْلَ حتى يُشقِه، والإِشقاهُ أنْ يَحَمَرَّ أوْ يَصَفَرَّ أَوْ يؤكَلَ منْهُ شَيْءٌ، والمُحاقلَةُ أنْ يُباعَ الْحَقْلُ بكَيْلٍ مِنَ الطَّعامِ مَعْلُوم، والمُزَابَنَةُ أنْ يُبَاع النَّخْلُ بأوْسَاقٍ مِنَ التَّمْرِ، والمخابَرَةُ الثُّلُثُ والرُّبُعُ وأشْباهُ ذلِكَ، قالَ زيدٌ: قلْتُ لِعطَاءٍ: أسَمِعْتَ جابِرًا يَذْكُرُ هذا عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

(1)

القاموس المحيط ص 493.

(2)

القاموس المحيط ص 458.

(3)

في المحلى (8/ 404).

(4)

في المخطوط (أ): (النبي).

(5)

أخرجه أحمد (3/ 392) والبخاري رقم (2381) ومسلم رقم (85/ 1536).

(6)

أخرجه أحمد (3/ 364) ومسلم رقم (85/ 1536).

(7)

أخرجه أحمد (3/ 372) والبخاري رقم (2381) ومسلم رقم (54/ 1536).

(8)

أخرجه أحمد (3/ 323) والبخاري رقم (2189) ومسلم رقم (53/ 1536).

(9)

أخرجه أحمد (3/ 360) ومسلم رقم (82/ 1536).

ص: 113

قالَ: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ على جَميعِ ذلِكَ إلّا الأخِيرَ فإنهُ لَيْسَ لأحمَدَ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (المحاقلة) قد اختلف في تفسيرها، فمنهم من فسرها بما في الحديث فقال: هي بيع الحقل بكيل من الطعام معلوم.

قال أبو عبيد

(2)

: هي بيع الطعام في سنبله؛ والحقل: الحرث وموضع الزرع.

وقال الليث

(3)

: الحقل: الزرع إذا تشعب من قبل أن تغلظ سوقه.

وأخرج الشافعي

(4)

في المختصر عن جابر أن المحاقلة: أن يبيع الرجل الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة.

قال الشافعي

(5)

: وتفسير المحاقلة والمزابنة في الأحاديث يحتمل أن يكون عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يكون من رواية من رواه.

وفي النسائي

(6)

عن رافع بن خديج والطبراني

(7)

عن سهل بن سعد أن المحاقلة مأخوذة من الحقل جمع حقلة.

قال الجوهري

(8)

: وهي الساحات جمع ساحة.

وفي القاموس

(9)

: الحقل: قُرَاح

(10)

طَيِّبٌ يُزْرَعُ فيه، كالحَقْلَةِ، ومنه: لا ينبت البقلة إلا الحقلة.

والزرع قد شعب ورقه وظهر وكثر، وإذا استجمع خروج نباته، أو ما دام أخضر وقد أحقل في الكل، والمحاقل: المزارع، والمحاقلة: بيع الزرع قبل بدو

(1)

أخرجه البخاري رقم (2196) ومسلم رقم (83/ 1536).

(2)

في غريب الحديث (1/ 229 - 230).

(3)

ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة"(4/ 46).

(4)

في الأم (4/ 132 رقم 1527).

(5)

في الأم (4/ 132).

(6)

في سننه رقم (4535) وهو حديث صحيح.

(7)

في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5635).

(8)

انظر: "الصحاح"(4/ 1671 - 1672).

(9)

القاموس المحيط ص 1273.

(10)

في حاشية المخطوط (أ) ما نصه: (في القاموس: القراح الأرض لا ماء بها ولا شجر) تمت.

ص: 114

صلاحه، أو بيعه في سنبله بالحنطة، أو المزارعة بالثلث أو الربع، أو أقل أو أكثر، أو اكتراء الأرض بالحنطة، اهـ.

وقال مالك

(1)

: المحاقلة: أن تكرى الأرض ببعض ما ينبت منها وهي المخابرة، ولكنه يبعد هذا عطف المخابرة عليها في الأحاديث.

قوله: (والمزابنة) بالزاي والموحدة والنون.

قال في الفتح

(2)

: هي مفاعلة من الزبن بفتح الزاي وسكون الموحدة: وهو الدفع الشديد، ومنه سميت الحرب: الزبون، لشدة الدفع فيها.

وقيل: للبيع المخصوص مزابنة كأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه، أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع لفسخه، وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع، اهـ.

وقد فسرت بما في الحديث، أعني بيع النخل بأوساق من التمر، وفسرت بهذا، وببيع العنب بالزبيب كما في الصحيحين

(3)

، وهذان أصل المزابنة. وألحق الشافعي

(4)

بذلك كل بيع مجهول بمجهول أو معلوم من جنس يجري الربا في نقده، وبذلك قال الجمهور.

ووقع في البخاري

(5)

عن ابن عمر أن المزابنة أن يبيع التمر بكيل إن زاد فلي، وإن نقص فعلَي.

وفي مسلم

(6)

عن نافع: المزابنة: بيع ثمر النخل بالتمر كيلًا، وبيع العنب بالزبيب كيلًا، وبيع الزرع بالحنطة كيلًا، وكذا في البخاري

(7)

.

وقال مالك

(8)

: إنها بيع كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده، إذا بيع بشيء مسمى من الكيل وغيره، سواء كان يجري فيه الربا أم لا.

قال ابن عبد البر

(9)

: نظر مالك إلى معنى المزابنة لغة: وهي المدافعة.

(1)

في "التمهيد"(12/ 99 - الفاروق).

(2)

(4/ 384).

(3)

البخاري رقم (2185) ومسلم رقم (73/ 1542).

(4)

في الأم (4/ 133).

(5)

في صحيحه رقم (2172).

(6)

في صحيحه رقم (73/ 1542).

(7)

في صحيحه رقم (2185).

(8)

في "التمهيد"(12/ 96 - الفاروق).

(9)

في "التمهيد"(12/ 98 - الفاروق).

ص: 115

قال في الفتح

(1)

: وفسَّر بعضهم المزابنة بأنها بيع الثمر قبل بدو صلاحه وهو خطأ.

[قال]

(2)

: والذي تدل عليه الأحاديث في تفسيرها أولى.

وقيل: إن المزابنة: المزارعة. وفي القاموس

(3)

: الزبن: بيع كل ثمرة على شجرة بثمن كيلًا.

قال: والمزابنة: بيع الرطب في رؤوس النخل بالثمر.

وعن مالك

(4)

: كل جزاف لا يعلم كيله ولا عدده ولا وزنه، أو بيع مجهول بمجهول من جنسه، أو هي بيع المغابنة في الجنس الذي لا يجوز فيه الغبن، اهـ.

قوله: (والمعاومة) هي بيع الشجر أعوامًا كثيرة، وهي مشتقة من العام كالمشاهرة من الشهر.

وقيل: هي اكتراء الأرض سنين، وكذلك بيع السنين: هو أن يبيع ثمر النخلة لأكثر من سنة في عقد واحد، وذلك لأنه بيع غرر لكونه بيع ما لم يوجد.

وذكر الرافعي وغيره لذلك تفسيرًا آخر، وهو أن يقول: بعتك هذا سنة، على أنه إذا انقضت السنة فلا بيع بيننا وأردّ أنا الثمن وتردّ أنت المبيع.

قوله: (والمخابرة) سيأتي تفسيرها والكلام عليها في كتاب المساقاة والمزارعة

(5)

.

قوله: (حتى يطيب) هذه الرواية وما بعدها من قوله: (حتى يُطعم) ينبغي أن يقيد بهما سائر الروايات المذكورة.

قوله: (حتى يُشْقِهِ) بضم أوله ثم شين معجمة ثم قاف. وفي رواية للبخاري

(6)

يشقح وهي الأصل والهاء بدل من الحاء وإشقاح النخل احمراره

(1)

(4/ 384).

(2)

زيارة من المخطوط (أ).

(3)

في القاموس المحيط ص 1552.

(4)

في "التمهيد"(12/ 92 - الفاروق).

(5)

الكتاب السادس عشر، عند الحديث رقم (9/ 2361) من كتابنا هذا.

(6)

في صحيحه رقم (2196).

ص: 116

واصفراره

(1)

كما في الحديث والاسم الشقحة بضم [الشين]

(2)

المعجمة وسكون القاف بعدها مهملة.

وقد استدل بأحاديث الباب ونحوها على تحريم المحاقلة والمزابنة وما شاركهما في العلة قياسًا، وهي إما مظنة الربا لعدم علم التساوي أو الغرر وعلى تحريم بيع السنين، وعلى تحريم بيع الثمر قبل صلاحه، وقد تقدم الكلام عليه، وقد وقع الاتفاق على تحريم بيع الرطب بالتمر في غير العرايا، وعلى تحريم بيع الحنطة في سنابلها بالحنطة منسلة، وعلى تحريم بيع العنب بالزبيب ولا فرق عند جمهور أهل العلم بين الرطب والعنب على الشجر وبين ما كان مقطوعًا منهما، وجوّز أبو حنيفة بيع الرطب المقطوع بخرصه من اليابس.

[الباب الثالث] باب الثَّمَرَةِ المشْتَرَاةِ تَلْحَقُها جائِحَةً

10/ 2222 - (عَنْ جابِر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ الجَوائحَ. رَوَاهُ أحمَدُ

(3)

والنَّسائيُّ

(4)

وأبو داوُدَ

(5)

.

وفي لَفْظٍ لمُسْلِمٍ

(6)

: أمَرَ بِوَضْعٍ الجَوائِح.

وفي لَفْظٍ قالَ: "إنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ تَمْرًا فأصَابتْها جائحَةٌ فَلا يَحِلُّ لَكَ أنْ تأخُذَ منْهُ شَيئًا، بِمَ تَاخُذُ مالَ أخِيكَ بغَيْرِ حَقٍّ". رَوَاهُ مُسلمٌ

(7)

وأَبُو دَاوُدَ

(8)

والنسائيُّ

(9)

وابْنُ ماجَهْ)

(10)

. [صحيح].

وفي الباب عن عائشة عند البيهقي

(11)

بنحوه وفي إسناده حارثة بن أبي

(1)

النهاية (1/ 881).

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

في المسند (3/ 309).

(4)

في السنن رقم (4529).

(5)

في السنن رقم (3470).

(6)

في صحيحه رقم (17/ 1554).

(7)

في صحيحه رقم (14/ 1554).

(8)

في سننه رقم (3470).

(9)

في سننه رقم (4527).

(10)

في سننه رقم (2219).

وهو حديث صحيح.

(11)

في السنن الكبرى (5/ 305). بسند ضعيف جدًّا.

ص: 117

الرجال وهو ضعيف

(1)

. ولكنه في الصحيحين

(2)

عنها مختصرًا. وعن أنس وقد تقدم

(3)

في باب بيع الثمرة قبل بدو صلاحها.

قوله: (الجوائح)

(4)

جمع جائحة وهي الآفة التي تصيب الثمار فتهلكها، يقال: جاحهم الدهر واجتاحهم بتقديم الجيم على الحاء فيهما إذا أصابهم بمكروه عظيم، ولا خلاف أن البرد والقحط والعطش جائحة، وكذلك كل ما كان آفة سماوية، وأما ما كان من الآدميين كالسرقة ففيه خلاف، منهم من لم يره جائحة لقوله في الحديث السابق

(5)

عن أنس: "إذا منع الله الثمرة

"، ومنهم من قال: إنه جائحة تشبيهًا بالآفة السماوية.

وقد اختلف أهل العلم في وضع الجوائح إذا بيعت الثمرة بعد بدو صلاحها وسلمها البائع للمشتري بالتخلية ثم تلفت بالجائحة قبل أوان الجذاذ، فقال الشافعي

(6)

وأبو حنيفة

(7)

وغيره من الكوفيين

(8)

والليث

(9)

: لا يرجع المشتري على البائع بشيء.

قالوا وإنما ورد وضع الجوائح فيما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع، فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر

(10)

على ما قيد به في حديث أنس المتقدم (5).

واستدل الطحاوي

(11)

على ذلك بحديث أبي سعيد: "أصيب رجل في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه،

(1)

حارثة بن أبي الرجال، متروك الحديث، واسم أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن وأبو الرجال مدني.

قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه منكر.

[الميزان (1/ 445) والمجروحين (1/ 268) والجرح والتعديل (3/ 255)].

(2)

البخاري رقم (2705) ومسلم رقم (19/ 1557).

(3)

تقدم برقم (2218) من كتابنا هذا.

(4)

انظر: النهاية (1/ 305) والفائق (2/ 434) والمجموع المغيث (1/ 369).

(5)

تقدم برقم (2218) من كتابنا هذا.

(6)

الأم (4/ 118).

(7)

شرح معاني الآثار (4/ 36).

(8)

و

(9)

ذكرهما الحافظ في "الفتح"(4/ 399).

(10)

تقدم برقم (2222) من كتابنا هذا.

(11)

شرح معاني الآثار (4/ 35 - 36).

ص: 118

فقال: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك"، أخرجه مسلم

(1)

وأصحاب السنن

(2)

قال: فلما لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار بالعاهات ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الثمن ممن باعها منه، دلَّ على أن وضع الجوائح ليس على عمومه.

وقال الشافعي في القديم: هي من ضمان البائع فيرجع المشتري عليه بما دفعه من الثمن، وبه قال أحمد

(3)

وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم.

قال القرطبي

(4)

: وفي الأحاديث دليل واضح على وجوب إسقاط ما اجتيح من الثمرة عن المشتري ولا يلتفت إلى قول من قال: إن ذلك لم يثبت مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من قول أنس، بل الصحيح رفع ذلك من حديث جابر

(5)

وأنس

(6)

.

وقال مالك: إن أذهبت الجائحة دون الثلث لم يجب الوضع، وإن كان الثلث فأكثر وجب، لقوله صلى الله عليه وسلم:"الثلث والثلث كثير"

(7)

.

قال أبو داود

(8)

: لم يصح في الثلث شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو رأي أهل المدينة

(9)

.

والراجح الوضع مطلقًا من غير فرق بين القليل والكثير، وبين البيع قبل بدو الصلاح وبعده.

وما احتج به الأولون من حديث أنس المتقدم (6) يجاب عنه بأن التنصيص على الوضع مع البيع قبل الصلاح لا ينافي الوضع مع البيع بعده ولا يصلح مثله لتخصيص ما دل على وضع الجوائح ولا لتقييده.

(1)

في صحيحه رقم (18/ 1556).

(2)

أبو داود رقم (3469) والترمذي رقم (655) والنسائي رقم (4530) وابن ماجه رقم (2356).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المغني (6/ 177).

(4)

في "المفهم"(4/ 423).

(5)

تقدم برقم (2222) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم برقم (2218) من كتابنا هذا.

(7)

أخرجه البخاري رقم (2742) ومسلم رقم (5/ 1628) والترمذي رقم (2116) والنسائي (3626) وابن ماجه رقم (2708).

(8)

في السنن (3/ 671).

(9)

الاستذكار (19/ 112) وبداية المجتهد (3/ 362).

ص: 119

وأما ما احتج به الطحاوي

(1)

فغير صالح للاستدلال به على محل النزاع، لأنه لا تصريح فيه بأن ذهاب ثمرة ذلك الرجل كان بعاهات سماوية؛ وأيضًا عدم نقل تضمين بائع الثمرة لا يصلح للاستدلال به، لأنه قد نقل ما يشعر بالتضمين على العموم فلا ينافيه عدم النقل في قضية خاصة.

وسيأتي حديث أبي سعيد في كتاب التفليس

(2)

، ويأتي في شرحه بقية الكلام على الوضع.

(1)

شرح معاني الآثار (4/ 35 - 36).

(2)

الكتاب الثاني عشر عند الحديث رقم (2/ 2310).

ص: 120

[ثالثًا] أبواب الشروط في البيع

[الباب الأول] باب اشتراط منفعة المبيع وما في معناها

1/ 2223 - (عَنْ جَابِرٍ أنهُ كان يسِيرُ على جَمَلٍ لهُ قَدْ أَعْيا فأرَادَ أنْ يُسيِّبَهُ قالَ: وَلَحِقَنِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعا لي وضَرَبَهُ فَسارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، فقالَ:"بِعْنيهِ" فقُلْتُ: لَا، ثمَّ قالَ:"بعْنيهِ" فَبعْتُهُ واسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانهُ إلى أهْلي. مُتّفقٌ عليهِ

(1)

.

وفي لَفْظٍ لأحمدَ

(2)

والبُخاريِّ

(3)

: وشَرطتُ ظَهْرَهُ إلَى المَدِينَةِ).

قوله: (أعيا) الإِعياء التعب والعجز عن السير

(4)

.

قوله: (بعنيه) زاد في رواية متفق عليها

(5)

: "بِوَقيَّةٍ".

وفي أخرى

(6)

: "بخمس أواق".

وفي أخرى

(7)

أيضًا: "بأوقيتين ودرهم أو درهمين".

وفي بعضها

(8)

: "بأربعة دنانير".

وفي بعضها

(9)

: "بثمانمائة درهم".

وفي بعضها

(10)

: "بعشرين دينارًا".

(1)

أحمد في المسند (3/ 314) والبخاري رقم (2718) ومسلم رقم (109/ 715).

(2)

في المسند (3/ 299).

(3)

في صحيحه رقم (2718).

(4)

القاموس المحيط ص 1697.

(5)

أحمد (3/ 299) والبخاري رقم (2718) مسلم رقم (109/ 715).

(6)

أحمد (3/ 372، 373) ومسلم رقم (113/ 715).

(7)

أحمد (3/ 376) والبخاري رقم (3089) ومسلم رقم (115/ 715).

(8)

البخاري رقم (2718) ومسلم رقم (117/ 715).

(9)

قال الحافظ في "الفتح"(5/ 320): "وقع للنووي - في شرحه لصحيح مسلم (11/ 31) - أن في بعض روايات البخاري "ثمانمائة درهم" وليس ذلك فيه أصلًا، اهـ.

(10)

البخاري رقم (2718).

ص: 121

وقد جمع بين هذه الروايات بما لا يخلو عن تكلُّف.

واسُتدِلَّ بهذا على جواز طلب البيع من المالك قبل عرض المبيع للبيع.

قوله: (حملانه) بضم الحاء المهملة والمراد: الحمل عليه. وتمام الحديث في الصحيحين

(1)

: "فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم رجعت، فأرسل في أثري فقال: أتراني ماكَسْتك لأخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك".

وللحديث ألفاظ فيها اختلافٌ كثيرٌ وفي بعضها طولٌ، وهو يدل على جواز البيع مع استثناء الركوب، وبه قال الجمهور

(2)

، وجوّزه مالك إذا كانت مسافة السفر قريبة وحدّها بثلاثة أيام، وقال الشافعي وأبو حنيفة وآخرون: لا يجوز ذلك سواء قلّت المسافة أو كثرت.

واحتجوا بحديث النهي عن بيع وشرط، وحديث النهي عن الثنيا.

وأجابوا عن حديث الباب بأنه قصة عين تدخلها الاحتمالات.

ويجاب بأن حديث النهي عن بيع وشرط مع ما فيه من المقال هو أعم من حديث الباب مطلقًا فيبنى العام على الخاص.

وأما حديث النهي عن الثنيا فقد تقدم تقييده بقوله: "إلا أن يعلم"

(3)

.

وللحديث فوائد مبسوطة في مطولات شروح الحديث.

[الباب الثاني] باب النهي عن جمع شرطين من ذلك

2/ 2224 - (عَنْ عبْدِ الله بْنِ عُمَرَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، ولَا شَرْطَانِ في بَيْعٍ، ولَا رِيْحُ ما لَمْ يضْمَنْ، ولَا بيْعُ ما ليْسَ عنْدَكَ". رَواهُ

(1)

البخاري رقم (2718) ومسلم رقم (109/ 715).

(2)

انظر: "البيان" للعمراني (5/ 136 - 137) فرع: شرط الانتفاع بالمبيع مدَّة، وحلية العلماء للقفال (4/ 223) والإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 112 - 114) ورؤوس المسائل لأبي المواهب العكبري (2/ 708 رقم 45/ 707).

(3)

تقدم تخريجه رقم (2178).

ص: 122

الخمْسَةُ إلّا ابْنَ ماجَهْ

(1)

فإنَّ لهُ منْهُ: "ربْحَ ما لَمْ يضْمَنْ، وبيْعَ ما ليْسَ عنْدَكَ". قال التِّرمذيُّ: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ). [حسن]

الحديث صححه [أيضًا]

(2)

ابن خزيمة

(3)

والحاكم

(4)

.

وأخرجه ابن حبان

(5)

والحاكم

(6)

أيضًا بلفظ: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع"، وهو عند هؤلاء كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ووجد في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب عن عبد الله بن عمر بدون واو، والصواب إثباتها.

وأخرجه ابن حزم في المحلى

(7)

والخطابي في المعالم

(8)

والطبراني في الأوسط

(9)

والحاكم في علوم الحديث

(10)

من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: "نهى عن بيع وشرط"، وقد استغربه النووي وابن أبي الفوارس

(11)

.

قوله: (لا يحل سلف وبيع).

قال البغوي

(12)

: المراد بالسلف هنا القرض.

(1)

أحمد (2/ 174 - 175، 178 - 179، 205) وأبو داود رقم (3504) والترمذي (1234) والنسائي رقم (4630) وابن ماجه رقم (2188). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث حسن.

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

لم أقف عليه.

(4)

في المستدرك (2/ 17).

(5)

في صحيحه رقم (4321).

(6)

في المستدرك (2/ 17) وقال الحاكم: هذا حديث على شرط جملة من أئمة المسلمين، ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.

(7)

(8/ 416).

(8)

معالم السنن (3/ 770 - مع السنن).

(9)

في الأوسط رقم (4683).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 85): وقال "رواه الطبراني في الأوسط، وفي طريق عبد الله بن عمرو مقال".

(10)

كما في "التلخيص الحبير"(3/ 27 - 28).

(11)

كما في "التلخيص الحبير"(3/ 28).

(12)

في شرح السنة للبغوي (8/ 145).

ص: 123

قال أحمد

(1)

: هو أن يُقرضهُ قرضًا ثم يبايعه عليه بيعًا يزدادُ عليه وهو فاسد، لأنه إنما يقرضه على أن يحابيه في الثمن، وقد يكون السلف بمعنى السلم، وذلك مثل أن يقول: أبيعُك عبدي هذا بألف على أن تسلفني مائة في كذا وكذا، أو يُسْلِمَ إليه في شيءٍ ويقول: إن لم يتهيأ المسْلَمُ فيه عندك فهو بيع لك.

وفي كتب جماعة من أهل البيت: أن السلف والبيع صورته: أن يريد الشخص أن يشتري السلعة بأكثر من ثمنها لأجل النَّسَاء، وعنده أن ذلك لا يجوز فيحتال [ليستقرض]

(2)

الثمن من البائع ليعجله إليه حيلة.

والأوْلَى تفسير الحديث بما تقتضيه الحقيقة الشرعية

(3)

أو اللغوية

(4)

أو العرفية

(5)

أو المجاز عند تعذر الحمل على الحقيقة لا بما هو معروف في بعض المذاهب غير معروف في غيره.

(1)

المغني (6/ 334) وانظر: شرح السنة للبغوي (8/ 145).

(2)

في المخطوط (ب): (فيستقرض).

(3)

الحقيقة الشرعية: هي اللفظ الذي استُفيدَ من الشارع وضْعُه للمعنى سواءٌ كان اللفظُ والمعنى مجهولين، ومثاله: كأوائل السور عند من يجعلها اسمًا لها للقرآن، فإنها ما كانت معلومة على هذا الترتيب، ولا القرآن ولا السور عند أهلِ اللغة أو كانا معلومين، ومثاله: كلفظ الرحمن لله، فإن هذا اللفظ كان معلومًا لهم، لكنهم لم يضعوا ذلك الاسمَ لذلك المعنى، أو كان أحدُهما مجهولًا والآخر معلومًا - ومثاله: كلفظ الصلاة والصوم وأمثالها، فإن هذه الألفاظ كانت معلومة لهم ومستعملة عندهم في معانيها المعلومة، ومعانيها الشرعية ما كانت معلومة لهم، وينبغي أن يُعلَمَ قبل ذلك الخلاف والأدلةِ من الجانبين أن الشرعية هي اللفظ المستعملُ فيما وُضِعَ له بوْضع الشارع لا بوضع أهل الشرع كما ظنَّ

".

["إرشاد الفحول" ص 107 - 108 بتحقيقي].

(4)

الحقيقة اللغوية: أي منسوبة إلى اللغة وهي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولًا في اللغة كالأسد المستعمل في الحيوان الشجاع العريض العالي، والإنسان في الحيوان الناطق.

[انظر: الإحكام: للآمدي (1/ 52) والكوكب المنير (1/ 149).

(5)

الحقيقة العرفية: هي اللفظة المنتقلة عن معناها إلى غيره بعرف الاستعمال العام أو الخاص.

فالعامة: هي أن تختصُّ تخصيصها بطائفة دون أخرى (كدابَّة) فإن وضعها بأصل اللغة لكل ما يدب على الأرض من ذي حافر وغيره، ثم هُجر الوضعُ الأولُ وصارت في =

ص: 124

وقد عرفت الكلام في جواز بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النَّساء.

قوله: (ولا شرطان في بيع) قال البَغَوي

(1)

: هو أن يقول: بعتك هذا العبد بألف نقدًا، أو بألفين نسيئةً، فهذا بيع واحدٌ تضمَّنَ شرطين يختلف المقصود فيه باختلافهما، ولا فرق بين شرطين وشروط، وهذا التفسير مرويٌّ عن زيد بن

(2)

علي، وأبي حنيفة

(3)

.

وقيل: معناه أن يقول: بعتك ثوبي بكذا وعليّ قصارته وخياطته، فهذا فاسد عند أكثر العلماء.

وقال أحمد

(4)

: إنه صحيح. وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فقال: إن شرط في البيع شرطًا واحدًا صح وإن شرط شرطين أو أكثر، لم يصح، فيصح مثلًا أن يقول: بعتك ثوبي على أن أخيطه، [ولا يصح أن يقول: على أن أقصره وأخيطه]

(5)

.

ومذهب الأكثر عدم الفرق بين [الشرط والشرطين]

(6)

. واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان.

قوله: (ولا ربح ما لم يضمن)، يعني لا يجوز أن يأخذ ربح سلعة لم يضمنها مثل أن يشتري متاعًا ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع، فهذا البيع باطل وربحه لا يجوز،

= العرف حقيقة (للفرس) ولكل ذات حافر.

وكذا ما شاع استعماله في غير موضوعه اللغوي، كالغائط والعذرة والراوية، فإن حقيقة الغائط: المطمئن من الأرض. والعذرة: فناء الدار .. والراوية: الجمل الذي يُستقى عليه الماء.

والخاصة: هي ما خصتْهُ كل طائفة من الأسماء بشيء من مصطلحاتهم كمبتدأ وخبر وفاعل ومفعول ونعت وتوكيد في اصطلاح النحاة

[انظر: الكوكب المنير (1/ 150) والإحكام للآمدي 1/ 53) والتحصيل (1/ 224)].

(1)

في شرح السنة (8/ 145 - 146).

(2)

انظر: البحر الزخار (3/ 343).

(3)

المبسوط للسرخسي (13/ 16) و (14/ 36).

(4)

المغني (6/ 322).

(5)

في المخطوط (ب): (ولا يصح على أن يقول: أن أقصره وأخيطه).

(6)

في المخطوط (ب): (الشرطين والشرط).

ص: 125

لأن المبيع في ضمان البائع الأول وليس في ضمان المشتري منه لعدم القبض.

قوله: (ولا بيع ما ليس عندك)، قد قدمنا الكلام عليه في باب النهي عن بيع ما لا يملكه

(1)

.

[الباب الثالث] باب من اشترى عبدًا بشرط أن يعتقه

3/ 2225 - (عَنْ عائِشَةَ أَنَّها أَرَادَتْ أنْ تَشتَرِيَ بَرِيرَةَ للْعِتْقِ فاشْتَرطُوا ولَاءَها، فذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ:"اشْتَريهَا وأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". مُتفَقٌ عَليهِ

(2)

، ولَمْ يَذْكُرِ البُخاريُّ لفْظَةَ:"أَعْتِقِيها"). [صحيح]

قوله: (بريرة) هي بفتح الباء الموحدة وبراءين بينهما تحتية بوزن فعيلة، مشتقة من البرير وهو ثمر الأراك

(3)

.

وقيل: إنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة: أي مبرورة، أو بمعنى فاعلة: كرحيمة أي بارة. وكانت لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم

(4)

.

وقيل: لناس من بني هلال، قاله ابن عبد البر

(5)

. وقد ذكر المصنف رحمه الله ههنا هذا الطرف من الحديث للاستدلال به على جواز البيع بشرط العتق. وسيأتي الحديث بكماله قريبًا.

قال النووي

(6)

: قال العلماء: الشرط في البيع أقسام أحدها يقتضيه إطلاق العقد كشرط تسليمه.

(1)

الباب التاسع عند الحديث رقم (2184) من كتابنا هذا.

(2)

أحمد (6/ 42) والبخاري رقم (2536) ومسلم رقم (12/ 1504).

(3)

النهاية (1/ 124).

(4)

لم أجده في "معرفة الصحابة" لأبي نعيم الأصبهاني (6/ 3275 رقم الترجمة 3797) في ترجمة بريرة. بل ذكره ابن الأثير في "أسد الغابة"(7/ 37) بدون عزوه لأحد. بل صدَّره بـ: قيل.

(5)

في الاستيعاب (4/ 357 - 358 رقم الترجمة 3290).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (10/ 142).

ص: 126

(الثاني): شرط فيه مصلحة كالرهن وهما جائزان اتفاقًا.

(الثالث): اشتراط العتق في العبد وهو جائز عند الجمهور لهذا الحديث.

(الرابع): ما يزيد على مقتضى العقد ولا مصلحة فيه للمشتري كاستثناء منفعته فهو باطل.

[الباب الرابع] باب أن من شرط الولاء أو شرطًا فاسدًا لغا وصح العقد

4/ 2226 - (عَنْ عائِشةَ قالتْ: دخَلَتْ عليَّ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكاتَبةٌ فقالَتِ: اشْتَرِينِي فأعْتِقينِي، قُلْتُ: نَعَمْ، قالَتْ: لَا يَبِيعُونِي حتى يَشتَرطُوا وَلَائي، قُلْتُ: لا حَاجةَ لي فِيكِ، فَسَمِعَ بذلِكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أوْ بَلَغهُ، فقالَ:"ما شأنُ بَرِيرَةَ؟ "، فذَكَرَتْ عائشةُ ما قالتْ، فقالَ:"اشْترِيهَا فأعْتِقِيها ويَشْترِطُوا ما شَاءوا"، قالتْ: فاشْتَرَيْتُها فأعْتقْتُها، واشْتَرَطَ أهلُها وَلَاءَها، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"الوَلاءُ لِمَنْ أعتَقَ وإنْ اشْترَطُوا مائةَ شَرْطٍ". روَاهُ البُخاريُّ

(1)

ولمُسلِمٍ

(2)

مَعْناهُ.

وللبُخاريِّ في لفْظٍ آخَرَ

(3)

: "خُذِيها واشْتَرِطي لَهُمُ الوَلَاءَ فَإِنَّما الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"). [صحيح]

5/ 2227 - (وَعَنِ ابْنِ عمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ أَرادَتْ أنْ تَشْتَرِيَ جارِيَةً تَعْتِقُها، فقالَ أهْلُها: نَبيعُكِهَا على أن وَلَاءَها لَنا، فذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ:"لَا يَمْنَعُكِ ذلِكَ، فإنَّ الوَلَاءَ لِمَنْ أعتَقَ". رَواهُ البُخاريُّ

(4)

والنَّسائيُّ

(5)

وأبُو دَاوُد

(6)

وكَذلِكَ مسْلمٌ

(7)

، لكِنْ قالَ فِيهِ: عَنْ عائشةَ جَعَلَهُ مِنْ مُسْندِها)

(8)

. [صحيح]

6/ 2228 - (وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: أَرَادَتْ عائشةُ أنْ تَشْتَرِيَ جَاريَةً تَعْتِقُها

(1)

في صحيحه رقم (2726).

(2)

في صحيحه رقم (10/ 1504).

(3)

في صحيحه رقم (2168).

(4)

في صحيحه رقم (2562).

(5)

في سننه رقم (4656).

(6)

في سننه رقم (2915).

(7)

في صحيحه رقم (5/ 1504).

(8)

وهو حديث صحيح.

ص: 127

فأبى أهْلُها إلّا أنْ يَكُونَ الوَلَاءُ لَهُمْ، فَذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ:"لَا يَمْنَعُكِ ذلِكَ، فإن الوَلاءُ لِمَنْ أعتَقَ". رَواهُ مُسلِمٌ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (اشتريها) في ذلك دليل على جواز بيع المكاتب إذا رضي ولو لم يعجز نفسه، وبه قال أحمد

(2)

وربيعة والأوزاعي

(3)

والليث (3) وأبو ثور (3) ومالك

(4)

والشافعي

(5)

في أحد قوليه، واختاره ابن جرير وابن المنذر وغيرهما على تفاصيل لهم في ذلك، كذا في الفتح

(6)

؛ وإلى مثل ذلك ذهب الهادي

(7)

وأتباعه.

وقال أبو حنيفة

(8)

والشافعي

(9)

في أصح القولين عنه وبعض المالكية: أنه لا يجوز بيعه مطلقًا، ويروى عن ابن مسعود

(10)

.

وأجابوا عن حديث الباب بأن بريرة عجزت نفسها بدليل استعانتها لعائشة كما في كثير من الروايات. ويجاب بأنه ليس في استعانتها لعائشة ما يستلزم العجز.

(1)

في صحيحه رقم (15/ 1505).

(2)

قال ابن قدامة في "المغني"(14/ 535 رقم المسألة 2000): "قال: ويجوز بيعُ المكاتب. وهذا قولُ عطاء، والنخعيِّ، والليث، وابن المنذر، وهو قديمُ قولي الشافعي، قال: ولا وجه لقول من قال: لا يجوز. وحكى أبو الخَطَّاب، عن أحمدَ، روايةً أخرى، أنَّه لا يجوزُ بيعُه، وهو قول مالكٍ، وأصحاب الرأي والجديدُ من قولي الشافعي؛ لأنَّه عقدٌ يمنعُ استحقاق كَسْبِه، فمنعَ بيعَه، كبيعه وعتقِه.

وقال الزهريُّ، وأبو الزِّناد: يجوزُ بيعُه برضاهُ، ولا يجوزُ إذا لم يَرْضَ. وحُكِيَ ذلك عن أبي يوسف؛ لأن بريرة إنما بيعت برضَاها وطلبِها، ولأنَّ لسيِّده استيفاءَ منافِعِه برضاهُ، ولا يجوز بغيرِ رضاهْ، كذلك بيعه

" اهـ.

• وانظر: "اختيارات ابن قدامة الفقهية"(3/ 448 - 451).

(3)

حكاه عنه ابن عبد البر في "التمهيد"(13/ 343).

(4)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 106) والتمهيد (13/ 343).

(5)

الأم (10/ 252 - 155 - اختلاف الحديث) والبيان للعمراني (5/ 59 - 60).

(6)

(5/ 195).

(7)

البحر الزخار (4/ 216).

(8)

البناية في شرح الهداية (7/ 306 - 357).

(9)

في الأم (10/ 154 - اختلاف الحديث).

(10)

حكاه عنه النووي في شرحه لصحيح مسلم (10/ 139).

ص: 128

قوله: (ويشترطوا ما شاؤوا) فيه دليل على أن شرط البائع للعبد أن يكون الولاء له لا يصح، بل الولاء لمن أعتق بإجماع المسلمين.

قوله: (وإن اشترطوا مائة شرط)، قال النووي

(1)

: أي لو شرطوا مائة مرة توكيدًا فالشرط باطل، وإنما حمل ذلك على التوكيد لأن الدليل قد دل على بطلان جميع الشروط التي ليست في كتاب الله فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة، فإنها لو زاد عليها كان الحكم كذلك.

قوله: (واشترطي لهم الولاء) استشكل صدور الإذن منه صلى الله عليه وسلم بشرط فاسد في البيع، واختلف العلماء في ذلك فمنهم من أنكر الشرط في الحديث فروى الخطابي في المعالم

(2)

بسنده إلى يحيى بن أكثم أنه أنكر ذلك.

وعن الشافعي في

(3)

الأم الإشارة إلى تضعيف هذه الرواية التي فيها الإِذن بالاشتراط لكونه انفرد بها هشام بن عروة دون أصحاب أبيه وأشار غيره إلى أنه روى بالمعنى الذي وقع له وليس كما ظن، وأثبت الرواية آخرون، وقالوا: هشام ثقة حافظ، والحديث متفق على صحته، فلا وجه لرده.

ثم اختلفوا في توجيه ذلك فقال الطحاوي: إن اللام في قوله: لهم، بمعنى على كقوله تعالى:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}

(4)

، وقد أسند هذا البيهقي في المعرفة

(5)

عن الشافعي، وجزم به الخطابي

(6)

عنه وهو مشهور عن المزني.

وقال النووي

(7)

: إن هذا تأويل ضعيف، وكذلك قال ابن دقيق العيد

(8)

: وقال آخرون: الأمر في قوله: "اشترطي" للإباحة، أي: اشترطي لهم أولًا فإن ذلك لا ينفعهم، ويقوي هذا قوله: " [ويشترطوا]

(9)

ما شاؤوا"، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان أعلم الناس أن اشتراط الولاء باطل، واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة، فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم العلم ببطلانه أطلق

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (10/ 142).

(2)

في معالم السنن (4/ 246 - 247).

(3)

الأم (10/ 153 - اختلاف الحديث).

(4)

سورة الإسراء، الآية:7.

(5)

في معرفة السنن والآثار (14/ 462 رقم 20773) والسنن الكبرى (10/ 339 - 340).

(6)

في معالم السنن (4/ 247).

(7)

في شرحه لصحيح مسلم (10/ 140).

(8)

في "إحكام الأحكام"(3/ 164 - 166).

(9)

في المخطوط (أ): (ويشترطون).

ص: 129

الأمر مريدًا به التهديد كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}

(1)

، فكأنه قال: اشترطي لهم الولاء فسيعلمون أن ذلك لا ينفعهم.

ويؤيد هذا ما قاله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: "ما بال رجال يشترطون شروطًا

" إلخ

(2)

، فوبخهم بهذا القول: مشيرًا إلى أنه قد تقدم منه بيان إبطاله، إذ لم يتقدم منه ذلك لبدأ ببيان الحكم لا بالتوبيخ لعدم المقتضى له إذ هم متمسكون بالبراءة الأصلية.

وقال الشافعي

(3)

: إنه أذن في ذلك لقصد أن يعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع به غيرهم، وكان ذلك من باب الأدب.

وقيل: معنى اشترطي اتركي مخالفتهم فيما يشترطونه ولا تظهري نزاعهم فيما دعوا إليه مراعاة لتنجيز العتق لتشوّف الشرع إليه.

وقال النووي

(4)

: أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القصة وأن سببه المبالغة في الزجر عن هذا الشرط لمخالفته حكم الشرع وهو كفسخ الحج إلى العمرة كان خاصًّا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج، ويستفاد منه ارتكاب أخف المفسدتين إذا استلزم إزالة أشدهما.

وتُعقب بأنه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه.

وتعقبه ابن دقيق العيد

(5)

بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل.

وقال ابن الجوزي: ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنًا للعقد، فيحمل على أنه كان سابقًا للعقد، فيكون الأمر بقوله:"اشترطي" مجرد وعد ولا يجب الوفاء به.

(1)

سورة فصلت، الآية:40.

(2)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 81 - 82) والبخاري رقم (2561) ومسلم رقم (6/ 1504) وأبو داود رقم (3929) والترمذي رقم (2124) والنسائي (7/ 305) والبيهقي (10/ 299 - 300، 338).

(3)

الأم (10/ 155 - اختلاف الحديث).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (10/ 140).

(5)

في "إحكام الأحكام"(3/ 104).

ص: 130

وتعقب باستبعاد أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم شخصًا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد.

وقال ابن حزم

(1)

: كان الحكم ثابتًا لجواز اشتراط الولاء لغير المعتق فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان ذلك جائزًا فيه ثم نسخ بخطبته صلى الله عليه وسلم وهو بعيد.

قوله: (فإنما الولاء لمن أعتق) فيه إثبات الولاء للمعتق ونفيه عما عداه كما تقتضيه إنما الحصرية، واستدل بذلك على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه رجل أو وقع بينه وبين رجل مخالفة.

ولا للملتقط، وسيأتي بقية الكلام على بقية هذا الحديث في كتاب العتق

(2)

إن شاء الله تعالى.

[الباب الخامس] باب شرط السلامة من الغبن

7/ 2229 - (عَنِ ابْن عُمَرَ قالَ: ذُكِرَ رجُلٌ لِرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ يُخْدَعُ في البُيُوعِ فقال: "مَنْ بايعْتَ، فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ". متَّفَقٌ عَليهِ)

(3)

. [صحيح]

8/ 2230 - (وعَنْ أنَسٍ أنَّ رَجُلًا على عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَبْتَاعُ وكان في عُقْدَتِه - يَعْنِي في عَقْلِهِ - ضعْفٌ. فأتَى أهْلُهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالُوا: يا رسول الله، احْجُرْ على فُلَانٍ فإنَّه يَبْتاعُ، وفي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، فدَعاهُ ونَهاهُ، فقالَ: يَا نَبيَّ اللهِ إنِّي لَا أصْبِرُ عَنِ الْبَيْعِ، فقالَ: "إنْ كُنْتَ غَيْرَ تَارِكٍ لِلْبَيْعِ فقلْ: هَا وَهَا ولَا

(1)

انظر: "المحلى"(9/ 216).

(2)

في الكتاب السابع والعشرون، الباب السابع عند الحديث رقم (17/ 2607) من كتابنا هذا.

(3)

أحمد في المسند (2/ 61) والبخاري رقم (2117) ومسلم رقم (48/ 1533).

قلت: وأخرجه: أبو داود رقم (3500) والنسائي رقم (4484) ومالك في الموطأ (2/ 685 رقم 98) والطيالسي رقم (1881) والبيهقي (5/ 273) والبغوي في شرح السنة (8/ 46 رقم 2052) وابن الجارود رقم (567) والحميدي (2/ 292 رقم 662) والدارقطني (3/ 54 - 55 رقم 217 - 220) والحاكم في المستدرك (2/ 22).

وهو حديث صحيح.

ص: 131

خِلَابَةَ". رَواهُ الخَمْسَةُ

(1)

وصَحَّحَهُ التِّرمذِيُّ). [صحيح]

وَفِيهِ صحة الحَجْرِ على السَّفِيهِ، لأنَّهُمْ سألُوهُ إيَّاهُ وطَلَبُوهُ منْهُ وأقَرَّهُمْ عَلَيهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ معروفًا عنْدَهُمْ لَمَا طَلَبُوهُ ولَا أنْكَرَ عَلَيْهِمْ)

(2)

.

9/ 2231 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ في رَأسِهِ في الجَاهِلِيَّةِ مأمُومةً فَخَبَلَتْ لِسانهُ، فكانَ إِذَا بَايَعَ يُخْدَعُ في الْبَيْعِ، فقالَ لهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"بايع وقُلْ: لَا خِلَابَةَ، ثمَّ أنْتَ بالخِيْارِ ثَلَاثًا"، قالَ ابنُ عُمَرَ: فَسَمِعْتُه يُبايعُ ويَقُولُ: لَا خِذَابَةَ لَا خِذَابَة. رَواهُ الحُمَيْدِيُّ في مُسْنَدِهِ

(3)

، فَقَالَ: حَدثَنا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِع عَنِ ابْنِ عُمَرَ

فذَكَرَهْ). [صحيح]

10/ 2232 - (وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قالَ: هُوَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عُمَرَ، وكانَ رجلًا قد أصابته آمَّةٌ في رأسه فكسرت لسانه، وكان لَا يَدَعُ على ذلِكَ التِّجارَةَ، فكانَ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ، فأتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذَكَرَ ذلِكَ لهُ، فقالَ:"إذَا أنْتَ بايَعْتَ فقُلْ: لَا خِلَابَة، ثمَّ أنْتَ في كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَها بالخِيْارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، إنْ رَضِيتَ فأمْسِكْ وَإنْ سَخِطْتَ فارْتدها على صاحِبِها". رَوَاهُ البُخاريُّ في تارِيخِهِ

(4)

وابْنُ ماجَهْ

(5)

والدَّارقطْنيُّ)

(6)

[حسن]

(1)

أحمد في المسند (3/ 217) وأبو داود رقم (3501) والترمذي رقم (1250) وقال: حديث حسن صحيح غريب. والنسائي رقم (4485) وابن ماجه رقم (2354).

قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 55 رقم 218، 219) وابن الجارود رقم (568).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(2)

هذا كلام ابن تيمية الجد في المنتقى (2/ 334).

(3)

رقم (662) بإسناد صحيح. وقد صرح ابن إسحاق بالتحدث عند البخاري وأحمد والبيهقي. وأخرجه البخاري رقم (2117) ومسلم رقم (1533).

وأخرجه ابن الجارود رقم (567) والدارقطني (3/ 54 - 55 رقم 217) والحاكم (2/ 22). شاهدًا وسكت عنه، وصححه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 273) وأحمد رقم (6134 - شاكر) وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(4)

في التاريخ الكبير (8/ 17، 18).

(5)

في سننه رقم (2355).

(6)

في سننه رقم (3/ 55، 56 رقم 220).

قلت: وعزاه الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 7) للبخاري في تاريخه الوسط. وقال =

ص: 132

حديث أنس أخرجه أيضًا الحاكم

(1)

.

وحديث ابن عمر الثاني أخرجه أيضًا البخاري في تاريخه

(2)

والحاكم في مستدركه

(3)

، وفي إسناده محمد بن إسحاق.

وفي الباب عن عمر بن الخطاب عند الشافعي وابن الجارود والحاكم والدارقطني، وفيه أن الرجل اسمه حبان بن منقذ.

وأخرجه أيضًا عنه الدارقطني والطبراني في الأوسط، وقيل: إن القصة لمنقذ والد حبان

(4)

كما في حديث الباب.

قال النووي

(5)

: وهو الصحيح وبه جزم عبد الحق، وجزم ابن الطلاع بأنه حبان بن منقذ، وتردد الخطيب في المبهمات

(6)

وابن الجوزي في [التلقيح

(7)

]

(8)

قال ابن الصلاح: وأما رواية الاشتراط فمنكرة لا أصل لها.

قوله: (لا خِلابة) بكسر المعجمة وتخفيف اللام، أي: لا خديعة، قال العلماء: لقنه صلى الله عليه وسلم هذا القول ليتلفظ به عند البيع فيطلع به صاحبه

= الزيلعي: "وذهل ابن القطان في "كتابه"، فأنكر على عبد الحق حين عزاه إلى تاريخ البخاري، كأنَّ ابن القطان لم يقف على تاريخ البخاري الوسط، وابن إسحاق الأكثر على توثيقه، وممن وثقه البخاري. والله أعلم" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(1)

في المستدرك (2/ 101) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

(2)

في التاريخ الكبير (8/ 17، 18).

(3)

في المستدرك (2/ 22) وسكت عنه الحاكم وصححه الذهبي.

(4)

قلت: الكلام في "التلخيص الحبير"(3/ 49) كما يأتي: "وذكر أن ذلك الرجل كان حبان بن منقذ؛ أصابته آفة في رأسه، فكان يُخدع في البيع، الحديث، كذلك صرح به الشافعي، كما في "المعرفة" رقم (11384)، ووقع التصريح به في رواية ابن الجارود رقم (567) والحاكم (2/ 22) والدارقطني (3/ 54 - 55 رقم 217) وغيرهم.

وكذلك أخرجه الدارقطني (3/ 54 رقم 216) والطبراني في الأوسط من حديث عمر بن الخطاب. وقيل: إن القصة لمنقذ والد حبان" اهـ.

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (10/ 177).

(6)

في كتاب: الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة (ص 364 - 366 رقم 179).

(7)

"تلقيح فُهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير" لابن الجوزي.

(8)

في المخطوط (أ): (التنقيح) وهو خطأ.

ص: 133

على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة، ويرى له ما يرى لنفسه، والمراد أنه إذا ظهر غبن رد الثمن واسترد المبيع.

واختلف العلماء في هذا الشرط هل كان خاصًّا بهذا الرجل أم يدخل فيه جميع من شرط هذا الشرط، فعند أحمد

(1)

ومالك

(2)

في رواية عنه والمنصور بالله والإمام

(3)

يحيى أنه يثبت الرد لكل من شرط هذا الشرط، ويثبتون الرد بالغبن لمن لم يعرف قيمة السلع، وقيده بعضهم بكون الغبن فاحشًا وهو ثلث القيمة عنده، قالوا: بجامع الخدع الذي لأجله أثبت النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل الخيار.

وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل لهذا الرجل الخيار للضعف الذي كان في عقله كما في حديث أنس

(4)

المذكور فلا يلحق به إلا من كان مثله في ذلك بشرط أن يقول هذه المقالة، ولهذا روي أنه كان إذا غبن يشهد رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله بالخيار ثلاثًا فيرجع في ذلك، وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون وإن كان صحيح العقل، ولا على ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن ولم يقل هذه المقالة.

وهذا مذهب الجمهور وهو الحق

(5)

.

واستدل بهذه القصة على ثبوت الخيار لمن قال: لا خلابة سواء غبن أم لا، وسواء وجد غشًا أو عيبًا أم لا.

ويؤيده حديث ابن عمر الآخر

(6)

، والظاهر أنه لا يثبت الخيار إلا إذا وجدت خلابة، لا إذا لم توجد، لأن السبب الذي ثبت الخيار لأجله هو وجود ما نفاه منها، فإذا لم يوجد فلا خيار.

واستدل بذلك أيضًا على جواز الحجر للسَّفه كما أشار إليه المصنف وغيره، وهو استدلال صحيح لكن بشرط أن يطلب ذلك من الإمام أو الحاكم قرابة من كان في تصرفه سفه كما في حديث أنس (4).

(1)

المغني (6/ 46).

(2)

انظر: التمهيد (12/ 228).

(3)

البحر الزخار (3/ 359).

(4)

تقدم برقم (2230) من كتابنا هذا.

(5)

انظر: المغني (6/ 45 - 47).

(6)

تقدم برقم (2231) من كتابنا هذا.

ص: 134

قوله: (في عقدته) العقدة العقل كما يُشعر بذلك التفسير المذكور في الحديث، وفي التلخيص

(1)

: العقدة: الرأي، وقيل: هي العقدة في اللسان كما يُشعر بذلك ما في رواية ابن عمر

(2)

أنها خبلت لسانه، وكذلك قوله: فكسرت لسانه وعدم إفصاحه بلفظ الخلابة حتى كان يقول: لا خذابة، بإبدال اللام ذالًا معجمة.

وفي رواية لمسلم

(3)

أنه كان يقول: لا خنابة بإبدال اللام نونًا. ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)}

(4)

لم يذكر في القاموس

(5)

إلا عقدة اللسان.

قوله: (سُفِعَ) بالسين المهملة ثم الفاء ثم العين المهملة، أي: ضُرِب، والمأمومة التي بلغت أم الرأس وهي الدماغ أو الجلدة الرقيقة التي عليه

(6)

.

قوله: (ثم أنت بالخيار ثلاثًا) استدل به على أن مدة هذا الخيار ثلاثة أيام من دون زيادة، قال [في "الفتح"

(7)

]

(8)

: لأنه حُكْمٌ ورد على خلاف الأصل؛ فيقتصر به على أقصى ما ورد فيه. ويؤيده جعل الخيار في المصرَّاة ثلاثة أيام واعتبار الثلاث في غير موضع. وأغرب بعض المالكية

(9)

فقال: إنما قصره على ثلاث لأن معظم بيعه كان في الرقيق، وهذا يحتاج إلى دليل ولا يكفي فيه مجرد الاحتمال، انتهى.

قوله: (وعن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وهو غير صاحب الصحيح المعروف بابن حبان بكسر الحاء.

(1)

التلخيص الحبير (3/ 49).

(2)

تقدم برقم (2231) من كتابنا هذا.

(3)

في صحيحه رقم (48/ 1532) ولكن فيه: "لا خيابة".

قال النووي: "هو بياء مثناة تحت بدل اللام. هكذا هو في جميع النسخ".

قال القاضي: "ورواه بعضهم: "لا خيانة" بالنون، قال: وهو تصحيف" اهـ. ولعل ما أورده الشوكاني: "لا خنابة" تصحيفًا، والله أعلم.

(4)

سورة طه، الآية:27.

(5)

القاموس المحيط ص 940.

(6)

النهاية (1/ 77) وغريب الحديث للهروي (3/ 76) والفائق (1/ 57).

(7)

في "الفتح"(4/ 338).

(8)

في المخطوط (ب): (الفتح).

(9)

التمهيد (12/ 228).

ص: 135

[الباب السادس] بابُ إثباتِ خيارِ المجْلِسِ

11/ 2233 - (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الْبَيِّعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَفْتَرِقا"، أوْ قالَ: "حتى يَفْتَرِقَا فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لَهُما في بَيْعِهما، وَإِنْ كذَبَا وكتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما")

(1)

. [صحيح]

12/ 2234 - (وعَنِ ابْنِ عمَرَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "المُتَبايعَانِ بِالْخِيَارِ ما لَمْ [يَتَفَرَّقا]

(2)

، أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُما لِصاحِبهِ: اخْتَرْ"، ورُبَّما قالَ: "أوْ يَكُونَ بَيْعُ الْخِيارِ". وفي لفْظٍ: "إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ واحِدٍ منْهُما بِالْخِيَارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا وكانا جَمِيعًا أَوْ يُخيِّرْ أحَدُهُما الآخَرَ، فإنْ خَيَّرَ أحَدُهُمَا الآخَرُ فَتَبَايعَا على ذلِكَ فقَدْ وجَبَ الْبَيْعُ، وإنْ تَفَرَّقا بَعْدَ أنْ تبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ واحِدٌ مِنْهُمَا البَيْعَ فقدْ وَجَبَ الْبَيْعُ". مُتَّفَقٌ على ذلِكَ

(3)

كُلِّهِ.

وفي لفظٍ: "كُلُّ بَيْعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُما حتى يتَفَرَّقا إلَّا بَيعَ الخِيَارِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه أيْضًا

(4)

.

وفي لفظٍ: "المُتبايعَانِ كُلُّ واحِدٍ منْهُما بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبهِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا إلَّا بيْعَ الْخِيَارِ"

(5)

.

وفي لَفْظٍ: "إِذَا تَبَايَعَ المُتَبايِعَانِ بالْبيْعِ فَكُلُّ واحِدٍ منْهُما بالْخِيارِ مِنْ بيْعِهِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا أوْ يكُونَ بَيعُهُمَا عَن خيارٍ، فإذَا كانَ بيْعهُما عَنْ خِيارٍ فقَدْ وجَبَ"؛ قالَ

(1)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 402 - 403) والبخاري رقم (2115، 2114) ومسلم رقم (47/ 1532).

(2)

في المخطوط (ب): (يفترقا). والمثبت من (أ) وموافق لمصادر التخريج.

(3)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 119) والبخاري رقم (2107) و (2109) و (2112) ومسلم رقم (44/ 1531).

(4)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 51) والبخاري رقم (2113) ومسلم رقم (46/ 1531).

(5)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 56) والبخاري رقم (2111) ومسلم رقم (43/ 1531).

ص: 136

نافِع: وكانَ ابْنُ عُمَرَ رحمه الله إذَا بَايَعَ رجُلًا فأرَادَ أنْ لَا يقيلَهُ قامَ فمَشَى هُنَيَّةً ثمَّ رَجَعَ. أَخْرَجاهُما)

(1)

. [صحيح]

قوله: (البيِّعان) بتشديد التحتانية، يعني: البائع والمشتري، والبَيِّعُ: هو البائع أطلق على المشتري على سبيل التغليب، أو لأن كل واحد من اللفظين يطلق على الآخر كما سلف.

قوله: (بالخيار) بكسر الخاء المعجمة اسم من الاختيار أو التخيير، وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه والمراد بالخيار هنا: خيار المجلس.

قوله: (ما لم [يتفرقا])

(2)

قد اختلف هل المعتبر التفرُّق بالأبدان أو بالأقوال؟ فابن عمر حمله على التفرُّق بالأبدان كما في الرواية المذكورة عنه في الباب، وكذلك حمله أبو برزة الأسلمي، حكى ذلك عنه أبو داود.

قال صاحب الفتح

(3)

: ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة، قال أيضًا

(4)

: ونقل ثعلب عن [المفضل بن سلمة]

(5)

أنه يقال: افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان. وردّه ابن العربي

(6)

بقوله [تعالى]

(7)

: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}

(8)

، فإنه ظاهر في التفرق بالكلام لأنه بالاعتقاد.

وأجيب بأنه من لازمه في الغالب، لأنه من خالف آخر في عقيدته كان مستدعيًا لمفارقته إياه ببدنه ولا يخفى ضعف هذا الجواب.

والحق حمل كلام [المفضل]

(9)

على الاستعمال بالحقيقة، وإنما استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعًا، انتهى.

(1)

أخرجه البخاري رقم (2112) ومسلم رقم (45/ 1531).

(2)

في المخطوط (ب): (يفترقا).

(3)

الحافظ ابن حجر في "الفتح"(4/ 230).

(4)

أي: الحافظ في الفتح (4/ 327).

(5)

في المخطوط (أ) و (ب): (الفضل بن سلمة)، والصواب ما أثبتناه من "بغية الوعاة"(2/ 296 رقم الترجمة 2013).

(6)

في "عارضة الأحوذي"(6/ 5).

(7)

زيادة من المخطوط (ب).

(8)

سورة البينة، الآية:4.

(9)

في المخطوط (أ) و (ب): (الفضل)، والصواب ما أثبتناه من "بغية الوعاة"(2/ 296) رقم الترجمة 2013).

ص: 137

ويؤيد حمل التفريق على تفرق الأبدان ما رواه البيهقي

(1)

من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: "حتى [يتفرقا]

(2)

من مكانهما".

وروايات حديث الباب بعضها بلفظ: التفرق، وبعضها بلفظ: الافتراق كما عرفت، فإذا كانت حقيقة كل واحد منهما مخالفة لحقيقة الآخر كما سلف فينبغي أن يحمل أحدهما على المجاز توسعًا.

وقد دل الدليل على إرادة حقيقة التفرق بالأبدان فيحمل ما دل على التفرق بالأقوال على معناه المجازي.

ومن الأدلة الدالة على إرادة التفرق بالأبدان قوله في حديث ابن عمر

(3)

المذكور: "ما لم يتفرقا وكانا جميعًا". وكذلك قوله: "وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع"، فإن فيه البيان الواضح أن التفرق بالبدن.

قال الخطابي

(4)

: وعلى هذا وجدنا أمر الناس في عرف اللغة، وظاهر الكلام، فإذا قيل: تفرق الناس كان المفهوم منه التمييز بالأبدان.

قال

(5)

: ولو كان المراد تفرق الأقوال كما يقول أهل الرأي لخلا الحديث عن الفائدة وسقط معناه، وذلك أن العلم محيط بأن المشتري ما لم يوجد منه قبول المبيع فهو بالخيار، وكذلك البائع خياره في ملكه ثابت قبل أن يعقد البيع، وهذا من العلم العام الذي استقر بيانه.

قال

(6)

: وثبت أن المتبايعين هما المتعاقدان، والبيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين، ولا يقع حقيقة إلا بعد حصول الفعل منهم، كقوله: زان وسارق، وإذا كان كذلك فقد صح أن المتبايعين هما المتعاقدان وليس بعد العقد تفرق إلا التمييز بالأبدان، انتهى.

فتقرّر أن المراد بالتفرق المذكور في الباب تفرق الأبدان، وبهذا

(1)

في السنن الكبرى (5/ 271).

(2)

في المخطوط (ب): (يفترقا).

(3)

تقدم برقم (2234) من كتابنا هذا.

(4)

في معالم السنن (3/ 733 - مع السنن).

(5)

أي: الخطابي في المرجع السابق (3/ 733).

(6)

أي: الخطابي في المرجع السابق (3/ 734).

ص: 138

تمسك من أثبت خيار المجلس وهم جماعة من الصحابة منهم عليٌّ

(1)

، وأبو برزة الأسلمي

(2)

، وابن عمر

(3)

، وابن عباس

(4)

، وأبو هريرة

(5)

، وغيرهم.

ومن التابعين شريح

(6)

، والشعبي

(7)

، وطاوس

(8)

، وعطاء

(9)

، وابن أبي مليكة

(10)

، نقل ذلك عنهم البخاري

(11)

.

ونقل ابن المنذر

(12)

القول به أيضًا عن سعيد بن المسيب

(13)

والزهري (14) وابن أبي ذئب (14) من أهل المدينة. وعن الحسن البصري (14) والأوزاعي

(14)

وابن جريج وغيرهم، وبالغ ابن حزم

(15)

فقال: لا يعرف لهم مخالف من التابعين إلا النخعي وحده، ورواية مكذوبة عن شريح، والصحيح عنه القول به.

ومن أهل البيت الباقر والصادق وزين العابدين وأحمد بن عيسى والناصر والإمام يحيى، نقل ذلك عنهم صاحب البحر

(16)

.

وحكاه أيضًا عن الشافعي

(17)

وأحمد

(18)

وإسحاق (19) وأبو ثور

(19)

،

(1)

حكاه عنه النووي في المجموع (9/ 218).

(2)

أخرج له ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 124 رقم 2608).

(3)

تقدم حديثه برقم (2234) من كتابنا هذا.

(4)

حكاه عنه النووي في المجموع (9/ 218).

(5)

أخرج له عبد الرزاق في المصنف (8/ 51 رقم 14267).

(6)

أخرج له ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 126 رقم 2612) ورقم (2615).

(7)

أخرج له ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 126 رقم 2613).

(8)

أخرج له عبد الرزاق في "المصنف"(8/ 50 رقم 14261).

(9)

أخرج له ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 125 رقم 2610).

(10)

أخرج له ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 125 - 126 رقم 2611).

(11)

في صحيحه رقم (4/ 328 رقم الباب 44 مع الفتح) معلقًا.

(12)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 328) والنووي في "المجموع"(9/ 218).

(13)

أخرج له ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 127 رقم 2616).

(14)

حكاه عنهم النووي في "المجموع"(9/ 218).

(15)

في المحلى (8/ 354).

(16)

البحر الزخار (3/ 347).

(17)

في الأم (4/ 9).

(18)

في المغني (6/ 10).

(19)

حكاه عنهما النووي في "المجموع"(9/ 218) وابن حزم في المحلى (8/ 354).

ص: 139

وذهبت المالكية

(1)

إلا ابن حبيب والحنفية

(2)

كلهم وإبراهيم النخعي

(3)

إلى أنها إذا وجبت الصفقة فلا خيار.

وحكاه صاحب البحر

(4)

عن الثوري والليث والإمامية وزيد بن علي والقاسمية والعنبري.

قال ابن حزم

(5)

: لا يُعلم لهم سلفًا إلا إبراهيم وحده، وهذا الخلاف إنما هو بعد التفرق بالأقوال، وأما قبله فالخيار ثابت إجماعًا كما في البحر (4)، ولأهل القول الآخر أجوبة عن الأحاديث القاضية بثبوت خيار المجلس.

فمنهم من رده لكونه معارضًا لما هو أقوى منه نحو قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}

(6)

قالوا: ولو ثبت خيار المجلس لكانت الآية غير مفيدة، لأن الإشهاد إن وقع قبل التفرق لم يطابق الأمر، وإن وقع بعد التفرق لم يصادف محلًا.

وقوله تعالى: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}

(7)

، فإنها تدل على [أنه]

(8)

بمجرد الرضا يتم البيع، وقوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}

(9)

، لأن الراجع عن موجب العقد قبل التفرق لم يف به.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم"

(10)

، والخيار بعد العقد يفسد الشرط.

(1)

التمهيد (12/ 216).

(2)

البناية في شرح الهداية (7/ 126).

(3)

أخرج له ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 128 رقم 2620).

(4)

البحر الزخار (3/ 347).

(5)

في المحلى (8/ 354).

(6)

سورة البقرة، الآية:282.

(7)

سورة النساء، الآية:29.

(8)

في المخطوط (ب): أن.

(9)

سورة المائدة، الآية:1.

(10)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 366) وأبو داود رقم (3594) وابن حبان رقم (1199 - موارد) وابن عدي في الكامل (6/ 2088) والدارقطني (3/ 27) والحاكم في المستدرك (2/ 49) والبيهقي (6/ 79) من طريق كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة، به.

قال الحاكم: "رواة هذا الحديث مدنيون".

وقال الذهبي: لم يصححه، وكثير ضعفه النسائي وقواه غيره".

وخلاصة القول: أن حديث أبي هريرة حديث حسن، والله أعلم.

ص: 140

ومنه حديث التحالف عند اختلاف المتبايعين لاقتضائه الحاجة إلى اليمين، وذلك يستلزم لزوم العقد، ولو ثبت خيار المجلس لكان كافيًا في رفع العقد.

ولا يخفى أن هذه الأدلة على فرض شمولها لمحلِّ النزاع أعمُّ مطلقًا، فيبنى العامّ على الخاصّ والمصير إلى الترجيح مع إمكان الجمع غير جائز كما تقرر في موضعه. ومن أهل القول الثاني من أجاب عن أحاديث خيار المجلس بأنها منسوخة بهذه الأدلة.

قال في الفتح

(1)

: ولا حجة في شيء من ذلك لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، والجمع بين الدليلين مهما أمكن لا يصار معه إلى الترجيح، والجمع [هنا]

(2)

ممكن بين الأدلة المذكورة بغير تعسف ولا تكلف، انتهى.

وأجاب بعضهم بأن إثبات خيار المجلس مخالف للقياس الجليِّ في إلحاق ما قبل التفرّق بما بعده، وهو قياس فاسد الاعتبار لمصادمته النصَّ.

وأجاب بعضهم بأن التفرّق بالأبدان محمول على الاستحباب تحسينًا للمعاملة مع المسلم.

ويجاب عنه بأنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه ألا لدليل، وهكذا يجاب عن قول من قال: إنه محمول على الاحتياط للخروج من الخلاف، وقيل: إنه يحمل التفرق المذكور في الباب على التفرق في الأقوال كما في عقد النكاح والإجارة.

قال في الفتح

(3)

: وتعقب بأنه قياس مع ظهور الفارق، لأن البيع ينقل [منه]

(4)

ملك رقبة المبيع ومنفعته بخلاف ما ذكر. وقيل: المراد بالمتبايعين المتساومان.

قال في الفتح

(5)

: وَرُدَّ بأنه مجاز، فالحمل على الحقيقة أو ما يقرب منها أولى.

(1)

(4/ 330).

(2)

في المخطوط (ب): (هاهنا).

(3)

(4/ 330).

(4)

كذا في المخطوط (أ، ب) وفي الفتح (4/ 330): (فيه).

(5)

(4/ 330).

ص: 141

وقد احتج الطحاوي

(1)

على ذلك بآيات وأحاديث استعمل فيها المجاز، وتُعُقّبَ بأنه لا يلزمُ من استعمال المجاز في موضع استعماله في كل موضع.

قال البيضاوي

(2)

: ومن نفى خيار المجلس ارتكب مجازين لحمله التفرّق على الأقوال وحمله للمتبايعين على المتساومين، وأيضًا فكلام الشارع يصان عن الحمل عليه لأنه يصير تقديره أن المتساومين إن شاءا عقدا البيع، وإن شاءا لم يعقداه، وهو تحصيل حاصل لأن كل أحد يعرف ذلك. ولأهل القول الآخر أجوبة غير هذه منها ما سيأتي في آخر الباب.

ومنها غيره وقد بسطها صاحب الفتح

(3)

.

وأجاب عن كل واحد منها، وقد ذكرنا هنا ما كان يحتاج منها إلى الجواب، وتركنا ما كان ساقطًا، فمن أحب الاستيفاء فليرجع إلى المطولات.

وقد اختلف القائلون بأن المراد بالتفرق تفرق الأبدان هل له حد يَنتهي إليه أم لا؟ والمشهور الراجح من مذاهب العلماء على ما ذكره الحافظ

(4)

أن ذلك موكول إلى العرف، فكلما عُدَّ في العرف تفرقًا حكم به، وما لا فلا.

قوله: (فإن صدقا وبيَّنا)، أي صدق البائع في إخبار المشتري وبيّن العيب إن كان في السلعة وصدق المشتري في قدر الثمن وبيّن العيب إن كان في الثمن، ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد، وذكر أحدهما تأكيد للآخر.

قوله: (محقت بركة بيعهما) يُحتمل أن يكون على ظاهره، وأن شؤم التدليس والكذب وقع في ذلك العقد فمحق بركته هان كان مأجورًا والكاذب مأزورًا، ويحتمل أن يكون ذلك مختصًا بمن وقع منه التدليس بالعيب دون الآخر ورجحه ابن أبي [حمزة]

(5)

.

قوله: (أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر) وربما قال: أو يكون بيع الخيار قد

(1)

شرح معاني الآثار (4/ 13 - 14).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 331).

(3)

(4/ 329 - 332).

(4)

في "الفتح"(4/ 329).

(5)

كذا في (أ) و (ب). وفي الفتح (4/ 329): (جمرة).

ص: 142

اختلف العلماء في المراد بقوله: "إلا بيع الخيار"، فقال الجمهور: هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق، والمراد: أنهما إن اختارا إمضاء البيع قبل التفرق فقد لزم البيع حينئذٍ وبطل اعتبار التفرق، فالتقدير: إلا البيع الذي جرى فيه التخاير.

وقيل: هو استثناء من انقطاع الخيار بالتفرق، والمراد بقوله:"أو يخير أحدهما الآخر"، أي: فيشترط الخيار مدة معينة فلا ينقضي الخيار بالتفرق، بل يبقى حتى تمضي المدة، حكاه ابن عبد البر

(1)

عن أبي ثور، ورجح الأول بأنه أقل في الإضمار.

ولا يخفى أن قوله في هذا الحديث: "فإن خيّر أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع" معين للاحتمال الأول، وكذلك قوله في الرواية الأخرى، فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب وفي رواية للنسائي

(2)

: "إلا أن يكون البيع كان عن خيار، فإن كان البيع عن خيار وجب البيع"، وقيل: هو استثناء من إثبات خيار المجلس، والمعنى: أو خيّر أحدهما الآخر فيختار عدم ثبوت خيار المجلس فينتفي الخيار.

قال في الفتح

(3)

: وهذا أضعف هذه الاحتمالات.

وقيل: المراد بذلك أنهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يتخايرا ولو قبل التفرق، وإلا أن يكون البيع بشرط الخيار ولو بعد التفرق.

قال في الفتح

(4)

: وهو قول يجمع التأويلين الأولين، ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري

(5)

بلفظ: "إلّا بيع الخيار، أو يقول لصاحبه: اختر" إن حملت، أو على التقسيم لا على الشك.

قوله: (أو يخير) بإسكان الراء عطفًا على قوله: "ما لم يتفرقا"، ويحتمل نصب الراء على أن أو بمعنى: إلا أن، كما قيل: إنها كذلك في قوله: "أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر".

قوله: (قال نافع: وكان ابن عمر) هو موصول بإسناد الحديث.

(1)

التمهيد (12/ 225 - الفاروق).

(2)

في سننه رقم (4467) وهو حديث صحيح.

(3)

(4/ 333).

(4)

(4/ 333).

(5)

في صحيحه رقم (2109).

ص: 143

ورواه مسلم

(1)

من طريق ابن جريج عن نافع وهو ظاهر في أن ابن عمر كان يذهب إلى أن التفرق المذكور بالأبدان كما تقدم.

13/ 2235 - (وعَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "البَيِّعُ والمُبْتاعُ بالْخِيارِ حتى يَتَفرَّقا، إلَّا أَنْ تكُونَ صفَقْةُ خِيار، ولَا يحل لهُ أنْ يُفارِقَهُ خشْيَةَ أنْ يسْتَقيلهُ". رَواهُ الخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ ماجَهْ

(2)

، ورَواهُ الدَّارقطْنيُّ

(3)

، وفي لَفْظٍ

(4)

: "حتى يتَفَرَّقا مِنْ مكانِهِما"). [حسن]

14/ 2236 - (وعَنِ ابْنِ عمَرَ قالَ: بعْتُ مِنْ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عُثْمَانَ مالًا بالوَادِي بِمَالٍ لهُ بِخيْبَرَ، فلمَّا تبَايَعْنا رَجَعْتُ على عَقِبي حتى خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي البيْعَ، وكانَتِ السُّنَّةُ أن المُتبَايعَيْنِ بالْخِيَارِ حتى يتفَرَّقا. رواهُ البخارِيُّ

(5)

.. [صحيح]

وَفِيهِ دَلِيلٌ على أنَّ الرُّؤَيةَ حالَة الْعَقْدِ لَا تُشْتَرَطُ، بَلْ تَكْفِي الصِّفَةُ أو الرُّؤْيَةُ المُتَقَدِّمَةُ).

حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضًا البيهقي

(6)

وحسنه الترمذي

(7)

.

وفي الباب عن أبي برزة عند أبي داود

(8)

وابن ماجه

(9)

بإسناد رجاله ثقات أن رجلًا باع فرسًا بغلام ثم أقام بقية يومهما وليلتهما - يعني البائع والمشتري -

(1)

في صحيحه رقم (45/ 1531).

(2)

أحمد في المسند (2/ 183) وأبو داود رقم (3456) والترمذي رقم (1247) والنسائي رقم (4483).

(3)

في سننه (3/ 50 رقم 207).

قلت: وأخرجه البيهقي (5/ 271) وابن الجارود في المنتقى رقم (620).

قال الترمذي: حديث حسن.

(4)

هو للدارقطني والبيهقي كما تقدم.

وحسن الألباني الحديث في الإرواء قم (1311).

(5)

في صحيحه رقم (2116).

(6)

في السنن الكبرى (5/ 271) وقد تقدم.

(7)

في سننه رقم (3/ 550).

(8)

في سننه رقم (3457).

(9)

في سننه رقم (2182).

وهو حديث صحيح.

ص: 144

فلما أصبحا من الغد حضر الرحيل فقام الرجل إلى فرسه يسرجه فندم، فأتى الرجل وأخذه بالبيع، فأبى الرجل أن يدفعه إليه، فقال: بيني وبينك أبو برزة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيا أبا برزة، فقال: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يفترقا"، زاد في رواية أنه قال: ما أراكما افترقتما.

وفي الباب أيضًا عن سمرة عند النسائي

(1)

.

وعن ابن عباس عند ابن حبان

(2)

والحاكم

(3)

والبيهقي

(4)

.

وعن جابر عند البزار

(5)

والحاكم

(6)

وصححه.

قوله: (صفقة خيار) بالرفع على أن "كان" تامة، وصفقة فاعلها، والتقدير: إلا أن توجد أو تحدث صفقة خيار، وبالنصب على أن "كان" ناقصة واسمها مضمر وصفقة خبر، والتقدير: إلا أن تكون الصفقة صفقة خيار، والمراد أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه: اختر إمضاء البيع أو فسخه، فاختار أحدهما، تم البيع وإن لم يتفرقا كما تقدم.

قوله: (خشية أن يستقيله) بالنصب على أنه مفعول له، واستدل بهذا القائلون بعدم ثبوت [خيار]

(7)

المجلس وقد تقدم ذكرهم

(8)

.

(1)

في سننه رقم (4481) وهو حديث ضعيف.

(2)

في صحيحه رقم (4914).

(3)

في المستدرك (2/ 14) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

قلت: فيه أحمد بن عيسى التنيسي لم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة. وقال عنه الدارقطني: ليس بالقوي. وقال ابن طاهر: كذاب يضع الحديث، وذكره ابن حبان في الضعفاء. الميزان (1/ 126 رقم الترجمة: 508).

(4)

في السنن الكبرى (5/ 270).

(5)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 48).

(6)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 48).

(7)

في المخطوط (ب): (الخيار).

(8)

وخلاصته أن: خيار المجلس ثابت في البيع خلافًا لأبي حنيفة ومالك في قولهما بعدم ثبوت خيار المجلس. انظر: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 483)، والاستذكار (20/ 219 وما بعدها)، والبناية في شرح الهداية (7/ 134 - وما بعدها)، ورؤوس المسائل الخلافية (2/ 671 - 672).

ص: 145

قالوا: لأن في هذا الحديث دليلًا على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة.

وأجيب بأن الحديث حجة عليهم لا لهم، ومعناه: لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع؛ فالمراد بالاستقالة فسخ النادم [منهما]

(1)

للبيع، وعلى هذا حمله الترمذي

(2)

وغيره من العلماء.

قالوا: ولو كانت الفرقة بالكلام لم يكن له خيار بعد البيع، ولو كان المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد.

وقد أثبت في أول الحديث الخيار ومده إلى غاية التفرق، ومن المعلوم أن مَنْ له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة، [فتعين]

(3)

حملها على الفسخ؛ وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم، لا أن اختيار [المفارقة خشية]

(4)

الفسخ حرام.

قوله: (رجعت على عقبي

) إلخ، قيل: لعله لم يبلغ ابن عمر حديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب

(5)

.

ويكمن أن يقال: إنه بلغه ولكنه عرف أنه لا يدل على التحريم كما تقدم.

والمراد بقوله: بالوادي، وادي القرى.

قوله: (أن يرادَّني) بتشديد الدال وأصله يراددني، أي: يطلب مني استرداده.

قوله: (وكانت السنة

) إلخ، يعني أن هذا هو السبب في خروجه من بيت عثمان، وأنه فعل ذلك ليجب البيع ولا يبقى لعثمان خيار في فسخه.

(1)

في المخطوط (ب): (منها).

(2)

في سننه (3/ 550).

(3)

في المخطوط (ب): (فيتعين).

(4)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(5)

رقم (2235) من كتابنا هذا.

ص: 146

[رابعًا] أبواب الربا

قال الزمخشري في الكشاف

(1)

: كتبت بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيهًا بواو الجمع.

وقال في الفتح

(2)

: الربا مقصور. وحُكِيَ مَدُّه وهو شاذ، وهو من ربا يربو فيكتب [بالألف]

(3)

ولكن وقع في خط المصاحف بالواو، انتهى.

قال الفراء

(4)

: إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة، ولغتهم الربو فعلموهم الخط على صورة لغتهم.

قال: وكذا قرأه أبو سماك العدوي (5) بالواو، وقرأه حمزة (5) والكسائي

(5)

بالإِمالة بسبب [كسرة]

(6)

الراء، وقرأه الباقون (5) بالتفخيم لفتحة الباء.

قال: ويجوز كتبه بالألف والواو والياء (5)، اهـ.

(1)

الكشاف (1/ 505).

(2)

(4/ 313).

(3)

في المخطوط (ب): (بألف).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 313) ولم أقف عليه في "المعاني" للفراء.

(5)

الرِّبَوَأ: - قراءة الجماعة (الرِّبا) بألف في آخره.

- وقرأ العدوي (الرِّبَوْ) بالواو، وقيل: هي لغة الحيرة، ولذلك كتبها أهل الحجاز بالواو؛ لأنهم تعلموا الخط من أهل الحيرة، وهي عند أبي حيان على لغة من وقف على "أفعى" بالواو. فقال: هذه أفْعَوْ، فأجرى الوصل إجراء الوقف.

- وحكى أبو زيد أن بعضهم قرأ، "الرِّبُوْ" بكسر الراء وضم الباء وواو ساكنة.

وهي قراءة بعيدة؛ لأنه لا يوجد في لسان العرب اسم آخره واو قبلها ضمة

؛ وأن القارئ إما أنه لم يضبط حركة الباء، أو سمَّى قُربها من الضمة ضمًا.

ونسب القرطبي هذه القراءة إلى أبي السمال، وكذلك ابن عطية، وعنه نقل أبو حيان

- وذكر العكبري أنه قرئ "الرِّبَوْ" بفتح الباء، والواو:

- وأمال "الرِّبا" حمزة والكسائي وخلف.

- والباقون بالفتح، ومعهم الأزرق وورش.

- وقرأ الحسن "الرباء" بالمدِّ والهمز كيف جاء.

[معجم القراءات. تأليف د. عبد اللطيف الخطيب (1/ 401 - 402)].

(6)

في المخطوط (ب): (كسر).

ص: 147

وتثنيته ربوان، وأجاز الكوفيون كتابة تثنيته بالياء بسبب الكسر في أوله وغلَّطهم البصريون.

قال في الفتح

(1)

: وأصل الربا الزيادة إما في نفس الشيء كقوله تعالى: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}

(2)

، وإما في مقابله كدرهم بدرهمين؛ فقيل: هو حقيقة فيهما، وقيل: حقيقة في الأول مجاز في الثاني.

زاد ابن سريج

(3)

: إنه في الثاني حقيقة شرعية، ويطلق الربا على كل مبيع محرم، اهـ.

ولا خلاف بين المسلمين في تحريم الربا وإن اختلفوا في تفاصيله

(4)

.

[الباب الأول] باب التشديد فيه

1/ 2237 - (عَنْ ابْنِ مسْعُودٍ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا ومُؤكِلَهُ وَشاهِدَيْهِ وكاتِبَهُ. رواهُ الخَمسَةُ

(5)

وصَحَّحَهُ التِّرمِذِيُّ، غَيرَ أن لفظَ النَّسائيِّ

(6)

: آكِلَ الرِّبا ومُؤكِلَهُ وَشَاهِدَيهِ وكاتِبَهُ إذَا عَلِمُوا ذلِكَ ملْعُونُونَ على لِسانِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ القِيَامَةِ). [صحيح]

2/ 2238 - (وعَنْ عبْدِ الله بْن حنْظَلَة غَسِيلِ المَلَائِكَةِ قالَ: قالَ

(1)

(4/ 313).

(2)

سورة الحج، الآية:5.

(3)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 313).

(4)

أجمع المسلمون على تحريم الربا بنوعيه، وعلى أنه من الكبائر. وقد كان في ربا الفضل خلاف لابن عباس، ثم إنه رجع إلى قول الجماعة.

[موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (1/ 429) سعدي أبو جيب].

(5)

أحمد (1/ 393) وأبو داود رقم (3333) والترمذي رقم (1206) والنسائي رقم (5102) وابن ماجه رقم (2277).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (343) والشاشي رقم (293) وأبو نعيم في الحلية (9/ 61) والبيهقي (5/ 275) وغيرهم.

وهو حديث صحيح.

(6)

في سننه رقم (5102) وقد تقدم.

ص: 148

رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "دِرْهَمُ رِبَا يأكُلُهُ الرَّجُلُ وهو يَعْلَمُ أشَدُّ مِنْ [سِتَّةٍ]

(1)

وثلاثين زَنْيةً" رَوَاهُ أحمد)

(2)

. [ضعيف مرفوعًا، وسنده صحيح موقوفًا على كعب الأحبار]

حديث ابن مسعود أخرجه أيضًا ابن حبان

(3)

والحاكم

(4)

وصححاه.

وأخرجه مسلم

(5)

من حديث جابر بلفظ: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه هم سواء".

وفي الباب عن عليّ عند النسائي

(6)

.

وعن أبي جحيفة تقدم في أول البيع

(7)

.

وحديث عبد الله بن حنظلة، وأخرجه أيضًا الطبراني في [الأوسط

(8)

(1)

في المخطوط (أ): (ست).

(2)

في المسند (5/ 225).

قلت: وأخرجه البزار في مسنده رقم (3381) والدارقطني (3/ 16) وابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 246).

قال البزار: قد رواه بعضهم عن ابن أبي مليكة، عن رجل، عن عبد الله بن حنظلة. وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2759) والطبراني في الأوسط رقم (2682) والدارقطني (3/ 16) وابن الجوزي (2/ 246) وابن عساكر (9/ ورقة 147).

من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي مليكة، به.

وليث بن أبي سليم سيء الحفظ. ونقل ابن عساكر عن البغوي توهيم رواية جرير عن أيوب، ورواية عبيد الله عن ليث.

وقد خالفهما ابن جريج عند العقيلي في "الضعفاء"(2/ 258) والبيهقي في "الشعب" بإثر الحديث رقم (5517). وعبد العزيز بن رفيع كما في الرواية التالية عند أحمد، فروياه عن ابن أبي ملكية، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب الأحبار قوله. وابن جريج وعبد العزيز ثقتان حُجَّتان.

وخلاصة القول: أن الحديث لا يصح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو من قول كعب الأحبار وسنده صحيح إليه.

(3)

في صحيحه رقم (5025).

(4)

في المستدرك (1/ 387 - 388) وقال: صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بيحيى بن عيسى الرملي ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(5)

في صحيحه رقم (106/ 1598).

(6)

في سننه رقم (5103) وهو حديث صحيح.

(7)

تقدم برقم (2160) من كتابنا هذا.

(8)

في المعجم الأوسط رقم (2682).

ص: 149

والكبير

(1)

]

(2)

، قال في مجمع الزوائد

(3)

: ورجال أحمد رجال الصحيح.

ويشهد له حديث البراء عند ابن جرير

(4)

بلفظ: "الربا اثنان وستون بابًا أدناها مثل إتيان الرجل أمه".

وحديث أبي هريرة عند البيهقي

(5)

بلفظ: "الربا سبعون بابًا أدناها الذي يقع على أمه"، وأخرجه ابن جرير عنه نحوه، وكذلك أخرجه عنه نحوه ابن أبي الدنيا

(6)

.

وحديث عبد الله بن مسعود عند الحاكم

(7)

وصححه بلفظ: "الربا ثلاثة وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وأن أربى الربا عرض الرجل المسلم".

قوله: (آكل الربا) بمد الهمزة (ومؤكله) بسكون الهمزة بعد الميم ويجوز

(1)

كما في "مجمع الزوائد"(4/ 117).

(2)

في المخطوط (ب): (الكبير الأوسط).

(3)

(4/ 117).

(4)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(2/ 103).

وأخرج الطبراني في الأوسط رقم (7151) عن البراء بن عازب، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الرِّبا اثنانِ وسبعونَ بابًا، أدناهَا مِثلُ إتيانِ الرجلِ أُمَّهُ، وأربى الرِّبا استطالةُ الرجُلِ في عرضِ أخيه".

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 117): وفيه عمر بن راشد وثقه العجلي، وضعفه جمهور الأئمة.

قلت: إلا أن الألباني ذكر للمتن شواهد في "الصحيحة" رقم (1871) وصححه.

(5)

في "الشعب" رقم (5520) وقال البيهقي: غريب بهذا الإسناد، وإنما يعرف بعبد الله بن زياد عن عكرمة. وعبد الله بن زياد هذا منكر الحديث.

قلت: وأخرجه العقيلي في "الضعفاء"(2/ 258) وابن عدي في الكامل (5/ 1913).

(6)

في "ذم الغيبة والنميمة"(ص 114 رقم 34): عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الربا سبعون حُوبًا أيسرها كنكاح الرجل أمه، وإن أرْبَى الربا عرض الرجل المسلم".

(7)

في المستدرك (2/ 37) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (5519) وقال: هذا إسناد صحيح والمتن منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلا وهمًا وكأنه دخل لبعض رواة الإسناد في إسناده.

وأخرجه أبو نعيم في "ذكر أخبار أصبهان"(2/ 61). وذكره السيوطي في الدر المنثور (2/ 103) ونسبه للحاكم وصححه.

قال الألباني: صحيح كما في صحيح الجامع الصغير رقم (3539).

ص: 150

إبدالها واوًا، أي: ولعن مطعمه غير، وسمى آخذ المال آكلًا ودافعه مؤكلًا، لأن المقصود منه الأكل وهو أعظم منافعه وبسببه إتلاف أكثر الأشياء.

قوله: (وشاهديه)، رواية أبي داود

(1)

بالإفراد والبيهقي

(2)

وشاهديه أو شاهده.

قوله: (وكاتبه) فيه دليل على تحريم كتابة الربا إذا علم ذلك وكذلك الشاهد لا يحرم عليه الشهادة إلا مع العلم، فأما من كتب أو شهد غير عالم فلا يدخل في الوعيد.

ومن جملة ما يدل على تحريم كتابة الربا وشهادته وتحليل الشهادة والكتابة في غيره قوله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}

(3)

، وقوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}

(4)

، فأمر بالكتابة والإشهاد فيما أحله وفهم منه تحريمهما فيما حرمه.

قوله: (أشد من ستة وثلاثين

) إلخ، هذا يدل على أن معصية الربا من أشد المعاصي لأن المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشد منها، لا شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح، وأقبح منها استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم، ولهذا جعلها الشارع أربى الربا، وبُعْدًا لرجل يتكلم بالكلمة التي لا يجد لها لذَّة ولا تزيد في ماله ولا جاهه فيكون إثمه عند الله أشد من إثم من زنا ستًا وثلاثين زنية هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل، نسأل الله السلامة.

[الباب الثاني] باب ما يجري فيه الربا

3/ 2239 - (عَنْ أبي سعِيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَبيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا على بعضٍ، ولَا تَبِيعُوا الوَرِقَ بالوَرِقِ إلّا

(1)

في سننه رقم (3333) وقد تقدم.

(2)

في السنن الكبرى (5/ 275).

(3)

و

(4)

سورة البقرة، الآية:282.

ص: 151

مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلا تُشفُّوا بَعْضَها على بَعْضٍ، وَلَا تَبيعُوا مِنْهُمَا غائبًا بِنَاجزٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

.

وَفِي لَفْظٍ: "الذَّهَبُ بالذهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالْبُرِّ، والشَّعيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، [مثْلًا]

(2)

بِمِثْلِ، يَدًا بِيَدٍ، فمَنْ زَادَ أوِ اسْتَزَادَ فقدْ أَرْبى، الآخذ والمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

والبُخاريُّ

(4)

.

وَفِي لَفْظٍ: "لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ، وَلَا الْوَرِقَ بالْوَرِقِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ". رَوَاهُ أحمدُ

(5)

ومُسلِمٌ)

(6)

. [صحيح]

4/ 2240 - (وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، والْفِضَّةُ بالفِضةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ". رَوَاهُ أحمَدُ

(7)

ومُسْلِمٌ

(8)

والنَّسائيُّ)

(9)

. [صحيح]

5/ 2241 - (وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "التَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْحِنْطَةُ بالْحِنْطَةِ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والْمِلْحُ بالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثلٍ يَدًا بيَدٍ، فمَنْ زَادَ أو اسْتَزَادَ فقَدْ أرْبَى إلَّا ما اختَلَفَتْ ألوَانُهُ". رواهُ مُسْلمٌ)

(10)

. [صحيح]

6/ 2242 - (وَعَنْ فَضَالَة بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ". رَواهُ مُسْلِمٌ

(11)

والنَّسائيُّ

(12)

وأَبُو دَاوُدَ)

(13)

. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (3/ 4، 51، 61) والبخاري رقم (2177) ومسلم رقم (75/ 1584).

(2)

في المخطوط (ب): (إلا مثلًا).

(3)

في المسند (3/ 49، 66).

(4)

في صحيحه رقم (2176).

(5)

في المسند (3/ 9، 47).

(6)

في صحيحه رقم (77/ 1584).

(7)

في المسند (2/ 261 - 262).

(8)

في صحيحه رقم (84/ 1588).

(9)

في سننه رقم (4569).

وهو حديث صحيح.

(10)

في صحيحه رقم (83/ 1588).

(11)

في صحيحه رقم (91/ 1588).

(12)

في سننه رقم (4574).

(13)

في سننه رقم (3353). =

ص: 152

قوله: (الذهب بالذهب) يدخل في الذهب جميع أنواعه من مضروب ومنقوش وجيد ورديء وصحيح ومكسر، وحلي وتبر، وخالص ومغشوش.

وقد نقل النووي

(1)

وغيره الإجماع على ذلك.

قوله: (إلا مثلًا بمثل) هو مصدر في موضع الحال، أي: الذهب يباع بالذهب موزونًا بموزون أو مصدر مؤكد، أي يوزن وزنًا بوزن.

وقد جمع بين المثل والوزن في رواية مسلم

(2)

المذكورة.

قوله: (ولا تشفوا) بضم أوله وكسر الشين المعجمة وتشديد الفاء رباعي من أشف، والشِّف بالكسر الزيادة، ويطلق على النقص، والمراد هنا لا تفضلوا.

قوله: (بناجز) بالنون والجيم والزاي؛ أي: لا تبيعوا مؤجلًا بحالٍ، ويحتمل أن يراد بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقًا، مؤجلًا كان أو حالًا، والناجز الحاضر.

قوله: (والفضة بالفضة) يدخل في ذلك جميع أنواع الفضة كما سلف في الذهب.

قوله: (والبُرُّ بالبُرِّ) بضم الباء وهو الحنطة والشعير بفتح أوله، ويجوز الكسر وهو معروف. وفيه ردّ على من قال: إن الحنطة والشعير صنف واحد وهو مالك

(3)

والليث

(4)

والأوزاعي

(5)

وتمسكوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "الطعام بالطعام" كما سيأتي

(6)

، ويأتي الكلام على ذلك.

= وهو حديث صحيح.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 10).

(2)

في صحيحه رقم (84/ 1588).

(3)

انظر: موطأ مالك (2/ 646) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 365).

(4)

قال ابن عبد البر في الاستذكار (20/ 34 رقم 29119): "وقال الليث بن سعد: لا يصلح الشعير بالقمح إلا مثلًا بمثل، وكذلك السلْتُ والذُّرةُ والدخنُ، والأرز، لا يُباع بعضُ ذلك كله ببعض إلا مثلًا بمثل؛ لأنه صنف واحد، وهو مما يُختبز".

(5)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(20/ 33 رقم 29116): "وبه قال الأوزاعي في البر والشعير، هما عنده صنف واحدة، لا يجوز بعضها ببعض إلا مثلًا بمثل".

(6)

برقم (2246) من كتابنا هذا.

ص: 153

قوله: (فمن زاد

) إلخ، فيه التصريح بتحريم ربا الفضل وهو مذهب الجمهور

(1)

للأحاديث الكثيرة المذكورة في الباب وغيرها فإنها قاضية بتحريم بيع هذه الأجناس بعضها ببعض متفاضلًا.

وروي عن ابن عمر

(2)

أنه يجوز ربا الفضل ثم رجع عن ذلك.

وكذلك روي عن ابن عباس

(3)

واختلف في رجوعه، فروى الحاكم

(4)

أنه رجع عن ذلك لما ذكر له أبو سعيد حديثه الذي في الباب واستغفر الله، وكان ينهى عنه أشد النهي.

(1)

المغني (6/ 79) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 364).

(2)

تقدم قريبًا.

(3)

مستدلًا بالحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري رقم (2178) ومسلم رقم (101، 102، 103/ 1596) والنسائي رقم (4580 و 4581) وابن ماجه رقم (2257) وأحمد في المسند (5/ 200) وغيرهم من حديث ابن عباس عن أسامة بن زيد مرفوعًا بلفظ: "لا ربًا إلا في النسيئة".

وأجاب الجمهور بأن معناه لا ربًا أشدُّ إلا في النسيئة، فالمراد نفي الكمال لا نفيُ الأصل، ولأنه مفهوم، وحديث أبي سعيد - الذي أخرجه البخاري رقم (2177) ومسلم رقم (75/ 1584) والترمذي رقم (1241) والنسائي رقم (4570، 4571) - منطوق، ولا يقاوم المفهوم المنطوق، فإنه مطرحٌ مع المنطوق.

[وانظر: (سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام) (5/ 90 - 91) بتحقيقي].

(4)

في المستدرك (2/ 42، 43) وصححه ووافقه الذهبي إلا أنه قال: حيان فيه ضعف وليس بالحجة" اهـ.

وهو حيان بن عبيد اللهِ العدوي.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 286) وابن حزم في "المحلى"(7/ 417) وابن عدي في "الكامل"(2/ 831) كلهم من نفس طريق حيان هذا.

وقد قال عنه ابن عدي: وعامة ما يرويه إفرادات ينفرد بها. وذكر أن هذا منها.

ونقل الذهبي في "الميزان"(1/ 623 رقم 2388) عن البخاري قال: ذكر الصلت منه الاختلاط.

وقال الحافظ في "الفتح"(4/ 382): واختلف في رجوعه. أي ابن عباس عن مذهبه في الربا، واستدل بهذا وهذا لا يثبت. لكن ثبت عنه رضي الله عنه كراهيته لذلك بعد أن كان قد أجازه. أخرجه مسلم رقم (100/ 1594) والحمد لله .. والذي يبدو أنه رجع عن مذهبه هذا بعد مراجعة أبي سعيد الخدري له فإنه قال: إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه. أخرجه مسلم رقم (99/ 1594) وثبت أيضًا المراجعة الشفوية له، رواها أيضًا مسلم رقم (101، 104/ 1596).

ص: 154

وروي مثل قولهما عن أسامة بن زيد وابن الزبير وزيد بن أرقم وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير.

واستدلوا على جواز ربا الفضل بحديث أسامة عند الشيخين

(1)

وغيرهما بلفظ: "إنما الربا في النسيئة"، زاد مسلم

(2)

في رواية عن ابن عباس: "لا ربا فيما كان يدًا بيد".

وأخرج الشيخان

(3)

والنسائي

(4)

عن أبي المنهال قال: سألت زيد بن أرقم والبراء بن عازب عن الصرف فقالا: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينًا.

وأخرج مسلم

(5)

عن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن الصرف فقال: إلا يدًا بيد، قلت: نعم، قال: فلا بأس، فأخبرت أبا سعيد فقال: أو قال ذلك؟ إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه.

وله

(6)

من وجه آخر عن أبي نضرة: سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسًا وأني لقاعد عند أبي سعيد، فسألته عن الصرف فقال: ما زاد فهو ربا، فأنكرت ذلك لقولهما

، فذكر الحديث، قال: فحدثني أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس عنه فكرهه.

قال في الفتح

(7)

: واتفق العلماء على صحة حديث أسامة، واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد. فقيل: إن حديث أسامة منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال.

