الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب الثامن والعشرون: كتاب النكاح
أولًا: أبواب النكاح وما يتعلق به:
الباب الأول: باب الحث عليه وكراهة تركه للقادر عليه.
الباب الثاني: باب صفة المرأة التي تستحب خطبتها.
الباب الثالث: باب خطبة المجبرة إلى وليها والرشيدة إلى نفسها.
الباب الرابع: باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه.
الباب الخامس: باب التعريض بالخطبة في العدة.
الباب السادس: باب النظر إلى المخطوبة.
الباب السابع: باب النهي عن الخلوة بالأجنبية والأمر بغض النظر، والعفو عن نظرة الفجأة.
الباب الثامن: باب أن المرأة عورة إلا الوجه والكفين وأن عبدها كمحرمها في نظر ما يبدو منها غالبًا.
الباب التاسع: باب في غير أولي الإربة.
الباب العاشر: باب في نظر المرأة إلى الرجل.
الباب الحادي عشر: باب لا نكاح إلا بولي.
الباب الثاني عشر: باب ما جاءَ في الإجبار والاستئمار.
الباب الثالث عشر: باب الابن يزوج أمه.
الباب الرابع عشر: باب العضل.
الباب الخامس عشر: باب الشهادة في النكاح.
الباب السادس عشر: باب ما جاء في الكفاءة في النكاح.
الباب السابع عشر: باب استحباب الخطبة للنكاح وما يدعى به للمتزوج.
الباب الثامن عشر: باب ما جاء في الزوجين يوكلان واحدًا في العقد.
الباب التاسع عشر: باب ما جاء في نكاح المتعة وبيان نسخه.
الباب العشرون: باب نكاح المحلل.
الباب الحادي والعشرون: باب نكاح الشغار.
الباب الثاني والعشرون: باب الشروط في النكاح وما نهي عنه منها.
الباب الثالث والعشرون: باب نكاح الزاني والزانية.
الباب الرابع والعشرون: باب النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها.
الباب الخامس والعشرون: باب العدد المباح للحر والعبد وما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.
الباب السادس والعشرون: باب العبد يتزوج بغير إذن سيده.
الباب السابع والعشرون: باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد.
الباب الثامن والعشرون: باب من أعتق أمة ثم تزوجها.
الباب والتاسع والعشرون: باب ما يذكر في رد المنكوحة بالعيب.
ثانيًا: أبواب أنكحة الكفار:
الباب الأول: باب ذكر أنكحة الكفار وإقرارهم عليها.
الباب الثاني: باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع.
الباب الثالث: باب الزوجين الكافرين يُسلم أحدهما قبل الآخر.
الباب الرابع: باب المرأة تسبى وزوجها بدار الشرك.
ثالثًا: أبواب الصداق:
الباب الأول: باب جواز التزوج على القليل والكثير واستحباب القصد فيه.
الباب الثاني: باب جعل تعليم القرآن صداقًا.
الباب الثالث: باب من تزوج ولم يسم صداقًا.
الباب الرابع: باب تقدمة شيء من المهر قبل الدخول والرخصة في تركه.
الباب الخامس: باب حكم هدايا الزوج للمرأة وأوليائها.
رابعًا: أبواب الوليمة والبناء على النساء وعشرتهن:
الباب الأول: باب استحباب الوليمة بالشاة فأكثر، وجوازها بدونها.
الباب الثاني: باب إجابة الداعي.
الباب الثالث: باب ما يصنع إذا اجتمع الداعيان.
الباب الرابع: باب إجابة من قال لصاحبه: ادع من لقيت؛ وحكم الإجابة في اليوم الثاني والثالث.
الباب الخامس: باب من دعي فرأى منكرًا وإلا فليرجع.
الباب السادس: باب حجة من كره النثار والانتهاب منه.
الباب السابع: باب ما جاء في إجابة دعوة الختان.
الباب الثامن: باب الدف واللهو في النكاح.
الباب التاسع: باب الأوقات التي يستحب فيها البناء على النساء، وما يقول إذا زفت إليه.
الباب العاشر: باب ما يكره من تزين النساء به وما لا يكره.
الباب الحادي عشر: باب التسمية والتستر عند الجماع.
الباب الثاني عشر: باب ما جاء في العزل.
الباب الثالث عشر: باب نهي الزوجين عن التحدث بما يجري حال الوقاع.
الباب الرابع عشر: باب النهي عن إتيان المرأة في دبرها.
الباب الخامس عشر: باب إحسان العشرة وبيان حق الزوجين.
الباب السادس عشر: باب نهي المسافر أن يطرق أهله بقدومه ليلًا.
الباب السابع عشر: باب القسم للبكر والثيب الجديدتين.
الباب الثامن عشر: باب ما يجب فيه التعديل بين الزوجات وما لا يجب.
الباب التاسع عشر: باب المرأة تهب يومها لضرتها أو تصالح الزوج على إسقاطه.
الكتاب التاسع والعشرون: كتاب الطلاق
الباب الأول: باب جوازه للحاجة وكراهته مع عدمها وطاعة الوالد فيه.
الباب الثاني: باب النهي عن الطلاق في الحيض وفي الطهر بعد أن يجامعها ما لم يبن حملها.
الباب الثالث: باب ما جاء في طلاق البتة وجمع الثلاث واختيار تفريقها.
الباب الرابع: باب ما جاء في كلام الهازل والمُكره والسكران بالطلاق وغيره.
الباب الخامس: باب ما جاء في طلاق العبد.
الباب السادس: باب من علّق الطلاق قبل النكاح.
الباب السابع: باب الطلاق بالكنايات إذا نواه بها وغير ذلك.
الكتاب الثلاثون: كتاب الخلع
الكتاب الحادي والثلاثون: كتاب الرجعة والإباحة للزوج الأول
الكتاب الثاني والثلاثون: كتاب الإيلاء
الكتاب الثالث والثلاثون: كتاب الظهار
الباب الأول: حديث سلمة بن سلمة بن صخر في كفّارة الظهار.
الباب الثاني: باب من حرَّم زوجته أو أمته.
الكتاب الرابع والثلاثون: كتاب اللعان
الباب الأول: باب صيغ اللعان.
الباب الثاني: باب لا يجتمع المتلاعنان أبدًا.
الباب الثالث: باب إيجاب الحد بقذف الزوج وأن اللعان يسقطه.
الباب الرابع: باب من قذف زوجته برجل سماه.
الباب الخامس: باب في أن اللعان يمين.
الباب السادس: باب ما جاء في اللعان على الحمل والاعتراف به.
الباب السابع: باب الملاعنة بعد الوضع لقذف قبله وإن شهد الشبه لأحدهما.
الباب الثامن: باب ما جاء في قذف الملاعنة وسقوط نفقتها.
الباب التاسع: باب النهي أن يقذف زوجته؛ لأنْ ولدت ما يخالف لونهما.
الباب العاشر: باب أن الولد للفراش دون الزاني.
الباب الحادي عشر: باب الشركاء يطؤون الأمة في طهر واحد.
الباب الثاني عشر: باب الحجة في العمل بالقافة.
الباب الثالث عشر: باب حد القذف.
الباب الرابع عشر: باب من أقر بالزنا بامرأة لا يكون قاذفًا لها.
الكتاب الخامس والثلاثون: كتاب العدد
الباب الأول: باب إن عدة الحامل بوضع الحمل.
الباب الثاني: باب الاعتداد بالأقراء وتفسيرها.
الباب الثالث: باب إحداد المعتدة.
الباب الرابع: باب ما تجتنب الحادة وما رخص لها فيه.
الباب الخامس: باب أين تعتد المتوفى عنها؟
الباب السادس: باب ما جاء في نفقة المبتوتة وسكناها.
الباب السابع: باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية.
الباب الثامن: باب استبراء الأمة إذا مُلكت.
الكتاب السادس والثلاثون: كتاب الرضاع
الباب الأول: باب عدد الرضعات المحرمة.
الباب الثاني: باب ما جاءَ في رضاعة الكبير.
الباب الثالث: باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.
الباب الرابع: باب شهادة المرأة الواحدة بالرضاع.
الباب الخامس: باب ما يستحب أن تعطى المرضعة عند الفطام.
الكتاب السابع والثلاثون: كتاب النفقات
الباب الأول: باب نفقة الزوجة وتقديمها على نفقه الأقارب.
الباب الثاني: باب اعتبار حال الزوج في النفقة.
الباب الثالث: باب المرأة تنفق من مال الزوج بغير علمه إذا منعها الكفاية.
الباب الرابع: باب إثبات الفرقة للمرأة إذا تعذرت النفقة بإعسار ونحوه.
الباب الخامس: باب النفقة على الأقارب ومن يقدم منهم.
الباب السادس: باب من أحق بكفالة الطفل.
الباب السابع: باب نفقة الرقيق والرفق بهم.
الباب الثامن: باب نفقة البهائم.
[الكتاب الثامن والعشرون] كتاب النكاح
[أولًا: أبواب النكاح وما يتعلق به]
[الباب الأول] باب الحثِّ عليه وكراهةِ تَرْكه للقادرِ عليه
1/ 2621 - (عَن ابن مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَن استَطاعَ مِنْكمُ الباءَةَ فَلْيَتَزَوَّج فإنَّهُ أغَضّ للْبَصَر وأحْصَنُ للْفَرْج، وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بالصّوْم فإنَّه لَهُ وِجاءٌ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ)
(1)
. [صحيح]
2/ 2622 - (وَعَنْ سَعْدِ بن أبي وَقَّاص قالَ: رَدَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على عُثْمانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبّتَّل، وَلَوْ أذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنا
(2)
. [صحيح]
3/ 2623 - (وَعَنْ أنَس: أن نَفَرًا مِنْ أصَحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ بَعْضُهُمْ: لَا أتَزَوَّجُ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: أُصَلِّي ولا أنامُ، وقالَ بَعْضُهُم: أصُومُ وَلا أُفْطِرُ؛ فَبَلَغَ ذلكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "ما بالُ أقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وكَذَا، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأنامُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتي فَلَيْسَ مِنِّي"
(3)
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما). [صحيح]
4/ 2624 - (وَعَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ قَالَ: قالَ لي ابْنُ عَبَّاس: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لا، قالَ: تَزَوَّجْ، فإنَّ خَيْرَ هَذه الأمَّةِ أكْثَرُها نِساءً. رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
(1)
أحمد في المسند (1/ 424، 425، 432) والبخاري رقم (5066) ومسلم رقم (1/ 1400) وأبو داود رقم (2046) والترمذي رقم (1081) والنسائي رقم (3209) وابن ماجه رقم (1845).
وهو حديث صحيح.
(2)
أحمد في المسند (1/ 176، 183) والبخاري رقم (5073) ومسلم رقم (6/ 1402).
وهو حديث صحيح.
(3)
أحمد في المسند (3/ 241) والبخاري رقم (5063) ومسلم رقم (5/ 1401).
وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند (1/ 231).
وَالبُخارِيُّ)
(1)
. [صحيح]
5/ 2625 - (وَعَنْ قَتادَةَ عَنِ الحَسَن عَنْ سَمُرةَ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن التَّبَتُّلِ، وقَرأ قَتادَةُ:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}
(2)
"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(3)
وَابْنُ ماجَهْ)
(4)
. [صحيح لغيره]
حديث سمرة قال الترمذي
(5)
: "إنه حسن غريب. قال: وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: كلا الحديثين صحيح"، انتهى.
وفي سماع الحسن من سمرة خلاف مشهور قد ذكرناه فيما تقدم.
وحديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي
(6)
أخرجه أيضًا النسائي
(7)
.
وفي الباب عن ابن عمر عند الديلمي في مسند الفردوس
(8)
قال: قال
(1)
في صحيحه رقم (5069).
وهو حديث صحيح.
(2)
سورة الرعد، الآية:(38).
(3)
في سننه رقم (1082).
(4)
في سننه رقم (1849).
قال الترمذي: "حديث سمرة حديث حسن غريب، وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. ويقال: كلا الحديثين صحيح.
وقال الترمذي في "العلل الكبير"(ص 153 - 154 رقم 261 و 262): سألت محمدًا - أي البخاري - عن هذا الحديث فقال: حديث الحسن، عن سمرة محفوظ. وحديث الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة هو حسن.
قال محمد: وقد رُوي عن سعد بن هشام، عن عائشة موقوفًا، أخرجه النسائي رقم (3216).
وصحح أبو حاتم الوجهين في "العلل"(1/ 401) ورجح النسائي في السنن (6/ 59) حديث الحسن عن سمرة.
وخلاصة القول: أن حديث الحسن عن سمرة حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(5)
في السنن (3/ 393).
(6)
في السنن (3/ 393 بإثر الحديث رقم 1082).
(7)
في سننه رقم (3213) وهو حديث صحيح لغيره.
(8)
الفردوس بمأثور الخطاب (2/ 130 رقم 2663). =
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حجُّوا تستغنوا، وسافروا تصحُّوا، وتنكاحوا تكثروا، فإني أباهي بكمُ الأمم"، وفي إسناده محمد بن الحارث
(1)
عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني
(2)
، وهما ضعيفان.
ورواه البيهقي
(3)
أيضًا عن الشافعي أنه ذكره بلاغًا، وزاد في آخره:"حتى بالسقط".
وعن أبي أمامة عند البيهقي
(4)
بلفظ: "تزوجوا فإني مكاثر بكمُ الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى"، وفي إسناده محمدُ بن ثابت
(5)
وهو ضعيف.
وعن حرملة بن النُّعمان عند الدارقطني في المؤتلف
(6)
، وابن قانع في الصحابة
(7)
بلفظ: "امرأة ولود أحبّ إلى الله من امرأة حسناء لا تلد، إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة". قال الحافظ
(8)
: وإسناده ضعيف.
وعن عائشة أيضًا عند ابن ماجه
(9)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النِّكاح من سنتي
= بإسناد ضعيف جدًّا؛ محمد بن عبد الرحمن البيلماني متروك، وأبوه عبد الرحمن ضعيف. ومثله محمد بن الحارث.
والشطر الأول من الحديث أورده السيوطي في "الجامع الصغير" رقم (3686) من رواية عبد الرزاق رقم (8819) عن صفوان بن سليم مرسلًا.
والشطر الآخر له شاهد من حديث أنس عند أحمد (3/ 158) بسند صحيح لغيره.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف، وانظر: الضعيفة رقم (3480).
(1)
محمد بن الحارث الحارثي: ضعفوه. الميزان (3/ 504 رقم 7335).
(2)
محمد بن عبد الرحمن بن البيلمان: ضعفوه. الميزان (3/ 617 رقم 7826).
(3)
في "معرفة السنن والآثار"(10/ 17 رقم 13448) بلاغًا.
(4)
في السنن الكبرى (7/ 78) بسند ضعيف.
(5)
محمد بن ثابت العبدي البصري: ضعيف. الميزان (3/ 495) والكامل (6/ 2145).
(6)
لم أجده في "المؤتلِف والمختلِف" المطبوع. وقد عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 248).
(7)
سقط من مطبوع "معجم الصحابة" لابن قانع (1/ 211) بقية تراجم الحاء المهملة والخاء المعجمة والدال المهملة. فلذا لم أجد فيه.
وقد عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 248) وابن الملقن في البدر المنير (7/ 424).
(8)
بل سكت عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 248) وفي الفتح (9/ 111) وفي الإصابة (2/ 46 رقم 1675).
(9)
في سننه رقم (1846). =
فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طَول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء"، وفي إسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف
(1)
.
وعن عمرو بن العاص عند مُسلم
(2)
عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاعٌ وخير متاعها المرأةُ الصالحة".
وعن أنس عند النسائي
(3)
والطبرانيِّ
(4)
بإسنادٍ حسنٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "حُبِّب إليَّ من الدنيا: النساءُ والطِّيبُ، وجُعِلَتْ قرَّة عيني في الصلاة"، وقد تقدَّم
(5)
الكلام على هذا الحديث في باب الاكتحال والادِّهان والتّطيّبِ من كتاب: الطهارة.
وعن عائشة أيضًا عند الحاكم
(6)
، وأبي داود في المراسيل
(7)
بلفظ: "تزوّجوا النِّساء فإنهنَّ يأتينكم بالمال". وقد اختلف في وصله وإرساله، ورجح الدارقطني
(8)
المرسل على الموصول.
= قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 65): هذا إسناد ضعيف لضعف عيسى بن ميمون.
وهو حديث حسن.
(1)
عيسى بن ميمون المدني، مولى القاسم بن محمد القرشي. عن محمد بن كعب. قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال مرة: لا بأس به.
[التاريخ الكبير (6/ 401) والمجروحين (2/ 120) والجرح والتعديل (6/ 287) والميزان (3/ 325) والتقريب (2/ 102) والخلاصة ص 304].
(2)
في صحيحه رقم (59/ 1467) من حديث عبد الله بن عمرو.
(3)
في سننه رقم (3939).
(4)
في الأوسط رقم (5772).
وهو حديث حسن.
(5)
برقم (39/ 156) من كتابنا هذا.
(6)
في المستدرك (2/ 161) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(7)
في المراسيل رقم (203).
قلت: وأخرجه البزار رقم (1402 - كشف) والخطيب في "تاريخ بغداد"(9/ 147).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح خلا مسلم بن جياد (كذا) في الزوائد. والصواب:(سلم بن جنادة وهو ثقة).
والخلاصة: أنه مرسل بسند صحيح إلى مرسله، والله أعلم.
(8)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 250).
وعن أبي هريرة عند الترمذي
(1)
، والحاكم
(2)
، والدارقطني
(3)
، وصححه بلفظ:"ثلاثةٌ حقٌّ على الله إعانتهم: المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد أن يستعففَ، والمكاتب يريد الأداء".
وعن أنس أيضًا عند الحاكم
(4)
بلفظ: "من رزقه الله امرأةً صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتَّق الله في الشطر الثاني"، قال الحافظ
(5)
: وسنده ضعيف.
وعنه
(6)
أيضًا: "من تزوَّج امرأةً صالحة فقد أُعْطِيَ نصفَ العِبَادَةِ"، وفي إسناده زيد العمي وهو ضعيف.
وعن ابن عباس عند أبي داود
(7)
والحاكم
(8)
بلفظ: "ألا أخبركم بخير ما
(1)
في سننه رقم (1655) وقال: حديث حسن.
(2)
في المستدرك (2/ 160 - 161) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. قلت: ابن عجلان لم يحتج به مسلم.
(3)
في "العلل"(10/ 350 س 2046) وقال: ورفعه صحيح.
قلت: وأخرجه النسائي رقم (3218) وابن ماجه رقم (2518) وأحمد في المسند (2/ 251، 437) وابن حبان رقم (4030) وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 388) والبغوي في شرح السنة رقم (2239) وقال: حديث حسن.
قلت: وهو حديث حسن كما قال الترمذي والبغوي.
(4)
في المستدرك (2/ 161) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(5)
في "التخليص"(3/ 251).
(6)
أي عن أنس بن مالك. وقد أخرجه أبو يعلى في المسند رقم (4349) بسند ضعيف جدًّا وذلك لأنَّ فيه: عبد الرحيم بن زيد العمي وهو متروك. ووالده ضعيف، وروايته عن أنس مرسلة كما ذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 560).
وضعف الحافظ ابن حجر الحديث بزيد في "التلخيص الحبير"(3/ 251).
ولكن الحديث قد روي من طريقين يشد بعضهما بعضًا فيرتقي إلى الحسن لغيره، فقد أورده الألباني في صحيح الجامع رقم (6148) وذكر أنه حسن.
وانظر: "الصحيحة" رقم (625) فقد أطال في الكلام عليه.
(7)
في سننه رقم (1664).
(8)
في المستدرك (2/ 333) وقال: صحيح الإسناد؛ ووافقه الذهبي. قلت: غيلان بن جامع ليس من رجال البخاري.
قلت: السند ضعيف جدًّا. عثمان بن عمير ضعيف مخلط مدلس، وقد تحرف عند الحاكم إلى عثمان بن اليقظان. ولذا لم يعرفه الذهبي.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. وانظر:"الضعيفة" رقم (1319).
يكنز المرء: المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سَرَّته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته".
وعن ثوبان عند الترمذي
(1)
نحوه، ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا.
وعن أبي نجيح عند البيهقي
(2)
والبغوي في معجم الصحابة
(3)
بلفظ: "من كان موسرًا فلم ينكح فليس منا"، قال البيهقي
(4)
: هو مرسل، وكذا جزم به أبو داود والدولابي
(5)
وغيرهما.
وعن ابن عباس عند ابن ماجه
(6)
والحاكم
(7)
: "لم ير للمتحابين مثل التزويج".
وعنه أيضًا عند أحمد
(8)
وأبي داود
(9)
والحاكم
(10)
[وصححه]
(11)
والطبراني
(12)
: "لا صَرُورةَ
(13)
في الإسلام"، وهو من رواية عطاء عن عكرمة عنه.
(1)
في السنن رقم (3094) وقال: حديث حسن.
وهو حديث صحيح.
(2)
في السنن الكبرى (7/ 78).
(3)
مخطوط تقدم التعريف به وبمؤلفه.
(4)
في سننه الكبرى (7/ 78).
(5)
في "الكنى والأسماء"(1/ 279 رقم 491 - دار ابن حزم).
(6)
في سننه رقم (1847).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 65): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
(7)
في المستدرك (2/ 160) وقال: صحيح على شرط مسلم؛ ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(8)
في المسند (1/ 312) بسند ضعيف.
(9)
في سننه رقم (1729).
(10)
في المستدرك (1/ 448)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
قلت: في الإسناد عمر بن عطاء، وهو ابن وَرَّاز وهو ضعيف اتفاقًا. أورده الذهبي في الميزان (3/ 213 رقم 6169) وقال: ضعفه يحيى بن معين والنسائي، وقال أحمد: ليس بقوي. وهو غير عمر بن عطاء عن أبي الخوَّار فهذا ثقة، وهو يروي عن ابن عباس مباشرة.
(11)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(12)
في المعجم الكبير رقم (11595) ووقع عنده أن عمر بن عطاء هو ابن أبي الخوار وهو خطأ. والصواب هو (عمر بن عطاء بن وَرَّاز).
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(13)
قال أبو عبيد في غريب الحديث (3/ 97): "الصرورة في هذا الحديث هو التبتُّل وترك النِّكاح، يقول: ليس ينبغي لأحد أن يقول: لا أتزوج هذا ليس من أخلاق المسلمين، وهو مشهور في كلام العرب
…
" اهـ.
قال ابن طاهر
(1)
: هو ابن وَرَّاز وهو ضعيف
(2)
.
وفي رواية الطبراني: ابن أبي [الخوَّار]
(3)
وهو موثق هكذا في التلخيص
(4)
أنه من رواية عطاء عن عكرمة ولا رواية له، ولعله من رواية [عمرو]
(5)
بن عطاء بن ورَّاز وهو مجهول من السادسة، أو [عمرو](5) بن عطاء بن أبي [الخوَّار](3) وهو مقبول من الخامسة، وكأنه سقط من التلخيص (4) اسم [عمرو](5).
والصَّرورة
(6)
بفتح الصاد المهملة: الذي لم يتزوّج والذي لم يحج.
وعن عياض بن غنم عند الحاكم
(7)
بلفظ: "لا تزوّجوا عاقرًا ولا عجوزًا فإني مكاثر بكم الأمم" وإسناده ضعيف.
وفيه أيضًا عن الصنابح بن الأعسر، وسهل بن حنيف، وحرملة بن النعمان، ومعاوية بن حيدة، أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح
(8)
.
وفي الباب عن أنس
(9)
أيضًا، وعبد الله بن عمرو
(10)
، ومعقل بن يسار
(11)
، وأبي هريرة
(12)
أيضًا، وجابر
(13)
، وسيأتي ذلك في الباب الذي بعد هذا.
(1)
ذكره الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(3/ 252).
(2)
الميزان للذهبي (3/ 213 رقم 6169).
(3)
في المخطوط (أ): (الجوار) وهو تحريف. والصواب (الخوَّار) من (ب) ومعجم الطبراني الكبير رقم (11595)، كما تقدم والتقريب رقم (4948).
(4)
التخليص (3/ 252).
(5)
كذا في المخطوطة (أ) و (ب) والصواب (عمر) والله أعلم.
(6)
غريب الحديث لأبي عبيد (3/ 97 - 98).
والنهاية (2/ 23) والفائق للزمخشري (2/ 293).
(7)
في المستدرك (3/ 290 - 291) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وفي إسناده معاوية بن يحيى الصرفي، وقال الذهبي: ضعيف.
(8)
الفتح (9/ 111).
(9)
سيأتي برقم (2626) من كتابنا هذا.
(10)
سيأتي برقم (2627) من كتابنا هذا.
(11)
سيأتي برقم (2628) من كتابنا هذا.
(12)
سيأتي برقم (2630) من كتابنا هذا.
(13)
سيأتي برقم (2631) من كتابنا هذا.
قوله: (كتاب النِّكاح) هو في اللغة: الضم والتداخل
(1)
. وفي الشرع
(2)
: عقد بين الزوجين يحلّ به الوطء. وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء، وهو الصحيح لقوله تعالى:{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}
(3)
، والوطء لا يجوز بالإذن.
وقال أبو حنيفة
(4)
: هو حقيقةٌ في الوطء، مجاز في العقد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"تناكحوا تكاثروا"
(5)
، وقوله:"لعن الله ناكح يده"
(6)
.
وقال الإمام يحيى
(7)
وبعض أصحاب أبي حنيفة: إنه مشترك بينهما، وبه قال أبو القاسم الزَّجَّاجي
(8)
. وقال الفارسي
(9)
: إنه إذا قيل: نكح فلانة أو بنت
(1)
قاله السكاكي كما في البناية في شرح الهداية (4/ 469).
وانظر: "الفتح"(5/ 103).
(2)
المغني (9/ 339).
(3)
سورة النساء، الآية:(25).
(4)
البناية في شرح الهداية (4/ 469 - 470).
(5)
تقدم تخريجه خلال شرح الحديث (2625) من كتابنا هذا.
(6)
لم أقف عليه بهذا اللفظ.
بل أخرج البيهقي في "الشعب" رقم (5470) والحسن بن عرفة في "جزئه"(ص 64 رقم 41) عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العالمين، يدخلهم النار أول الداخلين إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا، فمن تاب تاب الله عليه، الناكح يده، الفاعل والمفعول به .. " الحديث.
قال ابن كثير في "تفسيره"(10/ 109): هذا حديث غريب، وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته.
وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 144 رقم 1046) وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حسان - بن حُميد - يعرف ولا مسلمة - بن جعفر - ".
وقال الذهبي في "الميزان"(4/ 108 رقم 8518): "مَسلمة بن جعفر عن حسان بن حُميد، عن أنس في سبِّ الناكح يَدَه. يجهّل هو وشيخه. وقال الأزدي: ضعيف".
وانظر: "الضعيفة" رقم (319).
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(7)
البحر الزخار (3/ 3).
(8)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 103).
(9)
الفارسي: (عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر. ت 529 هـ). وكتابه: "مجمع الغرائب".
ذكره له: الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(20/ 17).
وانظر نسخه الخطية في: "تاريخ الأدب العربي"(6/ 245 و 246).
[معجم المصنفات ص 349 رقم 1113].
فلان فالمراد به: العقد، وإذا قيل: نكح زوجته، فالمراد به: الوطء.
ويدل على القول الأوّل ما قيل: إنه لم يرد في القرآن إلا للعقد كما صرّح بذلك الزمخشري في "كشافه"
(1)
في أوائل سورة النور، ولكنه منتقض لقوله تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(2)
، وقال أبو الحسين بن فارس
(3)
: إن النِّكاح لم يرد في القرآن إلا للتزويج إلا قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}
(4)
فإن المراد به الحلم.
قوله: (يا معشر الشباب) المعشر: جماعةٌ يشملهم وصف ما، والشباب جمع شاب. قال الأزهري
(5)
: لم يُجمع فاعِل على فَعَال غيره، وأصله: الحركة والنشاط. وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين، هكذا أطلق الشافعية، حكى ذلك عنهم صاحب الفتح
(6)
.
وقال القرطبي في المفهم
(7)
: يقال له: حَدثٌ إلى ستَّ عشرةَ سنةً، ثم شاب إلى اثنين وثلاثين، ثم كهل.
قال الزمخشري
(8)
: إن الشاب من لدن البلوغ إلى اثنين وثلاثين.
وقال ابن [شاس]
(9)
المالكي في "الجواهر"
(10)
: إلى أربعين.
وقال النووي
(11)
: الأصح المختار أن [الشاب]
(12)
من بلغ ولم يجاوز الثلاثين، ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين، ثم هو شيخ.
(1)
الكشاف (4/ 266).
(2)
سورة البقرة، الآية:(230).
(3)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 103).
(4)
سورة النساء، الآية:(6).
(5)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 108) ولم أقف عليه في "التهذيب".
(6)
الفتح (9/ 108).
(7)
في المفهم كما في "الفتح"(9/ 108).
(8)
كما في "الفتح"(9/ 108).
(9)
في المخطوط (أ)، (ب):(شاش) والصواب: (شاس)، أبو محمد، عبد الله بن نجم بن شاس الجُذامي السعدي (ت 616 هـ)، كما في سير أعلام النبلاء (22/ 98).
(10)
واسمه: "الجواهر الثمينة في فقه أهل (عالم) المدينة" وضعه على ترتيب "الوجيز" للغزالي وجوَّده، ونقحه، وسارت به الركبان. "السير"(22/ 98) عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 108).
(11)
في شرحه لصحيح مسلم (9/ 173).
(12)
في المخطوط (ب): (الشباب).
وقال الروياني
(1)
وطائفة: مَنْ جَاوز الثلاثين سُمِّي شيخًا، زاد ابن قتيبة
(2)
: إلى أن يبلغ الخمسين.
وقال أبو إسحاق الإسفرايني
(3)
عن الأصحاب: المرجع في ذلك اللغة، وأما بياض الشعر فيختلف باختلاف الأمزجة، هكذ في الفتح
(4)
.
قوله: (الباءة) بالهمز وتاء التأنيث ممدودًا، وفيها لغة أخرى بغير همزة ولا مدٍّ، وقد تُهمز وتُمدُّ بلا هاء.
قال الخطابي
(5)
: المرادُ بالباءة: النِّكاح، وأصله: الموضع [الذي]
(6)
يتبوؤه ويأوي إليه.
وقال النووي
(7)
: اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحدٍ:
(أصحُّهما): أن المرادَ معناها اللغوي: وهو الجماع، فتقديره: من استطاع منكم الجماع لقدرته على مُؤنه، وهو مؤنة النِّكاح، فليتزوّج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم، ليدفع شهوته، ويقطع شرَّ منيِّه، كما يقطعه الوجاء.
(والقول الثاني): أن المراد بالباءة مؤنة النِّكاح، سميت باسم ما يلازمها، وتقديره: من استطاع منكم مؤن النِّكاح فليتزوّج، ومن لم يستطع فليصم.
قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشَّهوة، فوجب تأويل الباءة على المؤن.
وقال القاضي عياض
(8)
: لا يبعد أن تختلف [الاستطاعتان]
(9)
، فيكون
(1)
كما في "الفتح"(9/ 108).
(2)
انظر: تفسير غريب القرآن له ص 254.
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 108).
(4)
الفتح (9/ 108).
(5)
في "معالم السنن"(2/ 539).
(6)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(7)
في شرحه لصحيح مسلم (9/ 173).
(8)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 522).
(9)
في المخطوط (ب): (الاستطاعات).
المراد بقوله: "من استطاع [منكم الباءة]
(1)
"، أي: بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج، ويكون قوله: "ومن لم يستطع" أي لم يقدر على التزويج.
وقيل: الباءة بالمدّ: القدرة على مؤن النِّكاح، وبالقصر: الوطء.
قال الحافظ
(2)
: ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج. وقد وقع في رواية عند الإسماعيلي
(3)
من طريق أبي عوانة بلفظ: "من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج"، وفي رواية للنسائي
(4)
: "من كان ذا طَول فلينكح"، ومثله لابن ماجه
(5)
من حديث عائشة، والبزار
(6)
من حديث أنس.
قوله: (أغض للبصر
…
إلخ) أي: أشدُّ غضًا وأشدّ إحصانًا له ومنعًا من الوقوع في الفاحشة.
قوله: (فَعَلَيْهِ) قيل
(7)
: هذا من إغراء الغائب، ولا تكاد العرب تغري إلا [الشاهد]
(8)
، تقول: عليكَ زيدًا، ولا تقولُ: عليه زيدًا.
قال الطيبيُّ
(9)
: وجوابهُ أنه لما كان الضميرُ [للغائب]
(10)
راجعًا إلى لفظة: من، وهي عبارة عن المخاطبين في قوله:"يا معشر الشباب" وبيان لقوله: "منكم" جاز قوله: عليه، لأنه بمنزلة الخطاب.
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب)، وسقط من المخطوط (أ):(منكم).
والمثبت من إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 522).
(2)
في "الفتح"(9/ 109).
(3)
ذكره الحافظ في الفتح (9/ 108).
(4)
في سننه رقم (3206) بسند صحيح.
(5)
في سننه رقم (1846).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 65): "هذا إسناد ضعيف لضعف عيسى بن ميمون. وله شاهد في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود
…
" اهـ.
والخلاصة: أن حديث عائشة حديث حسن، والله أعلم.
(6)
في المسند رقم (1399 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 252): وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني ثقات".
(7)
قاله المازري في "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 85).
(8)
في المخطوط (ب): (لشاهد).
(9)
في شرحه لمشكاة المصابيح (6/ 235).
(10)
في المخطوط (ب): (الغائب).
وأجاب القاضي عياض
(1)
بأنَّ الحديثَ ليس فيه إغراء الغائب، بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أوّلًا بقوله:"من استطاع منكم"، قد استحسنه القرطبي
(2)
والحافظ
(3)
؛ والإرشاد إلى الصوم لما فيه من الجوع والامتناع عن مثيرات الشهوة ومستدعيات طغيانها.
قوله: (وجاء) بكسر الواء والمدّ وأصله الغمز، ومنه وجأه في عنقه: إذا غمزه، ووجأه بالسيف: إذا طعنه به، ووجأ أنثييه: غمزهما حتى رضَّهما.
وتسمية الصيام وجاء: استعارة، والعلاقة المشابهة لأن الصوم لما كان مؤثرًا في ضعف شهوة النِّكاح شبّه بالوجاء.
وقد استدل بهذا الحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج، لإرشاده صلى الله عليه وسلم من كان كذلك إلى ما ينافيه ويضعف داعيه.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه مكروه في حقه.
قوله: (ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل)
(4)
، هو في الأصل الانقطاع، والمراد به هنا الانقطاع عن النِّكاح وما يتبعه من الملاذّ إلى العبادة، والمراد بقوله تعالى:{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}
(5)
؛ انقَطِعْ إليه انقطاعًا، وفسَّره مجاهدٌ بالإخلاص، وهو لازم للانقطاع.
قوله: (ولو أذن له لاختصينا) الخصي: هو شَقُّ الأنثيين وانتزاع البيضتين.
قال الطيبي
(6)
: كان الظاهر أن يقول: ولو أذن له لتبتلنا، لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله:"لاختصينا" لإرادة المبالغة، أي: لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمرُ إلى الاختصاء، ولم يرد به حقيقة الاختصاء؛ لأنه حرام.
(1)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 524 - 525).
(2)
في "المفهم"(4/ 83).
(3)
في "الفتح"(9/ 109).
(4)
النهاية في غريب الحديث (1/ 101) والفائق في غريب الحديث (2/ 122).
(5)
سورة المزمل، الآية:(8).
أخرج الطبري في "جامع البيان"(14/ ج 29/ 133) عن مجاهد في قوله: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} ، قال: أخلص إليه المسألة والدعاء. إسناده صحيح.
(6)
في شرحه على مشكاة المصابيح (6/ 235).
وقيل: بل هو على ظاهره، وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء.
وأصل حديث عثمان بن مظعون أنه قال: "يا رسول الله إني رجل [يشق]
(1)
عليّ العزوبة فأذن لي في الاختصاء، قال: لا، ولكن عليك بالصيام" الحديث
(2)
.
وفي لفظ آخر
(3)
أنه قال: "يا رسول الله أتأذن لي في الاختصاء؟ فقال: إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة".
وأخرج ذلك من طريق عثمان بن مظعون الطبري
(4)
.
قوله: (إن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
…
إلخ) أصل الحديث: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، فقال بعضهم
…
" الحديث
(5)
.
(1)
في المخطوط (ب): (تشق).
(2)
أخرج الطبراني في الكبير (ج 9 رقم 8320) من طريق عبد الملك بن قدامة الجمحي عن أبيه، وعن عمر بن حسين عن عائشة بنث قدامة بن مظعون عن أبيها، عن أخيه عثمان بن مظعون أنه قال: يا رسول الله إني رجل تشق عليّ هذه العزبة في المغازي فتأذن لي في الاختصاء فأختصي، قال:"لا ولكن عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنه مجفرة".
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 253 - 254) وقال: وفيه عبد الملك بن قدامة الجمحي وثّقه ابن معين وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات" اهـ.
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5519): عن سعيد بن العاص أن عثمان بن مظعون قال: يا رسول الله ائذن لي في الاختصاء، فقال له:"يا عثمان إنَّ الله قد أبدَلَنا بالرهبانية الحنيفية السمحة، والتكبير على كل شرفٍ، فإن كنت منا فاصنع كما نصنع".
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 252) وقال: وفيه إبراهيم بن زكريا وهو ضعيف.
• وأخرج ابن سعد في "الطبقات"(3/ 395) من حديث أبي قلابة الجَرْمي مرسلًا بلفظ: "يا عثمان إنَّ الله لم يبعثني بالرهبانية (مرتين أو ثلاثة) وإنَّ أحبَّ الدين عند الله الحنيفية السمحة".
• وأخرجه أحمد في "الزهد"(ص 289 و 310) بسند صحيح من رواية عبد العزيز بن مروان بن الحكم مرسلًا.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 110).
(5)
تقدم برقم (2623) من كتابنا هذا.
قوله: (لكني أصوم وأفطر
…
إلخ)، فيه دليلٌ على أن المشروع هو الاقتصاد في الطاعات؛ لأن إتعاب النفس فيها، والتشديد عليها يُفضي إلى ترك الجميع، والدِّيْنُ يُسْر، ولن يشادَّ أحد الدين إلا غلبه
(1)
، والشريعة المطهرة مبنية على التيسير وعدم التنفير
(2)
.
قوله: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)، المراد بالسنة: الطريقة
(3)
، والرغبة: الإعراض.
وأراد صلى الله عليه وسلم أن التارك لهديه القويم المائل إلى الرهبانية خارج عن الاتباع إلى الابتداع.
وقد أسلفنا الكلام على مثل هذه العبارة في مواطن من هذا الشرح.
قوله: (فإنَّ خير هذه الأمة أكثرُها نساءً)، قيل: مرادُ ابن عباس بخير هذه الأمة النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (39): عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الدينَ يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوَةِ والرَّوحة وشيء من الدُّلجة".
(2)
يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه رقم (6/ 1732): عن أبي موسى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعثَ أحدًا من أصحابه في بعض أمره. قال: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا".
(3)
قال ابن منظور في لسان العرب مادة: سنن: "السُّنَّة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة؛ قال خالد بن عتبة الهذلي:
فلا تَجْزَعَنْ من سيرةٍ أنتَ سِرْتَها
…
فأوَّلُ راضٍ سُنَّةً من يسيرُها
وفي التنزيل العزيز: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} [الكهف: 55]؛ قال الزجاج: سنة الأولين أنَّهم عاينوا العذاب فطلب المشركون أن قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} [الأنفال: 32]. وسَنَنْتُها سَنًا واسْتَنَنْتُها سِرْتُها، وسَنَنْتُ لكم سُنَةً فاتبعوها.
وفي الحديث: "من سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أجْرُهَا، وأجْر من عمل بها بعدَهْ من غَيْرِ أن ينقُصَ من أجورِهِمْ شيءٌ، ومن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سَيِّئةً كانت عليه وِزْرُها وَوِزْرُ من عملَ بها من بعدِهِ، من غير أن ينقُصَ من أوزارِهم شيءٌ"، [أخرجه مسلم في صحيحه رقم (69/ 1017)].
وإذا أُطلِقَتْ في الشرع فإنما يراد بها ما أَمَر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه ونَدَب إليه قولًا وفعلًا مما لم يَنْطق به الكتاب العزيز. ولهذا يقال في أدلة الشرع: الكتابُ والسنةُ - أي القرآن والحديث - " اهـ.
كما يدلّ على ذلك ما وقع عند الطبراني
(1)
بلفظ: "فإن خيرنا كان أكثرنا نساء"، وعلى هذا فيكون التقيد بهذه الأمة لإخراج مثل سليمان فإنه كان أكثر نساء.
وقيل: أراد ابن عباس أن خير أمة محمد من كان أكثرها نساء من غيره ممن يساويه فيما عدا ذلك من الفضائل.
قال الحافظ
(2)
: والذي يظهر أن مراد ابن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وسلم، وبالأمة: أخصاء أصحابه، وكأنه أشار إلى أن ترك التزويج مرجوح إذ لو كان راجحًا ما آثر النبي صلى الله عليه وسلم غيره.
قوله: (نهى عن التبتل)، قد استدلّ بهذا النهي، وبقوله في الحديث الأوّل
(3)
: "فليتزوّج"، وبقوله
(4)
: "فمن رغب عن سنتي"، وبسائر ما في أحاديث الباب من الأوامر ونحوها من قال بوجوب النِّكاح.
قال في الفتح
(5)
: وقد قَسَّم العلماءُ الرَّجُلَ في التزويج إلى أقسام؛ التائق إليه القادر على مؤنه الخائف عليه نفسه، فهذا يندب له النِّكاح عند الجميع؛ وزاد الحنابلة
(6)
في رواية أنه يجب، وبذلك قال أبو عوانة الإسفراييني
(7)
من الشافعية وصرّح به في صحيحه، ونقله [المصعبي]
(8)
في شرح مختصر الجويني وجهًا وهو قول داود
(9)
وأتباعه، انتهى.
وبه قالت الهادوية
(10)
: مع الخشية على النفس من المعصية.
(1)
في المعجم الكبير (ج 12 رقم 12398): عن ابن عباس قال: "تزوج فإن خيرنا كان أكثرنا نساءً" موقوف ورجاله ثقات.
(2)
في "الفتح (9/ 114).
(3)
المتقدم برقم (2621) من كتابنا هذا.
(4)
في الحديث المتقدم برقم (2623) من كتابنا هذا.
(5)
(9/ 110).
(6)
المغني (9/ 340 - 341). وانظر: اختيارات ابن قدامة الفقهية في أشهر المسائل الخلافية (3/ 15 - 19) وروضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي (7/ 18 - 19).
(7)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 110).
(8)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) وفي "الفتح" (9/ 110):"المصِّيصي" وهو الصواب.
(9)
المحلى (9/ 440).
(10)
البحر الزخار (3/ 3).
قال ابن حزمٍ
(1)
: وفرضٌ على كلِّ قادر على الوطء إن وجد ما يتزوَّج به أو يتسرَّى أن يفعل أحدهما، فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم، وهو قول جماعة من السلف، انتهى.
والمشهور عن أحمد
(2)
أنَّه لا يجب على القادر التائق إلا إذا خشي العنت، وعلى هذه الرواية اقتصر ابن هبيرة
(3)
.
وقال [المازري
(4)
]
(5)
: الذي نطق به مذهب مالك أنَّه مندوبٌ، وقد يجب عندنا في حقّ مَن لا يَنْكَفَّ عن الزنا إلا به.
وقال القرطبي
(6)
: المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزوبة لا يرتفع عنه ذلك إلا بالتزويج لا يختلف في وجوب التزويج عليه.
وحكى ابن دقيق العيد
(7)
الوجوب على من خاف العنت عن المازري
(8)
، وكذلك حكي عنه التحريم على من يخلّ بالزوجة في الوطء والإنفاق مع عدم قدرته عليه. والكراهة حيث لا يضرُّ بالزوجة مع عدم التَّوقان إليه، وتزداد الكراهة إذا كان ذلك يفضي إلى الإخلال بشيءٍ من الطاعات التي يعتادها والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصود من كسر شهوة وإعفاف نفس وتحصين فرج ونحو ذلك، والإباحةُ فيما إذا اتفقت الدواعي والموانع.
وقد ذهبْت الهادوية
(9)
إلى مثل هذا التفصيل، ومن العلماء من جزم بالاستحباب فيمن هذه صفته لما تقدم من الأدلة المقتضية للترغيب في مطلق النِّكاح.
قال القاضي عياض
(10)
: هو مندوب في حقّ كل من يرجى منه النسل ولو
(1)
في المحلى (9/ 440).
(2)
المغني (9/ 340).
(3)
في "الإفصاح عن معاني الصحاح"(8/ 5).
(4)
في المعلم بفوائد مسلم (2/ 85).
(5)
في المخطوط (أ): (الماوردي) والمثبت من (ب) والفتح (9/ 110) وهو الصواب.
(6)
في "المفهم"(4/ 82).
(7)
في إحكام الأحكام (4/ 22) ولم يعزه للمازري.
(8)
في المعلم بفوائد مسلم (2/ 85).
(9)
البحر الزخار (3/ 4).
(10)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 524).
لم يكن له في الوطء شهوة، وكذا في حقّ من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطء.
فأما من لا نسل له ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع، فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت.
وقد يقال: إنه مندوب أيضًا لعموم: "لا رهبانية في الإسلام"
(1)
.
قال الحافظ
(2)
: لم أره بهذا اللفظ، لكن في حديث [سعد بن أبي وقاص]
(3)
عند الطبراني
(4)
: "إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة".
[الباب الثاني] باب صِفَةِ المرأَةِ التي [تُسْتَحَبُّ]
(5)
خِطْبَتُهَا
6/ 2626 - (عَنْ أنَسٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يأمُرُ بِالبَاءَةِ ويَنْهَى عَنِ التَّبَتُّل نَهْيًا شَدِيدًا ويقُولُ: "تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ، فإنِّي مُكاثِرٌ بِكُمُ الأنْبِيَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ")
(6)
. [صحيح لغيره]
(1)
قال ابن حجر: لم أره بهذا اللفظ، لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند البيهقي:"إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة".
"كشف الخفاء"(2/ 510 رقم 3154).
(2)
في "الفتح"(9/ 111).
(3)
كذا في المخطوط (أ) و (ب) وفي الطبراني رقم (5519): سعد بن العاص. وهو الصواب.
(4)
في "المعجم الكبير"(ج 6 رقم 5519).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 252) وقال: "وفيه إبراهيم بن زكريا وهو ضعيف".
وهو حديث حسن لغيره كما تقدم قريبًا مع شواهده.
(5)
في المخطوط (ب): (يستحب).
(6)
أخرجه أحمد في المسند (3/ 158).
قلت: وأخرجه البزار رقم (1400 - كشف) وابن حبان رقم (4028) والبيهقي (7/ 81 - 82) والضياء في "المختارة" رقم (1888)، (1889)، (1890) وسعيد بن منصور في سننه رقم (490) من طرق.
وله شاهد من حديث معقل بن يسار عند أبي داود رقم (2050) والنسائي (6/ 65 - 66) =
7/ 2627 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "أنْكِحُوا أُمَّهاتِ الأوْلادِ فإنِّي أُباهِي [بِكُمْ]
(1)
يَوْمَ القِيَامَةِ"، رَوَاهُمَا أحْمَدُ)
(2)
. [صحيح لغيره]
8/ 2628 - (وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنِّي أصَبْتُ امْرأةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجمالٍ وَإِنَّهَا لا تَلِدُ فأَتَزَوَّجها؟ قالَ: "لا". ثمَّ أتاهُ الثَّانِيَةَ فَنهاهُ، ثُمَّ أتاهُ الثَّالِثَةَ، فَقالَ:"تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ فإني مُكاثِرٌ بِكُمْ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(3)
والنَّسائيُّ)
(4)
. [صحيح]
حديث أنس أخرجه أيضًا ابن حبان
(5)
وصححه، وذكره في مجمع الزوائد في موضعين فقال في أحدهما
(6)
: رواه أحمد
(7)
والطبراني في الأوسط
(8)
من طريق حفص بن عمر عن أنس، وقد ذكره ابن أبي حاتم، وروى عنه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح.
وقال في موضع آخر
(9)
: وإسناده حسن.
وحديث عبد الله بن عمرو أشار إليه الترمذي
(10)
. وقال في
= بسند حسن. وصححه ابن حبان رقم (4056، 4057).
والخلاصة: أن حديث أنس حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(1)
كذا في المخطوط (أ) و (ب) وفي المسند: (بهم).
(2)
في المسند (2/ 171 - 172) بسند ضعيف لضعف ابن لهيعة، وحُييُّ بن عبد الله مختلف فيه.
قلت: وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 856).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 258) وقال: رواه أحمد، وفيه حُيي بن عبد الله المعافري، وقد وثق، وفيه ضعيف.
وانظر الحديث الذي قبله برقم (2626) مع شاهده.
وخلاصة القول أن حديث عبد الله بن عمرو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(3)
في سننه رقم (2050).
(4)
في سننه رقم (3227).
قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 162) وصححه ووافقه الذهبي.
وخلاصة القول: أن حديث معقل بن يسار حديث صحيح.
(5)
في صحيحه رقم (4028) وقد تقدم.
(6)
في "معجم الزوائد"(4/ 258).
(7)
في المسند (3/ 158) وقد تقدم.
(8)
رقم (5099).
(9)
في "مجمع الزوائد"(4/ 258).
(10)
في السنن (3/ 396).
مجمع الزوائد
(1)
: وفيه جرير بن عبد الله [العامري]
(2)
، وقد وثق وهو ضعيف.
وحديث معقل أخرجه أيضًا ابن حبان
(3)
وصححه الحاكم
(4)
.
وفي الباب أحاديث قد تقدمت الإشارة إليها، وقد تقدم تفسير التبتل.
والولود: كثيرة الولد، والودود: المودودة، لما هي عليه من حسن الخلق والتودّد إلى الزوج، وهو فعول بمعنى مفعول، والمكاثرة يوم القيامة: إنما تكون بكثرة أمته صلى الله عليه وسلم.
وهذه الأحاديث وما في معناها تدلّ على مشروعية النِّكاح ومشروعية أن تكون المنكوحة ولودًا.
قال الحافظ في الفتح
(5)
بعد أن ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه: وهذه الأحاديث وإن كان في الكثير منها ضعف فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في التزويج أصلًا، لكن في حق من يتأتى منه النسل، انتهى.
وقد تقدم الكلام على أقسام النِّكاح.
9/ 2629 - (وَعَنْ جابِرٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لَهُ: "يا جابِرُ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أمْ ثَيِّبًا؟ "، قالَ: ثَيِّبًا، فَقالَ: "هَلَّا تَزَوّجْتَ بِكْرًا تُلاعِبُها وَتُلاعِبُكَ؟ "، رَوَاهُ الجَماعَةُ)
(6)
. [صحيح]
10/ 2630 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "تُنْكَحُ المَرْأةُ لأرْبَعٍ: لِمَالهَا، وِلِحَسَبِهَا، وَلجَمَالِها، وَلِدِينهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"، رواهُ الجَماعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)
(7)
. [صحيح]
(1)
(4/ 258).
(2)
كذا في (أ) و (ب) والصواب (المعافري) كما في مجمع الزوائد.
(3)
في صحيحه رقم (4056) و (4057) وقد تقدم.
(4)
في المستدرك (2/ 162) وقد تقدم.
(5)
(9/ 111).
(6)
أحمد في المسند (3/ 376) والبخاري رقم (5079) ومسلم رقم (56/ 715) وأبو داود رقم (2048) والترمذي رقم (1100) والنسائي رقم (3219) وابن ماجه رقم (1860).
(7)
أحمد في المسند (2/ 428) والبخاري رقم (5090) ومسلم رقم (53/ 1466) وأبو داود رقم (2547) والنسائي رقم (3230) وابن ماجه رقم (1858). =
11/ 2631 - (وَعَنْ جابِرٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ المَرأةَ تُنْكَحُ على دِينِها وَمَالِهَا وَجمالِهَا، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)
(2)
. [صحيح]
قوله: (بكرًا) هي التي لم توطأ، والثيب
(3)
: هي التي قد وُطِئتْ.
قوله: (تلاعبها وتلاعبك)، زاد البخاري في رواية له في النفقات (4):"وتضاحكها وتضاحكك".
وفي رواية لأبي عبيد: "تداعبها وتداعبك" بالدال المهملة مكان اللام. وفيه دليل على استحباب نكاح الأبكار إلا لمقتضٍ، لنكاح الثيب كما وقع لجابر فإنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له ذلك:"هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوّجت ثيبًا كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فقال: بارك الله لك"، هكذا في البخاري في النفقات
(4)
.
وفي رواية له ذكرها في المغازي من صحيحه
(5)
: "كنَّ لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهنّ، ولكن امرأة تقوم عليهنّ وتمشطهنّ، قال: أصبت".
قوله: (تنكح المرأة لأربع) أي: لأجل أربع.
قوله: (لحسبها) بفتح الحاء والسين المهملتين [بعدهما]
(6)
باء موحدة: أي شرفها، والحسب في الأصل
(7)
: الشرف بالآباء وبالأقارب، مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده على غيره.
= قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 79) والبغوي في شرح السنة (9/ 7 رقم 2240).
وهو حديث صحيح.
(1)
في صحيحه رقم (54/ 715).
(2)
في سننه رقم (1086).
(3)
النهاية في غريب الحديث (1/ 227).
(4)
في صحيحه رقم (5367).
(5)
في صحيحه رقم (4052).
(6)
في المخطوط (ب): (بعدها).
(7)
النهاية في غريب الحديث (6/ 373) وتفسير غريب الحديث للحميدي (104/ 12).
وقيل: المراد بالحسب ههنا الأفعال الحسنة.
وقيل: المال؛ وهو مردود بذكره قبله، ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة إلا إن تعارض: نسيبة غير ديِّنة، وغير نسيبة ديِّنة، فتقدم ذات الدين، وهكذا في كل الصفات.
وأما ما أخرجه أحمد
(1)
والنسائي
(2)
وصححه ابن حبان
(3)
والحاكم
(4)
من حديث بريدة رفعه: "إنَّ أحسابَ أَهلِ الدُّنيا الذين يذهبون إليه المال"، فقال الحافظ
(5)
: يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له، فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له.
ومنه حديث سمرة رفعه: "الحسب: المال، والكرم: التقوى"، أخرجه أحمد
(6)
والترمذي وصححه
(7)
هو والحاكم
(8)
.
قوله: (وجمالها)، يؤخذ منه استحباب نكاح الجميلة، ويلحق بالجمال في الذات الجمال في الصفات.
قوله: (فاظفر بذات الدين)، فيه دليل على أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته كالزوجة.
(1)
في المسند (5/ 353).
(2)
في المجتبى (6/ 64) وفي الكبرى رقم (5335 - العلمية)
(3)
في صحيحه رقم (699) و (700).
(4)
في المستدرك (2/ 163) وصححه على شرطهما وسكت عليه الذهبي.
قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد" رقم (228) وتمام في "فوائده" رقم (1630 - الروض البسام) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (982) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (10310) والخطيب في تاريخ بغداد (1/ 318) من طرق.
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(5)
في "الفتح"(9/ 135).
(6)
في المسند (5/ 10) بسند صحيح.
(7)
في سننه رقم (3271) وقال: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث سلام بن أبي مطيع.
(8)
في المستدرك (2/ 163) و (4/ 325) وصححه ووافقه الذهبي.
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (4219) والبيهقي (7/ 135 - 136).
وصححه الألباني في الإرواء (6/ 270 - 272 رقم 1870) بشواهده.
وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه
(1)
والبزار
(2)
والبيهقي
(3)
رفعه: "لا تزوَّجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن يرديهن، ولا تزوَّجوهن لأموالهنّ فعسى أموالهنّ أن تطغيهن، ولكن تزوَّجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل".
ولهذا قيل: إن معنى حديث الباب الإخبار منه صلى الله عليه وسلم بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أيها المسترشد بذات الدين.
قوله: (تربت يداك)
(4)
أي: لصقت بالتراب، وهي كناية عن الفقر.
قال الحافظ
(5)
: وهو خبرٌ بمعنى الدُّعاء لكن لا يراد به حقيقته، وبهذا جزم صاحب العمدة
(6)
، وزاد غيره أن صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في حق مسلم لا يستجاب، لشرطه ذلك على ربه.
وحكى ابن العربي
(7)
أن المعنى: استغنت.
ورُدَّ بأن المعروف: أترب إذا استغنى، وترب إذا افتقر.
(1)
في سننه رقم (1859).
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 71): "هذا إسناد فيه الإفريقي واسمه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الشعباني وهو ضعيف".
(2)
لم أقف عليه عند البزار.
(3)
في السنن الكبرى (7/ 80).
وخلاصة القول: أن حديث عبد الله بن عمرو حديث ضعيف جدًّا.
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 185).
وانظر: "المفهم" للقرطبي (1/ 569 - 570).
(5)
في "الفتح"(9/ 135).
(6)
لم أجده في "عمدة الأحكام الكبرى" لعبد الغني عبد الواحد المقدسي (ص 378). ولكن في الحاشية رقم التعليقة (2):
قال المصنف في "الصغرى"(ص 160): "تربت يمينك؛ أي: افتقرت، والعرب تدعو على الرجل بمثل هذا ولا تريد وقوع الأمر به" اهـ.
وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 135): قوله: تربت يداك؛ أي: لصقتا بالتراب، وهي كناية عن الفقر، وهو خبر بمعنى الدعاء، لكن لا يراد به حقيقته. وبهذا جزم صاحب العمدة.
(7)
عارضة الأحوذي (4/ 301).
وقيل: معناه ضعف عقلك، وقيل: افتقرت من العلم، وقيل: فيه شرط مقدر: أي وقع لك ذلك إن لم تفعل، ورجحه ابن العربي.
وقيل: معنى تربت: خابت.
قال القرطبي
(1)
: معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لأجلها فهو خبر عما في الوجود من ذلك لا أنه وقع الأمر به، بل ظاهره إباحة النِّكاح لقصد كلٍّ من ذلك [لكن قصد الدين أولى]
(2)
.
قال
(3)
: ولا يظن من هذا الحديث أن هذه الأربع يؤخذ منها الكفاءة: أي تنحصر فيها فإن ذلك لم يقل به أحد فيما علمت وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي، وسيأتي الكلام على الكفاءة.
[الباب الثالث] باب خطبة المجبرة إلى وليها والرشيدة إلى نفسها
12/ 2632 - (عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عُرْوَةَ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ عائِشَةَ إلى أبي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أبُو بَكْرٍ؛ إنَّمَا أنا أخُوكَ، فَقالَ: "أنتَ أخِي فِي دِيِن الله وكتَابِهِ وَهِيَ لي حَلالٌ"، رَوَاهُ البُخارِيّ هَكَذا مُرْسَلًا)
(4)
. [مرسل]
13/ 2633 - (وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ قالَتْ: لَمَّا ماتَ أبُو سَلَمَةَ أرْسَلَ إِليَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حاطِبَ بْنَ أبي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ لي بِنْتًا، وأنا غَيُورٌ، فَقَالَ: "أمَّا ابْنَتُها فَنَدْعو الله أنْ يُغْنِيَهَا عَنْها، وأدْعو الله أنْ يُذهِبَ بِالغَيْرَةِ"، مُخْتَصَرٌ مِنْ مُسْلِمَ)
(5)
.
الحديث الأول فيه دليل على أن خطبة المرأة الصغيرة البكر تكون إلى وليها.
(1)
في "المفهم"(4/ 215 - 216).
(2)
زيادة من المخطوط (ب).
(3)
أي القرطبي في "المفهم"(4/ 216).
(4)
برقم (5081) مرسلًا.
ونقل الحافظ في "الفتح"(9/ 124) قول مغلطاي: "في صحة هذا الحديث نظر .. " اهـ.
(5)
في صحيحه رقم (3/ 918).
قال ابن بطال
(1)
: وفيه أن النهي عن إنكاح البكر حتى تستأمر مخصوص بالبالغة التي يتصوّر منها الإذن. وأما الصغيرة فلا إذن لها، وسيأتي الكلام علي ذلك في باب ما جاء في الإجبار والاستئمار
(2)
.
قوله: (وأنا غيور) هذه الصيغة يستوي فيها المذكر والمؤنث فيقول كل واحد منهما: أنا غيور، والمراد بالغيرة التي وصفت بها نفسها أنها تغار إذا تزوّج زوجها امرأة أخرى، والنبي صلى الله عليه وسلم قد كان له زوجات قبلها.
قال في القاموس
(3)
: وأغار أهله تزوّج عليها فغارت، انتهى.
وفيه دليل على أن المرأة البالغة الثيبة تخطب إلى نفسها، وسيأتي الكلام على هذا.
[الباب الرابع] بابُ النهي أن يخطُبَ الرَّجُلُ على خِطْبَةِ أخِيه
14/ 2634 - (عَنْ عُقبةَ بْنِ عامِرٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "المُؤْمِنُ أخو المُؤْمِنِ، فَلا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أنْ يَبْتاعَ على بَيْعِ أخيِهِ، ولَا يَخْطُبُ على خِطْبَةِ أخِيهِ حتَّى يَذَرَ"، رَواهُ أحمَدُ
(4)
وَمُسْلِمٌ)
(5)
. [صحيح]
15/ 2635 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يخطُبُ الرَّجُلُ على خِطْبَةِ أخِيهِ حتَّى يَنْكِح أوْ يَتْرُكَ"، رَوَاهُ البُخارِيُّ
(6)
وَالنسائيُّ)
(7)
. [صحيح]
(1)
في شرحه لصحيح البخاريّ رقم (7/ 173).
(2)
في الباب الثاني عشر عند الحديث رقم (40/ 2660 - 49/ 2669)، من كتابنا هذا.
(3)
القاموس المحيط (ص 583).
(4)
في المسند (4/ 147).
(5)
في صحيحه رقم (56/ 1414).
قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (1762)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 3) والطبراني في المعجم الكبير (ج 17 رقم 873، 874) والبيهقي (7/ 180).
وهو حديث صحيح.
(6)
في صحيحه رقم (5144).
(7)
في سننه رقم (3241).
وهو حديث صحيح.
16/ 2636 - (وَعَنِ ابن عُمَرَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يخْطُبُ الرَّجُلُ على خِطْبَةِ الرَّجُلِ حتَّى يَتْرُكَ الخاطبُ قَبْلَهُ أوْ يأذَنَ لَهُ الخاطِبُ"، رَوَاهُ أحْمَد
(1)
والبُخارِيُّ
(2)
والنَّسائيُّ)
(3)
. [صحيح]
قوله: (أن يبتاع على بيع أخيه)، قد تقدَّم الكلامُ على هذا في كتاب البيع
(4)
.
قوله: (ولا يخطب
…
إلخ)، استُدلَّ بهذا الحديث على تحريم الخطبة على الخطبة لقوله في أول الحديث:"لا يَحِلُّ"، وكذلكَ استُدِلَّ بالنهي المذكور في حديث أبي هريرة
(5)
وحديث ابن عمر
(6)
وفي لفظ للبخاري
(7)
: "نهى أن يبيع بعضكم على بيع بعض أو يخطب"، وفي لفظ لأحمد
(8)
من حديث الحسن عن سمرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه".
وقد ذهب إلى هذا الجمهور
(9)
، وجزموا بأنَّ النهي للتحريم كما حكى ذلك الحافظ في فتح الباري
(10)
.
وقال الخطابي
(11)
: إن النهي ههنا [للتأديب]
(12)
وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء.
(1)
في المسند (2/ 42).
(2)
في صحيحه رقم (5142).
(3)
في سننه رقم (3243).
قلت: وأخرجه مسلم رقم (49/ 1412) وأبو داود رقم (2081) والترمذي رقم (1292) وابن ماجه رقم (1868).
(4)
عند الحديث رقم (2210) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم برقم (15/ 2635) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم برقم (16/ 2636) من كتابنا هذا.
(7)
في صحيحه رقم (5142).
(8)
في المسند (5/ 11) بسند ضعيف لأن الحسن البصري لم يصرح بسماعه من سمرة.
قلت: وأخرجه الطيالسي في المسند رقم (912): ومن طريقه أخرجه البزار رقم (1420 - كشف) والطبراني في المعجم الكبير رقم (6898) ولفظة عند الطبراني: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه". وعند الطيالسي: "لا يزيد الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبته".
وله شاهد من حديث عقبة بن عامر وغيره، وقد تقدم.
وخلاصة القول: أن حديث سمرة حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(9)
المغني (9/ 567).
(10)
(9/ 199).
(11)
في معالم السنن (2/ 564 - مع السنن).
(12)
في المخطوط (ب): (لتأذيب).
قال الحافظ
(1)
: ولا ملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد.
وحكى النووي
(2)
أن النَّهيَ فيه للتحريم بالإجماع، ولكنهم اختلفوا في شروطه؛ فقالت الشافعية
(3)
والحنابلة
(4)
: محلّ التحريم إذا صرَّحت المخطوبة بالإِجابة أو وليُّها الذي أذِنَتْ له، وبذلك قالت الهادوية
(5)
، فلو وقع التصريح بالردّ فلا تحريم، وليس في الأحاديث ما يدلّ على اعتبار الإجابة.
وأما ما احتجّ به من قول فاطمة بنت قيس
(6)
للنبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ معاوية وأبا جهم خطباها، فلم ينكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما، بل خطبها لأسَامة، فليس فيه حجة كما قال النووي
(7)
، لاحتمال أن يكونا خطباها معًا، أو لم يعلم الثاني بخطب الأوّل، والنبيّ صلى الله عليه وسلم أشار بأسامة ولم يخطب كما سيأتي.
وعلى تقدير أن يكون ذلك خطبة، فلعله كان بعد ظهور رغبتها عنهما.
وظاهر حديث فاطمة الآتي
(8)
قريبًا أن أسامة خطبها مع معاوية وأبي جهم قبل مجيئها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن بعض المالكية
(9)
: لا تمتنع الخطبة إلا بعد التراضي على الصداق، ولا دليل على ذلك.
وقال داود الظاهري
(10)
: إذا تزوجها الثاني فُسخ النِّكاح قبل الدخول وبعده، وللمالكية (9) في ذلك قولان؛ فقال بعضهم: يفسخ قبله لا بعده.
قال في الفتح
(11)
: وحجة الجمهور أن المنهي عنه الخطبة وهي ليست شرطًا في صحة النِّكاح، فلا يفسخ النِّكاح بوقوعها غير صحيحة.
(1)
في "الفتح"(9/ 199).
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (9/ 197).
(3)
البيان للعمراني (9/ 284) والأم (5/ 108).
(4)
المغني (9/ 567).
(5)
البحر الزخار (3/ 9).
(6)
يأتي برقم (17/ 2637) من كتابنا هذا.
(7)
في شرحه لصحيح مسلم (9/ 198).
(8)
برقم (17/ 2637) من كتابنا هذا.
(9)
"بداية المجتهد، ونهاية المقتصد"(3/ 9) بتحقيقي.
(10)
الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي (ص 643 - 644).
(11)
(9/ 200).
قوله: (لا يخطب الرجل على خطبة الرجل)، ظاهره أنه لا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة الفاسق ولا على خطب الكافر، نحو أن يخطب ذمية فلا يجوز لمن يجوّز نكاحها أن يخطبها، ولكنه يقيد هذا الإطلاق بقوله في حديث أبي هريرة
(1)
: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه"، فإنه لا أخوة بين المسلم والكافر، وبقوله في حديث عقبة
(2)
: "المؤمن أخو المؤمن
…
إلخ"، فإنه يخرج بذلك الفاسق، وإلى المنع من الخطبة على خطبة الكافر والفاسق ذهب الجمهور
(3)
. قالوا: والتعبير بالأخ خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
وذهب الأوزاعي
(4)
وجماعة من الشافعية إلى أنها تجوز الخطبة على خطبة الكافر وهو الظاهر.
قوله: ("حتى يترك"، وفي حديث عقبة (2)"حتى يذر")، في ذلك دليل على أنه يجوز للآخر أن يخطب بعد أن يعلم رغبة الأوّل عن النِّكاح.
وأخرج أبو الشيخ
(5)
من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "حتى ينكح أو يدع" قال الحافظ
(6)
: وإسناده صحيح.
[الباب الخامس] باب التعريض بالخطبة في العدة
17/ 2637 - (عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: أن زَوجَها طَلَّقَها ثَلاثًا، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سُكْنى ولَا نَفَقَةَ، قالَت: وقالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا حَلَلْتِ فَآذنِينِي"، فآذَنْتُهُ فَخَطَبَها مَعاوِيَةُ وأبُو جَهْم وأُسامَةُ بنُ زَيْدٍ، فَقالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "أمَّا مُعاوِيَةُ فَرَجُل تَرِبٌ لا مالَ لَهُ، وأمَّا أبَو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّاب للنِّساء، وَلَكِنْ
(1)
تقدم برقم (2635) من كتابنا هذا.
(2)
تقدم برقم (2634) من كتابنا هذا.
(3)
الفتح (4/ 353).
(4)
قال الحافظ في "الفتح"(4/ 353): "وبه قال الأوزاعي وأبو عبيد بن حربويه من الشافعية".
(5)
في كتاب النِّكاح له كما في الفتح (9/ 199).
(6)
في الفتح (9/ 199).
أُسامَةَ"، فَقالتْ بِيَدِها هَكَذَا أُسامَةُ أُسامَةُ، فَقالَ لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "طاعَةُ الله وَطاعَةُ رَسُولِهِ"، قالَت: فَتَزَوَّجْتُهُ فاغْتُبطْت [به]
(1)
، رَواهُ الجَماعَةُ إلا البُخَارِيَّ)
(2)
. [صحيح]
18/ 2638 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ}
(3)
يَقُولُ: إني أُرِيدُ التَّزْوِيجَ وَلَوَدَدْتُ أنَّهُ يُسِّرَ لي امْرأة صَالِحَة. رَوَاهُ البُخارِيُ)
(4)
. [صحيح]
19/ 2639 - "وَعَنْ سُكَيْنَةَ بِنْتِ حَنْظَلةَ قالَتْ: اسْتأذَنَ عَلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلي وَلْم تَنقَضِ عِدَّتِي مِنْ مَهْلَكَةِ زوْجِي، فقالَ: قَدْ عَرَفْتِ قَرَابتي مِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَرَابَتِي مِن علي، ومَوْضِعي مِنَ العَرَبِ، قُلتُ: غَفَرَ الله لكَ يا أبا جَعْفَرٍ إنَّك رَجُلٌ يُوخَذُ عَنْكَ وَتَخْطُبُني فِي عِدَّتِي، فَقالَ: إنَّمَا أخْبَرْتُكِ بِقَرَابَتي مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَمِنْ عَلِيّ وَقدْ دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلى أمِّ سَلَمَةَ وَهِي مُتأيّمَة مِنْ أبي سَلَمَةَ، فقالَ: "لَقَدْ عَلِمْتِ أني رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَمَوْضِعِي مِنْ قَوْمِي"، كانَتْ تِلْكَ خِطْبَتَهُ. روَاهُ الدَّارَقُطْنيّ)
(5)
. [ضعيف]
حديث سكينة
(6)
رواه الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل
(7)
عنها وهي عمته، ومنقطع لأن محمد بن عليّ هو الباقر ولم يدرك النبيّ صلى الله عليه وسلم
(8)
.
(1)
زيادة من المخطوط (ب).
(2)
أحمد في المسند (6/ 411 - 412) ومسلم رقم (36/ 1480) وأبو داود رقم (2284) والترمذي رقم (1135) والنسائي رقم (3245) وابن ماجه رقم (1869).
قلت: وأخرجه مالك (2/ 580 رقم 67) والبيهقي (7/ 180 - 181).
(3)
سورة البقرة، الآية:(235).
(4)
في صحيحه رقم (5124).
(5)
في سننه (3/ 224 رقم 18). قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 178).
وهو منقطع فإن محمد بن علي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
فالحديث ضعيف، والله أعلم.
(6)
سكينة بنت حنظلة. لها ذكر في "طبقات ابن سعد"(8/ 91) روت حديث خطبة النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة حين توفي أبو سلمة.
(7)
قال الحافظ في "التقريب" رقم (3887): صدوق فيه لين.
وقال المحرران: صدوق حسن الحديث إلا عند المخالفة.
(8)
ابن أبي حاتم في "المراسيل"(ص 185 - 186) والثقات لابن حبان (5/ 348) وتاريخ =
قوله: (لا سكنى ولا نفقة) سيأتي الكلام على ذلك.
قوله: (معاوية) اختلف فيه؛ فقيل: هو ابن أبي سفيان، وقيل غيره، وفي صَحيح مسلم
(1)
التصريح بأنه هو.
قوله: (فرجل ضرّاب) في رواية: "لا يضع عصاه عن عاتقه"، وهو كناية عن كثرة ضربه للنساء، كما وقع التصريح بتلك في حَديث الباب.
قوله: (فاغتبطت [به])
(2)
الغِبطة بكسر الغين المعجمة: حسن الحال والمسرة كما في القاموس
(3)
.
قوله: (يقول: إني أريد التزويج) هو تفسير التعريض المذكور في الآية.
قال الزمخشري
(4)
: التعريض أن يذكر المتكلم شيئًا يدّل به على شيء لم يذكره.
وتعقب بأن هذا التعريف لا يخرج المجاز.
وأجاب سعد الدين
(5)
بأنه لم يقصد التعريف، ثم حقق التعريض بأنه ذكر شيء مقصود بلفظ حَقيقي أو مجازي أو كنائي ليدل به على شيء آخر لم يذكر في الكلام مثل أن يذكر المجيء للتسليم ومراده التقاضي، فالسلام مقصود والتقاضي عرض: أي أميل إليه الكَلام عن عرض أي جانب، وامتاز عن الكناية فلم يشتمل على جميع أقسامها.
والحاصل أنهما يجتمعان ويفترقان، فمثل: جئت لأسلم عليك، كناية وتعريض. ومثل: طويل النجاد، كناية لا تعريض، ومثل: آذيتني فستعرف، خطابًا لغير المؤذي تعريض بتهديد المؤذي لا كناية، وقد قيل في تفسير
= بغداد" (3/ 54) وسير أعلام النبلاء (4/ 401) وتهذيب الكمال (26/ 137) وجامع التحصيل رقم (700) وتحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل للعراقي (ص 282 - 283).
(1)
في صحيحه رقم (36/ 1480).
(2)
زيادة من المخطوط (ب).
(3)
القاموس المحيط (ص 877).
(4)
في الكشاف له (1/ 458 - 459) والفائق في غريب الحديث (2/ 419).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 179).
وانظر: "روح المعاني" للألولسي (2/ 150).
التعريض المذكور في الآية: أن يقول لها: إني فيك لراغب، ولا يستلزم التصريح بالرغبة التصريح بالخطبة.
ومن التعريض ما وقع في حديث فاطمة بنت قيس عند أبي داود
(1)
: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها: لا تفوتينا بنفسك".
ومنه قول الباقر المذكور في الباب
(2)
.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأمّ سلمة كما في الحديث المذكور.
قال في الفتح
(3)
: واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم مَن مات عنها زوجها.
واختلفوا في المعتدّة من الطلاق البائن، وكذا من وقف نكاحها.
وأما الرجعية فقال الشافعي
(4)
: لا يجوز لأحد أن يعرّض لها بالخطبة فيها.
والحاصل أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات
(5)
، والتعريض مباحٌ للأولى وحرام في الأخيرة مختلف فيه في البائن.
واختلف فيمن صرَّح بالخطبة في العدَّة، لكن لم يعقد إلا بعد انقضائها، فقال مالك
(6)
: يفارقها دخل أو لم يدخل.
وقال الشافعي
(7)
: يصحّ العقد وإن ارتكب النهي بالتصريح المذكور لاختلاف الجهة.
وقال المهلب
(8)
: علة المنع من التصريح في العدّة أن ذلك ذريعة إلى المواقعة في المدة التي هي محبوسة فيها على ماء الميت أو المطلّق.
وتعقب بأن هذه العلة تصلح أن تكون لمنع العقد لا لمجرد التصريح، إلا
(1)
في سننه رقم (2287).
(2)
تقدم برقم (19/ 2639) من كتابنا هذا.
(3)
(9/ 179).
(4)
البيان للعمراني (9/ 280 - 281) والمهذب (4/ 163) وروضة الطالبين (7/ 30).
(5)
المغني (9/ 573).
(6)
عيون المجالس (3/ 1369) والتهذيب في اختصار المدونة (2/ 433).
(7)
البيان للعمراني (9/ 283).
(8)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 180).
أن يقال: التصريح ذريعة إلى العقد، [والعقد]
(1)
ذريعة إلى الوقاع، وقد وقع الاتفاق على أنه إذا وقع العقد في العدّة لزم التفريق بينهما.
واختلفوا هل تحلّ له بعد ذلك؟ فقال مالك
(2)
والليث والأوزاعي: لا يحلّ نكاحها بعد.
وقال الباقون: بل يحلّ له إذا انقضت العدّة أن يتزوّجها إذا شاء
(3)
.
[الباب السادس] باب النظر إلى المخطوبة
20/ 2640 - (فِي حَدِيث الوَاهِبَةِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ
(4)
: فَصَعَّدَ فِيها النَّظَرَ وَصَوَّبَهُ. [صحيح]
وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّهُ خَطَبَ امْرأة، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"انْظُرْ إلَيْها فإنَّه أحْرَى أنْ يُؤْدَم بَيْنكُما"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلا أبا داوُدَ)
(5)
. [صحيح]
21/ 2641 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَة قالَ: خطبَ رَجُلٌ امْرأةً، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"انْظُرْ إلَيْها فإنَّ فِي أعْيُنِ الأنصَارِ شَيْئًا"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(6)
وَالنَّسائيُّ)
(7)
. [صحيح]
(1)
سقط من المخطوط (ب).
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/ 86).
(3)
انظر: "عيون المجالس"(3/ 1368 - 1369) والمغني (9/ 573) وبدائع الصنائع (2/ 269) وروضة الطالبين (8/ 396).
(4)
أحمد في المسند (5/ 336) والبخاري رقم (5149) ومسلم رقم (76/ 1425).
(5)
أحمد في المسند (4/ 246) والترمذي رقم (1587) وقال: حديث حسن.
والنسائي رقم (3235) وابن ماجه رقم (1866)، وانظر:"الصحيحة" رقم (96).
وهو حديث صحيح.
(6)
في المسند (2/ 299).
(7)
في سننه رقم (3234) وفي الكبرى رقم (5347 - العلمية).
قلت: وأخرجه مسلم رقم (74/ 1424) والحميدي رقم (1172) وسعيد بن منصور رقم (523) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 14) وفي شرح مشكل الآثار رقم (5058) وابن حبان رقم (4041) و (4044) والدارقطني (3/ 253) والبيهقي (7/ 84).
وهو حديث صحيح.
22/ 2642 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: سمعْت النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إذَا خَطَبَ أحَدُكُمْ المرأة فَقَدَرَ أنْ يَرَى مِنها بَعْض ما يَدْعُوه إلى نِكاحِها فَلْيَفْعَل"، رَواهُ أحْمَدُ
(1)
وأبُو دَاودَ)
(2)
. [حسن]
23/ 2643 - (وَعَنْ مُوسى بْنِ عَبْدِ الله عنْ أبي حُمَيْدٍ أوْ حُمَيْدَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا خَطَب أحَدُكُمْ امْرأةً فَلا جُناحَ عَلَيْه أنْ يَنْظُرَ مِنْها إذَا كانَ، إنّمَا يَنْظُرُ إلَيْهَا لخِطْبَةٍ وإنْ كانَتْ لا تَعْلَمُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(3)
. [إسناده صحيح]
24/ 2644 - (وَعَنْ مُحمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إذَا ألْقَى الله عز وجل فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امرأةٍ فَلا بأس أنْ يَنْظُرَ إلَيْها"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وابْنُ ماجَة)
(5)
. [صحيح لغيره]
حديثُ الواهبة نفسَها سيأتي في باب جعل تعليم القرآن
(1)
في المسند (3/ 360).
(2)
في سننه رقم (2082).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 355 - 356) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 14) والبيهقى (7/ 84) والحاكم (2/ 165).
وهو حديث حسن.
(3)
في المسند (5/ 424) بسند صحيح.
قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 14) والطبراني في الأوسط رقم (911) وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 276) إلى المعجم الكبير - أيضًا - وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح.
قلت: وكذلك رجال الأوسط رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني، وهو ثقة.
وأخرجه بنحوه البزار في "مسنده" رقم (3714).
(4)
في المسند (4/ 225) بسند ضعيف لجهالة حال محمد بن سليمان بن أبي حثمة، ولم يوثقه غير ابن حبان.
وحجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعنه.
(5)
في سننه رقم (1864).
قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني". رقم (1991) والطبراني في المعجم الكبير (ج 19 رقم 501) وسعيد بن منصور في سنه رقم (519) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 13 - 14) وابن أبي شيبة (4/ 356) من طرق.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
صداقًا
(1)
، ويأتي الكلام عليه هنالك إن شاء الله.
وحديث المغيرة أخرجه أيضًا الدارمي
(2)
وابن حبانَ وصححه
(3)
.
وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا مسلم في صحيحه
(4)
من حديث أبي حازم عنه، ولفظه:"كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل فأخبره أنه تزوّج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟ "، قال لا، قال: "فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا".
وحديث جابر أخرجه أيضًا الشافعي
(5)
وعبد الرزاق
(6)
والبزار
(7)
والحاكم وصححه
(8)
، قال الحافظ
(9)
: ورجاله ثقات، وهي إسناده محمد بنُ إسحاق، وأعله ابن القطان
(10)
، بواقد بن عبد الرحمن، وقال: المعروف واقد بن عمرو. ورواية الحاكم (8) فيها واقد بن عمرو، وكذا رواية الشافعي (5) وعبد الرزاق (6).
وحديث أبي حميدة أخرجه أيضًا الطبراني
(11)
والبزار
(12)
، وأورده الحافظ في التلخيص
(13)
وسكت عنه. وقال في مجمع الزوائد
(14)
: رجال أحمد رجال الصحيح.
وحديث محمد بن مسلمة أخرجه أيضًا ابن حبان
(15)
والحاكم
(1)
الباب الثاني عند الحديث رقم (2738) من كتابنا هذا.
(2)
في المسند (2/ 134).
(3)
في صحيحه رقم (4043).
(4)
في صحيحه رقم (74/ 1424).
(5)
في معرفة السنن والآثار رقم (13478) للبيهقي.
(6)
في المصنف رقم (10337).
(7)
كما في "الوهم والإيهام"(4/ 428 - 429).
(8)
في المستدرك (2/ 165) وقال الحاكم: صحيح علي شرط مسلم؛ ووافقه الذهبي.
(9)
قلت: سكت عنه الحافظ في "التلخيص: (3/ 306 رقم 1584).
وقال في "الفتح"(9/ 181): سنده حسن.
(10)
في "الوهم والإيهام"(4/ 429)
(11)
في الأوسط رقم (911) وفي الكبير كما في مجمع الزوائد (4/ 276).
(12)
في مسنده رقم (3714) وقد تقدم.
(13)
في "التلخيص"(3/ 306).
(14)
(4/ 276) وقد تقدم.
(15)
في صحيحه رقم (4042).
وصحَّحاه
(1)
، وسكت عنه الحافظ في التلخيص
(2)
.
وفي الباب عن أنس عند ابن حبان
(3)
والدارقطني
(4)
والحاكم
(5)
وأبي عوانة
(6)
وصححوه وهو مثل حديث المغيرة.
وعنه أيضًا عند أحمد
(7)
والطبراني
(8)
والحاكم
(9)
والبيهقي
(10)
: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أمّ سليم إلى امرأة فقال: انظري إلى عرقوبيها وشمي معاطفها"، واستنكره أحمد والمشهور فيه من طريق عمارة عن ثابت عنه.
ورواه أبو داود في المراسيل
(11)
عن موسى بن إسماعيل عن حماد مرسلًا.
قال: ورواه محمد بن كثير الصنعاني عن حماد موصولًا.
وعن محمد بن الحنفية عند عبد الرزاق
(12)
وسعيد بن منصور
(13)
: "أن عمر خطب إلى علي ابنته أمّ كلثوم، فذكر له صغرها، فقال: أبعث بها إليك فإن رضيت فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عن ساقها، فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينيك".
قوله: (أن يؤدم بينكما) أي تحصل الموافقة والملاءمة بينكما.
قوله: (فإن في أعين الأنصار شيئًا) قيل: عمش، وقيل: صغر.
(1)
في المستدرك (3/ 434) وقال الحاكم: "غريب وإبراهيم بن صرمة ليس من شرط هذا الكتاب"، وتعقبه الذهبي وقال:"ضعفه الدارقطني وقال: أبو حاتم شيخ".
(2)
(3/ 306).
(3)
في صحيحه رقم (4043).
(4)
في سننه (3/ 253 رقم 32).
(5)
في المستدرك (2/ 165) وقال: صحيح على شرط الشيخين؛ ووافقه الذهبي.
(6)
في مسنده (3/ 18 رقم 4036) قال أبو عوانة: في سماع بكر من المغيرة نظر.
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1865) وابن الجارود رقم (676) والبيهقي (7/ 84).
وهو حديث صحيح والله أعلم.
(7)
في المسند (3/ 231).
(8)
في المعجم الأوسط رقم (6195).
(9)
في المستدرك (2/ 166) وقال: صحيح على شرط مسلم؛ ووافقه الذهبي.
(10)
في السنن الكبرى (7/ 87).
والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(11)
رقم (219) إسناده صحيح.
(12)
في المصنف رقم (10352).
(13)
في سننه رقم (521).
قال في الفتح
(1)
: الثاني وقع في رواية أبي عوانة في مستخرجه فهو المعتمد.
وأحاديث الباب فيها دليل على أنه لا بأس بنظر الرجل إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها، والأمر المذكور في حديث أبي هريرة
(2)
وحديث المغيرة
(3)
وحديث جابر
(4)
للإباحة بقرينة قوله في حديث أبي حميد
(5)
: "فلا جناح عليه"، وفي حديث محمد بن مسلمة
(6)
: "فلا بأس"، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء
(7)
.
وحكى القاضي عياض
(8)
كراهته، وهو خطأ مخالف للأدلة المذكورة ولأقوال أهل العلم.
وقد وقع الخلاف في الموضع الذي يجوز النظر إليه من المخطوبة؛ فذهب الأكثر إلى أنه يجوز إلى الوجه والكفين فقط
(9)
.
وقال داود
(10)
: يجوز النظر إلى جميع البدن.
وقال الأوزاعي
(11)
: ينظر إلى مواضع اللحم، وظاهر الأحاديث أنه يجوز له النظر إليها سواء كان ذلك بإذنها أم لا، وروي عن مالك
(12)
اعتبار الإذن.
[الباب السابع] باب النهي عن الخَلْوَةِ بالأَجنبيةِ والأَمرِ بِغَضِّ النَّظَرِ والعَفْوِ عَنْ نظرِ الفَجأةِ
25/ 2645 - (عَنْ جابِرٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بالله وَاليَوْمِ
(1)
(9/ 181).
(2)
تقدم رقم (21/ 2641) من كتابنا هذا.
(3)
تقدم رقم (20/ 2640) من كتابنا هذا.
(4)
تقدم رقم (22/ 2642) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم رقم (23/ 2643) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم رقم (24/ 2644) من كتابنا هذا.
(7)
المغني (9/ 489).
(8)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 576).
(9)
المغني (9/ 490).
(10)
المحلى (10/ 32 مسألة 1878).
والإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي (ص 644).
(11)
ذكره القاضي عياض في إكمال المعلم (4/ 576) وابن قدامة في المغني (9/ 490).
(12)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 498).
الآخِرِ فَلا يخْلُوَنَّ بامْرأةٍ لَيْسَ مَعَها ذُو مَحْرَمٍ مِنْها، فإنَّ ثالِثَهُما الشَّيْطانُ")
(1)
.
[حسن لغيره]
26/ 2646 - (وَعَنْ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرأةٍ لَا تحِلّ لَهُ، فإنَّ ثالِثَهُما الشَّيْطانُ إلا مَحْرَمٌ"، رواهُما أحْمَدُ
(2)
. [صحيح لغيره]
(1)
في المسند (3/ 339) بسند ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة، وأبو الزبير لم يصرح بالتحديث.
قلت: ويشهد له حديث عمر بن الخطاب عند أحمد في المسند (1/ 18) ومسند عبد الله بن المبارك رقم (241) ومن طريق عبد الله بن المبارك أخرجه الطحاوي (4/ 150) وابن حبان رقم (7254) والحاكم (1/ 113) والبيهقي (7/ 91) وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وأخرجه أبو عبيد في "الخطب والمواعظ" رقم (133) والترمذي رقم (2165) وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (88) و (897) والبزار رقم (166) والنسائي في الكبرى رقم (9225 - العلمية) من طريق النضر بن إسماعيل، عن محمد بن سوقة، عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، عن عمر، به.
قال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وأخرجه أحمد في المسند (1/ 26) وابن ماجه رقم (2363) والنسائي في الكبرى رقم (9219 - العلمية) وأبو يعلى رقم (143) وابن حبان رقم (5586) وابن منده في الإيمان رقم (1087) من طريق جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، عن عمر به.
وأخرجه الطيالسي رقم (31) وابن أبي عاصم في السنة رقم (902) و (1489) وأبو يعلى رقم (141) و (142) وابن حبان رقم (4576) و (6728) وابن منده رقم (1086) والخطيب في "تاريخه"(2/ 687) من طريق جرير بن حازم والطحاوي (4/ 150) من طريق إسرائيل، والخطيب (2/ 187) من طريق شعبة.
ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير، به.
وخلاصة القول: أن حديث جابر حسن لغيره، وحديث عمر بن الخطاب حديث صحيح، والله أعلم.
(2)
في المسند (3/ 446) بسند ضعيف. لضعف عاصم بن عبيد الله، وهو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب؛ وشريك بن عبد الله النخعي سيء الحفظ.
قلت: وأحرجه البزار رقم (1636 - كشف).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 223): "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في رواية عنده بعد عقده إياها في عنقه، وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف".
وحديث عمر بن الخطاب المتقدم شاهد لهذا الحديث، وبه يكون حديث عامر بن ربيعة حديث صحيح لغيره.
وقَدْ سَبَقَ مَعْناهُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ في حَدِيثٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(1)
. [صحيح]
27/ 2647 - (وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلى عَوْرةِ الرَّجُلِ، وَلا تَنْظُرُ المَرْأةُ إلى عَوْرَةِ المرَأةِ، وَلا يُفْضِي الرّجُلُ إلى الرَّجُلِ في الثَّوْبِ الوَاحِدِ، وَلا المَرْأةُ إلى المَرْأةِ فِي الثَّوْب الواحِدِ")
(2)
. [صحيح]
28/ 2648 - (وَعنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله قالَ: سَأَلْت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَرِ الفَجْأَةِ؟ فَقالَ: "اصرِفْ بَصَرَكَ"، رَوَاهُمَا أحْمَدُ
(3)
وَمُسلِم
(4)
وأبُو داود
(5)
وَالتِّرمذِيُّ)
(6)
. [صحيح]
29/ 2649 - (وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: "يا عَلِي لا تُتْبعِ النَّظْرَةَ النَّظرة، فإنَّمَا لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ"، رَوَاةُ أحْمَدُ
(7)
وأبُو دَاودَ
(8)
وَالتِّرمِذِي)
(9)
. [حسن]
30/ 2650 - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامرٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إيَّاكُمْ وَالدخُول على النِّساء"، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: يا رَسُولَ الله أفَرأيْتَ الحَمْوَ؟ قال: "الحَمْوُ المَوْتُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(10)
وَالبُخارِيُّ
(11)
والتِّرْمِذِي وَصححه
(12)
(1)
تقدم برقم (1802) من كتابنا هذا.
(2)
أخرجه أحمد (3/ 63) ومسلم رقم (84/ 338) وأبو داود رقم (4017) والترمذي رقم (2793).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (4/ 361).
(4)
في صحيحه رقم (45/ 2159).
(5)
في سننه رقم (2148).
(6)
في سننه رقم (2776).
وهو حديث صحيح.
(7)
في المسند (5/ 353).
(8)
في سننه رقم (2149).
(9)
في سننه رقم (2777) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك.
وهو حديث حسن.
(10)
في المسند (4/ 149).
(11)
في صحيحه رقم (5232).
(12)
في سننه رقم (1171)
وهو حديث صحيح.
قالَ: وَمَعْنَى الحَمْوِ يُقالُ: هُوَ أخُو الزَّوْجِ كأنَّهُ كَرِهَ أنْ يَخْلُوَ بِهَا). [صحيح]
حديث جابر
(1)
وعامر
(2)
يشهد لهما حديث ابن عباس
(3)
الذي أشار إليه المصنف، وقد تقدم في باب النهي عن سفر المرأة للحجّ من كتاب الحجّ، وقد أشار الترمذي
(4)
إلى حديث عامر.
وحديث بريدة قال الترمذي
(5)
: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك.
وأخرجه بهذا اللفظ من حديث عليّ البزار
(6)
والطبراني في الأوسط
(7)
. قال في مجمع الزوائد
(8)
: ورجال الطبراني ثقات، والخلوة بالأجنبية مجمع على تحريمها كما حكى ذلك الحافظ في الفتح
(9)
.
وعلة التحريم ما في الحديث من كون الشيطان ثالثهما وحضوره يوقعهما في المعصية، وأما مع وجود المحرم فالخلوة بالأجنبية جائزة لامتناع وقوع المعصية مع حضوره.
واختلفوا هل يقوم غيره مقامه في ذلك كالنسوة الثقات؟ فقيل: يجوز لضعف التهمة.
وقيل: لا يجوز وهو ظاهر الحديث.
وحديث أبي سعيد أخرج نحوه أحمد
(10)
والحاكم
(11)
من حديث جابر.
(1)
تقدم رقم (25/ 2645) من كتابنا هذا.
(2)
تقدم رقم (26/ 2646) من كتابنا هذا.
(3)
تقدم رقم (1802) من كتابنا هذا.
(4)
في السنن (5/ 101).
(5)
في سننه عقب الحديث رقم (2777).
(6)
في المسند رقم (1419 - كشف).
(7)
في المعجم الأوسط رقم (674).
(8)
(4/ 277).
(9)
(9/ 243).
(10)
في المسند (3/ 356) بسند رجاله ثقات، غير عبد الرحمن بن أبي الزناد، فصدوق حسن الحديث. وأبو الزبير - وهو محمد بن مسلم بن تدرُس - لم يصرح بسماعه من جابر إلا في رواية ابن لهيعة عنه.
(11)
في المستدرك (4/ 287) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
وأخرجه أيضًا أحمد
(1)
وابن حبان
(2)
والحاكم
(3)
من حديث ابن عباس.
وأخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط
(4)
من حديث أبي موسى.
وأخرجه أيضًا البزار
(5)
من حديث سمرة.
قوله: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل
…
إلخ)، فيه دليل على أنه يحرم على الرجل نظر عورة الرجل، وعلى المرأة نظر عورة المرأة، وقد تقدم في كتاب الصلاة بيان العورة من الرجل، والعورة من المرأة. والمراد هنا العورة المغلظة.
قال في البحر
(6)
: فصل: يجب ستر العورة المغلظة من غير من له الوطء إجماعًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "احفظ عورتك" الخبر
(7)
ونحوه، انتهى.
قوله: (ولا يفضي الرجل
…
إلخ)، فيه دليل على أنه يحرم أن يضطجع الرجل مع الرجل أو المرأة مع المرأة في ثوب واحد مع الإفضاء ببعض البدن، لأن ذلك مظنة لوقوع المحرّم من المباشرة أو مس العورة أو غير ذلك.
وحديث بريدة
(8)
[سكت عنه أبو داود وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك، و]
(9)
فيه دليل على أن النظر الواقع فجأة من دون قصد وتعمد لا يوجب إثم الناظر لأن التكليف به خارج عن الاستطاعة، وإنما الممنوع منه النظر الواقع على طريقة التعمد أو ترك صرف البصر بعد نظر الفجأة.
(1)
في المسند (1/ 304).
(2)
في صحيحه رقم (5582).
(3)
في المستدرك (4/ 288) وقال: صحيح على شرط البخاري فقد أجمعا على صحة هذا الحديث. وافقه الذهبي.
قلت: وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير رقم (11728) و (11794) وفي الصغير رقم (1094 - الروض) وابن أبي شيبة (4/ 398) والبزار رقم (2074 - كشف).
وهو حديث صحيح.
(4)
رقم (4157) وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 102) إلى الكبير - أيضًا - وقال: "شيخه علي بن سعيد الرازي فيه لين، وبقية رجاله ثقات".
(5)
في المسند رقم (2073 - كشف) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 102): "فيه يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف".
(6)
البحر الزخار (4/ 379).
(7)
تقدم برقم (514) من كتابنا هذا.
(8)
تقدم برقم (2649) من كتابنا هذا.
(9)
ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب) وقد شطب عليها في المخطوط (أ).
وقد استدل بذلك من قال بتحريم النظر إلى الأجنبية ولم يحكه في البحر
(1)
إلا عن المؤيد باللهِ وأبي طالب.
وحكي في البحر
(2)
أيضًا عن الفقهاء والإمام يحيى أنه يجوز ولو لشهوة.
وتعقبه صاحب المنار
(3)
أن كتب الفقهاء ناطقة بالتحريم.
قال: ففي منهاج النووي
(4)
وهو عمدتُهم: ويحرم نظر فحلٍ بالغ إلى عورة حرةٍ أجنبية، وكذا وجهها. وكفيها عند خوف فتنةٍ،. وكذا عند الأمن على الصحيح.
ثم قال في نظر الأجنبية إلى الأجنبي: كهو إليها.
وفي المنتهى
(5)
من كتب الحنابلة: ولشاهدٍ ومعاملٍ نظر وجه مشهود عليها، ومن تعامله، وكفيها لحاجة، والحنفية
(6)
لا يجيزون النظر إلى الوجه والكفين مع الشهوة، ولفظ الكنز
(7)
: ولا ينظر من اشتهي.
قال الشارح العيني
(8)
في الشاهد: لا يجوز له وقت التحمل [أن]
(9)
ينظر إليها لشهوة، هذا ما تعقب به صاحب المنار
(10)
.
قال في بهجة المحافل
(11)
للعامري الشافعي في حوادث السنة الخامسة ما لفظه: وفيها نزول الحجاب وفيه مصالح جليلة وعوائد في الإسلام جميلة، ولم يكن لأحد بعده النظر إلى أجنبية لشهوة أو لغير شهوة، وعفي عن نظر الفجأة، انتهى.
(1)
البحر الزخار (4/ 379).
(2)
البحر الزخار (4/ 379)
(3)
"المنار في المختار"(2/ 278).
(4)
حواشي الشرواني، وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج شرج المنهاج (9/ 20 - 21).
وحاشية الجمل على شرح المنهاج (6/ 260 - 261).
(5)
منتهى الإرادات (4/ 53).
(6)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (6/ 17).
(7)
ولفظ "كنز الدقائق": "ولا ينظر من اشتهى إلى وجهها إلا الحاكم والشاهد وينظر الطبيب إلى موضع مرضها".
(8)
في "البناية في شرح الهداية"(11/ 146 - 147).
(9)
زيادة يقتضيها السياق.
(10)
(2/ 278).
(11)
"بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل" ليحيى بن أبي بكر العامري اليمني (1/ 327).
وفي شرح السيلقية للإمام يحيي في شرح الحديث الرابع والعشرين في شرح قوله: إياكم وفضول النظر فإنه يبذر الهوى ويولد الغفلة: التصريح بتحريم النظر إلي النساء الأجانب لشهوة أو لغير شهوة.
وقال ابن مظفر في "البيان"
(1)
: إنه يحرم النظر إلى الأجنبية مع الشهوة اتفاقًا.
وقال الإمام عزّ الدين في جواب له: والصحيح المعمول عليه رواية "شرح الأزهار"
(2)
وفى رواية "البحر"
(3)
: أن الإمام يحيى ومن معه يجوّزون النظر ولو مع شهوة
(4)
. اهـ.
ومن جملة ما استدلّ به المانعون من النظر مطلقًا قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}
(5)
، وقوله تعالى:{فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}
(6)
.
وأجيب بأن ذلك خاص بأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، لأنه إنما شرع قطعًا لذريعة وقوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته. ولا يخفى أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ومن جملة ما استدلوا به حديث ابن عباس عند البخاري
(7)
: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه، وفيه قصة المرأة الوضيئة الخثعمية، فطفق الفضل ينظر إليها، فأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بذقن الفضل فحوّل وجهه عن النظر إليها".
(1)
وهو "البيان الشافي المنتزع من البرهان الكافي" تأليف: القاضي يحيى بن أحمد المظفر الحمدي (ت 875 هـ).
في مجلدين كبيرين، وهو معتمد كثير من علماء الزيدية في الفقه. (مخطوط).
(2)
المنتزع المختار من الغيث المدرار، المعروف "بشرح الأزهار" انتزعه أبو الحسن عبد الله بن مفتاح (9/ 231).
(3)
البحر الزخار (4/ 379).
(4)
وفي حاشية "شرح الأزهار"(2/ 231 رقم التعليقة 4): "قال الإمام شرف الدين: لا ينبغي أن يبقى هذا القول على ظاهره، بل يحمل على أن مراد الإمام يحيى إذا كان المقصود في المعاملات، غير التلذذ بالنظر، وهو أن يكون في المعاملات والتخاطب ونحو ذلك، وأما حيث المقصود التلذذ والاستمتاع، فبعيد أن يقول بجواز ذلك"(شرح أثمار).
(5)
سورة النور، الآية:(30).
(6)
سورة الأحزاب، الآية:(53).
(7)
في صحيحه رقم (1513).
وأجيب بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك لمخافة الفتنة لما أخرجه الترمذي
(1)
وصححه من حديث عليّ وفيه: "فقال العباس: لويت عنق ابن عمك، فقال: رأيت شابًا وشابة فلم آمن عليهما الفتنة".
وقد استنبط منه ابن القطان
(2)
جواز النظر عند أمن الفتنة حيث لم يأمرها بتغطية وجهها، [فلو]
(3)
لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل، ولو لم يكن ما فهمه جائزًا ما أقرّه عليه.
وهذا الحديث أيضًا يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب السابقة بزوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم، لأن قصة الفضل في حجة الوداع وآية الحجاب في نكاح زينب في السنة الخامسة من الهجرة كما تقدم.
وأما قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
(4)
، فروى البيهقي
(5)
عن ابن عباس أن المراد بما ظهر: الوجه والكفان.
وروى البيهقي
(6)
أيضًا عن عائشة نحوه، وكذلك روى الطبراني
(7)
عنها.
وروى الطبراني
(8)
أيضًا عن ابن عباس قال: هي الكحل.
وروى نحو ذلك عنه البيهقي
(9)
.
(1)
في سننه رقم (885) وقال: حديث علي حديث حسن صحيح.
وهو حديث حسن، والله أعلم.
(2)
في كتابه: "النظر في أحكام النظر بحاسة البصر"(ص 147 - 148).
رقم المسألة (19) عند الحديث رقم (79).
(3)
في المخطوط (أ): (ولو).
(4)
سورة النور، الآية:(31).
(5)
في السنن الكبرى (2/ 225) وهو أثر ضعيف.
(6)
في السنن الكبرى (2/ 226) وهو أثر ضعيف.
(7)
في المعجم الكبير (ج 24 رقم 378).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 137): "فيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح". قلت: والذي لا شك فيه أن حديثه في المتابعات والشواهد لا ينزل عن رتبة الحسن. وهذا منها.
(8)
لم أقف عليه.
(9)
في السنن الكبرى (2/ 225) وهو أثر ضعيف.
قلت: أخرج الطبري في "جامع البيان" آثارًا عن ابن عباس في تفسير الآية في كل أثر منها مقال: =
وقال في الكشاف
(1)
: الزينة: ما تزيَّنتْ به المرأة من حليٍّ، أو كحلٍ، أو خضابٍ، فما كان ظاهرًا منها: كالخاتم والفتخة
(2)
والكحل والخضاب فلا بأس
= 1 - أخرج الطبري في "جامع البيان"(10/ ج 18/ 118):
عن ابن عباس: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال: الكحل والخاتم. إسناده ضعيف.
2 -
وأخرج الطبري في "جامع البيان"(10/ ج 18/ 118):
عن ابن عباس قال: الظاهر منها الكحل والخدَّان. إسناده ضعيف منقطع.
3 -
وأخرج الطبري في "جامع البيان"(10/ ج 18/ 118):
عن ابن عباس قوله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال: والزينة الظاهرة: الوجه وكحل العين، وخضاب الكف، والخاتم، فهذا تظهره في بيتها لمن دخل من الناس عليها. إسناده ضعيف؛ فعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس.
4 -
وأخرج الطبري في "جامع البيان"(10/ ج 18/ 119):
قال ابن عباس: قوله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال: الخاتم والمسكة. إسناده ضعيف؛ فابن جريج لم يسمع من ابن عباس.
• كما أورد ابن جرير الطبري جملة أسانيد عن سعيد بن جبير قوله، وهي ضعيفة أيضًا عن سعيد.
• وكذلك صحت جملة من الآثار عن التابعين أيضًا في أن المراد بقوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} : الثياب.
• وأخرج الطبري في "جامع البيان"(10/ ج 18/ 117):
عن عبد الله بن مسعود قال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . قال: الثياب. إسناده صحيح.
قال المحدث الألباني في "جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة"(ص 54) نقلًا عن أبي بكر الجصاص في أحكام القرآن (3/ 316): "وقول ابن مسعود في أن {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} هو الثياب؛ لا معنى له؛ لأنه معلوم أنه ذكر الزينة، والمراد العضو الذي عليه الزينة، ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقُلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها، فعلمنا أن المراد مواضع الزينة، كما قال في نسق الآية بعد هذا: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31]، والمراد موضع الزينة، فتأويلها على الثياب لا معنى له، إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها". اهـ.
• وانظر: "أضواء البيان" للشنقيطي (6/ 197).
(1)
(4/ 289 - 290).
(2)
قال في "النهاية"(2/ 340): "فتخة وهي خواتيم كبار تلبس في الأيدي، وربما وضعت في أصابع الأرجل، وقيل: هي خواتيم لا فصوص لها، وتجمع أيضًا على فتخات وفِتاخ".
بإبدائه للأجانب، وما خفي منها كالسوار والخلخال والدُّمْلُج
(1)
، والقلادة، والإكليل، والوشاح، والقُرْط
(2)
فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورينِ؛ وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتَّصَوُّن والتَستُر، لأنَّ هذه الرين واقعة على مواضع من الجسد لا يحلُّ النظر إليها لغير هؤلاء، وهي: الذراع، والساق، والعضد، والعنق، والرأس، والصدر، والأذن، فنهى عن إبداء الزِّين نفسها؛ ليُعلم أن النظر إليها إذا لم يحلّ لملابستها تلك المواقع، بدليل أن النظر إليها غير ملابسةٍ لها لا مقال في حلِّه، كأنّ النظر إلى المواقع أنفسها مُتمكنًا في الحظر ثابتَ القدم في الحرمة، شاهدًا على أن النساء حقُّهن أن يَحْتَطْنَ في سترها، ويتَّقين الله في الكشف [عنها]
(3)
، انتهى.
والحاصلُ: أن المرأةَ تُبدي من مواضع الزِّينة فا تدعو إليه الحاجة عند مزاولة الأشياء، والبيع، والشراء، والشهادة، فيكون ذلك مستثنى من عُموم النَّهي عن إبداء مواضع الزينة، وهذا على فَرْض عدم ورود تفسير مرفوع، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يدلّ على أن الوجه والكفين مما يستثنى.
قوله: (الحمو الموت) أي: الخوف منه أكثر من غيره كما أن الخوف من الموت أكثر من الخوف من غيره.
قال الترمذي
(4)
: يقال: هو أخو الزوج.
ورَوى مسلم
(5)
عن الليث أنه قال: الحمو: أخو الزوج وها أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه.
وقال النووي
(6)
: اتَّفق أهلُ اللغة: على أن الأحماء: أقاربُ زوج المرأة؛ كأبيه، وأخيه، وابن أخيه، وابن عمه، ونحوهم؛ وأنَّ الأختان: أقارب زوجة الرجل؛ وأن الأصهار تقع على النوعين. اهـ.
(1)
الدُّملج: دملج الشيء إذا سوَّاه وأحسن صنعته، والدُّملج، والدُّملوج: الحجر الأملسُ والمعضد من الحلى. النهاية (1/ 583).
(2)
القُرْط: حليةٌ تعلق في شحمة الأذن.
(3)
في المخطوط (ب): (عنهما).
(4)
في السنن (3/ 474).
(5)
في صححه رقم (21/ 2172).
(6)
في شرحه لصحيح مسلم (14/ 154).
[الباب الثامن] باب أن المرأةَ عورةٌ إلا الوجهَ والكفين وأنَّ عبدها كمحرمها في نظر ما يبدو منها غالبًا
31/ 2651 - (عَنْ خالِدٍ بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ عائشةَ أن أسماءَ بِنْت أبي بَكرٍ دَخَلَتْ على رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْها ثِيابٌ رِقاقٌ فأعْرَضَ عَنْها وَقالَ: "يا أسمَاءُ إنَّ المَرْأةَ إذَا بَلَغَتِ المَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ لَهَا أنْ يُرى مِنْها إلَّا هَذَا وَهَذَا"، وأشارَ إلي وَجْههِ وكَفَّيْهِ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(1)
وَقالَ: هَذَا مُرسَل، خالِد بن دَريْكٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عائِشَةَ)، [حسن لغيره]
32/ 2652 - (وَعَن أنَسٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أتى فاطمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وهَبَهُ لَهَا، قالَ: وعَلى فاطِمَة ثَوبٌ إذَا قَنَّعَتْ بِهِ رأسَها لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْها، وَإذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْها، لَمْ يَبْلُغْ رأسَها؛ فَلَمِّا رأى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ما تَلْقَى، قالَ:"إنَّهُ لَيْس عَلَيْكِ بأس، إنَّمَا هَوَ أبُوكِ وَكُلامُكِ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(2)
. [صحيح]
(1)
في سننه رقم (4104) قال أبو داود: هذا مرسل، خالد بن دريك لم يدرك عائشة.
قال الألباني في "جلباب المرأة المسلمة"(ص 58): وسعيد بن بشير ضعيف كما في "التقريب رقم (2276).
لكن الحديث قد جاء من طرق أخرى يتقوى بها:
1 -
أخرج أبو داود رقم (437) في مراسيله بسند صحيح عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يُرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل".
قلت: وهو مرسل صحيح يتقوى بما بعده، وليس فيه ابن دريك ولا ابن بشير.
2 -
أخرج الطبراني في "الكبير"(ج 24 رقم 378) والأوسط (2/ 230 رقم 8959) والبيهيقي (2/ 226) من طريق ابن لهيعة عن عياض بن عبد الله أنه سمع إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الأنصاري يخبر عن أبيه أظنه عن أسماء ابنة عميس.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره والله أعلم.
(2)
في سننه رقم (4106) وعنه البيهقي (7/ 95) من طريق أبي جميع سالم بن دينار عن ثابت عن أنس به.
وهو حديث صحيح. وانظر: "الإرواء" رقم (1799).
وَيُعَضّدُ ذلك قَوْلُهُ: "إذَا كانَ لإحْدَاكن مُكاتَبٌ وكانَ عِنْدَهُ ما يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مَنْهُ")
(1)
. [ضعيف]
حديث عائشة: في إسناده سعيد بن بشير أو عبد الرحمن البصري، نزيل دمشق، مولى بني نصر، وقد تكلم فيه غير واحد
(2)
.
وذكر الحافظ أبو أحمد الجرجاني هذا الحديث، وقال: لا أعلم رواه عن قتادة غير سعيد بن بشير، وقال مرّة فيه: عن خالد بن دريك عن أمّ سلمة بدل عائشة.
وحديث أنس أخرجه أيضًا البيهقي
(3)
وابن مردويه
(4)
، وفي إسناده أبو جميع
(1)
وهو حديث ضعيف.
أخرجه أحمد (6/ 289، 308، 311) وأبو داود رقم (3928) والترمذي رقم (1261) وابن ماجه رقم (2520) والحاكم (2/ 219) والبيهقي (10/ 327) من طريق الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها، به.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: (صحيح الإسناد). ووافقه الذهبي.
قال الألباني في الإرواء (6/ 183) معقبًا على الحاكم والذهبي: "كذا قالا، ونبهان هذا، أورده الذهبي في "ذيل الضعفاء" وقال: "قال ابن حزم: مجهول".
قلت: وقد أشار البيهقي إلى جهالته عقب الحديث، وذكر عن الإمام الشافعي أنه قال:"لم أر من رضيت من أهل العلم يثبت هذا الحديث".
قلت: ومما يدل على ضعف هذا الحديث عمل أمهات المؤمنين على خلافه وهن اللاتي خوطبن به فيما زعم راويه!
…
". اهـ.
(2)
قال الحافظ في "التقريب" رقم (2276): سعيد بن بشير الأزدي مولاهم أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة، الشامي، أصله من البصرة، أو واسط:"ضعيف"
…
وقال المحرران: بل: ضعيف يعتبر به، نعم ضعَّفه كثيرون، لكن وثَّقه شعبة ودُحيم. وقال البزار: صالح، ليس به بأس، حسن الحديث. وقال أبو حاتم وأبو زرعة: محلُّه الصدق عندنا. قال ابن أبي حاتم: قلت لهما: يحتج بحديثه؟ قالا: يحتجُّ بحديث ابن أبي عروبة والدستوائي، هذا شيخ يكتب حديثه. قال: وسمعت أبي ينكر على من أدخله في كتاب الضعفاء، وقال: يُحول منه. وقال البخاري: يتكلمون في حفظه وهو يحتمل. فهذه النقول كلُّها تدلُّ على أنه يَصْلُح للمتابعات والشواهد". اهـ.
(3)
في السنن الكبرى (7/ 95) وقد تقدم.
(4)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(5/ 43 - دار المعرفة).
سالم بن دينار الهُجَيميُّ البصري
(1)
. قال ابن معينٍ: ثقةٌ. وقال أبو زرعة الرازيُّ: بصريٌّ ليِّن الحديث.
والحديث الذي أشار إليه المصنف، وجعله عاضدًا لحديث أنس، قد تقدم في باب المكاتب من كتاب العتق
(2)
.
قوله: (دُرَيك) بضم الدال مصغرًا وهو ثقة: وقيل بفتح الدال والضم أكثر.
قوله: (لم يَصْلُح) بفتح الياء وضم اللام.
قوله: (إلا هذا وهذا)، فيه دليلٌ لمن قال: إنه يجوز نظر الأجنبية.
قال ابن رسلان: وهذا عند أمْنَ الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو ما دونه.
أما عند خوف الفتنة فظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة، ويدلُّ على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق.
وحكى القاضي عياض
(3)
عن العلماء أنه لا يلزمها ستر وجهها في طريقها وعلى الرجال غضّ البصر للآية، وقد تقدم الخلاف في أصل المسألة.
قوله: (إذا قنَّعت) بفتح النون المشدّدة: سترت وغطَّت.
قوله: (إنما هو أبوك وغلامك)، فيه دليل على أنه يجوزُ للعبد النظر إلى سيدته، وأنه من محارمها يخلو بها ويسافر معها، وينظر منها ما ينظر إليه محرمها، وإلى ذلك ذهبت عائشة، وسعيد بن المسيّب، والشافعي في أحد قوليه وأصحابه، وهو قول أكثر السلف
(4)
.
وذهب الجمهور (4) إلى أن المملوك كالأجنبي بدليل صحة تزوّجها إياه بعد
(1)
سالم بن دينار، أو ابن راشد، أبو جُمَيْع القَزَّاز، البصري: مقبول
…
التقريب رقم (2172).
وقال المحرران: بل: صدوق حسن الحديث، فقد وثقه يحيى بن معين، وقال أبو داود: شيخ، وقال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال أبو زرعة: لين الحديث.
(2)
عند الحديث رقم (2609).
(3)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 37).
(4)
انظر: المغني (9/ 495) والمهذب (4/ 116) وروضة الطالبين (7/ 23) والبيان للعمراني (9/ 130 - 131).
العتق، وحمل الشيخ أبو حامد هذا الحديث على أن العبد كان صغيرًا لإطلاق لفظ الغلام ولأنها واقعة حال.
واحتجّ أهل القول الأوّل أيضًا بحديث الاحتجاب من المكاتب
(1)
الذي أشار إليه المصنف، وبقوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
(2)
، وقد تقدم ما أجاب به سعيد بنُ المسيّب من أن الآية خاصة بالإماء كما رواه عنه ابن أبي شيبة
(3)
.
[الباب التاسع] باب في غير أُولي الإربة
33/ 2653 - (عَنْ أمّ سَلَمَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ عنْدَها وفي البَيت مُخَنَّث، فَقالَ لعَبْد الله بْن أبي أميَّةَ أخي أم سَلَمةَ: يا عَبْدَ الله إن فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ في الطَّائفِ فإني أدلُّكَ على ابْنَة غَيْلانَ فإنَّها تُقْبِل بأرْبَع وَتُدْبر بثَمان، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلَنَّ هَؤُلاء عَلَيْكُمْ"، مُتّفَق عَلَيْه)
(4)
. [صحيح]
34/ 2654 - (وَعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ يَدْخُل على أزوَاج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مخَنّثٌ، قالَتْ: وكانُوا يَعُدُّونَه مِنْ غيْر أولي الإرْبَة، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَهُوَ عَنْدَ بَعْض نِسَائه وَهُوَ يَنْعَتُ امْرأةً، قالَ: إذَا أقْبَلَتْ أَقْبَلتْ بأرْبَع، وَإِذَا أدْبَرَتْ أدْبَرَتْ بَثَمَانٍ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أرَى هَذَا يَعْرفُ ما هَاهُنا لا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ هَذَا"، فَحَجَبُوهُ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
ومُسْلمٌ
(6)
وأبو داوُدَ
(7)
. [صحيح]
وزَادَ في روَايَة لَهُ
(8)
: وأخرجَهُ وكانَ بالبَيْدَاء يَدْخُلُ كلَّ جُمْعَةٍ يَسْتَطْعمُ). [صحيح]
(1)
تقدم برقم (2652) من كتابنا هذا.
(2)
سورة النور، الآية:(31).
(3)
عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(5/ 43 - دار المعرفة).
(4)
أحمد في المسند (6/ 290) والبخاري، رقم (4324) ومسلم رقم (32/ 2180).
(5)
في المسند (6/ 152).
(6)
في صحيحه رقم (33/ 2181).
(7)
في سننه رقم (4107).
وهو حديث صحيح.
(8)
أي: أبو داود في سننه رقم (4109) وهو حديث صحيح.
وَعَنْ الأوزاعِيِّ في هَذِهِ القصَّة: فَقِيلَ: يا رَسول الله إنَّه إذن يَمُوت مِنَ الجُوع؟ فأذن له أنْ يَدخُلْ في كل جمْعَةٍ مَرَّتَيْن فَيَسأل ثم يَرْجِعَ، رَوَاه أبُو دَاودَ
(1)
. [صحيح]
قوله: (مخنَّثٌ) بفتح النون وكسرها والفتح المشهور
(2)
: وهو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته ويتثنى فيها كالنساء، وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعًا من الفسقة، ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء، ولذلك كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يعددن هذا المخنث من غير أولي الأربة، وكنَّ لا يحجبنه إلى أن ظهر منه ما ظهر من هذا الكلام.
واختلف في اسمه، فقال القاضي
(3)
: الأشهر أن اسمه هيت بكسر الهاء ثم تحتية ساكنة ثم فوقيه.
وقيل: صوابه هِنْبُ بالنون والباء الموحدة، قاله ابن درستويه
(4)
، وقال: إن ما سواه تصحيف وإنه الأحمق المعروف.
وقيل: اسمه ماتع بالمثناة فوق: مولى فاختة المخزومية بنت عمرو بن عائذ.
قوله: (تقبل بأربع وتدبر بثمانٍ)، المراد بالأربع هي العكن
(5)
جمع عكنة، وهي الطيّة التي تكون في البطن من كثرة السمن، يقال: تعكّن البطنُ: إذا صار ذلك فيه، ولكل عكنة طرفان، فإذا رآهنّ الرائي من جهه البطن وجدهن أربعًا وإذا رآهن من جهة الظهر وجدهن ثمانيًا.
(1)
في سننه رقم (4110) وهو حديث صحيح.
(2)
القاموس المحيط (ص 216) ومشارق الأنوار (1/ 241)
والمفهم (5/ 512) وحاشية الوسيط (5/ 32 - 33).
(3)
انظر: "الفتح"(8/ 44) و (9/ 334).
(4)
هو عبد الله بن جعفر بن محمد بن درستويه، من علماء اللغة، من تصانيفه:"تصحيح الفصيح" و "الكتاب" توفي سنة (347 هـ).
"بغية الوعاة" للسيوطي (2/ 36 رقم 1369).
(5)
القاموس المحيط (ص 1569).
وقال ابن خبيب
(1)
عن مالك: معناه أن أعكانها ينعطف بعضها على بعض، وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطرافها إلى خاصرتها، في كل جانب أربع.
قال الحافظ
(2)
: وتفسير مالك المذكور تبعه فيه الجمهور.
وحاصله أنَّه وصفها بأنَّها مملوءةُ البدن بحيث يكون لبطنها عُكَن، وذلك لا يكون إلا للسَّمينة من النساء، وجرت عادةُ الرجال في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة.
وقيل: الأربع هي الشُّعبُ التي هي: اليدان والرجلان، والثَّمانِ: الكتفانِ والمتنتانِ والأليتانِ والسَّاقانِ، ولا يخفي ضعفُ ذلك لأن كلَّ امرأةٍ فيها ما ذُكر فلا وجه لجعله من صفات المدح المقصودة في المقام.
قوله: (هؤلاء) إشارة إلى جميع المخنثين.
وروى البيهقي
(3)
أنه كان المخنثون على عهد رسول لله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: ماتعٌ، وهدمٌ، وهيتٌ.
قوله: (من غير أولي الاربة) الإِرْبَة والإِرْب: الحاجة والشهوة
(4)
.
قيل: ويُحتمل أنهم التابعون الذين يتبعون الرَّجل ليصيبوا من طعامه ولا حاجة لهم إلى النساء لكبر أو تخنيث أو عنَّة.
قوله: (أرى هذا
…
إلخ) بفتح الهمزة والراء.
قال القرطبي
(5)
: هذا يدلّ على أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئًا من أحوال النساء ولا يخطر له ببال، ويشبه أن التخنيث كان فيه خلقة وطبيعة ولم يعرف منه إلا ذلك، ولهذا كانوا يعدّونه من غير أولي الإربة.
قوله: (وأخرجه)، لفظ البخاري
(6)
: "أخرجوهم من بيوتكم، قال: فأخرج فلانًا فلانًا".
ورواه البيهقي
(7)
، وزاد:"وأخرج عمر مخنثًا".
(1)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 335).
(2)
في "الفتح"(9/ 335).
(3)
في السنن الكبرى (8/ 224).
(4)
النهاية (1/ 49 - المعرفة).
(5)
في "المفهم"(5/ 515).
(6)
في صحيحه رقم (5886).
(7)
في السنن الكبرى (8/ 224).
وفي رواية
(1)
: "وأخرج أبو بكر آخر".
قال العلماء: إخراج المخنث ونفيه كان لثلاثة معانٍ:
(أحدها): أنه كان يظنّ أنه من غير أولي الإربة ثم لما وقع منه ذلك الكلام زال الظنّ.
(والثاني): وصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال، وقد نهي أن يصف المرأة زوجها، فكيف إذا وصفها غيره من الرجال لسائرهم؟
(الثالث): أنه ظهر له منه أنه كان يطلع من النساء وأجسامهن وعوراتهن على ما لا يطلع عليه كثير من النساء.
قوله: (فيسأل ثم يرجع)، أي يسأل الناس شيئًا ثم يرجع إلى البادية. والبيداء
(2)
بالمدّ: القفر، وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها؛ أي تكاد تهلكه.
وفي ذلك دليل على جواز العقوبة بالإخراج من الوطن لما يخاف من الفساد والفسق، وجواز الإذن بالدخول في بعض الأوقات للحاجة.
[الباب العاشر] باب في نظر المرأة إلى الرجل
35/ 2655 - (عَنْ أمّ سَلَمَةَ قالَتْ: كُنْت عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَيْمُونَة، فأَقْبَلَ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرَ بِالحِجَابِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:"احْتَجِبا مِنْه"، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لا يُبْصِرنا وَلَا يَعْرِفُنا؟ فَقالَ: "أفَعَمْيَاوَانِ أنْتُما، ألَسْتُما تُبْصِرَانِهِ؟ "، رَوَاهُ أَحْمَد
(3)
وأبُو دَاوُدَ
(4)
وَالتِّرْمِذِيَّ وَصَحَّحَهُ)
(5)
. [ضعيف]
(1)
في السنن الكبرى (8/ 224).
(2)
القاموس المحيط (ص 344).
(3)
في المسند (6/ 296).
(4)
في سننه رقم (4112).
(5)
في سننه رقم (2778) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (289) وأبو يعلى رقم (6922) =
36/ 2656 - (وَعَنْ عَائشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُني بِرِدَائِهِ وَأنا أنْظُرُ إلى الحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حتى أكُونَ أنا [الّتِي]
(1)
أسأمُه، فاقْدُروا قَدْرَ الجارِيَةِ الحديثَة السِّن الحَرِيصَة عَلى اللهْوِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
. [صحيح]
ولأحمْدَ
(3)
: أنَّ الحَبَشَة كَانُوا يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ عِيد، قالت: فَاطَّلَعْت مِنْ فَوق عاتِقِهِ فَطأطأ لي مَنْكبَيْهِ، فَجَعَلْتُ أنْظُر إِلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عاتِقِهِ حَتَّى شَبِعْت ثمَّ انْصَرَفت). [صحيح]
حديث أمّ سلمة أخرجه أيضًا النسائي
(4)
وابن حبان
(5)
وفي إسناده نبهان
(6)
مولى أم سلمة شيخ الزهري وقد وثق.
= وابن حبان رقم (5575) والطبراني في المعجم الكبير (ج 23 رقم 678) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 91 - 92) والخطيب في تاريخه (3/ 17)، من طرق.
إسناده ضعيف؛ نبهان - وهو مولى أم سلمة ومكاتبها - لم يذكروا في الرواة عنه سوى الزهرى، ومحمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة.
قال الدارقطني في رواية محمد بن عبد الرحمن: غير محفوظ. وقال ابن حزم في "المحلى"(3/ 11): "لا يوثق".
وقال الإمام أحمد في المغني (9/ 507): نبهان روى حديثين عجيبين:
(الأول): حديث أم سلمة ولفظه: "إذا كان لإحداكن مكاتبٌ، فكانَ عندَهُ ما يؤدِّي، فلتحجِبْ منه".
(والثاني): هذا الحديث.
ثم إن متن هذا الحديث معارض بأحاديث صحيحة: منها الحديث الآتي برقم (36/ 2656) من كتابنا هذا. والحديث المتقدم برقم (17/ 2637) من كتابنا هذا.
وخلاصة القول: أن حديث أم سلمة حديث ضعيف، والله أعلم.
(1)
في المخطوط (ب): "الذي".
(2)
أخرجه أحممد في المسند (6/ 270) والبخارى رقم (454) ومسلم رقم (18/ 892).
(3)
في المسند (6/ 56 - 57) بسند صحيح على شرط الشيخين.
(4)
في السنن الكبرى (رقم 9241 - العلمية).
(5)
في صحيحه رقم (5575) وقد تقدم.
(6)
قال البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(7/ 546 - العلمية): "حديث نبهان قد ذكر فيه معمر سماع الزهري من نبهان، إلا أن صاحبي الصحيح لم يخرجاه، إما لأنهما لم يجدا ثقة يروي منه غير الزهري فهو عندهما لا يرتفع عنه اسم الجهالة برواية واحد عنه، أو لأنه لم يثبت عندهما من عدالته ومعرفته ما يوجب قبول خبره". اهـ
وفي الباب عن عائشة عند مالك في الموطأ
(1)
: "أنها احتجبت من أعمى، فقيل لها: إنه لا ينظر إليك، قالت: لكني أنظر إليه".
وقد استدلّ بحديث أمّ سلمة هذا من قال: إنه يحرم على المرأة نظر الرجل كما يحرم على الرجل نظر المرأة، وهو أحد قولي الشافعي
(2)
وأحمد
(3)
والهادوية
(4)
. قال النووي
(5)
: وهو الأصحّ [للحديث]
(6)
، ولقوله تعالى:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}
(7)
، ولأن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهنّ النظر إلى النوع الآخر قياسًا على الرجال.
ويحققه أن المعنى المحرّم للنظر هو خوف الفتنة، وهذا في المرأة أبلغ فإنها أشدّ شهوة وأقلّ عقلًا، فتسارع إليها الفتنة أكثر من الرجل.
واحتجّ من قال بالجواز فيما عدا ما بين سرّته وركبته بحديث عائشة
(8)
المذكور في الباب.
ويجاب عنه بأنها كانت يومئذٍ غير مكلفة على ما تقضي به العبارة المذكورة في الباب، ويؤيد هذا احتجابها من الأعمى كما تقدم.
وقد جزم النووي
(9)
بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان ذلك قبل الحجاب.
(1)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 309).
(2)
البيان للعمراني (9/ 126).
(3)
المغني (9/ 506) فقد قال: "فصل: فأما نظرُ المرأة إلى الرجل، ففيه روايتان:
(إحداهما): لها النظر إلى ما ليس بعورة.
(والأخرى): لا يجوز لها النظر من الرجل إلّا إلى مِثلِ ما ينظرُ إليه منها. اختاره أبو بكر، وهذا أحدُ قولي الشافعي - للحديث المتقدم برقم (35/ 2655) من كتابنا هذا - ولأن الله تعالى أمر النساءَ بغضِّ أبصارهنَّ، كما أمر الرجالَ به، .. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس:"اعتدي في بيت ابن أمِّ مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابكِ فلا يراكِ" متفق عليه. ولحديث عائشة المتقدم برقم (36/ 2656) من كتابنا هذا. ويوم فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خُطبة العيد، مضى إلى النساء فذكَّرهُنَّ ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة؛ ولأنهن لو منعن النظر، لوجبَ على الرجال الحجاب، كما وجب على النساء، لئلا ينظرن إليهم
…
". اهـ.
(4)
البحر الزخار (4/ 379).
(5)
روضة الطالبين (7/ 25).
(6)
زيادة من المخطوط (ب).
(7)
سورة النور، الآية:(31).
(8)
تقدم برقم (36/ 2656) من كتابنا هذا.
(9)
في شرحه لصحيح مسلم (6/ 184).
وتعقبه الحافظ
(1)
بأن في بعض طرق الحديث أن ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وأن قدومهم كان سنة سبع. ولعائشة يومئذٍ ستّ عشرة سنة.
واحتجوا أيضًا بحديث فاطمة بنت قيس المتفق عليه
(2)
: "أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتدّ في بيت ابن أمّ مكتوم وقال: إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده".
ويجاب بأنه يمكن ذلك مع غضّ البصر منها ولا ملازمة بين الاجتماع في البيت والنظر.
واحتجوا أيضًا بالحديث الصحيح في مضيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النساء في يوم العيد عند الخطبة فذكرهنّ ومعه بلال فأمرهنّ بالصدقة، وقد تقدم
(3)
.
ويجاب أيضًا بأن ذلك لا يستلزم النظر منهن إليهما لإمكان سماع الموعظة ودفع الصدقة مع غضّ البصر.
وقد جمع أبو داود
(4)
بين الأحاديث فجعل حديث أمّ سلمة
(5)
مختصًا بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث فاطمة (2) وما في معناه لجميع النساء.
قال الحافظ في التلخيص
(6)
: قلت: وهذا جمع حسن وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا، انتهى.
وجمع في الفتح
(7)
بأن الأمر بالاحتجاب من ابن أمّ مكتوم لعله لكون الأعمى مظنة أن ينكشف منه شيء ولا يشعر به فلا يستلزم عدم جواز النظر مطلقًا.
قال: ويؤيد الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء، فَدَلَّ على مغايرة الحكم بين الطائفتين، وبهذا احتجّ الغزالي
(8)
.
(1)
في "الفتح"(1/ 550).
(2)
أحمد (6/ 412) والبخاري رقم (5321، 5322) ومسلم رقم (36/ 1480).
(3)
تقدم برقم (2498) من كتابنا هذا.
(4)
في سننه رقم (4/ 362).
(5)
تقدم برقم (35/ 2655) من كتابنا هذا.
(6)
(3/ 309).
(7)
(9/ 337).
(8)
في الوسيط (5/ 37).
قوله: (يلعبون في المسجد) فيه دليل على جواز ذلك في المسجد.
وحكى ابن التين
(1)
عن أبي الحسن اللَّخْمِيِّ أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخٌ بالقرآن والسنة.
أما القرآن فقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}
(2)
.
وأما السنة فحديث: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم"
(3)
، وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادّعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ.
وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد، وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرّح به في طرق هذا الحديث، كذا في الفتح
(4)
.
وفي الحديث أيضًا جوازُ النظر إلى اللهو المباح، وفيه حُسْنُ خُلُقِه مع أهله، وكَرَمُ معاشرته.
قوله: (حتى شبعت)، فيه استعارة الشبع لقضاء الوطر من النظر.
[الباب الحادي عشر] باب لا نكاح إلا بولي
37/ 2657 - (عَنْ أبي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا نِكاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ")
(5)
. [صحيح بشواهده]
(1)
ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 549).
(2)
سورة النور، الآية:(36).
(3)
وهو حديث ضعيف.
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 20 رقم 369).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 26) وقال: رواه الطبراني في الكبير ومكحول لم يسمع من معاذ.
وأخرجه عبد الرزاق في المنصف رقم (1726) عن عبد ربه بن عبد الله، عن مكحول ليس بينهما يحيى بن العلاء.
(4)
(1/ 549).
(5)
أخرجه أحمد في المسند (4/ 394، 413) وأبو داود رقم (2085) والترمذي رقم (1101) وابن ماجه رقم (1881). =
38/ 2658 - (وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ [أن]
(1)
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أيُّمَا امْرَأةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَليّها فَنِكَاحُها بَاطِلٌ، فَنِكَاحُها باطِلٌ، فَنِكَاحُها بَاطِلٌ، فَإنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَان وَلِيُ مَنْ لَا وَلِيَ لَهُ"، رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ إِلا النَّسائيَّ
(2)
. [صحيح]
وَرَوَى الثاني أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ
(3)
وَلَفْظُهُ: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَليٍّ، وَأيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيَّها فَنِكَاحُها بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ. فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فالسُّلْطَانُ وَلِيُ مَنْ لا وَلِيَ لَهُ"). [صحيح لغيره]
39/ 2659 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُزَوِّجِ المَرأةُ المَرأةَ، وَلَا تُزَوّجِ المرأةُ نَفْسَهَا، فَإنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تزوِّجُ نَفْسَها"، رَوَاهُ ابْنُ
= وقال الترمذي: وفيه اختلاف.
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1243 - موارد) والحاكم (2/ 170) والدارمي (2/ 137) وابن الجارود رقم (701) و (704) وأبو يعلى رقم (7/ 7227) والبيهقي (7/ 107) بسند صحيح، وقد اختلف في وصله وإرساله. والراجح الوصل كما قال البخاري والترمذي وغيرهما.
وقال الألباني في "الإرواء"(6/ 235 رقم 1839): صحيح بمجموع شواهده.
(1)
في المخطوط (ب): (عن).
(2)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 166) وأبو داود رقم (2083) والترمذي رقم (1102) وابن ماجه رقم (1879).
قال الترمذي: حديث حسن.
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1247 - موارد) والحاكم في المستدرك (2/ 168) وابن الجارود رقم (700) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 7) والدارقطني (3/ 221 رقم 10) والبيهقي (7/ 105) وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 88) والدارمي (2/ 137) وعبد الرزاق (6/ 195 رقم 10472) وابن أبي شيبة (4/ 128) والحميدي رقم (228) والبغوي في شرح السنة (9/ 439) وغيرهم.
وله شواهد من حديث جماعة من الصحابة، وهو حديث صحيح.
وقد صححه المحدث الألباني في الإرواء (6/ 243 رقم 1840)
وقد بسط الكلام عليه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 105 - 107).
والحافظ في "التلخيص"(3/ 324 - 325).
(3)
في مسنده (رقم 1463) بسند حسن.
مَاجَهْ
(1)
وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(2)
. [صحيح دون الجملة الأخيرة]
وَعَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: جَمَعَتِ الطّرِيقُ رَكْبًا، فَجَعَلَتِ امْرأةٌ مِنْهنَّ ثَيِّبْ أمْرَها بِيَدِ رَجُلٍ غَيْرِ وَليٍّ فأنْكَحَها، فَبَلَغَ ذلكَ عُمَرَ، فَجَلَدَ النّاكِحَ وَالْمُنْكَحَ وَرَدَّ نِكَاحَها، رَوَاه الشّافِعِيُّ
(3)
وَالدَّارْقُطْنِيُّ
(4)
. [موقوف بسند منقطع]
وَعَنِ الشّعْبِي قَالَ: مَا كان أحَد مِنْ أصحَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أشَدَّ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلي مِنْ عَلِيّ، كانَ يَضْرِب فيه. رَوَاهُ الدَّارَقطْنِي)
(5)
. [موقوف بسند حسن]
حديث أبي موسى: أخرجه أيضًا ابن حبّان
(6)
، والحاكم
(7)
وصحّحاه، وذكر له الحاكم طرقًا.
قال
(8)
: وقد صحَّت الروايةُ فيه عن أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم عائشة، وأمّ سلمة، وزينب بنت جحش، ثم سَرَد تمام ثلاثين صحابيًا
(9)
، وقد جَمَعَ طرقه
(1)
في سننه (رقم 1882).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 84): هذا إسناد مختلف فيه.
(2)
في سننه (3/ 227 رقم 25، 27).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 110).
وهو حديث صحيح دون قوله: "فإن الزانية هي التي تزوج نفسها".
الإرواء (6/ 248 - 249 رقم 1841).
(3)
في المسند (ج 2 رقم 39 - ترتيب).
(4)
في سننه (3/ 225 رقم 20).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 111) وهو موقوف، بسند منقطع لأن عكرمة لم يدرك ذلك.
(5)
في سننه (3/ 229 رقم 33).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 111).
(6)
في صحيحه رقم (1243 - موارد) وقد تقدم.
(7)
في المستدرك (2/ 170) وقد تقدم.
(8)
أي الحاكم في المستدرك (2/ 172).
(9)
قال الشيخ مفلح بن سليمان بن فلاح الرشيدي في كتابه "التحقيق الجلي" لحديث: "لا نكاح إلا بولي"(ص 10 - 12): "قوله: (ثم سرد تمام ثلاثين صحابيًا) تحريف لا شك فيه، يدركه من رجع إلى المستدرك - (2/ 172) - لأن الحاكم لم يزد - فيما ذكره في الباب - على ثلاثة عشر صحابيًا، وليس من المحتمل أن يقع الحافظ ابن حجر - في التلخيص (3/ 323) - في مثل هذا الوهم الكبير - وإن كانت العصمة لله وحده - ولكنه =
الدمياطي
(1)
من المتأخرين.
وقد اختلف في وصله وإرساله، فرواهُ شعبةُ، والثوريُّ عن أبي إسحاق مرسلًا
(2)
، ورواهُ إسرائيلُ عنه فأسنده
(3)
، وأبو إسحاق مشهورٌ بالتدليس، وأسند
= من كبار علماء هذا الشأن وحفاظه، فهو أعلم بما في المستدرك من مستدرك عليه، ثم إن الفرق كبير بين ثلاثين وثلاثة عشر حتى يقال: إن هذا وهم أو زيادة في بعض نسخ المستدرك، أو نقص في بعضها أو غير ذلك من الاحتمالات الأخرى.
غير أن هذه الاحتمالات كلها بعيدة، فلا مناص من القول: إنَّ هذا تحريف وقع قديمًا في نسخ "التلخيص" المخطوطة من الناسخين فطبع كذلك تبعًا لأصله، ولم ينبه عليه أحد - فيما علمت -.
بل نقله جماعة من العلماء في تصانيفهم حيث نقلوا عن "التلخيص" تخريج هذا الحديث: (منهم): الشوكاني في "نيل الأوطار"، والصنعاني في "سبل السلام" - (6/ 27 بتحقيقي) - وشمس الحق في "التعليق المغني على سنن الدارقطني" - (3/ 220) - والسيد عبد الله هاشم اليماني في تعليقه على "سنن الدارمي" - (2/ 61) - وفي تعليقه على "المنتقى" لابن الجارود - (ص 235) - والبنَّا في "الفتح الرباني" - (16/ 155) - والكتاني في "نظم المتناثر" - (ص 97) - .. ". اهـ.
قلت: وقد رجح الشيخ مفلح بن سليمان الرشيدي بأن الخطأ من النقل عن المستدرك، كما رجح أن يكون ذلك من بعض نساخ "التلخيص الحبير" لا من الحافظ ابن حجر.
وأن الذين نقلوا ما في "التلخيص" قلدوا بذلك لثقتهم بالحافظ رحمه الله.
ويدل على صحة ما في المستدرك الموجود الآن، ما نقله الزيلعي عنه في "نصب الراية"(3/ 184) والله أعلم.
(1)
كما حكاه عنه الكتاني في "نظم المتناثر"(ص 97).
(2)
كما عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 9) وهي الرواية الراجحة عن سفيان وشعبة، فالأصح عن سفيان وشعبة أنهما روياه عن أبي إسحاق عن أبي بردة مرسلًا بدون ذكر أبي موسى.
(3)
وممن رووه عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلًا:
- إسرائيل: كما عند أبي داود رقم (2085) والترمذي رقم (1101) وغيرهم.
- وشريك: كما عند الترمذي رقم (1101) والبيهقي (7/ 107) والدارمي (2/ 137) وغيرهم.
- ويونس: كما عند أحمد (4/ 394) والحاكم (2/ 171) وغيرهم.
- وزهير بن معاوية: كما عند ابن حبان رقم (1244 - موارد) والحاكم (2/ 171) وغيرهم.
- وسفيان الثوري: كما في رواية عنه عند الطحاوي في شرح معاني الآثار.
- وشعبة: كما في رواية عنه عند الخطيب في تاريخ بغداد (2/ 214). =
الحاكم من طريق عليٍّ بن المدينيِّ ومن طريق البخاريِّ والذهليِّ وغيرهم: أنَّهم صحَّحوا حديث إسرائيل
(1)
.
وحديث عائشة: أخرجه أيضًا أبو عوانة
(2)
، وابن حبان
(3)
، والحاكم
(4)
، وحسَّنه الترمذي
(5)
.
وقد أُعلَّ بالإرسال وتكلَّم فيه بعضُهم من جهة ابن جريج، قال: ثم لقيتُ الزُّهري فسألته عنه فأنكره
(6)
.
= قلت: والظاهر أن الحديث روي على وجهين مرة متصلًا، ومرة مرسلًا.
والراجح: (رواية الوصل) كما قال البخاري والترمذي وغيرهما.
ولأن الذين ذكروه موصولًا أكثر عددًا. وكذلك أن إسرائيل أثبت الناس في أبي إسحاق السبيعي. والله أعلم.
(1)
وخلاصة القول: أن حديث أبي موسى، حديث صحيح متصل لا يقدح في صحة إرساله أمور سبعة ذكرها الشيخ مفلح بن سليمان في كتابه "التحقيق الجلي لحديث لا نكاح إلا بولي"(ص 49 - 51) فانظرها فهي مفيدة.
(2)
في مسنده (3/ 18 رقم 4037).
(3)
في صحيحه رقم (1247 - موارد) وقد تقدم.
(4)
في المستدرك (2/ 168) وقد تقدم.
(5)
في السنن بإثر الحديث رقم (1102).
(6)
لفظ (فأنكره) غير محفوظ، وإنما المحفوظ (فلم يعرفه).
فقد نقل الترمذي في السنن (3/ 410) في أثناء كلامه على هذا الحديث قول ابن جريج هذا، فقال:"قال ابن جريج: ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره، فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا". اهـ.
ولقد روى هذا القول عن ابن علية، عن ابن جريج، الإمام أحمد في المسند (6/ 47) وابن معين عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 8)، وأبو عبيد عند الخطابي في "معالم السنن"(3/ 197 - 198) وزياد بن أيوب عن الخطيب في الكفاية (ص 542)، وإبراهيم بن موسى عند البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 38).
فلم يقل واحد منهم (
…
فأنكره) وإنما قالوا: (
…
فلم يعرفه).
• والجواب عن هذه العلة هو:
1 -
لم يذكر هذا القول عن ابن جريج غير ابن علية وحده، وفي سماعه منه ضعف كما قال ابن معين، وقال أحمد: إن ابن جريج له كتب مدونة وليس هذا في كتبه.
2 -
لقد رواه عن ابن جريج ما يزيد على عشرين رجلًا، فلم يذكر أحد منهم هذا القول، وكلهم ثقات، وفيهم من هو أثبت في حديث ابن جريج من غيره كحجاج بن محمد، وعبد الرزاق، ويحيى بن سعيد الأنصاري. =
وقد عدَّ أبو القاسم بن منده عدَّة مَنْ رواهُ عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلًا
(1)
، وذكر أن معمرًا، وعبيد الله بن زَحر تابعا ابنَ جريج على روايته إيَّاه عن
= 3 - على تقدير صحة هذا القول عن ابن جريج، فالجواب: أن الزهري قد نسي هذا الحديث بعد أن حدث به، ولذلك لم يجزم بإنكاره له، وإنما قال: لست أعرفه، أو لست أحفظه أو نحو هذا.
وهذا بخلاف ما إذا قال: ما رويت لك هذا، وما حدثتك به، وما أشبه ذلك، فإنه حينئذٍ يكون جازمًا بنفيه وإنكاره. وسيأتي تفصيل القول في هذه المسألة فيما بعد، والذي يستخلص من أقوال المحدثين والفقهاء: أن هذه العلة غير فادحة في صحة الحديث، وأن العمل به واجب (الكفاية ص 541 - 546)
4 -
لقد صرح سليمان بن موسى بسماعه من الزهري، كما صرح ابن جريج بسماعه من سليمان. فيجب القول - وهذا الحال - أن الفرع جازم بروايته وأن الأصل غير جازم بنفيه.
5 -
لم يتفرد به سليمان بن موسى عن الزهري، فقد تابعه حجاج بن أرطأة، وجعفر بن ربيعة كما سيأتي ذكره، على أن المتابعتين فيهما مقال. ولكن لا شك أنه يرتفع بهما الوهم عن سليمان بن موسى ويثبت بهما حديثه عن الزهري لا سيما متابعة جعفر.
["التحقيق الجلي لحديث لا نكاح إلا بولي" للشيخ مفلح بن سليمان (ص 67، 74 - 75)].
• قلت: لقد توبع سليمان بن موسى في روايته لهذا الحديث عن الزهري. فقد تابعه جعفر بن ربيعة عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعًا كما عند أبي داود رقم (2084) وأحمد (6/ 66) والبيهقي (7/ 106) وغيرهم.
لكن في هذه المتابعة شيئان:
أولهما: أنهما من طريق ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن الزهري، وابن لهيعة متكلم فيه، وفي رواية جعفر عن الزهري كلام، فقد قال أبو داود: جعفر لم يسمع من الزهري كتب إليه.
• وثمَّ متابعة أخرى لسليمان بن موسى، فقد تابعه حجاج بن أرطأة كما عند أبي يعلى في مسنده رقم (550/ 4906) وعند ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 130).
• وقد توبع الزهري نفسه من هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا كما أشار إلى ذلك الترمذي في السنن (3/ 410) وكما هو موجود عند الدارقطني في السنن (3/ 227).
لكن في إسناده إلى هشام عند الدارقطني ضعف.
(1)
قلت: - القائل الشيخ مفلح (ص 64 - 67) - بل هم أكثر من ذلك، وأكثرهم حفاظ كبار، ولعل من المناسب هنا أن نذكر أسماء الذين وقفت على روايتهم عن ابن جريج، وكذلك الذين لم أقف على روايتهم وإنما وقفت على قول من أثبت لهم الرواية عنه من الحفاظ، ورتبت أسماءهم على حروف المعجم مع الإشارة إلى موضع كل رواية وقفت عليها، وهذا بحق يعتبر تخريج للحديث وتحقيق له. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 1 - إسماعيل بن علية: روايته عند أحمد في مسنده (6/ 47).
2 -
بشر بن المفضل: روايته عند ابن عدي في الكامل، كما في الإرواء (6/ 245).
3 -
حجاج بن محمد: روايته عند البيهقي في السنن الكبرى (7/ 105) والحاكم في المستدرك (2/ 168).
4 -
حفص بن غياث: روايته عند ابن حبان. انظر: الموارد رقم (1247).
5 -
خالد بن الحارث: أشار إلى روايته ابن حبان، كما في "نصب الراية"(3/ 167).
6 -
سعيد بن سالم: روايته عند الشافعي في مسنده (ص 275).
7 -
سفيان الثوري: روايته عند أبي داود في سننه رقم (2083).
8 -
سفيان بن عيينة: روايته عند الحميدي رقم (338) والترمذي في السنن رقم (1102).
9 -
الضحاك بن مخلد: روايته عند الدارمي رقم (2190) والحاكم في المستدرك (2/ 168).
10 -
عبد الله بن رجاء: روايته في مسند الحميدي أيضًا رقم (328).
11 -
عبد الله بن المبارك: أشار إلى روايته أبو نعيم في الحلية (6/ 88).
12 -
عبد الله بن وهب: روايته عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 7) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 105).
13 -
عبد الرزاق بن همام: روايته عند أحمد (6/ 165 - 166).
14 -
عبد المجيد بن عبد العزيز: روايته عند الشافعي في المسند (220).
15 -
عبيد الله بن موسى: روايته عند البيهقي في السنن الكبرى (7/ 113).
