الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب الثامن عشر: كتاب الوديعة والعارية
الكتاب التاسع عشر: كتاب إحياء الموات
الباب الأول: باب من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له.
الباب الثاني: باب النهي عن منع فضل الماء.
الباب الثالث: باب الناس شركاء في ثلاث، وشرب الأرض العليا قبل السفلى إذا قلَّ الماء أو اختلفوا فيه.
الباب الرابع: باب الحمى لدواب بيت المال.
الباب الخامس: باب ما جاء في إقطاع المعادن.
السادس: باب إقطاع الأراضي.
الباب السابع: باب الجلوس في الطرقات المتسعة للبيع وغيره.
الباب الثامن: باب من وجد دابة قد سيّبها أهلها رغبة عنها.
الكتاب العشرون: كتاب الغصب والضمانات
الباب الأول: باب النهي عن جده وهزله.
الباب الثاني: باب إثبات غصب العقار.
الباب الثالث: باب تملك زرع الغالب بنفقته وقلع غرسه.
الرابع: باب ما جاء فيمن غصب شاة فذبحها وشواها أو طبخها.
الخامس: باب ما جاء في ضمان المتلف بجنسه.
الباب السادس: باب جناية البهيمة.
الباب السابع: باب دفع الصائل وإن أدى إلى قتله وأن المصول عليه يقتل شهيدًا.
الباب الثامن: باب في أن الدفع لا يلزم المصول عليه ويلزم الغير مع القدرة.
الباب التاسع: باب ما جاءَ في كسر أواني الخمر.
الكتاب الحادي والعشرون: كتاب الشفعة.
الكتاب الثاني والعشرون: كتاب اللقطة.
الكتاب الثالث والعشرون: كتاب الهبة والهدية
الباب الأول: باب افتقار إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس.
الباب الثاني: باب ما جاء في قبول هدايا الكفار والإهداء لهم.
الباب الثالث: باب الثواب على الهدية والهبة.
الباب الرابع: باب التعديل بين الأولاد في العطية والنهي أن يرجع أحد في عطيته إلا الوالد.
الباب الخامس: باب ما جاء في أخذ الوالد من مال ولده.
الباب السادس: باب في العمرى والرقبى.
الباب السابع: باب ما جاء في مصرف المرأة في مالها ومال زوجها.
الباب الثامن: باب ما جاء في تبرع العبد.
الكتاب الرابع والعشرون: كتاب الوقف
الأول: باب يعد من الوقف.
الباب الثاني: باب وقف المشاع والمنقول.
الباب الثالث: باب من وقف أو تصدق على أقربائه، أو وصى لهم من يدخل فيه؟!
الباب الرابع: باب أن الوقف على الولد يدخل فيه ولد الولد بالقرينة لا بالإطلاق.
الباب الخامس: باب ما يصنع بفاضل مال الكعبة.
الكتاب الخامس والعشرون: كتاب الوصايا
الباب الأول: باب الحث على الوصية والنهي عن الحيف فيها، وفضيلة التنجيز حال الحياة.
الباب الثاني: باب ما جاء في كراهة مجاوزة الثلث والإيصاء للوارث.
الباب الثالث: باب في أن تبرعات المريض من الثلث.
الباب الرابع: باب وصية الحربي إذا أسلم ورثته هل يجب تنفيذها.
الباب الخامس: باب الإيصاء بما يدخله النيابة من خلافة وعتاقة ومحاكمة في نسب وغيره.
الباب السادس: باب وصية من لا يعيش مثله.
الباب السابع: باب ولي الميت يقضي دينه إذا علم صحته.
الكتاب السادس والعشرون: كتاب الفرائض
الباب الأول: باب فضل تعلم الفرائض وتعليمها.
الباب الثاني: باب البداية بذوي الفروض وإعطاء العصبة ما بقي.
الباب الثالث: باب سقوط ولد الأب بالإخوة من الأبوين.
الباب الرابع: باب الأخوات مع البنات عصبة.
الباب الخامس: باب ما جاء في ميراث الجدة والجد.
الباب السادس: باب ما جاء في ذوي الأرحام والموالي من أسفل، ومن أسلم على يد رجل وغير ذلك.
الباب السابع: باب ميراث ابن الملاعنة والزانية منهما، وميراثهما منه وانقطاعه من الأب.
الباب الثامن: باب ميراث الحمل.
الباب التاسع: باب الميراث بالولاء.
الباب العاشر: باب النهي عن بيع الولاء وهبته وما جاءَ في السائبة.
الباب الحادي عشر: باب الولاء هل يورث أو يورث به.
الباب الثاني عشر: باب ميراث المعْتق بعضه.
الباب الثالث عشر: باب امتناع الإرث باختلاف الدين وحكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم.
الباب الرابع عشر: باب إن القاتل لا يرث وإن دية المقتول لجميع ورثته من زوجة وغيرها.
لباب الخامس عشر: باب في أن الأنبياء لا يورثون.
الكتاب السابع والعشرون: كتاب العتق
الباب الأول: باب الحث عليه.
الباب الثاني: باب من أعتق عبدًا وشرط عليه خدمة.
الباب الثالث: باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم.
الباب الرابع: باب أن من مثَّل بعبده عتق عليه.
الباب الخامس: باب من أعتق شركًا له في عبد.
الباب السادس: باب التدبير.
الباب السابع: باب المكاتب.
الباب الثامن: باب ما جاء في أم الولد.
[الكتاب الثامن عشر] كتاب الوديعة والعارية
1/ 2388 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيه عَنْ جَدِّه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضَمانَ على مُؤْتَمنٍ"، رَوَاهُ الدّارَقُطْنيُّ)
(1)
[إسناده ضعيف]
الحديث قال الحافظ
(2)
: في إسناده ضعف.
وأخرجه الدارقطني
(3)
من طريق أخرى عنه بلفظ: "ليس على المستعير غير المغلِّ ضمان، ولا على المستودَعِ غيرِ المغلِّ ضمان"، وقال: إنما يروي هذا عن شريح غير مرفوع.
قال الحافظ
(4)
: وفي إسناده ضعيفان.
قوله: (الوديعة) هي في اللغة
(5)
مأخوذة من السكون، يقال: ودع الشيء يدع: إذا سكن، فكأنها ساكنة عند المودع.
وقيل
(6)
: مأخوذة من الدعة، وهي خفض العيش؛ لأنها غير مبتذلة بالانتفاع.
(1)
في السنن (3/ 41) رقم (167).
قال الزيلعي في نصب الراية: (4/ 141): "قال في "التنقيح" (3/ 77): هذا إسناد لا يعتمد عليه، فإن يزيد بن عبد الملك ضعفه أحمد وغيره، وقال النسائي: متروك الحديث، وعبد الله بن شبيب ضعفوه". اهـ.
والحديث أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 289) وضعفه وصحح وقفه على شريح.
(2)
في "الدراية"(2/ 190).
(3)
في السنن (3/ 41) رقم (168)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 91) من طريق الدارقطني.
وقال الدارقطني: عمرو وعبيدة ضعيفان، وإنما يروى عن شريح القاضي غير مرفوع.
وحديث شريح الموقوف أخرجه الدارقطني (3/ 41) رقم (170) والبيهقي (6/ 91) وقال: هذا هو المحفوظ.
(4)
في "التلخيص"(3/ 210).
(5)
لسان العرب (8/ 381) والصحاح (3/ 1296).
(6)
الصحاح (3/ 1296).
وفي الشرع
(1)
: العين التي يضعها مالكها عند آخر ليحفظها، وهي مشروعة إجماعًا.
والعاريَّة بتشديد الياء، قال في النهاية
(2)
: كأنها منسوبة إلى العار، لأن طلبها عار، ويجمع على عواريّ مشددًّا.
وفي الشرع
(3)
: إباحة منافع العين بغير عوض، وهي أيضًا مشروعة إجماعًا
(4)
.
قوله: (لا ضمان على مؤتمن) فيه دليل على أنه لا ضمان على من كان أمينًا على عين من الأعيان كالوديع والمستعير.
أما الوديع فلا يضمن قيل: إجماعًا إلا لجناية منه على العين. وقد حكي في البحر
(5)
الإجماع على ذلك. وتأوّل ما حكي عن الحسن البصري
(6)
أن الوديع لا يضمن إلا بشرط الضمان بأن ذلك محمول على ضمان التفريط لا الجناية المتعمدة، والوجه في تضمينه الجناية أنه صار بها خائنًا، والخائن ضامن لقوله صلى الله عليه وسلم:"ولا على المستودع غير المغلِّ ضمان"، و
(7)
المغِلُّ: هو الخائن، وهكذا يضمن الوديع إذا وقع منه تعدّ في حفظ العين لأنه نوع من الخيانة.
وأما العارية فذهبت العترة
(8)
والحنفية
(9)
والمالكية
(10)
إلى أنها غير مضمونة على المستعير إذا لم يحصل منه تعدّ.
وقال ابن عباس
(11)
وأبو هريرة
(12)
وعطاء
(13)
والشافعي
(14)
وأحمد
(15)
(1)
المغني (9/ 256)، ومدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 17).
(2)
(2/ 271).
(3)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 34).
(4)
المغني (9/ 256).
(5)
البحر الزخار (4/ 168).
(6)
موسوعة فقه الحسن البصري (1/ 167).
(7)
القاموس المحيط (ص 1343).
(8)
البحر الزخار (4/ 127).
(9)
الاختيار (3/ 75)، ومجمع الضمانات (1/ 163).
(10)
حاشية الدسوقي (5/ 146 - 147).
(11)
و
(12)
أخرج خبر ابن عباس، وأبي هريرة عبد الرزاق في "المصنف"(ج 8 رقم 14792) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 90) وابن حزم في "المحلى"(9/ 170).
(13)
عزاه إليه العمراني في "البيان"(6/ 510).
(14)
الروضة للنووي (4/ 431) والمهذب (3/ 397 - 399) والبيان (6/ 510 - 511).
(15)
المغني (7/ 341).
وإسحاق، وعزاه صاحب الفتح
(1)
إلى الجمهور: إنها إذا تلفت في يد المستعير ضمنها إلا فيما إذا كان ذلك على الوجه المأذون فيه.
وعن الحسن البصري
(2)
والنخعي
(3)
والأوزاعي
(4)
وشريح والحنفية
(5)
أنها غير مضمونة وإن شرط الضمان.
وعند العترة
(6)
وقتادة والعنبري: إنه إذ شرط الضمان كانت مضمونة.
وحكي في البحر
(7)
عن مالك والبتِّيُّ أن غير الحيوان مضمون، والحيوان غير مضمون.
واستدل من قال: إنه لا ضمان على غير المتعدي؛ بما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:
"ليس على المستعير غير المغل ضمان"
(8)
، وبقوله:"لا ضمان على مؤتمن"
(9)
، وبما أخرجه ابن ماجه
(10)
عن ابن عمرو بلفظ: "مَنْ أودعَ وديعةً فلا ضمانَ عليه" وفي إسناده المثنى بن الصباح
(11)
وهو متروك، وتابعه ابن لهيعة فيما ذكره البيهقي
(12)
.
(1)
الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(5/ 241).
(2)
موسوعة فقه الحسن البصري (1/ 145)، (167).
(3)
موسوعة فقه إبراهيم النخعي (2/ 731 - 732).
(4)
حكاه عنه العمراني في "البيان"(6/ 511).
(5)
البناية (9/ 175 - 176) ومجمع الضمانات (1/ 163).
(6)
البحر الزخار (4/ 127).
(7)
البحر الزخار (4/ 127)، وحكاه عنهما العمراني في البيان (6/ 511).
(8)
تقدم تخريجه في شرح الحديث (1/ 2388) من كتابنا هذا.
(9)
تقدم تخريجه رقم (1/ 2388) من كتابنا هذا.
(10)
في سننه رقم (2401).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 241 رقم 842/ 2401): "هذا إسناد ضعيف لضعف المثنى، وهو ابن الصباح، والراوي عنه. رواه الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو". اهـ.
(11)
المثنى بن الصباح، أبو عبد الله، قال ابن عدي: الضعف على حديثه بيّن. وعن ابن معين قال: يكتب حديثه ولا يترك.
الميزان (3/ 345) والمجروحين (3/ 20) والتقريب (2/ 228) والخلاصة (ص 369).
(12)
في السنن الكبرى (6/ 289).
وبما أخرجه أبو داود
(1)
، وحسنه الترمذي
(2)
، وصححه ابن حبان
(3)
من حديث أبي أمامة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: "العاريةُ مؤداةٌ والزعيمُ غارمٌ".
وتعقب بأن التصريح بضمان الزعيم لا يدل على عدم ضمان المستعير.
واستدل من قال بالضمان بحديث سمرة الآتي
(4)
.
وبقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}
(5)
.
ولا يخفى أن الأمر بتأدية الأمانة لا يستلزم ضمانها إذا تلفت.
واستدل من فرَّق بين الحيوان وغيره بحديث صفوان الآتي
(6)
.
ولا يخفى أن دلالته على أن غير الحيوان مضمون لا يستفاد منها أن حكم الحيوان بخلافه
(7)
.
(1)
في السنن رقم (3565).
(2)
في السنن رقم (1265)، وقال: هذا حديث حسن غريب.
(3)
في صحيحه رقم (5094)، وصححه الألباني التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (7/ 367 رقم 5072) وفي الصحيحة رقم (611).
(4)
برقم (3/ 2390) من كتابنا هذا.
(5)
سورة النساء، الآية:(58).
(6)
برقم (4/ 2391) من كتابنا هذا.
(7)
إذا قبضَ المستعيرُ العينَ المستعارة، فتلفت في يده، فهل يجبُ عليه ضمانها؟ اختلفَ الناسُ فيها على خمسةِ مذاهب:
(فالمذهب الأول): ذهب الشافعي إلى أنها مضمونة على المستعير، سواءٌ تلِفتْ بتفريطٍ أو بغيرِ تفريط، وسواءٌ شرطَ ضمانَها أو أطلقَ:
ورُوي ذلك عن ابن عباسٍ، وأبي هريرة، وبه قال عطاء، وأحمد وإسحاق.
(والمذهب الثاني): قال ربيعة: العارية مضمونة على المستعير، إلَّا أن تكون حيوانًا، فيموت فلا ضمان.
(والمذهب الثالث): قال مالك، وعثمانُ البتِّيُّ: العاريةُ مضمونة على المستعير، إلا أن يكون حيوانًا، فلا يضمنُهُ بحالٍ سواءٌ ماتَ حتفَ أنفِهِ، أو تلِفَ تحت يد المستعير من غير تفريطٍ بنهبٍ أو غيره.
(والمذهب الرابع): قال قتادةُ، وعبيد اللهِ بنُ الحسن العنبريُّ: إنْ شرَطَ ضمانها
…
كانت مضمونة على المستعيرِ، وإن لم يشرط .. كانت أَمانةً في يده.
(المذهب الخامس): قال شريح، والنخعي، والحسن البصري، والثوري، والأوزاعي، =
2/ 2389 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أدِّ الأمانَةَ إلى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(1)
وَالتِّرْمِذِيّ
(2)
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ). [حسن بشواهد]
الحديث أخرجه أيضًا الحاكم
(3)
وصححه، وفي إسناده طلق بن غنام
(4)
عن شريك.
واستشهد له الحاكم
(5)
بحديث أبي التياح عن أنس. وفي إسناده أيوب بن سويد
(6)
مختلف فيه، وقد تفرد به كما قال الطبراني
(7)
.
وقد استنكر حديث الباب أبو حاتم الرازي
(8)
.
= وأبو حنيفة وأصحابُهُ: العارية أمانة في يد المستعير لا يضمنُها إلا إذا فرط في تلفِها. اهـ.
البيان للعمراني (6/ 510 - 511)، والمغني (9/ 257 - 258).
(1)
في سننه رقم (3535).
(2)
في سننه رقم (1264)، وقال: هذا حديث حسن غريب.
(3)
في المستدرك (2/ 46)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(4)
طلق بن غنام الجمهور على توثيقه كما في تهذيب التهذيب (2/ 246 - 247)، ومال أبو حاتم إلى تضعيف الحديث بضعف طلق بن غنام كما في "العلل"(1/ 375)، ولكن البيهقي مال إلى تضعيف الحديث بضعف شريك وقيس - وهما مختلف فيهما -.
قلت: والخلاصة أن الحديث حسن، لا ينزل عن ذلك، لا سيما بشواهده.
(5)
في المستدرك (2/ 46).
قلت: وأخرج الحديث الدارقطني (3/ 35) رقم (143) وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 102) رقم (974) والطبراني في الكبير (ج 1 رقم 760) وفي الصغير (1/ 171) وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 132) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 271) والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 433) رقم (743).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 144 - 145) وقال: رواه الطبراني في الكبير والصغير، ورجال الكبير ثقات".
وخلاصة القول: أن الحديث حسن وله شواهد وطرق ترفيه إلى درجة الصحة لاختلاف مخارجها ولخلوِّها من متهم (الصحيحة 1/ 784).
(6)
أيوب بن سويد، أبو مسعود الحميري الشيباني الرملي، قال البخاري: يتكلمون فيه.
ضعفه أحمد وغيره. وقال الحافظ: صدوق يخطئ.
التاريخ الكبير (1/ 417) والجرح والتعديل (2/ 249) والميزان (1/ 287) والمغني (1/ 96) والتقريب (1/ 90) والخلاصة (ص 43).
(7)
في المعجم الصغير (1/ 171).
(8)
في العلل (1/ 375).
وأخرجه أيضًا البيهقي
(1)
ومالك.
وفي الباب عن أُبيّ بن كعب عند ابن الجوزي في العلل المتناهية
(2)
، وفي إسناده من لا يعرف. وأخرجه أيضًا الدارقطني
(3)
.
وعن أبي أمامة عند البيهقي
(4)
والطبراني
(5)
بسند ضعيف.
وعن أنس عند الدارقطني
(6)
والطبراني
(7)
والبيهقي
(8)
وأبي نعيم
(9)
.
وعن رجل من الصحابة عند أحمد
(10)
وأبي داود
(11)
والبيهقي
(12)
وفي إسناده مجهول آخر غير الصحابي، لأن يوسف بن ماهك رواه عن فلان عن آخر، وقد صححه ابن السكن
(13)
.
وعن الحسن مرسلًا عند البيهقي
(14)
.
قال الشافعي
(15)
: هذا حديث ليس بثابت.
وقال ابن الجوزي
(16)
: لا يصح من جميع طرقه.
(1)
في السنن الكبرى (10/ 271).
(2)
(2/ 103) رقم (975).
(3)
في السنن (3/ 35) رقم (141).
(4)
في السنن الكبرى (10/ 271).
(5)
في المعجم الكبير (ج 8 رقم 7580).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 145) وقال: "فيه يحيى بن عثمان بن صالح المصري، قال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه". اهـ.
(6)
في السنن (3/ 35) رقم (143) وقد تقدم.
(7)
في المعجم الكبير (ج 1 رقم 760) وفي الصغير (1/ 171) وقد تقدم.
(8)
في السنن الكبرى (10/ 271) وقد تقدم.
(9)
في "الحلية"(6/ 132) وقد تقدم.
وهو حديث حسن.
(10)
في المسند (3/ 414).
(11)
في سننه رقم (3534).
(12)
في السنن الكبرى (10/ 270).
وإسناده ضعيف لإبهام ابن الصحابي الذي روى عنه يوسف. ويوسف هو ابن ماهَك، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.
والخلاصة: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.
(13)
كما في "التلخيص"(3/ 210).
(14)
في "معرفة السنن والآثار"(14/ 381) رقم (20381).
(15)
في الأم (6/ 270).
(16)
في "العلل المتناهية"(2/ 103).
وقال أحمد
(1)
: هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح.
ولا يخفى أن وروده بهذه الطرق المتعددة مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضها وتحسين إمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضًا للاحتجاج
(2)
.
قوله: (ولا تخن من خانك)، فيه دليل على أنه لا يجوز مكافأة الخائن بمثل فعله، فيكون مخصِّصًا لعموم قوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}
(3)
، وقوله تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}
(4)
، وقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}
(5)
.
والحاصل أن الأدلَّة القاضية بتحريم مال الآدمي ودمه وعرضه عمومها مخصص بهذه الثلاث الآيات.
وحديث الباب مخصص لهذه الآيات، فيحرم من مال الآدمي وعرضه ودمه ما لم يكن على طريق المجازاة، فإنها حلال إلا الخيانة فإنها لا تحل.
ولكن الخيانة إنما تكون في الأمانة كما يشعر بذلك كلام القاموس
(6)
فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث، على أنه لا يجوز لمن تعذَّر عليه استيفاء حقه حبس حق خصمه على العموم كما فعله صاحب البحر
(7)
وغيره، إنما يصح الاستدلال به على أنه لا يجوز للإنسان إذا تعذر عليه استيفاء حقه أن يحبس عنده وديعة لخصمه أو عارية، مع أن الخيانة إنما تكون على جهة الخديعة والخفية، وليس محل النزاع من ذلك.
ومما يؤيد الجواز إذنه صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان أن تأخذ لها ولولدها من مال زوجها ما يكفيها كما في الحديث الصحيح
(8)
.
(1)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 210).
(2)
وهو كما قال، فهو حديث حسن وله شواهد وطرق ترقيه إلى درجة الصحة، لاختلاف مخارجها ولخلوِّها من متهم. "الصحيحة"(1/ 784).
(3)
سورة الشورى، الآية:40.
(4)
سورة النحل، الآية:126.
(5)
سورة البقرة، الآية:194.
(6)
القاموس المحيط (ص 1541).
(7)
البحر الزخار (4/ 169)، (3/ 396).
(8)
يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (5364) ومسلم رقم (1714) =
وقد اختلف في مسألة الحبس المذكورة؛ فذهب الهادي
(1)
[عليه السلام]
(2)
إلى أنه لا يجوز مطلقًا لا من الجنس ولا من غيره.
قال المؤيد بالله: إن قول الهادي مسبوق بالإجماع.
وقال الشافعي
(3)
والمنصور
(4)
بالله: يجوز من الجنس وغيره.
وقال أبو حنيفة
(5)
والمؤيد
(6)
بالله: يجوز من الجنس فقط.
وقال الإمام يحيى
(7)
: يجوز من الجنس ثم من غيره لتعذره دينًا.
قال في البحر
(8)
بعد حكاية الخلاف: قلت: الأقرب اشتراط الحاكم حيث يمكن للخبر، يعني حديث الباب، فإن تعذر جاز الحبس وغيره لئلا تضيع الحقوق ولظواهر الآي.
3/ 2390 - (وَعَنِ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "على اليَدِ ما أخَذَتْ حتَّى تُؤَدّيَهُ"، رَوَاهُ الخَمْسَةَ إلَّا النَّسائيّ
(9)
، زَادَ أَبُو دَاوُدَ
(10)
وَالتِّرْمِذِيِّ
(11)
: قالَ قَتادَةُ: ثُمَّ نَسِيَ الحَسَنُ فَقَالَ: هُو أمِينُكَ لا ضَمانَ عَلَيْهِ؛ يَعْنِي العارِيةَ). [ضعيف]
الحديث صححه الحاكم
(12)
، وسماع الحسن من سمرة فيه خلاف مشهور
= وأبو داود رقم (3533) والنسائي (8/ 246 - 247) والدارمي (2/ 159) والبيهقي (7/ 466) وأحمد (6/ 39، 50، 206) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، به.
قلت: وانظر مناقشة هذه المسألة في "الأم"(6/ 267 - 270) فهي مفيدة ولولا طولها لنقلتها لك.
(1)
البحر الزخار (3/ 396).
(2)
ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).
(3)
في الأم (6/ 270).
(4)
البحر الزخار (3/ 396).
(5)
المبسوط للسرخسي (11/ 128).
(6)
البحر الزخار (4/ 175).
(7)
البحر الزخار (3/ 396).
(8)
(3/ 396).
(9)
أحمد في المسند (5/ 8، 12، 13) وأبو داود رقم (3561) والترمذي رقم (1266) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (2400).
قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى (3/ 411) رقم (5783/ 3) ط: دار الكتب العلمية.
(10)
في السنن رقم (3561) وقد تقدم.
(11)
في السنن رقم (1266) وقد تقدم.
(12)
في المستدرك (2/ 47) وقال: صحيح الإسناد على شرط البخاري. =
قد تقدم
(1)
.
وفيه دليل على أنه يجب على الإنسان رد ما أخذته يده من مال غيره بإعارة أو إجارة أو غيرهما حتى يرده إلى مالكه، وبه استدل من قال بأن الوديع والمستعير ضامنان.
وقد تقدم الخلاف في ذلك، وهو صالح للاحتجاج به على التضمين، لأن المأخوذ إذا كان على اليد الآخذة حتى تردّه، فالمراد أنه في ضمانها كما يشعر به لفظ (على) من غير فرق بين مأخوذ ومأخوذ.
وقال المقبلي في المنار
(2)
: "يحتجُّون بهذا الحديث في مواضع على التَّضمين ولا أراه صريحًا، لأنَّ اليد الأمينة - أيضًا - عليها ما أخذت حتَّى تَرُدَّ، وإلَّا فليست بأمينة:
ومُسْتَخْبرٍ عن سِرِّ ليلى تَرَكْتُهُ
…
بعمياءَ مِنْ ليلى بغيرِ يقينِ
يقولونَ خَبِّرْنا فأَنتَ أَمِيْنُهَا
…
وَمَا أَنَا إِنْ خَبَّرْتُهُمْ بأمينِ
إنَّما كلامنا: هل يضمنها لو تلفت بغير جنايةٍ؟ وليس الفرق بين المضمون وغير المضمون إلَّا هذا.
وأمَّا الحفظ فمشترك وهو الذي تفيده (على)، فعلى هذا لم ينسَ الحسن - كما زعم قتادة - حين قال:"هو أمينك لا ضمان عليه" بعد رواية الحديث. اهـ.
ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من قلة الجدوى وعدم الفائدة.
وبيان ذلك أن قوله: لأن اليد الأمينة عليها ما أخذت حتى تردّ وإلا فليست
= وتعقبه الألباني في "الإرواء"(5/ 349) بقوله: "هو صحيح على شرط البخاري لو أن الحسن صرَّح بالتحديث عن سمرة، فقد أخرج البخاري عنه به حديث العقيقة، أما وهو لم يصرح به، بل عنعنه وهو مذكور في المدلسين، فليس الحديث إذن بصحيح الإسناد، وقد جرت عادة المحدثين إعلال هذا الإسناد بقولهم: والحسن مختلف في سماعه من سمرة، وبهذا أعله الحافظ في "التلخيص" (3/ 117). اهـ.
وخلاصة القول: أن حديث سمرة حديث ضعيف. والله أعلم.
(1)
انظر: "سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام"(5/ 172 - 173) بتحقيقي ط (5).
(2)
في "المنار في المختار من جواهر البحر الزخار"، للعلامة صالح بن مهدي المقبلي (2/ 135).
بأمينة، يقتضي الملازمة بين عدم الردّ وعدم الأمانة، فيكون تلف الوديعة والعارية بأيّ وجه من الوجوه قبل الردّ مقتضيًا لخروج الأمين عن كونه أمينًا وهو ممنوع، فإن المقتضي لذلك إنما هو التلف بخيانة أو جناية، ولا نزاع في أن ذلك موجب للضمان.
إنما النزاع في تلف لا يصير به الأمين خارجًا عن كونه أمينًا؛ كالتلف بأمر لا يطاق دفعه أو بسبب سهو أو نسيان أو بآفة سماوية أو سرقة أو ضياع بلا تفريط فإنه يوجد التلف في هذه الأمور مع بقاء الأمانة.
وظاهر الحديث يقتضي الضمان، وقد عارضه ما أسلفنا.
وقال في ضوء النهار
(1)
: إن الحديث إنما يدلّ على وجوب تأدية غير التالف والضمان عبارة عن غرامة التالف. اهـ.
ولا يخفى أن قوله في الحديث: "على اليد ما أخذت"[من المقتضي]
(2)
الذي يتوقف فهم المراد منه على مقدر وهو: إما الضمان أو الحفظ أو التأدية، فيكون معنى الحديث على اليد ضمان ما أخذت أو حفظ ما أخذت أو تأدية ما أخذت، ولا يصح هاهنا تقدير التأدية، لأنه قد جعل قوله:"حتى تؤديه" غاية لها، والشيء لا يكون غاية لنفسه.
وأما الضمان والحفظ فكل واحد منهما صالح للتقدير، ولا يقدران معًا لما تقرّر من أن المقتضي لا عموم له، فمن قدّر الضمان أوجبه على الوديع والمستعير، ومن قدّر الحفظ أوجبه عليهما ولم يوجب الضمان إذا وقع التلف مع الحفظ المعتبر.
وبهذا تعرف أن قوله إنما يدل الحديث على وجوب التأدية لغير التالف ليس على ما ينبغي، وأما مخالفة رأي الحسن لروايته فقد تقرر في الأصول
(3)
أن العمل بالرواية لا بالرأي.
(1)
"ضوء النهار المشرق على صفحات الأزهار" للعلامة الحسن بن أحمد الجلال (2/ 1645).
وانظر كلام العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في: "منحة الغفار على ضوء النهار"[2/ 1645 رقم التعليقة (3)].
(2)
في المخطوط (ب): (والمقتضي).
(3)
قال الشافعي: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن =
4/ 2391 - (وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعارَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أدْرُعًا، فَقالَ: أغَصبًا يا مُحَمَّدُ؟ قالَ: "بَلْ عارِيةٌ مَضمُونَةٌ"، قالَ: فَضَاعَ بَعْضُها، فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَضْمَنها لَهُ: فَقَالَ: أنا اليَوْمَ فِي الإسْلامِ أرْغَبُ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
، وأبَو دَاوُدَ)
(2)
. [حسن لغيره]
5/ 2392 - (وَعَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قَالَ: كانَ فَزَعٌ بالمَدِينَة، فاسْتَعارَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا مِنْ أبي طَلْحَةَ يُقال لَهُ: المَنْدُوبُ، فَرَكِبَهُ، فَلَمّا رَجَعَ قالَ: "ما رأيْنا مِنْ شَيْءٍ وَإنْ وَجَدْناهُ لَبَحْرًا". مُتَّفَقٌ عَلَيه)
(3)
. [صحيح]
حديث صفوان أخرجه أيضًا النسائي
(4)
والحاكم
(5)
، .....................................
= يدعها لقول أحد من الناس. [إعلام الموقعين (2/ 282): دار الجيل].
وقال الأوزاعي: عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول. [الشريعة للآجري (ص 53) ط: دار الكتب العلمية]. وانظر: الرسالة للشافعي (ص 425).
(1)
في المسند (1/ 403)، (6/ 465).
(2)
في سننه رقم (3562).
قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 39) رقم (161) والحاكم في المستدرك (2/ 47) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 89).
وللحديث شاهدان يرتقي بهما إلى الحسن.
الأول: من حديث جابر: أخرجه الحاكم (3/ 48، 49) وعنه البيهقي (6/ 89).
والثاني: من حديث ابن عباس: أخرجه الحاكم (2/ 47) وصححه على شرح مسلم ووافقه الذهبي، وأخرجه الدارقطني (3/ 38) رقم (157) والبيهقي (6/ 88).
وفي سنده: إسحاق بن عبد الواحد القرشي متروك الحديث. وقال الذهبي في الميزان (1/ 194) رقم (773): "واهٍ".
وخلاصة القول: أن الحديث حسن بشواهده [وانظر: الصحيحة رقم (631)].
(3)
أحمد في المسند (3/ 180) والبخاري رقم (2627) ومسلم رقم (49/ 2307).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (4988) والترمذي رقم (1685) وابن ماجه رقم (2772) والبيهقي (6/ 88) والبغوي في شرح السنة رقم (2160).
وهو حديث صحيح.
(4)
في السنن الكبرى (3/ 409 - 410) رقم (3/ 5778) - ط: دار الكتب العلمية - من مرسلات عطاء.
(5)
في المستدرك (2/ 47) وقد تقدم.
وأورد له
(1)
شاهدًا من حديث ابن عباس ولفظه: "بل عارية مؤدّاة".
وفي رواية لأبي داود
(2)
: "إن الأدراع كانت ما بين الثلاثين إلى الأربعين".
ورواه البيهقي
(3)
عن أمية بن صفوان مرسلًا، وبيّن أن الأدراع كانت ثمانين.
ورواه الحاكم
(4)
من حديث جابر، وذكر أنها مائة درع.
وأعلّ ابن حزم
(5)
وابن القطان
(6)
طرق هذا الحديث.
قال ابن حزم
(7)
: أحسن ما فيها حديث يعلى بن أمية، وقد تقدم في كتاب الوكالة
(8)
.
قوله: (أغصبًا) معمول لفعل مقدّر هو مدخول الهمزة: أي أتأخذها غصبًا لا تردّها علي؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم بقوله: "بل عارية مضمونة".
فمن استدلّ بهذا الحديث على أن العارية مضمونة جعل لفظ (مضمونة) صفة كاشفة لحقيقة العارية: أي أن شأن العارية الضمان.
ومن قال: إن العارية غير مضمونة، جعل لفظ (مضمونة) صفة مخصصة: أي أستعيرها منك عارية متصفة بأنها مضمونة لا عارية مطلقة عن الضمان.
قوله: (فعرض عليه أن يضمنها)، فيه دليل على أن الضياع من أسباب الضمان، لا على أن مطلق الضياع تفريط وأنه يوجب الضمان على كل حال لاحتمال أن يكون تَلَفُ ذلك البعض وقع فيه تفريط.
(1)
أي: الحاكم في المستدرك (2/ 47)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(2)
في السنن رقم (3563)، وهو حديث صحيح.
(3)
في السنن الكبرى (6/ 89).
(4)
في المستدرك (3/ 48 - 49) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
قلت: بل في سنده إسحاق بن عبد الواحد القرشي متروك الحديث، وقال الذهبي في الميزان (1/ 194) رقم (773):"واهٍ".
وهو حديث حسن لغيره وقد تقدم.
(5)
المحلى (9/ 171 - 173).
(6)
بيان الوهم والإيهام (3/ 302، 533).
(7)
المحلى (9/ 173).
(8)
تقدم برقم (2349) من كتابنا هذا.
قوله: (فزع) أي: خوف من عدوّ، وأبو طلحة المذكور هو زيد بن سهل زوج أمّ أنس.
قوله: (يقال له: المندوب)، قيل: سمي بذلك من الندب، وهو الرهن عند السباق
(1)
.
وقيل: لنَدْب كان في جسمه
(2)
، وهو أثر الجرح.
قوله: (وإن وجدناه لبحرًا) قال الخطابي
(3)
: (إن) هي النافية واللام بمعنى إلا: أي ما وجدناه إلا بحرًا.
قال ابن التين
(4)
: هذا مذهب الكوفيين. وعند البصريين أن (إن) مخففة من الثقيلة واللام زائدة.
قال الأصمعي
(5)
: يقال للفرس: بحر إذا كان واسع الجري أو لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر، ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري
(6)
بلفظ: "فكان بعد ذلك لا يجارى".
6/ 2393 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: كُنَّا نَعُدّ المَاعُونَ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عارِيَةً الدَّلْوَ وَالقِدْرَ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(7)
[حسن]
(1)
القاموس المحيط (ص 175).
(2)
القاموس المحيط (ص 275).
(3)
في أعلام الحديث (2/ 1288).
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 241).
(5)
حكاه عنه الخطابي في معالم السنن (5/ 263 - مع السنن).
(6)
في صحيحه رقم (2867).
(7)
في سننه رقم (1657).
قال الألباني في "صحيح أبي داود"(5/ 354): "هذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ إلا أنهما أخرجا لعاصم - بن أبي النجود - متابعةً".
والحديث أخرجه البيهقي (4/ 183) من طريق المصنف، ومن طريق شيبان عن عاصم .. به.
وأخرجه ابن جرير (30/ 204 - 206) من هذا الوجه، ومن وجوه أخرى صحيحة عن ابن مسعود .. أتم منه". اهـ.
وأورده الحافظ في الفتح (8/ 731) عن أبي داود والنسائي، وقال: وإسناده صحيح إلى ابن مسعود.
وخلاصة القول: أن حديث ابن مسعود حديث حسن، والله أعلم.
الحديث سكت عنه أبو داود
(1)
، وحسَّنه المنذري
(2)
.
وروي عن ابن مسعود
(3)
، وابن عباس
(4)
أنهما فسَّرا قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}
(5)
أنه متاع البيت الذي يتعاطاه الناس بينهم، من الفأس والدلو والحبل والقِدر، وما أشبه ذلك.
وعن عائشة
(6)
: الماعون: الماء والنار والملح، وقيل الماعون: الزكاة
(7)
.
قال الشاعر
(8)
:
قومٌ على الإسلامِ لمَّا يَمْنَعُوا
…
ماعُونَهُمْ ويُضَيِّعُوا التَّهليلا
قال في الكشاف
(9)
: وقد يكون منع هذه الأشياء محظورًا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار، وقبيحًا في المروءة في غير حال الضرورة.
وأخرج أبو داود
(10)
والنسائي
(11)
عن بُهَيْسة - بضم الموحدة وفتح الهاء وسكون الياء التحتية بعدها سين مهملة - الفزارية عن أبيها قالت: "استأذن أبي
(1)
في السنن (2/ 302).
(2)
وسكت المنذري عنه في "المختصر"(2/ 247) أيضًا.
(3)
أخرجه البيهقي (6/ 88) وابن جرير الطبري في "جامع البيان"(15/ ج 30/ 316 - 318) من طرق عنه.
(4)
أخرجه البيهقي (6/ 88) وابن جرير الطبري في "جامع البيان"(15/ ج 30/ 318 - 319) من طرق عنه.
(5)
سورة الماعون، الآية:7.
(6)
أخرجه ابن ماجة في السنن رقم (2474) وهو حديث ضعيف. انظر: الضعيفة رقم (120).
(7)
أخرجه ابن جرير الطبري في "جامع البيان"(15/ ج 30/ 314 - 316) عن علي بن أبي طالب، وابن عمر، وسعيد بن جبير، والضحاك، والحسن، وقتادة، وابن الحنفية.
(8)
وهو عبيد الراعي، وانظر ديوانه (ص. 23).
وحكاه عنه الأزهري في "تهذيب اللغة"(5/ 368).
(9)
للزمخشري (6/ 444).
(10)
في سننه رقم (1669) و (3476).
(11)
في السنن الكبرى ببعضه - كما في تحفة الأشراف (11/ 229) من طريق النضر بن شُميل.
وهو حديث ضعيف.
النبيّ صلى الله عليه وسلم فدخل بينه وبين قميصه، فجعل يقبله ويلتزم، ثم قال: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحلّ منعه؟ قال:"الماء"، قال: يا نبي الله، ما الشيء الذي لا يحلّ منعه؟ قال:"الملح"، قال: يا نبي الله، ما الشيء الذي لا يحلّ منعه؟ قال:"إن تفعل الخير خير لك"".
وسيأتي حديث بُهَيْسة هذا في باب إقطاع المعادن من كتاب إحياء الموات
(1)
.
وروى ابن أبي حاتم
(2)
عن قرة بن دعموص النميري: "أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فقالوا]
(3)
: يا رسول الله ما تعهد إلينا؟ قال: "لا تمنعوا الماعون"، قالوا: يا رسول الله، وما الماعون؟ قال:"في الحجر والحديد وفي الماء"، قالوا: فأي الحديد؟ قال: "قدوركم النحاس وحديد الفأس الذي تمتهنون به"، قالوا: وما الحجر؟ قال: "قدروكم الحجارة"، وهذا حديث غريب.
وروي عن عكرمة
(4)
: "أن رأس الماعون زكاة المال، وأدناه المنخل والدلو والإبرة".
وروى ابن أبي حاتم
(5)
أن الماعون: العواري وأصل الماعون من المعن: وهو الشيء القليل، فسميت الزكاة ماعونًا لأنها قليل من كثير، وكذلك الصدقة وغيرها.
وهذه التفاسير ترجع كلها إلى شيء واحد وهو المعاونة بمال أو منفعة، ولهذا قال محمد بن كعب
(6)
: الماعون: المعروف.
(1)
يأتي برقم (2413) من كتابنا هذا.
(2)
في تفسيره (10/ 3469) رقم (19503).
وأورده السيوطي في "الدر المنثور"(8/ 645) وابن كثير في تفسيره (14/ 474)، وقال: غريب جدًّا، ورفعه منكر. وفي إسناده من لا يعرف.
(3)
في المخطوط (ب): (وقالوا).
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3469) رقم (19505).
(5)
لم أقف عليه عند ابن أبي حاتم في تفسيره. بل عزاه إليه الحافظ ابن كثير في تفسيره (14/ 473).
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3469) رقم (19506). =
وفي الحديث
(1)
: "كل معروف صدقة".
7/ 2394 - (وَعَنْ عائِشَةَ أنَّهَا قالَتْ، وَعَلَيْها دِرعٌ قِطْرِيٌّ ثَمَنَ خَمْسَة دَرَاهِمَ: كانَ لي مِنْهُنَّ دِرعٌ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَمَا كانتِ امْرأةٌ تَقَيَّنُ بالمَدينَةِ إلَّا أرْسَلَتْ إليَّ تَسْتَعِير. رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وَالبُخارِيُّ)
(3)
. [صحيح]
قوله: (درع) الدرع قميص المرأة، وهو مذكر.
قال الجوهري
(4)
: ودرع الحديد مؤنثة، وحكى أبو عبيدة
(5)
أنه أيضًا يذكر ويؤنث.
قوله: (قِطريٌّ) بكسر القاف وسكون المهملة بعدها راء.
وفي رواية المستملي
(6)
والسرخسي (6) بضم القاف وسكون المهملة وآخره نون، والقِطْريُّ نسبة إلى القِطْر: وهي ثياب من غليظ القطن وغيره.
وقيل: من القطن خاصَّة تعرف بالقطرية فيها حمرة.
قال الأزهري
(7)
: الثياب القطرية منسوبة إلى قطر، قرية من البحرين، فكسروا القاف للنسب وخففوا.
قوله: (ثمن خمسة دراهم) بنصب ثمن بتقدير فعل وخمسة بالخفض على الإضافة أو برفع ثمن وخمسة على حذف الضمير، والتقدير ثمنه خمسة. وروي
= وأورده السيوطي في "الدر المنثور"(8/ 645).
(1)
أخرجه أحمد في المسند (5/ 397) والبخاري في الأدب المفرد رقم (233) وأبو داود رقم (4947) وأبو الشيخ في "الأمثال" رقم (35) عن حذيفة - قال ابن جعفر: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال نبيكم صلى الله عليه وسلم: "كلُّ معروفٍ صدقةٌ" وهو حديث صحيح.
وأخرج البخاري في صحيحه رقم (6021) من حديث جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كلُّ معروف صدقة".
(2)
لم يخرجه أحمد في المسند، ولم يذكره ابن حجر في أطراف المسند.
(3)
في صحيحه رقم (2628).
(4)
في "الصحاح"(3/ 1206).
(5)
حكاه عنه الأزهري في تهذيب اللغة (2/ 202) والجوهري في الصحاح (3/ 1206).
(6)
حكاه عنهما الحافظ في "الفتح"(5/ 242).
(7)
في تهذيب اللغة (16/ 215).
بضم أوله وتشديد الميم على لفظ الماضي ونصب خمسة على نزع الخافض: أي قوّم بخمسة دراهم.
قوله: (تقيّن) بالقاف والتحتانية المشدّدة: أي: تزين، من قان الشيء قيانة: أي أصلحه، والقينة
(1)
[يقال]
(2)
للماشطة وللمغنية.
وحكى ابن التين
(3)
أنه روى (تفنن) بالفاء: أي تعرض وتجلى على زوجها.
قال في الفتح
(4)
: ولم يضبط ما بعد الفاء. قال: ورأيته بخط بعض الحفاظ بمثناة فوقية.
قال ابن الجوزي
(5)
: أرادت عائشة أنهم كانوا أولًا في حال ضيق فكان الشيء المحتقر عندهم إذ ذاك عظيم القدر.
وفي الحديث أن عارية الثياب للعرس أمر معمول به مرغب فيه وأنه لا يعد من التشبع.
8/ 2395 - (وَعَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ وَلا بَقَرٍ وَلا غَنَمٍ لا يؤَدِّي حَقَّها إلَّا أُقْعِد لهَا يَوْمَ القِيامَةِ بِقاعٍ قَرْقَرٍ تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بظِلْفِها، وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ القَرْنِ لَيْسَ فيها يَوْمِئِذٍ جَمَّاءُ، وَلا مَكْسُورَةُ القَرْنِ"، قُلْنا: يا رَسُولَ الله وَما حَقُّها؟ قالَ: "إطْرَاقُ فَحْلِها، وَإِعارَةُ دَلْوِها، وَمِنْحَتُها، وَحَلْبُها على المَاءِ، وَحَمْلٌ عَلَيْها في سَبِيلِ الله"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(6)
وَمُسْلِمُ)
(7)
. [صحيح]
الحديث قد سبق شرح بعض ألفاظه في أول كتاب الزكاة
(8)
.
(1)
القَيْنَة: الأمة غَنَّتْ أو لم تغنِّ، والماشطة، وكثيرًا ما تطلق على المغنية من الإماء، وجمعها: قَيْنات. النهاية (2/ 511).
وانظر: المجموع المغيث (2/ 774).
(2)
في المخطوط (ب): (تقال).
(3)
حكاه الحافظ في "الفتح"(5/ 242) عنه.
(4)
(5/ 242).
(5)
في كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/ 394 - 395) له.
(6)
في المسند (3/ 321).
(7)
في صحيحه رقم (28/ 988).
(8)
خلال شرح الحديث رقم (2/ 1531) من كتابنا هذا.
قوله: (إطراق فحلها)، أي: عارية الفحل لمن أراد أن يستعيره من مالكه ليطرق به على ماشيته.
قوله: (وإعارة دلوها)، أي: من حقوق الماشية أن يعير صاحبها الدلو الذي يسقيها به إذا طلبه منه من يحتاج إليه.
قوله: (ومنحتها) بالنون والمهملة، والمنحة في [الأصل]
(1)
: العطية.
قال أبو عبيدة
(2)
: المنحة عند العرب على وجهين:
(أحدهما): أن يعطي الرجل صاحبه فيكون له.
(والآخر): أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنًا ثم يردها، والمراد بها هنا عارية ذوات الألبان ليؤخذ لبنها ثم ترد لصاحبها.
قال القزاز
(3)
: قيل: لا تكون المنيحة إلا ناقة أو شاة، والأول أعرف.
قوله: (وحلبها على الماء) بالحاء المهملة في جميع الروايات.
وأشار الداودي
(4)
إلى أنه روي بالجيم، [وقال]
(5)
: أراد أنها تساق إلى موقع سقيها.
وتعقب بأنه لو كان كذلك لقال: وجلبها إلى الماء لا على الماء، وإنما المراد حلبها هناك لنفع من يحضر من المساكين.
قوله: (حمل عليها) إلخ، أي: من حقها أو يبذلها المالك لمن أراد أن يستعيرها لينتفع بها في الغزو.
(1)
في المخطوط (ب): (أصل).
(2)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) ولعل الصواب: أبو عبيد؛ كما في غريب الحديث (1/ 192) لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي. وكذلك - حكاه الأزهري في تهذيب اللغة (5/ 119) عن أبي عبيد، وأيضًا الحافظ في "الفتح"(5/ 243) حكاه عن أبي عبيد. والله أعلم.
(3)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 243).
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 244).
(5)
في المخطوط (ب): (فقال).
[الكتاب التاسع عشر] كتاب إحياء الموات
[الباب الأول] من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له
1/ 2396 - (عَنْ جابرٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أحْيا أرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ" رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَالتِّرْمِذِي
(2)
وَصحَّحَهُ. [صحيح]
وفِي لَفْظ
(3)
: "مَنْ أحاطَ حائِطًا على أرْضٍ فَهِيَ لَهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وأَبو دَاوُدَ
(5)
. [ضعيف]
ولأحَمدَ
(6)
مثْلُهُ مِنْ رِوَايَة سَمُرَةَ).
2/ 2397 - (وَعَنْ سَعِيد بْنِ زيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحْيا أرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْس لِعِرقٍ ظالمٍ حقّ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(7)
وأبُو دَاوُدَ
(8)
وَالتِّرْمِذِيّ)
(9)
. [صحيح]
(1)
في المسند (3/ 313، 327، 381).
(2)
في سننه رقم (1379) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(3)
هذا اللفظ إنما هو من حديث سمرة، وليس كما يبدو من صنيع المؤلف أنه من رواية حديث جابر.
(4)
في المسند (5/ 12، 21).
(5)
في سننه رقم (3077).
وهو حديث ضعيف.
(6)
تقدم تخريجه في التعليقتين السابقتين.
(7)
لم أقف عليه عند أحمد من حديث سعيد بن زيد.
(8)
في سننه رقم (3073).
(9)
في سننه رقم (1378)، وقال: حديث حسن غريب، وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. =
3/ 2398 - (وَعَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمَرَ أرْضًا لَيْسَتْ لأحَدٍ فَهُوَ أحَقّ بِها"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَالبُخارِي)
(2)
. [صحيح]
4/ 2399 - (وَعَنْ أسَمَر بْنِ مُضَرسٍ قالَ: أتَيْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَبايَعْتُهُ، فَقالَ: "مَنْ سَبَقَ إلى ما لَمْ يَسْبِق إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ". قالَ: فَخَرَجَ النَّاسُ يَتَعادَوْنَ يَتَخاطَّوْنَ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(3)
. [ضعيف]
حديث جابر أخرجه بنحوه النسائي
(4)
وابن حبان
(5)
.
وحديث سمرة أخرجه أيضًا أبو داود
(6)
والطبراني
(7)
والبيهقي
(8)
وصححه ابن الجارود
(9)
، وهو من رواية الحسن عنه، وفي سماعه منه خلاف ولفظه:"من أحاط حائطًا على أرض فهي له".
وحديث سعيد أخرجه أيضًا النسائي
(10)
وحسنه الترمذي
(11)
وأعله بالإرسال فقال: وروي مرسلًا، ورجح الدارقطني
(12)
إرساله أيضًا.
= قلت: وأخرجه مالك (2/ 743) رقم (26) عن هشام به مرسلًا.
وكذلك أخرجه أبو عبيد في "الأموال" رقم (704) والبيهقي (6/ 142) من طرق أخرى عن هشام به.
ويشهد له ما تقدم وما يأتي في الباب فهو بها صحيح، والله أعلم.
انظر: إرواء الغليل رقم (1520).
(1)
في المسند (6/ 120).
(2)
في صحيحه رقم (2335).
وهو حديث صحيح.
(3)
في سننه رقم (3071).
قال المنذري: غريب، وقال أبو القاسم البغوي: ولا أعلم بهذا الإسناد حديثًا غير هذا.
وهو حديث ضعيف.
(4)
في السنن الكبرى رقم (5759 - ط دار الكتب العلمية).
(5)
في صحيحه رقم (5202).
(6)
في سننه رقم (3077) وقد تقدم.
(7)
في المعجم الكبير رقم (6863) و (6864).
(8)
في السنن الكبرى (6/ 142).
(9)
في المنتقى رقم (1015).
(10)
في السنن الكبرى رقم (5761 - ط دار الكتب العلمية).
(11)
في السنن (3/ 663).
(12)
في "العلل"(4/ 415).
وقد اختلف مع ترجيح الإرسال من هو الصحابي الذي روي من طريقه؟ فقيل: جابر، وقيل: عائشة، وقيل: عبد الله بن عمر، ورجح الحافظ
(1)
الأول، وقد اختلف فيه على هشام بن عروة اختلافًا كثيرًا.
رواه أبو داود الطيالسي
(2)
من حديث عائشة، وفي إسناده زمعة وهو ضعيف.
ورواه ابن أبي شيبة
(3)
وإسحاق بن راهويه
(4)
في مسنديهما من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، وعلقه البخاري
(5)
.
وحديث أسمر بن مُضَرِّس صححه الضياء في المختارة
(6)
.
وقال البغوي
(7)
: لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث.
قوله: (من أحيا أرضًا ميتة) الأرض الميتة: هي التي لم تعمر، شبهت عمارتها بالحياة وتعطيلها بالموت، والإحياء أن يعمد شخص إلى أرض لم يتقدم ملك عليها لأحد فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه
(1)
في "التلخيص"(3/ 139).
(2)
في مسنده رقم (1440) بسند ضعيف لضعف زمعة، وقد توبع على بعضه.
(3)
في المصنف (7/ 74) عن هشام عن أبيه مرسلًا.
(4)
لم أقف عليه في مسند عائشة عند إسحاق بن راهويه.
وقد عزاه الحافظ في "الفتح"(5/ 19) إلى إسحاق بن راهويه، ثم قال عقبه: "وهو عند الطبراني، ثم البيهقي، وكثير هذا ضعيف. وليس لجده عمرو بن عوف في البخاري سوى هذا الحديث، وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدري الآتي حديثه في الجزية وغيرها. وليس له أيضًا عنده غيره
…
". اهـ.
(5)
في صحيحه (5/ 18 رقم الباب (15) - مع الفتح) تعليقًا.
(6)
للمقدسي (4/ 227 - 228) رقم (1434) وقال محققه: "وفي إسناده من لا يعرف حاله .. والحديث في المعجم الكبير (ج 1 رقم 814). ورواه البخاري في "التاريخ الكبير (2/ 62) عن بندار، به. وقال عقب الحديث: قال محمد بن بشار: يعني من الخِطط.
ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (7/ 73) عن محمد بن بشار، به.
ورواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة"(2/ 427) رقم (1049) من طريق بندار، به.
وذكره ابن حجر في "الإصابة"(1/ 39) ونسبه لأبي داود وقال: إسناده حسن". اهـ.
(7)
في شرح السنة (8/ 281). وحكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 139).
كما يدل عليه أحاديث الباب، وبه قال الجمهور
(1)
.
وظاهر الأحاديث المذكورة أنه يجوز الإحياء سواء كان بإذن الإمام أو بغير إذنه.
وقال أبو حنيفة
(2)
: لا بد من إذن الإمام.
وعن مالك
(3)
: يحتاج إلى إذن الإمام فيما قرب مما لأهل القرية إليه حاجة من مرعى ونحوه، وبمثله قالت الهادوية
(4)
.
قوله: (من أحاط حائطًا)، فيه أن التحويط على الأرض من جملة ما يستحق به ملكها، والمقدار المعتبر ما يسمى حائطًا في اللغة.
قوله: (وليس لعرق ظالم حق)، قال في الفتح
(5)
: رواية الأكثر بتنوين (عرق) و (ظالم) نعت له، وهو راجع إلى صاحب العرق: أي ليس لذي عرق ظالم أو إلى العرق: أي ليس لعرق ذي ظالم.
ويروى بالإضافة ويكون الظالم صاحب العرق، ويكون المراد بالعرق الأرض، وبالأول جزم مالك والشافعي
(6)
والأزهري
(7)
وابن فارسٍ
(8)
وغيرهم
(9)
، وبالغ الخطابي
(10)
فغلط رواية الإضافة.
وقال ربيعة
(11)
: العرق الظالم يكون ظاهرًا ويكون باطنًا، فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار أو استخرجه من المعادن، والظاهر ما بناه أو غرسه.
(1)
المغني (8/ 146).
(2)
المبسوط للسرخسي (23/ 181) والاختيار (3/ 89 - 90) والبناية شرح الهداية (11/ 325).
(3)
حاشية الدسوقي (5/ 444) وعيون المجالس (4/ 1816). مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 6).
(4)
البحر الزخار (4/ 71).
(5)
(5/ 19).
(6)
الأم (5/ 88).
(7)
تهذيب اللغة (1/ 223).
(8)
في مقاييس اللغة (ص 733).
(9)
كالفيروزآبادي في القاموس المحيط (ص 1172).
(10)
في غريب الحديث (1/ 567).
(11)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 19).
وقال غيره: العرق الظالم من غرس أو زرع أو بنى أو حفر في أرض غيره بغير حق ولا شبهة.
قوله: (من عمر أرضًا) بفتح العين [وتخفيف]
(1)
الميم، ووقع في البخاري
(2)
: "من أعمر" بزيادة الهمزة في أوله وخطئ راويها.
وقال ابن بطال
(3)
: يمكن أن يكون اعتمر فسقطت التاء من النسخة، وقال غيره
(4)
: قد سمع فيه الرباعي، يقال: أعمر الله بك منزلك.
ووقع في رواية أبي ذر من أُعمر
(5)
بضم الهمزة: أي أعمره غيره.
قال الحافظ
(6)
: وكأن المراد بالغير الإمام.
قوله: (يتعادون يتخاطون) المعاداة: الإسراع بالسير، والمراد بقوله:(يتخاطون): يعملون على الأرض علامات بالخطوط وهي تسمى الخطط واحدتها خِطة بكسر الخاء، وأصل الفعل يتخاططون فأدغمت الطاء في الطاء، والتقييد بالمسلم في حديث أسمر
(7)
يشعر بأن المراد بقوله في حديث عائشة: "ليست لأحد"، أي: من المسلمين، فلا حكم لتقدم الكافر، أما إذا كان حربيًا فظاهر، وأما الذمي ففيه خلاف معروف
(8)
.
[الباب الثاني] باب النهي عن منع فضل الماء
5/ 2400 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ المَاءِ لتَمْنَعُوا بِهِ الكَلأَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(9)
. [صحيح]
(1)
في المخطوط (ب): (وبتخفيف).
(2)
في صحيحه رقم (2335).
(3)
في شرحه لصحيح البخاري (6/ 477 - 478).
(4)
كالفراهيدي في كتاب العين (ص 681).
(5)
النهاية (2/ 254).
(6)
في "الفتح"(5/ 20).
(7)
سبق تخريجه ص 29 حاشية (6).
(8)
المغني (8/ 148 - 149) وعيون المجالس (4/ 1817) والبناية (11/ 317) والاختيار (3/ 90).
(9)
أحمد في المسند (2/ 273) والبخاري رقم (2353) ومسلم رقم (37/ 1566).
وَلمسلِمٍ
(1)
: "لا يُباعُ المَاءِ لِيُباعَ بِهِ الكَلأُ". [صحيح]
وِلْلبُخارِيّ
(2)
: "لا تَمْنَعُوا فَضْلَ المَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الكَلأ". [صحيح]
6/ 2401 - (وَعَنْ عائِشَةَ قَالتَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُمْنَعَ نَقْعُ البِئرِ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
وَابْنُ ماجَهْ)
(4)
. [صحيح]
7/ 2402 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيْبٍ عَنْ أبِيه عَنْ جَدِّه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مائِهِ أوْ فَضْلَ كَلَئه مَنَعَهُ الله عز وجل فَضْلَهُ يَوْمَ القِيامَة"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(5)
. [حسن لغيره]
8/ 2403 - (وَعَنْ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قضَى بَيْنَ أهْلِ المَدِينَةِ فِي النَّخْلِ أنْ لا يُمْنَعَ نَقْعُ بِئرٍ، وَقَضَى بَيْنَ أهْلِ البادِيَةِ أنْ لا يُمْنَعَ فَضْلُ ماء ليُمْنَعَ بِهِ الكَلأُ. رَوَاهُ عَبْدُ الله بْن أحْمَدَ في المسْنَدِ)
(6)
. [حسن لغيره]
(1)
في صحيحه رقم (38/ 1566).
(2)
في صحيحه رقم (2354).
(3)
أحمد في المسند (6/ 112، 139، 252).
(4)
في سننه رقم (2479).
وقد اختلف في وصله وإرساله.
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (13/ 126، ط ابن تيمية).
والسنن الكبرى للبيهقي (6/ 152) ومصباح الزجاجة (2/ 268).
والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(5)
في المسند (2/ 179، 221) بسند ضعيف، لضعف ليث بن أبي سليم.
وأروده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 125) وقال: "رجال أحمد ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر". اهـ.
وأخرجه أحمد في المسند (2/ 183) بسند ضعيف لانقطاعه، سليمان بن موسى الأشدق لم يُدرك عبد الله بن عمرو، وروايته عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 124) وقال: "وفيه محمد بن راشد الخزاعي وهو ثقة، وقد ضعفه بعضهم". اهـ.
قلت: وفاته إعلاله بالانقطاع في سنده.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره والله أعلم.
(6)
في زوائد المسند (5/ 327) بسند ضعيف. ولكن يشهد لمنع فضل الماء حديث أبي هريرة المتقدم، فهو به حسن لغيره، والله أعلم.
حديث عمرو بن شعيب: في إسناده محمد بن راشد الخزاعي
(1)
، وهو ثقة وقد ضعفه بعضهم.
لكن حديث أبي هريرة يشهد لصحة الأحاديث المذكورة بعده.
ومما يشهد لصحتها حديث جابر عند مسلم
(2)
: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء".
وحديث [إياس بن عبدٍ]
(3)
عند أهل السنن
(4)
بنحوه وصححه الترمذي
(5)
،
وقال أبو الفتح القشيري
(6)
: هو على شرطهما، ولكن حديث عمرو بن شعيب في إسناده ليث بن أبي سليم
(7)
.
وقد رواه الطبراني في الصغير
(8)
من حديث الأعمش عن عمرو بن شعيب.
ورواه في الكبير
(9)
من حديث واثلة بلفظ آخر: وإسناده ضعيف.
وحديث عائشة رواه ابن ماجه
(10)
من طريق عبد الله بن إسماعيل وهو ابن
(1)
محمد بن راشد الخزاعي الشامي، وثقه أحمد وغيره. وقال أبو حاتم: صدوق. [التاريخ الكبير (1/ 81) والجرح والتعديل (7/ 253) والميزان (3/ 543)].
(2)
في صحيحه رقم (34/ 1565).
(3)
تنبيه: لقد تحرف في كل طبعات "نيل الأوطار": [إياس بن عبدٍ] إلى [إياس بن عبد الله]، والصحيح المثبت من (أ) و (ب) ومصادر تخريج الحديث.
(4)
أبو داود رقم (3478) والترمذي رقم (1271) والنسائي رقم (4662) وابن ماجه رقم (2476)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(5)
في السنن (3/ 570).
(6)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 146).
(7)
ليث بن أبي سليم ضعيف. تقدم وانظر: الميزان (3/ 420) والتقريب (2/ 138).
(8)
(1/ 74 رقم 93 - الروض الداني).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 154) وزاد نسبته إلى الطبراني في "الأوسط" وقال: "وفيه محمد بن الحسن الفردوسي، ضعفه الأزدي بهذا الحديث، وقال: ليس بمحفوظ".
(9)
في المعجم الكبير (ج 22 رقم 145).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 125): وقال: "رواه بسند، قال فيه ابن حبان: إن ما روي به فهو موضوع".
(10)
سبق تخريجه في الصفحة السابقة حاشية (4).
أبي خالد الكوفي، قال أبو حاتم
(1)
: مجهول، وكذا قال في التقريب
(2)
.
قوله: (فضل الماء) المراد به ما زاد على الحاجة.
ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد
(3)
من حديث أبي هريرة بلفظ: "ولا يمنع فضل ماء بعد أن يستغني عنه".
قال في الفتح
(4)
: وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة؛ وكذلك في الموات إذا كان لقصد التملك.
والصحيح عند الشافعية
(5)
ونص عليه في القديم وحرملة: أن الحافر يملك ماءها.
(1)
في الجرح والتعديل (5/ 3).
(2)
برقم (3212).
(3)
في المسند (2/ 506).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 124) وقال: رجاله ثقات.
وهو حديث صحيح.
(4)
(5/ 32).
(5)
الوسيط للغزالي (4/ 234، 235) والبيان للعمراني (7/ 482).
وقال النووي في "روضة الطالبين"(5/ 309): "القسم الثاني: المياه المختصة ببعض الناس، وهي مياه الآبار والقنوات.
واعلم أن البئر يتصور حفرها على أوجه:
(أحدها): الحفر في المنازل للمارة.
(والثاني): الحفر في الموات على قصد الارتفاق لا للتملك، كمن ينزل في الموات فيحفر للشرب وسقي الدواب.
(والثالث): الحفر بنية التملك.
(والرابع): الحفر الخالي عن هذه القُصود.
فأما المحفورة للمارة، فماؤها مشترك بينهم، والحافر كأحدهم، ويجوز الاستقاء منها للشرب، وسقي الزروع، فإن ضاق عنهما، فالشرب أولى.
وأما المحفورة للارتفاق دون التملك، فالحافر أولى بمائها إلى أن يرتحل، لكن ليس له منع ما فضل عنه عن محتاج إليه للشرب إذا استقى بدلو نفسه، ولا منع مواشيه، وله منع غيره من سقي الزرع به.
وفيه احتمال للإمام، لأنه لم يملكه، والاختصاص يكون بقدر الحاجة، وبهذا قطع المتولي، فحصل وجهان.
قلت: الأول هو الصحيح المعروف، والله أعلم
…
". اهـ.
وأما البئر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك، فإن الحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل.
وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته، والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته، هذا هو الصحيح عند الشافعية
(1)
.
وخص المالكية
(2)
هذا الحكم بالموات، وقالوا في البئر التي لا تملك: لا يجب عليه بذل فضلها. وأما الماء المحرز في الإناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح. اهـ.
قال في البحر
(3)
: "والماء على أضرب: حق إجماعًا؛ كالأنهار غير المستخرجة والسيول. وملك إجماعًا؛ كماء يحرز في الجرار ونحوها. ومختلف فيه؛ كماء الآبار والعيون والقناة المحتفرة في الملك". اهـ.
والقنا
(4)
: هي بفتح القاف، [هي]
(5)
الكظامة
(6)
التي تحت الأرض، وسيأتي ذكر الخلاف في ذلك.
قال ابن بطال
(7)
: لا خلاف بين العلماء أن صاحب الحق أحق بمائه حتى يروي.
قال الحافظ
(8)
: وما نفاه من الخلاف هو على القول بأن الماء يملك، فكأن الذين يذهبون إلى أنه يملك - وهم الجمهور - هم الذين لا خلاف عندهم في ذلك.
(1)
سبق تخريجه في الصفحة السابقة حاشية (5).
(2)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 10 - 11، 13) وحاشية الدسوقي (5/ 445).
(3)
البحر الزخار (4/ 15).
(4)
وهي الآبار التي تحفر في الأرض متتابعة ليستخرج ماؤها ويسيح على وجه الأرض (النهاية 2/ 497).
(5)
زيادة من المخطوط (ب).
(6)
قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (ص 1710): "وكظيمَةٌ تُحفَرُ في الأرض".
(7)
في شرحه لصحيح البخاري (6/ 495).
(8)
في "الفتح"(5/ 31).
وقد استدلّ بتوجه النهي إلى الفضل على جواز بيع الماء الذي لا فضل فيه، وقد تقدم الكلام على ذلك في البيع.
قوله: (ليمنع به الكلأ) بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصورة: وهو النبات رطبه ويابسه.
والمعنى أن يكون حول البئر كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا مُكِّنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرُّروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي، وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور، وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب، لأنه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعي هناك.
ويحتمل أن يقال: يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم، والصحيح الأول، ويلتحق بذلك الزرع عند مالك
(1)
.
والصحيح عند الشافعية
(2)
وبه قالت الحنفية
(3)
، الاختصاص بالماشية، وفرَّق الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع، وبهذا أجاب النووي
(4)
وغيره.
واستدل لمالك بحديث جابر
(5)
المتقدم لإطلاقه وعدم تقييده.
وتعقب بأنه يحمل على المقيد، وعلى هذا لو لم يكن هناك كلأ يرعى فلا منع من المنع لانتفاء العلة.
قال الخطابي
(6)
: والنهي عند الجمهور للتنزيه وهو محتاج إلى دليل يصرف النهي عن معناه الحقيقي وهو التحريم.
(1)
عيون المجالس (4/ 1818 - 1819).
(2)
المهذب (3/ 627 - 628) والبيان للعمراني (7/ 501).
(3)
البناية شرح الهداية (11/ 354، 361).
(4)
في شرحه لصحيح مسلم (5/ 227).
(5)
تقدم برقم (2396) من كتابنا هذا.
(6)
قال الخطابي في "أعلام الحديث"(2/ 1164) عقب حديث أبي هريرة: "قلت: هذا في الرَّجُل يحفِرُ البئرَ في الأرض المواتِ، فيَملكَها بالإحياء، وبُقرْب البئرِ مواتٌ فيه كَلأ ترعاهُ الماشيةُ، فلا يكونُ لهم مُقام إذا مُنِعُوا الماء، فأمَر صلى الله عليه وسلم صاحِبَ البئر أنْ لا يمنعَ =
قال في الفتح
(1)
: وظاهر الحديث وجوب بذله مجانًا، وبه قال الجمهور.
وقيل: لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في طعام المضطر.
وتعقب بأنه يلزم منه جواز البيع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة. ورد بمنع الملازمة فيجوز أن يقال: يجب عليه البذل وتثبت له القيمة في ذمة المبذول له، فيكون أخذ القيمة منه متى أمكن، ولكنه لا يخفى أن رواية:"لا يباع فضل الماء"، ورواية:"النهي عن بيع فضل الماء"، يدلان على تحريم البيع، ولو جاز له أخذ العوض لجاز له البيع.
قوله: (نقع البئر)
(2)
، أي: الماء الفاضل فيها عن حاجة صاحبها.
وفيه دليل على أنه لا يجوز منع فضل الماء الكائن في البئر كما لا يجوز منع فضل ماء النهر وأنه لا فرق بينهما، والنقع بفتح النون وسكون القاف بعدها عين مهملة.
[الباب الثالث] باب الناس شركاء في ثلاث وشرب الأرض العليا قبل السفلى إذا قلّ الماء أو اختلفوا فيه
9/ 2404 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُمْنَعُ المَاءُ وَالنَّارُ وَالكَلأُ"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)
(3)
. [صحيح]
= الماشيةَ الراعيةَ هناكَ فضلَ مائِهِ، لِئلا يكونَ مانعًا للكلأ، والنَّهيُ في هذا على التحريم عند مالك بن أنس، والأوزاعي والشافعي.
وقال آخرون: ليس النهيُ فيه على التحريم، إنما هو من باب المعروف، كأمْرِهِ الجارَ أنْ لا يمنعَ جارَهُ من غرز خشبةٍ في جداره، ونحو ذلك من حقوق المعروف". اهـ.
(1)
(5/ 32).
(2)
النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/ 788).
(3)
في سننه رقم (2473).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 266): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
محمد بن عبد الله بن يزيد المقري أبو يحيى المكي وثقه النسائي، وابن أبي حاتم ومسلمة الأندلسي والخليل وغيرهم، وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين". اهـ. =
10/ 2405 - (وَعَنْ [أبي خِداشٍ]
(1)
عَنْ بَعْضِ أصحَابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْلمُونَ شرَكاء فِي ثَلاثَةٍ: فِي المَاءِ وَالكلأ وَالنَّارِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وأبُو دَاوُدَ
(3)
. [صحيح]
وَرَوَاه ابْنُ ماجَه
(4)
مِنْ حَدِيث ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ فيهِ:"وَثَمنُهُ حَرَامٌ"). [صحيح دون الزيادة]
= وصحح الحافظ في "التلخيص"(3/ 143) إسناده.
وخلاصة القول: أن حديث أبي هريرة حديث صحيح، والله أعلم.
(1)
• تنبيه: في المخطوط (أ) و (ب) وفي كل طبعات نيل الأوطار (أبي خِراش) بينما في كل مصادر ترجمته: (أبي خِداش)، انظر:
- التقريب، رقم الترجمة (1073).
- تهذيب التهذيب (1/ 344).
- الإصابة، رقم الترجمة (9862).
- الاستيعاب، رقم الترجمة (2956).
- معرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2876 - 2877 رقم 3188).
- الجرح والتعديل (3/ 269).
(2)
في المسند (5/ 364).
(3)
في سننه رقم (3477).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 304) وابن عدي في الكامل (2/ 857) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 150) وأبو عبيد في الأموال رقم (729) ويحيى بن آدم في الخراج رقم (315) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(4)
في سننه رقم (2472).
قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير (ج 11 رقم 11105) وابن عدي في الكامل (4/ 1525) والمزي في "تهذيب الكمال"(14/ 455) بسند ضعيف.
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 266): "هذا إسناد ضعيف عبد الله بن خراش ضعفه أبو زرعة، والبخاري، والنسائي، وابن حبان، وغيرهم.
وله شاهد من حديث بُهَيْسة عن أبيها رواه أبو داود في سننه - رقم (3476) وهو حديث ضعيف -". اهـ.
قلت: تحرفت (بُهَيْسة) في مصباح الزجاجة إلى (نهيشة) فليعلم.
وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس صحيح دون "وثمنه حرام". والله أعلم.
حديث أبي هريرة قال الحافظ
(1)
: إسناده صحيح.
وحديث بعض الصحابة رواه أبو نعيم في الصحابة
(2)
في ترجمة [أبي خِداش]
(3)
ولم يذكر الرجل.
وقد سئل أبو حاتم
(4)
عنه فقال: [أبو خِداش](3) لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ
(5)
: وهو كما قال؛ فقد سمَّاه أبو داود
(6)
في روايته: حبان بن زيد، وهو الشرعبي
(7)
تابعي معروف.
قال الحافظ في بلوغ المرام
(8)
: ورجاله ثقات.
وحديث ابن عباس فيه عبد الله بن خراش وهو متروك
(9)
. وقد صححه ابن السكن
(10)
.
وفي الباب عن ابن عمر عند الخطيب وزاد: "والملح"، وفيه عبد الحكم بن مَيْسَرة.
(11)
(1)
في "التلخيص"(3/ 143).
(2)
في "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (5/ 2876 - 2877 رقم 3188).
(3)
سبق التنبيه عليه في الصفحة السابقة حاشية (1).
(4)
الجرح والتعديل (3/ 269).
(5)
في "التلخيص"(3/ 144).
(6)
في سننه رقم (3477).
(7)
قال الحافظ في "التقريب" رقم (1073): "حِبَّان بن زيد الشَّرْعَبيُّ، أبو خِداش: ثقة من الثالثة، أخطأ من زعم أن له صحبة
…
وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب"(4/ 200 رقم 2956): أبو خِداش لا تصح له صحبة. ووافقه الحافظ في "الإصابة"(7/ 98 رقم 9862).
(8)
رقم الحديث (9/ 872) بتحقيقي.
(9)
قال الحافظ في "التقريب"(رقم 3293): عبد الله بن خِراش، أبو جعفر الكوفي: ضعيف، وأطلق عليه ابنُ عمار الكذب
…
" اهـ.
وانظر: التاريخ الكبير (5/ 80) والجرح والتعديل (5/ 45) والميزان (2/ 413) والخلاصة (ص 196).
(10)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 143).
(11)
عبد الحكم بن مَيْسَرة ضعيف. الميزان (2/ 537 رقم 4757) المغني (1/ 367 رقم 3474).
ورواه الطبراني
(1)
بسند حسن عن زيد بن جبير عن ابن عمر، وله عنده طريق أخرى.
وعن بُهَيْسة عن أبيها عند أبي داود
(2)
، وقد تقدم
(3)
لفظه في شرح حديث ابن مسعود من كتاب الوديعة والعارية.
وسيأتي
(4)
في باب إقطاع المعادن.
وعن عائشة عند ابن ماجه
(5)
: أنها قالت: يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: "الملح والماء والنار" الحديث. وإسناده ضعيف، كما قال الحافظ
(6)
.
وعن أنس عند الطبراني في الصغير
(7)
بلفظ: "خصلتان لا يحل منعهما: الماء والنار"، قال أبو حاتم في العلل
(8)
: هذا حديث منكر.
وعن عبد الله بن سرجس عند العقيلي في الضعفاء
(9)
نحو حديث بهيسة.
(1)
كما في "نصب الراية"(4/ 294).
(2)
في سننه رقم (3476)، وهو حديث ضعيف.
(3)
حديث ابن مسعود تقدم برقم (2393) من كتابنا هذا.
(4)
برقم (2413) من كتابنا هذا.
(5)
في سننه رقم (2474).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 267): "هذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان".
وهو حديث ضعيف.
(6)
في "التلخيص"(3/ 143).
(7)
في المعجم الصغير (1/ 242).
قلت: وأخرجه البزار (رقم 1324 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 124) وقال: رواه البزار، والطبراني في الصغير، وفيه الحسن بن أبي جعفر، وهو ضعيف، وفيه توثيق لين".
(8)
علل ابن أبي حاتم (1/ 378) حيث قال: هذا حديث منكر بهذا الإسناد.
(9)
لم أجده في "الضعفاء الكبير" للعقيلي. وقد عزاه الحافظ في "التلخيص"(3/ 143) للعقيلي.
وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 124 - 125) إلى الطبراني في "الأوسط" و"الكبير". وقال: فيه يحيى بن سعيد العطار متروك. =
قوله: (الماء) فيه دليل على أن الناس شركة في جميع أنواع الماء من غير فرق بين المحرز وغيره.
وقد تقدم في الباب الأول أن الماء المحرز في الجرار ونحوها ملك إجماعًا، ومن لازم الملك الاختصاص وعدم الاشتراك بين غير منحصرين كما [يقضي]
(1)
به الحديث، فإن صح هذا الإجماع كان مخصصًا لأحاديث الباب.
وأما ماء الأنهار فقد تقدم أنه حق بالإجماع.
واختلف في ماء الآبار والعيون والكظائم
(2)
؛ فعند الشافعية
(3)
والحنفية
(4)
وأبي العباس وأبي طالب
(5)
: أنه حق لا ملك. واستدلوا بأحاديث الباب.
وقال الإمام يحيى والمؤيد بالله في أحد قوليه
(6)
وبعض أصحاب الشافعي
(7)
: إنه ملك، وأقاسوه على الماء المحرز في الجرار ونحوها.
ورد بأنه بالسيول أشبه منه بماء الجرة ونحوها.
قال في البحر
(8)
: فصل: ومن احتفر بئرًا أو نهرًا فهو أحق بمائه إجماعًا وإن بَعُدت منه أرضه وتوسط غيرها. اهـ.
واختلف في ماء البِرَك؛ فقيل: حق، وقيل: ملك.
قوله: (والنار)، قيل: المراد بها الشجر الذي يحطبه الناس.
وقيل: المراد بها الاستصباح منها، والاستضاءة بضوئها.
وقيل: المراد بها الحجارة التي توري النار إذا كانت في موات الأرض، وإذا كان المراد بها الضوء فلا خلاف أنه لا يختص به صاحبه، وكذلك إذا كان
= وانظر ترجمته في: "الضعفاء" للعقيلي (4/ 403 رقم 2026) والميزان (4/ 379).
(1)
في المخطوط (ب): (يقتضي).
(2)
وهي التي تحفر في الأرض. القاموس المحيط (ص 1710).
(3)
الوسيط للغزالي (4/ 233 - 235).
(4)
الإختيار (3/ 91 - 96) والبناية في شرح الهداية (11/ 355 - 357) وحاشية ابن عابدين (10/ 14 - 15).
(5)
البحر الزخار (3/ 325).
(6)
البحر الزخار (3/ 325).
(7)
المهذب (3/ 627).
(8)
البحر الزخار (3/ 325).
المراد بها الحجارة المذكورة، وإن كان المراد بها الشجر فالخلاف فيه كالخلاف في الحطب وسيأتي.
قوله: (والكلأ) قد تقدم تفسيره في الباب الذي قبل هذا وهو أعم من الخلا
(1)
والحشيش؛ لأن الخلا مختص بالرطب من النبات، والحشيش مختص باليابس والكلأ يعمهما.
وقيل: المراد بالكلأ
(2)
هنا هو الذي يكون في المواضع المباحة؛ كالأدوية والجبال والأراضي التي لا مالك لها.
وأما ما كان قد أحرز بعد قطعه فلا شركة فيه بالإجماع كما قيل.
وأما النابت في الأرض المملوكة والمتحجرة ففيه خلاف، فقيل: مباح مطلقًا، وإليه ذهبت الهادوية
(3)
.
وقيل: تابع للأرض فيكون حكمه حكمها، وإليه ذهب المؤيد بالله
(4)
.
واعلم أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها فتدل على الاشتراك في الأمور الثلاثة مطلقًا ولا يخرج شيء من ذلك إلا بدليل يخص به عمومها لا بما هو أعم منها مطلقًا؛ كالأحاديث القاضية بأنه: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه"
(5)
، لأنها مع كونها أعم إنما تصلح للاحتجاج بها بعد ثبوت الملك وثبوته في الأمور الثلاثة محل النزاع.
11/ 2406 - (وَعَنْ عُبادَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي شُرْبِ النَّخْلِ مِنَ السَّيْلِ أن الأَعْلَى يَشْرَبُ قَبْلَ الأسْفَلِ، ويُتْرَكُ المَاءُ إلى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَاءُ إلى الأسْفَلِ الَّذِي يَليهِ وكَذَلكَ حتَّى تَنْقَضِيَ الحَوَائطُ أوْ يَفْنَى المَاءُ. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهَ
(6)
وَعَبْدُ الله بْنُ أحْمَدَ)
(7)
. [صحيح لغيره]
(1)
النبات الرَّطب الرَّقيق ما دام رطبًا (النهاية 1/ 529).
(2)
النهاية (2/ 557) وغريب ما في الصحيحين (73/ 500).
(3)
البحر الزخار (4/ 75).
(4)
البحر الزخار (4/ 75).
(5)
سيأتي تخريجه برقم (2425) من كتابنا هذا.
(6)
في سننه رقم (2483).
(7)
في زوائد المسند (5/ 327). =
12/ 2407 - (وَعَنْ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عَنْ أبيه عَنْ جَدِّه أنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى في سَيْلِ مَهْزُورٍ أنْ يُمْسَكَ حتَّى يَبْلُغَ الكَعْبيْنِ، ثُمَّ يُرْسَلُ الأعْلَى على الأسْفَلِ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(1)
وَابْنُ ماجَهْ)
(2)
. [حسن]
حديث عبادة أخرجه أيضًا البيهقي
(3)
والطبراني
(4)
وفيه انقطاع.
وحديث عمرو بن شعيب في إسناده عبد الرحمن بن الحارث المخزومي المدني تكلم فيه الإمام أحمد
(5)
.
وقال الحافظ في الفتح
(6)
: إن إسناد هذا الحديث حسن.
ورواه الحاكم في المستدرك
(7)
من حديث عائشة: "أنه قضى صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور أن الأعلى يرسل إلى الأسفل ويحبس قدر الكعبين"، وأعله الدارقطني بالوقف وصححه الحاكم.
ورواه ابن ماجه
(8)
وأبو داود
(9)
من حديث ثعلبة بن أبي مالك.
= قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 270): "هذا إسناد ضعيف إسحاق بن يحيى لم يدرك عبادة بن الصامت، قاله البخاري، والترمذي، وابن عدي، رواه البيهقي في السنن الكبرى - (6/ 154) - من طريق محمد بن أبي بكر عن فضيل بن سليمان
…
فذكره.
وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، رواه أبو داود، وابن ماجه، وأصله في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن الزبير". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(1)
في سننه رقم (3639).
(2)
في سننه رقم (2482).
وهو حديث حسن.
(3)
في السنن الكبرى (6/ 154).
(4)
أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 203 - 205) وقال: رواه عبد الله بن أحمد، وإسحاق لم يدرك عبادة.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 161) وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه: عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف.
(5)
انظر: "تهذيب التهذيب"(2/ 497).
(6)
(5/ 40).
(7)
في المستدرك (2/ 62) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(8)
في سننه رقم (2481).
(9)
في سننه رقم (3638). =
ورواه عبد الرزاق في مصنفه
(1)
عن [أبي حاتم القرظي]
(2)
عن أبيه عن جده: "أنه سمع كبراءهم يذكرون أن رجلًا من قريش كان [له]
(3)
سهم في بني قريظة، فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهزور السيل الذي يقسمون ماءه، فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الماء إلى الكعبين لا يحبس الأعلى على الأسفل".
قوله: (مهزور)، بفتح الميم وسكون الهاء بعدها زاي مضمومة ثم واو ساكنة ثم راء: وهي وادي بني قريظة بالحجاز
(4)
.
قال البكري في المعجم
(5)
هو واد من أودية المدينة، وقيل: موضع سوق المدينة، وكان قد تصدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان، وأقطع مروان فدك.
وقال ابن الأثير
(6)
والمنذري
(7)
: أما مهروز بتقديم الراء على الزاي: فموضع سوق المدينة.
وأحاديث الباب تدل على أن الأعلى تستحق أرضه الشرب بالسيل والغيل وماء البئر قبل الأرض التي تحتها، وأن الأعلى يمسك الماء حتى يبلغ إلى الكعبين: أي كعبي رجل الإنسان الكائنين عند مفصل الساق والقدم ثم يرسله بعد ذلك.
وقال في البحر
(8)
: إن الماء إذا كان قليلًا فحدَّه أن يعم أرض الأعلى إلى
= وهو حديث صحيح.
(1)
كما في "التلخيص"(3/ 145) وميزان الاعتدال (4/ 513).
(2)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب [أبي حازم القرظي] كما في التلخيص الحبير (3/ 145) والميزان (4/ 513).
وقال ابن القطان: لا يعرف هو ولا أبوه ولا جده.
(3)
في المخطوط (ب): (لهم).
(4)
قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 904): مَهْزُور وادي بني قريظة بالحجاز وأما تقديم الراء على الزَّاي فموضع سوق المدينة تصدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين.
وانظر: معجم البلدان (5/ 234).
(5)
في معجم ما استعجم (4/ 1275).
(6)
في النهاية (2/ 904).
(7)
في المختصر (5/ 242).
(8)
البحر الزخار (4/ 99 - 100).
الكعبين في النخيل وإلى الشراك في الزرع لقضائه صلى الله عليه وسلم بذلك في خبر عبادة
(1)
يعني المذكور في الباب.
قال: وأما قوله صلى الله عليه وسلم للزبير: "اسق أرضك حتى يبلغ الجدر"
(2)
.
فقيل: عقوبة لخصمه.
وقيل: بل هو المستحق، وكان أمره صلى الله عليه وسلم بالتفضل، فإن كانت الأرض بعضها مطمئن فلا يبلغ في بعضها الكعبين إلا وهو في المطمئن إلى الركبتين، قدم المطمئن إلى الكعبين ثم حبسه وسقى باقيها.
قال أبو طالب
(3)
: العبرة بالكفاية للأعلى. اهـ.
وهو المختار عند الهادوية.
قال ابن التين
(4)
: الجمهور على أن الحكم أن يمسك إلى الكعبين، وخصه ابن كنانة بالنخل والشجر، قال: وأما الزرع فإلى الشراك.
وقال الطبري
(5)
: الأراضي مختلفة فيمسك لكل أرض ما يكفيها.
وسيأتي بقية الكلام على هذه المسألة في شرح حديث الزبير إن شاء الله تعالى.
وقد أورده المصنف رحمه الله في باب النهي عن الحكم في حال الغضب من كتاب الأقضية
(6)
.
(1)
تقدم برقم (2406) من كتابنا هذا.
(2)
وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (4/ 5) والبخاري رقم (2359) ومسلم رقم (2357) وأبو داود رقم (3637) والترمذي رقم (1363)، (3027) والنسائي (8/ 245) وابن ماجه رقم (15) و (2480) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(633) وابن حبان رقم (24) والطبراني في المعجم الكبير (ج 13 رقم 260) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 153)، (10/ 106) من طرق.
(3)
البحر الزخار (4/ 100).
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 40).
(5)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 40).
(6)
يأتي برقم (3903) من كتابنا هذا.
[الباب الرابع] باب الحمى لدواب بيت المال
13/ 2408 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقيعَ لِلْخَيلِ خَيْلِ المُسْلِمِينَ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
. وَالنَّقيعُ بالنُّونِ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ). [حسن لغيره]
14/ 2409 - (وَعَنِ الصّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقِيعَ، وَقَالَ:"لا حِمَى إلَّا لله وَلِرَسُولِهِ". رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وأبُو دَاوُدَ
(3)
. [صحيح]
وَللْبُخارِيِّ
(4)
مِنْهُ: "لا حِمَى إلا لله وَلرَسُولهِ". وَقَالَ: بَلَغَنا أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقيعَ، وأنَّ عُمَرَ حَمَى شَرَفَ وَالرَّبَذَةَ). [صحيح]
15/ 2410 - (وَعَنْ أسْلَمَ مَوْلى عُمَرَ أن عُمَرَ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا على الحِمَى، فَقالَ: يا هُنَيٌّ اضْمُمْ جَناحَكَ على المُسْلِمِينَ، وَاتَّق دَعْوَةَ المَظْلُومِ فإنَّ دَعْوَةَ المظْلُومِ مُسْتَجابَةٌ، وأدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبّ الغُنَيْمةِ، وإِيَّاي، وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانٍ، فإنَّهُمَا إنْ تَهْلكْ ماشِيَتُهما يَرْجِعان إلى نَخْلٍ وَزَرْعٍ؛ وَرَبُّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبُّ الغُنَيْمَةِ إنْ تَهْلكْ ماشِيَتُهُما يَأتِينِي بِبَنِيْهِ يَقُول: يا أمِير المُؤمِنِينَ، أفَتارِكُهم أنا لا أَبَا لكَ، فالمَاء وَالكَلأ أيْسَرُ عَليّ مِنَ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَايْمُ الله إنَّهُمْ ليَرَوْنَ أنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ إنَّها لبلادُهم قاتَلُوا عَلَيْها في الجاهِلِية،
(1)
في المسند (2/ 91، 155، 157)، بسند ضعيف لضعف عبد الله بن عمر العمري. ولكن الحديث حسن لغيره والله أعلم.
(2)
في المسند (4/ 37، 71، 73).
(3)
في السنن رقم (3083، 3084).
قلت: وأخرجه الشافعي (2/ 115 رقم 1355 - بدائع المنن) والبيهقي (6/ 146) والبغوي في شرح السنة (8/ 272 رقم 2190) والبيهقي في المعرفة (9/ 13 رقم 12189) وابن أبي شيبة (7/ 303 رقم 3241).
وهو حديث صحيح.
(4)
في صحيحه رقم (2370).
وأسْلَمُوا عَلَيْها في الإسْلامِ، وَالذي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْلا المَالُ الَّذِي أحْملُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ الله ما حَمَيْتُ عَلَيْهِم مِنْ بِلادِهِمْ شَيْئًا. رَوَاهُ البُخارِيّ)
(1)
. [صحيح]
حديث ابن عمر أخرجه أيضًا ابن حبان
(2)
.
وحديث الصعب أخرجه أيضًا الحاكم
(3)
.
قال البيهقي
(4)
: إن قوله: "حمى النقيع" من قول الزهري.
وروى الحديث النسائي
(5)
فذكر الموصول فقط، أعني قوله:"لا حمى إلّا لله ولرسوله".
ويؤيد ما قاله البيهقي؛ أن أبا داود أخرجه من حديث ابن وهب عن يونس عن الزهري
…
فذكره، وقال في آخره: قال ابن شهاب: وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع.
وقد وهم الحاكم فزعم أن حديث: "لا حمى إلّا لله" متفق عليه، وهو من أفراد البخاري، وتبع الحاكم في وهمه أبو الفتح القشيري في "الإلمام"
(6)
وابن الرفعة
(7)
في "المطلب"
(8)
.
(1)
في صحيحه رقم (3059).
(2)
في صحيحه رقم (4683).
قلت: وأخرجه أبو عبيد في الأموال رقم (740) والبيهقي (6/ 146).
(3)
في المستدرك (2/ 61) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(4)
في السنن الكبرى (6/ 146).
(5)
في السنن الكبرى رقم (5775) ط: دار الكتب العلمية.
(6)
الإلمام بأحاديث الأحكام للقاضي تقي الدين أبي الفتح محمد بن علي بن وهب المصري القشيري - المعروف بابن دقيق العيد (2/ 561) رقم (4/ 1097).
(7)
ابن الرفعة: نجم الدين، أحمد بن محمد، (ت 710 هـ).
(8)
واسمه: "المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي" في ستين مجلدًا ولم يكمله.
منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وفي مكتبة أحمد الثالث، برقم (1130).
ومنه نسخة مصورة مع تتمة له للحموي، في معهد المخطوطات بالقاهرة، تحت أرقام (268 - 294) وتقع في (26) مجلدًا ضخمًا. [معجم المصنفات الواردة في فتح الباري (ص 389 رقم 1251)].
وأثر عمر أخرجه أيضًا الشافعي
(1)
عن الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه مثله.
وأخرجه عبد الرزاق
(2)
عن معمر عن الزهري مرسلًا.
قوله: (حمى النقيع)
(3)
أصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل منزلًا مخصبًا استعوى كلبًا على مكان عال، فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب، فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه.
والحمى: هو المكان المحمي، وهو خلاف المباح، ومعناه أن يمنع من الأحياء في ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ، فترعاه مواش مخصوصة [ويمنع]
(4)
غيرها.
والنقيع: هو بالنون، كما ذكر المصنف.
وحكى الخطابي
(5)
أن بعضهم صحَّفه فقال بالموحدة، وهو على عشرين فرسخًا
(6)
من المدينة، وقدره ميل
(7)
في ثمانية أميال، ذكر ذلك ابن وهب في موَطئه، وأصل النقيع كل موضع يستنقع فيه الماء
(8)
، وهذا النقيع المذكور في هذا الحديث غير نقيع الخضمات الذي جمع فيه أسعد بن زرارة بالمدينة على المشهور كما قال الحافظ
(9)
:
وقال ابن الجوزي
(10)
: إن بعضهم قال: إنهما واحد، قال: والأول أصح.
قوله: (لا حمى إلا لله ولرسوله)، قال الشافعي
(11)
: يحتمل معنى الحديث شيئين:
(1)
في الأم (5/ 96) وفي المسند (2/ 263 رقم 435 - ترتيب).
وهو أثر صحيح.
(2)
في المصنف رقم (19751).
(3)
النهاية في غريب الحديث (1/ 438).
(4)
في المخطوط (ب): (وتمنع).
(5)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 45).
(6)
الفرسخ = 5544 م = 5.544 كم.
20 فرسخًا = 110880 م = 110.88 كم.
(7)
الميل = 1848 م = 1.848 كم.
(8)
النهاية (2/ 789).
(9)
في الفتح (5/ 45).
(10)
في غريب الحديث له (2/ 433).
(11)
الأم (5/ 96 - 97).
(أحدهما): ليس لأحد أن يحمي للمسلمين إلا ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم.
(والآخر معناه): إلا على مثل ما حماه عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
فعلى الأول: ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي، وعلى الثاني: يختص الحمى بمن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الخليفة خاصة.
قال في الفتح
(1)
: وأخذ أصحاب الشافعي
(2)
من هذا أن له في المسألة قولين، والراجح عندهم الثاني، والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ. اهـ. [ومن]
(3)
أصحاب الشافعي (2) من ألحق بالخليفة ولاة الأقاليم.
قال الحافظ
(4)
: ومحل الجواز مطلقًا أن لا يضر بكافة المسلمين. اهـ.
وظاهر قوله في الحديث الأول للخيل "خيل المسلمين" أنه لا يجوز للإمام على فرض إلحاقه بالنبي [صلى الله عليه وسلم]
(5)
أن يحمي لنفسه.
وإلى ذلك ذهب مالك والشافعية
(6)
والحنفية والهادوية
(7)
، قالوا: بل يحمي لخيل المسلمين وسائر أنعامهم، ولا سيما أنعام من ضعف منهم عن الانتجاع كما فعله عمر في الأثر المذكور
(8)
.
وقد ظن بعضهم أن بين الأحاديث القاضية بالمنع من الحمى، والأحاديث
(1)
(5/ 44).
(2)
الروضة للنووي (5/ 292 - 293).
(3)
في المخطوط (ب): (من).
(4)
في "الفتح"(5/ 44).
(5)
زيادة من المخطوط (ب).
(6)
قال العمراني في "البيان"(7/ 498 - 499): "وأما إمام المسلمين: فليس له أن يحمي لنفسه، قولًا واحدًا، وهل له أن يحمي لخيل المجاهدين، ونَعَمِ الصدقة، ونَعَم من يضعفُ من المسلمين عن طلب النجعة؟ فيه قولان:
أحدهما: ليس له ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا حمى إلا لله ولرسوله"، ولأنه لا يجوز له أن يحميَ لنفسه، فلا يحمي لغيره كآحادِ الرعية.
والثاني: يجوز، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وهو الصحيح، لما روى بعض الأخبار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا حمى إلا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين". اهـ.
وانظر: الروضة (5/ 292 - 293) والمهذب (3/ 625).
(7)
البحر الزخار (4/ 77).
(8)
وهو أثر صحيح، أخرجه الشافعي في الأم (5/ 96) وفي المسند (2/ 263 رقم 435 - ترتيب).
القاضية بجواز الإحياء معارضة، ومنشأ هذا الظن عدم الفرق بينهما وهو فاسد، فإن الحمى أخص من الإحياء مطلقًا.
قال ابن الجوزي
(1)
: ليس بين الحديثين معارضة، فالحمى المنهي عنه ما يحمى من الموات الكثيرة العشب لنفسه خاصة؛ كفعل الجاهلية والإحياء المباح ما لا منفعة للمسلمين فيه شاملة فافترقا.
[قال]
(2)
: وإنما تعد أرض الحمى مواتًا لكونها لم يتقدم فيها ملك لأحد، لكنها تشبه العامرة لما فيها من المنفعة العامة.
قوله: (وأن عمر حمى شرف)، لفظ البخاري
(3)
: "الشَّرَف" بالتعريف.
قال في الفتح
(4)
: والشرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء في المشهور.
وذكر عياض
(5)
أنه عند البخاري بفتح المهملة وكسر الراء.
وقال في موطأ ابن وهب
(6)
: بفتح المهملة والراء، قال: وكذا رواه بعض رواة البخاري أو أصلحه وهو الصواب.
(1)
لم أجد هذا الكلام في "كشف المشكل"(4/ 78) لابن الجوزي. ولعل الصواب ما قاله الحافظ في "الفتح"(5/ 45): (قال: الجوري من الشافعية).
• والجوري: هو القاضي أبو الحسن علي بن الحسين الجوري. أحد أصحابنا - أي الشافعية - أصحاب الوجوه.
لقي أبا بكر النيسابوري، وحدث عنه، وعن جماعة.
وله مصنفات منها:
1 -
"المرشد" شرح به مختصر المزني، وأكثر ابن الرفعة والسبكي من النقل عنه، ولم يطلع عليه الرافعي ولا النووي كما قال ابن السبكي.
وقد أكثر فيه من ذكر أبي علي بن أبي هريرة.
2 -
"الموجز" وهو على ترتيب المختصر، يشمل على حجاج مع الخصوم اعتراضًا وجوابًا.
[انظر: طبقات ابن السبكي (3/ 457) والاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية للدكتور محمد حسن هيتو (ص 242)].
(2)
زيادة من المخطوط (ب).
(3)
في صحيحه رقم (2370).
(4)
(5/ 45).
(5)
في مشارق الأنوار على صحاح الآثار له (2/ 233).
(6)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 45).
وأما سرف: فهو موضع بقرب مكة ولا يدخله الألف واللام
(1)
.
قوله: (والربذة) بفتح الراء والموحدة بعدها ذال معجمة: موضع معروف بين مكة والمدينة
(2)
.
وروى ابن أبي شيبة
(3)
بإسناد صحيح: "أن عمر حمى الربذة لنعم الصدقة".
قوله: (هنيًا) بضم الهاء وفتح النون وتشديد التحتية.
قوله: (الصريمة) تصغير صرمة وهي ما بين العشرين إلى الثلاثين من الإبل، أو من العشر إلى الأربعين منها
(4)
.
[الباب الخامس] باب ما جاء في إقطاع المعادن
16/ 2411 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: أقْطَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِلالَ بْنَ الحارِثِ المُزَنِيِّ مَعادِنَ القَبَلِيَّة جَلْسِيها وَغورِيهَا وحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قُدسٍ، وَلمْ يُعْطِهِ حَقّ مُسْلِمٍ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
وأبُو دَاوُد
(6)
[حسن]
وَرَوَياهُ أَيْضًا مَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المُزَنِيّ)
(7)
[حسن]
17/ 2412 - (وَعَنْ أبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ: أنَّهُ وَفَدَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اسْتَقْطَعَهُ الملْحَ، فَقَطَعَ لَهُ؛ فَلَمَّا أنْ وَلَّى قالَ رَجُل مِنَ المَجْلِسِ: أتَدْرِي ما أقْطَعْتَ لَهُ؟ إنّمَا أقْطَعْتَهُ المَاءَ العِد، قالَ: فانْتَزَعَه منْهُ؟ قالَ: وَسألَهُ عَمّا يحْمَى مِنَ الأرَاكِ،
(1)
النهاية (1/ 772) والمجموع المغيث (2/ 81).
(2)
النهاية (1/ 625).
(3)
في المصنف (7/ 304) بإسناد صحيح.
(4)
النهاية (2/ 28).
وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (13 - 4).
(5)
في المسند (1/ 306).
(6)
في سننه رقم (3062)، (3063).
وهو حديث حسن.
(7)
في المسند (1/ 306) وأبو داود رقم (3062)، (3063). وهو حديث حسن.
فَقَالَ: "ما لَمْ تَنَلْهُ خِفاف الإِبِلِ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِي
(1)
وأَبُو دَاوُدَ
(2)
. [حسن لغيره]
وفِي رِوَايَةٍ لَهُ
(3)
: "أخْفافُ الإبِلِ"، قَالَ مُحَمدُ بْن الحَسنِ المَخْزُومِي: يَعْنِي أن الإِبِل تأكُلُ مُنْتَهَى رُؤوسِها وَيُحمى ما فَوْقَهُ). [ضعيف جدًّا مقطوع]
18/ 2413 - (وَعَنْ بُهَيْسَةَ قَالَتْ: اسْتأذَنَ أبي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَدْنُو مِنْه وَيلْتَزِمهُ، ثُمَّ قَالَ: يا نَبِيّ الله ما الشيء الَّذِي لَا يحِلّ مَنْعُهُ؟ قالَ: "المَاءُ"، قالَ: يا نَبيَّ الله ما الشَّيْء الَّذِي لا يَحِل مَنْعُهُ؟ قالَ: "الملْحُ"، قالَ: يا نَبِيَّ الله ما الشَّيْء الَّذِي لا يَحِل مَنْعُهُ؟ قالَ: "أنْ تَفْعَلَ الخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وأبُو دَاوُدَ)
(5)
. [ضعيف]
حديث ابن عباس في إسناده أبو أويس
(6)
عبد الله بن عبد الله، أخرج له مسلم في الشواهد وضعفه غير واحد. قال أبو عمر: هو غريب من حديث ابن عباس ليس يرويه عن أبي أويس غير ثور.
(1)
في السنن رقم (1380) وقال الترمذي: حسن غريب.
(2)
في السنن رقم (3064).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2475) وابن حبان رقم (1140، 1642 - موارد)، وأبو عبيد في الأموال رقم (685).
وهو حديث حسن لغيره.
(3)
أي: أبي داود في سننه رقم (3065)، وهو حديث ضعيف جدًّا مقطوع.
(4)
في المسند (3/ 481) بسند ضعيف.
(5)
في سننه رقم (3476).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 150) والنسائي في الكبرى كما في "تحفة الأشراف"(11/ 229) وأبو يعلى في المسند رقم (7177) من طرق.
وهو حديث ضعيف.
(6)
أبو أويس - واسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي: صدوق يهم .. التقريب رقم (3412).
وقال المحرران: "بل ضعيف يعتبر به، وما روى من أصل كتابه فهو أصح - كما قال البخاري -، فقد ضعفه عمرو بن علي الفلاس، وعلي بن المديني، وأبو زرعة الرازي، والنسائي في "الكبرى" (7238)، وابن حبان، وغيرهم، واختلف فيه قول ابن معين. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وليس بالقوي، وقال أحمد وأبو داود: صالح الحديث". اهـ.
وحديث عمرو بن عوف الذي أشار إليه المصنف في إسناده ابن ابنه كثير بن عبد
(1)
الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، وقد تقدم أنه لا يحتج بحديثه.
وحديث أبيض بن حمال أخرجه أيضًا ابن ماجة
(2)
والنسائي
(3)
، وحسَّنه الترمذي
(4)
، وصححه ابن حبان
(5)
، وضعَّفه ابن القطان، ولعل وجه التضعيف [كونه]
(6)
في إسناده السبائي المأربي.
قال ابن عديّ
(7)
: أحاديثه مظلمة منكرة.
وحديث بهيسة أعلَّه عبد الحق
(8)
وابن القطان
(9)
بأنها لا تعرف.
وتُعُقِّب بأنه ذكرها ابن حبان وغيره في الصحابة
(10)
، ولحديثها شواهد تقدمت في كتاب الوديعة والعارية عند الكلام على حديث ابن مسعود
(11)
في الماعون.
(1)
كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، المدني؛ ضعيف أفرط من نسبه إلى الكذب .. التقريب رقم (5617).
قلت: أما البخاري فقد أبى أن يضعف كثير بن عبد الله هذا. فقد ذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب"(3/ 463) أن الترمذي قال: قلت لمحمد - أي البخاري - في حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة: كيف هو؟ قال: هو حديث حسن، إلا أن أحمد كان يحمل على كثير يضعفه، وقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري عنه". اهـ.
(2)
في سننه رقم (2475) وقد تقدم.
(3)
في السنن الكبرى كما في "تحفة الأشراف"(11/ 229) وقد تقدم.
(4)
في سننه رقم (1380)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقد تقدم.
(5)
في صحيحه رقم (1140، 1642 - موارد) وقد تقدم.
(6)
في المخطوط (ب): (كون).
(7)
في "الكامل"(6/ 2239). وانظر: "تهذيب التهذيب"(9/ 521) ط: دار الفكر.
(8)
في الأحكام الوسطى (6/ 272).
(9)
في بيان الوهم والإيهام (3/ 262 رقم 1008).
(10)
قال ابن حبان: لها صحبة (الثقات 3/ 39). قال الحافظ في "الإصابة"(8/ 53 رقم 10947): وقد تقدم بيان الاختلاف في الحديث الذي روتهُ في الكنى في ترجمة والدها، وهو أبو بهيسة، ولا قولُ ابن حبان بأن لها صحبة لما كان في الخبر ما يدلُّ على صحبتها؛ لأنَّ سياق ابن منده أن أباها استأذن. وسياق أبي داود والنسائي عن أبيها أنه استأذن، وهو المعتمد". اهـ.
(11)
تقدم برقم (2393) من كتابنا هذا.
قوله: (القبلية) منسوبةٌ إلى قَبَلَ بفتح القاف والموحدة: وهي ناحية من ساحل البحر [بينها]
(1)
وبين المدينة خمسة أيام
(2)
.
وفي رواية لأبي داود
(3)
: "معادن القبلية" وهي من ناحية الفرع، وقد تقدم مثل هذا التفسير في باب ما جاء في الزرع والمعدن من كتاب الزكاة، لأن حديث إقطاع بلال تقدم
(4)
هنالك بلفظ غير ما هنا.
وقال في القاموس
(5)
: والقَبَلَ محرّكة نَشَزٌ من الأرض يستقبلكَ، أو رأسُ كُلِّ أكمةٍ أو جَبَل أو مجتمعُ رَمْلٍ، والمَحجَّةُ: الواضِحَةُ. اهـ.
قوله: (جَلْسِيّها) بفتح الجيم وسكون اللام وكسر السين المهملة بعدها ياء النسب، والجلس: كل مرتفع من الأرض، ويطلق على أرض نجد كما في القاموس
(6)
.
قوله: (وغَوْرِيّها) بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وكسر الراء نسبة إلى غور.
قال في القاموس
(7)
: إن الغور يطلق على ما بين ذات عرق إلى البحر وكل ما انحدر مغربًا عن تهامة، وموضع منخفض بين القدس وحوران مسيرة ثلاثة أيام في عرض فرسخين، وموضع في ديار بني سليم، وماء لبني العدوية. اهـ.
والمراد هاهُنا المواضع المرتفعة والمنخفضة من معادن القبلية.
قوله: (من قُدْس) بضم القاف وسكون الدال المهملة بعدها سين مهملة: وهو جبل عظيم بنجد كما في القاموس
(8)
.
وقيل: الموضع المرتفع الذي يصلح للزرع، كما في النهاية
(9)
.
قوله: (العِدّ) بكسر العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضًا، قال في
(1)
في المخطوط (ب): (بينهما).
(2)
النهاية (2/ 412) والمجموع المغيث (2/ 661).
(3)
في سننه رقم (3061)، وهو حديث ضعيف.
(4)
برقم (1563) من كتابنا هذا.
(5)
القاموس المحيط (ص 1351).
(6)
القاموس المحيط (ص 690).
(7)
القاموس المحيط (ص 581).
(8)
القاموس المحيط (ص 728).
(9)
لابن الأثير (2/ 424).
القاموس
(1)
: الماء الذي له مادة لا تنقطع كماء العين. اهـ. وجمعه أعداد.
وقيل
(2)
: العدّ: ما يجمع ويعد، وردّه الأزهري
(3)
ورجح الأوّل.
وأحاديث الباب تدل على أنه يجوز للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولمن بعده من الأئمة
(4)
إقطاع المعادن، والمراد بالإقطاع: جعل بعض الأراضي الموات مختصة ببعض الأشخاص سواء كان ذلك معدنًا أو أرضًا لما سيأتي، فيصير ذلك البعض أولى به من غيره، ولكن بشرط أن يكون من الموات التي لا يختص بها أحد، وهذا أمر متفق عليه.
وقال في الفتح
(5)
: حكى عياض
(6)
أن الإقطاع تسويغ الإمام من مال الله شيئًا لمن يراه أهلًا لذلك، وأكثر ما يستعمل في الأرض، وهو أن يخرج منها لمن يراه ما يحوزه، إما بأن يملكه إياه فيعمره، وإما بأن يجعل له غلته مدة.
قال السبكي
(7)
: والثاني هو الذي يسمى في زماننا هذا إقطاعًا، ولم أر أحدًا من أصحابنا ذكره، وتخريجه على طريق فقهي مشكل.
قال
(8)
: والذي يظهر أنه يحصل للمقطع بذلك اختصاص كاختصاص المتحجر ولكنه لا يملك الرقبة بذلك، وبهذا جزم الطبري.
وادّعى الأذرعي نفي الخلاف في جواز تخصيص الإمام بعض الجند [بغلة]
(9)
أرضٍ إذا كان مستحقًا لذلك، هكذا في الفتح
(10)
.
وحكى صاحب الفتح
(11)
أيضًا عن ابن التين أنه إنما يسمى إقطاعًا إذا كان
(1)
القاموس المحيط (ص 380).
(2)
النهاية (2/ 167).
(3)
في تهذيب اللغة (1/ 87).
(4)
المغني (8/ 153 - 154) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (1/ 690).
(5)
(5/ 47).
(6)
في مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 183).
(7)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 47).
(8)
أي: السبكي كما في "الفتح"(5/ 48).
(9)
في المخطوط (ب): (لغلة).
(10)
(5/ 48).
(11)
الحافظ ابن حجر (5/ 48).
من أرض أو عقار، وإنما يقطع من الفيء ولا يقطع من حقّ مسلم ولا معاهد.
قال: وقد يكون الإقطاع تمليكًا وغير تمليك، وعلى الثاني يحمل قطاعه الدور بالمدينة.
قال الحافظ
(1)
: كأنه يشير إلى ما أخرجه الشافعي
(2)
مرسلًا، ووصله [الطبري]
(3)
: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الدور"، يعني أنزل المهاجرين في دور الأنصار برضاهم.
قوله: (قال محمد بن الحسن) إلخ. ذكر الخطابي
(4)
وجهًا آخر فقال: إنما يحمي من الأراك ما بَعُدَ عن حضرة العمارة فلا تبلغه الإبل الرائحة إذا أُرسِلت في الرعي. اهـ.
وحديث بُهَيْسَةَ يدلّ على أنه [لا يحل]
(5)
منع الماء والملح، وقد تقدَّم الكلام في الماء، وأما الملح فظاهر الحديث عدم الفرق بين ما كان في معدنه أو قد انفصل عنه، ولا فرق بين جميع أنواعه الصالحة للانتفاع بها
(6)
.
(1)
في "الفتح"(5/ 48).
(2)
في المسند (2/ رقم 436 - ترتيب) بسند منقطع.
وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 140): "
…
وصله الطبراني في الكبير - (ج 10 رقم 10534) - من طريق عبد الرحمن بن سلام، عن سفيان، فقال: عن يحيى بن جعدة، عن هبيرة بن يريم، عن ابن مسعود قال:"لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع الدور، وأقطع ابن مسعود فيمن أقطع، فقال له أصحابه: يا رسول الله نكبه عنا، قال: "فَلِمَ بعثني الله إذًا؟ إنَّ الله لا يقدس أمة لا يعطون الضعيف منهم حقه"، وإسناده قوي". اهـ.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 197): وقال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات". اهـ.
(3)
كذا في (أ) و (ب) والصواب الطبراني كما تقدم في التعليقة السابقة.
(4)
في معالم السنن (3/ 447 - مع السنن).
(5)
في المخطوط (ب): (لا يحصل).
(6)
قال ابن قدامة في "المغني"(8/ 154 - 155): "
…
إنَّ المعادنَ الظاهرة، وهي التي يُوصَلُ إلى ما فيها من غير مؤنةٍ، ينتابُها الناس، وينتفعون بها؛ كالملح، والماء، والكبريت، والقِير - الزفت - والمومياء - مادة تجمد فتصير قارًا - والنفْطِ، وا لكُحل، والبِرَام - القدور من الحجارة - والياقوت، ومقاطع الطين، وأشباه ذلك. لا تُملك بالإحياء، ولا يجوز إقطاعها لأحد من الناسِ، ولا احتجازُها دون المسلمين؛ لأن فيه =
[الباب السادس] باب إقطاع الأراضي
19/ 2414 - (عَنْ أسَماءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ في حَدِيثٍ ذَكَرَتْهُ قالَتْ: كُنْتُ أنْقُلُ النَّوَى مِنْ أرضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أقْطَعَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على رأسِي وَهُوَ مِنِّي على ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
وَهُوَ حُجَّةٌ في سَفَرِ المَرَأة اليسِير بغْيرِ مَحْرَمٍ).
20/ 2415 - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَال: أقْطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الزُّبَيْر حَضْرَ فَرَسِهِ، وأجْرَى الفَرَسَ حتَّى قامَ، ثُمّ رَمَى بِسَوْطِهِ فَقَال: " [أقْطِعُوه]
(2)
حَيْثَ بَلَغَ السَّوْطُ". رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
وأَبُو دَاوُدَ)
(4)
. [إسناده ضعيف]
21/ 2416 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: خَطَّ لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم دَارًا بالمَدِينَةِ بِقَوْسٍ وَقَالَ: "أزِيدُكَ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(5)
. [إسناده ضعيف]
22/ 2417 - (وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَهُ أرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ،
= ضررًا بالمسلمين، وتضييقًا عليهم، ولأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أقطعَ أبيض بن حمَّال معدنَ الملح، فلما قيل له: إنه بمنزلة الماء العِدِّ - الجاري - ردَّهُ. كدا قال أحمد". اهـ.
(1)
أحمد في المسند (6/ 347) والبخاري رقم (5224) ومسلم رقم (34/ 2182).
قلت: وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (288) وابن حبان في صحيحه رقم (4500) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 293).
(2)
كذا في المخطوط (أ)، (ب): وفي مسند أحمد وسنن أبي داود (أعْطُوه).
(3)
في المسند (2/ 156).
(4)
في سننه رقم (3072).
قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير رقم (13352) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 144) كلهم من طريق حماد بن خالد الخيّاط، عن عبد الله العمري، عن نافع، عن ابن عمر، به.
وإسناده ضعيف لضعف عبد الله العمري - وهو ابن عمر -.
(5)
في السنن رقم (3060) بسند ضعيف.
وَبَعَثَ مُعَاوِيةَ لِيَقْطَعَها إيّاهُ. رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)
(1)
. [صحيح]
23/ 2418 - (وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أن عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ قالَ: أقْطَعَنِي [رَسُولُ الله]
(2)
صلى الله عليه وسلم وعُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أرْضَ كَذَا وكَذَا، فَذَهَبَ الزُّبَيْرُ إلى آلِ عُمَرَ فاشْتَرَى نَصِيبَهُ مِنْهُمْ، فأتَى عُثْمانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: إنّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ زَعَمَ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَهُ وعُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أرْضَ كَذَا وكَذَا، وإني اشْتَريْتُ نَصيبَ آلِ عُمَرَ، فَقالَ عُثْمانُ: عَبْدُ الرَّحْمنِ جائِزُ الشَّهادَة لَهُ وَعَلَيْهِ. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(3)
. [إسناده صحيح]
24/ 2419 - (وَعَنْ أنَسٍ قَالَ: دَعا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأنْصَارَ لِيَقْطَعَ لَهُمُ البَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: يا رَسُولَ الله إنْ فَعَلْتَ فاكْتُبْ لإِخْوَانِنا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِها، فَلَمْ يَكُنْ ذلكَ عِنْد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إنَّكُمْ سَتَروْنَ بَعْدِي أثَرَةً فَاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي". رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وَالبخارِيُّ)
(5)
. [صحيح]
حديث ابن عمر في إسناده عبد الله بن عمر بن حَفْص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وفيه مقال
(6)
، وهو أخو عبيد الله بن عمر العمري.
وحديث عمرو بن حريث سكت عنه أبو داود
(7)
والمنذري
(8)
، وحسّن
(1)
في سننه رقم (1381) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(2)
في المخطوط (أ): (النبي).
(3)
في المسند (1/ 192) بسند صحيح.
(4)
في المسند (3/ 167).
(5)
في صحيحه رقم (3163).
وهو حديث صحيح.
(6)
قال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه، وقال أحمد: صالح لا بأس به. وقال ابن المديني: ضعيف.
التاريخ الكبير (5/ 145) والمجروحين (2/ 6) والجرح والتعديل (5/ 109) والميزان (2/ 465) والخلاصة (ص 207) والتقريب رقم (3489).
وخلاصة القول فيه: أنه ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد.
(7)
في السنن (3/ 443).
(8)
في المختصر (4/ 258).
إسناده الحافظ
(1)
، ولفظ أبي داود
(2)
: "أزيدك أزيدك" مرتين.
وحديث وائل بن حجر أخرجه أيضًا أبو داود
(3)
والبيهقي
(4)
وابن حبان
(5)
والطبراني
(6)
.
وحديث عروة بن الزبير لم أجده لغير أحمد، ولم أجده في باب الإقطاع من مجمع الزوائد مع أنه يذكر كل حديث لأحمد خارج عن الأمهات الست.
قوله: ([من]
(7)
أرض الزبير) إلخ. يمكن أن تكون هذه الأرض هي المذكورة في حديث ابن عمر المذكور بعده.
وفي البخاري
(8)
في آخر كتاب الخمس من حديث أسماء: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير".
وفي سنن أبي داود
(9)
عن أسماء: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير نخلًا".
قوله: (حُضْر فرسه)
(10)
بضم الحاء المهملة وإسكان الضاد المعجمة: وهو العَدْوُ.
قوله: (وبعث معاوية) أي: النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (ليقطع لهم البحرين) قال الخطابي
(11)
: يحتمل أنه أراد الموات منها ليتملكوه بالإحياء، ويحتمل أنه أراد العامر منها لكن في حقه من الخمس لأنه كان ترك أرضها فلم يقسمها.
وتُعَقِّب بأنها فتحت صلحًا، وضربت على أهلها الجزية، فيحتمل أن يكون المراد أنه أراد أن يخصم بتناول جزيتها، وبه جزم إسماعيل القاضي
(12)
. ووجَّهه
(1)
في "التلخيص"(3/ 140).
(2)
في سننه رقم (3060) بإسناد ضعيف.
(3)
في سننه رقم (3058).
(4)
في السنن الكبرى (6/ 144).
(5)
في صحيحه رقم (7205).
(6)
في المعجم الكبير (ج 22 رقم 13).
وهو حديث صحيح وقد تقدم.
(7)
في المخطوط (ب): (في).
(8)
في صحيحه رقم (3151).
(9)
في سننه رقم (3069) بسند حسن.
(10)
النهاية (1/ 390).
(11)
أعلام الحديث له (88/ 112 - 1189).
(12)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 48).
ابن
(1)
بطال بأن أرض الصلح لا تقسم فلا تملك.
قال في الفتح
(2)
: والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يخصّ الأنصار بما يحصل من البحرين، أما الناجز يوم عرض ذلك عليهم فهو الجزية لأنهم كانوا صالحوا عليها.
وأما بعد ذلك إذا وقعت الفتوح فخراج الأرض أيضًا، وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم ذلك في عدة أراض بعد فتحها وقبل فتحها.
منها إقطاعه تميمًا الداري بيت إبراهيم، فلما فتحت في عهد عمر نجز ذلك لتميم، واستمرّ في أيدي ذرّيته من ابنته رقية وبيدهم كتاب من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقصته مشهورة، ذكرها ابن سعد
(3)
وأبو عبيد في كتاب الأموال
(4)
وغيرهما.
قوله: (فلم يكن عنده ذلك) يعني بسبب قلة الفتوح، وأغرب ابن
(5)
بطال فقال: معناه أنه لم يرد فعل ذلك لأنه كان أقطع المهاجرين أرض بني النضير.
قوله: (أَثَرة) بفتح الهمزة والمثلثة على المشهور، وأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى ما وقع من استئثار الملوك من قريش على الأنصار بالأموال والتفضيل بالعطاء وغير ذلك فهو من أعلام نبوّته، وفيه ما كانت فيه الأنصار من [التأثير]
(6)
على أنفسهم كما وصفهم بذلك فقال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
(7)
.
وأحاديث الباب فيها دليل على أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الأئمة إقطاع الأراضي وتخصيص بعض دون بعض بذلك إذا كان فيه مصلحة
(8)
.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الإقطاع غير أحاديث هذا الباب والباب الذي قبله.
(منها): أن النبي صلى الله عليه وسلم "أقطع [صَخْر بن أبي العَيْلة]
(9)
البجلي الأحمسي ماء
(1)
في شرحه لصحيح البخاري (6/ 509 - 510).
(2)
(5/ 48).
(3)
في الطبقات (1/ 267).
(4)
(ص 258).
(5)
في شرحه لصحيح البخاري (6/ 510).
(6)
كذا في المخطوط (أ)، (ب)، والصواب:(الإيثار). انظر: لسان العرب (4/ 6 - 7).
(7)
سورة الحشر، الآية:9.
(8)
انظر: المغني (8/ 153 - 154) ومدونة الفقه المالكي وأدلّته (1/ 690).
(9)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب:(صخر بن العَيْلة). =
لبني سليم لما هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء ثم رده إليهم في قصة طويلة مذكورة في سنن أبي داود
(1)
.
(ومنها): ما أخرجه أبو داود
(2)
عن سبرة بن معبد الجهني: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في موضع المسجد تحت دومة، فأقام ثلاثًا ثم خرج إلى تبوك، وأن جهينة لحقوه بالرحبة، فقال لهم: "من أهل ذي المروة"، فقالوا: بنو رفاعة من جهينة، فقال: "قد أقطعتها لبني رفاعة"، فاقتسموها، فمنهم من باع، ومنهم من أمسك فعمل".
(ومنها): عند أبي داود
(3)
عن قيلة بنت مخرمة قالت: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم صاحبي - يعني حريث بن حسان وافد بكر بن وائل - فبايعه، على الإسلام عليه وعلى قومه ثم قال: يا رسول الله، اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء أن لا يجاوزها إلينا منهم أحد إلا مسافر أو مجاور، فقال:"اكتب له يا غلام بالدهناء"، فلما رأيته قد أمر له بها شخص بي وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول الله إنه لم يسألك السوية من الأرض إذا سألك، إنما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومرعى الغنم ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك، فقال:"أمسك يا غلام صدقت المسكينة، المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونا على الفتان"، يعني الشيطان.
وأخرجه أيضًا الترمذي
(4)
مختصرًا.
(ومنها): ما أخرجه البيهقي
(5)
والطبراني
(6)
: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الدور وأقطع ابن مسعود فيمن أقطع"، وإسناده قوي.
= انظر: الإصابة رقم (4069) وأسد الغابة (2490) والاستيعاب (1212) والثقات (3/ 193) والتاريخ الكبير للبخاري (4/ 310) والتقريب (1/ 365) والطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 31).
(1)
في سننه رقم (3067) بسند ضعيف.
(2)
في سننه رقم (3068) بسند حسن.
(3)
في سننه رقم (3070) بسند ضعيف.
(4)
في سننه رقم (2814) وهو حديث حسن.
(5)
في السنن الكبرى (6/ 145).
(6)
في المعجم الكبير (ج 10 رقم 10534).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 197) وقال: رجاله ثقات.
[الباب السابع] باب الجلوس في الطرقات المتسعة للبيع وغيره
25/ 2420 - (عَنْ أبي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إيَّاكُمْ وَالْجلُوس في الطُّرقاتِ"، فَقَالُوا: يا رَسُولَ الله، ما لنَا مِنْ مَجَالِسِنا بُدٌّ نتَحَدثُ فِيها، فَقَالَ: "إذَا أبَيْتُمْ إلَّا المَجْلِسَ فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّها"، قالُوا: وَما حَقّ الطَّرِيقِ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: "غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّ الأذَى، وَرَدّ السَّلامِ، والأمْرُ بالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(1)
. [صحيح]
26/ 2421 - (وَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لأنْ يَحْمِلَ أحَدُكُمْ حَبْلًا فَيَحْتَطِبَ، ثُمَّ يَجِيء فَيَضَعُهُ فِي السّوقِ فَيَبِيعُهُ، ثُمَّ يَسْتَغْني بِهِ فَيُنْفِقُهُ على نَفْسِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْأَل النَّاسَ أعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(2)
. [صحيح]
حديث الزبير أخرجه البخاري
(3)
أيضًا بنحو ما هنا، وقد اتفق الشيخان
(4)
على مثل معناه من حديث أبي هريرة، وقد تقدم
(5)
في باب ما جاء في الفقير والمسكين والمسألة، من أبواب الزكاة.
قوله: (إياكم والجلوس) بالنصب على التحذير.
قوله: (ما لنا من مجالسنا بد)، فيه دليل على أن التحذير للإرشاد لا للوجوب، إذ لو كان للوجوب لم يراجعوه، كما قال القاضي عياض
(6)
.
(1)
في المسند (3/ 36، 47، 61) والبخاري رقم (6229) ومسلم رقم (114/ 2121).
(2)
في المسند (1/ 167) بسند صحيح.
وهو في الزهد لوكيع رقم (141)، ومن طريق وكيع أخرجه البخاري رقم (2075) وابن ماجه رقم (1836) وأبو يعلى رقم (675) والبيهقي في شعب الإيمان رقم (1223).
وهو حديث صحيح.
(3)
في صحيحه رقم (1471).
(4)
البخاري رقم (1470) ومسلم رقم (106/ 1042).
(5)
برقم (1591) من كتابنا هذا.
(6)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(11/ 11).
وفيه متمسَّك لمن يقول: إن سدَّ الذرائع
(1)
بطريق الأوْلى لا على الحتم، لأنه نهى أولًا عن الجلوس حسمًا للمادة، فلما قالوا:(ما لنا منها بد) ذكر لهم المقاصد الأصلية للمنع، فعرف أن النهي الأول للإرشاد إلى الأصلح.
ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة
(2)
لندبه أولًا إلى ترك الجلوس مع ما فيه من الأجر لمن عمل بحق الطريق، وذلك أن الاحتياط في طلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة.
قال الحافظ
(3)
: ويحتمل أنهم رجوا وقوع النَّسْخ تخفيفًا لما شَكَوْا من شدة الحاجة إلى ذلك، يعني فلا يكون قولهم المذكور دليلًا على أن التحذير الذي في قوة الأمر للإرشاد.
قال: ويؤيده أن في مرسل يحيى بن يعمر، وظن القوم أنها عزيمة.
قوله: (إذا أبيتم إلا المجلس)، في رواية للبخاري
(4)
: "فإذا أتيتم إلى المجلس".
(1)
الذرائع: هي الوسائل، والذريعة: هي الوسيلة والطريق إلى الشيء، سواء أكان هذا الشيء مفسدة أو مصلحة، قولا أو فعلًا، ولكن غلب إطلاق اسم "الذرائع" على الوسائل المفضية إلى المفاسد، فإذا قيل: هذا من باب سد الذرائع، فمعنى ذلك: أنه من باب منع الوسائل المؤدية إلى المفاسد". (أثر الأدلة المختلف فيها (ص 566)].
وانظر تفصيل موضوع سد الذرائع في: "إرشاد الفحول"(ص 804 - 809).
(2)
"إذا اجتمعت مصالح ومفاسد، فإن أمكن تحصيلُ المصالح ودرءُ المفاسد فعلْنَا ذلك، امتثالًا لأمر الله فيهما، لقوله سبحانه:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
وإن تعذر الدرءُ والتحصيلُ، فإن كانت المفسدةُ أعظمَ من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوت المصلحة، قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، حرَّمهما لأنَّ مفسدتهما أكبر من منفعتهما
…
وإن كانت المصلحةُ أعظم من المفسدة حصَّلْنا المصلحةَ مع التزام المفسدة.
وإن استوت المصالح والمفاسد فقد يُتخيّر بينهما، وقد يتوقف فيهما.
وقد يقع الاختلاف في تفاوت المفاسد".
وانظر الأمثلة على ذلك في كتاب: "القواعد الكبرى الموسوم بـ "قواعد الأحكام في إصلاح الأنام" لعز الدين عبد العزيز بن عبد السلام (1/ 136 - 163)، فقد أجاد وأفاد رحمه الله.
(3)
في "الفتح"(11/ 11).
(4)
في صحيحه رقم (2465).
قوله: (غض البصر) إلخ، زاد أبو داود
(1)
في حديث أبي هريرة: "وإرشاد السبيل، وتشميت العاطس إذا حَمِدَ"، وزاد [الطبراني
(2)
]
(3)
من حديث عمر، "وإغاثة الملهوف"؛ وزاد البزار
(4)
من حديث ابن عباس: "وأعينوا على الحمولة
(5)
"، وزاد الطبراني
(6)
من حديث سهل بن حنيف: "وذكر الله كثيرًا"، وزاد الطبراني
(7)
أيضًا من حديث وحشي بن حرب: " [واهدوا الأغبياء]
(8)
، وأعينوا المظلوم"، وجاء في حديث أبي طلحة
(9)
من الزيادة: "وحسن الكلام"، وقد نظم الحافظ
(10)
هذه الآداب فقال:
جمعتُ آدابَ من رامَ الجلوسِ على الط
…
ـريقِ مِنْ قولِ خيرِ الخلقِ إِنسَانًا
أَفْشِ السَّلامَ وأحْسِنْ في الكلامِ وشَمِّـ
…
ـــــــتْ عاطِسًا وسلامًا رُدَّ إحسَانًا
(1)
في سننه رقم (4816) بسند حسن وذكر "وإرشاد السبيل" فقط.