وقيل: المعنى في قوله: (لا ربا) الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل، وأيضًا نفي تحريم ربا الفضل من

(1)

البخاري رقم (2178، 2179) ومسلم رقم (101/ 1596).

(2)

في صحيحه رقم (103/ 1596).

(3)

البخاري رقم (2180) و (2181) ومسلم رقم (87/ 1589).

(4)

في سننه رقم (4577).

(5)

في صحيحه رقم (99/ 1594).

(6)

أي مسلم في صحيحه رقم (100/ 1594).

(7)

في "الفتح"(4/ 382).

ص: 155

حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق، ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر، اهـ.

ويمكن الجمع أيضًا بأن يقال: مفهوم حديث أسامة عام لأنه يدل على نفي ربا الفضل عن كل شيء سواء كان من الأجناس المذكورة في أحاديث الباب أم لا، فهو أعم منها مطلقًا، فيخصص هذا المفهوم بمنطوقها.

وأما ما أخرجه مسلم

(1)

عن ابن عباس أنه: "لا ربا فيما كان يدًا بيد" كما تقدم، فليس ذلك مرويًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكون دلالته على نفي ربا الفضل منطوقه، ولو كان مرفوعًا لما رجع ابن عباس واستغفر لما حدَّثه أبو سعيد بذلك كما تقدم.

وقد روى الحازمي

(2)

رجوع ابن عباس واستغفاره عند أن سمع عمر بن الخطاب وابنه عبد الله يحدثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يدل على تحريم ربا الفضل

(3)

وقال: حفظا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم أحفظ. وروى عنه الحازمي

(4)

أيضًا أنه قال: كان ذلك برأيي وهذا أبو سعيد الخدري يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى تسليم أن ذلك الذي قاله ابن عباس مرفوع، فهو عام مخصص بأحاديث الباب لأنها أخص منه مطلقًا.

وأيضًا الأحاديث القاضية بتحريم ربا الفضل ثابتة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما.

قال الترمذي

(5)

بعد أن ذكر حديث أبي سعيد: وفي الباب عن أبي بكر، وعمر

(6)

وعثمان، وأبي هريرة

(7)

، وهشام بن عامر، والبراء

(8)

، وزيد (8) بن أرقم،

(1)

في صحيحه رقم (103/ 1596).

(2)

في "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" ص 406.

(3)

تنبيه: صفحة (14 أ/ ب/2) بيضاء إلا أن الكلام متتابع.

(4)

في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (ص 406 - 407).

(5)

في السنن (3/ 543).

(6)

سيأتي تخريجه برقم (2244) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم تخريجه برقم (2240) و (2241) من كتابنا هذا.

(8)

أخرج البخاري رقم (2180 و 2181) ومسلم رقم (1589) عن أبي المنهال قال: سألت =

ص: 156

وفضالة بن عبيد

(1)

، وأبي بكرة

(2)

، وابن عمر

(3)

، وأبي الدرداء، وبلال

(4)

، اهـ.

وقد ذكر المصنف بعض ذلك في كتابه هذا، وخرّج الحافظ في التلخيص

(5)

بعضها، فلو فرض معارضة حديث أسامة لها من جميع الوجوه وعدم إمكان الجمع أو الترجيح بما سلف لكان الثابت عن الجماعة أرجح من الثابت عن الواحد.

قوله: (ولا الورق بالورق) بفتح الواو وكسر الراء وبإسكانها على المشهور ويجوز [فتحها]

(6)

، كذا في الفتح

(7)

وهو الفضة، وقيل: بكسر الواو: المضروبة، وبفتحها المال.

والمراد هنا جميع أنواع الفضة مضروبة وغير مضروبة.

قوله: (إلا وزنًا بوزن مثلًا بمثل سواء بسواء)، الجمع بين هذه الألفاظ لقصد التأكيد أو للمبالغة.

= البراء بن عازب، وزيد بن أرقم رضي الله عنهم، عن الصرف، فكل واحدٍ منهما يقول: هذا خير مني، فكلاهما يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينًا".

(1)

تقدم تخريجه برقم (2442) من كتابنا هذا.

(2)

سيأتي تخريجه برقم (2443) من كتابنا هذا.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 279) وقال الحافظ في التلخيص (3/ 17) عقبه: "وهو معلول".

(4)

أخرجه البزار في المسند رقم (1362) والروياني في المسند رقم (755). والطبراني في المعجم الكبير (ج 1 رقم 1028).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 112) وقال: "رواه البزار والطبراني في الكبير بنحوه، وزاد: فإذا اختلف النوعان فلا بأس، واحد بعشرة، ورجال البزار رجال الصحيح، إلا أنه من رواية سعيد بن المسيب، عن بلال، ولم يسمع سعيد من بلال، وله في الطبراني أسانيد بعضها من حديث ابن عمر، عن بلال باختصار، عن هذا، ورجالها ثقات، وبعضها من رواية عمر بن الخطاب عن بلال بنحو الأول، وإسنادها ضعيف" اهـ.

وانظر: "العلل" للدارقطني (2/ 158 - 159 س 185).

(5)

في "التلخيص الحبير"(3/ 16 - 17) حيث قال: "وفي الباب عن عمر في الستة، وعن علي في المستدرك، وعن أبي هريرة في مسلم، وعن أنس في الدارقطني، وعن بلال في البزار، وعن أبي بكرة متفق عليه، وعن ابن عمر في البيهقي، وهو معلول.

والأحاديث كلها صريحة في أن الربا يجري في الفضل وفي النسيئة وفي اليد. والله أعلم" اهـ.

(6)

في المخطوط (ب): (فتحهما).

(7)

(4/ 378).

ص: 157

قوله: (إلا ما اختلفت ألوانه)، المراد أنهما اختلفا في اللون اختلافًا يصير به كل واحد منهما جنسًا غير جنس مقابله، فمعناه معنى ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم:"فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم"

(1)

، وسنذكر إن شاء الله ما يستفاد منه.

7/ 2243 - (وعَنْ أبي بَكْرَةَ قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الفِضَّةِ بالفِضةِ والذَّهَبِ بالذَّهَبِ إلَّا سَوَاءً بَسوَاءٍ، وأمَرَنا أن نَشتَرِيَ الفِضَّةَ بالذَّهَبِ كَيفَ شِئنا، ونشْتَرِيَ الذَّهَبَ بالفِضَةِ كَيفَ شِئنا. أخَرجَاهُ

(2)

. [صحيح]

وَفيهِ دَليلٌ على جَوَازِ الذَّهَبِ بالفِضَّةِ مُجازَفَةً).

8/ 2244 - (وعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الذَّهَبُ بالوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وهَاءَ، والبرُّ بالبُرِّ رِبًا إلًّا هَاءَ وَهاءَ، والشَّعيرُ بالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وهَاءَ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ ربًا إلَّا هَاءَ وهَاءَ". مُتَّفقٌ عَليهِ)

(3)

. [صحيح]

9/ 2245 - (وعَنْ عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفضةُ بالفِضّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشّعيرُ بالشَّعِيرِ، والتّمرُ بالتّمرِ، والْمِلْحُ بالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بسَوَاءٍ يَدًا بيَدٍ؛ فإِذَا اخْتَلَفَتْ هذِهِ الأصْنافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ". رَوَاهُ أحمدُ

(4)

ومُسلِم

(5)

، وللنَّسائيِّ

(6)

وابْنِ ماجَهْ

(7)

وأبي دَاودَ

(8)

نَحْوُهُ وفي آخِرِهِ: وَأَمَرَنَا أنْ نَبِيعَ البُرَّ بالشعيرِ والشعيرَ بالبُرِّ يَدًا بيَدٍ كَيْفَ شِئْنا، وهْوَ صَرِيحٌ في كَوْنِ البُرِّ والشعِيرِ جنْسَيْنِ). [صحيح]

(1)

سيأتي تخريجه برقم (2245) من كتابنا هذا.

(2)

البخاري رقم (2182) ومسلم رقم (88/ 1590).

(3)

أحمد في المسند (1/ 24) والبخاري رقم (2134) ومسلم رقم (79/ 1586).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3348) والترمذي برقم (1243) والنسائي رقم (4558) وابن ماجه رقم (2260).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (5/ 314، 320).

(5)

في صحيحه رقم (81/ 587).

(6)

في سننه رقم (4562).

(7)

في سننه رقم (2254).

(8)

في سننه رقم (3349).

وهو حديث صحيح.

ص: 158

10/ 2246 - (وعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عبْدِ الله قَالَ: كُنْتُ أسْمَعُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "الطَّعامُ بالطَّعامِ مِثْلًا بمِثْل، وكانَ طَعَامُنا يَوْمئِذٍ الشَّعيرَ". رَواهُ أحمدُ

(1)

ومُسْلمٌ)

(2)

. [صحيح]

11/ 2247 - (وعَنْ الحَسَنِ عَنْ عُبَادَة وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما وُزِنَ مِثْلٌ بمِثْلٍ إذَا كَانَ نَوْعًا واحِدًا، وما كِيلَ فَمِثْلُ ذلِكَ، فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعانِ فلَا بأَسَ بهِ". رَوَاه الدَّارقطنيُّ)

(3)

. [إسناده ضعيف]

حديث أنس وعبادة أشار إليه في التلخيص

(4)

ولم يتكلم عليه وفي إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وغيره، وضعَّفه جماعة

(5)

. وقد أخرج هذا الحديث البزار

(6)

أيضًا، ويشهد لصحته حديث عبادة المذكور أولًا وغيره من الأحاديث.

قوله: (كيف شئنا)، هذا الإطلاق مقيد بما في حديث عبادة من قوله: (إذا

(1)

في المسند (6/ 400).

(2)

في صحيحه رقم (93/ 1592).

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 3)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 283).

وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه (3/ 18 رقم 58).

قال الدارقطني: "ولم يروه غير أبي بكر - بن عياش - عن الربيع - بن صبيح - هكذا، وخالفه جماعة، فرووه عن الربيع، عن ابن سيرين، عن عبادة، وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ غير هذا اللفظ" اهـ.

قلت: وأخرجه البزار في مسنده رقم (1319 - كشف) وقال: لا نعلم رواه عن أنس إلا الربيع، وإنما يعرف عن محمد عن مسلم بن يسار، عن عبادة.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 115) وقال: رواه البزار، وفيه الربيع بن صبيح، وثقه أبو زرعة وغيره، وضعفه جماعة".

وقال الحافظ في "التقريب"(1/ 245 رقم 44): الربيع بن صبيح: صدوق سيء الحفظ.

(4)

(3/ 17).

(5)

انظر: الميزان (2/ 41 رقم 2741)، والضعفاء الكبير للعقيلي (2/ 52 رقم 483) والمجروحين (1/ 296)، وقال ابن عدي في "الكامل" (3/ 994):"وللربيع أحاديث صالحة مستقيمة ولم أرَ له حديثًا منكرًا جدًّا، وأرجو أنه لا بأس به وبرواياته" اهـ.

(6)

في المسند (رقم 1319 - كشف)، وقد تقدم.

ص: 159

كان يدًا بيد)، فلا بدَّ في بيع بعض الربويات ببعض من التقابض ولا سيما في الصرف، وهو بيع الدراهم بالذهب وعكسه، فإنه متفق على اشتراطه. وظاهر هذا الإطلاق والتفويض إلى المشيئة أنه يجوز بيع الذهب بالفضة والعكس، وكذلك سائر الأجناس الربوية إذا بيع بعضها ببعض من غير تقييد بصفة من الصفات غير صفة القبض، ويدخل في ذلك بيع الجزاف وغيره.

قوله: (إلا هاء وهاء) بالمدّ فيهما وفتح الهمزة، وقيل: بالكسر، وقيل: بالسكون، وحُكي القصر بغير همز، وخطَّأها الخطابي

(1)

، وردَّ عليه النووي

(2)

وقال: هي صحيحة لكن قليلة. والمعنى خذ وهات، وحكي بزيادة كاف مكسورة ويقال: هاء بكسر الهمزة بمعنى هات وبفتحها بمعنى خذ.

وقال ابن الأثير

(3)

: هاء وهاء أنه يقول كل واحد من البيعين هاء فيعطيه ما في يده.

وقيل: معناهما خذ وأعط، قال: وغير الخطابي

(4)

يجيز فيه السكون.

وقال ابن مالك

(5)

: هاء اسم فعل بمعنى خذ.

وقال الخليل

(6)

: هاء كلمة تستعمل عند المناولة والمقصود من قوله: هاء وهاء أن يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه: هاء فيتقابضان في المجلس قال: فالتقدير لا تبيعوا الذهب بالورق إلا مقولًا بين المتعاقدين هاء وهاء

(7)

.

(1)

في معالم السنن (3/ 643 - مع السنن).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 12).

(3)

النهاية (2/ 888).

(4)

انظر: لسان العرب (1/ 188).

(5)

في كتابه: "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح"(ص 205).

(6)

في كتابه "العين"(ص 998).

(7)

قال القرطبي في "المفهم"(4/ 470 - 471): "الروايةُ المشهورة في (هاء): بالمدِّ، وبهمزةٍ مفتوحةٍ، وكذلك رويته. ومعناها: خذ. فكأنها اسمٌ من أسماء الأفعال. كما تقول: هاؤم. وفيها أربع لغات:

(إحداها): ما تقدَّم. وفيها لغتان.

إحداهما: أنَّها تُقال للمذكَّر، والمؤنَّث، والواحد، والاثنين، والجمع، بلفظ واحدٍ (ها) من غير زيادةٍ. قال السيرافيُّ: كأنَّهم جعلوها صوتًا، كصَهْ، ومَهْ.

وثانيهما: تلحقُ بها العلاماتُ المفرِّقةُ. فتقول للذكر: هاءَ، وللمؤنث: هائي. وللاثنين: هاءا. وللجمع: هاؤوا، كالحال في: هاؤم، وفي: هلمَّ. =

ص: 160

قوله: (فإذا اختلفت هذه الأصناف

) إلخ، ظاهر هذا أنه لا يجوز بيع جنس ربوي بجنس آخر إلا مع القبض، ولا يجوز مؤجلًا ولو اختلفا في الجنس والتقدير كالحنطة والشعير بالذهب والفضة.

وقيل: يجوز مع الاختلاف المذكور إنما يشترط التقابض في الشيئين المختلفين جنسًا المتفقين تقديرًا كالفضة بالذهب والبر بالشعير، إذ لا يعقل التفاضل والاستواء إلا فيما كان كذلك.

ويجاب بأن مثل هذا لا يصلح لتخصيص النصوص وتقييدها وكون التفاضل والاستواء لا يعقل في المختلفين جنسًا وتقديرًا ممنوع، والسند أن التفاضل معقول لو كان الطعام يوزن أو النقود تكال ولو في بعض الأزمان والبلدان، ثم إنه قد يبلغ ثمن الطعام إلى مقدار من الدراهم كثير عند شدة الغلاء بحيث يعقل أن يقال:[الدراهم أكثر من الطعام]

(1)

وما المانع من ذلك؟

وأما الاستدلال على جواز ذلك بحديث عائشة عند البخاري

(2)

ومسلم

(3)

وغيرهما

(4)

قالت: "اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعامًا بنسيئة وأعطاه درعًا له رهنًا"، فلا يخفى أن غاية ما فيه أن يكون مخصصًا للنص المذكور لصورة الرهن، فيجوز في هذه الصورة لا في غيرها لعدم صحة إلحاق ما لا عوض فيه عن الثمن بما فيه عوض عنه وهو الرهن.

= (الثانية): بالقصر والهمزة الساكنة فتقول: هأُ، كما تقول: خَفْ. وفيها اللغتان المتقدمتان، حكاهما ثابت وغيره من أهل اللغة.

(الثالثة): هاءِ، بالمدِّ وكسر الهمزة. وهي للواحد، والاثنين، والجمع بلفظ واحدٍ، غير أنهم زادوا ياءً في المؤنث. فقالوا: هائي.

(الرابعة): ها، بالقصر، وترك الهمز. حكاها بعضُ اللغويِّين. وأنكرها أكثرهم. وخُطِّئ ما رواها من المحدِّثين كذلك. وقد حكيت لغة خامسةٌ. هاءَكِ. بمدَّةٍ، وهمزة مفتوحة، وكاف خطاب مكسورةٍ للمؤنث.

قلت: ولا بُعد في أن يقال: إنَّ (هاء) هذه هي اللغة الأولى، وإنما زادوا عليها كاف الخطاب المؤنث خاصة، فلا تكون خامسةً" اهـ.

(1)

في المخطوط (أ): [الطعام أكثر من الدراهم].

(2)

في صحيحه رقم (2096).

(3)

في صحيحه رقم (124/ 1603).

(4)

كأحمد في المسند (6/ 42).

ص: 161

نعم إن صح الإجماع الذي حكاه المغربي

(1)

في شرح بلوغ المرام فإنه قال: "وأجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلًا أو مؤجلًا كبيع الذهب بالحنطة وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل" اهـ.

كان ذلك هو الدليل على الجواز عند من كان يرى حجية الإجماع، وأما إذا كان الربوي يشارك مقابله في العلة، فإن كان بيع الذهب بالفضة أو العكس فقد تقدم أنه يشترط التقابض إجماعًا

(2)

، وإن كان في غير ذلك من الأجناس كبيع البر بالشعير أو بالتمر أو العكس، فظاهر الحديث عدم الجواز وإليه ذهب الجمهور

(3)

، وقال أبو حنيفة

(4)

وأصحابه وابن عُلَّية

(5)

: لا يشترط، والحديث يرد عليه.

وقد تمسَّك مالك

(6)

بقوله: "إلا يدًا بيد"، وبقوله:"الذهب بالورق ربًا إلا هاء وهاء"، على أنه يشترط القبض في الصرف عند الإيجاب بالكلام ولا يجوز التراخي ولو كانا في المجلس.

وقال الشافعي

(7)

وأبو حنيفة

(8)

والجمهور

(9)

: أن المعتبر التقابض في المجلس وإن تراخى عن الإيجاب والظاهر الأول.

ولكنه أخرج عبد الرزاق

(10)

وأحمد

(11)

وابن ماجه

(12)

عن ابن عمر: "أنه

(1)

في كتابه "البدر التمام شرح بلوغ المرام"(3/ 206).

وانظر: "سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام"(5/ 92) بتحقيقي.

(2)

المغني (6/ 63 - 64).

(3)

المغني (6/ 62).

(4)

بدائع الصنائع (5/ 185).

(5)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(20/ 41 رقم 29154): "وَشَذَّ ابنُ عُلَّيةَ في ذلك أيضًا، فقال: إذا اختلف النوعان كالبر بالشعير، والبر بالزبيب، فليس بواحدٍ بأضعافِ الآخر، يدًا بيد، ونسيئة قياسًا لكل ما يكال على ما يوزن".

(6)

الاستذكار (20/ 42 - 43 رقم 29157، 29158، 29159، 29160) وانظر: "المفهم"(4/ 472).

(7)

الأم (4/ 39).

(8)

البناية في شرح الهداية (7/ 127).

(9)

المغني (6/ 7).

(10)

في المصنف قم (14550).

(11)

في المسند (2/ 101).

(12)

في سننه رقم (2262).

وهو حديث ضعيف.

ص: 162

سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اشتر الذهب بالفضة، فإذا أخذت واحدًا منهما فلا تفارق صاحبك وبينكما لبس"، فيمكن أن يقال: إن هذه الرواية تدل على اعتبار المجلس.

قوله: (أن يبيع البرَ بالشعير

) إلخ، فيه كما قال المصنف تصريح بأن البر والشعير جنسان وهو مذهب الجمهور، وحكي عن مالك والليث والأوزاعي كما تقدم أنهما جنس واحد وبه قال معظم علماء المدينة وهو محكي عن عمر وسعد وغيرهما من السَّلف، وتمسَّكوا بقوله صلى الله عليه وسلم:"الطعام بالطعام" كما في حديث معمر بن عبد الله المذكور

(1)

.

ويجاب عنه بما في آخر الحديث من قوله: وكان طعامنا يومئذٍ الشعير فإنه في حكم التقييد لهذا المطلق، وأيضًا التصريح بجواز بيع أحدهما بالآخر متفاضلًا كما في حديث عبادة

(2)

، وكذلك عطف أحدهما على الآخر كما في غيره من أحاديث الباب مما لا يبقى معه ارتياب في أنهما جنسان.

واعلم أنه قد اختلف هل يلحق بهذه الأجناس المذكورة في الأحاديث غيرها، فيكون حكمه حكمها في تحريم التفاضل والنساء مع الاتفاق في الجنس، وتحريم النساء فقط مع الاختلاف في الجنس والاتفاق في العلة؛ فقالت الظاهرية

(3)

: إنه لا يلحق بها غيرها في ذلك.

وذهب من عداهم من العلماء إلى أنه يلحق بها ما يشاركها في العلة، ثم اختلفوا في العلة ما هي؟ فقال الشافعي

(4)

: هي الاتفاق في الجنس والطعم فيما عدا النقدين، وأما هما فلا يلحق بهما غيرهما من الموزونات واستدل على اعتبار الطعم بقوله صلى الله عليه وسلم:"الطعام بالطعام".

وقال مالك

(5)

في النقدين كقول الشافعي، وفي غيرهما العلة الجنس والتقدير والاقتيات، وقال ربيعة: بل اتفاق الجنس ووجوب الزكاة.

(1)

تقدم برقم (2246) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (2245) من كتابنا هذا.

(3)

المحلى (8/ 467).

(4)

البيان للعمراني (5/ 164).

(5)

التمهيد (12/ 150 - 151) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 360).

ص: 163

وقال العترة

(1)

جميعًا: بل العلة في جميعها اتفاقُ الجنس والتقدير بالكيل والوزن، واستدلوا على ذلك بذكره صلى الله عليه وسلم للكيل والوزن في أحاديث الباب.

ويدل على ذلك أيضًا حديث أنس المذكور

(2)

فإنه حكم فيه على كل موزون مع اتحاد نوعه وعلى كل مكيل كذلك بأنه مثل بمثل، فأشعر بأن الاتفاق في أحدهما مع اتحاد النوع موجب لتحريم التفاضل بعموم النص لا بالقياس وبه يرد على الظاهرية لأنهم إنما منعوا من الإلحاق لنفيهم للقياس.

ومما يؤيد ذلك ما سيأتي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة

(3)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الميزان مثل ما قال في المكيل على ما سيبينه المصنف إن شاء الله تعالى.

وإلى مثل ما ذهبت إليه العترة ذهب أبو حنيفة

(4)

وأصحابه كما حكى ذلك عنه المهدي في البحر

(5)

، وحكى عنه أن يقول: العلة في الذهب الوزن، وفي الأربعة الباقية كونها مطعومة موزونة أو مكيلة.

والحاصل: أنه قد وقع الاتفاق بين من عدا الظاهرية بأن جزء العلة الاتفاق في الجنس، واختلفوا في تعيين الجزء الآخر على تلك الأقوال، ولم يعتبر أحد منهم العدد جزءًا من العلة [ولعلَّ ذلك منهم اكتفاءً بالوزن]

(6)

مع اعتبار الشارع له كما في رواية من حديث أبي سعيد

(7)

"ولا درهمين بدرهم" وفي حديث عثمان عتد مسلم

(8)

: "ولا تبيعوا الدينار بالدينارين".

12/ 2248 - (وعَنْ أبي سَعِيدِ وأبي هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا على خَيْبَرَ، فَجَاءَهُمْ بتَمْرٍ جَنِيبٍ فقالَ:"أَكُلُّ تَمْرِ خيْبَرَ هكَذَا؟ "، قالَ: إنَّا

(1)

البحر الزخار (3/ 331).

(2)

تقدم برقم (2247) من كتابنا هذا.

(3)

يأتي تخريجه برقم (12/ 2241) من كتابنا هذا.

(4)

الاختيار (2/ 276).

والبناية في شرح الهداية (7/ 454 - 456).

(5)

البحر الزخار (3/ 331).

(6)

زيادة من المخطوط (ب).

(7)

أخرجه أحمد (3/ 45) والبخاري رقم (2080) ومسلم رقم (98/ 1595).

(8)

في صحيحه رقم (78/ 1585).

ص: 164

لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هذَا بالصَّاعَيْنِ، والصَّاعَيْنِ بالثَّلَاثَةِ، فقالَ:"لَا تَفْعلْ، بعِ الْجَمْعَ بالدَّرَاهِمِ، ثمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا"، وقالَ في الْمِيزَانِ مِثْلَ ذلِكَ؛ رَواهُ البُخاريُّ)

(1)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا مسلم

(2)

.

قوله: (رجلًا) صرّح أبو عوانة

(3)

والدارقطني

(4)

أن اسمه سواد بن غَزية بمعجمه فزاي فياء مشددة كعطية.

قوله: (جنيب)

(5)

بفتح الجيم وكسر النون وسكون التحتية وآخره موحدة، اختلف في تفسيره؛ فقيل: هو الطيب، وقيل: الصلب، وقيل: ما أخرج منه حشفه ورديئه، وقيل: ما لا يختلط بغيره.

وقال في القاموس

(6)

: إن الجنيب تمر جيد.

قوله: (بع الجمع) بفتح الجيم وسكون الميم، قال في الفتح

(7)

: هو التمر المختلط بغيره.

وقال في القاموس

(8)

: هو الدَّقل أو صنف من التمر.

والحديث يدلّ على أنه لا يجوز بيع رديء الجنس بجيده متفاضلًا وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم فيه، وأما سكوت الرواة عن فسخ المذكور فلا يدل على عدم الوقوع إما ذهولًا وإما اكتفاءً بأن ذلك معلوم.

وقد ورد في بعض طرق الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذا هو الربا"

(9)

،

(1)

في صحيحه رقم (2201، 2202).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (94/ 1593) والنسائي رقم (4553) والدارقطني (3/ 17 رقم 54، 57) والبيهقي (5/ 285، 291).

وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (94/ 1593) وقد تقدم.

(3)

في مسند أبي عوانة (3/ 392 رقم 5441).

(4)

في سننه (3/ 17 رقم 54).

(5)

النهاية (1/ 297) والفائق (1/ 234).

(6)

القاموس المحيط ص 89.

(7)

(4/ 400).

(8)

القاموس المحيط ص 917.

(9)

أخرجه مسلم رقم (97/ 1594) ولفظه: "هذا هو الربا فردوه .. ".

ص: 165

فرده كما نبه على ذلك في الفتح

(1)

.

وقد استدل أيضًا بهذا الحديث على جواز بيع العينة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشتري بثمن الجَمْعِ جنيبًا.

ويمكن أن يكون بائع الجنيب منه هو الذي اشترى منه الجَمْعَ، فيكون قد عادَت إليه الدراهم التي هي عين ماله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بأن يشتري الجَنِيبَ من غير من باع منه الجمع، وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم

(2)

.

قال في الفتح

(3)

: وتعقب بأنه مطلق والمطلق لا يشمل، فإذا عمل به في صورة سقط الاحتجاج به في غيرها فلا يصح الاستدلال به على جواز الشراء ممن باع منه تلك السلعة بعينها، انتهى. وسيأتي الكلام على بيع العينة.

قوله: (وقال في الميزان مثل ذلك)، أي مثل ما قال في المكيل من أنه لا يجوز بيع بعض الجنس منه ببعضه متفاضلًا وإن اختلفا في الجودة والرداءة، بل يباع رديئه بالدراهم ثم يُشْتَرى بهذا الجيدُ، والمراد بالميزان هنا الموزون.

قال المصنف

(4)

رحمه الله: وهو حجة في جريان الربا في الموزونات كلها، لأن قوله (في الميزان) أي في الموزون، وإلا فنفس الميزان ليست من أموال الربا، انتهى.

[الباب الثالث] باب في أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل

13/ 2249 - (عَنْ جابرٍ قالَ: نَهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ لا يُعْلَمُ كَيْلُها بالْكَيلِ المُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ. رَوَاهُ مُسلمٌ

(5)

والنَّسائيُّ

(6)

. [صحيح]

(1)

قال الحافظ في "الفتح"(4/ 400) عقبه قال: ويحتمل تعدد القصة وأن القصة التي لم يقع فيها الرد كانت قبل تحريم ربا الفضل والله أعلم.

(2)

انظر: "إرشاد الفحول" للشوكاني ص 452 بتحقيقى، والبحر المحيط (3/ 148) وتيسير التحرير (1/ 364).

(3)

(4/ 401).

(4)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(2/ 339).

(5)

في صحيحه رقم (42/ 1530).

(6)

في سننه رقم (4547).

وهو حديث صحيح.

ص: 166

وَهْوَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ على أنَّهُ لَوْ باعَهَا بِجِنْس غَيْرِ التَّمْرِ لَجَازَ).

قوله: (الصبرة)، قال في القاموس

(1)

: والصّبْرَة بالضم ما جُمِعَ من الطعام بلا كيلٍ ووزنٍ، انتهى.

قوله: (لا يعلم كيلها) صفة كاشفة للصُّبرة، لأنه لا يقال لها صُبرة إلا إذا كانت مجهولة الكيل.

والحديث فيه دليل على أنه لا يجوز أن يباع جنس بجنسه، وأحدهما مجهول المقدار لأن العلم بالتساوي عن الاتفاق في الجنس شرط لا يجوز البيع بدونه ولا شك أن الجهل بكلا البدلين أو بأحدهما فقط مظنة للزيادة والنقصان وما كان مظنة للحرام وجب تجنبه، وتجنب هذه المظنة إنما يكون بكيل المكيل ووزن الموزون من كل واحد من البدلين.

[الباب الرابع] باب من باعَ ذهبًا وغيره بذهب

14/ 2250 - (عَنْ فَضالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قالَ: اشتَرَيْتُ قِلَادة يَوْمَ خَيْبَرَ باثْنَيْ عَشرَ دِينَارًا فِيهَا ذَهَبٌ وخَرَزٌ، فَفَصَّلْتُها فَوَجدْتُ فِيهَا أكْثَرَ مِن اثْنَيْ عَشْرَ دِينَارًا، فَذَكَرْتُ ذلِكَ للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ:"لَا يُبَاعُ حتى يُفَصَّلَ". رَوَاهُ مُسلمٌ

(2)

والنَّسائيُّ

(3)

وأبُو داوُدَ

(4)

والتِّرمِذِيُّ

(5)

وصحَّحهُ. [صحيح]

وفي لفظٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقِلادةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخرَزٌ ابْتاعهَا رجُل بتِسْعَةِ دَنانِيرَ أوْ سَبْعَةِ دَنانِيرَ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا حتى تَمَيّزَ بَيْنهُ وبَينَهُ"، فقالَ: إنّما

(1)

القاموس المحيط ص 541.

(2)

في صحيحه رقم (90/ 1591).

(3)

في سننه رقم (4573).

(4)

في سننه رقم (3352).

(5)

في سننه رقم (1255) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (6094) وابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 323) والطبراني في الكبير (ج 18 رقم 774) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 293) من طرق.

وهو حديث صحيح.

ص: 167

أَرَدْتُ الْحِجارَةَ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا حَتَّى تُميِّزَ بيْنَهُا"، قالَ: فَرَدّهُ حتى مَيّزَ بَيْنَهُما. رَواهُ أبُو دَاوُد)

(1)

. [صحيح]

الحديث قال في التلخيص

(2)

له عند الطبراني في الكبير طرق كثيرة جدًّا في بعضها

(3)

"قلادة فيها خرز وذهب".

وفي بعضها

(4)

ذهب وجوهر.

وفي بعضها: [خرز وذهب]

(5)

، وفي بعضها

(6)

: خرز معلقة بذهب.

وفي بعضها

(7)

: باثني عشر دينارًا.

وفي بعضها

(8)

: بتسعة دنانير، وفي أخرى (7): بسبعة دنانير.

وأجاب البيهقي

(9)

عن هذا الاختلاف بأنها كانت بيوعًا شهدها فضالة.

قال الحافظ

(10)

: والجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفًا، بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه وهو النهي عن بيع ما لم يفصل، وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به في هذه الحال ما يوجب الحكم بالاضطراب وحينئذٍ ينبغي الترجيح بين رواتها وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم، فيكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة، انتهى.

وبعض هذه الروايات التي ذكرها الطبراني في صحيح مسلم

(11)

وسنن أبي داود

(12)

.

(1)

في سننه رقم (3351) وهو حديث صحيح.

(2)

"التلخيص الحبير"(3/ 20).

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 774) وقد تقدم.

(4)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 776).

(5)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) وفي "التلخيص" (3/ 20):"خرز ذهب".

(6)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 775).

(7)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 774) وقد تقدم.

(8)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 775).

(9)

في السنن الكبرى (5/ 293).

(10)

في التخليص (3/ 20).

(11)

في صحيحه رقم (89، 90، 91، 92/ 1591).

(12)

في سننه رقم (3351، 3352، 3353).

ص: 168

قوله: (ففصَّلْتُها) بتشديد الصاد.

الحديث استدلَّ به على أنه لا يجوز بيع الذهب مع غيره بذهب حتى يفصل من ذلك الغير ويميز عنه ليعرف مقدار الذهب المتصل بغيره ومثله الفضة مع غيرها بفضة، وكذلك سائر الأجناس الربوية لاتحادها في العلة وهي تحريم بيع الجنس بجنسه متفاضلًا.

ومما يرشد إلى استواء الأجناس الربوية في هذا ما تقدم من النهي عن بيع الصبرة من التمر بالكيل المسمى من التمر.

وكذلك نهيه عن بيع التمر بالرطب خرصًا لعدم التمكن من معرفة التساوي على التحقيق، وكذلك في مثل مسألة القلادة يتعذر الوقوف على التساوي من دون فصل، ولا يكفي مجرد الفصل بل لا بد من معرفة مقدار المفصول والمقابل له من جنسه وإلى العمل بظاهر الحديث ذهب عمر بن الخطاب وجماعة من السلف والشافعي

(1)

وأحمد

(2)

وإسحاق ومحمد بن الحكم المالكي

(3)

.

وقالت الحنفية

(4)

والثوري والحسن بن صالح والعترة

(5)

: إنه يجوز إذا كان الذهب المنفرد أكثر من الذي في القلادة ونحوها لا مثله ولا دونه.

وقال مالك

(6)

: يجوز إذا كان الذهب تابعًا لغيره بأن يكون الثلث فما دون.

(1)

"البيان" للعمراني (5/ 177).

(2)

المغني لابن قدامة (6/ 92 - 93).

(3)

أما بيع السيف المحلى بالذهب بذهب، أو القلادة المرصعة بالذهب بالذهب، فيمتنع مطلقا على ظاهر حديث القلادة المتقدم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تباع حتى تفصل" وهو قول الشافعي، وعبد الحكم من علمائنا - أي المالكية - والمشهور عند علمائنا جواز بيعها يدًا بيد بثلاثة شروط، الشرطان السابقان في بيع المحلى بغير صنفه، ويضاف لهما شرط ثالث وهو أن يكون الذهب في القلادة قليلًا تبعًا لغيره. لا تزيد قيمته على ثلث القلادة، أو تكون الفصوص قليلة كذلك تبعًا للذهب، بحيث لا تزيد قيمتها على ثلث القلادة بذهبها، وذلك لأن الشارع أباح تحليتها، ونزعه منها فيه فساد أو كلفة أو مشقة، وهو في ذاته تبع لغيره وقليل، والأتباع لا تقصد في العقود".

[انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 62 - 63) والأبي على صحيح مسلم (5/ 486) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 280 - 281)].

(4)

شرح فتح القدير (7/ 135) وبدائع الصنائع (5/ 195).

(5)

البحر الزخار (3/ 388).

(6)

بداية المجتهد (3/ 376) بتحقيقي، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 63).

ص: 169

وقال حماد بن أبي سليمان

(1)

: إنه يجوز بيع الذهب مع غيره بالذهب مطلقًا سواء كان المنفصل مثل المتصل أو أقل أو أكثر، واعتذرت الحنفية ومن قال بقولهم عن الحديث بأن الذهب كان أكثر من المنفصل.

واستدلوا بقوله: ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، والثمن إما سبعة أو تسعة وأكثر ما روي عنه أنه اثنا عشر.

وأجيب عن ذلك بما تقدم عن البيهقي

(2)

من أن القصة التي شهدها فضالة كانت متعددة فلا يصح التمسك بما وقع في بعضها وإهدار البعض الآخر.

وأجيب أيضًا بأن العلة هي عدم الفصل، وظاهر ذلك عدم الفرق بين المساوي والأقل والأكثر والغنيمة وغيرها، وبهذا يجاب عن الخطابي

(3)

حيث قال: إن سبب النهي كون تلك القلادة كانت من الغنائم مخافة أن يقع المسلمون في بيعها.

وقد أجاب الطحاوي

(4)

عن الحديث بأنه مضطرب. قال السبكي: وليس ذلك اضطراب قادح، ولا ترد الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك، انتهى.

وقد عرفت مما تقدم أنه لا اضطراب في محل الحجة، والاضطراب في غيره لا يقدح فيه.

وبهذا يجاب أيضًا على ما قاله مالك

(5)

. وأما ما ذهب إليه حماد بن أبي سليمان (1) فمردود بالحديث على جميع التقادير، ولعله يعتذر عنه بمثل ما قال الخطابي أو لم يبلغه.

قوله: (حتى تميز) بضم تاء المخاطب في أوله وتشديد الياء المكسورة بعد الميم.

(1)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (6/ 93).

(2)

في السنن الكبرى (5/ 293).

(3)

لم أقف عليه في معالم السنن، ولا في أعلام الحديث.

(4)

في شرح معاني الآثار (4/ 72).

(5)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 63) وبداية المجتهد (3/ 376).

ص: 170

قوله: (إنما أردت الحجارة) يعني الخرز الذي في القلادة ولم أرد الذهب.

[الباب الخامس] باب مرد الكيل والوزن

15/ 2251 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الْمِكْيالُ مِكْيالُ أهْلِ المدِينةِ، والْوَزْنُ وَزْنُ أَهلِ مكَّةَ". رَواهُ أبُو داوُد

(1)

والنَّسائيُّ)

(2)

. [صحيح]

الحديث سكت عنه أبو داود

(3)

والمنذري

(4)

وأخرجه أيضًا البزار

(5)

وصححه ابن حبان

(6)

والدارقطني

(7)

وفي رواية لأبي داود

(8)

: عن ابن عباس، مكان ابن عمر.

قوله: (المكيال مكيال أهل المدينة

) إلخ، فيه دليل على أنه يرجع عند الاختلاف في الكيل إلى مكيال المدينة وعند الاختلاف في الوزن إلى ميزان مكة.

أما مقدار ميزان مكة فقال ابن حزم

(9)

: بحثت غاية البحث عن كل من وثقت بتمييزه فوجدت كلًا يقول: إن دينار الذهب بمكة وزنه [اثنتان]

(10)

وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير، والدرهم سبعة أعشار المثقال، فوزن الدرهم سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر الحبة، فالرطل مائة وثمانية وعشرون درهمًا بالدرهم المذكور.

وأما مكيال المدينة فقد قدمنا تحقيقه في الفطرة.

ووقع في رواية لأبي داود (8) من طريق الوليد بن مسلم عن حنظلة بن أبي

(1)

في سننه رقم (3340).

(2)

في سننه رقم (4594).

(3)

في السنن (3/ 636).

(4)

في المختصر (5/ 13).

(5)

في المسند رقم (1262 - كشف) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 78): رجاله رجال الصحيح.

(6)

في صحيحه رقم (3283).

(7)

كما في "التلخيص"(2/ 337) وزاد النووي وأبو الفتح القشيري.

(8)

في سننه رقم (3340) من حديث ابن عمر وهو حديث صحيح.

(9)

المحلى (5/ 246).

(10)

في المخطوط (أ) و (ب): (اثنان) والصواب ما أثبتناه.

ص: 171

سفيان الجمحي قال: وزن المدينة ومكيال مكة والرواية المذكورة في الباب من طريق سفيان الثوري عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر وهي أصح.

وأما الرواية التي ذكرها أبو داود عن ابن عباس فرواها أيضًا الدارقطني

(1)

من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس، ورواه من طريق أبي نعيم عن الثوري عن حنظلة عن سالم بدل طاوس عن ابن عباس، قال الدارقطني

(2)

: أخطأ أبو أحمد فيه.

[الباب السادس] باب النهي عن بيع كل رطب من حب أو تمر بيابسه

16/ 2252 - (عَنِ ابْنِ عمَرَ قالَ: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمُزَابَنَةِ أنْ يَبِيعَ الرّجُلُ ثمرَ حائِطِهِ إنْ كانَ نَخْلًا بتَمْرٍ كَيلًا، وإنْ كانَ كَرْمًا أنْ يَبيعهُ بزَبيبٍ كَيْلًا، وإن كانَ زَرْعًا أنْ يَبِيعَهُ بكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذلِكَ كُلّهِ. متَّفَقٌ عليهِ)

(3)

. [صحيح]

17/ 2253 - (وَلمُسْلِمٍ

(4)

في رِوايَةٍ: وعَنْ كُل ثَمرٍ بِخَرْصِهِ). [صحيح]

18/ 2254 - (وعَنْ سَعْدِ بْنِ أبي وقاص قالَ: سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَسألُ عَنِ اشتِرَاءِ التّمْرِ بالرُّطبِ فقالَ لِمَنْ حَوْلهُ: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبُسَ؟ "، قالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذلِكَ. رَوَاهُ الخَمْسَة وصحَّحهُ الترمذيُّ)

(5)

. [صحيح]

(1)

في "العلل كما في "التلخيص" (2/ 338).

(2)

كما في "التلخيص"(2/ 338) وزاد: وقال البيهقي: قلب أبو أحمد متنه وأبدل ابن عمر بابن عباس.

(3)

أحمد في المسند (2/ 5، 16، 63، 64، 108) والبخاري رقم (2185) ومسلم رقم (76/ 1542).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3361) والنسائي رقم (4534) وابن ماجه رقم (2265) ومالك (2/ 624 رقم 23) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 29).

(4)

في صحيحه رقم (74/ 1542).

(5)

أحمد في المسند (1/ 175، 179) وأبو داود رقم (3359) والترمذي رقم (1225) والنسائي رقم (4546) وابن ماجه رقم (2264). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. =

ص: 172

حديث سعد أخرجه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان

(1)

والحاكم

(2)

وصحَّحوه، وصححه أيضًا ابن المديني

(3)

وأخرجه الدارقطني

(4)

والبيهقي

(5)

.

وقد أعله جماعة منهم الطحاوي

(6)

والطبري وابن حزم

(7)

وعبد الحق بأن في إسناده زيدًا أبا عياش وهو مجهول

(8)

.

قال في التلخيص

(9)

: والجواب أن الدارقطني قال: إنه ثقة ثبت.

وقال المنذري

(10)

: وقد روى عنه ثقات واعتمده مالك مع شدة نقده، وقال الحاكم: لا أعلم أحدًا طعن فيه.

= قلت: وصححه ابن حبان رقم (4997) و (5003) والحاكم في المستدرك (2/ 38) وابن المديني كما في بلوغ المرام عقب الحديث رقم (16/ 798) بتحقيقي. وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 624 رقم 22) والشافعي في المسند رقم (551 - ترتيب) والطيالسي رقم (214) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 6) والدارقطني (3/ 49 رقم 204 و 205) وابن الجارود في المنتقى رقم (657) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 294).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك، وأنه محكم في كل ما يرويه من الحديث، إذ لم يوجد في رواياته إلا الصحيح خصوصًا في حديث أهل المدينة، ثم لمتابعة هؤلاء الأئمة إياه في روايته عن عبد الله بن يزيد، والشيخان لم يخرجاه لما خشياه من جهالة زيد أبي عياش" اهـ.

قلت: أما زيد بن عياش فهو أبو عياش المدني، قيل فيه مجهول، لكن وثقه ابن حبان والدارقطني، وقال الحافظ في "التقريب" (1/ 276): صدوق. فالحديث صحيح، والله أعلم.

(1)

في صحيحه رقم (4997، 5003) وقد تقدم.

(2)

في المستدرك (2/ 38) وقد تقدم.

(3)

كما في بلوغ المرام عقب الحديث (16/ 798) بتحقيقي.

(4)

في السنن (3/ 49 رقم 204، 205)، وقد تقدم.

(5)

في السنن الكبرى (5/ 294)، وقد تقدم.

(6)

في شرح معاني الآثار (4/ 6)، وقد تقدم.

(7)

في "الإحكام"(7/ 153) وفي المحلى (8/ 466).

(8)

قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(1/ 670): "قلت: وذكره ابن حبان في الثقات. وصحح الترمذي وابن خزيمة وابن حبان حديثه المذكور. وقال فيه الدارقطني: ثقة

وقال أبو حنيفة: مجهول. وتعقبه الخطابي. وكذا قال ابن حزم: إنه مجهول".

(9)

(3/ 22).

(10)

في "مختصر السنن"(5/ 33).

ص: 173

قوله: (عن المزابنة)، قد تقدم ضبطها في باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه.

قوله: (ثمر حائطه) بالمثلثة وفتح الميم، قال في الفتح

(1)

: والمراد به الرطب خاصة.

قوله: (بتمر كيلًا) بالمثناة من فوق وسكون الميم، والمراد بالكرم العنب.

قال في الفتح (1): وهذا أصل المزابنة، وألحق الجمهور بذلك كل بيع مجهول بمجهول أو بمعلوم من جنس يجري فيه الربا.

قال: فأما من قال: أضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعًا مثلًا فما زاد فَلِي، وما نقص فعلَيَّ، فهو من القمار، وليس من المزابنة.

وتعقبه الحافظ

(2)

بأنه قد ثبت في البخاري

(3)

عن ابن عمر تفسير المزابنة ببيع التمر بكيل إن زاد فلي، وإن نقص فعليّ، قال: فثبت أن من صور المزابنة هذه الصورة من القمار، ولا يلزم من كونها قمارًا أن لا تسمى مزابنة.

قال

(4)

: ومن صور المزابنة بيع الزرع بالحنطة بما أخرجه مسلم

(5)

في تفسير المزابنة عن نافع بلفظ: "المزابنة بيع ثمر النخل: بالتمر كيلًا وبيع العنب بالزبيب كيلًا وبيع الزرع بالحنطة كيلًا"، وقد أخرج هذا الحديث البخاري

(6)

كما ذكره المصنف ههنا ولم ينفرد به مسلم.

وقد قدمنا مثل هذا في باب النهي عن بيع التمر قبل بدوّ صلاحه. وقدمنا أيضًا ما فسر به مالك المزابنة.

قوله: (أينقص) الاستفهام ههنا ليس المراد به حقيقته أعني طلب الفهم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالمًا بأنه ينقص إذا يبس، بل المراد تنبيه السامع بأن هذا الوصف الذي وقع عنه الاستفهام هو علة النهي، ومن المشعرات بذلك الفاء في قوله فنهى عن ذلك.

(1)

(4/ 384).

(2)

في "الفتح"(4/ 384).

(3)

في صحيحه رقم (2172).

(4)

أي: الحافظ في "الفتح"(4/ 384).

(5)

في صحيحه رقم (73/ 1542).

(6)

في صحيحه رقم (2171).

ص: 174

ويستفاد من هذا عدم جواز بيع الرطب بالرطب، لأن نقص كل واحد منهما لا يحصل العلم بأنه مثل نقص الآخر، وما كان كذلك فهو مظنة للربا.

وقد ذهب إلى ذلك الشافعي

(1)

وجمهور أصحابه

(2)

وعبد الملك بن الماجشون وأبو حفص العكبري

(3)

من الحنابلة، وذهب مالك

(4)

وأبو حنيفة

(5)

وأحمد

(6)

في المشهور عنه، والمزني والروياني من أصحاب الشافعي

(7)

إلى أنه يجوز.

قال ابن المنذر

(8)

: إن العلماء اتفقوا على جواز ذلك إلا الشافعي، ويدل على عدم الجواز أن الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري روى حديث ابن عمر بلفظ:"نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة بالثمرة"، وذلك يشمل بيع الرطب بالرطب.

[الباب السابع] باب الرخصة في بيع العرايا

19/ 2255 - (عَنْ رَافِعِ بْنِ خديجٍ وسَهْلِ بْنِ حَثْمَةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ: بيْع الثَّمَرِ بالتَّمْرِ، إلّا أصحابَ العَرَايَا فإِنّهُ قَدْ أذِنَ لَهُمْ. رَواهُ أحمَدُ

(9)

(1)

الأم (4/ 44).

(2)

المجموع شرح المهذب (10/ 305 - 307).

(3)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (6/ 68).

(4)

التمهيد (12/ 52).

(5)

شرح فتح القدير (7/ 30) والاختيار (2/ 279).

(6)

المغني (6/ 68).

(7)

قال النووي في "المجموع"(10/ 314): "فرع: جميع ما تقدم من الكلام وخلاف العلماء "لا فرق فيه بين الرطب بالرطب، والبسر بالبسر يمتنع عندنا - أي الشافعية - وجائز عند أبي حنيفة رضي الله عنه، ومالك وقال أبو حنيفة: يجوز البسر بالرطب مثلًا بمثل، وهو قول داود.

وقال مالك وأبو يوسف ومحمد: لا يجوز الرطب بالبسر على حال. نقل ذلك ابن عبد البر" اهـ.

(8)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 384).

(9)

في المسند (4/ 140).

ص: 175

والبُخاريُّ

(1)

والتِّرمذيُّ

(2)

، وَزَادَ فِيهِ: وعَنْ بيْعِ الْعِنَبِ بالزّبِيبِ، وعنْ كُلِّ تمرٍ بخَرْصِهِ). [صحيح]

20/ 2256 - (وعَنْ سَهْلِ بْنِ أبيِ حثْمَةَ قالَ: نَهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بالتَّمْرِ، وَرَخّصَ في العَرَايَا أنْ يَشتَرِيَ بخرْصهَا يَأكُلُها أهْلُها رُطَبًا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ

(3)

.

وفي لفْظٍ: عَنْ بيعِ الثَّمَرِ بالتَّمْرِ، وقالَ: ذلِكَ الرِّبا تِلْكَ المُزْابَنَةُ، إلّا أنَّهُ رَخصَ في بَيعِ العَريةِ النّخلَةَ والنَّخلَتَيْنِ، يأخذُها أهْلُ البَيتِ بِخَرْصِهَا تَمرًا يأكُلُونَها رُطَبًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(4)

. [صحيح]

21/ 2257 - (وعَنْ جابِرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ حِينَ أذِن لأهْل العَرَايَا أنْ يَبيعُوها بِخَرْصِهَا يقُولُ: "الْوَسْقَ والوَسقَيْنِ والثّلَاثةَ والأربعَةَ". رواهُ أحمَدُ)

(5)

. [حسن]

22/ 2258 - (وعَنْ زيدِ بْنِ ثَابتٍ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رخصَ في بَيْعِ العَرَايَا أنْ تُباعَ بِخرْصِهَا كَيلًا. رَوَاهُ أحمَدُ

(6)

والبُخاريُّ

(7)

.

(1)

في صحيحه رقم (2171).

(2)

في سننه رقم (1303).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (4/ 2) والبخاري رقم (2191) ومسلم رقم (70/ 1540).

(4)

أحمد في المسند (4/ 2) والبخاري رقم (2191) ومسلم رقم (67/ 1540).

(5)

في المسند (3/ 360) بسند حسن.

قلت: وأخرجه ابن حبان برقم (5008) وأبو يعلى رقم (1781) وابن خزيمة رقم (2469) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 30) والحاكم (1/ 417) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 311).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 103) وقال: "رواه أبو يعلى وفيه ابن إسحاق وهو ثقة ولكنه مدلس، وبقية رجاله رجال الصحيح".

قلت: وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند ابن حبان

فانتفت شبهة تدليسه، وخلاصة القول: أن حديث جابر حديث حسن، والله أعلم.

(6)

في المسند (5/ 181).

(7)

في صحيحه رقم (2192).

ص: 176

وَفِي لَفْظٍ: رَخصَ في العَرِيّةَ يأخُذُهَا أهْلُ البيتِ بِخرصِهَا تَمرًا يأكلُونَها رُطبًا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ

(1)

.

وفي لَفْظٍ آخرَ: رَخَّصَ في بَيْعِ العَريّةِ بالرُّطَبِ أو بالتّمرِ ولَم يُرَخّص في غَيرِ ذلِكَ. أخرَجَاهُ

(2)

.

وفي لفْظٍ: بالتّمر وبالرُّطَبِ. رَواهُ أبُو داوُدَ)

(3)

. [صحيح]

حديث جابر أخرجه أيضًا الشافعي

(4)

، وصححه ابن خزيمة

(5)

وابن حبان

(6)

والحاكم

(7)

.

وفي الباب عن أبي هريرة عند الشيخين

(8)

: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها [فيما]

(9)

دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق".

قوله: (بيع الثمر بالتمر)، الأول بالمثلثة وفتح الميم، والثاني بالمثناة الفوقية وسكون الميم، والمراد بالأول: ثمر النخلة.

وقد صرح بذلك مسلم

(10)

في رواية فقال: "ثمر النخلة"، وليس المراد: الثمر من غير النخل، لأنه يجوز بيعه بالتمر بالمثناة والسكون.

قوله: (إلا أصحاب العرايا) جمع عرية، قال في الفتح

(11)

: وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة كانت العرب في الجدب تتطوع بذلك على من

(1)

أحمد (5/ 190) والبخاري رقم (2191) ومسلم رقم (67/ 1540).

(2)

البخاري رقم (2184) ومسلم رقم (59/ 1539).

(3)

في سننه رقم (3362). وهو حديث صحيح.

(4)

في الأم (4/ 111).

(5)

في صحيحه رقم (2469) وقد تقدم.

(6)

في صحيحه رقم (5008) وقد تقدم.

(7)

في المستدرك (1/ 417) وقد تقدم.

(8)

البخاري رقم (2190) ومسلم رقم (71/ 1541).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3364) والترمذي رقم (1301) والنسائي رقم (4541) والبيهقي في "المعرفة"(8/ 100 رقم 11272) وغيرهم.

وهو حديث صحيح.

(9)

في المخطوط (ب): (في).

(10)

في صحيحه رقم (63/ 1539).

(11)

(4/ 390).

ص: 177

لا ثمر له كما يتطوع صاحب [الشاة أو الإِبل بالمنيحة]

(1)

وهي عطية اللبن دون الرقبة، ويقال: عَرِيت النخلة بفتح العين وكسر الراء تعرى، إذا [أفردت]

(2)

عن حكم أخواتها بأن أعطاها المالك فقيرًا.

قال مالكٌ: العَريَّةُ أن يُعْرِيَ الرجلُ الرجلَ النَّخلة - أي: يهبها له أو يهب له ثمرها - ثم يتأذَّى بدخوله عليه فيرخص الموهوب له للواهب أن يشتري رطبها منه بتمرٍ يابس، هكذا علقه البخاري

(3)

عن مالك، ووصله ابن عبد البر

(4)

من رواية ابن وهب.

وروى الطحاوي

(5)

عن مالك أن العرية النخلة للرجل في حائط غيره فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول: أنا أعطيك بخرص نخلتك تمرًا فيرخص له في ذلك؛ فشرط العرية عند مالك

(6)

أن يكون لأجل التضرر من

(1)

في المخطوط (ب): (الشاة أو المنيحة).

(2)

في المخطوط (ب): (أفرده).

(3)

في صحيحه (4/ 390 رقم الباب 84 - مع الفتح) معلقًا.

(4)

في "التمهيد"(12/ 46).

(5)

في شرح معاني الآثار (4/ 30).

(6)

قال ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(3/ 413) بتحقيقي:

"اختلف الفقهاء في معنى العرية، والرخصة التي أتت فيها في السنة، فحكى القاضي أبو محمد عبد الوهاب المالكي: أن العرية في مذهب مالك هي أن يهب الرجل ثمرة نخله، أو نخلات من حائطه لرجل بعينه، فيجوز للمعرَّى شراؤها من المعرِّي له بخرصها تمرًا على شروط أربعة:

أحدها: أن تزهي.

والثاني: أن تكون خمسة أوسق فما دون، فإن زادت فلا يجوز.

والثالث: أن يعطيه التمر الذي يشتريها به عند الجذاذ، فإن أعطاه نقدًا لم يجز.

والرابع: أن يكون التمر من صنف تمر العرية ونوعها.

فعلى مذهب مالك الرخصة في العرية إنما هي في حق المعرِّي فقط، والرخصة فيها إنما هي استثناؤها من المزابنة، وهي بيع الرطب بالتمر الجاف الذي ورد النهي عنه. ومن صنفي الربا أيضًا؛ أعني: التفاضل والنساء، وذلك أن بيع ثمر معلوم الكيل بثمر معلوم بالتخمين وهو الخرص، فيدخله بيع الجنس الواحد متفاضلًا، وهو أيضًا ثمر بثمر إلى أجل، فهذا مذهب مالك فيما هي العرية، وما هي الرخصة فيها، ولمن الرخصة فيها؟ " اهـ.

وانظر: "مدونة الفقه المالكي وأدلته"(3/ 295 - 297).

ص: 178

المالك بدخول غيره إلى حائطه، أو لدفع الضرر عن الآخر لقيام صاحب النخل بما يحتاج إليه.

وقال الشافعي في الأم

(1)

وحكاه عنه البيهقي

(2)

إن العرايا أن يشتري الرجل ثمر النخلة بخرصه من التمر بشرط التقابض في الحال، واشترط مالك

(3)

أن يكون التمر مؤجلًا.

وقال ابن إسحاق في حديثه عن ابن عمر عند أبي داود

(4)

والبخاري

(5)

تعليقًا أن يعري الرجل الرجل، أي: يهب له في ماله النخلة والنخلتين، فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها.

وأخرج الإمام أحمد

(6)

عن سفيان بن حُسَين أن العرايا نخل كانت توهَبُ للمساكين فلا يستطيعونَ أن ينتظِروا بها، فرخص لهم أن يبيعوها بما شاؤوا من التمر.

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري

(7)

: العرية أن يشتري الرجل ثمر النخلات لطعام أهله رطبًا بخرصها تمرًا.

قال القرطبي

(8)

: كأن الشافعي اعتمد في تفسير العرية على قول يحيى بن سعيد.

وأخرج أبو داود

(9)

عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري وهو أخو يحيى

(1)

في الأم (4/ 114).

(2)

في "معرفة السنن والآثار"(8/ 103 رقم 11283).

(3)

بداية المجتهد (3/ 413) الشرط الثالث كما تقدم آنفًا.

(4)

في سننه رقم (3366).

(5)

في صحيحه رقم (4/ 390 رقم الباب 84 - مع الفتح) معلقًا.

وهو صحيح الإسناد مقطوع.

(6)

في المسند (5/ 192) وهو حديث صحيح.

(7)

أخرجه الشافعي في الأم (4/ 110 - 111 رقم 1506).

(8)

في "المفهم"(4/ 393).

(9)

في سننه رقم (3365).

وهو صحيح الإسناد مقطوع.

ص: 179

المذكور أنه قال: العرية الرجل يعري الرجل النخلة، أو الرجل يستثني من ماله النخلة يأكلها رطبًا فيبيعها تمرًا.

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه

(1)

عن وكيع قال: سمعنا في تفسير العرية أنها: النخلة يعريها الرجل للرجل ويشتريها في بستان الرجل.

وقال في القاموس

(2)

: وأعراه النخلة وهبه ثمرة عامها، والعرية النخلة المعراة، والتي أكل ما عليها.

قال الجوهري

(3)

: هي النخلة التي يعريها صاحبها رجلًا محتاجًا بأن يجعل له ثمرها عامًا من عراه إذا قصده.

قال في الفتح

(4)

: صور العرية كثيرة.

(منها) أن يقول رجل لصاحب النخل بعني ثمر نخلات بأعيانها بخرصها من التمر فيخرصها ويبيعها ويقبض منه التمر ويسلم له النخلات بالتخلية فينتفع برطبها.

(ومنها) أن يهب صاحب الحائط لرجل نخلات أو ثمر نخلات معلومة من حائطه ثم يتضرر بدخوله عليه فيخرصها ويشتري رطبها بقدر خرصه بثمر معجل.

(ومنها) أن يهبه إياها فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمرًا ولا يحب أكلها رطبًا لاحتياجه إلى التمر فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر يأخذه معجلًا.

(ومنها) أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه ويستثني منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله وهي التي عفى له عن خرصها في الصدقة وسميت عرايا لأنها أعريت عن أن تخرص في الصدقة فرخص لأهل الحاجة الذين لا نقد لهم وعندهم فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخلات بخرصها، ومما يطلق عليه اسم العرية أن يعري رجلًا ثمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها، وهذه هبة محضة.

(1)

في المصنف (7/ 32).

(2)

القاموس المحيط ص 1690.

(3)

في الصحاح (6/ 2423).

(4)

(4/ 391).

ص: 180

(ومنها) أن يعري [عامل]

(1)

الصدقة، لصاحب الحائط من [حائطه]

(2)

نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة، وهاتان الصورتان من العرايا لا بيع فيهما، وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي

(3)

والجمهور. وقصر مالك

(4)

العرية في البيع على الصورة الثانية، وقصرها أبو عبيد

(5)

على الصورة الأخيرة من صور البيع [وزاد أنه]

(6)

رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا يشترونه لتجارة ولا ادخار.

ومنع أبو حنيفة

(7)

صور البيع كلها، وقصر العرية على الهبة وهي أن يعري الرجل الرجل ثمر نخلة من نخله ولا يسلم ذلك، ثم يبدو له أن يرتجع تلك الهبة فرخص له أن يحتبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب بخرصه تمرًا.

وحمله على ذلك أخذه بعموم النهي عن بيع التمر بالتمر.

وتُعُقِّب بالتصريح باستثناء العرايا في الأحاديث.

قال ابن المنذر

(8)

: الذي رخَّص في العريَّة هو الذي نهى عن بيع التمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة.

قال: ونظير ذلك الإذن في السَّلَم مع قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبع ما ليس عندك"

(9)

.

قال: ولو كان المراد الهبة ما استثنيت العرية من البيع ولأنه عبر بالرخصة والرخصة لا تكون إلا في شيء ممنوع، والمنع إنما كان في البيع لا الهبة وبأنها قيدت بخمسة أوسق والهبة لا تتقيد.

وقد احتج أصحاب أبي حنيفة لمذهبه بأشياء تدل على أن العريَّة العطية،

(1)

في المخطوط (ب): (صاحب).

(2)

في المخطوط (ب): (حائط).

(3)

الأم (4/ 114).

(4)

عيون المجالس (3/ 1457 - 1459) وبداية المجتهد (3/ 413).

(5)

في غريب الحديث للهروي (1/ 231).

(6)

في المخطوط (أ): (وأراد به).

(7)

في البناية شرح الهداية (7/ 322).

(8)

حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(6/ 120) والحافظ في الفتح (4/ 392).

(9)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 402) وأبو داود رقم (3503) والترمذي رقم (1232) وقال: حديث حسن. والنسائي رقم (4613) وابن ماجه رقم (2187).

من حديث حكيم بن حزام وهو حديث صحيح.

ص: 181

ولا حجة في شيء منه. لأنه لا يلزم من كون أصل العريَّة العطية أن لا تطلق شرعًا على صور أخرى.

وقالت الهادوية

(1)

وهو وجه في مذهب الشافعي

(2)

: إن رخصة العرايا مختصة بالمحاويج الذين لا يجدون رطبًا فيجوز لهم أن يشتروا منه بخرصه تمرًا.

واستدلوا بما أخرجه الشافعي

(3)

في "مختلف الحديث" عن زيد بن ثابت أنه سمى رجالًا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبًا ويأكلون مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر.

ويجاب عن دعوى اختصاص العرايا بهذه الصورة.

أما أولًا: فبالقدح في هذا الحديث، فإنه أنكره محمد بن داود الظاهري على الشافعي.

وقال ابن حزم

(4)

: لم يذكر الشافعي له إسنادًا فبطل.

وأما ثانيًا: فعلى تسليم صحته لا منافاة بينه وبين الأحاديث الدالة على أن العرية أعم من الصورة التي اشتمل عليها.

والحاصل أن كلَّ صورة من صور العرايا ورد بها حديثٌ صحيحٌ، أو ثبتت عن أهل الشرع، أو أهل اللغة فهي جائزة لدخولها تحت مطلق الإذن، والتنصيص

(1)

البحر الزخار (3/ 341) وشفاء الأوام (2/ 420 - 421).

(2)

الأم (4/ 114).

(3)

الأم (10/ 269 رقم 316 - مختلف الحديث).

وأورده ابن قدامة في كتابه "الكافي"(2/ 64) وقال: متفق عليه. وتعقبه ابن عبد الهادي في "التنقيح"(2/ 543) حيث قال: "كذا قال: قلت: وهو وهم، فإن هذا الحديث لم يخرج في الصحيحين، ولا في السنن، وليس لمحمود بن لبيد رواية عن زيد في شيء من الكتب الستة.

قال شيخنا الحافظ: بل وليس هذا الحديث في مسند أحمد، ولا في السنن الكبير للبيهقي، وقد فتشت عليه في كتب كثيرة فلم أرَ له سندًا.

وقد ذكره الشافعي في كتاب البيوع في باب بيع العرايا، بلا إسناد وأنكر عليه أبو داود الظاهري، ورد عليه ابن شريح في إنكاره، والله أعلم" اهـ.

(4)

في المحلى (8/ 463).

ص: 182

في بعض الأحاديث على بعض [الصور]

(1)

لا ينافي ما ثبت في غيره.

قوله: (بخرصه) بفتح الخاء المعجمة، وأشار ابن التين

(2)

إلى جواز كسرها وجزم ابن العربي

(3)

بالكسر، وأنكر الفتح وجوزهما النووي

(4)

، وقال: الفتح أشهر، قال: ومعناه بقدر ما فيه إذا صار تمرًا، فمن فتح قال: هو اسم الفعل، ومن كسر قال: هو اسم للشيء المخروص.

قال في الفتح

(5)

: والخرص هو التخمين والحدس.

قوله: (يقول: الوسق والوسقين

) إلخ، استدل بهذا من قال: إنه لا يجوز في بيع العرايا إلا دون خمس أوسق، وهم الشافعية

(6)

والحنابلة

(7)

وأهل الظاهر

(8)

قالوا: لأن الأصل التحريم، وبيع العرايا رخصة، فيؤخذ بما يتحقق فيه الجواز ويلقى ما وقع فيه الشك، ولكن مقتضى الاستدلال بهذا الحديث أن لا يجوز مجاوزة الأربعة الأوسق، مع أنهم يجوِّزونها إلى دون الخمسة بمقدار يسير، والذي يدل على ما ذهبوا إليه حديث أبي هريرة

(9)

الذي ذكرناه لقوله فيه: "فيما دون خمسة أوسق" أو "في خمسة أوسق" فيلقى الشك وهو الخمسة ويعمل بالمتيقن وهو ما دونها.

وقد حكى هذا القول صاحب البحر

(10)

عن أبي حنيفة ومالك والقاسم وأبي العباس، وقد عرفت ما سلف من تحقيق مذهب أبي حنيفة

(11)

في العرايا.

وحكى في الفتح

(12)

أن الراجح عند المالكية

(13)

الجواز في الخمسة عملًا برواية الشك، واحتج لهم بقول سهل بن أبي حثمة: أن العرية ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة.

(1)

في المخطوط (أ): (الصورة).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 389).

(3)

في عارضة الأحوذي (6/ 36).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (10/ 184).

(5)

(4/ 389).

(6)

الأم (4/ 115).

(7)

المغني (6/ 120).

(8)

المحلى (8/ 464).

(9)

أخرجه البخاري رقم (2190) ومسلم رقم (71/ 1541). وقد تقدم خلال شرح الحديث (2258) من كتابنا هذا.

(10)

البحر الزخار (3/ 340).

(11)

البناية في شرح الهداية (7/ 323).

(12)

(4/ 388).

(13)

عيون المجالس (3/ 1457 - 1458). والاستذكار (19/ 126 رقم 28451).

ص: 183

قال في الفتح

(1)

: ولا حجة فيه لأنه موقوف، وحكى الماوردي

(2)

عن ابن المنذر أنه ذهب إلى تحديد ذلك بالأربعة الأوسق، وتعقبه الحافظ

(3)

بأن ذلك لم يوجد في شيء من كتب ابن المنذر.

وقد حكى هذا المذهب ابن عبد البر

(4)

عن قوم، وهو ذهاب إلى ما في حديث جابر

(5)

من الاقتصار على الأربعة.

وقد ترجم عليه ابن حبان

(6)

: الاحتياط لا يزيد على أربعة أوسق.

قال الحافظ

(7)

: وهذا الذي [قاله]

(8)

يتعين المصير إليه، وأما جعله حدًا لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح، اهـ.

وذلك لأن دون الخمسة المذكورة في حديث أبي هريرة

(9)

تقتضي بجواز الزيادة على الأربعة إلا أن يجعل الدون مجملًا مبينًا بالأربعة كان واضحًا، ولكنه لا يخفى أنه لا إجمال في قوله:"دون خمسة أوسق"، لأنها تتناول ما صدق عليه الدون لغة، وما كان كذلك لا يقال له مجمل، ومفهوم العدد في الأربعة لا يعارض المنطوق الدال على جواز الزيادة عليها.

قوله: (ولم يرخص في غير ذلك)، فيه دليل على أنه لا يجوز شراء الرطب على رؤوس النخل بغير التمر والرطب.

وفيه أيضًا دليل على جواز الرطب المخروص على رؤوس النخل بالرطب المخروص على الأرض، وهو رأي بعض الشافعية

(10)

منهم: ابن خيران.

(1)

(4/ 388).

(2)

الحاوي الكبير (5/ 216 - 217) ولم يوجد فيه كلام ابن المنذر.

وانظر: المغني لابن قدامة (6/ 121).

(3)

في "الفتح"(4/ 388).

(4)

في "التمهيد"(12/ 53).

(5)

تقدم برقم (2257) من كتابنا هذا.

(6)

في صحيحه رقم (11/ 381): (ذكر الاستحباب للمرء أن يكون بيعُه العرايا فيما دون خمسةِ أوسُقٍ ولا يُجاوزُ به إلى أن يبلُغَ خمسةَ أوسق احتياطًا).

(7)

في "الفتح"(4/ 388).

(8)

في المخطوط (ب): (قال).

(9)

سبق تخريجه في الصفحة السابقة حاشية (9).

(10)

"المهذب"(3/ 78).

ص: 184

وقيل: لا يجوز، وهو رأي الإصطخري منهم وصححه جماعة.

وقيل: إن كانا نوعًا واحدًا لم يجز إذ لا حاجة إليه، وإن كانا نوعين جاز وهو رأي أبي إسحاق، وصححه ابن أبي عصرون

(1)

، وهذا كله فيما إذا كان أحدهما على النخل والآخر على الأرض، وأما في غير ذلك فقد قدمنا الكلام عليه في الباب الذي قبل هذا.

[الباب الثامن] باب بيع اللحم بالحيوان

23/ 2259 - (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّبِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ اللّحم بالحَيوانِ. رَواهُ مالِكٌ في المُوطّإِ)

(2)

. [إسناده صحيح مرسلًا]

الحديث أخرجه أيضًا الشافعي

(3)

مرسلًا من حديث سعيد، وأبو داود في المراسيل

(4)

، ووصله الدارقطني في الغرائب

(5)

عن مالك عن الزهري عن سهل بن سعد وحكم بضعفه، وصوب الرواية المرسلة المذكورة وتبعه ابن عبد البر.

وله شاهد من حديث ابن عمر عند البزار

(6)

وفي إسناده ثابت بن زهير

(7)

وهو ضعيف.

(1)

هذه الأوجه الثلاثة لأصحاب الشافعي، وليس للشافعي نص في هذه المسألة، والصحيح هو الوجه الثاني - وهو قول الإصطخري - أنه لا يجوز مطلقًا، ولا يجوز إلَّا بالتمر".

قاله محقق "المهذب" الدكتور محمد الزحيلي رقم التعليقة (3).

(2)

في الموطأ (2/ 655 رقم 64).

قال ابن عبد البر: "لا أعلمه يتصل من وجه ثابت".

(3)

في "بدائع المنن"(2/ 91 - 92) بسند ضعيف.

(4)

رقم (178) بسند صحيح مرسلًا.

قلت: وأخرجه من طريق مالك: محمد بن الحسن في موطئه رقم (783) والدارقطني (3/ 71 رقم 266) والحاكم (2/ 35) والبيهقي (5/ 296).

(5)

كما في "التلخيص"(3/ 22).

(6)

في المسند (رقم 1266 - كشف) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 105) وقال: رواه البزار، وفيه ثابت بن زهير وهو ضعيف.

(7)

قال البخاري: ثابت أبو زهير، منكر الحديث. وقال ابن عدي: يخالف الثقات في المتن =

ص: 185

وأخرجه

(1)

أيضًا من رواية أبي أمية بن يعلى عن نافع أيضًا، وأبو أمية

(2)

ضعيف.

وله شاهد أقوى منه من رواية الحسن عن سمرة عند الحاكم

(3)

والبيهقي

(4)

وابن خزيمة

(5)

. وقد اختلف في صحة سماعه منه

(6)

.

وروى الشافعي

(7)

عن ابن عباس أن جَزُورًا نُحِرَت على عهد أبي بكر فجاء

= والسند، وقال الدارقطني وغيره: منكر الحديث.

التاريخ الكبير (1/ 163) والمجروحين (1/ 206) والجرح والتعديل (2/ 452) والمغني (1/ 120) والميزان (1/ 264) ولسان الميزان (2/ 76).

(1)

أي البزار كما في "التلخيص"(3/ 22 - 23).

(2)

أبو أمية بن يعلى: هو إسماعيل. ضعفه الدارقطني

[الميزان (4/ 493)].

(3)

في المستدرك (2/ 35) وقال: صحيح الإسناد رواته عن آخرهم أئمة حفاظ ثقات ولم يخرجاه.

(4)

في السنن الكبرى (5/ 296).

(5)

كما في "التلخيص"(3/ 23).

(6)

قال الصنعاني في "سبل السلام": "وللحفاظ في سماعه - أي في سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب - ثلاثةُ مذاهب:

(الأول): أنه سمع منه مطلقًا وهو مذهب علي بن المديني والبخاري والترمذي.

(والثاني): لا، مطلقًا. وهو مذهب يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين وابن حبان.

(والثالث): لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، وهو مذهب النسائي، واختاره ابن عساكر، وادّعى عبد الحق أنَّه الصحيح".

وقال الألباني في معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم الألباني (1/ 496): "قلت: ونحن لم نعلم تصريحه بالسماع عن سمرة في غير حديث العقيقة، فيتجه أنُ يكون الصوابُ القول الثالث، وإذا ضممنا إلى ذلك ما جاء في ترجمة الحسن البصري، وخلاصته ما في "التقريب" رقم (1227) "ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس". فينتج من ذلك عدم الاحتجاج بحديث الحسن عن سمرة إذا عنعنه

والله أعلم" اهـ.

[وانظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص 31 - 44 رقم 54) وسنن الترمذي (1/ 343) وجامع التحصيل في أحكام المراسيل (194 - 199 رقم 135) وتهذيب التهذيب (1/ 388 - 391)].

• قلت: والمختار ما ذهب إليه النسائي واختاره ابن عساكر، وصوبه الألباني. والله أعلم.

(7)

أخرجه البيهقي في "المعرفة"(8/ 66 رقم 11143).

ص: 186

رجلٌ بِعَنَاقٍ فقال: أعطُوني منها، فقال أبو بكر: لا يصلح هذا".

وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى، وهو ضعيف

(1)

.

ولا يخفى أن الحديث ينتهض للاحتجاج بمجموع طرقه، فيدل على عدم جواز بيع اللحم بالحيوان، وإلى ذلك ذهبت العترة

(2)

والشافعي

(3)

إذا كان الحيوان مأكولًا.

وإن كان غير مأكول جاز عند العترة ومالك

(4)

وأحمد

(5)

والشافعي

(6)

في أحد قوليه لاختلاف الجنس.

وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يجوز لعموم النهي.

وقال أبو حنيفة

(7)

: يجوز مطلقًا.

واستدل على ذلك بعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}

(8)

.

وقال محمد بن الحسن الشيباني

(9)

: إن غلب اللحم جاز ليقابل الزائد منه الجلد.

[الباب التاسع] باب جواز التفاضل والنسيئة في غير المكيل والموزون

24/ 2260 - (عَنْ جَابِرٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى عَبْدًا بعَبْدَيْنِ. رَواهُ الخَمْسَةُ

(1)

إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي. مختلف في ثقته، وضعَّفه أكثر أهل العلم بالحديث وطعنوا فيه، وكان الشافعي يبعده عن الكذب.

انظر: "المجروحين"(1/ 105) والكامل (1/ 219) والتاريخ الكبير للبخاري (1/ 1/ 323).

(2)

البحر الزخار (3/ 337).

(3)

انظر: "المعرفة"(8/ 65 - 67). والبياني للعمراني (5/ 215).

(4)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 86 - 87). وعيون المجالس (3/ 1443).

(5)

المغني (6/ 91).

(6)

الأم (4/ 66) والمجموع (10/ 477).

(7)

بدائع الصنائع (5/ 190 - 191) والبناية في شرح الهداية (7/ 491 - 492).

(8)

سورة البقرة، الآية:275.

(9)

الاختيار (2/ 279).

ص: 187

وصَحَّحَهُ التِّرْمِذيُّ

(1)

وَلمُسْلمٍ مَعَناهْ)

(2)

. [صحيح]

25/ 2261 - (وَعَنْ أنَسٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى صَفِيةَ بسبعة أَرْؤُسٍ مِنْ دِحيَةَ الْكَلْبِيِّ. رَواهُ أحمَدُ

(3)

ومُسْلِمٌ

(4)

وابْنُ ماجَهْ)

(5)

. [صحيح]

قوله: (ولمسلم معناه) ولفظه عن جابر قال: جاء عبد فبايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"بِعْنِيه" واشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدًا بعد حتى يسأله أعبد هو؟

وفي الحديثين دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلًا إذا كان يدًا بيد، وهذا مما لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وسيأتي.

وقصة صفية أشار إليها البخاري في البيع

(6)

وذكرها في غزوة خيبر

(7)

.

26/ 2262 - (وعَنْ عبْدِ الله بْنِ عَمْرو قالَ: أمَرَني رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أبْعَثَ جَيْشًا عَلى إبِلٍ كانَتْ عِنْدِي قالَ: فَحَمَلْتُ النَّاسَ عليها حتى نَفِدَتِ الإِبلُ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنَ النَّاسِ، قالَ: فَقُلْتُ: يا رسُول الله الإِبلُ قَدْ نفِدَتْ وقَدْ بَقِيَتْ بقِيَّةٌ مِنَ النَّاسِ لَا ظَهْرَ لَهُمْ، فقالَ لي:"ابْتَعْ عَليْنا إبلًا بِقَلَائِصَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ إلى محِلِّهَا حتى تُنَفِّذَ هذَا البَعْثَ"، قالَ: وكُنْتُ أبْتاعُ البَعِيرَ بقَلُوصيْنِ وثَلَاثِ قَلَائِصَ مِنْ إبِل الصَّدَقَةِ إلى محِلِّهَا حتى نَفَّذْتُ ذلِكَ البَعْثَ، فلمَّا جاءَتْ إبِلُ الصَّدَقَةِ أدَّاها رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. رَواهُ أحمَدُ

(8)

وأبُو داوُدَ

(9)

(1)

أحمد في المسند (3/ 350، 372) وأبو داود رقم (3358) والترمذي رقم (1596) والنسائي رقم (4621) وابن ماجه رقم (2869).

قال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (123/ 1602).

(3)

في المسند (3/ 123، 246).

(4)

في صحيحه رقم (87/ 1365).

(5)

في سننه رقم (2272).

قلت: وأخرجه البيهقي (5/ 287) وابن الجارود رقم (612) والطيالسي رقم (2055).

(6)

رقم الحديث (2228).

(7)

رقم الحديث (4201).

(8)

في المسند (2/ 171، 216).

(9)

في سننه رقم (3357).

ص: 188

والدارقُطنيُّ

(1)

بمَعناهُ). [ضعيف]

27/ 2263 - (وَعَنْ عَلِيّ بْنِ أبي طالِبٍ أنَّهُ بَاعَ جَمَلًا يُدْعَى عُصيْفرًا بعِشْرِينَ بعِيرًا إلى أَجَلٍ. رَواهُ مالِكٌ في المُوطَّإ

(2)

والشافعيُّ في مُسْنِدِهِ)

(3)

. [إسناده منقطع]

28/ 2264 - (وَعَنْ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الحَيَوانِ بالْحَيَوَانِ نَسِيئةً. رَواه الخَمسَةُ وصَحَّحَهُ التِّرمذِيُّ

(4)

. [صحيح]

وَروَى عبْدُ الله بْنُ أحمَدَ

(5)

مِثْلهُ مِنْ رِوايةِ جَابر بْنِ سمُرَةَ). [إسناده ضعيف جدًّا]

حديث ابن عمرو في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف، وقوّى الحافظ في الفتح

(6)

إسناده، وقال الخطابي

(7)

: في إسناده مقال، ولعله يعني من

(1)

في السنن (3/ 69 رقم 261).

قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 56، 57) وفي سنده جهالة واضطراب.

وهو حديث ضعيف.

(2)

في الموطأ (2/ 652 رقم 59).

(3)

في المسند (ص 141) ط: دار الريان للتراث - القاهرة.

بسند منقطع. لأن الحسن بن محمد بن علي لم يسمع من جده علي بن أبي طالب، وقد روي عنه ما يعارض هذا.

فقد أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(8/ 22 رقم 14143) من طريق ابن المسيب عن علي أنه كره بعيرًا ببعيرين نسيئة.

(4)

أحمد في المسند (5/ 12، 19، 21، 22) وأبو داود رقم (3356) والترمذي رقم (1237) والنسائي رقم (4620) وابن ماجه رقم (2270).

وهو حديث صحيح.

(5)

في زوائد المسند (5/ 99) و (ص 248 رقم 85).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 105) وقال: "رواه عبد الله بن أحمد وفيه أبو عمرو المقري، فإن كان هو الدوري فقد وثق والحديث صحيح، وإن كان غيره فلم أعرفه، وإسناد الطبراني في "المعجم الكبير" (ج 2 رقم 2057) - ضعيف" اهـ.

وخلاصة القول: أن إسناده ضعيف جدًّا عند أحمد والطبراني.

(6)

(4/ 419).

(7)

في معالم السنن (3/ 653 - مع السنن).

ص: 189

أجل محمد بن إسحاق، ولكن قد رواه البيهقي في سننه

(1)

من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

وأثر عليّ هو من طريق الحسن بن محمد بن علي عن عليّ، وفيه انقطاع بين الحسن وعليّ.

وقد روي عنه ما يعارض هذا فأخرج عبد الرزاق

(2)

من طريق ابن المسيب عنه أنه كره بعيرًا ببعيرين نسيئة.

وروى ابن أبي شيبة

(3)

عنه نحوه.

وحديث سمرة صححه ابن الجارود

(4)

ورجاله ثقات كما قال في الفتح

(5)

، إلا أنه اختُلِفَ في سماع الحسن من سمرة.

وقال الشافعي: هو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وحديث جابر بن سمرة عزاه صاحب الفتح

(6)

إلى زيادات المسند

(7)

لعبد الله بن أحمد كما [فعل]

(8)

المصنف وسكت عنه.

وفي الباب عن ابن عباس عند البزار

(9)

والطحاوي

(10)

وابن حبان

(11)

والدارقطني

(12)

(1)

في السنن الكبرى (5/ 288).

(2)

في "المصنف" رقم (14143) وقد تقدم.

(3)

في "المصنف"(6/ 114).

(4)

في "المنتقى" رقم (611) بسند ضعيف.

(5)

(4/ 419) وقد تقدم الكلام في قضية سماع الحسن من سمرة قريبًا.

(6)

(4/ 419).

(7)

في زوائد المسند (5/ 99) و (ص 248 رقم 85) بسند ضعيف جدًّا وقد تقدم.

(8)

في المخطوط (ب): (فعله).

(9)

لم أقف عليه عند البزار، وقد عزاه إليه ابن التركماني في الجوهر النقي (5/ 289).

(10)

في شرح معاني الآثار (4/ 60).

(11)

في صحيحه رقم (5028).

(12)

في سننه (3/ 71 رقم 267).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (14133) وابن الجارود في المنتقى رقم (610) والطبراني في المعجم الكبير رقم (11996) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 288 - 289).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 105) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات. =

ص: 190

بنحو حديث سمرة، قال في الفتح

(1)

: ورجاله ثقات، إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، فرجح البخاري وغير واحد إرساله. اهـ.

قال البخاري: حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة من طريق عكرمة عن ابن عباس، رواه الثقات عن ابن عباس موقوفًا، وعن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا

(2)

.

وفي الباب أيضًا عن ابن عمر عند الطحاوي

(3)

والطبراني

(4)

.

وعنه أيضًا عند مالك في الموطأ

(5)

والشافعي

(6)

أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة

(7)

، وذكره البخاري

(8)

تعليقًا.

= وقد رجح أبو حاتم كما في العلل (1/ 385) المرسل، وكذا البيهقي، فردَّ عليه ابن التركماني (5/ 289) ردًا مفيدًا ومتينًا، وساق لحديث ابن عباس شواهد.

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس صحيح بشواهده، والله أعلم.

(1)

(4/ 419).

(2)

أخرجه عبد الرزاق مرسلًا رقم (14135) وابن الجارود في المنتقى رقم (609) والبيهقي (5/ 288 - 289).

وتعقب ابن التركماني البيهقي بقوله: إن عبد الرزاق رواه أيضًا متصلًا. ورواية من رواه عن الثوري موصولًا أولى من رواية من رواه مرسلًا. ثم قال: فمن وصله حفظ وزاد، فلا يكون من قصَّر حجةً عليه.

(3)

في شرح معاني الآثار (4/ 60).

(4)

في المعجم الكبير - كما في "مجمع الزوائد"(4/ 105): وقال الهيثمي: فيه محمد بن دينار وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين".

قلت: محمد بن دينار الأزدي: صدوق، سيء الحفظ، ورمي بالقدر وتغير قبل موته.

"التقريب" رقم (5870).

وقال المحرران: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد

(5)

في الموطأ (2/ 652 رقم 60).

(6)

في المسند (ج 2/ رقم 557 - ترتيب).

(7)

الرَّبَذَةُ: من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيدٍ تريد مكة. وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري.

[معجم البلدان (3/ 24 - 25)].

(8)

في صحيحه رقم (4/ 419 رقم الباب (108) - مع الفتح) معلقًا.

وهو حديث صحيح.

ص: 191

وعنه أيضًا عند عبد الرزاق

(1)

وابن أبي شيبة

(2)

أنه سئل عن بعير ببعيرين فكرهه.

وروى البخاري

(3)

تعليقًا عن ابن عباس، ووصله الشافعي

(4)

أنه قال: قد يكون البعير خيرًا من البعيرين.

وروى البخاري

(5)

تعليقًا عن رافع بن خديج، ووصله عبد الرزاق

(6)

، أنه اشترى بعيرًا ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال: آتيك بالآخر غدًا.

وروى البخاري

(7)

أيضًا ومالك

(8)

وابن أبي شيبة

(9)

عن ابن المسيب أنه قال: لا ربا في الحيوان.

وروى البخاري

(10)

أيضًا وعبد الرزاق

(11)

عن ابن سيرين أنه قال: لا بأس ببعير ببعيرين.

قوله: (حتى نفدت الإبل)، بفتح النون وكسر الفاء وفتح الدال المهملة، وآخره تاء التأنيث.

قوله: (بقلائص)

(12)

قال ابن رسلان: جمع قلوص وهي الناقة الشابة.

قوله: (حتى نَفَّذْتُ ذلك البعث) بفتح النون وتشديد الفاء بعدها ذال معجمة ثم تاء المتكلم، أي: حتى تجهَّز ذلك الجيش وذهب إلى مقصده.

(1)

في المصنف رقم (14140).

(2)

في المصنف (6/ 115).

(3)

في صحيحه رقم (4/ 419 رقم الباب (108) - مع الفتح) معلقًا.

(4)

في المسند (ج 2/ رقم 555 - ترتيب) بسند صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (4/ 419 رقم الباب (108) - مع الفتح) معلقًا.

(6)

في المصنف رقم (14141).

(7)

في صحيحه رقم (4/ 419) رقم الباب (108) - مع الفتح) معلقًا.

(8)

في الموطأ (2/ 654 رقم 63).

(9)

في المصنف (6/ 114).

وهو أثر صحيح.

(10)

في صحيحه رقم (4/ 419 رقم الباب (158) - مع الفتح) معلقًا.

(11)

في المصنف رقم (14146).

(12)

النهاية (2/ 484) وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (73/ 13).

ص: 192

والأحاديث والآثار المذكورة في الباب متعارضة كما ترى، فذهب الجمهور

(1)

إلى جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة متفاضلًا مطلقًا، وشرط مالك أن يختلف الجنس ومنع من ذلك [مطلقًا]

(2)

مع النسيئة أحمد بن حنبل وأبو حنيفة

(3)

وغيره من الكوفيين والهادوية

(4)

، وتمسك الأولون بحديث ابن عمرو

(5)

وما ورد في معناه من الآثار.

وأجابوا عن حديث سمرة

(6)

بما فيه من المقال.

وقال الشافعي

(7)

: المراد به النسيئة من الطرفين لأن اللفظ يحتمل ذلك كما يحتمل النسيئة من طرف وإذا كان النسيئة من الطرفين فهي من بيع الكالئ بالكالئ وهو لا يصح عند الجميع.

واحتج المانعون بحديث (6) سمرة، وجابر بن سمرة

(8)

، وابن عباس (9)، وما في معناها من الآثار.

وأجابوا عن حديث ابن عمرو (5) بأنه منسوخ. ولا يخفى أن النسخ لا يثبت إلا بعد تقرر تأخر الناسخ ولم ينقل ذلك، فلم يبق ههنا إلا الطلب لطريق الجمع إن أمكن ذلك أو المصير إلى التعارض.

قيل: وقد أمكن الجمع بما سلف عن الشافعي، ولكنه متوقف على صحة إطلاق النسيئة على بيع المعدوم بالمعدوم، فإن ثبت ذلك في لغة العرب أو في اصطلاح الشرع فذاك، وإلا فلا شك أن أحاديث النهي وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال لكنها ثبتت من طريق ثلاثة من الصحابة: سمرة (6)، وجابر بن سمرة (8)، وابن عباس

(9)

، وبعضها يقوي بعضًا، فهي أرجح من حديث واحد غير خال عن المقال، وهو حديث عبد الله بن عمرو (5)، ولا سيما وقد صحح

(1)

الأم (4/ 244 - 245). ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 367). والمبسوط للسرخسي (12/ 131).

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

في شرح معاني الآثار (4/ 61).

(4)

البحر الزخار (3/ 403).

(5)

تقدم برقم (2262) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم برقم (2264) من كتابنا هذا.

(7)

الأم (4/ 245).

(8)

تقدم عقب الحديث رقم (2264) من كتابنا هذا.

(9)

تقدم خلال شرح الحديث (2264) من كتابنا هذا.

ص: 193

الترمذي

(1)

وابن الجارود

(2)

حديث سمرة، فإن ذلك مرجح آخر.

وأيضًا قد تقرر في الأصول

(3)

أن دليل التحريم أرجح من دليل الإباحة.

وهذا أيضًا مرجح ثالث.

وأما الآثار الواردة عن الصحابة فلا حجة فيها، وعلى فرض ذلك فهي مختلفة كما عرفت.

[الباب العاشر] باب أن من باع سلعة بنسيئة لا يشتريها بأقل مما باعها

29/ 2265 - (عن أبي إسْحق السَّبيْعِي عَنِ امْرَأَتِهِ أَنَّها دخلَتْ على عائشةَ فَدَخَلَتْ مَعَها أُمُّ وَلَدِ زيدِ بْنِ أَرْقَمَ، فقالَتْ: يا أُمّ الْمُؤمنينَ إنِّي بِعتُ غُلَامًا مِنْ زيدِ بْنِ أرْقَمِ، بِثَمانِمَائةِ دِرهَمٍ نَسيئَةً وإني ابْتَعتُهُ مِنْهُ بِستمائِةٍ نَقْدًا، فقالَتْ لَهَا عائشةُ: بئْسَ ما اشْترَيْتِ وبئْسَ ما شَرَيْتِ، إنَّ جهَادَهُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قدْ بطَلَ إلَّا أنْ يتُوبَ. رَوَاهُ الدَّارقطنيُّ)

(4)

. [إسناده حسن]

الحديث في إسناده العالية بنت أيفع

(5)

. وقد روي عن الشافعي أنه لا يصح، وقرر كلامه ابن كثير في "إرشاده"

(6)

.

(1)

في السنن عقب الحديث رقم (1237).

(2)

في المنتقى رقم (611) بسند ضعيف وقد تقدم.

(3)

إرشاد الفحول ص 906 والبحر المحيط (6/ 170).

(4)

في سننه رقم (3/ 52 رقم 212) وفي إسناده العالية بنت أيفع.

قال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 16) ردًا على ابن الجوزي حين قال عن العالية هذه بأنها امرأة مجهولة لا يقبل خبرها: "قلنا: بل هي امرأة معروفة جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في "الطبقات" - (8/ 487) - فقال: العالية بنت أيفع ابن سراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي سمعت من عائشة" اهـ.

وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي"(5/ 330): "العالية: معروفة روى عنها زوجها وابنها وهما إمامان، وذكرها ابن حبان في "الثقات من التابعين" - ص 264 رقم 2984)

" اهـ.

(5)

انظر التعليقة المتقدمة.

(6)

"إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه"(2/ 31) لابن كثير.

ص: 194

وفيه دليل على أنه لا يجوز لمن باع شيئًا بثمن نسيئة أن يشتريه من المشتري بدون ذلك الثمن نقدًا قبل قبض الثمن الأول، أما إذا كان المقصود التحيل لأخذ النقد في الحال وردَّ أكثر منه بعد أيام فلا شك أن ذلك من الربا المحرم الذي لا تنفع في تحليله الحيل الباطلة، وسيأتي الخلاف في بيع العينة في الباب الذي بعد هذا.

والصورة المذكورة هي صورة بيع العينة وليس في [حديث]

(1)

الباب ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا البيع، ولكن تصريح عائشة بأن مثل هذا الفعل موجب لبطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنها قد علمت تحريم ذلك بنص من الشارع، إما على جهة [العموم كالأحاديث القاضية بتحريم الربا الشامل لمثل هذه الصورة أو على جهة]

(2)

الخصوص كحديث العينة الآتي

(3)

، ولا ينبغي أن يُظَنَّ بها أنها قالت هذه المقالة من دون أن تعلم بدليل يدل على التحريم، لأن مخالفة الصحابي لرأي صحابي آخر لا يكون من الموجبات للإحباط.

[الباب الحادي عشر] باب ما جاء في بيع العينة

30/ 2266 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بالدِّينارِ والدِّرهَمِ، وتَبَايَعُوا بالْعِينَةِ، واتَّبَعُوا أذْنابَ البَقَرِ، وتَرَكُوا الجِهَادَ في سَبِيلِ الله، أَنْزَلَ الله بِهِم بَلَاءً، فَلَا يَرفعُهُ حتى يُرَاجِعُوا دِينَهُم". رَواهُ أحمَدُ

(4)

وأَبُو دَاوُدَ

(5)

،

(1)

في المخطوط (ب): (الحديث).

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

برقم (30/ 2266) من كتابنا هذا.

(4)

في المسند (2/ 28).

(5)

في سننه رقم (3462).

قال ابن تيمية في "مجموع فتاويه"(29/ 30): "وقد روى أحمد وأبو داود بإسنادين جيدين عن ابن عمر: (فذكره) ".

وقال الألباني رحمه الله في "الصحيحة" رقم (11): "وهو حديب صحيح لمجموع طرقه" ثم ذكر تلك الطرق فأفاد وأجاد.

وخلاصة القول: أن، الحديث صحيح بمجموع طرقه، والله أعلم.

ص: 195

ولَفْظهُ: "إِذا تبايَعْتُم بالْعينَةِ، وأخذْتُم أذنابَ الْبقَرِ، وَرَضِيتُم بالزَّرعِ، وَتَركْتُمُ الجِهَاد سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنزِعُهُ حتى تَرجعُوا إلَى دِينِكُمْ"). [صحيح بمجموع طرقه]

الحديث أخرجه أيضًا الطبراني

(1)

وابن القطان

(2)

وصححه.

قال الحافظ في بلوغ المرام

(3)

: ورجاله ثقات.

وقال في التلخيص

(4)

: وعندي أن إسناد الحديث الذي صححه ابن القطان معلول لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحًا، لأن الأعمش مدلس ولم يذكر سماعه من عطاء، وعطاء يحتمل أن يكون [هو]

(5)

عطاء الخراساني فيكون فيه تدليس التسوية بإسقاط نافع [بين]

(6)

عطاء وابن عمر، انتهى.

وإنما قال هكذا لأن الحديث رواه أحمد

(7)

والطبراني

(8)

من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء عن ابن عمر.

ورواه أحمد

(9)

وأبو داود

(10)

من طريق عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر.

وقال المنذري في مختصر السنن

(11)

ما لفظه: في إسناده إسحاق بن أَسِيد

(1)

في المعجم الكبير رقم (13583) ورقم (13585).

(2)

في "بيان الوهم والإيهام"(5/ 294 - 296 رقم 2484).

(3)

رقم الحديث (11/ 793) بتحقيقي.

(4)

قلت: وهذه احتمالات لا ترقى لمستوى رد تصحيح ابن القطان؛ لأن عطاء صرح الأعمش بأنه ابن أبي رباح - وهو ثقة حافظ - فيجب قبول قوله فيه. فلو جاز هذا لكان العرزمي، وشهر بن حوشب القائلين: إنه الخرساني، أولى بالتخطئة من الأعمش. وتدليس الأعمش محتمل عند العلماء لا سيما إذا روى عمن عرف بالسماع منه.

(5)

سقط من المخطوط (ب).

(6)

في المخطوط (ب): (بن) وهو خطأ.

(7)

في المسند (2/ 28) وقد تقدم.

(8)

في المعجم الكبير رقم (13583) و (13585) وقد تقدم.

(9)

في المسند (2/ 28) وقد تقدم.

(10)

في السنن رقم (3462) وقد تقدم.

(11)

في المختصر (5/ 102 - 103).