16 -
عيسى بن يونس: روايته عند البيهقي أيضًا (7/ 125).
17 -
الليث بن سعد: أشار إلى روايته ابن عدي، كما في نصب الراية (3/ 185).
18 -
مسلم بن خالد: روايته عند الشافعي أيضًا (ص 220).
19 -
معاذ بن معاذ: روايته عند ابن ماجه في سننه رقم (1879).
20 -
همام بن يحيى: روايته عند أبي داود الطيالسي رقم (1553).
21 -
يحيى بن أيوب: روايته في المستدرك (2/ 168).
22 -
يحيى بن سعيد الأموي: روايته في السنن الكبرى (7/ 125).
23 -
يحيى بن سعيد الأنصاري: روايته عند الطحاوي (3/ 7).
ويتبين من تخريج هذا الحديث باختصار أنه لم يتابع ابن علية عن ابن جريج على قوله: (فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه) أحد ممن روى هذا الحديث عن ابن جريج مع كثرة من رواه عنه؛ اللهم إلا متابعًا واحدًا هو (بشر بن المفضل) وهو ثقة ثبت، ولكن في السند إليه (سليمان بن داود الشاذكوني) وهو أضعف من كل ضعيف كما قال البخاري، فلا تعتبر هذه المتابعة لضعف سندها، وهي عند ابن عدي في الكامل كما سبق ذكره". اهـ.
سليمان بن موسى، وأنَّ قرَّة، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأيوب بن موسى وهشام بن سعد، وجماعة تابعوا سليمان بن موسى، عن الزهريِّ، قال: ورواهُ أبو مالك الجنبي، ونوح بن ذرَّاج، ومندل، وجعفر بن برقان، وجماعة عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة.
وقد أعلَّ ابن حبان، وابن عديّ، وابن عبد البرّ، والحاكم، وغيره الحكاية عن ابن جريج بإنكار الزهريِّ، وعلى تقدير الصِّحَّة لا يلزم من نسيان الزُّهريِّ له أن يكون سليمان بن موسى وَهِم فيه
(1)
.
وحديث أبي هريرة: أخرجه أيضًا البيهقي
(2)
.
قال ابن كثير
(3)
: الصحيح وقفه على أبي هريرة.
وقال الحافظ
(4)
: رجاله ثقات، وفي لفظ للدارقطني
(5)
: "كُنَّا نقول: التي تزوجُ نفسَها هي الزانيةُ".
قال الحافظ
(6)
: فتبين أن هذه الزيادة من قول أبي هريرة، وكذلك رواها البيهقي
(7)
موقوفة في طريق، ورواها مرفوعة في أخرى.
وفي الباب عن ابن عباس عند أحمد
(8)
وابن ماجه
(9)
(1)
التلخيص الحبير (3/ 324 - 325).
(2)
في السنن الكبرى (7/ 110) وقد تقدم.
(3)
لم أجده في تفسير ابن كثير عند الآية (232) من سورة البقرة ولا عند الآية (25) من سورة النساء. ولعله في كتابه الأحكام الذي بسط فيه المسألة.
(4)
في بلوغ المرام له برقم (15/ 926) بتحقيقي.
(5)
في سننه (3/ 227 رقم 28) بسند صحيح.
(6)
في "التلخيص"(3/ 325).
(7)
في السنن الكبرى (7/ 110).
(8)
في المسند (1/ 250).
(9)
في سننه رقم (1880).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 82): "هذا إسناد ضعيف، حجاج هو ابن أرطأة مدلس وقد رواه بالعنعنة. وأيضًا لم يسمع حجاج من عكرمة، إنما يحدث عن داود بن الحصين عن عكرمة قاله الإمام أحمد.
ولم يسمع الحجاج أيضًا من الزهري قاله عباد بن العوام، وأبو زرعة، وأبو حاتم.
قلت - أي البوصيري - لم ينفرد حجاج بن أرطأة برواية هذا الحديث عن الزهري، فقد تابعه عليه سليمان بن موسى وهو ثقة كما رواه أصحاب السنن من طريقه عن الزهري به =
والطبراني
(1)
بلفظ: "لا نكاح إلا بوليّ"، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف
(2)
ومداره عليه.
قال الحافظ
(3)
: وغلط بعض الرواة فرواه عن ابن المبارك عن خالد الحذّاء عن عكرمة، والصواب حجاج بدل خالد.
وعن أبي بردة عند أبي داود الطيالسي
(4)
بلفظ حديث ابن عباس وعن غيرهما كما تقدم في كلام الحاكم
(5)
.
قوله: (لا نكاح إلا بولي) هذا النفي يتوجه إما إلى الذات الشرعية، لأنَّ الذات الموجودة، أعني: صورة العقد بدون وليٍّ ليست بشرعيةٍ، أو يتوجه إلى الصِّحة التي هي أقرب المجازين إلى الذَّات، فيكون النِّكاح بغير وليّ [باطلًا
(6)
] كما هو مُصَرَّحٌ بذلك في حديث عائشة
(7)
المذكور، وكما يدل عليه حديث أبي هريرة
(8)
المذكور، لأنَّ النَّهيَ يدلُّ على الفساد المرادف للبطلان
(9)
.
وقد ذهب إلى هذا عليّ
(10)
، وعمر
(11)
، وابن عباس
(12)
، وابن عمر، وابن
= مرفوعًا بلفظ: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل
…
" الحديث، وله شاهد من حديث أبي موسى رواه أصحاب السنن الأربعة". اهـ.
(1)
في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11944).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 286) وقال: في إسناده الربيع بن بدر وهو متروك.
وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(2)
وقد تقدم مرارًا.
(3)
في "التلخيص"(3/ 323).
(4)
في المسند رقم (523) بسند منقطع إلا أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(5)
تقدم قريبًا.
(6)
في المخطوط (ب): (باطل).
(7)
تقدم برقم (2658) من كتابنا هذا.
(8)
تقدم برقم (2659) من كتابنا هذا.
(9)
انظر: "إرشاد الفحول"(ص 386) بتحقيقي، والبحر المحيط (2/ 439) والمحصول (2/ 291).
(10)
أخرج أثره البيهقي في السنن الكبرى (7/ 111) بسند صحيح.
(11)
أخرج الدارقطني أثره في السنن (3/ 229) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 111).
وهو موقوف صحيح.
(12)
أخرج أثره عبد الرزاق رقم (10483) وهو موقوف حسن.
مسعود
(1)
، وأبو هريرة
(2)
، وعائشة
(3)
، والحسن البصري (4)، وابن المسيب
(4)
، وابن شبرمة
(5)
، وابن أبي ليلى (5)، والعترة
(6)
، وأحمد
(7)
، وإسحاق (5)، والشافعي
(8)
، وجمهور أهل العلم فقالوا: لا يصحّ العقد بدون وليٍّ.
قال ابن المنذر
(9)
: إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.
وحكى في البحر
(10)
عن أبي حنيفة
(11)
: أنَّه لا يعتبر الوليّ مُطلقًا لحديث: "الثَّيِّبُ أحقُّ بنفسها من وليها" وسيأتي
(12)
.
وأجيب بأنَّ المراد اعتبار الرِّضا منها، جَمْعًا بين الأخبار، كذا في البحر
(13)
.
وعن أبي يوسف
(14)
ومحمد: للوليّ الخيار في غير الكفء، وتلزمه الإجازة في الكفء.
وعن مالك
(15)
: يعتبر الوليّ في الرفيعة دون الوضيعة.
وأجيب عن ذلك بأن الأدلةُ لم تفصل.
وعن الظاهرية
(16)
أنه يُعتبر في البكر فقط.
وأجيب عنه بمثل ما أجيب به من عن الذي قبله.
(1)
حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(9/ 345).
(2)
أخرج أثره عبد الرزاق رقم (10494) وهو موقوف صحيح.
(3)
حكاه عنها ابن قدامة في "المغني"(9/ 345).
(4)
أخرجه عنهما ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 132) وهو موقوف صحيح.
(5)
حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(9/ 345).
(6)
البحر الزخار (3/ 23).
(7)
المغني (9/ 345).
(8)
البيان للعمراني (9/ 152).
(9)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 187).
(10)
البحر الزخار (3/ 24).
(11)
البناية في شرح الهداية (4/ 574) والمبسوط للسرخسي (5/ 10 - 11).
(12)
برقم (41/ 2661) من كتابنا هذا.
(13)
البحر الزخار (3/ 24).
(14)
شرح فتح القدير (3/ 157) والبناية في شرح الهداية (4/ 574 - 575).
(15)
عيون المجالس (3/ 1034) وبداية المجتهد (3/ 20 - 21) بتحقيقي.
(16)
المحلى (9/ 455، 457).
وقال أبو ثور
(1)
: يجوزُ لها أَنْ تزوِّجَ نفسها بإذن وليها أخذًا بمفهوم قوله: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها"
(2)
.
ويجاب عن ذلك بحديث أبي هريرة
(3)
المذكور.
والمراد بالوليّ هو الأقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته، وليس لذوي السهام ولا لذوي الأرحام ولاية، وهذا مذهب الجمهور
(4)
.
وروي عن أبي حنيفة
(5)
أن ذوي الأرحام من الأولياء، فإذا لم يكن ثم وليّ أو كان موجودًا وعضل انتقل الأمر إلى السلطان لأنه وليّ من لا وليّ له كما أخرجه الطبراني
(6)
من حديث ابن عباس، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة.
[الباب الثاني عشر] باب ما جاءَ في الإجبار والاستئمار
40/ 2660 - (عَنْ عائِشَةَ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتّ سِنِينَ، وأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وهِيَ بِنْت تِسْعِ سِنِينَ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(7)
. [صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ: تَزَوَّجَها وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَزُفّتْ إِلَيْه وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(8)
وَمُسْلِمٌ)
(9)
. [صحيح]
الحديث أورده المصنِّفُ للاستدلال به: على أنَّه يجوز للأب أن يزوِّج ابنته
(1)
فقه الإمام أبي ثور (ص 460 - 461) والمغني (9/ 381).
(2)
تقدم برقم (2658) من كتابنا هذا.
(3)
تقدم برقم (2659) من كتابنا هذا.
(4)
الفتح (9/ 187).
(5)
المبسوط (5/ 10 - 11) وبدائع الصنائع (2/ 11).
(6)
في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11298).
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 288، 289): "وفيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات".
(7)
أحمد في المسند (6/ 118) والبخاري رقم (5133) ومسلم رقم (70/ 1422).
(8)
في المسند (6/ 42).
(9)
في صحيحه رقم (71/ 1422).
الصغيرة بغير استئذانها، ولعلَّه أخذ ذلك من عدم ذكر الاستئذان، وكذلك صنع البخاريُّ.
قال الحافظ
(1)
: وليس بواضح [الدلالة]
(2)
، بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر وهو الظاهر؛ فإنَّ القصة وقعت بمكة قبل الهجرة.
وفي الحديث أيضًا: دليلٌ على أنَّه يجوزُ للأب أن يُزوِّج ابنته قبل البلوغ.
قال المهلب
(3)
: أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها، إلا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا تُوطأ.
وحكى ابنُ حزمٍ
(4)
عن ابن شبرمة مطلقًا: أنَّ الأب لا يزوِّج ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذنَ، وزعم: أن تزوُّج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ستِّ سنين كان من خصائصه ويقابله: تجويز الحسن
(5)
والنخعي
(6)
للأب أن يجبر ابنته كبيرةً كانتْ أو صغيرةً بكرًا كانت أو ثيبًا.
وفي الحديث أيضًا دليلٌ: على أنَّه يجوز تزويجُ الصغيرة بالكبير، وقد بوَّب لذلك البخاريُّ
(7)
وذكر حديث عائشة
(8)
.
وحكى في الفتح
(9)
الإجماع على جواز ذلك. قال: ولو كانت في المهد لكن لا يمكَّن منها حتى تصلح للوطء.
41/ 2661 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الثَّيّبُ أحَق بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّها، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُها"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إِلَّا الْبُخارِيَّ
(10)
[صحيح].
(1)
في "الفتح"(9/ 124).
(2)
في المخطوط (ب): (للدلالة).
(3)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 190).
(4)
المحلى (9/ 459).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 190) وابن حزم في "المحلى"(9/ 459).
(6)
موسوعة فقه إبراهيم النخعي (2/ 893 - 894).
(7)
في صحيحه (9/ 123 رقم الباب (11) - مع الفتح).
(8)
برقم (5081) من صحيحه.
(9)
(9/ 124).
(10)
أحمد في المسند (1/ 219) ومسلم رقم (66/ 1421) وأبو داود رقم (2098) والترمذي =
وَفي رِوَايَةٍ لأحْمَدَ
(1)
وَمسْلِمٍ
(2)
وأبي دَاوُدَ
(3)
وَالنّسائِي
(4)
: "وَالبِكْرُ يَسْتَأمِرُها أبُوها"[صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ
(5)
وَالنّسَائيّ
(6)
: "وَالْيَتِيمَةُ تسْتأذَنُ فِي نَفْسِهَا"[صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ لأبي دَاوُدَ
(7)
وَالنّسَائِيّ
(8)
: "لَيْسَ لِلْوَلِي مَعَ الثّيِّبِ أمْرٌ، وَالْيَتِيمَةُ تُسْتأمَرُ، وَصَمْتها إِقْرَارُها"). [صحيح]
42/ 2662 - (وَعَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الأَنْصَارِيّة: أنَّ أباها زَوَّجَهَا وَهِيَ [ثَيِّبٌ]
(9)
فَكَرِهَتْ ذلكَ، فأتَتْ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكاحَها. أخْرَجَهُ الجَماعَةُ إِلَّا مسْلِمًا)
(10)
. [صحيح]
= رقم (1108) والنسائي (3260) وابن ماجه رقم (1870).
قلت: وأخرجه مالك (2/ 524 - 525) وعبد الرزاق رقم (10282) وابن أبي شيبة (4/ 136) وسعيد بن منصور رقم (556) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 11)، (4/ 366) وابن حبان رقم (4084)، (4087) والطبراني في المعجم الكبير رقم (10743) و (10744) و (10745) والدارقطني (3/ 239 - 240، 240، 240 - 241، 241) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 118، 122) والبغوي في شرح السنة رقم (2254)، من طرق.
وهو حديث صحيح.
(1)
في المسند (1/ 219).
(2)
في صحيحه رقم (68/ 1421).
(3)
في سننه رقم (2099).
(4)
في سننه رقم (3264).
وهو حديث صحيح.
(5)
في المسند (1/ 261).
(6)
في سننه رقم (3262).
قلت: وأخرجه الدارقطني في سننه (3/ 238 - 239).
وهو حديث صحيح.
(7)
في سننه رقم (2100).
(8)
في سننه رقم (3263).
وهو حديث صحيح.
(9)
في المخطوط (ب): (بنت).
(10)
أحمد في المسند (6/ 328) والبخاري رقم (5138) وأبو داود رقم (2101) والترمذي تحت رقم (1108) والنسائي (3268) وابن ماجه رقم (1873) ورواية ابن ماجه مرسلة. =
43/ 2663 - (وَعَنْ أبي هرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَنْكَحُ الأيِّمُ حَتّى تُسْتأمَرَ، وَلَا البِكْر حتَّى تُسْتأذَنَ"، قالوا: يا رَسولَ الله وكَيْفَ إذْنُهَا؟ قالَ: "أنْ تَسْكتَ"، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ)
(1)
. [صحيح]
44/ 2664 - (وَعَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: قلْتُ: يا رَسُولَ الله: تُسْتَأْمَرُ النِّساءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: إنَّ البِكْرَ تُسْتأمَرُ فَتَسْتَحْي فَتَسْكُتُ، فَقَالَ:"سُكَاتُها إذْنُها".
وفِي رِوَايَةٍ قالَتْ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "البِكْرُ تُسْتأذَنُ"، قلْتُ: إنَّ البِكْرَ تُسْتَأذَنُ وَتسْتَحِي، قالَ:"إِذْنُها صُمَاتُهَا"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا)
(2)
. [صحيح]
45/ 2665 - (وَعَنْ أبي مُوسَى أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "تُسْتأمَر اليَتِيمَة فِي نَفْسها، فإنْ سَكَتَتْ فَقَدْ أَذِنَتْ، وَإِنْ أبتْ لَمْ تُكْرَهْ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ)
(3)
. [صحيح لغيره]
= قلت: وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 535) وابن سعد في "الطبقات"(8/ 456) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (3392) وابن الجارود في المنتقى رقم (710) والطبراني في الكبير (ج 24 رقم 640) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 119) وفي السنن الصغير رقم (2399) والبغوي في شرح السنة رقم (2256).
وهو حديث صحيح.
(1)
أحمد في المسند (2/ 250، 279، 425، 434، 475) والبخاري رقم (5136) ومسلم رقم (1419) وأبو داود رقم (2092) والترمذي رقم (1107) والنسائي رقم (3265) وابن ماجه رقم (1871).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 138) والبيهقي (7/ 119) وابن الجارود في المنتقى رقم (707) والدارقطني (3/ 238) وغيرهم.
وهو حديث صحيح.
(2)
أحمد في المسند (6/ 45) والبخاري رقم (6946) و (6971) ومسلم رقم (65/ 1420).
(3)
في المسند (4/ 394) بسند حسن.
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 139) والدارمي رقم (2231) والبزار رقم (1423 - كشف) وأبو يعلى رقم (7327) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 364) وفي شرح مشكل الآثار (رقم 5727) وابن حبان رقم (4085) والدارقطني (3/ 241، 242) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 120، 122) وفي السنن الصغير رقم (2396) وفي معرفة السنن والآثار رقم (13610) وابن عبد البر في الاستذكار رقم (23291) والحاكم في المستدرك (2/ 166 - 167) من طرق. =
46/ 2666 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تُسْتَأمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فإنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا، وَإِنْ أبتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا"، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ)
(1)
. [صحيح لغيره]
47/ 2667 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أتَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كارِهَةٌ، فَخَيّرَها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
وَابْنُ مَاجَهْ
(4)
وَالدارَقُطْنِي
(5)
. [صحيح]
= قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي.
قلت: بل هو على شرط مسلم.
والخلاصة: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(1)
أحمد في المسند (2/ 259) وأبو داود رقم (2093) والترمذي رقم (1109) والنسائي رقم (3270).
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
قلت: وأخرجه عبد الرزاق رقم (10297) وابن أبي شيبة (4/ 138) وأبو يعلى رقم (7328) وابن حبان رقم (4079) و (4086) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 120، 122) من طرق.
وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(2)
في المسند (1/ 273).
(3)
في سننه رقم (2096).
(4)
في سننه رقم (1875).
(5)
في سننه (3/ 234 - 235 رقم 56).
قلت: وأخرجه النسائي في السنن الكبرى رقم (5387 - العلمية) وأبو يعلى رقم (2526) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 365) والبيهقي (7/ 117) من طريق حسين بن محمد المروذي، حدثنا جرير، عن أيوب، عن عكرمة عن ابن عباس، به.
وقد أعل هذا الحديث بالإرسال، وبتفرد جرير بن حازم عن أيوب، وبتفرد حسين بن محمد المروذي عن جرير.
أما الإرسال، فقد أخرجه مرسلًا أبو داود رقم (2097) ومن طريقه البيهقي (7/ 117).
قال ابن التركماني في "الجوهر النقي"(7/ 117): جرير بن حازم ثقة جليل، وقد زاد الرفع فلا يضره إرسالُ من أرسله، كيف وقد تابعه الثوري، وزيد بن حبان، فروياه عن أيوب كذلك مرفوعًا.
وانظر: "نصب الراية"(3/ 190).
وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 196): "الطعن في الحديث لا معنى له، فإن طرقه يقوى بعضها ببعض".
والخلاصة: أن حديث ابن عباس حديث صحيح، والله أعلم.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي
(1)
أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مرْسَلًا وَذَكَرَ أنّهُ أصَحُّ).
48/ 2668 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تُوُفّي عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَتَرَكَ ابْنَةً لَهُ مِنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الأوْقَصِ، وَأوْصَى إلى أخِيهِ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ، قَالَ عَبْدُ الله: وَهُمَا خالايَ، فَخَطَبْتُ إلى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ ابْنَةَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَزَوَّجَنِيهَا، وَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْن شُعْبَةَ، يَعْنِي إلى أُمِّهَا فأرغَبَهَا فِي الْمَالِ، فَحَطَّتْ إِلَيْهِ وَحَطَّتِ الجارِيةُ إلى هَوَى أُمِّها، فَأَبَتا حَتَّى ارْتَفَعَ أمْرُهُمَا إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ: يَا رَسُولَ الله ابْنَةُ أَخِي أوْصَى بها إليَّ فَزَوَّجْتُهَا ابْنَ عَمَّتِهَا فَلَمْ أَقصُرْ بها في الصَّلاحِ ولَا فِي الْكَفَاءَةِ، وَلَكنها امْرأةٌ وَإنّمَا حَطَّتْ إلى هَوَى أُمِّها، قالَ: فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هِيَ يَتِيمَةٌ وَلَا تُنْكَحُ إلَّا بِإِذْنِهَا"، قالَ: فانْتُزِعَتْ وَالله مِنِّي بَعْدَ أنْ مَلَكْتُهَا فَزَوَّجُوها الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
. [صحيح لغيره]
وَهُوَ دَلِيلٌ على أن اليَتِيمَةَ لَا يُجْبِرُها وَصِيٌّ وَلا غَيْرُهُ).
49/ 2669 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "آمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ"، رواه أحمَدُ
(4)
وَأبُو دَاوُدَ)
(5)
. [ضعيف]
(1)
في سننه (3/ 235 رقم 57).
قلت: وأخرجه مرسلًا أبو داود برقم (2097) والبيهقي (7/ 117). وقد تقدم.
(2)
في المسند (2/ 130).
(3)
في سننه (3/ 230) ومن طريقه البيهقي (7/ 120) بسند حسن.
وهو حديث صحيح لغيره.
(4)
في المسند (2/ 34).
(5)
في سننه رقم (2095).
قلت: أخرج المرفوع منه فقط أبو داود رقم (2095) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 115) وفي "معرفة السنن والآثار" رقم (13576).
قال المنذر: في "المختصر"(3/ 39): فيه رجل مجهول.
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
حديث أبي موسى أخرجه أيضًا ابن حبان
(1)
والحاكم
(2)
وأبو يعلى
(3)
والبزار
(4)
والطبراني
(5)
، قال في مجمع الزوائد
(6)
: ورجال أحمد رجال الصحيح.
وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا ابن حبان
(7)
والحاكم
(8)
وحسَّنه الترمذي
(9)
.
وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا ابنُ أبي شيبة
(10)
، قال الحافظ
(11)
: ورجاله ثقات، وأُعلّ بالإرسال
(12)
وبتفرّد جرير بن حازم عن أيوب، وبتفرّد حسين عن جرير.
وأجيب بأن أيوب بن سويد رواه عن الثوري عن أيوب موصولًا، وكذلك رواه معمر بن سليمان الرقي عن زيد بن حباب عن أيوب موصولًا، وإذا اختلف في وصل الحديث وإرساله حكم لمن وصله على طريقة الفقهاء.
وعن الثاني بأن جريرًا توبع عن أيوب كما ترى.
وعن الثالث بأن سليمان بن حرب تابع حسين بن محمد عن جرير وانفصل البيهقي عن ذلك بأنه محمول على أنه زوّجها من غير كفء
(13)
.
وحديث ابن عمر الأوّل أورده الحافظ في التلخيص
(14)
وسكت عنه.
(1)
في صحيحه رقم (4085) وقد تقدم.
(2)
في المستدرك (2/ 166 - 167) وقد تقدم.
(3)
في المسند رقم (7327) وقد تقدم.
(4)
في المسند (رقم 1423 - كشف) وقد تقدم.
قلت: في كافة النسخ المطبوعة من "نيل الأوطار": الدارقطني، وهو خلاف المخطوطات ففيها:(البزار) فلتتنبه!!
(5)
عزاه إليه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 280).
(6)
(4/ 280).
(7)
في صحيحه رقم (4079) و (4086) وقد تقدم.
(8)
لم أقف عليه في المستدرك ولا في معرفة علوم الحديث.
(9)
في السنن رقم (1109) وقد تقدم.
(10)
في المصنف (4/ 136).
(11)
في "التلخيص"(3/ 330).
(12)
تقدم رد العلة هذه من قِبَل ابن التركماني في "الجوهر النقي"(7/ 117).
(13)
انظر: "نصب الراية"(3/ 190) والفتح (9/ 196).
(14)
(3/ 331).
قال في مجمع الزوائد
(1)
: ورجال أحمد ثقات.
وحديثه الثاني فيه رجل مجهول
(2)
.
وفي الباب عن جابر عند النسائي
(3)
.
وعن عائشة غير ما ذكره المصنف عند النسائي
(4)
أيضًا.
قوله: (يستأمرها أبوها) الاستئمار
(5)
: طلب الأمر، والمعنى: لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها.
قوله: (خنساء بنت خِدَام) هي بخاءٍ معجمةٍ ثم نون ثم مهملةٌ على وزن حمراء، وأبوها: بكسر الخاء المعجمة، وتخفيف المهملة، كذا في الفتح
(6)
.
قوله: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن)، عبَّر للثيب بالاستئمار والبكر بالاستئذان، فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدلّ على تأكيد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة، ولهذا يحتاج الولي إلى صريح إذنها، فإذا صرّحت بمنعه امتنع اتفاقًا، والبكر بخلاف ذلك، والإذن دائر بين القول والسكوت، بخلاف الأمر فإنه صريح في القول، هكذا في الفتح
(7)
.
ويعكر عليه ما في رواية حديث ابن عباس
(8)
من أن البكر يستأمرها أبوها، وأن اليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها.
وفي حديث عائشة
(9)
: "أن البكر تستأمر
…
إلخ"، وكذلك في حديث أبي موسى
(10)
وأبي هريرة
(11)
.
قوله: (فحطَّتْ إليه) أي مالت إليه وأسرعت، بفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة أيضًا.
وقد استدلَّ بأحاديث الباب على اعتبار الرِّضا من المرأة التي يُراد تزويجها وأنَّه
(1)
(4/ 280).
(2)
قاله المنذري في "المختصر"(3/ 39).
(3)
في السنن الكبرى رقم (5384 - العلمية).
(4)
في السنن الكبرى رقم (3266 - العلمية).
(5)
النهاية (1/ 76) والفتح (9/ 192).
(6)
(9/ 195).
(7)
(9/ 192).
(8)
تقدم برقم (2667) من كتابنا هذا.
(9)
تقدم برقم (2664) من كتابنا هذا.
(10)
تقدم برقم (2665) من كتابنا هذا.
(11)
تقدم برقم (2666) من كتابنا هذا.
لا بُدَّ من صريح الإذن من الثيب ويكفي السكوت من البكر؛ والمراد بالبكر التي أمر الشارع باستئذانها فهي البالغة، إذ لا معنى لاستئذان الصغيرة لأنها لا تدري ما الإذن.
قال ابن المنذر
(1)
: يستحبّ إعلام البكر أن سكوتها إذن، لكن لو قالت بعد العقد: ما علمت أن صمتي إذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور
(2)
، وأبطله بعض المالكية. وقال ابن شعبان منهم: يقال لها ذلك ثلاثًا: إن رضيتي فاسكتي، وإن كرهتي فانطقي.
ونقل ابن عبد البر
(3)
عن مالك أن سكوت البكر اليتيمة قبل إذنها وتفويضها لا يكون رضًا منها، بخلاف ما إذا كان بعد تفويضها إلى وليها، وخصَّ بعد الشافعيَّة
(4)
الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجدّ دون غيرهما لأنها تستحي منهما أكثر من غيرهما.
والصحيح الذي عليه الجمهور
(5)
استعمال الحديث في جميع الأبكار.
وظاهر أحاديث الباب أن البكر البالغة إذا زوّجت بغير إذنها لم يصحّ العقد، وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعترة
(6)
والحنفية
(7)
، وحكاه الترمذي
(8)
عن أكثر أهل العلم.
وذهب مالك
(9)
والشافعي
(10)
والليث
(11)
وابن أبي ليلى
(12)
وأحمد
(13)
وإسحاق (11) إلى أنه يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان.
(1)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 192 - 193).
(2)
المغني (9/ 408).
(3)
التمهيد (11/ 246).
(4)
البيان للعمراني (9/ 179).
(5)
رؤوس المسائل الخلافية لأبي المواهب العكبري (4/ 51) والفتح (9/ 193).
(6)
البحر الزخار (3/ 56)
(7)
البناية في شرح الهداية (4/ 584 - 585) والمبسوط (5/ 2).
(8)
في سننه (3/ 415).
(9)
المدونة (2/ 140) والتمهيد (11/ 37) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 560 - 562).
(10)
البيان للعمراني (9/ 178).
(11)
حكاه عنه القاضي عبد الوهاب في "عيون المجالس"(3/ 1043 - 1044).
(12)
حكاه عنه ابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 37) والسرخسي في المبسوط (5/ 2).
(13)
المغني (9/ 405).
ويردّ عليهم ما في أحاديث الباب من قوله: "والبكر يستأمرها أبوها".
ويردّ عليهم أيضًا حديث عبد الله بن بريدة الذي سيأتي في باب ما جاء في الكفاءة
(1)
.
وأما ما احتجُّوا به من مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "الثيِّبُ أحقُّ بنفسها من وليها"
(2)
فدلّ على أن ولي البكر أحقّ بها منها.
فيجاب عنه بأن المفهوم
(3)
لا ينتهض للتمسُّك به في مقابلة المنطوق.
وقد أجابوا عن دليل أهل القول الأوّل بما قاله الشافعي
(4)
من أن المؤامرة قد تكون على استطابة النفس. ويؤيِّده حديث ابن عمر
(5)
المذكور بلفظ: "وآمروا النساء في بناتهن"، قال: ولا خلاف أنه ليس للأم أمر لكنه على معنى استطابة النفس.
وقال البيهقي
(6)
: زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة.
قال الشافعي
(7)
: زادها ابن عيينة في حديثه، وكان ابن عمر، والقاسم، وسالم، يزوّجون الأبكار [لا يستأمرونهنّ
(8)
]
(9)
. قال الحافظ
(10)
: وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ، انتهى.
وأجاب بعضهم بأنَّ المرادَ بالبكر المذكورة في حديث ابن عباس (2):
(1)
الباب السادس عشر رقم الحديث (55/ 2675) من كتابنا هذا.
(2)
تقدم برقم (2661) من كتابنا هذا.
• قال الخطابى في "معالم السنن"(2/ 577 - مع السنن): "قد استدل أصحاب الشافعي بقوله: "الأيم أحق بنفسها من وليها، على أن ولي البكر أحق بها من نفسها، وذلك من طريق دلالة المفهوم لأن الشيء إذا قيد بأخص أوصافه دل على أن ما عداه بخلافه.
وقالوا: والأسماء للتعريف، والأوصاف للتعليل.
قالوا: والمراد بالأيم ههنا: الثيب - لأنه قابلها البكر - فدل على أنه أراد بالأيم الثيب". اهـ.
(3)
إرشاد الفحول للشوكاني (ص 592) بتحقيقي والبحر المحيط (4/ 14).
(4)
6/ 428 - 429) والمعرفة (10/ 44 - 45).
(5)
وهو حديث ضعيف تقدم برقم (49/ 2669) من كتابنا هذا.
(6)
في السنن الكبرى (7/ 115) نقلًا عن أبي داود في سننه (2/ 578).
(7)
قاله البيهقي في السنن الكبرى (7/ 115).
(8)
المعرفة (10/ 43 رقم 13565).
(9)
في المخطوط (ب): (لا يستأمروهن).
(10)
في "الفتح"(9/ 193).
اليتيمة، لما وقع في الرواية الأخرى من حديثه:"واليتيمةُ تُستأمر" فيُحملُ المطلق على المقيَّد.
وأجيب بأنَّ اليتيمة هي البكر، وأيضًا الروايات الواردة بلفظ: تُستأمر وتُستأذن، بضمّ أوّله هي تفيد مفاد قوله:"يستأمرها أبوها" وزيادة لأنه يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات.
ومما يؤيد ما ذهب إليه الأوَّلون حديث ابن عباس
(1)
المذكور: "أن جارية بكرًا
…
إلخ"، وأما الثيب فلا بد من رضاها من غير فرق بين أن يكون الذي زوّجها هو الأب أو غيره.
وقد حكى في البحر
(2)
الإجماع على اعتبار رضاها.
وحكى أيضًا الإجماع على أنَّه لا بدَّ من تصريحها بالرِّضا بنطقٍ أو ما في حكمه.
والظاهر أن استئذان الثيب والبكر شرط في صحة العقد لردّه صلى الله عليه وسلم لنكاح خنساء بنت خدام
(3)
كما في الحديث المذكور، وكذلك تخييره صلى الله عليه وسلم للجارية كما في حديث ابن عباس المذكور (1)، وكذلك حديث ابن عمر
(4)
المذكور أيضًا.
ويدلّ على ذلك أيضًا حديث أبي هريرة
(5)
المذكور لما فيه من النهي.
وظاهر قوله: "الثيب أحقُّ بنفسها" أنَّه لا فَرْقَ بين الصغيرة والكبيرة، وبين من زالت بكارتها بوطءٍ حلالٍ أو حرامٍ.
وخالف في ذلك أبو حنيفة
(6)
، فقال: هي كالبكر، واحتجَّ بأنَّ علَّة الاكتفاء بسكوت البكر هي الحياء، وهو باقٍ فيمن زالت بكارتها بزنا، لأن المسألة مفروضة فيمن لم تتّخذ الزنا دَيْدَنًا وعادةً.
وأجيب: بأنَّ الحديثَ نصٌّ على أن الحياء يتعلَّق بالبكر، وقابلها بالثيِّب فدلَّ على أن حكمها مختلفٌ، وهذه ثيبٌ لغةً وشرعًا، وأما بقاء حيائها كالبكر فممنوع.
(1)
تقدم برقم (2667) من كتابنا هذا.
(2)
البحر الزخار (3/ 28).
(3)
تقدم برقم (2662) من كتابنا هذا.
(4)
تقدم برقم (2668) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم برقم (2663) من كتابنا هذا.
(6)
المبسوط (3/ 9 - 10) والبناية في شرح الهداية (4/ 591 - 592).
[الباب الثالث عشر] باب الابن يزوج أمه
50/ 2670 - (عَنْ أم سَلَمَة: أنَّهَا لَمَا بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُهَا قالَتْ: لَيْسَ أحَدٌ مِنْ أَوْليَائِي شاهِدًا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْليَائِكَ شَاهِدٌ ولَا غَائِب يَكْرَه ذلك"، فَقَالَتْ لابْنِهَا: يا عمَرُ، قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَزَوّجَه. رَوَاهُ أحْمَد
(1)
وَالنسائِيُّ
(2)
. [ضعيف]
الحديث قد أُعلَّ: بأنَّ عمر المذكور كان عند تزوُّجه صلى الله عليه وسلم بأمه صغيرًا، له من العمر سنتان، لأنه ولد في الحبشة في السنة الثانية من الهجرة، وتزوُّجُه صلى الله عليه وسلم بأمِّه كان في السنة الرابعة.
قيل: وأما رواية: "قم يا غلام فزوِّج أمك" فلا أصل لها.
وقد استدلّ بهذا الحديث من قال بأن الولد من جملة الأولياء في النِّكاح وهم الجمهور
(3)
.
(1)
في المسند (6/ 295، 313، 314، 317 - 318).
(2)
في سننه رقم (3254).
قلت: وأخرجه الحاكم (3/ 16 - 17) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 131).
قال الحاكم: صحيح الإسناد، فإن ابن عمر بن أبي سلمة الذي لم يسمه حماد بن سلمة سماه غيره سعيد بن عمر بن أبي سلمة".
قال الألباني في "الإرواء"(6/ 220): "كذا قال، ووافقه الذهبي في "التلخيص"! وأما في "الميزان" فقال: "ابن عمر بن أبي سلمة المخزومي عن أبيه، لا يعرف، وعنه ثابت البناني".
وقال الحافظ في "اللسان": "قيل: اسمه محمد بن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد" ونحوه في "التهذيب" ولم يتعرض لا هو ولا غيره لقول الحاكم المذكور أن اسمه سعيد بن عمر بن أبي سلمة.
وسواء كان اسمه هذا أو ذاك، فهو مجهول. لتفرد ثابت بالرواية عنه، فالإسناد لذلك ضعيف". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
المغني (9/ 357).
وقال الشافعي
(1)
، ومحمد بن الحسن
(2)
، وروي عن الناصر
(3)
: أن ابن المرأة إذا لم يجمعها وإياه جدٌّ فلا ولاية له.
وردّ بأنَّ الابنَ يسمَّى عصبة اتفاقًا، وبأنَّه داخل في عموم قوله تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}
(4)
، لأنه خطابٌ للأقارب، وأقربُهم الأبناءُ.
وأجاب عن هذا الردّ في "ضوء النهار"
(5)
بأنَّ ظاهر {وَأَنْكِحُوا} صحة عقد غير الأقارب، وإنما خصَّصهم الإجماع استنادًا إلى العادة، والمعتادُ إنما هو غير الابن كيف والابن متأخر عن التزويج في الغالب؟ والمطلق يقيَّد بالعادة، كما عرف في الأصول
(6)
، والعموم لا يشمل النادر
(7)
، ولأنَّ نكاح العاقلة خاصةً مفوّضٌ إلى نظرها، وإنما الوليّ وكيل في الحقيقة، ولهذا لو لم يمتثل الوليُّ أمرها بالعقد لكفءٍ لصحَّ توكيلها غيره، والوكالة لا تلزم لمعين.
ودُفِع: بأن هذا يستلزم أن لا يبقى للوليِّ حقٌّ وأنّه خلاف الإجماع.
والتحقيق: أنّه ليس إلى نظر المكلفة إلا الرِّضا.
وُيجاب عن دعوى خروج الابن بالعادة بالمنع إن أراد عدم الوقوع، وإن أراد الغلبة فلا يضرّنا ولا ينفعه.
ومن جملة ما أجاب به القائلون: بأنَّه لا ولاية للابن أن هذا الحديث لا يصحُّ الاحتجاج به، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يفتقر في نكاح إلى وليٍّ.
ومن جملة ما يُستدلّ به على عدم ولاية الابن في النِّكاح قول أمِّ سلمة:
(1)
البيان للعمراني (9/ 168).
(2)
حكاه عنه العمراني في "البيان"(9/ 168).
(3)
البحر الزخار (3/ 46).
(4)
سورة النور، الآية:(32).
(5)
ضوء النهار (2/ 729).
(6)
ذهب الجمهور إلى عدم جواز التخصيص بالعادة. وذهبت الحنفية إلى جواز التخصيص بها.
وقال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 531 بتحقيقي): "والحق أنها لا تخصِّص لأن الحجة في لفظ الشارع وهو عام، والعادةُ ليس بحجة حتى تكون معارضة له". اهـ.
(7)
انظر: إرشاد الفحول (ص 391) والمحصول (2/ 309).
"ليس أحد من أوليائي [شاهدًا] "
(1)
مع كون ابنها حاضرًا، ولم ينكر عليها صلى الله عليه وسلم ذلك.
[الباب الرابع عشر] باب العضل
51/ 2671 - (عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كانَتْ لي أخْتٌ تُخْطب إليَّ، فأتانِي ابْنُ عَمّ لي فأنْكَحْتها إيّاه، ثمَّ طَلّقَها طَلاقًا لَه رَجْعَة ثمَّ تَرَكَها حتَّى انْقَضَتْ عِدَّتها؛ فَلَمّا خُطِبَتْ إليَّ أتاني يَخْطُبُها، فَقُلْت: لا وَالله لا أنْكِحُكَها أبَدًا، قالَ: فَفيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}
(2)
الآية.
قالَ: فَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِيني وأنْكَحْتُها إيَّاه. رَوَاهُ الْبُخَاري
(3)
وَأَبُو دَاودَ
(4)
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَه
(5)
، ولمْ يَذْكُرِ التكْفِيرَ.
وَفِيهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيّ
(6)
: وكانَ رَجُلًا لا بأسَ بِهِ، وكانَتْ المَرأة تُرِيد أنْ تَرْجعَ إِلَيهِ.
وَهُوَ حُجّةٌ فِي اعْتِبَارِ الوَلِيّ). [صحيح]
قوله: (كانت لي أختٌ) اسمها جُمَيْل - بالضم مصغرًا - بنت يسار، ذكره الطبري
(7)
وجزم به ابن ماكولا
(8)
.
وقيل: اسمها ليلى، حكاه السهيلي في "مبهمات
(9)
القرآن"
(1)
في المخطوط (ب): (شاهدٌ).
(2)
سورة البقرة، الآية:(232).
(3)
في صحيحه رقم (4529).
(4)
في سننه رقم (2087).
(5)
في سننه رقم (2981) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(6)
في صحيحه رقم (5130).
(7)
في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 485) عن ابن جريج.
(8)
في "الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب" لابن ماكولا (2/ 125).
(9)
"مبهمات القرآن" السُّهَيْلي (عبد الرحمن بن عبد الله (ت 581 هـ)). =
وتبعه المنذري
(1)
.
وقيل: فاطمة، ذكره ابن إسحاق، ويحمل على التعدّد بأن يكون لها اسمان ولقب، أو لقبان واسم.
قوله: (ففيَّ نزلت هذه الآية)، هذا تصريح بنزول هذه الآية في هذه القصة، ولا يمنع ذلك كون ظاهر الخطاب في السياق للأزواج حيث وقع فيها:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} لكن قوله فيها نفسها: {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} ظاهر في أن ذلك يتعلق بالأولياء.
قوله: (فكفرت عن يميني وأنكحتها)، في لفظٍ للبخاري
(2)
فقلت: "الآن أفعل يا رسول الله".
قوله: (وكان رجلًا لا بأس به)، قال ابن التين
(3)
: أي كان جيدًا، وقد غيرته العامة فكنوا به عمن لا خير فيه.
والحديث يدلّ على أنه يشترط الوليّ في النِّكاح، ولو لم يكن شرطًا لكان رغوب الرجل في زوجته ورغوبها فيه كافيًا، وبه يردّ القياس الذي احتجّ به أبو حنيفة على عدم الاشتراط، فإنه احتج بالقياس على البيع لأن المرأة تستقلّ به بغير إذن وليها فكذلك النِّكاح، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الوليّ المتقدمة على الصغيرة، وخصّ بهذا القياس عمومها ولكنه قياس فاسد الاعتبار لحديث معقل هذا، وانفصل بعضهم عن هذا الإيراد بالتزامهم اشتراط
= واسم الكتاب: (التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام).
صححه وراجعه: محمود ربيع. نشر عن المكتبة التجارية سنة 1933 م في (300 صفحة).
وأعادت طبعه مطبعة الأنوار سنة 1938 م في (159 صفحة).
وحققه عبد مهنا، ونشره في بيروت، عن دار الكتب العلمية سنة 1407 هـ في (192 صفحة).
وحققه سليمان حمد الصقري، ونال الماجستير عليه من جامعة الإمام ابن سعود قسم الدراسات الإسلامية.
[معجم المصنفات ص 346 رقم (1100)]. قلت: (ص 29) ط: دار الكتب العلمية.
(1)
ذكره الحافظ في (الفتح" (9/ 186).
(2)
في صحيحه رقم (5130).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 187).
الوليّ ولكن لا يمنع ذلك تزويجها نفسها، ويتوقف النفوذ على إجازة الوليّ كما في البيع وهو مذهب الأوزاعي
(1)
، وكذلك قال أبو ثور
(2)
، ولكنه يشترط إذن الوليّ لها في تزويج نفسها.
وتعقب بأن إذن الوليّ لا يصحّ إلا لمن ينوب عنه، والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأنَّ الحقّ لها؛ ولو أذن لها في إنكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها ولا يصحّ.
وفي حديث معقل
(3)
هذا دليل على أن السلطان لا يزوّج المرأة إلا بعد أن يأمر وليها بالرجوع عن العَضْلِ فإنْ أجاب فذاك، وإن أصرَّ زوَّجها.
[الباب الخامس عشر] باب الشهادة في النِّكاح
52/ 2672 - (عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "البَغايا اللَّاتي يُنْكِحْنَ أنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَينَةٍ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(4)
وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْر عَبْد الْأَعْلَى، وَأَنَّهُ قَدْ وَقَفَهُ مَرَّةً وَأَنَّ الوقْفَ أَصَحُّ، وَهَذَا لَا يَقْدَحُ لأنَّ عَبْدَ الْأَعْلَى ثِقَةٌ فَيُقْبَلُ رَفْعُهُ وَزِيادَتُهُ، وَقَدْ يَرْفَعُ الرَّاوِي الحَدِيثَ وَقَدْ يَقِفُهُ). [ضعيف]
53/ 2673 - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا نِكاحَ إلَّا بِوَليّ وَشاهِدَيْ عَدْلٍ"، ذَكَرَهُ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ الله)
(5)
. [صحيح بشواهده]
(1)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 187).
(2)
موسوعة فقه الإمام أبي ثور (ص 460).
(3)
تقدم برقم (51/ 2671) من كتابنا هذا.
(4)
في سننه رقم (1103).
قال أبو عيسى: هذا حديث غير محفوظ لا نعلم أحدًا رفعه إلا ما روي عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة مرفوعًا.
وهو حديث ضعيف.
(5)
عزاه الحافظ في "التلخيص"(3/ 322 - 323 رقم 1604) لأحمد.
ولم أقف عليه في مسند أحمد، كما أن الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 286 - 287) عزاه للطبراني - في المعجم الكبير (ج 18 رقم 299) -.
وقد صحح الألباني في "الإرواء"(6/ 261 رقم 1860) حديث عمران بن حصين لشواهده.
54/ 2674 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا نِكَاحَ إلا بِوَليّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسّلْطَانُ وَليّ مَنْ لا وَليَّ لَهُ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(1)
. [صحيح بطرقه وشواهده]
وَلمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأ
(2)
عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ المَكِّيّ أن عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ أُتِيَ بِنِكاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأةٌ، فَقَالَ: هَذَا نِكاحُ السرِّ ولا أجيزُه، وَلَوْ كُنْتَ تَقَدَّمْتَ فِيه لَرُجِمْتَ.). [موقوف ضعيف]
حديث ابن عباس قال الترمذي (3): هذا حديثٌ غيرُ محفوظٍ، لا نعلمُ أحدًا رفعهُ إلا ما رُوِي عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة مرفوعًا.
ورُوي عن عبد الأعلى عن سعيد هذا الحَديث موقوفًا.
والصحيح ما روي عن ابن عباس: "لا نكاح إلا ببينة".
وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن أبي عروبة نحو هذا موقوفًا.
وحديث عمران بن حصين أشار إليه الترمذي
(3)
وأخرجه أيضًا الدارقطني
(4)
والبيهقي
(5)
في العلل من حديث الحسن عنه، وفي إسناده [عبد الله بن محرر]
(6)
وهو متروك.
(1)
في السنن (3/ 225 رقم 23).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1247 - موارد) والبيهقي (7/ 125) من طرق عن ابن جريج به.
والخلاصة: أن الحديث صحيح بهذه المتابعات والطرق التي أشار إليها الدارقطني، وكذلك الشواهد. انظر: الإرواء (6/ 258 رقم 1858).
(2)
في الموطأ (2/ 535 رقم 26).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 126) وفى معرفة السنن والآثار (5/ 254 رقم 4103 - العلمية).
قال البيهقي بإثره: هذا عن عمر منقطع.
والخلاصة: أنه موقوف ضعيف.
(3)
في السنن (3/ 412).
(4)
في سننه (3/ 225 رقم 21).
(5)
في السنن الكبرى (7/ 125).
(6)
في المخطوط (ب): (عبد الله بن محرز) وهو خطأ والمثبت من (أ)، وانظر: المجروحين (2/ 22) والميزان (2/ 500 - 501).
ورواهُ الشافعيُّ
(1)
من وجه آخر عن الحسن مرسلًا وقال: هذا وإن كان منقطعًا فإن أكثر أهل العلم يقولون به.
وحديث عائشة أخرجه أيضًا البيهقي
(2)
من طريق محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي عن عيسى بن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة كذلك، وقد توبع الرقي عن عيسى.
ورواه سعيد بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ويزيد بن سنان ونوح بن دراج وعبد الله بن حكيم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كذلك
(3)
.
وقد ضعف ابن معين ذلك كلَّه وأقرَّه البيهقي، وقد تقدم في باب: لا نكاح إلَّا بوليّ
(4)
، طرف منه.
وفي الباب عن ابن عباس غير حديثه المذكور عند الشافعي
(5)
والبيهقي
(6)
من طريق ابن خثيم عن سعيد بن جبير عنه موقوفًا بلفظ: "لا نكاح إلا بوليّ مرشد وشاهدي عدل"، وقال البيهقي
(7)
بعد أن رواه من طريق أخرى عن [ابن]
(8)
خثيم بسنده مرفوعًا بلفظ: "لا نكاح إلا بإذن وليّ مرشد أو سلطان"، قال: والمحفوظ الموقوف، ثم رواه
(9)
من طريق الثوري عن [ابن](8) خثيم به.
ومن طريق عديّ بن الفضل عن أبي خثيم بسنده مرفوعًا بلفظ: "لا نكاح إلا بوليّ وشاهدي عدل، فإن نكحها وليّ مسخوط عليه فنكاحها باطل"
(10)
،
(1)
في الأم (6/ 431 - 432 رقم 2465).
(2)
في السنن الكبرى (7/ 125) وقد تقدم.
(3)
البيهقي في السنن الكبرى (7/ 125).
(4)
في الباب الثالث عشر عند الحديث (2658) من كتابنا هذا.
(5)
في المسند (ج 2 رقم 22 - ترتيب).
(6)
في السنن الكبرى (7/ 125).
موقوف بسند ضعيف، وهو صحيح.
(7)
في السنن الكبرى (7/ 124).
(8)
في المخطوط (أ): (أبي) والمثبت من (ب).
(9)
أي: البيهقي في السنن الكبرى (7/ 124).
(10)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 124) بسند ضعيف.
وعديّ بن الفضل ضعيف
(1)
.
وعن أبي هريرة مرفوعًا وموقوفًا عند البيهقي
(2)
بلفظ: "لا نكاح إلا بأربعة: خاطب ووليّ وشاهدين"، وفى إسناده المغيرة بن موسى البصري
(3)
، قال البخاري
(4)
: منكر الحديث.
وعن عائشة غير حديث الباب عند الدارقطني
(5)
بلفظ: "لا بد في النِّكاح من أربعة: الوليّ والزوج والشاهدين"، وفي إسناده أبو الخصيب نافع بن ميسرة
(6)
، مجهول.
وروى نحوه البيهقي في الخلافيات
(7)
عن ابن عباس موقوفًا وصححه، وابن أبي شيبة
(8)
بنحوه عنه أيضًا.
وعن أنس أشار إليه الترمذي
(9)
.
وقد استدلّ بأحاديث الباب من جعل الإشهاد شرطًا.
وقد حكى ذلك في البحر
(10)
عن عليّ، وعمر، وابن عباس، والعترة، والشعبي، وابن المسيب، والأوزاعي، والشافعي
(11)
، وأبي حنيفة
(12)
، وأحمد بن حنبل
(13)
.
(1)
انظر ترجمته في: "الميزان"(3/ 62) و "الجرح والتعديل"(7/ 4).
والمجروحين (2/ 187).
(2)
في السنن الكبرى (7/ 143) بسند ضعيف.
(3)
قال ابن عدي: ثقة لا أعلم له حديثًا منكرًا.
انظر: الميزان (4/ 166) والمجروحين (3/ 7).
(4)
في "التاريخ الكبير"(7/ 319).
(5)
في سننه (3/ 225).
(6)
قال الذهبي في الميزان (4/ 242 رقم 8996): نافع بن ميسرة، عن هشام بن عروة. قال الدارقطني: مجهول.
(7)
كما في مختصر الخلافيات (4/ 124).
(8)
في المصنف (4/ 131).
(9)
في السنن (3/ 412).
(10)
البحر الزخار (3/ 27).
(11)
البيان للعمراني (9/ 221) وقال أيضًا: "وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، والحسن البصري، وابن المسيّب، والنخعي والشعبي، والأوزاعي وأحمد".
(12)
المبسوط (5/ 130 - 131) والبناية في شرح الهداية (4/ 490 - 491).
(13)
المغني (9/ 455).
قال الترمذي
(1)
: "والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهُم من التابعين وغيرهم.
قالوا: "لا نكاحَ إلا بشهودٍ" لم يختلِفُوا في ذلكَ من مضى منهم، إلا قوم من المتأخرينَ من أهل العلم.
وإنما اختلفَ أهلُ العلمِ في هذا إذا شهِدَ واحِدٌ بعدَ واحِدٍ، فقالَ أكثر أهل العلمِ من الكوفةِ وغيرهم: لا يجوزُ النِّكاحُ حتى يشهدَ الشاهدانِ معًا عند عُقْدَةِ النِّكاح، وقد روى بعضُ أهل المدينة: إذا شهد واحدٌ بعدَ واحدٍ، فإنه جائز إذا أعلنوا ذلك، وهو قول مالك بن أنس
(2)
وغيره.
وقال بعضُ أهلِ العلمِ: يجوزُ شهادةُ رجلٍ وامرأتين في النِّكاح وهو قول أحمد وإسحاق". انتهى كلام الترمذي.
وحكى في البحر
(3)
عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن مهدي وداود
(4)
أنه لا يعتبر الإشهاد.
وحكى أيضًا
(5)
عن مالك
(6)
أنه يكفي الإعلان بالنكاح.
والحق ما ذهب إليه الأوّلون، لأن أحاديث الباب يقوّي بعضها بعضًا، والنفي في قوله:"لا نكاح" يتوجه إلى الصحة، وذلك يستلزم أن يكون الإشهاد شرطًا لأنه قد استلزم عدمه عدم الصحة وما كان كذلك فهو شرط.
واختلفوا في اعتبار العدالة في شهود النِّكاح؛ فذهبت القاسمية
(7)
والشافعي
(8)
إلى أنها تعتبر.
(1)
في السنن (3/ 412).
(2)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 572 - 573).
(3)
البحر الزخار (3/ 27).
وقال العمراني في "البيان"(9/ 221): "وقال ابن عمر، وابنُ الزبير، وعبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ، وداودُ، وأهل الظاهر: (لا يفتقرُ النِّكاح إلى الشهادة)، وبه قال مالكٌ، إلا أنَّهُ قال: "من شرطهِ أَنْ لا يتواصَوا بكتمانه، فإن تواصَوا على كتمانه .. لم يصحَّ النِّكاحُ وإنْ حضَرهُ شهود وبه قال الزهري".
(4)
المحلى (9/ 465).
(5)
أي في البحر الزخار (3/ 27).
(6)
عيون المجالس (3/ 1049).
(7)
البحر الزخار (3/ 27).
(8)
البيان للعمراني (9/ 222).
وذهب زيد بن عليّ وأحمد بن عيسى
(1)
وأبو عبد الله الداعي، وأبو حنيفة
(2)
[إلى]
(3)
أنها لا تعتبر.
والحقّ القول الأوّل لتقييد الشهادة المعتبرة في حديث عمران بن حصين
(4)
وعائشة
(5)
اللذين ذكرهما المصنف، وكذلك حديث ابن عباس الذي ذكرناه بالعدالة
(6)
.
[الباب السادس عشر] باب ما جاء في الكفاءَة في النِّكاح
55/ 2675 - (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُرَيْد عَنْ أَبِيه قَالَ: جَاءَتْ فَتاةٌ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إنَّ أبي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بي خَسِيسَتَهُ، قالَ: فَجَعَلَ الْأَمْر إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ ما صَنَعَ أبي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَ النِّساء أنْ لَيْسَ إلى الآباءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ. رَوَاهُ ابْن مَاجَهْ
(7)
. [ضعيف شاذ]
وَرَوَاهُ أَحْمَد
(8)
وَالنَّسائيُّ
(9)
مِنْ حَدِيث ابْنِ بُرَيْدةَ). [ضعيف شاذ]
(1)
البحر الزخار (3/ 27).
(2)
المبسوط (5/ 31) والبناية في شرح الهداية (4/ 494).
(3)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(4)
تقدم برقم (2673) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم برقم (2674) من كتابنا هذا.
(6)
انظر ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في: "مجموع الفتاوى"(32/ 137).
(7)
في سننه رقم (1874).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 79): "هذا إسناد رجاله ثقات".
وهو حديث ضعيف شاذ، والله أعلم.
(8)
في المسند (6/ 136).
(9)
في سننه رقم (3269).
قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 232) والبيهقي (7/ 118) كلهم من حديث ابن بريدة عن عائشة.
وهذا إسناد ظاهره الصحة إلا أن أكثر من رواه عن كهمس عن ابن بريدة عن عائشة؛ لأن ابن بريدة لم يسمع من عائشة رضي الله عنها.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف شاذ، والله أعلم.
56/ 2676 - (عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: لأَمْنَعَنَّ تَزَوُّجَ ذَوَاتَ الأحْسابِ إلَّا مِنَ الأكْفَاءِ. رَوَاه الدَّارَقُطْنِي)
(1)
. [ضعيف]
57/ 2677 - (وَعَنْ أَبِي حَاتِمٍ المُزَني قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أتاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَه وَخُلُقَه فَأنْكِحُوه إِلَّا تَفْعَلُوه تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ"، قالُوا: يا رَسُولَ الله وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَه وَخُلُقَه فأنْكِحُوه"، ثَلاثَ مَرّاتٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حسن غَرِيبٌ). [حسن لغيره]
58/ 2678 - (وَعَنْ عائِشَةَ: أنّ أبا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَبَنَّى سَالِمًا وَأنْكَحَه ابْنَةَ أخِيه الوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُوَ مَوْلَى امْرأةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، رَوَاهُ الْبُخارِيُّ
(3)
وَالنَّسَائِيُّ
(4)
وأبُو دَاوُدَ)
(5)
. [صحيح]
59/ 2679 - (وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبْي سُفْيَانَ الجُمَحِيّ عَنْ أمِّهِ قَالَتْ: رأيْت أخْتَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ تَحْتَ بِلالٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنْيُّ)
(6)
. [إسناده حسن]
حديث عبد الله بن بريدة أخرجه ابن ماجه
(7)
بإسناد رجاله رجال الصحيح، فإنه قال في سننه: حدثنا هناد بن السريّ، حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن، عن ابن بريدة عن أبيه.
(1)
في سننه (3/ 298 رقم 195) بسند منقطع بين إبراهيم بن محمد، وعمر رضي الله عنه.
(2)
في سننه رقم (1085) وقال: هذا حديث حسن غريب.
وهو حديث حسن لغيره، والله أعلم.
(3)
في صحيحه رقم (5088).
(4)
في سننه رقم (3224).
(5)
في سننه رقم (2061).
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(6)
في سننه (3/ 301 - 302 رقم 207).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 137) من طريق الدارقطني.
وإسناده حسن.
• قلت: أخت عبد الرحمن بن عوف، اسمها "هالةُ بنتُ عَوفُ".
(7)
تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (7).
وأخرجه النسائي من طريق زياد بن أيوب وهو ثقة عن عليّ [وهو]
(1)
ابن غراب، وهو صدوق عن كهمس بهذا الإسناد.
ويشهد له حديث ابن عباس
(2)
في الجارية البكر التي زوّجها أبوها وهي كارهة، فخيَّرها النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وكذلك تشهد له الأحاديث الواردة في استئمار الناس على العموم.
وكذلك حديث خنساء بنت خدام
(3)
، وقد تقدم جميع ذلك في باب ما جاء في الإجبار والاستئمار
(4)
، وإنما ذكر المصنف حديث بريدة
(5)
ههنا لقولها فيه: "ليرفع بي خسيسته" فإن ذلك مشعر بأنه غير كفء لها.
وحديث أبي حاتم المزني
(6)
ذكر المصنف أن الترمذي
(7)
حسّنه ووافقه المناوي
(8)
على نقل التحسين عن الترمذي، ثم نقل عن البخاري أنه لم يعده محفوظًا، وعده أبو داود في المراسيل
(9)
، وأعله ابن القطان [بالإرسال]
(10)
وضعف راويه، وأبو حاتم المزني له صحبة، ولا يُعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث.
وقد أخرج الترمذي
(11)
أيضًا هذا الحديث من حديث أبي هريرة ولفظه
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).
(2)
تقدم برقم (2667) من كتابنا هذا.
(3)
تقدم برقم (2662) من كتابنا هذا.
(4)
الباب الثاني عشر عند الحديث رقم (2660) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم برقم (2675) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم برقم (2677) من كتابنا هذا.
(7)
في السنن (3/ 395).
(8)
في "فيض القدير"(1/ 243 رقم 347).
(9)
رقم (224) بسند ضعيف.
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1085) والدولابي في "الكنى"(1/ 25) والبيهقي (7/ 82).
قال الترمذي: حديث حسن غريب.
وله شاهد على ضعفه يتقوى به من حديث أبي هريرة بلفظ: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
أخرجه الترمذي رقم (1084) وابن ماجه رقم (1967) والحاكم (2/ 164 - 165). ولا بأس به في الشواهد.
(10)
في المخطوط (أ): (الإرسال).
(11)
في السنن رقم (1084) وقد تقدم آنفًا.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
وقال: قد خولف عبد الحميد بن سليمان
(1)
في هذا الحديث، ورواه الليث بن سعد [عن أبي عجلان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم]
(2)
قال البخاري: وحديث الليث أشبه ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظًا.
وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي داود
(3)
: "أن أبا هند حجم النبيّ صلى الله عليه وسلم في اليافوخ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه"، وأخرجه أيضًا الحاكم
(4)
وحسنه الحافظ في التلخيص
(5)
.
وعن علي عند الترمذي
(6)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ثلاثٌ لا تؤخرُ: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا [وجدت]
(7)
لها كفؤًا".
وعن ابن عمر عند الحاكم
(8)
أنه صلى الله عليه وسلم قال: "العربُ أكفَاءُ بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة وحيّ لحيّ ورجل لرجل، إلا حائك أو حجام"، وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عن ابن جريج، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث فقال: هذا كذب لا أصل له
(9)
. وقال في موضع آخر
(10)
: باطل.
(1)
وهو ضعيف.
(2)
كذا في (أ)، (ب) وفي سنن الترمذي:[عن ابن عجلان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم].
(3)
في السنن رقم (2102).
(4)
في المستدرك (2/ 164) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
(5)
في "التلخيص"(3/ 337).
وهو حديث حسن، والله أعلم.
(6)
في السنن رقم (171) وقال: غريب حسن.
وهو حديث ضعيف.
(7)
في المخطوط (ب): (وجد).
(8)
لم أقف عليه في المستدرك؛ وإنما أخرجه البيهقي (7/ 134) من طريق الحاكم.
وقال البيهقي: "هذا منقطع بين شجاع وابن جريج حيث لم يسمع شجاع بعض أصحابه". اهـ.
قلت: وابن جريج مدلس وقد عنعنه.
وقد حكم الألباني على الحديث بالوضع في "ضعيف الجامع"(4/ 66 رقم 3861).
(9)
في "العلل"(1/ 412 رقم 1236).
(10)
في "العلل"(1/ 421 رقم 1267) وزاد: أنا نهيت ابن أبي شريح أن يحدث به". اهـ. =
ورواه ابن عبد البرّ في التمهيد
(1)
من طريق أخرى عنه. قال الدارقطني في العلل: لا يصح. اهـ.
وفي إسناد ابن عبد البرّ عمران بن أبي الفضل. قال ابن حبان
(2)
: يروي الموضوعات عن الثقات.
وقال ابن أبي حاتم
(3)
: سألت عنه أبي فقال: منكر، وقد حدّث به هشام بن عبيد الله الرازي فزاد فيه بعد:"أو حجام أو دباغ"، قال: فاجتمع به الدباغون وهموا به، وقال ابن عبد البر (1): هذا منكر موضوع.
وذكره [ابن الجوزي أيضًا]
(4)
في العلل المتناهية
(5)
من طريقين إلى ابن عمر في أحدهما عليّ بن عروة، وقد رماه ابن حبان
(6)
بالوضع.
وفي الأخرى محمد بن الفضل بن عطية
(7)
وهو متروك.
= قلت: وقد حكم عليه بالوضع أيضًا: ابن حبان في "المجروحين"(2/ 124).
والذهبي في "الميزان"(3/ 241) وابن عدي في "الكامل"(5/ 1749).
(1)
في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"(19/ 164 - 165).
وقال: "هذا منكر موضوع، وله طرق كلها واهية". اهـ.
(2)
في المجروحين (2/ 124).
(3)
في "الجرح والتعديل"(6/ 303) وفيه: سألت أبي عنه فقال: ضعيف الحديث منكر الحديث جدًّا. روى عن إسماعيل بن عياش حديثين باطلين موضوعين.
(4)
ما بين الخاصرتين سقط من (أ).
(5)
(2/ 128 - 129 رقم 1017، 1018، 1019).
وقال ابن الجوزي: "تفرد به محمد بن زكريا عن سويد، وهذا الحديث لا يصح.
أما الطريق الأولى: ففيه عمران. قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب. وقال يحيى: ليس بشيء.
وفي الطريق الثاني: عثمان بن عبد الرحمن وهو مجروح، وفيه علي بن عروة، قال يحيى: ليس بشيء. وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث. وقال ابن حبان يضع الحديث.
وأما الطريق الثالث: فبقية مغموز بالتدليس، ومحمد بن الفضل مطعون فيه". اهـ.
(6)
في "المجروحين"(2/ 107).
(7)
قال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 278) عنه: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار.
والأولى في ابن عدي
(1)
.
والثانية في الدارقطني
(2)
.
وله طريق أخرى عن غير ابن عمر رواه البزار في مسنده
(3)
من حديث معاذ بن جبل رفعه: "العرب بعضها لبعض أكفاء"، وفيه سليمان بن أبي الجون.
قال ابن القطان
(4)
: لا يعرف، ثم هو من رواية خالد بن معدان، عن معاذ ولم يسمع منه
(5)
.
وفي المتفق عليه
(6)
من حديث أبي هريرة: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".
قوله: (إلا من الأكفاء)
(7)
جمع كُفْء بضم أوله وسكون الفاء بعدها همزة: وهو المثل والنظير.
قوله: (من ترضون دينه وخلقه)، فيه دليلٌ على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق، وقد جزم بأنَّ اعتبار الكفاءة مختصّ بالدين مالك
(8)
، ونقل: عن عمر
(9)
، وابن مسعود (9). ومن التابعين: عن محمد بن سيرين (9)، وعمر بن عبد العزيز (9)،
(1)
في "الكامل"(5/ 209).
(2)
كما في "نصب الراية"(3/ 198). ولم أقف عليه في السنن.
(3)
في المسند رقم (1424 - كشف) بسند ضعيف.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 275) وقال: رواه البزار وفيه سليمان بن أبي الجون، لم أجد من ذكره، وبقية رجاله رجال الصحيح".
(4)
في "بيان الوهم والإيهام"(3/ 62 - 63 رقم 727).
(5)
ورواية خالد بنُ معدان عن معاذ بن جبل مرسلة لم يسمع منه. وربما كان بينهما اثنان، كما في المراسيل لابن أبي حاتم (ص 52 رقم 184).
وقال الترمذي في سنه (4/ 661 بإثر الحديث 2505): خالد بنُ معدان لم يدرك معاذ بن جبل.
وانظر: "تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل" للعراقي (ص 93).
(6)
أحمد في المسند (2/ 485) والبخاري رقم (3493) ومسلم رقم (168/ 2378).
(7)
النهاية (2/ 546) وانظر: الفتح (9/ 132).
(8)
المدونة (2/ 140) وعيون المجالس (3/ 1043 رقم 738).
(9)
حكاه عنهم ابن قدامة في المغني (9/ 388).
ويدلّ عليه قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
(1)
، واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور
(2)
.
وقال أبو حنيفة
(3)
: قريش أكْفاء بعضهم بعضًا، والعرب كذلك، وليس أحد من العرب كفؤًا لقريش، كما ليس أحد من غير العرب كفؤًا للعرب، وهو وجه للشافعية
(4)
.
قال في الفتح
(5)
: والصحيحُ تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم، ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض.
وقال الثوري
(6)
: إذا نكح المولى العربية يفسخ النِّكاح، وبه قال أحمد في رواية
(7)
، وتوسَّط الشافعي
(8)
فقال: ليس نكاحُ غير الأكفاء حرامًا فأردُّ به النكاحَ، وإنما هو تقصيرٌ بالمرأة والأولياء، فإذا رضُوا صحَّ، ويكون حقًّا لهم تركوه، فلو رضُوا إلا واحدًا فله فسخُه.
قال: ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنَّسبِ حديث.
(1)
سورة الحجرات، الآية:(13).
• وهناك آيات أخر في اعتبار الكفاءة في الدين:
(منها) قوله تعالى في سورة البقرة الآية (221): {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)} .
(ومنها) قوله تعالى في سورة الحجرات الآية (10): {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} .
(ومنها) قوله تعالى في سورة براءة الآية (71): {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} .
(ومنها) الآية (10) من سورة الممتحنة.
(ومنها) الآية (73) من سورة الأنفال.
(ومنها) الآية (26) من سورة النور.
(2)
الفتح (9/ 132).
(3)
المبسوط (5/ 52 - 53).
(4)
روضة الطالبين (7/ 80 - 81) والبيان للعمراني (9/ 201).
(5)
(9/ 132).
(6)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 132) وابن قدامة في المغني (9/ 387).
(7)
المغني (9/ 387).
(8)
البيان للعمراني (9/ 198 - 199) وروضة الطالبين (7/ 80 - 81).
وأما ما أخرجه البزار
(1)
من حديث معاذ رفعه: "العرب بعضهم أكفاء بعض، والموالي بعضهم أكفاء بعض" فإسناده ضعيف.
واحتجّ البيهقي
(2)
بحديث: "إن الله اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل
…
" الحديث، وهو صحيح أخرجه مسلم
(3)
لكن في الاحتجاج به لذلك نظر.
وقد ضم إليه بعضهم حديث: "قَدِّموا قريشًا ولا تَقَدَّموها"
(4)
، ونقل ابن
(1)
في المسند (رقم 1424 - كشف) بسند ضعيف وقد تقدم آنفًا.
(2)
في السنن الكبرى (7/ 134).
(3)
في صحيحه برقم (1/ 2276).
(4)
وهو حديث صحيح.
روي من حديث الزهري مرسلًا، ومن حديث عبد الله بن السائب، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وجبير بن مطعم.
• وأما حديث الزهري فأخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(4/ 211 رقم 5912) والشافعي في المسند (ج 2 رقم 693) عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قدِّموا قريشًا ولا تقدَّموها، وتعلموا منها، ولا تعالموها أو تعلموها".
وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 121) من طريق معمر عن الزهري عن ابن أبي حثمة مرفوعًا به، وزاد:"فإن للقرشي مثل قوة الرجلين من غيرهم، يعني في الرأي".
وقال: هذا مرسل، وروي موصولًا وليس بالقوي.
قلت: وابن أبي حثمة هو أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وهو تابعي ثقة. (التقريب 2/ 397 رقم 43).
• أما حديث عبد الله بن السائب، فأخرجه الطبراني من حديث أبي معشر عن سعيد المقبري عن السائب. وأبو معشر ضعيف، كما في "التلخيص"(2/ 36 رقم 579 - المعرفة).
• وأما حديث علي بن أبي طالب فأخرجه الطبراني، وفيه: أبو معشر وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح، كما في "مجمع الزوائد"(10/ 25).
قلت: أبو معشر ضعيف أسنَّ واختلط توفي سنة (170 هـ). (التقريب: 2/ 298 رقم 46).
• وأما حديث أنس فأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(9/ 64) وفيه محمد بن يونس وهو الكُديمي وهو ضعيف. (التقريب: 2/ 222 رقم 850).
• وأما حديث جبير بن مطعم فأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 141 - 144) كما في "التلخيص"(2/ 36 - المعرفة) وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(9/ 64).
وقال ابن حجر في "التلخيص": "وقد جمعت طرقه في جزء كبير".
كما أشار الحافظ في "الفتح"(13/ 118) إلى صحة الحديث.
وصححه الألباني في الإرواء رقم (519).
المنذر عن البويطي أن الشافعي
(1)
قال: الكفاءة في الدين، وهو كذلك في مختصر البويطي.
قال الرافعي
(2)
: وهو خلاف المشهور.
قال في الفتح
(3)
: واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه، فلا تحلّ المسلمة لكافر.
قال الخطابي
(4)
: إن الكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء بأربعة أشياء: الدين، والحرية، والنسب، والصناعة.
ومنهم من اعتبرَ السَّلامة من العيوب، واعتبر بعضهم اليسار.
ويدلّ على ذلك ما أخرجه أحمد
(5)
والنسائي
(6)
وصححه ابن حبان
(7)
والحاكم
(8)
من حديث بريدة رفعه: "إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال".
وما أخرجه أحمد
(9)
والترمذي وصححه
(10)
هو والحاكم
(11)
من حديث [سمرة]
(12)
رفعه: "الحسب المال، والكرم التقوى".
(1)
البيان للعمراني (9/ 201) والمهذب (4/ 131) والمعرفة في السنن والآثار (10/ 64 - 66).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 133).
(3)
(9/ 133).
(4)
في معالم السنن (2/ 580 - مع السنن).
(5)
في المسند (5/ 361).
(6)
في السنن (رقم 3225).
(7)
في صحيحه رقم (700).
(8)
في المستدرك (2/ 163) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد" رقم (228) وتمام في فوائده رقم (1630) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (982) والبيهقي في الشعب رقم (10310) والخطيب في تاريخ بغداد (1/ 318).
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(9)
في المسند (5/ 10) بسند ضعيف لعدم تصريح الحسن بسماعه من سمرة.
(10)
في سننه رقم (3271) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(11)
في المستدرك (2/ 163) وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي.
(12)
في المخطوط (ب): (ميمونة) والمثبت من المخطوط (أ) ومن الفتح (9/ 135).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (4219) وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" رقم (4) =
قال في الفتح
(1)
: يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له، فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له، أو أن من شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعًا، ووضعة من كان مقلًّا ولو كان رفيع النسب كما هو موجود مشاهد، فعلى الاحتمال الأوّل يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال لا على الثاني، وقد قدمنا الإشارة إلى شيء من هذا في باب صفة المرأة التي تستحبّ خطبتها.
قوله: (تبنَّى سالمًا) بفتح المثناة الفوقية، والموحدة، وتشديد النون: أي اتخذه ابنًا، وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة، ولم يكن مولاه وإنما كان يلازمه، بل هو مولى امرأة من الأنصار كما وقع في حديث الباب.
وهذا الحديث فيه دليل على أن الكفاءة تغتفر برضا الأعلى لا مع عدم الرضا، فقد خيَّر النبيّ صلى الله عليه وسلم بريرة لما لم يكن زوجها كفؤًا لها بعد الحرية.
وقد قدمنا الخلاف هل كان عبدًا أو حرًّا، والراجح أنه كان عبدًا كما سيأتي في باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد.
قال الشافعي: أصل الكفاءة في النِّكاح حديث بريرة، يعني هذا، ومن جملة الأمور الموجبة لرفعة المتصف بها، الصنائع العالية وأعلاها على الإطلاق: العلم؛ لحديث: "العلماء ورثة الأنبياء"، أخرجه أحمد
(2)
وأبو داود
(3)
والترمذي
(4)
وابن حبان
(5)
من
= وابن أبي عاصم في الزهد رقم (229) والطبراني في المعجم الكبير رقم (6913) والدارقطني (3/ 302) وأبو نعيم في "الحلية"(6/ 190) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 135 - 136) والبغوي في شرح السنة رقم (3545) وحسنه.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(1)
(9/ 135).
(2)
في المسند (5/ 196).
(3)
في سننه رقم (3641).
(4)
في سننه رقم (2682).
(5)
في صحيحه رقم (88).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (223) والدارمي (1/ 98).
وأورد البخاري طرفًا من الحديث في "صحيحه" في العلم: باب: العلم قبل القول والعمل.
وقال الحافظ في "الفتح"(1/ 160): "طرف من حديث أخرجه أبو داود، والترمذي وابن حبان، والحاكم مصححًا من حديث أبي الدرداء، وحسنه حمزة الكِناني، وضعفه غيرهم =
حديث أبي الدرداء، وضعفه الدارقطني في العلل
(1)
.
قال المنذري
(2)
: وهو مضطرب الإسناد، وقد ذكره البخاري في صحيحه
(3)
بغير إسناد.
والقرآن شاهد صدق على ما ذكرنا، فمن ذلك قوله تعالى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}
(4)
.
وقوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
(5)
.
وقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}
(6)
وغير ذلك من الآيات والأحاديث المتكاثرة، منها حديث:"خياركم في الجاهلية" وقد تقدم
(7)
.
[الباب السابع عشر] باب استحبابِ الخُطبةِ للنكاح وما يُدعى به للمتزوج
60/ 2680 - (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: عَلّمَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم التّشَهُدَ فِي الصلاةِ وَالتَّشَهُّدَ فِي الحَاجَةِ، وَذَكَرَ تَشَهُّدَ الصَّلَاةِ، قَالَ: وَالتَّشَهُّدُ فِي الْحَاجَةِ: إِنَّ الْحَمْدَ لله نَسْتَعِينُه وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
= بالاضطراب في سنده. لكن له شواهد يتقوى بها". اهـ.
قلت: وقد ذكر الخلاف أيضًا الحافظ ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" وأطال فيه فراجعه (1/ 33 - 37 - العلمية).
وقال المحدث الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 139): "ومدار الحديث على "داود بن جميل" عن "كثير بن قيس" وهما مجهولان. لكن أخرجه أبو داود برقم (3642) من طريق أخرى عن أبي الدرداء بسند حسن".
وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(1)
في العلل (6/ 216).
(2)
في "مختصر سنن أبي داود"(5/ 243).
(3)
معلقًا (1/ 159 - 160) وقد تقدم.
(4)
سورة الزمر، الآية:(9).
(5)
سورة المجادلة، الآية:(11).
(6)
سورة آل عمران، الآية:(18).
(7)
وهو حديث متفق عليه وقد تقدم آنفًا.
قَالَ: وَيَقْرَأُ ثَلاثَ آياتٍ، فَفَسّرَها سُفْيَانُ الثّوْرِيُّ:{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
(1)
(2)
، {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}
(3)
الآيَةَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُ
(4)
وصَحَّحَهُ). [صحيح]
61/ 2681 - (وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَ: خَطَبْتُ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَامَةَ بنت عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أنْ يَتَشَهَّدَ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)
(5)
. [ضعيف]
(1)
سورة آل عمران، الآية:(102).
(2)
سورة النساء، الآية:(1).
(3)
سورة الأحزاب، الآية:(70).
(4)
في سننه رقم (1105) وقال: هذا حديث حسن.
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2118) والنسائي (6/ 89) وابن ماجه رقم (1892) وأحمد (1/ 392 - 393، 432) والحاكم في المستدرك (2/ 182 - 183) والدارمي (2/ 142) وابن الجارود رقم (679) والبيهقي (7/ 146) والطيالسي رقم (338) وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 178) زاد الطيالسي والبيهقي عن شعبة، قال: قلت لأبي إسحاق: هذه في خطبة النِّكاح وفي غيرها؟ قال: في كل حاجة.
قال المحدث الألباني في كتابه: "خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه": وردت هذه الخطبة المباركة عن ستة من الصحابة، هم: عبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وعبد اللهِ بن عباس، وجابر بن عبد الله، ونبيط بن شريط، وعائشة رضي الله عنهم.
وعن تابعي واحد هو الزهري رحمه الله. ثم تكلم عليها على هذا النسق.
وقال في الخاتمة: قد تبين لنا من مجموع الأحاديث المتقدمة أن هذه الخطبة تفتح بها جميع الخطب سواء كانت خطبة نكاح أو خطبة جمعة أو غيرها. فليست خاصة بالنكاح كما قد يظن، وفي بعض طرق حديث ابن مسعود التصريح بذلك كما تقدم، وقد أيد ذلك عمل السلف الصالح فكانوا يفتتحون كتبهم بهذه الخطبة ثم ذكر بعضًا منهم.
والخلاصة: أن حديث ابن مسعود حديث صحيح، والله أعلم.
(5)
في سننه رقم (2120).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 147) من طريق العلاء ابن أخي شعيب الرازي عن إسماعيل بن إبراهيم عن رجل من بني سليم قال:
…
فذكره.
وهذا سند ضعيف، لأن إسماعيل هذا مجهول كما قال الحافظ في "التقريب" رقم (418).
ومثله العلاء ابن أخي شعيب الرازي، قال الذهبي في "الميزان" (3/ 107 رقم 5751):"لا يعرف".
قال الألباني في الإرواء (6/ 223): "قلت: وقد خولف في إسناده، فأخرجه البيهقي من =
62/ 2682 - (وَعَنْ أبي هريرة: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا رَفَّأ إِنْسانًا إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ: "بَارَكَ الله لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَع بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النّسائيَّ وَصَحَّحَه التِّرْمِذِيُّ)
(1)
. [صحيح]
63/ 2683 - (وَعَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أنّه تَزَوَّجَ امْرَأةً مِنْ بَنِي جُشَمٍ، فَقَالُوا: بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينِ، فَقَالَ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ وَبَاركْ عَلَيْهِمْ"، رَوَاهُ النَّسائي
(2)
وَابْن مَاجَهْ
(3)
وَأحْمَد
(4)
بِمَعْنَاه.
وَفي رِوَايَةٍ لَهُ
(5)
: لا تَقُولُوا ذلكَ. فإنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَانَا عَنْ ذلكَ، قُولُوا: بارَكَ الله فِيكَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيهَا). [صحيح]
حديث ابن مسعود أخرجه أيضًا أبو داود
(6)
والنسائي
(7)
والحاكم
(8)
= طريق البخاري، وهذا في "التاريخ" (1/ 343/1 - 345) عن حفص بن عمر بن عامر السلمي: ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن عباد بن شيبان، عن أبيه عن جده:"خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عمته، فأنكحني، ولم يتشهد".
وقال البيهقي: "وقد قيل غير ذلك، والله أعلم".
قلت: ففي الإسناد إذن مع الجهالة اضطراب يؤكد ضعف الحديث. والله أعلم، وقال البخاري عقب بيانه لاضطرابه:"إسناده مجهول". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث حديث ضعيف، والله أعلم.
(1)
أحمد في المسند (2/ 381) وأبو داود رقم (2130) والترمذي رقم (1091) وقال: هذا حديث حسن صحيح والنسائي في السنن الكبرى رقم (10089 - العلمية) وابن ماجه رقم (1905).
قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (4052) والبيهقي (7/ 148) والحاكم في المستدرك (2/ 183) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
(2)
في سننه رقم (3371).
(3)
في سننه رقم (1906).
(4)
في المسند (1/ 201).
(5)
أي لأحمد في المسند (3/ 451).
وهو حديث صحيح.
(6)
في سننه رقم (2118) وقد تقدم.
(7)
في سننه (6/ 89) وقد تقدم.
(8)
في المستدرك (2/ 182 - 183) وقد تقدم.
والبيهقي
(1)
، وهو من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه.
وقد رواه الحاكم من طريق أخرى عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود وليس فيه الآيات.
ورواه أيضًا من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة أن عبد الله قال:
…
فذكر نحوه.
ورواه البيهقي
(2)
من حديث واصل الأحدب عن شقيق عن ابن مسعود بتمامه.
وفي رواية للبيهقي
(3)
: "إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من النِّكاح أو غيره فليقل: الحمد لله نحمده ونستعينه
…
" إلخ.
وروى المصنف
(4)
عن الترمذي أنه صحح حديث ابن مسعود، والذي رأيناه في نسخة صحيحة منه التحسين فقط، وكذلك روى الحافظ عنه في بلوغ المرام
(5)
، والمنذري في مختصر السنن
(6)
، التحسين فقط، ولكنه قال الترمذي
(7)
بعد أن ذكر أن الحديث حسن ما لفظه: رواه الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلا الحديثين صحيح، لأن إسرائيل جمعهما فقال: عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وحديث إسماعيل بن إبراهيم أخرجه أيضًا البخاري في تاريخه الكبير
(8)
وقال: إسناده مجهول، ووقع عنه في رواية أمامة بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فكأنها نسبت في رواية أبي داود إلى جدّها، انتهى.
وأما جهالة الصحابي المذكور فغير قادحة كما قرّرنا في هذا الشرح غير مرة.
(1)
في السنن الكبرى (7/ 146) وقد تقدم.
(2)
في السنن الكبرى (7/ 146 - 147).
(3)
في السنن الكبرى (7/ 146).
(4)
ابن تيمية الجد في الحديث رقم (60/ 2680) من كتابنا هذا.
(5)
رقم الحديث (6/ 917) بتحقيقي.
(6)
(3/ 54).
(7)
في السنن (3/ 414).
(8)
(1/ 343/1 - 345) وقد تقدم.
وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود
(1)
والمنذري
(2)
وقال الترمذي
(3)
: حسن صحيح، وصححه أيضًا ابن حبان
(4)
والحاكم
(5)
.
وحديث عقيل أخرجه أيضًا أبو يعلى
(6)
والطبراني
(7)
وهو من رواية الحسن عن عقيل.
قال في الفتح
(8)
: ورجاله ثقاتٌ إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال:
وفي الباب عن [هبَّار]
(9)
عند الطبراني
(10)
: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم شهد نكاح رجل
(1)
في السنن (2/ 599).
(2)
في مختصر السنن (3/ 60).
(3)
في السنن (3/ 400).
(4)
في صحيحه رقم (4052) وقد تقدم.
(5)
في المستدرك (2/ 183) وقد تقدم.
(6)
لم أقف عليه في المسند.
(7)
في المعجم الكبير (ج 17 رقم 515).
(8)
(9/ 222).
(9)
في المخطوط (ب): (معاذ).
(10)
في المعجم الكبير (ج 20 رقم 191).
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 290): "وفي إسناده حازم مولى بني هاشم عن لمازة ولم أجد من ترجمهما. ولمازة هذا يروي عن ثور بن يزيد متأخر.
وليس هو ابن زياد ذاك يروي عن علي بن أبي طالب ونحوه. وبقية رجاله ثقات. قلت: وخالد لم يسمع من معاذ".
قلت: "قال ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 266 - الفكر) لمازة: مجهول.
وقال الذهبي في الميزان (1/ 313): حازم مولى بن هاشم، مجهول، عن لمازة، ومَنْ لمازة؟ عن ثور. وأورده الحافظ في اللسان (6/ 77).
[الفرائد على مجمع الزوائد (ص 283)].
قلت: وأخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (118) من طريق آخر عن معاذ.
قال في "مجمع الزوائد"(4/ 290): "وفيه بشر بن إبراهيم وهو وضاع".
ومن طريق إبراهيم هذا أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير"(1/ 142) وقال: إنه يروي عن الأوزاعي أحاديث موضوعة لا يتابع عليه.
ومن طريقه أورده ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 265) وقال (2/ 266): في طريقه بشر بن إبراهيم وهو المتهم به، وقال ابن عدي: هو عندي ممن يضع الحديث عن الثقات.
وأخرجه أيضًا البيهقي في السنن الكبرى (7/ 288) من طريق عصمة بن سليمان به.
وقال: في إسناده مجاهيل وانقطاع، وقد روي بإسناد آخر مجهول عن عروة، عن عائشة، عن معاذ بن جبل، ولا يثبت في هذا الباب شيء. والله أعلم.
فقال: على الخير والبركة والألفة والطائر الميمون والسعة والرزق، بارك الله لكم".
قوله: (إنَّ الحمد لله) جاء في روايةٍ بحذف (إنَّ)، وفي رواية للبيهقي
(1)
بحذف (إنَّ) وإثباتها بالشكّ، فقال:"الحمد لله" أو "إنَّ الحمد لله"، وفي آخره قال شعبة: قلت لأبي إسحاق: هذه القصة في خطبة النِّكاح وفي غيرها؟ قال: في كل حاجة.
ولفظ ابن ماجه
(2)
في أوّل هذا الحديث: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الخير وخواتيمه، فعلَّمنا خطبة الصلاة وخطبة الحاجة، فذكر خطبة الصلاة ثم خطبة الحاجة".
قوله: (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)، زاد أبو داود
(3)
في رواية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
(4)
.
وفي رواية له
(5)
أخرى بعد قوله: "ورسوله أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضرّ إلا نفسه ولا يضرّ الله شيئًا".
وقد استدلّ بحديث ابن مسعود هذا على مشروعية الخطبة عند عقد النِّكاح وعند كل حاجة.
قال الترمذي في سننه
(6)
: "وقد قال أهل العلم: إن النِّكاح جائز بغير خطبة، وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم"، انتهى.
ويدلّ على الجواز حديث إسماعيل بن إبراهيم
(7)
المذكور فيكون على هذا الخطبة في النِّكاح مندوبة.
قوله: (رَفَّأ) قال في الفتح
(8)
: بفتح الشراء وتشديد الفاء مهموز، معناه: دعا له.
(1)
في السنن الكبرى (7/ 146).
(2)
في سننه رقم (1892) وقد تقدم.
(3)
في سننه رقم (2118) وقد تقدم.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:(71).
(5)
أي لأبي داود في سننه رقم (2119) وهو حديث ضعيف.
(6)
في سننه (3/ 414).
(7)
تقدم برقم (2681) من كتابنا هذا.
(8)
(9/ 222).
وفي القاموس
(1)
: رفأه ترفئة وترفيئًا: قال له: بالرفاء والبنين، أي: بالالتئام وجمع الشمل، انتهى.
وذلك لأن الترفئة في الأصل: الالتئام، يقال: رفأ الثوب: لأَمَ خرقه وضمّ بعضه إلى بعض وكانت هذه ترفئة الجاهلية، ثم نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأرشد إلى ما في أحاديث الباب.
قوله: (تزوّج امرأة من بني جُشَم) في جامع الأصول
(2)
عن الحسن أن عليًا هو المتزوّج من بني جشم، وعزاه إلى النسائي
(3)
.
واختلف في علة النهي عن الترفئة التي كانت تفعلها الجاهلية، فقيل: لأنه لا حمد فيها ولا ثناء ولا ذكر لله.
وقيل: لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر، وإلا فهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه.
وقال ابن المنيِّر
(4)
: الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كره اللفظ لما فيه من موافقة الجاهلية لأنهم يقولونه تفاؤلًا لا دعاء، فيظهر أنه لو قيل: بصورة الدعاء لم يكره، كأن يقول: اللهمّ ألف بينهما وارزقهما بنين صالحين ..
[الباب الثامن عشر] باب ما جاء في الزوجين يوكّلان واحدًا في العقد
64/ 2684 - (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِرجُلٍ: "أترْضَى أنْ أزَوّجَكَ فُلانَةَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ:"أتَرْضِين أنْ أزَوّجَكَ فُلانًا؟ "، قالَتْ: نَعَمْ؛ فَزَوَّجَ أحَدَهُما صَاحِبَه، فَدَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يُعْطِها شَيْئًا، وكانَ مِمّنْ شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ، وكانَ مَنْ شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ؛ فَلَمّا حَضَرَتْهُ الوَفاة قَالَ: إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم زَوَّجَنِي فُلانَةَ وَلَمْ أفْرِضْ لَهَا صَداقًا وَلَمْ أعْطِها
(1)
القاموس المحيط (ص 52).
(2)
(11/ 441 - 442 رقم 8982).
(3)
في السنن (6/ 128 رقم 3371) وهو حديث صحيح.
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 222).
شَيْئًا، وإنِّي أشهِدكُمْ أنِّي أعْطَيْتُها مِنْ صَدَاقِها سَهْمِي بِخَيْبَرَ، فَأخَذَتْ سَهْمًا فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ. رَوَاهُ أبُو دَاودَ
(1)
. [صحيح]
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ لأمّ حَكِيمٍ بِنْتِ قَارِظٍ: أتَجْعَلِينَ أمْرَك إليَّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَقَدْ تَزَوَّجْتُكِ. ذَكَرَهُ البُخارِي في صحيحه
(2)
.
وَهُوَ يَدل على أن مَذْهَبَ عَبْدِ الرَّحْمنِ أَنَّ مَنْ وُكِّلَ فِي تَزْوِيجٍ أَوْ بَيْعٍ شيء فَلَهُ أنْ يَبِيعَ ويُزَوّجَ مِنْ نَفْسِهِ، وأنْ يَتَوَلَّى ذلكَ بلَفْظٍ وَاحِدٍ).
حديث عقبة بن عامر سكت عنه أبو داود
(3)
والمنذري
(4)
، وفي إسناده عبد العزيز بن يحيى [وهو]
(5)
صدوق يهم
(6)
.
وأثر عبد الرحمن ذكره البخاري (2) معلقًا ووصله ابن سعد
(7)
من طريق ابن
(1)
في سننه رقم (2117).
قلت: وأخرجه ابن حبان (رقم 1262 - موارد) والحاكم (2/ 182) والبيهقي (7/ 232).
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
وتعقبه الألباني في الإرواء (6/ 345) بقوله: "وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن محمد بن سلمة، وخالد بن أبي يزيد، لم يخرّج لهما البخاري في صحيحه". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(2)
في صحيحه (9/ 188 رقم الباب (37) - مع الفتح).
وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 189): "وصله ابن سعد في الطبقات (8/ 472) من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد بن خالد أن أم حكيم بنت قارظ، قالت لعبد الرحمن بن عوف: إنه قد خطبني غير واحد، فزوِّجني أيهم رأيت، قال: وتجعلين ذلك إليَّ؟ فقالت: نعم. قال: قد تزوجتك"، قال ابن أبي ذئب: فجاز نكاحه.
وقد ذكر ابن سعد أم حكيم في النساء اللواتي لم يروين عن النبي صلى الله عليه وسلم وروين عن أزواجه، ولم يزد في التعريف بها على ما في هذا الخبر. وذكرها في تسمية أزواج عبد الرحمن بن عوف في ترجمته فنسبها فقال: أم حكيم بنت قارظ بن خالد بن عبيد حليف بني زهرة". اهـ.
(3)
في السنن (3/ 591).
(4)
في مختصر السنن (3/ 53).
(5)
زيادة من المخطوط (ب).
(6)
التقريب رقم (4130).
قال المحرران: "قوله: "ربما وهم" لا معنى لها، وإنما أنزل إلى مرتبة الحسن الحديث بسبب وهم طفيف ذكره البخاري، وإلا فهو ثقة كما قال أبو داود". اهـ.
(7)
في "الطبقات"(8/ 472).
أبي ذئب، عن سعيد بن خالدٍ: أن أمَّ حكيم بنت قارظٍ قالت لعبد الرحمن بن عوف: "إنه قد خطبني غير واحدٍ فزوّجني أيهم رأيتَ، قال: وتجعلين ذلك إليَّ؟ فقالت: نعم، قال: قد تزوّجتُكِ، قال ابن أبي ذئب: فجاز نكاحه".
وقد ذكر ابنُ سعدٍ أمَّ حكيم المذكورة في النساء اللواتي لم يدركن النبيّ صلى الله عليه وسلم وروين عن أزواجه، وهي بنت قارظ بن خالد بن عبيد حليف بني زهرة.
وقد استدلّ بحديث عقبة من قال: إنه يجوز أن يتولى طرفي العقد واحدٌ، وهو مرويّ عن الأوزاعي وربيعة (1) والثوري
(1)
ومالك
(2)
، وأبي حنيفة
(3)
وأكثر أصحابه والليث والهادوية
(4)
وأبي ثور
(5)
.
وحكى في البحر
(6)
عن الناصر والشافعي
(7)
وزفرو
(8)
أنه لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل نكاح لا يحضره أربعة" وقد تقدم
(9)
.
وأجيب بأنه أراد: أو من يقوم مقامهم.
قال في الفتح
(10)
: وعن مالك، لو قالت الثيب لوليها: زوّجني بمن رأيت فزوّجها من نفسه أو ممن اختار لزمها ذلك ولو لم تعلم عين الزوج.
وقال الشافعي
(11)
: يزوّجه السلطان أو ولي آخر مثله أو أقعد منه.
ووافقه زفر (2) وداود
(12)
وحجَّتُهم: أن الولاية شرطٌ في العقد، فلا يكون الناكح منكحًا كما لا يبيع من نفسه.
(1)
حكاه عنهما العمراني في البيان (9/ 188) والقاضي عبد الوهاب في "عيون المجالس"(3/ 1067).
(2)
عيون المجالس (3/ 1066 رقم المسألة 754).
(3)
المبسوط (5/ 17) وقال القاضي عبد الوهاب في "عيون المجالس"(3/ 1067): "أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر".
(4)
البحر الزخار (3/ 24).
(5)
موسوعة فقه الإمام أبي ثور (ص 463)
(6)
البحر الزخار (3/ 25).
(7)
البيان للعمراني (9/ 188).
(8)
موسوعة فقه الإمام زفر (ص 7) والمبسوط (5/ 17).
(9)
تقدم خلال شرح حديث (2674) من كتابنا هذا.
(10)
في "الفتح"(9/ 188).
(11)
البيان للعمراني (9/ 188).
(12)
المحلى (9/ 473).
وروى البخاري
(1)
عن المغيرة تعليقًا أنه خطب امرأة هو أولى الناس بها فأمر رجلًا فزوّجه، ووصل الأثر وكيع في مصنفه
(2)
.
وللبيهقي
(3)
من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عمير أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوّج امرأة هو وليها، فجعل أمرها إلى رجل، المغيرة أولى منه، فزوجه.
وأخرجه عبد الرزاق
(4)
عن الثوري وقال فيه: فأمر أبعد منه فزوّجه.
وأخرجه سعيد بن منصور
(5)
من طريق الشعبي ولفظه: "إن المغيرة خطب بنت عمه عروة بن مسعود، فأرسل إلى عبد الله بن أبي عقيل فقال: زوّجنيها، فقال: ما كنت لأفعل أنت أمير البلد وابن عمها، فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص فزوّجها منه".
والمغيرةُ هو ابن شعبة بن مسعود من ولد عوف بن ثقيف فهي بنت عمه، وعبد الله بن أبي عقيل هو ابن عمها أيضًا لأن جدَّه هو مسعود المذكور.
وأما عثمان بن أبي العاص فهو وإن كان ثقفيًا لكنه لا يجتمع معهم إلا في جدهم الأعلى ثقيف؛ لأنه من ولد جشم بن ثقيف.
وقد استدلّ محمد بن الحسن
(6)
على الجواز: بأن الله لما عاتب الأولياء في تزويج من كانت من أهل المال والجمال بدون صداقها، وعاتبهم على ترك تزويج من كانت قليلة المال والجمال؛ دلّ على أن الوليّ يصحّ منه تزويجها من نفسه، إذ لا يعاتب أحدًا على ترك ما هو حرام عليه.
(1)
في صحيحه (9/ 188 رقم الباب (37) - مع الفتح).
(2)
قاله الحافظ في "الفتح"(9/ 188).
(3)
في السنن الكبرى (7/ 113).
(4)
في المصنف رقم (10502).
(5)
في سننه رقم (549).
(6)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 189).
[الباب التاسع عشر] باب ما جاء في نكاح المتعة وبيان نسخه
65/ 2685 - (عَنِ ابْنِ مَسْعَودٍ قالَ: كُنّا نَغْزو مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ مَعَنَا نِساءٌ، فَقُلْنَا: ألا نَخْتَصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذلكَ ثُمَّ رَخّصَ لَنَا بَعْدُ أنْ نَنْكِحَ المَرأةَ بالثّوْب إلى أجَلٍ، ثُمَّ قَرأ عَبْدُ الله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}
(1)
الآية. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(2)
. [صحيح]
66/ 2686 - (وَعَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سألْتُ ابْنَ عَبّاسٍ عَنْ مُتْعَةِ النِّساءِ فَرَخَّصَ، فَقَالَ لَهُ مَوْلَى لَهُ: إنَّمَا ذلكَ فِي الحالِ الشّدِيدِ، وفِي النِّساءِ قِلّةٌ أوْ نَحْوِهِ، فَقالَ ابْن عَبّاسٍ: نَعَمْ. روَاهُ البُخَارِيّ
(3)
. [صحيح]
67/ 2687 - (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: إنمَا كَانَتِ المُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ الرَّجُلُ يَقْدُمُ الْبَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ فَيَتَزَوَّجُ المَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ حتَّى نزلت هذه الآية: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}
(4)
، قال ابن عَبّاسٍ: فَكُلّ فَرْجٍ سوَاهُما حَرَامٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(5)
. [منكر]
68/ 2688 - (وَعَنْ عَلِيٍّ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ
(6)
. [صحيح]
(1)
سورة المائدة، الآية:(87).
(2)
أحمد في المسند (1/ 420، 450) والبخاري رقم (4615) ومسلم رقم (11/ 1404).
(3)
في صحيحه رقم (5116).
(4)
سورة المؤمنون، الآية:(6).
(5)
في سننه رقم (1122) وسكت عليه.
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 205).
في إسناده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف، وقد ضعفه الحافظ في الفتح (9/ 172) فقال:"إسناده ضعيف وهو شاذ مخالف لما تقدم من علة إباحتها". وانظر: إرواء الغليل رقم (1903).
وخلاصة القول: أنه حديث منكر، والله أعلم.
(6)
أحمد في المسند (1/ 79) والبخاري رقم (5115) ومسلم رقم (30/ 1470).
وَفِي رِوَايَةٍ: نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ
(1)
. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا). [صحيح]
69/ 2689 - (وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ قالَ: رَخّصَ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ عَامَ أوْطَاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا)
(2)
. [صحيح]
70/ 2690 - (وَعَنْ سَبُرَةَ الجُهَنِيّ: أنّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتْحَ مَكّةَ، قَالَ: فَأَقَمْنَا بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، فأذِنَ لنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي مُتْعَةِ النّساءِ
…
وَذَكَرَ الحَدِيثِ إلى أنْ قَالَ: فَلَمْ أخْرُجْ حتَّى حَرَّمَها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم
(3)
. [صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ: أنَّهُ كان مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَا أيّهَا النّاس إِنِّي كنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنَّ الله قَدْ حَرَّمَ ذلكَ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُن شَيْءٌ فَلْيُخْلِ سَبِيلَهُ وَلا تَأخُذُوا مِمَّا اتَيْتُمُوهُن شَيْئًا"
(4)
. [صحيح]
رَوَاهُنَّ أحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَفِي لَفْظٍ عَنْ سَبُرَةَ قَالَ: أمَرَنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عامَ الْفَتْحِ حِيْنَ دَخَلْنَا مَكّة، ثمَّ لَمْ نَخْرجْ منها حتّى نَهَانا عَنْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(5)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ عَنه: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في (حجةِ الوداعِ) نَهَى عَنْ نِكاحِ المُتْعَةِ. رَوَاهُ أحْمَد
(6)
وَأَبُو دَاودَ)
(7)
[شاذ]
حديثُ ابن عباس الذي رواهُ المصنف من طريق أبي جمَرة ونسبه إلى
(1)
البخاري في صحيحه رقم (4216) ومسلم رقم (29/ 1407).
(2)
أحمد في المسند (4/ 55) ومسلم رقم (18/ 1405).
(3)
أحمد في المسند (3/ 405) ومسلم رقم (20/ 1406).
(4)
أحمد في المسند (3/ 406) ومسلم رقم (21/ 1406).
(5)
في صحيحه رقم (22/ 1406).
(6)
في المسند (3/ 406).
(7)
في سننه رقم (2072).
قلت: رجال إسناده رجال الصحيح. لكن قوله: "في حجة الوداع" شاذ، والمحفوظ ما رواه مسلم وغيره بلفظ:"زمن الفتح" كما أفاده البيهقي والعسقلاني. "إرواء الغليل" رقم (1901).
البخاريِّ
(1)
، قيل: ليس هو في البخاري.
قال الحافظ في التلخيص
(2)
: وأغرب المجد بن تيمية - يعني المصنف - فذكره عن أبي جمرة الضُّبعيِّ: "أنَّه سأل ابنَ عباس عن متعة النساء فرخَّص فيه، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلَّة، قال: نعم" رواه البخاري (1).
وليس هذا في صحيح البخاري بل استغربه ابن الأثير في جامع الأصول
(3)
، فعزاه إلى رزين وحده، ثم قال الحافظ
(4)
: قلت: قد ذكره المزي في الأطراف في ترجمة أبي جمرة عن ابن عباس، وعزاه إلى البخاري باللفظ الذي ذكره ابن تيمية سواء، ثم راجعته من الأصل فوجدته في "باب النهي عن نكاح المتعة أخيرًا"
(5)
ساقه بهذا الإسناد والمتن فاعلم ذلك.
وحديث ابن عباس
(6)
الذي رواه المصنف من طريق محمد بن كعب في إسناده موسى بن عبيد الربذي وهو ضعيف.
وقد روى الرجوع عن ابن عباس جماعة منهم محمد بن خلف القاضي المعروف بوكيع في كتابه "الغرر من الأخبار"
(7)
بسنده المتصل بسعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ما تقول في المتعة فقد أكثر الناس فيها حتى قال فيها الشاعر؟ قال: وما قال؟ قال: [قال]
(8)
:
قَدْ قلتُ للشيخِ لمَّا طَالَ مَحْبَسُهُ
…
يا صَاحِ هَلْ لَكَ فِي فَتْوَى ابن عَبَّاسِ
وَهَلْ تَرَى رُخصةَ الأطرافِ آنسةً
…
تكونُ مثواكَ حتَّى مصدرِ النَّاسِ
قال: وقد قال فيه الشاعر؟ قلتُ: نعم، قال: فكرهها أو نهى عنها.
(1)
في صحيحه رقم (5116).
(2)
في "التلخيص"(3/ 325 - 326).
(3)
جامع الأصول (11/ 446).
(4)
في "التلخيص"(3/ 326).
(5)
البخاري في صحيحه (9/ 166 رقم الباب 31).
(6)
وهو حديث منكر تقدم برقم (67/ 2687) من كتابنا هذا.
(7)
كتاب "الغرر من الأخبار" لأبي بكر، حمد بن خلف القاضي، المعروف بوكيع (ت 306 هـ) من مصادر ابن حجر في تغليق التعليق (1/ 256).
[معجم المصنفات (ص 296 رقم 891)].
(8)
زيادة من المخطوط (أ).
ورواه الخطابي
(1)
أيضًا بإسناده إلى سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: قد سارت بفتياك الركبان وقالت فيها الشُّعراء، قال: وما قالوا؟ فذكر البيتين، فقال: سُبحان الله، والله ما بهذا أفتيتُ وما هي إلا كالميتة لا تحلُّ إلا للمضطرّ.
وروى الرجوعَ أيضًا البيهقي
(2)
(1)
في معالم السنن (2/ 559).
(2)
في السنن الكبرى (7/ 205) له: "يعرِّض بابن عباس"، وزاد في آخرها: "قال ابن شهاب: وأخبرني عبيد الله أن ابن عباس كان يفتي بالمتعة، ويغمض ذلك عليه أهل العلم، فأبى ابن عباس أن ينتكل عن ذلك حتى طفق بعض الشعراء يقول:
........................
…
يا صاحِ هل لك في فُتيا ابن عباسِ؟
هل لك في ناعم خُودٍ مُبتَلَّة تكون
…
مثواك حتى مَصدرِ الناسِ
قال: فازداد أهل العلم بها قذرًا، ولها بغضًا حين قيل فيها الأشعار".
إسناده صحيح.
• ولها طريق أخرى عنده بنحوه وزاد: "فقال ابن عباس: ما هذا أردت، وما بهذا أفتيت، إن المتعة لا تحل إلا لمضطر، ألا إنما هي كالميتة والدم ولحم الخنزير".
إسناده ضعيف لأن الحسن بن عمارة متروك.
• ثم روى من طريق ليث بن أبي سليم عن ختنه عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال في المتعة:"هي حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير".
إسناده ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم.
وقال الألباني في "الإرواء"(6/ 319): "وجملة القول أن ابن عباس رضي الله عنه روي عنه في المتعة ثلاثة أقوال:
(الأول): الإباحة مطلقًا.
(الثاني): الإباحة عند الضرورة.
(والأخر): التحريم مطلقًا، وهذا مما لم يثبت عنه صراحة بخلاف القولين الأولين، فهما ثابتان عنه. والله أعلم". اهـ.
• أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(رقم 14033): عن معمر، قال: أخبرني الزهري عن خالد بن المهاجر بن خالد قال: "أرخص ابن عباس في المتعة فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: ما هذا يا أبا عباس؟ فقال ابن عباس: فُعلت مع إمام المتقين، فقال ابن أبي عمرة: اللهم غفرًا إنما كانت المتعة رخصةً كالضرورة إلى الميتة والدم ولحم الخنزير، ثم أحكم الله الدين بعده.
وهو صحيح.
وقد أخرج مسلم في صحيحه رقم (27/ 1406) نحوه.
• أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (14522) عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء أنه =
وأبو عوانة في صحيحه
(1)
.
قال في الفتح
(2)
: بعد أن ساق عن ابن عباس روايات الرجوع، وساق حديث سهل بن سعد عند الترمذي
(3)
بلفظ: "إنما رخص النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المتعة لعزبةٍ كانت بالناس شديدةٍ ثم نهى عنها بعد ذلك ما لفظه"؛ فهذه أخبارٌ يقوّي بعضُها بعضًا.
وحاصلُها أن المتعة إنما رُخِّص فيها بسبب العزبة في حال السَّفر، ثم قال: وأخرجَ البيهقيُّ
(4)
من حديث أبي ذرٍّ بإسناد حسن: "إنما كانت المتعةُ لحربنا وخوفنا".
= سمع ابن عباس يراها الآن حلالًا، وأخبرني أنه كان يقرأ:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وقال ابن عباس: في حرفٍ (إلى أجل)
…
صحيح عن ابن عباس.
• أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (14021) عن ابن جريج عن عطاء قال: لأول من سمعت منه المتعة صفوان بن يعلى، قال: أخبرني عن يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف، فأنكرتُ ذلك عليه، فدخلنا على ابن عباس، فذكر له بعضنا، فقال له: نعم، فلم يقرّ في نفسي، حتى قدم جابر بن عبد الله، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياءَ، ثم ذكروا له المتعة، فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة - سمَّاها جابر فنسيتُها - فحملت المرأة، فبلغ ذلك عمر، فدعاها فسألها فقالت: نعم، قال من أشهد؟ قال عطاء: لا أدري. قالت: أُمي، أم وليّها، قال: فهلَّا غيرهما، قال: خشي أن يكون دغلًا الآخر. قال عطاء: وسمعت ابن عباس يقول: يرحم الله عمر، ما كانت المتعة إلا رخصة من الله عز وجل، رحم بها أُمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي، قال: كأني والله أسمع قوله: إلا شقي - عطاء القائل - قال عطاء: فهي التي في سورة النساء: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} [النساء: 24] إلى كذا وكذا من الأجل، على كذا وكذا، ليس بتشاور، قال: بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل، وأن يفرقا - يتفرقا - فنعم، وليس بنكاح".
وهو صحيح.
(1)
في مسنده (3/ 22 - 23 رقم 4057).
وقد أخرجه مسلم رقم (27/ 1406) من طريق ابن وهب بدون الشعر.
(2)
الفتح (9/ 171 - 172).
(3)
لم أقف عليه في سنن الترمذي.
بل أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير" (ج 6 رقم 5695).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 266) وقال: "فيه يحيى بن عثمان بن صالح وابن لهيعة، وكلاهما حديثه حسن". اهـ.
(4)
في السنن الكبرى (7/ 207).
وروى عبدُ الرزاق في مصنفه
(1)
: أن ابنَ عباسٍ كان يراها حلالًا ويقرأ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ}
(2)
، قال: وقال ابنُ عباسٍ في حرف أبيّ بن كعب: (إلى أجل مسمَّى).
قال
(3)
: وكان يقول: يرحم الله عمر، ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها عباده، ولولا نهي عمر لما احتيج إلى الزنا أبدًا.
وذكر ابنُ عبد البرِّ
(4)
عن عمارة مولى الشِّريد: سألتُ ابنَ عباس عن المتعة؟ أسفاحٌ هي أم نكاحٌ؟ فقال: لا نكاحَ ولا سفاح، قلت: فما هي؟ قال: المتعة كما قال الله تعالى، قلت: وهل عليها حيضة؟ قال: نعم، قلت: ويتوارثان؟ قال: لا.
وقد روى ابنُ حزم في المحلى
(5)
عن جماعة من الصحابة غير ابن عباس
(1)
في المصنف (رقم 14022) وهو صحيح عن ابن عباس وقد تقدم.
(2)
سورة النساء، الآية:(24).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (14021) وهو صحيح وقد تقدم.
(4)
في "التمهيد"(11/ 102 - الفاروق).
(5)
في المحلى (9/ 519 - 520). ثم قال: "وقد تقصينا الآثار المذكورة في كتابنا الموسوم بـ (الإيصال). وصح تحريمها عن ابن عمر، وعن ابن أبي عمرة الأنصاري.
واختلف فيها عن علي، وعمر، وابن عباس، وابن الزبير.
وممن قال بتحريمها وفسخ عقدها من المتأخرين: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبو سليمان، وقال زفر: يصح العقد، ويبطل الشرط". اهـ.
• قلت: وذهب إلى تحريمها ابن حزم حيث قال (9/ 519): "ولا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل وكان حلالًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم نسخًا باتًا إلى يوم القيامة". اهـ.
• أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (14035) عن معمر عن الزهري عن سالم قيل لابن عمر: إن ابن عباس يُرخص في متعة النساء، فقال: ما أظن ابن عباس يقول هذا. قالوا: بلى والله إنه ليقول، قال: أما والله ما كان ليقول هذا في زمن عمر، وإن كان عمر لَيَنْكِلُكُم عن مثل هذا وما أعلمه إلا السفاح.
وهو أثر صحيح.
• قال العيني: في "البناية في شرح الهداية"(4/ 564 - 567): "ونكاح المتعة باطل وهو أن يقول لامرأة: أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال. وقال مالك: هو جائز، لأنه كان مباحًا فيبقى =
فقال: وقد ثبتَ على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعةٌ من السلف منهم من الصَّحابة أسماءُ بنت أبي بكر، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاوية، وعمرو بن حريث، وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف.
ورواهُ جابر عن الصَّحابة مدَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدَّة أبي بكر ومدَّة عمر إلى قرب آخر خلافته.
وروي عنه أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط.
وقال بها في التابعين: طاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير
(1)
، وسائر فقهاء
= إلى أن يظهر ناسخه، قلنا: ثبت النسخ بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، وابن عباس رضي الله عنه صح رجوعه إلى قولهم فتقرر الإجماع". اهـ.
• وفي "مدونة الفقه المالكي وأدلته"(2/ 518): "وقد أبيحت المتعة في أول الإسلام للضرورة، لكثرة خروج جيوش المسلمين إلى الجهاد، وبُعدهم عن زوجاتهم، ثم حُرّمت إلى يوم القيامة، وأجمعت الأمة خلفًا عن سلف على تحريمها إلَّا الروافض من الشيعة، ولم يعتد العلماء بخلافهم، وقد كان ابن عباس يفتي بأنها حلال، ثم رجع عن ذلك، وأفتى بتحريمها". اهـ.
• قال الشافعي في "الأم"(6/ 205): "وجماع نكاح المتعة المنهي عنه: كل نكاح كان إلى أجل من الآجال، قَرُبَ أو بَعُدَ، وذلك أن يقول الرجل للمرأة: أنكحك يومًا، أو عشرًا، أو شهرًا. أو أنكحك حتى أخرج من هذا البلد. أو أنكحك حتى أصيبك، فتحلين لزوج فأفارقك. ثلاثًا، أو ما أشبه هذا مما لا يكون فيه النكاح مطلقًا لازمًا على الأبد، أو يحدث لها فرقة". اهـ.
• وفي "المغني"(10/ 46): "فقال - أي الإمام أحمد -: نكاحُ المتعة حرامٌ.
وقال أبو بكر: فيها رواية أُخرى، أنها مكروهة غيرُ حرامٍ؛ لأنَّ ابن منصور سأل أحمد عنها فقال: يجتنبها أحبُّ إليَّ. قال: فظاهر هذا الكراهة دونَ التحريم، وغير أبي بكرٍ من أصحابنا يمنع هذا، ويقول: في المسألةِ رواية واحدة في تحريمها. وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء". اهـ.
(1)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (14020) عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال: كانت بمكة امرأة عراقية تنسك جميلة لها ابن يقال له: أبو أمية وكان سعيد بن جبير يكثر الدخول عليها. قلت: يا أبا عبد الله ما أكثر ما تدخل على هذه المرأة، قال: إنا قد نكحناها ذلك النكاح - للمتعة -.
قال: وأخبرني أن سعيد قال له: هي أحلُّ من شرب الماءِ - للمتعة - وهو أثر حسن، والله أعلم.
قلت: وهذا رأي سعيد بن جبير وهو محجوج بالأخبار الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن المتعة.
مكة"
(1)
، انتهى كلامه.
ثم ذكر الحافظ في التلخيص
(2)
بعد أن نقل هذا الكلام عن ابن حزم
(3)
من روى من المحدثين حلّ المتعة عن المذكورين.
ثم قال
(4)
: ومن المشهورين بإباحتها ابن جريج فقيه مكة، ولهذا قال الأوزاعي فيما رواه الحاكم
(5)
في "علوم الحديث": "يترك من قول أهل الحجاز خمس، فذكر منها متعة النساء من قول أهل مكة، وإتيان النساء في أدبارهن من قول أهل المدينة، ومع ذلك فقد روى أبو عوانة في صحيحه
(6)
عن ابن جريج أنه قال لهم بالبصرة: اشهدوا أني قد رجعت عنها، بعد أن حدثهم فيها ثمانية عشر حديثًا أنه لا بأس بها.
وممن حكى القول بجواز المتعة عن ابن جريج الإمام المهدي في البحر
(7)
.
وحكاه
(8)
عن الباقر والصادق والإمامية، انتهى.
وقال ابن المنذر
(9)
: جاء عن الأوائل الرخصةُ فيها، ولا أعلم اليوم أحدًا يُجيزها إلا بعض الرافضة
(10)
، ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله.
وقال عِياضٌ
(11)
: ثم وقع الإِجماعُ من جميع العلماء على تحريمها إلا الرَّوافض.
(1)
قال ابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 101 - الفاروق): "قال أبو عمر: هذه آثار مكية عن أهل مكة، قد روي عن ابن عباس خلافها، وسنذكر ذلك.
وقد كان العلماء قديمًا وحديثًا يحذرون الناس من مذهب المكيين: أصحاب ابن عباس، ومن سلك سبيلهم في المتعة والصرف.
ويحذرون الناس من مذهب الكوفيين: أصحاب ابن مسعود، ومن سلك سبيلهم، في النبيذ الشديد.
ويحذرون الناس من مذهب أهل المدينة، في الغناء". اهـ.
(2)
في "التخليص"(3/ 329).
(3)
في المحلى (9/ 519 - 520).
(4)
أي الحافظ في "التلخيص"(3/ 329).
(5)
في "معرفة علوم الحديث"(ص 65).
(6)
بإثر الحديث رقم (4087).
(7)
البحر الزخار (3/ 126 - 127).
(8)
أي: الإمام المهدي في البحر في المرجع السابق (3/ 126 - 127).
(9)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 173).
(10)
"الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية"(5/ 245 وما بعدها).
(11)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 533).
وأما ابن عباس فروي عنه أنَّه أباحها.
وروي عنه أنه رجع عن ذلك.
قال ابن بطال
(1)
: روى أهلُ مكة واليمن عن ابن عباس إباحةَ المتعة، ورُوي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصحّ
(2)
، وهو مذهبُ الشيعة.
قال (1): وأجمعوا على أنه متى وقع الآن أُبطِلَ سواءً [كانَ]
(3)
قبل الدخول أم بعده، إلا قول زفر أنه جَعَلَها كالشروط الفاسدة
(4)
.
ويردّه قوله
(5)
صلى الله عليه وسلم: "فمن كان عنده منهنّ شيء فليخل سبيله".
وقال الخطابي
(6)
: تحريمُ المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة، ولا يصحُّ على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى عليٍّ، فقد صحَّ عن عليّ أنها نُسِخَتْ. ونَقَلَ البيهقيُّ
(7)
عن جعفر بن محمد: أنه سُئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه.
وقال ابن دقيق العيد
(8)
: ما حكاه بعضُ الحنفية
(9)
عن مالك
(10)
من الجواز
(1)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 225).
(2)
تقدم أنه قد روى عن ابن عباس في المتعة ثلاثة أقوال: الإباحة مطلقًا، والإباحة عند الضرورة، والتحريم مطلقًا. والثابت عنه الأول والثاني؛ أما الثالث فضعيف.
(3)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(4)
قال الإمام زفر: أنهما ذكرا النكاح وشرطا فيه شرطًا فاسدًا، والنكاح لا تبطله الشروط الفاسدة فبطل الشرط، وبقي النكاح صحيحًا وصار كما إذا قال لها: تزوجتك على أن أطلقك بعد عام ولو قال ذلك وقع العقد صحيحًا ولغا الشرط فكذلك هنا".
["الإمام زفر وآراؤه الفقهية" (2/ 3) والاختيار (3/ 120)].
(5)
تقدم في الحديث رقم (2690) من كتابنا هذا.
(6)
في معالم السنن (2/ 558 - 559).
(7)
في السنن الكبرى (7/ 207).
(8)
في "إحكام الأحكام"(4/ 36).
(9)
قلت: قال صاحب الهداية كما في البناية (4/ 565 - 566): "وقال مالك: هو جائز، لأنه كان مباحًا فيبقى إلى أن يظهر ناسخه. قلنا: ثبت النسخ بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، وابن عباس رضي الله عنه صح رجوعه إلى قولهم فتقرر الإجماع". اهـ.
(10)
التهذيب في اختصار المدونة (2/ 165) وعيون المجالس (3/ 1121 رقم 785) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 517 - 519).
خطأ، فقد بالغ المالكية في منع النكاح المؤقت حتى أبطلوا توقيت الحلّ بسببه فقالوا: لو علق على وقت لا بد من مجيئه وقع الطلاق الآن لأنه توقيت للحلّ فيكون في معنى نكاح المتعة.
قال عياض
(1)
: وأجمعوا على أنَّ شرطَ البطلان التصريحُ بالشرط، فلو نوى عند العقد أن يفارقَ بعد مدة صحَّ نكاحه، إلا الأوزاعي فأبطله.
واختلفوا: هل يُحَدَّ ناكحُ المتعة أو يعزَّر؟ على قولين.
وقال القرطبي
(2)
: الروايات كلُّها متفقة على أنَّ زمن إباحة المتعة لم يطلْ وأنه حرِّم، ثم أجمع السَّلفُ والخلفُ على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الرَّوافض.
وجزم جماعةٌ من الأئمة بتفرُّد ابن عباسٍ بإباحتها، ولكن قال ابن عبد البر
(3)
: أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن على إباحتها، ثم اتفق فقهاء الأمصار على تحريمها.
وقد ذكر الحافظ في فتح الباري
(4)
بعدما حكى عن ابن حزم
(5)
كلامه السالف المتضمن لرواية جواز المتعة عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم مناقشاتٍ.
فقال
(6)
: وفي جميع ما أطلقه نظر، أما ابن مسعود
…
إلى آخر كلامه فليراجع.
وقال الحازمي في الناسخ والمنسوخ
(7)
بعد أن ذكر حديث ابن مسعود
(8)
(1)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(4/ 535).
(2)
في "المفهم"(4/ 93).
(3)
في "التمهيد"(11/ 101).
(4)
الفتح (9/ 174).
(5)
في المحلى (9/ 519 - 520) وقد تقدم.
(6)
أي الحافظ في "الفتح"(9/ 174).
(7)
(ص 426 - 427).
(8)
قال الشافعي كما في "معرفة السنن الآثار"(10/ 175 - 176): "ذكر ابن مسعود الإرخاص في نكاح المتعة، ولم يوقت شيئًا يدل أهو قبل خيبر أو بعدها، فأشبه حديث علي بن أبي طالب في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة أن يكون والله أعلم ناسخًا له، فلا يجوز نكاح المتعة بحال.
قال أحمد - أي البيهقي -: قد روينا في حديث ابن مسعود في رواية وكيع عن =
المذكور في الباب ما لفظه: "وهذا الحكم كان مباحًا مشروعًا في صدر الإسلام، وإنما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لهم للسبب الذي ذكره ابن مسعود، وإنما ذلك يكون في أسفارهم، ولم يبلغنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أباحه لهم وهم في بيوتهم؛ ولهذا نهاهم عنه غير مرة، ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى الله عليه وسلم، وذلك في حجة الوداع. وكان تحريم تأبيد لا توقيت؛ فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة إلا شيئًا ذهب إليه بعض الشيعة. ويروى أيضًا عن ابن جرير جوازه". انتهى.
إذا تقرّر لك معرفة من قال بإباحة المتعة، فدليلهم على الإباحة ما ثبت من إباحته صلى الله عليه وسلم لها في مواطن
(1)
متعددة: (منها) في عمرة القضاء، كما أخرجه عبد
= إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس عنه أنه قال:"كُنَّا ونحنُ شبابٌ"، فأخبر أنهم كانوا يفعلون ذلك وهم شباب. وابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، وكان يوم توفي ابن بضع وستين سنة وكان فتح خيبر في سنة سبع. وفتح مكة في سنة ثمان، فعبد الله بن مسعود عام الفتح كان ابن نحو من أربعين سنة والشباب قبل ذلك، فأشبه حديث علي أن يكون ناسخًا له.
وشيء آخر وهو أن ما حكاه ابن مسعود كان أمرًا شائعًا لا يشتبه على مثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد أنكر على ابن عباس قوله في الرخصة وأخبر بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه دل أنه علم النسخ حتى أنكر قوله في الرخصة.
وكان ابن عيينة يزعم أن تاريخ خيبر - في حديث علي - إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الأهلية لا في النهي عن نكاح المتعة.
وهو يشبه أن يكون كما قال: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص فيه بعد ذلك، ثم نهى عنه فيكون احتاج علي بنهيه عنه آخرًا حتى تقوم به الحجة على ابن عباس". اهـ.
(1)
اعلم أن أقوى الإشكالات التي ترد في مسألة نكاح المتعة هو الخلاف الوارد في تحديد زمان تحريمها:
- فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم نكاح المتعة، ولحوم الحمر الأهلية، يوم خيبر. كما في حديث علي المتقدم برقم (2688) من كتابنا هذا.
- وورد أن المتعة حُرمت في عمرة القضاء، وهي رواية ضعيفة.
- وورد أنها حُرمت عام الفتح كما في حديث سبرة المتفدم برقم (2690) من كتابنا هذا.
- وورد أنها حرمت يوم أوطاس. كما في حديث سلمة بن الأكوع عند أحمد (4/ 55) ومسلم رقم (18/ 1405) والدارقطني (3/ 258 رقم 52) والبيهقى في السنن الكبرى (7/ 204) ولفظه: "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثًا، ثم نهى عنها".
- وورد ما قد يفيد أنها حرمت في تبوك، وهي رواية ضعيفة. =
الرزاق
(1)
عن الحسن البصري، وابن حبان في صحيحه
(2)
من حديث سبرة.
(ومنها) في خيبر كما في حديث عليّ
(3)
المذكور في الباب.
= - وورد أنها حرمت في حجة الوداع، وهي رواية شاذة.
- وورد أن الذي منعها مطلقًا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- وهناك مواطن أخرى أعرضنا عنها لضعف أسانيدها.
- وهذه المواطن رتبناها ترتيبًا زمنيًا.
- ولو كان التحريم في هذه المواطن لما كان هناك إشكال، لكن الإشكال ورد من أنه أبيح في مواطن تلت المواطن التي حُرِّم فيها، فاستمتع الصحابةُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك بعد خيبر، وكذلك استمتعوا يوم أوطاس بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بعد الفتح، ثم ورد عن بعضهم أنه استمتع إلى زمان عمر رضي الله عنه إلى أن نهاهم أمير المؤمنين عمر.
- والإشكال الآخر أن تحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة، ثم ورد أن بعض الصحابة استمتع بعد ذلك التاريخ.
- وإشكال أخير أن بعض الصحابة بقي على إباحة نكاح المتعة، وكذلك بعض التابعين.
والإجابة على هذه الإشكالات فيما يلي:
• أن بعض المواطن المذكورة في ثبوت التحريم فيها شذوذ وضعف كـ"عمرة القضاء" و"عام تبوك" و"عام حجة الوداع".
• يسلم لنا بعد ذلك ثلاث روايات: "عام خيبر" و"عام الفتحأ وفي "أوطاس" و"حديث جابر في الاستمتاع إلى عهد عمر، ثم نهى عمر عنها".
• أما "عام خيبر"، فالرواية فيه حرم النبي صلى الله عليه وسلم المتعة، ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر، ففصل بعض الرواة فقال: حرم النبي صلى الله عليه وسلم المتعة ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فكأنه قال: إن النبي حرم المتعة ولم يبين تاريخًا وبين تاريخ تحريم لحوم الحمر الأهلية وأنه يوم خيبر، فإن قيل: لماذا عطف تحريم المتعة على تحريم الحمر الأهلية إذن؟!
فالإجابة على ذلك أن العطف جاء في معرض الرد على عبد الله بن عباس فقد كان يبيح الاثنين معًا - (متعة النساء، ولحوم الحمر الأهلية) -.
• أما ما جاء من تحريم "عام الفتح" و"أوطاس" فلقربهما من بعضهما ولكونهما كانا في عام واحد جمعتا معًا.
• أما ما ورد عن بعض الصحابة أنه استمتع إلى عهد عمر، خفي عنه التحريم والعبرة بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بما فعله بعض أصحابه
…
(1)
في "المصنف"(رقم 14040 ورفم 14043) وهو مرسل من مراسيل الحسن التي هي من أضعف المراسيل.
(2)
في صحيحه رقم (4144) بسند صحيح.
(3)
تقدم برقم (2688) من كتابنا هذا.
(ومنها) عام الفتح كما في حديث سبرة بن معبد
(1)
المذكور أيضًا.
(ومنها) يوم حنين، رواه النسائي
(2)
من حديث عليّ.
قال الحافظ
(3)
: ولعله تصحيف عن خيبر، وذكره الدارقطني
(4)
عن يحيى بن بلفظ: حنين.
ووقع في حديث سلمة
(5)
المذكور في الباب: في عام أوطاس
(6)
. قال
(1)
تقدم برقم (2690) من كتابنا هذا.
• بالنظر إلى روايات حديث سبرة بن معبد الجهني المتقدمة نرى أن أرجح الروايات رواية من روى أن ذلك كان (عام الفتح) ففيه رواياتٌ سالمة من الإشكالات في الأسانيد، ثم رواية من روى القصة ولم يذكر تأريخًا، وهذه لا تعارض بينها وبين رواية (عام الفتح).
أما رواية من روى القصة وذكر أنها كانت في (حجة الوداع) فقد وَهِم في روايته فهي شاذة كما تقدم.
• وقال البيهقي في السنن الكبرى (7/ 204) بعد أن ذكر حديث عبد العزيز بن عمر عن الربيع بن سبرة: (يذكر أن النهي كان في حجة الوداع): وكذلك رواه جماعةُ الأكابر كابن جريج والثوري وغيرهما عن عبد العزيز بن عمر، وهو وهمٌ منه؛ فرواية الجمهور عن الربيع بن سبرة أن ذلك كان (عام الفتح).
• وقال في السنن الصغرى (2/ 44): والصحيح رواية الجماعة عن الزهري (عام الفتح).
وانظر: "معرفة السنن والآثار"(10/ 176 رقم 14102 ورقم 14103).
• وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 170): "وأما حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع بن سبرة، والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر". اهـ.
قلت: فبذلك يبدو أن رواية من روى أن تحريم نكاح المتعة في حديث الربيع بن سبرة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان (عام الفتح) أولى وأصح.
(2)
في سننه رقم (3367) وهو حديث صحيح.
(3)
في "التلخيص"(3/ 321 - 322).
(4)
قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 322): "وذكر الدارقطني: أن عبد الوهاب الثقفي تفرد عن يحيى بن سعيد عن مالك بقوله: حنين". اهـ.
(5)
تقدم برقم (2689) من كتابنا هذا.
قلت: قال ابن حبان في صحيحه (9/ 458): داعام أوطاس، - وعامُ الفتح واحد".
(6)
أوطاس: هو وادٍ بالطائف. وعام أوطاس، وعام الفتح واحد، فأوطاس وإن كانت بعد الفتح، فكانت في عام الفتح بعده بيسير، فما نهى عنه لا فرق بين أن ينسب إلى عام أحدهما أو إلى الآخر.
وغزوة أوطاس: هي غزوة حنين، وحنين وأوطاس موضعان بين مكة والطائف، وتسمى =
السهيلي
(1)
: هو موافقٌ لرواية من روى عام الفتح فإنهما كانَا في عام واحد.
(ومنها) في تبوك، رواه الحازمي
(2)
والبيهقي
(3)
عن جابر، ولكنه لم يبحها لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم هنالك، فإن لفظ حديث جابر عند الحازمي قال:"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنية مما يلي الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهنّ يطفن برحالنا، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهنَّ فأخبرناه، فغضب وقام فينا خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذٍ ولم نعد ولا نعود فيها أبدًا، فلهذا سميت ثنية الوداع".
قال الحافظ
(4)
: وهذا إسناد ضعيف، لكن عند ابن حبان
(5)
من حديث أبي هريرة ما يشهد له، وأخرجه البيهقي
(6)
أيضًا.
وأجيب بما قاله الحافظ في الفتح
(7)
: إنَّه لا يصحُّ من روايات الإذن بالمتعة شيءٌ بغير علَّة إلا في غزوة الفتح، وذلك لأنَّ الإذنَ في (عمرة القضاء) لا يصحّ لكونه من مراسيل الحسن ومراسيله ضعيفة، لأنه كان يأخذ عن كُلِّ أحد، وعلى تقدير ثبوته، فلعله أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة كما في الفتح وأوطاس فإنهما في غزوةٍ واحدةٍ، ويبعد كل البعد أن يقع الإذنُ في غزوة أوطاسٍ بعد أن يقع التصريحُ في أيام الفتح قبلها: فإنها حرِّمت إلى يوم القيامة.
وأما في غزوة خيبر فطريقُ الحديث وإن كانت صحيحةً ولكنه قد حكى البيهقي
(8)
عن الحميدي أن سفيان كان يقول: إن قوله في الحديث "يوم خيبر" يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة.
= غزوة هوازن، لأنهم الذين أتوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانظر خبر هذه الغزوة وما تضمنتها من مسائل فقهية وفوائد في:"زاد المعاد"(3/ 465 - 494).
(1)
في "الروض الأنف"(4/ 59 - 60).
(2)
في الاعتبار (ص 430).
(3)
في السنن الكبرى (7/ 207).
بإسناد ضعيف لأن عباد بن كثير الثقفي البصري متروك.
(4)
في "التلخيص"(3/ 322).
(5)
في صحيحه رقم (4149) بإسناد ضعيف لسوء حفظ مؤمل بن إسماعيل.
(6)
في السنن الكبرى (7/ 207).
(7)
الفتح (9/ 170).
(8)
في السنن الكبرى (7/ 202).
وذكر السهيليُّ
(1)
أن ابن عيينة روى عن الزهريِّ بلفظ: "نهى عن أكل الحُمر الأهلية عام خيبر، وعن المتعة بعد ذلك، أو في غير ذلك اليوم"، انتهى.
وروى ابن عبد البرّ
(2)
أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة: أن النَّهيَ زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر.
قال ابنُ عبد البر
(3)
: وعلى هذا أكثر الناس.
وقال أبو عوانة في صحيحه
(4)
: سمعتُ أهل العلم يقولون: معنى حديث عليّ: أنَّه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية. وأما المتعة فسكت عنها، وإنما نهى عنها يوم الفتح، انتهى.
قال في الفتح
(5)
: والحاملُ لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرُّخصة فيها بعد زمن خيبر كما أشار البيهقيُّ، ولكنَّه يشكل على كلام هؤلاء ما في البخاري
(6)
في الذبائح من طريق مالك بلفظ: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية".
وهكذا أخرجه مسلم
(7)
من رواية ابن عيينة.
وأما في غزوة حنين فهو تصحيف كما تقدم والأصل خيبر، وعلى فرض عَدَم ذلك التَّصحيفِ فيمكن أن يُرَادَ ما وقع في غزوة أوطاس، لكونها هي وحنين واحدةٌ. وأما في غزوة تبوك فلم يقعْ منه صلى الله عليه وسلم إذنٌ بالاستمتاع كما تقدَّم، وإذا تقرَّر هذا فالإذنُ الواقعُ منه صلى الله عليه وسلم بالمتعة يوم الفتح منسوخٌ بالنَّهي عنها المؤبَّد كما في حديث سبرة
(8)
الجهنيّ، وهكذا لو فرض وقوع الإذن منه صلى الله عليه وسلم بها في موطن من المواطن قبل يوم الفتح كان نهيه عنها يوم الفتح ناسخًا له.
(1)
في "الروض الأنف"(4/ 59).
(2)
في "التمهيد"(11/ 91 - الفاروق).
(3)
في "التمهيد"(11/ 91 - 92 - الفاروق).
(4)
في مسنده (3/ 30) ولفظه: "قال أبو عوانة: سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي بن أبي طالب أنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، ونهى عن متعة النساء أيام الفتح". اهـ.
والمثبت هنا من "الفتح"(9/ 169).
(5)
في "الفتح"(9/ 169).
(6)
في صحيحه رقم (5523).
(7)
في صحيحه رقم (30/ 1407).
(8)
تقدم برقم (2690) من كتابنا هذا.
وأما روايةُ النهي عنها في حجَّة الوداع فهو اختلافٌ على الربيع بن سبرة
(1)
والرواية عنه بأنَّ النهيَّ في يوم الفتح أصحُّ وأشهر
(2)
.
(1)
أخرج أحمد في المسند (3/ 404) وأبو داود رقم (2072) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 204) والطبراني في المعجم الكبير رقم (6532) عن ربيع بن سبْرَة قال: سمعتُ أبي يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في (حِجَّةِ الوَداع) ينهى عن نكاح المتعة".
وهذه الرواية شاذة.
(2)
أخرج مسلم في صحيحه رقم (20/ 1406) حدثنا أبو كامل فضيلُ بنُ حُسين الجحدَري: حدثنا بِشرٌ (يعني ابنَ مفضْلٍ): حدثنا عمارة بن غزيةَ، عن الربيع بن سبرةَ أنَّ أباهُ غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة. قال: فأقمنا بها خمسَ عشرةَ (ثلاثين بينَ ليلةٍ ويومٍ) فأذِنَ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعةِ النساءِ، فخرجتُ أنا ورجُلٌ من قومي، ولي عليه فضْلٌ في الجمالِ، وهو قريبٌ من الدّمامةِ، معَ كُلّ واحدٍ منا بُرْد، فبرْدي خلقٌ، وأمَّا بُرْدُ ابن عمي فبردٌ جديدٌ غض، حتى إذا كُنَّا بأسفلِ مكةَ، أو بأعلاها، فتلقَّتنا فتاةٌ مِثلُ البكرة العَنَطْنَطَةِ، فقُلنا: هل لك أنْ يستمْتِعَ منكِ أحَدُنَا؟ قالت: وماذا تبذلانِ؟ فنشرَ كُل واحِدٍ منّا بُرْدَهُ، فجعلَتْ تنظُر إلى الرّجُلَيْنِ، ويراهَا صاحبي تنظُرُ إلى عِطْفِهَا فقال: إنَّ بُرْدَ هذا خَلَقٌ وبُرْدِي جديدٌ غَضّ، فتقولُ: بُرْدُ هذا لا بأسَ بهِ، ثلاثَ مرارٍ أو مرتينِ، ثم استمتعتُ منها، فلم أخرُجْ حتى حرَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو حديث صحيح.
• وأخرج مسلم في صحيحه رقم (
…
/ 1406): وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي: حدثنا أبو النعمان، حدثنا وهيب حدثنا عمارة بن غزية، حدثني الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح إلى مكة
…
فذكر بمثل حديث بشر، وزاد قالت: وهل يصلح ذاك؟ وفيه قال: إن بُرْدَ هذا خلق مَحٌّ.
وهو حديث صحيح.
• وله طرق أخرى عن الربيع بن سمرة (يذكر أن التحريم كان عام الفتح) منها عبد الملك بن الربيع - عند مسلم رقم (22/ 1406) - وعبد العزيز بن الربيع - عند مسلم رقم (23/ 1406) -.
• ومن الطرق الأخرى عن الربيع بن سبرة (يذكر عام الفتح) الزهري في وجه آخر كما عند مسلم رقم (24، 25، 27/ 1456) وأحمد (3/ 404) وسعيد بن منصور رقم (847) والحميدي رقم (846) والطبراني في الكبير رقم (6533) و (6534) والدارمي (2/ 140).
• وكذلك يونس عن أبيه (وأبوه فيما يبدو وهو أبو إسحاق السبيعي) كما عند الطبواني في الكبير رقم (6536).
• وكذلك عمرو بن الحارث عن الربيع بن سبرة (مباشرة بدون واسطة) كما عند الطبراني في الكبير رقم (6524) وعند سعيد بن منصور رقم (846). =
ويمكن الجمعُ: بأنَّه صلى الله عليه وسلم أراد إعادةَ النهي ليشيع ويسمعه من لم يسمعه قبل ذلك.
ولكنَّه يعكر على ما في حديث سبرة من التحريم المؤبَّد ما أخرجه مُسلم
(1)
وغيره عن جابر قال: كنا نستمتعُ بالقبضة من الدقيق والتمر الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر حتى نهانا عنها عمر، في شأن حديث عمرو بن حريث، فإنه يبعد كلَّ البعد أن يجهل جَمْعٌ من الصحابة النهيَ المؤبَّد الصَّادر عنه صلى الله عليه وسلم في جَمْعٍ كبيرٍ من الناس ثم يستمرُّون على ذلك حياته صلى الله عليه وسلم وبعد موته حتى ينهاهم عنها عمر.
وقد أجيبَ عن حديث جابر هذا: بأنهم فَعَلُوا ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يبلغه النسخ حتى نهى عنها عمر، واعتقد أن الناسَ باقون على ذلك لعدم النَّاقل، وكذلك يُحْمَلُ فِعْلُ نجيره من الصَّحابة، ولذا ساغ لعمر أن ينهى ولهم الموافقة.
وهذا الجواب وإن كان لا يخلو عن تعسفٍ، ولكنَّه أوجب المصيرَ إليه حديثُ سبرة الصحيح المصرِّح بالتحريم المؤبد.
وعلى كل حال فنحن متعبِّدون بما بلغنا عن الشارع، وقد صحَّ لنا عنه التحريم المؤبَّد، ومخالفةُ طائفةٍ من الصحابة له غيرُ [قادحةٍ]
(2)
في حجِّيته ولا قائم لنا بالمعذرة عن العمل به.
كيف والجمهورُ من الصَّحابة قد حفظوا التحريمَ، وعملوا به، ورووه لنا، حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه
(3)
بإسناد صحيح: "إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
= - فينتج لنا أن الذين رووه عن الربيع بن سبرة بذكر توقيت (عام الفتح) هم: عمارة بن غزية، وعبد الملك بن الربيع، وعبد العزيز بن الربيع، والزهري (في رواية) وأبو إسحاق السبيعي، وعمرو بن الحارث.
(1)
في صحيحه رقم (16/ 1405).
(2)
في المخطوط (ب): (قادح).
(3)
في السنن رقم (1963).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 108): "هذا إسناد فيه مقال: أبو بكر بن حفص اسمه إسماعيل الأيلي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 102).
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: كتبت عنه وعن أبيه وكان أبوه يكذب. =
أذن لنا في المتعة ثلاثًا ثم حرمها، والله لا أعلمُ أحدًا تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة".
وقال أبو هريرة فيما يرويه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "هدم المتعة الطلاقُ والعدةُ والميراث"، أخرجه الدارقطني
(1)
وحسنه الحافظ
(2)
، ولا يمنع من كونه حسنًا كون في إسناده مؤمل بن إسماعيل، لأنَّ الاختلاف فيه لا يخرج حديثه عن حدّ الحسن إذا انضمّ إليه من الشواهد ما يقوّيه كما هو شأن الحسن لغيره.
وأما ما يُقال من أن تحليلَ المتعة مجمعٌ عليه، والمجمعُ عليه قطعي، وتحريمها مختلفٌ فيه، والمختلف فيه ظنيٌّ والظنيُّ لا ينسخُ القطعيَّ، فيجاب عنه.
(أولًا): بمنع هذه الدعوى، أعني: كون القطعيِّ لا ينسخه الظنيُّ فما الدليل عليها؟ ومجرَّد كونها مذهب الجمهور غير مقنع لمن قام في مقام المنع يُسائل خَصْمه عن دليل العقل والسمع بإجماع المسلمين.
(ثانيًا): بأنَّ النسخَ بذلك الظنيِّ إنَّما هو لاستمرار الحلِّ لا لنفس الحلِّ، والاستمرار ظنيٌّ لا قطعي.
وأما قراءةُ ابن عباس، وابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وسعيد بن جبير:{فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى} فليست بقرآنٍ عند مشترطي التواتر، ولا سنَّة لأجل روايتها قرآنًا، فيكون من قبيل التفسير للآية، وليس ذلك بحجَّةٍ.
وأما عند من لم يشترط التواتر فلا مانع من نَسْخ ظنيِّ القرآنِ بظنيِّ السُّنَّة كما تقرَّر في الأصول
(3)
.
= قلت: لا بأس به، قال: لا يمكنني أن أقول: لا بأس به". اهـ.
وهو حديث حسن.
(1)
في السنن (3/ 259 رقم 54).
قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (4149) من حديث أبي هريرة بسند ضعيف لسوء حفظ مؤمل بن إسماعيل.
(2)
في "التلخيص"(3/ 320).
(3)
انظر: "البحر المحيط"(4/ 109) والمسودة (ص 202).
وإرشاد الفحول (ص 620، 629) بتحقيقي.
[الباب العشرون] باب نكاح المحلل
71/ 2691 - (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَالنَّسَائِيُّ
(2)
والتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
(3)
. [صحيح]
والْخَمْسَةُ إِلَّا النّسائيَّ
(4)
مِنْ حَدِيث عليّ مِثْلَهُ). [صحيح]
72/ 2692 - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أُخْبِرُكُمْ بالتَّيْسِ المُسْتَعَارِ"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قالَ: " [هُوَ]
(5)
المُحَلِّلُ، لَعَنَ الله المُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)
(6)
. [حسن]
حديث ابن مسعود صححه ابن القطان
(7)
وابن دقيق العيد
(8)
على شرط البخاري، وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق
(9)
، وطريق ثالثة أخرجها إسحاق
(1)
في المسند (1/ 450).
(2)
في سننه رقم (3416).
(3)
في سننه رقم (1120) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 208)، وصححه الألباني ويشهد له حديث علي.
(4)
أخرجه أحمد (1/ 83) وأبو داود رقم (2076) والترمذي رقم (1119) وابن ماجه رقم (1935).
قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 208)، وصححه الألباني ويشهد له ما قبله، وأيضًا حديث عقبة بن عامر الآتي. وكذلك حديث أبي هريرة الذي أخرجه أحمد (2/ 323) وابن الجارود رقم (684) والبيهقي (7/ 208) وابن أبي شيبة (4/ 296).
(5)
في المخطوط (أ): (فهو).
(6)
في سننه رقم (1936).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 102): "هذا إسناد مختلف فيه من أجل أبي مصعب وهو مشرح بن هاعان".
قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 199) وصححه، والدارقطني (3/ 251 رقم 28) والبيهقي (208/ 7). وهو حديث حسن.
(7)
انظر: "بيان الوهم والإيهام" رقم (2015).
(8)
حكان عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 350) وكذلك عن ابن القطان.
(9)
في "المصنف" رقم (10793).
في مسنده
(1)
.
وحديث عليّ صححه ابن السكن
(2)
وأعله الترمذي
(3)
فقال: روى مجالد الشعبي عن جابر وهو وهَم، انتهى. وفي إسناده مجالد [وفيه ضعف]
(4)
.
وحديث عقبة أخرجه أيضًا الحاكم
(5)
، وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالإرسال
(6)
. وحكى الترمذي
(7)
عن البخاري بأنه استنكره.
وقال أبو حاتم
(8)
: ذكرته ليحيى بن بكير فأنكره إنكارًا شديدًا.
(1)
قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 350): (وأخرى أخرجها إسحاق في مسنده، عن زكريا بن عدي، عن عبد الله بن عمر، وعن عبد الكريم الجزري، عن أبي واصل، عنه". اهـ.
(2)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 350).
(3)
في السنن (3/ 428).
(4)
في المخطوط (ب): (هو ضعيف).
(5)
في المستدرك (2/ 199) وقد تقدم.
(6)
قال أبو زرعة، وأبو حاتم، كما في "العلل" (1/ 411): إن الصواب رواية الليث عن سليمان بن عبد الرحمن مرسلًا.
قلت: المرسل لا ينافي المرفوع، لأن لليث فيه شيخين، رفعه أحدهما، وأرسله الآخر، والمرسل يقوي المرفوع ولا يضعفه.
وانظر ما قاله ابن قيم الجوزية في "إعلام الموقعين"(4/ 416 - 419 - ابن الجوزي) على علل هذا الحديث والرد عليها فقد أجاد وأفاد.
(7)
في "العلل الكبير"(1/ 438): "وسألت محمدًا - أي البخاري - عن حديث عبد الله بن صالح، حدثني الليث عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بالتيس المستعار وهو المحل والمحلل له، لعن الله المحل والمحلل له".
فقال: عبد الله بن صالح لم يكن أخرجه في أيامنا، ما أرى الليث سمعه من مشرح بن هاعان، لأن حَيْوة روى عن بكر بن عمرو عن مشرح". اهـ.