(2)
لم يخرجه الطبراني. انظر: "مجمع الزوائد"(8/ 61 - 62) والفتح (11/ 11).
(3)
في المخطوط (ب): (أبو داود) وهو الصواب. فقد أخرجه أبو داود في سننه رقم (4817)، وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند رقم (2019 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 62) وقال: "رواه البزار وفيه محمد بن أبي ليلى وهو ثقة سيئ الحفظ، وبقية رجاله وثقوا".
(5)
الحمولة: بالضم الأحمال، وبالفتح: ما يحتمل عليه الناس من الدواب.
(6)
في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5592).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 62) وقال: فيه أبو بكر بن عبد الرحمن الأنصاري تابعي لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا".
• وأبو بكر بن عبد الرحمن الأنصاري: ذكره البخاري في الكنى (ص 12)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 341) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وترجم له أبو أحمد الحاكم في الكنى (2/ 243) وروى له حديثه هذا.
[الفرائد على مجمع الزوائد (ص 402 رقم 662)].
(7)
في المعجم الكبير (ج 22 رقم 367).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 62) وقال: رجاله كلهم ثقات، وفي بعضهم ضعف.
(8)
كذا في المخطوط (أ)، (ب): والصواب: (واهدوا الأعمى) كما في المعجم الكبير ومجمع الزوائد. وقد تقدم في التعليقة السابقة.
(9)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2/ 2161).
(10)
الفتح (11/ 11).
في الحمْلِ عاوِنْ ومظلومًا أعِنْ وأَغِثْ
…
لهفانَ واهدِ سبيلًا واهدِ حَيرانًا
بالعُرْفِ مُرْ وانْهَ عن نُكْرٍ وكُفَّ أذَى
…
وغُضَّ طَرْفًا وأكثِرْ ذِكْرَ مولانَا
والعلة في التحذير من الجلوس على الطرق ما فيه من التعرض للفتنة بالنظر إلى من يحرم النظر إليه، وللحقوق لله وللمسلمين التي لا تلزم غير الجالس في ذلك المحل.
وقد أشار في حديث الباب بغَضِّ النظر إلى السلامة [من]
(1)
التعرض للفتنة بمن يمر من النساء وغيرهن، وبكف الأذى إلى السلامة من الاحتقار والغيبة، وبردِّ السلام إلى إكرام المار، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى استعمال جميع ما يشرع وترك جميع ما لا يشرع.
وعلى هذا النمط بقية الآداب التي أشرنا إليها، ولكلٍ منها شاهد صحيح أو حسن.
وقد استوفى ذلك الحافظ في الفتح
(2)
في كتاب الاستئذان.
وحديث الزبير
(3)
قد سبق شرح ما اشتمل عليه في كتاب الزكاة، وذكره المصنف هاهنا لقوله فيه:"فيضعه في السوق فيبيعه". فإن فيه دليلًا على جواز الجلوس في السوق للبيع، ولا يخلو غالب الأسواق من كثرة الطَّرْقِ فيه.
[الباب الثامن] باب من وجد دابة قد سيّبها أهلها رغبة عنها
27/ 2422 - (عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الحِمْيَرِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أن النبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْها أهلُها أنْ يَعْلِفُوها فَسَيَّبُوها فأخَذَها فأحْياها فَهِيَ لَهُ"، قالَ عُبَيْدُ الله: فَقُلْتُ لَهُ: عَمَّنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عَنْ غَيْرِ
(1)
في المخطوط (ب): (ومن).
(2)
(11/ 11 - 12) رقم الكتاب (79).
(3)
تقدم برقم (2421)، وتقدم شرح ما اشتمل عليه برقم (1591) من حديث أبي هريرة، من كتابنا هذا.
وَاحدٍ مِنْ أصحَابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أبوُ دَاوُدَ
(1)
وَالدَّارَقُطْنِيُّ)
(2)
[حسن]
28/ 2423 - (وَعَنِ الشَّعبيِّ يَرْفَعُ الحدِيثَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمُهْلَكَةٍ فأحْياها رَجُلٌ فَهِيَ لَمْن أحْياها"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(3)
. [حسن]
الحديث الأول في إسناده عبيد الله بن حميد وقد وثق. وحكى ابن أبي
(4)
حاتم عن يحيى بن معين أنه سئل عنه، فقال: لا أعرفه. يعني لا أعرف تحقيق أمره.
وأما جهالة الصحابة الذين أبهمهم الشعبي فغير قادح في الحديث؛ لأن مجهولهم مقبول على ما هو الحق، وقد حققنا ذلك في رسالة
(5)
مستقلة.
(1)
في سننه رقم (3524).
(2)
في السنن (3/ 68 رقم 259).
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 198) وأعله بما لا يقدح، فقال:"هذا حديث مختلف في رفعه، وهو عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطع".
وتعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بقوله: "قلت: قد قدمنا في "باب فضل المحدث" أن مثل هذا ليس بمنقطع، بل هو موصول، وأن الصحابة كلهم عدول، وقد ذكرنا في ذلك الباب من كلام البيهقي ما يدل على ذلك". اهـ.
وأما عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن الحميري فقد ترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/ 2/ 311) فقال: "بصري سمع أباه والشعبي، روى عنه حماد بن سلمة، ومنصور بن زاذان، وهشام وأبان العطار وسلمة بن علفمة. سئل يحيى بن معين عنه؟ فقال: لا أعرفه؛ يعني لا أعرف تحقيق أمره".
وذكره ابن حبان في "الثقات"(2/ 188).
قال الألباني في "الإرواء"(6/ 17): "قلت: وأنا أعلم أن ابن حبان متساهل في التوثيق، ولكن رواية أولئك الجماعة الثقات عنه، دون أن يظهر منه ما ينكر عليه لما يجعل القلب يطمئن لحديثه، ولعل هذا هو السبب في عدم إيراد الذهبي إياه في "الميزان"، وعليه فالحديث حسن عندي، ومما يشهد لذلك سكوت أبي داود عنه. والله أعلم". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(3)
في سننه رقم (3525).
وهو حديث حسن.
(4)
في الجرح والتعديل (2/ 2/ 311).
(5)
وهي بعنوان: (القول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم)، ورقمها (42) من كتاب "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني" بتحقيقي (4/ 1667).
والشعبي قد لقي جماعة من الصحابة
(1)
. حكى الذهبي أنه سمع من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحكى منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي أنه قال: "أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: عليّ وطلحة والزبير في الجنة".
والحديث الثاني مع إرساله فيه عبيد الله بن حميد
(2)
المذكور.
قوله: (فسيبوها) وكذلك قوله: "من ترك دابة"، يؤخذ من الإطلاق أنه يجوز لمالك الدابة التسييب في الصحراء إذا عجز عن القيام بها.
وقد ذهبت العترة
(3)
والشافعي
(4)
وأصحابه إلى أنه يجب على مالك الدابة أن يعلفها أو يبيعها أو يسيبها في مرتع، فإن تمرد أجبر.
(1)
انظر: "تهذيب التهذيب"(2/ 264 - 265) والجرح والتعديل (6/ 322) والمراسيل.
(2)
انظر الكلام عنه في تخريج الحديث رقم (27/ 2422) من كتابنا هذا.
(3)
البحر الزخار (4/ 282).
(4)
قال العمراني في "البيان": (11/ 272 - 273): "ومن ملك بهيمة .. لزمه القيام بعلفها، سواءٌ كانت مما يؤكل، أو مما لا يؤكل - لحديث ابن عمر عند البخاري رقم (3318) ومسلم رقم (2242) وغيره - ولأنَّ للبهائم حرمة بنفسها، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان، وقال صلى الله عليه وسلم: "في كل كبدٍ حَرَّى أَجرٌ" - وهو جزء من حديث أبي هريرة عند البخاري رقم (2363) ومسلم رقم (2444) - فلو قلنا: لا يجبُ الإنفاقُ عليها .. أسقطنا حُرمتها.
فإن كانَ في المصرِ .. لزمَهُ الإنفاق على عَلَفِها.
وإن كانَ في الصحراء، فإنْ كانَ فيها مِنَ الكلأ ما يقومُ بكفايتها، فخلَّاها للرعي .. لم يجبْ عليه العلفُ؛ لأنها تجتزئُ بذلك. وقد أومأ الشافعيُّ إلى أن من البهائم من لا تجتزئ بالكلأ، ولا بُدَّ لها من العلفِ.
فقال أصحابُنا البغداديونَ: هذا على عادةِ أهلِ مصرَ؛ لأنَّ صحارَيها يقلُّ فيها العلفُ.
وقال الخراسانيُّون: إن كانت البهيمةُ مشقوقةَ الشفة العُليا .. فإنها تجتزئ بالرعي عن العلف، وإنّ كانتْ غيرَ مشقوقةِ الشَّفة العُليا .. فلا تجتزئ بالرعي، ولا بُدَّ من علفها.
وإن لم يكن بها من الكلأ ما يقومُ بها .. لزمَهُ من العلفِ ما يقومُ بها، فإن لم يعلِفها، فإن كانت ممَّا يؤكل .. جازَ له أن يذبحَها، وله أن يبيعَها، وإن كانت ممَّا لا يؤكلُ .. كانَ لَهُ بيعُها، فإن امتنعَ من ذلك .. أجبرَهُ السلطانُ على علفِها، أو بيعِها، أو ذبحِها إن كانتْ ممّا يؤكلُ، فإن لم يعلِفْها ولا باعَها .. باعَها عليه السلطانُ، أو أكراها وأنفقَ عليها مِن كرائِها". اهـ.
وقال أبو حنيفة
(1)
وأصحابه: بل يؤمر استصلاحًا لا حتمًا كالشجر.
وأجيب بأن ذات الروح تفارق الشجر.
والأولى إذا كانت الدابة مما يؤكل لحمه أن يذبحها مالكها ويطعمها المحتاجين. قال ابن رسلان: وأما الدابة التي عجزت عن الاستعمال لزمنٍ ونحوه فلا يجوز لصاحبها تسييبها بل يجب عليه نفقتها.
قوله: (فأحياها) يعني بسقيها وعلفها وخدمتها، وهو من باب المجاز؛ كقوله تعالى:{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}
(2)
.
قوله: (فهي له) أخذ بظاهره أحمد
(3)
والليث والحسن وإسحاق، فقالوا: من ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخدمها إلى أن قويت على المشي والحمل [و]
(4)
الركوب؛ ملكها، إلا أن يكون مالكها تركها لا لرغبة عنها بل ليرجع إليها أو ضلت عنه، وإلى مثل ذلك ذهبت الهادوية
(5)
.
وقال مالك
(6)
: هي لمالكها الأول، ويغرم ما أنفق عليها الآخذ.
وقال الشافعي
(7)
وغيره: إن ملك صاحبها لم يزل عنها بالعجز، وسبيلها سبيل اللقطة، فإذا جاء ربها وجب على واجدها ردها عليه ولا يضمن ما أنفق عليها لأنه لم يأذن فيه.
قوله: (بمهلكة) بضم الميم وفتح اللام اسم لمكان الإهلاك، وهي قراءة الجمهور
(8)
في قوله تعالى: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ}
(9)
، وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام.
(1)
انظر: "البيان" للعمراني (11/ 273).
(2)
سورة المائدة، الآية:(32).
انظر: "الدر المصون"(4/ 247 - 248) وإعراب القرآن الكريم وبيانه للدرويش (2/ 462).
(3)
المغني (8/ 347).
(4)
في المخطوط (ب): (على).
(5)
البحر الزخار (4/ 382).
(6)
التهذيب في اختصار المدونة (4/ 377) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 156 - 157).
(7)
البيان للعمراني (7/ 539 - 540).
(8)
معجم القراءات (6/ 532 - 533).
(9)
سورة النمل، الآية:(49).
[الكتاب العشرون] كتاب الغصب
(1)
والضمانات
[الباب الأول] باب النهي عن جده وهزله
1/ 2424 - (عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبِيه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يأخُذَنَّ أحَدُكُمْ مَتاعَ أخيهِ جادًّا وَلا لاعِبًا، وَإذَا أخَذَ أحَدُكُمْ عَصَا أخيهِ فَلْيَرُدَّها عَلَيْهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وأبُو دَاوُدَ
(3)
وَالتِّرْمِذيّ)
(4)
. [حسن]
2/ 2425 - (وَعَنْ أنَسٍ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يحِل مالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلا بِطيبِ نَفْسِهِ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(5)
، وعُمُومُهُ حُجَّة فِي السَّاحَةِ الغَصْبِ يُبْنَى عَلَيْها، وَالعَيْن تتغَيَّرُ صِفَتُهَا أنَّها لا تُمْلَكُ). [صحيح بشواهده]
3/ 2426 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أبي لَيْلَى قَالَ: "حَدَّثَنا أصحَابُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُمْ كانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَنَامَ رَجُلُ مِنْهُمْ، فانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إلى حَبْلٍ مَعَهُ، فأخَذَهُ فَفَزعَ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "لا يحِل لمُسْلِمٍ أنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا"، رَوَاهُ أبُو دَاوُد)
(6)
. [صحيح]
(1)
الغصب في اللغة: أخذ الشيء ظلمًا وقهرًا، ويقال للمغصُوب: غَصِيب، تسمية بالمصدر كذا في المغرب.
[أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء. تأليف الشيخ قاسم القُونويّ (ص 269)].
(2)
في المسند (4/ 221).
(3)
في سننه رقم (5003).
(4)
في سننه رقم (2160). وقال: حديث حسن غريب.
والخلاصة: أنه حديث حسن، والله أعلم.
(5)
في السنن (3/ 26 رقم 91).
وفيه الحارث بن محمد الفهري مجهول. قاله الحافظ في "التلخيص"(3/ 46 - ط: دار المعرفة).
(6)
في سننه رقم (5004). =
حديث السائب حسنه الترمذي
(1)
وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ذئب. اهـ.
وقد سكت عنه أبو داود
(2)
والمنذري
(3)
.
وأخرجه أيضًا البيهقي
(4)
وقال: إسناده حسن.
وحديث أنس في إسناده الحارث بن محمد الفهري وهو مجهول
(5)
.
وله طريق أخرى عند الدارقطني
(6)
أيضًا عن حميد عن أنس، وفي إسنادها داود بن الزبرقان
(7)
، وهو متروك.
ورواه أحمد
(8)
والدارقطني
(9)
من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف
(10)
.
وأخرجه الحاكم
(11)
من حديث ابن عباس من طريق عكرمة.
= قلت: وأخرجه أحمد (5/ 362) والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (878) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 249) وفي الآداب رقم (442).
وهو حديث صحيح.
(1)
في السنن (4/ 462).
(2)
في سننه (5/ 273).
(3)
في المختصر (5/ 287).
(4)
في السنن الكبرى (6/ 100).
(5)
قال عنه ابن عدي: مجهول. كما في "الميزان"(1/ 441).
(6)
في سننه (3/ 25 رقم 88).
وفيه داود بن الزبرقان وهو متروك الحديث. قاله الحافظ في "التلخيص"(3/ 46 ط: دار المعرفة).
(7)
انظر: الميزان (2/ 7)، والمجروحين (1/ 292) والتقريب (1/ 231).
(8)
في المسند - مطولًا - (5/ 72 - 73).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 265 - 266) وقال: "رواه أحمد، وأبو حرة الرقاشي، وثقه أبو داود، وضعفه ابن معين، وفيه علي بن زيد وفيه كلام". اهـ.
(9)
في سننه (3/ 26 رقم 92).
وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. قاله الحافظ في "التلخيص"(3/ 46 - ط: دار المعرفة).
(10)
انظر: "الكامل"(5/ 1840) والميزان (3/ 128) والتقريب (2/ 37).
(11)
عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 45 - ط: دار المعرفة) وقال: ذكره في حديث طويل. ولم أقف عليه في المطبوع.
وأخرجه الدارقطني
(1)
من حديث ابن عباس أيضًا من طريق مقسم وفي إسناده العرزمي، وهو ضعيف.
ورواه البيهقي
(2)
وابن حبان
(3)
والحاكم
(4)
في صحيحيهما من حديث أبي حميد الساعدي بلفظ: "لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه".
قال البيهقي
(5)
: وحديث أبي حميد أصح ما في الباب.
وحديث ابن أبي ليلى سكت عنه أبو داود
(6)
والمنذري
(7)
، وإسناده لا بأس به
(8)
.
(1)
في السنن (3/ 25 رقم 87) بسند ضعيف.
(2)
في السنن الكبرى (6/ 100).
(3)
في صحيحه رقم (5978).
(4)
لم أقف عليه في المستدرك المطبوع.
قلت: وأخرجه البزار رقم (1373 - كشف) والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 41 - 42).
قال البزار: لا نعلمه عن أبي حميد إلا بهذا الطريق، وإسناده حسن.
وقد روي من وجوه عن غيره من الصحابة.
(5)
في السنن الكبرى (6/ 100).
(6)
في السنن (5/ 274).
(7)
في "المختصر"(7/ 288).
(8)
قلت: وفي الباب:
• عن أبي هريرة عند ابن المبارك في "الزهد" رقم (688) ومن طريقه القضاعي في مسند الشهاب رقم (877) والبغوي رقم (2571) بسند ضعيف.
• وعن ابن عمر عند البزار رقم (1521 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 254) وقال: فيه عبد الكريم أبو أمية، وهو ضعيف.
• وعن سليمان بن صُرَد، عند الطبراني في "المعجم الكبير" رقم (6487) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/ 254) وقال: رواه الطبراني من رواية ابن عيينة عن إسماعيل بن مسلم، فإن كان هو العبدي، فهو من رجال الصحيح، وإن كان هو المكي، فهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات.
• وعن النعمان بن بشير، عند الطبراني في الأوسط رقم (1673) وأبي نعيم في "أخبار أصبهان"(1/ 127).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 254) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورجال "الكبير" ثقات.
• وعن أبي الحسن - وكان عقبيًا بدريًا - عند الطبراني في "المعجم الكبير"(ج 22 رقم 980). =
قوله: (متاع أخيه) المتاع على ما في القاموس
(1)
: المنفعة والسلعة وما تمتعت به من الحوائج؛ الجمع: أمتعة.
قوله: (ولا لاعبًا)، فيه دليل على عدم جواز أخذ متاع الإنسان على جهة المزح والهزل.
قوله: (لا يحل مال امرئ مسلم) إلخ، هذا أمر مصرح به في القرآن الكريم، قال الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}
(2)
، ولا شك أن من أكل مال مسلم بغير طيبة نفسه آكل له بالباطل، ومصرح به في عدة أحاديث:(منها) حديث: "إنما أموالكم ودماؤكم عليكم حرام"
(3)
، وقد تقدم.
ومجمع عليه عند كافة المسلمين ومتوافق على معناه العقل والشرع، وقد خصص هذا العموم بأشياء، (منها): الزكاة كرهًا، والشفعة، وإطعام المضطر والقريب والمعسر والزوجة، وقضاء الدين، وكثير من الحقوق المالية.
قوله: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا)، فيه دليل على أنه لا يجوز ترويع المسلم ولو بما صورته صورة المزح.
[الباب الثاني] باب إثبات غصب العقار
4/ 2427 - (عَنْ عائِشَةَ أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ
= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 253) وقال: وفيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله الهاشمي، وهو ضعيف.
• وعن زيد بن ثابت، عند الحاكم في المستدرك (3/ 421) وفيه محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك.
• وعن عمارة بن أبي حسين عند البزار رقم (1522 - كشف) مرسلًا.
(1)
القاموس المحيط (ص 985).
(2)
سورة البقرة، الآية:(188).
وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 210 - 211).
(3)
أخرجه أحمد (1/ 230) والبخاري رقم (1739) ومسلم رقم (147/ 1218).
طَوَّقَهُ الله مِنْ سَبْعِ أرضِينَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(1)
. [صحيح]
5/ 2428 - (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا فإنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيامَةِ مِنْ سَبْعِ أرْضِينَ"، مُتَّفَقُ عَلَيْهِ
(2)
. [صحيح]
وفي لَفْظٍ لأحْمَدَ
(3)
: "مَنْ سَرَقَ"). [صحيح]
6/ 2429 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طَوّقَهُ الله يَوْمَ القِيامَةِ مِنْ سَبْع أرْضِينَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ)
(4)
. [صحيح]
7/ 2430 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أخَذَ مِنَ الأرْضِ شَيْئًا بِغَيْرٍ حَقٍّ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ إلى سَبْعِ أرَضِينَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
وَالبُخارِيُّ)
(6)
. [صحيح]
حديث أبي هريرة هو في صحيح مسلم
(7)
.
وفي الباب عن يعلى بن مرة عند ابن حبان في صحيحه
(8)
وابن أبي شيبة
(1)
أحمد في المسند (6/ 259) والبخاري رقم (3195) ومسلم رقم (142/ 1612).
(2)
أحمد في المسند (1/ 188) والبخاري رقم (3198) ومسلم رقم (140/ 1610).
(3)
في المسند (1/ 188) بسند صحيح.
قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (105) والترمذي رقم (1418) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (230) وابن الجارود رقم (1019) والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" رقم (663) وابن حبان رقم (3195).
وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند (2/ 432).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 566) وابن حبان في صحيحه رقم (5162) والطبراني في الأوسط رقم (6226) من طرق بسند جيد وهو حديث صحيح.
(5)
في المسند (2/ 99).
(6)
في صحيحه رقم (3196).
وهو حديث صحيح.
(7)
في صحيحه رقم (141/ 1611).
(8)
في "الثقات"(4/ 48).
من مسنده
(1)
وأبي يعلى
(2)
.
وعن المسور بن مخرمة عند العقيلي في تاريخ الضعفاء
(3)
.
وعن شداد بن أوس عند الطبراني في الكبير
(4)
.
وعن سعد بن أبي وقاص عند الترمذي
(5)
.
وعن أبي مالك الأشعري عند ابن أبي شيبة
(6)
بإسناد حسن.
وعن الحكم بن الحارث السلمي عند الطبراني
(7)
وأبي يعلى
(8)
.
وعن أبي شريح الخزاعي عند الطبراني
(9)
أيضًا.
(1)
في المصنف (6/ 565).
(2)
في معجم شيوخه رقم (111).
قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (406) والطبراني في المعجم الكبير (ج 22 رقم 691، 693) وفي الأوسط رقم (5750) وفي الصغير رقم (1054 - الروض الداني) والدولابي في الكنى (1/ 132 - 133).
(3)
في "الضعفاء الكبير"(3/ 297) في ترجمة عمران بن أبان الواسطي. وقال العقيلي: وهذا يُروى من غير هذا الوجه بأسانيد جياد.
• وعمران بن أبان الواسطي الطحان: قال ابن عدي: "له غرائب، ولا أرى بحديثه بأسًا، ولم أر له حديثًا منكرًا. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال غيرهما: ليس بالقوي.
[الثقات (8/ 497) والميزان (3/ 233) وتهذيب التهذيب (8/ 121 - دار الفكر)].
(4)
(ج 7 رقم 7170).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 176) وقال: فيه قزعة بن سويد، وثقه ابن عدي وغيره، وضعفه أحمد وجماعة.
(5)
لم أقف عليه في سنن الترمذي.
• وقد أخرج حديثه أبو يعلى في المسند رقم (744) والبزار رقم (1374 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 175) وقال: "رواه أبو يعلى والبزار، والطبراني في الأوسط، وفيه حمزة بن أبي محمد، ضعفه أبو حاتم، وأبو زرعة. وحسّن الترمذي حديثه".
(6)
في المصنف رقم (6/ 567) بسند حسن.
(7)
في المعجم الكبير (ج 3 رقم 3172) والصغير رقم (1197 - الروض الداني).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 176) وقال: وفيه محمد بن عقبة السدوسي، وثقه ابن حبان، وضعفه أبو حاتم، وتركه أبو زرعة.
(8)
لم أقف عليه في المسند. ولم يعزه الهيثمي إليه كما تقدم في التعليقة السابقة.
(9)
في المعجم الكبير (ج 22 رقم 493). =
وعن ابن مسعود عنده
(1)
أيضًا وأحمد
(2)
.
وعن ابن عباس عند الطبراني
(3)
أيضًا.
قوله: (من ظلم شبرًا)، في رواية للبخاري
(4)
: "قيد شبر" بكسر القاف وسكون التحتانية، أي: قدر شبرٍ، وكأنه ذكر الشبر إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد، كذا في الفتح
(5)
.
قوله: (يطوّقه) بضمّ أوَّله على البناء للمجهول.
قوله: (من سبع أرضين) بفتح الراء ويجوز إسكانها.
قال الخطابي
(6)
: له وجهان: (أحدهما): أن معناه أن يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر، ويكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة.
(الثاني): أن معناه أنه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين: أي فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقًا في عنقه. اهـ.
ويؤيد الوجه الثاني حديث ابن عمر
(7)
المذكور.
وقيل: معناه كالأول لكن بعد أن ينقل جميعه يجعل كله في عنقه طوقًا ويعظم قدر عنقه حتى يَسَع ذلك كما ورد في غلظ جلد الكافرٍ
(8)
ونحو
= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 176) وقال: وفيه عبد الله بن شبيب، وهو ضعيف.
(1)
أي: عند الطبراني في المعجم الكبير (ج 10 رقم 10516).
(2)
في المسند (1/ 396).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 174 - 175) وقال: رواه أحمد الطبراني، وإسناد أحمد حسن. وحسنه المنذري في "الترغيب والترهيب" رقم (2785).
(3)
في المعجم الكبير (ج 12 رقم 12921).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 175) وقال: وفيه محمد بن الفضل بن عطية، وهو متروك كذاب.
قلت: وزيد العمي، ضعيف.
(4)
في صحيحه رقم (2453، 3195)
(5)
(5/ 104).
(6)
في أعلام الحديث (2/ 1219).
(7)
المتقدم برقم (7/ 2430).
(8)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (6551) ومسلم رقم (2852). =
ذلك
(1)
.
ويؤيده حديث يعلى بن مرة المشار إليه سابقًا
(2)
بلفظ: "أيما رجل ظلم شبرًا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس".
وحديث الحكم السلمي المشار إليه (2) أيضًا.
قال الحافظ
(3)
: وإسناده حسن، ولفظه:"من أخذ من طريق المسلمين شبرًا جاء يوم القيامة يحمله من سبع أرضين".
قال في الفتح
(4)
: ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "يطوقه" يكلف أن يجعله طوقًا ولا يستطيع ذلك فيعذب به كما جاء في حق: "من كذب في منامه كُلِّف أن يعقد شعيرة"
(5)
.
ويحتمل أن يكون التطويق تطويق الإثم، والمراد به أن الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الإثم.
ومنه قوله تعالى: {أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}
(6)
.
ويحتمل أن تتنوّع هذه الصفات لصاحب هذه المعصية، أو تنقسم بين من تلبَّس بها، فيكون بعضهم معذّبًا ببعض، وبعضهم بالبعض الآخر بحسب قوة المفسدة وضعفها، هذا جملة ما ذكر من الوجوه في تفسير الحديث.
= من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين مِنكبي الكافِرِ مسيرةُ ثلاثةِ أيامٍ للراكب المسرعِ".
(1)
انظر فصل في عِظَمِ أهل النَّار وقُبحِهم فيها، من كتاب:"الترغيب والترهيب"(4/ 382 - 387).
(2)
تقدما آنفًا.
(3)
في الفتح (5/ 104).
(4)
(5/ 104).
(5)
أخرج البخاري في صحيحه رقم (7042) والترمذي رقم (2283) وابن ماجه رقم (3916) عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من تحلَّم حُلُمًا كاذِبًا كُلِّف أن يعقدَ بين شعيرتين ويعذب على ذلك".
(6)
سورة الإسراء، الآية:(13).
وانظر: تفسير ابن كثير (8/ 443 - 444).
قوله: (من اقتطع) فيه استعارة شبه من أخذ ملك غيره ووصله إلى ملك نفسه بمن اقتطع قطعة من شيء يجري فيه القطع الحقيقي.
وأحاديث الباب تدل على تغليظ عقوبة الظلم والغصب، وأن ذلك من الكبائر، وتدل على أن تخوم الأرض تملك، فيكون للمالك منع من رام أن يحفر تحتها حفيرة.
قال في الفتح
(1)
: إن الحديث يدلّ على أن من ملك أرضًا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض، وله أن يمنع من حفر تحتها سربًا أبو بئرًا بغير رضاه، وأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة وأبنية ومعادن وغير ذلك، وأن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره.
وفيه أن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض؛ لأنها لو فتقت لاكتفى في حق هذا الغاصب بتطويق التي غصبها لانفصالها عما تحتها، أشار إلى ذلك الداودي.
وفيه أن الأرضين السبع أطباق كالسموات، وهو ظاهر قوله تعالى:{وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}
(2)
خلافًا لمن قال: إن المراد بقوله: "سبع أرضين" سبعة أقاليم؛ لأنه لو كان كذلك لم يطوق الغاصب شبرًا من إقليم آخر، قاله ابن التين
(3)
، وهو والذي قبله مبني على أن العقوبة متعلقة بما كان سببها وإلا فمع قطع النظر عن ذلك لا تلازم بين ما ذكروه. اهـ.
8/ 2431 - (وَعَنِ الأشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ أن رَجُلًا مِنْ كِنْدَة وَرَجُلًا مَنْ
(1)
(5/ 105).
(2)
سورة الطلاق، الآية:(12).
قال ابن كثير في تفسيره (14/ 44): "أي سبعًا. ومن حمل ذلك على سبعة أقاليم فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع وخالف القرآن والحديث بلا مستند.
وأخرج الطبري في "جامع البيان"(14/ ج 28/ 154) عن قتادة قال: قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} ، خلق سبع سموات وسبع أرضين، في كل سماء من سمائه، وأرض من أرضه، خلق من خلقه، وأمر من أمره، وقضاء من قضائه".
وإسناده حسن.
(3)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 105).
حَضْرَمَوْتَ اخْتَصَما إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في أرْضٍ باليَمَنِ، فَقالَ الحَضْرَمِيُّ: يا رَسُولَ الله أرْضي اغْتَصبَها هَذَا وأبُوهُ، فَقَالَ الكنْدِيُّ: يا رَسُولَ الله، أرْضِي وَرِثْتُها مِنْ أبي، فَقَالَ الحَضْرَمِيُّ: يا رَسُولَ الله، استحْلفْهُ إنَّهُ ما يَعْلَمُ أنَّها أرْضِي وأرْضُ وَالِدي اغتصبَها أبُوهُ، فَتَهَيَّأ الكِنْدِي للْيَمِينِ، فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّهُ لا يَقْتَطِعَ عَبدٌ أوْ رَجلٌ بِيَمِينهِ مالًا إلا لَقِيَ الله يَوْمَ يَلْقاهُ وَهُوَ أجْذَمُ"، فَقَالَ الكِنْديُّ: هِيَ أرْضُهُ وأرْضُ وَالِدِه. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(1)
. [صحيح]
الحديث رواه أيضًا الطبراني في الأوسط
(2)
، وفي إسناده [محمد بن سلام المنبجي]
(3)
له غرائب، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وللأشعث أيضًا حديث آخر أخرجه الطبراني في الكبير
(4)
والأوسط
(5)
وإسناده ضعيف.
(1)
في المسند (5/ 212 - 213) بسند ضعيف بهذه السياقة.
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3244) و (3622) والنسائي في السنن الكبرى رقم (6002 - دار الكتب العلمية) وابن الجارود رقم (1005) والدولابي في الكنى (1/ 87) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (4479) و (4480) والطبراني في الكبير رقم (637) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 180) والضياء في المختارة رقم (1484) من طرق .. وهو حديث صحيح.
(2)
رقم (1655) وفيه أن القصة بين معاذ وآخر.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 180) وقال: فيه محمد بن سلام المنبجي، قيل في ترجمته:"له غرائب وبقية رجاله رجال الصحيح".
(3)
في المخطوط (أ): (محمد بن سلام المسبحي)، والمثبت من المخطوط (ب)، وهو الصواب والموافق لمصادر تخريج الحديث، ومصادر الترجمة؛ كميزان الاعتدال (3/ 568).
(4)
(ج 1 رقم 636).
(5)
رقم (1643) بسند ضعيف.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 180) وقال: "في إسناد الكبير عمر بن محمد بن يحيى بن سعيد بن العاص. ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات. وفي إسناد الأوسط: كذاب". اهـ.
• وأما عمر بن محمد بن يحيى بن سعيد بن العاص، فقد ترجم له البخاري في الكبير - (6/ 191) - وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل - (6/ 132) - وذكره ابن حبان في الثقات - (7/ 184) - ". =
وقصة الحضرمي والكندي سيأتي ذكرها في باب استحلاف المنكر من كتاب الأقضية
(1)
من حديث وائل بن حجر عند مسلم في صحيحة
(2)
والترمذي
(3)
وصححه بنحو ما هنا، ولعله يأتي الكلام عليه هنالك إن شاء الله.
قال في التلخيص
(4)
: والحضرمي هو وائل بن حجر، والكندي هو امرؤ القيس بن عابس واسمه ربيعة. اهـ. وفيه نظر، فإنه سيأتي عن وائل بن حجر في كتاب الأقضية بلفظ: "جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
…
" إلخ. وهذا يشعر بأن الحضرمي غير وائل.
وأيضًا قال في البدر المنير
(5)
: اسم الحضرمي ربيعةُ بنُ عِبْدَان، وكذا جاء مبينًا في إحدى روايتي صحيح مسلم
(6)
، وعِبْدَان بكسر المهملة وبعدها موحدة.
والحديث فيه دليل على أنها إذا طلبت يمين العلم وجبت، وعلى أنه يستحب للقاضي أن يعظ من رام الحلف.
قوله: (إنه لا يقتطع عبد) إلخ، لفظ الصحيحين
(7)
من حديث الأشعث: "من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان". وسيأتي في كتاب الأقضية
(8)
.
[الباب الثالث] باب تملك زرع الغالب بنفقته وقلع غرسه
9/ 2432 - (عَنْ رِافعِ بْنِ خَدِيجٍ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ زَرَعَ فِي أرْضِ
= [الفرائد على مجمع الزوائد ص 251 رقم 398].
(1)
رقم الحديث (3933) من كتابنا هذا.
(2)
في صحيحه رقم (223/ 139).
(3)
في سننه رقم (1340).
(4)
(4/ 382 رقم 2684/ 1).
(5)
البدر المنير لابن الملقن (9/ 683).
(6)
رقم (224/ 139).
(7)
البخاري رقم (2666) ومسلم رقم (221/ 138).
(8)
يأتي برقم (3932) من كتابنا هذا.
قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فليس لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيّ
(1)
. وَقَالَ
(1)
أحمد في المسند (4/ 141) وأبو داود رقم (3403) والترمذي رقم (1366) وقال: حسن غريب، وابن ماجه رقم (2466).
قلت: وأخرجه أبو عبيد في الأموال رقم (708) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 117) والطيالسي (1/ 278 رقم 1401 - منحة المعبود) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 136) من طرق عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع به.
وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
قلت: تحسين الترمذي للحديث من أجل طرقه الآتية، وإلا فإن الإسناد ضعيف، وله ثلاث علل:
1 -
الانقطاع بين عطاء ورافع.
2 -
اختلاط أبي إسحاق وهو السبيعي وعنعنته.
3 -
ضعف شريك بن عبد الله القاضي.
انظر: السنن الكبرى للبيهقي (6/ 136 - 137) فقد أوضح ذلك. لكن للحديث طرق أخرى يتقوى بها:
(الأولى): عن بكير عن عبد الرحمن بن أبي نعيم أن رافع بن خديج أخبره: "أنه زرع أرضًا أخذها من بني فلان، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسقي زرعه، فسأله: "لمن هذا؟ " فقال: الزرع لي، وهي أرض بني فلان، أخذتها، لي الشطر، ولهم الشطر، قال: فقال: "انفض يدك من غبارها ورد الأرض إلى أهلها، وخذ نفقتك"، قال: فانطلقت فأخبرتهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأخذ نفقته ورد إليهم أرضهم".
أخرجه أبو داود رقم (3402) والطحاوي في مشكل الآثار (3/ 282) والبيهقي (6/ 136).
قلت: في سنده "بكير بن عامر البَجَلي" وهو ضعيف. كما قاله الحافظ في "التقريب"(1/ 108 رقم 136).
(والأخرى): عن أبي جعفر الخطمي، قال: بعثني عمي أنا وغلامًا له إلى سعيد بن المسيب، قال: فقلنا له: شيء بلغنا عنك في المزارعة، قال:"كان ابن عمر لا يرى بها بأسًا، حتى بلغه عن رافع بن خديج حديث، فأتاه فأخبره رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حارثة، فرأى زرعًا في أرض ظهير، فقال: "ما أحسن زرع ظهير"، قالوا: ليس لظهير، قال: "أليس أرض ظهير"، قالوا: بلى ولكنه زرع فلان، قال: "فخذوا زرعكم، وردوا عليه النفقة"، قال رافع: فأخذنا زرعنا، ورددنا إليه النفقة".
أخرجه أبو داود رقم (3399) والطحاوي في مشكل الآثار (3/ 281) والبيهقي (6/ 136) وإسناده صحيح.
وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 475 - 476): "قال أبي: هذا يقوي حديث شريك عن أبي إسحاق .. ".
وخلاصة القول أن حديث رافع بن خديج حديث صحيح بطرقه.
البُخارِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ)
(1)
. [صحيح بطرقه]
10/ 2433 - (وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أحْيا أرْضًا فَهِيَ لَهُ، وَلَيْس لِعِرْقِ ظالِمٍ حَقٌّ"، قالَ: وَلَقَدْ أخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الحَدِيثَ: أن رَجُلَيْنِ اخْتَصَما إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، غَرَسَ أحَدُهُما نَخْلًا فِي أرْضِ الآخَرِ فَقَضَى لصَاحِبِ الأرضِ بأرْضِهِ، وأمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْها، قالَ: فَلَقَدْ رأيْتُها وإنَّهَا لَتُضْرَبُ أصُولُهَا بالفُؤُوسِ وَإنَّهَا لَنَخْلُ عُمّ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(2)
وَالدَّارَقُطْنيُّ)
(3)
. [حسن]
حديث رافع ضعفه الخطابي
(4)
، ونقل عن البخاري تضعيفه، وهو خلاف ما نقله الترمذي
(5)
عن البخاري من تحسينه. وضعفه أيضًا البيهقي
(6)
وهو من طريق عطاء بن أبي رباح عن رافع، قال أبو زرعة: لم يسمع عطاء من رافع، وكان موسى بن هارون يضعّف هذا الحديث ويقول: لم يروه غير شريك، ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق، ولكن قد تابعه قيس بن الربيع وهو سيئ الحفظ.
وقد أخرج هذا الحديث أيضًا البيهقي
(7)
والطبراني
(8)
وابن أبي شيبة
(9)
والطيالسي
(10)
وابن ماجه
(11)
وأبو يعلى
(12)
.
وحكى ابن المنذر عن أحمد بن حنبل أنه قال: إن أبا إسحاق زاد في هذا الحديث: "زرع بغير إذنهم"، وليس غيره يذكر هذا الحرف.
(1)
حكاه عنه الترمذي في سننه (3/ 648).
(2)
في سننه رقم (3074).
(3)
في السنن (3/ 35 - 36 رقم 144).
وهو حديث حسن.
(4)
في "معالم السنن"(3/ 693 - مع السنن).
(5)
في سننه (3/ 648).
(6)
في السنن الكبرى (6/ 136 - 137).
(7)
في السنن الكبرى (6/ 137).
(8)
في المعجم الكبير (ج 4 رقم 4437).
(9)
في المصنف (7/ 89).
(10)
في المسند رقم (960).
(11)
في سننه رقم (2466).
(12)
لم أقف عليه.
والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
وحديث عروة سكت عنه أبو داود
(1)
والمنذري
(2)
، وحسَّن الحافظ في بلوغ المرام
(3)
إسناده.
وفي رواية لأبي داود
(4)
: "فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري: فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل".
وأول حديث عروة هذا قد تقدم في أول كتاب الإحياء من حديث سعيد
(5)
بن زيد.
وأخرج أبو داود
(6)
من حديث جعفر بن محمد بن علي عن أبيه الباقر عن سمرة بن جندب: "أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله، وقال: وكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به الرجل ويشق عليه، فطلب إليه أن يناقله فأبى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله فأبى، قال: "فهبه لي ولك كذا وكذا" أمرًا رغبه فيه، فأبى، فقال: "أنت مضار"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري: "اذهب فاقلع نخله"". وفي سماع الباقر من سمرة بن جندب نظر، فقد نقل من مولده ووفاة سمرة ما يتعذر معه سماعه
(7)
.
قوله: (فليس له من الزرع شيء) فيه دليل على أن من غصب أرضًا وزرعها كان الزرع للمالك للأرض، وللغاصب ما غرمه في الزرع يسلمه له مالك الأرض.
(1)
في السنن (3/ 454).
(2)
في المختصر (4/ 266).
(3)
رقم الحديث (4/ 846) بتحقيقي.
(4)
في السنن رقم (3075)، وهو حديث حسن.
(5)
تقدم برقم (2397) من كتابنا هذا.
(6)
في سننه رقم (3636).
وقال المنذري في "المختصر"(5/ 240): "في سماع الباقر من سمرة بن جندب نظر.
وقد نقل من مولده ووفاة سمرة، ما يتعذر معه سماعه منه، وقيل فيه: ما يمكن معه السماع منه. والله عز وجل أعلم". اهـ.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(7)
انظر ما قاله المنذري في: "المختصر"(5/ 240).
قال الترمذي
(1)
: والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق.
قال ابن رسلان: وقد استدل به كما قال الترمذي وأحمد على أن من زرع بذرًا في أرض غيره واسترجعها صاحبها، فلا يخلو إما أن يسترجعها مالكها ويأخذها بعد حصاد الزرع أو يسترجعها والزرع قائم قبل أن يحصد، فإن أخذها مستحقها بعد حصاد الزرع، فإن الزرع لغاصب الأرض لا يعلم فيها خلافًا، وذلك لأنه نماء ماله، وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم وضمان نقص الأرض وتسوية حفرها؛ وإن أخذ الأرض صاحبها من الغاصب والزرع فيها قائم لم يملك إجبار الغاصب على قلعه، وخير المالك بين أن يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له، أو يترك الزرع للغاصب وبهذا قال أبو عبيد
(2)
.
وقال الشافعي
(3)
وأكثر الفقهاء
(4)
: إن صاحب الأرض يملك إجبار الغاصب على قلعه.
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق"
(5)
، ويكون الزرع لمالك البذر عندهم على كل حال وعليه كراء الأرض.
ومن جملة ما استدل به الأولون ما أخرجه أحمد
(6)
وأبو داود
(7)
والطبراني
(8)
وغيرهم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زرعًا في أرض ظهير فأعجبه، فقال: "ما أحسن زرع ظهير"، فقالوا: إنه ليس لظهير ولكنه لفلان، قال: "فخذوا زرعكم وردوا عليه نفقته"، فدل على أن الزرع تابع للأرض
(9)
.
(1)
في السنن (3/ 648).
(2)
في الأموال (ص 265 رقم 707).
(3)
في الأم (4/ 524 - 526) والبيان (7/ 50 - 51).
(4)
انظر: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 565) والبناية في شرح الهداية (10/ 259 - 260) والاختيار (3/ 84) والمغني (7/ 365).
(5)
تقدم من حديث سعيد بن زيد برقم (2397) من كتابنا هذا.
(6)
في المسند (4/ 142).
(7)
في سننه رقم (3399).
(8)
في المعجم الكبير (ج 4 رقم 4267).
بسند صحيح.
(9)
الفقه المالكي (1/ 738).
ولا يخفى أن حديث رافع بن خديج أخص من قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق"
(1)
مطلقًا فيبنى العام على الخاص
(2)
، وهذا على فرض أن قوله:"ليس لعرق ظالم حق" يدل على أن الزرع لرب البذر، فيكون الراجح ما ذهب إليه أهل القول الأول من أن الزرع لصاحب الأرض إذا استرجع أرضه والزرع فيها.
وأما إذا استرجعها بعد حصاد الزرع فظاهر الحديث أنه أيضًا لرب الأرض، ولكنه إذا صح الإجماع على أنه للغاصب كان مخصصًا لهذه الصورة.
وقد روي عن مالك
(3)
وأكثر علماء المدينة مثل ما قاله الأولون وفي البحر
(4)
أن مالكًا والقاسم يقولان: الزرع لرب الأرض. واحتج لما ذهب إليه الجمهور
(5)
من أن الزرع للغاصب بقوله صلى الله عليه وسلم: "الزرع للزارع وإن كان غاصبًا"
(6)
، ولم أقف على هذا الحديث فينظر فيه.
وقال ابن رسلان: إن حديث: "ليس لعرق ظالم حق"(1)، ورد في الغرس الذي له عرق مستطيل في الأرض، وحديث رافع
(7)
ورد في الزرع، فيجمع بين الحديثين ويعمل بكل واحد منهما في موضعه، ولكن ما ذكرناه من الجمع أرجح؛ لأن بناء العام على الخاص أولى من المصير إلى قصر العام على السبب من غير
(1)
تقدم من حديث سعيد بن زيد برقم (2397) من كتابنا هذا.
(2)
إرشاد الفحول (ص 536 - 537) بتحقيقي والبحر المحيط (3/ 405).
(3)
الفقه المالكي (1/ 738).
(4)
البحر الزخار (4/ 183).
(5)
المغني (7/ 365 - 366).
(6)
• قال المقبلي في "المنار"(2/ 171): "وبحثت عن الحديث - هذا - الذي أورده المصنف - في البحر الزخار - للمذهب الأول، فلم أجده، والمصنف - في البحر الزخار - كعادته لا ينظر في الرواية بل يستغني بما قيل فيه: حديث
…
". اهـ.
• وقال محمد بن إسماعيل الأمير في "سبل السلام"(5/ 187) بتحقيقي: "واستدلوا بحديث: "الزرع للزارع ولو كان غاصبًا" إلا أنه لم يخرجه أحد، قال في المنار: وقد بحثت عنه فلم أجده، والشارح - حسين المغربي - نقله - في البدر التمام (3/ 303) - وبيض لمخرجِهِ". اهـ.
• وقال المحدث الألباني في "الضعيفة"(1/ 124 رقم 88): "باطل لا أصل له"، ثم ذكر أنه مخالف لحديثين هما: حديث رافع بن خديج رقم (2432) وحديث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم (2433) من كتابنا هذا ..
(7)
تقدم رقم (2432) من كتابنا هذا.
ضرورة
(1)
.
والمراد بقوله: "وله نفقته"، ما أنفقه الغاصب على الزرع من المؤونة في الحرث والسقي وقيمة البذر وغير ذلك.
وقيل: المراد بالنفقة قيمة الزرع، فتقدر قيمته ويسلمها المالك، والظاهر الأوّل.
قوله: (وليس لعرق ظالم حقّ)، قد تقدم ضبطه وتفسيره في أول كتاب الإحياء
(2)
.
قوله: (وأمر صاحب النخل) إلخ، فيه دليل على أنه [يجوز]
(3)
الحكم على من غرس في أرض غيره غروسًا بغير إذنه بقطعها.
قال ابن رشد في النهاية
(4)
: أجمع العلماء على أن من غرس نخلًا أو ثمرًا وبالجملة نباتًا في غير أرضه أنه يؤمر بالقلع، ثم قال: إلا ما روي عن مالك في المشهور أن من زرع فله زرعه وكان على الزارع كراء الأرض، وقد روي عنه ما يشبه قول الجمهور، ثم قال: وفرّق قوم بين الزرع والثمار
…
إلى آخر كلامه.
قوله: (عُمّ) بضم المهملة وتشديد الميم جمع عميمة: وهي الطويلة
(5)
. وفي القاموس
(6)
ما يدل على أنه يجوز فتح أوله؛ لأنه قال بعد تفسيره بالنخل الطويل: ويضمّ.
[الباب الرابع] باب ما جاءَ فيمن غَصَبَ شاةً فذبَحَها وَشَوَاها أو طَبَخَها
11/ 2434 - (عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ أن رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ أخْبَرَهُ قَالَ:
(1)
انظر: اللمع (ص 22) وتيسير التحرير (1/ 264).
(2)
عند الحديث رقم (2397) من كتابنا هذا.
(3)
في المخطوط (ب): (تجوز).
(4)
في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" بتحقيقي (4/ 147 - 148).
(5)
النهاية في غريب الحديث (2/ 257) قال: أصلُها: عُمُمٌ، فسُكِّن وأدْغم. وانظر: الفائق للزمخشري (1/ 76).
(6)
القاموس المحيط (ص 1473).
خَرَجْنا مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرأةٍ، فَجاءَ وَجِيء بالطَّعامِ فَوَضَعَ يَدَهُ، ثُمَّ وَضَعَ القَوْمُ فأكَلُوا، فَنَظَرَ آباؤُنا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَلُوكُ لُقْمَة في فَمِهِ ثُمَّ قَالَ:"أجدُ لَحْمَ شاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إذْنِ أهْلِها"، فَقالَت المرأةُ: يا رَسُولَ الله، إني أرْسَلْتُ إلى البَقِيعِ يَشْتَرِي لي شاة فَلَمْ أجِدْ، فأرْسَلْتُ إلى جارٍ لي قَدِ اشْتَرى شاةً أنْ أرْسِلْ بِها إليَّ بِثَمَنها فَلَمْ يُوجَدْ، فأرْسَلْتُ إلى امْرَأتِهِ، فأرْسَلَتْ إليَّ بِها، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أطْعِمِيهِ الأسارَى"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
، وأبُو دَاوُدَ
(2)
، وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ لَهُ
(4)
: ثُمَّ قالَ: "إني لأجدُ لَحْمَ شاةٍ ذُبِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ أهْلِها"، فقالتْ: يا رَسُولَ الله أخِي؛ وأنا مِنْ أعَزّ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كانَ خَيْرًا مِنْها لَمْ يُغَيِّرْ عَليّ، وَعَليَّ أنْ أرضِيَه بأفْضَلَ منْها، فأبَى أنْ يأكُلَ مِنْها، وأمَرَ بالطَّعامِ لِلأسارَى). [صحيح]
الحديث في إسناده عاصم بن كليب، قال علي بن المديني: لا يحتج به إذا انفرد. وقال الإمام أحمد
(5)
: لا بأس به. وقال أبو حاتم الرازي
(6)
: صالح. وقد أخرج له مسلم.
وأما جهالة الرجل الصحابي فغير قادحة لما قررناه غير مرة من أن مجهول الصحابة مقبول؛ لأن عموم الأدلة القاضية بأنهم خير الخليقة من جميع الوجوه
(1)
في المسند (5/ 293 - 294).
(2)
في سننه رقم (3332).
(3)
في السنن (4/ 285 رقم 54).
قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (3005) و (3006) وفي شرح معاني الآثار (4/ 208) والبيهقي (5/ 335) وفي الدلائل (6/ 310) من طرق
…
وهو حديث صحيح والله أعلم.
(4)
أي: للدارقطني في السنن (4/ 286 رقم 55).
(5)
كما في "الجرح والتعديل"(3/ 1/ 349 - 350) من رواية أبي بكر الأثرم.
وقال أحمد في رواية الميموني (356): ثقة.
(6)
الجرح والتعديل (3/ 1/ 349 - 350).
وانظر: الميزان (2/ 356) والتاريخ الكبير (3/ 2/ 487) وتهذيب التهذيب (2/ 259).
أقل أحوالها أن تثبت لهم بها هذه المزيّة، أعني: قبول مجاهيلهم لاندراجهم تحت عمومها. ومن تولَّى الله ورسولهُ تعديله؛ فالواجب حمله على العدالة حتى ينكشف خلافها ولا انكشاف في المجهول.
قوله: (يلوك) قال في القاموس
(1)
: اللَّوْك: أهون المضغ، أو مضغ صُلْبِ.
قوله: (لُقمة) بضم اللام وسكون القاف ويجوز فتح اللام. قال في القاموس
(2)
: اللقمة وتفتح: ما يهيأ للفمِ.
قوله: (فلم يوجد) بضم أوله وسكون الواو وكسر الجيم: أي [لم يعطني]
(3)
ما طلبته. وفي القاموس
(4)
: أوجده: أغناه، وفلانًا مطلوبه: أظفره به.
والحديث فيه دليل على مشروعية إجابة [الداعي]
(5)
، وإن كان امرأة والمدعو رجلًا أَجْنبيًا إذا لم يعارض ذلك مفسدة مساوية أو راجحة.
وفيه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرة لعدم إساغته لذلك اللحم وإخباره بما هو الواقع من أخذها بغير إذن أهلها.
وفيه تجنب ما كان من المأكولات حرامًا أو مشتبهًا، وعدم الاتكال على تجويز إذن مالكه بعد أكله.
وفيه أيضًا أنه يجوز صرف ما كان كذلك إلى من يأكله؛ كالأسارى ومن كان على صفتهم.
وقد أورد المصنف هذا الحديث للاستدلال به على حكم من غصب شاة فذبحها وشواها أو طبخها كما وقع في الترجمة.
وقد اختلف العلماء في ذلك، فحكي في البحر
(6)
عن القاسمية وأبي حنيفة
(7)
أن المالك مخير بين طلب القيمة وبين أخذ العين كما هي وعدم لزوم الأرش، لأن الغاصب لم يستهلك ما ينفرد بالتقويم.
(1)
القاموس المحيط (ص 1230)، والنهاية (2/ 620).
(2)
القاموس المحيط (ص 1495).
(3)
في المخطوط (ب): (لم يعط).
(4)
القاموس المحيط (ص 414).
(5)
في المخطوط (ب): (الدعوة).
(6)
البحر الزخار (4/ 181).
(7)
الاختيار (3/ 83) والبناية في شرح الهداية (10/ 253).
وحكي عن المؤيد بالله والناصر
(1)
والشافعي
(2)
ومالك
(3)
أنه يأخذ العين مع الأرش [كما لو]
(4)
قطع الأذن ونحوها.
وعن محمد
(5)
أنه يخيّر بين القيمة أو العين مع الأرش.
[الباب الخامس] باب ما جاء في ضمان المتلف بجنسه
12/ 2435 - (عَنْ أنَسٍ قالَ: أهَدَتْ بَعْضُ أزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَيهِ طَعامًا في قَصْعَةٍ، فَضَرَبَتْ عائِشَةُ القَصْعَةَ بِيَدِها فألْقَتْ ما فِيها، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"طَعامٌ بِطَعامٍ وَإناءٌ بإناءٍ"، رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصحَّحَهُ
(6)
.
وَهُوَ بِمَعْناهُ لِسائِرِ الجَماعَةِ إلا مُسْلِمًا)
(7)
. [صحيح]
13/ 2436 - (وَعَنْ عَائِشَةَ أنَّهَا قَالَتْ: ما رأيْتُ صَانِعَةً طَعامًا مِثْلَ صَفِيَّةَ، أهْدَتْ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إناءً مِنْ طَعامٍ، فَما مَلَكْتُ نَفْسِي أنْ كَسَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله ما كَفارَتُهُ؟ قَالَ: "إناءٌ كإناءٍ وَطَعامٌ كَطَعامٍ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(8)
وأبُو دَاوُدَ
(9)
وَالنَّسائيُّ)
(10)
. [ضعيف].
(1)
البحر الزخار (4/ 182).
(2)
البيان للعمراني (7/ 74).
(3)
عيون المجالس (4/ 1735) وحاشية الدسوقي (5/ 173 - 174) وبداية المجتهد (4/ 146 - 147).
(4)
في المخطوط (ب): (كُلُو).
(5)
ذُكِرَ في حاشية الدسوقي (5/ 173) وفي (5/ 174) ذُكِرَ أنه رجع عنه.
(6)
في السنن رقم (1359) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(7)
أحمد في المسند (3/ 105) والبخاري رقم (2481) وأبو داود رقم (3567) والترمذي رقم (1360) والنسائي رقم (3955) وابن ماجه رقم (2334).
وهو حديث صحيح.
(8)
في المسند (6/ 148) و (6/ 277).
(9)
في السنن رقم (3568).
(10)
في السنن رقم (3957).
قلت: وحسن الحافظ في "الفتح"(5/ 125) إسناده، بينما ضعف الألباني الحديث.
الحديث الأول لفظه في البخاري
(1)
: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ عندَ بعضِ نسائِهِ، فأرسلَتْ إحْدَى أمهاتِ المؤمنينَ مع خادم لها بقصْعَةٍ فيها طعامٌ، فضربتْ بيدِها فكسرتِ القصعَة، فضمَّها وجعلَ فيها الطَّعامَ وقالَ: "كُلُوا"، ودفع القصعة الصحيحة للرسول وحبس المكسورة"، هذا أحد ألفاظ البخاري.
وله
(2)
ألفاظ أخر، وليس فيه تسمية الضارِبة، وهو عائشة كما وقع في رواية الترمذي
(3)
[التي]
(4)
ذكرها المصنف.
والحديث الثاني في إسناده أَفْلت بنُ خليفة أبو حسان. ويقال: فُلَيْت العامري. قال الإمام أحمد: ما أرى به بأسًا. وقال أبو حاتم الرازي
(5)
: شيخ.
وقال الخطابي
(6)
: في إسناد الحديث مقال.
وقال في الفتح
(7)
: إن إسناده حسن.
قوله: (بعض أزواج النبي) هي زينب بنت جحش، كما رواه ابن حزم في المحلَّى
(8)
عن أنس، ووقع قريب من ذلك لعائشة مع أم سلمة، كما روى النسائي
(9)
عنها: "أنها أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام في صحفة، فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فِهْر
(10)
، ففلقت به الصحفة
…
" الحديث.
والرواية المذكورة في الباب عن عائشة
(11)
تشعر بأنه قد وقع لها مثل ذلك مع صفّية.
وقد روى الدارقطني
(12)
عن أنس من طريق عمران بن خالد نحو ذلك قال
(1)
في صحيحه رقم (2481).
(2)
أي: للبخاري في صحيحه رقم (5225).
(3)
في سننه رقم (1359) وقد تقدم.
(4)
في المخطوط (ب): (الذي).
(5)
في الجرح والتعديل (2/ 346).
(6)
في معالم السنن (3/ 827 - مع السنن).
(7)
(5/ 125).
(8)
في المحلى (8/ 141).
(9)
في سننه رقم (3956)، وهو حديث صحيح. وانظر: الإرواء (5/ 360).
(10)
الفِهر: بالكسر، الحجر قدر ما يدق به الجوز أو ما يملأ الكف. القاموس المحيط (ص 589).
(11)
تقدم برقم (13/ 2436) من كتابنا هذا.
(12)
في السنن (4/ 153 رقم 14). =
عمران: أكثر ظني أنها حفصة؛ يعني التي كسرت عائشة صحفتها.
قال في الفتح
(1)
: ولم يصب عمران في ظنه أنها حفصة بل هي أم سلمة، ثم قال: نعم؛ وقعت القصة لحفصة أيضًا، وذلك فيما رواه ابن أبي شيبة
(2)
وابن ماجه
(3)
من طريق رجل من بني سواءة غير مسمى عن عائشة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فصنعت له طعامًا وصنعت له حفصة طعامًا فسبقتني، فقلت للجارية: انطلقي فأكفئي قصعتها، فاكفأتها فانكسرت وانتشر الطعام، فجمعه على النطع فأكلوه، ثم بعث بقصعتي إلى حفصة فقال: خذوا ظرفًا مكان ظرفكم"، وبقية رجاله ثقات.
قال الحافظ
(4)
: وتحرّر من ذلك أن المراد بمن أبهم في حديث الباب هي زينب لمجيء الحديث من مخرِّجه وهو حميد عن أنس وما عدا ذلك فقصص أخرى [لا تليق]
(5)
بمن تحقق أن يقول في مثل هذا قيل: المرسلة فلانة، وقيل: فلانة من غير تحرير.
قوله: (إناء بإناء) فيه دليل على أن القيمي يُضْمَن بمثله، ولا يضمن بالقيمة إلا عند عدم المثل، ويؤيده ما في رواية البخاري
(6)
المتقدمة بلفظ: "ودفع القصعة الصحيحة للرسول"، وبه احتج الشافعي
(7)
والكوفيون
(8)
.
= من حديث عمران بن خالد الخزاعي، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه؛ وفيه:"قال عمران: أكبر ظني أنه قال حفصة".
قال أبو زرعة فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 466 رقم 1400): هذا خطأ - أي رواية عمران عن ثابت - رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي المتوكل عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح.
(1)
(5/ 125).
(2)
في المصنف (14/ 214).
(3)
في سننه رقم (2333).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 217): "هذا إسناد ضعيف للجهالة بالتابعي، وله شاهد من حديث أنس
…
". اهـ.
قلت: إسناده ضعيف.
(4)
في "الفتح"(5/ 125).
(5)
في المخطوط (ب): (لا يليق).
(6)
في صحيحه رقم (5225)، وقد تقدم.
(7)
روضة الطالبين للنووي (5/ 8، 125).
(8)
انظر: الاختيار (2/ 79 - 80).
وقال مالك
(1)
: إن القيمي يضمن بقيمته مطلقًا، وفي رواية عنه: كالمذهب الأول. وفي رواية عنه أخرى: ما صنعه الآدمي فالمثل، وأما الحيوان فالقيمة. وعنه أيضًا: ما كان مكيلًا أو موزونًا فالقيمة وإلا فالمثل، قال في الفتح
(2)
: وهو المشهور عندهم.
وقد ذهب إلى ما قاله مالك من ضمان القيمي بقيمته مطلقًا جماعة من أهل العلم، منهم الهادوية
(3)
، ولا خلاف في أن المثلي يضمن بمثله.
وأجاب القائلون بالقول الثاني عن حديث الباب وما في معناه بما حكاه البيهقي
(4)
من أن القصعتين كانتا للنبي صلى الله عليه وسلم في بيتي زوجتيه. فعاقب الكاسرة بجعل القصعة المكسورة في بيتها وجعل الصحيحة في بيت صاحبتها، ولم يكن هناك تضمين.
وتُعُقِّب بما وقع في رواية لابن أبي حاتم
(5)
بلفظ: "من كسر شيئًا فهو له وعليه مثله"، وبهذا يرد على من زعم أنها واقعة عين لا عموم فيها.
ومن جملة ما أجابوا به عن حديث الباب وما في معناه بأنه يحتمل أن يكون في ذلك الزمان كانت العقوبة فيه بالمال، فعاقب الكاسرة بإعطاء قصعتها للأخرى.
وتعقب بأن التصريح بقوله: "إناء بإناء" يبعد ذلك.
قوله: (طعام بطعام) قيل: إن الحكم بذلك من باب المعونة والإصلاح دون بت الحكم بوجوب المثل فيه؛ لأنه ليس له مثل معلوم.
قال الحافظ
(6)
: في طرق الحديث ما يدل على أن الطعامين كانا مختلفين.
قوله: (فما مَلَكْتُ نفسي أن كسرته)، لفظ أبي داود
(7)
: "فأخذني أَفْكَل"
(1)
عيون المجالس (4/ 1733) والفقه المالكي (1/ 737).
وانظر: المغني (7/ 361 - 362) وبداية المجتهد (4/ 138).
(2)
(5/ 126).
(3)
البحر الزخار (4/ 175).
(4)
في السنن الكبرى (6/ 96).
(5)
في "العلل" رقم (1400)، وقد تقدم.
(6)
في "الفتح"(5/ 126).
(7)
في سننه رقم (3568)، وهو حديث ضعيف.
بفتح الهمزة وإسكان الفاء وفتح الكاف، ثم لام وزنه أفعل، والمعنى أخذتني رعدة الأفكل
(1)
: وهي الرعدة في برد أو خوف؛ والمراد هنا أنها لما رأت حسن الطعام غارت وأخذتها مثل الرعدة.
[الباب السادس] باب جناية البهيمة
14/ 2437 - (قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "العَجْماءُ جُرْحُها جُبارٌ")
(2)
. [صحيح]
15/ 2438 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الرِّجْلُ جُبارُ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(3)
. [ضعيف]
(1)
قال ابن الأثير (2/ 388): أفكل: رِعْدة وهي تكون من البرد أو الخوف، ولا يُبْنَى منه فعل وهمزته زائدة.
وانظر: غريب الحديث للخطابي (2/ 140) والفائق للزمخشري (1/ 369).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 239) والبخاري رقم (6912) ومسلم رقم (45/ 1710) والترمذي رقم (1377) والنسائي (5/ 45) وأبو داود رقم (4593) وابن ماجه رقم (2673) وغيرهم من حديث أبي هريرة.
(3)
في سننه رقم (4592).
قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 152 رقم 208) والبيهقي (8/ 343).
وقال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 387): "وقال - أي الدارقطني -: لم يروه غير سفيان بن حسين، وهو وهم لم يتابعه عليه أحد، وخالفه الحفاظ عن الزهري: منهم مالك، ويونس، وسفيان بن عيينة، ومعمر، وابن جريج، والزبيدي، وعقيل، والليث بن سعد، وغيرهم.
وكلهم رووه عن الزهري: العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار؛ ولم يذكروا "الرِّجل" وهو الصواب. انتهى.
وقال الخطابي: تكلم الناس في هذا الحديث، وقيل: إنه غير محفوظ، وسفيان بن حسين معروف بسوء الحفظ. انتهى.
وقال المنذري في "مختصر السنن": وسفيان بن حسين أبو محمد السلمي الواسطي استشهد به البخاري، وأخرج له مسلم في "المقدمة" ولم يحتج به واحد منهما، وفيه مقال. انتهى". اهـ.
وانظر: إرواء الغليل (رقم 1526).
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
16/ 2439 - (وَعَنْ حِرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ أن ناقَةَ الْبَرَاء بْنِ عازِبٍ دَخَلَتْ حائِطًا فأفْسَدَتْ فِيه، فَقَضَى نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم أن على أهْلِ الحَوَائِطِ حِفْظُها بالنَّهارِ، وأنَّ ما أفْسَدَتْ المَوَاشي باللَّيْلِ ضَامنٌ على أهْلِها. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
، وأبُو دَاوُدَ
(2)
، وَابْنُ ماجَهْ)
(3)
. [صحيح]
(1)
في المسند (4/ 295) و (5/ 436).
(2)
في سننه رقم (3569) و (3570).
(3)
في سننه رقم (2332).
قلت: وهو حديث صحيح.
أخرجه مالك (2/ 747 رقم 37) عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة: "أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط بالنهار حفظها وأن ما أفسدته المواشي بالليل ضامن على أهلها".
قلت: وهذا سند مرسل صحيح؛ وقد أخرجه الدارقطني (3/ 156 رقم 222) والبيهقي (8/ 341) وأحمد (5/ 435 - 436) من طريق مالك به.
وتابعه الليث بن سعد عن ابن شهاب به مرسلًا؛ أخرجه ابن ماجه رقم (2332).
وتابعهما سفيان بن عيينة عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وحرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء
…
أخرجه أحمد (5/ 436) والبيهقي (8/ 342).
وتابعهم الأوزاعي؛ لكن اختلفوا عليه في سنده، فقال أبو المغيرة: ثنا الأوزاعي عن الزهري عن حرام بن محيصة الأنصاري بها مرسلًا؛ أخرجه البيهقي (8/ 341).
وقال الفريابي عن الأوزاعي به إلا أنه قال: "عن البراء بن عازب" فوصله؛ أخرجه أبو داود رقم (3570) وعنه البيهقي (8/ 341)، والحاكم (2/ 48).
وكذا قال محمد بن مصعب، ثنا الأوزاعي به موصولًا؛ أخرجه أحمد (4/ 295) والبيهقي (8/ 341) والدارقطني (3/ 155 رقم 219).
وكذا قال أيوب بن سويد، ثنا الأوزاعي، به. أخرجه الدارقطني (3/ 155 رقم 217) والبيهقي (8/ 341).
فقد اتفق هؤلاء الثلاثة: الفريابي، ومحمد بن مصعب، وأيوب بن سويد على وصله عن الأوزاعي، فهو أولى من رواية أبي المغيرة عنه مرسلًا لأنهم جماعة، وهو فرد.
وتابعهم معمر؛ واختلفوا عليه أيضًا، فقال عبد الرزاق: ثنا معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء
…
الحديث. فزاد في السند "عن أبيه" أخرجه أبو داود رقم (3569) وابن حبان (رقم 1168 - موارد) والدارقطني (3/ 154 رقم 216) وأحمد (5/ 436) والبيهقي (8/ 342). وقال: وخالفه وهيب، وأبو مسعود الزجاج عن معمر، فلم يقولا:"عن أبيه".
قال ابن التركماني في "الجوهر النقي"(8/ 342 - حاشية السنن الكبرى): وذكر ابن عبد البر بسنده عن أبي داود، قال: لم يتابع أحد عبد الرزاق على قوله في هذا الحديث: =
17/ 2440 - (وَعَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَقَفَ دَابَّةً في سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ المُسْلِمِينَ أوْ في سُوقٍ مِنْ أسْوَاقِهِمْ، فأوْطَأتْ بِيَدٍ أوْ رِجْلٍ فَهُوَ ضَامِنُ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(1)
، وَهَذَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِيما إذَا وَقَفَها فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ أو حَيْثُ تَضُر المَارّةَ). [إسناده ضعيف]
حديث: "العجماء جرحها جبار"، أخرجه الجماعة
(2)
من حديث أبي هريرة، وقد تقدم
(3)
في باب ما جاء في الركاز والمعدن من كتاب الزكاة.
وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا النسائي
(4)
.
وقال الدارقطني
(5)
: لم يروه غير سفيان بن حسين، وخالفه الحفاظ عن الزهري، منهم مالك وابن عيينة ويونس ومعمر وابن جريج وعقيل وليث بن سعد
= "عن أبيه". وقال أبو عمر: أنكروا عليه قوله فيه: "عن أبيه". وقال ابن حزم: "هو مرسل
…
".
وقال المحدث الألباني في "الصحيحة"(1/ 425): "لكن قد وصله الأوزاعي بذكر البراء فيه، في أرجح الروايتين عنه، وقد تابعه: عبد الله بن عيسى عن الزهري عن حرام بن محيصة عن البراء به.
أخرجه ابن ماجه رقم (2332) والبيهقي (8/ 341 - 342)، وعبد الله بن عيسى هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ثقة محتج به في الصحيحين، فهي متابعة قوية للأوزاعي على وصله. فصح بذلك الحديث، ولا يضره إرسال من أرسله؛ لأن زيادة الثقة مقبولة، فكيف إذا كانا ثقتين؟ وقد قال الحاكم (2/ 48) عقب رواية الأوزاعي:"صحيح الإسناد، على خلاف فيه بين معمر والأوزاعي". ووافقه الذهبي.
كذا قالا: وخلاف معمر مما لا يلتفت إليه لمخالفته لروايات جميع الثقات في قوله: "عن أبيه" على أنه لم يتفقوا عليه في ذلك كما سبق، فلو أنهما أشارا إلى خلاف مالك، والليث، وابن عيينة في وصله؛ لكان أقرب إلى الصواب، ولو أن هذا لا يعل به الحديث، لثبوته موصولًا من طريق الثقتين كما تقدم". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(1)
في سننه (3/ 179 رقم 285).
وفي إسناده: سري بن إسماعيل الهمداني الكوفي ابن عم الشعبي، وهو متروك الحديث.
(التقريب رقم 2221).
(2)
سبق تخريجه ص 92، الحاشية (2).
(3)
برقم (1562) من كتابنا هذا.
(4)
في السنن (5/ 45) وقد تقدم.
(5)
في سننه (3/ 179 رقم 284).
وغيرهم، كلهم رووه عن الزهري فقالوا:"العجماء والبئر جبار، والمعدن جبار"، ولم يذكروا الرِّجل، وهو الصواب.
وقال الخطابي
(1)
: قد تكلم الناس في هذا الحديث وقيل: إنه غير محفوظ، وسفيان بن حسين معروف بسوء الحفظ. وقد روى آدم بن أبي إياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الرِّجل جبار"، قال الدارقطني
(2)
: تفرد به آدم بن أبي إياس عن شعبة، وسفيان بن حسين المذكور قد استشهد به البخاري
(3)
، وأخرج له مسلم في المقدمة
(4)
، ولم يحتج به واحد منهما وتكلم فيه غير واحد.
وحديث حرام بن محيصة أخرجه أيضًا مالك في الموطأ
(5)
والشافعي
(6)
والنسائي
(7)
والدارقطني
(8)
وابن حبان
(9)
وصححه والحاكم
(10)
والبيهقي
(11)
. قال الشافعي
(12)
: أخدنا به لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله.
(1)
في "معالم السنن"(4/ 714 - مع السنن).
(2)
في سننه (3/ 154 رقم 215).
(3)
قال ابن عدي في "الكامل"(3/ 1250): "سفيان بن حسين في غير الزهري صالح الحديث، وفي الزهري روى أشياء خالف استشهد بسفيان البخاري". وانظر: الميزان (2/ 166).
قال ابن قيم الجوزية في "الفروسية"(ص 63): "وأما استشهاد البخاري في الصحيح فلا يدل أنه حجة عنده؛ لأن الشواهد والمتابعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الأصول، وقد استشهد البخاري في صحيحه بأحاديث جماعة وترك الاحتجاج بهم.
(4)
قال ابن قيم الجوزية في "الفروسية"(ص 62 - 63): "
…
وأما قولكم أن مسلمًا روى لسفيان بن حسين في صحيحه فليس كما ذكرتم وإنما روى له في مقدمة كتابه - (1/ 35 رقم 13 -
…
/ 7) ط: دار المعرفة - ومسلم لم يشترط فيها ما شرطه في الكتاب من الصحة فلها شأن ولسائر كتابه شأن آخر. ولا يشك أهل الحديث في ذلك". اهـ.
(5)
(2/ 747 رقم 37) وقد تقدم.
(6)
في المسند (ج 2 رقم 359).
(7)
في السنن الكبرى رقم (5784 - ط: دار الكتب العلمية).
(8)
في السنن (3/ 155 رقم 217) وقد تقدم.
(9)
في صحيحه رقم (1168 - موارد) وقد تقدم.
(10)
في المستدرك (2/ 48) وقد تقدم.
(11)
في السنن الكبرى (8/ 342) وقد تقدم.
(12)
في "الأم"(10/ 316 - اختلاف الحديث) وانظر ما قاله الشافعي فهو مفيد.
قال الحافظ
(1)
: ومداره على الزهري. واختلف عليه فقيل: عن الزهري عن ابن محيصة. ورواه معن بن عيسى عن مالك فزاد فيه: عن جده مُحَيِّصةَ. ورواه معمر عن الزهري عن حرام عن أبيه ولم يتابع عليه
(2)
.
ورواه الأوزاعي وإسماعيل بن أمية وعبد الله بن عيسى كلهم عن الزهري عن حرام عن البراء
(3)
.
قال عبد الحق
(4)
: وحرام لم يسمع من البراء، وسبقه إلى ذلك ابن حزم
(5)
.
ورواه النسائي
(6)
من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن سعيد بن
المسيب عن البراء. ورواه ابن عيينة عن الزهري عن حرام وسعيد بن المسيب [عن]
(7)
البراء
(8)
. ورواه ابن جريج عن الزهري أخبرني [أبو أسامة]
(9)
بن سهل "أن ناقة البراء". ورواه ابن أبي ذئب عن الزهري قال: "بلغني أن ناقة البراء".
وحديث النعمان قال في الجامع الكبير
(10)
: رواه البيهقي وضعفه.
قوله: (جبار) بضم الجيم: أي هدر. قال في القاموس
(11)
: هو الهدر والباطل، وظاهره أن جناية البهائم غير مضمونة، ولكن المراد إذا فعلت ذلك بنفسها ولم تكن عقورًا ولا فرط مالكها في حفظها حيث يجب عليه الحفظ وذلك في الليل، كما يدل عليه حديث حرام بن محيصة، وكذلك في أسواق
(1)
في "التلخيص"(4/ 162).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (3569) وابن حبان رقم (1168 - موارد) والدارقطني (3/ 154 رقم 216) وأحمد (5/ 436) والبيهقي (8/ 342) كما تقدم.
(3)
أخرجه أبو داود رقم (3570) وابن ماجه رقم (2332) كما تقدم.
(4)
حكاه عنه الحافظ في المرجع السابق.
(5)
في المحلى (8/ 148).
(6)
في السنن الكبرى (رقم 5787) ط: دار الكتب العلمية.
(7)
في المخطوط (أ): (أن).
(8)
أخرجه أحمد (5/ 436) والبيهقي (8/ 342) وقد تقدم.
(9)
في المخطوط (ب): أبو أمامة وهو خطأ.
(10)
في "جمع الجوامع"(الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده)(7/ 120 رقم 21543)، وعزاه للبيهقي وضعفه.
(11)
في القاموس المحيط (ص 460).
المسلمين وطرقهم ومجامعهم كما يدل عليه حديث النعمان بن بشير.
قوله: (الرِّجْل) بكسر الراء وسكون الجيم، يعني أنه لا ضمان فيما جنته الدابة برجلها، ولكن بشرط أن لا يكون ذلك بسبب من مالكها؛ كتوقيفها في الأسواق والطرق والمجامع وطردها في تلك الأمكنة كما يدل على ذلك حديث النعمان، وبشرط أن لا يكون ذلك في الأوقات التي يجب على المالك حفظها فيها كالليل.
وهذا الحديث وإن كان فيه المقال المتقدم ولكنه يشهد له ما في الحديث المتفق عليه
(1)
من قوله صلى الله عليه وسلم: "جرحها جبار"، فإن عمومه يقتضي عدم الفرق بين جنايتها برجلها أو بغيرها، والكلام في ذلك مبسوط في الكتب الفقهية
(2)
.
(1)
تقدم تخريجه برقم (14/ 2437) من كتابنا هذا.
(2)
قال ابن رشد في "بداية المجتهد"(4/ 149 - 152) بتحقيقي: "واختلف العلماء في القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال:
(أحدها): أن كل دابة مرسلة فصاحبها ضامن لما أفسدته.
(والثاني): أن لا ضمان عليه.
(والثالث): أن الضمان على أرباب البهائم بالليل، ولا ضمان عليهم فيما أفسدته بالنهار.
(والرابع): وجوب الضمان في غير المنفلت، ولا ضمان في المنفلت.
وممن قال يضمن بالليل ولا يضمن بالنهار: (مالك) و (الشافعي). وبأن لا ضمان عليهم أصلًا قال أبو حنيفة وأصحابه. وبالضمان بإطلاق قال الليث، إلا أن الليث قال: لا يضمن أكثر من قيمة الماشية. والقول الرابع مروي عن عمر رضي الله عنه.
• فعمدة مالك والشافعي في هذا الباب شيئان:
(أحدهما): قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] والنفش عند أهل اللغة لا يكون إلا بالليل، وهذا الاحتجاج على مذهب من يرى أنا مخاطبون بشرع من قبلنا.
(والثاني): مرسله عن ابن شهاب "أن ناقة للبراء بن عازب
…
" الحديث تقدم برقم (2439) من كتابنا هذا نيل الأوطار وهو صحيح.
• وعمدة أبي حنيفة قوله صلى الله عليه وسلم: "العجماءُ جُرْحُها جبار" - تقدم برقم (2437) من كتابنا هذا نيل الأوطار وهو صحيح - وقال الطحاوي: وتحقيق مذهب أبي حنيفة أنه لا يضمن إذا أرسلها محفوظة، فأما إذا لم يرسلها محفوظة فيضمن. والمالكية تقول: من شرط قولنا أن تكون الغنم في المسرح، وأما إذا كانت في أرض مزرعة لا مسرح فيها فهم يضمنون ليلًا ونهارًا. =
قوله: (ضامن على أهلها) أي: مضمون على أهلها.
وفي حديث البراء
(1)
: "وإن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وإن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل"، وقد استدل بذلك من قال: إنه لا يضمن مالك البهيمة ما جنته بالنهار ويضمن ما جنته بالليل، وهو مالك
(2)
والشافعي
(3)
والهادوية.
وذهب أبو حنيفة
(4)
وأصحابه إلى أنه لا ضمان على أهل الماشية مطلقًا. واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "جرحها جبار"
(5)
ولا شك أنه عموم مخصوص بحديث حرام بن محيصة (1) والنعمان بن بشير
(6)
.
قال الطحاوي
(7)
: إلا أن تحقيق مذهب أبي حنيفة أنه لا ضمان إذا أرسلها مع حافظ، وأما إذا أرسلها من دون حافظ ضمن انتهى، ولا دليل على هذا التفصيل.
وذهب الليث
(8)
وبعض المالكية إلى أنه يضمن مالكها ما جنته ليلًا أو نهارًا، وهو إهدار للدليل العام والخاص.
وروي عن عمر
(9)
أنه لا يضمن ما أتلفته مما لا يقدر على حفظه، ويضمن
= وعمدة من رأى الضمان فيما أفسدت ليلًا ونهارًا شهادة الأصول له، وذلك أنه تعدّ من المرسل، والأصول على أن المتعدي الضمان، ووجه من فرق بين المنفلت وغير المنفلت بيِّن، فإن المنفلت لا يملك.
فسبب الخلاف في هذا الباب معارضة الأصل للسمع، ومعارضة السماع بعضه لبعض، أعني: أن الأصل يعارض "جرح العجماء جبار" ويعارض أيضًا التفرقة التي في حديث البراء، وكذلك التفرقة التي في حديث البراء تعارض أيضًا قوله:"جرح العجماء جبار". اهـ.
وانظر: "المغني"(12/ 541 - 543) والبيان للعمراني (7/ 61) وبدائع الصنائع (7/ 168).
(1)
تقدم برقم (2439) من كتابنا هذا.
(2)
بداية المجتهد (4/ 149 - 151).
(3)
البيان (7/ 61) والأم (10/ 317 - اختلاف الحديث).
(4)
بدائع الصنائع (7/ 168).
(5)
تقدم برقم (2437) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم برقم (2440) من كتابنا هذا.
(7)
في شرح معاني الآثار (3/ 203).
(8)
بداية المجتهد (4/ 150).
(9)
"جناية الحيوان: الحيوان الذي ارتكب الجناية إن كان قد حظره صاحبه في مكان له =
ما أمكنه حفظه، وهو أيضًا تفصيل لا دليل عليه، ولا يُشْكِل على المذهب الأول قول الله تعالى:{إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ}
(1)
في قصة داود وسليمان على القول بأن شرع من قبلنا
(2)
يلزمنا؛ لأن النفش إنما يكون بالليل كما جزم بذلك الشعبي وشريح ومسروق، روى ذلك البيهقي
(3)
[عنهم]
(4)
.
[الباب السابع] باب دفع الصائل وإن أدى إلى قتله وأن المصول عليه يقتل [شهيدًا]
(5)
18/ 2441 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسُولَ الله أرأيْتَ إنْ جاءَ رَجُل يُرِيدُ أخْذَ مالي، قالَ:"فَلا تُعْطِهِ مالَكَ"، قالَ: أرأيْتَ إنْ قاتَلَنِي؟ قالَ: "قاتِلْهُ"، قالَ: أرأيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قالَ: "فأنْتَ شَهِيدٌ"، قالَ: أرأيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟
= فدخل عليه داخل، فعدا عليه الحيوان، فجنى عليه، فدم المجني عليه هدر. فقد دخل غلام على زيد بن صوحان فضربته ناقة زيد، فقتلته، فعمد أولياء الغلام، فعفروها، فاختصموا إلى عمر بن الخطاب فأبطل دم الغلام، وأغرم الأب ثمن الناقة. [مصنف عبد الرزاق (10/ 67) والمحلى لابن حزم (8/ 145)].
وإن كان الحيوان محظورًا في مكان فهرب من الحظيرة، وجنى على إنسان، فإن جنايته في المرة الأولى والثانية والثالثة غير مضمونة، عند عمر، ويرد في كل مرة منها إلى صاحبه، أما في المرة الرابعة فإنه يحق للمجني عليه عقر ذلك الحيوان، ويضمن صاحب الحيوان الجناية التي جناها حيوانه؛ لأن تكرار الجناية من الحيوان أكثر من ثلاث مرات دليل على أن هذا الحيوان من الضواري المؤذية، ولذلك يعقر، ودليل على تهاون صاحبه في إحكام الحظر عليه، ولذلك يضمن جنايته، فقد كان عمر يقول: يرد البعير أو البقرة أو الحمار أو الضواري إلى أهلهن ثلاثًا إذا حظر الحائط، ثم يعقرن. [المحلى لابن حزم (8/ 147) و (11/ 5) وعبد الرزاق (10/ 84)].
وإن ترك صاحب الحيوان حيوانه بغير حظر فجنى على إنسان فجنايته مضمونة بالدية. اهـ.
[موسوعة فقه عمر بن الخطاب (ص 250 - 251)].
(1)
سورة الأنبياء، الآية:(78).
(2)
انظر التعليقة رقم (5) لتحقيقي لإرشاد الفحول (ص 784 - 785).
(3)
في معرفة السنن والآثار له (13/ 96 رقم 17583) عن شريح و (13/ 96 رقم 17594) عن الشعبي.
(4)
ما بين الخاصرتين سقط من (ب).
(5)
في المخطوط (ب): (شهيد).
قال: "هُوَ فِي النَّار"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
، وأحْمَدُ
(2)
. [صحيح]
وفِي لَفْظِهِ
(3)
: يا رَسُولَ الله أرأيْتَ إنْ عَدَا على مالي؟ قالَ: "أنْشِدِ الله"، قالَ: فإنْ أبَوْا عَليَّ قالَ: "أنْشِدِ الله"، قالَ: فإنْ أبَوْا عَليَّ؟ قالَ: "قاتِلْ، فإنْ قُتِلْتَ فَفِي الجَنَّةِ، وَإنْ قَتَلْتَ فَفِي النَّارِ". [صحيح]
فِيه مِنَ الفِقْهِ أنَّهُ يَدْفَعُ بالأسْهَلِ فالأسْهَلِ).
19/ 2442 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فَهُوَ شَهيدٌ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(4)
. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ: "مَنْ أُرِيدَ مالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(5)
، وَالنَّسائيُّ
(6)
، وَالتِّرْمذيُّ وَصحَّحَهُ)
(7)
. [صحيح]
20/ 2443 - (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زيدٍ قَالَ: سَمعتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِه فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتلَ دُونَ أهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(8)
وَالتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ)
(9)
. [صحيح]
حديث سعيد بن زيد أخرجه أيضًا بقية أهل السنن
(10)
وابن حبان
(11)
والحاكم
(12)
.
(1)
في صحيحه رقم (225/ 140).
(2)
في المسند (2/ 360).
وهو حديث صحيح.
(3)
أي: لأحمد في المسند (2/ 339). قلت: وأخرجه النسائي رقم (4083) والبيهقي (8/ 336). وهو حديث صحيح.
(4)
أحمد في المسند (2/ 221) والبخاري رقم (2480) ومسلم رقم (226/ 141).
وهو حديث صحيح.
(5)
في سننه رقم (4771).
(6)
في سننه رقم (4088).
(7)
في سننه رقم (1420) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(8)
في سننه رقم (2772).
(9)
في سننه رقم (1421) وقال: هذا حديث حسن.
(10)
وهما النسائي رقم (4090) وابن ماجه رقم (2580).
(11)
في صحيحه رقم (3194).
(12)
لم أقف عليه في المستدرك. =
وقد أخرج أحمد
(1)
والنسائي
(2)
وأبو داود
(3)
والبيهقي
(4)
وابن حبان
(5)
، من حديث أبي هريرة من رواية قتادة عن النَّضْرِ بن أنس عن بَشير بن نَهِيل عنه بلفظ:"ولا قصاص ولا دية".
وفي رواية للبيهقي
(6)
من حديث ابن عمر: "ما كان عليك فيه شيء"، وقد تَعقَّب الحافظ في صلاة الخوف من التلخيص
(7)
من زعم أن حديث ابن عمرو بن العاص متفق عليه
(8)
، وقال: إنه من أفراد البخاري
(9)
. وفي هذا التعقب نظر، فإن الحديث في صحيح مسلم
(10)
وفيه قصة، وقد اعترف الحافظ في الفتح
(11)
في كتاب المظالم والغصب بأن مسلمًا أخرج هذا الحديث من طريق ابن عمرو وذكر القصة.
وأحاديث الباب فيها دليل على أنه تجوز مقاتلة من أراد أخذ مال إنسان من غير فرق بين القليل والكثير إذا كان الأخذ بغير حق وهو مذهب الجمهور كما حكاه النووي
(12)
والحافظ في الفتح
(13)
.
وقال بعض العلماء: إن المقاتلة واجبة.
وقال بعض المالكية: لا تجوز إذا طلب الشيء الخفيف، ولعلَّ متمسَّك من قال بالوجوب ما في حديث أبي هريرة من الأمر بالمقاتلة والنهي عن تسليم المال إلى من رام غصبه.
وأما القائل بعدم الجواز في الشيء الخفيف، فعموم أحاديث الباب
= قلت: وأخرجه أحمد (1/ 187) والحميدي رقم (83) وأبو يعلى في المسند رقم (949) و (953) والبيهقي (3/ 266). وهو حديث صحيح.
(1)
في المسند (2/ 385).
(2)
في سننه رقم (4860).
(3)
في سننه رقم (5172).
(4)
في السنن الكبرى (8/ 338).
(5)
في صحيحه رقم (6004). وهو حديث صحيح.
(6)
في السنن الكبرى (9/ 339).
(7)
في "التلخيص"(2/ 155).
(8)
البخاري رقم (2480) ومسلم رقم (226/ 141).
(9)
وهو كما قال الشوكاني وكما تقدم في التعليقة السابقة.
(10)
رقم (226/ 141).
(11)
في "الفتح"(5/ 123 رقم الباب 33).
(12)
في شرحه لصحيح مسلم (2/ 165).
(13)
(5/ 124).
[ترد]
(1)
عليه، ولكنه ينبغي تقديم الأخفّ فالأخف، فلا يعدل المُدافع إلى القتل مع إمكان الدفع بدونه، ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بإنشاد الله قبل المقاتلة، وكما تدل الأحاديث المذكورة على جواز المقاتلة لمن أراد أخذ المال؛ تدلّ على جواز المقاتلة لمن أراد إراقة الدم، والفتنة في الدين، والأهل.
وحكى ابن المنذر عن الشافعي
(2)
أنه قال: من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله المقاتلة، وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة.
قال ابن المنذر
(3)
: والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلمًا بغير تفصيل، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه. انتهى.
ويدلّ على عدم لزوم القَوَد والدية في قتل من كان على الصفة المذكورة ما ذكرنا من حديث أبي هريرة.
وحمل الأوزاعي (3) أحاديث الباب على الحالة التي للناس فيها إمام.
وأما الحالة الفرقة والاختلاف فليستسلم المبغيّ على نفسه أو ماله ولا يقاتل أحدًا.
قال في الفتح
(4)
: ويرد عليه حديث أبي هريرة عند مسلم، يعني: حديث الباب
(5)
، وأحاديث الباب مصرحة بأن المقتول دون ماله ونفسه وأهله ودينه شهيد، ومقاتله إذا قتل في النار؛ لأن الأول محق والثاني مبطل.
قوله: (دون ماله) قال القرطبي
(6)
: دون في أصلها ظرف مكان بمعنى تحت، [وتستعمل]
(7)
للخلفية على المجاز. ووجهه أن الذي يقاتل عن ماله غالبًا إنما يجعله خلفه أو تحته ثم يقاتل عليه. اهـ. ولكنه يشكل على هذا قوله في
(1)
في المخطوط (أ): (يرد).
(2)
"الأم" للشافعي (7/ 78) والبيان (12/ 69 - 70).
(3)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 124).
(4)
(5/ 124).
(5)
تقدم برقم (18/ 2441) من كتابنا هذا.
(6)
في "المفهم"(1/ 352).
(7)
في المخطوط (ب): (ويستعمل).
حديث سعيد بن زيد
(1)
: "دون دينه دون دمه"
(2)
.
[الباب الثامن] باب في أَن الدفع لا يلزم المصول عليه ويلزم الغير مع القدرة
21/ 2444 - (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما يَمْنَعُ أَحَدكُمْ إذَا جاءَ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ أنْ يَكُونَ مِثْلَ ابْنَي آدَمَ القاتِلُ فِي النَّارِ وَالمَقْتُولُ فِي الجَنَّةِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(3)
. [إسناده ضعيف].
22/ 2445 - (وَعَنْ أبي مُوسى عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنَّه قالَ: "فِي الفِتْنَةِ كَسِّرُوا فِيها قِسيَّكُمْ وَقطِّعُوا أوْتارَكُمْ وَاضْرِبُوا بِسُيُوفِكُمُ الحِجارَةَ، فإنْ دُخِلَ على أَحَدِكُمْ بَيْتُهُ؛ فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائي)
(4)
. [صحيح]
(1)
تقدم برقم (2443) من كتابنا هذا.
(2)
قال ابن قدامة في "المغني": (فصل: وكلُّ من عرضَ لإنسان يريدُ مالَهُ أو نفسَه، فحكْمُه ما ذكرنا في من دخلَ منزله، في دفعِهم بأسْهَلِ ما يمكنُ دفعُهم به، فإن كان بينه وبينَهم نهرٌ كبيرٌ، أو خندقٌ، أو حِصْنٌ لا يقدِرون على اقتحامِه، فليس له رمْيَهم، وإن لم يُمكن إلا بقتالهم، فله قتالُهم وقتلُهم.
قال أحمدُ، في اللُّصوصِ يُريدون نفسَك، ومالَكَ: قاتِلْهم تمنعْ نفسَك ومالَكَ.
وقال عطاءٌ، في المُحْرِم يلقى اللُّصُوصَ، قال: يُقاتِلُهم أشدَّ القتال.
وقال ابن سيرين: ما أعلمُ أحدًا تركَ قتال الحروريَّة واللصوص تأثمًا، إلا أن يَجْبُنَ.
وقال الصَّلْتُ بنُ طَريفٍ: قلتُ للحسن: إني أُحْرَجُ في هذه الوجوهِ، أَخْوَفُ شيءٍ عندي يلقاني المصَلُّونَ يَعْرِضُونَ لي في مالي، فإن كففتُ يَدِي ذَهبُوا بمالي، وإن قاتلتُ المصلِّي ففيه ما قد علمت؟ قال: أيْ بُنيَّ، من عَرَض لك في مالِكَ، فإن قتلتَه فإلى النَّار، وإن قتلك فشهيدٌ. ونحو ذلك عن أنس، والشعبي، والنخعِيِّ". اهـ.
(3)
في المسند (2/ 100) بسند ضعيف.
في سنده عبد الرحمن بن سميرة، ويقال: ابن أبي سمير، ويقال: ابن سمير، ويقال: ابن سمرة، وابن سبرة، وابن سمية.
قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ 241): ابن أبي سميرة أصح. لم يرو عنه غيرُ عونِ بن أبي جحيفة، وهو السُّوائي، وذكره ابن حبان في "الثقات"(5/ 88) ولم يؤثر توثيقه عن أَحدٍ غيره، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح.
ومع ذلك قال أبو الأشبال في تحقيقه للمسند رقم (5754): إسناده صحيح.
(4)
أحمد في المسند (4/ 416) وأبو داود رقم (4259) والترمذي رقم (2204) وقال: هذا =
23/ 2446 - (وَعَنْ سَعْدِ بنْ أبي وَقَّاصٍ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنهَا سَتَكُونُ فِتْنَة القاعِدُ فيهَا خَيْر مِنَ القائمِ، وَالقائِمُ خَيْر مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي خَيْر مِنَ السَّاعي"؛ قَالَ: أرأيْتَ إنْ دَخَلَ عَليَّ بَيْتِي فَبَسَطَ يَدَهُ إليَّ لِيَقْتُلَنِي؟ قَالَ: "كُنْ كابْنِ آدَمَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
، وأبُو دَاوُدَ
(2)
، وَالتِّرْمِذِيُّ)
(3)
. [صحيح]
24/ 2447 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِن فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ يَقْدِرُ على أنْ يَنْصُرَهُ أذَلَّهُ الله عز وجل على رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَوْمَ القِيامَةِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(4)
. [ضعيف]
حديث ابن عمر [أورده]
(5)
الحافظ في التلخيص
(6)
وسكت عنه.
وأخرج نحوه أبو داود
(7)
من حديثه بلفظ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
= حديث حسن غريب صحيح. وابن ماجه رقم (3961).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (5962) والبيهقي (8/ 191).
وهو حديث صحيح.
(1)
في المسند (1/ 185).
(2)
في سننه رقم (4257).
(3)
في سننه رقم (2194) وقال: هذا حديث حسن.
قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (750) والشاشي رقم (126).
وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند (3/ 487).
قلت: وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" رقم (5554)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (428).
بسند ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة، وموسى بن جبير الأنصاري. وموسى بن جبير هذا لم يوثقه إلا ابن حبان، ومع ذلك فقد قال فيه:"كان يخطئ ويخالف". وقال ابن القطان: "لا يعرف". اهـ.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 267) وقال: "رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات". اهـ.
ومما تقدم تعلم أن الهيثمي تساهل في أمر موسى بن جبير.
وانظر: "الضعيفة"(5/ 423 رقم 2402).
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(5)
في المخطوط (ب): (رواه).
(6)
(4/ 158).
(7)
في سننه رقم (4260). وهو حديث ضعيف.
"من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا - أي فليمد رقبته -، فالقاتل في النار والمقتول في الجنة".
وحديث أبي موسى أخرجه أيضًا ابن حبان
(1)
وصححه القشيري في "الاقتراح"
(2)
على شرط الشيخين. وقال الترمذي
(3)
: حسن غريب. اهـ. وفي إسناده عبد الرحمن بن ثروان، تكلم فيه بعضهم ووثقه يحيى بن معين واحتج به البخاري.
وحديث سعد بن أبي وقاص حسنه الترمذي
(4)
وسكت عنه أبو داود
(5)
والمنذري
(6)
والحافظ في التلخيص
(7)
، ورجال إسناده ثقات إلا حسين بن عبد الرحمن الأشجعي، وقد وثقه ابن حبان.
وحديث سهل بن حنيف أخرجه أيضًا الطبراني
(8)
، وفي إسناده ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات، ويشهد لصحته حديث البراء بن عازب عند البخاري
(9)
وغيره
(10)
، وفيه الأمر بسبع والنهي عن سبع، ومن السبع المأمور بها نصر المظلوم.
وحديث أبي موسى عند البخاري
(11)
وغيره
(12)
بلفظ: "المؤمن للمؤمن؛ كالبنيان يشد بعضه بعضًا".
وحديث: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، أخرجه البخاري
(13)
وغيره
(14)
.
(1)
في صحيحه رقم (5962).
(2)
الإقتراح في بيان الاصطلاح، وما أضيف إلى ذلك من الأحاديث المعدودة في "الصحاح" للإمام أبي الفتح محمد بن علي بن دقيق العيد (ص 376).
(3)
في السنن (4/ 491).
(4)
في السنن (4/ 487).
(5)
في السنن (4/ 456).
(6)
في "المختصر"(6/ 144).
(7)
(4/ 158).
(8)
في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5554) وقد تقدم.
(9)
في صحيحه رقم (5175) و (5635) و (6235).
(10)
كمسلم في صحيحه رقم (3/ 2066).
(11)
في صحيحه رقم (2446).
(12)
كأحمد في المسند (4/ 405) ومسلم رقم (65/ 2585) والترمذي رقم (1928) والنسائي رقم (2560).
(13)
في صحيحه رقم (2443) و (6952).
(14)
كأحمد في المسند (3/ 99).
وفي الباب عن أبي بكرة بنحو حديث سعد عند أبي داود
(1)
.
وعن أبي هريرة بنحوه أيضًا عند البخاري
(2)
ومسلم
(3)
.
وعن ابن مسعود بنحوه عند أبي داود
(4)
.
وعن خريم بن فاتك بنحوه أيضًا عند أبي داود
(5)
.
وعن أبي ذر عند أبي داود
(6)
والترمذي
(7)
بلفظ: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر"، قلت: لبيك وسعديك، قال:"كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟ "، قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال:"عليك بمن أنت منه"، قلت: يا رسول الله، أفلا آخذ سيفي فأضعه على عاتقي؟ قال: "شاركت القوم [إذن]
(8)
"، قلت: فما تأمرني؟ قال: "تلزم بيتك"، قلت: فإن دخل علي بيتي؟ قال: "فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف، فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه".
وعن المقداد بن الأسود عند أبي داود
(9)
قال: "ايم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاثًا: "إن السعيد لَمَن جُنِّب الفتن، ولَمَن ابتلي فصبر فَوَاهًا""، معنى قوله:"فَوَاهًا" التَّلهف
(10)
.
(1)
في سننه رقم (4256). وهو حديث صحيح.
(2)
في صحيحه رقم (7081).
(3)
في صحيحه رقم (10/ 2886).
(4)
و
(5)
في سننه رقم (4258) بسند ضعيف.
(6)
في سننه رقم (4261).
(7)
لم أقف عليه عند الترمذي.
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3958) والحاكم (4/ 424) والبيهقي (8/ 191). وهو حديث صحيح.
(8)
ما بين الخاصرتين سقط من (أ) و (ب) وأثبتته من مصادر الحديث.
(9)
في سننه رقم (4263).
وهو حديث صحيح.
(10)
قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 817): واهٍ: معناه التَّلهُّف وقد توضع موضع الإعجاب بالشيء.
وانظر: "الفائق" للزمخشري (4/ 37).
وقال الخطابي في "معالم السنن"(4/ 460): واهًا. كلمة معناه التلهف.
وقد يوضع أيضًا موضع الإعجاب بالشيء، فإذا قلت: ويهًا، كان معناها: الإغراء.
وعن أبي بكرة غير الحديث الأول عند الشيخين
(1)
وأبي داود
(2)
والنسائي
(3)
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قال: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه".
وعن خالد بن عرفطة عند أحمد
(4)
والحاكم
(5)
والطبراني
(6)
وابن قانع
(7)
بلفظ: "ستكون بعدي فتنة واختلاف، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل"، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف
(8)
.
وقد أخرجه الطبراني
(9)
من حديث حذيفة، ومن حديث خباب
(10)
.
وعن أبي واقد وخرشة أشار إلى ذلك الترمذي
(11)
.
(1)
البخاري رقم (7083) ومسلم رقم (14/ 2888).
(2)
في سننه رقم (4268).
(3)
في سننه رقم (4121).
وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند (5/ 292).
(5)
في المستدرك (3/ 281) و (4/ 517).
(6)
في المعجم الكبير (رقم 4096).
(7)
لم أقف عليه في معجم الصحابة لابن قانع.
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(15/ 36 - 37) والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 138) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (646).
وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، ولكن الحديث حسن لغيره.
(8)
انظر: الميزان (3/ 128) والكامل (5/ 1840) والتقريب (2/ 37).
(9)
في الأوسط رقم (4583).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 301) وسكت عليه.
قلت: وإسناده حسن.
(10)
أخرجه الطبراني في "الكبير"(ج 4 رقم 3631).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 302 - 303) وقال: ولم أعرف الرجل الذي من عبد القيس وبقية رجاله ثقات.
(11)
في السنن (4/ 487).
قلت: وحديث أبي واقد الليثي أخرجه الطبراني في الكبير، والأوسط، وفيه عبد الله بن صالح، وقد وثق وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح. كما في "مجمع الزوائد"(7/ 303).
قوله: (كسروا فيها قسيكم)، قيل: المراد الكسر حقيقة ليسد عن نفسه باب هذا القتال، وقيل: هو مجاز، والمراد ترك القتال.
ويؤيد الأول [قوله]
(1)
: "واضربوا بسيوفكم الحجارة"، قال النووي
(2)
: والأول أصح.
قوله: (القاعد فيها خير من القائم) إلخ. معناه بيان عظم خطر الفتنة والحث على تجنبها والهرب منها ومن التسبب في شيء من أسبابها، فإن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها.
قوله: (كن كابن آدم) يعني الذي قال لأخيه لما أراد قتله: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ}
(3)
، كما حكى الله ذلك في كتابه.
والأحاديث المذكورة في الباب تدل على مشروعية ترك المقاتلة وعدم وجوب المدافعة عن النفس والمال.
وقد اختلف العلماء في ذلك، فقالت طائفة: لا يقاتل في فتن المسلمين وإن دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله، ولا تجوز له المدافعة عن نفسه، لأن الطالب متأول، وهذا مذهب أبي بكرة الصحابي وغيره.
وقال ابن عمر وعمران بن حصين وغيرهما: لا يدخل فيها لكن إن قصد دفع عن نفسه.
قال النووي
(4)
: فهذان المذهبان متفقان على ترك الدخول في جميع فتن المسلمين.
قال القرطبي
(5)
: اختلف السلف في ذلك فذهب سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وغيرهم إلى أنه يجب الكف عن المقاتلة.
فمنهم من قال: يجب عليه أن يلزم بيته. وقالت طائفة: يجب عليه التحول عن بلد الفتنة أصلًا.
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من (ب).
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (18/ 10).
(3)
سورة المائدة، الآية:(28).
(4)
في شرح صحيح مسلم (18/ 10).
(5)
في المفهم (7/ 212).
ومنهم من قال: يترك المقاتلة حتى لو أراد قتله لم يدفعه عن نفسه.
ومنهم من قال: يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله، وهو معذور إن قتل أو قتل.
وذهب جمهور الصحابة
(1)
والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين، وكذا قال النووي
(2)
، وزاد أنه مذهب عامة علماء الإسلام. واستدلوا بقوله تعالى:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}
(3)
.
قال النووي
(4)
: وهذا هو الصحيح، وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق، أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما.
قال: ولو كان كما قال الأولون لظهر الفساد واستطال أهل البغي والمبطلون. اهـ.
وقال بعضهم بالتفصيل، وهو أنه إذا كان القتال بين طائفتين لا إمام لهم، فالقتال ممنوع يومئذٍ، وتنزل الأحاديث على هذا، وهو قول الأوزاعي
(5)
كما تقدم.
وقال الطبري: إنكار المنكر واجب على من يقدر عليه، فمن أعان المحق أصاب ومن أعان المخطئ أخطأ، وإن أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها.
وذهب البعض إلى أن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين، وأن النهي مخصوص بمن خوطب بذلك.
وقيل: إن النهي إنما هو في آخر الزمان حيث يحصل التحقق أن المقاتلة إنما هي في طلب الملك، وقد أتى هذا في حديث ابن مسعود، فأخرج أبو داود
(6)
عنه أنه قال له وابصة بن معبد: ومتى ذلك يا ابن مسعود؟ فقال: تلك أيام الهرج، وهو حيث لا يأمن الرجل جليسه.
(1)
المغني (12/ 244).
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (18/ 10).
(3)
سورة الحجرات، الآية:(9).
(4)
في شرحه لصحيح مسلم (18/ 10).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 124).
(6)
في سننه رقم (4258) وإسناده ضعيف.
ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور قول الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}
(1)
، وقوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}
(2)
، ونحو ذلك من الآيات والأحاديث.
ويؤيد أيضًا الآيات والأحاديث الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
(3)
، وسيأتي للمقام زيادة تحقيق في باب ما جاء في توبة القاتل من كتاب القصاص
(4)
.
وحديث سهل بن حنيف
(5)
وما ورد في معناه يدل على أنه يجب نصر المظلوم ودفع من أراد إذلاله بوجه من الوجوه، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا وهو مندرج تحت أدلة النهي عن المنكر.
[الباب التاسع] باب ما جاءَ في كسر أواني الخمر
25/ 2448 - (عَنْ أنَسٍ عَن أبي طَلْحَةَ أنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله، إني اشْتَرَيْتُ خَمْرًا لأيْتامٍ في حِجْرِي، فَقَالَ:"أهْرِقِ الخَمْرَ واكْسِر الدّنانَ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(6)
وَالدَّارَقطْنِيُّ)
(7)
. [حسن]
26/ 2449 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ آتِيهِ بمُدْيَةٍ وَهيَ الشّفْرَةُ، فَأَتَيْتُهُ بِها، فأرْسَلَ بِها فَأرْهفَتْ، ثُمَّ أعْطانيها وَقَالَ:"اغْدُ عَليّ بِها"، فَفَعَلْتُ، فَخَرجَ بأصحَابِهِ إلى أسْوَاقِ المَدِينَةِ وَفِيها زِقاقُ الخَمْرِ قَدْ جُلِبَتْ مِنَ الشامِ، فأخَذَ المُدْيَةَ مِنِّي فَشَقَّ ما كانَ مِنَ تِلْكَ الزُّقاقِ بِحَضرَتِهِ ثُم أعْطانِيها، وأمَرَ
(1)
سورة البقرة، الآية:(194).
(2)
سورة الشورى، الآية:(40).
(3)
انظر: "الترغيب والترهيب"(3/ 176 - 193 رقم 3397 - 3438)"الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والترهيب من تركهما والمداهنة فيهما".
(4)
الباب السادس عشر عند الحديث رقم (49/ 3043 - 53/ 3047) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم برقم (2447) من كتابنا هذا.
(6)
في سننه رقم (1293).
(7)
في السنن (4/ 265 رقم 1).
وهو حديث حسن.
الَّذِينَ كانُوا مَعَهُ أن يَمْضُوا مَعِي وَيُعاوِنُوِني، وأمَرَنِي أن آتي الأَسْوَاقَ كُلَّها فَلا أجدُ فيها زِقَّ خَمْرٍ إلَّا شَقَقْتُهُ، فَفَعلْتُ، فَلَمْ أتْرُكْ في أسْوَاقِها زقًّا إلَّا شَقَقْتُهُ. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(1)
. [حسن]
27/ 2450 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ أبي الهُذَيْلِ قالَ: كانَ عَبْدُ الله يَحْلِفُ بالله إنَّ الَّتِي أمَرَ بِها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ حُرّمَتِ الخَمْرُ أنْ تُكْسَرَ دِنانُهُ وأن تُكْفَأ لَمِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْني)
(2)
. [إسناده صحيح]
حديث أنس عن أبي طلحة رجال إسناده ثقات.
وأصله في صحيح مسلم
(3)
.
وأخرجه أحمد
(4)
وأبو داود
(5)
والترمذي
(6)
من حديث أنس، قال الترمذي
(7)
: وهو أصح.
وحديث ابن عمر أشار إليه الترمذي
(8)
وذكره الحافظ في الفتح
(9)
، وعزاه إلى أحمد كما فعل المصنف ولم يتكلم عليه.
وقال في مجمع الزوائد
(10)
: إنه رواه أحمد بإسنادين في أحدهما أبو بكر بن أبي مريم. وقد اختلط، وفي الآخر أبو طعمة وقد وثقه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وبقية رجاله ثقات.
وحديث عبد الله رواه الدارقطني (2) من طريق شيخه العباس بن العباس بن
(1)
في المسند (2/ 132 - 133) بسند ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم الغساني، وبقية رجاله ثقات. قلت: واصله في مسلم كما يأتي.
ولكن الحديث حسن، والله أعلم.
(2)
في السنن (4/ 253 - 254 رقم 42).
وأورده الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 299 رقم 7573) وسكت عليه.
(3)
في صحيحه رقم (3/ 1980).
(4)
في المسند (3/ 119).
(5)
في سننه رقم (3675).
(6)
في سننه رقم (1293).
وهو حديث صحيح.
(7)
في السنن (3/ 588).
(8)
في سننه (3/ 588).
(9)
(5/ 122).
(10)
(5/ 54).
المغيرة الجوهري بإسناد رجاله ثقات. وقد أشار إليه الترمذي
(1)
أيضًا.
وفي الباب عن جابر
(2)
وعائشة
(3)
وأبي سعيد
(4)
.
وأحاديث الباب تدل على جواز إهراق الخمر وكسر دنانها وشق أزقاقها وإن كان مالكها غير مكلف.
وقد ترجم البخاري في صحيحه
(5)
لهذا فقال: باب هل تكسر الدنان التي فيها خمر وتخرق الزقاق؟.
قال في الفتح
(6)
: لم يثبت الحكم؛ لأن المعتمد فيه التفصيل، فإن كان الأوعية بحيث يراق ما فيها فإذا غسلت طهرت وانتفع بها لم يجز إتلافها وإلا جاز، ثم ذكر أنه أشار البخاري بالترجمة إلى حديث أبي طلحة
(7)
[وابن]
(8)
عمر
(9)
.
وقال
(10)
: "إن الحديثين إن ثبتا فإنما أمر بكسر الدنان وشق الزقاق عقوبة لأصحابها، وإلا فالانتفاع بها بعد تطهيرها ممكن كما دل عليه حديث سلمة المذكور في البخاري
(11)
وغيره
(12)
في غسل القدور التي طبخت فيها الخمر، وإذنه صلى الله عليه وسلم بذلك بعد أمره بكسرها.
(1)
في سننه (3/ 588).
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 37).
(3)
فلينظر من أخرجه.
(4)
أخرجه أحمد (3/ 26) والترمذي رقم (1263) وأبو يعلى رقم (1277). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وهو حديث صحيح.
(5)
(/ 122) رقم الباب 32 - مع الفتح).
(6)
(5/ 122).
(7)
تقدم تخريجه رقم (25/ 2448) من كتابنا هذا.
(8)
في المخطوط (ب): (وحديث ابن).
(9)
تقدم تخريجه برقم (26/ 2449) من كتابنا هذا.
(10)
الفتح (5/ 122).
(11)
البخاري رقم (2477) و (5497).
(12)
كمسلم (3/ 1540 رقم 1802) وابن ماجه رقم (3195) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 206) والطبراني في الكبير رقم (6301) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 330) من طرق. =
قال ابن الجوزي
(1)
: أراد التغليظ عليهم في طبخهم ما نهى عن أكله، فلما رأى إذعانهم اقتصر على غسل الأواني، وفيه رد على من زعم أن دنان الخمر لا سبيل إلى تطهيرها لما بداخلها من الخمر، فإن الذي دخل القدور من الماء الذي طبخت به الخمر نظيره. وقد أذن صلى الله عليه وسلم في غسلها، فدل على إمكان تطهيرها.
= وهو حديث صحيح.
(1)
ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 122).
[الكتاب الحادي والعشرون] كتاب الشفعة
1/ 2451 - (عَنْ جابِرٍ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالشفْعَةِ فِي كلِّ ما لَمْ يُقْسَمْ، فإذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرفَتِ الطرُقُ فَلا شُفْعَةَ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَالبَخُاري
(2)
. [صحيح]
وفي لَفْظ: إنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الشفْعَةَ. الحَدِيثَ رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
وَالبُخارِي
(4)
وَأبُو دَاوُدَ
(5)
وَابْنُ ماجَهْ
(6)
. [صحيح]
وفي لَفْظٍ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِفَتِ الطُرقُ فَلا شُفْعَةَ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(7)
وَصحَّحَهُ). [صحيح]
2/ 2452 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا قُسمَتِ الدَّارُ وَحُدَّتْ فَلا شُفْعَةَ فيها"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
(8)
وَابْنُ ماجَه بِمَعْناهُ)
(9)
. [صحيح]
3/ 2453 - (وَعَنْ جابِرٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالشفْعَةِ في كُلِّ شَرِكةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٌ أوْ حائِطٌ لا يَحِل لَهُ أنْ يَبيعَ حتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فإنْ شاءَ أخَذَ، وَإنْ
(1)
في المسند (3/ 372، 399).
(2)
في صحيحه رقم (2257).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (3/ 296).
(4)
في صحيحه رقم (2495).
(5)
في سننه رقم (3514).
(6)
في سننه رقم (2499).
وهو حديث صحيح.
(7)
في سننه رقم (1370) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وهو حديث صحيح.
(8)
في السنن رقم (3515).
(9)
في السنن رقم (2497).
وهو حديث صحيح.
شاءَ تَرَكَ، فإنْ باعَهُ وَلمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أحَق بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
وَالنَّسائيُّ
(2)
وأبُو دَاوُدَ)
(3)
. [صحيح]
حديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات.
قوله: (قضى بالشفعة) قال في الفتح
(4)
: الشُفْعة بضم المعجم وسكون الفاء وغلط من حركها وهي مأخوذة لغة
(5)
من الشفع: وهو الزوج.
وقيل: من الزيادة
(6)
.
وقيل: من الإعانة
(7)
.
وفي الشرع
(8)
: انتقال حصة شريك إلى شريك كانت انتقلت إلى أجنبي بمثل العوض المسمى، ولم يختلف العلماء في مشروعيتها إلا ما نقل عن أبي بكر الأصم من إنكارها
(9)
. اهـ.
قوله: (في كل ما لم يقسم) ظاهر هذا العموم ثبوت الشفعة في جميع الأشياء، وإنه لا فرق بين الحيوان والجماد المنقول وغيره.
وقد ذهب إلى ذلك العترة
(10)
ومالك
(11)
وأبو حنيفة
(12)
وأصحابه، وسيأتي تفصيل الخلاف في ذلك.
(1)
في صحيحه رقم (134/ 1608).
(2)
في سننه رقم (4701).
(3)
في سننه رقم (3513).
وهو حديث صحيح.
(4)
(5/ 436).
(5)
القاموس المحيط (ص 947) ولسان العرب (8/ 183).
(6)
قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 877): "الشفعة المِلْك معروفةٌ وهي مشتقة من الزيادة؛ لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه به كأنه كان واحدًا وترًا فصار زوجًا شفعًا". اهـ.
(7)
لسان العرب (8/ 183).
(8)
المغني لابن قدامة (7/ 435).
(9)
المغني لابن قدامة (7/ 436).
قلت: وهذا مخالف للإجماع، وفي ذلك يقول بعضهم:"لا عبرة بقول الأصم، فإنه عن الحق أصم"[المجموع 15/ 80].
(10)
البحر الزخار (4/ 4).
(11)
التهذيب في اختصار المدونة (4/ 12) وعيون المجالس (4/ 1773).
(12)
البناية في شرح الهداية (10/ 323 - 324).
قوله: (فإذا وقعت الحدود) أي: حصلت قسمة الحدود في المبيع واتضحت بالقسمة مواضعها.
قوله: (وصُرفت)
(1)
بضم الصاد وتخفيف الراء المكسورة، وقيل: بتشديدها: أي بيِّنت مصارفها، وكأنه من التصرف [أو]
(2)
التصريف.
قال ابن مالك
(3)
: معناه خلصت وبانت وهو مشتق من الصِّرف بكسر المهملة، وهو الخالص من كل شيء، سمي بذلك لأنه صرف عنه الخلط، فعلى هذا صرف مخفف الراء؛ وعلى الأوّل: أي التصريف والتصرّف مشدّد.
قوله: (فلا شفعة) استدلّ به من قال: إن الشفعة لا تثبت إلا بالخلطة لا بالجوار.
وقد حكى في البحر
(4)
هذا القول عن علي، وعمر
(5)
، وعثمان
(6)
، وسعيد بن المسيب
(7)
، وسليمان بن يسار
(8)
، وعمر بن عبد العزيز
(9)
، وربيعة، ومالك، والشافعي، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وعبيد الله بن الحسن والإمامية.
وحكى في البحر (4) أيضًا عن العترة، وأبي حنيفة وأصحابه، والثوري، وابن أبي ليلى، وابن سيرين، ثبوت الشفعة بالجوار.
(1)
النهاية في غريب الحديث (2/ 25).
(2)
في المخطوط (ب): (ومن).
(3)
انظر: لسان العرب (9/ 192 - 193) وتهذيب اللغة (12/ 163).
(4)
البحر الزخار (4/ 8 - 9).
(5)
أخرج أثر عمر: عبد الرزاق في "المصنف" رقم (14392) وابن حزم في المحلى (9/ 84، 99) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 105).
(6)
أخرج أثر عثمان: عبد الرزاق في "المصنف" رقم (14393) وابن حزم في المحلى (9/ 83، 99) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 105).
(7)
أخرج أثر سعيد بن المسيب: البيهقي (6/ 109).
(8)
أخرج أثر سليمان بن يسار: البيهقي (6/ 109).
(9)
أخرج أثر عمر بن عبد العزيز: عبد الرزاق في "المصنف" رقم (14395).
وأجابوا عن حديث جابر
(1)
بما قاله أبو حاتم
(2)
: إن قوله: "إذا وقعت الحدود
…
" إلخ، مدرج من قوله: وردّ بذلك بأن الأصل أن كل ما ذكره في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل ورودِ ذلكَ في حديث غيره مشعر بعدم الإدراج كما في حديث أبي هريرة
(3)
المذكور في الباب.
واستدل في ضوء النهار
(4)
على الإدراج بعدم إخراج مُسلم لتلك الزيادة.
ويجاب عنه بأنه قد يقتصر بعض الأئمة على ذكر بعض الحديث، والحكم للزيادة لا سيما وقد أخرجها مثل البخاري
(5)
، على أن معنى هذه الزيادة التي ادّعى أهل القول الثاني إدراجها هو معنى قوله في كل ما لم يقسم، ولا تفاوت إلا بكون دلالة أحدهما على هذا المعنى بالمعنى بالمنطوق والآخر بالمفهوم
(6)
.
واحتج أهل القول الثاني بالأحاديث الواردة في إثبات الشفعة بالجوار؛ كحديث سمرة
(7)
والشريد بن سويد
(8)
وأبي رافع
(9)
وجابر
(10)
وستأتي.
وأما الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة لمطلق الشريك كما في حديث
(1)
تقدم برقم (2451) من كتابنا هذا.
(2)
في العلل (1/ 478) رقم الحديث (1431).
(3)
تقدم برقم (2452) من كتابنا هذا.
(4)
(3/ 1415).
(5)
في صحيحه رقم (2257) وقد تقدم.
(6)
المنطوق ما دلّ عليه اللفظ في محل النطق؛ أي يكون حكمًا للمذكور وحالًا من أحواله كما في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، حيث دل النص بمنطوقه الصريح على جواز البيع وتحريم الربا.
والمفهوم ما دلّ عليه اللفظ لا في محل النطق؛ أي يكون حكمًا لغير المذكور وحالًا من أحواله.
والحاصل أن الألفاظ قوالب للمعاني المستفادة منها، فتارة تستفاد منها من جهة النطق تصريحًا، وتارة من جهته تلويحًا؛ فالأول المنطوق، والثاني المفهوم كما في قوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، على أن النسب يكون للأب لا للأم وعلى أن نفقة الولد على الأب دون الأم، فإن لفظ اللام لم يوضع لإفادة هذين الحكمين، ولكن كلَّا منها لازم للحكم المنصوص عليه في الآية. [إرشاد الفحول (ص 587) وتيسير التحرير (1/ 91) وتفسير النصوص (2/ 595)].
(7)
يأتي برقم (2455) من كتابنا هذا.
(8)
تأتي برقم (2456) من كتابنا هذا.
(9)
يأتي برقم (2457) من كتابنا هذا.
(10)
يأتي برقم (2458) من كتابنا هذا.
جابر
(1)
المذكور من قوله في كل شركة، وكما في حديث عبادة بن الصامت الآتي
(2)
فلا تصلح للاحتجاج بها على ثبوت الشفعة للجار إذ لا شركة بعد القسمة.
وقد أجاب أهل القول الأول عن الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار بأن المراد بها [الجار]
(3)
الأخص وهو الشريك المخالط؛ لأن كل شيء قارب شيئًا يقال له: جار، كما قيل لامرأة الرجل: جارة لما بينهما من المخالطة، وبهذا يندفع ما قيل: إنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارًا.
قال ابن المنير: ظاهر حديث أبي رافع
(4)
الآتي أنه كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصًا شائعًا من منزل سعد.
ويدل على ذلك ما ذكره عمر بن شبة أن سعدًا كان اتخذ دارين بالبلاط متقابلتين بينهما عشرة أذرع، وكانت التي عن يمين المسجد منهما لأبي رافع، فاشتراها سعد منه .. ثم ساق الحديث الآتي، فاقتضى كلامه أن سعدًا كان جارًا لأبي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكًا، كذا قال الحافظ
(5)
.
وقال أيضًا: إنه ذكر بعض الحنفية
(6)
أنه يلزم الشافعية
(7)
القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار، لأن الجار حقيقة في [المجاور]
(8)
مجازًا في الشريك.
وأجيب بأن محل ذلك عند التجرد، وقد قامت القرينة هنا على المجاز فاعتبر الجميع بين حديثي جابر (1) وأبي رافع (4)، فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك. وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقًا؛ لأنه
(1)
تقدم برقم (2453) من كتابنا هذا.
(2)
برقم (2454) من كتابنا هذا.
(3)
في المخطوط (ب): (للجار).
(4)
يأتي برقم (2457) من كتابنا هذا.
(5)
في الفتح (4/ 438).
(6)
البناية في شرح الهداية (10/ 329): وشرح معاني الآثار (4/ 124).
(7)
روضة الطالبين (5/ 72) والمهذب (3/ 447) والبيان للعمراني (7/ 101) والمغني (7/ 438 - 440). وسبل السلام بتحقيقي (5/ 194 - 195).
(8)
في المخطوط (ب): (المجاز).
يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك، والذين قالوا بشفعة الجوار قدموا الشريك مطلقًا، ثم المشارك في الشرب، ثم المشارك في الطريق، ثم الجار على من ليس بمجاور.
وأجيب بأن المفضل عليه مقدر: أي الجار أحق من المشتري الذي لا جوار له.
قال في القاموس
(1)
: الجار المجاور والذي أجرته من أن يظلم والمجير والمستجير والشريك في التجارة وزوج المرأة وما قرب من المنازل والمقاسم والحليف والناصر. اهـ.
والحاصل أن الجار المذكور في الأحاديث الآتية إن كان يطلق على الشريك في الشيء والمجاور له بغير شركة كانت مقتضية بعمومها لثبوت الشفعة لهما جميعًا.
وحديث جابر
(2)
وأبي هريرة
(3)
المذكوران يدلان على عدم ثبوت الشفعة للجار الذي لا شركة له فيخصصان عموم أحاديث الجار.
ولكنه يشكل على هذا الحديث الشريد بن سويد
(4)
، فإن قوله:"ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار"، مشعر بثبوت الشفعة لمجرد الجوار، وكذلك حديث سمرة
(5)
لقوله فيه: "جار الدار أحق بالدار"، فإن ظاهره أن الجوار المذكور جوار لا شركة فيه.
ويجاب بأن هذين الحديثين لا يصلحان لمعارضة ما في الصحيح، على أنه يمكن الجمع بما في حديث جابر الآتي
(6)
بلفظ: "إذا كان طريقهما واحدًا"، فإنه يدل على أن الجوار لا يكون مقتضيًا للشفعة إلا مع اتحاد الطريق لا بمجرده.
ولا عذر لمن قال بحمل المطلق على المقيد من هذا إن قال بصحة هذا الحديث.
(1)
القاموس المحيط (ص 470).
(2)
تقدم برقم (2451) من كتابنا هذا.
(3)
تقدم برقم (2452) من كتابنا هذا.
(4)
الآتي برقم (2456) من كتابنا هذا.
(5)
الآتي برقم (2455) من كتابنا هذا.
(6)
برقم (2458) من كتابنا هذا.
وقد قال بهذا؛ أعني ثبوت الشفعة للجار مع اتحاد الطريق، بعض الشافعية
(1)
، ويؤيده أن شرعية الشفعة إنما هي لدفع الضرر، وهو إنما يحصل في الأغلب مع المخالطة في الشيء المملوك أو في طريقه، ولا ضرر على جار لم يشارك في أصل ولا طريق إلا نادرًا، واعتبار هذا النادر يستلزم ثبوت الشفعة للجار مع عدم الملاصقة؛ لأن حصول الضرر له قد يقع في نادر الحالات كحجب الشمس والاطلاع على العورات ونحوهما من الروائح الكريهة التي يتأذى بها ورفع الأصوات وسماع بعض المنكرات، ولا قائل بثبوت الشفعة لمن كان كذلك، والضرر النادر غير معتبر؛ لأن الشارع علق الأحكام بالأمور الغالبة، فعلى فرض أن الجار لغة لا يطلق إلا على من كان ملاصقًا غير مشارك ينبغي تقييد الجوار باتحاد الطريق، ومقتضاه أن لا تثبت الشفعة بمجرد الجوار وهو الحق.
وقد زعم صاحب المنار
(2)
أن الأحاديث تقتضي ثبوت الشفعة للجار والشريك ولا منافاة بينها. ووجه حديث جابر
(3)
بتوجيه بارد، والصواب ما حررناه.
قوله: (في كل شركة) في مُسلم
(4)
وسنن أبي داود
(5)
: "في كل شِرْك"، وهو بكسر الشين المعجمة وإسكان الراء من أشركته في البيع إذا جعلته لك شريكًا، ثم خفف المصدر بكسر الأول وسكون الثاني، فيقال: شرك وشركة كما يقال كلم وكلمة.
قوله: (رَبْعة) بفتح الراء وسكون الموحدة تأنيث ربع: وهو المنزل الذي يرتبعون فيه في الربيع ثم سمي به الدار والمسكن
(6)
.
(1)
البيان للعمراني (7/ 105) وحلية العلماء (5/ 259 وما بعدها).
(2)
المنار في المختار من جواهر البحر الزخار للمقبلي (2/ 72 - 73).
- وبحوزتي صورة لمخطوط المنار.
(3)
يأتي برقم (2458) من كتابنا هذا.
(4)
في صحيحه رقم (1608/ 134).
(5)
في سننه رقم (3513).
وهو حديث صحيح.
(6)
النهاية في غريب الحديث (1/ 629).
قوله: (لا يحل له أن يبيع) إلخ، ظاهره أنه يجب على الشريك إذا أراد البيع أن يؤذن شريكه.
وقد حكى مثل ذلك القرطبي
(1)
عن بعض مشايخه. وقال في شرح الإرشاد
(2)
: الحديث يقتضي أنه يحرم البيع قبل العرض على الشريك.
قال ابن الرفعة
(3)
: ولم أظفر به عن أحد من أصحابنا ولا محيد عنه
(4)
.
وقد قال الشافعي
(5)
: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط.
وقال الزركشي
(6)
: إنه صرح به الفارِقي.
قال الأذرعي: إنه الذي يقتضيه نص الشافعي، وحمله الجمهور من الشافعية وغيرهم على الندب وكراهة ترك الإعلام، قالوا: لأنه يصدق على المكروه أنه ليس بحلال، وهذا إنما يتم إذا كان اسم الحلال مختصًا بما كان مباحًا أو مندوبًا أو واجبًا وهو ممنوع، فإن المكروه من أقسام الحلال كما تقرر في الأصول.
(1)
في "المفهم"(4/ 527).