ص: 196

أبو عبد الرحمن الخراساني نزيل مصر لا يحتج بحديثه، وفيه أيضًا عطاء الخراساني، وفيه مقال، انتهى.

قال الذهبي في الميزان

(1)

: إن هذا الحديث من مناكيره.

وقد ورد النهي عن العينة من طرق عقد لها البيهقي في سننه

(2)

بابًا ساق فيه جميع ما ورد في ذلك وذكر علله.

وقال

(3)

: روي حديث العينة من وجهين ضعيفين عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

قال

(4)

: وروي عن ابن عمر موقوفًا أنه كره ذلك.

قال ابن كثير

(5)

: وروي من وجه ضعيف أيضًا عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا ويعضده حديث عائشة يعني المتقدم في الباب الذي قبل هذا، وهذه الطرق يشد بعضها بعضًا.

قوله: (بالعِينة) بكسر العين المهملة ثم ياء تحتية ساكنة ثم نون.

قال الجوهري

(6)

: العينة بالكسر السلف.

وقال في القاموس

(7)

: وعين أخذ بالعينة بالكسر أي السلف، أو أعطى بها قال: والتاجر باع سلعته بثمن إلى أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن، اهـ.

قال الرافعي: وبيع العينة هو أن يبيع شيئًا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن [نقدًا]

(8)

أقل من ذلك القدر، انتهى.

قال ابن رسلان في شرح السنن: وسميت هذه المبايعة عينة لحصول النقد لصاحب العينة، لأن العين هو المال الحاضر، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ليصل به إلى مقصوده، اهـ.

(1)

الميزان (1/ 184 رقم الترجمة 737) ولم أجد العبارة التي ذكرها الشوكاني.

(2)

في السنن الكبرى (5/ 316 - 317).

(3)

أي البيهقي في السنن الكبرى (5/ 316).

(4)

أي البيهقي في السنن الكبرى (5/ 317).

(5)

في تفسيره (7/ 165).

(6)

في الصحاح (6/ 2172).

(7)

القاموس المحيط (ص 1573).

(8)

في المخطوط (ب): (نقد).

ص: 197

وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك

(1)

وأبو حنيفة

(2)

وأحمد

(3)

والهادوية، وجوَّز ذلك الشافعي

(4)

وأصحابه مستدلين على الجواز بما وقع من ألفاظ البيع التي لا يراد بها حصول مضمونه، وطرحوا الأحاديث المذكورة في الباب.

واستدل ابن القيم

(5)

على عدم جواز العينة بما روي عن الأوزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع"

(6)

.

قال: وهذا الحديث وإن كان مرسلًا فإنه صالح للاعتضاد به بالاتفاق وله من المسندات ما يشهد له، وهي الأحاديث الدالة على تحريم العينة، فإنه من المعلوم أن العينة عند من يستعملها إنما يسميها بيعًا وقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد ثم غير اسمها إلى المعاملة وصورتها إلى التبايع الذي لا قصد لهما فيه البتة، وإنما هو حيلة ومكر وخديعة لله تعالى، فمن أسهل الحيل على من أراد فعله أن يعطيه مثلًا ألفًا إلا درهمًا باسم القرض ويبيعه خرقة تساوي درهمًا بخمسمائة درهم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"

(7)

، أصل في إبطال الحيل، فإن من أراد أن يعامله معاملة يعطيه فيها ألفًا بألف وخمسمائة؛ إنما نوى بالإقراض تحصيل الربح الزائد الذي أظهر. أنه ثمن الثوب فهو في الحقيقة أعطاه ألفًا حالَّةً بألفٍ وخمسمائة مؤجلة، وجعل صورة القرض وصورة البيع محلِّلًا لهذا المحرَّم.

ومعلوم أن هذا لا يرفع التحريم، ولا يرفع المفسدة التي حرِّم الربا لأجلها، بل يزيدها قوّة وتأكيدًا من وجوهٍ عديدة.

(منها) أنه يقدم على مطالبة الغريم المحتاج من جهة السلطان [والحكام]

(8)

(1)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 143).

(2)

شرح فتح القدير (6/ 398).

(3)

المغني (6/ 262).

(4)

الأم (4/ 160 - 161).

(5)

في "إعلام الموقعين"(5/ 80).

(6)

أخرجه الخطابي في "غريب الحديث"(1/ 218) بسند معضل، فهو ضعيف.

(7)

أخرجه أحمد (1/ 25) والبخاري رقم (1) ومسلم رقم (1907) وأبو داود رقم (2201) والنسائي رقم (75) وابن ماجه رقم (4227) وهو حديث صحيح.

(8)

في المخطوط (ب): الحاكم.

ص: 198

إقدامًا لا يفعله المُرْبِي لأنه واثق بصورة العقد الذي تحيل به. هذا معنى كلام ابن القيم

(1)

.

قوله: (واتبعوا أذناب البقر)، المراد الاشتغال بالحرث.

وفي الرواية الأخرى: "وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع"، وقد حمل هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد.

قوله: (وتركوا الجهاد) أي المتعين فعله.

وقد روى الترمذي

(2)

بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: "كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفًا عظيمًا من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم، فصاح المسلمون وقالوا: سبحان الله يلقي بيده إلى التهلكة؟ فقام أبو أيوب فقال: يا أيها الناس إنكم لتؤوّلون هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرًا: إن أموالنا قد ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله على نبيه ما يرد علينا فقال:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(3)

فكانت التهلكة: الأموال وإصلاحها وترك الغزو.

قوله: (ذلًا) بضم الذال المعجمة وكسرها، أي: صَغَارًا ومسْكَنةً.

(1)

انظر: إعلام الموقعين (5/ 70 - 74) والموافقات للشاطبي (3/ 8، 108 - 110) والمغني (4/ 49 - 50 - مع الشرح الكبير) وتاريخ التشريع الإسلامي (ص 333 - 337) لمناع القطان

(2)

في السنن رقم (2972).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2512) والحاكم (2/ 275) والطيالسي (رقم 1928 - منحة المعبود) والطبراني في المعجم الكبير (ج 4 رقم 4060) وابن حبان رقم (4711) والبيهقي (9/ 99) والطبري رقم (3179، 3180 - شاكر).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

سورة البقرة، الآية:(195).

ص: 199

ومن أنواع الذل: الخراج الذي يسلمونه كل سنة لملَّاك الأرض. وسبب هذا الذلّ - والله أعلم - أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الإسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه، وهو إنزال الذلة بهم، فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان.

قوله: (حتى ترجعوا إلى دينكم)، فيه زجر بليغ لأنه نزل الوقوع في هذه الأمور منزلة الخروج من الدين وبذلك تمسك من قال بتحريم العينة.

وقيل: إن دلالة الحديث على التحريم غير واضحة، لأن قرن العينة بالأخذ بأذناب البقر والاشتغال بالزرع وذلك غير محرم وتوعد عليه بالذل وهو لا يدل على التحريم، ولكنه لا يخفى ما في دلالة الاقتران

(1)

من الضعف.

ولا نسلم أن التوعد بالذل لا يدل على التحريم، لأن طلب أسباب العزة الدينية وتجنب أسباب الذلة المنافية للدين واجبان على كل مؤمن.

وقد توعد على ذلك بإنزال البلاء، وهو لا يكون إلا لذنب شديد، وجعل الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتد على عقبه، وصرحت عائشة بأنه من المحبطات للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث السالف، وذلك إنما هو شأن الكبائر.

[الباب الثاني عشر] باب ما جاء في الشبهات

31/ 2267 - (عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشيرٍ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الحَلالُ بَيِّن والحَرَامُ بيِّن وبَيْنَهُما أُمورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَن تَرَكَ ما يَشْتَبِهُ عَلَيهِ مِنَ الإثْمِ كان لِما اسْتبَانَ أَتْرَكَ، ومَنِ اجْتَرَأَ على ما يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإثْمِ أوْشَكَ أنْ يُواقِعَ ما استَبَانَ، وَالمَعاصِي حِمَى الله، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمى يوشِكُ أنْ يُواقِعَهُ". متفَقٌ عَلَيهِ)

(2)

. [صحيح]

(1)

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 810 - 812) الفائدة الخامسة: دلالة الاقتران.

(2)

أحمد في المسند (4/ 267، 270، 271، 274) والبخاري رقم (2051) ومسلم رقم (107/ 1599). =

ص: 200

قوله: (الحلال بيّن

) إلخ، فيه تقسيم للأحكام إلى ثلاثة أشياء وهو تقسيم صحيح، لأن الشيء إما أن ينص الشارع على طلبه مع الوعيد على تركه، أو ينص على تركه مع الوعيد على فعله، أو لا ينص على واحد منهما.

فالأول: الحلال البيِّن.

والثاني: الحرام البيِّن.

والثالث: المشتبه لخفائه، فلا يدري أحلال هو أم حرام؟ وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لأنه إن كان في نفس الأمر حرامًا فقد برئ من التبعة، وإن كان حلالًا فقد استحق الأجر على الترك بهذا القصد

(1)

، لأن الأصل مختلف فيه حظر أو إباحة.

= قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3329) والنسائي (7/ 241)، (8/ 327) وابن الجارود في المنتقى رقم (555) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (749) وابن حبان رقم (721) والبيهقي (5/ 334) وغيرهم.

وهو حديث صحيح.

(1)

قد أكثر العلماء من الكلام على تفسير المشتبهات، ونحن ننبهكم على أمثل طريقة، فاعلم أن الاشتباه هو الالتباس، وإنما يطلق في مقتضى هذه التسمية ها هنا على أمر ما أشبهَ أصلًا ما، ولكنه مع هذا يشبه أصلًا آخر يناقض الأصل الآخر، فكأنه كثرت أشباهه.

وقيل: اشتبه بمعنى اختلط، حتى كأنه شيء واحد من شيئين مختلفين.

وإذا أحطت بهذا علمًا، فيجب أن تطلب هذه الحقيقة، فنقول: قد تكون أصول الشرع المختلفة تتجاذب فرعًا واحدًا تجاذبًا متساويًا في حق العلماء، ولا يمكنه تصور ترجيح، ورده لبعض الأصول يوجب تحريمه، ورده لبعضها يوجب تحليله، فلا شك أن الأحوط تجنب هذا، ومن تجنبه وصف بالورع والتحفظ في الدين، وما أخذه من المسلمين بعيب فاعل هذا، بل المعلوم انتظار الألسنة بالثناء عليه والشهادة له بالورع إذا عرف بذلك.

وقد سئل مالك عن خنزير الماء فوقف فيه لما تعارضت الآي عنده، فنظر إلى عموم قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]، فخاف أن يدخل في عموم فيحرم، ونظر إلى عموم قوله تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]. وأمكن عنده أن يدخل في عموم هذه الآية فيحل. لم تظهر له طرق الترجيح الواضحة في أن يقدم آية على آية، ووقف فيه، ومن هذا المعنى أن يعلم أصل الحكم ولكنه يلتبس وجود شرط الإباحة حتى يتردد بينه وبين شرط التحريم، وذلك أن الإنسان يحل له أن يأكل ملكه أما في معناه مما أبيح له تملكه، ويحرم عليه أكل ملك غيره وما في معناه. وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم تمرة ساقطة فترك أكلها، واعتل بأنه لولا أنه يخاف أن تكون صدقة =

ص: 201

وهذا التقسيم قد وافق قول من قال ممن سيأتي أن المباح والمكروه من المشتبهات. ولكنه يشكل عليه المندوب، فإنه لا يدخل في قسم الحلال البين على ما زعمه صاحب هذا التقسيم، والمراد بكون كل واحد من القسمين الأولين بيِّنًا أنه مما لا يحتاج إلى بيان أو مما يشترك في معرفته كل أحد. وقد يردان جميعًا أي ما يدل على الحل والحرمة، فإن علم المتأخر منهما فذاك، وإلا كان ما وردا فيه من القسم الثالث.

قوله: (أمور مشتبهة)، أي شبهت بغيرها مما لم يتبين حكمه على التعيين.

زاد في رواية للبخاري

(1)

: "لا يعلمها كثير من الناس"، أي: لا يعلم حكمها.

وجاء واضحًا في رواية للترمذي

(2)

ولفظه: "لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام؟ "، ومفهوم قوله:"كثير" أن معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من الناس وهم المجتهدون، فالشبهات على هذا في حق غيرهم، وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين.

قوله: (والمعاصي حمى الله)، في رواية للبخاري

(3)

وغيره

(4)

: "ألا إن حمى الله في أرضه محارمه"، والمراد بالمحارم والمعاصي: فعل المنهيِّ المحرم،

= لأكلها، فلما كانت الصدقة محرمةً عليه وشك، هل حصل هذا التحريم في هذه التمرة تركها، ولحقت بالمشتبهات، وهذا إذا كان الاشتباه من جهة أصول الشرع بعد نظر صحيح فيها، أو في القسم الأخير الذي ذكرناه مع فقد أصول ترد إليها وعدم أمارات وظنون يعوَّل عليها.

وأما إذا كان الأمر خلاف ذلك، فليس من الورع التوقف بل ربما خرج بعضه إلى ما يكره، وبيان ذلك بالمثال: أن من أتى إلى ماء لم يجد سواه ليتوضأ منه فقال في نفسه: لعل نجاسة سقطت من قبل أن أرد عليه وامتنع من الطهارة به، فإن ذلك ليس بممدوح، وخارج عما وقع في الحديث، لأن الأصل طهارة الماء وعدم الطوارئ واستصحاب هذا كالعلم الذي يظن أنه لم يسقط منه شيء، مع أن هذه الفكرة إذا أمر معها تكررت ولم يقف عند حد وأدى ذلك إلى انقطاع عن العبادات.

وانظر مزيد تفصيل في ذلك: "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(5/ 285 - 286).

(1)

في صحيحه رقم (52) وقد تقدم.

(2)

في سننه رقم (1205) وقد تقدم.

(3)

في صحيحه رقم (52) وقد تقدم.

(4)

كمسلم في صحيحه رقم (107/ 1599) وقد تقدم.

ص: 202

أو ترك المأمور الواجب، والحمى: المحمي، أطلق المصدر على اسم المفعول.

وفي اختصاص التمثيل بالحمى نكتة، وهي أن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مخصبة يتوعدون من رعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة، فمثل لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم، فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه فبعده أسلم له، وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن يقع فيه بعض مواشيه بغير اختياره، وربما أجدب المكان الذي هو فيه ويقع الخصب في الحمى فلا يملك نفسه أن يقع فيه، فالله سبحانه هو الملك حقًّا وحماه محارمه.

وقد اختلف في حكم الشبهات، فقيل: التحريم وهو مردود. وقيل: الكراهة، وقيل: الوقف، وهو كالخلاف فيما قبل الشرع

(1)

.

واختلف العلماء أيضًا في تفسير الشبهات.

(فمنهم) من قال: إنها ما تعارضت فيه الأدلة.

(1)

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (11/ 27 - 28): "وأمَّا الشبهات فمعناه أنها ليست بواضحة الحلّ ولا الحرمة، فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها.

وأما العلماء فيعرفون حكمها بنصٍّ أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك، فإذا تردّد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نصٌّ، ولا إجماع، اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي، فإذا ألحقه به صار حلالًا، وقد يكون غير خالٍ عن الاحتمال البين، فيكون الورعُ تركه، ويكون داخلًا في قوله صلى الله عليه وسلم:"فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه".

وما لم يظهر للمجتهد فيه شيء وهو مشتبهٌ، فهل يؤخذ بحله أم بحرمته أم بتوقف؟ فيه ثلاثة مذاهب حكاها القاضي عياض وغيره، والظاهر أنها مخرجة على الخلاف المذكور في الأشياء قبل ورود الشرع - وفيه أربعة مذاهب:

الأصح: أنه لا يحكم بحل ولا حرمة ولا إباحة ولا غيرها. لأن التكليف عند أهل الحق لا يثبت إلا بالشرع.

والثاني: أن حكمها التحريم.

والثالث: الإباحة.

والرابع: التوقف. والله أعلم" اهـ.

ص: 203

(ومنهم) من قال: إنها ما اختلف فيه العلماء، وهو منتزع من التفسير الأول.

(ومنهم) من قال: إن المراد بها قسم المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك.

(ومنهم) من قال: هي المباح، ونقل ابن المنيِّر

(1)

عن بعض مشايخه

(2)

أنه كان يقول: المكروه عقبة بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه. تطرّق إلى الحرام، والمباح عقبة بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرّق إلى المكروه.

ويؤيد هذا ما وقع في رواية لا بن حبان

(3)

من الزيادة بلفظ: "اجعلُوا بينكم وبينَ الحرام سُترةً من الحلالِ، من فعلَ ذلك استبرأَ لعرضِهِ ودينهِ".

قال في الفتح

(4)

بعد أن ذكر التفاسير للمشتبهات التي قدمناها ما لفظه: والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول، قال: ولا يبعد أن يكون كل من الأوجه مرادًا، ويختلف ذلك باختلاف الناس، فالعالم الفطن لا يخفى عليه تمييز الحكم فلا يقع له ذلك إلا في الاستكثار من المباح أو المكروه، ومن دونه تقع له الشبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال.

ولا يخفى أن المستكثر من المكروه، تصير فيه جراءة على ارتكاب المنهيّ في الجملة أو يحمله اعتياده لارتكاب المنهي غير المحرم على ارتكاب المنهي المحرم، أو يكون ذلك لسر فيه، وهو أن من تعاطى ما نهي عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع في الحرام ولو لم يختر الوقوع فيه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم

" إلخ.

(1)

هو أحمد بن محمد بن منصور بن أبي القاسم بن مختار الجروي الجذامي الإسكندري، أبو العباس ناصر الدين قاضي الإسكندرية وعالمها، كان إمامًا بارعًا في الفقه والأصلين والعربية، له الباع الطويل في علم التفسير والقراءات والنظر والبلاغة والإنشاء خطيبًا مصقعًا، وله شعر لطيف، ولد سنة (620 هـ) وتوفي سنة (683 هـ).

قال عز الدين بن عبد السلام: "ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها: ابن المنير بالإسكندرية، وابن دقيق العيد بقوص".

[طبقات المفسرين للداودي (1/ 86) ومعجم المفسرين لعادل نويهض (1/ 66)].

(2)

هو القباري، وقد ذكر كلامه الحافظ في "الفتح"(1/ 127).

(3)

في صحيحه رقم (5569) بسند حسن.

(4)

(4/ 127 - 128).

ص: 204

واعلم أن العلماء قد عظموا أمر هذا الحديث فعدُّوه رابع أربعة تدور [عليها]

(1)

الأحكام كما نقل عن أبي داود

(2)

وغيره، وقد جمعها

(3)

من قال:

عُمْدَةُ الدِّينِ عندنَا كلماتٌ

مُسْنَدَاتٌ مِنْ قولِ خيرِ البريَّه

اترُكِ [الشُّبهاتِ]

(4)

وازهَدْ ودَعْ ما

لَيسَ يَعْنِيكَ واعملَنَّ بِنيَّه

والإشارة بقوله: ازهد، إلى حديث:"ازهد فيما في أيدي الناس"، أخرجه ابن ماجه

(5)

(1)

في المخطوط (ب): (عليه).

(2)

قال ابن عبد البر في "التمهيد"(9/ 201 - ط مكتبة ابن تيمية): "قال أبو عمر: روينا عن أبي داود السجستاني رحمه الله أنه قال: أصول السنن في كل فن أربعة أحاديث:

(أحدها): حديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى

".

(والثاني): حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبين ذلك أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه

الحديث.

(والثالث): حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

(والرابع): حديث سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس" اهـ.

وانظر ما قاله السيوطي في شرحه لسنن النسائي (7/ 241 - 242).

وانظر: "طرح التثريب في شرح التقريب"(1/ 153 - 154).

و"جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 62 - 63).

(3)

الإمام الحافظ الناقد المجود: أبو الحسن طاهر بن مفوِّز المعافري الأندلسي، تلميذ أبي عمر بن عبد البر وخصيصه، كان إمامًا من أوعية العلم وفرسان الحديث، وأهل الإتقان والتحرير، مع الفضل والورع والتقوى والوقار والسمت. توفي سنة (484 هـ).

[سير أعلام النبلاء (19/ 88)].

وانظر الأبيات في: "الفتوحات الربانية" لابن علان (1/ 64) وشرح السيوطي للنسائي (7/ 242) وجامع العلوم والحكم (1/ 63).

(4)

في المخطوط (ب): (المشبهات).

(5)

في سننه رقم (4102).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 269): "هذا إسناد ضعيف خالد بن عمرو، قال أحمد وابن معين: أحاديثه موضوعة. وقال البخاري وأبو زرعة: منكر الحديث.

وقال ابن حبان: كان ينفرد عن الثقات بالموضوعات، لا يحل الاحتجاج بخبره، ثم غفل فذكره في الثقات، وضعفه أبو داود والنسائي.

وقال ابن عدي: عامة أحاديثه - أو كلها - موضوعة.

قلت: وأورد له العقيلي - في "الضعفاء الكبير"(2/ 10 - 11) - هذا الحديث بهذا =

ص: 205

وحسَّنَ إسناده الحافظ، وصحَّحه الحاكم

(1)

عن سهل بن سعد مرفوعًا بلفظ: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس".

وله شاهد عند أبي نعيم

(2)

من حديث أنس ورجاله ثقات.

والمشهور عند أبي داود عدّ حديث: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه"

(3)

، مكان حديث "ازهد" المذكور.

وعد حديث الباب بعضهم ثالث ثلاثة، وحذف الثاني، وأشار ابن العربي أنه يمكن أن ينتزع منه وحده جميع الأحكام.

قال القرطبي

(4)

: لأنه اشتمل على التفصيل بين الحلال وغيره. وعلى تعلق جميع الأعمال بالقلب، فمن هناك يمكن أن ترد جميع الأحكام إليه.

وقد ادعى أبو عمرو الداني

(5)

أن هذا الحديث لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير النعمان بن بشير، فإن أراد من وجه صحيح فمسلم، وإن أراد على الإطلاق فمردود

(6)

.

= الإسناد، وقال: ليس له أصل من حديث الثوري

".

(1)

في المستدرك (4/ 313) وقال: "صحيح الإسناد" فرد الذهبي بقوله: "خالد وضَّاع".

قلت: قد توبع خالد وورد مرسلًا، فلذا أورده الألباني في "صحيحته" رقم (944).

وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.

(2)

في "الحلية"(8/ 41) بسند جيد.

ولفظه: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وأما الناس فانبذ إليهم هذا يحبوك"، وانظر:"الصحيحة"(2/ 625 - 628).

(3)

أخرج البخاري رقم (6858) مسلم رقم (1337).

عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".

(4)

في "المفهم"(4/ 499 - 500).

(5)

هو عثمان بن سعيد بن عثمان، أبو عمرو الداني، يقال له: ابن الصيرفي من موالي بني أمية، أحد حفاظ الحديث، ومن الأئمة في علم القرآن وروايته وتفسيره.

[الأعلام للزركلي (4/ 206)].

(6)

قال الحافظ في "فتح الباري"(1/ 126): "فائدة: ادعى أبو عمرو الداني أن هذا الحديث لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم النعمان بن بشير، فإن أراد من وجه صحيح، فمسلم؛ وإلا فقد =

ص: 206

فإنه في الأوسط للطبراني من حديث ابن عمر

(1)

وعمار

(2)

.

وفي الكبير

(3)

له من حديث ابن عباس.

= رويناه من حديث ابن عمر وعمار في "الأوسط" للطبراني. ومن حديث ابن عباس في "الكبير" له، ومن حديث واثلة في "الترغيب" للأصبهاني، وفي أسانيدها مقال، وادّعى أيضُا أنه لم يروه عن النعمان غير الشعبي، وليس كما قال، فقد رواه عن النعمان أيضًا خيثمة بن عبد الرحمن، عند أحمد وغيره، وعبد الملك بن عمير عند أبي عوانة وغيره، وسمَّاك بن حرب عند الطبراني، لكن مشهور عن الشعبي، رواه عنه جمع جمّ من الكوفيين ورواه عنه من البصريين عبد الله بن عوف" اهـ.

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (2889) ط: المعارف، ورقم (2868) ن: دار الحرمين.

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما شبهات، فمن اتقاها كان أنزه لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات أوشك أن يقع في الحرام، كالمرتع حول الحمى، يوشك أن يواقع الحمى وهو لا يشعر".

وأخرجه الطبراني عن ابن عمر كذلك في "الصغير"(1/ 19): بلفظ: "الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، فدعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك".

وأشار الزيلعي في "نصب الراية"(2/ 472) إلى ضعفه.

وذكر هذا الحديث ابن أبي حاتم في كتابه "العلل" رقم (1887) عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن".

قال أبي: ثم كتب إلينا أحمد بن شبيب عن سعيد، اجعلوا هذا الحديث عن عبد الله بن عمر.

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (1756) ط: المعارف. ورقم (1735) ن: دار الحرمين.

وأورده الهيثمي في "المجمع" في موضعين (4/ 293) وقال: رواه أبو يعلى في مسنده رقم (1653)، وفيه موسى بن عبيدة، وهو متروك.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 73) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.

ولفظه: "إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما شبهات، من توقاهنَّ كنَّ وقاءَ لدينه، ومن توقع فيهنَّ أوشك أن يواقع الكبائر، كمُرتعٍ حول الحمى يوشك أن يواقعه، لكل ملك حمى".

(3)

للطبراني رقم (10824).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 294) وقال: وفيه سابق الجَزَري، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبين ذلك شبهات، =

ص: 207

وفي الترغيب للأصبهاني

(1)

، من حديث واثلة، وفي أسانيدها مقال كما قال الحافظ

(2)

.

32/ 2268 - (وَعَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيَّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يَبلُغُ العَبْدُ أنْ يَكونَ من المُتَّقينَ حتَّى يَدعَ ما لا بَأسَ بِهِ حَذَرًا لِما بِهِ البَأسُ". رَواهُ التِّرمذيُّ)

(3)

. [ضعيف]

33/ 2269 - (وعَنْ أنسٍ قالَ: إن كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَيُصيبُ التَّمْرَةَ يقولُ:

= فمن أوقع بهن، فهو قمنٌ أن يأثم، ومن اجتنبهنَّ فهو أوفرُ لدينه كمُرتع إلى جنب حِمى أوشك أن يقع فيه، ولكل ملك حمى، وحمى الله الحرام".

• قلت: كناه المزي: أبا سعيد سابق الجزري كما في ترجمة عمرو بن أبي عمرو - شيخه في حديثه هذا - من تهذيبه - تهذيب الكمال (22/ 169) - وسابق أبو سعيد الجزري هذا هو ابن عبد الله الرقي، وهو الذي يقال فيه أيضًا: سابق البربري. قاله الحافظ أبو علي محمد بن سعيد الحراني فيما أورده عنه الخطيب في الموضح - موضح أوهام الجمع والتفريق (2/ 156 - 157).

وهذا خلاف ما صرح به ابن عدي - في الكامل (3/ 467) - حيث فرق بينهم، وهو ما حكاه عنه الحافظ ابن حجر في اللسان - (4/ 5 - 6) - مقرًا به.

والقول قول الحافظ أبي علي الحراني، لأنه محدث الرقة ومؤرخها، وهو أعلم الناس بها.

وهذا ما رجحه أيضًا الخطيب في الموضح. وانظر: الجرح والتعديل - (4/ 307) - وثقات بن حبان - (6/ 433) - وغيرهما" اهـ.

[الفرائد على مجمع الزوائد" (ص 126 رقم 190)].

(1)

(2/ 44 رقم 1118).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 294) قال: رواه أبو يعلى والطبراني وفيه: عبيد الله بن القاسم. وهو متروك.

وهو حديث ضعيف جدًّا.

(2)

في "فتح الباري"(1/ 126).

(3)

في سننه رقم (2451) وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (4215) والحاكم (4/ 319) وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (484) والبيهقي (5/ 335).

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وقال الألباني في "غاية المرام" رقم (178): معقبًا على الحاكم والذهبي: "وهذا عجب منه خاصة، فإن عبد الله بن يزيد وهو الدمشقي لم يوثقه أحد، بل قال الجوزجاني: روى عنه ابن عقيل أحاديث منكرة - كما في الكامل لابن عدي (4/ 1551) نقلًا عن ابن حماد وهو الدولابي، وأورده الذهبي نفسه في "الضعفاء" وذكر قول الجوزجاني هذا" اهـ.

ص: 208

"لَوْلَا أَنِّي أَخْشى أنها مِنَ الصَّدَقَةِ لأكَلْتُها". مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(1)

. [صحيح]

34/ 2270 - (وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دَخَلَ أحَدُكُمْ على أخِيهِ المسلمِ فأطْعَمَهُ طَعامًا فَلْيَأكُلْ مِنْ طَعَامِهِ، وَلا يَسْأَلْهُ عَنْهُ، وَإنْ سَقاهُ شرابًا مِنْ شَرابِهِ فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلَا يَسألْهُ عَنْهُ". رَواهُ أحمَدُ)

(2)

. [حسن]

35/ 2271 - (وعَنْ أنَس بْنِ مالِكٍ قالَ: إِذَا دَخَلْتَ على مُسْلِمٍ لَا يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعامِهِ وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ. ذَكَرَهُ البُخاريُّ في صَحِيحِهِ)

(3)

.

حديث عطية السعدي حسَّنه الترمذي

(4)

.

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "التقوى"

(5)

عن أبي الدرداء نحوه، ولفظه: تمام التقوى أن تتقي الله حتى تترك ما ترى أنه حلال خشية أن يكون حرامًا.

(1)

أحمد في المسند (3/ 119، 184) والبخاري رقم (2431) ومسلم رقم (164، 165/ 1071).

(2)

في المسند (2/ 399).

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (6358) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 222) وابن عدي في الكامل (6/ 2311) والحاكم (4/ 126) والبيهقي في "الشعب" رقم (5801) والخطيب في "تاريخه"(3/ 87 - 88) من طرق.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 180) وقال: فيه مسلم بن خالد الزنجي، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح.

قال الطبراني في الأوسط رقم (2440): تفرد به مسلم بن خالد. قلت: - والقائل ابن حجر - وفيه مقال. لكن أخرج له الحاكم - (4/ 126) - شاهدًا من رواية ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بنحوه.

وأخرجه ابن أبي شيبة - في المصنف (8/ 290) - من هذا الوجه موقوفًا. ومطابقة الأثر للحديث من جهة كون اللحام لم يكن متهمًا [الفتح 9/ 584].

وخلاصة القول: أن حديث أبي هريرة حديث حسن، والله أعلم.

(3)

في صحيحه رقم (9/ 583 - رقم الباب (57) - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في "الفتح": "وصله ابن أبي شيبة من طريق عمير الأنصاري: "سمعت أنسًا يقول مثله"، لكن قال: "على رجل لا تتهمه".

(4)

في السنن (4/ 634).

(5)

كما في "الدر المنثور"(1/ 61)، وزاد نسبته لأحمد في الزهد.

ص: 209

وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط

(1)

، وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي ضعفه الجمهور. وقد وثق، قال في مجمع الزوائد

(2)

: وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.

هذه الأحاديث ذكرها المصنف رحمه الله للإشارة إلى ما فيه شبهة كحديث أنس

(3)

وإلى ما لا شبهة فيه كحديث أبي هريرة

(4)

.

وقد ذكر البخاري

(5)

في تفسير الشبهات حديث عقبة بن الحارث في الرضاع لقوله صلى الله عليه وسلم: "كيف وقد قيل؟ ". وحديث عائشة

(6)

في قصة ابن وليدة زمعة لقوله صلى الله عليه وسلم: "واحتجبي منه يا سودة".

فإن الظاهر أن الأمر بالمفارقة في الحديث الأول والاحتجاب في الثاني لأجل الاحتياط وتوقي الشبهات، وفي ذلك نزاع يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

قال الخطابي: ما شككت فيه فالورع اجتنابه

(7)

، وهو على ثلاثة أقسام: واجب، ومستحب، ومكروه.

فالواجب: اجتناب ما يستلزم ارتكاب المحرم.

والمندوب اجتناب معاملة من أكثر ماله حرام.

والمكروه: اجتناب الرخص المشروعة، اهـ.

وقد أرشد الشارع إلى اجتناب ما لا يتيقن المرء حله بقوله: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، أخرجه الترمذي

(8)

والنسائي

(9)

وأحمد

(10)

وابن حبان

(11)

والحاكم

(12)

من حديث الحسن بن علي.

(1)

رقم (2440) وقد تقدم.

(2)

(8/ 180).

(3)

تقدم برقم (33/ 2269) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (34/ 2270) من كتابنا هذا.

(5)

في صحيحه رقم (2640).

(6)

البخاري في صحيحه رقم (2053). ومسلم في صحيحه رقم (1457).

(7)

انظر: "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني"(4/ 2079 - 2080).

(8)

في سننه رقم (2518) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(9)

في سننه رقم (5711).

(10)

في المسند (1/ 200).

(11)

في صحيحه رقم (722).

(12)

في المستدرك (2/ 13) و (4/ 99)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. =

ص: 210

وفي الباب عن أنس عند أحمد

(1)

.

وعن ابن عمر عند الطبراني

(2)

.

وعن أبي هريرة

(3)

وواثلة بن الأسقع

(4)

.

ومن قول ابن عمر

(5)

وابن مسعود

(6)

وغيرهما

(7)

.

= قلت: وأخرجه عبد الرزاق رقم (4984) والطبراني في المعجم الكبير رقم (2708) و (2711) وأبو نعيم في الحلية (8/ 264) والطيالسي رقم (1178) من طرق وهو حديث صحيح.

(1)

في المسند (3/ 112، 153).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 245) والبيهقي (5/ 335).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 152) وقال: رواه أحمد، وأبو عبد الله الأسدي لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح".

والخلاصة: أن حديث أنس حديث صحيح بشواهده.

(2)

في المعجم الصغير (1/ 102).

قلت: وأخرجه أبو الشيخ في الأمثال رقم (40) وأبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 243) وفي "الحلية"(6/ 352) والخطيب في "تاريخه"(2/ 220) و (2/ 387) و (6/ 386) والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 374 رقم 645).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 295) وقال: فيه عبد الله بن أبي رومان، وهو ضعيف".

وقال الخطيب: (2/ 387)"هذا باطل عن قتيبة عن مالك، وإنما يحفظ عن عبد الله بن أبي رومان الإسكندراني، تفرد واشتهر به، وكان ضعيفًا".

قلت: وقد صح من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه كما تقدم.

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 293) ولم يعزه لأحد. وأنا لم أقف على من أخرجه؟!

(4)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(ج 22 رقم 193) وأبو يعلى في المسند رقم (10/ 7492).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 294) وقال: "رواه أبو يعلى والطبراني وفيه عبيد بن القاسم وهو متروك".

وذكره ابن حجر في "المطالب العالية" رقم (1350) وعزاه إلى أبي يعلى.

وقال الحافظ: العلاء بن ثعلبة مجهول - قاله أبو حاتم، لكن للمتن شواهد مفرَّقة.

قلت: وقد تقدم تخريج هذه الشواهد آنفًا.

(5)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(4/ 540 - 541 رقم 8791) عنه.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 241 - 242).

(7)

أخرج عبد الرزاق في المصنف (11/ 308 رقم 20619) وابن المبارك في زيادات نعيم بن حماد. (ص 11 رقم 38) عن شريح، به.

ص: 211

وروى البخاري

(1)

وأحمد

(2)

وأبو نعيم

(3)

عن حسّان ابن أبي سِنان البصري

(4)

أحد العباد في زمن التابعين أنه قال: إذا شككت في شيء فاتركه.

ولأبي نعيم

(5)

من وجه آخر أنه اجتمع يونس بن عبيد وحسان بن أبي سنان فقال يونس: ما عالجت شيئًا أشد علي من الورع، فقال حسان: ما عالجت شيئًا أهون عليَّ منه، قال: كيف؟ قال حسان: تركت ما يريبني إلا ما لا يريبني فاسترحت.

قال الغزالي

(6)

: الورع أقسام: ورع الصدِّيقين: وهو ترك ما لم يكن عليه بينة واضحة. وورع المتقين: هو ترك ما لا شبهة فيه ولكن يخشى أن يجر إلى الحرام. وورع الصالحين: وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال التحريم بشرط أن يكون لذلك الاحتمال موقع، فإن لم يكن فهو ورع الموسوسين.

قال

(7)

: ووراء ذلك ورع الشهود وهو ترك ما يسقط الشهادة، أي: أعم من أن يكون ذلك المتروك حرامًا أم لا. اهـ.

وقد أشار البخاري

(8)

إلى أن الوساوس ونحوها ليست من الشبهات. فقال: باب من لم يَرَ الوساوِسَ ونحوها من الشبهاتِ.

قال في الفتح

(9)

: هذه الترجمة معقودة لبيان ما يكره من التنطع في الورع.

(1)

في صحيحه رقم (4/ 291 - رقم الباب (3) - مع الفتح) معلقُا.

(2)

في الزهد كما في "الفتح"(4/ 292) موصولًا.

(3)

في "الحلية"(3/ 138 رقم 3461) ط: دار الكتب العلمية.

(4)

قال الحافظ في "الفتح"(4/ 292): (ليس له في البخاري سوى هذا الموضع).

(5)

في "الحلية"(3/ 137 - 138 رقم 3460) ط: دار الكتب العلمية.

(6)

في "إحيائه"(3/ 95 - 98).

(7)

أي الغزالي في المرجع السابق.

(8)

في صحيحه رقم (4/ 294 رقم الباب (5) - مع الفتح) باب من لم يَرَ الوساوِسَ ونحوها من الشُّبُهات.

(9)

(4/ 295).

ص: 212

[خامسًا] أبواب أحكام العيوب

[الباب الأول] باب وجوب [تبيين]

(1)

العيب

1/ 2272 - (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "المُسْلِمُ أخو المُسْلِمِ، لا يَحِلُّ لِمُسْلِم باعَ مِنْ أخِيهِ بَيْعًا وَفِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ". رَواهُ ابْنُ ماجَهْ)

(2)

. [صحيح]

2/ 2273 - (وَعَنْ وَاثِلَةَ قال: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لأحدٍ أنْ يَبيعَ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَ ما فِيهِ، وَلا يَحِلُّ لأحَدٍ يَعْلَمُ ذلِكَ إلا بَيَّنَهُ". رَواهُ أحمدُ)

(3)

. [ضعيف]

(1)

في المخطوط (ب): (تعيين).

(2)

في سننه رقم (2246).

قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 8) وعنه البيهقي (5/ 320).

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وأقره المنذري في "الترغيب والترهيب" رقم (2635).

وتعقبهم الألباني في "الإرواء"(5/ 165) بقوله: "أقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن ابن شماسة لم يخرج له البخاري شيئًا".

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (3/ 491) بسند ضعيف لجهالة أبي سباع.

قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير"(ج 22 رقم 217) مختصرًا، والحاكم (2/ 9 - 10) والبيهقي (5/ 325) والخطيب في "تاريخه"(11/ 144).

قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وأخرجه ابن ماجه رقم (2247) من طريق بقية بن الوليد، عن معاوية بن يحيى، عن مكحول وسليمان بن موسى، عن واثلة بن الأسقع، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من باع عيبًا لم يبينه، لم يزل في مقت الله، ولم تزل الملائكة تلعنه".

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 192): "هذا إسناد ضعيف لتدليس بقية بن الوليد، وضعف شيخه".

وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 391 - 392) عن أبيه: هذا حديث منكر

=

ص: 213

3/ 2274 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ يَبيع طَعامًا فأدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فإِذا هُوَ مَبْلولٌ فقالَ: "مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنَّا". رَواهُ الجَماعَةُ إلا البُخاريَّ والنَسائيَّ)

(1)

. [صحيح]

4/ 2275 - (وعَنْ العدَّاءِ بْنِ خالِدِ بْنِ هَوْذَةَ قالَ: كَتَبَ لي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كِتابًا: هذا ما اشْتَرَى العَدَّاءُ بْنُ خالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحمدٍ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا - أَوْ أَمَة - لا داءَ وَلَا غائِلَةَ وَلَا خُبْثَةَ بَيْعُ المُسْلِمِ المُسْلِمَ. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(2)

والتِّرمذيُّ)

(3)

[حسن]

حديث عقبة أخرجه أيضًا أحمد

(4)

والدارقطني

(5)

والحاكم

(6)

والطبراني

(7)

من حديث أبي شماسة عنه، ومداره على يحيى بن أيوب، وتابعه ابن لهيعة.

قال في الفتح

(8)

: وإسناده حسن.

وحديث واثلة أخرجه أيضًا ابن ماجه

(9)

والحاكم في المستدرك

(10)

، وفي

= وخلاصة القول أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 242) ومسلم رقم (102) وأبو داود رقم (3452) والترمذي رقم (1315) وابن ماجه رقم (2224).

وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (2251).

(3)

في سننه رقم (1216) وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه النسائي في السنن الكبرى رقم (11688) وابن الجارود في المنتقى رقم (1028) وأحمد (5/ 30) وابن عدي في الكامل (4/ 1651).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(4)

في المسند (4/ 158).

(5)

لم أقف عليه في السنن.

(6)

في المستدرك (2/ 8) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

(7)

في المعجم الكبير (ج 17 رقم 877) وفي الأوسط رقم (220).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 80): وقال: "فيه ابن لهيعة وفيه كلام، وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح".

(8)

(4/ 311).

(9)

في سننه رقم (2247) وقد تقدم.

(10)

في المستدرك (2/ 9 - 10) وقد تقدم.

ص: 214

إسناده أحمد أبو جعفر الرازي

(1)

وأبو سباع

(2)

، والأول مختلف فيه، والثاني قيل: إنه مجهول.

وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا الحاكم

(3)

وفيه قصة، وادعى أن مسلمًا لم يخرجها فلم يصب.

وقد أخرج نحوه أحمد

(4)

والدارمي

(5)

من حديث ابن عمر.

وابن ماجه

(6)

من حديث أبي الحمراء.

والطبراني

(7)

وابن حبان في صحيحه

(8)

من حديث ابن مسعود.

(1)

أبو جعفر الرازي هو عيسى بن ماهان. قال ابن معين: ثقة. وقال أحمد والنسائي ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: ثقة صدوق. وقال ابن المديني: ثقة كان يخلط.

وقال مرة: يكتب حديثه إلا أنه يخطئ، وقال الفلاس: سيء الحفظ. وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير. وقال أبو زرعة: يهم كثيرًا.

[الميزان (3/ 319 - 320 رقم 6595)].

(2)

أبو سباع، عن واثلة بن الأسقع، وعنه يزيد بن أبي مالك: مجهول. [الميزان (4/ 527 رقم 10217)].

(3)

في المستدرك (2/ 8 - 9) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(4)

في المسند (2/ 50).

قلت: وأخرجه البزار رقم (1255 - كشف) والطبراني في الأوسط رقم (2490).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 285) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط، وفيه أبو معشر وهو صدوق وضعفه جماعة".

قلت: إسناده ضعيف لضعف أبي معشر، وهو نجيح بن عبد الرحمن السندي.

(5)

في مسنده (2/ 248).

قلت: وأخرجه الدولابي في "الكنى"(2/ 33) وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 248) وإسناده ضعيف لضعف يحيى بن المتوكل.

وخلاصة القول: أن حديث ابن عمر حديث صحيح لغيره والله أعلم.

(6)

في سننه رقم (2225).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 182): "هذا إسناد ضعيف" لضعف أبي داود وهو نفيع بن الحارث الأعمى.

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(7)

في المعجم الكبير (ج 10 رقم 10234) والصغير (1/ 261).

(8)

في صحيحه رقم (567). =

ص: 215

وأحمد

(1)

من حديث أبي بردة بن نيار.

والحاكم

(2)

من حديث عمير بن سعيد عن عمه.

وحديث العداء أخرجه أيضًا النسائي

(3)

وابن الجارود

(4)

وعلقه البخاري

(5)

.

قوله: (لا يحل لمسلم

) إلخ، وكذلك قوله: (لا يحل لأحد

) إلخ، دليل على تحريم كتم العيب ووجوب تبيينه للمشتري.

قوله: (فليس منا)، لفظ مسلم

(6)

: "فليس مني".

قال النووي

(7)

: كذا في الأصول، ومعناه ليس ممن اهتدى بهديي واقتدى بعملي وحسن طريقتي، كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله: لست مني.

وهكذا في نظائره مثل قوله: "من حمل علينا السلاح فليس منا"

(8)

، وكان سفيان بن عيينة يكره تفسير مثل هذا ويقول بئس مثل القول، بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر، اهـ.

= قلت: وأخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 189) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (253) و (254).

إسناده حسن، وهو حديث صحيح لغيره.

(1)

في المسند (3/ 466) و (4/ 45).

قلت: وأخرجه البزار رقم (99 - كشف) والطبراني في الكبير (ج 22 رقم 198).

وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 290) والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 227) إسناده ضعيف لضعف جُميع بن عُمير - وهو التيمي. إلا أن الحديث صحيح لغيره.

(2)

في المستدرك (2/ 9) وقال: هذا حديث صحيح، وعم عمير بن سعيد هو: الحارث بن سويد النخعي. ووافقه الذهبي.

قلت: رجال إسناده ثقات، وهو حديث صحيح لغيره.

(3)

في السنن الكبرى (10/ 359 رقم 11688).

(4)

في المنتقى رقم (1028).

(5)

في صحيحه رقم (4/ 309 رقم الباب (19) - مع الفتح) معلقًا.

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 30) وابن عدي في "الكامل"(4/ 1651) وهو حديث حسن كما تقدم.

(6)

في صحيحه رقم (102).

(7)

في شرحه لصحيح مسلم (2/ 109).

(8)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 3) والبخاري رقم (7070) ومسلم رقم (161/ 98).

ص: 216

وهو يدل على تحريم الغش وهو مجمع على ذلك.

قوله: (العداء) بفتح العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضًا وآخره همزة بوزن الفعال، وهوذة هو ابن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة، والعداء صحابي

(1)

قليل الحديث أسلم بعد حنين.

قوله: (لا داء) قال المطرزي

(2)

: المراد به [الباطن]

(3)

سواء ظهر منه شيء أم لا كوجع الكبد والسعال.

وقال ابن المنيِّر (2): لا داء أي تكتمه البائع، وإلا فلو كان بالعبد داء وبيَّنه البائع كان من بيع المسلم للمسلم، ومحصله أنه لم يرد بقوله: لا داء، نفي الداء مطلقًا بل نفي داء مخصوص، وهو ما لم يطلع عليه.

قوله: (ولا غائلة) قيل: المراد بها الإباق.

وقال ابن بطال

(4)

: هو من قولهم: اغتالني فلان: إذا احتال بحيلة سلب بها مالي.

قوله: (ولا خُبثة) بكسر المعجمة وبضمها وبسكون الموحدة وبعدها مثلثة قيل: المراد: الأخلاق الخبيثة كالإباق.

وقال صاحب العين

(5)

: هي [الدنية]

(6)

وقيل: المراد الحرام كما عبّر عن الحلال بالطيب

(7)

.

وقيل: الداء ما كان في الخَلق بفتح الخاء، والخبثة ما كان في الخُلُق بضمِّها.

والغائلة: سكوت البائع عن بيان ما يعلم من مكروه في المبيع، قاله ابن العربي

(8)

.

(1)

العداء بن خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة، أسلم بعد الفتح وحنين. [الاستيعاب رقم الترجمة (2047)].

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 310).

(3)

في المخطوط (ب): (الباطل).

(4)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 214).

(5)

كتاب العين ص 227.

وعبارته: الخِبْثَةُ: الزنيةُ من الفجور، ويقال: هذا ولدُ الخِبْثةِ.

(6)

في المخطوط (ب): الريبة.

(7)

النهاية في غريب الحديث (1/ 267).

(8)

في عارضة الأحوذي (5/ 222).

ص: 217

[الباب الثاني] باب أن الكسب الحادث لا يمنع الرد بالعيب

5/ 2276 - (عَنْ عَائِشَةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى: أن الخَراجَ بالضَّمانِ. رَواهُ الخَمْسَةُ

(1)

[حسن]

وَفِي رِوايةٍ: أن رَجُلًا ابْتاعَ غُلامًا فاسْتَغَلَهُ، ثمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فرَدَّهُ بالعَيْب، فقالَ البَائِعُ: غَلَّةُ عَبْدِي، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"الغلَّةُ بالضَّمان". رَواهُ أحمَدُ

(2)

وأَبُو دَاوُدَ

(3)

وابْنُ ماجَهْ

(4)

. [حسن]

وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَرَى تَلَفَ العَبْدِ المُشْتَرَى قَبْلَ القَبْضِ مِنْ ضَمانِ المُشْتري).

(1)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 49) وأبو داود رقم (3508) والترمذي رقم (1285) والنسائي رقم (4490) وابن ماجه رقم (2243).

قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" رقم (627) والحاكم (2/ 15) وابن عبد البر في "التمهيد"(18/ 206 - 207) والطيالسي رقم (1464) والشافعي في مسنده رقم 480 - ترتيب) وعبد الرزاق رقم (14777) وإسحاق بن راهويه رقم (750) و (775) و (776) وأبو يعلى رقم (4575) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 21) والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 231) وابن حبان رقم (4928) وابن عدي في "الكامل"(6/ 2436) والدارقطني (3/ 53) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 321) وفي "المعرفة" رقم (11349) و (11359) والبغوي في شرح السنة رقم (2119) من طرق.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وخلاصة القول: أن حديث عائشة حديث حسن، والله أعلم.

(2)

في المسند (6/ 80، 116).

(3)

في سننه رقم (3510).

(4)

في سننه رقم (2243).

قلت: وأخرجه ابن الجارود في المنتقى رقم (626) وأبو يعلى رقم (4614) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 21 - 22) وابن حبان رقم (4927) والدارقطني (3/ 53) والحاكم (2/ 14 - 15) والبيهقي في "المعرفة" رقم (11350) و (11352) وابن عبد البر في "التمهيد"(18/ 205 - 206، 207) والبغوي في شرح السنة رقم (2118) من طرق.

وانظر: "العلل الكبير" للترمذي (1/ 514).

وخلاصة القول: أن حديث عائشة حديث حسن، والله أعلم.

ص: 218

الحديث أخرجه أيضًا الشافعي

(1)

وأبو داود الطيالسي

(2)

، وصحَّحه الترمذي

(3)

وابن حبان

(4)

وابن الجارود

(5)

والحاكم

(6)

وابن القطان

(7)

: ومن جملة من صححه ابن خزيمة كما حكي ذلك عنه في بلوغ المرام

(8)

.

وحكى عنه في التلخيص

(9)

أنه قال: لا يصح، وضعفه البخاري

(10)

.

ولهذا الحديث في سنن أبي داود ثلاث طرق: طريقان رجالهما رجال الصحيح، والثالثة قال أبو داود: إسنادها ليس بذاك

(11)

.

ولعل سبب ذلك أن فيه مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي وقد وثقه يحيى بن معين، وتابعه عمر بن علي المقدمي وهو متفق على الاحتجاج به.

قوله: (أن الخراج بالضمان)، الخراج: هو الدخل والمنفعة، أي: يملك

(1)

في مسنده رقم (480 - ترتيب) وقد تقدم.

(2)

في مسنده رقم (1464) وقد تقدم.

(3)

في سننه عقب الحديث (1285).

(4)

في صحيحه رقم (4928) وقد تقدم.

(5)

في المنتقى رقم (627) وقد تقدم.

(6)

في المستدرك (2/ 15) وقد تقدم.

(7)

في "بيان الوهم والإيهام"(5/ 494 رقم 2718).

(8)

برقم (38/ 773) بتحقيقي. ط: مكتبة ابن تيمية - القاهرة.

(9)

في "التلخيص الحبير"(3/ 51) قوله: لا يصح. لابن حزم وليس لابن خزيمة فلتنتبه؟

(10)

قال الترمذي في سننه (3/ 583): "استغرب محمد بن إسماعيل هذا الحديث من حديث عمر بن علي. قلت: تراه تدليسًا؟ قال: لا" اهـ.

قلت: ومداره ليس على عمر بن علي، بل رواه غيره كما أخرجه الترمذي نفسه برقم (1285)، فالقول بأن البخاري ضعفه ليس على إطلاقه.

(11)

قاله أبو داود في سننه (3/ 780).

قلت: في إسناده مسلم بن خالد الزنجي، ضعَّفه الذهبي في "الميزان"(4/ 102) لكنه قد توبع.

تابعه خالد بن مهران، وعمر بن علي المقدمي كما بيَّنه محقق "المنتقى"(2/ 199) وتابع شيخهم - هشام بن عروة عن أبيه - مخلدُ بن خفاف كما أخرجه أبو داود رقم (3508) والترمذي رقم (1285) والنسائي رقم (4490) وغيرهم.

ومخلد وثقه ابن حبان، وابن وضاح، وقال البخاري: فيه نظر.

انظر ترجمته في: "الميزان"(4/ 82) و"التهذيب"(10/ 67 - ط دار الفكر). فمثله يقبل حديثه في المتابعات.

ص: 219

المشتري الخراج الحاصل من المبيع بضمان الأصل الذي عليه: أي بسببه، فالباء للسببية، فإذا اشترى الرجل أرضًا فاستغلها أو دابة فركبها أو عبدًا؛ فاستخدمه ثم وجد به عيبًا قديمًا فله الرد ويستحق الغلة في مقابلة ضمان المبيع الذي كان عليه.

وظاهر الحديث عدم الفرق بين الفوائد الأصلية والفرعية، وإلى ذلك ذهب الشافعي

(1)

؛ وفصل مالك

(2)

فقال: يستحق المشتري الصوف والشعر دون الولد.

وفرق أهل الرأي

(3)

والهادوية

(4)

بين الفوائد الفرعية والأصلية فقالوا: يستحق المشتري الفرعية كالكراء دون الأصلية كالولد والثمر، وهذا الخلاف إنما هو مع انفصال الفوائد عن المبيع، وأما إذا كانت متصلة وقت الرد وجب ردها بالإجماع.

قيل: إن هذا الحكم مختص بمن له ملك في العين التي انتفع بخراجها كالمشتري الذي هو سبب ورود الحديث، وإلى ذلك مال الجمهور.

وقالت الحنفية

(5)

: إن الغاصب كالمشتري قياسًا.

ولا يخفى ما في هذا القياس لأن الملك فارق يمنع من الإلحاق، والأولى أن يقال:[إن]

(6)

الغاصب داخل تحت عموم اللفظ، ولا عبرة بخصوص السبب كما تقرر في الأصول.

قوله: (فاستغله) بالغين المعجمة وتشديد اللام، أي: أخذ غلته.

[الباب الثالث] باب ما جاء في المصرّاة

6/ 2277 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا تُصِرّوا الإبِلَ والْغَنَمَ،

(1)

الأم (10/ 279 - 280 - مختلف الحديث).

(2)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 314 - 316) والمسوى على الموطأ (2/ 42).

(3)

الاختيار (2/ 263).

(4)

البحر الزخار (3/ 359).

(5)

البناية في شرح الهداية (7/ 293) و (7/ 611).

(6)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 220

فمَنِ ابْتاعَها بَعدَ ذلِكَ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أنْ يَحْلِبَها إنْ رَضِيَها أمْسَكَهَا، وإنْ سَخِطَهَا رَدَّها وصَاعًا مِنْ تَمْرٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

وللبُخاري

(2)

وأبي داود

(3)

: "مَنِ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فاحْتَلَبهَا فإنْ رَضِيَها أمْسَكَهَا، وإنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِها صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ". [صحيح]

وهوَ دَليلٌ على أن الصَّاعَ مِنَ التَّمْرِ في مُقابَلَةِ اللَّبَنِ، وأنهُ أخَذَ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ.

وفي روايَةٍ: "إِذَا ما اشْتَرَى أحَدُكُمْ لَقْحَةً مُصَرَّاةً أوْ شَاةً مُصرَّاةً فَهُوَ بخَيْرِ النظَرَيْنِ بَعدَ أنْ يَحْلِبَها إمَّا هِيَ وإلا فلْيَرُدَّها وصَاعًا مِنْ تَمْرٍ". رَوَاهُ مُسْلمٌ

(4)

. [صحيح]

وَهْوَ دَليلٌ على أنَّهُ يمْسِكُ بغيْرِ أرْشٍ.

وفي روايَةٍ: "مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاة فَهْوَ مِنْهَا بالْخِيارِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ إنْ شَاءَ أمْسَكَها وإنْ شَاءَ رَدَّها ومَعَها صاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ". رَواهُ الجَماعةُ إلَّا البُخاريَّ)

(5)

. [صحيح]

7/ 2278 - (وعَنْ أبي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ قالَ: قالَ عَبدُ الله: مِنِ اشْتَرَى مُحَفَّلة فَرَدَّها فلْيَرُدّ مَعها صاعًا. رواهُ البُخاريُّ

(6)

والبَرْقَانِيُّ على شَرْطِهِ وَزَادَ: مِنْ تَمْرٍ). [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (2/ 242 - 243، 379، 465) والبخاري رقم (2150) ومسلم رقم (23/ 1524).

(2)

في صحيحه رقم (2151).

(3)

في سننه رقم (3445).

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (28/ 1524).

(5)

أحمد في المسند (2/ 248، 273، 557) ومسلم رقم (25/ 1524) وأبو داود رقم (3444) والترمذي رقم (1252) والنسائي (4489) وابن ماجه رقم (2239).

وهو حديث صحيح.

(6)

في صحيحه رقم (2149، 2164).

ص: 221

قوله: (لا تُصِرّوا) بضم أوله وفتح الصاد المهملة وضم الراء المشددة: من صرَّيت اللبن في الضَّرع إذا جمعته، وظنَّ بعضهم: أنه من صررت، فقيَّده بفتح أوله وضمِّ ثانيه.

قال في الفتح

(1)

: والأوّل أصحّ، قال: لأنه لو كان من صررت لقيل: مَصْرُورة [أو مصرَّرَة]

(2)

لا مصراة، على أنه قد سُمِعَ الأمران في كلام العرب، ثم استدلّ على ذلك بشاهدين عربيين

(3)

.

ثم قال

(4)

: وضبطه بعضهم بضم أوّله وفتح ثانيه بغير واو على البناء للمجهول، والمشهور الأوّل، اهـ.

قال الشافعي

(5)

: التصرية: هي ربط أخلاف الشاة، أو الناقة، وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظنُّ المشتري أن ذلك عادتها فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها.

وأصل التصرية حبس الماء يقال منه صريت الماء: إذا حبسته. [قال أبو عبيد

(6)

]

(7)

وأكثر أهل اللغة: التصرية: حبس اللبن في الضرع حتى يجتمع، وإنما اقتصر على ذكر الإبل والغنم دون البقر لأن غالب مواشيهم كانت من الإبل والغنم، والحكم واحد خلافًا لداود.

قوله: (فمن ابتاعها بعد ذلك)، أي: اشتراها بعد التصرية.

(1)

في "الفتح"(4/ 362).

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

أي استدل الحافظ في "الفتح"(4/ 362) بشاهدين عربيين، وهما:

(الأول): قال الأغلب العجلي:

رَأَتْ غُلَامًا قَدْ صَرَى في فِقْرَتِه:

ماءَ الشَّبَابِ عُنْفُوَانَ شِرَّتهِ

وفي "الفتح""سيرته" بدل "شِرَّتِه".

(الثاني): وقال مالك بن نويرة:

فقلت لقومي هذه صدقاتكم:

مصررة أخلافها لم تحرر

(4)

أي الحافظ في "الفتح"(4/ 362).

(5)

"الوسيط في المذهب" للغزالي (3/ 122).

(6)

في غريب الحديث (2/ 241 - 242) لأبي عبيد.

(7)

في المخطوط (أ): (قال أبو عبيدة).

ص: 222

قوله: (بعد أن يحلبها) ظاهره: أن الخيار لا يثبت إلا بعد الحلب، والجمهور

(1)

على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور ولو لم يحلب لكن لما كانت التصرية لا يعرف غالبها إلا بعد الحلب جعل قيدًا في ثبوت الخيار.

قوله: (إن رضيها أمسكها)، استدل بهذا على صحة بيع المصراة مع ثبوت الخيار.

قوله: (وصاعًا من تمر) الواو عاطفة على الضمير في ردها، ولكنه يعكِّر عليه أن الصاع مدفوع ابتداء لا مردود. ويمكن أن يقال إنه مجاز عن فعل يشمل الأمرين نحو سلمها أو ادفعها كما في قول الشاعر

(2)

:

عَلَفْتُها تِبْنًا وماءً باردًا

أي ناولتها. ويمكن أن يقدر [بفعل]

(3)

آخر يناسب المعطوف، أي: ردها

(1)

المغني (6/ 219).

(2)

قال الأستاذ عبد الغني الدقر في تعليقه وشرحه على "شرح شذور الذهب"(ص 312 رقم الشاهد 115):

"البيت مجهول القائل، وقد استشهد به المؤلف في أوضحه (رقم 258) وابن عقيل (رقم 165) والأشموني (رقم 441).

ويروى صدره عجزًا في بيت آخر هكذا:

لَمَّا حَطَطْتُ الرَّحْلَ عنا وَارِدًا

عَلَفْتُها تِبْنًا ومَاء بَارِدًا" اهـ.

• وقال محمد محيي الدين عبد الحميد، في كتابه "عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك" (2/ 215) رقم الشاهد (258):

"يجعل بعض العلماء هذا الشاهد صدرًا لبيت ينشدونه هكذا:

عَلَفْتُها تِبْنًا ومَاءً باردًا

حتى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا

وهكذا رواه ابن هشام في شرح الشذور رقم (115) وبعضهم يجعل هذا الشاهد عجزًا لبيت ينشدونه هكذا:

لَمَّا حَطَطْتُ الرَّحْلَ عنها وَارِدًا

عَلَفْتُها تِبْنًا ومَاءً بارِدَا

ولم أقف له على نسبة إلى قائل معين، ولا عثرت له علَى سوابق أو لواحق تؤيد إحدى الروايتين، والظاهر أن التكملة التي تذكر معه مصنوعة، فإن التكلف فيها يكاد ينادي بذلك" اهـ.

(3)

في المخطوط (أ): (فعل).

ص: 223

وسلم، أو أعط صاعًا كما قيل: إن التقدير في قول الشاعر المذكور: وسقيتها ماءً باردًا.

وقيل: يجوز أن تكون الواو بمعنى مع، ولكنه يعكِّر عليه قول [جمهور النحاة

(1)

]

(2)

: إن شرط المفعول معه أن يكون فاعلًا في المعنى، نحو: جئت أنا وزيدًا وقمت أنا وزيدًا، نعم جعله مفعولًا معه صحيح عند من قال بجواز مصاحبته للمفعول به وهم القليل.

وقد استدل بالتنصيص على الصاع من التمر على أنه لا يجوز رد اللبن ولو كان باقيًا على صفته لم يغير، ولا يلزم البائع قبوله لذهاب طراوته واختلاطه بما تجدد عند المشتري.

(1)

قال محمد محيي الدين عبد الحميد في كتابه: "عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك (2/ 216 - 217):

"الشاهد فيه: قوله (وماء) فإن علماء العربية مجمعون على أنه لا يجوز أن يكون (ماء) معطوفًا على قوله (تبنًا) عطف مفرد على مفرد مع بقاء قوله (علفتها) على معناه الأصلي الذي وضع له في لسان العرب، والسر في ذلك أن من شرط عطف المفرد على المفرد أن يكون العامل في المفرد المعطوف عليه مما يصح أن يتسلط على المفرد المعطوف، وههنا لا يجوز ذلك أن تقول: علفتها ماء باردًا؛ لأن العلف خاص بما يطعم.

وقد ذكر العلماء - بعد ذلك - في تخريج مثل هذا التعبير ثلاثة تخريجات:

(التخريج الأول): أن يكون قوله (وماء) مفعولًا معه، ذكر هذا الوجه ابن عقيل في شرحه على الألفية، وصدر به التخريجات، وقد أبطله المؤلف ههنا كما أبطل صحة عطفه على ما قبله، ووجه إبطاله أن الماء لا يشارك التبن لا في معنى العلف ولا في زمان العلف؛ فلما لم يشاركه في معنى العلف لم يصح أن يكون قوله (وماء) معطوفًا على قوله (تبنًا) ولما لم يشاركه في الزمان - بسبب أن الناقة لا تشرب الماء في وقت تناولها التبن - لم يصح أن يكون (وماء) مفعولًا معه أيضًا؛ فإن من شرط انتصاب الاسم على أنه مفعول معه أن يكون مشاركًا لما قبله في زمان تسلط العامل عليه، ويدل على هذا اشتراطهم أن تكون الواو السابقة عليه دالة على المصاحبة.

(والتخريج الثاني): أن يكون قوله (وماء) معطوفًا عل قوله (تبنًا) بعد التأويل في العامل

(والتخريج الثالث): أن يكون قوله (وماء) مفعولًا به لفعل محذوف يقتضيه السياق

" اهـ.

(2)

في المخطوط (ب): (الجمهور).

ص: 224

قوله: (لقحة) هي الناقة الحلوب أو التي نتجت.

قوله: (ثلاثة أيام)، فيه دليل على امتداد الخيار هذا المقدار، فتقيَّد بهذه الرواية الروايات القاضية بأن الخيار بعد الحلب على الفور كما في قوله:"بعد أن يحلبها".

وإلى هذا ذهب الشافعي

(1)

والهادي (2) والناصر

(2)

وذهب بعض الشافعية (1) إلى أن الخيار على الفور وحملوا رواية الثلاث على ما إذا لم يعلم أنها مصراة قبل الثلاث قالوا: وإنما وقع التنصيص عليها لأن الغالب أنه لا يعلم بالتصرية فيما دونها.

واختلفوا في ابتداء الثلاث فقيل: من وقت بيان التصرية، وإلية ذهبت الحنابلة

(3)

.

وقيل: من حين العقد، وبه قال الشافعي (1).

وقيل: من وقت التفرق، قال في الفتح

(4)

: ويلزم عليه أن يكون الفور أوسع من الثلاث في بعض الصور، وهو ما إذا تأخر ظهور التصريح إلى آخر الثلاث، ويلزم عليه أن تحسب المدة قبل التمكن من الفسخ، وأن يفوت المقصود من التوسيع بالمدة، اهـ.

قوله: (من تمر لا سمراء)، لفظ مسلم

(5)

وأبي داود

(6)

: "من طعام لا سمراء"، وينبغي أن يحمل الطعام على التمر المذكور في هذه الرواية وفي غيرها من الروايات؛ ثم لما كان المتبادر من لفظ الطعام: القمح، نفاه بقوله:(لا سمراء)، ويشكل على هذا الجمع ما في رواية للبزار

(7)

بلفظ: "صاع من بُرٍّ لا سمراء".

وأجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن يكون على وجه الرواية بالمعنى لما ظن الراوي أن الطعام مساو للبرّ عبر عنه بالبر، لأن المتبادر من الطعام البر كما سلف في الفطرة.

(1)

الوسيط في المذهب للغزالي (3/ 124 - 125) بتفصيل.

(2)

البحر الزخار (3/ 353).

(3)

المغني (6/ 220 - 221).

(4)

(4/ 362).

(5)

في صحيحه رقم (25/ 1524).

(6)

في سننه رقم (3444).

(7)

لم أقف عليه.

ص: 225

ويشكل على ذلك الجمع أيضًا ما في مسند أحمد

(1)

بإسناد صحيح كما قال الحافظ

(2)

عن رجل من الصحابة بلفظ: "صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر"، فإن التخيير يقتضي المغايرة.

وأجاب عنه في الفتح

(3)

باحتمال أن يكون شكًّا من الراوي، والاحتمال قادح في الاستدلال، فينبغي الرجوع إلى الروايات التي لم تختلف.

ويشكل أيضًا ما أخرجه أبو داود

(4)

من حديث ابن عمر بلفظ: "ردها وردّ معها مثل أومثلَي لبنها قمحًا".

وأجاب عن ذلك الحافظ

(5)

بأن إسناد الحديث ضعيف.

قال

(6)

: وقال ابن قدامة

(7)

: إنه متروك الظاهر بالاتفاق.

قوله: (مُحَفَّلَةً) بضم الميم وفتح الحاء المهملة والفاء المشددة من التحفيل وهو التجميع.

قال أبو عبيد

(8)

: سميت بذلك لكون اللبن يكثر في ضرعها، وكل شيء كثَّرته فقد حفلته. تقول: ضرع حافل: أي عظيم، واحتفل القوم إذا كثر جمعهم، ومنه سمي المحفل.

وقد أخذ بظاهر الحديث الجمهور.

قال في الفتح

(9)

: وأفتى به ابن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهما في الصحابة.

وقال به من التابعين ومن بعدهم من لا يحصى عدده، ولم

(1)

في المسند (4/ 314) بسند صحيح.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 82) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(2)

في "الفتح"(4/ 364).

(3)

(4/ 364).

(4)

في سننه رقم (3346) وهو حديث ضعيف.

(5)

في "الفتح"(4/ 364).

(6)

أي الحافظ ابن حجر في المرجع السابق.

(7)

المغني (6/ 218).

(8)

في غريب الحديث (2/ 241 - 242).

(9)

(4/ 364).

ص: 226

يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلًا أو كثيرًا، ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا.

وخالف في أصل المسألة أكثر الحنفية وفي فروعها آخرون.

أما الحنفية

(1)

فقالوا: لا يرد بعيب التصرية ولا يجب رد الصاع من التمر وخالفهم زفر فقال بقول الجمهور

(2)

، إلا أنه قال: يخير بين صاع من التمر أو نصف صاع من بر.

وكذا قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف في رواية إلا أنهما قالا: لا يتعين صاع التمر بل قيمته.

وفي رواية عن مالك

(3)

وبعض الشافعية

(4)

كذلك، ولكن قالوا: يتعين قوت البلد قياسًا على زكاة الفطر.

وحكى البغوي

(5)

أنه لا خلاف في مذهب الشافعية أنهما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره كفى، وأثبت ابن كج الخلاف في ذلك.

وحكى الماورديُّ

(6)

وجهين فيما إذا عجز عن التمر هل يلزمه قيمتُهُ ببلده أو بأقربِ البلاد التي فيها التمر إليه؟ وبالثاني قالت الحنابلة

(7)

اهـ. كلام الفتح

(8)

.

والهادوية

(9)

يقولون: إن الواجب رد اللبن إن كان باقيًا وإن كان تالفًا فمثله وإن لم يوجد المثل فالقيمة.

(1)

اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 494 - 495) والمبسوط للسرخسي (13/ 38، 39) وشرح معاني الآثار (4/ 21 - 22).

(2)

قال العمراني في "البيان"(5/ 265):

"

إن اشترى الرجلُ ناقةً أو شاةً أو بقرةً مصرَّاةً، ولم يعلم أنها مصرَّاةٌ، ثم عَلِم أنَّها مصرَّاةٌ

ثبتَ له الخيارُ بينَ الإمساكِ والردِّ. هذا مذهبنا - أي الشافعية - وبه قالَ من الصحابة: ابنُ مسعودٍ، وابنُ عُمرَ وأبو هريرةَ، وأنس، ومن الفقهاءِ: مالكٌ واللَّيثُ، وابن أبي ليلى، وأبو يوسف وزُفَرُ.

وقال أبو حنيفةَ، ومحمدٌ:(ليس ذلك بعيب، ولا يثبتُ له الردُّ لأجلهِ).

وقال داود: (يثبت له الردُّ في الناقةِ والشاةِ، ولا يثبتُ له الردُّ في البقرة) "اهـ.

(3)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 188).

(4)

البيان (5/ 270).

(5)

في شرح السنة (8/ 127 - 128).

(6)

الحاوي الكبير (5/ 241).

(7)

المغني (6/ 217).

(8)

(4/ 364).

(9)

البحر الزخار (3/ 353).

ص: 227

وقد اعتذرَ الحنفيَّةُ عن حديث المصَرَّاة بأعذار بسطها صاحب "فتح الباري"

(1)

، وسنشير إلى ما ذكره باختصار، ونزيد عليه ما لا يخلو عن فائدة.

(العذر الأول): الطعن في الحديث بكون راويه أبا هريرة، قالوا: ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما يرويه إذا كان مخالفًا للقياس الجلي

(2)

، وبطلان هذا العذر أوضح من أن يشتغل ببيان وجهه، فإن أبا هريرة رضي الله عنه من أحفظ الصحابة وأكثرهم حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يكن أحفظهم على الإطلاق، وأوسعهم رواية لاختصاصه بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالحفظ كما ثبت في الصحيحين

(3)

وغيرهما في قصة بسطه لردائه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن كان بهذه المنزلة لا ينكر عليه تفرده بشيء من الأحكام الشرعية.

وقد اعتذر رضي الله عنه عن تفرُّدِهِ بكثير مما لا يشاركه فيه غيره بما ثبت عنه في الصحيح

(4)

من قوله: إن أصحابي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق

(1)

(4/ 364 - 368).

(2)

وهو ما قطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع. كقياس الأمة على العبد في أحكام العتق، فإنا نعلم قطعًا أن الذكورة والأنوثة فيهما لم يعتبره الشارع وأنه لا فارق بينهما إلا ذلك فحصل لنا القطع بنفي الفارق.

[انظر: إرشاد الفحول ص 733 واللمع ص 55].

• وهو كلام آذى قائله به نفسه، وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه، وقد ترك أبو حنيفة القياس الجلي لرواية أبي هريرة وأمثاله، كما في الوضوء بنبيذ التمر، ومن القهقهة في الصلاة، وغير ذلك - وأظن لهذه النكتة أورد البخاري حديث ابن مسعود عقب حديث أبي هريرة إشارة منه إلى أن ابن مسعود قد أفتى بوفق حديث أبي هريرة، فلولا أن خبر أبي هريرة في ذلك ثابت لما خالف ابن مسعود القياس الجلي في ذلك

).

ثم قال: (ثم مع ذلك لم يتفرد أبو هريرة برواية هذا الأصل ....

وقال ابن عبد البر: هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل، واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها. [الفتح 4/ 364 - 365)].

وقد أُعجب أحمد محمد شاكر بكلام ابن حجر في المصراة فوصفه بأنه: القول البليغ المتسامي في أدب النقد على من تجرأ على المساس بأبي هريرة.

[مسند الإمام أحمد 13/ 29].

(3)

البخاري رقم (119) ومسلم رقم (159/ 2492).

(4)

البخاري رقم (118) ومسلم رقم (159/ 2492).

ص: 228

بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا.

وأيضًا لو سلم ما ادعوه من أنه ليس كغيره في الفقه لم يكن ذلك قادحًا في الذي [ينفرد]

(1)

به، لأن كثيرًا من الشريعة بل أكثرها وارد من غير طريق المشهورين بالفقه من الصحابة، فطرح حديث أبي هريرة يستلزم طرح شطر الدين

(2)

.

على أن أبا هريرة لم ينفرد برواية هذا الحكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بل رواه معه ابن عمر كما أخرج ذلك من حديثه أبو داود

(3)

والطبراني

(4)

.

وأنس، كما أخرج ذلك من حديثه أبو يعلى

(5)

.

(1)

في المخطوط (ب): (تفرد).

(2)

انظر ترجمة أبي هريرة في: "المسند" لأحمد (5/ 114 - 115) و (2/ 228 - 541) وطبقات ابن سعد (2/ 362 - 364) و (4/ 325 - 341) والمعارف (277 - 278، 285) والمعرفة والتاريخ (1/ 486) و (3/ 160، 161، 162) وأخبار القضاة (1/ 111 - 116) والمستدرك (3/ 506 - 514) وحلية الأولياء (1/ 376 - 385 رقم 85) وجامع الأصول (95 رقم 6641) و"العبر"(1/ 46) ومعرفة القراء (1/ 43 - 44 رقم 8) و"مجمع الزوائد"(9/ 361 - 362) وتهذيب التهذيب (12/ 288 - 292 وو: دار الفكر) والإصابة (12/ 63 - 79 رقم 1180) والاستيعاب (12/ 167 - 176 رقم 3208) وشذرات الذهب (1/ 63، 64).

وكتاب "دفاع عن أبي هريرة"، تأليف: عبد المنعم صالح العلي العزي.

(3)

في سننه رقم (3446).

(4)

في المعجم الأوسط رقم (6771).

قال المنذري في "مختصر السنن"(5/ 89): "وأخرجه ابن ماجه، وقال الخطابي: وليس إسناده بذلك. والأمر كما قال.

فإن جميع بن عمير، قال ابن نمير: هو من أكذب الناس.

وقال ابن حبان: كان رافضيًا يضع الحديث" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

في المسند (2767).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 81) وقال: رواه أبو يعلى وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف.

قلت: وأخرجه الحارث في مسنده (2/ 494 رقم 429 - بغية الباحث) والبزار في مسنده (رقم 1274 - كشف). =

ص: 229

وعمرو بن عوف المزني، كما أخرج ذلك عنه البيهقي

(1)

.

ورجل من الصحابة لم يسم، كما أخرجه أحمد

(2)

بإسناد صحيح.

وابن مسعود كما أخرجه الإسماعيلي

(3)

وإن كان قد خالفه الأكثر، [ورووه]

(4)

موقوفًا عليه كما فعله البخاري

(5)

وغيره

(6)

وتبعهم المصنف.

ولكن مخالفة ابن مسعود للقياس الجلي مشعرة بثبوت حديث أبي هريرة.

قال ابن عبد البر

(7)

ونِعم ما قال: إن هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل، واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها.

(العذر الثاني) من أعذار الحنفية: الاضطراب

(8)

في متن الحديث، قالوا:

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 108) وقال: رواه البزار وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف.

وخلاصة القول: أن الحديث بهذا الإسناد ضعيف، لضعف إسماعيل بن مسلم المكيَّ، ومدار طرقه عليه. ولكن المتن صحيح. والله أعلم.

(1)

في "الخلافيات" كما في "فتح الباري"(4/ 365).

(2)

في المسند (4/ 314) بسند صحيح، وإيهام الصحابي لا يضر.

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 11)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 82) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح".

(3)

كما في "فتح الباري"(4/ 368).

(4)

في المخطوط (ب): (ورواه).

(5)

في صحيحه رقم (2149) موقوفًا.

(6)

كالبيهقي في السنن الكبرى (5/ 319).

(7)

في "التمهيد"(12/ 283).

(8)

المُضْطَرِبُ: هو الحديث الذي روي على أوجه مختلفة على التساوي في الاختلاف من راوٍ واحدٍ - بأن رواه مرّة على وجه، وأخرى على وجه آخر مخالف للأول - أو أكثر من واحد: بأن رواه كل من الرواة على وجه مخالف للآخر.

فلا يكون الحديث مضطربًا إلّا إذا تساوت الروايات المختلفة فيه في الصحة بحيث لا يمكن الترجيح بينها ولا الجمع.

أمّا إذا ترجحت إحدى الروايات بكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيح فلا يكون مضطربًا، بل الحكم بالقبول حينئذٍ للراجح حتمًا، والمرجوحُ يكون شاذًا أو منكرًا.

كما أن الحديث لا يكون مضطربًا إذا أمكن الجمع بين رواياته المختلفة بحيث يكون المتكلم قد عبَّر بلفظتين أو أكثر عن معنًى واحد، أو قصد بيان حكمين متغايرين.

ويقع الاضطراب في الإسناد أو في المتن، أو في كليهما. =

ص: 230

لذكر التمر فيه تارة والقمح أخرى واللبن أخرى، واعتبار الصاع تارة والمثل أو المثلين أخرى.

وأجيب بأن الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها والضعيف لا يعلّ به الصحيح.

(العذر الثالث): أنه معارض لعموم قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}

(1)

.

وأجيب بأنه من ضمان المتلفات لا العقوبات، ولو سلم دخوله تحت العموم، فالصاع مِثْلٌ لأنه عوض المتلف، وجعله مخصوصًا بالتمر دفعًا للشجار، ولم سُلِّم عدم صدق المِثْل عليه فعموم الآية مخصَّصٌ بهذا الحديث.

أما على مذهب الجمهور فظاهر، وأما على مذهب غيرهم فلأنه مشهور، وهو صالح لتخصيص العمومات القرآنية.

(العذر الرابع): أن الحديث منسوخ، وأجيب بأن النسخ لا يثبت بمجرّد الاحتمال، ولو كفى ذلك لرد من شاء ما شاء.

واختلفوا في تعيين الناسخ؛ فقال بعضهم: هو حديث ابن عمر عند ابن ماجه

(2)

في النهي عن بيع الدَّيْنِ بالدَّيْنِ، وذلك لأن لبن المصراة قد صار دينًا في

= أما حكم المضطرب: فالأصل في الاضطراب حيث وقع أنه يوجب ضعف الحديث" اهـ.

[التبصرة والتذكرة (1/ 240 - 245)].

(1)

سورة النحل، الآية:126.

(2)

لم أقف عليه عند ابن ماجه.

بل أخرجه الدارقطني في السنن (3/ 72 رقم 270) والحاكم في المستدرك (2/ 57) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. والبيهقي (5/ 290) من طريق: موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر به. وغلطهما البيهقي وقال: إنما هو موسى بن عبيدة الربذي.

وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(6/ 2335) وأعله بموسى بن عبيدة هذا ونقل تضعيفه عن أحمد، قال: فقيل لأحمد: إن شعبة يروي عنه، قال: لو رأى شعبة ما رأينا منه لم يرو عنه. قال ابن عدي: والضعف على رواياته بيّن".

وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 62): قال الشافعي: أهل الحديث يوهنون هذا الحديث، وقد جزم الدارقطني في "العلل" بأن موسى بن عبيدة تفرد به، فهذا يدل على أن الوهم في قوله: موسى بن عقبة من غيره. =

ص: 231

ذمة المشتري، فإذا أُلزِم بصاعٍ من تمر صار دينًا بدين. كذا قال الطحاوي

(1)

.

وتعقب بأن الحديث ضعيف باتفاق المحدثين، ولو سلمت صلاحيته فكون ما نحن فيه من بيع الدين بالدَّينِ ممنوع لأنه يردُّ الصاع مع المصرَّاة حاضرًا لا نسيئة من غير فرق بين أن يكون اللبن موجودًا أو غير موجود، ولو سلم أنه من بيع الدين بالدين فحديث الباب مخصص لعموم ذلك النهي لأنه أخص منه مطلقًا.

وقال بعضهم: إنَّ ناسخه حديث "الخراج بالضمان"

(2)

وقد تقدم، وذلك لأن اللبن فضلة من فضلات الشاة ولو تلفت لكانت من ضمان المشتري فتكون فضلاتها له.

وأجيب بأن المغروم هو ما كان فيها قبل البيع لا الحادث.

وأيضًا حديث الخراج بالضمان بعد تسليم شموله لمحل النزاع عام مخصوص بحديث الباب فكَيف يكون ناسخًا؟

وأيضًا لم ينقل تأخره والنسخ لا يتم بدون ذلك، ثم لو سلمنا مع عدم العلم بالتاريخ جواز المصير إلى التعارض وعدم لزوم بناء العام على الخاص لكان حديث الباب أرجح لكونه في الصحيحين وغيرهما ولتأيده بما ورد في معناه عن غير واحد من الصحابة.

وقال بعضهم: ناسِخُهُ الأحاديث الواردة في رفع العقوبة بالمال، هكذا. قال عيسى بن أبان. وتعقبه الطحاوي

(3)

بأن التصرية إنما وجدت من البائع، فلو كان من ذلك الباب لكانت العقوبة له، والعقوبة في حديث المصرّاة للمشتري فافترقا، وأيضًا عموم الأحاديث القاضية بمنع العقوبة بالمال على فرض

= وفي "الطبراني" - (ج 4 رقم 4375) - من طريق عيسى بن سهل بن رافع بن خديج، عن أبيه، عن جده: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة، ونهى أن يقول الرجل: أبيع هذا بنقد، وأشتريه بنسيئة حتى يبتاعه ويحرزه، ونهى عن كالئ بكالئ: دين بدين.

وهذا لا يصلح شاهدًا لحديث ابن عمر، فإنه من طريق موسى بن عبيدة أيضًا، عن عيسى بن سهل، وكان الوهم فيه من الراوي عنه محمد بن يعلى زنبور" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة، والله أعلم.

(1)

في شرح معاني الآثار (4/ 21).

(2)

تقدم تخريجه برقم (2276). من كتابنا هذا.

(3)

في شرح معاني الآثار (4/ 20).

ص: 232

ثبوتها مخصوصة بحديث المصراة، وقد قدمنا البحث في التأديب بالمال مبسوطًا في كتاب الزكاة

(1)

.

وقال بعضهم: ناسخه حديث: "البيعان بالخيار ما لم يفترقا"، وقد تقدم

(2)

، وبذلك أجاب محمد بن شجاع.

ووجه الدلالة أن الفرقة قاطعة للخيار من غير فرق بين المصراة وغيرها.

وأجيب بأن الحنفية لا يثبتون خيار المجلس كما سلف فكيف يحتجون بالحديث المثبت له.

وأيضًا بعد تسليم صحة احتجاجهم به هو [مخصص]

(3)

بحديث الباب.

وأيضًا قد أثبتوا خيار العيب بعد التفرق وما هو جوابهم فهو جوابنا.

(العذر الخامس): أن الخبر من الآحاد وهي لا تفيد إلا الظنّ وهو لا يعمل به إذا خالف قياس الأصول

(4)

، وقد تقرر أن المِثْلِيَّ يُضمن بمثله، والقِيميَّ بقيمته من أحد النقدين، فكيف يضمن بالتمر على الخصوص؟

وأجيب بأن التوقف في خبر الواحد إنما هو إذا كان مخالفًا للأصول لا لقياس الأصول، والأصول: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والأولان هما الأصل، والآخران مردودان إليهما، فكيف يرد الأصل بالفرع؟ ولو سلِّم أن الآحادي يُتوقف فيه على الوجه الذي زعموا فلا أقل لهذا الحديث الصحيح من صلاحيته لتخصيص ذلك القياس المدّعى.

(1)

خلال شرح الحديث (1533) من كتابنا هذا.

(2)

برقم (2233) من كتابنا هذا.

(3)

في المخطوط (ب): "مخصوص".

(4)

قال ابن قيم الجوزية في "إعلام الموقعين"(4/ 134 ط: دار ابن الجوزي):

"رد المحكم الصحيح الصريح في مسألة المصرّاة بالمتشابه من القياس، وزعمهم أن هذا الحديث يُخالف الأصول فلا يُقبل؛ فيقال: الأصولُ كتابُ الله وسنةُ رسوله وإجماعُ أمّته والقياس الصحيح الموافق للكتاب، والسنّة؛ فالحديثُ الصحيحُ أصلٌ بنفسه، فكيف يقال: الأصل يخالف نفسه؟ هذا من أبطل الباطل، والأصول في الحقيقة اثنان لا ثالث لهما: كلامُ الله، وكلامُ رسوله، وما عداهما فمردود إليهما؛ فالسنة أصل قائم بنفسه، والفياس فرع، فكيف يرد الأصل بالفرع؟ قال الإمام أحمد: إنما القياس أن تقيس على أصل، فأما أن تجيء إلى الأصل فتهدمه ثم تقيس، فعلى أيِّ شيء تقيس؟ " اهـ.

ص: 233

وقد أجيب عن هذا العذر بأجوبة غير ما ذكر، ولكن أمثلها ما ذكرناه.

ومن جملة ما خالف فيه هذا الحديث القياس عندهم: أن الأصول تقتضي أن يكون الضمان بقدر التالف وهو مختلف، وقد قدر ههنا بمقدار معين وهو الصاع.

وأُجيب بمنع التعميم في جميع المضمونات، فإن الموضحة أرشها مقدّر مع اختلافها بالكبر والصغر، وكذلك كثير من الجنايات. والغُرَّة مقدَّرة في الجنين مع اختلافه.

والحكمة في تقدير الضمان ههنا بمقدار واحد لقطع التشاجر لما كان قد اختلط اللبن الحادث بعد العقد باللبن الموجود قبله، فلا يعرف مقداره حتى يسلم المشتري نظيره.

والحكمة في التقدير بالتمر أنه أقرب الأشياء إلى اللبن لأنه كان قوتهم إذ ذاك كالتمر.

ومن جملة ما خالف به الحديث القياس عندهم أنه جعل الخيار فيه ثلاثًا، مع أن خيار العيب لا يقدر بالثلاث، وكذلك خيار الرؤية والمجلس.

وأُجِيبَ بأنَّ حكم المصرّاة انفرد بأصله عن مماثله؛ فلا يستغرب أن ينفرد بوصف يخالف غيره، وذلك لأن هذه المدة هي التي يتبين بها لبن الغرر، بخلاف خيار الرؤية، والعيب، والمجلس؛ فلا يحتاج إلى مدة.

ومن جملة ما خالف به القياس عندهم: أنه يلزم من الأخذ به الجمع بين العوض والمعوض فيما إذا كان قيمة الشاة صاعًا من تمر؛ فإنها ترجع إليه مع الصاع الذي هو مقدار ثمنها.

وأُجِيبَ بأن التمر عوض اللبن لا عوض الشاة فلا يلزم ما ذكر.

ومن جملة ما خالف به القياس عندهم أنه إذا استردّ مع الشاة صاعًا، وكان ثمن الشاة صاعًا كان قد باع شاة وصاعًا بصاع فيلزم الربا.

وأُجِيبَ بأن الربا إنما يعتبر في العقود لا في الفسوخ، بدليل أنهما لو تبايعا ذهبًا بفضة لم يجز أن يتفرقا قبل القبض ولو تقايلا في هذا العقد بعينه جواز التفرق قبل القبض.

ص: 234

ومن جملة المخالفة أنه يلزم من الأخذ به ضمان الأعيان مع بقائها فيما إذا كان اللبن موجودًا.

وأُجِيبَ بأنه تعذر رده لاختلاطه باللبن الحادث وتعذّر تمييزه فأشبه الآبق بعد الغصب فإنه يضمن قيمته ثم بقاء عينه لتعذر ردّه.

ومنها أنه يلزم من الأخذ به إثبات الردّ بغير عيب ولا شرط.

وأُجيبَ بأن أسباب الردّ لا تنحصر في الأمرين المذكورين بل له أسباب كثيرة، منها الردُّ بالتدليس، وقد أثبت به الشارع الردّ في الركبان إذا تُلُقّفوا كما سلف.

ولا يخفى على منصف أن هذه القواعد التي جعلوا هذا الحديث مخالفًا لها لو سلم أنها قد قامت عليها الأدلة لم يقصر الحديث عن الصلاحية لتخصيصها، فيا لله العجب من قوم يبلغون في المحاماة عن مذاهب أسلافهم وتأثيرها على السنة المطهرة الصريحة الصحيحة إلى هذا الحد الذي يُسَرُّ به إبليس وينفق في حصول مثل هذه القضية التي قلّ طمعه في مثلها لا سيما من علماء الإسلام النفس والنفيس، وهكذا فلتكن ثمرات التمذهبات وتقليد الرجال في مسائل الحرام والحلال.

(العذر السادس): أن الحديث محمول على صورة مخصوصة؛ وهي ما إذا اشترى شاة بشرط أنها تَحْلِبُ مثلًا خمسة أرطال، وشرط فيها الخيار، فالشرط فاسد، فإن اتفقا على إسقاطه في مدَّة الخيار صحّ العقد، وإن لم يتفقا بطل، ووجب ردّ الصاع من التمر؛ لأنه كان قيمة اللبن يومئذٍ.

وأُجيب بأن الحديث معلَّق بالتصرية، وما ذكروه يقتضي تعليقه بفساد الشرط سواءٌ وجدت تصرية أم لا؛ فهو تأويل متعسِّف.

وأيضًا لو سلم أن ما ذكروه من جملة صور الحديث، فالقصر على صورة مُعيَّنة هي فرد من أفراد الدليل لا بد من إقامة دليل عليه.

قال في الفتح

(1)

: واختلف القائلون بالحديث في أشياء منها: لو كان عالمًا

(1)

فتح الباري (4/ 367).

ص: 235

بالتصرية هل يثبت له الخيار؟ فيه وجه للشافعية

(1)

؛ قال: ومنها لو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد؟ فيه وجه لهم

(2)

أيضًا خلافًا للحنابلة

(3)

في المسألتين.

ومنها لو تصرَّت بنفسها أو صرَّاها المالك لنفسه، ثم بدا له فباعها، فهل يثبت ذلك الحكم؟ فيه خلاف، فمن نظر إلى المعنى أثبته لأن العيب يثبت الخيار ولا يشترط فيه تدليس، ومن نظر إلى أن حكم التصرية خارج عن القياس خصه بمورده، وهو حالة العمد، فإن النهي إنما يتناولها فقط.

ومنها لو كان الضرع مملوءًا لحمًا فظنه المشتري لبنًا فاشتراها على ذلك ثم ظهر له أنه لحم هل يثبت له الخيار؟ فيه وجهان حكاهما بعض المالكية

(4)

.

ومنها لو اشترى غير مصراة ثم اطلع على عيب بها بعد حلبها، فقد نص الشافعي

(5)

على جواز الرد مجانًا لأنه قليل غير معتنى بجمعه. وقيل: يرد بدل اللبن كالمصراة.

وقال البغوي

(6)

: يرد صاعًا من تمر، اهـ.

والظاهر عدم ثبوت الخيار مع علم المشتري بالتصرية لانتفاء الغرر الذي هو السبب للخيار.

وأما كون سبب الغرر حاصلًا من جهة البائع فيمكن أن يكون معتبرًا لأن حكمه صلى الله عليه وسلم بثبوت الخيار بعد النهي عن التصرية مشعر بذلك.

وأيضًا المصراة المذكورة في الحديث اسم مفعول، وهو يدل على أن التصرية وقعت عليها من جهة الغير، لأن اسم المفعول هو لمن وقع عليه فعل الفاعل، ويمكن أن لا يكون معتبرًا لأن تصري الدابة من غير قصد، وكون ضرعها ممتلئًا لحمًا يحصل به من الغرر ما يحصل بالتصرية عن قصد فينظر.

(1)

و

(2)

البيان للعمراني (5/ 271 - 272) والحاوي الكبير (5/ 243).

(3)

المغني (6/ 219 - 220).

(4)

فتح الباري (4/ 367).

(5)

البيان للعمراني (5/ 274) والحاوي (5/ 243).

(6)

في شرح السنة (8/ 125).

ص: 236

قال ابن عبد البر

(1)

: هذا الحديث أصل في النهي عن الغش وأصل في ثبوت الخيار لمن دلس عليه بعيب. وأصل في أنه لا يفسد أصل البيع. وأصل في أن مدة الخيار ثلاثة أيام. وأصل في تحريم التصرية وثبوت الخيار بها.

[الباب الرابع] باب النهي عن التسعير

8/ 2279 - (عَنْ أنَسٍ قالَ: غَلَا السِّعْرُ على عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسُولَ الله لوْ سَعَّرْتَ؟ فقالَ: "إنَّ الله هُوَ القَابِضُ الْباسِطُ الرَّازِقُ المُسَعِّرُ، وإنِّي لأرْجُو أنْ ألقى الله عز وجل ولَا يَطْلُبُني أحَدٌ بِمَظْلَمَةٍ ظَلمْتُها إيَّاهُ في دَمٍ ولَا مَالٍ"، روَاهُ الخَمْسَةُ إلا النَّسائيَّ وَصحَّحَهُ الترمِذيُّ)

(2)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا الدارمي

(3)

والبزار

(4)

وأبو يعلى

(5)

، قال الحافظ

(6)

: وإسناده على شرط مسلم، وصححه أيضًا بن حبان

(7)

.

وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد

(8)

وأبي داود

(9)

قال: جاء رجل فقال:

(1)

التمهيد (12/ 280 - 281).

(2)

أحمد في المسند (3/ 156، 286) وأبو داود رقم (3451) والترمذي رقم (1314) وابن ماجه رقم (2200).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (4935) والدارمي (2/ 249) والبيهقي (6/ 29) وأبو يعلى رقم (2774) وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 31): إسناده على شرط مسلم.

وصححه الألباني في "غاية المرام" ص 194 رقم 323).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في مسنده (2/ 249) وقد تقدم.

(4)

كما في "التلخيص الحبير"(3/ 31).

(5)

في مسنده رقم (2774) وقد تقدم.

(6)

في "التلخيص"(3/ 31).

(7)

في صحيحه رقم (4935) وقد تقدم.

(8)

في المسند (2/ 337) بسند صحيح على شرط مسلم.

(9)

في سننه رقم (3450).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 29). =

ص: 237

"يا رسول الله سَعِّرْ، فقال: بل ادعوا الله، ثم جاء آخر فقال: يا رسول الله سعر، فقال: بل الله يخفض ويرفع".

قال الحافظ

(1)

: وإسناده حسن.

وعن أبي سعيد عند ابن ماجه

(2)

والبزار

(3)

والطبراني

(4)

نحو حديث أنس ورجاله رجال الصحيح، وحسنه الحافظ

(5)

.

وعن علي عند البزار

(6)

نحوه.

وعن ابن عباس عند الطبراني في الصغير

(7)

.

وعن أبي جحيفة عنده في الكبير

(8)

.

قوله: (لو سعَّرت) التسعير: هو أن يأمر السلطان، أو نوّابه، أو كل من

= وهو حديث صحيح.

(1)

في "التلخيص الحبير"(3/ 31).

(2)

في سننه رقم (2201).

(3)

كما في "التلخيص الحبير"(3/ 31).

(4)

في المعجم الأوسط رقم (5955).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (3/ 85) والخطيب في "تاريخ بغداد"(9/ 451).

وخلاصة القول: أن حديث أبي سعيد حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(5)

في "التلخيص الحبير"(3/ 31).

(6)

في مسنده (3/ 113 رقم 899).

وأورده الهيثمي في كشف الأستار رقم (1263)، وقال في "مجمع الزوائد" (4/ 99):"رواه البزار وفيه الأصبغ بن نباتة، وثقه العجلي وضعفه الأئمة، قال بعضهم: متروك".

عن علي قال: قيل يا رسول الله قوم لنا السعر قال: إن غلاء السعر ورخصه بيد الله إني أريد أن ألقى ربي وليس أحد يطلبني بمظلمه ظلمتها إياه".

وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 31): "أغرب ابن الجوزي فأخرجه في الموضوعات (2/ 238 - 239) من حديث علي، فقال: إنه حديث لا يصحّ".