وقد ردَّ هذه العلة ابن القيم في "إعلام الموقعين"(3/ 418) بقوله: "
…
فعبد الله بن صالحٍ قد صرح بأنه سمعه من الليث، وكونُه لم يخرجه وقت اجتماع البخاري به لا يضره شيئًا، وأما قوله:"إن حيوة يروي عن بكر بن عمرو عن مِشْرَح"، فإنه يريد به أن حيوة من أقران الليث أو أكبر منه، وإنما روى عن بكر بن عمرو عن مِشرح، وهذا تعليل قوي، ويؤكده أنَّ الليث قال:"قال مِشْرَح" ولم يقل: حدثنا، وليس بلازم؛ فإن الليث كان معاصرًا لمشرح وهو في بلده، وطلبُ اللَّيث العلمَ وجمعه لم يمنعه أن لا يسمع من مشرح حديثه عن عقبة بن عامر وهو معه في البلد". اهـ.
تنبيه: وقع في "العلل الكبير" للترمذي (1/ 438)(عاهان) وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه. انظر:"تهذيب التهذيب"(4/ 81)، والتقريب رقم (6679) والتعليقة الآتية.
(8)
كما في العلل (1/ 411).
وسياق إسناده في سنن ابن ماجه هكذا: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري قال: حدثنا أبي قال: سمعت الليث بن سعد يقول: قال لي مِشْرَاح بن هاعان
(1)
: قال عقبة بن عامر
…
فذكره. ويحيى بن عثمان ضعيف، ومشرح قد وثقه ابن معين.
وفي الباب عن ابن عباس عند ابن ماجه
(2)
وفي إسناده زمعة بن صالح، وهو ضعيف.
وعن أبي هريرة عند: أحمد
(3)
وإسحاق
(4)
والبيهقي
(5)
والبزار
(6)
وابن أبي حاتم في العلل
(7)
والترمذي في العلل
(8)
وحسنه البخاري
(9)
.
(1)
مشرح بن هاعان المعافري البصري، أبو المصعب. وثقه ابن معين، وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ ويخالف. وقال في المجروحين: يروي عن عقبة بن عامر أحاديث مناكير لا يتابع عليها، والصواب في أمره ترك ما انفرد به.
المجروحين (3/ 28) وتهذيب الكمال (7/ 28 رقم 5974) والثقات (5/ 452).
والخلاصة: أنه صدوق عند الحفاظ، لم يتهمه أحد البتة، ولا أطلق عليه أحد من أهل الحديث قط أنه ضعيف، ولا ضعفه ابن حبان، وإنما قال: يروي عن عقبة بن عامر مناكير لا يتابع عليها، والصواب تركُ ما انفرد به. وانفرد ابن حبان من بين أهل الحديث بهذا القول فيه. مع العلم أن ابن معين أعلم بالرجال من ابن حبان.
(2)
في سننه رقم (1934).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 102): "وهذا إسناد ضعيف لضعف زمعة بن صالح الجندي - في سلمة - ".
وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 350): "وفي إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف".
وقال الألباني في "الإرواء"(6/ 309): "وزمعة وسلمة كلاهما ضعيف".
قلت: فالحديث صحيح بشواهده، والله أعلم.
(3)
في المسند (2/ 322).
(4)
كما في "التلخيص"(3/ 350) و"نصب الراية"(3/ 240).
(5)
في السنن الكبرى (7/ 208).
(6)
في المسند رقم (1442 - كشف).
(7)
في "العلل"(1/ 413).
(8)
في "العلل الكبير"(2/ 437).
(9)
قال الترمذي في "العلل"(2/ 437): فسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن. وعبد الله بن جعفر صدوق ثقة، وعثمان بن محمد الأخنسي ثقة، وكنت أظن أن عثمان لم يسمع من سعيد المقبري".
وصحح الزيلعي الحديث في "نصب الراية"(3/ 240).
والأحاديث المذكورة تدلّ على تحريم التحليل لأن اللعن إنما يكون على ذنب كبير.
قال الحافظ في التلخيص
(1)
: استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها بانت منه، أو شرط أنه يطلقها أو نحو ذلك.
وحملوا الحديث على ذلك، ولا شكّ أن إطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها.
لكن روى الحاكم
(2)
والطبراني في الأوسط
(3)
عن [ابن عمر]
(4)
: "أنه جاء إليه رجل فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثًا، فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لأخيه، هل تحلّ للأوّل؟ قال: لا، إلا بنكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قال: وقال ابن حزم
(5)
: ليس الحديث على عمومه في كل محلل، إذ لو كان كذلك لدخل فيه كل واهب وبائع ومزوّج، فصحّ أنه أراد به بعض المحللين، وهو من أحلّ حرامًا لغيره بلا حجة، فتعين أن يكون ذلك فيمن شرط ذلك، لأنهم لم يختلفوا في أن الزوج إذا لم ينو تحليلها للأوّل ونوت هي، أنها لا تدخل في اللعن، فدلّ على أن المعتبر الشرط، انتهى.
ومن المجوّزين للتحليل بلا شرط أبو ثور
(6)
وبعض الحنفية
(7)
والمؤيد بالله (8) والهادوية
(8)
، وحملوا أحاديث التحريم على ما إذا وقع الشرط أنه نكاح تحليلٍ.
(1)
في "التلخيص"(3/ 351).
(2)
في المستدرك (2/ 199) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(3)
في الأوسط رقم (6246).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 267) وقال: ورجاله رجال الصحيح.
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 208) وابن حزم في المحلى (10/ 181).
وهو حديث صحيح.
(4)
في المخطوط (أ): (عمر)، والمثبت من (ب) ومصادر التخريج وهو الصواب.
(5)
في "المحلى"(10/ 138).
(6)
موسوعة فقه أبي ثور (ص 471).
(7)
البناية في شرح الهداية (5/ 259 - 260) وحاشية ابن عابدين (5/ 40).
(8)
البحر الزخار (3/ 29 - 30).
قالوا: وقد روى عبد الرزاق
(1)
أن امرأة أرسلت إلى رجل فزوّجته نفسها ليحلها لزوجها، فأمره عمر بن الخطاب أن يقيم معها ولا يطلقها، وأوعده أن يعاقبه إن طلقها فصحح نكاحه ولم يأمره باستئنافه.
وروى عبد الرزاق
(2)
أيضًا عن عروة بن الزبير أنه كان لا يرى بأسًا بالتحليل إذا لم يعلم أحد الزوجين.
قال ابن حزم
(3)
: وهو قول سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين"
(4)
: وصحّ عن عطاء
(5)
فيمن نكح امرأة محللًا ثم رغب فيها فأمسكها، قال: لا بأس بذلك.
وقال الشعبي
(6)
: لا بأس بالتحليل إذا لم يأمر به الزوج.
وقال الليث بن سعد
(7)
: إن تزوّجها ثم فارقها فترجع إلى زوجها.
وقال الشافعي
(8)
وأبو ثور: المحلل الذي يفسد نكاحه هو من تزوّجها
(1)
في "المصنف" رقم (10786).
(2)
في "المصنف" رقم (10789).
(3)
في "المحلى"(10/ 182).
(4)
في "إعلام الموقعين"(5/ 123 - 124) ط: ابن الجوزي.
(5)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (15784) وذكره ابن حزم في المحلى (10/ 182).
(6)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (10789) وذكره ابن حزم في المحلى (10/ 182).
(7)
في "إعلام الموقعين"(5/ 124)، ولفظه:"قال الليث بن سعد: إن تَزوَّجها ثم فارقها لترجع إلى زوجها ولم يعلم المطلّق ولا هي بذلك وإنما كان ذلك إحسانًا منه فلا بأس أن ترجع إلى الأول، فإن بيَّن الثاني ذلك للأول بعد دخوله بها لم يضره". اهـ.
(8)
قال العمراني في "البيان"(9/ 277 - 279): "وأما نكاح المحلِّلِ: فإن الرجلَ إذا طلَّقَ امرأته ثلاثًا .. فإنها لا تحل له إلا بعدَ زوجٍ وإصابةٍ، فإذا طلَّق امرأته وانقضت عدتُها منه، ثم تزوجت بآخر بعده .. ففيها ثلاث مسائلَ:
(إحداهن): أن يقولَ: زوَّجتك ابنتي إلى أَنْ تطأَها، أو إلى أن تُحِلَّها للأول، فإذا أحللتها فلا نكاح بينكما، فهذا باطل بلا خلاف
…
(المسألة الثانية): أن يقول: زوَّجتكَ ابنتي على أنك إن وطئتَها طلَّقْتَها، أو قال: تزوَّجتُكِ على أني إذا أحللتُكِ طلقتُكِ، وكان هذا الشرط في نفس العقد .. ففيه قولان:
(أحدهما): أن النكاح باطل .... و (الثاني): أن النكاح صحيح والشرط باطلٌ، لأنَّ العقد وقع مطلقًا من غير تأقيتٍ، وإنما شرط على نفسه الطلاق، فلم يؤثر في النكاح، وإنما يبطلُ بهِ المهرُ، كما لو شرطَ أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى عليها. =
ليحلها ثم يطلقها، فأما من لم يشترط ذلك في عقد النكاح فعقده صحيح لا داخلة فيه سواء شرط عليه ذلك قبل العقد أو م يشرط، نوى ذلك أو م ينوه.
قال أبو ثور: وهو مأجور.
وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة مثل هذا سواء.
وروي أيضًا عن محمد وأبي يوسف عن أبي حنيفة أنه إذا نوى الثاني والمرأة التحليل للأوّل لم تحلّ له بذلك.
وروى الحسن بن زياد عن زفر وأبي حنيفة أنه إن شرط عليه في نفس العقد أنه إنما تزوّجها ليحلها للأوّل، فإنه نكاح صحيح ويبطل الشرط، وله أن يقيم معها.
فهذه ثلاثُ روايات عن أبي حنيفة
(1)
، قالوا: وقد قال الله تعالى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(2)
، وهذا زوج قد عقد بمهر ووليّ ورضاها وخلوّها عن الموانع الشرعية، وهو راغب في ردّها إلى زوجها الأول، فيدخل في حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا، إلا نكاح رغبة"
(3)
، وهذا نكاح رغبةٍ في تحليلها للمسلم، كما أمر الله تعالى بقوله:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (2)،
= (المسألة الثالثة): أن تشترط عليه قبل النكاح أنه إذا أحلَلَها للأول طلَّقَها، أو تزوجها ونوى بنفسه ذلك، فعقد النكاح عقدًا مطلقًا .. فيكره له ذلك، فإن عقدَ كان العقدُ صحيحًا.
وبه قال أبو حنيفة رحمه الله.
وقال مالك، والثوري، والليث، وأحمد، والحسنُ، والنخعي، وقتادة رحمة الله عليهم:(لا يصحّ) ". اهـ.
(1)
ذكرها ابن قيم الجوزية في "إعلام الموقعين"(5/ 124).
وانظر: المبسوط للسرخسي (6/ 9 - 10) والبناية في شرح الهداية (5/ 259 - 261) ورؤوس المسائل (4/ 102 - 103).
(2)
سورة البقرة، الآية:(230).
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (رقم 11567) وابن حزم في المحلى (10/ 184) من حديث ابن عباس مرفوعًا. ولفظه: "لا نكاح إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة، ولا مستهزئ بكتاب الله لم يذق العسيلة".
وقال ابن حزم عقبه: "فهذا حديث موضوع، لأن إسحاق بن محمد الفروي ضعيف جدًّا، متروك الحديث، ثم عن إبراهيم بن إسماعيل، وهو بلا شك، إما ابن مجمع، وإما ابن حبيبة، وكلاهما أنصاري مدني، ضعيف لا يحتج به". =
والنبي صلى الله عليه وسلم إنما شرط في عودها إلى الأوّل مجرّد ذوق العسيلة بينهما، فالعسيلة حلت له بالنصِّ.
وأمّا لعنه صلى الله عليه وسلم[للمحلل]
(1)
فلا ريب: أنه لم يرد كلَّ محلَّلٍ ومحلِّل له، فإن الوليّ محللٌ لما كان حرامًا قبل العقد، والحاكمُ المزوِّج محللٌ بهذا الاعتبار، والبائع أمته محلل للمشتري وطأها.
فإن قلنا: العامُ إذا خصص صار مجملًا، فلا احتجاج بالحديث.
وإن قلنا: هو حجة فيما عدا محلّ التخصيص، فذلك مشروطٌ ببيان المراد منه، ولسنا ندري المحلل المراد من هذا النصّ، أهو الذي نوى التحليل، أو شرطه قبل العقد، أو شرطه في صلب العقد، أو الذي أحلّ [ما حرّمه]
(2)
الله تعالى ورسوله.
ووجدنا كلَّ من تزوج مطلَّقةً ثلاثًا فإنَّه محلِّلٌ، ولو لم يشترط التحليل أو لم ينوه، فإنَّ الحلَّ حصل بوطئه وعقده.
ومعلوم قطعًا: أنَّه لم يدخل في النصِّ، فعلم: أن النصَّ إنما أراد به من أحلَّ الحرام بفعله أو عقده.
وكلُّ مسلم لا يشك في أنه أهلٌ للعنة.
وأما من قصد الإحسان إلى أخيه المسلم، ورغب في جمع شمله بزوجته ولمِّ شعثه وشعث أولاده وعياله فهو محسنٌ، وما على المحسنين من سبيل، فضلًا عن أن يلحقهم لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولا يخفاك أن هذا كله بمعزل عن الصواب، بل هو من المجادلة بالباطل البحت ودفعه لا يخفى على عارف.
= وله شاهد من حديث ابن عمر: أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (6246) والحاكم (2/ 199) ومن طريقه البيهقي (7/ 208) وقال فيه: "لا؛ إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وأورده الطبراني في "مجمع الزوائد"(4/ 267) وقال: ورجاله رجال الصحيح.
وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي.
(1)
في المخطوط (ب): اللمحل).
(2)
في المخطوط (ب): (ما حرم).
[الباب الحادي والعشرون] باب نكاح الشِّغار
73/ 2693 - (عَنْ نافِع عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشِّغارِ، وَالشِّغارُ أنْ يُزَوّجَ الرَّجُل ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يَزُوِّجَهُ ابْنَتَه وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةَ
(1)
، وَلَكِنَّ التِّرْمِذِيُّ لَمْ يَذْكُرْ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ، وأبُو داودَ جَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ نافِعٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ مُتّفَقٍ عَلَيْهَا)
(2)
. [صحيح]
74/ 2694 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا شِغَار فِي الإِسْلَامِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(3)
[صحيح]
75/ 2695 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الشِّغارِ، وَالشِّغارُ أنْ يَقُولَ الرّجُل: زَوّجْنِي ابْنَتَكَ وأزَوِّجُكَ ابْنَتِي، أوْ زَوّجْنِي أخْتَكَ وأزَوّجُكَ أخْتي. رَوَاه أحْمَدُ
(4)
وَمُسْلِمٌ)
(5)
. [صحيح]
76/ 2696 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ: أن العَبّاسَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّابر أنْكَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن الحكم ابْنَتَه، وأنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ ابْنَتَهُ. وَقَدْ كَانَا [جَعَلا]
(6)
صَدَاقًا، فَكَتَبَ مُعاوِيَة بْن أبي سُفْيانَ إلى مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ يَأُمُره بالتّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: هَذَا الشِّغارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أَحمَدُ
(7)
وأبُو دَاوُدَ)
(8)
. [حسن]
(1)
أحمد في المسند (2/ 62) والبخاري رقم (5112) ومسلم رقم (57/ 1415) وأبو داود رقم (2074) والترمذي رقم (1123) والنسائي رقم (3334) وابن ماجه رقم (1883).
وهو حديث صحيح.
(2)
أحمد في المسند (2/ 19) والبخاري (6960) ومسلم رقم (58/ 1415).
(3)
في صحيحه رقم (60/ 1415).
(4)
في المسند (2/ 439).
(5)
في صحيحه رقم (61/ 1416).
قلت: وأخرجه النسائي (6/ 112) وابن ماجه رقم (1884) والبيهقي (7/ 200).
وهو حديث صحيح.
(6)
في المخطوط (أ): (جعلاه).
(7)
في المسند (4/ 94).
(8)
في سننه رقم (2075). قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 200).
وهو حديث حسن.
77/ 2697 - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا جَلَبَ وَلا جَنَبَ وَلَا شِغارَ فِي الإِسْلامِ، وَمَنِ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنّا"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَالنّسَائِيُّ
(2)
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)
(3)
. [صحيح]
حديث معاوية في إسناده محمد بن إسحاق، وقد تقدم اختلاف الأئمة في الاحتجاج بحديثه.
وفي الباب عن أنس عند أحمد
(4)
والترمذي وصححه
(5)
والنسائي
(6)
.
وعن جابر عند مسلم
(7)
. وأخرج البيهقي
(8)
عن جابر أيضًا نهى عن الشغار.
والشغار: أن تنكح هذه بهذه بغير صداقٍ، بضع هذه صداق هذه، وبضع هذه صداق هذه.
وأخرج عبد الرزاق
(9)
عن أنس أيضًا مرفوعًا: "لا شغار في الإسلام، والشغار: أن يزوّج الرجل الرجل أخته بأخته".
وأخرج أبو الشيخ
(10)
من حديث أبي ريحانة: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن المشاغرة، والمشاغرة: أن يقول: زوِّج هذا من هذه، وهذه من هذا بلا مهر".
(1)
في المسند (4/ 429).
(2)
في سننه رقم (3335).
(3)
في سننه رقم (1123) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند (3/ 165).
(5)
أشار إليه الترمذي بإثر الحديث رقم (1123).
(6)
في سننه رقم (3336).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1885) والبيهقي (7/ 200).
وهو حديث صحيح.
(7)
في صحيحه رقم (62/ 1417).
قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 200).
وهو حديث صحيح.
(8)
في السنن الكبرى (7/ 200).
(9)
في "المصنف" رقم (10434).
(10)
كما في "الفتح"(9/ 163).
وأخرج الطبراني
(1)
عن أُبيّ بن كعب مرفوعًا: "لا شغار، قالوا: يا رسول الله، وما الشغار؟ قال: إنكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما".
قال الحافظ
(2)
: وإسناده وإن كان ضعيفًا لكنه يستأنس به في هذا المقام.
قوله: (الشغار) بمعجمتين الأولى مكسورة.
قوله: (والشغار: أن يزوّج
…
إلخ)، قال الشافعي
(3)
: لا أدري التفسير عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك. هكذا حكي عن الشافعي، والبيهقي في "المعرفة"
(4)
. قال الخطيب
(5)
: تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
في المعجم الصغير (1/ 158) وفي الأوسط رقم (3559).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 266) وقال: رواه الطبراني في الصغير، والأوسط، وفيه يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف، والسند منقطع أيضًا". اهـ.
(2)
في "التلخيص"(3/ 319).
قلت: وفي الباب من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد في المسند (2/ 215)، وقال الهيثمي في "المجمع" (4/ 266): "ورجاله رجال الصحيح خلا ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث:
• ومن حديث سمرة عند البزار رقم (1439 - كشف) والطبراني في الكبير كما في "مجمع الزوائد"(4/ 266) وقال الهيثمي: وإسنادهما ضعيف.
• ومن حديث وائل بن حجر عند البزار رقم (1440 - كشف) وقال الهيثمي في "المجمع"(4/ 266): "وفيه سعيد بن عبد الجبار بن وائل ضعفه النسائي".
• ومن حديث ابن عباس أخرجه الطبراني كما في "مجمع الزوائد"(4/ 267) وقال الهيثمي: وفيه أبو الصباح عبد الغفور وهو متروك.
(3)
في الأم (6/ 197).
وانظر: البيان للعمراني (9/ 271 وما بعدها).
(4)
في معرفة السنن والآثار (15/ 166).
(5)
في "الفصل للوصل المدرج في النقل"(1/ 385 - 386)، وعبارته: "وتفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول مالك وصل بالمتن المرفوع، وقد بين ذلك: عبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحرز بن عون في روايتهم الحديث عن مالك؛ وفصلوا كلامه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
". اهـ.
• وأما حديث القعنبي عن مالك الذي فصل فيه كلامه من كلام رسول الله أخرجه أبو داود رقم (2074). وانظر: "الفتح"(9/ 162).
• وأما حديث عبد الرحمن بن مهدي عن مالك الذي فصل فيه كلامه من كلام رسول الله. أخرجه أحمد (2/ 62). =
وإنما هو من قول مالك، وهكذا قال غير الخطيب.
قال القرطبي
(1)
: تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكره أهل اللغة
(2)
، فإن كان مرفوعًا فهو المقصود وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضًا لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال.
وللشغار صورتان:
(إحداهما): المذكورة في الأحاديث، وهي خلوّ بضع كل منهما من الصداق.
(والثانية): أن يشرط كل واحد من الوليين على الآخر أن يزوّجه وليته، فمن العلماء من اعتبر الأولى فقط فمنعها دون الثانية، وليس المقتضى للبطلان عندهم مجرّد ترك ذكر الصداق لأن النكاح يصحّ بدون تسميته، بل المقتضي لذلك جعل البضع صداقًا.
واختلفوا فيما إذا لم يصرِّح بذكر البضع، فالأصحّ عندهم الصحة.
قال القفال
(3)
: العلة في البطلان التعليق والتوقيف وكأنه يقول: لا ينعقد لك نكاح ابنتي حتى ينعقد لي نكاح ابنتك.
وقال الخطابي
(4)
: كان ابن أبي هريرة يشبهه برجل تزوّج امرأة وششثني عضوًا منها، وهذا مما لا خلاف في فساده.
قال الحافظ
(5)
: وتقرير ذلك [أنه]
(6)
يزوّج وليته ويستثني بضعها حيث يجعله صداقًا للأخرى.
= • وأما حديث محرز بن عون عن مالك الذي فصل فيه كلامه من كلام رسول الله. كما في "الفتح"(9/ 162) وعزاها إلى الإسماعيلي والدارقطني في الموطآت.
وانظر: "الفصل للوصل المدرج في النقل"(1/ 387 - 388).
(1)
في "المفهم"(4/ 112).
(2)
النهاية (1/ 876)، والقاموس المحيط (ص 535)، و"الفائق" للزمخشري (1/ 17) و "غريب الحديث" للهروي (3/ 128).
(3)
حكاه عنه صاحب المهذب (4/ 158 - 159) وابن حجر في "الفتح"(9/ 163) ولم أقف عليها في كتابه (6/ 396) حلية العلماء.
(4)
في "معالم السنن"(2/ 561 - مع السنن).
(5)
في "الفتح"(9/ 163).
(6)
في المخطوط (ب): (أن).
وقال المؤيد بالله وأبو طالب: العلة كون البضع صار ملكًا للأخرى.
قال ابن عبد البر
(1)
: أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز، ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان.
وفي رواية عن مالك
(2)
: يفسخ قبل الدخول لا بعده. وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي
(3)
.
وذهبت الحنفية
(4)
إلى صحته، ووجوب المهر وهو قول الزهري
(5)
ومكحول (5) والثوري (5) والليث
(6)
ورواية عن أحمد
(7)
وإسحاق
(8)
وأبي ثور
(9)
، هكذا في الفتح
(10)
قال: وهو قوي على مذهب الشافعي
(11)
لاختلاف الجهة، لكن قال الشافعي: النساء محرّمات إلا ما أحل الله أو ملك يمين، فإذا ورد النهي عن نكاح تأكد التحريم، انتهى.
وظاهر ما في الأحاديث من النهي والنفي أن الشغار حرام باطل، وهو غير مختص بالبنات والأخوات.
قال النووي
(12)
: أجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهنّ كالبنات في ذلك، انتهى. وتفسير الجلب والجنب [قد]
(13)
تقدم في الزكاة.
[الباب الثاني والعشرون] باب الشروط في النكاح وما نهي عنه منها
78/ 2698 - (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أحَقّ الشّرُوطِ
(1)
في الاستذكار (16/ 202).
(2)
الاستذكار (16/ 202 رقم 24042).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 163) وابن قدامة في المغني (10/ 42).
(4)
البناية في شرح الهداية (4/ 678 - 679).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 163) وابن قدامة في المغني (10/ 42).
(6)
الاستذكار (16/ 203).
(7)
في المغني (10/ 42).
(8)
الاستذكار (16/ 203).
(9)
موسوعة فقه أبي ثور (ص 470).
(10)
(9/ 164).
(11)
الأم (6/ 449).
(12)
في شرحه لصحيح مسلم (9/ 201).
(13)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
أنْ يُوَفَّى بِهِ ما اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ)
(1)
. [صحيح]
79/ 2699 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ على خِطْبَةِ أخِيهِ، أوْ يَبِيعَ على بَيْعِهِ، ولَا تَسألُ المَرأةُ طَلاقَ أخْتِها لِتَكْتَفِئَ ما فِي صَحْفَتِها أوْ إنَائِهَا، فَإِنَّمَا رِزْقُها على الله تَعالى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ متّفَقٍ عَلَيْهِ
(3)
: نَهَى أنْ تَشْتَرِطَ المَرأةُ طَلاقَ أخْتِها). [صحيح]
80/ 2700 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يحِلُّ أنْ تُنْكَحَ امْرأةٌ بِطَلاقِ أخْرَى"، رَوَاهُ أحْمَدُ)
(4)
. [صحيح لغيره]
قوله: (أحقُّ الشُّروط أن يُوَفَّى به)، في روايةٍ للبخاري
(5)
: "أحقُّ ما أوفيتم من الشروط".
وفي أخرى له
(6)
: "أحقُّ الشروط أن توفوا به".
قوله: (ما استحللتم به الفروج) أي: أحقُّ الشروط بالوفاء شروط النكاح؛ لأنَّ أمره أحوطُ، وبابه أضيقُ.
قال الخطابي
(7)
: الشروط في النكاح مختلفةٌ:
(فمنها): ما يجب الوفاء به اتفاقًا، وهو ما أمر الله به من إمساكٍ بمعروفٍ أو تسريحٍ بإحسانٍ، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث.
(1)
أحمد في المسند (4/ 144) والبخاري رقم (5151) ومسلم رقم (63/ 1418) وأبو داود رقم (2139) والترمذي رقم (1127) والنسائي رقم (3282) وابن ماجه رقم (1954).
(2)
أحمد في المسند (2/ 238) والبخاري رقم (5152) ومسلم رقم (38/ 1408).
(3)
أحمد في المسند (2/ 311) والبخاري رقم (2723) ومسلم رقم (39/ 1408).
(4)
في المسند (2/ 176 - 177) بسند ضعيف، لسوء حفظ عبد الله بن لهيعة.
وأورده الهيثمي في "المجمع"(8/ 63 - 64) وقال: "رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وهو لين، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وله شاهد من حديث أبي هريرة المتقدم.
والخلاصة: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(5)
في صحيحه رقم (5151).
(6)
في صحيحه رقم (2721).
(7)
في أعلام الحديث (3/ 1979).
(ومنها): ما لا يوفى به اتفاقًا؛ كسؤال المرأة طلاق أختها.
(ومنها): ما اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوّج عليها أو لا يتسرّى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله، وعند الشافعية: الشروط في النكاح على ضربين: منها ما يرجع إلى الصداق فيجب الوفاء به؛ وما يكون خارجًا عنه فيختلف الحكم فيه.
قوله: (نهى أن يخطب الرجل على خِطْبة أخيه)، قد تقدم الكلام على هذا في أول كتاب النكاح
(1)
.
قوله: (أو يبيع على بيعة) قد تقدم الكلام عليه في كتاب البيع
(2)
.
قوله: (ولا تسأل المرأة طلاق أختها) ظاهرُ هذا التحريمُ، وهو محمولٌ على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوّز ذلك [لريبة]
(3)
في المرأة لا ينبغي معها أن تستمرّ في عصمة الزوج، ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج أو للزوج منها، أو يكون سؤالها ذلك تفويضًا وللزوج رغبة في ذلك، فيكون كالخلع من الأجنبي إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة.
وقال ابن حبيب
(4)
: حمل العلماء هذا النهيَ على الندب، فلو فعل ذلك لم يفسخ النكاح.
وتعقبه ابن بطال
(5)
بأن نفي الحلّ صريح في التحريم ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح، وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى ولترض بما قسم الله لها، والتصريح بنفي الحلّ وقع في رواية أحمد
(6)
المذكورة في الباب، ووقع أيضًا في رواية للبخاري
(7)
:
قوله: (لتَكْتَفِئَ) بفتح المثناةِ الأولى وسكون الكافِ مِنْ كفأتُ الإناء: إذا قلبته وأفرغت ما فيه
(8)
.
(1)
تقدم عند الحديث رقم (2634 - 2636) من كتابنا هذا.
(2)
تقدم عند الحديث رقم (2209 - 2210) من كتابنا هذا.
(3)
في المخطوط (ب): (كريبة).
(4)
المنتفى للباجي (3/ 296).
(5)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 273).
(6)
برقم (2700) من كتابنا هذا.
(7)
في صحيحه رقم (5152).
(8)
النهاية (2/ 547) والفائق (3/ 97).
وفي رواية للبخاري
(1)
: "لتستفرغ ما في صحفتها"، وفي رواية له
(2)
: "لتكفأ".
وأخرجه أبو نعيم في المستخرج
(3)
بلفظ: "لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكتفئ إناءها".
وأخرجه الإسماعيلي
(4)
وقال: "لتكفئ"، وكذا البيهقي، وهو بفتح المثناة وسكون الكاف وبالهمزة.
وفي رواية للبخاري (2): "لتكفئ" بضم المثناة من أكفأته بمعنى أمالته، والمراد بقوله:"ما في صحفتها" ما يحصل لها من الزوج، وكذلك معنى "أو إنائها".
قوله: (طلاق أختها)، قال الثوري
(5)
: معنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل رجلًا طلاق زوجته وأن يتزوّجها هي، فيصير لها من نفقته ومعونته ومعاشرته ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك بقوله:"تكتفئ ما في صحفتها"، والمراد بأختها: غيرها، سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين.
وحمل ابن عبد البرّ الأخت هنا على الضُّرَّةِ.
ومن الشروط التي هي من مقتضيات النكاح ومقاصده: شرطها عليه العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى، وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها، وشرطه عليها أن لا تخرج إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، ولا تتصرّف في متاعه إلا برضاه.
وأمَّا الشروط التي تنافي مقتضى العقد: كأن تشترط عليه أن لا يقسم لضرَّتها، أو لا ينفق عليها، أو لا يتسرّى، أو يطلق من كانت تحته؛ فلا يجب الوفاء بشيء من ذلك ويصحُّ النكاح.
(1)
في صحيحه رقم (5152).
(2)
أي للبخاري في صحيحه رقم (2140).
(3)
في المستخرج على صحيح مسلم (4/ 79 رقم 3290) ولفظه: "
…
ولا تسل المرأة طلاق الأخرى لتكفئ ما في إنائها".
(4)
كما في "الفتح"(9/ 219).
(5)
لم أقف عليه للثوري. ولعله للنووي كما في شرحه لصحيح مسلم (9/ 192 - 193).
وفي قول للشافعي
(1)
: يبطل النكاح.
وقال أحمد
(2)
وجماعة: يجب الوفاء بالشروط مطلقًا.
وقد استشكل ابن دقيق العيد
(3)
حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح. وقال: تلك الأمور لا تؤثر الشروط في إيجادها، وسياق الحديث يقتضي الوفاء بها، والشروط التي هي من [مقتضى]
(4)
العقد مستوية في وجوب الوفاء بها.
واختلف أهل العلم في اشتراط المرأة أن لا يخرجها زوجها من بلدها. فحكى الترمذي
(5)
عن أهل العلم من الصحابة، قال: ومنهم عمر، أنه يلزم، قال: وبه يقول الشافعي
(6)
وأحمد
(7)
وإسحاق
(8)
.
وروى ابن وهب بإسناد جيد: "أن رجلًا تزوَّج امرأةً فشرط أن لا يخرجها من دارها، فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط وقال: المرأة مع زوجها".
قال أبو عبيد
(9)
: [تضادّت]
(10)
الروايات عن عمر في هذا.
وحكى الترمذي
(11)
عن عليّ أنه قال: سبق شرط الله شرطها، قال: وهو قول الثوري
(12)
وبعض أهل الكوفة.
قال أبو عبيد
(13)
: وقد قال بقول عمر عمرو بن العاص.
ومن التابعين
(14)
طاوس، وأبو الشعثاء، وهو قول الأوزاعي. وقال الليث
(1)
البيان للعمراني (9/ 390).
(2)
المغني (9/ 483 - 486) واختيارات ابن قدامة (3/ 43 - 47).
(3)
في إحكام الأحكام (4/ 33).
(4)
في المخطوط (ب): (مقتضيات).
(5)
في السنن (3/ 434).
(6)
الأم (6/ 187).
(7)
المغني (9/ 483 - 484).
(8)
حكاه عنه ابن قدامة في المغني (9/ 484).
(9)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 218).
(10)
في المخطوط (ب): (تضاده).
(11)
في السنن (3/ 434).
(12)
حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(9/ 484).
(13)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 218).
(14)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 218) عنهم.
والثوري والجمهور بقول علي، حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلًا فرضيت بخمسين على أن لا يخرجها فله إخراجها ولا يلزمه إلا المسمى.
وقالت الحنفية
(1)
: لها أن ترجع عليه بما نقصت له من الصداق.
وقال الشافعي
(2)
: يصحّ النكاح ويلغى الشرط ويلزمه مهر المثل، وعنه يصحّ وتستحقّ الكل، كذا في الفتح
(3)
. قال أبو عبيد
(4)
: والذي نأخذ به أنا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن نحكم عليه بذلك.
قال
(5)
: وقد أجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك الشرط، فكذلك هذا.
ومما يقوّي حمل حديث عقبة
(6)
على الندب حديث عائشة في قصة بريرة المتقدم
(7)
بلفظ: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل"، وقد تقدم
(8)
أيضًا حديث: "المسلمون عند شروطهم، إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا".
وأخرج الطبراني في الصغير
(9)
بإسناد حسن عن جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أمّ مبشر بنت البراء بن معرور فقالت: إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إن هذا لا يصلح".
[الباب الثالث والعشرون] باب نكاح الزاني والزانية
81/ 2701 - (عَنْ أبي هرَيْرَةَ قالَ: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الزَّانِي المَجْلودُ
(1)
البناية في شرح الهداية (4/ 691).
(2)
الأم (6/ 187) والبيان للعمراني (9/ 389).
(3)
(9/ 218).
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 218).
(5)
أي: أبو عبيدة كما في "الفتح"(9/ 218).
(6)
تقدم برقم (2698) من كتابنا هذا.
(7)
تقدم في آخر شرح الحديث (2325) من كتابنا هذا.
(8)
تقدم برقم (2325) من كتابنا هذا.
(9)
في المعجم الصغير (2/ 138).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 255) وقال: رجاله رجال الصحيح.
لا يَنْكِحُ إلَّا مِثْلَه"، رَوَاه أحْمَد
(1)
وأبو دَاودَ
(2)
. [صحيح]
82/ 2702 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ: أن رَجُلًا مِنَ المُسْلِمينَ اسْتأذَنَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي امْرأةٍ يُقالُ لَهَا: أمُّ مَهْزولٍ كانَتْ تسافِح، وَتَشْتَرِط لَه أنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ، قالَ: فاسْتأذَنَ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم أوْ ذَكَرَ لَه أمْرَها، فَقَرأ عَلَيْهِ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم:{وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}
(3)
، رَوَاه أحْمَدُ)
(4)
. [حسن]
83/ 2703 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ: أن مَرْثَدَ بْنَ أبي مَرْثَدٍ الغَنَوِيّ كانَ يَحْمِل الأسارَى بمَكّةَ، وكانَ بِمَكّةَ بَغِيٌّ يُقالُ لَهَا: عَناقٌ، وكانَتْ صَدِيقَتَه، قالَ: فَجِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت: يا رَسُولَ الله أنْكح عَناقًا؟ قالَ: فَسَكَتَ عَنِّي فَنَزَلَتْ: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}
(5)
. فَدَعانِي فَقَرأها عَلَيَّ وَقالَ: "لا تَنْكِحْها"، رَوَاه أبُو دَاودَ
(6)
وَالنَسَائيُّ
(7)
وَالتِّرْمِذِيُّ)
(8)
. [حسن]
حديث أبي هريرة قال الحافظ في بلوغ المرام
(9)
: رجاله ثقات.
وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير
(10)
والأوسط
(11)
. قال في مجمع الزوائد
(12)
: ورجال أحمد ثقات.
(1)
في المسند (2/ 324).
(2)
في سننه رقم (2052).
وهو حديث صحيح.
(3)
سورة النور، الآية:(3).
(4)
في المسند (2/ 159) بسند ضعيف لجهالة الحضرمي شيخ سليمان بن طَرْخَان والد معتمر. وبقية رجاله ثقات.
ولكن الحديث حسن، والله أعلم.
(5)
سورة النور، الآية:(3).
(6)
في سننه رقم (2051).
(7)
في سننه رقم (3228).
(8)
في سننه رقم (3177) وقال: "حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه".
(9)
رقم (28/ 939) بتحقيقي. ط: دار ابن تيمية - القاهرة.
(10)
كما في "مجمع الزوائد"(7/ 73 - 74).
(11)
في الأوسط برقم (1798) وقال الطبراني: لم يروِ هذا الحديث عن سليمان التيمي إلا معتمِرٌ.
(12)
في "المجمع"(7/ 73 - 74).
وحديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي
(1)
.
وفي الباب عن عمرو بن الأحوص: "أنه شهد حجة الوداع مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: "استوصوا في النساء خيرًا، فإنَّما هنّ عندكم عوان ليس تملكون منهنّ شيئًا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ ضربًا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلًا"، أخرجه ابن ماجه
(2)
والترمذي وصححه
(3)
.
وعن ابن عباس عند أبي داود
(4)
والنسائي
(5)
قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال: "غرّبها"، قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: فاستمتع بها".
قال المنذري
(6)
: ورجال إسناده يحتجّ بهم في الصحيحين.
وذكر الدارقطني أن [الحسين بن واقد](7) تفرّد به عن عمارة بن أبي حفصة، وأن الفضل بن موسى السيناني بكسر المهملة ثم تحتية ثم نونين بينهما ألف تفرّد به عن [الحسين بن واقد]
(7)
.
وأخرجه النسائي
(8)
من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس، وبوّب عليه في سننه
(9)
: (تزويج الزانية) وقال
(10)
: هذا الحديث ليس بثابت، وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب.
(1)
في السنن (5/ 329).
(2)
في سننه رقم (1851).
(3)
في سننه رقم (1163) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث حسن.
(4)
في سننه رقم (2049).
(5)
في سننه رقم (3229).
(6)
في المختصر (3/ 5 - 6).
وهو حديث صحيح.
(7)
في المخطوط (أ): الحسن بن واقد والمثبت من (ب) والمصادر المتقدمة. وهو الصواب.
• والحسين بن واقد، فهو من رجال مسلم وأخرج له البخاري تعليقًا.
وهو صدوق له أوهام لا يضر الاحتجاج به.
(8)
في سننه رقم (3229) بسند صحيح.
(9)
في سننه (6/ 66 رقم الباب 12).
(10)
أي النسائي (6/ 67 - 68).
وقال الإمام أحمد: لا تمنع يد لامس، تعطي من ماله.
قلت
(1)
: فإن أبا عبيدة يقول: من الفجور، قال: ليس عندنا إلا أنها تعطي من ماله، ولم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم ليأمره بإمساكها وهي تفجر.
وسئل عنه ابن الأعرابي (1) فقال: من الفجور.
وقال الخطابي
(2)
: معناه: [الرِّيبة]
(3)
وأنها مطاوعة لمن أرادها لا تردّ يده.
وعن جابر عند البيهقي
(4)
بنحو حديث ابن عباس.
قوله: (الزاني المجلود
…
إلخ) هذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا.
وفي دليل على أنه لا يحلّ للمرأة أن تتزوّج من ظهر منه الزنا، وكذلك لا يحلّ للرجل أن يتزوّج بمن ظهر منها الزنا، ويدلّ على ذلك الآية المذكورة في الكتاب لأن في آخرها:{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
(5)
، فإنَّه صريح في التحريم.
قال في نهاية المجتهد
(6)
: اختلفوا في قوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (5)، هل خرج مخرج الذمّ أو مخرج التحريم، وهل الإشارة في قوله:{ذَلِكَ} إلى الزنا أو إلى النكاح؟ قال: وإنما صار الجمهور إلى حمل الآية على الذّم لا على التحريم لحديث ابن عباس
(7)
الذي قدمناه.
وقد حكى في البحر
(8)
عن عليّ، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وسعيد بن المسيب، وعروة، والزهري، والعترة (8)، ومالك
(9)
والشافعي
(10)
وربيعة
(11)
وأبي
(1)
المنذري في المختصر (3/ 6).
(2)
في معالم السنن (2/ 541).
(3)
في المخطوط (أ): (الزينة)، والمثبت من المخطوط (ب) والمختصر.
(4)
في السنن الكبرى (7/ 155).
(5)
سورة النور، الآية:(3).
(6)
"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(3/ 73) بتحقيقي.
(7)
تقدم قريبًا.
(8)
البحر الزخار (3/ 36). وانظر: "المغني"(9/ 564).
(9)
عيون المجالس (3/ 1074 رقم 760).
(10)
الأم (6/ 399).
(11)
حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(9/ 564).
ثور
(1)
أنها لا تحرم المرأة على من زنى بها لقوله [تعالى]
(2)
: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(3)
، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحرِّم الحلالَ الحرام"، أخرجه ابن ماجه
(4)
من حديث ابن عمر.
وحكي عن الحسن البصري
(5)
أنه يحرم على الرجل نكاح من زنى بها واستدلّ بالآية.
وحكاه أيضًا عن قتادة
(6)
وأحمد (6) إلا إذا تابا؛ لارتفاع سبب التحريم.
وأجاب عنه في البحر
(7)
بأنه أراد بالآية الزاني المشرك، واستدلّ على ذلك بقوله تعالى:{أَوْ مُشْرِكَةً} قال: وهي تحرم على الفاسق المسلم بالإجماع. وأراد أيضًا الزانية المشركة بدليل قوله: {أَوْ مُشْرِكٌ} هو وهو يحرم على الفاسقة المسلمة بالإجماع.
ولا يخفى ما في هذا الجواب، لأن حاصله أن المراد: المشرك الزاني والمشركة الزانية، وهذا تأويل يفضي إلى تعطيل فائدة الآية، إذ منع النكاح مع الشرك والزنا حاصل بغير هذه الآية. ويستلزم أيضًا امتناع عطف المشرك والمشركة على الزاني والزانية، إذ قد ألغى خصوصية الزنا، وأيضًا قد تقرّر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
(8)
.
(1)
موسوعة فقه الإمام أبي ثور (ص 467).
(2)
زيادة من المخطوط (أ).
(3)
سورة النساء، الآية:(24).
(4)
في سننه رقم (2015) ولفظه: "لا يحرم الحرام الحلال".
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 124): "هذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن عمر العمري
…
". اهـ.
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(5)
موسوعة فقه الحسن البصري (2/ 500) وحكاه عنه القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي في "عيون المجالس"(3/ 1075).
(6)
انظر: السنن الكبرى للبيهقي (7/ 155) والإنصاف للمرداوي (8/ 132) وعيون المجالس (3/ 1075).
(7)
البحر الزخار (3/ 37).
(8)
انظر: "إرشاد الفحول"(ص 454) بتحقيقي والبحر المحيط (3/ 196).
قال ابن القيم
(1)
: وأما نكاحُ الزانية فقد صرَّح الله بتحريمه في سورة النور، وأخبر أن من نكحها فهو زانٍ أو مشرك، فهو إما أن يلتزمَ حُكمَه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زانٍ، ثم صرَّح بتحريمه فقال:{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
(2)
، وأما جعل الإشارة في قوله:{وَحُرِّمَ ذَلِكَ} إلى الزنا فضعيف جدًّا، إذ يصير معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك.
وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القرآن.
ولا يعارض ذلك حديث عمرو بن الأحوص
(3)
وحديث ابن عباس
(4)
المذكوران فإنهما في الاستمرار على نكاح الزوجة الزانية، والآية وحديث أبي هريرة
(5)
في ابتداء النكاح، فيجوز للرجل أن يستمرّ على نكاح من زنت وهي تحته، ويحرم عليه أن يتزوّج بالزانية.
وأما ما ذكره المقبلي في المنار
(6)
من أنه لا يصحُّ [أن يراد بقوله]
(7)
: "لا تردّ يد لامس" الزنا، بل عدم نفورها عن الريبة، فقصر للفظ المحتمل على أحد المحتملات بغير دليل، فالأولى أن ينزل ترك استفصاله صلى الله عليه وسلم عن مراده بقوله:"لا تردّ يد لامس" منزلة العموم، ولا ريب أن العرب تكني بمثل هذه العبارة عن عدم العفة والزنا.
وأيضًا حديث عمرو بن الأحوص
(8)
من أعظم الأدلة الدالة على جواز إمساك الزانية لقوله فيه: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}
(9)
، فإن فعلن
(1)
في "زاد المعاد"(5/ 104).
(2)
سورة النور، الآية:(3).
(3)
تقدم تخريجه في بداية شرح الحديث (2703) من كتابنا هذا.
(4)
تقدم تخريجه في بداية شرح الحديث (2703) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم برقم (2701) من كتابنا هذا.
(6)
انظر: "المنار"(1/ 473 - 474) وليس فيه هذه العبارة المذكورة.
(7)
في كل طبعات "نيل الأوطار" حُرِّفَ ما بين الخاصرتين إلى (أن يراد به لقوله) أو (أن يراد أبى بقوله). والصواب ما أثبتناه من المخطوط (أ) و (ب) فتنبه!!
(8)
تقدم تخريجه في بداية شرح الحديث (2703) من كتابنا هذا.
(9)
سورة الطلاق، الآية:(1).
فاهجروهنّ
…
إلخ، فتفسير حديث:"لا تردّ يد لامس" بغير الزنا لا يأتي بفائدة باعتبار محلّ النزاع.
وقد حكى صاحب البحر
(1)
عن الأكثر أن من زنت لم ينفسخ نكاحها.
وحكى
(2)
أيضًا عن المؤيد بالله أنه يجب تطليقها ما لم تتب.
قوله: (أن مَرْثَد) بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة بعدها دال مهملة.
والغَنَوي بفتح الغين المعجمة وبعدها نون مفتوحة نسبة إلى غَنِي بفتح الغين وكسر النون، وهو غَنِي بن يعصر، ويقال: أعصر بن سعد بن قيس غيلان.
وعَناق بفتح العين المهملة وبعدها نون وبعد الألف قاف.
قال المنذري
(3)
: وللعلماء في الآية خمسة أقوال:
(أحدها): أنها منسوخة، قاله سعيد بن المسيب
(4)
.
وقال الشافعي
(5)
في الآية: القول فيها - كما قال سعيد - أنها منسوخة. وقال غيره: الناسخ [لها]
(6)
: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}
(7)
، فدخلت الزانية في أيامى المسلمين، وعلى هذا أكثر العلماء يقولون: من زنى بامرأة فله أن يتزوّجها ولغيره أن يتزوجها.
(والثاني): أن النكاح ههنا الوطء
(8)
؛ والمراد أن الزاني لا يطاوعه على
(1)
البحر الزخار (3/ 38).
(2)
الإمام المهدي في البحر الزخار (3/ 38).
(3)
لم أجده في "مختصر السنن" له (3/ 6 - 7).
(4)
أخرجه الطبري في "جامع البيان"(10/ ج 18/ 74 - 75 و 75) من طريقين، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ"(2/ 538 رقم 702)، بسند صحيح.
(5)
في الأم (6/ 28).
(6)
زيادة من المخطوط (ب).
(7)
سورة النور، الآية:(32).
(8)
وقد قال به ابن عباس. كما أخرجه الطبري في "جامع البيان"(10/ ج 18/ 74) والبيهقي (7/ 154).
واختار ابن جرير هذا القول، وأشار إلى أنه أولى الأقوال، واحتج بأن الزانية من المسلمين لا يجوز لها أن تتزوج مشركًا بحال. وأن الزاني من المسلمين لا يجوز له أن يتزوج مشركة وثنية بحال، فقد تبين أن المعنى: الزاني من المسلمين لا يزني إلا بزانية لا =
فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله أو مشركة لا تحرم الزنا، وتمام الفائدة في قوله سبحانه:{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
(1)
يعني الذين امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي.
(الثالث): أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة، وكذلك الزانية
(2)
.
(الرابع): أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوّج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا
(3)
، واحتج بأن الآية نزلت في ذلك.
(الخامس): أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف، والعفيف على الزانية
(4)
، انتهى.
[الباب الرابع والعشرون] باب النهي عن الجَمْع بين المرأةِ وعمتها أو خالتها
84/ 2704 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تُنْكَحَ المَرْأَةُ على عَمَّتِها أوْ خالَتِها. رَوَاهُ الجَماعَة
(5)
. [صحيح]
= تستحل الزنا من المسلمين أو مشركة تستحل الزنا، والزانية لا تزني إلا بزالغ من المسلمين لا يستحل الزنا، أو مشرك يستحل الزنا، (وحرم ذلك): الزنا، وهو النكاح المذكور قبل هذا. [جامع البيان (10/ ج 18/ 75)].
(1)
سورة النور، الآية:(3).
(2)
قال به أبو هريرة كما في الحديث المتقدم رقم (2701) من كتابنا هذا.
وبه قال الحسن كما أخرجه النحاس في كتاب "الناسخ والمنسوخ"(2/ 540 رقم 754) بسند صحيح.
(3)
قال به عبد الله بن عمر كما في الحديث المتقدم رقم (2702) من كتابنا هذا.
وبه قال قتادة كما أخرجه النحاس في "الناسخ والمنسوخ"(2/ 542 رقم 706) بسند حسن.
(4)
قال القرطبي في "الجامع الأحكام القرآن"(12/ 171 رقم المسألة 5): "قال قوم من المتقدمين: الآية محكمة غير منسوخة".
وقال ابن القيم كما في "بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية"(3/ 243): "والصواب: القول بأن الآية محكمة يعمل بها لم ينسخها شيء، وهي مشتملة على خبر وتحريم، ولم يأت من ادعى نسخها بحجة البتة
…
". اهـ.
(5)
أحمد في المسند (2/ 229) والبخاري رقم (5110) ومسلم رقم (37/ 1408) وأبو داود =
وفِي رِوَايَةٍ: نَهَى أنْ يُجْمَعَ بَيْنَ المَرأةِ وَعمَّتِهَا، وبَيْنَ المَرأةِ وخَالَتِهَا. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا ابْنَ ماجَهْ وَالتِّرْمِذِيَّ
(1)
. [صحيح]
وَلأَحْمَد
(2)
وَالبُخَارِيّ
(3)
وَالتِّرْمِذِي
(4)
مِنْ حَدِيثِ جابِرٍ مِثْل اللّفْظِ الأوَّلِ). [صحيح]
85/ 2705 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنّه جَمَعَ بَيْنَ [امْرأةِ رَجُلٍ وَابْنَتِهِ مِن غَيْرِها]
(5)
بعْدَ طَلْقَتَيْنِ وَخُلْعٍ)
(6)
. [حسن]
86/ 2706 - (وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ أهْلِ مِصْرَ كانَتْ لَه صُحْبَةٌ يُقال لَه: جَبَلَة، أنّه جَمَعَ بَيْنَ امْرأةِ رَجُلٍ [وابنته]
(7)
مِنْ غَيْرِها
(8)
. رَوَاهُمَا الدّارَقُطْنِيُّ. [حسن]
= رقم (2065) والترمذي رقم (1126) والنسائي رقم (3290) وابن ماجه رقم (1929).
وهو حديث صحيح.
(1)
أحمد في المسند (2/ 452) والبخاري رقم (5109) ومسلم رقم (36/ 1408) وأبو داود (2066) والنسائي رقم (3289). وهو حديث صحيح.
(2)
في المسند (3/ 338).
(3)
في صحيحه رقم (5108).
(4)
في سننه رقم (1125).
وهو حديث صحيح.
(5)
كذا في (أ) و (ب). وفي الدارقطني: (رجل وامرأته).
(6)
أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 320 رقم 275).
قلت: وأخرجه سعيد بن منصور رقم (1453).
إسناده ضعيف لضعف ليث، لكن تابعه حبيب بن أبي ثابت، وعمرو بن دينار.
- كما عند الدارقطني (3/ 320 رقم 274) من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن طاوس، عن ابن عباس، قال:"الخلعُ فُرْقة وليس بطلاق".
- وكذلك أخرج البيهقي (7/ 316) من طريق عمرو عن طاوس قال: سأل إبراهيم بن سعد بن عباس عن امرأة طلقها زوجها تطليقتين، ثم اختلعت منه، أيتزوجها؟ قال ابن عباس: ذكر الله عز وجل الطلاق في أول الآية وآخرها، والخلع بين ذلك، فليس الخلع بطلاق؛ ينكحها".
وخلاصة القول: أن الأثر حسن، والله أعلم.
(7)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) وسعيد بن منصور. وفي الدارقطني:(وابنه).
(8)
أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 320 رقم 273).
وأخرجه سعيد بن منصور رقم (1006) حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أنا أيوب، قال: =
قَالَ البُخارِيُّ
(1)
: وَجمَعَ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَر بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرأةِ عَليٍّ). [حسن]
حديث أبي هريرة قال ابن عبد
(2)
البرّ: أكثر طرقه متواترة عنه، وزعم قوم أنه تفرّد به وليس كذلك.
وقال البيهقي
(3)
عن الشافعيِّ: إنَّ هذا الحديث لم يرو من وجهٍ يثبته أهل الحديث إلا عن أبي هريرة؛ وروي من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث.
قال البيهقي
(4)
: هو كما قال: قد جاء من حديث عليّ
(5)
، وابن
= سئل الحسن ومحمد بن سيرين عن الرجل يتزوج امرأة الرجل وابنته من غيرها؟ فكره ذلك الحسن، ولم ير به بأسًا محمد بن سيرين، فقال: قد فعله جبلة: رجل من أهل مصر.
وعلقه البخاري في صحيحه (9/ 153 رقم الباب (24) - مع الفتح) فقال: "وقال ابن سيرين: لا بأس به، وكرهه الحسن مرة، ثم قال: لا بأس به". اهـ.
قال الحافظ ابن حجر - في الفتح (9/ 155) - في الكلام على أثر ابن سيرين: وصله سعيد بن منصور عنه بسند صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة مطولًا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد: "أن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته - أي: من غيرها - قال أيوب: فسئل عن ذلك ابن سيرين فلم ير به بأسًا، وقال: نبئت أن رجلًا كان بمصر اسمه: جبلة جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها".
وقال في أثر الحسن: "وصله الدارقطني
…
وأخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح
…
". هـ.
وخلاصة القول: أن الأثر حسن، والله أعلم.
(1)
في صحيحه (9/ 153 رقم الباب (24) - تحت رقم 5105 - مع الفتح) معلقًا.
وقال الحافظ ابن حجر - في الفتح (9/ 155) - في الكلام على أثر عبد الله بن جعفر: وصله البغوي في "الجعديات" من طريق عبد الرحمن بن مهران أنه قال: "وجمع عبد الله بن جعفر بين زينب بنت علي وامرأة علي ليلى بنت مسعود".
وأخرجه سعيد بن منصور رقم (1011) من وجه آخر فقال: "جمع عبد الله بن جعفر بين ليلى بنت مسعود النهشلية وكانت امرأة علي، وبين أم كلثوم بنت علي لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانتا امرأتيه".
وخلاصة القول: أن الأثر حسن، والله أعلم.
(2)
في "التمهيد"(11/ 77 - 78 - الفاروق).
(3)
في "المعرفة"(10/ 106 رقم 13849).
(4)
في "المعرفة"(10/ 106 رقم 13850).
(5)
أخرجه أحمد في المسند (1/ 77 - 78) والبزار في المسند رقم (888) وأبو يعلى =
مسعود
(1)
، وابن عمر
(2)
، وابن عباس
(3)
، وعبد الله بن عمرو
(4)
، وأنس
(5)
، وأبي سعيد
(6)
، وعائشة
(7)
، وليس فيها شيء على شرط الصحيح، وإنما اتفقا على إثبات حديث أبي هريرة.
= رقم (360) ومحمد بن نصر في السنة رقم (283) من طرق.
وفي السند ابن لهيعة، وإن كان سيئ الحفظ إلا أن حديثه حسن في الشواهد وهذا منها.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 263) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح.
والخلاصة: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.
(1)
أخرجه البزار في المسند رقم (1435 - كشف) وقال: لا نعلمه عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. والطبراني في الكبير رقم (9801).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 263): ورواه الطبراني في الكبير، وإسناده منقطع بين المنهال بن خليفة وعمرو بن الحارث بن أبي ضرار، ورجالهما ثقات".
(2)
أخرجه البزار في المسند رقم (1436 - كشف) والطبراني في الأوسط رقم (982) وابن حبان رقم (5996) وابن أبي شيبة (4/ 246).
وقال الهثيمي في "مجمع الزوائد"(4/ 263): رواه الطبراني في الأوسط والبزار باختصار اللبستين، ورجالهما رجال الصحيح.
وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(3)
أخرجه أحمد في المسند (1/ 372) والترمذي رقم (1125) وابن حبان رقم (4116) والطبراني في الكبير رقم (11935) و (11931) من طرق.
وهو حديث صمحيح.
(4)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 179) وعبد الرزاق رقم (10750) وابن أبي شيبة (4/ 247) بسند حسن.
وله شواهد بها يكون الحديث صحيح.
(5)
فلينظر من أخرجه؟!
(6)
أخرجه أحمد (3/ 67) وأبو يعلى رقم (1268).
وابن أبي شيبة (4/ 246) والنسائي في الكبرى رقم (5427 - العلمية) وابن ماجه رقم (1930) عن محمد بن إسحاق به.
وإسناده ضعيف لعنعنة محمد بن إسحاق وباقي ثقات.
وهو حديث صحيح بشواهده.
(7)
أخرجه أبو يعلى رقم (4757) والدارقطني (3/ 131) والبيهقي (8/ 29 - 30) وصححه الحاكم (4/ 349) ووافقه الذهبي.
• قلت: وفي الباب أيضًا عند أبي موسى الأشعري عند ابن ماجه في سننه رقم (1931). =
وأخرج البخاري
(1)
رواية عاصم عن الشعبي عن جابر، وبيّن الاختلاف على الشعبي فيه، قال
(2)
: والحفاظ يروون رواية عاصم خطأ، والصوابُ رواية ابن عون وداود بن أبي هند، انتهى.
قال الحافظ
(3)
: وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاريِّ؛ لأنَّ الشعبي أشهر بجابرٍ منه بأبي هريرة.
وللحديث طريق أخرى عن جابرٍ بشرط الصحيح أخرجها النسائي
(4)
من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر. وقول من نقل عنهم البيهقي تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي
(5)
وابن حبان
(6)
وغيرهما له، وكفى بتخريج البخاريِّ له موصولًا قوّةً.
قال ابن عبد البرّ
(7)
: كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غيرُ أبي هريرة، يعني من وجهٍ يصحُّ، وكأنَّه لم يصحَّ حديث الشعبيِّ عن جابر، وصححه عن أبي هريرة، والحديثان جميعًا صحيحان.
قال الحافظ
(8)
: وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد
= قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 101): "هذا إسناد فيه جبارة بن المفلس وهو ضعيف.
قلت: ولكن الحديث صحيح بشواهده.
• وعن عتاب بن أسيد عن الطبراني في الكبير (ج 17 رقم 426).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 263 - 264) وقال: وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف.
• وعن عكرمة مرسلًا عند عبد الرزاق رقم (10766).
• وعن عيسى بن طلحة مرسلًا عند أبي داود في مراسيله رقم (208).
• وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مرسلًا عند عبد الرزاق رقم (10754).
(1)
في صحيحه رقم (5108).
(2)
أي البيهقي في "المعرفة"(10/ 107).
(3)
في "الفتح"(9/ 161).
(4)
في سننه رقم (3299) وهو حديث صحيح.
(5)
في السنن (3/ 433).
(6)
في صحيحه رقم (4114).
(7)
في "التمهيد"(11/ 77 - 78 - الفاروق).
(8)
في الفتح (9/ 161).
ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله: وفي الباب، لكن لم يذكر ابن مسعود
(1)
، ولا ابن عباس
(2)
ولا أنسًا
(3)
وزاد بدلهم أبا موسى
(4)
وأبا أمامة
(5)
وسمرة
(6)
.
قال: ووقع لي أيضًا من حديث أبي الدرداء
(7)
، ومن حديث عتاب بن أسيد (4)، ومن حديث سعد بن أبي وقاص
(8)
، ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود (1).
قال: وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه، وأبي يعلى، والبزار، والطبراني، وابن حبان، وغيرهم، ولولا خشية التطويل لأوردتها مفصلة.
قال: لكن في لفظ حديث ابن عباس عند أبي داود
(9)
أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين.
وفي روايته عند ابن حبان
(10)
: نهى أن تُزوَّج المرأةُ على العمةِ والخالةِ وقال: "إنكن إذا فعلتُنَّ ذلك قطعتُنَّ أرحامكُنَّ"، انتهى. وأخرج أبو داود في
(1)
تقدم في الصفحة (161) الحاشية رقم (1).
(2)
تقدم في الصفحة (161) الحاشية رقم (3).
(3)
تقدم في الصفحة (161) الحاشية رقم (5).
(4)
تقدم في الصفحة (161) خلال الحاشية رقم (7).
(5)
فلينظر من أخرجه؟!
(6)
أخرجه البزار في المسند رقم (1437 - كشف) والطبراني في الكبير (ج 7 رقم 6908) وفي الأوسط كما في "مجمع البحرين"(4/ 215 رقم 2358).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 263): "رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال البزار ثقات".
وهو حديث صحيح بشواهده.
(7)
أخرجه الطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد"(4/ 264) وقال الهيثمي: "وفيه راويان لم يسميا".
(8)
فلينظر من أخرجه؟!
(9)
في سننه رقم (2067) وفي إسناده خصيف بن عبد الرحمن بن عوف، وقد ضعفه غير واحد من الحفاظ.
والحديث ضعيف.
(10)
في صحيحه رقم (4116) وقد تقدم.
المراسيل
(1)
عن عيسى بن طلحة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة"، وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة
(2)
.
وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن.
وأحاديث الباب تدلّ على تحريم الجمع بين من ذكر في حديث أبي هريرة، لأن ذلك هو معنى النهي حقيقة.
وقد حكاه الترمذي
(3)
عن عامة أهل العلم، وقال: لا نعلم بينهم اختلافًا في ذلك.
وكذلك حكاه الشافعي
(4)
عن جميع المفتين وقال: لا اختلاف بينهم في ذلك.
وقال ابن المنذر
(5)
: لست أعلم في منع ذلك اختلافًا اليوم، وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج، وهكذا حكى الإجماع القرطبي
(6)
واستثنى الخوارج؛ قال
(7)
: ولا يعتدّ بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين.
وهكذا نقل الإجماع ابن عبد البرّ
(8)
ولم يستثن.
ونقله أيضًا ابن حزم
(9)
واستثنى عثمان البتي.
ونقله أيضًا النووي
(10)
واستثنى طائفة من الخوارج والشيعة.
ونقله ابن دقيق العيد
(11)
عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف.
(1)
في المراسيل رقم (208) بسنده حسن.
(2)
في "المصنف"(4/ 248).
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (6/ 263) رقم (10767).
(3)
في سننه (3/ 433).
(4)
في "الأم"(6/ 11).
(5)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 161).
(6)
في "المفهم"(4/ 101).
(7)
أي القرطبي في "المفهم"(4/ 101 - 102).
(8)
في "التمهيد"(11/ 77 - الفاروق).
(9)
في "المحلى"(9/ 524).
(10)
في شرحه لصحيح مسلم (9/ 191).
(11)
في "إحكام الأحكام"(4/ 38).
وحكاه صاحب البحر
(1)
عن الأكثر؛ وحكي الخلاف عن البتي وبعض الخوارج والروافض.
واحتجوا بقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(2)
، وحملوا النهي المذكور في الباب على الكراهة فقط، وجعلوا القرينة ما في حديث ابن عباس
(3)
من التعليل بلفظ: "فإنكنّ إذا فعلتنّ ذلك قطعتنّ أرحامكنّ"، وقد رواه ابن حبان
(4)
هكذا بلفظ الخطاب للنساء.
وفي رواية ابن عديّ
(5)
بلفظ الخطاب للرجال.
والمراد بذلك أنه إذا جمع الرجل بينهما صارا من نسائه كأرحامه فيقطع بينهما بما ينشأ بين الضرائر من التشاحن، فنسب القطع إلى الرجل لأنه السبب وأضيفت إليه الرحم لذلك.
وحديث ابن عباس (3) هذا المصرّح بالعلة؛ في إسناده أبو حريز بالحاء المهملة ثم الراء ثم الزاي اسمه عبد الله بن حسين
(6)
؛ وقد ضعفه جماعة ولكنه قد علق له البخاري ووثقه ابن معين وأبو زرعة.
قال في التلخيص
(7)
: فهو حسن الحديث، ويقوّيه المرسل الذي ذكرنا.
قالوا: ولا شكّ أن مجرّد مخافة القطيعة لا يستلزم حرمة النكاح، وإلا لزم حرمة الجمع بين بنات عمين وخالين لوجود علة النهي في ذلك، ولا سيما مع التصريح بذلك كما في مرسل عيسى بن
(8)
طلحة، فإنه يعمُّ جميع القرابات.
(1)
البحر الزخار (3/ 33).
(2)
سورة النساء، الآية:(24).
(3)
تقدم قريبًا وهو حديث حسن.
(4)
في صحيحه رقم (4116) وقد تقدم.
(5)
في الكامل (4/ 159). والخطاب عنده للنساء أيضًا.
(6)
عبد الله بن الحسين الأزدي، أبو حَرِيز، البصري، قاضي سجستان: صدوق يخطئ.
"التقريب" رقم (3276).
وانظر: "تهذيب التهذيب"(2/ 321 - 322).
(7)
(3/ 346).
(8)
أخرجه أبو داود في المراسيل رقم (208) بسند حسن وقد تقدم.
وأجيب بأن قطيعة الرحم من الكبائر بالاتفاق، فما كان مفضيّا إليها من الأسباب يكون محرمًا، وأما الإلزام بتحريم الجمع بين سائر القرابات فيرده الإجماع على خلافه، فهو مخصص لعموم العلة أو لقياسها.
وأما قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(1)
. فعمومٌ مخصصٌ بأحاديث الباب.
قوله: (وجمع عبد الله بن جعفر)، هذا وصله البغوي في الجعديات
(2)
وسعيد بن منصور
(3)
من وجه آخر، وبنت علي هي زينب، وامرأته هي ليلى بنت مسعود النهشلية.
وفي رواية سعيد بن منصور
(4)
أن بنت عليّ هي أم كلثوم بنت فاطمة، ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم، لأنه تزوّجهما عبد الله بن جعفر واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته، وقد وقع مبينًا عند ابن سعد.
وحكى البخاري
(5)
عن ابن سيرين أنه قال: لا بأس به، يعني الجمع بين زوجة الرجل وبنته من غيرها. ووصله سعيد بن منصور
(6)
بسند صحيح.
والأثر عن الرجل الذي من أهل مصر أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة
(7)
مطوّلًا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان تزوّج امرأة رجل من ثقيف وابنته - أي من غيرها -. قال [أيوب]
(8)
: فسئل عن ذلك ابن سيرين، فلم ير به بأسًا.
وقال: نبئت أن رجلًا كان بمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها.
وروى البخاري
(9)
عن الحسن البصري أنه كرهه مرّة، ثم قال: لا بأس به، ووصله الدارقطني
(10)
.
(1)
سورة النساء، الآية:(24).
(2)
(2/ 339 رقم 2841) وقد تقدم.
(3)
في سننه رقم (1011) وقد تقدم.
(4)
في سننه رقم (1011) وقد تقدم.
(5)
في صحيحه (9/ 153 رقم الباب (24 - مع الفتح) معلقًا. وقد تقدم.
(6)
في سننه رقم (1006) وقد تقدم.
(7)
في "المصنف"(4/ 194).
(8)
في المخطوط (ب): (أبو أيوب) والمثبت من (أ) والفتح، وهو والصواب.
(9)
في صحيحه (9/ 153 رقم الباب (24) - تحت رقم (5105) - الفتح) معلقًا.
(10)
في سننه (3/ 320 بإثر رقم 273).
وأخرج ابن أبي شيبة
(1)
عن عكرمة أنه كرهه.
وعن سليمان بن يسار ومجاهد والشعبي أنهم قالوا: لا بأس به.
واعتبرت الهادوية
(2)
في الجمع المحرّم أن يكون بين من لو كان أحدهما ذكرًا حرم على الآخر من الطرفين وزوجة الرجل وابنته من غيرها التحريم إنما هو من طرف واحد، لأنا لو فرضنا البنت رجلًا حرمت عليه امرأة أبيه، بخلاف ما لو فرضنا امرأة الأب رجلًا فإنه أجنبي عن البنت ضرورة فتحلّ له.
وحكى البخاري
(3)
عن الحسن بن الحسن بن عليّ أنه جمع بين ابنتي عم [في ليلة]
(4)
.
وكره جابر بن زيد [القطيعة]
(5)
وليس فيه تحريم لقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(6)
.
وحكى في الفتح
(7)
عن ابن المنذر أنه قال: لا أعلم أحدًا أبطل هذا النكاح، قال: وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مثل هذا أن يحرمه.
[الباب الخامس والعشرون] باب العدد المباح للحرِّ والعبد وما خُصَّ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم من ذلك
87/ 2707 - (عَنْ قَيْسِ بْنِ الحارِثِ قالَ: أسْلَمْتُ وَعِنْدِي ثَمَان نِسْوَةٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلكَ لَه، فَقالَ:"اخْتَرْ مِنْهُنَّ أرْبَعًا"، رَوَاه أبُو دَاودَ
(8)
، وَابْنُ ماجَهْ)
(9)
. [حسن]
(1)
في "المصنف"(4/ 195).
(2)
البحر الزخار (3/ 44).
(3)
في صحيحه (9/ 153 رقم الباب (24) - تحت رقم (5105) - مع الفتح) معلقًا.
(4)
زيادة من المخطوط (ب).
(5)
في المخطوط (ب): (للقطيعة).
(6)
سورة النساء، الآية:(24).
(7)
(9/ 155).
(8)
في السنن رقم (2241).
(9)
في السنن رقم (1952).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 183).
وهو حديث حسن. انظر: "إرواء الغليل"(6/ 295 رقم 1885).
88/ 2708 - (وَعَنْ عمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قالَ: يَنْكِحُ العَبْدُ امْرأتَيْنِ، وَيُطَلِّق تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ الأمَةُ حَيْضَتَيْنِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)
(1)
. [موقوف صحيح]
89/ 2709 - (وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَطُوفُ على نِسَائِهِ فِي الليْلَةِ الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ
(2)
. [صحيح]
وفي رِوايَةٍ: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدُورُ على نِسَائِهِ فِي السّاعَةِ الوَاحِدَةِ مِنَ اللّيْلِ وَالنّهارِ وَهُنَّ إحْدَى عَشَرَةَ، قُلْتُ لأَنَسٍ: وكانَ يُطِيقُهُ؟ قالَ: كُنّا نتَحَدَّثُ أنّهُ أُعطِيَ قُوَّةَ ثَلاثِينَ. رَوَاهُمَا أحْمَدُ
(3)
وَالبُخارِيُّ
(4)
. [صحيح]
حديث قيس بن الحارث
(5)
، وفي رواية الحارث بن قيس
(6)
في إسناده محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى
(7)
، وقد ضعفه غير واحد من الأئمة.
(1)
في السنن (3/ 308 رقم 237).
قلت: وأخرجه الشافعي في المسند (2/ رقم 187 - ترتيب) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 425) وفي "المعرفة"(10/ 93 رقم 13790) من طريق الشافعي. وصححه الألباني في الإرواء (7/ 150 رقم 2067).
وهو موقوف صحيح، والله أعلم.
(2)
أخرجه أحمد في المسند (3/ 166) والبخاري رقم (284) و (5215).
قلت: وأخرجه النسائي (6/ 53 - 54) وأبو يعلى رقم (3175) وابن حبان رقم (1209) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 54).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (3/ 291).
(4)
في صحيحه رقم (268).
قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى (رقم 9033 - العلمية) وابن خزيمة رقم (231) وابن حبان رقم (1208) وأبو يعلى رقم (2941)، (3176)، (3203) وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم"(ص 232) والبيهقي (7/ 54) والبغوي في شرح السنة رقم (270).
وهو حديث صحيح.
(5)
وهو ما صوّبه أبو داود في سننه بإثر الحديث رقم (2241).
(6)
وهو ما رجحه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 183) من أجل طرق أخرى ساقها إليه، ولا تخلو من ضعف. ونقل ابن التركماني عن جماعة من الأئمة المصنفين ما يوافق قول أبي داود، والله أعلم. قاله الألباني في الإرواء (6/ 296).
(7)
انظر: "تهذيب التهذيب"(3/ 627 - 628).
وقال الحافظ في "التقريب" رقم (6081): صدوق سيء الحفظ.
وقال أبو القاسم البغوي: ولا أعلم للحارث بن قيس حديثًا غير هذا.
وقال أبو عمر النمري: ليس له إلا حديث واحد ولم يأت من وجه صحيح.
وفي معنى هذا الحديث حديث غيلان الثقفي لما أسلم وتحته عشر نسوة، وسيأتي في باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع
(1)
ويأتي الكلام عليه هنالك.
وفي الباب عن نوفل بن معاوية عند الشافعي
(2)
أنه أسلم وتحته خمس نسوة، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم:"أمسك أربعًا وفارق الأخرى"، وفي إسناده رجل مجهول لأن الشافعي قال: حدثنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن [سهل]
(3)
عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية قال: أسلمت
…
فذكره.
وفي الباب أيضًا عن عروة بن مسعود
(4)
، وصفوان بن أمية
(5)
، عند البيهقي، وأثر عمر يقوّيه ما رواه البيهقي
(6)
، وابن أبي شيبة
(7)
من طريق الحكم بن عتيبة أنه أجمع الصحابة على أنه لا ينكح العبد أكثر من اثنتين.
وقال الشافعي
(8)
بعد أن روى ذلك عن عليّ، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف، أنه لا يعرف لهم من الصحابة مخالف.
وأخرجه ابن أبي شيبة
(9)
عن جماهير التابعين عطاء والشعبي والحسن وغيرهم.
(1)
الباب الثاني عند الحديث رقم (2/ 2722) من كتابنا هذا.
(2)
في المسند (ج 2/ رقم 44 - ترتيب).
قلت: والحديث أخرجه البيهقي في السن الكبرى (7/ 184) والبغوي في شرح السنة رقم (2289) كلاهما من طريق الشافعي، به.
وفي سنده شيخ الشافعي المبهم، وعوف بن الحارث لين الحديث، وقد انفرد به.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
في المخطوط (ب): (سُهيل)، والمثبت من (أ) والتهذيب (2/ 605).
(4)
في السنن الكبرى (7/ 184).
(5)
في السنن الكبرى (7/ 183)
(6)
في السنن الكبرى (7/ 158).
(7)
في المصنف (4/ 145).
(8)
في الأم (6/ 114).
(9)
في المصنف (4/ 144).
قوله: (اختر منهن أربعًا) استدلّ به الجمهور على تحريم الزيادة على أربع.
وذهبت الظاهرية
(1)
إلى أنه يحل للرجل أن يتزوّج تسعًا، ولعلّ وجهه قوله تعالى:{مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}
(2)
. ومجموع ذلك - لا باعتبار ما فيه من العدل - تسع.
وحكي ذلك عن ابن الصباغ
(3)
، والعمراني
(4)
، وبعض الشيعة.
وحكي أيضًا عن القاسم بن إبراهيم
(5)
، وأنكر الإمام يحيى الحكاية
(6)
عنه، وحكاه صاحب البحر
(7)
عن الظاهرية وقوم مجاهيل.
وأجابوا عن حديث قيس بن الحارث المذكور بما فيه من المقال المتقدم
(8)
.
وأجابوا عن حديث غيلان الثقفي
(9)
بما سيأتي فيه من المقال، وكذلك أجابوا عن حديث نوفل بن معاوية
(10)
بما قدّمنا من كون في إسناده مجهول، قالوا: ومثل هذا الأصل العظيم لا يكتفي فيه بمثل ذلك، ولا سيما وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين تسع أو إحدى عشرة، وقد قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
(11)
.
(1)
قال ابن حزم في المحلى (9/ 441 رقم المسألة 1816): "ولا يحل لأحد أن يتزوج أكثر من أربع نسوة إماء أو حرائر، أو بعضهنَّ حرائر، وبعضهنَّ إماء، ويتسرى العبد والحر ما أمكنهما الحر والعبد في ذلك سواء بضرورة وبغير ضرورة. والصبر عن تزويج الأمة للحر أفضل". اهـ.
(2)
سورة النساء، الآية:(3).
(3)
حكاه عنه العمراني في البيان (9/ 336).
(4)
في البيان للعمراني (9/ 335 - 336).
(5)
القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الرسي. ولد سنة تسع وستين ومائة، وينسب إلى القاسمية من الزيدية.
وقد أطنب مؤلف "أعلام المؤلفين الزيدية" في ترجمته (ص 759 رقم 822) على عادته في مدح من كان على طريقته.
(6)
قال المهدي في البحر الزخار (3/ 35): "فأما الرواية عن القاسم فغير صحيحة".
(7)
البحر الزخار (3/ 35).
قلت: وتقدم آنفًا ما نقلته عن ابن حزم في المحلى (9/ 441) خلاف هذا.
(8)
وهو حديث حسن كما تقدم.
(9)
يأتي برقم (2/ 2722) من كتابنا هذا.
(10)
تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (2).
(11)
سورة الأحزاب، الآية:(21).
وأما دعوى اختصاصه بالزيادة على الأربع فهو محلّ النزاع ولم يقم عليه دليل
(1)
. وأما قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}
(2)
فالواو فيه للجمع لا للتخيير.
وأيضًا لفظ: مثنى، معدول به عن اثنين اثنين
(3)
، وهو يدلّ على تناول ما كان متصفًا من الأعداد بصفة الاثنينية وإن كان في غاية الكثرة البالغة إلى ما فوق الألوف، فإنك تقول: جاءني القوم مثنى: أي اثنين اثنين، وهكذا ثلاث ورباع، وهذا معلومٌ في لغة العرب لا يشكُّ فيه أحدٌ، فالآية المذكورة تدلُّ بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوَّج من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا، وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى من العدد إلا بعد مفارقته للطائفة التي قبلها فإنه لا شكَّ: أنَّه يصحُّ لغةً وعرفًا أن يقول الرجل لألف رجلٍ عنده: جاءني هؤلاء اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة.
فحينئذ الآية تدلُّ على إباحة الزواج بعددٍ من النِّساء كثيرٍ، سواءٌ كانت الواو للجمع أو للتخيير، لأنَّ خطاب الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكلِّ واحدٍ منهم، فكأنَّ الله سبحانه قال لكلِّ فرد من الناس: انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع، ومع هذا فالبراءة الأصلية مستصحبةٌ،
(1)
انظر: "غاية السول في خصائص الرسول" لابن الملقن (ص 188 - 193) و"كشف الغمَّة ببيان خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمة" للأخ أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل (ص 318 - 325).
(2)
سورة النساء، الآية:(3).
(3)
قال الشوكاني في "فتح القدير"(1/ 554): معنى الآية: لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا. هذا ما تقتضيه لغة العرب، فالآية تدلُّ على خلاف ما استدلوا بها عليه، ويؤيِّد هذا قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، فإنه وإنْ كان خطابًا للجميع فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد، فالأولى أن يُستدلَّ على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن.
وأما استدلال مَنِ استدلَّ بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة، فكأنه قال: انكحوا مجموع هذا العدد المذكور، فهذا جهل بالمعنى العربي، ولو قال انكحوا اثنتين وثلاثًا وأربعًا؛ كان هذا القول له وجه، وأما بالمجيء بصيغة العدد فلا، وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون "أو"؛ لأن التخيير يُشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره، وذلك ليس بمراد من النظم القرآني". اهـ.
وانظر: التفسير الكبير للفخر الرازي (9/ 174 - 175). وانظر: "إعراب القرآن الكريم وبيانه"(2/ 155 - 158) ومغني اللبيب (2/ 654 - 657).
وهي بمجرَّدِها كافيةٌ في الحِلِّ حتى يوجد ناقلٌ صحيحٌ ينقل عنها.
وقد يجاب بأنَّ مجموع الأحاديث المذكورة في الباب لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره؛ فتنتهض بمجموعها للاحتجاج وإن كان كلُّ واحد منها لا يخلو عن مقالٍ.
ويؤيد ذلك كونُ الأصل في الفروج الحرمة كما صرَّح به الخطابي
(1)
، فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا بدليل.
وأيضًا هذا الخلاف مسبوقٌ بالإجماع على عدم جواز الزيادة على الأربع، كما صرّح بذلك في البحر
(2)
.
وقال في الفتح
(3)
: اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن.
قوله: (ينكح العبدُ امرأتين) قد تمسك بهذا من قال: إنَّه لا يجوز لعبد أن يتزوَّج فوق اثنتين، وهو مرويٌّ عن عليّ
(4)
وزيد بن عليّ والناصر والحنفية
(5)
والشافعية
(6)
.
ولا يخفى أن قول الصحابي لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته، نعم
(1)
الفتح (9/ 154 - 155).
(2)
البحر الزخار (3/ 34).
(3)
الفتح (9/ 114).
(4)
قال ابن قدامة في "المغني"(9/ 472 - 473): "أجمع أهلُ العلم على أن للعبد أن ينكح اثنتين، واختلفوا في إباحة الأربع.
فمذهبُ أحمدَ، أنه لا يُباح له إلَّا اثنتان وهو قول (عمر بن الخطاب)، و (علي)، و (عبد الرحمن بن عوفٍ) رضي الله عنهم. وبه قال عطاء، والحسن، والشعبي، وقتادة، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وقال القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وطاوس، ومجاهد، والزهري، وربيعة، ومالك، وأبو ثور، وداود: له نكاح أربع لعموم الآية، ولأن هذا طريقه اللذة والشهوة، فساوى العبدُ الحرِّ فيه، كالمأكول.
ولنا - أي للحنابلة - قول من سمينا من الصحابة، ولم يُعرف لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعًا
…
". اهـ.
(5)
البناية في شرح الهداية (4/ 556 - 557).
(6)
الحاوي الكبير (9/ 168).
لو صحّ إجماع الصحابة على ذلك - كما أسلفنا - لكان دليلًا عند القائلين بحجية الإجماع.
ولكنه قد روي عن أبي الدرداء ومجاهد وربيعة [وأبي ثور]
(1)
والقاسم بن محمد وسالم والقاسمية أنه يجوز له أن ينكح أربعًا كالحرّ، حكى ذلك عنهم صاحب البحر
(2)
.
فالأَوْدى الجزم بدخوله تحت قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
(3)
والحكم له وعليه بما للأحرار وعليهم، إلا أن يقوم دليل يقتضي المخالفة كما في المواضع المعروفة بالتخالف بين حكميهما.
قوله: (ويطلق نطليقتين)، سيأتي الكلام على هذا في باب ما جاء في طلاق العبد، وكذلك يأتي الكلام على عدَّة الأمة.
قوله: (تسع نسوة) هنَّ: "عائشة وسودة، وحفصة، وأمّ سلمة، وزينب بنت جحش، وصفية، وجويرية، وأمّ حبيبة، وميمونة"، هؤلاء الزوجات اللاتي مات عنهنَّ.
واختلف في ريحانة؛ هل كانت زوجة أو سرية؟ وهل ماتت في حياته أو بعده؟ ودخل أيضًا بخديجة ولم يتزوَّج عليها حتى ماتت، وبزينب أمِّ المساكين وماتت في حياته قبل أن يتزوَّج صفية ومن بعدها.
قال الحافظ في التلخيص
(4)
: وأمَّا حديث أنس: أنَّه تزوَّج خمس عشرة امرأةً ودخل منهنَّ بإحدى عشرة، ومات عن تسعٍ، فقد قوَّاه الضِّياء في المختارة
(5)
.
قال: وأمَّا من عقد عليها ولم يدخل بها، أو خطبها ولم يعقد عليها فضبطنا منهنَّ نحوًا من ثلاثين امرأة، وقد حرَّرتُ ذلك في كتابي في الصحابة
(6)
. وقد ذكر الحافظ في الفتح
(7)
والتلخيص
(8)
الحكمة في تكثير نسائه صلى الله عليه وسلم فليراجع ذلك.
(1)
في المخطوط (ب): (وأبو ثور).
(2)
البحر الزخار (3/ 132).
(3)
سورة النساء، الآية:(3).
(4)
"التلخيص الحبير"(3/ 288).
(5)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 288) وزاد: "وفي بعضه مغايرة لما تقدم".
(6)
"الإصابة في تمييز الصحابة" للحافظ ابن حجر (1 - 8).
(7)
في "الفتح"(9/ 115).
(8)
"التلخيص"(3/ 288) فقد قال: "فائدة: ذكر في حكمة تكثير نسائه وحبه فيهن أشياء:
(الأول): زيادة في التكليف حتى لا يلهو بما حبب إليه منهن عن التبليغ. =
[الباب السادس والعشرون] بابُ العبدِ يتزوَّجُ بغيرِ إذن سيِّدِهِ
90/ 2710 - (عَنْ جابِرٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيرِ إذْنِ سَيدِهِ فَهوَ عاهِرٌ" رَوَاهُ أحْمَد
(1)
وأبو دَاودَ
(2)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(3)
وَقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ). [حسن]
الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان
(4)
والحاكم
(5)
وصححاه.
وأخرجه أيضًا ابن ماجه
(6)
من حديث ابن عمر. قال الترمذي
(7)
: لا يصحّ إنما هو عن جابر.
= (الثاني): ليكون مع من يشاهدها فيزول عنه ما يرميه به المشركون من كونه ساحرًا.
(الثالث): الحث لأمته على تكثير النسل.
(الرابع): لتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.
(الخامس): لكثرة العشيرة من جهة نسائه عونًا على أعدائه.
(السادس): نقل الشريعة التي لا يطلع عليها الرجال.
(السابع): نقل محاسنه الباطنة فقد تزوج أم حبيبة وأبوها في ذلك الوقت عدوه، وصفية بعد قتل أبيها تزوجها فلو لم تطلع من باطنه على أنه أكمل الخلق لنفرن منه". اهـ.
وانظر: مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 536 - 542) عن تعدد الزوجات والحكمة والقيود.
(1)
في المسند (1/ 303) و (3/ 377) و (3/ 382).
(2)
في سننه رقم (2078).
(3)
في سننه رقم (111) وقال: حديث حسن ورقم (1112) وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه الدارمي رقم (2279) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2705) و (2706) و (2707) وابن أبي شيبة (4/ 161) وابن الجارود رقم (686) وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 333) والبيهقي (7/ 127) والطيالسي رقم (1675) وابن عدي في "الكامل"(2/ 727) من طرق.
وهو حديث حسن.
(4)
لم أقف عليه!
(5)
في المستدرك (2/ 194) وقال: صحيح الإسناد؛ ووافقه الذهبي.
(6)
في سننه رقم (1959).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 107): "هذا إسناد حسن
…
".
وهو حديث حسن.
(7)
في السنن (3/ 419).
وأخرجه أيضًا أبو داود
(1)
من حديث العمري عن نافع عن ابن عمر بلفظ: "فنكاحه باطل"، وتعقبه بالتضعيف وبتصويب وقفه [له]
(2)
، ورواه ابن ماجه
(3)
[من حديث]
(4)
ابن عمر وفي إسناده مندل بن عليّ وهو ضعيف. وقال أحمد بن حنبل
(5)
: هذا حديث منكر، وصوّب الدارقطني وقفه على ابن عمر. وأخرجه أيضًا عبد الرزاق
(6)
عن ابن عمر موقوفًا.
وقد استدلّ بحديث جابر من قال: إن نكاح العبد لا يصحّ إلا بإذن سيده، وذلك للحكم عليه بأنه عاهر، والعاهر: الزاني، والزنا باطل.
وقال الإمام يحيى: أراد أنه كالعاهر وليس بزان حقيقة لاستناده إلى عقد.
قال في البحر
(7)
: قلت: بل زان إن علم التحريم فيحدّ ولا مهر.
وقال داود
(8)
: إن نكاح العبد بغير إذن مولاه صحيح، لأن النكاح عنده فرض عين وفروض الأعيان لا تحتاج إلى إذن وهو قياس في مقابلة النصّ.
واختلفوا: هل ينفذ بالإجازة من السيد أم لا؟ فذهبت العترة
(9)
والحنفية
(10)
إلى أن عقد العبد بغير إذن مولاه موقوف ينفذ بالإجازة.
وقال الناصر
(11)
والشافعي
(12)
: إنه لا ينفذ بالإجازة بل هو باطل، والإجازة لا تلحق العقود الباطلة.
(1)
في سننه رقم (2079) قال أبو داود: "هذا الحديث ضعيف وهو موقوف، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما". اهـ.
وهو حديث ضعيف.
(2)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(3)
في سننه رقم (1960).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 107): "هذا إسناد فيه مندل بن علي وهو ضعيف".
وهو حديث حسن لغيره.
(4)
في المخطوط (ب): (عن).
(5)
قال ابن قدامة في "المغني"(9/ 436 - 437): "قال حنبل: ذكرت هذا الحديث لأبي عبد الله، فقال: هذا حديث منكر". اهـ.
(6)
في "المصنف" رقم (12980).
(7)
في "البحر الزخار"(3/ 131).
(8)
المحلى (9/ 467 - 468).
(9)
البحر الزخار (3/ 131).
(10)
البناية في شرح الهداية (4/ 743).
(11)
البحر الزخار (3/ 131).
(12)
البياني للعمراني (9/ 218 - 219).
وقال مالك
(1)
: إن العقد نافذ وللسيد فسخه.
وردّ بأنه لا وجه لنفوذه مع قوله صلى الله عليه وسلم: "باطل" كما وقع في رواية من حديث جابر.
قالت العترة
(2)
والشافعي
(3)
: ولا يحتاج في بطلانه إلى فسخ. وخالف في ذلك مالك (1).
[الباب السابع والعشرون] بابُ الخيارِ للأمَةِ إذا أعتِقَتْ تحتَ عَبْدٍ
91/ 2711 - (عَنِ القاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ: أن بَرِيرَةَ كانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، فَلَمّا أعْتَقَتْها قالَ لَهَا رَسول الله صلى الله عليه وسلم:"اخْتارِي فإنْ شِئْتِ أن تَمْكُثِي تَحْتَ هَذَا العَبْدِ، وَإنْ شِئْتِ أنْ تفارِقيهِ"، رَوَاه أحْمَدُ
(4)
وَالدارَقُطْني)
(5)
. [ضعيف]
92/ 2712 - (وَعَنِ القاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ: أن بَرِيرَةَ خَيّرَها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وكانَ زَوْجها عَبْدًا. رَوَاه مُسْلِمٌ
(6)
وأبو دَاودَ
(7)
وَابْنُ ماجَه
(8)
. [صحيح]
93/ 2713 - (وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ: أن بَرِيرَةَ أعْتِقَتْ وكانَ زَوْجها عَبْدًا فَخَيَّرَها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلَو كانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرهَا. رَوَاهُ أحْمَد
(9)
وَمُسْلِم
(10)
(1)
التهذيب في اختصار المدونة (2/ 160).
(2)
البحر الزخار (3/ 131).
(3)
البياني للعمراني (9/ 218 - 219).
(4)
في المسند (6/ 180).
(5)
في سننه (3/ 289 رقم 164).
قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (4436) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 220). قلت: هذا اللفظ من الحديث ضعيف، والله أعلم.
(6)
في صحيحه رقم (10/ 1504).
(7)
في سننه رقم (2234).
(8)
في سننه رقم (2074).
وهو حديث صحيح.
(9)
في المسند (6/ 209).
(10)
في صحيحه رقم (9/ 1504) دون قوله: "ولو كان حرًا لم يخيرها".
وأبُو دَاودَ
(1)
وَالتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَه)
(2)
. [صحيح دون قوله: "ولو كان حرًا
…
"].
94/ 2714 - (وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ أن بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغيثٍ عَبْدٌ لآلِ أبي أحْمَدَ، فَخَيّرَها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقالَ:"إنْ قَرَبَكِ فَلا خيارَ لَكِ"، رَوَاه أبو دَاودَ
(3)
. [ضعيف]
وَهُوَ دَلِيلٌ على أن الخيارَ على التَّراخي ما لَمْ [تُطَأ]
(4)
.
95/ 2715 - (وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كان زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا أسْوَدَ يقال لَه: مغِيثٌ، عَبْدًا لبَنِي فُلانٍ كأني أنْظُر إلَيْهِ يَطُوف وَرَاءَها فِي سِكَكِ المَدِينَةِ. رَوَاه البُخارِيُّ
(5)
. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ: أن زَوْجَ بَرِيرَةَ كانَ عَبْدًا أسْوَدَ لبَنِي [المُغِيرَةَ]
(6)
يَوْمَ أعْتِقَتْ بَرِيرَةُ، والله لَكأني بِهِ فِي المَدِينَةِ وَنَوَاحِيها، وإن دمُوعَهُ لَتَسِيل عَلَى لحْيَتِهِ، يَتَرَضاها لِتَخْتَارَه فَلَمْ تَفْعَلْ. رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَه
(7)
. [صحيح]
وَهُوَ صَرِيحٌ بِبَقاءِ عُبُودِيتِه يَوْمَ العِتْقِ).
96/ 2716 - (وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَن الأسْوَدِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ زَوْج بَرِيرةَ حُرًّا، فَلَمّا أعْتقَتْ خَيّرَها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاخْتارَتْ نَفْسَها. رَوَاه الخَمْسَة
(8)
.
(1)
في سننه رقم (2233).
(2)
في سننه رقم (1154).
وهو حديث صحيح لكن قوله: "ولو كان حرًا لم يخيرها"، مدرج من قول عروة.
(3)
في سننه رقم (2236). وهو حديث ضعيف.
(4)
في المخطوط (ب): (يطأ).
(5)
في صحيحه رقم (5282) وهو حديث صحيح.
(6)
في المخطوط (أ) و (ب): (مغيرة). والمثبت من سنن الترمذي.
(7)
في سننه رقم (1156) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح. وانظر: البخاري رقم (5283).
(8)
أخرجه أحمد (6/ 42) وأبو داود رقم (2235) والترمذي رقم (1155) والنسائي رقم (2614) وابن ماجه رقم (2074).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 169) والبيهقي (7/ 223). =
قالَ البُخارِيُّ
(1)
: قَوْل الأسْوَدِ مُنْقَطعٌ، ثم عائِشَة عَمّةُ القاسِمِ وَخالَةُ عُرْوَةَ فَرِوايَتُهُما عَنْها أوْلى مِنْ رِوَايَةِ أجْنَبِيّ يَسْمَع مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ).
رواية أنه كان عبدًا ثابتة أيضًا من طريق ابن عمر عند الدارقطني
(2)
والبيهقي
(3)
قال: "كان زوج بريرة عبدًا"، وفي إسناده ابن أبي ليلى وهو ضعيف
(4)
.
ومن طريق صفية بنت أبي عبيدٍ عند النسائي
(5)
والبيهقي
(6)
بإسناد صحيح.
وروى ابن سعد في الطبقات
(7)
عن عبد الوهاب عن دواد بن عطاء بن أبي هند عن عامر الشعبي: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لبريرة لما [أعتقت]
(8)
: قد عتق بُضْعُك مَعَكِ
(9)
فاختاري".
ووصل هذا المرسل الدارقطني
(10)
من طريق أبان بن صالح عن هشام عن
= والصحيح أن قوله في الحديث: "كان زوجها حرًا" من كلام الأسود، لا من كلام عائشة. كما أخرج البخاري رقم (6754) وغيره عن عائشة بقصة شرائها بريرة وإعتاقها وتخييرها، وفي آخر الحديث، قال الأسود:"وكان زوجها حرًا".
قال البخاري: قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس رأيته عبدًا أصح.
(1)
في صحيحه بإثر الحديث رقم (6754) كما تقدم.
(2)
في سننه (3/ 293 رقم 178).
(3)
في السنن الكبرى (7/ 222).
إسناد حسن، والله أعلم.
(4)
عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، المدني ثم الكوفي: ثقة. من الثانية. التقريب رقم (3993).
(5)
في السنن الكبرى رقم (5646 - العلمية).
(6)
في السنن الكبرى (7/ 222).
وإسناد صحيح.
(7)
الطبقات الكبرى (8/ 259) مرسلًا.
(8)
في المخطوط (أ): (عتقت). وفي المخطوط (ب): (أعتقه). والمثبت من طبقات ابن سعد، والله أعلم.
(9)
أي: صار فرجك بالعتق حرًا فاختاري الثبات على زوجك أو مفارقته، وانظر: النهاية في غريب الحديث (1/ 139).
(10)
في السنن (3/ 290 رقم 170).
وأصل الحديث عند البخاري ومسلم وغيرهما وقد تقدم. وانظر: "نصب الراية"(3/ 204 - 205).
أبيه عن عائشة، وهذه الرواية مطلقةٌ ليس فيها ذكر أنَّه كان عبدًا أو حرًا.
وروى شعبةُ عن عبد الرحمن: أنَّه قال: ما أدري أحرٌّ أم عبدٌ؟! وهذا شكٌ، وهو غير قادحٍ في روايات الجزم، وكذلك الرواية المطلقة تحمل على الروايات المقيدة.
والحاصل أنَّه قد ثبت من طريق ابن عباسٍ، وابن عمر، وصفية بنت أبي عبيد، أنه كان عبدًا، ولم يرو عنهم ما يخالف ذلك.
وثبت عن عائشة من طريق القاسم وعروة: أنَّه كان عبدًا، ومن طريق الأسود أنه كان حرًّا، ورواية اثنين أرجح من رواية واحد على فرض صحة الجميع، فكيف إذا كانت رواية الواحد معلولة بالانقطاع كما قال البخاري
(1)
.
وروي عن البخاري
(2)
أيضًا أنه قال: هي من قول الحكم.
وقول ابن عباس: إنه كان عبدًا، أصحّ (1).
وقال البيهقي
(3)
: روينا عن القاسم
(4)
ابن أخيها، وعن عروة
(5)
ومجاهد
(6)
وعمرة، كلهم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:"إن شئت أن تثوي تحت العبد".
قال المنذري
(7)
: وروي عن الأسود أنه كان عبدًا، فاختلف عليه مع أن بعضهم يقول: إن لفظ: "إنه كان حرًّا"، من قول إبراهيم، وإذا تعارضت الرواية عن الأسود فتطرح ويرجع إلى رواية الجماعة عن عائشة.
على أنا لو فرضنا أن الروايات عن عائشة متعارضةٌ ليس لبعضها مرجحٌ على بعض كان الرجوع إلى رواية غيرها بعد إطراح روايتها.
(1)
في صحيحه بإثر الحديث رقم (6754) حيث قال: "قال الأسود: وكان زوجها حرًا. قولُ الأسود منقطع، وقول ابن عباس: رأيته عبدًا. أصح".
(2)
في صحيحه بإثر الحديث رقم (6751) حيث قال: "قال الحكم: وكان زوجها حُرًا.
وقول الحكم مرسلٌ. وقال ابن عباس: رأيته عبدًا". اهـ.
(3)
في السنن الكبرى (7/ 224).
(4)
تقدم برقم (92/ 2712) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم برقم (93/ 2713) من كتابنا هذا.
(6)
أخرجه أبو داود رقم (2236) وهو حديث ضعيف وقد تقدم.
(7)
في "مختصر السنن"(3/ 148).
وقد روى غيرها أنه كان عبدًا على طريق الجزم، فلم يبق حينئذ شكٌّ في رجحان عبوديَّتِه.
وقال أحمد بن حنبل (1): إنما يصحُّ أنه كان حرًّا عن الأسود وحده، وما جاء عن غيره فليس بذاك. وصحّ عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدًا. ورواه علماء المدينة
(1)
، وإذا روى علماء المدينة شيئًا وعملوا به فهو أصحّ.
وقال الدارقطني: قال عمران بن جرير عن عكرمة عن عائشة: كان حرًّا، وهو وهم في شيئين: في قوله: كان حرًّا، وفي قوله: عن عائشة، وإنما هو من رواية عكرمة عن ابن عباس، ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدًا، وكذا جزم الترمذي
(2)
عن ابن عمر.
وقال ابن القيم في الهدي
(3)
: إن حديث عائشة رواه ثلاثة: الأسود، وعروة، والقاسم:
فأما الأسود فلم يختلف عنه أنه كان حرًّا.
وأما عروة ففيه روايتان صحيحتان متعارضتان إحداهما: أنه كان حرًّا، والثانية: أنه كان عبدًا.
وأما عبد الرحمن بن القاسم [فعنه]
(4)
روايتان صحيحتان: إحداهما: أنه كان حرًّا، والثانية: الشكّ، انتهى.
وقد عرفت مما سلف ما يخالف هذا، وعلى فرض صحته فغاية الأمر أن الروايات عن عائشة متعارضة فيرجع إلى رواية غيرها، وقد عرفت أنها متفقة على الجزم بكونه عبدًا.
وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الزوج حرًّا: هل يثبت للزوجة الخيار أم لا؟
فذهب الجمهور
(5)
إلى أنه لا يثبت وجعلوا العلة في الفسخ عدم الكفاءة، لأنَّ المرأة إذا صارت حرَّةً وكان زوجها عبدًا لم يكن كفؤًا لها.
(1)
المغني (10/ 69 - 70).
(2)
في السنن (3/ 461).
(3)
في زاد المعاد (5/ 153).
(4)
في المخطوط (ب): (ففيه).
(5)
المغني (10/ 70).
ويؤيد هذا قول عائشة في حديث الباب
(1)
: "ولو كان حرًّا لم يخيرها".
ولكنه قد تعقب ذلك بأن هذه الزيادة مدرجة من قول عروة كما صرّح بذلك النسائي في سننه
(2)
، وبيّنه أيضًا أبو داود
(3)
في رواية مالك، ولو سلم أنه من قولها فهو اجتهاد وليس بحجة. وذهبت العترة
(4)
والشعبي
(5)
والنخعي
(6)
والثوري
(7)
والحنفية
(8)
إلى أنَّه يثبت الخيار ولو كان الزوج حرًّا، وتمسكوا أوّلًا بتلك الرواية التي فيها أنه كان زوج بريرة حرًّا، وقد عرفت عدم صلاحية ذلك للتمسك به.
ومما يصلح للتمسك به ما وقع في بعض روايات حديث بريرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ملكت نفسك فاختاري"، فإن ظاهر هذا مشعر بأن [السبب]
(9)
في التخيير هو ملكها لنفسها وذلك مما يستوي فيه الحرّ والعبد.
وقد أجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن المراد [من ذلك]
(10)
أنها استقلت بأمر النظر في مصالحها من غير إجبار عليها من سيدها كما كانت من قبل يجبرها سيدها على الزوج.
ومن جملة ما يصلح للاحتجاج به على عدم الفسخ إذ كان الزوج حرًّا ما في سنن النسائي
(11)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهي بالخيار ما لم يطأها زوجها"، وفي إسناده (حسين بن عمرو بن أمية الضمري)
(12)
وهو مجهول.
(1)
تقدم برقم (2713) من كتابنا هذا.
(2)
في سننه رقم (3451).
(3)
في سننه رقم (2233) وقد تقدم.
(4)
البحر الزخار (3/ 68).
(5)
حكاه عنه العمراني في "البيان"(9/ 321) والقاضي عبد الوهاب في "عيون المجالس"(3/ 1128).
(6)
موسوعة فقه إبراهيم النخعي (1/ 514).
(7)
موسوعة فقه سفيان الثوري (ص 394).
(8)
المبسوط للسرخسي (5/ 99).
(9)
في المخطوط (ب): (السببية).
(10)
زيادة من المخطوط (أ).
(11)
في السنن الكبرى (5/ 23 - 24 رقم 4916) ط: مؤسسة الرسالة.
قلت: وأخرجه أحمد في المسند (4/ 65) والطحاوي في مشكل الآثار رقم (4382).
وهو حديث حسن.
(12)
والصواب: (الفضل بن حسن بن عمرو بن أمية الضمري). =
وأخرج النسائي
(1)
أيضًا عن القاسم بن محمد قال: "كان لعائشة غلام وجارية، قالت: فأردت أن أعتقهما فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابدئي بالغلام قبل الجارية".
قالوا: ولو لم يكن التخيير ممتنعًا إذا كان الزوج حرًّا، لم يكن للبداءة بعتق الغلام فائدة، فإذا بدأت به عتقت تحت حر فلا يكون لها اختيار، وفي إسناد هذا الحديث [عبد الله بن عبد الرحمن]
(2)
وهو ضعيف.
قال العقيلي
(3)
: لا يعرف إلا به.
قال ابن حزم
(4)
: لا يصحّ هذا الحديث، ولو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه أنهما كانا زوجين ولو كانا زوجين يحتمل أن تكون البداءة بالرجل لفضل عتقه على الأنثى كما في الحديث الصحيح.
قوله: (وهي عند مُغِيْث) بضم الميم وكسر المعجمة ثم تحتية ساكنة ثم مثلثة.
ووقع عند العسكري بفتح المهملة وتشديد التحتية وآخره باء موحدة. وجزم ابن ماكولا
(5)
وغيره بالأوّل.
ووقع عند المستغفري في الصحابة
(6)
أن اسمه مقسم.
قال الحافظ: وما أظنه إلا تصحيفًا.
= كما صوبه محقق سنن النسائي الكبرى.
وانظر ما قاله الشيخ شعيب، وإبراهيم الزيبق في تحقيقهما لمسند أحمد (27/ 168 - 170 رقم 16619).
(1)
في سننه رقم (3446) وهو حديث ضعيف.
(2)
كذا في المخطوط (أ)، (ب). والصواب:(عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب). كما في الضعفاء للعقيلي (9/ 113) وفي الميزان (3/ 12) والتاريخ الكبير (3/ 389/1 - 390).
(3)
في "الضعفاء الكبير"(3/ 119 - 120) في ترجمة عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب.
(4)
في المحلى (10/ 155).
(5)
في "الإكمال"(7/ 276).
(6)
"الصحابة"؛ المستغفري: (أبو العباس، جعفر بن محمد. (ت 432 هـ)) ذكره السخاوي في "الإعلان بالتوبيخ"(95) والسيوطي في طبقات الحفاظ (424) وغيرهما.
[معجم المصنفات ص 262 رقم 779].
قوله: (إن قربك فلا خيار لك)، فيه دليل على أن خيار من عتقت على التراخي، وأنه يبطل إذا مكنت الزوج من نفسها.
وإلى ذلك ذهب مالك
(1)
وأبو حنيفة
(2)
وأحمد
(3)
والهادوية
(4)
وهو قول للشافعي
(5)
وله قول آخر أنه على الفور، وفي رواية عنه أنه إلى ثلاثة أيام.
وقيل: بقيامها من مجلس الحاكم، وقيل: من مجلسها، وهذان القولان للحنفية
(6)
.
والقول الأوّل هو الظاهر لإطلاق التخيير لها إلى غاية هي تمكينها من نفسها. ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد
(7)
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بلفظ: "إذا عتقتِ الأمةُ فهي بالخيارِ، ما لم يطأها، إن تشأ فارقته، وإن وطئها فلا خيار لها ولا تستطيع فراقه"، وفي رواية للدارقطني
(8)
: "إن وطئك فلا خيار لك".
[الباب الثامن والعشرون] باب من أعتق أمة ثم تزوجها
97/ 2717 - (عَنْ أبي مُوسَى قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّمَا رَجُلٍ كانَتْ عِنْدَه وَلِيدَةٌ فَعَلّمَها فأحْسَنَ تَعْلِيمَها، وأدَّبها فأحْسَنَ تأدِيبَها، ثم أعْتَقَها وَتَزوَّجَها فَلَه أجْرَانِ؛ وَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمنَ بِنَبِيِّهِ وآمنَ بي فَلَهُ أجْرَانِ؛ وَأيُّمَا رَجُلٍ
(1)
عيون المجالس (3/ 1128 رقم 789).
(2)
بدائع الصنائع (2/ 325 - 326).
(3)
المغني (10/ 71).
(4)
البحر الزخار (3/ 70).
(5)
البيان للعمراني (9/ 322).
(6)
بدائع الصنائع (2/ 326).
(7)
في المسند (5/ 378) بسند ضعيف.
وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 341) وقال: "رواه أحمد متصلًا هكذا ومرسلًا من طريق أخرى، وفي المتصل الفضل بن عمرو بن أمية وهو مستور، وابن لهيعة حديثه حسن. وبقية رجاله ثقات".
والخلاصة أن الحديث حسن، والله أعلم.
(8)
في السنن (3/ 294 رقم 185).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 225).
مَمْلُوكٍ أدَّى حَقَّ موالِيهِ وَحَق رَبّه فَلَه أجْرَانِ"، رَوَاه الجَماعة
(1)
إلَّا أبا دَاودَ
(2)
فإنَّمَا لَه مِنْه: "مَنْ أعْتَقَ أمَتَه ثم تَزَوَّجَها كان لَه أجْرَانِ". [صحيح]
ولِأحْمَدَ
(3)
قالَ: قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أعْتَقَ الرَّجُل أمَتَه ثمَّ تَزَوجَها بِمَهْرٍ جَدِيدٍ كانَ لَه أجْرَانِ"). [صحيح]
98/ 2718 - (وَعَنْ أنَسٍ: أن النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أعْتَقَ صَفِيّةَ وَتَزَوَّجَها، فَقالَ لَه ثابتٌ: ما أصْدَقَها؟ قالَ: نَفْسَها؟ أعْتَقَها وَتَزَوَّجَها. رَوَاه الجَماعَة إلّا التِّرْمِذِي وأبا دَاودَ
(4)
. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ: أعْتَقَ صَفِيّةَ وَتَزَوجها وَجَعَلَ عِتْقَها صَدَاقَها. رَوَاهُ البُخاريُّ
(5)
.
[صحيح]
وفِي لَفْظٍ: أعْتَقَ صَفِيّةَ ثم تَزَوجَها وَجَعَلَ عِتْقَها صَدَاقَها. رَوَاه الدارَقُطْنيُّ
(6)
. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ: أعْتَقَ صَفِيّةَ وَجَعَلَ عِتْقَها صَدَاقَها: رَوَاه أحْمَد
(7)
وَالنّسائيٌّ
(8)
وأبو دَاودَ
(9)
وَالتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَه
(10)
. [صحيح]
(1)
أحمد في المسند (4/ 395) والبخاري رقم (5083) ومسلم رقم (154/ 241) والترمذي رقم (1116) والنسائي رقم (3344) وابن ماجه رقم (1956).
وهو حديث صحيح.
(2)
في سننه رقم (2053) وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (4/ 408) بسند صحيح.
وعلَّقه البخاري بإثر الحديث (5083).
ووصله الطيالسي رقم (501) وأبو نعيم في "الحلية"(8/ 308) وابن حزم في المحلى (9/ 505) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 128) والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/ 560) والحافظ في "تغليق التعليق"(4/ 397).
وهو حديث صحيح.
(4)
أحمد في المسند (3/ 102) والبخاري رقم (5169) ومسلم (2/ 1043 رقم 84/ 1365) والنسائي رقم (3343) وابن ماجه رقم (1957).
(5)
في صحيحه رقم (5086).
(6)
في سننه (3/ 285 رقم 151).
(7)
في المسند (3/ 165).
(8)
في السنن رقم (3342).
(9)
في السنن رقم (2054).
(10)
في السنن رقم (1115).
وفِي رِوَايَةٍ: أن النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اصْطَفَى صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَي فاتخَذَها لِنَفْسِهِ وَخَيّرَها أنْ يَعْتِقَها وَتَكُونَ زَوْجَتَه، أوْ يُلْحِقَها بِأهْلِها، فاخَتارَتْ أنْ يَعْتِقَها وَتَكونَ زَوْجَتَه. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
. [صحيح]
وَهُوَ دَلِيلٌ على أن مَنْ جَرَى عَلَيْهِ مِلْكُ المُسْلِمِينَ مِنَ السّبْي يَجُوزُ رَدُّهُ إلى الكُفّارِ إذَا كانَ على دِينِهِ).
حديث أبي موسى فيه دليل على مشروعية تعليم الإماء وإحسان تأديبهنّ ثم إعتاقهن والتزوّج بهنّ، وأن ذلك مما يستحقّ به فاعله أجرين.
كما أن من آمن من أهل الكتاب يستحقّ أجرين: أجر بإيمانه بالنبيّ الذي كان على دينه وأجرًا بإيمانه بنبينا صلى الله عليه وسلم.
وكذلك المملوك الذي يؤدّي حقّ الله وحقّ مواليه يستحقّ أجرين.
وليس في هذا الحديث ما يدلّ على أنه يصحّ أن يجعل العتق صداق المعتقة.
ولكن الذي يدلّ على ذلك حديث أنس
(2)
المذكور لقوله فيه: "ما أصدقها؟ قال: نفسها".
وكذلك سائر الألفاظ المذكورة في بقية الروايات.
وقد أخذ بظاهر ذلك من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي
(3)
وطاوس والزهري، ومن فقهاء الأمصار الثوري
(4)
وأبو يوسف وأحمد
(5)
وإسحاق. وحكاه في البحر
(6)
عن العترة والأوزاعي والشافعي والحسن بن
(1)
في المسند (3/ 138)؛ إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وهو حديث صحيح.
(2)
المتقدم برقم (98/ 2718) من كتابنا هذا.
(3)
موسوعة فقه الإمام إبراهيم النخعي (2/ 896).
(4)
موسوعة فقه الإمام الثوري (ص 754 - 755).
(5)
المغني (10/ 71) والمحلى (9/ 506).
(6)
البحر الزخار (3/ 110).
صالح
(1)
فقالوا: إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صحّ العقد والعتق والمهر.
وذهب من عدا هؤلاء إلى أنه لا يصح أن يكون العتق مهرًا، ولم يحكِ هذا القول في البحر
(2)
إلا عن مالك
(3)
وابن شبرمة.
وحكى
(4)
في موضع آخر عن أبي حنيفة ومحمد أنها تستحقّ مهر المثل لأنها قد صارت حرّة فلا يستباح وطؤها إلا بالمهر
(5)
.
وحكى بعضهم عدم صحة جعل العتق مهرًا عن الجمهور
(6)
.
وأجابوا عن ظاهر الحديث بأجوبة ذكرها في فتح الباري
(7)
:
(منها): أنَّه أعتقها بشرط أن يتزوَّجها فوجب له عليها قيمتها، وكانت معلومةً فتزوَّجها بها، ولكنه لا يخفى: أنَّ ظاهر الروايات: أنَّه جعل المهر نفس العتق، لا قيمة المعتقة.
(ومنها): أنَّه جعل نفس العتق مهرًا، ولكنَّه من خصائصه. ويجاب عنه؛ بأنَّ دعوى الاختصاص تفتقر إلى دليلٍ.
(ومنها): أنَّ معنى قوله: "أعتقها وتزوَّجها" أنَّه أعتقها ثم تزوَّجها، ولم يعلم أنَّه ساق لها صداقًا، فقال:"أصدقها نفسها"، أي: لم يصدقها شيئًا فيما أعلم، ولم ينف نفس الصداق.
ويجاب بأنَّه يبعد أن يأتي الصحابيُّ الجليل بمثل هذه العبارة في مقام التبليغ ويكون مريدًا لما ذكرتم، فإنَّ هذا لو صحَّ لكان من باب الإلغاز والتعمية.
(1)
حكاه عنه صاحب بدائع الصنائع (2/ 242).
(2)
البحر الزخار (3/ 110).
(3)
عيون المجالس (3/ 1054 رقم 748).
(4)
أي الإمام المهدي في البحر الزخار (3/ 110).
(5)
قال النووي في شرح صحيح مسلم (9/ 221 - 222): " .. وأصحهما وبه قال جمهور أصحابنا - أي الشافعية - لا يصح الصداق بل يصح النكاح ويجب لها مهر المثل.
وقال سعيد بن المسيب والحسن والنخعي، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وأبو يوسف، وأحمد، وإسحاق: يجوز أن يعتقها على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها، ويلزمها ذلك ويصح الصداق على ظاهر لفظ هذا الحديث
…
". اهـ.
(6)
حكاه الحافظ في "الفتح"(9/ 129).
(7)
(9/ 129).
وقد أيَّدوا هذا التأويل البعيد بما أخرجه البيهقي
(1)
من حديث [أميمة بنت رزيبة]
(2)
عن أمها: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوّجها وأمهرها [رزيبة]
(3)
وكان أتي بها سبية من بني قريظة والنضير".
قال الحافظ
(4)
: وهذا لا يقوم به حجة لضعف إسناده، ويعارضه ما أخرجه الطبراني
(5)
وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت: "أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي".
قال الحافظ (4): وهذا موافق لحديث أنس
(6)
. وفيه ردّ على من قال: إن أنسًا قال ذلك بناء على ما ظنه.
(ومنها): أنه يحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر، فلزمها الوفاء بذلك ويكون خاصًّا به صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى أن هذا تعسف لا ملجئ إليه.
(ومنها): ما قاله ابن الصلاح
(7)
من أن العتق حلّ محلّ المهر وليس بمهر. قال: وهذا كقولهم: "الجوع زاد من لا زاد له"، وجعل هذا أقرب الوجوه إلى لفظ الحديث، وتبعه النووي
(8)
.
والحامل لمن خالف الحديث على هذه التآويل ظنُّ مخالفته للقياس، قالوا: لأنَّ العقد إما أن يقع قبل عتقها وهو محال لتناقض حكم الحرية والرقّ أو بعده، وذلك غير لازم لها.
وأجيب بأن العقد يكون بعد العتق، فإذا وقع منها الامتناع لزمتها السعاية بقيمتها ولا محذور في ذلك.
(1)
في السنن الكبرى (7/ 128 - 129) وفي معرفة السنن والآثار (10/ 63 رقم 13676).
(2)
في المخطوط (ب): (أميمة ويقال: أمة الله بنت رزينة) وفي المرجعين السابقين. والمثبت من المخطوط (أ).
(3)
في حاشية المخطوط (أ) ما نصه: (نقله ابن الصلاح عن السهيلي بالراء المهملة ثم الزاي المعجمة).
(4)
في "الفتح"(9/ 129).
(5)
في الأوسط رقم (4953).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 282) وقال: "رجاله ثقات".
(6)
المتقدم رقم (2718) من كتابنا هذا.
(7)
حكاه عنه الحافظ في الفتح (9/ 129).
(8)
في شرحه لصحيح مسلم (9/ 221).
وبالجملة فالدليل قد ورد بهذا، ومجرّد الاستبعاد لا يصلح لإبطال ما صحّ من الأدلة والأقيسة مطرحة في مقابلة النصوص الصحيحة فليس بيد المانع برهان.
ويؤيد الجواز ما أخرجه الطحاوي
(1)
عن ابن عمر: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جعل عتق جويرية بنت الحارث [القرضية]
(2)
صداقها".
وأخرج نحوه أبو داود
(3)
من طريق عائشة.
وقد نسب القول بالجواز ابن القيم في الهدي
(4)
إلى عليّ بن أبي طالب، وأنس بن مالك، والحسن البصري، وأبي سلمة قال: وهو الصحيح الموافق للسُّنة وأقوال الصحابة والقياس، وأطال البحث في المقام بما لا مزيد عليه فليراجع.
[الباب التاسع والعشرون] باب ما يذكر في ردِّ المنكوحة بالعيب
99/ 2719 - (عَنْ جَمِيلِ بْنِ زيدٍ قالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنَ الأنْصَارِ ذَكَرَ أنّهَ كانَت لَهُ صُحْبَةٌ يُقالُ لَه: كَعْبُ بْنُ زيد أوْ زيدُ بْنُ كَعْبٍ: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تزَوَّجَ امَرأةً مِنْ بَنِي غِفارٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْها فَوَضَعَ ثَوْبَه وَقَعَدَ عَلى الفرَاش أبْصَرَ بِكَشْحِها بَياضًا، فانحازَ عن الفِرَاشِ ثم قالَ:"خُذِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ"، وَلَمْ يأخُذْ مِمّا آتاها شَيْئًا. رَوَاه أحْمَدُ
(5)
وَرَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ
(6)
، وَقالَ: عنْ زيدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَلَم يَشُكّ). [ضعيف]
(1)
في "شرح معاني الآثار"(3/ 20).
(2)
كذا في المخطوط (أ) و (ب) والصواب: (المصطلقية) كما في شرح معاني الآثار.
(3)
في سننه رقم (3931) وهو حديث حسن.
(4)
زاد المعاد (5/ 142).
(5)
في المسند (3/ 493).
(6)
في سننه رقم (829).
قلت: وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 593) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 214 و 256 - 257) وهو حديث ضعيف.
وانظر كلام ابن حزم في: "المحلى"(10/ 115).
100/ 2720 - (وَعَنْ عُمَرَ أنّهُ قالَ: أيُّمَا امْرأةٍ غُرَّ بِها رَجُلٌ بِها جُنُونٌ أوْ جُذَامٌ أوْ بَرَصٌ فَلَها مَهْرُها بمَا أصَابَ مِنْها وَصَداقُ الرَّجُلِ على مَنْ غَرَّهُ. رَوَاهُ مالِكٌ فِي المُوَطّأ
(1)
وَالدّارَقُطْنِيُّ
(2)
. [ضعيف]
وفِي لَفْظٍ: قَضَى عُمَرُ فِي البَرْصَاءِ وَالجَذْماء وَالمَجْنُونَةِ إذَا دَخَلَ بِها فُرّقَ بَيْنَهُمَا، وَالصَّدَاقُ لَهَا بِمَسِيسِهِ إيّاها وَهُوَ لَهُ على وَليِّها. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)
(3)
. [ضعيف]
حديث كعب بن زيدٍ أو زيد بن كعب: قد اختُلف فيه؛ فقيل: هكذا، وقيل: إنه من حديث كعب بن عجرة، وقيل: من حديث ابن عمر.
وقد أخرجه أيضًا من حديث كعب بن زيدٍ، أو زيد بن كعب: ابن عديّ
(4)
والبيهقي
(5)
.
ومن حديث كعب بن عجرة: الحاكم في المستدرك
(6)
، ومن حديث ابن عمر: أبو نعيم في الطب
(7)
.
(1)
في الموطأ (2/ 526 رقم 9).
(2)
في سننه (3/ 266 رقم 82).
قلت: وأخرجه سعيد بن منصور في سنته رقم (818 و 819) وابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 175) والبيهقي (7/ 214).
قال الحافظ في "بلوغ المرام " رقم (11/ 951) بتحقيقي:، ورجاله ثقات".
قلت: وهو كما قال إلا أنه منقطع بين سعيد بن المسيب، وعمر بن الخطاب.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
في السنن (3/ 267 رقم 83).
وهو حديث ضعيف كسابقه.
(4)
في "الكامل"(2/ 593).
(5)
في السنن الكبرى (7/ 214).
وهو حديث ضعيف.
(6)
في المستدرك (4/ 34) وسكت عنه الحاكم. وقال الذهبي: قال ابن معين: زيد ليس بثقة.
(7)
الطب: أبو نعيم، (أحمد بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني (ت 430 هـ).
ذكر بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي"(6/ 227) أنه طبع في مطبعة المنار بالقاهرة سنة 1344 هـ.
منه نسخة خطية في مكتبة الإسكوريال، بمدريد، إسبانيا في (141) ورقة تحت =
والبيهقي
(1)
.
وجميل بن زيد المذكور هو ضعيف، وقد اضطرب في هذا الحديث
(2)
.
وأثر عمر أخرجه أيضًا سعيد بن منصور
(3)
عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عنه. ورواه الشافعي
(4)
من طريق مالك
(5)
وابن أبي شيبة
(6)
عن أبي إدريس عن يحيى، قال الحافظ في بلوغ المرام
(7)
: ورجاله ثقات.
وفي الباب عن عليّ أخرجه سعيد بن منصور
(8)
.
قوله: (امرأة من بني غفار) قيل: اسمها الغالية، وقيل: أسماء بنت النُّعمان، قاله الحاكم، يعني الجَوْنية. وقال الحافظ
(9)
: الحقّ أنها غيرها.
وقد استُدِلَّ بحديثي الباب على أن البرص والجنون والجذام عيوب يفسخ بها النكاح، ولكن حديث كعب ليس بصريح في الفسخ لأن قوله:"خذي عليك ثيابك"، وفي رواية:"الْحَقِي بأهلك"
(10)
يمكن أن يكون كناية طلاق.
= رقم (1298) وأخرى في المكتبة الظاهرية في (31) ورقة. تحت رقم (1009 م 147) والجزء الثالث منه في (30) ورقة. تحت رقم (1564)، و (31) ورقة. أخرى تحت رقم (2573).
وانظر فهرس: "مخطوطات الظاهرية" لشيخنا الألباني (213) والبداية والنهاية (12/ 45).
[معجم المصنفات ص 278 رقم 825].
(1)
في السنن الكبرى (7/ 214).
(2)
قال ابن عدي في "الكامل"(2/ 593): "جميل بن زيد يُعرف بهذا الحديث، واضطراب الرواة عنه بهذا الحديث حسب ما ذكره البخاري، وتلون فيه على ألوان، واختلف عليه من روى عنه، فبعضهم ذكره البخاري، وبعضهم ذكرته أنا ممن قال عنه عن ابن عمر ممن لم يذكرهم البخاري
…
". اهـ.
(3)
في سننه رقم (818).
(4)
في الأم (6/ 217 رقم 2304).
(5)
في الموطأ (2/ 526 رقم 9).
(6)
في "المصنف"(4/ 175).
(7)
في "بلوغ المرام" رقم (11/ 951) بتحقيقي.
قلت: وهو ضعيف لأنه منقطع بين سعيد بن المسيب وعمر بن الخطاب.
(8)
في سننه رقم (820).
قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 215) موقوفًا.
وهو ضعيف والله أعلم.
(9)
في "الإصابة"(8/ 19 - 21 رقم الترجمة 10815).
(10)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5254).
وقد ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة [فمن]
(1)
بعدهم إلى أنه يُفْسَخ النكاح بالعيوب وإن اختلفوا في تفاصيل ذلك وفي تعيين العيوب التي بها يُفْسَخُ النكاح
(2)
.
وقد روي عن علي
(3)
وعمر
(4)
.
(1)
في المخطوط (ب): (ومن).
(2)
قال ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد"(5/ 165): "
…
اختلف الفقهاء في ذلك: فقال داود، وابن حزم، ومن وافقهما: لا يُفْسَخُ النكاحُ بعيب البتة.
وقال أبو حنيفة: لا يُفسخ إلا بالجَبِّ والعُنَّةِ خاصة.
وقال الشافعي ومالك: يُفسخ بالجنون والبَرَصِ، والجُذام والقَرَن، والجَبِّ والعُنَّةِ خاصة.
وزاد الإمام أحمد عليهما: أن تكون المرأة فتقاءَ منخرقِة ما بين السبيلين؛ ولأصحابه في نتَنِ الفرج والفم، وانخراق مخرجي البول والمني في الفرج، والقروح السيالة فيه، والبواسير، والنَّاصور، والاستحاضة، واستطلاقُ البول، والنجو، والخصي وهو قطعُ البيضتين. والسَّل: وهو سَلُّ البيضتين، والوجأ: وهو رضُّهما، وكونُ أحدهما خُنثى مشكلًا، والعيب الذي يصاحبه مثله مِن العيوب السبعة. والعيب الحادث بعد العقد، وجهان.
وذهب بعضُ أصحاب الشافعي إلى ردِّ المرأةَ بكُلِّ عيبٍ تُردُّ به الجاريةُ في البيع، وأكثرهم لا يعرفُ هذا الوجه ولا مَظِنَّتَه، ولا مَنْ قالَه. وممن حكاه: أبو عاصم العباداني في كتاب طبقات أصحاب الشافعي، وهذا القولُ هو القياس، أو قول ابن حزم ومن وافقه.
وأما الاقتصارُ على عيبين أو ستة أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها أو مساوٍ لها، فلا وجه له، فالعمى والخرس، والطرش، وكونُها مقطوعة اليدين أو الرجلين، أو إحداهُما، أو كون الرجل كذلك من أعظم المنفِّرات، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش، وهو مُنافٍ للدين، والإطلاق إنما ينصرف إلى السلامة، فهو كالمشروط عرفًا.
وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له: أخبرها أنك عقيمٌ وخيّرها. فإذا يقول رضي الله عنه في العيوب التي هذا عندها كمالٌ لا نقص.
والقياس: أن كُلَّ عيب ينفُرِ الزوج الآخر منه، ولا يحصُل به مقصودُ النكاح من الرحمة والمودَّة يُوجبُ الخيارَ، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاءِ من شروط البيع، وما ألزم اللهُ ورسولُه مغرورًا فطُّ، ولا مغبونًا بما غُرَّ به وغُبنَ به، ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره وموارِده وعدله وحِكمته، وما اشتمل عليه من المصالح لم يخفَ عليه رجحان هذا القول، وقربُه من قواعد الشريعة". اهـ.
(3)
أخرج البيهقي في السنن الكبرى (7/ 215) عن الشعبي قال: قال علي رضي الله عنه: "أيما رجل نكح امرأة وبها برص، أو جنون، أو جذام، أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها إن شاء أمسك وإن شاء طلق، فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها". إسناده صحيح.
(4)
أخرج ابن القيم في "زاد المعاد"(5/ 167) عن سعيد بن المسيب، عن عمر، قال: إذا =
وابن عباس
(1)
أنها لا تردّ النساء إلا بأربعة عيوب: الجنون والجذام والبرص والداء في الفرج.
وخالف الناصر
(2)
في البرص فلم يجعله عيبًا يردّ به النكاح، والرجل يشارك المرأة في الجنون والجذام والبرص، وتفسخه المرأة بالجبّ والعنة.
وذهب بعض الشافعية
(3)
إلى أن المرأة تردّ بكل عيب تردّ به الجارية في البيع.
ورجحه ابن القيم واحتجّ له في الهدي
(4)
بالقياس على البيع. وقال الزهري: يفسخ النكاح بكل داء عضال. وقال أبو حنيفة (5) وأبو يوسف
(5)
، وهو قول للشافعي
(6)
: إنَّ الزوج لا يردُّ الزوجة بشيءٍ لأنَّ الطلاق بيده، والزوجة لا تردُّه بشيءٍ إلا الجبَّ والعنَّة، وزاد محمدٌ: الجذام والبرص، وزادت الهادوية
(7)
على ما سلف: الرقّ وعدم الكفاءة في الرجل أو المرأة، والرتق والعفل والقرن في المرأة، والجبّ والخصاء والسل في الرجل، والكلام مبسوط على العيوب التي يثبت بها الردّ والمقدار المعتبر منها وتعدادها في الكتب الفقهية
(8)
. ومن أمعن النظر لم يجد في الباب ما يصلح للاستدلال به على الفسخ بالمعنى المذكور عند الفقهاء.
أما حديث كعب فلما أسلفنا من كونه غير صريح في محل النزاع لذلك الاحتمال.
= تزوَّجها برصاء، أو عمياء، فدخل بها، فلها الصداقُ، ويرجعُ به على من غرَّه.
إسناده صحيح.
(1)
أخرج البيهقي في السنن الكبرى (7/ 215) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "أربع لا يجزن في بيع ولا نكاح: المجنونة والمجذومة والبرصاء والعفلاء".
(2)
البحر الزخار (3/ 61).
(3)
انظر: "البيان" للعمراني (9/ 290 - وما بعدها).
(4)
في "زاد المعاد"(5/ 165).
(5)
الاختيار (3/ 152) والبناية في شرح الهداية (5/ 401).
(6)
الأم (6/ 215 - 216).
(7)
البحر الزخار (3/ 61).
(8)
البيان للعمراني (9/ 290 - 328) وعيون المجالس (1/ 1123 - 1124) والمغني (10/ 55 - 62 رقم المسألة 1180).
وأما أثر عمر فلما تقرّر من أن قول الصحابي ليس بحجة
(1)
، نعم حديث بريرة
(2)
الذي سلف دليل على ثبوت الفسخ للرقّ إذا عتق، وأما غير ذلك فمحتاج إلى دليل.
قوله: (وصداق الرجل على من غره)[قد]
(3)
ذهب إلى هذا مالك
(4)
وأصحاب الشافعي
(5)
والهادوية
(6)
فقالوا: إنه يرجع الزوج بالمهر على من غرّر عليه بأن أوهمه أن المرأة لا عيب فيها فانكشف أنها معيبة بأحد تلك العيوب؛ لكن بشرط أن يعلم بذلك العيب لا إذا جهل.
وذهب أبو حنيفة
(7)
والشافعي
(8)
إلى أنه لا رجوع للزوج على أحد لأنه قد لزمه المهر بالمسيس.
وقال المؤيد بالله وأبو طالب
(9)
: إنه يرجع الزوج بالمهر على المرأة، ولا يخفى أن قول عمر لا يصلح للاحتجاج به وتضمين الغير بلا دليل لا يحلّ، فإن كان الفسخ بعد الوطء فقد استوفى الزوج ما في مقابلة المهر فلا يرجع به على أحد، وإن كان قبل الوطء فالرجوع على المرأة أولى لأنه لم يستوف منها ما في مقابلة المهر، ولا سيما على أصل الهادوية لأن الفسخ بعيب من جهة الزوجة ولا شيء لها عندهم فيما كان كذلك.
* * *
(1)
تقدم الكلام على هذا. وانظر: شرح الكوكب المنير (4/ 422) والإحكام للآمدي (4/ 155 - 161) وإرشاد الفحول (ص 797) بتحقيقي.
(2)
تقدم برقم (2711 - 2715) من كتابنا هذا.
(3)
في المخطوط (ب): (وقد).
(4)
المدونة (2/ 196).
(5)
روضة الطالبين (5/ 516).
(6)
البحر الزخار (3/ 63 - 64).
(7)
انظر: المبسوط (5/ 95).
(8)
الأم (6/ 217).
(9)
البحر الزخار (3/ 63).
[ثانيًا]: أبواب أنكحة الكفار
[الباب الأول] باب ذكر أَنكحة الكفار وإقرارهم عليها
1/ 2721 - (عَن عُروَةَ: أنَّ عَائِشَةَ أخْبَرَتْهُ أن النِّكاحَ فِي الجاهِلِيَّة كانَ على أربَعَةِ أنْحاء: فَنِكاحٌ مِنْهَا نِكاحُ النّاسِ اليَومَ، يَخْطُبُ الرَّجُلُ إلى الرَّجُلِ وَليّتَهُ أوِ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقها ثم يَنْكِحُها.
وَنِكاحٌ آخَرُ، كانَ الرَّجُلُ يَقول لامْرأتِهِ إِذَا طَهُرَت من طَمْثِها: أرسلي إلى فُلانٍ فاسْتَبْضِعِي مِنْهُ وَيعْتَزِلهَا زَوْجُها وَلَا يَمَسَّها حَتّى يَتَبَيّنَ حَمْلُها من ذلكَ الرجُلِ الَّذِي تَسْتَبضِعُ منْه، فإذَا تَبَيَّن حَمْلُها أصَابَهَا زَوجُها إذَا أحَبّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذلك رَغْبَةً فِي نَجابَةِ الوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكاحُ يُسَمّى نِكاحَ الاسْتِبْضاعِ.
وَنِكاحٌ آخَرُ، يَجْتَمِعُ الرّهْط دُونَ العَشَرَة فَيَدْخُلُونَ على المَرأةِ كُلُّهُمْ فَيُصِيبُونَها، فإذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمر لَيالٍ بَعْدَ أن تَضَعَ حَمْلَها أرسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أنْ يَمْتَنِعَ حَتّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَها، فَتَقُول لَهُمْ: قَد عَرَفْتُمُ الّذِي كانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ، فَتُسَمِّي مَن أحَبَّت باسمه، فَيُلْحَقُ بِهِ وَلَدُها لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ الرَّجُلُ.
وَنِكاحٌ رَابِعٌ، يَجْتَمِعُ النّاسُ الكَثِير فَيَدْخُلونَ على المَرأةِ لَا تَمْتَنِع مِمّنْ جاءَها، وَهُن البَغايا يَنْصُبْنَ على أبْوَابِهِن الرّاياتِ وَتَكُون عَلَمًا، فَمَنْ أرَادَهُن دَخَلَ عَلَيْهِن، فإذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُن وَوَضَعَتْ جَمَعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهَا القافَة، ثم ألْحَقُوا وَلَدَها بالَّذِي يَرَوْنَ، فالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَه لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذلكَ. فَلَمّا بَعَثَ الله محَمّدًا صلى الله عليه وسلم بالحَقّ هَدَمَ نِكاحَ الجاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إلَّا نِكَاحَ النّاسِ اليَوْمَ. رَوَاهُ
البُخارِيُّ
(1)
وأبُو دَاودَ)
(2)
. [صحيح]
قوله: (أربعة أنحاء)
(3)
جمع نحو: أي ضرب وزنًا ومعنًى، ويطلق النحو أيضًا على الجهة والنوع، وعلى العِلْم المعروف اصطلاحًا.
قال الداودي
(4)
وغيره: بقي عليها أنحاء لم تذكرها.
(الأوّل): نكاح الخدن، وهو في قوله تعالى:{وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}
(5)
كانوا يقولون: ما استتر فلا بأس به، وما ظهر فهو لوم.
(الثاني): نكاح المتعة وقد تقدم
(6)
.
(الثالث): نكاح البدل، وقد أخرج الدارقطني
(7)
من حديث أبي هريرة كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي. وإسناده ضعيف جدًّا.
قال الحافظ
(8)
: والأوّل لا يُرَدّ لأنها أرادت ذكر بيان نكاح من لا زوج لها أو من أذن لها زوجها في ذلك.
والثاني يحتمل أن لا يردّ لأن الممنوع منه كونه مقدَّرًا بوقتٍ، لا أن عدم الوليّ فيه شرط، وعدم ورود الثالث أظهر من الجميع، انتهى.
قوله: (وليته، أو ابنته) التخيير للتنويع لا للشك.
(1)
في صحيحه رقم (5127)
(2)
في سننه رقم (2272).
وهو حديث صحيح.
(3)
النهاية في غريب الحديث (2/ 721).
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 184).
(5)
سورة النساء، الآية:(25).
(6)
تقدم عند الحديث رقم (2685 - 2690) من كتابنا هذا.
(7)
في سننه (3/ 218 رقم 3).
الحديث فيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ضعيف جدًّا.
[الجرح والتعديل (2/ 227) والميزان (1/ 193) والتقريب (1/ 59)].
وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 184): إسناده ضعيف جدًّا.
(8)
في "الفتح"(9/ 184).
قوله: (فيُصدقها) بضم أوّله (ثم يَنْكِحُها) أي: يعيِّن صداقها، ويسمِّي مقداره ثم يعقد عليها.
قوله: (من طمثها) بفتح الطاء المهملة وسكون الميم، بعدها مثلثة: أي حيضها، وكأنَّ السرَّ في ذلك أن يسرع علوقها منه.
قوله: (فاستبضعي منه) بموحدة بعدها ضاد معجمة: أي اطلبي منه المباضعة وهو الجماع. ووقع في رواية الدارقطني
(1)
: "استرضعي" براء بدل الباء الموحدة، قال محمد بن إسحاق الصغانيُّ: الأوّل هو الصواب، والمعنى: اطلبي الجماع منه لتحملي، والمباضعة
(2)
: المجامعة، مشتقة من البضع وهو الفرج.
قوله: (في نجابة الولد) لأنَّهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك.
قوله: (فهو ابنُكَ يا فلان) هذا إذا كان الولد ذكرًا، أو تقول: هي ابنتك إذا كانت أنثى.
قال في الفتح
(3)
: لكن يحتمل أن لا يفعل ذلك إلا إذا كان ذكرًا لما عرف من كراهتهم في البنت، وقد كان منهم من يقتل بنته التي يتحقق أنها بنته فضلًا عمن يكون بمثل هذه الصفة.
قوله: (عَلَمًا) بفتح اللام: أي علامةً. وأخرج الفاكهي
(4)
من طريق ابن أبي مُلَيْكَة قال: تبرَّز عمر بأجياد، فدعا بماءٍ فأتته أمُّ مهزولٍ - وهي من البغايا التسع اللاتي كنَّ في الجاهلية - فقالت: هذا ماءٌ ولكنَّه في إناءٍ لم يدبغ، فقال: هلمَّ فإنَّ الله جعل الماء طهورًا.
وروى الدارقطني
(5)
أيضًا من طريق مجاهدٍ في قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ
(1)
في سننه (3/ 217 - 218). وانظر: "الفتح"(9/ 185).
(2)
القاموس المحيط (ص 908) والنهاية (1/ 139).
(3)
(9/ 185).
(4)
في "أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه"(5/ 199 رقم 140).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 185).
إِلَّا زَانِيَةً}
(1)
: هنَّ بغايا كنَّ في الجاهلية معلومات، لهنَّ راياتٌ يعرفن بها. ومن طريق عاصم بن المنذر عن عروة مثله، وزاد: كرايات البيطار. وقد ساق هشام بن الكلبيِّ في كتاب المثالب
(2)
أسامي صواحبات الرايات في الجاهلية، فسمى منهنَّ أكثر من عشر نسوةٍ مشهورات.
قوله: (القافة)
(3)
بقاف ثم فاء جمع قائف: وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية.
قوله: (فالتاط به)
(4)
بالمثناة الفوقية، بعدها طاء مهملة: أي استلحقه، وأصل اللوط: بفتح اللام اللصوق.
قوله: (إلا نكاح الناس اليوم) أي الذي بدأتْ بذكره، وهو أن يَخْطُبَ [الرجل فتزوّجه]
(5)
.
وقد احتجَّ بهذا الحديث على اشتراط الوليّ، وتعقب بأن عائشة - وهي الراوية - كانت تجيز النكاح بغير وليّ، ويجاب بأن فعلها ليس بحجة.
[الباب الثاني] باب من أسلم وتحته أُختان أَو أكثر من أَربع
2/ 2722 - (عَنِ الضَّحّاكِ بْنِ فَيْروزٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أسْلَمْت وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أخْتَانِ، فأَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ أطَلِّقَ إحْدَاهُمَا، رَوَاهُ الخَمْسَة إلا النّسائي
(6)
. [حسن]
(1)
سورة النور، الآية:(3).
(2)
"المثالب" هشام بن الكلبي (ت 206 هـ).
ذكره ابن النديم في "الفهرست"(108).
[معجم المصنفات (ص 347 رقم 1106)].
(3)
النهاية (2/ 478).
(4)
القاموس المحيط (ص 886) والنهاية (2/ 626).
(5)
في المخطوط (ب): (إلى الرجل فيزوجه).
(6)
أحمد في المسند (4/ 232) وأبو داود رقم (2243) والترمذي رقم (1130) وقال: هذا حديث حسن. وابن ماجه رقم (1951).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (4155) والدارقطني (3/ 273 رقم 106) والبيهقي (7/ 184) =
وفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيّ
(1)
: "اخْتَرْ أيّتَهُما شِئْتَ"، وَعَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ سالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أسْلَمَ غَيْلان الثَّقَفِيُّ وَتَحْتَهُ عَشْر نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّة، فَأَسْلَمْنَ مَعَه، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَخْتارَ مِنْهُنَّ أرْبَعًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
وَابْنُ مَاجَهْ
(3)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
. [صحيح]
وَزَادَ أَحْمَدُ
(5)
فِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا كانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ طَلّقَ نِسَاءَهُ وَقَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيه، فَبَلَغَ ذلكَ عُمَرَ، فَقَالَ: إنَّ لأَظُنُّ الشّيْطَانَ فِيما يَسْتَرِقُ مِنَ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِكَ فَقَذَفَهُ فِي نَفْسِكَ، وَلَعَلَّكَ لَا تَمْكُثُ إلا قَلِيلًا، وَايْم الله لَتُرَاجِعَنَّ نِساءَكَ وَلْتُرْجِعَن مالَكَ أوْ لأوَرّثُهُن مِنْكَ ولَامرَن بِقَبْرِكَ أنْ يُرْجَمَ كما رُجِمَ قَبْرُ أبي رِغَالٍ
(6)
.
قَوْلُهُ: لَتُرَاجِعَن نِسَاءَكَ. دَلِيلٌ على أنَّهُ كانَ رَجْعيًا، وَهُوَ يَدُلُّ على أن
= والطبراني في المعجم"ج 18 رقم 843، 844، 845) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (12627) وابن أبي شيبة (4/ 317).
وهو حديث حسن.
(1)
في سننه رقم (1128).
(2)
في المسند (2/ 14، 44، 83).
(3)
في سننه رقم (1953).
(4)
في سننه رقم (1128).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (4156) والحاكم (2/ 192 - 193) والدارقطني (3/ 270) والبيهقي (7/ 149، 181) والبغوي رقم (2288) وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 317) والشافعي في المسند (ج 2 رقم 45 - ترتيب) وأعله البخاري كما ذكره الترمذي في السنن (3/ 435) ويقول أبو زرعة مرسل أصح كما في العلل لابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 400 - 401).
وانظر مزيدًا من الكلام عليه في: "التلخيص"(3/ 168 - المعرفة).
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(5)
في المسند (2/ 14) وقد تقدم.
(6)
أبو رِغال - بكسر الراء بزنة كتاب - كان من ثمود، وكان بالحرم حين أصاب قومه الصيحة، فلما خرج من الحرم أصابه من الهلاك ما أصاب قومه، فدفن هناك. قيل: كان رجلًا عشارًا في الزمن الأول فقبره يرجم، وهو بين مكة والطائف. وكان عبدًا لشعيب على نبينا وعليه الصلاة والسلام، قال جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه
…
كما تَرْمون قبر أبي رِغالِ
انظر: "لسان العرب"(5/ 258 - دار إحياء التراث).
الرجْعِيَّةَ تَرِثُ وإنِ انْقَضَتْ عِدَّتُها فِي المَرَضِ وإلا فَنَفْس الطّلاقِ الرجْعِيّ لا يَقْطَعُ لِيُتّخَذَ حِيلَةً فِي المَرَضِ).
حديث الضحاك أخرجه أيضًا الشافعي
(1)
وصححه ابن حبان
(2)
والدارقطني
(3)
والبيهقي
(4)
وحسنه الترمذي
(5)
وأعله البخاري
(6)
والعقيلي.
وفي الباب عن أمّ حبيبة عند الشيخين
(7)
: "أنها عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكح أختها، فقال: لا تحلّ لي".
وحديث ابن عمر أخرجه أيضًا الشافعي
(8)
عن الثقة عن معمر عن الزهري بإسناده المذكور. وأخرجه أيضًا ابن حبان
(9)
والحاكم
(10)
وصححاه.
قال البزار
(11)
: جوَّده معمر بالبصرة، وأفسده باليمن فأرسله. وحكى الترمذي
(12)
عن البخاري أنه قال: هذا الحديث غير محفوظ.
قال البخاري (11): وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه فإنما هو: "أن رجلًا من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمنك"، وحكم أبو حاتم
(13)
وأبو زرعة بأن المرسل أصح.
وحكى الحاكم عن مسلم أن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة.
قال: فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة.
وقد أخذ ابن حبان (9) والحاكم (10) والبيهقي (4) بظاهر الحكم فأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة وأهل خراسان وأهل اليمامة عنه.
(1)
في المسند (ج 2 رقم 45 - ترتيب).
(2)
في صحيحه رقم (4156).
(3)
في سننه (3/ 270).
(4)
في السنن الكبرى (7/ 149، 181).
(5)
في السنن (3/ 435).
(6)
كما حكاه عنه الترمذي في السنن (3/ 435).
(7)
في الصحيحين، البخاري رقم (5101) ومسلم رقم (15/ 1449).
(8)
في المسند (ج 2 رقم 43 - ترتيب).
(9)
في صحيحه رقم (4156).
(10)
في المستدرك (2/ 192 - 193).
وهو حديث صحيح.
(11)
حكاه الحافظ في "التلخيص"(3/ 347).
(12)
في السنن (3/ 435).
(13)
العلل (1/ 400 - 401).
قال الحافظ
(1)
: ولا يفيد ذلك شيئًا، فإن هؤلاء كلهم إنما سمعوا منه بالبصرة؛ وعلى تقدير أنهم سمعوا منه بغيرها، فحديثه الذي حدث به في غير بلده، مضطرب لأنه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة؛ وأما إذا رحل فحدث من حفظه بأشياء وهم فيها، اتفق على ذلك أهل العلم كابن المديني، والبخاري، وابن أبي حاتم [ويعقوب بن شيبة]
(2)
وغيرهم.
وحكى الأثرم
(3)
عن أحمد: أن هذا الحديث ليس بصحيح، والعمل عليه، وأعله بتفرّد معمر [في وصله]
(4)
وتحديثه به في غير بلده.
وقال ابن عبد البرّ
(5)
: طرقه كلها معلولة.
وقد أطال الدارقطني في العلل
(6)
تخريج طرقه. ورواه ابن عيينة ومالك عن الزهري مرسلًا.
ورواه عبد الرزاق
(7)
عن معمر كذلك، وقد وافق معمر على وصله بحر بن كنيز السقاء
(8)
عن الزهري ولكنه ضعيف، وكذا وصله يحيى بن سلام
(9)
عن مالك، ويحيى ضعيف.
(1)
في "التلخيص"(3/ 347).
(2)
في المخطوط (ب): (ويعقوب بن أبي شيبة) والمثبت من (أ) ومن التلخيص وهو الصواب.
(3)
ذكر الحافظ في "التلخيص"(3/ 347).
(4)
في المخطوط (ب): (بوصله) وكذلك في "التلخيص" والمثبت من (أ).
(5)
في "التمهيد"(11/ 308 - الفاروق).
(6)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 347).
(7)
في المصنف رقم (12621).
(8)
بحر بن كُنيز السَّقا. أبو الفضل الباهلي، كان يسقي الحجاج في المفاوز.
قال النسائي والدارقطني: متروك، وعن ابن معين قال: لا يكتب حديثه.
وقال أبو حاتم: ضعيف.
التاريخ الكبير (2/ 128) والمجروحين (1/ 192) والجرح والتعديل (1/ 418) والميزان (1/ 298) والتقريب (1/ 93) والخلاصة (ص 46).
(9)
يحيى بن سلام البصري، حدَّث بالمغرب عن سعيد بن أبي عروبة، ومالك وجماعة. ضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي: يكتب حديثه مع ضعفه، روى عنه بحر بن نصر، وغيره.