(2)
الإرشاد، لإمام الحرمين (أبو المعالي، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، ت 478 هـ) طبع عدة مرات.
واسمه: "الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد" وسماه الذهبي في "السير"(18/ 475): "الإرشاد في أصول الدين". [معجم المصنفات (ص 54 رقم 60)].
وأما "شرح الإرشاد" فهو لأبي القاسم الأنصاري، سليمان بن ناصر بن عمران النيسابوري، ث 511 هـ) وراجع: السير (19/ 412)[معجم المصنفات (ص 228 رقم 669)].
(3)
ذكره القاضي أبو يحيى زكريا الأنصاري الشافعي في: "أسنى المطالب شرح روض الطالب"(5/ 281).
(4)
قال أبو العباس بن أحمد الرملي الكبير في حاشيته على "أسنى المطالب"(5/ 281): (قوله: ولم أظفر فيه في كلام أحدٍ من أصحابنا) صَرَّح به الفارِقيُّ قال: لكنَّ هذا التحريم لا يمنعُ صِحَّةَ العَقدِ؛ لأنَّه لوَ فسدَ لم يأَخُذِ الشفيعُ بالشفعة.
(5)
ذكره بنحوه ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي"(ص 67 - 68، ص 93) وأبو نعيم في الحلية (9/ 106 - 107) والمدخل للبيهقي رقم (249).
وقد أفرد السبكي هذه المقولة بتصنيف مفرد بعنوان "معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي" وهو مطبوع.
(6)
انظر: حاشية الرملي الكبير علي "أسنى المطالب"(5/ 281) وقد تقدم آنفًا.
قوله: (فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به)، فيه دليل على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يؤذنه شريكه بالبيع، وأما إذا أعلمه الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذه بالشفعة، فقال مالك
(1)
والشافعي
(2)
وأبو حنيفة والهادوية
(3)
وابن أبي ليلى والبتي وجمهور أهل العلم
(4)
: إن له أن يأخذه بالشفعة ولا يكون مجرد الإذن مبطلًا لها.
وقال الثوري والحكم وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث: ليس له أن يأخذه بالشفعة بعد وقوع الإذن منه بالبيع
(5)
.
وعن أحمد
(6)
روايتان كالمذهبين.
ودليل الآخرين مفهوم الشرط، فإنه يقتضي عدم ثبوت الشفعة مع الإيذان من البائع.
ودليل الأولين الأحاديث الواردة في شفعة الشريك والجار من غير تقييد.
وهي منطوقات لا يقاومها ذلك المفهوم.
ويجاب بأن المفهوم المذكور صالح لتقييد تلك المطلقات عند من عمل بمفهوم الشرط من أهل العلم والترجيح إنما يصار إليه عند تعذر الجمع، وقد أمكن هاهنا بحمل المطلق على المقيد.
(1)
التهذيب في اختصار المدونة (4/ 129).
(2)
البيان للعمراني (7/ 109).
(3)
البحر الزخار (4/ 7).
(4)
قال ابن قدامة في "المغني"(7/ 514): "وجملةُ ذلك أن الشفيعَ إذا عَفَا عن الشفعة قبل البيع، فقال: قد أذِنتُ في البيع، أو قد أسقطتُ شفعتي، أو ما أشبه ذلك لم تسقط، وله المطالبةُ بها متى وُجِدَ البيعُ.
هذا ظاهر المذهب - أي مذهب الحنابلة - وهو مذهب مالكٍ، والشافعي والبَتِّيِّ، وأصحاب الرأي". اهـ.
(5)
قال ابن قدامة في "المغني"(7/ 515): "وهذا قول الحكم، والثوري، وأبي عُبيد وأبي خيثمة، وطائفة من أهل الحديث.
قال ابن المنذر: وقد اختلف فيه عن أحمد، فقال مرة: تبطُلُ شفعتُه، وقال مرة: لا تبطل". اهـ.
(6)
المغني (7/ 514 - 515).
4/ 2454 - (وَعَنْ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالشفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكاءِ في الأرْضِينَ وَالدورِ. رَوَاهُ عَبْدُ الله بْنُ أحْمَدَ في المُسْنَدِ
(1)
. [إسناده منقطع] وَيحْتَجُّ بِعُمُومِهِ مَنْ أثْبَتَهَا للشَّرِيك فِيما تَضرُّهُ القِسْمَةُ).
5/ 2455 - (وَعَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "جارُ الدَّارِ أحَقّ بالدَّارِ مِنْ غَيْرِهِ"، رَوَاهُ أحمَدُ
(2)
وأبُو دَاوُدَ
(3)
والتِّرْمِذِي وَصحَّحَهُ)
(4)
. [صحيح لغيره]
6/ 2456 - (وَعَنِ الشَّريد بْنِ سُوَيْد قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله، أرْضٌ لَيْسَ لأحَدٍ فِيها شِرْكٌ وَلا قِسْمٌ إلَّا الجِوَارُ؟ فَقَالَ:"الجارُ أحَق بسقَبِهِ ما كانَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
وَالنَّسَائيُّ
(6)
وَابْنُ ماجَهْ
(7)
. [صحيح]
وَلابْنِ ماجَهْ
(8)
مُخْتَصَرٌ: "الشَّرِيكُ أحَق بِسَقَبِهِ ما كان". [صحيح]
حديث عبادة أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير
(9)
، وهو من رواية إسحاق عن عبادة ولم يدركه.
وتشهد لصحته الأحاديث الواردة في ثبوت الشفعة فيما هو أعم من الأرض
(1)
في زوائد المسند (5/ 326) بسند منقطع.
(2)
في المسند (5/ 8).
(3)
في سننه رقم (3517).
(4)
في سننه رقم (1368) وقال: حديث سمرة حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه ابن الجارود في المنتقى رقم (644) والطبراني في الكبير رقم (6801) و (6805) و (6806) من طرق.
وهو حديث صحيح لغيره؛ لأن الحسن البصري مدلس ولم يصرح بسماعه من سمرة، والله أعلم.
(5)
في المسند (4/ 389).
(6)
في سننه رقم (4703).
(7)
في سننه رقم (2496).
وهو حديث صحيح.
(8)
في سننه رقم (2498) من حديث أبي رافع.
وهو حديث صحيح.
(9)
كما في "مجمع الزوائد"(4/ 159) حيث قال: "رواه الطبراني في الكبير، وإسحاق لم يدرك عبادة".
والدار؛ كحديث جابر المتقدم
(1)
؛ وكحديث ابن عباس عند البيهقي
(2)
مرفوعًا بلفظ: "الشفعة في كل شيء" ورجاله ثقات إلا أنه أعل بالإرسال.
وأخرج الطحاوي
(3)
له شاهدًا من حديث جابر بإسناد لا بأس برواته كما قال الحافظ
(4)
.
ويشهد لحديث عبادة
(5)
أيضًا الأحاديث الواردة بثبوت الشفعة في خصوص الأرض؛ كحديث شريد بن سويد
(6)
المذكور وفي خصوص الدار؛ كحديث سمرة
(7)
المذكور أيضًا.
وهكذا [تشهد]
(8)
له الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار على العموم.
(1)
برقم (2453) من كتابنا هذا.
(2)
في السنن الكبرى (6/ 109).
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1371) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 125) والدارقطني (4/ 222 رقم 69) كلهم من طريق أبي حمزة السكري عن عبد العزيز بن رفع عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس به.
قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي حمزة السكري، وقد روى غير واحد عن عبد العزيز بن رفع عن أبي مليكة عن النبي مرسلًا وهذا أصح". اهـ.
وقال الدارقطني: خالفه - يعني: أبا حمزة - شعبة وإسرائيل وعمرو بن أبي قيس، وأبو بكر بن عياش، فرووه عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة مرسلًا وهو الصواب، ووهم أبو حمزة في إسناده".
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
في شرح معاني الآثار (4/ 122) من حديث جابر، بلفظ:"قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كُل شيء".
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3513) و (3514) والترمذي رقم (1370) والنسائي رقم (4646) وابن ماجه رقم (2492) و (2499) وأحمد (3/ 296، 372) والطيالسي رقم (1691) والدارمي (2/ 273، 274)، وابن الجارود رقم (642) و (643) والبيهقي (6/ 102، 104) والطبراني في "الصغير"(1/ 37 رقم 25) من أوجه وبألفاظ متعددة.
والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(4)
في الفتح (4/ 436) وقال الحافظ في "بلوغ المرام" رقم (1/ 848) بتحقيقي: "ورجاله ثقات".
(5)
تقدم برقم (4/ 2454) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم برقم (6/ 2456) من كتابنا هذا.
(7)
تقدم برقم (5/ 2455) من كتابنا هذا.
(8)
في المخطوط (ب): (يشهد).
وحديث سمرة أخرجه أيضًا البيهقي
(1)
والطبراني
(2)
والضياء
(3)
، وفي سماع الحسن [من]
(4)
سمرة مقال معروف قد تقدم التنبيه عليه.
ولكنه أخرج هذا الحديث أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه
(5)
والطحاوي
(6)
وأبو يعلى
(7)
والطبراني في الأوسط
(8)
والضياء
(9)
عن أنس.
وأخرجه ابن سعد
(10)
عن الشريد بن سويد بلفظ حديث سمرة المذكور.
وحديث الشريد بن سويد أخرجه أيضًا عبد الرزاق
(11)
والطيالسي
(12)
والدارقطني
(13)
والبيهقي
(14)
.
قال في المعالم
(15)
: إن حديث: "الجار أحق بسقبه" لم يروه أحد غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر، وتكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث.
قال
(16)
: وقد تكلم الناس في إسناد هذا الحديث واضطراب الرواة فيه.
فقال بعضهم: عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع، وقال بعضهم: عن أبيه عن أبي رافع، وأرسله بعضهم.
(1)
في السنن الكبرى (6/ 106).
(2)
في المعجم الكبير رقم (6801) و (6805) و (6806) وقد تقدم.
(3)
لم أقف على الحديث في "المختارة" للضياء.
(4)
في المخطوط (ب): (عن).
(5)
في "التاريخ الكبير" المعروف بـ "تاريخ ابن أبي خيثمة"(3/ 256 رقم 4722 و 4723).
(6)
في شرح معاني الآثار (4/ 122).
(7)
لم أقف عليه في المسند.
(8)
في المعجم الأوسط رقم (8146).
(9)
في المختارة (7/ 122 رقم 2550 و 2551 و 2552 و 2553) قال محققه: "رجاله ثقات، لكنه معلول
…
".
(10)
في الطبقات (6/ 51).
(11)
في المصنف رقم (14380).
(12)
في المسند رقم (973).
(13)
في السنن (4/ 224 رقم 74).
(14)
في السنن الكبرى (6/ 105).
(15)
في معالم السنن للخطابي (3/ 788 - مع السنن).
(16)
أي: الخطابي في معالم السنن (3/ 787 - مع السنن).
والأحاديث التي جاءت في نقيضه أسانيدها جياد ليس في شيء منها اضطراب.
قوله: (جار الدار أحق) قال في شرح السنة
(1)
: هذه اللفظة تستعمل فيمن لا يكون غيره أحق منه، والشريك بهذه الصفة أحق من غيره وليس غيره أحق منه.
وقد استدل بهذا القائلون بثبوت الشفعة للجار.
وأجاب المانعون بأنه محمول على تعهده بالإحسان والبر بسبب قرب داره، كذا قال الشافعي، ولا يخفى بُعده، ولكنه ينبغي أن يقيد بما سيأتي من اتحاد الطريق ومقتضاه عدم ثبوت الشفعة بمجرد الجوار.
قوله: (أحق بسقبه)
(2)
بفتح السين المهملة والقاف وبعدها باء موحدة، ويقال
(3)
بالصاد المهملة بدل السين المهملة، ويجوز فتح القاف وإسكانها وهو القرب والمجاورة.
وقد استدل بهذا الحديث القائلون بثبوت شفعة الجار.
وأجاب المانعون بما سلف.
قال البغوي
(4)
: ليس في هذا الحديث ذكر الشفعة، فيحتمل أن يكون المراد به الشفعة، ويحتمل أن يكون أحق بالبر والمعونة. اهـ.
ولا يخفى بُعد هذا الحمل لا سيما بعد قوله: "ليس لأحد فيها شرك".
والأولى الجواب بحمل هذا المطلق على المقيد الآتي من حديث جابر
(5)
. لا يقال: إن نفي الشرك فيها يدل على عدم اتحاد الطريق فلا يصح تقييده بحديث جابر (5) الآتي، لأنا نقول: إنما نفى الشرك عن الأرض لا عن طريقها، ولو سلم عدم صحة التقييد باتحاد الطريق فأحاديث إثبات الشفعة بالجوار [مخصصة]
(6)
بما سلف، ولو فرض عدم صحة التخصيص للتصريح بنفي الشركة فهي مع ما فيها من
(1)
البغوي في شرح السنة (8/ 242).
(2)
النهاية في غريب الحديث (1/ 785).
(3)
الصحاح (1/ 163).
(4)
في شرح السنة (8/ 242).
(5)
الآتي برقم (2458) من كتابنا هذا.
(6)
في المخطوط (ب): (مخصص).
المقال لا تنتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بنفي شفعة الجار الذي ليس بمشارك كما تقدم.
7/ 2457 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّريدِ قالَ: وَقَفْتُ على سَعَدِ بْنِ أبي وَقاصٍ، فَجاءَ المِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ ثُمَّ جاءَ أبُو رَافِعٍ مَوْلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: يا سَعْدُ ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ في دَارِكَ، فَقَالَ سَعْدٌ: وَالله ما أبْتاعُهُما، فَقَالَ المِسْوَرُ: وَالله لَتَبْتَاعَنَّهُما، فَقَالَ سَعْدٌ: وَالله ما أزِيدُك عَلى أرْبَعَةِ آلافٍ مُنَجَّمَةٍ أوْ مُقَطَّعَةٍ، قالَ أبُو رَافِعٍ: لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا خَمْسَمائَةِ دِينارٍ، وَلَوْلا أني سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الجارُ أحَق بِسَقَبِهِ" ما أعْطَيْتُكَها بأرْبَعَةِ آلاف وأنا أُعْطَى بِها خَمْسمائَةِ دِينارٍ، فأعْطاها إيَّاهُ. رَوَاهُ البُخارِيّ)
(1)
. [صحيح]
قوله: (ابتع [مني]
(2)
بيتي) بلفظ التثنية، أي: البيتين الكائنين في دارك.
قوله: (فقال المسور) في رواية أن أبا رافع
(3)
سأل المسور أن يساعده على ذلك.
قوله: (منجَّمة أو مقطَّعة) شك من الراوي، والمراد مؤجَّلة على أقساط معلومة.
قوله: (أربعة آلاف) في رواية للبخاري في كتاب ترك الحيل من صحيحه
(4)
: "أربعمائة مثقال"، وهو يدل على أن المثقال إذ ذاك كان بعشرة دراهم، والحديث فيه مشروعية العرض على الشريك، وقد تقدم الكلام على ذلك.
وفيه أيضًا ثبوت الشفعة بالجوار، وقد سلف بيانه.
قال المصنف
(5)
رحمه الله: ومعنى الخبر والله أعلم إنما هو الحث على عرض المبيع قبل البيع على الجار وتقديمه على غيره من الزبون كما فهمه الراوي
(1)
في صحيحه رقم (2258).
(2)
ما بين الخاصرتين سقط من (ب).
(3)
البخاري في صحيحه رقم (6977).
(4)
(12/ 348 - 349) رقم الباب (15) رقم الحديث (6981)، وعنوان الباب: باب احتيال العامِل ليهدى له - مع الفتح).
(5)
ابن تيمية الجد في المنتقى (2/ 418).
[له]
(1)
، فإنه أعرف بما سمع. اهـ.
الزَّبْنُ: الدَّفْعُ، ويُطلَقُ على بيع المزابنةِ. وقد تقدم، وعلى بيع المجهول بالمجهول من جنسه، وعلى بيع المغابنة في الجنس الذي لا يجوز فيه الغبن، أفاد معنى ذلك في القاموس
(2)
.
8/ 2458 - (وَعَنْ عَبْدِ المَلِك بْنِ أبي سُلَيْمانَ عَنْ عَطاءٍ عَنْ جابِرٍ قالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "الجارُ أحَقُّ بِشُفْعَةِ جارِهِ يُنْتَظَرُ بِها وَإنْ كانَ غائِبًا إذَا كانَ طَرِيقُهُما وَاحِدًا". رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ)
(3)
. [ضعيف]
الحديث حسنة الترمذي
(4)
، قال: ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر، وقد تكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث، وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث. اهـ.
وقال الشافعي
(5)
: نخاف أن لا يكون محفوظًا.
وقال الترمذي
(6)
: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: لا أعلم أحدًا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به. ويروى عن جابر خلاف هذا. اهـ.
قال المصنف
(7)
رحمه الله تعالى: وعبدُ الملك هذا ثِقة مأمونٍ، ولكن قد أنكر عليه هذا الحديث.
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من (ب).
(2)
القاموس المحيط (ص 1552).
(3)
أحمد في المسند (3/ 303) وأبو داود رقم (3518) والترمذي رقم (1369) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه رقم (2494).
قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى كما في "التحفة"(2/ 229)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 120، 121) والبيهقي (6/ 106) وعبد الرزاق رقم (14396) وابن أبي شيبة (7/ 165 - 166) والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(3/ 31) وابن عدي في الكامل (5/ 1941) من طرق.
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(4)
في السنن (3/ 652).
(5)
في "الأم"(10/ 216 - اختلاف الحديث).
(6)
في السنن (3/ 652).
(7)
ابن تيمية الجد في المنتقى (2/ 418).
قال شعبةُ: سها فيه عبد الملك، فإن روى حديثًا مثله طرحتُ حديثه، ثم ترك شعبة التحديث عنه.
وقال أحمد: هذا الحديث منكر.
وقال ابن معين: لم يروه غير عبد الملك، وقد أنكروه عليه.
قلت: ويقوي ضعفه رواية جابر الصحيحة
(1)
المشهورة المذكورة في أول الباب. اهـ.
ولا يخفى أنه لم يكن في شيء من كلام هؤلاء الحفاظ ما يقدح بمثله.
وقد احتج مسلم في صحيحه بحديث عبد الملك بن أبي سليمان
(2)
وأخرج له أحاديث، واستشهد به البخاري، ولم يخرجا له هذا الحديث.
قوله: (ينتظر بها) مبني للمفعول.
قال ابن رسلان: يحتمل انتظار الصبي بالشفعة حتى يبلغ.
(1)
تقدم برقم (2451) من كتابنا هذا.
(2)
عبد الملك بن أبي سليمان ميسرةَ العَرْزمي، أبو محمد بن ميسرة الكوفي أحد الأئمة.
قال "في"التقريب" له أوهام من الخامسة، مات سنة خمس وأربعين ومائة. رقم الترجمة (4184).
وضعّفه شعبة لأجل حديث رواه عن عطاء عن جابر في الشفعة تفرَّد به عن عطاء، وهو حديث: "الجارُ أحقُّ بشفعة جاره
…
" قال شعبة: لو أتى بآخر مثل هذا لرميت بحديثه بالكلية.
وقال الترمذي: "ولا نعلم تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث". وبَيّن الخطيب أن شعبة أساء في هذا، وقال ابن حبان:"ربما أخطأ كان عبد الملك من خيار أهل الكوفة وحفاظهم، والغالب على من يحفظ ويحدث من حفظه أن يهم، وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثَبْتٍ صحت عدالته بأوهام يهم في روايته، ولو سلكنا هذا المسلك للزمنا ترك حديث الزهري، وابن جريج، والثوري، وشعبة؛ لأنهم أهل حفظ وإتقان وكانوا يحدثون من حفظهم، ولم يكونوا معصومين حتى لا يَهِمُوا في الروايات، والأولى في مثل هذا قبول ما يروي الثبت من الروايات، وترك ما صح أنه وهم فيها ما لم يفحش ذلك منه حتى يغلب على صوابه. فإن كان ذلك استحق الترك حينئذٍ". اهـ.
["خلاصة القول المفهم على تراجم رجال جامع الإمام مسلم" (1/ 356)، ورجال صحيح مسلم لابن منجويه (1/ 435 رقم 978) وتهذيب التهذيب (6/ 396 - ط: دار الفكر)].
وقد أخرج الطبراني في الصغير
(1)
والأوسط
(2)
عن جابر أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصبي على شفعته حتى يدرك، فإذا أدرك فإن شاء أخذ وإن شاء ترك"، وفي إسناده عبد الله بن [بزيع
(3)
]
(4)
.
قوله: (وإن كان غائبًا) فيه دليل على أن شفعة الغائب لا تبطل وإن تراخى، وظاهره أنه لا يجب عليه السير متى بلغه للطلب أو البعث برسول كما قال مالك
(5)
، وعند الهادوية
(6)
أنه يجب عليه ذلك إذا كان مسافة غيبته ثلاثة أيام فما دونها، وإن كانت المسافة فوق ذلك لم يجب.
قوله: (إذا كان طريقهما واحدًا) فيه دليل على أن الجوار بمجرده لا تثبت به الشفعة، بل لا بد معه من اتحاد الطريق، ويؤيد هذا الاعتبار قوله في حديث جابر
(7)
وأبي هريرة
(8)
المتقدمين: "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة". وقد أسلفنا الكلام على الشفعة بمجرد الجوار.
فائدة: من الأحاديث الواردة في الشفعة حديث ابن عمر عند ابن ماجه
(9)
(1)
في المعجم الصغير (2/ 28).
(2)
في المعجم الأوسط رقم (6140).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 159) وقال: "وفيه عبد الله بن بزيع وهو ضعيف".
(3)
عبد الله بن بزيع الأنصاري قاضي تستر، قال الدارقطني: لين، ليس بمتروك، وقال ابن عدي: ليس بحجة [الميزان (2/ 396)].
(4)
في المخطوط (أ): (بزيغ) وهو خطأ كما تقدم.
(5)
التهذيب في اختصار المدونة (4/ 129) وعيون المجالس (4/ 1761).
(6)
البحر الزخار (4/ 13).
(7)
تقدم برقم (2451) من كتابنا هذا.
(8)
تقدم برقم (2452) من كتابنا هذا.
(9)
في سننه رقم (2500) و (2501) وهما حديثان، وليس حديث واحد رواهما ابن ماجه.
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 283): "هذا إسناد ضعيف، محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني قال فيه ابن عدي: كل ما يرويه ابن البيلماني فالبلاء فيه منه.
وإذا روى عنه محمد بن الحارث فهما ضعيفان.
وقال ابن حبان في المجروحين (2/ 264): حدث عن أبيه نسخة كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به، ولا ذكره إلا على وجه التعجب". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف جدًّا.
والبزار
(1)
بلفظ: "لا شفعة لغائب ولا لصغير، والشفعة كحل عقال"، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني وله مناكير كثيرة.
وقال الحافظ
(2)
: إن إسناده ضعيف جدًّا، وضعفه ابن عدي
(3)
.
وقال ابن حبان
(4)
: لا أصل له. وقال أبو زرعة: منكر. وقال البيهقي: ليس بثابت.
وروى هذا الحديث ابن حزم
(5)
عن ابن عمر أيضًا بلفظ: "الشفعة كحل العقال، فإن قيدها مكانه ثبت حقه وإلا فاللوم عليه"، وذكره عبد الحق في الأحكام
(6)
عنه. وتعقبه ابن القطان
(7)
بأنه لم يروه في المحلى، ولعله في غير المحلى.
وأخرج عبد الرزاق
(8)
من قول شريح: إنما الشفعة لمن واثبها، وذكره قاسم بن ثابت في دلائله، ورواه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي
(9)
بلا إسناد بلفظ: "الشفعة لمن واثبها"، أي بادر إليها، ويروى:"الشفعة كنشط عقال".
(1)
لم أقف عليه في كشف الأستار، ولا في مختصر زوائد البزار، ولا في المسند المطبوع منه (1 - 11) جزء. والله أعلم.
وقد عزاه إلى البزار الحافظ في "التلخيص"(3/ 125) وقال: "وإسناده ضعيف جدًّا، وقال في رواية البزار: محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني مناكيره كثيرة
…
". اهـ.
(2)
في "التلخيص"(3/ 125).
(3)
في الكامل (6/ 2185 - 2188).
(4)
انظر: "المجروحين"(2/ 264 - 266) و"تذكرة الحفاظ أطراف أحاديث كتاب المجروحين لابن حبان"(ص 390) رقم (1005) والجرح والتعديل (7/ 311).
(5)
في المحلى (9/ 91).
(6)
في الأحكام الوسطى (3/ 292) ط: الرشد.
(7)
في بيان الوهم والإيهام (3/ 92 - 93 رقم 785).
(8)
في "المصنف" رقم (14406).
(9)
الحاوي الكبير (7/ 240).
وانظر: "التلخيص"(3/ 126).
[الكتاب الثاني والعشرون] كتاب اللقطة
1/ 2459 - (عَنْ جابرٍ قالَ: رَخَّصَ لنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي العَصَا وَالسَّوْطِ والحَبْلِ وأشْباهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفعُ بِهِ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وأَبُو دَاوُدَ)
(2)
. [ضعيف]
2/ 2460 - (وَعنْ أنَسٍ: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرَيقِ فَقَالَ: "لَوْلا أني أخافُ أنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُها". أخرَجاهُ
(3)
. [صحيح]
وَفيهِ إباحَةُ المُحَقَّرَاتِ فِي الحالِ).
حديث جابر في إسناده المغيرة بن زياد، قال المنذري
(4)
: تكلم فيه غير واحد، وفي التقريب
(5)
: صدوق له أوهام. وفي الخلاصة
(6)
: وثقه وكيع وابن معين وابن عدي وغيرهم، وقال أبو حاتم
(7)
: شيخ لا يحتج به.
قوله: (اللقطة) بضم اللام وفتح القاف على المشهور لا يعرف المحدثون غيره، كما قال الأزهري
(8)
.
(1)
لم يخرجه أحمد من حديث جابر.
(2)
في سننه رقم (1717).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 195) وقال البيهقي: "في رفع هذا الحديث شك، وفي إسناده ضعف".
وقال الألباني في "الإرواء"(6/ 15 رقم 1558): "قلت: وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه مرفوعًا وموقوفًا". اهـ.
وهو حديث ضعيف.
(3)
البخاري رقم (2431) ومسلم رقم (164/ 1071).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1651، 1652) والبيهقي (6/ 195) وعبد الرزاق رقم (18642).
(4)
في "المختصر"(2/ 272).
(5)
رقم الترجمة (6834).
(6)
الخلاصة (ص 385).
(7)
في الجرح والتعديل (8/ 222).
(8)
في "تهذيب اللغة"(16/ 249).
وقال عياض
(1)
: لا يجوز غيره.
وقال الخليل
(2)
: هي بسكون القاف؛ وأما بالفتح فهو كثير الالتقاط.
قال الأزهري
(3)
: هذا الذي قاله هو القياس ولكن الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث: الفتح.
وقال الزمخشري في "الفائق"
(4)
: بفتح القاف والعامة تسكنها.
قال في الفتح
(5)
: وفيها لغتان أيضًا، لُقاطة بضم اللام ولَقطة [بفتحهما]
(6)
.
قوله: (وأشباهه) يعني كل شيء يسير.
قوله: (ينتفع به) فيه دليل على جواز الانتفاع بما يوجد في الطرقات من المحقرات، ولا يحتاج إلى تعريف.
وقيل: إنه يجب التعريف بها ثلاثة أيام لما أخرجه أحمد
(7)
والطبراني
(8)
والبيهقي
(9)
والجوزجاني. واللفظ لأحمد من حديث يعلى بن مرة مرفوعًا: "مَن التقطَ لُقَطةً يسيرةً حَبْلًا أو دِرْهمًا أو شِبْهَ ذلك، فليعرِّفْها ثلاثةَ أيامٍ، فإنْ كان فوقَ ذلك فليعرِّفْه سِتة أيامٍ". زاد الطبراني (7): "فإنّ جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها".
وفي إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى
(10)
، وقد صرح جماعة
(1)
في مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 362)، ونص كلامه: قوله في اللقطة: ولا تحل لُقَطتها، بضم اللام وفتح القاف هذا المعروف، ولا يجوز الإسكان، وقوله: التقطت بردة؛ أي وجدتها لقطة، والالتقاط: وجود الشيء على غير الطلب.
(2)
في كتاب العين (ص 881).
(3)
في تهذيب اللغة (16/ 249 - 255).
(4)
له (1/ 390).
(5)
(5/ 78).
(6)
كذا في (أ)، (ب) وفي الفتح (بفتحها).
(7)
في المسند (4/ 173).
(8)
في المعجم الكبير (ج 22 رقم 700).
(9)
في السنن الكبرى (6/ 195).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 169) وقال: "رواه أحمد من طريق عمرو بن عبد الله بن يعلى، فإن كان عمرو فلا أعرفه، وإن كان عمر فهو ضعيف". اهـ.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف الإسناد لضعف عمر بن عبد الله بن يعلى، وجدّته حكيمة لا تعرف، لم يرو عنها غيره. والله أعلم.
(10)
عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرّة الثقفي، ضعفه يحيى بن معين، ورماه جرير بن عبد الحميد وغيره بشرب الخمر.
[انظر: تاريخ ابن معين (4/ 199) والتاريخ الكبير (3/ 1/ 170) والجرح والتعديل =
بضعفه
(1)
، ولكنه قد أخرج له ابن خزيمة متابعة، وروى عنه جماعات. وزعم ابن حزم
(2)
أنه مجهول، وزعم هو وابن القطان أن يعلى وحكيمة التي روت هذا الحديث عن يعلى مجهولان.
قال الحافظ
(3)
: وهو عجب منهما، لأنه يعلى صحابي معروف الصحبة.
قال ابن رسلان: ينبغي أن يكون هذا الحديث معمولًا به؛ لأن رجال إسناده ثقات، وليس فيه معارضة للأحاديث الصحيحة بتعريف سنة؛ لأن التعريف سنة هو الأصل المحكوم به عزيمة، وتعريف الثلاث رخصة تيسيرًا للملتقط؛ لأن الملتقط اليسير يشق عليه التعريف سنة مشقة عظيمة بحيث يؤدي إلى أن أحدًا لا يلتقط اليسير والرخصة لا تعارض العزيمة، بل لا تكون إلا مع بقاء حكم الأصل كما هو مقرر في الأصول
(4)
.
= (6/ 118) والكامل (5/ 1692) والمجروحين (2/ 91) والميزان (3/ 211)].
(1)
كابن حجر في التقريب (2/ 59) والذهبي في الكاشف (2/ 274).
(2)
في المحلى (8/ 264). وقال أيضًا في المحلى (8/ 74): ضعيف.
(3)
في "التلخيص"(3/ 162).
(4)
الرخصة: ثبوت حكم لحالةٍ تقتضيه، مخالفةٍ تقتضي دليل يعمها.
ومنها: أي الرخصة (واجب)، كأكل الميتة للمضطر.
ومنها: (مندوب) كقصر المسافر للصلاة إذا اجتمعت الشروط.
ومنها: (مباح): كالجمع بين الصلاتين في غير عرفة والمزدلفة.
واعلم أن الرخصة لا تكون (محرمة) و (مكروهة)، وهو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الله يحب أن تؤتى رخصه".
والعزيمة: حكم ثابت بدليل شرعي خالٍ عن معارض راجح.
قوله: (بدليل شرعي) احتراز عن الثابت بدليل عقلي، فإن ذلك لا يستعمل فيه العزيمة والرخصة. وقوله:(خالٍ عن معارض) احتراز عمّا يثبت بدليل. لكن لذلك الدليل معارض مساوٍ أو راجح؛ لأنه إن كان المعارض مساويًا لزم التوقف، وانتفت العزيمة، ووجب طلب المرجح الخارجي.
وإن كان راجحًا لزم العمل بمقتضاه، وانتفت العزيمة، وثبتت الرخصة كتحريم الميتة عند عدم المخمصة، فالتحريم فيها عزيمة؛ لأنه حكم ثابت بدليل شرعي خالٍ عن معارض. فإذا وجدت المخمصة حصل المعارض لدليل التحريم وهو راجح عليه حفظًا للنفس فجاز الأكل وحصلت الرخصة.
• والاثنان: العزيمة والرخصة وصفان للحكم لا للفعل، فتكون (العزيمة) بمعنى التأكيد في =
ويؤيد تعريف الثلاث ما رواه عبد الرزاق
(1)
عن أبي سعيد: "أن عليًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وجده في السوق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عرّفه ثلاثًا"، ففعل فلم يجد أحدًا يعرفه، فقال: "كله". اهـ.
وينبغي أيضًا أن يقيد مطلق الانتفاع المذكور في حديث الباب بالتعريف بالثلاث المذكور، فلا يجوز للملتقط أن ينتفع بالحقير إلا بعد التعريف به ثلاثًا حملًا للمطلق على المقيد، وهذا إذا لم يكن ذلك الشيء الحقير مأكولًا، فإن كان مأكولًا جاز أكله ولم يجب التعريف به أصلًا كالتمرة ونحوها لحديث أنس
(2)
المذكور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن أنه لم يمنعه من أكل التمرة إلا خشية أن تكون من الصدقة، ولولا ذلك لأكلها.
وقد روى ابن أبي شيبة
(3)
عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت: لا يحب الله الفساد.
قال في الفتح
(4)
: يعني أنها لو تركتها فلم تؤخذ فتؤكل لفسدت.
قال
(5)
: وجواز الأكل هو المجزوم به عند الأكثر. اهـ.
ويمكن أن يقال: إنه يقيد حديث التمرة بحديث التعريف ثلاثًا كما قيد به حديث الانتفاع ولكنها لم تجر للمسلمين عادة بمثل ذلك، وأيضًا الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم:"لأكلتها"؛ أي في الحال ويبعد كل البعد [أن]
(6)
يريد صلى الله عليه وسلم لأكلتها بعد التعريف بها ثلاثًا.
وقد اختلف أهل العلم في مقدار التعريف بالحقير، فحكى في البحر
(7)
عن
= طلب الشيء. وتكون (الرخصة) بمعنى الترخيص، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"فاقبلوا رخصة الله".
ومنه قول أم عطية: "نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا".
[انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 482) ونهاية السول (1/ 898) وتيسير التحرير (2/ 228، 232)].
(1)
في "المصنف" رقم (18637).
(2)
تقدم برقم (2460) من كتابنا هذا.
(3)
في "المصنف"(7/ 459).
(4)
(5/ 86).
(5)
أي: الحافظ في "الفتح"(5/ 86).
(6)
في المخطوط (ب): (أنه).
(7)
البحر الزخار (4/ 283).
زيد بن علي، والناصر، والقاسمية، والشافعي
(1)
أنه يعرف به سنة كالكثير.
وحكى
(2)
عن المؤيد بالله والإمام يحيى وأصحاب أبي حنيفة أنه يعرف به ثلاثة أيام.
واحتج الأولون بقوله صلى الله عليه وسلم: "عرِّفها سنة"، قالوا: ولم يفصِّل.
واحتج الآخرون بحديث يعلى بن مرة
(3)
وحديث علي
(4)
[عليه السلام]
(5)
وجعلوهما مخصصين لعموم حديث التعريف سنة، وهو الصواب لما سلف، قال الإمام المهدي: قلت: الأقوى تخصيصه بما مر للحرج. اهـ. يعني تخصيص حديث السنة بحديث التعريف ثلاثًا.
3/ 2461 - (وَعَنْ عِياضِ بْنِ حِمارٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدَ لُقْطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، أوْ لِيَحْفَظْ عِفاصَها وَوِكاءَها، فإنْ جاءَ صَاحِبُهَا فَلَا [يَكْتُمُ]
(6)
فَهُوَ أحَقُّ بِها، وإنْ لَمْ يَجِئ صَاحِبُها فَهُوَ مالُ الله يُؤْتيه مَنْ يَشاءُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(7)
وَابْنُ ماجَهْ)
(8)
. [صحيح]
4/ 2462 - (وَعَنْ زيدِ بْنِ خالِدٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يأوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ ما لَمْ يُعَرّفها"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(9)
وَمُسْلِم)
(10)
. [صحيح]
(1)
الأم (5/ 141)، وانظر: روضة الطالبين (5/ 410).
(2)
أي: صاحب البحر الزخار (4/ 283).
(3)
تقدم بسند ضعيف ص 133.
(4)
تقدم بسند ضعيف آنفًا ص 135.
(5)
ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب). وقد تقدم التعليق على هذه الزيادة.
(6)
في المخطوط (ب): تكتم.
(7)
في المسند (4/ 162، 166).
(8)
في سننه رقم (2505).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1709) والنسائي في السنن الكبرى رقم (5808 - ط: دار الكتب العلمية) والطحاوي في مشكل الآثار رقم (3137) و (4715) وابن الجارود رقم (671) وابن حبان رقم (1169 - موارد) والطيالسي (1/ 279 رقم 1409 - المنحة) والبيهقي (6/ 187) والطبراني في الكبير (ج 17 رقم 986، 987، 989، 990).
وحديث عياض بن حمار حديث صحيح، والله أعلم.
(9)
في المسند (4/ 117).
(10)
في صحيحه رقم (12/ 1725). =
5/ 2463 - (وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقْطَةِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، فَقَالَ:"اعْرِفْ وِكاءَها وَعِفاصَها، ثُمَّ عَرِّفْها سَنَةً، فإنْ لَمْ تُعَرّفْ فاسْتَنْفِقْها وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فإنْ جاءَ طالِبُها يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فأدّها إلَيْهِ". وَسألَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ فَقَالَ: "ما لَكَ وَلهَا، دَعْها فَإنَّ مَعَها حِذَاءَها وَسِقاءَها، تَرِدُ المَاءَ وَتأكُلُ الشَّجَرَ حتَّى يَجِدها رَبُّهَا". وَسألَهُ عَنِ الشَّاةِ فَقَالَ: "خُذْها فإنَّمَا هِيَ لَكَ أوْ لأخِيكَ أوْ للذئْبِ" مُتَّفَق عَلَيْهِ
(1)
[صحيح]
وَلَمْ يَقُلْ فِيه أحْمَدُ: "الذَّهَبُ أوِ الوَرِقُ"، وَهُوَ صَرِيحٌ في الْتِقاطِ الغَنَمِ.
وفي رِوَايَةٍ: "فإن جاءَ صَاحِبُها فَعَرفَ عِفاصَها وَعَدَدَها وَوِكاءَها فأعْطِها إيَّاهُ وَإلَّا فَهِي لَكَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(2)
. [صحيح]
وَهُوَ دَلِيلٌ على دُخُولِهِ في مِلْكِهِ وَإنْ لَمْ يَقْصِدْ).
6/ 2464 - (وَعَنْ أُبيّ بْنِ كَعْب في حَدِيثِ اللُّقْطَةِ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "عَرّفْها فإن جاءَ أحَدٌ يُخْبرُكَ بعدَّتِها وَوِعائها وَوِكائِها فأعْطِهَا إيَّاهُ وَإلَّا فاسْتَمْتِعْ بِها" مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ أحْمَدَ
(3)
وَمُسْلِمٍ
(4)
وَالترمِذِيِّ
(5)
. [صحيح]
وَهُوَ دَلِيلُ وجُوبِ الدَّفْعِ بالصِّفَةِ).
حديث عياض بن حمار، أخرجه أيضًا أبو داود
(6)
والنسائي
(7)
وابن
= قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 64) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي. وقد أخرجه مسلم كما ترى.
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 134) والبيهقي (6/ 191).
وهو حديث صحيح.
(1)
أحمد (4/ 116، 117) والبخاري رقم (2429) ومسلم رقم (5/ 1722).
(2)
في صحيحه رقم (6/ 1722).
(3)
في المسند (5/ 126).
(4)
في صحيحه رقم (9/ 1723).
(5)
في سننه رقم (1374).
وهو حديث صحيح.
(6)
في سننه رقم (1709) وقد تقدم.
(7)
في السنن الكبرى رقم (5808) وقد تقدم.
حبان
(1)
، ولفظه:"ثم لا تكتم ولا تغيب، فإن جاء صاحبها فهو أحق بها، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء".
وفي لفظ للبيهقي
(2)
: "ثم لا يكتم ولْيعرف"، رواه الطبراني
(3)
وله طرق.
وفي الباب عن مالك بن عمير عن أبيه أخرجه أبو موسى المديني في "الذيل"
(4)
.
قوله: (فليشهد) ظاهر الأمر يدل على وجوب الإشهاد، وهو أحد قولى الشافعي
(5)
، وبه قال أبو حنيفة
(6)
.
وفي كيفية الإشهاد قولان:
(أحدهما): يشهد أنه وجد لقطة ولا يعلم بالعفاص ولا غيره لئلا يتوصل بذلك الكاذب إلى أخذها.
(والثاني): يشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث، وأشار بعض الشافعية
(7)
إلى التوسط بين الوجهين، فقال: لا يستوعب الصفات ولكن يذكر بعضها.
(1)
في صحيحه رقم (1169 - موارد) وقد تقدم.
(2)
في السنن الكبرى (6/ 187).
(3)
في المعجم الكبير (ج 17 رقم 986، 987، 989، 990) وقد تقدم.
(4)
واسمه: "ذيل الصحابة" لأبي موسى المديني (محمد بن عمر الأصبهاني ت 581 هـ).
وهو ذيل على كتاب "معرفة الصحابة" لأبي نعيم. [معجم المصنفات (ص 196) رقم 553)].
(5)
الأم (5/ 136) والبيان للعمراني (7/ 524 - 525).
(6)
بدائع الصنائع (6/ 201).
(7)
وجملة القول أنه إذا وجد لقطة فيحتاج أن يعرِّف منها أشياء:
(أحدُها): (العِفَاصُ): وهو الوِعاءُ الذي يكونُ فيها اللُّقطةُ: كالكيس الذي يكون فيه الدنانير أو الدراهمُ، واللفافة التي تكون فوقَ الثياب، والصندوق الذي يكون فيه المتاعُ.
يقال: أعفصتُ الإناءَ: إذا أصلحتُ له العِفاصَ، وعَفَصتَهُ: إذا شددتَهُ عليه. وأما الصِّمامُ: فهو ما يسدُّ به رأس المحبرةِ والقارورة
…
(الثاني): أن يعرِّفَ (وكاءَها): وهو الخيط الذي يُشدُّ به المال في الوعاء
…
(الثالث): أن يعرِّف (جِنْسَها): بأن يعرِّفَ أنها دنانير أو دراهم أو ثياب أو طعام. =
قال النووي
(1)
: وهو الأصح. والثاني في قولي الشافعي أنه لا يجب الإشهاد، وبه قال مالك
(2)
وأحمد
(3)
وغيرهما، قالوا: وإنما يستحب احتياطًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به في حديث زيد بن خالد
(4)
، ولو كان واجبًا لبيَّنه.
قوله: (عفاصها)
(5)
بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء وبعد الألف صاد مهملة: وهي الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلدًا كان أو غيره.
وقيل له
(6)
: العفاص أخذًا من العفص: وهو الثني؛ لأن الوعاء يُثنى على ما فيه.
وقد وقع في زوائد المسند لعبد الله بن أحمد
(7)
في حديث أبي: "وخرقتها" بدل عفاصها، والعفاص أيضًا: الجلد الذي يكون على رأس القارورة، وأما الذي يدخل فم القارورة من جلد أو غيره فهو الصِّمام بكسر الصاد المهملة، فحيث يذكر العفاص مع الوعاء فالمراد الثاني، وحيث يذكر العفاص مع الوكاء، فالمراد به الأول كذا في الفتح
(8)
، والوكاء بكسر الواو. والمدّ: الخيط الذي يشد به الوعاء الذي تكون فيه النفقة؛ [يقال]
(9)
: أوكيته إيكاء فهو موكأ، ومن قال الوكا بالقصر فهو وهم
(10)
.
قوله: (فلا يكتم)، أي: لا يجوز كتم اللقطة إذا جاء لها صاحبها وذكر من أوصافها ما يغلب الظن بصدقه.
= (الرابع): أن يعرِّفَ (قَدْرها): بأن يعرِّفَ عددها إن كانت معدودةً، أو وزنها إن كانت موزونة، وكيلها إن كانت مكيلةً، وذَرْعَها إن كانت مذروعةً.
(الخامس): أن يعرف (حِلْيتها): وهو صفتُها، فإن كانت من النقود .. عرَّف من أيِّ السِّككِ هي، وإن كانت ثيابًا .. عرَّف أنها قطن أو كتان أو حرير، وأنَّها دقيقةٌ أو غليظةٌ، وإن كان حيوانًا .. عرَّفَ نوعَهُ وحِلْيتَه [البيان للعمراني (7/ 523)].
(1)
في شرحه لصحيح مسلم (12/ 22) وروضة الطالبين (5/ 407).
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (4/ 118) بتحقيقي وعيون المجالس (4/ 1843 مسألة 1303).
(3)
المغني (8/ 308).
(4)
تقدم آنفًا. برقم (5/ 2463) من كتابنا هذا.
(5)
النهاية في غريب الحديث (2/ 227) والفائق (3/ 6) وغريب الحديث للهروي (2/ 201).
(6)
النهاية في غريب الحديث (2/ 227).
(7)
في زوائد المسند (5/ 127).
(8)
فتح الباري (5/ 76).
(9)
في المخطوط (ب): (فيقال).
(10)
النهاية (2/ 877) والقاموس المحيط (ص 1732).
قوله: (يؤتيه من يشاء) استدل به من قال: إن الملتقط يملك اللقطة بعد أن يعرف بها حولًا وهو أبو حنيفة
(1)
لكن بشرط أن يكون فقيرًا، وبه قالت الهادوية
(2)
، واستدلوا على اشتراط الفقر بقوله في هذا الحديث:"فهو مال الله" قالوا: وما يضاف إلى الله إنما يتملكه من يستحق الصدقة، وذهب الجمهور
(3)
إلى أنه يجوز له أن يصرفها في نفسه بعد التعريف سواء كان غنيًا أو فقيرًا لإطلاق الأدلة الشاملة للغني والفقير كقوله: "فاستمتع بها"، وفي لفظ:"فهي كسبيل مالك"
(4)
. وفي لفظ: "فاستنفقها"
(5)
وفي لفظٍ: "فهي لك"
(6)
وأجابوا عن دعوى أن الإضافة تدل على الصرف إلى الفقير بأن ذلك لا دليل عليه، فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله، قال الله تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}
(7)
.
قوله: (لا يأوي الضالَّة) إلخ، في نسخة "يؤوي" وهو مضارع آوى بالمدّ، والمراد بالضالّ من ليس بمهتد؛ لأن حقّ الضالّة أن يعرّف بها، فإذا أخذها من دون تعريف كان ضالًّا، وسيأتي بقية الكلام على هذ في آخر الباب.
قوله: (أعرف عفاصها ووكاءها) الغرض من هذه المعرفة معرفة الآلات التي تحفظ فيها اللقطة، ويلتحق بما ذكر حفظ الجنس والصفة والقدر، وهو الكيل فيما يكال، والوزن فيما يوزن، والزرع فيما يزرع.
وقد اختلفت الروايات، ففي بعضها: معرفة العفاص والوكاء قبل التعريف، كما في الرواية المذكورة في الباب
(8)
.
وفي بعضها: التعريف مقدم على معرفة ذلك كما في رواية للبخاري
(9)
بلفظ: "عرّفها سنة، ثم اعرف عفاصها ووكاءها".
قال النووي
(10)
: يجمع بين الروايتين بأن يكون مأمورًا بالمعرفة في حالتين؛
(1)
بدائع الصنائع (6/ 202) والمبسوط (11/ 5).
(2)
البحر الزخار (4/ 284).
(3)
المغني (8/ 299).
(4)
مسلم في صحيحه رقم (10/ 1723).
(5)
مسلم في صحيحه رقم (3/ 1722).
(6)
مسلم في صحيحه رقم (6/ 1722).
(7)
سورة النور، الآية:(33).
(8)
برقم (2463) من كتابنا هذا.
(9)
في صحيحه رقم (2429).
(10)
في شرحه لصحيح مسلم (2/ 23).
[فيعرّف]
(1)
العلامات وقت الالتقاط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها، ثم يعرّفها مرة أخرى بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها؛ ليعلم قدرها وصفتها إذا جاء صاحبها بعد ذلك فردها إليه.
قال الحافظ
(2)
: ويحتمل أن تكون (ثم) في الروايتين بمعنى الواو فلا تقتضي ترتيبًا؛ فلا تقتضي تخالفًا يحتاج إلى الجمع، ويقويه كون المخرج واحدًا والقصة واحدة، وإنما يحسن الجمع بما تقدم لو كان المخرج مختلفًا، أو تعددت القصة، وليس الغرض إلا أن يقع التعرف والتعريف مع قطع النظر عن أيهما يسبق.
قال
(3)
: واختلف العلماء في هذه المعرفة على قولين أظهرهما الوجوب لظاهر الأمر، وقيل: يستحب. وقال بعضهم: يجب عند الالتقاط ويستحب بعده.
قوله: (ثم عرّفها) بتشديد الراء وكسرها: أي اذكرها للناس.
قال في الفتح
(4)
: قال العلماء: محل ذلك
(5)
المحافل كأبواب المساجد والأسواق ونحو ذلك، يقول: من ضاعت له نفقة ونحو ذلك من العبارات ولا يذكر شيئًا من الصفات.
قوله: (سنة)
(6)
الظاهر أن تكون متوالية، ولكن على وجه لا يكون على
(1)
في المخطوط (ب): (معرف).
(2)
في "الفتح"(5/ 81).
(3)
أي: الحافظ في "الفتح"(5/ 81).
(4)
(5/ 82).
(5)
أي مكان التعريف: وهو الأسواق، وأبواب المساجد والجوامع، في الوقت الذي يجتمعون فيه، كأدْبارِ الصلواتِ في المساجد، وكذلك في مجامع الناس؛ لأن المقصود إشاعة ذكرها، وإظهارها، ليظهر عليها صاحِبُها، فيجب تحرِّي مجامع الناس، ولا ينشدها في المسجد؛ لأن المسجد لم يبن لهذا
…
". المغني (8/ 294).
(6)
أي قَدْر التعريف: رُوي ذلك عن عمر، وعلي، وابن عباس، وبه قال ابن المسيِّب، والشعبي، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وروي عن عمر رواية أخرى، أنَّهُ يعرِّفُها ثلاثة أشهر، وعنه ثلاثة أعوام
…
وقال أبو أيوب الهاشمي: ما دون الخمسينَ درهمًا يُعرِّفُها ثلاثة أيام إلى سبعةِ أيام.
وقال الحسن بن صالح: ما دون عشرة دراهم يُعرِّفُها ثلاثة أيام.
وقال الثوري في الدرهم: يعرفه أربعة أيام.
وقال إسحاق: ما دون الدينار يعرِّفُه جمعة أو نحوها
…
". المغني (8/ 293).
جهة الاستيعاب فلا يلزمه التعريف بالليل ولا استيعاب الأيام
(1)
، بل على المعتاد فيعرف في الابتداء كل يوم مرتين في طرفي النهار، ثم في كل يوم مرة، ثم في كل أسبوع مرة، ثم في كل شهر.
ولا يشترط أن يعرّفها بنفسه بل يجوز له توكيل غيره
(2)
، ويعرّفها في مكان وجودها وفي غيره، كذا قال العلماء؛ وظاهره أيضًا وجوب التعريف؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب ولا سيما وقد سمى صلى الله عليه وسلم من لم يعرفها ضالًا كما تقدم. وفي وجوب المبادرة إلى التعريف خلاف
(3)
مبناه: هل الأمر يقتضي الفور أم لا؟ وظاهره أيضًا أنه لا يجب التعريف بعد السنة، وبه قال الجمهور
(4)
، وادعى في البحر
(5)
الإجماع على ذلك.
(1)
أي زمان التعريف: وهو النهار دون الليل؛ لأن النهار مجمعُ الناس وملتقاهم دون الليل.
ويكون ذلك في اليوم الذي وجَدَها، والأسبوع أكثرَ؛ لأن الطلبَ فيه أكثر، ولا يجب فيما بعد ذلك متواليًا
…
". المغني (8/ 294).
(2)
أي: فيمن يتولى التعريف، وللملتقط أن يتولَّى ذلك بنفسه، وله أن يستنيب فيه، فإن وجد متبرعًا بذلك، وإلَّا إن احتاج إلى أجر، فهو على المُلْتقِط، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي. واختار أبو الخطَّاب، أنَّه إن قصدَ الحِفظ لصاحبها دون تملكها، رجع بالأجر على مالكها، وكذلك قال ابن عقيل، فيما لا يُمْلَكُ بالتعريف؛ لأنَّه من مُؤنةِ إيصالِها إلى صاحبها، فكان على مالِكها، كأجر مخزنها ورعيها وتجفيفها. ولنا - أي الحنابلة - أن هذا الأجر واجب على المعرِّف، فكان عليه، كما لو قصد تملُّكها، ولأنَّه لو وَلَيه بنفسه لم يكن له أجر على صاحبها، فكذلك إذا استأجر عليه لا يلزمُ صاحِبَها شيء ولأنَّهُ سبب لتملكها، فكان على الملتقط، كما لو قصدَ تملُّكها.
وقال مالك: إنْ أعطى منها شيئًا لمن عرَّفها، فلا غُرْم عليه، كما لو دفعَ منها شيئًا لمن حفظها
…
""المغني (8/ 295).
(3)
أي حكم التعريف بها، قال الشافعي: لا يجب التعريف على من أراد حفظها لصاحبها. وقالت الحنابلة: يجب التعريف على كل ملتقط، سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به زيد بن خالد، وأُبيّ بن كعب، ولم يُفرِّق، ولأنَّ حفظها لصاحبها إنما يفيد بإيصالها إليه، وطريقه التعريف، أما بقاؤها في يد الملتقط من غير وصولِها إلى صاحبها، فلم يجز؛ كردها إلى موضعها، أو إلقائها في غيره، ولأنَّه لو لم يجب التعريف، لما جاز الالتقاط
…
". اهـ. المغني (8/ 292).
(4)
انظر: المغني (8/ 297 - 299).
(5)
البحر الزخار (4/ 282 - 283).
ووقع في رواية من حديث أُبَيِّ عند البخاري
(1)
وغيره
(2)
بلفظ: "وجدت صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "عرّفها حولًا"، فعرّفتها فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته ثانيًا فقال: "عرّفها حولًا" فلم أجد، ثم أتيته ثالثًا فقال: "احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها" فاستمتعت، فلقيته بعد بمكة، فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولًا واحدًا". هكذا في البخاري (1)، وذكر البخاري
(3)
الحديث في موضع آخر من صحيحه فزاد: "ثم أتيته الرابعة فقال: اعرف وعاءها
…
" إلخ.
قال في الفتح
(4)
: القائل: "فلقتيه بعد بمكة" هو شعبة، والذي قال:"لا أدري" هو شيخه سلمة بن كهيل وهو الراوي لهذا الحديث عن سويد عن أُبيّ بن كعب.
قال شعبة: فسمعته بعد عشر سنين يقول: عرّفها عامًا واحدًا، وقد بيّن أبو داود الطيالسي في مسنده
(5)
القائل: "فلقيته"، والقائل:"لا أدري"، فقال في آخر الحديث: قال شعبة: "فلقيت سلمة بعد ذلك فقال: "لا أدري ثلاثة أحوال أو حولًا واحدًا". وبهذا تبين بطلان ما قاله ابن بطال
(6)
إن الذي شك هو أُبيّ بن كعب، والقائل هو سويد بن غفلة، وقد رواه عن شعبة عن سلمة بن كهيل بغير شك جماعة وفيه ثلاثة أحوال (3)، إلا حماد بن سلمة فإن في حديثه عامين أو ثلاثة
(7)
. وجمع بعضهم بين حديث أُبيّ
(8)
هذا، وحديث زيد بن خالد المذكور
(9)
فيه سنة فقط؛ بأن حديث أُبيّ محمول على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفف عنها. وحديث زيد على ما لا بد منه.
وجزم ابن حزم
(10)
وابن الجوزي
(11)
بأن الزيادة في حديث أُبيّ غلط.
(1)
في صحيحه رقم (2426).
(2)
كأحمد (5/ 127) والترمذي رقم (1374) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
في صحيحه رقم (2437).
(4)
(5/ 79).
(5)
برقم (552).
(6)
في شرحه لصحيح البخاري (6/ 545).
(7)
أحمد في المسند (5/ 127) ومسلم رقم (10/ 1723).
(8)
تقدم برقم (2464).
(9)
تقدم برقم (2463).
(10)
في المحلى (8/ 262 - 263).
(11)
في كشف المشكل (2/ 64).
قال ابن الجوزي: والذي يظهر لي أن سلمة أخطأ فيها، ثم ثبت واستمر على عام واحد، ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه [لا بما شك]
(1)
فيه راويه.
وقال أيضًا: يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم عرف أن تعريفها لم يقع على الوجه الذي ينبغي فأمر ثانيًا بإعادة التعريف، كما قال للمسيء [في]
(2)
صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تُصلِّ"
(3)
.
قال الحافظ
(4)
: ولا يخفى بُعد هذا على مثل أُبيّ مع كونه من فقهاء الصحابة وفضلائهم.
قال المنذري
(5)
: لم يقل أحد من أئمة الفتوى أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام إلا شريح عن عمر.
وقد حكاه الماوردي
(6)
عن شواذ من الفقهاء.
وحكى ابن المنذر
(7)
عن عمر أربعة أقوال: يعرف بها ثلاثة أحوال، عامًا واحدًا، ثلاثة أشهر؛ ثلاثة أيام. وزاد ابن حزم
(8)
عن عمر قولًا خامسًا وهو: أربعة أشهر.
قال في الفتح
(9)
: ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها.
قوله: (فإن لم تعرف فاستنفقها) إلخ، قال يحيى بن سعيد الأنصاري: لا أدري هذا في الحديث أم هو شيء من عند يزيد مولى المنبعث؟ يعني الراوي عن زيد بن خالد كما حكى ذلك البخاري عن يحيى.
قال في الفتح: شك يحيى بن سعيد هل قوله: "ولتكن وديعة عنده" مرفوع أم لا؟ وهو القدر المشار إليه بهذا دون ما قبله لثبوت ما قبله في أكثر الروايات وخلوها عن ذكر الوديعة. وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى كما في
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من (ب).
(2)
زيادة من المخطوط (ب).
(3)
تقدم تخريجه برقم (760) من كتابنا هذا.
(4)
في "الفتح"(5/ 80).
(5)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 80).
(6)
في "الحاوي"(8/ 12).
(7)
في الإشراف على مذاهب أهل العلم (1/ 280 - 281).
(8)
في المحلى (8/ 264).
(9)
(5/ 79).
صحيح مسلم
(1)
بلفظ: "فاستنفقها ولتكن وديعة عندك"، وكذلك جزم برفعها خالد بن مخلد عن سليمان عن ربيعة عند مسلم
(2)
.
وقد أشار البخاري
(3)
إلى رُجْحَان رفعها، فترجم (باب إذا جاء صاحبُ اللقطة [بعد سنةٍ]
(4)
ردَّها عليهِ؛ لأنها وديعةٌ عندَه).
والمراد بكونها وديعة أنه يجب ردها، فتجوز بذكر الوديعة عن وجوب رد بدلها بعد الاستنفاق، لا أنها وديعة حقيقة يجب أن تبقى عينها؛ لأن المأذون في استنفاقه لا تبقى عينه، كذا قال ابن دقيق العيد
(5)
.
قال: ويحتمل أن تكون الواو في قوله: "ولتكن وديعة" بمعنى أو، أي: إما أن تستنفقها وتغرم بدلها، وإما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجيء صاحبها فتعطيها إياه. ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها.
قال في الفتح
(6)
: وهو اختيار البخاري تبعًا لجماعة من السلف.
قوله: (فإن معها حذاءها وسقاءها) الحذاء بكسر المهملة بعدها ذال معجمة مع المد: أي خفها، والمراد بالسقاء: جوفها، وقيل: عنقها، وأشار بذلك إلى استغنائها عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها فلا تحتاج إلى ملتقط.
قوله: (لك أو لأخيك أو للذئب) فيه إشارة إلى جواز أخذها، كأنه قال: هي ضعيفة لعدم الاستقلال معرضة للهلاك، مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك.
قال الحافظ
(7)
: والمراد [به]
(8)
ما هو أعم من صاحبها أو ملتقط آخر.
والمراد بالذئب: جنس ما يأكل الشاة من السباع، وفيه حث على أخذها؛
(1)
مسلم في صحيحه رقم (5/ 1722).
(2)
مسلم في صحيحه رقم (4/ 1722).
(3)
في صحيحه (5/ 91 رقم الباب (9) - مع الفتح).
(4)
ما بين الخاصرتين سقط من (أ).
(5)
في إحكام الأحكام (3/ 241).
(6)
(5/ 91).
(7)
في الفتح (5/ 82).
(8)
ما بين الخاصرتين سقط من (ب).
لأنه إذا علم أنها إذا لم تؤخذ بقيت للذئب كان ذلك ادعى له إلى أخذها، وفيه رد على ما روي عن أحمد
(1)
في رواية: "إن الشاة لا تلتقط"، وتمسك به مالك في أنه يملكها بالأخذ ولا تلزمه غرامة ولو جاء صاحبها.
واحتج على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم سوَّى بين الذئب والملتقط، والذئب لا غرامة عليه فكذلك الملتقط.
وأجيب بأن اللام ليست للتمليك؛ لأن الذئب لا يملك.
وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط كان له أخذها، فدل على أنها باقية على ملك صاحبها، ولا فرق بين قوله في اللقطة:"شأنك بها أو خذها" وبين قوله: "هي لك أو لأخيك أو للذئب"، بل الأول أشبه بالتمليك؛ لأنه لم يشرك معه ذئبًا ولا غيره.
قوله: (فإن جاء أحد يخبرك) إلخ، فيه دليل على أنه يجوز للملتقط أن يرد اللقطة إلى من وصفها بالعلامات المذكورة من دون إقامة البينة، وبه قال المؤيد بالله والإمام يحيى
(2)
وبعض أصحاب الشافعي وأبو بكر الرازي الحنفي، قالوا: لأنه يجوز العمل بالظن لاعتماده في أكثر الشريعة، وإذ لا تفيد البينة إلا الظن، وبه قال مالك
(3)
وأحمد
(4)
.
وحكي في البحر
(5)
عن القاسمية والحنفية والشافعية: أن اللقطة لا ترد للواصف وإن ظن الملتقط صدقه إذ هو مدع فلا تقبل.
وحكي في الفتح
(6)
عن أبي حنيفة
(7)
والشافعي
(8)
: أنه يجوز له الرد إلى الواصف إن وقع في نفسه صدقه ولا يجبر على ذلك إلا ببينة.
قال الخطابي
(9)
: إن صحت هذه اللفظة، يعني قوله: "فإن جاء صاحبها
(1)
المغني (8/ 338).
(2)
البحر الزخار (4/ 281).
(3)
عيون المجالس (4/ 1843 رقم 1303).
(4)
المغني (8/ 310).
(5)
البحر الزخار (4/ 281).
(6)
(5/ 82).
(7)
شرح فتح القدير (6/ 121).
(8)
البيان للعمراني (7/ 536) والأم (5/ 138) والحاوي (8/ 24).
(9)
في معالم السنن (2/ 329).
يخبرك" إلخ، لم يجز مخالفتها، وهي فائدة قوله: "اعرف عفاصها" إلى آخره، وإلا فالاحتياط مع من لم ير الرد إلا بالبينة.
قال
(1)
: ويتأولون قوله: "اعرف عفاصها" على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله، أو لتكون الدعوى فيها معلومة، وذكر غيره من فوائد ذلك أيضًا أن يعرف صدق المدعي من كذبه، وأن فيها تنبيهًا على حفظ المال وغيره وهو الوعاء؛ لأن العادة جرت بإلقائه إذا أخذت النفقة، وأنه إذا نبه على حفظ الوعاء كان فيه تنبيه على حفظ النفقة من باب الأولى.
قال الحافظ
(2)
: قد صحت هذه الزيادة فتعين المصير إليها. اهـ.
وهذا هو الحق، فترد اللقطة لمن وصفها بالصفات التي اعتبرها الشارع.
وأما إذا ذكر صاحب اللقطة بعض الأوصاف دون بعض؛ كأن يذكر العفاص دون الوكاء، أو العفاص دون العدد، فقد اختُلِفَ في ذلك، فقيل: لا شيء له إلا بمعرفة جميع الأوصاف المذكورة.
وقيل: تدفع إليه إذا جاء ببعضها، وظاهر الحديث الأول، وظاهره أيضًا أن مجرد الوصف يكفي ولا يحتاج إلى اليمين، وهذا إذا كانت اللقطة لها عفاص ووِكَاء وعَدَد، فإن كان لها البعض من ذلك فالظاهر، أنه يكفي ذكره، وإن لم يكن لها شيء من ذلك فلا بد من ذكر أوصاف مختصة بها تقوم مقام وصفها بالأمور التي اعتبرها الشارع.
قوله: (وإلا فاستمتع بها) الأمر فيه للإباحة، وكذا في قوله:"فاستنفقها".
وقد اختلف العلماء فيما إذا تصرف الملتقط في اللقطة بعد تعريفها سَنَة ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا؟ فذهب الجمهور
(3)
إلى وجوب الردّ إن كانت العين موجودة، أو البدل إن كانت استهلكت.
وخالف في ذلك الكرابيسي
(4)
صاحب الشافعي، ووافقه صاحباه: البخاري
(1)
أي: الخطابي في معالم السنن (2/ 329).
(2)
في "الفتح"(5/ 79).
(3)
المغني (8/ 313).
(4)
قال الكرابيسي: إذا تملك الواجد اللقطة فلا غرم عليه لصاحبها ولكن له الرجوع بها بعد =
وداود بن علي إمام الظاهرية، لكن وافق داود
(1)
الجمهور إذا كانت العين قائمة.
ومن أدلة قول الجمهور ما تقدم بلفظ: "ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها
…
"
(2)
إلخ، وكذلك قوله: "فإن جاء صاحبها فلا تكتم فهو أحق بها
…
" إلخ.
وفي رواية [للبخاري]
(3)
من حديث زيد بن خالد: "فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها، فإن جاء صاحبها فأدها إليه"، أي: بدلها؛ لأن العين لا تبقى بعد أكلها.
وفي رواية لأبي داود
(4)
: "فإن جاء باغيها فأدها إليه وإلا فاعرف عفاصها ووكاءها، ثم كلها، فإن جاء باغيها فأدها إليه" فأمر بأدائها إليه قبل الإذن في أكلها وبعده.
وفي رواية لأبي داود
(5)
أيضًا: "فإن جاء صاحبها دفعتها إليه وإلا عرفت
= التملك وإن كانت باقية بعينها
…
"الحاوي الكبير"(8/ 16) والبيان للعمراني (7/ 535).
• الكرابيسي: هو الإمام الجليل أبو علي، الحسين بن علي بن زيد الكرابيسي البغدادي، صاحب الإمام الشافعي، وأحد رواة مذهبه القديم في العراق. تفقه أولًا على مذهب أهل الرأي، ثم تفقه للشافعي حتى صار أشهر أصحابه بإثبات مجلسه وأحفظهم لمذهبه.
قال النووي: وكان متكلمًا، عارفًا بالحديث، أخذ عنه الفقه خلق كثير، له تصانيف كثيرة في أصول الفقه، وفروعه، وصنف أيضًا في الجرح والتعديل وغيره.
تردد اسم الكرابيسي في معظم كتب المذهب، وكان ثقة ثبتًا فيه.
[طبقات ابن السبكي (2/ 117) وشذرات الذهب (2/ 350) وتاريخ بغداد (8/ 64) والنجوم الزاهرة (2/ 329) وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 284)].
(1)
في المحلى (8/ 266).
(2)
تقدم بطوله رقم (2463) من كتابنا هذا.
(3)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب:(لمسلم) كما في "الفتح"(5/ 84 - 85)، وقد أخرجه مسلم في صحيحه رقم (7/ 1722).
(4)
في سننه رقم (1706).
وهو حديث صحيح.
(5)
في سننه رقم (1707).
وهو حديث صحيح.
وكاءها وعفاصها ثم اقبضها في مالك، فإن جاء صاحبها فادفعها إليه"، والمراد بقوله: "اقبضها في مالك" اجعلها من جملة مالك، وهو بالقاف وكسر الباء من الإقباض.
قال ابن رشد
(1)
: اتفق فقهاء الأمصار مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي أن له أن يتصرف فيها، ثم قال مالك والشافعي
(2)
: [إنَّ]
(3)
له أن يتملكها. وقال أبو حنيفة
(4)
: ليس له إلا أن يتصدق بها. وروي مثل قوله عن علي، وابن عباس، وجماعة من التابعين.
وقال الأوزاعي: إن كان مالًا كثيرًا جعله في بيت المال. وروي مثل قول مالك
(5)
والشافعي
(6)
عن عمر وابن مسعود وابن عمر وكلهم [متفق]
(7)
على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها إلا أهل الظاهرو
(8)
. اهـ.
قال في البحر
(9)
: مسألة: ولا يضمن الملتقط إجماعًا إلا لتفريط، أو جناية؛ إذ هو أمين حيث لم يأخذ لغرض نفسه، فإن جنى أو فرَّط فالأكثر يضمن وداود
(10)
والكرابيسي
(11)
لا يضمن لقوله صلى الله عليه وسلم: "
…
فإن جاء صاحبها
…
" الخبر، ولم يذكر وجوب البدل.
قلنا: أمر عليًا عليه السلام بغرامة الدينار في الخبر المشهور وخبركم محمول على من أيس من معرفة صاحبها. اهـ.
وحديث علي الذي أشار إليه أخرجه أبو داود
(12)
عن بلال بن يحيى العَبْسِي عنه: "أنه التقط دينارًا فاشترى به دقيقًا فعرفه صاحب الدقيق فرد عليه الدينار، فأخذه علي فقطع منه قيراطين فاشترى به لحمًا".
(1)
في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" له (4/ 117) بتحقيقي.
(2)
"الأم"(5/ 137) والبيان للعمراني (7/ 530).
(3)
ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).
(4)
المبسوط (6/ 7).
(5)
عيون المجالس (4/ 1842).
(6)
البيان للعمراني (7/ 530).
(7)
في المخطوط (ب): (متفقون).
(8)
المحلى (8/ 266 - 267).
(9)
البحر الزخار (4/ 282).
(10)
المحلى (8/ 266 - 267).
(11)
ذكره الماوردي في "الحاوي الكبير"(8/ 16).
(12)
في سننه رقم (1715).
قال المنذري
(1)
: في سماع بلال بن يحيى من علي نظر.
وقال الحافظ
(2)
: إسناده حسن.
ورواه أيضًا أبو داود
(3)
عن أبي سعيد الخدري: "أن علي بن أبي طالب وجد دينارًا فأتى به فاطمة، فسألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "هو رزق الله"، فأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل علي وفاطمة، فلما كان بعد ذلك أتته امرأة تنشد الدينار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي أدِّ الدينار"، وفي إسناده رجل مجهول.
وأخرجه [أيضًا أبو داود
(4)
،]
(5)
من وجه آخر عن [سهل بن سعد]
(6)
وذكره مطوّلًا، وفي إسناده موسى بن يعقوب الزَّمْعِيّ، وثقه ابن معين
(7)
، وقال ابن عدي
(8)
: لا بأس به. وقال النسائي
(9)
: ليس بالقوي.
(1)
في "المختصر"(2/ 271) ولفظه: "بلال بن يحيى العَبْسِيّ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل - وعن عمر بن الخطاب.
وهو مشهور بالرواية عن حذيفة، وقيل فيه عنه: بلغني عن حذيفة، وفي سماعه من علي نظر".
وتعقبه الألباني في "صحيح أبي داود"(5/ 399): "قلت: إن صح أنه لم يسمع من حذيفة؛ فليس يلزم منه أنه لم يسمع من علي؛ لأنه متأخر الوفاة عنه، فقد توفي حذيفة في أول خلافة علي، وتوفي علي سنة أربعين، فبين وفاتيهما نحو خمس سنين.
على أن الترمذي قد صحح حديثه عن حذيفة، فمعتقده أنه سمع منه، والله أعلم". اهـ.
في "التلخيص"(3/ 163).
(2)
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(3)
في سننه رقم (1714) وفي إسناده مجهول لم يُسَمّ. ولكن الحديث حسن يشهد له حديث علي المتقدم، وحديث سهل بن سعد الآتي بعده.
(4)
في سننه رقم (1716).
وهو حديث حسن.
(5)
في المخطوط (ب): (أبو داود أيضًا).
(6)
في المخطوط (أ): (أبي سعيد) وهو خطأ.
(7)
كما في "تهذيب التهذيب"(10/ 337) ط: دار الفكر.
(8)
في "الكامل"(6/ 2342) وقال: "لا بأس به وبرواياته".
(9)
كما في "تهذيب التهذيب"(10/ 337) ط: دار الفكر.
قلت: وخلاصة القول في موسى هذا أنه صدوق سيئ الحفظ كما قاله الحافظ في "التقريب" رقم (7026)، ولكنه يتقوى بما قبله في الجملة.
فالحديث حسن، والله أعلم.
وروى هذا الحديث الشافعي
(1)
عن الدراوردي عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، وزاد:"أنه أمره أن يعرفه".
ورواه عبد الرزاق
(2)
من هذا الوجه وزاد: "فجعل أجل الدينار وشبهه ثلاثة أيام". وفي إسناد هذه الزيادة أبو بكر بن أبي سبرة وهو ضعيف
(3)
جدًّا.
وقد أعلّ البيهقي
(4)
هذه الروايات لاضطرابها ولمعارضتها لأحاديث اشتراط السنة في التعريف.
قال: ويحتمل أن يكون إنما أباح له الأكل قبل التعريف للاضطرار.
وعن عبد الرحمن بن عثمان قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الحاج. رواه أحمد
(5)
ومسلم
(6)
، وقد سبق قوله في بلد مكة: "ولا [تحل]
(7)
لقطتها إلا لمعرِّف"، واحتج بهما من قال: لا تملك لقطة الحرم بحال بل تعرّف أبدًا.
[و]
(8)
الحديث الثاني قد سبق في باب صيد الحرم وشجره
(9)
من كتاب الحج.
قوله: (نهى عن لقطة الحاج)، هذا النهي تأوله الجمهور بأن المراد به النهي عن التقاط ذلك للملك، وأما للإنشاد بها فلا بأس.
ويدل على ذلك قوله في الحديث الآخر: "ولا تحل لقطتها إلا لمعرِّف"، وفي لفظ آخر:"ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد"
(10)
.
(1)
في الأم (5/ 140 رقم 1741).
(2)
في "المصنف" رقم (18637)، وفي سنده أبو بكر هو ابن أبي سَبْرَة، وهو متروك.
وأخرجه عبد الرزاق أيضًا برقم (18638)، وفي سنده أبو هارون العبدي، وهو متروك.
(3)
تاريخ ابن معين (3/ 95، 165) الكنى للدولابي (1/ 121) التقريب (2/ 397).
(4)
في السنن الكبرى (6/ 194).
(5)
في المسند (3/ 499).
(6)
في صحيحه رقم (11/ 1724).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1719) والنسائي في الكبرى رقم (5805) ط: دار الكتب العلمية، وابن حبان رقم (4896).
وهو حديث صحيح.
(7)
في المخطوط (ب): (يحل).
(8)
زيادة من المخطوط (ب).
(9)
الباب الحادي عشر، رقم الحديث (1918) من كتابنا هذا.
(10)
البخاري رقم (112).
قوله: (إلا لمعرِّف) قد استشكل تخصيص لقطة الحاج بمثل هذا مع أن التعريف لا بد منه في كل لقطة من غير فرق بين لقطة الحاج وغيره.
وأجيب عن هذا الإشكال بأن المعنى أن لقطة الحاج لا تحل إلا لمن يريد التعريف فقط من دون تملك. فأما من أراد أن يعرّفها ثم يتملكها فلا.
وقد ذهب الجمهور
(1)
إلى أن لقطة مكة لا تلتقط للتملك بل للتعريف خاصة.
قال في الفتح
(2)
: وإنما اختصت بذلك عندهم لإمكان إيصالها إلى أربابها؛ لأنها إن كانت للمكي فظاهر، وإن كانت للآفاقي فلا يخلو أفق غالبًا من وارد إليها، فإذا عرّفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها.
قال ابن
(3)
بطال: وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية: هي كغيرها من البلاد، وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف؛ لأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود، فاحتاج الملتقط لها إلى المبالغة في التعريف.
واحتج ابن المنيِّر
(4)
لمذهبه بظاهر الاستثناء؛ لأنه نفى الحل واستثنى المنشد، فدل على أن الحل ثابت للمنشد؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات.
قال
(5)
: ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء، [والسياق]
(6)
يقتضي تخصيصها.
قال الحافظ
(7)
: والجواب أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم، والغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها، وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق في الآفاق البعيدة، فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها من أوّل وهلة ولا يعرّفها، فنهى الشارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها إلا من عرّفها.
وقال إسحاق بن راهويه
(8)
: معنى قوله في الحديث: "إلا لمنشد"؛ أي: من سمع ناشدًا يقول: من رأى كذا فحينئذٍ يجوز لواجد اللقطة أن يرفعها ليردها
(1)
المغني (8/ 305 - 356).
(2)
(5/ 88).
(3)
في شرحه لصحيح البخاري (6/ 556 - 557).
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 88).
(5)
كما في المرجع السابق.
(6)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب (والقياس) كما في "الفتح"(5/ 88).
(7)
في "الفتح"(5/ 88).
(8)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 88).
على صاحبها، وهو أضيق من قول الجمهور؛ لأنه قيده بحالة للمعرّف دون حالة، ويردّ عليه قوله:"إلا لمعرّف"، والحديث يفسر بعضه بعضًا.
وقد حكى في البحر
(1)
عن العترة وأبي حنيفة
(2)
وأصحابه وأحد قولي الشافعي
(3)
أنه لا فرق بين لُقَطَة الحرم وغيره. واحتجّ لهم بأن الأدلة لم تفصِّل.
7/ 2465 - (وَعَنْ مُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أبي جَرِيرٍ بالْبَوَازِيجِ في السَّوَاد فَرَاحَتِ البَقَرُ، فَرأى بَقَرَةً أنْكَرَها، فَقَالَ: ما هَذه البَقرَةُ؟ قالُوا: بَقَرَة لَحَقتْ بالبَقَرِ، فأمَرَ بها فَطُرِدَتْ حتَّى تَوَارَتْ، ثُمَّ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا يأوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالّ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وأبُو دَاوُد
(5)
وَابْنُ ماجَهْ
(6)
. [المرفوع صحيح]
ولمَالِكٍ في الموَطأ
(7)
عَنِ ابْنِ شِهاب قالَ: كانَتْ ضَوَالّ الإِبِل في زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الخطَّابِ إبِلًا مُؤَبَّلَةً تَتَناتَجُ لا يُمْسِكُها أحَد، حتَّى إذَا كانَ عثمانُ أمَرَ بِمَعْرِفَتها، ثُمَّ تُباعَ فإذَا جاءَ صَاحِبُها أعطي ثَمنها). [موقوف ضعيف]
حديث منذر أخرجه أيضًا النسائي
(8)
وأبو يعلى
(9)
والطبراني في الكبير
(10)
والضياء في المختارة
(11)
، ويشهد له ما في صحيح مسلم
(12)
من حديث زيد بن خالد بلفظ: "لا يأوي الضالة إلا ضال" وقد تقدم
(13)
.
قوله: (عن منذر بن جرير) يعني ابن عبد الله البجلي. وقد أخرج لمنذر مسلم في (الزكاة، والعلم) من صحيحه.
(1)
البحر الزخار (4/ 282).
(2)
بدائع الصنائع (6/ 202 - 203).
(3)
البيان للعمراني (7/ 517).
(4)
في المسند (4/ 360)، (4/ 362).
(5)
في سننه رقم (1720).
(6)
في سننه رقم (2503).
(7)
في الموطأ (2/ 759 رقم 51)، وهو موقوف ضعيف.
(8)
في السنن الكبرى (رقم 5800 - ط: دار الكتب العلمية).
(9)
لم أقف عليه.
(10)
في المعجم الكبير رقم (2376).
(11)
لم أقف عليه.
قلت: وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 334 - 335) وفي السنن الكبرى (6/ 190).
(12)
في صحيحه رقم (12/ 1725).
(13)
برقم (2462) من كتابنا هذا.
قوله: (بالبوازيج) يفتح الباء الموحدة وبعد الألف زاي معجمة بعدها تحتية ثم جيم، كذا ضبطه البكري في معجم البلدان
(1)
ثم قال: كذا اتفقت الروايات فيه عند أبي داود، قال: ولا أعلم هذا الاسم ورد إلا في هذا الحديث، وصوابه عندي الموازج بالميم: وهو المحفوظ. قال: والموازج من ديار هذيل، وهي متصلة بنواحي المدينة.
وقال [ابن السمعاني]
(2)
: بوازيج بالباء الموحدة وبعد [الألف]
(3)
زاي: بلدة قديمة فوق بغداد خرج منها جماعة من العلماء قديمًا وحديثًا.
وقال المنذري
(4)
: بوازيج الأنبار فتحها جرير بن عبد الله، وبها قوم من مواليه، وليست بوازيج الملك التي بين تكريت وإربل.
قوله: (لا يأوي الضالة) إلخ، قد تقدم ضبطه وتفسيره، والمراد بالضالة هنا ما يحمي نفسه من الإبل والبقر ويقدر على الإبعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم، فالحيوان الممتنع من صغار السباع لا يجوز التقاطه، سواء كان لكبر جثته؛ كالإبل والخيل والبقر، أو يمنع نفسه بطيرانه؛ كالطيور المملوكة، أو بنابه؛ كالفهود، ولا يجوز لغير الإمام ونائبه أخذها، ويمكن أن يقيد مطلق هذا الحديث بما تقدم في حديث زيد بن خالد لقوله فيه:"ما لم يعرّفها" ويكون وصف الذي يأوي الضالة بالضلال مقيدًا بعدم التعريف.
وأما التقاط الإبل ونحوها فقد استفيد المنع منه من قوله صلى الله عليه وسلم: "ما لك ولها دعها"
(5)
.
قوله: (مؤبَّلة) كمعظمة: أي كثيرة متخذة للقنية
(6)
. وفي هذا الأثر جواز التقاط الإبل للإمام وجواز بيعها وإذا جاء مالكها دفع إليه الإمام ثمنها.
(1)
في "معجم ما استعجم" له (1/ 282).
قلت: وقد غلط أبو عبيد البكري إذ أنكر اللفظ، وقال: إنه محرف عن الموازج، وإنه في ديار هذيل، إلى آخر ما قاله
…
انظر: "معجم البلدان" لياقوت الحموي (1/ 503).
(2)
في المخطوط (ب): (السمعان).
(3)
في المخطوط (ب): (ألف).
(4)
كما في هامش سنن أبي داود (2/ 340) من هامش المنذري.
(5)
تقدم برقم (2463) من كتابنا هذا.
(6)
انظر: الإشراف (1/ 289 - 290) والمحلى (8/ 270) والمغني (8/ 343) وبدائع الصنائع (6/ 200) وعيون المجالس (4/ 1842).
[الكتاب الثالث والعشرون] كتاب الهبة والهدية
[الباب الأول] باب افتقارها إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس
1/ 2466 - (عَنْ أبي هُرَيْرَة عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَوْ دُعيتُ إلى كُرَاعٍ أوْ ذِرَاعٍ لأجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إليَّ ذِرَاعٌ أوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ"، رَوَاهُ البُخارِيّ)
(1)
[صحيح]
2/ 2467 - (وَعَنْ أَنْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أُهْدِيَ إليّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ، ولو دُعِيتُ عَلَيْه لأجَبْتُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)
(3)
. [صحيح]
في الباب عن أم حكيم الخزاعية عند الطبراني
(4)
قالت: "قلت: يا رسول الله تكره رد اللطف، قال: ما أقبحه، لو أهدي إليَّ كراع لقبلت". قال في القاموس
(5)
: اللطف بالتحريك: اليسير من الطعام.
قوله: (كتاب الهبة) بكسر الهاء وتخفيف الباء الموحدة.
(1)
في صحيحه رقم (2568).
(2)
في المسند (9/ 203).
(3)
في سننه رقم (1338)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وكذلك أخرجه الترمذي في الشمائل رقم (330)، وصححه الألباني في مختصر الشمائل رقم (290)، وكذلك صححه ابن حبان برقم (5292) من قبله.
وأخرجه أبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم "(ص 234)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 169) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، به. وزادا:"وكان يأمر بالهدية صلةً بين الناس"، وقال:"لو أسلم الناس لتهادَوْا من غير جوع". وسعيد بن بشير ضعيف.
وأخرجه البزار رقم (1937 - كشف) والطبراني في "الأوسط" رقم (1526) وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان"(2/ 91) من طريق عائذ بن شريح، عن أنس مرفوعًا:"يا معشر الأنصار تهادَوْا، فإن الهدية تسُلُّ السَّخيمةَ، ولو أُهدي إليَّ كُراع لقبلت، ولو دُعِيت إلى ذراع لأجبت". وعائذ بن شريح ضعيف.
(4)
في المعجم الكبير (ج 25 رقم 392).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 149)، وقال:"فيه من لا يعرف".
(5)
القاموس المحيط (ص 1102).
قال في الفتح
(1)
: تطلق بالمعنى الأعمّ على أنواع الإبراء وهو: هبة الدَّيْنِ ممن هو عليه، والصدقة وهي هبة ما يتمحض به طلب ثواب الآخرة، والهدية: وهي [ما يلزم]
(2)
به الموهوب له عوضه، ومن خصها بالحياة أخرج الوصية، وهي تكون أيضًا بالأنواع الثلاثة.
وتطلق الهبة بالمعنى الأخص على ما لا يقصد له بدل، وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بأنها تمليك بلا عوض. اهـ.
قوله: (والهدية) بفتح الهاء وكسر الدال المهملة بعدها ياء مشددة ثم تاء تأنيث. قال في القاموس
(3)
: الهدية كغنية: ما أتحف به.
قوله: (إلى كُرَاعٍ)
(4)
هو ما دون الكعب في الدَّابَةِ، وقيل: اسم مكان.
قال الحافظ
(5)
: ولا يثبت. ويرده حديث أنس وحديث أم حكيم المذكوران، وخصَّ الكراع والذراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير؛ لأن الذراع كانت أحب إليه من غيرها، والكراع لا قيمة له.
وفي المثل
(6)
:
(1)
(5/ 197).
(2)
كذا في المخطوط (أ)، (ب). وفي "الفتح" (5/ 197):(ما يكرم).
(3)
القاموس المحيط (ص 1734).
(4)
قال ابن سيدة في "المحكم والمحيط الأعظم"(1/ 273): "والكُرَاعُ من الإنسان: ما دون الرُّكْبَة إلى الكعب. ومن الدَّوابّ: ما دُون الكعب".
وقال اللحياني: هو مما يُؤنث ويُذَكَّر، قال: ولم يعرف الأصمعيُّ التذكير. وقال مرة أخرى: هو مُذكَّر لا غير. وقال سيبويه: وأمَّا كُراع، فإنَّ الوجهَ فيه تركُ الصَّرف؛ ومن العرب مَنْ يَصرفُه، يشَبِّهه بذرَاع، وهو أخبثُ الوجهين. يعني أن الوجه إذا سُمّي به، لا يُصْرَف لأنه مؤنث، سُمّي به مُذكَّر. والجمع أكْرُع. وأكارع جمع الجمع. وأما سيبويه فإنه جعلَه مما كُسِّر ما لا يكسَّر عليه مثله، فِرارًا من جمع الجمع، وقد يكسر على نوعين.
والكُراع من البقر والغنم: بمنزلة الوَظيف من الخيل، والابل، والبغال والحمير". اهـ.
(5)
في "الفتح"(5/ 198).
(6)
يضرب مثلًا للرجلِ الشَّرِه، يُعطَى الشيءَ فيأخذُه ويطلبُ أكثرَ منه.
والمثلُ لأم عمرو بن عديّ جارية مالكٍ وعقيلٍ نَدْماني جَذيمة، وذلك أن عمرو بن عديّ، =
أعط العبد كراعًا يطلب ذراعًا، هكذا في الفتح
(1)
.
والظاهر أن مراده صلى الله عليه وسلم الحض على إجابة الدعوة ولو كانت إلى شيء حقير؛ كالكراع والذراع، وعلى قبول الهدية ولو كانت شيئًا حقيرًا من كراعٍ أو ذراعٍ وليس المراد الجمع بين حقير وخطير، فإن الذراع لا يعد على الانفراد خطيرًا ولم تجر عادة بالدعوة إليه ولا بإهدائه، فالكلام من باب الجمع بين حقيرين، وكون أحدهما أحقر من الآخر لا يقدح في ذلك، ومحبته صلى الله عليه وسلم للذراع [لا تستلزم]
(2)
أن تكون في نفسها خطيرة، ولا سيما في خصوص هذا المقام، ولو كان ذلك مرادًا له صلى الله عليه وسلم لقابل الكراع الذي هو أحقر ما يهدى ويدعى إليه بأخطر ما يهدى ويدعى إليه؛ كالشاة وما فوقها، ولا شك أن مراده صلى الله عليه وسلم الترغيب في إجابة الدعوة وقبول الهدية وإن كانت إلى أمر حقير وفي شيء يسير.
وقد ترجم البخاري
(3)
لهذا الحديث فقال: باب القليل من الهدية.
وفي الحديثين المذكورين
(4)
دليل على اعتبار القبول لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقبلت". وسيأتي الخلاف في ذلك.
3/ 2468 - (وَعَنْ خالِدِ بْنِ عَدِيّ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ جاءَهُ مِنْ أخِيه مَعْرُوفٌ مِنْ غَيْرِ إشْرَافٍ وَلا مَسألَةٍ فَلْيَقْبَلْهُ وَلا يَرُدَّهُ فإنَّمَا هُوَ رِزْق ساقَهُ الله إلَيْهِ" رَوَاهُ أحْمَدُ)
(5)
. [صحيح]
= ابن أخت جذيمة فُقِدَ زمانًا، ثم ظفر به مالك وعقيل، فقدَّما له طعامًا فأكله واستزاد، فقالت أمّ عمرو: "أُعْطِيَ العبدُ كُراعًا فطلبَ ذِراعًا
…
". اهـ.
["جمهرة الأمثال" لأبي هلال العسكري (1/ 107)].
(1)
(5/ 200).
(2)
في المخطوط (ب): (لا يستلزم).
(3)
في صحيحه (5/ 199 رقم الباب (2) - مع الفتح).
(4)
في الباب برقم (2466) و (2467) من كتابنا هذا.
(5)
في المسند (4/ 221) بسند صحيح.
قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (925) وابن حبان رقم (3404) و (5108) والطبراني في المعجم الكبير رقم (4124) والحاكم (2/ 62) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (3551)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وهو حديث إسناده صحيح، والله أعلم.
4/ 2469 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُسْرٍ قَالَ: كانَتْ أُخْتِي رُبَّمَا تَبْعَثْنِي بالشّيء إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم تطْرفُهُ فَيَقْبَلُهُ مِنِّي
(1)
.
وفي لَفْظٍ كانَتْ تَبْعَثُنِي إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالهَدِيَّةِ فَيَقْبَلُها
(2)
.
رَوَاهُما أحْمَدُ.
وَهُوَ دَلِيلٌ على قَبُولِ الهَدِيَّةِ بِرِسالَةِ الصَّبِيّ؛ لأنّ عَبْدَ الله بْنَ [بُسْرٍ]
(3)
كانَ كَذَلِكَ مُدَّةَ حَياةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم).
5/ 2470 - (وَعَنْ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أبي سَلَمَةَ قالَتْ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّ سَلَمَةَ قَالَ لَهَا: "إني قَدْ أهْدَيْتُ إلى النَّجاشيِّ حُلَّةً [وأوَاقي]
(4)
مِنْ مِسْكٍ، وَلا أرَى النَّجاشِيَّ إلا قَدْ ماتَ، وَلا أرَى هَدِيَّتِي إلَّا مَرْدُودَةً، فإنْ رُدَّتْ عَليّ فَهيَ لَكِ"، قالَتْ: وكانَ كما قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَرُدَّتْ عَلَيْهِ هَدِيتُهُ فأعْطَى كُلَّ امْرأةٍ مِنْ نِسائِهِ أوقِيَّةَ مِسْكٍ، وأعْطَى أُمَّ سَلَمَةَ بَقِيَّةَ المِسْكِ وَالحُلَّةَ. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(5)
.
حديث خالد بن عدي قد تقدم في باب ما جاء في الفقير والمسكين من كتاب الزكاة
(6)
، وأعاده المصنف هاهنا للاستدلال به على أن الهدية تفتقر إلى القبول لقوله فيه:"فليقبله".
(1)
في المسند (4/ 188) بسند حسن من أجل الحسن بن أيوب الحضرمي.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 147) وعزاه للطبراني في الكبير، وقال: رجاله رجال الصحيح.
(2)
في المسند (4/ 189) بسند حسن من أجل الحسن بن أيوب الحضرمي.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 147) وقال: رجاله رجال الصحيح.
(3)
في المخطوط (ب): (بشر) والصواب ما أثبثناه من (أ). ومراجع الحديث.
(4)
في المخطوط (ب): (وأوقي) والصواب ما أثبتناه من (أ)، ومراجع الحديث.
(5)
في المسند (6/ 404) بسند ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 148) وقال: فيه مسلم بن خالد الزنجي، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه جماعة، وأم موسى بن عقبة لم أعرفها، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(6)
الباب الأول (8/ 154 رقم 11/ 1592) من كتابنا هذا.
وحديث عبد الله بن بسر أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير
(1)
. قال في مجمع الزوائد
(2)
: ورجالهما - يعني أحمد والطبراني - رجال الصحيح.
وله حديث آخر أخرجه الطبراني في الكبير
(3)
، وفي إسناده الحكم بن الوليد، ذكره ابن عدي في الكامل
(4)
، وذكر له هذا الحديث وقال: لا أعرف هذا عن عبد الله بن بسر إلا عن الحكم هكذا، هذا معنى كلامه.
قال في مجمع الزوائد
(5)
: وبقية رجاله ثقات.
وحديث أم كلثوم أخرجه أيضًا الطبراني
(6)
، وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي
(7)
، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه جماعة.
وفي إسناده أيضًا أم موسى بنت عقبة، قال في مجمع الزوائد
(8)
: لا أعرفها، وبقية رجاله رجال الصحيح.
قوله: في حديث خالد: (فليقبله) فيه الأمر بقبول الهدية والهبة ونحوهما من الأخ في الدين لأخيه، والنهي عن الرد لما في ذلك من جلب الوحشة وتنافر الخواطر.
فإن التهادي من الأسباب المؤثرة للمحبة لما أخرجه البخاري في الأدب المفرد
(9)
والبيهقي
(10)
وابن طاهر في مسند الشهاب
(11)
من حديث محمد بن بكير عن ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا".
(1)
كما في مجمع الزوائد (4/ 147).
(2)
(4/ 147).
(3)
كما في مجمع الزوائد (4/ 147).
(4)
في "الكامل"(2/ 631).
(5)
(4/ 147).
(6)
في المعجم الكبير (ج 25 رقم 205).
(7)
انظر ترجمته في: الميزان (4/ 102) ولسان الميزان (7/ 385) والكاشف (3/ 123) والمغني (2/ 655) والتقريب (2/ 245).
(8)
مجمع الزوائد (4/ 148).
(9)
رقم (594).
(10)
في السنن الكبرى (6/ 169).
(11)
(1/ 381 رقم 657).
قلت: وأخرجه أبو يعلى في المسند (ج 11 رقم 6148)، وهو حديث حسن. وقد حسنه الألباني في الإرواء (6/ 44 رقم 1601).
قال الحافظ
(1)
: وإسناده حسن.
وقد اختلف فيه على ضِمام فقيل: عنه عن أبي قَبيل، عن [عبد الله بن عمرو،
(2)
، أورده ابن طاهر، ورواه في مسند الشهاب
(3)
من حديث عائشة بلفظ: "تهادوا تزدادوا حبًا"، وفي إسناده محمد بن سليمان
(4)
، قال ابن طاهر: لا أعرفه.
وأورده
(5)
أيضًا من وجه آخر عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية، وقال: إسناده غريب وليس بحجة.
وروى مالك في الموطأ
(6)
عن عطاء الخراساني رفعه: "تَصافَحُوا يذهَبِ الغِلُّ، وتهادُوا تحابوا وتذهَبِ الشحنَاءُ".
(1)
في "التلخيص"(3/ 152 - 153).
(2)
في المخطوط (أ): (عبد الله بن عمر)، والمثبت من (ب) وهو الصواب.
(3)
(1/ 380 رقم 655).
قلت: وأخرجه الطبراني في الأوسط رقم (5775) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 146) وقال: فيه المثنى أبو حاتم، ولم أجد من ترجمه، وكذلك عبيد الله بن العيزار.
قلت: المثنى أبو حاتم، وعبيد الله بن العيزار مترجم لهم.
• أما المثنى بن بكر أبو حاتم العبدي العطار بصري، قال أبو حاتم: مجهول، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه.
[الجرح والتعديل (8/ 326)، والضعفاء للعقيلي (4/ 248)].
• وعبيد الله بن العيزار المازني ثقة.
[الجرح والتعديل (5/ 330)].
(4)
محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني يُلَقَّب (بُومَة): صدوق، مات سنة (213 هـ).
التقريب رقم الترجمة (5927).
(5)
أي: في مسند الشهاب (1/ 382 رقم 659).
قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير (ج 25 رقم 393).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 147) وقال: فيه من لا يُعرف.
(6)
في الموطأ (2/ 908 رقم 16) وهو ضعيف بهذا اللفظ.
قلت: وأخرج ابن وهب في "الجامع في الحديث"(1/ 352 رقم 246)، وهو مرسل حسن الإسناد.
لكن شطره الثاني له شواهد كما تقدم.
وفي الأوسط للطبراني
(1)
من حديث عائشة: "تهادوا تحابوا، وهاجروا تورثوا أولادكم مجدًا، وأقيلوا الكرام عثراتهم".
قال الحافظ
(2)
: وفي إسناده نظر.
وأخرج في الشهاب
(3)
عن عائشة: "تَهادَوْا، فإنَّ الهديَّةَ تُذْهِبُ الضَّغَائِنِ". ومداره على محمد بن عبد النور، عن أبي يوسف الأعشى، عن هشام، عن أبيه عنها، والراوي له عن محمد هو أحمد بن الحسن المقري. قال الدارقطني: ليس بثقة. وقال ابن طاهر: لا أصل له عن هشام.
ورواه ابن حبان في الضعفاء
(4)
من طريق بكر بن بكار عن عائذ بن شريح عن أنس بلفظ: "تهادوا، فإن الهدية قلّت أو كثُرت تذهب السخيمة"، وضعفه بعائذ.
قال ابن طاهر (5) تفرد به عائذ، وقد رواه عنه جماعة.
قال
(5)
: ورواه كوثر بن حكيم عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وكوثر متروك
(6)
.
(1)
في المعجم الأوسط رقم (7240).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 146) وقال: "فيه المثنى أبو حاتم، ولم أجد من ترجمة، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام".
قلت: المثنى أبو حاتم ضعيف ترجم له العقيلي (4/ 248) وغيره كما تقدم.
(2)
في "التلخيص"(3/ 153).
(3)
(1/ 383 رقم 660) وقال محققه: "وآفة الحديث أبو يوسف الأعشى، واسمه يعقوب بن محمد بن عبيد الكوفي، قال أبو الفتح الأزدي: كذاب رجل سوء.
ورواه ابن طاهر في الكلام على أحاديث الشهاب، والخطيب في "تاريخ بغداد"(4/ 88) من طريق أحمد بن الحسن بن علي بن الحسين المقرئ دبيس، عن محمد بن عبد النور به.
ودبيس هذا قال الدارقطني: ليس بثقة. وقال الخطيب: منكر الحديث. قال أبو طاهر: "لا أصل للحديث عن هشام".
وانظر: "التلخيص الحبير"(3/ 152).
(4)
في المجروحين (2/ 194).
(5)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 152).
(6)
كوثر بن حكيم كوفي نزل حلب، قال أبو زرعة: ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشيء.
وقال البخاري: عن نافع، عن ابن عمر، منكر الحديث. [التاريخ الكبير (7/ 245) =
وروى الترمذي
(1)
من حديث أبي هريرة: "تهادوا، فإن الهدية تذهب وحر الصدر"، وفي إسناده أبو مَعْشَر [المدني]
(2)
تفرد به وهو ضعيف.
ورواه ابن طاهر
(3)
في أحاديث الشهاب من طريق عصمة بن مالك بلفظ: "الهدية تذهب بالسمع والبصر".
ورواه ابن حبان في الضعفاء
(4)
من حديث ابن عمر بلفظ: "تهادوا فإن الهدية تذهب الغل"، رواه محمد بن أبي [الزُّعَيْزِعَة]
(5)
وقال: لا يجوز الاحتجاج به، وقال فيه البخاري
(6)
: منكر الحديث.
وروى أبو موسى المديني في "الذيل"
(7)
في ترجمة زعبل بالزاي والعين
= والمجروحين (2/ 228) والجرح والتعديل (7/ 176) والميزان (3/ 416) ولسان الميزان (4/ 490)].
(1)
في السنن رقم (2130). وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قلت: وأخرجه أحمد (2/ 405) وأبو داود الطيالسي رقم (2333) وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" رقم (358) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (656) من طرق.
وزاد الطيالسي والترمذي وابن أبي الدنيا، قوله:"ولا تحقرن جارة لجارتها ولو شق فِرْسِ شاةٍ".
والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(2)
في المخطوط (ب): (المديني)، وهو خطأ.
وأبو معشر اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني، أبو مَعْشَر، مولى بني هاشم، مشهور بكنيته: ضعيف. التقريب رقم الترجمة (7100).
(3)
كما في "التلخيص"(3/ 152).
(4)
في المجروحين (2/ 288).
وقال ابن حبان عنه: " محمد بن أبي الزُّعَيْزِعَة كان ممن يروي المناكير عن المشاهير حتى إذا سمعها مَن الحديث صناعَتُه، علم أنها مقلوبة، لا يجوز الاحتجاج به". وتناقض ابن حبان فذكره في "الثقات".
(5)
في المخطوط (أ): (الزغيرعة) وفي (ب): (الزغيرة). والصواب ما أثبتناه من كتب الرجال؛ كالمجروحين (2/ 288) والميزان (3/ 548) والتاريخ الكبير (1/ 88) وغيرهم.
(6)
في "التاريخ الكبير"(1/ 88) ولفظه: "منكر الحديث جدًّا".
(7)
ذيل الصحابة"، أبو موسى المديني؛ (محمد بن عمر الأصبهاني ت 581 هـ).
وهو ذيل على كتاب "معرفة الصحابة" لأبي نعيم.
[معجم المصنفات ص 196 رقم (553، 556)].
المهملة والباء الموحدة يرفعه: "تزاوروا وتهادوا، فإن الزيارة تثبت الوداد، والهدية تذهب السُّخيمةُ"
(1)
.
قال الحافظ
(2)
: وهو مرسل وليس لزعبل صحبة.
قوله: (فإنما هو رزق ساقه الله إليه)، فيه دليل على أن الأشياء الواصلة إلى العباد على أيدي بعضهم هي من الأرزاق الإلهية لمن وصلت إليه، وإنما جعلها الله جارية على أيدي العباد لإثابة من جعلها على يده، فالمحمود على جميع ما كان من هذا القبيل هو الله تعالى.
قوله: (تطرفه إياه) بالطاء المهملة والراء بعدها فاء. قال في القاموس
(3)
: الطرفة بالضم الاسم من الطريف، والطارف والمطرف: للمال المستحدث.
قال
(4)
: والغريب من [الثمر]
(5)
وغيره.
قوله: (فيقبلها) فيه دليل على اعتبار القبول، ولأجل ذلك ذكره المصنف.
وكذلك حديث أم كلثوم
(6)
فيه دليل أيضًا على اعتبار القبول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض الهدية التي بعث بها إلى النجاشي بعد رجوعها دل ذلك على أن الهدية لا تملك بمجرد الإهداء، بل لا بد من القبول، ولو كانت تملك بمجرد ذلك لما قبضها صلى الله عليه وسلم؛ لأنها قد صارت ملكًا للنجاشي عند بعثه صلى الله عليه وسلم بها، فإذا مات بعد ذلك وقبل وصولها إليه صارت لورثته.
وإلى اعتبار القبول في الهبة ذهب الشافعي
(7)
ومالك
(8)
والناصر (9) والهادوية (9) والمؤيد بالله في أحد قوليه
(9)
.
(1)
السَّخيمةُ والسَّخيمةُ، بالضمِّ: الحقد. القاموس المحيط (ص 1446).
(2)
في "التلخيص"(3/ 152).
(3)
القاموس المحيط (ص 1075).
(4)
أي: الفيروزآبادي في القاموس المحيط (ص 1075).
(5)
في المخطوط (ب): (الثمرة).
(6)
تقدم برقم (2470) من كتابنا هذا.
(7)
البيان للعمراني (8/ 112 - 113).
(8)
التهذيب في اختصار المدونة (4/ 349 - 350).
(9)
البحر الزخار (4/ 131).
وذهب بعض الحنفية
(1)
والمؤيد بالله في أحد قوليه
(2)
إلى أن الإيجاب كاف.
وقد تمسك بحديث أم كلثوم
(3)
أحمد
(4)
وإسحاق فقالا في الهدية التي مات من أهديت إليه قبل وصولها إن كان حاملها رسول المهدي رجعت إليه، وإن كان حاملها رسول المهدي إليه فهي لورثته.
وذهب الجمهور
(5)
إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدي إليه إلا بأن يقبضها هو أو وكيله.
وقال الحسن
(6)
: أيهما مات فهي لورثة المهدي له إذا قبضها الرسول.
قال ابن بطال
(7)
: وقول مالك كقول الحسن.
وروى البخاري
(8)
عن [أبي عبيدة]
(9)
تفصيلًا بين أن تكون الهدية قد انفصلت أم لا مصيرًا منه إلى أن قبض الرسول يقوم مقام قبض المهدي إليه. وحديث أم كلثوم (3) هذا أخرجه أيضًا الطبراني
(10)
والحاكم
(11)
، وحسّن صاحب الفتح
(12)
إسناده.
قوله: (ولا أرى النجاشي إلا قد مات). قد سبق في صلاة الجنازة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمَ أصحابه بموت النجاشي على جهة الجزم، وصلى هو
(1)
بدائع الصنائع (6/ 115) والمبسوط (6/ 49 - 50).
(2)
البحر الزخار (4/ 131).
(3)
تقدم برقم (2470) من كتابنا هذا.
(4)
المغني (8/ 243 - 244).
(5)
المرجع السابق. والفتح (5/ 222).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه (5/ 221 رقم الباب (18) مع الفتح) معلقًا.
(7)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 113).
(8)
في صحيحه (5/ 221 رقم الباب (18) - مع الفتح) معلقًا عن عبيدة.
وقال الحافظ في "الفتح"(5/ 222): (عبيدة): (بفتح أوله، وهو ابن عمرو السلماني، بفتح المهملة وسكون اللام". اهـ.
(9)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) ولعل الصواب:(عبيدة) كما في الفتح (5/ 222).
(10)
في المعجم الكبير (ج 25 رقم 205).
(11)
في المستدرك (2/ 188) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي فقال:"منكر، ومسلم الزنجي ضعيف".
(12)
في "الفتح"(5/ 222).
وهم عليه، وتقدم أنه رفع له نعشه حتى شاهده، وكل ذلك يخالف ما وقع من تظنُّنه صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية.
6/ 2471 - (وَعَنْ أنَسٍ قالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَقَالَ:"انْثُرُوهُ فِي المَسْجِدِ"، وكانَ أكْثَرَ مالٍ أُتي بِهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، إذْ جاءَهُ العَبَّاسُ فَقَالَ: يا رَسُولَ الله أعْطنِي فإني فادَيْتُ نَفْسِي وَعَقِيلًا، قالَ:"خُذْ"، فَحَثى في ثَوْبِهِ [ثم ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: مُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ إليَّ؟ قالَ: "لا"، قالَ: ارْفَعْه أنْتَ عَليَّ؟ قالَ: "لا": فَنَثَر
(1)
مِنْهُ]، ثُمّ ذَهَبَ يُقلُّهُ فَلَمْ يَرْفَعْهُ، قَالَ: مُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ عَليّ، قالَ:"لا"، قالَ: ارْفَعْهُ عَليّ أنْتَ، قالَ:"لا"، فَنَثَر مِنْه ثُم احْتَمَلَهُ على كاهِلِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنا عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَثمَّ مِنْها دِرْهَمٌ. رَوَاهُ البُخارِيُّ
(2)
.
وَهُوَ دَلِيلٌ على جَوَازِ التَّفْضِيلِ في ذَوِي القُرْبَى وَغَيْرِهِمْ وَتَرْكِ تَخْمِيسِ الفَيء، وأنَّهُ مَتَى كانَ فِي الغَنِيمَةِ ذُو رَحِمٍ لِبَعْض الغانِمِينَ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ).
7/ 2472 - (وَعَنْ عائِشَةَ أن أبا بَكْرٍ الصِّديقَ كانَ نَحَلَها جادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مالِهِ بالغابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفاةُ قالَ: يا بُنَيَّةُ إني كُنْتُ نَحَلْتُكِ جادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا، وَلَوْ كنْتِ جَدَدْتِهِ وَاحْتَرَثْتِهِ كانَ لَكِ، وَإنَّمَا هُوَ اليَوْمَ مالُ وَارِثٍ فاقْتَسِمُوهُ على كِتابِ الله. رَوَاهُ مالِكٌ في المُوَطَّإ)
(3)
.
حديث عائشة رواه مالك من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة.
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(2)
في صحيحه رقم (3165).
(3)
في الموطأ (2/ 752 رقم 40).
قلت: وأخرجه الإمام أحمد في "العلل"(3/ 191 - 192 رقم 4826) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 88) والبيهقي في السنن الصغير (2/ 337 - 338 رقم 2231) وفي السنن الكبرى (6/ 169 - 170). وفي "معرفة السنن والآثار"(5/ 3 - 4 رقم 3781) والبغوي في شرح السنة رقم (2204) وغيرهم.
وهو موقوف صحيح، والله أعلم.
وروى البيهقي
(1)
من طريق ابن وهب عن مالك وغيره عن ابن شهاب.
وعن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم بن محمد نحوه.
قوله: (بمال من البحرين)، روى ابن أبي شيبة
(2)
من طريق حميد بن هلال مرسلًا أنه كان مائة ألف، وأنه أرسل به العلاء الحضرمي من خراج البحرين، قال: وهو أول خراج حمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى البخاري
(3)
في المغازي من حديث عمرو بن عوف: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء بن الحضرمي، وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم، فقدم أبو عبيدة بمال، فسمعت الأنصار بقدومه
…
" الحديث.
فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال، لكن في كتاب الردة للواقدي أن رسول العلاء بن الحضرمي بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي، فلعله كان رفيق أبي عبيدة.
وأما حديث جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لو قد جاء مال البحرين أعطيتك"، وفيه: "فلم يقدم مالك البحرين حتى مات النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
…
" الحديث
(4)
، فهو صحيح.
والمراد به أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان مال خراج أو جزية، فكان يقدم في كل سنة.
قوله: (انثروه) أي: صبُّوه.
قوله: (وفادية عقيلًا) أي: ابن أبي طالب، وكان أسر مع عمه العباس في غزوة بدر، ويقال: إنه أسر معهما الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأن العباس افتداه أيضًا، وقد ذكر ابن إسحاق
(5)
كيفية ذلك.
قوله: (فحثى) بمهملة ثم مثلثة مفتوحة، والضمير في ثوبه يعود على العباس.
(1)
في السنن الكبرى (6/ 169 - 170) وقد تقدم.
(2)
في المصنف (14/ 85).
(3)
في صحيحه رقم (4015).
(4)
أخرجه البخاري رقم (4383).
(5)
كما في السيرة النبوية من فتح الباري (1/ 405).
قوله: (يُقِلُّه) بضم أوله من الإقلال: وهو الرفع والحمل
(1)
.
قوله: (مر بعضهم) بضم الميم وسكون الراء، وفي رواية:"أؤمر" بالهمز.
قوله: (يرفعه) بالجزم؛ لأنَّه جواب الأمر ويجوز الرفع: أي فهو يرفعه، والكاهل بين الكتفين.
قوله: (يتبعه) بضم أوله من الإتباع.
قوله: (وثم منها درهم) بفتح المثلثة: أي هناك.
وفي هذا الحديث بيان كرم النبي صلى الله عليه وسلم وعدم التفاته إلى المال قل أو كثر
(2)
، وأن الإمام ينبغي له أن يفرق مال المصالح في مستحقيها، وأنَّه يجوز للإمام أن يضع في المسجد ما يشترك فيه المسلمون من صدقة ونحوها.
واستدل به ابن بطال على جواز إعطاء بعض الأصناف من الزكاة.
قال الحافظ
(3)
: ولا دلالة فيه؛ لأن المال لم يكن من الزكاة، وعلى تقدير كونه منها فالعباس ليس من أهل الزكاة. فإن قيل: إنما أعطاه من سهم الغارمين كما أشار إليه الكرماني
(4)
فقد تعقب، ولكن الحق أن المال المذكور كان من الخراج أو الجزية وهما من مال المصالح. انتهى.
قوله: (لم يعتق عليه) يريد أن العباس وعقيلًا قد كان غنمهما النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وهما [رحما النبي]
(5)
صلى الله عليه وسلم ولعلي رضي الله عنه ولم يعتقا.
وسيأتي ما يدل على أن هذا مراد المصنف رحمه الله في كتاب العتق في باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم.
ولا يظهر لذكر هذا الحديث في هذا الموضع وجه مناسبة، فإن المصنف ترجم لافتقار الهبة إلى القبول والقبض وأنَّه على ما يتعارفه الناس، فإن أراد أن قبض العباس قام مقام القبول فغير ظاهر؛ لأن تقدم سؤاله يقوم مقامه على [أن]
(6)
المال المذكور في الحديث لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون الدفع منه إلى
(1)
النهاية في غريب الحديث (2/ 487).
(2)
الفتح لابن حجر (1/ 517).
(3)
في "الفتح"(6/ 168).
(4)
في شرحه لصحيح البخاري (4/ 80).
(5)
في المخطوط (ب): (رحمان للنبي).
(6)
ما بين الخاصرتين سقط من (ب).
العباس وإلى غيره من باب الهبة، بل هو من مال الخراج أو الجزية كما عرفت، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تولى قسمته بين مصارفه.
قوله: (جادّ عشرين وسقًا) بجيم وبعد الألف دال مهملة مشدّدة: أي أعطاها مالًا يجدّ عشرين وسقًا، والمراد أنه يحصل من [ثمرته]
(1)
ذلك.
والجد: صرام النخل
(2)
.
وهذا الأثر يدل على أن الهبة إنما تملك بالقبض لقوله: "لو كنت جددته [واحترثته]
(3)
كان لك"، وذلك لأن قبض الثمرة يكون بالجذاذ وقبض الأرض بالحرث.
وقد نقل ابن بطال
(4)
: اتفاق العلماء أن القبض في الهبة هو غاية القبول.
قال الحافظ
(5)
: وغفل عن مذهب الشافعي
(6)
، فإن الشافعية يشترطون القبول في الهبة دون الهدية.
[الباب الثاني] باب ما جاء في قبول هدايا الكفار والإهداء لهم
8/ 2473 - (عَنْ عَلِي رضي الله عنه قالَ: أهْدَى كِسْرَى لِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَبِل مِنْهُ وأهْدَى لَهُ قَيْصَرُ فَقَبلَ، وأهْدَتْ لَهُ المُلُوكُ فَقَبِلَ منْها. رَوَاهُ أحْمَدُ
(7)
والتِّرْمِذِيُّ)
(8)
. [ضعيف جدًّا]
9/ 2474 - (وفي حَدِيثٍ عَنْ بِلالٍ المُؤَذّنِ قالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أتيْتُهُ - يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإذَا أرْبَعُ رَكائبَ مُناخاتٌ عَلَيْهِنَّ أحْمَالُهنّ فاسْتأذَنْتُ، فَقَالَ لي: "أبْشِرْ
(1)
في المخطوط (ب): (ثمرت).
(2)
النهاية (1/ 240) والفائق (1/ 193).
(3)
في المخطوط (ب): (واحترثيه).
(4)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 118).
(5)
في "الفتح"(5/ 223).
(6)
انظر: البيان للعمراني (8/ 114 - 115).
(7)
في المسند (1/ 96) بسند ضعيف لضعف نوير بن أبي فاختة.
(8)
في سننه رقم (1576) وقال: هذا حديث حسن غريب.
قلت: وأخرجه البزار في مسنده رقم (778).
وهو حديث ضعيف جدًّا.
فَقَدْ جاءَكَ الله بِقَضَائِكَ"، [ثم]
(1)
قال: "ألم تر الرَّكائب المُناخاتِ الأربع؟ " فقلت: بلى، فقال:"إن لك رقابهن وما عليهن، فإن عليهن كسوة وطعامًا أهداهن إليَّ عظيم فَدَكٍ فاقبضهن واقضِ دينك"، ففعلت: مختصر لأبي داود)
(2)
. [إسناد صحيح]
حديث علي أخرجه أيضًا البزار
(3)
وأورده في التلخيص
(4)
ولم يتكلم عليه، ولم يذكره صاحب مجمع الزوائد
(5)
في باب هدايا الكفار، [وقد حسَّنه الترمذي
(6)
، وفي إسناده نوير بن أبي فاختة
(7)
وهو ضعيف]
(8)
.
وحديث بلال سكت عنه أبو داود
(9)
والمنذري
(10)
، [ورجال إسناده ثقات]
(11)
.
وهو حديث طويل أورده أبو داود في باب: الإمام يقبل هدايا المشركين، من كتاب الخراج
(12)
، وفيه: "أن بلالًا كان يتولى نفقة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أتى النبي صلى الله عليه وسلم إنسان مسلمًا عاريًا يأمر بلالًا أن يستقرض له البُرْد
(13)
حتى لزمته ديون فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأربع الركائب وما عليها".
(1)
زيادة من المخطوط (أ).
(2)
في سننه رقم (3055)، إسناده صحيح.
(3)
في مسنده رقم (778) وقد تقدم.
(4)
في "التلخيص"(3/ 154).
(5)
في "مجمع الزوائد"(4/ 151) باب هدايا الكفار.
(6)
في السنن (4/ 140).
(7)
نُوَيْر بن أبي فاخِتَة، واسم أبي فاختة: سعيد بن عَلاقة.
قال البخاري: كان يحيى وابن مهدي لا يحدثان عنه. قال أبو حاتم وغيره: ضعيف.
وقال الدارقطني: متروك.
[التاريخ الكبير (1/ 183) والمجروحين (1/ 205) والجرح والتعديل (2/ 472) والميزان (1/ 375) والتقريب (1/ 121)].
(8)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(9)
في السنن (3/ 439 - 442).
(10)
(10) في المختصر (4/ 257).
(11)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(12)
في سننه (3/ 439).
(13)
البُرْد: نوع من الثياب معروف، والجمع أبراد وبُرود، والبُرْدة: الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع فيه صور تلبسه الأعراب وجمعها بُرَد.
النهاية (1/ 122) والفائق (2/ 173) وغريب الحديث للخطابي (1/ 31).
وفي الباب عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عند النَّسَائِي
(1)
قال: "لما قدم وفدُ ثقيف قدموا معهم بهدية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهدية أم صدقة؟ فإن كانت هدية فإنما يُبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاءَ الحاجة، وإن كانت صدقة فإنما يُبتغى بها وجه الله"، قالوا: لا، بل هدية، [فقبلها]
(2)
منهم".
وعن أنس عند الشيخين
(3)
: "أن أُكيدر دومة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة سندس".
ولأبي داود
(4)
: "أن ملك الروم أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مُستقة سندس [فلبسها]
(5)
…
" الحديث.
والمستقة
(6)
بضم الفوقانية وفتحها: الفروة الطويلة الكُمَّين وجمعها مساتق.
وعن أنس أيضًا عند أبي داود
(7)
: "أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرًا فقبلها".
وعن علي أيضًا عند الشيخين
(8)
: "أن أكيدر دومة الجندل
(9)
أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير، فأعطاه عليًا فقال:"شققه خُمُرًا بين الفواطم""
(10)
.
(1)
في سننه رقم (3758) بسند ضعيف.
(2)
في المخطوط (ب): (فقبلنا).
(3)
البخاري في صحيحه رقم (2615) ومسلم رقم (127/ 2469).
(4)
في سننه رقم (4047) بسند ضعيف.
(5)
في المخطوط (ب): (فقبلها).
(6)
النهاية (2/ 656) والفائق (3/ 367).
(7)
في السنن رقم (4035)، وهو حديث ضعيف.
(8)
البخاري في صحيحه رقم (2614) ومسلم رقم (18/ 2071).
(9)
وأكيدر دومة: هو أكيدر تصغير أكدر، ودُوْمة بضم المهملة وسكون: الواو بلد بين الحجاز والشام، وهي دُوْمة الجندل، مدينة بقرب تبوك، بها نخل وزرع وحصن على عشر مراحل من المدينة، وثمان من دمشق.
وكان أكيدر ملكها، وهو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن بن أعباء بن الحارث بن معاوية، ينسب إلى كندة، وكان نصرانيًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه خالد بن الوليد في سرية فأسره، وقتل أخاه حسان، وقدم به المدينة، فصالحه النبي صلى الله عليه وسلم على الجزية وأطلقه
…
".
["الفتح" (5/ 231)، وانظر: معجم ما استعجم (2/ 564 - 565)].
(10)
"وقال أبو محمد بن قتيبة: المراد بالفواطم: فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت أسد بن =
وعن أبي حميدة الساعدي عند البخاري
(1)
قال: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، وأهدى ابنُ العَلْمَاءِ
(2)
للنبي صلى الله عليه وسلم بُرْدًا، وكتب له ببحرهم
(3)
، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول صاحب أيلة بكتاب، وأهدى إليه بغلة بيضاء
…
" الحديث.
وفي مسلم
(4)
: "أهدى فروة الجذامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء ركبها يوم حنين".
وعن بريدة عند إبراهيم الحربي
(5)
وابن خزيمة
(6)
وابن أبي عاصم
(7)
: "أن أمير القبط أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين وبغلة، فكان يركب البغلة بالمدينة، وأخذ إحدى الجاريتين لنفسه فولدت له إبراهيم، ووهب الأخرى لحسان".
= هاشم والدة علي، ولا أعرف الثالثة.
وذكر أبو منصور الأزهري: أنها فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب.
وقد أخرج الطحاوي وابن أبي الدنيا في "كتاب الهدايا"، وعبد الغني بن سعيد في "المبهمات"، وابن عبد البر كلهم من طريق يزيد بن أبي زياد عن أبي فاختة عن هبيرة بن يريم، عن علي في نحو هذه الفصة قال: "فشققت منها أربعة أخمرة
…
"، فذكر الثلاث المذكورات، قال: ونسي يزيد الرابعة.
وفي رواية الطحاوي: "خمارًا لفاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي، وخمارًا لفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وخمارًا لفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وخمارًا لفاطمة أخرى قد نسيتها". فقال عياض: لعلها فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب، وهي بنت شيبة بن ربيعة، وقيل: بنت عتبة بن ربيعة، وقيل: بنت الوليد بن عتبة
…
". اهـ. [فتح الباري (10/ 297 - 298)].
(1)
في صحيحه رقم (1481).
(2)
ابن العلماء: هو ملك أَيْلَةَ. والعلماء: اسم أمه.
(3)
أي ببلدهم وأرضهم قاله ابن الأثير في النهاية (1/ 156).
(4)
في صحيحه رقم (77/ 1775).
(5)
إبراهيم الحربي، (أبو إسحاق، إبراهيم بن إسحاق ت (285 هـ)). له كتاب "الهدايا"، ذكره ابن حجر في "المعجم المفهرس"(171/ ب)، وياقوت الحموي في "معجم الأدباء (1/ 118) بعنوان:"الهداية والسنة فيها".
[معجم المصنفات (ص 436) رقم (1414)].
• وعزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 156).
(6)
عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 156).
(7)
عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 156).
وفي كتاب الهدايا لإبراهيم الحربي
(1)
: "أهدى يوحنا بن رؤبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
بغلته البيضاء".
وعن أنس أيضًا عند البخاري
(2)
وغيره
(3)
: "أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها
…
" الحديث.
والأحاديث المذكورة في الباب تدل على جواز قبول الهدية من الكافر، ويعارضها حديث عياض بن حمار الآتي
(4)
، وسيأتي الجمع بينها وبينه.
10/ 2475 - (وَعَنْ أسَماءَ بنْتِ أبي بَكْرٍ قالَتْ: أتَتْني أُمِّي رَاغبَةً فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَهِي مُشْرِكَةٌ، فَسألْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: أصِلُها؟ قالَ: "نعَمْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(5)
. [صحيح]
(1)
عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 155).
• قلت: وأخرج حماد بن إسحاق بن إسماعيل في كتابه "تركة النبي صلى الله عليه وسلم "(ص 99) عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: كانت دُلْدُلُ بغلة النبي صلى الله عليه وسلم أول بغلة رُكبت في الإسلام أهداها المقوقس - حاكم مصر - وأهدى معها حمارًا يقال له: عُفير.
وكانت قد بقيت حتى كان زمانُ معاوية.
وأخرج هذه الرواية ابن سعد في "الطبقات"(1/ 491) من طريق الواقدي أيضًا.
وإسناده ضعيف.
• وأخرج حماد أيضًا في كتابه "تركة النبي صلى الله عليه وسلم "(ص 99 - 100) عن زامِل بن عمرو قال: أهدى فروةُ بن عمرو الجذامي - صحابي - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة يقال لها: فِضَّة، فوهبها لأبي بكر الصديق. وحمارَهُ يعفور نَفَقَ مُنْصَرفهُ من حَجة الوداع.
وأخرج هذه الرواية ابن سعد في "الطبقات"(1/ 491) من طريق الواقدي أيضًا.
وإسنادها ضعيف.
• وقال ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد"(1/ 129): "وكان له من البغال دُلْدُل، وكانت شهباء، أهداها له المقوقِس. وبغلة أخرى، يقال لها: "فضة" أهداها له فروة الجذامي، وبغلة شهباء أهداها له صاحب أيلة - صحيح البخاري رقم (1481) - وأخرى أهداها له صاحب دومة الجندل. وقد قيل: إن النجاشيَّ أهد له بغلة فكان يركبها.
ومن الحمير: عُفير، وكان أشهب، أهداه له المقوقِس ملك القبط. وحمار آخر أهداه له فروة الجذامي. وذكر أن سعد بن عبادة أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حمارًا فركبه". اهـ.
(2)
في صحيحه رقم (2617).
(3)
كمسلم في صحيحه رقم (2190).
(4)
برقم (12/ 2477) من كتابنا هذا.
(5)
أحمد في المسند (6/ 344) والبخاري رقم (3183) ومسلم رقم (49، 50/ 1003).
زَادَ البُخاريُّ
(1)
: قالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فأنْزَلَ الله فيها: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}
(2)
وَمَعْنَى رَاغبَةً: أيْ طامعَةً تَسْألُني شَيْئًا). [صحيح]
11/ 2476 - (وَعَنْ عامِر بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ العُزَّى بْنِ سَعْدٍ على ابْنَتها أسَماءَ بِهَدَايا ضِبَابٍ وأقطٍ وَسمْن وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فأبَتْ أسَماءُ أنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَها وَتُدْخلَها بَيْتَها، فَسالَتْ عائشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فأنْزَلَ الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
…
} (2) إلى آخر الآيةِ، فأمَرَها أن تَقْبَلَ هَدِيَّتَها وأنْ تُدْخلَها بَيْتَهَا. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(3)
. [حسن لغيره]
حديث عامر بن عبد الله بن الزبير ذكره المصنف هكذا مرسلًا، ولم يقل عن أبيه.
وقد أخرجه ابن سعد
(4)
وأبو داود الطيالسي
(5)
والحاكم
(6)
من حديث عبد الله بن الزبير.
(1)
في صحيحه رقم (5978).
(2)
سورة الممتحنة، الآية:(8).
(3)
في المسند (4/ 4) بسند ضعيف لضعف مصعب بن ثابت، وهو ابن عبد الله بن الزبير.
قلت: "وأخرجه الطيالسي رقم (1639) وابن سعد في الطبقات (8/ 252) والطبري في تفسيره جامع البيان (14/ ج 28/ 66) وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ" رقم (878) من طرق عن عبد الله بن المبارك عن مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه، به.
وأخرجه الحاكم (2/ 485 - 486) من طريق علي بن الحسن بن شقيق، عن عبد الله بن المبارك، عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده، قال: قدمت قتيلة
…
، فذكره.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطبري في "جامع البيان"(14/ ج 28/ 66) وابن عدي في الكامل (6/ 2359) من طريق بشر بن السري، عن مصعب بن ثابت، به.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 123) وقال: رواه أحمد والبزار وفيه مصعب بن ثابت، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح". اهـ.
والخلاصة: أن الحديث سنده ضعيف لكنه حسن لغيره، والله أعلم.
(4)
في الطبقات (8/ 252) وقد تقدم.
(5)
في المسند رقم (1639) وقد تقدم.
(6)
في المستدرك (2/ 485 - 486) وقد تقدم.
وأخرجه أيضًا الطبراني
(1)
كأحمد، وفي إسنادهما مصعب بن ثابت ضعفه أحمد
(2)
وغيره، ووثقه ابن حبان
(3)
.
قوله: (أتتني أمي) في رواية للبخاري
(4)
في الأدب مع ابنها، وذكر الزبير أن اسم ابنها المذكور الحارث بن مدرك بن عبيد بن عمر بن مخزوم.
قوله: (راغبة) اختلف في تفسيره، فقيل: ما ذكره المصنف من أنها راغبة في شيء تأخذه من بنتها وهي على شركها.
وقيل: راغبة في الإسلام. وتعقب بأن الرغبة لو كانت في الإسلام لم [يحتج]
(5)
إلى الاستئذان.
وقيل: معناه راغبة عن ديني. وقيل: راغبة في القرب مني ومجاورتي.
ووقع في رواية لأبي داود
(6)
: "راغمة" بالميم: أي كارهة للإسلام، ولم تقدم مهاجرة.