(7)

في المعجم الصغير (2/ 59 - 60 رقم 780 - الروض الداني).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 99) وقال: رواه الطبراني في الصغير، وفيه علي بن يونس وهو ضعيف".

قلت: علي بن يونس خطأ، والصواب عيسى بن يونس [الميزان (3/ 328)].

(8)

في المعجم الكبير (ج 22 رقم 322).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 100) وقال: فيه غسان بن الربيع وهو ضعيف.

ص: 238

ولي من أمور المسلمين أمرًا أهلَ السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا، فيمنعوا من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة.

قوله: (المسعِّر) فيه دليل على أن المسعر من أسماء الله تعالى، وأنها لا تنحصر في التسعة والتسعين المعروفة.

وقد استدل بالحديث وما ورد في معناه على تحريم التسعير وأنه مظلمة.

ووجهه أن الناس مسلطون على أموالهم، والتسعير حجر عليهم، والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نَظَر في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نَظَرِهِ في مصلحة البائع بتوفير الثمن، وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}

(1)

، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء

(2)

.

وروي عن مالك

(3)

أنه يجوز للإمام التسعير، وأحاديث الباب ترد عليه.

وظاهر الأحاديث أنه لا فرق بين حالة الغلاء وحالة الرخص، ولا فرق بين المجلوب وغيره، وإلى ذلك مال الجمهور.

وفي وجه للشافعية

(4)

: جواز التسعير في حالة الغلاء وهو مردود.

وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين ما كان قوتًا للآدمي ولغيره من الحيوانات، وبين ما كان من غير ذلك من الإدامات وسائر الأمتعة، وجوّز جماعة

(1)

سورة النساء، الآية:29.

(2)

المغني (6/ 311 - 312) ورؤوس المسائل الخلافية (2/ 757) رقم المسألة (5/ 758) والحاوي الكبير (5/ 408 - 410) والبيان للعمراني (5/ 354 - 355).

(3)

المنتقى للباجي (5/ 19) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 346 - 348). والاستذكار (20/ 76 - 77).

(4)

قال العمراني في "البيان"(5/ 354): "قال المسعوديّ في "الإبانة" إن كانَ في البلدِ قحطٌ وجدُوبةٌ

فهل يجوزُ للسلطان التسعير؟ فيه وجهان ثم قال في "البيان"(5/ 355):

"قال أبو إسحاق المروزي: إنما منع الشافعي مِنْ تسعير الطعام إذا كان يُجلبُ إلى البلدِ، فأما إذا كانَ البلدُ لا يجلبُ إليه الطعامُ، بَل يزرعُ فيها، ويكونُ عندَ الثناءِ - أي الإقامة - فيها .. فيجوزُ للإمامِ أنْ يسعِّرَ عليهم إذا رأى في ذلك مصلحةً" اهـ.

ص: 239

من متأخري أئمة الزيدية

(1)

جواز التسعير فيما عدا قوت الآدمي والبهيمة كما حكى ذلك عنهم صاحب "الغيث"

(2)

، وقال شارح "الأثمار"

(3)

: إن التسعير في غير القوتين لعله اتفاق

(4)

، والتخصيص يحتاج إلى دليل، والمناسب الملغي لا ينتهض لتخصيص صرائح الأدلة، بل لا يجوز العمل به على فرض عدم وجود دليل كما تقرر في الأصول

(5)

.

[الباب الخامس] باب ما جاء في الاحتكار

9/ 2280 - (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عبْدِ الله العَدَوِيِّ أن

(1)

"البحر الزخار"(3/ 318 - 319) وشفاء الأوام (2/ 425).

(2)

"الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار". تأليف: الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى الحسني. [مؤلفات الزيدية (2/ 297)].

(3)

"شرح الأثمار في فقه الأئمة الأطهار"، تأليف: القاضي عبد الله بن علي بن راوع. [مؤلفات الزيدية (2/ 127)].

(4)

قال الشوكاني في "السيل الجرار"(2/ 619 - 621): "أقول: يدل على عدم جواز التسعير القرآن الكريم. قال الله عز وجل {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29]، فمن وقع الإجبارُ له أن يبيعَ بسعر لا يرضاه في تجارته فقد أُجبر بخلاف ما في الكتاب.

وهكذا يدل على عدم جواز التسعير قوله سبحانه وتعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] فإن من أُكره على بيع ماله بدون ما يرضى به فقد أُكل مالُه بالباطل وهكذا يدل على عدم جواز التسعير - حديث أنس المثقدم، وحديث أبي هريرة المتقدم، وحديث أبي سعيد المتقدم، وحديث علي المتقدم، وحديث ابن عباس المتقدم، وحديث أبي جحيفة المتقدم، خلال شرح حديث (8/ 2279) من كتابنا هذا.

وظاهر هذه الأدلة عدمُ الفرق بين القوتين وغيرهما، لأنَّ الكلَّ يتأثر عنه عدمُ طيبةِ النفس، ويقع على خلاف التراضي المعتبر، ولا فرق بين أن يكون في التسعير الردُّ إلى ما يتعامل به الناسُ أو إلى غيره فإن الفرقَ بمثل هذا الفرق هو مجردُ رأي، وملاحظةُ مصلحةٍ ولا مصلحة في شيء يخالف الشرعَ، وقد أشار صلى الله عليه وسلم في حديث أنس السابق إلى ما يفيد أن في التسعير مظلمةً فلا خيرَ ولا مصلحةَ في مظلمة، بل الخيرُ كل الخيرِ والمصلحةُ كلُّ المصلحة في العمل بما ورد به الشرع" اهـ.

قلت: وقد استوفى محمد بن إسماعيل الأمير الكلام على مسألة التسعير في "منحة الغفار على ضوء النهار"(3/ 1239 - 1242)، فقد أجاد وأفاد، ولولا الإطالة لنقلته لك.

(5)

انظر: "حاشية" إرشاد الفحول (ص 791 - 792) بتحقيقي.

ص: 240

النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يَحْتَكرُ إلَّا خاطِئٌ"، وكان سَعِيدٌ يَحْتَكِرُ الزَّيْتَ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

ومُسْلِمٌ

(2)

وأبُو دَاوُدَ)

(3)

. [صحيح]

10/ 2281 - (وعَنْ مَعْقِل بْنِ يَسَارٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَخَلَ في شَيءٍ مِنْ أسْعارِ المُسْلِمِين لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ كانَ حَقًّا على الله أنْ يُقْعِدَهُ بعُظْمٍ مِنَ النارِ يَومَ القِيَامَةِ")

(4)

. [صحيح الإسناد]

11/ 2282 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أنْ يُغْلِيَ بِها على المُسْلِمِينَ فَهْوَ خَاطئ". رواهُما أحمَدُ)

(5)

. [ضعيف الإسناد]

(1)

في المسند (6/ 400).

(2)

في صحيحه رقم (130/ 1605).

(3)

في سننه رقم (3447).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1267) وابن ماجه رقم (2154) والدارمي (2/ 248) والبيهقي (6/ 30) والحاكم (2/ 11).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (5/ 27).

قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 12 - 13) والطيالسي رقم (928) والدولابي في الكنى (2/ 124) والطبراني في الكبير (ج 20 رقم 479، 485، 481) وفي المعجم الأوسط رقم (8651) والبيهقى (6/ 30) من طرق.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 101) وقال: فيه زيد بن مرة أبو المعلى، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله رجال الصحيح".

قلت: زيد بن مرة، أبو المعلى. قال أبو داود السجستاني كما في سؤالات الآجري (322): ليس به بأس. وقال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل (3/ 573): صالح الحديث، ووثقه أبو داود الطيالسي، وابن معين، وابن حبان كما في التاريخ لابن معين (2/ 184) والتاريخ الكبير للبخاري (3/ 405) والثقات (6/ 318).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح الإسناد، والله أعلم.

(5)

في المسند (2/ 351) بسند ضعيف لضعف أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني.

قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 12) وعنه البيهقي (6/ 30) من طريق إبراهيم بن إسحاق بن عيسى الغَسِيلي، عن عبد الأعلى بن حماد النرسي، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ:"من احتكر يريد أن يتغالى بها على المسلمين، فهو خاطئ، وقد برئت منه ذمة الله". =

ص: 241

12/ 2283 - (وعَنْ عُمَرَ قالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "مَنْ احْتَكَرَ على المُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ الله بالجُذامِ والإفْلَاسِ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)

(1)

. [ضعيف]

حديث معمر أخرجه أيضًا الترمذي

(2)

وغيره.

وحديث معقل أخرجه الطبراني في الكبير

(3)

والأوسط

(4)

، وفي إسناده زيد بن مرة أبو المعلى

(5)

. قال في مجمع الزوائد

(6)

: ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا الحاكم

(7)

وزاد وقد برئت منه ذمة الله، وفي إسناده أبو معشر

(8)

وهو ضعيف وقد وثق.

وحديث عمر في إسناده الهيثم بن رافع

(9)

؛

= وقال ابن حبان: إبراهيم الغسيلي كان يسرق الحديث [المجروحين 1/ 119]. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف الإسناد، والله أعلم.

(1)

في سننه رقم (2155) بسند ضعيف.

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 164): "هذا إسناد صحيح رجاله موثقون: أبو يحيى المكي وشيخه فروخ ذكرهما ابن حبان في الثقات .... " اهـ.

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(2)

في سننه رقم (1267) وقد تقدم.

(3)

في المعجم الكبير (ج 2 رقم 479، 480، 481) وقد تقدم.

(4)

في المعجم الأوسط رقم (8651). وقد تقدم.

(5)

وهو ثقة وقد ترجم له البخاري في التاريخ الكبير (3/ 405) وابن حبان في الثقات (6/ 318) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 573) كما تقدم عند تخريج الحديث (10/ 2281) من كتابنا هذا.

(6)

(4/ 101).

(7)

في المستدرك (2/ 12) وقد تقدم.

(8)

نجيح أبو معشر السندي، الهاشمي مولاهم المدني، صاحب المغازي.

قال ابن معين: ليس بقوي، وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه. وقال الدارقطني: ضعيف.

[التاريخ الكبير (8/ 114) والمجروحين (3/ 60) والجرح والتعديل (8/ 493) والميزان (4/ 246) والتقريب (2/ 298) والكاشف (3/ 175) والمغني (2/ 694)].

(9)

الهيثم بن رافع الحنفي، أبو الباهلي، أبو يحيى أو أبو الحكم، أو أبو الحارث، وقيل هم ثلاثة: صدوق ربما أخطأ. من السادسة. (ق) التقريب رقم (7372). =

ص: 242

قال أبو داود

(1)

: روى حديثًا منكرًا. قال الذهبي

(2)

: هو الذي خرجه ابن ماجه

(3)

، يعني هذا، وفي إسناده أيضًا أبو يحيى المكي وهو مجهول.

ولبقية أحاديث الباب شواهد:

(منها) حديث ابن عمر عند ابن ماجه

(4)

والحاكم

(5)

وإسحاق بن راهويه والدارمي

(6)

وأبي يعلى

(7)

والعقيلي في الضعفاء

(8)

بلفظ: "الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون"، وضعف الحافظ

(9)

إسناده.

(ومنها) حديث آخر عن ابن عمر أيضًا عند أحمد

(10)

والحاكم

(11)

وابن أبي شيبة

(12)

والبزار

(13)

وأبي يعلى

(14)

بلفظ: "من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه"، زاد الحاكم (5): "وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع

= وقال المحرران: بل ثقة، وثقه ابن معين، وأبو داود، وذكره ابن شاهين وابن حبان في "الثقات"، لكن له حديث واحد منكر في الحِكْرَةِ

ابن ماجه (2155).

(1)

في سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود سليمان بن الأشعث السجستاني. (2/ 92) ولفظه: سمعت أبا داود يقول: روى حديثًا منكرًا عن عثمان بن عفان في الحكرة.

قال محققه: كذا في الأصل، وكذا ذكره المزي عنه، ولكن الحديث الذي أشار إليه من رواية عمر رضي الله عنه، وليس من رواية عثمان أخرجه ابن ماجه ثم ذكره

(2)

انظر: الميزان (4/ 322 رقم 9302).

(3)

في سننه رقم (2155).

(4)

في سننه رقم (2153).

(5)

في المستدرك (2/ 11) وسكت عنه وقال الذهبي: علي بن سالم ضعيف.

(6)

في سننه رقم (2/ 249).

(7)

كما في نصب الراية (4/ 261) ولم أقف عليه في المطبوع من مسنده.

(8)

في الضعفاء الكبير (3/ 232).

(9)

في "التلخيص"(3/ 29). كلهم من حديث عمر؛ لا كما قال الشوكاني عن ابن عمر.

وهو حديث ضعيف والله أعلم.

(10)

في المسند (2/ 33).

(11)

في المستدرك (2/ 11 - 12) وسكت عنه، وقال الذهبي: عمرو تركوه، وأصبغ فيه لين.

(12)

في المصنف (6/ 104).

(13)

في المسند رقم (1311 - كشف).

(14)

في المسند رقم (5746).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 100) وقال: فيه أبو بشر الأملوكي ضعفه ابن معين".

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 243

فقد برئت منهم ذمة الله"، وفي إسناده أصبغ بن زيد

(1)

، وكثير بن مرة

(2)

، والأول مختلف فيه، والثاني قال ابن حزم: إنه مجهول. وقال غيره: معروف، ووثقه ابن سعد.

وروى عنه جماعة واحتج به النسائي.

قال الحافظ

(3)

: [ووهم]

(4)

ابن الجوزي فأخرج هذا الحديث في الموضوعات

(5)

.

وحكى ابن أبي حاتم

(6)

عن أبيه أنه منكر.

ولا شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها [للاستدلال]

(7)

على عدم جواز الاحتكار.

لو فرض عدم ثبوت شيء منها في الصحيح، فكيف وحديث مَعْمَر المذكور في صحيح مسلم

(8)

والتصريح بأنَّ المحتكر خاطئٌ كاف في إفادة عدم الجواز، لأن الخاطئ المذنب العاصي؛ وهو اسم فاعل من خطئ بكسر العين وهمز اللام خطأ بفتح العين وكسر الفاء وسكون العين إذا أثم في فعله، قاله أبو عبيدة

(9)

،

(1)

أصبغ بن زيد بن علي الجهني، مولاهم. أبو عبد الله الواسطي الوراق (ت س ق).

قال ابن حجر في التقريب: (1/ 81): (صدوق يغرب).

قلت: ضعفه جماعة من الأئمة مثل ابن سعد، وابن عدي، وابن حبان، ومسلمة بن قاسم.

ووثقه جماعة منهم ابن معين، والدارقطني، وأبو داود [تهذيب التهذيب (1/ 315 - ط: دار الفكر)].

وقال ابن حزم في "المحلى"(9/ 64): مجهول.

(2)

كثير بن مرة الحضرمي الرهاوي، أبو شجرة ويقال: أبو القاسم الحمصي (4).

قال ابن حجر في "التقريب"(2/ 133): ثقة من الثانية ووهم من عده من الصحابة.

قال الذهبي في "الكاشف"(3/ 6): ثقة، وقال النسائي لا بأس به. [(تهذيب التهذيب)]: (8/ 383 - ط دار الفكر].

وقال ابن حزم في المحلى (9/ 64): مجهول.

(3)

في "التلخيص"(3/ 35).

(4)

في المخطوط (ب): (وهم).

(5)

(2/ 242).

(6)

في "علل الحديث"(1/ 392).

(7)

في المخطوط (أ): (للاستدل) وهو خطأ.

(8)

رقم (130/ 1605) وقد تقدم.

(9)

في مجاز القرآن (1/ 376).

ص: 244

وقال: سمعت الأزهري

(1)

يقول: خطئ إذا تعمَّد، وأخطأ إذا لم يتعمَّدْ.

قوله: (بعُظْم) بضم العين المهملة وسكون الظاء المعجمة: أي بمكان عظيم من النار.

قوله: (حُكْرة) بضم الحاء المهملة وسكون الكاف، وهي حبس السلع عن البيع

(2)

.

وظاهر أحاديث الباب أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره، والتصريح بلفظ:"الطعام" في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة، بل [هو]

(3)

من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق، وذلك لأن نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو بمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور

(4)

، وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في الأصول

(5)

.

وذهبت الشافعية

(6)

إلى أن المحرم إنما هو احتكار الأقوات خاصة لا غيرها ولا مقدار الكفاية منها، وإلى ذلك ذهبت الهادوية

(7)

.

قال ابن رسلان في شرح السنن: ولا خلاف في أن ما يدخره الإنسان من قوت وما يحتاجون إليه من سمن وعسل وغير ذلك جائز لا بأس به، انتهى.

ويدل على ذلك ما ثبت "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي كل واحدة من زوجاته

(1)

تهذيب اللغة (7/ 498).

(2)

انظر: النهاية (1/ 408) والقاموس المحيط ص 484.

(3)

في المخطوط (ب): هي.

(4)

البحر المحيط (4/ 25) وتيسير التحرير (1/ 101).

(5)

قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 602): "والحاصلُ أن القائلَ به كُلاًّ أو بعضًا لم يأتِ بحجة لغويةٍ ولا شرعية ولا عقليةٍ، ومعلومٌ من لسان العرب أن من قال رأيتُ زيدًا لم يقْتضِ أنه لم ير غيرَه قطعًا، وأما إذا دلت القرينةُ على العمل به فذلك ليس إلا للقرينة فهو خارجٌ عن محل النزاع" اهـ.

وانظر: الكوكب المنير (3/ 509).

(6)

البيان للعمراني (5/ 355).

(7)

البحر الزخار (3/ 319) وضوء النهار (3/ 1237).

ص: 245

مائة وسق من خيبر"

(1)

.

قال ابن رسلان في شرح السنن: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَّخر لأهله قوت سنتهم من تمر وغيره.

قال أبو داود

(2)

: قيل: لسعيد، يعني ابن المسيب فإنك تحتكر؟! قال: ومعمر كان يحتكر، وكذا في صحيح مسلم

(3)

.

قال ابن عبد البر

(4)

وآخرون: إنما كانا يحتكران الزيت، وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه، وكذلك حمله الشافعي

(5)

وأبو حنيفة (5) وآخرون، ويدل على اعتبار الحاجة وقصد إغلاء السعر على المسلمين قوله في حديث معقل

(6)

: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم"، وقوله في حديث أبي هريرة

(7)

: "يريد أن يغلي بها على المسلمين".

قال أبو داود

(8)

: سألت أحمد ما الحكرة؟ قال: ما فيه عيش الناس، أي: حياتهم وقوتهم.

وقال الأثرم

(9)

: سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسئل عن أي شيء الاحتكار؟ فقال: إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره وهذا قول ابن عمر.

وقال الأوزاعي

(10)

: المحتكر من يعترض السوق، أي: ينصب نفسه للتردد إلى الأسواق ليشتري منها الطعام الذي يحتاجون إليه ليحتكره.

قال السبكي

(11)

: الذي ينبغي أن يقال في ذلك: إنه إن منع غيره من الشراء وحصل به ضيق حرم، وإن كانت الأسعار رخيصة وكان القدر الذي يشتريه لا

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 22، 37) والبخاري رقم (2328) ومسلم رقم (2/ 1551) وأبو داود رقم (3008) من حديث ابن عمر.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(2)

في سننه رقم (3447) وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (129/ 1605).

(4)

في الاستذكار (20/ 72 رقم 29302).

(5)

المجموع شرح المهذب (12/ 126).

(6)

تقدم برقم (2281) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (2282) من كتابنا هذا.

(8)

في سننه عقب الحديث رقم (3447).

(9)

انظر: المغني (6/ 315 - 316).

(10)

انظر: المغني (6/ 316 - 317).

(11)

انظر: المجموع شرح المهذب (12/ 125).

ص: 246

حاجة بالناس إليه فليس لمنعه من شرائه وادخاره إلى وقت حاجة الناس إليه معنى.

قال القاضي حسين

(1)

والروياني: وربما يكون هذا حسنة لأنه ينفع به الناس وقطع المحاملي في المقنع

(2)

باستحبابه.

قال أصحاب الشافعي: الأولى بيع الفاضل عن الكفاية.

قال السبكي (2): أما إمساكه حالة استغناء أهل البلد عنه رغبة في أن يبيعه إليهم وقت حاجتهم إليه فينبغي أن لا يُكْرَه بل يُسْتَحبّ.

والحاصل أن العلَّة إذا كانت هي الإضرار بالمسلمين لم يَحْرُم الاحتكار إلا على وجه يضرّ بهم، ويستوي في ذلك القوت وغيره لأنهم يتضررون بالجميع.

قال الغزالي

(3)

في الإحياء: ما ليس بقوت ولا معين عليه فلا يتعدى النهي إليه، وإن كان مطعومًا وما يعين على القوت كاللحم والفواكه وما يسد مسد شيء من القوت في بعض الأحوال وإن كان لا يمكن المداومة عليه فهو في محل النظر.

فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل والشيرج والجبن والزيت وما يجري مجراه.

وقال السبكي

(4)

: إذا كان في وقت قحط كان في ادخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها إضرار، فينبغي أن يقضي بتحريمه، وإذا لم يكن إضرار فلا يخلو احتكار الأقوات عن كراهة.

وقال القاضي حسين: إذا كان الناس يحتاجون الثياب ونحوها لشدة البرد أو لستر العورة فيكره لمن عنده ذلك إمساكه.

قال السبكي (4): إن أراد كراهة تحريم فظاهر، وإن أراد كراهة تنزيه فبعيد. وحكى أبو داود

(5)

عن قتادة أنه قال: ليس في التمرة حكرة.

(1)

في شفاء الأوام (2/ 424).

(2)

انظر: المجموع شرح المهذب (12/ 125).

(3)

في إحيائه (2/ 73).

(4)

المجموع (12/ 126).

(5)

في سننه رقم (3448) وهو ضعيف الإسناد مقطوع.

ص: 247

وحكي

(1)

أيضًا عن سفيان أنه سئل عن كَبْس القَتّ فقال: كانوا يكرهون الحكرة. والكبس

(2)

بفتح الكاف وإسكان الموحدة، والقت

(3)

بفتح القاف وتشديد التاء الفوقية، وهو اليابس من القضب.

قال الطيبي

(4)

: [إن]

(5)

التقييد بالأربعين اليوم غير مراد به التحديد انتهى، ولم أجد من ذهب إلى العمل بهذا العدد.

[الباب السادس] باب النهي عن كسر سكة المسلمين إلا من بأس

13/ 2284 - (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو المَازِنيّ قالَ: نَهى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ تُكْسَرَ سِكّةُ الْمُسْلِمِينَ الجائِزَةُ بَيْنَهُمْ إلَّا مِن بأسٍ. رَوَاه أحْمَدُ

(6)

وأبُو دَاوُدَ

(7)

وَابْنُ ماجَهْ)

(8)

. [ضعيف]

الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك

(9)

، وزاد:"نهى أن تكسر الدراهم فتجعل فضة، وتكسر الدنانير فتجعل ذهبًا"، ضعفه ابن حبان

(10)

، ولعل وجه الضعف كون في إسناده محمد بن فضاء

(11)

، بفتح الفاء والضاد المعجمة الأزدي

(1)

أيضًا أبو داود في سننه رقم (3448) وهو ضعيف الإسناد مقطوع.

(2)

النهاية (2/ 518) والقاموس المحيط (ص 734).

(3)

النهاية (2/ 413).

(4)

في شرحه على مشكاه المصابيح (6/ 110).

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

في المسند (3/ 419).

(7)

في سننه رقم (3449).

(8)

في سننه رقم (2263).

(9)

في المستدرك (2/ 31)، وسكت الحاكم عن إسناده، وكذا الذهبي.

(10)

في المجروحين (2/ 274).

(11)

محمد بن فضاء الأزدي البصري العابر، عن أبيه. ضعفه ابن معين؛ وقال العقيلي: لا يُتابع على حديثه، وهو أخو خالد بن فضاء

[الميزان (4/ 5 رقم الترجمة 8054).

وخلاصة القول: أن حديث عبد الله بن عمرو المازني حديث ضعيف لضعف محمد بن فضاء، والله أعلم.

وانظر: "الضعيفة" للألباني رحمه الله (رقم 4706).

ص: 248

الحمصي البصري المعبِّر للرؤيا، قال المنذري

(1)

: لا يحتج بحديثه.

قوله: (سِكة)

(2)

بكسر السين المهملة: أي الدراهم المضروبة على السكة الحديد المنقوشة التي تطبع عليها الدراهم والدنانير.

قوله: (الجائزة) يعني النافقة في معاملتهم.

قوله: (إلا من بأس) كأن تكون زيوفًا، وفي معنى كسر الدراهم كسر الدنانير والفلوس التي عليها سكة الإمام، لا سيما إذا كان التعامل بذلك جاريًا بين المسلمين كثيرًا.

والحكمة في النهي ما في الكسر من الضرر بإضاعة المال لما يحصل من النقصان في الدراهم ونحوها إذا كسرت وأبطلت المعاملة بها.

قال ابن رسلان: لو أبطل السلطان المعاملة بالدراهم التي ضربها السلطان الذي قبله وأخرج غيرها جاز كسر تلك الدراهم التي أبطلت وسبكها لإخراج الفضة التي فيها.

وقد يحصل في سبكها وكسرها ربح كثير لفاعله، انتهى.

ولا يخفى أن الشارع لم يأذن في الكسر إلا إذا كان بها بأس، ومجرد الإبدال لنفع البعض ربما أفضى إلى الضرر بالكثير من الناس، فالجزم بالجواز من غير تقييد بانتفاء الضرر لا ينبغي.

قال أبو العباس بن سريج: إنهم كانوا يقرضون أطراف الدراهم والدنانير بالمقراض. ويخرجونها عن السعر الذي يأخذونهما به، ويجمعون من تلك [القراضة]

(3)

شيئًا كثيرًا بالسبك كما هو معهود في المملكة الشامية وغيرها، وهذه الفعلة [هي]

(4)

التي نهى الله عنها قوم شعيب بقوله: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}

(5)

. فقالوا: {أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا}

(6)

. يعني الدراهم والدنانير {مَا نَشَاءُ}

(7)

من

(1)

في "المختصر"(5/ 91).

(2)

النهاية (1/ 790) والفائق (2/ 189).

(3)

زيادة من المخطوط (أ).

(4)

زيادة في المخطوط (أ).

(5)

سورة هود، الآية:85.

(6)

و

(7)

سورة هود، الآية:87.

ص: 249

القرض ولم ينتهوا عن ذلك {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ}

(1)

.

فائدة: قال في البحر

(2)

: مسئلة الإمام يحيى: لو باع بنقد ثم حرم السلطان التعامل به قبل قبضه فوجهان: يلزم ذلك النقد إذ عقد عليه.

الثاني: يلزم قيمته إذ صار لكساده كالعرض، انتهى.

قال في المنار

(3)

: وكذلك لو صار كذلك، يعني النقد لعارض آخر، وكثيرًا ما وقع هذا في [زمننا]

(4)

لفساد الضربة لإهمال الولاة النظر في المصالح، والأظهر أن اللازم: القيمة؛ لما ذكره المصنف، انتهى.

[الباب السابع] باب ما جاء في اختلاف المتبايعين

14/ 2285 - (عَن ابْنِ مَسْعُود قالَ: قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا اخْتَلَفَ البَيعان وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فالقَوْلُ ما يَقُولُ صاحبُ السِّلْعَة أوْ يَتَرَادَّان"، رَوَاهُ الإمام أحْمَدُ

(5)

وأَبُو دَاوُدَ

(6)

والنَّسائيُّ

(7)

، وَزَادَ فِيهِ ابْنُ ماجَه

(8)

." [والبَيْعُ]

(9)

قائم بعَيْنه" [حسن]

وكذَلِكَ لأحَمدُ في رِوَايَة

(10)

"والسِّلْعَةُ كَمَا هِيَ". [حسن]

وللدَّارَقُطْني

(11)

عَنْ أبي وَائِل عَنْ عَبْدِ الله قالَ: "إذَا اخْتَلَفَ البَيِّعان والبَيْعُ مُسْتهْلِكٌ فالقَوْلُ قَوْلُ البائِعِ" وَرَفَعَ الحَديثَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. [حسن]

(1)

سورة المؤمنون، الآية:41.

(2)

البحر الزخار (3/ 299).

(3)

للمقبلي (2/ 61).

(4)

في المخطوط (ب): (زماننا).

(5)

في المسند (1/ 466).

(6)

في سننه رقم (3511).

(7)

في سننه رقم (4649).

(8)

في سننه رقم (2186).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 250) وأبو يعلى رقم (4984) والدارقطني (3/ 21) والبيهقي (5/ 333) وغيرهم.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(9)

في المخطوط (ب): (والمبيع).

(10)

في المسند (1/ 466) بسند ضعيف. ولكن الحديث حسن، والله أعلم.

(11)

في سننه رقم (3/ 21 رقم 71).

ص: 250

ولأحْمَدَ

(1)

وَالنّسائيّ

(2)

عنْ أبي عُبَيْدة وأتاهُ رَجُلانِ تَبايَعا سلْعةً، فَقالَ هَذَا: أخَذتُ بَكَذَا وَكَذَا، وَقَالَ هَذَا: بعْتُ بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أبُو عُبَيْدَةَ: أُتِيَ عَبْدُ الله في مثْلِ هَذَا فَقَالَ: حَضَرْتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم في مثْل هَذَا، فأمَرَ بالبائع أنْ يُسْتَحْلَفَ، ثُم يخَيَّر المبتاع إنْ شَاءَ أخَذَ، وَإنْ شاء تَرَكَ". [حسن]

الحديث روي عن عبد الله بن مسعود من طرق بألفاظ ذكر المصنف رحمه الله بعضها، وقد أخرجه أيضًا الشافعي

(3)

من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود.

وقد اختلف فيه على إسماعيل بن أمية ثم على ابن جريج.

وقد اختلف في صحة سماع أبي عبيدة من أبيه.

ورواه من طريق أبي عبيدة أحمد

(4)

والنسائي

(5)

والدارقطني

(6)

. وقد صححه الحاكم

(7)

وابن السكن

(8)

.

ورواه أيضًا الشافعي

(9)

من طريق سفيان بن عجلان عن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود. وفيه أيضًا نقطاع لأن عونًا لم يدرك ابن مسعود.

ورواه الدارقطني

(10)

من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن

(1)

في المسند (1/ 466).

(2)

في سننه رقم (4649) بسند ضعيف، لكن الحديث حسن بمجموع طرقه.

(3)

الأم (4/ 20 رقم 1448) ومعرفة السنن والآثار للبيهقي رقم (11412).

(4)

في المسند (1/ 466).

(5)

في سننه رقم (4649).

(6)

في سننه رقم (3/ 18 رقم 61).

(7)

في المستدرك (2/ 45) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(8)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 73).

(9)

في السنن (1/ 332 - 333) رقم 240.

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1270) وقال: هذا حديث مرسل عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود.

وهو حديث حسن لغيره.

(10)

في سننه رقم (3/ 20 رقم 67).

قلت: وأخرجه الطبراني في الأوسط رقم (3720) وقال: "لم يرو هذا الحديث عن موسى بن عقبة إلا إسماعيل بن عياش" اهـ.

ص: 251

مسعود عن أبيه عن جده، وفيه إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة.

ورواه أبو داود

(1)

من طريق عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده عن ابن مسعود.

وأخرجه

(2)

أيضًا من طريق محمد بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن ابن مسعود، ومحمد بن أبي ليلى لا يحتج به وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه.

ورواه ابن ماجه

(3)

والترمذي

(4)

من طريق عون بن عبد الله أيضًا عن ابن مسعود، وقد سبق أنه منقطع.

قال البيهقي

(5)

: وأصح إسناد روي في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده.

ورواه أيضًا الدارقطني

(6)

من طريق القاسم بن عبد الرحمن.

قال الحافظ

(7)

: ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه.

ورواية التراد رواها أيضًا مالك

(8)

بلاغًا، والترمذي (4) وابن ماجه (3) بإسناد منقطع.

ورواه أيضًا الطبراني

(9)

بلفظ: "البيعان إذا اختلفا في البيع ترادَّا"، قال الحافظ

(10)

: رواته ثقات، لكن اختلف في عبد الرحمن بن صالح، يعني الراوي له عن فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود. قال

(1)

أبي داود رقم (3511).

(2)

أي أبي داود رقم (3512).

(3)

في سننه رقم (2186).

(4)

في سننه رقم (1270) وقال: هذا حديث مرسل عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود.

وهو حديث حسن.

(5)

في معرفة السنن والآثار رقم (11420).

(6)

في سننه (3/ 20 - 21 رقم 64 - 70).

(7)

في "التلخيص"(3/ 75).

(8)

في الموطأ (2/ 671 رقم 80) بلاغًا.

(9)

في المعجم الكبير (ج 10 رقم 9987).

(10)

في "التلخيص"(3/ 74).

ص: 252

وما أظنه حفظه، فقد جزم الشافعي

(1)

أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شيء موصول.

ورواه أيضًا النسائي

(2)

والبيهقي

(3)

والحاكم

(4)

من طريق عبد الرحمن بن قيس بالإسناد الذي رواه عنه أبو داود كما سلف، وصححه من هذا الوجه الحاكم وحسنه البيهقي.

ورواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند

(5)

من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده بلفظ: "إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بيِّنة لأحدهما تحالفا".

ورواه من هذا الوجه الطبراني

(6)

والدارمي

(7)

، وقد انفرد بقوله:"والسلعة قائمة" محمد بن أبي ليلى، ولا يحتج به كما عرفت لسوء حفظه.

قال الخطابي

(8)

: إن هذه اللفظة، يعني "والسلعة قائمة" لا تصح من طريق النقل مع احتمال أن يكون ذكرها من التغليب، لأن أكثر ما يعرض النزاع حال قيام السلعة كقوله تعالى:{فِي حُجُورِكُمْ}

(9)

ولم يفرق أكثر الفقهاء في البيوع الفاسدة بين القائم والتالف، انتهى.

وأبو وائل الراوي لقوله: "والبيع مستهلك" كما في حديث الباب هو عبد الله بن بحير

(10)

شيخ عبد الرزاق الصنعاني القاص، وثقه ابن معين. وقال

(1)

في الأم (4/ 20). وانظر: معرفة السنن والآثار (8/ 140 رقم 11411).

(2)

في سننه رقم (4648).

(3)

في السنن الكبرى (5/ 332).

(4)

في المستدرك (2/ 45) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(5)

في المسند (1/ 466) بسند ضعيف.

وهو حديث حسن لغيره، وانظر:"الصحيحة" رقم (798).

(6)

في المعجم الكبير (ج 10 رقم 10365).

(7)

في السنن (2/ 250).

(8)

في معالم السنن (3/ 781 - مع السنن).

(9)

سورة النساء، الآية:23.

(10)

عبد الله بن بحير الصنعاني شيخ عبد الرزاق، وثقه ابن معين وأكثر المصنفين على أنه عبد الله بن بحير بن ريسان. قال الذهبي في "التذهيب": لم يفرق بينهما أحد قبل ابن حبان وهما واحد.

لكنه قال في الميزان: (2/ 395 رقم 4222) تعليقًا على قول ابن حبان في "المجروحين" =

ص: 253

ابن حبان

(1)

: يروي العجائب التي كأنها معمولة لا يحتج به، وليس هذا المذكور عبد الله بن بحير بن رَيْسان فإنه ثقة، وعلى هذا فلا يقبل ما تفرد به أبو وائل المذكور.

وأما قوله فيه: "تحالفا"، فقال الحافظ

(2)

: لم يقع عند أحد منهم، وإنما عندهم:"والقول قول البائع أو يترادان البيع"، انتهى.

قال ابن عبد البر

(3)

: إن هذا الحديث منقطع إلا أنه مشهور الأصل عند جماعة تلقوه بالقبول وبنوا عليه كثيرًا من فروعه، وأعله ابن حزم

(4)

بالانقطاع وتابعه عبد الحق

(5)

، وأعله هو وابن القطان

(6)

بالجهالة في عبد الرحمن وأبيه وجده، وقال الخطابي

(7)

: هذا حديث قد اصطلح الفقهاء على قبوله وذلك يدل على أن له أصلًا وإن كان في إسناده مقال، كما اصطلحوا على قبول:"لا وصية لوارث"

(8)

= (2/ 24 - 25): "أبو وائل القاص: اسمه عبد الله بن بحير الصنعاني وليس هو عبد الله بن بحير بن ريسان ذاك ثقة

".

"قلت: وابن ريسان غزا المغرب زمن معاوية، وأدركه بكر بن مُضَر، وابن لهيعة. وأبو وائل هذا روى عن عروة بن محمد بن عطية وعبد الرحمن بن يزيد الصنعاني وغيرهما".

وذكر الجعدي: أن عبد الله بن الزبير استعمل على الجند بحير بن ريسان وقال: كان ابنه عبد الله بن بحير يروي عن همام بن منبه.

[التاريخ الكبير (5/ 49) والميزان (2/ 395) وتهذيب التهذيب (2/ 305 - 306)].

(1)

في "المجروحين"(2/ 24 - 25).

(2)

في "التلخيص"(3/ 75).

(3)

في "التمهيد"(12/ 231).

(4)

في "المحلى"(8/ 368).

(5)

في "الأحكام الوسطى" (3/ 270 - 271 - ط: دار الرشد.

(6)

في بيان الوهم والإيهام (3/ 524 - 526 رقم 1298).

(7)

في "معالم السنن"(3/ 782 - مع السنن).

(8)

ورد عن جماعة من الصحابة: منهم: عمرو بن خارجة. وأبي أمامه، وأنس، وابن عباس، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وجابر، وعلي.

• أما حديث عمرو بن خارجة، فقد أخرجه أحمد في المسند (4/ 186 - 187) والترمذي رقم (2121) والنسائي (6/ 247) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (786) و (2481) وأبو يعلى رقم (1508) والطبراني في الكبير (ج 17 رقم 61) وإسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، لكن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

• وأما حديث أبي أمامة، فقد أخرجه أحمد في المسند (5/ 267) وأبو داود رقم (2870) والترمذي رقم (2120) وابن ماجه رقم (2713) والطيالسي رقم (1127) والبيهقي =

ص: 254

[وإسناده]

(1)

فيه ما فيه، اهـ.

قوله: (البيعان) أي البائع والمشتري كما تقدم في الخيار، ولم يذكر الأمر الذي فيه الاختلاف، وحَذْفُ المتعلّق مشعر بالتعميم في مثل هذا المقام على ما تقرر في علم المعاني

(2)

فيعم الاختلاف في المبيع والثمن وفي كل أمر يرجع إليهما وفي سائر الشروط المعتبرة، والتصريح في الاختلاف في الثمن في بعض الروايات كما وقع في الباب لا ينافي هذا العموم المستفاد من الحذف.

قوله: (صاحب السلعة)، هو البائع كما وقع التصريح به في سائر الروايات

= (6/ 264) والدولابي في الكنى (1/ 64) وسعيد بن منصور في سننه (1/ 125 رقم 427).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

• وأما حديث أنس فقد أخرجه ابن ماجه رقم (2714) والطبراني في "الشاميين" رقم (621) والدارقطني (4/ 70 رقم 8) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 264 - 265).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 368: "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات".

وهو حديث صحيح.

• وأما حديث ابن عباس، فقد أخرجه الدارقطني (4/ 97 رقم 89).

وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 199): "إسناده حسن".

• وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فقد أخرجه الدارقطني (4/ 98 رقم 93).

وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 199): "إسناده واه".

• وأما حديث جابر فقد أخرجه الدارقطني (4/ 97 رقم 90) وصوب إرساله من هذا الوجه، قاله الحافظ في "التلخيص"(3/ 199).

• وأما حديث علي فقد أخرجه الدارقطني (4/ 97 رقم 91) وإسناده ضعيف. قاله الحافظ في "التلخيص"(3/ 199).

- وقال الشافعي في "الأم"(4/ 114 - ط: دار قتيبة): "إن هذا المتن متواتر فقال: وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: "لا وصية لوارث".

ويؤثرونه عمن حفظوه عنه ممن لقوه من أهل العلم، فكان نقل كافة عن كافة فهو أقوى من نقل واحد" اهـ.

(1)

في المخطوط (ب): (وفي إسناده).

(2)

انظر: "جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع" ص 101 - 102.

ص: 255

فلا وجه لما روي عن البعض أن رب السلعة في الحال هو المشتري.

وقد استدل بالحديث من قال: إن القول قول البائع إذا وقع الاختلاف بينه وبين المشتري في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد ولكن مع يمينه كما وقع في الرواية الآخرة، وهذا إذا لم يقع التراضي بينهما على الترادّ، فإن تراضيا على ذلك جاز بلا خلاف، فلا يكون لهما خلاص عن النزاع إلا التفاسخ أو حلف البائع، والظاهر عدم الفرق بين بقاء المبيع وتلفه لما عرفت من عدم انتهاض الرواية المصرح فيها باشتراط بقاء المبيع للاحتجاج، والترادّ مع التلف ممكن بأن يرجع كل واحد منهما بمثل المثلي وقيمة القيمة.

إذا تقرر لك ما يدل عليه هذا الحديث من كون القول قول البائع من غير فرق، فاعلم أنه لم يذهب إلى العمل به في جميع صور الاختلاف أحد فيما أعلم، بل اختلفوا في ذلك اختلافًا طويلًا على حسب ما هو مبسوط في الفروع، ووقع الاتفاق في بعض الصور والاختلاف في بعض.

وسبب الاختلاف في ذلك ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه"

(1)

، لأنه يدل بعمومه على أن اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعي من غير فرق بين أن يكون أحدهما بائعًا والآخر مشتريًا أو لا.

وحديث الباب يدل على أن القول قول البائع مع يمينه، والبينة على المشتري من غير فرق بين أن يكون البائع مدعيًا أو مُدعى عليه.

فبين الحديثين عموم وخصوص من وجه، فيتعارضان باعتبار مادة الاتفاق وهي حيث يكون البائع مدعيًا فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى الأمور الخارجة، وحديث " [أن]

(2)

اليمين على المدعى عليه"، عزاه المصنف في كتاب الأقضية إلى أحمد

(3)

ومسلم

(4)

، وهو أيضًا في صحيح البخاري

(5)

في الرهن، وفي باب

(1)

سيأتي برقم (3934) من كتابنا هذا.

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

في المسند (1/ 253، 288).

(4)

في صحيحه رقم (1، 2/ 1711).

(5)

في صحيحه رقم (2514).

ص: 256

اليمين على المدعى عليه

(1)

، وفي تفسير آل عمران

(2)

.

وأخرجه الطبراني

(3)

بلفظ: "البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه".

وأخرجه الإسماعيلي

(4)

بلفظ: "ولكن البينة على الطالب، واليمين على المطلوب".

وأخرجه البيهقي

(5)

بلفظ: "لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر".

وهذه الألفاظ كلها في حديث ابن عباس، فمن رام الترجيح بين الحديثين لم يصعب عليه ذلك بعد هذا البيان، ومن أمكنه الجمع بوجه مقبول فهو المتعين.

(1)

أخرجه البخاري (5/ 280 رقم الباب (20) - مع الفتح) معلقًا.

(2)

في صحيح البخاري رقم (4552).

(3)

في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11224 و 11225).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 282).

(5)

في السنن الكبرى (10/ 252).

ص: 257

[الكتاب الثامن] كتاب السلم

1/ 2286 - (عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدمَ النَّبي صلى الله عليه وسلم المَدينَةَ وَهُمْ يُسْلفُونَ في الثمارِ السَّنَةَ والسَّنتَيْنِ، فَقَالَ:"مَنْ أَسْلَفَ فَلْيسْلفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعلُومٍ إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ"، رَوَاهُ الجَمَاعَةُ

(1)

. [صحيح]

وَهُوَ حُجَّةٌ في السَّلَم في مُنْقَطعِ الجنْسِ حالَةَ العَقْد).

قوله: (كتاب السَّلَم) هو بفتح السين المهملة، واللام كالسلف وزنًا ومعنى.

وحكى في الفتح

(2)

عن الماوردي

(3)

أن السَّلَف لغةُ أهلِ العراق، والسَّلَم لغةُ أهلِ الحجاز.

وقيل: السَّلف تقديم رأس المال، والسلم: تسليمه في المجلس، فالسلف أعمّ.

قال في الفتح

(4)

: والسَّلم شرعًا: بيع موصوف في الذمة. وزيد في الحدّ: ببدل يعطى عاجلًا، وفيه نظر لأنه ليس داخلًا في حقيقته.

قال

(5)

: واتفق العلماء على مشروعيته إلا ما حكي عن ابن المسيب.

(1)

أحمد في المسند (1/ 217، 222، 282، 358) والبخاري رقم (2239) ومسلم رقم (127/ 1604) وأبو داود رقم (3463) والترمذي رقم (1311) والنسائي رقم (4616) وابن ماجه رقم (2280).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 265) وابن الجارود رقم (614، 615) والبيهقي (6/ 18، 19) والحميدي (1/ 237 رقم 510) والدارقطني (3/ 4) والبغوي في شرح السنة (8/ 173) والشافعي في الرسالة (ص 337 - 338). وفي المسند (رقم 557 - ترتيب).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(2)

(4/ 428).

(3)

الحاوي الكبير (5/ 388).

(4)

(4/ 428).

(5)

أي الحافظ في المرجع السابق (4/ 428).

ص: 258

واختلفوا في بعض شروطه، واتفقوا على أنه يشترط له ما يشترط للبيع، وعلى تسليم رأس المال في المجلس.

واختلفوا هل هو عقد غرر جوز للحاجة أم لا؟ اهـ.

قوله: (يسلفون) بضم أوله.

قوله: (السنة والسنتين)، في رواية للبخاري

(1)

: "عامين أو ثلاثة"، والسنة: بالنصب على الظرفية أو على المصدر، [وكذلك]

(2)

لفظ سنتين وعامين.

قوله: (في كيل معلوم) احترز بالكيل عن السلم في الأعيان، وبقوله:"معلوم" عن المجهول من المكيل والموزون، وقد كانوا في المدينة حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون في ثمار نخيل بأعيانها، فنهاهم عن ذلك لما فيه من الغرر، إذ قد تصاب تلك النخيل بعاهة فلا تثمر شيئًا.

قال الحافظ

(3)

: واشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيل متفق عليه من أجل اختلاف المكاييل إلا أن لا يكون في البلد سوى كيل واحد فإنه ينصرف إليه عند الإطلاق.

قوله: (إلى أجل معلوم)، فيه دليل على اعتبار الأجل في السلم، وإليه ذهب الجمهور

(4)

، وقالوا: لا يجوز السلم حالًا، وقالت الشافعية

(5)

: يجوز، قالوا: لأنه إذا جاز مؤجلًا مع الغرر فجوازه حالًا أولى، وليس ذكر الأجل في الحديث لأجل الاشتراط بل معناه إن كان لأجل فليكن معلومًا.

وتعقب بالكتابة فإن التأجيل شرط فيها.

وأجيب بالفرق لأن الأجل في الكتابة شرع لعدم قدرة العبد غالبًا، واستدل الجمهور على اعتبار التأجيل بما أخرجه الشافعي

(6)

والحاكم

(7)

وصححه عن ابن عباس أنه قال: "أشهد أن السَّلف المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه وأذن

(1)

في صحيحه رقم (2239).

(2)

في المخطوط (ب): (وكذا).

(3)

في "الفتح"(4/ 428).

(4)

المغني (6/ 384).

(5)

الأم (4/ 181) البيان للعمراني (5/ 396) والحاوي الكبير (5/ 389).

(6)

في المسند (ج 2 رقم 598 - ترتيب).

(7)

في المستدرك (2/ 286) وقال: صحيح على شرط الشيخين، قال الذهبي تعقيبًا عليه: =

ص: 259

فيه، ثم قرأ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}

(1)

.

ويجاب بأن هذا يدل على جواز السلم إلى أجل، ولا يدل على أنه لا يجوز إلا مؤجلًا.

وبما أخرجه ابن أبي شيبة

(2)

عن ابن عباس أنه قال: "لا تسلف إلى العطاء ولا إلى الحصاد واضرب أجلًا".

ويجاب بأن هذا ليس بحجة لأنه موقوف عليه.

وكذلك يجاب عن قول أبي سعيد الذي علَّقه البخاري

(3)

ووصله عبد الرزاق

(4)

بلفظ: "السلم بما يقوم به السعر ربًا، ولكن السلف في كيل معلوم إلى أجل".

وقد اختلف الجمهور في مقدار الأجل، فقال أبو حنيفة

(5)

: لا فرق بين الأجل القريب والبعيد.

وقال أصحاب مالك

(6)

: لا بد من أجل تتغير فيه الأسواق، وأقله عندهم ثلاثة أيام، وكذا عند الهادوية

(7)

وعند ابن قاسم

(8)

خمسة عشر يومًا.

وأجاز مالك

(9)

السلم إلى العطاء والحصاد ومقدم الحاج، ووافقه أبو

= إبراهيم ذو زوائد عن ابن عيينة، وإبراهيم هو ابن بشار الراوي له عن سفيان عند الحاكم.

وتعقبه المحدث الألباني في "الإرواء"(5/ 213) بقوله: تابعه جماعة منهم الشافعي، أخبرنا سفيان، فالسند صحيح، غير أنه على شرط مسلم وحده، فإن أبا حسان (الأعرج) لم يخرج له البخاري" اهـ.

وصححه الألباني في الإرواء رقم (1369).

(1)

سورة البقرة، الآية:282.

(2)

في المصنف (6/ 69).

(3)

في صحيحه (4/ 434 رقم الباب (7) - مع الفتح) معلقًا.

(4)

في المصنف رقم (14072).

(5)

البناية في شرح الهداية (7/ 550) وبدائع الصنائع (5/ 178). وشرح فتح القدير (7/ 82 - 83).

(6)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 315). وعيون المجالس (3/ 1508 - 1509).

(7)

البحر الزخار (3/ 399).

(8)

عيون المجالس (3/ 1509).

(9)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 331).

ص: 260

ثور

(1)

، واختار ابن خزيمة تأقيته إلى الميسرة.

واحتجّ بحديث عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي: ابعث إليَّ ثوبين إلى الميسرة"، وأخرجه النسائي

(2)

، وطعن ابن المنذر في صحته، وليس في ذلك دليل على المطلوب، لأن التنصيص على نوع من أنواع الأجل لا ينفي غيره.

وقال المنصور

(3)

بالله: وأقله أربعون يومًا، وقال الناصر: أقله ساعة.

والحق ما ذهبت إليه الشافعية

(4)

من عدم اعتبار الأجل لعدم ورود دليل يدل عليه فلا يلزم التعبد بحكم بدون دليل.

وأما ما يقال من أنه يلزم مع عدم الأجل أن يكون بيعًا للمعدوم، ولم يرخص فيه إلا في السلم، ولا فارق بينه وبين البيع إلا الأجل. فيجاب عنه بأن الصيغة فارقة وذلك كاف.

واعلم أن للسلم شروطًا غير ما اشتمل عليه الحديث مبسوطة في كتب الفقه

(5)

، ولا حاجة لنا في التعرض لما لا دليل عليه إلا أنه وقع الإجماع على اشتراط معرفة صفة الشيء المسلّم

(6)

فيه على وجه يتميز بتلك المعرفة عن غيره.

2/ 2287 - (وَعَن عَبْدِ الرحْمَنِ بْنِ أبْزَى وَعَبْد الله بْنِ أبي أوْفى قالا: كُنَّا نُصِيبُ المغانمَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وكانَ يأتينا أنْباط من أنْباط الشَّام فَنُسْلِفُهمْ في الْحنطَة وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ إلى أجَل مُسَمًّى، قيل: أكانَ لَهُمْ زَرْع أوَ لْم يَكُنْ؟ قالا: ما كنا نَسْألُهُمْ عَن ذلكَ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

والبخارِيُّ

(8)

.

وفِي رِوَايَة: كنَّا نُسْلفُ على عَهْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْر وعمَرَ في الحنْطةِ والشَّعيرِ

(1)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (6/ 403).

(2)

في سننه رقم (4628) وهو حديث صحيح.

(3)

حكاه صاحب شرح الأزهار (6/ 575) عنه.

(4)

الحاوي الكبير (5/ 395) والبيان للعمراني (5/ 396 - 397).

(5)

بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/ 387 - 391) بتحقيقي. ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 327 - 334).

(6)

المغني (6/ 391).

(7)

في المسند (4/ 354).

(8)

في صحيحه رقم (2244، 2245).

ص: 261

وَالزيْتِ والتَّمْرِ وَما نَرَاه عنْدهَمْ. رَوَاه الخَمْسَةُ إلا الترمذي)

(1)

. [صحيح]

3/ 2288 - (وَعَنْ أبي سَعِيد قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أسْلَمَ في شَيء فَلا يَصْرفهُ إلى غَيْرِهِ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(2)

وَابْنُ ماجَهْ)

(3)

[ضعيف]

4/ 2289 - (وَعَنْ ابْن عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أسْلَفَ شَيْئًا فَلَا يَشْرِط على صَاحِبِهِ غَيْر قَضَائِهِ"

(4)

. [ضعيف]

وفِي لفْظ: "مَنْ أسْلَفَ في شَيء فَلا يأخُذْ إلا ما أسْلَفَ فِيه أو رأسَ ماله"

(5)

، رَوَاهُما الدارَقُطْني. [ضعيف]

وَاللَّفْظُ الأولُ دَليلُ امْتِناعِ الرهْنِ وَالضمينِ فِيه، وَالثَّانِي بمَنْعِ الإقَالَة فِي البَعْضِ).

(1)

أحمد في المسند (4/ 354) وأبو داود رقم (3464) والنسائي رقم (4614) وابن ماجه رقم (2282).

وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (3468).

(3)

في سننه رقم (2283).

من طريق عطية بن سعيد العوفي عن أبي سعيد الخدري، به.

قال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 51): "رواه الترمذي في "علله الكبير". وقال: "لا أعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وهو حديث حسن".

قال عبد الحق في "أحكامه": وعطية العوفي لا يحتج به، وإن كان الجلة قد رووا عنه.

وقال في "التنقيح": وعطية العوفي، ضعفه أحمد وغيره، والترمذي يحسن حديثه، وقال ابن عدي: هو مع ضعفه يكتب حديثه" اهـ.

وحكم الألباني على الحديث بالضعف في إروائه رقم (1375).

(4)

أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 46 رقم 189).

قلت: وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(7/ 240) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 350) ومداره على بقية، عن لوذان، به.

قال ابن عدي: لا يرويه عن هشام غير لوذان، وهو مجهول، وعن لوذان بقية، ولا أعلم للوذان غير هذه الأحاديث، وهشام بن عروة عن نافع عزيز جدًّا" اهـ.

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 45 رقم 187).

وهو حديث ضعيف، انظر حديث أبي سعيد (3/ 2288) من كتابنا هذا.

ص: 262

حديث أبي سعيد في إسناده عطية بن سعد العوفي

(1)

.

قال المنذري

(2)

: لا يحتج بحديثه.

قوله: (ابن أبزى)

(3)

بالموحدة والزاي على وزن أعلى، وهو الخزاعي أحد صغار الصحابة، ولأبيه أبزى صحبة.

قوله: (أنباط) جمع نبيط: وهم قوم معروفون كانوا ينزلون بالبطائح من العراقين، قاله الجوهري

(4)

، وأصلهم قوم من العرب دخلوا في العجم واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم، ويقال لهم: النَبَط بفتحتين، والنبيط بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية، وإنما سموا بذلك لمعرفتهم بأنباط الماء: أي استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة.

وقيل هم نصارى الشام، وهم عرب دخلوا في الروم ونزلوا بوادي الشام. ويدل على هذا قوله:"من أنباط الشام".

وقيل: هم طائفتان: طائفة اختلطت بالعجم ونزلوا البطائح، وطائفة اختلطت بالروم ونزلوا الشام.

قوله: (فنسلفهم) بضم النون وإسكان السين المهملة وتخفيف اللام من الإسلاف، وقد تشدد اللام مع فتح السين من التسليف.

قوله: (ما كنا نسألهم عن ذلك)، فيه دليل على أنه لا يشترط في المسلم في أن يكون عند المسلم إليه، وذلك مستفاد من تقريره صلى الله عليه وسلم لهم مع ترك الاستفصال.

(1)

تابعي شهيد ضعيف. قال أبو حاتم: يكتب حديثه ضعيف. وقال ابن معين: صالح.

وقال أحمد: ضعيف الحديث.

[الجرح والتعديل (6/ 382) والتقريب (2/ 24) والميزان (3/ 79) والمجروحين (2/ 176)].

(2)

في "مختصر السنن"(5/ 113).

(3)

عبد الرحمن بن أبزى، الخزاعي، سكن الكوفة، واستعمله علي بن أبي طالب على خراسان، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه.

[طبقات ابن سعد (5/ 426) والمعرفة والتاريخ (1/ 291) والعقد الثمين (5/ 340) وسير أعلام النبلاء (3/ 201)].

(4)

في الصحاح (3/ 1163).

ص: 263

قال ابن رسلان: وأما المعدوم عند المسلم إليه وهو موجود عند غيره فلا خلاف في جوازه.

قوله: (وما نراه عندهم) لفظ أبي داود

(1)

: "إلى قوم ما هو عندهم"، أي: ليس عندهم أصل من أصول الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

وقد اختلف العلماء في جواز السلم فيما ليس بموجود في وقت السلم إذا أمكن وجوده في وقت حلول الأجل؛ فذهب إلى جوازه الجمهور

(2)

، قالوا: ولا يضر انقطاعه قبل الحلول.

وقال أبو حنيفة

(3)

: لا يصح فيما ينقطع قبله، بل لا بد أن يكون موجودًا من العقد إلى المحل، ووافقه الثوري

(4)

والأوزاعي

(5)

، فلو أسلم في شيء فانقطع في محله لم ينفسخ عند الجمهور. وفي وجه للشافعية

(6)

ينفسخ.

واستدل أبو حنيفة ومن معه بما أخرجه أبو داود

(7)

عن ابن عمر: "أن رجلًا أسلف رجلًا في نخل، فلم يخرج تلك السنة شيئًا، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بم تستحل ماله، اردد عليه ماله، ثم قال: لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه".

وهذا نص في التمر وغيره قياس عليه، ولو صح هذا الحديث لكان المصير إليه أولى، لأنه صريح في الدلالة على المطلوب بخلاف حديث [عبد الرحمن بن أبزى]

(8)

وعبد الله بن أبي أوفى

(9)

فليس فيه إلا مظنة التقرير منه صلى الله عليه وسلم، مع ملاحظة تنزيل ترك الاستفصال منزلة العموم

(10)

.

ولكن حديث ابن عمر (7) هذا في إسناده رجل مجهول، فإنَّ أبا داود رواهُ

(1)

في سننه رقم (3464) وهو حديث صحيح.

(2)

البيان للعمراني (5/ 397) والمغني (6/ 407).

(3)

البناية في شرح الهداية (7/ 534 - 535) وشرح فتح القدير (7/ 76 - 77).

(4)

و

(5)

حكاهما عنهما ابن قدامة في المغني (6/ 407) والعمراني في البيان (5/ 397).

(6)

الحاوي الكبير (5/ 391).

(7)

في سننه رقم (3467) وهو حديث ضعيف.

(8)

في المخطوط (ب): (عبد الله بن عمر بن أبزى) وهو خطأ.

(9)

تقدم برقم (2287) من كتابنا هذا.

(10)

تقدم مرارًا وانظر: "إرشاد الفحول" ص 452 بتحقيقي. والبحر المحيط (3/ 148) وتيسير التحرير (1/ 264).

ص: 264

عن محمد بن كثير، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن رجل نجراني، عن ابن عمر، ومثل هذا لا تقوم [به]

(1)

حجَّة.

قال القائلون بالجواز: ولو صحّ هذا الحديث لحمل على بيع الأعيان، أو على السَّلم الحالّ عند من يقول به، أو على ما قَرُب أجله.

قالوا: ومما يدلّ على الجواز ما تقدم من أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين والثلاث، ومن المعلوم أن الثمار لا تبقى هذه المدة، ولو اشترط الوجود لم يصحّ السَّلم في الرطب إلى هذه المدّة، وهذا أولى ما يتمسك به في الجواز.

قوله: (فلا يصرفه إلى غيره) الظاهر: أن الضمير راجع إلى المسلم فيه لا إلى ثمنه الذي هو رأس المال. والمعنى أنه لا يحل جعل المسلم فيه ثمنًا لشيء قبل قبضه، ولا يجوز بيعه قبل القبض، أي: لا يصرفه إلى شيء غير عقد السَّلم.

وقيل: الضمير راجع إلى رأس مال السلم. وعلى ذلك حمله ابن رسلان في شرح السنن وغيره: أي ليس له صرف رأس المال في عوض آخر كأن يجعله ثمنًا لشيء آخر، فلا يجوزله ذلك حتى يقبضه.

وإلى ذلك ذهب مالك

(2)

وأبو حنيفة

(3)

والهادي (4) والمؤيد بالله

(4)

، وقال الشافعي

(5)

وزفر: يجوز ذلك لأنه عوض عن مستقرٍّ في الذمة، فجاز، كما لو كان قرضًا ولأنه مال عاد إليه بفسخ العقد على فرض تعذّر المسْلَم فيه، فجاز أخذ العِوَض عنه كالثمن في المبيع إذا فسخ العقد.

قوله: (فلا يشرط على صاحبه غير قضائه)، فيه دليل على أنه لا يجوز شيء من الشروط في عقد السَّلم غير القضاء.

واستدل به المصنف على امتناع الرهن.

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

عيون المجالس (3/ 1518).

(3)

الاختيار (2/ 287) وشرح فتح القدير (7/ 95).

(4)

البحر الزخار (3/ 400) وشرح الأزهار (6/ 584).

(5)

البيان للعمراني (5/ 442 - 444).

ص: 265

وقد روي عن سعيد بن جبير

(1)

أن الرهن في السلم هو الربا المضمون.

وقد روي نحو ذلك عن ابن عمر (1) والأوزاعى (1) والحسن (1)، وهو [إحدى]

(2)

الروايتين عن أحمد

(3)

، ورخَّص فيه الباقون.

واستدلوا بما في الصحيح

(4)

من حديث عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعامًا من يهودي نسيئة ورهنه درعًا من حديد".

وقد ترجم عليه البخاري

(5)

: باب الرهن في السلم، وترجم

(6)

عليه أيضًا في كتاب السلم: باب الكفيل في السلم.

واعترض عليه الإسماعيلي بأنه ليس في الحديث ما ترجم به، ولعله أراد إلحاق الكفيل بالرهن لأنه حق ثبت الرهن به فجاز أخذ الكفيل به، والخلاف في الكفيل كالخلاف في الرهن.

قوله: (فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه

) إلخ. فيه دليل لمن قال: إنه لا يجوز صرف رأس المال إلى شيء آخر.

وقد تقدم الخلاف في ذلك.

(1)

قال ابن قدامة في "المغني"(6/ 422): "واختلفت الرواية في الرهن والضمين في السلم فروى المروزي، وابن القاسم وأبو طالب، منع ذلك. وهو اختيارُ الخرقيِّ وأبي بكر.

ورُويتْ كراهيةُ ذلك عن عليٍّ وابن عمر، وابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، والأوزاعي.

ورَوَى حنبلٌ جوازَه.

ورخَّص فيه عطاءٌ، ومجاهد، وعمرو بن دينار، والحكم، ومالك، والشافعيُّ وإسحاقُ، وأصحابُ الرأي، وابن المنذر

" اهـ.

(2)

في (أ)، (ب):(أحد) والصواب ما أثبتناه.

(3)

المغني (6/ 422 - 423).

(4)

أخرجه البخاري رقم (2068) و (2251) و (2252) ومسلم رقم (1603).

(5)

في صحيحه (4/ 433 رقم الباب (6) - مع الفتح).

(6)

أي البخاري في صحيحه (4/ 433 رقم الباب (5) - مع الفتح).

ص: 266

[الكتاب التاسع] كتاب القرض

[الباب الأول] باب فضيلته

1/ 2290 - (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما منْ مُسْلمٍ يُقْرِض مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتينِ إلّا كانَ كَصَدَقَتِها مَرَّةً" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه)

(1)

. [حسن]

الحديث في إسناده سليمان بن [بشير]

(2)

وهو متروك

(3)

.

(1)

في سننه رقم (2430).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 251): "هذا إسناد ضعيف، قيس بن رومي مجهول، وسليمان بن يُسَيْر، ويقال: ابن مشتير، ويقال: ابن سفيان، وكله واحد متفق على تضعيفه" اهـ.

قلت: وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (5/ 353) المرفوع منه: "من أقرض شيئًا مرتين، كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به".

وأخرجه ابن حبان (رقم 1155 - موارد).

وقال البيهقي عقبه: "تفرد به عبد الله بن الحسين أبو حريز قاضي سجستان، وليس بالقوي".

قال الألباني رحمه الله في "الإرواء"(5/ 227): "قلت: وقد وقفت له على طريق أخرى عن ابن أذنان في المسند لأحمد (1/ 412): حدثنا عفَّان، حدثنا حماد، أخبرنا عطاء بن السائب، عن ابن أذنان، قال: أسلفتُ علقمةَ أَلْفي دِرْهم، فلما خرَجَ عطاؤهُ، قلتُ له: أقضِني، قال: أخِّرْني إلى قابل، فأبيتُ عليه، فأخذتُها، قال: فأتيتُهُ بعدُ، قال: بَرَّحْتَ بي وقد منعتني، ففلتُ: نعم، هو عملُكَ، قال: وما شأني؟ قلتُ: إنك حدثتني عن ابن مسعودٍ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ السَّلَفَ يجرِي مجرى شطْرِ الصدقة"، قال: نعم، فهو كذاك، قال: فخُذِ الآنَ" اهـ. بسند حسن.

ثم قال الألباني في الإرواء (5/ 228): "وجملة القول أن ابن أذنان هذا مستور، لأن أحدًا لم يوثقه غير ابن حبان، فإذا انضم إليه طريق أبي حريز المتقدمة أخذ حديثه بعض القوة، وبضم طريق دلهم بن صالح إليهما، فيزداد قوة، ويرقى الحديث بمجموع ذلك إلى درجة الحسن. والله أعلم" اهـ.

(2)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) والصواب: (يُسَيْر) كما سيأتي في مصادر ترجمته.

(3)

سليمان بن يُسْيَر، أبو الصباح الكوفي، ويقال: ابن أسير، وقيل: ابن قسيم ضعفه =

ص: 267

قال الدارقطني

(1)

: والصواب أنه موقوف على ابن مسعود.

وفي الباب عن أنس عند ابن ماجه

(2)

مرفوعًا: "الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر"، وفي إسناده خالد بن يزيد بن عبد الرحمن الشامي، قال النسائي

(3)

: ليس بثقة.

وعن أبي هريرة عند مسلم

(4)

مرفوعًا: "من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا، نفس الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة؛ ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان [العبد]

(5)

في عون أخيه".

وفي فضيلة القرض

(6)

أحاديث.

= أبو داود، وقال عباس عن يحيى: ليس بشيء، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم.

التاريخ الكبير (4/ 42) والمجروحين (1/ 329) والجرح والتعديل (4/ 150) والكاشف (1/ 321) والمغني (1/ 284) الميزان (2/ 228) والتقريب (1/ 331).

(1)

قال الدارقطني في "العلل"(5/ 157 - 158): "هذا الحديث يرويه قيس بن رومي - كوفي - عن علقمة، عن عبد الله، رفعه. ورواه سليم بن أذنان، عن علقمة، واختلف عنه، فرفعه عطاء بن السائب، ووقفه غيره، والموقوف أصح. لا يعرف قيس بن رومي إلا في هذا" اهـ.

(2)

في سننه رقم (2431).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 252): "هذا إسناد ضعيف، خالد بن أبي يزيد بن عبد الرحمن بن مالك أبو هاشم الهمداني: ضعفه أحمد وابن معين، وأبو داود، والنسائي، وأبو زرعة، وابن الجارود، والساجي والعقيلي والدارقطني وغيرهم.

ووثقه أحمد بن صالح المصري وأبو زرعة الدمشقي، وقال ابن حبان: هو من فقهاء الشام كان صدوقًا في الرواية ولكنه كان يخطئ كثيرًا وأبوه فقيه دمشق ومفتيهم" اهـ.

وهو حديث ضعيف جدًّا.

(3)

في "الضعفاء والمتروكين" رقم الترجمة (176).

قلت: وانظر: التاريخ الكبير (3/ 184) والمجروحين (1/ 284) والجرح والتعديل (3/ 359) والميزان (1/ 645) والتقريب (1/ 225) والخلاصة ص 103.

(4)

في صحيحه رقم (38/ 2699).

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ) و (ب) وأثبتناه من صحيح مسلم.

(6)

• أخرج البخاري رقم (2078) ومسلم رقم (26/ 1560) واللفظ له.

عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلَقّتِ الملائكِةُ رُوحَ رَجُلٍ ممّنْ كانَ قبلكم، فقالوا: أَعَمِلْتَ من الخيرِ شيئًا؟ قالَ: لا. قالوا: تَذَكرْ. قال: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، =

ص: 268

وعمومات الأدلة القرآنية والحديثية القاضية بفضل المعاونة وقضاء حاجة المسلم وتفريج كربته وسد فاقته شاملة له، ولا خلاف بين المسلمين في مشروعيته.

قال ابن رسلان: ولا خلاف في جواز سؤاله عند الحاجة ولا نقص على طالبه، ولو كان فيه شيء من ذلك لما استسلف النبي صلى الله عليه وسلم اهـ.

قال في البحر

(1)

: وموقعه أعظم من الصدقة، إذ لا يقترض إلا محتاج، اهـ.

ويدل على هذا حديث أنس

(2)

المذكور.

وفي حديث الباب دليل على أن قرض الشيء مرتين يقوم مقام التصدق به مرة

(3)

.

[الباب الثاني] باب استقراض الحيوان والقضاء من الجنس فيه وفي غيره

2/ 2291 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَقْرضَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سنًّا، فأعْطَى سنًّا خَيْرًا مِنْ سِنِّهِ، وَقَالَ:"خيارُكم أحاسنُكمْ قَضَاءً". رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَالتِّرْمِذِي

= فآمُر فِتْيَانِي أنْ يُنظِرُوا المُعْسِرَ ويتَجَوّزُوا عن الموسِرِ. قال: قالَ اللهُ عز وجل: تَجَوّزُوا عنه".

• أخرج مسلم رقم (30/ 1561) والترمذي رقم (1307) قال: وهو حديث حسن صحيح. عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كانَ قبلكم، فلم يُوجَدْ لهُ مِنَ الخيرِ شيءٌ، إلا أنَّهُ كانَ يُخالِطُ النَّاسَ، وكانَ مُوسِرًا، فكانَ يأمُرُ غِلْمانَهُ أن يتجاوزوا عن المعْسِر، قال: قال اللهُ عز وجل: نحنُ أحق بذلِكَ منْهُ تجاوَزُوا عنه".

• أخرج مسلم رقم (32/ 1563).

عن عبد الله بن أبي قتادة أنّ أبا قتادَةَ طلبَ غريمًا لَهُ فتوَارى عَنْهُ، ثم وجدَهُ فقالَ: إني مُعْسِرٌ، فقال: آللهِ؟ قال: آللهِ، قال: فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ سَرّهُ أنْ يُنجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يومِ القيامةِ فليُنَفّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أوْ يضَعْ عنه" اهـ.

(1)

البحر الزخار (3/ 392).

(2)

وهو حديث ضعيف جدًّا، وقد تقدم آنفًا.

(3)

المغني (6/ 429 - 430) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 544 - 545).

(4)

في المسند (2/ 476) بسند صحيح.

ص: 269

وَصحَّحهُ)

(1)

. [صحيح]

3/ 2292 - (وَعَنْ أبي رَافعٍ قالَ: اسْتَلَفَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بَكْرًا، فَجاءَتْهَ إبلُ الصَّدَقَة فأمَرَنِي أنْ أقْضيَ الرَّجُلَ بَكْرهُ، فَقُلْتُ: إني لَمْ أجِدْ فِي الإِبِل إلَّا جَمَلًا خيارًا رَباعيًا، فَقالَ: "أعْطه إيَّاهُ فإن مِنْ خيْرِ النّاسِ أحْسَنَهُمْ قَضَاءً"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخاريَّ)

(2)

. [صحيح]

4/ 2293 - (وَعَنْ أبي سَعيد قالَ: جاءَ أعْرابي إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَاضَاهُ دَينًا كانَ عَلَيْه، فأرْسَلَ إلى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهَا: "إنْ كانَ عِنْدكِ ثَمْرٌ فأقْرِضينا حتى [يأتِينَا]

(3)

ثَمرٌ فَنَقْضِيَكِ"، مُخْتَصَرٌ لابْن ماجَهْ)

(4)

. [صحيح]

حديث أبي هريرة هو في الصحيحين

(5)

بلفظ: "كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له، فهَمَّ به أصحابه، فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا، فقال لهم: اشتروا له سنًا فأعطوه إياه فقالوا: إنا لا نجد إلا سنًا هو خير من سنه، قال: فاشتروه وأعطوه إياه، فإن من خيركم، أو أخيركم أحسنكم قضاء"، وسيأتي

(6)

.

وفي الباب عن العرباض بن سارية عند النسائي

(7)

والبزار

(8)

قال: "بعت

(1)

في سننه رقم (1316) وهو حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه مسلم رقم (121/ 1601) والنسائي (7/ 318) وهو حديث صحيح.

(2)

أخرجه أحمد (6/ 390) ومسلم رقم (118/ 1600) وأبو داود رقم (3346) والترمذي رقم (1318) والنسائي رقم (4617) وابن ماجه رقم (2285).

قلت: وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 680 رقم 89) والطيالسي رقم (971) والدارمي (2/ 254) والبيهقي (6/ 21) وغيرهم.

وهو حديث صحيح.

(3)

في المخطوط (ب): (تأتينا).

(4)

في سننه رقم (2426).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 249): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

وهو حديث صحيح.

(5)

البخاري رقم (2306) ومسلم رقم (120/ 1601).

(6)

برقم (2294) من كتابنا هذا.

(7)

في سننه رقم (4619). وهو حديث صحيح.

(8)

لم أقف عليه. وقد عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 79).

ص: 270

النبي صلى الله عليه وسلم بكرًا وأتيته أتقاضاه، فقلت: اقض ثمن بكري، فقال:"لا أقضيك إلا نجيبة"، فدعاني فأحسن قضائي، ثم جاء أعرابي فقال: اقض بكري، فقضاه بعيرًا".

وحديث أبي سعيد في إسناده عند ابن ماجه ابن أبي عبيدة عن أبيه وهما ثقتان، وبقية إسناده ثقات.

قوله: (أحاسنكم قضاء) جمع أحسن.

ورواية الصحيحين

(1)

: "أحسنكم" كما سلف، وهو الفصيح.

ووقع في رواية لأبي داود

(2)

"محاسنكم" بالميم كمطلع ومطالع.

قوله: (بكرًا) بفتح الباء الموحدة: وهو الفَتِيُّ من الإبل

(3)

.

قال الخطابي

(4)

: هو في الإبل بمنزلة الغلام من الذكور، والقلوص

(5)

بمنزلة الجارية من الإناث.

قوله: (رَباعيًا) بفتح الراء وتخفيف الموحدة: وهو الذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة

(6)

.

وفي الحديثين دليل على جواز الزيادة على مقدار القرض من المستقرض، وسيأتي الكلام على ذلك.

قال الخطابي

(7)

: وفي حديث أبي رافع من الفقه جواز تقديم الصدقة قبل محلها، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له الصدقة فلا يجوز أن يقضي من إبل الصدقة شيئًا كان [استسلفه](8) لنفسه، فدل على أنه [استسلفه]

(8)

لأهل الصدقة من أرباب المال، وهذا استدلال الشافعي.

(1)

البخاري رقم (2305) ومسلم رقم (122/ 1601).

(2)

لم أقف على هذا اللفظ في سنن أبي داود.

بل هذا اللفظ عند مسلم في صحيحه رقم (121/ 1601).

(3)

النهاية (1/ 153).

(4)

في "معالم السنن"(3/ 642 - مع السنن).

(5)

الناقة الشابة. النهاية: (2/ 484).

(6)

النهاية (1/ 629) والمجموع المغيث (1/ 747).

(7)

في معالم السنن (3/ 642 - مع السنن).

(8)

في المخطوط (ب): (استلفه).

ص: 271

وقد اختلف العلماء في جواز تقديم الصدقة عن محل وقتها، فأجازه الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وابن حنبل وابن راهويه.

وقال الشافعي: يجوز أن يعجل الصدقة سنة واحدة.

وقال [الشافعي]

(1)

: لا يجوز أن يخرجها قبل حلول الحول. وكرهه سفيان الثوري. وقد تقدم في الزكاة ذكر ما يدل على الجواز

(2)

.

وفي الحديثين أيضًا جواز قرض الحيوان، وهو مذهب الجمهور، ومنع من ذلك الكوفيون والهادوية، قالوا: لأنه نوع من البيع مخصوص.

وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان كما سلف

(3)

.

ويجاب بأن الأحاديث متعارضة في المنع من بيع الحيوان بالحيوان والجواز، وعلى تسليم أن المنع هو الراجح، فحديث أبي هريرة

(4)

وأبي رافع

(5)

والعرباض بن سارية

(6)

مخصصة لعموم النهي.

وأما الاستدلال على المنع [بأن الحيوان]

(7)

مما يعظم فيه التفاوت فلا يجوز فيه القرض فنصب لما لا حجة فيه في مقابلة ما هو حجة، وأيضًا كون ذلك مما يعظم فيه التفاوت ممنوع.

وقد استثنى مالك

(8)

والشافعي

(9)

وجماعة من العلماء قرض الولائد، فقالوا: لا يجوز لأنه يؤدي إلى عارية الفرج.

(1)

في المخطوط (ب): (مالك).

(2)

الباب الثاني: باب ما جاء في تعجيلها. (9/ 113 - 119) عند الحديث رقم (3/ 1566 - 4/ 1567) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (2264) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (2291) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (2292) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم برقم (2293) من كتابنا هذا.

(7)

في المخطوط (ب): (بالحيوان).

(8)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 359 - 360) وعيون المجالس (3/ 1500).

(9)

قال العمراني في "البيان"(5/ 461 - 462): "ويجوز قرضُ غير الجواري من الحيوان، كالعبيد والأنعام، وغيرهما ممَّا يصح بيعُها، ويضبطُ وصفُها.

وقال أبو حنيفة: لا يصح قرضُها. وبنى ذلك على أصلهِ: أن السَّلَمَ لا يصحُّ فيها.

دليلنا: - حديث رقم (2292) من كتابنا هذا. =

ص: 272

وأجاز ذلك مطلقًا داود والطبري والمزني ومحمد بن داود وبعض الخراسانيين.

وأجازه بعض المالكية

(1)

بشرط أن يرد غير ما استقرضه، وأجازه بعض أصحاب الشافعي وبعض المالكية فيمن يحرم وطؤه على المستقرض.

وقد حكى إمام الحرمين عن السلف والغزالي عن الصحابة النهي عن قرض الولائد.

وقال ابن حزم

(2)

: ما نعلم في هذا أصلًا من كتاب ولا من رواية صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا إجماع ولا قياس، انتهى.

وحديث أبي سعيد المذكور

(3)

فيه دليل على أنه يجوز لمن عليه دين أن يقضيه بدين آخر، ولا خلاف في جواز ذلك فيما أعلم.

[الباب الثالث] باب جواز الزيادة عند الوفاء والنهي عنها قبله

5/ 2294 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: كانَ لرَجُلٍ على النبيّ صلى الله عليه وسلم سِنّ مِنَ الإِبل، فَجَاءَ يَتَقَاضَاه، فَقال:"أعْطُوهُ"، فَطَلَبُوا سنّهُ فَلَمْ يَجدُوا إلَّا سِنًّا فَوْقَها، فَقال:"أَعْطُوهُ"، فَقَالَ: أوْفَيْتَنِي أوْفاكَ الله، فَقَالَ النبِي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ خَيْركُمْ أحْسَنُكمْ

= ولأن ما صح أن يثبتَ في الذمةِ مهرًا

صحَّ أن يثبتَ فيها قرضًا، كالثيابِ.

فأمَّا استقراضُ الجواري: فيجوز ذلكَ لمن لا يحل له وطؤُها بنسبٍ أو رَضاعٍ أو مصاهرةٍ، كغيرها من الحيوان، ولا يجوز لمن يحل له وطؤها.

وقالَ المزنيُّ، وابنُ داودَ، وابنُ جرير الطبريُّ: يجوزُ.

وحكى الطبريُّ عن بعضِ أصحابِنا الخراسانيين: أنَّه يجوزُ قرضُها، ولا يحل لمستقرض وطؤُها.

دليلنا: أنَّهُ عقدُ إرفاق لا يلزَمُ كل واحدٍ من المتعاقدين، فلم يملك به الاستمتاعَ كالعاريَّةِ

" اهـ.

وانظر: "الوسيط" للغزالي (3/ 452 - 453).

(1)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 360).

(2)

المحلى (8/ 81).

(3)

تقدم برقم (ص 2293) من كتابنا هذا.

ص: 273

قَضَاءً")

(1)

[صحيح]

6/ 2295 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: أتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وكانَ لي عَلَيهْ دَيْنٌ، فَقَضَاني وَزَادَني. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما)

(2)

. [صحيح]

7/ 2296 - (وَعَنْ أنَسٍ وَسُئِلَ: الرَّجُلُ منَّا يُقْرِض أخاهُ المَالَ فَيُهْدي إلَيْه فَقَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَقْرَضَ أحَدُكمْ قَرْضًا فأُهديَ إلَيْه أوْ حَمَلَهُ على الدَّابَّة فَلا يَركَبْها وَلا يَقْبَلْهُ إلَّا أنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذلك". رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(3)

. [ضعيف]

8/ 2297 - (وَعَنْ أنَسٍ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذا أقْرَضَ فَلَا يَأخُذ هَديَّة". رَوَاهُ البُخاريُّ فِي تارِيخِهِ)

(4)

. [ضعيف]

9/ 2298 - (وَعَنْ أبي بُرْدَةَ بْنِ أبي مُوسَى قالَ: قَدمْتُ المَدينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ الله بْنَ سَلامٍ فَقَالَ لي: إنَّك بأرضٍ فِيها الرّبا فاشٍ، فإذَا كانَ لَك عَلَى رَجُلٍ حَق فأهْدَى إلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أوْ حِمْلَ قَتّ فَلا تأخُذْهُ فإنَّهُ رِبا. رَوَاهُ البُخارِيّ فِي صَحِيحِهِ)

(5)

. [أثر صحيح]

(1)

أخرجه أحمد (2/ 393) والبخاري رقم (2392) ومسلم رقم (122/ 1601).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 302) والبخاري رقم (2394) ومسلم رقم (71/ 715).

(3)

في سننه رقم (2432).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 253): "هذا إسناد فيه مقال، عتبة بن حميد ضعفه أحمد، وقال، أبو حاتم: صالح. وذكره ابن حبان في الثقات ويحيى بن أبي إسحاق الهنائي لا يعرف حاله

" اهـ.

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(4)

في "التاريخ الكبير"(4/ 2/ 2310). وهو حديث ضعيف.

ولم يصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب. انظر: "جنة المرتاب" بنقد المغني عن الحفظ والكتاب"، لأبي حفص عمر بن بدر الموصلي، تصنيف أبي إسحاق الحويني الأثري. (2/ 403).

وأحاديث زيادته صلى الله عليه وسلم في الوفاء، وحثه على ذلك كثيرة مستفيضة كما مر، وفيها إقراره صلى الله عليه وسلم للدائن على أخذ الزيادة التي قدمها إليه المدين باختياره، وحض المدين على الزيادة في الوفاء.

(5)

في صحيحه رقم (3814)، وهو أثر صحيح.

ص: 274

حديث أنس في إسناده يحيى بن أبي إسحاق الهنائي

(1)

وهو مجهول، وفي إسناده أيضًا عتبة بن حميد الضبي. وقد ضعفه أحمد

(2)

، والراوي عنه إسماعيل بن عياش

(3)

وهو ضعيف.

قوله: (سن)، أي: جمل له سن معين.

وفي حديث أبي هريرة

(4)

دليل على جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله.

وفيه أيضًا دليل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه وإنصافه.

وقد وقع في بعض ألفاظ الصحيح: "أن الرجل أغلظ [على النبي]

(5)

صلى الله عليه وسلم فَهَمَّ به أصحابه، فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا" كما تقدم.

وفيه دليل على جواز قرض الحيوان، وقد تقدم الخلاف في ذلك.

وفيه جواز ردّ ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد، وبه قال الجمهور

(6)

.

(1)

تهذيب التهذيب (4/ 338 - 339).

(2)

كما في "بحر الدم"(ص 290 رقم 670).

قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات"(7/ 272). وانظر: الميزان (3/ 28).

(3)

تقدم مرارًا.

(4)

تقدم برقم (2294) من كتابنا هذا.

(5)

في المخطوط (ب): (للبني).

(6)

قال ابن قدامة في "المغني"(6/ 438): "فصل: فإن أفرضهُ مطلقًا من غير شرطٍ، فقضاه خيرًا منه في القدر، أو الصفة أو دونه برضاهما جاز.

وكذلك إن كتب له بها سُفْتَجَةً، أو قضاهُ في بلدٍ آخر، جازَ.

ورخَّصَ في ذلك ابنُ عمرَ، وسعيدُ بن المسيب، والحسنُ، والنخعيُّ، والشعبي، والزُّهريُّ، ومكحولٌ، وقتادةُ، ومالكٌ، والشافعي، وإسحاقُ.

وقال أبو الخطَّاب: إن قضاهُ خيرًا منه، أو زاده زيادةً بعدَ الوفاء من غيرِ مواطأةٍ، فعلى روايتين.

ورُويَ عن أبي بن كعب، وابن عباس، وابن عمر، أنَّه ياخذُ مثلَ قَرْضِه، ولا يأخذ فضلًا، لأنَّه إذا أخذ فضلًا كان قرضًا جر منفعة.

ولنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بَكْرًا، فردَّ خيرًا منه. وقال:"خيركم أحسنُكم قضاءً" متفق عليه. وللبخاري: "أفضلكم أحسنُكم قضاءً".

ولأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضًا في الفرض، ولا وسيلة إليه، ولا إلى استيفاء دَينه، فحلتْ، كما لو لم يكن فرضٌ

" اهـ.

ص: 275

وعن المالكية إن كانت الزيادة بالعدد لم يجز، وإن كانت بالوصف [جازت]

(1)

، ويرد عليهم حديث جابر

(2)

المذكور في الباب، فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم زاده، والظاهر أن الزيادة كانت في العدد.

وقد ثبت في رواية للبخاري

(3)

أن الزيادة كانت قيراطًا.

وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم اتفاقًا، ولا يلزم من جواز الزيادة في القضاء على مقدار الدين جواز الهدية ونحوها قبل القضاء لأنها بمنزلة الرشوة فلا تحل كما يدل على ذلك حديثا أنس

(4)

المذكوران في الباب وأثر عبد الله بن سلام

(5)

.

والحاصل: أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل

التنفيس في أجل الدين، أو لأجل رشوة صاحب الدين، أو لأجل أن يكون لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه فذلك محرم لأنه إمَّا نوع من الربا أو رشوة؛ وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس، وإن لم يكن ذلك لغرض أصلًا فالظاهر المنع لإطلاق النهي عن ذلك.

وأما الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط ولا إضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة في الصفة والمقدار والقليل والكثير، لحديث أبي هريرة

(6)

وأبي رافع

(7)

والعرباض

(8)

وجابر

(9)

، بل هو مستحب.

قال المحاملي وغيره من الشافعية

(10)

: يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح

(11)

في ذلك، يعني قوله:"إن خيركم أحسنكم قضاء".

(1)

في المخطوط (ب): (جازه).

(2)

تقدم برقم (2295) من كتابنا هذا.

(3)

في صحيحه رقم (2309).

(4)

تقدما برقم (2296) و (2297) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (2298) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم برقم (2291) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (2292) من كتابنا هذا.

(8)

تقدم خلال شرح الحديث (2293) من كتابنا هذا. وهو عند النسائي رقم (4619).

(9)

تقدم برقم (2295) من كتابنا هذا.

(10)

البيان للعمراني (5/ 464 - 465) والمجموع (12/ 262 - 263).

(11)

تقدم برقم (2294) من كتابنا هذا.

ص: 276

ومما يدل على عدم حل القرض الذي يجر إلى المقرض نفعًا ما أخرجه البيهقي في المعرفة

(1)

عن فضالة بن عبيد موقوفًا بلفظ: "كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا"، ورواه في السنن الكبرى

(2)

عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وعبد الله بن سلام، وابن عباس موقوفًا عليهم.

ورواه الحارث بن أسامة

(3)

من حديث علي بلفظ: "إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة"، وفي رواية:"كلُّ قَرْضٍ جَرَّ منفعةً فَهُوَ رِبَا" وفي إسناده سوار بن مصعب

(4)

وهو متروك.

قال عمر بن [زيد]

(5)

في "المغني"

(6)

: لم يصح فيه شيء.

ووهم إمام الحرمين والغزالي فقالا: إنه صح، ولا خبرة لهما بهذا الفن.

وأما إذا قضى المقترض المقرض دون حقه وحلله من البقية كان ذلك جائزًا.

(1)

في معرفة السنن والآثار (رقم: 11517) وفي السنن الكبرى (5/ 350).

(2)

في السنن الكبرى (5/ 349 - 350) موقوفًا على ابن مسعود، وأبي بن كعب، وعبد الله بن

سلام، وابن عباس.

(3)

كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث"(1/ 500 رقم 437). بسند ضعيف جدًّا لضعف سوار بن مصعب.

وذكره السيوطي في "الجامع الصغير" رقم (6336) وقال: رواه الحارث بن علي ورمز له بالضعف.

وقال المناوي في "فيض القدير"(28/ 5): قال السخاوي: إسناده ساقط.

وذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 80): قال عمر بن بدر في "المغني": "لم يصح فيه شيء، وأما إمام الحرمين فقال: إنه صح، وتبعه الغزالي

" اهـ.

(4)

سَوَّار بن مصعب. قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. التاريخ الكبير (4/ 169) والمجروحين (1/ 356) والجرح والتعديل (4/ 271) والميزان (2/ وخلاصة القول: أن حديث علي رضي الله عنه حديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

كذا في (أ) و (ب): والصواب "بدر".

(6)

قام الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري بنقد كتاب "المغني" هذا لأبي حفص عمر بن بدر الموصلّي بكتاب أسماه: (جُنَّة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب)، فأجاد وأفاد جزاه الله خيرًا. (ص 403).

ص: 277

وقد استدل البخاري على جواز ذلك بحديث جابر

(1)

في دين أبيه، وفيه:"فسألتهم أن يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي".

وفي رواية للبخاري

(2)

أيضًا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل له غريمه في ذلك".

قال ابن بطال

(3)

: لا يجوز أن يقضي دون الحق بغير محاللة، ولو حلله من جميع الدين جاز عند العلماء، فكذلك إذا حلله من بعضه، اهـ.

قوله: (أو حمل قَتٍّ)

(4)

بفتح القاف وتشديد التاء المثناة وهو الجاف من النبات المعروف. والفِصْفِصَة

(5)

بكسر الفاءين وإهمال الصادين، فما دام رطبًا فهو الفصفصة، فإذا جف فهو [القت]

(6)

.

والفصفصة: هي القضب المعروف، وسمي بذلك لأنه يجز ويقطع.

والقت كلمة فارسية عربت، فإذا قطعت الفصفصة كبست وضم بعضها على بعض إلى أن تجف وتباع لعلف الدواب كما في بلاد مصر ونواحيها.

(1)

أخرجه البخاري رقم (2395).

(2)

في صحيحه رقم (2396).

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 518).

(4)

النهاية (2/ 413) وتفسير غريب ما في الصحيحين (49/ 6).

(5)

وأصلها بالفارسية (إسْفَسْت). اللسان (7/ 67).

وقال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 374) فِصْفِصَة: وهي الرِّطْبة من علف الدَّواب، وتُسمَّى القتّ. فإذا جفَّ فهو قضْب.

ويقال: فِسْفِسَة.

الفائق للزمَخشري (3/ 122).

(6)

في المخطوط (ب): (القب) وهو خطأ.

ص: 278

[الكتاب العاشر] كتاب الرهن

1/ 2299 - (عَنْ أنَسٍ قالَ: رَهَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم دِرْعًا له عِنْدَ يَهُودِيّ بالمَدِينَة وأخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لأهْلِهِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالبخارِيُّ

(2)

والنَّسائيُّ

(3)

وَابْنُ ماجَهْ)

(4)

[صحيح]

2/ 2300 - (وَعَنْ عائِشَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى طَعامًا مِنْ يَهُودِي إلى أجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ

(5)

. [صحيح]

وفِي لفَظ: تُوُفّي وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ

(6)

. أخْرَجاهُمَا. [صحيح]

ولأحْمَدَ

(7)

وَالنَّسائي

(8)

وَابْن ماجَهْ

(9)

مِثْلُهُ مِنْ حَديث ابْنِ عَباسٍ. [صحيح]

وَفِيهِ مِنْ الفِقْه جَوَازُ الرَّهْنِ فِي الحَضَرِ وَمُعامَلَةِ أهْلِ الذّمَّةِ).

حديث ابن عباس أخرجه أيضًا الترمذي

(10)

وصححه.

(1)

في المسند (2/ 103، 133).

(2)

في صحيحه رقم (2508).

(3)

في سننه رقم (4610).

(4)

في سننه رقم (2437).

وهو حديث صحيح.

(5)

أخرجه البخاري رقم (2509) ومسلم رقم (125/ 1603).

(6)

أخرجه البخاري رقم (4467) - واللفظ له - ومسلم - رقم (125/ 1603).

(7)

في المسند (1/ 236).

(8)

في سننه رقم (4651).

(9)

في سننه رقم (2439).

قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (581) والترمذي رقم (1214) والنسائي (7/ 303) وأبو يعلى رقم (2695) والبيهقي (6/ 36) والطبراني في الكبير رقم (11797) وابن أبي شيبة (6/ 18) وابن سعد (1/ 488) من طرق. وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(10)

في سننه رقم (1214) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 279

وقال صاحب الاقتراح

(1)

: هو على شرط البخاري.

قوله: (رهن) الرهن بفتح أوله وسكون الهاء في اللغة

(2)

: الاحتباس من قولهم رهن الشيء: إذا دام وثبت، ومنه:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)} [المدثر: 38]

(3)

، وفي الشرع: جعل مال وثيقة على دين، ويطلق أيضًا على العين المرهونة تسمية للمفعول به باسم المصدر.

وأما الرهن بضمتين فالجمع، ويجمع أيضًا على رهان بكسر الراء ككتب وكتاب، وقرئ بهما.

قوله: (عند يهودي) هو أبو الشحم كما بينه الشافعي

(4)

والبيهقي

(5)

من طريق جعفر بن محمد عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعًا له عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر في شعير"، اهـ.

وأبو الشحم بفتح المعجمة وسكون المهملة كنيته، وظفر بفتح الظاء والفاء: بطن من الأوس وكان حليفًا لهم، وضبطه بعض المتأخرين بهمزة ممدودة وموحدة مكسورة اسم فاعل من الإباء، وكأنه التبس عليه بآبي اللحم الصحابي.

قوله: ([بثلاثين]

(6)

صاعًا من شعير)، في رواية الترمذي

(7)

والنسائي

(8)

من هذا الوجه "بعشرين"، ولعله صلى الله عليه وسلم رهنه أول الأمر في عشرين ثم استزاده عشرة،

(1)

ابن دقيق العيد في كتابه الاقتراح (ص 378 - 379 رقم الثالث عشر) تحت (القسم الخامس في أحاديث رواها قوم خرَّج عنهم البخاري في الصحيح، ولم يخرِّج عنهم مسلم، أو خرَّج لهم مع الاقتران بالغير. والمراد بهم من دون الصحابة).

(2)

القاموس المحيط ص 1551 واللسان (13/ 188).

(3)

سورة المدثر، الآية:38.

(4)

في المسند (ج 2 رقم 566 - ترتيب) بسند منقطع.

(5)

في السنن الكبرى (6/ 37) وقال البيهقي: منقطع.

قلت: وقد صح بمعناه موصولًا.

(6)

في المخطوط (ب): (ثلاثين).

(7)

في سننه رقم (1214).

(8)

في سننه رقم (4651).

وهو حديث صحيح.

ص: 280

فرواه الراوي تارة على ما كان الرهن عليه أولًا، وتارة على ما كان عليه [آخرًا]

(1)

.

وقال في الفتح

(2)

: لعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة، وألغى الجبر أخرى.

ووقع لابن حبان

(3)

عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارًا، وزاد أحمد

(4)

في رواية: "فما وجد النبي صلى الله عليه وسلم ما يفتكها به حتى مات".

والأحاديث المذكورة فيها دليل على مشروعية الرهن وهو مجمع على جوازه.

وفيها أيضًا دليل على صحة الرهن في الحضر وهو قول الجمهور

(5)

، والتقييد بالسفر في الآية خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له لدلالة الأحاديث على مشروعيته في الحضر، وأيضًا السفر مظنة فقد الكاتب فلا يحتاج إلى الرهن غالبًا إلا فيه.

وخالف مجاهد

(6)

والضحاك فقالا: لا يشرع إلا في السفر حيث لا يوجد

(1)

في المخطوط (ب): أخرى.

(2)

(5/ 141).

(3)

في صحيحه رقم (5937) بسند صحيح.

(4)

في المسند (3/ 102).

قلت: وأخرجه الترمذي في "الشمائل" رقم (326) وهو حديث صحيح.

(5)

قال ابن قدامة في "المغني"(6/ 444): "فصل: ويجوز الرَّهنُ في الحضَر كما يجوز في السفر. قال ابن المنذر: لا نعلمُ أحدًا خالفَ في ذلك، إلا مجاهدًا. قال: ليس الرهنُ إلا في السفر.

لأن الله تعالى شرطَ السفر في الرَّهن بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283].

ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا، ورهنَهُ دِرعَهُ، وكانَا بالمدينة. ولأنها وثيقة تجوز في السفر، فجازت في الحضرِ، كالضمانِ. فأما ذكر السفر، فإنه خرَجَ مخرجَ الغالب؛ لكونِ الكاتب يعدمُ في السفر غالبًا، ولهذا لم يشترط عدمَ الكاتب، وهو مذكورٌ معه أيضًا" اهـ.

وانظر: "المبسوط" للسرخسي (21/ 64) و"حلية العلماء"(4/ 403 - 405).

(6)

قال ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(7/ 360 - 361): =

ص: 281

الكاتب. وبه قال داود

(1)

وأهل الظاهر، والأحاديث ترد عليهم.

وقال ابن حزم (1): إن شرط المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك، وإن تبرع به الراهن جاز، وحمل أحاديث الباب على ذلك.

وفيها أيضًا دليل على جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم العين المتعامل فيها وجواز رهن السلاح عند أهل الذمة لا عند أهل الحرب بالاتفاق وجواز الشراء بالثمن المؤجل. وقد تقدم تحقيق ذلك.

قال العلماء: والحكمة في عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما بيان الجواز، أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنًا أو عوضًا فلم يرد التضييق عليهم.

3/ 2301 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّهُ كان يَقُولُ: "الظَّهْرُ يُركَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كانَ مَرْهُونًا، وَلَبنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بنَفَقَتِهِ إِذَا كانَ مَرْهُونًا وَعلى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْربُ النَّفَقَةُ". رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا مُسْلمًا وَالنَّسائيَّ

(2)

. [صحيح].

وَفِي لفَظ: "إذَا كانَت الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً، فَعَلى المرتَهِن عَلْفُها، وَلَبنُ الدَّرّ يُشْرَبُ، وَعلى الَّذِي يَشْرَبُ نَفَقَتُهُ". رَوَاهُ أحْمَدُ)

(3)

. [صحيح]

الحديث له ألفاظ: منها ما ذكره المصنف.

= التاسع: في أحكامه: (الأول): جواز الرهن في الحضر، وقد وقع التصريح به في بعض روايات الحديث، واتفق العلماء على جوازه في السفر عند عدم الكاتب. وخصه مجاهد وداود بهذه الصورة لظاهر الآية. وقالا: لا يجوز الرهن إلا فيها.

وجوزه الباقون حضرًا وسفرًا. وقالوا: الآية خرج الكلام فيها على الأغلب، لا على سبيل الشرط".

وانظر: "أضواء البيان" للشنقيطي (1/ 228) وفتح الباري (5/ 140).

(1)

في المحلى (8/ 87).

(2)

أحمد (2/ 472) والبخاري رقم (2512) وأبو داود رقم (3526) والترمذي رقم (1254) وابن ماجه رقم (2440).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في المسند (2/ 228) بسند صحيح.

ص: 282

ومنها بلفظ: "الرهن مركوب ومحلوب"، رواه الدارقطني

(1)

والحاكم

(2)

، وصححه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا.

قال الحاكم: لم يخرجاه لأن سفيان وغيره وقفوه على الأعمش، وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على الأعمش وغيره، ورجح الموقوف، وبه جزم الترمذي

(3)

.

وقال ابن أبي حاتم

(4)

: قال أبي: رفعه - يعني أبا معاوية - مرة ثم ترك الرفع بعد؛ ورجح البيهقي

(5)

أيضًا الوقف.

قوله: (الظهر)، أي: ظهر الدابة.

قوله: (يُركب) بضم أوله على البناء للمجهول لجميع الرواة كما قال الحافظ.

وكذلك يُشرب وهو خبر في معنى الأمر كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ}

(6)

وقد قيل إن فاعل الركوب والشرب لم يتعين فيكون الحديث مجملًا.

وأجيب بأنه لا إجمال، بل المراد المرتهن بقرينة أن انتفاع الراهن بالعين المرهونة لأجل كونه مالكًا؛ والمراد هنا الانتفاع في مقابلة النفقة، وذلك يختص بالمرتهن كما وقع التصريح بذلك في الرواية الأخرى.

ويؤيِّده ما وقع عند حمَّاد بن سَلمةَ في "جامعه"

(7)

بلفظ: "إذا ارتهن شاة شرب

(1)

في السنن (3/ 34 رقم 136).

(2)

في المستدرك (2/ 58) وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(3)

في السنن (3/ 555).

(4)

في "العلل"(1/ 374 رقم 1113) وانظر: علل الدارقطني (10/ 112 س 1903).

(5)

في السنن الكبرى (6/ 38).

(6)

سورة البقرة، الآية:233.

(7)

"الجامع" حماد بن سلمة، (ابن دينار البصري ت 167 هـ) له ترجمة في "السير"(7/ 444).

وصل لنا الجزء الثاني من حديثه، جمع أبي القاسم البغوي، منه نسخة خطية في مكتبة شستربتي.

[معجم المصنفات (ص 152 رقم 377).

وذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 144).

ص: 283

المرتهن من لبنها بقدر علفها، فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا".

ففيه دليل على أنه يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بما يحتاج إليه ولو لم يأذن المالك، وبه قال أحمد

(1)

وإسحاق والليث والحسن

(2)

وغيرهم.

وقال الشافعي

(3)

وأبو حنيفة

(4)

ومالك

(5)

وجمهور العلماء: لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء، بل الفوائد للراهن والمؤن عليه.

قالوا: والحديث ورد على خلاف القياس من وجهين:

(أحدهما): التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه.

(والثاني): تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة.

قال ابن عبد البر

(6)

: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها.

ويدل على نسخه حديث ابن عمر عند البخاري

(7)

وغيره بلفظ: "لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه".

ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول فلا تردّ إلا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع.

(1)

قال ابن قدامة في المغني (6/ 509): "مسألة؛ قال: (ولا ينتفِعُ المرتهن من الرَّهن بشيء، إلَّا ما كان مركوبًا أو محلُوبًا، فيركبُ ويحلُبُ بقدْرِ العلفِ).

الكلامُ في هذه المسألة في حالين؛ أحدِهما، ما لا يحتاج إلى مؤنةٍ، كالدار والمتاعِ ونحوه، فلا يجوزُ للمرتهِنِ الانتفاعُ به بغير إذنِ الراهن بحال. لا نعلم في هذا خلافًا لأنَّ الرهنَ مِلكُ الراهِنِ، فكذلك نماؤه ومنافِعُه، فليس لغيره أخذُها بغير إذنِه، فإنْ أذِنَ الراهنُ للمرتهن في الانتفاع بغير عوضٍ، وكان دَيْنُ الرَّهن من قرضٍ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه يحصِّل قرضًا يجرُّ منفعةً، وذلَك حرام.

قال أحمدُ: أكره قرضَ الدُّورِ، وهو الرِّبا المحضُ. يعني: إذا كانت الدارُ رهنًا في فرضٍ ينتفعُ بها المرتهن. وإن كان الرهنُ بثمنِ مبيعٍ، أو أجْرِ دَارٍ، أو دَين غير القرض، فأذِنَ له الراهن في الانتفاع، جاز ذلك.

رُوِيَ ذلك عن الحسن، وابن سيرين، وبه قال إسحاق

" اهـ.

(2)

انظر التعليقة المتقدمة.

(3)

الوسيط في المذهب (3/ 499 - 500).

(4)

بدائع الصنائع (6/ 156).

(5)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 641).

(6)

في "التمهيد"(16/ 186).

(7)

في صحيحه رقم (2435).

ص: 284

وعن حديث ابن عمر بأنه عام وحديث الباب خاص، فيبنى العامّ على الخاصّ، والنسخ لا يثبت إلا بدليل يقضي بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع الإمكان.

وقال الأوزاعي

(1)

والليث وأبو ثور: إنه يتعين حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون، فيباح حينئذٍ للمرتهن.

وأجود ما يحتج به للجمهور حديث أبي هريرة الآتي

(2)

، وستعرف الكلام عليه.

قوله: (الدر) بفتح الدال المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارَّة: أي لبن الدابة ذات الضرع. وقيل: هو هنا من إضافة الشيء إلى نفسه كقوله تعالى: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)}

(3)

.

4/ 2302 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يُغْلَقُ الرّهْنُ مِنْ صَاحِبهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمهُ"، رَوَاه الشافعِي

(4)

وَالدارَقُطْنِي

(5)

وَقالَ: هَذَا إسنادٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ). [مرسل ضعيف]

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم

(6)

والبيهقي

(7)

وابن حبان في صحيحه

(8)

، وأخرجه أيضًا ابن ماجه

(9)

عنه من طريق أخرى، وصحح أبو داود

(10)

والبزار والدارقطني

(11)

وابن القطان

(12)

إرساله عن سعيد بن المسيب بدون ذكر أبي هريرة.

(1)

انظر: المغني (1/ 515).

(2)

برقم (4/ 2302) من كتابنا هذا.

(3)

سورة ق، الآية:9.

(4)

في المسند (ج 2 رقم 568 - ترتيب).

(5)

في السنن (3/ 32/ رقم 126)، وقال الدارقطني:"زياد بن سعد من الحفاظ الثقات، وهذا إسناد حسن مّتصل".

(6)

في المستدرك (2/ 51) وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه؛ لخلاف فيه على أصحاب الزهري. وقد تابع زياد بن سعد: مالك، وابن أبي ذئب، وسليمان بن أبي داود الحراني، ومحمد بن الوليد الزبيدي، ومعمر بن راشد - على هذه الرواية. ثم أخرج أحاديثهم".

(7)

في السنن الكبرى (6/ 39).

(8)

في صحيحه رقم (5934).

(9)

في سننه رقم (2441).

(10)

في المراسيل رقم (186)، (187).

(11)

في سننه (3/ 33 رقم 132).

(12)

في بيان الوهم والإيهام (5/ 89 - 90 رقم 2334).

ص: 285

قال في التلخيص

(1)

: وله طرق في الدارقطني

(2)

والبيهقي

(3)

كلها ضعيفة.

وقال في بلوغ المرام

(4)

: إن رجاله ثقات، إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله. اهـ.

وساقه ابن حزم

(5)

من طرق قاسم بن أصبغ. قال: حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن أبي طالب الأنطاكي وغيره من أهل الثقة، حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغلق الرهن، الرهن لمن رهنه، له غنمه، وعليه غرمه".

قال ابن حزم

(6)

: هذا إسناد حسن. وتعقبه الحافظ

(7)

بأن قوله: نصر بن عاصم تصحيف، وإنما هو عبد الله بن نصر الأصم الأنطاكي، وله أحاديث منكرة، وقد رواه الدارقطني

(8)

من طريق عبد الله بن نصر المذكور، وصحح هذه الطريق عبد الحق

(9)

، وصحح أيضًا وصله وكذلك صحح وصله ابن عبد البر

(10)

، وقال: هذه اللفظة، يعني:"له غنمه وعليه غرمه"، اختلف الرواة في رفعها ووقفها، فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما، ووقفها غيرهم.

وقد روى ابن وهب

(11)

هذا الحديث فجوَّده وبيَّن أن هذه اللفظة من قول سعيد بن المسيب.

وقال أبو داود في المراسيل

(12)

: قوله: "له غنمه وعليه غرمه"، من كلام سعيد بن المسيب نقله عنه الزهري.

قوله: (لا يغلق الرهن) يحتمل أن تكون لا نافية، ويحتمل أن تكون ناهية.

(1)

(3/ 84).

(2)

في سننه رقم (3/ 32 - 33 رقم 126 - 132).

(3)

في السنن الكبرى (6/ 39 - 40).

(4)

رقم الحديث (6/ 812) بتحقيقي ط: مكتبة ابن تيمية.

(5)

في المحلى (8/ 99).

(6)

في المحلى (8/ 99).

(7)

في "التلخيص"(3/ 85).

(8)

في سننه رقم (3/ 33 رقم 129).

(9)

في الأحكام الصغرى (2/ 690).

(10)

في التمهيد (13/ 75 - 76).

(11)

التمهيد (13/ 76).

(12)

رقم (186).

ص: 286

قال في القاموس

(1)

: غلق الرهن كفرح: استحقه المرتهن، وذلك إذا لم يفتكه في الوقت المشروط، اهـ.

وقال الأزهري

(2)

: الغلق في الرهن ضد الفك، فإذا فك الراهن الرهن فقد أطلقه من وثاقه عند مرتهنه.

وروى عبد الرزاق

(3)

عن معمر أنه فسر غلاق الرهن بما إذا قال الرجل: إن لم آتك بمالك فالرهن لك، قال: ثم بلغني عنه أنه قال: إن هلك لم يذهب حق هذا، إنما هلك من ربّ الرهن له غنمه وعليه غرمه.

وقد روي أن المرتهن في الجاهلية كان يتملك الرهن إذا لم يؤد الراهن إليه ما يستحقه في الوقت المضروب فأبطله الشارع.

قوله: (له غنمه وعليه غرمه)، فيه دليل لمذهب الجمهور

(4)

المتقدم، لأن الشارع قد جعل الغنم والغرم للراهن، ولكنه قد اختلف في وصله وإرساله ورفعه ووقفه، وذلك ممّا يوجب عدم انتهاضه لمعارضة ما في صحيح البخاري

(5)

وغيره كما سلف.

(1)

القاموس المحيط ص 1182.

(2)

في تهذيب اللغة (16/ 139).

(3)

في المصنف رقم (15033).

(4)

المغني لابن قدامة (6/ 514 - 515).

(5)

في صحيحه رقم (2435) وقد تقدم.

ص: 287

[الكتاب الحادي عشر] كتاب الحوالة والضمان

[الباب الأول] باب وجوب قبول الحوالة على المليء

1/ 2303 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَطْلُ الغَنيّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبعَ أحَدُكُمْ على مَليء فَلْيَتْبَعْ. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ

(1)

. [صحيح]

وفي لَفْظٍ لأحْمَدَ

(2)

: وَمَنْ أُحيلَ على مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ). [صحيح]

2/ 2304 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: (مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُحلْتَ على مَلِيء فاتَّبِعْهُ" صلى الله عليه وسلم، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)(3). [صحيح لغيره]

حديث ابن عمر إسناده في سنن ابن ماجه

(3)

هكذا: حدثنا إسماعيل بن توبة، حدثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر فذكره.

وإسماعيل بن توبة قال ابن أبي حاتم

(4)

: صدوق، وبقية رجاله رجال

(1)

أحمد في المسند (2/ 245) والبخاري رقم (2287) ومسلم رقم (33/ 1564) وأبو داود رقم (3345) والترمذي رقم (1308) والنسائي رقم (4688) وابن ماجه رقم (2403).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه مالك (2/ 674 رقم 84) والدارمي (2/ 261) والحميدي رقم (1032) وابن الجارود رقم (560) والبيهقي (6/ 70).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(2)

في المسند (2/ 463) بسند صحيح على شرط الشيخين.

(3)

في السنن رقم (2404).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 242): "هذا إسناد رجاله ثقات غير أنه منقطع.

قال أحمد بن حنبل: لم يسمع يونس بن عبيد من نافع شيئًا إنما سمع من ابن نافع عن أبيه.

وقال ابن معين وحاتم لم يسمع من نافع شيئًا

" اهـ.

(4)

في الجرح والتعديل (2/ 162).

ص: 288

الصحيح، وقد أخرجه أيضًا الترمذي

(1)

وأحمد

(2)

.

قوله: (الحوالة) هي بفتح الحاء المهملة وقد تكسر، قال في الفتح

(3)

: مشتقة من التحويل أو من الحول، يقال: حال عن العهد: إذا انتقل عنه حولًا.

وهي عند الفقهاء: نقل دَين من ذمة إلى ذمة.

واختلفوا: هل هي بيع دين بدين رُخِّص فيه فاستثنى من النهي عن بيع الدين بالدين، أو هي استيفاء؟ وقيل: هي عقد إرفاق [مستقل]

(4)

.

ويشترط في صحتها رضا المحيل بلا خلاف والمحتال عند الأكثر والمحال عليه عند بعض [من شذ]

(5)

، ويشترط أيضًا تماثل [النقدين]

(6)

في الصفات، وأن يكون في شيء معلوم.

ومنهم من خصها بالنقدين ومنعها في الطعام لأنه بيع طعام قبل أن يستوفى. اهـ.

قوله: (مطل الغني) من إضافة المصدر إلى الفاعل عند الجمهور.

والمعنى أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل صاحب الدين بخلاف العاجز.

وقيل: هو من إضافة المصدر إلى المفعول: أي يجب على المستدين أن يوفي صاحب الدين ولو كان المستحق للدين غنيًا فإن مطله ظلم، فكيف إذا كان فقيرًا فإنه يكون ظلمًا بالأولى، ولا يخفى بعد هذا كما قال الحافظ

(7)

، والمَطْل في الأصل: المدّ، وقال الأزهري

(8)

: المدافعة.

قال في الفتح

(9)

: والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر.

قوله: (وإذا أتبع) بإسكان المثناة الفوقية على البناء للمجهول.

(1)

في السنن رقم (1309).

(2)

في المسند (2/ 71) بسند صحيح، إلا أن بعضهم أعله بالانقطاع ولكن للحديث ما يشهد له فهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(3)

(4/ 464).

(4)

في المخطوط (ب): (مستقبل).

(5)

زيادة من المخطوط (ب).

(6)

في المخطوط (ب): (الحقين).

(7)

في الفتح (4/ 465).

(8)

في تهذيب اللغة (13/ 361).

(9)

(4/ 465).

ص: 289

قال النووي

(1)

: هذا هو المشهور في الرواية واللغة.

وقال القرطبي

(2)

: أما أتبع، فبضم الهمزة وسكون التاء، مبنيًا لما لم يسم فاعله عند الجميع. وأما فليتبع فالأكثر على التخفيف، وقيده بعضهم بالتشديد والأول أجود.

وتعقَّب الحافظ

(3)

ما ادعاه من الاتفاق بقول الخطابي

(4)

: إن أكثر المحدثين يقولونه، يعني اتبع بتشديد التاء والصواب التخفيف؛ والمعنى: إذا أحيل فليحتل كما وقع في الرواية الأخرى.

قوله: (على مليء) قيل: هو بالهمز، وقيل: بغير همز، ويدل على ذلك قول الكرماني

(5)

: المليّ، كالغني لفظًا ومعنى.

وقال الخطابي

(6)

: إنه في الأصل بالهمز، ومن رواه بتركها فقد سهَّله.

قوله: (فاتبعه) قال في الفتح

(7)

: هذا بتشديد التاء بلا خلاف.

والحديثان يدلان على أنه يجب على من أحيل بحقه على مليء أن يحتال، وإلى ذلك ذهب أهل الظاهر

(8)

وأكثر الحنابلة

(9)

وأبو ثور وابن جرير، وحمله الجمهور على الاستحباب.

قال الحافظ

(10)

: ووهم من نقل فيه الإجماع.

وقد اختلف هل المطل مع الغنى كبيرة أم لا؟ وقد ذهب الجمهور إلى أنه موجب للفسق؛ واختلفوا هل يفسق بمرة أو يشترط التكرار؟ وهل يعتبر الطلب من المستحق أم لا؟

قال في الفتح

(11)

: وهل يتصف بالمطل من ليس القدر الذي عليه حاضرًا

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (1/ 2280).

(2)

في "المفهم"(4/ 439).

(3)

في "الفتح"(4/ 465).

(4)

في غريب الحديث (1/ 87) وفي "إصلاح غلط المحدثين"(ص 125) ط: دار المأمون.

(5)

في شرحه لصحيح البخاري (10/ 117).

(6)

حكاه عنه في "الفتح"(4/ 465).

(7)

(4/ 465).

(8)

في المحلى (8/ 108).

(9)

المغني (7/ 62).

(10)

في "الفتح"(4/ 465).

(11)

(4/ 465).

ص: 290

عنده لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلًا؟ أطلق أكثر الشافعية

(1)

عدم الوجوب، وصرَّح بعضهم بالوجوب مطلقًا، وفصَّل آخرون بأن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصي به فيجب وإلا فلا. اهـ.

والظاهر الأول، لأن القادر على التكسب ليس بمليء، والوجوب إنما هو عليه فقط لأن تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية

(2)

.

[الباب الثاني] باب ضمان دين الميت المفلس

3/ 2305 - (عَنْ سَلَمَة بْنِ الأكْوَعِ قالَ: كُنَّا عنْدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأُتِيَ بجَنازةٍ،

(1)

البيان للعمراني (6/ 280 - 281).

والأم (4/ 479 - 481).

(2)

وإليك شروط الحوالة كما قالها القرطبي في "المفهم"(4/ 439 - 440): " .... ولها شروط: (فمنها): أن تكون بدينٍ، فإن لم تكن بدينٍ لم تكن حوالة، لاستحالة حقيقتها إذ ذاك، وإنما تكونُ حمالة.

(ومنها): رضا المحيل والمحال دون المحال عليه، وهو قول الجمهور، خلافًا للإصطخري؛ فإنَّه اعتبره. وإطلاق الحديث حجَّةٌ عليه. وقد اعتبره مالكٌ إن قصد المحيل بذلك الإضرار بالمحال عليه. وهذا من باب دفع الضرر.

(ومنها): أن يكون الدَّينُ المحال به حالًّا، لقوله صلى الله عليه وسلم:"مطل الغني ظلمًا. ولا يصحُّ المطل، ولا يصدق الظلم إلا في حقِّ مَنْ وجبَ عليه الأداء، فيمطل. ثم قال بعده: "فإذا أتبع أحدكم فليتَّبع"، فأفاد ذلك: أن الدَّينَ المحالَ به لا بُدَّ أن يكون حالًّا، لأنه إن لم يكنْ حالًّا كَثُرَ الغَرَرُ بتأجيل الدينين.

(ومنها): أن يكون الدينُ المحالُ عليه من جنس المحال به، لأنه إن خالفه في نوعه خرجَ من باب المعروف إلى باب المبايعة، والمكايسة، فيكون بيعُ الدَّين بالدَّين المنهيِّ عنه.

فإذا كملت شروطها برئت ذمةُ المحيل بانتقال الحقّ الذي كان عليه إلى ذمة المحال عليه. فلا يكون للمحال الرُّجوع على المحيل، وإن أفلس المحال عليه، أو مات. وهذا قول الجمهور. وقد ذهب أبو حنيفة إلى رجوعه عليه، إن تعذر أخذه الدين من المحال عليه. والأول الصحيح؛ لأنَّ الحوالة عقدُ معاوضة، فلا يرجع بطلب أحد العوضين بعد التسليم، كسائر عقود المعاوضات، ولأن ذمة المحيل قد برئت من الحقِّ المحال به بنفس الحوالة، فلا تعود مشتغلةً به إلا بعقدٍ آخر، ولا عقد، فلا شغل.

غير أن مالكًا قال: إن غرَّ المحيل المحال بذمَّة المحال عليه كان له الرُّجوع على المحيل. وهذا لا ينبغي أن يختلفَ فيه، لوضوحه" اهـ.

ص: 291

فَقالُوا: يا رَسُولَ الله صَلّ عليها، قالَ:"هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ "، قالُوا: لا، فَقَالَ:"هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ "، قالُوا: ثَلاثَةُ دَنانِيرَ، قالَ:"صَلّوا على صَاحِبكُمْ"، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلّ عَلَيْه يا رَسُول الله وَعَليَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْه. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالبُخاريُّ

(2)

وَالنَّسائيُّ

(3)

. [صحيح]

وَرَوَى الخَمْسَةُ إلَّا أبا دَاوُدَ

(4)

هَذه القِصةَ مِنْ حَدِيث أبي قَتَادَةَ، وَصححَهُ التِّرْمِذِي، وَقَالَ فِيهِ النَّسائيُّ وَابْنُ ماجَهْ. فَقَالَ أبُو قَتَادَة: أنا أتَكَفَّلُ بِهِ. [صحيح]

وَهَذَا صَرِيحٌ في الإِنْشاءِ لا يَحْتَملِ الإِخْبارَ بِمَا مَضى).

4/ 2306 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: كانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يصَلِّي على رَجُلٍ ماتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فأُتِيَ بِمَيِّتٍ، فَسألَ:"عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، دِينارَانِ، قالَ:"صَلُّوا على صَاحِبِكُمْ"، فَقَالَ أبُو قَتادَة: هُمَا عَليَّ يا رَسُولَ الله فَصَلَّى عَلَيْهِ؟ فَلَمّا فَتَحَ الله على رَسُوله صلى الله عليه وسلم قالَ: "أنا أوْلَى بِكُلِّ مُؤمن مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مالًا فَلِورَثَته"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وأبُو دَاوُدَ

(6)

والنَّسائي)

(7)

.

حديث أبي قتادة أخرجه أيضًا ابن حبان

(8)

.

(1)

في المسند (4/ 47).

(2)

في صحيحه رقم (2289).

(3)

في سننه رقم (1960).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (5/ 297) والترمذي رقم (1069) والنسائي رقم (1960) وابن ماجه رقم (2407).

قال الترمذي: حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (3/ 296).

(6)

في سننه رقم (3343).

(7)

في سننه رقم (1962).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (3064) وابن الجارود رقم (1111).

وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (1081) وعبد الرزاق في المصنف رقم (15257) وهو حديث صحيح.

(8)

في صحيحه رقم (3060).

ص: 292

وحديث جابر أخرجه أيضًا ابن حبان

(1)

والدارقطني

(2)

والحاكم

(3)

.

وفي الباب عن أبي سعيد عند الدارقطني

(4)

والبيهقي

(5)

بأسانيد.

قال الحافظ

(6)

: ضعيفة بلفظ: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم: هل على صاحبكم من دين؟ قالوا: نعم درهمان، قال: صلوا على صاحبكم، فقال علي: يا رسول الله هما عليَّ وأنا لهما ضامن، فقام يصلي ثم أقبل على علي فقال: جزاك الله عن الإسلام خيرًا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك، ما من مسلم فك رهان أخيه إلا فك الله رهانه يوم القيامة، فقال بعضهم: هذا لعلي خاصة أم للمسلمين عامة؟ فقال: بل. للمسلمين عامة".

وعن أبي هريرة عن الشيخين

(7)

وغيرهما

(8)

أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: "من خلف مالًا أو حقًّا فلورثته، ومن خلف كلًّا أو دينًا فكلّه إلي ودينه علي".

وعن سلمان عند الطبراني

(9)

بنحو حديث أبي هريرة، وزاد:"وعلى الولاة من بعدي من بيت مال المسلمين"، وفي إسناده [عبد الله بن سعيد]

(10)

الأنصاري متروك ومتهم.

وعن أبي أمامة عند ابن حبان في ثقاته

(11)

.

(1)

في صحيحه رقم (3064) وقد تقدم.

(2)

في السنن (3/ 79 رقم 293).

(3)

في المستدرك (2/ 58) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

(4)

في سننه رقم (3/ 78 - 79 رقم 291، 292).

(5)

في السنن الكبرى (6/ 75). بسند ضعيف.

(6)

في "التلخيص"(3/ 106).

(7)

البخاري رقم (4781) ومسلم رقم (17/ 1619).

(8)

كأبي داود رقم (2955) وابن ماجه رقم (2838).

(9)

في المعجم الكبير (ج 6 رقم 6103).

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد" (5/ 332) وقال: فيه عبد الغفور أبو الصباح وهو متروك".

(10)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) والصواب (عبد الغفور بن سعيد) كما في المعجم الكبير للطبراني وكتب الرجال الآتية:

[التاريخ الكبير (6/ 137) والمجروحين (2/ 148) والجرح والتعديل (6/ 55) والمغني (2/ 401) والميزان (2/ 641) ولسان الميزان (4/ 43)].

(11)

بل قال ابن حبان في "الثقات"(5/ 570) في ترجمة أبو عتبة الكندي: من أهل حمص، =

ص: 293

قوله: (ثلاثة دنانير)، في الرواية الأخرى

(1)

: "ديناران".

وفي رواية لابن ماجه

(2)

وأحمد

(3)

وابن حبان

(4)

من حديث أبي قتادة: "سبعة عشر درهمًا".

وفي رواية لابن حبان

(5)

من حديثه: "ثمانية عشر"، وهذان دون دينارين.

وفي رواية لابن حبان أيضًا

(6)

من حديثه: "ديناران".

وفي رواية له

(7)

أيضًا من حديث أبي أمامة نحو ذلك.

وفي مختصر المزني

(8)

من حديث أبي سعيد الخدري أن الدين كان درهمين.

ويجمع بين رواية الدينارين والثلاثة بأن الدين كان دينارين وشطرًا.

فمن قال ثلاثة جبر الكسر، ومن قال: ديناران ألغاه؛ أو كان أصلهما ثلاثة فوفى قبل موته دينارًا وبقي عليه ديناران.

فمن قال: ثلاثة فباعتبار الأصل، ومن قال: دينَاران فباعتبار ما بقي

= يروي عن أبي أمامة، روى عنه معاوية بن صالح".

قلت: وحديث أبي أمامة الباهلي عند أحمد بن منيع في "مسنده" كما في "المطالب العالية" رقم (1444) وأبي يعلى في "مسنده الكبير" كما في "المطالب العالية" أيضًا، والطبراني في المعجم الكبير "ج 8 رقم 7508).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 40) وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه أبو عُتبة ولَمْ أعرفه".

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف بهذا الإسناد، ولكن المتن صحيح، والله أعلم.

(1)

البخاري في صحيحه رقم (2289).

(2)

في سننه رقم (2407).

(3)

في المسند (5/ 311).

(4)

في صحيحه رقم (3060).

وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (3060) بسند صحيح.

(6)

في صحيحه رقم (3059) بسند حسن.

(7)

أي: لابن حبان في ثقاته كما تقدم قريبًا.

(8)

لم أقف عليه.

وقد تقدم تخريج حديث أبي سعيد عند الدارقطني (3/ 78 - 79) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 75) بسند ضعيف.

ص: 294

من الدين، والأول أليق كذا في الفتح

(1)

.

ولا يخفى ما في ذلك من التعسف، والأولى الجمع بين الروايات كلها بتعدد القصة.

وأحاديث الباب تدل على أنها تصح الضمانة عن الميت ويلزم الضمين ما ضمن به، وسواء كان الميت غنيًا أو فقيرًا، وإلى ذلك ذهب الجمهور

(2)

.

وأجاز مالك للضامن الرجوع على مال الميت إذا كان له مال.

وقال أبو حنيفة

(3)

: لا تصح الضمانة إلا بشرط [أن يترك]

(4)

الميت وفاء دينه وإلا لم يصح.

والحكمة في ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من عليه دين تحريض الناس على قضاء الديون في حياتهم والتوصل إلى البراءة لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال في الفتح

(5)

: وهل كانت صلاته صلى الله عليه وسلم على من عليه دين محرمة عليه أو جائزة؟ وجهان.

قال النووي

(6)

: الصواب الجزم بجوازها مع وجود الضامن كما في حديث مسلم

(7)

.

وحكى القرطبي

(8)

أنه ربما كان يمتنع من الصلاة على من ادّان دينًا غير جائز.

وأما من استدان لأمر هو جائز فما كان يمتنع، وفيه نظر لأن في حديث أبي هريرة ما يدل على التعميم حيث قال في رواية للبخاري

(9)

: "من توفي وعليه دين"، ولو كان الحال مختلفًا لبينه.

(1)

(4/ 468).

(2)

حكاه عنهم الحافظ في "الفتح"(4/ 468).

(3)

بدائع الصنائع (6/ 6).

(4)

في المخطوط (ب): مكررة.

(5)

(4/ 478).

(6)

انظر: شرح صحيح مسلم (11/ 60) للنووي.

(7)

في صحيحه رقم (14/ 1619).

(8)

في "المفهم"(4/ 575).

(9)

في صحيحه رقم (6731).

ص: 295

نعم جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنع من الصلاة على من عليه دين جاءه جبريل فقال: إنما الظالم في الديون التي حملت في البغي والإسراف، فأما المتعفف وذو العيال فأنا ضامن له أؤدي عنه، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وقال:"من ترك ضياعًا" الحديث.

قال الحافظ: وهو ضعيف.

وقال الحازمي

(1)

بعد أن أخرجه: لا بأس به في المتابعات وليس فيه أن التفضيل المذكور كان مستمرًا، وإنما فيه أنه طرأ بعد ذلك، وأنه السبب في قوله صلى الله عليه وسلم:"من ترك دينًا فعلي"، وفي صلاته صلى الله عليه وسلم على من عليه دين بعد أن فتح الله عليه إشعار بأنه كان يقضيه من مال المصالح.

وقيل: بل كان يقضيه من خالص ملكه. وهل كان القضاء واجبًا عليه أم لا؟ فيه وجهان.

قال ابن بطال

(2)

: وهكذا يلزم المتولي لأمر المسلمين أن يفعله بمن مات وعليه دين، فإن لم يفعل فالإثم عليه إن كان حق الميت في بيت المال يفي بقدر ما عليه وإلا فبقسطه.

قوله: (فعلي) قال ابن بطال

(3)

: هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين. وقد حكى الحازمي

(4)

إجماع الأمة على ذلك.

[الباب الثالث] باب في أن المضمون عنه إنَّما يبرأ بأداء الضامن لا بمجرد ضمانه

5/ 2307 - (عَنْ جابِرٍ قالَ: تُوُفي رَجُلٌ فَغَسَّلْناهُ وَحَنَّطْنَاهُ وكَفَنَّاهُ، ثُم أتَيْنا بِهِ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقُلْنا: تُصَلِّي عَلَيْه، فَخَطا خَطْوَةً ثمَ قالَ:"أعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ "، قُلْنا: دِينارَان، فانْصَرفَ فَتَحَمّلَهُما أبُو قَتادَة، فأتَيْناهُ فَقَالَ أبُو قَتادَة: الدِّينارَان عَلَيَّ،

(1)

في الاعتبار ص 326.

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 428).

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 427).

(4)

في الاعتبار ص 325.

ص: 296

فَقالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم: "قَدْ أوْفى الله حَقَّ الغريمِ وَبَرئ مِنْهُ المَيِّت"، قالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُم قالَ بعد ذلك بيومٍ:"ما فَعَلَ الدينارَان؟ "، قالَ: إنَّمَا ماتَ أمْس، قالَ: فَعَادَ إليْه مِنَ الغَد، فقالَ: قَدْ قَضَيْتُهُما، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"الآنَ بَرَدَتْ عَلَيْه جِلْدُهُ" رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

. [صحيح]

وإنَّما أرَادَ بقَوْله: "والمَيِّت منْهُما بَرِئٌ"، دُخُولَهُ في الضَّمان مُتَبَرّعًا لا يَنْوِي بهِ رُجُوعًا بحالٍ).

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود

(2)

والنسائي

(3)

والدارقطني

(4)

وصححه ابن حبان

(5)

والحاكم

(6)

.

قوله: (أتينا به النبي صلى الله عليه وسلم)، زاد الحاكم (6): "ووضعناه حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل.

قوله: (فانصرف) لفظ البخاري

(7)

في حديث أبي هريرة: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا على صاحبكم"، وتقدم نحوه في حديث سلمة

(8)

.

قوله: (الآن بردت عليه)، فيه دليل على أن خلوص الميت من ورطة الدين وبراءة ذمته على الحقيقة، ورفع العذاب عنه إنما يكون بالقضاء عنه لا بمجرد التحمل بالدين بلفظ الضمانة، ولهذا سارع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سؤال أبي قتادة في اليوم الثاني عن القضاء.

وفيه دليل على أنه يستحب للإمام أن يحض من تحمل حمالة عن ميت على الإسراع بالقضاء.

وكذلك يستحب لسائر المسلمين لأنه من المعاونة على الخير.

(1)

في المسند (3/ 330) بسند حسن.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 39) وقال: إسناده حسن.

(2)

في سننه رقم (3343).

(3)

في سننه رقم (1962).

(4)

في سننه رقم (3/ 79 رقم 293).

(5)

في صحيحه رقم (3064).

(6)

في المستدرك (2/ 58) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح.

(7)

في صحيحه رقم (2298).

(8)

تقدم برقم (2305) من كتابنا هذا.

ص: 297

وفيه أيضًا دليل على صحة التبرع بالضمانة عن الميت. وقد تقدم الكلام على ذلك.

[الباب الرابع] باب في أن ضمان درك المبيع على البائع إذا خرج مستحقًا

6/ 2308 - (عَنِ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أحقُّ بِهِ، وَيَتْبَعُ البَيِّعُ مَنْ بَاعَهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وأبُو دَاودَ

(2)

والنَّسائيُّ

(3)

. [ضعيف]

وفي لَفْظٍ: "إذا سُرِقَ مِنَ الرَّجُل مَتَاعٌ أوْ ضَاعَ مِنه. فَوَجَدَه بِيَدِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أحَقُّ بِهِ، ويرْجعُ المُشْتَرِي على البَائِعِ بالثَّمَنِ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ)

(5)

. [ضعيف]

سماع الحسن من سَمُرة فيه خلاف قد ذكرناه، وبقيه الإسناد رجاله ثقات، لأن أبا داود رواهُ عن عمرو بن عوف الواسطي الحافظ شيخ البخاري عن هشيم عن موسى بن السائب، وثَّقه أحمد عن قتادة عن الحسن.

قوله: (من وجد عين ماله)، يعني المغصوب أو المسروق عند رجل أو

(1)

في المسند (5/ 13).

(2)

في سننه رقم (3531).

(3)

في سننه رقم (4681).

قلت: وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير رقم (6860) والدارقطني (3/ 28) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 51، 100 - 101) وابن الجارود في المنتقى رقم (1026) من طرق.

قلت: الحسن البصري لم يصرح بسماعه من سمرة.

(4)

في المسند (5/ 13).

(5)

في سننه رقم (2331).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 181) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 165) والبيهقي (6/ 51).

قلت: حجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعن.

وخلاصة القول: أن حديث سمرة حديث ضعيف، والله أعلم.

وانظر: "الضعيفة" رقم (1627).

ص: 298

امرأة فهو أحق به من كل أحد إذا ثبت أنه ملكه بالبيِّنة، أو صدَّقه مَنْ في يده العين، ثم إن كانت العين بحَوز فله مع أخذ العين المطالبة بمنفعتها مدة بقائها في يده، سواء انتفع بها من كانت في يده أم لا، وإذا كانت العين قد نقصت بغير استعمال كتعثث الثوب وعمى العبد وسقوط يده بآفة، فقيل: يجب أخذ الأرش مع أجرته سليمًا لما قبل النقص وناقصًا لما بعده، وكذلك لو كان النقص بالاستعمال.

قوله: (البَيِّعُ) بتشديد التحتية مكسورة وهو المشتري، أي: يرجع على من باع تلك العين منه ولا يرجع عند الهادوية إلا إذا كان تسليم المبيع إلى مستحقه بإذن البائع أو بحكم الحاكم بالبينة أو بعلمه، لا إذا كان الحكم مستندًا إلى إقرار المشتري أو نكوله فلا يرجع على البائع، ثم إن كان المشتري عَلِم بأن تلك العين مغصوبة؛ فيتوجه عليه من المطالبة كل ما يتوجه على الغاصب من الأجرة والأَرْش إن جهل الغصب ونحوه كانت يده عليها يد أمانة كالوديعة، وقيل: يد ضمانة، ولكن يرجع بما غرم على البائع.

قوله: (بالثمن) يعني الذي دفعه إلى البائع.

ص: 299

[الكتاب الثاني عشر] كتاب التفليس

[الباب الأول] باب ملازمة المليء وإطلاق المعسر

1/ 2309 - (عَنْ عمرِو بْنِ الشَّريدِ عَنْ أبِيهِ عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَيُّ الوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلّا التِّرمِذِيّ

(1)

. [صحيح]

قالَ أحْمَدُ: قالَ وَكيع: "عرْضُهُ" شكايَتُهُ، "وَعُقُوبَتُهُ" حَبْسُهُ).

الحديث أخرجه أيضًا البيهقي

(2)

والحاكم

(3)

وابن حبان

(4)

، وصححه وعلقه البخاري

(5)

.

قال الطبراني في الأوسط

(6)

: لا يروى عن الشريد إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن أبي دُلَيْلَةَ، قال في الفتح

(7)

: وإسناده حسن.

قوله: (التفليس) هو مصدر فَلَسْتُهُ: أي نسبته إلى الإفلاس

(8)

؛ والمفلس شرعًا من يزيد دينه على موجوده، سُمِّي مفلسًا لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا

(1)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 222، 388، 389) وأبو داود رقم (3628) والنسائي رقم (4689) وابن ماجه رقم (2427).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 51) والحاكم في المستدرك (4/ 102) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه ابن حبان رقم (5089). وعلقه البخاري في صحيحه (5/ 62 رقم الباب (13) - مع الفتح). وحسنه الحافظ ابن حجر في "الفتح"(5/ 62) وكذا الألباني رحمه الله صححه.

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(2)

في السنن الكبرى (6/ 51) وقد تقدم.

(3)

في المستدرك (4/ 102) وقد تقدم.

(4)

في صحيحه رقم (5089) وقد تقدم.

(5)

في صحيحه رقم (5/ 62 رقم الباب (13) - مع الفتح) معلقًا. وقد تقدم.

(6)

في الأوسط رقم (2428).

(7)

(5/ 62).

(8)

انظر: "الصحاح"(3/ 959) والنهاية (2/ 392).

ص: 300

دراهم ودنانير، إشارة إلى أنه صار لا يملك إلا أدنى الأموال وهي الفلوس، أو سمي بذلك لأنه يمنع التصرف إلا في الشيء التافه كالفلوس لأنهم ما كانوا يتعاملون بها في الأشياء الخطيرة، أو أنه صار إلى حالة لا يملك فيها فلسًا. فعلى هذا فالهمزة في أفلس للسلب.

قوله: (لَيُّ الواجد) اللَّي بالفتح وتشديد الياء: المطل، والواجد بالجيم: الغني من الوجد بالضم بمعنى القدرة.

قوله: (يُحلّ) بضم أوله، أي: يجوز وصفه بكونه ظالمًا.

وروى البخاري

(1)

والبيهقي

(2)

عن سفيان مثل التفسير الذي رواه المصنف عن أحمد عن وكيع.

واستدل بالحديث على جواز حبس من عليه الدين حتى يقضيه إذا كان قادرًا على القضاء تأديبًا له وتشديدًا عليه إذا لم يكن قادرًا لقوله: "الواجد"، فإنه يدل على أن المعسر لا يحل عرضه ولا عقوبته، وإلى جواز الحبس للواجد ذهبت الحنفية

(3)

وزيد بن علي.

وقال الجمهور: يبيع عليه الحاكم لما سيأتي من حديث معاذ. وأما غير الواجد فقال الجمهور

(4)

: لا يحبس، لكن قال أبو حنيفة (3): يلازمه من له الدين. وقال شريح: يحبس. والظاهر قول الجمهور

(5)

، ويؤيده قوله

(1)

في صحيحه رقم (5/ 62) معلقًا.

(2)

في السنن الكبرى (6/ 51).

(3)

الاختيار (2/ 352 - 353) وشرح فتح القدير (7/ 260 - 261).

والبناية في شرح الهداية (8/ 30 - 39) فصل في الحبس.

(4)

المغني (6/ 385).

(5)

"قال ابن المنذر: أكثرُ من نحفظ عنه من عُلماء الأمصار، وقُضاتهم، يرون الحبس في "الدَّيْنِ"، منهم: مالك، والشافعي، وأبو عبيد، والنعمان، وسوَّار، وعبيد الله بن الحسن، ورُوي عن شريح، والشعبي وكان عمر بن عبد العزيز يقول: يُقسَمُ ماله بين الغرماء، ولا يحبَسُ، وبه قال عبد الله بن جعفر، والليث بن سعد" اهـ. [المغني (6/ 386)].

• وانظر: "مدونة الفقه المالكي وأدلته"(3/ 682 - 686): الحبس في الدِّين، حبس النساء، حبس الأقارب بعضهم لبعض - أحكام المحبوس، ومتى يؤذن للمسجون بالخروج".

وانظر: "الأم" للشافعي (4/ 441 - 443) باب ما جاء في حبس المفلس.

ص: 301

تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}

(1)

، وقد اختلف هل يفسق الماطل أم لا؟ واختلف أيضًا في تقدير ما يفسق به، والكلام في ذلك مبسوط في كتب الفقه.

2/ 2310 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ على عَهْد رَسول الله صلى الله عليه وسلم فِي ثِمارٍ ابْتاعها، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فقالَ: تَصَدَّقُوا عَلَيْه، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْه، فَلَمْ يَبْلُغْ ذلكَ وَفاءَ دَيْنِهِ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِغُرمَائِهِ: "خُذُوا ما وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلّا ذلك"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ)

(2)

. [صحيح]

قوله: (في ثمار ابتاعها) هذا يدل على أن الثمار إذا أصيبت مضمونة على المشتري، وقد تقدم في باب وضع الجوائح

(3)

ما يدل على أنه يجب على البائع أن يضع عن المشتري بقدر ما أصابته الجائحة، وقد جمع بينهما بأن وضع الجوائح محمول على الاستحباب.

وقيل: إنه خاص بما بيع من الثمار قبل بدو صلاحه.

وقيل: إنه يؤول حديث أبي سعيد هذا بأن التصدق على الغريم من باب الاستحباب.

وكذلك قضاؤه دين غرمائه من باب التعرض لمكارم الأخلاق، وليس التصدق على جهة الغرم ولا القضاء للغرماء على جهة الحتم، وهذا هو الظاهر، ويدل عليه قوله في حديث

(4)

وضع الجوائح: "لا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك؟ ".

فإنه صريح في وجوب الوضع لا في استحبابه.

وكذلك قوله في هذا الحديث: "وليس لكم إلا ذلك"، فإنه يدل على أن

(1)

سورة البقرة، الآية:280.

(2)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 36) ومسلم رقم (18/ 1556) وأبو داود رقم (3469) والترمذي رقم (655) والنسائي رقم (4530) وابن ماجه رقم (2356).

وهو حديث صحيح.

(3)

عند الحديث رقم (2222) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم تخريجه برقم (2222) من كتابنا هذا.

ص: 302

الدَّين غير لازم، ولو كان لازمًا لما سقط الدين بمجرد الإعسار، بل كان اللازم الإنظار إلى ميسرة.

وقد قدمنا في باب وضع الجوائح عدم صلاحية حديث أبي سعيد هذا للاستدلال به على عدم وضع الجوائح لوجهين ذكرناهما هنالك.

وقد استدل بالحديث على أن المفلس إذا كان له من المال دون ما عليه من الدين كان الواجب عليه لغرمائه تسليم المال، ولا يجب عليه لهم شيء غير ذلك، وظاهره أن الزيادة ساقطة عنه، ولو أيسر بعد ذلك لم يطالب بها.

[الباب الثاني] باب من وجد سلعة باعها من رجل عنده وقد أفلس

3/ 2311 - (عَنِ الحَسَن عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عنْدَ مُفْلسٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أحَقّ بِهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [صحيح لغيره]

4/ 2312 - (وَعَنِ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أدْرَكَ مالَهُ بعينِهِ عنْدَ رَجُلٍ أفْلَسَ، أوْ إنْسان قَدْ أفْلَسَ فَهُوَ أحَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ" رَوَاهُ الجَماعَة

(2)

. [صحيح]

وفِي لفظٍ قالَ في الرَّجُل الذِي يُعْدمُ: "إِذَا وَجَدَ عنده المَتاعَ وَلم يُفَرّقْهُ إنه لصَاحِبهِ الَّذِي باعَهُ،، رَوَاهُ مُسْلمٌ

(3)

وَالنَّسائيُّ

(4)

. [صحيح]

(1)

في المسند (5/ 10) بسند ضعيف، عمر بن إبراهيم العبدي، أبو حفص البصري، في روايته عن قتادة خاصة ضعف. وقد خالفه موسى بن السائب - وهو ثقة - فرواه عن قتادة بغير هذا اللفظ عند أحمد (5/ 13) وقد تقدم قريبًا.

لكن متن الحديث له شاهد من حديث أبي هريرة عند الشيخين.

فهو به صحيح.

(2)

أخرجه أحمد (2/ 228، 258) والبخاري رقم (2402) ومسلم رقم (22/ 1559) وأبو داود رقم (3519) والترمذي رقم (1262) والنسائي رقم (4676) وابن ماجه رقم (2358).

وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (23/ 1559).

(4)

في سننه رقم (4677). =

ص: 303

وَفِي لَفْظ: "أيمَا رَجُلٍ أفْلَسَ فَوَجَدَ رَجُلٌ عنْدَهُ مَالَهُ وَلَمْ يَكْن اقْتَضَى مِنْ مالِهِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [صحيح لغيره]

5/ 2313 - (وَعَنْ أبي بَكْرِ بْنِ عَبْد الرَّحْمنِ بْنِ الحارِثِ بْنِ هشامٍ أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَيّما رَجُلٍ باعَ متَاعًا فأفْلَسَ الّذِي ابْتاعَه وَلمْ يَقْبِضِ الَّذِي باعَهُ مِنْ ثَمنِهِ شَيْئًا، فَوَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أحَقّ بِهِ، وَإنْ ماتَ المشْتَرِي فَصَاحِبُ المَتاع أُسْوَةُ الغُرَماءِ،، رَوَاهُ مالكٌ في المَوَطَّأ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

، وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَقَدْ أسْنَدَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ). [صحيح]

حديث سمرة أخرجه أيضًا أبو داود

(4)

، قال في الفتح

(5)

: وإسناده حسن، وهو من رواية الحسن البصري عنه، وفي سماعه منه خلاف معروف قد قدمنا الكلام فيه؛ ولكنه يشهد لصحته حديث أبي هريرة المذكور بعده.

ويشهد لصحته أيضًا ما أخرجه الشافعي

(6)

وأبو داود

(7)

وابن ماجه

(8)

والحاكم، وصححه

(9)

عن أبي هريرة أنه قال في مفلس أتوه به: "لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أفلس أو مات فوجد الرجل متاعه بعينه فهو أحق به".

وفي إسناده أبو المعتمر

(10)

. قال أبو داود والطحاوي وابن المنذر: هو

= وهو حديث صحيح.

(1)

في المسند (2/ 525) بسند منقطع. لكن للحديث طرق أخرى يصح بها.

(2)

في الموطأ (2/ 678 رقم 87).

(3)

في سننه رقم (3520).

قال المنذري: وهذا مرسل أبو بكر بن عبد الرحمن تابعي.

وانظر: "الإرواء"(5/ 269).

والخلاصة: أن الحديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (3531) وهو حديث ضعيف وقد تقدم.

(5)

(5/ 64).

(6)

في المسند (ج 2 رقم 564 - ترتيب).

(7)

في سننه رقم (3519).

(8)

في سننه رقم (2358).

(9)

في المستدرك (2/ 50 - 51) وقال: حديث عال صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح.

(10)

"أبو المعتمر بن عمرو بن رافع المدني. روى عن: عمر بن خَلده الزرقي وعبيد الله بن =

ص: 304

مجهول

(1)

، ولم يذكر له ابن أبي حاتم

(2)

إلا راويًا واحدًا، وذكره ابن حبان في الثقات

(3)

وهو للدارقطني

(4)

والبيهقي

(5)

من طريق أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب.

وحديث أبي بكر بن عبد الرحمن هو مرسل كما ذكره المصنف لأن أبا بكر تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.

ووصله أبو داود

(6)

من طريق أخرى فقال عن أبي بكر المذكور عن أبي هريرة وهي ضعيفة كما قال المصنف، وذلك لأن فيها إسماعيل بن عياش

(7)

وهو ضعيف إذا روى عن غير أهل الشام، ولكنه ههنا روى عن [الحارث الزبيدي]

(8)

وهو شامي.

قال الحافظ

(9)

: وقد اختلف على إسماعيل فأخرجه ابن الجارود

(10)

من وجه عنه عن موسى بن عقبة عن الزهري موصولًا.

وقال الشافعي

(11)

حديث أبي المعتمر أولى من هذا. وهذا منقطع.

وقال البيهقي

(12)

: لا يصح وصله، ووصله عبد الرزاق في مصنفه

(13)

.

= علي بن أبي رافع. وعنه: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ذكره ابن حبان في "الثقات".

قلت: - أي ابن حجر - وقال ابن عبد البر: ليس بمعروف بحمل العلم" اهـ.

[تهذيب التهذيب (4/ 590)].

(1)

حكاه عنهم الحافظ في "التلخيص"(3/ 87).

(2)

في الجرح والتعديل (9/ 443 رقم 2238).

(3)

في "الثقات"(7/ 663).

(4)

في السنن (3/ 29 رقم 106).

(5)

في السنن الكبرى (6/ 46).

(6)

في سننه رقم (3522)، وهو حديث صحيح.

(7)

تقدم مرارًا.

(8)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) والصواب (الزبيدي) وهو محمد بن الوليد أبو هذيل الحمصي. كما حكاه أبو داود في سننه رقم (3522).

وانظر: "تهذيب التهذيب"(3/ 723 - 724).

(9)

في "التلخيص"(3/ 89).

(10)

في المنتقى رقم (634) بسند ضعيف.

(11)

في الأم (4/ 448 - 449).

(12)

في السنن الكبرى (6/ 46).

(13)

رقم (15160).

ص: 305

وذكر ابن حزم

(1)

أن عراك بن مالك رواه أيضًا عن أبي هريرة [في]

(2)

غرائب مالك.

وفي التمهيد

(3)

أن بعض أصحاب مالك وصله.

قال أبو داود

(4)

: والمرسل أصح.

وقد روى المرسل الشيخان

(5)

بلفظ: "من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق من غيره"، ووصله ابن حبان

(6)

والدارقطني

(7)

وغيرهما

(8)

من طريق الثوري عن أبي بكر عن أبي هريرة بنحو لفظ الشيخين.

قوله: (بعينه) فيه دليل على أن شرط الإستحقاق أن يكون المال باقيًا بعينه لم يتغير ولم يتبدل، فإن تغيرت العين في ذاتها بالنقص مثلًا أو في صفة من صفاتها [فهي]

(9)

أسوة الغرماء، ويؤيد ذلك قوله في الرواية الثانية:"ولم يفرقه".

وذهب الشافعي

(10)

والهادوية

(11)

إلى أن البائع أولى بالعين بعد التغير والنقص.

قوله: (فهو أحق به) أي من غيره كائنًا من كان، وارثًا أو غريمًا. وبهذا قال الجمهور

(12)

وخالفت الحنفية

(13)

في ذلك فقالوا: لا يكون البائع أحق بالعين المبيعة [التي]

(14)

في يد المفلس، وتأوّلوا الحديث بأنه خبر واحد مخالف للأصول، لأن السلعة صارت بالبيع ملكًا للمشتري، ومن ضمانه واستحقاق البائع أخذها منه نقض لملكه، وحملوا الحديث على صورة وهي ما إذا كان المتاع وديعة أو عارية أو لقطة.

(1)

في المحلى (8/ 176).

(2)

في المخطوط (ب): (وفي).

(3)

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (12/ 245).

(4)

في السنن (3/ 791) حيث قال: حديث مالك أصح.

(5)

البخاري رقم (2402) ومسلم رقم (22/ 1559).

(6)

في صحيحه رقم (5037).

(7)

في السنن (3/ 29 رقم 108).

(8)

كالبيهقي في السنن الكبرى (6/ 45).

(9)

في المخطوط (ب): (فهو).

(10)

الأم (4/ 433) والبيان للعمراني (6/ 169 - 170).

(11)

البحر الزخار (3/ 400).

(12)

المغني (6/ 543 - 544).

(13)

البناية في شرح الهداية (10/ 146).

(14)

في المخطوط (ب): (الذي).

ص: 306

وتُعُقِّب بأنه لو كان كذلك لم يقيد بالإفلاس، ولا جعل أحقّ بها لما تقتضيه صيغة أفعل من الاشتراك، وأيضًا يردّ ما ذهبوا إليه قوله في حديث أبي بكر:"أيما رجل باع متاعًا" فإن فيه التصريح بالبيع، وهو نص في محل النزاع.

وقد أخرجه أيضًا سفيان في جامعه

(1)

وابن حبان

(2)

وابن خزيمة

(3)

عن أبي بكر عن أبي هريرة بلفظ: "إذا ابتاع رجل سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها"، وفي لفظ لابن حبان

(4)

: "إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته".

وفي لفظ لمسلم

(5)

والنسائي

(6)

: "إنه لصاحبه الذي باعه"، كما ذكره المصنف، وعند عبد الرزاق

(7)

بلفظ: "من باع سلعة من رجل".

قال الحافظ

(8)

: فظهر بهذا أن الحديث وارد في صورة البيع، ويلتحق به القرض وسائر ما ذكر. يعني من العارية والوديعة بالأولى، والاعتذار بأن الحديث خبر واحد مردود بأنه مشهور من غير وجه.

من ذلك ما تقدم عن سمرة

(9)

وأبي هريرة

(10)

وأبي بكر بن عبد الرحمن

(11)

.

ومن ذلك ما أخرجه ابن حبان

(12)

بإسناد صحيح عن ابن عمر مرفوعًا بنحو أحاديث الباب.

(1)

تقدم الكلام عليه.

(2)

في صحيحه رقم (5037) بسند صحيح.

(3)

لم أقف عليه.

(4)

في صحيحه رقم (5038) بسند صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (23/ 1559).

(6)

في سننه رقم (4677).

وهو حديث صحيح.

(7)

في "المصنف" رقم (15169).

(8)

في "الفتح"(5/ 64).

(9)

تقدم برقم (2311) من كتابنا هذا.

(10)

تقدم برقم (2312) من كتابنا هذا.

(11)

تقدم برقم (2313) من كتابنا هذا.

(12)

في صحيحه رقم (5039).

قلت: وأخرجه البزار (رقم 1301 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 144)، وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح".

ولفظه: "إذا أعْدَمَ الرجلُ فوجَدَ البائع متاعه بعينه، فهو أحقُّ به".

ص: 307

وقد قضى به عثمان كما رواه البخاري

(1)

والبيهقي

(2)

عنه حتى قال ابن المنذر

(3)

: لا نعرف لعثمان مخالفًا في الصحابة.

والاعتذار بأنه مخالف للأصول اعتذار فاسد لما عرَّفناك من أن السنة الصحيحة هي من جملة الأصول فلا يترك العمل بها إلا لما هو أنهض منها، ولم يرد في المقام ما هو كذلك، وعلى تسليم أنه ورد ما يدل على أن السلعة تصير بالبيع ملكًا للمشتري فما ورد في الباب أخص مطلقًا، فيبنى العام على الخاص.

وحمل بعض الحنفية الحديث على ما إذا أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة.

وتُعُقِّبَ بقوله في حديث سمرة

(4)

: "عند مفلس"، وبقوله في حديث أبي هريرة

(5)

: "عند رجل"، وفي لفظ لابن حبان

(6)

: "ثم أفلس وهي عنده"، وللبيهقي (2)"إذا أفلس الرجل وعنده متاع".

وقال جماعة: إن هذا الحكم، أعني كون البائع أولى بالسلعة التي بقيت في

(1)

في صحيحه رقم (2402).

(2)

في السنن الكبرى (6/ 45).

(3)

• قال البغوي في شرح السنة (8/ 187): "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، قالوا: إذا أفلس المشتري، ووجد البائع عين ماله، فله أن يفسخ البيع، ويأخذ عين ماله.

وإن كان قد أخذ بعض الثمن، وأفلس بالباقي، أخذ من عين ماله بقدر ما بقي من الثمن، وهو قول أكثر أهل العلم، قضى به عثمان، وروي عن علي ذلك، ولا نعلم لهما مخالفًا من الصحابة، وإليه ذهب عروة بن الزبير، وبه قال مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

وذهب قوم إلى أنه ليس له أخذ عين ماله، وهو أسوة الغرماء، وبه قال النخعي، وابن شبرمة. وأصحاب الرأي. ولو مات مفلسًا فهو كما لو أفلس في حياته على هذا الاختلاف.

وذهب مالك إلى أنه إذا مات مفلسًا، أو أفلس في حياته، وقد أخذ البائع شيئًا من الثمن، فليس له أخذ عين ماله، بل يضارب الغرماء" اهـ.

وانظر: الاستذكار (21/ 26 - 27) وإحكام الأحكام لابن دقيق العيد (3/ 200).

(4)

تقدم برقم (2311) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (2312) من كتابنا هذا.

(6)

في صحيحه رقم (5038) بسند صحيح.

ص: 308

يد المفلس مختص بالبيع دون القرض. وذهب الشافعي

(1)

وآخرون إلى أن المقرض أولى من غيره.

واحتجَّ الأوّلون بالروايات المتقدمة المصرِّحة بالبيع، قالوا: فتحمل الروايات المطلقة عليها، ولكنه لا يخفى أن التصريح بالبيع لا يصلح لتقييد الروايات المطلقة، لأنه إنما يدلّ على أن غير البيع بخلافه بمفهوم اللقب

(2)

، وما كان كذلك لا يصلح للتقييد إلا على قول أبي ثور كما تقرر في الأصول.

وربما يقال إن المصرح به هنا هو الوصف فلا يكون من مفهوم اللقب.

قوله: (ولم يكن اقتضى من ماله شيئًا)، فيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من أن المشتري إذا كان قد قضى بعض الثمن لم يكن البائع أولى بما لم يسلم المشتري ثمنه من المبيع بل يكون أسوة الغرماء.

وقال الشافعي

(3)

والهادوية

(4)

: إن البائع أولى به، والحديث يرد عليهم.

قوله: (وإن مات المشتري

) إلخ، فيه دليل على أن المشتري إذا مات والسلعة التي لم يسلم المشتري ثمنها باقية لا يكون البائع أولى بها، بل يكون أسوة الغرماء، وإلى ذلك ذهب مالك

(5)

وأحمد

(6)

.

(1)

قال ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(7/ 399 - 400): "الثالث: رجوع المقرض إلى عين ماله إذا كان باقيًا بعينه وأفلس بعد قبضه، كما ترجم عليه البخاري - فيما سلف - ووجهه أن لفظ الحديث أعم من أن يكون المال أو المتاع لبائع أو لمقرض والفقهاء قاسوه عليه بجامع أنه مملوك يقدر على تحصيله فأشبه البيع ولا حاجة إليه لاندراجه تحته.

"بهذا قال الشافعي، وأبو محمد الأصيلي من المالكية. وخالفه غيره فقال: لا يكون القرض كالبيع" اهـ.

وانظر: الحاوي الكبير (6/ 273).

(2)

انظر: إرشاد الفحول (ص 601) بتحقيقي والبحر المحيط (4/ 25) وتيسير التحرير (1/ 101).

(3)

البيان للعمراني (6/ 202 - 203).

(4)

شفاء الأوام (3/ 267) والبحر الزخار (5/ 83).

(5)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 696).

(6)

المغني (6/ 561).

ص: 309

وقال الشافعي

(1)

: البائع أولى بها. واحتج بقوله في حديث أبي هريرة

(2)

الذي ذكرناه: "من أفلس أو مات

" إلخ، ورجحه الشافعي على المرسل

(3)

المذكور في الباب.

قال: ويحتمل أن يكون آخره من رأي أبي بكر بن عبد الرحمن، لأن الذين وصلوه عنه لم يذكروا قضية الموت، وكذلك الذين رووه عن أبي هريرة غيره لم يذكروا ذلك، بل صرح بعضهم عن أبي هريرة بالتسوية بين الإفلاس والموت كما ذكرنا.

قال في الفتح

(4)

: فتعين المصير إليه لأنها زيادة مقبولة من ثقة. قال

(5)

: وجزم ابن العربي بأن الزيادة التي في مرسل مالك من قول الراوي.

وجمع الشافعي أيضًا بين الحديثين بحمل مرسل أبي بكر (3) على ما إذا مات مليئًا، وحمل حديث أبي هريرة (2) على ما إذا مات مفلسًا.

وقد استدل بقوله في حديث أبي هريرة (2): "أو مات" على أن صاحب السلعة أولى بها.

ولو أراد الورثة أن يعطوه ثمنها لم يكن لهم ذلك ولا يلزمه القبول، وبه قال الشافعي

(6)

وأحمد

(7)

.

وقال مالك

(8)

: يلزمه القبول.

وقالت الهادوية

(9)

: إن الميت إذا خلف الوفاء لم يكن البائع أولى بالسلعة وهو خلاف الظاهر، لأن الحديث يدل على أن الموت من موجبات إستحقاق البائع للسلعة، ويؤيد ذلك عطفه على الإفلاس.

واستدل بأحاديث الباب على حلول الدَّين المؤجل بالإفلاس.

(1)

البيان للعمراني (6/ 200).

(2)

تقدم تخريجه خلال شرح الحديث (2312) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (2313) من كتابنا هذا.

(4)

(5/ 64).

(5)

أي الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 64).

(6)

في الأم (4/ 449).

(7)

المغني (6/ 561 - 562).

(8)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 694).

(9)

شفاء الأوام (3/ 268).

ص: 310

قال في الفتح

(1)

: من حيث إن صاحب الدين أدرك متاعه بعينه فيكون أحق به، ومن لوازم ذلك أنها تجوز له المطالبة بالمؤجل وهو قول الجمهور

(2)

.

لكن الراجح عند الشافعية

(3)

أن المؤجل لا يحل بذلك لأن الأجل حق مقصود له فلا يفوت وهو قول الهادوية

(4)

.

واستدل أيضًا بأحاديث الباب على أن لصاحب المتاع أن يأخذه من غير حكم حاكم.

قال في الفتح

(5)

: وهو الأصح من قول العلماء. وقيل: يتوقف على الحُكْمِ.

[الباب الثالث] باب الحجر على المدين وبيع ماله في قضاء دينه

6/ 2314 - (عَنْ كَعْبِ بْنِ مالكٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَجَر على معَاذٍ مالَهُ وَباعَهُ

فِي دَينٍ كانَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي)

(6)

[ضعيف]

7/ 2315 - وَعَنْ عَبْدِ الرحمَن بْنِ كَعْبٍ قالَ: كانَ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ شابًا سخيًّا، وكانَ لا يُمْسِكُ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ يَدَّانُ حتّى أغْرِقَ مالُهُ كُلّه في الدَّيْنِ، فأتى

(1)

(5/ 65).

(2)

المغني (6/ 566 - 567) والفتح (5/ 65).

(3)

الأم (4/ 441).

(4)

البحر الزخار (5/ 80).

(5)

(5/ 65).

(6)

في السنن (4/ 230 رقم 95).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 58). والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 48) وأبو داود في المراسيل رقم (171) وعبد الرزاق في المصنف رقم (15177).

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وتعقبهما الألباني في الإرواء (5/ 260) حيث قال: "وذلك منهما خطأ فاحش، وخصوصًا الذهبي، فقد أورد إبراهيم - بن معاوية بن الفرات الخزاعي - هذا في "الميزان" وقال: ضعفه زكريا الساجي وغيره.

ثم هو ليس من رجال الشيخين ولا السنن الأربعة، وقد تفرد به

" اهـ.

وخلاصة القول: أن حديث كعب بن مالك حديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 311

النَّبِي صلى الله عليه وسلم فكَلَّمَهُ ليُكَلِّمَ غُرَمَاءهُ، فَلَوْ تَرَكُوا لأحَدٍ لَتَرَكُوا لمُعاذٍ لأجْلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَباعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَهُمْ مالَهُ حَتّى قامَ مُعاذ بِغَير شَيء. رَوَاهُ سَعيدٌ في سُنَنِهِ هَكَذَا مُرْسَلًا)

(1)

. [ضعيف]

حديث كعب أخرجه أيضًا البيهقي

(2)

والحاكم وصححه

(3)

.

ومرسل عبد الرحمن بن كعب أخرجه أيضًا أبو داود

(4)

وعبد الرزاق

(5)

.

قال عبد الحق

(6)

: المرسل أصح.

وقال ابن الطلاع

(7)

في الأحكام: هو حديث ثابت.

وقد أخرج الحديث الطبراني

(8)

؛ ويشهد له ما عند مسلم

(9)

وغيره من حديث أبي سعيد قال: "أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقد تقدم.

وقد استدلّ بحَجْره صلى الله عليه وسلم على معاذ أنه يجوز الحَجْرُ على كل مديون، وعلى

(1)

عزاه إليه ابن الجوزي في "التحقيق"(7/ 234 - 235 رقم 1750).

وقال ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"(3/ 26): "هذا الحديث رواه أبو داود في المراسيل - رقم (172) - عن سليمان بن داود المهري عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب بنحوه.

وروى الحاكم في المستدرك (3/ 269، 273) - الحديث متصلًا كرواية الدارقطني، وقال: صحيح على شرطهما. وفي قوله نظر. والمشهور في الحديث الإرسال" اهـ.

وانظر: الإرواء (5/ 261 - 262).

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(2)

في السنن الكبرى (6/ 48) وقد تقدم.

(3)

في المستدرك (2/ 58) وقد تقدم.

(4)

في المراسيل رقم (171) وقد تقدم.

(5)

في المصنف رقم (15177) وقد تقدم.

(6)

في "الأحكام الوسطى"(3/ 287) ط: دار الرشد - الرياض.

(7)

ابن الطَّلاع: هو محمد بن الفرج القرطبي المالكي، مولى محمد بن يحيى بن الطَّلَّاع المعروف بالطلَّاعي، وله كتاب في "أحكام النبي صلى الله عليه وسلم " توفي سنة (497 هـ). [انظر:"سير أعلام النبلاء"(19/ 199 رقم 121)].

(8)

في المعجم الكبير (ج 20 رقم 44).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 144)، وقال: رواه الطبراني في الكبير مرسلًا ورجاله رجال الصحيح".

(9)

في صحيحه رقم (18/ 1556). وقد تقدم تخريجه رقم (2310) من كتابنا هذا.

ص: 312

أنه يجوز للحاكم بيع مال المديون لقضاء دينه، من غير فرق بين من كان ماله مستغرقًا بالدين ومن لم يكن ماله كذلك.

وقد حكى صاحب البحر

(1)

هذا عن العترة والشافعي ومالك وأبي يوسف ومحمد، وقيدوا الجواز بطلب أهل الدين للحجر من الحاكم.

وروي عن الشافعي

(2)

أنه يجوز قبل الطلب للمصلحة.

وحكى في البحر

(3)

أيضًا عن زيد بن علي

(4)

والناصر وأبي حنيفة

(5)

أنه لا يجوز الحجر على المديون ولا بيع ماله بل يحبسه الحاكم حتى يقضي.

واستدل لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم"

(6)

الحديث. وهو مخصص بحديث معاذ المذكور.

(1)

البحر الزخار (3/ 396) وشفاء الأوام (3/ 269).

(2)

روضة الطالبين (4/ 137).

(3)

البحر الزخار (5/ 89 - 90).

(4)

"الاعتصام بحبل الله المتين"(4/ 510).

(5)

انظر: شرح معاني الآثار (4/ 166).

والاختيار (2/ 352 - 353) والبناية في شرح الهداية (10/ 132 - 133) وشرح فتح القدير (7/ 265).

(6)

ورد هذا الحديث من حديث أبي حميد الساعدي، وأبي حرة الرقاشي عن عمه، وعمرو بن يثربي.

• أما حديث أبي حميد الساعدي فقد أخرجه أحمد (5/ 425) والبزار رقم (1373 - كشف) وابن حبان رقم (5978) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 41 - 42).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 171) وقال: رواه أحمد والبزار ورجال الجميع رجال الصحيح.

• وأما حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه، فقد أخرجه أحمد (5/ 72) وأبو يعلى في المسند رقم (1570) والدارقطني (3/ 26) والبيهقي (6/ 100) و (8/ 182) وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.

• وأما حديث عمرو بن يثربي، فقد أخرجه أحمد في المسند (3/ 423) وابنه عبد الله في زيادات المسند (5/ 113) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(4/ 42) والدارقطني (3/ 24 - 25، 25) والبيهقي (6/ 97).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 171 - 172) وقال: رواه أحمد وابنه في زياداته أيضًا، والطبراني في الكبير والأوسط. ورجال أحمد ثقات.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بطرقه وشواهده، والله أعلم.

ص: 313

وأما ما إدعاه إمام الحرمين (1) حاكيًا لذلك عن العلماء. وتبعه الغزالي

(1)

أن حجر معاذ لم يكن من جهة استدعاء غرمائه، بل الأشبه أنه جرى باستدعائه.

فقال الحافظ

(2)

: إنه خلاف ما صح من الروايات المشهورة، ففي المراسيل لأبي داود

(3)

التصريح بأن الغرماء التمسوا ذلك.

قال: وأما ما رواه الدارقطني

(4)

"أن معاذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه"، فلا حجة فيه أن ذلك لالتماس الحَجْر، وإنما فيه طلب معاذ الرفق منهم، وبهذا تجتمع الروايات، انتهى.

وقد روي الحَجْر على المديون وإعطاء الغرماء ماله من فعل عمر كما في الموطأ

(5)

والدارقطني

(6)

وابن أبي شيبة

(7)

والبيهقي

(8)

وعبد الرزاق

(9)

، ولم ينقل أنه أنكر ذلك عليه أحد من الصحابة.

[الباب الرابع] باب الحجر على المبذر

8/ 2316 - (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبَيْرِ قالَ: ابْتاعَ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ بيعًا، فَقالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: لآتِيَنَّ عُثْمانَ فَلأَحْجُرَنَّ عَلَيْكَ، فأعْلَمَ ذلكَ ابْنُ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ، فَقَالَ: أنا شَرِيكُكَ في بَيْعَتِكَ، فأتى عُثْمانَ رضي الله عنهما قالَ: فقال احْجُرْ على هَذَا، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أنا شَرِيكُهُ، فَقالَ عُثْمانُ: أحْجُرُ على رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْر؟ رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي مُسْنَدِهِ)

(10)

. [موقوف بسند ضعيف]

(1)

قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 88): "قلت: هذا شيء إدعاه إمام الحرمين، فقال في "النهاية": قال العلماء: ما كان حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ من جهة استدعاء غرمائه.

والأشبه أن ذلك جرى باستدعائه وتبعه الغزالي

" اهـ.

(2)

في "التلخيص"(3/ 88).

(3)

رقم (172) وقد تقدم.

(4)

في سننه (4/ 230 رقم 95).

(5)

في الموطأ (2/ 770 رقم 8).

(6)

في علله (2/ 147 س 172).

(7)

في المصنف (9/ 217).

(8)

في السنن الكبرى (6/ 49).

(9)

في المصنف رقم (15177).

(10)

في المسند (ج 2 رقم 556 - ترتيب) موقوف بسند ضعيف.

ص: 314

هذه القصة رواها الشافعي

(1)

عن [عمر بن الحسن]

(2)

عن أبي يوسف القاضي عن هشام بن عروة عن أبيه.

وأخرجها أيضًا البيهقي

(3)

وقال: يقال أن أبا يوسف

(4)

تفرد به وليس كذلك، ثم أخرجها

(5)

من طريق الزبيري المدني القاضي عن هشام نحوه.

ورواها أبو عبيد في كتاب الأموال

(6)

عن عفَّان بن مسلم عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال: قال عثمان لعلي: ألا تأخذ على يد ابن أخيك، يعني عبد الله بن جعفر وتحجر عليه؟ اشترى سبخة بستين ألف درهم ما يسرني أنها لي بنعلي، وقد ساق القصة البيهقي

(7)

فقال: اشترى عبد الله بن جعفر أرضًا سبخة فبلغ ذلك عليًا فعزم على أن يسأل عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر ذلك له فقال الزبير: أنا شريكك، فلما سأل علي عثمان الحجر على عبد الله بن جعفر قال: كيف أحجر على من شريكه الزبير؟

وفي رواية للبيهقي

(8)

: أن الثمن ستمائة ألف.

وقال الرافعي: الثمن ثلاثون ألفًا.

قال الحافظ

(9)

: لعله من غلط [النسَّاخ]

(10)

والصواب: بستين، يعني ألفًا، انتهى.

وروى القصة ابن حزم

(11)

فقال: بستين ألفًا.

وقد استدل بهذه الواقعة من أجاز الحجر على من كان سيئ التصرف وبه قال علي وعثمان وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر وشريح وعطاء والشافعي

(1)

في الأم (4/ 461 رقم 1645).

(2)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) والصواب (محمد بن الحسن) كما في ترتيب المسند، وفي الأم وفي "معرفة السنن والآثار"(8/ 272 رقم 11896).

(3)

في السنن الكبرى (6/ 61).

(4)

انظر ترجمته في تاريخ بغداد: (14/ 242 - 262).

(5)

أي البيهقي في السنن الكبرى (6/ 61).

(6)

كما في "التلخيص"(3/ 96).

(7)

في السنن الكبرى (6/ 61).

(8)

في السنن الكبرى (6/ 61).

(9)

في "التلخيص"(3/ 96).

(10)

في المخطوط (ب): الناسخ.

(11)

في "المحلى"(8/ 292).

ص: 315

ومالك وأبو يوسف ومحمد، هكذا في البحر

(1)

.

قال في الفتح

(2)

: والجمهور على جواز الحجر على الكبير. وخالف أبو حنيفة

(3)

وبعض الظاهرية، ووافق أبو يوسف ومحمد.

قال الطحاوي

(4)

: ولم أر عن أحد من الصحابة منع الحجر على الكبير ولا عن التابعين إلا عن إبراهيم وابن سيرين

(5)

.

ثم حكى صاحب البحر

(6)

عن العترة أنه لا يجوز مطلقًا.

وعن أبي حنيفة

(7)

أنه لا يجوز أن يسلم إليه ماله بعد خمس وعشرين سنة، ولهم أن يجيبوا عن هذه القصة بأنها وقعت عن بعض من الصحابة والحجة إنما هو إجماعهم، والأصل جواز التصرف لكل مالك من غير فرق بين أنواع التصرفات فلا يمنع منها إلا ما قام الدليل على منعه.

ولكن الظاهر أن الحجر على من كان في تصرفه سفه كان أمرًا معروفًا عند الصحابة مألوفًا بينهم، ولو كان غير جائز لأنكره بعض من اطلع على هذه القصة، ولكان الجواب من عثمان عن علي، بأن هذا غير جائز، وكذلك الزبير وعبد الله بن جعفر لو كان مثل هذا الأمر غير جائز، لكان لهما عن تلك الشركة مندوحة.

والعجب من ذهاب العترة

(8)

إلى عدم الجواز مطلقًا، وهذا إمامهم وسيدهم

(1)

البحر الزخار (5/ 92).

(2)

الفتح (5/ 68).

(3)

البناية في شرح الهداية (10/ 100 - 101) والاختيار (2/ 360).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 68).

(5)

"قال ابن المنذر: أكثرُ علماءِ الأمصار من أهل الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، يرون الحجر على كل مُضيع لماله، صغيرًا كان أو كبيرًا. وهذا قولُ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.

وبه قال مالك، والشافعي، وأبو يوسف، ومحمد

" اهـ.

[المغني لابن قدامة (6/ 595)].

(6)

البحر الزخار (5/ 92).

(7)

البناية في شرح الهداية (10/ 100) والاختيار (2/ 361).

(8)

البحر الزخار (5/ 92).

ص: 316

أمير المؤمنين كرم الله وجهه يقول بالجواز مع كون أكثرهم يجعل قوله حجة متبعة يجب المصير إليها وتصلح لمعارضة المرفوع.

وأما اعتذار صاحب البحر

(1)

عن ذلك بأن عليًا لم يفعل، ففي غاية من السقوط، فإن الحجر لو كان غير جائز لما ذهب إلى عثمان وسأل منه ذلك.

وأما اعتذاره أيضًا بأن ذلك اجتهاد فمخالف لما تمشى عليه في كثير من الأبحاث من الجزم بأن قول علي حجة من غير فرق بين ما كان للاجتهاد فيه مسرح وما ليس كذلك، على أن ما لا مجال للاجتهاد فيه لا فرق فيه بين قول علي وغيره من الصحابة أن له حكم الرفع، وإنما محل النزاع بين أهل البيت وغيرهم فيما كان من مواطن الاجتهاد.

وكثيرًا ما ترى جماعة من الزيدية في مؤلفاتهم يجزمون بحجية قول علي عليه السلام إن وافق ما يذهبون إليه ويعتذرون عنه إن خالف بأنه اجتهاد لا حجة فيه كما يقع منهم من غيرهم إذا وافق قول أحد من الصحابة ما يذهبون إليه، فإنهم يقولون: لا مخالف له من الصحابة فكان إجماعًا، ويقولون: إن خالف ما يذهبون إليه قول صحابي لا حجة فيه

(2)

.

(1)

البحر الزخار (5/ 92 - 93).

(2)

قلت: ليس على إطلاقه، بل فيه تفصيل:

(أولًا): قول الصحابي حجة:

1 -

قول الصحابي فيما لا يدرك بالرأي والاجتهاد، حجة عند العلماء، لأنه محمول على السماع من النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون من قبيل السنة، والسنّة مصدر للتشريع.

قال الإمام النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم (1/ 30): "إذا قال الصحابي كنا نفعل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، أو في زمنه، أو هو فينا، أو بين أظهرنا، أو نحو ذلك فهو مرفوع.

وهذا هو المذهب الصحيح الظاهر، فإنّه إذا فعل في زمنه صلى الله عليه وسلم، فالظاهر اطلاعه عليه وتقريره إياه صلى الله عليه وسلم، وذلك مرفوع.

وأما إذا قال الصحابي: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو من السنة كذا، فكله مرفوع على المذهب الصحيح الذي قاله الجماهير من أصحاب الفنون" اهـ.

2 -

قول الصحابي الذي حصل عليه الاتفاق يعتبر حجة شرعية، لأنه يكون إجماعًا.

وكذلك قول الصحابي الذي لا يعرف له مخالف بعد اشتهاره، يكون من قبيل الإجماع السكوتي. وهو أيضًا حجة شرعية.

(ثانيًا): قول الصحابي غير حجة: =

ص: 317

وهكذا يحتجون بأفعاله صلى الله عليه وسلم إن كانت موافقة للمذهب، ويعتذرون عنها إن خالفت بأنها غير معلومة الوجه الذي لأجله وقعت فلا تصلح للحجة.

فليكن هذا منك على ذكر، فإنه من المزالق التي يتبين عندها الإنصاف والاعتساف.

وقد قدمنا التنبيه على مثل هذا وكررناه لما فيه من التحذير عن الاغترار بذلك.

ومن الأدلة الدالة على جواز الحجر على من كان بعد البلوغ سيئ التصرف قول الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}

(1)

، قال في الكشاف

(2)

: السفهاء: المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا يد لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها، والخطاب للأولياء، وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم كما قال {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}

(3)

، {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}

(4)

.

والدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ}

(5)

، ثم قال

(6)

في تفسير قوله تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} (5): واجعلوها مكانًا لرزقهم بأن تتجروا فيها وتتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها الإنفاق.

وقيل

(7)

: هو أمر لكل أحد أن لا يخرج ماله إلى أحد من السفهاء قريب أو

= 1 - قول الصحابي الصادر عن رأي واجتهاد، لا يكون حجة ملزمة على صحابي مثله، ولا على من جاء بعدهم.

2 -

قول الصحابي إذا خالف المرفوع لا يكون حجة، بل يكون مردودًا.

3 -

قول الصحابي إذا خالفه الصحابة لا يكون حجة.

[انظر: نزهة الخاطر العاطر. للدومي (1/ 403 - 406). وأثر الأدلة المختلف فيها للبغا ص 338 - 352. والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 155 - 161) والوجيز في أصول الفقه، للدكتور عبد الكريم زيدان ص 260 - 262].

(1)

سورة النساء، الآية:5.

(2)

الكشاف للزمخشري (2/ 20).

(3)

سورة النساء، الآية:29.

(4)

سورة النساء، الآية:25.

(5)

سورة النساء، الآية:5.

(6)

أي: الزمخشري في "الكشاف"(2/ 20).

(7)

انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 350).

ص: 318

أجنبي رجل أو امرأة يعلم أنه يضيعه فيما لا ينبغي ويفسده، انتهى.

وقد عرفت بهذا عدم اختصاص السفهاء المذكورين بالصبيان كما قال في البحر

(1)

فإنه تخصيص لما تدل عليه الصيغة بلا مخصص.

ومما يؤيد ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن الإسراف بالماء ولو على نهر جار

(2)

.

ومن المؤيدات عدم إنكاره صلى الله عليه وسلم على قرابة حبَّان لما سألوه أن يَحْجِرَ عليه إن صحّ ثبوت ذلك

(3)

.

وقد تقدَّم الحديث بجميع طرقه في البيع.

وقد استُدِلَّ على جواز الحَجْر على السفيه أيضًا بردّه صلى الله عليه وسلم صدقة الرجل الذي تصدق بأحد ثوبيه كما أخرجه أصحاب السنن

(4)

وصححه الترمذي

(5)

وابن خزيمة

(6)

وابن حبان

(7)

وغيرهم من حديث أبي سعيد.

(1)

البحر الزخار (5/ 92).

(2)

أخرج ابن ماجه في سننه رقم (425): عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بسَعْد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السَّرَف؟ فقالَ: أفي الوضوء إسرافٌ؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار. قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 173): "هذا إسناد ضعيف، لضعف حيي بن عبد الله، وعبد الله بن لهيعة

".

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (2/ 221) بإسناد ابن ماجه.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

• وأخرج ابن ماجه في سننه رقم (424): عن ابن عمر قال: رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يتوضأ فقال: لا تُسرِف لا تُسرف".

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 173): "هذا إسناد ضعيف: الفضل بن عطية ضعيف، وابنه كذاب، وبقية مدلس" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث موضوع، والله أعلم.

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 54 رقم 216).

وأخرجه الطبراني في "الأوسط" - كما في "نصب الراية"(4/ 8) - عن أحمد بن رشدين، ثنا يحيى بن بكير، ثنا بن لهيعة، به.

وقال الطبراني: "لا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة" اهـ.

(4)

أبو داود رقم (1675) والترمذي رقم (511) وقال: حديث حسن صحيح: والنسائي رقم (2536).

(5)

في السنن (2/ 386).

(6)

في صحيحه رقم (1830).

(7)

في صحيحه رقم (2505). =

ص: 319

وأخرجه الدارقطني من حديث جابر.

وبما أخرجه أبو داود

(1)

وصححه ابن خزيمة

(2)

من حديث جابر أيضًا: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد البيضة على من تصدق بها ولا مال له غيرها.

وبرده صلى الله عليه وسلم عتق من أعتق عبدًا له عن دبر ولا مال له غيره"

(3)

كما أشار إلى ذلك البخاري

(4)

وترجم عليه: باب مَن رَدَّ أمرَ السَّفيهِ والضَّعيفِ العقلُ، وإن لم يَكُن حَجَرَ عليه الإمامُ.

ومن جملة ما استدل به على الجواز قول ابن عباس وقد سئل: متى ينقضي يتم اليتيم؟ فقال: لعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما أخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم. حكاه في الفتح

(5)

.

والحكمة في الحجر على السفيه أن حفظ الأموال حكمة لأنها مخلوقة للانتفاع بها بلا تبذير، ولهذا قال تعالى:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}

(6)

.

قال في البحر

(7)

: فصل: والسفه المقتضي للحجر عند من أثبته هو صرف

= وهو حديث حسن، والله أعلم.

(1)

في السنن رقم (1673).

(2)

في صحيحه رقم (2441).

قلت: وأخرجه الدارمي رقم (1700) وأبو يعلى في المسند رقم (2084) وابن حبان في صحيحه رقم (3372) والحاكم (1/ 413) والبيهقي (4/ 181) من طرق عن ابن إسحاق، به. ولم يصرح ابن إسحاق عندهم بالتحديث.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، لكن جملة:"إنما الصدقة عن ظهر غنى"، فهي صحيحة لغيرها، والله أعلم.

(3)

أخرجه البخاري رقم (2534) ومسلم رقم (58/ 997) وأحمد (3/ 369) وأبو داود رقم (3955 و 3957) والنسائي (5/ 69 - 70) وابن ماجه رقم (2513) والترمذي رقم (1219).

عن جابر قال: أعتق رجل من بني عُذرة عبدًا له عن دُبُر. فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألك مالٌ غيره؟ "، فقال: لا، فقال:"من يشتريه مني؟ "، فاشتراه نُعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم. فجاء بها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه"، وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (5/ 71 رقم الباب (2) - مع الفتح).

(5)

فتح الباري (5/ 68).

(6)

سورة الإسراء، الآية:27.

(7)

البحر الزخار (5/ 92).

ص: 320

المال في الفسق أو فيما لا مصلحة فيه ولا غرض ديني ولا دنيوي، كشراء ما يساوي درهمًا بمائة، لا صرفه في أكل طيب ولبس نفيس وفاخر المشموم لقوله تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ}

(1)

الآية، وكذا لو أنفقه في القرب، انتهى.

[الباب الخامس] باب علامات البلوغ

9/ 2317 - (عَنْ عَلِي بْنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه قالَ: حَفظْتُ عَنْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يُتْمَ بَعْدَ احتْلَامٍ، وَلا صمَاتَ يَوْمٍ إلى اللَّيلِ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(2)

. [صحيح]

10/ 2318 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: عُرِضْتُ على النَّبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أحُدٍ وأنا ابْنُ أرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الخَنْدَقِ وأنا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فأجازَني. رَوَاهُ الجماعَة)

(3)

. [صحيح]

11/ 2319 - (وَعَنْ عَطِيَّةَ قالَ: عُرضنا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرْيظَةَ، فَكَانَ مَنْ أنْبَتَ قُتِلَ، وَمِنْ لَمْ يُنْبِتْ خَلَّى سَبِيلَهُ، وكُنْتُ ممَّنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخَلَّى سَبِيلي. رَوَاهُ الخَمسَةُ

(4)

وصَحَّحَهُ التّرْمِذِيُّ.

وفيه لَفْظٍ: فَمَنْ كانَ مُحْتَلِمًا أوْ أنْبَتَ عانَتَهُ قُتِلَ، وَمَنْ لا، تُرِك. رَوَاهُ

(1)

سورة الأعراف، الآية:(32).

(2)

في سننه رقم (2873) وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.

وانظر: "إرواء الغليل"(5/ 79 - 83 رقم 1244) فقد خرَّج طرقه وشواهده بما لا مزيد عليه.

(3)

أحمد في المسند (2/ 17) والبخاري رقم (2664) ومسلم رقم (91/ 1868) وأبو داود رقم (4406) والنسائي رقم (3431) والترمذي رقم (1361) وابن ماجه رقم (2543).

وهو حديث صحيح.

(4)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 310) وأبو داود رقم (4404) والترمذي رقم (1584) والنسائي رقم (3430) وابن ماجه رقم (2541).

ص: 321

أحْمَدُ

(1)

والنَّسائيُّ)

(2)

. [صحيح]

12/ 2320 - (وَعَنْ سَمُرَةَ أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالَ: "اقتُلوا شُيوخَ المشرِكِين، وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ"؛ وَالشَّرْخُ: الغلْمانُ الَّذِينَ لَمْ يُنْبِتُوا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصَححَهُ)

(3)

. [ضعيف]

حديث عليٍّ في إسناده يحيى بن محمد المدني الجاري منسوب إلى الجار بالجيم والراء المهملة: بلدة على الساحل بالقرب من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. قال البخاري

(4)

: يتكلمون فيه.

وقال ابن حبان

(5)

: يجب التنكب عما انفرد به من الروايات.

(1)

في المسند (4/ 383).

(2)

في سننه رقم (3429).

قلت: وصححه ابن حبان رقم (4780) والحاكم في المستدرك (2/ 123) ووافقه الذهبي، والألباني رحمه الله.

وخلاصة القول: أن حديث عطية حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في السنن رقم (1583) وقال: حديث حسن صحيح غريب.

قلت: وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(رقم (6902) وفي "الشاميين رقم (2641) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، به. وسعيد بن بشير ضعيف.

• وأخرجه أحمد (5/ 12) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (6901) والبغوي في شرح السنة رقم (2695). من طريق أبي معاوية، محمد بن خازم عن الحجاج، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، به.

• وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (12/ 388) من طريق عبد الرحيم بن سليمان. والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (6900) من طريق المنهال بن خليفة. كلاهما عن حجاج بن أرطاة، به.

• وأخرجه أحمد (5/ 20) وسعيد بن منصور في السنن رقم (2624) وأبو داود رقم (2670) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (6900) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 92) من طريق هشيم عن الحجاج عن قتادة عن الحسن عن سمرة، به.

إسناده ضعيف لتدليس الحسن البصري وقد عنعنه، وحجاج ابن أرطاة مدلس أيضًا لكنه صرح بالتحديث عند سعيد بن منصور.

وخلاصة القول: أن حديث سمرة حديث ضعيف، والله أعلم.

(4)

في التاريخ الكبير (5/ 304) ولم يذكر شيئًا.

(5)

في "المجروحين"(3/ 130).

ص: 322

وقال العقيلي

(1)

: لا يتابع يحيى المذكور على هذا الحديث.

وفي الخلاصة

(2)

أنه وثقه العجلي وابن عدي.

قال المنذري: وقد روي هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وليس فيها شيء يثبت.

وقد أعل هذا الحديث أيضًا عبد الحق

(3)

وابن القطان

(4)

وغيرهما، وحسنه النووي

(5)

متمسكًا بسكوت أبي داود عليه.

ورواه الطبراني في الصغير

(6)

بسند آخر عن علي.

ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده

(7)

.

وأخرج نحوه الطبراني في الكبير

(8)

عن حنظلة بن حذيفة عن جده، وإسناده لا بأس به.

وأخرج نحوه أيضًا ابن عدي

(9)

عن جابر.

وحديث ابن عمر زاد فيه البيهقي

(10)

وابن حبان في صحيحه

(11)

بعد قوله: "لم يجزني ولم يرني بلغت"، وبعد قوله:"فأجازني ورأني بلغت"، وقد صحح هذه الزيادة أيضًا ابن خزيمة.

وحديث عطية القرظي صححه أيضًا ابن حبان

(12)

والحاكم

(13)

وقال: على شرط الصحيحين.

(1)

في "الضعفاء الكبير"(4/ 428 - 429).

(2)

في "الخلاصة" رقم الترجمة (8042) بتحقيقي.

(3)

في الأحكام الوسطى (6/ 280).

(4)

في بيان الوهم والإيهام (2/ 31 رقم 2) و (3/ 535 رقم 1316).

(5)

في رياض الصالحين رقم (1803) - مع دليل الراغبين ص 861.

(6)

في المعجم الصغير (1/ 96).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 187، 334) وقال: ورجاله ثقات.

(7)

في مسند الطيالسي رقم (1767) بسند ضعيف.

(8)

في المعجم الكبير (ج 4 رقم 3502).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 226): وقال: رجاله ثقات.

(9)

في "الكامل"(2/ 447).

(10)

في السنن الكبرى (6/ 54).

(11)

في صحيحه رقم (4728) بسند صحيح.

(12)

في صحيحه رقم (4780).

(13)

في المستدرك (2/ 123) و (3/ 35) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

ص: 323

قال الحافظ

(1)

: وهو كما قال إلا أنهما لم يخرجا لعطية وما له إلا هذا الحديث الواحد.

وقد أخرج نحو حديث عطية الشيخان

(2)

من حديث أبي سعيد بلفظ: "فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين، فمن أنبت منهم قتل، ومن لم ينبت جعل في الذراري".

وأخرج البزار

(3)

من حديث سعد بن أبي وقاص: "حكم على بني قريظة أن يقتل منهم كل من جرت عليه المواسي".

وأخرج الطبراني

(4)

من حديث [أسلم بن بحير]

(5)

الأنصاري قال: "جعلني النبي صلى الله عليه وسلم على أسارى قريظة فكنت أنظر في فرج الغلام فإن رأيته قد أنبت ضربت عنقه، وإن لم أره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين".

قال الطبراني

(6)

: لا يروى عن أسلم إلا بهذا الإسناد.

قال الحافظ

(7)

: وهو ضعيف.

وحديث سمرة أخرجه أيضًا أبو داود

(8)

وهو من رواية الحسن عن سمرة، وفي سماعه منه مقال قد تقدم.

وفي الباب عن أنس عند البيهقي

(9)

بلفظ: "إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ما له وما عليه وأقيمت عليه الحدود".

(1)

في "التلخيص"(3/ 94 - 95).

(2)

البخاري رقم (3043) ومسلم رقم (64/ 1768).

وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 94): متفق عليه دون قصة الإنبات من حديث أبي سعيد.

(3)

كما في "التلخيص"(3/ 94).

(4)

في المعجم الكبير (ج 1 رقم 1000) والأوسط رقم (1585) والصغير (1/ 66) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 141) وقال: فيه جماعة لم أعرفهم.

(5)

كذا في المخطوط (أ) و (ب): والصواب (أسلم بن بجرة) كما في الطبراني.

(6)

في المعجم الأوسط رقم (1585).

(7)

في "التلخيص"(3/ 94).

(8)

في سننه رقم (2670) وهو حديث ضعيف.

(9)

في السنن الكبرى (6/ 57). بسند ضعيف.

ص: 324

قال في التلخيص

(1)

: وسنده ضعيف.

وعن عائشة عند أحمد

(2)

وأبي داود

(3)

والنسائي

(4)

وابن ماجه

(5)

وابن حبان

(6)

والحاكم

(7)

بلفظ: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق".

وأخرجه أيضًا أبو داود

(8)

والنسائي

(9)

وأحمد

(10)

والدارقطني

(11)

والحاكم

(12)

وابن حبان

(13)

وابن خزيمة

(14)

عن علي من طرق، وفيه قصة جرت له مع عمر علقها البخاري

(15)

.

فمن الطرق

(16)

عن أبي ظبيان عنه بالحديث والقصة.

ومنها عن أبي ظبيان عن ابن عباس

(17)

، وهي من رواية جرير بن حازم عن

(1)

في "التلخيص"(3/ 93).

(2)

في المسند (6/ 100، 101، 144).

(3)

في سننه رقم (4398).

(4)

في سننه رقم (3432).

(5)

في سننه رقم (2041).

(6)

في صحيحه رقم (142).

(7)

في المستدرك (2/ 59) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 171) وابن الجارود في المنتقى رقم (148) وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(8)

في سننه رقم (4399) و (4400) و (4401).

(9)

في سننه الكبرى (6/ 487 رقم 7303).

(10)

في المسند (6/ 111، 118).

(11)

في السنن (3/ 138 رقم 173).

(12)

في المستدرك (1/ 258) و (2/ 59) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

(13)

في صحيحه رقم (143).