الميزان (4/ 380 - 381 رقم الترجمة 9526).
وأما الزيادة التي رواها أحمد
(1)
عن عمر فأخرجها أيضًا النسائي
(2)
والدارقطني
(3)
.
قال الحافظ
(4)
: وإسناده ثقات، وهذا الموقوف على عمر هو الذي حكم البخاري بصحته.
وفي الباب عن قيس بن الحارث أو الحارث بن قيس، وقد تقدم في باب العدد المباح
(5)
للحر، وتقدم الكلام في تحريم الزيادة على الأربع هنالك فليرجع إليه.
وحديث الضحاك
(6)
استدلّ به على تحريم الجمع بين الأختين، ولا أعرف في ذلك خلافًا وهو نصّ القرآن، قال الله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}
(7)
، فإذا أسلم كافر وعنده أختان أجبر على تطليق إحداهما، وفي ترك استفصاله عن المتقدمة منهما من المتأخرة دليل على أنه يحكم لعقود الكفار بالصحة وإن لم توافق الإسلام، فإذا أسلموا أجرينا عليهم في الأنكحة أحكام المسلمين.
وقد ذهب إلى هذا مالك
(8)
والشافعي
(9)
وأحمد
(10)
وداود.
وذهبت العترة
(11)
وأبو حنيفة
(12)
وأبو يوسف والثوري
(13)
والأوزاعي
(14)
والزهري (14) وأحد قولي الشافعي
(15)
إلى أنه لا يقرّ من أنكحة الكفار إلا ما وافق
(1)
في المسند (2/ 14) وقد تقدم.
(2)
لم يعزه صاحب التحفة (5/ 396 - 397) للنسائي.
(3)
في سننه (3/ 271 - 273 رقم 104).
(4)
انظر: "التلخيص"(3/ 348).
(5)
الباب الخامس والعشرون عند الحديث رقم (87/ 2707) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم برقم (2722) من كتابنا هذا.
(7)
سورة النساء، الآية:(23).
(8)
عيون المجالس (3/ 1116 رقم المسألة 782) والمدونة (2/ 219).
(9)
الأم (6/ 129 - 130) ومعرفة السنن والآثار (10/ 147).
(10)
المغني (7/ 10).
(11)
البحر الزخار (3/ 147).
(12)
البناية في شرح الهداية (4/ 774).
(13)
موسوعة فقه سفيان الثوري (ص 783).
(14)
حكاه عنهما القاضي عبد الوهاب في عيون المجالس (3/ 1117).
(15)
قال العمراني في "البيان"(9/ 329): "أنكحةُ أهل الشرك صحيحة، وطلاقُهم واقعٌ. فإذا نكح مشركٌ مشركة وطلَّقَها ثلاثًا .. لم تحِلَّ له إلَّا بعد زوج آخر. ولو نكحَ مسلم ذميَّةً ثم =
الإسلام فيقولون: إذا أسلم الكافر وتحته أختان، وجب عليه إرسال من تأخر عقدها وكذلك إذا كان تحته أكثر من خمس، أمسك من تقدّم العقد عليها منهنّ وأرسل من تأخر عقدها إذا كانت خامسة أو نحو ذلك، وإذا وقع العقد على الأختين أو على أكثر من أربع مَرَّةً واحدةً [بطل، و]
(1)
أمسك من شاء من الأختين، وأرسل من شاء، وأمسك أربعًا من الزوجات، يختارهنّ ويرسل الباقيات.
والظاهر ما قاله الأوّلون لتركه صلى الله عليه وسلم للاستفصال في حديث الضحاك
(2)
وحديث غيلان، ولما في قوله:"اختر أيتهما"، وفي قوله:"اختر أربعًا" من الإطلاق قوله: "قبر أبي رغال" بكسر الراء المهملة بعدها عين معجمة.
قال في القاموس
(3)
: في فصل الراء من باب اللام: وأبو رِغال - ككتاب - في سنن أبي داود
(4)
ودلائل النبوة
(5)
وغيرهما عن [ابن عمر]
(6)
: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال: هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه" الحديث.
وقول الجوهري
(7)
: كان دليلًا للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق غير معتد به، وكذا قول ابن سيده
(8)
: كان عبدًا لشعيب وكان عشارًا جائرًا، انتهى.
= طلقها ثلاثًا، ثم نكحها ذميٌّ ودخل بها طلَّقَها الذمِّيُّ .. حلت للمسلم الذي طلقها بعد انقضاءِ عدَّتها. فيتعلَّقُ بأنكحتهم سائر الأحكام التي تتعلق بأنكحة المسلمين. وبه قال الزهري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله.
وقال مالك رحمة الله عليه: (أنكحة أهلِ الشرك باطلةٌ، فلا يتعلق بها حكم من أحكام النكاح الصحيح). وحكاه أصحابنا الخراسانيون قولًا آخر للشافعي". اهـ.
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(2)
تقدم برقم (2722) من كتابنا هذا.
(3)
القاموس المحيط (ص 1301 - 1302).
(4)
في سننه رقم (3088).
(5)
في "دلائل النبوة" للبيهقي (6/ 297). وهو حديث ضعيف.
(6)
كذا في المخطوط (أ) و (ب) والصواب: (عبد الله بن عمرو) كما عند أبي داود والبيهقي.
(7)
في "الصحاح"(4/ 1711).
(8)
في المحكم والمحيط الأعظم (5/ 493).
قوله: (لتراجعنَّ نساءك) يمكن أن يكون المراد بهذه المراجعة: المراجعة اللغوية، أعني إرجاعهنَّ إلى نكاحه، وعدم الاعتداد بذلك الطلاق الواقع كما ذهب إلى ذلك جماعةٌ من أهل العلم فيمن طلق زوجته أو زوجاته مريدًا لإبطال ميراثهنَّ منه أنه لا يقع الطلاق ولا يصحُّ
(1)
.
(1)
انظر: تفصيل هذه المسألة في "التهذيب في اختصار المدونة"(2/ 362 - 365) وعيون المجالس (3/ 1240 - 1242 رقم المسألة 865).
و"الهداية شرح بداية المبتدي" للمرغيناني (3/ 3 - 4) والبناية في شرح الهداية (5/ 204 - 210) للعيني وروضة الطالبين (8/ 72 - 75) للنووي.
• قال العيني: في هذه المسألة أربعة عشر قولًا:
(الأول): أنه لا يقع طلاقه، وعزاه ابن حزم إلى عثمان رضي الله عنه.
(الثاني): يقع طلاقه وترثه بشرط قيام العدة، وهو قول عمر، وابنه، وابن مسعود، وأُبي بن كعب، وعائشة رضي الله عنهم. وبه قال المغيرة، والنخعي، وابن سيرين، وعروة، والشعبي، وشريح، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وطاوس، والأوزاعي، وابن شبرمة، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، وحماد بن أبي سليمان، والحارث العكلي.
(الثالث): ترثه ما لم تتزوج زوجًا آخر، وإن انقضت عدتها، وهو قول ابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق وأبي عبيد.
(الرابع): ترثه، وإن تزوجت عشرة أزواج، وبه قال مالك رحمه الله، والليث في رواية عنه، وذكره ابن رشيد في الفوائد.
(الخامس): ترثه ويرثها، وبه قال الحسن البصري.
(السادس): إن صح منه ومات من مرض آخر لا ترثه عندنا. وقال الزهري والثوري، والأوزاعي، وزفر، وأحمد، وإسحاق: ترثه إن مات قبل انفضاء عدتها منه، ذكره عنهم ابن حزم في المحلى.
(السابع): ترثه ويرثها إذا كان لها حمل أو قصد المضارة، وهو قول عروة بن الزبير.
(الثامن): ترثه وتنتقل عدتها إلى عدة الوفاة ما لم تنكح، وبه قال الشعبي.
(التاسع): تعتد بأبعد الأجلين من ثلاث حيض أو أربعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد.
(العاشر): ترثه قبل الدخول، وعليها العدة، وهو قول الحسن، وإسحاق، وأبو عبيد.
(الثاني عشر): لو خيّرها فطلقت نفسها ثلاثًا أو اختلعت منه أو حلف بطلاقها على دخول الدار، وهو صحيح عند الحلف، مريض عند الدخول، أو قال: وهو صحيح إن قدم فلان فأنت طالق ثلاثًا ففدم وهو مريض طلقت ثلاثًا لا ترثه عندها. وعند مالك ترثه في الكل.
(الثالث عشر): يجب الصداق لها كاملًا، ولا ميراث لها ولا عدة عليها، وبه قال جابر بن زيد. =
وقد جعل ذلك أئمة الأصول قسمًا من أقسام المناسب
(1)
، وجعلوا هذه الصورة مثالًا له، والمصنف رحمه الله لما فهم أن الرجعة هي الاصطلاحية، أعني الواقعة بعد طلاق رجعي معتدّ به جعل ذلك الطلاق الواقع منه رجعيًا، ثم ذكر أن الرجعية ترث وإن انقضت عدتها فأردف الإشكال بإشكال.
[الباب الثالث] باب الزوجين الكافرين يسلم أحدهما قبل الآخر
3/ 2723 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ على زَوْجِها أبي العاصِ بْنِ الربيعِ بالنِّكاحِ الأولِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
. [صحيح]
وفي لَفْظٍ: رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ على أبي العَاصِ زَوْجِها بِنِكَاحِها الأولِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُحْدِثْ صَدَاقًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(4)
وَأَبُو دَاوُدَ
(5)
وَابْنُ مَاجَهْ
(6)
. [صحيح بدون ذكر السنتين]
= (الرابع عشر): لا ترثه أصلًا قبل الدخول وبعده، وهو قول الظاهرية وأبي ثور، واختاره ابن المنذر في "الإشراف" وهو الجديد للشافعي، وفي القديم الزوج فارٌ، والميراث فيه ثلاثة أقوال: الأول: مثل قولنا. والثاني: مثل قول أحمد. والثالث: مثل قول مالك أبدًا" اهـ. مع العلم أن الحادي عشر لم يذكر في الأصل.
(1)
انظر: إرشاد الفحول بتحقيقي (713 - 724)، المناسبة.
(2)
في المسند (1/ 217).
(3)
في سننه رقم (2240).
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1143) والحاكم (3/ 237، 638 - 639).
والبيهقي (7/ 187) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 256) وعبد الرزاق رقم (12644) والدارقطني (3/ 254) والطبراني في الكبير رقم (11575).
من طرق عن محمد بن إسحاق، به.
وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند الترمذي والحاكم.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(4)
في المسند (1/ 351).
(5)
في سننه رقم (2240).
(6)
في سننه رقم (2009).
قلت: وأخرجه ابن سعد (8/ 33) وابن أبي شيبة (14/ 176) والحاكم (2/ 200) والبيهقي (7/ 187).
وهو حديث صحيح بدون ذكر السنتين. والله أعلم.
وَفِي لَفْظٍ: رَدَّ ابْنَتَهُ زينَبَ على أبي العاصِ، وكانَ إسْلامُها قَبْلَ إسْلَامِهِ بِسِتّ سِنِينَ على النِّكَاحِ الأولِ، وَلَمْ يُحْدِثْ شَهَادَةً وَلَا صَدَاقًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَأَبُو دَاوُدَ
(2)
، وَكَذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ
(3)
وَقَالَ فِيهِ: لَمْ يُحْدِثْ نِكاحًا. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بأسٌ). [صحيح بذكر ست سنين]
4/ 2724 - (وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ردَّ ابْنَتَهُ عَلى أَبِي العاصِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ وَنِكاحٍ جَدِيدٍ
(4)
. قَالَ التِّرْمِذِيُّ
(5)
: فِي إسْنادِه مَقالٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ
(6)
: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رُوِيَ أنّهُ أقَرَّهُمَا عَلى النِّكَاحِ الأوَّلِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ
(7)
: هَذَا حَدِيثٌ لا يَثْبُتُ، وَالصَّوَابُ حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الأوَّلِ). [ضعيف]
5/ 2725 - (وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنّهُ بَلَغَهُ أن ابْنَةَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فأسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ مِنَ
(1)
في المسند (1/ 261).
(2)
في سننه رقم (2240).
(3)
في سننه رقم (1143) وقال: هذا حديث ليس بإسناده بأس، ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث، ولعله قد جاء هذا من قبل داود بن حصين، من قبل حفظه".
وهو حديث صحيح بذكر ست سنين. والله أعلم.
(4)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 207 - 208) والترمذي رقم (1142) وابن ماجه رقم (2010) والدارقطني (3/ 253) والبيهقي (7/ 188).
قال عبد الله بن أحمد: قال أبي في حديث حَجّاج: "رَدَّ زينب ابنته"، قال: هذا حديث ضعيف. أو قال: واهٍ، ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب، إنما سمعه من محمد بن عبيد الله العَرْزمي، والعرزمي: لا يساوي حديثه شيئًا
…
".
وقال الترمذي: هذا حديث في إسناده مقال.
وقال الدارقطني: هذا لا يثبت، وحجاج لا يحتج به
…
وقال الألباني: وهو حديث ضعيف.
(5)
عقب الحديث رقم (1142).
(6)
عقب الحديث (2/ 207 - 208).
(7)
في سننه (3/ 253) رقم (35).
الإِسْلامِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أمانًا وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطّائِفُ وَهُوَ كَافِرٌ وَامْرَأَتُهُ مُسْلِمَةٌ، فَلَمْ يُفَرّق رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُما [حَتَّى]
(1)
أَسْلَمَ صَفْوَانُ، وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ النِّكاحِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ بَيْنَ إسْلَامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إِسْلَامِ زَوْجَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ. مُخْتَصَرٌ مِنَ الْمُوَطَّإِ لِمَالِكٍ)
(2)
. [مرسل ضعيف]
6/ 2726 - (وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أن أُمَّ حَكِيمٍ ابْنَةَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكّةَ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبي جَهْلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتّى قَدِمَ اليَمَنَ، فَارْتَحَلَتْ أمُّ حَكِيمٍ حَتّى قَدِمَتْ على زَوْجِها باليَمَنِ وَدَعَتْهُ إلى الإِسْلَامِ فأسْلَمَ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعَهُ فَثَبَتا على نِكَاحِهِما ذلكَ. قَالَ ابْنُ شِهابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنا أن امْرأةً هاجَرَتْ إلى الله وَإلى رَسُولِهِ وَزَوْجُها كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إلا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، إلا أنْ يَقْدُمَ زَوْجُهَا مُهاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدتُها، وأنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أن امْرَأةً فُرّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إذَا قَدِمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا. رَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوطّإِ)
(3)
. [مرسل ضعيف]
حديث ابن عباس صححه الحاكم
(4)
. وقال الخطابي
(5)
: هو أصحّ من حديث عمرو بن شعيب، وكذا قال البخاري. قال ابن كثير في الإرشاد
(6)
: هو حديث جيد قويّ، وهو من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس، انتهى. إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه، وقد ضعف أمرها عليّ بن المديني وغيره من علماء الحديث، وابن إسحاق فيه مقال معروف.
(1)
في المخطوط (أ): (حين) والمثبت من (ب) والموطأ.
(2)
في الموطأ (2/ 543 - 544 رقم 44) بسند ضعيف لإرساله.
قلت: وأخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 57 - ترتيب) والبيهقي (7/ 186 - 187) وهو مرسل ضعيف. والله أعلم.
(3)
في الموطأ (2/ 544 - 545 رقم 45) بسند ضعيف لإرساله.
وأخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 57 - ترتيب) والبيهقي (7/ 186).
وهو مرسل ضعيف.
(4)
في المستدرك (3/ 237 - 638 - 639).
(5)
في معالم السنن (2/ 676 - مع السنن).
(6)
في "الإرشاد"(2/ 168).
وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضًا ابن ماجه
(1)
، وفي إسناده حجاج بن أرطاة وهو معروف بالتدليس، وأيضًا لم يسمعه من عمرو بن شعيب كما قال أبو عُبيد، وإنما حمله عن العرزمي وهو [ضعيف جدًّا]
(2)
، وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم قد تقدم ذكر بعضهم.
وحديث ابن شهاب الأوّل هو مرسل
(3)
. وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات
(4)
، وحديثه الثاني مرسل
(5)
أيضًا. [وأخرجه]
(6)
ابن سعد في الطبقات
(7)
أيضًا.
وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري
(8)
قال: "كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين، كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتِلُهم ولا يقاتِلونه"، وكان إذا هاجرت المرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حلَّ لها النكاح، وإن جاء زوجها قبل أن تنكح ردّت إليه.
وروى البيهقي
(9)
عن الشافعي عن جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد مثلهم: "أن أبا سفيان أسلم بمرّ الظهران وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة، ومكة يومئذٍ دار حرب وكذلك حكيم بن حزام، ثم أسلمت المرأتان بعد ذلك وأقرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم النكاح".
قوله: (بعد سنتين) وفي الرواية الثانية: "بستِّ سنين"، ووقع في رواية:"بعد ثلاث سنين"، وأشار في الفتح
(10)
إلى الجمع فقال: المراد بالستّ: ما بين هجرة زينب وإسلامه، وبالسنتين أو الثلاث: ما بين نزول قوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ}
(11)
وقدومه مسلمًا، فإنَّ بينهما سنتين وأشهرًا.
(1)
في سننه رقم (2010)، وهو حديث ضعيف.
(2)
في المخطوط (ب): (ضعيف).
(3)
أي مرسل ضعيف كما تقدم.
(4)
في "الطبقات"(8/ 33).
(5)
مرسل ضعيف كما تقدم.
(6)
في المخطوط (ب): (أخرجه).
(7)
في "الطبقات"(8/ 33).
(8)
في صحيحه رقم (5286).
(9)
في السنن الكبرى (7/ 186).
(10)
في "الفتح"(9/ 423).
(11)
سورة الممتحنة، الآية:(10).
قال الترمذي
(1)
في حديث ابن عباس: إنه لا يعرف وجهه، قال الحافظ
(2)
: وأشار بذلك إلى أنَّ ردَّها إليه بعد ست سنين، أو بعد سنتين، أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدَّة هذه المدَّة.
قال
(3)
: ولم يذهب أحدٌ إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدَّتها، وممن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البرّ
(4)
، وأشار إلى أنَّ بعض أهل الظاهر قال بجوازه، وردَّه بالإجماع المذكور.
وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديمًا، فقد أخرجه ابن أبي شيبة
(5)
عن عليّ وإبراهيم النخعي بطرق قوية، وأفتى به حماد شيخ أبي حنيفة.
وأجاب الخطابي
(6)
عن الإشكال: بأنَّ بقاء العدة تلك المدة ممكن وإن لم تجر به عادةٌ في الغالب، ولا سيَّما إنْ كان المدة إنما هي سنتان وأشهر، فإنَّ الحيض قد يبطئ عن ذات الأقراء لعارضٍ.
وبمثل هذا أجاب البيهقي.
قال الحافظ
(7)
: وهو أولى ما يعتمد في ذلك.
وقال السهيلي في شرح السيرة
(8)
: إنَّ حديث عمرو بن شعيب هو الذي عليه العمل، وإنْ كان حديث ابن عباس أصحَّ إسنادًا، لكن لم يقل به أحدٌ من الفقهاء لأنَّ الإسلام قد كان فرَّق بينهما، قال الله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}
(9)
، ومن جمع بين الحديثين قال: معنى حديث ابن عباس ردّها عليه على النكاح الأوّل في الصَّدَاق والحباء ولم يُحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره، انتهى.
وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن عبد البرّ
(10)
.
(1)
في السنن (3/ 448).
(2)
في "الفتح"(9/ 423).
(3)
أي الحافظ في "الفتح"(9/ 423).
(4)
في "التمهيد"(11/ 116).
(5)
في "المصنف"(5/ 91 - 92) وأثر علي صحيح وكذلك أثر إبراهيم النخعي.
(6)
في معالم السنن (2/ 675).
(7)
في الفتح (9/ 423).
(8)
في "الروض الأنف" له (3/ 69).
(9)
سورة الممتحنة، الآية:(10).
(10)
في التمهيد (11/ 114 - 115 - الفاروق).
وقيل: إنَّ زينب لما أسلمت وبقي زوجها على الكفر لم يفرِّق النبي صلى الله عليه وسلم[بينهما]
(1)
؛ إذ لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر، فلما نزل قوله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} الآية، أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تعتدَّ، فوصل أبو العاص مسلمًا قبل انقضاء العدَّة، فقرَّرها النبيّ صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأوّل، فيندفع الإشكال.
قال ابن عبد البر
(2)
: وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول.
وقد صرَّح فيه بوقوع عقد جديد، والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل، ويؤيده مخالفة ابن عباس لما رواه كما حكى ذلك عنه البخاري
(3)
.
قال الحافظ
(4)
: وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة، وحمله على تطاول العدَّة فيما بين نزول آية التحريم، وإسلام أبي العاص، ولا مانع من ذلك.
وأغرب ابن حزم
(5)
فقال: إن قوله: "ردَّها إليه بعد كذا"، مراده: جمع بينهما، وإلا فإسلام أبي العاص كان قبل الحديبية وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك، هكذا زعم.
قال الحافظ
(6)
: وهو مخالف لما أطبق عليه أهل المغازي: أن إسلامه كان بعد نزول آية التحريم.
وقال ابن القيم في "الهدي"
(7)
ما محصله: إنَّ اعتبار العدَّة لم يعرف في شيءٍ من الأحاديث، ولا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا، ولو كان الإسلام بمجرَّده فرقةً لكانت طلقةً بائنةً ولا رجعة فيها، فلا يكون الزوج أحقَّ بها إذا أسلم، وقد دلَّ حكمه صلى الله عليه وسلم: أنَّ النكاح موقوف، فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدَّة فهي زوجته، وإن انقضت عدَّتها فلها أن تنكح من شاءت، إن أحبَّت انتظرته، وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح.
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).
(2)
في التمهيد (11/ 116).
(3)
في صحيحه (9/ 420 رقم الباب (20) - مع الفتح) معلقًا.
(4)
في "الفتح"(9/ 434).
(5)
في المحلى (7/ 315).
(6)
في "الفتح"(9/ 424).
(7)
في زاد المعاد (5/ 125).
قال
(1)
: ولا نعلم أحدًا جدَّد بعد الإسلام نكاحه البتَّةَ، بل كان الواقع أحد الأمرين: إما افتراقهما ونكاحها غيره، وإما بقاؤهما على النكاح الأوَّل إذا أسلم الزوج، وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدَّة، فلم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بواحدٍ منهما مع كثرة من أسلم في عهده، وهذا كلامٌ في غاية الحسن والمتانة.
قال
(2)
: وهذا اختيار الخلَّال، وأبي بكر صاحبه، وابن المنذر
(3)
، وابن حزم
(4)
وهو مذهب الحسن
(5)
وطاوس
(6)
وعكرمة
(7)
وقتادة
(8)
والحكم
(9)
.
قال ابن حزم
(10)
: وهو قول عمر بن الخطاب
(11)
وجابر بن عبد الله وابن عباس، ثم عدّ آخرين.
وقد ذهب إلى أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها لم تخطب حتى تحيض
(1)
أي: ابن القيم في زاد المعاد (5/ 125).
(2)
أي: ابن القيم في زاد المعاد (5/ 126).
(3)
حكاه ابن قدامة عنه في "المغني"(10/ 8).
(4)
في المحلى (7/ 312).
(5)
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 91) و (5/ 92) آثارًا عن الحسن البصري بأسانيد صحيحة.
(6)
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 90) عن عطاء، وطاوس، ومجاهد في نصراني تكون تحته نصرانية فتسلم، قالوا:"إن أسلم معها فهي امرأته، وإن لم يسلم فُرِّق بينهما".
(7)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 92): "
…
وقال عكرمة: إذا كان الرجل وامرأته مشركين فأسلمت، وأبى أن يُسلم، بانت منه بواحدة".
وهو أثر صحيح.
(8)
أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(8/ 32): عن سعيد بن أبي عروبة: قال قتادة، فإذا أسلمت المرأة قبل زوجها فلا سبيل له عليها إلا بخِطبة، وإسلامُها تطليقةٌ بائنة.
وهو أثر صحيح.
(9)
أخرج أثره ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 91).
وهو أثر صحيح.
(10)
في المحلى (7/ 312).
(11)
أخرج عبد الرزاق في المصنف رقم (10083) و (12660) عن عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: أسلمت امرأة من أهل الحيرة ولم يُسلم زوجُها، فكتب إليها عمر بن الخطاب: أن خيِّروها، فإن شاءت فارقتهُ وإن شاءت قرَّتْ عنده".
وهو أثر صحيح.
وتطهر: ابنُ عباس، وعطاء، وطاوس، والثوري، وفقهاء الكوفة، ووافقهم أبو ثور، واختاره ابن المنذر، وإليه جنح البخاريُّ
(1)
، وشرط أهل الكوفة ومن وافقهم أن يُعرض على زوجها الإسلام في تلك المدَّة، فيمتنع إن كانا معًا في دار الإسلام.
وقد روي عن أحمد
(2)
أن الفرقة تقع بمجرّد الإسلام من غير توقف على مضيّ العدّة كسائر أسباب الفرقة من رضاع أو خلع أو طلاق.
وقال في البحر
(3)
: مسألة: إذا أسلم أحدهما دون الآخر انفسخ النكاح إجماعًا، ثم قال بعد ذلك: مسألة: المذهب والشافعي
(4)
ومالك
(5)
وأبو يوسف: والفرقة بإسلام أحدهما فسخ لا طلاق، إذ العلة: اختلاف الدين، كالردّة. وقال أبو العباس
(6)
وأبو حنيفة
(7)
ومحمد: بل طلاق، حيث أسلمت وأبى الزوج، إذ امتناعه كالطلاق. قلنا: بل كالرِّدَّة اهـ.
قوله: (وكان إسلامها
…
إلخ) المراد بإسلامها هنا: هجرتها، وإلا فهي لم تزل مسلمة منذ بعثه الله تعالى كسائر بناته صلى الله عليه وسلم، وكانت هجرتها بعد بدرٍ بقليل وبدرٌ في رمضان من السنة الثانية، وتحريم المسلمات على الكفار في الحديبية سنة ستٍّ في ذي القعدة، فيكون مكثها بعد ذلك نحوًا من سنتين، هكذا قيل، وفيه بعض مخالفة لما تقدّم.
[الباب الرابع] باب المرأة تسبى وزوجها بدار الشرك
7/ 2727 - (عَنْ أبي سَعِيدٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إلى أوطاسٍ فَلَقِيَ عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وأصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا، فَكَأن ناسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ،
(1)
حكاه عنهم ابن قدامة في "المغني"(10/ 8).
(2)
المغني (10/ 8).
(3)
البحر الزخار (3/ 72).
(4)
البيان للعمراني (9/ 332)
(5)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 532).
(6)
انظر: البحر الزخار (3/ 72).
(7)
حاشية ابن عابدين (4/ 135).
فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى في ذلكَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
(1)
؛ أَيْ: فَهُنَّ لَكُمْ حَلالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتَهُنَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(2)
وَالنَّسَائِيُّ
(3)
وَأَبُو دَاوُدَ
(4)
، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ
(5)
وَلَيْسَ عِنْدَهُ الزّيَادَةُ فِي آخِرِهِ بَعْدَ الْآيَةِ، وَالتّرْمِذِيُّ
(6)
مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ: أَصَبْنا سَبايا يَوْمَ أَوْطاسٍ لَهُنَّ أزْوَاج فِي قَوْمِهِنَّ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (1). [صحيح]
8/ 2728 - (وَعَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ وَطْءَ السّبايا حَتّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(7)
، وَالتِّرْمِذِيُّ
(8)
، وَهُوَ عَامّ فِي ذَوَاتِ الأزْوَاجِ وَغَيْرِهِنَّ). [صحيح بشواهده]
حديث العرباض [رجال إسناده ثقات]
(9)
.
وقد أخرج الترمذي
(10)
نحوه من حديث رويفع بن ثابت: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره" وحسنه الترمذي. وأخرجه أيضًا أبو داود
(11)
، وسيأتي في باب استبراء الأمة إذا ملكت من كتاب العدّة
(12)
.
(1)
سورة النساء، الآية:(24).
(2)
في صحيحه رقم (33/ 1456).
(3)
في سننه رقم (3333).
(4)
في سننه رقم (2155).
(5)
في المسند (3/ 84).
(6)
في سننه رقم (1132) وقال: هذا حديث حسن.
والخلاصة: أن الحديث صحيح.
(7)
في المسند (4/ 127).
(8)
في سننه رقم (1564) وقال: حديث غريب.
قلت: وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 648، 650، 651) وفي الأوسط رقم (2422).
وهو حديث صحيح بشواهده.
(9)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(10)
في سننه رقم (1131) وقال: هذا حديث حسن.
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2158) و (2159) والدارمي رقم (2531) والطبراني في الكبير رقم (4482) والبيهقي (7/ 449) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2194) وسعيد بن منصور رقم (2722) وغيرهم.
وهو حديث حسن، والله أعلم.
(11)
في سننه رقم (2158) و (2159) وقد تقدم.
(12)
في الكتاب الخامس والثلاثون، الباب الثامن عند الحديث رقم (28/ 2955) من كتابنا هذا.
ولأبي داود
(1)
من حديث: "لا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها".
وسيأتي أيضًا في ذلك الباب من حديث أبي سعيد
(2)
في سبي أوطاس بلفظ: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة".
وسيأتي أيضًا هنالك من حديث أبي الدرداء
(3)
المنع من وطء الحامل.
والكلام على هذه الأحاديث يأتي هنالك مستوفى إن شاء الله تعالى، وإنما ذكر المصنف رحمه الله ما ذكره في هذا الباب للاستدلال به على أن السبايا حلال من غير فرق بين ذوات الأزواج وغيرهنّ، وذلك مما لا خلاف فيه فيما أعلم، ولكن بعد مضيّ العدّة المعتبرة شرعًا.
قال الزمخشري
(4)
في تفسير الآية المذكورة: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} : يريد: ما ملكت أيمانكم من اللاتي سبين ولهن أزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين وإن كنّ محصنات.
وفي معناه قول الفرزدق
(5)
:
وَذاتِ حليلٍ أَنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا
…
حَلَالٌ لِمَنْ يَبْنِي بِهَا لم تُطَلَّقِ
* * *
(1)
في سننه رقم (2158) و (2159) وقد تقدم.
(2)
برقم (25/ 2952) من كتابنا هذا.
(3)
يأتي برقم (26/ 2953) من كتابنا هذا.
(4)
في كتابه "الكشاف"(2/ 56).
(5)
أنشده الفرزدق في مجلس الحسن البصري حين سئل عن سبي المرأة والتسري بها ولها حليل، فقال: كنت أراك أشعر، فإذا أنت أفقه. أي ورب صاحبة حليل تسببت الرماح في تزويجها، فإسناد الإنكاح إلى الرماح مجاز عقلي. حلال: خبر ذات حليل، والبناء عليها: كناية عن الدخول بها، لأن الزوج يبني لها بيتًا عند الدخول عادة. لم تطلق: جملة حالية من ضمير بها.
ديوان الفرزدق (ص 380).
الدر المصون (3/ 647).
[ثالثًا][أبواب]
(1)
الصداق
[الباب الأول] باب جواز التزويج على القليل والكثير واستحباب القصد فيه
1/ 2729 - (عَنْ عامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: أنَّ امْرَأةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوّجَتْ عَلى نَعْلَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟ "، قَالَتْ: نَعَمْ، فأجازَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
وَابْنُ مَاجَهْ
(3)
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)
(4)
. [ضعيف]
2/ 2730 - (وَعَنْ جَابِرٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى امْرَأةً صَدَاقًا مِلْءَ يَدَيْهِ طَعامًا كانَتْ لَهُ حَلالًا"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
وَأَبُو دَاوُدَ بِمَعْنَاهُ)
(6)
. [ضعيف]
3/ 2731 - (وَعَنْ أنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى عَلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ
(1)
في المخطوط (أ، ب): كتاب وأبدلته إلى أبواب لضرورة التبويب.
(2)
في المسند (3/ 445).
(3)
في سننه رقم (1888).
(4)
في سننه رقم (1113) وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 186 - 187) وأبو يعلى رقم (7197) وابن عدي في الكامل (5/ 1868) والبيهقي (7/ 238 - 239) وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 424): "سألت أبي عن عاصم بن عبيد الله، فقال: منكر الحديث. يقال: إنه ليس له حديث يعتمد عليه. قلت: ما أنكروا عليه؟ قال: روى عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه أن رجلًا تزوج امرأة على نعلين، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم. وهو منكر.
وكذلك ضعف الألباني الحديث في الإرواء (6/ 346 رقم 1926).
(5)
في المسند (3/ 355).
(6)
في السنن رقم (2110).
قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 243) والبيهقي (7/ 238).
إسناده ضعيف، لضعف صالح بن مسلم بن رومان.
قال الآجري: قال أبو داود: أخطأ يزيد بن هارون، فقال: موسى بن رومان. قلت: بل الصواب: صالح بن مسلم بن رومان.
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
صُفْرَةٍ، فَقَالَ:"مَا هَذَا؟ "، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرأةً على وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ:"بَارَكَ الله لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ"، رَوَاهُ الجَمَاعَةُ
(1)
وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبُو دَاوُدَ: بَارَكَ الله لَكَ). [صحيح]
حديث عامر بن ربيعة قال الحافظ في "بلوغ المرام"
(2)
بعد أن حكى تصحيح الترمذي له: إنه خولف في ذلك. وحديث جابر في إسناده موسى بن مسلم وهو ضعيف، هكذا في مختصر المنذري
(3)
.
وقال في التلخيص
(4)
: في إسناده مسلم
(5)
بن رومان وهو ضعيف، انتهى.
قال أبو داود
(6)
: إن بعضهم رواه موقوفًا. قال: ورواه أبو عاصم عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر قال: "كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام" على معنى المتعة، قال: ورواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر على معنى أبي عاصم وهذا الذي ذكره أبو داود معلقًا، قد أخرجه مسلم في صحيحه
(7)
من حديث ابن جريج عن أبي الزبير قال: "سمعت جابرًا يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قال أبو بكر البيهقي
(8)
: وهذا وإن كان في نكاح المتعة ونكاح المتعة صار منسوخًا، فإنما نسخ منه شرط الأجل، فأما ما يجعلونه صداقًا فإنه لم يرد فيه نسخ.
قوله: (وزن نواةٍ من ذهب) في روايات للبخاريِّ: "نواةٍ من ذهبٍ" ورجَّحها الداودي
(9)
واستنكر رواية من روى وزن نواةٍ.
(1)
أحمد في المسند (3/ 165) والبخاري رقم (5153) ومسلم رقم (79/ 1437) وأبو داود رقم (2109) والترمذي رقم (1094 والنسائي رقم (3351) وابن ماجه رقم (1907).
وهو حديث صحيح.
(2)
رقم الحديث (7/ 974) بتحقيقي.
(3)
في المختصر (3/ 48).
(4)
في "التلخيص"(3/ 386).
(5)
في هامش المخطوط (ب): "في الميزان، والخلاصة: موسى بن مسلم بن رومان، ويقال: صالح. وقد ينسب إلى جده.
(6)
في السنن (2/ 585).
(7)
في صحيحه رقم (16/ 1405).
(8)
في السنن الكبرى (7/ 238).
(9)
حكاه عنه الحافظ في الفتح (9/ 234).
قال الحافظ
(1)
: واستنكاره المنكرُ؛ لأنَّ الذين جزموا بذلك أئمةٌ حفاظٌ.
قال عياض
(2)
: لا وهم في الرواية لأنها إن كانت نواة تمر أو غيره، أو كان للنواة قدرٌ معلومٌ صحَّ أن يقال في كل ذلك: وزن نواة، واختلف في المراد بقوله: نواة.
فقيل: المراد: واحدة نوى التَّمر، وأنَّ القيمة عنها يومئذٍ كانت خمسة دراهم.
وقيل: كان قدرها يومئذٍ ربعَ دينارٍ.
وردَّ بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارًا لما يوزن به.
وقيل: لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الوَرِق، وجزم به الخطابي
(3)
واختاره الأزهري
(4)
ونقله عياض
(5)
عن أكثر العلماء.
ويؤيِّده أن في روايةٍ للبيهقيِّ: وزن نواةٍ من ذهب قوّمت خمسةَ دراهم.
وقيل: وزنها من الذهب خمسة دراهم، حكاه ابن قتيبة
(6)
وجزم به ابن فارس
(7)
وجعله البيضاوي
(8)
الظاهر.
ووقع في روايةٍ للبيهقيِّ: قوِّمت ثلاثة دراهم وثلثًا، وإسناده ضعيف، ولكن جزم به أحمد، وقيل: ثلاثة ونصف، وقيل: ثلاثة وربع.
وعن بعض المالكية
(9)
: النواة عند أهل المدينة ربع دينار، ووقع في رواية للطبراني: قال أنس: حزّرناها ربع دينار.
وقال الشافعي: النَّواةُ: رُبُعُ النَّشِّ، والنَّشُّ: نِصفُ أُوقيَّةٍ، والأوقيَّةُ: أربعونَ دِرْهَمًا فتكونُ خمسةَ دراهمَ.
(1)
في "الفتح"(9/ 234).
(2)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 587).
(3)
معالم السنن (2/ 584 - مع السنن).
(4)
في تهذيب اللغة له (15/ 557).
(5)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 587).
(6)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 234).
(7)
في مقاييس اللغة (ص 966).
(8)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 234).
(9)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 587).
وكذا قال أبو عُبيدٍ
(1)
: إن عبدَ الرحمن دفعَ خمسةَ دراهمَ وهي تسمى نواة كما تسمَّى الأربعون: أوقيةً، وبه جزم أبو عوانة وآخرون.
والأحاديث المذكورة تدلّ على أنه يجوز أن يكون المهر شيئًا حقيرًا؛ كالنعلين والمدّ من الطعام ووزن نواة من ذهب.
قال القاضي عياض
(2)
: الإجماع على أن مثل الشيء الذي لا يتموّل ولا له قيمة لا يكون صداقًا ولا يحلّ به النكاح، فإن ثبت نقله فقد خرق هذا الإجماع أبو محمد بن حزم
(3)
فقال: يجوز بكل شيء ولو كان حبة من شعير. ويؤيد ما ذهب إليه الكافة قوله صلى الله عليه وسلم: "التمس ولو خاتمًا من حديد"
(4)
، كما سيأتي لأنه أورده مورد التقليل بالنسبة لما فوقه، ولا شكّ أن الخاتم من الحديد له قيمة وهو أعلى خطرًا من النواة وحبة من الشعير.
وكذلك حكى في البحر
(5)
الإجماع على أنه لا يصحّ تسمية ما لا قيمة له.
قال الحافظ
(6)
: وقد وردت أحاديث في أقلّ الصداق، لا يثبت منها شيء، وذكر منها حديث عامر بن ربيعة
(7)
وحديث جابر
(8)
المذكورين في الباب، وحديث [أبي لبيبة]
(9)
مرفوعًا عند ابن أبي شيبة
(10)
: "من استحلّ بدرهم في النكاح فقد استحلّ".
وحديثَ أبي سعيد عند الدارقطني
(11)
في أثناء حديث في المهر: "ولو على
(1)
حكاه عنه الأزهري في تهذيب اللغة (15/ 557).
(2)
في إكمال المعلم (4/ 579).
(3)
في المحلى (9/ 494).
(4)
يأتي برقم (2738) من حديث سهل بن سعد من كتابنا هذا.
(5)
البحر الزخار (3/ 102 - 103).
(6)
في "الفتح"(9/ 211).
(7)
تقدم برقم (2729) من كتابنا هذا.
(8)
تقدم برقم (2730) من كتابنا هذا.
(9)
كذا في (أ) و (ب) والصواب: (ابن أبي لبيد) كما في المصنف لابن أبي شيبة (4/ 186) وتهذيب التهذيب (2/ 410 - 411).
(10)
في المصنف (4/ 186).
(11)
لم أقف عليه عند الدارقطني من حديث أبي سعيد؛ بل أخرجه الدارقطني (3/ 244 رقم 10) من حديث ابن عباس.
قال الآبادي في "التعليق المغني": الحديث أخرجه البيهقي (7/ 239) أيضًا وهو معلول =
سواك من أراك"، قال: وأقوى شيء في ذلك حديث جابر عند مسلم
(1)
: "كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ثم ذكر كلام البيهقي الذي قدمناه.
وقد اختلف في أقلّ المهر، فحكَى في البحر
(2)
عن العترة جميعًا وأبي حنيفة
(3)
وأصحابه أن أقله عشرة دراهم أو ما يوازيها.
واستدلوا بما أخرجه الدارقطنيُّ
(4)
من حديث جابر بلفظ: "لا مهر أقلُّ من عشرة دراهم"[وهذا]
(5)
لو صحّ لكان معارضًا لما تقدم من الأحاديث الدالة على أنه يصحّ أن يكون المهر دونها ولكنه لم يصحّ فإن في إسناده مبشر بن عبيد
(6)
، وحجاج بن أرطاة
(7)
، وهما ضعيفان، وقد اشتهر حجاج بالتدليس، ومبشر متروك
= بمحمد بن عبد الرحمن، قال ابن القطان: قال البخاري: منكر الحديث، ورواه أبو داود في "المراسيل" رقم (215) عن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، قال ابن القطان: ومع إرساله فيه عبد الرحمن أبو محمد لم تثبت عدالته، وهو ظاهر الضعف. انتهى. قاله الزيلعي - في "نصب الراية" (3/ 200) - وقال الحافظ في "التلخيص" (3/ 386): إسناده ضعيف جدًّا، فإنه من رواية محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عباس، واختلف فيه، فقيل: عنه عن ابن عمر أخرجه الدارقطني أيضًا. والطبراني رقم (12990)، ورواه أبو داود في "المراسيل" من طريق عبد الملك بن المغيرة الطائفي، عن عبد الرحمن بن البيلماني مرسلًا، حكى عبد الحق: أن المرسل أصح.
(1)
في صحيحه رقم (16/ 1405).
(2)
البحر الزخار (3/ 99).
(3)
البناية في شرح الهداية (4/ 647).
(4)
في سننه (3/ 254 رقم 12) بسند ضعيف جدًّا.
(5)
في المخطوط (ب): (وهو).
(6)
مُبَشّر بن عبيد القرشي، الحمصي، أبو حفص: قال أحمد: كوفي كان بحمص روى عنه بقية وأبو المغيرة أحاديث كذب.
وقال الذهبي في المغني: قال أحمد: كان يضع الحديث.
العلل رواية عبد الله (2639)، (2696) والجرح والتعديل (4/ 1/ 343) والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 235) والمغني (2/ 541) والمجروحين (3/ 30).
(7)
حجاج بن أرطأة، كوفي، ليس بالقوي، قاله ابن معين. وقال الدارقطني وغيره: لا يحتج به. وقال البخاري: متروك الحديث لا نقر به.
التاريخ الكبير (2/ 378) والمجروحين (1/ 225) والجرح والتعديل (3/ 154) والميزان (1/ 458) والتقريب (1/ 152) والخلاصة (ص 72).
كما قال الدارقطني
(1)
وغيره. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أحمد: روى عنه بقية أحاديث كذب.
وقد روى الحديث البيهقي
(2)
من طرق منها عن عليّ، وفي إسناده داود الأودي، وهذا الاسم يطلق على اثنين أحدهما: داود بن زيد وهو ضعيف بلا خلاف، والثاني داود بن عبد الله، وقد وثقه أحمد، واختلفت الرواية فيه عن يحيى بن معين.
ومنها عن جابر قال البيهقي
(3)
بعد إخراجه: هو حديث ضعيف بمرّة.
وروي أيضًا عن عليّ من طريق فيها أبو خالد الواسطي
(4)
.
فهذه طرق ضعيفة لا تقوم بها حجة.
وعلى فرض أنها يقوّي بعضها بعضًا فهي لا تبلغ بذلك إلى حدّ الاعتبار لا سيَّما وقد عارضها ما في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة مثل حديث الخاتم الذي سيأتي
(5)
، وحديث نواة الذهب
(6)
، وسائر الأحاديث التي قدمناها.
وحكى في البحر
(7)
أيضًا عن عمر وابن عباس والحسن البصري، وابن المسيّب، وربيعة، والأوزاعي، والثوري، وأحمد
(8)
وإسحاق والشافعي
(9)
أن أقله ما يصحّ ثمنًا أو أجرة، وهذا مذهب راجح.
(1)
في "الضعفاء والمتروكين" رقم (500).
(2)
في السنن الكبرى (7/ 240).
(3)
في السنن الكبرى (7/ 240) وهو حديث ضعيف.
(4)
أبو خالد الواسطي، عمرو بن خالد القرشي الواسطي، عن زيد بن علي عن آبائه، كذبه أحمد والدارقطني، وقال وكيع:"كان في جوارنا يضع الحديث، ثم تحول إلى واسط".
المغني (2/ 483 رقم 4649) والضعفاء للدارقطني رقم (1274).
والمجروحين (2/ 76) والميزان (3/ 258) والجرح والتعديل (3/ 1/ 230) والتاريخ الكبير (3/ 328/2).
(5)
برقم (2738) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم برقم (2731) من كتابنا هذا.
(7)
البحر الزخار (3/ 99).
وانظر: المغني (10/ 99) والبيان للعمراني (9/ 369).
(8)
المغني (10/ 99).
(9)
البيان للعمراني (9/ 369).
وقال سعيد بن جبير
(1)
: أقله خمسون درهمًا.
وقال النخعي
(2)
: أربعون.
وقال ابن شبرمة
(3)
: خمسة دراهم.
وقال مالك
(4)
: ربع دينار، وليس على هذه الأربعة الأقوال دليل يدلّ على أن الأقلّ هو أحدها لا دونه.
ومجرّد موافقة مهر من المهور الواقعة في عصر النبوّة لواحد منها كحديث النواة من الذهب فإنه موافق لقول ابن شبرمة ولقول مالك، على حسب الاختلاف في تفسيرها، لا يدلّ على أنه المقدار الذي لا يجزئ دونه إلا مع التصريح بأنه لا يجزئ دون ذلك المقدار ولا تصريح.
فلاح من هذا التقرير أن كل ما له قيمة صحّ أن يكون مهرًا
(5)
.
وسيأتي في "باب جعل تعليم القرآن صداقًا"
(6)
زيادة تحقيق للمقام.
4/ 2732 - (وَعَنْ عائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ أعْظَمَ النِّكاحِ بَرَكَةً أيْسَرُهُ مَؤُونَةً"، رَوَاهُ أَحْمَدُ)
(7)
. [إسناده ضعيف]
(1)
انظر: المحلى (9/ 91) وتكملة المجموع (16/ 326).
(2)
في موسوعة فقه إبراهيم النخعي (2/ 896) وانظر: المحلى (9/ 506).
(3)
انظر: تكملة المجموع (16/ 326).
(4)
عيون المجالس (3/ 1137) والمدونة (2/ 173).
(5)
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(32/ 195): "ومن كان له يسار ووجد فاحب أن يعطي امرأته صداقًا كثيرًا فلا بأس بذلك كما قال تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]، أما من يشغل ذمته بصداق لا يريد أن يؤديه أو يعجز عن وفائه فهنما مكروه كما تقدم. وكذلك من جعل في ذمته صداقًا كثيرًا من غير وفاءٍ له فهذا ليس بمسنون"، والله أعلم.
(6)
الباب الثاني عند الحديث رقم (2738) من كتابنا هذا.
(7)
في المسند (6/ 145).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 189) والنسائي في الكبرى رقم (9274 - العلمية) والخطيب في الموضح (1/ 297) وأبو نعيم في الحلية (2/ 186) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 235).
إسناده ضعيف. =
5/ 2733 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: كانَ صَدَاقُنَا إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَشْرَ أوَاقِي. رَوَاهُ النَّسائيُّ
(1)
وأحْمَدُ
(2)
، وَزَادَ: وَطَبّقَ بِيَدَيْهِ وَذَلِكَ أَرْبَعمائَةٍ). [صحيح]
6/ 2734 - (وَعَنْ أبي سَلَمَةَ قَالَ: سألْتُ عَائِشَةَ: كَمْ كانَ صَدَاقُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: كانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَوْقِيَّةً وَنَشّ، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُ؟ قُلْتُ: لا، قالَتْ: نِصْفُ أوقِيَّةٍ فتلك خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ)
(3)
. [صحيح]
7/ 2735 - (وَعَنْ أبي العَجْفاءِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: لا تَغْلُو صُدُقَ النِّساءِ فإنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيا أَوْ تَقْوَى فِي الآخِرَةِ كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ما أصْدَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلا أُصْدِقَتِ امْرأةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ أوقِيّةً. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ)
(4)
. [صحيح]
= ويغني عنه ما أخرجه أحمد في المسند (6/ 77) والبزار (رقم 1417 - كشف).
والطبراني في الأوسط رقم (3612) والصغير رقم (469 - الروض الداني).
وأبو نعيم في الحلية (3/ 163) و (8/ 180) والبيهقي (7/ 235).
عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ من يُمن المرأة تسِمير خطبتها، وتيسير صداقِها، وتيسير رحمها".
إسناده حسن.
(1)
في سننه رقم (3348).
(2)
في المسند (2/ 367).
قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (717) وابن حبان رقم (4097) والدارقطني (3/ 222) والحاكم (2/ 175) وأبو نعيم في الحلية (9/ 21) والبيهقي (7/ 235) وعبد الرزاق رقم (10406).
وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح.
(3)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 94) ومسلم رقم (78/ 1426) وأبو داود رقم (2105) والنسائي رقم (3348) وابن ماجه رقم (1886).
وهو حديث صحيح.
(4)
أخرجه أحمد في المسند (1/ 40، 41) وأبو داود رقم (2106) والترمذي رقم (1114) والنسائي رقم (3349) وابن ماجه رقم (1887).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1259 - موارد) والدارمي (2/ 141) والحاكم (2/ 175) =
8/ 2736 - (وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلى النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إني تَزَوَّجْتُ امْرأةً مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ نَظَرتَ إِلَيْهَا فإنَّ فِي عُيُونِ الأنْصَارِ شَيْئًا؟ "، قَالَ: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا، قَالَ: "عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتهَا؟ "، قَالَ: على أرْبَعِ أوَاقٍ، فَقَالَ لَهُ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "على أرْبَعِ أوَاقٍ كَأنَّمَا تَنْحِتُونَ الفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الجَبَلِ، ما عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنْ عَسَى أنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ"، قالَ: فَبَعَثَ بَعْثًا إلى بَنِي عَبْسٍ، بَعَثَ ذلكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
(1)
[صحيح]
9/ 2737 - (وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمّ حَبِيبَةَ: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَها وَهِيَ بأرْضِ الحَبَشَةِ، زَوَّجَها النّجاشِيُّ وأمْهَرَها أرْبَعَةَ آلافٍ وَجَهّزَها مِنْ عِنْدِهِ وَبَعَثَ بِها مَعَ شَرْحَبِيلَ بْنِ حَسْنَةَ وَلَمْ يَبْعَثْ إِلَيْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِشَيءٍ وَكَانَ مَهْرُ نِسائِهِ أرْبَعَمائة دِرْهَمٍ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وَالنَسائيُّ)
(3)
. [صحيح]
حديث عائشة الأوّل أخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط
(4)
بلفظ: "أخفّ النساء صداقًا أعظمهنّ بركة"، وفي إسناده الحارث بن شبل
(5)
، وهو ضعيف.
= والبيهقي (7/ 234) والحميدي رقم (23) من طرق.
وهو حديث صحيح. انظر: الإرواء رقم (1927).
(1)
في صحيحه رقم (75/ 1424).
وهو حديث صحيح.
(2)
في المسند (6/ 427).
(3)
في سننه رقم (3350) وفي السنن الكبرى رقم (5512 - العلمية).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2107) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (5061) والطبراني في الكبير (ج 23 رقم 402) والدارقطني (3/ 246) والحاكم (2/ 181) والبيهقي (7/ 139، 232) وفي الدلائل (3/ 460).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح.
(4)
رقم (9451) بسند ضعيف جدًّا.
(5)
الحارث بن شبل، بصري، عن أم النعمان، مقلّ، وليست بمعروفة قال يحيى بن معين في تاريخه (4/ 281): لا يكتب حديثه. وقال البخاري: منكر الحديث .. الميزان (1/ 434) والجرح والتعديل (1/ 2/ 77) والتاريخ الكبير (1/ 2/ 170) واللسان (2/ 152).
وأخرجه أيضًا الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه
(1)
.
وأخرج نحوه أبو داود
(2)
والحاكم
(3)
وصححه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُ الصَّدَاقِ أيسَرُهُ"، [وحديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات]
(4)
.
وحديثُ أبي العجفاء: صححه أيضًا ابن حبان
(5)
والحاكم
(6)
. وأبو العجفاء
(7)
اسمه هرمز بن نسيب. قال يحيى بن معين: بصري ثقة. وقال البخاري: في حديثه نظر. وقال أبو أحمد: الكرابيسي: حديثه ليس بالقائم.
وحديث أمّ حبيبة أخرجه أيضًا أبو داود
(8)
بلفظ: "إنه زوّجها النجاشي النبيّ صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة".
وأخرج أبو داود
(9)
أيضًا عن الزهري مرسلًا: "أن النجاشي زوّج أمّ حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق أربعة آلاف درهم، وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقيل: بمائتي دينار.
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (3612) وفي الصغير رقم (469 - الروض الداني).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 281) وقال: "رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفي إسناده أسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وقد وثق، وبقية رجال أحمد ثقات". اهـ.
فالإسناد حسن وقد تقدم.
(2)
في سننه رقم (2117).
(3)
في المستدرك (2/ 182) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح.
(4)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(5)
في صحيحه رقم (1259 - موارد) وقد تقدم.
(6)
في المستدرك (2/ 175) وقد تقدم.
(7)
أبو العجفاء السلمي البصري، عن عمر، قيل اسمهُ: هَرِمُ بن نسيب، وقيل بالعكس، وقيل: بالصاد بدل السين المهملتين.
وثقه يحيى بن معين، وابن حبان.
(الثقات لابن حبان (5/ 514) وتهذيب الكمال للمزي (34/ 78 رقم الترجمة 7510) والميزان (4/ 550) و "لسان الميزان"(9/ 408 - إحياء التراث).
(8)
في سننه رقم (2107) وهو حديث صحيح.
(9)
في سننه رقم (2108) وهو حديث ضعيف.
قوله: (أيسره مؤونة)، فيه دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر، وأن الزواج بمهرٍ قليلٍ مندوبٌ إليه؛ لأن المهر إذا كان قليلًا لم يستصعب النكاحَ من يريده، فيكثر الزواج المرغب فيه، ويقدر عليه الفقراء، ويكثر النسل الذي هو أهمُّ مطالب النكاح، بخلاف ما إذا كان المهر كثيرًا فإنه لا يتمكن منه إلا أرباب الأموال، فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في الغالب غير مزوّجين فلا تحصل المكاثرة التي أرشد إليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم[كما سلف]
(1)
في أوَّل النِّكاح.
قوله: (وذلك أربعمائة) أي درهم، لأن الأوقية كانت قديمًا عبارة عن أربعين درهمًا كما صرّح به صاحب النهاية
(2)
.
قوله: (كان صداقه لأزواجه
…
إلخ)، ظاهره: أن زوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم كلَّهنَّ كان صداقهنَّ ذلك المقدار، وليس الأمر كذلك وإنما هو محمولٌ على الأكثر، فإن أمَّ حبيبة أصدقها النجاشيُّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم المتقدِّم.
وقال ابن إسحاق عن أبي جعفر: "أصدقها أربعمائة دينار"، أخرجه ابن أبي شيبة
(3)
من طريقه.
وأخرج الطبراني
(4)
عن أنس أنه أصدقها مائتي دينار، وإسناده ضعيف، وصفيةُ كان عتقها صداقها، وخديجة وجويرية لم يكونا كذلك كما قال الحافظ
(5)
.
قوله: (ونَشٌّ) بفتح النون بعدها شينٌ معجمةٌ، وقع مرفوعًا في هذا الكتاب. والصواب: ونشًّا، بالنصب مع وجود لفظ: كان، كما في غير هذا الكتاب، أو الرفع مع عدمها كما في رواية أبي داود.
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(2)
النهاية (2/ 874).
(3)
في المصنف (4/ 190).
(4)
في الأوسط رقم (1650).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 282) وقال: "رواه بإسنادين في أحدهما إسماعيل بن علي الأنصاري عن رواد بن الجراح، ورواد فيه ضعف، وقد وثقه جماعة، وإسماعيل لم أعرفه، وبقية رجال هذا ثقات. والإسناد الآخر ضعيف". اهـ.
(5)
في "التلخيص"(3/ 387).
قوله: (لا تغلوا صُدُقَ النِّساءِ
…
إلخ) ظاهر النهي التحريم.
وقد أخرج عبد الرزاق
(1)
عن عمر أنه قال: "لا تغالوا في مهر النساء، فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر، إن الله تعالى يقول:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} من ذهب كما في قراءة ابن مسعود
(2)
، فقال عمر: امرأة خاصمت عمر فخصمته".
وأخرجه الزبير بن بكار
(3)
بلفظ: "امرأة أصابت ورجل أخطأ".
وأخرجه أبو يعلى
(4)
مطولًا.
(1)
في المصنف رقم (10420) إسناده ضعيف وفيه علتان:
(الأولى): الانقطاع فإن أبا عبد الرحمن السلمي واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة لم يسمع من عمر كما قال ابن معين.
(والأخرى): سوء حفظ قيس بن الربيع.
الإرواء (6/ 348).
• وأخرج البيهقي (7/ 233) عن الشعبي قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس؛ فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال ثم نزل، فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحق أن يتبع أو قولك؟ قال: بل كتاب الله تعالى فما ذاك؟ قالت: نهيت الناس آنفًا أن يغالوا في صداق النساء والله تعالى يقول في كتابه: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]، فقال عمر رضي الله عنه: كل أحد أفقه من عمر - مرتين أو ثلاثًا - ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له، قال البيهقي: هذا منقطع.
قال الألباني في "الإرواء"(6/ 348) بإثره: "قلت: ومع انقطاعه ضعيف من أجل مجالد وهو ابن سعيد، ليس بالقوي ثم هو منكر المتن. فإن الآية لا تنافي توجيه عمر إلى ترك المغالاة في مهور النساء
…
". اهـ.
(2)
انظر: "معجم القراءات"(2/ 44) والفتح (9/ 175).
(3)
في "الموفقيات" كما في "الدر المنثور"(2/ 466)، وقد أشار الحافظ في "الفتح"(9/ 204) إلى أن الزبير أخرجه، ثم قال الحافظ: إنه منقطع.
(4)
كما في المطالب العالية (8/ 94 رقم 1566) والدر المنثور (2/ 466) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور - رقم (598) - وتفسير ابن كثير (3/ 403).
وقال الهثيمي في "مجمع الزوائد"(4/ 284، 285): "رواه أبو يعلى في الكبير وفيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف وقد وثق". اهـ. =
وقد وقع الإجماع على أن المهر لا حدّ لأكثره
(1)
بحيث تصير الزيادة على ذلك الحدّ باطلة للآية.
وقد اختلف في تفسير القنطار المذكور في الآية فقال أبو سعيد الخدري
(2)
: هو ملء مسك ثور ذهبًا.
وقال معاذ
(3)
: ألف ومائتا أوقية
(4)
ذهبًا.
[وقيل]
(5)
: سبعون ألف مثقال
(6)
.
= وهو ضعيف من أجل مجالد بن سعيد كما تقدم.
قلت: وأخرجه البزار في المسند (1/ 456 رقم 320) والدارقطني في العلل (2/ 238).
وخلاصة القول: أن هذه القصة بكل طرقها وأسانيدها ضعيفة، وذلك لضعف مجالد بن سعيد، وللانقطاع في بعض طرقها.
• أما ما قاله ابن كثير في تفسيره (3/ 403) حيث أورد هذه القصة من طريق أبي يعلى: بأن إسناده جيد قوي. وقال السيوطي في "الدر المنثور"(2/ 466): بان إسناده جيد. فهو من قبيل رفع مجالد بن سعيد عن الضعف، ثم تعضيده بتلك الطرق الضعيفة مع ما فيها.
فقد قال ابن معين وغيره عن مجالد هذا: لا يحتج به، وقال أحمد: يرفع كثيرًا مما لا يرفعه الناس، ليس بشيء. وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه.
[التاريخ الكبير (8/ 9) والمجروحين (3/ 10) والميزان (3/ 438) والخلاصة ص 369].
وكذلك أن أصل الأثر ثابت عن عمر بغير قصة المرأة ومراجعتها كما تقدم.
(1)
نقل هذا الإجماع القرطبي في تفسيره (5/ 24): حيث قال: "وأجمع العلماء أيضًا أنه لا حد لكثيره، واختلفوا في قليله على ما يأتي بيانه
…
". اهـ.
وابن قدامة في "المغني"(10/ 99) والعمراني في "البيان"(9/ 370).
(2)
المغني (10/ 100) والسنن الكبرى للبيهقي (7/ 233).
(3)
أخرج أثره البيهقي في السنن الكبرى (7/ 233).
(4)
الأوقية = 126.8 غ.
1200 × 126.8 - 15216 غ.
15216/ 1000 - 15.216 كغ.
(5)
في المخطوط (ب): (وقال ابن عباس عن اللغويين).
(6)
المثقال = 4.25 غ.
70000 × 4.25 - 2975 غ.
2975/ 1000 = 2.975 كغ.
• وقال ابن قدامة في المغني (10/ 100): قال مجاهد: سبعون ألف مثقال.
وقيل: مائة رطل ذهبًا
(1)
.
قوله: (زوّجها النجاشي) فيه دليل على جواز التوكيل من الزوج
(2)
لمن يقبل عنه النكاح، وكانت أمّ حبيبة المذكورة مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش، فمات بتلك الأرض فزوّجها النجاشي النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأمّ حبيبة هي بنت أبي سفيان. وقد تقدم اختلاف الروايات في مقدار صداقها.
[الباب الثاني] باب جعل تعليم القرآن صداقًا
10/ 2738 - (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جاءَتْهُ امْرَأةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ، فَقَامَتْ قِيامًا طَوِيلًا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إيّاهُ؟ "، فَقَالَ: ما عِنْدِي إلا إزَارِي هَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنْ أعْطَيْتَهَا إِزَارَكَ جَلَسْتَ لا إِزَارَ لَكَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا"، فَقَالَ: ما أَجِدُ شَيْئًا، فَقالَ:"الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتِمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ "، قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرِ يُسَمِّيها، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرآنِ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
.
(1)
الرطل = 382.5 غ.
100 × 382.5 = 38250 غ.
38250/ 1000 = 38.250 كغ.
كما في "الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان الشرعية" للمحقق، أعاننا الله على نشره بعدما أصابه من نقص وعناء وضياع.
وقال العمراني في "البيان"(9/ 371): قال أبو صالح رحمه الله: مائة أوقية.
(2)
المغني (9/ 363).
(3)
أحمد في المسند (5/ 336) والبخاري رقم (2310) و (5135) و (7417) ومسلم رقم (77/ 1425).
وَفِي رِوَايَةٍ مُتّفَقٍ عَلَيْهَا
(1)
: "قَدْ مَلّكْتُكَها بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرآنِ".
وَفِي رِوَايَةٍ مُتّفَقٍ عَلَيْهَا
(2)
: فَصَعّدَ فِيهَا النّظَرَ وَصَوَّبَهُ). [صحيح]
11/ 2739 - (وَعَنْ أَبِي النُّعْمانِ الأزْدِيّ قالَ: زَوَّجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم امْرأةً سُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ قالَ: "لا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَكَ مَهْرًا"، رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وهُوَ مُرْسَلٌ)
(3)
. [مرسل ضعيف]
حديث أبي النعمان مع إرساله قال في الفتح
(4)
: فيه من لا يعرف.
وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي داود
(5)
والنسائي
(6)
.
وعن ابن مسعود عند الدارقطني
(7)
.
وعن ابن عباس عند أبي الشيخ، وأبي عمر بن حيويه في فوائده
(8)
.
وعن ضميرة جدّ حسين بن عبد الله عند الطبراني
(9)
.
(1)
و
(2)
أحمد في المسند (5/ 330) والبخاري رقم (5087) ومسلم رقم (76/ 1425).
(3)
في سننه رقم (642) مرسلًا.
(4)
في "الفتح"(9/ 212).
(5)
في سننه رقم (2112).
قال الألباني في "ضعيف أبي داود"(10/ 213): "قلت: إسناده ضعيف، عِسْل قال المنذري وغيره: "ضعيف" وقوله: "فعلَّمهما عشرين آيةً؛ وهي امرأتك" منكر لمخالفته لقوله صلى الله عليه وسلم: "قد زوجتُكها بما معك من القرآن"، وكان قد ذكر أن معه سورتين، وهو في "الصحيح" (1838) من حديث سهل بن سعد". اهـ.
(6)
في السنن الكبرى (رقم 5506 - العلمية).
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(7)
في سننه (3/ 249 - 250 رقم 23).
وقال الدارقطني بإثره: تفرد به عتبة - بن السكن - وهو متروك الحديث.
(8)
فوائد أبي عمر حَيّويه. (محمد بن العباس بن زكريا (ت 381 هـ)).
اسمه: "الفوائد المنتخبة عن أبي شعيب الحراني وغيره".
منه نسخة خطية في المكتبة الظاهرية.
[معجم المصنفات ص 315 - 316 رقم 974].
(9)
في المعجم الكبير (ج 8 رقم 8153).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 281) وقال: حسين متروك.
وعن أنس عند البخاري
(1)
والترمذي
(2)
.
وعن أبي أمامة عند تمَّام في فوائده
(3)
.
وعن جابر عند أبي الشيخ.
قوله: (جاءته امرأةٌ) قال الحافظ
(4)
: هذه المرأة لم أقف على اسمها، ووقع في "الأحكام" لابن الطلاع أنها خولة بنت حكيم أو أمّ شريك، وهذا نقل من اسم الواهبة الوارد في قوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}
(5)
صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه غيرها.
قوله: (وهبت نفسي) هو على حذف مضاف: أي أمر نفسي، لأن رقبة الحر لا تملك.
قوله: (فقام رجل) قال الحافظ
(6)
: لم أقِفْ على اسمهِ. ووقع في رواية للطبراني
(7)
: "فقام رجل أحسِبُهُ من الأنصار".
قوله: (ولو خاتمًا) في رواية
(8)
: "ولو خاتم" بالرفع على تقدير أما حصل]
(9)
، ولو في قوله:"ولو خاتمًا" تقليلية
(10)
.
قال عياض
(11)
: ووهم [من زعم]
(12)
خلاف ذلك.
(1)
في صحيحه رقم (5030).
(2)
في سننه رقم (1114) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(3)
(رقم 772 - الروض البسام) بسند تالف.
بشر بن عون القرشي، وبكار بن تميم القرشي مجهولان، المجروحين (1/ 190) واللسان (2/ 46 - 47 - إحياء التراث) والجرح والتعديل (1/ 1/ 362).
وهو حديث ضعيف جدًّا.
(4)
في "الفتح"(9/ 206).
(5)
سورة الأحزاب، الآية:(50).
(6)
في "الفتح"(9/ 207).
(7)
في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5961).
(8)
في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5951) والدارقطني (3/ 250 رقم 24).
(9)
في المخطوط (أ): (حصل) والمثبت من (ب) والفتح (9/ 207).
(10)
في كل طبعات "نيل الأوطار"(تعليلية) وهو تحريف. والصواب المثبت من المخطوط (أ) و (ب) والفتح (9/ 207).
(11)
إكمال المعلم (4/ 580) له.
(12)
مكررة في المخطوط (ب).
ووقع في رواية عند الحاكم
(1)
والطبراني
(2)
من حديث سهل: "زوَّج رجلًا بخاتمٍ من حديد فَصُّه فضةٌ".
قوله: (هل معك من القرآن شيءٌ؟) المراد بالمعيَّة هنا: الحفظ عن ظهر قلبه.
وقد وقع في روايةٍ: "أتقرؤهنَّ على ظهر قلبك" بعد قوله: "معي سورة كذا ومعي سورة كذا". وى لك في رواية الثوري عند الإسماعيلي
(3)
بلفظ: "قال: عن ظهر قلبك؟ قال: نعم".
قوله: (سورة كذا وسورة كذا) وقع في رواية من حديث أبي هريرة: "سورة البقرةِ أو التي تليهَا"، كذا عند أبي داود
(4)
والنسائي
(5)
.
ووقع في حديث ابن مسعود
(6)
: "نعم سورة البقرة وسورة من المفصل".
وفي حديث ضميرة
(7)
: "زوّج صلى الله عليه وسلم رجلًا على سورة البقرة لم يكن عنده شيء".
وفي حديث أبي أمامة
(8)
: "زوّج صلى الله عليه وسلم رجلًا من الصحابة امرأة على سورة من المفصل جعلها مهرًا وأدخلها عليه، وقال: علمها".
وفي حديث أبي هريرة
(9)
: "فعلمها عشرين آية وهي امرأتك".
(1)
في المستدرك (2/ 178) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
(2)
في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5837).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 281) وقال: فيه عبد الله بن مصعب الزبيري وهو ضعيف.
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 208).
(4)
في سننه رقم (2112).
(5)
في سننه الكبرى (رقم 5506 - العلمية).
قال المنذري: وفي إسناده عسل بن سفيان وهو ضعيف.
وهو حديث ضعيف.
(6)
أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 249 - 250 رقم 23) وقد تقدم.
(7)
أخرجه الطبراني في الكبير (ج 8 رقم 8153) وقد تقدم.
(8)
أخرجه تمام في فوائده (رقم 772 - الروض البسام) وقد تقدم.
(9)
أخرجه أبو داود رقم (2112) والنسائي في الكبرى رقم (5506) وقد تقدم.
وفي حديث ابن عباس: "أزوّجها منك على أن تعلمها أربعٍ أو خمس سور من كتاب الله".
وفي حديث ابن عباس وجابر: "هل تقرأ من القرآن شيئًا؟ قال: نعم، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} قال: أصدقها إياها".
قال الحافظ
(1)
: ويجمع بين هذه الألفاظ بأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض، أو أن القصص متعددة.
والحديث يدلّ على جواز [جعل]
(2)
المنفعة صداقًا ولو كانت تعليم القرآن.
قال المازري
(3)
: هذا ينبني على أن الباء للتعويض كقولك: بعتك ثوبي بدينار.
قال
(4)
: وهذا هو الظاهر، وإلا لو كانت بمعنى اللام على معنى تكرمةً؛ لكونه حاملًا للقرآن؛ لصارت المرأة بمعنى الموهوبة، والموهوبة خاصة بالنبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال الطحاوي
(5)
والأبهري (5) وغيرهما بأن هذا خاصّ بذلك الرجل لكون النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجوز له نكاح الواهبة، فكذلك يجوَّز له إنكاحها من شاء بغير صداقٍ.
واحتجوا على هذا بمرسل أبي النعمان
(6)
المذكور لقوله فيه: "لا يكون لأحد بعدك مهرًا".
وأجيب عنه بما تقدم من إرساله وجهالة بعض رجال إسناده.
وأخرج أبو داود
(7)
من طريق مكحول قال: ليس هذا لأحد بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم.
(1)
في "الفتح"(9/ 209).
(2)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(3)
في "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 98).
(4)
أي المازري في المرجع السابق (2/ 98).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 212).
(6)
تقدم برقم (2739) من كتابنا هذا، وهو مرسل ضعيف.
(7)
في سننه رقم (2113) وهو حديث ضعيف.
وأخرج أبو عوانة من طريق الليث بن سعد نحوه، ولا حجة في أقوال التابعين. قال عياض
(1)
: يحتمل قوله: "بما معك من القرآن" وجهين أظهرهما: أن يعلِّمها ما معه من القرآن أو مقدارًا معينًا، منه، ويكون ذلك صداقها، وقد جاء هذا التفسير عن مالك.
ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة: فعلمها من القرآن، وعين في حديث أبي هريرة
(2)
مقدار ما يعلمها وهو عشرون آية.
ويحتمل أن تكون الباء بمعنى اللام: أي: لأجل ما معك من القرآن، فأكرمه بأن زوَّجه المرأة بلا مهر، لأجل كونه حافظًا للقرآن أو لبعضه.
ونظيره قصة أبي طلحة مع أتم سليم وذلك فيما أخرجه النسائي
(3)
وصححه عن أنس قال: "خطب أبو طلحة أمّ سليم فقالت: والله ما مثلك يردّ، ولكنك كافر وأنا مسلمة ولا يحلّ لي أن أتزوّجك، فإن تسلم فذلك مهري ولا أسألك غيره، فكان ذلك مهرها".
وأخرج النسائي
(4)
أيضًا نحوه من طريق أخرى.
ويؤيد الاحتمال الأوّل ما أخرجه ابن أبي شيبة
(5)
والترمذي
(6)
من حديث أنس: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سأل رجلًا من أصحابه: يا فلان هل تزوّجت؟ قال: لا، وليس عندي ما أتزوّج به قال: أليس معك قل هو الله أحد".
(1)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 581).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (2112) والنسائي في الكبرى رقم (5506) وقد تقدم.
(3)
في المجتبى رقم (3341) وفي السنن الكبرى (5/ 215 رقم 5478/ 1 - الرسالة).
قلت: وأخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 426) وأبو نعيم في الحلية (2/ 59).
وفي رواية جعفر بن سليمان عن ثابت ضعفًا، لكن للحديث طريق يأتي بعده.
وقد صحح الحافظ ابن حجر إسناد هذا الحديث في "الفتح"(9/ 115).
وهو حديث صحيح لغيره.
(4)
في المجتبى رقم (3340) وفي السنن الكبرى (5/ 215 رقم 5478/ 2 - الرسالة).
وهو حديث صحيح.
(5)
لم أقف عليه.
(6)
في السنن رقم (2895) وقال: هذا حديث حسن.
وهو حديث ضعيف.
وأجاب بعضهم عن الحديث بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم زوّجها إياه لأجل ما معه من القرآن الذي حفظه وسكت عن المهر فيكون ثابتًا في ذمته إذا أيسر كنكاح التفويض.
ويؤيده ما في حديث ابن عباس حيث قال فيه: "فإذا رزقك الله فعوّضها" قال في الفتح
(1)
: لكنه غير ثابت.
وأجاب البعض باحتمال أن النبيّ صلى الله عليه وسلم زوّجه لأجل ما حفظه من القرآن وأصدق عنه كما كفر عن الذي واقع امرأته في رمضان، ويكون ذكر القرآن وتعليمه على سبيل التحريض على تعلم القرآن وتعليمه والتنويه بفضل أهله. وأجيب بما تقدم من التصريح بجعل التعليم عوضًا.
وقد ذهب إلى جواز جعل المنفعة صداقًا: الشافعي
(2)
وإسحاق والحسن بن صالح، وبه قالت العترة
(3)
، وعند المالكية
(4)
فيه خلاف، ومنعه الحنفية
(5)
في الحرّ وأجازوه في العبد، إلا في الإجارة على تعليم القرآن فمنعوه مطلقًا بناء على أصلهم في أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن لا يجوز، وقد تقدم الكلام على ذلك.
وقد نقل القاضي عياض
(6)
جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة إلا الحنفية.
وقال ابن العربي
(7)
: من العلماء من قال: زوّجه على أن يعلمها من القرآن، فكأنها كانت إجارةً، وهذا كرهه مالك
(8)
ومنعه أبو حنيفة
(9)
.
وقال ابن القاسم
(10)
: يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده. قال: والصحيح جوازه بالتعليم.
(1)
في "الفتح"(9/ 213).
(2)
البيان للعمراني (9/ 374)
(3)
البحر الزخار (3/ 109).
(4)
عيون المجالس (3/ 1138 - 1139).
(5)
بدائع الصنائع (2/ 276 و 277).
(6)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 584).
(7)
في عارضة الأحوذي (5/ 38).
(8)
عيون المجالس (3/ 1135 رقم 796) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 590 - 591).
(9)
البناية في شرح الهداية (3/ 682) وبدائع الصنائع (2/ 277).
(10)
ذكره ابن العربي في عارضة الأحوذي (5/ 38).
وقال القرطبي
(1)
: قوله: "علِّمها" نصٌّ في الأمر بالتعليم، والسياق يشهد بأنَّ ذلك لأجل النكاح فلا يلتفت لقول من قال: إن ذلك كان إكرامًا للرجل، فإنَّ الحديث مصرِّحٌ بخلافه.
وقولهم: إنَّ الباء بمعنى اللام ليس بصحيح لغةً ولا مساقًا.
وفي الحديث فوائد:
(منها): ثبوت ولاية الإمام على المرأة التي لا قريب لها، وقد أطال الكلام على ما يتعلق بالحديث من الفوائد في الفتح
(2)
، وذكر أكثر من ثلاثين فائدة، فمن أحبَّ الوقوف على ذلك فليرجع إليه.
[الباب الثالث] باب من تزوج ولم يسم صداقًا
12/ 2740 - (عَنْ عَلْقَمَةَ قال: أتِيَ عَبْدُ الله فِي امْرأَةٍ تَزَوَّجَها رَجُلٌ، ثُمَّ ماتَ عَنْهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، قَالَ: فَاخْتَلَفُوا إِلَيْهِ فَقَال: أرَى لَهَا مِثْلَ مَهْرِ نِسَائِهَا وَلَهَا المِيرَاثُ وَعَلَيْهَا العِدَّةُ، فَشَهِدَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَان الأشْجَعِيُّ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي بَرْوعَ ابْنَةِ وَاشِقٍ بِمِثْلِ ما قَضَى. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصحَّحَهُ التِّرْمُذِيُّ)
(3)
. [صحيح]
(1)
في "المفهم"(4/ 131).
(2)
في "الفتح"(9/ 213 - 216).
(3)
أحمد في المسند (4/ 279 - 280) وأبو داود رقم (2115) والترمذي رقم (1145) والنسائي (3355) وابن ماجه رقم (1891).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 78) وعبد الرزاق رقم (10898) وابن حبان رقم (1260 و 1263 - موارد) وسعيد بن منصور رقم (929) والحاكم (2/ 180) والبيهقي (7/ 245) من طريق علقمة، عن ابن مسعود.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وصححه الحاكم والذهبي وابن حزم وابن مهدي كما في "التلخيص"(3/ 388).
وقال الشافعي رحمه الله: "لم أحفظ بعد من وجه يثبت مثله".
قال الحاكم: "سمعت شيخنا أبا عبد الله يقول: لو حضرت الشافعي لقمت على رؤوس الناس وقلت: قد صح الحديث فقل به"!!.
والخلاصة: أنه حديث صحيح، والله أعلم.
الحديث أخرجه أيضًا الحاكم
(1)
والبيهقي
(2)
وابن حبان
(3)
وصححه أيضًا ابن مهدي
(4)
.
وقال ابن حزم (4): لا مغمز فيه لصحة إسناده.
وقال الشافعي
(5)
: لا أحفظه من وجه يثبت مثله، ولو ثبت حديث بروع لقلت به. وقد قيل: إن في رواة الحديث اضطرابًا، فروي مرّة عن معقل بن سنان، ومرّة عن رجل من أشجع أو ناس من أشجع. [وقيل]
(6)
غير ذلك.
قال البيهقي
(7)
: قد سمي فيه (ابن سنان)
(8)
هو صحابيٌّ مشهورٌ، والاختلاف فيه لا يضرُّ، فإنَّ جميع الروايات فيه صحيحة. وفي بعضها ما دلَّ على أن جماعةً من أشجع شهدوا بذلك.
وقال ابن أبي حاتم
(9)
: قال أبو زرعة: الذي قال معقل بن سنان أصحُّ.
وروى الحاكم في المستدرك (10) عن حرملة بن يحيى أنه قال: سمعت الشافعي يقول: إن صحّ حديث بروع بنت واشق قلت به.
قال الحاكم
(10)
: قال شيخنا [أبو عبيد الله]
(11)
: لو حضرت الشافعي لقمت على رؤوس الناس وقلت: قد صحّ الحديث فقل به.
(1)
في المستدرك (2/ 180) وقد تقدم.
(2)
في السنن الكبرى (7/ 245) وقد تقدم.
(3)
في صحيحه رقم (1260 و 1263 - موارد) وقد تقدم.
(4)
حكاه عنهما الحافظ في "التلخيص"(3/ 388).
(5)
في "الأم"(6/ 176).
(6)
في المخطوط (ب): (وقد قيل).
(7)
في السنن الكبرى (7/ 244 - 245) و "المعرفة"(10/ 226 - 227) ومختصر الخلافيات (4/ 176 - 177).
(8)
ابنُ سِنان الأشجعيُّ، ومعقلُ: هو أبو محمدٍ شهدَ فتحَ مكةَ ونزل الكوفة وحديثُه في أهلِ الكوفة، وقُتِلَ يومَ الحرَّةِ صبرًا.
انظر: "الإصابة" رقم (8154) وأسد الغابة رقم (5033) والاستيعاب رقم (2489) والتاريخ الكبير (7/ 391).
(9)
في "العلل" رقم الحديث (1281).
(10)
في المستدرك (2/ 180).
(11)
كذا في المخطوط (أ) و (ب) وفي المستدرك (أبو عبد الله) وفي "التلخيص"(3/ 388) وهو الصواب.
وللحديث شاهد أخرجه أبو داود
(1)
والحاكم
(2)
من حديث عقبة بن عامر: "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم زوَّج امرأةً رجلًا فدخل بها ولم يفرض لها صداقها، فحضرته الوفاة فقال: أشهدكم أن سهمي بخيبر لها".
والحديثُ فيه دليلٌ على أن المرأةَ تستحقُّ بموت زوجها بعد العقد قبل فرض الصَّداق جميع المهر، وإن لم يقع منه دخولٌ ولا خلوةٌ، وبه قال ابن مسعود (3)، وابن سيرين (3)، وابن أبي ليلى
(3)
، وأبو حنيفة
(4)
وأصحابه وإسحاق (3) وأحمد
(5)
.
وعن علي (3)، وابن عباس (3)، وابن عمر (3)، ومالك
(6)
، والأوزاعي (3) والليث (3) والهادي
(7)
وأحد قولي الشافعي
(8)
[وإحدى]
(9)
الروايتين عن القاسم أنها لا تستحقّ إلا الميراث فقط ولا تستحقّ مهرًا ولا متعة، لأن المتعة لم ترد إلا للمطلقة والمهر عوض عن الوطء ولم يقع من الزوج.
وأجابوا عن حديث الباب بالاضطراب
(10)
.
وردّ بما سلف، قالوا: روي عن عليّ
(11)
أنه قال: لا نقبل قول أعرابي بوّال على عقبيه فيما يخالف كتاب الله وسنة نبيه.
(1)
في سننه رقم (2117).
(2)
في المستدرك (2/ 182) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح.
(3)
حكاه عنهم ابن قدامة في المغني (10/ 149) والعمراني في "البيان"(9/ 447 - 448).
(4)
البناية في شرح الهداية (4/ 659).
(5)
المغني (10/ 149).
(6)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 596 - 597).
(7)
البحر الزخار (3/ 120).
(8)
البيان للعمراني (9/ 446 - 448) ونهاية المحتاج للرملي (6/ 350 - 351) ومغني المحتاج للخطيب (3/ 231).
(9)
في المخطوط (أ): (أحد).
(10)
بل هو صحيح كما عرفت آنفًا.
(11)
أخرج البيهقي عن علي في السنن الكبرى (247/ 7): "لا يقبل قول أعرابي من أشجع على كتاب الله.
وأخرج البيهقي عن علي في السنن الكبرى (7/ 247): "لها الميراث، وعليها العدة ولا صداق لها".
ورد بأن ذلك لم يثبت عنه من وجه صحيح، ولم سلم ثبوته فلم ينفرد بالحديث معقل المذكور، بل روي من طريق غيره، بل معه الجَرَّاح
(1)
كما وقع عند أبي داود
(2)
والترمذي
(3)
وناس من أشجع كما سلف.
وأيضًا الكتاب والسنة إنما نفيا مهر المطلقة قبل المسّ والفرض لا مهر من مات عنها زوجها، وأحكام الموت غير أحكام الطلاق.
وفي رواية عن القاسم أن لها المتعة.
قوله: ([ولها]
(4)
الميراث) هو مجمع على ذلك كما في البحر
(5)
، وإنما اتفق على أنها تستحقه لأنه يجب لها بالعقد إذ هو سببه لا الوطء.
قوله: (بَرْوَعَ) قال في القاموس
(6)
: كَجَدْوَلٍ ولا يكسر، بنت واشق: صحابية
(7)
.
وفي المغني
(8)
: بفتح الباء عند أهل اللغة، وكسرها عند أهل الحديث.
[الباب الرابع] بابُ تَقْدِمَةِ شيءٍ من المهرِ قبلَ الدُّخولِ، والرُّخْصَة في تَرْكِهِ
13/ 2741 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ قَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَعْطِهَا شَيْئًا"، قالَ: ما عِنْدِي شَيءٌ، قَالَ:"أَيْنَ دِرْعُكَ الحُطَمِيّةُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(9)
وَالنَّسائيُّ
(10)
. [صحيح]
(1)
الجَرَّاح: بفتح الجيم، وتشديد الراء، ابن أبي الجراح الأشجعي صحابي مُقِلّ.
(2)
كما في تحفة الأحوذي للمباركفوري (4/ 251 - 252).
(3)
أشار إليه الترمذي بأثر الحديث رقم (1145) حيث قال: وفي الباب: عن الجرَّاح.
(4)
ما بين الخاصرتين سقط من (ب).
(5)
البحر الزخار (3/ 120).
(6)
القاموس المحيط (ص 907) ولكن فيه: (كجَرْوَلٍ).
(7)
انظر ترجمتها في: "الإصابة" رقم (10931) والاستيعاب رقم (3300).
(8)
"المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم" للعلامة: محمد طاهر بن علي الهندي، صاحب "مجمع البحار في لغة الأحاديث والآثار"(ت 986 هـ)، (ص 36).
(9)
في سننه رقم (2125).
(10)
في سننه رقم (3375).
وهو حديث صحيح.
وفِي رِوَايَةٍ: أن عَلِيًّا لَمّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَنَعَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حتّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله لَيْسَ لِي شَيءٌ؟ فَقَالَ لَهُ: "أعْطِها دِرْعَكَ الحُطَمِيّةَ"، فأعْطاها دِرْعَهُ، ثُمَّ دَخَلَ بِها. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
. [ضعيف]
وَهُوَ دَلِيلٌ على جَوَازِ الامْتِناعِ مِنْ تَسْلِيمِ المَرأةِ مَا لَمْ تَقْبِضْ مَهْرَها).
14/ 2742 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أُدْخِلَ امْرَأةً عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَها شَيْئًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
وَابْنُ مَاجَهْ)
(3)
. [ضعيف]
حديث ابن عباس صححه الحاكم
(4)
وسكت عنه أبو داود
(5)
والمنذري
(6)
.
والرواية الثانية [منه]
(7)
هي في سنن أبي داود (1) عن محمد بن عبد
(1)
في سننه رقم (2126) إسناده ضعيف، وله علتان: الجهالة، والاضطراب في الإسناد.
أما الأولى: فهي جهالة غيلان بن أنس، أورده ابن أبي حاتم - في الجرح والتعديل - (3/ 2/ 54) ومن قبله البخاري في "التاريخ" (4/ 1/ 104) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. ولذلك قال الحافظ - في "التقريب" رقم (5367) -:"مقبول". يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فلين الحديث - كما نص عليه في المقدمة -.
وأما الاضطراب: فمرة قال: عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ومرة: عن عكرمة عن ابن عباس
…
ضعيف أبي داود (10/ 216 - 217).
وخلاص القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(2)
في سننه رقم (2128).
(3)
في سننه رقم (1992).
قال أبو داود: وخيثمة لم يسمع من عائشة.
وقد رد الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "مختصر المنذري"(2/ 59 رقم التعليقة (1)) بأنه سمع عليًا عند البخاري في "التاريخ" فلا يبعد سماعه من عائشة، والمعاصرة في هذا كافية. ووافقه على ذلك الألباني في ضعيف أبي داود (10/ 217) إلا أنه قال:"كان عليه أن يذكر العلة القادحة فيه، وهي مخالفة الثقات لشريك مع سوء حفظه، فقال البيهقي (7/ 253) عقبه: "وصله شريك وأرسله غيره"
…
".
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(4)
حكاه عنه الحافظ في "بلوغ المرام" رقم (3/ 970) بتحقيقي. ولم أقف عليه في المستدرك.
(5)
في سننه (2/ 597).
(6)
في المختصر (3/ 59).
(7)
في المخطوط (ب): (عنه).
الرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل عن ابن عباس كما في الرواية الأولى.
وحديث عائشة سكت عنه أبو داود
(1)
والمنذري
(2)
، إلا أن أبا في داود قال: خيثمة لم يسمع من عائشة
(3)
، انتهى. وفي شريك مقال
(4)
.
وقال البيهقي
(5)
: وصله شريك وأرسله غيره.
وقد استدلَّ بحديث ابن عباسٍ من قال: إنه يجوز الامتناع من تسليم المرأة حتى يُسَلّمَ الزوج مهرها
(6)
، وكذلك للمرأة الامتناع حتى يسمى الزوج مهرها.
وقد تعقب بأنَّ المرأة إذا كانت قد رضيت بالعقد بلا تسمية أو أجَازَتْهُ فقد نفذ وتعين به مهر المثل، ولم يثبت لها الامتناع، وإن لم تكن رضيت به بغير تسميةٍ ولا إجازَةٍ فلا عقد رأسًا، فضلًا عن الحكم بجواز الامتناع، وكذلك يجوز للمرأة أن تمتنع حتى يعين الزوج مهرها ثم حتى يسلمه.
قيل: وظاهر الحديث أن المهر لم يكن مسمّى عند العقد.
وتعقّب: بأنَّه يحتمل أنَّه كان مسمَّى عند العقد، ووقع التأجيل به، ولكنَّه صلى الله عليه وسلم أمره بتقديم شيءٍ منه كرامةً للمرأة، وتأنيسًا.
وحديث عائشة
(7)
المذكور يدلّ على أنه لا يشترط في صحة النِّكاح أن يسلم الزوج إلى المرأة مهرها قبل الدخول، ولا أعرف في ذلك خلافًا.
قوله: (الحُطَمية) بضم الحاء المهملة وفتح الطاء المهملة أيضًا منسوبة إلى الحَطْم، سميت بذلك لأنها تحطم السيوف، وقيل: منسوبةٌ إلى بطنٍ من عبد القيس يقال له: حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع كذا في النهاية
(8)
.
(1)
في سننه (2/ 596).
(2)
في المختصر (3/ 58).
(3)
تقدم رد الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على مختصر المنذري (2/ 59 رقم التعليقة (1)).
(4)
تقدم أيضًا مخالفة الثقات لشريك مع سوء حفظه.
(5)
في السنن الكبرى (7/ 253).
(6)
انظر: "المغني"(10/ 147) والبناية في شرح الهداية (4/ 719 - 720) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 594).
(7)
تقدم برقم (2742) من كتابنا هذا.
(8)
النهاية (1/ 393) وقال: هذا أشبه الأقوال.
والفائق للزمخشري (1/ 291) وغريب الحديث للخطابي (1/ 102).
[الباب الخامس] بابُ حُكْمِ هَدَايَا الزَّوْجِ للمرأَةِ وأَوْلِيَائِهَا
15/ 2743 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أيُّمَا امْرَأةٍ نَكَحَتْ عَلَى صَدَاقٍ أَوْ حِبَاءٍ أَوْ عِدّةٍ قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكاحِ فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكاحِ فَهُوَ لِمَنْ أُعْطِيَهُ، وَأحَق مَا يُكْرَمُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ ابْنَتُهُ وَأُخْتُهُ" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا الترْمِذِيَّ)
(1)
[حسن]
الحديث سكت عنه أبو داود
(2)
، وأشار المنذري
(3)
إلى أنه من رواية عمرو بن شعيب، وفيه مقال معروف قد تقدم بيانه في أوائل هذا الشرح، ومن دون عمرو بن شعيب ثقات.
وفيه دليل على أن المرأة تستحقّ جميع ما يذكر قبل العقد من صداق أو حباء وهو العطاء أو عدة بوعد ولو كان ذلك الشيء مذكورًا لغيرها؛ وما يذكر بعد عقد النكاح فهو لمن جعل له، سواء كان وليًا أو غير وليّ أو المرأة نفسها.
وقد ذهب إلى هذا عمر بن عبد العزيز والثوري وأبو عبيد ومالك
(4)
والهادوية
(5)
. وقال أبو يوسف: إن ذكر قبل العقد لغيرها استحقه. وقال الشافعي
(6)
: إذا سمي لغيرها كانت التسمية فاسدة وتستحق مهر المثل.
(1)
أحمد في المسند (2/ 182) وأبو داود رقم (2129) والنسائي رقم (3353) وابن ماجه رقم (1955).
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (10739) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4471) والبيهقي (7/ 248) من طرق عن ابن جريج به إسناده ضعيف لعنعة ابن جريج، إلا أن ابن جريج صرح بالتحديث عند النسائي والطحاوي، فانتفت شبهة تدليسه.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(2)
في السنن (2/ 597).
(3)
في المختصر (3/ 59).
(4)
حكاه عنه الخطابي في معالم السنن (2/ 598).
(5)
البحر الزخار (3/ 125).
(6)
حكاه عنه الخطابي في معالم السنن (2/ 598).
وقد وهم صاحب الكافي
(1)
فقال: إنه لم يقل بالقول الأوّل إلا الهادي، وأن ذلك القول خلاف الإجماع. قال: والصحيح أن ما شرطه الوليّ لنفسه سقط، وعليه عامة السادة والفقهاء. وقد عرفت من قال بذلك القول وأنه الظاهر من الحديث
(2)
.
قوله: (وأحقّ ما يكرم عليه
…
إلخ) فيه دليل على مشروعية صلة أقارب الزوجة وإكرامهم والإحسان إليهم وأن ذلك حلال لهم وليس من قبيل الرشوة المحرّمة إلا أن يمتنعوا من التزويج إلا به.
* * *
(1)
انظر: مؤلفات الزيدية (2/ 371).
(2)
انظر: المغني لابن قدامة (10/ 118 - 119).
[رابعًا][أبواب]
(1)
الوليمة والبناء على النساء وعشرتهن
[الباب الأول] باب استحباب الوليمة بالشاة فأكثر وجوازها بدونها
1/ 2744 - (قال صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ الرَّحْمنِ: "أَوْلِمْ وَلَوْ بشَاةٍ")
(2)
. [صحيح]
2/ 2745 - (وَعَنْ أنَسٍ قَالَ: مَا أَوْلَمَ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ ما أَوْلَمَ على زينَبَ، أَوْلَمَ بِشاةٍ، مُتَّفقٌ عَلَيْهِ)
(3)
. [صحيح]
3/ 2746 - (وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أوْلَمَ على صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النّسائيَّ)
(4)
. [صحيح]
4/ 2747 - (وَعَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ
(5)
أَنَّهَا قَالَتْ: أوْلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ هَكَذَا مُرْسَلًا)
(6)
. [أثر صحيح]
5/ 2748 - (وَعَنْ أنَسٍ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ وَليمَتَهَا التّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(7)
وَمُسْلِمٌ
(8)
. [صحيح]
(1)
في المخطوط (أ) و (ب): (كتاب) وأبدلته بـ (أبواب) لضرورة التبويب.
(2)
تقدم تخريجه برقم (2731) من كتابنا هذا.
(3)
أحمد في المسند (3/ 182، 227) والبخاري رقم (5171) ومسلم رقم (90/ 1428).
(4)
أحمد في المسند (3/ 110) وأبو داود رقم (3744) والترمذي رقم (1095) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجه رقم (1909).
وهو حديث صحيح.
(5)
صفية بنتِ شيبةَ: أي ابن عثمانَ بن أبي طلحةَ الحجيِّ من بني عبدِ الدارِ، قيلَ: إنَّها رأتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقيلَ: إنَّها لم ترهُ، وجزمَ ابنُ سعدٍ أنها تابعية.
انظر ترجمتها في: "الإصابة" رقم (11410) و"أسد الغابة" رقم (7066) والاستيعاب رقم (3454) و "طبقات ابن سعد"(8/ 469).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5172) مرسلًا. وهو أثر صحيح.
(7)
في المسند (3/ 246).
(8)
في صحيحه رقم (87/ 1365).
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أقامَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَة ثَلاثَ لَيَالٍ يَبْنِي بِصَفِيّةَ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إلى وَليمَتِهِ ما كَانَ فِيها مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فألْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسّمْنَ. فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمّهَاتِ المُؤْمِنِينَ أوْ ما مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إحْدَى أُمّهاتِ المُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمّا مَلَكَتْ يَمينُهُ، فَلَمّا ارْتَحَلَ وَطّأ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الحِجابَ. مُتّفَق عَلَيْهِ)
(1)
. [صحيح]
حديث: "أولم ولو بشاة"، قد تقدم في أوّل كتاب الصداق
(2)
.
وحديث أنس الثاني أخرجه أيضًا ابن حبان
(3)
.
قوله: (أولم) قال الأزهري
(4)
: الوليمة مشتقةٌ من الولم وهو الجمع؛ لأنَّ الزوجين يجتمعان.
وقال ابن الأعرابي
(5)
: أصلها: تمام الشيء واجتماعه، وتقع على كلِّ طعام يُتَّخذ لسرورٍ. وتستعمل في وليمة الأعراس بلا تقييد، وفي غيرها مع التقييد، فيقال مثلًا: وليمة مأدبةٍ، هكذا.
قال بعض الفقهاء
(6)
، وحكاه في الفتح
(7)
عن الشافعي
(8)
وأصحابه.
وحكى ابن عبد البر
(9)
عن أهل اللغة وهو المنقول عن الخليل
(10)
وثعلب، وبه جزم الجوهري
(11)
وابن الأثير
(12)
، أن الوليمة هي الطعام في العرس خاصة.
(1)
أحمد في المسند (3/ 264) والبخاري رقم (5159) ومسلم رقم (87/ 1365).
(2)
تقدم تخريجه برقم (2731) من كتابنا هذا.
(3)
في صحيحه رقم (4062) بسند صحيح.
(4)
في "تهذيب اللغة"(15/ 406).
(5)
انظر: لسان العرب (12/ 643).
(6)
قال القاضي عياض في "المشارق"(2/ 286): قال صاحب الأفعال: الوليمة طعام النكاح. وقال صاحب العين (ص 1067): هو طعام الأملاك، وقال غيره: هو طعام الأملاك والعرس خاصة.
(7)
الفتح (9/ 241).
(8)
البيان للعمراني (9/ 480).
(9)
في "التمهيد"(11/ 140 - الفاروق).
(10)
انظر: القاموس المحيط (ص 067).
(11)
في "الصحاح"(5/ 2045).
(12)
في "النهاية"(2/ 880).
قال ابن رسلان: وقول أهل اللغة أقوى لأنهم أهل اللسان وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب، انتهى.
ويمكن أن يقال: الوليمة في اللغة وليمة العرس فقط، وفي الشرع: للولائم المشروعة.
وقال في القاموس
(1)
: الوليمة طعام العرس، أو كل طعام صنع لدعوةٍ وغيرها، وَأَوْلَمَ: صَنَعَها.
وقال صاحب المحكم
(2)
: الوليمةُ: طعام العرس والإملاك، وسيأتي تفسير الولائم، وظاهر الأمر الوجوب.
وقد روي القول به القرطبي
(3)
عن مذهب مالكٍ، وقال: مشهور المذهب إنها مندوبة.
وروى ابن التين
(4)
الوجوب أيضًا عن مذهب أحمد، لكن الذي في المغني
(5)
أنها سنَةٌ، وكذلك حكى الوجوب في البحر
(6)
عن أحدِ قولي الشافعي.
وحكاه ابن حزم
(7)
عن أهل الظاهر. وقال سليم الرازي (4): إنه ظاهر نصّ الأم، ونقله أبو إسحاق الشيرازي
(8)
عن النصّ، وحكاه في الفتح (4) أيضًا عن بعض الشافعية؛ وبهذا يظهر ثبوت الخلاف في الوجوب لا كما قال ابن بطال
(9)
، ولا أعلم أحدًا أوجبها. وكذا قال صاحب المغني
(10)
.
ومن جملة ما استدل به من أوجبها ما أخرجه الطبراني
(11)
من حديث وحشي بن حرب رفعه: "الوليمةُ حقّ".
(1)
القاموس المحيط (ص 1507).
(2)
في المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (10/ 440).
(3)
في "المفهم"(4/ 152).
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 230).
(5)
المغني (10/ 192 رقم المسألة 1217).
(6)
البحر الزخار (3/ 85).
(7)
في "المحلى"(9/ 450).
(8)
في "المهذب"(4/ 224) له.
وانظر: الروضة (7/ 333) والحاوي (9/ 556 - 557).
(9)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 284).
(10)
المغني (10/ 193).
(11)
في "المعجم الكبير"(ج 22 رقم 362).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 251 - 252) وقال: "رجاله وثقهم ابن حبان".
وفي مسلم
(1)
: "شرُّ الطعام طعام الوليمة" ثم قال: "وهو حقٌّ".
وفي رواية لأبي الشيخ والطبراني في الأوسط
(2)
من حديث أبي هريرة رفعه: "الوليمة حقّ وسنة، فمن دعي إليها فلم يجب فقد عصي".
وأخرج أحمد
(3)
من حديث بريدة قال: "لما خطب عليّ فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لا بدّ للعروس من وليمة". قال الحافظ
(4)
: وسنده لا بأس به.
قال ابن بطال
(5)
قوله: "حق" أي ليست بباطلٍ، بل يندب إليها، وهي سنةٌ فضيلةٌ، وليس المراد بالحقِّ: الوجوب.
وأيضًا هو طعامٌ لسرورٍ حادثٍ، فأشبه سائر الأطعمة، والأمر محمول على الاستحباب ولكونه أمر بشاةٍ، وهي غير واجبةٍ اتفاقًا.
قال في الفتح
(6)
: وقد اختلف السلف في وقتها هل هو عند العقد أو عقبه، أو عند الدخول أو عقبه، أو يوسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول؟ على أقوالٍ.
قال النووي
(7)
: اختلفوا فحكى القاضي عياض
(8)
أن الأصح عند المالكية استحبابها بعد الدخول، وعن جماعة منهم عند العقد، وعن ابن جندب عند العقد وبعد الدخول.
(1)
في صحيحه رقم (109/ 1432).
(2)
الطبراني في الأوسط رقم (3948).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 52) وقال: "فيه يحيى بن عثمان التيمي وثقه أبو حاتم الرازي، وابن حبان، وضعفه البخاري وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح". اهـ.
(3)
في المسند (5/ 359).
قلت: وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(8/ 21) والبزار في المسند رقم (1407 - كشف) والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (258) والطحاوي في شرح مشكل الآثار" رقم (3018) والطبراني في الكبير رقم (1153).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 49) وقال: في إسناده عبد الكريم بن سليط، ولم يجرحه أحد وهو مستور، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(4)
في "الفتح"(9/ 230).
(5)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 284).
(6)
في "الفتح"(9/ 230 - 231).
(7)
في شرحه لصحيح مسلم (9/ 217).
(8)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 588).
قال السبكي
(1)
: والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها بعد الدخول، انتهى.
وفي حديث أنس عند البخاري
(2)
وغيره التصريح بأنها بعد الدخول لقوله: "أصبح عروسًا بزينب فدعا القوم".
قوله: (ولو بشاة) لو هذه ليست الامتناعية، وإنما هي للتقليل
(3)
.
وفي الحديث دليلٌ على أن الشاة أقلُّ ما يجزي في الوليمة عن الموسر، ولولا ثبوت أنّه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقلُّ ما يجزئ في الوليمة مطلقًا، ولكنَّ هذا الأمر من خطاب الواحد وفي تناوله لغيره خلافٌ في الأصول معروف.
قال القاضي عياض
(4)
: وأجمعوا على أنَّه لا حدَّ لأكثر ما يولم به، وأمَّا أقله فكذلك، ومهما تيسر أجزأ، والمستحبُّ أنها على قدر حال الزوج.
قوله: (ما أوْلَم النبيُّ صلى الله عليه وسلم على شيءٍ من نسائه
…
إلخ)، هذا محمولٌ على ما انتهى إليه علم أنس، أو لما وقع من البركة في وليمتها، حيث أشبع المسلمين خبزًا ولحمًا من الشاة الواحدة؛ وإلا فالذي يظهر أنه أولم على ميمونة بنت الحارث التي تزوَّجها في عمرة القضية
(5)
بمكة، وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها فامتنعوا أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة لوجود التوسعة عليه في تلك الحال، لأنَّ ذلك كان بعد [فتح]
(6)
خيبر، وقد وسع الله على المسلمين في فتحها عليهم هكذا في الفتح
(7)
، وما ادّعاه من الظهور ممنوع لأن كونه دعا أهل مكة لا يستلزم أن تكون تلك الوليمة بشاة أو بأكثر منها، بل غايته أن يكون فيها طعام كثير يكفي من دعاهم، مع أنه يمكن أن يكون في تلك الحال الطعام الذي دعاهم إليه قليلًا ولكنه يكفي الجميع بتبريكه صلى الله عليه وسلم[عليه](6)، فلا تدلّ كثرة
(1)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 231).
(2)
في صحيحه رقم (4566).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 235).
(4)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 588).
(5)
انظر: الإصابة (8/ 322 رقم 11783) والاستيعاب رقم (5533).
(6)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(7)
الفتح (9/ 238).
المدعوين على كثرة الطعام، ولا سيما وهو في تلك الحال مسافر، فإن السفر مظنة لعدم التوسعة في الوليمة الواقعة فيه، فيعارض هذا مظنة التوسعة لكون الوليمة واقعة بعد فتح خيبر.
قال ابن بطال
(1)
: لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم القصد إلى تفضيل بعض النساء على بعض؛ بل باعتبار ما اتفق وأنه لو وجد الشاة في كل منهنّ لأولم بها لأنه كان أجود الناس ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق.
وقال غيره
(2)
: يجوز أن يكون فعلَ ذلكَ لبيان الجواز.
وقال الكرماني
(3)
: لعلّ السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان الشكر لله على ما أنعم به عليه من تزويجه إياها بالوحي.
وقال ابن المنير (2): يؤخذ في تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعضه دون بعض في الإتحاف والإلطاف.
قوله: (وعن صفية بنت شيبة) صفية هذه ليست بصحابية، وحديثها مرسل
(4)
، وقد رواه البعض عنها عن عائشة، ورجح النسائي قول من لم يقل: عن عائشة، ولكنه قد روي البخاري
(5)
عنها في كتاب الحجّ أنها قالت: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقد ضعف ذلك المزي
(6)
بأنه مرويّ من طريق أبان بن صالح، وكذلك صرّح بتضعيفه ابن عبد البرّ في التمهيد
(7)
. ويجاب بأنه قد وثقه ابن معين وأبو حاتم (8) وأبو زرعة
(8)
وغيرهم حتى قال الذهبي في مختصر التهذيب
(9)
: ما رأيت أحدًا ضعف أبان بن صالح.
(1)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 285).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 238).
(3)
في شرحه لصحيح البخاري (19/ 123).
(4)
تقدم برقم (4/ 2747) من كتابنا هذا.
(5)
في صحيحه (3/ 213 رقم الباب (76) - مع الفتح) تعليقًا.
وقال الحافظ في "الفتح"(3/ 214): وصله ابن ماجه من طريقه وفيه: فقال العباس: إلا الإذخر، فإنه للبيوت والقبور".
(6)
في "الأطراف"(11/ 343).
(7)
في التمهيد (1/ 312 - تيمية).
(8)
في "الجرح والتعديل"(2/ 297 رقم 109).
(9)
"مختصر التهذيب" الذهبي. (محمد بن أحمد بن عثمان ت 748 هـ). =
ومما يدلّ على ثبوت صحبتها ما أخرجه أبو داود
(1)
وابن ماجه
(2)
من حديثها قالت: "طاف النبيّ صلى الله عليه وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجن وأنا أنظر إليه" قال المزي
(3)
: هذا يضعف قول من أنكر أن يكون لها رؤية، فإن إسناده حسن فيحتمل أن يكون مراد من أطلق أنه مرسل، يعني من مراسيل الصحابة لأنها ما حضرت قصة زواج المرأة المذكورة في الحديث لأنها كانت بمكة طفلة أولم تولد بعد والتزوّج كان بالمدينة.
قوله: (على بعض نسائه) قال الحافظ
(4)
: لم أقف على تعيين اسمها صريحًا وأقرب ما يفسر به: أمّ سلمة. فقد أخرج ابن سعد
(5)
عن شيخه الواقديِّ بسنده إلى أمِّ سلمة قالت: "لما خطبني النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر قصة تزويجه [بها]
(6)
، قالت: فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرَّةٌ فيها شيءٌ من شعير، فأخذتهُ، فطحنْتُه ثم عَصَدْتُه في البرمة، وأخذت شيئًا من إهالةٍ فأدَمْتُه، فكان ذلك طعامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وأخرج ابن سعد
(7)
أيضًا بإسنادٍ صحيحٍ إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: أن أمّ الحارث أخبرته فذكرت قصة خطبتها، وتزويجها، وقصة الشعير.
قوله: (يبني بصفية) أصله يبني خباءً جديدًا مع صفية أو بسببها ثم استعمل البناء في الدخول بالزوجة، يقال: بنى الرجل بالمرأة
(8)
: أي دخل بها.
= هو اختصار لكتاب شيخه المزي "تهذيب الكمال" جاء في عشر حجم الأصل، واشتمل على ذكر رواة الكتب الستة، ولم يتعداها إلى غيرها. واسمه:"الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة" في (3) مجلدات. (1/ 31 رقم الترجمة 104) ولم تذكر هذه العبارة.
(1)
في سننه رقم (1878).
(2)
في سننه رقم (2947).
وهو حديث حسن.
(3)
في الأطراف (11/ 343).
(4)
في "الفتح"(9/ 239).
(5)
في "الطبقات الكبرى"(8/ 92) بسند ضعيف.
(6)
زيادة من المخطوط (ب).
(7)
في "الطبقات الكبرى"(8/ 92) بسند صحيح.
(8)
النهاية (2/ 161).
وفيه دليل على أنها تؤثر المرأة الجديدة ولو في السفر.
قوله: (التمر والأقط والسمن)، هذه الأمور الثلاثة إذا خلط بعضها ببعض سميت حَيْسًا
(1)
.
قوله: (بالأنطاع)
(2)
جمع نطع بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء وإسكانها أفصحهنَّ كسر النون مع فتح الطاء.
والأقط
(3)
: بفتح الهمزة وكسر القاف وقد يسكن بعدها طاء مهملة، وقد تقدم تفسيره في الفطرة.
وهذه القصة دليل على اختصاص الحجاب بالحرائر من زوجاته صلى الله عليه وسلم، لجعل الصحابة رضي الله عنهم الحجاب أمارة كونها حرّة.
[الباب الثاني] باب إِجابة الداعي
6/ 2749 - (عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: شَرُّ الطّعامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الأغْنِيَاءُ ويُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى الله وَرَسُولَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(4)
. [صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "شَر الطّعام طَعامُ الوَلِيمَةِ يَمْنَعُهَا مَنْ يَأتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى الله وَرَسُولَهُ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
(5)
. [صحيح]
(1)
النهاية (1/ 458).
(2)
التنطع في الكلام: التعمق فيه. تهذيب اللغة للأزهري (2/ 178).
وقال ابن الأثير: النطع وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استعمل في كل تعمق قولًا وفعلًا. النهاية (2/ 758). وقال في "اللسان" (8/ 357):"النّطَعُ: من الأدم معروف".
(3)
هو لبن مجففٌ يابسٌ مُسْتحْجر يطبخ به.
الفائق (1/ 179) والنهاية (1/ 68).
(4)
أحمد في المسند (2/ 241) والبخاري رقم (5177) ومسلم رقم (107/ 1432).
(5)
في صحيحه رقم (110/ 1432).
7/ 2750 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَجِيبُوا هَذِهِ الدعْوَة إِذَا دُعِيتُمْ لَهَا"، وكانَ ابْنُ عُمَرَ يَأتي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْس وَغَيْر الْعُرْس، وَيَأْتِيَهَا وَهُوَ صَائِمٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ: "إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلى الوَلِيمَة فَلْيَأْتِهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
. [صحيح]
وَرَوَاهُ أبو دَاوُدَ
(3)
وَزَادَ: "فَإِنْ كانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كانَ صَائِمًا فَلْيَدَعْ". [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى الله وَرَسولَهُ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
. [ضعيف]
وَفِي لَفْظٍ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أخاهُ فَلْيُجِبْ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(5)
وَمُسْلِمٌ
(6)
وَأبو دَاوُدَ
(7)
. [صحيح]
وَفِي لَفْظٍ: "إِذَا دُعِيَ أحَدُكمْ إلى وَليمَة عُرْس فَلْيُجِبْ"
(8)
. [صحيح]
وَفِي لَفْظٍ: "مَنْ دُعِيَ إِلى عُرْسٍ أوْ نَحْوه فَلْيُجِبْ"
(9)
، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وأبو دَاوُدَ). [صحيح]
8/ 2751 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(10)
ومُسْلِمٌ
(11)
وَأَبُو
(1)
أحمد في المسند (2/ 86) والبخاري رقم (5179) ومسلم رقم (103/ 1429).
(2)
أحمد في المسند (2/ 22) والبخاري رقم (5173) ومسلم رقم (96/ 1429).
(3)
في السنن رقم (3737) وهو حديث صحيح.
(4)
في سننه رقم (3741) وهو حديث ضعيف.
(5)
في المسند (2/ 146).
(6)
في صحيحه رقم (100/ 1429).
(7)
في سننه رقم (3738).
وهو حديث صحيح.
(8)
أخرجه مسلم رقم (98/ 1429) وأبو داود رقم (3736).
وهو حديث صحيح.
(9)
أخرجه مسلم رقم (101/ 1429) وأبو داود رقم (3739).
وهو حديث صحيح.
(10)
في المسند (3/ 392).
(11)
في صحيحه رقم (105/ 1430).
دَاوُدَ
(1)
وَابْنُ مَاجَهْ
(2)
وَقَالَ فِيهِ: "وَهُوَ صَائِمٌ"). [صحيح]
9/ 2752 - (وَعَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فإنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ"، رَوَاهُ أحْمَدَ
(3)
وَمُسْلِمٌ
(4)
وَأَبُو دَاوُدَ
(5)
. [صحيح]
وَفِي لَفْظٍ: "إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ إلى الطّعام وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ: إني صَائمٌ"، رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِي)
(6)
. [صحيح]
10/ 2753 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلى الطّعام، فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَذَلِكَ لَهُ إِذْنٌ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(7)
وَأَبُو دَاوُدَ)
(8)
. [صحيح]
الروايةُ التي انفرد بها أبو داود بلفظ: "ومن دخل على غير دعوةٍ دخل سارقًا
…
إلخ" في إسنادها أبانُ بن طارق البصريُّ، سئل عنه أبو زرعة
(9)
الرازي فقال: شيخٌ مجهول.
وقال أبو أحمد بن عديٍّ
(10)
: وأبان بن طارق لا يعرف إلا بهذا الحديث، وهذا الحديث معروف به وليس له أنكر من هذا الحديث.
وفي إسناده أيضًا درست بن زياد ولا يحتجّ بحديثه، ويقال: هو درست بن حمزة
(11)
.
(1)
في سننه رقم (3740).
(2)
في سننه رقم (1751).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (2/ 489).
(4)
في صحيحه رقم (106/ 1431).
(5)
في السنن رقم (2460).
وهو حديث صحيح.
(6)
أحمد في المسند (2/ 242) ومسلم رقم (159/ 1150) وأبو داود رقم (2461) والترمذي رقم (781) وابن ماجه رقم (1750).
وهو حديث صحيح.
(7)
في المسند (2/ 533).
(8)
في سننه رقم (5190).
(9)
كما في الجرح والتعديل (2/ 301 رقم 1110).
(10)
في "الكامل"(1/ 380 - 381).
(11)
دُرست بن حمزة، ويقال: درست بن زياد، وقال خليفة بن خياط: درست بن حمزة لا =
وقيل: بل هما اثنان ضعيفان.
وحديث أبي هريرة الآخر رجال إسناده ثقات، لكنه قال أبو داود
(1)
: يقال: قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئًا.
قوله: (شرّ الطعام طعام الوليمة) إنَّما سماه شرًّا لما ذكر عقبه، فكأنه قال: شرُّ الطعام الذي شأنه كذا.
وقال الطيبي
(2)
: اللام في الوليمة للعهد إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء.
وقوله: "يدعى
…
" إلخ، استئناف وبيان لكونها شرّ الطعام.
وقال البيضاوي
(3)
: من مقدرةٌ، كما يقال: شرُّ الناس من أكل وحده: أي: من شرَّهم.
قوله: (يُدعى
…
إلخ) الجملة في موضع الحال. ووقع في رواية للطبراني
(4)
من حديث ابن عباس: "بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجَيْعَان".
قوله: (فقد عصى الله ورسوله) احتجّ بهذا من قال بوجوب الإجابة إلى الوليمة، لأنَّ العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب
وقد نقل ابن عبد البر
(5)
والقاضي عياض
(6)
والنووي
(7)
الاتفاق على وجوب الإجابة لوليمة العرس.
= يتابع على حديثه. "الكامل"(3/ 969) واللسان (2/ 429).
(1)
في السنن (5/ 376 - 377).
(2)
في شرحه على مشكاة المصابيح المسمى: الكاشف عن حقائق السنن (6/ 326).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 245).
(4)
في "المعجم الكبير"(ج 12 رقم 12754) وفي الأوسط رقم (6190).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 53) وقال: فيه سعيد بن سويد المعولي، ولم أجد من ترجمه، وفيه عمران القطان وثقه أحمد وجماعة، وضعفه النسائي وغيره.
(5)
في "التمهيد"(11/ 145 - الفاروق).
(6)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 589).
(7)
في شرحه لصحيح مسلم (9/ 234).
قال في الفتح
(1)
: وفيه نظر، نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب، وصرّح جمهور الشافعية
(2)
والحنابلة
(3)
بأنها فرض عين، ونصَّ عليه مالك
(4)
.
وعن بعض الشافعية
(5)
والحنابلة
(6)
أنها مستحبة.
وذكر اللخمي
(7)
من المالكية أنه المذهب. وعن بعض الشافعية
(8)
والحنابلة
(9)
هي فرض كفاية.
وحكي في البحر
(10)
عن العترة والشافعي
(11)
: أن الإجابة إلى وليمة العرس مستحبةٌ كغيرها، ولم يحك الوجوب إلا عن أحد قولي الشافعي، فانظر كم التفاوت بين من حكى الإجماع على الوجوب وبين من لم يحكه إلا عن قول لبعض العلماء، والظاهر الوجوب للأوامر الواردة بالإجابة من غير صارف لها عن الوجوب، ولجعل الذي لم يجب عاصيًا، وهذا في وليمة النكاح في غاية الظهور، وأما في غيرها من الولائم الآتية، فإن صدق عليها اسم الوليمة شرعًا كما سلف في أوّل الباب كانت الإجابة إليها واجبة.
لا يقال: ينبغي حمل مطلق الوليمة على الوليمة المقيدة بالعرس كما وقع في رواية حديث ابن عمر
(12)
المذكورة بلفظ: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب".
لأنا نقول: ذلكَ غيرُ صالح للتقييد لما وقع في الرواية المتعقبة (12) لهذه الرواية بلفظ: "من دعي إلى عرس أو نحوه".
وأيضًا قوله: "من لم يجب الدعوة فقد عصى الله"
(13)
يدلّ على وجوب الإجابة إلى غير وليمة العرس.
(1)
(9/ 242).
(2)
البيان للعمراني (9/ 483) والحاوي الكبير (9/ 557).
(3)
المغني (10/ 194).
(4)
عيون المجالس (3/ 1181).
(5)
الروضة (7/ 333) والبيان للعمراني (9/ 558).
(6)
المغني (10/ 193).
(7)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 242).
(8)
البيان للعمراني (9/ 483) والحاوي (9/ 558).
(9)
انظر: المغني (3/ 193 - 195).
(10)
البحر الزخار (3/ 85).
(11)
البيان للعمراني (9/ 482).
(12)
تقدم برقم (2750) من كتابنا هذا.
(13)
تقدم برقم (2749) من كتابنا هذا.
قال في الفتح
(1)
: وأما الدعوة فهي أعمّ من الوليمة، وهي بفتح الدال على المشهور، وضمها قطرب في مُثَلَّثَتِهِ وغلطوه في ذلك على ما قال النووي
(2)
.
وقال في الفتح
(3)
أيضًا في باب آخر: والذي يظهر أن اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أوّلًا. قال: وقد تقدم أن الوليمة إذا أطلقت حملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد، انتهى.
ويجاب أوّلًا: بأن [هذا]
(4)
مصادرة على المطلوب، لأن الوليمة المطلقة هي محلّ النزاع.
وثانيًا: بأن في أحاديث الباب ما يشعر بالإجابة إلى كل دعوة، ولا يمكن فيه ما ادّعاه في الدعوة وذلك نحو ما في رواية ابن عمر
(5)
بلفظ: "من دُعي فلم يجب فقد عصى الله"، وكذلك قوله:"من دُعي إلى عرس أو نحوه فليجب".
وقد ذهب إلى وجوب الإجابة مطلقًا بعض الشافعية
(6)
، ونقله ابن عبد البرو
(7)
عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة. وزعم ابنُ حزم: أنَّه قول جمهور الصحابة والتابعين.
وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح: المالكية
(8)
والحنفية
(9)
والحنابلة
(10)
وجمهور الشافعية
(11)
، وبالغ السرخسيُّ منهم، فنقل فيه الإجماع
(12)
.
وحكاه صاحب البحر
(13)
عن العترة، ولكن الحقّ ما ذهب إليه الأوّلون لما عرفت.
(1)
(9/ 241).
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (9/ 233).
(3)
(9/ 245).
(4)
في المخطوط (ب): (هذه).
(5)
تقدم برقم (2750) من كتابنا هذا.
(6)
روضة الطالبين (7/ 333) والبيان (9/ 482).
(7)
في "التمهيد"(11/ 145 - الفاروق).
(8)
عيون المجالس (3/ 1180).
(9)
مختصر الطحاوي (ص 189).
(10)
الإنصاف (8/ 316 - 318) والمغني (10/ 193).
(11)
البيان للعمراني (9/ 483) والمهذب (4/ 224).
(12)
الفتح (9/ 247).
(13)
البحر الزخار (3/ 86).
قال في الفتح
(1)
بعد أن حكى وجوب الإجابة إلى وليمة العرس: إنَّ شرط وجوبها أن يكون الدَّاعي مكلفًا، حرًّا، رشيدًا، وأن لا يخصَّ الأغنياء دون الفقراء، وأن لا يظهر قصد التودُّد لشخصٍ لرغبةٍ فيه أو رهبةٍ منه، وأن يكون الداعي مسلمًا على الأصحّ، وأن يختصَّ باليوم الأوّل على المشهور، وأن لا يُسْبَق، فمن سبق تعينت الإجابة له دون الثاني، وأن لا يكون هناك ما يتأذّى بحضوره من منكر أو غيره، وأن لا يكون له عذر، وسيأتي البحث عن أدلة هذه الأمور إن شاء الله تعالى.
قوله: (دخل سارقًا وخرج مُغِيرًا) بضمِّ الميم، وكسر الغين المعجمة: اسم فاعل من أغار يغير
(2)
: إذا نهب مال غيره، فكأنه شبه دخوله على الطعام الذي لم يدع إليه بدخول السارق الذي يدخل بغير إرادة المالك لأنه اختفى بين الداخلين، وشبه خروجه بخروج من نهب قومًا وخرج ظاهرًا بعدما أكل، بخلاف الدخول فإنه دخل مختفيًا خوفًا من أن يمنع، وبعد الخروج قد قضى حاجته فلم يبق له حاجة إلى التستر.
قوله: (فإنْ شاء طَعِم) بفتح الطاء وكسر العين، أي: أكل.
قوله: (وإن شاء ترك)، فيه دليلٌ على أن نفس الأكل لا يجب على المدعوِّ في عرسٍ أو غيره، وإنما الواجب الحضور. وصحح النووي
(3)
وجوب الأكل ورجحه أهل الظاهر
(4)
، ولعلَّ متمسَّكه في الرواية الأخرى من قوله:"وإنْ كان مفطرًا فليطعم".
(1)
(9/ 242).
(2)
قال ابن منظور في "اللسان"(5/ 36): المغير اسم فاعل من أغار يغير إذا نهب، شبَّه دخوله عليهم بدخول السارق وخروجه بمن أغار على قوم ونهبهم.
(3)
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (9/ 236): "
…
واختلف العلماء في ذلك، والأصح في مذهبنا - أي الشافعية - أنه لا يجب الأكل في وليمة العرس ولا في غيرها، فمن أوجبه اعتمد الرواية الثانية، وتأول الأولى على من كان صائمًا، ومن لم يوجبه اعتمد التصريح بالتخيير في الرواية الأولى، وحمل الأمر في الثانية على الندب.
وإذا قيل بوجوب الأكل فأقله لقمة ولا تلزمه الزيادة لأنه يسمى أكلًا
…
". اهـ.
(4)
قال ابن حزم في "المحلى"(9/ 450): "وفرض على كل من دُعي إلى وليمة أو طعام أن =
قوله: (فإن كان صائمًا فليصلِّ) وقع في رواية هشام بن حسان في آخره "والصلاة: الدعاء".
ويؤيده ما وقع عند أبي داود
(1)
من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع في آخر الحديث المرفوع: "فإن كان مفطرًا فليطعم، وإن كان صائمًا فليَدْع"، وهو يردّ قول بعض الشرّاح أنه محمول على ظاهره، وأن المراد فليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها ويحصل لأهل المنزل والحاضرين بركتها. ويردّه أيضًا حديث:"لا صلاة بحضرة طعام"
(2)
.
وفي الحديث دليل: على أنه يجب الحضور على الصائم ولا يجب عليه الأكل، ولكن هذا بعد أن يقول للداعي: إنِّي صائمٌ، كما في الرواية الأخرى، فإن عذره من الحضور بذلك وإلا حضر، وهل يستحبُّ له أن يفطر إن كان صومه تطوُّعًا؟ قال أكثر الشافعية
(3)
وبعض الحنابلة
(4)
: إن كان يشقُّ على صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر وإلا فالصوم.
وأطلق الروياني استحباب الفطر، وهذا على رأي من يُجَوِّزُ الخروج من صوم النفل؛ وأما من يوجب الاستمرار فيه بعد التلبُّس به فلا يُجَوّزه.
قوله: (فذلك إذن له)، فيه دليل على أنه لا يجب الاستئذان على المدعو إذا كان معه رسول الداعي وأن كون الرسول معه بمنزلة الإذن.
[الباب الثالث] باب ما يصنع إذا اجتمع الداعيان
11/ 2754 - (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الحِمْيَرِيّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ فأجِبْ أقْرَبهُمَا بَابًا، فإنَّ أَقْرَبهُمَا بَابًا أَقْرَبَهُمَا
= يجيب إلا من عذر؛ فإن كان مفطرًا فَفَرْضٌ عليه أن يأكل، فإن كان صائمًا فليدع الله لهم". اهـ.
(1)
في السنن رقم (3737) وهو حديث صحيح.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه برقم (67/ 560) من حديث عائشة.
(3)
روضة الطالبين (7/ 336 - 337) والبيان للعمراني (9/ 490 - 491).
(4)
المغني (10/ 196 - 197).
جِوَارًا، فإذا سَبَقَ أحَدَهُمَا فأَجِبْ الَّذِي سَبَقِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَأَبُو دَاوُدَ)
(2)
. [ضعيف]
12/ 2755 - (وَعَنْ عَائِشَةَ: أنَّهَا سألَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِما أُهْدِي؟ فَقَالَ: "إِلى أَقْرَبِهِما مِنْكِ بابًا"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
وَالْبُخَارِيُّ)
(4)
. [صحيح]
الحديث الأوّل في إسناده أبو خالد يزيد بن عبد الرحمن المعروف بالدالاني، وقد وثقه أبو حاتم الرازي
(5)
. وقال الإمام أحمد
(6)
: لا بأس به. وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال ابن حبان
(7)
: لا يجوز الاحتجاج به. وقال ابن عديّ
(8)
: في حديثه لين إلا أنه يكتب حديثه. وحكي عن شريك أنه قال: كان مرجئًا.
وقال في التلخيص
(9)
: إن إسناد هذا الحديث ضعيف. ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة
(10)
من رواية حميد بن عبد الرحمن عن أبيه به. وقد جعل الحافظ حديث عائشة المذكور شاهدًا للحديث الأوّل.
ووجه الثاني أن تأثير الأقرب بالهدية يدلّ على أنه أحقّ من الأبعد في الإحسان إليه فيكون أحقّ منه بإجابة دعوته مع اجتماعهما في وقت واحد، فإن تقدم أحدهما كان أولى بالإجابة من الآخر، سواء كان السابق هو الأقرب أو الأبعد، فالقرب وإن كان سببًا للتأثير ولكنه لا يعتبر إلا مع عدم السبق، فإن وجد السبق فلا اعتبار بالقرب.
(1)
في المسند (5/ 408).
(2)
في سننه رقم (3756)
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 275).
وهو حديث ضعيف.
(3)
في المسند (6/ 175).
(4)
في صحيحه رقم (2259).
وهو حديث صحيح.
(5)
الجرح والتعديل (4/ 277/2).
(6)
كما بحر الدم (ص 473 رقم 1175).
(7)
المجروحين (3/ 105).
(8)
كما ميزان الاعتدال (4/ 432).
(9)
(3/ 397).
(10)
عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 397).
فإن وقع الاستواء في قرب الدار وبعدها مع الاجتماع في الدعوة، فقال الإمام يحيى
(1)
: يقرع بينهما.
وقد قيل: إن من مرجحات الإجابة لأحد الداعيين كونه رحمًا أو من أهل العلم أو الورع أو القرابة من النبيّ صلى الله عليه وسلم.
[الباب الرابع] باب إجابة من قال لصاحبه: ادع من لقيت وحكم الإجابة في اليوم الثاني والثالث
13/ 2756 - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ، فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ، فَقَالَتْ: يا أَنَسُ اذْهَبْ بِهِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبْتُ بِهِ، فَقَالَ: "ضَعْه"، ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فادْع لي فُلَانًا وَفُلَانًا وَمَنْ لَقِيتَ"، فَدَعَوْت مَنْ سَمَّى وَمَنْ لَقِيتُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظه لمُسْلِمٍ)
(2)
. [صحيح]
قوله: (حَيْسًا)
(3)
بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها مهملة، وهو ما يُتَّخذ من التَّمر والأقط والسَّمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق.
قوله: (في تَوْرٍ)
(4)
بفتح الفوقية وسكون الواو وآخره راء مهملة: وهو إناء من نحاس أو غيره.
والحديث فيه دليلٌ على جواز الدعوة إلى الطعام على الصِّفة التي أمر بها صلى الله عليه وسلم من دون تعيين المدعو، وفيه جواز إرسال الصغير إلى من يريد المرسل دعوته إلى طعامه وقبول الهدية من المرأة الأجنبية ومشروعية هدية الطعام.
وفيه معجزة ظاهرةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّه قد روي: أن ذلك الطعام كفى جميع من حضر إليه، وكانوا جمعًا كثيرًا مع كونه شيئًا يسيرًا كما يدلُّ على ذلك قوله:"فجعلته في تَوْرٍ" وكون الحامل له ذلك الصغير
(5)
.
(1)
البحر الزخار (4/ 341).
(2)
أحمد في المسند (3/ 163) والبخاري رقم (5163) ومسلم رقم (94/ 1428).
(3)
النهاية (1/ 458).
(4)
النهاية (1/ 198).
(5)
الفتح (9/ 227).
14/ 2757 - (وَعَنْ قَتَادَةَ عَن الحَسَن عَنْ عَبْد اللهِ بْن عثمانَ الثّقَفِيّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ إِنَّ لَهُ: مَعْروفًا، وأثْنَى عَلَيْه. قَالَ قَتَادَةُ: إنْ لَمْ يَكُنْ اسْمُه زُهَيْر بْنَ عُثْمَانَ فَلَا أَدْري ما اسْمه، قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْوَلِيمَة أوَّلُ يَوْم حقٌّ، وَالْيَوْم الثّانِي مَعْروفٌ، وَالْيَوْمُ الثّالِث سُمْعَةٌ وَرياءٌ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَأَبُو دَاوُدَ
(2)
. [ضعيف]
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(3)
مِنْ حَديث ابْنِ مَسْعُودٍ. [ضعيف]
وَابْن مَاجَهْ
(4)
مِنْ حَديث أبي هُرَيْرَةَ). [ضعيف]
الحديث الأوّل أخرجه أيضًا النسائي
(5)
والدارمي
(6)
والبزار
(7)
، وأخرجه البغوي في معجم الصحابة
(8)
فيمن اسمه زهير، قال: ولا أعلم له غيره.
وقال ابن عبد البرّ: في إسناده نظر، يقال: إنه مرسل وليس له غيره.
(1)
في المسند (5/ 28).
(2)
في سننه رقم (3745).
قلت: وأخرجه الطحاوي في المشكل (4/ 146) والبيهقي (7/ 260).
وإسناده ضعيف من أجل عبد الله بن عثمان الثقفي فإنه مجهول كما في "التقريب" رقم (3470).
والخلاصة أنه حديث ضعيف.
(3)
في سننه رقم (1097) وقال: "لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث زياد بن عبد الله وهو كثير الغرائب والمناكير؛ قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يذكر عن محمد بن عقبة. قال: قال وكيع: زياد بن عبد الله مع شرفه يكذب في الحديث".
وهو حديث ضعيف.
(4)
في سننه رقم (1915).
وإسناده ضعيف جدًّا، وآفته أبو مالك النخعي فإنه متروك كما في "التقريب" رقم (8337).
وهو حديث ضعيف.
وقال الألباني في الإرواء (7/ 11): "وجملة القول في هذا الحديث أن أكثر طرقه وشواهده شديدة الضعف لا يخلو طريق منها من متهم أو متروك، فلذلك يبقى على الضعف الذي استفيد من الطريق الأولى". اهـ.
(5)
في السنن رقم (3387).
(6)
لم أقف عليه في مسند الدارمي وعزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 396).
(7)
لم أقف عليه في الكشف وعزاه إليه الحافظ في "التخليص"(3/ 396).
(8)
لا يزال مخطوطًا فيما أعلم، وتقدم الكلام عليه. وعزاه إليه الحافظ في المرجع السابق.
وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير
(1)
في ترجمة زهير بن عثمان وقال: لا يصحّ إسناده ولا يعرف له صحبة. ووهم ابن قانع
(2)
فذكره في الصحابة فيمن اسمه معروف، وذلك أنه وقع في السنن والمسند عن رجل من ثقيف كان يقال له معروفًا: أي يثني عليه.
وحديث ابن مسعود استغربه الترمذي
(3)
: وقال الدارقطنى: تفرّد به زياد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه.
قال الحافظ
(4)
: وزياد مختلف في الاحتجاج به، ومع ذلك فسماعه عن عطاء بعد الاختلاط.
وحديث أبي هريرة في إسناده عبد الملك بن حسين النخعي الواسطي، قال الحافظ
(5)
: ضعيف.
وفي الباب عن أنس عند البيهقي
(6)
وفي إسناده بكر بن خنيس وهو ضعيف، وذكره ابن أبي حاتم والدارقطني في العلل من حديث الحسن عن أنس، ورجَّحا رواية من أرسله عن الحسن.
وفي الباب أيضًا عن وحشي بن حرب عند الطبراني
(7)
بإسناد ضعيف. وعن ابن عباس عنده
(8)
أيضًا بإسناد كذلك.
الحديث فيه دليل على مشروعية الوليمة [في]
(9)
اليوم الأول وهو من متمسكات من قال بالوجوب كما سلف، وعدم كراهتها في اليوم الثاني لأنها معروف والمعروف ليس بمنكر ولا مكروه، وكراهتها في اليوم الثالث لأن الشيء إذا كان للسمعة والرياء لم يكن حلالًا.
(1)
التاريخ الكبير (2/ 1/ 425).
(2)
في "معجم الصحابة" له (3/ 124 رقم 1095).
(3)
في السنن (3/ 403).
(4)
في "التلخيص"(3/ 397).
(5)
في "التلخيص"(3/ 396).
(6)
في السنن الكبرى (7/ 260).
(7)
في المعجم الكبير (ج 22 رقم 362) وقال الهيثمي (9/ 251 - 252): رجاله وثقهم ابن حبان.
(8)
أي عند الطبراني في الكبير (ج 11 رقم 11331). وقال الهيثمي: فيه سعيد بن سويد المعولي ولم أجد من ترجمه.
(9)
سقط من المخطوط (أ).
قال النووي
(1)
: إذا أولم ثلاثًا فالإِجابة في اليوم الثالث مكروهة، وفي اليوم الثاني لا تجب قطعًا، ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأوّل، انتهى.
وذهب بعض العلماء إلى الوجوب
(2)
في اليوم الثاني، وبعضهم إلى الكراهة.
وإلى كراهة الإجابة في اليوم الثالث ذهبت الشافعية
(3)
والحنابلة
(4)
والهادوية
(5)
.
وأخرج ابن أبي شيبة
(6)
من طريق حفصة بنت سيرين قالت: "لما تزوَّج أبي دعا الصحابة سبعة أيامٍ فلمَّا كان يوم الأنصار دعا أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وغيرهما، فكان أبي صائمًا، فلما طعموا دعا أُبي".
وأخرجه عبد الرزاق
(7)
وقال فيه: "ثمانية أيام".
وقد ذهب إلى استحباب الدعوة إلى سبعة أيام، المالكية كما حكى ذلك القاضي عياض
(8)
عنهم.
وقد أشار البخاري
(9)
إلى ترجيح هذا المذهب فقال: باب إجابة الوليمة والدعوة، ومن أولم سبعة أيام ولم يؤقت النبي صلى الله عليه وسلم يومًا ولا يومين، انتهى.
ولا يخفى أن أحاديث الباب يقوي بعضها بعضًا، فتصلح للاحتجاج بها على أن الدعوة بعد اليومين مكروهة.
(1)
في روضة الطالبين (7/ 334) وفي شرحه لصحيح مسلم (9/ 234).
(2)
انظر: "البيان" للعمراني (9/ 485).
(3)
البيان (9/ 485).
(4)
المغني (10/ 194 - 195)
(5)
البحر الزخار (4/ 341).
(6)
في المصنف (4/ 313 - 314).
(7)
في المصنف رقم (19665).
(8)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 588).
(9)
في صحيحه (9/ 240 رقم الباب (71) - مع الفتح).
[الباب الخامس] باب من دعي فرأى منكرًا فلينكره وإلا فليرجع
15/ 2758 - (قَدْ سَبَقَ قَوْلُهُ: (مَنْ رأى مِنْكُمْ مُنْكرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَده، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ")
(1)
. [صحيح]
16/ 2759 - (وَعَنْ عَلِيّ قَالَ: صَنَعْتُ طَعَامًا فَدَعَوْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ فَرأى فِي الْبَيْت تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)
(2)
. [صحيح]
17/ 2760 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَطْعَمَيْنِ: عَنِ الجُلُوسِ على مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الخَمْرُ، وَأَنْ يَأكُلَ وَهُوَ مُنْبَطِحٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)
(3)
[منكر]
18/ 2761 - (وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَقْعُدْ على مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الخَمْرُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله
(1)
أخرجه أحمد في المسند (3/ 20، 49، 54) ومسلم رقم (78/ 49) وأبو داود رقم (1140) و (4340) والترمذي رقم (2172) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
والنسائي (8/ 111 - 112) وابن ماجه رقم (1275) و (4013).
كلهم من حديث أبي سعيد وهو حديث صحيح.
(2)
في سننه رقم (3359).
وهو حديث صحيح.
(3)
في سننه رقم (3774).
قلت: وأخرج ابن ماجه رقم (3370) الشطر الثاني منه من طريق كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه به.
قال أبو داود: هذا الحديث لم يسمعه جعفر من الزهري، وهو منكر.
ثم أخرجه أبو داود رقم (3775) من طريق هارون بن زيد زيد بن أبي الزرقاء: ثنا أبي: ثنا جعفر أنه بلغه عن الزهري بهذا الحديث.
قال الألباني في "الإرواء"(7/ 40): "قلت: وهذا سند صحيح إلى جعفر، وفيه بيان علة الحديث وهي الانقطاع بين جعفر والزهري. وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 402 - 403): "ليس هذا من صحيح حديث الزهري، فهو مفتعل ليست من حديث الثقات.
وخلاصة القول: أن الحديث منكر، والله أعلم.
وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الحَمّامَ إِلَّا بإزَارٍ، وَمَنْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا تَدْخُلِ الحَمّامَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
. [صحيح بشواهده]
وَرَوَاهُ التّرْمِذِيُّ
(2)
بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. [صحيح لغيره]
قَالَ أَحْمَدُ
(3)
: وَقَدْ خَرَجَ أبُو أَيُّوب حِينَ دَعَاهُ ابْنُ عُمَرَ فَرأى الْبَيْتَ قَدْ سُتِرَ وَدَعَا حُذَيْفَةَ فَخَرَجَ، وَإنَّمَا رأى شَيْئًا مِنْ زِيّ الأعَاجِمِ. [أثر صحيح]
قَالَ الْبُخارِي
(4)
: وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً فِي الْبَيْتِ فَرَجَعَ). [أثر صحيح]
(1)
في المسند (1/ 20) بسند ضعيف لجهالة قاص الأخبار، وباقي رجاله ثقات.
قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (251) والبيهقي (7/ 266).
وهو حديث صحيح بشواهده.
(2)
في سننه رقم (2801) وقال الترمذي: "حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث عن جابر إلا من هذا الوجه
…
".
قلت: وأخرجه أبو يعلى في المسند (رقم 1925) من طريق ليث بن أبي سليم، عن طاوس به.
وأخرجه الحاكم (4/ 288) والنسائي رقم (451) من طريق عطاء عن أبي الزبير، به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
قلت: وإن كان على شرط مسلم، فإن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه.
والخلاصة: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (9/ 249 رقم الباب (76) - مع الفتح) معلقًا.
وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 249): "وصله أحمد في "كتاب الورع" ومسدد في مسنده، ومن طريقه الطبراني
…
". اهـ.
قلت: ذكره الإمام أحمد في "كتاب الورع"(ص 137 رقم 71). وقال الحافظ في "تغليق التعليق"(4/ 424): "ورواه الإمام أحمد في كتاب الورع، عن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق".
وأخرجه مسدد - كما في المطالب العالية (10/ 315 رقم 2223) - ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (ج 4 رقم 3853). وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 52) رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
وهو أثر صحيح، والله أعلم.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (9/ 249 رقم الباب (76) - مع الفتح) معلقًا.
قال الحافظ في "الفتح"(9/ 249): (ابن مسعود) كذا في رواية المستملي وغيره، وفي =
الحديث الأوّل الذي أشار المصنف إليه قد سبق في باب خطبة العيد وأحكامه من كتاب العيدين
(1)
.
وحديث علي أخرجه ابن ماجه
(2)
بإسناد رجاله رجال الصحيح، وسياقه هكذا: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عليّ، فذكره.
وتشهد له أحاديث قد تقدمت في باب حكم ما فيه صورة من الثياب من كتاب اللباس
(3)
.
وحديث ابن عمر أخرجه أيضًا النسائي
(4)
والحاكم
(5)
، وهو من رواية جعفر بن برقان عن الزهري ولم يسمع منه
(6)
.
وقد أعلّ الحديث بذلك أبو داود والنسائي وأبو حاتم: ولكنه قد روى
= رواية الباقين: (أبو مسعود) والأول تصحيف فيما أظن فإنني لم أر الأثر المعلق إلا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو. وأخرجه البيهقي (7/ 268) بسند صحيح.
(1)
في الباب رقم (9) عند الحديث رقم (1295) من كتابنا هذا.
(2)
في سننه رقم (3359) وقد تقدم.
(3)
عند الحديث رقم (571 - 575) من كتابنا هذا.
(4)
كما في تحفة الأشراف (5/ 367).
(5)
في المستدرك (4/ 129). وقال: صحيح على شرط مسلم؛ ووافقه الذهبي.
(6)
قال الألباني في الإرواء (7/ 40): "قلت: وهذا سند صحيح إلى جعفر، وفيه بيان علة الحديث وهي الانقطاع بين جعفر والزهري.
وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 402 - 403): ليس هذا من صحيح حديث الزهري، فهو مفتعل ليس من حديث الثقات". اهـ.
وقال الألباني في تعليقة على "الروضة الندية" بتحقيق الأخ علي بن حسن الحلبي (3/ 142): "أقول: ولم أجد قبل الشوكاني من نفى سماعه من الزهري، بل ظاهر عبارات الأئمة أنه سمع منه، ولكنهم ضعفوا حديثه عنه خاصة، كما قال أحمد: "إذا حدث عن غير الزهري؛ فلا بأس به، وفي حديث الزهري يخطئ".
ونحوه عن ابن معين وغيره، وقال الحافظ في "التقريب":"صدوق يهم في حديث الزهري"، وقال في "التهذيب":"ومما أنكر العقيلي من حديثه عن الزهري حديث: "نهى عن مطعمين
…
" الحديث. والحديث منكر كما في الإرواء رقم (1982).
والظاهر والله أعلم أن المحدث الألباني رحمه الله يعتمد ما علَّق على الروضة الندية لأنه جاء بشواهد على ما ذهب إليه من أقوال أئمة الحديث، والله أعلم.
أحمد
(1)
والنسائي
(2)
والترمذي
(3)
والحاكم
(4)
عن جابر مرفوعًا: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة [تدار]
(5)
عليها الخمر".
وأخرجه أيضًا الترمذي
(6)
من طريق ليث بن أبي سليم عن طاوس عن جابر.
وهذا الحديث هو الذي أشار إليه المصنف، وقد حسنه الترمذي
(7)
، وقال الحافظ
(8)
: إسناده جيد.
وأما الطريق الأخرى التي انفرد بها الترمذي، فإسنادها ضعيف.
وأخرج نحوه البزار
(9)
من حديث أبي سعيد والطبراني
(10)
من حديث ابن عباس.
وعمران بن حصين
(11)
.
وحديث عمر إسناده ضعيف كما قاله الحافظ في التلخيص
(12)
.
وأثر أبي أيوب رواه البخاري في [صحيحه
(13)
]
(14)
معلقًا بلفظ: "ودعا ابن
(1)
في المسند (3/ 339).
(2)
في سننه (1/ 198) رقم (401).
(3)
في سننه (2801).
(4)
في المستدرك (4/ 288). كلهم من حديث جابر وهو حديث صحيح لغيره.
(5)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) وفي "الترمذي":(يدار) وهو الصواب.
(6)
في سننه رقم (2801) وقد تقدم وهو حديث صحيح لغيره.
(7)
في سننه (5/ 113).
(8)
في "الفتح"(9/ 250).
(9)
كما في "مجمع الزوائد"(1/ 278 - 279) وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في الأوسط، والبزار باختصار ذكر الجمعة. وفيه علي بن يزيد الألهاني ضعفه أبو حاتم وابن عدي، ووثقه أحمد وابن حبان".
(10)
في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11462).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 280 - 281): "فيه يحيى بن سليمان المدني ضعفه البخاري وأبو حاتم ووثقه ابن حبان".
(11)
أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (7320).
(12)
في "التلخيص"(3/ 398).
(13)
في صحيحه (9/ 249) رقم الباب (76) - مع الفتح) معلقًا وقد تقدم.
(14)
في المخطوط (ب): (صححه) وهو خطأ.
عمر أبا أيوبَ فرأى في البيت سِتِرًا على الجدار فقال: غلبنا عليه النساء، فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لكم طعامًا فرجع"، وقد وصله أحمد في كتاب الورع
(1)
ومسدد في مسنده
(2)
والطبراني
(3)
.
وأثر ابن مسعود قال الحافظ
(4)
: كذا في رواية المستملي والأصيلي والقابسي. وفي رواية الباقين أبو مسعود، والأوّل تصحيف فيما أظنّ فإني لم أر الأثر المعلق إلا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو.
وأخرجه البيهقي
(5)
من طريق عديّ بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود وسنده صحيح؛ وخالد بن سعد هو مولى أبي مسعود الأنصاري، ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود رواية.
ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أيضًا لكن لم أقف عليه.
وأخرج أحمد في كتاب "الزهد"
(6)
من طريق عبد الله بن عتبة قال: "دخل ابن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور، فقال ابن عمر: يا فلان متى تحوّلت الكعبة في بيتك، ثم قال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: ليهتك كل رجل ما يليه".
وأحاديث الباب وآثاره فيها دليل: على أنَّه لا يجوز الدُّخول في الدعوة يكون فيها منكرٌ مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك من إظهار الرِّضا بها.
قال في الفتح
(7)
: وحاصله: إنْ كان هناك محرَّمٌ وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس، وإن لم يقدر فليرجع، وإن كان مما يكره كراهةَ تنزيه فلا يخفى الورع.
قال
(8)
: وقد فصَّل العلماء في ذلك، فإن كان هناك لهو مما اختلف فيه
(1)
ذكره الإمام أحمد في "الورع"(ص 137 رقم 71).
وقال الحافظ في "تغليق التعليق"(4/ 424): "ورواه الإمام أحمد في كتاب الورع، عن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق" وقد تقدم.
(2)
كما في "المطالب العالية"(10/ 310 رقم 2223) وقد تقدم.
(3)
الطبراني في المعجم الكبير (ج 4 رقم 3853) وقد تقدم.
(4)
في "الفتح"(9/ 249) وقد تقدم.
(5)
في السنن الكبرى (7/ 268) وقد تقدم.
(6)
(ص 290 رقم 1092) بنحوه.
(7)
في "الفتح"(9/ 250).
(8)
أي الحافظ في المرجع السابق (9/ 250).