قوله: (قال: نعم) فيه دليل على جواز الهدية للقريب الكافر
(7)
.
والآية المذكورة تدل على جواز الهدية للكافر مطلقًا من القريب وغيره.
ولا منافاة ما بين ذلك وما بين قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
(8)
الآية، فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل، والآية المذكورة خاصة بمن لم يقاتل، وأيضًا البر والصلة والإحسان لا تستلزم التحاب والتواد المنهي عنه.
ومن الأدلة القاضية بالجواز قوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا
(1)
في المعجم الكبير كما في "مجمع الزوائد"(4/ 152).
(2)
في "العلل" رواية عبد الله رقم (3217) و (3218) وعنه الجرح والتعديل (4/ 1/ 304).
(3)
في "الثقات"(7/ 478).
(4)
في صحيحه رقم (5979).
(5)
في المخطوط (ب): (تحتج).
(6)
في سننه رقم (1668).
وهو حديث صحيح.
(7)
المغني لابن قدامة (8/ 513).
(8)
سورة المجادلة، الآية:(22).
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}
(1)
.
ومنها أيضًا: حديث ابن عمر عند البخاري
(2)
وغيره
(3)
: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كسا عمر حلة فأرسل بها إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم".
قوله: (قال ابن عيينة) إلخ، لا ينافي هذا ما رواه ابن أبي حاتم
(4)
عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا ألين جانبًا للمسلمين وأحسن أخلاقًا من سائر الكفَّار؛ لأن السبب خاص واللفظ عامّ، فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء، كذا قال الحافظ
(5)
، ولا يخفى ما فيه؛ لأن محل الخلاف تعيين سبب النزول وعموم اللفظ لا يرفعه.
وقيل: إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتل المشركين حيث وجدوا.
قوله: (قُتَيْلة) بضم القاف وفتح الفوقية وسكون التحتية مصغرًا. ووقع عند الزبير بن بكار أن اسمها قَيْلة بفتح القاف وسكون التحتية، وضبطه ابن ماكولا
(6)
بسكون الفوقية.
قوله: (ضباب وأقط) في رواية غير أحمد: "زبيب وسمن وقرظ"، ووقع في نسخة من هذا الكتاب قرظ مكان أقط.
قوله: (فأمرها أن تقبل هديتها) إلخ، فيه دليل على جواز قبول هدية المشرك كما دلت على ذلك الأحاديث السالفة، وعلى جواز إنزاله منازل المسلمين.
12/ 2477 - (وَعَنْ عِياضِ بْنِ حمارٍ: أنَّه أهْدَى للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً أوْ ناقَةً، فَقَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"أسْلَمْتَ؟ " قَالَ: لا، قالَ:"إني نهِيتُ عَنْ زَبْدِ المُشرِكِينَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(7)
(1)
سورة لقمان، الآية:(15).
(2)
في صحيحه رقم (5981).
(3)
كمسلم في صحيحه رقم (68/ 206).
(4)
في تفسيره (10/ 3349 رقم 18864).
(5)
في "الفتح"(5/ 234).
(6)
قال ابن ماكولا في "الإكمال"(7/ 130): "وأمّا قتْلة بتاء معجمة باثنتين من فوقها، فهي قتلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد بن نَصْر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لؤي أم عبد الله وأسماء ولدي أبي بكر الصديق رضي الله عنه
…
". اهـ.
(7)
في المسند (4/ 162).
رجاله ثقات إلا أنه مرسل.
وأبو دَوُادَ
(1)
وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ)
(2)
. [حسن]
الحديث صححه أيضًا ابن خزيمة
(3)
.
وفي الباب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند موسى بن عقبة في المغازي
(4)
: "أن عامر بن مالك الذي يدعى مُلاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك، فهدى له، فقال: إني [لا أقبل]
(5)
هدية مشرك
…
" الحديث. قال في الفتح
(6)
: رجاله ثقات إلا أنه مرسل، وقد وصله بعضهم ولا يصح.
قوله: (زَبد المشركين) بفتح الزاي وسكون الموحدة بعدها دال. قال في الفتح
(7)
: هو الرفد. اهـ.
يقال: زَبَده يَزْبِده بالكسر، وأما يَزْبُدُه بالضمِّ
(8)
: فهو إطعام الزُّبْد.
قال الخطابي
(9)
: يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخًا؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم قد قبل هدية غير واحد من المشركين.
(1)
في سننه رقم (3057).
(2)
في سننه رقم (1577) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1083) والبزار في مسنده رقم (3494) والطبراني في الكبير (ج 17 رقم 999) والبيهقي (9/ 216) وابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 11 - 12 ط: ابن تيمية) من طريق عمران بن داور القطان، عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عياض بن حمار. وهذا إسناد حسن من أجل عمران بن داور.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(3)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 231).
(4)
عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(5/ 230).
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (5/ 382) وأبو عبيد في الأموال رقم (631) وعنه ابن زنجويه رقم (964).
وقال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات إلا أنه مرسل، وقد وصله بعضهم عن الزهري، ولا يصح.
(5)
في المخطوط (ب): لا قبل.
(6)
(5/ 230).
(7)
(5/ 231).
(8)
النهاية في غريب الحديث (1/ 716) والفائق (2/ 102).
(9)
في "أعلام السنن" له (2/ 1285).
وقيل
(1)
: إنما ردها ليغيظه فيحمله ذلك على الإسلام.
وقيل: ردَّها؛ لأنَّ للهدية موضعًا من القلب، ولا يجوز أن يميل إليه بقلبه، فردَّها قطعًا لسبب الميل، وليس ذلك مناقضًا لقبول هدية النجاشي وأكيدر دومة، والمقوقِس؛ لأنهم أهل كتاب، كذا في النهاية
(2)
.
وجمع الطبري بين الأحاديث فقال: الامتناع فيما أهدي له خاصة، والقبول فيما أهدي للمسلمين، وفيه نظر؛ لأن من جملة أدلة الجواز السابقة ما وقعت الهدية فيه له صلى الله عليه وسلم خاصة، وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة، والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام.
قال الحافظ
(3)
: وهذا أقوى من الذي قبله.
وقيل: يمتنع ذلك لغيره من الأمراء، ويجوز له خاصة.
وقال بعضهم: إنَّ أحاديث الجواز منسوخة بحديث الباب عكس ما تقدم عن الخطابي، ولا يخفى أن النسخ لا يثبت بمجرَّد الاحتمال، وكذلك الاختصاص.
وقد أورد البخاري في صحيحه
(4)
حديثًا استنبط منه جواز قبول هدية الوثني، ذكره في باب قبول الهدية من المشركين
(5)
من كتاب الهبة والهدية.
قال الحافظ في الفتح
(6)
: وفيه فساد قول من حمل رد الهدية على الوثني دون الكتابي، وذلك لأن الواهب المذكور في ذلك الحديث وثني.
[الباب الثالث] باب الثواب على الهدية والهبة
13/ 2478 - (عَنْ عائِشَة قالَتْ: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْها.
(1)
قاله الخطابي في "معالم السنن"(3/ 442 - مع السنن).
(2)
في غريب الحديث (1/ 716).
(3)
في "الفتح"(5/ 231)
(4)
في صحيحه رقم (2618).
(5)
في صحيح البخاري (5/ 230 رقم الباب (28) - مع الفتح).
(6)
في "الفتح"(5/ 232).
رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَالبُخارِيُّ
(2)
وأبُو دَاوُدَ
(3)
وَالتِّرْمِذِيُّ)
(4)
. [صحيح]
14/ 2479 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن أعْرَابِيًّا وَهَبَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هِبَةَّ فَأثابَهُ عَلَيْها، قالَ: "رَضِيتَ؟ "، قالَ: لا، فزاده قالَ: "أرَضِيتَ؟ "، قالَ: لا، فَزَادَهُ؛ قالَ: "أرَضِيتَ؟ "، قالَ: نَعَمْ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ لا أَتَّهِبَ هِبَةً إلا مِنْ قُرَشِي أو أنصارِي أو ثَقَفِي"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(5)
. [صحيح]
حديث ابن عباس أخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه
(6)
.
وقال في مجمع الزوائد
(7)
: رجال أحمد رجال الصحيح.
وأخرجه أبو داود
(8)
والنسائي
(9)
من حديث أبي هريرة بنحوه، وطوله الترمذي
(10)
، ورواه [ابن ماجه]
(11)
من وجه آخر وبيّن أن الثواب كان ست
(1)
في المسند (6/ 90).
(2)
في صحيحه رقم (2585).
(3)
في سننه رقم (3536).
(4)
في سننه رقم (1953).
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(5)
في المسند (1/ 295) بسند صحيح.
قلت: وأخرجه البزار رقم (1938 - كشف) وابن حبان رقم (6384) والطبراني في المعجم الكبير رقم (10897).
وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد (2/ 247، 292)، وصححه ابن حبان رقم (6383).
وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث صحيح.
(6)
برقم (6384) وقد تقدم.
(7)
(4/ 148).
(8)
في سننه رقم (3537).
(9)
في سننه رقم (3759).
وهو حديث صحيح.
(10)
في سننه رقم (3945).
(11)
زيادة من (أ). والسياق يقتضي: (الترمذي) في سننه رقم (3946).
وهو حديث صحيح.
قلت: يبدو لي أن العبارة أصابها تصحيف، فإن ابن حجر ذكر هذا الكلام في "التلخيص"(3/ 159) ولم يذكر ابن ماجه.
وكذلك لم أقف عليه عند ابن ماجه بعد البحث الطويل.
بكرات، وكذا رواه الحاكم وصححه
(1)
على شرط مسلم.
قوله: (ويثيب عليها) أي: يعطي المهدي بدلها، والمراد بالثواب المجازاة، وأقله ما يساوي قيمة الهدية، ولفظ ابن أبي شيبة
(2)
: "ويثيب ما هو خير منها" وقد أعل حديث عائشة المذكور بالإرسال.
قال البخاري
(3)
: لم يذكر وكيع ومحاضر عن هشام عن أبيه عن عائشة، وفيه إشارة إلى أن عيسى بن يونس تفرد بوصله عن هشام.
وقال الترمذي
(4)
والبزار: لا نعرفه إلا من حديث عيسى بن يونس.
وقال أبو داود
(5)
: تفرد بوصله عيسى بن يونس، وهو عند الناس مرسل. انتهى.
وقد استدل بعض المالكية
(6)
بهذا الحديث على وجوب المكافأة على الهدية إذا أطلق المهدي، وكان ممن مثله يطلب الثواب؛ كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى.
ووجه الدلالة منه مواظبته صلى الله عليه وسلم، ومن حيث المعنى أن الذي أهدى قصد أن يعطى أكثر مما أهدى فلا أقل أن يعوض بنظير هديته، وبه قال الشافعي في القديم
(7)
والهادوية
(8)
.
ويجاب بأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب، ولو وقعت [المواظبة]
(9)
(1)
في المستدرك (2/ 62 - 63) وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
(2)
في المصنف (6/ 551 رقم 2013).
(3)
في صحيحه (5/ 210 عقب الحديث (2585) - مع الفتح).
(4)
في السنن (4/ 338).
(5)
وقال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: تفرد بوصله عيسى بن يونس، وهو عند الناس مرسل. كما في "الفتح"(5/ 210).
(6)
"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(4/ 165) بتحقيقي.
(7)
البيان للعمراني (8/ 132).
قلت: والقول الجديد للشافعي: "لا يلزمه أن يثيبه". وبه قال أبو حنيفة وهو الأصح؛ لأنَّه تمليك بغير عوض، فلم يقتضِ ثوابًا؛ كهبة الأعلى لمن هو دونه.
(8)
البحر الزخار (4/ 135 - 136).
(9)
في المخطوط (ب): الموافقة.
كما تقرر في الأصول
(1)
.
وذهبت الحنفية
(2)
والشافعي في [الجديد
(3)
إلى]
(4)
أن الهبة للثواب باطلة لا تنعقد؛ لأنها بيع مجهول، ولأن [موضوع]
(5)
الهبة التبرع.
قوله: (إلّا من قرشي) إلخ، لفظ أبي داود
(6)
: "وايم الله لا أقبلُ هدية بعد يومي هذا من أحد إلا أن يكون مهاجريًا أو قرشيًا أو أنصاريًا أو دوسيًا أو ثقفيًا"، وسبب همه صلى الله عليه وسلم بذلك ما رواه الترمذي
(7)
من حديث أبي هريرة قال: "أهدى رجل من فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ناقة من إبله فعوضه منها بعض العوض فتسخطه، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: "إن رجالًا من العرب يهدي أحدهم الهدية فأعوضه عنها بقدر ما عندي فيظل يتسخط علي
…
"" الحديث.
وقد كان بعض أهل العلم والفضل يمتنع هو وأصحابه من قبول الهدية من أحد أصلًا، لأن صديق ولا من قريب ولا غيرهما، وذلك لفساد النيات في هذا الزمان، حكى ذلك ابن رسلان.
[الباب الرابع] باب التعديل بين الأولاد في العطية والنهي أن يرجع أحد في عطيته إلَّا الوالد
15/ 2480 - (عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اعْدِلُوا بَيْنَ أبْنائِكُمْ، اعْدِلُوا بَيْنَ أبْنائِكُمْ، اعْدِلُوا بَيْنَ أبْنائِكُم"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(8)
وأبُو دَاوُدَ
(9)
(1)
انظر: إرشاد الفحول (ص 160 - 161) بتحقيقى.
(2)
بدائع الصنائع (6/ 115 - 116).
(3)
التبيان للعمراني (8/ 131 - 132).
(4)
في المخطوط (ب): الحديث.
(5)
في المخطوط (ب): موضع.
(6)
في سننه رقم (3537) من حديث أبي هريرة.
وهو حديث صحيح.
(7)
في سننه رقم (3945، 3946).
وهو حديث صحيح.
(8)
في المسند (4/ 275، 278، 375).
(9)
في سننه رقم (3544).
وَالنَّسائيُّ)
(1)
. [صحيح]
16/ 2481 - (وَعَنْ جابِرٍ قَال: قالَتِ امْرأةُ بَشِيرٍ: انْحَلِ ابْنِي غُلامًا وأشْهِدْ لي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ ابْنَةَ فُلانٍ سألَتْنِي أنْ أنْحَلَ ابْنَها غُلامي، فَقَالَ:"لَهُ إخْوَةٌ؟ "، قال: نَعَمْ، قال:"فَكُلُّهُمْ أعْطَيْتَ مِثْلَ ما أعْطَيْتَه؟ " قالَ: لا، قالَ:"فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا، وإني لا أشْهَدُ إلَّا على حَق"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وَمُسْلِم
(3)
وأبُو دَاوُد
(4)
. [صحيح لغيره]
رَوَاهُ أحمد
(5)
مِنْ حَدِيثِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ وَقال فِيه: "لا تُشْهِدْنِي على جَوْرٍ، إنَّ لِبَنِيكَ عَلَيْكَ مَنِ الحَق أنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ"). [صحيح لغيره]
17/ 2482 - (وَعَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ: أن أباهُ أتى بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إني نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلامًا كانَ لي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْل هَذَا؟ "، فَقَال: لا، فَقَال:"فأرْجِعْهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه
(6)
. [صحيح]
وَلَفْظُ مُسْلم
(7)
قالَ: تَصَدقَ عَلَيّ أبي بِبَعْضِ مَالِه، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لا أرْضَى حتَّى تُشْهِدَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فانْطَلَقَ أبي إلَيْه يُشْهِدُهُ على صَدَقَتِي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أفَعَلْتَ هَذَا [بوَلَدِك]
(8)
كلهِم؟ "، قالَ: لا، فَقالَ: "اتَّقُوا الله وَاعْدِلُوا فِي أوْلادِكُمْ"، فَرَجَعَ أبي فِي تِلْكَ الصدقَة. [صحيح]
وَللْبُخارِي
(9)
مِثْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ العَطِيَّةِ لا بِلَفْظِ: الصدَقَةِ). [صحيح]
(1)
في سننه رقم (3687).
وهو حديث صحيح.
(2)
في المسند (3/ 269).
(3)
في صحيحه رقم (19/ 1624).
(4)
في سننه رقم (3545).
(5)
في المسند (3/ 326).
وهو حديث صحيح لغيره، وذلك لتدليس أبي الزبير.
(6)
أحمد في المسند (4/ 268) والبخاري رقم (2586) ومسلم رقم (9/ 1623).
(7)
في صحيحه رقم (13/ 1623).
(8)
في المخطوط (ب): (لولدك).
(9)
في صحيحه رقم (2587).
حديث النعمان بن بشير الأول سكت عنه أبو داود
(1)
والمنذري
(2)
، ورجال إسناده ثقات إلا المفضل بن المُهَلَّب بن أبي صُفْرة وهو صدوق
(3)
.
وفي الباب عن ابن عباس عند الطبراني
(4)
والبيهقي
(5)
وسعيد بن منصور
(6)
بلفظ: "سووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مفضلًا أحدًا لفضلت النساء" وفي إسناده سعيد بن يوسف وهو ضعيف. وذكر ابن عدي في الكامل
(7)
أنه لم ير له أنكر من هذا، وقد حسن الحافظ في الفتح
(8)
إسناده.
قوله: (اعدلوا بين أولادكم)، تمسَّك به من أوجب التسوية بين الأولاد في العطية، وبه صرح البخاري وهو قول طاوس والثوري
(9)
وأحمد
(10)
وإسحاق وبعض المالكية
(11)
.
قال في الفتح
(12)
: والمشهور عن هؤلاء أنها باطلة.
(1)
في السنن (3/ 815).
(2)
في المختصر (5/ 190).
(3)
كما في "التقريب" رقم الترجمة (6861).
(4)
في المعجم الكبير (ج 11/ رقم 11997).
(5)
في السنن الكبرى (6/ 177).
(6)
في سننه (1/ 120 رقم 294).
(7)
في "الكامل"(3/ 1217).
(8)
(5/ 214).
قلت: بينما قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 157): "وفي إسناده سعيد بن يوسف، وهو ضعيف
…
".
قلت: وللجملة الأولى منه لها شاهد من حديث النعمان في الصحيحين.
(9)
اختلف النقل عن الثوري في هذه المسألة، فالحافظ - وهو مصدر الشارح - قال في "الفتح"(5/ 214) عنه إنها باطلة، وابن قدامة في المغني (8/ 256) عنه: إنها جائزة (يعني مع عدم المساواة).
وقد جمع بينهما صاحب "موسوعة فقه سفيان"(ص 236) بالجواز مع الكراهة. قلت: لا يستقيم بطلان وجواز، فتامل.
(10)
المغني (8/ 256).
(11)
قال مالك: يجوز التفضيل، ولا يجوز أن يهب بعضهم جميع المال دون بعض. النهاية لابن رشد (4/ 160).
وانظر: مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 263 - 264).
(12)
(5/ 214).
وعن أحمد
(1)
تصحُّ، ويجب أن يرجع عنه، ويجوز التفاضل إن كان له سبب، كأن يحتاج الولد لزمانته، أو دَينه، أو نحو ذلك دون الباقين.
وقال أبو يوسف
(2)
: تجب التَّسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار.
وذهب الجمهور
(3)
إلى أن التسوية مستحبة، فإن فضَّل بعضًا صح وكُره، وحمل الأمر على الندب، وكذلك حملوا النهي الثابت في رواية لمسلم
(4)
بلفظ: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ " قال: "بلى، قال: فلا إذن" على التنزيه.
وأجابوا عن حديث النعمان بأجوبة عشرة ذكرها في فتح الباري
(5)
وسنوردها هاهنا مختصرة مع زيادات مفيدة، فقال:
(أحدها): أن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده، حكاه ابن عبد البر
(6)
. وتعقبه بأن كثيرًا من طرق الحديث مصرحة بالبعضية كما في حديث الباب: "أن الموهوب كان غلامًا"، وكما في لفظ مسلم
(7)
المذكور قال: تصدق عليَّ أبي ببعض ماله.
(الجواب الثاني): أن العطية المذكورة لم تنجز، وإنما جاء بشير يستشير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فأشار عليه بأن لا يفعل فترك، حكاه الطبري
(8)
.
(1)
قال ابن قدامة في "المغني"(8/ 258): "فصل: فمن خَصَّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصَه، مثل اختصَاصِه بحاجةٍ، أو زَمانَةٍ، أو عَمًى، أو كثرةِ عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل. أو صَرَف عطيته عن بعضِ ولده لفِسْقِه، أو بدعتِه، أو لكونِه يستعين بما يأخذه على معصيةِ الله، أو ينفقه فيها.
فقد رُوي عن أحمد ما يدل على جوازِ ذلك؛ لقولِه في تخصيصِ بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجةٍ، وأكرهُه إذا كان على سبيل الأثرة". اهـ.
(2)
قال ابن عبد البر في "التمهيد"(13/ 181): "وقال أبو يوسف: لا بأس بذلك إذا لم يرد الأضرار، وينبغي أن يسوي بينهم: الذكر والأنثى سواء،
…
". اهـ.
(3)
قال ابن قدامة في "المغني"(8/ 259): "فصل: ولا خلافَ بين أهل العلم في استحباب التسوية، وكراهة التفضيل
…
".
(4)
في صحيحه رقم (17/ 1623).
(5)
(5/ 214 - 215).
(6)
في "التمهيد"(13/ 187) ط: الفاروق.
(7)
في صحيحه رقم (17/ 1623).
(8)
ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 214).
ويجاب عنه بأن أمره صلى الله عليه وسلم له بالارتجاع يُشعر بالتنجيز. وكذلك قول عمرة: "لا أرضى حتى تشهد
…
" إلخ.
([الجواب]
(1)
الثالث): أنَّ النعمان كان كبيرًا ولم يكن قبض الموهوب فجاز لأبيه الرجوع، ذكره الطحاوي.
قال الحافظ
(2)
: وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث خصوصًا قوله: "أرجعه"، فإنه يدل على تقدم وقوع القبض. والذي تظافرت عليه الروايات أنه كان صغيرًا وكان أبوه قابضًا له لصغره، فأمره برد العطية المذكورة بعدما كانت في حكم المقبوض.
(الرابع): أن قوله: "أرجعه" دليل الصحة، ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع، وإنما أمره بالرجوع: لأن للوالد أن يرجع فيما وهب لولده، وإن كان الأفضل خلاف ذلك، لكن استحباب التسوية رجح على ذلك، فلذلك أمره به.
قال في الفتح
(3)
: وفي الاحتجاج بذلك نظر، والذي يظهر أن معنى قوله:"أرجعه"، أي: لا تمض لهبة المذكورة، ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة.
(الخامس): أن قوله: "أشهد على هذا غيري" إذن بالإشهاد على ذلك، وإنما امتنع من ذلك لكونه الإمام، وكأنه قال: لا أشهد؛ لأن الإمام ليس في شأنه أن يشهد وإنما [من]
(4)
شأنه أن يحكم، حكاه الطحاوي وارتضاه ابن القصار
(5)
.
وتعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه، والإذن المذكور مراد به التوبيخ لما تدل عليه بقية ألفاظ الحديث.
قال الحافظ
(6)
: وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع.
(1)
زيادة من المخطوط (ب).
(2)
في "الفتح"(5/ 214).
(3)
(5/ 214).
(4)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(5)
حكاه عنهما الحافظ في "الفتح"(5/ 214).
(6)
في "الفتح"(5/ 214 - 215).
وقال ابن حبان
(1)
: قوله: "أشهد" صيغة أمر، والمراد به نفي الجواز، وهي كقوله لعائشة:"اشترطي لهم الولاء"
(2)
. اهـ.
ويؤيد هذا تسميته صلى الله عليه وسلم لذلك جورًا كما في الرواية المذكورة في الباب.
(السادس): التمسك بقوله: "ألا سويت بينهم؟ " على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي التنزيه.
قال الحافظ
(3)
: وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة، ولا سيما رواية:"سوِّ بينهم".
(السابع): قالوا: المحفوظ في حديث النعمان: "قاربوا بين أولادكم" لا سوُّوا.
وتعقب بأنكم لا توجبون المقارنة كما لا توجبون التسوية.
(الثامن): في التشبيه الواقع في التَّسويةِ بينهم بالتَّسويةِ منهم في البرِّ قرينة تدلُّ على أن الأمر للندب. وردَّ بأن إطلاق الجور على عدم التسوية والنهي عن التفضيل يدلان على الوجوب فلا تصلح تلك القرينة لصرفهما وإن صلحت لصرف الأمر.
(التاسع): ما تقدَّم عن أبي بكر من نحلته لعائشة وقوله لها: "فلو كنت احترثته" كما تقدم في أول كتاب الهبة
(4)
، وكذلك ما رواه الطحاوي عن عمر: أنه نحل ابنه عاصمًا دون سائر ولده
(5)
، ولو كان التفضيل غير جائز لما وقع من الخليفتين.
قال في الفتح
(6)
: وقد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن إخوتها كانوا راضين.
ويجاب بمثل ذلك عن قصة عاصم. اهـ.
على أنه لا حجة في فعلهما لا سيما إذا عارض المرفوع.
(1)
في صحيحه (11/ 504).
(2)
أخرجه البخاري رقم (2578) ومسلم رقم (173/ 1075).
(3)
في "الفتح"(5/ 215).
(4)
برقم (7/ 2472) وهو موقوف صحيح من كتابنا هذا.
(5)
انظر: موسوعة فقه عمر (ص 855).
(6)
(5/ 215).
(العاشر): أن الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده، فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله لتمليك الغير جاز له أن يخرج بعض أولاده بالتمليك لبعضهم، ذكره ابن عبد البر
(1)
.
قال الحافظ
(2)
: ولا يخفى ضعفه لأنَّه قياس مع وجود النص. اهـ. فالحق أن التسوية واجبة وأن التفضيل محرم.
واختلف الموجبون في كيفية التسوية، فقال محمد بن الحسن
(3)
وأحمد
(4)
وإسحاق (7) وبعض الشافعية
(5)
والمالكية
(6)
: العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث. واحتجوا بأن ذلك حظه من المال لو مات عند الواهب.
وقال غيرهم: لا فرق بين الذكر والأنثى، وظاهر الأمر بالتسوية
(7)
، ويؤيده حديث ابن عباس المتقدم.
قوله: (وعن النعمان بن بشير أن أباه) إلخ، قد روى هذا الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين.
منهم عروة بن الزبير عند مسلم
(8)
والنسائي
(9)
وأبي داود
(10)
.
(1)
في "التمهيد"(13/ 183) ط: الفاروق.
(2)
في "الفتح"(5/ 215).
(3)
قال عطاء بن أبي رباح، ومحمد بن الحسن، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، إلى أن التسوية المستحبة بين الأولاد، هي إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين، قياسًا على قسم الله الميراث بينهم.
[التمهيد (13/ 186)].
(4)
قال ابن قدامة في المغني (8/ 259): "التسوية المستحبة أن يُقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث، فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وبهذا قال عطاء، وشريح، وإسحاق، ومحمد بن الحسن،
…
". اهـ.
(5)
البيان للعمراني (8/ 109).
(6)
مواهب الجليل (6/ 65) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 264).
(7)
وممن قال بذلك سفيان الثوري، وابن المبارك، ومالك، وأبو حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم.
[التمهيد (13/ 186) والتبيان (8/ 109) والمغني (8/ 259)].
(8)
في صحيحه رقم (12/ 1623).
(9)
في سننه رقم (3676).
(10)
في سننه رقم (3543). =
وأبي الضحى
(1)
عند النَّسَائِي
(2)
وابن حبان
(3)
وأحمد
(4)
والطحاوي
(5)
.
والمفضل بن المهلب عند أحمد
(6)
وأبي داود
(7)
والنسائي
(8)
.
وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أحمد
(9)
.
وعون بن عبد الله عند أبي عوانة
(10)
.
والشعبي عند الشيخين
(11)
وأبي داود
(12)
وأحمد
(13)
والنسائي
(14)
وابن ماجه
(15)
وابن حبان
(16)
وغيرهم
(17)
.
وقد رواه النَّسَائِي
(18)
من مسند بشير والد النعمان فشذَّ بذلك.
قوله: (نحلت ابني هذا) بفتح النون والحاء المهملة: أي أعطيت، والنحلة بكسر النون وسكون المهملة: العطية بغير عوض.
= وهو حديث صحيح.
(1)
أبو الضحى: هو مسلم بن صبيح.
(2)
في سننه رقم (3685).
(3)
في صحيحه رقم (5098).
(4)
في المسند (4/ 268، 276).
(5)
في شرح معاني الآثار (4/ 86).
وهو حديث صحيح.
(6)
في المسند (4/ 278).
(7)
في السنن رقم (3544).
(8)
في السنن رقم (3687).
وهو حديث صحيح.
(9)
لم أقف عليه عند أحمد في مسند لقمان بن بشير (4/ 267 - 279) و (4/ 375 - 376) بعد مراجعته حديثًا حديثًا. وقد عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(5/ 212).
(10)
لم أجده الآن.
(11)
البخاري رقم (2586) ومسلم رقم (13/ 1623).
(12)
في سننه رقم (3542).
(13)
في المسند (4/ 268).
(14)
في سننه رقم (3679).
(15)
في سننه رقم (2375).
(16)
في صحيحه رقم (5102).
(17)
كعبد الرزاق في المصنف رقم (16494) والطيالسي رقم (789) وابن أبي شيبة في المصنف (11/ 219 - 220) والحميدي رقم (919) والدارقطني (3/ 42) والطحاوي (4/ 86) والبيهقي (6/ 176، 177، 178) من طرق عن عامر الشعبي، به.
وهو حديث صحيح.
(18)
في سننه رقم (3678).
وهو حديث صحيح.
قوله: (غلامًا) في رواية لابن حبان
(1)
والطبراني
(2)
عن الشعبي: "أن النعمان خطب بالكوفة فقال: إن والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عمرة بنت رواحة نفست بغلام وإني سميته النعمان وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي، وأنها قالت: أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وفيه قوله: "لا أشهد على جَور". وجمع ابن حبان
(3)
بين الروايتين بالحمل على واقعتين:
(إحداهما): عند ولادة النعمان وكانت العطية حديقة.
(والأخرى): بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدًا.
قال في الفتح
(4)
: وهو جمع لا بأس به إلا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسئلة حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيستشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى: "لا أشهد على جور".
وجوَّز ابن حبان
(5)
أن يكون بشير ظن نسخ الحكم.
وقال غيره: يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه، أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد؛ لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد.
قال الحافظ
(6)
: "ثم ظهر [لي]
(7)
وجه آخر من الجمع يسلم من هذا الخدش ولا يحتاج إلى جوابه، وهو أن عَمْرة لما امتنعت من تربيته إلا أن يهب له شيئًا يخصه به وهبه الحديقة المذكورة تطييبًا لخاطرها، ثم بدا له فارتجعها؛ لأنَّه لم يقبضها منه غيره، فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين، ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلامًا ورضيت عمرة بذلك إلا أنها خشيت أن
(1)
في صحيحه رقم (5102).
(2)
لم أقف عليه عند الطبراني في معاجمه، وقد عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(5/ 212).
(3)
في صحيحه (11/ 507 - 508) وقد لخصها الشوكاني بما ذكر.
(4)
(5/ 212 - 213).
(5)
في صحيحه (11/ 508).
(6)
في "الفتح"(5/ 213).
(7)
ما بين الخاصرتين سقط من (أ). والمثبت من (ب) والفتح.
يرتجعه أيضًا، فقالت له: أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، تريد بذلك تثبيت العطية وأن تأمن رجوعه فيها ويكون مجيئه للإشهاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة وهي الأخيرة، وغاية ما فيه أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ غيره، أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة وبعضها أخرى، فسمع كلٌّ ما رواه فاقتصر عليه". اهـ.
ولا يخفى ما في هذا الجمع من التكلف.
وقد وقع في رواية عند ابن حبان
(1)
عن النعمان قال: سألت أُمي أَبي بعضَ الموهبة لي من ماله، زاد مسلم
(2)
والنسائي
(3)
من هذا الوجه: "فالتوى بها سنة" أي: مطلها.
وفي رواية لابن حبان
(4)
أيضًا: "بعد حولين"، ويجمع بينها بأن المدة كانت سنة وشيئًا فجبر الكسر تارة وألغاه أخرى.
وفي رواية له
(5)
قال: "فأخذ بيدي وأنا غلام"، ولمسلم
(6)
: "انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "، ويجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشى معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنه.
قوله: (فقال: أرجعه)، لفظ مسلم
(7)
: "اردده".
وله
(8)
أيضًا والنسائي
(9)
: "فرجع فرد عطيته".
ولمسلم
(10)
أيضًا: "فرد تلك الصدقة". زاد في رواية لابن حبان
(11)
: "لا
(1)
في صحيحه رقم (5103).
(2)
في صحيحه رقم (14/ 1623).
(3)
في سننه رقم (3681).
وهو حديث صحيح.
(4)
في صحيحه رقم (5104).
(5)
أي: لابن حبان في صحيحه برقم (5104).
(6)
في صحيحه رقم (17/ 1623).
(7)
في صحيحه رقم (10/ 1623).
(8)
أي: لابن حبان في صحيحه، ولكنني لم أقف عليه عنده بهذا اللفظ.
(9)
لم أقف عليه عند النَّسَائِي لا في سننه الصغرى (6/ 258 - 262) ولا في الكبرى (6/ 171 - 176).
(10)
في صحيحه رقم (13/ 1623).
(11)
في صحيحه رقم (5102) و (5103) و (5105).
تشهدني على جور" ومثله لمسلم
(1)
، وقد تقدم لابن حبان
(2)
أيضًا والطبراني
(3)
مثل ذلك، وذكر هذا اللفظ البخاري
(4)
تعليقًا في الشهادات.
وفي رواية لابن حبان
(5)
من طريق أخرى: "لا تشهدني إذن، فإني لا أشهد على جور".
وله [في]
(6)
طريق أخرى
(7)
أيضًا: "فإني لا أشهد على جور، أشهد على هذا غيري".
وله
(8)
وللنسائي
(9)
من طريق أخرى: "فأشهد على هذا غيري".
ولعبد الرزاق
(10)
عن طاوس مرسلًا: "لا أشهد إلا على [الحق، لا]
(11)
أشهد بهذه".
وللنسائي
(12)
: "فكره أن يشهد له".
وفي رواية لمسلم
(13)
: "اعدلوا بين أولادكم في النِحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر".
ولأحمد
(14)
: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ "، قال: بلى، قال: فلا إذن".
ولأبي داود
(15)
: "إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما لك عليهم من الحق أن يبِرُّوك".
(1)
في صحيحه رقم (16/ 623).
(2)
في صحيحه رقم (5102).
(3)
عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(5/ 212).
(4)
في صحيحه (5/ 258 بإثر الحديث رقم (2650) - مع الفتح).
(5)
في صحيحه رقم (5107).
(6)
في المخطوط (ب): (من).
(7)
أي: لابن حبان في صحيحه رقم (5104).
(8)
أي: لابن حبان في صحيحه رقم (5106).
(9)
في سننه رقم (3680).
(10)
في المصنف رقم (16503).
(11)
(في المخطوط (ب): (حق ولا).
(12)
في سننه رقم (3676).
(13)
في صحيحه رقم (18/ 1623).
(14)
(14) في المسند (4/ 269).
(15)
في سننه رقم (3542) وهذه الزيادة لمجالد ضعيفة.
وللنسائي
(1)
: "ألا سوَّيت بينهم؟ "، وله
(2)
ولابن حبان
(3)
: "سَوِّ بَيْنَهمْ".
قال الحافظ
(4)
: واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد.
قوله: (أفعلت هذا بولدك كلهم؟)، قال مسلم: أما معمر ويونس فقالا: "أكل بنيك"، وأما الليث وابن عيينة [فقالا]
(5)
: "أكُل ولدك".
قال الحافظ
(6)
: ولا منافاة بينهما؛ لأن لفظ الولد يشمل الذكور والإناث، وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورًا فظاهر، وإن كانوا إناثًا وذكورًا فعلى سبيل التغليب.
18/ 2483 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "العَائِدُ فِي هِبتِهِ كالعائِدِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(7)
.
وَزَادَ أحْمَدُ
(8)
وَالبخارِيُّ
(9)
: "لَيْسَ لَنا مَثَلُ السّوءِ"[صحيح]
ولأحْمَدَ فِي روَايَة
(10)
: قالَ قَتادَةُ: وَلا أعْلَمُ القَيْءَ إلَّا حَرَامًا). [صحيح]
(1)
في سننه رقم (3685) بسند صحيح.
(2)
أي: للنسائي رقم (3686).
(3)
في صحيحه رقم (5098).
وهو حديث صحيح.
(4)
في "الفتح"(5/ 214).
(5)
في المخطوط (ب): (قال).
(6)
في "الفتح"(5/ 213).
(7)
أحمد في المسند (1/ 217) والبخاري رقم (2622) ومسلم رقم (7/ 1622).
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1298) والنسائي رقم (3691) وأبو داود رقم (3538) والبخاري في الأدب المفرد رقم (417) والحميدي رقم (530) وأبو يعلى رقم (2405) والخرائطي في مساوئ الأخلاق رقم (517) والطبراني في المجم الكبير رقم (11852) و (11853) وأبو الشيخ في الأمثال رقم (211) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (288) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 180) وابن ماجه رقم (2387).
(8)
في المسند (1/ 217) وقد تقدم.
(9)
في صحيحه رقم (2622) وقد تقدم.
(10)
أحمد في المسند (1/ 291).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3538) وابن حبان رقم (5121) والطبراني في الكبير رقم (10692). وإسناده صحيح. =
19/ 2484 - (وَعَنْ طاوُسٍ: أنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ رَفَعاهُ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يَحِل لِلرَّجُلِ أنْ يُعْطِي العَطِيَّةَ فَيَرجعَ فِيها إلّا الوَالِدَ فيما يُعْطي وَلَدَهُ؛ وَمَثَلُ الرَّجُلِ يُعْطي العَطيَّةَ ثُمَّ يَرْجعُ فيها كَمَثلِ الكَلْبِ أكَلَ حتَّى إذَا شَبعَ قاءَ ثُمَّ رَجَعَ في قَيْئِهِ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ)
(1)
. [صحيح]
حديث طاوس أخرجه أيضًا ابن حبان
(2)
والحاكم
(3)
وصحَّحاه.
قوله: (العائد في هبته) إلخ، استدل بالحديث على تحريم الرجوع في الهبة؛ لأن القيء حرام فالمشبه به
(4)
مثله.
ووقع في رواية أخرى للبخاري
(5)
وغيره: "كالكلب يرجع في قيئه"، وهي تدل على عدم التحريم؛ لأن الكلب غير متعبد، فالقيء ليس حرامًا عليه، وهكذا قوله في حديث طاوس المذكور: "كمثل الكلب
…
" إلخ.
وتعقب بأنَّ ذلك للمبالغة في الزجر كقوله صلى الله عليه وسلم في: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فكأنما غمسَ يدَهُ في لَحْمِ خِنْزِيرٍ"
(6)
.
وأيضًا الرواية الدالة على التحريم غير منافية للرواية الدالة على الكراهة على تسليم دلالتها على الكراهة فقط؛ لأن الدال على التحريم قد دل على الكراهة وزيادة.
= وهو حديث صحيح.
(1)
أحمد في المسند (1/ 237) وأبو داود رقم (3539) والترمذي رقم (2132) والنسائي رقم (3690) وابن ماجه رقم (2377).
(2)
في صحيحه رقم (5123).
(3)
في المستدرك (2/ 46) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (2717) والدارقطني (3/ 42 - 43) وابن أبي شيبة (6/ 476) وابن الجارود رقم (994) والطحاوي (4/ 79) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 179، 180) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(4)
انظر: المغني (8/ 277 - 278).
(5)
في صحيحه رقم (2622).
(6)
أخرجه أحمد في المسند (5/ 352) ومسلم رقم (10/ 2260) وأبو داود رقم (4939) من حديث بريدة.
وسيأتي برقم (3554) من كتابنا هذا.
وقد قدمنا في باب نهي المتصدق أن يشتري ما تصدق به من كتاب الزكاة
(1)
عن القرطبي
(2)
أن التحريم هو الظاهر من سياق الحديث، وقدمنا أيضًا أن الأكثر حملوه على التنفير خاصة لكون القيء مما يستقذر، ويؤيد القول بالتحريم قوله:"ليس لنا مثل السَّوء"
(3)
، وكذلك قوله:"لا يحلُّ للرَّجل"
(4)
قال في الفتح
(5)
: وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهور العلماء إلا هبة الوالد لولده، وستأتي.
وذهبت الحنفية
(6)
والهادوية
(7)
إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة إلا إذا حصل مانع من الرجوع كالهبة لذي رحم ونحو ذلك مما هو مذكور في كتب الفقه من الموانع.
قال الطحاوي
(8)
: إن قوله: "لا يحل" لا يستلزم التحريم، قال: وهو كقوله: "لا تحل الصدقة لغني"
(9)
، وإنما معناه لا يحل له من حيث يحل لغيره من ذوي الحاجة، وأراد بذلك التغليظ في الكراهة.
قال الطبري
(10)
: يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب، ومن كان والدًا والموهوب له ولده، والهبة لم تقبض والتي ردَّها الميراث إلى الواهب لثبوت الإخبار باستثناء كل ذلك.
وأما ما عدا ذلك كالغني يثيب الفقير ونحو من يصل رحمه فلا رجوع.
قال: ومما لا رجوع فيه مطلقًا الصدقة يراد بها ثواب الآخرة.
(1)
في الباب التاسع (8/ 188 - 190). عند الحديث رقم (33/ 1614) من كتابنا هذا.
(2)
في "المفهم"(4/ 580).
(3)
تقدم في الحديث رقم (2483) من كتابنا هذا.
(4)
تقدم في الحديث رقم (2484) من كتابنا هذا.
(5)
(5/ 217).
(6)
المبسوط (12/ 49) والبناية في شرح الهداية (11/ 243).
(7)
البحر الزخار (4/ 138 - 139).
(8)
في شرح معاني الآثار (4/ 77).
(9)
تقدم تخريجه برقم (1605) من كتابنا هذا.
(10)
حكاه الحافظ عنه في الفتح (5/ 237).
قال في الفتح
(1)
: اتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض. اهـ.
وقد أخرج مالك
(2)
عن عمر أنه قال: "مَنْ وهب هبةً يرجو ثوابها فهي ردٌّ على صاحبها ما لم يثب منها".
ورواه البيهقي
(3)
عن ابن عمر مرفوعًا وصححه الحاكم
(4)
.
قال الحافظ
(5)
: والمحفوظ من رواية ابن عمر عن عمر، ورواه عبد الله بن موسى مرفوعًا، قيل: وهو وهم.
قال الحافظ
(6)
: صحَّحه الحاكم وابن حزم
(7)
، ورواه ابن حزم
(8)
أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها"، وأخرجه أيضًا ابن ماجه
(9)
والدارقطني
(10)
.
ورواه الحاكم
(11)
من حديث الحسن عن سمرة مرفوعًا بلفظ: "إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع"، ورواه الدارقطني
(12)
من حديث ابن عباس،
(1)
(5/ 235).
(2)
في الموطأ (2/ 754 رقم 42) وهو مقوف صحيح.
(3)
في السنن الكبرى (6/ 180، 181).
(4)
في المستدرك (2/ 52) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(5)
في "التلخيص"(3/ 160).
(6)
في "التلخيص"(3/ 160).
(7)
في المحلى (9/ 129).
(8)
في المحلى (9/ 130).
(9)
في سننه رقم (2387).
(10)
في السنن (3/ 44 رقم 181).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 236): "هذا إسناد ضعيف لضعف إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع
…
". اهـ.
وهو حديث ضعيف.
(11)
في المستدرك (2/ 52) وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
قلت: وفي سماع الحسن من سمرة اختلاف وقد تقدم.
(12)
في السنن (3/ 44 رقم 185).
وفي سنده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، مختلف في عدالته ضعفه أكثر أهل العلم بالحديث وطعنوا فيه، وكان الشافعي يبعده عن الكذب وكان ثقة عنده. =
قال الحافظ
(1)
: وسنده ضعيف.
قال ابن الجوزي
(2)
: أحاديث ابن عمر، وأبي هريرة، وسمرة، ضعيفة وليس منها ما يصح.
وأخرج الطبراني في الكبير
(3)
عن ابن عباس مرفوعًا: "من وهب هبةً فهو أحقُّ بها حتى يثاب عليها، فإن رجع في هبته فهو كالذي يقيء ويأكل منه".
فإن صحت هذه الأحاديث كانت مخصصة لعموم حديث الباب، فيجوز الرجوع في الهبة قبل الإثابة عليها.
ومفهوم حديث سمرة يدلُّ على جواز الرجوع في الهبة لغير ذي الرحم.
قوله: (إلا الوالد فيما يعطي ولده) استدل به على أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه، وإليه ذهب الجمهور
(4)
.
وقال أحمد
(5)
: لا يحل للواهب أن يرجع في هبته مطلقًا، وحكاه في البحر
(6)
عن أبي حنيفة والناصر والمؤيد بالله تخريجًا له.
وحكى في الفتح
(7)
عن الكوفيين أنه لا يجوز للأب الرجوع إذا كان الابن الموهوب له صغيرًا أو كبيرًا وقبضها، وهذا التفصيل لا دليل عليه.
واحتج المانعون مطلقًا بحديث ابن عباس المذكور في الباب، ويرد عليهم الحديث المذكور بعده المقترن بمخصصه.
ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور الأحاديث الآتية في الباب الذي بعد
(8)
هذا
= وخلاصة القول فيه أنه ضعيف.
انظر: التاريخ الكبير (1/ 1/ 323) والمجروحين (1/ 105) والجرح والتعديل (2/ 125) والميزان (1/ 57، 64) والكامل (1/ 219).
وخلاصة القول: أن إسناده ضعيف.
(1)
في "التلخيص"(3/ 160).
(2)
في التحقيق في مسائل الخلاف (8/ 162).
(3)
في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11317).
(4)
المغني (8/ 277) والفتح (5/ 235).
(5)
المغني (8/ 278).
(6)
البحر الزخار (4/ 138 - 139).
(7)
(5/ 215).
(8)
الباب الخامس رقم الأحاديث (20/ 2485 - 22/ 2487).
المصرحة بأن الولد وما ملك لأبيه، فليس رجوع في الحقيقة رجوعًا، وعلى تقدير كونه رجوعًا فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك.
واختلف في الأم، هل حكمها حكم الأب في الرجوع أم لا؟ فذهب أكثر الفقهاء إلى الأول، كما قال صاحب الفتح
(1)
.
واحتجوا بأن لفظ الوالد يشملها.
وحكي في البحر
(2)
عن الأحكام والمؤيد بالله وأبي طالب والإمام يحيى أنه لا يجوز لها الرجوع إذ رجوع الأب مخالف للقياس فلا يقاس عليه.
والمالكية
(3)
فرَّقوا بين الأب والأم فقالوا: للأم أن ترجع إذا كان الأب حيًا دون ما إذا مات، وقيَّدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث دينًا أو ينكح، وبذلك قال إسحاق
(4)
، والحق أنه يجوز للأب الرجوع في هبته لولده مطلقًا، وكذلك الأم إن صح أن لفظ الوالد يشملها لغة أو شرعًا لأنَّه خاص، وحديث المنع من الرجوع عام فيبنى العام على الخاص.
قال في المصباح
(5)
: الوالد: الأب، وجمعه بالواو والنون، والوالدة: الأم، وجمعها بالألف والتاء، والوالدان: الأب والأم للتغليب. اهـ.
وحديث سمرة المتقدم
(6)
بلفظ: "إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع" مخصص بحديث الباب؛ لأن الرحم على فرض شموله للابن أعم من هذا الحديث
(7)
مطلقًا.
وقد قيل: إن الرحم غلب على غير الولد فهو حقيقة عرفية لغوية فيما عداه، فإن صح ذلك فلا تعارض.
(1)
الفتح (5/ 215).
(2)
البحر الزخار (4/ 139).
(3)
التهذيب في اختصار المدونة (4/ 355).
ومدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 260 - 261).
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح (5/ 215).
(5)
المصباح المنير (ص 257).
(6)
تقدم آنفًا في الصفحة (194 - 195).
(7)
المغني (8/ 261 - 262).
[الباب الخامس] باب ما جاء في أَخذ الوالد من مال ولده
20/ 2485 - (عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أطْيَبَ ما أكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإنَّ أولادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ
(1)
[صحيح]
وفِي لَفْظٍ: "وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ أطْيِبِ كَسْبِهِ، فَكُلُوا مِنْ أمْوَالِهم هَنِيئًا"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(2)
. [صحيح]
21/ 2486 - (وَعَنَ جابِرٍ أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ الله إنَّ لي مالًا وَوَلَدًا، وَإنَّ أبي يُرِيُد أنْ يَجْتاحَ مالي، فَقَالَ: "أنْتَ وَمالُكَ لأبِيكَ"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)
(3)
. [صحيح]
22/ 2487 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبيه عَنْ جَدّه: أن أعْرَابِيًّا أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ أبي يُرِيدُ أنْ يَجْتاحَ مالي، فَقالَ:"أنْتَ وَمالُكَ لِوَالِدِكَ، إنَّ أطْيَبَ ما أكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإن أولادَكُمْ مِنْ كسْبِكُمْ فُكُلُوهُ هَنِيئًا"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
(1)
أحمد في المسند (6/ 41) وأبو داود رقم (3528) والترمذي رقم (1358) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (4449) وابن ماجه رقم (2290). وانظر: الإرواء رقم (1626).
وهو حديث صحيح.
(2)
في المسند (6/ 126 - 127).
قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 45 - 46) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح.
(3)
في السنن رقم (2291).
قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 202): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط البخاري
…
" اهـ.
وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند (2/ 214).
وأبُو دَاوُدَ
(1)
، وَقالَ فِيهِ: إنَّ رَجُلًا أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إنَّ لي مالًا وَوَلَدًا، وَإنَّ وَالِدي
…
الحَديثَ). [صحيح]
حديث عائشة أخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه
(2)
والحاكم
(3)
.
ولفظ أحمد أخرجه أيضًا الحاكم
(4)
وصححه أبو حاتم (2) وأبو زرعة، وأعله ابن القطان
(5)
بأنه عن عمارة عن عمته وتارة عن أمه وكلتاهما لا يعرفان.
وزعم الحاكم في موضع من مستدركه بعد أن أخرجه من طريق حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة بلفظ: "أموالهم لكم إذا احتجتم إليها"، أن الشيخين أخرجاه باللفظ الأول الذي فيه الأمر بالأكل من أموال الأولاد، ووهم في ذلك فنهما لم يخرجاه.
وقال أبو داود
(6)
زيادة: "إذا احتجتم إليها" منكرة، ونقل عن ابن المبارك عن سفيان قال: حدثني به حماد ووهم فيه. وحديث جابر قال ابن القطان
(7)
: إسناده صحيح.
وقال المنذري
(8)
: رجاله ثقات. وقال الدارقطني
(9)
: تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وطريق أخرى عند الطبراني في الصغير
(10)
والبيهقي في
(1)
في السنن رقم (3530).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2292) وابن الجارود رقم (995).
والبيهقي (7/ 480).
(2)
وهو حديث صحيح.
(3)
في صحيحه رقم (4261) بسند صحيح.
(4)
في المستدرك (2/ 46).
في المستدرك (2/ 45 - 46) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
قلت: وأخرجه أحمد (6/ 42) وابن ماجه رقم (2137) والبيهقي (7/ 480).
وهو حديث صحيح.
(5)
بيان الوهم والإيهام (4/ 544 - 546 رقم 2099).
(6)
في السنن (3/ 801).
(7)
بيان الوهم والإيهام (5/ 153).
(8)
في مختصر السنن (5/ 183).
(9)
في "الأفراد" كما في "التلخيص"(3/ 383).
(10)
في المعجم الصغير (2/ 62، 63). =
الدلائل
(1)
فيها قصة مطولة.
وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضًا ابن خزيمة
(2)
وابن الجارود
(3)
.
وفي الباب عن سمرة عند البزار
(4)
.
وعن عمر عند البزار
(5)
أيضًا.
وعن ابن مسعود عند الطبراني
(6)
.
وعن ابن عمر عند أبي
(7)
يعلى، وبمجموع هذه الطرق ينتهض للاحتجاج فيدل على أن الرجل مشارك لولده في ماله، فيجوز له الأكل منه سواء أذن الولد [أو]
(8)
لم يأذن، ويجوز له أيضًا أن يتصرف به كما يتصرف بماله، ما لم يكن ذلك على وجه السرف والسفه.
وقد حكى في البحر
(9)
الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين.
= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 155) وقال: "فيه من لم أعرفه، والمنكدر بن محمد ضعيف، وقد وثقه أحمد، والحديث بهذا التمام منكر".
(1)
في "دلائل النبوة"(6/ 304 - 305).
(2)
عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(4/ 17).
(3)
في المنتقى رقم (995) بسند صحيح.
(4)
في المسند (رقم 1260 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 154) وقال: فيه عبد الله بن إسماعيل الجوداني.
قال أبو حاتم: "لين، وبقية رجال البزار ثقات".
(5)
في المسند (رقم 1261 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 154) وقال: رواه البزار، وسعيد بن المسيب لم يسمع من عمر.
(6)
في المعجم الكبير (ج 10 رقم 10019) والصغير (1/ 8).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 154) وقال: "رواه الطبراني في الثلاثة، وفيه إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماد ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات".
(7)
في المسند رقم (5731).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 154) وقال: "فيه أبو حريز، وثقه أبو زرعة، وأبو حاتم وابن حبان، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات".
(8)
في المخطوط (ب): (أم).
(9)
البحر الزخار (3/ 279).
قوله: (يريد أن يجتاح) بالجيم بعدها فوقية وبعد الألف حاء مهملة: وهو الاستئصال كالإجاحة، ومنه الجائحة للشدة المجتاحة للمال، كذا في القاموس
(1)
.
قوله: (أنت ومالك لأبيك) قال ابن رسلان: اللام للإباحة لا للتمليك، فإن مال الولد له وزكاته عليه وهو موروث عنه.
[الباب السادس] باب في العُمرى والرُّقبى
23/ 2488 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "العُمْرَى مِيراثٌ لأهْلِها"، أوْ قالَ: "جائِزَةٌ" مُتَّفَق عَلَيْهِ)
(2)
. [صحيح]
24/ 2489 - (وَعَنْ زيدِ بن ثَابِتٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لمُعَمِّرِه مَحْياهُ ومَمَاتُهُ، لا تَرْقُبُوا، مَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيل المِيرَاثِ" رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
وأبُو دَاوُدَ
(4)
والنَّسائيُّ
(5)
.
وفَي لَفْظٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الرُّقْبَى جائِزَةٌ"، رَوَاهُ النَّسائيُّ
(6)
.
وفِي لَفْظٍ: جَعَلَ الرُّقْبَى للَّذِي أرْقَبها. رَوَاهُ أحْمَدُ
(7)
والنَّسَائيُّ
(8)
.
وفي لَفْظٍ: "جَعَلَ الرُّقْبَى للوارث"، رواه أحمد
(9)
. [صحيح]
(1)
القاموس المحيط (ص 276).
(2)
أحمد في المسند (2/ 468) والبخاري رقم (2626) ومسلم رقم (32/ 1626).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (5/ 189).
(4)
في سننه رقم (3559).
(5)
في سننه رقم (3723) وسنده صحيح.
(6)
في السنن رقم (3706). وهو حديث صحيح.
(7)
في المسند (5/ 189).
(8)
في السنن رقم (3707) وهو حديث صحيح لغيره.
(9)
في المسند (5/ 186) بسند رجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل المبهم، وقد جاء مسمى في غير هذه الرواية وهو حُجْر المدَري وهو ثقة. =
25/ 2490 - (وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "العُمْرَى جائِزَةٌ لمنْ أُعْمِرَها، وَالرُّقْبَى جائِزَةٌ لِمَنْ أُرقِبَها" رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَالنَّسائيُّ)
(2)
. [صحيح]
26/ 2491 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُعْمِرُوا وَلا تُرْقِبُوا، فَمَنْ أُعْمِر شَيْئًا أَوْ أُرْقِبَهُ فَهُوَ لَهُ حَياتَهُ ومَمَاتَه"، رَواه أحْمَدُ
(3)
وَالنَّسائيُّ
(4)
. [صحيح]
27/ 2492 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالعُمْرَى لِمَنْ وُهبَتْ لَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(5)
. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ قالَ: "أمْسكُوا عَلَيْكُمْ أمْوَالَكُمْ وَلا تُفْسدُوها، فَمَنْ أعْمَرَ عُمْرَى [فَهِيَ]
(6)
للَّذِي أُعْمِرَ حَيًّا وَمَيتًا لعَقِبِهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(7)
وَمُسْلمٌ
(8)
. [صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ قالَ: "العُمْرَى جائِزَةٌ لأهْلِها، وَالرُّقْبَى جَائِزةٌ لأهْلها"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ
(9)
. [صحيح]
= وخلاصة القول أن الحديث صحيح.
(1)
في المسند (1/ 250).
(2)
في السنن رقم (3710).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (2/ 26، 34، 73).
(4)
في السنن رقم (3732).
وهو حديث صحيح.
(5)
أحمد في المسند (3/ 202، 304، 393) والبخاري رقم (2625) ومسلم رقم (25/ 1625).
وهو حديث صحيح.
(6)
في المخطوط (ب): (فهو).
(7)
في المسند (3/ 293، 302، 312، 389).
(8)
في صحيحه رقم (26/ 1625).
وهو حديث صحيح.
(9)
أحمد في المسند (3/ 303) وأبو داود رقم (3558) والترمذي رقم (1351) وقال: هذا =
وفِي رِوَايَةٍ: "مَنْ أعْمَرَ رَجُلًا عُمْرَى لَهُ وَلعَقِبِه فَقَدْ قَطَعَ قَوْلُهُ حَقَّهُ فيها، وَهِيَ لِمَن أعْمَرَ وَعَقِبهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَمُسْلمٌ
(2)
وَالنَّسائيُّ
(3)
وَابْنُ ماجَهْ
(4)
. [صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "أيّمَا رَجُلٍ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلعَقبهِ فإنَّهَا للَّذِي يُعْطاها لا تَرْجعُ إلى الَّذي أعْطاها؛ لأَنَّهُ أعْطَى عَطاءً وَقَعَتْ فيهِ المَوَارِيثُ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(5)
وَالنَّسائيُّ
(6)
وَالترمذِيُّ
(7)
وَصحَّحه. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ عَنْ جابرٍ: إنَّمَا العُمْرَى التي أجازَها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلعَقِبِكَ. فأمَّا إذَا قالَ: هِيَ لَكَ ما عِشْتَ فإنَّهَا تَرْجعُ إلى صَاحبها. رَوَاهُ أحْمَدُ
(8)
وَمُسْلمٌ
(9)
وأبُو دَاوُدَ
(10)
. [صحيح]
وفِي رِوَايَة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالعُمْرَى أنْ يَهَبَ الرَّجُلُ للَّرجُلِ وَلعَقِبِهِ الهبَةَ وَيستَثْنِيَ إنْ حَدَث [بِكَ]
(11)
حَدَثٌ وَلعَقِبِكَ فَهِيَ إليَّ وَإلى عَقِبي، إنَّهَا لِمَنْ أُعْطِيَها وَلعَقِبِهِ. رَوَاهُ النَّسائيُّ)
(12)
. [صحيح]
28/ 2493 - (وَعَنْ جابِرٍ أيْضًا: أن رَجُلًا منَ الأنْصَارِ أعْطَى أُمَّهُ حَدِيقَةً
= حديث حسن. والنسائي رقم (3739) وابن ماجه رقم (2383).
وهو حديث صحيح.
(1)
في المسند (3/ 360، 399).
(2)
في صحيحه رقم (21/ 1625).
(3)
في سننه رقم (3740).
(4)
في سننه رقم (2380).
وهو حديث صحيح.
(5)
في سننه رقم (3553).
(6)
في سننه رقم (3745).
(7)
في سننه رقم (1350).
وهو حديث صحيح.
(8)
في المسند (3/ 294).
(9)
في صحيحه رقم (23/ 1625).
(10)
في سننه رقم (3555).
وهو حديث صحيح.
(11)
في المخطوط (ب): (لك).
(12)
في سننه رقم (3749).
وهو حديث صحيح.
مِنْ نَخِيلٍ حَيَاتهَا فَمَاتَتْ، فَجاءَ إخْوَتُهُ فقالُوا: نَحْنُ فيه شَرَعٌ سَوَاءٌ، قال: فأبَى، فاختَصَمُوا إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَسَمَها بَيْنَهُمْ مِيرَاثًا. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(1)
. [صحيح]
حديث زيد بن ثابت أخرجه أيضًا ابن ماجه
(2)
وابن حبان
(3)
.
وحديث ابن عباس قال الحافظ في الفتح
(4)
: إسناده صحيح.
وحديث ابن عمر هو من طريق ابن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عنه، وقد اختلف في سماع حبيب من ابن عمر فصرح به النَّسَائِي
(5)
، ورجال إسناده ثقات.
وحديث جابر الآخر أخرجه أبو داود
(6)
وسكت عنه هو والمنذري.
وقال ابن رسلان في شرح السنن ما لفظه: هذا الحديث رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. اهـ.
ويشهد لصحته أحاديث الباب المصرحة بأن المعمر والمرقب يكون أولى بالعين في حياته وورثته من بعده.
وفي الباب عن سمرة عند أحمد
(7)
وأبي داود
(8)
والترمذي
(9)
، وهو من سماع الحسن عنه، وفيه مقال كما تقدم.
(1)
في المسند (3/ 299) بسند ضعيف لانقطاعه، محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي لم يسمع من جابر، لكن الحديث صحيح.
(2)
في سننه رقم (2381).
(3)
في صحيحه رقم (5132).
(4)
(5/ 240).
(5)
قال الحافظ في التقريب رقم الترجمة (1084): حبيب بن أبي ثابت، أبو يحيى الكوفي: ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس ..
قلت: أما قوله: "كثير الإرسال والتدليس فيه نظر". انظر: "منهج الإمام أبي عبد الرحمن النَّسَائِي في الجرح والتعديل" تأليف د. قاسم علي سعد (2/ 519 - 528 رقم الترجمة (279) فقد قال: "وخلاصة القول: إن حبيبًا ثقة - كما قال النَّسَائِي - صحيح الحديث. والله أعلم.
(6)
في سننه رقم (3557) بسند ضعيف.
(7)
في المسند (5/ 8).
(8)
في السنن رقم (3549).
(9)
في السنن رقم (1349). =
قوله: (العُمرى) بضم العين المهملة، وسكون الميم مع القصر.
قال في الفتح
(1)
: وحكي ضمُّ الميم مع ضم أوله. وحكي فتحُ أوله مع السكون، وهي مأخوذة من العمر، وهو الحياة، سمِّيت بذلك؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يعطي الرجلُ الرجلَ الدارَ، ويقول له: أعمرتُكَ إيَّاها: أي أبحتها لك مدة عمرك وحياتك، فقيل لها عمرى لذلك، والرُّقبى بوزن العُمرى مأخوذة من المراقبة؛ لأن كلًّا منهما يرقب الآخر متى يموت [لترجع]
(2)
إليه، وكذا ورثته يقومون مقامه؛ هذا أصلها لغة.
قال في الفتح
(3)
: ذهب الجمهور إلى أن العُمْرى إذا وقعت كانت ملكًا للآخر ولا ترجع إلى الأوَّل إلا إذا صرَّح باشتراط ذلك وإلى أنها صحيحةٌ جائزةٌ.
وحكى الطبريُّ
(4)
عن بعض الناس والماوردي
(5)
عن داود
(6)
وطائفة وصاحب البحر
(7)
عن قوم من الفقهاء: أنها غير مشروعة.
ثم اختلف القائلون بصحتها إلى ما يتوجه التمليك، فالجمهور
(8)
أنه يتوجه إلى الرقبة كسائر الهبات حتى لو كان المعمر عبدًا فأعتقه الموهوب له نفذ بخلاف الواهب.
وقيل: يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة، وهو قول مالك
(9)
والشافعي
(10)
في القديم، وهل يسلك بها مسلك العارية أو الوقف؟ روايتان عند المالكية
(11)
، وعند الحنفية
(12)
التمليك في العمرى يتوجه إلى الرقبة، وفي الرقبى إلى المنفعة، وعنهم أنها باطلة.
= وهو حديث صحيح لغيره.
(1)
(5/ 238).
(2)
في المخطوط (ب): (ليرجع).
(3)
(5/ 238).
(4)
حكاه عنه الحافظ في الفتح (5/ 238).
(5)
في الحاوي الكبير (7/ 539).
(6)
المحلى (9/ 164 - 165)، (9/ 167).
(7)
البحر الزخار (4/ 143).
(8)
الفتح (5/ 239).
(9)
عيون المجالس (4/ 1833) والتهذيب في اختصار المدونة (4/ 370).
(10)
الحاوي الكبير (7/ 540) والبيان للعمراني (8/ 138 - 139) وروضة الطالبين (5/ 370).
(11)
عيون المجالس (4/ 1834).
(12)
البناية في شرح الهداية (9/ 261، 263) والمبسوط (6/ 95 - 96).
وقد حصل من مجموع الروايات ثلاثة أحوال:
(الأول): أن يقول: أعمرتكها ويطلق، فهذا تصريح بأنها للموهوب له، وحكمها حكم المؤبدة لا ترجع إلى الواهب، وبذلك قالت الهادوية
(1)
والحنفية
(2)
والناصر
(3)
ومالك
(4)
؛ لأن المطلقة عندهم حكمها حكم المؤبدة، وهو أحد قولي الشافعي
(5)
والجمهور
(6)
، وله قول آخر: أنها تكون عارية ترجع بعد الموت إلى المالك.
وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المطلقة للمعمر ولورثته من بعده كما في أحاديث الباب.
(الحال الثاني): أن يقول: هي لك ما عشت فإذا متَّ رجعتْ إليَّ، فهذه عاريةٌ [مؤقتة]
(7)
ترجع إلى المعْمِر عند موت المُعْمَرِ، وبه قال أكثر العلماء
(8)
ورجحه جماعة من الشافعية
(9)
؛ والأصح عند أكثرهم لا ترجع إلى الواهب
(10)
.
واحتجُّوا بأنَّه شرط فاسد فيلغى، واحتجوا بحديث جابر الأخير
(11)
: "فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على الأنصاري الذي أعطى أمه الحديقة حياتها أن لا ترجع إليه بل تكون لورثتها".
ويؤيد هذا الحديث الرواية التي قبله أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في العمرى مع الاستثناء بأنها لمن أعطيها.
ويعارض ذلك ما في حديث جابر أيضًا المذكور في الباب
(12)
بلفظ: "فأمَّا إذا قلت: هي لك ما عشت، فإنها ترجع إلى صاحبها"، ولكنه قال معمر: كان
(1)
البحر الزخار (4/ 144).
(2)
البناية في شرح الهداية (9/ 259 - 260).
(3)
البحر الزخار (4/ 144).
(4)
عيون المجالس (4/ 1834).
(5)
البيان للعمراني (8/ 138).
(6)
المغني لابن قدامة (8/ 282 - 283).
(7)
في المخطوط (ب): (موقوتة).
(8)
المغني لابن قدامة (8/ 282).
(9)
البيان للعمراني (8/ 139) والمهذب (3/ 700 - 701).
(10)
البيان للعمراني (8/ 139) والمهذب (3/ 700 - 701).
(11)
تقدم برقم (2493) من كتابنا هذا.
(12)
تقدم برقم (2492) من كتابنا هذا.
الزهري يفتي به ولم يذكر التعليل، وبيّن من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري أن التعليل من قول أبي سلمة.
قال الحافظ
(1)
: وقد أوضحته في كتاب المدرج
(2)
.
والحاصل أن الروايات المطلقة في أحاديث الباب تدل على أن العمرى والرقبى تكون للمعمر والمرقب ولعقبه، سواء كانت مقيدة بمدة العمر أو مطلقة أو مؤبدة.
ويؤيد ذلك الروايتان المتقدمتان في دليل من قال: إن المقيدة بمدة الحياة لها حكم المؤبدة، وهذه الرواية القاضية بالفرق بين التقييد بمدة الحياة وبين الإطلاق والتأبيد معلولة بالإدراج فلا تنتهض لتقييد [المطلقات]
(3)
ولا لمعارضة ما يخالفها.
(الحال الثالث): أن يقول: هي لك ولعقبك من بعدك، أو يأتي بلفظ يشعر بالتأبيد، فهذه حكمها حكم الهبة عند الجمهور
(4)
.
وروي عن مالك
(5)
: أنه يكون حكمها حكم الوقف إذا انقرض المعمر وعقبه رجعت إلى الواهب.
وأحاديث الباب القاضية بأنها ملك للموهوب له ولعقبه ترد عليه.
قوله: (فهي لمُعْمَره) بضم الميم [الأولى]
(6)
وفتح الثانية اسم مفعول من أعمر.
(1)
في "الفتح"(5/ 239).
(2)
اسمه: "تقريب المنهج بترتيب المدرج".
قال السيوطي في "تدريب الراوي"(ص 178): بعد ذكر كتاب الخطيب "الفَصْل للوصل المُدْرَج في النَّقْل": على ما فيه من إعواز، وقد لخَّصه شيخ الإسلام - ابن حجر - وزاد عليه قَدْرَهُ مرتين وأكثَرَ في كتاب سَمَّاه:"تقريب المنهج بترتيب المدرج".
[معجم المصنفات (ص 96 رقم 198)، وابن حجر ودراسة مصنفاته (ص 339 - 340) والموقظة للذهبي وتعليق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عليها (ص 54 - 55)].
(3)
في المخطوط (ب): (للمطلقات).
(4)
المغني لابن قدامة (8/ 285).
(5)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 268).
(6)
في المخطوط (ب): (الأول).
قوله: (مَحياهُ ومَماتَه) بفتح الميمين: أي مدة حياته وبعد موته.
قوله: (لا تعمروا) إلخ، قال القرطبي
(1)
: لا يصحّ حمل هذا النهي على التحريم، لصحة الأحاديث المصرحة بالجواز.
وقيل: إن النهي يتوجه إلى اللفظ الجاهلي؛ لأن الجاهلية كانت تستعملها كما تقدم.
وقيل: النهي يتوجه إلى الحكم ولا ينافي الصحة. وفيه نظر؛ لأن معنى النهي حقيقة التحريم المستلزم للفساد المرادف للبطلان إلا أن يحمل على الكراهة بقرينة قوله صلى الله عليه وسلم: "العمرى جائزةٌ".
قوله: (فمن أُعمر) بضم الهمزة، وكذا قوله:(أو أُرقبه).
قوله: (ولعِقْبه) بكسر القاف وسكونها [للتخفيف]
(2)
، والمراد ورثته الذي يأتون بعده.
قوله: (حديقة) هي البستان يكون عليه الحائط، فعيلة بمعنى مفعولة؛ لأن الحائط [أحدق]
(3)
بها: أي أحاط، ثم توسعوا حتى أطلقوا الحديقة على البستان وإن كان بغير حائط.
قوله: (شرع) بفتح الشين المعجمة والراء: أي سواء. ذكر معنى ذلك في القاموس
(4)
.
[الباب السابع] باب ما جاءَ في تصرُّف المرأة في مالها ومال زوجها
29/ 2494 - (عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أنْفَقَتِ المرأةُ مِنْ طَعامِ زَوْجِها غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كانَ لَهَا أجْرُها بِما أنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِها أجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، ولِلْخَازِنِ مِثْلُ ذلكَ لا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ منْ أجْرِ بَعْضٍ شَيْئًا"، رَوَاهُ
(1)
في "المفهم"(4/ 597).
(2)
في المخطوط (أ): (مكررة).
(3)
في المخطوط (ب): (أحق).
(4)
القاموس المحيط (ص 946).
الجَماعَةُ)
(1)
. [صحيح]
30/ 2495 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَنْفَقَتِ المرأةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجها عَنْ غَيْرِ أمْرِهِ فَلَه نِصْفُ أجْرهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْه
(2)
.
وَرَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(3)
. [صحيح]
وَرُوِيَ أيْضًا عَنْ أبي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا في المَرأةِ تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا. قالَ: لا، إلَّا مِنْ قُوتِهَا والأجْرُ بَيْنَهمَا. ولَا يَحِلُّ لَهَا أنْ تَصَدَّقَ منْ مال زَوْجِها إلَّا بإِذْنِهِ)
(4)
. [صحيح موقوف]
31/ 2496 - (وَعَنْ أَسَمَاء بِنْتِ أبي بَكْرٍ أنهَا قالَتْ: يا رَسُولَ الله لَيْسَ لي شَيء إلَّا ما أدْخَلَ عَليّ الزّبَيْرُ، فَهَلْ عَليّ جُناحٌ أنْ أُرْضِخَ مَمّا يُدْخِلُ عَليَّ؟ فَقالَ:"ارْضِخي ما اسْتَطَعْتِ وَلا تُوعِي فَيُوعِي الله عَلَيْك" مُتَّفَقٌ عَلَيْه
(5)
. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ عَنْها: "أنَّهَا سألَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ الزبَيْرَ رَجُل شَدِيدٌ، وَيأتِيني المِسْكِينُ فأتَصَدَّقُ عَلَيْه مِنْ بَيْتِهِ بِغَيرِ إذْنِهِ، فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ارْضِخِي وَلا تُوعِي فَيُوعِي الله عَلَيْكِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(6)
. [إسناده صحيح]
أثر أبي هريرة الموقوف عليه سكت عنه أبو داود
(7)
والمنذري
(8)
، [وإسناده
(1)
أحمد في المسند (6/ 44) والبخاري رقم (1425) ومسلم رقم (80/ 1024) وأبو داود رقم (1685) والترمذي (671) والنسائي رقم (2539) وابن ماجه رقم (2294).
وهو حديث صحيح.
(2)
أحمد في المسند (2/ 316) والبخاري رقم (5360) ومسلم رقم (84/ 1026).
(3)
في سننه رقم (1687).
وهو حديث صحيح.
(4)
أبو داود في سننه رقم (1688).
وهو صحيح موقوف.
(5)
أحمد في المسند (6/ 139، 344) والبخاري رقم (1434) ومسلم رقم (89/ 1029).
وهو حديث صحيح.
(6)
في المسند (6/ 353) بسند صحيح.
(7)
في السنن (2/ 316).
(8)
في المختصر (2/ 256).
لا بأس به. ومحمد بن سوار قد وثقه ابن حبان
(1)
، وقال: يغرب]
(2)
.
وفي الباب عن أبي أمامة عند الترمذي
(3)
وحسنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنفق المرأة من بيت زوجها إلا بإذنه"، قيل: يا رسول الله، ولا الطعام؟ قال:"ذلك أفضل أموالنا".
قوله: (إذا أنفقت المرأة) إلخ.
قال ابن العربي
(4)
: اختلف السلف فيما إذا تصدَّقت المرأة من بيت زوجها فمنهم من أجازه لكن في الشيء اليسير الذي لا يُؤبَهُ له ولا يظهر به النقصان.
ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الإجمال وهو اختيار البخاري
(5)
، وأما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه.
ومنهم من قال: المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن: النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه وليس ذلك بأن ينفقوا على الغرباء بغير إذن.
ومنهم من فرَّق بين المرأة والخادم فقال: المرأة لها حقّ في مال الزوج والنظر في بيتها، فجاز لها أن تتصدق، بخلاف الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه فيشترط الإذن فيه.
قال الحافظ
(6)
: وهو متعقب بأن المرأة إن استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به، وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسألة [كما كانت]
(7)
.
قوله: (وللخازن) في رواية للبخاري
(8)
من حديث أبي موسى التقييد بكون الخازن مسلمًا، فأخرج الكافر لكونه لا نية له وبكونه أمينًا فأخرج الخائن لأنَّه
(1)
في "الثقات"(9/ 125).
(2)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(3)
في سننه رقم (2120) وقال: وهو حديث حسن.
قلت: وهو حديث صحيح.
(4)
في عارضة الأحوذي (3/ 177 - 178).
(5)
حكاه عنه ابن العربي في العارضة (3/ 177).
(6)
في "الفتح"(3/ 3003).
(7)
زيادة من المخطوط (ب).
(8)
في صحيحه رقم (1438).
مأزور، وتكون نفسه [بذلك]
(1)
طيبة لئلا تعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها.
قوله: (مثل ذلك) ظاهره يقتضي تساويهم في الأجر، ويحتمل أن يكون المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة، وإن كان أجر الكاسب أوفر، لكن قوله في حديث أبي هريرة
(2)
: "فله نصف أجره" يشعر بالتَّساوي.
قوله: (لا ينقص بعضهم) إلخ، المراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر، ويحتمل أن يراد مساواة بعضهم بعضًا.
قوله: (عن غير أمره) ظاهر هذه الرواية أنه يجوز للمرأة أن تنفق من بيت زوجها بغير إذنه ويكون لها أو له نصف أجره على اختلاف النسختين كما سيأتي، وكذلك ظاهر رواية أحمد
(3)
المذكورة في حديث أسماء، ولكن ليس فيها تعرض لمقدار الأجر.
ويمكن أن يقال: يحمل المطلق على المقيد؛ ولا يعارض ذلك قول أبي هريرة
(4)
المذكور في الباب؛ لأن أقوال الصحابة ليست بحجة ولا سيما إذا عارضت المرفوع.
وإنما يعارضه حديث أبي أمامة الذي ذكرناه، فإن ظاهره نهي المرأة عن الإنفاق من مال الزوج إلا بإذن، والنهي حقيقة في التحريم، والمحرم لا يستحق فاعله عليه ثوابًا.
ويمكن أن يقال: إن النهي للكراهة فقط، والقرينة الصارفة إلى ذلك حديث أبي هريرة
(5)
وحديث أسماء
(6)
، وكراهة التنزيه لا تنافي الجواز ولا تستلزم عدم استحقاق الثواب.
قال في الفتح
(7)
: والأولى أن يحمل - يعني حديث أبي هريرة (5) - على ما
(1)
زيادة من (أ).
(2)
تقدم برقم (2495).
(3)
في المسند (6/ 353) وقد تقدم برقم (2496) من كتابنا هذا.
(4)
الموقوف الصحيح الذي أخرجه أبو داود رقم (1688).
(5)
تقدم برقم (2495) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم برقم (2496) من كتابنا هذا.
(7)
(4/ 301).
إذا أنفقت من الذي يخصها إذا تصدقت به بغير استئذانه فإنه يصدق كونه من كسبه فيؤجر عليه وكونه بغير أمره.
ويحتمل أن يكون أذن لها بطريق الإجمال، لكن انتفى ما كان بطريق التفصيل.
قال: ولا بد من الحمل على أحد هذين المعنيين وإلا فحيث كان من ماله بغير إذنه لا إجمالًا ولا تفصيلًا، فهي مأزورة بذلك لا مأجورة، وقد ورد فيه حديث ابن عمر عند الطيالسي
(1)
وغيره
(2)
. اهـ.
قوله: (فله نصف أجره) هكذا في رواية للبخاري
(3)
وفي رواية أخرى: "فلها نصف أجره" وعلى النسخة الأولى يكون للرجل الذي تصدقت امرأته من كسبه بغير إذنه نصف أجره على تقدير وقوع الإذن منه لها، وعلى النسخة الثانية يكون للمرأة المتصدقة بغير إذن زوجها نصف أجرها على تقدير إذنه لها.
قال في الفتح
(4)
: أو المعنى بالنصف أن أجره وأجرها إذا جمعا كان لها النصف من ذلك، فلكل منهما أجر كامل وهما اثنان فكأنهما نصفان.
قوله: (أن أرضخ) بالضاد والخاء المعجمتين.
قال في القاموس
(5)
: رضخ له: أعطاه عطاء غير كثير.
قوله: (ولا توعي فيوعي الله عليك) بالنصب لكونه جواب النهي، والمعنى لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك.
32/ 2497 - (وَعَنْ سَعْدٍ قالَ: لَمَّا بايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم النِّساءُ قالَتِ امْرأةٌ جَلِيلةٌ
(1)
في مسنده رقم (1951).
(2)
كالبيهقي في السنن الكبرى (4/ 194)، (7/ 292).
بسند ضعيف جدًّا لتفرد ليث بن أبي سليم به وهو ضعيف. وروايته عن عطاء بعد الاختلاط، وقد اضطرب فيه. وللحديث شواهد. وانظر:"المطالب العالية"(8/ 331 - 333 رقم 1664).
(3)
في صحيحه رقم (2066).
(4)
(4/ 301).
(5)
القاموس المحيط (ص 321).
كأنَّهَا مِنْ نِسِاء مُضَرَ: يا نَبِيَّ الله إنَّا كَلٌّ على آبائِنا وأبْنائِنا - قالَ أبُو دَاوُدَ: وأرَى فِيهِ: وأزْوَاجِنا - فَمَا يَحِل لَنا مِنْ أمْوَالِهم؟ قالَ: "الرَّطْبُ تأكُلْنَهُ وتُهْدِينَهُ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(1)
، وَقالَ: الرّطْبُ: الخُبْزُ وَالبَقْلُ وَالرُّطَبُ). [ضعيف]
33/ 2498 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَبَدأ بالصَّلاةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ بِلا أذَانٍ وَلا إقامَةٍ، ثُمَّ قامَ مُتَوَكِّئًا على بِلالٍ، فأمَرَ بِتَقْوَى الله، وَحَثَّ على طاعَتِهِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حتَّى أتى النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَقالَ: "تَصَدَّقْنَ، فإنَّ أَكْثَرَكُنّ حَطَبُ جَهَنَّمَ"، فَقامَتِ امْرأةٌ مِنْ سَطَة النِّساءِ سَفْعاءُ الخَدَّيْنِ فَقَالَتْ: لِمَ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: "لأَنَّكُن تكْثِرْنَ الشّكَاةَ، وَتكْفُرْنَ العَشِيرَ"؛ قالَتْ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِن يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ مِنْ أقْرَاطِهِن وَخَواتِيمِهن. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(2)
. [صحيح]
حديث سعد سكت عنه أبو داود
(3)
والمنذري
(4)
، ورجال إسناده رجال الصحيح إلا محمد بن سوار، وقد وثَّقه ابن حبان وقال: يغرب.
قوله: (قال: الرَّطْب) بفتح الراء وسكون الطاء المهملة، والرطب المذكور آخرًا بضم الراء وفتح الطاء.
قال في القاموس
(5)
: الرطب: ضد اليابس، ثم قال: وبضمة وبضمتين: الرعي الأخضر من البقل والشجر، قال: وتمر رطيب مرطب وأرطب النخل: حان أوان رطبه.
(1)
في سننه رقم (1686) وهو حديث ضعيف. لانقطاعه بين زياد وسعد - وهو: ابن أبي قاص -).
وقال أبو داود: "وكذا رواه الثوري عن يونس". قال الألباني: وهذا إسناد رجاله ثقات: لكنه منقطع. زياد؛ قال أبو زرعة وأبو حاتم: "روايته عن سعد بن أبي وقاص مرسلة".
[ضعيف سنن أبي داود (10/ 136 رقم 301)].
(2)
أحمد في المسند (1/ 242) و (3/ 296، 310، 314) والبخاري رقم (978) ومسلم رقم (4/ 885).
(3)
في السنن (2/ 317).
(4)
في المختصر (2/ 258).
(5)
القاموس المحيط (ص 115).
وفي الحديث دليل على أنه يجوز للمرأة أن تأكل من مال ابنها وأبيها وزوجها بغير إذنهم وتهادي، ولكن ذلك مختص بالأمور المأكولة التي لا تدخر فلا يجوز لها أن تهادي بالثياب والدراهم والدنانير والحبوب وغير ذلك.
قوله: (إنا كلّ)
(1)
بكسر الهمزة وتشديد النون، و (كلٌّ) بفتح الكاف وتشديد اللام خبر إنَّ: أي نحن عيال عليهم ليس لنا من الأموال ما ننتفع به.
قوله: (فقامت امرأة) قال الحافظ
(2)
: لم أقف على تسمية هذه المرأة إلا أنه يختلج في خاطري أنها أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة النساء، فإنها روت أصل هذه القصة في حديث أخرجه البيهقي
(3)
والطبراني
(4)
وغيرهما بلفظ: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النساء وأنا معهن، فقال: "يا معشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم"، فناديت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت عليه جريئة: ولم يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير""، فلا يبعد أن تكون هي التي أجابته فإن القصة واحدة.
قوله: (من سطَة النِّساء)
(5)
أي: من خيارهن، والسفعاء
(6)
: التي في خدِّها غبرةٌ وسواد. والعشير
(7)
: المراد به هاهنا الزوج.
والحديث فيه فوائد:
(1)
النهاية (2/ 560) والقاموس المحيط (ص 1361).
(2)
في الفتح (2/ 468 - 469).
(3)
في "الشعب" رقم (9127).
(4)
في المعجم الكبير (ج 24 رقم 426، 427، 436، 445، 462).
قلت: وأخرجه أحمد (6/ 452 - 453، 458) والحميدي رقم (366) والبخاري في الأدب المفرد رقم (1047) و (1048) من طرق.
وهو حديث حسن. وانظر: الصحيحة رقم (823).
(5)
قال ابن الأثير في النهاية (1/ 776): أي أوساطهن حسبًا ونسبًا.
وأصل الكلمة الواو وهو بابها، والهاء فيها عوضٌ من الواو، وكَعِدَة وزِنَة من الوعْد والوَزْن".
(6)
القاموس المحيط (ص 941) والنهاية (1/ 782 - 783).
(7)
النهاية (2/ 209) والفائق (2/ 432).
(منها): ما ذكره المنصف هاهنا لأجله، وهو جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث.
ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله.
قال القرطبي
(1)
: ولا يقال في هذا: إن أزواجهن كانوا حضورًا لأن ذلك لم ينقل، ولو نقل فليس فيه تسليم أزواجهن لهن ذلك، فإن من ثبت له حق فالأصل بقاؤه حتى يصرح بإسقاطه، ولم ينقل أن القوم صرحوا بذلك، وسيأتي الخلاف في ذلك قريبًا.
(ومنها): أن الصدقة من دوافع العذاب؛ لأنَّه أمرهن بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك.
(ومنها): بذل النصيحة والإغلاظ بها لمن احتيج إلى ذلك في حقه.
(ومنها): جواز طلب الصدقة من الأغنياء للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج.
(ومنها): مشروعية وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن وحثهن على الصدقة [وتخصيصهن]
(2)
بذلك في مجلس منفرد، ومحل ذلك كله إذ أمنت الفتنة والمفسدة
(3)
.
34/ 2499 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يَجُوزُ لاِمْرأةٍ عَطيَّة إلَّا بإذْنِ زَوْجها"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وَالنّسائيّ
(5)
وأبُو دَاوُد
(6)
. [حسن]
وفِي لَفْظٍ: "لَا يجُوزُ للْمَرأةِ أمْرٌ فِي مالِهَا إذَا مَلَكَ زَوجُها عِصْمَتها"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)
(7)
. [حسن]
(1)
المفهم (2/ 529).
(2)
في المخطوط (ب): (وتخصيص).
(3)
الفتح (2/ 468).
(4)
في المسند (2/ 184).
(5)
في سننه رقم (3757).
(6)
في سننه رقم (3547).
وهو حديث حسن.
(7)
أحمد في المسند (2/ 221) وأبو داود رقم (3546) والنسائي رقم (3756) وابن ماجه رقم (2388).
وهو حديث حسن.
الحديث سكت عنه أبو داود
(1)
والمنذري
(2)
. وقد أخرجه البيهقي
(3)
والحاكم في المستدرك
(4)
، وفي إسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وحديثه من قسم الحسن. وقد صحح له الترمذي أحاديث، [ومن دون عمرو بن شعيب هم رجال الصحيح عند أبي داود.
وفي الباب عن خيرة
(5)
امرأة كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم
(6)
نحوه]
(7)
.
قوله: (أمر)
(8)
أي: عطية من العطايا، ولعله عدل عن العطية إلى الأمر لما بين لفظ المرأة والأمر من الجناس الذي هو نوع من أنواع البلاغة.
(1)
في السنن (3/ 816).
(2)
في المختصر (5/ 194).
(3)
في السنن الكبرى (6/ 60).
(4)
في المستدرك (2/ 47) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(5)
خَيْرة: امرأة كعب بن مالك الأنصارية - شاعر النبي صلى الله عليه وسلم ويقال: بالحاء غير معجمة .... الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 124) وأعلام النساء (1/ 338) وتجريد أسماء الصحابة (2/ 266).
(6)
أخرج حديثها ابن ماجه رقم (2389).
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 237): "هذا إسناد ضعيف عبد الله بن يحيى لا يعرف في أولاد كعب بن مالك. وليس لخيرة هذه عند ابن ماجه سوى هذا الحديث، وليس لها شيء في الخمسة الأصول". اهـ.
قلت: وللحديث شاهد عند أبي داود رقم (3546) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يرتفع به إلى حسن لغيره، والله أعلم.
(7)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(8)
الأمر: هو طلب تحقيق شيء ما ماديٍّ أو معنوي.
وعند البلاغيين أن الأمر هو طلب الفعل غير الكف على جهة الاستعلاء مع الإلزام.
وللأمر أربع صيغ:
- فعل الأمر: نحو: اتبع أمري.
- المضارع المقترن بلام الأمر، نحو: لتفِ بوعدك.
- اسم فعل الأمر، نحو: عليك بالصدق.
- المصدر النائب عن فعل الأمر، نحو: صبرا على الشدائد.
والأمر من الإنشاء الطلبي عند البلاغيين وهو ما يستدير مطلوبا غير حاصل في اعتقاد المتكلم وقت الطلب، ويكون الإنشاء الطلبي بأنواع من الكلام: الأمر، والنهي، والتحذير، والإغراء، والنداء، والتمني، والرجاء، والدعاء، والاستفهام.
[البلاغة العربية (1/ 228)، ومعجم البلاغة العربية (ص 51)].
وقد استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي عطية من مالها بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة.
وقد اختُلِفَ في ذلك، فقال الليث: لا يجوز لها ذلك مطلقًا لا في الثلث ولا فيما دونه إلا في الشيء التافه.
وقال طاوس ومالك
(1)
: إنه يجوز لها أن تعطي مالها بغير إذنه في الثلث لا فيما فوقه فلا يجوز إلا بإذنه. وذهب الجمهور
(2)
إلى أنه يجوز لها مطلقًا من غير إذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة، فإن كانت سفيهة لم يجز.
قال في الفتح
(3)
: وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة، انتهى.
وقد استدل البخاري في صحيحه
(4)
على جواز ذلك بأحاديث ذكرها في باب هبة المرأة لغير زوجها من كتاب الهبة
(5)
.
ومن جملة أدلة الجمهور حديث جابر
(6)
المذكور قبل هذا، وحملوا [حديث]
(7)
الباب على ما إذا كانت سفيهة غير رشيدة.
وحمل مالك أدلة الجمهور على الشيء اليسير، وجعل حده الثلث فما دونه.
ومن جملة أدلة الجمهور الأحاديث المتقدمة
(8)
في أول الباب القاضية بأنه يجوز لها التصدق من مال زوجها بغير إذنه، وإذا جاز لها ذلك في ماله بغير إذنه فبالأولى الجواز في مالها.
والأولى أن يقال: يتعين الأخذ بعموم حديث عبد الله بن عمرو
(9)
وما ورد من الواقعات المخالفة له تكون مقصورة على مواردها أو مخصصة لمثل من وقعت له من هذا العموم.
(1)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 650) وعيون المجالس (4/ 1647).
(2)
المغني (6/ 603).
(3)
(5/ 218).
(4)
رقم (2590 - 2592).
(5)
في صحيحه (5/ 217 رقم الباب (15) - مع الفتح).
(6)
تقدم برقم (2498) من كتابنا هذا.
(7)
في المخطوط (ب): (أحاديث).
(8)
تقدم برقم (2494) و (2495) و (2496) من كتابنا هذا.
(9)
تقدم برقم (2499) من كتابنا هذا.
وأما مجرد الاحتمالات فليست مما تقوم به الحجة.
[الباب الثامن] باب ما جاء في تبرع العبد
35/ 2500 - (عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلى آبي اللَّحْمِ قالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا فَسألْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أتَصَدَّقُ مِنْ مالِ مَوْلايَ بشَيْءٍ؟ قالَ: "نَعَمْ والأجْرُ بَيْنَكُما"، رَوَاهُ مُسْلمٌ)
(1)
. [صحيح]
36/ 2501 - (وَعَنْهُ قَالَ: أمَرَنِي مَوْلايَ أنْ أقْدِر لَحْمًا، فَجاءَنِي مسْكِينٌ فأطْعَمْته مِنْهُ فَضَرَبَنِي، فأتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ لَهُ ذلكَ، فَدَعاهُ فَقَالَ:"لِمَ ضَرَبْتَهُ؟ "، فَقَالَ: يُعْطي طَعامي مِنْ غَيْر أنْ آمُرَهُ، فَقالَ:"الأجْرُ بَيْنَكُما"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وَمُسْلمٌ
(3)
وَالنّسائيّ)
(4)
. [صحيح]
37/ 2502 - (وَعَنْ سَلْمانَ الفارِسيِّ قالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِطَعامٍ وأنا مَمْلُوكٌ، فَقُلْتُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، فأمَرَ أصحَابَهُ فأكَلُوا وَلْم يَأكُلْ، ثُمَّ أتَيْتُهُ بِطَعامٍ، فَقُلْتُ: هَذِهِ هَدِيَّةٌ أهْدَيْتُها لَك أكْرِمكَ بها فَإني رأيْتُكَ لا تأكُلُ الصَّدَقَةَ، فأمَرَ أصحَابَهُ فأكَلُوا وأكلَ مَعَهُم. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(5)
. [صحيح]
38/ 2503 - (وَعَنْ سَلْمانَ قالَ: كُنْتُ اسْتأذَنْتُ مَوْلايَ فِي ذلكَ فَطَيَّب لي، فاحْتَطَبْتُ حَطَبًا فَبِعْتُهُ فاشْتَرَيتُ ذلكَ الطَّعامَ. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(6)
. [إسناده حسن]
(1)
في صحيحه رقم (82/ 1025).
(2)
في المسند - كما في أطراف المسند - رقم (6852).
(3)
في صحيحه رقم (83/ 1025).
(4)
في سننه رقم (2537).
وهو حديث صحيح.
(5)
في المسند (5/ 439) بسند حسن، ومحمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث في رواية أخرى عند أحمد (5/ 441 - 443) ضمن قصة إسلام سلمان الطويلة.
ولكن الحديث صحيح، والله أعلم.
(6)
في المسند (5/ 439 - 440) بسند حسن.
حديث سلمان الأول في إسناده ابن إسحاق، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وحديث سلمان الثاني في إسناده أبو مرة سلمة بن معاوية. قال في مجمع الزوائد
(1)
: ولم أجد من ترجمه. اهـ.
ويشهد لصحة معناه ما في صحيح البخاري
(2)
من حديث عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتي بطعام يسأل: "أهدية أم صدقة؟ "، فإن قيْل: صدقة، قال لأصحابه: "كلوا"، وإن قيل: هدية، ضرب بيده فأكل معهم".
والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
قوله: (قال: نعم والأجر بينكما)، فيه دليل على أنه يجوز للعبد أن يتصدق من مال مولاه وأنَّه يكونُ شريكًا للمولى في الأجر.
وقد بوَّب البخاري في صحيحه
(3)
لذلك فقال: باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه.
وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "هو أحد المتصدقين"، ثم أورد حديث عائشة
(4)
قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعضٍ".
قال ابن رشيد
(5)
: نبه - يعني البخاري - بالترجمة على أن هذا الحديث
(1)
في "مجمع الزوائد"(4/ 161 - 162).
قال خليل بن محمد العربي في كتابه "الفرائد على مجمع الزوائد"(ص 140 - 141 رقم 216): سلمة بن معاوية أبو قرة: هو سلمة بن معاوية بن وهب بن قيس بن حجر، قاله ابن معين في رواية الدوري عنه - تاريخ الدوري (2/ 227) - وسلمة هذا من رواة التهذيب - تهذيب الكمال (34/ 239 - 240) - ". اهـ.
(2)
في صحيحه رقم (2576).
قلت: وأخرجه مسلم رقم (1077)، من حديث أبي هريرة.
(3)
في صحيحه (3/ 293 رقم الباب (7) - مع الفتح).
(4)
تقدم برقم (2494) من كتابنا هذا.
(5)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 294).
مفسِّر لها؛ لأنَّ كلًّا من الخازن والخادم والمرأة أمينٌ ليس له أن يتصرف إلا بإذن المالك نصًا أو عرفًا إجمالًا أو تفصيلًا، انتهى.
ولكن الرواية الأخرى من الحديث مُشْعِرةٌ [بأنه]
(1)
يكتب للعبد أجر الصدقة، وإن كان بغير إذن سيِّده؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأن الأجر بينهما بعد أن قال له سيد العبد "أنه يعطي طعامه من غير أمره".
قوله: (أن أقْدِر لحمًا)
(2)
بفتح الهمزة وسكون القاف وكسر الدال المهملة: أي اجعله في القِدْر. [والقَدِيرُ: القادِرُ، وما يُطْبَخُ في القِدْرِ]
(3)
، ويطلق أيضًا على القسمة. قال في القاموس
(4)
: قَدَرَ الرِّزْقَ: قَسَمَهُ. وقال أيضًا: قَدَرْتُه أقْدِرُهُ قَدَارَةً: هَيَّأتُ وَوَقَّتُّ، وآبي اللحم المذكور هو بالمد بزنة فاعل من الإباء، وقد قدمنا في هذا الشرح التنبيه على ذلك، وإنما أعدناه هاهنا لكثرة التباسه.
(1)
في المخطوط (ب): بأن.
(2)
قال ابن الأثير في النهاية (2/ 423) في حديث عمير مولى آبي اللحم: "أمرني مولاي أن أَقْدُرَ لحمًا"، أي: أطبخ قِدْرًا من لَحْم.
(3)
في المخطوط (أ)، (ب):(والثدير والقادر ما يطبخ في القدر)، والصواب ما أثبتناه من:"تاج العروس"(7/ 372).
• قال الزبيدي في "تاج العروس"(7/ 372): "والقديرُ والقادِرُ: ما يطبخ في القِدْر.
هكذا في سائر النسخ. وفي "اللسان": مرقٌ مقدورٌ وقدِيرٌ، أي: مطبوخ. والقدِيرُ: ما يطبخ في القِدْر. وقال الليث: القَدِيرُ: ما طُبخَ من اللَّحم بتوابلٍ، فإنْ لم يكن ذا توابلَ فهو طبيخ. وما رأيتُ أحدًا من الأئمة ذكرَ القادِر بهذا المعنى. ثم إنني تنبهتُ بعدَ زمان أنَّهُ أخذه - أي الفيروزآبادي صاحب القاموس المحيط (ص 591) - من عبارة الصاغاني: والقَدِيرُ: القادر" فَوَهِمَ، فإنَّه إنما عنى به صِفةَ الله تعالى لا بمعنى ما يُطبخُ في القِدْر، فتدبَّر.
ويمكن أنْ يقالَ: إنَّ الصواب في عبارته: "والقديرُ: القادِرُ، وما يطبخُ في القِدْر" فيرتفعُ الوهم حينئذٍ، ويكونُ توسيطُ الواوِ بينهما من تحريف النَّساخ، فافهمْه". اهـ.
وانظر: "المحكم والمحيط الأعظم" لابن سيدة (6/ 304).
و"تهذيب اللغة" للأزهري (9/ 22 - 23).
(4)
القاموس المحيط ص 591 وص 592.
[الكتاب الرابع والعشرون] كتاب الوقف
[الباب الأول] باب ما يعد من الوقف
1/ 2504 - (عَنْ أبي هُرَيْرَة أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذا ماتَ الانْسانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلاثةِ أشيْاءَ: صَدَقَة جَارِيةٍ، أوْ عِلْمٍ يُنْتَفْعُ بِه، أوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ وَابْنَ ماجَهْ)
(1)
. [صحيح]
2/ 2505 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أن عُمَرَ أصَابَ أرضًا منْ أرْضِ خَيْبَرَ، فَقَالَ: يا رَسُولَ الله أصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَر لَمْ أُصِبْ مالًا قَطُّ أنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تأمُرُنِي؟ فقالَ صلى الله عليه وسلم: "إن شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَها وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"، فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ على أنْ لا تُباعَ وَلا تُوهَبَ ولا تُورَثَ، في الفُقَراءِ وَذَوِي القُرْبَى وَالرِّقابِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبيلِ، لا جُناحَ على مَنْ وَليَها أنْ يأكُل مِنْهَا بالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوّلٍ. وفِي لَفْظٍ: غَيْرَ مُتأثِّلٍ مالًا. رَوَاهُ الجَماعَةُ
(2)
. [صحيح]
وفي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ قالَ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ: لَيْس على الوَلِي جناح أنْ يأكُلَ ويُؤْكِلَ صَدِيقًا لَهُ غَيْرَ مُتأثِّلٍ، قالَ: وكانَ ابْنَ عُمَرَ هُوَ يَلي صَدَقَةَ عُمَرَ، ويُهْدِي لِناسٍ مِنْ أهْلِ مَكَّةَ كانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِم. أخْرَجَهُ البُخارِيُّ
(3)
. [صحيح]
(1)
أحمد في المسند (2/ 372) ومسلم رقم (14/ 1631) وأبو داود رقم (2880) والترمذي رقم (1376) والنسائي رقم (3651).
وهو حديث صحيح.
(2)
أحمد في المسند (2/ 12، 13) والبخاري رقم (2737) ومسلم رقم (15/ 1632) وأبو دوود رقم (2878) والترمذي رقم (1375) والنسائي رقم (3599) وابن ماجه رقم وهو حديث صحيح.
(3)
في صحيحه رقم (2313). =
وفِيهِ منَ الفقْهِ: أن مَنْ وَقَفَ شَيْئًا على صِنْفٍ مِنَ النَّاسِ وَوَلَدُهُ مِنْهُمْ دَخَلَ فيهِ).
3/ 2506 - (وَعَنْ عُثمانَ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المَدِينَةَ وَلَيْس بِها ماءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ، فَقال:"مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ فِيها دَلْوَهُ مَعَ دِلاءِ المُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْها فِي الجَنَّةِ؟ " فاشْتَرَيْتُها مِنْ صُلْبِ مالي. رَوَاهُ النَّسائي
(1)
والتِّرْمِذِي
(2)
وقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. [حسن]
وفِيهِ جَوَازُ انْتِفاعِ الواقِفِ بِوَقْفِهِ العامّ).
حديث عثمان أخرجه [البخاري
(3)
أيضًا]
(4)
تعليقًا.
قوله: (إلا من ثلاثة أشياء) فيه دليل على أن ثواب هذه الثلاثة لا ينقطع بالموت.
قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كاسبها، فإن الولد من كسبه
(5)
، وكذا
= وهو حديث صحيح.
(1)
في سننه رقم (3608).
(2)
في سننه رقم (3703) وقال: هذا حديث حسن. وهو كما قال.
وقد حسنه الألباني في "الإرواء" رقم (1594).
(3)
في صحيحه (5/ 29) تعليقًا بصيغة الجزم.
(4)
في المخطوط (ب): (أيضًا البخاري).
(5)
قال محمد بن إسماعيل الأمير في "سبل السلام"(5/ 227) بتحقيقي:
"قالَ العلماءُ: لأنَّ ذلكَ من كسْبهِ، وفيه دليلٌ على أن دعاءَ الولدِ لأبويهِ بعدَ الموتِ يلحقُهما، وكذلكَ غيرُ الدعاءِ منَ الصدقَةِ، وقضاءِ الدَّيْنِ، وغيرهما.
واعلم أنه قد زيدَ على هذه الثلاثةِ ما أخرجَهُ ابنُ ماجَهْ - رقم (242) وهو حديث حسن - بلفظ: "إنَّ مما يلحقُ المؤمنَ من عملهِ وحسناتهِ بعد موتِه عِلْمًا علَّمَهُ ونشرَهُ، وولدًا صالحًا تركَهُ، أو مُصحفًا ورَّثَهُ، أو مسجدًا بناهُ، أو بيتًا لابن السبيلِ بناه، أو نهرًا أجراهُ، أو صدقةً أخرجَها من مالهِ في صحَّتِه وحياته تلحقُه من بعدِ موته". ووردَ خصالٌ أخرى تبلغُها عشرًا، ونظمها الحافظُ السيوطيُّ رحمه الله تعالى، قال:
إذا ماتَ ابنُ آدمَ ليسَ يجري
…
عليه مِنْ فِعالِ غيرُ عشرِ =
ما يخلفه من العلم كالتصنيف والتعليم، وكذا الصدقة الجارية وهي الوقف.
وفيه الإرشاد إلى فضيلة الصدقة الجارية والعلم الذي يبقى بعد موت صاحبه والتزوج الذي هو سبب حدوث الأولاد. وهذا الحديث قد قدمنا الكلام عليه وعلى ما ورد موروده في باب وصول ثواب القراءة المهداة إلى الموتى من كتاب الجنائز
(1)
.
قوله: (أرضًا بخيبر) هي المسماة بِثَمَغ كما في رواية للبخاريِّ
(2)
وأحمد
(3)
، وثَمَغٌ
(4)
بفتح المثلثة والميم، وقيل: بسكون الميم وبعدها غينٌ معجمة.
قوله: (أنفس منه) النفيس
(5)
: الجيد. قال الداوودي
(6)
: سمي نفيسًا لأنَّه يأخذ بالنفس.
قوله: (وتصدَّقت بها) أي: بمنفعتها، وفي رواية للبخاري:"حبّس أصلها وسبّل ثمرتها"، وفي أخرى له:"تصدَّق بثمره وحبَّس أصله".
قوله: (ولا يورث)، زاد الدارقطني
(7)
: "حبيس ما دامت السموات والأرض".
وفي رواية للبيهقي
(8)
: "تصدق بثمره وحبس أصله، لا يباع ولا يورث".
قال الحافظ
(9)
: وهذا ظاهر أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف بقية الروايات فإن الشرط فيها ظاهر أنه من كلام عمر.
= علومٌ بثَّها ودعاءُ نَجْلٍ
…
وغرسُ النخلِ والصدقاتُ تجري
وِراثةُ مصحفٍ ورباطُ ثغرٍ
…
وحَفْرُ البئرِ أو إجراءُ نَهْرِ
وبيتٌ للغريب بناهُ يأوي
…
إليه أو بناءُ محلِّ ذِكْرِ". اهـ.
(1)
الباب التاسع عند الحديث رقم (27/ 1487 - 31/ 1491) من كتابنا هذا (7/ 450 - 462).
(2)
في صحيحه رقم (2764).
(3)
في المسند (4/ 112).
(4)
النهاية (1/ 218 - 219) والفائق (2/ 295).
(5)
قال صاحب القاموس المحيط (ص 745): "النفيس: المال الكثير".
وقال الزبيدي في تاج العروس (9/ 20): "أنفسَ الشيءُ صار نفيسًا، وهذا أنفسُ مالي، أي: أحبُّه وأكرمُه عندي، وقد أنفسَ المالُ أنفاسًا".
(6)
ذكره الحافظ في الفتح (5/ 400).
(7)
في السنن (4/ 192 رقم 16).
(8)
في السنن الكبرى (6/ 160).
(9)
في "الفتح"(5/ 401).
وفي البخاري
(1)
بلفظ: "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره"".
وفي البخاري
(2)
أيضًا في المزارعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:"تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولكن ينفق ثمره فتتصدق به".
فهذا صريح أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا منافاة؛ لأنَّه يمكن الجمع بأن عمر شرط ذلك الشرط بعد أن أمره النبي صلى الله عليه وسلم به، فمن الرواة من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من وقفه على عمر لوقوعه منه امتثالًا للأمر الواقع منه صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وذوي القربى) قال في الفتح
(3)
: يحتمل أن يكون هم من ذكر في الخمس ويحتمل أن يكون المراد بهم قربى الواقف، وبهذا جزم القرطبي
(4)
.
قوله: (والضيف) هو من نزل بقوم يريد القِرى.
قولهُ: (أن يأكل منها بالمعروف) قيل: المعروف هنا هو ذكر في ولي اليتيم، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب ما يحل لولي اليتيم من كتاب التفليس
(5)
.
قال القرطبي
(6)
: جرت العادة بأنَّ العامل يأكل من ثمرة الوقف حتى لو اشترط الواقفُ: أن العاملَ لا يأكل لاستقبح ذلك منه.
والمراد بالمعروف: القدر الذي جرت به العادة.
وقيل: القدر الذي يدفع الشهوة.
وقيل: المراد أن يأخذ منه بقدر عمله والأول أولى كذا في الفتح
(7)
.
قوله: (غير متموِّلٍ)، أي: غير متخذ منها مالًا، أي: ملكًا.
قال الحافظ
(8)
: والمراد أنه لا يتملّك شيئًا من رقابها.
(1)
في صحيحه رقم (2737).
(2)
في صحيحه (5/ 17 رقم الباب 14 - مع الفتح) معلقا.
(3)
(5/ 401).
(4)
في "المفهم"(4/ 602).
(5)
الباب السابع عند الحديث رقم (2323) من كتابنا هذا.
(6)
في "المفهم"(4/ 602).
(7)
(5/ 401).
(8)
في "الفتح"(5/ 401).
قوله: (غير متأثِّلٍ) بمثناة ثم مثلثة بينهما همزة، وهو اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم، وأثلة كل شيء: أصله.
قوله: (قال في صدقة عمر) أي: في روايته لها عن ابن عمر كما جزم بذلك المزي في الأطراف
(1)
. ورواهُ الإسماعيلي
(2)
من طريق ابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عمر.
قوله: (وكان ابن عمر) هو موصول الإسناد كما في رواية الإسماعيلي
(3)
.
قوله: (لناس) بيّن الإسماعيلي أنهم آل عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص، وإنما كان ابن عمر يهدي منه أخذًا بالشرط المذكور وهو: ويؤكِلُ صديقًا له. ويحتمل أن يكون إنما أطعمهم من نصيبه الذي جعل له أن يأكل منه بالمعروف، فكان يُؤخِّره ليهديَ لأصحابه منه.
قال في الفتح
(4)
: وحديث عمر هذا أصل في مشروعية الوقف. وقد روى أحمد
(5)
عن ابن عمر قال: أول صدقة - أي موقوفة - كانت في الإسلام صدقة عمر.
وروى عمر بن شبة
(6)
عن عمرو بن سعد بن معاذ قال: "سألنا عن أول حبس في الإسلام، فقال المهاجرون: صدقة عمر، وقال الأنصار: صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده الواقدي.
وفي مغازي الواقدي
(7)
أن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي مُخَيريق بالمعجمة مصغرًا التي أوصى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوقفها.
(1)
(6/ 110).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 401).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(4/ 491).
(4)
(5/ 402).
(5)
في المسند (2/ 156 - 157) بسند ضعيف لضعف عبد الله وهو ابن عمر العمري. لكن الحديث صحيح لغيره.
(6)
لم أقف عليه عنده، بل ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 402).
(7)
قال الواقدي في "المغازي"(1/ 262 - 263): "وكان مُخَيريق اليهودي من أحبار اليهود، فقال يوم السبت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بأُحُد: يا معشر اليهود، والله إنكم لتعلمون أنَّ محمدًا نبيٌّ، وأنَّ نَصْرَه عليكم لحَقّ، قالوا: إن اليوم يوم السبت. قال: لا سبت! ثم أخذ سلاحه ثم حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم فأصابه القتلُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُخَيريق خير يهود". وقد كان مخيريق حين خرج إلى أُحُد قال: إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله! فهي عامّة صدقات النبي صلى الله عليه وسلم ". اهـ.
وقد ذهب إلى جواز الوقف ولزومه جمهور العلماء
(1)
.
قال الترمذي
(2)
: لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافًا في جواز وقف الأرضين. وجاء عن شريح
(3)
أنه أنكر الحبس. وقال أبو حنيفة
(4)
: لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا زفر.
وقد حكى الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال: لو بلغ أبا حنيفة لقال به.
واحتج الطحاوي
(5)
لأبي حنيفة بأن قوله صلى الله عليه وسلم: "حبس أصلها" لا يستلزم التأبيد، بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره.
قال في الفتح
(6)
: ولا يخفى ضعف هذا التأويل، ولا يفهم من قوله:"وقفت وحبست" إلا التأبيد حتى يصرح بالشرط عند من يذهب إليه، وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها:"حبس ما دامت السموات والأرض".
قال القرطبي
(7)
: رادّ الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه
(8)
، انتهى.
ومما يؤيد [هنا]
(9)
ما ذهب إليه الجمهور
(10)
حديث: "أما خالد فقد حبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله"، وهو متفق عليه
(11)
. وقد تقدم في الزكاة
(12)
.
ومن ذلك حديث أبي هريرة المذكور في أول الباب
(13)
، فإن قوله:"صدقة جارية" يشعر بأن الوقف يلزم ولا يجوز نقضه، ولو جاز النقض لكان الوقف صدقة منقطعة، وقد وصفه في الحديث بعدم الانقطاع.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يباع ولا يوهب ولا يورث" ما تقدم
(14)
، فإن هذا منه صلى الله عليه وسلم بيان لماهية التحبيس التي أمر بها عمر، وذلك يستلزم لزوم الوقف وعدم جواز نقضه، وإلا لما كان تحبيسًا، والمفروض أنه تحبيس.
(1)
المغني لابن قدامة (8/ 184 - 186).
(2)
في السنن (3/ 660).
(3)
أخرجه عنه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 251 رقم 972).
(4)
في المبسوط (12/ 27) وبدائع الصنائع (6/ 218).
(5)
في شرح معاني الآثار (4/ 95).
(6)
(6)(5/ 403).
(7)
في "المفهم"(4/ 600).
(8)
انظر: موسوعة الإجماع (2/ 1139 رقم 1).
(9)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(10)
المغني (8/ 185).
(11)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 322) والبخاري رقم (1468) ومسلم رقم (11/ 983).
(12)
في الباب الثاني عند الحديث رقم (1567) من كتابنا هذا.
(13)
تقدم برقم (2504) من كتابنا هذا.
(14)
تقدم برقم (2505) من كتابنا هذا.
ومن ذلك حديث أبي قتادة عند النَّسَائِي
(1)
وابن ماجه
(2)
وابن حبان
(3)
مرفوعًا: "خيرُ ما يخلفه الرجل بعدَهُ ثلاثٌ: ولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ، وصدقةٌ تجري يبلُغُهُ أجرُهَا، وعِلْمٌ يعمل به من بعدِهِ".
والجري يستلزم عدم جواز النقض من الغير، ومن ذلك وقف أبي طلحة الآتي
(4)
وقولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم له: "أرى أن تجعلها في الأقربين".
وما روي من حديث أنس عند الجماعة
(5)
: "أن حسان باع نصيبه منه"، فمع كونِ فعلِهِ ليس بحجَّةٍ قد رُوي أنه أنكر عليه.
ومن ذلك وقف جماعة من الصحابة منهم عليٌّ، وأبو بكرٍ، والزبيرُ، وسعيدُ، وعمرُو بن العاص، وحكيمُ بن حزام، وأنسُ وزيدُ بن ثابتٍ، روى ذلك كله البيهقي
(6)
.
(1)
في "اليوم والليلة" كما في "التحفة"(9/ 248).
(2)
في سننه رقم (241).
(3)
في صحيحه رقم (93) و (4902).
وهو حديث صحيح.
(4)
برقم (2510) من كتابنا هذا.
(5)
• تقدم تخريجه وسيأتي برقم (2510) من كتابنا هذا. وقد قال الحافظ في "الفتح"(5/ 381): "وذكر محمد بن الحسن بن زبالة في "كتاب المدينة" من مرسل أبي بكر بن حزم زيادة على ما في حديث أنس ولفظه: "أنَّ أبا طلحة تصدّق بماله، وكان موضعه قصر بني حديلة، فدفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّه على أقاربه أبي بن كعب، وحسان بن ثابت، وثبيط بن جابر وشداد بن أوس، أو ابنه أوس بن ثابت فتقاوموه، فصار لحسان، فباعه من معاوية بمئة ألف فابتنى قصر بني حديلة في موضوعها". ثم قال الحافظ:"وابن زبالة ضعيف، فلا يحتج بما ينفرد به، فكيف إذا خالف". اهـ.
ثم قال الحافظ في "الفتح"(5/ 388): "هذا يدل على أن أبا طلحة ملكهم الحديقة المذكورة ولم يقفها عليهم إذ لو وقفها ما ساغ لحسان أن يبيعها، فيعكر على من استدل بشيء من قصة أبي طلحة في مسائل الوقف إلا فيما لا تخالف فيه الصدقة الوقف. ويحتمل أن يقال شرط أبو طلحة عليهم لما وقفها عليهم أن من احتاج إلى بيع حصته منهم جاز له بيعها. وقد قال بجواز هذا الشرط بعض العلماء كعلي وغيره والله أعلم" اهـ.
(6)
في السنن الكبرى (6/ 161 - 162).
• وفي "المعرفة"(9/ 48 رقم 12310) أخرجه عن أنس، أنه وقف دارًا بالمدينة، فكان إذا حج بالمدينة فنزل داره.
• وفي "المعرفة"(9/ 49 رقم 12313) أخرجه عن زيد بن ثابت وابن عمر أنه حبس كل واحد منهما داره، وكان يسكن مسكنًا منها.
ومنه أيضًا وقف عثمان لبئر رومة كما في حديث الباب
(1)
.
واحتج لأبي حنيفة
(2)
ومن معه بما أخرجه البيهقي في الشعب
(3)
من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت آية الفرائض: "لا حبس بعد سورة النساء".
ويجاب عنه بأن في إسناده ابن لهيعة ولا يحتج بمثله. ويجاب أيضًا بأن المراد بالحبس المذكور: توقيف المال عن وارثه وعدم إطلاقه إلى يده. وقد أشار إلى مثل ذلك في النهاية
(4)
.
وقال في البحر
(5)
: أراد حبس الجاهلية للسائبة والوصيلة والحام.
سلَّمنا فليس في آية الميراث منع الوقف لافتراقهما، انتهى.
وأيضًا لو فرض أن المراد بحديث ابن عباس الحبس الشامل للوقف لكونه نكرة في سياق النفي لكان مخصصًا بالأحاديث المذكورة في الباب.
واحتج لهم أيضًا على عدم لزوم حكم الوقف بما رواه الطحاوي
(6)
وابن عبد البر
(7)
عن الزهري: "أن عمر قال: لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها"، وهو يشعر بأن الوقف لا يمتنع الرجوع عنه، وأن الذي منع عمر من الرجوع كونه ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، فكره أن يفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره.
ويجاب عنه بأنه لا حجة في أقوال الصحابة وأفعالهم إلا إذا وقع الإجماع منهم ولم يقع هاهنا.
وأيضًا هذا الأثر منقطع؛ لأن الزهري لم يدرك عمر.
(1)
تقدم برقم (2506) من كتابنا هذا.
(2)
المبسوط (12/ 27).
وانظر: "التمهيد"(16/ 448 - 449).
(3)
لم أقف عليه في الشعب. بل أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 162) بسند ضعيف لضعف ابن لهيعة.
(4)
(1/ 324).
(5)
البحر الزخار (4/ 149).
(6)
في شرح معاني الآثار (4/ 96).
(7)
التمهيد (16/ 450).
وهو أثر منقطع لأن الزهري لم يدرك عمر.
فالحق أن الوقف من القربات التي لا يجوز نقضها بعد فعلها لا للواقف ولا لغيره.
وقد حكي في البحر
(1)
عن محمد وابن أبي ليلى أن الوقف لا ينفذ إلا بعد القبض، وإلا فللواقف الرجوع لأنَّه صدقة ومن شرطها القبض.
ويجاب بأنه بعد التحبيس قد تعذر الرجوع، وإلحاقه بالصدقة إلحاق مع الفارق.
قوله: (من يشتري بئر رومة) بضم الراء وسكون الواو. وفي رواية للبغوي في الصحابة
(2)
من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه: "أنها كانت لرجل من بني غفار عين يقال لها: رُوْمَةَ، وكان يبيع منها القربة بمدٍّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال: يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي ما جعلت له؟ قال: نعم، قد جعلتها للمسلمين".
وللنسائي
(3)
من طريق الأحنف عن عثمان قال: "اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك"، وزاد أيضًا في رواية
(4)
من هذه الطريق أن عثمان قال ذلك وهو محصور، وصدقه جماعة منهم: علي بن أبي طالب [عليه السلام]
(5)
وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص.
قوله: (فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين)، فيه دليل على أنه يجوز للواقف أن يجعل لنفسه نصيبًا من الوقف
(6)
.
ويؤيده جعل عمر لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف، وظاهره عدم الفرق بين أن يكون هو الناظر أو غيره.
(1)
البحر الزخار (4/ 149).
(2)
"الصحابة"، البغوي، (أبو القاسم، عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، ت 317 هـ) منه قطعة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحت رقم (791) مصورة عن المكتبة العامة بالرباط.
[معجم المصنفات (ص 259 رقم 772)].
(3)
في سننه رقم (3606).
وهو حديث صحيح.
(4)
أي: للنسائي رقم (3607).
وهو حديث صحيح.
(5)
زيادة من المخطوط (ب).
(6)
المغني (8/ 191).
قال في الفتح
(1)
: ويُستنبط منه صحة الوقف على النفس، وهو قول ابن أبي ليلى
(2)
، وأبي يوسف
(3)
، وأحمد
(4)
في الأرجح عنه، وقال به ابن شعبان من المالكية
(5)
، وجمهورهم على المنع إلا إذا استثنى لنفسه شيئًا يسيرا بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته.
ومن الشافعية ابن سريج وطائفة. وصنف فيه محمد بن عبد الله الأنصاري
(6)
شيخُ البخاريِّ جزءا ضخمًا.
واستدل له بقصة عمر هذه، وبقصة راكب البدنة، وبحديث أنس
(7)
في "أنه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها".
ووجه الاستدلال به أنه أخرجها عن ملكه بالعتق وردها إليه بالشرط. اهـ.
وقد حكى في البحر
(8)
جواز الوقف على النفس عن العترة وابن شبرمة والزبيري وابن الصباغ.
وعن الشافعي
(9)
ومحمد والناصر أنه لا يصح الوقف على النفس، قالوا:
(1)
(5/ 403).
(2)
حكاه عنه ابن قدامة في المغني (8/ 191).
(3)
المبسوط (12/ 41)، وانظر: بدائع الصنائع (6/ 219).
(4)
المغني (8/ 191).
(5)
مواهب الجليل (7/ 636 - 637).
(6)
"جزيء الأنصاري"(محمد بن عبد الله بن المثنى، ت 214).
انظر: "تاريخ التراث العربي"(1/ 279).
[معجم المصنفات (ص 157 رقم 396)].
(7)
وهو حديث صحيح.
• أخرجه أحمد في المسند (3/ 186) والبخاري رقم (4201) وابن سعد في "الطبقات"(8/ 124) والبيهقي (7/ 58).
• وأخرجه أحمد في المسند (3/ 102) والبخاري رقم (371) ومسلم رقم (84/ 1365) ضمن قصة خيبر.
(8)
البحر الزخار (4/ 153).
(9)
قال العمراني في البيان (8/ 66): "إذا وقفَ شيئًا على نَفْسِهِ، ثمَّ على الفقراءِ والمساكين؛ أو على نفسِهِ وأولادِه، ثم على الفقراءِ .. لم يصحّ الوقف على نفسه.
وقالَ ابنُ أبي ليلى، وابنُ شُبُرمةَ، وأبو يوسفَ، وأحمدُ:(يصحُّ). =
لأنَّه تمليك فلا يصح أن يتملكه لنفسه من نفسه كالبيع والهبة، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"سبِّل الثمرة"، وتسبيل الثمرة: تمليكها للغير.
قال في الفتح
(1)
: وتعقب بأن امتناع ذلك غير مستحيل، ومنعه تمليكه لنفسه إنما هو لعدم الفائدة، والفائدة في الوقف حاصلة؛ لأنَّ استحقاقه إياه ملكًا غير استحقاقه إياه وقفًا. اهـ.
ويؤيد صحة الوقف على النفس حديث الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "عندي دينار، فقال: تصدق به على نفسك"، أخرجه أبو داود
(2)
والنسائي
(3)
، وأيضًا المقصود من الوقف تحصيل القربة وهي حاصلة بالصرف إلى النفس.
[الباب الثاني] باب وقف المشاع والمنقول
4/ 2507 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قالَ عُمَرُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ المِائَةَ السَّهْمَ الَّتِي لِي
= قال ابنُ الصباغ: وإليه ذهبَ أبو العبَّاسِ، وأبو عبدِ اللهِ الزبيري من أصحابنا؛ لِما روىَ: أن عمرَ رضي الله عنه لما وقفَ قال: "لا بأسَ على مَنْ وليَها أن ياكلَ منها غيرَ متأثِّلٍ مالًا". فجعلَ لمن يليها أنْ يأكلَ منها. وقد يليَها الواقفُ وغيرُهُ. وقد كانت بيدِهِ إلى أن مات.
ورويَ: أن عثمانَ رضي الله عنه لمَّا وقفَ بئرَ رومةَ قال: "دلوي منها كدلاء المسلمين" - صحيح تقدم برقم (2506) من كتابنا هذا - ولأنَّ الوقفَ وقفانِ: وقفٌ خاصٌّ، ووقِفٌ عامٌّ. ثمَّ ثبتَ: أن الوقفَ العامَ له فيهِ حظٌّ، وهو: إذا وقفَ مسجدًا أو سِقايةً .. فإنَّ لَه أَنْ يصلِّيَ في المسجدِ، ويشربَ من السقايةِ، فكذلكَ في الوقفِ الخاصِّ.
ودليلُنا: أنَّ الوقفَ تمليكٌ للرقَبةِ والمنفعةِ، فلا يجوزُ أنْ يُملِّكَ نفسَهُ مِنْ نفسِهِ، كما لا يجوزُ ذلك في البيعِ والهبة.
وأمَّا حديثُ عمر: فمحمولٌ على أنَّه شرطَ ذلكَ لغيرِهِ.
وأمَّا حديثُ عثمان: فلأن ذلكَ وقفٌ عامٌّ، وهو يدخلُ في العامّ من غيرِ شرط.
إذا ثبت هذا، وأنَّ وقفَهُ على نفسِهِ لا يصحُّ: فإنَّه يكونُ وَقفًا منقطعَ الابتداءِ متّصلَ الانتهاءِ، على ما يأتي بيانُهُ". اهـ.
(1)
(5/ 404).
(2)
في سننه رقم (1691).
(3)
في سننه رقم (2535).
كلاهما من حديث أبي هريرة، وهو حديث حسن.
بِخَيْبَر لَمْ أُصِبْ مالًا أعْجَبَ قَطُّ إليَّ مِنْها قَدْ أرَدْتُ أنْ أتَصَدَّقَ بِها، فَقالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"احْبِسْ أصْلَها وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا"، رَوَاهُ النَّسائيُّ
(1)
وَابْنُ ماجَهْ)
(2)
. [صحيح]
5/ 2508 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الله إيمَانًا وَاحْتِسابًا فإنَّ شِبَعَهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزانِهِ يَوْمَ القِيامَةِ حَسَناتٌ"، رَوَاهُ أحْمَدَ
(3)
وَالبُخارِي)
(4)
. [صحيح]
6/ 2509 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: أرَادَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الحَجَّ، فَقالَتِ امْرأةٌ لِزَوْجِها: أَحِجَّني مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ما عِنْدِي ما أُحِجُّكِ عَلَيْهِ، قالَتْ: أحِجَّني
(1)
في سننه رقم (3604).
(2)
في سننه رقم (2397).
قلت: وأخرجه الشافعي في "بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن"(2/ 127 رقم 1379) والبيهقي (6/ 162) من طرق عن سفيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه.
قال الألباني في "الإرواء"(6/ 31): "وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين". وأخرجه أحمد في المسند (2/ 156 - 157) من طريق عبد الله عن نافع به مختصرًا بلفظ: "أول صدقة كانت في الإسلام صدقة عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احبس أصولها، وسبِّل ثمرتها".
وعبد الله هو المكبر أخو عبيد الله الذي في الطريق الأولى.
والمكبر: ضعيف، والمصغر: ثقة". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(3)
في المسند (2/ 374).
(4)
في صحيحه رقم (2853).
قلت: وأخرجه البغوي في "شرح السنة" رقم (2648) وفي "التفسير"(2/ 259) عن علي بن حفص. وابن حبان رقم (4673) والبيهقي في الشعب رقم (4303) من طريق حبان بن موسى. وفي السنن الكبرى (10/ 16) من طريق عبدان. ثلاثتهم عن ابن المبارك، عن طلحة بن أبي سعيد، سمعت سعيدا المقبري يحدث أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من احتب فرسًا
…
" الحديث.
وأخرجه النَّسَائِي (6/ 225) وأبو يعلى رقم (6568) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 274) والحاكم (2/ 92) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 16) من طريق ابن وهب، عن طلحة بن أبي سعيد، به.
وهو حديث صحيح.
عَلَى جَمَلِكَ فُلانٍ، قالَ: ذلكَ حَبِيسٌ فِي سبيل الله، فأتى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فسأله: فَقَالَ: "أمَا إنَّكَ لَوْ أحْجَجْتَها عَلَيْهِ كانَ فِي سَبيلِ الله" رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(1)
. [صحيح].
وَقَدْ صَحَّ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ فِي حَقّ خالِدٍ: "قَدِ احْتَبَس أدْرَاعَهُ وأعْتادَهُ فِي سَبِيلِ الله")
(2)
. [صحيح]
حديث ابن عمر أخرجه أيضًا الشافعي
(3)
ورجال إسناده ثقات، وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة
(4)
كما تقدم، وله طرق عند الشيخين.
وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه
(5)
، وأخرجه أيضًا البخاري
(6)
والنسائي
(7)
مختصرًا، وسكت عنه أبو داود
(8)
والمنذري
(9)
ورجال إسناده ثقات.
(1)
في سننه رقم (1990).
قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 183 - 184) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 164)، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وتعقبه الذهبي بقوله:
"قلت: عامر ضعفه غير واحد، وبعضهم قواه، ولم يحتج به البخاري".
وقال الحافظ في "التقريب" رقم (3103): صدوق يخطئ.