(14)

في صحيحه رقم (1003، 3048).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1423) والبيهقي (8/ 264).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(15)

في صحيحه (12/ 120 رقم الباب (22) - مع الفتح) معلقًا.

(16)

أخرجه أحمد (1/ 154، 158) وأبو داود رقم (4402) والنسائي في الكبرى (6/ 487 رقم 7304) والطيالسى رقم (90) والبيهقي (8/ 264 - 265) من طرق عن عطاء بن السائب، عن أبي ظبيان، عن علي مرفوعًا.

• وأخرجه النسائي في الكبرى (6/ 487 رقم 7305) من طريق إسرائيل، عن أبي حصين، عن أبي ظبيان. عن علي موقوفًا عليه.

(17)

أخرجه أبو داود رقم (4401).

ص: 325

الأعمش عنه

(1)

، وذكره الحاكم

(2)

عن شعبة عن الأعمش كذلك لكنه وقفه.

وقال البيهقي

(3)

: تفرد برفعه جرير بن حازم.

قال الدارقطني في العلل

(4)

: وتفرد به عن جرير عبد الله بن وهب، وخالفه ابن فضيل

(5)

ووكيع فروياه عن الأعمش موقوفًا، وكذا قال أبو حصين عن أبي ظبيان، وخالفهم عمار بن رُزيق

(6)

، فرواه عن الأعمش ولم يذكر فيه ابن عباس، وكذا قال عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن علي وعمر مرفوعًا.

قال الحافظ

(7)

: وقول وكيع وابن فضيل أشبه بالصواب. وقال النسائي

(8)

: حديث أبي حصين أشبه بالصواب.

ورواه أيضًا أبو داود

(9)

من حديث أبي الضحى عن علي بالحديث دون القصة.

وأبو الضحى، قال أبو زرعة: حديثه عن علي مرسل.

ورواه ابن ماجه

(10)

من حديث القاسم بن يزيد عن علي. قال أبو زرعة: وهو مرسل أيضًا.

ورواه الترمذي

(11)

من حديث الحسن البصري، قال أبو زرعة أيضًا: وهو مرسل لم يسمع الحسن من علي شيئًا.

(1)

أخرجه أبو داود رقم (4399).

(2)

في المستدرك (4/ 389) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(3)

في سننه الكبرى (8/ 264).

(4)

في علله (3/ 72 - 73 س 291).

(5)

هو محمد بن فضيل.

(6)

عمار بن رُزيق: بتقديم الراء مصغرًا. الضبي. (التقريب 2/ 47).

(7)

في "التلخيص"(1/ 329).

(8)

في السنن الكبرى (6/ 488 عقب الحديث رقم 7305).

(9)

في سننه رقم (4403).

(10)

في سننه رقم (2042).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 129): هذا إسناد ضعيف، القاسم بن يزيد

مجهول، وأيضًا لم يدرك علي بن أبي طالب.

وله شاهد من حديث عائشة

" اهـ.

وهو حديث صحيح.

(11)

في سننه رقم (1423) وقد تقدم.

ص: 326

وروى الطبراني

(1)

عن أبي إدريس الخولاني قال: أخبرني غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان ومالك بن شداد وغيرهما فذكر نحوه، وفي إسناده برد بن سنان وهو مختلف فيه.

قال الحافظ

(2)

: وفي إسناده مقال في اتصاله.

ورواه الطبراني

(3)

أيضًا من [طريق مجاهد]

(4)

عن ابن عباس. وإسناده ضعيف كما قال الحافظ

(5)

.

قوله: (لا يُتْمَ بعد احتلام)، استُدِلَّ به على أن الاحتلام من علامات البلوغ.

وتُعقِّب بأنه بيان لغاية مدة اليتم وارتفاع اليتم لا يستلزم البلوغ الذي هو مناط التكليف، لأن اليتم يرتفع عند إدراك الصبي لمصالح دنياه، والتكليف إنما يكون عند إدراكه لمصالح آخرته.

والأولى الاستدلال بما وقع في رواية لأحمد

(6)

وأبي داود

(7)

والحاكم

(8)

من حديث علي كرم الله وجهه بلفظ: "وعن الصبي حتى يحتلم".

ويؤيد ذلك قوله في حديث عطية

(9)

: "فمن كان محتلمًا"، وقد حكى صاحب البحر

(10)

الإجماع على أن الاحتلام مع الإنزال من علامات البلوغ في الذكر، ولم يجعله المنصور بالله علامة في الأنثى.

(1)

في المعجم الكبير (ج 7 رقم 7156).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 251): ورجاله ثقات.

(2)

في "التلخيص"(1/ 329 - 335).

(3)

في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11141) والأوسط رقم (3453).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 251)، وقال: لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، وفيه عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة وهو ضعيف.

(4)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(5)

في "التلخيص"(1/ 330).

(6)

في المسند (1/ 140).

(7)

في سننه رقم (4403).

(8)

في المستدرك (1/ 258) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(9)

تقدم برقم (2319) من كتابنا هذا.

(10)

البحر الزخار (1/ 149).

ص: 327

قوله: (ولا صمات

) إلخ، الصمات: السكوت. قال في القاموس

(1)

: وما ذقت صماتًا كسحاب شيئًا، ولا صمت يومًا إلى الليل، أي: لا يصمت يوم تام، انتهى.

قوله: (فلم يجزني)، وقوله:"فأجازني"، المراد بالإجازة: الإِذن بالخروج للقتال، من أجازه: إذا أمضاه وأذن له، لا من الجائزة التي هي العطية كما فهمه صاحب ضوء النهار.

وقد استدل بحديث ابن عمر

(2)

هذا من قال: إن مضي خمس عشرة سنة من الولادة يكون بلوغًا في الذكر والأنثى وإليه ذهب الجمهور

(3)

.

وتعقب ذلك الطحاوي (4) وابن القصار

(4)

وغيرهما بأنه لا دلالة في الحديث على البلوغ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتعرض لسنه، وإن فرض خطور ذلك ببال ابن عمر، ويرد هذا التعقيب ما ذكرنا من الزيادة في الحديث، أعني قوله:"ولم يرني بلغت".

وقوله: "ورآني بلغت"، والظاهر أن ابن عمر لا يقول هذا بمجرد الظن من دون أن يصدر منه صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك.

وقال أبو حنيفة

(5)

: بل مضي ثمان عشرة سنة للذكر وسبع عشرة سنة للأنثى.

قوله: (فكان من أنبت

) إلخ، استدل به من قال: إن الإنبات من علامات البلوغ، وإليه ذهبت الهادوية

(6)

؛ وقيدوا ذلك أن يكون الإنبات بعد التسع.

وتعقب بأن قتل من أنبت ليس لأجل التكليف بل لرفع ضرره لكونه مظنة للضر كقتل الحية ونحوها.

وردّ هذا التعقب بأن القتل لمن كان كذلك ليس إلا لأجل الكفر لا لدفع

(1)

القاموس المحيط ص 199.

(2)

تقدم برقم (2318) من كتابنا هذا.

(3)

المغني (6/ 598 - 599).

(4)

حكاه عنهما الحافظ في "الفتح"(5/ 279).

(5)

البناية في شرح الهداية (10/ 125 - 126).

(6)

البحر الزخار (1/ 150).

ص: 328

الضرر لحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله"

(1)

، وطلب الإيمان وإزالة المانع منه فرع التكليف.

(1)

وهو حديث متواتر له طرق عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني مالَه ونفسَهُ إلا بحقهِ وحسابه على الله".

1 -

سعيد بن المسيب، عنه.

أخرجه مسلم رقم (33/ 21) والنسائي (6/ 4 - 5، 6، 7) وابن حبان رقم (218) والطبراني في الأوسط (2/ 158 رقم 1294) والطحاوي في شرح المعاني (3/ 313) وابن منده في الإيمان (1/ 162 رقم 23) و (1/ 359 رقم 199) و (1/ 360 رقم 200) من طريق الزهري، به.

2 -

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عنه.

أخرجه البخاري رقم (1399) ورقم (6924) ورقم (7282 و 7285) ومسلم رقم (32/ 20) وأبو داود رقم (1556) والنسائي (5/ 14 - 15) و (6/ 5) والترمذي رقم (2607) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد (2/ 423، 528) وأبو عبيد في الأموال (ص 23 رقم 4644) والطبراني في الأوسط (1/ 512 رقم 954) وابن منده في الإيمان (1/ 164 رقم 24) و (1/ 380 رقم 215) و (1/ 382 رقم (216) من طريق الزهري، عنه.

قال ابن منده (1/ 165): "هذا إسناد مجمع على صحته من حديث الزهري، وعنه مشهور".

3 -

أبو صالح، عنه:

أخرجه مسلم رقم (35/ 21) وأبو داود رقم (2640) - والترمذي رقم (2606) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (3927) وأحمد (2/ 377) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 213) وابن منده (1/ 166 رقم 26) و (1/ 168 رقم 28).

4 -

أبو صالح مولى التوأمة، عنه.

أخرجه أحمد (2/ 475) من طريق سفيان عنه، وسنده حسن في المتابعات.

5 -

الأعرج، عنه.

أخرجه الطحاوي (3/ 213) عن أبي الزَّناد، عنه.

6 -

أبو سلمة، عنه.

أخرجه أحمد (2/ 502) والشافعي في السنن المأثورة (ص 432 رقم 643) وأبو عبيد في الأموال (ص 23 رقم 43) والطحاوي (3/ 213) والبغوي (1/ 65 - 66) من طريق محمد بن عمرو، عنه: وسنده حسن.

7 -

عبد الرحمن بن يعقوب، عنه.

أخرجه مسلم رقم (34/ 21) وابن حبان رقم (174) ورقم (220) وابن منده (1/ 358 رقم 196، 197، 198) والدارقطني (2/ 89 رقم 4). =

ص: 329

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 8 - أبو حازم، عنه.

أخرجه أحمد (2/ 527) من طريق يزيد بن كيسان، عنه، وسنده صحيح.

9 -

همام بن منبه، عنه.

أخرجه أحمد (2/ 314) وابن منده في الإيمان (1/ 167 رقم 27) والبغوي (1/ 65).

10 -

عبد الرحمن بن أبي عمرة، عنه.

أخرجه أحمد (2/ 482) من طريق هلال بن علي، عنه.

11 -

مجاهد بن جبير، عنه.

أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(3/ 306) من طريق ليث بن أبي سليم عنه، وقال: "هذا حديث صحيح غريب ثابت من طرق كثيرة.

وحديث مجاهد عن أبي هريرة غريب من حديث ليث لم نكتبه إلا من هذا الوجه".

قلت: وليث بن أبي سليم ضعيف. الميزان (3/ 420) والمجروحين (2/ 231 - 234) والجرح والتعديل (7/ 177 - 179).

12 -

كثير بن عبيد، عنه.

أخرجه أحمد (2/ 345) وابن خزيمة (4/ 8 رقم 2248) والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 35 - 36) والدارقطني (1/ 231 رقم 1) و (2/ 89 رقم 3) والحاكم (1/ 387) من طريق سعيد بن كثير عن أبيه.

وسنده حسن في المتابعات، وسعيد بن كثير متكلم فيه، ولكن تابعه عبد الله بن دكين، عن كثير بن عبيد.

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(4/ 1542) وعبد الله بن دُكين: وثقه أحمد، وقال ابن معين:"لا بأس به"، وضعفه في رواية، وكذا أبو زرعة الرازي في الميزان (2/ 417 رقم 4296)، فالسند صحيح بمجموع الطريقين.

13 -

ابن الحنفية، عنه.

أخرجه الخطيب في (التاريخ، (12/ 201) من طريق منذر الثوري، عنه وسنده تألف وفيه: عمرو بن عبد الغفار الفقيمي، قال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال ابن عدي: اتهم بوضع الحديث. الميزان (3/ 272 رقم 6403).

14 -

الحسن البصري، عنه.

أخرجه الدارقطني (2/ 89 رقم 20) وأبو نعيم في الحلية (2/ 159) و (3/ 25) وسنده ضعيف.

15 -

زياد بن الحارث، عنه.

أخرجه البخاري في التاريخ (3/ 367) من طريق ليث بن أبي سليم وهو ضعيف - عنه.

وقد اختلف في زياد هذا.

16 -

عجلان المدني، عنه. =

ص: 330

ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغزو إلى البلاد البعيدة كتبوك ويأمر بغزو أهل الأقطار النائية من كون الضرر ممن كان كذلك مأمونًا، وكون قتال الكفار لكفرهم هو مذهب طائفة من أهل العلم.

وذهبت طائفة أخرى إلى أن قتالهم لدفع الضرر، والقول بهذه المقالة هو منشأ ذلك التعقب. ومن القائلين بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية حفيد المصنف وله في ذلك رسالة.

قوله: (شَرْخَهم) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة بعدها خاء معجمة. قال في القاموس

(1)

: هو أول الشباب، انتهى.

وقيل

(2)

: هم الغلمان الذين لم يبلغوا، وحمله المصنف على من لم ينبت من الغلمان. ولا بد من ذلك للجمع بين الأحاديث، وإن كان أول الشباب يُطْلَقُ على من كان في أول الإنبات، والمرادُ بالإنبات المذكور في الحديث هو إنباتُ الشعر الأسود المتجعد في العانَة، لا إنباتُ مُطْلَقِ الشعر فإنه موجودٌ في الأطفالِ.

[الباب السادس] باب ما يحل لولي اليتيم من ماله بشرط العمل والحاجة

13/ 2321 - (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قَوْله تَعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

(3)

، أنهَا نَزَلَتْ في وَليّ اليَتيم إذَا كانَ فَقِيرًا أَنَّهُ يأكُلُ مِنْهُ مَكانَ قيامِه عَلَيْهِ بالمَعْرُوف

(4)

. [صحيح]

= أخرجه الطحاوي (3/ 213) من طريق محمد بن عجلان، عنه بسند صحيح.

قلت: وللحديث شواهد كثيرة - فهو متواتر - عن جماعة من الصحابة: كأنس، وابن عمر، وجابر، وأوس بن أبي أوس، وجرير بن عبد الله، وأبي بكرة، والنعمان بن بشير، وابن عباس، وأبي مالك الأشجعي، وسهل بن سعد. وانظر:"قطف الأزهار المتناثرة للسيوطي ص 34 - 35. و"نظم المتناثر من الحديث المتواتر" للكتاني (ص 29 رقم 9).

(1)

القاموس المحيط ص 324.

(2)

انظر: "النهاية لابن الأثير"(1/ 853).

(3)

سورة النساء، الآية:6.

(4)

البخاري رقم (2765) ومسلم رقم (11/ 3019).

ص: 331

وفي لَفظٍ: أنْزِلَتْ في وَالي اليَتيم الَّذي يَقُومُ عَلَيْه ويُصْلحُ مالَهُ إنْ كانَ فَقيرًا أكَلَ مِنْهُ بالمَعْرُوفِ

(1)

. أخْرَجاهُمَا). [صحيح]

14/ 2322 - (وَعَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْب عَنْ أبِيه عَنْ جَدّهِ: أن رَجُلًا أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إني فَقيرٌ لَيْس لي شَىْء وَلي يَتيمٌ، فَقالَ:"كل منْ مالِ يتيمِك غَيْرَ مسْرفٍ وَلا مُبادرٍ وَلا مُتَأثِّلٍ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا التِّرمِذِيّ

(2)

. [حسن]

وللأثْرمِ فِي سُنَنِه عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ كانَ يُزَكي مالَ اليَتيِمِ ويستَقْرِض منْه وَيَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً).

حديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود

(3)

، [وأشار المنذري

(4)

]

(5)

إلى أن في إسناده عمرو بن شعيب، وفي سماع أبيه من جده مقال قد تقدم التنبيه عليه.

قال في الفتح

(6)

: إسناده قوي.

والآية المذكورة تدل على جواز أكل ولي اليتيم من ماله بالمعروف إذا كان فقيرًا ووجوب الاستعفاف إذا كان غنيًا، وهذا إن كان المراد بالغني والفقير في الآية: ولي اليتيم على ما هو المشهور.

وقيل: المعنى في الآية اليتيم: أي إن كان غنيًا فلا يسرف في الإنفاق عليه، وإن كان فقيرًا فليطعمه من ماله بالمعروف، فلا يكون على هذا في الآية دلالة على الأكل من مال اليتيم أصلًا، وهذا التفسير رواه ابن التين

(7)

عن ربيعة، ولكنَّ المتعين المصير إلى الأول لقول عائشة المذكور.

وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة فروي عن عائشة أنه يجوز للولي أن

(1)

البخاري رقم (4575) ومسلم رقم (10/ 3019).

(2)

أحمد في المسند (2/ 186) وأبو داود رقم (2872) والنسائي رقم (3668) وابن ماجه رقم (2718).

وهو حديث حسن.

(3)

في السنن (3/ 293).

(4)

في "المختصر"(4/ 152).

(5)

في المخطوط (ب): (وأشار إليه المنذري).

(6)

(8/ 241).

(7)

الفتح (5/ 392).

ص: 332

يأخذ من مال اليتيم قدر عمالته، وبه قال عكرمة والحسن وغيرهم.

وقيل: لا يأكل منه إلا عند الحاجة؛ ثم اختلفوا، فقال عبيدة بن عمرو وسعيد بن جبير ومجاهد: إذا أكل ثم أيسر قضى.

وقيل: لا يجب القضاء.

وقيل: إن كان ذهبًا أو فضة لم يجز له أن يأخذ منه شيئًا إلا على سبيل القرض، وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة، وهذا أصح الأقوال عن ابن عباس، وبه قال الشعبي وأبو العالية وغيرهما، أخرج جميع ذلك ابن جرير في تفسيره

(1)

وقال: هو بوجوب القضاء مطلقًا وانتصر له.

(1)

في "جامع البيان"(3/ خ 4/ 260).

وقال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال بالمعروف الذي عناه الله تبارك وتعالى في قوله:{وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} أكل مال اليتيم عند الضرورة والحاجة إليه على وجه الاستقراض منه، فأما على غير ذلك الوجه، فغير جائز له أكله، وذلك أن الجميع مجمعون على أن والي اليتيم لا يملك من مال يتيمه إلا القيام بمصلحته؛ فلما كان إجماعًا منهم أنه غير مالكه، وكان غير جائز لأحد أن يستهلك مال أحد غيره، يتيمًا كان رب المال أو مدركًا رشيدًا، وكان عليه إن تعدى فاستهلكه بأكل أو غيره ضمانه لمن استهلكه عليه بإجماع من الجميع، وكان والي اليتيم سبيله سبيل غيره في أنه لا يملك مال يتيمه ما كان كذلك حكمه، فيما يلزمه من قضائه إذا أكل منه سبيله، سبيل غيره وإن فارقه في أن له الاستقراض منه عند الحاجة إليه، كما له الاستقراض عليه عند حاجته إلى ما يستقرض عليه إذا كان قيمًا بما فيه مصلحته، ولا معنى لقول من قال: إنما عنى بالمعروف في هذا الموضع أكل والي اليتيم من مال اليتيم، لقيامه على وجه الاعتياض على عمله وسعيه، لأن الوالي اليتيم أن يؤاجر نفسه منه، للقيام بأموره، إذا كان اليتيم محتاجًا إلى ذلك بأجرة معلومة، كما يستأجر له غيره من الأجراء، وكما يشتري له من نصيبه غنيًا كان الوالي أو فقيرًا، وإذا كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره قد دلّ بقوله:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} على أن أكل مال اليتيم إنما أذن لمن أذن له من ولاته في حال الفقر والحاجة، وكانت الحال التي للولاة أن يؤجروا أنفسهم من الأيتام مع حاجة الأيتام إلى الأجراء، غير مخصوص بها حال غنى، ولا حال فقر، كان معلومًا أن المعنى الذي أبيح لهم من أموال أيتامهم في كل أحوالهم، غير المعنى الذي أبيح لهم ذلك فيه في حال دون حال.

ومن أبى ما قلنا، ممن زعم أن لوليّ اليتيم أكل مال يتيمه عند حاجته إليه، على غير وجه القرض استدلالًا بهذه الآية؟ قيل له: أمجمع على أن الذي قلت تأويل قوله: {وَمَنْ كَانَ =

ص: 333

وقال الشافعي

(1)

: يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته، ولا يجب الرد على الصحيح عنده.

والظاهر من الآية والحديث جواز الأكل مع الفقر بقدر الحاجة من غير إسراف ولا تبذير ولا تأثل، والإذن بالأكل يدل على إطلاقه على عدم وجوب الرد عند التمكن، ومن ادعى الوجوب فعليه بالدليل.

قوله: (غير مسرف ولا مبادر)، هذا مثل قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا}

(2)

، أي: مسرفين ومبادرين كِبَرَ الأيتام، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم يفرطون في إنفاقها ويقولون: ننفق ما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا. ولفظ أبي داود

(3)

: "غير مسرف ولا مبذر".

قوله: (ولا متأثل)، قال في القاموس

(4)

: أثل ماله تأثيلًا: زكاه، وأصله وملكه: عظمه، والأهل كساهم أفضل كسوة وأحسن إليهم، والرجل كثر ماله، انتهى.

والمراد هنا أنه لا يدخر من مال اليتيم لنفسه ما يزيد على قدر ما يأكله.

= فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}، فإن قال: لا، قيل له: فما برهانك على أن ذلك تأويله، وقد علمت أنه غير مالك مال يتيمه؟ فإن قال: لأن الله أذن له بأكله. قيل له: أذن له بأكله مطلقًا، أم بشرط؟ فإن قال بشرط، وهو أن يأكله بالمعروف، قيل له: وما ذلك المعروف وقد علمت القائلين من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين، إن ذلك هو أكله قرضًا وسلفًا، ويقال لهم أيضًا مع ذلك: أرأيت المولى عليهم في أموالهم من المجانين والمعاتيه الولاة أموالهم أن يأكلوا من أموالهم عند حاجتهم إليه على غير وجه القرض لا الاعتياض من قيامهم بها، كما قلتم ذلك في أموال اليتامى فأبحتموها لهم، فإن قالوا: ذلك لهم، خرجوا من قول جميع الحجة، وإن قالوا: ليس ذلك لهم، قيل لهم: فما الفرق بين أموالهم وأموال اليتامى، وحكم ولأهم واحد، في أنهم ولاة أموال غيرهم، فلن يقولوا في أحدهم شيئًا إلا ألزموا في الآخر مثله، ويسئلون كذلك عن المحجور عليه، هل لمن تلي ماله أن يأكل ماله عند حاجته إليه نحو سؤالنا لهم عن أموال المجانين والمعاتيه" اهـ.

(1)

في "أحكام القرآن"(1/ 195).

(2)

سورة النساء، الآية:6.

(3)

في سننه رقم (2872) وقد تقدم.

(4)

القاموس المحيط ص 1240.

وانظر: "النهاية"(1/ 38) وغريب الحديث للهروي (1/ 192).

ص: 334

قال في الفتح

(1)

: المتأثل بمثناة ثم مثلثة مشددة بينهما همزة: هو المتخذ: والتأثل: اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم، وأثلة كل شيء: أصله.

قوله: (إنه كان يزكي مال اليتيم

) إلخ، فيه أن ولي اليتيم يزكي ماله ويعامله بالقرض والمضاربة وما شابه ذلك.

[الباب السابع] باب مخالطة الولي اليتيم في الطعام والشراب

15/ 2323 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}

(2)

عَزَلُوا أمْوَالَ اليَتامَى حتَّى جَعَلَ الطَّعامُ يَفْسُدُ، وَاللَّحمُ يَنْتُنُ، فَذُكر ذلكَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ:{وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}

(3)

قالَ: "فَخالِطُوهُم"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

والنَّسائيُّ

(5)

وأبُو دَاوُدَ)

(6)

. [حسن]

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم

(7)

وصححه، وفي إسناده عطاء بن السائب. وقد تفرد بوصله وفيه مقال. وقد أخرج له البخاري مقرونًا.

وقال أيوب: ثقة، وتكلم فيه غير واحد. وقال الإمام أحمد

(8)

: من سمع منه قديمًا فهو صحيح، ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء، ووافقه على ذلك يحيى بن معين، وهذا الحديث من رواية جرير بن عبد الحميد عنه، وهو ممن سمع منه حديثًا.

ورواه النسائي

(9)

من وجه آخر عن عطاء موصولًا، وزاد فيه: "وأحل لهم

(1)

(4/ 323).

(2)

سورة الأنعام، الآية:152.

(3)

سورة البقرة، الآية:220.

(4)

في المسند (1/ 325).

(5)

في سننه رقم (2871).

(6)

في سننه رقم (3669).

(7)

في المستدرك (2/ 278 - 279) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(8)

علل أحمد برواية عبد الله رقم (5368) والجرح والتعديل (3/ 1/ 334) والميزان (3/ 71) وتهذيب التهذيب (3/ 103 - 105).

(9)

في سننه رقم (3670) وهو حديث حسن.

ص: 335

خلطهم"، ورواه عبد بن حميد

(1)

عن قتادة مرسلًا، ورواه الثوري في تفسيره

(2)

عن سعيد بن جبير مرسلًا أيضًا.

قال في الفتح

(3)

: وهذا هو المحفوظ مع إرساله.

وروى عبد بن حميد

(4)

من طريق السدي عمن حدثه عن ابن عباس قال: المخالطة أن تشرب من لبنه ويشرب من لبنك وتأكل من قصعته ويأكل من قصعتك. والله يعلم المفسد من المصلح، من يتعمد أكل مال اليتيم ومن يتجنبه.

وقال أبو عبيد

(5)

: المراد بالمخالطة أن يكون اليتيم بين عيال الوالي عليه فيشق عليه إفراز طعامه، فيأخذ من مال اليتيم قدر ما يرى أنه كافيه بالتحري فيخلطه بنفقة عياله، ولما كان ذلك قد تقع فيه الزيادة والنقصان خشوا منه فوسَّع الله لهم.

وقد ورد التنفير عن أكل أموال اليتامى والتشديد فيه، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}

(6)

، وثبت في الصحيح

(7)

أن أكل مال اليتيم أحد السبع الموبقات، فالواجب على من ابتلي بيتيم أن يقف على الحد الذي أباحه له الشارع في الأكل من ماله ومخالطته، لأن الزيادة عليه ظلم يصلى به فاعله سعيرًا ويكون من الموبقين، نسأل الله السلامة.

(1)

عزاه السيوطي في الدر المنثور (1/ 612) إليه.

(2)

(ص 91 رقم 203).

(3)

الفتح (5/ 395).

(4)

عزاه السيوطي في الدر المنثور (1/ 613) إليه.

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 395).

(6)

سورة النساء، الآية:10.

(7)

أخرجه البخاري رقم (2766) ومسلم رقم (145/ 89).

ص: 336

[الكتاب الثالث عشر] كتاب الصلح وأحكام الجوار

[الباب الأول] باب جواز الصلح عن المعلوم والمجهول والتحليل منهما

1/ 2324 - (عَنْ أُم سَلَمَة قالَتْ: جاءَ رَجُلانِ يَخْتَصِمان إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم في مَوَارِيثَ بَيْنَهُما قَدْ دَرِسَتْ لَيْس بَيْنَهُما بَيِّنَةٌ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [إليَّ]

(1)

، وإنمَا أنا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ ألْحَنُ بحُجَّتِه مِنْ بَعْضٍ، وإنَّمَا أقضي بَيْنَكُم على نحوٍ ممَّا أسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حقّ أخِيهِ شَيْئًا فَلا يأخُذْهُ، فَإِنِّما أقْطَعُ لَهُ قطْعَةً مِنَ النَّارِ يأتي بها أُسْطَامًا في عنُقِه يَوْمَ القيامَة"، فَبَكَى الرَّجُلانِ وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُما: حَقِّي لأخِي، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أما [إذْ]

(2)

قُلْتُما فاذْهَبَا فاقْتَسِما ثُمَّ تَوَخَّيا الحَقَّ ثُمَّ اسْتهِمَا، ثُمَّ لْيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ منْكُما صَاحبَهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وأبُو دَاوُدَ

(4)

. [حسن لغيره]

وفي رِوايةٍ لأبي دَاوُدَ

(5)

: "إِنَّمَا أقْضِي بَيْنَكُمْ بِرأيي فِيمَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ"). [ضعيف]

(1)

في المخطوط (أ)، (ب):(إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) والمثبت من مصادر تخريج الحديث.

(2)

في المخطوط (أ)، (ب):(إذا) والمثبت من مصادر الحديث.

(3)

في المسند (6/ 320).

(4)

في سننه رقم (3584).

قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" رقم (1000) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 154) وفي شرح مشكل الآثار رقم (760) والطبراني في المعجم الكبير (ج 23 رقم 663) وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 233 - 234) والدارقطني (4/ 238 - 239) والحاكم (4/ 95) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 66) و (10/ 260) والبغوي في شرح السنة رقم (2508) من طرق.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

وانظر: "الصحيحة" رقم (455).

(5)

في سننه رقم (3585). وهو حديث ضعيف.

ص: 337

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه

(1)

وسكت عنه أبو داود

(2)

والمنذري

(3)

، وفي إسناده أسامة بن زيد بن أسلم المدني مولى عمر، قال النسائي

(4)

وغيره: ليس بالقوي، وأصل هذا الحديث في الصحيحين

(5)

، وسيأتي باب أن حكم الحاكم ينفذ ظاهرًا لا باطنًا من كتاب الأقضية.

قوله: (إنكم تختصمون [إليَّ]

(6)

يعني في الأحكام.

قوله: (وإنما أنا بشر) البشر يطلق على الواحد كما في هذا الحديث، وعلى الجمع نحو قوله تعالى:{نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)}

(7)

.

والمراد إنما أنا مشارك لغيري في البشرية وإن كان صلى الله عليه وسلم زائدًا عليهم بما أعطاه الله تعالى من المعجزات الظاهرة والإطلاع على بعض الغيوب، والحصر ههنا مَجَازيٌّ

(8)

، أي: باعتبار علم الباطنِ.

وقد حققه علماء المعاني

(9)

وأشرنا إلى طرف من تحقيقه في كتاب الصلاة.

قوله: (أَلْحَنُ)

(10)

أي: أفطن وأعرف، ويجوز أن يكون معناه أفصح تعبيرًا عنها وأظهر احتجاجًا، فربما جاء بعبارة تخيل إلى السامع أنه محق وهو في الحقيقة مبطل، والأظهر أن يكون معناه أبلغ كما في رواية الصحيحين

(11)

، أي: أحسن إيرادًا للكلام، وأصل اللحن: الميل عن جهة الاستقامة، يقال: لحن فلان في كلامه: إذا مال عن صحيح النطق، ويقال: لحنت لفلان: إذا قلت له قولًا يفهمه ويخفى على غيره لأنه بالتورية يميل كلامه عن الواضح المفهوم.

(1)

في سننه رقم (2317).

(2)

في السنن (4/ 14 - 15).

(3)

في المختصر (5/ 209).

(4)

في "الضعفاء والمتروكين" رقم الترجمة (54).

وانظر: الميزان (1/ 174) والتقريب (1/ 52) والخلاصة ص 25.

(5)

البخاري رقم (2680) ومسلم رقم (4/ 1713).

(6)

في المخطوط (أ) و (ب): (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) والمثبت من مصادر الحديث.

(7)

سورة المدثر، الآية:36.

(8)

معترك الأقران (1/ 136).

(9)

انظر: البلاغة العربية (1/ 524، 531).

(10)

النهاية (2/ 593) والقاموس المحيط ص 1587.

(11)

البخاري رقم (2680) ومسلم رقم (4/ 1713).

ص: 338

قوله: (وإنما أقضي

) إلخ، فيه دليل على أن الحاكم إنما يحكم بظاهر ما يسمع من الألفاظ مع جواز كون الباطن خلافه ولم يتعبد بالبحث عن البواطن باستعمال الأشياء التي تفضي في بعض الأحوال إلى ذلك كأنواع السياسة والمداهاة.

قوله: (فلا [يأخذه])

(1)

، فيه أن حكم لا يحل به الحرام كما زعم بعض أهل العلم.

قوله: (قطعة) بكسر القاف، أي: طائفة.

قوله: (أسطامًا) بضم الهمزة وسكون السين المهملة. قال في القاموس

(2)

: السطام بالكسر: المسعار لحديدة مَفْطوحَةٍ تحرك بها النار، ثم قال: والأسطام: المسعار، اهـ.

والمراد هنا الحديدة التي تسعَّر بها النار، أي: يأتي يوم القيامة حاملًا لها مع أثقاله.

قوله: (حقي لأخي)، فيه دليل على صحة هبة المجهول، وهبة المدعى قبل ثبوته، وهبة الشريك لشريكه.

قوله: (أما إذا قلتما) لفظ أبي داود

(3)

: "أما إذ فعلتما ما فعلتما فاقتسما" قال في شرح السنن: أما بتخفيف الميم يحتمل أن يكون بمعنى حقًّا وإذ للتعليل.

قوله: (فاقتسما)، فيه دليل على أن الهبة إنما تملك بالقبول لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهما بالاقتسام بعد أن وهب كل واحد نصيبه من الآخر.

قوله: (ثم توخيا) بفتح الواو والخاء المعجمة.

قال في النهاية

(4)

: أي اقصدا الحق فيما تصنعان من القسمة، يقال: توخيت الشيء أتوخاه توخيًا: إذا قصدت إليه وتعمدت فعله.

قوله: (ثم استهما)، أي ليأخذ كل واحد منكما ما تخرجه القرعة من القسمة ليتميز سهم كل واحد منكما عن الآخر.

(1)

في المخطوط (ب): تأخذه).

(2)

القاموس المحيط ص 1447.

(3)

في السنن رقم (3584) وهو حديث ضعيف.

(4)

في غريب الحديث (2/ 833).

ص: 339

[الأدلة على مشروعية القرعة]

وفي الأمر بالقرعة عند المساواة أو المشاحة. وقد وردت القرعة في كتاب الله في موضعين: أحدهما قوله تعالى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ}

(1)

، والثاني قوله تعالى:{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)}

(2)

، وجاءت في خمسة أحاديث من السنة: الأول هذا الحديث

(3)

.

الثاني: حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه"

(4)

.

الثالث: "أنه صلى الله عليه وسلم أقرع في ستة مملوكين"

(5)

.

الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه"

(6)

.

الخامس حديث الزبير

(7)

: "إن صفية جاءت بثوبين لتكفن فيهما حمزة، فوجدنا إلى جنبه قتيلًا، فقلنا: لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب، فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر، فأقرعنا عليهما ثم كفِّنا كل واحد في الثوب الذي خرج له"، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على هذا وقرره لأنه كان حاضرًا هنالك، ويبعد أن يخفى عليه مثل ذلك في حق حمزة، وقد كانت الصحابة تعتمد

(1)

سورة آل عمران، الآية:44.

(2)

سورة الصافات، الآية:141.

(3)

تقدم برقم (2324) من كتابنا هذا.

(4)

أخرجه أحمد (6/ 114) والبخاري رقم (2661) ومسلم رقم (88/ 2445) من حديث عائشة.

وهو حديث صحيح.

(5)

أخرجه مسلم رقم (56/ 1668) وأبو داود رقم (3958) من حديث عمران بن حصين.

وهو حديث صحيح.

(6)

أخرجه أحمد (2/ 303) والبخاري رقم (721) ومسلم رقم (129/ 437) والترمذي رقم (225) والنسائي رقم (671) من حديث أبي هريرة.

وهو حديث صحيح.

(7)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 165) والبزار رقم (980) وأبو يعلى رقم (686) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 401 - 402) بسند حسن.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 118) وقال: فيه عبد الرحمن بن أبي الزَّناد وهو ضعيف وقد وثق".

ص: 340

القرعة في كثير من الأمور كما روي: "أنه تشاح الناس يوم القادسية في الأذان فأقرع بينهم سعد"

(1)

.

قوله: (ثم ليحلل

) إلخ، أي: ليسأل كل واحد منكما صاحبه أن يجعله في حل من قبله فإبراء ذمته.

وفيه دليل على أنه يصح الإبراء من المجهول، لأن الذي في ذمة كل واحد ههنا غير معلوم.

وفيه أيضًا صحة الصلح بمعلوم عن مجهول، ولكن لا بد مع ذلك من التحليل.

وحكى في البحر

(2)

عن الناصر والشافعي

(3)

أنه لا يصح الصلح بمعلوم عن مجهول.

قوله: (برأيي) هذا مما استدل به أهل الأصول على جواز العمل بالقياس

(4)

وأنه حجة، وكذا استدلوا بحديث بعث معاذ

(5)

المعروف.

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 96 رقم الباب (9) - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في "الفتح"(2/ 96): "أخرجه سعيد بن منصور، والبيهقي من طريق أبي عبيد كلاهما عن هشيم عن عبد الله بن شبرمة قال: "تَشاح الناس في الأذان بالقادسية فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص، فأقرع بينهم" وهذا منقطع.

وقد وصله سيف بن عمر في "الفتوح" والطبري من طريقه عنه عن عبد الله بن شبرمة عن شقيق - وهو أبو وائل - قال: "افتتحنا القادسية صدر النهار، فتراجعنا وقد أصيب المؤذن"، فذكره وزاد:"فخرجت القرعة لرجل منهم فأذن".

(2)

البحر الزخار (5/ 95).

(3)

الأم (4/ 463).

(4)

إرشاد الفحول (ص 659) بتحقيقي، والبحر المحيط (5/ 16).

(5)

عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذًا إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟

قال: أقضي بكتاب الله، قال:"فإن لم تجد في كتاب الله"؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله، قال: اجتهد رأي ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله".

وهو حديث ضعيف أُعل بعلل ثلاث: الإرسال، جهالة أصحاب معاذ، جهالة الحارث بن عمرو.

أخرجه أبو داود رقم (3592) والترمذي رقم (1327) والدارمي (1/ 60) وأحمد (5/ 230، 242) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 114) والطيالسي (1/ 286 - منحة =

ص: 341

2/ 2325 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الصلْحُ جائِز بَيْنَ المسْلِمِينَ، إلَّا صُلْحًا حَرَّم حَلَالًا أوْ أحَلَّ حَرَامًا"، رَواهُ أبُو دَاودَ

(1)

وابْنُ ماجَهْ

(2)

والتِّرْمِذِيُّ

(3)

، وَزَادَ: "المسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ إلّا شَرطًا حَرَّمَ حَلالًا أوْ

= المعبود) وابن حزم في الأحكام (6/ 26).

من طريق شعبة، عن أبي العون، عن الحارث بن عمرو أخي المغيرة بن شعبة عن أصحاب معاذ عن معاذ.

قال البخاري في التاريخ الكبير (2/ 277): "الحارث بن عمرو عن أصحاب معاذ عن معاذ، روى عنه أبو عون، ولا يصح ولا يُعرف إلا بهذا، مرسل" اهـ.

قلت: وأقره العراقي في تخريج أحاديث "مختصر المنهاج" في أصول الفقه ص 25.

وقال ابن حزم في الأحكام (6/ 35): "وأما خبر معاذ، فإنه لا يحل الاحتجاج به لسقوطه، وذلك أنه لم يرد قط إلا من طريق الحارث بن عمرو وهو مجهول لا يدري أحد من هو".

وقال ابن الجوزي في "العلل"(2/ 758 رقم 1264): "هذا حديث لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه. ولعمري وإن كان معناه صحيحًا، إنما ثبوته لا يُعرف

".

قال الألباني في "الضعيفة"(2/ 286): "هو صحيح المعنى فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص. وهذا مما لا خلاف فيه، ولكنه ليس صحيح المعنى عندي فيما يتعلق بتصنيف السنة مع القرآن وإنزاله إياه معه منزلة الاجتهاد منهما فكما أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب والسنة، فكذلك لا يأخذ بالسنة إلا إذا لم يجد في الكتاب، وهذا التفريق بينهما مما لا يقول به مسلم، بل الواجب النظر في الكتاب والسنة معًا وعدم التفريق بينهما، لما علم من أن السنة تبيِّن مجمل القرآن وتقيِّد مطلقه، وتخصص عمومه كما هو معلوم" اهـ.

(1)

في سننه رقم (3594). من حديث أبي هريرة.

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (637، 638) والدارقطني (3/ 27 رقم 96) والحاكم (2/ 49) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 64، 65) وأحمد في المسند (2/ 366) وابن حبان رقم (1199 - موارد) وابن عدي في الكامل (6/ 2088) كلهم من حديث كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون على شروطهم والصلح جائز بين المسلمين"، زاد بعضهم:"إلا صلحًا حرَّم حلالًا وأحل حرامًا".

قال الحاكم: "رواة هذا الحديث مدنيون" فلم يصنع شيئًا!!

ولهذا قال الذهبي: "لم يصححه، وكثير ضعفه النسائي وقوَّاه غيره"، وقال ابن حجر في "التقريب" (2/ 131 رقم 11):"صدوق يخطئ". قلت: لم يتفرد به، وله شواهد.

(2)

في سننه رقم (2353).

(3)

في سننه رقم (1352) وقال: هذا حديث حسن صحيح، كلاهما من حديث عمرو بن عوف. =

ص: 342

أحَلَّ حَرَامًا"، قالَ التّرْمِذِيُّ: هَذَا حَديثٌ حَسَنٌ صحيح). [صحيح لغيره]

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم

(1)

وابن حبان

(2)

، وفي إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه وهو ضعيف جدًّا. قال فيه الشافعي

(3)

وأبو داود (3): هو ركن من أركان الكذب، وقال النسائي

(4)

: ليس بثقة. وقال ابن حبان

(5)

: له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة، وتركه أحمد.

وقد نوقش الترمذي في تصحيح حديثه.

قال الذهبي

(6)

: أما الترمذي فروى من حديثه: "الصلح جائز بين المسلمين" وصححه، فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه.

وقال ابن كثير في إرشاده

(7)

: قد نوقش أبو عيسى، يعني الترمذي في تصحيحه هذا الحديث وما شاكله، انتهى.

واعتذر له الحافظ

(8)

فقال: وكأنه اعتبر بكثرة طرقه، وذلك لأنه رواه أبو داود

(9)

والحاكم

(10)

من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي

= قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 101) والدارقطني (3/ 27 رقم 98) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 79).

فيه كثير بن عبد الله هذا مجمع على ضعفه، وقد قال ابن حجر في "التقريب" (2/ 132 رقم 17): ضعيف، منهم من نسبه إلى الكذب.

وسكت الحاكم عليه، وقال الذهبي: واه.

وله شواهد قد بينتها في تخريجي و"بداية المجتهد"(4/ 89 - 90).

وقد قال المحدث الألباني في "الإرواء"(5/ 145 - 146): "وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق يرتقي إلى درجة الصحيح لغيره" اهـ.

(1)

في المستدرك (4/ 101) وقد تقدم من حديث عمرو بن عوف.

(2)

في صحيحه رقم (1199 - موارد) وقد تقدم من حديث أبي هريرة.

(3)

حكاه عنهما الذهبي في الميزان (3/ 407).

(4)

بل قال النسائي في "الضعفاء والمتروكين"(رقم الترجمة 529): متروك الحديث.

(5)

في المجروحين (2/ 221).

(6)

في الميزان (3/ 407).

(7)

إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه (2/ 54).

(8)

في "الفتح"(4/ 451).

(9)

في سننه رقم (3594) وقد تقدم.

(10)

في المستدرك (2/ 49) وقد تقدم.

ص: 343

هريرة، قال الحاكم: على شرطهما، وصحَّحه ابن حبان

(1)

وحسَّنه الترمذي

(2)

.

وأخرجه أيضًا الحاكم

(3)

من حديث أنس.

وأخرجه أيضًا

(4)

من حديث عائشة، وكذلك الدارقطني

(5)

.

وأخرجه أحمد

(6)

من حديث سليمان بن بلال عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة.

وأخرجه ابن أبي شيبة

(7)

عن عطاء مرسلًا.

وأخرجه البيهقي

(8)

موقوفًا على عمر كتبه إلى أبي موسى.

وقد صرح الحافظ

(9)

بأن إسناد حديث أنس وإسناد حديث عائشة واهيان.

وضعف ابن حزم

(10)

حديث أبي هريرة، وكذلك ضعفه عبد الحق

(11)

. وقد

(1)

في صحيحه رقم (1199 - موارد) وقد تقدم.

(2)

عقب الحديث رقم (1352) من حديث عمرو بن عوف وقد تقدم.

(3)

في المستدرك (2/ 50) وسكت عنه هو والذهبي.

قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 28 رقم 100).

إسناده ضعيف جدًّا، عبد العزيز البالسي الجزري اتهمه أحمد، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة.

ولهذا قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 56): وإسناده واه.

(4)

الحاكم في المستدرك (2/ 49).

(5)

في السنن (3/ 27 رقم 99).

إسناد ضعيف جدًّا، عبد العزيز البالسي الجزري تقدم بيان ضعفه.

ولهذا قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 56): وهو واهٍ أيضًا.

(6)

في المسند (2/ 366) بسند حسن.

(7)

في المصنف (6/ 568) وسكت عليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 56).

قلت: وهو مرسل صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.

(8)

في السنن الكبرى (6/ 65) موقوفًا على عمر كتبه إلى أبي موسى الأشعري.

(9)

في "التلخيص"(3/ 56).

(10)

في المحلى (8/ 162).

(11)

في الأحكام الصغرى (2/ 718) والوسطى (3/ 345): صحيح الإسناد.

ص: 344

روي من طريق عبد الله بن الحسين المصيصي

(1)

وهو ثقة، وكثير بن زيد المذكور، قال أبو زرعة: صدوق، ووثقه ابن معين، والوليد بن رباح: صدوق أيضًا. ولا يخفى أن الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض، فأقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسنًا

(2)

.

- قوله: (الصلح جائز) ظاهر هذه العبارة العموم، فيشمل كل صلح إلا ما استثني، ومن ادعى عدم جواز صلح زائد على ما استثناه الشارع في هذا الحديث فعليه الدليل.

وإلى العموم ذهب أبو حنيفة

(3)

ومالك

(4)

وأحمد

(5)

والجمهور.

وحكى في البحر

(6)

عن العترة والشافعي وابن أبي ليلى أنه لا يصح الصلح عن إنكار، وقد استدل لهم بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه"

(7)

، وبقوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}

(8)

.

ويجاب بأن الرضا بالصلح مشعر بطيبة النفس، فلا يكون أكل المال به من أكل أموال الناس بالباطل.

واحتج لهم في البحر

(9)

بأن الصلح معاوضة، فلا يصح مع الإنكار كالبيع.

وأجيب بأنه لا معنى للإنكار في البيع لعدم ثبوت حق لأحدهما على الآخر يتعلق به الإنكار قبل صدور البيع فلا يصح القياس.

قوله: (بين المسلمين) هذا [خُرِّجَ]

(10)

مخرجَ الغالب، لأن الصلح جائز

(1)

أخرجه الحاكم (2/ 50) وقال: صحيح على شرط الشيخين وهو معروف بعبد الله المصيصي وهو ثقة. قال الذهبي: قال ابن حبان: يسرق الحديث.

(2)

وهو كما قال رحمه الله.

(3)

بدائع الصنائع (6/ 45) والبناية في شرح الهداية (9/ 3 - 4).

(4)

حاشية الدسوقي (4/ 553 - 504) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 704 - 705).

(5)

المغني (7/ 5).

(6)

البحر الزخار (5/ 95).

(7)

تقدم تخريجه قريبًا خلال شرح الحديث (7/ 2315) من كتابنا هذا.

(8)

سورة البقرة، الآية:188.

(9)

البحر الزخار (5/ 95).

(10)

في المخطوط (ب): (أخرج).

ص: 345

بين الكفار وبين المسلم والكافر. ووجه التخصيص أن المخاطب بالأحكام في الغالب هم المسلمون لأنهم المنقادون لها.

قوله: (إلا صلحًا) بالنصب على الاستثناء.

وفي رواية لأبي داود والترمذي بالرفع.

والصلح الذي يحرم الحلال كمصالحة الزوجة للزوج على أن لا يطلقها أو لا يتزوج عليها أو لا يبيت عند ضرتها، والذي يحلل الحرام كأن [يصالحه]

(1)

على وطء أمة لا يحل له وطؤها، أو أكل مال لا يحل له أكله أو نحو ذلك.

قوله: (المسلمون على شروطهم)، أي ثابتون عليها لا يرجعون عنها.

قال المنذري

(2)

: وهذا في الشروط الجائزة دون الفاسدة، ويدل على هذا قوله: "إلا شرطًا حرم حلالًا

" إلخ.

ويؤيده ما ثبت في حديث بريرة

(3)

من قوله صلى الله عليه وسلم: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل".

وحديث: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"

(4)

.

والشرط الذي يحل الحرام كأن يشرط نصرة الظالم أو الباغي أو غزو المسلمين، والذي يحرم الحلال كأن يشرط عليه ألّا يطأ أمته أو زوجته أو نحو ذلك.

3/ 2326 - (وَعَنْ جابِرٍ: أن أباهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فاشْتَدَّ الغُرَماءُ فِي حُقُوقِهِمْ، قال: فأتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسألهُمْ أنْ يَقْبَلُوا ثمَرَةَ حائِطِي

(1)

في المخطوط (ب): (تصالحه).

(2)

في مختصر السنن (5/ 214).

(3)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 213) ومسلم رقم (9/ 1504) وابن ماجه رقم (2521) وابن أبي شيبة (7/ 136) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 336).

وهو حديث صحيح.

(4)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 146) ومسلم رقم (18/ 1718) وابن راهويه رقم (979) وأبو عوانة (4/ 18) من طرق.

وهو حديث صحيح.

ص: 346

ويُحَلِّلُوا أبي، فأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حائِطِي وَقَالَ:"سَنَغْدُو عَلَيْكَ"، فَغَدَا عَلَيْنَا حينَ أصْبَحَ، فَطافَ فِي النَّخلِ وَدَعا فِي ثَمْرِها بالبَرَكَةِ، فَجدَدْتُها فَقَضَيْتُهُمُ وَبَقِيَ لَنَا مِنْ ثَمَرِها. [صحيح]

وفِي لَفْظٍ: أنْ أباهُ تُوُفِي وَتَرَكَ عَلَيْه ثَلاثِينَ وسقًا لِرَجلٍ مِن الْيَهُودِ، فاسْتَنظَرَهُ جابِر فأبى أنْ يَنْظِرَهْ، فَكَلَّمَ جابِر رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَشْفَعَ لَهَ إلَيْه، فَجاء رَسُولُ الله وكَلَّمَ اليَهُودِيّ ليأخُذَ ثَمَرَةَ نَخْله بالَّذي لهُ فأبَى، فَدَخَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم النَّخْلَ فَمَشَى فِيها ثُمَّ. قالَ لِجابِرٍ:"جُدَّ لَهُ فأوْف لَهُ الَّذِي لَهُ"، فَجَدهُ بَعْدَ ما رَجَعَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأوْفَاهُ ثَلاثِينَ وَسْقًا وَفَضَلَتْ سَبْعَةُ عَشَرَ وَسْقًا. رَوَاهُمَا البُخارِي)

(1)

. [صحيح]

قوله: (فجددتها) بالجيم ودالين مهملين

(2)

، والجداد

(3)

: صرام النخل.

والحديث فيه دليل على جواز المصالحة بالمجهول عن المعلوم، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الغريم أن يأخذ ثمر الحائط وهو مجهول القدر في الأوساق التي له وهي معلومة، ولكنه ادّعى في البحر

(4)

الإجماع على عدم الجواز فقال ما لفظه: "مسألة: ويصح بمعلوم عن معلوم إجماعًا، ولا يصح بمجهول إجماعًا ولو عن معلوم، كأن يصالح بشيء عن شيء، أو عن ألف بما [يَكْسَبُهُ]

(5)

هذا العام"، اهـ.

فينبغي أن ينظر في صحة هذا الإجماع، فإن الحديث مصرِّح بالجواز.

وقال المهلب

(6)

: لا يجوز عند أحد من العلماء أن يأخذ من له دينُ تمرٍ تمرًا مجازفة بدينه لما فيه من الجهل والغرر، وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة في حقه أقل من دينه إذا علم الآخذ ذلك ورضي. اهـ.

وهكذا قال الدمياطي (6).

وتعقَّبهما ابن المنيِّر (6) فقال: بيع المعلوم بالمجهول مزابنة، فإن كان تمرًا نحوه فمزابنة وربا، لكن اغتفر ذلك في الوفاء.

(1)

البخاري في صحيحه رقم (2395 و 2396).

(2)

كذا في المخطوط (أ) و (ب)، بينما في المطبوع (مهملتين).

(3)

النهاية (1/ 240). صرام النخل: هو قطع ثمرتها، ويقال: جدَّ الثمرة يجدُّها جَدًّا.

(4)

البحر الزخار (5/ 95).

(5)

في المخطوط (ب): (كسبه).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 60).

ص: 347

وتبعه الحافظ

(1)

على ذلك فقال: إنه يغتفر في القضاء من المعاوضة ما لا يغتفر ابتداء، [لأن بيع]

(2)

الرطب بالتمر لا يجوز في غير العرايا، ويجوز في المعاوضة عند الوفاء، قال: وذلك بين في حديث الباب. اهـ.

والحاصل أن هذا الحديث مخصص للعمومات المتقدمة في البيع القاضية بوجوب معرفة مقدار كل واحد من البدلين المتساويين جنسًا وتقديرًا.

فيجوز القضاء مع الجهالة إذا وقع الرضا.

ويؤيد هذا حديث أم سلمة

(3)

السالف، فإنها وقعت فيه المصالحة بمعلوم عن مجهول والمواريث الدارسة تطلق على الأجناس الربوية وغيرها، فهو يقضي بعمومه أنها تجوز المصالحة مع جهالة أحد العوضين وإن كان المصالح به والمصالح عنه ربويين، ولكن لا بد من وقوع التحليل كما هو مصرح به في الحديثين.

وقد استدل المقبلي في "الأبحاث"

(4)

بهذا الحديث على جواز صرف الفضة بالفضة مع التصريح بتطييب الزائد، وأنه لا يلزم من ذلك إبطال المقصد الشرعي في الربا، لأن كل حيلة توصل بها إلى السلامة من الإثم فهي جائزة، وإنما المحرم الحيلة التي توصل بها إلى إبطال مقصد شرعي، قال: فعلى هذا يجوز الصرف للقروش بالمحلقة وهما ضربتان كبيرة وصغيرة ونحو ذلك مما دعت الضرورة إليه.

قال: ولنحو ذلك رخص في بيع العرية، وإلا فكان يمكن بيع التمر بالدراهم ثم شراء رطب بالدراهم، أما لو كان الغرض طلب التجارة والأرباح كالصيارفة فلا يجوز إلى آخر كلامه.

وصرح أيضًا بأنه لا حاجة في الصرف إلى تكلف شراء سلعة ثم بيعها كما في حديث تمر الجمع والجنيب

(5)

السالف، قال

(6)

: لأن ذلك يلحق

(1)

في "الفتح"(5/ 60).

(2)

في المخطوط (ب): (لا بيع).

(3)

تقدم برقم (2324) من كتابنا هذا.

(4)

في "الأبحاث المسددة في فنون متعددة"(ص 285 - 287).

(وبحوزتي صورة لمخطوط الأبحاث المسددة في فنون متعددة).

(5)

تقدم برقم (2248) من كتابنا هذا.

(6)

أي الناصر كما في "الأبحاث" ص 287.

ص: 348

بالممتنع للضرورة إليه في أكثر الأحوال وغالبها ففيه غاية المشقة.

وأنت خبير بأن الحديث ورد على خلاف ما تقتضيه الأصول، فلا يجوز أن يجاوز به مورده وهو صورة القضاء، فلا يصح القياس، وهذا على فرض عدم صحة الإجماع على خلاف ما يقتضيه الحديث.

فإن صح فالعمل به في تلك الصورة المخصوصة لا يجوز، فكيف يصح إلحاق غيرها بها؟ وأيضًا خبر القلادة

(1)

السالف مشعر بعدم جواز بيع الفضة بالفضة، وإن وقعت المراضاة والمباراة، فهذا القياس الذي عول عليه فاسد الاعتبار، فإن قال: إن صرف الدراهم بالقروش يحتاج إليه كل أحد وتدعو الضرورة إليه، بخلاف بيع الفضة التي ليست بمضروبة بمثلها، فنقول: هذا تخصيص بمجرد الحاجة والمشقة، ومثل ذلك لا ينتهض لتخصيص النصوص، ولا سيما مع إمكان التخلص عن تلك الورطة بأن يشتري بأحد البدلين عينًا ويبيعها بالنقد الآخر كما أرشد إليه الشارع في قضية تمر الجمع والجنيب، فإن بهذه الوسيلة تنتفي الضرورة الحاملة على ارتكاب ما لا يحل، ولو كان مجرد حصول المشقة مجوزًا لمخالفة الدليل ومسوغًا للمحرم لكان في ذلك معذرة لمن لا رغبة له في القيام بالواجبات، لأن كثيرًا منها مصحوب بالمشقة كالحج والجهاد ونحوهما.

4/ 2327 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَتْ عنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لأخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْ مِنْهُ اليَوْمَ قَبْلَ أنْ لَا يَكُونَ دِينارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ لَهُ عَمَل صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ"، رَوَاهُ البُخارِيُّ

(2)

، وكَذَلَكَ أحَمدُ

(3)

والتِّرْمِذِيُّ

(4)

(1)

تقدم برقم (2250) من كتابنا هذا.

(2)

في صحيحه رقم (2449).

(3)

في المسند (2/ 506).

(4)

في سننه رقم (2419) وقال الترمذي: حسن صحيح.

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (2321) والبغوي في الجعديات رقم (2868) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (187) و (188) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 369) والبغوي في شرح السنة، وأبو يعلى رقم (6539) و (6596). =

ص: 349

وَصَححَهُ، وَقالا فيه:"مَظْلِمَةٌ مِنْ مَالٍ أوْ عِرْضٍ"). [صحيح]

قوله: (مَظْلِمَة) بكسر اللام على المشهور. وحكى ابن قتيبة (1)، وابن التين

(1)

، والجوهري

(2)

: فتحها؛ وأنكره ابن القوطية

(3)

، وحكى القزاز

(4)

الضم.

قوله: (أو شيء)[هو من]

(5)

عطف العام على الخاص فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها.

قوله: (قبل أن لا يكون دينار ولا درهم)، أي: يوم القيامة، كما ثبت في رواية الإسماعيلي

(6)

.

قوله: (أخذ من سيئات صاحبه) أي صاحب المظلمة "فحمل عليه"، أي على الظالم، وفي رواية مالك:"فطرحت عليه".

وقد أخرج هذا الحديث

(7)

مسلم من وجه آخر، وهو أوضح سياقًا من هذا، ولفظه: "المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبلَ أَنْ يَقْضي ما عليه [أخذ]

(8)

من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار".

ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

(9)

، لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه، ولم يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته، فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الله تعالى في عباده.

وفي الحديث دليل على صحة الإبراء من المجهول لإطلاقه.

وزعم ابن بطال

(10)

أن في هذا الحديث دليلًا على اشتراط التعيين، لأن قوله: مظلمة يقتضي أن تكون معلومة القدر مشارًا إليها.

= وهو حديث صحيح.

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 101).

(2)

في الصحاح (5/ 1977).

(3)

انظر: تاج العروس (7/ 449).

(4)

انظر: تهذيب اللغة للأزهري (14/ 386).

(5)

في المخطوط (ب): (من).

(6)

كما في "الفتح"(5/ 101).

(7)

في صحيحه رقم (59/ 2581).

(8)

في المخطوط (ب): (أخذت).

(9)

سورة الإسراء، الآية:15.

(10)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 577).

ص: 350

قال الحافظ

(1)

: ولا يخفى ما فيه.

قال ابن المنيِّر

(2)

: إنما وقع في الحديث التقدير حيث يقتص المظلوم من الظالم حتى يأخذ منه بقدر حقه، وهذا متفق عليه.

والخلاف إنما هو فيما إذا أسقط المظلوم حقه في الدنيا، هل يشترط أن يعرف قدره أم لا؟ وقد أطلق ذلك في الحديث، نعم قام الإجماع على صحة التحليل من المعين المعلوم، فإن كانت العين موجودة صحت هبتها دون الإبراء منها.

وفي الحديث أيضًا دليل على أن من حلل خصمه من مظلمة لا رجوع له في ذلك.

أما المعلوم فلا خلاف فيه.

وأما المجهول فعند من يجيزه.

قال في الفتح

(3)

: وهو فيما مضى باتفاق.

وأما فيما سيأتي ففيه الخلاف.

[الباب الثاني] باب الصلح عن دم العمد بأكثر من الدية وأقل

5/ 2328 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إلى أوْلِيَاءِ المَقْتُولِ، فإنْ شاءُوا قَتَلُوا، وَإنْ شَاءُوا أخَذُوا الدّيةَ، وَهِيَ ثَلاثُون حِقَّةً وَثَلاثُونَ جَذَعَةً وأرْبَعُونَ خَلَفَةً، وَذلكَ عَقْلُ الْعمْدِ، وَما صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ وَذلكَ تَشْديدُ العَقْلِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ

(5)

وَالتِّرْمِذِيُّ)

(6)

. [حسن]

(1)

في "الفتح"(5/ 101).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 101).

(3)

(5/ 101)

(4)

في المسند (2/ 183، 217).

(5)

في سننه رقم (2626).

(6)

في سننه رقم (1387) وقال: هذا حديث حسن غريب. =

ص: 351

الحديث حسنه الترمذي

(1)

، وفي إسناده أحمد علي بن زيد بن جدعان

(2)

وفيه مقال عن يعقوب السدوسي، ويقال فيه عقبة بن أوس عن ابن عمرو.

وروى البيهقي

(3)

بإسناده إلى ابن خزيمة قال: حضرت مجلس المزني يومًا وسأله سائل من العراقيين عن شبه العمد، فقال السائل: إن الله وصف القتل في كتابه صفتين عمدًا وخطأ، فلم قلتم إنه على ثلاثة أصناف؟ فاحتج المزني بحديث ابن عمرو، فقال له يناظره: أتحتج بعلي بن زيد بن جدعان؟ فسكت المزني، فقلت لمناظره: قد روي هذا الحديث عن غير علي بن زيد، فقال: من رواه غيره؟ فقلت: أيوب السختياني وجابر الحذاء، قال لي: فمن عقبة بن أوس؟ قلت: رجل من أهل البصرة روى عنه ابن سيرين على جلالته، فقال للمزني: أنت تناظر أم هذا؟ فقال: إذا جاء الحديث فهو يناظر لأنه أعلم به مني، اهـ.

فدل كلام ابن خزيمة هذا على أن علي بن زيد قد توبع.

وأيضًا الترمذي

(4)

رواه عن أحمد بن سعيد الدارمي عن حبان بن هلال عن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب.

قوله: (خلفة)، أي: حاملة، ووقع في رواية:"أربعون خلفة في بطونها أولادها"

(5)

، واستشكل ذلك لأن الخلفة هي التي في بطنها ولدها.

= قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 53) من طريقين عن عمرو بن شعيب، به.

قال الألباني في الإرواء (7/ 259): "قلت: وهو كما قال - أي الترمذي -، وإنما لم يصححه - والله أعلم - للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده".

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(1)

في السنن (4/ 12).

(2)

وهو ضعيف وقد تقدم، انظر: الميزان (3/ 127 رقم 5844).

(3)

في السنن الكبرى (8/ 44).

(4)

في سننه رقم (1387) وقال: حسن غريب.

(5)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 11) وأبو داود رقم (4547) والنسائي رقم (4791) وابن ماجه رقم (2627) من حديث عبد الله بن عمرو.

وهو حديث صحيح.

ص: 352

وأجيب بأنه تفسير لا تقييد، وقيل: تأكيد وإيضاح، وقيل غير ذلك.

والحديث يأتي الكلام على ما اشتمل عليه في أبواب الديات، وإنما ساقه المصنف ههنا للاستدلال بقوله فيه:"وما صالحوا عليه فهو لهم"، فإنه يدل على جواز الصلح في الدماء بأكثر من الدية

(1)

.

[الباب الثالث] باب ما جاء في وضع الخشب في جدار الجار وإن كره

6/ 2329 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يمْنَعْ جارٌ جارَهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ"، ثُمَّ يَقُولُ أبو هُرَيْرَةَ: ما لي أرَاكُمْ عَنْها مُعْرِضِينَ، وَالله لأرْمِيَنَّ بها بينَ أكْتافِكُمْ. رَوَاهُ الجَماعةُ إلَّا النَّسائيَّ)

(2)

. [صحيح]

7/ 2330 - (وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " [ضَرَرَ]

(3)

وَلَا ضِرَارَ، وَللرَّجُلِ أنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي حائِطِ جارِهِ، وَإِذَا اخْتَلَفتُمْ فِي الطَّرِيقِ فاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أذْرُع")

(4)

. [صحيح لغيره]

8/ 2331 - (وَعَنْ عكْرِمَةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ رَبِيعَةَ أن أخَوَيْنِ مِنْ بَنِي المُغِيرَةَ أعْتَقَ أحَدُهُما أنْ لا يَغْرِزَ خَشَبًا في جِدَارِهِ، فَلَقِيا مُجَمِّعَ بْنَ يَزِيدٍ الأنْصَارِيَّ

(1)

المغني لابن قدامة (12/ 14).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 230، 274، 447) والبخاري رقم (2463) ومسلم رقم (136/ 1609) وأبو داود رقم (3634) والترمذي رقم (1353) وابن ماجه رقم (2335).

قلت: وأخرجه مالك (2/ 745 رقم 32) والبيهقي (6/ 68).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المخطوط (ب): (لا ضرّ).

(4)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 313) وابن ماجه رقم (2341).

قلت: وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11806). وهذا إسناد واه، جابر هو الجعفي، قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 222):"وقد اتهم".

وله طريق آخر أخرجه الدارقطني (4/ 228 رقم 86) والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(2/ 97) والطبراني في الكبير (ج 2 رقم 1387).

قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد.

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

ص: 353

وَرِجالًا كَثِيرًا، فَقالُوا: نَشْهَدُ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يمنَعْ جارٌ جارَهُ أنْ يغْرِزَ خَشَبًا في جِدَارِهِ"، فَقالَ الحالِفُ: أيْ أخِي قَدْ عَلِمْتُ أنَّكَ مَقْضِيٌّ لَكَ عَلَيَّ، وَقَدْ حَلَفْتُ فاجْعَلْ اسْطوَانًا دُونَ جِدَارِي، فَفَعَلَ الآخَرُ فَغَرَزَ في الاسْطُوَانِ خَشَبَهُ

(1)

. رَوَاهُمَا أحْمَدُ وَابْنُ ماجَه). [حسن لغيره]

أما حديث ابن عباس، فأخرجه أيضًا ابن ماجه

(2)

والبيهقي

(3)

والطبراني

(4)

وعبد الرزاق

(5)

.

قال ابن كثير

(6)

: أما حديث: "لا ضرر ولا ضرار"، فرواه ابن ماجه

(7)

عن عبادة بن الصامت.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 480) وابن ماجه رقم (2336).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 218): "قلت: ليس لمجمع - بن يزيد - هذا عند ابن ماجه سوى هذا الحديث، وليس له شيء في الخمسة الأصول. وإسناد حديثه فيه مقال:

هشام بن يحيى بن العاص المخزومي قال الذهبي: مختلف فيه، وذكره ابن حبان في الثقات.

وعكرمة ابن سلمة لم أر من تكلم فيه.

والباقي ثقات" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.

(2)

في سننه رقم (2341).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 222): "هذا إسناد فيه جابر - الجعفي - وقد اتهم".

(3)

في السنن الكبرى (6/ 69).

(4)

في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11502).

(5)

في المصنف رقم (15265).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 160) وقال: "وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وباقي رجاله رجال الصحيح".

وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(6)

في إرشاد الفقيه (2/ 55).

(7)

في سننه رقم (2340).

قلت: وأخرجه أحمد (5/ 326 - 327) والبيهقي (10/ 133) وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 344).

وفي سنده انقطاع بين إسحاق وعبادة، وفيه علة أخرى وهي جهالة حال إسحاق هذا. =

ص: 354

وروي من حديث ابن عباس

(1)

، وأبي سعيد الخدري

(2)

وهو حديث مشهور، اهـ.

وهو أيضًا عند ابن ماجه

(3)

والدارقطني

(4)

والحاكم

(5)

والبيهقي

(6)

من حديث أبي سعيد.

وعند البيهقي

(7)

أيضًا من حديث عبادة.

وعند الطبراني في الكبير

(8)

وأبي نعيم

(9)

من حديث ثعلبة بن مالك القرظي

= قال الحافظ في التقريب رقم (445): مجهول الحال.

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 221): "هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع .... ".

وخلاصة القول: أن حديث عبادة حديث صحيح لغيره.

(1)

تقدم تخريجه رقم (7/ 2330) من كتابنا هذا.

(2)

أخرجه الدارقطني في السنن (4/ 228 رقم 85) والحاكم (2/ 57 - 58) والبيهقي (6/ 69).

من طريق الدراوردي، عن عمر بن يحيى المازني عن أبيه عنه.

وزاد: "من ضارَّ ضرَّه الله، ومن شاقَّ شقَّ الله عليه".

قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وخالفهما الألباني في "الإرواء" (3/ 410) وقال:"وهذا وهم منهما معًا، فإن عثمان هذا مع ضعفه لم يخرج له مسلم أصلًا. وأورده الذهبي نفسه في "الميزان" وقال: "قال عبد الحق في أحكامه: الغالب على حديثه الوهم".

نعم تابعه عبد الملك معاذ النصيبي عن الدراوردي به. أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" كما في "نصب الراية"(4/ 385) وقال: "قال ابن القطان في كتابه: وعبد الملك هذا لا يعرف له حال ولا يعرف من ذكره".

وقد رواه مالك في الموطأ (2/ 745 رقم 31) عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه مرفوعًا.

وقال الألباني في "الإرواء"(3/ 411): وهذا مرسل صحيح الإسناد، وهذا هو الصواب من هذا الوجه.

(3)

لم أقف عليه عند ابن ماجه من حديث أبي سعيد.

(4)

في السنن (4/ 228 رقم 85) وقد تقدم.

(5)

في المستدرك (2/ 57 - 58) وقد تقدم.

(6)

في السنن الكبرى (6/ 69) وقد تقدم.

(7)

في السنن الكبرى (10/ 133) وقد تقدم.

(8)

(ج 2 رقم 1387).

(9)

ولم أقف عليه عنده من حديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي. =

ص: 355

وما فيه من جعل الطريق سبعة أذرع ثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة سيأتي

(1)

.

وأما حديث مجمِّع، فأخرجه أيضًا ابن ماجه

(2)

والبيهقي

(3)

وسكت عنه الحافظ في التلخيص

(4)

، وعكرمة بن سلمة بن ربيعة المذكور مجهول.

قوله: (لا يمنع) بالجزم على النهي.

= قلت: في سنده إسحاق بن إبراهيم هو ابن سعيد الصواف. قال الحافظ في "التقريب"(1/ 54 رقم 367): لين الحديث.

(1)

برقم (2332) من كتابنا هذا.

(2)

في سننه رقم (2336) وقد تقدم.

(3)

في السنن الكبرى (6/ 157).

وهو حديث حسن لغيره، والله أعلم.

(4)

(3/ 100).

قلت: وفي الباب عن أبي هريرة، وجابر، وعائشة، وأبي لبابة.

• أما حديث أبي هريرة فقد أخرجه الدارقطني (4/ 228 رقم 86).

قال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 385): "وأبو بكر بن عياش مختلف فيه".

وقال الألباني في "الإرواء"(3/ 411): "وهو حسن الحديث، وقد احتج به البخاري، وإنما علة هذا السند من شيخه ابن عطاء، وهو يعقوب بن عطاء بن أبي رباح، وهو ضعيف كما في التقريب" اهـ.

• وأما حديث جابر، فقد أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (5196): ط: المعارف. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 110) وفيه محمد بن إسحاق وهو ثقة ولكنه مدلس وقد عنعنه.

• وأما حديث عائشة فله عنها طريقان:

(الأول): من طريق الواقدي: أخرجه الدارقطني (4/ 227 رقم 83) وسنده واه جدًّا من أجل الواقدي فإنه متروك. والطريق الأخرى من وجهين: من رواية القاسم عن عائشة.

(الوجه الأول): أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (270) ط: المعارف وسنده واه جدًّا.

روح بن صلاح ضعيف. وأحمد بن رشدين قال ابن عدي: كذبوه ["مجمع الزوائد" 4/ 110)].

(الوجه الثاني): أخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط رقم (1037) ط: المعارف وقد فات الهيثمي في "مجمع الزوائد" هذا الطريق.

قلت: وفيه أبو بكر بن أبي سَبْرَة رموه بالوضع كما في التقريب (2/ 397 رقم 51).

• وأما حديث أبى لبابة فقد أخرجه أبو داود في المراسيل رقم (407).

وخلاصة القول: أن الحديث حسن بطرقه وشواهده، والله أعلم.

ص: 356

وفي رواية لأحمد

(1)

: "لا يمنعن".

وفي لفظ للبخاري

(2)

بالرفع على الخبرية وهي في معنى النهي.

قوله: (خشبه) قال القاضي عياض

(3)

: "رويناه في مسلم وغيره من الأصول بصيغة الجمع والإفراد، ثم قال: وقال عبد الغني بن سعيد: كل الناس تقوله بالجمع إلا الطحاوي

(4)

فإنه قال عن رَوْح بن الفرج: سألت أبا زيد والحارث بن بكير ويونس بن عبد الأعلى عنه، فقالوا كلهم: خشبة بالتنوين". ورواية مُجَمِّع

(5)

تشهد لمن رواه بلفظ الجمع.

وبؤيدها أيضًا ما رواه البيهقي

(6)

من طريق شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: "إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حائطه فلا يمنعه".

قال القرطبي

(7)

: "وإنما اعتنى هؤلاء الأئمة بتحقيق الرواية في هذا الحرف لأن أمر الخشبة الواحدة يخفّ على الجار المسامحة به بخلاف الأخشاب الكثيرة".

والأحاديث تدل على أنه لا يحل للجار أن يمنع جاره من غرز الخشب في جداره ويجبره الحاكم إذا امتنع، وبه قال أحمد

(8)

وإسحاق وابن حبيب من المالكية والشافعي في القديم وأهل الحديث.

وقالت الحنفية والهادوية

(9)

ومالك

(10)

والشافعي

(11)

في أحد قوليه

(1)

في المسند (2/ 274، 447) وقد تقدم.

(2)

قال الحافظ في "الفتح"(5/ 110): قوله: (ولا يمنع) بالجزم على أن "لا" ناهية، ولأبي ذر بالرفع على أنه خبر بمعنى النهي" اهـ.

(3)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 317).

(4)

حكاه عنه القرطبي في "المفهم"(4/ 531) والحافظ في "الفتح"(5/ 110) والنووي في شرح مسلم (11/ 47).

(5)

تقدم برقم (8/ 2331) من كتابنا هذا.

(6)

في السنن الكبرى (6/ 69).

(7)

في "المفهم"(4/ 531).

(8)

المغني لابن قدامة (7/ 35 - 36).

(9)

البحر الزخار (4/ 97).

(10)

بداية المجتهد ونهاية المقتصد (4/ 132 - 133) بتحقيقي.

(11)

البيان للعمراني (6/ 258) والأم (8/ 639 رقم 3804).

ص: 357

والجمهور: إنه يشترط إذن المالك ولا يجبر صاحب الجدار إذا امتنع، وحملوا النهي على التنزيه جمعًا بينه وبين الأدلة القاضية بأنه "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه"

(1)

.

وتعقب بأن هذا الحديث أخص من تلك الأدلة مطلقًا فيبنى العام على الخاص.

قال البيهقي: لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن يخصها، وحمل بعضهم الحديث على ما إذا تقدم استئذان الجار كما وقع في رواية لأبي داود

(2)

بلفظ: "إذا استأذن أحدكم أخاه".

وفي رواية لأحمد

(3)

: "من سأله جاره".

وكذا في رواية لابن حبان

(4)

، فإذا تقدم الاستئذان لم يكن للجار المنع إلا إذا لم يتقدم.

قوله: (في جداره) الظاهر عود الضمير إلى المالك؛ أي: في جدار نفسه؛ وقيل: الضمير يعود على الجار الذي يريد الغرز؛ أي: لا يمنعه من وضع خشبه على جدار نفسه وإن تضرر به من جهة منع الضوء مثلًا.

ووقع لأبي عوانة

(5)

من طريق زياد بن سعد عن الزهري أنه يضع جذع على جدار نفسه ولو تضرر به جاره.

والظاهر الأول، ويؤيده قوله في حديث ابن عباس

(6)

: "في حائط جاره"، وكذلك قوله في الحديث الآخر

(7)

: "فاجْعَلْ اسْطوَانًا دون جداري".

قيل: وهذا الحكم مشروط عند القائلين بأنه يجب ذلك على الجار بحاجة من يريد الغرز إليه وعدم تضرر المالك، فإن تضرر لم يقدم حاجة جاره على

(1)

تقدم تخريجه خلال شرح الحديث (2315) من كتابنا هذا.

(2)

في سننه رقم (3634).

(3)

في المسند (2/ 463).

(4)

في صحيحه رقم (515).

(5)

في المسند (3/ 418 رقم 5543).

(6)

تقدم برقم (2330) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (2331) من كتابنا هذا.

ص: 358

حاجته، ولكنه لا يخفى أن إطلاق الأحاديث قاض بعدم اعتبار [عدم تضرر]

(1)

المالك، ولكنه يجب على من يريد الغرز أن يتوقى الضرر بما أمكن، فإن لم يمكن إلا بإضرارٍ وجب على الغارز إصلاحه، وذلك كما يقع عند فتح الجدار لغرز الجذوع.

وأما اعتبار حاجة الغارز إلى الغرز فأمر لا بد منه.

قوله: (ما لي أراكم عنها معرضين)، أي: عن هذه المقالة التي جاءت بها السنة، أو عن هذه الوصية أو الموعظة.

قوله: (والله لأرمين بها بين أكتافكم) بالتاء الفوقية، أي: لأقرعنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته.

قال القاضي عياض

(2)

وابن عبد البر

(3)

: وقد رواه بعض رواة الموطأ

(4)

(أكنافكم) بالنون، والكنف: الجانب، ونونه مفتوحة، والمعنى لأصرخن بها بين جماعتكم ولا أكتمها أبدًا.

وقال الخطابي

(5)

: معناه إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها: أي الخشبة على رقابكم كارهين، أراد بذلك المبالغة.

وفي تعليق القاضي حسين

(6)

أن أبا هريرة قال ذلك حين كان متوليًا بمكة أو المدينة، وكأنَّه قال له لما رآهم توقفوا عن قبول هذا الحكم كما وقع في رواية لأبي داود

(7)

: "أنهم نكسوا رؤوسهم لما سمعوا ذلك".

قوله: ([لا ضرر]

(8)

ولا ضرار)، هذا فيه دليل على تحريم الضرار على أي صفة كان من غير فرق بين الجار وغيره، فلا يجوز في صورة من الصور إلا بدليل يخص به هذا العموم، فعليك بمطالبة من جوز المضارة في بعض الصور

(1)

في المخطوط (ب): (عدم الضرر).

(2)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 318).

(3)

التمهيد (13/ 151، 152 - الفاروق).

(4)

في الموطأ (2/ 745 رقم 32) ولكن فيه (أكْتَافِكُم) بالتاء.

(5)

في أعلام الحديث (2/ 1228).

(6)

في شفاء الأوام (3/ 37).

(7)

في سننه رقم (3634).

(8)

في المخطوط (ب): (لا ضرَّ).

ص: 359

بالدليل، فإن جاء به قبلته وإلا ضربت بهذا الحديث وجهه، فإنه قاعدة من قواعد الدين تشهد له كليات وجزئيات.

وقد ورد الوعيد لمن ضارَّ غيره، فأخرج أبو داود

(1)

والنسائي

(2)

والترمذي

(3)

وحسنه من حديث أبي صِرمة بكسر الصاد المهملة مالك بن قيس الأنصاري، وهو ممن شهد بدرًا وما بعدها من المشاهد.

قال ابن عبد البر

(4)

بلا خلاف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضار أضرّ الله به، ومن شاق شاقَّ الله عليه".

واختلفوا في الفرق بين الضر والضرار، فقيل: إن الضرّ: فعل الواحد، والضرار: فعل الاثنين فصاعدًا.

وقيل: الضرار: أن تضره من غير أن تنتفع، والضرّ: أن تضره وتنتفع أنت به.

وقيل: الضرار: الجزاء على الضر، والضر: الابتداء. وقيل: هما بمعنى.

قوله: (وللرجل أن يضع خشبه في حائط جاره)، فيه دليل على جواز وضع الخشبة في جدار الجار، وإذا جاز الغرز جاز الوضع بالأولى لأنه أخف منه.

قوله: (فاجعلوه سبعة أذرع)[هذا]

(5)

محمول على الطريق التي هي مجرى عامة المسلمين بأحمالهم ومواشيهم، فإذا تشاجر من له أرض يتصل بها مع من له فيها حق جعل عرضها سبعة أذرع بالذراع المتعارف في ذلك البلد بخلاف بنيات الطريق، فإن الرجل إذا جعل في بعض أرضه طريقًا مسبَّلة للمارين كان تقديرها

(1)

في سننه رقم (3635).

(2)

لم أقف عليه عند النسائي، ولم يعزه صاحب التحفة (8/ 228) للنسائي.

(3)

في سننه رقم (1940) وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2342).

عن أبي صرمة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ضارَّ أضرَّ الله به، ومن شاقَّ شاقَّ الله عليه.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(4)

في "التمهيد"(13/ 145 - 146) ط: الفاروق.

(5)

في المخطوط (ب): هو.

ص: 360

إلى خيرته والأفضل توسيعها، وليس هذه الصورة مراد الحديث لأن المفروض أن هذه لا مدافعة فيها ولا اختلاف، وسيأتي تمام الكلام على الطريق

(1)

في الباب الذي بعد هذا.

قوله: (أعتق أحدهما) أي حلف بالعتق.

[الباب الرابع] باب في الطريق إذا اختلفوا فيه كم تجعل؟

9/ 2332 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا اخْتَلَفْتُمْ في الطَّرِيقِ فاجْعلُوهُ سَبْعَةَ أذْرُع"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا النَّسائي

(2)

. [صحيح]

وفي لَفْظٍ لأحْمَد

(3)

: "إذَا اخْتَلَفُوا في الطَّرِيقِ رُفِعَ مِنْ بَينهمْ سَبْعَةُ أذْرُعٍ"). [صحيح]

10/ 2333 - (وَعَنْ عُبادَةَ بْنِ الصَّامتِ: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى في الرَّحَبَةِ تكُونُ في الطَّرِيقِ ثُمَّ يُرِيدُ أهْلُها البُنْيانَ فيها، فَقَضَى أنْ يُتْرَكَ للطَّرِيقِ سَبْعَةُ أذْرُعٍ، وكانَتْ تِلْكَ الطَّرِيقُ تُسَمَّى المِيتَاء. رَوَاهُ عَبْدُ الله بْنُ أحْمَدَ في مُسْنَدِ أبِيهِ)

(4)

[إسناده ضعيف]

حديث عبادة أخرجه أيضًا الطبراني

(5)

بلفظ: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق الميتاء

" الحديث.

(1)

في الباب الرابع: عند الحديث (9/ 2332 - 10/ 2333) من كتابنا هذا.

(2)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 429، 474) والبخاري رقم (2473) ومسلم رقم (143/ 1613) وأبو داود رقم (3633) والترمذي رقم (1356) وابن ماجه رقم (2338).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (2/ 228) وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (5/ 327) بسند ضعيف.

(5)

في المعجم الكبير، كما في "مجمع الزوائد"(4/ 160).

قال الهيثمي: رواه كله الطبراني في الكبير، وأحمد بمعنى الأول في حديث طويل، يأتي إن شاء الله تعالى: وإسحاق لم يدرك عبادة.

قلت: إسناده ضعيف منقطع.

ص: 361

والراوي له عن عبادة إسحاق بن يحيى

(1)

ولم يدركه.

ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق

(2)

عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع".

وما أخرجه ابن عدي

(3)

من حديث أنس بلفظ: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق الميتاء التي تؤتى من كل مكان"، فذكر الحديث.

قال في الفتح

(4)

: وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال، اهـ. ولكن يقوي بعضها بعضًا فتصلح للاحتجاج بها كما لا يخفى.

قوله: (إذا اختلفتم) في لفظ للبخاري

(5)

: "إذا تشاجروا"، وللإسماعيلي (6):"إذا اختلف الناس في الطريق"، وزاد المستَمْلِي

(6)

بعد ذكر الطريق فقال: "الميتاء".

قال الحافظ

(7)

: ولم يتابع عليه وليست محفوظة في حديث أبي هريرة، وإنما ذكرها البخاري في الترجمة مشيرًا بها إلى الأحاديث التي ذكرناها كما جرت بذلك قاعدته.

قوله: (سبعة أذرع) قال في الفتح (7): الذي يظهر أن المراد بالذراع ذراع الآدمي فيعتبر ذلك بالمعتدل.

وقيل: المراد ذراع البنيان المتعارف، ولكن هذا المقدار إنما هو في الطريق التي هي مجرى عامة المسلمين للجمال وسائر المواشي كما أسلفنا لا الطرق المشروعة بين الأملاك والطرق التي يمر بها بنو آدم فقط.

ويدل على ذلك التقييد بالميتاء كما في الأحاديث المذكورة، والميتاء بميم

(1)

إسحاق بن يحيى بن الوليد بن الصامت عن جد أبيه عبادة رضي الله عنه، قال الترمذي: لم يدركه. قلت: روايته عنه في سنن ابن ماجه.

"جامع التحصيل في أحكام المراسيل" للعلائي (ص 171 رقم 27).

(2)

عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(5/ 119).

(3)

في "الكامل"(4/ 339) في ترجمة عباد بن منصور الناجي.

(4)

في "الفتح"(5/ 119).

(5)

في صحيحه رقم (2473).

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 119).

(7)

في "الفتح"(5/ 119).

ص: 362

مكسورة وتحتانية ساكنة وبعدها فوقانية ومد بوزن مفعال

(1)

من الإتيان والميم زائدة.

قال أبو عمرو الشيباني: الميتاء: أعظم الطرق، وهي التي يكثر مرور الناس فيها.

وقال غيره

(2)

: هي الطرق الواسعة.

وقيل

(3)

: العامرة.

وحكى في البحر

(4)

عن الهادي أنه إذا التبس عرض الطريق بين الأملاك أو كان حواليها أرض موات يقي لما تجتازه العماريات اثنا عشر ذراعًا ولدونه سبعة، وفي المنسدة مثل أعرض باب فيها، انتهى.

وبهذا التفصيل قالت الهادوية.

والحكمة في ورود الشرع بتقدير الطريق سبعة أذرع هي أن تسلكها الأحمال والأثقال دخولًا وخروجًا وتسع ما لا بد منه كما يطرح عند الأبواب.

قوله: (الرحبة) بفتح الحاء المهملة وتسكن على ما في القاموس

(5)

: وهي المكان بناحية ومتسعه، ومن الوادي مسيل مائه من جانبيه؛ والمراد هنا المكان بجانب الطريق كما في الحديث.

[الباب الخامس] باب إخراج ميازيب المطر إلى الشارع

11/ 2334 - (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ قالَ: كانَ للْعَبَّاسِ ميزابٌ على طَرِيق عُمَر، فَلَبس ثَيابَهُ يَوْمَ الجُمعَة، وَقَدْ كانَ ذُبحَ للعَباسِ فَرْخَانِ، فَلَمَّا وَافى المِيزَابَ صُبَّ ماء بِدَمِ الفَرْخَينِ، فأمَرَ عُمَرُ بِقَلْعهِ ثُمَّ رَجَعَ فَطَرَحَ ثِيابَهُ وَلَبِسَ

(1)

النهاية (4/ 378).

(2)

انظر: تهذيب اللغة للأزهري (14/ 352).

(3)

النهاية (2/ 693) واللسان (14/ 14).

(4)

البحر الزخار (4/ 98).

(5)

القاموس المحيط ص 113.

ص: 363

ثيابًا غَيرَ ثيابه، ثُمَّ جاءَ فَصَلَّى بالنَّاسِ، فأتاهُ العَبَّاسُ فَقالَ: وَالله إنَّهُ لَلْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عُمَرُ للعَبَّاسِ: وأنا أعْزِمُ عَلَيْكَ لَمَا صَعَدْتَ على ظَهْرِي حتَّى تَضَعَهُ في المَوْضِع الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَفَعَلَ ذلكَ العَبَّاسُ)

(1)

. [ضعيف]

الحديث لم يذكر المصنف من خرَّجه كما في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب، وفي نسخة أنه أخرجه أحمد (2)، وهو في مسند أحمد

(2)

بلفظ: "كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس ثيابه يوم الجمعة فأصابه منه ماء بدم، فأتاه العباس فقال: والله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وذكر ابن أبي حاتم

(3)

أنَّه سأل أباه عنه فقال: هو خطأ. ورواه البيهقي

(4)

من

(1)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 210).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 206 - 207) وقال: "رواه أحمد ورجاله ثقات، إلا أن هشام بن سعد لم يسمع من عبيد الله - بن عباس - " اهـ.

قلت: هذا إسناد منقطع.

وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(4/ 20 - 21) من طريقين عن موسى بن عبيدة الربذي، عن يعقوب بن زيد أن عمر بن الخطاب

فذكر نحوه.

هذا إسناد ضعيف منقطع. موسى بن عبيدة: ضعيف. ويعقوب بن زيد بن طلحة التيمي لم يدرك عمر.

وهو عند الحاكم في المستدرك (3/ 331 - 332) بنحوه ضمن خبر طويل من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده.

وهذا إسناد ضعيف أيضًا لضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

والقصة بنحوها في "المصنف" لعبد الرزاق رقم (15264) من طريق سفيان بن عيينة، عن موسى بن أبي عيسى أو غيره، قال: كان في دار العباس ميزاب

"، فذكره.

وموسى بن أبي عيسى الحناط ثقة من رجال مسلم وعلَّق له البخاري، إلا أنه لم يدرك هذه القصة.

وخلاصة القول: إن الحديث ضعيف، وانظر: الإرواء رقم (1431).

(2)

في المسند (1/ 210) بسند منقطع. وقد تقدم.

(3)

في "العلل"(1/ 465 رقم 1398). وقوله: هذا خطأ، الناس لا يقولون هكذا.

(4)

في السنن الكبرى (6/ 66) من طريق موسى بن عبيدة عن يعقوب بن زيد أن عمر رضي الله عنه

الحديث بمعناه. =

ص: 364

أوجه آخر ضعيفة أو منقطعة، ولفظ أحدها:"والله ما وضعه حيث كان إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده".

وأورده الحاكم في المستدرك

(1)

، وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف. قال الحاكم: ولم يحتج الشيخان بعبد الرحمن.

ورواه أبو داود في المراسيل

(2)

من حديث أبي هارون المدني [واسمه موسى بن أبي عيسى الحناط

(3)

] قال: كان في دار العباس ميزاب

فذكره.

والحديث فيه دليل على جواز [إخراج]

(4)

الميازيب إلى الطرق لكن بشرط أن لا تكون محدثة تضر بالمسلمين، فإن كانت كذلك منعت لأحاديث المنع من الضرار.

قال في البحر

(5)

: (مسألة) العترة: ويمنع في الطريق الغرس والبناء والحفر ومرور أحمال الشوك ووضع الحطب والذبح فيها وطرح القمامة والرماد وقشر الموز وإحداث السواحل والميازيب وربط الكلاب الضارية لما فيها من الأذى، اهـ.

ثم حكى في البحر

(6)

أيضًا عن أبي حنيفة والهادوية

(7)

أنها لا تضيق قرار السكك النافذة ولا هواؤها بشيء وإن اتسعت، إذ الهواء تابع للقرار في كونه حقًّا كتبعية هواء الملك لقراره.

وعن الشافعي

(8)

والمؤيد

(9)

بالله في أحد قوليه: إنما حق المار في القرار

= قلت: موسى بن عبيدة: ضعيف. ويعقوب بن زيد بن طلحة التيمي لم يدرك عمر.

فالإسناد ضعيف منقطع.

(1)

في المستدرك (2/ 331 - 332) وقد تقدم.

(2)

رقم (406) من طريق سفيان بن عيينة، عن موسى بن أبي عيسى، قال: كان في دار العباس ميزاب

فذكره.

قلت: موسى بن أبي عيسى الحناط: ثقة من رجال مسلم وعلَّق له البخاري إلا أنه لم يدرك هذه القصة.

(3)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

في المخطوط (ب): (إخرج) وهو خطأ.

(5)

البحر الزخار (4/ 98).

(6)

البحر الزخار (4/ 98).

(7)

ضوء النهار (3/ 1583).

(8)

البيان للعمراني (6/ 252 - 255).

(9)

البحر الزخار (4/ 98).

ص: 365

لا الهواء فيجوز الروشن

(1)

والساباط حيث لا ضرر، وكذلك الميزاب.

قال المؤيد بالله: ويجوز تضييق النافذة المسبلة بما لا ضرر فيه لمصلحة عامة بإذن الإمام. وكذلك يجوز تضييق هوائها بالأولى، وإلى مثل ما ذهب إليه المؤيد [بالله]

(2)

ذهبت الهادوية

(3)

، وقالوا: يجوز أيضًا التضييق لمصلحة خاصة في الطرق المشروعة بين الأملاك

(4)

.

(1)

الروشن: الشرفة، ويقال لها:(برندا) ومثلها الساباط. القاموس المحيط ص 1549.

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

البحر الزخار (4/ 98).

(4)

انظر: "السيل الجرار"(2/ 705 - 708) بتحقيقي.

ص: 366

[الكتاب الرابع عشر] كتاب الشركة والمضاربة

1/ 2335 - (عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قالَ: "إنّ الله يَقُولُ: أنا ثالثُ الشَّريكَيْنِ ما لَمْ يَخُنْ أحَدُهُما صاحبَهُ، فإذَا خانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنهِما"، رَوَاهُ أبُو داوُد)

(1)

. [ضعيف]

الحديث صححه الحاكم

(2)

وأعله ابن القطان

(3)

بالجهل بحال سعيد بن حيَّان، [وقد ذكره]

(4)

ابن حبان في الثقات

(5)

، وأعله أيضًا ابن القطان بالإرسال فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال: إنه الصواب، ولم يسنده غير أبي همام محمد بن الزبرقان.

(1)

في سننه رقم (3383).

قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 35 رقم 139) والحاكم (2/ 52) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 78، 78 - 79) من طريق محمد بن الزبرقان أبي همام عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكر الحديث.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وتعقبهما للألباني في: الإرواء (5/ 288 - 289) بقوله: "وأقول: بل هو ضعيف الإسناد وفيه علتان:

(الأولى): الجهالة. فإن أبا حيان التيمي اسمه يحيى بن سعيد بن حيان، وأبوه سعيد، قد أورده الذهبي في "الميزان" (2/ 132 رقم 3157) وقال:"لا يكاد يعرف، وللحديث علة"

(والعلة الأخرى): الإختلاف في وصله، فرواه ابن الزبرقان هكذا موصولًا بذكر أبي هريرة فيه، وهو صدوق يهم كما قال الحافظ.

وخالفه جرير فقال: عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

قلت: وجملة القول: أن الحديث ضعيف الإسناد، للاختلاف في وصله وإرساله وجهالة راويه، فإن سلم من الأولى، فلا يسلم من الأخرى" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(2)

في المستدرك (2/ 52) وقد تقدم.

(3)

في بيان الوهم والإيهام (3/ 567 - 568).

(4)

في المخطوط (أ): (وذكره).

(5)

في الثقات (4/ 280).

ص: 367

وسكت أبو داود

(1)

والمنذري

(2)

عن هذا الحديث.

وأخرج نحوه أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب

(3)

عن حكيم بن حزام.

قوله: (كتاب الشركة) بكسر الشين وسكون الراء، [وحكى]

(4)

ابن باطيش فتح الشين وكسر الراء.

وذكر صاحب الفتح

(5)

فيها أربع لغات: فتح الشين وكسر الراء، وكسر الشين وسكون الراء، وقد تحذف الهاء، وقد يفتح أوله مع ذلك.

قوله: (والمضاربة) هي مأخوذة من الضرب في الأرض: وهو السفر والمشي، والعامل: مضارب بكسر الراء. قال الرافعي: ولم يشتق للمالك منه اسم فاعل، لأن العامل يختص بالضرب في الأرض، فعلى هذا تكون المضاربة من المفاعلة التي تكون من واحد مثل: عاقبت اللص.

قوله: (أنا ثالث الشريكين)، المراد أن الله جل جلاله يضع البركة للشريكين في مالهما مع عدم الخيانة ويمدهما بالرعاية والمعونة، ويتولى الحفظ لمالهما.

قوله: (خرجت من بينهما)، أي نزعت البركة من المال، زاد رزين:"وجاء الشيطان"[ورواية]

(6)

الدارقطني

(7)

: "فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما"، يعني البركة.

2/ 2336 - (وَعَنِ السّائبِ بْنِ أبي السَّائبِ أنَّهُ قَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم: كُنْتَ شَريكي في الجاهِلِيَّةِ، فكُنْت خَيْرَ شَرِيكٍ لا تُدَارِيني وَلا تُمَارِيني. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(8)

(1)

في السنن (3/ 677).

(2)

في "مختصر السنن"(5/ 49).

(3)

(1/ 456 رقم 818) وهو حديث صحيح.

(4)

في المخطوط (ب): (وذكر).

(5)

الحافظ ابن حجر في "الفتح"(5/ 129). وانظر: تهذيب اللغة للأزهري (14/ 17).

(6)

في المخطوط (ب): (وفي رواية).

(7)

في السنن (3/ 35 رقم 140).

(8)

في سننه رقم (4836).

ص: 368

وَابْنُ مَاجَهْ

(1)

وَلَفْظُهُ: كُنْتَ شَرِيكي وَنِعْمَ الشَّرِيكُ، كُنْتَ لا تُدَارِي وَلا تُمَارِي). [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا النسائي

(2)

والحاكم

(3)

وصححه.

وفي لفظ لأبي داود وابن ماجه

(4)

: "أن السائب المخزومي كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، فجاء يوم الفتح فقال: مرحبًا بأخي وشريكي لا تداري ولا تماري".