فيجوز الحضور، والأَولى الترك، وإن كان هناك حرام كشرب الخمر نظر، فإن كان المدعوُّ ممَّن إذا حضر رُفع لأجله فليحضر، وإن لم يكن كذلك ففيه للشافعية
(1)
وجهان:
(أحدهما): يحضر وينكر بحسب قدرته، وإن كان الأولى أن لا يحضر. قال البيهقي
(2)
: وهو ظاهر نصّ الشافعيِّ وعليه جرى العراقيُّون من أصحابه.
وقال صاحب الهداية
(3)
من الحنفية: لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يكن يقتدى به، فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج؛ لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية.
وحكي عن أبي حنيفة
(4)
أنه قعد، وهو محمولٌ: على أنَّه وقع له ذلك قبل أن يصير منتدى به.
قال: هذا كلُّه بعد الحضور، فإن علم قبله لم يلزمه الإجابة.
(والوجه الثاني) للشافعية (1): تحريم الحضور لأنه كالرِّضا بالمنكر، وصححه المروزي
(5)
فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم، فإن لم ينتهوا فليخرج إلا إن خاف على نفسه من ذلك.
وعلى ذلك جرى الحنابلة
(6)
، وكذا اعتبر المالكية
(7)
في وجوب الإجابة إلَّا أن يكون هناك منكر، وكذلك الهادوية
(8)
.
وحكى ابن بطال
(9)
وغيره عن مالك: أن الرجل إذا كان من أهل الهيئة لا ينبغي له أن يحضر موضعًا فيه لهو أصلًا، ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة طعام الفاسقين"، أخرجه الطبراني في الأوسط
(10)
.
(1)
روضة الطالبين (7/ 335 - 336) والمهذب (4/ 226 - 227) والبيان للعمراني (9/ 487).
(2)
في السنن الكبرى (7/ 266).
(3)
ذكره الطحاوي في "المختصر"(2/ 293 رقم 781) والبناية في شرح الهداية (11/ 101 - 102).
(4)
البناية في شرح الهداية (11/ 101).
(5)
ذكره العمراني في "البيان"(9/ 487).
(6)
المغني (10/ 198).
(7)
المنتقى للباجي (3/ 350).
(8)
البحر الزخار (3/ 86).
(9)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 293).
(10)
في الأوسط رقم (441). =
قوله: (فلا يدخل الحمام
…
إلخ)، قد تقدم الكلام على ذلك في باب ما جاء في دخول الحمام من كتاب الغسل
(1)
.
قوله: (فرأى البيت قد ستر)، اختلف العلماء في حكم ستر البيوت والجدران فجزم جمهور الشافعية
(2)
بالكراهة. وصرّح الشيخ نصر الدين المقدسي
(3)
منهم بالتحريم.
واحتج بحديث عائشة عند مسلم
(4)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين، وجذب الستر حتى هتكه"، قال البيهقي
(5)
: هذه اللفظة تدلّ على كراهة ستر الجدر، وإن كان في بعض ألفاظ الحديث أن المنع كان بسبب الصورة.
وقال غيره: ليس في السياق ما يدلّ على التحريم وإنما فيه نفي الأمر بذلك، ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي، لكن يمكن أن يحتجّ بفعله صلى الله عليه وسلم في هتكه.
وقد جاء النهي عن ستر الجدر صريحًا (منها) في حديث ابن عباس عند أبي داود
(6)
وغيره: "لا تستروا الجدر بالثياب" وفي إسناده ضعف.
وله شاهد مرسل عن عليّ بن الحسين، أخرجه ابن وهب، ثم البيهقي
(7)
من طريقه.
= قلت: وأخرجه في المعجم الكبير أيضًا (ج 18 رقم 376).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 54) وقال: وفيه أبو مروان الواسطي ولم أجد من ترجمه.
قلت: أبو مروان الواسطي هو يحيى بن أبي زكريا الغساني ضعيف، ضعفه أبو داود، وقال ابن حبان: لا تجوز الرواية عنه، لما أكثر من مخالفة الثقات في روايته عن الأثبات، وهو من رجال التهذيب، ولكنه ضعيف.
انظر: تهذيب الكمال (31/ 314) والمجروحين (3/ 126).
والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(1)
في الباب الرابع عشر عند الحديث رقم (352 - 353) من كتابنا هذا.
(2)
البيان للعمراني (9/ 489).
(3)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 250).
(4)
في صحيحه رقم (2107).
(5)
في السنن الكبرى (7/ 272).
(6)
في سننه رقم (1485) وإسناده ضعيف؛ مسلسل بالمجهولين.
وهو حديث ضعيف.
(7)
في السنن الكبرى (7/ 272).
وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفًا أنه أنكر ستر البيت. وقال: "أمحموم بيتكم وتحوّلت الكعبة عندكم؟ ثم قال: لا أدخله حتى يهتك".
وأخرج الحاكم
(1)
والبيهقي
(2)
من حديث محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتًا مستورًا فقعد وبكى، وذكر حديثًا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيه:"كيف بكم إذا سترتم بيوتكم" الحديث، وأصله في النسائي
(3)
.
[الباب السادس] باب حجة من كره النثار والانتهاب منه
19/ 2762 - (عَنْ زيدِ بْنِ خَالِد: أَنَّهُ سَمِعَ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنِ النُّهْبَةِ وَالْخِلْسَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(4)
. [حسن لغيره]
20/ 2763 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيّ: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى
(1)
في المستدرك (2/ 97 - 98) مختصرًا وليس فيه محل الشاهد.
(2)
في السنن الكبرى (7/ 272) مطولًا واللفظ له.
(3)
في "عمل اليوم والليلة" رقم (557) مختصرًا وليس فيه محل الشاهد.
وإسناده حسن، والله أعلم.
(4)
في المسند (4/ 117) بسند ضعيف. لجهالة عبد الرحمن بن زيد بن خالد، ولإبهام الراوي عنه.
قال الحافظ في "التعجيل"(1/ 797): "لا يُعرف حاله - أي عبد الرحمن بن زيد - ولا اسم الراوي عنه". وبقية رجال الإسناد ثقات.
قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 49) والطبراني في المعجم الكبير رقم (5264).
• والنهي عن النهبة له شاهد من حديث أبي هريرة، عند أحمد (2/ 325) بسند ضعيف لانقطاعه، بين الحسن وأبي هريرة.
• وله شاهد ثانٍ من حديث جابر، عند أحمد (3/ 312) بسند رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي الزبير، فمن رجال مسلم، إلا أنه لم يصرح بسماعه من جابر.
• والنهي عن الخُلسة له شاهد من حديث جابر، عند أحمد (3/ 323) بسند حسن، من أجل عكرمة بن عمار، وباقي رجال الإسناد ثقات.
والخلاصة: أن حديث زيد بن خالد حديث حسن لغيره، والله أعلم.
عَنْ المِثْلَةَ والنُّهْبَى. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَالْبُخَارِيُّ
(2)
[صحيح]
21/ 2764 - (وَعَنْ أنَسٍ أن النّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ انْتَهَبَ فَلَيْس مِنّا"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
(4)
[صحيح]
وَقَدْ سَبَقَ مِنْ حَدِيث عُمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مِثْلَهُ).
حديث زيد بن خالد، قال في مجمع الزوائد
(5)
: أخرجه أحمد
(6)
والطبراني
(7)
، وفي إسناده رجل لم يسمّ
(8)
.
وحديث عمران تقدم، وتقدم في شرحه الكلام عليه وعلى النثار.
والحاصل أن أحاديث النهي عن النهبى ثابتة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من طريق جماعة من الصحابة
(9)
في الصحيح وغيره، وهي تقتضي تحريم كل انتهاب.
(1)
في المسند (4/ 307) بسند صحيح.
(2)
في صحيحه رقم (2474).
قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1070) أبو القاسم والبغوي في "الجعديات"(1/ 166 رقم 481) ومن طريقه البغوي في شرح السنة رقم (2163) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 92، 324).
وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 57) و (9/ 422 - 423) ومن طريقه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2117).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (3/ 140) بإسناد حسن.
(4)
في سننه رقم (1601) وقال: حديث حسن صحيح غريب.
قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 49) وفي شرح مشكل الآثار رقم (1316) والضياء في المختارة رقم (2124)(2125)(2126) وابن أبي شيبة (7/ 57) والبزار رقم (1733 - كشف) من طرق.
وهو حديث صحيح والله أعلم.
(5)
(6/ 277).
(6)
في المسند (4/ 117) وقد قدم.
(7)
في المعجم الكبير (5264) وقد تقدم.
(8)
وهو الراوي عن عبد الرحمن بن زيد بن خالد كما في "التعجيل"(1/ 797) وقد تقدم.
(9)
منهم: حديث أبي ريحانة عند أحمد في المسند (4/ 134) بسند ضعيف.
وحديث أبي ثعلبة عند أحمد في المسند (4/ 194) بسند ضعيف.
وحديث أبي ليلى عند أحمد في المسند (4/ 348). =
ومن جملة ذلك انتهاب النثار، ولم يأت ما يصلح لتخصيصه، ولو صح حديث جابر الذي أورده الجويني
(1)
وصححه، وأورده الغزالي
(2)
والقاضي حسين (1) من الشافعية لكان مخصصًا لعموم النهي عن النهبى، ولكنه لم يثبت عند أئمة الحديث المعتبرين، حتى قال الحافظ
(3)
: إنه لا يوجد ضعيفًا فضلًا عن صحيح. والجويني وإن كان من أكابر العلماء فليس هو من علماء الحديث، وكذلك الغزالي، والقاضي حسين؛ وإنما هم من الفقهاء الذين لا يميزون بين الموضوع وغيره كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة واطلاع على مؤلفات هؤلاء.
ولفظ حديث جابر عندهم: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حضر في إملاك فأتي بأطباق فيها جوز ولوز فنثرت، فقبضنا أيدينا فقال: ما لكم لا تأخذون؟ فقالوا: إنك نهيت عن النهبى، فقال: إنما نهيتكم عن نهبى العساكر، خذوا على اسم الله فتجاذبناه"، ولكنه قد روي هذا الحديث البيهقي
(4)
من حديث معاذ بن جبل بإسناد ضعيف منقطع.
ورواه الطبراني
(5)
من حديث عائشة عن معاذ، وفيه بشر بن إبراهيم
= وحديث أبي الدرداء عند أحمد في المسند (5/ 195) بسند ضعيف.
وحديث رجل من بني ليث عند أحمد في المسند (5/ 367) بسند حسن.
بالإضافة إلى ما تقدم من حديث زيد بن خالد، وعبد الله بن يزيد الأنصاري، وأنس، وجابر، وأبي هريرة.
(1)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 407).
(2)
في "الوسيط"(5/ 280): "
…
روى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر إملاكًا - أي عُرسًا - فقال: "أين أطباقكم؟ فأتي بأطباق عليها جوزٌ، ولوز، وتمر، فَنُثِرَتْ، قال جابر: فقبضنا أيدينا، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما لكم لا تأخذون؟! "، قالوا: لأنك نهيتَنا عن النهبى. فقال: "إنما نهيتكم عن نهبى العساكر، خذوا على اسم الله تعالى، فجاذبَنَا وجاذْبنَاه".
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 288) من حديث معاذ بن جبل، وليس من حديث جابر كما صرح بذلك الحافظ في "التلخيص"(3/ 407).
وفي إسناده مجاهيل وانقطاع ولا يثبت في هذا الباب شيء كما قال البيهقي في سننه الكبرى.
(3)
في "التلخيص"(3/ 407).
(4)
في السنن الكبرى (7/ 288).
(5)
في الأوسط رقم (118) وفي الكبير (ج 20 رقم 191). =
[المفلوج]
(1)
، قال ابن عديّ
(2)
: هو عندي ممن يضع الحديث، وساقه العقيلي
(3)
من طريقه ثم قال: لا يثبت في الباب شيء.
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات
(4)
.
ورواه
(5)
أيضًا من حديث أنس، وفي إسناده خالد بن إسماعيل، قال ابن عديّ
(6)
: يضع الحديث، وقال غيره: كذّاب.
وقد روي ابن أبي شيبة في مصنفه
(7)
عن الحسن والشعبي أنهما كانا لا يريان به بأسًا.
وأخرج
(8)
كراهيته عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمة.
= في إسناده الأوسط: بشر بن إبراهيم وهو وضاع.
وفي إسناد الكبير: حازم مولى بني هاشم عن لمازة، ولم أقف على من ترجمهما.
قلت: وأخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير"(1/ 142) في ترجمة بشر بن إبراهيم وقال: حَدَّث عن الأوزاعي بأحاديث موضوعة لا يتابع عليها.
وأخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 265 - 266) من طريقين.
في الطريق الأول: بشر بن إبراهيم وهو المتهم به. وأما الطريق الثاني: فإن حازمًا ولمازة مجهولان.
وخلاصة القول: أن الحديث موضوع، والله أعلم.
(1)
تنبيه: في أغلب طبعات "النيل"(المفلوح) وهو تصحيف والصواب ما أثبتناه من المخطوط (أ) و (ب) ومصادر الترجمة: كاللسان (2/ 31 - 34 رقم 1599) - إحياء التراث) والميزان (1/ 311) والكامل لابن عدي (2/ 13) والمجروحين (1/ 189).
(2)
في "الكامل"(2/ 13).
(3)
في "الضعفاء الكبير"(1/ 142).
(4)
في "الموضوعات"(2/ 265 - 266) من طريقين.
(5)
أي ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 266).
(6)
في "الكامل"(3/ 41).
وانظر: "اللسان"(1/ 707 رقم 3086 - إحياء التراث) والميزان (1/ 667).
والمجروحين (1/ 281).
(7)
و
(8)
انظر: سنن البيهقي الكبرى (7/ 287 - 288) والمصنف (7/ 56 - 59).
• قال ابن قدامة في "المغني"(10/ 208 - 209): "اختلفت الرواية عن أحمد في النِّثَارِ والتقاطه؛ فرى أنَّ ذلك مكروه في العرس وغيره. ورُوي ذلك عن أبي مسعود البدري، وعكرمة، وابن سيرين، وعطاء، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وطلحة، وزبيد اليامي؛ وبه قال مالك والشافعي. =
قال في البحر
(1)
: فصل: والنثار - بضم النون وكسرها -: ما ينثر في النكاح أو غيره.
مسألة: (الحسن البصري)
(2)
، ثم (القاسم
(3)
، وأبو حنيفة
(4)
، وأبو عبيد
(5)
، وابن المنذر (4) من أصحاب الشافعي) وهو مباح إذ ما نثره مالكه [إلَّا أباحه]
(6)
.
(الإمام يحيى)(6): ولا قول للهادي فيه ولا نصًا ولا تخريجًا.
(عطاء
(7)
وعكرمة
(8)
، وابن أبي ليلى
(9)
، وابن شبرمة)، ثم (الشافعي
(10)
ومالك)
(11)
: بل يكره لمنافاته المروءة والوقار.
(الصيمري)
(12)
: يندب ويكره الانتهاب لذلك.
قلت: الأقرب ندبهما لخبر جابر
(13)
، انتهى. وقد تقدم في باب من أذن في انتهاب أضحيته من أبواب الضحايا
(14)
حديث جعله المصنف حجة لمن رخص في النثار.
= وروى أحمد رواية ثانية: ليس بمكروه. اختارها أبو بكر، وهو قول الحسن، وقتادة، والنخعي، وأبي حنيفة، وأبي عبيد، ابن المنذر
…
ثم ذكر أدلة الفريقين
…
".
(1)
البحر الزخار (3/ 87).
(2)
موسوعة فقه الحسن البصري (2/ 902).
(3)
البحر الزخار (3/ 87)
(4)
مختصر الطحاوي (2/ 294 رقم 782).
(5)
المغني (10/ 208).
(6)
في المخطوط (ب) و"البحر": (إلا إباحة له).
(7)
البحر الزخار (3/ 87).
(8)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 287) عنه.
(9)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 287) عنه.
(10)
روضة الطالبين (7/ 336) والبيان للعمرانى (9/ 489) والوسيط (5/ 280 - 281).
(11)
عيون المجالس (3/ 1181 رقم 827).
(12)
البحر الزخار (3/ 87).
(13)
وهو موضوع كما تقدم وبمثله لا تقوم حجة. والأرجح الكراهة لما ثبت في الحديث المتقدم برقم (2763) من كتابنا هذا.
"ولأن فيه نهبًا وتزاحمًا، وقتالًا، وربما أخذه من يكره صاحب النثار، لحرصه وشرهه ودناءةِ نفسه، ويُحرَمُه من يُحبُّ صاحبُه؛ لمروءته وصيانة نفسه وعرضه، والغالب هذا، فإنَّ أهل المروءات يصونونَ أنفسُهم عن مزاحمةِ سَفلةِ الناس على شيء من الطعام أو غيره، ولأن في هذا دناءة، والله يحب معالي الأمور، ويكره سَفْسَافَها .. ". اهـ.
[المغني لابن قدامة (10/ 209)].
(14)
الباب العشرون عند الحديث رقم (2139) من كتابنا هذا.
[الباب السابع] باب ما جاءَ في إجابة دعوة الختان
22/ 2765 - (عَنِ الحَسَن قالَ: دُعِيَ عُثْمانُ بْنُ أبي العاص إلى خِتانٍ فأَبى أنْ يُجِيبَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: إنّا كُنَّا لا نأتِي الخِتانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَلَا نُدْعَى لَهُ. رَوَاهُ أَحْمَد
(1)
[إسناده ضعيف]
الأثر هو في مسند أحمد (1) بإسناد لا مطعن فيه إلا أن فيه ابن إسحاق وهو ثقة ولكنه مدلس.
وقد أخرجه الطبراني في الكبير
(2)
بإسناد أحمد، وأخرجه
(3)
أيضًا بإسناد آخر فيه حمزة العطار، وثقه ابن أبي حاتم
(4)
وضعفه غيره.
وقد استدلّ به على عدم مشروعية إجابة وليمة الختان لقوله: "كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقد قدمنا أن مذهب الجمهور
(5)
من الصحابة والتابعين، وجوب الإجابة إلى سائر الولائم. وهي - على ما ذكره القاضي عياض
(6)
والنووي
(7)
- ثمانٌ: الأعذار بعين مهملة وذال معجمة للختان.
(1)
في المسند (4/ 217) بسند ضعيف، لعنعنة محمد بن إسحاق، وسماع الحسن البصري من عثمان مختلف فيه.
(2)
في المعجم الكبير (ج 9 رقم 8381) بسند ضعيف، كما تقدم آنفًا.
(3)
في المعجم الكبير (ج 9 رقم 8382) بسند ضعيف، لضعف إسحاق بن الربيع أبو حمزة العطار.
(4)
قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 220 رقم 756): "إسحاق بن الربيع أبو حمزة العطار: ضعيف الحديث، حدث بحديث منكر عن الحسن عن عتيّ، عن أبيّ، وروى أحاديث عن الحسن في التفسير حسانًا.
سألت أبي عن إسحاق بن الربيع أبي حمزة العطار، فقال: يكتب حديثه، كان حسن الحديث". اهـ.
(5)
المغني لابن قدامة (10/ 207).
(6)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 589).
(7)
روضة الطالبين (7/ 332).
والعقيقة للولادة.
والخُرْس بضم المعجمة وسكون الراء بعدها السين المهملة لسلامة المرأة من الطلق، وقيل: هو طعام الولادة. والعقيقة: مختصٌّ بيوم السابع.
والنقيعة: لقدوم المسافر، مشتقةٌ من النقع وهو الغبار.
والوكيرة: للمسكن المتجدد، مأخوذٌ من الوكر وهو المأوى والمستقرّ.
والوضيمة: بضاد معجمة: لما يتخذ عند المصيبة.
والمأدبة: لما يتخذ بلا سبب ودالها مضمومة ويجوز فتحها، انتهى
(1)
.
وقد زيد وليمة الإملاك وهو التزوُّج، ووليمة الدخول وهو العرس وقلّ من غاير بينهما.
ومن الولائم: الإحذاق بكسر الهمزة وسكون المهملة وتخفيف الذال المعجمة وآخره قاف: الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبيّ، ذكره ابن الصباغ في الشامل
(2)
، وقال ابن الرفعة
(3)
: هو الذي يصنع عند ختم القرآن.
وذكر المحاملي
(4)
في الولائم: العتيرة بفتح المهملة ثم مثناة مكسورة: وهي شاة تذبح في أوّل رجب.
(1)
"الفتح"(9/ 241).
(2)
"الشامل" ابن الصباغ، (أبو نصر، عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد، ت 477 هـ).
قال ابن خلكان في "وفيات الأعيان"(3/ 217 - 218) في هذا الكتاب: "من أصحّ كتب أصحابنا، وأثبتها أدَّلة".
وانظر: "البداية والنهاية"(12/ 126) و"موارد ابن القيم في كتبه"(رقم 245).
[معجم المصنفات (ص 226 رقم 660)].
• ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 241).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 241).
(4)
في "الرونق" كما ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 242).
• "الرونق" المحاملي، (أبو الحسن، أحمد بن محمد بن أحمد الضبي، ت 415 هـ).
انظر: "تاريخ بغداد"(4/ 372)، وطبقات الشافعية الكبرى (4/ 48) و"طبقات الشافعية" لابن هداية الله (132).
[معجم المصنفات (ص 206 رقم 588)].
وتعقب بأنها في معنى الأضحية فلا معنى لذكرها مع الولائم. قيل: ومن جملة الولائم تحفة الزائر.
[الباب الثامن] باب الدف واللهو في النكاح
23/ 2766 - (عَنْ مُحَمَّدٍ بن حاطبٍ قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فَصْل ما بَيْنَ الحَلال والحَرَام الدُّف وَالصوْت فِي النِّكاح"، رَوَاهُ الخمسةُ إلا أبا دَاوُدَ
(1)
[حسن]
24/ 2767 - (وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَعْلِنُوا هَذَا النِّكاحَ وَاضْربوا عَلَيْهِ بالغرْبال"، رَوَاهُ ابْن ماجَه
(2)
[ضعيف دون الشطر الأول فهو حسن]
25/ 2768 - (وَعَنْ عَائِشَةَ: أنها زَفَّت امْرَأةً إلى رجلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"يَا عَائِشَةَ مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ لَهْوٍ، فإن الْأنصَارَ يُعْجبُهم اللهو"، رَوَاهُ أَحْمَدَ
(3)
وَالْبُخَارِيُّ
(4)
[صحيح]
(1)
أحمد في المسند (3/ 418) الترمذي رقم (1088) والنسائي رقم (3369) وابن ماجه رقم (1896).
قلت: وأخرجه سعيد بن منصور في سننه رقم (629) والبيهقي (7/ 89، 290) والبغوي في شرح السنة رقم (2266) والحاكم (2/ 184) قال الترمذي: حديث محمد بن حاطب حديث حسن.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
وقال الألباني في "الإرواء"(7/ 51): "قلت: ويترجح عندي أنه حسن فقط كما قال الترمذي لأن أبا بلج هذا تكلم فيه بعضهم، وذكر له الذهبي في ترجمته من [الميزان] بعض المنكرات. وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق، ربما أخطأ". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(2)
في سننه رقم (1895).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 87): "هذا إسناد فيه خالد بن إلياس أبو الهيثم العدوي وهو ضعيف، بل نسبه إلى الوضع ابن حبان والحاكم وأبو سعيد النقاش". اهـ.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف دون الشطر الأول منه فهو حسن، والله أعلم.
(3)
في المسند (6/ 269) بسند ضعيف. ولفظه: "يا عائشة إن هذا الحي من الأنصار يحبون كذا وكذا".
(4)
في صحيحه رقم (5162). =
26/ 2769 - (وَعَنْ عَمْرو بْنِ يَحْيَى المَازِني عَنْ جَدّهِ أبي حَسَنٍ: أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَكْرَهُ نكاحَ السِّرّ حَتى يُضْرَبَ بدفّ وَيقال: أَتَيْناكمْ أتَيْناكمْ، فَحَيُّونا نُحَيّيكمْ. رَوَاهُ عَبْدُ الله بْن أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ (1)[ضعيف جدًّا]
27/ 2770 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أنْكَحَتْ عائشَةُ ذَاتَ قَرَابةٍ لَهَا منَ الْأَنْصَارِ، فَجَاءَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَهْدَيْتُم الفَتاةَ؟ "، قالوا: نَعَمْ، قَالَ:"أرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنَي؟ "، قالَتْ: لا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إن الأنصَارَ قَوْم فِيهم غَزَل، فَلَوْ بَعَثتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُول: أتيْناكُمْ أتيْنَاكُمْ فَحيّانا وَحيّاكم"، رَوَاهُ ابْن ماجَه
(2)
[ضعيف]
28/ 2771 - (وَعَنْ خالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنِ الرُّبَيِّع بِنْتِ معَوّذٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ بُنِي عَليَّ، فَجَلَسَ على فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي وَجُوَيْرَات يَضْرِبْنَ بالدُّفِّ يَنْدِبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائي يَوْمَ بَدْرٍ، حَتّى قَالَتْ إحْدَاهُنَّ: وَفِينا نَبِيٌّ يَعْلَم ما فِي غَدٍ، فَقَالَ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَقُولي هَكَذَا وَقُولي كَما كُنْتِ تَقُولِينَ"، رَوَاهُ الْجَمَاعَة إلا مسْلِمًا وَالنّسائي
(3)
[صحيح]
= قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 183 - 184) والبيهقي (7/ 288) والبغوي في شرح السنة رقم (2267) كلهم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، الحديث.
في زوائد المسند (4/ 77 - 78) بسند تالف مقطوع.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 288 - 289) وقال: رواه ابن أحمد، وفيه حسين بن عبد الله بن ضميرة، وهو متروك".
والخلاصة: أن الحديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.
(2)
في سننه رقم (1900).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 89 - 90): "هذا إسناد رجاله ثقات إلا أن الأجلح مختلف فيه. وأبو الزبير قال فيه ابن عيينة: يقولون أنه لم يسمع من ابن عباس، وقال أبو حاتم: رأى ابن عباس رؤية". اهـ.
قلت: وأخرجه أحمد (3/ 391) والبيهقي (7/ 289).
وخلاصة القول: أن علة الحديث عنعنة أبي الزبير لأنه مدلس.
فهو حديث ضعيف، وانظر:"الضعيفة" رقم (2981).
(3)
أحمد في المسند (6/ 359) والبخاري رقم (5147) وأبو داود رقم (4922) والترمذي رقم (1090) وابن ماجه رقم (1897).
قلت: وأخرجه عبد بن حميد في المنتخب رقم (1589) والنسائي في الكبرى =
حديث محمد بن حاطب حسَّنه الترمذي
(1)
. قال: ومحمد بن حاطب قد رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو صغيرٌ، وأخرجه الحاكم
(2)
.
وحديث عائشة في إسناده خالد بن إلياس وهو متروك
(3)
.
وقد أخرجه أيضًا الترمذي
(4)
بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف"، قال الترمذي
(5)
: هذا حديث غريبٌ، وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث، وعيسى بن ميمون الذي يروي عن أبي نجيح هو ثقة، انتهى.
وقد روى الترمذي هذا الحديث من طريق الأوّل، وأخرجه أيضًا البيهقي
(6)
وفي إسناده خالد بن إلياس وهو منكر الحديث (3).
وحديث عمرو بن يحيى في إسناده [الحسين]
(7)
بن عبد الله بن ضميرة قال في مجمع الزوائد
(8)
: وهو متروك ويشهد له حديث ابن عباس
(9)
المذكور وحديث ابن عباس سياقه في سنن ابن ماجه
(10)
هكذا، حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا جعفر بن عون، أخبرنا الأجلح عن أبي الزبير عن ابن عباس، فذكره.
= رقم (5563) وابن حبان رقم (5878) والطبراني في الكبير (ج 24 رقم 698) ورقم (699) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 288 - 289) والبغوي في شرح السنة رقم (2265) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(1)
في السنن (3/ 398).
(2)
في المستدرك (2/ 184) وقال: صحيح الإسناد؛ ووافقه الذهبي. وقد تقدم.
(3)
خالد بن إلياس، القرشي العدوي المدني، ويقال: خالد بن إياس. قال أحمد والنسائي: متروك، وقال البخاري: ليس بشيء.
التاريخ الكبير (3/ 140) والمجروحين (1/ 278) والجرح والتعديل (3/ 321) والميزان (1/ 627) واللسان (7/ 207) والخلاصة (ص 99).
(4)
في سننه رقم (1089). وهو حديث ضعيف إلا الإعلان.
(5)
في السنن (3/ 399).
(6)
في السنن الكبرى (7/ 290).
(7)
في المخطوط (ب): (الحسن).
(8)
في "مجمع الزوائد"(4/ 288 - 289) وقد تقدم.
(9)
برقم (2770) من كتابنا هذا.
(10)
في سننه رقم (1900) وقد تقدم.
والأجلح وثقه ابن معين والعجلي وضعفه النسائي، وبقية رجال، الإسناد رجال الصحيح.
وأخرجه أيضًا الطبراني
(1)
وأبو الشيخ.
وفي الباب عن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس "وإذا جوار يغنين، فقلت: أي صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر يفعل هذا عندكم، فقالا: اجلس إن شئت فاستمع معنا، وإن شئت فاذهب، فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس"، أخرجه النسائي
(2)
والحاكم
(3)
وصححه.
وأخرج الطبراني
(4)
من حديث السائب بن يزيد: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رخص في ذلك".
قوله: (الدفّ والصوت) أي ضرب الدفّ
(5)
ورفع الصوت. وفي ذلك دليل على أنه يجوز في النكاح ضرب الأدفاف ورفع الأصوات بشيء من الكلام نحو: أتيناكم أتيناكم ونحوه، لا بالأغاني المهيجة للشرور المشتملة على وصف الجمال والفجور ومعاقرة الخمور، فإن ذلك يحرم في النكاح كما يحرم في غيره
(6)
،
(1)
في الأوسط رقم (3265) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 289): وفيه رواد بن الجراح، وثقه أحمد وابن معين وابن حبان وفيه ضعف.
قلت: إسناده ضعيف.
(2)
في سننه رقم (3383).
(3)
في المستدرك (2/ 284) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي.
وهو حديث حسن.
(4)
في المعجم الكبير (ج 7 رقم 6666) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 290): "فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو ضعيف، ووثقه ابن معين في رواية".
(5)
قال الألباني رحمه الله في "آداب الزفاف"(ص 179 - 180): "37 - الغناء والضرب بالدف: ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور". ثم ذكر أحاديث الباب المتقدمة.
• الدف: بضم الدال، وقد تفتح، وهو الذي لا جلاجل فيه، فإن كانت فيه فهو المزهر. "فتح الباري".
(6)
انظر: الرسالة رقم (173) من كتاب "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني"(10/ 5199 - 5260) بعنوان: (إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع) بتحقيقي. =
وكذلك سائر الملاهي المحرّمة
(1)
.
قال في البحر
(2)
: الأكثر وما يحرم من الملاهي في غير النكاح يحرم فيه لعموم النهي.
(النخعي
(3)
وغيره): يباح في النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم: "واضربوا عليه بالدفوف"
(4)
، فيقاس المزمار وغيره. قال: قلنا: هذا لا ينافي عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما نهيت عن صوتين أحمقين"
(5)
الخبر ونحوه فيحمل على ضربة غير ملهية.
قال الإمام يحيى
(6)
: دفُّ الملاهي مدوَّر جلده من رقِّ أبيض ناعم، في عرضه سلاسل يسمى الطار، له صوت يطرب لحلاوة نغمته، وهذا الإِشكال في تحريمه وتعلُّق النَّهيِ به.
وأما دفُّ العرب، فهو على شكل الغربال، خلا أنه لا خروق فيه، وطوله إلى أربعة أشبار، فهو الذي أراده صلى الله عليه وسلم لأنه المعهود حينئذٍ.
= • قال بعض الحكماء: إن السماعَ من أسباب الموت، فقيل له: كيف ذلك؟ فقال: لأن الرجل يسمع، فيطرب، فينفقُ، فيسرف، فيفتقر، فيغتم، فيعتل، فيموت.
• قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان"(1/ 352): "فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء.
فمن خواصه: أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدًا، لما بينهما من التضاد فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضدِّ ذلك كله ويحسِّنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان
…
وقال بعض العارفين: السماع يورث النفاق في قوم، والعناد في قوم، والكذب في قوم، والفجور في قوم، والرعونة في قوم
…
لا. اهـ.
(1)
انظر: "منكرات الأفراح" جمع وترتيب أبي عبد العزيز عبد الله بن سفر عبادة العبدلي الغامدي. ن: دار سفر. فهو مفيد في بابه.
(2)
البحر الزخار (3/ 86).
(3)
موسوعة فقه الإمام النخعي (2/ 845) والمغني (10/ 205 - 206).
(4)
أخرجه الترمذي في سننه رقم (1089) وهو حديث ضعيف إلا الإعلان.
(5)
أخرجه الترمذي في سننه رقم (1005) وقال: حديث حسن. وهو كما قال.
(6)
البحر الزخار (3/ 86).
وقد حكى أبو طالب
(1)
عن الهادي أنه محرّم أيضًا إذ هو آلة لهو.
وحكى المؤيد بالله
(2)
عن الهادي أنه يكره فقط وهو الذي في الأحكام.
وقال أبو العباس
(3)
وأبو حنيفة
(4)
وأصحابه: بل مباحٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: "واضربوا عليه بالدفوف"
(5)
، وهذا هو الظاهر للأحاديث المذكورة في الباب بل لا يبعد أن يكون ذلك مندوبًا، لأن ذلك أقل ما يقيده الأمر في قوله:"أعلنوا هذا النكاح"
(6)
الحديث، وبؤيد ذلك ما في حديث المازني المذكور
(7)
: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يكره [نكاح]
(8)
السرّ حتى يضرب بدفّ".
قوله: (ما كان معكم لهو)، قال في الفتح
(9)
في رواية شريك: "فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدُّفّ وتغنّي؟ قلتُ: تقولُ ماذا؟ قال: تقول:
أَتَيْنَاكُمْ أتيناكُمْ
…
فَحيانَا وَحيَّاكُم
ولولا الذَّهبُ الأحَـ
…
ـــمَرُ ما حَلَّتْ بوادِيكُم
وَلولا الحِنْطَةُ السمرَاءُ
…
ما سَمِنَتْ عَذاريكُم
قوله: (بُنِي عَليَّ) أي: تُزُوِّج بي.
قوله: (كمجلسك) بكسر اللام، أي: مكانك. قال الكرماني
(10)
: هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب، أو كان قبل نزول آية الحجاب أو عند الأمن من الفتنة.
قال الحافظ
(11)
: والذي صحّ لنا بالأدلة القوية أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها. قال الكرماني
(12)
: ويجوز أن تكون الرواية: كمجلسك، بفتح اللام.
(1)
البحر الزخار (3/ 86).
(2)
البحر الزخار (3/ 86).
(3)
البحر الزخار (3/ 86).
(4)
البناية في شرح الهداية (11/ 102 - 103).
(5)
تقدم آنفًا. وهو حديث ضعيف إلا الإعلان.
(6)
تقدم برقم (2767) من كتابنا هذا.
(7)
تقدم برقم (2769) من كتابنا هذا.
(8)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(9)
الفتح (9/ 226).
(10)
في شرحه لصحيح البخاري (19/ 109).
(11)
في "الفتح"(9/ 203).
(12)
في شرحه لصحيح البخاري (19/ 109).
قوله: (يندبن) من الندبة بضم النون: وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه. قال المهلب
(1)
: وفي هذا الحديث إعلان النكاح بالدفّ وبالغناء المباح، وفيه إقبال الإمام إلى العرس وإن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حدّ المباح، وسيأتي الكلام في الغناء وآلات الملاهي مبسوطًا في أبواب السبق
(2)
إن شاء الله [تعالى]
(3)
.
[الباب التاسع] باب الأوقات التي يستحب فيها البناء على النساء وما يقول إذا زفت إليه
29/ 2772 - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسول الله صلى الله عليه وسلم فِي شَوال وَبَنَى بي فِي شَوَّال، فأيُّ نِساء رَسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ أحْظَى عِنْدَه مِنِّي، وكانَتْ عائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تَدخلَ نِساؤُها فِي شَوَّالٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(4)
وَمُسْلِم
(5)
وَالنّسائيُّ
(6)
[صحيح]
30/ 2773 - (وَعَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّه عَن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أفَادَ أَحَدُكُمْ امْرَأةً أوْ خَادِمًا أَوْ دَابّةً فَلْياخذْ بِناصِيَتِها وَلْيَقُلْ: اللَّهُم إني أسألكَ مِنْ خَيرِها وَخَيْر ما جَبَلْتَها عَلَيْهِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ شَرها وَشَرّ مَا جَبَلْتَها عَلَيْهِ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(7)
وأبو دَاوُدَ
(8)
بِمَعْنَاهُ). [حسن]
(1)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 203).
(2)
في الباب الثامن من أبواب السبق والرمي عند الحديث رقم (3558 - 3565) من كتابنا هذا.
(3)
ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).
(4)
في المسند (6/ 54).
(5)
في صحيحه رقم (73/ 1423).
(6)
في سننه رقم (3236).
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1093) وابن ماجه رقم (1990) وعبد الرزاق في "مصنفه" رقم (10459) وعبد بن حميد في المنتخب رقم (1508) وابن سعد في "الطبقات"(8/ 60) وإسحاق بن راهويه رقم (724) والدارمي رقم (2257) وابن حبان رقم (4058) والطبراني في الكبير (ج 23 رقم 68) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 290) من طرق.
(7)
في سننه رقم (1918).
(8)
في سننه رقم (2160). =
حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضًا النسائي
(1)
وسكت عنه أبو داود
(2)
، ورجال إسناده إلى عمرو بن شعيب ثقات.
وقد تقدم اختلاف الأئمة في حديث عمرو بن شعيب، ولفظه في سنن أبي داود (2):"إذا تزوَّج أحدكم امرأة أو اشترى خادمًا فليقل: اللَّهمّ إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشرّ ما جبلتها عليه"، وإذا اشترى بعيرًا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك.
وفي رواية
(3)
: "ثم ليأخذ بناصيتهما" - يعني المرأة والخادم - "وليدع بالبركة".
واستدلّ المصنف بحديث عائشة
(4)
على استحباب البناء بالمرأة في شوّال، وهو إنما يدلّ على ذلك إذا تبين أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قصد ذلك الوقت لخصوصية له لا توجد في غيره، لا إذا كان وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم على طريق الاتفاق وكونه بعض أجزاء الزمان، فإنه لا يدلّ على الاستحباب لأنه حكم شرعي يحتاج إلى دليل وقد تزوّج صلى الله عليه وسلم بنسائه في أوقات مختلفة على حسب الاتفاق ولم يتحر وقتًا مخصوصًا، ولو كان مجرّد الوقوع يفيد الاستحباب لكان كل وقت من الأوقات التي تزوّج فيها [النبيّ]
(5)
صلى الله عليه وسلم يستحب البناء فيه وهو غير مسلّم.
= قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 185) والبيهقي (7/ 148) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وهو حديث حسن.
• قال الألباني رحمه الله في "آداب الزفاف"(ص 93) رقم التعليقة (1):
"وشرِّ ما جبلتها عليه"، أي: خلقتها وطبعتها عليه. (نهاية).
"قلت: - القائل الألباني - وفي الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر، خلافًا لمن يقول - من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى، وليس في كون الله خالقًا للشر ما ينافي كماله تعالى، بل هو من كماله تبارك وتعالى.
وتفصيل ذلك في المطولات ومن أحسنها كتاب "شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل" لابن القيم. فليراجعه من شاء.
وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة؟ وجوابي: نعم، لما يرجى من خيرها، ويخشى من شرها". اهـ.
(1)
في "عمل اليوم والليلة" له رقم (263).
(2)
في السنن (2/ 617).
(3)
لأبي داود رقم (2160) وقد تقدم.
(4)
تقدم برقم (2772) من كتابنا هذا.
(5)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
والحديث الثاني
(1)
فيه استحباب الدعاء بما تضمنه الحديث عند تزوّج المرأة وملك الخادم والدابة، وهو دعاء جامع لأنه إذا لقي الإنسان الخير من زوجته أو خادمه أو دابته وجنب الشرّ عن تلك الأمور كان في ذلك جلب النفع واندفاع الضرر.
قوله: (وإذا أفاد أحدكم) قال في القاموس
(2)
: أفدت المال: استفدته وأعطيته، انتهى.
والمراد هنا الأوّل.
[الباب العاشر] باب ما يكره من تزين النساء به وما لا يكره
31/ 2774 - (عَنْ أسمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ قَالَتْ: أتَتِ النّبي صلى الله عليه وسلم امْرأةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنَّ لي ابنة عُرَيِّسًا، وَإِنَّهُ أصَابَها حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ شَعْرُها أفأصِلهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لَعَنَ الله الوَاصِلَةَ وَالمسْتَوْصَلَة" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
. [صحيح]
وَمَتّفَقٌ على
(4)
مِثْلِهِ من حَدِيثِ عَائَشَةَ). [صحيح]
32/ 2775 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمسْتَوْصِلَةَ
وَالْوَاشِمَةَ وَالْمسْتَوْشِمَةَ)
(5)
. [صحيح]
33/ 2776 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنّهُ قَالَ: لَعَنَ الله الوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ للحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ الله تعالى، وَقَالَ: ما لِي لا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(6)
[صحيح]
(1)
تقدم برقم (30/ 2773) من كتابنا هذا.
(2)
القاموس المحيط (ص 392).
(3)
أحمد في المسند (6/ 345، 346) والبخاري رقم (5941) ومسلم رقم (115/ 2122).
(4)
أحمد في المسند (6/ 111، 116، 228) والبخاري رقم (5934) ومسلم رقم (117/ 2123).
(5)
أحمد في المسند (2/ 21) والبخاري رقم (5940) ومسلم رقم (119/ 2124).
(6)
أحمد في المسند (1/ 433، 443، 465) والبخاري رقم (5948) ومسلم رقم (120/ 2125).
34/ 2777 - (وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أنّهُ قَالَ، وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذه وَيَقُولُ: "إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِساؤهمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ)
(1)
. [صحيح]
35/ 2778 - (وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أيُّمَا امْرَأةٍ أدْخَلَتْ في شَعْرِهَا مِنْ شَعْرِ غَيْرِهَا فَإنَّمَا تُدْخِلُهُ زُورًا"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
.
وَفِي لَفْظٍ: "أَيُّمَا امْرأةٍ زَادَتْ فِي شَعْرِهَا شَعْرًا لَيْسَ مِنْهُ، فَإنّهُ زُورٌ تَزِيدُ فِيهِ"، رَوَاهُ النّسائيُّ
(3)
وَمَعْنَاهُ مُتّفَق عَلَيْهِ)
(4)
. [صحيح]
36/ 2779 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنِ النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ إلّا مِنْ دَاءٍ)
(5)
. [حسن]
37/ 2780 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْعَن القاشِرَةَ وَالْمَقْشُورَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمَوْشُومَةَ، وَالْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ. رَوَاهُمَا أَحْمَدَ)
(6)
.
[صحيح دون قوله: "لعن القاشرة والمنشورة"]
وَالنَّامِصَةَ: نَاتِفَة الشّعْرِ مِنَ الْوَجْهِ.
وَالْوَاشِرَة: الَّتِي تَشِر الأسْنَانَ حتّى يكُونَ لَهَا أشْرٌ، أي: تَحَدُّدٌ وَرِقّةٌ تَفْعَلُه المَرأة الكَبِيرَة تتَشَبّه بالحَدِيثَةِ السِّنِّ.
وَالْوَاشِمَةُ: الّتي تَغْرِزُ مِنَ اليَدِ بِإِبْرَةٍ ظَهْرِ الكَفّ وَالْمِعْصَم، ثُمَّ تحتشي بالكُحْلِ أوْ بالنَّئُورِ: وَهُوَ دُخانُ الشَّحْمِ حتّى يَخْضَر.
(1)
أحمد في المسند (4/ 95، 97) والبخاري رقم (5932) ومسلم رقم (122/ 2127).
(2)
في المسند (4/ 101) بإسناد صحيح، رجاله ثقات.
(3)
في السنن رقم (5093) وهو حديث صحيح.
(4)
أحمد في المسند (4/ 93) والبخاري رقم (5938) ومسلم رقم (123/ 2127).
(5)
في المسند (1/ 415).
قلت: وأخرجه النسائي برقم (5107) والطبراني في المعجم الكبير رقم (9468).
وهو حديث حسن.
(6)
في المسند (6/ 250) وهو حديث صحيح دون لعن القاشرة والمنشورة.
[وَالْمُتَنْمِصَةُ]
(1)
وَالْمُؤتَشِرَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ: اللَّاتي يُفْعَلُ بِهِن ذلكَ بإذْنِهِنّ.
وأمّا القاشِرَةُ وَالْمَقْشُورَةُ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: نَرَاهُ أرَادَ هَذِهِ الْغَمْرَةَ الّتِي يُعالِجُ بِهَا النِّساءُ وُجُوهَهُنَّ حتّى يَنْسَحِقَ أَعْلَى الجِلْدِ وَيَبْدُو ما تَحْتَهُ مِنَ الْبَشَرَةِ، وَهُوَ شَبِيهْ بِما جاءَ فِي النّامِصَةِ).
حديث عائشة الثاني قال في مجمع الزوائد
(2)
: وفيه من لم أعرفه من النساء.
وفي الباب عن ابن عباس قال: "لعنت الواصلة والمستوصلة، والنامصة [والمتنمصة] (1)، والواشمة والمستوشمة من غير داء"، أخرجه أبو داود
(3)
.
وعن جابر عند مسلم
(4)
: "زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تصل شعرها بشيء".
وعن معقل بن يسار عند أحمد
(5)
والطبراني
(6)
.
وعن أبي أمامة عند الطبراني
(7)
بإسناد صحيح.
وعن ابن عباس أيضًا حديث آخر عند الطبراني
(8)
.
قوله: (عُرَيِّسًا)
(9)
بضم العين المهملة وفتح الراء وتشديد الياء المكسورة تصغير عروس، والعروس يقع على المرأة والرجل في وقت الدخول.
(1)
في المخطوط (أ) و (ب): (المنتمصة)، وقد قال الحافظ في "الفتح" (10/ 377):"المتنمّصات: جمع متنمصة. وحكى ابن الجوزي: منتمصة. بتقديم الميم على النون وهو مقلوب".
وقال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 798): " .. وبعضهم يرويه المنتمصة بتقديم النون على التاء ومنه قيل للمنقاش: منماص. وانظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 166) و"غريب الحديث" للخطابي (1/ 19).
(2)
في "مجمع الزوائد"(5/ 169).
(3)
في سننه رقم (4170) وهو حديث صحيح.
(4)
في صحيحه رقم (121/ 2126).
(5)
في المسند (5/ 25) إسناده حسن.
(6)
في المعجم الكبير (ج 20 رقم 484 و 485).
وهو حديث صحيح لغيره.
(7)
في المعجم الكبير (ج 8 رقم 7595) بسند صحيح.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 169) وقال: رجاله رجال الصحيح.
(8)
في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11502).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 169 - 170) وقال: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.
(9)
النهاية في الغريب (2/ 181).
قوله: (حَصْبة)
(1)
بفتح الحاء وإسكان الصاد المهملتين، ويقال أيضًا: بفتح الصاد وكسرها ثلاث لغات حكاهنّ جماعة، والإسكان أشهر: وهي بُثَرٌ تخرج في الجلد، تقول منه: حَصِبَ جلده، - بكسر الصاد - يحصب.
قوله: (فتمرَّق)
(2)
بالراء المهملة بمعنى تساقط، هكذا حكى القاضي عياض في "المشارق"
(3)
عن جمهور الرواة، وحكي عن جماعة من رواة صحيح مُسلم أنه بالزاي. قال: وهذا وإن كان قريبًا من معنى الأوّل ولكنه لا يستعمل في الشعر في حال المرض.
قوله: (الواصلة) هي التي تصل شعر امرأة بشعر امرأة أخرى ليكثر به شعر المرأة.
والمستوصلة: هي التي تستدعي أن يفعل بها ذلك، ويقال لها: موصولة، كما في الرواية الأخرى.
والواشمة: فاعلة الوشم: وهو أن تغرز في ظهر الكفّ أو المعصم أو الشفة حتى يسيل الدم ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو النئور فيخضرّ ذلك الموضع وهو مما تستحسنه الفساق.
والنَّئُور الذي ذكره المصنف، قال في القاموس
(4)
: كصبور: وهو دخان الشحم كما ذكر، وقد يطلق على أشياء أخر كما في القاموس
(5)
، وقد يكون الوشم بدارات ونقوش، وقد يكثر وقد يقلّل، والوصل حرام لأن اللعن لا يكون على أمر غير محرّم.
قال النووي
(6)
: وهذا هو الظاهر المختار.
قال
(7)
: وقد فصله أصحابنا فقالوا: إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف، وسواء كان شعر رجل أو امرأة، وسواءٌ شعر المَحْرَمِ والزوج [و]
(8)
غيرهما بلا خلاف لعموم الأدلة.
(1)
النهاية في الغريب (1/ 385).
(2)
النهاية في الغريب (2/ 652).
(3)
في "المشارق" له (ص 377 - 378).
(4)
القاموس المحيط (ص 628).
(5)
القاموس المحيط (ص 1506).
(6)
في شرحه لصحيح مسلم (14/ 103).
(7)
أي النووي في المرجع السابق.
(8)
في المخطوط (ب): (أو).
ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه، وإن وصلته بشعر غير آدمي فإن كان شعرًا نجسًا وهو شعر الميتة وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضًا للحديث.
ولأنه حمل نجاسة في صلاتها وغيرها عمدًا، وسواء في هذين النوعين المزوّجة وغيرها من النساء والرجال.
وأما الشَّعْرُ الطَّاهر من غير الآدميِّ فإن لم يكن لها زوجٌ ولا سيِّد فهو حرامٌ أيضًا، وإن كان فثلاثة أوجه:(أحدها): لا يجوز لظاهر الأحاديث. (والثاني): يجوز، (وأصحها عندهم) إن فعلته بإذن الزوج أو السيد جاز وإلا فهو حرام، انتهى.
وقال القاضي عياض
(1)
: اختلف العلماء في المسألة، فقال مالك والطبري وكثيرون أو الأكثرون: الوصل ممنوع بكل شيء، سواء وصلته بشعر أو صوف أو خرق.
واحتجوا بحديث جابر
(2)
: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم زجر أن تصل المرأة برأسها شيئًا".
وقال الليث بن سعد: النهي مختصّ بالوصل بالشعر، ولا بأس بوصله بصوف وخرق وغيرهما.
وقال الإمام المهدي
(3)
: إن وصل شعر النساء بشعر الغنم لا وجه لتحريمه. ويرده عموم حديث جابر (2) المذكور فإنه شامل للشعر والصوف والوبر وغيرها.
وحكى النووي
(4)
عن عائشة أنه يجوز الوصل مطلقًا.
قال
(5)
: ولا يصحّ عنها بل الصحيح عنها كقول الجمهور.
قال القاضي عياض
(6)
: فأما ربط خيوط الحرير الملوّنة ونحوها ما لا يشبه
(1)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 652).
(2)
عند مسلم في صحيحه رقم (121/ 2126).
(3)
البحر الزخار (4/ 365).
(4)
في شرحه لصحيح مسلم (14/ 104).
(5)
أي النووي في المرجع السابق.
(6)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 652).
الشعر فليس بمنهيّ عنه لأنه ليس بوصل ولا هو في معنى مقصود الوصل، وإنما هو للتجمل والتحسين.
ويجاب بأن تخصيص عموم حديث جابر
(1)
لا يكون إلا بدليل، فما هو؟
وذهبت الهادوية
(2)
إلى جواز الوصل بشعر المَحْرَم.
ويجاب بأنَّ تحريم مطلق الوصل يستلزم تحريم الوصل بشعر المحرم.
وكذلك عموم حديث جابر (1) وحديث معاوية
(3)
.
وقال الإمام يحيى
(4)
: إنما يحرم على غير ذوات الأزواج.
ويجاب عنه بحديث أسماء المذكور؛ فإنَّه مصرِّحٌ بأنَّ الوصل فيه للعروس، ولم يجزه صلى الله عليه وسلم.
وأما الوشم فهو حرامٌ أيضًا لما تقدم.
قال أصحاب الشافعي
(5)
: هذا الموضع الذي وشم يصير نجسًا، فإن أمكن إزالته بالعلاج وجب إزالته، وإن لم يُمكن إلا بالجرح، فإن خافت منه التلف، أو فوات عضو، أو منفعته، أو شيئًا فاحشًا في عضوٍ ظاهر لم تجب إزالته، وإذا تابت لم يبق عليها إثم، وإن لم تَخَفْ شيئًا من ذلك ونحوه لزمها إزالته، وتعصي بتأخيره وسواءٌ في هذا كلِّه الرَّجل والمرأة.
قوله: (والمتنمصات)
(6)
بالتاء الفوقية، ثم النُّون، ثم الصَّاد المهملة: جمع متنمصة، وهي التي تستدْعي نتف الشعر من وجهها، ويروى بتقديم النون على التاء.
قال النووي (7): والمشهور تأخيرها، والنامصة: المزيلةُ له من نفسها أو من غيرها وهو حرامٌ.
قال النووي
(7)
وغيره: إلا إذا نبت للمرأة لحيةٌ، أو شواربُ فلا تحرم إزالتها بل تستحبُّ.
(1)
عند مسلم في صحيحه رقم (121/ 2126).
(2)
البحر الزخار (4/ 366).
(3)
تقدم برقم (2778) من كتابنا هذا.
(4)
البحر الزخار (4/ 367).
(5)
النووي في شرح صحيح مسلم (14/ 106).
(6)
النهاية (2/ 797) والفائق (4/ 26).
(7)
في شرحه لصحيح مسلم (14/ 106).
وقال ابن جرير
(1)
: لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها.
قوله: (والمتفلجات) بالفاء والجيم جمع متفلجة، وهي التي تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات، وهو من الفلج - بفتح الفاء واللام -: وهو الفرجة بين الثنايا والرباعيات، تفعل ذلك العجوز ومن قاربها في السنِّ إظهارًا للصغر، وحسن الأسنان، لأنَّ هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغائر، فإذا عجزت المرأة كبرت سنها فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر وتوهم كونها صغيرة.
قال النووي
(2)
: ويقال له: الوشر، وهذا الفعل حرامٌ على الفاعلة والمفعول بها.
قوله: (قُصَّة)
(3)
بضم القاف، وتشديد الصاد المهملة، وهو: القطعة من الشعر، من قصصت الشعر: أي قطعته.
قال الأصمعي
(4)
وغيره
(5)
: هو شعر ومقدم الرأس المقبل على الجبهة. وقيل: شعر الناصية.
قوله: (عن مثل هذه) أي عن التزين بمثل هذه القصة من الشعر.
قوله: (إنما هلكت بنو إسرائيل
…
إلخ) هذا تهديدٌ شديدٌ؛ لأنَّ كون مثل هذا الذنب كان سببًا لهلاك مثل تلك الأمة يدلّ على أنه من أشدِّ الذنوب.
قال القاضي عياض
(6)
: قيل: يحتمل أنه كان محرَّمًا عليهم فعوقبوا باستعماله وهلكوا بسببه.
(1)
انظر: "الفتح"(10/ 277).
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (14/ 107).
(3)
ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة"(8/ 255).
(4)
ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة"(8/ 255).
(5)
قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 461): كلّ خصلة من الشعر قصَّة.
وقال الليث: القُصة تتخذها المرأةُ في مقدَّم رأسها تقص ناحيتها عدا جبينها، وقصاصة الشعر نهاية منبته من مقدَّم الرأس.
[تهذيب اللغة (8/ 455)].
(6)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 658).
وقيل: يحتمل أنَّ ذلك الهلاك كان به وبغيره مما ارتكبوه من المعاصي، فعند ظهور ذلك فيهم هلكوا، وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر، انتهى.
قوله: (إلا من داء) ظاهره أن التحريم المذكور إنما هو فيما إذا كان لقصد التحسين لا لداء وعلة فإنه ليس بمحرم، وظاهر قوله:"المغيرات خلق الله" أنه لا يجوز تغيير شيء من الخلقة عن الصفة التي هي عليها.
قال أبو جعفر
(1)
الطبري: في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز تغيير شيء مما خلق الله المرأة عليه بزيادةٍ أو نقصٍ، التماسًا للتحسين لزوج أو غيره، كما لو كان لها سنٌّ زائدةٌ، أو عضو زائدٌ فلا يجوز لها قطعه، ولا نزعه: لأنَّه من تغيير خلق الله، وهكذا لو كان لها أسنانٌ طوالٌ فأرادت تقطيع أطرافها.
وهكذا قال القاضي عياض
(2)
وزاد: إلا أن تكون هذه الزوائد مؤلمةً وتتضرَّر بها فلا بأس بنزعها، قيل: وهذا إنما هو في التغيير الذي يكون باقيًا، فأما ما لا يكون باقيًا كالكحل ونحوه من الخضابات فقد أجازه مالك وغيره من العلماء.
قوله: (هذه الغمرة) بفتح الغين المعجمة وسكون الميم بعدها راء: طلاء من الورس. وفي القاموس
(3)
: في مادة الغمر، وبالضم: الزعفران كالغمرة.
38/ 2781 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَتْ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ تَخْضُبُ وَتَطَيّبُ، فَتَرَكَتْهُ فَدَخَلَتْ عَلَيَّ، فَقُلْت: أَمَشْهَدٌ أمْ مُغِيبٌ؟ فَقَالَتْ: مَشْهَدٌ، قَالَتْ: عُثْمَانُ لا يُرِيدُ الدّنْيَا وَلَا يُرِيدُ النِّساءَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فأخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ فَقَالَ: "يَا عُثْمَانُ تُؤْمِنُ بِمَا نُؤْمِنُ بِهِ؟ "، قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "فَأُسْوَةٌ ما لَكَ بِنَا")
(4)
. [صحيح لغيره]
(1)
ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 277) والقاضي عياض في المرجع المتقدم (6/ 655 - 657).
(2)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 656).
(3)
القاموس المحيط (ص 580).
(4)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 106) بسند ضعيف لسوء حفظ مؤمل بن إسماعيل.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 301) وقال: أسانيد أحمد رجالها ثقات.
وهو حديث صحيح لغيره.
39/ 2782 - (وَعَنْ كَرِيمَةَ بِنْتِ هَمَّامِ قَالَتْ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ الحَرَامَ فأخْلَوْهُ لِعَائِشَةَ فَسأَلَتْهَا امْرأةٌ: ما تَقُولِينَ يَا أمّ المُؤمِنِينَ فِي الحِنّاءِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ حَبِيبِي صلى الله عليه وسلم يُعْجِبهُ لَوْنُه وَيَكْرَهُ رِيحَهُ، وَلَيْسَ بِمُحَرّمٍ عَلَيْكُنَّ بَيْنَ كُلّ حَيْضَتَيْنِ، أَوْ عِنْدَ كُلّ حَيْضَةٍ. رَوَاهمَا أحْمَد
(1)
. [ضعيف]
40/ 2783 - (وَعَنْ [أَنَسٍ]
(2)
قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّساء بالرِّجَالِ
(3)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ: لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المُخَنَّثِينَ مِنَ الرّجالِ، وَالمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّساءِ، وَقَالَ:"أخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتكُم"، فَأخْرَجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فُلانَةٌ، وأخْرَجَ عُمَرُ فُلانًا
(4)
. رَوَاهُمَا أحْمَدُ وَالْبُخَارِي). [صحيح]
حديث عائشة الأوّل أخرجه أحمد
(5)
من طرق مختلفة متعدّدة، هذه المذكورة هنا أحدها. قال في مجمع الزوائد
(6)
: وأسانيد أحمد رجالها ثقات. وقد تقدم ما يشهد له أوّل كتاب النكاح.
(1)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 117) بسند ضعيف، لانفراد كريمة بنت همام بهذا الحديث وهي مستورة الحالة لم يؤثر توثيقها عن أحد.
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 61 - 62) و (7/ 311 - 312) وفي "الآداب" رقم (827) عن محمد بن المهزم بنفس إسناد محمد.
وهو حديث ضعيف.
(2)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب:(ابن عباس) كما في مصادر التخريج.
(3)
أخرجه أحمد في المسند (1/ 339) والبخاري رقم (5885) وأبو داود رقم (4097) وابن ماجه رقم (1904) والترمذي رقم (2784) والبغوي في "الجعديات" رقم (993) والطبراني في الكبير رقم (11823) والبيهقي في شعب الإيمان رقم (7799) من طرق.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وهو حديث صحيح.
(4)
أخرجه أحمد في المسند (1/ 225، 227، 237) والبخاري رقم (5886) و (6834) وأبو داود رقم (4930) والنسائي في الكبرى رقم (9254 - العلمية) والطبراني في الكبير رقم (11988) و (11989) والبيهقي (8/ 224).
وهو حديث صحيح.
(5)
في المسند (6/ 106) وقد تقدم.
(6)
في "مجمع الزوائد"(4/ 301) وقد تقدم.
وحديثها الثاني أيضًا تقدم ما يشهد له في كتاب الطهارة.
قوله: (أمشهدٌ أم مغيبٌ)، أي: أزوجُكِ شاهدٌ أم غائب؟ والمراد: أن ترك الخضاب والطيب إنْ كان لأجل غيبة الزوج فذاك، وإن كان لأمرٍ آخر مع حضوره فما هو؟ فأخبرتها: أن زوجها لا حاجة له بالنساء، فهي في حكم من لا زوج لها.
واستنكار عائشة عليها ترك الخضاب والطيب يشعر بأن ذوات الأزواج يحسن منهنَّ التزين للأزواج بذلك.
وكذلك قوله في الحديث الآخر: "وليس بمحرَّم عَليكنَّ بين كل حيضتين"، يدلُّ على أنه لا بأس بالاختضاب بالحناء، وقد تقدم الكلام في الخضاب في الطهارة
(1)
.
وقد ذكر في البحر
(2)
أنه يستحبّ الخضاب للنساء.
قوله: (لعن الله المتشبهين من الرجال
…
إلخ)، فيه دليل على أنه يحرم على الرجال التشبه بالنساء، وعلى النساء التشبه بالرجال في الكلام واللباس والمشي وغير ذلك، والمترجلات من النساء: المتشبهات بالرجال.
وقد تقدم الكلام على المخنثين ضبطًا وتفسيرًا، وذكر من أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم[منهم]
(3)
.
وقد أخرج أبو داود
(4)
من حديث أبي هريرة قال: "أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذا؟ قالوا: يتشبه بالنساء، فأمر به فنفي إلى النفيع - بالنون - فقيل: يا رسول الله ألا تقتله، فقال: إني نهيت أن أقتل المصلين".
وروى البيهقي
(5)
أن أبا بكر أخرج مخنثًا، وأخرج عمر واحدًا.
(1)
نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار (1/ 448 - 454) بتحقيقي.
(2)
البحر الزخار (4/ 363).
(3)
في المخطوط (ب): (منهما).
(4)
في سننه رقم (4928) وهو حديث صحيح.
(5)
في السنن الكبرى (8/ 224).
وأخرج الطبراني
(1)
من حديث واثلة بن الأسقع: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج الخنيث".
[الباب الحادي عشر] باب التسمية والتستر عند الجماع
41/ 2784 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أتى أهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ الله، اللَّهُم جَنِّبْنا الشَّيْطان وجنِّبِ الشيطانَ ما رَزَقْتَنَا، فإنْ قُدّرَ بَيْنَهُما فِي ذلكَ وَلَدٌ لَنْ يَضُرّ ذلك الوَلَدَ الشَّيْطَانُ أَبَدًا"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا النَّسائيّ
(2)
[صحيح]
42/ 2785 - (وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السّلَمِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ وَلَا يَتَجَرَّدَا تجَرُّدَ العِيرَيْنِ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)
(3)
. [ضعيف]
(1)
في المعجم الكبير (ج 22 رقم 205).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 103 - 104) وقال: وفيه حماد مولى بني أمية.
(2)
أحمد في المسند (1/ 243) والبخاري (5165) ومسلم رقم (116/ 1434) وأبو داود رقم (2161) والترمذي رقم (1092) وابن ماجه رقم (1919).
وهو حديث صحيح.
(3)
في سننه رقم (1921).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 95): "هذا إسناد ضعيف لضعف الأحوص بن حكيم العنسي الحمصي.
وله شاهد من حديث ابن مسعود رواه البزار في مسنده، والبيهقي في سننه الكبرى - (7/ 193) - قال المزي في "الأطراف": ورواه بشر بن عمارة عن الأحوص بن حكيم عن عبد الله بن عامر عن عتبة بن عبد". اهـ.
قال البيهقي: "تفرد به مندل بن علي وليس بالقوي وهو وإن لم يكن ثابتًا فمحمود في الأخلاق". اهـ.
وقال الألباني في الإرواء (7/ 71): "قلت: وفي السند علة أخرى وهي ضعف الوليد بن القاسم الهمداني
…
وتابعه مع المخالفة في السند بشر بن عمارة كما سبق عن المزي، وبشر هذا ضعيف كما في "التقريب" - رقم (697) - ". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
43/ 2786 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إيّاكُمْ وَالتّعَرّيَ، فإنّ مَعَكُمْ مَنْ لا يُفارِقُكُمْ إلّا عِنْدَ الغائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، فاسْتَحْيُوهُمْ وكْرِمُوهُمْ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(1)
وَقَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيبٌ). [ضعيف]
زاد الترمذي
(2)
بعد قوله: حديث غريب: لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وحديث عتبة في إسناده رشدين بن سعد وهو ضعيف
(3)
، وكذلك في إسناده الأحوص بن حكيم وهو أيضًا ضعيف
(4)
، ولكنه قد تابع رشدين بن سعد عبد الأعلى بن عديّ وهو ثقة.
ويشهد لصحة الحديثين - حديث عتبة بن عبد السلمي
(5)
، وحديث ابن عمر (1) - الأحاديث الواردة في الأمر بستر العورة والمبالغة في ذلك.
(منها) حديث بَهْز بن حَكيم عن أبيه عن جده قال: "قلت: يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض، قال: إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يراها، قال: قلت: إذا كان أحدنا خاليًا، قال: فالله أحقّ أن يُستَحْيَا [منه]
(6)
من الناس"، هذا لفظ الترمذي
(7)
وقال: حديث حسن.
(1)
في السنن رقم (2800) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قلت: في سنده: ليث بن أبي سليم. وقد قال عنه الحافظ في "التقريب" رقم (5685): "صدوق اختلط أخيرًا ولم يتميز حديثه فترك". اهـ.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(2)
في السنن (5/ 112).
(3)
قاله الحافظ في "التقريب" رقم (1942).
(4)
قال الحافظ في "التقريب" رقم (290): "ضعيف الحفظ"، وقال المحرران:"بل ضعيف".
(5)
تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (3).
(6)
زيادة من سنن الترمذي.
(7)
في سننه رقم (2794) و (2769) وقال: هذا حديث حسن.
قلت: وأخرجه أحمد (5/ 3) وأبو داود رقم (4017) وابن ماجه رقم (1920) وعلقه البخاري في صحيحه (1/ 385).
قال ابن حجر في "الفتح"(1/ 386): الإسناد إلى بهز صحيح، ولهذا جزم به البخاري، وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه.
وصححه الحاكم في المستدرك (4/ 180) ووافقه الذهبي.
وخلاصة القول: أن حديث بهز بن حكيم حديث حسن، والله أعلم.
ففي هذا الحديث الأمر بستر العورة في جميع الأحوال، والإذن بكشف ما لا بد منه للزوجات والمملوكات حال الجماع، ولكنه ينبغي الاقتصار على كشف المقدار الذي تدعو الضرورة إليه حال الجماع، ولا يحلّ التجرّد كما في حديث عتبة
(1)
المذكور.
قوله: (إذا أتى أهله) في رواية للبخاري
(2)
: "حين يأتي أهله".
وفي رواية للإسماعيلي
(3)
: "حين يجامع أهله"، وذلك ظاهرٌ: في أن القول يكون مع الفعل.
وفي رواية لأبي داود
(4)
: "إذا أراد أن يأتي أهله" وهي مفسرةٌ لغيرها من الروايات فيكون القول قبل الشروع، ويحمل ما عدا هذه الرواية على المجاز كقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}
(5)
أي: إذا أردت القراءة.
قوله: (جَنِّبنا) في رواية للبخاري
(6)
بالإفراد.
قوله: (فإنْ قُدِّرَ بينهما في ذلك ولدٌ)، في رواية للبخاري:"فإن قضى الله بينهما ولدًا".
قوله: (لن يضرَّ ذلك الولدَ الشيطانُ)، في روايةٍ لمُسلمٍ
(7)
وأحمد
(8)
: "لم يُسَلّط عليه الشيطان"، ولفظ البخاري
(9)
: "لم يضرَّه شيطانٌ"، واللفظ الذي ذكره المصنف لأحمد.
واختلف في الضرر المنفي بعد الاتفاق على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر على ما نقل القاضي عياض
(10)
، وإن كان ظاهرًا في الحمل على عموم الأحوال في صيغة النفي مع التأبيد، وكأن سبب ذلك الاتفاق ما ثبت في
(1)
تقدم في الصفحة (294) الحاشية رقم (3).
(2)
في صحيحه رقم (141).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 228).
(4)
في سننه رقم (2161) وقد تقدم.
(5)
سورة النحل، الآية:(98).
(6)
في صحيحه رقم (3283) ورقم (5165).
(7)
في صحيحه رقم (116/ 1434) بلفظ: "لم يضره شيطان أبدًا".
(8)
في المسند (1/ 216 - 217) بلفظ: "لم يَضُرَّ ذلك الولدَ الشيطانُ أبدًا".
(9)
في صحيحه برقم (7396).
(10)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 610).
الصحيح
(1)
أن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد إلا من استثني، فإن هذا الطعن نوع من الضرر.
ثم اختلفوا فقيل: المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}
(2)
.
وقيل: المراد: لم يطعن في بطنه، وهو بعيد لمنابذته لظاهر الحديث المتقدم، وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا.
وقيل: المراد: لم يصرعه.
وقيل: لم يضرّه في بدنه.
وقال ابن دقيق العيد
(3)
: يحتمل أن لا يضرّه في دينه أيضًا، ولكن يبعده انتفاء العصمة لاختصاصها بالأنبياء.
وتعقب بأنه اختصاص من خصّ بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز، فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدًا وإن لم يكن ذلك واجبًا له.
وقال الداودي
(4)
: معنى لم يضرّه: أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر، وليس المراد عصمته منه عن المعصية.
وقيل: لم يضرّه بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد أن الذي يجامع ولا يسمي يلتفّ الشيطان على إحليله فيجامع معه
(5)
.
[الباب الثاني عشر] باب ما جاءَ في العزل
44/ 2787 - (عَنْ جابِرٍ قَالَ: كنّا نَعْزِل على عَهْدِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ
(6)
. [صحيح]
(1)
في صحيح البخاري رقم (3286) من حديث أبي هريرة.
(2)
سورة الحجر، الآية:(42).
(3)
في إحكام الأحكام (4/ 43).
(4)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 229).
(5)
وللجماع آداب انظرها في: "المغني"(10/ 231 - 234) والبيان (9/ 503 - 504).
(6)
أحمد في المسند (3/ 309) والبخاري رقم (5208) ومسلم رقم (136/ 1440).
وَلمُسْلِمٍ
(1)
: كنّا نَعْزِلُ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَبَلَغَهُ ذلكَ فَلَمْ يَنْهَنَا). [صحيح]
45/ 2788 - (وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خادِمَتُنا وَسَانِيَتُنا فِي النّخْلِ وأنا أطوفُ عَلَيْهَا وأكْرَهُ أنْ تَحْمِلَ، فَقَالَ:"اعْزِلْ عَنْها إنْ شِئْتَ فإنّهُ سَيأتِيها ما قدّرَ لَهَا"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وَمُسْلِمٌ
(3)
وَأَبُو دَاوُدَ
(4)
. [صحيح]
46/ 2789 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي المصْطَلَقِ فأصَبْنَا سَبْيًا مِنَ الْعَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّساءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا العزْبَةُ وأحْبَبْنا العَزْلَ، فَسألْنا عَنْ ذلكَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا عَلَيْكمْ أنْ لا تَفْعَلُوا فإنَّ الله عز وجل
قَدْ كَتَبَ ما هُوَ خَالِقٌ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(5)
. [صحيح]
47/ 2790 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَتْ الْيَهُودُ: العَزْلُ المَوْؤُودَةُ الصّغْرَى، فَقَالَ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"كَذَبَتْ يَهُودُ، إِنَّ الله عز وجل لَوْ أَرَادَ أَنْ يَخْلقَ شَيْئًا لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يَصْرِفَهُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(6)
وأبو دَاوُدَ)
(7)
. [صحيح]
48/ 2791 - (وَعَنْ أبي سَعِيد قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي العَزْلِ: "أَنْتَ تَخْلقُهُ، أنْتَ تَرْزُقُهُ، أقِرَّهُ قَرَارَهُ فَإنَّمَا ذلكَ القَدَرُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(8)
. [إسناده ضعيف]
49/ 2792 - (وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ: أَنَّ رَجُلًا جاءَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:
(1)
في صحيحه رقم (138/ 1440).
(2)
في المسند (3/ 312).
(3)
في صحيحه رقم (134/ 1439).
(4)
في سننه رقم (2173).
وهو حديث صحيح.
(5)
أحمد في المسند (3/ 68) والبخاري رقم (5210) ومسلم رقم (125/ 1438).
(6)
في المسند (3/ 33).
(7)
في السنن رقم (2171).
قلت: وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (194) و (197) والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (1916).
وهو حديث صحيح.
(8)
في المسند (3/ 53) إسناده ضعيف لانقطاعه، الحسن البصري لم يسمع من أبي سعيد، وبقية رجاله ثقات.
إني أعْزِلُ عَنِ امْرَأَتِي، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم:"لِمَ تَفْعَلُ ذلكَ؟ "، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَشْفَقُ على وَلَدِها أوْ على أوْلادِها، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لَوْ كانَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَمُسْلِمٌ)
(2)
. [صحيح]
50/ 2793 - (وَعَنْ جُذَامَة بِنْتِ وَهْبٍ الأسَدِيّةِ قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي أنَاسٍ وَهُوَ يَقُولُ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ أنهَى عَنِ الغِيْلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسِ فَإِذَا هُمْ يَغِيلُونَ أَوْلادَهُمْ، فَلا يَضُرُّ أوْلادَهُمْ شَيْئًا"، ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ذَلِكَ الوأْدُ الخَفِيُّ، وَهِيَ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)}
(3)
"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وَمُسْلِمٌ
(5)
. [صحيح]
51/ 2794 - (وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّاب قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَعْزِلَ عَنِ الحُرَّةِ إلَّا بإذْنِها. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(6)
وَابْنُ مَاجَهْ
(7)
وَلَيْسَ إسْنادُهُ بِذَلِكَ). [ضعيف]
(1)
في المسند (5/ 203).
(2)
في صحيحه رقم (143/ 1443).
قلت وأخرجه البزار في مسنده رقم (2588).
والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 46 - 47) وفي شرح "مشكل الآثار" رقم (3671).
وهو حديث صحيح.
(3)
سورة التكوير، الآية:(8).
(4)
في المسند (6/ 361).
(5)
في صحيحه رقم (141/ 1442).
قلت: وأخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 607 - 608) وأبو داود رقم (3882) والترمذي رقم (2077) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (3664) و (3666) وابن حبان رقم (4196) والطبراني في الكبير (ج 24 رقم 534) والحاكم (4/ 69) والبيهقي (7/ 465).
قال الحاكم: قد اتفق الشيخان على إخراج حديث مالك بن أنس.
قلت: بل تفرد به مسلم كما تقدم.
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(6)
في المسند (1/ 31).
(7)
في السنن رقم (1928).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 99): "هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة". وهو حديث ضعيف.
حديث أبي سعيد الثاني أخرجه أيضًا الترمذي
(1)
والنسائي
(2)
.
قال الحافظ
(3)
: ورجاله ثقات.
وقال في مجمع الزوائد
(4)
: رواهُ البزار وفيه موسى بن وردان وهو ثقة، وقد ضُعِّفَ، وبقية رجاله ثقات.
وأخرج نحوه النسائي من حديث جابر
(5)
، وأبي هريرة
(6)
، وجزم الطحاوي بكونه منسوخًا وعكسه ابن حزم
(7)
.
وحديث عمر بن الخطاب في إسناده ابن لهيعة
(8)
وفيه مقال معروف.
ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق
(9)
والبيهقي
(10)
عن ابن عباس قال: "نهي عن عزل الحرة إلا بإذنها".
وروى عنه ابن أبي شيبة
(11)
أنه كان يعزل عن أمته.
وروى البيهقي
(12)
عن ابن عمر مثله.
ومن أحاديث هذا الباب عن أنس عند أحمد
(13)
والبزار
(14)
(1)
أشار إليه الترمذي في سننه بإثر الحديث رقم (1136).
(2)
في السنن الكبرى رقم (7/ 9084) ط: العلمية.
(3)
في "بلوغ المرام" عقب الحديث رقم (12/ 965) بتحقيقي.
(4)
في "مجمع الزوائد"(4/ 297).
(5)
في السنن الكبرى (8/ 222 رقم 9030 - الرسالة).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (89) والترمذي رقم (1136).
وهو حديث صحيح.
(6)
في السنن الكبرى (8/ 223 رقم 9035 - الرسالة).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 230).
وهو حديث صحيح.
(7)
في المحلى (10/ 77).
(8)
ذكر البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 99).
(9)
في المصنف رقم (12562).
(10)
في السنن الكبرى (7/ 231).
(11)
في المصنف (4/ 220).
(12)
في السنن الكبرى (7/ 231).
(13)
في المسند (3/ 140).
(14)
في المسند رقم (2163) وقال: لا نعلمه يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد.
وابن حبان
(1)
وصححه: "أن رجلًا سأل عن العزل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدًا".
وله شاهدان في الكبير للطبراني
(2)
عن ابن عباس، وفي الأوسط
(3)
له عن ابن مسعود.
قوله: (كنّا نعزل) العزل
(4)
: النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج.
قوله: (والقرآن ينزل) فيه جواز الاستدلال بالتقرير من الله ورسوله على حكم من الأحكام، لأنه لو كان ذلك الشيء حرامًا لم يقرّرا عليه، ولكن بشرط أن يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذهب الأكثر من الأهل الأصول
(5)
على ما حكاه في الفتح
(6)
إلى أن الصحابي إذا أضاف الحكم إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع.
(1)
في "ثقاته"(7/ 502).
قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم (366) والضياء في "المختارة" رقم (1819) و (1821).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 296) وقال: "رواه أحمد والبزار وإسنادهما حسن، وحسنه المحدث الألباني في "الصحيحة" رقم (1333).
• وله شاهد من حديث ابن عباس عند الطبراني في "الأوسط" رقم (6884)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 296): وفيه من لم أعرفه.
• وشاهد آخر من حديث ابن مسعود موقوفًا عند عبد الرزاق رقم (12568) والطبراني في الكبير رقم (9664) وإسناده حسن.
وهو في سنن سعيد بن منصور رقم (2221) بإسناد رجاله ثقات رجال الصحيح لكن فيه انقطاع.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(2)
بل في الأوسط رقم (6884) وقد تقدم في التعليقة المتقدمة.
(3)
بل في الكبير رقم (9664) وقد تقدم في التعليقة المتقدمة.
(4)
قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 201): "أي يعزله عن إقراره في فرج المرأة وهو محلُّه".
(5)
إرشاد الفحول (ص 234) والبحر المحيط (4/ 379).
ومثال: "كنا نفعل في عهده صلى الله عليه وسلم"، كنا نخرج صدقة عيد الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير".
البخاري رقم (1505) و (1506) ومسلم رقم (17، 18، 19/ 985).
(6)
في "الفتح"(9/ 306).
قال
(1)
: لأن الظاهر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام، قال: وقد وردت عدةُ طرقٍ تصرِّح باطلاعه على ذلك.
وأخرج مسلم
(2)
من حديث جابر قال: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا". [ووقع]
(3)
في حديث الباب
(4)
المذكور الإذن له بالعزل، فقال:"اعزل عنها إن شئت".
قوله: (ما عليكم أن لا تفعلوا) وقع في رواية في البخاري
(5)
وغيره
(6)
: "لا عليكم أن لا تفعلوا"، قال ابن سيرين
(7)
: هذا أقرب إلى النهي.
وحكى ابن عون عن الحسن (7) أنه قال: والله لكان هذا زجرًا.
قال القرطبي
(8)
: كأن هؤلاء فهموا من لا، النهي عما سألوا عنه، فكأنه قال: لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا ويكون قوله: "وعليكم" إلى آخره تأكيدًا للنهي.
وتعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير، وإنما معناه: ليس عليكم أن تتركوا، وهو الذي يساوي أن لا تفعلوا.
وقال غيره: معنى لا عليكم أن لا تفعلوا: أي لا حرج عليكم أن لا تفعلوا ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل، فأفهم ثبوت الحرج في فعل العزل، ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال: لا عليكم أن تفعلوا إلا إن يدّعي أن لا زائدة، فيقال: الأصل عدم ذلك.
وقد اختلف السلف في حكم العزل، فحكى في الفتح
(9)
عن ابن عبد البر
(10)
أنه قال: لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرّة إلا
(1)
أي الحافظ ابن حجر في المرجع السابق.
(2)
في صحيحه رقم (138/ 1440) وقد تقدم.
(3)
في المخطوط (ب): (وقع).
(4)
تقدم برقم (2788) من كتابنا هذا.
(5)
في صحيحه رقم (2229).
(6)
كابن ماجه في سننه رقم (1926).
(7)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 307).
(8)
في "المفهم"(4/ 166).
(9)
(9/ 308).
(10)
في "التمهيد"(11/ 335 - الفاروق).
بإذنها، لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزلٌ.
قال الحافظ
(1)
: ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة
(2)
. قال: وتعقب بأن المعروف عند الشافعية
(3)
أنه لا حقّ للمرأة في الجماع، وهو أيضًا مذهب الهادوية
(4)
، فيجوز عندهم العزل عن الحرَّة بغير إذنها؛ على مقتضى قولهم: إنَّه لا حقَّ لها في الوطء، ولكنَّه وقع التصريح في كتب الهادوية
(5)
بأنه لا يجوز العزل عن الحرَّة إلا برضاها، ويدلُّ على اعتبار الإذن من الحرة حديث عمر
(6)
المذكور ولكن فيه ما سلف.
وأما الأمَة فإن كانت زوجةً فحكمها حكم الحرَّة.
واختلفوا: هل يعتبر الإذن منها أو من سيِّدها وإن كانت سُرِّيَّةً، فقال في الفتح
(7)
: يجوز بلا خلاف عندهم إلا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقًا كمذهب ابن حزم
(8)
، وإن كانت السرية مستولدةً فالراجح الجواز فيها مطلقًا لأنها ليست راسخة في الفراش.
وقيل: حكمها حكم الأمة المزوّجة.
قوله: (كذبت يهود) فيه دليل على جواز العزل، ومثله ما أخرجه الترمذي
(9)
وصححه عن جابر قال: "كانت لنا جوار وكنا نعزل، فقالت اليهود:
(1)
في "الفتح"(9/ 308).
(2)
في "الإفصاح"(8/ 88 مسألة 52).
(3)
البيان للعمراني (9/ 507 - 508).
(4)
البحر الزخار (3/ 80).
(5)
البحر الزخار (3/ 81).
(6)
تنبيه: في كل طبعات "نيل الأوطار" المحققة وغيرها: (عمرو) وهو تحريف. والصواب ما أثبتناه من المخطوط (أ) و (ب) ومراجع التخريج.
وقد تقدم الحديث برقم (2794) من كتابنا هذا.
(7)
(9/ 308).
(8)
في المحلى (10/ 70 رقم المسألة 1907).
(9)
في سننه رقم (1136) وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (193) بسند صحيح.
وهو حديث صحيح.
إن تلك الموؤودة الصغرى، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: كذبت اليهود لو أراد الله خلقه لم يستطع رده".
وأخرج نحوه النسائي
(1)
من حديث أبي هريرة ولكنه يعارض ذلك ما في حديث جذامة المذكور
(2)
من تصريحه صلى الله عليه وسلم بأن ذلك الوأد الخفيُّ.
فمن العلماء من جمع بين هذا الحديث وما قبله، فحمل هذا على التنزيه، وهذه طريقة البيهقي.
ومنهم من ضعف حديث جذامة هذا لمعارضته لما هو أكثر منه طرقًا.
قال الحافظ
(3)
: وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم، والحديث صحيح لا ريب فيه، والجمع ممكن.
ومنهم من ادّعى أنَّه منسوخٌ وردَّ بعدم معرفة التاريخ.
وقال الطحاوي
(4)
: يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أوّلًا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أعلمه الله بالحكم، فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه وتعقبه ابن رشد وابن العربي
(5)
بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يحرم شيئًا تبعًا لليهود ثم يصرّح بتكذيبهم فيه.
ومنهم من رجح حديث جذامة (2) بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بالاختلاف في إسناده والاضطراب.
قال الحافظ
(6)
: وردَّ بأنَّه إنما يقدح في حديث، لا فيما يقوّي بعضه بعضًا، فإنَّه يعمل به، وهو هنا كذلك والجمع ممكن.
ورجح ابن حزم
(7)
العمل بحديث جذامة (2) بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة وحديثها يدلّ على المنع.
قال
(8)
: فمن ادَّعى أنَّه أبيح بعد أن منع فعليه البيان. وتعقَّب بأن حديثها
(1)
في "عشرة النساء" رقم (198) بسند حسن.
(2)
تقدم برقم (2793) من كتابنا هذا.
(3)
في "الفتح"(9/ 309).
(4)
في شرح مشكل الآثار (5/ 173).
(5)
في "عارضة الأحوذي"(5/ 77).
(6)
في "الفتح"(9/ 309).
(7)
في المحلى (10/ 71).
(8)
أي ابن حزم في المرجع السابق.
ليس بصريح في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدًا خفيًا على طريق التشبيه أن يكون حرامًا.
وجمع ابن القيم
(1)
فقال: الذي كذّب فيه صلى الله عليه وسلم اليهود هو زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلًا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم، وأخبر: أنَّه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدًا حقيقة، وإنما سماه وأدًا خفيًا من حديث جذامة
(2)
لأن الرجل إنما يعزل هربًا من الحمل فأجري قصده لذلك مجرى الوأد، لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد فقط، فلذلك وصفه بكونه خفيًا وهذا الجمع قويّ، وقد ضعف أيضًا حديث جذامة (2)، أعني الزيادة التي في آخره بأنه تفرّد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود، ورواه مالك ويحيى بن أيوب عن أبي الأسود فلم يذكراها، وبمعارضتها لجميع أحاديث الباب، وقد [حذف]
(3)
هذه الزيادة أهل السنن الأربع، وقد احتجّ بحديث جذامة هذا من قال بالمنع من العزل كابن حبان.
قوله: (أشفقُ على ولدها)، هذا أحد الأمور التي تحمل على العزل.
(ومنها) الفرار من كثرة العيال والفرار من حصولهم من الأصل.
(ومنها) خشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقًا، وكل ذلك لا يغني شيئًا لاحتمال أن يقع الحمل بغير الاختيار.
قوله: (أن أنهى عن الغِيْلَة) بكسر الغين المعجمة بعدها تحتيةٌ ساكنة، ويقال لها: الغَيَل، بفتح الغين والياء، والغِيال بكسر الغين المعجمة؛ والمراد بها أن يجامع امرأته وهي مرضعٌ
(4)
.
وقال ابن السكيت
(5)
: هي أن ترضع المرأة وهي حامل وذلك لما يحصل
(1)
في زاد المعاد في هدي خير العباد (5/ 132).
(2)
تقدم برقم (2793) من كتابنا هذا.
(3)
في المخطوط (ب): (حقق)، والصواب ما أثبتناه من (أ).
(4)
قاله ابن الأثير في "النهاية"(2/ 334).
(5)
في "كنز الحفاظ في كتاب تهذيب الألفاظ"(1/ 344) لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت.
على الرضيع من الضرر بالحبل حال إرضاعه، فكان ذلك سبب همه صلى الله عليه وسلم بالنهي، ولكنَّه لما رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم: أن الغيلة لا تضرُّ فارس والروم ترك النهي عنها.
[الباب الثالث عشر] باب نهي الزوجين عن التحدث بما يجري حال الوقاع
52/ 2795 - (عَنِ أبي سَعِيدٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ الله مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى المَرْأَةِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّها"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَمُسْلِمٌ
(2)
. [إسناده ضعيف]
53/ 2796 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى، فَلَمّا سَلّمَ أقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ:"مَجَالِسَكُمْ، هَلْ مِنْكُمْ الرَّجُلُ إذَا أَتَى أهْلَهُ أغْلَقَ بَابَهُ وأرْخَى سِتْرَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُحَدّثُ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ بِأهْلِي كَذَا وَفَعَلْتُ بِأَهْلِي كَذَا؟ " فَسَكَتُوا، فَأَقْبَلَ عَلى النِّسَاءِ فَقَالَ:"هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّث"؟ فَجَثَتْ فَتَاةٌ كَعابٌ على إحْدَى
(1)
في المسند (3/ 69).
(2)
في صحيحه رقم (123، 124/ 1437).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 391) وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (619) وأبو نعيم في الحلية (10/ 236) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 193 - 194) وفي الشعب رقم (5231) وأبو داود رقم (4870) من طرق.
قال المحدث الألباني رحمه الله في "آداب الزفاف"(ص 142 - 143): "إنَّ هذا الحديث مع كونه في "صحيح مسلم"؛ فإنه ضعيف من قبل سنده، لأن فيه (عمر بن حمزة العمري) وهو ضعيف؛ كما قال في "التقريب" رقم (4884). وقال الذهبي في "الميزان" (3/ 192): "ضعفه يحيى بن معين والنسائي، وقال أحمد: أحاديثه مناكير". ثم ساق له الذهبي هذا الحديث، وقال: "فهذا مما استنكر لعمر".
قلت: وسيتنتج من هذه الأقوال لهؤلاء الأئمة أن الحديث ضعيف ليس بصحيح، وتوسط ابن القطان - في "بيان الوهم والإيهام" (4/ 450 - 451 رقم 2021) - فقال: كما في "الفيض": "وعمر ضعفه ابن معين، وقال أحمد: أحاديثه مناكير. فالحديث به حسن لا صحيح".
قلت: لا أدري كيف حكم بحسنه مع التضعيف الذي حكاه هو نفسه؟ فلعله أخذ بهيبة "الصحيح"!.
ولم أجد حتى الآن ما أشد به عضد هذا الحديث
…
والله أعلم". اهـ.
رُكْبَتَيْهَا وَتَطَاوَلَتْ لِيَرَاهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَيَسْمَعَ كَلَامَهَا، فَقَالَتْ: إِيْ وَالله إِنَّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ وإنهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَ، فَقَالَ:"هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ إِنَّ مَثَلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، مَثَلُ شَيْطَانٍ وَشَيْطَانَةٍ لَقِيَ أحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالسِّكَّةِ فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا وَالنّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ"، رَوَاهُ أَبُو أَحْمَدُ
(1)
وَأَبُو دَاوُدَ
(2)
. [حسن]
وَلِأَحْمَدَ
(3)
نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ). [حسن]
حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا النسائي
(4)
والترمذي
(5)
وحسنه وقال: إلا
(1)
في المسند (2/ 540 - 541).
(2)
في سننه رقم (2174) و (4019).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 391) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 194). وهذا إسناد ضعيف، لجهالة الطَّفاوي. قال الحافظ في "التقريب" رقم (8500): الطفاوي: شيخ لأبي نشرة، لم يسم، من الثالثة. لا يعرف. (د). لكنه توبع، فقد أخرجه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(ص 199 - 200 رقم 436) بسند رجاله ثقات، غير الهيثم بن حميد وهو ثقة، لكنه تغير فصار يتلقن، كما في "التقريب" لكن لا بأس به في المتابعات.
والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(3)
في المسند (6/ 456 - 457).
قلت: وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 24 رقم 414).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 294) وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه شهر بن حوشب، وحديثه حسن، وفيه ضعف".
• وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري بنحوه، عند البزار في مسنده رقم (1450 - كشف).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 294): وقال "رواه البزار عن روح بن حاتم وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات".
وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(4)
في سننه رقم (5118).
(5)
في سننه رقم (2787) وفي الشمائل رقم (220).
قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (1456).
واقتصرا جميعًا على قصة طيب الرجال.
قال الترمذي: حديث حسن؛ إلا أن الطُّفاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث، ولا نعرف اسمه.
• وله شاهد من حديث عمران بن حصين عند أحمد (4/ 442) وأبو داود رقم (4048) =
أن الطفاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث ولا نعرف اسمه.
وقال أبو الفضل محمد بن طاهر: والطفاوي
(1)
مجهول. وقد رواه أبو داود
(2)
من طريقه، فقال: عن أبي نضرة قال: حدثني شيخ من طفاوة.
قوله: (إن من شرّ الناس) لفظ مسلم
(3)
: "أشرّ"، قال القاضي عياض
(4)
: وأهل النحو
(5)
يقولون: لا يجوز أشرّ وأخير، وإنما يقال: هو خير منه وشرّ منه.
قال
(6)
: وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعًا، وهي حجة في جواز الجميع.
قوله: (كعاب)
(7)
على وزن سحاب: وهي الجارية المكعب.
والحديثان يدلان: على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماعٍ، وذلك لأن كون الفاعل لذلك من أشرِّ الناس. وكونه بمنزلة شيطانٍ لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون، من أعظم الأدلة الدالة على تحريم
= والطبراني في الكبير (ج 18 رقم 312) و (313) و 314) والحاكم (4/ 191) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 246) وفي الشعب رقم (6320) ورجاله ثقات، وفي سماع الحسن من عمران مقال.
• وشاهد آخر عند البزار في مسنده رقم (2989 - كشف) والبيهقي في "الشعب" رقم (7810) والضياء في المختارة رقم (2311).
وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 156) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
وخلاصة القول: أن حديث أبي هريرة حديث صحيح، والله أعلم.
(1)
قال الحافظ في "التقريب"(رقم 8500): "شيخ لأبي نصرة، لم يسم".
(2)
في سننه رقم (2174) وقد تقدم.
(3)
في صحيحه رقم (123/ 1437) وقد تقدم.
(4)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(4/ 614).
(5)
اعلم أن أسماء التفضيل على وزن واحد هو (أفعل) ما عدا (خيرٌ)، و (شرٌ) فقد سقطت همزتهما لكثرة الاستعمال. والأصل فيها:(أخير) و (أشر). ويجوز استعمالها على الأصل، فتقول: هذا أخير لك من هذا، هذا خير لك من هذا.
[انظر: كافية ابن الحاجب (3/ 512) والمحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها (1/ 243].
(6)
أي القاضي في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 614).
(7)
قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 545) الكعاب: بالفتح: المرأة حين يبدو ثديها للنُهود وهي: الكاعب أيضًا، وجمعها كواعب.
نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة إلى الوطء ومقدماته، فإنَّ مجرَّد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار فضلًا عن كونه من شرّهم.
وكذلك الجماع بمرأى من الناس لا شك في تحريمه، وإنما خصَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الرجل، فجعل الزجر المذكور خاصًّا به، ولم يتعرَّض للمرأة، لأنَّ وقوع ذلك الأمر في الغالب من الرجال.
قيل: وهذا التحريم إنما هو في نشر أمور الاستمتاع، ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع، وإفشاء ما يجري من المرأة من قولٍ أو فعلٍ حالة الوقاع.
وأمَّا مجرَّد ذكر نفس الجماع، فإنْ لم يكن فيه فائدة، ولا إليه حاجةٌ فمكروه؛ لأنَّه خلاف المروءة، ومن التكلم بما لا يعني، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
وقد ثبت في الصحيح
(1)
عنه صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"، فإن كان إليه حاجة أم ترتبت عليه فائدة فلا كراهة في ذكره، وذلك نحو أن تنكر المرأة نكاح الزوج لها وتدّعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك كما روي أن الرجل الذي ادّعت عليه امرأته العنة قال:"يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم" ولم ينكر عليه
(2)
.
وما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال
(3)
: "إني لأفعله أنا وهذه".
وقال لأبي طلحة
(4)
: "أعرّستم الليلة؟ "، ونحو ذلك كثير.
[الباب الرابع عشر] باب النهي عن إتيان المرأة في دبرها
54/ 2797 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَلْعُونٌ مَنْ أتى امْرأةً فِي دُبُرِها"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(5)
وَأَبُو دَاوُدَ
(6)
. [حسن]
(1)
أخرجه البخاري رقم (6018) ومسلم رقم (74/ 47) من حديث أبي هريرة.
(2)
البخاري رقم (5825).
(3)
مسلم رقم (89/ 350).
(4)
مسلم رقم (23/ 2144).
(5)
في المسند (2/ 444).
(6)
في سننه رقم (2162). =
وفِي لَفْظٍ: "لَا يَنْظُرُ الله إلى رَجُلٍ جامَعَ امْرَأتهُ فِي دُبُرِها"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَابْنُ مَاجَهْ
(2)
. [حسن]
55/ 2798 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أتَى حَائِضًا أوِ امْرَأةً فِي دُبُرِها، أو كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(3)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
وأبُو دَاوُدَ
(5)
وقالَ: فَقَدْ بَرِئَ مِمّا أُنْزِلَ). [صحيح]
56/ 2799 - (وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَأتِيَ الرَّجُلُ امْرأَتَهُ فِي دُبُرِها. رَوَاهُ أحْمَدُ
(6)
وَابْنُ مَاجَهْ)
(7)
. [صحيح]
= قلت: وأخرجه النسائي في عشرة النساء رقم (129) وابن ماجه رقم (1923) وعبد الرزاق في المصنف رقم (20952) وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 253) والدارمي (1/ 260) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 44) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 198) والبغوي في شرح السنة رقم (2297).
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأة في دبرها".
وفي إسناده الحارث بن مُخلَّد لا يعرف حاله.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(1)
في المسند (2/ 344).
(2)
في سننه رقم (1923) وقد تقدم.
(3)
في المسند (2/ 408).
(4)
في السنن رقم (135).
(5)
في السنن رقم (3904).
قلت: وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (130) وابن ماجه رقم (639) وابن الجارود رقم (107) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 45) وفي شرح مشكل الآثار رقم (6130) والعقيلي في الضعفاء الكبير (1/ 317) وابن عدي في "الكامل"(2/ 637) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 198) من طرق.
انظر: "الإرواء" رقم (2006) وهو حديث صحيح.
(6)
في المسند (5/ 213، 214، 215).
(7)
في سننه رقم (1924).
قلت: وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (96) والدارمي (1/ 261)(2/ 145) وابن حبان رقم (4198) و (4200) والطبراني في الكبير (ج 4 رقم 3716) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 196 - 197) وابن الجارود في المنتقى رقم (728) وغيرهم. وانظر: "إرواء الغليل" رقم (2005).
وهو حديث صحيح.
57/ 2800 - (وَعَنْ عَلِيّ بْنِ أبي طالب أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا تأتُوا النِّساءَ فِي أعْجَازِهِنَّ"، أوْ قَالَ: "فِي أدْبَارِهِنَّ")
(1)
. [إسناده ضعيف]
58/ 2801 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أن النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الَّذِي يأتِي امْرأَتَهُ في دُبُرِها: "هِيَ اللُّوطيَّةُ الصُّغْرَى"، رَوَاهُما أحْمَدُ
(2)
. [إسناده حسن]
59/ 2802 - (وَعَنْ عَلِيّ بْنِ طَلْقٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا تَأتُوا النساءَ فِي أسْتاهِهِنَّ فإنَّ الله لا يستحي مِنَ الْحَقِّ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(3)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ). [حسن بشواهده]
60/ 2803 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَنْظُرُ الله إلى رَجُلٍ أتى رَجُلًا أوِ امْرَأةً فِي الدُّبُرِ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(5)
وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ). [حسن بشواهده]
(1)
في المسند (1/ 86) بسند ضعيف، مسلم بن سلام لم يرو عنه غيرُ واحد، ولم يوثقه غير ابن حبان.
• وإدراج هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، خطأ. فإنه من مسند علي بن طلق، نبه على ذلك ابن عساكر في كتابه:"ترتيب أسماء الصحابة"(ص 84).
(2)
في المسند (2/ 182).
قلت: وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (110) والطيالسي رقم (2266) والبزار رقم (1455) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 44) والبيهقي (7/ 198).
وذكر البخاري في "التاريخ الصغير"(ص 114) أن المرفوع لا يصح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته في دبرها: "هو اللوطية الصغرى".
إسناده حسن، وقد اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أصح.
(3)
في المسند (1/ 86) والفتح الرباني (16/ 224 رقم 238).
(4)
في السنن رقم (1164) وقال: هذا حديث حسن.
قلت: وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (137) وعبد الرزاق في المصنف رقم (20950) وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 251) والدارمي (1/ 260) والبيهقي (7/ 198) وابن حبان في صحيحه رقم (4199).
وهو حديث حسن بشواهده.
تنبيه: ذكره أحمد في مسند علي بن أبي طالب، في حين أن هذا الحديث من مسند علي بن طلق. فإن مسلم بن سلام الحنفي لم يرو عن علي بن أبي طالب، إنما روى عن علي بن طلق.
وانظر: "تهذيب الكمال"(27/ 519 رقم الترجمة 5930).
(5)
في السنن رقم (1165) وقال: هذا حديث حسن غريب. =
حديث أبي هريرة الأوّل أخرجه أيضًا بقية أهل السنن
(1)
والبزار، وفي إسناده الحارث بن مخلد. قال البزار
(2)
: ليس بمشهور. وقال ابن القطان
(3)
: لا يعرف حاله.
وقد اختلف فيه على سهيل بن أبي صالح، فرواه عنه إسماعيل بن عياش عن محمد بن المنكدر عن جابر كما أخرجه الدارقطني
(4)
وابن شاهين
(5)
.
ورواه عمر مولى [غُفْرَةَ]
(6)
عن سهيل عن أبيه عن جابر كما أخرجه ابن عديّ
(7)
بإسناد ضعيف.
قال الحافظ في بلوغ المرام
(8)
: إن رجال حديث أبي هريرة هذا ثقات لكن أعلّ بالإرسال.
وحديث أبي هريرة هو من رواية أبي تميمة عن أبي هريرة قال الترمذي
(9)
: لا نعرفه إلا من حديث أبي تميمة عن أبي هريرة.
وقال البخاري
(10)
: لا يعرف لأبي تميمة سماع عن أبي هريرة.
وقال البزار: هذا حديث منكر، وفي الإسناد أيضًا حكيم الأثرم. قال البزار: لا يحتجُّ به، وما تفرّد به فليس بشيء.
ولأبي هريرة حديث ثالث نحو حديثه الأوَّل، أخرجه النسائي
(11)
من رواية
= قلت: وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (115) وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 251 - 252) وأبو يعلى رقم (2378).
وهو حديث حسن لغيره والله أعلم.
(1)
النسائي في "عشرة النساء" رقم (129).
(2)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 369).
(3)
في بيان الوهم والإيهام (4/ 456).
(4)
في السنن (3/ 288 رقم 160).
(5)
عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(3/ 369).
(6)
في المخطوط (ب): (عفرة)، وهو تصحيف والصواب ما أثبتناه من المخطوط (أ) والمغني في ضبط أسماء الرجال (ص 191).
(7)
في "الكامل"(6/ 311) بسند ضعيف.
(8)
رقم الحديث (1/ 954) بتحقيقي.
(9)
في السنن (1/ 243).
(10)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 370).
(11)
في "عشرة النساء"(ص 131 - 132 رقم 124). =
الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وفي إسناده عبد الملك بن محمد الصنعاني، وقد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما.
ولأبي هريرة أيضًا حديث رابع أخرجه النسائي
(1)
من طريق بكر بن خُنَيْس
(2)
عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة بلفظ: "من أتى شيئًا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر"، وفي إسناده بكر بن خنيس وليث بن أبي سليم وهما ضعيفان.
= قال ابن كثير في "تفسيره"(2/ 317 - 318): "تفرد به النسائي من هذا الوجه. قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري، ومن حديث أبي سلمة، ومن حديث سعيد، فإن كان عبد الملك سمعه من سعيد، فإنما سمعه بعد الاختلاط، وقد رواه الزهري عن أبي سلمة أنه كان ينهى عن ذلك، فأما عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا" انتهى كلامه.
قلت: وانظر: تحفة الأشراف (11/ 25 رقم 15139).
ثم تابع ابن كثير فقال: "وفد أجاد وأحسن الانتقاد، إلا أن عبد الملك بن محمد الصنعاني لا يعرف أنه اختلط، ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة الكناني وهو ثقة، ولكن تكلم فيه دحيم، وأبو حاتم، وابن حبان، وقال: لا يجوز الاحتجاج به، والله أعلم.
وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد، عن سعيد بن عبد العزيز، وروي من طريقين آخرين، عن أبي سلمة، ولا يصح منهما شيء". اهـ.
قلت: وانظر: "التلخيص الحبير"(3/ 370).
(1)
لم أقف عليه، ولم يعزه صاحب التحفة (10/ 317) للنسائي.
وقال ابن كثير في "تفسيره"(2/ 318) بعدما ذكره: "والموقوف أصح، وبكر بن خُنَيْس، ضعفه غير واحد من الأئمة، وتركه آخرون". اهـ.
قلت: ولم يعزه ابن كثير للنسائي.
بل أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير"(1/ 148 - 149) في ترجمة بكر بن خنيس، وقال عقب الحديث:"قال: رواه سفيان الثوري، ومَعْمَر بن راشد، وأبو بكر بن عياش، والمحاري، ويزيد بن عطاء اليَشْكري، وعلي بن الفضل بن عياض، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة: فأوقفوه".
(2)
بكر بن خنيس: الكوفي، العابد، روى عن البصريين والكوفيين أشياء موضوعة في قيام الليل، وتكفير السيئات، والزهد.
قال ابن معين في "التاريخ"(2/ 62): ليس بشيء، وكذا الرازي في الجرح والتعديل (1/ 1/ 384) وقال الدارقطني والنسائي: متروك.
وذكره ابن حبان في المجروحين (1/ 195)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 148 رقم 184).
ولأبي هريرة أيضًا حديث خامس
(1)
، رواه عبد الله بن عمر بن أبان عن مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ:"ملعون من أتى النساء في أدبارهنّ"، وفي إسناده مسلم بن خالد وهو ضعيف.
وحديث خزيمة بن ثابت أخرجه الشافعي
(2)
أيضًا بنحوه، وفي إسناده [عمر بن أحيحة
(3)
] وهو مجهول. واختلف في إسناده كثيرًا.
ورواه النسائي
(4)
من طريق أخرى وفيها هرمي بن عبد الله ولا يعرف حاله.
(1)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 370).
(2)
في المسند (ج 2 رقم 90 - ترتيب).
قلت: وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (106) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 196) من طريق الشافعي.
قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 367): "وفي هذا الإسناد عمرو بن أحيحة وهو مجهول الحال".
وقال عنه الحافظ في "التقريب" رقم الترجمة (4987): "مقبول
…
ووهم من زعم أن له صحبة، فكأنَّ الصحابي جدُّ جدِّه، ووافق هو اسمَه واسمَ أبيه". اهـ.
وانتهى رأي الحافظ عنه في "التهذيب"(3/ 256): "أنه صحابي روى عن صحابي، والله أعلم".
وقال الألباني في "الإرواء"(7/ 68): "وجملة القول أن عمرو بن أحيحة إن لم يكن صحابيًا فهو تابعي كبير، وقد أثنى عليه شيخ الشافعي خيرًا، فمثله أقل أحوال حديثه أن يكون حسنًا. فإذا انضم إليه الطريقان قبله صار حديثه صحيحًا بلا ريب". اهـ.
قلت: وإن كان عمرو بن أحيحة تابعيًا فقد تابعه هرمي بن عبد الله عند ابن ماجه رقم (1924) وأحمد (5/ 213) والبيهقي (7/ 197) والنسائي في "عشرة النساء" رقم (105). لكن هرمي بن عبد الله مستور كما قال الحافظ في "التقريب رقم (7276) وقال في "التلخيص" (3/ 368): "لا يعرف حاله".
وقد تابعه عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه به. عند النسائي في "عشرة النساء" رقم (96) وابن الجارود رقم (728) وأحمد (5/ 213).
والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(3)
كذا في المخطوط (أ) و (ب) وفي كل طبعات "نيل الأوطار"، والصواب:(عمرو بن أحيحة) كما في مصادر الترجمة.
"التقريب" رقم الترجمة (4987).
و"تهذيب التهذيب"(3/ 256).
وكتاب "التذكرة" للحسيني (2/ 1254 رقم الترجمة 4999).
و"تهذيب الكمال"(21/ 540 رقم 4325).
(4)
في "عشرة النساء" رقم (105) وقد تقدم.
وأخرجه أيضًا مَن طريق هرمي أحمد
(1)
وابن حبان
(2)
.
وحديث عليّ بن أبي طالب قال في مجمع الزوائد
(3)
: ورجاله ثقات.
وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضًا النسائي
(4)
وأعلَّه. قال الحافظ
(5)
: والمحفوظ عند عبد الله بن عمرو من قوله كذا أخرجه عبد الرزاق
(6)
وغيره
(7)
.
وحديث عليّ بن طلق قال الترمذي
(8)
بعد أن حسنه: سمعت محمدًا يقول: لا أعرف لعليّ بن أبي طلق عن النبيّ صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد، ولا أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن عليّ السحيمي، وكأنه رأى أن آخر هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا النسائي
(9)
وابن حبان
(10)
والبزار
(11)
وقال: لا نعلمه يروي عن ابن عباس [بإسناد حسن]
(12)
، وكذا قال ابن عديّ.
ورواه النسائي
(13)
عن هناد عن وكيع عن الضحاك موقوفًا، وهو أصحّ عندهم من المرفوع.
(1)
في المسند (5/ 215).
(2)
في صحيحه رقم (4198).
(3)
في "مجمع الزوائد"(4/ 299).
(4)
في "عشرة النساء" رقم (110): قال لنا أبو عبد الرحمن: "زائدة - بن أبي الرُّقاد الصَّيْرَفي - لا أدري ما هو، هو مجهول، ووجدت في موضع آخر: عاصم الأحول"، وانظر: تحفة الأشراف (رقم 8720).
(5)
في "التلخيص"(3/ 372).
(6)
في المصنف رقم (20956).
(7)
كأحمد في المسند (2/ 182) بسند حسن، واختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أصح.
(8)
في السنن (468/ 3).
(9)
في عشرة النساء رقم (115).
(10)
في صحيحه رقم (4203).
(11)
كما في "التلخيص"(3/ 370).
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1165) وابن أبي شيبة (4/ 251 - 252) وأبو يعلى رقم (2378).
وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وهو حديث حسن لغيره وقد تقدم.
(12)
في المخطوط (ب): بإسناده أحسن من هذا.
(13)
في "عشرة النساء" رقم (116) وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 371): إن هذا الموقوف أصح من المرفوع.
ولابن عباس حديث آخر من طريق أخرى موقوفة رواها عبد الرزاق
(1)
: "أن رجلًا سأل ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها، فقال: سألتني عن الكفر" وأخرجه النسائي
(2)
بإسناد قويّ.
وفي الباب عن جماعة من الصحابة منها ما سيأتي:
(ومنها) عن أبيّ بن كعب عند الحسن بن عرفة
(3)
بإسناد ضعيف.
وعن ابن مسعود عن ابن عديّ
(4)
بإسناد واهٍ.
وعن عقبة بن عامر عند أحمد
(5)
بإسناد فيه ابن لهيعة.
وعن عمر عند النسائي
(6)
والبزار
(7)
بإسناد فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف.
وقد استدلّ بأحاديث الباب من قال: إنه يحرم إتيان النساء في أدبارهنّ، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم.
وحكى ابن عبد الحكم
(8)
عن الشافعي أنه قال: لم يصحّ عن
(1)
في "المصنف" رقم (20953).
(2)
في "عشرة النساء" رقم (118).
وقال ابن كثير في "تفسيره"(2/ 313): إسناده صحيح.
وقال الحافظ في "التلخيص الحبير"(3/ 371) عن حديث النسائي هذا: إسناده قوي.
(3)
كما في "التلخيص"(3/ 372) وقال: إسناده ضعيف جدًّا.
(4)
في "الكامل"(3/ 206) وقال ابن حجر في التلخيص (3/ 372): إسناده واهٍ.
(5)
لم أقف عليه في مسند أحمد، في مسند عقبة بن عامر، أبو حمَّاد الجهني (4/ 110، 143،
…
، 201، 334).
(6)
في "عشرة النساء" رقم (122).
(7)
في المسند (رقم 1456 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 298 - 299) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير، والبزار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، خلا عثمان بن اليمان، وهو ثقة.
وذكره الدارقطني في "العلل"(2/ 166 - 167) وقال: فيه اختلافًا كثيرًا، ثم قال: وقول عثمان بن اليمان أصحهما".
(8)
كما في "التلخيص"(3/ 372).
• وقال العمراني في "البيان"(9/ 504): "وروى محمد بن عبد الحكم: أن الشافعي رحمه الله قال: "ما صحَّ فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في تحريمه، ولا في تحليله شيء، والقياس أنَّه حلال". =
رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا في تحليله شيء والقياس أنه حلال.
وقد أخرجه عنه ابن أبي حاتم في "مناقب الشافعي"
(1)
، وأخرجه الحاكم في "مناقب الشافعي"
(2)
عن الأصمّ عنه.
وكذلك رواه الطحاوي
(3)
عن ابن عبد الحكم عن الشافعي. وروى الحاكم
(4)
عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: سألني محمد بن الحسن، فقلت له: إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصحّ، فأنت أعلم، وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك، قال: على المناصفة.
قلت: فبأيّ شيء حرّمته؟ قال يقول الله عز وجل: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}
(5)
، وقال:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(6)
، والحرث لا يكون إلا في الفرج.
قلت: أفيكون ذلك محرّمًا لما سواه؟ قال: نعم؛ قلت: فما تقول لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها، أو تحت إبطيها، أو أخذت ذكره بيدها، أفي ذلك حرث؟ قال: لا، قلت: فيحرم ذلك؟ قال: لا، قلت: فلم تحتجّ بما لا حجة فيه؟ قال: فإن الله قال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}
(7)
الآية، قال: فقلت له: هذا مما يحتجون به للجواز، أن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته
= وتعقبه الربيع في "البيان" للعمراني (9/ 504): بقوله: "كذبَ ابنُ عبدِ الحكم والذي لا إله إلا هو، فقد نص الشافعي رحمه الله على تحريمه في ستةِ كتب، فلا يختلف مذهبنا - أي الشافعية - في أنه محرم
…
". اهـ.
(1)
كما في "التلخيص"(3/ 372).
(2)
"مناقب الشافعي"، الحاكم، (أبو عبد الله، محمد بن عبد الله ت 405 هـ).
ذكره له: حاجي خليفة في "كشف الظنون"(2/ 1839)، والبغدادي في "هدية العارفين"(2/ 59) ومنه نقول في "المقاصد الحسنة"(325)، و"نصب الراية"(1/ 53)، (3/ 426)، (4/ 152)، "وروح المعاني" للألوسي (23/ 103) - ونقل عنه نصًا طويلًا -، و"المصنوع"(123).
وانظر: "موارد ابن القيم"(530).
[معجم المصنفات 413 رقم 1334].
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار"(3/ 45) وشرح مشكل الآثار (15/ 415).
(4)
كما في "التلخيص"(3/ 372 - 373).
(5)
و
(6)
سورة البقرة، الآية:(222).
(7)
سورة المؤمنون، الآية:(5).
وما ملكت يمينه، فقلت له: أنت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك"
(1)
، انتهى.
وقد أجيب عن هذا بأن الأصل تحريم المباشرة إلا ما أحلّ الله بالعقد ولا يقاس عليه غيره لعدم المشابهة في كونه مثله محلًّا للزرع.
وأما تحليل الاستمتاع فيما عدا الفرج فهو مأخوذ من دليل آخر، ولكنه لا يخفى ورود ما أورده الشافعي على من استدلّ بالآية.
وأما دعوى أن الأصل تحريم المباشرة فهذا محتاج إلى دليل، ولو سلم فقوله تعالى:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(2)
رافع للتحريم المستفاد من ذلك الأصل، فيكون الظاهر بعد هذه الآية الحلّ.
(1)
قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 373) بعد ذلك: "قال الحاكم: لعل الشافعي كان يقول بذلك في القديم، فأما في الجديد فالمشهور أنه حرمه". اهـ.
(2)
سورة البقرة، الآية:(223).
قلت: ورد في سبب نزول هذه الآية آثار:
(منها): ما أخرجه البخاري رقم (4526): عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ القرآن لم يتكلَّم حتى يفرُغَ منه، فأخذت عليه يومًا فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكانٍ، قال: تدري فيم أنزلت؟ قلت: لا، قال: أنزلت في كذا وكذا، ثم مضى. إسناده صحيح.
قلت: جاءت الرواية في البخاري بإبهام سبب النزول كما تقدم لكنه جاء موضحًا عند غيره كما يأتي:
• أخرج الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (6117): عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر: أن رجلًا أتى امرأته في دُبُرها، فوجدَ في نفسه من ذلك وجدًا شديدًا، فأنزل الله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].
وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (95).
إسناده صحيح.
• وأخرج الطبري في "جامع البيان" رقم (4326) عن نافع، قال: كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلم. قال: فقرأت ذات يوم هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] فقال: أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال نزلت في إتيان النساء في أدبارهن".
إسناده صحيح.
قلت: وقول ابن عمر: نزلت في كذا، يريد المعنى الذي انتهى إليه منها باجتهاده وفهمه. =
ومن ادّعى تحريم الإتيان في محلّ مخصوص طولب بدليل يخصص عموم هذه الآية.
ولا شكّ أن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم إتيان النساء في أدبارهم يقوّي بعضها بعضًا فتنتهض لتخصيص الدبر من ذلك العموم.
وأيضًا: الدّبر في أصل اللغة
(1)
اسم لخلاف الوجه، ولا اختصاص له بالمخرج كما قال تعالى:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}
(2)
، فلا يبعدُ حملُ ما ورد من الأدبار على الاستمتاع بين الأليتين.
وأيضًا قد حرَّم الله الوطء في الفرج لأجل الأذى، فما الظنُّ بالحشِّ الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرّض لانقطاع النسل
= وهذا خلاف ما ثبت في المرفوع في سبب نزول هذه الآية، فقد صحَّ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول.
فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} .
أخرجه البخاري رقم (4528) ومسلم رقم (1435).
فهذا بيان في المعنى المراد من قوله تعالى: {أَنَّى شِئْتُمْ} صادر ممن أنزل الله إليه الذِّكر ليبين للناس ما نُزِّل إليهم، ولا يسع المؤمن الذي ارتضى الله ربًّا، والإسلام دينًا، ومحمد رسولًا، إلا أن يقبل به، وينتهي إليه، ويرفض قول الآخرين مهما كانت منزلتهم في الدين، فإنه صلى الله عليه وسلم هو الحَكَمُ الفصل عند التنازع.
ولما سمع ابنُ عباس قولَ ابن عمر ذلك، وهَّمه فيه، فقد روى أبو داود رقم (2164) - وهو حديث حسن - عن ابن عباس، قال: إن ابن عمر - والله يغفرُ له - أوهَم، إنما كان هذا الحيُّ من الأنصار - وهم أهلُ وثنٍ - مع هذا الحيِّ من يهود - وهم أهل كتاب - وكانوا يَروْن لهم فضلًا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساءَ إلا على حرفٍ، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النساء شَرْحًا منكرًا، ويتلذَّذون منهنَّ مقبلاتٍ ومدبراتٍ ومستلقياتٍ، فلما قدم المهاجرون المدينةَ، تزوَّج رجلٌ منهم امرأةً من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنا نُؤتى على حرفٍ، فاصنع ذلك، وإلا فاجتنبني، حتى شَريَ أمرُهما (أي: انتشر وعُرف)، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد.
(1)
النهاية في غريب الحديث (1/ 550).
(2)
سورة الأنفال، الآية:(16).
الذي هو العلة الغائبة في مشروعية النكاح، والذريعة القريبة جدًّا الحاملة على الانتقال من ذلك إلى أدبار المرد.
وقد ذكر ابن القيم
(1)
لذلك مفاسد دينية ودنيوية فليراجع، وكفى مناديًا على خساسته أنه لا يرضى أحد أن ينسب إليه ولا إلى إمامه تجويز ذلك، إلا ما كان من الرافضة، مع أنه مكروهٌ عندهم، وأوجبوا للزوجة فيه عشرة دنانير عوضَ النطفة، وهذه المسألة هي إحدى مسائلهم التي شذُّوا بها.
وقد حكى الإمام المهدي في البحر
(2)
عن العترة جميعًا وأكثر الفقهاء أنَّه حرامٌ.
قال الحاكم
(3)
بعد أن حكى عن الشافعي ما سلف: لعلّ الشافعي كان يقول ذلك في القديم، فأما الجديد فالمشهور أنه حرّمه
(4)
.
وقد روى الماوردي في "الحاوي"
(5)
وأبو نصر بن الصباغ في "الشامل"
(6)
وغيرهما عن الرَّبيعِ أنه قال: كذب والله، يعني ابن عبد الحكم، فقد نصّ الشافعي على تحريمه في ستة كتب.
وتعقبه الحافظ في التلخيص
(7)
فقال: لا معنى لهذا التكذيب، فإن ابن عبد الحكم لم ينفرد بذلك؛ بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد الله أخوه عن الشافعي ثم قال: إنه لا خلاف في ثقة ابن عبد الحكم وأمانته.
وقد روي الجواز أيضًا عن مالك
(8)
.
(1)
في "زاد المعاد"(4/ 240 - 242)
(2)
البحر الزخار (3/ 79).
(3)
حكاه عنه في "التلخيص الحبير"(3/ 373).
(4)
في "الأم"(6/ 443 - 444).
والحاوي الكبير للماوردي (9/ 317).
والبيان للعمراني (9/ 504).
(5)
الحاوي الكبير (9/ 317).
(6)
تقدم التعريف به.
(7)
(3/ 373).
(8)
كما في "التلخيص"(3/ 374): واعلم: أن أصحاب مالك العراقيون لم يثبتوا الرواية عنه.
وانظر: "مدونة الفقه المالكي وأدلته"(2/ 622).
قال القاضي أبو الطيب
(1)
في تعليقه: إنه روى ذلك عنه أهل مصر وأهل المغرب.
ورواه عنه أيضًا [ابن رُشيد]
(2)
في كتاب "البيان والتحصيل"
(3)
، وأصحاب مالك العراقيون لم يثبتوا هذه الرواية. وقد رجع متأخرو أصحابه عن ذلك وأفتوا بتحريمه.
وقد استدلّ للمجوّزين بما رواه الدارقطني
(4)
عن ابن عمر أنه لما قرأ قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}
(5)
فقال: ما تدري يا نافع فيما أنزلت هذه الآية؟ قال: قلت: لا، قال لي: في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك، فأنزل الله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (5)، قال نافع: فقلت لابن عمر: من دبرها في قبلها؟ قال: لا، إلا في دبرها.
وروى نحو ذلك عنه الطبراني
(6)
والحاكم
(7)
وأبو نعيم
(8)
.
وروى النسائي
(9)
[والطبراني]
(10)
من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر نحوه ولم يذكر قوله: لا، إلا في دبرها.
وأخرج أبو يعلى
(11)
وابن مردويه في تفسيره
(12)
والطبري
(13)
(1)
كما في "التلخيص"(3/ 374) ولفظه: "قال القاضي أبو الطيب في تعليقه: نص في كتاب "السر" عن مالك على إباحته، ورواه عنه أهل مصر، وأهل المغرب". اهـ.
(2)
كذا في المخطوط (أ): (ب) والصواب: (ابن رشد).
(3)
في "البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل مستخرجة" لأبي الوليد بن رشد القرطبي (4/ 446).
(4)
في "أحاديث مالك التي رواها خارج الموطأ"؛ كما في "التلخيص"(3/ 374).
(5)
سورة البقرة، الآية:(223).
(6)
في الأوسط رقم (6298).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 319) وقال: فيه يعقوب بن حميد بن كاسب وثقه ابن حبان وضعفه الأكثرون. وبقية رجاله ثقات.
(7)
في "تاريخه" كما في التلخيص (3/ 375).
(8)
في "تاريخ أصبهان" كما في التلخيص (3/ 375 - 376).
(9)
في "عشرة النساء" رقم (95).
(10)
كذا في المخطوط (أ) و (ب) والصواب: (الطبري) كما في "التلخيص"(3/ 376).
• وأخرجه الطبري في "جامع البيان" رقم (4333).
(11)
في المسند رقم (1103) بسند ضعيف.
(12)
كما في الدر المنثور (1/ 637).
(13)
في "جامع البيان" رقم (4334) وهو مرسل.
والطحاوي
(1)
من طرق عن أبي سعيد الخدري أن رجلًا أصاب امرأته في دبرها، فأنكر الناس ذلك عليه، فأنزل الله:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(2)
وسيأتي بقية الأسباب في نزول الآية.
61/ 2804 - (وَعَنْ جابِرٍ: أَنَّ يَهُودَ كانَتْ تَقُولُ: إِذَا أُتَيَتِ المَرأةُ من دُبُرِها ثُمَّ حَمَلَتْ كانَ وَلَدُها أحْوَلَ، قَالَ: فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (2) "، رواه الجماعة إلَّا النّسائيّ
(3)
. [صحيح]
وَزَادَ مُسْلِمٌ
(4)
: إِنْ شَاءَ مُجَبِّيةً وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذلكَ فِي صمامٍ وَاحِدٍ). [صحيح]
62/ 2805 - (وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ عَنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (2)، يَعْنِي صِمَامًا وَاحِدًا، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(5)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
وَقَالَ: حَدِيث حَسَن). [صحيح]
63/ 2806 - (وَعَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: لَمّا قَدِمَ المُهاجِرُونَ المَدِينَةَ على الْأَنْصَارِ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ، وَكَانَ المُهَاجِرُونَ يُجِبُّونَ، وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ لا تُجَبِّي، فَأَرَادَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ على ذَلِكَ، فأَبَتْ عَلَيْهِ حَتّى تَسأَلَ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَأَتَتْهُ، فَاسْتَحْيَتْ أنْ تَسأَلَهُ فَسَأَلَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
(1)
في شرح معاني الآثار (3/ 40) وفي شرح مشكل الآثار رقم (6118).
إسناده ضعيف، هشام بن سعد المدني، صدوق له أوهام كما قال الحافظ في "التقريب" رقم (7294).
قلت: وهذا من أوهامه.
قلت: وانظر ترجمة هشام بن سعد هذا في: "الجرح والتعديل"(4/ 2/ 61).
والمجروحين (3/ 89) والميزان (4/ 298) والتاريخ الكبير (4/ 2/ 200).
(2)
سورة البقرة، الآية:(223).
(3)
البخاري رقم (4528) ومسلم رقم (117/ 1435) وأبو داود رقم (2163) والترمذي رقم (2978) وابن ماجه رقم (1925) والنسائي في "عشرة النساء" رقم (88).
(4)
في صحيحه رقم (119/ 4351).
(5)
في المسند (6/ 310).
(6)
في السنن رقم (2979).
وهو حديث صحيح.
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(1)
، وقال:"لا، إلَّا فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
. [صحيح]
وَلِأَبِي دَاوُدَ
(3)
هَذَا الْمَعْنَى مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ). [حسن]
64/ 2807 - (وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله هَلَكْتُ، قَالَ: "وَمَا الذِي أهْلَكَكَ؟ "، قَالَ: حَوَّلْتُ رَحلِي البارِحَةَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيئًا، قَالَ: فَأوْحَى الله إلى رَسُولِهِ هَذِهِ الآيَةَ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1)؛ "أَقْبِلَ وأدْبِرْ، وَاتَّقُوا الدُّبُرَ وَالْحَيْضَة"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(4)
وَالتِّرمِذِيُّ
(5)
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ). [حسن]
65/ 2808 - (وَعَنْ جَابِرٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اسْتَحْيُوا فَإنَّ الله لا يَسْتَحْي مِنَ الْحَق، لا يَحِلّ مَأتاكَ النِّساءَ فِي حُشُوشِهِن"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيَّ)
(6)
.
حديث أم سلمة الثاني أورده في التلخيص
(7)
وسكت عنه، ويشهد له حديث
(1)
سورة البقرة، الآية:(223).
(2)
في المسند (6/ 305).
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (2979) والطبري في "جامع البيان" رقم (4341)، (4342)، (4343)، (4344 - شاكر) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 195) من طرق.
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وهو حديث صحيح.
(3)
في سننه رقم (2164).
قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 195، 279) والطبراني في الكبير رقم (11097) والواحدي في أسباب النزول صفحة (76) والبيهقي (7/ 195 - 196) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قلت: هو حديث حسن.
(4)
في المسند (1/ 297).
(5)
في سننه رقم (2980) وقال: هذا حديث حسن غريب.
قلت: وأخرجه النسائي في "الكبرى"(رقم 8977) و (11040 - العلمية).
وأبو يعلى في المسند رقم (2736) وابن حبان رقم (4202) والخرائطي في مساوئ الأخلاق رقم (465) والطبراني في المعجم الكبير رقم (12317) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 198) وغيرهم.
وهو حديث حسن، والله أعلم.
(6)
في السنن (3/ 288 رقم 160).
(7)
في "التلخيص"(3/ 377 - 378).
ابن عباسٍ الذي أشار إليه المصنف
(1)
، وهو من رواية محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس، وفيه: إنَّما كان هذا الحيّ من الأنصار، وهم أهل وثن، مع هذا الحيِّ من يهود وهم أهل كتاب، وكانوا يرون لهم فضلًا عليهم من العلم، وكانوا يقتدون بكثيرٍ من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب: لا يأتون النساء إلا على حرف، فكان هذا الحيُّ من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريش [يَشْرَحُون النِّساء شَرْحًا]
(2)
منكرًا ويتلذذون منهنّ مقبلات ومدبرات ومستلقيات؛ فلما قدم المهاجرون المدينة تزوّج رجل امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، [فسرى]
(3)
أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(4)
، يعني: مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد.
وحديث ابن عباس الثاني في قصة عمر لعله الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه من طريق عمر نفسه وقد سبق ما فيه.
وحديث جابر الآخر
(5)
قد قدمنا في أوّل الباب
(6)
الإشارة إليه، وأنه من الإختلاف على سهيل بن أبي صالح، وقد أخرجه من تقدم ذكره.
قوله: (مجبيةً)
(7)
بضم الميم وبعدها جيمٌ مفتوحة ثمَّ موحدةٌ، أي: باركة، والتجبية: الانكباب على الوجه.
وأخرج الإسماعيليُّ
(8)
من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوريِّ
(1)
عقب الحديث رقم (63/ 2806) من كتابنا هذا. وقد أخرجه أبو داود رقم (2164)، وهو حديث حسن.
(2)
في كل طبعات "نيل الأوطار": (يشرخون النساء شرخًا)، وهو خطأ والمثبت من المخطوط (أ)، (ب) و (النهاية)(2/ 456 - دار الفكر).
(3)
في المخطوط (ب): (فشرى).
(4)
سورة البقرة، الآية:(223).
(5)
المتقدم برقم (65/ 2808) من كتابنا هذا.
(6)
بعد الحديث رقم (2803) من كتابنا هذا، خلال الشرح.
(7)
قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 234): أي منكبة على وجهها تشبيهًا بهيئة السجود.
وانظر: الفائق (1/ 189).
(8)
كما في في "الفتح"(8/ 192).
بلفظ: "باركة مدبرة في فرجها من ورائها"، وهذا يدلُّ: على أن المراد بقولهم: إذا أتيت من دبرها؛ يعني في قُبُلها. ولا شكَّ أن ذلك هو المراد.
ويزيد ذلك وضوحًا قوله عقب ذلك: ثم حملت، فإن الحمل لا يكونُ إلا من الوطء في القبل.
قوله: (غير أن ذلك في صِمَامٍ واحدٍ)، هذه الزيادة تشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوِّها من رواية غيره من أصحاب ابن المنكدر مع كثرتهم، كذا قيل وهو الظاهر، ولو كانت مرفوعة لما صحَّ قول البزار في الوطء في الدبر: لا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا لا في الحصر ولا في الإطلاق.
وكذا روى نحو ذلك الحاكم عن أبي عليٍّ النيسابوري، ومثله عن النسائيِّ، وقاله قبلهما البخاري، كذا قال الحافظ
(1)
.
والصِّمام: بكسر الصاد المهملة، وتخفيف الميم، وهو في الأصل سداد القارورة
(2)
ثمَّ سمِّي به المنفذ، كفرج المرأة، وهذا أحد الأسباب في نزول الآية.
وقد ورد ما يدلّ على أن ذلك هو السبب من طرق عن جماعة من الصحابة في بعضها التصريح بأنه لا يحلُّ إلا في القبل.
وفي أكثرها الردُّ على اعتراض اليهود، وهذا أحد الأقوال.
(والقول الثاني): أن سبب النزول إتيان الزوجة في الدبر، وقد تقدم ذلك عن ابن عمر
(3)
وأبي سعيد
(4)
.
(والثالث): أنها نزلت في الإذن بالعزل عن الزوجة.
روي ذلك عن ابن عباس، أخرجه عنه جماعة منهم ابن أبي شيبة
(5)
وعبد بن
(1)
في "الفتح"(8/ 192).
(2)
قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 53): الصَّمام: ما تُسدّ به الفُرجة، فسمي الفرج به.
ويجوز أن يكون في موضع صِمام على حذف المضاف.
(3)
تقدم تخريجه في نهاية شرح الحديث رقم (2803) من كتابنا هذا.
(4)
تقدم تخريجه في نهاية شرح الحديث رقم (2803) من كتابنا هذا.
(5)
في المصنف (4/ 229).
حميد
(1)
، وابن جرير
(2)
، وابن المنذر (1) وابن أبي حاتم
(3)
والطبراني
(4)
والحاكم
(5)
.
وروي ذلك أيضًا عن ابن عمر أخرجه عنه ابن أبي شيبة
(6)
قال: "فأتوا حرثكم أنى شئتم، إن شاء عزل، وإن شاء لم يعزل".
وروي عن سعيد بن المسيِّب، أخرجه عنه ابن أبي شيبة
(7)
.
(القول الرابع): أن {أَنَّى شِئْتُمْ} بمعنى إذا شئتم، روى ذلك عبد بن حميد
(8)
عن محمد بن الحنفية.
[الباب الخامس عشر] بابُ إِحسانِ العُشْرَةِ وبيانِ حقِّ الزَّوْجَيْنِ
66/ 2809 - (عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المَرأةَ كالضِّلَعِ إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُها كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعت بِهَا عَلَى عِوَج"
(9)
. [صحيح]
وَفِي لَفْظٍ: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإنْ المَرأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإنَّ أعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كسَرتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما)
(10)
. [صحيح]
67/ 2810 - (وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كَرِهَ مِنْهَا خلقًا رَضِيَ منها آخر"، رواه أحمد
(11)
ومسلم
(12)
[صحيح]
(1)
عزاه إليه السيوطي في "الدرر المنثور"(1/ 638).
(2)
في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 395).
(3)
في تفسيره: (2/ 405 رقم 2136).
(4)
في المعجم الكبير (ج 12 رقم 12663).
(5)
في المستدرك (2/ 279) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي.
(6)
في المصنف (4/ 229).
(7)
في المصنف (4/ 232).
(8)
كما في "الدر المنثور"(1/ 640).
(9)
أحمد في المسند (2/ 428) والبخاري رقم (5184) ومسلم رقم (60/ 1468).
(10)
أحمد في المسند (2/ 449) والبخاري رقم (5186) ومسلم رقم (62/ 1468).
(11)
في المسند (2/ 329).
(12)
في صحيحه رقم (63/ 1469).
قوله: (كالضُلْعِ)
(1)
بكسر الضاد، وفتح اللام، ويُسَكَّنُ قليلًا، والأكثر الفتح: وهو: واحد الأضلاع.
والفائدة في تشبيه المرأة بالضِّلع: التنبيه على أنَّها معوجةُ الأخلاق، لا تستقيم أبدًا، فمن حاول حملها على الأخلاق المستقيمة أفسدها، ومن تركها على ما هي عليه من الاعوجاج انتفع بها، كما أن الضِّلَع المعوجَّ ينكسر عند إرادة جعله مستقيمًا وإزالة اعوجاجه، فإذا تركه الإنسان على ما هو عليه انتفع به، وأراد بقوله:"وإنَّ أعوج شيء في الضِّلع أعلاه" المبالغة في الاعوجاج والتأكيد لمعنى الكسر بأنَّ تعذُّر الإقامة في الجهة العليا أمره أظهر.
وقيل: يحتمل أن يكون ذلك مثلًا لأعلى المرأة، لأنَّ أعلاها رأسها، وفيه لسانُها، وهو الذي ينشأ منه الاعوجاج.
قيل: وأعوج ههنا من باب الصِّفة، لا من باب التفضيل، لأنَّ أفعل التفضيل لا يصاغ من الألوان والعيوب.
وأجيب بأنَّ الظاهر ههنا أنه للتفضيل، وقد جاء ذلك على قلة مع عدم الالتباس بالصِّفة.
والضمير في قوله: "فإن ذهبْتَ تقيمه" يرجع إلى الضلع لا إلى أعلاه، وهو يذكر ويؤنث، ولهذا قال في الرواية الأولى:"تقيمها" وفي هذه "تقيمه".
قوله: (استوصوا بالنِّساء) أي اقبلوا الوصية، والمعنى: إني أوصيكم بهنَّ خيرًا، فاقبلوا، أو بمعنى: ليوص بعضُكم بعضًا بهنَّ.
قوله: (خلقت من ضِلَع) أي من ضلع آدم الذي خلقت منه حوَّاء.
قال الفقهاء: إنها خلقت من ضلع آدم، ويدلّ على ذلك قوله:{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}
(2)
.
وقد روي ذلك من حديث ابن عباس
(3)
عند ابن إسحاق.
وروي من حديث مجاهد مرسلًا عند ابن أبي حاتم
(4)
.
(1)
النهاية (2/ 88).
(2)
سورة النساء، الآية:(1).
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 852 رقم 4718).
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 852 رقم 4719).
- قوله: (لا يفْرَك) بالفاء ساكنة بعدها راء وهو البغض.
قال في القاموس
(1)
: الفِرك بالكسر ويفتح: البِغْضَةُ عامَّةٌ، كالفُروك والفُرُكَّان، أو خاصٌّ بِبُغْضَةِ الزَّوجين، فَرِكَها، وفَرِكَتْه، كَسِمع فيهما وكنَصَر شاذٌ فِرْكًا وفُروكًا، فهي فارِكٌ وفروكَ، ورجُلٌ مَفَرَّكٌ كَمُعَظَّمٍ: تُبْغِضُه النِّساء، ومُفَرَّكَةٌ:[يُبْغِضُها]
(2)
الرِّجال، اهـ.
والحديث الأوّل: فيه الإرشاد إلى ملاطفة النِّساء، والصبر على ما لا يستقيم مِنْ أخلاقهنَّ والتنبيه على أنهنَّ خُلِقْنَ على تلك الصفة التي لا يفيد معها التأديب ولا ينجَحُ عندَها النُّصح، فلم يبق إلا الصبر والمحاسنة وترك التأنيب والمخاشنة.
والحديث الثاني: فيه الإرشاد إلى حسن العشرة والنهي عن البغض للزوجة بمجرَّد كراهة خلق من أخلاقها فإنها لا تخلو مع ذلك عن أمر يرضاه منها، وإذا كانت مشتملة على المحبوب والمكروه فلا ينبغي ترجيح مقتضى الكراهة على مقتضى المحبة.
قال النووي
(3)
: ضبط بعضهم قوله: "استمتعت بها على عوج" بفتح العين، وضبطه بعضهم بكسرها، ولعلَّ الفتح أكثر، وضبطه ابن عساكر
(4)
وآخرون
(5)
بالكسر.
قال
(6)
: وهو الأرجح ثم ذكر كلام أهل اللغة في تفسير معنى المكسور والمفتوح وهو معروف.
وقد صرَّح صاحب المطالع
(7)
بأن أهل اللغة يقولون في الشخص المرئي:
(1)
القاموس المحيط (ص 1227). وانظر: "النهاية"(2/ 366).
(2)
في المخطوط (ب): (ببغضها).
(3)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 57).
(4)
ذكره النووي في المرجع السابق.
(5)
انظر: "تهذيب اللغة"(3/ 46 - 47) و"لسان العرب"(2/ 332).
(6)
أي: النووي في شرحه لصحيح مسلم (10/ 57).
(7)
المطالع. ابن قرقول (إبراهيم بن يوسف، ت 569 هـ).
وضعفه على منوال: "مشارق الأنوار" بل هو اختصار واستدراك عليه، كما في "كشف الظنون"(2/ 1715). =
عَوج بالفتح وفيما ليس بمرئي كالرائي. والكلام عِوج بالكسر قال: وانفرد أبو عمرو الشيباني
(1)
فقال: كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح، وكسرها: طلاقها.
وقد حقق صاحب الكشاف
(2)
الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)}
(3)
.
68/ 2811 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ وَهُنَّ اللُّعَبُ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَنْقَمِعْنَ مِنْه، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِليَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(4)
. [صحيح]
69/ 2812 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَكمَلُ المُؤْمِنِينَ إيمانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(5)
وَالترْمِذِيُّ
(6)
وصحَّحه). [صحيح بطرقه]
70/ 2813 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وأنا خَيْرُكُمْ لِأهْلِي"، رَوَاهُ الترْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
(7)
. [صحيح]
= [معجم المصنفات ص 389 رقم 1250].
• ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (10/ 57).
(1)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 252).
(2)
أي الزمخشري في الكشاف" (4/ 109 - 110).
(3)
سورة طه، الآية:(107).
(4)
أحمد في المسند (6/ 57) والبخاري رقم (6130) ومسلم رقم (81/ 2440).
(5)
في المسند (2/ 250، 472).
(6)
في سننه رقم (1162) وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (4176) والحاكم (1/ 3) والبغوي في شرح السنة رقم (2341) و (3495) من طرق.
ويشهد له حديث عائشة عند أحمد في المسند (6/ 47، 99) والترمذي رقم (2612) عن أبي قلابة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا، وألطفهم بأهله".
وانظر: "الصحيحة" رقم (284).
وهو حديث صحيح بطرقه.
(7)
في سننه رقم (3895) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. =
قوله: (بالبنات) قال في القاموس
(1)
: والبنات: التماثيل الصغار يلعب بها، انتهى.
قوله: (اللُّعب) بضم اللام: جمع لعبة، قال في القاموس
(2)
: واللعبة بالضم: التمثال وما يلعب به كالشطرنج ونحوه، والأحمق يُسْخَرُ به.
قوله: (ينقمعن) قال في القاموس
(3)
: انقمع: دخل البيت مُستَخْفِيًا. [وفي هذا الحديث دليلٌ على أنه يجوز تمكين الصِّغار من اللعب بالتماثيل.
وقد روي عن مالك: أنَّه كره للرجل أن يشتري لبنته ذلك. وقال القاضي عياض
(4)
: إنَّ اللعب بالبنات للبنات الصِّغار رخصةٌ.
وحكى النووي
(5)
عن بعض العلماء: أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخة بالأحاديث الواردة في تحريم التصوير ووجوب تغييره]
(6)
.
[قوله: (فَيُسَرِّبُهُن) بضم حرف المضارعة وفتح السين المهملة وكسر الراء
= قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (4177).
• ويشهد للشطر الأول منه: حديث عمرو بن عبسة عند أحمد (4/ 385).
وحديث أنس بن مالك عند البزار (رقم 35 - كشف) وأبي يعلى رقم (4166) و (4240).
وحديث أبي سعيد الخدري عند الطبراني في "المعجم الصغير" رقم (605 - الروض الداني) والبيهقي في شعب الإيمان رقم (7984).
• ويشهد لشطره الثاني حديث ابن عباس عند ابن ماجه رقم (1977) وابن حبان رقم (4186).
• وحديث أبي كبشة الأنماري عند الطبراني في الكبير (ج 22 رقم 854) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (1245).
وحديث معاوية عند الطبراني في الكبير (ج 19 رقم 853).
وانظر: الصحيحة رقم (285).
وهو حديث صحيح.
(1)
في القاموس المحيط (ص 1633) والنهاية (1/ 161 - 162).
(2)
في القاموس المحيط (ص 172).
(3)
في القاموس المحيط (ص 977) والنهاية (2/ 491).
(4)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 447).
(5)
في شرحه لصحيح مسلم (15/ 204).
(6)
ما بين الخاصرتين جاء بعد التعليقة رقم (2) في المخطوط (ب).
المشددة بعدها موحدة، والتسرب: الدخول. قال في القاموس
(1)
: وانسرب في جحره وتسرَّب: دخل. والمراد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يدخل البنات إلى عائشة ليلعبن معها]
(2)
.
قوله: (أكمل المؤمنين
…
إلخ) فيه دليل على أن من ثبتت له مزية حسن الخلق كان من أهل الإيمان الكامل، فإن كان أحسن الناس خلقًا كان أكمل الناس إيمانًا، وإنَّ خصلة يختلف حال الإيمان باختلافها لخليقة بأن ترغب إليها نفوس المؤمنين.
قوله: (وخياركم خياركم لنسائهم)، وكذلك قوله في الحديث الآخر:"خيركم خيركم لأهله" في ذلك تنبيه على أن أعلى الناس رتبةً في الخير وأحقهم بالاتصاف به هو من كان خير الناس لأهله، فإن الأهل هم الأحقاء بالبشر وحسن الخلق والإحسان وجلب النفع ودفع الضرِّ، فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر، وكثيرًا ما يقع الناس في هذه الورطة، فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقًا وأشجعهم نفسًا وأقلهم خيرًا، وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته وانبسطت أخلاقه وجادت نفسه وكثر خيره، ولا شكّ أن من كان كذلك فهو محروم التوفيق زائغ عن سواء الطريق، نسأل الله السلامة.
71/ 2814 - (وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ أن النّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُها رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتِ الجَنّةَ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(3)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ). [منكر]
(1)
في القاموس المحيط (124).
(2)
ما بين الخاصرتين جاء قبل التعليقة رقم (6) في المخطوط (ب).
(3)
في سننه رقم (1854).
(4)
في سننه رقم (1161) وقال: هذا حديث حسن غريب.
قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 173) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 141): "مساور مجهول وأمه مجهولة". اهـ.
وقال الذهبي في "الميزان"(2/ 95): "مساور فيه جهالة، والخبر منكر" يعني هذا.
وقال الذهبي في "الميزان"(4/ 615) في ترجمة والدة مساور: "تفرد عنها ابنها" يعني أنها مجهولة.
والخلاصة: أن الحديث منكر، والله أعلم.
72/ 2815 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأتهُ إلى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أنْ تَجِيءَ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبحَ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ)
(1)
. [صحيح]
73/ 2816 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأحَدٍ لأَمرْتُ المَرْأةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ). [صحيح]
(1)
أحمد في المسند (2/ 439) والبخاري رقم (5193) ومسلم رقم (122/ 1436).
(2)
في سننه رقم (1159) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1291 - موارد) والبيهقي (7/ 291) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة به، وزادوا إلا الترمذي:"لما عظم الله من حقه عليها". وإسناده حسن.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 171 - 172) والبزار رقم (1466 - كشف) من طريق سليمان بن أبي سليمان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ورده الذهبي بقوله: بل سليمان هو اليمامي ضعفوه.
وقال البزار: سليمان بن داود: لين.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 307): "رواه البزار وفيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف".
وهو حديث صحيح.
وفي الباب عن أنس، وعبد الله بن أوفى، ومعاذ بن جبل، وقيس بن سعد، وعائشة بنت أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عباس، وزيد بن أرقم.
• أما حديث أنس فسوف يأتي برقم (74/ 2817) من كتابنا هذا.
• وحديث عبد الله بن أبي أوفى، فسوف يأتي برقم (76/ 2819) من كتابنا هذا.
• وحديث معاذ بن جبل، فقد أخرجه أحمد (5/ 227) ورجاله ثقات، لكن فيه انقطاع.
• وحديث قيس بن سعد، قد أخرجه أبو داود رقم (2140) والحاكم (2/ 187) والبيهقي (7/ 291) من طريق شريك عن حصين عن الشعبي.
قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
قلت: شريك بن عبد الله القاضي سيئ الحفظ.
والخلاصة: أن حديث قيس حديث صحيح دون جملة القبر.
• وحديث عائشة فسوف يأتي برقم (75/ 2818) من كتابنا هذا.
• وحديث ابن عباس عند الطبراني في المعجم الكبير رقم (12003) وفي سنده أبو عزة الدباغ، واسمه الحكم بن طهمان وهو ضعيف. =
74/ 2817 - (وَعَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لأَمَرْتُ المَرْأةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إلى مَفْرَقِ رَأسِهِ قُرْحَةٌ تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ تَلْحَسُهُ مَا أدَّتْ حَقَّهُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ)
(1)
[صحيح بشواهده]
75/ 2818 - (وَعَنْ عَائِشَةَ أن النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ أَمَرْتُ أَحدًا أنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لأَمَرْتُ المَرأةَ أَنْ تَسْجد لِزَوْجِهَا؛ وَلَوْ أَن رَجُلًا أَمَرَ امْرَأتهُ أنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَحْمَرَ إِلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ، وَمِن جَبَلٍ أَسْوَدَ إِلى جَبَلٍ أَحْمَرَ، لَكَانَ نَوْلُهَا أَنْ تَفْعَلَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
وَابْنُ مَاجَهْ)
(3)
[ضعيف ما عدا الشطر الأول فهو صحيح]
76/ 2819 - (وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَوْفَى قَالَ: "لَمّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشّامِ سَجَدَ للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "مَا هَذَا يا مُعَاذُ؟ " قالَ: أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لأساقِفَتِهِمْ وَبَطارِقَتِهِمْ [فَوَدَدْتُ]
(4)
فِي نَفْسِي أنْ أفْعَلَ ذلكَ لكَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فَلا تَفْعَلُوا، فإني لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ الله لأَمَرْتُ
= • وحديث زيد بن أرقم عند الطبراني في الكبير رقم (5117) والبزار رقم (1468 - كشف) وفي سنده صدقة بن عبد الله السمين وهو ضعيف.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 310) وقال: وثقه أبو حاتم وجماعة، وضعفه البخاري وجماعة".