وقال المحرران: بل: صدوق حسن الحديث، فقد وثقه أبو حاتم، وناهيك به من متشدد، وأخرج له مسلم في صحيحه، وقال ابن معين: لا بأس به، وقال ابن عدي: لا أرى برواياته بأسًا. وذكره ابن حبان وابن شاهين في "الثقات"، وضعفه أحمد، وقال النَّسَائِي:"ليس بالقوي".
وللحديث شواهد يرقى بها الحديث إلى درجة الصحة. انظر بعضها في: إرواء الغليل رقم (869).
(2)
وهو حديث صحيح.
أخرجه البخاري رقم (1468) ومعلقًا (3/ 311)، (6/ 99) ومسلم رقم (11/ 983) وأبو داود رقم (1623) والنسائي رقم (2464) وأحمد (2/ 322) من حديث أبي هريرة.
(3)
في بدائع المنن (2/ 127 رقم 1379) وقد تقدم.
(4)
أحمد في المسند (2/ 11 - 12) والبخاري رقم (2737) ومسلم رقم (15/ 1632).
(5)
ابن خزيمة في صحيحه رقم (3077).
(6)
في صحيحه رقم (1863).
(7)
في سننه رقم (2110).
وهو حديث صحيح.
(8)
في السنن (2/ 505).
(9)
في "المختصر"(2/ 422).
وقد تقدم نحوَه من حديث أم معقل الأسدية
(1)
في باب الصرف في سبيل الله وابن السبيل من كتاب الزكاة.
وحديث تحبيس خالد لأدراعه وأعتاده قد تقدم
(2)
أيضًا في باب ما جاء في تعجيل الزكاة من كتاب الزكاة.
قوله: (إن المائة السهم) إلخ، استدل المصنف بهذا الحديث على صحة وقف المشاع.
وقد حكى صحة ذلك في البحر
(3)
عن الهادي والقاسم والناصر والشافعي
(4)
وأبي يوسف
(5)
ومالك
(6)
.
واحتج لهم بأن عمر وقف مائة سهم بخيبر ولم تكن مقسومة.
وحكى في البحر
(7)
أيضًا عن الإمام يحيى، ومحمد
(8)
: أنه لا يصح وقف المشاع لأن من شرطه التعيين.
وحكى
(9)
أيضًا عن المؤيد بالله أنه يصح فيما قسمته مهايأة لا في غيره لتأديته إلى منع القسمة أو بيع الوقف.
وعن أبي طالب
(10)
يصحُّ فيما قسمته إفرازٌ كالأرض المستوية وإلا فلا.
وأوضح ما احتجَّ به من منع من وقف المشاع أن كلَّ جزءٍ من المشترك محكوم عليه بالمملوكية للشريكين، فيلزم مع وقف أحد الشريكين أن يحكم عليه بحكمين مختلفين متضادين مثل صحة البيع بالنسبة إلى كونه مملوكا، وعدم الصحة بالنسبة إلى كونه موقوفا فيتصف كل جزء بالصحة وعدمها، ويتَّصف بذلك الجملة.
(1)
تقدم برقم (1607) من كتابنا هذا.
(2)
تقدم برقم (1567) من كتابنا هذا.
(3)
البحر الزخار (4/ 151).
(4)
البيان للعمراني (8/ 63).
(5)
المبسوط (12/ 37).
(6)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 222).
(7)
البحر الزخار (4/ 151).
(8)
أي: محمد بن الحسن الشيباني وحكاه عنه أيضًا العمراني في البيان (8/ 63).
(9)
أي: المهدي في البحر الزخار (4/ 151).
(10)
البحر الزخار (4/ 151).
وأجاب صاحب المنار
(1)
عن هذا بأنه نظير العتق المشاع، وقد صح ذلك هناك كحديث الستة الأعبد
(2)
كما صح هنا، وإذا صح من جهة الشارع بطل هذا الاستدلال.
وقد استدل البخاري
(3)
على صحة وقف المشاع بحديث أنس في قصة بناء المسجد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثامنوني حائطكم، فقالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل".
وهذا ظاهر في جواز وقف المشاع، ولو كان غير جائز لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قولهم هذا وبيَّن لهم الحكم.
وحكى ابن المنيِّر
(4)
عن مالك أنَّه لا يجوزُ وقفُ المشاع إذا كان الواقف واحدًا لأنَّه يدخل الضرر على شريكه.
(1)
المقبلي في "المنار"(2/ 146).
(2)
• أخرج أحمد في المسند (5/ 341) وسعيد بن منصور في سننه رقم (409) والطحاوي في شرح المشكل رقم (740) بسند ضعيف لكن الحديث صحيح لغيره.
عن أبي زيد الأنصاري: "أن رجلًا أعتقَ ستةَ أعبُدٍ عند موتِهِ ليس له مالٌ غيرُهم، فأقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقَ اثنين، وأرقَّ أربعة".
• وأخرجه أحمد في المسند (4/ 426) والطيالسي رقم (845) ومسلم رقم (57/ 1668) وأبو داود رقم (3958) والترمذي رقم (1364) والنسائي في الكبرى رقم (4974) ط: دار الكتب العلمية والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (743) وابن حبان رقم (4542) والطبراني (ج 18 رقم 431 و 457 و 458) والدارقطني (4/ 234) والبيهقي (10/ 285) وابن عبد البر في "التمهيد"(23/ 418 - 419) ط: ابن تيمية؛ من طرق.
وهو حديث صحيح.
عن عمران بن حُصين: "أنَّ رجلا أعتقَ ستةَ مملوكينَ له عند موتهِ، لم يكن له مالٌ غيرُهم، فدعا بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثًا، ثم أقرعَ بينَهم، فأعتقَ اثنين، وأرقَّ أربعة، وقال له قولًا شديدًا".
(3)
في صحيحه رقم (428) ومسلم رقم (524) من حديث أنس.
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 399).
وقال الحافظ متعقبًا على ابن المنير: "في هذا نظر؛ لأن الذي يظهر أن البخاري أراد الرد على من ينكر وقف المشاع مطلقًا، وقد تقدم قبل أبواب أنه ترجم: "إذا تصدق أو وقف بعض ماله فهو جائز" (5/ 386 رقم الباب 16 - مع الفتح) وهو وقف الواحد المشاع، وقد تقدم البحث فيه هناك". اهـ.
قوله: (من احتبس فرسًا) إلخ، فيه دليل على أنه يجوز وقف الحيوان، وإليه ذهب العترة
(1)
والشافعي
(2)
والجمهور
(3)
.
وقال أبو حنيفة
(4)
: لا يصح لعدم دوامه.
وقال محمد: لا يصح في الخيل فقط إذ هي معروضة للتلف. وحديث الباب يرد عليهما.
ويؤيد الصحة حديث عمر بن الخطاب المتقدم
(5)
في باب نهي المتصدق أن يشتري ما تصدق به من كتاب الزكاة، فإن فيه أن عمر حمل على فرس في سبيل الله، واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقرره ونهاه عن شرائه برخص، وقد ترجم عليه البخاري
(6)
في كتاب الوقف: باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت.
ومن أدلة الصحة حديث ابن عباس
(7)
المذكور.
وحديث تحبيس خالد يدل على جواز وقف المنقولات
(8)
، وقد تقدم الكلام عليه.
[الباب الثالث] باب من وقف أو تصدق على أقربائه أو وصى لهم من يدخل فيه
7/ 2510 - (عَنْ أنَسٍ أن أبا طَلْحَةَ قالَ: يا رَسُولَ الله إن الله يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]
(9)
وإنَّ أحَبَّ أمْوَالي إليَّ بَيْرَحَاء، وَإنَّهَا صَدَقَةٌ لله أرْجُو بِرَّها وَذُخْرَها عِنْدَ الله، فَضعْها يا رَسُولَ الله حَيْثُ أراكَ الله، فَقَالَ: "بَخٍ
(1)
البحر الزخار (4/ 150).
(2)
البيان للعمراني (8/ 65).
(3)
المغني (8/ 221).
(4)
بدائع الصنائع (6/ 220) والمبسوط (12/ 45).
(5)
تقدم برقم (1614) من كتابنا هذا.
(6)
في صحيحه (5/ 405 رقم الباب 31 - مع الفتح).
(7)
تقدم برقم (2509) من كتابنا هذا.
(8)
تقدم بإثر الرقم (2509) من كتابنا هذا.
(9)
سورة آل عمران، الآية:(92).
بَخٍ، ذلكَ [مالٌ]
(1)
رَابخٌ" مَرَّتَيْنِ، وَقَدْ سَمِعْتُ [ما قلت وإني]
(2)
، "أُرَى أنْ تجعَلَها فِي الأقْرَبِينَ"، فَقَالَ أبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يا رَسُولَ الله، فَقَسَمَها أبُو طَلْحَة فِي أقَارِبِه وَبَنِي عَمِّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
. [صحيح]
وفِي رِوَايةٍ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ}
(4)
، قَالَ أبُو طَلْحَةَ: يا رَسُولَ الله أرَى رَبَّنا يَسألُنا مِنْ أمْوَالِنا فأُشْهِدُكَ إني جَعَلْتُ أرْضي بَيْرَحاءَ لله، فَقالَ:"اجْعَلْها فِي قَرَابَتِكَ"، قالَ فَجَعَلَها فِي حَسَّانِ بْنِ ثابِتٍ وأبيّ بْنِ كَعْبٍ رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
وَمُسْلِمٌ
(6)
. [صحيح]
وِلْلبُخارِي
(7)
مَعْناهُ وَقالَ فِيه: "اجْعَلْها لِفُقَرَاءِ قَرَابَتكَ". [صحيح]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الأنْصارِيُّ: أبُو طَلْحَةَ زيدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الأسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عمْرِو بْنِ زيدِ مَناةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَحَسَّانِ بْنِ ثابِت بْنِ المُنْذِرِ بْنِ حرَامٍ، يَجْتَمعانِ إلى حرَامٍ وَهُوَ الأب الثَّالثُ، وأُبَيُّ بنُ كَعْبِ بن قَيْسِ بْنِ عَتِيك بْنِ مُعاوِيةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَعَمْروٌ يَجْمَعُ حَسَّانَ وأبا طَلْحَةَ وأبَيًّا
(8)
، وبَيْنَ أُبَيٍّ وأبي طَلْحَةَ ستَّةُ آباءٍ).
8/ 2511 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَة قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَأَنذِرْ عَشِيَرتَكَ
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(2)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).
(3)
أحمد في المسند (3/ 141) والبخاري رقم (2758) ومسلم رقم (42/ 998).
(4)
سورة آل عمران، الآية:(92).
(5)
في المسند (3/ 285).
(6)
في صحيحه رقم (43/ 998).
وهو حديث صحيح.
(7)
في صحيحه (5/ 379 رقم الباب 10 - مع الفتح).
قال الألباني في "مختصر صحيح الإمام البخاري"(2/ 247 - 248 رقم 442): هو طرف من حديث وصله أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم. ووصله المصنف بنحوه من طريق أخرى عن أنس فيما مضى (24 - الزكاة 46 - باب رقم الحديث 695) ووصله في الباب من طريق ثانية.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(8)
هذا من كلام الأنصاري شيخ البخاري كما استظهره الحافظ.
الأَقرَبِينَ}
(1)
دَعا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا فاجْتَمَعُوا فَعَمّ وَخَصَّ، فَقالَ:"يا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤيّ: أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّة بْنِ كَعْبٍ أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يا بَني عَبْدِ شَمْسٍ أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ؛ يا بَني عَبْدِ مَنَافٍ أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يا بَنِي هاشِمٍ أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يا فاطِمَةُ أنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فإني لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا غَيْرَ أن لَكُمْ رَحِمًا سأبِلُّها بِبِلَالِهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ). [صحيح]
قوله: (بيرحاء) بفتح الموحدة، وسكون التحتية، وفتح الراء وبالمهملة والمدِّ، وجاء في ضبطه أوجهٌ كثيرةٌ جمعها ابن الأثير في النهاية
(3)
فقال: ويُروى بفتح الباء وبكسرها وبفتح الراء وضمها وبالمد والقصر، فهذه ثمان لغات.
وفي رواية حماد بن سلمة "بريحا" بفتح أوَّله وكسر الراء وتقديمها على التحتانية، وهي عند مُسلم
(4)
، ورجَّح هذه صاحب الفائق
(5)
وقال: هي وزن فعيلة من البراح: وهي الأرض الظاهرة المنكشفة.
وعند أبي داود
(6)
"بأريحا" وهي بإشباع الموحدة والباقي مثله، ووهم من ضبطه بكسر الموحدة وفتح الهمزة، فإن أريحا من الأرض المقدسة.
قال الباجي
(7)
: أفصحها بفتح الباء الموحدة وسكون الياء وفتح الراء مقصورًا، وكذا جزم به الصغاني
(8)
.
وقال الباجي (7) أيضًا: أدركت أهل العلم ومنهم أبو ذر يفتحون الراء في كل حال.
(1)
سورة الشعراء، الآية:(214).
(2)
أحمد في المسند (2/ 333، 360، 519) والبخاري رقم (4771) ومسلم رقم (348/ 204) واللفظ له.
(3)
في غريب الحديث (1/ 120).
(4)
في صحيحه رقم (43/ 998).
(5)
الفائق (1/ 93).
(6)
في سننه رقم (1689).
وهو حديث صحيح.
(7)
ذكره عياض في "المشارق"(1/ 116).
(8)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(3/ 326).
قال الصوري
(1)
: وكذا الباء الموحدة.
قوله: (بخ بخ) كلاهما بفتح الموحدة وسكون المعجمة، وقد ينوّن مع التثقيل أو التخفيف بالكسر وبالرفع لغات.
قال في الفتح
(2)
: وإذا كررت فالاختيار أن تنوّن الأولى وتسكن الثانية، وقد يسكنان جميعًا كما قال الشاعر
(3)
:
بَخْ بَخْ لوالدهِ وللمَوْلودِ
ومعناهما تفخيم الأمر والإعجاب به.
قوله: (رابح) شكَّ القعنبي
(4)
هل هو بالتحتانية، أو بالموحدة؟ ورواه البخاريُّ عن بالشك.
قوله: (في الأقربين) اختلف العلماء في الأقارب.
فقال أبو حنيفة
(5)
: القرابة: كل ذي رحم محرم من قبل الأب [أو]
(6)
الأم ولكن يبدأ بقرابة الأب قبل الأم.
وقال أبو يوسف
(7)
ومحمد من جمعهم أب منذ الهجرة من قبل أب أو أم من غير تفصيل، زاد زفر: ويقدم من قرب وهو رواية عن أبي حنيفة
(8)
، وأقل من يدفع له ثلاثة. وعند محمد اثنان. وعند أبي يوسف واحد، ولا يصرف للأغنياء عندهم إلا إن شرط ذلك.
وقالت الشافعية
(9)
: القريب من اجتمع في النسب سواء قرب أم بعد، مسلمًا كان أو كافرا، غنيًا أو فقيرًا، ذكرًا أو أنثى، وارثًا أو غير وارث، محرمًا أو غير محرم.
(1)
ذكره عياض في "المشارق"(1/ 116).
(2)
(5/ 397).
(3)
عزاه صاحب اللسان (3/ 46) للحجاج في قوله لأعْشَى هَمْدان:
بينَ الأشَجِّ وبين قَيْسٍ باذِخٌ
…
بَخْبِخْ لوالده وللمَوْلودِ
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 397).
(5)
البناية في شرح الهداية (12/ 583، 585).
(6)
في المخطوط (ب): (و).
(7)
البناية في شرح الهداية (12/ 583، 584).
(8)
البناية في شرح الهداية (12/ 583).
(9)
البيان للعمراني (8/ 89 - 90).
واختلفوا في الأصول والفروع على وجهين، وقالوا: إنْ وجد جمعٌ محصورون أكثر من ثلاثةٍ استوعبوا.
وقيل: يقتصر على ثلاثةٍ، وإن كانوا غير محصورين فنقل الطحاوي
(1)
الاتفاق على البطلان.
قال الحافظ
(2)
: وفيه نظر؛ لأنَّ عند الشافعية وجهًا بالجواز ويصرف منهم لثلاثة ولا يجب التسوية.
وقال أحمد
(3)
في القرابة كالشافعي إلا أنه أخرج الكافر. وفي رواية عنه: القرابة كل من جمعه والموصي الأب الرابع إلى ما هو أسفل منه.
وقال مالك
(4)
: يختصُّ بالعصبة سواء كان يرثه أو لا، ويبدأ بفقرائهم حتَّى يغنوا ثم يُعطي الأغنياء، هكذا في الفتح
(5)
.
وحكى في البحر
(6)
عن مالك: أن ذلكَ يختصُّ بالوارث.
وعند الهادوية
(7)
: أن القرابة والأقارب لمن ولده جدّا أبوي الواقف.
واحتجوا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل سهم ذوي القربى لبني هاشم، وهاشم جد أبيه عبد الله، وهذا ظاهر في جد الأب، وأما جد الأم فلا، بل هو يدل على خلاف المدّعى من هذه الحيثية، إذ لم يصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى من ينسب إلى جد أمه.
وأجاب صاحب شرح الأثمار
(8)
أن خروج من ينتسب إلى جد الأم هنا مخصص من عموم الآية، والعموم يصح تخصيصه فلا يلزم إذا خص هاهنا أن يخرجوا حيث لم يخصَّ.
(1)
في شرح معاني الآثار (4/ 389).
(2)
في "الفتح"(5/ 380).
(3)
المغني (8/ 530).
(4)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 232).
(5)
(5/ 380).
(6)
البحر الزخار (4/ 156).
(7)
البحر الزخار (4/ 155).
(8)
شرح الأثمار في فقه الأئمة الأطهار.
تأليف: القاضي محمد بن يحيى بن بهران الصعدي (957 هـ)، شرح مبسوط ذكر فيه الأدلة والخلاف، وهو في أربع مجلدات، لعله المسمى:"تفتيح القلوب والأبصار".
[مؤلفات الزيدية (2/ 128)].
وقد استدلَّ أيضًا على خروج من ينتسب إلى جدِّ الأم بأنهم ليسوا بقرابة؛ لأن القرابة: العشيرة والعصبة، وليس من كان من قِبَل الأمِّ بعصبةٍ ولا عشيرةٍ وإنْ كانوا أرحامًا وأصهارًا، ولهذا قال في البحر
(1)
: وقرابتي وأقاربي أو ذوو أرحامي لمن ولده جدُّ أبيه ما تناسلوا؛ لصرفه صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في الهاشميين والمطَّلبيين، وعلَّل إعطاء المطلبيين بعدم الفرقة لا القرب، وهو الظاهر كما وقع منه صلى الله عليه وسلم التصريح بذلك لما سله بعض بني عبد شمس عن تخصيص المطلبيين بالعطاء دونهم، فقال: إنهم لم يفارقوني في جاهليةٍ ولا إسلامٍ، ولو كان الصَّرف إليهم للقرابة فقط لكان حكمهم وحكم بني عبد شمس واحدًا؛ لأنهم متَّحدونَ في القرب إليه صلى الله عليه وسلم.
قوله: (أفعلُ) بضم اللام على أنه قول أبي طلحة.
قوله: ([فَقَسَمَها]
(2)
أبو طلحة) فيه تعيين أحد الاحتمالين في لفظ أفعل، فإنه احتمل أن يكون فاعله أبو طلحة كما تقدم، واحتمل أن يكون صيغة أمر، وانتفى هذا الاحتمال الثاني بهذه الرواية: "وذكر ابن عبد البر
(3)
أن إسماعيل القاضي رواهُ عن القعنبي عن مالك فقال في روايته، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقاربه وبني عمه"، أي: في أقارب أبي طلحة وبني عمِّه.
قال ابن عبد البر
(4)
: إضافة القسم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان شائعًا في لسان العرب على معنى أنه الآمر به، لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك، والصواب رواية من قال:"فقسمها أبو طلحة".
قوله: (في أقاربه وبني عمه) في الرواية الثانية: "فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب"، وقد تمسَّك به مَنْ قال: أقلُّ مَنُ يُعطي من الأقارب إذا لم يكونوا منحصرين: اثنان، وفيه نظر؛ لأنَّه وقع في رواية للبخاري
(5)
: "فجعلها أبو طلحةَ في ذوي رحمه، وكان منهم حسانُ وأبيُّ بنُ كعب".
فدلَّ ذلك: على أنَّه أعطى غيرهما معهما.
(1)
البحر الزخار (4/ 155).
(2)
في المخطوط (أ): فقسم.
(3)
التمهيد (16/ 438) ط: الفاروق.
(4)
التمهيد (16/ 348 - 349).
(5)
في صحيحه رقم (2758).
وفي مرسل أبي بكر بن حزم: "فرده على أقاربه أبي بن كعب وحسان بن ثابت وأخيه أو ابن أخيه شداد بن أوس ونبيط بن جابر فتقاوموه، فباع حسان حصته من معاوية بمائة ألف درهم"
(1)
.
قوله: (ابن حرام) بالمهملتين.
قوله: (ابن زيد مناة) هو بالإضافة.
قوله: (وبين أبي وأبي طلحة ستةُ آباء) قال في الفتح
(2)
: هو مُلْبسٌ مُشْكِلٌ، وشرع الدمياطي
(3)
في بيانه، ويغني عن ذلك ما وقع في رواية المستملي (2) حيث قال عقب ذلك: وأبيُّ بن كعبٍ هو ابن قيسِ بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، فعمرو بن مالك يجمع حسانَ وأبا طلحة وأبيا. اهـ.
وفي قصة أبي طلحة هذه فوائد:
(منها): أن الوقف لا يحتاج في انعقاده إلى قبول الموقوف عليه
(4)
.
واستدلَّ به الجمهور على أنَّ مَنْ أوصى أن يُفرَّق ثلثُ ماله حيث أرى الله الوصيَّ إنها تصحُّ وصيته، ويفرِّقه الوصيُّ في سبيل الخير، ولا يأكل منه شيئًا، ولا يعطي منه وارثًا للميت، وخالف في ذلك أبو ثور.
وفيه جواز التصدُّق من الحيِّ في غير مرض الموت بأكثر من ثلث ماله؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدَّق به.
وقال لسعد بن أبي وقاص في مرضه: "الثلث كثير"
(5)
.
وفيه تقديم الأقرب من الأقارب على غيرهم.
وفيه جواز إضافة حبِّ المال إلى الرجل الفاضل العالم ولا نقص عليه في ذلك؛ وقد أخبر الله تعالى عن الإنسان {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)}
(6)
، والخيرُ
(1)
تقدم التعليق عليها (ص 226) من هذا الجزء.
(2)
(5/ 381).
(3)
ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 381).
(4)
المغني (8/ 187 - 188).
(5)
أخرجه البخاري رقم (2742، 2744) ومسلم رقم (5 - 8/ 1628).
(6)
سورة العاديات، الآية:(8).
هنا: المال اتفاقًا كما قال صاحب الفتح
(1)
.
وفيه التمسُّك بالعموم لأنَّ أبا طلحة فهم من قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}
(2)
تناول ذلك لجميع أفراده، فلم يقفْ حتى يردَ عليه البيان عن شيء يعيِّنُه، بل بادر إلى إنفاق ما يحبُّه، فأقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
وفيه جواز تولِّي المتصدِّق لقَسْم صدقته.
وفيه جواز أخذ الغنيِّ من صدقة التطوُّع إذا حصلت له بغير مسئلة.
واستدلّ به على مشروعية الحبس والوقف.
قال الحافظ
(3)
: ولا حجَّة فيه لاحتمال أن تكون صدقةُ أبي طلحة صدقةُ تمليك.
قال
(4)
: وهو ظاهر سياق [الماجِشُونَ]
(5)
عن إسحاق، يعني في رواية البخاري
(6)
.
وفيه أنه لا يجب الاستيعاب لأن بني حرام الذي اجتمع فيه أبو طلحة وحسان كانوا بالمدينة كثيرًا.
قوله: (فعم وخص) أي: جاء بالعام أولًا فنادى بني كعب، ثم خص بعض البطون فنادى بني مرة بن كعب وهم بطن من بني كعب ثم كذلك.
وفيه دليل على أن جميعَ مَنْ ناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلق عليهم لفظ الأقربين لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ممتثلًا لقوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيَرتَكَ الأَقْرَبِينَ}
(7)
، واستدل به أيضًا على دخول النساء في الأقارب لعموم اللفظ ولذكره صلى الله عليه وسلم فاطمة. وفي رواية للبخاري (6) من حديث أبي هريرة هذا أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم ذكر عمته صفية.
(1)
الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 398).
(2)
سورة آل عمران، الآية:(92).
(3)
في الفتح (5/ 398).
(4)
أي: الحافظ في الفتح (5/ 398).
(5)
في المخطوط (أ)، (ب) و"الفتح":(الماجشون) وهو الصواب، وفي كل طبعات "نيل الأوطار" المحققة وغير المحققة (ابن الماجشون).
(6)
في صحيحه رقم (4771).
(7)
سورة الشعراء، الآية:(214).
واستُدِلَّ به أيضًا على دخول الفروع، وعلى عدم التخصيص بمن يرث ولا بمن كان مسلمًا.
قال في الفتح
(1)
: ويحتمل أن يكون لفظ الأقربين صفة لازمةً للعشيرة، والمراد بعشيرته: قومه وهم قريشٌ.
وقد روى ابن مردويه
(2)
من حديث عدي بن حاتم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قريشًا فقال: {وَأَنذِرْ عَشِيَرتَكَ الأَقْرَبِينَ}
(3)
يعني قومه" وعلى هذا فيكون قد أمر بإنذار قومه فلا يختص بالأقرب منهم دون الأبعد فلا حجة فيه في مسئلة الوقف؛ لأن صورتها ما إذا وقف على قرابته أو على أقرب الناس إليه مثلًا، والآية تتعلق بإنذار العشيرة.
وقال ابن المنير
(4)
: لعله كان هناك قرينة فهم بها صلى الله عليه وسلم تعميم الإنذار، ولذلك عمَّهم. اهـ.
ويحتمل أن يكون أوّلًا خصّ اتباعًا لظاهر القرابة ثم عمّ لما عنده من الدليل على التعميم لكونه أرسل إلى الناس كافة.
قوله: (سأبلّها ببلالها) بكسر الباء، قال في القاموس
(5)
: بلّ رحمه بلًّا وبلالًا بالكسر: وصلها، وكقطام: اسم لصلة الرحم. اهـ.
[الباب الرابع] باب أن الوقف على الولد يدخل فيه ولد الولد بالقرينة لا بالإطلاق
9/ 2512 - (عَنْ أَنسٍ قالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أن حَفْصَةَ قالَتْ: بِنْتُ يَهُودِيّ،
(1)
(5/ 398).
(2)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 325).
(3)
سورة الشعراء، الآية:(214).
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 382).
(5)
القاموس المحيط (ص 1251).
• وقال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 155): "سأبلّها ببلالها: أي أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئًا. والبلال جمع بلل، وقيل: هو كل ما بلَّ الحلق من ماء أو لبن أو غيره".
فَبَكَتْ، فَدَخَلَ عَلَيْها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ تَبْكِي وَقَالَتْ: قالَتْ لي حَفْصَةُ: أنْتِ ابْنَةُ يَهْودِيّ، فَقَالَ النّبِي صلى الله عليه وسلم:"إنَّكِ لَابْنَةُ نَبيٍّ، وَإنَّ عَمَّكِ لَنَبِيّ، وَإنَّكِ لَتَحْتَ نَبِي، فَبِمَ تَفْتَخِرُ عَلَيْك؟ "، ثُمَّ قالَ:"اتَّقي الله يا حَفصَة"، رَوَاهُ أحْمَد
(1)
وَالترمذي وَصَحَّحَهُ)
(2)
. [صحيح]
10/ 2513 - (وَعَنْ أبي بَكْرَةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ المِنْبَرَ فَقَالَ: "إنَّ ابْنِي هَذا سَيِّدٌ يُصْلح الله على يَدَيْهِ بَين فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسلِمِينَ"، يَعْنِي الحَسَنَ بْنَ عَلِيّ. رَوَاهُ أحْمدُ
(3)
وَالبُخارِيُّ
(4)
وَالترْمِذِي)
(5)
. [صحيح]
11/ 2514 - (وفِي حَدِيثٍ عَنْ أُسامَةَ بْنِ زيدٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِعَلِيّ: "وأمَّا أنْتَ يا عَلِيُّ فخَتَني وأبُو وَلَدِي"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(6)
. [إسناده ضعيف]
(1)
في المسند (3/ 135 - 136).
(2)
في سننه رقم (3894) وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (20921) ومن طريقه أخرجه عبد بن حميد رقم (1248) والنسائي في الكبرى رقم (8919) ط: دار الكتب العلمية. وأبو يعلى رقم (3437) وابن حبان رقم (7211) والطبراني في الكبير (ج 24 رقم 186) وأبو نعيم في الحلية (2/ 55) والضياء في "المختارة" رقم (1793) و (1794) و (1796) و (1797).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (5/ 37 - 38).
(4)
في صحيحه رقم (3746).
(5)
في سننه رقم (3773) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" رقم (1354) والطبراني في الكبير رقم (2590) والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (252) والبزار في مسنده رقم (3655) والحاكم (3/ 174 - 175) والحميدي رقم (793). وأبو داود رقم (4662) والخطيب في تاريخه (13/ 18) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(6)
في المسند (5/ 204) بسند ضعيف لعنعنة محمد بن إسحاق وهو مدلس.
قلت: وأخرجه الضياء في المختارة رقم (1369) وابن سعد (4/ 36) والبخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 20) والنسائي في "خصائص علي" رقم (138) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (4747) والطبراني في الكبير رقم (378) والحاكم (3/ 217) والخطيب في "تاريخ بغداد"(9/ 62) من طرق.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 274) وقال: إسناده حسن.
12/ 2515 - (وَعَنْ أُسامَةَ بْنِ زيدٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: وَحَسَن وَحُسَيْنٌ على وَرِكَيْهِ: "هَذَانِ ابْنايَ وَابْنا ابْنَتِي، اللهُم إني أُحِبّهَما فأحِبّهُما وأحِبّ مِنْ يُحبُّهُما"، رَوَاهُ التّرْمِذِي وَقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ)
(1)
. [حسن]
13/ 2516 - (وَقالَ البَراءُ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أنا النّبِي لا كَذِبْ، أنا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ"، وَهُوَ فِي حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ)
(2)
. [صحيح]
14/ 2517 - (وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ قال: سَمِعْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ للأنْصَارِ ولِأبْناءِ الأنْصَارِ، ولِأبناءِ أبْناءِ الأنْصَارِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
وَالبُخارِيُّ
(4)
. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ: "اغْفِرْ لِلأنْصَارِ وَلِذَرَارِي الأنْصَارِ وَلِذَرَارِي ذَرَارِيهمْ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَصَحَّحَهُ)
(5)
. [صحيح]
حديث أنس أخرجه أيضًا النسائي
(6)
.
وحديث أسامة بن زيد الأوّل
(7)
قد ورد في معنى المقصود منه أحاديث:
(1)
في سننه رقم (3769) وقال: هذا حديث حسن غريب.
وهو حديث حسن.
(2)
أحمد في المسند (4/ 304) والبخاري رقم (2874) ومسلم رقم (80/ 1776).
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1688) وفي الشمائل رقم (245) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 271).
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(3)
في المسند (4/ 369) وفي فضائل الصحابة رقم (1426).
(4)
في صحيحه رقم (4906).
قلت: وأخرجه مسلم رقم (172/ 2506).
وهو حديث صحيح.
(5)
في سننه رقم (3902) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(6)
في السنن الكبرى رقم (8919) وقد تقدم.
(7)
برقم (11/ 2514) من كتابنا هذا.
(منها): عن عمر بن الخطاب رفعه عند الطبراني
(1)
بلفظ: "كل ولد أمّ فإن عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم".
وعن ابن عباس عند الخطيب
(2)
بنحوه.
وعن جابر عند الطبراني في الكبير
(3)
بنحوه أيضًا.
(1)
في المعجم الكبير (ج 3 رقم 2631) من طريق محمد بن زكريا الغلابي، عن بشر بن مهران عن شريك بن عبد الله عن شبيب بن غرقدة عن المستظل بن حصين عن عمر مرفوعًا.
وأخرجه أيضًا (ج 3 رقم 2632) من طريق شيبة بن نعامة عن فاطمة بنت حسين عن فاطمة الكبرى مرفوعًا.
قال الألباني في "الضعيفة"(2/ 213): "قلت: والطريق الأول واه بمرة: شريك هو القاضي وهو ضعيف. وبشر بن مهران قال ابن أبي حاتم: "ترك أبي حديثه".
وبه أعل المناوي الحديث تبعًا للهيثمي، وخفي عليهما أنه من رواية محمد بن زكريا الغلابي، وهو كذاب.
وأما الطريق الثاني، فهو خير من هذا، فإن شيبة بن نعامة: ضعفه يحيى بن معين، وقال ابن حبان (1/ 358):"يروي عن أنس ما لا يشبه حديثه، وعن غيره من الثقات ما يخالف حديث الأثبات. لا يجوز الاحتجاج به".
ثم تناقض فأورده في "الثقات" أيضًا! والمعتمد أنه ضعيف". اهـ.
وأورد الهيثمي الحديث في "مجمع الزوائد"(9/ 173) وقال: "رواه الطبراني وأبو يعلى - (ج 12 رقم 6741) - وفيه شيبة بن نعامة لا يجوز الاحتجاج به".
وقال المناوي: في "فيض القدير"(5/ 17):
وأورده ابن الجوزي في "الأحاديث الواهية" وقال: لا يصح. فقول المصنف - أي السيوطي -: هو حسن، غير حسن.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(2)
في "تاريخ بغداد"(11/ 285) في ترجمة: "عثمان بن محمد بن إبراهيم العَبْسِي أبو الحسن بن أبي شيبة.
ولفظه: "كُلُّ بني آدم ينتمون إلى عصبتهم إلَّا ولدَ فاطمة، فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم".
بسند ضعيف منقطع، لضعف شيبة بن نعامة الضبي الكوفي أبو نعامة، وللانقطاع بين فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب وبين جدتها فاطمة الزهراء.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
(3 رقم 2630).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 172) وقال: فيه يحيى بن العلاء وهو متروك.
وخلاصة القول: أن حديث جابر حديث ضعيف، والله أعلم.
قال السخاوي في رسالته [الموسومة]
(1)
"بالإسعاف بالجواب على مسئلة الأشراف"
(2)
، بعد أن ساق حديث جابر بلفظ:"إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإن الله جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب"، ما لفظه: وقد كنت سئلت عن هذا الحديث وبسطت الكلام عليه
(3)
، وبينت أنه صالح للحجة، وبالله التوفيق اهـ.
وفي الميزان
(4)
في حرف العين منه في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحاسب ما لفظه: [لا يُدْرى]
(5)
من ذا وخبره مكذب.
وروى الخطيب
(6)
من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد عن أبيه عن خزيمة بن حازم، حدثني المنصور - يعني الدوانيقي -، حدثني أبي عن أبيه علي عن جده قال:"كنت أنا وأبي العباس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لله أشد حبًا لهذا مني، إن الله جعل [ذرية]
(7)
كل نبي من صلبه، وجعل ذريتي في صلب علي". اهـ.
(1)
في المخطوط (ب): (الموسمة).
(2)
المسألة رقم (106): (2/ 416 - 428) وهي ضمن "الأجوبة المرضية فيما سئل "السخاوي" عنه من الأحاديث النبوية".
وقول السخاوي هذا: (2/ 424 - 425).
(3)
في كتاب "المقاصد الحسنة"(ص 514 - 515 رقم 821) له.
(4)
"ميزان الاعتدال" للذهبي (2/ 586 رقم الترجمة 4954).
(5)
في المخطوط (ب): (لا ندري).
(6)
في "تاريخ بغداد"(1/ 316 - 317) في ترجمة: محمد بن أحمد بن عبد الرحيم المؤَدِّب أبو الحسن.
وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 209 - 210).
وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأعلَّه بـ "المرزباني".
قلت: والمرزباني: هو محمد بن عِمران بن موسى المرزباني. (انظر: "تاريخ بغداد 3/ 135 - 136).
وفي سنده أيضًا: عبد الرحمن بن محمد الحاسب، وقد تقدم كلام الذهبي عليه في "الميزان"(2/ 582) بأنه لا يُدرى من هو وخبره مكذوب.
وخلاصة القول: أن الحديث موضوع، والله أعلم.
(7)
في المخطوط (ب): (ذريته).
وذكر في الميزان
(1)
أيضًا في ترجمة عثمان بن أبي شيبة أحاديث عنه من جملتها حديث: "لكل بَنِي أبٍ عصبة ينتمون إليه، إلا ولد فاطمة، أنا عُصْبَتهم".
ثم حكى عن العقيلي
(2)
بعد أن ساق هذا الحديث وغيره أنه قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: أنكر أبي هذه الأحاديث، أنكرها جدًّا، وقال: هذه موضوعة مع أحاديث من هذا النحو.
قال الذهبي
(3)
بعد ذلك: قلت: عثمان بن أبي شيبة لا يحتاج إلى متابع، ولا ينكر له أن ينفرد بأحاديث لسَعَة ما روى وقد يغلط. وقد اعتمده الشيخان في صحيحيهما. اهـ.
وحديث أسامة الآخر
(4)
أخرج نحوه الترمذي
(5)
أيضًا من حديث البراء بدون قوله: "هذان ابناي"، ولفظه: إن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر حسنًا وحسينًا فقال: "اللهم إني أحبهما فأحبهما".
وأخرجه أيضًا الشيخان
(6)
من حديثه بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن على عاتقه يقول: "اللهم إني أحبه فأحبه".
قوله: (إنَّك لابنةُ نبيٍّ) إنَّما قال لها ذلك لأنها من ذرية هارون، وعمُّها موسى، وبنو قريظة من ذرّية هارون، فسمَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم هارون أبًا لها، وبينها وبينه آباء متعدِّدون، وكذلك جعل الحسن ابنًا له وهو ابن ابنته، وكذلك الحسين، كما في سائر الأحاديث، ووصف نفسه بأنه ابن عبد المطلب وهو جده، وجعل لأبناء الأنصار وأبنائهم حكم الأنصار، وذلك كله يدل على أن حكم أولاد الأولاد حكم الأولاد، فمن وقف على أولاده دخل في ذلك أولاد الأولاد ما
(1)
"ميزان الاعتدال"(3/ 35 - 39 رقم الترجمة 5518).
(2)
في "الضعفاء الكبير"(3/ 222 - 223).
(3)
في "الميزان"(3/ 37).
(4)
تقدم برقم (12/ 2515) من كتابنا هذا.
(5)
في سننه رقم (3782) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(6)
البخاري في صحيحه رقم (3749) ومسلم رقم (58/ 2422).
تناسلوا، [وكذا]
(1)
أولاد البنات، وفي ذلك خلاف.
ومما يؤيد القول بدخول أولاد البنات: ما أخرجه البخاري
(2)
ومسلم
(3)
وأبو داود
(4)
والنسائي
(5)
والترمذي
(6)
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابنُ أختِ القوم منهم".
وللأحاديث المذكورة في الباب فوائد خارجة عن مقصود المصنف من ذكرها في هذا الباب، والتعرض لذلك يستدعي بسطًا طويلًا فلنقتصر على بيان المطلوب منها هاهنا.
[الباب الخامس] باب ما يصنع بفاضل مال الكعبة
15/ 2518 - (عَنْ أبي وَائِلٍ قالَ: جَلَسْتُ إلى شَيْبَةَ فِي هَذَا المَسْجِدِ فَقَالَ: جَلَس إليّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ لا أدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إلا قَسَمْتُها بَيْنَ المُسْلِمِينَ، قُلْتُ: ما أما بِفاعِلٍ؟ قالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ، فَقَالَ: هُمَا المَرْءَانِ يُقْتَدَى بِهِما. رَوَاهُ أحْمَدُ
(7)
وَالبُخارِيُّ)
(8)
. [صحيح]
16/ 2519 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَوْلا أن قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجاهِلِيَّةٍ - أوْ قالَ: - بِكُفْرٍ؛ لأنْفَقْتُ كَنْزَ الكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ الله، وَلجَعَلْتُ بَابَهَا بِالأرْضِ وَلأدْخَلْتُ فِيها مِنَ الحِجْرٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
(9)
. [صحيح]
(1)
في المخطوط (ب): وكذلك.
(2)
في صحيحه رقم (6762).
(3)
في صحيحه رقم (133/ 1059).
(4)
لم أقف عليه في السنن.
(5)
في سننه رقم (2611).
(6)
في سننه رقم (3901) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(7)
في المسند (3/ 410).
(8)
في صحيحه رقم (7275).
وهو حديث صحيح.
(9)
في صحيحه رقم (400/ 1333). =
قوله: (جلست إلى شيبة) هو ابن عثمان بن طلحة بن عبد العزَّى بن عثمان بن عبد الله بن عبد الدار بن قصيِّ العبدريّ الحَجَبيّ، بفتح المهملة والجيم، ثم موحدةٌ: نسبةً إلى حجابة الكعبة.
قول: (فيها) أي: في الكعبة؛ والمراد بالصفراء: الذهب، والبيضاء: الفضة.
قال القرطبي
(1)
: غلط من ظن أن المراد بذلك حلية الكعبة، وإنما أراد الكنز الذي بها، وهو ما كان يهدى إليها فيدَّخر ما يزيد عن الحاجة، وأمَّا الحلي فمحبسة عليها كالقناديل، فلا يجوز صرفها في غيرها.
وقال ابن الجوزي
(2)
: كانوا في الجاهلية يهدون إلى الكعبة المال تعظيمًا لها فيجتمع فيها.
قوله: (هما المرءان) تثنية مرء، بفتح الميم، ويجوز ضمّها، والراء ساكنة على كل حال بعدها همزة: أي الرجلان.
قوله: (يُقتدى بهما) في روايةٍ للبخاري
(3)
: "أقتدي بهما".
قال ابن بطال
(4)
: أراد عمر ذلك لكثرة إنفاقه في منافع المسلمين، ثم لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرَّض له أمسك، وإنما ترك ذلك؛ لأنَّ ما جعل في الكعبة وسبِّل لها يجري مجرى الأوقاف، فلا يجوز تغييره عن وجهه، وفي ذلك تعظيم للإسلام وترهيب للعدو.
قال في الفتح
(5)
: أما التعليل الأول فليس بظاهر من الحديث، بل يحتمل أن يكون تَرْكُهُ [صلى الله عليه وسلم]
(6)
لذلك رعاية لقلوب قريش كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، ثم أيد هذا الاحتمال بحديث عائشة المذكور في الباب
(7)
، ثم قال: فهذا هو التعليل المعتمد. اهـ.
= وهو حديث صحيح.
(1)
في "المفهم"(2/ 434 - 435).
(2)
في كشف المشكل (4/ 169).
(3)
في صحيحه رقم (1594).
(4)
في شرحه لصحيح البخاري (4/ 276).
(5)
(3/ 457).
(6)
سقط من المخطوط (أ).
(7)
برقم (2519) من كتابنا هذا.
والمصير إلى هذا الاحتمال لا بُدَّ منه لنصِّه صلى الله عليه وسلم عليه، فلا يلتفت [إلى]
(1)
الاحتمالات المخالفة له، وعلى هذا فإنفاقه جائز كما جاز لابن الزبير بناء البيت على قواعد إبراهيم لزوال السبب الذي لأجله ترك بناءه صلى الله عليه وسلم.
واستدلَّ التَّقيُّ السبكي بحديث أبي وائل هذا على جواز تحلية الكعبة بالذهب والفضة، وتعليق قناديلهما فيها وفي مسجد المدينة، فقال: هذا الحديث عمدةٌ في مال الكعبة وهو ما يُهدى إليها، أو ينذر لها، قال: وأما قوله [الشافعي]
(2)
: لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة، ولا تعليق قناديلهما فيها، ثم حكى وجهين في ذلك:
(أحدهما): الجواز تعظيمًا كما في المصحف.
(والآخر): المنع إذ لم يقل أحد من السلف به فهذا مشكل؛ لأن للكعبة من التعظيم ما ليس لبقية المساجد، بدليل تجويز سترها بالحرير والديباج.
وفي جواز ستر المساجد بذلك خلاف، ثم تمسك للجواز بما وقع في أيام الوليد بن عبد الملك من تذهيبه سقوف المسجد النبوي.
قال
(3)
: ولم ينكر ذلك عمر بن عبد العزيز، ولا أزاله في خلافته؛ ثم استُدِلَّ للجواز: بأن تحريم استعمال الذهب والفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما.
قال (3): وليس في تحلية المساجد بالقناديل الذهب شيء من ذلك.
ويجاب عنه بأن حديث أبي وائل [لا يصلح]
(4)
للاستدلال به على جواز تحلية الكعبة وتعليق القناديل من الذهب والفضة كما زعم؛ لأنَّه إن أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقرره فقد عرفت الحامل له صلى الله عليه وسلم على ذلك، وإن أراد وقوع الإجماع من الصحابة أو ممن بعدهم عليه فممنوع، وإن أراد
(1)
في المخطوط (ب): (عليه إلى).
(2)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) وفي "الفتح":(الرافعي) كما في "الفتح"(3/ 457).
(3)
أي: السبكي كما في "الفتح"(3/ 457).
(4)
في المخطوط (ب): (لا يصح).
غير ذلك فما هو؟ وأما القياس على ستر الكعبة بالحرير والديباج فقد تعقب بأن تجويز ذلك قام الإجماع عليه.
وأما التحلية بالذهب والفضة فلم ينقل عن فعل من يقتدي به كما قال في الفتح
(1)
، وفعل الوليد وترك عمر بن عبد العزيز لا حجة فيهما، نعم القول بالتحريم يحتاج إلى دليل ولا سيما مع ما قدمنا من اختصاص تحريم استعمال آنية الذهب والفضة بالأكل والشرب، ولكن لا أقل من الكراهة، فإن وضع الأموال التي ينتفع بها أهل الحاجات في المواضع التي لا ينفع الوضع فيها آجلًا ولا عاجلًا مما لا يشك في كراهته.
(1)
(3/ 457).
[الكتاب الخامس والعشرون] كتاب الوصايا
[الباب الأول] باب الحث على الوصية والنهي عن الحيف فيها وفضيلة التنجيز حال الحياة
1/ 2520 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ وَلَهُ شَيءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ"، رَوَاهُ الجَمَاعَةُ
(1)
. [صحيح]
واحتج بِهِ مَنْ يَعْمَلُ بِالخَطّ إِذَا عُرِفَ).
قوله: (كتاب الوصايا)، قال في الفتح
(2)
: الوصايا جمع وصيَّةٍ كالهدايا، وتُطلق على فعل الموصى، وعلى ما يوصى به من مالٍ أو غيره من عهدٍ ونحوه، فتكون بمعنى المصدر، وهو الإيصاء، وتكون بمعنى المفعول، وهو الاسم.
وهي في الشرع: عهدٌ خاصٌّ مضافٌ إلى ما بعد الموت.
(1)
أحمد في المسند (2/ 10، 50، 57، 80، 113) والبخاري رقم (2738) ومسلم رقم (1/ 1627) وأبو داود رقم (2862) والنسائي رقم (3615) وابن ماجه رقم (2702) والترمذي رقم (2118) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 761 رقم 1) والشافعي (2/ 129 رقم 1381 - بدائع المنن) والدارمي (2/ 402) والطيالسي رقم (1841) وابن الجارود رقم (946) وابن حبان رقم (5992) والحميدي رقم (697) والبيهقي (6/ 272) والدارقطني (4/ 150 رقم 4) والبغوي (5/ 277) وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 352) وأبو أمية الطرسوسي في "مسند ابن عمر" رقم (56) من طريق نافع عن ابن عمر، وتابعه سالم عن ابن عمر عند مسلم رقم (4/ 1627) والنسائي (6/ 239) وأحمد (2/ 3 - 4، 34، 127) وابن حبان رقم (5993).
وهو حديث صحيح.
(2)
(5/ 355).
قال الأزهري
(1)
: الوصيةُ من وصيت الشيء بالتخفيف أصيه إذا وصلته، وسمِّيتْ وصيةً: لأنَّ الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته، ويقال: وصيَّة بالتشديد، ووصاةٌ بالتخفيف بغير همز. وتُطلق شرعًا أيضًا على ما يقع به الزجر عن المنهجات والحث على المأمورات.
قوله: (ما حقُّ) ما نافية بمعنى: ليس، والخبر ما بعد "إلا".
وروى الشافعي
(2)
عن سفيان بلفظ: "ما حقُّ امرئٍ يؤمن بالوصية
…
" الحديث. أي: يؤمن بأنها حق، كما حكاه ابن عبد البر
(3)
عن ابن عيينة.
ورواه ابن عبد البر والطحاوي
(4)
بلفظ: "لا يحل لامرئ مسلم له مال".
وقال الشافعي
(5)
: معنى الحديث: ما الحزمُ والاحتياطُ للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، وكذا قال الخطابي
(6)
.
قوله: (مسلم) قال في الفتح
(7)
: هذا الوصف خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، أو ذُكر للتهييج؛ لتقع المبادرة إلى الامتثال لما يشعر به من نفي الإسلام عن تارك ذلك.
ووصية الكافر جائزةٌ في الجملة، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع
(8)
.
قوله: (يبيت) صفة لمُسلمٍ كما جزم به الطيبيُّ
(9)
.
قوله: (ليلتين) في رواية للبيهقي
(10)
وأبي عوانة
(11)
: ليلة أو ليلتين،
(1)
في "تهذيب اللغة" له (12/ 267).
(2)
في السنن (2/ 261 رقم 521، 522).
وفي معرفة السنن والآثار (9/ 185 رقم 12809).
وقال البيهقي عقبة: أخرجه مسلم من حديث أيوب - رقم (1627) -.
(3)
في "التمهيد"(13/ 231).
(4)
في مشكل الآثار (9/ 261 رقم 3627) بسند صحيح.
(5)
البيان للعمراني (8/ 153).
(6)
في معالم السنن (3/ 282).
(7)
(5/ 357).
(8)
الإجماع (ص 89 - 90).
(9)
في شرحه على مشكاة المصابيح، المسمى: الكاشف عن حقائق السنن (6/ 225).
(10)
في السنن الكبرى (6/ 272).
(11)
في المسند (3/ 473 رقم 5745).
ولمسلم
(1)
والنسائي
(2)
: ثلاث ليال.
قال الحافظ
(3)
: وكأنَّ ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها ففسح له هذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه.
واختلاف الروايات فيه دالٌّ على أنه للتقريب، لا للتحديد، والمعنى لا يمضي عليه زمان وإن كان قليلًا إلا ووصيته مكتوبة، وفيه إشارة إلى اغتفار الزمن اليسير، وكأن الثلاث غاية التأخير؛ ولذلك قال ابن عمر: لم أبت ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا ووصيتي عندي.
قال الطيبي
(4)
: في تخصيص الليلتين والثلاث بالذكر تسامح في إرادة المبالغة: أي لا ينبغي أن يبيت [زمنًا مّا]
(5)
وقد سامحناه في الليلتين [والثلاث]
(6)
فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك.
قال العلماء
(7)
: لا يندب أن يكتب جميع الأشياء المحقرة، ولا ما جرت العادة بالخروج منه والوفاء به عن قرب.
وقد استدل بهذا الحديث مع قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُم إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ}
(8)
الآية، على وجوب الوصية، وبه قال جماعة من السلف منهم عطاء والزهريُّ وأبو مجلز وطلحة بن مصرِّف في آخرين، وحكاه البيهقي
(9)
عن الشافعي في القديم، وبه قال إسحاق وداود
(10)
وأبو عوانة الإسفراييني وابن جرير.
قال في الفتح
(11)
: وآخرون.
وذهب الجمهور
(12)
إلى أنها مندوبة وليست بواجبة. ونسب ابن عبد البر
(13)
(1)
في صحيحه رقم (4/ 1627).
(2)
في سننه رقم (3618).
(3)
في "الفتح"(5/ 358).
(4)
في شرحه على مشكاة المصابيح (6/ 225).
(5)
في المخطوط (ب): (زمانا).
(6)
سقط من المخطوط (ب).
(7)
كما في "الفتح"(5/ 357 - 358).
(8)
سورة البقرة، الآية:(180).
(9)
معرفة السنن والآثار (9/ 180).
(10)
المحلى (9/ 312).
(11)
(5/ 358).
(12)
المغني (8/ 390).
(13)
التمهيد (13/ 232).
القول بعدم الوجوب إلى الإجماع، وهو مجازفةٌ لما عرفت.
وأجاب الجمهور عن الآية بأنها منسوخة
(1)
كما في البخاري
(2)
عن ابن عباس قال: "كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل لكل واحد من الأبوين السدس".
وأجاب القائلون بالوجوب بأن الذي نسخ الوصية للوالدين والأقارب الذين يرثون.
وأما من لا يرث فليس في الآية ولا في تفسير ابن عباس ما يقتضي النسخ في حقه.
وأجاب من قال بعدم الوجوب عن الحديث بأن قوله: "ما حق
…
" إلخ، للجزم والاحتياط؛ لأنَّه قد يفجؤه الموت وهو على غير وصيةٍ
(3)
.
(1)
الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس (1/ 483).
(2)
في صحيحه رقم (2747).
(3)
قال ابن كثير في تفسيره (2/ 168 - 169): "والعجب من أبي عبد الله محمد بن عمر الرازي رحمه الله كيف حكى في "تفسيره الكبير" عن أبي مسلم الأصفهاني: أن هذه الآية غير منسوخة، وإنما هي مفسرة بآية المواريث، ومعناه: كتب عليكم ما أوصى الله به من توريث الوالدين والأقربين. من قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} قال: وهو قول أكثر المفسرين، والمعتبرين من الفقهاء. قال: ومنهم من قال: إنها منسوخة فيمن يرث، ثابتة فيمن لا يرث، وهو مذهب ابن عباس، والحسن، ومسروق، وطاوس، والضحاك، ومسلم بن يسار، والعلاء بن زياد.
(قلت): وبه قال أيضًا سعيد بن جبير، والربيع بن أنس، وقتادة، ومقاتل بن حيان. ولكن على قول هؤلاء لا يسمى هذا نسخًا في اصطلاحنا المتأخر؛ لأن آية المواريث إنما رفعت حكم بعض أفراد ما دل عليه عموم آية الوصاية؛ لأن الأقربين أعم ممن يرث ومن لا يرث، فرفع حكم من يرث بما عين له، وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى، وهذا إنما يتأتى على قول بعضهم: إن الوصاية في ابتداء الإسلام إنما كانت ندبًا حتى نسخت. فأمَّا من يقول: إنها كانت واجبة - وهو الظاهر من سياق الآية - فيتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث. كما قاله أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء، فمن وجوب الوصية للوالدين، والأقربين الوارثين منسوخ بالإجماع، بل منهي عنه للحديث المتقدم:"إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث".
فآية الميراث حكم مستقل، ووجوب من عند الله لأهل الفروض وللعصبات رفع بها حكم هذه بالكلية. =
وقيل: الحقُّ لغة
(1)
: الشيء الثابت، ويُطلق شرعًا على ما يثبت به الحكم، وهو أعمُّ من أن يكون واجبًا أو مندوبًا.
وقد يُطلق على المباح قليلًا، قاله القرطبي
(2)
.
وأيضًا تفويض الأمر إلى إرادة الموصى يدلُّ على عدم الوجوب، ولكنه يبقى الإشكال في الرواية المتقدمة بلفظ:"لا يحل لامرئ مسلم".
وقد قيل: إنه يحتمل أن راويها ذكرها بالمعنى وأراد بنفي الحِل ثبوت الجواز بالمعنى الأعم الذي يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح.
وقد اختلف القائلون بالوجوب، فقال أكثرهم: تجب الوصية في الجملة. وقال طاوس وقتادة وجابر بن زيد في آخرين
(3)
: تجب للقرابة الذين لا يرثون خاصة.
وقال أبو ثور
(4)
: وجوب الوصية في الآية.
والحديث يختص بمن عليه حق شرعي يخشى أن يضيع على صاحبه إن لم يوص به كالوديعة والدين ونحوهما.
قال: ويدل على ذلك تقييده بقوله: "له شيء يريد أن يوصي فيه".
قال في الفتح
(5)
: وحاصله يرجعُ إلى قول الجمهور: إنَّ الوصية غير واجبةٍ بعينها، وإنما الواجب بعينه الخروج من الحقوق الواجبة للغير سواءٌ كان بتنجيزٍ أو وصيةٍ.
ومحلُّ وجوب الوصية إنما هو إذا كان عاجزًا عن تنجيزه ولم يعلم بذلك غيره ممن يثبت الحقُّ بشهادته.
فأما إذا كان قادرًا أو علم بها غيره فلا وجوب.
= بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم، يستحب له أن يوصي لهم من الثلث استئناسًا بآية الوصية وشمولها، ولما ثبت في "الصحيحين" عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم له شيء
…
" الحديث.
(1)
القاموس المحيط (ص 1129).
(2)
في "المفهم"(4/ 540).
(3)
ذكره عنهم ابن كثير في تفسيره (2/ 168) والقرطبي في المفهم (4/ 541).
(4)
موسوعة فقه أبي ثور (ص 567).
(5)
(5/ 359).
قال
(1)
: وعرف من مجموع ما ذكرنا أن الوصية قد تكون واجبة وقد تكون مندوبة فيمن رجا منها كثرة الأجر، ومكروهة في عكسه، ومباحة فيمن استوى الأمران فيه، ومحرمة فيما إذا كان فيها إضرار كما ثبت عن ابن عباس:"الإضرار في الوصية من الكبائر"، رواه سعيد بن منصور
(2)
موقوفًا بإسناد صحيح. ورواه النَّسَائِي
(3)
مرفوعًا ورجاله ثقات.
وقد استدل من قال بعدم وجوب الوصية بما ثبت في البخاري
(4)
وغيره
(5)
عن عائشة أنها أنكرت أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى وقالت: "متى أوصى وقد مات يبن سَحري ونحري؟ ".
وذلك ما ثبت أيضًا في البخاري
(6)
عن ابن أبي أوفى أنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص".
وأخرج أحمد
(7)
وابن ماجه
(8)
،
(1)
أي: الحافظ في "الفتح"(5/ 359).
(2)
في سننه (1/ 90 رقم 342 و 343 و 344) في الوصايا.
وفي سننه الأخرى (2/ 674 رقم 258 و 259 و 260) في تفسيره. وأسانيدها صحيحة.
ولفظها: "الجنف - أو الحيف - في الوصية والإضرار فيها من الكبائر".
(3)
في تفسيره (1/ 364 رقم 112) بإسناد صحيح.
ولفظه: "الإضرارُ في الوصية من الكبائر
…
".
قلت: وأخرجه سفيان الثوري في تفسيره (ص 91 رقم 204) عن شيخه داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:"الضرار عند الوصية من الكبائر .. ".
ومن طريق سفيان الثوري أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (16456).
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 204، 205) رقم (10980) و (10983) وابن جرير في "جامع البيان"(8/ 65 رقم 8783، 8784، 8785، 8786) شاكر.
قلت: كلهم أخرجوه موقوفًا عن ابن عباس وهو الصواب.
قال البيهقي في السنن الكبرى (6/ 271) في إثر الأثر: "هذا هو الصحيح موقوف، وكذلك رواه ابن عيينة وغيره عن داود موقوفًا. (وروي): من وجه آخر مرفوعًا ورفعه ضعيف". اهـ
(4)
في صحيحه رقم (2741).
(5)
كمسلم في صحيحه رقم (19/ 1636).
(6)
في صحيحه رقم (2740) و (4460).
(7)
في المسند (1/ 356 - 357).
(8)
في سننه رقم (1235). =
قال الحافظ
(1)
: بسند قوي، عن ابن عباس في أثناء حديث فيه:"أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلِّي بالناس"، قال في آخره:"مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُوصِ"، قالوا: ولو كانت الوصية واجبة لما تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأجيب بأن المراد بنفي الوصية منه صلى الله عليه وسلم نفي الوصية بالخلافة لا مطلقًا، بدليل: أنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الوصية بعدة أمور، كأمره صلى الله عليه وسلم في مرضه لعائشة بإنفاق الذهيبة كما ثبت من حديثها عند أحمد
(2)
وابن سعد
(3)
وابن خزيمة
(4)
.
وفي المغازي لابن إسحاق
(5)
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: "لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث لكلِّ من الداريين، والرهاويين، والأشعريين بجادّ مائة وسق من خيبر، وأن لا يترك في جزيرة العرب دينان، وأن ينفذ بعث أسامة".
وفي صحيح مسلم
(6)
عن ابن عباس: "وأوصى بثلاث: أن يجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم
…
" الحديث.
وأخرج أحمد
(7)
والنسائي
(8)
وابن سعد
(9)
عن أنس: كانت غاية وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: "الصلاة وما ملكت أيمانكم".
وله شاهد من حديث علي عند أبي داود
(10)
وابن ماجه
(11)
.
= وهو حديث حسن دون ذكر "علي"، والله أعلم.
(1)
في "الفتح"(5/ 362).
(2)
في المسند (6/ 86) بسند رجاله ثقات رجال الصحيح، غير محمد بن مطرف، أبو غسان، وهو ثقة، إلا أن ابن حبان قال فيه: يغرب. وقد تفرد بقوله: "وما تبقي هذه من محمد لو لقي الله عز وجل وهي عنده".
(3)
في الطبقات الكبرى (2/ 238).
(4)
في صحيحه كما في الفتح (5/ 362).
(5)
سيرة ابن هشام (3/ 489 - 490).
(6)
في صحيحه رقم (20/ 1637).
(7)
في المسند (3/ 117).
(8)
في كتابه "الوفاة"(ص 44 رقم 18، 19).
(9)
في الطبقات الكبرى (2/ 253).
(10)
في السنن رقم (5156).
(11)
في السنن رقم (2698).
وهو حديث صحيح.
ومن حديث أم سلمة عند النَّسَائِي
(1)
بسند جيد. والأحاديث في هذا الباب كثيرة
(2)
أورد منها صاحب الفتح
(3)
في كتاب الوصايا شطرًا صالحًا، وقد جمعت في ذلك رسالة مستقلة
(4)
.
واستدلوا أيضًا على توجيه نفي من نفى الوصية مطلقًا إلى الخلافة بما في البخاري
(5)
عن عمر قال: "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف".
وبما أخرجه أحمد
(6)
.
(1)
في كتابه "الوفاة"(ص 44 رقم 21).
(2)
(منها) حديث ابن عباس عند البخاري رقم (3053) ومسلم رقم (20/ 1637) مرفوعًا ولفظه: "
…
أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهما قال - سعيد بن جُبير -: وسكت - ابن عباس - عن الثالثة أو قالها فأنسيتها. وهو حديث صحيح.
(ومنها): حديث أنس بن مالك عند البخاري رقم (3801) ومسلم رقم (2510) مرفوعًا ولفظه: "الأنصار كَرِشِي وعَيْبتي، والناس سيكثرونَ ويقلُّون، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهِم". وانظر: البخاري رقم (3799). وهو حديث صحيح.
(ومنها): حديث أبي هريرة عند البخاري رقم (1178) ومسلم رقم (721) مرفوعًا:
ولفظه: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد". وهو حديث صحيح.
(ومنها): حديث أبي الدرداء عند مسلم رقم (722) وأبو داود رقم (1433) بنحو حديث أبي هريرة المتقدم. وهو حديث صحيح.
(3)
الحافظ ابن حجر (5/ 355 - 413 رقم الكتاب 55 - مع الفتح).
(4)
قلت: جمع الشوكاني رحمه الله في الوصايا الرسائل التالية: رسالة رقم (158): بحث في مسائل الوصايا. (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني)(10/ 4827 - 4838).
والرسالة رقم: (159): إقناع الباحث بدفع ما ظنه دليلًا على جواز الوصية للوارث (الفتح الرباني)(10/ 4839 - 4864) والرسالة رقم: (160): جواب سؤال ورد من أبي عريش حول الوصية بالثلث. (الفتح الرباني)(10/ 4865 - 4880).
والرسالة رقم (23): الدراية في مسألة الوصاية. (الفتح الرباني): (2/ 949 - 978).
ولعل الشوكاني قصد هذه الرسالة الأخيرة والله أعلم.
(5)
في صحيحه رقم (7218).
(6)
في المسند (1/ 114) إسناده ضعيف لجهالة الرجل الذي روى عن علي.
قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم (1218 ط: المكتب الإسلامي). ورقم (1253 ط: دار الصميعي) والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(1/ 178) من طريق الضحاك بن =
والبيهقي
(1)
عن علي: "أنه لما ظهر يوم الجمل قال: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئًا
…
" الحديث.
قال القرطبي
(2)
: كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي
(3)
، فرد ذلك جماعة من الصحابة، وكذا من بعدهم.
= مخلد، عن سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو، عن أبيه قال: خطب عليٌّ
…
فذكره.
وسعيد بن عمرو: إن كان هو ابن سعيد بن العاص الأموي - الذي يروي أبوه عن علي - فالإسناد صحيح.
وإن كان هو ابن سفيان الثقفي - كما سمي عند العقيلي - فالإسناد ضعيف، لكن لا تعرف لعمرو بن سفيان الثقفي عن علي رواية، والله أعلم.
وانظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 374 - 375 رقم 2638).
والعلل للدارقطني (4/ 83 - 88 س 442).
(1)
في دلائل النبوة (7/ 223).
(2)
في "المفهم"(4/ 557).
(3)
(منها) ما يرويه سلمان، وله أربع طرق.
(الطريق الأول):
من طريق إسماعيل بن زياد، عن جرير بن عبد الحميد الكندي، عن أشياخ من قومه، قالوا: أتينا سلمان فقلنا له: من وصيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من وصيّه؟ فقال: "وَصِيّ ومَوضعُ سِريّ، وخليفتي في أهلي وخير من أخلف بعدي علي بن أبي طالب".
أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات رقم (702) والجوزقاني في الأباطيل (2/ 148 - 149).
قال ابن الجوزي: "فيه إسماعيل بن زياد، قال ابن حبان في [المجروحين 1/ 129]: لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه. قال الدارقطني: كذاب متروك - موسوعة أقوال الدارقطني في رجال الحديث وعلله، رقم (566) - وقال عبد الغني بن سعيد الحافظ: أكثر رواة الحديث مجهولون وضعفاء". اهـ.
وقال الجوزقاني: هذا حديث باطل لا أصل له.
وقال الذهبي في "تلخيص كتاب الموضوعات" رقم (268): "بسند مظلم، عن إسماعيل بن زياد - وهو كذاب - .. ". اهـ.
وانظر: اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي (1/ 358).
(الطريق الثاني):
من طريق جعفر بن الأحمد، عن مطر، عن أنس بن مالك قال: قلتُ: لسلمان الفارسي: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= سَلْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ وَصيّه؟ فقال له سلمان: يا رسول الله من وصيك؟ قال: "من كان وصيّ موسى؟ "، قال: يوشع بن نون، قال:"فإنَّ وصيِّي ووارثي، يقضي دَيْني ويُنْجِزُ موعِدي، وخيرَ من أخلف بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام".
أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات رقم (703) وقال: "فيه مطر بن ميمون". قال البخاري - التاريخ الكبير (4/ 1/ 401) -: منكر الحديث. وقال أبو الفتح الأزدي: متروك الحديث. وفيه جعفر، وقد تكلموا فيه.
وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" رقم (65/ 1102) بتحقيقي: "وفي إسناده: متروك وضعيف".
(الطريق الثالث):
من طريق خالد بن عُبيد العتكي أبي عاصم، عن أنس، عن سلمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب:"هذا وصيّي وموضِعُ سِري، وخيرُ من أترك بعدي".
أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" رقم (704) من طريق ابن حبان في "المجروحين"(1/ 279) وقال ابن حبان: يروي - أي خالد بن عبيد العتكي - عن أنس نسخة موضوعة، لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب.
[وانظر: "الميزان" (1/ 634 - 635 رقم 2443)].
(الطريق الرابع):
من طريق قيس بن مِيناء، عن سلمان، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وصِيّي علي بن أبي طالب".
أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" رقم (705) من طريق العقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 469 رقم 1525).
وقال العقيلي: قيس بن ميناء لا يتابع على حديثه وكان له مذهب سوء. وقال الذهبي في الميزان (3/ 398): وهذا كذاب ..
وخلاصة القول: أن الحديث موضوع بجميع طرقه.
وأقره السيوطي في "اللآلئ"(1/ 358) وابن عرَّاق في "التنزيه"(1/ 374 - 375) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" رقم (65/ 1102). بتحقيقي.
(ومنها): ما يرويه بريدة، وله طريقان:
(الطريق الأول):
من طريق محمد بن حُميد الرازي، قال: حدثنا علي بن مجاهد، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن شريك بن عبد الله، عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بُريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكلّ نبيّ وَصِيٌّ، وإنْ عليًا وَصِيّي ووارثي".
أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" رقم (706)، والجوزقاني في "الأباطيل" بالسند نفسه (2/ 150 رقم 544).
قال ابن الجوزي: فيه محمد بن حُميد، وقد كذبه أبو زُرعة وابن وارة. - الجرح =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والتعديل (7/ 232) والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (3/ 54 رقم 2959) -.
وأقره السيوطي في اللآلئ (1/ 359) وابن عراق في "التنزيه"(1/ 357).
وقال الجوزقاني: هذا حديث باطل، وفي إسناده ظلمات.
(الطريق الثاني):
من طريق أبي عبد الرحمن أحمد بن عبد الله الفرياناني، قال: حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق، عن شريك بن عبد الله، عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لكل نبي وصيًا ووارثًا، فإن وصيّي ووارثي علي بن أبي طالب".
أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" رقم (707) وأعله بالفرياناني وسلمة بن الفضل، وأقره السيوطي في اللآلئ (1/ 359) وابن عراق في "التنزيه"(1/ 357).
قال ابن حبان في "المجروحين"(1/ 145): عن الفرياناني: كان يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم.
وأما سلمة بن الفضل. قال ابن المديني - كما في الميزان (2/ 192 رقم 3410) - رمينا حديث سلمة بن الفضل.
وخلاصة القول: أن الحديث موضوع بطريقيه.
(ومنها): حديث أنس:
أخرج ابن الجوزي في "الموضوعات" رقم (708) من طريق أبي نعيم في "الحلية" (1/
63 -
64) مطولًا عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس! اسكب لي وضوءًا"، ثم قام فصلى ركعتين ثم قال:"يا أنس أول ما يدخُلُ عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغُرّ المحجلين، وخاتم الوصيين". قال أنس: فقلت: اللهم اجعله رجلًا من الأنصار، إذ جاء علي عليه السلام. فقال:"من هذا يا أنس؟ " فقلت: عليّ، فقام مستبشرا فاعتنقه.
قال أبو نعيم: رواه جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن أنس نحوه.
وأقره السيوطي في "اللآلئ"(1/ 359). وقال: وفي الطريق الأول أيضًا: إبراهيم بن محمد بن ميمون من أجلاد الشيعة وهو المتهم به عند الذهبي "الميزان"(1/ 63 رقم 203) واللسان (1/ 107 رقم 318) وفيه علي بن عابس أيضًا، وجابر الجعفي كذاب، وأقره ابن عراق في التنزيه (1/ 357).
وخلاصة القول: أن الحديث موضوع.
(ومنها): حديث أبي ذر:
أخرج ابن الجوزي في "الموضوعات" رقم (709) عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كما أنا خاتم النبيين كذلك عليّ وذريتُهُ يختمون الأوصياء إلى يوم القيامة".
قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع، انفرد به الحسن بن محمد العلوي. قال الحافظ: =
فمن ذلك ما استدلت به عائشة
(1)
، يعني الحديث المتقدم.
ومن ذلك أن عليًا لم يدع ذلك لنفسه ولا بعد أن ولي الخلافة ولا ذكره لأحد من الصحابة يوم السقيفة، وهؤلاء ينتقصون عليًا من حيث قصدوا تعظيمه؛ لأنهم نسبوه مع شجاعته العظمى وصلابته إلى المداهنة والتقية
(2)
والإعراض عن طلب حقه مع قدرته على ذلك. اهـ.
= كان رافضيًا - لسان الميزان (2/ 252 رقم 1053) - وفيه: إبراهيم بن عبد الله - هو ابن همام بن أخي عبد الرزاق يروي عن عبد الرزاق المقلوبات الكثيرة التي لا يجوز الاحتجاج لمن يرويها لكثرتها كما بيّن ذلك السيوطي. "المجروحين"(1/ 118) -.
وخلاصة القول: أن الحديث موضوع.
(ومنها):
قال الملا علي القاري في "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة"(ص 413): "أن يُدّعى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه فعل أمرًا ظاهرًا بمحضرٍ من الصحابةِ كُلِّهم، وأتهم اتفقوا على كتمانه ولم يفعلوه.
كما يزعم أكذب الطوائف أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عليٍّ بمحضر الصحابة كلهم، وهم راجعون من حجة الوداع، فأقامه بينهم حتى عرفه الجميع ثم قال:"هذا وصيِّي وأخي، والخليفة من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا له".
ثم اتفق الكلُّ على كتمان ذلك وتغييره ومخالفته، فلعنة الله على الكاذبين
…
". اهـ.
قلت: وعدّ ابن قيم الجوزية في "المنار المنيف"(ص 57): تحت عنوان أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعًا، ما ذكره الملا علي القاري آنفًا.
(1)
أخرجه البخاري رقم (2741) ومسلم رقم (19/ 1636) وقد تقدم.
(2)
التقية: دين مفروض لا يقوم المذهب إلا بها، وقد عقد لها الكليني في كتابه:"الكافي" في كتاب الكفر والإيمان بابًا فقال: "باب التقية" ثم أورد تحثه ثلاثة وعشرين حديثًا ونحن نورد منها هنا حديثين:
الحديث الأول: رقم (2): ونصه بإسناده إلى أبي عمر الأعجمي قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين - (الكافي للكليني)(1/ 173 - 174) -.
قال المعلّق: ذلك لعدم مسيس الحاجة إلى التقية فيها إلا نادرًا
…
إلخ.
الحديث الثاني: برقم (12) بإسناده
…
عن معمر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن القيام للولاة فقال: قال أبو جعفر عليه السلام: "التقية" من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له - (الكافي للكليني)(1/ 174) -.
إذًا فالتقية دين تبيح لمعتنقها أن يتظاهر لأهل السنة بخلاف ما يبطن، ولذا تجد الشيعة =
ولا يخفى أن نفي عائِشة للوصية حال الموت لا يستلزم نفيها في جميع الأوقات، فإذا أقام البرهان الصحيح من يدعي الوصاية في شيء معين قبل.
قوله: (مكتوبةٌ عند رأسه) استدلَّ بهذا على جواز الاعتماد على الكتابة والخطِّ؛ ولو لم يقترن ذلك بالشهادة
(1)
، وخصَّ محمد بن نصر من الشافعية
= يتعاملون بها مع المسلمين من أهل السنة خداعًا لهم؛ لأنهم لا يستطيعون إظهار سَبّ الصحابة وشتمهم أمام أهل السنة. ثم أرادوا من وراء ذلك خداع سليم القلب من أهل السنة بحجة دعوى التقريب بين السنة والشيعة
…
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة"(3/ 260): "والرافضة حالهم من جنس حال المنافقين لا من جنس حال المكره الذي أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالايمان، فإن هذا الإكراه لا يكون عامًا من جمهور بني آدم، بل المسلم يكون أسيرًا في بلاد الكفر ولا أحد يكرهه على كلمة الكفر ولا يقولها ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، وقد يحتاج إلى أن يلين لناس من الكفار ليظنوه منهم وهو مع هذا لا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل يكتم ما في قلبه، وفرق بين الكذب وبين الكتمان. فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث يعذره الله في الإظهار كمؤمن آل فرعون، وأما الذي يتكلم بالكفر فلا يعذره إلا إذا أكره، والمنافق الكذاب لا يعذر بحال
…
إلى أن قال: وأما الرافضي فلا يعاشر أحدا إلا استعمل معه النفاق فإن دينه الذي في قلبه دين فاسد يحمله على الكذب والخيانة وغش الناس، وإرادة السوء بهم.
(1)
اتفق الفقهاء والمحدثون على جواز الاعتماد على الخط والكتابة في نقل الحديث والروايات التي حفظها الراوي عنده للتحديث منها والنقل عنها، وفي تدوين الأحكام الشرعية والقواعد الفقهية، وتدوين الحديث، ولو لم يعتمد على ذلك لضاع الإسلام بضياع السنة الصحيحة والأحكام الفقهية التي نقلت لنا خلفًا عن سلف بطريق الكتابة ولو لم تكون الكتابة مقبولة عند الفقهاء وحجة في النقل لما عوَّلوا عليها في تدوين الكتب والمؤلفات.
الكتابة هي الوسيلة التي حفظ الله بها الشريعة، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابة الوحي واتخذ كتابًا للوحي بلغ عددهم أربعين كاتبًا
…
ثم اختلف الفقهاء في مشروعية الكتابة باعتبارها وسيلة من وسائل الإثبات بشكل عام وكامل.
(أ) القول الأول: أن الكتابة وسيلة من وسائل الإثبات ليست مشروعية؛ ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء، ورواية عن أحمد.
[تبصرة الحكام (1/ 356)].
ومن أدلتهم على ذلك:
1 -
أن الخطوط تتشابه ويصعب تمييزها، وقد يخيل للشخص أن الخطين متشابهان وأن صاحبهما واحد. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فالخط أو الكتابة يحتمل التزوير والافتعال فلا تكون حجة دليلًا في الإثبات؛ لأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
ويعترض على ذلك بأن التشابه نادر فلا يبنى عليه الحكم، وإن تشابه الخط كتشابه الأصوات والصور؛ وإن كشف التزوير ممكن لأهل الخبرة والفطنة والاختصاص، الذين يعرفون الخطوط ويميزون الأصلي من المقلد، وخط كل كاتب يتميز عن خط غيره، كتمييز صورته وصوته.
[انظر: "الطرق الحكمية" (ص 207)].
2 -
الكتابة قد تكون للتجربة واللعب والتسلية فلا يعتبر حجة ودليلًا للآخر لعدم القصد وتوجيه الإرادة نحوها، والقاعدة الفقهية تقول: العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
وهذا دليل مستغرب ومستبعد أن يجرب الإنسان خطه، أو يمارس اللعب والتسلية بكتابة الحقوق إثبات الديون للآخرين وهو احتمال هزيل. والقاعدة التي ذكرت حجة عليهم لا لهم.
3 -
تنحصر في الإقرار والبينة والنكول، وأن الكتابة ليست من أدلة الإثبات. والكتابة زيادة على النص والزيادة على النص نسخ عند الحنفية، أو هو اعتبار لما ليس من الدين فهو حدث وبدعة.
ويعترض على ذلك بأن الكتابة وسيلة لإبلاغ الشريعة إلى الملوك والرؤساء، وقد أمر القرآن بالكتابة والتوثيق بها. وعمل بها الرسول الأعظم، وأمر صحابته بتعلم الكتابة من أسرى بدر واتخذ الكتَّاب لكتابة الوحي وكتابة الرسائل والأحكام إلى عماله وأمرائه وولاته. وقبلها المسلمون واستعملوها في حياتهم دون إنكار، سواء ذلك في رواية الحديث، وتلقي العلم وكتابة الأحكام الشرعية وفي المعاملات والقضاء وجميع شؤون الدولة.
(ب) القول الثاني: أن الكتابة باعتبارها وسيلة من وسائل الإثبات مشروعة؛ ذهب إلى ذلك المالكية، وأحمد في رواية بعض السلف.
[تبصرة الحكام (1/ 356)، و"الطرق الحكمية" (ص 207)].
ومن أدلتهم على ذلك:
1 -
من الكتاب: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} ، وقال سبحانه:{وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ} [البقرة: 282].
وسواء كان الأمر للفرض أو الندب، فالآية تقرر اعتبار الكتابة وثيقة في المعاملات، وفائدة ذلك الاعتماد على تلك الوثيقة عند الإنكار والجحود، والاحتجاج بها أمام القاضي.
2 -
من السنة: حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري رقم (2434)، ومسلم رقم =
ذلك بالوصية، لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الأحكام.
قال الحافظ
(1)
: وأجاب الجمهور بأنَّ الكتابة ذكرت لما فيها من ضبط المشهود به، قالوا: ومعنى قوله: "وصيته مكتوبة عنده"، أي: بشرطها.
وقال المحبُّ الطبري
(2)
: إضمار الإشهاد فيه بعدٌ.
وأجيب: بأنَّهم استدلُّوا على اشتراط الإشهاد بأمرٍ خارجٍ، كقوله تعالى:
= (447/ 1355) الذي ثبت فيه أمره صلى الله عليه وسلم الكتابة لأبي شاه.
[وانظر: "زاد المعاد" (3/ 7) و"الأموال" لأبي عبيد (ص 381) وفتح الباري (13/ 141)].
3 -
من المعقول: أن الكتابة الخطاب، والكتابة أشدُّ دلالة على جزم الإرادة؛ لأن الإنسان قد يتلفظ سهوًا، وينطق خطأً، وقد يسبقه لسانه وقد يتكلم مزحًا وهزلًا. أما الكتابة فإن العقل والفكر متجهان نحوها اتجاهًا جازمًا ويتأمل بما يكتبه، ويفكر في دلالته ومعناه ومقصوده، ولذلك قال الحنفية والمالكية: إن الكتابة المستبينة المعنوية صريحة الدلالة، خلافًا للشافعية، فقالوا: إن الكتابة كناية، وقد قال الحنابلة: الكتابة صريحة إلا في النكاح والطلاق.
[المجموع (9/ 177) و"الطرق الحكمية" (ص 207)].
الراجح والله أعلم:
القول بمشروعية الكتابة في إثبات الحقوق لقوة الأدلة، ولحاجة الناس إلى استعمالها واللجوء إليها، ولأن القول بعدم حجية الكتابة في الإثبات يؤدي إلى الحرج والمشقة في المعاملات بين الناس فتتعطل مصالحهم وتضييع حقوقهم وأموالهم لعدم تيسير الشهود دائمًا ....
• وقال ابن تيمية: والعمل بالخط مذهب قوي بل هو قول جمهور السلف.
["مختصر الفتاوى المصرية" لابن تيمية (ص 601، 608) "والطرق الحكمية" (ص 10)].
• وقال الشوكاني في "بحث في العمل بالخط ومعاني الحروف العلمية النقطية" رقم الرسالة (149) ضمن "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني"(9/ 4653 - 4654) بتحقيقي: "وحاصل الأمر أنَّه لا شكَّ أنَّ العمل بالخط على الوجه المعتبر شريعة قائمة، وسنة متبعة، وإجماع صحيح.
ولكن هذا الخط هو الخط الذي تقوم به الحجةُ عند الترافع والتخاصم أو عند الاختلاف في الرواية ولا تقوم الحجة بالإجماع إلا بخط معروف من ثقةٍ معروف لا يتطرَّق إليه وهم، ولا يعتريه احتمالُ زيادةٍ، أو نقصانٍ، أو تحريفٍ، أو تغيير، أو تبديل". اهـ.
(1)
في "الفتح"(5/ 359).
(2)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 359).
{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ}
(1)
، فإنه يدل على اعتبار الإشهاد في الوصية.
وقال القرطبي
(2)
: ذكر الكتابة مبالغةٌ في زيادة التوثُّق وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها ولو لم تكن مكتوبة. اهـ.
وقد استوفينا الأدلة عى جواز العمل بالخطِّ في الاعتراضات التي كتبناها على رسالة (الجلال في الهلال)
(3)
فليراجع ذلك فإنه مفيدٌ.
2/ 2521 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسُولَ الله، أيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ أَوْ أعْظَمُ أجْرًا؟ قالَ: "أما وأبِيكَ لَتُفْتَأنَّ، أنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ شَحِيحٌ صَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وتَأمُلُ البَقاءَ وَلَا تُمْهِل حتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا وَبفُلانٍ كَذَا وَقَدْ كانَ لفُلانٍ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)
(4)
. [صحيح]
قوله: (أيُّ الصدقة أفضلُ أو أعظمُ)، في روايةٍ للبخاريِّ
(5)
: "أفضل"، وفي أخرى له
(6)
: "أعظم".
قوله: (لَتُفْتأنَّ) بفتح اللام وضم الفوقية وسكون الفاء وبعدها فوقية أيضًا ثم همزة مفتوحة ثم نون مشدَّد، وهو من الفتيا، وفي نسخة:"لَتُنَبأَنَّ" بضم التاء وفتح النون، بعدها باءٌ موحدَةٌ، ثمَّ همزةٌ مفتوحة، ثمَّ نون مشدَّدةٌ من النبأ.
قوله: (أن تصدَّق) بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين، وأصله: أن تتصدَّق، والتشديد على الإدغام.
قوله: (شحيحٌ) قال صاحب المنتهى
(7)
: الشحُّ: بخلٌ مع حِرْصٍ.
(1)
سورة المائدة، الآية:(106).
(2)
في "المفهم"(4/ 542).
(3)
وقد حصلت على هذه الرسالة أخيرًا وهي بعنوان إطلاع أربا الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال". كما حصلت على رسالة الجلال في الدخول في صوم رمضان، وهناك رسائل أخرى سنلحقها بالفتح الرباني من فتاوى الشوكاني" الجزء (13).
(4)
أحمد في المسند (2/ 415) والبخاري رقم (1419) ومسلم رقم (92، 93/ 1032) وأبو داود رقم (2865) والنسائي رقم (3611) وابن ماجه رقم (2706).
وهو حديث صحيح.
(5)
في صحيحه رقم (2748).
(6)
في صحيحه رقم (1419).
(7)
"المنتهى"، أبو المعالي اللغوي، (محمد بن تميم البرمكي، ت 141 هـ). =
وقال صاحب المحكم
(1)
: الشحُّ مثلث الشين، والضم أولى.
وقال صاحب الجامع
(2)
: كأن الفتح في المصدر والضم في الاسم.
قال الخطابي
(3)
: فيه أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه، وأنَّ سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو عنه سمة البخل، فلذلك شرط صحة البدن في الشحِّ بالمال؛ لأنَّه في الحالتين - يجد للمال وقعًا في قلبه لما يأمله من البقاء فيحذر معه الفقر.
قال ابن بطال
(4)
وغيره: لما كان الشحُّ غالبًا في الصِّحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر، بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصير المال لغيره.
قوله: (وتأمُل) بضم الميم: أي تطمع.
قوله: (ولا تمهلْ) بالإسكان على أنه نهي وبالرفع على أنه نفي ويجوز النصب.
قوله: (حتى إذا بلغت الحلقوم) أي: قاربت بلوغه؛ إذ لو بلغته حقيقةً لم يصحَّ شيء من تصرُّفاته، والحلقوم: مجرى النفس
(5)
، قاله أبو عبيدة.
قوله: (قلت لفلان كذا) إلخ، قال في الفتح
(6)
: الظاهر أن هذا المذكور على سبيل المثال.
وقال الخطابي
(7)
: فلان الأول والثاني الموصى له وفلان الأخير الوارث؛ لأنَّه إن شاء أبطله وإن شاء أجازه.
وقال غيره: يُحتمل أن يكونَ المرادُ بالجميع: مَن يُوصي له، وإنما أدخل (كان) في الثالث إشارة إلى تقدير المقدر له بذلك.
= منقول من "الصحاح"، وزاد عليه أشياء قليلة، وأغرب في ترتيبه، صنفه سنة (397 هـ).
راجع: "البداية والنهاية"(14/ 296) و"كشف الظنون"(2/ 1858).
[معجم المصنفات (ص 415 رقم 1340)].
(1)
المحكم والمحيط الأعظم (2/ 488).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 285).
(3)
في أعلام الحديث (1/ 757).
(4)
في شرحه لصحيح البخاري (8/ 154).
(5)
انظر: "لسان العرب"(12/ 150).
(6)
(5/ 284).
(7)
في أعلام الحديث (1/ 757 - 758).
وقال الكرماني
(1)
: يحتمل أن يكون الأول [الوارث]
(2)
، والثانى: الموروث، والثالث: الموصى له.
قال الحافظ
(3)
: ويحتمل أن يكون بعضها وصية وبعضها إقرارًا.
والحديث يدل على أن تنجيز وفاء الدين والتصدق في حال الصحة أفضل منه حال المرض؛ لأنَّه في حال الصحة يصعب عليه إخراج المال غالبًا لما يخوفه به الشيطان ويزين له من إمكان طول العمر والحاجة إلى المال كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}
(4)
.
وفي معنى الحديث قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ} الآية
(5)
.
وفي معناه أيضًا ما أخرج الترمذي
(6)
بإسنادٍ حسن، وصححه ابن حبان
(7)
عن أبي الدرداء مرفوعًا. قال: "مثل الذي يعتقُ ويتصدَّق عند موته مثل الذي [يُهْدِي]
(8)
إذا شَبع".
وأخرج أبو داود
(9)
وصححه ابن حبان
(10)
من حديث أبي سعيد مرفوعًا:
(1)
في شرحه للبخاري (7/ 189).
(2)
في المخطوط (ب): للوارث.
(3)
في الفتح (5/ 374).
(4)
سورة البقرة، الآية:(268).
(5)
سورة المنافقون، الآية:(10).
(6)
في سننه رقم (2123) وقال: حديث حسن صحيح.
(7)
في صحيحه رقم (3336).
قلت: وأخرجه عبد الرزاق رقم (16740) والطيالسي رقم (980) وأحمد (5/ 197)، (6/ 448) والدارمي (2/ 413) وأبو الشيخ في الأمثال رقم (327) وأبو داود رقم (3968) والنسائي (6/ 238) والحاكم (2/ 213) والبيهقي (4/ 190) و (10/ 273) من طرق.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في "الفتح"(5/ 374).
قلت: بل الحديث ضعيف، وقد ضعفه الألباني.
لضعف أبي حبيبة الطائي فلم يوثقه غير ابن حبان في "الثقات"(5/ 577) ولا يُعرف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه غير أبي إسحاق.
(8)
في المخطوط (ب): (يهتدي).
(9)
في سننه رقم (2866).
(10)
في صحيحه رقم (3334). =
"لأن يتصدق الرجل في حياته وصحته بدرهم خير له من أن يتصدق عند موته بمائة".
3/ 2522 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ أوِ المَرأةَ بطاعَةِ الله سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُما الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ [فَيَجِبُ]
(1)
لَهُمَا النَّارُ"، ثُمَّ قَرأ أبُو هُرَيْرَةَ:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} إلى قَوْلِه: {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
(2)
، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(3)
وَالتّرْمِذيُّ
(4)
. [ضعيف]
وَلأحْمَدَ
(5)
وَابْنِ مَاجَهْ
(6)
مَعْناهُ، وَقالا فيهِ:"سَبْعِينَ سَنَةً"). [ضعيف]
الحديث حسنه الترمذي
(7)
، وفي إسناده شهر بن حوشب، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة. ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين
(8)
.
ولفظ أحمد (5) وابن ماجه (6) الذي أشار إليه المصنف: "إنَّ الرجلَ ليعملُ بعمل أهل الخير سبعين سنةً، فماذا أوصى حاف
(9)
في وصيته فيُخْتَم له بشر عمله، فيدخل النار. وإنَّ الرجل ليعمل بعمل أهل الشرّ سبعين سنة فيعدل في وصيته فيدخل الجنة".
= وهو حديث ضعيف.
لضعف شرحبيل بن سعد، لم يوثقه غير ابن حبان في الثقات (4/ 364) وضعفه الدارقطني، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن معين.
(1)
في المخطوط (ب): (فتجب).
(2)
سورة النساء، الآية:(12، 13).
(3)
في السنن رقم (2867).
(4)
في السنن رقم (2117) وقال: حديث حسن غريب.
وهو حديث ضعيف، لضعف شهر بن حوشب.
(5)
في المسند (2/ 278).
(6)
في السنن رقم (2704).
وهو حديث ضعيف.
(7)
في السنن (4/ 432).
(8)
انظر: "التاريخ الكبير"(4/ 258) و"المجروحين"(1/ 361) و"الجرح والتعديل"(4/ 382) والميزان (2/ 283) والتقريب (1/ 355).
(9)
حاف: جار وعدل عن نهج الصواب.
وفيه وعيدٌ شديدٌ، وزجرٌ بليغٌ وتهديدٌ؛ لأنَّ مجرَّد المضارة في الوصية إذا كانت من موجبات النَّار بعد العبادة الطويلة في السنين المتعدِّدة فلا شكَّ أنَّها من أشدِّ الذنوب التي لا يقع في مضيقها إلا مَن سبقتْ له الشقاوةُ، وقراءة أبي هريرة للآية لتأييد معنى الحديث وتقويته؛ لأن الله سبحانه قد قيد ما شرعه من الوصيَّة بعدم الضرار، فتكون الوصيةُ المشتملة على الضرار مخالفةً لما [شرعه]
(1)
الله تعالى وما كان كذلك فهو معصيةٌ.
وقد تقدم قريبًا عن ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا بإسناد صحيح: أن وصية الضرار من الكبائر، وذلك مما يؤيِّد معنى الحديث؛ فما أحقّ وصية الضرار بالإبطال من غير فرق بين الثلث وما دونه وما فوقه.
وقد جمعت في ذلك رسالة مشتملة على فوائد
(2)
لا يستغنى عنها.
[الباب الثاني] باب ما جاءَ في كراهة مجاوزة الثلث والإيصاء للوارث
4/ 2523 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: لَوْ أَن النَّاسَ غَضُّوا منَ الثُّلُثِ إلى الرُّبُعِ، فإنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "الثُّلُثُ وَالثلُثُ كثِيرٌ"، مُتَّفَق عَلَيْهِ)
(3)
. [صحيح]
5/ 2524 - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ أنَّهُ قالَ: "جَاءَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: يا رسُولَ الله إني قَدْ بَلَغَ بي مِنَ الوَجَعِ ما تَرَى وأنا ذُو مالٍ، ولَا يَرثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لي، أفأتَصَدَّقُ بِثُلُثَي مالي؟ قالَ: "لا"، قُلْتُ: فالشَّطْرَ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: "لا"، قُلْتُ: فالثّلث؟ قالَ: "الثلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِير - أوْ - كَبِيرٌ، إنَّكَ إنْ تَذرَ وَرَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَدَعَهُمْ عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ"، رَوَاهُ
(1)
في المخطوط (ب): شرع.
(2)
الرسالة رقم (160) وعنوانها: "جواب سؤال ورد من أبي عريش حول الوصية بالثلث" وهي ضمن "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني"(10/ 4865 - 4880) بتحقيقي.
(3)
أحمد في المسند (1/ 230) والبخاري رقم (2743) ومسلم رقم (10/ 1629).
وهو حديث صحيح.
الجَماعَةُ
(1)
. [صحيح]
وفِي رِوَايَةِ أكْثَرِهِم: جاءَنِي يَعودُنِي فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ.
وفِي لَفْظٍ: عادَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِي فَقالَ: "أوْصَيْتَ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:"بِكَمْ؟ "، قُلْتُ: بِمَالي كُلِّهِ فِي سَبِيلِ الله، قالَ:"فَمَا تَرَكْتَ لِوَلَدِكَ؟ "، قُلْتُ: هُمْ أَغْنِياءُ، قالَ:"أوْصِ بالعُشْرِ"، فَمَا زَالَ يَقُولُ وأقُولُ حتَّى قالَ:"أوْصِ بالثُّلُثِ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ - أوْ - كَبِيرٌ"، رَوَاهُ النَّسَائِي
(2)
وأحْمَدُ
(3)
بمَعْناهُ إلَّا أنَّه قالَ: قُلْتُ: نَعَم جَعَلْتُ مالِيَ كُلَّهُ فِي الفُقَرَاءِ وَالمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ. [إسناده حسن]
وَهُوَ دَلِيلٌ على نَسْخِ وُجُوبِ الوَصِيَّةِ للأقْرَبِينَ).
6/ 2525 - (وَعَنْ أبي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفاتِكُمْ زِيادَة فِي حَسَنَاتِكُمْ ليَجْعَلَها لَكُمْ زِيَادَةً فِي أعمَالِكُمْ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)
(4)
. [حسن بشواهده]
حديث أبي الدرداء أخرجه أيضًا أحمد
(5)
.
(1)
أحمد في المسند (1/ 171) والبخاري رقم (2744) ومسلم رقم (8/ 1628) وأبو داود رقم (2864) والترمذي رقم (2116) والنسائي رقم (3626) وابن ماجه رقم (2708).
وهو حديث صحيح.
(2)
في سننه رقم (3631).
(3)
في المسند (1/ 174).
بسنده حسن، والله أعلم.
(4)
لم يخرجه الدارقطني في سننه من حديث أبي الدرداء.
بل أخرجه أحمد في المسند (6/ 440 - 441) والبزار في المسند رقم (1382 - كشف) والطبراني في "مسند الشاميين" رقم (1484) وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 104) من طريق إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن أبي مريم، به.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 212) وقال: فيه أبو بكر بن أبي مريم، وقد اختلط.
وهو حديث حسن بشواهده، والله أعلم.
(5)
في المسند (6/ 440 - 441) وقد تقدم.
وأخرجه أيضًا البيهقي
(1)
وابن ماجه
(2)
والبزار
(3)
من حديث أبي هريرة بلفظ: "إن الله تصدق عليكم عند موتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم".
قال الحافظ
(4)
: وإسناده ضعيف.
وأخرجه أيضًا الدارقطني
(5)
والبيهقي
(6)
من حديث أبي أمامة
(7)
بلفظ: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعل لكم زكاة في أموالكم"، وفي إسناده إسماعيل بن عياش
(8)
وشيخه عتبة بن حميد
(9)
وهما ضعيفان.
(1)
في السنن الكبرى (6/ 269).
(2)
في سننه رقم (2709).
(3)
في مسنده كما في "نصب الراية"(4/ 400) وقال: "لا نعلم رواه عن عطاء إلا طلحة بن عمرو، وليس بالقوي".
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 366): "هذا إسناد ضعيف؛ طلحة بن عمرو الحضرمي المكي ضعفه: أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، والبزار، والعجلي، والدارقطني، وأبو أحمد الحاكم، وغيرهم.
وله شاهد في الصحيحين وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص - تقدم برقم (5/ 2524) من كتابنا هذا - وابن عباس - تقدم برقم (4/ 2523) من كتابنا هذا - ". اهـ.
وتعقب الألباني البوصيري في الإرواء (6/ 77) بقوله: "ولكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (3/ 322) من طريق عقبة الأصم: ثنا عطاء بن أبي رباح، به. وقال: "غريب من حديث عطاء، لا أعلم له راويًا غير عقبة"!
قلت: وهو ضعيف". اهـ.
(4)
في "التلخيص"(3/ 195).
(5)
في سننه (4/ 150 رقم 3).
(6)
كما في "التلخيص"(3/ 194) قلت: وقد أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 20 رقم 94).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 212) وقال: "فيه عتبة بن حميد الضبي، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه أحمد".
قلت: وفيه إسماعيل بن عياش روايته عن غير الشاميين فيها ضعف وهذا منها.
(7)
في هامش المخطوط (ب): "في التلخيص: عن أبي أمامة، عن معاذ، ولعل أبا أمامة هو ابن سهل بن سعد، فهو تابعي لا صحابي، فلا بد من ذكر معاذ". اهـ.
(8)
انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (2/ 191) والميزان (1/ 240) والمجروحين (1/ 124) والتقريب (1/ 73) والخلاصة (ص 35).
(9)
عُتبة بن حُميد: شيخ. رَوَى عن عكرمة؛ وقد ضُعّف. رَوَى عنه أبو معاوية، وعبيد الله الأشجعي، وجماعة.
وهو أبو معاذ الضبي البصري. =
ورواه
(1)
العقيلي في الضعفاء
(2)
عن أبي بكر الصديق، وفي إسناده حفص بن عمر بن ميمون وهو متروك
(3)
.
وعن خالد بن عبد الله السلمي عند ابن أبي عاصم
(4)
، وابن السكن، وابن قانع
(5)
، وأبي نعيم
(6)
، والطبراني
(7)
، وهو مختلف في [صحبته]
(8)
، رواه عنه ابنه الحارث وهو مجهول.
وقد ذكر الحافظ في التلخيص
(9)
حديث أبي الدرداء ولم يتكلم عليه.
= قال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال أحمدُ: ضعيف ليس بالقوي.
[الميزان (3/ 28 رقم الترجمة 5470)].
(1)
في هامش المخطوط (ب) الذي في "التلخيص": وفي الباب عن أبي بكر الصديق رواه العقيلي.
(2)
في الضعفاء الكبير (1/ 275).
قلت: وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 794) وفيه حفص بن عمر بن ميمون: متروك.
قال العقيلي: "وحفص بن عمر هذا يحدث عن شعبة ومسعر ومالك بن مغول والأئمة بالبواطيل".
وقال ابن عدي: "وحفص هذا عامة حديثه غير محفوظ، وأخاف أن يكون ضعيفًا كما ذكره النسائي".
(3)
انظر التعليقة المتقدمة.
(4)
في الآحاد والمثاني (3/ 70 رقم 1385).
(5)
لم أقف عليه في "معجم الصحابة" له.
(6)
في "معرفة الصحابة"(2/ 952 رقم الترجمة 814)
(7)
في المعجم الكبير (ج 4 رقم 4129).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 212) وقال: إسناده حسن.
وتعقبه الألباني في "الإرواء"(6/ 79) بقوله: "قلت: وليس كما قال، قال الحافظ في "الخلاصة": "خالد بن عبيد، مختلف في صحبته، وابنه الحارث مجهول".
قلت: وعلى هذا، فهو على شرط كتابه "اللسان"، ومن قبله كتاب الذهبي "الميزان" ولم يورداه، وقد أورده ابن أبي حاتم (1/ 2/ 74) من رواية عقيل بن مدرك، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
قلت: وعقيل بن مدرك، ليس بالمشهور ولم يوثقه غير ابن حبان، وقال الحافظ في "التقريب": مقبول". اهـ.
(8)
في المخطوط (ب): صحته وهو خطأ.
(9)
في التلخيص (3/ 195).
قال المحدث الألباني في "الإرواء"(6/ 79) بعدما أورد طرق الحديث: و"خلاصة القول: إن جميع طرق الحديث ضعيف شديد الضعف إلا الطريق الثانية (يعني حديث أبي =
قوله: (غَضُّوا) بمعجمتين: أي نقصوا
(1)
، ولو للتمني فلا تحتاج إلى جواب، أو شرطية والجواب محذوف. ووقع التَّصريحُ بالجواب في رواية ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان بلفظ:"كان أحبَّ إليَّ"، وأخرجه الإسماعيلي
(2)
من طريقه، ومن طريق أحمد بن عبدة عن سفيان.
وأخرجه من طريق العباس بن الوليد عن سفيان بلفظ: "كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قوله: (إلى الربع) زاد أحمد
(3)
في الوصيَّة، وكذا ذكر هذه الزيادة الحميدي
(4)
.
قوله: (فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو كالتعليل لما اختاره من النقصان عن الثلث، وكأنَّه أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وسلم للثلث بالكثرة.
قوله: (والثلث كثير) في رواية مسلم
(5)
: "كثيرٌ أو كبيرٌ"، الشك هل هو بالموحدة أو المثلثة، والمراد أنَّه كثير بالنسبة إلى ما دونه.
وفيه دليلٌ على جواز الوصية بالثلث، وعلى أنَّ الأولى أن ينقصَ عنه ولا يزيد عليه.
قال الحافظ
(6)
: وهو ما يبتدره الفهم.
ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل: أي كثير أجره.
ويحتمل أن يكون معناه كثيرٌ غير قليل.
= الدرداء)، والثالثة (يعني حديث معاذ) والخامسة (يعني حديث خالد بن عبيد) فمن ضعفها يسير، ولذلك فإنني أرى أن الحديث بمجموع هذه الطرق الثلاث يرتقي إلى درجة الحسن، وسائر الطرق إن لم تزده قوة لم تضره، وقد أشار إلى هذا الحافظ فقد قال في "بلوغ المرام": - رقم (5/ 910) بتحقيقي -:
"رواه الدارقطني - يعني عن معاذ - وأحمد والبزار عن أبي الدرداء، وابن ماجه عن أبي هريرة، وكلها ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضًا". اهـ.
(1)
النهاية (2/ 310) والفائق (3/ 68).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 370).
(3)
في هامش المخطوط (ب): في "الفتح": زاد الحميدي: "في الوصية" وكذا رواه أحمد عن وكيع، عن هشام بلفظ:"وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع في الوصية".
(4)
في مسنده رقم (521).
(5)
في صحيحه رقم (10/ 1629).
(6)
في "الفتح"(5/ 365).
قال الشافعي
(1)
: وهذا أولى معانيه، يعني أن الكثرة أمر نسبي، وعلى الأول عوّل ابن عباس كما تقدم، والمعروف من مذهب الشافعي
(2)
استحباب النقص عن الثلث.
وفي شرح مسلم للنووي
(3)
: إن كان الورثة فقراء استحب أن ينقص منه، وإن كانوا أغنياء فلا.
وقد استدل بذلك على أنها لا تجوز الوصية بأزيد من الثلث.
قال في الفتح
(4)
: واستقر الإجماع على منع الوصية بأزيد من الثلث، لكن اختلف فيمن ليس له وارثٌ خاصٌّ، فذهب الجمهور
(5)
إلى منعه من الزيادة على الثلث، وجوّز له الزيادة الحنفية
(6)
وإسحاق وشريك وأحمد
(7)
في رواية وهو قول علي وابن مسعود. واحتجوا بأن الوصية مطلقة في الآية فقيدتها السنة بمن له وارث فبقي من لا وارث له على الإطلاق، وحكاه في البحر
(8)
عن العترة.
قوله: (قال: الثلث والثلث كثير، أو كبير) يعني بالمثلثة أو الموحدة، وهو شكٌّ من الراوي.
قال الحافظ
(9)
: والمحفوظ في أكثر الروايات بالمثلثة، قال: الثلث بالنصب على الإغراء أو بفعل مضمر نحو عين الثلث، وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف.
قوله: (إنك إن [تذر])
(10)
بفتح أن على التعليل وبكسرها على الشرطية.
قال النووي
(11)
: هما صحيحان.
(1)
في الأم (5/ 220).
(2)
روضة الطالبين للنووي (6/ 108) والمهذب (3/ 708).
(3)
في شرحه لصحيح مسلم (11/ 77).
(4)
(5/ 369).
(5)
"فتح الباري"(5/ 369).
(6)
البناية في شرح الهداية (12/ 520 - 521).
(7)
المغني (5/ 516 - 518).
(8)
البحر الزخار (5/ 309).
(9)
في الفتح (5/ 365).
(10)
في المخطوط (ب): (تدع).
(11)
في شرحه لصحيح مسلم (11/ 77).
وقال القرطبي
(1)
: لا معنى للشرط هاهنا؛ لأنَّه يصير لا جواب له ويبقى "خيرٌ" لا رافع له.
وقال ابن الجوزي
(2)
: سمعناه من رواة الحديث بالكسر وأنكره ابن الخشَّاب (3) وقال: لا يجوز الكسر؛ لأنَّه لا جواب له لخلو لفظ خير عن الفاء وغيرها مما اشترط في الجواب.
وتعقب بأنه لا مانع من تقديرها كما قال ابنُ مالك.
قوله: (ورثتك) قال ابن المنير
(3)
: إنما عبر له صلى الله عليه وسلم بلفظ الورثة ولم يقل: [بنتك]
(4)
، مع أنه لم يكن له يومئذ إلا ابنة واحدة، لكون الوارث حينئذ لم يتحقق؛ لأن سعدًا إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتى ترثه، وكان من الجائز أن تموت هي قبله، فأجابه صلى الله عليه وسلم بكلام كلي مطابق لكل حالة وهو قوله:"ورثتك" ولم يخص بنتًا من غيرها.
وقال الفاكهيُّ شارح العمدة (3): إنما عبَّر صلى الله عليه وسلم بالورثة؛ لأنَّه اطَّلع على أن سعدًا سيعيش، ويحصل له أولاد غير البنت المذكورة، فإنَّه ولد له بعد ذلك أربعة بنين. اهـ؛ وهم: عامر، ومصعب، ومحمد، وعمر، وزاد بعضهم: إبراهيم، ويحيى، وإسحاق، وزاد ابن
(5)
سعد: عبد الله، وعبد الرحمن، وعمرًا، وعمران، وصالحًا، وعثمان، وإسحاق الأصغر، [وعمرًا]
(6)
الأصغر، وعُميرًا - مصغرًا -، وذكر له من البنات ثنتي عشرة بنتًا.
قال الحافظ
(7)
ما معناه: إنه قد كان لسعدٍ وقت الوصيَّة ورثةٌ غير ابنته، وهم أولاد أخيه عتبة بن أبي وقاص، منهم: هاشم بن عتبة، وقد كان موجودًا إذ ذاك.
قوله: (عالة)
(8)
أي: فقراء وهو جمع عائل: وهو الفقير، والفعل منه عال يعيل: إذا افتقر.
(1)
في "المفهم (4/ 545).
(2)
في كشف المشكل (1/ 232).
(3)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 366).
(4)
في المخطوط (أ): (بنيك).
(5)
في "الطبقات الكبرى"(3/ 138).
(6)
في المخطوط (ب): (وعمر).
(7)
في "الفتح"(5/ 366).
(8)
القاموس المحيط (ص 1340)، والنهاية (2/ 273).
قوله: (يتكففون الناس) أي: يسألونهم بأكفِّهم، يقال: تكفف الناس
(1)
واستكفَّ: إذا بسط كفه للسؤال، أو سأل ما يكف عنه الجوع، أو سأل كفافًا من طعام.
قال ابن عبد البر
(2)
: وفي هذا الحديث تقييد مطلق القرآن بالسنة؛ لأنَّه سبحانه قال: {بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
(3)
، فأطلق، وقيدت السنة الوصية بالثلث.
قال في الفتح
(4)
: وفيه أنَّ خطابَ الشارع للواحد يعمّ مَن كان بصفته من المكلَّفين لإطباق العلماء على الاحتجاج بحديث سعد هذا، وإن كان الخطاب إنما وقع له بصيغة الإفراد.
ولقد أبعد من قال: إن ذلك يختصُّ بسعد ومن كان في مثل حاله ممن يخلف وارثًا ضعيفًا أو كان ما يخلفه قليلًا.
وفي حديث أبي الدرداء
(5)
وما ورد في معناه دليل على أن الإذن لنا بالتصرف في ثلث أموالنا في أواخر أعمارنا من الألطاف الإلهية بنا والتكثير لأعمالنا الصالحة، وهو من الأدلة الدالة على اشتراط القربة في الوصية.
7/ 2526 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ خارِجَةَ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ على ناقَتِهِ وأنا تَحْتَ جِرَانِها وَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِها، وَإِنَّ لُغامَها يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفي، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إنَّ الله قَدْ أعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلا وَصِيةَ لوَارِثٍ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا أبا دَاوُدَ وصَحَّحَهُ التِّرْمذِيُّ)
(6)
. [صحيح]
8/ 2527 - (وَعَنْ أبي أُمَامَةَ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
(1)
النهاية (2/ 553) وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (68/ 22).
(2)
التمهيد (5/ 368).
(3)
سورة النساء، الآية:(11).
(4)
الفتح (5/ 368).
(5)
تقدم برقم (2525) من كتابنا هذا.
(6)
أحمد في المسند (4/ 186، 187، 238، 238 - 239) والترمذي رقم (2121) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (3641) وابن ماجه رقم (2712).
قلت: لعل تصحيح الترمذي للحديث من أجل شواهده الكثيرة، وإلا فمن شهر بن حوشب ضعيف لسوء حفظه.
"إنَّ الله قَدْ أعْطَى كُل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلا النَّسائيَّ)
(1)
. [صحيح]
9/ 2528 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [قالَ]
(2)
: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تجوزُ وَصِيَّةٌ لوَارِثٍ إلَّا أنْ يَشاءَ الوَرَثَةُ")
(3)
. [إسناده حسن]
10/ 2529 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا وَصِيَّةَ لوَارِثٍ إلا أنْ يُجيزَ الوَرَثَةُ"
(4)
، رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِي). [إسناده واهٍ]
[و]
(5)
حديث عمرو بن خارجة أخرجه أيضًا الدارقطني
(6)
والبيهقي
(7)
.
(1)
أخرجه أحمد في المسند (5/ 267) وأبو داود رقم (2870) والترمذي رقم (2120) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه رقم (2713).
قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (949) والطيالسي رقم (1127) وسعيد بن منصور (1/ 125) رقم (427) والبيهقي (6/ 264) والدولابي في الكنى (1/ 64).
وهو حديث صحيح.
(2)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (4/ 97 رقم 89).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 263) وقال: "عطاء هو الخراساني لم يدرك ابن عباس ولم يره، قاله أبو داود وغيره، وقد روي من وجه آخر عنه عن عكرمة عن ابن عباس".
ثم أخرج البيهقي في السنن الكبرى (6/ 263 - 264) ما أخرجه الدارقطني، من طريق يونس بن راشد، عن عطاء الخراساني عن عكرمة، عن ابن عباس به، ولفظه: "لا تجوز الوصية لوارث إلا إن شاء الورثة.
وحسّن سنده الحافظ في "التلخيص"(3/ 199) ووافقه الألباني في الإرواء (6/ 89).
(4)
في سننه (4/ 98 رقم 93) من طريق حبيب بن الشهيد.
وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 817) من طريق حبيب المعلم.
كلاهما عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر:"لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة". لفظ حبيب بن الشهيد. قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 199): إسناده واهي.
قلت: سهل بن عمار كذبه الحاكم وغيره.
(5)
زيادة من المخطوط (ب).
(6)
في السنن (4/ 152 - 153 رقم 13).
(7)
في السنن الكبرى (6/ 264).
وحديث أبي أمامة حسنه الترمذي
(1)
والحافظ
(2)
، وفي إسناده إسماعيل بن عياش
(3)
، وقد قوى حديثه إذا روى عن الشاميين جماعة من الأئمة منهم أحمد والبخاري، وهذا من روايته عن الشاميين؛ لأنَّه رواه عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة، وصرح في روايته بالتحديث.
وحديث ابن عباس حسَّنه في التلخيص
(4)
، وقال في الفتح
(5)
: رجاله ثقاتٌ لكنَّه معلولٌ، فقد قيل: إن عطاء الذي رواهُ عن ابن عباس هو الخراساني [وهو لم يسمع من ابن عباس
(6)
]
(7)
.
وأخرج نحوه البخاري
(8)
من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس موقوفًا.
قال الحافظ
(9)
: إلا أنه في تفسير وإخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن فيكون في حكم المرفوع.
وأخرجه أيضًا أبو داود في المراسيل
(10)
عن مرسل عطاء الخراساني، ووصله يونس بن راشد عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس
(11)
.
قال الحافظ
(12)
: والمعروف المرسل.
وحديث عمرو بن شعيب قال في التلخيص
(13)
: إسناده واه.
وفي الباب عن أنس عند ابن ماجه
(14)
.
(1)
في السنن (4/ 434).
(2)
في "الفتح"(5/ 372).
(3)
تقدمت مراجع ترجمته آنفًا.
(4)
(3/ 199).
(5)
(5/ 372).
(6)
حكاه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 263)، وقد نقل ابن أبي حاتم عن يحيى بن معين أنه قال: لا أعلمه لقي أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. المراسيل (ص 157).
(7)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(8)
في صحيحه (5/ 372) معلقًا.
(9)
في الفتح (5/ 372).
(10)
في المراسيل رقم (349) بسند ضعيف منقطع.
(11)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 263 - 264) بسند حسن.
(12)
في "التلخيص"(3/ 199).
(13)
في "التلخيص"(3/ 199).
(14)
في سننه رقم (2714). =
وعن جابر عند الدارقطني
(1)
وصوب إرساله.
وعن علي عنده
(2)
أيضًا وإسناده ضعيف، وهو عند ابن أبي شيبة
(3)
.
وعن مجاهد مرسلًا عند الشافعي
(4)
.
قال في الفتح
(5)
: ولا يخلو إسناد كل [منها]
(6)
من مقال، لكن [مجموعها]
(7)
يقتضي أن للحديث أصلًا، بل جنح الشافعي في
(8)
الأم إلى أن هذا المتن متواتر فقال: وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: "لا وصية لوارث" ويأثِرونَهُ عمَّنْ حفظوه عنه ممن لقوه من أهل العلم، فكان نقل كافة عن كافة فهو أقوى من نقل واحد.
وقد نازع الفخر الرازي
(9)
في كون هذا الحديث متواترًا، قال: وعلى تقدير تسليم ذلك فالمشهور من مذهب الشافعي
(10)
أن القرآن لا ينسخُ بالسُّنَّة.
قال الحافظ
(11)
: لكن الحجة في هذا إجماع العلماء على مقتضاه كما صرح به الشافعي
(12)
وغيره.
= قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 368): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات
…
. اهـ.
وهو حديث صحيح.
(1)
في سننه (4/ 97 رقم 90)، وقال: الصواب مرسل.
(2)
أي: في سنن الدارقطني (4/ 97 رقم 91):
قلت: والحديث أخرجه ابن عدي في "الكامل"(7/ 2648) أيضًا، عن يحيى بن أبي أُنيسة بسند الدارقطني، وأسند تضعيف يحيى بن أبي أنيسة عن البخاري والنسائي وابنِ المديني وابنِ معين، ووافقهم.
(3)
في "المصنف"(11/ 149).
(4)
في الأم (5/ 234 رقم 1794).
(5)
في "الفتح"(5/ 372).
(6)
في المخطوط (ب): منهما. والمثبت من (أ) والفتح.
(7)
في المخطوط (ب): مجموعهما والمثبت من (أ) والفتح.
(8)
في الأم (5/ 234).
(9)
في "المحصول"(3/ 347 - 350).
(10)
انظر: "الرسالة" له (ص 106). والبحر المحيط (4/ 111 - 115) وإرشاد الفحول (ص 629 - 630).
(11)
في "الفتح"(5/ 372).
(12)
الأم (5/ 234).
قال
(1)
: والمراد بعدم صحَّة وصيَّة الوارث عدم اللزوم؛ لأن الأكثر على أنها موقوفةٌ على إجازة الورثة.
وقيل: إنَّها لا تصحُّ الوصية لوارثٍ أصلًا وهو الظاهر؛ لأنَّ النفي إما أن يتوجَّه إلى الذَّات.
والمراد لا وصية شرعية، وإما إلى ما هو أقرب إلى الذات، وهو: الصحَّة، ولا يصحُّ أن يتوجَّه هاهنا إلى الكمال الذي هو أبعد المجازين.
وحديث ابن عباس
(2)
المذكور، وإن دل على صحة الوصية لبعض الورثة مع رضا البعض الآخر، فهو لا يدل على أن النفي غير متوجه إلى الصحة بل هو متوجه إليها، وإذا رضي الوارث كانت صحيحة كما هو شأن بناء العام على الخاص، وهكذا حديث عمرو بن شعيب
(3)
.
وحكى صاحب البحر
(4)
عن الهادي والناصر وأبي طالب وأبي العباس أنها تجوز الوصية للوارث.
واستدلوا بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}
(5)
، قالوا: ونسخ الوجوب لا يستلزم نسخ الجواز.
وأجاب الجمهور عن ذلك بأن الجواز أيضًا منسوخ، كما صرح بذلك حديث ابن عباس (2) المذكور في الباب.
وقد اختلف في تعيين ناسخ آية الوصية للوالدين والأقربين.
فقيل: آية الفرائض.
وقيل: الأحاديث المذكورة في الباب.
وقيل: دل الإجماع على ذلك وإن لم يتعين دليله، هكذا في الفتح
(6)
.
وقد قيل: إن الآية مخصوصة؛ لأن الأقربين أعم من أن يكونوا وارثين أم لا؟ فكانت الوصية واجبة لجميعهم، وخص منها الوارث بآية الفرائض وبأحاديث
(1)
أي: الحافظ في "الفتح"(5/ 372).
(2)
تقدم برقم (2528) من كتابنا هذا.
(3)
تقدم برقم (2529) من كتابنا هذا.
(4)
البحر الزخار (5/ 308).
(5)
سورة البقرة، الآية:(180).
(6)
(5/ 373).
الباب، وبقي حق من لا يرث من الأقربين من الوصية على حاله، قاله طاوس
(1)
وغيره.
قوله: (وأنا تحت [جِرَانِهَا])
(2)
بكسر الجيم.
قال في القاموس
(3)
: جران البعير بالكسر مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره.
قوله: (وهي تقصع بجرتها) الجرة بكسر الجيم وتشديد الراء.
قال في القاموس
(4)
: الجِرّة بالكسر: هيئة الجرِّ، وما يفيض به البعير فيأكله ثانية، وقد اجترَّ وأجرَّ، واللقمة يتعلل بها البعير إلى وقت علفه.
والقصع: البلع قال في القاموس
(5)
: قصع كمنع: ابتلع جُرَع الماء، والناقةُ بجرَّتها: ردَّتها إلى جوفها، أو: مضغتها، أو: هو بعد الدَّسْع
(6)
وقبل المضغ، أو: هو أن يملأ بها فاها، أو شدَّة المضغ. اهـ.
قوله: (وإن لُغامها) بضمِّ اللام بعدها عينٌ معجمةٌ، وبعد [الألف]
(7)
ميمٌ، هو: اللعاب. قال في القاموس
(8)
: لغم الجمل، كمنع رمى بلعابه لزبده.
قال
(9)
: والملاغم: ما حول الفم.
قوله: (إلا أن يشاء الورثة) في ذلك ردٌّ على المزنيِّ وداود
(10)
والسبكي حيث قالوا: إنها لا تصحُّ الوصية بما زاد على الثلث، ولو أجاز الورثة.
(1)
حكاه عنه ابن قدامة في المغني (8/ 396).
(2)
في المخطوط (ب): بجرانها.
(3)
القاموس المحيط (ص 1530).
(4)
القاموس المحيط (ص 464).
(5)
القاموس المحيط (ص 197).
وانظر: النهاية لابن الأثير (2/ 462).
(6)
القاموس المحيط (ص 923).
قال الزمخشري في "الفائق"(1/ 423): دسع البعيرُ بجزَتِه دَسْعًا ودسوعًا: انتزعها من كرشه وألقاها إلى فيه
…
(7)
في المخطوط (ب): (ألف).
(8)
القاموس المحيط (ص 1495).
(9)
أي: الفيروزآبادي في القاموس (ص 1495).
(10)
المحلى (9/ 317).
واحتجُّوا بالأحاديث الآتية في الباب الذي بعد
(1)
هذا.
ولكن في هذا الحديث
(2)
وحديث، عمرو بن شعيب المذكور بعده
(3)
زيادة يتعين القول بها.
قال الحافظ
(4)
: إن صحت هذه الزيادة فهي حجة واضحة.
واحتجوا من جهة المعنى بأن المنع إنما كان في الأصل لحق الورثة فإذا أجازوه لم يمتنع.
واختلفوا بعد ذلك في وقت الإجازة، فالجمهور على أنهم إن أجازوا في حياة الموصى كان لهم الرجوع متى شاءوا، وإن أجازوا بعده نفذ.
وفصل المالكية
(5)
في الحياة بين مرض الموت وغيره، فألحقوا مرض
(1)
الباب الثالث رقم الحديث (11/ 2530) و (12/ 2531) من كتابنا هذا.
(2)
أي: حديث ابن عباس رقم (2528) من كتابنا هذا، وإسناده حسن.
(3)
تقدم برقم (2529) من كتابنا هذا، وإسناده واهٍ.
(4)
في "الفتح"(5/ 373).
(5)
التهذيب في اختصار المدونة (4/ 291) وعيون المجالس (4/ 1943).
• إذا أوصى الميت لوارث، أو بما يزيد عن ثلث ماله، واطلع الورثة على وصيته في حياته وأجازوها، فمن إجازتهم ماضية تلزمهم، وليس لهم الرجوع عنها بعد موت الموصى، وذلك إذا توفرت الشروط الآتية:
1 -
أن يجيزوا الوصية في المرض الذي مات فيه الموصي، وليس في صحته؛ لأن المال في مرض الموت يصير للوارث، فإجازتم لها أثناء المرض إجازة للشيء بعد وجوبه، بخلاف إجازتهم في حال صحته، فلا تلزمهم؛ لأنها من إجازة الشيء قبل وجوبه.
2 -
ألا يكون الوارث مكرهًا في إجازته، كأن يكون في نفقة الموصى ويخشى إن لم يوافق قطعت عنه النفقة، أو يكون مدينًا له، فيخاف أن يطالبه بالدين ويسجنه، أو كان يخاف من سلطانه وسطوته إن كان ذا سلطان، فلا يعتد بجازة الوارث للوصية إن كانت تحت مثل هذا الظرف من الإكراه.
3 -
أن يكون الوارث يعلم أن من حقه رد الوصية الزائدة على الثلث، أو الوصية للوارث، فإنه إذا أجازها عالمًا كانت إجازته تعبِّر عن إرادته الحقيقية في تبرعه وتطوعه، أما إن ادعى أنه كان يجهل هذا الحق، فإنه يصدق ولا تلزمه إجازته، ويحلف أنه كان جاهلا، ويكون له الحق في الرد.
4 -
أن يكون الوارث مكلفًا بلا حجر، ومش يصح منه التبرع".
[(مدونة الفقه المالكي وأدلته" (4/ 283 - 2814)].
الموت بما بعده، واستثنى بعضهم ما إذا كان المجيز في عائلة الموصى وخشي من امتناعه انقطاع معروفه عنه لو عاش فإن لمثل هذا الرجوع.
وقال الزهري (1) وربيعة
(1)
: ليس لهم الرجوع مطلقًا، واتفقوا على اعتبار كون الموصى له وارثًا يوم الموت، حتى لو أوصى لأخيه الوارث حيث لا يكون للموصي ابن ثم ولد له ابن قبل موته صحت الوصية للأخ المذكور؛ ولو أوصى لأخيه وله ابن فمات الابن قبل موت الموصى فهي وصية لوارث.
[الباب الثالث] باب في أَن تبرعات المريض من الثلث
11/ 2530 - (عَنْ أبي زيدٍ الأنْصارِيّ: أنَّ رجُلًا أعْتَقَ سِتَّةَ أعْبُدٍ عِنْدَ مَوْتهِ لَيْسَ لَهُ مالٌ غَيْرُهُمْ، فأقْرَعَ بَيْنَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأعْتَقَ اثْنَيْنِ وأرَقَّ أرْبَعَةً. رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وأَبُو دَاوُد
(3)
بِمَعْناهُ وَقَالَ فِيه: لَوْ شَهِدْتُهُ قَبْلَ أنْ يُدْفَنَ لمْ يُدْفَنْ فِي مَقابِر المُسْلِمِين). [صحيح لغيره]
12/ 2531 - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أن رَجُلًا أعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ غَيْرُهُمْ، فَدَعا بهْم رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَجَزَّأهُمْ أثلاثًا ثُم أقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فأعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأرَقَّ أرْبعَة وَقالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخاريَّ
(4)
. [صحيح]
(1)
حكاه عنهما القاضي عبد الوهاب البغدادي في عيون المجالس (4/ 1945) وابن قدامة في المغني (8/ 406).
(2)
في المسند (5/ 341) بسند ضعيف لانقطاعه، فإن أبا قلابة - وهو عبد الله بن زيد الجَرمي - لم يسمع من أبي زيد عمرو بن أخطب.
قلت: وأخرجه سعيد بن منصور في سننه رقم (409) ومن طريقه أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (740).
(3)
في سننه رقم (3960) والنسائي في الكبرى رقم (4973 ط: دار الكتب العلمية) بسند صحيح.
وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(4)
أحمد في المسند (4/ 426) ومسلم رقم (56، 57/ 1668) وأبو داود رقم (3958) =
وفِي لَفْظٍ: إنَّ رَجُلًا أعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ سِتَّةَ رَجْلَةٍ لَهُ، فَجاءَ وَرَثَتُهُ مِنَ الأعْرَابِ فأخْبَرُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِمَا صَنَعَ، قالَ:"أوَ فَعَلَ ذلكَ؟ لَوْ عَلِمْنا إنْ شاءَ الله ما صَلَّيْنا عَلَيْه"، فأقْرَعَ بَيْنَهُمْ فأعْتَقَ مِنْهُمُ اثْنَيْنِ وأرَقَّ أرْبَعَةً. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
. [صحيح]
وَاحْتَجَّ بِعُمُومِهِ مَنْ سَوَّى بَيْنَ مُتَقَدِّمِ العَطايا وَمُتأخِّرِها؛ لأنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ هَلْ أعْتَقَهُمْ بكَلمَةٍ أوْ بِكَلِماتٍ).
حديث أبي زيد أخرجه أيضًا النسائي
(2)
، وسكت عنه أبو داود
(3)
والمنذري
(4)
، ورجال إسناده رجال الصحيح.
قوله: (أعتق ستة أعبد عند موته) قال القرطبي
(5)
: ظاهره أنه نجز عتقهم من مرضه.
قوله: (فأقرع بينهم) هذا نصٌّ في اعتبار القرعة شرعًا، وهو حجة لمالك والشافعي
(6)
وأحمد
(7)
والجمهور على أبي حنيفة
(8)
حيث يقول: القرعة من القمار وحكم الجاهلية، ويعتق من كل واحد من العبيد ثلثه ويستسعي في باقيه ولا يقرع بينهم، وبمثل ذلك قالت الهادوية
(9)
.
= والترمذي رقم (1364) والنسائي رقم (1958) وابن ماجه رقم (2345).
وهو حديث صحيح.
(1)
في المسند (4/ 446) بسند منقطع، الحسن البصري لم يسمع من عمران بن حصين، كما في المراسيل لابن أبي حاتم رقم (123) وهو الأصح، وانظر:"جامع التحصيل"(ص 195).
قلت: وأخرجه البزار في مسنده رقم (3530) والطبراني في الكبير (ج 18 رقم 405) وابن عبد البر في "التمهيد"(23/ 417 - تيمية) من طرق.
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(2)
في الكبرى رقم (4973 - العلمية).
(3)
في السنن (4/ 269).
(4)
في المختصر (5/ 418).
(5)
في "المفهم"(4/ 356).
(6)
البيان للعمراني (8/ 194).
(7)
المغني (14/ 383).
(8)
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 806 - 809) و"شرح معاني الآثار" للطحاوي (4/ 384).
(9)
البحر الزخار (5/ 325).
قوله: (فأعتق اثنين وأرق أربعة)، في هذا أيضًا حجة على أبي حنيفة ومن معه حيث يقولون: يعتقون جميعًا.
قال ابن عبد البر
(1)
: في هذا القول ضروب من الخطأ والاضطراب.