وفي لفظ: "أن السائب قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يثنون علي ويذكرونني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أعلمكم به"، فقلت: صدقت بأبي أنت وأمي، كنت شريكي فنعم الشريك لا تداري ولا تماري".

ورواه أبو نعيم في المعرفة

(5)

، والطبراني في الكبير

(6)

من طريق قيس بن السائب.

وروي أيضًا عن عبد الله بن السائب. قال أبو حاتم في العلل

(7)

: وعبد الله ليس بالقوي.

وقد اختُلِفَ: هل كان الشريك للنبي صلى الله عليه وسلم السائب المذكور أو ابنه عبد الله؟ واختُلِفَ أيضًا في إسلام السائب وصحبته.

قال ابن عبد البر

(8)

: هو من المؤلفة قلوبهم وممن حسن إسلامه وعاش إلى زمن معاوية.

(1)

في سننه رقم (2287).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (3/ 425) والحاكم (2/ 61) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(2)

في السنن الكبرى (رقم 10071).

(3)

في المستدرك (2/ 61) وقد تقدم.

(4)

تقدم لفظ أبي داود وابن ماجه، وهذا اللفظ المذكور هو للحاكم (2/ 61).

(5)

المعرفة (3/ 1370 رقم 3458).

(6)

في المعجم الكبير (ج 18 رقم 929).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 164) وقال: "رجاله ثقات".

(7)

العلل لابن أبي حاتم (1/ 127).

(8)

في الاستيعاب له (2/ 145 - 141 رقم 897). =

ص: 369

وروى ابن هشام

(1)

عن ابن عباس أنه ممن هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين.

وقال ابن إسحاق

(2)

: أنه قتل يوم بدر كافرًا. وقيل: إن اسمه السائب بن يزيد وهو وهم، ويقال

(3)

: السائب بن نُمَيلة.

قوله: (لا تداريني ولا تماريني): أي لا تمانعني ولا تحاورني.

وفي الحديث بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حسن المعاملة والرفق قبل النبوة وبعدها.

وفيه جواز السكوت من الممدوح عند سماع من يمدحه بالحق.

3/ 2337 - (وَعَنْ أبي المِنْهَالِ أن زَيْدَ بْنَ أرْقَمَ وَالبَرَاءَ بْنَ عازِبٍ كانا شَرِيكَيْن فاشْتَرَيا فِضةً بنَقْد وَنَسيئةٍ، فَبَلَغَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فأمَرَهُما أن ما كانَ بنَقْدٍ فأجيزُوهُ، وَما كانَ بنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ. رَواهُ أحْمَدُ

(4)

والبُخَارِيُّ بِمعْناهُ)

(5)

. [صحيح]

لفظ البخاري (5): "ما كان يدًا بيد فخذوه، وما كان نسيئة فردوه".

والحديث استدل به على جواز تفريق الصفقة فيصح الصحيح منها ويبطل ما لا يصح.

وتعقب باحتمال أن يكونا عقدا عقدين مختلفين. ويؤيده ما في البخاري

(6)

في باب الهجرة إلى المدينة عن أبي المنهال المذكور فذكر هذا الحديث، وفيه "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ونحن نتبايع هذا البيع فقال: ما كان يدًا بيد فليس به بأس، وما كان نسيئة فلا يصلح".

فمعنى قوله: "ما كان يدًا بيدٍ فخذوه"، أي ما وقع لكم فيه التقابض في

= وانظر: أسد الغابة (2/ 393 رقم 1911) والإصابة (3/ 18 - 19 رقم 3072).

(1)

ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 141).

وقال ابن عبد البر عقبه: "هذا أولى ما عُوِّل عليه في هذا الباب".

(2)

حكاه عنه ابن الأثير في أسد الغابة (2/ 394).

(3)

قاله ابن منده وأبو نعيم - كما في أسد الغابة (2/ 393).

(4)

في المسند (4/ 371).

(5)

في صحيحه رقم (2497، 2498).

(6)

في صحيحه رقم (3939، 3940).

ص: 370

المجلس فهو صحيح فامضوه، وما لم يقع [لكم]

(1)

فيه التقابض فليس بصحيح فاتركوه، ولا يلزم من ذلك أن يكونا جميعًا في عقد واحد.

واستدل بهذا الحديث أيضًا على جواز الشركة في الدراهم والدنانير، وهو إجماع كما قال ابن بطال

(2)

، لكن لا بد أن يكون نقد كل واحد منهما مثل نقد صاحبه ثم يخلطا ذلك حتى لا يتميز ثم يتصرّفا جميعًا، إلا أن يقيم كل واحد منهما الآخر مقام نفسه.

وقد حكى أيضًا ابن بطال

(3)

أن هذا الشرط مجمع عليه.

واختلفوا: إذا كانت الدنانير من أحدهما والدراهم من الآخر؛ فمنعه الشافعي

(4)

ومالك في المشهور

(5)

عنه والكوفيون إلا الثوري.

واختلفوا أيضًا هل تصح الشركة في غير النقدين؟ فذهب الجمهور

(6)

إلى الصحة في كل ما يتملك.

وقيل: يختص بالنقد المضروب، والأصح عند الشافعية اختصاصها بالمثل.

وحديث اشتراك الصحابة في أزوادهم في غزوة الساحل كما في حديث جابر عند البخاري

(7)

وغيره

(8)

يرد على من قال باختصاص الشركة بالنقد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قررهم على ذلك.

وكذلك حديث سلمة بن الأكوع عن البخاري

(9)

وغيره: "أنَّهم [جمعوا]

(10)

أزوادهم ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لهم فيها بالبركة".

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (7/ 17).

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (7/ 18).

(4)

في الأم (8/ 307 - 308).

(5)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 609).

(6)

شرح فتح القدير (6/ 157 - 158) وبدائع الصنائع (6/ 58).

(7)

في صحيحه رقم (2483).

(8)

كمسلم رقم (21/ 1935) والترمذي رقم (2475) والنسائي رقم (4351) وابن ماجه رقم (4159) من حديث جابر بن عبد الله.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(9)

في صحيحه رقم (2484).

(10)

في المخطوط (ب): (أجمعوا).

ص: 371

ويرد على الشافعية حديث أبي عبيدة الآتي

(1)

، وحديث رويفع

(2)

.

والحاصل أن الأصل الجواز في جميع أنواع الأموال، فمن ادعى الاختصاص بنوع واحد أو بأنواع مخصوصة ونفى جواز ما عداها فعليه الدليل، وهكذا الأصل جواز جميع أنواع الشرك المفصلة في كتب الفقه فلا تقبل دعوى الاختصاص بالبعض إلا بدليل.

4/ 2338 - (وَعَنْ أبي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ الله قالَ: اشْتَركْتُ أنا وَعمَّارٌ وَسَعْدٌ فيما نُصيبُ يَوْمَ بَدْرٍ، قالَ: فَجاءَ سَعْدٌ بأسِيريْنِ، وَلمْ أجئْ أنا وَعمَّارٌ بشَيء. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(3)

وَالنَّسائيّ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ

(5)

. [ضعيف].

وَهُوَ حُجَّةٌ فِي شَرِكَةِ الأبْدَانِ وَتملُّكِ المُباحاتِ).

5/ 2339 - (وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثابِتٍ قالَ: إنْ كانَ أحَدُنا في زَمَنِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ليَأخُذُ نِضْوَ أخيهِ على أن لَهُ النِّصْفَ مِمَا يَغْنَمُ وَلَنَا النصفُ، وَإنْ كانَ أحَدُنا لَيَطيرُ لَهُ النَّصْلُ وَالرّيش وَللآخَرِ القِدْحُ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وأبُو دَاوُدَ)

(7)

. [صحيح]

(1)

يأتي برقم (4/ 2338) من كتابنا هذا.

(2)

يأتي برقم (5/ 2339) من كتابنا هذا.

(3)

في سننه رقم (3388).

(4)

في سننه رقم (4697).

(5)

في سننه رقم (2288).

إسناده ضعيف، لانقطاعه بين أبي عبيدة وأبيه عبد الله بن مسعود، فإنه لم يسمع منه.

وسكت عليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 49 - ط: المعرفة) فلم يحسن، قلت: وهناك علة أخرى وهي تدليس أبو إسحاق، وأبو عبيدة وكلاهما من المدلسين الذين لا يقبل حديثهم إلا إذا صرحوا بالسماع ولم يصرحا بالسماع هنا. [الإرواء رقم الحديث 1474].

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(6)

في المسند (4/ 108) وابن لهيعة ثقة يخشى من سوء حفظه.

لكن تابعه على روايته هكذا حيوة بن شريح؛ وهو ثقة حجة من رجال الشيخين: أخرجه النسائي رقم (5067) بسند صحيح متصل بسماع شييم من رويفع، وليس عند النسائي إلا المرفوع من قوله صلى الله عليه وسلم.

(7)

في سننه رقم (36) بسند رجاله كلهم ثقات، غير شيبان القِتباني فهو مجهول كما في "التقريب" رقم الترجمة (2832).

لكن قد سمع الحديث شييم بن بيتان من رويفغ بن ثابت مباشرة أيضًا. =

ص: 372

الحديث الأول منقطع، لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود.

والحديث الثاني في إسناده أبي داود شيبان بن أمية القتباني، وهو مجهول

(1)

، وبقية رجاله ثقات.

وقد أخرجه النسائي

(2)

من غير طريق هذا المجهول بإسناد رجاله كلهم ثقات.

قوله: (النضو)

(3)

هو المهزول من الإبل. والنصل

(4)

: حديدة السهم.

والريش: هو الذي يكون على السهم. والقِدْح

(5)

بكسر القاف: السهم قبل أن يراش وينصل.

استُدِلَّ بحديث أبي عبيدة

(6)

على جواز شركة الأبدان كما ذكره المصنف.

وهي أن يشترك العاملان فيما يعملانه، فيوكل كل واحد منهما صاحبه أن يتقبل ويعمل عنه في قدر معلوم مما استؤجر عليه ويعيِّان الصنعة؛ وقد ذهب إلى صحتها مالك

(7)

بشرط اتحاد الصنعة، وإلى صحتها ذهبت العترة

(8)

وأبو حنيفة

(9)

وأصحابه.

وقال الشافعي

(10)

: الأبدان كلها باطلة، لأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده، وهذا كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فلا يصح.

= كما تقدم في التعليقة السابقة. وانظر: "صحيح أبي داود"(1/ 66 - 67).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(1)

قاله الحافظ في التقريب رقم الترجمة (2832) وقد تقدم.

(2)

في سننه رقم (5067) وهو حديث صحيح. وقد تقدم.

(3)

النهاية (2/ 757).

(4)

النهاية (2/ 752).

(5)

النهاية (1/ 420).

(6)

تقدم برقم (4/ 2338) من كتابنا هذا.

(7)

بداية المجتهد ونهاية المقتصد (4/ 12) بتحقيقي.

(8)

البحر الزخار (4/ 91).

(9)

بدائع الصنائع (6/ 63).

(10)

الروضة للنووي (4/ 275) والمهذب (3/ 334 - 335).

ص: 373

وأجابت الشافعية

(1)

عن هذا الحديث بأن غنائم بدر كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدفعها لمن يشاء.

وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة

(2)

وغيره ممن قال: إن الوكالة في المباحات لا تصح.

والحديث الثاني

(3)

يدل على جواز دفع أحد الرجلين إلى آخر راحلته في الجهاد على أن تكون الغنيمة بينهما.

والاحتجاج بهذين الحديثين إنما هو على فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع وقرّر، وعلى فرض عدم الاطلاع والتقرير لا حجة في أفعال الصحابة وأقوالهم إلا أن يصحّ إجماعهم على أمر

(4)

.

(1)

البيان (6/ 372).

(2)

بدائع الصنائع (6/ 63، 64) وشرح فتح القدير (6/ 172).

(3)

تقدم برقم (5/ 2339) من كتابنا هذا.

(4)

قال ابن حزم في "المحلى"(8/ 122): "لا تجوز الشركة بالأبدان أصلًا لا في دلالة، ولا في تعليم، ولا في خدمة، ولا في عمل يد، ولا في شيء من الأشياء، فإن وقعت فهي باطل لا تلزم ولكل واحد منهم أو منهما ما كسب، فإن اقتسماه وجب أن يُقْضَى له بأخذه ولا بد لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل".

ثم قال: "8/ 123 - 124": "وهذا عجب عجيب، وما ندري على ماذا يحمل عليه أمر هؤلاء القوم؟ ونسأل الله السلامة من التمويه في دينه تعالى بالباطل.

(الأول): ذلك أن هذا خبر منقطع، لأن أبا عبيدة لا يذكر من أبيه شيئًا، روينا ذلك من طريق وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة، قال: قلت: لأبي عبيدة أتذكر من عبد الله شيئًا؟ قال: لا.

(والثاني): أنه لو صح لكان أعظم حجة عليهم لأنهم أو قائل معنا ومع سائر المسلمين أن هذه شركة لا تجوز، وأنه لا ينفرد أحد من أهل العسكر بما يصيب دون جميع أهل العسكر حاشا ما اختلفنا فيه من كون السلب للقاتل، وإنه إن فعل فهو غلول من كبائر الذنوب.

(والثالث): أن هذه شركة لم تتم ولا حصل لسعد ولا لعمار ولا لابن مسعود من ذينك الأسيرين إلا ما حصل لطلحة بن عبيد الله الذي كان بالشام. ولعثمان بن عفان الذي كان بالمدينة فأنزل الله تعالى في ذلك: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1]، فكيف يستحل من يرى العار عارًا أن يحتج بشركة أبطلها الله تعالى ولم يمضها؟ =

ص: 374

6/ 2340 - (وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حزَامٍ صَاحِبِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ كانَ يَشْتَرِطُ على الرَّجُلِ إِذَا أَعْطَاهُ مالًا مُقارَضَةً يَضْرِبُ لَهُ بِهِ أنْ لا تَجْعَلَ مالي فِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ، وَلَا تَحْمِلَه فِي بَحْرٍ، وَلَا تَنْزِلَ بِهِ بَطْنَ مَسيلٍ، فإنْ فَعَلْتَ شَيْئًا مِنْ ذلكَ فَقَدْ ضَمِنْتَ مالي. رَوَاهُ الدارَقُطْنِيُّ)

(1)

. [إسناده صحيح]

الأثر أخرجه أيضًا البيهقي

(2)

وقوى الحافظ

(3)

إسناده. وفي تجويز المضاربة آثار عن جماعة من الصحابة.

(منها) عن علي عند عبد الرزاق

(4)

أنه قال: في المضاربة: الوضيعة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه.

وعن ابن مسعود عند الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين

(5)

أنه أعطى

= (والرابع): أنهم - يعني الحنفيين - لا يجيزون الشركة في الاصطياد، ولا يجيزها المالكيون في العمل في مكانين، فهذه الشركة المذكورة في الحديث لا تجوز عندهم، فمن أعجب ممن يحتج في تصحيح قوله برواية لا تجوز عنده؟ والحمد لله رب العالمين على توفيقه لنا" اهـ.

وانظر: "روضة الطالبين" للنووي (4/ 279) والمبسوط للسرخسي (11/ 217، 218) وبداية المجتهد (4/ 12) بتحقيقي وسبل السلام (5/ 164 - 165) بتحقيقي.

(1)

في سننه (3/ 63 رقم 242).

(2)

في السنن الكبرى (6/ 111).

(3)

في "التلخيص"(3/ 129).

قال الألباني في "الإرواء"(5/ 293): "هذا سند صحيح على شرط الشيخين".

• فائدة: قال ابن حزم في مراتب الإجماع (ص 91): "كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في القرآن والسنة، نعلمه ولله الحمد، حاشا القراض فما وجدنا له أصلًا فيهما البتة، ولكنه إجماع صحيح مجرد، والذي تقطع عليه أنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه، فأقره، ولولا ذلك لما جاز" اهـ.

وتعقبه المحدث الألباني في: الإرواء (5/ 294) قائلًا: "وفيه أمور أهمها أن الأصل في المعاملات الجواز، إلا لنص. بخلاف العبادات فالأصل فيها المنع إلا لنص، كما فصله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والقرض والمضاربة من الأول كما هو ظاهر، وأيضًا فقد جاء النص في القرآن بجواز التجارة عن تراضيى، وهي تشمل الفراض كما لا يخفى، فهذا كله يكفي دليلًا لجوازه ودعم الإجماع المدعى فيه" اهـ.

(4)

في "المصنف"(8/ 248 رقم 15087). وفيه قيس بن الربيع، ضعيف الحفظ. قاله الألباني في "الإرواء"(5/ 293).

(5)

في "الأم"(8/ 243 - رقم 3112 - اختلاف العراقيين). =

ص: 375

[زيد بن خُليدة]

(1)

مالًا معَارضة، وأخرجه عنه أيضًا البيهقي

(2)

.

وعن ابن عباس عن أبيه العباس أنه كان إذا دفع مالًا مضاربة فذكر قصة، وفيها:"أنه رفع الشرط إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجازه"، أخرجه البيهقي

(3)

بإسناد ضعيف والطبراني

(4)

، وقال: تفرد به محمد بن عقبة عن يونس بن أرقم عن أبي الجارود.

وعن جابر عند البيهقي

(5)

أنه سئل عن ذلك، فقال: لا بأس به. وفي إسناده ابن لهيعة.

وعن عمر عند الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين

(6)

أنه أعطي مال يتيم مضاربة.

وأخرجه أيضًا البيهقي

(7)

وابن أبي شيبة

(8)

.

وعن عبد الله وعبيد الله ابني عمر: "أنهما لقيا أبا موسى الأشعري بالبصرة منصرفهما من غزوة نهاوند، فتسلفا منه مالًا وابتاعا منه متاعًا وقدما به المدينة فباعاه وربحا فيه، وأراد عمر أخذ رأس المال والربح كله فقالا: لو كان تلف كان ضمانه علينا، فكيف لا يكون ربحه لنا؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضًا، فقال قد جعلته قراضًا وأخذ منهما نصف الربح"، أخرجه مالك في الموطأ

(9)

والشافعي

(10)

والدارقطني

(11)

.

= وجامع المسانيد - مسانيد أبي حنيفة - (2/ 57) عن أبي حنيفة، به.

وقال الألباني في "الإرواء"(5/ 293): "إسناده متصل. ضعيف".

(1)

في المخطوط (أ): (زيد بن جليدة).

(2)

في "معرفة السنن والآثار"(8/ 323 رقم 12069).

(3)

قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 128): "وأما ابن عباس فلم أره عنه؛ نعم رواه البيهقي - في السنن الكبرى (6/ 111) - عن أبيه العباس بسند ضعيف".

(4)

في المعجم الأوسط برقم (760).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 161) وقال: فيه أبو الجارود الأعمى وهو متروك كذاب.

(5)

في السنن الكبرى (6/ 111) وفي إسناده ابن لهيعة.

(6)

في "الأم"(8/ 243 رقم 3110 - اختلاف العراقيين).

(7)

في "معرفة السنن والآثار"(8/ 323 رقم 12067).

(8)

في "المصنف"(6/ 377).

(9)

في الموطأ (2/ 687 - 688 رقم 1).

(10)

في المسند (ج 2 رقم 594 - ترتيب).

(11)

في السنن (3/ 63 رقم 241).

ص: 376

قال الحافظ

(1)

: إسناده صحيح.

قال الطحاوي

(2)

: يحتمل أن يكون عمر شاطرهما فيه كما شاطر عمَّاله أموالهم.

وقال البيهقي: تأول [الترمذي]

(3)

هذه القصة بأنه سألهما لبره الواجب عليهما أن يجعلاه كله للمسلمين فلم يجيباه، فلما طلب النصف أجاباه عن طيب أنفسهما.

وعن عثمان عند البيهقي

(4)

: "أن عثمان أعطى مالًا مضاربة".

فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير، فكان ذلك إجماعًا منهم على الجواز، وليس فيها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما أخرجه ابن ماجه

(5)

من حديث صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمقارضة، وإخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع"، لكن في إسناده نصر بن القاسم عن عبد الرحيم بن داود وهما مجهولان.

وقد بوَّب أبو داود

(6)

في سننه للمضاربة.

وذكر حديث عروة البارقي الذي سيأتي

(7)

، ولا دلالة فيه على جوازها لأن

(1)

في "التلخيص"(3/ 127).

وهو موقوف بسند صحيح.

(2)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 128).

(3)

كذا في (أ) و (ب): وفي "التلخيص"(3/ 128): (المزني).

(4)

في السنن الكبرى (6/ 111) بإسناد صحيح.

قلت: وأخرجه مالك (2/ 688 رقم 2) ورجاله ثقات رجال مسلم غير جد عبد الرحمن بن العلاء، واسمه يعقوب المدني مولى الحرقة. قال الحافظ:"مقبول". قاله الألباني في الإرواء (5/ 292).

(5)

في سننه رقم (2289).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 201): "هذا إسناد ضعيف، صالح بن صهيب مجهول، وعبد الرحيم بن داود حديثه غير محفوظ، قاله العقيلي.

ونصر بن القاسم، قال البخاري: حديثه موضوع. انتهى.

وهذا المتن ذكره ابن الجوزي في الموضوعات من طريق صالح بن صهيب، به" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(6)

في السنن (3/ 677).

(7)

برقم (2350) من كتابنا هذا.

ص: 377

القصة المذكورة فيه ليست من باب المضاربة كما ستعرف ذلك قريبًا.

قال ابن حزم في مراتب الإجماع

(1)

: كل أبواب الفقه فلها أصل من الكتاب والسنة حاشا القراض فما وجدنا له أصلًا فيهما البتة، ولكنه إجماع صحيح مجرد، والذي يقطع به أنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فعلم به وأقره، ولولا ذلك لما جاز، انتهى.

وقال في البحر

(2)

: إنها كانت قبل الإسلام فأقرها، انتهى.

وأحكام المضاربة مبسوطة في كتب الفقه فلا نشتغل بالتطويل بها، لأن موضوع هذا الشرح الكلام على ما يتعلق بالحديث.

قوله: (أن لا تجعل مالي في كبد رطبة)، أي لا تشتري به الحيوانات، وإنما نهاه عن ذلك لأن ما كان له روح عرضة للهلاك بطروء الموت عليه.

(1)

ص 91.

وانظر تعليق المحدث الألباني عليه في: الإرواء (5/ 294) وقد تقدم قريبًا.

(2)

البحر الزخار (4/ 80).

ص: 378

[الكتاب الخامس عشر] كتاب الوكالة

[الباب الأول] باب ما يجوز التوكيل فيه من العقود وإيفاء الحقوق وإخراج الزكوات وإقامة الحدود وغير ذلك

1/ 2341 - (قَالَ أبُو رَافِعٍ: [استَسْلَفَ]

(1)

النبيُّ صلى الله عليه وسلم بَكْرًا، فَجاءَتْ إبِلُ الصدَقَةِ فأمَرَنِي أنْ أقْضِيَ الرجُلَ بَكْرَهُ)

(2)

. [صحيح]

2/ 2342 - (وَقَالَ ابْنُ أبِي أوْفَى: أتَيْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بصَدَقَةِ مالِ أبي، فَقالَ: "اللَّهُم صَلّ على آل أبي أوْفَى")

(3)

. [صحيح]

(1)

في المخطوط (أ) و (ب): (اسلف) والمثبت من مصادر تخريج الحديث.

(2)

أخرجه أحمد (6/ 390) ومسلم رقم (118/ 1600) وأبو داود رقم (3346) والترمذي رقم (1318) والنسائي رقم (4617) وابن ماجه رقم (2285). والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 59) والطبراني في المعجم الكبير رقم (913) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 21) وفي السنن الصغير رقم (2507) وفي معرفة السنن والآثار رقم (11595) والبغوي في شرح السنة رقم (2136) وابن خزيمة رقم (2332) من طرق.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

أخرجه أحمد (4/ 355) والبخاري رقم (1497) و (4166) و (6332) و (6359) ومسلم رقم (176/ 1078) وأبو داود رقم (1590) والنسائي رقم (2459) وابن ماجه رقم (1796).

وأخرجه الطيالسي رقم (819) ومن طريقه ابن الجارود في المنتقى رقم (361) وابن خزيمة رقم (2345) وابن حبان رقم (917) وأبو نعيم في "الحلية"(5/ 96).

والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (3052) والطبراني في "الدعاء" رقم (2012) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 152) و (4/ 157) و (7/ 5) وفي الدعوات الكبير رقم (486) والبغوي في شرح السنة رقم (1566).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

ص: 379

3/ 2343 - (وَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "إن الخَازِنَ الأمينَ الَّذي يُعْطي ما أُمِرَ بِهِ كامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةً به نَفْسُهُ حَتى يَدْفَعَهُ إلى الَّذي أمَرَ لَهُ بِهِ أحَدُ المُتَصَدّقِين")

(1)

. [صحيح]

4/ 2344 - (وَقَالَ: "وَاغْدُ يا أنَيْسُ إلى امرْأةِ هَذَا فَإنِ اعتَرفَتْ فارْجُمْها")

(2)

. [صحيح]

5/ 2345 - (وَقَالَ علِيّ: أمَرَنِي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنْ أقُومَ على بَدْنِهِ، وأقْسِمَ جُلُودَها وَجِلَالَهَا)

(3)

. [صحيح]

6/ 2346 - (وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: وَكَّلَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حفْظِ زَكاةِ رَمَضانَ

(4)

. [صحيح]

وأعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُقْبَةَ بْنَ عامِرٍ غَنَمًا يَقْسمُها بَيْنَ أصحَابِهِ)

(5)

. [صحيح]

هذه الأحاديث لم يذكر المصنف في هذا الموضع من خرجها.

وحديث أبي رافع قد تقدم في باب استقراض الحيوان من كتاب القرض

(6)

، وأورده ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في قضاء القرض.

وحديث ابن أبي أوفى تقدم في باب تفرقة الزكاة في بلدها [من]

(7)

كتاب

(1)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 394) والبخاري رقم (1438) و (3219) ومسلم رقم (79/ 1023) وأبو داود رقم (1684) وابن حبان رقم (3359) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 192) وفي شعب الإيمان رقم (7695) من حديث أبي موسى، وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(2)

أخرجه البخاري رقم (6827) و (6828) ومسلم رقم (25/ 1697، 1698) وأبو داود رقم (4445) والترمذي رقم (1433) من حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني.

(3)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 123) والبخاري رقم (1717) وأبو داود رقم (1769) وابن ماجه رقم (3099) وهو حديث صحيح.

(4)

أخرجه البخاري رقم (2311) و (3275) و (5010).

(5)

أخرجه البخاري رقم (5555) ومسلم رقم (15/ 1965).

(6)

تقدم تخريجه برقم (2292) من كتابنا هذا.

(7)

في المخطوط (ب): (في).

ص: 380

الزكاة

(1)

، وذكره المصنف [ههنا]

(2)

للاستدلال به على جواز توكيل صاحب الصدقة من يوصلها إلى الإمام.

وحديث الخازن ذكره المصنف في باب العاملين على الصدقة من كتاب الزكاة

(3)

، وسيذكر الأحاديث الواردة في تصرف المرأة في مال زوجها والعبد في مال سيده، والخازن في مال من جعله خازنًا في آخر كتاب الهبة والعطية

(4)

.

وذكر حديث الخازن ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في الصدقة لقوله فيه: "الذي يعطي ما أمر به كاملًا".

وقوله: "اغد يا أنيس"، سيأتي في كتاب الحدود

(5)

.

وفيه دليل على أنه يجوز للإمام توكيل من يقيم الحد على من وجب عليه.

وحديث عليّ تقدم في باب الصدقة بالجلود من أبواب الضحايا والهدايا

(6)

.

وفيه دليل على جواز توكيل صاحب الهدي لرجل أن يقسم جلودها وجلالها.

وحديث أبي هريرة هو في صحيح البخاري

(7)

وغيره، وقد أورده في كتاب الوكالة وبوَّب عليه: باب إذا وكل رجل رجلًا فترك الوكيل شيئًا فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز، وذكر فيه مجيء السارق إلى أبي هريرة وأنه شكا إليه الحاجة تركه يأخذ فكأنه أسلفه إلى أجل وهو وقت إخراج زكاة الفطر

(8)

.

(1)

تقدم تخريجه برقم (1573) من كتابنا هذا.

(2)

في المخطوط (ب): هنا.

(3)

تقدم تخريجه برقم (1596) من كتابنا هذا.

(4)

سيأتي تخريجه برقم (2494) من كتابنا هذا.

(5)

سيأتي تخريجه برقم (3092) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم تخريجه برقم (2137) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم تخريجه برقم (2346) من كتابنا هذا.

(8)

في صحيح البخاري (4/ 486 - 487 رقم الباب (9) - مع الفتح).

ص: 381

وحديث عقبة بن عامر تقدم في باب السن الذي يجزئ في الأضحية

(1)

.

وفيه دليل على جواز التوكيل في قسمة الضحايا.

وهذه الأحاديث تدل على صحة الوكالة، وهي بفتح الواو وقد تكسر: التفويض والحفظ، تقول وكلت فلانًا: إذا استحفظته ووكلت الأمر إليه بالتخفيف: إذا فوضته إليه.

وهي في الشرع: إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقًا أو مقيدًا.

وقد استدل على جواز الوكالة من القرآن بقوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ}

(2)

، وقوله تعالى:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ}

(3)

.

وقد دل على جوازها أحاديث كثيرة منها ما ذكره المصنف في هذا الكتاب، وقد أورد البخاري في كتاب الوكالة

(4)

ستة وعشرين حديثًا ستة معلقة [والباقية]

(5)

موصولة

(6)

.

وقد حكى صاحب البحر

(7)

الإجماع على كونها مشروعة، وفي كونها نيابة أو ولاية وجهان: فقيل: نيابة لتحريم المخالفة، وقيل: ولاية لجواز المخالفة إلى الأصلح كالبيع بمعجل وقد أمر بمؤجل.

7/ 2347 - (وَعَنْ سُلَيمانَ بْنِ يَسارٍ أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أبا رَافِعٍ مَوْلاهُ وَرَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ فَزوّجاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الحارِثِ وَهُوَ بالمَدِينَةِ قَبْلَ أنْ يخْرجَ. رَوَاهُ مالِكٌ في المُوطأ

(8)

. [ضعيف]

(1)

تقدم تخريجه برقم (2107) من كتابنا هذا.

(2)

سورة الكهف، الآية:19.

(3)

سورة يوسف، الآية:55.

(4)

في صحيحه (4/ 479 رقم الكتاب (40) - مع الفتح).

(5)

في المخطوط (ب): (والباقي).

(6)

الأحاديث الموصولة (2299 - 2319).

(7)

البحر الزخار (5/ 54).

(8)

في الموطأ (1/ 348 رقم 69).

قلت: وهذا إسناد صحيح، ولكنه مرسل. وقد وصله مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع قال:

"تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة حلالًا، وبنى بها حلالًا، وكنت الرسول بينهما".

أخرجه الدارمي (2/ 38) وأحمد (6/ 392 - 393). =

ص: 382

وَهُوَ دَلِيل على أن تَزَوجَهُ بها سَبَقَ إحْرامَهُ وأنَّه خَفي على ابْنِ عَبّاسٍ).

8/ 2348 - (وَعَنِ جابِرٍ قالَ: أرَدْتُ الخُرُوجَ إلى خَيْبَرَ، فَقالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْه خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فإن ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَكَ على تَرْقُوَيهِ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

والدّارَقُطْنِي)

(2)

. [ضعيف]

9/ 2349 - (وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا أتَتْكَ رُسُلِي فأعْطِهِمْ ثَلاِثينَ درْعًا وَثَلاِثينَ بَعِيرًا"، فَقَالَ لَهُ: العارِيَةُ مُؤَدّاةٌ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: "نَعَمْ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وأبُو دَاوُدَ

(4)

وَقَالَ فِيهِ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله عارِيَة مَضْمُونَةٌ، أوْ عارِيَة مُؤداةٌ؟ قالَ:"بَلْ مُؤَدَّاة"). [حسن]

الحديث الأول أخرجه أيضًا الشافعي

(5)

وأحمد

(6)

والترمذي

(7)

والنسائي

(8)

= قلت: لكن مطر قال الحافظ: "صدوق كثير الخطأ".

قلت: فمثله لا يعتد بوصله إذا لم يخالف، فكيف إذا خالف؟ فكيف إذا كان من خالفه هو الإمام مالك.

وقد روي عن ابن عباس ما قد يخالفه.

فأخرج أحمد (1/ 270 - 271) من طريق الحجاج، عن الحكم عن القاسم عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ميمونة بنت الحارث، فجعلت أمرها إلى العباس فزوجها النبي صلى الله عليه وسلم (1).

والحجاج هو ابن أرطاة، وهو مدلس وقد عنعنه.

ورواه الحاكم (4/ 30 - 31) عن ابن شهاب نحوه مرسلًا أو معضلًا" اهـ.

["الإرواء" (6/ 252 - 253 رقم 1849)].

(1)

في سننه رقم (3632).

(2)

في السنن (4/ 154 - 155 رقم 1).

قلت: وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى (6/ 80) والحافظ في "تغليق التعليق"(3/ 476).

قال المنذري: في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار.

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

في المسند (4/ 222).

(4)

في سننه رقم (3566) قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1173 - موارد) والدارقطني (3/ 93 رقم 159) وانظر: "الصحيحة" رقم (630) وهو حديث حسن.

(5)

في الأم (6/ 452 رقم 2477).

(6)

في المسند (6/ 392، 393).

(7)

في سننه رقم (841) وقال: هذا حديث حسن.

(8)

في السنن الكبرى (5/ 182 رقم 5381).

ص: 383

وابن حبان

(1)

، وقد أعلَّه ابن عبد البر

(2)

بالانقطاع بين سليمان بن يسار وأبي رافع لأنه لم يسمع منه.

وتعقب بأنه قد وقع التصريح بسماعه في تاريخ ابن أبي خيثمة في حديث نزول الأبطح، ورجح ابن القطان

(3)

اتصاله، ورجح أن مولد سليمان سنة سبع وعشرين، ووفاة أبي رافع سنة ست وثلاثين فيكون سنه عند موت أبي رافع ثمان سنين.

وقد تقدم الكلام على زواجه صلى الله عليه وسلم بميمونة، واختلاف الأحاديث في ذلك في كتاب الحج في باب ما جاء في نكاح المحرم

(4)

.

وفيه دليل على جواز التوكيل في عقد النكاح من الزوج.

والحديث الثاني علق البخاري

(5)

طرفًا منه في الخمس، وحسَّن الحافظ في التلخيص

(6)

إسناده، ولكنه من حديث محمد بن إسحاق.

قوله: (فإن ابتغى منك آية)، أي: علامة.

قوله: (ترقوته)

(7)

بفتح المثناة من فوق وضم القاف: وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين.

وفي الحديث دليل على صحة الوكالة، وإن الإمام له أن يوكل ويقيم عاملًا على الصدقة في قبضها ودفعها إلى مستحقها وإلى من يرسله إليه بأمارة.

وفيه أيضًا دليل على جواز العمل بالأمارة: أي العلامة، وقبول قول الرسول إذا عرف المرسل إليه صدقه، وهل يجب الدفع إليه؟

(1)

في صحيحه رقم (4130).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 38) وابن سعد في الطبقات (8/ 134) والبيهقي (5/ 66) و (7/ 211) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 270) والطبراني في الكبير رقم (915) والبغوي في شرح السنة رقم (1982) من طرق.

(2)

التمهيد (8/ 189).

(3)

في بيان الوهم والإيهام (1/ 562 رقم 573).

(4)

الباب الثامن رقم الحديث (20/ 1898 - 25/ 1903) من كتابنا هذا.

(5)

في صحيحه (6/ 236 رقم الباب (15) - مع الفتح) معلقًا.

(6)

(3/ 112).

(7)

النهاية (1/ 188).

ص: 384

قيل: لا يجب، لأن الدفع إليه غير مبرئ لاحتمال أن ينكر الموكل أو المرسل إليه، وبه قال الهادي

(1)

وأتباعه.

وقيل: يجب مع التصديق بأمارة أو نحوها، لكن له الامتناع من الدفع إليه حتى يشهد عليه بالقبض، وبه قال أبو حنيفة

(2)

ومحمد.

وفي الحديث أيضًا دليل على استحباب اتخاذ علامة بين الوكيل وموكله لا يطلع عليها غيرهما ليعتمد الوكيل عليها في الدفع لأنها أسهل من الكتابة، فقد لا يكون أحدهما ممن يحسنها ولأن الخط يشتبه.

والحديث الثالث أخرجه أيضًا النسائي

(3)

، وسكت عنه أبو داود

(4)

والمنذري

(5)

والحافظ في التلخيص

(6)

.

وقال ابن حزم

(7)

: إنه أحسن ما ورد في هذا الباب.

وقد ورد في معناه أحاديث يأتي ذكرها في العارية عند الكلام على حديث صفوان

(8)

إن شاء الله.

وفيه دليل على جواز التوكيل من المستعير لقبض العارية.

قوله: (العارية مؤداة) سيأتي الكلام على هذا في العارية إن شاء الله.

[الباب الثاني] باب من وكل في شراء شيء فاشترى بالثمن أكثر منه وتصرف في الزيادة

10/ 2350 - (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أبي الجَعْدِ البارِقي أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أعْطاهُ دِينارًا

(1)

البحر الزخار (3/ 69).

(2)

بدائع الصنائع (6/ 21) والبناية في شرح الهداية (8/ 282).

(3)

في السنن الكبرى (5/ 331 رقم 5744).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (4720).

(4)

في السنن (3/ 826).

(5)

في "مختصر السنن"(5/ 200).

(6)

(6/ 113).

(7)

في "المحلى"(9/ 173).

(8)

سيأتي تخريجه برقم (2391) من كتابنا هذا.

ص: 385

لِيَشْتَرِيَ بِهِ لَهُ شاةً فاشْتَرَى لَهُ بِهِ شاتَينِ، فَباعَ أحَدَهُما بِدِينارٍ وَجاءَهُ بِدِينارٍ وَشاةٍ، فَدَعَا لَهُ بالبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وكانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

والْبخارِيّ

(2)

وأبُو دَاوُدَ)

(3)

. [صحيح]

11/ 2351 - (وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ أبي ثابِتٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَزَامٍ أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَةً بِدِينارٍ، فاشْتَرى أُضْحِيَةً فارْبِحَ فيها دِينارًا، فاشْترَى أُخْرَى مَكانها، فَجاء بالأُضْحِيةِ وَالدِّينارِ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"ضَحّ بالشَّاةِ وَتَصَدَّقْ بالدّينارِ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

وَقالَ: لا نَعْرفُهُ إلا مِنْ هَذَا الوَجْهٍ، وَحَبِيبُ بْنُ أبي ثابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ عنْدي مِنْ حَكِيمٍ). [ضعيف].

ولأبي دَاوُدَ

(5)

نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثٍ أبي حُصَيْنٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ عَنْ حَكيمٍ). [ضعيف].

الحديث الأول أخرجه أيضًا الترمذي

(6)

وابن ماجه

(7)

والدارقطني

(8)

.

وفي إسناد من عدا البخاري سعيد بن زيد

(9)

أخو حماد، وهو مُخْتَلَف فيه عن أبي لبيدة لِمَازَة بن زَبّار

(10)

. وقد قيل: إنه مجهول، لكنه قال الحافظ: إنه

(1)

في المسند (4/ 375).

(2)

في صحيحه رقم (3642).

(3)

في سننه رقم (3384).

قلت: وأخرجه البيهقي (6/ 112) والسنن الصغير رقم (2150) ودلائل النبوة (6/ 220).

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (1257) وهو حديث ضعيف.

(5)

في سننه رقم (3386) وهو حديث ضعيف.

(6)

في سننه رقم (1258).

(7)

في سننه رقم (2402).

(8)

في السنن (3/ 10 رقم 30).

(9)

سعيد بن زيد بن درهم، أبو الحسن الأزدي مولاهم البصري. وهو أخو حمَّاد بن زيد، وثقه وأثنى على صدقه وحفظه غير واحد، وضعفه بعضهم فهو صدوق، مات سنة (167 هـ).

[التاريخ الكبير (2/ 1/ 472) والجرح والتعديل (2/ 1/ 21) والميزان (2/ 138) والتهذيب (4/ 32 - ط: دار الفكر) والعلل رواية عبد الله بن أحمد بن حنبل رقم (3461)].

(10)

لِمَازة بن (زياد)، الأزدي، الجَهْضمي، أبو لَبِيْد، والصواب في اسم أبيه (زبّار) كما سماه الإمام أحمد في العلل رقم (5549) وهو كذلك في الإكمال (4/ 173 - 174). =

ص: 386

وثقه ابن سعد. وقال حرب: سمعت أحمد يثني عليه، وقال في التقريب: إنه ناصبي جلد.

قال المنذري

(1)

والنووي: إسناده صحيح لمجيئه من وجهين.

وقد رواه البخاري

(2)

من طريق ابن عيينة عن شبيب بن غرقد: سمعت الحي يحدثون عن عروة.

ورواه الشافعي

(3)

عن ابن عيينة وقال: إن صح قلت به.

ونقل المزني

(4)

عنه أنه ليس بثابت عنده. قال البيهقي: إنما ضعفه لأن الحي غير معروفين.

وقال

(5)

في موضع آخر: هو مرسل. لأن شبيب بن غرقد لم يسمعه من عروة وإنما سمعه من الحي وقال الرافعي: هو مرسل

(6)

.

قال الحافظ

(7)

: الصواب أنه متصل في إسناده مبهم.

والحديث الثاني منقطع في الطريق الأولى لعدم سماع حبيب من حكيم.

وفي الطريق الثانية في إسناده مجهول.

قال الخطابي

(8)

: إن الخبرين معًا غير متصلين، لأن في أحدهما وهو خبر حكيم رجلًا مجهولًا لا يدرى من هو، وفي خبر عروة أن الحي حدثوه، ومن كان هذا سبيله من الرواية لم تقم به الحجة.

وقال البيهقي

(9)

: ضعف حديث حكيم من أجل هذا الشيخ.

= [التاريخ الكبير (4/ 1/ 251) والميزان (3/ 419) والتقريب رقم (5681) والتهذيب (8/ 457 - ط: دار الفكر].

(1)

مختصر السنن (5/ 48 - 49).

(2)

في صحيحه رقم (3642).

(3)

في المسند (ج 2 رقم 553 - ترتيب).

(4)

ذكره البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(8/ 328 رقم 12085).

(5)

أي البيهقي في "المعرفة"(8/ 326 رقم 12073).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 11) وتعقبه بقوله: "والصواب أنه متصل في إسناده مبهم.

(7)

في التلخيص (1/ 13).

(8)

في معالم السنن (3/ 678).

(9)

في "المعرفة"(8/ 328 رقم 12086).

ص: 387

وفي الحديثين دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك: اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها أن يشتري به شاتين بالصفة المذكورة، لأن مقصود الموكل قد حصل وزاد الوكيل خيرًا، ومثله ذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين، أو بأن يشتريها بدرهم؛ فاشتراها بنصف درهم، وهو الصحيح عند الشافعية

(1)

كما نقله النووي في زيادات الروضة.

قوله: (فباع أحدهما بدينار)، فيه دليل على صحة بيع الفضولي، وبه قال مالك

(2)

وأحمد في إحدى الروايتين عنه

(3)

والشافعي في القديم وقواه النووي في الروضة

(4)

، وهو مروي عن جماعة من السلف منهم علي، وابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، وإليه ذهبت الهادوية

(5)

.

وقال الشافعي في الجديد وأصحابه والناصر: إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان للحديث المتقدم في البيع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبع مما ليس عندك"

(6)

.

وأجابوا عن حديثي الباب بما فيهما من المقال، وعلى تقدير الصحة فيمكن أنه كان وكيلًا بالبيع بقرينة فهمها منه صلى الله عليه وسلم.

(1)

البيان للعمراني (6/ 441 - 443): فرع: اشترى بدينار شاتين قيمةُ إحداهُما دينار.

(2)

"وبيع الفضولي بيع صحيح، لازم للمشتري، لأنه أقدم على الشراء باختياره، سواء علم أن البائع مالك أو فضولي، وغير لازم للمالك، بل البيع متوقف على رضاه، ويدل على صحة بيع الفضولي ما بوب له البخاري بقوله: (باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضِيَ) وذكر حديث الثلاثة الذين انحطت عليهم الصخرة في الغار، وفيه قول أحدهم: (أنّي استأجرتُ أجيرًا بِفَرَقٍ - مكيال - من ذُرة، فأعطيتُه، أبى ذاكَ أن يأخذَ، فعمدتُ إلى ذلك الفَرَق فزرعتُه حتى اشتريت منه بقرًا وراعيها، ثم جاء فقال: يا عبد الله أعطني حقي، فقلتُ انطلِقْ إلى تلك البقر وراعيها".

- أخرجه البخاري رقم (2215) ومسلم رقم (2743) من حديث ابن عمر - والحديث وإن كان في شرع من قبلنا، وفي الاستدلال به خلاف، فإنه يحتج به لسياق النبي صلى الله عليه وسلم الحديث سياق المدح والثناء على فاعله، وذلك تقرير منه، ويدل على صحة بيع الفضولي أيضًا ما جاء في الصحيح عن عروة البارقي تقدم تخريجه برقم (2350) من كتابنا هذا - " اهـ.

[مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 241 - 242) وانظر: "الفروق" للقرافي (3/ 1025 - 1028 رقم الفرق 185)].

(3)

المغني لابن قدامة (7/ 251).

(4)

روضة الطالبين (4/ 318).

(5)

البحر الزخار (5/ 59).

(6)

تقدم برقم (2184) من كتابنا هذا.

ص: 388

وقال أبو حنيفة

(1)

: إنه يكون البيع الموقوف صحيحًا دون شراء. والوجه أن الإخراج عن ملك المالك مفتقر إلى إذنه بخلاف الإدخال.

ويجاب بأن الإدخال للمبيع في الملك يستلزم الإخراج من الملك للثمن.

وروي عن مالك

(2)

العكس من قول أبي حنيفة، فإن صح فهو قوي لأن فيه جمعًا بين الأحاديث.

قوله: (فاشترى أخرى مكانها)، فيه دليل على أن الأضحية لا تصير أضحية بمجرد الشراء، وأنه يجوز البيع لإبدال مثل أو أفضل.

قوله: (وتصدق بالدينار) جعل جماعة من أهل العلم هذا أصلًا، فقالوا: من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقًا فإنه يتصدق به.

ووجه الشبهة ههنا أنه لم يأذن لعروة في بيع الأضحية.

ويحتمل أن يتصدق به لأنه قد خرج عنه للقربة لله تعالى في الأضحية فكره أكل ثمنها.

[الباب الثالث] باب من وكل في التصدق بماله فدفعه إلى ولد الموكل

12/ 2352 - (عَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ قالَ: كانَ أبي خَرَجَ بِدَنانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِها، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي المَسْجِدِ، فَجِئْتُ فأخَذْتُها فأتَيْتُهُ بِها، فَقالَ: وَالله ما إيَّاكَ أرَدْتُ بِها، فَخاصَمَهُ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ:"لَك ما نَويتَ يا يَزيدُ، وَلكَ يا مَعْنُ ما أخَذْتَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَالبُخارِي)

(4)

. [صحيح]

قوله: (عند رجل)، قال في الفتح

(5)

: لم أقف على اسمه.

قوله: (فأتيته بها)، أي: أتيت أبي بالدنانير المذكورة.

(1)

البناية في شرح الهداية (8/ 336).

(2)

انظر: "بداية المجتهد"(4/ 108) بتحقيقي.

(3)

في المسند (3/ 470).

(4)

في صحيحه رقم (1422).

(5)

(3/ 292).

ص: 389

قوله: (والله ما إياك أردت)، يعني لو أردت أنك تأخذها لأعطيتك إياها من غير توكيل، وكأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزئ، أو تجزئ ولكن الصدقة على الأجنبي أفضل.

قوله: (لك ما نويت)، أي إنك نويت أن تتصدق بها على من يحتاج إليها وابنك محتاج فقد وقعت موقعها وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها، ولابنك ما أخذ لأنه أخذها محتاجًا إليها.

واستدل بالحديث على جواز دفع الصدقة إلى كل أصل وفرع ولو كان ممن تلزمه نفقته.

قال في الفتح

(1)

: ولا حُجَّةَ فيه لأنها واقعة حال، فاحتمل أن يكون معْن كان مستقلًا لا يلزم أباه نفقته، والمراد بهذه الصدقة صدقة التطوع لا صدقة الفرض، فإنه قد وقع الإجماع على أنها لا تجزئ في الولد كما تقدم في الزكاة.

وفي الحديث جواز التوكيل في صرف الصدقة، ولهذا الحكم ذكر المصنف هذا الحديث ههنا.

(1)

(3/ 292).

ص: 390

[الكتاب السادس عشر] كتاب المساقاة والمزارعة

[الباب الأول: على ماذا عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود في أرض خيبر؟]

1/ 2353 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عامَلَ أهْلَ خَيْبَرَ بشَطْرِ مَا يخْرُج مِنْ ثَمَرٍ أوْ زَرْعٍ. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ

(1)

. [صحيح]

وَعَنْهُ أيضًا أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لمَّا ظَهَرَ على خَيْبَرَ سألَتْهُ اليَهُودُ أنْ يُقِرَّهُمْ بِها على أنْ يَكْفُوهُ عَمَلهَا وَلهُم نِصْفُ الثمَرَةِ، فَقَالَ لَهُمْ:"نُقركُم بِها على ذلك ما شِئْنا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

وَهُوَ حُجَّةٌ في أنهَا عَقْدٌ جائِزٌ.

وَللبُخارِيّ

(3)

: أعْطَى يَهُودَ خَيْبَرَ أنْ يَعْمَلُوها وَيَزْرَعُوها وَلهُمْ شَطْرُ ما يخْرُجُ مِنْها. [صحيح]

ولمُسْلِمٍ

(4)

وأبي دَاوُدَ

(5)

وَالنَّسائيّ

(6)

: دَفَعَ إلى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وأرْضَهَا على أنْ يَعْمَلُوهَا مِنْ أمْوَالِهِمْ وَلرسُول الله صلى الله عليه وسلم شَطْرُ ثَمَرِها. [صحيح]

قُلْتُ: وَظاهِرُ هَذَا أن البَذْرَ منْهُمْ وأنَّ تَسْمِيَةَ نَصِيبِ العامِلِ تُغْنِي عَنْ تَسْمِية نَصِيبِ رَبّ المَال ويكُونُ الباقِي لَهُ).

2/ 2354 - (وَعَنْ عُمَرَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عامَلَ - يَهُودَ خَيْبَرَ على أنْ نُخْرِجَهُمْ

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 17) والبخاري رقم (2329) ومسلم رقم (1/ 1551) وأبو داود رقم (3408) والترمذي رقم (1383) والنسائي رقم (3929) وابن ماجه رقم (2467).

(2)

أحمد في المسند (2/ 149) والبخاري رقم (2338) ومسلم رقم (6/ 1551).

(3)

في صحيحه رقم (2338).

(4)

في صحيحه رقم (5/ 1551).

(5)

في سننه رقم (3409).

(6)

في سننه رقم (3930).

ص: 391

مَتَى شِئْنَا. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالبُخارِيُّ بمَعْناهُ)

(2)

. [صحيح]

3/ 2355 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَفَعَ خَيْبَرَ أرْضَهَا وَنخْلَهَا مُقَاسَمةً على النصْفِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَابْنُ ماجَهْ)

(4)

. [صحيح لغيره]

4/ 2356 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَتِ الأنْصَارُ للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: اقْسِمْ بَيْنَنا وَبينَ إخْوَانِنَا النَّخْلَ، قالَ: "لا"، فَقالُوا: تَكُفْونا العَمَلَ وَنَشْرَكُكُمْ في الثَّمَرَة، فَقالُوا: سَمِعْنا وأطَعْنا. رَوَاهُ البُخاريُّ)

(5)

. [صحيح]

5/ 2357 - (وَعَنْ طاوُسٍ أن مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ أكْرَى الأرْضَ على عَهْد رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْر وعمَرَ وعُثْمانَ على الثلُثِ وَالرُّبُعِ فَهُوَ يُعْمَلُ بِهِ إلى يَوْمِكَ هَذَا. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(6)

. [صحيح]

قَالَ البُخاري

(7)

، وَقَالَ قَيْس بْنُ مُسْلِمٍ

(8)

، عَنْ أبي جَعْفِرٍ

(9)

قالَ: ما

(1)

في المسند (5/ 11).

(2)

في صحيحه رقم (2338).

(3)

في المسند (1/ 250).

(4)

في سننه رقم (2468).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 265): "هذا إسناد ضعيف الحكم بن عتيبة لم يسمع من مقسم إلا أربعة أحاديث، وابن أبي ليلى هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف. وله شاهد من حديث ابن عمر رواه الشيخان وغيرهما" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(5)

في صحيحه رقم (2719).

(6)

في سننه رقم (2463).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 264): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وله شاهد من حديث ابن عباس رواه أصحاب الكتب الستة" اهـ.

قال العلائي في "جامع التحصيل"(ص 244 رقم 307): "طاووس بن كيسان قال ابن المديني: لم يسمع من معاذ بن جبل شيئًا، وقال يحيى بن معين: لا أراه سمع من عائشة، وقال أبو زرعة: لم يسمع من عثمان شيئًا، وقد أدرك زمنه، وطاووس عن عمر وعن علي وعن معاذ مرسل رضي الله عنهم" اهـ.

(7)

في صحيحه (5/ 10 رقم الباب (8) - مع الفتح) معلقًا.

(8)

قال الحافظ في الفتح (5/ 11): "وهذا الأثر وصله عبد الرزاق (8/ 100 رقم 14476).

(9)

هو محمد بن علي بن الحسين الباقر.

ص: 392

بالمَدِينَةِ أهْلُ بَيْتِ هجْرةٍ إلَّا يَزْرَعُونَ على الثلُثِ والربُع، وَزَارَعَ عليّ

(1)

، وَسَعْدُ بْنُ مالِكٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ

(2)

، وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ

(3)

، والقاسِمُ

(4)

، وَعُرْوَةُ

(5)

، وآلُ أَبي بَكْرٍ، وآل عَلَيّ، وآل عُمَرَ

(6)

؛ قالَ: وَعَامَلَ عُمَرُ النَّاسَ على: إنْ جاء عُمَرُ بالبَذْر مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ، وَإنْ جاءُوا بالبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا)

(7)

.

(1)

أثر علي وصله ابن أبي شيبة (6/ 339 رقم 1275) من طريق عمرو بن صليع عنه: "أنه لم ير بأسًا بالمزارعة على النصف". الفتح (5/ 11).

(2)

أخرجه ابن مسعود، وسعد بن مالك - وهو سعد بن أبي وقاص - فوصلهما ابن أبي شيبة أيضًا - (6/ 337 رقم 1269) من طريق موسى بن طلحة قال:"كان سعد بن مالك وابن مسعود يزارعان بالثلث والربع".

ووصله سعيد بن منصور من هذا الوجه بلفظ: "أن عثمان بن عفان أقطع خمسة من الصحابة الزبير وسعدًا وابن مسعود وخبابًا وأسامة بن زيد، قال: فرأيت جاري ابن مسعود وسعدًا يعطيان أرضيهما بالثلث".

(3)

أثر عمر بن عبد العزيز وصله ابن أبي شيبة (6/ 341 رقم 1282) من طريق خالد الحذاء "أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة أن يزارع بالثلث والربع".

وروينا في "الخراج ليحيى بن آدم" بإسناده إلى عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله: انظر ما قبلكم من أرض فأعطوها بالمزارعة على النصف وإلا فعلى الثلث حتى تبلغ العشر إن لم يزرعها أحد فامنحها، وإلا فأنفق عليها من مال المسلمين، ولا تبيرن قبلك أرضًا".

(4)

أثر القاسم بن محمد وصله عبد الرزاق (8/ 100 رقم 14474)، قال:"سمعت هشامًا يحدث أن ابن سيرين أرسله إلى القاسم بن محمد ليسأله عن رجل قال لآخر: اعمل في حائطي هذا ولك الثلث والربع، قال: لا بأس، قال: فرجعت إلى ابن سيرين فأخبرته فقال: هذا أحسن ما يصنع في الأرض".

(5)

أثر عروة وهو ابن الزبير وصله ابن أبي شيبة أيضًا (6/ 341 - 342 رقم 1284).

(6)

أثر أبي بكر، ومن ذكر معهم، فروى ابن أبي شيبة (6/ 338 رقم 1273)، وعبد الرزاق (100/ 8 - 101 رقم 14477) من طريق أخرى إلى أبي جعفر الباقر أنه "سئل عن المزارعة بالثلث والربع فقال: إني نظرت في آل أبي بكر، وآل عمر، وآل علي وجدتهم يفعلون ذلك".

(7)

قوله: وعامل عمر الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا.

وصله ابن أبي شيبة - كما في "الفتح"(5/ 12) - عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد: "أن عمر أجلى أهل نجران واليهود والنصارى واشترى بياض أرضهم وكرومهم، فعامل عمر الناس إن هم جاءوا بالبقر والحديد من عندهم فلهم الثلثان ولعمر الثلث، وإن =

ص: 393

حديث ابن عباس رواه ابن ماجه

(1)

من طريق إسماعيل بن ثوبة وهو صدوق، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وحديث معاذ

(2)

رجال إسناده رجال الصحيح، ولكن طاوس لم يسمع من معاذ

(3)

وفيه نكارة لأن معاذًا مات في خلافة عمر ولم يدرك أيام عثمان.

قوله: (كتاب المساقاة والمزارعة) المساقاة: ما كان في النخل والكرم وجميع الشجر الذي يثمر بجزء معلوم من الثمرة للأجير، وإليه ذهب الجمهور

(4)

، وخصَّها الشافعي

(5)

في قوله الجديد بالنخل والكرم؛ وخصها داود

(6)

بالنخل.

وقال مالك

(7)

: تجوز في الزرع والشجر، ولا تجوز في البقول عند الجميع. وروي عن ابن دينار أنه أجازها فيها.

والحاصل أن من قال: إنها واردة على خلاف القياس قصرها على مورد النصّ؛ ومن قال إنها واردة على القياس ألحق بالمنصوص غيره.

والمزارعة مفاعلة من الزراعة

(8)

قاله المطرزي.

وقال صاحب الإقليد

(9)

: من الزرع.

= جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وعاملهم في النخل على أن لهم الخمس وله الباقي. وعاملهم في الكرم على أن لهم الثلث وله الثلثان"، وهذا مرسل.

• قال الحافظ في "الفتح"(5/ 11): والحق أن البخاري إنما أراد بسياق هذه الآثار الإشارة إلى أن الصحابة لم ينقل عنهم خلاف في الجواز خصوصًا أهل المدينة، فيلزم من يقدم عملهم على الأخبار المرفوعة أن يقولوا بالجواز على قاعدتهم" اهـ.

(1)

في سننه رقم (2468) وهو حديث صحيح لغيره وقد تقدم.

(2)

تقدم برقم (2357) من كتابنا هذا.

(3)

جامع التحصيل (ص 244 رقم 307) وقد تدم.

(4)

المغني (7/ 530).

(5)

الأم (5/ 14).

(6)

انظر: المحلى (8/ 231 - 232).

(7)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 583).

(8)

القاموس المحيط ص 936.

(9)

صاحب الإقليد: ابن الفِرْكَاح، إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري، ت (720 هـ).

[معجم المصنفات (ص 74 رقم 119)].

ص: 394

والمخابرة

(1)

مشتقة من الخبير على وزن العليم: وهو الأَكَّار بهمزة مفتوحة وكاف مشددة وراء مهملة: وهو الزراع، والفلاح: الحراث، وإلى هذا الاشتقاق ذهب أبو عبيد

(2)

والأكثرون من أهل اللغة

(3)

والفقهاء.

وقال آخرون: هي مشتقة من الخَبار بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الباء الموحدة: وهى الأرض الرخوة

(4)

.

وقيل

(5)

: من الخُبر بضم الخاء: وهو النصيب من سمك أو لحم.

وقال ابن الأعرابي

(6)

: هي مشتقة من خيبر لأن أول هذه المعاملة فيها.

وفسر أصحاب الشافعي المخابرة بأنها العمل على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل.

وقيل: إن المساقاة والمزارعة والمخابرة بمعنى واحد، وإلى ذلك يشير كلام الشافعي؛ فإنه قال في الأم

(7)

في باب المزارعة: وإذا دفع رجل إلى رجل أرضًا بيضاء على أن يزرعها المدفوع إليه فما خرج منها من شيء فله منه جزء من الأجزاء، فهذه المحاقلة والمخابرة والمزارعة التي ينهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، اهـ. وإلى نحو ذلك يشير كلام البخاري وهو وجه للشافعية.

وقال في القاموس

(8)

: المزارعة: المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها ويكون البذر من مالكها.

وقال

(9)

: المخابرة أن يزرع على النصف ونحوه. اهـ.

قوله: (بشطر ما يخرج) فيه جواز المزارعة بالجزء المعلوم من نصف أو

(1)

النهاية (1/ 468).

(2)

في غريب الحديث (1/ 232) حيث قال: بهذا سمي الأكّار خبيرًا لأنه يخابر الأرض، والمخابرة هي المؤاكرة، وبهذا سمي الأكّار خبيرًا لأنه يؤاكر الأرض.

(3)

لسان العرب (4/ 228) وتهذيب اللغة (7/ 367).

(4)

الصحاح للجوهري (2/ 641).

(5)

لسان العرب (4/ 229) وتهذيب اللغة (7/ 366).

(6)

حكاه صاحب اللسان (4/ 228).

(7)

(5/ 18).

(8)

القاموس المحيط ص 936.

(9)

أي: الفيروز آبادي في القاموس المحيط ص 489.

ص: 395

ربع أو ثمن أو نحوها، والشطر هنا بمعنى النصف

(1)

، وقد يأتي بمعنى النحو والقصد

(2)

. ومنه قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

(3)

، أي نحوه.

قوله: (نُقِرُّكُم بها على ذلِكَ مَا شِئْنَا)، المراد: أنا نمكنكم من المقام إلى أن نشاء إخراجكم، لأنه صلى الله عليه وسلم كان عازمًا على إخراجهم من جزيرة العرب كما أمر بذلك عند موته.

واستدل به على جواز المساقاة مدة مجهولة، وبه قال أهل الظاهر

(4)

وخالفهم الجمهور

(5)

، وتأولوا الحديث بأن المراد مدة العهد وأن لنا إخراجكم بعد انقضائها ولا يخفى بعده.

وقيل: إن ذلك كان في أول الأمر خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يحتاج إلى دليل.

قوله: (ما بالمدينة أهل بيت هجرة

) إلخ، هذا الأثر أورده البخاري

(6)

ووصله عبد الرزاق

(7)

.

قوله: (وزارع علي

) إلخ، أما أثر علي فوصله ابن أبي شيبة

(8)

.

وأما أثر ابن مسعود وسعد بن مالك وصلهما ابن أبي شيبة

(9)

.

وأما أثر عمر بن عبد العزيز فوصله ابن أبي شيبة

(10)

أيضًا.

وأما أثر القاسم وهو ابن محمد بن أبي بكر فوصله عبد الرزاق

(11)

.

وأما أثر عروة وهو ابن الزبير فوصله ابن أبي شيبة

(12)

.

(1)

النهاية (1/ 867).

(2)

مفردات ألفاظ القرآن الكريم، للراغب الأصفهاني ص 453.

(3)

سورة البقرة، الآية:144.

(4)

المحلى لابن حزم (8/ 225).

(5)

المغني لابن قدامة (7/ 542 - 543).

(6)

في صحيحه (5/ 10 رقم الباب (8) - مع الفتح) معلقًا. وقد تقدم.

(7)

في المصنف (8/ 100 رقم 14476) وقد تقدم.

(8)

في المصنف (6/ 339 رقم 1275) وقد تقدم.

(9)

في المصنف (6/ 337 رقم 1269) وقد تقدم.

(10)

في المصنف (6/ 341 رقم 1282) وقد تقدم.

(11)

في المصنف (8/ 100 رقم 14474) وقد تقدم.

(12)

في المصنف (6/ 341 - 342 رقم 1284) وقد تقدم.

ص: 396

وأما أثر آلِ أبي بكر وآل علي وآل عمر فوصله ابن أبي شيبة

(1)

أيضًا وعبد الرزاق

(2)

.

وأما أثر عمر في معاملة الناس فوصله ابن أبي شيبة

(3)

أيضًا والبيهقي

(4)

.

وقد ساق البخاري في صحيحه عن السلف غير هذه الآثار، ولعله أراد بذكرها الإشارة إلى أن الصحابة لم ينقل عنهم الخلاف في الجواز خصوصًا أهل المدينة.

وقد تمسك بالأحاديث المذكورة في الباب جماعة من السلف.

قال الحازمي

(5)

: [وروي]

(6)

عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، وعمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى، وابن شهاب الزهري، ومن أهل الرأي أبو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن، فقالوا: تجوز المزارعة والمساقاة بجزء من الثمر أو الزرع، قالوا: ويجوز العقد على المزارعة والمساقاة مجتمعين، [فتساقيه]

(7)

على النخل، [وتزارعه]

(8)

على الأرض كما جرى في خيبر، ويجوز العقد على كل واحدة منهما منفردة.

وأجابوا عن الأحاديث القاضية بالنهي عن المزارعة بأنها محمولة على التنزيه.

وقيل: إنها محمولة على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها معينة.

وقال طاوس

(9)

وطائفة قليلة: لا يجوز كراء الأرض مطلقًا لا بجزء من

(1)

في المصنف (6/ 338 رقم 1273) وقد تقدم.

(2)

في المصنف (8/ 100 - 101 رقم 14477) وقد تقدم.

(3)

في المصنف (14/ 550).

(4)

في السنن الكبرى (6/ 135).

(5)

في "الاعتبار" ص 414.

(6)

في المخطوط (أ): (روي).

(7)

في المخطوط (ب): (فيساقيه).

(8)

في المخطوط (ب): (ويزارعه).

(9)

حكاه ابن المنذر عنه في "الإجماع"(ص 127 رقم 92، 93).

وابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (6/ 487) والنووي في شرحه لصحيح مسلم (10/ 198).

ص: 397

الثمر والطعام ولا بذهب ولا بفضة ولا بغير ذلك، وذهب إليه ابن حزم

(1)

وقواه واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك وستأتي.

وقال الشافعي

(2)

وأبو حنيفة

(3)

والعترة

(4)

وكثيرون: إنه يجوز كراء الأرض بكل ما يجوز أن يكون ثمنًا في المبيعات. من الذهب والفضة والعروض وبالطعام سواء كان من جنس ما يزرع في الأرض أو غيره لا بجزء من الخارج منها.

وقد أطلق ابن المنذر

(5)

أن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة.

ونقل ابن بطال

(6)

اتفاق فقهاء الأمصار عليه، وتمسكوا بما سيأتي من النهي عن المزارعة بجزء من الخارج.

وأجابوا عن أحاديث الباب بأن خيبر فتحت عنوة، فكان أهلها عبيدًا له صلى الله عليه وسلم، فما أخذه من الخارج منها فهو له وما تركه فهو له.

وروى الحازمي

(7)

هذا المذهب عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، ورافع بن خديج، وأسيد بن حضير، وأبي هريرة، ونافع، قال: وإليه ذهب مالك، والشافعي، ومن الكوفيين أبو حنيفة، اهـ.

وقال مالك: إنه يجوز كراء الأرض بغير الطعام والثمر لا بهما لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام، وحمل النهي عن ذلك، هكذا حكي عن صاحب الفتح

(8)

.

قال ابن المنذر

(9)

: ينبغي أن يحمل ما قاله مالك على ما إذا كان المكرى به من الطعام جزءًا مما يخرج منها؛ فأما إذا اكتراها بطعام معلوم في ذمة المكتري أو بطعام حاضر يقضيه المالك فلا مانع من الجواز.

(1)

في المحلى (8/ 190).

(2)

الأم (5/ 21).

(3)

البناية في شرح الهداية (10/ 577) وحاشية ابن عابدين (9/ 34).

(4)

البحر الزخار (4/ 64).

(5)

في الإجماع (ص 127 رقم 544).

(6)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 487).

(7)

في الاعتبار (ص 415).

(8)

الحافظ ابن حجر في "الفتح"(5/ 26).

(9)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 26).

ص: 398

وقال أحمد بن حنبل

(1)

: يجوز إجارة الأرض بجزء من الخارج منها إذا كان البذر من رب الأرض، حكى ذلك عنه الحازمي

(2)

.

واعلم أنه قد وقع لجماعة لا سيما من المتأخرين اختباط في نقل المذاهب في هذه المسألة حتى أفضى ذلك إلى أن بعضهم يروي عن العالم الواحد الأمرين المتناقضين، وبعضهم يروي قولًا لعالم آخر ويروي عنه نقيضه، ولا جرم فالمسألة باعتبار اختلاف المذاهب فيها وتعيين راجحها من مرجوحها من المعضلات.

وقد جمعت فيها رسالة مستقلة

(3)

، وسيأتي تحقيق ما هو الحق، وتفصيل بعض المذاهب، والإشارة إلى حجة كل طائفة ودفعها.

(1)

المغني (7/ 562).

(2)

في "الاعتبار"(ص 414).

(3)

الرسالة رقم (122) من "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني"(8/ 3845 - 3867) بعنوان "بحث في المخابرة" بتحقيقي.

والرسالة رقم (123) من "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني"(8/ 3869 - 3891) بعنوان "رسالة في المخابرة" بتحقيقي.

• وبعد أن ذكر الشوكاني في الرسالة الأولى رقم (122) الأقوال السبعة في هذه المسألة وأدلتها قال: "والذي ظهر للحقير، أسير التقصير، تحريمُ كل مخابرة لم تقع على تلك الصفة التي فعلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في خيبر، لأنها قد وردت في كل نوع منها أدلةٌ قاضية بالمنع، ولم يعارِضها معارض؛ فتحرُمُ المخابرة المفسَّرةُ ببيع الكدسِ بكذا وكذا للنهي الواقع عنها، ولأنها أيضًا نوع من الربا، ولم يقم دليل يقضي بجوازها.

وتحرم أيضًا المخابرة التي اشترطَ فيها المالكُ أن يبهون له هذه، وللعامل هذه، لما في حديث رافع، ولا يعارضَهُ ما وقع منه صلى الله عليه وسلم في خيبر، لأنه وقع على نحوٍ مخالفٍ له.

وتحرم أيضًا المخابرةُ بما يكون على السواقي والماذياناتِ وأقبال الجداول ونحوها لما وقع في حديث سعدٍ ورافع.

وتحرمُ أيضًا المخابرةُ بالثلثِ والربع إذا انضمَّ إليها اشتراطُ ثلاثِ جداولَ، وما يسقي الربيعُ لما في حديث رافع أيضًا. ولا يعارضه ما وقع منه صلى الله عليه وسلم في أراضي خيبر لِخُلُوِّهِ عن الاشتراط. وجميع هذه الأنواع خارجةٌ عن تلك المعاملةِ الواقعةِ منه صلى الله عليه وسلم، ولم يقم دليل على جوازها.

ويبقى الإشكالُ في تأجير الأرضِ بشطر معلومٍ من الثمرة من ثلثٍ، أو ربعٍ، أو نحوه؛ فالأحاديثُ الواردةُ في النهي المفسرة بالثلث والربع يقضي بالمنع منها، وفعلُه صلى الله عليه وسلم في خيبرَ يقضي بجوازها، والقولُ بأنَّ الجوازَ منسوخٌ يأباه موتُه صلى الله عليه وسلم على تلك المعاملةِ، واستمرارُ جماعة من الصحابة عليها، وكذلك القولُ بأنَّ النَّهي عنها منسوخٌ يأباه صدورُ =

ص: 399

[الباب الثاني] باب فساد العقد إذا شرط أحدهما لنفسه التبن أو بقعة بعينها ونحوه

6/ 2358 - (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيج قالَ: كُنَّا أكْثَرَ الأنْصارِ حَقْلًا، فَكُنَّا نُكْرِي الأرْضَ على أنَّ لَنا هَذِهِ وَلهم هَذِهِ، فَرُبَّمَا أخْرَجَتْ هَذِهِ وَلْم تُخْرِجْ هَذِهِ، فَنَهَانا عَنْ ذلكَ؛ فأمَّا الوَرِقُ فَلَمْ يَنْهَنَا. أخْرَجاهُ

(1)

. [صحيح]

وَفِي لَفْظٍ: كُنَّا أكْثَرَ أهْلِ الأرْضِ مُزْدَرعًا، كُنَّا نُكْرِي الأرْضَ بالنَّاحِيَةِ مِنْها تُسَمَّى لِسَيِّدِ الأرْضِ، قالَ: فَرُبَّما يُصَابُ ذلكَ وَتَسْلَمُ الأرْضُ، وَرُبَّمَا تُصَابُ الأرْضُ وَيَسْلَمُ ذلكَ، فَنُهِينَا. فأمَّا الذَّهَبُ وَالوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ. رَوَاهُ البُخارِي

(2)

. [صحيح]

= ذلك النهي منه صلى الله عليه وسلم في أثناء تلك المعاملةِ، ورجوعُ جماعة من الصحابة إلى رواية من روى النَّهيَ بعد موته صلى الله عليه وسلم والمصيرُ إلى التعارضُ والترجيحُ أيضًا ممتنعٌ لإمكان الجمع بحملِ النَّهي على الكراهةِ لذلك الصارف، وهذا هو الحقُّ الذي يكون به صونُ السُّنِّةَ المطهرة عن الاطِّراح، فتكون المخابرة بالنصف والثلثِ من غير زيادة شرط مكروهة فقط، وفي تلك الأنواع السابقةِ محرَّمَةً، ولا يقالُ أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهانا عن فعلٍ وفعلَهُ كان ذلك مختصًا به، لأنا نقول: قد استمرَّ على ذلك الفعل الصحابةُ في حياته، وبعد موته، وهم أجلُّ من أن يَخْفَى عليهم ذلكَ الاختصاصُ كما سبق تحقيقُ ذلك.

فإن قلتَ: يقدحُ في مناقشتك تلكَ الأقوالَ السابقةَ ما جزمتَ به بعدُ من تحريم تلك الصور.

قلت: إنما وقعتْ تلك المناقشاتُ باعتبار اقتصار كلّ قائل على تحريم صورةٍ معينة من تلك الصور، وعدمِ الالتفات إلى تحريم ما عداها، أو باعتبار تحريم جميع الصور كما في القول الأول، أو تحليلِ جميعِها كما في الثاني، وقد عرفتَ باقي ذلك فلا نعيدُه

" اهـ.

• الماذيانات: جمع ماذيان، وهو النهر الكبير. [النهاية: 2/ 646].

• الأقبال: الأوائلَ والرؤوس، جمع قُبْل. [النهاية: 2/ 411].

(1)

البخاري رقم (2722) ومسلم رقم (117/ 1547).

(2)

في صحيحه رقم (2327).

ص: 400

وفِي لَفْظٍ قالَ: إنَّمَا كانَ النَّاسُ يُؤَاجُرونَ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِمَا على المَاذِياناتِ وأقْبالِ الجَدَاوِلِ وأشْياءَ مِنَ الزّرْعِ فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذا وَيهْلكُ هَذَا، وَلم يَكُن للنَّاسِ كِرًى إلَّا هَذَا، فَلِذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ؛ فأمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بأسَ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

وأبُو دَاوُدَ

(2)

والنَّسائيُّ

(3)

. [صحيح]

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ رَافِع قالَ: حَدَّثَنِي عَمَّايَ أنَّهُما كان يُكْرِيانِ الأَرْض على عَهْد رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِمَا يَنْبُتُ على الأرْبعاء وَبِشَيْء يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الأرْضِ، قالَ: فَنَهَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلكَ. رَوَاهُ أحْمَد

(4)

وَالبُخارِيّ

(5)

وَالنَّسائيُّ

(6)

. [صحيح]

وَفِي رِوَايةٍ عَنْ رَافِعٍ أن النَّاسَ كانُوا يُكْرُون المَزَارعَ في زَمانِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالمَاذِياناتِ وَما يَسْقِي الرَّبيعُ وَشَيء مِنَ التِّبْنِ، فَكَرِهَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كِرَى المَزَارع بِهَذَا وَنَهَى عَنها. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(7)

. [حسن]

قوله: (حَقْلًا) أي: أهل مزارعة، قال في القاموس

(8)

: المحاقل: المزارع، والمحاقلة: بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه في سنبله بالحنطة، أو المزارعة بالثلث والربع أو أقل أو أكثر، أو إكراء الأرض بالحنطة، اهـ.

قوله: (فنهانا عن ذلك) أي: عن كري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه،

(1)

في صحيحه رقم (116/ 1547).

(2)

في سننه رقم (3392).

(3)

في سننه رقم (3899). وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (4/ 142).

(5)

في صحيحه رقم (2346، 2347).

(6)

في سننه رقم (3898).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (4/ 142 - 143).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2936) والترمذي رقم (645) وابن ماجه رقم (1809) وابن خزيمة رقم (2334) والطبراني في الكبير رقم (4298) و (4299) و (4300) والحاكم (1/ 406) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 16) والبغوي في شرح السنة رقم (1565) من طرق.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(8)

في القاموس المحيط ص 1274.

ص: 401

فيصلح التمسك بهذا المذهب لمن قال: إن المنهي عنه إنما هو هذا النوع ونحوه من المزارعة.

وقد حكى في الفتح

(1)

عن الجمهور أن النهي محمول على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة، لا عن إكرائها مطلقًا حتى بالذهب والفضة.

قال (2): ثم اختلف الجمهور في جواز إكرائها بجزء مما يخرج منها، فمن قال بالجواز حمل أحاديث النهي على التنزيه.

قال

(2)

: ومن لم يجز إجارتها بجزء مما يخرج قال: النهي عن إكرائها محمول على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها، أو شرط ما ينبت على النهر لصاحب الأرض لما في كل ذلك من الغرر والجهالة، اهـ.

قوله: (فأما الورق فلم ينهنا) لا منافاة بين هذه الرواية وبين الرواية الثانية، أعني قوله:"فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذٍ"، لأن عدم النهي عن الورق لا يستلزم وجوده ولا وجود المعاملة به.

وفي رواية عن رافع عند البخاري

(3)

أنه قال: "ليس بها بأس بالدينار والدرهم".

قال في الفتح

(4)

: يحتمل أن يكون رافع قال ذلك باجتهاده، ويحتمل أن يكون علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه، أو علم أن النهي عن كري الأرض ليس على إطلاقه، بل بما إذا كان بشيء مجهول ونحو ذلك، فاستنبط من ذلك جواز الكري بالذهب والفضة، ويرجح كونه مرفوعًا ما أخرجه أبو داود

(5)

والنسائي

(6)

بإسناد صحيح عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض، ورجل منح أرضًا، ورجل اكترى أرضًا بذهب أو فضة".

(1)

في "الفتح"(5/ 25).

(2)

أي: الحافظ في "الفتح"(5/ 25).

(3)

في صحيحه رقم (2346، 2347).

(4)

(5/ 26).

(5)

في سننه رقم (3400).

(6)

في سننه رقم (3890) وهو حديث صحيح.

ص: 402

لكن بيَّن النسائي

(1)

من وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة، وأن بقيته مدرج من كلام سعيد بن المسيب.

وقد أخرج أبو داود

(2)

والنسائي

(3)

ما هو أظهر في الدلالة على الرفع من هذا وهو حديث سعد بن أبي وقاص الآتي

(4)

.

قوله: (بما على الماذيانات) بذال معجمة مكسورة ثم مثناة تحتية ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم مثناة فوقية هذا هو المشهور

(5)

.

وحكى القاضي عياض

(6)

عن بعض الرواة فتح الذال في غير صحيح مسلم، وهي ما ينبت على حافة النهر ومسايل الماء، وليست عربية ولكنها سوادية، وهي في الأصل مسايل المياه، فتسمية النابت عليها باسمها كما وقع في بعض الروايات بلفظ يؤاجرون على الماذيانات مجاز مرسل، والعلاقة المجاوَرَةُ، أو الحالية والمحلية: "قوله: (وأقبال الجداول)

(7)

بفتح الهمزة وسكون القاف وتخفيف الموحدة، أي: أوائل.

والجداول

(8)

: السواقي، جمع جدول: وهو النهر الصغير.

قوله: (وأشياء من الزرع) يعني مجهول المقدار، ويدل على ذلك قوله في آخر الحديث:(فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به).

قوله: (فيهلك) بكسر اللام: أي فربما يهلك.

قوله: (زجر عنه) على البناء للمجهول: أي نهى عنه، وذلك لما فيه من الغرر المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل.

(1)

في سننه رقم (3892) وهو حديث صحيح مقطوع.

(2)

في سننه رقم (3391).

(3)

في سننه رقم (3894).

وهو حديث حسن لغيره.

(4)

برقم (2361) من كتابنا هذا.

(5)

النهاية (2/ 646).

(6)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 197 - 198).

(7)

النهاية (2/ 411).

(8)

النهاية (1/ 244).

ص: 403

قوله: (على الأربعاء)

(1)

جمع ربيع: وهو النهر الصغير كنبي وأنبياء، ويجمع أيضًا على ربعان كصبي وصبيان.

قوله: (يستثنيه) من الاستثناء كأنه يشير إلى استثناء الثلث والربع، كذا قال في الفتح

(2)

.

واستدلّ على أن هذا هو المراد برواية أخرى ذكرها البخاري، ولكنه ينافي هذا التفسير قوله في الرواية الأولى:"فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به".

وهذا الحديث يدل على تحريم المزارعة على ما يقضي إلى الغرر والجهالة ويوجب المشاجرة، وعليه تحمل الأحاديث الواردة في النهي عن المخابرة كما هو شأن حمل المطلق على المقيد.

ولا يصح حملها على المخابرة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر لما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم استمر عليها إلى موته، واستمر على مثل ذلك جماعة من الصحابة

(3)

.

ويؤيد هذا تصريح رافع في هذا الحديث بجواز المزارعة على شيء معلوم مضمون، ولا يشكل على جواز المزارعة بجزء معلوم حديث أسيد بن ظهير الآتي

(4)

، فإن النهي فيه ليس بمتوجه إلى المزارعة بالنصف والثلث والربع فقط، بل إلى ذلك مع اشتراط ثلاث جداول والقُصَارة

(5)

وما يسقي الربيع.

ولا شكّ أن مجموع ذلك غير المخابرة التي أجازها صلى الله عليه وسلم وفعلها في خيبر، نعم حديث رافع عند أبي داود

(6)

والنسائي

(7)

وابن ماجه

(8)

بلفظ: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها ولا يكارها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمًّى".

(1)

النهاية (1/ 628).

(2)

(5/ 26).

(3)

انظر الأحاديث المتقدمة رقم (2353، 2354، 2355، 2356، 2357) من كتابنا هذا.

(4)

برقم (2359) من كتابنا هذا.

(5)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 461): "القُصَارة بالضم ما يبقى من الحبِّ في السُّنْبل ممَّا لا يتخلَّص بعد ما يُداس، وأهل الشام يسمُّونه القِصْريّ، بوزن القطبي".

(6)

في سننه رقم (3395).

(7)

في سننه رقم (3897).

(8)

في سننه رقم (2460).

كلهم من حديث رافع بن خديج. وهو حديث صحيح، والله أعلم. =

ص: 404

وكذلك حديثه أيضًا عند أبي داود

(1)

بإسناد فيه بكر بن عامر البجلي الكوفي وهو مُتَكَلَّم فيه "قال: إنه زرع أرضًا فمرَّ به النبيّ صلى الله عليه وسلم يسقيها، فسأله: لمن الزرع ولمن الأرض؟ فقال: زرعي ببذري وعملي ولي الشطر ولبني فلان الشطر، فقال: أرْبَيْتُما فَرُدَّ الأرض على أهلها وخذ نفقتك".

ومثله حديث زيد بن ثابت عند أبي داود

(2)

قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، قلت: وما المخابرة؟ قال: أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع" فيها دليل على المنع من المخابرة بجزء معلوم.

ومثل هذه الأحاديث حديث أسيد الآتي

(3)

على فرض أنه نهى عن المزارعة بجزء معلوم وعدم تقييده بما فيه من كلام أسيد كما سيأتي، ولكنه لا سبيل إلى جعلها ناسخة لما فعله صلى الله عليه وسلم في خيبر لموته وهو مستمر على ذلك وتقريره لجماعة من الصحابة عليه، ولا سبيل إلى جعل هذه الأحاديث المشتملة على النهي منسوخة بفعله صلى الله عليه وسلم وتقريره لصدور النهي عنه في أثناء مدة معاملته، ورجوع جماعة من الصحابة إلى رواية من روى النهي، والجمع ما أمكن هو الواجب.

وقد أمكن هنا بحمل النهي على معناه المجازي وهو الكراهة، ولا يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"أربيتما" في حديث رافع المذكور، وذلك بأن يقال: قد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعاملة بأنها ربا، والربا حرام بالإجماع فلا يمكن الجمع بالكراهة، لأنا نقول: الحديث لا ينتهض للاحتجاج به للمقال الذي فيه، ولا سيما مع معارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة من طرق متعددة الواردة بجواز المعاملة بجزء معلوم، وكيف يصحّ أن يكون ذلك ربا وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ومات عليه جماعة من أجلاء الصحابة، بل يبعد أن يعامل النبي صلى الله عليه وسلم المعاملة المكروهة ويموت عليها، ولكنه ألجأنا إلى القول بذلك الجمع بين الأحاديث؛ وهذا ما نرجحه في هذه المسألة.

ولا يصح الاعتذار عن الأحاديث القاضية بالجواز بأنها مختصة به صلى الله عليه وسلم لما

(1)

في سننه برقم (3402) بسند ضعيف.

(2)

في سننه رقم (3407) وهو حديث صحيح.

(3)

برقم (2359) من كتابنا هذا.

ص: 405

تقرر أنه صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء نهيًا مختصًا بالأمة وفعل ما يخالفه كان ذلك الفعل مختصًا به، لأنا نقول:

(أولًا): النهي غير مختص بالأمة.

(وثانيًا): أنه صلى الله عليه وسلم قرر جماعة من الصحابة على مثل معاملته في خيبر إلى عند موته.

(وثالثًا): أنه قد استمر على ذلك بعد موته صلى الله عليه وسلم جماعة من أجلاء الصحابة، ويبعد كل البعد أن يخفى عليهم مثل هذا.

ومن أوضح ما استدل به على كراهة المزارعة بجزء معلوم حديث ابن عباس الآتي

(1)

.

7/ 2359 - (وَعَنْ أسيدِ بْنِ ظَهيرٍ قالَ: كانَ أحدُنَا إذَا اسْتَغْنَى عَنْ أرْضِهِ أوِ افْتَقَرَ إلَيْها أعْطاها بالنصْفِ وَالثلُث وَالربُعِ، ويَشْتَرِطُ ثَلاثَ جَدَاوِلَ وَالقُصَارَةَ وَما يَسْقي الربيعُ، وكانَ يَعْمَلُ فِيها عَمَلًا شَدِيدًا وَيُصيبُ مِنْها مَنْفَعَةَ، فأتانا رَافعُ بْنُ خَدِيجٍ فَقَالَ: نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ أمْرٍ كانَ لَكُم نافعًا، وَطاعَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ لَكُمْ، نَهاكُمْ عَنِ الحَقْلِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَابْنُ ماجَه

(3)

. [صحيح]

وَالقُصَارَةُ: بَقِية الحَبّ فِي السُّنْبُلِ بَعَدَ ما يُدَاسُ).

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود

(4)

والنسائي

(5)

بدون كلام أسيد بن ظهير، ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح.

قوله: (والقصارة) قال في القاموس

(6)

: والقصارة بالضم والقصرى بالكسر والقصر والقصرة محركتين، والقُصرى كبشرى: ما يبقى في المنخل بعد الانتخال،

(1)

برقم (2362) من كتابنا هذا.

(2)

في المسند (3/ 464).

(3)

في سننه رقم (2460).

(4)

في سننه رقم (3398).

(5)

في سننه رقم (3865).

وهو حديث صحيح.

(6)

في القاموس المحيط (ص 595). وانظر: النهاية (2/ 461).

ص: 406

أو ما يخرج من القت بعد الدوسة الأولى والقشرة العليا من الحبة، اهـ.

قوله: (عن الحقل) بفتح الحاء المهملة وإسكان القاف، أصله كما قال الجوهري

(1)

الحقل: الزرع إذا تشعب ورقه قبل أن تغلظ سوقه، والحقل: القراح الطيب يعني من الأرض الصالحة للزراعة، والمحاقل: مواضع الزراعة كما أن المزارع مواضعها.

وقد بيَّن البخاري

(2)

المحاقل التي نهى عنها صلى الله عليه وسلم من رواية رافع قال فيه: "ما تصنعون بمحاقلكم؟ قالوا: نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير، قال: لا تفعلوا".

والحديث يدلّ على عدم جواز مطلق المزارعة، ولكنه ينبغي أن يقيد بما في أوله من كلام أسيد من ضم الاشتراط المقتضي للفساد وعلى فرض عدم تقييده بذلك فيحمل على كراهة التنزيه لما أسلفنا.

8/ 2360 - (وعنْ جابِرٍ قال: كنا نُخابِرُ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَنُصيبُ مِنَ القُصْرَى وَمِنْ كَذَا وَمِنْ كَذَا، فَقالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كانَ لَهُ أرْض فَلْيَزْرَعْها أوْ لِيُحْرِثْها أخَاهُ وإلا فَلْيَدَعْهَا" رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَمُسْلِمٌ

(4)

. والقُصْرى: القُصَارةُ). [صحيح]

قوله: (والقصرى) قد سبق ضبطه وتفسيره.

قوله: (فليزرعها) بفتح التحتية والراء: أي بنفسه.

قوله: (أو ليحرثها) بضم التحتية وكسر الراء: أي يجعلها مزرعة لأخيه بلا عوض، وذلك بأن [يعيره إياها]

(5)

، ويشهد لهذا المعنى الرواية الآتية

(6)

بلفظ: "لأن يمنح أحدكم أخاه"، أي يجعلها منحة له، والمنحة

(7)

: العارية.

(1)

في "الصحاح"(4/ 1671).

(2)

في صحيحه رقم (2339).

(3)

في المسند (3/ 312).

(4)

في صحيحه رقم (95/ 1536).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المخطوط (ب): (يعيرها إياه).

(6)

برقم (2361) من كتابنا هذا.

(7)

القاموس المحيط ص 310.

ص: 407

وفيه دليل على المنع من مؤاجرة الأرض مطلقًا لقوله: "وإلا فليدعها".

ولكن ينبغي أن يحمل هذا المطلق على المقيد بما سلف في حديث رافع أو يكون الأمر للندب فقط لما أسلفنا ولما سيأتي.

وقد كره بعض العلماء تعطيل الأرض عن الزراعة لأن فيه تضييع المال.

وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال

(1)

، وقدم في هذا الحديث زراعة الأرض من المالك نفسه لما في ذلك من الفضيلة، فإن الاشتغال بالعمل فيها والاستغناء عن الناس بما يحصل [عن]

(2)

ثمرها من القرب العظيمة مع ما في ذلك من الاشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي لا سيما في مثل هذا الزمان سم قاتل وشغل عن الرب جل جلاله شاغل إذا لم يكن في الإقبال على الزراعة تثبط عن شيء من الأمور الواجبة كالجهاد.

وقد أورد البخاري في صحيحه

(3)

حديثًا في فضل الزرع والغرس، وترجم عليه

(4)

: باب فضل الزرع والغرس، ورواه مسلم

(5)

من حديث أنس.

9/ 2361 - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ أن أصحَابَ المَزَارعِ في زَمَن النبِيِّ صلى الله عليه وسلم كانُوا يُكْرُونَ مَزَارِعَهُمْ بِمَا يَكُون على السواقي، وَما سعِدَ بالمَاء مما حَوْلَ النبْتِ، فَجاءُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فاخْتَصَمُوا فِي بَعْض ذلكَ فَنَهاهُمْ أنْ يُكْروا بِذَلكَ وَقَالَ:"أكْرُوا بالذهَبِ وَالفِضةِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وأبُو دَاوُدَ

(7)

وَالنَّسائي

(8)

. [حسن]

(1)

أخرج أحمد في المسند (4/ 246) والبخاري رقم (2408) ومسلم (3/ 1341 رقم 593) وابن حبان رقم (5555) والطبراني في الكبير (ج 2 رقم 901) والبيهقي (6/ 63) والبغوي في شرح السنة رقم (3426) من حديث المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كَرِهَ لكم ثلاثًا: قيل وقال. وكثرةَ السؤالِ، وإضاعة المال

" اهـ.

وهو حديث صحيح.

(2)

زيادة من المخطوط (أ).

(3)

برقم (2320).

(4)

في صحيحه (5/ 3 رقم الكتاب (41) رقم الباب (1) - مع الفتح).

(5)

في صحيحه رقم (12/ 1553).

(6)

في المسند (1/ 178).

(7)

في سننه رقم (3391).

(8)

في سننه رقم (3894).

وهو حديث حسن.

ص: 408

وَمَا وَرَدَ مِنَ النهْي المُطْلَقِ عن المُخابَرَةِ وَالمُزَارَعَةِ يُحْملُ على ما فيهِ مَفْسَدَةٌ كما بَيَّنَتْهُ هَذه الأحاديثُ أو يُحْمَلُ على اجْتِنابِها نَدْبًا وَاسْتِحْبَابًا، فَقَدْ جاءَ ما يَدُل على ذلكَ.

فَرَوَى عَمْرُو بْنُ دِينارٍ قالَ: قُلْتُ لِطاوُسٍ: لَوْ تَرَكْتَ المُخابَرَةَ فإنَّهمْ يَزْعُمُون أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْها، فَقالَ: إنَّ أعْلَمَهُمْ، يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَنِي أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهَا وَقَالَ:"لأنْ يَمْنَحَ أحَدُكُمْ أخاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يأخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالبُخارِيّ

(2)

وَابْنُ ماجَهْ

(3)

وأبُو دَاوُدَ)

(4)

. [صحيح]

10/ 2362 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُحَرِّمِ المُزَارَعَةَ، وَلَكِنْ أمَرَ أنْ يَرفَقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)

(5)

. [صحيح]

11/ 2363 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَتْ لَهُ أرْضٌ فَلْيَزْرَعْها أوْ لِيُحْرِثها أخاهُ، فإن أبَى فَلْيُمْسِكْ أرْضَهُ"، أخْرجاه)

(6)

. [صحيح]

وَبالإجمَاعِ تَجُوزُ الإِجارَةُ وَلا تَجِبُ الإِعارَةُ، فَعُلِمَ أنَّهُ أرَادَ النَّدْبَ).

حديث سعد سكت عنه أبو داود

(7)

والمنذري

(8)

. قال في الفتح

(9)

: ورجاله ثقات إلا أن محمد بن عكرمة المخزومي لم يرو عنه إلا إبراهيم بن سعد.

قوله: (وما سَعِد) بفتح السين وكسر العين المهملتين، قيل: معناه بما جاء من الماء سيحًا لا يحتاج إلى ساقية.

وقيل: معناه ما جاء من الماء من غير طلب.

(1)

في المسند (1/ 234).

(2)

في صحيحه رقم (2342).

(3)

في سننه رقم (2457).

(4)

في سننه رقم (3389).

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (1385) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(6)

البخاري في صحيحه رقم (2341) ومسلم في صحيحه رقم (102/ 1544).

(7)

في السنن (3/ 684).

(8)

في المختصر (5/ 55).

(9)

في "الفتح"(5/ 25).

ص: 409

وقال الأزهري

(1)

والسعيد: النهر مأخوذ من هذا. وسواعد النهر التي تنصب إليه مأخوذة من هذا، وفي رواية "ما صعد"

(2)

بالصاد بدل السين: أي ما ارتفع من النبت بالماء، دون ما سفل منه.

قوله: (بالذهب والفضة)، فيه رد على طاوس حيث كره إجارة الأرض بالذهب والفضة كما روى عنه مسلم

(3)

والنسائي

(4)

من طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال: كان طاوس يكره أن يؤاجر أرضه بالذهب والفضة ولا يرى بالثلث والربع بأسًا، فقال له مجاهد: اذهب إلى ابن رافع بن خديج فاسمع حديثه عن أبيه، فقال: لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه لم أفعله، ولكن حدثني من هو أعلم منه: ابن عباس، فذكر الحديث الذي ذكره المصنف.

وللنسائي

(5)

أيضًا من طريق عبد الكريم عن مجاهد قال: أخذت بيد طاوس فأدخلته إلى ابن رافع بن خديج فحدثه عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض"، فأبى طاوس وقال: سمعت ابن عباس لا يرى بذلك بأسًا.

وهذه الرواية عن طاوس تدل على أنه كان لا يمنع من كراء الأرض مطلقًا.

وقد حكى صاحب الفتح

(6)

عنه أنه يمنع مطلقًا كما قدمنا.

وقد استدل بهذا الحديث من جوَّز كراء الأرض بالذهب والفضة، وقد تقدم ذكرهم.

وألحقوا بهما غيرهما من الأشياء المعلومة، لأنهم رأوا أن محل النهي فيما لم يكن معلومًا ولا مضمونًا.

وفي هذا الحديث أيضًا رد على من منع من كراء الأرض مطلقًا كما تقدم.

قوله: (وما ورد من النهي

) إلخ، مثل حديث جابر عند أبي داود

(7)

بلفظ:

(1)

في تهذيب اللغة (2/ 69). وانظر: النهاية (1/ 777).

(2)

تهذيب اللغة (2/ 6).

(3)

في صحيحه رقم (120/ 1550).

(4)

في سننه رقم (3873).

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (3867) وهو حديث صحيح.

(6)

فتح الباري (5/ 25).

(7)

في سننه رقم (3406) وهو حديث ضعيف.

ص: 410

"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله".

وحديث زيد بن ثابت عند أبي داود

(1)

قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة"، وقد تقدم.

ومثل حديث جابر أيضًا عند مسلم

(2)

وأبي داود

(3)

وابن ماجه

(4)

بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة" الحديث.

ومثل حديث ثابت بن الضحاك عند مسلم

(5)

: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة".