(1)
في المسند (3/ 158).
قلت: وأخرجه البزار رقم (2454 - كشف) والنسائي في عشرة النساء رقم (265).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 4) وقال: "ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخي أنس، وهو ثقة".
وجود إسناده المنذري في "الترغيب"(2/ 675).
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بشواهده.
(2)
في المسند (6/ 76).
(3)
في سننه رقم (1852).
قلت: وأخرجه أبي شيبة في المصنف (4/ 306).
من طريق علي بن زيد عن سعيد، به، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف.
والخلاصة: أنه حديث ضعيف ما عدا الشطر الأول منه صحيح.
(4)
في المخطوط (ب): (فرددت).
المَرأةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدّي المَرأةُ حَقَّ رَبّهَا حَتّى تُؤَدِّيَ حَق زَوْجِها، وَلَوْ سألَهَا نَفْسَها وَهِيَ عَلى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَابْنُ مَاجَهْ)
(2)
. [حسن لغيره]
حديث أم سلمة ذكر المصنف أن الترمذي
(3)
قال فيه: حديث حسن غريب، والذي وقفنا عليه في نسخة صحيحة: هذا حديث غريب، وقد صححه الحاكم
(4)
وأقره الذهبي، واللفظ الذي ذكره المصنف هو في الترمذي
(5)
بعد الحديث الذي قبل هذا.
وهو حديث طلق بن عليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور"، قال الترمذي
(6)
: هذا حديث حسن غريب.
وحديث أبي هريرة الثاني ذكر المصنف أن الترمذي
(7)
حسنه، والذي وجدناه في نسخة صحيحة ما لفظه: قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث غريب من هذا الوجه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، انتهى.
وحديث أنس
(8)
وعائشة
(9)
، وعبد الله بن أبي أوفى
(10)
، أشار إليها الترمذي
(1)
في المسند (4/ 381).
(2)
في سننه رقم (1853).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1290 - موارد) والبيهقي (7/ 292) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن القاسم، به.
إسناده حسن، والقاسم بن عوف الشيباني الكوفي، وهو صدوق يغرب؛ كما في "التقريب" رقم (5475).
وتابعه إسماعيل بن علي، ثنا أيوب به نحوه عند أحمد (4/ 381).
وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم.
(3)
في السنن (3/ 466).
(4)
في المستدرك (4/ 173) وقد تقدم.
(5)
في السنن رقم (1160) وقال: هذا حديث حسن غريب. قلت: والنسائي في الكبرى رقم (8971) وابن أبي شيبة في المصنف رقم (17135) وابن حبان في صحيحه رقم (4165) والطبراني في الكبير (ج 8/ رقم 8240) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 292) كلهم من طريق عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي مرفوعًا وهو حديث حسن.
(6)
في السنن (3/ 465).
(7)
في السنن (3/ 465).
(8)
تقدم برقم (2817) من كتابنا هذا.
(9)
تقدم برقم (2818) من كتابنا هذا.
(10)
تقدم برقم (2819) من كتابنا هذا.
لأنَّه قال في جامعه
(1)
بعد إخراج حديث أبي هريرة المذكور ما لفظه.
وفي الباب عن معاذ بن جبل، وسراقة بن مالك بن جعشم، وعائشة، وابن عباس، وعبد الله بن أبي أوفى، وطلق بن عليّ، وأسامة، وأنس، وابن عمر، انتهى.
وقد روى حديث أبي هريرة المذكور البزار
(2)
بإسنادٍ فيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف.
وروى البزار
(3)
بإسناد رجاله رجال الصحيح عن أبي سعيد مرفوعًا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "حقّ الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها أو أنتن منخراه صديدًا أو دمًا ثم ابتلعته ما أدتّ حقه".
وأخرج مثل هذا اللفظ البزار
(4)
من حديث أبي هريرة.
وأخرج قصة معاذ المذكورة في الباب البزار
(5)
بإسناد رجاله رجال الصحيح.
وأخرجها أيضًا البزار
(6)
والطبراني
(7)
بإسناد آخر، وفيه النَّهاس بن قهم وهو ضعيف.
(1)
في السنن (3/ 465).
(2)
في المسند (رقم 1466 - كشف).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 307): "رواه البزار وفيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف" وقد تقدم.
(3)
في المسند (رقم 1465 - كشف).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 307): "رجاله رجال الصحيح خلا نهار العبدي وهو ثقة".
(4)
لم أقف عليه؟!
(5)
في المسند (رقم 1461 - كشف).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 309): رجاله رجال الصحيح.
(6)
في المسند (رقم 1470 - كشف).
(7)
في المعجم الكبير (ج 8 رقم 7294).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 309 - 310): "فيه النهاس بن قهم وهو ضعيف".
• تنبيه: حرِّف (قهم) في "مجمع الزوائد" إلى (فهم) والصواب ما أثبتناه [انظر: الجرح والتعديل (4/ 1/ 511) والميزان (4/ 274)].
وأخرجها أيضًا البزار
(1)
والطبراني
(2)
بإسناد آخر رجاله ثقات.
وقصة السجود ثابتة: من حديث ابن عباس عند البزار
(3)
، ومن حديث سراقة عند الطبراني
(4)
، ومن حديث عائشة عند أحمد
(5)
وابن ماجه
(6)
، ومن حديث عصمة عند الطبراني
(7)
وعن غير هؤلاء.
وحديث عائشة الذي ذكره المصنف ساقه ابن ماجه
(8)
بإسناد فيه عليّ بن زيد بن جدعان وفيه مقال، وبقية إسناده من رجال الصحيح.
وحديث عبد الله بن أبي أوفى ساقه ابن ماجه
(9)
بإسناد صالح، فإن أزهر بن مروان والقاسم الشيباني صدوقان، فهذه أحاديث في أنه لو صلح السجود لبشر لأمرت به الزوجة لزوجها يشهد بعضها لبعض ويقوّي بعضها بعضًا.
(1)
في المسند (رقم 1468 - كشف).
(2)
في المعجم الكبير (ج 5 رقم 5116).
وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد)(4/ 310): "رجاله رجال الصحيح خلا صدقة بن عبد الله السمين وثقه أبو حاتم وجماعة وضعفه البخاري وجماعة".
(3)
في المسند (رقم 1467 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 310) وقال: "رواه البزار، وفيه الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ، وهو ضعيف".
(4)
في الكبير (ج 7 رقم 6590).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 310) وقال: "رواه الطبراني من طريق وهب بن علي عن أبيه، ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات".
قلت: اسمه تحرّف على الهيثمي، فلم يعرفه، وصوابه: وهب بن جرير، عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه، كما جاء على الصواب عند الطبراني في الكبير رقم (6590) كما تقدم.
ووهب هذا من رجال "تهذيب الكمال"(31/ 121).
(5)
في المسند (6/ 76) وقد تقدم.
(6)
في سننه رقم (1852) وقد تقدم.
(7)
في المعجم الكبير (ج 17 رقم 486).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 310 - 311) وقال: "فيه الفضل بن مختار وهو ضعيف".
(8)
في سننه رقم (1852) وقد تقدم.
(9)
في سننه رقم (1853) وقد تقدم.
ويؤيد أحاديث الباب ما أخرجه أبو داود
(1)
عن قيس بن سعدٍ قال: "أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقُّ أن يُسْجَدَ لَهُ، قال: فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقلت: إنِّي أتيتُ الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبانٍ لهم، فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك، قال: "أرأيتَ لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ " قال: قلت: لا، قال: "فلا تفعلوا، لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهنّ لما جعل الله لهم عليهنّ من الحقّ". وفي إسناده شريك بن عبد الله القاضي، وقد تكلم فيه غير واحد
(2)
، وأخرج له مسلم في المتابعات.
قوله: (دخلت الجنَّة) فيه الترغيب العظيم إلى طاعة الزوج، وطلب مرضاته، وأنها موجبةٌ للجنة.
قوله: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه)، قال ابن أبي جمرة: الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع ويقوّيه قوله: "الولد للفراش"
(3)
، أي: لمن يطأ في
(1)
في سننه رقم (2140).
قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 187) والبيهقي (7/ 291) من طريق شريك عن حصين عن الشعبي.
قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
قلت: شريك بن عبد الله القاضي سيئ الحفظ.
والخلاصة: أن حديث قيس هذا حديث صحيح دون جملة القبر، والله أعلم.
(2)
شريك بن عبد الله النخعي، الكوفي، القاضي بواسط، ثم الكوفة، أبو عبد الله: صدوق، يخطئ كثيرًا تغير حفظه منذ وُلّي القضاء بالكوفة، وكان عادلًا فاضلًا عابدًا، شديدًا على أهل البدع.
"التقريب" رقم (2787) والتاريخ الكبير (2/ 2/ 238) والجرح والتعديل (2/ 1/ 365) وتاريخ بغداد (9/ 279) والميزان (2/ 270).
(3)
• أخرجه أحمد في المسند (2/ 239) والبخاري رقم (6750) و (6818) ومسلم رقم (1458) والترمذي رقم (1157) والنسائي (6/ 180) وابن ماجه رقم (2006) من حديث أبي هريرة.
• أخرجه أحمد في المسند (1/ 25) وعبد الرزاق في المصنف رقم (9152) وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 415) والحميدي رقم (4) وابن ماجه رقم (2005) وأبو يعلى =
الفراش، والكناية عن الأشياء التي يستحيا منها كثيرة في القرآن والسنة.
قال: وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلًا لقوله: "حتَّى [تُصْبحَ]
(1)
"، وكأن السرّ فيه تأكيد ذلك لا أنه يجوز لها الامتناع في النهار، وإنما خصّ الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك.
قال في الفتح
(2)
: وقد وقع في رواية يزيد بن كيسان عن أبي حازم عند مسلم
(3)
بلفظ: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها".
ولابن خزيمة
(4)
وابن حبان
(5)
من حديث جابر رفعه: "ثلاثة لا تُقْبَل لهم
= رقم (199) والطحاوي (3/ 104) والبيهقي (7/ 402) من حديث عمر بن الخطاب، وهو حديث صحيح لغيره.
• وأخرجه أحمد في المسند (1/ 59) وأبو داود رقم (2275) والطحاوي (3/ 104) والبيهقي (7/ 402 - 403) من طرق.
من حديث عثمان بن عفَّان. وهو حديث ضعيف.
• وأخرجه النسائي في السنن رقم (3486) وابن حبان رقم (4104) من حديث عبد الله بن مسعود.
وهو حديث صحيح لغيره.
وفي الباب عن عمرو بن خارجة عند أحمد في المسند (4/ 186).
وعن أبي أمامة عند أحمد في المسند (5/ 267).
وعن عبادة بن الصامت عند أحمد في المسند (5/ 326 - 327).
وعن عائشة عند أحمد في المسند (6/ 129).
وعن عبد الله بن عمرو عند أحمد في المسند (2/ 179).
وهو حديث متواتر. تم تخريجه في كتابي "لب اللباب في قول الترمذي: وفي الباب".
(1)
في المخطوط (ب): (يصبح).
(2)
(9/ 294).
(3)
في صحيحه رقم (121/ 1436).
(4)
في صحيحه رقم (940).
(5)
في صحيحه رقم (5355).
قلت: وأخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 1074) والبيهقي (1/ 389).
إسناده ضعيف.
قال البيهقي: تفرد به زهير - بن محمد التيمي الخرساني -.
قلت: رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، وهذا منها.
وقال الذهبي في "المهذب": "قلت: هذا من مناكير زهير". =
صلاةٌ ولا تصعد لهم إلى السماء حسنةٌ: العبد الآبق حتى يرجع، والسكران حتى يصحو، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى"، فهذه الإطلاقات تتناول الليل والنهار.
قوله: (فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها) المعصية منها تتحقق بسبب الغضب منه، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فلا تكون المعصية متحققة، إما لأنه عذرها، وإما لأنه ترك حقه من ذلك.
وقد وقع في رواية للبخاري
(1)
: "إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها" وليس لفظ المفاعلة على ظاهره، بل المراد أنها هي التي هجرت، وقد يأتي لفظ المفاعلة ويراد بها نفس الفعل، ولا يتجه عليها اللوم إلا إذا بدأت هي [بالهجر]
(2)
فغضب هو لذلك أو هجرها وهي ظالمة فلم تتنصل من ذنبها وهجرته. أما لو بدأ هو بهجرها ظالمًا لها فلا.
ووقع في رواية مسلم
(3)
: "إذا باتت المرأة هاجرة".
قوله: (لعنتها الملائكة حتى تصبح) في رواية للبخاري
(4)
: "حتى ترجع" وهو كما قال الحافظ
(5)
أكثر فائدة، قال: والأولى محمولة على الغالب كما تقدم.
وأخرج الطبراني
(6)
والحاكم وصححه
(7)
من حديث ابن عمر مرفوعًا: "اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبد آبق، وامرأة عصمت زوجها حتى ترجع".
قال في الفتح
(8)
حاكيًا عن المهلب: وفي الحديث جواز لعن العاصي
= وانظر: "الضعيفة" رقم (1075).
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(1)
في صحيحه رقم (5194).
(2)
في المخطوط (ب): (بالهجرة).
(3)
في صحيحه رقم (120/ 1436).
(4)
في صحيحه رقم (5194).
(5)
في "الفتح"(9/ 294).
(6)
في الأوسط رقم (3628) وفي الصغير (1/ 172).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 313) وقال: رجاله ثقات.
(7)
في المستدرك (4/ 173).
(8)
(9/ 294).
المسلم إذا كان على وجه الإرهاب عليه لئلا يواقع الفعل، فإذا واقعه فإنما يدعى له بالتوبة والهداية.
قال الحافظ
(1)
: ليس هذا التقييد مستفادًا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى.
قال
(2)
: وقد ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال بهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعين، وفيه نظر.
والحقُّ: أن الذي منع اللعن أراد به المعنى اللغوي: وهو الإبعاد من الرحمة، وهذا لا يليق أن يُدْعى به على المسلم بل يُطْلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية؛ والذي أجازه أراد به معناه العرفي وهو مطلق السبّ.
قال: ولا يخفى أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر.
وأما حديث الباب فليس فيه إلا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جوازه على الإطلاق.
وفي الحديث دليل على أن الملائكة تدعو على المغاضبة لزوجها الممتنعة من إجابته إلى فراشه.
وأما كونها تدعو على أهل المعاصي على الإطلاق كما قال في الفتح (3)، فإن كان من هذا الحديث فليس فيه إلا الدعاء على فاعل هذه المعصية الخاصة، وإن كان من دليل آخر فذاك.
وأما الاستدلال بهذا الحديث على أنهم يدعون لأهل الطاعة كما فعل أيضًا في الفتح
(3)
ففاسد، فإنه لا يدلّ على ذلك بوجه من وجوه الدلالة، وغايته أنه يدلّ بالمفهوم على أن غير العاصية لا تلعنها الملائكة، فمن أين أن المطيعة تدعو لها الملائكة، بل من أين أن كل صاحب طاعة يدعون له، نعم قول الله تعالى:{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}
(4)
يدلّ على أنهم يدعون للمؤمنين بهذا الدعاء الخاصّ.
وحكي في الفتح
(5)
عن ابن أبي جمرة أنه قال: وهل الملائكة التي تلعنها هم الحفظة أو غيرهم؟ يحتمل الأمرين.
(1)
في "الفتح"(9/ 294).
(2)
أي الحافظ في "الفتح"(9/ 295).
(3)
(9/ 295).
(4)
سورة غافر، الآية:(7).
(5)
(9/ 295).
قال الحافظ
(1)
: يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلًا بذلك.
ويرشد إلى التعميم ما في رواية لمسلم
(2)
بلفظ: "لعنتها الملائكة التي في السماء"، فإن المرادَ به سكانُها وإخبار الشارع بأن هذه المعصية يستحق فاعلها لعن ملائكة السماء يدلّ أعظم دلالة على تأكد وجوب طاعة الزوج وتحريم عصيانه ومغاضبته.
قوله: (قرحة) أي: جرح
(3)
.
قوله: (تنبجس) بالجيم والسين المهملة.
قال في القاموس
(4)
: بجسَ الماءَ والجرحَ يبجسهُ: شقَّهُ، قال: وبجَّسهُ تبجيسًا: فجره فانبجس وتبجس.
قوله: (بالقيح) قال في القاموس
(5)
: القيح: المدة لا يخالطها دم، قاح الجرح يقيح كقاح يقوح. والصديد: ماء الجرح الرقيق، على ما في القاموس
(6)
.
قوله: (نَوْلها)
(7)
بفتح النون وسكون الواو، أي: حظها وما يجب عليها أن تفعل. والنول: العطاء في الأصل.
قوله: (لأساقفتهم) الأسقف
(8)
من النصارى: العالم الرئيس.
والبطريق
(9)
: الرجل العظيم.
وفي هذا الحديث دليل على أن من سجد جاهلًا لغير الله لم يكفر.
(1)
في "الفتح"(9/ 295).
(2)
في صحيحه رقم (121/ 1436) بنحوه.
(3)
النهاية (2/ 433).
(4)
القاموس المحيط (ص 684).
(5)
القاموس المحيط (ص 303) والنهاية (2/ 507).
(6)
القاموس المحيط (ص 373).
(7)
القاموس المحيط (ص 1376 - 1377) والنهاية (2/ 807).
(8)
الأسقف: وهو عالم رئيس من علماء النصارى ورؤسائهم. وهو اسم سرياني، ويحتمل أن يكون سمي به لخضوعه وانحنائه في عبادته. والسقف في اللغة: طول في انحناء. النهاية (1/ 787).
(9)
البطريق: جمعها بطارقة وهو الحاذق بالحرب وأمورها بلغة الروم، وهو ذو منصب وتقدُّم عندهم النهاية (1/ 141).
77/ 2820 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ: أَنَّهُ شَهِدَ حَجّةَ الْوَدَاعِ مَعَ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ ثم قَالَ: "اسْتَوْصُوا بِالنِّساءِ خَيْرًا، فإنَّمَا هُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَان لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إلا أنْ يأتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فإنْ فَعَلْنَ فاهْجُرُوهُن فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرَّحٍ، فإنْ أطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِن سَبِيلًا؛ إنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُم حَقًّا؛ فأمَّا حَقُّكُمْ على نِسائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يأذَن في بُيُوتِكُم لِمَنْ تَكْرَهُونَ، ألا وَحَقّهُن عَلَيْكُمْ أنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِن فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِن"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(1)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
وَصَحَّحَهُ. [حسن]
وَهُوَ دَلِيلٌ على أن شَهَادَتَهُ عَلَيْهَا بالزّنا لا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِتَرْكِ حَقِّهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ).
78/ 2821 - (وَعَنْ مُعَاوِيَةَ القشَيْرِيّ: أن النبِي صلى الله عليه وسلم سألَهُ رَجُلٌ: ما حَقُّ المَرأةِ على الزوْجِ؟ قَالَ: "تُطْعِمُها إِذَا طَعِمْتَ، وَتكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا ثُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلا فِي البَيْتِ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(3)
وَأَبُو دَاوُدَ
(4)
وَابْنَ مَاجَهْ)
(5)
. [صحيح]
(1)
في سننه رقم (1851).
(2)
في سننه رقم (1163) وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (287).
في إسناده سليمان بن عمرو، ذكره ابن حبان في "الثقات".
لكن للحديث شاهد من حديث عم أبي حرة الرقاشي، عند أحمد في المسند (5/ 72 - 73) بسند ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان.
والخلاصة: أن الحديث بمجموع الطريقين حسن، والله أعلم.
(3)
في المسند (5/ 3، 5).
(4)
في سننه رقم (1242).
(5)
في سننه رقم (1850).
قلت: وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (289) وابن حبان رقم (1286 - موارد) والحاكم (2/ 187 - 188) وعنه البيهقي (7/ 295) من طريق أبي قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه، به.
قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في الإرواء (7/ 98). =
79/ 2822 - (وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أن النّبِي صلى الله عليه وسلم قالَ: "أنْفِقْ عَلى عِيَالِكَ مِنْ طُولِكَ، وَلَا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أدَبًا وَأخِفهُمْ فِي الله"، رَواهُ أَحْمَدُ)
(1)
. [إسناده ضعيف]
80/ 2823 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَحِلُّ للمَرأةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُها شاهِدٌ إلا بإذْنِهِ"، مُتّفَقٌ عَلَيْهِ
(2)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ: "لا تَصُومُ امْرَأةٌ وَزَوْجُهَا شاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلا بإذْنِهِ" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النّسائي
(3)
. [صحيح]
وَهُوَ حُجّةٌ لِمَنْ يَمْنَعُها مِنْ صَوْمِ النّذْرِ وَإِنْ كَانَ مُعَيّنًا إلَّا بِإِذْنِهِ).
حديث عمرو بن الأحوص أخره أيضًا بقية أهل السنن
(4)
.
وحديث معاوية القشيري أخرجه أيضًا النسائي
(5)
وسكت عنه أبو داود
(6)
والمنذري
(7)
وصححه الحاكم
(8)
وابن حبان
(9)
.
= وأبو قزعة اسمه: سويد بن حجير البصري، وهو ثقة من رجال مسلم. وقد تابعه عطاء عند أحمد في رواية قرنه به.
وتابعه بهز بن حكيم أيضًا عن أبيه، به نحوه ولفظه:
"قلت: يا نبي الله نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: حرثك، ائت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت، وأطعم إذا طعمت، واكس إذا اكتسيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض، إلا بما حل عليها".
أخرجه أحمد في المسند (5/ 3) وأبو داود رقم (2144) مختصرًا وهذا إسناد حسن.
وخلاصة القول: أن حديث معاوية القشيري حديث صحيح، والله أعلم.
(1)
في المسند (5/ 238) بسند ضعيف لانقطاعه، عبد الرحمن بن جبير بن نفير لم يدرك معاذًا.
(2)
أحمد في المسند (2/ 316) والبخاري رقم (5195) ومسلم رقم (84/ 1026).
(3)
أحمد في المسند (2/ 476) وأبو داود رقم (2458) والترمذي رقم (782).
وقال. هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (1761).
وهو حديث صحيح.
(4)
النسائي في "عشرة النساء" رقم (287).
(5)
في "عشرة النساء" رقم (289).
(6)
في السنن (2/ 606).
(7)
في "المختصر"(3/ 68).
(8)
في المستدرك (2/ 187 - 188) وقد تقدم.
(9)
في صحيحه رقم (1286 - موارد) وقد تقدم.
وحديث معاذ أخرج نحوه الطبراني في الصغير
(1)
والأوسط
(2)
عن ابن عمر مرفوعًا، ولفظه:"لا ترفع العصا عن أهلك وأخفهم في الله عز وجل". قال في مجمع الزوائد
(3)
: وإسناده جيد.
قوله: (عوانٌ)
(4)
جمع عانية، والعاني: الأسير.
قوله: (فإن فعلن فاهجروهنَّ
…
) إلخ، في صحيح مسلم
(5)
من حديث: "فإن فعلن فاضربوهنَ ضربًا غير مبرّح).
وظاهر حديث الباب أنه لا يجوز الهجر في المضجع والضرب إلا إذا أتين بفاحشةٍ مبيِّنةٍ لا بسبب غير ذلك.
وقد ورد النهيُ عن ضرب النساء مطلقًا.
فأخرج أحمد
(6)
وأبو داود
(7)
والنسائي
(8)
وصححه ابن حبان
(9)
والحاكم
(10)
من حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذُباب - بضم الذال المعجمة، وبموحدتين - مرفوعًا بلفظ:"لا تضْرِبوا إماءَ الله"، فجاء عمر فقال: قد ذَئِرَ النِّساء
(11)
على
(1)
في الصغير (1/ 44).
(2)
في الأوسط رقم (1869).
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد" (8/ 106) وقال: إسناده جيد.
(3)
في "مجمع الزوائد"(8/ 106).
(4)
القاموس المحيط (ص 1696) وقال: العواني: النساء لأنهنَّ يظلمنَّ فلا ينتصرن.
وقال ابن الأثير في النهاية (2/ 267): العاني: الأسير: وكل من ذلَّ واستكان وخضع.
فقد عنا يَعنُو وهو عانٍ. والمرأة عانية وجمعها عوان: أي أُسراء أو كالأُسراء.
(5)
في صحيحه رقم (147/ 1218).
(6)
لم أقف عليه عند أحمد.
(7)
في سننه رقم (2146).
(8)
في "عشرة النساء" رقم (285).
(9)
في صحيحه رقم (4189).
(10)
في المستدرك (2/ 188، 191) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد؛ ووافقه الذهبي.
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1985) وعبد الرزاق رقم (17945) والدارمي (2/ 147) والبيهقي (7/ 305) والبغوي في شرح السنة رقم (2346).
وهو حديث صحيح.
(11)
قال في "النهاية"(1/ 597): ذَئِر النساءُ على أزواجهنَّ، أي: نَشَزْن عليهم، واجترأنَ، يقال: ذئرتِ المرأةُ تذأرُ فهي ذَئِر وذائر، أي: ناشِزٌ. وكذا الرجل.
وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (3/ 223).
أزواجهنَّ، فأذن لهم فضربوهنَّ، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءٌ كثيرة، فقال:"لقد أطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون امرأة كلهنَّ يشكين أزواجهنَّ ولا تجدون أولئك خياركم".
ولفظ أبي داود
(1)
، لقد طاف بآل محمدٍ نساءٌ كثيرةٌ يشكون أزواجهنَّ ليس أولئك بخياركم".
وله شاهد من حديث ابن عباس في صحيح ابن حبان
(2)
.
وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر عند البيهقي
(3)
.
وذئر النساء
(4)
بفتح الذال المعجمة وكسر الهمزة بعدها راء، أي: نشزن، وقيل:[عَصَيْنَ]
(5)
.
قال الشافعي
(6)
: يحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهنّ، يعني قوله [تعالى]
(7)
: {وَاضْرِبُوهُنَّ}
(8)
ثم أذن بعد نزولها فيه، ومحلُّ ذلك أن يضربها تأديبًا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل، ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادّة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله.
وقد أخرج النسائي
(9)
عن عائشة قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةً له
(1)
في السنن رقم (2146).
(2)
في صحيحه رقم (4186).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1977).
في الإسناد: جعفر بن يحيى، وعمه عمارة بن ثوبان لم يوثقهما غير ابن حبان.
وللحديث شاهد من حديث عائشة تقدم برقم (2813) من كتابنا هذا.
والخلاصة: أن حديث ابن عباس صحيح لغيره، والله أعلم.
(3)
في السنن الكبرى (7/ 304).
(4)
تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (11).
(5)
في المخطوط (ب): (عصبن).
(6)
في الأم (6/ 493) وانظر: البيان للعمراني (9/ 528).
(7)
زيادة من المخطوط (أ).
(8)
سورة النساء، الآية:(34).
(9)
في "عشرة النساء" رقم (282). =
ولا خادمًا قط، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا في سبيل الله، أو تُنْتَهك محارِم الله فينتقم لله".
وفي الصحيحين
(1)
: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم".
وفي رواية
(2)
: "من آخر الليلة".
وأخرج أبو داود
(3)
والنسائي
(4)
وابن ماجه
(5)
عن عمر بن الخطاب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُسئل الرجل فيم ضرب امرأته".
قوله: (فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون) هذا محمول على عدم العلم برضا الزوج، أما لو علمت رضاه بذلك فلا حرج عليها، كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعًا [معدًّا]
(6)
لهم فيجوز إدخالهم سواء كان حاضرًا أو غائبًا فلا يفتقر ذلك إلى الإذن من الزوج.
وقد أخرج مسلم
(7)
من حديث أبي هريرة بلفظ: "ولا يأذنّ في بيته إلا بإذنه"، وهو يفيد أن حديث الباب مقيد بعدم الإذن.
قوله: (ولا تضرب الوجه)، فيه دليل على وجوب اجتناب الوجه عند التأديب.
= قلت: وأخرجه مسلم برقم (77/ 2327) والترمذي في الشمائل رقم (349).
وهو حديث صحيح.
(1)
البخاري رقم (5204) ومسلم رقم (49/ 2855).
(2)
أخرجه أحمد (4/ 17) من حديث عبد الله بن زمعة، بإسناد صحيح.
(3)
في سننه رقم (2147).
(4)
في "عشرة النساء" رقم (286).
(5)
في سننه رقم (1986).
قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 305) وأحمد (1/ 20) كلهم من طريق داود بن عبد الله الأزدي، عن عبد الرحمن المُسْلِمِي، عن الأشعث بن قيس، عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف من أجل المسلمي هذا، قال الذهبي:"لا يعرف إلا في هذا الحديث، تفرد عنه داود بن عبد الله الأودي".
وقال الحافظ في "التقريب" رقم (4052): مقبول.
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(6)
في المخطوط (ب): (معد).
(7)
في صحيحه رقم (84/ 1026).
قوله: (ولا تقبح) أي لا تقل لامرأتك: قبحها الله.
قوله: (ولا تهجر إلا في البيت) المراد أنه إذا رابه منها أمر فيهجرها في المضجع ولا يتحوّل عنها إلى دار أخرى أو يحوّلها إليها، ولكنَّه قد ثبت في الصحيح
(1)
: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم هجر نساءه وخرج إلى مشربة له".
قوله: (ولا ترفع عنهم عصاك) فيه: أنَّه ينبغي لمن كان له عيال أن يخوّفهم ويحذرهم الوقوع فيما لا يليق ولا يكثر تأنيسهم ومداعبتهم، فيفضي ذلك إلى الاستخفاف به ويكون سببًا لتركهم للآداب المستحسنة وتخلقهم بالأخلاق السيئة.
قوله: (لا يحلُّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد) أي: حاضر، ويلحق بالزوج السَّيِّد بالنسبة إلى أمته التي يحلُّ له وطؤها.
ووقع في رواية البخاري
(2)
: "وبعلها حاضر"، وهي أفيد، لأن ابن حزم
(3)
نقل عن أهل اللغة
(4)
أن البعل اسم للزوج والسيد، فإن ثبت وإلا كان السيد ملحقًا بالزوج للاشتراك في المعنى.
قوله: (إلا بإذنه) يعني: في غير صيام أيام رمضان، وكذا سائر الصيامات الواجبة.
ويدلُّ على اختصاص ذلك بصوم التطوُّع قوله في حديث الباب
(5)
: "من غير رمضان"، وما أخرجه عبد الرزاق
(6)
من طريق الحسن بن عليٍّ بلفظ: "لا تصوم المرأة غير رمضان".
وأخرج الطبراني
(7)
من حديث ابن عباس مرفوعًا في أثناء حديث: "ومن
(1)
البخاري رقم (5191) ومسلم رقم (30/ 1479).
(2)
في صحيحه رقم (5192).
(3)
في المحلى (7/ 30).
(4)
القاموس المحيط (ص 1249).
وقال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 146): البعل الزوج، ويجمع على بُعولة.
(5)
تقدم برقم (2823) من كتابنا هذا.
(6)
في المصنف رقم (7890) بنحوه عن مجاهد.
(7)
لم أقف عليه عند الطبراني. =
حقّ الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوّعًا إلا بإذنه، فإن فعلت لم يقبل منها".
والحديث يدلُّ على تحريم صوم التطوُّع على المرأة بدون إذن زوجها الحاضر وهو قول الجمهور
(1)
.
وقال بعض أصحاب الشافعي
(2)
: يكره.
قال النووي
(3)
: والصحيح الأول، [قال]
(4)
: فلو صامت بغير إذنه صحّ وأثمت لاختلاف الجهة وأمر القبول إلى الله.
قال النووي
(5)
أيضًا: ويؤكد التحريم ثبوتُ الخبر بلفظ النهي ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك بل هو أبلغ لأنه يدلّ على تأكد الأمر فيه فيكونُ على التحريم.
قال
(6)
: وسبب هذا التحريم: أن للزوج حقُّ الاستمتاع بها في كلِّ وقتٍ، وحقه واجبٌ على الفور فلا تفوِّته بالتطوُّع، وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها. وظاهر التقييد بالشاهد: أنّه يجوز لها التطوُّع إذا كان الزوج غائبًا، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام قيل: فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة، وفي معنى الغيبة أن يكون مريضًا بحيث لا يستطيع الجماع.
وحمل المهلب
(7)
النهي المذكور على التنزيه فقال: هو من حسن المعاشرة ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير إذنه ما لا يضرّه، وليس له أن يبطل شيئًا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير إذنه.
قال الحافظ
(8)
: وهو خلاف ظاهر الحديث.
= بل أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 306 - 307) وقال: رواه البزار وفيه حسين بن قيس المعروف بحنش وهو ضعيف، وقد وثقه حصين بن نمير، وبقية رجاله ثقات.
(1)
الفتح (9/ 296).
(2)
المجموع (6/ 445).
(3)
في "المجموع"(6/ 445).
(4)
في المخطوط (ب): (قالوا).
(5)
في شرحه لصحيح مسلم (7/ 115).
(6)
أي النووي في المرجع السابق.
(7)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 296).
(8)
في الفتح (9/ 296).
[الباب السادس عشر] باب نهي المسافر أن يطرق أهله بقدومه ليلًا
81/ 2824 - (عَنْ أَنَسٍ قالَ: إن النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ لا يَطْرُق أهْلَهُ لَيْلًا وكانَ يأتِيهِمْ غُدْوَةً أَوْ عَشِيّةً)
(1)
. [صحيح]
82/ 2825 - (وَعَنْ جَابِرٍ أن النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا أطَالَ أحَدُكُمُ الغَيْبَةَ فلا يَطْرُقْ أهْلَهُ لَيْلًا")
(2)
. [صحيح]
83/ 2826 - (وَعَنْ جَابِرٍ قالَ: كُنّا مَعَ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، فَلَمّا قَدِمْنا ذَهَبْنا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ:"أَمْهِلُوا حتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا أي عِشاءً لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ المُغَيَّبَةُ"
(3)
، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ). [صحيح]
84/ 2827 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَطْلُبُ عَثَرَاتِهِمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
(4)
. [صحيح]
قوله: (كان لا يطرق) قال أهل اللغة
(5)
: الطُروق بالضم: المجيء بالليل من سفرٍ أو غيره على غفلةٍ.
ويقال
(6)
لكل آتٍ بالليل: طارق، ولا يقال في النهار إلا مجازًا.
وقال بعض أهل اللغة
(7)
: أصل الطروق: الدفع والضرب، وبذلك سُمِّيت الطريق لأنَّ المارة تدفعها بأرجلها، وسمِّي الآتي بالليل طارقًا؛ لأنَّه محتاجٌ غالبًا إلى دقّ الباب.
(1)
أحمد في المسند (3/ 125) والبخاري رقم (1800) ومسلم رقم (180/ 1928).
(2)
أحمد في المسند (3/ 396) والبخاري رقم (5244) ومسلم رقم (183/ 715).
(3)
أحمد في المسند (3/ 303) والبخاري رقم (5245) ومسلم رقم (181/ 715).
(4)
في صحيحه رقم (184/ 715).
(5)
لسان العرب (10/ 217).
(6)
القاموس المحيط (ص 1166) ولسان العرب (10/ 218).
(7)
النهاية في غريب الحديث (2/ 108).
وقيل: أصل الطروق: السُّكون، ومنه: أطرق رأسه، فلمَّا كان الليل يسكن فيه سمى الآتي طارقًا.
قوله: (إذا أطال [أحدكم]
(1)
الغيبة) فيه إشارة: إلى أن علة النهي إنَّما توجد حينئذٍ، فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فلما كان الذي يخرج لحاجته مثلًا نهارًا ويرجع ليلًا لا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة قيد الشارع النهي عن الطروق بالغيبة الطويلة.
والحكمة في النهي عن الطروق: أنَّ المسافر ربما وجد أهله مع الطروق، وعدم شعورهم بالقدوم على غير أهبة من التنظيف والتزيُّن المطلوب من المرأة، فيكون ذلك سبب النفرة بينهما، وقد أشار إلى هذا في الحديث الذي بعده.
وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه
(2)
عن ابن عمر قال: "قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم من غزوةٍ فقال: "لا تطرقوا النِّساء"، وأرسلَ من يؤذن النَّاس أنهم قادمون".
وأخرج ابن خزيمة
(3)
أيضًا من حديث ابن عمر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق النساء ليلًا، فطرق رجل فوجد مع امرأته ما يكره".
وأخرج
(4)
نحوه من حديث ابن عباس وقال: "رجلان فكلاهما وجد مع امرأته رجلًا".
وأخرج أبو عوانة في صحيحه
(5)
عن جابر: "أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلًا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلًا، فأشار إليه بالسيف، فلما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك نهى أن يطرق الرجل أهله ليلًا".
قوله: (حتى ندخل ليلًا) ظاهره المعارضة لما تقدم من النهي عن الطروق ليلًا.
وقد جمع بأنَّ المراد بالليل ههنا: أوَّله، وبالنهي: الدخول في أثنائه فيكون أوّل الليل إلى وقت العشاء مخصصًا من عموم ذلك النهي.
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ)، (ب) وأضفتها من نص الحديث.
(2)
كما في "الفتح"(9/ 340). قلت: وأخرجه عبد الرزاق رقم (14016).
(3)
كما في "الفتح"(9/ 340 - 341)، قلت: وأخرجه عبد الرزاق رقم (14018).
(4)
كما في "الفتح"(9/ 341).
(5)
في مسنده (5/ 114، 116)، قلت: وأخرجه عبد الرزاق رقم (14019).
والأولى في الجمع أن الإذن بالدخول ليلًا لمن كان قد أعلم أهله بقدومه فاستعدّوا له، والنهي لمن لم يكن قد أعلمهم
(1)
.
قوله: (الشعثة)
(2)
بفتح المعجمة، وكسر العين المهملة بعدها مثلثة، وهي التي لم تدهن شعرها وتمشطه.
قوله: (وتستحدَّ)
(3)
بحاء مهملة، أي: تستعمل الحديدة وهي الموسى، (والمغيبة)
(4)
بضم الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة، أي: التي غاب عنها زوجها؛ والمراد: إزالة الشعر عنها، وعبر بالاستحداد لأن الغالب استعماله في إزالة الشعر، وليس فيه منع من الإزالة بغير الموسى.
قوله: (يتخوّنهم أو يطلب عثراتهم) هكذا بالشكّ.
قال سفيان: لا أدري هكذا في الحديث أم لا، يعني: يتخوّنهم أو يطلب عثراتهم، والتخوّن أن يظنّ وقوع الخيانة له من أهله، (وعثراتهم)
(5)
بفتح المهملة والمثلثة جمع عثرة: وهي الزلة.
(1)
قال محمد بن إسماعيل الأمير في "سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام"(6/ 85 - 86) بتحقيقي: "وقوله: ليلًا. ظاهرُه تقييدُ النهي بالليلِ وأنهُ لا كراهةَ في وصوله إلى أهلهِ نهارًا من غيرِ شُعورهم. واختُلِفَ في علةِ التفرقةِ بينَ الليلِ والنهار، فعلَّلَ البخاريُّ في ترجمةِ الباب بقولهِ: بابُ لا يطرقُ الرجلُ أهلَه ليلًا إذا أطالَ الغيبةَ مخافةَ أن يتخوَّنهم أو يلتمسَ عورَاتهم؛ فعلى هذا التعليل يكون الليلُ جزءَ علةِ؛ لأنَّ الريبةَ تغلبُ في الليلِ وتندرُ في النهارِ وإنْ كانتِ العلةُ ما صرَّحَ بهِ وهوَ قولُ: "لكي تمتشطَ
…
إلى آخره"، فهو حاصلٌ في الليل والنهار. قيلَ: ويحتملُ أنْ يكونَ معتبرًا في العلة على كلَا التقديرين، فإنَّ الغرضَ منَ التنظيفِ والتزيين هو تحصيلٌ لكمالِ الغرضِ من قضاءِ الشهوةِ وذلكَ في الأغلب يكونُ في الليلِ، فالقادمُ، في النهارِ يتأنَّى لتحصيل زوجته التنظيفُ والتزيين لوقتِ المباشرةِ وهوَ الليلُ بخلافِ القادم في الليلِ، وكذلكَ ما نخشى منه منَ العثورِ على وجودِ أجنبي هو في الأغلبِ يكونُ في الليل". اهـ.
(2)
القاموس المحيط (ص 218).
قال صاحب "لسان العرب"(2/ 160): "الشَّعثُ: المغبرُّ الرأس، المنْتَتِف الشعر الحاف الذي لم يدَّهن".
(3)
قال ابن الأثير في النهاية (1/ 346): تستحدُّ: هو استفعل من الحديد كأنه استعمله على طريق الكناية والتورية.
الاستحداد: وهو حلق العانة بالحديد. الفائق (1/ 265).
(4)
النهاية (2/ 332).
(5)
لسان العرب (4/ 539).
ووقع في حديث جابر عند أحمد
(1)
والترمذي
(2)
بلفظ: "لا تَلِجُوا على المغِيبات، فإنَّ الشيطانَ يجري مع ابن آدم مَجْرَى الدَّمِ".
[الباب السابع عشر] باب القسم للبكر والثيب [الجديدتين]
(3)
85/ 2828 - (عَنْ أُم سَلَمَةَ: أن النبِيّ صلى الله عليه وسلم لَما تَزَوَّجَها أَقَامَ عِنْدَها ثَلاثَةَ أيّامٍ وَقَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ بِكَ هَوَانٌ على أهْلِكَ، فَإِنْ شِئْتَ سَبّعتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَك سَبّعْتُ لِنِسَائِي"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(4)
وَمُسْلِمٌ
(5)
وأبُو دَاوُدَ
(6)
وَابْنُ مَاجَهْ
(7)
. [صحيح]
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي
(8)
وَلَفْظُهُ: إن النّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا حِينَ دَخَلَ بِهَا: "لَيْسَ بِكِ علَى أهْلِكِ هَوَان، إنْ شِئْتِ أقَمْتُ عِنْدَكِ ثَلاثًا خَالِصَةً لَكِ، وَإِنْ شِئْتِ سَبّعْتُ لَكِ وَسَبّعْتُ لِنِسائي"، قالَتْ: تُقِيمُ مَعِي ثَلاثًا خَالِصةً). [صحيح لغيره]
(1)
في المسند (3/ 309).
(2)
في السنن رقم (1172) وقال: غريب من هذا الوجه.
وتمام الحديث: "قلنا: ومنكَ يا رسولَ الله؟ قال: ومِنِّي، ولكنَّ الله أعانني عليه فأسلم".
إسناده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد. وقد جمع مجالد في هذا المتن ثلاثة أحاديث، وهي صحيحة:
(الأول): "لا تلجوا على المغيبات".
و (الثاني): "إنَّ الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم".
و (الثالث): "لكن الله أعانني عليه فأسلم".
(3)
في المخطوط (ب): (الجددَتين) وهو خطأ.
(4)
في المسند (2/ 292).
(5)
في صحيحه رقم (41، 42/ 1460).
(6)
في سننه رقم (2122).
(7)
في سننه رقم (1917).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 144) والبيهقي (7/ 301) وابن حبان رقم (4210).
وانظر: الإرواء رقم (2019) والصحيحة رقم (1271).
وهو حديث صحيح.
(8)
في السنن (3/ 284 رقم 143) في إسناده الواقدي وهو ضعيف جدًّا.
وهو حديث صحيح لغيره.
86/ 2829 - (وَعَنْ أبي قِلَابَةَ عَنْ أنَسٍ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ البِكْرَ على الثّيِّبِ أقامَ عِنْدَها سَبْعًا ثُمَّ قَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أقَامَ عِنْدَها ثَلاثًا ثُمَّ قَسَمَ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. أخْرَجَاهُ)
(1)
. [صحيح]
87/ 2830 - (وَعَنْ أنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لِلْبِكْرِ سَبْعَةُ أيَامٍ، وَللثَّيِّبِ ثَلاثٌ ثمَّ يَعُودُ إلى نِسائِهِ"، رَوَاهُ الدَّارقطْنِي
(2)
. [حسن]
88/ 2831 - (وَعَنْ أنَسٍ قَالَ: لَمّا أخَذَ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ أقامَ عِنْدَهَا ثَلاثًا وكانَتْ ثيبًا. رَوَاهُ أحْمَد
(3)
وأبو دَاوُدَ
(4)
. [صحيح]
لفظ الدارقطني
(5)
في حديث أُم سلمة: في إسناده الواقديُّ وهو ضعيف جدًّا.
وحديث أنس الآخر في الإقامة عند صفية: أخرجه أيضًا النسائي
(6)
، ورجال أبي داود رجال الصحيح
(7)
.
قوله: (سبَّعتُ لك) في رواية لمسلم
(8)
: "وإن شئت ثلثت ثم درت، قالت: ثلِّث".
(1)
البخاري رقم (5214) ومسلم رقم (44، 45/ 1461).
(2)
في سننه (3/ 283 رقم 145).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 144) وابن ماجه رقم (1916) وأبو نعيم في الحلية (2/ 288) و (3/ 13) وابن حبان رقم (4208).
بإسناد صحيح على شرط مسلم.
وهو حديث حسن.
(3)
في المسند (3/ 99).
(4)
في سننه رقم (2123).
وهو حديث صحيح.
(5)
في السنن (3/ 284 رقم 143) وقد تقدم.
(6)
في السنن الكبرى (رقم 5577، 5578 - العلمية).
(7)
وهو كما قال: وهشيم قد صرح بالتحديث عند أبي داود.
(8)
في صحيحه رقم (42/ 1460).
وفي روايةٍ للحاكم
(1)
: أنَّها أخذت بثوبه مانعةً له من الخروج من بيتها، فقال لها: "إن شئت
…
" الحديث.
وفي حديث أمّ سلمة دليل على أن الزوج إذا تعدّى السبع للبكر والثلاث للثيب بطل [التأثير]
(2)
، ووجب قضاء سائر الزوجات مثل تلك المدة بالنصّ في الثيب والقياس في البكر، ولكن إذا وقع من الزوج تعدّي تلك المدة بإذن الزوجة.
ومعنى قوله: ["ليس بك هوان على أهلك"
(3)
] أنه لا يلحقك هوانٌ ولا يُضيِّعُ من حقكِ.
قال القاضي عياض
(4)
: المراد بأهلك هنا: النبيّ صلى الله عليه وسلم نفسه، أي: إنِّي لا أفعل فعلًا به هوانك.
قوله: ([قال]
(5)
أبو قلابة
…
إلخ)، قال ابن دقيق العيد
(6)
: قول أبي قلابة يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون ظنَّ أَنَّه سمعه عن أنسٍ مرفوعًا لفظًا فتحرز عنه تورُّعًا.
والثاني: أن يكون رأى أنَّ قول أنس: (من السنة)، في حكم المرفوع، فلو عبر عنه بأنَّه مرفوعٌ على حسب اعتقاده لصحَّ، لأنَّه في حكم المرفوع.
قال
(7)
: والأوّل أقرب؛ لأنَّ قوله: "من السنة" يقتضى أن يكون مرفوعًا بطريقٍ اجتهاديٍّ محتمل.
وقوله: (إنَّه رفعه) نصٌّ في رفعه، وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نصٌّ في رفعه، وبهذا يندفع ما قاله بعضهم من عدم الفرق بين قوله:(من السنة كذا)
(8)
، وبين رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
في المستدرك (4/ 17 - 18) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(2)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) ولعل الصواب (الإيثار).
(3)
في المخطوط (أ): (ليس بك على أهلك هوان).
(4)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 659).
(5)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(6)
في "إحكام الأحكام"(4/ 41).
(7)
أي ابن دقيق العيد في المرجع السابق (4/ 41).
(8)
البحر المحيط (4/ 376) وإرشاد الفحول (ص 233) بتحقيقي.
وقد روى هذا الحديث جماعةٌ عن أنسٍ وقالوا فيه: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما في البيهقي
(1)
، ومستخرج الإسماعيلي
(2)
، وصحيح أبي عوانة
(3)
وصحيح ابن خزيمة
(4)
، وصحيح ابن حبان
(5)
، والدارمي
(6)
، والدارقطني
(7)
.
وأحاديث الباب تدلّ على أن البكر تؤثر بسبع والثيب بثلاث.
قيل: وهذا في حقّ من كان له زوجة قبل الجديدة.
وقال ابن عبد البر
(8)
حاكيًا عن جمهور العلماء: إن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف، وسواء كان عنده زوجة أم لا.
وحكى النووي
(9)
أنه يستحبّ إذا لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب.
قال في الفتح
(10)
: وهذا يوافق كلام أكثر الأصحاب.
واختار النووي
(11)
أن لا فرق وإطلاق الشافعي
(12)
يعضده.
ويمكن التمسك لقول من اشترط أن يكون عنده زوجةٌ قبل الجديدة بقوله في حديث أنس المذكور
(13)
: "إذا تزوَّج البكر على الثيب".
ويمكن الاستدلال لمن لم يشترط بقوله في حديث أنس أيضًا: "للبكر سبعٌ وللثيِّب ثلاث".
قال الحافظ
(14)
: لكن القاعدة: أن المطلق محمولٌ على المقيد، قال: وفيه - يعني - حديث أنس المذكور - حجةٌ على الكوفيين في قولهم: إنَّ البكر والثيِّب سواءٌ في الثلاث، وعلى الأوزاعي
(15)
في قوله: للبكر ثلاثٌ وللثيِّب يومان.
وفيه حديث مرفوعٌ عن عائشة، أخرجه الدارقطني
(16)
بسند ضعيف جدًّا، انتهى.
(1)
في السنن الكبرى (7/ 302).
(2)
عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(9/ 315).
(3)
في مسنده (3/ 60 رقم 4311).
(4)
كما في "الفتح"(5/ 319).
(5)
في صحيحه رقم (4208).
(6)
في سننه (2/ 144).
(7)
في سننه رقم (3/ 283 رقم 140).
(8)
في "التمهيد"(11/ 63 - الفاروق).
(9)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 45).
(10)
(9/ 315).
(11)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 45).
(12)
في "الأم"(6/ 285).
(13)
تقدم برقم (2829) من كتابنا هذا.
(14)
في "الفتح"(9/ 315).
(15)
حكاه عنه ابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 61 - الفاروق).
(16)
في سننه (3/ 284 رقم 144). قال الحافظ: سنده ضعيف جدًّا.
قلت: لأن فيه الواقدي وهو متروك.
وحكى في البحر
(1)
عن أبي حنيفة وأصحابه، والحكم، وحماد: أنَّها تؤثر البكر والثيب بذلك المقدار تقديمًا ويقضي البواقي مثله.
وحكى في البحر
(2)
أيضًا عن الحسن البصري، وابن المسيب: أنها تؤثر البكر بليلتين، والثيب بليلةٍ.
قال في الفتح
(3)
: تنبيه: يكره أن يتأخر في السّبع، أو الثلاث عن الصلاة وسائر أعمال البرّ.
قال: وعن ابن دقيق العيد
(4)
أنه قال: أفرط بعض الفقهاء
(5)
فجعل مقامه عندها عذرًا في إسقاط الجمعة وبالغ في التشنيع.
وأجيب بأنه قياس قول من يقول بوجوب المقام عندها وهو قول الشافعية
(6)
.
ورواه ابن قاسم عن مالك
(7)
، وعنه: يستحبُّ وهو وجه للشافعية (6)، فعلى الأصحّ يتعارض عنده الواجبان فيقدّم حقّ الآدمي فليس بشنيع وإن كان مرجوحًا، انتهى.
ولا يخفى أن مثل هذا لا يردّ به على تشنيع ابن دقيق العيد
(8)
لأنه شنع على القائل كائنًا من كان، وهو قول شنيع كما ذكر فكيف يجاب عنه بأن هذا قد قال به فلان وفلان اللهم إلا أن يكون ابن دقيق العيد موافقًا في وجوب المقام بلا استثناء
(9)
.
(1)
البحر الزخار (3/ 94).
(2)
البحر الزخار (3/ 94).
(3)
(9/ 315).
(4)
في "إحكام الأحكام"(4/ 42).
(5)
في المرجع السابق (بعض الفقهاء المالكية).
(6)
الحاوي الكبير (9/ 586 - 588).
(7)
التمهيد (11/ 61 - الفاروق) وشرح النووي لصحيح مسلم (10/ 45).
(8)
في "إحكام الأحكام"(4/ 41 - 42).
(9)
انظر: "رؤوس المسائل الخلافية"(4/ 152 - 153) والإنصاف للمرداوي (8/ 374) وروضة الطالبين (7/ 355) وملتقى الأبحر (1/ 256).
[الباب الثامن عشر] باب ما يجب فيه التعديل بين الزوجات وما لا يجب
89/ 2832 - (عَنْ أنَسٍ قَالَ: كَانَ للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تِسْعُ نِسْوَةٍ، وكانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهنَّ لا يَنْتَهِي إِلى المَرأَةِ الأولى إِلَى تِسْعٍ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ [الَّتِي]
(1)
يَأتِيها. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
(2)
. [صحيح]
90/ 2833 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ما مِنْ يَوْمٍ إلا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا امْرَأةً امْرَأةً، فَيَدْنو وَيَلْمَسُ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتّى يُفْضِي إِلى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَها. رَوَاهُ أَحْمَدَ
(3)
وَأبو دَاوُدَ
(4)
بِنَحْوِهِ. [حسن]
وَفِي لَفْظٍ: كانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ. متَّفَق عَلَيْهِ)
(5)
. [صحيح]
91/ 2834 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأتانِ يَمِيل لإِحْدَاهُمَا عَلى الأُخْرَى جاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجُرُّ أَحَدَ شِقّيْهِ ساقِطًا أوْ مَائِلًا"، رَوَاهُ الْخَمْسَة)
(6)
. [صحيح]
(1)
في المخطوط (ب): (الذي).
(2)
في صحيحه رقم (46/ 1462).
(3)
في المسند (6/ 107 - 108).
(4)
في سننه رقم (2135).
قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 186) والبيهقي (7/ 74 - 75).
وزادوا في أوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضِّل بعضنا على بعض في القَسْم، من مكثه عندنا".
وزادوا في آخره: "ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنَّت وَفَرِقَتْ أن يُفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، يومي لعائشة، فقبل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذلك منها. قالت: نقول: في ذلك أنزل الله تعالى، وفي أشباهها:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء: 128] قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
وهو حديث حسن، وابن أبي الزَّناد، وهو عبد الرحمن، إنما أخرج له البخاري تعليقًا، ومسلم في المقدمة. وانظر: الإرواء (رقم 2520) وصحيح أبي داود (6/ 352 - 353).
(5)
أحمد في المسند (6/ 59) والبخاري رقم (5268) ومسلم رقم (21/ 1474).
(6)
أحمد في المسند (2/ 247) وأبو داود رقم (2133) والترمذي رقم (2141) والنسائي =
حديث عائشة أخرجه أيضًا البيهقي
(1)
والحاكم وصححه
(2)
، ولفظ أبي داود
(3)
في رواية: "كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها".
وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا الدارمي
(4)
وابن حبان
(5)
والحاكم
(6)
، قال: وإسناده على شرط الشيخين. واستغربه الترمذي مع تصحيحه.
وقال عبد الحق
(7)
: وهو خبر ثابت لكن علته أن همامًا تفرّد به وأن هشامًا رواه عن قتادة فقال: كان يقال.
وأخرج أبو نعيم
(8)
عن أنس نحوه.
قوله: (إلى تسع) فيه دليلٌ على أن القسمة كانت بين تسع، ولكن المشهور:
= رقم (3942) وابن ماجه رقم (1969).
قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (722) وابن حبان رقم (1307 - موارد) والحاكم (2/ 186) والبيهقي (7/ 297) والدارمي (2/ 143).
قال الترمذي: "وإنما أسند هذا الحديث همام بن يحيى عن قتادة، ورواه هشام الدستوائي عن قتادة، قال: كان يقال: ولا نعرف هذا الحديث مرفوعًا إلا من حديث همام، وهمام ثقة حافظ".
وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي.
قلت: ووافقه ابن دقيق العيد أيضًا كما ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 408) وأقره.
وقال: "واستغربه الترمذي مع تصحيحه، وقال عبد الحق: هو خبر ثابت، لكن علته أن همامًا تفرد به". اهـ.
قلت: وهذه علة غير قادحة.
والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(1)
في السنن الكبرى (7/ 74 - 75) وقد تقدم.
(2)
في المستدرك (2/ 186) وقد تقدم.
(3)
في سننه رقم (2135) وقد تقدم.
(4)
في مسنده (2/ 143) وقد تقدم.
(5)
في صحيحه رقم (1307 - موارد) وقد تقدم.
(6)
في المستدرك (2/ 186) وقد تقدم.
(7)
انظر: "الأحكام الصغرى"(2/ 631) والوسطى (3/ 169 - الرشد).
(8)
في "تاريخ أصبهان"(2/ 300) بإسناد ضعيف لضعف محمد بن الحارث الحارثي. فقد قال الحافظ في "التقريب" رقم (5797) عنه: ضعيف.
أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين ثمانٍ من نسائه فقط، فكان يجعل لعائشة يومين يومها ويوم سَوْدَةَ الذي وهبته لها، ولكلّ واحدةٍ يومًا.
وفيه دليلٌ على أنه لا يشترط في العدل بين الزوجات أن يفرد لكل واحدة ليلة بحيث لا يجتمع فيها مع غيرها، بل يجوز مجالسة غير صاحبة النوبة ومحادثتها، ولهذا كنّ يجتمعن كل ليلة في بيت صاحبة النوبة.
وكذلك يجوز للزوج دخول بيت غير صاحبة النوبة والدنوّ منها واللمس إلا الجماع كما في حديث عائشة
(1)
المذكور.
قوله: (يميل لإحداهما) فيه دليل على تحريم الميل إلى إحدى الزوجتين دون الأخرى إذا كان ذلك في أمر يملكه الزوج، كالقسمة، والطعام، والكسوة. ولا يجب على الزَّوج التسوية بين الزوجات فيما لا يملكه، كالمحبة ونحوها لحديث عائشة الآتي
(2)
.
وقد ذهب أكثر الأئمة إلى وجوب القسمة بين الزوجات.
وحكى في البحر
(3)
عن قوم مجاهيل أنه يجوز لمن له زوجتان أن يقف مع إحداهما ليلة ومع الأخرى ثلاثًا، لأنَّ له أن ينكح أربعًا وله إيثار أيهما شاء بالليلتين، ومثله عن الناصر
(4)
، لكن حمله أصحابه على الحكاية دون أن يكون مذهبه، ولا شك: أن مثل هذا يعدُّ من الميل الكلِّيِّ، والله يقول:{فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}
(5)
.
92/ 2835 - (وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ ويَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِك ولَا أَمْلِكُ"، رَوَاهُ الخَمْسَةَ إِلَّا أَحْمَدَ)
(6)
. [ضعيف]
(1)
تقدم برقم (2833) من كتابنا هذا.
(2)
يأتي برقم (92/ 2835) من كتابنا هذا.
(3)
البحر الزخار (3/ 91).
(4)
البحر الزخار (3/ 91).
(5)
سورة النساء، الآية:(129).
(6)
أبو دواد رقم (2134) والترمذي رقم (1140) والنسائي رقم (3943) وابن ماجه رقم (1971). =
93/ 2836 - (عَنْ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله لَوْ رَأَيْتني وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: لا يَغُرنّكِ أنْ كانَتْ جارَتُكِ أوْضَأ مِنْكِ وأحَبَّ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عَائِشَةَ - فَتَبَسَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه)
(1)
. [صحيح]
94/ 2837 - (وَعَنْ عَائِشَةَ: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: "أَيْنَ أنا غَدًا؟ أيْنَ أنا غَدًا؟ "، يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ؟ فَأَذِنَ لَهُ أزْوَاجُه يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى ماتَ عِنْدَها. مُتَّفَق عَلَيْهِ)
(2)
. [صحيح]
95/ 2838 - (وَعَنْ عَائِشَةَ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا أرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأيّتُهُن خَرَجَ سَهْمُها خَرَجَ بِهَا مَعَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(3)
. [صحيح]
حديث عائشة الأوّل أخرجه أيضًا الدارمي
(4)
، وصححه ابن حبان
(5)
، والحاكم
(6)
، ورجح الترمذي
(7)
إرساله فقال: رواية حماد بن زيد عن أيوب عن
= قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 144) وابن حبان رقم (1305 - موارد) والحاكم (2/ 187) والبيهقي (7/ 298).
قال النسائي بإثر الحديث: أرسله حماد بن زيد.
وقال الترمذي: هكذا رواه غير واحد عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه حماد بن زيد وغير واحد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم. وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة.
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم؛ ووافقه الذهبي.
قلت: لكن المحققين من الأئمة قد أعلُّوه كما تقدم.
وانظر: "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 425) والإرواء (7/ 82 - 83).
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف لكن شطره الأول له طريق آخر عن عائشة بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم
…
".
أخرجه أبو داود رقم (2135) وعنه البيهقي في رواية (7/ 74) بسند حسن.
(1)
أحمد في المسند (1/ 34) والبخاري رقم (5218) ومسلم رقم (34/ 1479).
وهو حديث صحيح.
(2)
البخاري رقم (3774) ومسلم رقم (84/ 2443).
(3)
أحمد في المسند (6/ 117) والبخاري رقم (4141) ومسلم رقم (56/ 2770).
(4)
في المسند (2/ 144) وقد تقدم.
(5)
في صحيحه رقم (1305 - موارد) وقد تقدم.
(6)
في المستدرك (2/ 187) وقد تقدم.
(7)
في السنن (3/ 446).
أبي قلابة مرسلًا أصحّ، وكذا أعله النسائي
(1)
والدارقطني.
وقال أبو زرعة
(2)
: لا أعلم أحدًا تابع حماد بن سلمة على وصله.
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل) استدلَّ به من قال: إنَّ القسم كان واجبًا عليه.
وذهب بعض المفسرين، والإصطخري والمهدي في البحر
(3)
إلى أنه لا يجب عليه.
واستدلوا بقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ}
(4)
الآية، وذلك من خصائصه.
قوله: (فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، قال الترمذي
(5)
: يعني به الحبّ والمودّة، وكذلك فَسَّرَهُ أهل العلم.
وقد أخرج البيهقي
(6)
من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}
(7)
قال: في الحبّ والجماع.
وعن عبيدة بن عمرو السلماني مثله
(8)
.
قوله: (أن كانت جارتك) بالفتح للهمزة وبالكسر كما قال في الفتح
(9)
، والمراد بالجارة ههنا: الضَرَّة، أو هو على حقيقته لأنَّها كانت مجاورة لها.
قال في الفتح
(10)
: والأولى أن يحمل اللفظ هنا على معنييه لصلاحيته لكل منهما، والعرب تطلق على الضَّرَّة جارةً لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخصٍ واحدٍ وإن لم يكن حسّيًا.
قوله: (أوضأ منك) من الوضاءة، ووقع في رواية معمر
(11)
: "أوسم" من الوسامة
(12)
، والمراد: أجمل، كأنّ الجمال وسمة: أي علامة.
(1)
بإثر الحديث رقم (3942) من سننه.
(2)
في العلل لابن أبي حاتم (1/ 425).
(3)
البحر الزخار (3/ 90).
(4)
سورة الأحزاب، الآية:(51).
(5)
بإثر الحديث رقم (1140) من سننه.
(6)
في السنن الكبرى (7/ 298).
(7)
سورة النساء، الآية:(129).
(8)
حكاه الحافظ في "الفتح"(9/ 313).
(9)
الفتح (9/ 283).
(10)
الفتح (9/ 283).
(11)
أحمد في المسند (1/ 33) ومسلم رقم (34/ 1479).
(12)
النهاية (2/ 849).
قوله: (يريد يوم عائشة) فيه دليلٍ على أن مجرّد إرادة الزوج أن يكون عند بعض نسائه في مرضه أو في غيره لا يكون محرمًا عليه بل يجوز له ذلك، ويجوز للزوجات الإذن له بالوقوف مع واحدة منهنّ.
قوله: (إذا أراد أن يخرج سفرًا) مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر وليس على عمومه، بل لتعين القرعة من يسافر بها، ويجري القرعة أيضًا فيما إذا أراد أن يقسم بين نسائه فلا يبدأ بأيتهن شاء، بل يقرع بينهنّ فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة إلا أن يرضين بتقديم من اختاره جاز بلا قرعة.
قوله: (أقرع) استدلّ بذلك على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك.
والمشهور عن الحنفية
(1)
والمالكية
(2)
عدم اعتبار القرعة.
قال القاضي عياض
(3)
: هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنها من باب الخطر والقمار. وحكي عن الحنفية (1) إجازتها، انتهى.
[الباب التاسع عشر] باب المرأة تهب يومها لضرتها أو تصالح الزوج على إسقاطه
96/ 2839 - (عَنْ عَائِشَةَ: أن سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا وَيوْمَ سَوْدَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(4)
. [صحيح]
97/ 2840 - (وَعَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}
(5)
قالَتْ: هِيَ المَرْأةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا فَيُرِيدُ طَلَاقَها ويَتَزَوَّجُ غَيْرَها تَقُولُ لَهُ: أمْسِكْنِي وَلَا تُطَلِّقْنِي ثُمّ تَزَوَّجْ غَيْرِي وَأَنْتَ فِي حِلٍّ
(1)
انظر: الاختيار (3/ 155) والبناية في شرح الهداية (4/ 801).
(2)
التهذيب في اختصار المدونة (2/ 223 - 224) وعيون المجالس (3/ 1187 - 1189).
(3)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 287).
(4)
أحمد في المسند (6/ 76 - 77) والبخاري رقم (5212) ومسلم رقم (47/ 1463).
(5)
سورة النساء، الآية:(128).
مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالْقَسْمِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}
(1)
(2)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: هُو الرَّجُلُ يَرَى مِنْ امْرَأتِهِ ما لا يُعْجِبُهُ كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَيُرِيدُ فِرَاقَها، فَتَقُولُ: أمْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي ما شِئْتَ، [قَالَتْ]
(3)
: فَلَا بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا، مُتّفَقٌ عَلَيْهِمَا)
(4)
[صحيح]
98/ 2841 - (وَعَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كانَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعٌ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِمُ لَوَاحِدَةٍ، قَالَ عَطَاءٌ: الَّتِي لا يَقْسِمُ لَهَا صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَي بْنِ أخْطَبَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(5)
وَمُسْلِمٌ
(6)
وَالَّتِي تَرَكَ القَسْمَ لَهَا يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ عَنْ صُلْحٍ وَرِضًا مِنْهَا، وَيُحْتَمَلَ أنّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالى:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ}
(7)
الآيَةَ). [صحيح]
قوله: (إنَّ سودة) قال في الفتح
(8)
: هي زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان تزوَّجها وهو بمكة بعد موت خديجة ودخل عليها بها وهاجرت معه.
ووقع لمسلم
(9)
من طريق شريك عن هشام في آخر حديث الباب قالت عائشة: "وكانت امرأة تزوّجها بعدي".
ومعناه: عقد عليها بعد أن عقد على عائشة.
وأمّا الدخول بعائشة فكان بعد سودة بالإتفاق، وقد نبه على ذلك ابن الجوزي
(10)
.
قوله: (وهبت يومها) في لفظٍ للبخاريِّ
(11)
في الهبة: "يومها وليلتها"، وزاد
(1)
سورة النساء، الآية:(128).
(2)
البخاري رقم (5206) ومسلم رقم (13، 14/ 3021).
(3)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(4)
البخاري رقم (2694)، ومسلم رقم (13/ 3021).
(5)
في المسند (1/ 348).
(6)
في صحيحه رقم (51/ 1465).
(7)
سورة الأحزاب، الآية:(51).
(8)
(9/ 312).
(9)
في صحيحه رقم (48/ 1463).
(10)
في "كشف المشكل"(4/ 320).
(11)
في صحيحه رقم (2593).
في آخره: "تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ولفظ أبي داود
(1)
: "ولقد قالت سودةُ بنت زَمْعَةَ حين أسَنَّتْ وخافَتْ أن يُفَارِقَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يومي لعائشة، فقبل ذلك منها"، ففيها وأشباهها نزلت:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا}
(2)
الآية.
ورواه أيضًا ابن سعد
(3)
، وسعيد بن منصور، والترمذي
(4)
، وعبد الرزاق
(5)
.
قال الحافظ في الفتح
(6)
: فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت.
قال: وأخرج ابن سعد
(7)
بسند رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي [بزة]
(8)
مرسلًا: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم طلقها فقعدت له على طريقه، فقالت: والذي بعثك بالحقّ ما لي في الرجال حاجة، ولكن أحبّ أن أبعث مع نسائك يوم القيامة، فأنشدك الذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها عليّ؟ قال: لا، قالت: فأنشدك لما راجعتني، فراجعها، قالت: فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قوله: (يومها ويوم سودة) لا نزاع أنه يجوز إذا كان يوم الواهبة واليًا ليوم الموهوب لها بلا فصل أن يوالي الزوج بين اليومين للموهوب لها؛ وأما إذا كان بينهما نوبة زوجة أخرى أو زوجاتٍ، فقال العلماء: إنه لا يقدّمه عن رتبته في القسم إلا برضا من بقي، وهل يجوز للموهوب لها أن تمتنع عن قبول النوبة الموهوبة؟ فإن كان قد قبل الزوج لم يجز لها الامتناع، وإن لم يكن قد قبل لم تكره على ذلك، حكي ذلك في الفتح
(9)
عن العلماء.
(1)
في سننه رقم (2135) وهو حديث حسن تقدم.
(2)
سورة النساء، الآية:(128).
(3)
في "الطبقات"(8/ 54).
(4)
في السنن رقم (3040) وقال: هذا حديث حسن.
(5)
في "المصنف" رقم (10657).
وهو حديث صحيح.
(6)
الفتح (9/ 312).
(7)
في "الطبقات"(8/ 54) مرسلًا بسند حسن.
(8)
في المخطوط (أ) برة وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من (ب) والطبقات.
(9)
حكاه الحافظ في "الفتح"(9/ 312) عن العلماء.
قال: وإن وهبت يومها لزوجها ولم تتعرّض للضرّة فهل له أن يخصّ واحدة إن كان عنده أكثر من اثنتين أو يوزّعه بين من بقي؟ قال: وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبت، لكن فيما يستقبل لا فيما مضى.
قال في البحر
(1)
: وللواهبة الرجوع متى شاءت فيقضيها ما فوّت بعد العلم برجوعها لا قبله.
وحديث عائشة يدل على أنه يجوز للمرأة أن تهب يومها لضرتها وهو مجمع عليه كما في البحر (1).
والآية المذكورة تدلّ على أنه يجوز للمرأة أن تصالح زوجها إذا خافت منه أن يطلقها بما تراضيا عليه من إسقاط نفقة أو إسقاط قسمها أو هبة نوبتها أو غير ذلك مما يدخل تحت عموم الآية.
قوله: (قال عطاء: التي لا يقسم لها صفية) قد ذكر ابن القيم في أوّل الهدي
(2)
عند الكلام على هديه صلى الله عليه وسلم في النكاح والقسم أن هذا غلط، وأن صفية إنما أسقطت نوبتها من القسمة مرة واحدة وقالت:"هل لك أن تطيب نفسك عني وأجعل يومي لعائشة" أي ذلك اليوم بعينه في تلك المرّة، هذا معنى كلامه فليراجع فإنه لم يحضرني وقت الرقم.
* * *
(1)
البحر الزخار (3/ 95).
(2)
في زاد المعاد (1/ 147 - 148).
[الكتاب التاسع والعشرون] كتاب الطلاق
[الباب الأول] باب جوازه للحاجة وكراهته مع عدمها وطاعةِ الوالد فيه
1/ 2842 - (عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّاب: أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُم رَاجَعَها. أَبُو دَاوُدَ
(1)
والنّسائيُّ
(2)
وَابْنُ مَاجَهْ
(3)
. [صحيح]
وَهُوَ لِأَحْمَدَ
(4)
مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ). [صحيح بشواهده]
(1)
في سننه رقم (2283).
(2)
في سننه رقم (3560).
(3)
في سننه رقم (2016).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 16) وابن حبان رقم (1324 - موارد) والحاكم (2/ 197) والبيهقي (7/ 321 - 322) وابن سعد في الطبقات (8/ 84).
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في "الإرواء"(7/ 157).
وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند (3/ 478) بسند رجاله ثقات، غير موسى بن جبير فهو مجهول الحال.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 333) وقال: رجاله ثقات.
قلت: وله شواهد:
• (منها): حديث أنس بن مالك فقد أخرجه الدارمي (2/ 161) وابن سعد في الطبقات (8/ 84) والحاكم (2/ 197) والبيهقي (7/ 368).
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
وأخرجه الحاكم (4/ 15) من طريق الحسن بن أبي جعفر، حدثنا ثابت عن أنس به أتم منه. لكن الحسن هذا ضعيف.
• (ومنها): حديث عبد الله بن عمر، فقد أخرجه ابن حبان رقم (1325 - موارد) بإسناد صحيح.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 333) وقال: "رواه أبو يعلى والبزار ورجالهما رجال الصحيح".
• (ومنها): حديث قيس بن زيد، فقد أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 84) والحاكم (4/ 15) عن حماد بن سلمة عنه. وانظر: الإرواء (7/ 158 - 159). =
2/ 2843 - (وَعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: إنه لي امْرَأَةً، فَذَكَرَ مِنْ [بَذَائِها]
(1)
، قَالَ:"طَلِّقْها"، قُلْتُ: إنَّ لَهَا صُحْبَةً وَوَلَدًا، قَالَ:"مُرْهَا أوْ قُلْ لَهَا، فَإنْ يَكُنْ فِيهَا خَيْرٌ سَتَفْعَلُ، وَلَا تَضْرِب ظَغِينَتَكَ ضَرْبَكَ أمَتَكَ" رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وأبُو دَاوُدَ
(3)
. [صحيح]
3/ 2844 - (وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّمَا امْرَأةٍ سَألَتْ زَوْجَها الطّلاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ"، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النّسائيَّ)
(4)
. [صحيح]
4/ 2845 - (وَعَنْ ابْنِ عَمُرَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَبْغَضُ الحَلالِ إلى الله عز وجل الطّلاق"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(5)
وَابْنُ مَاجَهْ)
(6)
. [مرسل ضعيف]
= • (ومنها): حديث قتادة، فقد أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 84) بسند مرسل صحيح.
وخلاصة القول: أن حديث عاصم بن عمر حديث صحيح بشواهده.
(1)
في المخطوط (ب): (بذاءتها).
(2)
في المسند (4/ 33).
(3)
في سننه رقم (142) و (3973).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1054) والطبراني في الكبير (ج 19 رقم 480) والبيهقي (7/ 303) وفي المعرفة رقم (657) والبغوي في شرح السنة رقم (213).
وأخرجه مختصرًا الطيالسي رقم (1341) والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (166) والحاكم (1/ 148) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(4)
أحمد في المسند (5/ 277) وأبو داود رقم (2226) والترمذي رقم (1187) وقال: هذا حديث حسن. وابن ماجه رقم (2055).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 162) وابن حبان رقم (1320 - موارد) والبيهقي (7/ 316) والحاكم (2/ 200) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي.
وتعقبهما الألباني في الإرواء (7/ 100) فقال: "وإنما هو على شرط مسلم وحده
…
".
وهو حديث صحيح.
(5)
في سننه رقم (2178) من طريق محمد بن خالد الوهبي عن معرِّف بن واصل، به موصولًا. ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي (7/ 322) وابن عدي (6/ 2453)، والوهبي وثقه ابن حبان والدارقطني، وقد شذ في وصله والمحفوظ إرساله. وانظر:"العلل"(1/ 431) لابن أبي حاتم.
(6)
في سننه رقم (2018). =
5/ 2846 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كانَتْ تَحْتِي امْرأةٌ أُحِبُّهَا وَكَانَ أَبي يَكْرَهُهَا، فَأمَرَنِي أنْ أُطَلِّقَها فَأبَيْتُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ للنّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"يا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ طَلِّقِ امْرأتكَ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلا النّسائيّ
(1)
[وَصححَهُ التِّرْمِذِيُ])
(2)
. [صحيح]
حديث عمر بن الخطاب سكت عنه أبو داود
(3)
والمنذري
(4)
.
= قلت: وأخرجه "الطرسوسي" في مسند عمر رقم (14) وابن حبان في "المجروحين"(2/ 64) ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" رقم (1056) وابن عدي في "الكامل"(4/ 1630) من طريق عبيد الله بن الوليد - وهو الوصافي - به.
قال ابن عدي: الوصافي ضعيف جدًّا. وقال ابن الجوزي: "لا يصح، قال يحيى: الوصافي ليس بشيء. وقال الفلاس والنسائي: متروك الحديث". اهـ.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 253): نا وكيع بن الجراح عن معرِّف به مرسلًا.
وتابعه يحيى بن بكير عند البيهقي (7/ 322): نا معرِّف به ولفظه: حدثني محارب بن دثار قال:
…
وذكره.
وتابعه أحمد بن يونس عند أبي داود رقم (2177): حدثنا أحمد بن يونس: ثنا معرِّف، عن محارب بن دثار قال:
…
فذكره.
وخالفه محمد بن عثمان بن أبي شيبة عند الحاكم (2/ 196) فرواه عن أحمد بن يونس، عن معرِّف عن محارب عن ابن عمر.
قال الحاكم: صحيح الإسناد. وقال الذهبي: "قلت: على شرط مسلم".
قال الألباني في "الإرواء"(7/ 157): كذا قالا، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة فيه اختلاف كثير، تراه في "الميزان"(3/ 642 رقم 7934) للذهبي، وفي غيره. وحسبك هنا أن الذهبي نفسه قد أورده في "الضعفاء" وقال:
"كذبه عبد الله بن أحمد، ووثقه صالح جزرة". اهـ.
وخلاصة القول: أن الحديث مرسل ضعيف، والله أعلم.
(1)
أحمد في المسند (2/ 53) وأبو داود رقم (5138) والترمذي رقم (1189) وابن ماجه رقم (2588).
وهو حديث صحيح.
(2)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(3)
في السنن (2/ 712).
(4)
في "المختصر"(3/ 187).
هنا في هامش المخطوط (ب): "وفي إسناده أبي داود: يحيى بن سليم، وفيه مقال".
وهو خطأ فـ "يحيى" لا يروي عن عمر رضي الله عنه، كما في "تهذيب التهذيب"(4/ 362).
ومكانها بعد قول الشوكاني: "ورواه أيضًا أبو داود" كما في المخطوط (أ).
وحديث لقيط أخرجه أيضًا البيهقي
(1)
ورجاله رجال الصحيح.
وحديث ثوبان حسنه الترمذي
(2)
وذكر: أنَّ بعضهم لم يرفعه.
وحديث ابن عمر الأوّل: أخرجه أيضًا الحاكم وصححه
(3)
. ورواه أيضًا أبو داود
(4)
[وفي إسناده أبي داود يحيى بن سليم
(5)
وفيه مقال]
(6)
.
والبيهقي
(7)
: مرسلًا ليس فيه ابن عمر.
ورجح أبو حاتم
(8)
والدارقطني
(9)
والبيهقي
(10)
المرسل، وفي إسناده عبيد الله بن الوليد الرصافي
(11)
وهو ضعيف، ولكنه قد تابعه مُعرِّف بن واصل
(12)
.
ورواه الدارقطني
(13)
عن معاذ بلفظ: "ما خلق الله شيئًا أبغض إليه من
(1)
في السنن الكبرى (7/ 316) وقد تقدم.
(2)
في سننه (3/ 493).
(3)
في المستدرك (2/ 196) وقد تقدم.
(4)
في سننه رقم (5138) وقد تقدم.
(5)
يحيى بن سُلَيم الطائفي، نزيل مكة: صدوق سيئ الحفظ
…
قاله الحافظ في "التقريب" رقم (7563).
وقال المحرران: بل صدوق حسن الحديث، ضعيف في روايته عن عبيد الله بن عمر.
(6)
ما بين الخاصرتين من (أ) هنا. وقد تقدمت الإشارة آنفًا إلى مكانها في (ب) وهو خطأ كما أشرنا إليه.
(7)
في السنن الكبرى (7/ 322) وقد تقدم.
(8)
في "العلل" لابنه (1/ 431) وقد تقدم.
(9)
في العلل كما في "التلخيص"(3/ 417).
(10)
في السنن الكبرى (7/ 322).
(11)
انظر ترجمته في: "الميزان"(3/ 17) والتاريخ الكبير (5/ 402) والمجروحين (2/ 63 - 64) والكامل (4/ 1630 - 1631) وقال عنه ابن عدي: "هو ضعيف جدًّا، يتبين ضعفه على حديثه".
(12)
مُعرِّف بن واصل السعدي، الكوفي. قال ابن عدي: هو ممن يُكتب حديثه.
التاريخ الكبير (4/ 2/ 30) والكامل (6/ 2452) والميزان (4/ 143).
(13)
في سننه (4/ 35 رقم 96) عن معاذ بن جبل. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحل الله شيئًا أبغضَ إليه من الطلاقِ، فمن طلَّقَ واستثنى، فله ثنياه".
وعلقه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 361) فقال: "وقيل: عنه عن مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ، وليس بمحفوظ". =
الطلاق"، قال الحافظ
(1)
: وإسناده ضعيف ومنقطع.
وأخرج ابن ماجه
(2)
وابن حبان
(3)
من حديث أبي موسى مرفوعًا: "ما بال أحدكم يلعب بحدود الله يقول: قد طلقت، قد راجعت".
وحديث ابن عمر الثاني قال الترمذي
(4)
بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيحٌ إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب، انتهى.
قوله: (طلَّق حفصةَ) قال في الفتح
(5)
: الطلاق في اللغة
(6)
: حَلُّ الوثاق، مشتق من الإطلاق: وهو الإرسال والترك، وفلانٌ طُلْقُ اليد بالخير؛ أي: كثير البذل.
وفي الشرع
(7)
: حَلُّ عقدة التزويج فقط، وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي.
قال إمام الحرمين
(8)
: هو لفظ جاهليٌ ورد الشرع بتقريره، وطَلُقَتِ المرأة بفتح الطاء وضم اللام وبفتحهما أيضًا وهو أفصح، وطُلِّقَتْ أيضًا: بضم أوّله، وكسر اللام الثقيلة، فإن خففت [فهي]
(9)
خاصّ بالولادة، والمضارع فيهما بضم
= وحميد بن عبد الرحمن بن مالك ضعيف كذا سماه الدارقطني هنا، ونقله الحافظ في "اللسان" عن العقيلي والساجي، وسماه البيهقي: حميد بن ربيع، والله أعلم. وقال الحافظ:"إسناده ضعيف ومنقطع".
(1)
في "التلخيص"(3/ 417).
(2)
في سننه رقم (2017).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 125): "هذا إسناد حسن من أجل مؤمل بن إسماعيل أبو عبد الرحمن".
(3)
في صحيحه رقم (4265).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 322) كلاهما عن مؤمل بن إسماعيل.
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(4)
في السنن (3/ 495).
(5)
(9/ 346).
(6)
"لسان العرب"(10/ 225 - 226) والصحاح (4/ 1518).
(7)
المغني (10/ 323).
(8)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 346).
(9)
في المخطوط (ب): (فهو).
اللام، والمصدر في الولادة: طلقًا، ساكنة اللام فهي طالق فيهما. ثمَّ الطلاق قد يكون حرامًا ومكروهًا، وواجبًا، ومندوبًا، وجائزًا.
أما الأوّل: ففيما إذا كان بدعيًا وله صورٌ.
وأما الثاني: فيما إذا وقع بغير سببٍ مع استقامة الحال.
وأمَّا الثالث: ففي صور: (منها) الشقاق إذا رأى ذلك الحكمان.
وأما الرابع: ففيما إذا كانت غير عفيفة.
وأما الخامس: فنفاه النووي، وصوّره غيره بما إذا كان لا يريدها، ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض الاستمتاع، فقد صرح الإمام
(1)
أن الطلاق في هذه الصورة لا يكره، انتهى.
وفي حديث عمر هذا دليلٌ: على أن الطلاق يجوز للزوج من دون كراهةٍ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما يفعل ما كان جائزًا من غير كراهةٍ.
ولا يعارض هذا حديث: "أبغض الحلال إلى الله
…
إلخ" لأنَّ كونه أبغضُ الحلال لا يستلزم أن يكون مكروهًا كراهةً أصوليةً.
قوله: (طلقها) فيه أنه يحسن طلاق من كانت بذية اللسان ويجوز إمساكها ولا يحلّ ضربها كضرب الأمة، وقد تقدم الكلام على ذلك.
قوله: (فحرامٌ عليها رائحة الجنة) فيه دليل: على أن سؤال المرأة الطلاق من زوجها محرّم عليها تحريمًا شديدًا، لأنَّ من لم يرح رائحة الجنة غير داخلٍ لها أبدًا، وكفى بذنب يبلغ بصاحبه إلى ذلك المبلغ مناديًا على فظاعته وشدّته.
قوله: (أبغض الحلال [إلى الله
(2)
]
…
إلخ) فيه دليل: على أن ليس كل حلالٍ محبوبًا بل ينقسم إلى ما هو محبوب وإلى ما هو مبغوضٌ.
قوله: (طلق امرأتك) هذا دليل صريحٌ يقتضي: أنَّه يجب على الرجل إذا أمره أبوه بطلاق زوجته أن يطلقها وإن كان يحبها فليس ذلك عذرًا له في الإمساك.
(1)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 346).
(2)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
ويلحق بالأب الأمُّ، لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد بين أن لها من الحقِّ على الولد ما على حقِّ الأب كما في حديث
(1)
: "من أبرُّ يا رسول الله؟ فقال: أمك، ثم فقال: أمك، ثم سأله فقال: أمك وأباك".
وحديث
(2)
: "الجنة تحت أقدام الأمهات" وغير ذلك.
(1)
أخرج أحمد في المسند (5/ 3) والطبراني في المعجم الكبير (ج 19 رقم 962) والحاكم (4/ 150) والبيهقي في "الشعب" رقم (7840) من طرق بسند حسن.
وهو حديث صحيح لغيره، من حديث بهز بن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن جده.
• وفي الباب عن أبي هريرة عند البخاري رقم (5971) ومسلم رقم (2548).
• وعن أبي سلامة السلمي عند أحمد في المسند (4/ 311) بسند ضعيف.
• وعن صعصعة بن ناجية المجاشعي عند الحاكم (3/ 611) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (7413).
• وعن أسامة بن شريك الثعلبي عند الطبراني في الكبير رقم (484).
• وعن رجل من بني يربوع، عند أحمد في المسند (5/ 377) بسند صحيح.
(2)
أخرج أحمد في المسند (3/ 429) والنسائي رقم (3104) وابن ماجه رقم (2781) والطحاوي "في شرح مشكل الآثار" رقم (2132) والحاكم في المستدرك (2/ 104) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 26) وفي "الشعب" رقم (7833) و (7834) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1371) والحاكم (4/ 151) من حديث معاوية بن جاهمة: أن جاهمة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، أردتُ الغَزْوَ، وجئتك أستشيركَ، فقال:"هل لك من أُمٍّ؟ "، قال: نعم. فقال: "الزَمْها، فإنَّ الجنةَ عند رجليها
…
الحديث.
وصححه الحاكم في الموضعين ووافقه الذهبي.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
• وأخرج ابن عدي في "الكامل"(6/ 2347) عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجنة تحت أقدام الأمهات، من شئن أدخلْنَ، ومن شئن أخرجن".
قال ابن عدي: وهذا حديث منكر.
• وأخرج القضاعي في مسند الشهاب (2/ 102 رقم 119) والخطيب في "الجامع"(2/ 231) والدولابي في "الكنى"(2/ 138) عن منصور بن المهاجر عن أبي النضر الأبار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجنة تحت أقدام الأمهات"، وقال المناوي في شرح الحديث رقم (3642):
"قال ابن طاهر: ومنصور وأبو النضر لا يعرفان، والحديث منكر".
وخلاصة القول: أن حديث أنس حديث موضوع.
كان رغبت في المزيد عن هذا الحديث فانظر ما ذكرته في تحقيقي: "التنوير شرح الجامع =
[الباب الثاني] باب النهي عن الطلاق في الحيض وفي الطهر بعد أن يجامعها ما لم يبن حملها
6/ 2847 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذلكَ عُمَرُ للنّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مُرْهُ [فَلْيُرَاجِعُها]
(1)
، أوْ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أوْ حَامِلًا"، رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إلّا البُخَارِيّ
(2)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أنّهُ طَلّقَ امْرَأةً لَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذلكَ عُمَرُ للنّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَتَغَيّظَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يَمْسِكْها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فإنْ بَدَا لَهُ أنْ يُطَلِّقْهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ العِدَّةُ كما أمَرَ الله تَعَالى".
وَفِي لَفْظٍ: "فَتِلْكَ العِدَّةُ الّتِي أَمَرَ الله أنْ تُطَلّقَ لَهَا النِّسَاءُ"، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ
(3)
، فإنَّ لَهُ مِنْهُ إلى الْأَمْرِ بِالرَّجْعَةِ. [صحيح]
وَلمُسْلِمٍ
(4)
والنّسائيّ
(5)
نَحْوُه وفي آخِرِهِ قَالَ ابْنُ عَمْرٍ: وَقَرَأَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم:
= الصغير" لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني. أعانني الله على إتمامه.
قلت: ويغني عن حديث ابن عباس، وحديث أنس، حديث معاوية بن جاهمة الصحيح المتقدم قبلهما.
(1)
في المخطوط (ب): (فليرجعها).
(2)
أحمد في المسند (2/ 26) ومسلم رقم (5/ 1471) وأبو داود رقم (2181) والترمذي رقم (1176) والنسائي رقم (3399) وابن ماجه رقم (2023).
وهو حديث صحيح.
(3)
أحمد في المسند (2/ 54) والبخاري رقم (4958) ومسلم رقم (1/ 1471) وأبو داود رقم (2179) والنسائي رقم (3400) وابن ماجه رقم (2019).
وهو حديث صحيح.
(4)
في صحيحه رقم (4/ 1471).
(5)
في سننه رقم (3556).
وهو حديث صحيح.
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ (في قُبُلِ عِدَّتِهنَّ)
(1)
}. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ مَتَّفَقٍ عَلَيْهَا
(2)
: وَكَانَ عَبْدُ الله طَلّقَ تَطْلِيقَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهِا. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لِأَحَدِهِمْ: أمَا إنْ طَلَّقْتَ امْرَأتَكَ مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ فإنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَني بِهَذَا، وَإِنْ كُنْتَ طَلّقْتَ ثَلاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ، وَعَصَيْتَ الله عز وجل فِيما أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(3)
وَمُسْلِم
(4)
وَالنّسائيُّ
(5)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ: أنّه طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً، فَانْطَلَقَ عُمَرُ فأخْبَرَ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "مُرْ عَبْدَ الله فَلْيُرَاجِعْها، فإذَا اغْتَسَلَتْ فَلْيَتْرُكْهَا حَتّى تَحِيضَ، فَإِذَا اغتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الْأُخْرَى فَلَا يَمَسَّها حَتّى يُطَلِّقَها، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهَا فَلْيُمْسِكَها، فَإِنَّهَا العِدَّةُ الَّتِي أمَرَ الله أنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(6)
. [صحيح]
وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَحْرِيمِ الوَطْءِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الغُسْلِ).
7/ 2848 - (وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الطَّلاقُ على أرْبَعَة أوْجُه: وَجْهَانِ حَلالٌ، وَوَجْهانِ حَرَامٌ. فَأمَّا اللّذَانِ هُمَا حَلالٌ فَأَنْ يُطَلِّقَ الرجُلُ امْرَأتَهُ طاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِماعٍ، أوْ يُطَلّقَها حَامِلًا مُسْتَبِينًا حَمْلُها. وأمّا اللّذَانِ هُمَا حَرَامٌ
(1)
قال النووي في شرح صحيح مسلم (10/ 69):
"هذه قراءة ابن عباس، وابن عمر، وهي شاذة، لا تثبت قرآنًا بالإجماع ولا يكون لها حكم خبر الواحد عندنا - أي الشافعية - وعند محققي الأصوليين. والله أعلم". اهـ.
وقال ابن حيان في "البحر المحيط"(10/ 196): "
…
وما روي عن جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، من أنهم قرأوا: فطلقوهن في قُبُل عِدَّتهن"، وعن بعضهم: "في قُبْل عِدَّتهنَ"، وعن عبد الله: "لقُبُل طهرهن" هو على سبيل التفسير، لا على أنه قرآن، لخلافه سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون شرقًا وغربًا". اهـ.
وانظر: "معجم القراءات" للدكتور عبد اللطيف الخطيب (9/ 498 - 499).
(2)
أحمد في المسند (2/ 130) والبخاري رقم (5252) و (5253) ومسلم رقم (4/ 1471).
(3)
في المسند (2/ 124).
(4)
في صحيحه رقم (3/ 1471).
(5)
في سننه رقم (3557).
(6)
في سننه (4/ 7 رقم 15) بسند صحيح.
قلت: وأخرجه ابن الجارود في المنتقى رقم (734) وغيره، وهو حديث صحيح.
فأنْ يُطَلِّقَها حائِضًا، أوْ يُطَلِّقَها عِنْدَ الجِماعِ لا يَدْرِي اشْتَمَلَ الرّحِمُ على وَلَدٍ أمْ لا. رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيُّ)
(1)
. [إسناده ضعيف]
قوله: (طلق امرأته) اسمها آمنة بنت غفار، كما حكاه جماعة منهم النووي
(2)
وابن باطش: وغِفَار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء. وفي مسند أحمد
(3)
أن اسمها النوار.
قوله: (وهي حائض)، في رواية:"وهي في دمها حائض"، وفي أخرى للبيهقي
(4)
: "أنه طلقها في حيضها".
(1)
في سننه رقم (4/ 5 رقم 3).
قال أبو الطيب الآبادي في "التعليق المغني على الدارقطني": "قوله: محمد بن حماد الطهراني" هو صاحب عبد الرزاق، وثقه الدارقطني، وابن أبي حاتم وحسبُك.
وروى عنه ابن ماجه. وقال عبد الحق في "الأحكام": لا يحتجّ به وأخطأ في حديث.
وأجاب عنه الذهبي في "الميزان" فهو صدوق إن شاء الله تعالى". اهـ.
قلت: وفي سنده وهب بن نافع ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير"(8/ 164 رقم 2566) و (8/ 170 رقم 2584) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 24) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وخلاصة القول: أن إسناده ضعيف، والله أعلم.
(2)
• في "تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 373) وقد قال: "المرأة التي طلقها ابن عمر رضي الله عنهما وهي حائض، اسمها (أمية بنت غفار) قاله ابن باطيش". اهـ.
• بينما قال الحافظ في "الفتح": (9/ 347): "قال النووي في تهذيبه: اسمها (آمنة بنت غفار) قاله ابن باطيش". اهـ.
• وفي المخطوط (أ) و (ب) اسمها: (آمنة بنت غفار)، والله أعلم.
• وقال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة"(2/ 243 رقم 2933): " (آمنة بنت غفار) في مبهمات النووي هي التي طلقها ابن عمر رضي الله عنهما". اهـ.
(3)
قال الحافظ في "الفتح"(9/ 347): "
…
وأقوى من ذلك ما رأيته في مسند أحمد (2/ 142) قال: حدثنا يونس، حدثنا الليث، عن نافع، أن عبد الله طلق امرأته وهي حائض، فقال عمر: يا رسول الله إن عبد الله طلق امرأته (النوار) فأمره أن يراجعها" الحديث، وهذا الإسناد على شرط الشيخين، ويونس شيخ أحمد هو ابن محمد المؤدب من رجالهما، وقد أخرجه الشيخان - البخاري رقم (5332) ومسلم رقم (
…
/ 1471) - عن قتيبة عن الليث ولكن لم تسم عندهما، ويمكن الجمع بأن يكون اسمها (آمنة) ولقبها (النوار) ". اهـ.
قلت: لم توجد لفظة (النوار) عند أحمد كما تقدم، والله أعلم.
(4)
في السنن الكبرى (7/ 326).
قوله: (فذكر ذلك عمر) قال ابن العربي
(1)
: سؤال عمر محتملٌ لأن يكون ذلك لكونهم لم يروا قبلها مثلها [فسأله]
(2)
ليعلم.
ويحتمل أن يكون لما رأى في القرآن: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
(3)
.
ويحتمل أن يكون سمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم النهي فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك.
قوله: (مره فليراجعها)، قال ابن دقيق العيد
(4)
: يتعلق بذلك مسألة أصولية
(5)
(1)
في "عارضة الأحوذي"(5/ 226).
(2)
في المخطوط (ب): (فسأل).
(3)
سورة الطلاق، الآية:(1).
(4)
في "إحكام الأحكام"(4/ 53 - 54).
(5)
انظر: "إرشاد الفحول"(ص 376 - 379) بتحقيقي.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(9/ 348): تعليقًا على قول الفخر الرازي (2/ 253): "وهذا يمكن أن يؤخذ منه التفرقة بين الأمر الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن غيره، فمهما أمر الرسول أحدًا أن يأمر به غيره وجب لأن الله أوجب طاعته، وهو أوجب طاعة أميره كما ثبت في "الصحيح": "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني".
وأما غيره ممن بعده فلا. وفيهم تظهر صورة التعدي التي أشار إليها ابن الحاجب.
وقال ابن دقيق العيد: لا ينفي أن يتردد في اقتضاء ذلك الطلب، وإنما ينبغي أن ينظر في أن لوازم صيغة الأمر بالأمر أولًا؟ بمعنى أنهما يستويان في الدلالة على الطلب من وجه واحد أولَّا.
قلت: - أي الحافظ ابن حجر - وهو حسن، فإن أصل المسألة التي انبنى عليه هذا الخلاف حديث:"مروا أولادكم بالصلاة لسبع"، فإن الأولاد ليسوا بمكلفين فلا يتجه عليهم الوجوب، وإنما الطلب متوجه على أوليائهم أن يعلموهم ذلك فهو مطلوب من الأولاد بهذه الطريق وليس مساويًا للأمر الأول، وهذا إنما عرض من أمر خارج وهو امتناع توجه الأمر على غير المكلف، وهو بخلاف القصة التي في حديث الباب - "أي مره فليراجعها" - والحاصل أن الخطاب إذا توجه المكلف أن يأمر مكلف آخر بفعل شيء كان المكلف الأول مبلغًا محضًا، والثاني مأمور من قِبَل الشارع، وهذا كقوله لمالك بن الحويرث وأصحابه:"ومروهم بصلاة كذا في حين كذا" وقوله لرسول ابنته صلى الله عليه وسلم: "مرها فتصبر ولتحتسب" ونظائره كثير.
فإذا أمر الأول الثاني بذلك فلم يمتثله كان عاصيًا، وإن توجه الخطاب من الشارع لمكلف أن يأمر غير مكلف، أو توجه الخطاب من غير الشارع بأمر من له عليه الأمر أن يأمر من لا أمر للأول عليه لم يكن الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بالشيء". اهـ.
وهي أن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أو لا؟ فإنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: مره، والمسألة معروفة في كتب الأصول والخلاف فيها مشهور.
وقد ذكر الحافظ في الفتح
(1)
أن من مثَّل بهذا الحديث لهذه المسألة فهو غالطٌ، فإنَّ القرينة واضحةٌ في أن عمر في هذه الكائنة كان مأمورًا بالتبليغ، ولهذا وقع في رواية أيوب عن نافع:"فأمره أن يراجعها"
…
إلى آخر كلام صاحب الفتح.
وظاهر الأمر الوجوب، فتكون مراجعة من طلقها زوجها على تلك الصفة واجبة.
وقد ذهب إلى ذلك مالك
(2)
وأحمد في رواية (3)، والمشهور عنه
(3)
وهو قول الجمهور: الاستحباب فقط.
قال في الفتح
(4)
: واحتجوا بأن ابتداء النكاح لا يجب، فاستدامته كذلك، لكن صحح صاحب الهداية
(5)
من الحنفية أنها واجبة.
والحجة لمن قال بالوجوب ورود الأمر بها، ولأن الطلاق لما كان محرّمًا في الحيض كانت استدامة النكاح فيه واجبة.
واتفقوا على أنّه لو طلق قبل الدخول وهي حائضٌ لم يؤمر بالمراجعة إلا ما نقل عن زفر
(6)
.
وحكى ابن بطال
(7)
وغيره الاتفاق إذا انقضت العدَّة: أنَّه لا رجعة، والاتفاق أيضًا على أنَّه إذا طلقها في طهر قد مسها فيه لم يؤمر بالمراجعة.
(1)
الفتح (9/ 348).
(2)
التهذيب في اختصار المدونة (2/ 411) والتمهيد (11/ 252 - الفاروق) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 669).
(3)
المغني (10/ 329).
(4)
الفتح (9/ 349).
(5)
البناية في شرح الهداية (5/ 19 - 20).
(6)
موسوعة فقه الإمام زفر (2/ 42).
وشرح فتح القدير (3/ 457).
(7)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 378).
وتعقب الحافظ
(1)
ذلك بثبوت الخلاف فيه كما حكاه [الخياطي]
(2)
من الشافعية وجهًا.
قوله: (ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا)، ظاهره جواز الطلاق حال الطهر ولو كان هو الذي يلي الحيضة التي طلقها فيها، وبه قال أبو حنيفة
(3)
، وهو [إحدى]
(4)
الروايتين عن أحمد
(5)
، وأحد الوجهين عن الشافعية
(6)
.
وذهب أحمد (5) في إحدى الروايتين عنه والشافعية في الوجه الآخر
(7)
وأبو يوسف ومحمد إلى المنع.
وحكاه صاحب البحر
(8)
عن القاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وفيه نظر، فإن الذي في كتب الحنفية هو ما ذكرناه من الجواز عن أبي حنيفة (3)، والمنع عن أبي يوسف ومحمد.
واستدلّ القائلون بالجواز بظاهر الحديث وبأن المنع إنما كان لأجل الحيض، فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الأطهار.
واستدلّ المانعون بما في الرواية الثانية من حديث الباب
(9)
المذكور بلفظ:
(1)
في "الفتح"(9/ 349).
(2)
كذا في "المخطوط"(أ) و (ب): والصواب (الحناطي) كما في "الفتح"(9/ 349) وطبقات ابن السبكي (4/ 367 - 371) واللباب (1/ 394) وتاريخ بغداد (8/ 103) وتهذيب الأسماء واللغات للنووي (2/ 254 رقم 379).
• هو الإمام عبد الله، الحسين بن محمد بن عبد الله الحنَّاطي الطبري.
قال القاضي أبو الطيب الطبري: كان الحناطي رجلًا حافظًا لكتب الشافعي ولكتب أبي العباس.
وقال النووي: وله مصنفات كثيرة الفوائد والمسائل الغريبة المهمة.
(3)
الاختيار (3/ 162) والبناية في شرح الهداية (5/ 19 - 21) وشرح فتح القدير (3/ 456 - 457).
(4)
في المخطوط (ب): (أحد).
(5)
المغني (10/ 325 - 327).
(6)
روضة الطالبين (8/ 8) والبيان (10/ 78 - 79).
(7)
روضة الطالبين (8/ 8).
(8)
البحر الزخار (3/ 152).
(9)
تقدم برقم (2847) من كتابنا هذا.
"ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر
…
إلخ"، وكذلك قوله في الرواية الأخرى: "مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت
…
إلخ".
قوله: (فَتَغَيَّظَ) قال ابن دقيق العيد
(1)
: تغيظ النبيّ صلى الله عليه وسلم إمَّا لأنَّ المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرًا، فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك، أو لأنَّه كان مقتضى الحال مشاورة النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك إذا عزم عليه.
قوله: (ثم يمسكها) أي يستمرُّ بها في عصمته حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، وفي رواية للبخاري
(2)
: "ثمَّ ليدعها حتى تطهر، ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها"، قال الشافعي
(3)
: غير نافعٍ إنَّما روى: "حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها، ثم إن شاء أمسكها وإن شاء طلق" رواهُ يونس بن جبير، وابن سيرين، وسالم. قال الحافظ
(4)
: وهو كما قال: لكن رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية نافع. وقد نبه على ذلك أبو داود
(5)
، والزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظًا.
وقد اختلف في الحكمة في الأمر بالإمساك كذلك، فقال الشافعي
(6)
: يحتمل أن يكون أراد بذلك: أي بما في رواية نافع أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام ثم حيض تامّ ليكون تطليقها وهي تعلم عدّتها [إمَّا بحملٍ أو بحيضٍ]
(7)
، أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل وهو غير جاهل بما صنع أو ليرغب في الحمل إذا انكشفت حاملًا فيمسكها لأجله.
وقيل: الحكمة في ذلك أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق، فإذا أمسكها زمانًا يحلّ له فيه طلاقها ظهرت فائدة الرجعة لأنه قد يطول مقامه معها فيجامعها فيذهب ما في نفسه فيمسكها.
قوله: (قبل أن يمسَّها)، استدلَّ بذلك على أن الطلاق في طهر جامع فيه حرام، وبه صرَّح الجمهور
(8)
، وهل يجبر على الرجعة إذا طلقها في طهر وطئها
(1)
في إحكام الأحكام" (4/ 52).
(2)
في صحيحه رقم (5251).
(3)
"المعرفة"(11/ 35 رقم 14657).
(4)
في "الفتح"(9/ 349).
(5)
في سننه (2/ 637).
(6)
"المعرفة"(11/ 34 رقم 14655).
(7)
في المخطوط (ب): (إما تحمل أو تحيض).
(8)
الفتح (9/ 350).
فيه كما يجبر إذا طلقها حائضًا، قال بذلك بعض المالكية
(1)
.
والمشهور عندهم الإجبار إذا طلق في الحيض لا إذا طلق في طهر وطئ فيه.
وقال داود
(2)
: يجبر إذا [طلقها]
(3)
حائضًا لا إذا [طلقها]
(4)
نفساء.
قال في الفتح
(5)
: واختلف الفقهاء في المراد بقوله: "طاهرًا" هل المراد انقطاع دم، أو التطهر بالغسل؟ على قولين وهما روايتان عن أحمد
(6)
.
والراجح الثاني لما أخرجه النسائي
(7)
بلفظ: "مر عبد الله فليراجعها، فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها، وإن شاء أن يمسكها فليمسكها"، وهذا مفسر لقوله:"فإذا طهرت" فليحمل عليه، وقد تمسك بقوله:"أو حاملًا" من قال بأن طلاق الحامل سنيّ وهم الجمهور
(8)
. وروي عن أحمد أنه ليس بسنِّيٍّ.
قوله: (فحسبت من طلاقها) بضم الحاء المهملة من الحسبان.
وفي لفظ للبخاري
(9)
: "حسبت عليَّ بتطليقةٍ".
وأخرجه أبو نعيم كذلك، وزاد: يعني: حين طلق امرأته: "فسأل عمر النبيّ صلى الله عليه وسلم"، وقد تمسك بذلك من قال بأن الطلاق البدعي يقع، وهم الجمهور
(10)
.
وذهب الباقر والصادق
(11)
وابن حزم
(12)
، وحكاه الخطابي
(13)
عن الخوارج، والروافض، إلى أنه لا يقع.
وحكاه ابن العربي
(14)
وغيره عن ابن علية، يعني إبراهيم بن إسماعيل بن علية وهو من فقهاء المعتزلة.
(1)
التمهيد (11/ 252 و 254 - الفاروق).
(2)
المحلى (10/ 161).
(3)
في المخطوط (ب): (طلق).
(4)
في المخطوط (ب): (طلق).
(5)
(9/ 350).
(6)
المغني (10/ 336).
(7)
في سننه رقم (3396) وهو حديث صحيح.
(8)
الفتح (9/ 350).
(9)
في صحيحه رقم (5253).
(10)
المغني (10/ 327).
(11)
انظر: البحر الزخار (3/ 154).
(12)
المحلى (10/ 161).
(13)
في "معالم السنن"(2/ 633 - مع السنن).
(14)
في "عارضة الأحوذي"(5/ 127).
قال ابن عبد البرّ
(1)
: لا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال.
قال: وروي مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ.
وقد أجاب ابن حزم
(2)
عن قول ابن عمر المذكور: بأنه لم يصرّح بمن حسبها عليه، ولا حجة في أحد دون رسول صلى الله عليه وسلم.
وتعقب بأنه مثل قول الصحابة: أمرنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، فإنه في حكم المرفوع
(3)
إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ
(4)
: وعندي أنه لا ينبغي أن يجيء فيه الخلاف الذي في قول الصحابي: أمرنا بكذا (3)، فإن ذلك محله حيث يكون اطلاع النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك ليس تصريحًا، وليس كذلك في قصة ابن عمر هذه، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم هو الآمر بالمراجعة، وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك، وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسب عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبيّ صلى الله عليه وسلم بعيدًا جدًّا مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك، وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئًا برأيه وهو ينقل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تغيظ من صنعه حيث لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة.
واستدل الجمهور
(5)
أيضًا بما أخرجه الدارقطني
(6)
عن ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "هي واحدة".
قال في الفتح
(7)
: وهذا نصُّ في محل النزاع يجب المصير إليه، وقد أورده بعض العلماء على ابن حزم
(8)
فأجابه بأن قوله: "هي واحدة" لعله ليس من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم، فألزمه بأنه نقض أصله، لأن الأصل لا يدفع بالاحتمال.
(1)
في "التمهيد"(11/ 247 - الفاروق).
(2)
المحلى (10/ 165).
(3)
"إرشاد الفحول"(ص 232) بتحقيقي، والبحر المحيط (4/ 376).
(4)
في "الفتح"(9/ 353).
(5)
الفتح (9/ 353).
(6)
في سننه (4/ 10 رقم 27).
قلت: وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (10957) عن ابن جريج، قال: أرسلنا إلى نافع وهو يترجل في دار الندوة ذاهبًا إلى المدينة ونحن جلوس مع عطاء، أحسبت تطليقة عبد الله امرأته حائضًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم واحدة، قال: نعم.
(7)
(9/ 353).
(8)
المحلى (10/ 165).
وقد أجاب ابن القيم
(1)
عن هذا الحديث بأنه لا يدري أقاله، يعني قوله:"هي واحدة" ابن وهب، من عنده، أم ابن أبي ذئب أم نافع؟ فلا يجوز أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يتيقن أنه من كلامه.
ولا يخفى أن هذا التجويز لا يدفع الظاهر المتبادل من الرفع، ولو فتحنا باب دفع الأدلة بمثل هذا ما سلم لنا حديث، فالأولى في الجواب المعارضة لذلك بما سيأتي.
ومن حجج الجمهور ما أخرجه الدارقطني
(2)
أيضًا: "أن عمر قال: يا رسول الله أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: نعم" ورجله إلى شعبة ثقات كما قال الحافظ
(3)
، وشعبة رواه عن أنس بن سيرين عن ابن عمر.
واحتجّ الجمهور أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "راجعها" فإن الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق.
وأجاب ابن القيم
(4)
عن ذلك بأن الرجعة قد وقعت في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة معان.
(أحدها): بمعنى النكاح، قال الله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}
(5)
ولا خلاف بين أحد من أهل العلم أن المطلق ههنا هو الزوج الثاني، وأن التراجع بينها وبين الزوج الأوّل وذلك كابتداء النكاح.
(وثانيها): الردّ [الحسن]
(6)
إلى الحالة الأولى التي كانت عليها أولًا
(1)
في زاد المعاد (5/ 217).
(2)
في سننه (4/ 5 - 6 رقم 6).
قال الآبادي في "التعليق المغني على الدارقطني": "أخرجه الأئمة الستة"، وهم: البخاري رقم (5251) ومسلم رقم (1471) وأبو داود رقم (2179) وابن ماجه رقم (2019) والترمذي رقم (1176) والنسائي رقم (3389) عن ابن عمر أخرجه البخاري في الطلاق رقم (5251) وفي التفسير رقم (4908) وفي الأحكام رقم (7160) والباقون في الطلاق، كذا في الزيلعي (3/ 221).
(3)
في "الفتح"(9/ 353).
(4)
في "زاد المعاد"(5/ 208).
(5)
سورة البقرة، الآية:(230).
(6)
في "زاد المعاد"(5/ 208): (الحسي).
كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي النعمان بن بشير لما أنحل ابنه غلامًا خصه به دون ولده: "أرجعه"
(1)
، فهذا ردَّ ما لم تصحّ فيه الهبة الجائرة.
(والثالث): الرجعة التي تكون بعد الطلاق.
ولا يخفى أن الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال، ولكنَّه يؤيد حمل الرجعة هنا على الرجعة بعد الطلاق ما أخرجه الدارقطني
(2)
عن ابن عمر: "أن رجلًا قال: إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض، فقال: عصيت ربك وفارقت امرأتك، قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر أن يراجع امرأته، قال: إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له، وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك.
قال الحافظ
(3)
: وفي هذا السياق ردٌّ على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي، ولكنَّه لا يخفى أن هذا على فرض دلالته على ذلك لا يصلح للاحتجاج به لأن مجرّد فهم ابن عمر لا يكون حجة.
وقد تقرّر: أن معنى الرجعة
(4)
لغة أعمُّ من المعنى الاصطلاحي
(5)
، ولم يثبت أنه ثبت فيها حقيقة شرعية يتعين المصير إليها.
ومن حجج القائلين بعدم الوقوع أثر ابن عباس المذكور في الباب
(6)
، ولا حجة لهم في ذلك لأنَّه قول صحابيٍّ ليس بمرفوع.
ومن جملة ما احتجَّ به القائلون بعدم وقوع الطلاق البدعيِّ ما أخرجه أحمد
(7)
وأبو داود
(8)
والنسائي
(9)
عن ابن عمر بلفظ: "طلق عبد الله بن عمر
(1)
أخرجه أحمد في المسند (4/ 270، 271) والبخاري رقم (2586) ومسلم رقم (9/ 1623).
(2)
في سننه (4/ 7 - 8 رقم 17).
(3)
في "الفتح"(9/ 353).
(4)
القاموس المحيط (ص 930 - 931) والنهاية (1/ 638 - 639).
(5)
الرجعة في الطلاق، وهي استدامة القائم في العدة، وهو ملك النكاح. التعريفات للجرجاني (ص 114).
(6)
تقدم برقم (2848) من كتابنا هذا، وإسناده ضعيف.
(7)
في المسند (2/ 80 - 81).
(8)
في سننه رقم (2185).
(9)
في سننه رقم (3392).
وهو حديث صحيح.
امرأته وهي حائض، قال عبد الله: فردّها عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرها شيئًا".
قال الحافظ
(1)
: وإسناد هذه الزيادة على شرط الصحيح.
وقد صرَّح ابن القيِّم
(2)
وغيره بأنَّ هذا الحديث صحيح لأنه رواه أبو داود
(3)
عن أحمد بن صالح عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ فقال ابن عمر: "طلق ابن عمر امرأته حائضًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمرُ عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن عبد الله طلق امرأته وهي حائض، قال عبد الله: فردّها عليّ ولم يرها شيئًا
…
" الحديث، فهؤلاء رجالٌ ثقاتٌ أئمة حفاظ.
وقد أخرجه أحمد
(4)
عن روح بن عبادة عن ابن جريج فلم يتفرّد به عبد الرزاق عن ابن جريج، ولكنه قد أعلّ هذا الحديث بمخالفة أبي الزبير لسائر الحفاظ.
قال أبو داود
(5)
: روي هذا الحديث عن ابن عمر جماعة وأحاديثهم على خلاف ما قال أبو الزبير.
وقال ابن عبد البر
(6)
: قوله: "ولم يرها شيئًا" منكر، لم يقله غير أبي الزبير، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف إذا خالفه من هو أوثق منه؟ ولو صحَّ فمعناه عندي
(7)
والله أعلم؛ ولم يرها شيئًا مستقيمًا لكونها لم تكن على السنة.
وقال الخطابي
(8)
: قال أهل الحديث: لم يَرْوِ أبو الزبير حديثًا أنكر من هذا، وقد يحتمل أن يكون معناه: ولم يرها شيئًا تحرم معه المراجعة، أو لم يرها شيئًا جائزًا في السنة ماضيًا في الاختيار.
(1)
في "الفتح"(9/ 353).
(2)
في زاد المعاد (5/ 206).
(3)
في سننه رقم (2185).
(4)
في المسند (2/ 80 - 81).
(5)
في السنن (2/ 637).
(6)
في "التمهيد"(11/ 251 - الفاروق).
(7)
قاله الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 251).
(8)
في "معالم السنن"(2/ 636 - مع السنن).
وقد حكى البيهقي
(1)
عن الشافعي نحو ذلك.
ويجاب: بأنَّ أبا الزبير غير مدفوعٍ في الحفظ والعدالة، وإنما يخشى من تدليسه، فإذا قال: سمعت أو حدثني زال ذلك، وقد صرَّح هنا بالسماع وليس في الأحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبي الزبير حتى يصار إلى الترجيح، ويقال: قد خالفه الأكثر، بل غاية ما هناك الأمر بالمراجعة على فرض استلزامه لوقوع الطلاق وقد عرفت اندفاع ذلك على أنه لو سلم ذلك الاستلزام لم يصلح لمعارضة النصّ الصريح، أعني "ولم يرها شيئًا" على أنه يؤيد رواية أبي الزبير ما أخرجه سعيد بن منصور
(2)
من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس ذلك بشيء".
وقد روى ابن حزم في المحلى
(3)
بسنده المتصل إلى ابن عمر من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض: لا يعتدّ بذلك" وهذا إسناد صحيح.
وروى ابن عبد البر
(4)
عن الشعبي أنه قال: "إذا طلق امرأته وهي حائض لم يعتدّ بها" في قول ابن عمر.
وقد روى زيادة أبي الزبير: الحميديُّ في الجمع بين الصحيحين
(5)
، وقد التزم أن لا يذكر فيه إلا ما كان صحيحًا على شرطهما.
وقال ابن عبد البرّ في التمهيد
(6)
: إنه تابع أبا الزبير على ذلك أربعة: عبد الله بن عمر، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رواد، ويحيى بن سليم، وإبراهيم بن أبي حسنة، ولا شكّ أن رواية عدم الاعتداد بتلك الطلقة أرجح من رواية الاعتداد المتقدمة، فإذا صرنا إلى الترجيح بناء على تعذّر الجمع فرواية عدم الاعتداد أرجح لما سلف.
ويمكن أن يجمع بما ذكره ابن عبد البرّ ومن معه كما تقدم.
(1)
في "المعرفة"(11/ 28 رقم 14631 و 14632).
(2)
في سنن سعيد بن منصور (1/ 358 - 359 رقم 1552).
(3)
في المحلى (10/ 165).
(4)
في "التمهيد"(11/ 251 - الفاروق).
(5)
(2/ 180).
(6)
التمهيد (11/ 251 - 252).
قال في الفتح
(1)
: وهو متعينٌ، وهو أولى من تغليط بعض الثقات، وقد رجح ما ذهب إليه من قال بعدم الوقوع بمرجحات منها قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
(2)
، والمطلق في حال الحيض أو الطهر الذي وطئ فيه لم يطلق لتلك العدَّة التي أمر الله بتطليق النِّساء لها كما، صرَّح بذلك الحديث المذكور في الباب.
وقد تقرَّر في الأصول
(3)
أن الأمر بالشيء نهي عن ضدّه.
والمنهيُّ عنه نهيًا لذاته، أو لجزئه، أو لوصفه اللازم، يقتضي الفساد، والفاسد لا يثبت حكمه.
(ومنها): قول الله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(4)
، ولا أقبح من التسريح الذي حرّمه الله.
(ومنها): قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}
(5)
ولم يرد إلا المأذون، فدلَّ على أن ما عداه ليس بطلاقٍ لما في هذا التركيب من الصيغة الصالحة للحصر، أعني: تعريف المسند إليه باللام الجنسية
(6)
.
(1)
في الفتح (9/ 354).
(2)
سورة الطلاق، الآية:(1).
(3)
ذهب الجمهورُ من أهل الأصول، ومن الحنفية، والشافعية، والمحدِّثين. إلى أن الشيءَ إذا أمِر به كان ذلك الأَمرُ به نهيًا عن الشيء المعيَّنَ المضادِّ له سواءٌ كان الضَّدُّ واحدًا، كما إذا أمره بالإيمان فإنه يكون نهيًا عن الكفر، وإذا أمره بالحركة فإنه يكون نهيًا عن السكون، أو كان الضدُّ متعدّدًا كما إذا أمره بالقيام فإنه يكون نهيًا عن القعود والاضطجاع والسجود وغير ذلك.
[المسودة ص 49، وتيسير التحرير 1/ 363 وإرشاد الفحول ص 363].
قلت: قيد الأمر بالشيء المعين للاحتراز عن الأمر بشيء غير معين كالواجب المخير، وعن الأمر بشيء في وقت موسع، كالواجب الموسع، فإن الأمر بهما ليس نهيًا عن الضد باتفاق. (انظر: التبصرة ص 89).
(4)
سورة البقرة، الآية:(229).
(5)
سورة البقرة، الآية:(229).
(6)
(ال) الجنسية، وتسمى (لام الحقيقة) تدخل على المسند إليه لأغراض أربعة:
1 -
للإشارة إلى الحقيقة من حيث هي، بقطع النظر عن عمومها وخصوصها. نحو: الإنسان حيوان ناطق، وتسمى (لام الجنس) لأن إشارة فيه إلى نفس الجنس، بقطع النظر عن الأفراد نحو: الذهب أثمن من الفضة.
2 -
للإشارة إلى الحقيقة في ضمن فرد مبهم، إذا قامت القرينة على ذلك، كقوله تعالى: =
(ومنها): قوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ"، وهو حديث صحيح
(1)
شامل لكل مسألةٍ مخالفة لما عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسألة النزاع من هذا القبيل، فإن الله لم يشرع هذا الطلاق ولا أذن فيه فليس من شرعه وأمره.
وممن ذهب إلى هذا المذهب، أعني عدم وقوع البدعي، شيخ الإسلام ابن تيمية
(2)
وتلميذه ابن القيم
(3)
، وأطال الكلام عليها في الهدي.
والحافظ محمد بن إبراهيم الوزير وألف فيها رسالة طويلة
(4)
في مقدار كراستين في القطع الكامل، وقد جمعت فيها رسالة مختصرة
(5)
مشتملة على الفوائد المذكورة في غيرها.
[الباب الثالث] باب ما جاءَ في طلاق البتة، وجمع الثلاث، واختيار تفريقها
8/ 2849 - (عَنْ رُكانَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أنّه طَلّقَ امْرأتَه سُهَيْمَةَ الْبَتّةَ، فأخْبَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، فَقَالَ: وَالله ما أَرَدْت إلَّا وَاحِدَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالله ما
= {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} ، ومدخولها في العبارة كالنكرة فيعامل معاملتها. وتسمى (لام العهد الذهني).
3 -
للإشارة إلى كل الأفراد التي يتناولها اللفظ بحسب اللغة، بمعونة قرينة حالية، نحو:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي: كل غائب وشاهد، أو بمعونة قرينة لفظية نحو:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} أي: كل إنسان، بدليل الاستثناء بعده. وتسمى (استغراقًا حقيقيًا).
4 -
أو للإشارة إلى كل الأفراد مقيدًا، نحو: جمع الأمير التجار؛ أي جمع الأمير تجار مملكته، لا تجار العالم أجمع. ويسمى (استغراقًا عرفيًا).
[معجم البلاغة العربية ص 41 - 42].
وانظر: معترك الأقران (2/ 56 - 57) وإرشاد الفحول (484).
(1)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 146) والبخاري رقم (2697) ومسلم رقم (18/ 1718) من حديث عائشة.
(2)
في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (33/ 22 - 23).
(3)
في "زاد المعاد"(5/ 209 - 220).
(4)
لم أقف على اسم هذه الرسالة في مؤلفات محمد بن إبراهيم الوزير. والله أعلم.
(5)
ذكر المؤرخ الشيخ عبد الله الحبشي في ثبت مؤلفات العلامة محمد بن علي الشوكاني، رسالة برقم (168): رسالة في الطلاق البدعي يقع أم لا؟. (فتح القدير 1/ 7). ولم أقف عليها في فهارس المخطوطات لديَّ.
أرَدْتَ إلَّا وَاحِدَةً؟ "، قَالَ رُكَانَةُ: والله ما أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً، فَرَدَّهَا إِلَيْهِ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم، وَطَلّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، وَالثّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانِ. رَوَاهُ الشّافِعِي
(1)
وأبُو دَاوُدَ
(2)
وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
، وَقَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ [ضعيف]
الحديث أخرجه أيضًا الترمذي
(4)
وصححه أيضًا ابن حبان
(5)
والحاكم
(6)
. قال الترمذي
(7)
: لا يعرف إلا من هذا الوجه، وسألت محمدًا عنه، يعني البخاري فقال: فيه اضطراب، انتهى.
وفي إسناده الزبير بن سعيد الهاشمي وقد ضعفه غير واحد، وقيل: إنه متروك. وذكر الترمذي (4) عن البخاري أنه يضطرب فيه، تارة يقال فيه: ثلاثًا، وتارة قيل: واحدة، وأصحها أنَّه طلقها البتة، وأن الثلاث ذكرت فيه على المعنى.
قال ابن كثير
(8)
: لكن قد رواهُ أبو داود من وجهٍ آخر. وله طرق آخر، فهو حسن إن شاء الله.
(1)
في المسند (ج 2 رقم 117 - ترتيب).
(2)
في سننه رقم (2208).
(3)
في السنن (4/ 33 رقم 89) وقال أبو داود: وهذا حديث صحيح.
(4)
في سننه رقم (1177) وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمدًا - البخاري - عن هذا الحديث، فقال: فيه اضطراب.
(5)
في صحيحه رقم (1321 - موارد).
(6)
في المستدرك (2/ 199).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 163) وابن ماجه رقم (2051) والبيهقي (7/ 342) والطيالسي رقم (1188).
(7)
في السنن (3/ 480).
وقال الألباني في "الإرواء"(7/ 140 - 141): "وأقول: هو إسناد ضعيف مسلسل بعلل:
(الأولى): جهالة علي بن يزيد بن ركانة
…
(الثانية): ضعف عبد الله بن علي بن يزيد
…
(الثالثة): ضعف الزبير بن سعيد أيضًا
…
(الرابعة): الاضطراب
…
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(8)
في "إرشاد الققيه إلى معرفة أدلة التنبيه"(2/ 197).
وقال ابن عبد البرّ في التمهيد
(1)
: تكلموا في هذا الحديث، انتهى. وهو مع ضعفه مضطربٌ ومعارضٌ؛ أمَّا الاضطراب فكما تقدم.
وقد أخرج أحمد
(2)
أنه طلق ركانة امرأته في مجلس واحد ثلاثًا فحزن عليها.
وروى ابن إسحاق عن ركانة أنه قال: "يا رسول الله إني طلقتها ثلاثًا، قال:[قد]
(3)
علمت، أرجعها، ثم تلا:{إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}
(4)
الآية"، أخرجه أبو داود
(5)
.
وأما معارضته فيما روى ابن عباس أن طلاق الثلاث كان واحدة وسيأتي وهو أصحُّ إسنادًا، وأوضح متنًا.
وروى النسائي
(6)
عن محمود بن لبيد قال: "أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٍ طلق امرأته ثلاث تطليقاتٍ جميعًا فقام غضبان، ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟ ".
قال ابن كثير
(7)
: إسناده جيد.
وقال الحافظ في بلوغ المرام
(8)
: رواته موثقون.
وفي الباب عن ابن عباس قال: "طلَّق أبو ركانة أمَّ ركانة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "راجع امرأتك"، فقال: إني طلقتها ثلاثًا، قال: "وقد علمتُ،
(1)
في "التمهيد"(11/ 258 - الفاروق).
(2)
في المسند (1/ 265) وفي إسناده محمد بن إسحاق. قال النسائي وغيره: ليس بالقوي.
وقال الدارقطني: لا يحتج به. الميزان (3/ 468).
وهو حديث حسن.
(3)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(4)
سورة الطلاق، الآية:(1).
(5)
في سننه رقم (2196) وهو حديث حسن.
(6)
في السنن رقم (3401) وهو حديث ضعيف.
(7)
في "إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه"(2/ 194).
(8)
في بلوغ المرام رقم (4/ 1010) بتحقيقي.
راجعها"، أخرجه أبو داود
(1)
ورواه أحمد
(2)
والحاكم
(3)
، وهو معلول بابن إسحاق فإنه في سنده.
والحديث يدلّ على أن من طلق بلفظ البتة وأراد واحدة كانت واحدة، وإن أراد ثلاثًا كانت ثلاثًا. ورواية ابن عباس التي ذكرناها، [أنه]
(4)
- أعني ركانة - طلقها ثلاثًا فأمره صلى الله عليه وسلم بمراجعتها، يدلُّ على أن من طلق ثلاثًا دفعةً كانت في حكم الواحدة.
وسيأتي الخلاف في ذلك وبيان ما هو الحقُّ.
قوله: (فقال [رسول الله]
(5)
صلى الله عليه وسلم: والله ما أردتَ إلا واحدةً
…
إلخ)، فيه دليلٌ على أنَّه لا يقبل قول من طلَّق زوجته بلفظ البتة، ثم زعم أنَّه أراد واحدةً إلا بيمين، ومثل هذا كلُّ دعوى يدعيها الزوج راجعة إلى الطلاق إذا كان له فيها نفع.
9/ 2850 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: لَمّا لاعَنَ أخُو بَنِي عَجْلانَ امْرَأَتَهُ قالَ: يا رَسُولَ الله ظَلَمْتُها إن أمْسَكْتُها، هِيَ الطّلاقُ وَهِيَ الطّلاقُ وَهِيَ الطّلاقُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ)
(6)
. [صحيح]
10/ 2851 - (وَعَنِ الحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَهِيَ حَائِضٌ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتْبِعَها بِتَطْلِيقَتَيْنِ آخِرَتَيْنِ عِنْدَ القُرْءَيْنِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أمَرَكَ الله تَعالى، إنّكَ قَدْ أخْطأتَ السُّنّةَ، وَالسّنّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ فَتُطَلِّقَ لِكُلّ قُرْءٍ"، وَقَالَ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَاجَعْتُها، ثُم قالَ:"إِذَا هِيَ طَهُرَتْ فَطَلِّقْ عِنْدَ ذَلِكَ أوْ أمْسِكْ"، فَقُلْتُ: يا
(1)
في سننه رقم (2196).
(2)
في المسند (1/ 265).
(3)
في المستدرك (2/ 491) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(4)
في المخطوط (ب): (أيضًا).
(5)
زيادة من المخطوط (ب).
(6)
في المسند (5/ 334) قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير رقم (5689). بسند رجاله ثقات رجال الشيخين، سوى محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن، ولكنه توبع.
وهو حديث صحيح.
رَسُولَ الله أرَأيْتَ لَوْ طَلّقْتُها ثَلاثًا أكانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَها؟ قالَ: "لا، كانَتْ تَبِينُ مِنْكَ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً"، رَوَاهُ الدَّارَقُطنِيُّ)
(1)
. [إسناده ضعيف]
حديث سهل بن سعد هو عند الجماعة إلا الترمذي
(2)
بلفظ: "فلما فرغا قال عويمر: كذبتُ عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت سنة المتلاعنين"، وسيأتي في كتاب اللعان
(3)
.
والغرض من إيراده ههنا: أن الثلاث إذا وقعت في موقف واحدٍ وقعت كلها، وبانت الزوجة.
وأجاب القائلون بأنَّها لا تقع إلا واحدةً فقط عن ذلك: بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما سكت [عنه]
(4)
لأنَّ الملاعنة تبين بنفس اللعان، فالطَّلاق الواقع من الزوج بعد ذلك لا محلَّ له، فكأنَّه طلَّق أجنبية، ولا يجب إنكار مثل ذلك فلا يكون السكوت عنه تقريرًا.
وحديث الحسن في إسناده عطاء الخراساني وهو مختلف فيه، وقد وثقه الترمذي، وقال النسائي وأبو حاتم
(5)
: لا بأس به، وكذّبه سعيد بن المسيب وضعفه غير واحد
(6)
.
(1)
في سننه (4/ 31 رقم 84).
قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 334) وعبد الحق في الأحكام الوسطى (2/ 192) في إسناده: معلى بن منصور، فقد رماه أحمد بالكذب.
وقال الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 220): "قلت: لم يعله البيهقي في "المعرفة" إلا بعطاء الخراساني، وقال: إنه أتى في هذا الحديث بزيادات لم يتابع عليه وهو ضعيف في الحديث، لا يقبل ما تفرد به". اهـ.
(2)
أحمد في المسند (5/ 336 - 337) والبخاري رقم (5308) ومسلم رقم (1/ 1492) وأبو داود رقم (2245) والنسائي رقم (3466) وابن ماجه رقم (2066).
وهو حديث صحيح.
(3)
برقم (2903) من كتابنا هذا.
(4)
في المخطوط (ب): (عن ذلك).
(5)
في "الجرح والتعديل"(6/ 334 - 335).
(6)
قال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 130 - 131) عن عطاء الخراساني: "
…
وكان من خيار عباد الله، غير أنه رديء الحفظ كثير الوهم، يُخطئ ولا يعلم فحمل عنه، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به".
وقال البخاري
(1)
: ليس فيمن روى عنه مالك من يستحقّ الترك غيره.
وقال شعبة: كان نسيًا.
وقال ابن حبان
(2)
: كان من خيار عباد الله غير أنه كان كثير الوهم سيء الحفظ يخطئ ولا يدري، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به.
وأيضًا الزيادة التي هي محلّ الحجة، أعني قوله: "أرأيت لو طلقتها
…
إلخ"، مما تفرّد به عطاء وخالف فيها الحفاظ فإنهم شاركوه في أصل الحديث ولم يذكروا الزيادة، وأيضًا في إسنادها شعيب بن زريق الشامي وهو ضعيف.
وقد استدلّ القائلون بأن الثلاث تقع، بأحاديث من جملتها هذا الحديث.
وأجاب عنه القائلون بأنها تقع واحدة فقط: بعدم صلاحيته للاحتجاج لما سلف على أن لفظ الثلاث محتملٌ.
11/ 2852 - (وَعَنْ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَيوبَ: هَلْ عَلِمْتَ أحَدًا قَالَ فِي (أمْرُكِ بِيَدِكِ) أنَّهَا ثَلاثٌ إلَّا الحَسَنَ؟ قَالَ: لا، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ غَفْرًا إلَّا ما حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ عَنْ أبي سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثَلاثٌ قَالَ أَيُّوبُ: فَلَقِيتُ كَثِيرًا مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ فَسألْتُهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَرَجَعْتُ إلى قَتَادَةَ فأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: نَسِيَ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(3)
وَالترْمِذِيُّ
(4)
وَقَالَ: هَذَا
(1)
التاريخ الكبير (6/ 474) والضعفاء الصغير (ص 178 - 179) رقم (278).
(2)
في المجروحين (2/ 130 - 131).
قلت: وانظر ترجمته في: "الميزان"(3/ 73) و"تهذيب التهذيب"(3/ 108 - 109) والتقريب رقم (4600).
(3)
في سننه رقم (2204).
(4)
في سننه رقم (1178) قال الترمذي: "حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب عن حماد بن زيد.
وسألت محمدًا - يعني البخاري - عن هذا الحديث؟ فقال: حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد
…
بهذا، وإنما هو عن أبي هريرة موقوف، ولم يُعْرَف حديث أبي هريرة مرفوعًا".
قلت: وفي إسناده: كثير بنُ أبي كَثِيْر البصري، مولى عبد الرحمن بن سَمُرَةَ، وليس بالمشهور. =
حَدِيثَ لا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيدٍ). [ضعيف]
12/ 2853 - (وَعَنْ زُرَارَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبيهِ عَنْ عُثْمَانَ فِي (أمْرُكِ بِيَدِكِ): القَضَاءُ ما [قَضَيْتَ]
(1)
. رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ
(2)
.
13/ 2854 - (وَعَنْ عَلِي قَالَ: الخَلِيَّةُ وَالبَرِيَّةُ وَالْبَتّةُ وَالْبَائِنُ وَالْحَرَامُ ثلاثًا، لَا تحلُّ لَهُ حتّى تَنْكحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
[ضعيف منقطع]
14/ 2855 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أنّهُ قَالَ: فِي الخَلِيّةِ وَالْبَرِيَّةِ ثَلاثًا ثَلَاثًا. رَوَاهُ الشّافِعِيُّ
(4)
. [موقوف صحيح]
15/ 2856 - (وَعَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سألْتُ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ أَبِيهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَقَالَ أَبُوهُ: هِيَ طَالِقٌ ثَلاثًا: كيف السنّةُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أخْبَرَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ ثَوْبَانَ مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ أن مُحَمّدَ بْنَ إِيَاسِ بْنِ البُكَيْرِ اللَّيْثيَّ وَكانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا أخْبَرَهُ أن أبا هُرَيْرَةَ قَالَ: بانَتْ عَنْهُ فَلا تَحِلُّ لَهُ حتّى تَنْكِحَ زَوجًا غَيْرَهُ، وأنّهُ سألَ ابْنَ عَبّاسٍ عَنْ ذلكَ،
= ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 1/ 211) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(3/ 156/2) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وأعله البيهقي بجهالة حالِ كثيرٍ .. فقال: في السنن الكبرى (7/ 349): "لم يثبت من معرفته ما يوجب قبول روايته، وقول العامة بخلاف روايته".
وقال النسائي في سننه عقب الحديث رقم (3410): هذا حديث منكر.
وخالفهم الحاكم في المستدرك (2/ 205 - 206) فقال: حديث غريب صحيح. ووافقه الذهبي وأيده ابن التركماني في "الجوهر النقي"!! وفيه ما سبق بيانه.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف مرفوعًا، صحيح من قول الحسن البصري.
وانظر: "ضعيف أبي داود"(10/ 234 - 236).
(1)
في المخطوط (أ): (قضت).
(2)
في التاريخ الكبير (3/ 285).
(3)
في السنن (4/ 32 رقم 86) الحديث منقطع، الحسن لم يسمع من علي.
(4)
في المسند (ج 2 رقم 133).
قلت: وأخرجه البيهقي في "المعرفة"(11/ 50 رقم 14728) ومالك في الموطأ (2/ 552 رقم 7).
وهو موقوف صحيح.
فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ أبي هُرَيْرَةَ، وَسَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العاصِ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِما.
رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ الْبرْقَانِيُّ فِي كِتَابِهِ المُخَرَّج على الصَّحِيحَيْنِ)
(1)
.
16/ 2857 - (وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبّاسٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال: إنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا، فَسَكَتَ حَتّى ظَنَنْتُ أَنّهُ رَادُّهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَال: يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَرْكَبُ الحَمُوقَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: يا ابْنَ عَبَّاسٍ، يا ابْنَ عَبَّاسٍ، وإِنَّ الله قَالَ:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} ، وإِنَّكَ لَمْ تَتَّقِ الله فَلَمْ أجِدْ لَكَ مَخْرَجًا، عَصَيْتَ رَبّكَ فَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأتُكَ، وإِنَّ الله قَال:{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن}
(2)
. رَوَاهُ أبو دَاوُد)
(3)
. [صحيح]
17/ 2858 - (وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاس: أنّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ مِائَةً، قَالَ: عَصَيْتَ رَبّكَ، وَفَارَقْتَ امْرَأَتَكَ، لَمْ تَتَّقِ الله فَيَجْعَلْ لَكَ مَخْرَجًا)
(4)
. [صحيح]
18/ 2859 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ألْفًا، [قَالَ]
(5)
: يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ ثَلاثٌ وَتَدَعُ تِسْعَمائَةٍ وَسَبْعًا وَتِسْعِينَ)
(6)
. [صحيح].
(1)
لم أقف عليه؟.
(2)
سورة الطلاق، الآية:(2). وقد تقدم التعليق على هذه القراءة.
(3)
في سننه رقم (2197).
قلت: ومن طريقه أخرجه البيهقي (7/ 331) بسند صحيح.
وهو أثر صحيح.
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (4/ 13 رقم 37).
قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 337) بسند صحيح.
وهو أثر صحيح.
(5)
في المخطوط (ب): (فقال).
(6)
أخرجه الدارقطني في سننه (4/ 12 رقم 35).
قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 337). بسند صحيح.
وهو أثر صحيح.
19/ 2860 - (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ عَدَدَ النُّجُومِ، فَقَالَ: أخْطأ السُّنَّةَ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ
(1)
. رَوَاهُنَّ الدَّارَقُطْنِيُّ. [ضعيف بهذا اللفظ]
وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ على إجمَاعِهِمْ عَلَى صحَّةِ وُقُوعِ الثّلاثِ بِالْكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ.
وَقَدْ رَوَى طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الطّلاقُ على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافِةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثّلاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: إنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أناةٌ فَلَوْ أمْضَيْناه عَلَيْهِمْ، فَأمْضَاهُ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ أَحْمَد
(2)
وَمُسْلِمٌ
(3)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ طاوسٍ: "أن أبا الصَّهْبَاءِ قَالَ لابْنِ عَبّاسٍ: هاتِ مِنْ هَناتِكَ، ألَمْ يَكُنْ طَلاقُ الثّلاثِ عَلى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْرٍ وَاحِدَةً، قَالَ: قَدْ كَانَ ذلكَ؛ فَلَمّا كانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ تَتَابَعَ النّاسُ فِي الطّلاقِ فأجازَهُ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(4)
[صحيح]
وَفِي رِوايَةٍ: أمَا عَلِمْتَ أن الرَّجُلَ كانَ إِذَا طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إِمَارةِ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بَلى كانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلّقَ امْرأتَهُ ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُل بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً
(1)
أخرجه الدارقطني في سننه (4/ 21 رقم 57).
ضعيف بهذا اللفظ، لضعف مسلم بن كيسان الملائي.
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(6/ 396 رقم 11347) عن معمر عن أيوب عن مجاهد، قال: سئل ابن عباس عن رجل طلق امرأته عدد النجوم، قال:"إنما يكفيه من ذلك رأس الجوزاء".
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 15) عن أيوب عن عمرو بن دينار: سئل ابن عباس
…
فذكره، نحو رواية عبد الرزاق.
وأخرجه البيهقي (7/ 337) من طريق جرير بن حازم عن أيوب عن عمرو .. به.
وهو أثر صحيح.
(2)
في المسند (4/ 311).
(3)
في صحيحه رقم (15/ 1472).
(4)
في سننه رقم (17/ 1472).
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ؛ فَلَمّا رَأى النّاسَ قَدْ تتَابَعُوا فِيهَا قَالَ: أجِيرُوهُنّ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)
(1)
. [ضعيف]
حديث حماد بن زيد: أخرجه أيضًا النسائي
(2)
.
وحكى الترمذيُّ
(3)
عن البخاريِّ أنَّه قال: إنَّما هو عن أبي هريرة موقوفًا، ولم يُعرف حديث أبي هريرة مرفوعًا.
وقال النّسائي
(4)
: هذا حديثٌ منكر، وأمَّا إنكار الشيخ أنه حدّث بذلك فإن كان على طريقة الجزم كما وقع في رواية أبي داود
(5)
بلفظ: "قال أيوب: فقدم علينا كثير فسألته، فقال: ما حدّثتُ بهذا قطّ، فذكرته لقتادة، [فقال]
(6)
: بلى ولكنه نسي"، انتهى.
فلا شكّ أنه علة قادحة وإن لم تكن على طريقة الجزم، بل عدم معرفة ذلك الحديث وعدم ذكر الجملة والتفصيل بدون تصريح بالإنكار كما في الرواية المذكورة في الباب فليس ذلك مما يعدّ قادحًا في الحديث، وقد بين هذا في علم اصطلاح الحديث.
وقد استدلَّ بهذا الحديث على أن من قال لامرأته: أمرك بيدك، كان ذلك ثلاثًا.
وقد اختلف في قول الرجل لزوجته: أمرك بيدك، وأمرك إليك، هل هو
(1)
في سننه رقم (2199).
وله ثلاث علل: جهالةُ الواسطة بين أيوب وطاوس؛ واختلاطُ أبي النعمان - واسمه: محمد بنُ الفضل -؛ وتفرُّدُه بقوله: (قبل أن يدخل بها) فهي زيادة شاذة لأن الثقات رووه عن حماد عن أيوب عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس
…
به دونها
…
وانظر: "الضعيفة" رقم (1134) وضعيف أبي داود (10/ 233 رقم 378).
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف منكر بهذا السياق، والله أعلم.
(2)
في سننه رقم (3410) وهو حديث ضعيف.
(3)
في السنن (3/ 482).
(4)
في السنن (6/ 147).
(5)
في سننه رقم (2204) وهو حديث ضعيف.
(6)
في المخطوط (ب): قال.
صريح تمليك للطلاق أو كناية؟ فحكى في البحر
(1)
عن الحنفية
(2)
والشافعية
(3)
ومالك
(4)
أنه صريح فلا يقبل قول الزوج بعد ذلك أنه أراد التوكيل.
وذهب المؤيد بالله والهادوية
(5)
إلى أنه كناية تمليك فيقبل قول الزوج أنه أراد التوكيل.
قوله: (قال الخَلِيَّةُ
…
إلخ) هذه الألفاظ من ألفاظ الطلاق الصريح، وأما كونها بمنزلة إيقاع ثلاث تطليقاتٍ فقد تقدم في لفظ البتة ما يدلّ على أنه بمنزلة الطلاق الثلاث إلا أن يحلف الزوج أنه ما أراد به إلا واحدة، فيمكن أن يكون عليّ رضي الله عنه ألحق به بقية الألفاظ المذكورة.
وأما لفظ الحرام فسيأتي الكلام عليه في باب من حرم زوجته أو أمته من كتاب الظهار
(6)
.
قوله: (فطلقوهنّ في قبل عدتهنّ) هذا الأثر إسناده صحيح كما قال صاحب الفتح
(7)
، وأخرجه له أبو داود
(8)
متابعات عن ابن عباس وذكر نحو الآثار التي عزاها المصنف إلى الدارقطني
(9)
.
وقد أخرج عبد الرزاق
(10)
عن عمر: "أنه رفع إليه رجل طلق امرأته ألفًا، فقال له عمر: أطلقت امرأتك [ألفًا]
(11)
؟ قال: لا، إنما كنت ألعب، فعلاه عمر بالدرة وقال: إنما يكفيك من ذلك ثلاث".
(1)
في البحر الزخار (3/ 163).
(2)
البناية في شرح الهداية (5/ 114 - 115).
(3)
البيان للعمراني (10/ 82).
(4)
التهذيب في اختصار المدونة (2/ 356 - 357).
(5)
البحر الزخار (3/ 163).
(6)
الكتاب الثالث والثلاثون، الباب الثاني عند الحديث رقم (6/ 2898 - 7/ 2899).
من كتابنا هذا.
(7)
الحافظ ابن حجر في "الفتح"(9/ 346).
(8)
في سننه عقب الحديث رقم (2197).
(9)
تقدمت برقم (2859 و 2860) من كتابنا هذا.
(10)
في "المصنف" رقم (11340).
(11)
ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).
وروى وكيع عن عليّ وعثمان نحو ذلك.
وأخرج عبد الرزاق
(1)
والبيهقي
(2)
عن ابن مسعود أنه قيل له: "إن رجلًا طلق امرأته البارحة مائة، قال: قلتها مرة واحدة؟ قال: نعم، قال: تريد أن تبين منك امرأتك؟ قال: نعم، قال: هو كما قلت، وأتاه آخر فقال: رجل طلق امرأته عدد النجوم، قال: قلتها مرة واحدة؟ قال: نعم، قال: تريد أن تبين منك امرأتك؟ قال: نعم، قال: هو كما قلت والله لا تلبسون على أنفسكم ونتحمله عنكم".
قوله: (أناة) في الصحاح
(3)
أنه على وزن قناة. وفي القاموس
(4)
: والأناة، كقناة: الحلم والوقار.
قوله: (من هناتك) جمع هَنْ كأخ، وهو الشيء، يقال: هذا هنك: أي شيئك، هذا معنى ما في القاموس، فكأن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات في الأشياء العلمية التي عندك.
قوله: (تتابع الناس) بتاءين فوقيتين بعد الألف مثناة تحتية بعدها عين مهملة: وهو الوقوع في الشرّ من غير تماسك ولا توقف.
واعلم أنه قد وقع الخلاف في الطلاق إذا أوقعت في وقتٍ واحد، هل يقع جميعها ويتبع الطلاق الطلاق أم لا؟ فذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة
(5)
(1)
في المصنف رقم (11342).
(2)
في السنن الكبرى (7/ 335).
(3)
الصحاح للجوهري (6/ 2273).
(4)
القاموس المحيط (1735). وفي النهاية (2/ 916): هناتك، أي: من كلماتك أو من أراجيزك.
قال القرطبي في "المفهم"(4/ 245): "هات من هناتك: هي جمع هنة، وأصلها: أنها كناية عن نكرة، غير أنّ مقصوده هنا: هات فُتيا من فتاويك المستغربة، أو خبرًا من أخبارك المستكرهة، وهو إشعار باستشناع تلك المقالة عندهم". اهـ.
(5)
أخرج أبو داود رقم (2198) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (11346) و (11347) و (11348) و (11349) ومالك في الموطأ (2/ 570) رقم (37) والبيهقي (7/ 335) والدارقطني (4/ 58 - 61 رقم 143، 144، 145) وابن حزم في المحلى (10/ 172) وصححه.
عن محمد بن إياس، أن ابن عباس، وأبا هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص سئلوا =
وأئمة المذاهب الأربعة
(1)
وطائفة من أهل البيت منهم: عليّ، والناصر، والإمام
= عن البكر يطلقها زوجها ثلاثًا فكلهم قالوا: لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره وهو أثر صحيح.
• أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(رقم 1344) والدارقطني (4/ 45 رقم 131، 132) والبيهقي (7/ 336).
عن سالم عن ابن عمر قال: "من طلَّق امرأته ثلاثًا، طلِّقت، وعصى ربه" وصححه ابن حزم (10/ 170).
• أخرج مالك في الموطأ (2/ 570 رقم 38) والبيهقي (7/ 335) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 58) وعبد الرزاق في المصنف (رقم 11074).