قال ابن رسلان: وفيه ضرر كثير؛ لأن الورثة لا يحصل لهم شيء في الحال أصلًا، وقد لا يحصل من السعاية شيء أو يحصل في الشهر خمسة دراهم أو أقل، وفيه ضرر على العبيد لإلزامهم السعاية من غير اختيارهم.
قوله: (لو شهدته قبل أن يدفن) إلخ، هذا تفسير للقول الشديد الذي أبهم في الرواية الأخرى، وفيه تغليظ شديد وذم متبالغ، وذلك لأن الله سبحانه لم يأذن للمريض بالتصرف إلا في الثلث، فإذا تصرف في أكثر منه كان مخالفًا لحكم الله تعالى ومشابهًا لمن وهب غير ماله.
قوله: (فجزّأهم) بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان مشهورتان: أي قسمهم. وظاهره أنه اعتبر عدد أشخاصهم دون قيمتهم، وإنما فعل ذلك لتساويهم في القيمة والعدد.
قال ابن رسلان: فلو اختلفت قيمتهم لم يكن بد من تعديلهم بالقيمة مخافة أن يكون ثلثهم في العدد أكثر من ثلث الميت في القيمة.
قوله: (رَجْلة) بفتح الراء وسكون الجيم جمع رجل
(2)
.
قوله: (ما صلينا عليه) هذا أيضًا من تفسيرِ القول الشديد المبهم في الرواية المتقدمة.
والحديثان يدلان على أن تصرفات المريض إنما تنفذ من الثلث ولو كانت منجزةً في الحال ولم تضف إلى ما بعدَ الموت، وقد قدمنا حكايةَ الإجماع على المنع من الوصيَّةِ بأزيدَ من الثلثِ لمن كان له وارث، والتنجيز حال المرض المخوف حكمه حكمُ الوصيَّةِ.
واختلفوا هل يعتبر ثلث التركة حال الوصية أو حال الموت، وهما وجهان
(1)
التمهيد (13/ 302 - الفاروق)
(2)
القاموس المحيط (ص 1297).
للشافعية
(1)
أصحهما الثاني، وبه قال أبو حنيفة
(2)
وأحمد
(3)
والهادوية
(4)
، وهو قول علي رضي الله عنه وجماعة من التابعين.
وقال بالأول مالك وأكثر العراقيين والنخعي وعمر بن عبد العزيز، وتمسكوا بأن الوصية عقد، والعقود تعتبر بأولها، وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله اعتبر ذلك حال النذر اتفاقًا.
وأجيب بأن الوصية ليست عقدًا من كل وجده، ولذلك لا يعتبر فيها الفورية ولا القبول، وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع فيها والنذر يلزم، وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية.
واختلفوا أيضًا هل يحسب الثلث من جميع المال أو يتقيد بما علمه الموصى دون ما خفي عليه أو تجدد له ولم يعلم به، وبالأول قال الجمهور
(5)
، وبالثاني قال مالك.
وحجة الجمهور أنه لا يشترط أن يستحضر مقدار المال حال الوصية اتفاقًا، ولو كان عالمًا بجنسه، فلو كان العلم به شرطًا لما جاز ذلك.
[الباب الرابع] بابُ وصيَّةِ الحَرْبيِّ إذا أسلمَ ورثَتُهُ هل يجبُ تنفيذُها
13/ 2532 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيِه عَنْ جَدِّه: أن العاصَ بْنَ وَائِلٍ أوْصَى أنْ يُعْتَقَ عَنُهُ مِائَةُ رَقَبَةٍ، فأعْتَقَ ابْنُهُ هِشامٌ خَمْسِينَ رَقَبَةً، فأرَادَ ابْنُهُ عَمْرٌو أنْ يَعْتقَ عَنْهُ الخَمْسينَ الباقِيَةَ، فَقَالَ: يا رَسُولَ الله: إنَّ أبي أوْصى بِعِتْقِ مِائة رَقَبَةٍ، وإنَّ هِشامًا أعْتَقَ عَنْهُ خَمْسِينَ رَقَبَةً وَبَقِيَت خَمْسونَ رَقَبَةً، أفأعْتِق عَنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ مُسْلمًا فأعْتَقْتُمْ عَنْهُ أوْ تَصَدّقْتُمْ عَنْهُ أوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ بَلَغَهُ ذلكَ"، رَوَاهُ أبو دَاوُدَ)
(6)
. [حسن]
(1)
البيان للعمراني (8/ 159 - 165).
(2)
البناية في شرح الهداية (12/ 497).
(3)
المغني (8/ 407، 418 - 419).
(4)
البحر الزخار (5/ 309).
(5)
فتح الباري (5/ 370).
(6)
في سننه رقم (2883) وهو حديث حسن.
الحديث سكت عنه أبو داود
(1)
، أشار المنذري
(2)
إلى الاختلاف في حديث عمرو بن شعيب وقد قدمنا غير مرة أن حديثه عن أبيه عن جده من قسم الحسن.
وقد صحح له الترمذي بهذا الإسناد عدة أحاديث.
والحديث يدل على أن الكافر إذا أوصى بقربة من القرب لم يلحقه ذلك لأن الكفر مانع، وهكذا لا يلحقه ما فعله قرابته المسلمون من القرب كالصدقة والحج والعتق من غير وصية منه، ولا فرق بين أن يكون الفاعل لذلك ولدًا أو غيره، وليس في هذا الحديث ما يدل على عدم صحة وصية الكافر، إذ لا ملازمة بين عدم قبول ما أوصى به من القرب وعدم صحة الوصية مطلقًا. نعم، فيه دليل أنه لا يجب على قريب الكافر من المسلمين تنفيذ وصيته بالقرب.
قال في البحر
(3)
: مسألة: ولا تصح يعني الوصية من كافر في معصية كالسلاح لأهل الحرب. وبناء البيع في خطط المسلمين. [وتصح]
(4)
بالمباح إذ لا مانع
(5)
. اهـ.
[الباب الخامس] باب الإيصاءِ بما يدخُله النيابةُ من خلافة وعتاقة ومحاكمة في نسب وغيره
14/ 2533 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَضَرْتُ أبي حينَ أصِيبَ فأثْنَوْا عَلَيْهِ وَقالُوا: جَزَاكَ الله خَيْرًا، فَقَالَ: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ، قالُوا: اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: أتَحمَّلُ أمْركُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا لَوَدِدْتُ أنَّ حَظِّي مِنْها الكَفافُ لا عَليّ ولَا لِيَ، فإنْ أسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي - يَعْنِي، أبا بَكْرٍ -، وَإنْ أتْرُكْكُمْ فَقَدْ تَرَكَكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي - يَعْنِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ عَبْدُ الله: فَعَرَفْتُ أنَّهُ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم
(1)
في السنن (3/ 302).
(2)
في المختصر (4/ 158).
(3)
البحر الزخار (5/ 307).
(4)
في المخطوط (ب): (ويصح).
(5)
المغني (8/ 513 - 514).
غَيْر مُسْتَخْلِفٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(1)
. [صحيح]
15/ 2534 - (وَعَنْ عائِشَةَ: أن عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ وَسَعْدَ بْنَ أبي وَقَّاصٍ احْتَصَما إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ابْنِ أمَةِ زَمْعَةَ، فَقالَ سَعْد: يا رَسُول الله أوْصَانِي أخي إذَا قَدِمْتُ أنْ أنْظُرَ ابْنَ أمَةِ زَمْعَةَ فأقْبِضَهُ فإنَّه ابْنِي، وَقالَ ابْنُ زَمْعَةَ: أخي وَابْنُ أمَةِ أبي وُلدَ على فِرَاشِ أبي، فَرَأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم شَبَهًا بَيْنَهُ بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: "هُوَ لَك يا عَبْدُ بْن زَمْعَةَ، الوَلَدُ للْفِرَاشِ وَاحْتَجبِي مِنْهُ يا سَودَةُ"، رَوَاهُ البُخارِي)
(2)
. [صحيح]
16/ 2535 - (وَعَنِ الشَّريدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِي: أن أُمّهُ أوْصَتْ أنْ يُعْتَقَ عَنْها رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ، فَسألَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَن ذلك فَقالَ: عنْدِي جارِيَة سَوْدَاء فَقال: "ائْتِ بِها"، فَدَعا بِها فَجاءَتْ، فَقالَ لَهَا:"مَنْ رَبّكِ؟ "، قالَتِ: الله، قال:"مَنْ أنا؟ "، قالَتْ: أنْتَ رَسُولُ الله، قالَ:"اعْتقْها فإنَّهَا مُؤمِنَةٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
وَالنَّسائي)
(4)
. [حسن]
حديث الشَّريد: رواهُ النَّسَائِي (4) من طريق موسى بن سعيدٍ، وهو صدوقٌ لا بأس به، وبقية رجاله ثقاتٌ. وقد أخرجه أيضًا أبو داود
(5)
وابن حبان
(6)
.
قوله: (فقد استخلف من هو خير مني)، استدل بهذا المصنف على جواز الوصية بالخلافة.
(1)
أحمد في المسند (1/ 43) والبخاري رقم (7218) ومسلم رقم (11/ 1823).
قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (32) وأبو يعلى رقم (206) وابن حبان رقم (4478) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(2)
في صحيحه رقم (7182).
(3)
في المسند (4/ 222).
(4)
في سننه رقم (3653).
قلت: وأخرجه الدارمي رقم (2393) وابن حبان رقم (189) والطبراني في المعجم الكبير رقم (5257) والبيهقي (7/ 388) وأبو داود رقم (3283).
وهو حديث حسن.
(5)
في سننه رقم (3283) وقد تقدم.
(6)
في صحيحه رقم (189) وقد تقدم.
وقد ذهبت الأشعرية والمعتزلة إلى أن طريقها العقد والاختيار في جميع الأزمان.
وذهبت العترة إلى أن طريقها الدعوة، وللكلام في هذا محل آخر.
قوله: (أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مستخلف) يعني أنه سيقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك الاستخلاف ويدع الاقتداء بابي بكر وإن كان الكل عنده جائزًا، ولكن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في الترك أولى من الاقتداء بأبي بكر في الفعل.
قوله: (وعن عائشة أن عبد بن زمعة) إلخ، سيأتي الكلام على هذا الحديث
(1)
في باب أن الولد للفراش
(2)
إن شاء الله؛ لأن المصنف رحمه الله سيذكره هنالك وهو الموضع الذي يليق به، وإنما ذكره هاهنا للاستدلال به على جواز الإيصاء بالنيابة في دعوى النسب والمحاكمة. ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على سعد بن أبي وقاص دعواه بوصاية أخيه في ذلك، ولو كانت النيابة بالوصية في مثله غير جائزة لأنكر عليه.
قوله: (وعن الشريد بن سويد) إلخ، استدل به المصنف على جواز النيابة في العتق بالوصية. ووجهه أنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الوصية ولم يبين له أن مثل ذلك لا يجوز، ولو كان غير جائز لبينه لما تقرر من عدم جواز تأخر البيان عن وقت الحاجة
(3)
.
قوله: (فقال لها: من ربك) إلخ، قد اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بمعرفة الله والرسول في كون تلك الرقبة مؤمنة، وقد ثبت مثل ذلك في عدة أحاديث:
(منها): حديث معاوية بن الحكم السلمي عند مسلم
(4)
وغيره
(5)
.
(1)
يأتي برقم (2920) من كتابنا هذا.
(2)
الباب العاشر ضمن الكتاب الرابع والثلاثون: كتاب اللعان.
(3)
انظر: "إرشاد الفحول"(ص 574 - 577) بتحقيقي. والبحر المحيط (3/ 449) والمسودة (ص 181).
(4)
في صحيحه رقم (33/ 537).
(5)
كأحمد في المسند (5/ 447). =
(ومنها): عن رجل من الأنصار عند أحمد
(1)
.
(ومنها): عن أبي هريرة عند أبي داود
(2)
.
وعن حاطب عند أبي أحمد الغسَّال في "كتاب السنة".
وعن ابن عباس عند الطبراني
(3)
وغير ذلك.
[الباب السادس] بابُ وَصِيَّةِ مَنْ لا يَعِيشُ مِثْلُهُ
17/ 2536 - (عَنْ عمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قالَ: رأيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ [رضي الله عنه]
(4)
قَبْلَ أنْ يُصَابَ بأيَّامٍ بالمَدِينَةِ وَقَفَ على حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ وعُثْمانَ بْنِ حُنَيْف قالَ: كَيْفَ فَعَلْتُما أتخافا أنْ تَكُونا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأرْضَ ما لا تُطيقُ؟ قالا: حَمَّلْناها أمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَة، ومَا فيها كَثيرُ فَضْلٍ، قالَ: انْظُرَا أنْ تَكُونا حَمَّلْتُمَا الأرْضَ ما لا تُطيقُ، قال: قالا: لا، فَقَالَ عمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَني الله لأدَعَنّ أرَاملَ أَهْلِ العرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إلى رَجُلٍ بَعْدي أبَدًا.
قالَ: فمَا أتَتْ عَلَيْهِ [رَابعَةٌ]
(5)
حتَّى أُصِيبَ، قالَ: إني لقَائِمٌ ما بَيْني وَبَيْنَهُ إلا عَبْدَ الله بْنَ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ، وكانَ إذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قالَ: اسْتَووا، حتّى
= وهو حديث صحيح.
(1)
في المسند (3/ 451 - 452) بسند صحيح.
وأروده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 23) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
قلت: وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 777) والبيهقي (10/ 57).
وقال البيهقي: هذا مرسل.
(2)
في سننه رقم (3284).
وهو حديث ضعيف.
(3)
في الأوسط رقم (5523).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 244) وقال: فيه سعيد بن أبي المرزبان وهو ضعيف مدلس، وعنعنه، وفيه محمد بن أبي ليلى وهو سيء الحفظ. وقد وثق". اهـ.
(4)
زيادة من المخطوط (أ).
(5)
في المخطوط (أ): (أربعة).
إذَا لَمْ يَرَ فِيهنَّ خَلَلًا تَقَدَّمَ وكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرأ سُورَةَ يُوسُفَ أوِ النّحْل أوْ نَحْوَ ذلكَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولى حتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَمَا هُوَ إلَّا أن كَبَّرَ فَسَمعْتُه يَقُول: قَتَلنِي أوْ أكَلَنِي الكَلْبُ حينَ طَعَنَهُ فطارَ العِلْجُ بسكينٍ ذاتِ طرفين لا يمر على أحدٍ يمينًا ولا شمالًا إلَّا طعنه، حتى طعَنَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا ماتَ مِنْهُم [سبعة]
(1)
؛ فَلَما رأى ذلكَ رَجُلٌ منَ المُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا؛ فَلَمَّا ظَنَّ العِلْجُ أنَّهُ مَأخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ؛ وَتَناوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَمَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رأى الَّذِي أرَى، وأمَّا نَوَاحِي المَسْجدِ فإنهُمْ [لا يَدْرُونَ]
(2)
، غَيْرَ أنهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحانَ الله، سُبْحانَ الله، فَصَلَّى بِهمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاةً خَفِيفة؛ فَلَمَّا انْصَرَفُوا قالَ: يا ابْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي، فَجالَ ساعَةً ثُم جاءَ فَقَالَ: غُلامُ المُغِيرَةِ، فَقالَ: الصَّنَعُ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: قاتَلَهُ الله لَقَدْ أمْرَتُ بِهِ مَعْرُوفًا، الحَمْد لله الذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بيَدِ رَجُلٍ يَدَّعي الإسْلامَ، قَدْ كُنْتَ أنْتَ وأبُوكَ تُحِبَّانِ أنْ [تَكْثُرَ]
(3)
العُلُوجُ بالمَدِينَةِ، وكانَ العَبَّاسُ أكْثَرهُم رَقِيقًا، فَقالَ: إنْ شِئْتَ فَعلْتُ: أيْ إنْ شئْتَ قَتَلْنا، قالَ: كَذَبْتَ بَعْدَما تَكَلَّمُوا بِلسانِكُمْ، وَصَلُّوا قِبْلَتَكُمْ، وَحَجُّوا حَجَّكُمْ؛ فاحْتُمِل إلى بَيْتِهِ، فانْطَلَقْنا مَعَهُ، وكأنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمئذٍ، فَقائِلٌ يَقُولُ أخافُ عَلَيْهِ، فأُتِي بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِه، ثُم أُتي بِلَبنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَعَلِمُوا أنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنا عَلَيْهِ وَجاءَ النَّاسُ يَثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجاءَ رَجُلٌ شابٌّ، فَقالَ: أبْشر يا أميرَ المُؤْمِنِينَ بِبُشرَى الله لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَقَدَمٍ فِي الإسْلامِ ما قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وُلِّيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهادَةٌ؛ فَقالَ: وَدِدْتُ ذلكَ كَفَافًا لا عَليَّ ولَا لِيَ؛ فَلَمَّا أدْبَرَ إذَا إزَارُه تَمَسُّ الأرْضَ، فَقالَ: ردُّوا عَلي الغلَامَ، قالَ: يا ابْنَ أخي ارْفَعْ ثَوْبكَ فإنَّه أبَقَى لثَوْبِكَ وأتْقَى لِرَبكَ، يا عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ انْظَرْ ما عَليّ مِنَ الدّيْنِ، فَحَسَبُوهُ فَوجَدُوهُ سِتةً وثَمَانِينَ ألْفًا ونَحْوَهُ، قالَ: إنْ وَفّى لَهُ مالُ
(1)
في المخطوط (أ): (تسعة).
(2)
في المخطوط (ب): (لا يرون، لا يدرون).
(3)
في المخطوط (ب): (يكثر).
آلِ عُمَرَ فأدهِ منْ أمْوَالِهمْ وَإلا فَسَلْ فِي بَنِي عدِيّ بْنِ كَعْب، فإنْ لَمْ تَفِ أمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ ولَا تَعْدُهُمْ إلى غَيْرِهِمْ، فأدّ عَنّي هَذَا المَالَ.
انْطَلِقْ إلى عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ فَقُلْ: يَقْرأُ عَلَيْكُمْ عُمَرُ السَّلامَ، ولَا تَقُلْ: أمِيرُ المُؤْمِنِينَ، فإني لَسْتُ اليَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أمِيرًا، وَقُلْ: يَسْتأذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ أنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْها فَوَجَدَها قاعِدَةً تَبْكِي. فَقَالَ: يَقْرأُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَلَيْكُمُ السَّلامَ وَيَستْأذِنُ أنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلأُوثرَنَّهُ [بِه]
(1)
اليَوْمَ على نَفْسِي؛ فَلَمَّا أقْبَلَ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ قَدْ جاءَ، قالَ: ارْفَعُوني، فأسْنَدَه رَجُل إلَيْهِ فَقَالَ: ما لَدَيْكَ؟ قالَ: الَّذِي تُحِبّ يا أمِير المُؤْمِنِينَ أذِنَتْ، قالَ: الحَمْدُ لله ما كانَ شَيءٌ أهم إليَّ مِنْ ذلكَ، فإذَا قُبِضْتُ فاحمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ، فَقُلْ: يَسْتأذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فإنْ أذِنَتْ لي فأدْخِلُونِي، وَإنْ رَدَّتْنِي فَرُدُّونِي إلى مَقابِرِ المُسْلِمِينَ.
وَجاءَتْ أُمُّ المُومِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّساءُ تَسِيرُ [تَتْبَعُها]
(2)
؛ فَلَمَّا رأيْناها قُمْنا، فَوَلجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ ساعَةً، وَاسْتأذَنَ الرّجالَ فَوَلجْتُ داخِلًا لَهُمْ، فَسَمِعْنا بُكاءَها مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَالُوا: أوْصِ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: ما أجِدُ أحَقَّ بِهَذَا الأمْرِ مِنْ هَؤُلاءِ النَّفَرِ أوِ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا وعُثْمانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَقالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ وَلَيْس لَهُ مِنَ الأمْرِ شَيءٌ، كَهَيْئَة التَّعْزِيَةِ لَهُ، فإنْ أصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ، وَإلَّا فَلْيَسْتَعِن بِه أيُّكُمْ ما أُمِّرَ، فإني لَمْ أعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلا خِيانَةٍ.
وقَالَ: أُوصِي الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بالمُهاجِرِينَ الأوَّلينَ أنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ. وأوصِيِه بِالأنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ
(1)
سقط من المخطوط (ب).
(2)
كذا في (أ) و (ب). وفي "البخاري": (معها).
قَبْلِهِمْ أنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وأنْ يَعْفُوَ عَنْ مُسِيئِهِمْ. وأُوصِيِه بِأهْلِ الأمْصَارِ خَيْرًا، فَهُمْ رِدْءُ الإسْلامِ، وَجُباةُ المَالِ، وَغَيْظُ العَدُوّ، وأنْ لا يُؤخَذَ منْهُمْ إلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ. وأُوصِيهِ بالأعْرَابِ خَيْرًا، فإنَّهُمْ أصْلُ العَرَبِ، وَمادةُ الإسْلامِ، أنْ يُوْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أمْوَالهِمْ، [وَتُرَدَّ]
(1)
فِي فُقَرائِهِمْ. وأوصِيهِ بِذِمَّةِ الله وَذِمَّةِ رسْولِهِ أنْ يُوَفِّيَ لهُمْ بِعَهْدِهِم وأنْ يُقاتِلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ، ولَا يُكَلَّفُوا إلا طَاقَتهُمْ.
فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنا بِهِ فانْطَلَقْنا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: يَسْتأذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قالَتْ: أدْخِلُوهُ، فَدْخلَ، فَوُضِعَ هُنالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.
فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلاءِ الرَّهْطُ، فَقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أمْرَكُمْ إلى ثَلاثَةٍ منْكُمْ، فَقالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أمْرِي إلى عَلِيّ، فَقالَ طَلْحَةُ: قَدَ جَعَلْتُ أمْرِي إلى عُثْمانَ، وَقالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أمْرِي إلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أيُّكُما يَبَرأ مِنْ هَذَا الأمْرِ فَنَجْعَلُهُ إلَيْهِ والله عَلَيْهِ وَالإِسْلامُ لَيَنْظُرَنَّ أفَضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فأُسْكِتَ الشَّيْخانِ، فَقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أفَتَجْعَلُونَهُ إليَّ، والله عَليَّ أنْ لا آلُوَ عَنْ أفْضَلِكُمْ، قالا: نَعَمْ، فأخَذَ بِيَدِ أحَدِهِمْ فَقالَ: لَكَ مِنْ قَرَابَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَالقَدَمِ فِي الإسْلامِ ما قَدْ عَلِمْتَ، فالله عَلَيْكَ لَئِنْ أمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أمَّرْتُ عُثْمانَ لَتَسْمَعَنَ وَلَتُطِيعَنَّ، ثُمَّ خلَا بالآخَرِ فَقالَ لَهُ مِثْلَ ذَلكَ؛ فَلَمَّا أخَذَ المِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يا عُثْمانُ، فَبايَعَهُ وَبَايَعَهُ عِليٌّ، وَوَلَجَ أهْلُ الدَّارِ فَبايَعُوهُ. رَوَاهُ البُخارِيُّ
(2)
. [صحيح]
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِه مَنْ رَأى [أنَّ]
(3)
لِلْوَصي وَالوَكِيلِ أنْ يُوَكِّلا).
قوله: (عن عمرو بن ميمون) هو الأودي، وهذا الحديث بطوله رواه عن عمرو بن ميمون جماعة.
قوله: (قبل أن يصاب بأيام)، أي: أربعة كما بيَّن فيما بعد.
(1)
في المخطوط (ب): (ويرد).
(2)
في صحيحه رقم (3700).
(3)
زيادة من المخطوط (ب).
قوله: (بالمدينة) أي: بعد أن صدر من الحج.
قوله: (أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق) الأرض المشار إليها هي أرض السواد وكان عمر بعثهما يضربان عليها الخراج وعلى أهلها الجزية كما بيّن ذلك أبو عبيد في كتاب الأموال
(1)
من رواية عمرو بن ميمون المذكور؛ والمراد بقوله: "انظرا"، أي: في التحميل، أو هو كناية عن الحذر؛ لأنَّه يستلزم النظر.
قوله: (قالا: حملناها أمرًا هي له مطيقة)، في رواية ابن أبي شيبة
(2)
: عن محمد بن فضيل عن حصين بهذا الإسناد، فقال حذيفة: لو شئت لأضعفت أرضي، أي: جعلت خراجها ضعفين.
وقال عثمان بن حنيف: لقد حملت أرضي أمرًا هي له مطيقة.
وفي رواية له
(3)
: "إن عمر قال لعثمان بن حنيف: لئن زدت على كل رأس درهمين وعلى كل جريب درهمًا وقفيزًا من طعام لأطاقوا ذلك؟ قال: نعم".
قوله: (إني لقائم) أي: في الصف ننتظر صلاة الصبح.
قوله: (قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه)، في رواية أخرى
(4)
: "فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، فناجى عمر غير بعيد ثم طعنه ثلاث طعنات، فرأيت عمر قائلًا بيده هكذا يقول: دونكم الكلب فقد قتلني"، واسم أبي لؤلؤة فيروز.
وروى ابن سعد
(5)
بإسناد صحيح إلى الزهري قال: "كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلامًا عنده صنعًا، ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول: إن عنده أعمالًا تنفع الناس، إنه حداد نقاش نجار، فأذن له، فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة، فشكا
(1)
(ص 72 رقم 181).
(2)
في المصنف (12/ 259).
(3)
في المصنف (12/ 259، 260).
(4)
في الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 348) وفيه الواقدي. والمناقب لابن الجوزي (ص 216).
(5)
في الطبقات الكبرى له (3/ 345): بسند صحيح إلى الزهري.
إلى عمر شدة الخراج، فقال له عمر: ما خراجك بكثير في جنب ما تعمل، فانصرف ساخطًا، فلبث عمر ليالي، فمر به العبد فقال له: ألم أحدث أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحًا
(1)
تطحن بالريح، فالتفت إليه عابسًا فقال له: لأصنعن لك رحًا يتحدث الناس بها، فأقبل عمر على من معه فقال: توعَّدني العبد، فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين نصابه وسطه، فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر يوقظ الناس الصلاة الصلاة، وكان عمر يفعل ذلك؛ فلما دنا منه عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق
(2)
وهي التي قتلته.
قوله: (حتى طعن ثلاثة عشر رجلًا) في رواية ابن إسحاق
(3)
: "اثني عشر رجلًا معه وهو ثالث عشر"، وزاد ابن إسحاق
(4)
من رواية إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون: "وعلى عمر إزار أصفر قد رفعه على صدره، فلما طعن قال:{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)}
(5)
".
قوله: (مات منهم [سبعة])
(6)
، أي: وعاش الباقون.
قال الحافظ
(7)
: وقفت من أسمائهم على كليب بن بكير الليثي.
قوله: (فلما رأى ذلك رجلٌ من المسلمين طرح عليه برنسًا)، وقع في ذيل الاستيعاب لابن فتحون
(8)
من طريق سعيد بن يحيى الأموي قال: حدثنا أبي،
(1)
رحا، رحى، يجوز فيها الوجهان.
(2)
قال الفيروزآبادي في القاموس (ص 1163): "الجلد الأسفل تحت الجلد الذي عليه الشعر، أو ما بين الجلد والمصران، أو جلد البطن كله.
وانظر: النهاية (2/ 39).
(3)
ابن شبة: تاريخ المدينة (3/ 909) بسند فيه مقبول، وابن الجوزي في المناقب (ص 222).
(4)
الطبقات الكبرى (3/ 329) بسند صحيح، فيه الأعمش، مدل، وقد عنعن، لكن روايته محمولة على السماع.
(5)
سورة الأحزاب، الآية:(38).
(6)
في المخطوط (أ): (تسعة).
(7)
في "الفتح"(7/ 63).
(8)
"الذيل على الاستيعاب"، ابن فرحون، (أبو بكر، محمد بن أبي القاسم الأندلسي ت 519 هـ). [معجم المصنفات (ص 196 رقم 550)].
حدثني من سمع حصين بن عبد الرحمن في هذه القصة قال: "فلما رأى ذلك رجل من المهاجرين يقال له: خطاب التميمي اليربوعي
…
" فذكر الحديث.
وروى ابن سعد
(1)
بإسناد ضعيف منقطع قال: "فأخذ أبا لؤلؤة رهطٌ من قريش، منهم: عبد الله بن عوف، وهاشم بن عتبة الزُّهريَّان، ورجل من بني تميم، وطرح عليه عبد الله بن عوف خميصةً كانت عليه".
قال الحافظ
(2)
: فإن ثبت هذا حمل على أن الكل اشتركوا في ذلك.
قوله: (فقدمه)، أي: للصلاة بالناس.
قوله: (فصلَّى بهم عبد الرحمن صلاةً خفيفةً)، في رواية ابن إسحاق
(3)
: "بأقصر سورتين في القرآن: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} ، و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} .
زاد في رواية ابن شهاب
(4)
: "ثم غلب على عمر النزف حتى غشي عليه، فاحتملته في رهط حتى أدخلته بيته، فلم يزل في غشيته حتى أسفر، فنظر في وجوهنا فقال: أصلى الناس؟ فقلت: نعم، قال: لا إسلام لمن ترك الصلاة، ثم توضأ وصلى".
وفي رواية ابن سعد
(5)
من طريق ابن عمر قال: "فتوضأ وصلى الصبح، فقرأ في الأولى:{وَالْعَصرِ} ، وفي الثانية:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} قال: وتساند إلي وجرحه يثعب
(6)
دمًا إني لأضع أصبعي الوسطي فما تسدُّ الفتقَ".
(1)
في الطبقات الكبرى (3/ 347) بسند ضعيف.
(2)
في "الفتح"(7/ 63).
(3)
الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 340، 341) وابن شبة: تاريخ المدينة (3/ 897) وفيه أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس وقد عنعن.
(4)
الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 345 - 346) بسند صحيح إلى الزهري.
(5)
في الطبقات الكبرى له (3/ 349).
(6)
قال ابن الأثير في النهاية (1/ 209): أي يجري.
وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (ص 80): ثغب الماء والذَم: كمنع: فجَّرهُ فانثغب، وماءٌ ثَعْبٌ وثَعَبٌ وأُثْعُوبٌ وأُثْعَبان: سال.
قوله: (فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني)، في رواية ابن إسحاق
(1)
: "فقال عمر: يا عبد الله بن عباس اخْرُجْ فنادِ في الناس: أعَنْ مَلأٍ منكم كان هذا؟ فقالوا: مَعَاذَ الله ما علمنا ولا اطلعنا"، وزاد مبارك بن فضالة:"فظن عمر أن له ذنبًا إلى الناس لا يعلمه، فدعا ابن عباس وكان يحبه ويدنيه، فقال: أحب أن تعلم عن ملأ من الناس كان هذا؟ فخرج لا يمر بملأ من الناس إلا وهم يبكون، فكأنما فقدوا أبكار أولادهم، قال ابن عباس: فرأيت البِشْرَ في وجهه".
قوله: (الصَّنَع) بفتح المهملة والنون، وفي رواية ابن فضيل عن حصين عند ابن أبي شيبة وابن سعد:(الصناعُ) بتخفيف النون. قال أهلُ اللغة
(2)
: رجلٌ صَنَعُ اليدِ واللِّسانِ، وامرأةٌ صَنَاعٌ.
وحكى أبو زيد: الصناع والصنع يقعان معًا على الرجل والمرأة.
قوله: (لم يجعل مِيْتتي) بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها مثناة فوقية: أي قتلتي. وفي رواية الكشميهني
(3)
: "مَنِيَّتي" بفتح الميم وكسر النون وتشديد التحتانية.
قوله: (رجل يدَّعي الإسلام).
في رواية ابن شهاب
(4)
: "فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجُّني عند الله لسجدة سجدها له قط".
وفي رواية
(5)
مبارك بن فضالة: "يحاجُّني يقول: لا إله إلا الله".
(1)
الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 341).
(2)
قال في القاموس المحيط (ص 954): "رجالٌ ونسوةٌ صُنُعُ بضمتين، ورجل صَنَعُ اللسان، محركه، ولسانٌ صَنَعٌ. يقال للشاعر ولكل بليغ، وإمراة صَناع اليدين: كسحابٍ، حاذقة ماهرةٌ بعمل اليدين وامرأتان صناعان ونسوةٌ صُنُعٌ.
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 64).
(4)
ابن شبة: تاريخ المدينة (3/ 902) بسند حسن. فيه إبراهيم بن المنذر الحزامي صدوق.
[التقريب رقم (253)].
(5)
أخرجه الطبراني في الأوسط كما في (مجمع البحرين)(6/ 253 - 255 رقم 3673) بسند حسن.
وفي حديث جابر
(1)
: "فقال عمر: لا تعجلوا على الذي قتلني، فقيل: إنه [قد]
(2)
قتل نفسه، فاسترجع عمر، فقيل له: إنه أبو لؤلؤة، فقال: الله أكبر".
قوله: (قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة)، في رواية ابن سعد
(3)
: فقال عمر: "هذا من عمل أصحابك، كنت أريد أن لا يدخلها علج من السبي فغلبتموني".
وروى عمر بن
(4)
شبة من طريق ابن سيرين قال: "بلغني أن العباس قال لعمر لما قال: لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصيف: إن عمل أهل المدينة شديد لا يستقيم إلا بالعلوج".
قوله: (إن شئت فعلت) إلخ، قال ابن التين (5): إنما قال له ذلك لعلمه بأن عمر لا يأمره بقتلهم.
قوله: (كذبت) إلخ، هو على ما ألف من شدة عمر في الدين لأنَّه فهم من ابن عباس أن مراده: إن شئت قتلناهم، فأجابه بذلك، وأهل الحجاز يقولون: كذبت في موضع أخطأت، ولعل ابن عباس إنما أراد قتل من لم يسلم منهم.
قوله: (فأتي بنبيذ فشربه) زاد في حديث أبي رافع: "لينظر ما قدر جرحه".
قوله: (فخرج من جرحه)، هذه رواية الكشميهني
(5)
، [وهي]
(6)
الصواب.
ورواية غيره: "فخرج من جوفه".
وفي راوية أبي رافع: "فخرج النبيذ فلم يدر أنبيذ هو أم دم"
(7)
.
(1)
ذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 64).
(2)
زيادة من المخطوط (ب).
(3)
في "الطبقات الكبرى"(3/ 349، 350).
وأخرجه البلاذرى في أنساب الأشراف (ص 273).
وهو صحيح.
(4)
عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(7/ 64).
قلت: وأخرج نحوه ابن سعد في الطبقات (3/ 345) بسند صحيح إلى ابن شهاب.
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 64).
(6)
في المخطوط (ب): (وهو).
(7)
أخرج أحمد في المسند (1/ 42) عن عبد الله بن عمر قال: قال عمر رضي الله عنه: أرسِلُوا إليَّ طبيبًا ينظُرُ إلى جُرحي هذا. قال: فأرسَلُوا إلى طبيبٍ من العرب، فسقي عُمرَ =
وفي روايته أيضًا: "فقال: لا بأس عليك يا أمير المؤمنين، فقال: إن يكن القتل بأسًا فقد قتلت"، والمراد بالنبيذ المذكور تمرات نبذن في ماء، أي: نقعت فيه، كانوا يصنعون ذلك لاستعذاب الماء، وسيأتي الكلام عليه.
قوله: (وجاء رجل شاب) في رواية للبخاري
(1)
في الجنائز: "وولج عليه شابٌ من الأنصار"، وفي إنكار عمر على الشاب المذكور استرسال إزاره مع ما هو فيه من مكابدة الموت أعظم دليل على صلابته في الدِّين ومراعاته لمصالح المسلمين.
قوله: (وقدم) بفتح القاف وكسرها، فالأول بمعنى الفضل، والثاني بمعنى السبق.
قوله: (ثم شهادةٌ) بالرفع عطفًا على ما قد علمت لأنَّه مبتدأ وخبره لك المتقدم، ويجوز عطفه على صحبة فيكون مجرورًا، ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق لمحذوف، وفي رواية جرير:"ثم الشهادة بعد هذا كله".
قوله: (لا عليَّ ولا لي) أي سواء بسواء.
قوله: (أنقى لثوبك) بالنون ثم القاف للأكثر، وبالموحدة بدل النون للكشميهني
(2)
.
قوله: (فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفًا) ونحوه في حديث جابر "ثم قال: يا عبد الله أقسمت عليك بحق الله وحق عمر إذا مت فدفنتني أن لا تغسل رأسك
= نبيذًا فشبه النبيذُ بالدَّم حين خَرج من الطعنة التي تحتَ السُّرة، قال: فدعوتُ طبيبًا آخر من الأنصار من بني معاوية، فسقاه لبنًا، فخرج اللَّبنُ من الطعنة صَلْدًا أبيضَ، فقال له الطبيب: يا أمير المؤمنين، اعهَدْ. فقال عمر: صَدقني أخو بني معاوية، ولو قلتَ غيرَ ذلك كذبتُك، قال: فبكى عليه القومُ حين سَمِعوا ذلك، فقال: لا تبكُوا علينا، من كان باكيًا فليخرجْ، ألم تسمعوا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"يُعَذَّبُ الميِّتُ ببكاء أهلِهِ عليهِ " فمن أجل ذلك كان عبد الله لا يُقرُّ أن يُبكى عِندَه على هالكٍ من ولده ولا غيرهم. وهو حديث صحيح.
• قلت: والبكاء المنهي عنه إنما هو النياحة، أو أن يكون قد أوصى هو بذلك. انظر: صحيح مسلم رقم (929).
(1)
البخاري في صحيحه رقم (1392).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(7/ 66).
حتى تبيع من رباع آل عمر بثلاثين ألفًا فتضعها في بيت مال المسلمين، فسأل عبد الرحمن بن عوف، فقال: أنفقتها في حجج [حججتها]
(1)
وفي نوائب كانت تنوبني، وعرف بهذا جهة دين عمر".
ووقع في "أخبار المدينة" لمحمد بن الحسن بن زبالة
(2)
أن دَيْن عمر كان ستَّةً وعشرينَ ألفا، وبه جزمَ عياضٌ.
قال الحافظ
(3)
: والأوَّلُ هو المعتمد.
قوله: (فإن وفى له مال آل عمر) كأنه يريد نفسه، ومثله يقع في كلامهم كثيرًا، ويحتمل أن يريد رهطه.
قوله: (وإلا فسل في بني عدي بن كعب)، [هو]
(4)
البطن الذي هو منهم وقريش قبيلته.
قوله: (لا تعدهم) بسكون العين: أي لا تتجاوزهم.
وقد أنكر نافع مولى ابن عمر أن يكون على عمر دين؛ فروى عمر بن شبة في كتاب المدينة
(5)
بإسناد صحيح أن نافعًا قال: من أين يكون على عمر دين؟ وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة ألف؟ اهـ.
قال في الفتح
(6)
: وهذا لا ينفي أن يكون عند موته عليه دين، فقد يكون الشخص كثير المال ولا يستلزم نفي الدين عنه، فلعل نافعًا أنكر أن يكون دينه لم يقض.
قوله: (فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا)، قال ابن التين
(7)
: إنما قال ذلك
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(2)
"أخبار المدينة" محمد بن الحسن المخزومي (المعروف بابن زبالة، ت 191 هـ).
نشره وستنفلد، واستلَّه من كتاب "وفاء الوفا" لأبي الحسن علي بن عبد الله السمهودي (ت 191 هـ).
[معجم المصنفات (ص 46 رقم 35)].
(3)
في "الفتح"(7/ 66).
(4)
في المخطوط (ب): (فهو).
(5)
(3/ 151) سند صحيح.
(6)
(7/ 66).
(7)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(7/ 66).
عندما أيقن بالموت، أشار بذلك إلى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين.
وأشار ابن التين
(1)
أيضًا إلى أنه أراد أن تعلم أن سؤاله لها بطريق الطلب لا بطريق الأمر.
قوله: (ولأوثرنه) استدل بذلك على أنها كانت تملك البيت، وفيه نظر، بل الواقع أنها كانت تملك منفعته بالسُّكنى فيه والإسكان، ولا يورث عنها، وحكم أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم كالمعتدَّات لأنهنَّ لا يتزوَّجن بعده صلى الله عليه وسلم.
قوله: (ارفعوني) أي من الأرض، كأنه كان مضطجعًا فأمرهم أن يقعدوه.
قوله: (فأسنده رجل إليه)، قال الحافظ في الفتح
(2)
: لم أقف على اسمه، ويحتمل أنه ابن عباس.
قوله: (فإن أذنت لي فأدخلوني)، ذكر ابن سعد
(3)
عن معن بن عيسى عن مالك أن عمر كان يخشى أن تكون أذنت في حياته حياء منه وأن ترجع عن ذلك بعد موته، فأراد أن لا يكرهها على ذلك.
قوله: (فولجت عليه) أي دخلت على عمر، في رواية الكشميهني
(4)
: "فبكت"، وفي رواية غيره:"فمكثت".
وذكر ابن سعد
(5)
بإسناد صحيح عن المقدام بن معديكرب أنها قالت: "يا صاحب رسول الله، [يا صَهْير]
(6)
رسول الله، يا أمير المؤمنين، فقال عمر: لا صبر لي على ما أسمع أحرّج عليك بما لي من الحق عليك أن تندبيني بعد مجلسك هذا، فأما عيناك فلن أملكهما".
قوله: (فولجت داخلًا لهم) أي مدخلًا كان في الدار.
قوله: (أوص يا أمير المؤمنين استخلف)، في البخاري
(7)
في كتاب
(1)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(7/ 66).
(2)
(7/ 66).
(3)
في "الطبقات الكبرى"(3/ 363) وفيه الواقدي، وفي المناقب (ص 221) لابن الجوزي.
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(7/ 66).
(5)
في "الطبقات الكبرى"(3/ 361) بسند صحيح.
(6)
كذا في المخطوط (أ) و (ب)، والصواب [يا صِهْر] كما في الطبقات الكبرى.
(7)
في صحيحه (13/ 205 رقم الباب 51 رقم 7218 - مع الفتح).
الأحكام منه أن الذي قال ذلك هو عبد الله بن عمر.
قوله: (من هؤلاء النفر أو الرهط) شك من الراوي.
قوله: (فسمى عليًا، إلخ) قد استشكل اقتصاره على هؤلاء الستة من العشرة المبشرين بالجنة.
وأجيب بأنه أحدهم وكذلك أبو بكر ومنهم أبو عبيدة وقد مات قبله، وأما سعيد بن زيد فلما كانَ ابنَ عمِّ عمرَ لم يسمِّهِ فيهم مبالغةً في التَّبرِّي من الأمر. وصرَّح المدائنيُّ بأسانيده أن عمر عد سعيد بن زيد فيمن توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، إلا أنه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه وقال:"لا أربَ لي في أموركم فأرغبُ فيها لأحد من أهلي".
قوله: (يشهدكم عبد الله بن عمر، إلخ)، في رواية للطبري
(1)
: "فقال له رجل: استخلف عبد الله بن عمر. قال: والله ما أردت الله بهذه".
وأخرج نحوه ابن سعد
(2)
بإسناد صحيح من مرسل النخعي، ولفظه: "فقال عمر: قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا، أستخلف من لم يحسن [أن]
(3)
يطلق امرأته".
قوله: (كهيئة التعزية له) أي: لابن عمر؛ لأنَّه لما أخرجه من أهل الشورى في الخلافة أراد جبر خاطره بأن جعله من أهل المشاورة.
وزعم الكرماني
(4)
أن هذا من كلام الراوي لا من كلام عمر.
قوله: (الإمرة) بكسر الهمزة، وللكشميهني
(5)
: "الإمارة" زاد المدائني: "وما أظن أن يلي هذا الأمر إلا علي أو عثمان؛ فمن ولي عثمان فرجل فيه لين، وإن ولي علي فسيختلف عليه الناس".
(1)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(7/ 67) من طريق المدائني بأسانيده.
(2)
في "الطبقات الكبرى"(3/ 343) بسند صحيح.
(3)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(4)
في شرحه لصحيح البخاري (14/ 239).
(5)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(7/ 67).
قوله: (بالمهاجرين الأولين)، هم من صلى القبلتين. وقيل: من شهد بيعة الرضوان.
قوله: (الذين تبوءوا)، أي: سكنوا المدينة قبل الهجرة، وادَّعى بعضهم أن الإيمان المذكور هنا من أسماء المدينة وهو بعيد.
قال الحافظ
(1)
: والراجح أنه ضمن تبوءوا هنا معنى لزموا، أو عامل نصبه محذوف تقديره واعتقدوا، أو أن الإيمان لشدة ثبوته في قلوبهم كأنه أحاط بهم فكأنهم نزلوه.
قوله: (فهم ردء الإسلام)، أي: عون الإسلام الذي يدفع عنه وغيظ العدو: أي يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم.
قوله: (إلا فضلهم)، أي: إلا ما فضل عنهم.
قوله: (من حواشي أموالهم) أي ما ليس بخيار؛ والمراد بذمة الله: أهل الذمة؛ والمراد بالقتال من ورائهم: أي إذا قصدهم عدو.
قوله: (فانطلقنا) في رواية الكشميهني
(2)
: "فانقلبنا"، أي: رجعنا.
قوله: (فوضع هنالك مع صاحبيه) قد اختلف في صفة القبور الثلاثة المكرمة، فالأكثر على أن قبر أبي بكر وراء قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر عمر وراء قبر أبي بكر، وقيل: إن قبره صلى الله عليه وسلم تقدم إلى القبلة، وقبر أبي بكر حذاء منكبيه، وقبر عمر حذاء منكبي أبي بكر. وقيل: قبر أبي بكر عند رجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبر عمر عند رجلي أبي بكر. وقيل غير ذلك.
قوله: (اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم)، أي في الاختيار ليقل الاختلاف، كذا قال ابن التين
(3)
، وصرح ابن المدائني في روايته بخلاف ذلك.
قوله: (والله عليه والإسلام) بالرفع فيهما والخبر محذوف: أي عليه رقيب أو نحو ذلك.
قوله: (أفضلهم في نفسه) أي: في معتقده، زاد المدائني في رواية: "فقال
(1)
في "الفتح"(7/ 68).
(2)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(7/ 68).
(3)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(7/ 68) وقال الحافظ: فيه نظر.
عثمان: أنا أول من رضي، وقال علي: أعطني موثقًا لتؤثرن الحق ولا تخصَنَّ ذا رحم، فقال: نعم".
قوله: (فأُسكت) بضم الهمزة وكسر الكاف كأن مسكتًا أسكتهما، ويجوز فتح الهمزة والكاف، أو هو بمعنى سكت، والمراد بالشيخين علي وعثمان.
قوله: (فأخذ بيد أحدهما) هو علي، والمراد بالآخر في قوله:"ثم خلا بالآخر"، هو عثمان كما يدل على ذلك سياق الكلام.
قوله: (والقدم) بكسر القاف وفتحها كما تقدم، زاد المدائني:"أن عبد الرحمن قال لعلي: أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر من كنت ترى أحق بها من هؤلاء الرهط، قال: عثمان، ثم قال لعثمان كذلك، فقال: علي"، وزاد أيضًا:"أن سعدًا أشار على عبد الرحمن بعثمان، وأنَّه دار تلك الليالي كلها على الصحابة، ومن وافى المدينة من أشراف الناس، لا يخلو برجل منهم إلا أمره بعثمان".
وفي هذا الأثر دليل على أنه يجوز جعل أمر الخلافة شورى بين جماعة من أهل الفضل والعلم والصلاح
(1)
،
(1)
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "دخل الرهط على عمر قبيل أن ينزل به عبد الرحمن بن عوف، وعثمان، وعلي، والزبير، وسعد، فنظر إليهم فقال: إني قد نظرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقًا إلا أن يكون فيكم، فمن كان شقاق فهو فيكم، وإنما الأمر إلى ستة: إلى عبد الرحمن بن عوف، وعثمان، وعلي، والزبير، وطلحة، وسعد، وكان طلحة غائبًا في أمواله بالسراة.
ثم إن قومكم إنما يؤمِّرون أحدكم أيها الثلاثة لعبد الرحمن وعثمان وعلي، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس، وإن كنت يا عثمان على شيء من أمر الناس فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا علي فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس.
ثم قال: قوموا فتشاورا فأمّروا أحدكم.
قال عبد الله بن عمر: فقاموا يتشاورون، فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر، ولا والله ما أحب أني كنت فيه، علمًا أنه سيكون في أمرهم ما قال أبي، والله لقل ما رأيته يحرك شفتيه بشيء قط إلا كان حقًّا.
فلما أكثر عثمان عليّ قلت له: ألا تعقلون؟ أتؤمّرون وأمير المؤمنين حي؟! فوالله لكأنما =
كما يجوز الاستخلاف
(1)
وعقد أهل الحل والعقد.
قال النووي
(2)
وغيره
(3)
: أجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى
= أيقظت عمر من مرقد، فقال عمر: أمهلوا فمن حدث بي حدث فليصل لكم صهيب ثلاثًا، ثم أجمعوا أمركم، فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه". اهـ.
أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 344) بسند متصل ورجاله ثقات. فمن الأثر صحيح والله أعلم.
(1)
أخرج البخاري رقم (7218) ومسلم رقم (1823) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيلَ لعمر: ألا تستخلف؟ قال: إنْ أستخلف فقد استخلف من هو خيرٌ مني أبو بكر، وإنْ أترُكْ فقد ترك مَنْ هو خيرٌ مني رسول الله صلى الله عليه وسلم ". اهـ.
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (12/ 205 - 206) وإليك ما قاله النووي بتمامه: "حاصله أن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف، ويجوز له تركه، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا، وإلا فقد اقتدى بأبي بكر.
وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان إذا لم يستخلف الخليفة.
وأجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة كما فعل عمر بالستة.
وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة ووجوبه بالشرع لا بالعقل. وأما ما حكي عن الأصم أنه قال: لا يجب، وعن غيره: أنه يجب بالعقل لا بالشرع فباطلان.
أما الأصم فمحجوج بإجماع من قبله، ولا حجة له في بقاء الصحابة بلا خليفة في مدة التشاور يوم السقيفة، وأيام الشورى بعد وفاة عمر رضي الله عنه؛ لأنهم لم يكونوا تاركين لنصب الخليفة بل كانوا ساعين في النظر في أمر من يعقد له.
وأما القائل الآخر ففساد قوله ظاهر؛ لأن العقل لا يوجب شيئًا، ولا يحسنه، ولا يقبحه، وإنما يقع ذلك بحسب العادة لا بذاته.
وفى هذا الحديث دليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خليفة وهو إجماع أهل السنة وغيرهم.
قال القاضي - عياض -: وخالف في ذلك بكر بن أخت عبد الواحد، فزعم أنه نص على أبي بكر، وقال ابن راوندي: نص على العباس، وقالت الشيعة والرافضة: على عليّ. وهذه دعاوى باطلة وجسارة على الافتراء، ووقاحة في مكابرة الحس، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على اختيار أبي بكر، وعلى تنفيذ عهده إلى عمر، وعلى تنفيذ عهد عمر بالشورى، ولم يخالف في شيء من هذا أحد. ولم يدع علي، ولا العباس، ولا أبو بكر، وصية في وقت من الأوقات؛ وقد اتفق عليّ، والعباس، على جميع هذا من غير ضرورة مانعة من ذكر وصية لو كانت، فمن زعم أنه كان لأحد منهم وصية فقد نسب الأمة إلى اجتماعها على الخطأ واستمرارها عليه، وكيف يحل لأحد من أهل القبلة أن ينسب الصحابة إلى المواطأة على الباطل في كل هذه الأحوال، ولو كان شيء لنقل فإنه من الأمور المهمة". اهـ.
(3)
قال ابن العربي رحمه الله: أجمعت الأمة على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما نص على أحد يكون =
انعقادها. بعقد أهل الحل والعقد لإنسان حيث لا يكون هناك استخلاف غيره، وعلى جواز جعل الخلافة شورى بين عدد محصور أو غيره.
وأجمعوا على أنه يجب نصب خليفة، وعلى أن وجوبه بالشرع لا بالعقل.
وخالف بعضهم كالأصم وبعض الخوارج
(1)
فقالوا: لا يجب نصب الخليفة. وخالف بعض المعتزلة فقالوا: يجب بالعقل لا بالشرع، وهما باطلان، وللكلام موضع غير هذا.
= بعده". [العواصم من القواصم (ص 185)].
(1)
انقسم الخوارج في هذا الأمر إلى قسمين:
(الفريق الأول): وهم عامة الخوارج. وهؤلاء يوجبون نصب الإمام والانضواء تحت رايته والقتال معه ما دام على الطريق الأمثل الذي ارتأوه له.
(والفريق الثاني): وهم "المحكمة" و"النجدات" و"الإباضية" فيما نقل عنهم. وهؤلاء يرون أنه قد يستغني عن الإمام إذا تناصف الناس فيما بينهم وإذا احتيج إليه فمن أي جنس كان ما دام كفئًا لتولي الإمامة.
ومن مبرراتهم:
1 -
استنادهم إلى المبدأ القائل: لا حكم إلا الله، والمعنى الحرفي لهذا المبدأ يشير صراحة إلى أنه لا ضرورة لوجود الحكومة مطلقًا.
2 -
أن الحكم ليس من اختصاص البشر بل تهيمن عليه قوة علوية.
3 -
إن الضروري هو تطبيق أحكام الشريعة، فإذا تمكن الناس من تطبيقها بأنفسهم فلا حاجة إلى نصب خليفة.
4 -
ربما ينحصر وجود الإمام في بطانة قليلة وينعزل عن الأغلبية فيكون بعيدًا عن تفهم مشاكل المسلمين فلا يبقى لوجوده فائدة.
5 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشر صراحة، ولا وضع شروطًا لوجود الخلفاء من بعده.
6 -
أن كتاب الله لم يبين حتمية وجود إمام وإنما أبان {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} .
وهذه المبررات واهية، ولا تكفي للقول بالاستغناء عن نصب الخليفة حتى أن "المحكمة" حينما انفصلوا ولّوا عليهم: عبد الله بن وهب الراسبي. و"النجدات" حينما انفصلوا، تزعمهم: نجدة بن عامر.
وأما "الإباضية" تذكر بعض مصادرهم المتوفرة لي، أن هذا القول إنما نسبه إليهم خصومهم بقصد الإشاعة الباطلة عنهم.
[فرق معاصرة تنسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها (1/ 113 - 114)].
[الباب السابع] باب أن ولي الميت يقضي دينه إذا علم صحته
18/ 2537 - (عَنْ [سَعْدٍ الأطْوَلِ]
(1)
: أَنَّ أخاهُ ماتَ وَتَرَكَ ثَلاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ وتَرَكَ عِيالًا، قالَ: فأرَدْتُ أنْ أُنْفِقَها على عِيالِهِ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أخاكَ مُحْتَبِسٌ بِدَيْنِهِ فاقْضِ عَنْهُ"، فَقَالَ: يا رَسُولَ الله قَدْ أدَّيْتُ عَنْهُ إلَّا دِينارَيْنِ ادَّعَتْهُمَا امْرأةٌ وَلَيْسَ لَهَا بَيِّنَة، قَالَ:"فأعْطِها فإنَّهَا مُحِقَّةٌ". رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وَابْنُ ماجَهْ)
(3)
. [صحيح]
الحديثُ: إسناده في سنن ابن ماجه (2) هكذا: حدثنا أبو بكر بنُ أبي شيبة قال: حدثنا عفَّان قال: حدثنا حمَّاد بنُ سلمة قال: أخبرني عبدُ الملك أبو جعفر
(4)
، عن أبي نضرة
(5)
عن سعد الأطول فذكره.
وعبد الملك: هو أبو جعفر، ولا يعرف اسم أبيه. وقيل: إنَّه ابن أبي نضرة، وقد وثَّقه ابن حبّان ومَنْ عداه مِن رجال الإسناد فهم رجال الصحيح.
وأخرجه أيضًا ابن سعد
(6)
، وعبدُ بن حميد
(7)
، وابن قانع
(8)
، والبارودي،
(1)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب (سعد بن الأطول) كما في الاستيعاب رقم (923) والإصابة رقم (3135) والخلاصة للخزرجي رقم (2375) بتحقيقي، وتهذيب الكمال (10/ 250 رقم 2202) وتذهيب التهذيب للذهبي (3/ 396 رقم 2227) ومسند أحمد (5/ 7) وابن ماجه رقم (2433).
(2)
في المسند (5/ 7) بسند ضعيف لجهالة عبد الملك أبي جعفر، فلم يرو عنه غير حماد بن سلمة، وذكره ابن حبان في "الثقات"(7/ 100).
(3)
في سننه رقم (2433).
قلت: وأخرجه ابن سعد في الطبقات (7/ 57) والبيهقي (10/ 142) ثلاثتهم من طريق عفان بن مسلم، به.
وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة"(1/ 255 - 256) وابن حبان في الثقات (3/ 152) من طريق عبد الأعلى بن حماد، وابن عبد البر في "التمهيد"(23/ 236 - تيمية) من طريق حجاج بن منهال. و (23/ 237) من طريق محمد بن عبد الله الخزاعي، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة، به.
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(4)
ذكره ابن حبان في "الثقات"(7/ 100).
(5)
أبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قُطَعَة. ثقة من الثالثة: التقريب (6890).
(6)
في الطبقات الكبرى (7/ 57) وقد تقدم.
(7)
في "المنتخب" رقم (305).
(8)
في معجم الصحابة (1/ 255 - 256).
والطبراني في الكبير
(1)
، والضياءُ في المختارة، وهو في مسند أحمد
(2)
بهذا الإسناد؛ فإنَّه قال: حدثنا عفَّان فذكره.
وفيه دليل على تقديم إخراج الدَّين على ما يحتاج إليه من نفقة أولاد الميّت ونحوها، ولا أعلم في ذلك خلافًا. وهكذا يقدم الدين على الوصية.
قال في الفتح
(3)
: ولم يختلف العلماءُ في أن الدَّين يقدَّم على الوصيَّة إلا في صورةٍ واحدةٍ، وهي: ما لو أوصى لشخصٍ بألفٍ مثلًا، وصدَّقهُ الوراثُ، وحكم به، ثم ادعى آخر أن له في ذمة الميت دينًا يستغرق موجوده وصدَّقهُ الوارثُ، ففي وجهٍ للشافعيَّة أنَّها تقدَّم الوصيةُ على الدين في هذه الصورة الخاصة.
وأما تقديمُ الوصيَّة على الدَّين في قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
(4)
، فقد قيل في ذلك: إن الآية ليس فيها صيغة ترتيب، بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية، وأتى بأو للإباحة، وهي كقولك: جالس زيدًا أو عمرًا: أي لك مجالسة كل واحد منهما اجتمعا أو افترقا. وإنما قدمت لمعنى اقتضى الاهتمام بتقديمها. واختلف في تعيين ذلك المعنى.
وحاصل ما ذكره أهلُ العلم من مقتضيات التقديم ستةُ أمور:
(أحدها): الخفَّة والثقل، كربيعة ومضر، فمضر أشرف من ربيعة، لكن لفظ ربيعة لما كان أخفّ قُدِّم في الذكر، وهذا يرجع إلى اللفظ.
(ثانيها): بحسب الزمان، كعادٍ وثمود.
(ثالثها): بحسب الطبع، كثلاثٍ ورباعٍ.
(رابعها): بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة؛ لأن الصلاة حقُّ البدن، والزكاة حقّ المال، فالبدن مقدَّم على المال.
(خامسها): تقديم السبب على المسبب كقوله تعالى: {عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
(5)
وقال بعض السلف: عزَّ فلما عزَّ حكم.
(1)
(6 رقم 5466).
(2)
في المسند (5/ 7).
(3)
(13/ 208).
(4)
سورة النساء، الآية:(12).
(5)
سورة البقرة، الآية:(209).
(سادسها): بالشرف والفضل، كقوله [تعالى]
(1)
: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ}
(2)
وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي: أن تقديم الوصية في الذكر على الدين؛ لأنَّ الوصية إنما تقع على سبيل البرِّ والصلة؛ بخلاف الدين، فإنَّه إنما يقع غالبًا بعد الميت بنوع تفريطٍ، فوقعت البداءةُ بالوصية لكونها أفضلَ.
وقال غيره: قدَّمت الوصيةُ لأنها شيءٌ يؤخذ بغير عوضٍ، والدَّين يؤخذ بعوض، فكان إخراج الوصية أشقّ على الوارث من إخراج الدَّين، وكان أداؤها مظنة [التفريط]
(3)
، بخلاف الدين فمن الوارث مطمئن بإخراجه، فقدمت الوصية لذلك، وأيضًا فهي حظ فقير ومسكين غالبًا، والدين حظ غريم يطلبه بقوة وله مقال، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن لصاحب الدين مقالًا"
(4)
، وأيضًا فالوصية ينشئها الموصى من قبل نفسه فقدِّمت تحريضًا على العمل بها بخلاف الدين.
قال الزين بن المنير
(5)
: تقديمُ الوصية في الذِّكر على الدَّين لا يقتضي تقديمها في المعنى؛ لأنهما معًا قد ذُكِرا في سياق البعدية، لكنَّ الميراث يلي الوصية ولا يلي الدّين في اللفظ، بل هو بعدَ بعدِه، فيلزم: أنَّ الدّين يُقَدّم في الأداء باعتبار القبلية فَيُقَدّم الدين على الوصية في اللفظ وباعتبار البعدية فَتُقَدّم الوصيةُ على الدين. اهـ.
وقد أخرج أحمد
(6)
والترمذي
(7)
وغيرهما من طريق الحارث الأعور عن علي [عليه سلام الله ورضوانه]
(8)
قال: "قَضَى محمد صلى الله عليه وسلم: أن الدَّين قبل الوصية، وأنتم تقرءون الوصيةَ قبل الدين".
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من (أ).
(2)
سورة النساء، الآية:(69).
(3)
في المخطوط (ب): (للتفريط).
(4)
أخرجه البخاري رقم (2390) ومسلم رقم (120/ 1601).
(5)
ذكره الحافظ في الفتح" (5/ 378).
(6)
في المسند (1/ 79).
(7)
في سننه رقم (2095) و (2122).
قلت: وأخرجه الحميدي رقم (55) و (56) وأبو يعلى رقم (300).
كلهم من طريق سفيان بن عيينة، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور عن علي، به.
إسناده ضعيف لضعف الحارث الأعور، ولكن الحديث حسن، والله أعلم.
(8)
في المخطوط (أ): عليه السلام.
والحديث وإن كان إسناده ضعيفًا لكنه معتضد بالاتفاق الذي سلف.
قال الترمذي
(1)
: إن العمل عليه عند أهل العلم.
قوله: (قد أَدَّيتُ عنه)، فيه دليلٌ على أنه يجوز للوصيِّ أن يستقلَّ بنفسه في قضاء ديون الميت؛ لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه ذلك.
قال في البحر
(2)
: مسألة: وللوصيِّ استيفاءُ ديون الميت وإيفاؤُها إجماعًا لنيابته عنه. اهـ.
قوله: (فإنَّها مُحِقَّةٌ)، لعلَّه صلى الله عليه وسلم حكم بعلمه، أو بوحي.
(1)
في سننه عقب الحديث (2122).
(2)
البحر الزخار (5/ 333).
[الكتاب السادس والعشرون] كتاب الفرائض
[الباب الأول] باب فضل تعلم الفرائض وتعليمها
1/ 2538 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَعَلَّمُوا الفَرائِضَ وَعَلِّمُوها فإنَّهَا نِصْفُ العِلْمِ، وَهُوَ يُنْسَى، وَهُوَ أوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهُ
(1)
وَالدَّارَقُطْنِيُّ)
(2)
. [ضعيف]
2/ 2539 - (وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "العِلْمُ ثَلاثةٌ، وَمَا سِوَى ذلكَ فَضْلٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أوْ سُنَّة قائِمَةٌ، أَوْ فَرِيضَة عادِلَةٌ"، رَواهُ أَبُو دَاوُد
(3)
وَابْنُ ماجَهْ)
(4)
. [ضعيف]
3/ 2540 - ([وَعَنِ الأحْوَصِ]
(5)
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " [تَعَلَّمُوا القُرآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا الفَرَائِضَ وَعَلِّمُوها]
(6)
، فَإِنِّي امْرُؤٌ
(1)
في سننه رقم (2719).
(2)
في السنن (4/ 67 رقم 1).
في إسناده حفص بن عمر بن أبي العطاف، منكر الحديث.
انظر: الجرح والتعديل (3/ 177) والكامل (2/ 791) والميزان (1/ 560).
والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
في سننه رقم (2885).
(4)
في سننه رقم (54).
في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي. قال أحمد: ليس بشيء، وقال الدارقطني: ليس بالقوي.
[المجروحين (2/ 50) والجرح والتعديل (5/ 234) والميزان (2/ 561)].
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(5)
كذا في المخطوط (أ) و (ب): والصواب (وعن أبي الأحوص) كما في سنن البيهقي (6/ 208).
(6)
في المخطوط (ب): (تعلموا الفرائض وعلموها، وتعلموا القرآن وعلموا الناس).
مَقْبُوضٌ، وَالعِلْمُ مَرْفُوعٌ، وَيُوشِكُ أنْ يَخْتَلِفَ اثْنانِ فِي الفَرِيضَةِ وَالمَسْألَةِ فَلَا يَجِدَانِ أَحَدًا يُخْبِرُهُما"، ذَكَرَهُ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ الله)
(1)
. [ضعيف]
4/ 2541 - (وَعَنْ أنَسٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أرْحَمُ أمَّتِي بِأمَّتِي أبُو بَكْرٍ، وأشَدُّها فِي دِينِ الله عُمَرُ، وأصْدَقُها حَياءً عُثْمانُ، وأعْلَمُها بالحَلالِ وَالحَرَامِ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ، وأقْرَؤُها لِكِتَابِ الله عز وجل أُبَي، وأعْلَمُها بالفَرَائِض زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ؛ وَلِكُلّ أمّةٍ أمِينٌ، وأمِينُ هَذِهِ الأمَّةِ أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وَابْنُ ماجَهْ
(3)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
وَالنَّسائيّ)
(5)
. [صحيح]
حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا الحاكم
(6)
، ومداره على حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو متروك
(7)
.
وحديث عبد الله بن عمرو في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي
(8)
وقد تكلم فيه غير واحد؛ وفيه أيضًا عبد الرحمن بن رافع التنوخي،
(1)
كذا في "الفتح"(12/ 5) عزاه لأحمد ولم أقف عليه في مسند أحمد. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 223) ولم يعزه لأحمد. ولا هو في "أطراف المسند" لابن حجر.
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (2091) والنسائي في الكبرى (6/ 97 رقم 6271 الرسالة) والحاكم (4/ 333) والدارقطني (4/ 81 رقم 45) والبيهقي (6/ 208).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد وله علة.
وقال الترمذي: وهذا حديث فيه اضطراب.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف والله أعلم.
(2)
في المسند (3/ 184) بسند صحيح.
(3)
في سننه رقم (154).
(4)
في سننه رقم (3791) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(5)
في السنن الكبرى (7/ 345 رقم 8185).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (7131) و (7137) و (7252) والحاكم (3/ 422) و (4/ 335) والبيهقي (6/ 210).
وهو حديث صحيح.
(6)
في المستدرك (3/ 422) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(7)
تقدم، وانظر ترجمته: في الجرح والتعديل (3/ 177) والكامل (2/ 791) والميزان (1/ 560).
(8)
تقدم، انظر ترجمته في: الميزان (2/ 561) والمجروحين (2/ 50).
قاضي إفريقية، وقد غمزه البخاري
(1)
وابن أبي حاتم
(2)
.
وحديث ابن مسعود أخرجه أيضًا النَّسَائِي
(3)
والحاكم
(4)
والدارمي
(5)
والدارقطني
(6)
من رواية عوف عن سليمان بن جابر عنه، وفيه انقطاع بين عوف وسليمان، ورواه النضر بن شميل وشريك وغيرهما متصلًا.
وأخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط
(7)
، وفي إسناده محمد بن عقبة السدوسي، وثقه ابن حبان
(8)
وضعفه أبو
(9)
حاتم؛ وفيه أيضًا سعيد بن أبي بن كعب، وقد ذكره ابن حبان في الثقات
(10)
.
وأخرجه أيضًا أبو يعلى
(11)
والبزار
(12)
، وفي إسنادهما من لا يعرف.
وأخرج نحوه الطبراني في الأوسط
(13)
عن أبي بكر.
والترمذي
(14)
عن أبي هريرة.
وحديث أنس صححه الترمذي
(15)
والحاكم
(16)
وابن حبان
(17)
، وقد أُعِلَّ
(1)
في "التاريخ الكبير"(5/ 283) والصغير رقم (270).
(2)
في الجرح والتعديل (5/ 234) وقد تقدم.
(3)
في سننه الكبرى (6/ 97 رقم 6271) وقد تقدم.
(4)
في المستدرك (4/ 333) وقد تقدم.
(5)
في مسنده رقم (145) بسند ضعيف لانقطاعه، أبو قلابة لم يدرك ابن مسعود.
(6)
في السنن (4/ 81 رقم 45) وقد تقدم.
(7)
برقم (5720).
(8)
في الثقات (9/ 100).
(9)
في الجرح والتعديل (8/ 36).
(10)
في "الثقات"(6/ 371).
(11)
في مسنده رقم (5028) في إسناده مجهولان: أحمد بن بكر، وسليمان بن جابر.
(12)
عزاه إلى البزار الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 223) وقال: رواه البزار وفي إسناده من لم أعرفه.
(13)
برقم (4075). وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 223): وفيه محمد بن عقبة السدوسي وثقه ابن حبان، وضعفه أبو حاتم، وسعيد بن أبي كعب لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات".
قلت: سعيد بن أبي كعب ترجمه ابن حبان في الثقات (6/ 371) كما تقدم.
(14)
في سننه رقم (2091) وقال: هذا حديث فيه اضطراب.
(15)
في سننه رقم (3791) وقد تقدم.
(16)
في المستدرك (3/ 422) و (4/ 335) وقد تقدم.
(17)
في صحيحه رقم (7131) و (7137) و (7252) وقد تقدم.
بالإرسال، وسماع أبي قلابة من أنس صحيح
(1)
، إلّا أنه قيل: لم يسمع منه هذا.
وقد ذكر الدارقطني الاختلاف على أبي قلابة في "العلل"
(2)
.
ورجح هو والبيهقي
(3)
والخطيب في المدرج
(4)
أن الموصول منه ذكر أبي عبيدة والباقي مرسل.
ورجَّحَ ابن الموّاق
(5)
وغيره رواية الموصول.
وله طريق أخرى عن أنس أخرجها الترمذي
(6)
.
وفي الباب عن جابر عند الطبراني في الصغير
(7)
بإسناد ضعيف.
وعن أبي سعيد عند العقيلي في الضعفاء
(8)
.
وعن ابن عمر عند ابن عدي
(9)
، وفي إسناده كوثر
(10)
وهو متروك.
قوله: (الفرائض)
(11)
جمع فريضة، كحدائق: جمع حديقة، وهي مأخوذةٌ من الفرض: وهو القطع، يقال: فرضت لفلان كذا: أي قطعت له شيئًا من المال.
(1)
قال "العلائي" في "جامع التحصيل في أحكام المراسيل"(ص 258).
"
…
نعم روايته - أي رواية عبد الله بن زيد الجرمي أبو قلابة البصري - عن مالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وثابت بن الضحاك، متصلة وهي في الكتب الستة، والله أعلم". اهـ.
(2)
لم أقف عليه في الأجزاء المطبوعة من "العلل".
(3)
في السنن الكبرى (6/ 210).
(4)
في كتابه "المدرج"(2/ 677).
(5)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 173).
(6)
في سننه رقم (3795) وقد تقدم.
(7)
في الصغير (1/ 335 رقم 556 - الروض الداني).
(8)
في الضعفاء الكبير (2/ 159) في ترجمة: سلام بن سلم المدائني الطويل.
(9)
في "الكامل"(6/ 77).
(10)
كوثر بن حكيم كوفي نزيل حلب، قال أبو زرعة: ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشيء.
وقال البخاري: عن نافع، عن ابن عمر، منكر الحديث.
[التاريخ الكبير (7/ 245) والمجروحين (2/ 228) والجرح والتعديل (7/ 176) والميزان (3/ 416)].
(11)
النهاية (2/ 360).
وقيل: هي من فرض القوس، وهو الحزُّ الذي في طرفه؛ حيث يوضع الوتر ليثبت فيه ويلزمه ولا يزول، كذا قال الخطابي
(1)
.
وقيل: الثاني خاصٌّ بفرائض الله تعالى، وهي ما ألزم به عباده لمناسبة اللزوم لما كان الوتر يلزم محله
(2)
.
قوله: (فإن نصف العلم). قال ابن الصَّلاح
(3)
: لفظ النصف هاهنا عبارةٌ عن القسم الواحد وإن لم يتساويا.
وقال ابن عيينة
(4)
: إنَّما قيل له: نصف العلم؛ لأنَّه يبتلى به الناس كلُّهم، وفيه: الترغيب في تعلُّم الفرائض وتعليمها، والتحريض على حفظها؛ لأنَّها لما كانت تُنْسى وكانت أول ما يُنْزَعُ من العلم، كان الاعتناء بحفظها أهمُّ ومعرفتها لذلك أقدم.
قوله: (وما سوى ذلك فضلٌ) فيه دليلٌ: على أن العلم النافع الذي ينبغي تعلُّمه وتعليمه هو الثلاثة المذكورة، وما عداها ففضل لا تمسُّ إليه حاجة.
قوله: (فلا يجدان أحدًا يخبرهما) فيه الترغيب في طلب العلم خصوصًا علم الفرائض؛ لما سلف من أنه يُنْسَى، وأوّل ما يُنْزَع.
قوله: (وعن أنس) إلخ، فيه دليل: على فضيلة كلِّ واحد من الصحابة المذكورين، وإنَّ زيد بن ثابت أعلمهم بالفرائض، فيكون الرجوع إليه عند الاختلاف فيها أولى من الرجوع إلى غيره، ويكون قوله فيها مقدَّمًا على أقوال سائر الصحابة، ولهذا اعتمده الشافعيُّ في الفرائض.
[الباب الثاني] بابُ البداية بذوِي الفرُوضِ وإعطاءِ العَصَبَةِ ما بقيَ
5/ 2542 - (عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ألْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأهْلِها،
(1)
في غريب الحديث (8/ 12).
(2)
القاموس المحيط (ص 838).
(3)
في "المشكل"(4/ 331 - 332 - مع الوسيط).
(4)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 172).
فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(1)
. [صحيح]
قوله: (ألحقوا الفرائض بأهلها) الفرائض: الأنصباء المقدَّرة، وأهلها: المستحقُّون لها بالنصِّ.
قوله: (فما بقي)، أي: ما فضل بعد إعطاء ذوي الفروض المقدَّرة فروضهم.
قوله: (لأولى) أفعل تفضيل من الولي بمعنى القرب، أي: لأقرب رجل من الميت.
قال الخطابي
(2)
: المعنى: أقرب رجل من العصبة.
وقال ابن بطال
(3)
: المراد: إنَّ الرجال من العصبة بعد أهل الفروض إذا كان فيهم مَن هو أقرب إلى الميت استحقَّ دون من هو أبعد، فإن استووا اشتركوا.
وقال ابن التين
(4)
: المراد به: العمُّ مع العمَّة، وابنُ الأخ مع بنت الأخ، وابن العمِّ مع بنت العمِّ، فإن الذكور يرثون دون الإناث، وخرج من ذلك الأخ مع الأخت لأبوين أو لأب فإنهم يشتركون بنص قوله تعالى:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
(5)
.
وكذلك الإخوة لأم فإنهم يشتركون هم والأخوات لأم لقوله تعالى: {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}
(6)
.
قوله: (رجل ذكر) هكذا في جميع الروايات، ووقع عند صاحب النهاية
(7)
(1)
أحمد في المسند (1/ 325) والبخاري رقم (6732) ومسلم رقم (2/ 1615).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 368) والبيهقي (6/ 238) بلفظ الكتاب.
وأخرجه أحمد (1/ 313) وأبو داود رقم (2898) وابن ماجه رقم (2740) ومسلم رقم (4/ 1615) بلفظ: "اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما أبقتِ الفرائض فلأوْلَى رجل ذكر".
(2)
في معالم السنن (3/ 319).
(3)
في شرحه لصحيح البخاري (8/ 347).
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 11).
(5)
سورة النساء، الآية:(176).
(6)
سورة النساء، الآية:(12).
(7)
ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 12) وقال: ووقع في كتب الفقهاء كصاحب النهاية، وتلميذه الغزالي.
والغزالي
(1)
وغيرهما من أهل الفقه: "فلأولى عصبة ذكر".
واعترض ذلك ابن الجوزي
(2)
والمنذري
(3)
بأن لفظة العصبة ليست محفوظة.
وقال ابنُ الصلاح
(4)
: فيها بُعْد عن الصِّحَّة من حيث اللغة فضلًا عن الرواية؛ لأنَّ العصبة في اللغة اسم للجمع لا للواحد.
وتعقَّب ذلك الحافظ
(5)
فقال: إن العصبة اسم جنس يقع على الواحد وأكثر، ووصفُ الرجلِ بأن ذكرٌ زيادةٌ في البيان.
وقال ابن التين
(6)
: إنَّه للتوكيد.
وتعقَّبه القرطبي
(7)
بأن العرب تعتبر حصول فائدة في التأكيد ولا فائدة هنا، ويؤيد ذلك ما صرّح به أئمة المعاني من أنَّ التأكيد لا بدَّ له من فائدة، وهي: إمَّا دفع توهم التجوُّز، أو السهو، أو عدم الشمول.
وقيل: إن الرجل قد يطلق على مجرد النجدة والقوَّة في الأمر، فيحتاج إلى ذِكْرِ ذَكَرٍ.
وقيل: قد يراد برجل معنى الشخص، فيعمُّ الذكر والأنثى.
وقال ابن العربي
(8)
: فائدته هي أنَّ الإحاطة بالميراث جميعه إنما تكون للذكر لا للأنثى.
وأمَّا البنت المفردة فأخذها للمال جميعه بسببين: الفرض، والردُّ.
وقيل: احترز به عن الخنثى.
وقيل: إنَّه قد يطلق الرجل على الأنثى تغليبًا كما في حديث: "من وجد متاعه عند رجل"
(9)
، وحديث:"أيما رجل ترك مالًا"
(10)
.
(1)
في الوسيط (4/ 346).
(2)
في "التحقيق"(8/ 236).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح (12/ 12) عنه.
(4)
في المشكل (4/ 346 - مع الوسيط).
(5)
في "الفتح"(12/ 12).
(6)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح (12/ 12).
(7)
في "المفهم"(4/ 566).
(8)
في عارضة الأحوذي (8/ 246).
(9)
أخرجه أحمد (2/ 347) ومسلم رقم (22/ 1559).
(10)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4781).
قال السهيلي
(1)
: إن ذكر صفةٌ لقوله: "أولى" لا لقوله: "رجل"، وأطال الكلام في تقوية ذلك وتضعيف ما عداه، وتبعه الكرماني
(2)
.
وقيل غير ذلك.
والحديث يدل على أن الباقي بعد استيفاء أهل الفروض المقدرة لفروضهم يكون لأقرب العصبات من الرجال ولا يشاركه من هو أبعد منه.
وقد حكى النووي
(3)
الإجماع على ذلك.
وقد استدل به ابن عباس ومن وافقه على أن الميت إذا ترك بنتًا وأختًا وأخًا يكون للبنت النصف والباقي للأخ ولا شيء للأخت.
6/ 2543 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: جاءَتِ امْرأةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبيع إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بابْنَتَيْها مِنْ سَعْدٍ، فَقالَتْ: يا رَسُولَ الله، هاتانِ ابْنَتا سَعْدِ بْنِ الرَّبيعِ قُتِلَ أبُوهُمَا مَعَكَ فِي أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإنَّ عَمَّهُما أخَذَ مَالهُما فَلَمْ يَدَع لهُما مالا، وَلَا يُنْكَحانِ إلَّا بِمَالٍ، فقالَ: "يَقْضِي الله فِي ذلكَ"، فَنَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ، فأرْسَل رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عَمِّهِما فَقالَ: "أعْطِ ابْنَتي سَعْدٍ الثلُثَيْنِ وأمّهُما الثُّمُنَ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلا النَّسائيَّ)
(4)
. [حسن]
الحديث حسنه الترمذي
(5)
وأخرجه أيضًا الحاكم
(6)
، وفي إسناده عبد الله بن
(1)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 12).
(2)
في شرحه لصحيح البخاري (23/ 160).
(3)
في شرحه لصحيح مسلم (11/ 53).
(4)
أحمد في المسند (3/ 352) وأبو داود رقم (2892) والترمذي رقم (2092) وقال: صحيح، وابن ماجه رقم (2720).
قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (2039) والدارقطني (4/ 78، 79) والبيهقي (6/ 216، 229) وابن سعد (3/ 524) والطحاوي (4/ 395) والحاكم (4/ 333 - 334) من طرق.
وهو حديث حسن، والله أعلم.
(5)
في السنن (4/ 415).
(6)
في المستدرك (4/ 333 - 334) وقد تقدم.
محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي
(1)
ولا يعرف إلا من حديثه كما قال الترمذي، وقد اختلف الأئمة فيه.
قال الترمذي
(2)
: هو صدوق، سمعت محمدًا يقول: كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه.
وروى هذا الحديث أبو داود
(3)
بلفظ: فقالت: "يا رسول الله، هاتان بنتا ثابت بن قيس قتل معك يوم أحد"، قال أبو داود
(4)
: أخطأ فيه بشر، وهما بنتا سعد بن الربيع، وثابت بن قيس قتل يوم اليمامة.
قوله: (ولا ينكحان إلا بمال) يعني أن الأزواج لا يرغبون في نكاحهن إلا إذا كان معهن مال، وكان ذلك معروفًا في العرب.
قوله: (فنزلت آية الميراث)، أي: قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} الآية
(5)
.
الحديث فيه دليل على أن للبنتين الثلثين، وإليه ذهب الأكثر.
وقال ابن عباس: بل للثلاث فصاعدًا لقوله تعالى: {فَوْقَ اثْنَتَينِ} .
وحديث الباب نص في محل النزاع، ويؤيده أن الله سبحانه جعل للأختين الثلثين والبنتان أقرب إلى الميت منهما
(6)
.
(1)
قال أبو حاتم: لين الحديث ليس بالقوي، وقال الترمذي: صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وقال الذهبي: حديثه في مرتبة الحسن يقال: تغير بأخرة.
[انظر: الجرح التعديل (2/ 2/ 153) والميزان (2/ 485)].
(2)
قال الترمذي في "العلل الكبير"(1/ 81): "سألت محمدًا - يعني البخاري - عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: رأيت أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، والحميدي يحتجون بحديثه، وهو مقارب الحديث". اهـ.
(3)
في سننه رقم (2891).
وهو حديث حسن، لكن ذكر ثابت بن قيس فيه خطأ، والمحفوظ أنه سعد بن الربيع كما في الرواية الآتية رقم (2892).
(4)
في السنن (3/ 306).
(5)
سورة النساء، الآية:(11).
(6)
انظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (3/ 371 - 372).
7/ 2544 - (وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثابَتٍ: أنَّهُ سُئِلَ عَنْ زَوْجٍ وأُخْتٍ لأبَوَيْن، فأعْطَى الزَّوْجَ النِّصْفَ وَالأختَ النِّصْفَ، وَقالَ: حَضَرْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم[قَضَى]
(1)
بِذَلِكَ. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(2)
. [إسناده ضعيف منقطع]
8/ 2545 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا أنا أوْلى بِهِ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}
(3)
فأيُّمَا مُؤْمِنٍ ماتَ وَتَرَكَ مالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أوْ ضياعًا فَلْيأْتِني فأنَا مَوْلاهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(4)
. [صحيح]
الحديث الأول في إسناده أبو بكر بن أبي مريم
(5)
وقد اختلط، وبقية رجاله رجال الصحيح
(6)
.
وفيه دليل على أن الزوج يستحق النصف، والأخت النصف من مال الميت الذي لم يترك غيرهما، وذلك مصرح به في القرآن الكريم.
أما الزوج فقال الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}
(7)
الآية.
وأما الأخت فقال الله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}
(8)
.
(1)
في المخطوط (ب): (فقضى) والمثبت من (أ) والمسند.
(2)
في المسند (5/ 188) بسند ضعيف منقطع.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 228) وقال: فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات".
قلت: وفيه انقطاع، فإن مكحول، وعطية بن قيس الكلابي، وضمرة بن حبيب، وراشد بن سعد المقرائي، لم يسمع واحد منهم من زيد بن ثابت.
كما قال الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة"(4/ 656).
قلت: إلا أن الفتوى في هذه المسألة صحيحة. والله أعلم.
(3)
سورة الأحزاب، الآية:(6).
(4)
أحمد في المسند (2/ 318) والبخاري رقم (4781) ومسلم رقم (15، 16/ 1619).
(5)
تجاوز الناسخ الورقة (71) خطأ، فأصبحت (72) في المخطوط فليعلم. والكلام متتابع.
(6)
وفيه انقطاع، فإن مكحول، وعطية، وضمرة وراشد، لم يسمع واحد منهم من زيد كما تقدم آنفًا.
(7)
سورة النساء، الآية:(12).
(8)
سورة النساء، الآية:(176).
قوله: (فليرثه عصبته)، في لفظٍ للبخاري
(1)
: "فلورثته"، وفي رواية لمسلم
(2)
: "فهو لورثته"، وفي لفظ له
(3)
: "فإلى العصبة".
قوله: (ومن ترك دينًا أو ضَيَاعًا) الضَّيَاع بفتح المعجمة بعدها تحتانية، قال الخطابي
(4)
: هو وصفٌ لَمِنْ خلَّفه الميت بلفظ المصدر؛ أي: ترك ذوي ضَياعٍ؛ أي: لا شيء لهم.
قوله: (فليأتني) في لفظ آخر: "فعليَّ وإليَّ".
وقد اختلف: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي دين المديونين من مال المصالح، أو من خالص مال نفسه؟.
وقد تقدم في كتاب الحوالة حديث جابر
(5)
بلفظ: "فلما فتح الله على رسوله"، وفي لفظ:"فلما فتح الله عليه الفتوح".
وفي ذلك إشعارٌ بأنه كان يقضي من مال المصالح.
واختلفوا هل كان القضاء واجبًا عليه صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وقد تقدَّم بقية الكلام على الحديث في كتاب الحوالة.
[الباب الثالث] باب سقوط ولد الأب بالإخوة من الأبوين
9/ 2546 - (عَنْ عَليِّ رضي الله عنه قالَ: إنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الآيَةَ: {مِن
(1)
في صحيحه رقم (6763).
(2)
في صحيحه رقم (14/ 1619).
(3)
أي: لمسلم في صحيحه رقم (15/ 1619).
(4)
• قال الخطابي في "غريب الحديث"(3/ 295): ضَيَاعًا: بفتح الضَّاد، مصدر ضاع الشيء يضيع ضَيَاعًا: أي ما هو مُؤذِن بأنْ يضيع من عِيال وذرية، ومن كسر الضاد، أراد جمع ضائع وضياع، كما قيل: جائع وجياع. والمحفوظ هو الأول.
• وقال الخطابي في "معالم السنن"(3/ 321): تعليقًا على قول أبي داود: الضيعة معناه: عيال. وفسره غير أبي داود، على أنه مصدر يقع وصفًا لمحذوف، أي: عيالًا ذوي ضيعة، والضيعة والضياع، والمراد أنهم تروا فضيعوا".
(5)
تقدم برقم (2306) من كتابنا هذا.
بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
(1)
، وإنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى بالدَّيْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ، وأن أعْيانَ بَنِي الأمّ يَتَوَارَثُونَ دون بَنِي العَلّاتِ، الرجُل يَرِثُ أخاهُ لِأَبِيِه وأُمِّهِ، دُونَ أخِيهِ لِأَبِيهِ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
والتِّرْمِذِيُّ
(3)
وَابْنُ ماجَهْ
(4)
.
وللْبُخَارِيِّ
(5)
مِنْهُ تَعْلِيقًا قَضَى بالديْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ). [حسن]
الحديث أخرجُه أيضًا الحاكم
(6)
، وفي إسناده الحارثُ الأعورُ وهو ضعيف
(7)
.
وقد قال الترمذي
(8)
: إنَّه لا يعرفه إلا من حديثه، لكن العمل عليه وكان عالمًا بالفرائض.
وقد قال النَّسَائِي: لا بأس به.
قوله: (قضى بالدين قبل الوصية) قد تقدَّم الكلام على هذا في آخر كتاب الوصايا
(9)
.
قوله: (وإنَّ أعيان بني الأمِّ) الأعيان من الإخوة: هم الإخوة من أب وأم. قال في القاموس
(10)
في مادَّة (عين): وواحد الأعيان للإخوة من أب وأم، وهذه الأخوة تُسَمَّى المعاينة.
قوله: (دون بني العلَّات)، هم أولاد الأمهات المتفرِّقة من أبٍ واحدٍ. قال
(1)
سورة النساء، الآية:(11).
(2)
في المسند (1/ 79) و (1/ 131).
(3)
في سننه رقم (2094)، (2095).
(4)
في سننه رقم (2715).
(5)
في صحيحه (5/ 377 رقم الباب (9) - مع الفتح) معلقًا.
(6)
في المستدرك (4/ 336) وقال: "هذا حديث رواه الناس عن أبي إسحاق، والحارث بن عبد الله على الطريق لذلك لم يخرجه الشيخان، وقد صحت هذه الفتوى عن زيد بن ثابت.
(7)
تقدم الكلام عليه، انظر ترجمته في: الميزان (1/ 435).
والخلاصة: أن حديث علي حديث حسن، والله أعلم.
(8)
في السنن (4/ 416).
(9)
خلال شرح الحديث رقم (2537) من كتابنا هذا.
(10)
القاموس المحيط (ص 1572).
في القاموس
(1)
: والعلَّة: [الضرَّة]
(2)
، وبنو العلَّات: بنو أمهاتٍ شتى من رجل، انتهى.
ويقال للإخوة لأم فقط: أخياف بالخاء المعجمة والياء التحتية وبعد الألف فاء.
والحديثُ يدلُّ على أنه تُقَدَّمُ الإخوة لأبٍ وأمٍّ على الإخوة لأبٍ، ولا أعلم في ذلك خلافًا.
[الباب الرابع] باب: الأَخَوَاتِ معَ البناتِ عَصَبَةٌ
10/ 2547 - (عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شَرْحَبِيلَ قالَ: سُئِلَ أبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وأُخْتٍ، فَقالَ: لِلابْنَةِ النِّصْفُ، وَللأخْتِ النِّصْفُ، وَائِت ابْنَ مَسْعُودٍ؛ فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وأُخْبِرَ بِقَوْلِ أبي مُوسَى، فَقالَ: لَقَد ضَلَلْتُ إذًا وَما أنا مِنَ المُهْتَدِينَ، أقْضِي فِيها بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلاِبْنَةِ الابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَما بَقِيَ فَللأخْتِ. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسائي
(3)
.
وَزَادَ أحْمَدُ
(4)
وَالبُخارِيُّ
(5)
: فأتَيْنا أبَا مُوسى فأخْبَرْناهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقالَ: لا تَسألُوني ما دام هَذا الحَبْر فِيكُمْ). [صحيح]
11/ 2548 - (وَعَنِ الأسْوَدِ: أن مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ وَرَّث أُخْتًا وَابْنَةً جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُما النِّصْفَ وَهُوَ باليَمَنِ وَنَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ حَيٌّ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(6)
وَالبُخارِي بِمَعْناهُ)
(7)
. [صحيح]
(1)
القاموس المحيط (ص 1338).
(2)
في المخطوط (ب): (الضرورة).
(3)
أحمد في المسند (1/ 389) والبخاري رقم (6736) وأبو داود رقم (2890) والترمذي رقم (2093) وابن ماجه رقم (2721).
وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند (1/ 389) وقد تقدم.
(5)
في صحيحه رقم (6736) وقد تقدم.
(6)
في سننه رقم (2893).
(7)
في صحيحه رقم (6741). =
قوله: (هُزَيْل) قال النووي
(1)
: هو بالزاي إجماعًا انتهى. ووقع في كلام كثير من الفقهاء هذيل بالذال المعجمة، قاله الحافظ
(2)
وهو تحريف.
قوله: (سئل أبو موسى) هذا لفظ البخاري
(3)
ولفظ غيره
(4)
: "جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة، فسألهما عن ابنة وابنة ابن وأخت لأب وأم، فقالا: للابنة النصف، وللأخت لأب وأم النصف، ولم يورثا ابنة الابن شيئًا"، وبقية الحديث كلفظ البخاري.
وفيه دليل على أن الأخت مع البنت عصبة تأخذ الباقي بعد فرضها إن لم يكن معها ابنة ابن كما في حديث معاذ
(5)
، وتأخذ الباقي بعد فرضها وفرض [بنت]
(6)
الابن كما في حديث هزيل، وهذا مجمع عليه.
وقد رجع أبو موسى إلى ما رواه ابن مسعود، وكانت هذه الواقعة في أيام عثمان؛ لأن أبا موسى كان وقت السؤال أميرًا على الكوفة، وسلمان بن ربيعة قاضيًا بها، وإمارة أبي موسى على الكوفة كانت في ولاية عثمان.
قال ابن بطال
(7)
: يؤخذ من هذه القصة أن للعالم أن يجتهد إذا ظن أن لا نص في المسألة ولا يترك الجواب إلى أن يبحث عن ذلك، وأن الحجة عند "التنازع"
(8)
هي السنة فيجب الرجوع إليها.
قال
(9)
: ولا خلاف بين الفقهاء فيما رواه ابن مسعود.
قال ابنُ عبد البرِّ: لم يخالف في ذلك إلا أبو موسى وسلمان بن ربيعة الباهلي. وقد رجع أبو موسى عن ذلك، ولعل سلمان أيضًا رجع عن ذلك كأبي
= وهو حديث صحيح.
(1)
في "تهذيب الأسماء"(2/ 136).
(2)
في "الفتح"(12/ 17).
(3)
في صحيحه رقم (6736) وقد تقدم.
(4)
كأحمد (1/ 389) وأبي داود رقم (2890) والترمذي رقم (2093) وابن ماجه رقم (2721).
(5)
تقدم برقم (11/ 2548) من كتابنا هذا.
(6)
في المخطوط (ب): (ابنة).
(7)
في شرحه لصحيح البخاري (8/ 351).
(8)
في المخطوط (ب): النزاع.
(9)
أي: ابن بطال في المرجع السابق.
موسى انتهى. وقد اختلف في صحبة سلمان
(1)
المذكور.
قوله: (لقد ضللت إذًا)، أي: إذا وقعت مني المتابعة لهما وتركُ ما وردت به السنة.
قوله: (هذا الحَبْرُ) بفتح المهملة وبكسرها أيضًا وسكون الموحدة، ورجح الجوهري
(2)
الكسر للمهملة، وإنما سمي حبرًا لتحبيره الكلام وتحسينه، قاله أبو عبيد الهروي
(3)
.
وقيل: سمي باسم الحبر الذي يكتب به
(4)
.
قال في الفتح
(5)
: وهو بالفتح في رواية جميع المحدِّثين، وأنكر أبو الهيثم الكسر.
وقال الراغبُ
(6)
: يُسمَّى العالم حبرًا لما يبقى من أثر علومه.
قوله: (ونبيُّ الله يومئذٍ حي) فيه إشارة إلى أن معاذًا لا يقضي بمثل هذا القضاء في حياته صلى الله عليه وسلم إلا لدليل يعرفه، ولو لم يكن لديه دليل لم يعجل بالقضية.
[الباب الخامس] باب ما جاء في ميراث الجدة والجد
12/ 2549 - (عَنْ قَبِيصَةَ بْن ذُؤْيب قالَ: جاءَتِ الجَدَّةُ إلى أبي بَكْرٍ
(1)
قال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة"(1/ 229 رقم 2397): "سلمان بن ربيعة الباهلي: لا صحبة له، وهو أول قضاة الكوفة، قاله ابن منده؛ ذكره البخاري في الصحابة ولا يصح
…
وقال ابن عبد البر: ذكره أبو حاتم في الصحابة، وقال: هو عندي كما قال وشهد فتوح الشام واستقضاه عمر على الكوفة
…
استشهد ببلنجر نحوًا من سنة ثلاثين
…
". اهـ.
(2)
في الصحاح (2/ 619).
(3)
في الغريبين (2/ 397 - 398).
(4)
الصحاح للجوهري (2/ 619).
(5)
فتح الباري (12/ 17).
(6)
في "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 215)، حيث قال:"الحَبْرُ: العالم، وجمعه أحبار، لما يبقى من أثر علومهم في قلوب الناس، ومن آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها". اهـ.
فَسألَتْهُ مِيراثَهَا، فَقالَ: ما لَكِ فِي كِتابِ الله شَيءٌ، وَما عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، فارْجِعِي حتَّى أسألَ النَّاس، فَسألَ النَّاسَ، فَقالَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أعْطاها السُّدُسَ، فَقالَ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الأنْصَارِيُّ فَقالَ مِثْلَ ما قالَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فأنْفذَهُ لَهَا أبُو بَكْرٍ، قالَ: ثُمَّ جاءَت الجَدَّةُ الأُخْرَى إلى عُمَرَ فَسألَتْهُ مِيرَاثَها، فَقال: مَا لَكِ فِي كِتاب اللهِ شَيءٌ، وَلَكِنْ هُوَ ذَاكَ السُّدُسُ، فإن اجْتَمَعْتُما فَهُوَ بَيْنكُما، وأيُّكُما خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ)
(1)
. [ضعيف]
13/ 2550 - (وَعَنْ عُبادَةَ بْنِ الصامِت: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى للْجَدَّتَيْن مِنَ المِيَراثِ بالسُّدُسِ بَيْنَهُما. رَوَاهُ عَبْدُ الله بْنُ أحْمَدَ فِي المُسْنَد)
(2)
. [إسناده منقطع]
(1)
أحمد في المسند (4/ 225 - 226) وأبو داود رقم (2894) والترمذي رقم (2101) وابن ماجه رقم (2724).
قلت: وأخرجه النسائي رقم (6346 - العلمية) وابن الجارود رقم (959) وابن حبان رقم (6031)، والطبراني في المعجم الكبير (ج 19 رقم 511) و (ج 20 رقم 1068) وفي مسند الشاميين رقم (2125) والبيهقي (6/ 234) والبغوي في شرح السنة رقم (2221) والحاكم (4/ 338) من طرق.
قال الترمذي: وهو أصح من حديث ابن عيينة - الذي أخرجه الترمذي برقم (2100) -.
وقال البغوي: هذا حديث حسن.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وتعقبهما الألباني في "الإرواء" (6/ 124 رقم 1680) بقوله: "قلت: وفيه نظر لأن فيه انقطاعًا
…
".
وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 179 - 185): "وإسناده صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته مرسل. فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق، ولا يمكن شهوده للقصة
…
وقد أعله عبد الحق تبعًا لابن حزم بالانقطاع. وقال الدارقطني في "العلل" بعد أن ذكر الاختلاف فيه عن الأزهري: يشبه أن يكون الصواب قول مالك ومن تابعه". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(2)
في زوائد المسند (5/ 327).
قلت: وأخرج قصة توريث الجدتين السدس الحاكم (4/ 340) والبيهقي (6/ 235).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 227) وقال: رواه الطبراني في الكبير وأحمد في أثناء حديث طويل، وإسنادهما منقطع؛ إسحاق بن يحيى لم يسمع من عبادة.
وانظر: "جامع المسانيد والسنن" لابن كثير (7/ 82 - 83). =
14/ 2551 - (وَعَنْ بُرَيْدَةَ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ للجَدَّةِ السُّدُسَ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَها أمٌ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(1)
. [ضعيف]
15/ 2552 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزيدَ قالَ: أعْطَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثَلاثَ جَدَّاتٍ السُّدُسَ: ثِنْتَيْن مِنْ قِبَل الأب، وَوَاحدَة مِنْ قِبَل الأُمّ. رَوَاهُ الدّارَقُطْنِي هَكَذَا مُرْسَلًا)
(2)
. [ضعيف]
16/ 2553 - (وَعَن القاسم بْن مُحَمَّدٍ قال: جاءَتِ الجَدَّتان إلى أبي بَكْرٍ الصّديق فأرَادَ أنْ يَجْعَلَ السّدُسَ للَّتِي مِنْ قِبَل الأُمّ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَار: أما إنَّكَ تَتْرُكُ الَّتِي لَوْ ماتَتْ وَهُوَ حَيٌّ كانَ إيَّاها يَرِثُ؟ فَجَعَلَ السُّدُسَ بَيْنَهُما. رَوَاهُ مالِكٌ فِي المُوَطَّأ)
(3)
. [موقوف ضعيف]
= • وأخرج مالك في الموطأ (2/ 514 رقم 6).
عن عبد ربه بن سعيد؛ أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، كان لا يفرض إلا للجدَّتين.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 235).
وإسناده ضعيف، لانقطاعه.
وخلاصة القول: أنه موقوف ضعيف، والله أعلم.
(1)
في سننه رقم (2895).
قلت: وأخرجه النَّسَائِي في الكبرى رقم (6338 - العلمية).
قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 180): "وفي إسناده عبيد الله العتكي مختلف فيه، وصححه ابن السكن".
وقال الحافظ أيضًا في بلوغ المرام رقم (6/ 898) بتحقيقي: رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة، وابن الجارود، وقَوَّاه ابن عدي".
قلت: وأخرجه ابن الجارود في المنتقى رقم (960) والبيهقي (6/ 234).
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(2)
في السنن (4/ 90 رقم 71).
(3)
مالك في الموطأ: (2/ 513 - 514 رقم 5).
عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، أنه قال: أَتَتِ الجدَّتَانِ إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فأراد أن يجعل السدسَ للتي من قِبَلِ الأمِّ، فقال له رجلٌ مِنَ الأنصار: أما إنك تتركُ التي لو ماتت وهو حيٌّ كان إيَّاها يَرِثُ، فجعلَ أبو بكرٍ السدسَ بينهما".
وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1/ 73 رقم 81 و 82) وعبد الرزاق في المصنف رقم =
حديث قبيصة أخرجه أيضًا ابن حبان
(1)
والحاكم
(2)
.
قال الحافظ
(3)
: وإسناده صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته مرسل، فإن قبيصة لا يصح سماعه من الصديق ولا يمكن شهوده القصة، قاله ابن عبد البر
(4)
.
وقد اختلف في مولده، والصحيح أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة، وقد أعلَّه عبد الحقّ تبعًا لابن حزم
(5)
بالانقطاع.
وقال الدارقطني في "العلل"
(6)
بعد أن ذكر الاختلاف فيه على الزهري: يشبه أن يكون الصواب قول مالك ومن تابعه.
وحديث عبادة بن الصامت، أخرجه أيضًا أبو القاسم بن منده في "مستخرجه"
(7)
، والطبراني في الكبير
(8)
بإسناد منقطع؛ لأن إسحاق بن يحيى لم يسمع من عبادة.
وحديث بريدة أخرجه أيضًا النَّسَائِي
(9)
، وفي إسناده عبيد الله
= (19084) والدارقطني في سننه (4/ 90 و 91) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 235) وابن حجر في "موافقة الخبر الخبر"(2/ 413).
وقال ابن حجر عقبه: "هذا موقوف، رجاله رجال الصحيح؛ لكنه منقطع؛ لأن القاسم - بن محمد - لم يدرك جده".
وقال في "التلخيص"(3/ 186): وهو منقطع.
وخلاصة القول: أنه موقوف ضعيف والله أعلم.
(1)
في صحيحه رقم (6031) وقد تقدم.
(2)
في المستدرك (4/ 338) وقد تقدم.
(3)
في "التلخيص"(3/ 179).
(4)
في "الاستيعاب"(3/ 336 رقم 2124).
(5)
في المحلى (9/ 273) حيث قال: "حديث قبيصة منقطع؛ لأنَّه لم يدرك أبا بكر ولا سمعه من المغيرة، ولا من محمد". اهـ.
(6)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 180).
(7)
المستخرج: أبو القاسم بن منده، (عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق (ت 470 هـ)).
له: "المستخرج من كتب الناس" كما في "كشف الظنون"(2/ 1671) وأفاد المباركفوري أن منه نسخة مصححة من الحافظ ابن حجر، مكتوبة بخط عمر بن يحيى المصري، موجودة في الخزانة الجرمنية.
[معجم المصنفات (ص 366 رقم 1172)].
(8)
في المعجم الكبير كما في "مجمع الزوائد"(4/ 227) وقد تقدم.
(9)
في السنن الكبرى رقم (6338 - العلمية).
العتكي
(1)
، وهو مختلف فيه، وصححه ابن السكن
(2)
، وابن خزيمة
(3)
، وابن الجارود
(4)
، وقواه ابن عدي
(5)
.
وحديث عبد الرحمن بن يزيد هو مرسل كما ذكر المصنف، ورواه أبو داود في المراسيل
(6)
بسند آخر عن إبراهيم النخعي.
ورواه الدارقطني
(7)
والبيهقي
(8)
من مرسل الحسن أيضًا.
(1)
عُبيد الله بن عبد الله، أبو المُنيب العتكي المروزي: صدوق يخطئ
…
"التقريب" رقم (4312).
وقال المحرران، بل: ضعيفٌ يعتبر به في المتابعات والشواهد، فقد ضعفه البخاري، وأبو زرعة الرازي، والعقيلي، والنسائي في أصح الروايات وأبو أحمد الحاكم، والبيهقي، وابن حبان، وقال:"يتفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات يجب مجانبة ما ينفرد به، والاعتبار بما يوافق الثقات دون الاحتجاج به".
على أن ابن معين وثقه، وكذلك عباس بن مصعب، والحاكم، وقال أبو داود، وابن عدي: لا بأس به، وقال أبو حاتم: هو صالح، وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب "الضعفاء"، وقال: يُحوَّل منه. لكن هذا لا يعني أنه وثقه، إنما يريد أنه ليس شديد الضعف، فهو صالح يعتبر به.
(2)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 180).
(3)
حكاه عنه الحافظ في "بلوغ المرام" رقم (6/ 898) بتحقيقي.
(4)
في المنتقى رقم (960).
(5)
في "الكامل"(4/ 1637).
(6)
رقم (335) بسند حسن.
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (19079) وابن أبي شيبة في المصنف (11/ 322) والدارمي (2/ 358) والبيهقي (6/ 236) من طرق.
(7)
في سنته (4/ 91 رقم 75).
(8)
في السنن الكبرى (6/ 236).
قلت: وأما حديث الحسن عن معقل بن يسار، فقد أخرجه ابن ماجه رقم (2723) وأبو داود رقم (2897) في الجد لا في الجدة. ولفظ أبي داود عن الحسن أن عمر قال: أيكم يعلم ما ورَّث رسولُ الله الجد؟ قال معقل بن يسار: أنا، ورَّثه رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس، قال: مع مَن؟ قال: لا أدري. قال: لا دَريتَ فما تغني إذن".
وهو صحيح، والله أعلم.
قلت:
• وأخرج أبو داود في المراسيل رقم (357) عن الحسن قال: ورَّثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جدَّةً السدس وابنُها حيٌّ. =
وأخرج نحوه الدارقطني
(1)
من طريق أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه كان يورث ثلاث جدات إذا استوين، ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم، ورواه البيهقي
(2)
من طرق عن زيد بن ثابت.
وروى الدارقطني
(3)
من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بلفظ حديث عبد الرحمن المذكور.
وحديث القاسم بن محمد رواه مالك
(4)
عن يحيى بن سعيد عن القاسم وهو منقطع؛ لأن القاسم لم يدرك جده أبا بكر. ورواه الدارقطني
(5)
من طريق ابن عيينة.
وفي الباب عن معقل بن يسار عند أبي القاسم بن منده
(6)
. وقد ذكر القاضي حسين
(7)
أن الجدة التي جاءت إلى الصديق أم الأم وأن التي جاءت إلى عمر أم الأب.
وفي رواية ابن ماجه
(8)
ما يدل له.
والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أن فرض الجدة الواحدة السدس،
= إسناده صحيح إلى الحسن، والله أعلم.
• وأخرج أبو داود في المراسيل رقم (359) عن الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورَّثَ ثلاثَ جدَّاتِ.
إسناده ضعيف، والله أعلم.
(1)
في السنن (4/ 91 - 92 رقم 77).
(2)
في السنن الكبرى (6/ 236).
قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 187): من طرق عن زيد بن ثابت، وكلها منقطعة.
(3)
في السنن (4/ 92 رقم 78).
(4)
في الموطأ (2/ 513 - 514 رقم 5) وهو موقوف ضعيف وقد تقدم.
(5)
في السنن (2/ 90 رقم 72) وهو منقطع.
(6)
سبق تخريجه ص 331، حاشية (7).
(7)
في "شفاء الأوام"(3/ 450 - 451).
(8)
في سننه رقم (2724).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 373): هذا إسناد ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم وتدليسه
…
". اهـ.
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
وكذلك فرض الجدتين والثلاث وقد نقل محمد بن نصر
(1)
- من أصحاب الشافعي - اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك، حكى ذلك عنه البيهقي
(2)
.
قال في البحر
(3)
مسألة: فرضُهنُ - يعني الجدّات: - السدس وإنْ كَثُرْنَ إذا استوين، وتستوي أمُّ الأمِّ وأمُّ الأب لا فضل بينهما، فإن اختلفن سقط الأبعد بالأقرب ولا يسقطهنَّ إلا الأمَّهات، والأب يسقط الجدَّات من جهته، والأمُّ من الطرفين، وكل [جدَّةٍ]
(4)
أدرجت أبًا بين أمَّيْن، وأما بين أبوين فهي ساقطةٌ.
مثال الأول: أم أب "الأم"
(5)
فبينها وبين الميت أب.
ومثال الثاني: أم أب أم الأب انتهى.
ولأهل الفرائض في الجدات لام طويل ومسائل متعددة، فمن أحب الوقوف على تحقيق ذلك فليرجع إلى كتب الفن.
17/ 2554 - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن: أن رَجُلًا أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إنّ ابْنَ ابْنِي ماتَ فَمَا لي مِنْ مِيرَاثِه؟ قالَ: "لَكَ السّدُسُ"، فَلَمَّا أدْبَرَ دَعاهَ قالَ:"لَكَ سُدُسٌ آخَرُ"، فَلَمَّا أدْبَرَ دَعَاهُ فَقالَ:"إنَّ السُّدُسَ الآخَرَ طُعْمَةٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(6)
وأبُو دَاوُدَ
(7)
وَالتِّرْمِذيُّ وَصحَّحَهُ)
(8)
. [ضعيف]
(1)
محمد بن نصر المروزي، الفقيه، أبو عبد الله، ثقة، حافظ، إمام، صنف الكتب الكثيرة، ورحل إلى الأمصار في طلب العلم، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، واتفقوا على أنَّه مات سنة (294 هـ).
[سير أعلام النبلاء (14/ 33) وتهذيب التهذيب (3/ 717 - 718)].
(2)
كما في مختصر الخلافيات (4/ 21 - 22).
(3)
البحر الزخار (5/ 350).
(4)
في المخطوط (ب): (واحدة).
(5)
في المخطوط (أ): (أم).
(6)
في المسند (4/ 428 - 429).
(7)
في سننه رقم (2896).
(8)
في سننه رقم (2099) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (834) والبزار في المسند رقم (3551) والنسائي في الكبرى (رقم 6337 - العلمية) والطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 295) والدارقطني (4/ 84) والبيهقي (6/ 244) من طرق.
وهو حديث ضعيف.
18/ 2555 - (وَعَن الحَسَن: أن عمَرَ سألَ عَنْ فَرِيضَة رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي الجَدّ، فَقامَ مَعْقِلُ بْنُ يَسارِ المُزَنِيُّ فَقالَ: قَضَى فِيها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، قالَ: ماذَا؟ قالَ: السُّدُسُ، قالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: لا أدْرِي، قالَ: لا دَرَيْتَ فَمَا تُغْنِي إذَنْ. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(1)
. [صحيح]
حديث عمران بن حصين: هو من رواية الحسن البصريِّ عنه، وقد قال علي بن المدينيِّ
(2)
وأبو حاتم الرازيُّ
(3)
وغيرهما: إنه لم يسمع منه.
وحديث معقل بن يسار، أخرجه أيضًا أبو داود
(4)
والنسائي
(5)
وابن ماجه
(6)
ولكنه منقطعٌ؛ لأن الحسن البصري لم يدرك السماع من عمر، فإنَّه ولد في سنة إحدى وعشرين، وقتل عمر في سنة ثلاثٍ وعشرين، وقيل: سنة أربعٍ وعشرين.
وذكر أبو حاتم الرازي
(7)
أنه لم يصحَّ للحسن سماع من معقل بن يسار.
(1)
في المسند (5/ 27).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 291) ومن طريقه الطبراني في الكبير (ج 20 رقم 462) عن عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن، عن معقل بن يسار، به وأخرجه سعيد بن منصور في سننه رقم (38) وأبو داود رقم (2897)، والطبراني في الكبير (ج 20 رقم 463) من طرق عن يونس بن عبيد، به.
وأخرجه مختصرًا ابن ماجه رقم (2723) والنسائي في الكبرى رقم (6334، 6335 - العلمية) والطبراني في الكبير (ج 20 رقم 461، 464، 465) من طرق عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن معقل بن يسار، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجد السدس".
وهو حديث صحيح.
(2)
كما في "جامع التحصيل" للعلائي (ص 195).
(3)
كما في المراسيل (ص 38 رقم 123).
(4)
في سننه رقم (2897) وقد تقدم.
(5)
في السنن الكبرى رقم (6335 - العلمية) وقد تقدم.
(6)
في سننه رقم (2723) وقد تقدم.
(7)
قال العلائي في "جامع التحصيل"(ص 197): "وقال أبو حاتم لم يصح للحسن سماع من معقل بن يسار. وسئل أبو زرعة الحسن عن معثل بن يسار أو معقل بن سنان؛ فقال: معقل بن يسار أشبه، والحسن عن معقل بن سنان بعيد جدًّا.
وهذا يقتضي تثبيته السماع من معقل بن يسار". اهـ.
وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما
(1)
حديث الحسن عن معقل.
وحديث عمران يدلُّ على أنَّ الجدَّ يستحقُّ ما فرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال قتادة: لا ندري مع أيِّ شيءٍ ورَّثه.
قال: وأقلُّ ما يرثه الجدُّ السدس.
قيل: وصورة هذه المسئلة: أنه ترك الميت بنتين وهذا السائل، فللبنتين الثلثان، والباقي ثلثٌ دفع صلى الله عليه وسلم منه إلى الجدِّ سدسًا بالفرض لكونه جدًّا، ولم يدفع إليه السدس الآخر الذي يستحقه بالتعصيب، لئلا يظنَّ أنَّ فرضه الثلث وتركه حتى ولَّى - أي: ذهب - فدعاه وقال: "لك سدسٌ آخر"، ثم أخبره: أنَّ هذا السدس طعمةٌ: أي زائد على السهم المفروض، وما زاد على المفروض فليس بلازمٍ كالفرض.
وقد اختلف الصحابة في الجدِّ اختلافًا طويلًا
(2)
، ففي البخاريِّ
(1)
لم يقصد المؤلف رحمه الله أن البخاري ومسلمًا أخرجا في صحيحيهما حديث ميراث الجد أعلاه، بل يقصد أن يثبت صحة رواية الحسن البصري عن معقل بن يسار.
قلت: أخرج البخاري في "صحيحه" رواية الحسن عن معقل هذا برقم (4529) وأطرافه رقم (5130) و (5330) و (5331).
وأخرج مسلم في "صحيحه" رواية الحسن عن معقل أيضًا (1/ 125 رقم 142) و (3/ 1460 رقم 142).
ولقد قال الكلاباذي في كتابه: "رجال صحيح البخاري" المسمى "الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد الذين أخرج لهم البخاري في جامعه"(2/ 228): "روي عنه - أي عن معقل - الحسن البصري في "النكاح" و"تفسير البقرة.
وقال الإمام أحمد الأصبهاني في كتابه "رجال صحيح مسلم"(2/ 267): "روى عنه - أي عن معقل - الحسن في "الإيمان" و"الجهاد"". قلت: بل في "الإمارة".
(2)
انقسم الأئمة المجتهدون في حكم ميراث الجد مع الإخوة، تبعًا لاختلاف الصحابة أنفسهم، إلى فريقين:
(الأول): مذهب أبي بكر، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم، وبه قال أبو حنيفة: إن الإخوة سواء كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم، ذكورًا كانوا، أو إناثًا؛ يحجبون من الإرث بوجود الجد، فلا يرثون معه أصلًا، وذلك مبني على اعتبار الجد يقوم مقام الأب عند فقده، في جميع أحواله؛ لأنَّه أب أعلى
…
(والثاني): مذهب جمهور الصحابة، والتابعين، وفي مقدمتهم:"زيد بن ثابت" الذي شهد =
تعليقًا
(1)
يروى عن [عمرَ
(2)
= له الرسول صلى الله عليه وسلم بالتفوق على الصحابة في علم الفرائض، والإمام علي، وابن مسعود، والشعبي، وأهل المدينة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني: أن الإخوة والأخوات (الأشقاء) أو الأب) يرثون مع وجود الجد، وأن الجد لا يحجبهم من الميراث كما هو حال الأب، وحجتهم في ذلك أن الجد والإخوة في درجة واحدة، من حيث الإدلاء إلى الميت، فالجد يدلي بواسطة الأب، والإخوة كذلك يدلون بالأب، الجد أصل الأب، والإخوة فرع الأب، وقد استوت الدرجة بالنسبة للفريقين فلا معنى لأن نورث أحد الجهتين دون الآخر
…
وهذا المذهب هو الراجح، والله أعلم.
[انظر: "المواريث في الشريعة الإسلامية" لمحمد علي الصابوني (ص 89 - 106)].
(1)
في صحيحه (12/ 18 رقم الباب 9 - مع الفتح) تعليقًا.
(2)
• أخرج الدارمي في مسنده رقم (2956) عن الشعبيِّ قال: "إنَّ أوَّلَ جَدٍّ وَرِثَ في الإسلام عُمر".
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (19041) بسند حسن.
• وأخرج الدارمي في مسنده رقم (2957) عن الشعبي قال: إنَّ أوَّلَ جدٍّ ورِثَ في الإسلام عمرُ، فأخذ مالَهُ فأتاهُ عليٌّ وزيدٌ، فقالا: ليس لكَ ذَاكَ، إنما أنتَ كأحدِ الأخوين.
قال الحافظ في "الفتح"(12/ 20) أخرج الدارمي بسند صحيح عن الشعبي .. فذكره.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 247) بسند صحيح.
• وأخرج الدارمي في مسنده رقم (2958) عن الشعبي، قال: كان عمر يُقاسِمَ بالجدِّ مع الأخِ والأخوين، فإذا ازدادوا، أعطاهُ الثلث، وكان يُعطيهِ مع الولدِ السدسَ.
في إسناده عيسى بن أبي عيسى: ميسرة: متروك.
وانظر ترجمته في: المجروحين (2/ 117) والجرح والتعديل (6/ 289) والميزان (3/ 320) ولسان الميزان (7/ 332) والخلاصة (ص 303).
قلت: وأخرجه ابن منصور في سننه رقم (59) ومن طريقه أخرجه ابن حزم في المحلى (9/ 284) وابن أبي شيبة في المصنف (11/ 1292 رقم 11265).
وقال ابن حزم: هذا إسناد في غاية الصحة.
• وأخرج الدارمي في مسنده رقم (2959) عن مروان بن الحكم: أنَّ عمرَ بن الخطاب لمَّا طُعِنَ، استشارَهم في الجدِّ، فقال: إني كنت رأيت في الجد رأيًا، فمن رأيتُم أن تتبعوهُ فاتبعوه، فقال له عثمان: إنْ نتبعْ رأيكَ فإنَّهُ رَشَدٌ، أن نتبعْ رأي الشيخ، فنِعْمَ ذو الرأي كان.
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (19051) و (19052) وابن حزم في المحلى (9/ 283، 287) والبيهقي (6/ 246) والحاكم في المستدرك (4/ 345) من طرق.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
قلت: الخلاصة أن إسناده صحيح، والله أعلم.
وعلي
(1)
]
(2)
(1)
أخرج الدارمي في مسنده رقم (2960) عن الشعبي قال: كتب ابنُ عباسٍ إلى عليٍّ - وابن عباسٍ بالبصرةَ - وإنِّي أتيتُ بجدٍّ، وستةِ إخوةٍ، فكتب إليه عليٌّ: أن أعطِ الجَدِّ سُدُسًا ولا تُعطِهِ أحدًا بعدَه، إسناده جيد.
- وأخرجه البيهقي (6/ 249) وابن حزم في المحلى (9/ 284) ولفظه: "كتب ابن عباس إلى علي في ستة إخوة وجد، فكتب إليه على: أن أعطه سبعًا. وإسناده ضعيف لضعف: قيس بن الربيع.
- وأخرجه ابن حزم في المحلى (9/ 284) وابن أبي شيبة في المصنف (11/ 293 رقم (11269) ولفظه: "كتب ابن عباس إلى علي في ستة إخوة وجد، فكتب إليه علي: اجعله كأحدهم، وامحُ كتابي.
إسناده صحيح.
- وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 293 رقم 11268) عن الشعبي عن علي: أنه أتى بستة إخوة وجد، فأعطى الجد السدس.
إسناده صحيح.
وقد أشار الحافظ في "الفتح"(12/ 21) إلى بعض هذه الروايات ووصفها بصحة الإسناد.
• وأخرج الدارمي في مسنده رقم (2962) عن عبد الله بن مسلمة: أن عليًا كان يجعلُ الجدّ أخًا متى يكونُ سَادِسًا".
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 293 رقم 11267) والبيهقي (6/ 249) وابن حزم في المحلى (9/ 284).
وإسناده حسن، والله أعلم.
• وأخرج الدارمي في مسنده رقم (2963) عن الحسن: أنَّ عليًا كان يُشَرِّكُ الجدَّ مع الإخوة إلى السدس. إسناده حسن.
- وأخرجه ابن حزم في المحلى (9/ 284) عن الحسن البصري: أنَّ علي بن أبي طالب كان يورث الجد مع خمسة إخوة السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فله السدس لا ينقص منه شيئًا. إسناده صحيح.
• وأخرج الدارمي في مسنده رقم (2965) عن إبراهيم قال: كان عليٌّ يُشَرِّكُ الجدَّ إلى ستةٍ مع الإخوة، يُعطي كُلَّ صاحب فريضةً فريضتهُ، ولا يُورِّثُ أخًا لأم مع جدٍّ، ولا أختًا لأمٍّ، ولا يزيدُ الجدَّ مع الولدِ على السُّدس إلا أن يكونَ غَيْرَهُ، ولا يقاسِمُ بأخٍ لأبٍ، مع أخٍ لأبٍ، وأمٍّ، وإذا كانَتْ أختٌ لأبٍ وأمٍّ، وأخٌ لأبٍ، أعطى الأُختَ النصف، والنصفَ الآخر بين الجدِّ والأخِ نصفين، وإذًا كانوا إخوة وأخَوات شَرَّكهم مع الجدِّ إلى السدس.
وأخرجه عبد الرزاق رقم (19064) وابن أبي شيبة (11/ 298 رقم 11282) والبيهقي (6/ 249).
إسناده صحيح.
(2)
في المخطوط (ب): (علي وعمر).
وزيد بن ثابتٍ
(1)
وابن مسعودٍ
(2)
في الجدِّ قضايا مختلفة.
وقد ذكر البيهقي
(3)
في ذلك آثارًا كثيرة.
وروى الخطابي في الغريب
(4)
بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن الجد فقال: ما يصنع بالجد لقد حفظت فيه عن عمر مائة قضية يخالف بعضها بعضًا ثم أنكر الخطابي هذا إنكارًا شديدًا، وسبقه إلى ذلك ابن قتيبة
(5)
.
قال الحافظ
(6)
: هو محمول على المبالغة كما حكى ذلك البزار وجعله ابن عباس كالأب كما رواه البيهقي
(7)
عنه وعن غيره.
وروي أيضًا
(8)
من طريق الشعبي قال: كان من رأي أبي بكر وعمر أن الجد أولى من الأخ، وكان عمر يكره الكلام فيه.
وروى البيهقي
(9)
أيضًا عن علي أنه شبه الجد بالبحر والنهر الكبير والأب بالخليج المأخوذ منه، والميت وإخوته كالساقيتين الممتدتين من الخليج، والساقية إلى الساقية أقرب منها إلى البحر، ألا ترى إذا سدت إحداهما أخذت الأخرى ماءها ولم [يرجع]
(10)
إلى البحر.
(1)
• أخرج الدارمي في مسنده رقم (2970) عن الحسن: أن زيدًا كانَ يُشَركُ الجَدِّ مع الإخوة إلى الثلثِ.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 295 رقم 11274).
وإسناده صحيح.
(2)
أخرج الدارمي في مسنده رقم (2969) وعبد الرزاق رقم (19071) وابن أبي شيبة (11/ 308 رقم 11303).
أن ابن مسعود: جعل للزوج ثلاثةَ أسهُمٍ النِّصْفَ، وللأمِّ ثُلُثَ ما بقيَ، وهو السدس من رأس المال، وللأخِ سهمٌ، وللجدِّ سهم.
إسناده صحيح.
(3)
في السنن الكبرى (6/ 248)، وانظر: مختصر الخلافيات (4/ 22 - 23) وانظر: "تغليق التعليق على صحيح البخاري"(5/ 214 - 222).
(4)
كما في "التلخيص"(3/ 189).
(5)
في مقدمة مختلف الحديث (ص 20).
(6)
في "التلخيص"(3/ 189).
(7)
في السنن الكبرى (6/ 246).
(8)
أي: البيهقي في السنن الكبرى (6/ 247 - 248).
(9)
في السنن الكبرى (6/ 248).
(10)
في المخطوط (ب): (ترجع).
[وشبهه]
(1)
زيد بن ثابت الأنصاري بساق الشجرة وأصلها والأب كغصن منها والإخوة كغصنين تفرعا من ذلك الغصن، وأحد الغصنين إلى الآخر أقرب منه إلى أصل الشجرة، ألا ترى أنه إذا قطع أحدهما امتص الآخر ما كان يمتص المقطوع ولا يرجع إلى الساق؟ هكذا رواه البيهقي
(2)
.
ورواه الحاكم
(3)
بغير هذا السياق، وأخرجه ابن حزم في الأحكام
(4)
من طريق إسماعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه فذكر قصة زيد بن ثابت.
قال في البحر
(5)
: مسئلة علي وابن مسعود وزيد بن ثابت والأكثر: ولا يسقط الإخوة الجد بل يقاسمهم بخلاف الأب وإن اختلفوا في كيفية المقاسمة أبو بكر وعائشة وابن الزبير ومعاذ والحسن البصري وبشر بن غياث، بل يسقط الإخوة كالأب إذ سماه الله أبًا فقال:{مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبَرَاهِيمَ}
(6)
لنا قوله تعالى في الأخ: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}
(7)
.
وهذا عامٌ لا يخرج منه إلا ما خصَّه دليلٌ، ولولا الإجماع لما سقط مع الأب لهذه الآية، وإن الإخوة كالبنين بدليل تعصيبهم أخواتهم، فوجب أن لا يسقطوا مع الجد.
وأما تسمية الجد أبًا فمجاز فلا يلزمنا.
قال
(8)
: فرع: اختُلِفَ في كيفية المقاسمة، فقال علي وابن أبي ليلى والحسن بن زياد والإمامية: يقاسمهم ما لم يتنقصه المقاسمة عن السدس، فمن نقصته رد إلى السدس. وعن علي أنه يقاسم إلى التسع روته الإمامية
(9)
. قلنا: روايتنا أشهر إذ رواتها زيد بن علي عن أبيه عن جده.
(1)
في المخطوط (ب): (وشبه).
(2)
في السنن الكبرى (6/ 247 - 248).
(3)
في المستدرك (4/ 339) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(4)
كما في "التلخيص"(3/ 189).
(5)
البحر الزخار (5/ 348).
(6)
سورة الحج، الآية:(78).
(7)
سورة النساء، الآية:(176).
(8)
أي: المهدي في البحر الزخار (5/ 348).
(9)
البحر الزخار (5/ 348 - 349).
وقال ابن مسعود وزيد بن علي والشافعي
(1)
وأبو يوسف ومحمد والناصر ومالك
(2)
: بل يقاسمهم إلى الثلث، فإن نقصته المقاسمة عنه رد إليه.
ثم استدل لهم بحديث عمران بن حصين
(3)
المذكور.
وقال الناصر
(4)
: إن الجد يقاسم الإخوة أبدًا.
وقد روى ابن حزم
(5)
عن قوم من السلف أن الإخوة يسقطون الجد.
وقد قيل: إن المثل الذي ذكره علي، والمثل الذي ذكره ابن مسعود يستلزمان أن يكون الإخوة أولى من الأب ولا قائل به.
وللأخ مزايا منها النص على ميراثه في القرآن وتعصيبه لأخته.
وأجيب عن الأولى بأن الجد مثله فيها؛ لأنَّه أب وهو منصوص على ميراثه في القرآن.
ورد بأن ذلك مجاز لا حقيقة.
وأجيب بأن الأصل في الإطلاق الحقيقة.
وأيضًا للجد مزايا.
(منها): أنه يرث مع الأولاد.
(ومنها): أنه يُسقط الإخوة لأم اتفاقًا.
[الباب السادس] باب ما جاءَ في ذوي الأرحَامِ [والموالي]
(6)
من أسْفَل ومن أسلمَ على يدِ رجُلٍ وغيرِ ذلكَ
19/ 2556 - (عَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعَدِ يكرِبَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ تَرَكَ مالًا
(1)
البيان للعمراني (9/ 92 - 93).
وانظر: المغني لابن قدامة (9/ 68 - 69).
(2)
عيون المجالس (4/ 1931 - 1932).
(3)
تقدم برقم (2554) من كتابنا هذا.
(4)
البحر الزخار (5/ 349).
(5)
في المحلى (9/ 283 - 284).
(6)
في المخطوط (ب): (والمولى).