وحديث رافع عند أبي داود

(6)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض".

وأصله في الصحيحين

(7)

ونحو هذه الأحاديث الواردة بالنهي عن الإطلاق، وقد ذكر المصنف في هذا الباب طرفًا منها، وأوردنا بعضًا من ذلك فيما سلف، وكلام المصنف هذا كلام حسن، ولا بد من المصير إليه [للجمع]

(8)

بين الأحاديث المختلفة، وهو الذي رجحناه فيما سلف.

قوله: (لم ينه عنها)، هذا لا ينافي رواية من روى النهي عنه صلى الله عليه وسلم لأن المثبت مقدم على النافي، ومن علم حجة على من لم يعلم.

ولكن قوله: "لأن يمنح أحدكم أخاه خير له

" إلخ، يصلح جعله قرينة لصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة كما سلف.

وقوله: "يمنح" بفتح التحتية وسكون الميم وفتح النون بعدها حاء مهملة، ويجوز كسر النون، والمراد يجعلها منيحة: أي عطية وعارية كما تقدم.

(1)

في سننه رقم (3407) وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (84/ 1536).

(3)

في سننه رقم (3404).

(4)

في سننه رقم (2449).

وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (118/ 1549).

(6)

في سننه رقم (3401) وهو حديث شاذ.

(7)

البخاري رقم (2346، 2347) ومسلم رقم (115/ 1547).

(8)

في المخطوط (ب): (للجميع).

ص: 411

وهكذا يدل على أن النهي ليس على حقيقته، ما في الرواية الثانية عن ابن عباس من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم المزارعة، ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض.

قوله: (فليزرعها أو ليحرثها)، قد تقدم الكلام على هذا.

قوله: (فليمسك أرضه)، قد قدمنا أن بعض العلماء كره تعطيل الأرض عن الزراعة لما ورد من النهي عن إضاعة المال.

وهذه الرواية والتي سلفت في حديث جابر يدلان على جواز ترك الأرض بغير زراعة.

وقد جمع بين الرواية القاضية بالنهي عن ذلك وبين ما هنا بحمل النهي عن الإضاعة على إضاعة عين المال أو المنفعة التي لا يخلفها منفعة، والأرض إذا تركت بغير زرع لم تتعطل منفعتها، فإنها قد تنبت من الحطب والحشيش وسائر الكلأ ما ينفع في الرعي وغيره، وعلى تقدير أن لا يحصل ذلك، فقد يكون التأخير للزرع عن الأرض إصلاحًا لها [فتخلف]

(1)

في السنة التي تليها ما لعله فات في سنة الترك، وهذا كله إن حمل النهي على عمومه.

فأما لو حمل على ما كان مألوفًا لهم من الكراء بجزء مما يخرج منها ولا سيما إذا كان غير معلوم فلا يستلزم ذلك تعطيل الانتفاع بها في الزراعة، بل يكريها بالذهب أو الفضة كما تقرر ذلك.

قوله: (وبالاجماع تجوز الإجارة

) إلخ، استدل المصنف رحمه الله بهذا على ما ذكره من الندب لأن العارية إذا لم تكن واجبة بالإجماع من غير فرق بين المزارعة وغيرها لم يجب على الإنسان أن يزرع أرضه بنفسه أو يعيرها أو يعطلها، بل يجوز له أمر رابع وهو الإجارة لأنها جائزة بالإجماع، والعارية لا تجب بالإجماع فلا تجب عليه، وإذا انتفى الوجوب بقي الندب.

(1)

في المخطوط (ب): (وتخلف).

ص: 412

[الكتاب السابع عشر][كتاب]

(1)

الإجارة

[الباب الأول] باب ما يجوز الاستئجار عليه من النفع المباح

1/ 2364 - (عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ الهِجْرَةِ قالَتْ: وَاسْتأجَرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الديلِ هادِيًا خِرّيتًا، وَالخِرّيتُ: المَاهِرُ بالهِدَايَةِ، وَهُوَ على دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وأمِناهُ، فَدَفَعا إلَيْهِ رَاحلَتَيْهِما وَوَاعَدَاهُ غارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيالٍ، فأتاهُمَا برَاحلَتَيْهِما صَبِيحَةَ لَيالٍ ثَلاثٍ فارْتَحَلَا. وَرَواهُ أحْمَدُ

(2)

وَالبُخاريُّ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (واستأجر) الواو ثابتة في نفس الحديث الطويل، لأن هذه القصة معطوفة على قصة قبلها، وقد ساقها البخاري

(4)

مستوفاة في الهجرة.

قوله: (الدِّيل) بالكسر للدال: حي من عبد القيس ذكره صاحب القاموس

(5)

في مادة دول، وذكر في مادة دأل أنه يطلق على قبائل وأنه يأتي بفتح الدال وبضمها وكعنب.

قوله: (خِرّيتًا)

(6)

بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة فوقانية، وقوله: الماهر بالهداية، مدرج من قول الزهري.

(1)

في المخطوطات (أ) و (ب): (أبواب) وأبدلتها بـ (كتاب) لضرورة الترتيب.

(2)

في المسند (6/ 198، 212).

(3)

في صحيحه رقم (2263 و 2264).

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (3905).

(5)

القاموس المحيط ص 1293.

(6)

قال في النهاية (1/ 478): الخرِّيتُ: الماهر، الذي يهتدي لأخْرات المفازة، وهي طرُقها الخفيّة، ومضايقُها، وقيل: إنه يهتدي، لمثل خرتِ الإبرة، من الطريق.

الفائق للزمخشري (1/ 361) والقاموس المحيط ص 193.

ص: 413

قوله: (وأمِناه) بفتح الهمزة وكسر الميم المخففة: ضد الخيانة.

قوله: (غار ثور) هو الغار المذكور في التنزيل، وثور جبل بمكة وليس هو

الجبل الذي في المدينة المذكور في الحديث الصحيح: "إن المدينة حرام ما بين عير إلى ثور"

(1)

، وقد سبق الاختلاف فيه في كتاب الحج.

والحديث فيه دليل على جواز استئجار المسلم للكافر على هداية الطريق إذا أمن إليه.

وقد ذكر البخاري

(2)

هذا الحديث في كتاب الإجارة وترجم عليه: باب استئجار المشركين عند الضرورة وإذا لم يوجد أهل الإسلام، وكأنه أراد الجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم:"أنا لا أستعين بمشرك"، أخرجه مسلم

(3)

وأصحاب السنن

(4)

.

قال ابن بطال

(5)

: الفقهاء يجيزون استئجارهم، يعني المشركين عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من الذلة لهم، وإنما الممتنع أن يؤجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من الإذلال، اهـ.

2/ 2365 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما بَعَثَ الله نَبِيًا إلَّا رَعَى الغَنَمَ"، فَقَالَ أصحَابُهُ: وأنْتَ؟ قالَ: "نَعَمْ كُنْتُ أرْعاها على قَرَارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وَالبُخارِيُّ

(7)

وَابْنُ ماجَهْ

(8)

. [صحيح]

(1)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 151) والبخاري رقم (3179) وأبو داود رقم (2034).

(2)

في صحيحه رقم (4/ 442 رقم الباب (3) - مع الفتح).

(3)

في صحيحه رقم (150/ 1817).

(4)

أبو داود رقم (2732) والترمذي رقم (1558) والنسائي في الكبرى رقم (8835) وابن ماجه رقم (2832).

وهو حديث صحيح.

(5)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 387).

(6)

في المسند (3/ 326).

(7)

في صحيحه رقم (2262).

(8)

في سننه رقم (2149).

وهو حديث صحيح.

ص: 414

وَقَالَ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ: يَعْني كُلّ شاةٍ بقيرَاطٍ. وَقال إبْرَاهِيمُ الحَرْبِيُّ: قَرَارِيطُ: اسْمُ مَوْضِعٍ).

قوله: (على قراريط)، في رواية ابن ماجه

(1)

: "كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط"، وكذا رواه الإسماعيلي

(2)

.

وقد صوَّب ابن الجوزي وابن ناصر التفسير الذي ذكره إبراهيم الحربي (2)، لكن رجح تفسير سويد بأن أهل مكة لا يعرفون بها مكانًا يقال له قراريط.

وقد روى النسائي

(3)

من حديث [نَصرُ بن حَزْن]

(4)

بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون قال: "افتخر أهلُ الإبل والغنم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُعِثَ موسى وهو راعي غنم، وبُعث داودُ وهو راعي غنمٍ، وبُعِثْتُ وأنا راعي غنم أهلي بجياد".

وزعم بعضهم أن في هذه الرواية ردًا لتأويل سويد بن سعيد لأنه ما كان يرعى بالأجرة لأهله فيتعيَّن أنه أراد المكان، فعبر تارة بجياد وتارة بقراريط.

وتعقب بأنه لا مانع من الجمع وأنه كان يرعى لأهله بغير أجرة ولغيرهم بأجرة، وهم المراد بقوله أهل مكة.

ويؤيد تفسير سويد قوله: "على قراريط"، فإن المجيء بعلى يدلّ على ما قاله، ولا ينافي ذلك جعلها بمعنى الباء التي للسببية، وأما جعلها بمعنى الباء التي للظرفية فبعيد.

قال العلماء: الحكمة في إلهام رعي الغنم قبل النبوّة أن يحصل لهم التمرّن برعيها على ما سيكلفونه من القيام بأمر أمتهم، لأن في مخالطتهم ما يحصل

(1)

في سننه رقم (2149).

وهو حديث صحيح.

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 441).

(3)

في السنن الكبرى (10/ 171 - 172 رقم 11262).

(4)

في كل طبعات "نيل الأوطار": (نَصرُ بن حَزْم) وهو خطأ.

مخالف للمخطوط (أ) و (ب) ومصادر الترجمة، فلتتنبه؟!

ص: 415

الحلم والشفقة، لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفريقها في الرعي ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة، ألفوا من ذلك الصبر على الأمة، وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام به من أول وهلة لما يحصل لهم من التدرج بذلك، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها.

وفي الحديث دليل على جواز الإجارة على رعي الغنم، ويلحق بها في الجواز غيرها من الحيوانات.

3/ 2366 - (وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قالَ: جَلَبْتُ أنا وَمخْرَمَةُ العَبْدِيّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ فأتَيْنا بِهِ مَكَّةَ، فَجاءَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَمْشِي، فَساوَمَنا سَرَاوِيلَ فَبعْناهُ وَثَمَّ رَجُلٌ يَزِنُ بالأجْرِ، فَقَالَ لَهُ:"زِنْ وأرْجِحْ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ وَصحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ

(1)

. [صحيح]

وَفِيهِ دَلِيلٌ على أن مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي إعْطاء شَيء لآخَرَ وَلَمْ يَقَدرْ جازَ ويُحْمَلُ على ما يَتَعارَفُهُ النَّاسُ فِي مَثْلِهِ.

وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ جابِرٍ في بَيْعِهِ جَمَلَهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يا بِلالُ اقْضِهِ وَزِدْهُ"، فأعْطاهُ أرْبعَةَ دَنانِيرَ وَزَادَهُ قِيرَاطًا. رَوَاهُ البُخارِيُّ

(2)

وَمُسْلِمٌ)

(3)

. [صحيح].

(1)

أحمد في المسند (4/ 352) وأبو داود رقم (3336) والترمذي رقم (1305) والنسائي رقم (4592) وابن ماجه رقم (2220). وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (559) والدارمي (2/ 260) والحاكم (2/ 30) والبيهقي (6/ 32 - 33) والطبراني في الكبير رقم (6466) والطيالسي رقم (1192) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (2309).

(3)

في صحيحه رقم (111/ 715) في كتاب المساقاة الباب (21) بيع البعير واستثناء ركوبه.

وهو حديث صحيح.

ص: 416

4/ 2367 - (وَعَنْ رَافِعِ بْنِ رِفاعَةَ قالَ: نَهانا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْبِ الأمّةِ إلَّا ما عَمِلَتْ بِيَدَيْها، وَقَالَ هَكَذَا بِأصَابِعِهِ نَحْوَ الخبْزِ وَالغزْلِ وَالنَّفْشِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَأبُو دَاوُدَ)

(2)

. [حسن]

حديث سويد بن قيس سكت عنه أبو داود

(3)

والمنذري

(4)

.

وأخرج نحوه أبو داود

(5)

والنسائي

(6)

وابن ماجه

(7)

عن أبي صفوان بن عمير. وقد تقدم في كتاب اللباس.

وحديث رافع بن رفاعة إسناده ثقات، ولكنه قال أبو القاسم الدمشقي الحافظ في "الإشراق"

(8)

عقب هذا الحديث: رافع هذا غير معروف

(9)

. وقال غيره: هو مجهول.

(1)

في المسند (4/ 341).

(2)

في سننه رقم (3426).

وهو حديث حسن.

(3)

في السنن (3/ 631).

(4)

في المختصر (5/ 11).

(5)

في سننه رقم (3337).

(6)

في سننه رقم (4593).

(7)

في سننه رقم (2221).

وهو حديث صحيح.

(8)

لعله: "الإشراف على معرفة الأطراف " - وقد تصحف إلى "الإشراق " - فهارس لكتب الحديث باستثناء البخاري ومسلم. ذكر بركلمان نسخة مخطوطة له.

وقالت "سكينة الشهابي" في تحقيقها لـ "تراجم النساء" من تاريخ مدينة دمشق (ص 25 رقم التعليقة (4): منه مخطوطة بالمكتبة المحمودية برقم (103 حديث) وعنها فِلم في المكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود - بالرياض.

تأليف: أبي القاسم الحافظ علي بن الحسن بن هبة الله، المعروف بابن عساكر.

• وقال الكتاني في "الرسالة المستطرفة" ص 169: "والإشراف على معرفة الأطراف، أي أطراف السنن الأربعة، في ثلاث مجلدات لأبي القاسم بن عساكر. ذكر فيه أنه جمع أطراف السنن الثلاثة مرتبة على حروف المعجم، ثم اتصل باطراف الستة للمقدسي، وقد أضاف إليها سنن ابن ماجه. فاختبر وسبر، فظهر له فيه أمارات النقص، فأضاف أطرافها أيضًا إلى كتابه خشية نقصه عنها، وترك أطراف الصحيحين لتمام ما صنف فيها" اهـ.

(9)

قاله المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال"(9/ 26).

ص: 417

وقد أخرجه أبو داود

(1)

وغيره

(2)

من حديث أبي هريرة لكن بدون قوله: "إلا ما عملت بيديها

" إلخ.

قوله: (ومخرمة) بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء، وهو حليف بني عبد شمس.

قوله: (بزًا) بفتح الباء الموحدة بعدها زاي مشددة: وهو الثياب

(3)

.

وهجر بفتح الهاء والجيم: وهي مدينة قرب البحرين بينها وبينها عشر مراحل

(4)

.

قوله: (سراويل) معرب جاء على لفظ الجمع وهو واحد أشبه ما لا ينصرف.

قوله: (بالأجر) أي بالأجرة.

وفيه دليل على جواز الاستئجار على الوزن لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الوزان أن يزن ثمن السراويل.

قال أصحاب الشافعي: وأجرة وزان الثمن على المشتري كما أن أجرة وزان السلعة إذا احتيج إليه على البائع.

قوله: (وأرجح) بفتح الهمزة وكسر الجيم: أي أعطه راجحًا.

وفيه

(5)

وفي حديث جابر

(6)

الذي بعده دليل على استحباب ترجيح المشتري في وزن الثمن، ويقاس عليه ترجيح البائع في وزن المبيع أو كيله.

وفيهما أيضًا دليل على جواز هبة المشاع، وذلك لأن مقدار الرجحان هبة منه للبائع وهو غير متميز من الثمن.

(1)

في السنن رقم (3425).

(2)

كأحمد في المسند (2/ 287) والبخاري رقم (2283).

وهو حديث صحيح.

(3)

القاموس المحيط ص 647.

(4)

معجم البلدان (5/ 393).

(5)

أي في حديث سويد بن قيس المتقدم برقم (3/ 2366) من كتابنا هذا.

(6)

الذي أخرجه البخاري رقم (2309) ومسلم رقم (111/ 715) وقد تقدم بإثر الحديث (3/ 2366) من كتابنا هذا.

ص: 418

وفيهما أيضًا جواز التوكيل في الهبة المجهولة، ويحمل على ما يتعارفه الناس كما قال المصنف، وقد ذكر ها هنا طرفًا من حديث جابر

(1)

، وقد تقدم طرفٌ منه في البيع.

قوله: (عن كسب الأمة) الكسب في الأصل مصدر، تقول: كسبت المال أكسبه كسبًا، والمراد به ها هنا المكسوب.

وفي الموطأ

(2)

عن عثمان أنه خطب فقال: "لا تُكَلِّفوا الأمةَ غيرَ ذاتِ الصَّنْعَة، فإنَّكُم متى ما كلفتمُوها ذلكَ كَسِبَتْ بفرْجِها، ولا تُكلفوا الصغير الكسبَ، فإنه إذا لم يجد سرق".

وفي حديث

(3)

: "أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الأمة - مخافة أن تبغي -".

وقد كانت الجاهلية تجعل عليهن ضرائب فيوقعهن ذلك في الزنا وربما أكرهوهن عليه، فلما جاء الإسلام نهى عن ذلك، ونزل [قول الله تعالى]

(4)

: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

(5)

الآية.

قوله: (وقال هكذا بأصابعه) يعني الثلاث، والخبز بفتح الخاء وسكون الباء بعدها زاي، يعني عجن العجين وخبزه، والغزل: غزل الصوف والقطن والكتان والشعر.

وقد روى الطبراني في الأوسط

(6)

عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

سبق الكلام عليه في الصفحة السابقة حاشية (6).

(2)

في موطأ مالك (2/ 981 رقم 42) بسند صحيح.

(3)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 141) والطبراني في الكبير رقم (4405) بسند ضعيف إلا أن المرفوع صحيح لغيره.

(4)

في المخطوط (أ): (قوله تعالى).

(5)

سورة النور، الآية:33.

(6)

في "الأوسط" رقم (5713).

قال الطبراني: تفرَّدَ به: محمد بن إبراهيم.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 93) وقال: وفيه: محمد بن إبراهيم الشامي.

قال الدارقطني: كذاب.

قلت: وأخرجه ابن حبان في "المجروحين"(2/ 302) في ترجمة محمد بن إبراهيم.

وأخرجه الحاكم (2/ 396) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك، ثنا شعيب بن إسحاق، به. =

ص: 419

"لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن الغزل وسورة النور"، وفي إسناده محمد بن إبراهيم الشامي، قال الدارقطني: كذاب

(1)

.

وأخرج الطبراني

(2)

أيضًا عن هند بنت المهلب [بن]

(3)

أبي صفرة وهي امرأة الحجاج بن يوسف أن زياد بن عبد الله القرشي دخل عليها وبيدها مغزل تغزل به، فقال لها: تغزلين وأنت امرأة أمير؟ فقالت: سمعت أمي تحدث عن جدي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أطولكن طاقة أعظمكن أجرًا"، والمراد بالطاقة

(4)

: طاقة الغزل من الكتَّان أو القطن، وفي إسناده يزيد بن مروان الخلال، قال ابن معين: كذاب

(5)

.

قوله: (والنَّفْشُ)

(6)

بفتح النون وسكون الفاء بعدها شين معجمة، والمراد به نفشُ الصوف والشَّعرِ ونَدْفُ القُطن والصوف ونحو ذلك.

وفي رواية: "النَّقْشِ"

(7)

بالقافِ، وهو التطريزُ.

= قال الحاكم: صحيح الإسناد.

وخالفه الذهبي، فقال: بل موضوع. وآفته عبد الوهاب، قال أبو حاتم: كذاب.

• قلت: عبد الوهاب بن الضحاك أبو الحارث العُرْضي. قال الدارقطني: منكر الحديث.

وقال البخاري: عنده عجائب. وقال ابن حبان: يكنى أبا الحارث السلمي. كان ممن يسرق الحديث. وسلمية: بلدة من ناحية البرية من أعمال حماه. التاريخ الكبير (6/ 57) والمجروحين (2/ 147) والجرح والتعديل (6/ 74) والميزان (2/ 679) والتقريب (1/ 527) ولسان الميزان (7/ 295). ومعجم البلدان (3/ 240).

وخلاصة الفول: أن الحديث موضوع، والله أعلم.

(1)

الميزان (3/ 445) وتهذيب التهذيب (3/ 492 - 493).

(2)

في المعجم الأوسط رقم (4345).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 93) وقال: فيه: يزيد بن مروان الخلال، قال ابن معين: كذاب.

(3)

في المخطوط (ب): (عن) وهو خطأ.

(4)

انظر: لسان العرب (10/ 233).

(5)

الميزان (4/ 439) ولسان الميزان (6/ 293).

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(6)

انظر: القاموس المحيط ص 785.

(7)

انظر: القاموس المحيط ص 784.

ص: 420

[الباب الثاني] باب ما جاء في كسب الحجام

5/ 2368 - (عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كَسْبِ الحَجَّامِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَثَمنِ الكَلْبِ. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [صحيح]

6/ 2369 - (وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "كَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ البَغِيّ خَبِيثٌ، وَثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَأَبُو دَاوُدَ

(3)

والتِّرمِذِيُّ وَصحَّحَهُ

(4)

وَالنَّسائيُّ

(5)

.

وَلَفْظُهُ: "شَرُّ المَكَاسِبِ: ثَمَنُ الكَلْبِ، وَكَسْبُ الحَجَّامِ، وَمَهْرُ البَغِيّ"). [صحيح]

7/ 2370 - (وَعَنْ محَيْصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ كانَ لَهُ غُلَامٌ حَجَّامٌ، فَزَجَرَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْبِهِ، فَقَالَ: ألَا أُطْعِمُهُ أيْتامًا لي؟ قالَ: "لا"، قالَ: أفَلَا أتَصَدَّقُ بِهِ؟ قالَ: "لا"، فَرَخَّصَ لَهُ أنْ يَعْلَفَهُ ناضِحَهُ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

. [صحيح]

(1)

في المسند (2/ 299).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3484) والنسائي (7/ 190) وابن ماجه رقم (2160) والبيهقي (6/ 126) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 53) والبغوي في شرح السنة رقم (2038) وغيرهم.

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (3/ 464).

(3)

في سننه رقم (3421).

(4)

في سننه رقم (1275).

(5)

في سننه رقم (4294).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (5152) والحاكم (2/ 42) وابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 226 - تيمية) وغيرهم.

وهو حديث صحيح.

(6)

في المسند (5/ 436).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 93) "وقال: رجاله رجال الصحيح.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

ص: 421

وَفِي لَفْظٍ: أنَّه اسْتأذَنَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي إجارَة الحَجَّامِ فَنَهاهُ عَنْها، وَلَمْ يَزَلْ يَسألُهُ فيها حتَّى قالَ:"اعْلفْهُ ناضِحَكَ أوْ أطْعِمْهُ رَقِيقَكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وأبُو دَاوُدَ

(2)

والتِّرْمِذِيُّ

(3)

وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ). [صحيح]

حديث أبي هريرة قال في مجمع الزوائد

(4)

: رجال أحمد رجال الصحيح.

وأخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط

(5)

.

وأخرجه أيضًا الحازمي في الناسخ والمنسوخ

(6)

بلفظ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من السحت مهر البغي وأجرة الحجام".

ويشهد له ما أخرجه الحازمي

(7)

أيضًا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام".

وحديث رافع أخرجه أيضًا مسلم

(8)

.

وحديث محيّصة أخرجه أيضًا مالك

(9)

وابن ماجه

(10)

.

قال في الفتح

(11)

: ورجاله ثقات.

وأخرج نحوه أحمد في مسنده

(12)

من حديث جابر، ولفظه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن كسب الحجام، فقال: أطعمه ناضحك".

(1)

في المسند (5/ 436).

(2)

في سننه رقم (3422).

(3)

في سننه رقم (1277) وقال حديث حسن.

وهو حديث صحيح.

(4)

(4/ 93).

(5)

في الأوسط رقم (3462).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 93) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح.

(6)

في الاعتبار ص 423.

(7)

في الاعتبار ص 421.

(8)

في صحيحه رقم (40/ 1568).

(9)

في الموطأ (2/ 974 رقم 28).

(10)

في سننه رقم (2166).

وهو حديث صحيح.

(11)

في "الفتح"(4/ 459).

(12)

في المسند (3/ 307) بسند صحيح. =

ص: 422

وقال في مجمع الزوائد (1): أنَّه أخرج حديث محيصة المذكور أهل السنن الثلاث باختصار والطبراني في الأوسط.

قال في مجمع الزوائد

(1)

أيضًا: ورجال أحمد رجال الصحيح.

وقال

(2)

في حديث جابر الذي ذكرناه إن رجاله رجال الصحيح.

قوله: (البغي)

(3)

بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد الياء فعيل بمعنى فاعلة أو مفعولة وهي الزانية.

ومنه قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

(4)

أي على الزنا، وأصل البغي الطلب، غير أنه أكثر ما يستعمل في طلب الفساد والزنا، والمراد ما تكتسبه الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة، وقد قدمنا في أول كتاب البيع أنه مجمع على تحريم مهر البغي.

قوله: (وثمن الكلب)، قد تقدم الكلام عليه في أول البيع.

وقد استدل بأحاديث الباب من قال بتحريم كسب الحجام وهو بعض أصحاب الحديث كما في البحر

(5)

، لأن النهي حقيقة في التحريم، والخبيث حرام، ويؤيد هذا تسمية ذلك سحتًا كما في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه.

وذهب الجمهور من العترة

(6)

وغيرهم إلى أنه حلال، واحتجوا بحديث أنس

(7)

وابن عباس

(8)

الآتيين وحملوا النهي على التنزيه لأن في كسب الحجام دناءة والله يحب معالي الأمور، ولأن الحجامة من الأشياء التي تجب للمسلم على المسلم للإعانة له عند الاحتياج إليها.

= قلت: وأخرجه الحميدي في المسند رقم (1284) وأبو يعلى رقم (2114) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 130).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 93) وقال: رجال أحمد رجال الصحيح.

(1)

(4/ 93).

(2)

أي: الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 93).

(3)

مفردات ألفاظ القرآن للأصبهانى ص 137.

(4)

سورة النور، الآية:33.

(5)

البحر الزخار (4/ 55).

(6)

البحر الزخار (4/ 54).

(7)

سيأتي برقم (2371) من كتابنا هذا.

(8)

سيأتي برقم (2372) من كتابنا هذا.

ص: 423

ويؤيد هذا إذنه صلى الله عليه وسلم لما سأله عن أجرة الحجامة أن يطعم منها ناضحه ورقيقه، ولو كانت حرامًا لما جاز الانتفاع بها بحال.

ومن أهل هذا القول من زعم أن النهي منسوخ، وجنح إلى ذلك الطحاوي

(1)

، وقد عرفت أن صحة النسخ متوقفة على العلم بتأخر الناسخ وعدم - إمكان الجمع بوجه، والأول غير ممكن هنا.

والثاني ممكن بحمل النهي على كراهة التنزيه بقرينة إذنه صلى الله عليه وسلم بالانتفاع بها - في بعض المنافع، وبإعطائه صلى الله عليه وسلم الأجر لمن حجمه، ولو كان حرامًا لما مكنه منه.

ويمكن أن يحمل النهي عن كسب الحجام على ما يكتسبه من بيع الدم، فقد كانوا في الجاهلية يأكلونه ولا يبعد أن يشتروه للأكل فيكون ثمنه حرامًا، ولكن الجمع بهذا الوجه بعيد، فيتعين المصير إلى الجمع بالوجه الأول، ويبقى الإشكال في صحة إطلاق اسم [الخُبْثِ]

(2)

والسُّحْتِ على المكروه تنزيهًا.

قال في القاموس

(3)

: الخبيث: ضد الطيب، وقال

(4)

: السحت بالضم وبضمتين: الحرام، أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار، انتهى.

وهذا يدل على جواز إطلاق اسم الخبث والسحت على المكاسب الدنيئة وإن لم تكن محرمة، والحجامة كذلك فيزول الإشكال.

وجمع ابن العربي

(5)

بين الأحاديث بأن محل الجواز إذا كانت الأجرة على عمل معلوم، ومحل الزجر على ما إذا كانت على عمل مجهول.

وحكى صاحب الفتح

(6)

عن أحمد

(7)

وجماعة الفرق بين الحر والعبد، فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة وقالوا: يحرم عليه الإنفاق على نفسه منها،

(1)

في شرح معاني الآثار (4/ 131).

(2)

في المخطوط (أ): (الخبيث).

(3)

القاموس المحيط ص 215.

(4)

أي: الفيروز آبادي في القاموس المحيط ص 196.

(5)

في عارضة الأحوذي (5/ 276 - 277).

(6)

الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(4/ 459).

(7)

في المغني (8/ 119 - 120).

ص: 424

ويجوز له الإنفاق على الرقيق والدواب منها، وأباحوها للعبد مطلقًا، وعمدتهم حديث محيِّصة

(1)

، لأنه أذن له صلى الله عليه وسلم أن يعلف منه ناضحه. والناضح: اسم للبعير والبقرة التي [ينضح]

(2)

عليها من البئر أو النهر.

ورواية الموطأ

(3)

: "وأطعمه ناضحك"، بضم النون وتشديد الضاد جمع ناضح.

قال ابن حبيب: النُّضَّاح

(4)

: الذين يسقون النخيل، واحده ناضح من الغلمان ومن الإبل، وإنما يفترقون في الجمع، فجمع الإبل نواضح، والغلمان نضاح.

8/ 2371 - (وَعَنْ أنَسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ، حَجَمَهُ أبُو طَيْبَةَ وأعْطاهُ صَاعَيْن مِنْ طَعامٍ وكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(5)

. [صحيح]

وَفِي لَفْظٍ: دَعا غُلامًا منَّا حَجَمَهُ فأعْطَاهُ أجْرَهُ صَاعًا أَوْ صَاعَيْنِ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ أنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ ضَرِيبتِهِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وَالبُخارِيُّ)

(7)

. [صحح]

9/ 2372 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأعْطَى الحَجَّامَ أجْرَهُ، وَلَوْ كانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(8)

وَالبخارِيُّ

(9)

وَمُسْلِمٌ

(10)

، وَلَفْظُهُ: حَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ لِبَنِي بَياضَةَ، فأعْطاهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أجْرَهُ وكَلَّمَ سَيِّدَهُ فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبتِهِ. وَلَوْ كانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم). [صحيح]

قوله: (أبو طَيْبة) بفتح الطاء المهملة وسكون التحتية بعدها موحدة واسمه نافع.

قوله: ([وأعطاه]

(11)

صاعين من طعام)، في الرواية الأخرى

(12)

: "صاعًا أو صاعين".

(1)

تقدم برقم (2370) من كتابنا هذا.

(2)

في المخطوط (ب): (تنضح).

(3)

الموطأ (2/ 974 رقم 28) وقد تقدم.

(4)

النهاية (2/ 754).

(5)

أحمد في المسند (3/ 182) والبخاري رقم (2102) ومسلم رقم (62/ 1577).

(6)

في المسند (1/ 241).

(7)

في صحيحه رقم (2281).

(8)

في المسند (1/ 333).

(9)

في صحيحه رقم (2103).

(10)

في صحيحه رقم (66/ 1202).

(11)

في المخطوط (ب): (فأعطاه).

(12)

البخاري في صحيحه رقم (2277) و (2281).

ص: 425

وفي رواية أبي داود

(1)

: "فأمر له بصاع من تمر".

وفي رواية لمسلم

(2)

: "فأمر له بصاع أو مد أو مدين" على الشك.

قوله: (وكلم مواليه)، في رواية أبي داود

(3)

: "فأمر أهله"، والمراد بمواليه ساداته، وجمع لكونه كان مملوكًا لجماعة كما يدل على ذلك رواية مسلم

(4)

: "حجم النبي صلى الله عليه وسلم عبد لبني بياضة".

قوله: (فخففوا عنه) في الكلام حذف والتقدير كلم مواليه أن يخففوا عنه فخففوا عنه كما في الرواية الأخرى.

ولفظ أبي داود

(5)

: "فأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه".

وفيه جواز الشفاعة للعبد إلى مواليه في تخفيف الخراج عنه.

قوله: (ولو كان سحتًا)، قد تقدم ضبطه وتفسير معناه في شرح الأحاديث التي قبل هذا.

وفي رواية للبخاري

(6)

: "ولو علم كراهة لم يعطه"، يعني كراهة تحريم.

وفي رواية له

(7)

أيضًا: "ولو كان حرامًا لم يعطه"، وذلك ظاهر في الجواز.

قوله: (من ضريبته) الضريبة تطلق على أمور منها غلة العبد كما في القاموس

(8)

وهي بفتح المعجمة [فعيلة]

(9)

بمعنى مفعولة وجمعها ضرائب، ويقال لها خراج وغلة وأجر.

والحديثان يدلان على أن أجرة الحجامة حلال، وقد قدمنا الخلاف في ذلك وما هو الحق.

(1)

في سننه رقم (3424). وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (64/ 1577).

(3)

في سننه رقم (3424) وقد تقدم.

(4)

في صحيحه رقم (66/ 1577).

(5)

في سننه رقم (3424) وقد تقدم.

(6)

في صحيحه رقم (2279).

(7)

أي البخاري في صحيحه رقم (2103).

(8)

القاموس المحيط ص 138.

(9)

في المخطوط (ب): (فعلية).

ص: 426

[الباب الثالث] باب ما جاء في الأجرة على القرب

10/ 2373 - (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "اقْرَأوا القُرآنَ وَلا تَغْلُوا فِيهِ ولا تَجْفُوا عَنْهُ ولا تأكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثُروا بِهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [صحيح]

11/ 2374 - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "اقْرَءُوا القُرآن وَاسألُوا الله بِهِ، فإن مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمًا يَقْرَأونَ القُرآنَ يَسألُونَ [بِهِ النَّاسَ]

(2)

"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

والتِّرْمِذِيّ)

(4)

. [حسن لغيره]

12/ 2375 - (وَعَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ قالَ: عَلَّمْتُ رَجُلًا القُرآنَ فأهْدَى لي قَوْسًا، فَذَكَرْتُ ذلكَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إنْ أخَذْتَها أخَذْتَ قَوْسًا مِنْ نَارٍ" فَردَدْتُها. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(5)

. [صحيح لغيره]

(1)

في المسند (3/ 428).

قلت: وأخرجه الطبراني في الأوسط رقم (2574) والبزار رقم (2320 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 167) وقال: رواه أحمد والبزار بنحوه، ورجال أحمد ثقات.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(2)

في "المخطوط"(أ) و (ب): (الناس به) والمثبت من مصادر الحديث.

(3)

في المسند (4/ 445).

(4)

في سننه رقم (2917) وقال: حديث حسن ليس إسناده بذاك.

والخلاصة: أن إسناده ضعيف لكن الحديث حسن لغيره.

(5)

في سننه رقم (2158).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 165): "هذا إسناد مضطرب، قاله الذهبي في ترجمة عبد الرحمن بن مسلم. وقال العلائي في المراسيل: عطية بن قيس عن أبي بن كعب مرسل.

قلت: (أي البوصيري): رواه البيهقي في سننه الكبرى من طريق محمد بن أبي بكر عن يحيى بن سعيد، به. وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت رواه أبو داود وابن ماجه في سننهما" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

ص: 427

ولأبي دَاوُدَ

(1)

وَابْنِ ماجَهْ

(2)

نَحْوَ ذلكَ مِنْ حَدِيثِ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.

[صحيح لغيره]

وَقالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لعْثُمانَ بْنِ أبي العاصِ: "لا تَتَّخِذْ مُؤَذّنًا يأخُذُ على أذَانِهِ أجْرًا")

(3)

. [صحيح]

أما حديث عبد الرحمن بن شبل فقال في مجمع الزوائد

(4)

: رجال أحمد ثقات.

وأخرجه أيضًا البزار

(5)

[ويشهد]

(6)

له أحاديث:

(منها) حديث عمران بن حصين

(7)

وأبي بن كعب

(8)

المذكوران في الباب.

(ومنها) حديث جابر عند أبي داود

(9)

قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والعجمي، فقال: اقرءوا فكل حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه".

(ومنها) حديث سهل بن سعد عند أبي داود

(10)

أيضًا، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اقرءوا قبل أن يقرأه قوم يقيمونه كما يقام السهم يتعجل أجره ولا يتأجله".

وأما حديث عمران بن حصين فقال الترمذي

(11)

بعد إخراجه: هذا حديث ليس إسناده بذاك.

(1)

في سننه رقم (3416) و (3417).

(2)

في سننه رقم (2157).

وهو حديث صحيح لغيره وسيأتي قريبًا.

(3)

أخرجه أبو داود رقم (531) وابن ماجه رقم (714) وهو حديث صحيح.

(4)

(7/ 167).

(5)

في المسند رقم (2320 - كشف) وقد تقدم.

(6)

في المخطوط (ب): (تشهد).

(7)

برقم (2374) من كتابنا هذا.

(8)

برقم (2375) من كتابنا هذا.

(9)

في سننه رقم (830) وهو حديث صحيح.

(10)

في سننه رقم (831) وهو حديث حسن.

(11)

في السنن (5/ 165).

ص: 428

وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه أيضًا البيهقي

(1)

والروياني في مسنده

(2)

.

قال البيهقي وابن عبد البر: هو منقطع، يعني بين عطية الكلاعي وأبي بن كعب. وكذلك قال المزي وتعقبهم الحافظ

(3)

بأن عطية وُلِدَ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأعله ابن القطان

(4)

بالجهل بحال عبد الرحمن بن سلم الراوي عن عطية.

وله طرق عن أبي، قال ابن القطان

(5)

: لا يثبت منها شيء.

قال الحافظ

(6)

: وفيما قال نظر.

وذكر المزي في الأطراف

(7)

له طرقًا: منها أن الذي أقرأه أبي هو الطفيل بن عمرو.

ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط

(8)

عن الطفيل بن عمرو الدوسي

(1)

في السنن الكبرى (6/ 126).

(2)

مسند الروياني (3/ 32 رقم 18 - المستدرك من النصوص الساقطة)، قال الحافظ المقدسي في "المختارة" (4/ 22 - 23 رقم 1253):

"ذكر شيخنا أبو الفرج بن الجوزي في كتاب "الضعفاء" عبد الرحمن بن أبي مسلم، عن عطية: ضعيف. ولم ينسب ذلك إلى أحد" اهـ.

وقال محققه: "إسناده ضعيف. رواية عطية بن قيس الكلاعي عن أبي مرسلة. قاله العلائي في "جامع التحصيل" وعبد الرحمن بن أبي مسلم. صوابه: عبد الرحمن بن سلم: وهو مجهول" اهـ.

(3)

في التلخيص الحبير (4/ 13).

(4)

في بيان الوهم والإيهام (3/ 531 رقم 1308).

(5)

في بيان الوهم والإيهام (3/ 532).

(6)

في "التلخيص"(4/ 13).

(7)

تحفة الأشراق (1/ 36).

(8)

في الأوسط رقم (439).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 95) وقال: فيه عبد الله بن سليمان بن عمير ولم أجد من ترجمه، ولا أظنه أدرك الطفيل اهـ.

"قلت: صواب اسمه: عبد ربه، كما جاء عند البغوي في معجمه - الإصابة لابن حجر (3/ 286 - 287/ 4247) - لما روى حديثه هذا. وهو عبد ربه بن سليمان بن عمير بن زيتون الشامي الدمشقي. ترجم له الحافظ المزي في "تهذيبه" - تهذيب الكمال (16/ 478) - وقال: روى عنه إسماعيل بن عياش، وهو راوي عنه حديثه هذا" اهـ. =

ص: 429

قال: "أقرأني أبي بن كعب القرآن فأهديت إليه قوسًا، فغدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقلدها، فقال [له]

(1)

النبي صلى الله عليه وسلم: "تقلدها من جهنم"، قلت: يا رسول الله، إنا ربما حضر طعامهم فأكلنا، فقال:"أما ما عمل لك فإنما تأكله بخلاقك، وأما ما عمل لغيرك فحضرته فأكلت منه فلا بأس".

وما أخرجه الأثرم في سننه عن أبي قال: "كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة قد احتبس في بيته أقرئه القرآن، فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة، فحاك في نفسي شيء، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه، وإن كان بحقك فلا تأكله".

وأما حديث عبادة الذي أشار إليه المصنف فلفظه قال: "علَّمت ناسًا من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوسًا، فقلت: ليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله عز وجل، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله رجل أهدى إلي قوسًا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله، فقال: إن كنت تحب أن تطوق طوقًا من نار فاقبلها"

(2)

.

وفي إسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي، وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وتكلم فيه جماعة

(3)

.

وقال الإمام أحمد

(4)

: ضعيف الحديث حدث بأحاديث مناكير، وكل حديث رفعه فهو منكر.

= ["الفرائد على مجمع الزوائد" (ص 196 رقم 298)].

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (5/ 315) وأبو داود رقم (3416) وابن ماجه رقم (2157).

وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 223 - 224) والبزار في مسنده رقم (2692) والشاشي رقم (1266) و (1268) والحاكم في المستدرك (2/ 41) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 125).

وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(3)

انظر: "التاريخ الكبير"(4/ 1/ 326) والجرح والتعديل (4/ 1/ 222) والمجروحين (3/ 6) والميزان (160/ 4) ولتقريب (2/ 286).

(4)

انظر: العلل رواية عبد الله: (815، 835، 1501، 3361، 4009). والعلل رواية المروذي: (84) والعلل رواية الميموني (395).

ص: 430

وقال أبو زرعة

(1)

الرازي: لا يحتج بحديثه.

ولكنه قد روي عن عبادة من طريق أخرى عند أبي داود

(2)

بلفظ: (فقلت: ما ترى فيها يا رسول الله؟ فقال: جمرة بين كتفيك تَقَلَّدْتَها أو تَعَلَّقْتَها)، وفي هذه الطريق بقية بن الوليد

(3)

، وقد تكلم فيه جماعة ووثقه الجمهور إذا روى عن الثقات.

وقد [أورد]

(4)

الحافظ حديث عبادة [هذا]

(5)

في كتاب النفقات من التلخيص

(6)

، وتكلم عليه فليراجع.

وفي الباب عن معاذ عند الحاكم

(7)

والبزار

(8)

بنحو حديث أبي.

وعن أبي الدرداء عند الدارمي

(9)

بإسناد على شرط مسلم بنحوه أيضًا.

وأما حديث عثمان بن أبي العاص فقد تقدم الكلام عليه في الأذان.

(1)

كما في "الجرح والتعديل"(4/ 1/ 222).

قلت: قال ابن عدي في "الكامل"(6/ 2354): "وعامة ما يرويه مغيرة بن زياد مستقيم إلا أنه يقع في حديثه كما يقع هذا في حديث مَنْ ليس به بأس من الغلط، وهو لا بأس به عندي" اهـ.

(2)

في سننه رقم (3417) من طريق بقية بن الوليد، عن بشر بن عبد الله، به.

قلت: وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" رقم (2237) والحاكم في المستدرك (3/ 356) والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 444) وأحمد (5/ 324).

من طريق أبي المغيرة عن بشر بن عبد الله، عن عبادة بن نُسي، عن جُنادة بن أبي أمية، عنه.

قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

قلت: إسناده حسن من أجل بشر بن عبد الله السلمي.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(3)

انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(1/ 239 - 241) والتقريب رقم الترجمة (734) حيث قال الحافظ: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء.

(4)

في المخطوط (ب): (أورده).

(5)

في المخطوط (ب): (هكذا).

(6)

(4/ 13 - 14).

(7)

أخرجه الحاكم في النساء تظهر - كما في "التلخيص"(4/ 14).

(8)

أخرجه البزار في الفتن - كما في "التلخيص"(4/ 14).

وقال الحافظ: كلاهما - أي الحاكم والبزار - من حديث معاذ بن جبل ولم ينفرد به عن عبادة،

".

(9)

قال الحافظ في "التلخيص"(4/ 14): "

ورواه الدارمي بسند على شرط مسلم من حديث أبي الدرداء، لكن شيخه عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل لم يخرج له مسلم. وقال فيه أبو حاتم: ما به بأس، وقال دحيم: حديث أبي الدرداء في هذا ليس له أصل" اهـ.

ص: 431

وقد استدل بأحاديث الباب من قال: إنها لا تحل الأجرة على تعليم القرآن وهو أحمد بن حنبل

(1)

وأصحابه وأبو حنيفة

(2)

والهادوية

(3)

، وبه قال عطاء والضحاك بن قيس والزهري وإسحاق وعبد الله بن شقيق، وظاهره عدم الفرق بين أخذها على تعليم من كان صغيرًا أو كبيرًا.

وقالت الهادوية

(4)

: إنَّما يحرم أخذها على تعليم الكبير لأجل وجوب تعليمه القدر الواجب وهو غير متعين، ولا يحرم على تعليم الصغير لعدم الوجوب عليه.

وذهب الجمهور

(5)

إلى أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن.

وأجابوا عن أحاديث الباب بأجوبة:

(منها) أن أحاديث أبي

(6)

وعبادة

(7)

قضيتان في عين، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصًا لله فكره أخذ العوض عنه.

وأما من علم القرآن على أنَّه لله وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفس فلا بأس به.

وأما حديث عمران بن حصين

(8)

فليس فيه إلا تحريم السؤال بالقرآن وهو غير اتخاذ الأجر على تعليمه.

وأما حديث عبد الرحمن بن شبل

(9)

فهو أخص من محل النزاع، لأن المنع من التأكل بالقرآن لا يستلزم المنع من قبول ما دفعه المتعلم بطيبة من نفسه.

وأما حديث عثمان بن أبي العاص

(10)

فالقياس للتعليم عليه فاسد الاعتبار لما سيأتي.

هذا غاية ما يمكن أن يجاب به عن أحاديث الباب، ولكنه لا يخفى أن ملاحظة مجموع [ما تقضي]

(11)

به يفيد ظن عدم الجواز، وينتهض للاستدلال به على المطلوب.

(1)

المغني (8/ 136).

(2)

البناية في شرح الهداية (9/ 338).

(3)

البحر الزخار (4/ 48).

(4)

البحر الزخار (4/ 49).

(5)

المغني (8/ 137).

(6)

تقدم برقم (2375) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم بإثر رقم (2375) من كتابنا هذا.

(8)

تقدم برقم (2374) من كتابنا هذا.

(9)

تقدم برقم (2373) من كتابنا هذا.

(10)

تقدم بإثر رقم (2375) من كتابنا هذا.

(11)

في المخطوط (ب): (ما يقضي).

ص: 432

وإن كان في كل طريقة من طرق هذه الأحاديث مقال، فبعضها يقوي بعضًا.

ويؤيد ذلك أن الواجبات إنما تفعل لوجوبها، والمحرمات إنما تترك لتحريمها، فمن أخذ على شيء من ذلك أجرًا فهو من الآكلين لأموال الغير بالباطل، لأن الإخلاص شرط، ومن أخذ الأجرة غير مخلص، والتبليغ للأحكام الشرعية واجب على كل فرد من الأفراد قبل قيام غيره به.

ومن جملة ما أجاب به المجوِّزون دعوى النسخ بحديث ابن عباس الآتي

(1)

، وسيأتي الجواب عن ذلك.

واستدلوا على الجواز أيضًا بما أخرجه الشيخان

(2)

وغيرهما

(3)

عن سهل بن سعد: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قيامًا طويلًا، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال [رسول الله]

(4)

صلى الله عليه وسلم: "هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ "، فقال: ما عندي إلا إزاري هذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئًا"، فقال: ما أجد شيئًا، فقال:"التمس ولو خاتمًا من حديد"، فالتمس فلم يجد شيئًا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"هل معك من القرآن شيء؟ " فقال: نعم سورة كذا وسورة كذا يسميها، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم:"قد زوجتكها بما معك من القرآن".

وفي رواية

(5)

: "قد ملكتكها بما معك من القرآن".

ولمسلم

(6)

: "زوجتكها تعلمها من القرآن".

وفي رواية لأبي داود

(7)

"علمها عشرين آية وهي امرأتك".

(1)

سيأتي برقم (2376) من كتابنا هذا.

(2)

البخاري برقم (5087) ومسلم رقم (77/ 1425).

(3)

كأبي داود رقم (2111) والترمذي رقم (1114) والنسائي (6/ 113).

(4)

زيادة من المخطوط (ب).

(5)

أخرجها البخاري رقم (5030) ومسلم رقم (76/ 1425).

(6)

في صحيحه رقم (77/ 1425).

(7)

في السنن رقم (2112) وهو حديث ضعيف.

ص: 433

ولأحمد

(1)

"قد [أنكَحْتُكَهَا]

(2)

على ما معك من القرآن".

وقد أجاب المانعون من الجواز عن هذا الحديث بأجوبة.

(منها): أنه زوجها به بغير صداق إكرامًا له لحفظه ذلك المقدار من القرآن ولم يجعل التعليم صداقًا، وهذا مردود برواية مسلم

(3)

وأبي داود

(4)

المذكورة.

(ومنها) أن هذا مختص بتلك المرأة وذلك الرجل ولا يجوز لغيرهما، ويدل على ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور

(5)

عن أبي النعمان الأزدي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج امرأة على سورة من القرآن ثم قال: لا يكون لأحد بعدك مهرًا".

(ومنها) أنه صلى الله عليه وسلم لم يسم لها مهرًا ولم يعطها صداقًا وأوصى لها بذلك عند موته.

ويؤيده ما أخرجه أبو داود

(6)

من حديث عقبة بن عامر: "أنه صلى الله عليه وسلم زوج رجلًا امرأة ولم يفرض لها مهرًا ولم يعطها شيئًا، فأوصى لها عند موته بسهمه من خيبر فباعته بمائة ألف".

(ومنها) أنها قضية فعل لا ظاهر لها.

ومن جملة ما احتجوا به على الجواز حديث عمر بن الخطاب المتقدم

(7)

في الزكاة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه" الحديث.

ويجاب عنه بأنه عموم مخصص بأحاديث الباب

(8)

.

(1)

في المسند (5/ 330) بسند صحيح.

(2)

في المخطوط (ب): (أنكحتك) والمثبت من المخطوط (أ) ومسند أحمد.

(3)

في صحيحه رقم (77/ 1425).

(4)

في السنن رقم (2112) وهو حديث ضعيف.

(5)

في سننه رقم (1/ 176).

(6)

في سننه رقم (2117) وهو حديث صحيح.

(7)

برقم (1593) من كتابنا هذا.

(8)

قال القرطبي في "المفهم"(4/ 131): قوله صلى الله عليه وسلم: "علّمها" نص في الأمر بالتعليم والمساق يشهدُ بأنَّ ذلك لأجل النكاح. ولا يلتفت لقول من قال: إنَّ ذلك كان إكرامًا للرَّجل بما حفظه من القرآن فإنَّ الحديث يصرِّحُ بخلافه.

قول المخالف: إنَّ الباء بمعنى اللام ليس بصحيح لغةً ولا مساقًا، وكذلك لا يُعوَّل على قول الطحاوي والأبهريّ إن ذلك كان مخصوصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما كان مخصوصًا بجواز الهبة في النكاح لأمور منها: =

ص: 434

13/ 2376 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن نَفَرًا مِنْ أصحَابِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم مَرُّوا بِمَاءٍ فيهمْ لَدِيغٌ أوْ سَلِيمٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ المَاء فقالَ: هَلْ فِيكُمْ من رَاقٍ، فَإِنَّ في المَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أوْ سَليمًا، فَانطلقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرأ بِفاتِحَةِ الكِتابِ على شاءٍ، فَجاءَ بالشَّاءِ إلى أصحَابِهِ فَكَرِهُوا ذلكَ وَقالُوا: أخَذْتَ على كِتابِ الله أجْرًا، حتَّى قَدِمُوا المَدِينَةَ فَقالُوا: يا رَسُولَ الله أخَذَ على كِتابِ الله أجْرًا، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحَقَّ ما أخَذْتُمْ عَلَيْهِ أجْرًا كِتابُ الله"، (رَوَاهُ البُخارِيُّ)

(1)

. [صحيح]

14/ 2377 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أصحَابِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سافَرُوها حتَّى نَزَلُوا على حَيٍّ مِنْ أحْيَاءِ العَرَبِ، فاسْتَضافُوهُمْ فأبَوْا أنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذلكَ الحَيٍّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ شَيْء، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أتَيْتُمْ هَؤُلاء الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُمْ أنْ يَكُونَ عِنْدهُمْ بَعْضُ شَيْء، فأتَوْهُمْ فَقالُوا: يا أيُّهَا الرَّهْطُ إنّ سَيّدَنَا لُدُغَ وَسَعَيْنا لَهُ بِكُلّ شَيْء لا يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عنْدَ أحَدٍ منْكُمْ مِنْ شَيء؟ قالَ بَعْضُهُمْ: إني وَالله لأرْقِي، وَلَكِنْ وَالله لَقَدِ

= 1 - مساق الحديث، وهو شاهدٌ لنفي الخصوصية.

2 -

قول الرَّجل: زوجنيها ولم يقل: هبها لي.

3 -

قوله صلى الله عليه وسلم: "اذهبْ، فقد زوجتكها بما معك من القرآن. فعلِّمها".

4 -

إنَّ الأصل التمسُّك بنفي الخصوصية في الأحكام.

ثم قال: قال الجمهور: على جواز كون الصّداق منافع، وهذا الحديث ردٌّ على أبي حنيفة في منعه أخذ الأجر على تعليم القرآن، ويرد عليه أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم:" إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله"، وسيأتي.

ثم قال: وقول الرجل: معي سورة كذا، وسورة كذا - عدّدها فقال:"اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن فعلّمها"، يدل: على أن القدر الذي انعقد به النكاح من التعليم معلوم، لأن قوله:"بما معك" معناه: بالذي معك، وهي السُّور المعددة المحفوظة عنده، التي نصَّ على أسمائها وقد تعينت المنفعة، وصح كونها صداقًا وليس فيه جهالة.

وانظر: "فتح الباري"(9/ 212 - 213).

(1)

في صحيحه رقم (5737).

قلت: وأخرجه البغوي في شرح السنة رقم (2187) والبيهقي (6/ 142) والدارقطني (3/ 65 رقم 247، 248).

ص: 435

اسْتَضَفْناكمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونا، فَمَا أنا بِرَاقٍ لَكُمْ حتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحوهُمْ على قَطِيعٍ مِنْ غَنَمٍ، فانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرأُ: الحَمْدُ لله رَبّ العالَمِينَ، فَكَأنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقالٍ، فانْطَلَقَ يَمْشي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فأوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْتَسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقى، لا تَفْعَلُوا حَتَّى نأتي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كانَ فَنَنْظُرَ الَّذِي يأمرُنا، فَقَدِمُوا على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ ذلكَ، فَقَالَ:"وَمَا يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ"، ثُمَّ قَالَ:"قَدْ أصَبْتُمْ اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لي مَعَكُمْ سَهْمًا"، وَضَحِكَ النَّبي صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا النَّسائيَّ وَهَذَا لَفْظُ البُخارِيّ وَهُوَ أتَمُّ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (فيهم لَدِيْغٌ) اللَّديغ بالدال المهملة والعين المعجمة: هو اللَّسيع وزنًا ومعنى، واللَّدغُ: اللَّسع، وأما اللَّذْعُ بالذال المعجمة والعين المهملة: فهو الإحراق الخفيف، واللَّدغ المذكور في الحديث: هو ضرب ذات الحمة من حية أو عقرب أو غيرهما، وأكثر ما يستعمل في العقرب

(2)

، وقد صرح الأعمش في روايته بالعقرب.

قوله: (أو سليم) هو اللَّديغ أيضًا.

قوله: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)، استدل به الجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن.

وأجيب عن ذلك بأن المراد بالأجر هنا الثواب، ويرد بأن سياق القصة يأبى ذلك.

(1)

أحمد في المسند (3/ 44) والبخاري رقم (5736) ومسلم رقم (65/ 2201) وأبو داود رقم (3418) والترمذي رقم (2164) وابن ماجه رقم (2156).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

اللَّسع: لما ضرب بمؤخره، واللَّدْغ لما كان بالفم. لَسَعَتْه الهامةُ تَلْسَعه لسعًا ولسعَتْه.

ويقال: لسعته الحية والعقرب، وقال ابن المظفر: اللَّسْعُ للعقرب، قال: وزعم أعرابي أنَّ من الحيات ما يلسع بلسانه كلسع حُمة العقرب.

القاموس المحيط (ص 982).

وقال الأزهري في "تهذيب اللغة"(98/ 2): المسموع من العرب أنَّ اللّسْعَ لذوات الإبر من العقارب والزنابير. وأما الحيات فإنها تنهشُ وتعضُّ تجذب. واللَّدغ واللَّسع سواء.

ص: 436

وادعى بعضهم نسخه بالأحاديث السابقة.

وتعقب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال، وبأن الأحاديث القاضية بالمنع وقائع أعيان محتملة للتأويل [لتوافق]

(1)

الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب

(2)

، وبأنها مما لا تقوم به الحجة فلا تقوى على معارضة ما في الصحيح، وقد عرفت مما سلف أنها تنتهض للاحتجاج بها على المطلوب.

والجمع ممكن إما بحمل الأجر المذكور هنا على الثواب كما سلف وفيه ما تقدم، أو المراد أخذ الأجرة على الرقية فقط كما يشعر به السياق فيكون مخصصًا للأحاديث القاضية بالمنع، أو بحمل الأجر هنا على عمومه، فيشمل الأجر على الرقية والتلاوة والتعليم، ويخص أخذها على التعليم بالأحاديث المتقدمة ويجوز ما عداه، وهذا أظهر وجوه الجمع فينبغي المصير إليه

(3)

.

قوله: (فاستضافوهم)، أي طلبوا منهم الضيافة.

وفي رواية للترمذي

(4)

: "أنهم ثلاثون رجلًا".

قوله: (فلم يضيفوهم) بالتشديد للأكثر وبكسر الضاد المعجمة مخففًا.

قوله: (فسعوا له بكل شيء)، أي مما جرت العادة أن يتداوى به من اللَّدغة.

قوله: (إني والله لأرقي) ضبطه صاحب الفتح

(5)

بكسر القاف.

(1)

في المخطوط (ب): (ليوافق).

(2)

الأول برقم (13/ 2376) والثاني برقم (14/ 2377) من كتابنا هذا.

(3)

انظر: "بداية المجتهد"(3/ 427 - 429) بتحقيقي. والسيل الجرار (2/ 739 - 743) بتحقيقي. والروضة الندية (2/ 253 - 255) بتحقيقي ط: 6، و"إقامة الحجة والبرهان على جواز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن"، تأليف محمد بن إسماعيل الأمير. وهي ضمن (عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير) رقم (131) بتحقيقي.

وانظر: "إقامة الدليل والبرهان على تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن"، تأليف العلامة محمد بن عبد العزيز المانع.

(4)

في سننه رقم (2063) وقال: هذا حديث حسن.

وهو حديث صحيح.

(5)

الفتح (10/ 195).

ص: 437

والرقية كلام يستشفى به من كل عارض. قال في القاموس

(1)

: والرقية بالضم: العوذة، والجمع رُقًى ورقاه رَقْيًا، وَرُقيًّا، ورقْيَةً: نفث في عوذته.

قوله: (جُعلًا) بضم الجيم وسكون المهملة: ما يعطى على عمل.

قوله: (على قطيع) قال ابن التين

(2)

: هو الطائفة من الغنم.

وتُعُقِّب بأن القطيع هو الشيء المنقطع من غنم كان أو من غيرها.

قال بعضهم: الغالب استعماله فيما بين العشرة والأربعين.

وفي رواية للبخاري

(3)

: "إنا نعطيكم ثلاثين شاة"، وهو مناسب لعدد الرهط المذكور سابقًا، فكأنهم جعلوا لكل رجل شاة.

قوله: (يتفل) بضم الفاء وكسرها: وهو نفخ معه قليل بزاق: وقد سبق تحقيقه في الصلاة.

قال ابن أبي جمرة

(4)

: محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق.

قوله: (ويقرأ الحمد لله رب العالمين)، في رواية

(5)

: "أنه قرأها سبع مرات" وفي أخرى: "ثلاث مرات" الزيادة أرجح.

قوله: (نشط) بضم النون وكسر المعجمة من الثلاثي كذا لجميع الرواة.

قال الخطابي

(6)

: وهو لغة، والمشهور نشط:[إذا]

(7)

عقد، وأنشط: إذا

(1)

في القاموس المحيط ص 1664.

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 456).

(3)

في صحيحه رقم (5007).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 456).

(5)

أخرجها الترمذي رقم (2063) وقال: حديث حسن. وابن ماجه رقم (2156).

وهو حديث صحيح.

(6)

في أعلام الحديث (2/ 1120).

قال: كأنّما نُشِطَ من عقال: قد جاء في بعض اللغات: نشط، بمعنى حل، وأكثر الكلام على أن يقال: نَشَطْتُ الشيء إذا عقدتَهُ، وأنشطتُهُ بالألف إذا حَلَلْتَهُ، وفككتُ عنهُ.

(7)

في المخطوط (ب): (إذ).

ص: 438

حل، وأصله الأنشوطة بضم الهمزة والمعجمة بينهما نون ساكنة: وهي الحبل.

والعقال

(1)

بكسر المهملة بعدها قاف: هو الحبل الذي يشد به ذراع البهيمة.

قوله: (وما به قلبة) بفتح القاف واللام: أي علة، وسميت العلة قلبة لأن الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء، قاله ابن الأعرابي

(2)

.

ومنه قول الشاعر

(3)

:

• وَقْد بَرِئَتْ فَمَا بالصَّدْرِ مِنْ قَلَبَهْ •

وحكي عن ابن الأعرابي أن القلبة: داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيؤلمه قلبه فيموت من يومه.

قوله: (فقال الذي رقى) بفتح القاف.

قوله: (وما يدريك أنها رقية)، قال الداودي

(4)

: معناه وما أدراك، وقد روي كذلك، ولعله هو المحفوظ لأن ابن عيينة قال: إذا قال: وما يدريك فلم يعلم، وإذا قال: وما أدراك فقد علم.

وتعقبه ابن التين (4) بأن ابن عيينة إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن وإلا فلا فرق بينهما في اللغة في نفي الدراية، وهي كلمة [تقال]

(5)

عند التعجُّب من الشيء، [وتستعمل]

(6)

في تعظيم الشيء أيضًا وهو لائق هنا كما قال الحافظ

(7)

.

وفي رواية بعد قوله: "وما يدريك أنها رقية؟ قلت: ألقي في روعي".

وللدارقطني

(8)

: "قلت: يا رسول الله شيء ألقي في روعي"، وذلك

(1)

النهاية (2/ 240).

(2)

ذكره ابن منظور في اللسان (1/ 687).

(3)

الشاعر هو النمر بن تولب بن زهير بن أقيش العكلي. شاعر مخضرم. أدرك الإسلام فأسلم، ويسمى الكيس لحسن شعره. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا. مات نحو سنة (14 هـ).

انظر: الإصابة (6/ 370 رقم 8825) والأغاني (22/ 190).

صدر البيت: أوْدَى الشّبَابُ وحُبُّ الخَالَةِ الخَلَبَهْ.

وانظر: اللسان مادة (ق ل ب).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 457).

(5)

في المخطوط (ب): (يقال).

(6)

في المخطوط (ب): (ويستعمل).

(7)

في "الفتح"(4/ 457).

(8)

في السنن (3/ 64 رقم 246).

ص: 439

ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقى بالفاتحة.

قوله: (ثم قال قد أصبتم) يحتمل أن يكون صوَّب فعلهم في الرقية، ويحتمل أن يكون ذلك في توقفهم عن التصرف في الجعل حتى استأذنوه، ويحتمل ما هو أعم من ذلك.

قوله: (واضربوا لي معكم سهمًا)، أي اجعلوا [لي]

(1)

منه نصيبًا، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد المبالغة في تأنيسهم كما وقع في قصة الحمار الوحشي

(2)

وغير ذلك.

وفي الحديثين دليل على جواز الرقية بكتاب الله تعالى، ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور، وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور.

وأما الرقى بغير ذلك فليس في الأحاديث ما يثبته ولا ما ينفيه إلا ما سيأتي في حديث خارجة

(3)

.

وفي حديث أبي سعيد

(4)

مشروعية الضيافة على أهل البوادي والنزول على مياه العرب وطلب ما عندهم على سبيل القِرى أو الشراء.

وفيه مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنعه.

وفيه الاشتراك في العطية وجواز طلب الهدية ممن يعلم رغبته في ذلك وإجابته إليه.

15/ 2378 - (وَعَنْ خارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ أنَّهُ أتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثُم أقْبَلَ رَاجِعًا مِنْ عِنْدِهِ، فَمَرَّ على قَوْمٍ عنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ بالحَدِيد، فَقالَ أهْلُهُ: إنَّا قَدْ حُدّثْنا أن صَاحِبَكُمْ هَذَا قَدْ جاءَ بِخَيْرٍ، فَهَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ تُدَاوِيه؟ قالَ: فَرَقَيْتُهُ بِفَاتِحَة الكِتابِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَبَرأ، فاعْطَوْنِي مِائَتَيْ شاةٍ، فأتَيْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرْتُهُ، فَقالَ:"خُذْهَا فَلَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ فَقَدْ "أكلْتَ برُقْيَةِ حَقٍ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(2)

تقدم تخريجه برقم (1915) من كتابنا هذا.

(3)

يأتي برقم (15/ 2378) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (2377) من كتابنا هذا.

(5)

في المسند (5/ 210 - 211).

ص: 440

وأبُو دَاوُدَ

(1)

. [صحيح]

وَقَدْ صَحَّ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَ امْرأةً رَجُلًا على أنْ يُعَلِّمَها سُوَرًا مِنَ القُرآنِ

(2)

.

وَمَنْ ذَهَبَ إلى الرخْصة لهَذِهِ الأحاديث حَمَلَ حَدِيثَ أبي

(3)

وعُبادَةِ

(4)

على أن التَّعْلِيمَ كانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِما وَحَمَلَ فيما سوَاهُمَا مِنَ الأمْرِ وَالنَّهْي على النَّدبِ وَالكَرَاهَة).

حديث خارجة أخرجه أيضًا النسائي

(5)

، وسكت عنه أبو داود

(6)

والمنذري

(7)

، ورجال إسناده رجال الصحيح إلا خارجة المذكور وقد وثقه ابن حبان

(8)

.

وأخرجه أيضًا ابن حبان

(9)

والحاكم

(10)

وصححاه.

وحديث تزويج المرأة قد ذكرناه في أول الباب

(11)

.

(1)

في سننه رقم (3420).

قلت: وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (1032) وابن السني رقم (635) والطيالسي رقم (1362) والحاكم (1/ 559 - 560).

قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وقال الألباني في "الصحيحة"(5/ 45): "قلت: وهو كما قالا إن شاء الله، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير خارجة بن الصلت، فروى عنه مع الشعبي عبد الأعلى بن الحكم الكلبي، وذكره ابن حبان في "الثقات" لكن قال ابن أبي خيثمة: "إذا روى الشعبي عن رجل وسماه فهو ثقة، يحتج به".

ذكره الحافظ في "التهذيب" وأقره، وكأنه لذلك قال الذهبي في "الكاشف":"ثقة" اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(2)

البخاري في صحيحه رقم (5149) ومسلم رقم (76/ 1425).

(3)

تقدم برقم (2375) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم بإثر الحديث رقم (2375) من كتابنا هذا.

(5)

في عمل اليوم والليلة رقم (1032) وقد تقدم.

(6)

في السنن (3/ 706).

(7)

في "المختصر"(5/ 73).

(8)

في "الثقات"(4/ 211).

(9)

في صحيحه رقم (6111).

(10)

في المستدرك (1/ 559 - 560) وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

(11)

خلال شرح الحديث (2375) من كتابنا هذا.

ص: 441

قوله: (عن عمه) هو علاقة بن صحار

(1)

بضم الصاد وتخفيف الحاء المهملة، التميمي الصحابي.

وقال خليفة: هو عبد الله بن عثير بكسر العين المهملة وسكون المثلثة بعدها مثناة تحتية مفتوحة ثم راء مهملة.

وقيل: اسمه علاثة، ويقال: سحار بالسين، والأول أكثر.

قوله: (ثلاثة أيام) لفظ أبي داود

(2)

: "ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل".

قوله: (فلعمري) أقسم بحياة نفسه كما أقسم الله بحياته، والعمر بفتح العين وضمها واحد، إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف، وذلك لأن الحلف أكثير،

(3)

الدور على ألسنتهم ولذلك حذفوا الخبر وتقديره لعمرك مما أقسم، كما حذفوا الفعل في قولك بالله.

قوله: (برقية باطل)، أي برقية كلام باطل، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، والرقى الباطلة المذمومة هي التي كلامها كفر أو التي لا يعرف معناها كالطلاسم المجهولة المعنى

(4)

.

(1)

انظر: "الإصابة" رقم الترجمة (5669) وأسد الغابة (4/ 75 رقم 3756).

(2)

في سننه رقم (3420).

(3)

في المخطوط (ب): (أكثر).

(4)

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين لنا ضوابط الرقية الصحيحة في الإسلام، ومن أعظم هذه الضوابط ما يلي:

(أولًا): أن لا تكون الرقية رقية شركية، والدليل على هذا الضابط ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه رقم (64/ 2200) عن عوف بن مالكٍ الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول اللهِ كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعرضوا عليَّ رُقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك".

فكل رقية اشتملت على شرك فهي رقية شركية لا يجز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتعاطاها. ومن ذلك الرقية المشتملة على القسم بالمخلوقات، كالشمس والقمر والملائكة والجن ونحو ذلك، لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"، وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (2/ 69، 87، 125) والترمذي رقم (1535) والحاكم (1/ 18) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

والرقية المشتملة على الاستغاثة بالمخلوقات فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو المشتملة على =

ص: 442

قوله: (على أن يعلمها سورًا من القرآن)، قد تقدم الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث وتحقيق ما هو الحق.

= دعاء المخلوق من دون الله ليكشف أمرًا لا يكشفه إلا الله كما قال سبحانه: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)} [فاطر: 13، 14].

وهكذا كل رقية اشتملت على صرف شيء من الأشياء التي أمر الله بها في كتابه، أو أمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته إلى غير الله تعالى فهي رقية شركية.

(ثانيًا): ألا تكون الرقية رقية سحرية، وذلك لأن الله سبحانه، قد حرم السحر، وبيّن بأنه كفر.

(ثالثًا): ألَّا تكون الرقية من عرَّاف أو كاهن؛ ولو لم يكن ساحرًا، وذلك لأن العراف والكاهن لا يجوز لأحد أن يأتيهما ويصدقهما، وطلب الرقية من العراف والكاهن فتح باب لإتيان الناس إليه، والطمع فيما عنده من رقى، وينتقض بذلك مقصود الرسول صلى الله عليه وسلم من تحذير الناس من الذهاب إليه، كما قال صلى الله عليه وسلم:"من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"، وهو حديث صحيح أخرجه أحمد (2/ 429) والحاكم في المستدرك (1/ 8).

(رابعًا): أن تكون الرقية بعبارات ومعنى مفهوم، فإن ما لا يعقل معناه وما لا يفهم لا يؤمن أن يكون فيه شرك، وما كان مظنة الشرك فلا يجوز تعاطيه.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(10/ 195): "وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته؛ وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره؛ وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى

" اهـ.

(خامسًا): ألَّا تكون الرقية بهيئة محرمة كأن يتقصد الرقية حالة كونه جنبًا، أو في مقبرة أو حمام أو حالة كتابه حروف أبا جاد أو حالة نظره في النجوم وما شابه ذلك من الهيئات المحرمة، كتلطخه بالنجاساث أو كشف عورته.

(سادسًا): ألا تكون الرقية بعبارات محرمة، كالسب والشتم واللعن، لما تقدم من أن الله لم يجعل الدواء في المحرم.

(سابعًا): ألا يظن الراقي والمرقي بأن الرقية وحدها تستقل بالشفاء أو دفع المكروه.

قال ابن القيم في "الجواب الكافي" ص 14: "والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده فقط. فمتى كان السلاح سلاحًا تامًّا لا آفة به، والساعد قويًا والمانع مفقودًا حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير".

انظر: "الرقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة وحكم التفرغ لها واتخاذها حرفة" تأليف: د. علي بن نفيع العلياني.

ص: 443

والأحاديث المذكورة في هذا الباب تدل على أنه يجوز للإنسان أن يسترقي، ويحمل الحديث الوارد في الذين يدخلون الجنة بغير حساب

(1)

وهم الذين لا يرقون ولا يسترقون على بيان الأفضلية واستحباب التوكل والإذن لبيان الجواز.

ويمكن أن يجمع بحمل الأحاديث الدالة على ترك الرقية على قوم كانوا يعتقدون نفعها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية يزعمون في أشياء كثيرة.

[الباب الرابع] باب النهي أن يكون النفع والأجر مجهولًا وجواز استئجار الأجير بطعامه وكسوته

16/ 2379 - (عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ اسْتِئْجارِ الأجيرِ حتى يُبَيَّنَ لَهُ أجْرُهُ، وَعَنِ النَّجْشِ وَاللَّمْسِ وإلْقاءِ الحَجَرِ. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(2)

. [إسناده ضعيف]

17/ 2380 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ أيْضًا قالَ: نَهَى عَنْ عَسْبِ الفَحْلِ

(1)

يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5752):

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: عُرِضت عليَّ الأمم، فجعل يمرُّ النبي معه الرجُل والنبيُّ معه الرَّجلان، والنبي معهُ الرَّهطُ، والنبي ليس معهُ أحد، ورأيتُ سوادًا كثيرًا سدَّ الأفق، فرجوتُ أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومُه، ثم قيل لي: انظر:، فرأيتُ سوادًا كثيرًا سدَّ الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيتُ سوادًا كثيرًا سدَّ الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، فتفرق الناسُ ولم يُبِّينْ لهم. فتذاكرَ أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أما نحن فولدِنا في الشرك، ولكنَّا آمنًا بالله ورسولهِ، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا، فبلغَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"همُ الذينَ لا يتطيرون، ولا يكتوون ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون. فقام عكاشة بن محصن فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم، فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ فقال: سبقك بها عكاشة".

(2)

في المسند (3/ 59) إسناده ضعيف لانقطاعه، إبراهيم النخعي لم يسمع من أبي سعيد.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 97) وقال: رجال أحمد رجال الصحيح، إلا أن إبراهيم النخعي لم يسمع من أبي سعيد فيما أحسب".

ص: 444

وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيُّ

(1)

. [صحيح]

وَفَسَّرَ قَوْمٌ قَفيزَ الطَّحَّان: بطَحْنِ الطَّعامِ بِجُزْءٍ مِنْهُ مَطْحُونًا، لمَا فِيه مِنَ اسْتِحْقاق طَحْنِ قَدْر الأجْرةِ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على الآخَرِ، وَذَلِكَ مُتَناقضٌ.

وَقِيلَ: لا بأسَ بِذَلِكَ مع العِلْمِ بِقدْرِهِ، وَإِنَّمَا المَنْهِيُّ عَنْه طَحْنُ الصُّبْرَةِ لا يُعْلَمُ كَيْلُها بِقَفِيزٍ مِنْها وَإنْ شَرَطَ حَبًّا لأنَّ ما عداهُ مجْهُولٌ فَهُوَ كَبَيْعِهَا إلَّا قَفِيرًا مِنها).

18/ 2381 - (وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ النُّدَّرِ قالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَرأ طس حتّى بَلَغَ قِصَّةَ موسَى عليه السلام، فَقَالَ:"إنَّ مُوسَى أجَّرَ نَفْسَهُ ثَمَانِ سِنِينَ أوْ عَشْرَ سِنِينَ، عَلى عِفَّةِ فَرْجِهِ وطعَامِ بَطْنِهِ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَابْنُ مَاجَهْ)

(3)

. [ضعيف جدًّا]

(1)

في سننه (3/ 47 رقم 195).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 339).

وأورده الذهبي في "الميزان"(4/ 306 رقم 9248) في ترجمة هشام أبو كليب وقال عقبه: "هذا منكر، ورجله - أي راويه - لا يُعرف" اهـ. كذا قال. وقد وثقه أحمد بن حنبل كما في "الجرح والتعديل"(9/ 68).

وأورده ابن حبان في "الثقات"(7/ 568) وقال: هشام أبو كليب، من أهل الكوفة، يروي عن الشعبي، روى عن سفيان الثوري".

وأورده البخاري في "التاريخ الكبير"(8/ 196 رقم 2683) وقال: هشام أبو كليب يعد في الكوفيين عن الشعبي، وابن أبي نعيم، وروى عنه الثوري".

ووثقه مغلطاي كما في "التلخيص"(3/ 133 رقم 3/ 1316).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، وقد صححه الألباني في الإرواء رقم (1476).

(2)

لم أقف عليه في المسند المطبوع، وكذلك قال الألباني في الإرواء (5/ 307). وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 260):"رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عتبة بن الندر، ولذلك أخرجه ابن الجوزي في كتاب "جامع المسانيد" بسنده".

(3)

في سننه رقم (2444).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 260): "قلت: ليس لعتبة بن الندر هذا عند ابن ماجه سوى هذا الحديث، وليس له شيء من الكتب الخمسة، وإسناد حديثه ضعيف لتدليس بقية" اهـ. =

ص: 445

حديث أبي سعيد الأول قال في مجمع الزوائد

(1)

: رجال أحمد رجال الصحيح، إلا أن إبراهيم النخعي لم يسمع من أبي سعيد فيما أحسب، اهـ.

وأخرجه أيضًا البيهقي

(2)

وعبد الرزاق

(3)

وإسحاق في مسنده وأبو داود في المراسيل

(4)

والنسائي

(5)

في الزراعة غير مرفوع، ولفظ بعضهم:"من استأجر أجيرًا فليسم له أجرته".

وحديثه الثاني أخرجه أيضًا البيهقي

(6)

. وفي إسناده هشام أبو كليب، قال ابن القطان: لا يعرف، وكذا قال الذهبي

(7)

، وزاد: وحديثه منكر.

وقال مغلطاي

(8)

: هو ثقة. وأورده ابن حبان في الثقات

(9)

.

وحديث عتبة بن الندر بضم النون وتشديد المهملة في إسناده مسلمة بن علي الخشني

(10)

وهو متروك، وقيل: اسمه مسلم والأول أصح.

= وقال الألباني في "الإرواء"(5/ 307): "قلت: وهذا سند ضعيف جدًّا، بقية مدلس وقد عنعنه، وشيخه مسلمة بن علي، وهو الخشني متروك" اهـ.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(1)

(4/ 97).

(2)

في السنن الكبرى (5/ 339).

(3)

في المصنف رقم (15024).

(4)

رقم الحديث (181).

(5)

في سننه رقم (3858).

قال أبو زرعة: الصحيح موقوف عن أبي سعيد، فيما نقله عنه ابن أبي حاتم في العلل رقم (1118).

وخلاصة القول: أنه صحيح منقطع، والله أعلم.

(6)

في السنن الكبرى (5/ 339).

(7)

في الميزان (4/ 306 رقم 9248) وقد تقدم.

(8)

كما في التلخيص الحبير (3/ 133 رقم 1316/ 3) وقد تقدم.

(9)

(7/ 568).

(10)

مسلمة بن علي الخشني، أبو سعيد الشامي: قال البخاري: منكر الحديث وقال أبو حاتم: لا يشتغل به، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة. التاريخ الكبير (7/ 388) والمجروحين (3/ 33) والجرح والتعديل (8/ 268) والميزان (4/ 109) والتقريب (2/ 249) والخلاصة ص 377.

• تنبيه: في أكثر طبعات (نيل الأوطار)"مسلمة بن علي الخشني" تحرّف إلى "مسلمة بن علي الحسني".

ص: 446

قوله: (حتى يبين له أجره)، فيه دليل لمن قال: إنه يجب تعيين [قدر]

(1)

الأجرة وهم العترة

(2)

والشافعي

(3)

وأبو يوسف ومحمد.

وقال مالك

(4)

وأحمد بن حنبل

(5)

وابن شبرمة: لا يجب للعرف واستحسان المسلمين.

قال في البحر

(6)

: قلنا لا نسلم بل الإجماع على خلافه، اهـ.

ويؤيد القول الأول القياس على ثمن المبيع.

قوله: (وعن النجش إلى آخر الحديث) قد تقدم الكلام على ذلك في البيع وإلقاء الحجر هو بيع الحصاة الذي تقدم تفسيره، وإذا أخذ النهي عن النجش على عمومه صح الاستدلال به على عدم جواز الاستئجار عليه، ولكنه يبعد ذلك عطف اللمس وإلقاء الحجر عليه.

قوله: (نهى عن عسب الفحل) قد سبق ضبطه وتفسيره في البيع، والمراد به الكراء كما قال الجوهري

(7)

، يقال: عسبت الرجل: أي أعطيته الكراء؛ وقيل: ماء الفحل نفسه، لقول زهير

(8)

:

ولولا عَسْبُهُ لَتَرَكْتُمُوْهُ

وَشرُّ منيحةٍ فَحلٌ مُعَارُ

وقد ذهبت الشافعية

(9)

والحنفية

(10)

والعترة

(11)

إلى أنه لا يجوز تأجير الفحل للضراب.

وقال مالك وابن أبي هريرة: يصح كالإِعَارَة، وهو قياس فاسد الاعتبار.

قوله: (وعن قفيز الطحان) حكى الحافظ في التلخيص

(12)

عن ابن المبارك

(1)

في المخطوط (ب): (قدرة).

(2)

البحر الزخار (4/ 56).

(3)

الوسيط للغزالي (4/ 154 - 155).

(4)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 500 - 501) ومواهب الجليل (7/ 496).

(5)

المغني (8/ 7).

(6)

البحر الزخار (4/ 52).

(7)

الصحاح (1/ 181).

(8)

انظر: شرح شعر زهير بن أبي سلمى (ص 220).

(9)

البيان للعمراني (7/ 290). والوسيط للغزالي (4/ 158).

(10)

البناية في شرح الهداية (9/ 337) وحاشية ابن عابدين (9/ 64).

(11)

البحر الزخار (4/ 32).

(12)

في "التلخيص"(3/ 133).

ص: 447

أحد رواة الحديث بأن صورته أن يقال للطحان: اطحن بكذا وكذا وزيادة قفيز من نفس الطحين.

وقد استدل بهذا الحديث أبو حنيفة

(1)

والشافعي

(2)

ومالك

(3)

والليث والناصر

(4)

على أنه لا يجوز أن تكون الأجرة بعض المعمول بعد العمل، وقالت الهادوية (4) والإِمام يحيى (4) والمزني: إنه يصح بمقدار منه معلوم.

وأجابوا عن الحديث بأن مقدار القفيز مجهول، أو أنه كان الاستئجار على طحن صبرة بقفيز منها بعد طحنها، وهو فاسد عندهم.

قوله: (وطعام بطنه) فيه متمسك لمن قال بجواز الاستئجار بالنفقة ومثلها الكسوة، وهو أبو حنيفة

(5)

والإمام يحيى.

وقال الشافعي

(6)

وأبو يوسف ومحمد والهادوية

(7)

والمنصور بالله: لا يصح للجهالة.

[الباب الخامس] باب الاستئجار على العمل مياومة أو مشاهرة أو معاومة أو معاددة

19/ 2382 - (عَنْ عَلِيّ رضي الله عنه قَالَ: جُعْتُ مَرَّةً جُوعًا شَدِيدًا، فَخَرَجْتُ لِطَلَبِ العَمَلِ فِي عَوَالي المَدِينَةِ، فإذا أنا بامْرأةٍ قَدْ جَمَعَتْ مَدَرًا فَظَنَنْتُها ترِيدُ بَلَّهُ، فَقاطَعْتُها كُلَّ ذَنُوبٍ على تَمْرَةٍ، فمَدَدْتُ ستَّةَ عَشَرَ ذَنُوبًا حتَّى مَجِلَتْ يَدَايَ، ثُمَّ أتَيْتُها فَعَدَّتْ لي ستَّ عَشْرَةَ تَمْرَةً، فأتَيْتُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرتُهُ فأكَلَ مَعِي

(1)

البناية في شرح الهداية (9/ 288) وحاشية ابن عابدين (9/ 68 - 70).

(2)

البيان للعمراني (7/ 300 - 331) والوسيط للغزالي (4/ 154 - 155).

(3)

تهذيب المدونة (3/ 345) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 510 - 511).

(4)

البحر الزخار (4/ 52).

(5)

البناية في شرح الهداية (6/ 351 - 352).

(6)

البيان للعمراني (7/ 331) وانظر: المغني (8/ 68 - 69).

(7)

البحر الزخار (4/ 151).

ص: 448

مِنْها. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [ضعيف جدًّا]

20/ 2383 - (وَعَنْ أنَسٍ: لمَّا قَدِمَ المُهاجِرُونَ مِنْ مَكَّةَ المَدِينَةَ قَدِمُوا وَلَيْسَ بأيْدِيهِم شَيْء، فَكَانَتِ الأنْصَارُ أهْلَ الأرْضِ وَالعَقار، فَقَاسَمهُمُ الأنْصَارُ على أنْ أعْطَوْهُمْ نِصْفَ ثِمَارِ أمْوَالِهِمْ كُلَّ عامٍ وَيكْفُوهُمُ العَمَل والمَئُونَةَ. أخْرَجاهُ

(2)

. [صحيح]

قالَ البُخارِيُّ

(3)

: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ بالشَّطْرِ، فَكَانَ ذلكَ على عَهْد النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْرٍ وَصَدْرٍ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أن أبا بَكْرٍ وَعُمَرَ جَدّدَا الإِجارَةَ بَعْدَ ما قُبِضَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم). [إسناده صحيح]

حديث علي جود الحافظ

(4)

إسناده، وأخرجه ابن ماجه

(5)

بسند صححه ابن السكن

(6)

.

وأخرج البيهقي

(7)

وابن ماجه

(8)

من حديث ابن عباس بلفظ: "إن عليًا أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة، وعندهما أن عدد التمر سبعة عشر"، وفي إسناده حنش

(9)

راويه عن عكرمة وهو ضعيف.

(1)

في المسند (1/ 135): "إسناده ضعيف لانقطاعه، مجاهد بن جبر لم يسمع عليًا".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 97): وقال: رجاله رجال الصحيح إلا أن مجاهدًا لم يسمع من علي، والله أعلم" اهـ.

(2)

البخاري في صحيحه رقم (2630) ومسلم رقم (70/ 1771).

(3)

في صحيحه رقم (4/ 462 رقم الباب (22) - مع الفتح) معلقًا بصيغة الجزم.

(4)

في "التلخيص"(3/ 134).

(5)

في سننه رقم (2447). وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 192): "هذا إسناد ضعيف لتدليس بقية بن الوليد وضعف شيخه" اهـ.

وهو حديث ضعيف جدًّا.

(6)

كما في "التلخيص"(3/ 134).

(7)

في السنن الكبرى (6/ 119).

(8)

في سننه رقم (2446) وهو حديث صحيح.

(9)

حسين بن قيس الرحبي الواسطي أبو علي ولقبه حنش

قال أحمد: متروك، وقال أبو زرعة وابن معين: ضعيف. الميزان (1/ 546) رقم الترجمة 2043).

ص: 449

قوله: (ذنوبًا) هو الدلو مطلقًا أو التي فيها ماء أو الممتلئة أو التي هي غير ممتلئة، أفاد معنى ذلك في القاموس

(1)

.

وقد قدمنا تحقيقه في أول هذا الشرح.

قوله: (مَجِلَتْ) بكسر الجيم: أي غَلُظَتْ وَتَنفَّطَتْ، وبفتح الجيم: غلُظت فقط.

قال في القاموس

(2)

: مجلت يده كنصر وفرح ومجلًا ومجولًا نَفَطَتْ من العمل فَمرَنَتْ كأمجلَتْ وقد أمجلَها العمل، أو المجل أن يكون بين الجلد واللحم ماء، أو المجلة: جلدة رقيقة يجتمع فيها ماء من أثر العمل.

وحديث علي

(3)

فيه بيان ما كانت الصحابة عليه من الحاجة وشدة الفاقة والصبر على الجوع، وبذل الأنفس وإتعابها في تحصيل القوام من العيش للتكفف عن السؤال وتحمل المنن، وأن تأجير النفس لا يعد دناءة وإن كان المستأجر غير شريف أو كافر والأجير من [أشراف]

(4)

الناس وعظمائهم.

وأورده المصنف للاستدلال به على جواز الإجارة معاددة، يعني أن يفعل الأجير عددًا معلومًا من العمل بعدد معلوم من الأجرة وإن لم يبين في الابتداء مقدار جميع العمل والأجرة.

وحديث أنس

(5)

فيه دليل على جواز إجارة الأرض بنصف الثمرة الخارجة منها في كل عام، وكذلك حديث ابن عمر

(6)

.

وقد تقدم بسط الكلام على إجارة الأرض وما يصح منها وما لا يصح في المزارعة.

[الباب السادس] باب ما يذكر في عقد الإجارة بلفظ البيع

21/ 2384 - (عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِيناءَ عَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ كانَ

(1)

القاموس المحيط ص 110.

(2)

القاموس المحيط ص 1365.

(3)

تقدم برقم (2382) من كتابنا هذا.

(4)

في المخطوط (ب): (الأشراف).

(5)

تقدم برقم (2383) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم بإثر الحديث (2383) من كتابنا هذا.

ص: 450

لَهُ فَضْلُ أرْضٍ فلَيزْرَعْها أوْ لِيُزْرِعْها أخاهُ وَلَا تَبِيعُوها"، قِيلَ لسَعِيدٍ: ما لا تَبِيعُوها؟ يَعْنِي الكِرَاءَ؟ قالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ)

(2)

. [صحيح]

قد تقدم الكلام على ما اشتمل عليه الحديث في المزارعة، وأعاده المصنف ههنا للاستدلال به على صحة إطلاق لفظ البيع على الإجارة وهو مجاز من باب إطلاق الحكم على الشيء وهو لما هو فيه من الأشياء التابعة له كإطلاق البيع هنا على الأرض وهو لمنفعتها.

[الباب السابع] باب الأجير على عمل متى يستحق الأُجْرة وحكم سراية عمله

24/ 2385 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَقُول الله عز وجل: ثَلاثةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ: رَجُلٌ أعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ باعَ حُرًّا وأكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتاجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلْم يُوَفِّهِ أجْرَهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَالبُخارِيُّ)

(4)

. [صحيح]

25/ 2386 - (وَعَنْ أبي هُريْرَةَ في حَدِيثٍ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه يُغْفَرُ لأُمَّتِهِ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ من رَمَضَانَ، قِيلَ: يا رَسُولَ الله أهِيَ لَيْلَةُ القَدْرِ؟ قَالَ: "لا، وَلَكِنِ العامِلُ إنَّما يُوَفّى أجْرَهُ إذَا قَضَى عَمَلَهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(5)

. [إسناده ضعيف جدًّا]

(1)

في المسند (3/ 399).

(2)

في صحيحه رقم (92/ 1536).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (2/ 358).

(4)

في صحيحه رقم (2227).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (2/ 292) إسناده ضعيف جدًّا، هشام بن أبي هشام وهو هشام بن زياد القرشي أبو المقدام متفق على ضعفه.

ومحمد بن محمد بن الأسود - وهو ابن بنت سعد بن أبي وقاص - مجهول الحال.

قلت: وأخرجه البزار رقم (963 - كشف) والبيهقي في "الشعب" رقم (3602).

ص: 451

26/ 2387 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّه عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضامِنٌ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(1)

والنَّسائيُّ

(2)

وَابْنُ ماجَهْ)

(3)

. [حسن]

حديث أبي هريرة الثاني أخرجه أيضًا البزار

(4)

، وفي إسناده هشام بن زياد أبو المقدام

(5)

وهو ضعيف.

وحديث عمرو بن شعيب قال أبو داود

(6)

بعد إخراجه: هذا لم يروه إلا الوليد بن مسلم لا يدرى هو صحيح أم لا؟ وأخرجه النسائي

(7)

مسندًا ومنقطعًا.

وفي الباب عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن"، أخرجه أبو داود

(8)

، وفي إسناده مجهول لا يعلم هل له صحبة أم لا؟

قوله: (ثلاثة أنا خصمهم)، قال ابن التين

(9)

: هو سبحانه وتعالى [خصم]

(10)

لجميع الظالمين، إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح، والخصم يطلق على الواحد والاثنين وعلى أكثر من ذلك.

= وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله عند البيهقي في "الشعب" رقم (3603) وإسناده ضعيف.

(1)

في سننه رقم (4586).

(2)

في سننه رقم (4830).

(3)

في سننه رقم (3466).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(4)

في المسند (رقم 963 - كشف) وقد تقدم.

(5)

هشام بن زياد، أبو مقدام، ضعيف. قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات.

وقال أبو داود: كان غير ثقة. التاريخ الكبير (8/ 199) والمجروحين (3/ 88) والجرح والتعديل (9/ 58) والميزان (4/ 298) والتقريب (2/ 318) والخلاصة ص 409.

(6)

في السنن (4/ 711).

(7)

في سننه رقم (4830) و (4831) وهو حديث حسن.

(8)

في سننه رقم (4587) وهو حديث حسن.

(9)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 418).

(10)

سقط من المخطوط (ب).

ص: 452

وقال الهروي

(1)

: الواحد بكسر أوله.

قال الفراء: الأول قول الفصحاء، ويجوز في الاثنين خصمان، وفي الثلاثة خصوم.

وقوله: "ومن كنت خصمه خصمته"، هذه الزيادة ليست في صحيح البخاري ولكنه أخرجها أحمد

(2)

وابن حبان

(3)

وابن خزيمة

(4)

والإسماعيلي

(5)

.

قوله: (أعطى بي ثم غدر) المفعول محذوف والتقدير أعطى يمينه بي: أي عاهد وحلف بالله ثم لم يف.

قوله: (باع حرًا وأكل ثمنه)، خص الأكل لأنه أعظم مقصود.

وفي رواية لأبي داود

(6)

: "ورجل اعتبد محرره"، وهو أعم من الأول في الفعل وأخص منه في المفعول.

قال الخطابي

(7)

: اعتباد الحر يقع بأمرين: أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحده، والثاني أن يستخدمه كرهًا بعد العتق، والأول أشدهما.

قال في الفتح

(8)

: والأول أشدّ لأن فيه مع كتم الفعل أو جحده العمل بمقتضى ذلك من البيع وأكل الثمن. فمن ثم كان الوعيد عليه أشد.

قال المهلب

(9)

وإنما كان إثمه شديدًا لأن المسلمين أكْفاء بالحرية، فمن باع حرًا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذي أنقذه الله منه.

وقال ابن الجوزي: الحر عبد الله فمن جنى عليه فخصمه سيده.

قال ابن المنذر (9): لم يختلفوا في أن من باع حرًا أنه لا قطع عليه، يعني إذا لم يسرقه من حرز مثله، إلا ما يروى عن علي [رضي الله عنه]

(10)

: "أنه

(1)

في الغريبين (2/ 561 - 562).

(2)

في المسند (2/ 358).

(3)

في صحيحه رقم (7339). وهو حديث صحيح.

(4)

و

(5)

عزاه إليهما الحافظ في الفتح (4/ 418).

(6)

في سننه رقم (593) وهو حديث ضعيف.

(7)

في معالم السنن (1/ 398).

(8)

(4/ 418).

(9)

حكاه الحافظ عنه في "الفتح"(4/ 418).

(10)

في المخطوط (ب): عليه السلام.

ص: 453

[تقطع]

(1)

يد من باع حرًا"، قال: وكان في جواز بيع الحر خلاف قديم ثم ارتفع.

فروي عن علي

(2)

أنَّه قال: من أقرّ على نفسه بأنه عبد فهو عبد.

وروى ابن أبي شيبة

(3)

من طريق قتادة: "أن رجلًا باع نفسه فقضى عمر بأنه عبد وجعل ثمنه في سبيل الله".

ومن طريق زرارة بن أوفى أحد التابعين أنه باع حرًّا في دين.

ونقل ابن حزم

(4)

أن الحر كان يباع في الدين حتى نزلت: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}

(5)

.

ونقل عن الشافعي مثل ذلك، ولا يثبته أكثر أصحابه، وقد استقر الإجماع على المنع.

قوله: (ولم يوفه أجره) هو في معنى من باع حرًّا وأكل ثمنه، لأنه استوفى منفعته بغير عوض فكأنه أكلها، ولأنه استخدمه بغير أجرة فكأنه استعبده.

قوله: (إنما يوفى أجره إذا قضى عمله)، فيه دليل عل أن الأجرة تستحق بالعمل، وأما الملك فعند العترة

(6)

وأبى حنيفة

(7)

وأصحابه أنها تملك بالعقد فتبعها أحكام الملك.

وعند الشافعي

(8)

وأصحابه أنها تستحق بالعقد وهذا في الصحيحة.

وأما الفاسدة فقال في البحر

(9)

: لا تجب بالعقد إجماعًا، وتجب بالاستيفاء إجماعًا.

قوله: (فهو ضامن)، فيه دليل على أن متعاطي الطبّ يضمن ما حصل من الجناية بسبب علاجه

(10)

.

(1)

في المخطوط (ب): (يقطع).

(2)

ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 198).

(3)

في المصنف (7/ 114) بنحوه.

(4)

في المحلى (9/ 17).

(5)

سورة البقرة، الآية:280.

(6)

البحر الزخار (4/ 59).

(7)

البناية في شرح الهداية (9/ 282 - 283).

(8)

البيان العمراني (7/ 295).

(9)

البحر الزخار (4/ 59).

(10)

انظر: "الروضة الندية"(2/ 257 - 258) بتحقيقي. تحت عنوان: (بيان أن من أفسد ما استؤجر عليه أو تلف ما استأجره ضمن).

ص: 454

وأما من علم منه أنه طبيب فلا ضمان عليه وهو من يعرف العلة ودواءها وله مشايخ في هذه الصناعة شهدوا له بالحذق فيها وأجازوا له المباشرة.

* * *

تمَّ ولله الحمد والمنة الجزء العاشر

من

نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار

وبليه:

الجزء الحادي عشر منه

وأوله

الكتاب الثامن عشر: كتاب الوديعة والعارية

ص: 455