عن عطاء بن يسار، أنه قال: جاء رجل فسأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن رجل طلَّق امرأته ثلاثًا قبل أن يمسها.
قال عطاء - بن يسار - فقلتُ: إنما طلاقُ البكر واحدة - تُبينها والثلاث - فقال لي عبد الله بن عمرو بن العاص: إنما أنت قاص: - ولست بمفتٍ - الواحدة تبينها، والثلاثةُ تحرِّمُهَا حتى تنكح زوجًا غيره.
وهو أثر صحيح.
• أخرج ابن حزم في "المحلى"(10/ 172).
عن معاوية بن أبي يحيى قال: جاء رجل إلى عثمان بن عفَّان، فقال: طلقت امرأتي ألفًا، فقال: بانت منك بثلاث فلم ينكر الثلاث.
• أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(رقم 11341) عن إبراهيم بن محمد عن شريك بن أبي نمر قال: جاء رجل إلى علي فقال: إني طلقت امرأتي عدد العرفج، قال: تأخذ من العرفج ثلاثًا وتدع سائره".
إسناده ضعيف، لضعف إبراهيم بن محمد الأسلمي.
وأخرجه البيهقي (7/ 335) من طريق أبي نعيم عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن بعض أصحابه عن علي.
بسند ضعيف، للراوي المبهم عن علي.
• أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(رقم 11343) والبيهقي (7/ 332).
عن علقمة، قال: جاءَ رجل إلى ابن مسعود، فقال: إني طلقت امرأتي تسعة وتسعين، وإني سألت فقيل لي: قد بانت مني، فقال ابن مسعود: لقد أحبوا أن يفرقوا بينك وبينها، قال: فما تقول رحمك الله، - فظنَّ أنه سيرخص له - فقال: ثلاث تبينها منك، وسائرها عدوان".
وقال ابن حزم في المحلى (10/ 172) عن هذا الأثر: هو في غاية الصحة.
والخلاصة: أن الأثر صحيح، والله أعلم.
(1)
• انظر لمذهب الإمام مالك رحمه الله:
الإشراف للقاضي عبد الوهاب (2/ 133) والمنتقى شرح الموطأ للباجي (4/ 3) "وبداية =
يحيى، وحكى ذلك عنهم في البحر
(1)
، وحكاه أيضًا
(2)
عن بعض الإمامية إلى أن الطلاق يتبع الطلاق.
وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الطلاق لا يتبع الطلاق بل يقع واحدة فقط.
وقد حكى ذلك صاحب البحر
(3)
عن أبي موسى ورواية عن عليٍّ، وابن عباس، وطاوس، وعطاء، وجابر بن زيد، والهادي، والقاسم، والباقر، والناصر، وأحمد بن عيسى، وعبد الله بن موسى بن عبد الله ورواية عن زيد بن عليّ.
وإليه ذهب جماعة من المتأخرين منهم ابن تيمية
(4)
وابن القيم
(5)
وجماعة من المحققين.
= المجتهد ونهاية المقتصد" (3/ 118 - 120) وعيون المجالس (3/ 1236 - 1237).
• ولمذهب أبي حنيفة رحمه الله:
"تبيين الحقائق"(2/ 190 - 191) و"بدائع الصنائع"(3/ 96) و"شرح معاني الآثار"(3/ 55 - 59).
• ولمذهب الشافعي رحمه الله:
"روضة الطالبين"(8/ 78 - 79) وحلية العلماء (7/ 24 - 25) ومغني المحتاج (3/ 311).
• ولمذهب أحمد بن حنبل رحمه الله:
المغني لابن قدامة (10/ 495) ومسائل الإمام أحمد لابن هاني (ص 223) والمرداوي في الإنصاف (8/ 453).
(1)
البحر الزخار (3/ 175).
(2)
أي: الإمام المهدي في البحر الزخار (3/ 175).
(3)
البحر الزخار (3/ 174).
(4)
"واختار ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: أن طلاق الثلاث المجموعة في طهر واحد محرم، ولا يلزم منه إلا طلقة واحدة، سواء كان بكلمة واحدة أو كلمات، مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثًا، أو أنت طالق، طالق، طالق. فإن كان في الحيض لم يقع منه شيء.
قال ابن تيمية: وهو الذي يدل عليه الكتاب والسنة، فإن كل طلاق شرعه الله - تعالى - في القرآن في المدخول بها إنما هو الطلاق الرجعي، لم يشرع الله لأحد أن يطلق الثلاث جميعًا، ولم يشرع له أن يطلق المدخول بها طلاقًا بائنًا
…
[مجموع فتاوى شيخ الإسلام (33/ 82 - 98) وانظر: الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام 2/ 698 - 735].
(5)
في كتابه: "زاد المعاد في هدي خير العباد"(5/ 226 - 248) فقد ساق الأقوال والأدلة في المسألة وفند أدلة الجمهور القائلين بوقوع الثلاث دليلًا دليلًا. =
وقد نقله ابن مغيث
(1)
في كتاب "الوثائق"
(2)
عن محمد بن وضَّاح، ونقل الفتوى بذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي، ومحمد بن عبد السلام وغيرهما
(3)
.
ونقله ابن المنذر
(4)
عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار.
وحكاه ابن مغيث
(5)
أيضًا في ذلك الكتاب عن عليّ وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير.
وذهب بعض الإمامية
(6)
إلى أنه لا يقع بالطلاق المتتابع شيء، لا واحدة ولا أكثر منها، وقد حكي ذلك عن بعض التابعين.
وروي عن ابن عليَّة وهشام بن الحكم، وبه قال أبو عبيدة وبعض أهل الظاهر وسائر من يقول: إن الطلاق البدعي لا يقع لأن الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة منه وعدم وقوع البدعي هو أيضًا مذهب الباقر والصادق والناصر
(7)
.
وذهب جماعة من أصحاب ابن عباس
(8)
وإسحاق بن راهويه أن المطلقة إن كانت مدخولة وقعت الثلاث، وإن لم تكن مدخولة فواحدةً.
= وفي كتابه: "إعلام الموقعين"(4/ 377 - 391).
(1)
هو: أحمد بن محمد بن مُغيث، أبو جعفر، المالكي.
(2)
واسمه: "المقنع في أصول الوثائق. وبيان ما في ذلك من الدقائق" كما في "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(33/ 83).
(3)
قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان"(1/ 565 - 566): "الوجه الرابع عشر: أن ابن مُغيث المالكي حكاه في كتاب "الوثائق" له، وهو مشهور عند المالكية، عن بضعة عشر فقيهًا من فقهاء طُلَيْطِلة المفتين على مذهب مالك. هكذا قال، واحتج لهم بأن قوله: أنت طالق ثلاثًا: كذب؛ لأنه لم يطلق ثلاثًا، ولم يطلق إلا واحدة، كما لو قال: أحلف بالله ثلاثًا؛ كانت يمينًا واحدة، ثم ذكر حججهم من الحديث". اهـ.
(4)
ذكره البيهقي في "المعرفة"(11/ 66 رقم 14793) عنه.
(5)
وكذلك ذكره البيهقي عنهم في "المعرفة"(11/ 66 رقم 14796) والحافظ في "الفتح"(9/ 363).
(6)
البحر الزخار (3/ 175).
(7)
البحر الزخار (3/ 154).
(8)
المغني (10/ 495، 497) وروضة الطالبين (8/ 77، 82) وعيون المجالس (3/ 1236) وشرح فتح القدير (4/ 49).
استدلَّ القائلون بأنَّ الطلاق يتبع الطلاق بأدلةٍ.
(منها) قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(1)
وظاهرها جواز إرسال الثلاث أو الثنتين دفعةً أو مفرَّقةً ووقوعها.
قال الكرماني
(2)
: إن قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (1) يدلّ على جواز جمع الثنتين، وإذا جاز جمع الثنتين دفعةً جاز جمع الثلاث.
وتعقبه الحافظ
(3)
بأنه قياس مع الفارق، لأن جمع الثنتين لا يستلزم البينونة الكبرى، بخلاف الثلاث.
وقال الكرماني
(4)
: إنَّ التسريح بإحسانٍ عامٌّ يتناول إيقاع الثلاث دفعةً.
وتُعقِّب
(5)
بأن التسريح في الآية إنما هو بعد إيقاع الثنتين فلا يتناول إيقاع الثلاث دفعة، وقد قيل: إنَّ هذه الآية من أدلة عدم التتابع، لأن ظاهرها أن الطلاق المشروع لا يكون بالثلاث دفعة، بل على الترتيب المذكور وهذا أظهر.
واستدلوا أيضًا بظواهر سائر الآيات القرآنية نحو قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(6)
.
وقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}
(7)
.
وقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ}
(8)
.
وقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}
(9)
، ولم يفرق في هذه الآيات بين إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث.
وأجيب بأنَّ هذه عمومات مخصصة وإطلاقات مقيدة بما ثبت من الأدلة الدالة على المنع من وقوع فوق الواحدة.
واستدلوا أيضًا بحديث سهل بن سعد المتقدم
(10)
في قضية عويمر العجلاني، وقد قدمنا الجواب عن ذلك.
(1)
سورة البقرة، الآية:(229).
(2)
في شرحه لصحيح البخاري (19/ 182).
(3)
في "الفتح"(9/ 365).
(4)
في شرحه لصحيح البخاري (19/ 182).
(5)
تعقبه الحافظ في "الفتح"(9/ 366).
(6)
سورة البقرة، الآية:(230).
(7)
سورة البقرة، الآية:(237).
(8)
سورة البقرة، الآية:(236).
(9)
سورة البقرة، الآية:(241).
(10)
برقم (2850) من كتابنا هذا.
واستدلوا أيضًا بالحديث المذكور بعده فيما تقدم من رواية الحسن
(1)
، وقد تقدم أيضًا الجواب عنه.
واستدلوا أيضًا بما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه
(2)
عن يحيى بن العلاء عن عبيد الله بن الوليد الرصافي عن إبراهيم بن عبيد الله بن عبادة بن الصامت عن داود عن عبادة بن الصامت قال: "طلق جدّي امرأة له ألف تطليقة، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما اتقى الله جدّك، أما ثلاث فله، وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم، إن شاء الله عذّبه وإن شاء غفر له".
وفي رواية
(3)
: "إن أباكم لم يتّق الله فيجعل له مخرجًا، بانت منه بثلاث على غير السنة، وتسعمائة وسبع وتسعون إثم في عنقه".
وأجيب بأن يحيى بن العلاء
(4)
ضعيف، [وعبيد الله بن الوليد]
(5)
هالك، وإبراهيم بن عبيد الله مجهول
(6)
، فأيّ حجة في رواية ضعيف عن هالك عن مجهول، ثم والد عبادة بن الصامت لم يدرك الإسلام فكيف بجدّه.
(1)
برقم (2851) من كتابنا هذا.
(2)
في المصنف برقم (11339) بسند ضعيف.
(3)
عند ابن عدي في "الكامل"(4/ 1631) والدارقطني في سننه (4/ 20 رقم 53) وقال عقبه: "رواته مجهولون، وضعفاء؛ إلا شيخنا وابن عبد الباقى". اهـ.
وهو أثر ضعيف جدًّا.
(4)
يحيى بن العلاء، متروك الحديث رازي، يروي عنه عبد الرزاق قال أحمد بن حنبل: كذاب يضع الحديث، وضعفه ابن معين وجماعة. التاريخ الكبير (8/ 297) والجرح والتعديل (9/ 179) والمجروحين (3/ 115) والميزان (4/ 397) ولسان الميزان (7/ 435) والخلاصة (ص 427).
(5)
في سنن الدارقطني (4/ 20 رقم 53): عبد الله بن الوليد الوصافي. وهو تصحيف.
والصواب: (عبيد الله بن الوليد الوَصَّافي) وهو المثبت من (أ) و (ب) والموافق لمصادر الترجمة: "تهذيب التهذيب"(3/ 30 - 31).
والتقريب رقم الترجمة: (4350).
(6)
إبراهيم بن عبيد الله بن عبادة بن الصامت. قال الدارقطني: ضعيف وقال في موضع آخر: مجهول. لسان الميزان (1/ 223).
وموسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله (1/ 41).
واستدلوا أيضًا بما في حديث ركانة السابق
(1)
: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم استحلفه أنه ما أراد إلا واحدة"، وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقعت.
ويجاب بان أثبت ما روي في قصة ركانة أنه طلقها البتة لا ثلاثًا.
وأيضًا قد تقدم في رواية "أنه صلى الله عليه وسلم قال له: أرجعها، بعد أن قال له أنه طلقها ثلاثًا".
وأيضًا قد تقدم فيه من المقال ما لا ينتهض معه للاستدلال.
واستدلّ القائلون بأنه لا يقع من المتعدد إلا واحدة بما وقع في حديث ابن عباس عن ركانة: "أنه طلق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنًا شديدًا، فسأله النبيّ صلى الله عليه وسلم: كيف طلقتها؟ فقال: ثلاثًا في مجلس واحد، فقال له [النبي]
(2)
صلى الله عليه وسلم: إنما تلك واحدة فارتجعها"، أخرجه أحمد
(3)
وأبو يعلى
(4)
وصححه.
(1)
تقدم برقم (2849) من كتابنا هذا.
(2)
ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).
(3)
في المسند (1/ 265).
(4)
في المسند (2500).
قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 339) كلهم عن محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس .. فذكره.
قال البيهقي: "وهذا الإسناد لا تقوم به الحجة مع ثمانية رَوَوْا عن ابن عباس رضي الله عنهما فُتياه بخلاف ذلك، ومع رواية أولاد ركانة أن طلاق ركانة كان واحدة وبالله التوفيق". اهـ.
قلت: داود بن الحصين، ثقة إلا في عكرمة .. "التقريب" رقم (1779).
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11334) ومن طريقه أبو داود رقم (2196) وعنه البيهقي (7/ 339) والحاكم (2/ 491) من طريق محمد بن ثور، عن ابن جريج، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: "طلق عبد يزيد أبو ركانة وإخوته أم ركانة، ونكح امرأة من مزينة
…
فذكر الحديث. وقال: ثم قال: "راجع امرأتك أم ركانة وإخوته" قال: إني طلقتُها ثلاثًا يا رسول الله، قال:"قد علمتُ، راجعها"، وتلا:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1].
قال الحاكم: صحيح الإسناد. =
وأجيب عن ذلك بأجوبة:
(منها) أن في إسناده محمد بن إسحاق. وردَّ بأنهم قد احتجوا في غير واحدٍ من الأحكام بمثل هذا الإسناد [وقد رواه أحمد
(1)
وفيه تصريح ابن إسحاق بالتحديث]
(2)
.
(ومنها) معارضته لفتوى ابن عباس المذكورة في الباب، وردَّ بأنَّ المعتبر روايته لا رأيه.
(ومنها) أن أبا داود رجح: أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما تقدم.
ويمكن أن يكون من روى ثلاثًا حمل البتة على معنى الثلاث، وفيه مخالفة للظاهر.
والحديث نصّ في محلّ النزاع.
واستدلوا أيضًا بحديث ابن عباس المذكور في الباب
(3)
: أن الطلاق كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
إلى آخره.
وقد أجيب عنه بأجوبة:
(منها) ما نقله المصنف
(4)
رحمه الله في هذا الكتاب بعد إخراجه له ولفظه: وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث؛ فذهب بعض التابعين إلى ظاهره في
= ورده الذهبي بقوله: محمد واهٍ، والخبر خطأ عبد يزيد لم يدرك الإسلام. وقال في "التجريد" (1/ 360 رقم 3829):"وهذا لا يصح والمعروف أن صاحب القصة ركانة". اهـ.
قلت: وهذا الإسناد ضعيف لجهالة البعض من بني رافع أو ضعفه، لكنه توبع كما تقدم عند أحمد وغيره.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن بمجموع الطريقين عن عكرمة.
وانظر: "الإرواء" رقم (2063) وصحيح أبي داود (6/ 398 - 401 رقم 1906).
(1)
في المسند (1/ 265).
(2)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب)، بل سقط من كل النسخ المطبوعة من (نيل الأوطار) فليعلم.
(3)
تحت رقم (2860) من كتابنا هذا.
(4)
ابن تيمية الجد في "المنتقى"(2/ 603 - 604).
حقِّ من لم يدخل بها، كما دلت عليه رواية أبي داود، وتأوَّله بعضهم على صورة تَكْرِير لفظ الطلاق بأن يقول: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، فإنه يلزمه واحدةً إذا قصدَ التوكيد، وثلاث إذا قصد تكرير الإيقاع، فكان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر على صدقهم وسلامتهم وقصدهم في الغالب، الفضيلة والاختيار لم يظهر فيهم خبٌّ ولا خداع وكان يصدقون في إرادة التوكيد فلما رأى عمر في [زمانه]
(1)
أمورًا ظهرت وأحوالًا تغيرت، وفشا إيقاع الثلاث جملة بلفظ لا يحتمل التأويل ألزمهم الثلاث في صور التكرير إذ صار الغالب عليهم قصدها.
وقد أشار إليه بقوله: "إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة".
وقال أحمد بن حنبل
(2)
: كلُّ أصحاب ابن عباس رووا عنه خلافَ ما قال طاوس: سعيد بن جبير
(3)
ومجاهد
(4)
ونافع عن ابن عباس بخلافه.
وقال أبو داود في سننه
(5)
: صار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الرزاق عن مَعْمَر عن الزُّهْرِيِّ عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبانَ، عن محمد بن إياس أن ابْنَ عباسٍ وأبا هريرة وعبدَ الله بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثًا، فكلهم قال: لا تحلّ له حتى تنكح زوجًا غيره، انتهى كلام المصنف.
وقوله: وتأوّله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق
…
إلخ، هذا البعض الذي أشار إليه هو ابن سريج
(6)
.
وقد ارتضى هذا الجواب القرطبي
(7)
.
(1)
في المخطوط (ب): (زمنه). والمثبت من المخطوط (أ) ومن مخطوط المنتقى.
(2)
المغني (10/ 334).
(3)
تقدم برقم (2859) من كتابنا هذا.
(4)
تقدم برقم (2858) من كتابنا هذا.
(5)
في سننه (رقم 2198).
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (رقم 11071) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 57) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 335).
وهو موقوف صحيح.
(6)
كما في الحاوي الكبير (10/ 222).
(7)
في "المفهم"(4/ 223).
وقال النووي
(1)
: إنَّهُ أصحُّ الأجوبة، ولا يخفى أن من جاء بلفظٍ يحتمل التأكيد وادَّعى أنَّه نواه، يصدَّق في دعواه ولو في آخر الدَّهر، فكيف بزمنِ خير القرون ومن يليهم! وإن جاء بلفظ لا يحتمل التأكيد لم يصدّق إذا ادّعى التأكيد من غير فرق بين عصر وعصر.
ويجاب عن كلام أحمد المذكور: بأنَّ المخالفين لطاوس من أصحاب ابن عباس إنما نقلوا عن ابن عباس رأيه، وطاوس نقل عنه روايته فلا مخالفة.
وأما ما قاله ابن المنذر من أنه لا يظنّ بابن عباس أن يحفظ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم شيئًا ويفتي بخلافه.
فيجاب عنه بأن الاحتمالات المسوّغة لترك الرواية والعدول إلى الرأي كثيرة.
(منها) النسيان.
(ومنها) قيام دليل عند الراوي لم يبلغنا، ونحن متعبدون بما بلغنا دون ما لم يبلغ.
وبمثل هذا يجاب عن كلام أبي داود المذكور.
ومن الأجوبة عن حديث ابن عباس المذكور ما نقله البيهقي
(2)
عن الشافعي أنه قال: يشبه أن يكون ابن عباس علم شيئًا نُسِخ.
ويجاب بأن النسخ إن كان بدليل من كتاب أو سنة، فما هو؟ وإن كان بالإجماع، فأين هو؟ على أنه يبعد أن يستمرّ الناس أيام أبي بكر وبعض أيام عمر على أمر منسوخ، وإن كان الناسخ قول عمر المذكور فحاشاه أن ينسخ سنة ثابتة بمحض رأيه، وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه إلى ذلك.
ومن الأجوبة دعوى الاضطراب كما زعمه القرطبي في المفهم
(3)
، وهو زعم فاسد لا وجه له.
(ومنها): ما قاله ابن العربي
(4)
: إن هذا حديث مختلف في صحته، فكيف
(1)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 71).
(2)
في "المعرفة"(11/ 38 رقم 14672).
(3)
في "المفهم"(4/ 241).
(4)
كما في "الفتح"(9/ 364).
يقدّم على الإجماع؟ ويقال: أين الإجماع الذي جعلته معارضًا للسنة الصحيحة؟.
(ومنها) أنه ليس في سياق حديث ابن عباس أن ذلك كان يبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى يقرّره، والحجة إنما هي في ذلك.
وتعقب بأن قول الصحابة: كنا نفعل كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المرفوع على ما هو الراجح. وقد عملتم بمثل هذا في كثير من المسائل الشرعية.
والحاصل: أن القائلين بالتتابع قد استكثروا من الأجوبة على حديث ابن عباس، وكلُّها غير خارجة عن دائرة التعسُّف والحقُّ أحقُّ بالاتباع فإن كانت تلك المحاماة لأجل مذاهب الأسلاف فهي أحقر وأقلُّ من أن تؤثر على السُّنَّة المطهَّرة، وإن كانت لأجل عمر بن الخطاب رحمه الله فأين يقع المسكين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أيُّ مسلم من المسلمين يستحسن عقله وعلمه ترجيح قول صحابي على قول المصطفى.
واحتجَّ القائلون بأنَه لا يقع شيءٌ لا واحدةٌ ولا أكثر منها بقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(1)
، فشرط في وقوع الثالثة أن تكون في حالٍ يصحُّ من الزوج فيها الإمساك، إذ من حقِّ كلِّ مخيرٍ بينهما أن يصحَّ كلُّ واحدٍ منهما، وإذا لم يصحَّ الإمساك إلا بعد المراجعة لم تصحَّ الثالثة إلا بعدها لذلك، وإذا لزم في الثالثة لزم في الثانية، كذا قيل.
وأجيب بمنع كون ذلك يدلُّ على أنه لا يقع الطلاق إلا بعد الرجعة.
ومن الأدلة الدالة على عدم وقوع شيء الأدلة المتقدمة في الطلاق البدعي.
واستدلوا أيضًا بحديث: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ"
(2)
، وهذا الطلاق ليس عليه أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم.
(1)
سورة البقرة، الآية:(229).
(2)
وهو حديث صحيح.
أخرجه أحمد في المسند (6/ 146) والبخاري في صحيحه رقم (2697) ومسلم رقم (17/ 1718) من حديث عائشة رضي الله عنها.
وأجيب بتخصيص هذا العموم بما سبق في أدلة القولين الأوّلين من الحكم بوقوع الطلاق المثلث، لأنا [وإن منعنا]
(1)
وقوع المجموع لم نمنع من وقوع الفرد.
والقائلون بالفرق بين المدخولة وغيرها أعظمُ حجةٍ لهم: حديث ابن عباس، فإن لفظه عند أبي داود
(2)
: "أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة؟ " الحديث، ووجَّهوا ذلك بأنَّ غير المدخول بها تبينُ إذا قال لها زوجها: أنت طالق، فإذا قال: ثلاثًا، لُغِيَ العدد لوقوعه بعد البينونة.
ويجاب بأن التقييد بقبل الدخول لا ينافي صدق الرواية الأخرى الصحيحة على المطلقة بعد الدخول.
وغاية ما في هذه الرواية أنه وقع فيها التنصيص على بعض أفراد مدلول الرواية الصحيحة المذكورة في الباب، وذلك لا يوجب الاختصاص بالبعض الذي وقع التنصيص عليه.
وأجاب القرطبي
(3)
عن ذلك التوجيه بأنَّ قوله: أنت طالق ثلاثًا كلام متصل غير منفصل، فكيف يصحُّ جعله كلمتين وتعطى كلُّ كلمةٍ حُكْمًا؟ هذا حاصل ما في هذه المسألة من الكلام، وقد جمعت في ذلك رسالة مختصرة
(4)
.
[الباب الرابع] بابُ ما جاءَ في كلامِ الهازلِ والمكرَهِ والسَّكْرَانِ بالطَّلَاقِ وغيرِهِ
20/ 2861 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاث جِدّهُن جِدٌّ
(1)
في المخطوط (ب): (وإن معنا).
(2)
في سننه رقم (2199) وهو حديث ضعيف وقد تقدم.
(3)
في المفهم (4/ 243).
(4)
والرسالة بعنوان (بحث في الطلاق الثلاث مجتمعة هل يقع أم لا؟ للشوكاني. وهي ضمن "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني" (7/ 3457 رقم 107) بتحقيقي.
وَهَزْلُهُنّ جِدّ: النِّكَاحُ، وَالطلاقُ، وَالرّجْعَةُ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النّسائيَّ
(1)
، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ). [حسن]
الحديث أخرجه أيضًا الحاكم وصححه
(2)
، وأخرجه الدارقطني
(3)
وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أَرْدَكَ وهو مختلف فيه. قال النسائي
(4)
: منكر الحديث، ووثقه غيره. قال الحافظ
(5)
: فهو على هذا حسن.
وفي الباب عن فضالة بن عبيد عند الطبراني
(6)
بلفظ: "ثلاث لا يجوز فيهنّ اللعب: الطلاق، والنكاح، والعتق" وفي إسناده ابن لهيعة.
وعن عبادة بن الصامت عند الحارث بن أسامة في مسنده
(7)
رفعه بلفظ: "لا يجوز اللعب فيهنّ: الطلاق، والنكاح، والعتاق، فمن قالهن فقد وجبن"، وإسناده منقطع.
(1)
أبو داود رقم (2194) والترمذي رقم (1184) وابن ماجه رقم (2039) ولم يخرجه أحمد في مسنده.
قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" رقم (712) والدارقطني في سننه (3/ 256 رقم 45) والحاكم (2/ 198) والبغوي في شرح السنة رقم (2356).
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وعبد الرحمن هو ابن حبيب بن أرْدَك المدني.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وعبد الرحمن بن حبيب من ثقات المدنيين.
وتعقبه الذهبي بقوله: "فيه لين".
وهو حديث حسن.
(2)
في المستدرك (2/ 198) وقد تقدم.
(3)
في سننه (3/ 256 رقم 45) وقد تقدم.
(4)
في "منهج الإمام أبي عبد الرحمن النسائي في الجرح والتعديل وجمع أقواله في الرجال" د. قاسم علي سعد (5/ 2203 رقم الترجمة 113).
وانظر: "تهذيب التهذيب"(2/ 498) والتقريب رقم (3836).
(5)
في "التلخيص"(3/ 424).
(6)
في المعجم الكبير (ج 18 رقم 780).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 235) وقال: "فيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح". اهـ.
(7)
الحديث أخرجه الحارث كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث"(1/ 555 - 556 رقم 503) بسند ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة. والانقطاع بين عبادة بن الصامت وعبيد الله بن أبي جعفر، فإن عبيد الله لم يسمع من عبادة بن الصامت.
وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 423): وهذا منقطع.
وعن أبي ذرٍّ عند عبد الرزاق
(1)
رفعه: "من طلّق وهو لاعب فطلاقه جائز، ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز، ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز"، وفي إسناده انقطاع أيضًا.
وعن عليّ موقوفًا عند عبد الرزاق
(2)
أيضًا.
وعن عمر موقوفًا عنده
(3)
أيضًا.
والحديث يدلُّ على أن من تلفظ هازلًا بلفظ نكاحٍ، أو طلاقٍ، أو رجعةٍ، أو عتاق؛ كما في الأحاديث التي ذكرناها وقع منه ذلك.
أما في الطلاق فقد قال بذلك الشافعية
(4)
والحنفية
(5)
وغيرهم.
وخالف في ذلك أحمد
(6)
ومالك
(7)
فقالا: إنَّه يفتقر اللفظ الصريح إلى
(1)
في "المصنف" رقم (10249) بسند هالك.
إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي "متروك"، قاله الحافظ في "التقريب" رقم وقال الحافظ في "التلخيص" (3/ 423): وهو منقطع.
(2)
في "المصنف" رقم (10247).
(3)
أي عند عبد الرزاق في "المصنف" رقم (10248).
• وفي الباب عن أبي الدرداء، قال: كان الرجل في الجاهلية يطلّق ثم يراجع، ويقول: كنت لاعبًا .. ويعتق ثم يراجع، ويقول: كنت لاعبًا. فأنزل الله عز وجل: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231]، من طلّق، أو حرر، أو نكح، أو أنكح، فقال: إني كنت لاعبًا؛ فهو جاد.
أخرجه الطبراني كما في "مجمع الزوائد"(4/ 388)، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (10245) وابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 105) وسعيد بن منصور رقم (1604، 1605) كلهم من طريق الحسن البصري، عن أبي الدرداء قال: ثلاث اللعب فيهن كالجاد: النكاح، والطلاق والعتاق.
الإسناد صحيح إلى الحسن البصري، لكن رواية الحسن عن أبي الدرداء مرسلة.
• وعن الحسن البصري، مرسلًا - مثل حديث أبي الدرداء المتقدم - أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 106) ورجاله ثقات.
وقال الألباني في "الإرواء"(6/ 228): والذي يتلخص عندي مما سبق أن الحديث حسن بمجموع طريق أبي هريرة التي حسنها الترمذي، وطريق الحسن البصري المرسلة
…
". اهـ.
(4)
البيان للعمراني (10/ 73).
(5)
الاختيار (3/ 166).
(6)
المغني (10/ 361).
(7)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 677).
النية، وبه قال جماعة من الأئمة منهم: الصادق، والباقر، والناصر
(1)
.
واستدلوا بقوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ}
(2)
، فدلت على اعتبار العزم والهازل لا عزم منه.
وأجاب صاحب البحر
(3)
بالجمع بين الآية والحديث فقال: يعتبر العزم في غير الصريح لا في الصريح فلا يعتبر.
والاستدلال بالآية على تلك الدعوى غير صحيح من أصله فلا يحتاج إلى الجمع فإنها نزلت في حقِّ المُولي.
21/ 2862 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا طَلَاقَ، وَلَا عَتاقَ فِي إغْلَاقٍ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(4)
وَأَبُو دَاوُدَ
(5)
وَابْنُ مَاجَهْ
(6)
. [حسن لغيره]
22/ 2863 - (وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ أنّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله طَهِّرْنِي، قَالَ:"مِمَّ أُطَهِّرُكَ؟ "، قَالَ: مِنَ الزّنا، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَبِهِ جُنُونٌ؟ "، فأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، فَقَالَ: "أَشَرِبَ خَمْرًا؟، فَقَامَ رَجُلٌ [فَاسْتَنْكَهَهُ]
(7)
فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَزَنَيْتَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.
(1)
البحر الزخار (3/ 155).
(2)
سورة البقرة، الآية:(227).
(3)
البحر الزخار (3/ 155).
(4)
في المسند (6/ 276).
(5)
في سننه رقم (2193).
(6)
في سننه رقم (2046).
قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 198) والبيهقي (7/ 357) و (10/ 61) والدارقطني (4/ 36 رقم 99) وأبو يعلى رقم (4444) ورقم (4570).
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: كذا قال، ومحمد بن عبيد لم يحتج به مسلم. وقد ذكره البخاري في "تاريخه"(1/ 171 رقم 514) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. ووثقه ابن حبان، وأعله به المنذري في "مختصر السنن"(3/ 118).
قلت: وابن إسحاق صرح بالتحديث عند أحمد، فزال ما يخشى من تدليسه، وهو لم ينفرد به، فقد تابعه أبو صفوان: عبد الله بن سعيد الأموي عن ثور، به عند الحاكم.
وفي الباب: عن علي، وابن عباس، والحديث بمجموع هذه الشواهد حسن.
وانظر: "الإرواء" رقم (2047).
(7)
في المخطوط (ب): (فاستنهكه) وهو تحريف.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
وَصحَّحَهُ. [صحيح]
وَقَالَ عُثْمَانُ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَان طَلَاقٌ. [أثر صحيح]
وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: طَلَاقُ السّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ. [أثر حسن]
وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللّصُوصُ فَيُطَلِّقُ: فَلَيْسَ بِشَىْءٍ.
وقَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ الطَّلاقِ جائِزٌ إلَّا طَلَاقَ المَعْتُوهِ، ذَكَرَهُنَّ البُخارِيُّ فِي صَحِيحِهِ)
(3)
. [أثر صحيح]
23/ 2864 - (وَعَنْ قُدَامَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: أن رَجُلًا عَلى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ
(1)
في صحيحه رقم (22/ 1695).
(2)
لم أجده من حديث بريدة عند الترمذي.
• بل أخرجه الترمذي في سننه رقم (1428) من حديث أبي هريرة.
وهو حديث ضعيف الإرواء رقم (2042).
(3)
البخاري في صحيحه (9/ 388 رقم الباب 11 - مع الفتح) معلقة.
• أثر عثمان: وصله ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 30) وأخرجه البيهقي (7/ 359) من طريق شبابة بن أبي ذئب عن الزهري قال: أتى عمر بن عبد العزيز برجل سكران، فقال: إني طلقت امرأتي وأنا سكران، فكان رأي عمر معنا أن يجلده، وأن يفرق بينهما، فحدثه أبان بن عثمان أن عثمان رضي الله عنه قال:"ليس للمجنون ولا للسكران طلاق"، فقال عمر: كيف تأمروني، وهذا يحدثني عن عثمان رضي الله عنه؟ فجلده ورد إليه امرأته، قال الزهري: فذكر ذلك لرجاء بن حيوة فقال: قرأ علينا عبد الملك بن مروان كتاب معاوية بن أبي سفيان في السنن: "أن كل أحد طلق امرأته جائز إلا لمجنون".
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وانظر: الإرواء (رقم 2045).
• أثر ابن عباس: وصله ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 48).
ولفظه: "ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق".
ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي (7/ 358) بلفظ: "ليس لمكره طلاق" بسند حسن.
• أثر ابن عباس الثاني: لم أقف عليه عند أحد.
• أثر علي: وصله ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 31) والبغوي في الجعديات (1/ 233 رقم 741، 742، 743) والبيهقي (7/ 359) من طريق إبراهيم النخعي عن عابس بن ربيعة عن علي رضي الله عنه
…
فذكره.
وإسناده صحيح.
الخَطّابِ تَدَلَّى يَشْتارُ عَسَلًا، فَأقْبَلَتِ امْرَأتُهُ فَجَلَسَتْ على الحَبِلِ، [فَقَالَتْ]
(1)
: لِيُطَلِّقها ثَلاثًا وَإلا قَطَعَتِ الحَبْلَ، فَذَكّرَها الله وَالْإِسْلَامَ فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلاثًا، ثُمَّ خَرَجَ إلى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: ارْجَعْ إلى أهْلِكَ فَلَيْسَ هَذَا بِطَلاقٍ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ
(2)
وَأَبُو عُبَيْدٍ القاسِمُ بْنُ سَلَامٍ)
(3)
. [أثر ضعيف]
حديث عائشة أخرجه أيضًا أبو يعلى
(4)
والحاكم
(5)
والبيهقي
(6)
وصححه الحاكم، وفي إسناده محمد بن عبيد بن أبي صالح، وقد ضعفه أبو حاتم الرازي
(7)
. ورواه البيهقي
(8)
من طريق ليس هو فيها لكن لم يذكر عائشة. وزاد أبو داود
(9)
وغيره: "ولا عتاق".
قوله: (في إغلاق) بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة وآخره قاف، فسَّره علماء الغريب بالإكراه، روي ذلك في التلخيص
(10)
عن ابن قتيبة
(11)
والخطابي
(12)
وابن السيد
(13)
وغيرهم.
وقيل: الجنون، واستبعده المطرزيُّ
(14)
.
(1)
في المخطوط (ب): (فقالته).
(2)
في سننه (1/ 274 - 275) رقم (1128).
(3)
في غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (3/ 322).
وانظر: "المحلى"(10/ 202) والبيهقي (7/ 357) وهو منقطع لأن قدامة لم يدرك عمر، فالأثر ضعيف، والله أعلم.
(4)
في المسند (4444) وقد تقدم.
(5)
في المستدرك (2/ 198) وقد تقدم.
(6)
في السنن الكبرى (7/ 357) وقد تقدم.
(7)
في "العلل"(1/ 430).
(8)
في السنن الكبرى (7/ 357) وقد تقدم.
(9)
في السنن رقم (2193) وقد تقدم.
(10)
"التلخيص الحبير"(3/ 425).
(11)
"أدب الكاتب"(ص 578) وفيه: غلِق: طيش وخفة.
(12)
معالم السنن (2/ 642 - مع السنن).
(13)
في "الاقتضاب في شرح أدب الكاتب" لابن السيد (أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي النحوي الأندلسي (ت 521 هـ) ص
…
ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 425).
(14)
كما في "الفتح"(9/ 389): "قال المطرزي: قولهم: إياك والغلق، أي: الضجر والغضب، ورد الفارسي في "مجمع الغرائب" على من قال: الإغلاق الغضب وغلطه في ذلك وقال: إن طلاق الناس غالبًا إنما هو في حال الغضب. وقال ابن المرابط: الإغلاق حرج النفس، وليس كل من وقع له فارق عقله، ولو جاز عدم وقوع طلاق الغضبان لكان لكل أحد أن يقول فيما جناه: كنت غضبانًا". اهـ.
وقيل: الغضب، وقع ذلك في سنن أبي داود
(1)
، وفي رواية ابن الأعرابي
(2)
وكذا فسره أحمد
(3)
، وردَّه ابن السَّيِّد فقال: لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاقٌ؛ لأن أحدًا لا يطلِّق حتى يغضب.
وقال [أبو عبيدة]
(4)
: الإغلاق: التضييق.
وقد استدلَّ بهذا الحديث من قال: إنَّه لا يصحُّ طلاق المكره، وبه قال جماعةٌ من أهل العلم، حكي ذلك في البحر
(5)
عن عليّ
(6)
، وعمر
(7)
، وابن عباس
(8)
، وابن عمر
(9)
، والزبير (9)،
(1)
في السنن (2/ 643 بإثر الحديث رقم 2193).
(2)
ذكره الحافظ في "التلخيص"(3/ 425).
(3)
المغني (10/ 351).
(4)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) وفي "التلخيص" (3/ 425):(أبو عبيد) وكذلك أيضًا في شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/ 411).
وانظر: "الغريبين في القرآن والحديث"(4/ 1383 - 1384).
(5)
البحر الزخار (3/ 166).
(6)
أخرج البيهقي في "المعرفة"(11/ 71 رقم 14800) عن الحسن: أن عليًا قال: لا طلاقَ لمكره. وقد تقدم تحت رقم (22/ 2863) من كتابنا هذا.
(7)
تقدم برقم (23/ 2864) من كتابنا هذا.
(8)
تقدم تحت رقم (22/ 2863) من كتابنا هذا.
(9)
أخرج الإمام مالك في الموطأ (2/ 587 رقم 78): عن ثابت بن الأحنف: أنَّهُ تزوج أُمّ ولدٍ لعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قال: فدعاني عبدُ اللهِ بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فجئتهُ، فدخلتُ عليه؛ فإذا سياطٌ موضوعةٌ، وإذا قيدانِ من حديدٍ وعبدانِ له قد أجلسهما، فقال: طلِّقها؛ وإلا فالذي يُحلف به فعلتُ بك كذا وكذا، قال: فقلتُ: هي الطلاقُ ألفًا، قال: فخرجتُ من عندِهِ، فأدركت عبدَ الله بن عمر بطريق مكةَ، فأخبرته بالذي كان من شأني، فتغيظَ عبد الله بن عمر، وقال: ليسَ ذلكَ بطلاق، وإنها لم تحرم عليكَ، فارجع إلى أهلِكَ، قال: فلم تَقرَرني نفسي حتى أتيتُ عبد الله بن الزبير، وهو يومئذٍ بمكة أميرٌ عليها فأخبرتُهُ بالذي كان من شأني، وبالذي قال لي عبد الله بن عمر، قال: فقال لي عبد الله بن الزبير: لم تحرم عليك، فارجع إلى أهلك.
وكتبَ إلى جابر بن الأسود الزُّهري، وهو أمير المدينة، يأمره أن يعاقب عبد الله بن عبد الرحمن، وأن يخلي بيني وبين أهلي، قال: فقدمتُ المدينة فجهزت صفية - امرأة عبد الله بن عمر - امرأتي حتى أدخلتَها عليَّ بعلم عبد الله بن عمر، ثم دعوتُ عبد الله بن عمر يوم عُرسي لوليمتي فجاءني.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 358) ومعرفة السنن والآثار (5/ 494 رقم 4474 - العلمية). وعبد الرزاق في المصنف من طريقين عن ثابت به بنحوه بسند صحيح.
وخلاصة القول: أن الأثر صحيح، والله أعلم.
والحسن البصري
(1)
، وعطاء
(2)
ومجاهد
(3)
وطاوس
(4)
وشريح (3) والأوزاعي (3)، والحسن (3) بن صالح والقاسمية
(5)
والناصر (1) والمؤيد (1) بالله، ومالك
(6)
والشافعي
(7)
.
وحكي أيضًا وقوع طلاق المكره عن النخعي
(8)
، وابن المسيب، والثوري
(9)
، وعمر بن عبد العزيز، وأبي حنيفة
(10)
وأصحابه، والظاهر ما ذهب إليه الأوّلون لما في الباب.
ويؤيد ذلك حديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، أخرجه ابن ماجه
(11)
وابن حبان
(12)
والدارقطني
(13)
والطبراني
(14)
والحاكم في المستدرك
(15)
من حديث ابن عباس وحسنه النووي
(16)
، وقد أطال بالكلام عليه الحافظ
(17)
في باب شروط الصلاة من التلخيص، فليراجع.
(1)
أخرج سعيد بن منصور في سننه رقم (1138) عن الحسن أنه كان لا يرى طلاق المكره شيئًا.
وأخرجه ابن أبي شيبة (5/ 49) وعبد الرزاق رقم (11405).
(2)
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 49) عن الأوزاعي قال: سألت عطاء عن طلاق المكره فقال: ليس بشئ.
وهو أثر صحيح.
(3)
حكاه عنه ابن قدامة في المغني (10/ 350).
(4)
أخرج عبد الرزاق في المصنف رقم (11402) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: "لا يجوز طلاق الكره".
وهو أثر صحيح.
(5)
البحر الزخار (3/ 166).
(6)
عيون المجالس (3/ 1227 - 1228 رقم 855).
(7)
البيان للعمراني (10/ 70 - 71) والمهذب (4/ 279).
(8)
موسوعة فقه الإمام النخعي (2/ 703).
(9)
موسوعة فقه الإمام الثوري (ص 612).
(10)
البناية في شرح الهداية (5/ 25).
وانظر: "البياني للعمراني"(10/ 70 - 71).
(11)
في سننه رقم (2045)
(12)
في صحيحه رقم (7219).
(13)
في سننه (4/ 170 رقم 33).
(14)
في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11141).
(15)
في المستدرك (2/ 198) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي من حديث ابن عباس.
(16)
في "الأربعين النووية" رقم (39).
(17)
ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 509 - 512) رقم الحديث (45/ 22). =
واحتجّ عطاء بقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}
(1)
وقال: الشرك أعظم من الطلاق، أخرجه سعيد بن منصور
(2)
عنه بإسناد صحيح.
قوله: (أبه جنون) لفظ البخاريِّ: "أبِكَ جُنُونٌ"، وهذا طرف من حديث يأتي إن شاء الله تعالى في الحدود
(3)
.
وفيه دليل على أن الإقرار من المجنون لا يصحُّ، وكذلك سائر التصرّفات والإنشاءات، ولا أحفظ في ذلك خلافًا.
قوله: (فقال: أشربَ خمرًا؟)، فيه دليلٌ أيضًا على أن إقرار السكران لا يصحُّ، وكأنَّ المصنف رحمه الله تعالى أقاس طلاق السكران على إقراره.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فأخرج ابن أبي شيبة
(4)
بأسانيد صحيحة
= قلت: وانظر: "نصب الراية"(2/ 64 - 66) وإرواء الغليل (1/ 123 - 124) رقم (82)، و"جامع العلوم والحكم"(2/ 361 - 375) رقم (39).
وانظر شواهد الحديث في كتابنا هذا (4/ 453 - 454) فقد تم تخريجها وما قاله العلماء في هذا الحديث.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(1)
سورة النحل، الآية:(106).
(2)
في سننه رقم (1141).
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 49) عنه بنحوه.
وهو أثر صحيح.
(3)
يأتي برقم (3101) من كتابنا هذا.
(4)
في "المصنف"(5/ 39).
• عن سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد، وعكرمة، وعطاء، وطاوس قالوا: ليس بجائز.
وهو أثر صحيح.
• عن يحيى بن سعيد، أن القاسم، وعمر بن عبد العزيز كانا لا يجيزان طلاق السكران.
وهو أثر صحيح.
• قلت: وأخرج سعيد بن منصور رقم (1110) عن يحيى بن سعيد عن عمر بن عبد العزيز أنه أُتي برجل طلق امرأته وهو سكران، فاستحلفه بالله الذي لا إله إلا هو أنه طلَّق وما يعقل فحلف فرد عليه امرأته وضربه الحد.
وهو أثر صحيح.
• وأخرج سعيد بن منصور رقم (1111) عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال كما قال عمر بن عبد العزيز.
وهو أثر صحيح.
عدم وقوع طلاق السكران عن أبي الشعثاء، وعطاء، وطاوس، وعكرمة، والقاسم بن محمد، وعمر بن عبد العزيز.
قال في الفتح
(1)
: وبه قال ربيعة
(2)
والليث
(3)
وإسحاق والمزني
(4)
واختاره الطحاوي
(5)
، واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع، قال: والسكران معتوه بسكره.
وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب
(6)
، والحسن
(7)
، وإبراهيم
(8)
، والزهري
(9)
والشعبي
(10)
وبه قال الأوزاعي (11) والثوري
(11)
ومالك
(12)
(1)
في "الفتح"(9/ 391).
(2)
حكاه عنه القاضي عبد الوهاب في عيون المجالس (3/ 1235).
(3)
حكاه عنه القاضي عبد الوهاب في المرجع السابق والطحاوي في "المختصر"(2/ 431).
(4)
وفي عيون المجالس (3/ 1235 - 1236): "وحكى عن المزني رحمه الله: أنه كان يوقع طلاق السكران وظهاره، حتى رأى السكران قد قاء، وكلب يلحس فاه، والسكران يقول له: يا سيدي قد نعنأت، فرجع عن قوله؛ وقال: لا يجوز أن نحكم بقول مثل هذا". اهـ.
(5)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء"(2/ 430 - 431) له.
(6)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 37).
عن قتادة عن سعيد بن المسيب، قال:"طلاق السكران جائز".
وهو أثر صحيح.
(7)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 37): عن أيوب عن الحسن ومحمد أنهما قالا: طلاقه جائز ويوجع في ظهره".
وهو أثر صحيح.
(8)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 38).
عن منصور عن إبراهيم قال: طلاقه جائز.
وهو أثر صحيح.
(9)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 38).
عن الأوزاعي عن الزهري قال: إذا طلَّق وأعتق جاز عليه وأقيم عليه الحد.
وهو أثر صحيح.
(10)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 38).
عن عبد العزيز عن الشعبي قال: "يجوز طلاقه والحد في ظهره".
(11)
حكاه عنهما ابن قدامة في "المغني"(10/ 346).
(12)
عيون المجالس (3/ 1234) والتهذيب في اختصار المدونة (2/ 359).
وأبو حنيفة
(1)
، وعن الشافعي
(2)
قولان: المصحح منهما وقوعه والخلاف عند الحنابلة
(3)
.
وقد حكي القول بالوقوع في البحر
(4)
: عن عليّ، وابن عباس، وابن عمر، ومجاهد، والضحاك، وسليمان بن يسار، وزيد بن عليّ، والهادي والمؤيد بالله.
وحكي القول
(5)
بعدم الوقوع عن عثمان، وجابر بن زيد، ورواية عن ابن عباس والناصر وأبي طالب والبتي وداود.
احتج القائلون بالوقوع بقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}
(6)
، ونهيهم حال السكر عن قربان الصلاة يقتضي عدم زوال التكليف، وكل مكلف يصحّ منه الطلاق وغيره من العقود والإنشاءات.
وأجيب بأن النهي في الآية المذكورة إنما هو عن أصل السكر الذي يلزم منه قربان الصلاة كذلك.
وقيل: إنه نهي للثمل الذي يعقل الخطاب، وأيضًا قوله في آخر الآية:{حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (6)، دليل على أن السكران يقول ما لا يعلم، ومن كان كذلك فكيف يكون مكلفًا وهو غير فاهم، والفهم شرط التكليف كما تقرّر في الأصول.
احتجوا ثانيًا بأنه عاص بفعله فلا يزول عنه الخطاب بالسكر ولا الإثم؛ لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر.
وأجاب الطحاوي
(7)
بأنها لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره، إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في
(1)
البناية في شرح الهداية (5/ 26). وانظر: بدائع الصنائع (3/ 99).
(2)
البيان للعمراني (10/ 69).
(3)
المغني (10/ 346 - 347).
(4)
البحر الزخار (3/ 166).
(5)
أي المهدي في البحر الزخار (3/ 166). وانظر: المحلى (10/ 209 - 210) والمصنف لابن أبي شيبة (5/ 37 - 38).
(6)
سورة النساء، الآية:(43).
(7)
في "مختصر اختلاف العلماء" له (2/ 431).
الصلاة بسبب من قبل الله أو من قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه، فإنه يسقط عنه فرض القيام.
وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا.
وأجاب ابن المنذر
(1)
عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة، ولا يقع طلاقه لأنه غير مكلف حال نومه بلا نزاع.
واحتجوا ثالثًا بأن ربط الأحكام بأسبابها أصلٌ من الأصول المأنوسة في الشريعة، والتطليق سببٌ للطلاق، فينبغي ترتيبه عليه، وربطه به، وعدم الاعتداد بالسكر كما في الجنايات.
وأجيب بالاستفسار عن السبب للطلاق: هل هو إيقاع لفظه مطلقًا؟ لزمَكُم أن يقع من المجنون والنائم والسكران الذي لم يعص بسكره إذا وقع من أحدهم لفظ الطلاق، وإن قلتم: إنه إيقاع اللفظ من العاقل الذي يفهم ما يقول، فالسكران غير عاقل ولا فاهم فلا يكون إيقاع لفظ الطلاق منه سببًا.
واحتجوا رابعًا بأنَّ الصحابة رضي الله عنهم جعلوه كالصَّاحي.
ويجاب بأنَّ ذلك محل خلافٍ بين الصحابة كما بينا ذلك في أوَّل الكلام وكما ذكره المصنف عن عثمان وابن عباس، فلا يكون قول بعضهم حجة علينا كما لا يكون حجة على بعضهم بعضًا.
واحتجوا خامسًا بأنَّ عدم وقوع الطلاق من السكران مخالف للمقاصد الشرعية، لأنه إذا فعل حرامًا واحدًا لزمه حكمه، فإذا تضاعف جرمه بالسُّكر وفعل المحرَّم الآخر سقط عنه الحكم؛ مثلًا: لو أنه ارتدَّ بغير سكر لزمه حكم الرِّدَّةِ، فإذا جمع بين السكر والرِّدَّةِ لم يلزمه حكم الردة لأجل السكر.
ويجاب بأنا لم نسقط عنه حكم المعصية الواقعة منه حال السكر لنفس فعله للمحرَّم الآخر وهو السكر، فإن ذلك مما لا يقول به عاقل، وإنما أسقطنا حكم المعصية لعدم مناط التكليف وهو العقل.
وبيان ذلك: أنَّه لو شرب الخمر ولم يزل عقله كان حكمه حكم الصاحي، فلم يكن فعله لمعصية الشرب هو المسقط.
(1)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 391).
ومن الأدلَّة الدالة على عدم الوقوع: ما في صحيح البخاري
(1)
وغيره أن حمزة سكر وقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه هو وعليٌّ: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟ في قصة مشهورة، فتركه صلى الله عليه وسلم وخرج ولم يلزمه حكم تلك الكلمة مع أنه لو قالها غير سكران لكان كفرًا كما قال ابن القيم.
وأجيب: بأنَّ الخمر كانت إذ ذاك مباحةً، والخلاف إنما هو بعد تحريمها.
وحكى الحافظ في الفتح
(2)
عن ابن بطال
(3)
أنه قال: الأصل في السكران العقل، والسكر شيء طرأ على عقله، فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو محمول على الأصل حتى يثبت فقدان عقله، اهـ.
والحاصل أن السكران الذي لا يعقل لا حكم لطلاقه لعدم المناط الذي تدور عليه الأحكام، وقد عين الشارع عقوبته فليس لنا أن نجاوزها برأينا ونقول: يقع طلاقه عقوبةً له فيجمع له بين غرمين.
لا يقال: إن ألفاظ الطلاق ليست من الأحكام التكليفية بل من الأحكام الوضعية، وأحكام الوضع لا يشترط فيها التكليف.
لأنا نقول: الأحكام الوضعية تقيد بالشروط كما تقيد الأحكام التكليفية.
وأيضًا السبب الوضعي هو طلاق العاقل لا مطلق الطلاق بالإتفاق، وإلا لزم وقوع طلاق المجنون.
قوله: (وقال عثمان
…
إلخ) علقه البخاري
(4)
ووصله ابن أبي شيبة
(5)
.
قوله: (وقال ابن عباس
…
إلخ) وصله ابن أبي شيبة
(6)
أيضًا وسعيد بن منصور
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4003) ومسلم رقم (2/ 1979).
(2)
الفتح (9/ 391).
(3)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 414).
(4)
في صحيحه (9/ 388 رقم الباب 11 - مع الفتح) معلقًا.
(5)
في المصنف (5/ 30).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 359).
وهو أثر صحيح.
وقد تقدم تحت رقم (22/ 2863) من كتابنا هذا.
(6)
في "المصنف"(5/ 48).
(7)
في السنن رقم (1143). =
وأثر عليّ وصله البغوي في الجَعْديات
(1)
وسعيد بن منصور
(2)
.
وقد ساق البخاري في صحيحه أثارًا عن جماعة من الصحابة والتابعين.
وأثر عمر بن الخطاب
(3)
في قصة الرجل الذي تدلى ليشتار عسلًا إسناده منقطع، لأن الراوي له عن عمر عبد الملك بن قدامة بن محمد بن إبراهيم بن حاطب الجمحي عن أبيه قدامة، وقدامة لم يدرك عمر.
وقد روي ما يعارضها، أخرج العقيلي
(4)
من حديث صفوان بن عمران الطائي: "أن امرأةً أخذت المدية ووضعتها على نحر زوجها، وقالت: إن لم تطلقني نحرتك بهذه، فطلقها، ثم استقال النبيَّ صلى الله عليه وسلم الطلاق، فقال صلى الله عليه وسلم: لا قيلولة في الطلاق". وقد تفرّد به صفوان وحمله بعضهم على من نوى الطلاق.
[الباب الخامس] باب ما جاءَ في طلاق العبد
24/ 2865 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أتى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ الله سَيِّدي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أنْ يُفَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَصَعَدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المِنْبَرَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النّاسُ، ما بالُ أَحَدِكُمْ يُزَوّجُ عَبْدَهُ أمَتَهُ، ثُمَّ يُرِيدُ أن يفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، إنَّمَا
= قلت: وأخرجه البيهقى في السنن الكبرى (7/ 358).
وهو أثر حسن.
وقد تقدم تحت رقم (22/ 2863) من كتابنا هذا.
(1)
في الجعديات (1/ 233 رقم 741 و 742 و 743).
(2)
في سننه رقم (1113).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 359).
وهو أثر صحيح.
تقدم تحت رقم (22/ 2863) من كتابنا هذا.
(3)
تقدم تخريجه والكلام عليه برقم (23/ 2864) من كتابنا هذا.
وهو أثر ضعيف.
(4)
أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 211 رقم الترجمة 745).
وهو حديث منكر.
وقد استنكره العقيلي والبخاري كما في "الميزان"(2/ 316).
الطّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بالسّاقِ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(1)
وَالدَّارَقُطْنِيُّ)
(2)
. [حسن لغيره]
25/ 2866 - (وَعَنْ عُمَرَ بْنِ مُعَتِّبٍ أن أبا حَسَنٍ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ أخْبَرَهُ أنّهُ اسْتَفْتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فِي مَمْلُوكٍ تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ فَطَلّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمّ عَتَقَا: هَلْ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَها؟ قَالَ: نَعَمْ، قَضَى بِذَلِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التّرْمِذِيَّ
(3)
. [ضعيف]
وَفِي رِوَايَةٍ: بَقِيَتْ [لَكَ]
(4)
وَاحِدَةٌ قَضَى بِهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
. [ضعيف]
وَقَالَ ابْنُ المبَارَكِ
(6)
وَمَعْمَرٌ: لَقَدْ تَحَمَّلَ أبُو حَسَنٍ هَذَا صَخْرَةً عَظِيمَةً.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
(7)
فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، فِي عَبْدٍ تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ فَطَلَّقَهَا
(1)
في سننه رقم (2081).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 140): "هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة".
(2)
في سننه (4/ 37 رقم 102) بسند ضعيف لضعف ابن لهيعة أيضًا.
قلت: وأخرج الدارقطني (4/ 37 رقم 101) بسند ضعيف لضعف كل من أحمد بن الفرج، وأبي الحجاج المهري واسمه رشدين بن سعد المصري.
• وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" رقم (11800) وفيه يحيى الحماني، قال عنه الحافظ في "التقريب" رقم (7591):"حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث".
وقال المحرران: بل ضعيف يعتبر به، ضعفه أحمد، والنسائي، وغير واحد ووثقه ابن معين. وليس له في مسلم سوى ذكر في حديث (713) كذلك لم يرقم عليه المزي برقم مسلم، وهو الصواب.
وله شاهد عند الدارقطني في سننه (4/ 37 رقم 103) من حديث عصمة بن مالك، وفي سنده الفضل بن مختار ضعيف جدًّا.
والخلاصة: أن الحديث بمجموع ذلك حسن، والله أعلم. الإرواء رقم (2041).
(3)
أحمد في المسند (1/ 229) وأبو داود رقم (2187) والنسائي رقم (3428) وابن ماجه رقم (2082).
إسناده ضعيف لجهالة عمر بن معتبٍ، فالحديث ضعيف، والله أعلم.
(4)
في المخطوط (ب): (له).
(5)
في سننه رقم (2188) وهو حديث ضعيف.
(6)
ذكره ابن قدامة في "المغنى"(10/ 536).
(7)
المغني (10/ 536).
تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ عَتَقَا، يَتَزَوَّجُها [وَيَكُونُ]
(1)
على وَاحِدَةٍ على حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ مُعَتبٍ.
وَقَالَ
(2)
فِي رِوَايَةِ أبي طالبٍ فِي هَذِهِ المَسأَلَةِ: يَتَزَوَّجُها وَلَا يُبَالِي فِي العِدَّةِ عِتْقًا أَوْ بَعْدَ العِدَّةِ.
قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ
(3)
، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
(4)
، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَقَتَادَةَ).
حديث ابن عباس أخرجه الطبراني
(5)
وابن عديّ
(6)
، وفي إسناد ابن ماجه (7): ابن لهيعة، وكلام الأئمة فيه معروف، وفي إسناد الطبراني يحيى الحماني وهو ضعيف
(7)
.
وفي إسناد ابن عديّ
(8)
والدارقطني
(9)
: عصمة بن مالك
(10)
، كذا قيل، وفي التقريب
(11)
أنه صحابي، وطرقه يقوّي بعضها بعضًا.
وقال ابن القيّم
(12)
: إن حديث ابن عباس وإن كان في إسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعليه عمل الناس، وأراد بقوله: القرآن يعضده، نحو قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}
(13)
، وقوله تعالى:{إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}
(14)
الآية.
(1)
في المخطوط (ب): (وتكون).
(2)
أي أحمد بن حنبل في المغني (10/ 536).
(3)
أخرج أثره عبد الرزاق في المصنف رقم (12965).
(4)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (12964) عن أبي الزبير أن جابرًا قال في الأمة والعبد: سيدُها يجمعُ بينهما ويُفرق.
(5)
في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11800) وقد تقدم.
(6)
في الكامل (6/ 14).
(7)
تقدم في الصفحة السابقة رقم التعليقة (1) و (2).
(8)
في "الكامل"(6/ 14) وقد تقدم.
(9)
في سننه (4/ 37 رقم 103).
(10)
قال الحافظ في "الإصابة"(4/ 416 رقم الترجمة 5568 ز): "عصمة بن مالك الخَطْمِي: نسبه أبو نُعيم، فقال: ابن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف.
له أحاديث أخرجها الدارقطني، والطبراني، وغيرهما؛ مدارها على الفضل بن مختار وهو ضعيف جدًّا". اهـ.
وانظر: أسد الغابة رقم الترجمة (3675) والاستيعاب رقم الترجمة (1831).
(11)
رقم الترجمة (4588).
(12)
في "زاد المعاد"(5/ 255).
(13)
سورة الأحزاب، الآية:(49).
(14)
سورة البقرة، الآية:(231).
وحديث عمر بن مُعَتِّب، أخرجه أيضًا النسائي
(1)
وابن ماجه
(2)
.
وقد ذكر أبو الحسن المذكور بخير وصلاح، ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، غير أن الراوي عنه عمر بن مُعتِّب
(3)
، وقد قال عليّ بن المديني: إنه منكر الحديث وسئل عنه أيضًا فقال: مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير. وقال النسائي
(4)
: ليس بالقوي. وقال الأمير أبو نصر: منكر الحديث. وقال الذهبي: لا يعرف. ومعتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد المثناة الفوقية وكسرها وبعدها باء موحدة.
وقد استدلَّ بحديث ابن عباسٍ
(5)
المذكور من قال: إن طلاق امرأة العبد لا يصحُّ إلا منه لا من سيِّده.
وروي عن ابن عباس
(6)
أنه يقع طلاق السيد على عبده.
والحديث المروي من طريقه حجةٌ عليه، وابن لهيعة ليس بساقط الحديث، فإنه إمام حافظ كبير، ولهذا أورده الذهبي في تذكرة الحفاظ
(7)
.
وقال أحمد بن حنبل: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟
(1)
في سننه رقم (3428) وقد تقدم.
(2)
في سننه رقم (2082) وقد تقدم.
وهو حديث ضعيف كما تقدم.
(3)
انظر لترجمته: "التاريخ الكبير"(6/ 192) والجرح والتعديل (6/ 132 - 133) والميزان (3/ 224) التقريب (2/ 63) والخلاصة (ص 286).
(4)
الضعفاء والمتروكين رقم الترجمة (488).
(5)
تقدم برقم (2865) من كتابنا هذا.
(6)
أخرجه عبد الرزاق رقم (12960) وقد تقدم.
(7)
تذكرة الحفاظ للذهبي (1/ 237 - 239 رقم 224/ 71/ 5).
وانظر ترجمته في: "المجروحين"(2/ 11) وميزان الاعتدال (2/ 475) والكاشف (2/ 109) وحسن المحاضرة (1/ 301) وسير أعلام النبلاء (8/ 11 - 32)"ومعجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم العلامة محمد ناصر الدين الألباني جرحًا وتعديلًا"(2/ 660 - 674).
وقال أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طَلَّابًا للعلم.
وقال يحيى بن القطان وجماعة: إنه ضعيف.
وقال ابن معين: ليس بذاك القويّ، وهذا جرح مجملٌ لا يقبل عند بعض أئمة الجرح والتعديل.
وقد قيل: إنَّ السبب في تضعيفه احتراق كتبه، وأنَّه بعد ذلك حدَّث من حفظه، فخلط، وأنَّ من حدَّث عنه قبل احتراق كتبه كابن المبارك وغيره حديثهم عنه قويّ، وبعضهم يصحِّحه، وهذا التفصيل هو الصواب.
وقال الذهبي: إنها تؤدي حديثه في المتابعات ولا يحتجّ به.
وأما يحيى الحمَّاني فقال في التذكرة
(1)
: وثقه يحيى بن معين؛ وقال ابن عدي: أرجو أنَّه لا بأس به، وقال [ابن]
(2)
حبان: يكذب جهارًا ويسرق الأحاديث.
واستُدلَّ أيضًا بحديثِ ابن عباسٍ
(3)
الثاني أيضًا أن العبد يملك من الطلاق ثلاثًا كما يملك الحرُّ.
وقال الشافعي
(4)
: إنه لا يملك من الطلاق إلا اثنتين، حرّةً كانت زوجته أو أمةً.
وقال أبو حنيفة
(5)
والناصر
(6)
: إنه لا يملك في الأمة إلا اثنتين لا في الحرة فكالحرّ.
واستدلوا بحديث ابن مسعودٍ: "الطلاق بالرجال والعدّة بالنساء" عند الدارقطني
(7)
والبيهقي
(8)
.
(1)
تذكرة الحفاظ للذهبي (1/ 423 رقم 428/ 10/ 8).
(2)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(3)
تقدم برقم (2866) من كتابنا هذا.
(4)
البيان للعمراني (10/ 74) وروضة الطالبين (8/ 71).
(5)
البناية في شرح الهداية (5/ 29 - 30).
وبدائع الصنائع (3/ 97).
(6)
البحر الزخار (3/ 172).
(7)
لم أقف عليه عند الدارقطني في سننه.
(8)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 370) وقال البيهقي: أشعث بن سوار غير قوي =
وأجيب بأنه موقوف [أيضًا]
(1)
. قالوا: أخرج الدارقطني
(2)
والبيهقي
(3)
أيضًا عن ابن عباس نحوه.
وأجيب بأنه موقوف [أيضًا]
(4)
.
وكذلك روى نحوه أحمد
(5)
من حديث عليّ وهو أيضًا موقوف.
قالوا: أخرج ابن ماجه
(6)
والدارقطني
(7)
والبيهقي
(8)
من حديث ابن عمر مرفوعًا: "طلاق الأمة اثنتان وعدّتها حيضتان".
وأجيب بأن في إسناده عمر بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان.
وقال الدارقطني
(9)
والبيهقي
(10)
: الصحيح أنه موقوف، قالوا في السنن
= (وقد قيل: عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن مسروق عن عبد الله وليس بمحفوظ".
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).
(2)
لم أقف عليه عند الدارقطني في سننه.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 370).
(4)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(5)
قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 428): "قال أحمد في العلل: نا محمد بن جعفر، نا همام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: أن عليًا قال: "للبت بالنساء". يعني الطلاق والعدة، قلت لهمام: ما يرويه أحد غيرك، قال: ما أشك فيه". اهـ.
(6)
في سننه رقم (2079).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 139): "هذا إسناد ضعيف، لضعف عطية بن سعيد العوفي، وعمر بن شبيب الكوفي". اهـ.
(7)
في سننه (4/ 38 رقم 104).
(8)
في السنن الكبرى (7/ 369).
قلت: وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(5/ 1691) والمزي في تهذيب الكمال (21/ 394) كلهم من طريق عمر بن شبيب عن عبد الله بن عيسى عن عطية العوفي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث. وهو حديث ضعيف.
وقال الدارقطني:
…
والصحيح عن ابن عمر ما رواه سالم ونافع عنه من قوله.
(9)
في سننه (4/ 38 رقم 107).
(10)
في السنن الكبرى (7/ 369) وفي "المعرفة"(5/ 509 رقم 4497 - العلمية).
قلت: وأخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 574 رقم 50).
وهو موقوف صحيح.
نحوه من حديث عائشة
(1)
.
وأجيب بأن في إسناده مظاهر بن أسلم
(2)
.
قال الترمذي
(3)
: حديث عائشة هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو قول سفيان الثوري
(4)
والشافعي
(5)
وإسحاق
(6)
، انتهى.
لا يقال: هذه الطرق تقوى على تخصيص عموم {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}
(7)
وغيرها من العمومات الشاملة للحرِّ والعبد؛ لأنَّا نقول: قد دلَّ على أن ذلك العموم مرادٌ غير مخرج منه العبد حديثُ ابن عباس المذكور
(8)
في الباب فهو معارضٌ لما دلَّ على أن طلاق العبد ثنتان.
[الباب السادس] باب من علق الطلاق قبل النكاح
26/ 2867 - [عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2189) والترمذي رقم (1182) وابن ماجه رقم (2080) وابن عدي في الكامل (6/ 2441 - 2442) والطبراني في الأوسط رقم (6749) والحاكم (2/ 205) وابن الجوزي في العلل رقم (107) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 370) كلهم من طرق عن مُظَاهِر بن أسلم عن القاسم عن عائشة مرفوعًا: "طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان".
قال الحاكم: مظاهر بن أسلم شيخ من أهل البصرة، لم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا بجرح، فإذن الحديث صحيح".
ووافقه الذهبي. مع أن الذهبي نقل تضعيفه عن جمع في ميزانه.
وقال أبو داود: هذا حديث مجهول.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(2)
الميزان (4/ 130 - 131 رقم 8602).
(3)
في السنن (3/ 488).
(4)
موسوعة فقه الإمام سفيان الثوري (ص 614).
(5)
البيان للعمراني (10/ 74) وروضة الطالبين (8/ 71).
(6)
المغني (10/ 533).
(7)
سورة البقرة، الآية:(229).
(8)
تقدم برقم (2866) من كتابنا هذا.
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا نَذْرَ لابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لا يَمْلِكُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أحْسَنُ شَىْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
وَقَالَ فِيهِ: "وَلَا وَفَاءَ نَذْرٍ إِلَّا فِيمَا يَمْلِكُ"، وَلابْنِ مَاجَهْ
(4)
مِنْهُ: "لَا طَلَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ"). [صحيح]
27/ 2868 - (وَعَنْ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلَا عِتْقَ قَبلَ مِلْكٍ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)
(5)
. [صحيح]
حديث عمرو بن شعيب أخرجه بقية أهل السنن
(6)
والبزار
(7)
والبيهقي
(8)
وقال: هو أصحّ شيء في هذا الباب وأشهر.
وحديث المسور حسنه الحافظ في التلخيص
(9)
ولكنه اختلف فيه على
(1)
في المسند (2/ 189، 190، 207).
(2)
في سننه (1181) وقال: هذا حديث حسن صحيح وهو أحسن شيء رُويَ في هذا الباب.
(3)
في سننه رقم (2190).
(4)
في سننه رقم (2047).
قلت: وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" رقم (743) والطحاوي في "مشكل الآثار"(1/ 280، 281) والبيهقي (7/ 318) والطيالسي رقم (1610 - منحة المعبود) والحاكم (2/ 304 - 305) والدارقطني (4/ 14 - 15) من طرق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مطولًا ومختصرًا.
• قلت: وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله، أخرجه الطيالسي في مسنده رقم (1682) والبيهقي (7/ 319) والحاكم (2/ 420).
والخلاصة: أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حديث صحيح.
(5)
في سننه رقم (2048).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 132): "هذا إسناد حسن
…
".
وهو حديث صحيح.
(6)
النسائي في سننه رقم (3792).
(7)
كما في "التلخيص"(3/ 426 - 427). ولم أجده في كشف الأستار.
(8)
في السنن الكبرى (7/ 318).
وقال البيهقي في "الخلافيات": قال البخاري: أصح شيء فيه وأشهره حديث عمرو بن شعيب،
…
" كما في "التلخيص" (3/ 427).
(9)
(3/ 427).
الزهري، فروي عنه عن عروة عن المسور. وروي عنه عن عروة عن عائشة
(1)
.
وفي الباب عن أبي بكر الصديق، وأبي هريرة، وأبي موسى الأشعري، وأبي سعيد الخدري، وعمران بن حصين، وغيرهم، ذكر ذلك البيهقي في الخلافيات
(2)
.
وفي الباب أيضًا عن جابر مرفوعًا بلفظ: "لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك"، أخرجه الحاكم في المستدرك
(3)
وصححه وقال: وأنا متعجب من الشيخين كيف أهملاه؟ وقد صحّ على شرطهما من حديث ابن عمر، وعائشة، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر، انتهى.
وحديث ابن عمر أخرجه أيضًا ابن عديّ
(4)
، ووثق إسناده الحافظ
(5)
. وقال ابن صاعد
(6)
: غريب لا أعرف له علة.
وحديث عائشة قال ابن أبي حاتم في العلل
(7)
عن أبيه: حديث منكر.
وحديث ابن عباس في إسناده عند الحاكم
(8)
من لا يعرف، وله طريق أخرى عند الدارقطني
(9)
وفي إسناده ضعيف.
(1)
حديث عائشة أخرجه البيهقي (7/ 321) وغيره من طريق هشام بن سعد، عن الزهري، عن عروة، عنها مرفوعًا.
وأعل هذا الحديث بما يلي:
1 -
إنه روي بهذا السند موقوفًا أيضًا أشار إلى ذلك البيهقي (7/ 321).
2 -
ورد من طريق هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولفظه: "لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل إملاك".
(2)
وكذلك ذكرها اللخمي الإشبيلي في "مختصر الخلافيات"(4/ 198).
(3)
في المستدرك (2/ 420) وقد تقدم.
(4)
في "الكامل"(5/ 1873) في ترجمة عاصم بن هلال البارقي.
(5)
في التلخيص" (3/ 425).
(6)
ذكره ابن عدي في "الكامل"(5/ 1873) والحافظ في التلخيص" (3/ 425).
(7)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 426).
(8)
في المستدرك (2/ 419) وفي إسناده من لا يعرف.
(9)
في سننه (4/ 16 رقم 48).
قال الآبادي في "التعليق المغني": "ذكره - أي الحديث - عبدُ الحق في "أحكامه" من جهة المصنف، وقال: إسناده ضعيف. قال ابن القطان: وعلته ضعف سليمان بن أبي =
وحديث معاذ أُعِلّ بالإرسال، وله طريق أخرى عند الدارقطني
(1)
وفيها انقطاع، وفي إسناده أيضًا يزيد بن عياض وهو متروك
(2)
.
وحديث جابر صحح الدارقطني
(3)
إرساله، وأعله ابن معين وغيره.
وفي الباب أيضًا عن عليّ عند البيهقي
(4)
وغيره
(5)
، ومداره على جويبر وهو متروك.
ورواه ابن الجوزي
(6)
من طريق أخرى عنه، وفيها عبد الله بن زياد سمعان وهو متروك.
وله طريق أخرى في الطبراني
(7)
.
= سليمان، فإنه شيخ ضعيف الحديث، قاله أبو حاتم الرازي، وقال صاحب "التنقيح": هذا حديث لا يصح، فإن سليمان بنَ داود اليمامي متفق على ضعفه. قال ابنُ معين: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه". اهـ.
كذا ذكره الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 232).
(1)
في سننه (4/ 17 رقم 49) وقال: يزيد بن عياض ضعيف.
قلت: وأخرجه الدارقطني (4/ 14 رقم 40) والحاكم (3/ 419) والبيهقي (7/ 320) من طريق ابن جريج مثله، بلفظ:"لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك"، ورجاله ثقات إلا أنه منقطع بين طاوس ومعاذ، قاله الحافظ في "الفتح"(9/ 384).
(2)
انظر ترجمته في: "الميزان"(4/ 437) والمجروحين (3/ 158) والكامل (7/ 2717) والجرح والتعديل (9/ 282) والكُنى للدولابي (1/ 152).
(3)
كما في "التلخيص"(3/ 426).
(4)
في السنن الكبرى (7/ 329).
(5)
كابن ماجه في سننه رقم (2049).
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 132): "هذا إسناد ضعيف لاتفاقهم على ضعف جويبر بن سعيد البجلي، لكن لم ينفرد به جويبر، فقد رواه البيهقي في الكبرى من طريق معاذ العنبري عن حميد الطويل عن الحسن عن علي به.
ثم رواه من طريق سعيد عن جويبر به موقوفًا من الطريقين معًا". اهـ.
والخلاصة: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(6)
في "العلل المتناهية"(2/ 151 رقم 1560) وقال: هذا حديث لا يصح، وعبد الله بن زياد هو ابن سمعان، قال يحيى: كان كذابًا. قال الدارقطني: هو متروك الحديث. قال: وإنما رواه ابن المنكدر مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب.
(7)
في المعجم الأوسط رقم (290) من حديث علي.
وقال ابن معين: لا يصحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق قبل نكاح"، وأصحّ شيء فيه حديث ابن المنكدر عمن سمع طاوسًا عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا
(1)
.
وقال ابن عبد البرّ في "الاستذكار"
(2)
: روي من وجوه إلا أنَّها عند أهل العلم بالحديث معلولة، انتهى.
ولا يخفى عليك أن مثل هذه الروايات التي سقناها في الباب من طريق أولئك الجماعة من الصحابة مما لا يشك منصف أنها صالحة بمجموعها للاحتجاج، وقد وقع الإجماع على أنه لا يقع الطلاق الناجز على الأجنبية.
وأما التعليق نحو أن يقول: إن تزوّجت فلانة فهي طالق؛ فذهب جمهور الصحابة والتابعين
(3)
ومن بعدهم إلى أنه لا يقع.
وحكي عن أبي حنيفة
(4)
وأصحابه والمؤيد بالله في أحد قوليه
(5)
: أنه يصحّ التعليق مطلقًا.
وذهب مالك
(6)
في المشهور عنه وربيعة والثوري
(7)
والليث (8) والأوزاعي (8) وابن أبي ليلى
(8)
إلى التفصيل وهو: أنه إن جاء بحاصر نحو أن يقول: كل امرأة
(1)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11452).
(2)
الاستذكار (18/ 122 رقم 27143).
(3)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(18/ 125) رقم (27161): "قال أبو عمر: أما الأحاديث عن الصحابة، والتابعين القائلين بأنه لا يقعُ الطلاق قبلَ النكاح، وكلها ثابتة صحاح من كتاب عبد الرزاق، وكتاب ابن أبي شيبة، وكتاب سعيد بن منصور، وغيرها من الكتب، ولولا كراهةُ التطويل لذكرناها". اهـ.
(4)
البناية في شرح الهداية (5/ 169 - 170).
(5)
البحر الزخار (3/ 192).
(6)
التهذيب في اختصار المدونة (2/ 354 - 355).
(7)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(18/ 121 رقم 27138): "وكذلك اختلف عن الثوري؛ فروي عنه مثلُ قول أبي حنيفة. وروي عنه مثل قول الحسن بن صالح، ومالك، وهذا قول ثانٍ". اهـ.
(8)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(18/ 119 - 120 رقم 27125): "وقال ابن أبي ليلى، والحسن بن صالح بن حيّ، وإبراهيم النخعي، والشعبي والليث بن سعد، والأوزاعي في هذا الباب مثل قول مالك". اهـ.
وانظر: "المحلى"(10/ 206).
أتزوّجها من بني فلان أو بلد كذا فهي طالق صحّ الطلاق ووقع، وإن عمم لم يقع شيء، وهذا التفصيل لا وجه له إلا مجرّد الاستحسان كما أنه لا وجه للقول بإطلاق الصحة.
والحقّ أنه لا يصحّ الطلاق قبل النكاح مطلقًا للأحاديث المذكورة في الباب.
وكذلك العتق قبل الملك والنذر بغير الملك.
[الباب السابع] بابُ الطلاقِ بالكناياتِ إِذَا نَوَاهُ بِهَا وغَيْرِ ذلكَ
28/ 2869 - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَيَّرَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدَّهَا شَيْئًا. رَوَاهُ الْجَمَاعَة
(1)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: لَمّا أُمِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بتَخْييرِ أَزْوَاجِهِ بَدأ بِي، فَقَالَ:"إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أنْ لَا تَعْجَلِي حتَّى تَسْتَأْمِرِي أبَوَيْكِ"، قَالَتْ: وَقَدْ علم أنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الله عز وجل قَالَ لي: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}
(2)
الآية {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ}
(3)
" الآيَةَ، قالت: فَقُلْتُ: فِي هَذَا أسْتَأمِرُ أبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أرِيد الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَتْ: ثم فَعَلَ أزْوَاجُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أبا دَاودَ)
(4)
. [صحيح]
قوله: (خيرنا) في لفظ لمُسلم
(5)
: "خير نساءه".
(1)
أحمد في المسند (6/ 45) والبخاري رقم (5262) ومسلم رقم (28/ 1477) وأبو داود رقم (2203) والترمذي رقم (1179) والنسائي رقم (3203) وابن ماجه رقم (2052).
وهو حديث صحيح.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:(28).
(3)
سورة الأحزاب، الآية:(29).
(4)
أحمد في المسند (6/ 77، 152) والبخاري رقم (4786) ومسلم رقم (22/ 1478) والترمذي رقم (3204) والنسائي رقم (3201) وابن ماجه رقم (2053).
وهو حديث صحيح.
(5)
في صحيحه رقم (24/ 1477).
قوله: (فلم يَعُدَّها شيئًا) بتشديد الدال المهملة، وضم العين من العدد.
وفي رواية
(1)
: "فلم يعدد" بفك الإدغام.
وفي أخرى: "فلم يعتدّ" بسكون العين وفتح المثناة وتشديد الدال من الاعتداد.
وفي رواية لمسلم
(2)
: "فلم يعده طلاقًا"، وفي رواية للبخاري
(3)
: "أفكان طلاقًا؟ " على طريقة الاستفهام الإنكاري.
وفي رواية لأحمد
(4)
: "فهل كان طلاقًا؟ "، وكذا للنسائي
(5)
.
وقد استدل بهذا من قال: إنه لا يقع بالتخيير شيء إذا اختارت الزوج، وبه قال جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار
(6)
، ولكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها: هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنة أو يقع ثلاثًا؟ فحكى الترمذي
(7)
عن علي
(8)
أنها إن اختارت نفسها فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية.
وعن زيد بن ثابت
(9)
: إن اختارت نفسها فثلاث، وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة.
(1)
لمسلم في صحيحه رقم (28/ 1477).
(2)
في صحيحه رقم (27/ 1477).
(3)
في صحيحه رقم (5263).
(4)
في المسند (6/ 97).
(5)
في سننه رقم (3202).
(6)
المغني لابن قدامة (10/ 281).
(7)
في سننه (3/ 483 - 484).
(8)
أخرج البيهقي في "المعرفة"(11/ 55 رقم 14753): "وروي عن أبي جعفر أنه سئل عن التخيير؟ فقال مثل ما روينا عن عمر وابن مسعود. فقيل له: إن ناسًا يروون عن علي أنه قال: إن اختارت زوجها فتطليقة وزوجها أحق برجعتها، وإن اختارت نفسها فتطليقة بائنة وهي أملك بنفسها. قال: هذا وجدوه في الصحف".
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 346) وابن أبي شيبة مختصرًا (5/ 59).
(9)
قال علي: وأرسل - يعني عمر - إلى زيد بن ثابت فخالفني وإياه، فقال زيد: إنها إن اختارت نفسها فثلاث، وإن اختارت زوجها فواحدة وهو أحق بها.
"معرفة السنن والآثار"(11/ 55 رقم 14751) والمصنف لابن أبي شيبة (5/ 60).
وعن عمر (1) وابن مسعود
(1)
: إن اختارت نفسها فواحدة بائنة، وعنهما: رجعية، وإن اختارت زوجها فلا شيء.
ويؤيد قول الجمهور
(2)
من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين، فلو كان اختيارها لزوجها طلاقًا لا تحدا، فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق، واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة.
وقد أخرج ابن أبي شيبة
(3)
من طريق زاذان قال: "كنا جلوسًا عند عليّ فسئل عن الخيار فقال: سألني عنه عمر فقلت: [إن اختارت نفسها فواحدة رجعية، قال: ليس كما قلت]
(4)
، إن اختارت نفسها فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية، قال: ليس كما قلت إن اختارت زوجها فلا شيء، قال: فلم أجد بدًا من متابعته، فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف.
قال عليّ: وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت، قال: فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي
(5)
.
وأخرج ابن أبي شيبة
(6)
من طريق علي نظير ما حكاه زاذان من اختياره، وأخذ مالك
(7)
بقول زيد بن ثابت.
واحتجَّ بعض أتباعه؛ لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثًا بأنَّ معنى الخيار بتُّ أحد الأمرين: إمَّا الأخذ أو الترك، فلو قلنا: إذا اختارت نفسها يكون طلقةً رجعية لم يعمل - بمقتضى اللفظ؛ لأنها تكون بعد في أسر الزوج، وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما.
(1)
وفي جامع الثوري، عن حماد، عن إبراهيم أن عمر وابن مسعود كانا يقولون: إذا خيّرها؛ فاختارت نفسها؛ فهي واحدة؛ وهو أحقُّ بها، وإن اختارت زوجها فلا شيء عليه.
"معرفة السنن والآثار"(11/ 54 رقم 14749) وابن أبي شيبة في المصنف (5/ 58، 59) والمغنى (10/ 382).
(2)
المغني (1/ 3830).
(3)
في المصنف (5/ 59 - 60).
(4)
ما بين الخاصرتين قد ضرب عليه في المخطوط (ب).
(5)
في سننه (3/ 484).
(6)
في "المصنف"(5/ 60).
(7)
عيون المجالس (3/ 1232 رقم 859) والمدونة (2/ 272).
وأخذ أبو حنيفة
(1)
بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة.
وقال الشافعي
(2)
: التخيير كناية، فإذا خير الزوج امرأته - وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمرَّ في عصمته - فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طُلِّقت، فلو قالت: لم أرد باختيار نفسي الطلاق، صُدِّقَتْ.
وقال الخطابي
(3)
: يؤخذ من قول عائشة: "فاخترناه" فلم يكن ذلك طلاقًا: أنَّها لو اختارت نفسها لكانَ ذلك طلاقًا.
ووافقه القرطبي في "المفهم"
(4)
فقال في الحديث: إنَّ المخيرة إذا اختارت نفسها، أن نفس الاختيار يكون طلاقًا من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدلُّ على الطلاق، قال: وهو مقتبسٌ من مفهوم قول عائشة المذكور.
قال الحافظ
(5)
: لكن الظاهر من الآية أن ذلك بمجرَّده لا يكون طلاقًا، بل لا بد من إنشاء الزوج الطلاق لأنَّ فيها:{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ}
(6)
، أي: بعد الاختيار، ودلالة المنطوق مقدَّمةٌ على دلالة المفهوم.
واختلفوا في التخيير: هل هو بمعنى التمليك أو بمعنى التوكيل؟ وللشافعي
(7)
فيه قولان: المصحح عند أصحابه أنَّه تمليك، وهو قول المالكية
(8)
بشرط المبادرة منها حتى لو تراخت بمقدار ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع، وفي وجه: لا يضرّ التأخير ما دام المجلس، وبه جزم ابن القاصِّ
(9)
وهو الذي رجحته المالكية
(10)
والحنفية
(11)
والهادوية
(12)
وهو قول الثوري والليث والأوزاعي
(13)
.
(1)
الاختيار (3/ 178 - 179) والبناية في شرح الهداية (5/ 124) وبدائع الصنائع (3/ 119).
(2)
الأم (6/ 362).
(3)
في "معالم السنن"(2/ 653 - 654).
(4)
المفهم (4/ 258).
(5)
في "الفتح"(9/ 369).
(6)
سورة الأحزاب، الآية:(28).
(7)
البيان للعمراني (10/ 83) وروضة الطالبين (8/ 48).
(8)
انظر: "عيون المجالس"(3/ 1231) ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي (2/ 422 رقم 926).
(9)
ذكره العمراني في "البيان"(10/ 82).
(10)
عيون المجالس (3/ 1231).
(11)
بدائع الصنائع (3/ 115) والبناية في شرح الهداية (5/ 122 - 123).
وشرح فتح القدير (4/ 70 - 71).
(12)
البحر الزخار (3/ 163).
(13)
المغني (10/ 381) والفتح (9/ 369).
وقال ابن المنذر
(1)
: الراجح أنه لا يشترط فيه الفور بل متى طلقت نفذ، وهو قول الحسن والزهري، وبه قال أبو عبيد ومحمد بن نصر من الشافعية والطحاوي
(2)
من الحنفية.
واحتجوا بما في حديث الباب
(3)
من قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك"، وذلك يقتضي عدم اشتراط الفور في جواب التخيير.
قال الحافظ
(4)
: ويمكن أن يقال: يشترط الفور إلا أن يقع التصريح من الزوج بالفسحة لأمر يقتضي ذلك فيتراخى كما وقع في قصة عائشة ولا يلزم من ذلك أن يكون كل خيار كذلك.
29/ 2870 - (وَعَنْ عَائِشَةَ: أن ابْنَةَ الجَوْنِ لَمّا أُدْخِلَتْ على رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِالله مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا:"لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمِ، اِلْحِقِي بأهْلِكِ"، رَوَاهُ البُخَارِيُّ
(5)
وَابْنُ مَاجَهْ
(6)
وَالنّسائيُّ
(7)
وَقَالَ: الكِلابِيَّةَ بَدَلَ ابْنَةِ الجَوْنِ. [صحيح]
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ يَرَى لَفْظَةَ الْخِيَار: والْحِقِي بِأهْلِكِ، وَاحِدَةً لا ثَلَاثًا، لِأَنَّ جَمْعَ الثّلاثِ يُكْرَهُ، فالظَّاهِرُ أنّهُ عليه السلام لا يَفْعَلُهُ).
30/ 2871 - (وَفِي حَدِيثِ تَخَلُّفِ كَعْبِ بْنِ مالك قَالَ: لَمّا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، وَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأتِينِي، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ الله يأمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُها أمْ مَاذَا أفْعَلُ؟ قَالَ: بَلِ اعْتَزِلْهَا فَلَا تَقَرَبَنّها، قَالَ: فَقُلْتُ لامْرَأَتي: اِلْحِقِي بِأَهْلِكِ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ)
(8)
. [صحيح]
(1)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 369).
(2)
"مختصر اختلاف العلماء" له (2/ 423).
(3)
تقدم برقم (2869) من كتابنا هذا.
(4)
في "الفتح"(9/ 369).
(5)
في صحيحه رقم (5254).
(6)
في سننه رقم (2050).
(7)
في سننه رقم (3417). وهو حديث صحيح.
(8)
أحمد في المسند (3/ 458) والبخاري رقم (4418) ومسلم رقم (53/ 2769).
وهو حديث صحيح.
31/ 2872 - (وَيُذْكَرُ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأشَارَ بِأَصَابِعِهِ ما رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا" يَعْنِي ثَلاثِينَ، ثُم قَالَ: "وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا" يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ، يَقُولُ: مَرةً ثَلاثِينَ، وَمَرةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ)
(1)
. [صحيح]
32/ 2873 - (وَيُذْكَرُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ قَالَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا: أنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ، مَا رُوِي [عَنْ]
(2)
حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ الله وَشَاءَ فُلَانٌ، وَقُولُوا: مَا شَاء اللهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(3)
وَأَبُو دَاوُدَ
(4)
، وَلابْنِ مَاجَهْ
(5)
مَعْنَاهُ). [صحيح]
33/ 2874 - (وَعَنْ قُتَيْلَةَ بِنْتِ صَيْفِيّ قَالَتْ: أتى حَبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ نِعْمَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ لَوْلا أنّكُمْ تَجْعَلُونَ لله نِدًّا، قَالَ: "سُبْحَانَ الله وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالَ: تَقُولُونَ: ما شَاءَ الله وَشِئْتَ، قَالَ: فَأمْهَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهُ قَدْ قَالَ: فَمَنْ قَالَ: مَا شَاءَ الله، فَلْيَفْصِلْ بَيْنَهُما: ثُمَّ شِئْتَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ)
(6)
. [صحيح]
(1)
أحمد في المسند (2/ 44، 81) والبخاري رقم (5302) ومسلم رقم (15/ 1080).
وهو حديث صحيح.
(2)
زيادة من المخطوط (ب).
(3)
في المسند (5/ 384).
(4)
في سننه رقم (4980).
(5)
في سننه رقم (2118).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 151): "هذا إسناد رجاله ثقات على شرط البخاري، لكنه منقطع بين سفيان وبين عبد الملك بن عمير".
وهو حديث صحيح.
(6)
في المسند (6/ 371 - 372).
قلت: وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(8/ 309) والطبراني في المعجم الكبير (ج 25 رقم 5 و 6) والحاكم (4/ 297).
من طرق عن المسعودي، عن معبد بن خالد، عن عبد الله بن يسار، عنها، به.
وصحح الحاكم إسناده ووافقه الذهبي.
وأخرجه النسائي رقم (3773) وفي عمل اليوم والليلة رقم (986) والطبراني في المعجم =
34/ 2875 - (وَعَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ: أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"بِئْسَ الْخَطِيبُ أنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَمُسْلِمٌ
(2)
وَالنّسَائِيُّ)
(3)
. [صحيح]
35/ 2876 - (وَيُذْكَرُ فِيمَنْ طَلّقَ بِقَلْبِهِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله تَجَاوَزَ لِأمّتِي عَمّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلّمْ بِهِ"، مُتّفَقٌ عَلَيْهِ)
(4)
. [صحيح]
حديث حذيفة أخرجه أيضًا
(5)
النسائي وابن أبي شيبة
(6)
والطبراني
(7)
والبيهقي
(8)
، وقد ساقه الحازمي في "الاعتبار"
(9)
بإسناده، وذكر فيه قصة وهي:"أن رجلًا من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلًا من أهل الكتاب فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون، قال: تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فذكر ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: والله إن كنت لأعرفها لكم، قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد".
وأخرج
(10)
أيضًا بإسناده إلى الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها "أنه قال: رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود فقلت: من
= الكبير (ج 25 رقم 7) من طريق مسعر بن كِدام، عن معبد بن خالد، به.
وهو حديث صحيح.
(1)
في المسند (4/ 256).
(2)
في صحيحه رقم (48/ 870).
(3)
في سننه رقم (3279).
(4)
أحمد في المسند (2/ 393) والبخاري رقم (5269) ومسلم رقم (202/ 127).
(5)
في "عمل اليوم والليلة" رقم (984).
(6)
في المصنف (9/ 117).
(7)
في المعجم الكبير (ج 8 رقم 8214).
(8)
في السنن الكبرى (3/ 216).
(9)
في "الاعتبار"(ص 548) وسكت عنه الحازمي.
وأخرجه ابن ماجه برقم (2118) بسنده ومتنه، وهو حديث صحيح من حديث حذيفة.
(10)
في "الاعتبار"(ص 547) وسكت عنه الحازمي.
وأخرجه ابن ماجه رقم (2118) وهو حديث صحيح من حديث الطفيل بن سخبرة، وقد تقدم من حديث حذيفة.
أنتم؟ [فقالوا]
(1)
: نحن اليهود، فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله؛ قالوا: وأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم أتيت على رهط من النصارى فقلت: من أنتم؟ فقالوا: نحن النصارى، فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، فقالوا: وأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد؛ فلما أصبح أخبر بها من أخبر، ثم أخبر بها النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: هل أخبرت بها أحدًا؟ قال: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن طفيلًا رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم، وإنكم لتقولون الكلمة يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد".
وأخرج
(2)
أيضًا بإسناده المتصل بابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حلفَ أحدُكم فلا [يقول]
(3)
: ما شاءَ اللهُ وشئتَ، ولكنْ لِيَقُلْ: ما شاءَ اللهُ ثُمَّ شِئْتَ".
وأخرج
(4)
أيضًا بإسناده إلى عائشة أنها قالت: "قالت اليهود: نعم القوم قوم محمد لولا أنهم يقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده.
قوله: (إنَّ ابنة الجون) قيل: هي الكلابية. واختلف في اسمها، فقال ابن سعد: اسمها فاطمة بنت الضَّحاك بن سفيان. وروي عن الكلبيِّ: أنَّها غالية بنت ظبيان بن عمرو.
وحكى ابن سعد (5) أيضًا أن اسمها: عمرة بنت يزيد بن عبيد، وقيل: بنت يزيد بن الجون.
وأشار ابن سعد
(5)
أيضًا إلى أنها واحدةٌ اختلف في اسمها.
(1)
في المخطوط (ب): (قالوا).
(2)
أي الحازمي في الاعتبار (ص 546)، وسكت عنه الحازمي.
وقد أخرجه ابن ماجه في سننه رقم (2117) بسنده ومتنه.
وهو حديث حسن والله أعلم.
(3)
كذا في (أ) و (ب) والصواب: (يَقُل) كما في "الاعتبار" وسنن ابن ماجه.
(4)
أي الحازمي في "الاعتبار"(ص 548) وسكت عنه الحازمي.
من حديث عائشة وإسناده صحيح.
(5)
الطبقات الكبرى (8/ 141).
وانظر: الإصابة (8/ 272) رقم (11600).
قال الحافظ
(1)
: والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية واسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل، وذكر ابن سعد
(2)
أنها لم تستعذ منه امرأة غيرها.
قال ابن عبد البرّ
(3)
: أجمعوا على أن التي تزوَّجها هي الجونية.
واختلفوا في سبب فراقه لها، فقال قتادة: لما دخل عليها دعاها، فقالت: تعال أنت، فطلقها.
وقيل: كان بها وضح. وزعم بعضهم أنها قالت: أعوذ بالله منك، فقال: قد عذت بمعاذ وقد أعاذك الله مني فطلقها، قال: وهذا باطل، إنما قال له هذا امرأة من بني العنبر وكانت جميلة، فخاف نساؤه أن تغلبهنّ عليه، فقلن لها: إنه يعجبه أن يقال له: نعوذ بالله منك، ففعلت فطلقها.
قال الحافظ
(4)
: وما أدري لم حكم ببطلان ذلك مع كثرة الروايات الواردة فيه وثبوته في حديث عائشة في صحيح البخاري
(5)
.
قوله: (الحقي بأهلك) بكسر الهمزة من إلْحَقِي وفتح الحاء، وفيه دليل على أن من قالَ لامرأته: إلحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت، فإن لم يرد الطلاق لم تطلق كما وقع في حديث تخلف كعب
(6)
المذكور، فيكون هذا اللفظ من كنايات الطلاق
(7)
لأنَّ التصريح لا يفتقر إلى النية على ما ذهب إليه الشافعية
(8)
والحنفية
(9)
وأكثر العترة
(10)
، وذهب الباقر والصادق والناصر
(11)
ومالك
(12)
إلى أنه يفتقر إلى نية.
(1)
في "الفتح"(9/ 357).
(2)
في "الطبقات الكبرى"(8/ 143) وقال أن اسمها (أسماء بنت النعمان بن أبي الجون بن الأسود بن الحارث بن شراحيل بن الجون بن آكل المرار الكندي
…
).
(3)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 357).
(4)
في "الفتح"(9/ 357).
(5)
في صحيحه رقم (5254) و (5255) من حديث عائشة.
(6)
تقدم برقم (2871) من كتابنا هذا.
(7)
البيان للعمراني (10/ 88). وانظر: (10/ 92 - 93).
والأم (6/ 653 - 655) والمغني (10/ 367 - 368).
(8)
البيان للعمراني (10/ 88 - 89).
(9)
البناية في شرح الهداية (5/ 104 - 105).
(10)
البحر الزخار (3/ 155).
(11)
البحر الزخار (3/ 155).
(12)
عيون المجالس (3/ 1220 - 1221).
وحديث ابن عمر في إخباره صلى الله عليه وسلم بعدد الشهر قد تقدم في باب ما جاء في يوم الغيم والشكّ من كتاب الصيام
(1)
، وتقدم شرحه هنالك.
وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على صحة العدد بالإشارة بالأصابع واعتباره من دون تلفظ باللسان، فإذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق هكذا وأشار بثلاث من أصابعه كان ذلك ثلاثًا عند من يقول: إن الطلاق يتبع الطلاق.
وأورد حديث حذيفة
(2)
وحديث قتيلة
(3)
للاستدلال بهما على أن من قال لزوجته التي لم يدخل بها: أنت طالق وطالق، كان كالطلقة الواحدة لأن المحلّ لا يقبل غيرها فتكون الثانية لغوًا، بخلاف ما لو قال: أنت طالق ثم طالق، وقعت عليها الطلقة الأولى في الحال، ووقعت عليها الثانية بعد أن تصير قابلة لها، وذلك لأن الواو لمطلق الجمع فكأنه إذا جاء بها موقع لمجموع الطلاقين عليها في حالة واحدة، بخلاف "ثم" فإنها للترتيب مع تراخ، فيصير الزوج في حكم الموقع لطلاق بعده طلاق متراخ عنه.
ولهذا قال الشافعي
(4)
في سبب نهيه صلى الله عليه وسلم عن قول الرجل: ما شاء الله وشئتُ، وإذنه له بأن يقول: ما شاء الله ثم شاء فلان: أن المشيئة إرادة الله تعالى.
قال الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}
(5)
قال: فأعلم الله خلقه أن المشيئة له دون خلقه، وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء الله، فيقال لرسوله: ما شاء الله ثم شئتَ، ولا يقال: ما شاء الله وشئت، انتهى.
ولكنه يعارض هذا الاستنباط حديث عديّ بن حاتم الذي ذكره المصنِّف في
(1)
في الكتاب الخاص كتاب الصيام، الباب الثاني: باب ما جاء في يوم الغيم والشك، عند الحديث رقم (6/ 1630) من كتابنا هذا.
(2)
تقدم برقم (2873) من كتابنا هذا.
(3)
تقدم برقم (2874) من كتابنا هذا.
(4)
في "الأم"(2/ 415 - 416). وقد أوردته في هذا الكتاب (6/ 370 رقم التعليقة 3).
وانظر: "منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني" في العقيدة تأليف: محمد إسحاق كندو (2/ 1077 - 1080) المسألة السابعة: قول: "ما شاء الله وشئت" ونحوه.
(5)
سورة الإنسان، الآية:(30).
الرَّجل الذي خطب بحضرته صلى الله عليه وسلم فإنه أنكر عليه الجمع بين الضميرين وأرشده إلى أن يقول: (ومن يعص الله ورسوله)، فدلَّ على أن توسيط الواو بين الله ورسوله، له حكم غير حكم قوله:"ومن يعصهما"، ولو كانت الواو لمطلق الجمع لم يكن بين العبارتين فرق.
وقد قدَّمنا الكلام على علة هذا النهي عند الكلام على حديث ابن مسعود في باب اشتمال الخطبة على حمد الله [من أبواب الجمعة
(1)
]
(2)
، هذا ما ظهر في بيان وجه استدلال المصنِّف بحديثي المشيئة وحديث الخطبة.
ويمكن أن يكون مراد المصنِّف بإيراد الأحاديث المذكورة مجرَّد التنظير لا الاستدلال، وقد قدمنا: أن الطلاق المتعدِّد سواءٌ كان بلفظٍ واحدٍ، أو ألفاظٍ من غير فرق بين أن يكون العطف بثم أو بالواو أو بغيرهما يكون طلقةً واحدةً، سواءٌ كانت الزوجةُ مدخولة أو غير مدخولة.
وأورد حديث أبي هريرة للاستدلال به على أن من طلق زوجته بقلبه ولم يلفظ بلسانه لم يكن لذلك حكم الطلاق.
لأنَّ خطرات القلب مغفورةٌ للعباد إذا كانت فيما فيه ذنب، فكذلك لا يلزم حكمًا في الأمور المباحة، فلا يكون حكم خطور الطلاق بالقلب أو إرادته حكم التلفظ به، وهكذا سائر الإنشاءات.
قال الترمذي
(3)
بعد إخراج هذا الحديث ما لفظه: والعمل على هذا عند أهل العلم، أن الرجل إذا حدَّث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به، انتهى.
وحكى في البحر
(4)
عن عكرمة أنه يقع بمجرد النية.
* * *
(1)
الباب العاشر عند الحديث رقم (58/ 1236) من كتابنا هذا.
(2)
في المخطوط (ب): (من باب أبواب الجمعة).
(3)
في السنن (3/ 489).
(4)
البحر الزخار (2/ 155).
[الكتاب الثلاثون] كتاب الخُلْعِ
(1)
1/ 2877 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جاءَتِ امْرَأَةُ ثابتِ بْنِ قَيْسٍ بن شَمّاسٍ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يا رَسُولَ الله إني ما أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَترُدّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ "، قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اقْبَل الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً"، رَوَاهُ الْبُخارِيُّ
(2)
وَالنّسائي)
(3)
. [صحيح]
2/ 2878 - (وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أن جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُول أتَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: وَالله مَا أعْتِب على ثابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، لا أُطِيقُهُ بغضًا، فَقَالَ لَهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"أَتَردّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ "، قَالَتْ: نَعَمْ، فأمَرَهُ [رَسُولُ الله]
(4)
صلى الله عليه وسلم أنْ يَأخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ وَلَا يَزْدَادَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)
(5)
. [صحيح]
3/ 2879 - (وَعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوّذٍ: أن ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَكَسَرَ يَدَهَا وَهِيَ جَمِيَلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ، فَأتى أَخُوهَا يَشْتَكِيهِ إلى
(1)
الخُلْع: لغة: النزع، وهو استعارة من خلع اللباس.
وشرعًا: فرقة المرأة بعوض يرجع إلى الزوج بلفظ المفاداة أو الخلع أو الطلاق، وشُرع لدفعِ الضررِ عن الزوج بردِّ بعض ما أنفق عليها من المهر، ودفعِ الضرر عن الزوجة، لأنه قد يشق عليها البقاء مع من تكره المقام معه، ودليله من الكتاب والسنة على ما يأتي.
وانظر: النهاية (1/ 520 - 521) والقاموس المحيط (921) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 703).
(2)
في صحيحه رقم (5273).
(3)
في سننه رقم (3463).
وهو حديث صحيح.
(4)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(5)
في سننه رقم (2056) وهو حديث صحيح.
رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى ثَابِتٍ، فَقَالَ لَهُ:"خُذِ الَّذِي لَهَا عَلَيْكَ وَخَلّ سَبِيلَهَا؟ "، قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ تتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَتَلْحَقَ بِأهْلِهَا. رَوَاهُ النّسائيُّ)
(1)
. [صحيح]
4/ 2880 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا، فأمَرَهَا النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(2)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(3)
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيب). [صحيح]
5/ 2881 - (وَعَنِ الربَيعِ بِنْتِ مُعَوّذٍ: أنَّهَا اخْتَلَعَتْ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأمَرَها النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أوْ أُمِرَتْ أنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(4)
وَقَالَ: حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ الصَّحِيحِ أنَّهَا أُمِرَتْ أنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ). [صحيح]
6/ 2882 - (وَعَنْ أبي الزُّبَيْرِ: أن ثابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ كانَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُول، وَكَانَ أصْدَقَها حَدِيقَةً، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"أترُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أعْطَاكِ؟ "، قَالَتْ: نَعَمْ وَزِيَادَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَمّا الزّيَادَةُ فَلَا وَلَكِنْ حَدِيقَتَهُ؟ "، قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخَذَهَا لَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهَا؛ فَلَما بَلَغَ ذَلِكَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ قَضَاءَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي
(5)
بإسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ: سَمِعَهُ أَبُو الزّبَيْرِ مِنْ غَيْر وَاحِدٍ). [إسناده صحيح]
(1)
في سننه رقم (3497) وهو حديث صحيح.
(2)
في سننه رقم (2229).
قال أبو داود: وهذا الحديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
(3)
في سننه رقم (1185 م).
قال المنذري: وأخرجه الترمذي مسندًا.
وقال: هذا حديث حسن غريب.
والخلاصة أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(4)
في سننه رقم (1185) وهو حديث صحيح.
(5)
في سننه (3/ 255 رقم 39).
قلت: والحديث أخرجه البيهقي (7/ 314).
وقال الحافظ: سنده قوي مع إرساله وحجاج فيه: حجاج بن محمد، لا حجاج بن أرطأة.
حديث ابن عباس الثاني رواه ابن ماجه
(1)
من طريق أزْهَر بنُ مَرْوان، وهو صدوقٌ مستقيم الحديث، وبقية إسناده من رجال الصحيح.
وقد أخرجه النسائي
(2)
وأخرجه أيضًا البيهقي
(3)
.
وحديث الربيع بنت معوّذ الأول إسناده في سنن النسائي
(4)
هكذا: حدثنا أبو عليّ محمد بن يحيى المروزي، أخبرني شاذان بن عثمان أخو عبدان، حدثنا أبي، حدثنا عليُّ بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير، أخبرني محمد بن عبد الرحمن: أن الرُّبَيِّع بنت معوِّذ بن عفراء أخبرته: أن ثابت بن قيس، الحديث؛ ومحمد بن يحيى ثقة، وشاذان هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة، وهو من رجال الصحيح هو وأبوه، وكذلك علي بن المبارك ويحيى بن أبي كثير.
وأمَّا محمَّد بن عبد الرحمن فقد، روى النسائيُّ عن جماعة من التابعين اسمهم محمد عبد الرحمن، وكلُّهم ثقاتٌ.
فالحديث على هذا صحيح، وقد أخرجه أيضًا الطبراني
(5)
.
وحديث ابن عباس الثالث قد ذكر أنه مرسل ورواه الترمذي
(6)
مسندًا.
وحديث الربيع الثاني أخرجه أيضًا النسائي
(7)
وابن ماجه
(8)
من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن الرُّبَيّع بنت معوِّذ، قالت:"اختلعت من زوجي، فذكرتْ قصةً وفيها: أن عثمان أمرها أن تعتدَّ حيضةً، قالت: وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس".
وحديث أبي الزبير: أخرجه أيضًا البيهقي
(9)
وإسناده قويّ مع كونه مرسلًا.
(1)
في السنن رقم (2056) وقد تقدم.
(2)
في سننه رقم (3463) وقد تقدم.
(3)
في السنن الكبرى (7/ 313).
(4)
في سننه رقم (3497) وقد تقدم.
(5)
في "المعجم الكبير"(ج 24 رقم 671) وفي سنده ابن لهيعة.
(6)
في سننه رقم (1185 م) وقد تقدم.
(7)
في سننه رقم (3498).
(8)
في سننه رقم (2058).
وهو حديث حسن، والله أعلم.
(9)
في السنن الكبرى (7/ 314).
قوله: (كتاب الخلع)، [الخُلْعُ]
(1)
بضم الخاء المعجمة وسكون اللام هو في اللغة
(2)
: فراق الزوجة على مالٍ؛ مأخوذٌ من خلع الثوب، لأنَّ المرأة لباس الرجل معنًى.
وأجمع العلماء
(3)
على مشروعيته إلا بكر بن عبد الله المزني
(4)
التابعي فإنه قال: لا يحلّ للزوج أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئًا لقوله تعالى: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}
(5)
، وأورد عليه:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
(6)
فادّعى نسخها بآية النساء، روى ذلك ابن أبي شيبة
(7)
. وتعقب بقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ}
(8)
، وبقوله فيهما: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ [يصلحا]
(9)
}
(10)
الآية، وبأحاديث الباب، وكأنها لم تبلغه.
وقد انعقد الإجماع بعده على اعتباره، وأنَّ آية النساء مخصوصةً بآية البقرة، وبآيتي النساء الآخرتين.
وهو في الشرع
(11)
: فراق الرجل زوجته ببدل يحصل له.
قوله: (امرأة ثابت بن قيس) وقع في رواية ابن عباس: والرُّبيِّع: أن اسمها جميلة، ووقع في روايةٍ لأبي الزبير: أن اسمها زينب، والرواية الأولى أصحُّ
(1)
ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).
(2)
النهاية (1/ 520 - 521) والقاموس المحيط (ص 921).
(3)
ذكره ابن عبدِ البر في "الاستذكار"(17/ 175 رقم 25863).
وانظر: الإجماع لابن المنذر (ص 104).
(4)
أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(2/ج 2/ 462).
قال ابن كثير في تفسيره (2/ 346): رواه ابن جرير عنه - بكر بن عبد الله المزني - وهذا قول ضعيف ومأخذ مردود على قائله.
وقد ذكر ابن جرير رحمه الله أن هذه الآية نزلت في شأن ثابت بن قيس بن شماس، وامرأته حبيبة بنت عبد الله بن أبي سلول .. ".
(5)
سورة النساء، الآية:(20).
(6)
سورة البقرة، الآية:(229).
(7)
لم أقف عليه في المصنف.
(8)
سورة النساء، الآية:(4).
(9)
سورة النساء، الآية:(128).
(10)
في المخطوط (أ)، (ب):(يصَّالحا).
(11)
قال الجرجاني في "التعريفات"(ص 106): الخلع: إزالة ملك النكح بأخذ المال.
لإسنادها وثبوتها من طريقين. وبذلك جزم الدمياطي
(1)
.
وأما ما وقع في حديث ابن عباس المذكور: أنَّها بنت سلول، وفي حديث الرُّبَيِّع وأبي الزبير المذكورين: أنها بنت عبد الله بن أُبي بن سلول، ووقع في رواية للبخاري
(2)
أنَّها بنت أُبيّ، فقيل: إنها أخت عبد الله، كما صرَّح ابن الأثير
(3)
وتبعه النووي
(4)
وجزما بأن قول من قال: إنها بنت عبد الله وَهْمٌ، وجمع بعضهم باتحاد اسم المرأة وعمتها، وأنَّ ثابتًا خالع الثنتين واحدةً بعد أخرى.
قال الحافظ
(5)
: ولا يخفى بُعْدُه، ولا سيما مع اتحاد المخرِّج، وقد كثرت نسبة الشخص إلى جدّه إذا كان مشهورًا، والأصل عدم التعدد حتى يثبت صريحًا.
ووقع في حديث الرُّبَيِّع عند النسائي
(6)
وابن ماجه
(7)
أن اسمها مريم وإسناده جيد. قال البيهقي
(8)
: اضطرب الحديث في تسمية امرأة ثابت، ويمكن أن يكون الخلع تعدّد من ثابت، انتهى.
وروى مالك في الموطأ
(9)
عن حبيبة بنت سَهل: "أنَّها كانت تحتَ ثابِتِ بن
(1)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 398).
(2)
في صحيحه رقم (5274).
(3)
أسد الغابة (7/ 52 - 53 رقم 6813).
(4)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 374 - 375).
(5)
في "الفتح"(9/ 398 - 399).
(6)
في سننه رقم (3498) والكبرى (5/ 293 رقم 5662 - الرسالة).
(7)
في سننه رقم (2058).
(8)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 399).
(9)
في الموطأ (2/ 564 رقم 31).
قلت: وأخرجه ابن الجارود في المنتقى رقم (749) وأبو داود رقم (2227)، والنسائي (6/ 169) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 313) وسعيد بن منصور رقم (1430، 1431) وابن حبان رقم (1326 - موارد).
كلهم من طريق مالك.
وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 399): "وأخرجه أصحاب السنن الثلاثة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
قلت: لم يخرجه من أصحاب السنن إلا أبا داود والنسائي، والله أعلم.
وإسناده صحيح. وقد صححه المحدث الألباني في صحيح أبي داود (1929) وصحيح موارد الظمآن (1108).
قيسِ بن شَمَّاسٍ، وأن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خرجَ إلى صلاة الصبح فوجدها عند بابه فقال: من هذه؟ قالت: أنا حبيبة بنت سهل. قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس، الحديث وأخرجه أيضًا أصحاب السنن
(1)
وصححه ابن خزيمة
(2)
، وابن حبان
(3)
من هذا الوجه.
وأخرجه أبو داود
(4)
من حديث عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت.
وأخرج البزار
(5)
من حديث ابن عمر نحوه.
قال ابن عبد البر
(6)
: اختلف في امرأة ثابت بن قيس فذكر البصريون أنها جميلة بنت أُبيّ، وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل.
قال الحافظ
(7)
: الذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين بخلاف ما وقع من الإختلاف في تسمية جميلة ونسبتها، فإن سياق قصتها متقارب فأمكن ردّ الإختلاف فيه إلى الوفاق"، انتهى.
ووهم ابن الجوزي
(8)
فقال: إنها سهلة بنت حبيب، وإنما هي حبيبة بنت سهل ولكنه انقلب عليه ذلك.
قوله: (إني ما أعتُِب عليه) بضم الفوقية ويجوز كسرها، والعتب
(9)
هو الخطاب بالإدلال.
قوله: (في خُلُقٍ) بضم الخاء المعجمة واللام ويجوز إسكانها: أي لا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه.
قوله: (ولكني أكره الكفر في الإسلام) أي: كفران العشير والتقصير فيما
(1)
بل أخرجه أبو داود رقم (2227) والنسائي (6/ 169) فقط من أصحاب السنن وقد تقدم.
(2)
كما في "الفتح"(9/ 399).
(3)
في صحيحه رقم (1326 - موارد) وقد تقدم.
(4)
في سننه رقم (2228) وهو حديث صحيح.
(5)
في المسند (رقم 1514 - كشف). قال البزار: لا نعلمه عن عمر يُروى بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد. وروي عن ابن عباس وغيره في قصة ثابت بألفاظ".
(6)
في "الاستيعاب" له (4/ 370 - 371 رقم 3325).
(7)
الفتح (9/ 399).
(8)
في "كشف المشكل"(2/ 428).
(9)
القاموس المحيط (ص 143).
يجب له بسبب شدّة البغض له، ويمكن أن يكون مرادها: أن شدّة كراهتها له قد تحملها على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه.
ووقع في الرواية الثانية: "لا أطيقه بغضًا"، وظاهر هذا مع قولها:"ما أعتب عليه في خلق ولا دين" أنه لم يصنع بها شيئًا يقتضي الشكوى منه.
ويعارضه ما وقع في حديث الرُّبَيِّع المذكور
(1)
: "أنَّه ضربها فكسر يدها".
وأجيب: بأنَّه لم تشكه لذلك، بل لسبب آخر، وهو البغض، أو قبح الخلقة، كما وقع عند ابن ماجه
(2)
من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وعند عبد الرزاق
(3)
من حديث ابن عباس.
قوله: (حديقته) الحديقة: البستان.
قوله: (اقبل الحديقة) قال في الفتح
(4)
: هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب. ولم يذكر ما يدلُّ على صرف الأمر عن حقيقته، وفي ذلك دليل: على أنَّه يجوز للرجل أخذ العوض من المرأة إذا كرهت البقاء معه.
وقال أبو قلابة
(5)
، ومحمد بن سيرين
(6)
: إنه لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلًا، روى ذلك عنهما ابن أبي شيبة
(7)
واستدلا بقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}
(8)
مع قوله [تعالى]
(9)
: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}
(10)
.
(1)
تقدم برقم (2879) من كتابنا هذا.
(2)
في سننه رقم (2057).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 134): "هذا إسناد ضعيف لتدليس الحجاج وهو ابن أرطأة".
وهو حديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
في "المصنف" رقم (11765).
(4)
في "الفتح"(9/ 400).
(5)
و
(6)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 107) عن أبي قلابة وابن سيرين، قالا: لا يحل الخلع حتى يوجد رجل على بطنها لأن الله يقول: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} .
والاستذكار (17/ 181 رقم 25898).
(7)
تقدم في التعليقة السابقة.
(8)
سورة البقرة، الآية:(229).
(9)
ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (أ).
(10)
سورة النساء، الآية:(19).
وتُعقب بأنَّ آية البقرة فسَّرت المراد بالفاحشة.
وأحاديث الباب الصحيحة من أعظم الأدلة على ذلك ولعلها لم تبلغهما.
وحمل الحافظ
(1)
كلامهما على ما إذا كانت الكراهة من قبل الرجل فقط، ولا يخالف ذلك أحاديث الباب؛ لأن الكراهة فيها من قبل المرأة.
وظاهر أحاديث الباب: أن مجرَّد وجود الشقاق من قبل المرأة كاف في جواز الخلع.
واختار ابن المنذر
(2)
أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق منهما جميعًا وتمسك بظاهر الآية، وبذلك قال طاوس
(3)
والشعبي
(4)
وجماعة من التابعين
(5)
.
وأجاب عن ذلك جماعة منهم الطبري
(6)
بأن المراد أنها إذا لم تقم بحقوق الزوج كان ذلك مقتضيًا لبغض الزوج لها، فنسبت [المخافة]
(7)
إليهما لذلك. ويؤيد عدم إعتبار ذلك من جهة الزوج أنه صلى الله عليه وسلم لم يستفسر ثابتًا عن كراهته لها عند إعلانها بالكراهة له.
قوله: (تتربص حيضة) استدلّ بذلك من قال: إن الخلع فسخ لا طلاق.
وقد حكى ذلك في البحر
(8)
عن ابن عباس، وعكرمة، والناصر في أحد قوليه وأحمد بن حنبل
(9)
وطاوس، وإسحاق، وأبي ثور، وأحد قولي الشافعي
(10)
وابن المنذر
(11)
.
(1)
في "الفتح"(9/ 401).
(2)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 401).
(3)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 109): عن ابن جريج قال: كان طاوس يقول: يحل له الفداء بما قال الله: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229].
(4)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 107) عن إسماعيل عن الشعبي قال: "إذا كرهتْ المرأة زوجها فليأخذ منها وليدعها".
(5)
انظر: آثار الحسن، والضحاك، وعطاء، وجابر بن زيد، وهشام بن عروة في "المصنف" لابن أبي شيبة (5/ 108).
(6)
في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 466).
(7)
تنبيه في كل طبعات "نيل الأوطار"(المخالفة) وهو تحريف وما أثبتناه من المخطوط (أ) و (ب).
(8)
البحر الزخار (3/ 178).
(9)
المغني (10/ 274).
(10)
البيان للعمراني (10/ 16، 19).
(11)
في كتابه "الإشراف على مذاهب العلماء"(4/ 218).
وحكاه
(1)
غيره أيضًا عن الصادق والباقر، وداود
(2)
، والإمام يحيى بن حمزة.
وحكى في البحر
(3)
أيضًا عن عليّ، وعمر، وعثمان، وابن مسعود، وزيد بن علي، والقاسمية وأبي حنيفة
(4)
وأصحابه، وابن أبي ليلى، وأحد قولي الشافعي
(5)
أنه طلاق بائن.
ووجه الاستدلال بحديث ابن عباس
(6)
وحديث الربيع
(7)
أن الخلع لو كان طلاقًا لم يقتصر صلى الله عليه وسلم الأمر بحيضة.
وأيضًا لم يقع فيهما الأمر بالطلاق بل الأمر بتخلية السبيل.
قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير: إنه بحث عن رجال الحديثين معًا فوجدهم ثقات.
واحتجوا أيضًا لكونه فسخًا بقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}
(8)
ثم ذكر الافتداء ثم عقبه بقوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(9)
قالوا: ولو كان الافتداء طلاقًا، لكان الطلاق الذي لا تحلّ له فيه إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع.
وبحديث حبيبة بنت سهل عند مالك في الموطأ
(10)
إنها قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله كل ما أعطاني عندي، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لثابت: خذ منها، فأخذ وجلست في أهلها"، ولم يذكر فيه الطلاق ولا زاد على الفرقة.
وأيضًا لا يصحّ جعل الخلع طلاقًا بائنًا ولا رجعيًا.
أما الأوّل فلأنه خلاف الظاهر لأنها تطليقة واحدة.
وأما الثاني فلأنه إهدار لمال المرأة الذي دفعته لحصول الفرقة.
(1)
أي المهدي في البحر (3/ 178).
(2)
المحلى (10/ 240).
(3)
البحر الزخار (3/ 178).
(4)
البناية في شرح الهداية (5/ 293).
(5)
البيان للعمراني (10/ 16).
(6)
تقدم برقم (2880) من كتابنا هذا.
(7)
تقدم برقم (2881) من كتابنا هذا.
(8)
سورة البقرة، الآية:(229).
(9)
سورة البقرة، الآية:(230).
(10)
في الموطأ (1/ 564 رقم 31) وقد تقدم.
واحتجّ القائلون بأنه طلاق بما وقع في حديث ابن عباس
(1)
المذكور من أمره صلى الله عليه وسلم لثابت بالطلاق.
وأجيب بأنه ثبت من حديث المرأة صاحبة القصة عند أبي داود
(2)
والنسائي
(3)
ومالك في الموطأ
(4)
بلفظ: "وخلّ سبيلها"، وصاحب القصة أعرف بها، وأيضًا ثبت بلفظ الأمر بتخلية السبيل من حديث الربيع
(5)
وأبي الزبير
(6)
كما ذكره المصنف.
ومن حديث عائشة عند أبي داود
(7)
بلفظ: "وفارقها"، وثبت من حديث الربيع أيضًا عند النسائي
(8)
بلفظ: "وتلحق بأهلها"، ورواية الجماعة أرجح من رواية الواحد.
وأيضًا قد روي عن ابن عباس هذا الحديث بدون ذكر الطلاق من طريقين كما في الباب
(9)
.
وأيضًا ابن عباس من جملة القائلين بأنه فسخ، ويبعد منه أن يذهب إلى خلاف ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد حكى ذلك عن ابن عباس ابن عبد البر
(10)
ولكنه ادّعى شذوذ ذلك عنه. قال: إذ لا يعرف أحد نقل عنه أنه فسخ وليس بطلاق إلا طاوس
(11)
.
قال في الفتح
(12)
: وفيه نظر لأن طاوسًا ثقة حافظ فقيه فلا يضرّ تفرّده،
(1)
تقدم برقم (2877) من كتابنا هذا.
(2)
في سننه رقم (2227).
(3)
في سننه رقم (3497) وفي الكبرى رقم (5661 - الرسالة).
(4)
في الموطأ (2/ 564 رقم 31).
(5)
تقدم برقم (2879) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم برقم (2882) من كتابنا هذا.
(7)
في سننه رقم (2228) وهو حديث صحيح.
(8)
في سننه رقم (3497) وفي الكبرى رقم (5661 - الرسالة).
(9)
تقدم برقم (2878) من كتابنا هذا.
(10)
في "التمهيد"(11/ 205 - الفاروق).
(11)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 112) عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس قال: إنما هو فرقة وفسخ، ليس بطلاق، ذكر الله الطلاق في أول الآية، وفي آخرها، والخلع بين ذلك فليس بطلاق:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} .
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في المصنف" (رقم 11771) وهو موقوف صحيح.
(12)
في "الفتح"(9/ 403).
وقد تلقى العلماء ذلك بالقبول، ولا أعلم من ذكر الاختلاف في المسألة، إلا وجزم أن ابن عباس كان يراه فسخًا"، انتهى.
وقال الخطابي في معالم السنن
(1)
: إنّه احتجّ ابن عباس على أنَّه ليس بطلاق بقول الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}
(2)
، انتهى.
وأما الاحتجاج بقول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}
(3)
.
فيجاب عنه (أوّلًا): بمنع اندراج الخلع تحت هذا العموم لما قرّرناه من كونه ليس بطلاق.
(وثانيًا): بأنه لو سلمنا أنه طلاق لكان ذلك العموم مخصصًا بما ذكرنا من الأحاديث فيكون بعد ذلك التسليم طلاقًا عدَّته حيضةٌ.
واحتجوا أيضًا على كونه طلاقًا: بأنّه قول أكثر أهل العلم كما حكى ذلك الترمذي (4) فقال: قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إن عدّة المختلعة عدّة المطلقة، انتهى.
ويجاب بأن ذلك مما لا يكون حجة في مقام النزاع بالإجماع لما تقرّر أن الأدلة الشرعية إما الكتاب أو السنة أو القياس أو الإجماع على خلاف في الأخيرين.
وأيضًا قد عارض حكاية الترمذي
(4)
حكاية ابن القيم
(5)
فإنه قال: لا يصحّ عن صحابي أنه طلاق البتة.
قال ابن القيم
(6)
أيضًا: والذي يدلّ على أنه ليس بطلاق أنه تعالى رتب على الطلاق بعد الدخول ثلاثة أحكام كلها منتفية عن الخلع:
(أحدها): أن الزوج أحقّ بالرجعة فيه.
(1)
في "معالم السنن"(2/ 668 - مع السنن).
(2)
سورة البقرة، الآية:(229).
(3)
سورة البقرة، الآية:(228).
(4)
في السنن (3/ 492).
(5)
في "زاد المعاد"(5/ 179 - 180).
(6)
في المرجع السابق (5/ 181).
(الثاني): أنه محسوب من الثلاث فلا تحلّ بعد استيفاء العدد إلا بعد دخول زوج وإصابة.
(الثالث): أن العدّة ثلاثة قروء، وقد ثبت بالنص والإجماع أنه لا رجعة في الخلع، انتهى.
قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير في بحث
(1)
له: وقد استدلّ أصحابنا، يعني الزيدية
(2)
على أنه طلاق بثلاثة أحاديث ثم ذكرها.
وأجاب عنها بوجوهٍ، حاصلها: أنَّها مقطوعة الأسانيد، وأنها معارضةٌ بما هو أرجح، وأنَّ أهل الصحاح لم يذكروها.
وإذا تقرّر لك رجحان كونه فسخًا، فاعلم أن القائلين به لا يشترطون فيه أن يكون للسنة، فيجوز عندهم أن يكون في حال الحيض، ويقول بوقوعه منهم من لم يقل بوقوع الطلاق البدعي لأنه لا يعدّ من جملة الطلاق الثلاث التي جعلها الله للأزواج.
والدليل على عدم الاشتراط عدم استفصاله صلى الله عليه وسلم كما في أحاديث الباب وغيرها؛ ويمكن أن يقال: إن ترك الاستفصال لسبق العلم به.
وقد اشترط في الخلع نشوز الزوجة: الهادوية
(3)
.
وقال داود
(4)
والجمهور
(5)
: ليس بشرط، وهو الظاهر لأن المرأة اشترت الطلاق بمالها، فلذلك لم تحلّ فيه الرجعة على القول بأنه طلاق.
قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير: إن الأمر المشترط فيه أن لا يقيما حدود الله، هو طيب المال للزوج لا الخلع، وهو الظاهر من السياق في قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
(6)
.
قوله: (أما الزيادة فلا) استدلّ بذلك من قال: إنَّ العوض من الزوجة لا يكون إلا بمقدار ما دفع إليها الزوج لا بأكثر منه.
(1)
لم أهتد إلى هذا البحث الآن.
(2)
تقدم التعريف بها.
(3)
البحر الزخار (3/ 178).
(4)
المحلى (10/ 235).
(5)
الفتح (9/ 401).
(6)
سورة البقرة، الآية:(229).
ويؤيد ذلك ما عند ابن ماجه
(1)
والبيهقي
(2)
من حديث ابن عباس: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ منها ولا يزداد"، وفي رواية عبد الوهاب عن سعيد، قال أيوب: لا أحفظ فيه: "ولا يزداد"، وفي رواية الثوري:"وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى"، ذكر ذلك كله البيهقي
(3)
.
قال: ووصله الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن ابن عباس.
وقال أبو الشيخ: هو غير محفوظ، يعني: الصواب إرساله، وبما ذكرناه يعتضد مرسل أبي الزبير، ولا سيما وقد قال الدارقطني
(4)
: إنه سمعه أبو الزبير من غير واحد كما ذكره المصنف.
قال الحافظ
(5)
: فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح، وإلا فيعتضد بما ورد في معناه.
وأخرج عبد الرزاق
(6)
عن عليّ أنه قال: لا يأخذ منها فوق ما أعطاها.
وعن طاوس
(7)
وعطاء والزهري
(8)
مثله، وهو قول أبي
(1)
في سننه رقم (2056).
(2)
في السنن الكبرى (7/ 314).
ولها شواهد عند البيهقي، وهي شواهد مرسلة:
أحدها من طريق عطاء
…
فذكر قصة المختلعة وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الزيادة من مالك فلا"، والثاني من طريق أبي الزبير
…
فذكر قصة ثابت وفيها: "أما الزيادة فلا".
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(3)
في السنن الكبرى (7/ 314).
(4)
تقدم برقم (2882) من كتابنا هذا.
(5)
في "الفتح"(9/ 402).
(6)
في "المصنف" رقم (11844).
(7)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11838) عن معمر وابن جريج قالا: أخبرنا ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول: لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها.
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 123).
وهو موقوف صحيح.
(8)
• قلت: وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 123): نا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن الزهري وعطاء وعمرو بن شعيب قالوا: لا يأخذ منها إلا ما أعطاها زوجها.
وهو موقوف صحيح.
• قلت: وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 123): نا وكيع عن شعبة قال: سألت الحكم وحمادًا فكرها أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها.
وهو موقوف صحيح.
• أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11857). =
حنيفة
(1)
وأحمد
(2)
وإسحاق والهادوية
(3)
.
وعن ميمون بن مهران
(4)
: من أخذ أكثر مما أعطى لم يسرّح بإحسان.
وأخرج عبد الرزاق
(5)
بسند صحيح عن سعيد بن المسيّب؛ قال: ما أحبّ أن يأخذ منها ما أعطاها ليدع لها شيئًا.
وذهب الجمهور
(6)
إلى أنه يجوز للرجل أن يخالع المرأة بأكثر مما أعطاها.
قال مالك
(7)
: [لم أر]
(8)
أحدًا ممن يقتدى به يمنع ذلك، لكنه ليس من مكارم الأخلاق.
وأخرج ابن سعد
(9)
عن الربيع [قالت]
(10)
: "كان بيني وبين ابن عمي كلام وكان زوجها، قالت: فقلت له: لك كل شيء وفارقني، قال: قد فعلت، فأخذ والله كل فراشي، فجئت عثمان وهو محصور، فقال: الشرط أملك، خذ كل شيء حتى عقاص رأسها".
وفي البخاري
(11)
عن عثمان: أنه أجاز الخلع دون عقاص رأسها.
وروى البيهقي
(12)
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ قال: "كانت أختي تحت رجلٍ من الأنصار، فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: أتردّين حديقته؟ قالت: وأزيده، فخلعها، فردّت عليه حديقته وزادته".
= عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: ليأخذ منها حتى عطافيها.
وهو موقوف صحيح.
(1)
بدائع الصنائع (3/ 150 - 151).
و"البناية في شرح الهداية"(5/ 297).
(2)
المغني (10/ 269).
(3)
البحر الزخار (3/ 183).
(4)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 123) عن جعفر بن برقان عن ميمون قال: "من خلع امرأته وأخذ منها أكثر مما أعطاها فلم يسرح بإحسان".
(5)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11826) بسند صحيح.
(6)
المغني (10/ 269).
(7)
التمهيد (11/ 197 - الفاروق).
(8)
في المخطوط (ب): (لم أرى) وهو خطأ.
(9)
في "الطبقات الكبرى"(8/ 447 - 448).
(10)
في المخطوط (ب): (قال).
(11)
في صحيحه (9/ 394 - رقم الباب (12) - مع الفتح) معلقًا.
(12)
في السنن الكبرى (7/ 314) بسند ضعيف.
وهذا مع كون إسناده ضعيفًا ليس فيه حجة، لأنه ليس فيه أنه قرّرها صلى الله عليه وسلم على دفع الزيادة، بل أمرها بردّ الحديقة فقط، ويمكن أن يقال: إن سكوته بعد قولها: "وأزيده" تقرير.
ويؤيد الجواز قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
(1)
، فإنَّه عامٌ للقليل والكثير، ولكنه لا يخفى أن الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لهذا العموم ومرجحة على تلك الرواية المتضمنة للتقرير لكثرة طرقها وكونها مقتضية للحصر وهو أرجح من الإباحة عند التعارض على ما ذهب إليه جماعة من أئمة الأصول.
وأحاديث الباب قاضية بأنه يجوز الخلع إذا كان ثم سبب يقتضيه فيجمع بينهما وبين الأحاديث القاضية بالتحريم بحملها على ما إذا لم يكن ثم سبب يقتضيه.
وقد أخرج أصحاب السنن
(2)
وصححه ابن خزيمة
(3)
وابن حبان
(4)
من حديث ثوبان: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة الجنة"، وفي بعض طرقه:"من غير ما بأس" وقد تقدم الحديث.
وأخرج أحمد
(5)
والنسائي
(6)
من حديث أبي هريرة: "المختلعات هنّ المنافقات"، وهو من رواية الحسن عنه، وفي سماعه منه نظر.
(1)
سورة البقرة، الآية:(229).
(2)
أبو داود رقم (2226) والترمذي رقم (1187) وابن ماجه رقم (2055).
(3)
كما في "الفتح"(9/ 399).
(4)
في صحيحه رقم (4184).
قلت: وأخرجه أحمد في المسند (5/ 277)، (5/ 283) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (748) والحاكم (2/ 200) والبيهقي (7/ 316).
وهو حديث صحيح.
(5)
في المسند (2/ 414).
(6)
في السنن رقم (3461) وقال النسائي: الحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئًا.
قال أبو حاتم كما في "المراسيل" لابنه (ص 36): قلنا: والعجب من الحافظ ابن حجر بعد هذا كيف مشى على ظاهر إسناد النسائي، فقال في ترجمة الحسن البصري في "تهذيبه" بعد أن أورد هذا الإسناد: هو يؤيد أن الحسن سمع من أبي هريرة في الجملة.
ولعل مراد الحسن في قوله: "لم أسمعه من غير أبي هريرة" أنه لم يحصل في علمه أن هذا الحديث قد روي عن غير أبي هريرة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.
وقد صحح المحدث الألباني الحديث.
[الكتاب الحادي والثلاثون] كتاب الرَّجعة والإِباحةِ للزَّوج الأول
1/ 2883 - (عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}
(1)
الآيَةَ، وَذَلِكَ أن الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلّق امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا، وَإنْ طَلَّقَهَا ثَلاثًا فَنَسَخَ ذلكَ {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}
(2)
الآيَةَ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(3)
وَالنَّسائيُّ)
(4)
. [حسن]
2/ 2884 - (وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَ النّاسُ وَالرَّجُلُ يُطَلّقُ امْرأَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهِيَ امْرَأتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي العِدَّةِ وَإِنْ طَلّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ حتّى قَالَ رَجُلٌ لامْرَأَتِهِ: وَالله لا أُطَلِّقُك فَتَبِيني مِنِّي، وَلَا آَوِيكِ أَبَدًا، قَالَتْ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُطَلِّقُكِ، فَكُلّما هَمَّتْ عِدَّتُكِ أنْ تَنْقَضِيَ رَاجَعْتُكِ، فَذَهَبَتِ
(1)
سورة البقرة، الآية:(228).
(2)
سورة البقرة، الآية:(229).
(3)
في سننه رقم (2195).
(4)
في سننه رقم (3554).
قلت: وأخرجه البيهقي (7/ 337) من طريق علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس، به.
وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار"(1/ 283 - 284) والحاكم في المستدرك (2/ 205) وعنه البيهقي (7/ 320 - 321) بهذا الإسناد عن ابن عباس قال: "ما قالها ابن مسعود، وإن يكن قالها فزلة من عالم، في الرجل يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49]، ولم يقل: إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن".
قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
وتعقبهما الألباني في الإرواء (7/ 161) حيث قال: "وأقول: إنما هو حسن فقط فإن علي بن حسين وأباه فيهما كلام من قِبَل حفظهما.
ويتقوى الحديث بأن له شاهدًا مرسلًا وروي موصولًا
…
". اهـ.
وهو حديث حسن والله أعلم.
المَرْأَةُ حَتّى دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَسَكَتَتْ عَائِشَةُ حتّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرَتْهُ، فَسَكَتَ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتّى نَزَلَ القُرآنُ:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(1)
، قَالَتْ عَائِشَةُ: فاسْتَأنَفَ النّاسُ الطّلاقَ مُسْتَقْبَلًا مَنْ كانَ طَلّقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَلّقَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
. [ضعيف]
وَرَوَاهُ أَيضًا
(3)
عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا وَذَكَرَ أَنّهُ أصَحُّ). [ضعيف]
حديث ابن عباس: في إسناده عليُّ بن الحسين بن واقد، وفيه مقال
(4)
.
وحديث عائشة
(5)
المرفوع من طريق قتيبة عن يعلى بن شبيب
(6)
عن هشام بن عروة عن أبيه عنها.
والموقوف
(7)
من طريق أبي كريب عن عبد الله بن إدريس عن هشام بن عروة عن أبيه، ولم يذكر فيه عائشة؛ قال الترمذي
(8)
: وهذا أصحّ من حديث يعلى بن شيب.
قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}
(9)
، فسَّره مجاهد
(10)
بالحيض والحمل.
وأخرج الطبري
(11)
عن طائفة أن المراد به: الحيض.
وعن ابن جرير
(12)
: الحمل.
والمقصود من الآية أن أمر العدّة لما دار على الحيض والطهر والاطلاع
(1)
سورة البقرة، الآية:(229).
(2)
في سننه رقم (1192) وهو حديث ضعيف.
(3)
أي الترمذي في سننه رقم (1192 م) وهو حديث ضعيف.
(4)
وهو صدوق يهم. وانظر ترجمته في: "الميزان"(3/ 123 رقم 5824).
(5)
تقدم برقم (2/ 2884) من كتابنا هذا.
(6)
يعلى بن شبيب مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان، وقد قال الحافظ في "التقريب" رقم (7842): لين الحديث.
(7)
عند الترمذي رقم (1192 م) كما تقدم وهو حديث ضعيف.
(8)
في السنن (3/ 497).
(9)
سورة البقرة، الآية:(228).
(10)
أخرجه الطبري في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 447).
(11)
في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 450).
(12)
في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 450).
على ذلك يقع من جهة النساء غالبًا جعلت المرأة مؤتمنة على ذلك.
وقال إسماعيل القاضي
(1)
: دلت الآية أن المرأة المعتدّة مؤتمنةٌ على رحمهما من الحمل والحيض إلا أن تأتي من ذلك بما يعرف به كذبها فيه.
والمنسوخ من هذه الآية هو قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(2)
، فإنَّ ظاهره أن للرجل مراجعة المرأة مطلقًا سواءٌ طلَّقها ثلاثًا، أو أكثر، أو أقلَّ، فنسخ من ذلك مراجعة من طلقها زوجها ثلاثًا فأكثر؛ فإنَّه لا يحلُّ له مراجعتها بعد ذلك.
وأمَّا إذا طلَّقها واحدةً رجعية، أو اثنتين كذلك، فهو أحقُّ برجعتها.
قال في الفتح
(3)
: وقد أجمعوا على أنَّ الحرَّ إذا طلق الحرَّة بعد الدخول بها تطليقةً، أو تطليقتين فهو أحقُّ برجعتها؛ ولو كرهت المرأة ذلك، فإن لم يراجع حتى انقضت العدَّة فتصير أجنبيةً فلا تحلُّ له إلا بنكاح مستأنفٍ.
واختلف السلف فيما يكون به الرجل مراجعًا؛ فقال الأوزاعي
(4)
: إذا جامعها فقد راجعها. ومثله روى أيضًا عن بعض التابعين، وبه قال مالك
(5)
وإسحاق
(6)
: بشرط أن ينوي به الرجعة.
وقال الكوفيون
(7)
؛ كالأوزاعي وزادوا: ولو لمسها لشهوةٍ، أو نظر إلى فرجها لشهوةٍ.
وقال الشافعي
(8)
: لا تكون الرجعة إلا بالكلام. وحجة الشافعي
(9)
أن الطلاق يزيل النكاح، وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى، والظاهر ما ذهب إليه الأوَّلون، لأن العدّة مدةَ خيارٍ، والاختيار يصحّ بالقول والفعل.
(1)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 482).
(2)
سورة البقرة، الآية:(228).
(3)
(9/ 483).
(4)
كما في المغني (10/ 559).
(5)
عيون المجالس (3/ 1250 رقم 874).
(6)
كما في "المغني"(10/ 559) والبيان للعمراني (10/ 247).
(7)
كما في "المغني"(10/ 560).
(8)
الأم (6/ 622) والبيان للعمراني (10/ 247).
(9)
الأم (6/ 621 - 622) والبيان للعمراني (10/ 247).
وأيضًا ظاهر قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(1)
، وقوله صلى الله عليه وسلم:"مره فليراجعها"
(2)
، [أنها]
(3)
تجوز المراجعة بالفعل؛ لأنَّه لم يخصَّ قولًا من فعلٍ، ومن ادَّعى الاختصاص فعليه الدليل.
وقد حكى في البحر
(4)
عن العترة ومالك
(5)
أن الرجعة بالوطء ومقدماته محظورةٌ وإن صحت، ثم قال: قلت: إنْ لم ينو به الرجعة فنعم لعزمه على قبيح، وإلا فلا لما مرّ.
وقال أحمد بن حنبل: بل مباحٌ لقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ}
(6)
والرجعية زوجة بدليل صحة الإيلاء، انتهى.
وحديث عائشة: فيه دليلٌ: على تحريم الضرار في الرجعة؛ لأنَّه منهي عنه بعموم قوله تعالى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ}
(7)
والمنهي عنه فاسد فسادًا يرادف البطلان، ويدلُّ على ذلك أيضًا قوله تعالى:{إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}
(8)
فكلُّ رجعة لا يراد بها الإصلاح ليست برجعةٍ شرعية.
وقد دلَّ الحديثان المذكوران في الباب
(9)
على أن الرجل كان يملكُ من الطلاق لزوجته في صدر الإسلام الثلاث وما فوقها إلى ما لا نهاية له، ثم نسخ الله الزيادة على الثلاث بالآية المذكورة.
قوله: (من كان طلق) أي: لم يُعتدَّ من ذلك الوقت بما قد وقع منه من الطلاق، بل حكمه حكم من لم يطلِّق أصلًا، فيملك ثلاثًا كما يملكها من لم يقع منه شيءٌ من الطلاق.
3/ 2885 - (وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقَعُ بِهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى طَلَاقِها وَلَا على رَجْعَتِها، فَقَالَ: طَلّقْتَ لِغَيْرِ سُنَةٍ،
(1)
سورة البقرة، الآية:(228).
(2)
تقدم برقم (2847) من كتابنا هذا.
(3)
في المخطوط (ب): (أنه).
(4)
البحر الزخار (3/ 208).
(5)
عيون المجالس (3/ 1249 - 1250).
(6)
سورة المؤمنون، الآية:(6).
(7)
سورة الطلاق، الآية:(6).
(8)
سورة البقرة، الآية:(228).
(9)
برقم (2883) و (2884) من كتابنا هذا.
وَرَاجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، أشْهِدْ على طَلَاقِهِا وَعلى رَجْعَتِها وَلَا تَعُدْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
وابْنُ مَاجَهْ
(2)
وَلَمْ يَقُلْ: "وَلَا تَعُدْ"). [صحيح]
الأثر أخرجه أيضًا البيهقي
(3)
والطبراني
(4)
وزاد: و " [استغفر الله"]
(5)
.
قال الحافظ في بلوغ المرام
(6)
: وسنده صحيح.
وقد استدلَّ به من قال بوجوب الإشهاد على الرجعة.
وقد ذهب إلى عدم وجوب الإشهاد في الرجعة: أبو حنيفة
(7)
وأصحابه والقاسمية
(8)
والشافعي
(9)
في أحد قوليه. واستدلّ لهم في البحر
(10)
بحديث ابن عمر السالف، فإنَّ فيه أنه قال صلى الله عليه وسلم:"مره فليراجعها"
(11)
ولم يذكر الإشهاد.
وقال مالك
(12)
والشافعي
(13)
والناصر
(14)
: إنه يجب الإشهاد في الرجعة.
واحتجّ في "نهاية المجتهد"
(15)
للقائلين بعدم الوجوب بالقياس على الأمور التي ينشئها الإنسان لنفسه فإنه لا يجب فيه الإشهاد.
(1)
في سننه رقم (2186).
(2)
في سننه رقم (2025).
قال الحافظ في "بلوغ المرام" رقم (1/ 1022) بتحقيقي: "رواه أبو داود هكذا، موقوفًا، وسنده صحيح". اهـ.
وقال الألباني في "الإرواء"(7/ 160): "قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم".
وهو حديث صحيح والله أعلم.
(3)
في السنن الكبرى (7/ 373).
(4)
في المعجم الكبير (ج 18 رقم 420).
بسند منقطع لأن محمد بن سيرين لم يسمع من عمران بن حصين.
(5)
كذا في (أ)، (ب) وفي "الطبراني":[وليستغفر الله].
(6)
رقم الحديث (1/ 1022) بتحقيقي.
(7)
بدائع الصنائع (3/ 181) والبناية في شرح الهداية (5/ 230).
(8)
البحر الزخار (3/ 207).
(9)
الأم (6/ 623) والبيان للعمراني (10/ 249 - 250).
(10)
البحر الزخار (3/ 207).
(11)
تقدم برقم (2847) من كتابنا هذا.
(12)
عيون المجالس (3/ 1251 رقم 875).
(13)
البيان للعمراني (10/ 249 - 250) والأم (6/ 623) وروضة الطالبين (8/ 216).
(14)
البحر الزخار (3/ 207).
(15)
في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(3/ 163) بتحقيقي.
ومن الأدلة على عدم الوجوب أنه قد وقع الإجماع على عدم وجوب الإشهاد في الطلاق كما حكاه الموزعي في "تيسير البيان"
(1)
، والرجعة قرينته فلا يجب فيها كما لا يجب فيه.
والاحتجاج بالأثر المذكور في الباب
(2)
لا يصلح للاحتجاج لأنه قول صحابي في أمر من مسارح الاجتهاد، وما كان كذلك فليس بحجة لولا ما وقع من قوله:"طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة".
وأما قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}
(3)
، فهو وارد عقب قوله:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}
(4)
الآية.
وقد عرفت الإجماع على عدم وجوب الإشهاد على الطلاق، والقائلون بعدم الوجوب يقولون بالاستحباب.
4/ 2886 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيّ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلّقَنِي فَبتّ طَلاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرحمنِ بْنِ الزَّبَيرِ، وإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هَدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقَالَ:"أتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلى رِفَاعَةَ؟ لا، حتى تَذُوقي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ
(5)
، لَكِنْ لِأبي دَاوُدَ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الزَّوْجَيْنِ). [صحيح]
5/ 2887 - (وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [العُسَيْلَةُ هِيَ الجِماعُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(6)
(1)
"تيسير البيان لأحكام القرآن" لمحمد بن علي بن عبد الله الموزعي (2/ 1113).
(2)
برقم (2885) من كتابنا هذا.
(3)
سورة الطلاق، الآية:(2).
(4)
سورة الطلاق، الآية:(2).
(5)
أحمد في المسند (6/ 37، 38) والبخاري رقم (5260) ومسلم رقم (111/ 1433) وأبو داود رقم (2309) والترمذي رقم (1118) والنسائي رقم (3411) وابن ماجه رقم (1932).
(6)
في المسند (6/ 62).
قلت: وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"(9/ 226) كلاهما عن مروان عن أبي عبد الملك المكي عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة، به.