فَلِوَرَثَتِهِ، وأنَا وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ أعْقِلُ عَنْهُ وأرِثُ، وَالخالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وأبُو دَاوُدَ
(2)
وَابْنُ ماجَه)
(3)
. [صحيح]
20/ 2557 - (وَعَنْ أبي أُمامَةَ بْنِ سَهْلٍ أن رَجُلًا رمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا خالٌ، فَكَتَبَ في ذلكَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجرَّاحِ إلى عُمَرَ فَكَتَبَ [عُمَرُ]
(4)
: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "اللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لا مَوْلَى لَهُ، وَالخالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
وَابْنُ ماجَهْ
(6)
وللتِّرْمِذيِّ
(7)
مِنْهُ المَرْفُوعُ، وَقالَ: حَدِيث حَسَن). [صحيح]
حديث المقدام، أخرجه أيضًا النَّسَائِي
(8)
والحاكم
(9)
وابن حبان
(10)
وصحَّحاه، وحسَّنه أبو زرعة الرازي، وأعله البيهقي
(11)
بالاضطراب، ونقل عن يحيى بن معين
(12)
أنه كان يقول: ليس فيه حديث قوي.
(1)
في المسند (4/ 131)، (4/ 133).
(2)
في سننه رقم (2901).
(3)
في سننه رقم (2738).
قلت: وأخرجه النَّسَائِي في الكبرى رقم (6354 و 6357 - العلمية) والحاكم في المستدرك (4/ 344) وابن حبان رقم (1225 و 1226 - موارد) المنتقى رقم (965) والدارقطني (4/ 85 رقم 57).
وهو حديث صحيح، وانظر: الإرواء (6/ 138).
(4)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(5)
في المسند (1/ 28).
(6)
في سننه رقم (2737).
(7)
في سننه رقم (2103) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1227 - موارد) وابن الجارود رقم (964) والطحاوي (4/ 397) والدارقطني (4/ 84 رقم 53) والبيهقي (6/ 214).
وهو حديث صحيح، يشهد له حديث المقدام المتقدم. وانظر: الإرواء (6/ 137 رقم 1700).
(8)
في السنن الكبرى رقم (6354 و 6357 - العلمية) وقد تقدم.
(9)
في المستدرك (4/ 344) وقد تقدم.
(10)
في صحيحه رقم (1225 و 1226 - موارد) وقد تقدم.
(11)
قال البيهقي في السنن الكبرى (4/ 215): وروي من وجه آخر أضعف من ذلك.
(12)
حكاه عنه البيهقي (4/ 215) وابن حجر في "التلخيص"(3/ 175).
وحديث عمر ذكره في التلخيص
(1)
ولم يتكلم عليه، وقد حسنه الترمذي
(2)
كما ذكره المصنف.
ورواه عن بندار عن أبى أحمد الزبيري عن سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: "كتب عمر بن الخطاب
…
" فذكره.
وفي الباب عن عائشة عند الترمذي
(3)
والنسائي
(4)
والدارقطني
(5)
من رواية طاوس عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخال وارث من لا وارث له"، قال الترمذي
(6)
: حسن غريب، وأعلَّه النَّسَائِي بالاضطراب، ورجَّح الدارقطني والبيهقي وقفه
(7)
.
قال الترمذي
(8)
: وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عائشة.
وقال البزار
(9)
: أحسن إسناد فيه حديث أبي أمامة بن سهل.
وأخرجه عبد الرزاق
(10)
عن رجل من أهل المدينة.
والعقيلي
(11)
وابن عساكر
(12)
عن أبي الدرداء.
وابن النجار
(13)
عن أبي هريرة كلها مرفوعة.
(1)
(4/ 175) وقد قال الحافظ: وفي الباب عن عمر رواه الترمذي.
قلت: برقم (2103) وقد تقدم تخريجه برقم (20/ 2557) من كتابنا هذا.
(2)
في السنن (4/ 422).
(3)
في سننه رقم (2104) وقال: حسن غريب، وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عائشة.
(4)
في السنن الكبرى رقم (6352 - العلمية).
(5)
في سننه (4/ 85 رقم 54).
(6)
في السنن (4/ 422).
(7)
ذكر ذلك الحافظ في "التلخيص"(3/ 175).
(8)
في السنن (4/ 422).
(9)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 175).
(10)
في المصنف رقم (16199).
(11)
في الضعفاء الكبير (4/ 263) وفي سنده مهند بن عبد الرحمن.
(12)
مختصر "تاريخ دمشق لابن عساكر" لابن منظور (26/ 48 - 49).
(13)
عزاه إليه السيوطي في الجامع الصغير رقم (4122) ورمز لضعفه. =
وقد استدل بحديثي الباب وما في معناهما على أن الخال من جملة الورثة.
قال الترمذي
(1)
: واختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة، وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام. وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم، وجعل الميراث في بيت المال. اهـ.
وقد حكى صاحب البحر
(2)
القول بتوريث ذوي الأرحام عن علي [رضي الله عنه]
(3)
وابن مسعود، وأبي الدرداء، والشعبي، ومسروق، ومحمد بن الحنفية، والنخعي، والثوري، والجسن بن صالح، وأبي نعيم، ويحيى بن آدم، والقاسم بن سلام، والعترة
(4)
، وأبي حنيفة
(5)
، وإسحاق، والحسن بن زيادٍ، قالوا: إذا لم يكن معهم أحدٌ من العصبة وذوي السهام، وإلى ذلك ذهب فقهاء العراق، والكوفة، والبصرة، وغيرهم.
وحكى في البحر
(6)
أيضًا عن زيد بن ثابت، والزهري، ومكحول، والقاسم بن إبراهيم، والإمام يحيى، ومالك
(7)
والشافعي
(8)
أنه لا ميراث لهم، وبه قال فقهاء الحجاز.
احتج الأولون بالأحاديث المتقدمة وبحديث عائشة الآتي
(9)
وبعموم قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}
(10)
(11)
، ولفظ الرجال والنِّساء والأقربين يشملهم، والدليلُ على مدَّعي التخصيص.
وأجاب الآخرون عن ذلك فقالوا: عمومات الكتاب محتملةٌ وبعضها منسوخٌ، والأحاديث فيها ما تقدَّم من المقال.
= ولكن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(1)
في السنن (4/ 422).
(2)
البحر الزخار (5/ 352).
(3)
زيادة من المخطوط (ب).
(4)
البحر الزخار (5/ 352).
(5)
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 815) وحاشية ابن عابدين (10/ 448 - 450).
(6)
البحر الزخار (5/ 352).
(7)
عيون المجالس (4/ 1894).
(8)
البيان للعمراني (9/ 13).
(9)
برقم (2560) من كتابنا هذا.
(10)
سورة الأنفال، الآية:(75).
(11)
سورة النساء، الآية:(7).
ويُجاب عن ذلك: بأن دعوى الاحتمال إن كانت لأجل العموم؛ فليس ذلك مما يقدح في الدليل؛ وإلا استلزم إبطال الاستدلال بكلِّ دليلٍ عامٍّ وهو باطل، وإن كانت لأمر آخر فما هو؟
وأما الاعتذار عن أحاديث الباب بما فيها من المقال؛ فقد عرفت من صحَّحها من الأئمة، ومَن حسَّنها، ولا شكّ في انتهاض مجموعها للاستدلال إن لم ينتهض الإفرادُ.
ومن جملة ما استدلُّوا به على إبطال ميراث ذوي الأرحام حديث: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "سألت الله عز وجل عن ميراث العمة والخالة فسارّني: أن لا ميراث لهما"، أخرجه أبو داود في "المراسيل"
(1)
والدارقطني
(2)
من طريق الدراوردي عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار مرسلًا.
وأخرجه النَّسَائِي
(3)
[من مرسل]
(4)
زيد بن أسلم.
ويُجاب: بأن المرسل لا تقوم به الحجة. قالوا: وَصَلهُ الحاكم في المستدرك
(5)
من حديث أبي سعيدٍ والطبراني
(6)
.
ويُجاب: بأنَّ إسناد الحاكم ضعيفٌ، وإسناد الطبرانيِّ فيه محمد بن الحارث المخزومي
(7)
.
(1)
برقم (361) بسند صحيح.
(2)
في سننه (4/ 98 رقم 95) مرسلًا.
(3)
لم أقف عليه في كتاب الفرائض، وقد عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 176) من مرسل زيد بن أسلم.
(4)
في المخطوط (ب): (مرسل).
(5)
في المستدرك (4/ 343) وقال الذهبي: فيه ضرار - بن صرد - وهو هالك.
(6)
في المعجم الصغير (2/ 141 رقم 927 - الروض الداني).
وقال الهيثمي في "المجمع"(4/ 230): "وفيه يعقوب بن محمد الزهري وهو ضعيف". اهـ.
وقال الحافظ في "التقريب" رقم (7834): "يعقوب بن محمد الزهري المدني، نزيل بغداد: صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء
…
".
وقال المحرران: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد
…
(7)
قال عنه الحافظ في "التقريب" رقم (5798): مقبول.
وقال المحرران: بل: صدوق حسن الحديث، فقد روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في =
قالوا: وصله أيضًا [الدارقطني
(1)
]
(2)
من حديث أبي هريرة.
ويُجاب: بأنه ضعَّفه بمسعدة بن اليسع الباهلي.
قالوا: وَصَله الحاكم
(3)
أيضًا من حديث ابن عمر وصحَّحه.
ويُجاب بأن في إسناده عبد الله بن جعفر المديني وهو ضعيف
(4)
.
قالوا: روى له الحاكم
(5)
شاهدًا من حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن [الحارث بن عبْدٍ]
(6)
مرفوعًا.
ويُجاب: بأنَّ في إسناده سليمان بن داود الشاذكوني وهو متروك
(7)
.
قالوا؛ أخرجه الدارقطني
(8)
من وجه آخر عن شريك.
ويُجاب: بأنه مرسلٌ. وكلُّ هذه الطُّرق لا تقوم بها حجَّةٌ، وعلى فرض صلاحيتها للاحتجاج فهي واردة في الخالة والعمة، فغايتها: أنَّه لا ميراث لهما، وذلك لا يستلزم إبطال ميراث ذوي الأرحام، على أنَّه قد قيل: إنَّ المراد بقوله: لا ميراث لهما: أي مقدَّر.
ومما يؤيد ثبوت ميراث ذوي الأرحام ما سيأتي في باب: ميراث ابن
= "الثقات" ولا يعلم فيه جرح.
(1)
في سننه (4/ 99 رقم 98) وقال الدارقطني: لم يسنده غير مسعدة - بن اليسع الباهلي - عن محمد بن عمرو وهو ضعيف، والصواب مرسل.
(2)
في المخطوط (أ): الطبراني. والمثبت من (ب) والتلخيص الحبير (3/ 176).
(3)
في المستدرك (4/ 342 - 343) وقال: حديث صحيح الإسناد، فإن عبد الله بن جعفر المديني وإن شهد عليه ابنه بسوء الحفظ فليس ممن يترك حديثه. وتعقبه الذهبي بقوله: ولا احتج به أحد.
(4)
عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم، أبو جعفر المديني والد علي، بصري، أصله من المدينة: ضعيف، من الثامنة، يقال: تغيَّر حفظه بأخرةٍ
…
"التقريب" رقم (3255).
(5)
في المستدرك (4/ 343) من مرسل الحارث بن عبد الله، قال الذهبي: وفيه الشاذكوني.
(6)
كذا في المخطوط (أ) و (ب). وفي المستدرك (الحارث بن عبد الله).
(7)
قال الذهبي في الميزان (2/ 205 رقم 3451): قال البخاري: فيه نظر، وكذبه ابن معين في حديثٍ ذكر له عنه
…
".
(8)
في سننه (4/ 99 رقم 99) والحديث مرسل.
الملاعنة
(1)
، من جعله صلى الله عليه وسلم ميراثه لورثتها من بعدها، وهم أرحام له لا غير.
ومن المؤيدات لميراث ذوي الأرحام ما أخرجه أبو داود
(2)
من حديث أبي موسى أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ابن أخت القوم منهم".
وأخرجه النَّسَائِي
(3)
من حديث أنس بلفظ: "من أنفسهم".
قال المنذري في "مختصر السنن"
(4)
: وقد أخرج البخاري
(5)
ومسلم
(6)
والنسائي
(7)
والترمذي
(8)
قوله صلى الله عليه وسلم: "ابن أخت القوم منهم"، ختصرًا ومطولًا.
ومن الأجوبة المتعسِّفة قول ابن العربي
(9)
: إن المراد بالخال السلطان، وأمَّا ما يقال: من أن قوله صلى الله عليه وسلم: "الخال وارث من لا وارث له"، يدل على أنه غير وارث.
فيجاب عنه: بأنَّ المراد من لا وارث له سواه، ونظير هذا التركيب كثير في كلام العرب، على أنَّ محلَّ النزاع هو إثبات الميراث له، وقد أثبته [له]
(10)
صلى الله عليه وسلم وهو المطلوب.
21/ 2558 - (وَعَنِ ابْن عَبَّاسٍ: أن رَجُلًا ماتَ على عَهْد رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَلْمَ يَتْركْ وَارِثًا إلا عَبْدًا هو أعْتَقَهُ فأعْطاهُ مِيرَاثَهُ)
(11)
. [ضعيف]
(1)
في الباب السابع الآتي عند الحديث رقم (26/ 2563) من كتابنا هذا.
(2)
في سننه برقم (5122).
وهو حديث صحيح.
(3)
في سننه برقم (2610).
وهو حديث صحيح.
(4)
مختصر السنن (8/ 19).
(5)
في صحيحه رقم (6762).
(6)
في صحيحه رقم (133/ 1059).
(7)
في سننه رقم (2611).
(8)
في سننه رقم (3901).
وهو حديث صحيح.
(9)
في عارضة الأحوذي (8/ 255).
(10)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(11)
أحمد في المسند (1/ 221) وأبو داود رقم (2905) والترمذي رقم (2106) وقال: هذا حديث حسن. وابن ماجه رقم (2741). =
22/ 2559 - (وَعَنْ قَبِيصَةَ عَنْ تَمِيمٍ الدّارِيّ قالَ: سألْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: ما السُّنَّة فِي الرَّجُلِ مِنْ أهْل الشِّرْك يُسْلِمُ على يَدِ رجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ؟ فَقالَ: "هُوَ أوْلى النَّاسِ بمَحْياهُ ومَمَاتِهِ"، وهُو مُرْسَلٌ: قَبِيصَةُ لَمْ يَلْقَ [تَمِيمًا]
(1)
الدَّارِيّ)
(2)
. [ضعيف]
23/ 2560 - (وَعَنْ عائِشَةَ: أن مَولى للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَرّ مِنْ عَذْقِ نَخْلَةٍ فَمَات، فأُتِي بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: "هَلْ لَهُ مِنْ نَسِيب أوْ رَحِم؟ "، قالُوا: لا، قالَ: "أعْطُوا مِيراثَهُ بَعْضَ أهْلِ قَرْيَتِهِ"، رَوَاهُنَّ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ)
(3)
. [صحيح]
24/ 2561 - (وَعَنْ بُرَيْدَةَ قالَ: تُوُفّيَ رَجُلٌ مِنْ الأزْدِ فَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا، فَقَالَ: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ادْفَعُوهُ إلى أَكْبَر خُزَاعَةَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وأبُو دَاوُدَ)
(5)
. [ضعيف]
= قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى رقم (6409 - العلمية) والحميدي رقم (523) وسعيد بن منصور رقم (194) وأبو يعلى رقم (2399) والعقيلي (3/ 414) والطبراني في الكبير رقم (12210) والحاكم في المستدرك (4/ 347) والبيهقي (6/ 242) وعبد الرزاق رقم (16192) والطيالسي رقم (2738) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 403) من طرق
…
وفي إسناده عَوْسَجَة المكي، مولى ابن عباس: ليس بمشهور قاله الحافظ في "التقريب رقم (5214) وقال البخاري: لم يصح حديثه. وذكره العقيلي في الضعفاء (3/ 414) وساق له هذا الحديث، وقال: لا يتابع عليه.
وحسّن الترمذي حديثه هذا، لكن قال: والعمل عند أهل العلم في هذا الباب: إذا مات رجل ولم يترك عصبة (أي وارثًا) أن ميراثه يجعل في بيت المسلمين.
وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث ضعيف، والله أعلم.
(1)
في المخطوط (ب): (تميم).
(2)
أحمد (4/ 103) وأبو داود رقم (2918) والترمذي رقم (2112) وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن وهب، وابن ماجه رقم (2752).
وهو حديث ضعيف.
(3)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 137) وأبو داود رقم (2902) وابن ماجه رقم (2733) والترمذي رقم (2105) وقال: هذا حديث حسن.
وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند (5/ 347).
(5)
في سننه رقم (2903) و (2904). =
25/ 2562 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاس: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آخَى بَيْنَ أصحَابِهِ وكانُوا يَتَوَارَثُونَ بذَلكَ حتَّى نَزَلَتْ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}
(1)
فَتَوارَثُوا بالنَّسَب. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ)
(2)
. [إسناده ضعيف]
حديث ابن عباس الأوّل حسنه الترمذي
(3)
وهو من رواية عوسجة عن ابن عباس. قال البخاري
(4)
: عوسجة مولى ابن عباس الهاشمي روى عنه ابن دينار ولم يصح. وقال أبو حاتم
(5)
: ليس بالمشهور. وقال النَّسَائِي: عوسجة ليس بالمشهور ولا نعلم أحدًا يروي عنه غير عمرو. وقال أبو زرعة الرازي
(6)
: ثقة.
وحديث تميم قال الترمذي
(7)
: لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن موهب،
= قلت: وأخرجه النَّسَائِي في الكبرى رقم (6394 و 6395 و 6396 - العلمية) والطيالسي رقم (812) والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 253) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (2451 و 2402 و 2403 و 2404 و 2405) وفي شرح معاني الآثار (4/ 404) وابن أبي شيبة (11/ 413) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 243) من طرق.
وفي إسناده: أبو بكر جبريل بن أحمر الجَمَلي لا يعرف بغير هذا الحديث.
وقال النَّسَائِي فيما نقله المزي في "تحفة الأشراف"(2/ 79) عنه: "ليس بالقوي والحديث منكر".
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(1)
سورة الأنفال، الآية:(75).
(2)
في سننه (4/ 88 - 89 رقم 67).
قلت: وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(ج 11 رقم 11748) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد (7/ 28) ورجاله رجال الصحيح.
قلت: وسليمان بن معاذ ضعفه النَّسَائِي وابن معين، وقال أبو زرعة: ليس بذاك، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين. "تهذيب التهذيب (2/ 105).
(3)
في السنن (4/ 422).
(4)
في "التاريخ الكبير"(76/ 7).
(5)
في الجرح والتعديل (7/ 24).
(6)
الجرح والتعديل (7/ 24).
قال ابن عدي: عند ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عوسجة، عن ابن عباس - أحاديث.
قلت: - القائل الذهبي - منها حديث في السنن الأربعة: أن رجلًا مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك عتيقًا له، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه. حسنه الترمذي".
[الميزان (3/ 304 - 305 رقم 6529)].
(7)
بإثر الحديث رقم (2112).
ويُقال: ابنُ وهبٍ - عن تميم الداري، وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن موهب وتميم الداري قبيصة بن ذؤيب، وهو عندي ليس بمتصل. اهـ.
وقال الشافعي
(1)
في هذا الحديث: ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن وهب عن تميم الداري وابن وهب ليس بالمعروف عندنا ولا نعلمه لقي تميمًا. ومثل هذا لا يثبت عندنا ولا عندك من قبل أنه مجهول ولا أعلمه متصلًا.
وقال الخطابي
(2)
: ضعَّف أحمد بن حنبل حديث تميم الداري هذا. وقال: عبد العزيز راويه ليس من أهل الحفظ والإتقان.
وقال البخاري
(3)
في الصحيح: واختلفوا في صحة هذا الخبر. وقال أبو مسهر: عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ضعيف الحديث. وقد احتج بعبد العزيز المذكور البخاري في صحيحه
(4)
، وأخرج له هو ومسلم
(5)
. وقال يحيى بن معين
(6)
: عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ثقة. وقال ابن عمار: ثقة ليس بين الناس فيه اختلاف.
وحديث عائشة حسنه الترمذي
(7)
، وقد عزا المنذري في مختصر
(8)
السنن
(1)
في الأم (5/ 163 - 164).
(2)
في "معالم السنن"(3/ 333).
(3)
في صحيحه (12/ 45 رقم الباب 22 - مع الفتح).
(4)
رجال صحيح البخاري للكلاباذي (1/ 475 رقم 722) وقال: سمع نافعًا وروى عنه محمد بن بشر في تفسير المائدة.
(5)
رجال صحيح مسلم لابن منجويه (1/ 429 رقم 964).
وقال: روى عن: الربيع بن سبرة في النكاح.
روى عنه: عبد الله بن نمير، وعبده بن سليمان.
(6)
تهذيب التهذيب (1/ 591 - 592).
(7)
في السنن (4/ 422).
(8)
(4/ 173).
• أخرج حديث ابن عباس الأول النَّسَائِي في السنن الكبرى رقم (6409 - العلمية).
• وأخرج حديث تميم الداري النَّسَائِي في السنن الكبرى رقم (6411 - العلمية).
• وأخرج حديث عائشة النَّسَائِي في السنن الكبرى رقم (6393 - العلمية).
وبذلك يظهر أن قول المنذري أدق من قول المصنف رحمهم الله.
حديث عائشة هذا، والحديثين اللذين قبله إلى النَّسَائِي فينظر في قول المصنف: رواهن الخمسة إلا النَّسَائِي.
وحديث بريدة أخرجه أيضًا النَّسَائِي مسندًا
(1)
ومرسلًا
(2)
. وقال جبريل بن أحمر: ليس بالقوي والحديث منكر. اهـ.
وقال الموصلي: فيه نظر. وقال أبو زرعة الرازي
(3)
: شيخ. وقال يحيى بن معين
(4)
: كوفي ثقة.
ولفظ أبي داود
(5)
عن بريدة قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إن عندي ميراث رجل من الأزد ولست أجد أزديًا أدفعه إليه، قال: "فاذهب فالتمس أزديًا"، فالتمس أزديًا حولًا، قال: فأتاه بعد الحول فقال: يا رسول الله لم أجد أزديًا أدفعه إليه، قال: "فانطلق فانظر أول خزاعي تلقاه فادفعه إليه"؛ فلما ولى قال: "عليَّ بالرجل"، فلما جاء قال: انظر كُبْر خزاعة فادفعه إليه".
وفي لفظ له
(6)
آخر قال: مات رجل من خزاعة، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بميراثه، فقال:"التمسوا له وارثًا أو ذا رحم، فلم يجدوا له وارثًا، فقال: "انظروا أكبر رجل من خزاعة".
وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضًا أبو داود
(7)
بلفظ: "كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب، فيرث أحدهما من الآخر، فنسخ ذلك الأنفال فقال:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}
(8)
، وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد
(9)
وفيه مقال.
(1)
في السنن الكبرى مسندًا برقم (6394 و 6395 و 6396 - العلمية) وقد تقدم.
(2)
في السنن الكبرى مرسلًا برقم (6397 - العلمية).
(3)
في الجرح والتعديل (2/ 549).
(4)
تهذيب التهذيب (1/ 290).
وقال الحافظ في "التقريب" رقم (895): صدوق يهم مشهور بكنيته.
وقال ابن حزم: لا تقوم به حجة.
وانظر: الميزان (1/ 388).
(5)
في سننه رقم (2903) وقد تقدم.
(6)
أي: لأبي داود رقم (2904) وقد تقدم.
(7)
في سننه رقم (2921) بسند حسن.
(8)
سورة الأنفال، الآية:(75).
(9)
علي بن الحسين بن واقدٍ المروزي: صدوقٌ يَهِمُ
…
التقريب رقم (4717).
وأخرج نحوه ابن سعد عن عروة بن الزبير وفيه: "فصارت المواريث بعدُ للأرحام والقرابة، وانقطعت تلك المواريث بالمؤاخاة"، ذكره الأسيوطي في أسباب النزول
(1)
، ومعناه في الدر المنثور
(2)
.
قوله: (فأعطاه ميراثه)، قيل: إنَّ ذلك من باب الصرف لا من باب التوريث.
قوله: (هو أولى الناس بمحياه ومماته) فيه دليلٌ [على]
(3)
أن مَن أسلم على يد رجل من المسلمين ومات ولا وارث له غيره كان له ميراثه
(4)
.
وقال الناصر
(5)
والشافعي
(6)
ومالك
(7)
والأوزاعي: لا إرث له، بل يصرف الميراث إلى بيت المال دونه.
وقالت الحنفية
(8)
والقاسمية وزيد بن علي وإسحاق: إنه يرث، إلا أن الحنفية (9) والمؤيد بالله
(9)
يشترطون في إرثه المحالفة.
قوله: (هل له من نسيبٍ أو رحمٍ)، فيه دليل على توريث ذوي الأرحام، وقد تقدَّم الكلام على ذلك.
قوله: (أعطوا ميراثه بعض أهل قريته)، فيه دليلٌ على جواز صرف ميراث من لا وارث له معلوم إلى واحد من أهل بلده.
(1)
(ص 205 - 206).
(2)
الخبر مطولًا في "الدر المنثور"(4/ 117) وقد قال: أخرجه ابن سعد، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1742 رقم 9206)، والحاكم وصححه في المستدرك (4/ 345) ووافقه الذهبي وابن مردويه.
وله شاهد من حديث عبد الله بن عباس عند الطيالسي رقم (2676).
والطبراني في الكبير رقم (11748)، وأورده الهيثمي في "المجمع"(7/ 28).
وقال: رجاله رجال الصحيح.
وشاهد آخر من حديث عبد الله بن الزبير، عند ابن جرير في "جامع البيان"(6/ ج 10/ 58).
وخلاصة القول: أنه صحيح بشواهده، والله أعلم.
(3)
سقط من (ب).
(4)
الفتح (12/ 45).
(5)
البحر الزخار (5/ 359).
(6)
البيان للعمراني (9/ 15).
(7)
عيون المجالس (4/ 1936).
(8)
المبسوط للسرخسي (29/ 175) وحاشية ابن عابدين (10/ 433).
(9)
المبسوط (29/ 175).
وظاهر قوله: "ادفعوا إلى أكبر خزاعة" إنَّ ذلك من باب التوريث؛ لأنَّ الرجل إذا كان يجتمع هو وقبيلته في جد معلوم ولم يعلم له وارث منهم على التعيين فأكبرهم سنًا أقربهم إليه نسبًا؛ لأنَّ كبر السنِّ مظنة لعلو الدرجة.
قوله: (وكانوا يتوارثون بذلك) قال في البحر
(1)
: أراد بالآية أن العصبات وذوي السهام أولى بالميراث من الحلفاء والمدّعين.
قال أبو عبيد: نسخت ميراثهما وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا}
(2)
، أي: إلى حلفائكم.
وقال جابر بن زيد، ومقاتل بن محمد وعطاء: بل إلى قرابتهم المشركين فأجازوا الوصية لهم للآية.
قال المهدي
(3)
: وهو ظاهر البطلان لقوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
(4)
، فكيف سمّاهم أولياء المؤمنين. اهـ.
[الباب السابع] باب ميراث ابْنِ المُلاعَنَةِ والزانيةِ منهُمَا وميراثُهُما منه وانقطاعُه مِنَ الأبِ
26/ 2563 - (في حَديث المُتَلاعِنَيْن الذي يَرْوِيه سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قالَ: وكانَتْ حامِلًا وكانَ ابْنُها يُنْسَبُ إلى أُمِّهِ، فَجَرَتِ السُّنَّةُ أنَّهُ يَرِثُها وَتَرِث مِنْهُ ما فَرَضَ اللهُ لَهَا. أخْرَجاهُ)
(5)
. [صحيح]
27/ 2564 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا مُساعاةَ فِي الإِسْلامِ، مَنْ ساعَى فِي الجاهِلِيَّةِ فَقَدْ ألْحَقْتُهُ بِعَصَبَتِهِ، وَمَنِ ادَّعَى وَلَدًا مِنْ غَيْرِ رِشْدَةٍ فَلَا يَرثُ وَلا يُورَثُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(6)
وأبُو داوُدَ)
(7)
. [ضعيف]
(1)
البحر الزخار (5/ 339).
(2)
سورة الأحزاب، الآية:(6).
(3)
البحر الزخار (5/ 339).
(4)
سورة الممتحنة، الآية:(1).
(5)
البخاري رقم (4746) ومسلم رقم (2/ 1492).
(6)
في المسند (1/ 362).
(7)
في سننه رقم (2264)، ومن طريقه أخرجه البيهقي (6/ 259 - 260). =
28/ 2565 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أيُّمَا رَجُلٍ عاهَرَ بِحُرَّةٍ أوْ أمَةٍ فالوَلَدُ وَلَدُ زِنا لا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)
(1)
. [صحيح لغيره]
29/ 2566 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ جَعَلَ مِيراثَ ابْنِ المُلاعَنَةِ لأمِّهِ وَلوَرَثَتِها مِنْ بَعْدِها. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(2)
. [صحيح لغيره]
حديث ابن عباس في إسناده رجلٌ مجهولٌ في سنن أبي داود.
وأخرج
(3)
أيضًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن النبي صلى الله عليه وسلم
= إسناده ضعيف لجهالة راويه عن سعيد بن جبير.
وهو حديث ضعيف.
(1)
في السنن رقم (2113) وقال: وقد رَوَى غير ابن لهيعةَ هذا الحديث عن عمرو بن شعيب، والعمل على هذا عند أهل العلم أنَّ ولدَ الزنا لا يرث من أبيه.
وهو حديث صحيح لغيره.
(2)
في سننه رقم (2907): قال المنذري في "المختصر"(4/ 179): "حديث مكحول مرسل".
وذكر الإمام الشافعي في الرد على من قال به: أنه احتج برواية ليست مما تقوم بها حجة. قال البيهقي: فأظنه أراد حديث مكحول.
وأيضا برقم (2908): وقال المنذري في "المختصر"(4/ 180): "وحديث عمرو بن شعيب قد تقدم الكلام على اختلاف الأئمة في الاحتجاج به، وفي رواته: أبو محمد عيسى بن موسى القرشي الدمشفي، قال البيهقي: وليس بمشهور.
وهو حديث صحيح لغيره.
(3)
أبو داود رقم (2265) و (2266)، قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2745) و (2746) وأحمد في المسند (2/ 181).
وقال المنذري في "المختصر"(4/ 180): "وقد تقدم الكلام على عمرو بن شعيب.
وروى عن عمرو هذا الحديث محمد بن راشد بن المكحول وفيه مقال".
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 381): "هذا إسناد حسن.
روى أبو داود، والترمذي بعضه من هذا الوجه، وهذا في بعض النسخ دون بعض، ولم يذكره المزي وهو وارد عليه، وقد ألحقته في الأطراف". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.
قضى أن كل مُسْتَلْحِقٍ ولدَ زنا لأهلِ أمه من كانوا، حرَّةً أو أمةً، وذلك فيما استلحق في أول الإسلام"، وفي إسناده محمد بن راشد المكحولي الشامي وفيه مقال
(1)
، ووثقه أحمد وابن معين والنسائي، وقال دُحيم: يُذْكَر بالقَدَر.
وحديث عمرو بن شعيب [الأول]
(2)
في إسناده أبو محمد عيسى بن موسى القرشي الدمشقي، قال البيهقي: ليس بمشهور.
وحديث عمرو بن شعيب "الثاني"
(3)
في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف.
[قال الترمذي: وروى يونس هذا الحديث عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وروى مالك عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا]
(4)
.
وفي الباب عن واثلة بن الأسقع عند أبي داود
(5)
والترمذي
(6)
والنسائي
(7)
وابن ماجه
(8)
: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعَنَتْ عنه".
قال الترمذي
(9)
: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن حرب. اهـ.
(1)
انظر: ترجمته في التاريخ الكبير (1/ 81) والمجروحين (2/ 253) والجرح والتعديل (7/ 253) والميزان (3/ 543) ولسان الميزان (7/ 357) والخلاصة (ص 336).
(2)
صوابه [الثاني] فهو الذي في إسناده من ذكره [هامش المخطوط (ب)].
(3)
صوابه [الأول] فهو الذي في إسناده ابن لهيعة [هامش المخطوط (ب)].
(4)
هذا التعليق على الحديث رقم (2111) في سنن الترمذي.
ولكن التعليق عند الترمذي على الحديث (2113) ما ذكرته آنفًا، فانظره.
(5)
في سننه رقم (2906).
(6)
في سننه رقم (2115) وقال: هذا حديث حسن غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه من حديث محمد بن حرب".
(7)
في السنن الكبرى رقم (6360 - العلمية).
(8)
في سننه رقم (2742).
وهو حديث ضعيف.
(9)
في السنن (4/ 429).
وفي إسناده عمر بن رؤبة التغلبي
(1)
. قال البخاري: فيه نظر، وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: صالح الحديث، قيل: تقوم به الحجة؟ فقال: لا، ولكن صالح.
وقال الخطابي
(2)
: هذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل.
وقال البيهقي: لم يثبت البخاري ولا مسلم هذا الحديث لجهالة بعض رواته. اهـ.
وقد صححه الحاكم
(3)
.
وأحاديث الباب تدل على أنه لا يرث ابن الملاعنة من الملاعن له ولا من قرابته شيئًا، وكذلك لا يرثون منه، وكذلك ولد الزنا وهو مجمع على ذلك، ويكون ميراثه لأمه ولقرابتها كما يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب المذكور
(4)
وتكون عصبته عصبة أمه.
وقد روي نحو ذلك عن علي
(5)
وابن عباس
(6)
، فيكون للأم سهمها ثم
(1)
انظر ترجمته: في "تهذيب التهذيب (3/ 225) والكامل في الضعفاء لابن عدي (5/ 1706).
(2)
في (معالم السنن)(3/ 325 - مع السنن).
(3)
في المستدرك (4/ 341) ووافقه الذهبي.
(4)
تقدم برقم (2565) و (2566) من كتابنا هذا.
(5)
أخرج الدارمي في مسنده رقم (3011) عن ابن عباس: أن قَومًا اختصموا إلى على - رضي الله تعالى عنه - في ولد المتلاعنين، فجاءَ عَصَبَةُ أبيه يطلبُونَ ميراثَهُ، فقال: إنَّ أباهُ كان تبرَّأ منه، فليس لكم من ميراثِهِ شيء، فقضى بميراثِهِ لأمه، وجعلَهَا عَصَبَتُهُ.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 258) بسند ضعيف.
• وأخرج الدارمي في مسنده رقم (3004) عن علي وعبدِ الله في ابنِ الملاعنة قالا: عَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ.
• وأخرجه عبد الرزاق رقم (12482) والطبراني في المعجم الكبير (ج 9 رقم 9663) وابن أبي شيبة (11/ 339 رقم 11375).
بسند ضعيف.
(6)
أخرج الدارمي في مسنده رقم (3009) عن ابن عباس في ولد الملاعنة - هو الذي لا أبَ لَهُ - تَرِثُهُ أمُّهُ وإخوتُهُ من أمِّهِ، وعَصَبَةُ أمِّهِ، فإنْ قَذَفَهُ قاذِفٌ، جُلِدَ قاذفُهُ.
بسند صحيح.
لعصبتها على الترتيب، وهذا حيث لم يكن غير الأم وقرابتها من ابن للميت أو زوجة، فإن كان له ابن أو زوجة أعطي كل واحد ما يستحقه كما في سائر المواريث.
قوله: (لا مساعاة في الإسلام)، المساعاة: الزنا، وكان الأصمعي يجعلها في الإماء دون الحرائر لأنهن كن يسعين لمواليهن فيكتسبن لضرائب كانت عليهن، يقال: ساعت الأمة: إذا فَجَرَتْ، وساعاها فلان: إذا فَجَرَ بها، كذا في النهاية
(1)
.
[الباب الثامن] باب ميراث الحمل
30/ 2567 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا اسْتَهَلّ المَوْلُودُ وَرِثَ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(2)
. [صحيح]
(1)
النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (1/ 179).
(2)
في سننه رقم (2920).
وعنه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 257).
هذا إسناد رجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه.
وله طريق أخرى عن أبي هريرة.
أخرجه السلفي في "الطيوريات" رقم (242) بسند ضعيف.
• وللحديث شواهد من حديث جابر بن عبد الله، والمسور بن مخرمة، وابن عباس.
أما حديث جابر فله طريقان:
(الأولى): عن أبي الزبير عنه:
أخرجه الترمذي رقم (1032) وابن ماجه رقم (2750) وابن حبان في صحيحه رقم (6032) والحاكم (4/ 349) والبيهقي (4/ 8 - 9) وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
قال الألباني في الإرواء (6/ 149): "قلت: إنما هو على شرط مسلم - فقط؛ لأن أبا الزبير لم يرو عنه البخاري إلا متابعة كما ذكر ذلك الذهبي نفسه في "الميزان" غير أنه مدلس وقد عنعنه.
(الثانية): عن سعيد بن المسيب عنه والمسور بن مخرمة مرفوعًا بلفظ: "لا يرث الصبي حتى يستهل صارخًا، واستهلاله أن يصيح أو يعطس، أو يبكي". =
31/ 2568 - (وَعَنْ سَعِيد بْنِ المُسَيِّبِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ الله وَالمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قالا: قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا يَرِثُ الصَّبِي حتَّى يَسْتَهِلَّ. ذَكَرَهُ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ في رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ الله)
(1)
. [صحيح]
حديث أبي هريرة في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف.
وقد روي عن ابن حبان
(2)
تصحيح الحديث.
وحديث جابر أخرجه أيضًا الترمذي
(3)
والنسائي
(4)
وابن ماجه
(5)
والبيهقي
(6)
بلفظ: "إذا استهلَّ السقط صُلِّي عليه وورث"، وفي إسناده إسماعيل بن مُسلم وهو ضعيف.
قال الترمذي
(7)
: وروي مرفوعًا والموقوف أصح، وبه جزم النَّسَائِي، وقال الدارقطني في العلل: لا يصح رفعه.
= أخرجه ابن ماجه رقم (2751) والطبراني في الأوسط رقم (4599) والكبير (ج 23 رقم 20) وقال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا سليمان تفرد به مروانًا.
وقال الألباني في "الإرواء"(6/ 149): "قلت: وهو ثقة، وكذلك سائر الرواة، فالسند صحيح، وقد أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 225) مخالفًا بذلك شرطه، وتكلم عليه بكلام فيه نظر من وجهين ذكرتهما في "الصحيحة" رقم (152) ". اهـ.
• وحديث المسور بن مخرمة تقدم في حديث جابر. الطريق الثانية.
• وحديث ابن عباس: أخرجه ابن عدي في "الكامل"(4/ 1329).
بسند ضعيف لعنعنة ابن إسحاق، وسوء حفظ شريك بن عبد الله.
وقد خالفه يعلى بن عبيد عند الدارمي رقم (3172) ويزيد بن هارون البيهقي (4/ 8) فقالا: عن محمد بن إسحاق عن عطاء عن جابر به موقوفًا.
- وأخرج الدارمي رقم (3171) عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المولود حتى يستهل صارخًا، وإن وقع حيًا" وهذا مرسل صحيح.
وخلاصة القول: أن حديث جابر والمسور بن مخرمة حديث صحيح، والله أعلم.
(1)
وهو حديث صحيح تقدم تخريجه في الطريق الثانية من حديث جابر.
(2)
في صحيحه رقم (6032) وقد تقدم.
(3)
في سننه رقم (1032) وقد تقدم.
(4)
في السنن الكبرى رقم (6358 - العلمية) وقد تقدم.
(5)
في سننه رقم (2750) وقد تقدم.
(6)
في السنن الكبرى (4/ 8 - 9) وقد تقدم.
(7)
في سننه (3/ 351).
قوله: (إذا استهل) قال ابن الأثير
(1)
: استهل المولود إذا بكى عند ولادته وهو كناية عن ولادته حيًّا، وإن لم يستهل بل وجدت منه أمارة تدل على حياته.
وقد تقدم الكلام على الاستهلال في كتاب الجنائز.
والحديثان يدلان على أن المولود إذا وقع منه الاستهلال أو ما يقوم مقامه ثم مات ورثه قرابته وورث هو منهم، وذلك مما لا خلاف فيه.
وقد اختلف في الأمر الذي تعلم به حياة المولود، فأهل الفرائض قالوا بالصوت أو الحركة، وهو قول الكرخي. وروي عن علي وزفر والشافعي
(2)
. وروي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وشريح والنخعي
(3)
ومالك
(4)
وأهل المدينة أنه لا يرث ما لم يستهل صارخًا.
وفي شرح الإبانة
(5)
الاستهلال عند الهادي والفريقين الحركة أو الصوت، وعند الناصر ومالك ورواية عن أبي حنيفة
(6)
وأبي طالب الصوت فقط، ويكفي عند الهادوية
(7)
خبر عدلة بالاستهلال، وعند مالك والهادي لا بد من عدلتين، وعند الشافعي أربع.
[الباب التاسع] باب الميراث بالولاء
32/ 2569 - (صَحَّ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: "الوَلاءُ لمَنْ أعْتَقَ"
(8)
.
ولِلْبُخارِيّ في رِوَايَةٍ
(9)
: "الوَلاءُ لِمَنْ أعْطَى الوَرِق، وَوَلِيَ النِّعْمَةَ"). [صحيح]
(1)
في "النهاية"(2/ 910).
(2)
البيان للعمراني (9/ 79).
(3)
انظر: المغني (9/ 180).
(4)
عيون المجالس (4/ 1940 رقم 1377).
(5)
انظر: البيان للعمراني (9/ 80).
(6)
المبسوط للسرخسي (30/ 50 - 51).
(7)
البحر الزخار (5/ 21).
(8)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 42) والبخاري رقم (2536) ومسلم رقم (1504/ 10) من حديث عائشة.
وقد تقدم برقم (2225) و (2226) من كتابنا هذا.
(9)
في صحيحه رقم (6757).
33/ 2570 - (وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَلْمَى بِنْتِ حَمْزَةَ: أن مَوْلَاها ماتَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ، فَوَرَّثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ النِّصْفَ، وَوَرَّثَ يَعْلَى النِّصْفَ وكانَ ابْنَ سَلْمَى. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(1)
. [إسناده ضعيف]
34/ 2571 - (وَعَنْ جابِرِ بْنِ زيدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن مَوْلى لحَمْزَةَ تُوُفّيَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَابْنَةَ حَمْزَةَ، فأعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ النِّصْفَ وَابْنَةَ حَمْزَةَ النِّصْفَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ
(2)
. [إسناده ضعيف]
وَاحَتَجَّ أحْمَدُ بِهَذَا الخَبرِ فِي رِوَايَةِ أبي طالبٍ وَذَهَبَ إلَيْهِ.
وكَذَلِكَ رُويَ عَنْ إبْرَاهِيم النَّخْعِّي وَيَحْيى بْنِ آدَمَ وَإسْحَاقَ [بْنِ رَاهَوَيْهِ]
(3)
أن المَوْلَى كانَ لحَمْزَةَ
(4)
.
(1)
في المسند (6/ 405).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 231) وقال: رجال بعضه رجال الصحيح إلا أن قتادة لم يسمع من سلمى.
قلت: إسناده ضعيف لانقطاعه كما قال الهيثمي.
(2)
في سننه (4/ 83 - 84 رقم 51) في إسناده: سليمان بن داود المنقري الشاذكوني البصري، قال البخاري: فيه نظر. وقال أبو حاتم: مروك الحديث.
وقد تقدم قريبًا. فالإسناد ضعيف والله أعلم.
(3)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(4)
أخرج أبو داود في المراسيل رقم (365) من طريق مغيرة - ابن مقسم الضبي - عن إبراهيم - وهو ابن يزيد النخعي - قال: توفي مولى لحمزة بن عبد المطلب، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم بنت حمزة النصف، وقبض النصف، رجاله ثقات رجال الصحيح.
قال البيهقي في السنن الكبرى (6/ 241): "وهذا غلط".
وأما قول الحافظ بأنَّ المغيرة بن مقسم الضبي كان يدلس ولا سيما عن إبراهيم النخعي كما في "التقريب" رقم (6851): "ثقة متقن إلا أنه كان يُدلس ولا سيما عن إبراهيم
…
"، فقد رده أبو داود وغيره.
• قال المحرران: قوله: "كان يدلس ولا سيما عن إبراهيم" فيه نظر من وجهين:
(الأول): أنه لم يذكر بتدليس غير إبراهيم.
(وثانيهما): أن أحمد ومحمد بن فضيل هما اللذان قالا بأنه يدلس عن إبراهيم، وهذا القول رده أبو داود؛ فذكر أن المغيرة لا يُدلس، وأنَّه سمع من إبراهيم مئة وثمانين حديثًا، وقال ابن المديني: لا أعلم أحدًا يروي في المسند عن إبراهيم ما روى =
وَقَدْ رُوِيَ أنَّهُ كانَ لِبِنْتِ حَمْزَةَ، فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي لَيْلَى عَنِ الحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ شَدَّادٍ عَنْ بِنْتِ حَمْزَةَ وَهِي أُخْتُ ابْنِ شَدَّادٍ لأمِه قالَتْ: ماتَ مَوْلايَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ، فَقَسَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مالَهُ بَيْنِي وَبينَ ابْنَتِهِ، فَجَعَلَ لي النصْفَ وَلَها النِّصْفَ. رَوَاهُ ابنُ ماجَهْ
(1)
. [حسن].
وَابْنُ أبي لَيْلَى فِيهِ ضَعْفٌ، فإنْ صَحَّ هَذَا لَمْ يَقْدَح في الرّوَايَةِ الأولى، فإنَّ مِنَ المُحْتَمَلِ تَعَدُّدَ الوَاقِعَةِ، وَمِنَ المُحْتَمَل أنَّهُ أضَافَ مَوْلى الوَالدِ إلى الوَلَدِ بِناءً على القَوْلِ بانْتِقالِهِ إلَيْهِ أوْ تَوْرِيثهِ بِهِ).
الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله: "صح عن النبي صلى الله عليه وسلم "، قد تقدم في باب من اشترى عبدًا بشرط أن يعتقه من كتاب البيع
(2)
.
وتقدم أيضًا في باب من شرط الولاء أو شرطًا فاسدًا من كتاب البيع
(3)
أيضًا.
= الأعمش، ومغيرة كان أعلم الناس بإبراهيم ما سمع منه وما لم يسمع، لم يكن أحد أعلم به منه، حمل عنه وعن أصحابه.
وقد أخرج الشيخان من روايته عن إبراهيم من غير تصريح بالسماع، البخاري رقم (3287) و (3742) و (3743) و (3761) و (6278) وقد توبع عليه عند مسلم رقم (133) و (283/ 824) و (2193)، فدل ذلك على قبول الشيخين لروايته من غير تصريح والله أعلم".
• وأخرجه عبد الرزاق رقم (16212) وابن أبي شيبة (11/ 269) وسعيد بن منصور رقم (175) من طريقين عن إبراهيم أنه كان إذا ذكر له ابنه حمزة، قال: إنما أطعمها رسول الله طعمة.
(1)
في سننه رقم (2734).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة (11/ 267) والطبراني في الكبير (ج 24 رقم 874) والنسائي في الكبرى رقم (6398 - العلمية) من طريق زائدة والحاكم (4/ 66) من طريق عيسى بن المختار، كلاهما عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن عبد الله بن شداد، عن ابنه حمزة، قالت: مات مولى لي وترك ابنَه، فقسم
…
فذكره. وقد سمى عيسى بن المختار ابنه حمزة: أمامة.
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 374): "وابن أبي ليلى كثير الخطأ".
وهو حديث حسن، والله أعلم.
(2)
تقدم عند الحديث رقم (2225) من كتابنا هذا.
(3)
تقدم عند الحديث رقم (2226) من كتابنا هذا.
وسيأتي أيضًا في باب المكاتب
(1)
.
وحديث قتادة ذكره الحافظ في التلخيص
(2)
وسكت عنه.
وقال في مجمع الزوائد
(3)
: رجال أحمد ثقات إلا أن قتادة لم يسمع من سلمى بنت حمزة. قال: وأخرجه الطبراني
(4)
بأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح.
وحديث جابر بن زيد ذكره أيضًا في التلخيص
(5)
وسكت عنه.
وحديث محمد بن عبد الرحمن رواه النَّسَائِي
(6)
من حديث ابنة حمزة أيضًا، وفي إسناده ابن أبي ليلى المذكور وهو القاضي، وهو ضعيف كما قال المصنف.
وأعل الحديث النَّسَائِي بالإرسال. وصحح هو والدارقطني الطريق المرسلة.
وأخرجه أيضًا الحاكم
(7)
وصرح بأن اسمها أمامة، وهو يخالف ما في حديث أحمد
(8)
المذكور في الباب من التصريح بأنَّ اسمها: سلمى.
وفي مصنف ابن أبي شيبة
(9)
: أنَّها فاطمة.
قال البيهقي
(10)
: اتفق الرواة على أن ابنة حمزة هي المعتقة، وقال: إن قول إبراهيم النخعي (11): إنَّه مولى حمزة غلط؛ والأولى الجمع بين الروايتين بمثل ما ذكره المصنف رحمه الله.
وحديث ابنة حمزة
(11)
فيه على فرض أنها هي المعتقة دليل على أن المولى الأسفل إذا مات وترك أحدًا من ذوي سهامه ومعتقه كان لذوي السهام من قرابته مقدار ميراثهم المفروض والباقي للمعتق، ولا فرق بين أن يكون ذكرًا أو أنثى.
(1)
سيأتي عند الحديث رقم (2607) من كتابنا هذا.
(2)
(3/ 174).
(3)
(4/ 231) وقد تقدم.
(4)
في المعجم الكبير (ج 24 رقم 874).
(5)
(3/ 174).
(6)
في السنن الكبرى (رقم 6398 - العلمية) وقد تقدم.
(7)
في المستدرك (4/ 66) وقد تقدم.
(8)
تقدم تخريجه برقم (2570) من كتابنا هذا.
(9)
في المصنف (11/ 267) وقد تقدم.
(10)
في السنن الكبرى (6/ 241).
(11)
تقدم تخريجه ضمن حديث (7571) من كتابنا هذا.
ويؤيد ذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق، والولاء لمن أعطى الوَرِق وولي النِّعمة".
وقد وقع الخلاف فيمن ترك ذوي أرحامه ومعتقه، فروي عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن علي، والناصر أن مولى العتاق لا يرث إلا بعد ذوي أرحام الميت، وذهب غيرهم إلى إنه يقدم على ذوي أرحام الميت ويأخذ الباقي بعد ذوي السهام، ويسقط مع العصبات
(1)
.
والرواية المذكورة عن قتادة
(2)
تدل على أن [العتيق]
(3)
إذا مات وترك ذوي سهامه وعصبة مولاه كان لذوي السهام فرضهم والباقي لعصبة المولى.
ورواية ابن عباس
(4)
المذكورة تدل على أن العتيق إذا مات وترك ذوي سهامه وذوي سهام مولاه كان لذوي سهامه نصيبهم والباقي لذوي سهام مولاه.
والذي جزم به جماعة من أهل الفرائض أن ذوي سهام الميت يسقطون ذوي سهام المعتق.
ويدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة
(5)
من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ميراث الولاء للأكبر من الذكور، ولا ترث النساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن أو أعتقه من أعتقن".
وأخرج البيهقي
(6)
عن علي وعمر وزيد بن ثابت أنهم كانوا لا يورثون النساء من الولاء إلا ولاء من [أعتقن]
(7)
.
[الباب العاشر] باب النهي عن بيع الولاء وهبته وما جاءَ في السائبة
35/ 2572 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ نَهَى عَنِ بَيعِ الوَلاءِ وهِبَتِهِ.
(1)
انظر: عيون المجالس (4/ 1893 - 1896)، والبيان للعمراني (9/ 13 - 14) والمغني (9/ 90 - 91) والمبسوط (30/ 43).
(2)
تقدم تخريجه برقم (2570) من كتابنا هذا.
(3)
في المخطوط (ب): العتق.
(4)
تقدم برقم (2571) من كتابنا هذا.
(5)
في "المصنف"(11/ 388).
(6)
في السنن الكبرى (11/ 303).
(7)
في المخطوط (ب): (أعتق).
رَوَاهُ الجَماعَةُ)
(1)
. [صحيح]
36/ 2573 - (وَعَنْ عليٍّ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْر إذْن مَوَالِيه فَعَلَيْه لَعْنَةُ الله وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاس أجمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
، وَلَيْسَ لمُسْلم فِيهِ:"بِغَيْرِ إذْن مَوَالِيهِ". [صحيح]
لَكِنْ لَهُ مِثْلُهُ
(3)
بِهَذِهِ الزّيادَة مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ). [صحيح]
37/ 2574 - (وَعَنْ هُزَيْلِ بْنِ شَرَحْبِيل قالَ: جاء رَجُلٌ إلى عَبْدِ الله فَقالَ: إني أعْتَقْتُ عَبْدًا لي وَجَعَلْتُهُ سَائِبَةً فمَاتَ وَتَرَكَ [مالًا]
(4)
وَلَمْ يَدَعْ وَارثًا، فَقالَ عَبْدُ الله: إنَّ أهْلَ الإِسْلام لا يُسَيِّبُونَ، وَإِنَّمَا كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّة يُسَيِّبُونَ وأنْتَ وَليُّ نِعْمَتِه وَلكَ مِيرَاثُهُ، وإنْ تَأثَّمْتَ وَتَحَرَّجْتَ فِي شَيْء فَنَحْنُ نَقْبَلُهُ وَنَجْعَلُهُ فِي بَيْت المَال. رَوَاهُ البَرْقَانيُّ على شَرْط الصَّحِيحِ.
وللبُخاريّ
(5)
مِنْهُ: إنَّ أهْلَ الإِسْلام لا يُسيِّبُونَ، وَإنَّ أهْلَ الجاهِليَّة كانُوا يُسَيِّبونَ). [صحيح]
في الباب عن عبد الله بن عمر عند الحاكم
(6)
وابن حبان
(7)
[وصحَّحهُ]
(8)
والبيهقي
(9)
وأعله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب".
(1)
أحمد في المسند (2/ 9) والبخاري رقم (2535) ومسلم رقم (16/ 1506) وأبو داود رقم (2919) والترمذي رقم (2126) والنسائي (4658) وابن ماجه رقم (2747).
وهو حديث صحيح.
(2)
أحمد في المسند (1/ 81) والبخاري رقم (6755) ومسلم رقم (20/ 1370).
(3)
أي: لمسلم في صحيحه رقم (18/ 1508).
(4)
في المخطوط (ب): (مولًا) والمثبت من المخطوط (أ) وصحيح البخاري.
(5)
في صحيحه رقم (6753).
(6)
في المستدرك (4/ 341). وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(7)
في صحيحه رقم (4950).
(8)
في المخطوط (ب): (صححه).
(9)
في السنن الكبرى (10/ 292) وقال: قال أبو بكر بن زياد النيسابوري عقب هذا =
قوله: (نهى عن بيع الولاء وعن هبته) فيه دليلٌ على أنَّه لا يصحُّ بيع الولاء، ولا هبته؛ لأنَّه أمرٌ معنويٌ كالنَّسب فلا يتأتى انتقاله.
قال ابن بطال
(1)
: أجمع العلماء على أنه لا يجوز تحويل النسب، وحكم الولاء حكمه لحديث:"الولاء لحمة كلحمة النسب".
وحكى في البحر
(2)
عن مالك أنه يجوز بيع الولاء. وقال ابن بطال
(3)
وغيره: جاء عن عثمان جواز بيع الولاء، وكذا عن عروة، وجاء عن ميمونة جواز هبته.
قال الحافظ
(4)
: قد أنكر ذلك ابن مسعود في زمن عثمان، فأخرج عبد الرزاق
(5)
عنه أنه كان يقول: أيبيع أحدكم نسبه؟ ومن طريق علي
(6)
: "الولاء شعبة من النسب"، ومن طريق جابر
(7)
أنه أنكر بيع الولاء وهبته.
ومن طريق ابن عمر
(8)
وابن عباس
(9)
أنهما كانا ينكران ذلك وسنده صحيح، ويغني عن ذلك كله حديث ابن عمر
(10)
المذكور في [الكتاب]
(11)
، وحديثه الثاني
(12)
الذي ذكرناه، فإنه حديث صحيح.
= الحديث: هذا خطأ لأن الثقات لم يرووه هكذا. وإنما رواه الحسن مرسلا، ثم ذكره بإسناده عن الحسن، وإسناده صحيح.
وأخرجه أيضًا عن الحسن: ابن أبي شيبة (6/ 123).
وأخرجه عبد الرزاق رقم (16149) وسعيد بن منصور رقم (284) وابن أبي شيبة (6/ 122) من طرق عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب موقوفًا، وقال الحافظ ابن حجر - الفتح (12/ 44) -: والمحفوظ في هذا ما أخرجه عبد الرزاق
…
فذكره.
(1)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 50).
(2)
البحبر الزخار (4/ 229).
(3)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 50)، ولم أقف على أن عثمان قال بجواز بيع الولاء.
(4)
في "الفتح"(12/ 45).
(5)
في المصنف رقم (16142).
(6)
في المصنف رقم (16141).
(7)
في المصنف رقم (16143).
(8)
في المصنف رقم (16150).
(9)
في المصنف رقم (16144).
(10)
تقدم برقم (2572) من كتابنا هذا.
(11)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(12)
تقدم في الشرح آنفًا عند الحاكم وابن حبان والبيهقي.
وقد جمع أبو نعيم طرقه، فرواه عن نحو من خمسين رجلًا من أصحاب عبد الله بن دينار عنه، ورواهُ أبو جعفر الطبري في تهذيبه
(1)
والطبراني في الكبير
(2)
، وأبو نعيم
(3)
أيضًا من حديث عبد الله بن أبي أوفى، فلا وجه لما قاله البيهقي من أنه يروى بأسانيد كلها ضعيفة.
قوله: (صرفًا ولا عدلًا) الصّرْف
(4)
: التوبة. وقيل: النافلة، والعدل: الفدية، وقيل: الفريضة.
والحديث يدل على أنه يحرم على المولى أن يوالي غير مواليه؛ لأن اللعن لمن فعل ذلك من الأدلة القاضية بأنه من الذنوب الشديدة.
قوله: (وجعلته سائبة) قال في القاموس
(5)
: [السائبة]
(6)
: المهملة؛ والعبد يعتق على أن لا ولاء له، انتهى.
وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ثم هدمه الإسلام.
[الباب الحادي عشر] بابُ الوَلاءِ هَلْ يُوَرَّثُ أو يُورَثُ بِهِ
38/ 2575 - (عَنْ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عَن أبِيهِ عَنْ جَدهِ قالَ: تَزَوَّجَ رِيابُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعِيدِ بْن سَهْمٍ أُمَّ وَائِل بِنْتَ مَعْمَرٍ الجُمَحِيةَ، فَوَلَدَت لَهُ ثَلاثَةً، فَتُوفِّيَتْ أُمُّهُمْ، فَوَرِثَها بَنُوها رِباعَها وَوَلاء مَوَاليها، فَخَرَجَ بِهِمْ عَمْرُو بْنِ العاص مَعَهُ إلى الشَّامِ، فَمَاتُوا فِي طاعُونِ عِمْوَاس، فَوَرِثَهُمْ عَمْرٌو وكانَ عَصَبَتهُمْ؛ فَلَمَّا رَجَعَ عَمْرو [وَجاءَ]
(7)
بَنُو مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ يُخاصِمُونَهُ فِي وَلاء أُخْتِهِم إلى عُمَرَ بْنِ
(1)
لم أقف عليه في الأجزاء المطبوعة بما فيهم الجزء المفقود.
(2)
في المعجم الكبير (4/ 231 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: وفيه عبيد بن القاسم وهو كذاب.
(3)
في ذكر أخبار أصبهان (2/ 8).
(4)
قاله ابن الأثير في "النهاية" في غريب الحديث (2/ 25).
(5)
القاموس المحيط (ص 126).
(6)
في المخطوط (ب): (السابية).
(7)
في المخطوط (ب): (جاء).
الخَطَّابِ، فَقَالَ: أقْضِي بَيْنَكُمْ بِما سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ما أحْرَزَ الوَالِدُ أو الولدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كانَ"، فَقَضَى لَنا بِهِ، وكَتَبَ لَنا كِتابًا فِيهِ شَهادَةُ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن عَوْفٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابتٍ. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ
(1)
وأبُو دَاوُدَ
(2)
بِمَعْناهُ.
ولأحْمَدَ
(3)
وَسَطُهُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَمَّا رَجَعَ عَمْروٌ، [وَجاءَ]
(4)
بَنُو مَعْمَر: إلى قَوْلِهِ: فَقَضَى لَنا بِهِ. [حسن]
قالَ أحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ: حَدِيثُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "ما أحْرَزَ الوَالِدُ أوِ الوَلَدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كانَ"، هَكَذَا يَرْوِيهِ عمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ
(5)
، وعُثْمانَ، وعليّ (6)، وَزيدٍ (6)، وَابْنِ مَسْعُودٍ
(6)
، أنَّهُمْ
(1)
في سننه رقم (2732).
(2)
في سننه رقم (2917).
(3)
في المسند (1/ 27).
قلت: وأخرجه النسائى رقم (6348 - العلمية) وابن أبي شيبة (11/ 391 - 392) من طرق.
وهو حديث حسن، والله أعلم.
(4)
في المخطوط (ب): (جاء).
(5)
أخرج الدارمي في مسنده رقم (3065) عن الشعبي، عن عمر، وعلي، وزيد قال: وأحسَبُهُ قد ذكر عبد الله أيضًا أنهم قالوا: الولاءُ لِلْكُبْر؛ يعنون بالكُبر: ما كان أقرب بابٍ أو أمٍّ.
قلت: وأخرجه البيهقي (10/ 303) وابن منصور رقم (267).
بسند ضعيف لضعف أشعث بن سوار.
• وأخرج الدارمي في مسنده رقم (3066) عن ابن سيرين عن عبد الله بن عُتبةَ قال: كتبَ إليَّ عُمَرُ في شأن فُكَيْهَةَ بنتِ سمعان أنَّها ماتتْ وتركتِ ابْنَ أخيها لأبيها وأُمِّها، وابن أخيها لأبيها. فكتب عمرُ:"إن الولاءَ لِلْكُبْرِ".
بسند ضعيف لضعف أشعث بن سوار.
(6)
• أخرج الدارمي في مسنده رقم (3067) عن الشعبي: أنَّ عليًا، وزيدًا، قالا: الولاءُ للكُبرِ.
وقال عبد الله، وشريح: للورثة.
وأخرجه ابن أبي شيبة (11/ 404 رقم 11607) وابن منصور رقم (268) بسند صحيح.
• وأخرج الدارمي في مسنده رقم (3071) عن إبراهيم في أخوين ورثا مولى كان أعتقهُ أبوهما، فماتَ أحدهُمَا، وترك ولدًا، قال: كان عليٌّ، وزيدٌ، وعبد الله رضي الله عنهم =
قالُوا: "الوَلاءُ للْكُبَرِ"، فَهَذَا الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أكْثَرِ النَّاسِ فِيما بَلَغَنا).
الحديث أخرجه أيضًا النسائي مسندًا
(1)
ومرسلًا
(2)
، وصححه ابن المديني وابن عبد البر، وزاد أبو داود
(3)
بعد قوله وزيد بن ثابت: "ورجلٌ آخر، فلما استخلف عبد الملك اختصموا إلى هشام بن إسماعيل، أو إلى إسماعيل بن هشام، فرفعهم إلى عبد الملك، فقال: هذا من القضاء الذي ما كنت أراه، قال: فقضى لنا بكتاب عمر بن الخطاب فنحن فيه إلى الساعة".
وأثر عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود أخرجه أيضًا عبد الرزاق
(4)
والبيهقي
(5)
وسعيد بن منصور
(6)
.
قوله: (رياب) بكسر المهملة وبعدها ياء مثناة تحتية وبعد [الألف]
(7)
باء موحدة [وذكره صاحب القاموس
(8)
في مادة المهموز]
(9)
.
قوله: (عمواس)
(10)
هي قرية بين الرَّملة وبيت المقدس.
قوله: (إنهم قالوا: الولاء للكبر) إلخ، أراد أحمد بن حنبل
(11)
أن مذهب
= يقولون: الولاء لِلْكبْرِ. وأخرجه ابن منصور رقم (265).
بسند صحيح إلى إبراهيم، وهو منقطع لأن إبراهيم لم يسمع أحدًا من هؤلاء.
(1)
في السنن الكبرى رقم (6348 - العلمية) مسندًا. وقد تقدم.
(2)
في السنن الكبرى رقم (6349 - العلمية) مرسلًا.
(3)
في السنن (3/ 332).
(4)
في المصنف رقم (16239).
(5)
في السنن الكبرى (10/ 303).
(6)
في سنن سعيد بن منصور رقم (265).
وقد تقدم تخريج هذه الآثار بإثر الحديث (38/ 2575) من كتابنا هذا.
(7)
في المخطوط (ب): (ألف).
(8)
القاموس المحيط (ص 111).
(9)
ما بين الخاصرتين مشطوب عليه في المخطوط (أ)، وأثبته من المخطوط (ب).
(10)
عِمَواس قال المهلبي: كورة عِمَواس هي ضيعة جليلة على ستة أميال من الرملة على طريق القدس، ومنها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك سنة (18 هـ).
ثم فشا في أرض الشام فمات فيه خلق كثير من الصحابة.
"معجم البلدان"(4/ 157 - 158).
(11)
المغني (9/ 245 - 246).
الجمهور يقتضي أن ولاء عتقاء أم وائل بنت معمر يكون لإخوتها دون بنيها كما هو مذهب الجمهور، ذكر معنى ذلك في نهاية المجتهد
(1)
.
وحديث عمر وفعله يقتضي تقديم البنين ثم رده إلى الإخوة بعدهم، وهو مذهب شريح وجماعة، وحجتهم ظاهر خبر عمر، لأن البنين عصبتها، ولما كان عمرو بن العاص ليس بعصبة لها رد الولاء إلى إخوتها لأنهم عصبتها. وفي ذلك دلالة على أن الولاء لا يورث وإلا لكان عمرو أحق به منهم.
قال في البحر
(2)
: مسألة: الأكثر ولا يورث: - يعني الولاء - بل تختصُّ العصبات للخبر، العترة والفريقان، ولا يُعصِّبُ فيه ذكرٌ أنثى فيختصُّ به ذكور أولاد المعتق وإخوته، إذ قد ثبت: أن الأعمام لا يعصبون لضعفهم، والولاء ضعيفٌ، فلم يقع فيه تعصيبٌ بحال؛ شريح وطاوس، بل يورث ويعصبون لقوله صلى الله عليه وسلم:"كلحمة النَّسب".
قلت: مخصص بالقياس
(3)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يورث" انتهى، ومراده بالقياس: القياس على عدم تعصيب الأعمام لأخواتهم، ومعنى كون الولاء للكبر: أنها لا تجري فيه قواعد الميراث، وإنما يختصُّ بإرثه الكبر من أولاد المعتق أو غيرهم، فإذا خلَّف رجلٌ ولدين، وقد كان أعتق عبدًا فمات أحد الولدين وخلف ولدًا، ثم مات العتيق، اختصَّ بولائه ابن المعتق دون ابن ابنه، وكذلك لو أعتق رجل عبدًا، ثم مات وترك أخوين، ثم مات أحدُهما، وترك ابنًا، ثم مات المعتق؛ فميراثه لأخي المعتق دون ابن أخيه. ووجه الاستدلال بما روي عن هؤلاء الصحابة أنهم لا يخالفون التوريث إلا توقيفًا.
(1)
"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(4/ 27) بتحقيقي.
(2)
البحر الزخار (5/ 359).
(3)
ذهب الجمهور إلى جوازه وقال الرازي في المحصول (3/ 96): وهو قول أبي حنيفة والشافعي، ومالك، وأبي الحسين البصري في "المعتمد" (2/ 275) والأشعريِّ وأبي هاشم أخيرًا؛ وحكاه ابنُ الحاجب في "مختصر المنتهى" عن هؤلاء وزاد معهم الإمامَ الرابعَ: أحمد بن حنبل، وكذا حكاه ابنُ الهمام في التحرير (1/ 321) .... وانظر: بقية الكلام في "إرشاد الفحول"(ص 525 - 528). بتحقيقي.
[الباب الثاني عشر] باب ميراث المعتق بعضه
39/ 2576 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "المُكاتَبُ يَعْتِقُ بِقَدْرِ ما أدَّى، وَيُقامُ عَلَيْهِ الحَدُّ بِقَدْرِ ما عَتَقَ مِنْهُ، وَيُورَثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ"، رَوَاهُ النَّسائيُّ
(1)
. [صحيح]
وكَذَلِكَ أبُو دَاوُدَ
(2)
وَالتِّرمِذِيُّ
(3)
وَقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَفْظُهُما:"إذَا أصَابَ المُكاتَبُ حَدًّا أوْ مِيرَاثًا وَرِثَ بِحِسَابِ ما عَتَقَ مِنْهُ". [صحيح]
وَالدَّارَقُطنيُّ
(4)
مِثْلُهُما، وَزَادَ:"وأُقِيمَ عَلَيْهِ الحَدُّ بِحِسَابِ ما عَتَقَ مِنْهُ". [صحيح]
وَقالَ أحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَكَمِ: "إذَا كانَ العَبْدُ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ عَبْدًا وَرِثَ بِقَدْرِ الحُرّيَّةِ".
كَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)
(5)
. [صحيح]
الحديث رجال إسناده ثقات كما قال الحافظ في الفتح
(6)
، لكنه اختلف في إرساله ووصله.
(1)
في سننه رقم (4811).
وهو حديث صحيح.
(2)
في سننه رقم (4582).
(3)
في سننه رقم (1259) وقال: حديث ابن عباس حديث حسن. وهو حديث صحيح.
(4)
في السنن (4/ 121 رقم 2).
(5)
أخرجه أحمد في المسند (1/ 222) وأبو داود رقم (4581) وابن أبي شيبة (9/ 396) وعبد الرزاق رقم (15731) والحاكم (2/ 218) والبيهقي (10/ 326) من حديث ابن عباس.
وهو حديث صحيح.
(6)
الفتح (5/ 195).
وقد اختلف في حكم المكاتب إذا أدى بعض مال الكتابة؛ فذهب أبو طالب والمؤيد بالله: إلى أنه إذا سلَّم شيئًا من مال الكتابة صار لقدره حكم الحرية فيما يتبعض من الأحكام حيًا وميتًا كالوصية والميراث والحد والأرش، وفيما لا يتبعض كالقود والرجم والوطء بالملك له حكم العبد.
وقال أبو حنيفة
(1)
والشافعي
(2)
: إنه لا يثبتُ له شيءٌ من أحكام الأحرار، بل حُكْمُهُ حكمُ العبد حتَّى يستكمل الحريَّة، وحكاه الحافظ في الفتح
(3)
عن الجمهور.
وحكى في البحر
(4)
عن عُمَرَ وابنِ عباسٍ، وزيدِ بن ثابتٍ، وعائشة، وأم سلمة، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، والزهري، والثوري، والعترة، وأبي حنيفة
(5)
، والشافعي
(6)
، ومالك
(7)
: أن المكاتب لا يعتق حتى يوفي ولو سلم الأكثر.
واحتجوا بما أخرجه أبو داود
(8)
والنسائي
(9)
والحاكم
(10)
وصحَّحه من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"المكاتب قنٌّ ما بني عليه درهم".
ورواه النسائي
(11)
وابن حبان
(12)
من وجهٍ آخر من حديثه بلفظ: "ومن كان مكاتبًا على مائة درهم فقضاها إلا أوقية فهو عبد".
(1)
حاشية ابن عابدين (10/ 417) والاختيار (5/ 618).
(2)
البيان للعمراني (9/ 20 - 21).
(3)
الفتح (5/ 195).
(4)
البحر الزخار (4/ 220). وانظر: "المصنف" لعبد الرزاق (8/ 405، 409 - 410)، والسنن الكبرى (10/ 324 - 325) والمحلى لابن حزم (9/ 229).
(5)
البناية في شرح الهداية (5/ 436).
(6)
البيان للعمراني (8/ 410).
(7)
عيون المجالس (4/ 1872 رقم 1328).
(8)
في سننه رقم (3926).
(9)
في السنن الكبرى رقم (5026 - العلمية).
(10)
في المستدرك (2/ 218) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وهو حديث حسن.
(11)
في السنن الكبرى (5/ 53 رقم 5010 - الرسالة).
(12)
في صحيحه رقم (4321). =
وروي عن علي
(1)
: "أن المكاتب إذا أبى الشطر عتق ويطالب بالباقي" وروي عنه أيضًا: "إنه يعتق منه بقدر ما أدى".
وعن ابن مسعود
(2)
: لو كاتبه على مائتين وقيمته مائة فأدى المائة عتق.
وعن عطاء
(3)
: إذا أدى ثلاثة أرباع كتابته عتق.
وعن شريح
(4)
: إذا أدى ثلثًا عتق وما بقي أداه في الحرية.
وحديث الباب يدلّ على ما قاله المؤيدُ بالله
(5)
وأبو طالب.
ويؤيِّده ما أخرجه النسائي
(6)
عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد".
قال البيهقي
(7)
: قال أبو عيسى فيما بلغني عنه: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: روى بعضهم هذا الحديث عن أيوب عن عكرمة عن عليّ، قال البيهقي: فاختلف عن عكرمة فيه، فروي عنه مرسلًا. ورواه حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وجعله إسماعيل من قول عكرمة. وروي موقوفًا عن علي [أخرجه]
(8)
البيهقي
(9)
من [طريق]
(10)
مرفوعًا.
= إسناده ضعيف، عطاء الخراساني صاحب أوهام كثيرة، وموصوف بالإرسال والتدليس، ولا يعرف له سماع من عبد الله بن عمرو.
والوليد - ابن مسلم - مدلس وقد عنعنه.
ولكن الحديث حسن لغيره والله أعلم.
(1)
انظر: المصنف لعبد الرزاق (8/ 412) والمحلى (9/ 228).
(2)
انظر: المصنف لعبد الرزاق (8/ 412) والمحلى (9/ 229).
(3)
انظر: المحلى (9/ 230).
(4)
المصنف (8/ 411) وانظر: المحلى (9/ 229).
(5)
البحر الزخار (4/ 221).
(6)
في السنن الكبرى (5/ 52 رقم 5005 - الرسالة) مرسلًا.
وتقدم موصولًا عند النسائي في الكبرى رقم (5000).
(7)
في السنن الكبرى (10/ 424 - 425).
(8)
في المخطوط (أ): (وأخرجه).
(9)
في السنن الكبرى (10/ 325، 326).
(10)
في المخطوط (أ): (طرق).
وفي المسألة مذهب آخر، وهو أن المكاتب يعتق بنفس الكتابة.
ورجح هذا المذهب بأن حكم الكتابة حكم البيع؛ لأن المكاتب اشترى نفسه من السيد.
ورجح مذهب الجمهور
(1)
بأنه أحوط، لأن ملك السيد لا يزول إلا بعد تسليم ما قد رضي به من المال، وإذا لم يمكن الجمع بين الحديثين المذكورين فالحديث الذي تمسك به الجمهور أرجح من حديث الباب.
وسيأتي حديث عمرو بن شعيب في باب المكاتب من كتاب العتق
(2)
.
[الباب الثالث عشر] باب امتناع الإرث باختلاف الدين وحكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم
40/ 2577 - (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرَ، وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلّا مُسْلِمًا وَالنَّسائيّ
(3)
. [صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ قَالَ: يَا رَسولَ الله أتَنْزِلُ غَدًا فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: "وَهَلْ تَرَكَ لَنا عَقِيلٌ مِنْ رِباعٍ أوْ دُورٍ"، وكانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أبا طَالِبٍ هُوَ وَطالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ شَيْئًا؛ لأنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْن وَكَانَ عَقِيْلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ. أخْرَجاهُ)
(4)
. [صحيح]
41/ 2578 - (وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمْرو أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يَتَوَارَثُ أهْلُ
(1)
المغني لابن قدامة (14/ 452) والفتح (5/ 195).
(2)
الكتاب السابع والعشرون: كتاب العتق، الباب السابع: باب المكاتب رقم الحديث (18/ 2608).
(3)
أحمد في المسند (5/ 200) والبخاري رقم (6764) وأبو داود رقم (2909) والترمذي رقم (2107) وابن ماجه رقم (2729). قلت: بل أخر مسلم رقم (1/ 1614) والنسائي في الكبرى رقم 6371 - العلمية) كما سيأتي.
وهو حديث صحيح.
(4)
البخاري في صحيحه رقم (1588) ومسلم رقم (439/ 1351).
ملَّتَيْنِ شَتَّى"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وأبُو دَاوُدَ
(2)
وَابْنُ ماجَه
(3)
. [صحيح]
ولِلتِّرْمِذِيِّ
(4)
مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ جابِرٍ). [صحيح لغيره]
42/ 2579 - (وَعَنْ جابِرٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يَرِثُ المُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ إلَّا أنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أوْ أمَتَهُ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي
(5)
. [ضعيف، والجملة الأولى صحيحة لغيرها]
وَرَوَاهُ
(6)
مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ مَوْقُوفًا على جابِرٍ، وَقالَ: مَوْقُوفٌ وَهُوَ مَحْفُوظٌ). [إسناده ضعيف]
43/ 2580 - (وَعَنْ ابن عَبَّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ قَسْمِ قُسِمَ فِي الجاهِلِيَّةِ فَهُوَ على ما قُسِمَ، وكُلُّ قَسْمٍ أدْرَكَهُ الإِسْلَامُ فإنَّهُ على ما قَسَمَ الإسْلامُ"
(1)
في المسند (2/ 178).
(2)
في سننه رقم (2911).
(3)
في سننه رقم (2731).
قلت: وأخرجه الدارقطني (4/ 75 رقم 25) وابن السكن كما في التلخيص (3/ 184)، وانظر: الإرواء للألباني (6/ 120 - 121).
وهو حديث صحيح.
(4)
في السنن رقم (2108) وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه من حديث جابر إلا من حديث ابن أبي ليلى.
وهو حديث صحيح لغيره.
(5)
في السنن (4/ 74 رقم 22).
قلت: وأخرجه النسائى في الكبرى رقم (6356 - الرسالة) والحاكم في المستدرك (4/ 345) من طريق أبي الزبير عن جابر.
وأعله ابنُ حزم بتدليس أبي الزبير - المحلى (9/ 305) - لكنه مردود، فقد أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (9865) عن ابن جريج، عن أبي الزبير أنه سمع جابرًا.
فذكره موقوفًا عليه.
وأمَّا النصراني إذا أعتقه المسلم ففيه ثمانية أقوال، ذكرها الحافظ في "فتح الباري".
والخلاصة: أن الحديث ضعيف. ولكن الجملة الأولى منه صحيحة لغيرها. الإرواء رقم (1715).
(6)
أي الدارقطني في السنن (4/ 75 رقم 23) وقال: موقوف، وهو المحفوظ.
وقد أخرجه الدارمي في مسنده رقم (3036) بسند ضعيف.
وأخرجه أيضًا برقم (3037) بسند ضعيف أيضًا.
رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(1)
وَابْنُ ماجَهْ)
(2)
. [صحيح]
حديث أسامة بن زيد هو باللفظ الأول في مسلم
(3)
لا كما زعم المصنف.
قال الحافظ
(4)
: وأغرب ابن تيمية في المنتقى فادّعى أن مسلمًا لم يخرجه، وكذا ابن الأثير في الجامع
(5)
ادعى أن النسائي لم يخرجه. اهـ.
وحديث عبد الله بن عمرو، أخرجه أيضًا الدارقطني
(6)
وابن السكن
(7)
، وسند أبي داود
(8)
[فيه]
(9)
إلى عمرو بن شعيب صحيح.
وحديث جابر الأول
(10)
استغربه الترمذي
(11)
وفي إسناده ابن أبي ليلى، ولفظه:"لا يتوارث أهل ملتين".
وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود
(12)
والمنذري
(13)
، [وأخرجه أيضًا]
(14)
أبو يعلى
(15)
والضياء في المختارة
(16)
.
وفي الباب عن ابن عمر عند ابن حبان
(17)
بنحو حديث عمرو بن شعيب.
(1)
في سننه رقم (2914).
(2)
في سننه رقم (2485). وهو حديث صحيح.
(3)
في صحيحه رقم (1/ 1614).
(4)
في "التلخيص الحبير"(3/ 183).
(5)
جامع الأصول لابن الأثير (9/ 599 رقم 7371) بل أخرج النسائي الحديث في السنن الكبرى رقم (6371 - العلمية).
(6)
في سننه (4/ 75 - 76 رقم 25) وقد تقدم.
(7)
كما في "التلخيص"(3/ 184) وقد تقدم.
(8)
في سننه رقم (2911) وقد تقدم.
(9)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(10)
وقد جاء بإثر الحديث رقم (41/ 2578) من كتابنا هذا.
(11)
في السنن (4/ 425).
(12)
في سننه (3/ 329).
(13)
في "المختصر"(4/ 181).
(14)
في المخطوط (أ): [وقد أخرجه ابن ماجه و].
(15)
في مسنده رقم (2359) بسند حسن.
(16)
لم أقف عليه في الأجزاء المطبوعة.
(17)
في صحيحه برقم (5996) ولفظه: "
…
ولا يتوارثُ أهلُ ملتين
…
".
وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
وعن أبي هريرة عند البزار
(1)
بلفظ: "لا ترثُ ملةٌ مِنْ ملةٍ"، وفيه عمر بن راشد
(2)
تفرَّد به وهو لينُ الحديث.
وأحاديث الباب تدلُّ: على أنَّه لا يرثُ المسلمُ من الكافر، ولا الكافرُ مِنَ المسلم.
قال في البحر
(3)
: إجماعًا.
واختلف في ميراث المرتد
(4)
، فقيل: يكون للمسلمين.
قال في البحر
(5)
: قيل: إجماعًا إذ هي كموته. الأكثر: ولا يرث المسلم من الذميِّ؛ معاذ ومعاوية والناصر والإمامية
(6)
: بل يرث؛ لنا: "لا توارث بين
(1)
في مسنده رقم (1384 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 225) وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفيه عمر بن راشد وهو ضعيف عند الجمهور، ووثقه العجلي". اهـ.
(2)
عمر بن راشد بن شجرة اليمامي: ضعيف. التقريب رقم (4894).
(3)
البحر الزخار (5/ 367).
(4)
قال القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي في كتابه: "عيون المجالس": (4/ 1901 - 1903 رقم المسألة 1347): "مسألة اختلف الناس في مال المرتد إذا مات أو قتل على ردته ما يكون من حكمه، على ثلاثة أقاويل:
(فقول منها): أن جميع ماله الذي كسبه في إسلامه وردته، يكون فيئًا لبيت مال المسلمين وهو قولنا - أي المالكية - وقول ربيعة بن أبي عبد الرحمن، والشافعي، وأبي ثور، وأحمد بن حنبل رحمهم الله.
(والقول الثاني): أنه يكون لورثته من المسلمين سواء اكتسبه في إسلامه، أو في ردته، وبه قال علي وابن مسعود رضي الله عنهما والأوزاعى، والحسن، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله.
(والقول الثالث): أن ما اكتسبه في خلال إسلامه لورثته المسلمين، وما اكتسبه في ردته، في بيت مال المسلمين.
وبه قال سفيان الثوري وأبو حنيفة رحمهما الله.
وحكي عن قتادة رحمه الله أنه قال: هو لأهل دينه الذين ارتد لهم، والولاية منقطعة". اهـ.
وانظر: المحلى (9/ 304 - 307 رقم المسألة 1744) والسنن الكبرى (6/ 254) والإنصاف للمرداوي (7/ 352) ومختصر الطحاوي (ص 142).
(5)
البحر الزخار (5/ 369).
(6)
البحر الزخار (5/ 369).
أهل ملتين" قالوا: قال صلى الله عليه وسلم: "الإِسلامُ يَعْلُو ولا يُعْلَى"
(1)
. قلنا: نقول بموجبه
(1)
روي من حديث عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وعائذ بن عمرو المزني.
• أما حديث عمر بن الخطاب، فقد أخرجه البيهقي في "الدلائل"(6/ 36 - 38) وأبو نعيم في "الدلائل"(2/ 376 - 379 رقم 275) والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين"(6/ 164 رقم 3541) والصغير (2/ 64 - 66).
كلهم من طريق محمد بن علي بن الوليد السلمي البصري.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 292 - 294) وقال: "رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط" عن شيخه محمد بن علي بن الوليد البصري. قال البيهقي: والحمل في هذا الحديث عليه. قلت: وبقية رجاله رجال الصحيح". اهـ.
قال البيهقي كما في "الميزان"(3/ 651 رقم 7964): "الحملُ فيه على السلمي هذا.
قلت: صَدَق والله البيهقي؛ فإنه خبر باطل". اهـ.
وأقره الحافظ في "اللسان"(5/ 292) وقال: "وروى عنه الإسماعيلي في "معجمه" (1/ 458 رقم 112) وقال: بصري منكر الحديث".
وقد سكت الحافظ على هذا الحديث في "الدراية"(2/ 66 رقم 555).
كما سكت الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 213) عليه قبله.
• أما حديث عبد الله بن عباس، فقد أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 218 رقم الباب 79 - مع الفتح) معلقًا.
قال الحافظ في "الفتح"(3/ 220): (قوله: (وقال: الإسلام يعلو ولا يُعلى) كذا في جميع نسخ البخاري لم يعين القائل، وكنت أظن أنه معطوف على قول ابن عباس فيكون من كلامه. ثم لم أجده من كلامه بعد التتبع الكثير .... ثم وجدته من قول ابن عباس كما كنت أظن، ذكره ابن حزم في المحلى (7/ 505).
قال: ومن طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إذا أسلمت اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني يفرق بينهما، الإسلام يعلو ولا يعلى".
ثم قال الحافظ في "تغليق التعليق"(2/ 490) عقبه: "وهذا إسناد صحيح لكن لم أعرف إلى الآن من أخرجه".
قلت: بل أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 257) بهذا السند.
وقال الألباني في "الإرواء"(5/ 109): "قلت: وإسناده موقوف صحيح".
• وأما حديث معاذ بن جبل، فقد أخرجه (بَحْشَل) في "تاريخ واسط" (ص 155) من طريق عمران بن أبان: ثنا شعبة، عن عمرو بن أبي حكيم، عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان يعلو ولا يعلى".
إسناده ضعيف لضعف عمران بن أبان بن عمران السلمي، أو القرشي، أبو موسى الطحان كما في "التقريب" رقم (5143). =
والإرث ممنوع بما رويناه. قالوا: قال صلى الله عليه وسلم: "نرثُهم ولا يَرِثُونا"
(1)
، قلنا: لعله أراد المرتدِّين جمعًا بين الأخبار، ثم قال: مسألة - الهادي وأبو يوسف ومحمد -: ويرثُ المرتدَّ ورثتُه المسلمون. الشافعي
(2)
: لا، بل لبيت المال. أبو حنيفة
(3)
: ما كسبه قبل الردة فلورثته المسلمين وبعدها لبيت المال. لنا: قتل عليٌّ [عليه السلام]
(4)
المستورد العجلي حين ارتد وجعل ميراثه لورثته المسلمين ولم يفصل. قالوا: لا يرث المسلم الكافر. (قلنا: مخصوص بعمل علي). قالوا:
= وذكره الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 213) وسكت عليه، وتبعه الحافظ ابن حجر في الدراية (2/ 66 رقم 555).
قال الألباني في "الإرواء"(5/ 108): "قلت: وبقية رجاله ثقات معروفون غير إسماعيل بن عيسى وهو بغدادي وثقه الخطيب وغيره".
• وأما حديث عائذ بن عمرو، فقد أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 252 رقم 30) والبيهقي (6/ 205) والروياني في مسنده (2/ 37 رقم 783) وفي أخبار أصبهان (1/ 65).
من طريق حشرج بن عبد الله بن حشرج، حدثني أبي، عن جدي، عنه أنه جاء يوم الفتح مع أبي سفيان بن حرب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حوله أصحابه، فقالوا: هذا أبو سفيان، وعائذ بن عمرو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا عائذ بن عمرو، وأبو سفيان، الإسلام أعز من ذلك، الإسلام يعلو ولا يعلى".
قال الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 213) بإثر الحديث: "قال الدارقطنى: وعبد الله بن حشرج وأبوه مجهولان". اهـ.
وقال الألباني في "الإرواء"(5/ 107): "وعلة الحديث عندي أبوه عبد الله بن حشرج وجده، فقد أوردهما ابن أبي حاتم أيضًا (2/ 2/ 40) و (1/ 2/ 295 - 296) وقال في كل منهما عن أبيه: "لا يعرف".
وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 220) عقب حديث عائذ: "بسند حسن". ويمكن أن يحسن لغيره، لحديث معاذ المتقدم.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن مرفوعًا بمجموع طريقي معاذ وعائذ.
وصحيح موقوفًا. والله أعلم.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 374 رقم 11497) عن الشعبي، عن عبد الله بن معقل قال: ما رأيت قضاء بعد قضاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن من قضاء قضى به معاوية في أهل الكتاب. قال: (نرثهم ولا يرثوننا، كما يحل لنا النكاح فيهم، ولا يحل لهم النكاح فينا).
(2)
البيان للعمراني (9/ 18).
(3)
المبسوط للسرخسي (30/ 30).
(4)
زيادة من (ب).
غنم أموال أهل الردة. قلنا: كان لهم منعة فصاروا حربيين. اهـ. كلام البحر
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يعلو "
(2)
، هو حديث أخرجه أبو داود
(3)
والحاكم
(4)
وصححه.
وأما قوله: نرث أهل الكتاب ولا يرثونا، فليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم كما زعم في البحر، بل هو من قول معاوية كما روى ذلك ابن أبي شيبة
(5)
، وقد قال بقول معاوية ومَن معه عبدُ اللهِ بن مغفل، ومسروق، وسعيدُ بن المسيب، وإبراهيمُ النخعيُّ، ولكنه اجتهاد مصادم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يرث المسلمُ الكافر"، وما
(1)
البحر الزخار (5/ 369).
قال المقبلي في "المنار"(2/ 462): قوله: (مخصوص بقول عليّ): "هذا عجبٌ؛ كيف يصلح كلام عليٍّ مخصّصًا لكلام النبي صلى الله عليه وسلم؟! ولعلَّ المصنِّف يدَّعي أنَّه توقيفٌ، فيتجه كلامه، وإن بعُدت هذه الدَّعوى، فكثيرًا ما يدَّعون التَّوقيف مع احتمال النَّظر". اهـ.
(2)
تقدم تخريجه آنفًا. ووهم المصنف رحمه الله بعزوه لأبي داود والحاكم بهذا اللفظ. بل أخرجاه بلفظ: "الإسلام يزيد ولا ينقص".
(3)
في سننه رقم (2913).
(4)
في المستدرك (4/ 345).
قلت: وأخرجه أحمد في المسند (5/ 230، 236) وابن أبي شيبة في المصنف (11/ 374) وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (954) والطيالسي رقم (568) والطبراني في الكبير (ج 20 رقم 338 و 339 و 340) والبيهقي (6/ 254، 254 - 255) والبزار في مسنده رقم (2636) والشاشي في مسنده رقم (1380) والجوزقاني في "الأباطيل والمناكير" رقم (549 و 550) من طرق عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الإسلام يزيد ولا ينقص".
قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
قال الألباني في "الضعيفة"(3/ 252): "قلت: لكنه معلول بالانقطاع".
وقال الحافظ في "الفتح"(12/ 43) بعدما ذكر تصحيح الحاكم له: "وتعقب بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ، ولكن سماعه منه ممكن، وقد زعم الجوزقاني أنه باطل، وهي مجازفة".
وأوضح الألباني حكم الجوزقاني عليه بأنه باطل، إنما هو باعتبار ما فيه من توريث المسلم من اليهودي الكافر، فإن الأحاديث الصحيحة على خلاف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يتوارث أهل ملتين شتى" الإرواء رقم (1673).
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، وقد ضعفه الألباني في "الضعيفة" رقم (1123).
(5)
في "المصنف"(11/ 374 رقم 11497).
في معناه. ومصادمٌ أيضًا لنص حديث جابر المذكور في الباب، ولتقريره صلى الله عليه وسلم لما فعله عقيل.
والحاصل: أن أحاديث الباب قاضية بأنه لا يرث المسلم من الكافر من غير فرق بين أن يكون حربيًا أو ذميًا أو مرتدًا فلا يقبل التخصيص إلا بدليل.
وظاهر قوله: "لا يتوارث أهل ملتين"، أنه لا يرث أهل ملّة كُفريةٍ من أهل ملةٍ كفريةٍ أخرى، وبه قال الأوزاعي ومالك
(1)
وأحمد
(2)
والهادوية
(3)
.
وحمله الجمهور
(4)
على أن المراد بإحدى الملتين الإسلام وبالأخرى الكفر ولا يخفى بعد ذلك. وفي ميراث المرتد أقوال أخر غير ما سلف
(5)
، والظاهر ما قدمناه.
[الباب الرابع عشر] باب أن القَاتِلَ لا يرثُ وأنَّ ديةَ المقتُولِ لجميعِ ورثتِه من زوجةٍ وغيرها
44/ 2581 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يَرِثُ القاتِلُ شَيْئًا"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(6)
. [صحيح لغيره]
45/ 2582 - (وَعَنْ عُمَرَ قالَ: سِمْعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: "لَيْسَ لِقاتِلٍ مِيَراثٌ"، رَوَاهُ مالِكٌ فِي المُوَطَّأِ
(7)
وأحْمَدُ
(8)
وَابْنُ ماجَهُ)
(9)
. [حسن لغيره]
(1)
عيون المجالس (4/ 1908) والمدونة (3/ 87).
(2)
المغني (9/ 154 - 158).
(3)
البحر الزخار (5/ 369).
(4)
المغني (9/ 158).
(5)
البيان للعمراني (9/ 18) والمغني (9/ 159) والمبسوط (30/ 30).
(6)
في السنن رقم (4564) وهو حديث صحيح لغيره.
(7)
في الموطأ (2/ 867 رقم 10).
(8)
في المسند (1/ 49).
(9)
في سننه رقم (2646).
قلت: وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى (6/ 219).
وهو حديث حسن لغيره.
46/ 2583 - (وَعَنْ سَعِيْدِ بْنِ المُسَيِّبِ أن عُمَرَ قالَ: الدّيَةُ لِلْعاقِلَةِ، لا تَرِثُ المَرأةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِها، حتَّى أخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيانَ الكِلابيُّ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إليَّ أنْ أُوَرّثَ امْرأةَ أشْيَمَ الضبَّابَي مِنْ دِيَةِ زَوْجِها. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وأبُو دَاوُدَ
(2)
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ
(3)
.. [صحيح]
وَرَوَاهُ مالِكٌ
(4)
مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهابٍ عَنْ عُمَرَ، وَزَادَ: قالَ ابْنُ شِهابٍ: وكانَ قَتْلُهُمْ أشْيَمَ خَطأ). [رجاله ثقات، لكنه منقطع، وقد صحح موصولًا]
47/ 2584 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّه: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أنَّ العَقْلَ مِيراثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ القَتِيلِ على فَرَائِضِهِم. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلّا التِّرْمِذِيَّ)
(5)
. [حسن]
48/ 2585 - (وَعَنْ قُرَّةَ بْنِ دَعْمُوصٍ قالَ: أتَيْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنا وعَمي فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله عِنْد هَذَا دِيَةُ أبي فَمُرْهُ يُعْطنيها، وكانَ قُتِلَ فِي الجاهِلِيّةِ، فَقالَ:"أعْطِهِ دِيَةَ أبِيهِ"، فَقُلْتُ: هَلْ لأمِّي فِيها حَقّ؟ قالَ: "نَعَمْ"، وكانَتْ دِيَتُهُ
(1)
في المسند (3/ 452).
(2)
في سننه رقم (2927).
(3)
في سننه رقم (2110) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (17765) وسعيد بن منصور رقم (296) وابن أبي شيبة في المصنف (9/ 313).
وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1497) والنسائي في السنن الكبرى رقم (6365 - العلمية) والطبراني في المعجم الكبير رقم (8140) و (8141) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(4)
في الموطأ (2/ 866 رقم 9).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 134) و"المعرفة"(6/ 274 رقم 4993 - العلمية) والنسائي في الكبرى رقم (6366 - العلمية).
ورجاله ثقات؛ لكنه منقطع، فإن الزهري لم يدرك عمر، وبه أعلّه أبو الأشبال في تعليقه على "الرسالة"(ص 426) للإمام الشافعي.
وقد صح موصولًا كما تقدم.
(5)
أحمد في المسند (2/ 224) وأبو داود رقم (4564) والنسائي رقم (4801) وابن ماجه رقم (2647).
وله شاهد من حديث أبي هريرة عند البخاري رقم (6909) ومسلم رقم (1681).
مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. رَوَاهُ البُخارِيُّ فِي تارِيخِهِ)
(1)
.
حديث عمرو بن شعيب: أخرجه أيضًا النسائي
(2)
وأعله، والدارقطني، وقوَّاه ابنُ عبد البر
(3)
.
وحديث عمر أخرجه أيضًا الشافعي
(4)
وعبد الرزاق
(5)
والبيهقي
(6)
وهو منقطع.
قال البيهقي
(7)
: ورواه محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا.
قال الحافظ
(8)
: وكذا أخرجه النسائي
(9)
من وجه آخر عن عمر وقال: إنه خطأ.
وأخرجه ابن ماجه
(10)
والدارقطني
(11)
من وجه آخر عن عمر أيضًا.
وفي الباب عن ابن عباس عند الدارقطني
(12)
بلفظ: "لا يرث القاتل شيئًا" وفي إسناده [كثير بن مسلم]
(13)
وهو ضعيف
(14)
.
وعن ابن عباس أيضًا حديث آخر عند البيهقي
(15)
بلفظ: "من قتل قتيلًا فإنه
(1)
في "التاريخ الكبير"(4/ 1/ 180).
(2)
في السنن الكبرى رقم (6367 - العلمية).
(3)
في "التمهيد"(14/ 242 - 243 - الفاروق).
(4)
في المسند (ج 2 رقم 366 - ترتيب).
(5)
في المصنف رقم (17782).
(6)
في السنن الكبرى (6/ 219) وقد تقدم.
(7)
في السنن الكبرى (8/ 186).
(8)
في التلخيص الحبير (3/ 185).
(9)
في السنن الكبرى رقم (6368 - العلمية).
(10)
في سننه رقم (2646) وقد تقدم.
(11)
في سننه (4/ 95 رقم 83).
(12)
في سننه (4/ 95 - 96 رقم 84).
(13)
كذا في المخطوط (أ) و (ب): والصواب (كثير بن سليم) كما سيأتي في التعليقة الآتية.
(14)
كثير بن سليم الضبي البصري المدائني: أبو سلمة. ضعفه ابن المديني وأبو حاتم، وقال أبو زرعة: واهٍ؛ قال البخاري: كثير أبو هشام أراه ابن سليم الأيلي، عن أنس، منكر الحديث.
[الجرح والتعديل (7/ 152) والمغني (2/ 530) والميزان (3/ 405)].
(15)
في السنن الكبرى (6/ 220) بسند ضعيف.
لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره"، وفي لفظ: "وإن كان والده أو ولده"، وفي إسناده عمرو بنُ برقٍ وهو ضعيف.
وعن أبي هريرة عند الترمذي
(1)
وابن ماجه
(2)
بلفظ: "القاتل لا يرث"، وفي إسناده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة تركه أحمد
(3)
وغيره.
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى
(4)
وقال إسحاق: متروك.
وعن عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي عن الطبراني
(5)
في قصته وأنه قتل امرأته خطأ فقال صلى الله عليه وسلم: "اعقلها ولا ترثها"، وعن عدي الجذامي نحوه
(6)
، أخرجه الخطابي [والبيهقي
(7)
]
(8)
.
وحديث سعيد بن المسيب أخرجه أيضًا النسائي
(9)
، وقال الترمذي
(10)
: حسن صحيح، زاد أبو داود
(11)
بعد قوله: "من دية زوجها فرجع عمر"، وفي رواية:"وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على الأعراب".
(1)
في سننه رقم (2109) وقال: هذا حديث لا يصح، لا يعرف إلا من هذا الوجه.
(2)
في سننه رقم (2735).
(3)
الجرح والتعديل (1/ 227) والكامل (1/ 320) والمجروحين (1/ 31) والميزان (1/ 193).
وخلاصة القول: أن حديث أبي هريرة حديث صحيح بشواهده.
(4)
في السنن الكبرى (6/ 121 رقم 6335 - الرسالة) قال أبو عبد الرحمن: إسحاقُ متروك الحديث. أخرجته من مشايخ الليث لئلا يُترك من الوسط.
قال محققه: "وهذا الحديث زدناه من "التحفة"، وأتممنا نصه من الدراقطني (4/ 96) فقد أخرجه عن ابن حيّوية، عن النسائي، وقوله: "في مشايخ الليث" زيادة من الدارقطني.
(5)
في الكبير كما في "مجمع الزوائد"(4/ 230) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وعمر بن شيبة قال أبو حاتم: مجهول.
(6)
أخرجه الطبراني في الكبير (ج 17 رقم 271) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 230): رواه باختصار ورجاله رجال الصحيح إلا أن فيه راويًا لم يسم".
(7)
في السنن الكبرى (6/ 219).
(8)
زيادة من المخطوط (ب).
(9)
في السنن الكبرى (رقم 6364 - العلمية).
(10)
في السنن (4/ 426).
(11)
في سننه رقم (2927) وهو حديث صحيح وقد تقدم.
وحديث عمرو بن شعيب هو حديث طويل ساقه أبو داود
(1)
بطوله في باب ديات الأعضاء، وفي إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي
(2)
، وقد اختلف فيه، فتكلم فيه غير واحد، ووثقه غير واحد.
وحديث قرة بن دعموص يشهد له حديث الضحاك المذكور
(3)
. وحديث عمرو بن شعيب
(4)
.
قوله: (لا يرث القاتل شيئًا) استدل به من قال بأن القاتل لا يرث سواء كان القتل عمدًا أو خطأ، وإليه ذهب الشافعي
(5)
وأبو حنيفة
(6)
وأصحابه وأكثر أهل العلم، قالوا: ولا يرث من المال ولا من الدية.
وقال مالك
(7)
(1)
في سننه رقم (4564) وهو حديث حسن وقد تقدم.
(2)
محمد بن راشد المكحولي الخزاعي، الدمشقي، نزيل البصرة: صدوقٌ يهمُ ورمي بالقدر.
"التقريب" رقم (5875).
وقال المحرران: بل ثقة، وثقه أحمد، فقال: ثقة ثقة، وابن معين، وعبد الله بن المبارك، والنسائي، وعبد الرحمن بن صالح
…
".
(3)
تقدم برقم (46/ 2583) من كتابنا هذا.
(4)
تقدم برقم (47/ 2584) من كتابنا هذا.
(5)
البيان للعمراني (9/ 23).
(6)
حاشية ابن عابدين (10/ 417 - 418) والمبسوط (30/ 47).
(7)
قال القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي في "عيون المجالس"(4/ 1903 - 1907)(رقم المسألة 1348): "مسألة: اختلف الناس في ميراث القاتل على أربعة أقوال:
• فظاهر مذهبنا - أي المالكية - أن القاتل عمدًا بغير شبهة لا يرث على حال، وإن كان خطأ، ورث من المال ولم يرث من الدية.
وإن كان إمام عادل قتل من يرثه في قصاص أو زنا، أو حد، أو محاربة، بإقرار أو بينة، فإن أصحابنا لم يفصلوا هذا التفصيل، وأرى أن كل من لا تلحقه تهمة فإنه يرث كالخطأ.
وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، رحمهم الله.
وحُكي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثله.
• وقال أبو حنيفة رحمه الله: كل قاتل لا يرث، إلا ثلاثة: الصبيّ، والمجنون، والقاتل إذا كان مع الإمام وقتل مورثه وهو باغٍ، لأنه طائع.
• وظاهر مذهب الشافعي رحمه الله، وما عليه أصحابه أنه لا فرق بين العمد والخطأ وعمد الخطأ، قيل: سواء قتله بمباشرته أو بسبب قامت به بينة، أو يعترف، على أي =
والنخعي
(1)
والهادوية
(2)
: إن قاتل الخطأ يرث من المال دون الدية، ولا يخفى أن التخصيص لا يقبل إلا بدليل.
وحديث عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي
(3)
نص في محل النزاع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"ولا ترثها".
وكذلك حديث عدي الجذامي
(4)
الذي أشرنا إليه؛ ولفظه في سنن البيهقي: "إن عديًّا كانت له امرأتان اقتتلتا فرمى إحداهما فماتت، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فذكر له ذلك، فقال له: "اعقلها ولا ترثها". وأخرج البيهقي
(5)
أيضًا: "أن رجلًا رمى بحجر فأصاب أمه فماتت من ذلك، فأراد نصيبه من ميراثها، فقال له إخوته: لا حق لك، فارتفعوا إلى علي رضي الله عنه،
= حال كان، متى دخل تحت اسم قاتل، حتى لو قصده أو حجمه، فمات، لم يرثه.
ولأصحابه في ذلك تفصيل. فقال بعضهم - منهم البصريون -: كل قاتل تلحقه التهمة لا يرث، وكل قاتل لا تلحقه التهمة يرث، مثل من يجيء إلى الإمام وهو مورثه ويعترف عنده بما يوجب قتله، فإنه يرثه.
لأنه قتله ولا يلحقه التهمة في قتله، وكذلك المحارب، إذا قدر عليه قبل التوبة، فإنه يرثه. فإن قتله حَتْم - أي لازم واجب - لا اجتهاد فيه.
وهذا يقوي في نفسي - أي ما اختاره القاضي عبد الوهاب آنفًا موافقًا لأصحاب الشافعي رحمهم الله.
ومثل قول الشافعي رحمه الله، حكي عن عمر، وابن عمر، وابن عباس، رضي الله عنهم.
• وقال قوم من البصريين، والزهري رحمه الله: إن القتل عمدًا لا يمنع من الميراث، وكذلك قتل الخطأ؛ وهذا خلاف شاذ". اهـ.
قلت: قول البصريين، والزهري مخالف لأحاديث الباب وللجمهور وإجماعهم.
[المغني (9/ 150 - 153) وروضة الطالبين (6/ 31 - 32) والإنصاف (7/ 369) والسنن الكبرى (6/ 219 - 220) والبحر الزخار (5/ 367 - 368)].
(1)
الصواب أن النخعي من الذين قالوا: إن القاتل خطأً لا يرث. انظر: المغني لابن قدامة (9/ 151) وموسوعة فقه الإمام النخعي (1/ 257).
(2)
البحر الزخار (5/ 367).
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في "مجمع الزوائد"(4/ 230) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وعمر بن شيبة قال أبو حاتم: مجهول. وقد تقدم.
(4)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 17 رقم 271) وقد تقدم.
(5)
في السنن الكبرى (6/ 219).
فقال له: حقك من ميراثها الحجر، وأغرمه الدية ولم يعطه من ميراثها شيئًا".
وأخرج أيضًا
(1)
عن جابر بن زيد أنه قال: "أيما رجل قتل رجلًا أو امرأة عمدًا أو خطأ فلا ميراث له منهما، وأيما امرأة قتلت رجلًا أو امرأة عمدًا أو خطأ فلا ميراث لها منهما"، وقال: قضى بذلك عمر بن الخطاب وعلي وشريح وغيرهم من قضاة المسلمين.
وقد ساق البيهقي
(2)
في الباب آثارًا عن [عمر وابن عباس]
(3)
وغيرهما تفيد كلها أنه لا ميراث للقاتل مطلقًا.
قوله: (أشيم) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت.
قوله: (من دية زوجها)، فيه دليل على أن الزوجة ترث من دية زوجها كما ترث من ماله.
وكذلك يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب
(4)
المذكور لعموم قوله فيه: "بين ورثة القتيل" والزوجة من جملتهم.
وكذلك قوله في حديث قرة
(5)
المذكور: هل لأمي فيها حق؟ قال: "نعم".
[الباب الخامس عشر] باب في أَنَّ الأنبياءَ لا يُورَثُونَ
49/ 2586 - (عَنْ أبي بَكْرٍ الصّدّيِق عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا نُورَثُ، ما تَرَكْناهُ صَدَقَةٌ")
(6)
. [صحيح]
50/ 2587 - (وعَنْ عُمَرَ أنَّهُ قالَ لِعُثْمانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ والزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَعليّ وَالعَبَّاسِ: أُنْشِدُكُمْ [الله]
(7)
الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماء وَالأرْضُ أتَعْلمُونَ
(1)
أي البيهقي في السنن الكبرى (6/ 220).
(2)
في السنن الكبرى (6/ 220).
(3)
في المخطوط (ب): (عمر وبن عباس).
(4)
تقدم برقم (2584) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم برقم (2585) من كتابنا هذا.
(6)
أحمد في المسند (1/ 40، 10) والبخاري رقم (6726) ومسلم رقم (54/ 1759).
(7)
في المخطوط (أ): (بالله).
أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا نُورَثُ، ما تَرَكْناهُ صَدَقَةٌ؟ "، قالُوا: نَعَمْ)
(1)
. [صحيح]
51/ 2588 - (وَعَنْ عائِشَةَ: أن أزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِين تُوُفّيَ أرَدْنَ أنْ يَبْعَثْنَ عُثْمانَ إلى أبي بَكْرٍ يَسألْنَهُ مِيْرَاثَهُنَّ، فَقالَتْ عائِشَةُ: ألَيْسَ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا نُورَثُ، ما تَرَكْناهُ صَدَقَةٌ"
(2)
. [صحيح]
52/ 2589 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَة قَالَ: قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقْتَسِمُ وَرَثَتي دِينَارًا، ما تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَة نِسَائِي وَمَئُونَة عامِلي فَهُوَ صَدَقَةٌ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ
(3)
.
وفي لَفْظٍ لأحْمَدَ
(4)
: "لا يَقْتَسِمُ وَرَثَتي دِينارًا وَلا درْهمًا"). [صحيح]
53/ 2590 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ: أن فاطِمَةَ رضي الله عنها قالَتْ لأبي بَكْرٍ: مَنْ يَرِثُكَ إذَا مُتَّ؟ قالَ: وَلَدِي وأهْلِي، قالَتْ: فَمَا لنَا لا نَرِثُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ النَّبِيَّ لا يُورَثُ"، ولَكِنْ أعُولُ مَنْ كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُولُ، وأُنْفِقُ على مَنْ كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
والتَّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)
(6)
. [صحيح]
قوله: (لا نورث) بالنون، وهو الذي توارد عليه أهلُ الحديث في القديم والحديث، كما قال الحافظ في الفتح
(7)
: و (ما تركناه) في موضع الرفع بالابتداء (وصدقةٌ) خبره.
وقد زعم بعض الرافضة
(8)
أن لا نورث بالياء التحتانية، و (صدقة) بالنصب
(1)
أحمد في المسند (1/ 25، 60، 162) والبخاري رقم (6728) ومسلم رقم (49/ 1757).
(2)
أحمد في المسند (6/ 145، 262) والبخاري رقم (6730) ومسلم رقم (5/ 1758).
(3)
أحمد في المسند (2/ 376) والبخاري رقم (6729) ومسلم رقم (55/ 1760).
(4)
في المسند (2/ 242).
وهو حديث صحيح.
(5)
في المسند (1/ 10، 13).
(6)
في سننه رقم (1608) وقال: حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(7)
في "الفتح"(7/ 12).
(8)
تقدم التعريف بهم.
على الحال، و (ما تركناه) في محل رفع على النيابة والتقدير: لا يورث الذي تركناه حال كونه صدقة، وهذا خلاف ما جاءت به الرواية ونقله [الحفاظ]
(1)
، وما ذلك بأوَّل تحريفٍ من أهل تلك النِّحلة.
ويوضح بطلانه ما في حديث أبي هريرة المذكور
(2)
في الباب بلفظ: "فهو صدقة"، وقوله: " [لا تقتسم]
(3)
ورثتي دينارًا"، وقوله: "أن النبي لا يورث" ومما ينادي على بطلانه أيضًا أن أبا بكر احتج بهذا الكلام على فاطمة رضي الله عنهما فيما التمسته منه من الذي خلَّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأراضي، وهما من أفصح الفصحاء وأعلمهم بمدلولات الألفاظ، فلو كان اللفظ كما تقرؤه الروافض لم يكن فيما احتج به أبو بكر حجة ولا كان جوابه مطابقًا لسؤالها.
قوله: (أنشدكم [الله])
(4)
أي: أسألكم رافعًا نشدتي، أي: صوتي، وقد قدمنا الكلام على هذا التركيب ومعناه.
قوله: (ومئونة عاملي) اختلف في المراد به، فقيل: هو الخليفة بعده.
قال الحافظ
(5)
: وهذا هو المعتمد.
وقيل: يريد بذلك العامل على النخل، وبه جزم الطبري
(6)
وابن بطال
(7)
.
وأبعد من قال: المراد بعامله حافر قبره. وقال ابن دحية في الخصائص
(8)
: المراد بعامله: خادمه. وقيل: العامل على الصدقة. وقيل: العامل فيها كالأجير، ونبه بقوله:"دينارًا" بالأدنى على الأعلى.
وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب أن الأنبياء لا يورثون، وأن جميع ما تركوه من الأموال صدقة، ولا يعارض ذلك قوله تعالى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}
(9)
، فإن المراد بالوراثة المذكورة وراثة العلم لا المال كما صرح بذلك جماعة من
(1)
في المخطوط (ب): (الحافظ).
(2)
تقدم برقم (52/ 2589) من كتابنا هذا.
(3)
في المخطوط (ب): (لا يقتسم).
(4)
في المخطوط (أ): (بالله).
(5)
في الفتح (6/ 209).
(6)
ذكره الحافظ في "الفتح"(6/ 209).
(7)
في شرحه لصحيح البخاري (5/ 261) و (8/ 343).
(8)
ذكره الحافظ في "الفتح"(6/ 209).
(9)
سورة النمل، الآية:(16).
أئمة التفسير
(1)
.
(1)
كابن كثير في تفسيره (10/ 395) حيث قال: قوله: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} أي في الملك والنبوة، وليس المراد وراثة المال، إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود، فإنه قد كان لداود مائة امرأة، ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة فإن الأنبياء لا تورث أموالهم كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة" البخاري رقم (3298).
• وقال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية"(4/ 222 - 223):
"(الوجه الثاني عشر): أن قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16]، وقوله عن زكريا:{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 5، 6] لا يدل على محل النزاع.
لأن الإرث اسم جنس تحته أنواع، والدال على ما به الاشتراك لا يدل على ما به الامتياز.
فإذا قيل: هذا حيوان، لا يدل على أنه إنسان أو فرس أو بعير.
وذلك أن لفظ "الإرث" يستعمل في إرث العلم والنبوة والملك وغير ذلك من أنواع الانتقال.
قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32].
وقال تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} [المؤمنون: 10، 11].
وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)} [الزخرف: 72].
وقال تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب: 27].
وقال تعالى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].
وقال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 136، 137].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)} [الأنبياء: 105].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر". وهو حديث حسن.
• أخرجه أبو داود رقم (3641) وابن ماجه رقم (223) والترمذي رقم (2682) وأحمد في المسند (5/ 196) وابن حبان في صحيحه رقم (88) والدارمي (1/ 98).
وأورد البخاري طرفًا من الحديث في "صحيحه" في العلم: باب: العلم قبل القول والعمل. وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(1/ 160)"طرف من حديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم مصححًا من حديث أبي الدرداء، وحسنه حمزة الكِناني، وضعفه غيرهم بالاضطراب في سنده، لكن له شواهد يتقوى بها".
قلت: وقد ذكر الخلاف أيضًا الحافظ ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" وأطال فيه =
وقد استشكل ما وقع في الباب عن عمر أنه قال لعثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد وعلي والعباس: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث، ما تركناه صدقة"؟ فقالوا: نعم. ووجه الاستشكال أن أصل القصة صريح في أن العباس وعليًا قد علما بأنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث"، فإن كانا سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يطلبانه من أبي بكر، وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر.
وأجيب بحمل ذلك على أنهما اعتقدا أن عموم "لا نورث" مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض، ولذلك نسب عمر إلى علي وعباس أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما كما وقع في صحيح البخاري
(1)
وغيره
(2)
.
وأما مخاصمتهما بعد ذلك عند عمر، فقال إسماعيل القاضي فيما رواه الدارقطني من طريقه: لم يكن في الميراث إنما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف كذا قال، لكن في رواية النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري ما يدل على أنهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث، ولفظه في آخره:"ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا: أريد نصيبي من ابن أخي، ويقول هذا: أريد نصيبي من امرأتي، والله لا أقضي بينكما إلا بذلك"، أي: إلا بما تقدم من تسليمها لهما على سبيل الولاية.
وكذا وقع عند النسائي
(3)
من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس
= فراجعه إن رغبت (1/ 33 - 37).
وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 139) رقم التعليقة (1): "ومدار الحديث على "داود بن جميل" عن "كثير بن قيس" وهما مجهولان، لكن أخرجه أبو داود رقم (3642) من طريق أخرى عن أبي الدرداء بسند حسن".
والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(1)
في صحيحه رقم (4240، 4241).
(2)
كمسلم في صحيحه رقم (52/ 1759).
(3)
في السنن الكبرى (6/ 98 - 100 رقم 6276 - الرسالة).
قلت: وأخرجه البخاري رقم (3094) و (4033) و (5358) و (6728) و (7305) ومسلم رقم (49/ 1757) وأبو داود رقم (2963) و (2964) والترمذي رقم (1610).
وهو حديث صحيح.
نحوه، وفي السنن لأبي داود
(1)
وغيره [أراد]
(2)
أن عمر يقسمها بينهما لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه، فامتنع عمر من ذلك وأراد أن لا يقع عليهما اسم القسمة، ولذلك أقسم على ذلك، وعلى هذا اقتصر أكثر شراح الحديث واستحسنوه، وفيه من النظر ما تقدم.
وأعجب من ذلك جزم ابن الجوزي
(3)
ثم الشيخ محيي الدين
(4)
بأن عليًّا وعباسًا لم [يطلبا]
(5)
من عمر إلا ذلك، مع أن السياق في صحيح البخاري
(6)
صريح في أنهما جاءا مرتين في طلب شيء واحد لكن العذر لابن الجوزي والنووي أنهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاري
(7)
.
وأما ما ثبت في الصحيح من قول عمر: "جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك"، فإنما عبر بذلك لبيان [قسمة]
(8)
الميراث كيف يقسم بينهم لو كان هناك ميراث، لا أنه أراد الغض منهما بهذا الكلام. وزاد الإمامي عن ابن شهاب عند عمر بن شبة ما لفظه: "فأصلحا أمركما وإلّا لم [يرجع]
(9)
والله إليكما".
قوله: (ولكن أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعول) إلخ، فيه دليل على أنه يتوجه على الخليفة القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعول من كان الرسول [صلوات الله عليه وآله وسلم -]
(10)
يعوله، وينفق على من كان الرسول ينفق عليه.
(1)
في سننه رقم (2963) و (2964).
(2)
في المخطوط (ب): (أرادا).
(3)
في "كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 28 - 29).
(4)
أي: النووي في شرحه لصحيح مسلم (12/ 73 - 74).
(5)
في المخطوط (ب): (يطالبا).
(6)
البخاري في صحيحه رقم (3094) و (4033).
(7)
حكاه الحافظ ابن حجر في "الفتح"(6/ 207).
(8)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(9)
في المخطوط (ب): (ترجع).
(10)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).
[الكتاب السابع والعشرون] كتاب العتق
[الباب الأول] باب الحَثِّ عليهِ
1/ 2591 - (عَنْ أَبي هُرَيْرَة عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أعْتَقَ الله بِكُلّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النّارِ حَتى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(1)
. [صحيح]
2/ 2592 - (وَعَنْ سالِمِ بْنِ أبي الجَعْدِ عَنْ أبي أمَامَةَ وَغَيرِهِ مِنْ أصحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يَعْنِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"أيُّمَا امْرِئ مُسْلِمٍ أعْتَقَ امْرأً مُسْلِمًا كانَ فَكاكَهُ مِنَ النَّارِ، يُجزَى كُل عُضْو مِنْهُ عضوًا مِنْهُ؛ وأيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أعْتَقَ امْرأتيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كانَتا فَكاكَهُ مِنَ النَّارِ، يُجْزَى كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُما عُضْوًا مِنْهُ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
(2)
. [صحيح]
وَلأحمَدَ
(3)
وأبي دَاوُدَ
(4)
مَعْناهُ مِنْ رِوَايَةِ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ أوْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ
(1)
أحمد في المسند (2/ 420، 430، 447، 525) والبخاري رقم (2517) ومسلم رقم (22/ 1509).
وهو حديث صحيح.
(2)
في سننه رقم (1547) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (4/ 235).
(4)
في سننه رقم (3967).
قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1198) و"عبد بن حميد رقم (372) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (1408) وابن قانع في "معجم الصحابة" (2/ 379) والطبراني في المعجم الكبير (ج 20 رقم 755 و 756) والبيهقي (10/ 272) من طريق.
وهو حديث صحيح.
السُّلَمِيّ، [وَزادَا]
(1)
فِيه: "وأيُّمَا امْرأةٍ مُسْلِمَةٍ أعْتَقَتِ امْرأةً مُسْلِمَةً كانَتْ فَكاكها مِنَ النَّارِ، يُجْزَى بِكُلّ عُضْوٍ مِنْ أعْضَائِها عُضْوًا مِنْ أعْضَائِهَا"). [صحيح]
حديث كعب بن مرة أخرجه أيضًا النسائي
(2)
وابن ماجه
(3)
وإسناده صحيح.
وفي الباب عن عمرو بن عبسة عند أبي داود
(4)
والترمذي
(5)
.
وعن أبي موسى عند أحمد
(6)
والنسائي
(7)
.
وعن عقبة بن عامر عند الحاكم
(8)
.
وعن واثلة عند الحاكم
(9)
أيضًا.
(1)
في المخطوط (ب): (وزاد)، والمثبت من المخطوط (أ)، وهذه الزيادة عند أحمد وأبي داود.
(2)
في السنن الكبرى (رقم 4880 - العلمية).
(3)
في سننه رقم (2522).
وهو حديث صحيح كما تقدم.
(4)
في سننه رقم (3966).
(5)
أشار إليه الترمذي في سننه عقب الحديث (1541) حيث قال: وفي الباب عن
…
وعمرو بن عبسة
…
".
وأخرجه ابن أبي عاصم في "الجهاد" رقم (163) والنسائي في المجتبى (6/ 26 - 27) وفي الكبرى رقم (4350 - العلمية) والطبراني في مسند الشاميين رقم (958) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(6)
في المسند (4/ 404).
(7)
في السنن الكبرى (رقم 4878 - العلمية).
قلت: وأخرجه الشافعي في سننه رقم (601) والحميدي رقم (767) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (718) والحاكم في المستدرك (2/ 211 - 212) وأبو نعيم في "أخبار أصبهان"(1/ 60) والبيهقي (10/ 272) وفي "المعرفة" رقم (20383).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 242 - 243) رواه أحمد والطبراني، وقال: لا يروى عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، ورجال أحمد ثقات". اهـ.
وهو حديث صحيح لغيره.
(8)
في المستدرك (2/ 211) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
قلت: الحسن البصري لم يصرح بسماعه من قيس الجذامي.
ولكن الحديث صحيح لغيره.
(9)
في المستدرك (2/ 212) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. =
وعن مالك بن الحارث عنده
(1)
أيضًا.
قوله: (كتاب العِتْق) بكسر العين المهملة وسكون الفوقية، وهو: زوال الملك وثبوت الحرية.
وقال في الفتح
(2)
: يقال: عتق يعتق عتقًا، بكسر أوّله ويفتح، وعتاقًا وعتاقة، قال الأزهري
(3)
: وهو مشتق من قولهم: عتق الفرس: إذا سبق، وعتق الفرخ: إذا طار، لأنَّ الرقيق يخلص بالعتق ويذهب حيث شاء.
قوله: (مسلمة) هذا مقيد لباقي الروايات المطلقة فلا يستحق الثواب المذكور إلا من أعتق رقبة مسلمة.
ووقع في حديث [عمرو بن عبسة
(4)
]
(5)
: "من أعتق رقبةً مؤمنةً"، وهو أخصُّ من قيد الإسلام، ولا خلاف: أنَّ معتق الرقبة الكافرة مُثاب على العتق، ولكنَّه ليس كثواب الرقبة المؤمنة.
قوله: (حتى فرجه بفرجه)، استشكله ابنُ العربي
(6)
فقال: الفرج لا يتعلق به ذنب يوجب النار إلا الزنا، فإن حمل على ما يتعاطاه من الصغائر كالمفاخذة لم يشكل عتقه من النَّار بالعتق، وإلا فالزنا كبيرةٌ لا تكفر إلا بالتوبة.
= قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3964) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (738) والطبراني في الكبير (ج 22 رقم 219) وفي مسند الشاميين رقم (43) والبيهقي (8/ 132 - 133) من طرق ..
وهو حديث ضعيف.
(1)
لم أقف عليه عند الحاكم من حديث مالك بن الحارث.
وقد أخرجه أحمد في المسند (4/ 344) وابن قانع في "معجم الصحابة"(3/ 50)
والطبراني في الكبير (ج 19 رقم 670).
وأورده الهيثم 4 ي في "مجمع الزوائد"(4/ 243) وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه علي بن زيد، وحديثه حسن، وقد ضعف".
وهو حديث صحيح لغيره والله أعلم.
(2)
الفتح (5/ 146).
(3)
في "تهذيب اللغة"(1/ 210).
(4)
تقدم آنفًا. وهو حديث صحيح.
(5)
في المخطوط (ب): (عمر بن عبسة) والمثبت من (أ) ومراجع الحديث المتقدمة.
(6)
في عارضة الأحوذي (7/ 25).
وقال
(1)
: فيحتمل أن يكون المراد: أن العتق يرجح عند الموازنة، بحيث يكون مرجحًا لحسنات المعتق ترجيحًا يوازي سيئة الزنا. اهـ.
قال الحافظ
(2)
: ولا اختصاص لذلك بالفرج بل يأتي في غيره من الأعضاء كاليد في الغصب مثلًا.
قوله: (أيُّما امرئٍ مسلم) فيه دليل على أن هذا الأجر مختصٌّ بمن كان من المعتقين مسلمًا، فلا أَجر للكَّافر في عتقه إلا إذا انتهى أمره إلى الإسلام فسيأتي.
قوله: (فَكاكه) بفتح الفاء وكسرها لغةً، أي: كانتا خلاصهُ.
قوله: (يُجزَى) بضم الياء وفتح الزاي غير [مهموزة]
(3)
.
وأحاديث الباب فيها دليلٌ على أن العتق من القُرَبِ الموجبةِ للسلامة من النَّار، وأنَّ عتق الذكر أفضل من عتق الأنثى.
وقد ذهب البعض إلى تفضيل عتق الأنثى على الذكر.
واستدلَّ على ذلك: بأنَّ عتقها يستلزم حريَّة ولدها سواءٌ تزوجها حرٌ أو عبدٌ، ومجرَّد هذه المناسبة لا يصلح لمعارضة ما وقع التصريح به في الأحاديث من فكاك المعتق إمَّا رجلًا، أو امرأتين، وأيضًا عتق الأنثى ربما أفضى في الغالب إلى ضياعها لعدم قدرتها على التكسب بخلاف الذكر.
قال في الفتح
(4)
: وفي قوله: "أعتق الله بكل عضو عضوًا منه"، إشارة إلى أنَّه ينبغي أن لا يكون في الرقبة نقصان لتحصيل الاستيعاب.
وأشار الخطابي
(5)
إلى أنه يغتفر النقص المجبور بمنفعته كالخصيِّ مثلًا. واستنكره النَّووي
(6)
وغيره وقال: لا يشكُّ في أن عتق الخصيِّ وكلِّ ناقصٍ فضيلةٌ، لكنَّ الكامل أولى.
3/ 2593 - (وَعَنْ أبي ذَرّ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله، أيّ الأعمالِ أفْضَلُ؟
(1)
أي: ابن العربي في "عارضة الأحوذي (7/ 25 - 26).
(2)
في "الفتح"(5/ 148).
(3)
في المخطوط (أ): (مهموز).
(4)
الفتح (15/ 47).
(5)
في معالم السنن (4/ 273).
(6)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 151).
قالَ: "الإيمَانُ بالله، وَالجِهادُ فِي سَبِيلِ الله"، قالَ: قُلْتُ: أيُّ الرّقابِ أفْضَلُ؟ قالَ: "أنْفَسُها عِنْدَ أهْلِها وأكْثَرُها ثَمَنًا")
(1)
. [صحيح]
4/ 2594 - (وَعَنْ مَيْمُونَةَ بِنتِ الحارِثِ: أنَّهَا أعْتَقَتْ وَليدَةً لَهَا وَلمْ تَسْتأذِنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كانَ يَوْمُها الَّذِي يَدُورُ عَلَيْها فِيهِ، قالَتْ: أشَعَرْتَ يا رَسُولَ الله أنِّي أعْتَقْتُ وَليدَتِي؟ قالَ: "أوَ فَعَلْتِ؟ " قالَتْ: نَعَمْ، قالَ:"أما إنَّكِ لَوْ أعْطَيْتِها أخْوَالَكِ كانَ أعْظَمَ لِأجْرِكِ"، مُتَّفَق عَلَيْهِما
(2)
. [صحيح]
وفِي الثاني دَلِيلٌ على جَوازِ تَبرُّع المَرأةِ بِدُونِ إذْنِ زوْجِها، وأنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ أفْضَلْ مِنَ العِتْقِ).
5/ 2595 - (وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله، أرَأيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أتحَنَّثُ بِها فِي الجاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ وَعِتاقٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ، هَلْ لي فِيها مِنْ أجْرٍ؟ قَالَ:"أَسْلَمْتَ على ما سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ" مُتَّفَق عَلَيْهِ
(3)
. [صحيح]
وَقَد احْتَجَّ بِهِ على أن الحَرْبِيَّ يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَمَتى نَفَذَ فَلَهُ وَلَاؤهُ بالخَيْرِ).
قوله: (الإيمان بالله والجهاد) قال النووي
(4)
: ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان، ولم يذكر الحج وذكر العتق.
وفي حديث ابن مسعود
(5)
بالصلاة ثم البر ثم الجهاد.
وفي حديث آخر
(6)
ذكر السلامة من اليد واللسان.
(1)
أخرجه أحمد في المسند (5/ 150، 163، 171) والبخاري رقم (2518) ومسلم رقم (136/ 84).
وهو حديث صحيح.
(2)
أحمد في المسند (6/ 332) والبخاري رقم (592) ومسلم رقم (44/ 999).
وهو حديث صحيح.
(3)
أحمد في المسند (3/ 402، 434) والبخاري رقم (1436) ومسلم رقم (195/ 123).
(4)
في شرحه لصحيح مسلم (2/ 77).
(5)
عند مسلم في صحيحه رقم (137/ 85).
(6)
من حديث أبي موسى عند البخاري رقم (11) ومسلم رقم (66/ 42).
قال العلماء
(1)
: اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال، واحتياج المخاطبين، وذكر ما لا يعلمه السائل والسامعون، وترك [ما علموه]
(2)
.
قال في الفتح
(3)
: ويمكن أن يقال: إن لفظة "من" مرادة، كما يقال: فلانٌ أعقل الناس، والمراد من أعقلهم.
ومنه حديث: "خيركم خيركم لأهله"
(4)
، ومن المعلوم: أنَّه لا يصير بذلك خير الناس. اهـ.
قوله: (أنفسها عند أهلها) أي: اغتباطهم بها أشدُّ، فإنَّ عتق مثل ذلك ما يقع غالبًا إلا خالصًا، وهو كقوله تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}
(5)
.
قوله: (وأكثرها ثمنًا) في رواية للبخاري
(6)
: "أعلاها ثمنًا" بالعين المهملة، وهي رواية النسائي
(7)
أيضًا، وللكشميهني (8) بالغين المعجمة، وكذا النسفي (8).
قال ابن قرقول
(8)
: معناهما متقارب، ورواية مسلم
(9)
كما هنا.
قال النووي
(10)
: محلّه - والله أعلم - فيمن أراد أن يعتق رقبةً واحدةً، أمَّا لو كان مع شخصٍ ألف درهم مثلًا، فأراد أن يشتري بها رقبةً يعتقها فوجد رقبةً نفيسةً، ورقبتين مفضولتين، فالرقبتان أفضل.
قال
(11)
: وهذا بخلاف الأضحية فإن الواحدة السمينة فيها أفضل، لأنَّ المطلوب هنا فكُّ الرَّقبة، وهناك طيبُ اللحم.
قال الحافظ
(12)
: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فرب
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 347) وشرح مسلم للنووي (2/ 78).
(2)
في المخطوط (ب): (عملوه).
(3)
الفتح (1/ 79).
(4)
أخرجه الترمذي في سننه رقم (3895) وقال: حسن غريب صحيح.
وهو حديث صحيح من حديث عائشة.
(5)
سورة آل عمران، الآية:(92).
(6)
في صحيحه رقم (2518).
(7)
في السنن الكبرى (4894 - العلمية).
(8)
ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 148).
(9)
في صحيحه رقم (136/ 84).
(10)
في شرحه لصحيح مسلم (2/ 79).
(11)
أي: النووي في المرجع السابق (2/ 79).
(12)
في الفتح (5/ 148 - 149).
شخص واحد إذا [أعتق]
(1)
انتفع بالعتق أضعاف ما يحصل من النفع [بعتق]
(2)
أكثر عددًا منه. ورب محتاج إلى كثرة اللحم لتفرقته على المحاويج الذين ينتفعون به أكثر مما ينتفع به هو بطيب اللحم، فالضابط أن مهما كان أكثر نفعًا كان أفضل سواء قل أو كثر.
واحتجَّ به لمالك
(3)
في أن عتق الرقبة الكافرة إذا كافت أعلى ثمنًا من المسلمة أفضل، وخالفه أصبغ
(4)
وغيره وقالوا: المراد بقوله: "أعلى ثمنًا" من المسلمين وقد تقدم تقييده بذلك.
قوله: (أشعرت) بفتح الشين المعجمة والعين المهملة وهو من الشعور.
قوله: (وفي الثاني دليلٌ على جواز تبرع المرأة) إلخ، قد قدمنا الكلام على ذلك في باب ما جاء في تصرف المرأة في مالها ومال زوجها من كتاب الهبة
(5)
.
قوله: (أسلمت على ما سلف لك من خير) فيه دليلٌ: على أن ما فعله الكافرُ حال كفره من القرب يكتب له إذا أسلم فيكون هذا الحديث مخصصًا لحديث: "الإسلام يجب ما قبله"، وقد تقدم
(6)
في أوائل كتاب الصلاة، وجبُّ ذنوب الكافر بالإسلام أيضًا مشروط بأن يحسن في الإسلام لما أخرجه مسلم في صحيحه
(7)
من حديث عبد الله بن مسعود قال: "قلنا: يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام [أُخِذَ]
(8)
بالأول والآخر"".
وحديث حكيم
(9)
المذكور يدل على أنه يصح العتق من الكافر في حال كفره ويثاب عليه إذا أسلم بعد ذلك، وكذلك الصدقة وصلة الرحم.
(1)
في المخطوط (ب): (عتق).
(2)
في المخطوط (ب): (لعتق).
(3)
التاج والإكليل لمختصر خليل مع مواهب الجليل (8/ 448).
(4)
حكاه عنه الحافظ في الفتح (5/ 149).
(5)
الباب السابع عند الحديث رقم (2494 - 2499) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم تخريجه برقم (417) من كتابنا هذا.
(7)
في صحيحه رقم (190/ 120).
(8)
في المخطوط (أ): (أوخذ).
(9)
تقدم برقم (2595) من كتابنا هذا.
[الباب الثاني] باب من أعتق عبدًا وشرط عليه خدمة
6/ 2596 - (عَنْ سُفَيْنَةَ أبي عَبْدِ الرَّحْمَن قالَ: أعْتَقَتْنِي أُمُّ سَلَمَة وَشَرَطَتْ عَلَيّ أن أخْدُمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ما عَاشَ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَابْنُ ماجَهْ
(2)
.
وفِي لَفْظٍ: كُنْتُ ممْلُوكًا لأمّ سَلَمَة فَقالَتْ: أعْتِقُكَ وأشْتَرِطُ عَلَيْكَ أنْ تَخْدُمَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ما عِشْتَ، فَقُلْتُ: لَوْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ ما فارَقْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ما عِشْتُ، فأعْتَقَتْنِي واشتَرَطَتْ عَلَيَّ" رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(3)
. [حسن]
الحديث أخرجه أيضًا النسائي
(4)
وقال: لا بأس بإسناده. وأخرجه أيضًا الحاكم
(5)
وفي إسناده سعيد بن جمهان أبو حفص الأسلمي، وثقه يحيى بن معين وأبو داود السجستاني. وقال أبو حاتم الرازي: شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به
(6)
.
وقد استدل بهذا الحديث على صحة العتق المعلق على شرط.
وقال ابن رشد
(7)
: ولم يختلفوا أن العبد إذا أعتقه سيده على أن يخدمه سنين أنه لا يتم عتقه إلا بخدمته.
(1)
في المسند (5/ 221).
(2)
في سننه رقم (2526).
(3)
في سننه رقم (3932).
(4)
في السنن الكبرى (رقم 4995 - العلمية).
(5)
في المستدرك (3/ 606) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (976) والبيهقي (10/ 291).
وهو حديث حسن؛ لأن سعيد بن جهمان وثقه أحمد وابن معين، وتكلم فيه البخاري والساجي فمثله يحسن حديثه إذا لم يخالف، والله أعلم.
(6)
وثقه أحمد في العلل رواية المروذي (173) وقال في العلل رواية عبد الله (2391): هو ليس بمجهول، روى عنه عِدة؛ ووثقه غير واحد، وضعفه بعضهم.
التاريخ الكبير (2/ 262) والميزان (2/ 131) والتقريب (1/ 292) والجرح والتعديل (2/ 1/ 10).
(7)
"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(4/ 246).
قال ابن رسلان: وقد اختلفوا في هذا، فكان ابن سيرين
(1)
يثبت الشرط في مثل هذا.
وسئل عنه أحمد
(2)
فقال: يشتري هذه الخدمة من صاحبه الذي اشترط له، قيل له: يشتري بالدراهم؟ قال: نعم. اهـ.
وقال الخطابي
(3)
: هذا وعدٌ عبَّر عنه باسم الشرط، ولا يلزم الوفاء به. وأكثر الفقهاء لا يصححون إيقاع الشرط بعد العتق، لأنه شرط لا يلاقي ملكًا، ومنافع الحرِّ لا يملكها غيره إلا في إجارة أو ما في معناها.
قال في البحر
(4)
: مسألة: ومن قال: اخدم أولادي في ضيعتهم عشر سنين فإذا مضت فأنت حر، عُتِقَ باستكمال ذلك إجماعًا لحصول الشرط والوقت. قال: قلت: ولو خدمهم في غير تلك الضيعة إذ القصد الخدمة لا مكانها، وكذلك لو فرق السنين عليهم لم يضر.
قال الإمام يحيى
(5)
: وللسيد فيه قبل الوفاة كل تصرف إجماعًا.
قال في البحر (6): في دعوى الإجماع نظر.
قال الإمام يحيى (6): وتلزمه الخدمة إجماعًا إذ قد وهبها السيد لهم.
قال الهادي
(6)
: ويعتق بمضي المدة وإن لم يخدم إذا علق بمضيها حيث قال: فإذا مضت. قال: وإذا مات الأولاد قبل الخدمةِ ومضيّ السنين بطل العتق لبطلان شرطه، وقيل: إن كان لهم أولاد عتق بخدمتهم إذ يعمهم اللفظ لا غيرهم من الورثة.
[الباب الثالث] باب ما جاءَ فيمن ملك ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ
7/ 2597 - (عَنْ أبي هُرَيْرةَ قال: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَجْزِي ولَدٌ
(1)
حكاه عنه الخطابي في "معالم السنن"(4/ 251).
(2)
في المغني (14/ 407).
(3)
في معالم السنن (4/ 251).
(4)
البحر الزخار (4/ 198 - 199).
(5)
البحر الزخار (4/ 198 - 199).
(6)
البحر الزخار (4/ 199).
عَنْ وَالدِهِ إلَّا أنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ)
(1)
. [صحيح]
8/ 2598 - (وَعَنِ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ
(2)
. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ لأحْمَدَ
(3)
: "فَهُوَ عَتِيقٌ". [صحيح لغيره]
وِلأبي دَاوُدَ
(4)
عَنْ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ مَوْقُوفًا مِثْلُ حَدِيث سَمُرَةَ. [ضعيف موقوف]
وَرَوَى أنَس: أن رِجالًا مِنَ الأنْصَارِ اسْتأذَنُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم[فَقالُوا]
(5)
: يا رَسُولَ الله ائْذَنْ لَنا فَلْنَتْرُكْ لابْنِ أُخْتنا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقالَ:"لا تَدَعُوا مِنْهُ دِرْهَمًا" رَواهُ البُخارِيُّ
(6)
. [صحيح]
(1)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 230، 376، 445) وأبو داود رقم (5137) والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (10) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 109) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 289). من طرق عن سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (8/ 539) ومن طريقه مسلم رقم (25/ 1510) وابن ماجه رقم (3659) والترمذي رقم (1906) والبغوي في شرح السنة رقم (2425).
والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 289) من طريق عبد الرحيم بن منيب؛ ثلاثتهم عن جرير بن عبد الحميد عن سهيل بن أبي صالح به.
وهو حديث صحيح.
(2)
أحمد في المسند (5/ 15، 20) وأبو داود (3949) والترمذي رقم (1365) وقال: هذا حديث لا نعرفه مسندًا إلا من حديث حماد بن سلمة. وابن ماجه رقم (2524) والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (4/ 63 رقم 4580).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (5/ 18) بسند رجاله ثقات رجال الصحيح، لكن فيه عنعنعة الحسن البصري.
فهو حديث صحيح لغيره.
(4)
في سننه رقم (3950) وهو موقوف لأن قتادة لم يسمع من عمر فإن مولده بعد وفاة عمر بنيف وثلاثين سنة.
فهو ضعيف موقوف.
(5)
في المخطوط (ب): (قالوا).
(6)
في صحيحه رقم (2537) وهو حديث صحيح.
وَهُوَ يَدُلُّ على أنَّه إذا كانَ فِي الغَنِيمَةِ ذُو رَحمٍ لِبَعْضِ الغانِمينَ وَلمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ، لِأنّ العَبّاسَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ عَليٍّ رضي الله عنه).
حديث سمرة قال أبو داود
(1)
والترمذي
(2)
: لم يروه إلا حماد بن سلمة عن قتادة، عن الحسن، ورواهُ شعبة عن قتادة عن الحسن مرسلًا، وشعبةُ أحفظ من حمَّادٍ، ولكن الرفع من الثقة زيادة لولا ما في سماع الحسن من سمرة من المقال.
وقال علي بن المديني (3): هو حديث منكر.
وقال البخاري
(3)
: لا يصح.
وأثر عمر أخرجه أيضًا النسائي
(4)
وهو من رواية قتادة عنه ولم يسمع منه فإن مولده بعد موت عمر بنيف وثلاثين سنة.
وفي الباب عن ابن عمر مرفوعًا عند النسائي
(5)
والترمذي
(6)
وابن ماجه
(7)
والحاكم
(8)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر"، وهو من رواية ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عنه.
قال النسائي
(9)
: حديث منكر ولا نعلم أحدًا رواه عن سفيان غير ضمرة.
وقال الترمذي
(10)
: لم يتابع ضمرة بن ربيعة على هذا الحديث وهو خطأ عند أهل الحديث.
(1)
في السنن (4/ 260).
(2)
في السنن (3/ 646).
(3)
نقله عنهما الزيلعي في نصب الراية (3/ 279).
(4)
في السنن الكبرى رقم (4903 - العلمية).
(5)
في السنن الكبرى رقم (4897 - العلمية).
وقال: "قال لنا أبو عبد الرحمن: لا نعلم أن أحدًا روى هذا الحديث عن سفيان غير ضمرة وهو حديث منكر. والله أعلم.
(6)
في السنن (3/ 647) تعليقًا.
(7)
في سننه رقم (2525).
(8)
في المستدرك (2/ 214) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(9)
قاله عقب الحديث (4897) كما تقدم. ونقله عنه المزي في الأطراف (5/ 451).
(10)
في السنن (3/ 647).
وقال البيهقي
(1)
: إنه وهم فاحش.
وقال الطبراني: وهم فيه ضمرة، والمحفوظ بهذا الإسناد حديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته. وقد رد الحاكم
(2)
هذا وقال: إنه روي من طريق ضمرة الحديثين [بالإسناد]
(3)
الواحد، وضمرة هذا وثقه يحيى بن معين وغيره ولم يخرج له الشيخان. وقد صحح حديثه هذا ابن حزم
(4)
وعبد الحق (5) وابن القطان
(5)
.
قوله: (لا يَجْزي) بفتح أوّلها أي: لا يكافئه بما لَهُ من الحقوق عليه إلا بأن يشتريه فيعتقه، وظاهره: أنَّه لا يعتق بمجرد الشراء، بل لا بُدَّ من العتق، وبه قالت الظاهرية
(6)
. وخالفهم غيرهم فقالوا: إنه يعتق بنفس الشراء.
قوله: (ذا رَحِم) بفتح الراء وكسر الحاء، وأصله موضع تكوين الولد استعمل للقرابة فيقع على كلِّ مَن بينك وبينه نسبٌ يوجب تحريم النكاح.
قوله: (مَحْرَمٍ) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الراء المخففة،
ويقال: محرَّم بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة. والمحرم: من لا يحلُّ نكاحه من الأقارب، كالأب، والأخ، والعم، ومن في معناهم.
قال ابن الأثير
(7)
: الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين وإليه ذهب أبو حنيفة
(8)
وأصحابه وأحمد أن مَنْ مَلَك ذا رَحِمٍ مَحْرَم عتق عليه ذكرًا كان أو أنثى.
وذهب الشافعي
(9)
وغيره من الأئمة والصحابة والتابعين إلى أنه يعتق عليه الأولاد والآباء والأمهات ولا يعتق عليه غيرهم من قرابته.
(1)
في معرفة السنن والآثار (14/ 407 رقم 20487).
(2)
في المستدرك (2/ 214) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(3)
في المخطوط (ب): (بإسناد).
(4)
في المحلى (9/ 203).
(5)
نقله عنهما الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 279).
والخلاصة: أن حديث ضمرة صحيح. وقد صححه الألباني في "الإرواء"(6/ 170، 171).
(6)
المحلى (9/ 200 - 205 رقم المسألة 1667).
(7)
في النهاية (1/ 365).
(8)
الاختيار (3/ 261 - 262).
(9)
البيان للعمراني (8/ 351) والأم (9/ 302 - 303).
وذهب مالك
(1)
إلى أنه يعتق عليه الولد والوالد والإخوة ولا يعتق غيرهم.
قال البيهقي: وافقنا أبو حنيفة في بني الأعمام أنهم لا يعتقون بحق الملك واستدل الشافعي
(2)
ومن وافقه بأن غير الوالدين والأولاد قرابة لا يتعلق بها رد الشهادة [ولا تجب]
(3)
بها النَّفقةُ مع اختلاف الدين، فأشبه قرابة ابن العم وبأنه لا يعصبه فلا يعتق عليه بالقرابة كابن العم، وبأنه لو استحق العتق عليه بالقرابة لمنع من بيعه إذا اشتراه، وهو مكاتب كالوالد والولد، ولا يخفى أن نصب مثل هذه الأقيسة في مقابلة حديث سمرة
(4)
وحديث ابن عمر
(5)
مما لا يلتفت إليه منصف، والاعتذار عنهما بما فيهما من المقال المتقدم ساقط لأنهما يتعاضدان فيصلحان للاحتجاج.
وحكى في الفتح
(6)
عن داود الظاهري أنه لا يعتق أحد على أحد.
قوله: (لابن أختنا) بالمثناة من فوق، والمراد: أنَّهم أخوال أبيه عبد المطلب؛ فإنَّ أمَّ العباس هي نُتَيْلة - بالنون والفوقية مصغرًا - بنت جنان بالجيم والنون وليست من الأنصار، وإنما أرادوا بذلك أن أم عبد المطلب منهم لأنها سلمى بنت عمرو بن أُحَيحة - بمهملتين مصغرًا - وهي من بني النجار.
ومثله ما وقع في حديث [الهجرة]
(7)
أنه صلى الله عليه وسلم: "نزل على أخواله بني النجار"
(8)
، وأخواله حقيقة إنما هم بنو زهرة وبنو النجار هم أخوال جده عبد المطلب.
وقد استدل بحديث أنس هذا من قال: إنه لا يعتق ذو الرحم على رحمه،
(1)
عيون المجالس (4/ 1854 رقم 1311).
(2)
البيان للعمراني (8/ 351) والأم (9/ 302 - 303) والمعرفة للبيهقي (14/ 405).
(3)
في المخطوط (ب): (ولا يجب).
(4)
تقدم برقم (2598) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم خلال شرح الحديث (2598) من كتابنا هذا.
(6)
(5/ 168).
(7)
ما بين الخاصرتين مكررة في (ب).
(8)
أخرجه مسلم (4/ 2309 - 2311 رقم 75/ 2009) من حديث البراء بن عازب.
وفيه: "أنزل على بني النجار، أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك".
والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 506) والفتح (7/ 8).
وقد ترجم عليه البخاري
(1)
فقال: باب إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادى؟ قال في الفتح
(2)
: قيل: إنه أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد فيمن ملك ذا رحم محرم.
[الباب الرابع] بابُ أنَّ مَنْ مَثَّلَ بعبدِهِ عُتِقَ عليهِ
9/ 2599 - (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بن شُعَيبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّه عَبدِ الله بْنِ عمْرٍو: أنَّ زِنْباعًا أبا رَوْح وَجَدَ غُلامًا لَهُ مَعَ جارِيَةٍ لَهُ، فَجَدَعَ أنْفَهُ وَجَبّهُ، فأتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقال:"مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ"؟ قالَ: زِنباعٌ، فَدَعاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"مَا حَمَلَكَ على هَذَا؟ "، فَقَالَ: كانَ مِنْ أمْرِهِ كَذَا وكَذَا، فَقَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اذْهَبْ فأنْتَ حُرّ"، فَقالَ: يا رسول الله فَمْولى مَن أنا؟ فَقالَ: "مَولَى الله وَرَسُولهِ"، فأوْصَى بِهِ المُسْلِمِينَ؛ فَلمَّا قُبِضَ جاءَ إلى أبي بَكْرٍ فَقالَ: وَصِيَّةُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَقالَ: نَعَمْ، تَجْرِي عَلَيْكَ النَّفَقَةُ وَعَلَى عِيالِكَ، فأجْرَاها عَلَيْهِ حتَّى قُبِضَ، فَلَمّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ جاءَهُ فَقالَ: وَصِيَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قالَ: نَعَمْ، أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: مِصْرَ، قالَ: فَكَتَبَ عُمَرُ إلى صَاحِبِ مِصْرَ أنْ يُعْطِيَهُ أرْضًا يأكُلُها. رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
. [حسن لغيره]
وفي رِوَايَةِ أبي حَمْزَةَ الصَّيْرَفِي: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم صَارِخًا، فَقالَ لَهُ:"مَا لكَ؟ " قالَ: سيدِي رآنِي أقَبِّلُ جارَيةً لَهُ فَجَبَّ مَذَاكِيرِي، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"عَلَيَّ بالرّجُلِ"، فَطُلِب فَلَم يُقْدَرْ
(1)
في صحيحه (5/ 167 رقم الباب 11 - مع الفتح).
(2)
(5/ 168)
(3)
في المسند (2/ 182) بسند ضعيف لعنعنة ابن جريج - عبد الملك بن عبد العزيز.
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (17932) ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير رقم (5301) عن معمر وابن جريج، عن عمرو بن شعيب، به.
وهذا إسناد حسن، فإن متابعة معمر لابن جريج قوية تزول بها علة تدليس ابن جريج.
وخلاصة القول: أنه حديث حسن لغيره، والله أعلم.
عَلَيْهِ، فَقالَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم:"اذْهَبْ فَأنْتَ حُرّ". رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(1)
، وَابْنُ ماجَهْ
(2)
وَزَادَ قالَ: على مَنْ نُصْرَتِي يا رَسُولَ الله؟ قالَ: يَقُولُ: أرأيْتَ إنِ اسْتَرَقَّنِي مَوْلاي؟ فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عَلى كُلّ مُؤْمِنٍ أوْ مُسْلِم". [حسن لغيره]
وَرُوِيَ أنّ رَجُلًا أقْعَدَ أمَةً لَهُ فِي مَقْلَى حارٍّ فأحْرَقَ عَجُزَها، فأعْتَقَها عُمَرُ وأوْجَعَهُ
(3)
ضَرْبًا [أثر ضعيف]. حَكاهُ أحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، قالَ: وكَذَلِكَ أقُولُ).
حديث عمرو بن شعيب، سكت عنه أبو داود
(4)
. وقال المنذري
(5)
: في إسناده عمرو بن شعيب وقد تقدم اختلاف الأئمة في حديثه، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ثقة ولكنه مدلس وبقية رجال أحمد ثقات.
وأخرجه أيضًا الطبراني
(6)
.
وأثر عمر أخرجه مالك في الموطأ
(7)
بلفظ: "إن وليدة أتت عمر وقد ضربها سيدها بنار [فأصابها]
(8)
بها فأعتقها عليه"، وأخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك
(9)
.
(1)
في سننه رقم (4519).
(2)
في سننه رقم (2680).
من طريق سوار أبي حمزة الصيرفي، عن عمرو بن شعيب، به. وسوار ضعيف.
قلت: وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(7/ 506) من طريق كامل بن طلحة أخبرنا عبد الله بن لهيعة، أخبرنا عمرو بن شعيب، فهذه متابعة يتقوى بها. الحديث.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.
(3)
أخرج عبد الرزاق في المصنف رقم (17930) عن أبي قلابة قال: وقع سفيان بن الأسود بن عبد الأسود على أمةٍ له، فأقعدها على مِقْلًى فاحترق عجزها، فأعتقها عمر بن الخطاب، وأوجعه ضربًا.
وهو موقوف ضعيف.
(4)
في السنن (4/ 655).
(5)
في "المختصر"(6/ 314).
(6)
في المعجم الكبير (ج 5 رقم 5301) وقد تقدم.
(7)
في الموطأ (2/ 776 رقم 7) وهو موقوف ضعيف.
(8)
في المخطوط (ب): (أصابها).
(9)
في المستدرك (2/ 216) وقال: صحيح الإسناد. وقال الذهبي: عمر بن عيسى منكر الحديث.
وفي الباب عن ابن عمر عند مسلم
(1)
وأبي داود
(2)
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه".
وعن سويد بن مقرن عند مسلم
(3)
وأبي داود
(4)
والترمذي
(5)
قال: "كنا بني مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا إلا خادمة واحدة فلطمها أحدنا، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: أعتقوها".
وفي رواية
(6)
: "أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا خادم لبني مقرن غيرها، [قال]
(7)
: فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلُّوا سبيلها".
وعن سمرة بن جندب وأبي هريرة ذكرهما ابن الأثير في الجامع
(8)
وبيض لهما وكلاهما بلفظ: "من مثّل بعبده عتق عليه".
(1)
في صحيحه رقم (29، 30/ 1657).
(2)
في سننه رقم (5168).
قلت: وأخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم (180) وأحمد (2/ 25) وأبو يعلى رقم (5782) والبيهقي في شعب الإيمان رقم (8572) وفي السنن الكبرى (8/ 10) والطبراني في الكبير رقم (13294) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(3)
في صحيحه رقم (33/ 1658).
(4)
في سننه رقم (5166).
(5)
في سننه رقم (5142).
قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1263) وأحمد (3/ 447) والبخاري في الأدب المفرد رقم (179) والنسائي في الكبرى رقم (5012 - العلمية).
والطبراني في الكبير رقم (6453) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 11) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(6)
عند مسلم رقم (31/ 1658) وأبي داود رقم (5167).
وهو حديث صحيح.
(7)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(8)
"جامع الأصول في أحاديث الرسول"(8/ 77 رقم 5918) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
قال محققه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: كذا في الأصل بياض. بعد قوله: أخرجه.
وفي المطبوع: أخرجه رزين ولم نجده بهذا اللفظ". اهـ.
• وفي جامع الأصول (8/ 77 - 78 رقم 5919) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال محققه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: كذا في الأصل بياض بعد قوله: أخرجه، وفي =
وعن أبي مسعود البدري عند مسلم
(1)
وغيره
(2)
وفيه: "كنت أضرب غلامًا بالسوط، فسمعت صوتًا من خلفي .. إلى أن قال: فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام"، وفيه "قلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار".
والأحاديث تدل على أن المثلة من أسباب العتق.
وقد اختلف: هل يقع العتق بمجرَّدها أم لا؟ فحكى في البحر
(3)
عن عليٍّ والهادي، والمؤيَّد بالله، والفريقين: أنه لا يعتق بمجرَّدها، بل يؤمر السيد بالعتق فإن تمرَّد فالحاكم.
وقال مالك
(4)
والليث وداود
(5)
والأوزاعي
(6)
: بل يعتق بمجردها.
وحكى في البحر
(7)
أيضًا عن الأكثر: أن من مثَّل بعبد غيره لم يعتق. وعن الأوزاعي: أنه يعتق ويضمن القيمة للمالك.
قال النووي
(8)
في شرح مسلم عند الكلام عن حديث سويد بن مقرن المتقدم: إنه أجمع العلماء أن ذلك العتق ليس واجبًا، وإنما هو مندوب رجاء الكفارة وإزالة إثم اللطم. وذكر من أدلتهم على عدم الوجوب: إذنه صلى الله عليه وسلم لهم بأن يستخدموها. ورد بأن إذنه صلى الله عليه وسلم لهم باستخدامها لا يدل على عدم الوجوب بل الأمر قد أفاد الوجوب والإذن بالاستخدام دل على كونه وجوبًا متراخيًا إلى وقت الاستغناء عنها، ولذا أمرهم عند الاستغناء بالتخلية لها.
= المطبوع: أخرجه رزين، ولم نجده بهذا اللفظ
…
". اهـ.
(1)
في صحيحه رقم (34، 35/ 1659).
(2)
كأبي داود رقم (5159) والبخاري في الأدب المفرد رقم (171) والطبراني في الكبير (ج 17 رقم 684) وأبو عوانة رقم (6061) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(3)
البحر الزخار (4/ 195).
(4)
مواهب الجليل (8/ 463 - 464).
(5)
في المحلى (9/ 209).
(6)
قال أبو عمر في "الاستذكار"(23/ 160 رقم 33922): "اختلف العلماء فيمن مثل بمملوكِهِ عامدًا، فقال بعضهم: يعتق عليه، وممن قال بذلك: مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد.
(7)
البحر الزخار (4/ 195).
(8)
في شرحه لصحيح مسلم (11/ 127).
ونقل النووي
(1)
أيضًا عن القاضي
(2)
عياض أنه أجمع العلماء على أنه لا يجب إعتاق بشيء مما يفعله المولى من مثل هذا الأمر الخفيف، يعني اللطم المذكور في حديث سويد بن مقرن.
قال
(3)
: واختلفوا فيما كثر من ذلك وشنع من ضرب مبرح لغير موجب أو تحريق بنار أو قطع عضو أو إفساده أو نحو ذلك؛ فذهب مالك (4) والأوزاعي (4) والليث
(4)
إلى عتق العبد بذلك ويكون ولاؤه له ويعاقبه السلطان على فعله، وقال سائر العلماء
(5)
: لا يعتق عليه. اهـ.
وبهذا يتبين أن الإجماع الذي أطلقه النووي مقيد بمثل ما ذكره القاضي عياض (2).
واعلم: أن ظاهر حديث ابن عمر الذي ذكرناه يقتضي أن اللطم والضرب يقتضيان العتق من غير فرق بين القليل والكثير والمشروع وغيره، ولم يقل بذلك أحد من العلماء.
وقد دلت الأدلة على أنه يجوز للسيد أن يضرب عبده للتأديب، ولكن لا يجاوز به عشرة أسواط.
ومن ذلك حديث: "إذا ضرب أحدكم خادمه فليجتنب الوجه"
(6)
، فأفاد أنه يباح ضربه في غيره، ومن ذلك الإذن لسيد الأمة بحدها، فلا بد من تقييد مطلق الضرب الوارد في حديث ابن عمر هذا بما ورد من الضرب المأذون به، فيكون الموجب للعتق هو ما عداه.
(1)
في شرحه لصحيح مسلم (11/ 127).
(2)
في إكمال المعلم (5/ 428).
(3)
القاضي عياض في المرجع السابق (5/ 428).
(4)
الاستذكار (23/ 160 رقم 33922).
(5)
الاستذكار (23/ 160 رقم 33929 و 33930).
(6)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 434).
وابن أبي عاصم في السنة رقم (520) وابن خزيمة في "التوحيد"(1/ 82 - 83 و 83) واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (715) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 291) والخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 220 - 221).
وهو حديث صحيح.
[الباب الخامس] باب من أعتق شركًا له في عبد
10/ 2600 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وكانَ لَهُ مالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ قُوّم العَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فأعْطَى شُرَكاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ العَبْدُ وإلَّا فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ [ما عَتَقَ]
(1)
"، رَوَاهُ الجَماعَةُ
(2)
وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
وَزَادَ: "وَرَقَّ ما بَقِيَ". [صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْها
(4)
: "مَنْ أعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وبَيْنَ آخَرَ قُوّمَ عَلَيْهِ فِي مالِهِ قِيمَةَ عَدْلٍ لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ، ثُمَّ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي مالِهِ إنْ كانَ مُوسِرًا". [صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ: "مَنْ أعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، فإنْ كانَ مُوسِرًا قُوّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ [يَعْتِقُ]
(5)
"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(6)
وَالبُخَارِيُّ
(7)
. [صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ: "مَنْ أعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أنْ يَعْتِقَ كلَّهُ إنْ كانَ لَهُ مالٌ قَدْرُ ثَمَنِهِ يُقام قيمَةَ عَدْلٍ وَيُعْطِي شُرَكاءَهُ حِصَصَهُمْ وَيُخْلِي سَبِيلَ المُعْتِق" رَوَاهُ البُخارِيُّ
(8)
. [صحيح]
(1)
في المخطوط (ب): (ما أعتق) والمثبت من (أ) ومصادر التخريج.
(2)
في المسند (2/ 112) والبخاري رقم (2491) ومسلم رقم (1/ 1501).
وأبو داود رقم (3940) والترمذي رقم (1346) والنسائي رقم (4699).
وابن ماجه رقم (2528). قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (970) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 106) والبيهقي (10/ 274).
(3)
في سننه (4/ 123 رقم 7).
وهو حديث صحيح.
(4)
أحمد في المسند (2/ 11) والبخاري رقم (2523) ومسلم رقم (50/ 1501).
(5)
في المخطوط (ب): (عتق).
(6)
في المسند (2/ 34).
(7)
في صحيحه رقم (2524).
وهو حديث صحيح.
(8)
في صحيحه رقم (2525).
قلت: وأخرجه أحمد (2/ 112). =
وفِي رِوَايَةٍ: "مَنْ أعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وكانَ لَهُ مِنَ المَالِ ما يَبلغَ قِيمَتُهُ بِقِيمَةِ العَدْل فَهُوَ عَتِيق"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَالبُخارِيُّ
(2)
. [صحيح]
وفِي روَايَة: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ في عَبْدٍ عتق ما بَقيَ فِي مالِهِ إذَا كانَ لَهُ مالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ" رَوَاهُ مسْلِم
(3)
وأبُو دَاوُدَ)
(4)
. [صحيح]
11/ 2601 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أنَّهُ كانَ يُفْتِي فِي العَبْدِ أوِ الأمَة يَكُونُ بَيْنَ شرَكاءَ، فَيُعْتِقُ أحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْهُ يَقُولُ: قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ [كُلُّهُ]
(5)
إذَا كانَ للَّذِي أعْتَقَ مِنَ المَال ما يَبْلُغُ يُقَوّمُ مِنْ مالِهِ قِيمَةَ العَدْلِ وَيُدفع إلى الشّرَكاءِ أنْصِبَاؤُهُمْ، وَيُخَلَّى سَبِيلُ المُعْتقِ، يُخْبِرُ بِذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. رَواهُ البُخارِيّ)
(6)
. [صحيح]
12/ 2602 - (وَعَنْ أبي المُلَيْحِ عَنْ أبِيهِ: أن رَجُلًا مِنْ قَوْمِنا أعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ ممْلُوكِهِ، فَرُفِعَ ذلكَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ خَلاصَهُ عَلَيْهِ فِي مالِهِ وَقالَ:"لَيْسَ لله عز وجل شَريكٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(7)
. [صحيح]
= وهو حديث صحيح.
(1)
في المسند (2/ 15).
(2)
في صحيحه رقم (2491).
وهو حديث صحيح.
(3)
في صحيحه رقم (51/ 1501).
(4)
في سننه رقم (3946).
وهو حديث صحيح.
(5)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ) و (ب) والمثبت من (صحيح البخاري).
(6)
في صحيحه رقم (2525).
(7)
في المسند (5/ 74) بسند رجاله ثقات.
قلت: وأخرجه موصولًا أبو نعيم في "معرفة الصحابة رقم (776) والضياء في المختارة رقم (1409).
وأخرجه مرسلًا ابن أبي شيبة (6/ 184) والبيهقي (10/ 274) من طريق عباد بن العوام، والنسائي في الكبرى رقم (4971 - العلمية) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (5383) من طريق إسماعيل بن علية.
كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، به. =
وفِي لَفْظٍ: "هُوَ حُرّ كُلُّهُ لَيْسَ لله شَرِيكٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
، ولأبي دَاوُدَ مَعْناهُ)
(2)
. [صحيح]
13/ 2603 - (وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ قالَ: كانَ لَهُمْ غُلامٌ يُقالُ لَهُ: طَهْمَانُ أوْ ذَكْوَانُ، فأعْتَقَ جَدُّهُ نِصْفَهُ، فَجَاءَ العَبْدُ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "تُعْتَقُ فِي عِتْقِكَ، وَتُرَقّ فِي رِقّكَ"، قَالَ: فَكانَ يَخْدُمُ سَيِّدَهُ حتَّى ماتَ. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(3)
. [مرسل بسند ضعيف]
14/ 2604 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: "مَنْ أعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ فِي مالِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ قُوّمَ المَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اسْتُسْعِيَ فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ غَيْرَ مَشقُوقٍ عَلَيْهِ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إِلا النَّسائيَّ)
(4)
. [صحيح]
= وهو حديث صحيح.
(1)
في المسند (5/ 75) بسند رجاله ثقات.
(2)
في سننه رقم (3933). قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى رقم (4970 - العلمية).
والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 107) وفي شرح مشكل الآثار رقم (5381) و (5382).
والطبراني في الكبير رقم (507) والبيهقي (10/ 273).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (3/ 412) بسند ضعيف. لضعف عمر بن حوشب الصنعاني.
وذكره ابن حبان في "الثقات"(8/ 439) على عادته في توثيق المجاهيل.
قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير رقم (5517) والبيهقي (10/ 274) بسند أحمد.
قال البيهقي: تفرد به عمر بن حوشب، وإسماعيل: هو ابن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص، وعمرو بن سعيد ليس له صحبة.
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (16705) ومن طريقه أخرجه أبو داود في المراسيل رقم (197)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (532).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 248) وقال: رواه أحمد، وهو مرسل، ورجاله ثقات.
وخلاصة القول: أنه مرسل بسند ضعيف، والله أعلم.
(4)
أحمد في المسند (2/ 473) والبخاري رقم (2492) ومسلم رقم (3، 4/ 1503) وأبو داود رقم (3938) والترمذي رقم (1348) وابن ماجه رقم (2527)، قلت: وأخرجه =
حديث أبي المليح: أخرجه أيضًا النسائي
(1)
وابن ماجه
(2)
. وقال النسائيُّ: أرسله سعيد بن أبي عروبة، وساقه عنه مرسلًا. وقال
(3)
: هشام
(4)
، وسعيد
(5)
أثبت من همام في قتادة، وحديثهما أولى بالصواب.
وأبو المليح
(6)
اسمه عامر ويقال: عمر. ويقال: زيد، وهو ثقة محتج بحديثه في الصحيحين، وأبو أسامة بن [عمير]
(7)
هذلي بصري له صحبة، ولا يعلم أن أحدًا روى عنه غير ابنه أبي المليح.
وقوّى الحافظ في الفتح
(8)
إسناد حديث أبي المليح.
قال
(9)
: وأخرجه أحمد
(10)
بإسناد حسن من حديث سمرة: "أن رجلًا أعتق شَقِصًا له في مَملوكٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو حُرٌّ كُلُّه، وليسَ للهِ شَريكٌ".
وحديث إسماعيل بن أمية قال في "مجمع الزوائد"
(11)
: هو مرسل ورجاله ثقات؛ وأخرجه الطبراني
(12)
.
= الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 107) والدارقطني (4/ 128 رقم 12) والبيهقي (10/ 280، 281).
وهو حديث صحيح.
(1)
في سننه الكبرى رقم (4970 - العلمية) وقد تقدم.
(2)
لم ينسبه النابلسي في ذخائر المواريث إلا لأبي داود. ولم يعزه صاحب التحفة (1/ 65) لابن ماجه.
(3)
أي: النسائي كما في الفتح (5/ 158).
(4)
وهو هشام بن سعد.
(5)
وهو سعيد بن أبي عروبة.
(6)
أبو المليح بن أسامة بن عمير، أو عامر بن عمير بن حنيف بن ناجية الهذلي. اسمه: عامر، وقيل: زيد، وقيل: زياد: ثقة، من الثالثة "ع". "التقريب" رقم (8390).
(7)
في المخطوط (ب): (عمر) وهو خطأ.
(8)
الفتح (5/ 159).
(9)
أي الحافظ في المرجع السابق (5/ 159).
(10)
لفي المسند (5/ 75).
وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 248) لأحمد من حديث سمرة وقال: "ورجاله رجال الصحيح".
وهو حديث صحيح.
(11)
(4/ 248) وقد تقدم.
(12)
في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5517) وقد تقدم.
ويشهد له ما في حديث ابن عمر المذكور
(1)
بلفظ: "وإلا فقد عتق عليه ما عتق".
وما أخرجه أبو داود
(2)
والنسائي
(3)
بإسناد حسن عن ابن التِّلْب - بالتاء الفوقانية - عن أبيه: "أنَّ رجلًا أعتق نصيبًا له من مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم ".
وحديث أبي هريرة قال أبو داود: ورواه رَوْحُ بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة، لم يذكر السعاية. اهـ.
ورواهُ يحيى بن سعيدُ، وابن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكرا فيه السعاية. اهـ.
ورواهُ يزيد بن زريع عن سعيدٍ فذكر فيه السعاية.
وقال البخاري: رواه سعيد عن قتادة فلم يذكر فيه السعاية.
وقال الخطابي
(4)
: اضطرب سعيد بن أبي عروبة في السعاية مرة يذكرها ومرة [لا يذكرها
(5)
]، فدل على أنها ليست من متن الحديث عنده وإنما هي من كلام قتادة
(6)
،
(1)
تقدم برقم (2600) من كتابنا هذا.
(2)
في سننه رقم (3948).
(3)
في السنن الكبرى رقم (4969 - العلمية).
وإسناده ضعيف.
(4)
في معالم السنن (4/ 255 - جمع السنن).
(5)
في المخطوط (ب): (لا يذكره).
(6)
اختلف أصحاب قتادة فيه على قتادة في ذكر السعاية.
قلت: إن الحديث رواه قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه عن قتادة: سعيد بن أبي عروبة، وجرير بن حازم، وحجاج بن حجاج، وأبان بن يزيد العطار، وحجاج بن أرطأة، وموسى بن خلف، ويحيى بن صبيح، كلهم قالوا عن قتادة:"فإن لم يكن له مال قُوِّم المملوك قيمة عدل، ثم استسعى غير مشقوق عليه".
• أخرج رواية سعيد بن أبي عروبة: أحمد (2/ 426) والبخاري رقم (2492) ومسلم رقم (54/ 1503) وأبو داود رقم (3938) والترمذي رقم (1348) وابن ماجه رقم (2527) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 107) والدارقطني (4/ 128 رقم 12) والبيهقي (10/ 280، 281).
• وأخرج رواية جرير بن حازم: البخاري رقم (2526) ومسلم رقم (4/ 1503) =
وتفسيره على ما ذكره همام
(1)
وبينه.
= والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 107) والدارقطني (4/ 127 رقم 11) والبيهقي (10/ 281).
• ورواية حجاج بن حجاج هي في نسخته - كما في "فتح الباري"(5/ 157).
• وأخرج رواية أبان العطار: أبو داود رقم (3937) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 107).
• ورواية موسى بن خلف، خرَّجها الخطيب في كتاب "الفصل والوصل للمدرج في النقل" كما في "فتح الباري"(5/ 157).
• ورواية يحيى بن صبيح، خرجها الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 107).
قلت: وخالفهم شعبة، وهشام الدستوائي، فلم يذكرا هذه الزيادة، عن قتادة، بل قالا بالإسناد عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما، قال:"يضمن" لفظ شعبة. ولفظ هشام: "من أعتق نصيبًا له في مملوك عتق من ماله إن كان له مال".
• أخرج رواية شعبة: مسلم رقم (52/ 1502) وأبو داود رقم (3935) وأحمد (2/ 468) والطيالسي (1/ 245، رقم 1206 - منحة المعبود) والدارقطني (4/ 125 رقم 8) والبيهقي (10/ 276).
• وأخرج رواية هشام: أحمد (2/ 531) وأبو داود رقم (3936) والدارقطني (4/ 126 رقم 9) والبيهقي (10/ 276).
(1)
أخرجه همام، عن قتادة، واختلف قوله فيه، فرواه محمد بن كثير، عنه عن قتادة بسنده، عن أبي هريرة: أن رجلًا أعتق شَقِصًا له من غلام فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه وغرمه بقيمة ثمنه".
أخرجه أبو داود رقم (3933، 3934) بسند صحيح.
• وأخرجه عبد الله بن يزيد المقري، عن همام، فذكر فيه السعاية لكنه فصلها من المرفوع وجعلها مدرجة من قول قتادة ولفظه كالذي قبله إلى قوله:"وغرمه بقية ثمنه" وزاد: قال قتادة: "إن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه".
أخرجه الدارقطني (4/ 127 رقم 10) والبيهقي (10/ 282) وغيرهما.
قال الدارقطني: "سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: "ما أحسن ما رواه همام وضبطه وفصل بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول قتادة".
وقال البيهقي: "وفيما بلغني" عن أبي سليمان الخطابي، عن الحسن بن يحيى، عن ابن المنذر صاحب الخلافيات، قال: هذا الكلام من فُتيا قتادة ليس من متن الحديث؛ ثم ذكر حديث علي بن الحسن، عن المقري، عن همام ثم قال: فقد أخبر همام أن ذكر السعاية من قول قتادة. وألحق سعيد بن أبي عروبة الذي ميزه همام من قول قتادة فجعله متصلًا بالحديث". اهـ.
قال
(1)
: ويدل على ذلك حديث ابن عمر، يعني الذي فيه:"وإلا فقد عتق عليه ما عتق".
وقال الترمذي
(2)
: روى شعبة هذا الحديث عن قتادة ولم يذكر فيه السعاية.
وقال النسائي
(3)
: أثبت أصحاب قتادة شعبة وهمام على خلاف سعيد بن أبي عروبة وصوّب روايتهما.
قال
(4)
: وقد بلغني أن همامًا روى هذا الحديث عن قتادة، فجعل قوله:"وإن لم يكن مال .. إلخ" من قول قتادة.
وقال عبد الرحمن بن مهدي
(5)
: أحاديث همام عن قتادة أصح من حديث غيره لأنه كتبها إملاء.
قال أبو بكر النيسابوري
(6)
: ما أحسن ما رواه همام وضبطه، فَصَلَ قول قتادة.
وقال ابن عبد البر
(7)
: الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكرها.
وقال أبو محمد الأصيلي وأبو الحسن بن القصار وغيرهما: من أسقط السعاية أولى ممن ذكرها.
= وقال ابن حزم في "المحلى"(9/ 199): "صدق همام قاله قتادة مفتيًا بما روى. وصدق ابن أبي عروبة، وجرير، وأبان، وموسى بن خلف، وغيرهم. فأسندوه عن قتادة
…
" اهـ.
(1)
أي: الخطابي في معالم السنن (4/ 255 - مع السنن).
(2)
في السنن (3/ 631).
(3)
انظر: الفتح (5/ 158).
(4)
أي النسائي - كما في الفتح (5/ 157).
(5)
"المعرفة" للبيهقي (14/ 394 رقم 20416) والسنن الكبرى (10/ 282).
(6)
نقله الدارقطني عنه عقب الحديث (4/ 127 رقم 10) وعبارته: "ما أحسن ما رواه همام وضبطه، وفصل بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وبين قول قتادة".
(7)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(23/ 120 رقم 33720): "وَأَمَّا هشام الدستوائي وشعبة بن الحجاج، وهمام بن يحيى، فرووه عن قتادة بإسناده المذكور، لم يذكروا فيه السعاية، وهم أثبتُ من الذين ذكروا فيه السعاية".
وقال البيهقي
(1)
: "قد اجتمع ههنا شعبة مع فضل حفظه وعلمه بما سمع من قتادة وما لم يسمع، وهشام مع فضل حفظه، وهمام مع صحة كتابه وزيادة معرفته بما ليس من الحديث على خلاف سعيد بن أبي عروبة ومن تابعه في إدراج السعاية في الحديث".
وذكر أبو بكر الخطيب
(2)
أن أبا عبد الرحمن بن يزيد المقري قال: رواه همام وزاد فيه ذكر الاستسعاء وجعله من قول قتادة وميزه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن العربي
(3)
: اتفقوا على أن ذكر الاستسعاء ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول قتادة، وقد ضعف أحمد رواية سعيد بن أبي عروبة، ولكنه قد تابع سعيدًا على ذكر الاستسعاء جماعة كما ذكر ذلك البخاري، (منهم) جرير بن حازم
(4)
، (ومنهم) حجاج بن حجاج
(5)
عن قتادة، (ومنهم) أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن حجاج وفيها ذكر السعاية.
ورواه عن قتادة أيضًا حجاج بن أرطاة كما رواه الطحاوي
(6)
.
ورواه أيضًا عن قتادة أبان كما في سنن أبي داود
(7)
.
ورواه أيضًا موسى بن خلف عن قتادة كما ذكر ذلك الخطيب
(8)
.
ورواه أيضًا شعبة عن قتادة كما في صحيح مسلم
(9)
والنسائي
(10)
.
(1)
في السنن الكبرى (10/ 282).
(2)
في "الفصل للوصل المدرج في النقل"(1/ 358).
(3)
في عارضة الأحوذي (6/ 97).
(4)
أخرجه البخاري رقم (2526) ومسلم رقم (4/ 1503) وغيرهما وقد تقدم.
(5)
في نسخته كما في الفتح (5/ 157).
(6)
في شرح معاني الآثار (3/ 107).
(7)
في سننه رقم (3937) وهو حديث صحيح.
(8)
أخرجها الخطيب في كتاب "الفصل للوصل"(1/ 355).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح"(5/ 157) هذه الرواية عن مرسى بن خلف وعزاها إلى الخطيب في "الفصل للوصل".
كما أشار إليها أبو داود في سننه بإثر الحديث رقم (3939) تعقيبًا على رواية ابن زريع.
(9)
في صحيحه رقم (2/ 1502).
(10)
في السنن الكبرى رقم (4966 - العلمية).
وقد رجح رواية سعيد للسعاية، ورفعها جماعة منهم ابن دقيق العيد
(1)
، قالوا: لأن سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له وكثرة أخذه عنه، وإن كان همام وهشام أحفظ منه، لكنه لم يناف [ما روياه]
(2)
، وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه، وليس المجلس متحدًا حتى يتوقف في زيادة سعيد، ولهذا صحح صاحبا الصحيحين كون الجميع مرفوعًا.
قال في الفتح
(3)
: وأما ما أُعِلَّ به حديثُ سعيدٍ من كونه اختلط، أو تفرَّد به فمردودٌ لأنه في الصحيحين
(4)
وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع ووافقه عليه أربعة وآخرون معهم لا نطيل بذكرهم، وهمام هو الذي انفرد بالتفصيل
(5)
، وهو الذي خالف الجميع في القدر المتفق على رفعه، فإنه جعله واقعة عين، وهم جعلوه حكمًا عامًا، فدل على أنه لم يضبطه كما ينبغي.
والعجيب ممن طعن في رفع الاستسعاء بكون همام جعله من قول قتادة، ولم يطعن فيما يدل على ترك الاستسعاء وهو قوله في حديث ابن عمر
(6)
: "وإلا فقد عتق منه ما عتق" بكون أيوب جعله من قول نافعٍ، وميزه كما صنع همَّام سواءً، فلم يجعلوه مدرجًا كما جعلوا حديث همَّام مدرجًا مع كون يحيى بن سعيد وافق أيوب في ذلك، وهمَّام لم يوافقه أحدٌ، وقد جزم بكون حديث نافع مدرجًا محمدُ بن وضَّاح وآخرون.
والذي يظهر: أن الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقًا لصاحبي الصحيح.
[قال]
(7)
ابن الموَّاق
(8)
: والإنصاف: أن لا يُوَهَّم الجماعة بقول واحد مع احتمال أن يكون سمع قتادة يفتي به، فليس بين تحديثه به مرَّةً وفتياه أخرى منافاةٌ.
(1)
في إحكام الأحكام (4/ 260 - 261).
(2)
في المخطوط (ب): (ما رواه).
(3)
الفتح (5/ 158).
(4)
البخاري رقم (2492) ومسلم رقم (54/ 1503) وقد تقدم.
(5)
أخرجه الدارقطني (4/ 127 رقم 18) والبيهقي (10/ 282) وقد تقدم.
(6)
تقدم تخريجه برقم (10/ 2600) من كتابنا هذا.
(7)
في المخطوط (ب): (وقال).
(8)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 158).
[قلت
(1)
]: ويؤيده أن البيهقيَّ أخرج عن قتادة أنَّه أفتى به.
ومما يؤيِّد الرفع في حديث ابن عمر أعني قوله: "وإلا فقد عتق عليه ما عتق" إن الذي رفعه مالكٌ، وهو أحفظ لحديث نافع من أيوب، وقد تابعه عبيدُ الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب كما قال البيهقي
(2)
، ولا شك أن الرفع زيادة معتبرة لا يليق إهمالها كما تقرر في الأصول
(3)
وعلم الاصطلاح وما ذهب إليه بعض أهل الحديث من الإعلال لطريق الرفع بالوقف في طريق أخرى لا ينبغي التعويل عليه، وليس له مستند ولا سيما بعد الإجماع على قبول الزيادة
(4)
التي لم تقع منافية مع تعدد مجالس السَّماع، فالواجب قبول الزيادتين المذكورتين في حديث ابن عمر
(5)
، وحديث أبي هريرة
(6)
، وظاهرهما التعارض، والجمع ممكن لا كما قال الإسماعيلي
(7)
.
وقد جمع البيهقيُّ
(8)
بين الحديثين بأن معناهما أن المعسر إذا أعتق حصته لم يسرِ العتق في حصة شريكه، بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرق، ثم يستسعى العبد في عتق بقيته فيحصل ثمن الجزء لشريك سيده ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب، وهو الذي جزم به البخاري.
قال الحافظ
(9)
: والذي يظهر أنه في ذلك باختياره لقوله: غير مشقوق عليه فلو كان ذلك على سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى يحصل
(1)
زيادة من المخطوط (ب).
(2)
في السنن الكبرى (10/ 279).
(3)
البحر المحيط (4/ 365) والإحكام للآمدي (2/ 120).
(4)
انظر: كتابنا "مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة"(ص 110 - 111).
وشرح علل الترمذي لابن رجب تحقيق: صبحي السامرائي (ص 240 - 244).
وتحقيق ودراسة الدكتور: همام عبد الرحيم سعيد (2/ 630 - 643).
وتدريب الراوي للسيوطي (1/ 245 - 248) وتوضيح الأفكار لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (2/ 16 - 24). وبحوزتي مخطوطتين له.
(5)
تقدم تخريجه برقم (2600) من كتابنا هذا، والزيادة هي:"وإلا فقد عتق عليه ما عتق".
(6)
تقدم تخريجه برقم (2604) من كتابنا هذا. والزيادة هي: "فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل، ثم استسعى غير مشقوق عليه".
(7)
ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 158).
(8)
في السنن الكبرى (10/ 282).
(9)
في "الفتح"(5/ 158).
ذلك لحصل له غاية المشقة، وهي لا تلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور لأنها غير واجبة فهذه مثلها.
قال البيهقي
(1)
: لا يبقى بين الحديثين بعد هذا الجمع معارضة أصلًا.
قال الحافظ
(2)
: وهو كما قال إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرقُّ في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء، فيعارضه حديث أبي المليح
(3)
الذي ذكره المصنف.
قال
(4)
: ويمكن حمله على ما إذا كان المعتق غنيًا أو على ما إذا كان جميعه له فأعتق بعضه.
واستدل على ذلك بحديث ابن التَّلب
(5)
الذي تقدَّم ثم قال: وهو محمولٌ على المعسر، وإلا لتعارضا.
وجمع بعضهم بطريق أخرى فقال أبو عبد الملك: المراد بالاستسعاء: أن العبد يستمرُّ في حصَّة الذي لم يعتق رفيقًا، فيسعى في خدمته بقدرِ ما له فيه من الرِّقِّ.
قال (4): ومعنى قوله: "غير مشقوقٍ عليه" أي من جهة سيِّده المذكور، فلا يكلفه من الخدمة فوق حصَّة الرِّقِّ، ويؤيِّد هذا حديثُ إسماعيل بن أمية
(6)
الذي ذكره المصنِّف، ولكنَّه يردُّ عليه ما وقع في روايةٍ للنسائي
(7)
، وأبي داود
(8)
بلفظ: "واستسعى في قيمته لصاحبه".
واحتجَّ من أبطل السعاية بحديث الرجل الذي أعتق ستة مماليك عند موتِه
(1)
في السنن الكبرى (10/ 282 - 283).
(2)
في "الفتح"(5/ 159).
(3)
تقدم برقم (2602) من كتابنا هذا.
(4)
أي الحافظ في "الفتح"(5/ 159).
(5)
الذي أخرجه أبو داود برقم (3948) والنسائي في الكبرى رقم (4969 - العلمية) بسند ضعيف.
(6)
تقدم برقم (2603) من كتابنا هذا.
(7)
في السنن الكبرى رقم (4962 - العلمية).
(8)
في سننه رقم (3938) من حديث أبي هريرة.
وهو حديث صحيح.
فجزَّأهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرقَّ أربعة، وقد تقدم
(1)
في باب تبرعات المريض من كتاب الوصايا.
ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعًا لنجز من كلِّ واحدٍ منهم عتق ثلثه، واستسعى في بقية قيمته لورثة الميت.
وأجاب من أثبت السعاية بأنَّها واقعةُ عينٍ، فيحتمل أن [تكون]
(2)
قبل مشروعية السعاية، ويحتمل أن تكون السعاية مشروعة في غير هذه الصورة.
وقد أخرج عبد الرزاق
(3)
بإسنادٍ رجالُه ثقاتٌ: "أن رجلًا من بني عذرة أعتق مملوكًا له عند موته، وليس له مال غيره، فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلثه وأمره أن يسعى في الثلثين".
واحتجوا أيضًا بما أخرجه النسائي
(4)
عن ابن عمر من حديث، وفيه:"وليس على العبد شيءٌ".
وأجيب بأنَّ ذلكَ مختصٌّ بصورة اليسار، لقوله في هذا الحديث:"وله وفاءٌ"، والسعاية إنما هي في صورة الإعسار.
وقد ذهب إلى الأخذ بالسعاية إذا كان المعتق معسرًا أبو حنيفة
(5)
(1)
تقدم برقم (2530) من كتابنا هذا في الباب المشار إليه.
(2)
في المخطوط (ب): (يكون).
(3)
في "المصنف" رقم (16719) بسند رجاله ثقات.
(4)
في السنن الكبرى رقم (4961 - العلمية) من حديث ابن عمر، وجابر.
وهو حديث صحيح.
(5)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(23/ 124 رقم 33740) وهو موافق لما في "التمهيد"(14/ 283 - تيمية): "وقال أبو حنيفة: إذا كان العبدُ بين اثنين، فأعتقَ أحدُهما نصيبه وهو موسر، فإنَّ الشريك بالخيار، إنْ شاء أعتقه، كما أعتق صاحبُهُ، وكانَ الولاءُ بينهما.
وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته، ويكون الولاء بينهما.
وإن شاء ضمن شريكه نصف قيمته، ويرجعُ الشريكُ بما ضمن من ذلك على العبد، يَسْتَسْعى فيه إن شاء، ويكون الولاءُ كله للشريك. وإن كان المعتق معسِرًا فالشريك بالخيار، إن شاءَ ضمن العبدُ نِصفَ قيمته يسعى فيها، والولاء بينهما.
وإن شاء أعتقه، كما أعتق صاحبُهُ، والولاء بينهما". اهـ.
33741 -
وقال أبو حنيفة: العبدُ المُسْتَسعى ما دام في سعايتِهِ بمنزلة المكاتب في جميع =
وصاحباه
(1)
والأوزاعي
(2)
والثوري (1) وإسحاق
(3)
وأحمد في رواية
(4)
، وإليه [ذهبت]
(5)
الهادوية
(6)
وآخرون.
ثم اختلفوا فقال الأكثر: يعتق جميعه في الحال ويستسعى العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك، وزاد ابن أبي ليلى (2) فقال: ثم يرجع العبد على المعتق الأول بما دفعه إلى الشريك.
وقال أبو حنيفة
(7)
وحده: يتخير بين السعاية وبين عتق نصيبه، وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء إلا النصيب الأول فقط؛ وعن عطاء: يتخيَّر الشريكُ بين ذلك وبين إبناء حصته في الرقِّ.
وخالف الجميع زفر
(8)
فقال: يعتق كله، وتقوم حصة الشريك فتؤخذ إن كان المعتق موسرًا وتبقى في ذمته إن كان معسرًا.
= أحكامه". اهـ. وانظر: الاختيار (3/ 266 - 268).
(1)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(23/ 123 رقم 33735):
"وقال سفيان: إذا كان للمعتق حصته من العبد مالٌ ضمنَ نَصيبَ شريكه، ولم يرجع به على العبد، ولا سعاية على العبد، وكان الولاء له، وإن لم يكن له مالٌ، فلا ضمانَ عليه، وسواءٌ نقص من نصيب الآخر أولم ينقص، ويسعى العبدُ في نصف قيمته حينئذٍ".
33736 -
وكذلك قال أبو يوسُف ومحمد بن الحسن". اهـ.
(2)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(23/ 123 رقم 33737): "وفي قولهم: يكون العبدُ كله حُرًا ساعة أعتق الشريكُ نصيبَهُ، فإن كان موسرًا ضمن لشريكه نصف قيمة عبده، وإن كان معسرًا سعى العبد في ذلك للذي لم يعتق، ولا يرجعُ على أحدٍ بشيء، والولاء كله للمعتق، وهو بمنزلة الحر في جميع أحكامه ما دام في سعايته من يوم أُعتق، يرث، ويورث".
33738 -
وهو قول الأوزاعي، وعن ابن شبرمة، وابن أبي ليلى مثله، إلا أنهما جعلا للعبد أن يرجع على المعتق بما سعى فيه متى أيسر". اهـ.
(3)
حكاه عنه ابن قدامة في المغنى (14/ 360).
(4)
المغني (14/ 360).
(5)
في المخطوط (ب): ذهب.
(6)
البحر الزخار (4/ 201).
(7)
الاختيار (3/ 266 - 268) والاستذكار (23/ 124 رقم 33740) والتمهيد (14/ 283 - تيمية).
(8)
حكاه عنه ابن عبد البر في "الاستذكار"(23/ 124 رقم 33742).
وتعقبه ابن عبد البر بقوله: "33743 - قال أبو عمر: لم يقُلْ زفر بحديث ابن عمر، ولا =
وقد حكى في البحر
(1)
عن الفريقين من الحنفية
(2)
والشافعية
(3)
مثل قول زفر فينظر في صحة ذلك. وحكى أيضًا عن الشافعي (3) أنه يبقى نصيب شريك المعسر رفيقًا.
وعن الناصر
(4)
أنه يسعى العبد مطلقًا.
وعن أبي حنيفة (2) يسعى عن المعسر ولا يرجع عليه، والموسر يخير شريكه بين تضمينه أو السعاية أو [إعتاق]
(5)
نصيبه كما مر.
وعن عثمان البتِّي
(6)
أنه لا شيء على المعتق إلا أن تكون جارية تراد للوطء فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر.
وعن ابن شبرمة
(7)
أن القيمة في بيت المال.
وعن محمد بن إسحاق أن هذا الحكم للعبيد دون الإماء.
قوله: (قيمة عَدْلٍ) بفتح العين: أي لا زيادة فيه ولا نقص
(8)
.
قوله: (لا وَكْس) بفتح الواو وسكون الكاف بعدها سين مهملة: أي لا نقص
(9)
.
والشطط بشين معجمة ثم طاء مهملة مكررة: وهو الجور بالزيادة على القيمة
(10)
، من قولهم: شطَّني فلانٌ، إذا شق عليك وظلمك حقك.
قوله: (أو شِرْكًا له في مملوك) الشِّرْك بكسر الشين المعجمة وسكون الراء: الحصة والنصيب. قال ابن دقيق العيد
(11)
: هو في الأصل مصدر.
= بحديث أبي هريرة في هذا الباب". اهـ.
(1)
البحر الزخار (4/ 201).
(2)
الاختيار (3/ 266 - 268) والاستذكار (23/ 124 رقم 33740).
(3)
البيان للعمرانى (8/ 324 - 326).
(4)
البحر الزخار (4/ 201).
(5)
في المخطوط (أ): (إعتقاق) وهو خطأ.
(6)
حكاه عنه ابن عبد البر في "الاستذكار"(23/ 126 رقم 33753).
(7)
سبق تخريجه ص 422، حاشية (2).
(8)
النهاية (2/ 168).
(9)
النهاية (2/ 875).
(10)
النهاية (1/ 869).
(11)
في إحكام الأحكام (4/ 253).
قوله: (شِقْصًا) بكسر الشين المعجمة وسكون القاف، وفي الرواية الثانية شَقِيصًا بفتح الشين ووكسر القاف، والشقص والشقيص: مثل النِّصف والنَّصيف، وهو القليل من كلِّ شيءٍ، وقيل: هو النصيب قليلًا كان أو كثيرًا.
[الباب السادس] باب التدبير
15/ 2605 - (عَنْ جابِرٍ: أن رَجُلًا أعْتَقَ غُلامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فاحْتاج فأخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ:"مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ "، فاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ الله بِكَذَا وكَذَا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
وفي لَفْظٍ قالَ: أعْتَقَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ غُلامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ وكانَ مُحْتاجًا وكانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَباعَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِثَمَانِمائَةِ دِرْهَمٍ، فأعْطَاهُ فَقالَ:"اقْض دَيْنَكَ، وأنْفِقْ على عيالكَ"، رَوَاهُ النَّسائِي)
(2)
. [صحيح]
16/ 2606 - (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الأحْنَفِ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ: أنَّهُ أعْتَقَ غُلامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ وكاتَبَهُ، فأدَّى بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ وَماتَ مَوْلاهُ، فأتَوا ابْنَ مَسْعُودٍ فَقالَ: ما أخَذَ فَهُوَ لَهُ، وَما بَقِيَ فلا شَيءَ لَكُمْ. رَوَاهُ البُخارِيّ فِي تَارِيخِهِ)
(3)
. [موقف حسن]
حديث جابر أخرجه أيضًا الأربعة
(4)
....
(1)
أحمد في المسند (3/ 305) والبخاري رقم (2534) ومسلم رقم (41/ 997).
قلت: وأخرجه النسائي رقم (4652) وأبو داود رقم (3955) وابن ماجه رقم (2513) والترمذي رقم (1219) وقال: حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(2)
في السنن رقم (5418) وهو حديث صحيح.
(3)
في التاريخ الكبير (1/ 1/ 210 - 211).
قلت: وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (1/ 130 - 131 رقم 450) بسند ضعيف. لكن الأثر حسن، والله أعلم.
(4)
أبو داود رقم (3955 - 3957) والترمذي رقم (1219) وقال: حديث حسن صحيح. =
وابن حبان
(1)
والبيهقي
(2)
من طرق كثيرة بألفاظ متنوعة.
وفي الباب عن ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا عند البيهقي
(3)
بلفظ: "المدبر من الثلث"، ورواه الشافعي
(4)
، [قال]
(5)
[والحفاظ]
(6)
يوقفونه على ابن عمر.
ورواه الدارقطني
(7)
مرفوعًا بلفظ: "المدبَّر لا يباع، ولا يوهب، وهو حرٌّ من الثلث"، وفي إسناده عبيدة بن حسان وهو منكر الحديث
(8)
.
وقال الدارقطني في العلل: الأصح وقفه.
وقال العقيلي
(9)
: لا يُعرف إلا بعلى بن ظبيان، وهو منكرُ الحديث.
وقال أبو زرعة: الموقوف أصحُّ.
وقال ابن القطان
(10)
: المرفوع ضعيف.
وقال البيهقي
(11)
: الصحيح [موقوف]
(12)
.
وقد روي نحوه عن علي
(13)
موقوفًا عليه.
وعن أبي قلابة
(14)
مرسلًا: "أن رجلًا أعتق عبدًا له عن دبر، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم من الثلث".
وروى الشافعي
(15)
والحاكم
(16)
عن عائشة: "أنها باعت مدبرة سحرَتها".
= والنسائي رقم (4652) وابن ماجه رقم (2512 - 2513).
(1)
في صحيحه رقم (4930) و (4931).
(2)
في السنن الكبرى (10/ 308 - 313).
(3)
في السنن الكبرى (10/ 314).
(4)
في الأم (9/ 336 رقم 4273).
(5)
زيادة من المخطوط (ب).
(6)
في المخطوط (ب): (والحافظ).
(7)
في السنن (4/ 138 رقم 50) وقال: لم يسنده غير عبيدة بن حسان، وهو ضعيف، وإنما هو عن ابن عمر موقوف من قوله.
(8)
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل"(6/ 92) والميزان (3/ 26).
(9)
في "الضعفاء الكبير"(3/ 234 رقم 1235).
(10)
في بيان الوهم والإيهام (3/ 521 - 552 رقم 1295).
(11)
في السنن الكبرى (10/ 314).
(12)
في المخطوط (ب): موقوفًا.
(13)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 314) موقوفًا عليه.
(14)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 314) مرسلًا.
(15)
في المسند (ج 2 رقم 221 - ترتيب).
(16)
في المستدرك (4/ 219 - 220). =
قوله: (أن رجلًا) في مُسلمٍ
(1)
أنه أبو مذكور الأنصاري، والغلام اسمه: يعقوب.
ولفظ أبي داود
(2)
: "أن رجلًا يقال له: أبو مذكور أعتق غلامًا يقال له: يعقوب". اهـ، وهو يعقوب القِبْطي كما في رواية مسلم
(3)
وابن أبي شيبة.
قوله: (عن دُبُر) بضم الدال والموحدة وهو العتق في دُبُر الحياة، كأن يقول السيدُ لعبده: أنت حرٌّ بعد موتي، أو إذا متُّ فأنت حرٌّ؛ وسمي السيدُ مدبِّرًا بصيغة اسم الفاعل؛ لأنه دبَّر أمر دنياه باستخدامه ذلك المدبَّر واسترقاقه، ودبَّر أمر آخرته بإعتاقه وتحصيل أجر العتق.
قوله: (فاشتراه نعيم بن عبد الله)، في رواية للبخاري
(4)
: نعيم بن النحام بالنون والحاء المهملة المشددة، وهو لقب والد نعيم.
وقيل: إنَّه لقبٌ لنعيمٍ، وظاهر الرواية خلاف ذلك.
والحديث يدلُّ على جواز بيع المدبَّر مطلقًا من غير تقييد بالفسق والضرورة، وإليه ذهب الشافعي
(5)
وأهل الحديث، ونقله البيهقي في المعرفة
(6)
عن أكثر الفقهاء.
وحكى النووي
(7)
عن الجمهور: أنه لا يجوز بيع المدبَّر مطلقًا والحديث يردُّ عليهم.
وروي عن الحنفية
(8)
والمالكية
(9)
: أنه لا يجوز بيع المدبَّر تدبيرًا مطلقًا، لا المدبر تدبيرًا مقيدًا، نحو أن يقول: إن مت من مرضي هذا ففلان حرٌّ، فإنه يجوز
= وهو موقوف بسند صحيح والله أعلم.
(1)
في صحيحه رقم (
…
/ 997).
(2)
في سننه رقم (3957).
(3)
في صحيحه رقم (41/ 997).
(4)
في صحيحه رقم (2415).
(5)
البيان للعمراني (8/ 392).
(6)
معرفة السنن والآثار (14/ 430 رقم 20616 و 20618).
(7)
في شرحه لصحيح مسلم (7/ 83).
(8)
بدائع الصنائع (4/ 113).
(9)
"الاستذكار"(23/ 383 رقم 1522).
بيعه؛ لأنه كالوصية، فيجوز الرجوع فيه كما يجوز الرجوع فيها.
وقال أحمد
(1)
: يمتنع بيع المدبرة دون المدبر.
وقال الليث
(2)
: يجوز بيعه إن شرط على المشتري عتقه.
وقال ابن سيرين
(3)
: لا يجوز بيعه إلا من نفسه.
وقال مالك وأصحابه: [لا يجوز بيعه]
(4)
إلا إذا كان على السيد دين فيباع له.
قال النووي
(5)
: وهذا الحديث صريح أو ظاهر في الرد عليهم. لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما باعه لينفقه سيده على نفسه، ولعلَّه لم يقف على رواية النسائي
(6)
التي ذكرها المصنف، نعم، لا وجه لقَصْرِ جواز البيع على حاجة قضاء الدين، بل يجوز البيع لها ولغيرها من الحاجات، والرواية المذكورة قد تضمنت أن الرجل المذكور كان محتاجًا للبيع لما عليه من الدين ومن نفقة أولاده.
وقد ذهب إلى جواز البيع لمطلق الحاجة عطاء
(7)
والهادي والقاسم والمؤيد بالله وأبو طالب، كما حكى ذلك عنهم في البحر
(8)
، وإليه مال ابن دقيق العيد
(9)
، فقال: من منع البيع مطلقًا كان الحديث حجة عليه، لأن المنع الكلي يناقضه الجواز الجزئي، ومن أجازه في بعض الصور فله أن يقول: قلت بالحديث في الصورة التي ورد فيها فلا يلزمه القول به في غير ذلك من الصور.
وأجاب من أجازه مطلقًا بأن قوله في الحديث: "وكان محتاجًا" لا مدخل له في الحكم، وإنما ذكر لبيان السبب في المبادرة لبيعه ليبين للسيد جواز البيع. ولا يخفى أن في الحديث إيماءً إلى المقتضي لجواز البيع [بقوله]
(10)
: "فاحتاج"، وبقوله:"اقض دينك وأنفق على عيالك".
(1)
المغني (14/ 419).
(2)
"الاستذكار"(23/ 385 رقم 35023).
(3)
"الاستذكار"(23/ 283 رقم 35023).
(4)
العبارة ما بين الخاصرتين مكررة في المخطوط (أ).
(5)
في شرحه لصحيح مسلم (7/ 83).
(6)
في سننه رقم (5418) وهو حديث صحيح وقد تقدم.
(7)
"الاستذكار"(23/ 387) رقم (35041).
(8)
البحر الزخار (3/ 310).
(9)
في إحكام الأحكام (4/ 263).
(10)
في المخطوط (ب): (لقوله).
لا يقال: الأصل جواز البيع، والمنع منه يحتاج إلى دليل، ولا يصلح لذلك حديث الباب، لأن غايته أن البيع فيه وقع للحاجة ولا دليل على اعتبارها في غيره، بل مجرد ذلك الأصل كافٍ في الجواز.
لأنا نقول: قد عارض ذلك الأصل إيقاع العتق المعلق فصار الدليل بعده على مدعي الجواز، ولم يرد الدليل إلا في صورة الحاجة فيبقى ما عداها على أصل المنع.
وأما ما ذهب إليه الهادوية
(1)
من جواز بيع المدبر للفسق كما يجوز للضرورة، فليس على ذلك دليل إلا ما تقدم عن عائشة
(2)
من بيعها للمدبرة التي سحرتها، وهو مع كونه أخص من الدعوى لا يصلح للاحتجاج به لما قررناه غير مرة من أن قول الصحابة وفعله ليس بحجة.
واعلم أنها قد اتفقت طرقُ هذا الحديث على أن البيع وقع في حياة السيد، إلا ما أخرجه الترمذي
(3)
بلفظ: "أن رجلًا مِنَ الأنصار دبَّر غلامًا له فمات".
وكذلك رواه الأئمة أحمد
(4)
وإسحاق وابن المديني والحميدي
(5)
وابن أبي شبية
(6)
عن ابن عيينة.
ووجه البيهقي
(7)
الرواية المذكورة بان أصلها: "أن رجلًا من الأنصار أعتق مملوكه إن حدث به حدث، فمات فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فباعه من نعيم".
كذلك رواه مطر الوراق عن عمر
(8)
.
وقال البيهقي
(9)
: فقوله: "فمات" من بقية الشرط: أي فمات من ذلك
(1)
البحر الزخار (4/ 211).
(2)
موقوف بسند صحيح تقدم عند الشافعي في المسند (ج 2 رقم 221 ترتيب) والحاكم (4/ 219 - 220).
(3)
في سننه رقم) (1219) وقال: حديث حسن صحيح وقد تقدم.
(4)
في المسند (3/ 368، 369).
(5)
في مسنده رقم (1222).
(6)
في المصنف (11/ 229).
(7)
في السنن الكبرى (10/ 308، 309).
(8)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 311).
(9)
في السنن الكبرى (10/ 311) ومعرفة السنن والآثار (14/ 426 رقم 20594).
الحدث، وليس إخبارًا عن أن المدبر مات، فحذف من رواية ابن عيينة قوله:"إن حدث به حدث"، فوقع الغلط بسبب ذلك. اهـ.
وقد استُدِلَّ بحديث الباب وما في معناه على مشروعية التدبير، وذلك مما لا خلاف فيه، وإنما الخلاف هل يُنَفَّذُ من رأس المال أو من الثلث؟ فذهب الفريقان من الشافعية
(1)
والحنفية
(2)
ومالك
(3)
والعترة
(4)
، وهو مروي عن علي
(5)
وعمر
(6)
أنه ينفذ من الثلث، واستدلوا بما قدمنا من قوله صلى الله عليه وسلم:"وهو حرٌّ من الثلث".
وذهب ابنُ مسعود
(7)
، والحسن البصريُّ، وابنُ المسيِّب، والنخعي
(8)
وداود (9) ومسروق
(9)
: إلى أنَّه ينفذ من رأس المال قياسًا على الهبة وسائر الأشياء التي يخرجها الإنسان من ماله في حال حياته.
واعتذروا عن الحديث الذي احتجَّ به الأوَّلون بما فيه من المقال المتقدم، ولكنه معتضد بالقياس على الوصية، ولا شكَّ أنَّه بالوصية أشبه منه بالهبة لما بينه وبين الوصية من [المشابهة]
(10)
التامة.
(1)
روضة الطالبين للنووي (12/ 189 - 190).
(2)
بدائع الصنائع (4/ 112).
(3)
عيون المجالس (4/ 1859 - 1860).
(4)
البحر الزخار (4/ 208).
(5)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(9/ 137 رقم 16653) عن الشعبي أن عليًا جعل المدبر من الثلث.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 314).
(6)
حكاه عنه عبد الوهاب البغدادي في عيون المجالس (4/ 1859).
(7)
أخرج البيهقي في السنن الكبرى (10/ 314) عن قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن مسعود قال: يعتق من ثلثه، وروينا ذلك عن شريح وإبراهيم النخعي".
(8)
أخرج عبد الرزاق في المصنف (9/ 137) رقم (16651) عن الثوري، عن منصور، عن إبراهيم - النخعي - قال:"المدبر من الثلث".
(9)
وقال سعيد بن جبير ومسروق - رحمهما الله -: إنه من رأس المال.
وهذا مذهب زفر، وداود - رحمهما الله -.
عيون المجالس (4/ 1860) وبدائع الصنائع (4/ 112).
والمصنف لعبد الرزاق (9/ 137 رقم 16652).
(10)
في المخطوط (ب): (المشابه).
قوله: (ما أخذ فهو له وما بقي فلا شيء لكم)، استدل به القاضي زيد والهادوية
(1)
على أن الكتابة لا يبطل بها التَّدبير، ويعتق العبد عندهم بالأسبق منهما.
وقال المنصور
(2)
بالله: لا تصح
(3)
الكتابة بعد التدبير لأنها بيع فلا تصح إلا حيث يصح البيع. وردَّ بأن ذلك تعجيل للعتق مشروط.
[الباب السابع] باب المكاتب
17/ 2607 - (عَنْ عَائِشَةَ: أن بَريرَة جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِن كِتابَتِها شَيْئًا، فَقَالَت لَهَا عائِشَةُ: ارجِعِي إلى أهْلِكِ، فإن أحَبُّوا أن أقْضِيَ عَنْكِ كِتابَتَكِ وَيَكُونُ وَلاؤُكِ لي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ بَريْرَةُ ذلكَ لأِهْلِهَا فأبَوْا وَقالُوا: إنْ شاءَتْ أنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ ويَكُونُ لَنا وَلاؤُكِ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقالَ لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ابْتاعِي فأعْتِقي، فإنَّمَا الوَلاءُ لِمَن أعْتَقَ"، ثمَّ قامَ فَقالَ:"ما بالُ أُناسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كتابِ الله تَعَالى، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ الله فَلَيْسَ لَهُ، وَإنْ شَرَطَهُ مائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ الله أحَقُّ وأوْثَقُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(4)
[صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ قالَتْ: جاءَتْ بَرِيرَةُ فَقالتْ: إني كاتَبْتُ أهْلِي على تِسْعِ أوَاقٍ، فِي كُلّ عامٍ أُوقِيَّةٌ .. الحَدِيثُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(5)
. [صحيح]
قوله: (باب المكاتَبِ) بفتح الفوقانية: من تقع له الكتابة، وبكسرها: من تقع منه. والكتابة: بكسر الكاف وفتحها.
(1)
البحر الزخار (4/ 212 - 213).
(2)
المرجع السابق (4/ 212 - 213).
(3)
في المخطوط (ب): لا يصح.
(4)
أحمد في المسند (6/ 81، 82) والبخاري رقم (456) ومسلم رقم (6/ 1504).
(5)
أحمد في المسند (6/ 33، 83، 180، 183) والبخاري رقم (2563) ومسلم رقم (8/ 1504).
قال الراغب
(1)
: اشتقاقها من كتب بمعنى: أوجب، ومنه قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}
(2)
أو بمعنى: جمع وضم، ومنه: كتب الخطَّ.
قال الحافظ
(3)
: وعلى الأوَّل: تكون مأخوذة من معنى الالتزام، وعلى الثاني: تكون مأخوذة من الخطِّ، لوجوده عند عقدها غالبًا.
قال الروياني
(4)
: الكتابة إسلامية ولم تكن تُعرف في الجاهلية.
وقال ابن التين
(5)
: كانت الكتابة متعارفة قبل الإسلام فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن خزيمة (5): وقد كانوا يكاتبون في الجاهلية بالمدينة.
قوله: (أن بريرة) قد تقدَّم ضبط هذا الاسم وبيان اشتقاقه في باب من اشترى عبدًا بشرط أن يعتقه
(6)
من كتاب البيع.
وتقدم أيضًا طرف من شرح هذا الحديث في باب أن من شرط الولاء أو شرط شرطًا فاسدًا
(7)
من كتاب البيع أيضًا.
قوله: (فإنْ أحبوا) إلخ، ظاهره: أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال الكتابة، ولم يقع ذلك
…
إذ لو وقع لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقه غيرها.
وقد رواهُ أبو أسامة
(8)
بلفظ يزيل الإشكال فقال: "أن أعدَّها لهم عدَّة واحدةً وأعتقك، ويكون ولاؤك لي فعلت".
وكذلك رواهُ وهيب عن هشام، فعرف بذلك أنَّها أرادت أن تشتريها شراء صحيحًا ثم تعتقها؛ إذ العتق فرع ثبوت الملك.
ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ابتاعي فأعتقي"
(9)
، والمراد بالأهل هنا في قول عائشة:"ارجعي إلى أهلك": السادة، والأهل في الأصل: الآل، وفي الشرع: من تلزم نفقته.
(1)
في "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 69).
(2)
سورة البقرة، الآية:(183).
(3)
"الفتح"(5/ 184).
(4)
في "بحر المذهب" له (13/ 127).
(5)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 184).
(6)
عند الحديث (2225) من كتابنا هذا.
(7)
عند الحديث (2226) من كتابنا هذا.
(8)
البخاري في صحيحه رقم (2563).
(9)
في حديث الباب رقم (17/ 2607) من كتابنا هذا.
قوله: (إن شاءت أن تحتسب)، هو من الحِسبة بكسر الحاء المهملة، أي: تحتسب الأجر عند الله ولا يكون لها ولاء.
قوله: (فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، في رواية للبخاري
(1)
: "فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسألني"، وفي أخرى له
(2)
: "فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه".
قوله: (ابتاعي فأعتقي) هو كقوله في حديث ابن عمر
(3)
: "لا يمنعك ذلك".
قوله: (على تسع أواق) في رواية معلقة للبخاري
(4)
: "خمس أواقٍ نُجِّمَتْ عليها في خمس سنين"، ولكن المشهور رواية التسع، وقد جزم الإسماعيلي
(5)
بأنَّ رواية الخمس غلط.
ويمكن الجمع: بأنَّ التسعَ أصلٌ. والخمسَ كانت بقيت عليها، وبهذا جزم القرطبي
(6)
، والمحب الطبري
(7)
.
ويعكر عليه ما في تلك الرواية بلفظ: "ولم تكن [قضت]
(8)
من كتابتها شيئًا".
وأجيب بأنها كانت حصلت الأربع الأواق قبل أن تستعين ثم جاءتها وقد بقي عليها خمس.
وقال القرطبي
(9)
: يجاب بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجمها من جملة التسع الأواق المذكورة.
ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري
(10)
ذكرها في أبواب المساجد بلفظ: "فقال أهلها: إن شئت أعطيت ما يبقى".
وقد قدمنا بقية الكلام على هذا الحديث في ذلك الباب من كتاب البيع فليرجع إليه، وله فوائد أخر خارجة عن المقصود.
(1)
البخاري في صحيحه رقم (2563).
(2)
أي: للبخاري في صحيحه رقم (2565).
(3)
تقدم تخريجه برقم (2227) من كتابنا هذا.
(4)
في صحيحه رقم (2560) معلقًا.
(5)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 184).
(6)
المفهم (4/ 321).
(7)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 184).
(8)
في المخطوط (ب): (أدت).
(9)
في المفهم (4/ 321).
(10)
في صحيحه رقم (456).
قال ابن بطال
(1)
: أكثر الناس من تخريج الوجوه في حديث بريرة حتى بلغوها نحو مائة وجه.
وقال النووي
(2)
: صنف فيه ابن خزيمة وابن جرير تصنيفين كبيرين أكثرا فيهما من استنباط الفوائد.
18/ 2608 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ بِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ فأدَّاها إلَّا عَشْرَ أوقِيَّاتٍ فَهُوَ رَقِيقٌ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ
(3)
. [حسن]
وفِي لَفْظٍ: "المُكاتَبُ عَبْدٌ ما بَقِيَ [عَلَيْهِ]
(4)
مِنْ مُكاتَبِتِه دِرْهَمٌ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(5)
. [حسن]
(1)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 84).
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 142).
(3)
أحمد في المسند (2/ 178، 206، 209) وأبو داود رقم (3927) والترمذي رقم (1260) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه رقم (2519).
(4)
في المخطوط (ب): (عنه).
(5)
في سننه رقم (3926) وعنه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 324) من طريق أبي عتبة إسماعيل بن عياش: حدثني سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، به.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، وعمرو بن شعيب فيه الخلاف المشهور، وإسماعيل بن عياش: ثقة في الشاميين، وهذا منه، فإن سليمان بن سليم شامي أيضًا.
وقد تابعه جماعة بمعناه.
(منهم): حجاج بن أرطأة عن عمرو به بلفظ: "أيما عبد كوتب على مائة أوقية إلا عشر أوقيات فهو رقيق".
أخرجه ابن ماجه رقم (2519) والبيهقي (10/ 324) وأحمد (2/ 178، 206، 209).
(ومنهم): عباس الجريري ثنا عمرو بن شعيب به، ولفظه:"أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق، فهو عبد، وأيما عبد كاتب على مائة دينار، فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد".
أخرجه أبو داود رقم (3927) والبيهقي (10/ 324) وأحمد (2/ 184) والحاكم (2/ 218) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
(ومنهم): يحيى بن أبي أنيسة عن عمرو بن شعيب، بلفظ:"من كاتب عبده على مائة أوقية فأداه إلا عشرة أواق، أو قال: عشرة دراهم ثم عجز فهو رقيق".
أخرجه الترمذي رقم (1260) وقال: حديث حسن غريب، ويحيى هذا ضعيف. لكن =
19/ 2609 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا كانَ لإحْدَاكُنَّ مُكاتَبٌ وكانَ عِنْدَهُ ما يُؤَدِّي فُلْتَحْتَجبْ مِنْهُ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ وَصحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
(1)
. [حسن]
ويُحْمَلُ الأمْرُ بالاحْتِجابِ على النَّدْبِ).
20/ 2610 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يُودَى المُكاتَبُ بِحصَّةِ ما أدَّى دِيَة الحُرّ وَمَا بَقيَ دِيَةَ العَبْدِ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلا ابْنَ ماجَهْ)
(2)
. [صحيح]
21/ 2611 - (وَعَنْ عليّ [عليه السلام]
(3)
عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يُوَدَى
= الحديث يتقوى بالمتابعات المتقدمة.
والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم. وقد حسنه الألباني في الإرواء رقم (1674).
(1)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 289، 308، 311) وأبو داود رقم (3928) وابن ماجه رقم (2520) والترمذي رقم (1261) وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي بنحوه في السنن الكبرى رقم (5029) و (5030 - العلمية).
قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 219) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، كذا قال، ونبهان مولى أم سلمة، وأورده الذهبي في "ذيل الضعفاء" وقال ابن حزم:"مجهول".
قاله الألباني في الإرواء (6/ 183).
قلت: قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" عنه (2/ 297): "مقبول".
وقال الذهبي في "الكاشف"(3/ 175): "ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 486) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(8/ 502) وسكت عنه، فالحديث قابل للتحسين.
وقد حسنه الشيخ عبد القادر في "جامع الأصول"(8/ 93) بشواهده.
وأما المحدث الألباني فقد ضعفه في "الإرواء"(1769) لما تقدم عن حال "نبهان" عنده.
وقال: "ومما يدل على ضعف هذا الحديث عمل أمهات المؤمنين على خلافه، وهن اللاتي خوطبن به فيما زعم راويه! وقد صح ذلك عن بعضهن كما يأتي بيانه".
وخلاصة القول: أن الحديث حسن والله أعلم.
(2)
أحمد في المسند (1/ 260، 263، 292) وأبو داود رقم (4581)، والنسائي رقم (4809) والترمذي رقم (1259).
قلت: وأخرجه الطيالسي (1/ 245 رقم 209 - منحة المعبود) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (982) والحاكم (2/ 218) والبيهقي (10/ 326) وفد صححه الألباني في الإرواء رقم (1726).
(3)
زيادة من المخطوط (ب).
المُكاتَبُ بِقَدْرِ ما أدَّى"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(1)
. [صحيح]
حديث عمرو بن شعيب باللفظ الأول، أخرجه أيضًا الحاكم وصححه
(2)
، وقال الترمذي
(3)
: غريب.
قال الشافعي
(4)
: لم أجد أحدًا روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا [عمرًا]
(5)
ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبته، وعلى هذا فتيا المفتين.
وأخرجه باللفظ الثاني أيضًا النسائي
(6)
والحاكم
(7)
وابن حبان
(8)
، وحسن الحافظ إسناده في بلوغ المرام
(9)
، وهو من رواية إسماعيل بن عياش وفيه
(10)
مقال.
وقال النسائي: هو حديث منكر وهو عندي خطأ. اهـ. وفي إسناده أيضًا عطاء الخراساني عن عمرو بن شعيب ولم يسمع منه، كما قال ابن حزم
(11)
.
وحديث أم سلمة قال الشافعي
(12)
: لم أر أحدًا ممن رضيت من أهل العلم يثبت واحدًا من هذين الحديثين.
(1)
في المسند (1/ 94).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 325 - 326).
وهو حديث صحيح.
(2)
في المستدرك (2/ 218) وقد تقدم.
(3)
في السنن (3/ 562).
(4)
كما في "معرفة السنن والآثار"(14/ 445 رقم 20686).
(5)
في المخطوط (ب): (عمرو).
(6)
في السنن الكبرى رقم (5026)،
(7)
في المستدرك (2/ 218) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(8)
في صحيحه رقم (4318).
(9)
رقم (2/ 1350) بتحقيقي.
(10)
تقدم الكلام عليه مرارًا.
(11)
لم أجده في المحلى وقد حكاه عنه الحافظ في التلخيص (4/ 398)، قلت: لم يقل العلائي في "جامع التحصيل"(ص 290 - 291 رقم 522) أن عطاء الخراساني لم يسمع من عمرو بن شعيب.
وأيضًا لم يقله أبو محمد الرازي في المراسيل (ص 156 - 157 رقم 575).
بل قال الطبراني - كما في "تهذيب التهذيب"(3/ 109) - لم يسمع عطاء بن أبي مسلم الخراساني من أحد من الصحابة إلا من أنس".
(12)
كما في المعرفة للبيهقي (14/ 450 رقم 20717).
قال البيهقي
(1)
: أراد هذا وحديث عمرو بن شعيب، يعني الذي قبله. اهـ، وهو من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة
(2)
عنها. وقد صرح معمر بسماع الزهري من نبهان.
وقد أخرجه ابن خزيمة عن نبهان من طريق أخرى.
وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود
(3)
والمنذري
(4)
وهو عند النسائي
(5)
مسندٌ ومرسلٌ، ورجال إسناده عند أبي داود ثقات.
وحديث علي [عليه السلام]
(6)
أخرجه أيضًا أبو داود
(7)
لأنه قال في السنن
(8)
بعد إخراجه لحديث ابن عباس ما لفظه: ورواه - يعني حديث ابن عباس - وهيب عن أيوب عن عكرمة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجعله إسماعيل بن علية من قول عكرمة، وأخرجه البيهقي
(9)
من [طرق]
(10)
.
قوله: (فهو رقيقٌ)، أي: تجري عليه أحكام الرقِّ، وفيه دليل على جواز بيع المكاتَبِ لأنَّ الرق مملوك، وكل مملوكٍ يجوز بيعُه وهبتُه والوصيةُ به، وهو القديم من مذهب الشافعي، وبه قال أحمد
(11)
وابن المنذر
(12)
.
(1)
في المعرفة له (14/ 450 رقم 20718).
(2)
نبهان المخزومي، أبو يحيى المدني مولى أم سلمة ومكاتبها.
قال ابن حزم في المحلى (11/ 3): لا يوثق.
وقال ابن حجر في "التقريب"(2/ 297): "مقبول".
وقال الذهبي في "الكاشف"(3/ 175): "ثقة".
وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 486).
(3)
في السنن (4/ 707).
(4)
في المختصر (6/ 374).
(5)
في السنن الكبرى رقم (5020 - العلمية). مسندًا.
وفي السنن الكبرى رقم (5024 - العلمية). مرسلًا.
(6)
زيادة من المخطوط (ب).
(7)
في السنن رقم (4582) وهو حديث صحيح.
(8)
في السنن (4/ 707).
(9)
في السنن الكبرى (10/ 324 - 325).
(10)
في المخطوط (ب): طريق.
(11)
المغني (14/ 535).
(12)
الإشراف على مذاهب أهل العلم (1/ 350) والإقناع (2/ 423 - 424).
قال
(1)
: بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكاتبة ولم ينكر ذلك. ففيه أبين بيان أن بيعه جائز.
قال (1): ولا أعلم خبرًا يعارضه.
قال (1): ولا أعلم دليلًا على عجزها.
وقال الشافعي في الجديد
(2)
ومالك
(3)
وأصحاب الرأي
(4)
: إنه لا يجوز بيعه، وبه قالت العترة
(5)
، قالوا:[لأنه]
(6)
قد خرج من ملكه بدليل تحريم الوطء والاستخدام، وتأوَّل الشافعي حديث بريرة
(7)
على أنها كانت قد عجزت وكان بيعها فسخًا لكتابتها، وهذا التأويل يحتاج إلى دليل.
قوله: (فلتحتجب منه) ظاهر الأمر الوجوب إذا كان مع المكاتب من المال ما يفي بما عليه من مال الكتابة لأنه قد صار حرًّا وإن لم يكن قد سلمه إلى مولاته.
وقيل: إنه محمول على الندب.
قال الشافعي
(8)
: يجوز أن يكون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بالاحتجاب من [مكاتبها]
(9)
إذا كان عنده ما يؤدي لتعظيم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك
(1)
أي: أحمد في "المغني"(14/ 535 - 536).
(2)
في الأم (9/ 409).
(3)
الاستذكار (23/ 296).
(4)
"وقال آخرون: لا يجوز بيع المكاتب؛ لما في ذلك من نقدِ العقد له، وقد أمر اللهُ تعالى بالوفاء بالعقود، ولأنه يدخلهُ بيع الولاءِ، وكذلك لا يجوز بيع كتابتُهُ، ولا بيع شيءٍ مما بقي منها عليه، والبيع في ذلك كُلِّهِ فاسِدٌ مردودٌ؛ لأنَّ ذلك غررٌ لا يدري العجزَ المكاتَب أم لا، ولا يدري المشتري ما يحصل عليه بصفقَتِهِ رقبةَ المكاتب أو كتابته، وإن حصلَ على رقبتِهِ، كان في ذلك بيعُ الولاء.
هذا كله قولُ أبي حنيفة وأصحابِهِ.
حكاه عنه ابن عبد البر في "الاستذكار"(23/ 298 رقم 34641 و 34642).
(5)
البحر الزخار (4/ 216).
(6)
في المخطوط (ب): (إنه).
(7)
تقدم برقم (2607) من كتابنا هذا.
(8)
كما في معرفة السنن والآثار (14/ 450 رقم 20719) والسنن الكبرى (10/ 327).
(9)
في المخطوط (أ): (يكاتبها).
مختصًا بهن، ثم قال: ومع هذا فاحتجاب المرأة ممن يجوز له أن يراها واسع، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تحتجب من رجل قضى أنه أخوها، وذلك يشبه أن يكون للاحتياط وأن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح. اهـ.
والقرينةُ القاضية بحمل هذا الأمر على الندب حديثُ عمرو بن شعيب المذكور، فإنه يقتضي بأن حكم المكاتب قبل تسليم جميع مال الكتابة حكمُ العبد، والعبد يجوزُ له النظر إلى سيدته كما هو مذهب أكثر السلف لقوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}
(1)
، وذهب جماعة من أهل العلم منهم الهادوية
(2)
إلى أنه لا يجوز للعبد النظر إلى سيِّدته.
ومن متمسكاتهم لذلك ما روي عن سعيد بن المسيب
(3)
أنه قال: لا تغرنكم آية النور، فالمراد بها الإماء.
قال في البحر
(4)
: وخصهن بالذكر لتوهم مخالفتهن للحرائر في قوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ}
(5)
. اهـ.
وقد تمسك بحديث عمرو بن شعيب
(6)
جمهور أهل العلم من الصحابة وغيرهم فقالوا: حكم المكاتب قبل تسليم جميع مال الكتابة حكم العبد في جميع الأحكام من الإرث والأرش والدية والحد وغير ذلك.
وتمسك من قال بأنه يعتق من المكاتب بقدر ما أدّى من مال الكتابة، وتتبعض الأحكام التي يمكن تبعضها في حقه بحديث ابن عباس
(7)
وحديث علي
(8)
المذكورين.
وقد قدمنا في باب ميراث المعتق
(9)
بعضه من كتاب الفرائض أقوالًا في المكاتب الذي قد أبى بعض مال كتابته.
(1)
سورة النور، الآية:(31).
(2)
البحر الزخار (4/ 359).
(3)
ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره (10/ 221).
وانظر: "سبل السلام"(8/ 124 - 125) بتحقيقي ففيه بحث لهذه المسألة.
(4)
البحر الزخار (4/ 380).
(5)
سورة النور، الآية:(31).
(6)
تقدم برقم (2608) من كتابنا هذا.
(7)
تقدم برقم (2610) من كتابنا هذا.
(8)
تقدم برقم (2611) من كتابنا هذا.
(9)
الباب الثاني من كتاب الفرائض عند الحديث رقم (2576) من كتابنا هذا.
قوله: (يُوْدَى المكاتبُ) بضم أوله وفتح الدال المهملة مبنيًا للمجهول: أي يؤدي الجاني عليه من ديته أو أرشه لما كان منه حرًّا بحساب دية الحرّ وأرشه ولما كان منه عبدًا بحساب دية العبد وأرشه
(1)
.
22/ 2612 - (وَعَنْ مُوسَى بْنِ أنَسٍ: أن سِيرِينَ سألَ أنَسَ بْنَ مالِكٍ المُكاتَبَةَ، وكانَ كَثِيرَ المَالِ فأبى، فانْطَلَقَ إلى عُمَرَ فَقالَ: كاتِبْهُ، فأَبى، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بالدّرَّةِ وَتَلَا عُمَرُ:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}
(2)
. أخْرَجَهُ البُخارِي)
(3)
.
23/ 2613 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ قَالَ: اشْتَرَتْنِي امْرأةٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِسُوق ذِي المَجازِ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَدِمَتْ فَكاتَبَتْنِي على أَرْبَعِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ، فأذْهَبْتُ إلَيْها عامَّةَ المَالِ ثُمَّ حمَلْتُ ما بَقِيَ إلَيْها، فَقُلْتُ: هَذَا مالُكِ فاقْبِضِيهِ، فَقالَتْ: لا والله حتَّى آخُذَهُ مِنْكَ شَهْرًا بِشَهْرٍ وَسَنَةً بِسَنَةٍ، فَخَرَجْتُ بِهِ إلى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ ذلكَ لَهُ، فَقالَ عُمَرُ: ارْفَعْهُ إلى بَيْتِ المَالِ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْها: هَذَا مالُكِ فِي بَيْتِ المَالِ وَقَدْ عَتَقَ أبُو سَعِيدٍ، فإنْ شِئْتِ فَخُذِي شَهْرًا بِشَهْرٍ، وَسَنَةً بِسَنَة، قال: فأرْسَلَتْ فأخَذَتْهُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)
(4)
. [حسن لغيره]
(1)
المغني (14/ 515 - 519) والبيان (8/ 479 - 485).
(2)
سورة النور، الآية (33).
(3)
في صحيحه (5/ 184 رقم الباب 1 - مع الفتح) معلقًا.
قال الحافظ: هذا الأثر وصله إسماعيل القاضي في "أحكام القرآن" قال: حدثنا علي بن المديني، حدثنا رَوْح بن عبادة بهذا، وكذلك أخرجه عبد الرزاق رقم (15570)، والشافعي من وجهين آخرين عن ابن جريج. اهـ.
(4)
في السنن (4/ 122 رقم 3).
وفي إسناد الحديث عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر الليثي وهو ضعيف، واختلط بأَخَرة، كذا في "التقريب"(1/ 430).
وقال البخاري: هو منكر الحديث، وكان مالك يرضاه كذا في الخلاصة (ص 205).
وقال أبو حاتم: لا يشتغل به، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي. الجرح والتعديل (5/ 103).
وانظر: التاريخ الكبير (5/ 140) والمجروحين (2/ 8) والميزان (2/ 455 - 456 - 457).
حديث أبي سعيدٍ المقبري: هو من رواية ابنه سعيد بن أبي سعيد، وأخرجه أيضًا البيهقي
(1)
، وأورده صاحب "التلخيص"
(2)
وسكت عنه.
قوله: (أن سيرين) هو والد محمد بن سيرين الفقيه المشهور، وكنيته أبو عمرة، وكان من سبي عين التمر، اشتراه أنس في خلافة أبي بكر، وروى عن عمر وغيره، وذكره ابن حبان في "ثقات التابعين"
(3)
، وموسى بن أنس الراوي عنه لم يدرك وقت سؤال سيرين الكتابة من أنس.
وقد رواه عبد الرزاق
(4)
والطبراني
(5)
من وجه آخر متصل من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: أرادني سيرين على المكاتبة فأبيت، فأتى عمر بن الخطاب فذكر نحوه.
وقد استدلّ بالآية المذكورة من قال بوجوب الكتابة، وقد نقله ابن حزم
(6)
عن مسروق والضحاك، وزاد القرطبي
(7)
معهما عكرمة وهو قول للشافعي
(8)
وبه قالت الظاهرية
(9)
، واختاره ابن جرير الطبري
(10)
، وحكاه في البحر
(11)
عن عطاء وعمرو بن دينار.
وقال إسحاق بن راهويه
(12)
: إنها واجبة إذا طلبها العبد.
وذهبن العترة
(13)
والشافعية
(14)
والحنفية
(15)
وجمهور العلماء إلى عدم الوجوب.
(1)
في السنن الكبرى (10/ 334، 335) وقال البيهقي: قال أبو بكر النيسابوري: هذا حديث حسن.
(2)
(4/ 400).
وخلاصة القول: أن إسناده ضعيف، لكن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.
(3)
ص 135 رقم الترجمة 1564).
وانظر: الجرح والتعديل (4/ 322) والتاريخ الكبير (4/ 211).
(4)
في المصنف (ج 8 رقم 15577).
(5)
لم أقف عليه عند الطبراني.
(6)
في المحلى (9/ 223).
(7)
في "الجامع لأحكام القرآن"(12/ 245).
(8)
روضة الطالبين للنووي (12/ 209).
(9)
المحلى (9/ 222).
(10)
في "جامع البيان"(10 ج 18/ 127).
(11)
البحر الزخار (4/ 212).
(12)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 186).
(13)
البحر الزخار (4/ 212).
(14)
البيان للعمراني (8/ 410) وروضة الطالبين (12/ 209).
(15)
الاختيار (4/ 277) واللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 621).
وأجابوا عن الآية بأجوبة منها ما قاله أبو سعيد الاصطخري
(1)
: إن القرينة الصارفة للأمر المذكور [في الآية الشرط المذكور]
(2)
آخر الآية، أعني قوله تعالى:{إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}
(3)
فإنَّه وكّل الاجتهاد في ذلك إلى المولى، ومقتضاه: أنَّه إذا رأى عدمه لم يجبر عليه فدلَّ على أنه غير واجب.
وقال غيره
(4)
: الكتابة عقد غرر، فكان الأصل أن لا تجوز، فلما وقع الإذن فيها كان أمرًا بعد منع والأمر بعد المنع للإباحة، ولا يرد على هذا كونها مستحبة، لأن استحبابها ثبت بأدلة أخرى.
قال القرطبي
(5)
: لما ثبت أن رقبة العبد وكسبه ملك لسيده دلّ على أن الأمر بالكتابة غير واجب، لأن قوله:"خذ كسبي وأعتقني" يصير بمنزلة أعتقني بلا شيء، وذلك غير واجب اتفاقًا.
وأجاب عن الآية في البحر
(6)
بأن القياس على المعاوضات صرفها عن الظاهر كالتخصيص.
ورد بأن القياس المذكور فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النصّ.
ويجاب بأن المراد بالقياس المذكور هو الأصل المعلوم من الأصول المقررة وهو صالح للصرف لا القياس الذي هو إلحاق [فرع بأصل]
(7)
حتى يردّ بما ذكر.
واستدل بفعل عمر المذكور في قصة أبي سعيد المقبري من لم يشترط التنجيم في الكتابة وهم أبو حنيفة
(8)
ومالك
(9)
والناصر (10) والمؤيد بالله
(10)
.
وذهب الشافعي
(11)
والهادي
(12)
وأبو العباس (12) وأبو طالب إلى اشتراط التأجيل والتنجيم.
(1)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 187).
(2)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(3)
سورة النور، الآية:(33).
(4)
انظر: "شرح فتح القدير"(9/ 157).
(5)
انظر: "الجامع لأحكام القرآن"(12/ 245).
(6)
البحر الزخار (4/ 213).
(7)
في المخطوط (ب): (أصل بفرع).
(8)
في "شرح فتح القدير"(9/ 160).
(9)
عيون المجالس (4/ 1866 رقم 1321).
(10)
البحر الزخار (4/ 214).
(11)
روضة الطالبين (12/ 211، 212).
(12)
البحر الزخار (4/ 214).
واستدلوا على ذلك بأنَّ الكتابة مشتقةٌ من الضمِّ، وهو ضمُّ بعض النجوم إلى بعض، وأقلّ ما يحصل به الضمُّ نجمان.
واحتجوا أيضًا بما رواه ابن أبي شيبة
(1)
عن عليّ بلفظ: "إذا تتابع على المكاتب نجمان فلم يؤدّ نجومه ردَّ إلى الرقِّ"، ولا يخفى أن مثل هذا لا ينتهض للاحتجاج به على الاشتراط، أما أولًا فلأنه قول صحابي، وأما [ثانيًا]
(2)
فليس فيه ما يشعر بأن ذلك على جهة الحتم والتأجيل في الأصل إنما [جعل]
(3)
لأجل الرفق بالعبد لا بالسيد، فإذا قدر العبد على التعجيل وتسليم المال دفعة فكيف يمنع من ذلك؟.
والحاصل أن التنجيم جائز بالاتفاق كما حكى ذلك في الفتح
(4)
.
وأما كونه شرطًا [أو]
(5)
واجبًا فلا مستند له
(6)
.
[الباب الثامن] باب ما جاء في أم الولد
24/ 2614 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ وَطِئَ أمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(7)
وَابْنُ ماجَهْ
(8)
[ضعيف].
وفي لَفْظٍ: "أيّمَا امْرَأةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِها فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ - أوْ قالَ -: مِنْ بَعْدِهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(9)
. [ضعيف]
(1)
في المصنف (6/ 390).
(2)
في المخطوط (ب): (ثانيها).
(3)
في المخطوط (ب): (جعله).
(4)
الفتح (5/ 185).
(5)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(6)
انظر: البيان للعمراني (8/ 519 - 522) والمغني (14/ 449 - 454).
(7)
في المسند (1/ 320) إسناده ضعيف. لضعف شريك بن عبد الله النخعي، وحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس.
(8)
في سننه رقم (2515).
وانظر: "مصباح الزجاجة" للبوصيري (2/ 291).
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(9)
في المسند (1/ 317) بسند ضعيف. كما في الذي قبله. =
25/ 2615 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: ذُكِرَتْ أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أعْتَقَها وَلَدُها"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ
(1)
وَالدّارَقُطْنِي)
(2)
. [ضعيف]
الحديث الأول أخرجه أيضًا الحاكم
(3)
والبيهقي
(4)
وله طرق.
وفي إسناده الحسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف
(5)
جدًّا.
وقد رجح جماعة وقفه على عمر.
وفي رواية للدارقطني
(6)
والبيهقي
(7)
من حديث ابن عباس أيضًا: "أمّ الولد حرّة وإن كان سقطًا"، وإسناده ضعيف.
قال الحافظ
(8)
: والصحيح أنه من قول [ابن]
(9)
عمر.
والحديث الثاني في إسناده أيضًا حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف (5) كما تقدم.
قال البيهقي
(10)
: وروي عن ابن عباس من قوله، قال: وله علة. ورواه
= وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(1)
في السنن رقم (2516).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 292): هذا إسناد حكمه حكم الإسناد قبله - وهو إسناد ضعيف -.
(2)
في السنن (4/ 132 رقم 24).
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
في المستدرك (2/ 19) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قلت: في إسناده حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس: متروك الحديث الميزان (1/ 537) والمجروحين (1/ 242) والخلاصة (ص 83).
(4)
في السنن الكبرى (10/ 346).
وهو حديث ضعيف كما تقدم.
(5)
انظر: الميزان (1/ 537) والتاريخ الكبير (2/ 388) والجرح والتعديل (3/ 57).
(6)
في السنن (4/ 131 رقم 19).
(7)
في السنن الكبرى (10/ 346 - 347).
إسناده ضعيف والصحيح أنه من قول ابن عمر كذا في "التلخيص"(4/ 401).
(8)
في "التلخيص"(4/ 401).
(9)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(10)
السنن الكبرى (10/ 346).
[سعيد بن](1) مسروق، عن عكرمة، عن عمر، وعن خصيف عن عكرمة عن ابن [عباس عن]
(1)
عمر قال: فعاد الحديث إلى عمر، وله طرق أخرى.
رواه البيهقي
(2)
من حديث ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم إبراهيم: أعتقك ولدك"، وهو معضل.
وقال ابن حزم
(3)
: صح هذا بسند رواته ثقات عن ابن عباس ثم ذكره من طريق قاسم بن أصبغ عن محمد بن مصعب عن عبيد الله بن عمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس.
وتعقبه ابن القطان
(4)
بأن قوله: عن محمد بن مصعب خطأ، وإنما هو عن محمد وهو ابن وضاح، عن مصعب وهو ابن سعيد المصيصي وفيه ضعف.
والحديثان يدلان: على أن الأمة تصير حرّةً إذا ولدت من سيدها، وسيأتي الكلام على ذلك قريبًا والخلاف فيه.
وأم الولد: هي الأمة التي علقت من سيدها بحمل ووضعته متخلقًا وادَّعاه.
26/ 2616 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ فَقالَ: يَا رَسُولَ الله إنَّا نُصِيبُ سَبْيًا فَنُحِبُّ الأثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي العَزْلِ؟ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَإنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكُمْ، لا عَلَيْكُمْ أنْ لا تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ، فإنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ الله عز وجل أن تَخْرُجَ إلا وَهِيَ خارِجَةٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
وَالبُخارِيّ)
(6)
. [صحيح]
الحديث فيه دليل على جواز العزل عن الإماء، وسيذكر المصنف حديث أبي سعيد هذا في باب: ما جاء في العزل، من كتاب: الوليمة والبناء، ويأتي شرحه إن شاء الله تعالى هنالك، فإنه الموضع الأليق به.
وفي مطلق العزل خلاف طويل
(7)
؛ وكذلك في خصوص العزل عن الحرة أو الأمة أو أمّ الولد، وسيأتي هنالك مبسوطًا بمعونة الله.
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ) و (ب) وأثبتناه من السنن الكبرى (10/ 346).
(2)
في السنن الكبرى (10/ 347) وقال: هذا منقطع.
(3)
في المحلى (9/ 219).
(4)
كما في "التلخيص"(4/ 402).
(5)
في المسند (4/ 88).
(6)
في صحيحه رقم (2229).
(7)
المغني (10/ 228 - 230).
ولعل مراد المصنف رحمه الله بإيراد الحديث الاستدلال بقوله: فنحبُّ الأثمان على منع بيع أمهات الأولاد وهو محتملٌ.
27/ 2617 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأوْلادِ، وَقالَ:"لا يُبَعْنَ وَلا يُوهَبْنَ وَلا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بهَا السَّيِّدُ ما دَامَ حَيًّا، وَإذَا ماتَ فَهِيَ حُرَّةٌ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(1)
. [موقوف صحيح]
وَرَوَاهُ مالِكٌ فِي المُوَطَّأِ
(2)
، والدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَر
(3)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ. وَهُوَ أصَحُّ). [موقوف صحيح]
28/ 2618 - (وَعَنِ أبي الزُّبَيْرِ عَنْ جابرٍ أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كُنَّا نَبيعُ سرَارِينا أُمَّهاتِ أوْلادِنا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِينا حَيٌّ لا نَرَى بِذَلِك بأسًا. رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وَابْنُ ماجَهْ)
(5)
. [صحيح]
(1)
في السنن (4/ 134 رقم 34).
قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام"(2/ 88 رقم 60): "هذا حديث يرويه عبدُ العزيز بن مسلم القَسْمَلي وهو ثقة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، واختلف فيه، فقال عنه يونس بن محمد وهو ثقة وهو الذي رفعه، وقال عنه يحيى بن إسحاق، وفليح بن سليمان عن عمر لم يتجاوزوه، وكلُّهم ثقات، وهذا كله عندَ المؤلف.
قال ابن القطان: وعندي أن الذي أسنده خير ممن وقفه، والله أعلم". اهـ.
والخلاصة: أنه صحيح، موقوفًا، والله أعلم.
(2)
في الموطأ (2/ 776 رقم 6).
(3)
في السنن (4/ 135 رقم 36).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 342) والسنن الصغير رقم (4465)، وفي "معرفة السنن والآثار"(14/ 467 رقم 20792).
قال ابن كثير في "مسند الفاروق"(1/ 373): "هذا إسناد صحيح".
وخلاصة القول: أنه صحيح موقوفًا، والله أعلم.
(4)
في المسند (3/ 321).
(5)
في سننه رقم (2517).
قلت: وأخرجه الدارقطني (4/ 135) والبيهقي (10/ 348) وابن حبان رقم (4323) وعبد الرزاق رقم (13211).
وهو حديث صحيح. انظر: الإرواء رقم (1777) والصحيحة رقم (2417).
29/ 2619 - (وَعَنْ عَطاءٍ عَنْ جابِرٍ قالَ: بِعْنا أُمَّهَاتِ الأوْلادِ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْرٍ، فَلَمَّا كانَ عُمَرُ نَهَانا فانْتَهَيْنا. رواهُ أبُو دَاوُد
(1)
. [صحيح]
قالَ بَعْضُ العُلَماء: إنَّمَا وَجْهُ هَذَا أنْ يَكُونَ ذلك مُباحًا ثُمَّ نَهَى عَنْهُ وَلْم يُظْهِرِ النَّهْيَ لِمَنْ باعَها، وَلا عَلِمَ أبُو بَكْرٍ بِمَنْ باعَ فِي زَمانِهِ لِقِصَرِ مُدَّتِهِ وَاشْتِغالِهِ بِأهَمّ أمور الدِّين ثمَّ ظَهَر ذَلكَ زَمَنَ عُمَرَ فأظْهَرَ النَّهْيَ وَالمَنْعَ، وَهَذَا مِثْلُ حَدِيثِ جابرٍ أيْضًا فِي المُتْعَة قالَ:"كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بالقَبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الأيَّامَ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْرٍ حتَّى نَهَانا عَنْهُ عُمَرُ فِي شأنِ عَمرِو بْن حُرَيْثٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(2)
. [صحيح]
وإنَّمَا وَجْهُهُ ما سَبَقَ لاِمْتِناع النَّسْخ بَعْدَ وَفاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم).
30/ 2620 - (وَعَنِ الخَطَّاب بْن صَالح عَنْ أُمِّهِ قالَتْ: حَدَّثَتْنِي سَلامَةُ بِنْتُ [مَعْقِل]
(3)
قالَتْ: كُنْتُ لِلْحُباب بْن عَمْرٍو وَلي مِنْهُ غُلامٌ، فَقالَتْ لي امْرأتُهُ: الآنَ تُباعِينَ فِي دَيْنِهِ، فأتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلكَ له، فَقالَ:"مَنْ صَاحِبُ تَرِكَةِ الحُبَاب بْن عَمْرٍو؟ "، قالُوا: أخُوهُ أبُو اليَسْر كعبُ بْنُ عَمْرٍو فَدَعاهُ فَقالَ: "لا تَبِيعُوها وأعْتِقُوها فإذَا سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ قَدْ جاءَنِي فأتُوني أُعَوّضْكُمْ"، فَفَعَلُوا، فاخْتَلَفُوا فِيما بَيْنَهُمْ بَعْدَ وَفاة رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ قَوْمٌ: أُمُّ الوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لَوْلا ذلكَ لَمْ يُعَوضْكُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ وَقالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ حُرَّةٌ قَدْ أعْتَقَها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَفِيَّ
(1)
في سننه رقم (3954).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (4324) والحاكم (2/ 18 - 19) والبيهقي (10/ 347) من طريق حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن عطاءَ بن أبي رباح عنه.
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في الإرواء (رقم 1777).
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(2)
في صحيحه رقم (16/ 1405).
(3)
في المخطوط (ب): (مغفل) وهو خطأ.
كانَ الاخْتِلافُ. رَوَاه أحْمَد فِي مُسْنَدِهِ
(1)
، قالَ الخَطَّابي
(2)
: وَلَيْسَ إسنْاده بِذَلِكَ). [صحيح]
حديث ابن عمر أخرجه أيضًا البيهقي
(3)
مرفوعًا وموقوفًا. وقال: الصحيح وقفه على عمر وكذا قال عبد الحق
(4)
.
وقال صاحب الإلمام
(5)
: المعروف فيه الوقف والذي رفعه ثقة. قيل: ولا يصح مسندًا.
وحديث جابر الأول أخرجه أيضًا الشافعي
(6)
والبيهقي
(7)
[والنسائي
(8)
]
(9)
.
وحديثه الثاني أخرجه أيضًا ابن حبان
(10)
والحاكم
(11)
.
وحديث سلامة بنت معقل أخرجه أيضًا أبو داود
(12)
. وفي إسناده محمد بن إسحاق بن يسار، وفيه مقال
(13)
. وذكر البيهقي
(14)
أنه أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال هذا بعد أن ذكر أحاديث في أسانيدها مقال.
وفي الباب عن أبي سعيد عن الحاكم
(15)
بنحو حديث جابر الآخر وإسناده
(1)
في المسند (6/ 360) إسناده ضعيف، لعنعنة محمد بن إسحاق، وجهالة والدة الخطاب بن صالح.
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3953) والطبراني في الكبير (ج 24 رقم 780).
والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 345) من طرق.
(2)
في معالم السنن (4/ 263 - مع السنن).
وهو حديث صحيح.
(3)
في السنن الكبرى (10/ 343 - 344).
(4)
كما في "التلخيص الحبير"(4/ 401).
(5)
كما في المرجع السابق (4/ 401).
(6)
(2/ 47 - بدائع المنن). وانظر: المعرفة رقم (20811).
(7)
في السنن الكبرى (10/ 348) وقد تقدم.
(8)
في السنن الكبرى كما في "التحفة"(3/ 336).
(9)
ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).
(10)
في صحيحه رقم (4324) وقد تقدم.
(11)
في المستدرك (2/ 18 - 19) وقد تقدم.
(12)
في سننه رقم (3953) وقد تقدم.
(13)
وهو مدلس ولم يصرح بالتحديث في هذا الحديث.
(14)
السنن الكبرى (10/ 345).
(15)
في المستدرك (2/ 19). قال الذهبي في التلخيص: صحيح. =
ضعيف. قال البيهقي
(1)
: وليس في شيء من الطرق أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك يعني بيع أمهات الأولاد وأقرهم عليه.
وقال الحافظ
(2)
: إنه روى ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق أبي سلمة عن جابر ما يدل على ذلك، يعني الاطلاع والتقرير.
قوله: (قال بعض العلماء) قد روي نحو هذا الكلام عن الخطابي
(3)
فقال: يحتمل أن يكون بيع أمهات الأولاد كان مباحًا ثم نهى عنه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ولم يشتهر ذلك، فلما بلغ [ذلك]
(4)
عمر نهاهم.
قوله: (ومثل هذا حديث جابر)، سيأتي الكلام عليه في النكاح إن شاء الله تعالى.
قوله: (عن الخطاب بن صالح)
(5)
، هو المدني مولى الأنصار معدود في الثقات، توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة، وسلامة
(6)
بتخفيف اللام: وهي امرأةٌ
= قلت: في إسناده زيد العمي وهو ضعيف.
(1)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(4/ 402). وانظر: "معرفة السنن والآثار"(14/ 469 - 470) رقم (20809).
(2)
في "التلخيص"(4/ 402).
(3)
في "معالم السنن"(4/ 264 - مع السنن).
ولفظه: "
…
وقد يحتمل أن يكون ذلك مباحًا في العصر الأول، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قبل خروجه من الدنيا، ولم يعلم به أبو بكر رضي الله عنه، لأن ذلك لم يحدث في أيامه لقصر مدتها، ولاشتغاله بأمور الدين ومحاربة أهل الردة، واستصلاح أهل الدعوة، ثم بقي الأمر على ذلك في عصر عمر رضي الله عنه مدة من الزمان، ثم نهى عنه عمر حين بلغه ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهوا عنه، والله أعلم". اهـ.
(4)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(5)
خطاب بن صالح بن دينار الأنصاري الظفري مولاهم، أبو عمرو المدني: مقبول من السادسة (د). التقريب (1722).
وقال المحرران: "بل ثقة، وثقه البخاري، وابن حبان، والذهبي، ولا نعلم فيه جرحًا، نعم تفرد بالرواية عنه محمد بن إسحاق، لكن المصنف قد وثق مثل هذا قبل قليل، وهو كذلك بعد أن وثقه البخاري". اهـ.
(6)
سلامة بنت مَعْقل القيسية، ويقال: الأنصارية: صحابية، لها حديث. (د) التقريب رقم (8615).
من قيس عيلان، والحُبَاب - بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة - وأبو اليَسر بفتح التحتية والسين المهملة اسمه: كعب، يُعَدُّ في أهل المدينة، وهو صحابيٌ، أنصاريٌّ، بدريٌّ، عَقَبيٌّ.
وقد استدلَّ بحديثي ابن عباس
(1)
المذكورين في الباب وحديث ابن عمر
(2)
القائلون بأنه لا يجوز بيع أمهات الأولاد وهم الجمهور.
وقد حكى ابن قدامة
(3)
إجماعَ الصحابة على ذلك، ولا يقدح في صحة هذه الحكاية ما رُوي عن عليّ وابن عباس وابن الزبير من الجواز، لأنه قد روي عنهم الرجوع عن المخالفة، كما حكى ذلك ابن رسلان في شرح السنن.
وأخرج عبد الرزاق
(4)
عن علي بإسناد صحيح أنه رجع عن رأيه الآخر إلى قول جمهور الصحابة.
وأخرج أيضًا عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال: "سمعت عليًا يقول: اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن، ثم رأيت بعد أن يبعن، قال عبيدة: فقلت: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة"، وهذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد، ورواه البيهقي
(5)
من طريق أيوب.
وأخرج نحوه ابن أبي شيبة
(6)
.
وروى ابن قدامة في الكافي
(7)
أن عليًا لم يرجع رجوعًا صريحًا إنما قال لعبيدة وشريح: "اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف"، وهذا واضح في أنه لم يرجع عن اجتهاده، وإنما أذن لهم أن يقضوا باجتهادهم الموافق لرأي من تقدم.
(1)
تقدما برقم (2614) و (2615) من كتابنا هذا.
(2)
تقدم برقم (2617) من كتابنا هذا.
(3)
في المغني (14/ 585).
(4)
في المصنف رقم (13224) بسند صحيح.
(5)
في السنن الكبرى (10/ 348).
(6)
في المصنف (6/ 436، 437).
(7)
في "الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل"(2/ 624 - 625).
قال ابن قدامة
(1)
أيضًا: وقد روى صالح عن أحمد أنه قال: أكره بيعهنّ، وقد باع عليّ بن أبي طالب. قال أبو الخطاب: فظاهر هذا أنه يصح مع الكراهة.
[وروى]
(2)
البيهقي
(3)
من طرق؛ منها: عن الثوري، عن عبد الله بن دينار، قال: "جاء رجلان إلى ابن عمر فقال: من أين أقبلتما؟ قالا: من قِبَل ابن الزبير فأحلَّ لنا أشياء كانت تحرم علينا، قال: ما أحل لكم؟ قالا: أحل لنا بيع أمهات الأولاد، قال: أتعرفان أبا حفص عمر فإنه نهى أن تباع أو تورث، يستمتع بها ما كان حيًا، فإذا مات فهي حرّة.
ومن القائلين بجواز البيع: الناصرُ
(4)
، والباقر (4)، والصادق (4)، والإمامية
(5)
، وبشر المريسي
(6)
، ومحمد بن المطهر، وولده، والمزني، وداود الظاهري
(7)
، وقتادة.
ولكنه إنما يجوز عند الباقر، والصادق، والإمامية بشرط أن يكون بَيْعُها في حياة سيدها، فإن مات ولها منه ولدٌ باق عتقت عندهم
(8)
.
وقد قيل: إنَّ هذا مُجْمَعٌ عليه.
وقد رُوي في "جامع آل محمد"
(9)
عن القاسم بن إبراهيم أن مَنْ أدرك من أهله لم يكونوا يثبتون رواية بيع أمهات الأولاد.
وقد ادّعى بعضُ المتأخرين الإجماع على تحريم بيع أمّ الولد مطلقًا وهو مجازفة ظاهرة.
وادّعى بعض أهل العلم أن تحريم بيعهنّ قطعي وهو فاسد لأن القطع
(1)
في المرجع السابق (2/ 625).
(2)
في المخطوط (ب): (وقد روى).
(3)
في السنن الكبرى (10/ 348).
(4)
البحر الزخار (3/ 309).
(5)
البحر الزخار (3/ 310).
(6)
البحر الزخار (3/ 309 - 310).
(7)
المحلى (9/ 217 رقم المسألة 1683).
(8)
البحر الزخار (3/ 310).
(9)
وهو "الجامع الكافي "تأليف: الحسن بن محمد الحسني الديلمي (270 هـ).
مخطوط مكتبة الجامع الكبير، (مؤلفات الزيدية 1/ 357).
بالتحريم إن كان لأجل الأدلة القاضية بالتحريم ففيها ما عرفت من المقال السالف، وإن كان لأجل الإجماع المدّعى ففيه ما عرفت، وكيف يصحّ الاحتجاج بمثل ذلك والخلاف ما زال منذ أيام الصحابة إلى الآن.
وقد تمسك القائلون بالجواز بحديثي جابر
(1)
المذكورين وحديث سلامة
(2)
، وقد عرفت أن حديثي جابر ليس فيهما ما يدلّ على اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على البيع وتقريره كما تقدم عن البيهقي
(3)
.
وأيضًا قوله: "فلا ترى بذلك بأسًا" الرواية فيه بالنون التي للجماعة، ولو كانت بالياء التحتية لكان فيه دلالة على التقرير.
وأما حديث سلامة (2) فدلالته على عدم الجواز أظهر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن البيع وأمرهم بالإعتاق وتعويضهم عنها ليس فيه دليل على أنه كان يجوز بيعها لاحتمال أنه عوّضهم لما رأى من احتياجهم، وهذه المسألة طويلة الذيل.
وقد أفردها ابن كثير
(4)
بمصنف مستقل.
وحكى عن الشافعي
(5)
فيها أربعة أقوال.
وذكر أن جملة ما فيها من الأقوال للعلماء ثمانية، ولا شك أن الحكم بعتق أمّ الولد مستلزم لعدم جواز بيعها، فلو صحت الأحاديث القاضية بأنها تصير حرّة بالولادة لكانت دليلًا على عدم جواز البيع ولكن فيها ما سلف، والأحوط اجتناب
(1)
تقدما برقم (2618) و (2619) من كتابنا هذا.
(2)
تقدم برقم (2620) من كتابنا هذا.
(3)
في السنن الكبرى (10/ 348).
(4)
قال ابن كثير في "البداية والنهاية"(8/ 230 - هجر): "وقد أفْرَدنا لهذه المسألةِ، وهي بيعُ أمَّهات الأولادِ، مصنفًا مفردًا على حدَتِهِ، وحكَينا فيه أقوالَ العلماءِ بما حاصلُه يرجِعُ إلى ثمانيةِ أقوالٍ، وذكرنا مستندَ كلِّ قولٍ، ولله الحمدُ والمنَّةُ". اهـ.
• واعلم أن الدكتور مسعود الرحمن خان الندوي وضع في كتابه: "الإمام ابن كثير" هذا المصنف "بيع أمهات الأولاد" تحت عنوان: المؤلفات المفقودة. (ص 140 - 142).
(5)
انظر: "المجموع" للنووي (9/ 442 - 443) والبيان للعمراني (5/ 57 - 58).
وانظر أيضًا: "المغني" لابن قدامة (14/ 584 - 589 رقم 2012).
البيع لأن أقل أحواله أن يكون من الأمور المشتبهة والمؤمنون وقّافون عندها كما أخبرنا بذلك [الصادق المصدوق]
(1)
صلى الله عليه وسلم.
* * *
تمَّ ولله الحمد والمنة الجزء الحادي عشر
من
نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار
ويليه:
الجزء الثاني عشر منه
وأوله:
الكتاب الثامن والعشرون: كتاب النكاح
(1)
في المخطوط (ب): (الصادق والمصدوق).