وأخرجه أبو يعلى رقم (1881) عن مجاهد بن موسى، والدارقطني في السنن (3/ 251 - 252 رقم 29) من طريق أحمد بن عبد الله بن ميسرة. كلاهما عن مروان بن معاوية، به موقوفًا. =
وَالنّسَائِيُّ)
(1)
. [إسناده ضعيف]
6/ 2888 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سُئِلَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا ويَتَزَوَّجُهَا آخَرُ فَيُغْلِقُ البابَ ويُرْخِي السِّتْرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِهَا، هَلْ تَحِلُّ لِلأوَّلِ؟ قَالَ:"لا، حتّى يَذُوقَ العُسَيْلَةَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
وَالنسائيُّ
(3)
وَقَالَ: قَالَ: "لَا تحِلُّ لِأوَّلِ حتّى يُجَامِعَها الآخَرُ"). [صحيح لغيره]
حديث عائشة الثاني أخرجه أيضًا أبو نعيم في الحلية
(4)
، قال الهيثمي
(5)
: فيه أبو عبد الملك: لم أعرفه
(6)
، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وحديث ابن عمر
(7)
هو من رواية سفيان الثوري، عن علقمة بن مَرْثَد عن رَزِين بن سليمان الأحمري عن ابن عمر.
= ولفظه: "عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عنى بالعُسَيْلة النكاح".
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 341) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه أبو عبد الملك المكي، ولم أعرفه بغير هذا الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح". اهـ.
وقال الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 238): "والمكي: مجهول".
وخلاصة القول: أن إسناده ضعيف مع الاختلاف في وقفه ورفعه وإرساله. والله أعلم.
(1)
لم يخرجه النسائي.
(2)
في المسند (2/ 25).
(3)
في سننه رقم (3415) وفي السنن الكبرى (رقم 5578 - الرسالة).
إسناده ضعيف لجهالة رَزِين بن سليمان الأحمري.
وله شاهد من حديث عائشة عند البخاري رقم (5317) ومسلم رقم (1433).
والخلاصة: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(4)
في "الحلية"(9/ 226) وقد تقدم.
(5)
في "مجمع الزوائد"(4/ 341) وقد تقدم.
(6)
قال الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 238): مجهول. وأورده الحافظان: الذهبي في "الميزان"(2/ 667) وقال: ضعفه الأزدي، وابن حجر في اللسان (5/ 75).
ولكنه جاء عندهم جميعًا: عبد الملك المكي، والصواب ذكره بكنيته، هكذا - أبو عبد الملك المكي - جاء عند أحمد في مسنده (6/ 62) وأبي يعلى - رقم (1881) - والدارقطني في سننه (3/ 252) إلا أن نسبته تحرفت عنده إلى: العمي.
وألمح ابن حجر إلى تدليس مروان الفزاري له في اسمه، كما في كتابه "تعجيل المنفعة"(2/ 496) ". اهـ.
["الفرائد على مجمع الزوائد" ص 429 - 430 رقم 708].
(7)
تقدم برقم (2888) من كتابنا هذا.
وروي أيضًا من طريق شعبة عن علقمة بن مَرْثَد عن سالم بن رَزِين عن سالم بن عبد الله عن سعيد بن المسيّب عن ابن عمر
(1)
، قال النسائي
(2)
: والطريق الأُولى أَوْلى بالصواب.
قال الحافظ
(3)
: وإنما قال ذلك لأن الثوري أتقن وأحفظ من شعبة، وروايته أولى بالصواب من وجهين:
(أحدهما): أن شيخ علقمة هو رزين بن سليمان، كما قال الثوري لا سالم بن رزين كما قال شعبة، فقد رواه جماعة عن شعبة كذلك منهم غيلان بن جامع أحد الثقات.
(ثانيهما): أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيّب عن ابن عمر مرفوعًا لم يخالفه سعيد ويقول بغيره كما سيأتي.
وفي الباب عن عائشة غير حديث الباب عند أبي داود
(4)
بنحو حديث ابن عمر.
وعن ابن عباس نحوه عند النسائي
(5)
.
وعن أبي هريرة عند الطبراني
(6)
وابن أبي شيبة
(7)
بنحوه.
وعن أنس عند الطبراني
(8)
أيضًا والبيهقي
(9)
بنحوه أيضًا.
(1)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 85) والنسائي رقم (3414) وفي السنن الكبرى (رقم 5577 - الرسالة) وابن ماجه رقم (1933) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 375).
إسناده ضعيف لجهالة سالم بن رزين.
وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(2)
في السنن بإثر الحديث رقم (3415).
(3)
في "الفتح"(9/ 467).
(4)
في سننه رقم (2309) وهو حديث صحيح.
(5)
في سننه رقم (3413) وهو حديث صحيح.
(6)
لم أقف عليه عند الطبراني في المعاجم الثلاث.
(7)
في "المصنف"(4/ 275).
(8)
في المعجم الأوسط رقم (2372).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 340) وقال: ورجاله رجال الصحيح خلا محمد بن دينار الطاحي، وقد وثقه أبو حاتم وأبو زرعة وابن حبان وفيه كلام لا يضر".
(9)
في السنن الكبرى (7/ 375، 376).
وعن عائشة أيضًا حديث آخر عند الطبراني
(1)
بإسناد رجاله ثقات: "أن عمرو بن حزم طلق الغميصاء، فنكحها رجل فطلقها قبل أن يمسها، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته".
قوله: (امرأة رفاعة القرظي) قيل: اسمها تميمة، وقيل: سهيمة، وقيل: أميمة. والقرظي - بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة - نسبة إلى بني قريظة.
قوله: (عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي من الزَّبيرِ.
قوله: (هَدْبَةِ الثوب)
(2)
بفتح الهاء وسكون المهملة بعدها باء موحدة مفتوحة: هي طرف الثوب الذي لم ينسج، مأخوذ من هدب العين: وهو شعر الجفن، هكذا في الفتح
(3)
. وفي القاموس
(4)
: الهُدب بالضم، وبضمتين: شعر أشفار العين، وخملُ الثَّوبِ، واحدتهما بهاء، وكذا في "مجمع البحار"
(5)
نقلًا عن النووي
(6)
أنها بضم هاء وسكون دال، وأرادت: أن ذَكَرَهُ يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار.
واستدلَّ به: على أن وطء الزوج الثاني لا يكون محلِّلًا ارتجاع الزوج الأوّل للمرأة إلا إن كان حال وطئه منتشرًا، فلو لم يكن كذلك، أو كان عنِّيْنًا، أو طفلًا لم يَكْفِ على الأصحِّ من قولي أهل العلم.
قوله: (حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) العسيلة مصغرة في الموضعين.
واختلف في تَوجيهه، فقيل: هو تصغير العسل، لأنَّ العسل مؤنثٌ، جزم بذلك القزاز
(7)
. قال: وأحسب التذكير لغةً.
(1)
في المعجم الأوسط رقم (7469).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 341) وقال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس".
(2)
النهاية (2/ 896) وقال: أرادت رِخْوٌ مثلُ طرَفَ الثَّوْب لا يغني عنها شيئًا.
(3)
الفتح (9/ 465).
(4)
القاموس المحيط (ص 183).
(5)
مجمع البحار في شرح بحر الأسرار. لمظفر الدين ميرزا محمد تقي الكرماني الشيعي.
[إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (4/ 433)].
(6)
في "تهذيب الأسماء واللغات"(3/ 179 - 180).
(7)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 466).
وقال الأزهري
(1)
: يذكّر ويؤنّث.
وقيل
(2)
: لأنَّ العرب إذا حقرت الشيء أدخلت فيه هاء التأنيث.
وقيل
(3)
: المراد: قطعة من العسل، والتصغير للتقليل إشارةً إلى أن القدر القليل كافٍ في تحصيل ذلك؛ بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج.
وقيل
(4)
: معنى العسيلة: النطفة، وهذا يوافق قول الحسن البصري
(5)
.
وقال جمهور العلماء
(6)
: ذوق العسيلة كناية عن الجماع، وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة.
وحديث عائشة المذكور في الباب
(7)
يدلُّ على ذلك، وزاد الحسن البصري (5): حصول الإنزال.
قال ابن بطال
(8)
: شذَّ الحسن في هذا وخالف سائر الفقهاء وقالوا: يكفي ما يوجب الحدُّ، ويحصن الشخص، ويوجب كمال الصَّداق، ويفسد الحجَّ والصوم.
وقال [أبو عبيدة]
(9)
: العسيلة: لذّة الجماع، والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلًا.
وأحاديث الباب تدلُّ على أنه لا بدَّ فيمن طلَّقها زوجها ثلاثًا ثم تزوَّجها زوج آخر؛ من الوطء؛ فلا تحل للأوّل إلا بعده.
قال ابن المنذر
(10)
: أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحلَّ للأول إلا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده الصحيح عنه ما يدلُّ على ذلك.
(1)
في تهذيب اللغة (2/ 94).
(2)
النهاية (2/ 207).
(3)
لسان العرب (11/ 445).
(4)
النهاية (2/ 207).
(5)
موسوعة فقه الإمام الحسن البصري (1/ 220) والتمهيد (11/ 72 - الفاروق).
المحلى لابن حزم (8/ 55)، (10/ 178).
(6)
الفتح (9/ 467).
(7)
تقدم برقم (2886) من كتابنا هذا.
(8)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 479).
(9)
كذا في المخطوط (أ)، (ب) والذي في "الفتح"(9/ 467) وكذلك في الغريبين (4/ 1277)(أبو عبيد).
(10)
في الأشراف على مذاهب العلماء (4/ 199) له.
قال ابن المنذر
(1)
: وهذا القول لا نعلم أحدًا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج، ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن.
وقد نقل أبو جعفر النحاس في "معاني القرآن"
(2)
وعبد الوهاب المالكي
(3)
في "شرح الرسالة" عن سعيد بن جبير مثل قول سعيد بن المسيّب، وكذلك حكى ابن الجوزي عن داود
(4)
أنه وافق في ذلك.
قال القرطبي
(5)
: ويستفاد من الحديث على قول الجمهور: أن الحكم يتعلق بأقلِّ ما ينطلق عليه الاسم خلافًا لمن قال: لا بد من حصول جميعه، واستدل بإطلاق الذوق لهما على اشتراط علم الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف ذلك ولو أنزل هو، وبالغ ابن المنذر
(6)
فنقله عن جميع الفقهاء.
واستدل بأحاديث الباب على جواز رجوعها إلى زوجها الأوّل إذا حصل الجماع من الثاني ويعقبه الطلاق منه، لكن شرط المالكية ونقل عن عثمان وزيد بن ثابت أن لا يكون في ذلك مخادعة من الزوج الثاني ولا إرادة تحليلها للأوّل.
وقال الأكثر
(7)
: إن شرط ذلك في العقد فسد وإلا فلا، وقد قدمنا الكلام على التحليل.
ومما يستدلّ بأحاديث الباب عليه أنه لا حقّ للمرأة في الجماع، لأن هذه المرأة شكت أن زوجها لا يطؤها، وأن ذكره لا ينتشر، وأنه ليس معه ما يغني عنها، ولم يفسخ النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها، وفي ذلك خلاف معروف.
* * *
(1)
في الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 200) له.
(2)
في "معاني القرآن" للنحاس (1/ 206).
(3)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 467).
(4)
المحلى (10/ 178).
(5)
في "المفهم"(4/ 235).
(6)
في الإشراف (4/ 199 - 200).
(7)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 468).
[الكتاب الثاني والثلاثون] كتاب الإِيلاء
1/ 2889 - (عَنِ الشَّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: آلى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ وَحَرَّمَ، فَجَعَلَ الحَرَامَ حَلالًا وَجَعَلَ فِي الْيَمِينِ الكَفّارَةَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(1)
وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
، وَذَكَرَ أَنّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ الشّعْبِيّ مُرْسَلًا وَأنَّهُ أصَحُّ). [ضعيف]
2/ 2890 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أشْهُرٍ يُوقَفُ حَتّى يُطَلِّقَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطّلاقُ حَتّى يُطَلِّقَ، يَعْنِي المُولي. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ
(3)
. [صحيح]
وَقَالَ: وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عثْمَانِ
(4)
. [موقوف ضعيف]
(1)
في سننه رقم (2060).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 135): "هذا إسناد فيه حارثة بن أبي الرجال، وقد ضعفه أحمد وابن معين والنسائي وابن عدي وغيرهم".
(2)
في سننه رقم (1201).
قال الترمذي: "حديث مسلمة بن علقمة عن داود رواه علي بن مسهر وغيره عن داود عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا، وليس فيه: عن مسروق عن عائشة، وهذا أصح من حديث مسلمة بن علقمة .. ". اهـ.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
في صحيحه رقم (5291).
وهو حديث صحيح.
(4)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(17/ 86): "واختلف عن عثمان، والصحيح عنه وقفُ المولي".
قلت: روي عن عثمان أنه تقع بمضي الأشهر الأربعة طلقة بائنة على ما ذكره عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11638) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 378). وقال: "وهذا القول ليس بمحفوظ عن عثمان، والمشهور عنه خلافه". اهـ.
ثم قال ابن عبد البر: "رواه ابن عيينة، عن مسعر، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن طاووس، عن عثمان بن عفَّان، قال: يُوقفُ المؤلي عندَ الأربعةِ الأشهر، فإما أن يفيء، وإما أن يطلِّق".
كما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 378 - 379) و"معرفة السنن والآثار"(11/ 109 رقم 14947) والمصنف لابن أبي شيبة (5/ 132).
موقوف بسند ضعيف لأن طاوس لم يسمع من عثمان شيئًا.
وَعَلِيّ
(1)
، وأبي الدّرْدَاءِ
(2)
، وَعَائِشَةَ
(3)
، واثْنَي عَشَرَ رَجُلًا
(4)
مِنْ أَصْحَابِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [موقوفات بأسانيد صحيحة]
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
(5)
فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَعَليُّ، وابْنُ عُمَرَ: يُوقَفُ المُولِي بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ، فَإمّا أنْ يَفِيءَ وَإِمّا أَنْ يُطَلِّقَ).
3/ 2891 - (وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَقِفُونَ المُولِي. رَوَاهُ الشّافِعيُّ
(6)
وَالدَّارَقُطْنِي)
(7)
. [موقوف صحيح]
(1)
أخرج الشافعي في المسند (ج 2 رقم 140 ترتيب) عن عمرو بن سلمة، قال:"شهدت عليًا رضي الله عنه أوقف المولي".
موقوف بسند صحيح.
(2)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11658): عن قتادة أن أبا الدرداء وعائشة، قالا: يُوقف المولي عند انقضاء الأربعة، فإمَّا أن يفئ، وإمَّا أن يطلّق".
(3)
أخرج الشافعي في المسند (/ 2 رقم 143 ترتيب): عن القاسم بن محمد، قال. كانت عائشة رضي الله عنها إذا ذكر لها الرجل يحلف أن لا يأتي امرأته فيدعها خمسة أشهر لا ترى ذلك شيئًا حتى يوقف، وتقول: كيف قال الله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].
موقوف بسند صحيح.
(4)
أخرج الشافعي في المسند (ج 2 رقم 139 ترتيب) عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يقول: يوقف المولي
…
موقوف بسند صحيح.
• أخرج الشافعي في المسند (ج 2 رقم 138 - ترتيب) عن أبي يحيى، عن ابن عباس أنه قال: المولي الذي يحلف لا يقرب امرأته أبدًا.
وهو موقوف صحيح.
• أخرج الشافعي في المسند (ج 2 رقم 144 - ترتيب) عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليها طلاق، وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف، فإمَّا أن يُطلِّق وإما أن يفيء.
موقوف بسند صحيح.
(5)
انظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابنه أبي الفضل صالح (169 - 170) رقم (595) و (ص 293 رقم 1072).
ومسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، رواية حرب بن إسماعيل الكرماني (ص 260).
(6)
في المسند (ج 2 رقم 139 - ترتيب).
(7)
في سننه (4/ 61، 62 رقم 148)، وهو موقوف صحيح.
4/ 2892 - (وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ أنّهُ قَالَ: سألْتُ اثْنَي عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ يُولِي، قَالُوا: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتّى تَمْضِي أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَيُوقَفُ، فإنْ فَاءَ وَإِلّا طَلّقَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)
(1)
. [موقوف صحيح]
حديث الشعبي قال الحافظ في الفتح
(2)
: رجاله موثقون ولكنه رجح الترمذي
(3)
إرساله على وصله.
وأثر عمر ذكره البخاري
(4)
موصولًا من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس.
وأثر عثمان وصله الشافعي
(5)
وابن أبي شيبة
(6)
وعبد الرزاق
(7)
بلفظ: "يوقف المولي فإما أن يفيء وإما أن يطلق"، وهو من رواية طاوس عنه، وفي سماعه منه
(8)
نظر.
[لكن أخرجه الإسماعيلي]
(9)
من وجه آخر منقطع عنه أنه كان لا يرى الإيلاء شيئًا وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف.
(1)
في سننه (4/ 61 رقم 147). وأخرجه البيهقي (7/ 377) من طريق الدارقطني، به.
وأخرج البخاري في "التاريخ"(2/ 166) من طريق عبد ربه بن سعيد، عن ثابت بن عبيد مولى زيد بن ثابت، عن اثني عشر رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: الإيلاءُ لا يكون طلاقًا حتى يُوقَف.
وأخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 139) من هذا الوجه، فقال: بضعة عشر كذا في "الفتح".
وهو موقوف صحيح.
(2)
الفتح (9/ 427).
(3)
في السنن (3/ 505).
(4)
في صحيحه رقم (5291).
(5)
في المسند (ج 2 رقم 142 - ترتيب).
(6)
في المصنف (5/ 132).
(7)
في المصنف (رقم 11664).
(8)
قال أبو حاتم: طاوس عن عثمان مرسل؛ كما في المراسيل (99).
وقال أبو زرعة: لم يسمع من عثمان شيئًا كما في "جامع التحصيل"(ص 244 رقم 307) وتحفة التحصيل للعراقي (ص 157 - 158).
(9)
في المخطوط (ب): (لكن قد أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام).
• "الأحكام" إسماعيل بن إسحاق القاضي (ت 282 هـ)، (وهو الإمام العلامة إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل ابن محدث البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي، القاضي).
واسمه: أحكام القرآن. =
وأخرج عبد الرزاق
(1)
والدارقطني
(2)
عنه خلاف ذلك، ولفظه:"قال عثمان: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة"، وقد رجح أحمد رواية طاوس عنه.
وأثر عليّ وصله الشافعي
(3)
وابن أبي شيبة
(4)
وسنده صحيح، وكذلك روى عنه مالك
(5)
: "أنه إذا مضت الأربعة أشهر لم يقع عليه طلاق حتى يوقف، فإما أن يطلق وإما أن يفيء"، وهو منقطع لأنه من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عنه.
وأخرج نحوه عنه سعيد بن منصور
(6)
بإسناد صحيح.
وأثر أبي الدرداء وصله ابن أبي شيبة
(7)
ولفظه: "إن أبا الدرداء قال: يوقف في الإيلاء عند انقضاء الأربعة، فإما أن يطلق وإما أن يفيء" وإسناده صحيح.
وأثر عائشة وصله عبد الرزاق
(8)
مثل قول أبي الدرداء وهو منقطع لأنه من رواية قتادة عنها، ولكنه أخرج عنها سعيد بن منصور
(9)
أنها كانت لا ترى الإيلاء شيئًا حتى يوقف، وإسناده صحيح.
= قال فيه الذهبي في "السير"(13/ 340): "لم يُسْبَق إلى مثله".
[معجم المصنفات ص 42 رقم 20].
(1)
في "المصنف" رقم (11638).
(2)
في سننه (4/ 62 رقم 150).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 378) وقال البيهقي: "ليس ذلك بمحفوظ وعطاء الخراساني ليس بالقوي، والمشهور عن عثمان رضي الله عنه بخلافه".
(3)
في الأم (6/ 669) وفي المسند (ج 2 رقم 140 - ترتيب).
(4)
في "المصنف"(5/ 131).
وهو موقوف صحيح.
(5)
في "الموطأ"(2/ 556 رقم 17).
قلت: وأخرجه الشافعي (ج 2 رقم 145 - ترتيب) والبيهقي (7/ 377) وإسناده ضعيف لانقطاعه؛ فالأثر ضعيف، والله أعلم.
(6)
في سننه (2/ 31) رقم (1958) بسند صحيح.
(7)
في "المصنف"(5/ 132) بسند صحيح.
(8)
في المصنف رقم (11658).
(9)
في سننه رقم (1914) بسند صحيح.
وأخرج الشافعي
(1)
عنها نحوه بإسناد صحيح أيضًا.
وأما الآثار الواردة عن اثني عشر رجلًا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخرجها البخاري في التاريخ موصولة
(2)
.
وأثر سليمان بن يسار أخرجه أيضًا إسماعيل القاضي
(3)
من طريق يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: "أدركت بضعة عشر رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: الإيلاء لا يكون طلاقًا حتى يوقف".
وأثر سهيل بن أبي صالح إسناده في سنن الدارقطني هكذا: أخبرنا أبو بكر النيسابوري، أخبرنا أحمد بن منصور، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب عند عبيد الله بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه
…
فذكره، ويشهد له ما تقدم.
وأخرج إسماعيل القاضي
(4)
عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: أدركنا الناس يقفون الإيلاء إذا مضت الأربعة.
وفي الباب من المرفوع عن أنس عند البخاري
(5)
: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه
…
" الحديث.
وعن أمّ سلمة عند البخاري
(6)
بنحوه.
وعن ابن عباس [عنده]
(7)
: "أنه صلى الله عليه وسلم أقسم أن لا يدخل عليهنّ شهرًا".
وعن جابر عند مسلم
(8)
: "أنه صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه شهرًا".
قوله: (آلى) الإيلاء في اللغة: الحلف
(9)
. وفي الشرع
(10)
: الحلف الواقع من الزوج أن لا يطأ زوجته.
(1)
في المسند (ج 2 رقم 143 - ترتيب) وهو موقوف صحيح.
(2)
في "التاريخ"(2/ 166).
(3)
كما في "الفتح"(9/ 393).
(4)
كما في "الفتح"(9/ 429).
(5)
في صحيحه رقم (1911).
(6)
في صحيحه رقم (1910).
(7)
تنبيه: في كل طبعات "نيل الأوطار": (عنه)، وهو تحريف كما أثبتناه من المخطوط (أ) و (ب).
• وعنده: أي عند البخاري في صحيحه رقم (4913).
(8)
في صحيحه رقم (23/ 1084).
(9)
النهاية (1/ 72) والقاموس المحيط (ص 1627).
(10)
البيان للعمراني (10/ 271 - 272).
ومن أهل العلم
(1)
من قال: الإيلاء: الحلف على ترك كلامها، أو على أن يغيظها، أو يسوءها، أو نحو ذلك.
ونقل عن الزهري
(2)
أنه لا يكون الإيلاء إيلاءً إلا أن يحلف المرء بالله فيما يريد أن يضارّ به امرأته من اعتزالها، فإذا لم يقصد الإضرار لم يكن إيلاء.
وروي عن عليّ
(3)
وابن عباس والحسن
(4)
وطائفة: أنه لا إيلاء إلا في غضب، فأما من حلف أن لا يطأها بسبب الخوف على الولد الذي يرضع منها من الغيلة فلا يكون إيلاء.
وروي عن القاسم بن محمد
(5)
وسالم فيمن قال لامرأته: إن كلمتك سنة فأنت طالق، قالا: إن مضت أربعة أشهر ولم يكلمها طلقت. وإن كلمها قبل سنة فهي طالق.
وروي عن يزيد بن الأصمِّ أن ابن عباسٍ قال له: "ما فعلت امرأتك فعهدي بها سيئة الخلق فقال: لقد خرجت وما أكلمها، قال: أدركها قبل أن تمضي أربعة أشهر، فإن مضت فهي تطليقةٌ".
قوله: (وحرم) في الصحيحين
(6)
أن الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه هو العسل. وقيل: تحريم مارية وسيأتي.
وروى ابن مردويه من طريق عائشة ما يفيد الجمع بين الروايتين، وهكذا الخلاف في تفسير قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}
(7)
الآية. ومدَّة إيلائهِ صلى الله عليه وسلم من نسائه [شهرٌ]
(8)
كما ثبت في صحيح البخاري
(9)
.
واختلف في سبب الإيلاء، فقيل: سببه الحديث الذي أفشته حفصة كما في صحيح البخاري
(10)
من حديث ابن عباس.
(1)
كما في "الفتح"(9/ 426).
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 426).
(3)
أخرج أثره ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 141).
(4)
أخرج أثره ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 142).
(5)
أخرج أثره عبد الرزاق في "المصنف"(رقم 11605).
(6)
يأتي برقم (2899) من كتابنا هذا.
(7)
سورة التحريم، الآية:(1).
(8)
في المخطوط (ب): (شهرًا).
(9)
في صحيحه رقم (5191).
(10)
في صحيحه رقم (5191).
واختلف أيضًا في ذلك الحديث الذي أفشته، وقد وردت في بيانه روايات مختلفة.
وقد اختلف في مقدار مدَّة الإيلاء، فذهب الجمهور
(1)
إلى أنَّها أربعة أشهر فصاعدًا، قالوا: فإن حلف على أنقص منها لم يكن موليًا.
وقال إسحاق
(2)
: إن حلف أن لا يطأها يومًا فصاعدًا، ثمَّ لم يطأها حتى مضت أربعة أشهر، كان إيلاءً، وجاء عن بعض التابعين
(3)
مثله.
وحكى صاحب البحر
(4)
عن ابن مسعود
(5)
وابن سيرين
(6)
وابن أبي ليلى
(7)
وقتادة
(8)
والحسن البصري
(9)
والنخعي
(10)
وحماد بن عيينة
(11)
: أنه ينعقد بدون أربعة أشهر، لأنَّ القصد مضارَّة الزوجة وهي حاصلةٌ في دونها.
واحتجَّ الأوّلون بقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}
(12)
.
وأجاب الآخرون عنها بأنَّ المراد بها المدّة التي تضرب للمولي، فإن فاء بعدها وإلا طلق حتمًا، لا أنه لا يصحّ الإيلاء دون هذه المدَّة.
ويؤيد ما قالوه ما تقدَّم من إيلائه صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرًا، فإنه لو كان ما في
(1)
حكاه ابن كثير في تفسيره (2/ 330 - 331) والحافظ في "الفتح"(9/ 428).
(2)
حكاه عنه ابن عبد البر في في "الاستذكار"(17/ 104 رقم 25474) والعمراني في "البيان"(10/ 284) وابن قدامة في المغني (11/ 8).
(3)
المغني (11/ 8) والبياني للعمراني (10/ 284).
(4)
البحر الزخار (3/ 244).
(5)
حكاه عنه ابن عبد البر في "الاستذكار"(17/ 104 رقم 25473).
وابن قدامة في الغني (11/ 8) والكاساني في بدائع الصنائع (3/ 170).
(6)
حكاه عنه ابن عبد البر في "الاستذكار"(4/ 1017 رقم 25472).
(7)
حكاه عنه ابن عبد البر في "الاستذكار"(4/ 1017 رقم 25471).
(8)
حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(11/ 8).
(9)
أخرج أثره ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 135).
(10)
حكاه عنه ابن عبد البر في "الاستذكار"(17/ 104 رقم 25472) وابن حزم في المحلى (10/ 44) وابن قدامة في "المغني"(11/ 8).
(11)
أخرج أثره ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 136).
(12)
سورة البقرة، الآية:(226).
القرآن بيانًا لمقدار المدة التي لا يجوز الإيلاء دونها لم يقع منه صلى الله عليه وسلم ذلك.
وأيضًا الأصل: أن من حلف على شيءٍ لزمه حكم اليمين، فالحالف من وطء زوجته يومًا أو يومين مول.
وأخرج عبد الرزاق
(1)
عن عطاء: أن الرجل إذا حلف أن لا يقرب امرأته سمَّى أجلًا أو لم يسمِّه، فإن مضت أربعة أشهر ألزم حكم الإيلاء.
وأخرج سعيد بن منصور
(2)
عن الحسن البصري: أنه إذا قال لامرأته: والله لا أقربها الليلة، فتركها أربعة أشهر من أجل يمينه تلك فهو إيلاء.
وأخرج الطبراني
(3)
والبيهقي
(4)
من حديث ابن عباس قال: كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين، فوقت [الله]
(5)
لهم أربعة أشهر، فمن كان إيلاؤه أقلّ من أربعة أشهر فليس بإيلاء.
قوله: (فإما أن يفيء) الفيء: الرجوع، قاله أبو عبيدة
(6)
وإبراهيم النخعي في رواية الطبري
(7)
عنه، قال: الفيء: الرجوع باللسان.
ومثله عن أبي قلابة
(8)
وعن سعيد بن المسيّب والحسن (9) وعكرمة
(9)
: الفيء: الرجوع بالقلب لمن به مانع عن الجماع وفي غيره بالجماع.
وحكى ذلك في البحر
(10)
عن العترة والفريقين.
(1)
في "المصنف" رقم (11610).
(2)
في سننه رقم (1922). وانظر: موسوعة فقه الإمام الحسن البصري (1/ 173).
(3)
في "المعجم الكبير"(ج 11 رقم 11365).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 10) وقال: "رجاله رجال الصحيح".
(4)
في السنن الكبرى (7/ 381).
(5)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(6)
في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة (1/ 73) حيث قال: {فَإِنْ فَاءُوا} أي: رجعوا عن اليمين.
وفي "الغريبين" لأبي عبيد (5/ 1484) حيث قال: {فَإِنْ فَاءُوا} أي: رجعوا عن اليمين.
(7)
في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 425).
(8)
أخرج أثره ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 137).
(9)
أخرج أثرهما ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 138).
(10)
البحر الزخار (3/ 246).
وحكاه صاحب الفتح
(1)
عن أصحاب ابن مسعود. وعن ابن عباس
(2)
: الفيء: الجماع.
وحكى
(3)
مثله عن مسروق
(4)
وسعيد بن جبير
(5)
والشعبي
(6)
.
قال الطبري
(7)
: اختلافهم في هذا من اختلافهم في تعريف الإيلاء، فمن خصه بترك الجماع قال: لا يفيء إلا بفعل الجماع.
ومن قال: الإيلاء: الحلف على ترك كلام المرأة أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك لم يشترط في الفيء الجماع، بل رجوعه بفعل ما حلف أنه لا يفعله.
قال في البحر
(8)
: فرع: ولفظ الفيء: ندمت على يميني ولو قدرت الآن لفعلت أو رجعت عن يميني ونحوه، انتهى.
وقد ذهب الجمهور
(9)
إلى أن الزوج لا يطالب بالفيء قبل مضيِّ الأربعة الأشهر.
وقال ابن مسعود (10): وزيد بن ثابت (10) وابن أبي ليلى (10) والثوري
(10)
وأبو حنيفة
(11)
: إنه يطالب فيها لقراءة ابن مسعود (فإن فاؤوا فيهنَّ) قالوا: وإذا جاز الفيء جاز الطلب إذ هو تابع.
ويجاب بمنع الملازمة وبنصّ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}
(12)
،
(1)
الفتح (9/ 426).
(2)
في جامع البيان (2/ ج 2/ 422) والمصنف لابن أبي شيبة (5/ 139).
(3)
أي الحافظ في "الفتح"(9/ 426).
(4)
جامع البيان (2/ ج 2/ 422) والمصنف لابن أبي شيبة (5/ 139).
(5)
جامع البيان (2/ ج 2/ 422) والمصنف لابن أبي شيبة (5/ 139).
(6)
جامع البيان (2/ ج 2/ 423) والمصنف لابن أبي شيبة (5/ 138).
(7)
في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 425).
(8)
البحر الزخار (3/ 247).
(9)
المغني (11/ 30 - 31).
(10)
المغني (11/ 31) ومعجم القراءات (1/ 309 - 310).
(11)
البناية في شرح الهداية (5/ 275 - 276) والاختيار (3/ 203).
(12)
سورة البقرة، الآية:(226).
فإنَّ الله سبحانه شرع التربُّص هذه المدة، فلا يجوز مطالبة الزوج قبلها، واختياره للفيء قبلها إبطال لحقه من جهة نفسه فلا يبطل بإبطال غيره.
وذهب الجمهور
(1)
إلى أن الطلاق الواقع من الزوج في الإيلاء يكون رجعيًا، وهكذا عند من قال: إن مضيّ المدة يكون طلاقًا وإن لم يطلق.
وقد أخرج الطبري
(2)
عن عليّ وابن مسعود وزيد بن ثابت أنها إذا مضت أربعة أشهر ولم يفيء طلقت طلقة بائنة.
وأخرج
(3)
أيضًا عن جماعة من التابعين من الكوفيين وغيرهم كابن الحنفية وقبيصة بن ذؤيب وعطاء والحسن وابن سيرين مثله.
وأخرج
(4)
أيضًا من طريق سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وربيعة ومكحول والزهري والأوزاعي أنها تطلق طلقة رجعية.
وأخرج سعيد بن منصور
(5)
عن جابر بن زيد أنها تطلق بائنًا.
وروى إسماعيل القاضي في أحكام القرآن
(6)
بسند صحيح عن ابن عباس مثله، وأخرج ابن أبي شيبة
(7)
عن ابن مسعود مثله.
* * *
(1)
المغني (11/ 31).
(2)
في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 428).
(3)
أي الطبري في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 430 - 431).
(4)
أي الطبراني في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 432).
(5)
في سننه رقم (1937).
(6)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 428).
(7)
في "المصنف"(5/ 134).
[الكتاب الثالث والثلاثون] كتاب الظهار
(1)
[الباب الأول][حديث سلمة بن صخر في كفارة الظهار]
1/ 2893 - (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ قَالَ: كُنْتُ امْرَأ قَدْ أُوتِيتُ مِنْ جِمَاعِ النِّساءِ ما لَمْ يُؤْتَ غَيْرِي، فَلَمّا دَخَلَ رَمَضَانُ ظاهَرْتُ من امْرَأَتِي حَتّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ فَرَقًا مِنْ أنْ أُصِيبَ فِي لَيْلَتِي شَيْئًا فَأتَتايَعُ فِي ذلكَ إلى أنْ يُدْرِكَنِي النَّهارُ وأنا لا أقْدِرُ أنْ أنْزِعَ، فَبَيْنا هِيَ تَخْدُمُني مِنَ اللَّيْلِ إِذْ تَكَشَّفَ لِيّ مِنْهَا شَيْءٌ، فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا؛ فَلَمّا أصْبَحْت غَدَوْتُ على قَوْمي فَأخْبَرْتُهُمْ خَبري وَقُلْتُ لَهُمْ: انْطَلِقُوا مَعِي إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخْبِرَهُ بأمْرِي، فَقالُوا: وَالله لا نَفْعَلُ نَتَخَوَّفُ أنْ يُنْزَلَ فِينَا قُرآنٌ أَوْ يَقُولَ فِينَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقَالَةً يَبْقَى عَلَيْنَا عَارُها، وَلَكِنِ اذْهَبْ أنْتَ وَاصْنَعْ ما بَدَا لَكَ، فَخَرَجْتُ حتّى أَتَيْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فأخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ لِي:"أنْتَ بِذَاكَ؟ "، فَقُلْتُ: أنا بِذَاكَ، فَقَالَ:"أنْتَ بِذَاك؟ "، قُلْتُ: أنا بِذَاكَ، فَقَالَ:"أَنْتَ بِذَاكَ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ ها أَنَا ذَا فَامْضِ فِيَّ حُكْمِ الله عز وجل فأنا صَابِرٌ لَهُ،
(1)
الظهار - لغة -: مصدر ظاهر مظاهرة وظهارًا، هو مقابلة الظهر بالظهر إعراضًا وتباعدًا؛ لأن كل واحد منهما يولِّي ظهره إلى صاحبه.
قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة"(ص 618 - 619): قول الرجل لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي: وهي كلمة كانوا يقولونها يريدون بها الفِراق، وإنما اختصوا الظهر .. لمكان الركوب، وإلا .. فسائر أعضائها في التحريم كالظهر وخصوا الظهر دون البطن والفخذ والفرج بالتحريم، لأن المرأة تُمتطي حال غشيانها - فإذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي، أراد: ركوبها للنكاح حرامٌ عليَّ كركوب أمي للوطء، فأقام الظهر مقام الركوب؛ لأنه مركوب، وأقام الركوب مقام النكاح؛ لأن الناكح راكب - وهذا استعارة وكناية عن الجماع.
وحقيقته الشرعية: تشبيه الزوج زوجته في الحرمة بمحرَّمة، كأمِّ وعمَّةٍ.
وأركانه أربعة: صيغة، ومظاهر، ومُظاهر منها، ومشبه به.
قَالَ: "أعْتِقْ رَقَبَةً"، فَضَرَبْتُ صَفْحَةَ رَقَبَتِي بِيَدِي وَقُلْتُ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقّ ما أَصْبَحْتُ أمْلِكُ غَيْرَها، قَالَ:"فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوَلَ اللهِ، وَهَلْ أصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إلا فِي الصَّوْمِ؟ قَالَ:"فَتَصَدَّقْ"، قَالَ: قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا وَحْشًا ما لَنَا عَشاءٌ، قالَ:"اذْهَبْ إلى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَقُلْ لَهُ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ فَأطْعِمْ عَنْكَ مِنْهَا وسْقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا، ثُمَّ اسْتَعِنْ بِسَائِرِهِ عَلَيْكَ وعلى عِيالكَ"، قَالَ: فَرَجَعْتُ إلى قَوْمِي فَقُلْتُ: وَجَدْتُ عِنْدَكُمُ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأيِ، وَوَجَدْتُ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم السَّعَةَ وَالْبَرَكَةَ، وَقَدْ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ فادْفَعُوها إليَّ، قَالَ: فَدَفَعُوهَا إلَيْه. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَأَبُو دَاوُدَ
(2)
وَالتِّرْمِذِيّ
(3)
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ). [صحيح لغيره]
(1)
في المسند (4/ 37).
(2)
في سننه رقم (2213).
(3)
في سننه رقم (1198) و (3299).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2062) والدارمي (2/ 163، 164) والحاكم (2/ 203) والبيهقي (7/ 390).
من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر، به.
قال الترمذي، "حديث حسن .. وقال محمد - يعني البخاري -: سليمان بن يسار لم يسمع عندي من سلمة بن صخر".
قلت: ومحمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعنه عند جميع من ذكرناهم، ومع ذلك فقد صححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
- وللحديث طريق آخر:
أخرجه الترمذي رقم (1200) والحاكم (2/ 204) والبيهقي (7/ 390).
قال الترمذي: حديث حسن.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
قلت: هو منقطع بين أبي سلمة، وابن ثوبان، وبين سلمة بن صخر.
- وله شاهد من حديث ابن عباس:
أخرجه البزار (رقم 1513 - كشف) والبيهقي (7/ 392) عن عبيد الله بن موسى.
والطبراني في "المعجم الكبير"(ج 11 رقم 11689) عن الأبيض بن الأغر بن الصباح.
كلاهما عن أبي حمزة الثماني عن عكرمة عن ابن عباس: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت عليَّ كظهر أمي، حرمت عليه. وكان أول من ظاهر في الإسلام رجل كانت تحته ابنة عم له، يُقال لها: خويلة، فظاهر منها، فأسقط في يده، وقال: ألا قد =
الحديث أخرجه أيضًا الحاكم
(1)
وصححه ابن خزيمة
(2)
وابن الجارود
(3)
.
وقد أعلّه عبد الحق بالانقطاع وأن سليمان بن يسار لم يدرك سلمة.
وقد حكى ذلك الترمذي
(4)
عن البخاري، وفي إسناده أيضًا محمد بن إسحاق.
قوله: (ظاهرت من امرأتي) الظهار بكسر الظاء المعجمة اشتقاقه من الظهر، وهو قول الرجل لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمِّي.
قال في الفتح
(5)
: وإنما خصَّ الظهر بذلك دون سائر الأعضاء؛ لأنه محل
= حرمت علي، وقالت له مثل ذلك، قال: فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا خويلة، فجعلت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} إلى قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 1 - 3] قالت: أيُّ رقبة، ما له غيري. قال:{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4]، قالت: والله إنه ليشرب في اليوم ثلاث مرات، قال:{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4]. قالت: بأبي وأمي ما هي إلا أكلة إلى مثلها لا نقدر على غيرها. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بشطر وسق ثلاثين صاعًا، والوسق: ستون صاعًا، فقال:"ليطعمك ستين مسكينًا وليراجعك".
قال البزار: "لا نعلم بهذا اللفظ في الظهار، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وأبو حمزة لينُ الحديث، وقد خالفه في روايته، ومتن حديثه الثقات في أمر الظهار، لأن الزهريّ رواه عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.
وهذا إسناد لا نعلم بين علماء أهل الحديث اختلافًا في صحته، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بإناء فيه خمسة عشر صاعًا: وحديث أبي حمزة منكر، وفيه لفظ يدل على خلاف الكتاب، لأنه قال:"وليراجعك" وقد كانت امرأته، فما معنى مراجعته امرأته ولم يطلقها، وهذا مما لا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أتى هذا من رواية أبي حمزة الثمالي". اهـ.
وأصل القصة رواها البخاري تعليقًا (13/ 372): قال: قال الأعمش عن تميم عن عروة، عن عائشة، قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1].
ووصله النسائي رقم (3460) وابن ماجه رقم (2063) والحاكم (2/ 481) من طرق عن الأعمش به. وهو عندهم بسياق أتم، غير أن رواية النسائي قريبة من رواية البخاري في الاختصار.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وخلاصة القول: أن حديث سلمة بن صخر حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(1)
في المستدرك (2/ 203) وقد تقدم.
(2)
في صحيحه رقم (1947).
(3)
في "المنتقى" رقم (744).
(4)
في السنن (5/ 406).
(5)
الفتح (9/ 432 - 433).
الركوب غالبًا، ولذلك سمي المركوب ظهرًا فشبهت الزوجة بذلك لأنها مركوب الرجل.
وقد ذهب الجمهور
(1)
إلى أن الظهار يختصَّ بالأمّ كما ورد في القرآن.
وفي حديث خولة التي ظاهر منها أوس
(2)
، فلو قال: كظهر أختي، مثلًا لم يكن ظهارًا، وكذا لو قال: كظهر أبي.
وفي رواية عن أحمد
(3)
: أنَّه ظهارٌ، وطرده في كل من يحرم عليه وطؤه حتى في البهيمة.
وحكى في البحر
(4)
عن أبي حنيفة
(5)
وأصحابه، والأوزاعي، والثوري، والحسن بن صالح
(6)
، وزيد بن علي، والناصر، والإمام يحيى
(7)
، والشافعي
(8)
في أحد قوليه أنه يقاس المحارم على الأم ولو من رضاع، (إذ العلة التحريم المؤبد. وعن ابن القاسم من [أصحاب الشافعي]
(9)
: ولو من الرجال. وعن مالك
(10)
وأحمد
(11)
والبتي
(12)
وغير المؤبد: فيصحّ بالأجنبيات.
قوله: (فرقًا) بفتح الفاء والراء.
قوله: (فأتتايع) بتاءين فوقيتين وبعد الألف ياء: وهو الوقوع في الشرّ.
قوله: (فقال لي أنت بذاك)، لعلَّ هذا التكرير للمبالغة في الزجر، لا أنه
(1)
المغني (11/ 57) والفتح (9/ 433).
(2)
أخرجه أحمد (6/ 410، 411) وأبو داود رقم (2214) والترمذي رقم (3299) وابن ماجه رقم (2063).
وهو حديث صحيح لغيره.
(3)
المغني (11/ 57).
(4)
البحر الزخار (3/ 232).
(5)
البناية في شرح الهداية (5/ 329) وبدائع الصنائع (3/ 233).
(6)
المغني (11/ 58) والاستذكار (17/ 125 رقم 25600).
(7)
البحر الزخار (3/ 232).
(8)
البيان للعمراني (10/ 336 - 337).
(9)
كذا في المخطوط (أ) و (ب) ولعل الصواب: (أصحاب مالك) كما في هامش المخطوط (ب): "هكذا في البحر، وينظر فإن ابن القاسم من أصحاب مالك". اهـ.
(10)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 44 - 45) والتهذيب في اختصار المدونة (2/ 257).
(11)
المغني (11/ 57 - 58).
(12)
الاستذكار (17/ 125 رقم 25599).
شرط في إقرار المُظاهر، ومن ههنا يلوح: أنَّ مجرَّد الفعل لا يصحُّ الاستدلال به على الشرطية كما سيأتي في الإقرار بالزنا.
قوله: (أعتق رقبة) ظاهره عدم إعتبار كونها مؤمنة، وبه قال عطاء، والنخعي، وزيد بن عليّ، وأبو حنيفة
(1)
وأبو يوسف.
وقال مالك
(2)
والشافعي
(3)
وأكثر العترة
(4)
: لا يجوز ولا يجزي إعتاق الكافر لأنَّ هذا مطلق مقيد بما في كفارة القتل من اشتراط الإيمان.
وأجيب: بأنَّ تقييد حكم بما في حكم آخر مخالف له لا يصحُّ، وتحقيق الحقّ في ذلك محرّر في الأصول، ولكنه يؤيد إعتبار الإسلام حديث معاوية بن الحكم السلمي، فإنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إعتاق جاريته عن الرقبة التي عليه، قال لها:"أين الله؟ فقالت: في السماء، فقال: من أنا؟ فقالت: رسول الله، قال: فأعتقها فإنها مؤمنة"
(5)
، ولم يستفصله عن الرقبة التي عليه وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، وظاهر إطلاق الرقبة أنها تجزي المعيبة. وقد حكاه في البحر
(6)
عن أكثر العترة وداود
(7)
.
وحكي عن المرتضى والفريقين ومالك
(8)
: أنها لا تجزي.
قوله: (فصم شهرين) ظاهره أن حكم العبد حكم الحرّ في ذلك.
وقد نقل ابن بطال
(9)
: الإجماع على أن العبد إذا ظاهر لزمه، وأن كفارته بالصيام شهران كالحرّ. واختلفوا في الإطعام والعتق، فقال الكوفيون
(10)
(1)
البناية في شرح الهداية (5/ 337) والاختيار (3/ 213).
(2)
المدونة (3/ 48).
(3)
الأم (6/ 705 - 706).
(4)
البحر الزخار (3/ 234).
(5)
وهو حديث صحيح.
أخرجه أحمد (5/ 447) ومسلم رقم (33/ 537) وأبو داود رقم (930) والنسائي رقم (1218).
(6)
البحر الزخار (3/ 234).
(7)
المحلى (10/ 49 - 50).
(8)
عيون المجالس (3/ 1286) والمدونة (2/ 213).
(9)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 453).
(10)
الفتح (9/ 434).
والشافعي والهادوية
(1)
: لا يجزيه إلا الصيام فقط.
وقال ابن القاسم
(2)
عن مالك: إذا أطعم بإذن مولاه أجزأه. قال: وما ادّعاه ابن بطال من الإجماع مردود، فقد نقل الشيخ الموفق في المغني
(3)
عن بعضهم أنه لا يصحّ ظهار العبد لأن الله تعالى قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}
(4)
، والعبد لا يملك الرقاب.
وتعقب بأن تحرير الرقبة إنما هو على من يجدها فكان كالمعسر ففرضه الصيام.
وأخرج عبد الرزاق
(5)
عن معمر عن قتادة عن إبراهيم أنه لو صام العبد شهرًا أجزأ عنه.
قوله: (وحشًا) لفظ أبي داود: (وحشين). قال في النهاية
(6)
: يقال: رجل وحش بالسكون: إذا كان جائعًا لا طعام له.
وقد أوحش: إذا جاع.
قوله: (بني زريق) بتقديم الزاي على الراء.
قوله: (ستين مسكينًا) فيه دليل: على أنَّه يجزي من لم يجد رقبة، ولم يقدر على الصيام لعلةٍ أن يطعم ستين مسكينًا.
وقد حكى صاحب البحر
(7)
الإجماع على ذلك.
وحكى أيضًا
(8)
الإجماع على أن الكفارة في الظهار واجبةٌ على الترتيب.
وظاهر الحديث أنه لا بدّ من إطعام ستين مسكينًا، ولا يجزي إطعام دونهم، وإليه ذهب الشافعي
(9)
ومالك
(10)
والهادوية
(11)
.
(1)
البحر الزخار (3/ 234).
(2)
الاستذكار (17/ 147 رقم 25716).
(3)
المغني (11/ 106) ولكنه قال: "ظهار العبد صحيح وكفارته بالصيام".
(4)
سورة النساء، الآية:(92).
(5)
في "المصنف" رقم (13181).
(6)
النهاية في غريب الحديث (2/ 830).
(7)
البحر الزخار (3/ 234).
(8)
أي الإمام المهدي في المرجع السابق.
(9)
روضة الطالبين (8/ 305).
(10)
عيون المجالس (3/ 1288 رقم 900).
(11)
البحر الزخار (3/ 239).
وقال زيد بن عليّ
(1)
، وأبو حنيفة
(2)
وأصحابه والناصر
(3)
: إنه يجزي إطعام واحد ستين يومًا.
قوله: (فأطعم عنك منها وَسْقًا)، في رواية:"فأطعم عرقًا من تمر ستين مسكينًا" وسيأتي الإختلاف في العرق في حديث خولة.
وقد أخذ بظاهر حديث الباب: الثوري
(4)
وأبو حنيفة
(5)
وأصحابه والهادوية (6) والمؤيد
(6)
بالله، فقالوا: الواجب لكل مسكينٍ صاعٌ من تمرٍ، أو ذرةٍ، أو شعيرٍ، أو زبيبٍ، أو نصف صاع من برّ.
وقال الشافعي
(7)
: وهو مرويُّ عن أبي حنيفة
(8)
أيضًا: إن الواجب لكل مسكين مد، وتمسكوا بالروايات التي فيها ذكر العرق
(9)
وتقديره بخمسة عشر صاعًا [وسيأتي]
(10)
، واختلفت الرواية عن مالك
(11)
.
وظاهر الحديث: أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أعانه بما يُكفِّر به بعد أن أخبره: أنَّه لا يجد رقبةً ولا يتمكَّن من إطعامٍ، ولا يطيق الصوم، وإليه ذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه، وذهب قوم إلى السقوط، وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا: تسقط كفارة صوم رمضان لا غيرها من الكفارات.
2/ 2894 - (وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُظاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ
(1)
كما في المرجع السابق (3/ 239).
(2)
البناية في شرح الهداية (5/ 350) والاختيار (3/ 216).
(3)
البحر الزخار (3/ 239).
(4)
كما في "المغني"(11/ 94).
(5)
البناية في شرح الهداية (5/ 350) والاختيار (3/ 215، 217) وشرح معاني الآثار (3/ 121).
(6)
البحر الزخار (3/ 240).
(7)
الأم (6/ 717).
(8)
البناية في شرح الهداية (10/ 391 - 392) والاختيار (3/ 215، 217).
(9)
العَرَق = 15 صاعًا - 15 × 2176 = 32640 غ = 32.640 كغ.
الصاع = 4 أمداد كيلًا = 2176 غ = 2.176 كغ.
المد = 544 غ.
(10)
في المخطوط (ب): (وستأتي).
(11)
عيون المجالس (3/ 1289 رقم 901) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 50 - 51).
يُكَفِّرَ، قَالَ:"كفّارَةٌ وَاحِدَةٌ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(1)
وَالتِّرْمِذِيُّ)
(2)
. [صحيح لغيره]
3/ 2895 - (وَعَنْ أَبْي سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أعْطَاهُ مِكْتَلًا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، فَقَالَ:"أَطْعِمْهُ سِتِّينَ مسْكِينًا، وَذلكَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
، وَللتِّرْمِذِيَ
(4)
مَعْنَاهُ). [صحيح لغيره]
4/ 2896 - (وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن رَجُلًا أتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: يا رَسُولَ الله إني ظاهَرْتُ مِنِ امْرَأتي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أنْ أُكَفِّرَ، فَقالَ:"ما حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ الله؟ "، قَالَ: رأيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ القَمَرِ، قَالَ:"فَلَا تَقْرَبْها حَتّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ الله"، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَحْمَدَ
(5)
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
(6)
، وَهُوَ حُجّةٌ فِي تَحْرِيمِ الوَطْءِ [قَبْلَ التَّكْفِيرِ]
(7)
بِالْإِطْعَامِ وَغَيْرِهِ.
وَرَوَاهُ أيْضًا النّسائيّ
(8)
عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا وَقَالَ فِيهِ: "فَاعْتَزِلْهَا حَتّى تَقْضِيَ مَا عَلَيْكَ"، وَهُوَ حُجّةٌ فِي ثبوتِ كَفّارَةِ الظّهارِ فِي الذّمّةِ). [حسن]
حديث سلمة الأوّل حسّنه الترمذي
(9)
، وحديثه الثاني أخرجه أيضًا
(1)
في سننه رقم (2064).
(2)
في سننه رقم (1198). وقال: "حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم".
وهو حديث صحيح لغيره. وقد تقدم.
(3)
في سنه (3/ 316 رقم 260).
(4)
في سننه رقم (1200) وقال الترمذي: حديث حسن.
قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 204) والبيهقي (7/ 390).
وهو حديث صحيح لغيره. وقد تقدم.
(5)
أبو داود رقم (2223) والترمذي رقم (1199) والنسائي رقم (3457) وابن ماجه رقم (2065).
قال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح.
وهو حديث حسن.
(6)
في السنن (3/ 503).
(7)
في المخطوط (أ): مكررة.
(8)
في سننه رقم (3458) وهو حديث حسن.
(9)
في السنن (3/ 502).
الحاكم
(1)
والبيهقي
(2)
من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبي سلمة بن عبد الرحمن: أن سلمة بن صخر البياضي
…
الحديث.
وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا الحاكم
(3)
وصححه، قال الحافظ
(4)
: ورجاله ثقات. لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال.
وقال ابن حزم
(5)
: رواته ثقاتٌ ولا يضرُّه إرسال من أرسله. وأخرج البزار شاهدًا له من طريق خصيف عن عطاء عن ابن عباس: "أن رجلًا قال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي، فرأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفِّر، فقال: كَفِّرْ ولا تَعُدْ"، وقد بالغ أبو بكر بن العربي
(6)
فقال: ليس في الظهار حديثٌ صحيحٌ.
قوله: (قال كفارةٌ واحدةٌ) قال الترمذي
(7)
: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وهو قول سفيان الثوري
(8)
ومالك
(9)
والشافعي
(10)
وأحمد
(11)
وإسحاق
(12)
. وقال بعضهم: إذا واقعها قبل أن يكفْر فعليه كفارتان، وهو قول عبد الرحمن بن مهدي
(13)
.
قوله: (فلا تقربها حى تفعل ما أمرك الله)، فيه دليلٌ: على أنه يحرم على الزوج الوطء قبل التكفير، وهو إجماع وأنَّ الكفارة واجبةٌ عليه لا تسقط بالوطء قبل إخراجها.
(1)
في المستدرك (2/ 204) وقد تقدم.
(2)
في السنن الكبرى (7/ 390) وقد تقدم.
(3)
في المستدرك (2/ 204) وسكت عنه، وقال الذهبي: العدني غير ثقة.
(4)
في "التلخيص"(3/ 445).
(5)
في "المحلى"(10/ 55).
(6)
في "عارضة الأحوذي"(5/ 175).
(7)
في السنن (3/ 502 - 503).
(8)
موسوعة فقه الإمام سفيان الثوري (ص 639) والاستذكار (17/ 121 رقم 25573).
(9)
عيون المجالس (3/ 1273 - 1274) والمدونة (2/ 306) والاستذكار (17/ 118 رقم 25552) و (17/ 121 رقم 25568).
(10)
روضة الطالبين (8/ 268).
(11)
المغني (11/ 110 - 111) والإنصاف للمرداوي (9/ 205).
(12)
كما في المغني (11/ 111).
(13)
كما في البناية في شرح الهداية (5/ 327).
وروى سعيد بن منصور
(1)
عن الحسن وإبراهيم أنه يجب على من وطء قبل التكفير ثلاث كفارات.
وذهب الزهري (2) وسعيد بن جبير (2)، وأبو يوسف، إلى سقوط الكفارة بالوطء، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص
(2)
أنه يجب عليه كفارتان، وهو قول عبد الرحمن بن مهدي كما سلف.
وذهب الجمهور
(3)
إلى أن الواجب كفارةٌ واحدةٌ مطلقًا، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم.
واختلف في مقدمات الوطء هل تحرم مثل الوطء إذا أراد أن يفعل شيئًا منها قبل التكفير أم لا؟ فذهب الثوري
(4)
والشافعي في أحد قوليه
(5)
إلى أن المحرّم هو الوطء وحده لا المقدّمات.
وذهب الجمهور
(6)
إلى أنها تحرم كما يحرم الوطء، واستدلوا بقوله تعالى:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}
(7)
، وهو يصدق على الوطء ومقدماته.
وأجاب من قال: بأنَّ حكم المقدمات مخالف لحكم الوطء: بأنَّ المسيس كنايةٌ عن الجماع، وقد قدَّمنا الكلام على ذلك في أبواب الوضوء.
واعلم أنَّها تجب الكفارة بعد العود إجماعًا لقوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}
(8)
.
واختلفوا هل العلة في وجوبها العود أو الظهار؟ فذهب إلى الأوّل ابن عباس وقتادة والحسن وأبو حنيفة
(9)
وأصحابه والعترة
(10)
.
(1)
في سننه رقم (1833).
(2)
كما في "المغني"(11/ 111) والبناية في شرح الهداية (5/ 327).
(3)
المغني (11/ 111).
(4)
موسوعة فقه الإمام سفيان الثوري (ص 639) والمغني (11/ 67).
(5)
المهذب (4/ 420 - 421).
(6)
المغني (11/ 67).
(7)
سورة المجادلة، الآية:(3).
(8)
سورة المجادلة، الآية:(3).
(9)
الاختيار (3/ 210) والبناية في شرح الهداية (5/ 327).
(10)
البحر الزخار (3/ 233).
وذهب إلى الثاني مجاهد والثوري.
وقال الزهري وطاوس ومالك
(1)
وأحمد بن حنبل
(2)
وداود
(3)
والشافعي
(4)
: بل العلة مجموعهما.
وقال الإمام يحيى
(5)
: إنَّ العود شرط [كالإحصان]
(6)
مع الزنا.
واختلفوا في العود ما هو؟ قال قتادة
(7)
وسعيد بن جبير
(8)
وأبو حنيفة
(9)
وأصحابه والعترة
(10)
: إنه إرادة المسّ لما حرم بالظهار، لأنَّه إذا أراد فقد عاد عن عزم الترك إلى عزم الفعل، سواء فعل أم لا.
وقال الشافعي
(11)
: بل هو إمساكها بعد الظهار وقتًا يسع الطلاق ولم يطلق، إذ تشبيهها بالأمّ يقتضي إبانتها، وإمساكها نقيضه.
وقال مالك
(12)
وأحمد
(13)
: بل هو العزم على الوطء فقط وإن لم يطأ.
وقال الحسن البصري
(14)
وطاوس
(15)
والزهري
(16)
: بل هو الوطء نفسه.
وقال داود
(17)
وشعبة: بل إعادة لفظ الظهار.
5/ 2897 - (وَعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي أوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، فَجِئْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أشْكُوا إِلَيْهِ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ:"اتَّقِي الله فَإنّهُ ابْنُ عَمِّكِ"، فَمَا بَرِحَ حَتّى نَزَلَ القُرآنُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ
(1)
عيون المجالس (3/ 1269 رقم 887).
(2)
المغني (11/ 67 - 68).
(3)
المحلى (10/ 51).
(4)
الأم (6/ 703) والحاوي الكبير (10/ 443).
(5)
البحر الزخار (3/ 233).
(6)
في المخطوط (ب): (كان الإحصان).
(7)
الاستذكار (17/ 131) رقم (25641).
(8)
أخرجه أثره ابن جرير في "جامع البيان"(14/ ج 8/ 28).
(9)
البناية في شرح الهداية (5/ 328).
(10)
البحر الزخار (3/ 233).
(11)
الحاوي الكبير (10/ 443) والأم (6/ 703).
(12)
الاستذكار (17/ 129 رقم 25629 ورقم 25630 و 25632).
(13)
المغني (1/ 731 - 74).
(14)
كما في المغني (1/ 731).
(15)
الاستذكار (17/ 130 رقم 25637).
(16)
كما في المغني (1/ 731).
(17)
المحلى (10/ 52).
فِي زَوْجِهَا}
(1)
إلى الفَرْضِ فَقَالَ: "يَعْتِقُ رَقَبَةً"، قَالَتْ: لَا يجِدُ، قَالَ:"فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ ما بِهِ مِنْ صِيَامِ، قَالَ:"فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، قالَتْ: ما عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَ:"فَإِنِّي سأعينه بعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ"، قَالَتْ: يَا رَسولَ الله فإنّي سأُعِينُهُ بعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ:"قَدْ أَحْسَنْتِ اذْهَبِي فَأطْعِمِي بِهِا عَنْهُ سَتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي إلى ابْنِ عَمِّكِ"، وَالْعَرَقُ سِتُّونَ صَاعًا. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(2)
.
وَلِأَحْمَدَ
(3)
مَعْنَاهُ لَكِنّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ العَرَقِ وَقَالَ فِيهِ: "فَلْيُطْعِمْ سِتَينَ مسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ". [صحيح]
وَلِأَبِي دَاوُدَ
(4)
فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَالْعَرَقُ مِكْتَل يَسَعُ ثَلاثِينَ صَاعًا. [حسن دون قوله: "والعرق"]
وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ.
وَلَه
(5)
عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَوْسٍ: أنّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أعْطَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ إطْعَامَ سِتِينَ مِسْكِينًا. وَهَذَا مُرْسَل. [صحيح]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ
(6)
: عَطاءٌ لَمْ يُدْرِكْ أوْسًا).
حديث خولة سكت عنه أبو داود
(7)
والمنذري
(8)
، وفي إسناده محمد بن إسحاق، وسيأتي تمام الكلام على الإسناد.
(1)
سورة المجادلة، الآية:(1).
(2)
في سننه رقم (2214).
(3)
في المسند (6/ 410).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1334 - موارد) والطبراني في المعجم الكبير (ج 1 رقم 616) والبيهقي (7/ 389، 391) من طريق ابن إسحاق، عن معمر عن عبد الله بن حنظلة، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة، به.
وإسناده ضعيف لكن الحديث صحيح، والله أعلم.
(4)
في سننه رقم (2215) وهو حديث حسن دون قوله: "والعَرَقُ مكتل يسع ثلاثين صاعًا".
(5)
أي: لأبي داود في سننه (2218) وهو حديث صحيح.
(6)
في سننه بإثر الحديث رقم (2218).
(7)
في السنن (2/ 665).
(8)
في "المختصر"(3/ 141 - 142).
وأخرج ابن ماجه
(1)
والحاكم
(2)
نحوه من حديث عائشة قالت: "تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه وهي تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" فذكرت الحديث، وأصله في البخاري
(3)
من هذا الوجه إلا أنه لم يسمها.
وأخرج أيضًا أبو داود
(4)
والحاكم
(5)
عن عائشة من وجه آخر قالت: "كانت جميلة امرأة أوس بن الصامت وكان امرءًا به لمم، فإذا اشتدَّ لممه ظاهر من امرأته".
وحديث أوس أعله أبو داود
(6)
بالإرسال كما ذكر المصنف.
قوله: (خولة بنت مالك) وقع في تفسير أبي حاتم: خولة بنت الصامت، قال الحافظ
(7)
: وهو وهم، والصواب: زوج ابن الصامت.
ورجح غير واحد أنها خولة بنت [الصَّامت بن]
(8)
ثعلبة.
وروى الطبراني في الكبير
(9)
والبيهقي
(10)
من حديث ابن عباسٍ: أنَّ المرأة خولةُ بنتُ خويلد، وفي إسناده أبو حمزة الثمالي وهو ضعيفٌ، وقال يوسف بن
(1)
في سننه رقم (2063).
(2)
في المستدرك (2/ 481). وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح.
(3)
في صحيحه (13/ 372 رقم الباب (9) - مع الفتح) معلقًا.
وقال الحافظ في "الفتح"، ووصل حديثه المذكور أحمد في المسند (6/ 46) والنسائي رقم (3460) وابن ماجه رقم (188) باللفظ المذكور هنا". اهـ.
وهو حديث صحيح.
(4)
في سننه رقم (2220).
(5)
في المستدرك (2/ 481) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح.
(6)
في السنن (2/ 665).
(7)
في "التلخيص"(3/ 443).
(8)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(9)
في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11689).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 6، 7) وقال:، فيه أبو حمزة الثمالي وهو ضعيف".
(10)
في السنن الكبرى (7/ 382).
عبد الله بن سلام: إنها خويلة، وروي أنها بنت دليج، كذا في الكاشف
(1)
، وفي رواية عائشة المتقدمة أنها جميلة.
قوله: (والعَرَقُ ستون صاعًا)، هذه الرواية تفرّد بها معمر بن عبد الله بن حنظلة، قال الذهبي
(2)
: لا يعرف، ووثقه ابن حبان، وفيها أيضًا محمد بن إسحاق وقد عنعن.
والمشهور عرفًا أن العرق يسع خمسة عشر صاعًا كما روى ذلك الترمذي
(3)
بإسناد صحيح من حديث سلمة نفسه.
والكلام على ما يتعلق بحديث خولة من الفقه قد تقدم.
[الباب الثاني] باب من حرم زوجته أو أَمته
6/ 2898 - (عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: إذَا حَرَّم الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرها، وَقَالَ:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
(4)
، مُتّفَقٌ عَلَيْهِ
(5)
. [صحيح]
وَفِي لَفْظٍ: أنّهُ أتاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنّي جَعَلْتُ امْرأَتِي عَلَيَّ حَرَامًا، فَقَالَ: كَذَبْتَ، لَيْسَتْ عَلَيْكَ بِحَرَامٍ، ثُمَّ تَلا هذه الآية:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}
(6)
عَلَيْكَ أغْلَظُ الكَفّارَةِ عِتْقُ رَقَبَةٍ. رَوَاهُ النّسائيُّ)
(7)
. [إسناده ضعيف]
7/ 2899 - (وَعَنْ ثَابتٍ عَنْ أنَسٍ: أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤها، فَلَمْ تَزَلْ به عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حتّى حَرَّمَها على نَفْسِهِ، فأنْزَلَ الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
…
} (6) إلى آخِرِ الآيَةِ. رَوَاهُ النّسائيُّ)
(8)
. [إسناده صحيح]
(1)
في "الكاشف"(3/ 424 رقم 43).
(2)
في "الميزان"(4/ 155 رقم 8686).
(3)
في سننه لإثر الحديث (1200).
(4)
سورة الأحزاب، الآية:(21).
(5)
أحمد في المسند (1/ 225) والبخاري رقم (5266) ومسلم رقم (19/ 1473).
وهو حديث صحيح.
(6)
سورة التحريم، الآية:(1).
(7)
في سننه رقم (3420) بسند ضعيف.
(8)
في سننه رقم (3959) بسند صحيح.
الرواية الثانية من حديث ابن عباس أخرجها ابن مردويه من طريق سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عنه.
وحديث أنس قال الحافظ
(1)
: سنده صحيح وهو أصحُّ طرق سبب نزول الآية، وله شاهدٌ مرسلٌ عند الطبرانيِّ
(2)
بسندٍ صحيحٍ عن زيد بن أسلم التابعي المشهور قال: "أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ إبراهيم ولده في بيت بعض نسائه، فقالت: يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي؟ فجعلها عليه حرامًا، فقالت: يا رسول الله كيف تحرّم عليك الحلال؟ فحلف لها بالله لا يصيبها، فنزلت:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}
(3)
".
وفي الباب عن عائشة عند الترمذي
(4)
وابن ماجه
(5)
بسند رجاله ثقات قالت: "آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم، فجعل الحرام حلالًا، وجعل في اليمين كفارةً"، وقد تقدم في كتاب الإيلاء
(6)
.
وعن ابن عباس غير حديث الباب عند البيهقي
(7)
بسند صحيح عن يوسف بن ماهك: "أنَّ أعرابيًا أتى ابن عباس فقال: إني جعلتُ امرأتي حرامًا، قال: ليست عليك بحرام، قال: أرأيت [قول الله]
(8)
تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ}
(9)
الآية، فقال ابن عباس: إن إسرائيل كان به عرق الإنسي فجعل على نفسه إن شفاه الله أن لا يأكل العروق من كل شيءٍ، وليست بحرامٍ يعني على هذه الأمة".
وقد اختلف العلماء فيمن حرَّم على نفسه شيئًا، فإن كانت الزوجة فقد
(1)
في "الفتح"(9/ 376).
(2)
في المعجم الأوسط رقم (2316).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 126، 127) وقال: رواه من طريق موسى بن جعفر بن أبي كثير عن عمه قال الذهبي: "مجهول وخبره ساقط".
قلت: وأخرجه العقيلي (4/ 155) في ترجمة موسى بن جعفر، وقال: لا يصح إسناده.
(3)
سورة التحريم، الآية:(1).
(4)
في سننه رقم (1201).
(5)
في سننه رقم (2072).
وهو حديث ضعيف.
(6)
تقدم برقم (2889) من كتابنا هذا.
(7)
في السنن الكبرى (7/ 351).
(8)
في المخطوط (ب): (قوله).
(9)
سورة آل عمران، الآية:(93).
اختلف فيه أيضًا على أقوال بلغها القرطبي
(1)
المفسر إلى ثمانية عشر قولًا.
قال الحافظ
(2)
: وزد غيره عليها.
وفي مذهب مالك
(3)
فيها تفاصيل يطول استيفاؤها.
قال القرطبي
(4)
: قال بعض علمائنا: سبب الاختلاف أنه لم يقع في القرآن صريحًا ولا في السنة نص ظاهر صحيح يعتمد عليه في حكم هذه المسألة، فتجاذبها العلماء، فمن تمسك بالبراءة قال: لا يلزمه شيء، ومن قال: إنها يمين، أخذ بظاهر قوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}
(5)
بعد قوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}
(6)
، ومن قال
(7)
: تجب الكفارة وليست بيمين بناه على أن معناه معنى اليمين فوقعت الكفارة على المعنى.
ومن قال
(8)
: يقع به طلقةٌ رجعيةٌ حمل اللفظ على أقلِّ وجوهه الظاهرة وأقلُّ ما تحرم به المرأة طلقة ما لم يرتجعها.
(1)
في "الجامع لأحكام القرآن"(18/ 177 - 183).
(2)
في "الفتح"(9/ 372).
(3)
قال ابن قيم الجوزية في كتابه القيم "إعلام الموقعين"(3/ 459 - 461): "ففي مذهب مالك خمسة أقوال: هذا - أي أنه طلاق - أحدها، وهو مشهورها.
والثاني: أنه ثلاث بكل حال نوى الثلاث أو لم ينوها، اختارها عبد الملك في "مبسوطه".
والثالث: أنه واحدة بائنة مطلقًا، حكاه ابن خويز منداد رواية عن مالك.
الرابع: أنه واحدة رجعية، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة.
الخامس: أنه ما نواه من ذلك مطلقًا، سواء قبل الدخول وبعده.
وقد عرفت توجيه هذه الأقوال". اهـ.
وانظر تفصيل ذلك في: "البيان والتحصيل"(5/ 221، 226) و (6/ 21، 111، 160)
والنوادر والزيادات (5/ 156 - 158) وعقد الجواهر الثمينة (2/ 163 - 167). والمصنف نقل الأقوال منها.
(4)
في "الجامع لأحكام القرآن"(18/ 183).
(5)
سورة التحريم، الآية:(2).
(6)
سورة التحريم، الآية:(1).
(7)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(17/ 40 رقم 25172): " (والقول السادس) قالهُ إسحاق، وغيرهُ قبلَهُ، قالوا: من قال لامرأتِهِ: أنتِ عليَّ حرامٌ، لزمَهُ كفارةُ الظهار، ولم يطأها حتى يُكفِّرَ".
(8)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(17/ 40 رقم 25170): " (والقول الرابع) ما قاله =
ومن
(1)
قال: بائنةٌ، فلاستمرار التحريم بها ما لم يجدِّد العقد.
ومن قال
(2)
: ثلاثًا، حمل اللفظ على منتهى وجوهه.
ومن قال
(3)
: ظهار، نظر إلى معنى التحريم وقطع النظر عن الطلاق فانحصر الأمر عنده في الظهار، انتهى.
ومن المطولين للبحث في هذه المسألة الحافظ ابن القيم فإنه تكلم عليها في الهدي
(4)
كلامًا طويلًا وذكر ثلاثة عشر مذهبًا أصولًا تفرّعت إلى عشرين مذهبًا، وذكر في كتابه المعروف بإعلام الموقعين
(5)
خمسة عشر مذهبًا، وسنذكر ذلك على طريق الاختصار ونزيد عليه فوائد:
(المذهب الأوّل): أنَّ قول القائل لامرأته: أنت عليَّ حرامٌ، لغوٌ وباطلٌ لا يترتب عليه شيءٌ، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس، وبه قال مسروق وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء
(6)
والشعبي، وداود وجميع أهل الظاهر
(7)
، وأكثر أصحاب الحديث، وهو أحد قولي المالكية، واختاره أصبغ بن الفرج منهم
(8)
.
واستدلوا بقول الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ
= الشافعي، قال: ليس قولُهُ: أنتِ عليَّ حرامٌ بطلاق، حتى ينوي به الطلاق، فإن نوى به الطلاق، فهو على ما أراد من عَددِهِ، فإنْ أراد واحدةً فهي رجعيةٌ، وإن أراد تحريمها بغير طلاق، فعليه كفارةُ يمين، وليس بِمُؤْلٍ".
(1)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(17/ 39 - 40 رقم 25168): " (والقول الثاني): قاله سفيان الثوري، وطائفة، إن نوى بقوله لامرأتهِ: أنت عليَّ حرامٌ، فهي حرامٌ ثلاثٌ، وإن نوى واحدةً فهي واحدةٌ بائنة، وإن نوى يمينًا، فهو يمين يكفرها، وإن لم ينو فُرقةً، ولا يمينًا، فليس بشيء، هي كذبةٌ".
(2)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(17/ 36 - 37 رقم 25147 - 25151): "قال أبو
عمر: للعلماء فيمن قال لزوجته: أنت عليه حرامٌ ثمانية أقوالٍ، أشدها قول مالك وهو قول علي، وزيد بن ثابت. وبه قال الحسن البصري، والحكم بن عتبة، وإليه ذهب ابن أبي ليلى، قال: هي ثلاث، ولا أسأله عن نيته.
وهو قول مالك في المدخول بها، وينويه في التي لم يُدخل بها". اهـ.
(3)
انظر: "الاستذكار"(17/ 40 رقم 25172).
(4)
في "زاد المعاد"(5/ 276 - 287).
(5)
في "إعلام الموقعين"(3/ 451 - 463).
(6)
حكاه عنه ابن حزم في "المحلى"(10/ 127).
(7)
انظر: "المحلى"(10/ 127 - 128).
(8)
انظر: "النوادر والزيادات"(5/ 156).
وَهَذَا حَرَامٌ}
(1)
، وبقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}
(2)
، وسبب نزول هذه الآية ما تقدم، وبالحديث الصحيح وهو قول صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ"
(3)
، وقد تقدم
(4)
في كتاب الصلاة.
(القول الثاني): أنها ثلاث تطليقات، وهو قول عليّ
(5)
، وزيد بن ثابت
(6)
، وابن عمر
(7)
، والحسن البصري
(8)
، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
(9)
.
وحكاه في البحر
(10)
عن أبي هريرة، واعترض ابن القيم
(11)
الرواية عن زيد بن ثابت وابن عمر وقال: الثابت عنهما ما رواه ابن حزم
(12)
أنهما قالا: عليه كفارة يمين ولم يصحّ عنهما خلاف ذلك.
وروى ابن حزم
(13)
عن عليّ الوقف في ذلك.
وعن الحسن
(14)
أنه قال: إنه يمين. واحتجّ أهل هذا القول بأنها لا تحرم
(1)
سورة النحل، الآية:(116).
(2)
سورة التحريم، الآية:(1).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 146) والبخاري رقم (2697) ومسلم رقم (18/ 1718).
وهو حديث صحيح.
(4)
تقدم برقم (541) من كتابنا هذا.
(5)
أخرج البيهقي (7/ 344) عن عامر قال: "كان علي رضي الله عنه يجعل الخلية والبرية والبتة والحرام ثلاثًا" بسند حسن.
وذكره مالك في الموطأ (2/ 552) عن علي بلاغًا.
ولكن أخرج عبد الرزاق رقم (11384) وسعيد بن منصور عن الشعبي قال: أنا أعلمكم بما قال علي في الحرام، قال:"لا آمرك أن تُقدِّم ولا آمرك أن تؤخر"، وعلقه ابن حزم في "المحلى"(10/ 126) عن الشعبي.
(6)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11372): عن عبد الله بن محرر عن الزهري، أن زيد بن ثابت، قال:"هي ثلاث".
بسند ضعيف منقطع؛ لأن عبد الله بن محرر متروك، والزهري لم يدرك زيدًا.
(7)
حكاه عنه ابن حزم في المحلى (10/ 124).
(8)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11374): عن معمر عن قتادة عن الحسن قال: إن قال: "كل حلال عليَّ حرام، فهي يمين". وكان قتادة يفتي به.
(9)
حكاه عنه ابن حزم في المحلى (10/ 124).
(10)
البحر الزخار (3/ 153).
(11)
في "زاد المعاد"(5/ 277).
(12)
في "المحلى"(10/ 125).
(13)
في "المحلى"(10/ 126).
(14)
حكاه عنه ابن حزم في "المحلى"(10/ 125).
عليه إلا بالثلاث فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حرامًا.
(الثالث): أنها بهذا القول حرام عليه. قال ابن حزم
(1)
وابن القيم في إعلام الموقعين
(2)
: صحّ عن أبي هريرة والحسن وخلاس بن عمرو وجابر بن زيد وقتادة قال: لم يذكر هؤلاء طلاقًا بل أمروه باجتنابها فقط.
قال
(3)
: وصحّ أيضًا عن عليّ، فإما أن يكون عنه روايتان، أو يكون أراد تحريم الثلاث، وحُجّة هذا القول أن لفظة إنما اقتضى التحريم ولم يتعرّض لعدد الطلاق فحرّمت عليه بمقضى تحريمه.
(الرابع): الوقف فيها. قال ابن القيم
(4)
: صح ذلك عن علي، وهو قول الشعبي، وحجة هذا القول أن التحريم ليس بطلاق، والزوج لا يملك تحريم الحلال، إنما يملك السبب الذي تحرم به وهو الطلاق، وهذا ليس بصريح في الطلاق ولا هو مما له عرف في الشرع في تحريم الزوجة فاشتبه الأمر فيه.
(الخامس): إن نوى به الطلاق فهو طلاق، وإن لم ينوه كان يمينًا، وهو قول طاوس، والزهري، والشافعي
(5)
، ورواية عن الحسن
(6)
، وحكاه أيضًا في الفتح
(7)
عن النخعي
(8)
وإسحاق وابن مسعود
(9)
وابن عمر.
وحجة هذا القول أنه كناية في الطلاق فإن نواه كان طلاقًا، وإن لم ينوه
(1)
في "المحلى"(10/ 124 - 125).
(2)
في "إعلام الموقعين"(3/ 453 - 454).
(3)
أي ابن القيم في "إعلام الموقعين"(3/ 454).
(4)
في "إعلام الموقعين"(3/ 454).
(5)
الأم (6/ 657).
(6)
ذكره ابن حزم في "المحلى"(10/ 125).
(7)
في "الفتح"(9/ 371 - 372).
(8)
أخرج عبد الرزاق في المصنف رقم (11369) عن منصور عن إبراهيم - النخعي عبد الله قال: "إن كان نوى واحدة فهي واحدة، وإن نوى ثلاثًا فثلاث".
(9)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11366) عن مجاهد أن ابن مسعود قال: هي يمين يكفرها.
وأما الثوري فذكره عن أشعث عن الحكم عن إبراهيم أن ابن مسعود قال: إن كان نوى طلاقًا، وإلا فهي يمين.
وأخرجه البيهقي (7/ 351) وسعيد بن منصور في سننه برقم (1687 و 1692).
كان يمينًا لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (1) إلى قوله: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}
(1)
.
(السادس): أنه إن نوى الثلاث فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة، وإن نوى يمينًا فهو يمين، وإن لم ينو شيئًا فهو كذبة لا شيء فيها، قاله سفيان
(2)
: وحكاه النخعي
(3)
عن أصحابه، وحجة هذا القول أن اللفظ محتمل لما نواهُ من ذلك فتتبع نيته.
(السابع): مثل هذا إلا أنه لم ينو شيئًا فهو يمين يكفرها وهو قول الأوزاعي
(4)
، وحجة هذا القول ظاهر قوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}
(5)
، فإذا نوى به الطلاق لم يكن يمينًا، فإذا أطلق ولم ينو شيئًا كان يمينًا.
(الثامن): مثل هذا أيضًا إلا أنه إن لم ينو شيئًا فواحدة بائنًا إعمالًا للفظ التحريم، هكذا في إعلام الموقعين
(6)
ولم يحكه عن أحد. وقد حكاه ابن حزم
(7)
عن إبراهيم النخعي.
(التاسع): أن فيه كفارة ظهار، قال ابن القيم: صح عن ابن عباس
(8)
وأبي قلابة
(9)
، وسعيد بن جبير، ووهب بن منبه، وعثمان البتي، وهو إحدى الروايات عن
(10)
أحمد.
(1)
سورة التحريم، الآية:(1 - 2).
(2)
كما في المحلى (10/ 125) والاستذكار (17/ 39 رقم 25168).
(3)
علقه عنه ابن حزم في المحلى (10/ 125) والاستذكار (17/ 41 رقم 25176).
(4)
حكاه عنه ابن حزم في المحلى (10/ 126) والاستذكار (17/ 40 رقم 25169).
(5)
سورة التحريم، الآية:(2).
(6)
(3/ 455).
(7)
في المحلى (10/ 125) والاستذكار (17/ 42 رقم 25179).
(8)
أخرج عبد الرزاق رقم (11385) ومن طريقه ابن حزم في المحلى (10/ 125) عن الثوري عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الحرام قال: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا.
إسناده صحيح.
(9)
أخرج عبد الرزاق رقم (11387) عن معمر، وابن أبي شيبة (5/ 74) عن ابن عُلية كلاهما عن أيوب عنه.
إسناده صحيح.
(10)
حكاه ابن حزم في المحلى (10/ 125) عن المذكورين آنفًا.
وحجة هذا القول أن الله تعالى جعل التشبيه بمن تحرم عليه ظهارًا، فالتصريح منه بالتحريم أولى.
قال ابن القيم
(1)
: وهذا أَقْيَسُ الأقوال؛ ويؤيده أن الله تعالى لم يجعل للمكلف التحليل والتحريم، وإنما ذلك إليه تعالى، وإنما جعل له مباشرة الأقوال والأفعال التي يترتب عليها التحريم، فإذا قال:"أنت عليّ كظهر أمي" أو "أنت عليَّ حرام"، فقد قال المنكَر من القول والزور، وكذبَ على الله تعالى فإنه لم يجعلها عليه كظهر أمه، ولا جعلها عليه حرامًا، فقد أوجب بهذا القول المنكر والزور أغلظ الكفارتين وهي كفارة الظهار.
(العاشر): أنَّها تطليقةٌ واحدةٌ وهو إحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب
(2)
وقول حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة
(3)
، وحجة هذا القول أن تطليق التحريم لا يقتضي التحريم بالثلاث، بل يصدق باقله، والواحدة متيقنة فحمل اللفظ عليها.
(الحادي عشر): أنّه ينوي ما أراد من ذلك في إرادة أصل الطلاق وعدده وإن نوى تحريمًا بغير طلاق فيمين مُكَفَّرة.
قال ابن القيم
(4)
: وهو قول الشافعي
(5)
، وحجة هذا القول: أن اللفظ صالح لذلك كله فلا يتعين واحدةٌ منها إلا بالنية.
وقد تقدم: أن مذهب الشافعيِّ هو القول الخامس وهو الذي حكاه عنه في فتح الباري
(6)
، بل حكاه عنه ابن القيم
(7)
نفسه.
(1)
في "إعلام الموقعين"(3/ 455).
(2)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11391) والبيهقي (7/ 351) من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم قال: رُفع إلى عمر رجل فارق امرأته بتطليقتين ثم قال: أنت عليَّ حرام قال: ما كنت لأردَّها عليه أبدًا.
بسند منقطع لأن إبراهيم - وهو ابن سعد بن أبي وقاص - لم يدرك عمر.
(3)
حكاه عنه ابن حزم في "المحلى"(10/ 125) والقفال في "حلية العلماء"(7/ 48).
(4)
في "إعلام الموقعين"(3/ 456).
(5)
البيان للعمراني (10/ 99 - 101) و"حلية العلماء"(7/ 46).
(6)
"الفتح"(9/ 372).
(7)
في "إعلام الموقعين"(3/ 454).
(الثاني عشر): أنَّه ينوي أيضًا ما شاء من عدد الطلاق، إلا أنه إذا نوى واحدةً كانت بائنةً، وإن لم ينو شيئًا فإيلاءٌ، وإن نوى الكذب فليس بشيء، وهو قول أبي حنيفة
(1)
وأصحابه؛ هكذا قال ابن القيم
(2)
.
وفي الفتح
(3)
عن الحنفية أنه إذا نوى اثنتين فهي واحدة بائنة، وإن لم ينو طلاقًا فهو يمين ويصير موليًا. وفي روايةٍ عن أبي حنيفة: أنَّه إذا نوى الكذب دُيِّنَ ولم يقبل في الحكم ولا يكون مظاهرًا عنده، نواه أو لم ينوه، ولو صرح به فقال: أعني به الظهار، لم يكن مظاهرًا؛ وحجة هذا القول احتمال اللفظ.
(الثالث عشر): أنَّه يمينٌ يُكفِّره ما يكفِّر اليمين على كل حال. قال ابن القيم
(4)
: صح ذلك عن أبي بكر
(5)
، وعمر بن الخطاب
(6)
، وابن عباس
(7)
، وعائشة
(8)
، وزيد بن ثابت
(9)
، وابن مسعود
(10)
، وعبد الله بن عمر (9)،
(1)
البناية في شرح الهداية (5/ 114 - 115).
(2)
في "إعلام الموقعين"(3/ 456).
(3)
في "الفتح"(9/ 372).
(4)
في "إعلام الموقعين"(3/ 457 - 458).
(5)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 74) وسعيد بن منصور في سننه رقم (1695) من
طريق جويبر عن الضحاك أن أبا بكر، وعمر، وابن مسعود قالوا: عليه كفارة يمين.
إسناده ضعيف جدًّا، لأن جويبر متروك، وفيه انقطاع.
(6)
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 73) وسعيد بن منصور في السنن رقم (170) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (11360) ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(10/ 125) والبيهقي (7/ 350) وفي معرفة السنن والآثار (11/ 60 رقم 14777) من طرق عن عكرمة عنه.
إسناده منقطع لأن عكرمة مولى ابن عباس لم يدرك عمر.
(7)
أخرج البخاري رقم (4911) ومسلم رقم (1473) عن سعيد بن جبير أنَّ ابن عباس رضي الله عنهما، قال: في الحرام: يُكفّر. وقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
(8)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 73) والبيهقي (7/ 351).
إسناده حسن.
(9)
أخرج ابن حزم في المحلى (10/ 125) من طريق الطيالسي: ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن هبيرة، عن قبيصة بن ذؤيب، قال: سألت زيد بن ثابت، وابن عمر، عمن قال لامرأته: أنت عليَّ حرام، فقالا جميعًا: كفارة يمين.
ورواته ثقات.
(10)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11366) ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" =
وعكرمة
(1)
، وعطاء، وقتادة، والحسن، والشعبي، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وجابر بن زيد، وسعيد بن جبير، ونافع، والأوزاعي، وأبي ثور
(2)
، وخلق سواهم.
وحجة هذا القول ظاهر القرآن، فإن الله تعالى ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال، فلا بد أن يتناوله يقينًا.
(الرابع عشر): أنه يمين مغلظة يتعين عتق رقبة. قال ابن القيم
(3)
: صح أيضًا عن ابن عباس
(4)
وأبي بكر
(5)
، وعمر
(6)
، وابن مسعود
(7)
وجماعة من التابعين.
وحجة هذا القول أنّه لما كان يمينًا مغلظةً غلظت كفارتها.
(الخامس عشر): أنَّه طلاق، ثم إنها إن كانت غير مدخول بها فهو ما نواه من الواحدة فما فوقها، وإن كانت مدخولًا بها فهو ثلاث، وإن نوى أقل منها وهو إحدى الروايتين عن مالك
(8)
، ورواه في نهاية المجتهد عن علي وزيد بن ثابت.
= (10/ 125) وسعيد بن منصور في سننه رقم (1693) عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عنه.
إسناده صحيح.
وقد أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11366) وابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 72) والبيهقي (7/ 351) عنه أنه قال: "إن نوى يمينًا فيمين، وإن نوى طلاقًا فما نوى".
إسناده صحيح.
(1)
أخرج أثره عبد الرزاق في المصنف رقم (11357).
(2)
حكاه ابن حزم في المحلى (10/ 126) عن المذكورين جميعًا.
(3)
في "إعلام الموقعين"(3/ 458).
(4)
أخرج النسائي رقم (3420) عن ابن عباس، قال: أتاه رجل فقال: إني جعلت امرأتي عليَّ حرامًا، قال: كذبت ليس عليك بحرام ثم تلا هذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]، عليك أغلظ الكفارة عتق رقبة.
إسناده ضعيف.
(5)
حكاه عنه ابن حزم في "المحلى"(10/ 126).
(6)
تقدم آنفًا.
(7)
تقدم آنفًا.
(8)
كما في "إعلام الموقعين"(3/ 459).
وحجة هذا القول أن اللفظ لمّا اقتضى التحريم وجب أن يترتب عليه حكمه، وغير المدخول بها تحرم بواحدة، والمدخول بها لا تحرم إلا بالثلاث.
واعلم أنَّه قد رجَّح المذهب الأول من هذه المذاهب جماعةٌ من العلماء المتأخرين، وهذا المذهب هو الراجح عندي إذا أراد تحريم العين، وأما إذا أراد به الطلاق فليس في الأدلة ما يدل على امتناع وقوعه به، أما قوله تعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ}
(1)
، وكذلك قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ}
(2)
.
فنحن نقول بموجب ذلك: فمن أراد تحريم عين زوجته لم تحرم.
وأمَّا من أراد طلاقها بذلك اللفظ فليس في الأدلة ما يدل على اختصاص الطلاق بألفاظٍ مخصوصةٍ، وعدم جوازه بما سواها، وليس في قول الله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ}
(3)
ما يقضي بانحصار الفرقة في لفظ الطلاق.
وقد ورد الإذن بما عداه من ألفاظ الفرقة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم لابنة الجون: "الحقي بأهلك"
(4)
، قال ابن القيم
(5)
: وقد أوقع الصحابة الطلاق بـ: أنت حرام، وأمرك بيدك، واختاري، ووهبتك لأهلك، وأنت خلية وقد خلوت مني، وأنت برية وقد أبرأتك وأنت مبرأة، وحبلك على غاربك، انتهى.
وأيضًا قال الله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(6)
، وظاهره أنه لو قال: سرحتك؛ لكفى في إفادة معنى الطلاق.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز التجوز لعلاقة مع قرينة في جميع الألفاظ إلا ما خص فما الدليل على امتناعه في باب الطلاق؟ وأما إذا حرم الرجل على نفسه شيئًا غير زوجته كالطعام والشراب، فظاهر الأدلة أنه لا يحرم عليه شيء من ذلك، لأن الله لم يجعل إليه تحريمًا ولا تحليلًا فيكون التحريم
(1)
سورة النحل، الآية:(116).
(2)
سورة التحريم الآية: (1).
(3)
سورة البقرة، الآية:(230).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
في "زاد المعاد"(5/ 264، 265، 271).
(6)
سورة البقرة، الآية:(229).
الواقع منه لغوًا، وقد ذهب إلى مثل هذا الشافعي
(1)
، وروي عن أحمد
(2)
أن عليه كفارة يمين.
* * *
(1)
قال ابن قيم الجوزية في "إعلام الموقعين"(3/ 462): "وأما تحرير مذهب الشافعي فإنه إنْ نوى به الظهار كان ظهارًا، كان نوى به التحريم كان تحريمًا لا يترتب عليه إلا تقدم الكفارة، كان نوى الطلاق كان طلاقا وكان ما نواه، كان أطلق فلأصحابه فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه صريح في إيجاب الكفارة.
والثاني: لا يتعلق به شيء.
والثالث: "أنه في حق الأمة صريحٌ في التحريم الموجب لكفارة وفي حق الحرة كناية".
(2)
قال ابن قيم الجوزية في "إعلام الموقعين"(3/ 462 - 463): "وأمَّا تحرير مذهب الإمام أحمد فهو أنه إظهار بمُطْلَقِه وإن لم ينوه، إلا أن ينوي به الطلاق أو اليمين فيلزمه ما نواه.
وعنه رواية ثانية: أنه يمين بمطلقه إلا أن ينوي به الطلاق أو الظهار فيلزمه ما نواه.
وعنه رواية ثالثة: أنه ظهار بكل حال، ولو نوى به الطلاق أو اليمين لم يكن يمينًا ولا طلاقًا، كما لو نوى الطلاق أو اليمين بقوله:"أنت عليَّ كظهر أمي"، فإن اللفظين صريحان في الظهار، فعلى - هذه الرواية لو وصله بقوله:"أعني به الطلاق" فهل يكون طلاقًا أو ظهارًا؟ على روايتين:
إحداهما: يكون ظهارًا كما لو قال: "أنت عليَّ كظهر أمي" أعني به الطلاق أو التحريم؛
إذ التحريم صريح في الظهار.
الثانية: أنه طلاق لأنه صرَّح بإرادته بلفظ يحتمله، وغايته أنه كناية فيه، فعلى هذه الرواية إن قال:"أعني به طلاقًا" طلقت واحدة، كان قال:"أعني به الطلاق" فهل تطلق ثلاثًا أو واحدة؟ على روايتين - مأخذُهما حملُ اللام على الجنس أو العموم، هذا تحرير مذهبه وتقريره". اهـ.
[الكتاب الرابع والثلاثون] كتاب اللعان
[الباب الأول][باب صيغ اللعان]
1/ 2900 - (عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِها، فَفَرَّقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بيْنَهُمَا وَألْحَقَ الْوَلَدَ بِالمَرْأَةِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ)
(1)
. [صحيح]
2/ 2901 - (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنّهُ قَالَ لِعَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ: يا أَبَا عَبْدِ الرّحْمنِ، الْمُتَلَاعِنَانِ أيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: سُبْحَانَ الله، نَعَمْ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ الله أرَأيْتَ لَوْ وَجَدَ أحَدُنَا امْرَأَتُهُ عَلى فَاحِشَةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بأمْرٍ عَظِيمٍ، وَإنْ سَكَتَ سَكَتَ على مِثْلِ ذلكَ، قالَ: فَسَكَتَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُجِبْهُ.
فَلَمَّا كانَ بَعْدَ ذلكَ أتاه فَقَالَ: إنّ الّذِي سألْتُكَ عَنْهُ ابْتُلِيتُ بِهِ، فأنْزَلَ الله عز وجل هَؤُلاءِ الآياتِ فِي سُورَةِ النّورِ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}
(2)
، فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكّرَهُ وَأَخْبَرَهُ أن عَذَابَ الدُّنْيَا أهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وأخْبَرَهَا أن عَذَابَ الدُّنْيَا أهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، قَالَتْ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ إنّهُ لَكاذِبٌ؛ فَبَدَأ بالرجُلِ فَشَهِدَ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةَ أن لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إنْ كانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ؛ ثُم ثَنَّى بالمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ، والْخَامِسَةَ
(1)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 7) والبخاري رقم (5315) ومسلم رقم (8/ 1494) وأبو داود رقم (2259) والترمذي رقم (1203) والنسائي رقم (3477) وابن ماجه رقم (2069).
وهو حديث صحيح.
(2)
سورة النور، الآية:(6).
أن غَضَبَ الله عَلَيْهَا إنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا)
(1)
. [صحيح]
3/ 2902 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فَرَّقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بيْنَ أَخَوَيْ بَنِي عَجْلانَ وَقَالَ: "الله يَعْلَمُ إنَّ أَحَدَكُما كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا مِنْ تَائِبٍ" ثَلاثًا، مُتّفَقٌ عَلَيْهمَا)
(2)
. [صحيح]
4/ 2903 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أن عُوَيْمِرًا العَجْلَانِيَّ أتى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فأتِ بِهَا"، قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعنَا وَأنا مَعَ النّاسِ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا فَرَغا. قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ الله إنْ أمْسَكْتُهَا، فَطَلّقَهَا ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ ابْنُ شِهابٍ: فَكَانَتْ سُنّةَ المُتَلَاعِنِيْنِ. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ
(3)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ مُتّفَقٍ عَلَيْهَا
(4)
: فَقَالَ النّبِي صلى الله عليه وسلم: "ذَاكُمُ التّفْرِيقُ بَيْنَ كُل مُتَلاعِنَيْنِ". [صحيح]
وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ
(5)
وَمُسْلِمٍ
(6)
: وكَانَ فِرَاقُهُ إيّاها سُنّةً فِي الْمُتَلَاعِنِيْنِ). [صحيح]
قوله: (لاعن امرأته) قال في الفتح:
(7)
اللعان مأخوذ من اللعن، لأن الملاعن
(1)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 19) والبخاري رقم (5312) ومسلم رقم (4/ 1493).
وهو حديث صحيح.
(2)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 4) والبخاري رقم (5310) ومسلم رقم (6/ 1493).
وهو حديث صحيح.
(3)
أحمد في المسند (5/ 336، 337) والبخاري رقم (5308) ومسلم رقم (1/ 1492) وأبو داود رقم (2245) والنسائي رقم (3466) وابن ماجه رقم (2066).
وهو حديث صحيح.
(4)
البخاري رقم (5309) ومسلم رقم (3/ 1492).
وهو حديث صحيح.
(5)
في المسند (5/ 337).
(6)
في صحيحه رقم (2/ 1492).
وهو حديث صحيح.
(7)
الفتح (9/ 440).
يقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية لأنه قول الرجل وهو الذي بدئ به في الآية، وهو أيضًا يبدأ به.
وقيل: سمي لعانًا لأن اللعن: الطرد والإبعاد، وهو مشترك بينهما. وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها.
ثم قال: وأجمعوا: على أن اللعان مشروعٌ، وعلى أنَّه لا يجوز مع عدم التحقق.
واختلف في وجوبه على الزوج. وظاهر أحاديث الباب أن اللعان إنما يشرع بين الزوجين، وكذلك قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}
(1)
الآية، فلو قال أجنبيّ لأجنبية: يا زانية؛ وجب عليه حدّ القذف.
قوله: (ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما) استدلَّ به من قال: إنَّ الفرقة بين المتلاعنين لا تقع بنفس اللعان حتى يوقعها الحاكم.
وأجاب من قال: إنَّ الفرقة تقع بنفس اللعان: أن ذلك بيان حكم لا إيقاع فرقة.
واحتجوا بما وقع منه صلى الله عليه وسلم في رواية بلفظ: "لا سبيل لك عليها"
(2)
.
وتعقب بأن الذي وقع جوابًا لسؤال الرَّجل عن ماله الذي أخذته منه.
وأجيب بأن العبرة بعموم اللفظ، وهو نكرةٌ في سياق النفي؛ فيشمل المال والبدن، ويقتضي نفي تسلطه عليها بوجه من الوجوه. ووقع في حديث لأبي داود
(3)
عن ابن عباس وقضى أن ليس عليه قوت ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها، وهو ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان، وسيأتي تمام الكلام في الفرقة في الباب الذي بعد هذا:
قوله: (وألحق الولد بالمرأة) قال الدارقطني: تفرَّد مالكٌ بهذه الزيادة.
وقال ابن عبد البرِّ
(4)
: ذكروا أن مالكًا تفرَّد بهذه اللفظة، وقد جاءت من
(1)
سورة النور، الآية:(6).
(2)
يأتي برقم (2904) من كتابنا هذا.
(3)
في سننه رقم (2256).
إسناده ضعيف، لضعف عباد بن منصور، وعنعنته، فقد كان مدلسًا.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(4)
في "التمهيد"(11/ 225 - الفاروق).
أوجه آخر، [وقد جاءت]
(1)
في حديث سهل بن سعد عند أبي داود
(2)
بلفظ: "فكان الولد [يدعى]
(3)
إلى أمه"، ومن رواية أخرى
(4)
: "وكان الولد يدعى إلى أمه".
ومعنى قوله: "ألحق الولد بأمه": أي صيّره لها وحدها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما، وأما الأمّ فترث منه ما فرض الله لها. وقد وقع في رواية من حديث سهل بن سعد بلفظ:"وكان ابنها يدعى لأمه"، ثم جرت السُّنَّةُ في ميراثها: أنَّها ترثه، ويرث منها ما فرض الله لهما
(5)
.
وقيل: معنى إلحاقه بأمِّه: أنه صيرها له أبًا وأمَّا، فترث جميع ماله إذا لم يكن له وارث آخر من ولدٍ ونحوه، وهو قول ابن مسعود، وواثلة، وطائفة، ورواية عن أحمد، وروي أيضًا عن القاسم.
وقيل: إن عصبة أمه تصير عصبة له؛ وهو قول عليّ وابن عمر، وهو المشهور عن أحمد
(6)
، وبه قالت الهادوية
(7)
.
وقيل: ترثه أمه وأخته منها بالفرض والردّ، وهو قول أبي عبيد ومحمد بن الحسن، ورواية عن أحمد (6) قال: فإن لم يرثه ذو فرض بحال فعصبته عصبة أمه.
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(2)
في سننه رقم (2249) وهو حديث صحيح.
(3)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).
(4)
لأبي داود رقم (2247).
وهو حديث صحيح.
(5)
أخرجه أبو داود رقم (2252).
وهو حديث صحيح.
(6)
قال ابن قدامة في "المغني"(9/ 116): "اختلف أهلُ العلمِ في ميراثِ الولَدِ المنفيِّ باللعانِ، فروِيَ عن أحمد فيه روايتان:
(إحداهما): أن عصبَتَهُ عصبَةُ أمِّهِ. نقلَها الأثرمُ، وحنبل.
يُروى ذلك عن: عليٍّ، وابنِ عباس، وابن عمرَ، وبه قال الحسنُ، وابنُ سيرينَ، وجابرُ بن زيدٍ، وعطاءٌ، والشعبيُّ، والنَّخعِيُّ، والحكَمُ، وحمَّاد، والثوريُّ، والحسنُ بنُ صالحٍ، إلَّا أن عليًا يجعلُ ذا السهم من ذَوِي الأرحام أحقَّ ممَّن لا سهمَ له، وقدَّمَ الرَّدَّ على غيره.
(والروايةُ الثانيةُ): أن أمَّهُ عَصبتَهُ، فإن لمَ يكُنْ فعصَبَتُها عصبَتُهُ. نقلها أبو الحارث، ومُهَنَّا.
وهذا قول ابن مسعودٍ. وروي نحوه عن عليّ، مكحولٍ، والشعبي
…
". اهـ.
وانظر: "التمهيد"(11/ 239 - 240 - الفاروق) و "الاستذكار"(15/ 512 - 513).
(7)
البحر الزخار (5/ 365).
واستُدلَّ بحديث ابن عمر
(1)
المذكور على مشروعية اللعان لنفي الولد.
وعن أحمد
(2)
ينتفي الولد بمجرَّد اللعان، وإن لم يتعرّض الرجل لذكره في اللعان.
قال الحافظ
(3)
وفيه نظر؛ لأنه لو استلحقه لحقه، وإنما يُوثِّر اللعان دفع حدِّ القذف عنه وثبوت زنا المرأة.
وقال الشافعي
(4)
: إن نفي الولد في الملاعنة انتفى وإن لم يتعرّض له، فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة، وإن أمكنه الرفع إلى الحاكم فأخر [بغير]
(5)
عذر حتى ولدت لم يكن له أن ينفيه كما في الشفعة، واستدلّ به أيضًا على أنه لا يشترط في نفي الولد التصريح [بأنها]
(6)
ولدته من زنا ولا بأنه استبرأها بحيضة. وعن المالكية
(7)
يشترط ذلك.
قوله (أرأيت لو وجد أحدُنا): أي: أخبرني عن حكم من وقع له ذلك.
قوله: (على فاحشةٍ) اختلف العلماء فيمن وجد مع امرأته رجلًا وتحقق وجود الفاحشة منهما فقتله هل يقتل به أم لا؟ فمنع الجمهور
(8)
الإقدام وقالوا: يقتصّ منه إلا أن يأتي ببينة الزنا، أو يعترف المقتول بذلك بشرط أن يكون محصنًا.
وقيل: بل يقتل به؛ لأنه ليس له أن يقيم الحدّ بغير إذن الإمام.
وقال بعض السلف: لا يقتل أصلًا ويعذر فيما فعله إذا ظهرت أمارات صدقه، وشرط أحمد وإسحاق ومن تبعهما أن يأتي بشاهدين أنه قتله بسبب ذلك. ووافقهم ابن القاسم وابن حبيب من المالكية، لكن زاد أن يكون المقتول قد أحصن.
وعند الهادوية
(9)
: أنه يجوز للرجل أن يقتل من وجده مع زوجته وأمته وولده حال الفعل، وأما بعده فيقاد به إن كان بكرًا.
(1)
تقدم برقم (2900) من كتابنا هذا.
(2)
المغني (9/ 115).
(3)
في "الفتح"(9/ 460).
(4)
الأم (6/ 738).
(5)
في المخطوط (ب): (لغير).
(6)
في المخطوط (ب): (بأنه).
(7)
التهذيب في اختصار المدونة (2/ 329).
(8)
حكاه الحافظ في "الفتح"(9/ 449) و"التمهيد"(21/ 253 - 254 - تيمية).
(9)
لم أقف عليها في البحر الزخار.
قوله: (ووعظه وذكره)، فيه دليل على أنه يشرع للإمام موعظة المتلاعنين قبل اللعان تحذيرًا لهما منه وتخويفًا لهما من الوقوع في المعصية.
قوله: (فبدأ بالرجل) فيه دليل: على أنه يبدأ الإمام في اللعان بالرجل. وقد حكى الإمام المهدي في البحر
(1)
الإجماع على أن السنّة تقديم الزوج.
واختلف في الوجوب؛ فذهب الشافعي
(2)
ومن تبعه وأشهب من المالكية، ورجحه ابن العربي
(3)
إلى أنه واجب، وهو قول المؤيد بالله، وأبي طالب، وأبي العباس، والإمام يحيى
(4)
.
وذهبت الحنفية
(5)
ومالك
(6)
وابن القاسم إلى أنه لو وقع الابتداء بالمرأة صحّ واعتدّ به.
واحتجوا بأن الله تعالى عطف في القرآن بالواو وهو لا يقتضي الترتيب.
واحتجّ الأوّلون أيضًا بأن اللعان يشرع لدفع الحدّ [عن]
(7)
الرجل.
ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لهلال: "البينة وإلا حدّ في ظهرك" وسيأتي
(8)
، فلو بدأ بالمرأة لكان دفعًا لأمر لم يثبت.
(1)
البحر الزخار (3/ 251).
(2)
قال العمراني في "البيان"(10/ 462): "وَيبدأْ بلعانِ الزوجِ، فإذا التعنتِ المرأةُ قبلَ لِعانِ الزوج، أو قبلَ أن يُكملَ لِعانَهُ .. لم يُعتدَّ بلعانها.
وقال مالك، وأبو حنيفة: يُعتدُّ به.
دليلُنا: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، فبدأ بلعانِ الزوج، ثم قالَ:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8]. و (العذابُ): هوَ الحدُّ عليها، وإنّما يجبُ ذلكَ عليها بلعانِ الزوجِ، لأنَّ اللعانَ عندنا يمين، وعندَ أبي حنيفة شهادةٌ، وأيهما كانَ .. فقد أتتْ بلعانها قبلَ وقته، فلم يُعتدَّ به، ألا ترى أنَّ رجلًا لو ادَّعى على رجلٍ حقًّا، فقالَ المدَّعى عليه: واللهِ ما لكَ عندي شيءٌ .. لم يُعتدَّ بها؟ وهكذا: لو شَهِدَ له بذلك شاهدانِ قبلَ أن يُسأَلا الشهادة .. لم يُعتدَّ بهذهِ الشهادةِ، فكذلك هذا مثلُهُ. فإنْ حكمَ حاكمٌ بتقديم لعانِها .. فحكى الشيخُ أبو حامدٍ: أن الشافعيَّ قال: (نُقِضَ حُكمُهُ) ". اهـ.
(3)
انظر: عارضة الأحوذي (5/ 179، 184 - 190).
(4)
حكاه عنهم الإمام المهدي في البحر الزخار (3/ 251).
(5)
الهداية شرح بداية المبتدي (2/ 23 - 24).
(6)
التهذيب في اختصار المدونة (2/ 330).
(7)
في المخطوط (ب): (على).
(8)
برقم (2910) من كتابنا هذا.
قوله: (بين أخوي بني عجلان) بفتح العين المهملة وسكون الجيم وهو ابن حارثة بن ضبيعة من بني بكر بن عمرو، والمراد بقوله:"أخوي" الرجلُ وامرأته، واسم الرجل: عويمر، كما في الرواية المذكورة، واسم المرأة خولة بنت عاصم بن عديّ العجلاني، قاله ابن منده في كتاب الصحابة
(1)
، وأبو نعيم
(2)
، وحكى القرطبي
(3)
عن مقاتل بن سليمان أنها خولة بنت قيس، وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم المذكور، والرجل الذي رمى عويمر امرأته به هو شريك بن سحماء ابن عمّ عويمر.
وفي صحيح مسلم
(4)
من حديث أنس: "أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك لأمه" وسيأتي
(5)
، وكان أوّل رجل لاعن في الإسلام.
قال النووي في شرح مسلم
(6)
: السببُ في نزول آية اللعان قصة عويمر العجلاني، واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم له:"قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنًا"
(7)
.
وقال الجمهور
(8)
: السبب قصَّة هلال بن أميَّة لما تقدم من أنَّه كان أوَّل رجلٍ لاعن في الإسلام.
وقد حكى أيضًا الماوردي
(9)
عن [الأكثرين]
(10)
أن قصة هلال أسبق من قصة عويمر.
(1)
تقدم التعريف به وهو مخطوط.
(2)
في "معرفة الصحابة"(6/ 314) رقم الترجمة (8850).
(3)
في "الجامع لأحكام القرآن"(12/ 184).
(4)
في صحيحه رقم (11/ 1496).
(5)
برقم (2911) من كتابنا هذا.
(6)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 119 - 120).
(7)
تقدم برقم (2903) من كتابنا هذا.
(8)
الفتح (9/ 447).
(9)
الحاوي الكبير (11/ 56) وتفسير الحاوي "النكت والعيون"(4/ 76 - 77).
(10)
تنبيه: في كل طبعات "نيل الأوطار": (الأكثر من)، وهو تحريف فليعلم. والمثبت من المخطوط (أ) و (ب).
وقال الخطيب والنووي
(1)
وتبعهما الحافظ
(2)
: يحتمل أن يكون هلال سأل أوّلًا ثم سأل عويمر فنزلت في شأنهما معًا.
وقال ابن الصَّبَّاغ في "الشامل"
(3)
: قصة هلال بن أميَّة نزلت فيها الآية.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعويمر: "إنَّ الله قد أنزل فيك وفي صاحبتك"، فمعناه: ما نزل في قصة هلال، لأنَّ ذلك حكم عام لجميع الناس.
واختلف في الوقت الذي وقع فيه اللعان؛ فجزم الطبري
(4)
وأبو حاتم (5) وابن حبان
(5)
أنه كان في شهر شعبان سنة تسع، وقيل: كان في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما وقع في البخاري
(6)
عن سهل بن سعد أنه شهد قصة المتلاعنين وهو ابن خمس عشرة سنة، وقد ثبت عنه أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة. وقيل: كانت القصة في سنة عشر، ووفاته [صلى الله عليه وسلم]
(7)
في سنة أحدى عشرة.
قوله: (فطلَّقها ثلاثًا) وفي روايةٍ: أنَّه قال: "فهي الطلاق، فهي الطلاق، فهي الطلاق"، وقد استدلَّ بذلك من قال: إنَّ الفرقة بين المتلاعنين تتوقَّف على تطليق الرَّجل كما تقدم نقله عن عثمان البتي
(8)
.
وأجيب بما في حديث سهلٍ
(9)
نفسه من تفريقه صلى الله عليه وسلم بينهما. وبما في حديث
(1)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 120).
(2)
في "الفتح"(8/ 450).
(3)
"الشامل" ابن الصباغ (أبو نصر، عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد، (ت 477 هـ).
قال ابن خلكان في "وفيات الأعيان"(3/ 217 - 218) في هذا الكتاب: "من أصحّ كتب أصحابنا وأثبتها أدلَّة".
وانظر: "البداية والنهاية"(12/ 126) و "موارد ابن القيم في كتبه" رقم (245).
[معجم المصنفات ص 226 رقم 660].
• وذُكر قول ابن الصباغ في "شرح صحيح مسلم" للنووي (10/ 121).
(4)
في "جامع البيان"(10 ج 18/ 82 - 83).
(5)
ذكره الحافظ في الفتح (9/ 447).
(6)
في صحيحه رقم (6854).
(7)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(8)
في الاستذكار (17/ 228 رقم 26144): "وقال عثمانُ البَتِّيُّ، وطائفةٌ من أهل البصرة لا ينقصُ اللعانُ شيئًا من العصمةِ حتى يُطلَّقَ الزوجُ".
(9)
تقدم برقم (2903) من كتابنا هذا.
ابن عمر
(1)
كما ذكر ذلك المصنف فإن ظاهرهما أن الفرقة وقعت بتفريق النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما طلقها عويمر لظنه أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال: هي طالق ثلاثًا، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم:"لا سبيل لك عليها"، أي: لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك.
قال الحافظ
(2)
: وقد توهم أن قوله: "لا سبيل لك عليها" وقع منه صلى الله عليه وسلم عقب قول الملاعن هي طالق، وإنه موجود كذلك في حديث سهل، وإنما وقع في حديث ابن عمر
(3)
عقب قوله: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها"، انتهى.
وقد قدمنا ما جاء في طلاق البتة الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث على أن الطَّلاق المتتابع يقع:
قوله: (فكانت سنة المتلاعنين) زاد أبو داود
(4)
عن القعنبي عن مالك: "فكانت تلك"، وهي إشارة إلى الفرقة.
وفي الرواية الأخرى
(5)
المذكورة: "ذاكم التفريق بين كل متلاعنين"، وقال مسلم
(6)
: إن قوله: "وكان فراقه إياها سُنَّة بين المتلاعنين" مدرج.
وكذا ذكر الدارقطني في غريب مالك
(7)
اختلاف الرواة على ابن شهاب ثم على مالك في تعيين من قال: "فكان فراقهما سُنَّة"، هل هو من قول سهل، أو من قول ابن شهاب؟ وذكر ذلك الشافعي
(8)
، وأشار إلى أن نسبته إلى ابن شهاب لا تمنع نسبته إلى سهل.
ويؤيد ذلك ما وقع في رواية لأبي داود
(9)
عن سهل قال: "فطلقها ثلاث
(1)
تقدم برقم (2902) من كتابنا هذا.
(2)
في "الفتح"(9/ 451 - 452).
(3)
يأتي برقم (2904) من كتابنا هذا.
(4)
في سننه رقم (2245) وهو حديث صحيح.
(5)
في صحيح مسلم رقم (3/ 1492).
(6)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 452).
(7)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 452) وابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 207 - 208 - الفاروق).
(8)
في الأم (6/ 728 رقم 2621).
(9)
في سننه رقم (2250) وهو حديث صحيح.
تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ما صنع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة" وسيأتي قريبًا
(1)
.
وفي نسخة الصغاني
(2)
: قال أبو عبد الله: قوله: "ذلك تفريق بين المتلاعنين"، من قول الزهري وليس من الحديث.
[الباب الثاني] باب لا يجتمع المتلاعنان أبدًا
5/ 2904 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: "حِسَابكُمَا على الله، أحَدُكُمَا كَاذِبٌ لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا"، قَالَ: يَا رَسُولَ الله مَالِي؟ قال: "لا مالَ لَكَ، إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِما اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِها، وَإِنْ كنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
. [صحيح]
وَهُوَ حُجّةٌ فِي أَنَّ كُل فُرْقَةٍ بَعْدَ الدّخُولِ لا تُؤَثِّرُ فِي إِسْقَاطِ المَهْرِ).
6/ 2905 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي خَبَرِ المُتَلاعِنَيْنِ قَالَ: فَطَلّقَها ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ، فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مَا صَنَعَ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سُنّةً، قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْتُ هَذَا عِنْدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَمَضَتِ السنّةُ بَعْدُ فِي المُتَلَاعِنَيْنِ أنْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أبَدًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)
(4)
. [صحيح]
(1)
برقم (2905) من كتابنا هذا.
(2)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 452) وابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 207 - 208 - الفاروق).
(3)
أحمد في المسند (2/ 11) والبخاري رقم (5312) ومسلم رقم (5/ 1493).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2257) والنسائي (6/ 177) والبيهقي (7/ 401) وابن عبد البر في "التمهيد"(6/ 201 - تيمية) وسعيد بن منصور في السنن رقم (1556) وغيرهم.
وهو حديث صحيح.
(4)
في سننه رقم (2250) إسناد رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم، فهو صحيح لولا أن عياضًا فيه لين، كما في "التقريب" لكنه توبع.
وهو حديث صحيح.
7/ 2906 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قصَّةِ المُتَلَاعِنَيْن: فَفَرَّقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا وَقَالَ: "لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا"
(1)
[صحيح]
8/ 2907 - ([وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ]
(2)
أن النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "المُتَلاعِنَانِ إِذَا تَفَرَّقَا لا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا")
(3)
. [إسناده ضعيف جدًّا]
9/ 2908 - (وَعَنْ عَلِيّ قَالَ: مَضَتِ السنّةُ فِي المُتَلاعِنَيْنِ أنْ لا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا)
(4)
. [إسناده ضعيف]
10/ 2909 - (وَعَنْ عَلِيّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالا: مَضَتِ السّنّةُ أنْ لا يَجْتَمِعَ المُتَلاعِنَانِ. رَوَاهُنّ الدَّارَقُطْنِيّ)
(5)
. [إسناده ضعيف]
(1)
أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 275 رقم 115).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 401) بسند رجاله ثقات.
(2)
كذا في "المخطوط"(أ) و (ب)، والصواب:(وعن ابن عمر)؛ كما في سنن الدارقطني (3/ 276 رقم 116) ونصب الراية (3/ 251).
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 276 رقم 116). قال صاحب "التنقيح": إسناده جيد.
قلت: بل إسناده ضعيف، لأن محمد بن عثمان بن أبي شيبة متهم بالكذب كما في ترجمته في "تاريخ بغداد"(3/ 42).
(4)
في سنن الدارقطني (3/ 276 رقم 117).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 410) وإسناده ضعيف، لأنه من طريق قيس بن الربيع وهو ضعيف ..
(5)
في سنن الدارقطني (3/ 276 رقم 118).
وفي سنده عبد الرحمن بن هانئ، هو أبو نعيم النخعي، وقد أخرج عنه أحمد وابن معين وغيرهما.
قال الحافظ في "التقريب" رقم (4032): "صدوق له أغلاط، وأفرط ابن معين فكذبه، وقال البخاري: هو في الأصل صدوق
…
".
قلت: بل هو ضعيف، والله أعلم.
وقال الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 251): "وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 351) موقوفًا على عمر، وابن عمر، وابن مسعود. وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (12433)، (12434)، (12436) موقوفًا على عمر، وابن مسعود، وعلي؛ ولم يروياه مرفوعًا أصلًا". اهـ.
حديث سهل بن سعد الأوّل سكت عنه أبو داود
(1)
والمنذري
(2)
، ورجاله رجال الصحيح.
وحديثه الثاني في إسناده عياض بن عبد الله قال في التقريب
(3)
: فيه لين ولكنه قد أخرج له مسلم.
وحديث ابن عباس أخرج نحوه أبو داود
(4)
في قصة طويلة في إسنادها: عباد بن منصور وفيه مقال.
وحديث عليّ وابن مسعود أخرجهما أيضًا عبد الرزاق
(5)
وابن أبي شيبة
(6)
.
وفي الباب عن عمر نحو حديثهما، أخرجه أيضًا عبد الرزاق
(7)
وابن أبي شيبة
(8)
.
قوله: (أحدكما كاذب) قال عياض
(9)
: إنَّه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان، فيؤخذ منه عرض التوبة على المذنب بطريق الإجمال وأنه يلزم من كَذَب التوبة من ذلك.
وقال الداودي
(10)
: قال ذلك قبل اللعان تحذيرًا لهما منه.
قال الحافظ
(11)
: والأوّل أظهر، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
قوله: (لا سبيل لك عليها)، فيه دليلٌ: على أن المرأة تستحقّ ما صار إليها من المهر بما استحلّ الزوج من فرجها، وقد تقدَّم أن هذه الصيغة تقتضي العموم لأنها نكرة في سياق النفي، وأراد بقوله:"مالي" الصداق الذي سلَّمه إليها، يريد أن يرجع به عليها، فأجابه صلى الله عليه وسلم بأنها قد استحقته بذلك السبب، وأوضح له
(1)
في السنن (2/ 683).
(2)
في "المختصر"(3/ 163).
(3)
في "التقريب" رقم (5278).
(4)
في سننه رقم (2256) وهو حديث ضعيف.
(5)
في المصنف رقم (12434) و (12436) وقد تقدم.
(6)
في المصنف (4/ 351) وقد تقدم.
(7)
في المصنف رقم (12433) وقد تقدم.
(8)
في المصنف (4/ 351).
(9)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(5/ 86).
(10)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 458).
(11)
في "الفتح"(9/ 458).
استحقاقها له بذلك التقسيم على فرض صدقه وعلى فرض كذبه، لأنه مع الصدق قد استوفى منها ما يوجب استحقاقها له، وعلى فرض كذبه كذلك مع كونه قد ظلمها برميها بما رماها به.
وهذا مجمع عليه في المدخولة.
وأما في غيرها؛ فذهب الجمهور
(1)
إلى أنها تستحقّ النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول.
وقال حَمَّاد والحكَمُ وأبو الزِّناد: إنها تستحقه جميعه
(2)
.
وقال الزهري
(3)
ومالك
(4)
: لا شيء لها.
قوله: (فطلقها) قد تقدم الكلام عليه.
قول: (لا يجتمعان أبدًا) فيه دليلٌ: على تأبيد الفرقة؛ وإليه ذهب الجمهور
(5)
.
وروي عن أبي حنيفة
(6)
ومحمد: أن اللِّعان لا يقتضي التحريم المؤبد لأنَّه طلاق زوجة مدخولةٍ بغير عوضٍ، لم ينو به التثليث، فيكون كالرجعي. ولكن المرويّ عن أبي حنيفة أنَّها إنما تحلُّ له إذا أكذب نفسه، لا إذا لم يكذب نفسه، فإنه يوافق الجمهور، كما ذكره صاحب الهدي
(7)
عنه، وعن محمد، وسعيد بن المسيب.
(1)
الإشراف لابن المنذر (4/ 260) والفتح (9/ 456).
(2)
حكاه عنهم ابن عبد البر في الاستذكار (17/ 248 رقم 26239)، وابن المنذر في الإشراف (4/ 260 رقم 2766).
(3)
ذكره ابن المنذر في "الإشراف"(4/ 260) وابن عبد البر في الاستذكار (17/ 248 رقم 26240).
(4)
بل قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(17/ 248 رقم 26237): "قال مالك: إذا لاعن الرجل امرأتَهُ قبل أن يدخل بها، فليس لها إلا نصفُ الصدَاق".
قلت: وهذا الصواب الذي عليه الجمهور.
(5)
الفتح (9/ 456).
(6)
البناية في شرح الهداية (5/ 375) وبدائع الصنائع (3/ 244 - 245).
(7)
زاد المعاد (5/ 351 - 352).
والأدلة الصحيحةُ الصريحةُ قاضيةٌ بالتحريم المؤبد وكذا أقوال الصحابة، وهو الذي يقتضيه حكم اللِّعان، ولا يقتضي سواه، فإنَّ لعنة الله وغضبه قد حلت بأحدهما لا محالة، وقد وقع الخلاف هل اللعان فسخٌ أو طلاق؟ فذهب الجمهور
(1)
إلى أنَّه فسخ، وذهب أبو حنيفة
(2)
ورواية عن محمد: إلى أنه طلاق.
[الباب الثالث] باب إيجابِ الحدِّ بقذف الزَّوج وأنَّ اللِّعان يُسقطه
11/ 2910 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن هِلالَ بْنَ أُمَيّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ بْنِ سَحْماءَ، فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "الْبَيِّنَةُ أوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِذَا رَأى أحَدُنَا على امْرأتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ البَيِّنَةَ؟! فَجَعَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ"، فَقَالَ هِلَالٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقّ إني لَصَادِقٌ وَلْيُنْزِلَنَّ الله ما يُبْرئُ ظَهْرِي مِنَ الحَدّ، فَنَزَلَ جِبْريل وأُنزِلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (3)، فَقَرأ حتّى بَلَغَ:{إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
(3)
، فانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأرْسَلَ إِلَيْهِمَا. فَجَاءَ هِلَالٌ، فَشَهِدَ والنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِن الله يَعْلَمُ أن أَحَدَكما كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُما تَائِبٌ؟ " ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمّا كَانَ عِنْدَ الخامِسَةَ وَقّفُوها، فَقالُوا: إنَّها مُوجِبَةٌ، فَتَلَكّأتْ وَنَكَصَتْ حتّى ظَنَنا أنَّهَا تَرْجِعُ، ثم قَالَتْ: لا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ، فَقَالَ النّبِي صلى الله عليه وسلم:"انْظُرُوهَا فإنْ جَاءَتْ بِهِ كحَلَ العَيْنَيْنِ سَابغَ الألْيَتَيْنِ، خَدَلّجَ السّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَريك بْنِ سَحْمَاءَ"، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْلا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ الله لَكان لي وَلَها شأنٌ"، رَوَاهُ الْجَمَاعَة إلَّا مُسْلِمًا والنّسائي)
(4)
. [صحيح]
(1)
المغني (11/ 147).
(2)
البناية في شرح الهداية (5/ 377) وبدائع الصنائع (3/ 245).
(3)
سورة النور، الآية:(6 - 9).
(4)
أحمد في المسند (1/ 238 - 239) والبخاري رقم (4747) وأبو داود رقم (2254) والترمذي رقم (3179) ابن ماجه رقم (2067).
وهو حديث صحيح.
قوله: (البينة أو حدٌّ في ظهرك) فيه دليل: على أن الزوج إذا قذف امرأته بالزنا وعجز عن إقامة البينة وجب عليه حدُّ القاذف، وإذا وقع اللعان سقط وهو قول الجمهور
(1)
.
وذهب أبو حنيفة
(2)
وأصحابه: إلى أن اللازم بقذف الزوج إنما هو اللعان فقط، ولا يلزمه الحدُّ.
والحديث وما في معناه حجة عليه.
قوله: (فنزل جبريل
…
إلخ)، فيه التصريح بأنَّ الآية نزلت في شأن هلال، وقد تقدم الخلاف [في ذلك]
(3)
.
قوله: (إنَّ الله يعلم
…
إلخ) فيه مشروعية تقديم الوعظ للزوجين قبل اللعان كما يدلّ على ذلك قوله: "ثم قامت"، فإنَّ ترتيب القيام على ذلك مشعرٌ بما ذكرنا، وقد تقدم الإِشارة إلى الخلاف.
قوله: (وقَّفوها) أي: أشاروا عليها بأن ترجع، وأمروها بالوقف عن تمام اللعان، حتى يُنْظَر في أمرها، فتلكأت وكادت أن تعترف، ولكنها لم ترض بفضيحة قومها فاقتحمت، وأقدمت على الأمر المخوف الموجب للعذاب الآجل مخافة من العار لأنه يلزم قومها من إقرارها العار بزناها ولم يردعها عن ذلك العذاب العاجل وهو حدّ الزنا.
وفي هذا دليلٌ: على أن مجرّد التلكؤ من أحد الزوجين والتكلم بما يدلّ على صدق الآخر دلالة ظنية، لا يعمل به، بل المعتبر هو التصريح من أحدهما بصدق الآخر والاعتراف المحقق بالكذب إن كان الزوج، أو الوقوع في المعصية إن كانت المرأة.
قوله: (انظروها فإن جاءت به
…
إلخ)، فيه دليل: على أن المرأة كانت حاملًا وقت اللعان. وقد وقع في البخاري التصريح بذلك، وسيأتي التصريح به أيضًا في باب
(4)
ما جاء في اللعان على الحمل.
(1)
المغني (11/ 150).
(2)
بدائع الصنائع (3/ 243 - 244) والبناية في شرح الهداية (5/ 364 - 366).
(3)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(4)
الباب السادس عند الحديث رقم (2913) من كتابنا هذا.
قوله: (أكحل العينين) الأكحل: الذي منابت أجفانه سود كأن فيها كحلًا.
قوله: (سابغ الأليتين)
(1)
بالسين المهملة وبعد الألف باء موحدة ثم غين معجمة: أي عظيمهما.
قوله: (خَدلج الساقين)
(2)
بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وتشديد اللام، أي: ممتلئ الساقين والذراعين.
قوله: (فجاءت به كذلك)، في رواية للبخاري
(3)
: "فجاءت به على الوجه المكروه".
وفي أخرى له
(4)
: "فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي ذلك روايات أخر ستأتي.
قوله: (لولا ما مضى من كتاب الله)، في رواية للبخاري:"من حكم الله"، والمراد أن اللعان يدفع الحدّ عن المرأة، ولولا ذلك لأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الحدّ من أجل ذلك الشبه الظاهر بالذي رميت به
(5)
.
ويستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم كان يحكم بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه وحي خاص، فإذا نزل الوحي بالحكم في تلك المسألة قطع النظر وعمل بما نزل وأجرى الأمر على الظاهر ولو قامت قرينة تقتضي خلاف الظاهر.
[الباب الرابع] باب من قذف زوجته برجل سماه
12/ 2911 - (عَنْ أنَسٍ: أنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَريك بْنِ سَحْماءَ، وَكَانَ أَخَا الْبَرَاء بْنِ مَالِكٍ لأمِّه، وكانَ أوَّلَ رَجُلٍ لاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ،
(1)
أي: تامَّهما وعظيمهما، من سبوغ الثوب والنعمة.
النهاية (1/ 751) والمجموع المغيث (2/ 56).
(2)
النهاية (1/ 475) والمجموع المغيث (1/ 556).
(3)
في صحيحه رقم (5309).
(4)
أي للبخاري رقم (4745).
(5)
انظر: "الفتح"(9/ 456) والمغني (11/ 181 - 182).
قَالَ: فَلَاعَنَهَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِه أَبْيَضَ سَبْطًا قَضِيءَ العَيْنَيْنِ، فَهُوَ لِهلالِ بْنِ أُمَيّةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكحَلَ جَعْدًا حَمِشَ السّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاء"، قَالَ: فَأُنْبِئْت أنَّها جَاءَتْ بِهِ أكْحَلَ جَعْدًا أَحْمِشَ الساقَيْن. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَالنّسَائِيُّ
(2)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ أَوَّلَ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أن هلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ بْنِ السّحْمَاءِ بامْرَأَتِهِ، فأتى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ" يُرَدِّدُ ذلكَ عَلَيْهِ مِرَارًا، فَقَالَ لَهُ هِلالٌ: والله يَا رَسُولَ الله إنَّ الله عز وجل لَيَعْلَمُ إني لَصَادِقٌ، وَلْيَنْزِلَنَّ الله عَلَيْكَ مَا يُبْرِئُ ظَهْرِي مِنَ الحَدّ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ [نَزَلَتْ]
(3)
عَلَيْهِ آيَةُ اللِّعانِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}
(4)
إلى آخِرِ الآيَةِ، وَذَكَرَ الحَدِيثَ. رَوَاهُ النَّسائيُّ)
(5)
[صحيح]
الرواية الأخرى من هذا الحديث: رجالها رجال الصحيح، ويشهد لصحَّتها حديث ابن عباس المتقدم في الباب الذي قبل
(6)
هذا: فإن سياقه وسياق هذا الحديث متقاربان.
قوله: (وكان أول رجلٍ لاعن في الإسلام)، قد تقدم الكلام على هذا.
قوله: (سَبْطًا)
(7)
بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها طاء مهملة: وهو المسترسل من الشعر وتام الخلق من الرجال.
(1)
في المسند (3/ 142).
(2)
في سننه رقم (3468).
قلت: وأخرجه مسلم رقم (1496) والبيهقي (7/ 405 - 406).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المخطوط (ب): (نزل).
(4)
سورة النور، الآية:(6).
(5)
في سننه رقم (3469).
قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (2824) والطحاوي (3/ 101 - 102) وابن حبان رقم (4451). وفيه قصة اللعان المطولة.
وهو حديث صحيح.
(6)
تقدم برقم (2910) من كتابنا هذا.
(7)
النهاية (1/ 748).
قول: (قضئ العينين)
(1)
بفتح القاف، وكسر الضاد المعجمة، بعدها همزة، على وزن حذر، وهو فاسد العينين، والأكحل قد تقدم الكلام عليه. والجعد بفتح الجيم وسكون المهملة بعدها دال مهملة أيضًا، قال في القاموس
(2)
: الجعد من الشعر: خلاف السبط أو القصير منه.
قوله: (حمش الساقين) بالحاء المهملة ثم معجمة وهو لغة في أحمش.
قال في القاموس
(3)
: حمش الرجل حَمْشًا وَحَمَشًا صار دقيق الساقين، فهو أَحْمَشُ الساقين، وَحَمْشُهُما بالفتح وسوق حِماشٌ وقد [حَمَشَتِ]
(4)
السَّاق كضرب وكرُم حُموشة، انتهى.
قوله: (إنَّ أول لعانٍ كان في الإسلام) قد تقدم الكلام على ذلك.
وظاهر الحديث: أن حدَّ القذف يسقط باللعان، ولو كان قذف الزوجة برجلٍ معين
(5)
.
[الباب الخامس] باب في أن اللِّعان يمينٌ
13/ 2912 - (عَنِ ابْنِ عَبّاس قَالَ: جاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيّةَ وَهُوَ أحَدُ الثَّلاثَةِ الّذِينَ خُلِّفُوا، فَجَاءَ مِنْ أَرْضِهِ عِشاءً فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَذَكَرَ حَدِيثَ تلاعُنِهِما إلى أنْ قالَ: فَفَرَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بيْنَهُمَا وَقَالَ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُصَيْهِبَ أرَيْسِحَ حَمِشَ السّاقَيْنِ فَهُوَ لهِلالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمّالِيًّا خَدَلَّجَ السّاقَيْنِ سَابغَ الألْيَتَيْنِ فَهُوَ لِلّذِي رُمِيَتْ بِهِ"، فَجَاءَتْ بِهِ أوْرَقَ جَعْدًا جُمّالِيًّا خَدَلَّجَ السّاقَيْنِ سَابغَ الألْيَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لَوْلا الأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شأنٌ"
(1)
النهاية (2/ 465) والفائق (3/ 206).
(2)
القاموس المحيط (ص 348) والنهاية (1/ 268).
(3)
القاموس المحيط (ص 762) والنهاية (1/ 432).
(4)
في (ب): (حمش).
(5)
المغني (11/ 181 - 182).
رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَأَبُو دَاوُدَ)
(2)
. [ضعيف]
الحديث أورده أبو داود (2) مطولًا، وفي إسناده عباد بن منصور
(3)
، وقد تكلم فيه غير واحد، وقد قيل: إنه كان قدريًا داعية.
قوله: (أصيهب)
(4)
تصغير الأصهب، وهو من الرجال: الأشقر، ومن الإبل: الذي يخالط بياضه حمرةٌ.
قوله: (أريسح)
(5)
تصغير [الأرسح]
(6)
بالسين والحاء المهملتين، وروي
(1)
في المسند (1/ 238 - 239).
وقد تابعه الطيالسي في مسنده رقم (2256) وعنه البيهقي (7/ 394): "نا عباد بن منصور: نا عكرمة
…
فصرح بسماع عباد من عكرمة، فإن كان محفوظًا؛ فقد زالت شبهة التدليس وبقية العلة الأولى وهي ضعف عباد بن منصور" قاله الألباني في ضعيف أبي داود (10/ 247).
(2)
في سننه رقم (2256).
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(3)
عباد بن منصور الناجي، أبو سلمة البصري القاضي بها: صدوقٌ، رُمي بالقدر وكان يُدلِّس وتغير بأخَرَة .. التقريب رقم (3142).
وقال المحرران: بل: ضعيف؛ ضعفه يحيى بن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، والعقيلي، وأبو داود، والنسائي، وابن سعد، وأبو بكر بن أبي شيبة، ووهب بن جرير، وعلي بن المديني، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ويعقوب بن سفيان، وابن حبان، ولا نعرف في توثيقه أو تحسين الرأي فيه سوى قول يحيى بن سعيد القطان الذي رواه عنه حفيده أحمد بن محمد بن يحيى سعيد - وهو صدوق -:"عباد بن منصور ثقة لا ينبغي أن يُترك حديثه لرأي أخطأ فيه - يعني القدر - ".
لكن قال علي بن المديني: "قلت: ليحيى بن سعيد: عباد بن منصور كان تغيَّر؟ قال: لا أدري، إلا أنا حين رأيناه نحن كان لا يحفظ، ولم أر يحيى يرضاه".
فهذا بحكم المجمع على تضعيفه حتى وإن صح عن يحيى بن سعيد تحسين الرأي فيه، وذلك لسوء حفظه وتغيره وتدليسه". اهـ
(4)
الأصهب من صهب: الذي يعلو لونه صُهْبة، وهي كالشقْرة.
والأصَيْهب تصغيره، قاله الخطابي. والمعروف أن الصُّهْبة مختصَّة بالشَّقر، وهي حُمْرة يعلوها سواد.
[غريب الحديث للخطابي 1/ 82، 170].
(5)
الأرسح: من رسح، الذي لا عَجُز له، أو هي صغيرة، لاصقة بالظَّهر. [النهاية 1/ 655].
(6)
في المخطوط (ب): (أريسيح).
بالصاد المهملة بدلًا من السين، ويقال: الأرصع بالصاد والعين المهملتين: وهو خفيف لحم الفخذين والأليتين.
وقد تقدم تفسير حمش الساقين، والجعد، وخدلج الساقين، وسابغ الأليتين.
قوله: (أورق)
(1)
هو الأسمر.
قوله: (جُمَّاليًا)
(2)
بضم الجيم وتشديد الميم؛ وهو العظيم الخلق كأنه الجمل.
قوله: (لولا الأيمان) استدل به من قال: إنَّ اللِّعان يمين، وإليه ذهبت العترة
(3)
والشافعي
(4)
والجمهور
(5)
.
وذهب أبو حنيفة
(6)
وأصحابه، ومالك
(7)
والإمام يحيى
(8)
والشافعي
(9)
في قول: إنه شهادة.
واحتجوا بقوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}
(10)
، وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس السابق في الباب
(11)
الأول: "فجاء هلال فشهد ثم قامت فشهدت".
وقيل: إنَّ اللِّعان شهادة فيها شائبة يمينٍ.
وقيل: بالعكس.
وقال بعض العلماء: ليس بيمين ولا شهادة، حكى هذه الثلاثة المذاهب صاحب الفتح
(12)
وقال: الذي تحرر لي أنَّها من حيث الجزم بنفي الكذب وإثبات
(1)
النهاية (2/ 841).
(2)
النهاية (1/ 291).
(3)
البحر الزخار (3/ 250).
(4)
روضة الطالبين للنووي (8/ 334) حيث قال: "اللعان: يمين مؤكدة بلفظ الشهادة .. ".
(5)
الفتح (9/ 444) وبداية المجتهد (3/ 222) بتحقيقي.
(6)
البناية في شرح الهداية (5/ 365).
(7)
التهذيب في اختصار المدونة (2/ 330).
(8)
البحر الزخار (3/ 250).
(9)
الأم (6/ 720).
(10)
سورة النور، الآية:(6).
(11)
تقدم برقم (2910) من كتابنا هذا.
(12)
الفتح (9/ 445).
الصدق يمينٌ، لكن أطلق عليها شهادة لاشتراط أن لا يكتفي في ذلك بالظن بل لا بد من وجود علم كل منهما بالأمرين علمًا يصحُّ معه أن يشهد
(1)
.
[الباب السادس] باب ما جاءَ في اللِّعان على الحمل والاعتراف به
14/ 2913 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لاعَنَ عَلى الحَمْلِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
. [صحيح لغيره]
وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ: وَكَانَتْ حامِلًا وكَانَ ابْنُهَا يُنْسَبُ إلى أُمِّهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ
(3)
[صحيح]
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعَنَ بَيْنَ هِلال بْنِ أُمَيّة وَامْرَأَتِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَضَى أنْ لا يُدْعَى وَلَدُهَا لأبٍ، ولَا يُرْمَى وَلَدُها، وَمَنْ رَماها أوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الحَدُّ. قَالَ عِكْرِمَةُ: فَكانَ بَعْدَ ذلكَ أمِيرًا على مِصْرَ وَما يُدْعَى لأبٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(4)
وَأَبُو دَاوُدَ
(5)
. [ضعيف]
وَقَدْ أسْلَفْنَا فِي غَيْرِ حَدِيثٍ أن تَلاعُنَهُما قَبْلَ الوَضْعِ).
15/ 2914 - (وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤيبٍ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي رَجُل أنْكَرَ وَلَدَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ فِي بَطْنِها، ثُمَّ اعْتَرَفَ بِهِ وَهُوَ فِي بَطْنِها حَتّى إِذَا وُلدَ أنْكَرَهُ، فَأمَرَ بِهِ عُمَر فَجُلِدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةَ لِفِرْيَتِهِ عَلَيْهَا، ثُمَّ ألْحِقَ بِهِ وَلَدُها. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)
(6)
. [موقوف حسن]
(1)
انظر ما قاله ابن القيم في: "زاد المعاد"(5/ 223 - 328) حول هذه المسألة.
(2)
في المسند (1/ 355) بسند ضعيف، لضعف عباد بن منصور.
لكن الحديث صحيح لغيره.
(3)
أخرجه أبو داود رقم (2249) وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند (1/ 238 - 239) وقد تقدم.
(5)
في سننه رقم (2256) وقد تقدم.
وقد تقدم الكلام عليه برقم (2912) من كتابنا هذا.
(6)
في سننه (3/ 164 رقم 243). =
حديث ابن عباس الأول هو بمعناه في الصحيحين
(1)
من حديثه بلفظ: "لاعن بين هلال بن أمية وزوجته وكانت حاملًا ونفى الحمل".
وحديث سهل هو في البخاري
(2)
كما قدمنا ولم يذكره المصنف فيما سلف صريحًا.
وحديث ابن عباس الثاني هو من حديثه الطويل الذي ساقه أبو داود
(3)
، وفي إسناده عباد بن منصور
(4)
كما تقدم.
وأثر عمر أخرجه أيضًا البيهقي
(5)
وحسن الحافظ
(6)
إسناده.
وقد استدل بأحاديث الباب من قال: إنه يصح اللعان قبل الوضع مطلقًا ونفي الحمل. وقد حكاه في الهدي
(7)
عن الجمهور وهو الحق للأدلة المذكورة.
وذهبت الهادوية
(8)
، وأبو يوسف
(9)
، ومحمد (9): إلى أنَّه لا يصح قبل الوضع مطلقًا، لاحتمال أن يكون الحمل ريحًا.
وردَّ: بأنَّ هذا احتمال بعيدٌ لأن للحمل قرائن قوية يظنُّ معها وجوده ظنًا قويًا، وذلك كاف في اللعان، كما جاز العمل بها في إثبات عدة الحامل وترك قسمة الميراث، ولا يدفع الأمر المظنون بالاحتمال البعيد.
وذهب أبو حنيفة (9) والمزني وأبو طالب
(10)
: إلى أنه لا يصحّ اللعان والنفي قبل الوضع إلا مع الشرط لعدم اليقين.
= قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 411).
إسناده حسن كما قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 463).
(1)
البخاري رقم (5316) ومسلم رقم (12/ 1497).
(2)
في صحيحه رقم (5309).
(3)
في سننه برقم (2256) وهو حديث ضعيف وقد تقدم.
(4)
ضعيف كما تقدم قريبًا.
(5)
في السنن الكبرى (7/ 411).
(6)
في "التلخيص"(3/ 463).
(7)
زاد المعاد (5/ 346 - 347).
(8)
البحر الزخار (3/ 255).
(9)
شرح فتح القدير (4/ 263) واللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 705 - 706).
والبناية في شرح الهداية (5/ 383 - 384).
(10)
البحر الزخار (3/ 255).
وردَّ: بأنَّه مشروط وإن لم يلفظ به.
وأثر عمر المذكور
(1)
استدل به من قال: إنه لا يصحّ نفي الولد بعد الإقرار به وهم العترة
(2)
وأبو حنيفة
(3)
وأصحابه.
ويؤيده أنه لو صحّ الرجوع بعده لصحَّ عن كل إقرار فلا يتقرّر حق من الحقوق، والتالي باطل بالإجماع فالمقدَّم مثله.
[الباب السابع] باب الملاعنة بعد الوضع لقذف قبله وإن شهد الشَّبه لأحدهما
16/ 2915 - (عَنْ ابْنِ عَبَاسٍ: أنه ذُكِرَ التّلاعُنَ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عُدَيّ في ذَلِكَ قَوْلًا، ثُمّ انْصَرَفَ، فأتاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِلَيْهِ أنّهُ وَجَدَ مَعَ أهْلِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: ما ابْتُلِيتُ بِهَذَا إلا لِقَوْلِي فِيهِ، فَذَهَبَ بِهِ إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وكانَ ذَلكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشّعْرِ، وكانَ الّذِي ادّعَى عَلَيْهِ أنَّهُ وُجِدَ عِنْدَ أهْلِهِ خَدَلًا آدم كَثِير اللّحْمِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمّ بَيِّنْ"، فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أنّهُ وَجَدَهُ عِنْدَها، فَلاعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُما، فَقَالَ رَجُلٌ لابْنِ عَبّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: أَهِيَ الّتِي قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ رَجَمْتُ أحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ؟ "، فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لا، تِلْكَ امْرأةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الْإِسْلَامِ السُّوءَ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ)
(4)
. [صحيح]
قوله: (فقال عاصم في ذلك قولًا) أي: كلامًا لا يليق به؛ كالمبالغة في الغيرة وعدم الرجوع إلى إرادة الله وقدرته.
وقال الحافظ
(5)
: إن المراد بالقول المذكور هو ما وقع في حديث سهل بن
(1)
وهو موقوف حسن تقدم برقم (2914) من كتابنا هذا.
(2)
البحر الزخار (3/ 257).
(3)
البناية في شرح الهداية (5/ 385 - 386) وشرح فتح القدير (4/ 264). والاستذكار (17/ 222 رقم 26115).
(4)
أحمد في المسند (1/ 336، 357) والبخاري رقم (5316) ومسلم رقم (12/ 1497).
(5)
في الفتح (9/ 454).
سعد
(1)
أنه سأل عن الحكم الذي أمره عويمر أن يسأل عنه.
قوله: (فأتاه رجل من قومه) قال في الفتح
(2)
: هو عويمر، ولا يمكن تفسيره بهلال بن أمية لأنه لا قرابة بينه وبين عاصم.
قوله: (ما ابتليت بهذا إلا لقولي) أي بسؤالي عما لم يقع، [فكأنه]
(3)
عرف أنه عوقب بذلك وإنما جعله ابتلاء لأن امرأة عويمر هي بنت عاصم المذكور واسمها خولة بنت عاصم كما ذكره ابن الكلبي، وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم.
وروى ابن أبي حاتم
(4)
، في التفسير عن مقاتل بن حيان أن الزوج وزوجته والرجل الذي رمي بها ثلاثتهم بنو عم عاصم.
قوله: (مصفرًا) بضم أوله وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وتشديد الراء: أي قويَّ الصفرة
(5)
، وهذا لا يخالف ما في حديث سهل أنه كان أحمر أو أشقر لأن ذلك لونه الأصلي والصفرة عارضة. والمراد بقليل اللحم: نحيف الجسم، والسبط قد تقدم تفسيره.
قوله: (خدلًا) بالخاء المعجمة والدال المهملة، قال في القاموس
(6)
: الخدل: الممتلئ، وساق خدله: بينة الخدل محركة ثم قال: والخدلة: المرأة الغليظة الساق، وممتلئة الأعضاء لحمًا في رقة عظام، انتهى.
وقال في الفتح
(7)
: خدلًّا بفتح المعجمة وتشديد اللام: أي ممتلئ الساقين. وقال أبو الحسن بن فارس
(8)
: ممتلئ الأعضاء. وقال الطبري
(9)
: لا يكون إلا مع غلظ العظم مع اللحم.
قوله: (آدم)
(10)
بالمد: أي لونه قريب من السواد.
(1)
تقدم برقم (2903) من كتابنا هذا.
(2)
(7)(9/ 455).
(3)
في المخطوط (ب): (وكأنه).
(4)
في تفسيره (8/ 2535) رقم (14185).
(5)
النهاية (2/ 37) والفائق (2/ 33).
(6)
القاموس المحيط (ص 1281).
(7)
(9/ 455).
(8)
في مقاييس اللغة (ص 289).
(9)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 455).
(10)
النهاية (1/ 46).
قوله: (كثير اللحم) أي في جميع جسده.
قال في الفتح
(1)
: يحتمل أن يكون صفة شارحة لقوله خدلًّا بناء على أن الخدل: الممتلئ البدن.
قوله: (اللهم بين) قال ابن العربي
(2)
: ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق أحدهما فقط، بل معناه أن تلد ليظهر الشبه ولا يمتنع ولادها بموت الولد مثلًا فلا يظهر البيان.
والحكمة في البيان المذكور ردع من شاهد ذلك عن التلبس بمثل ما وقع لما يترتب عليه من القبح.
قوله: (فلاعن
…
إلخ) ظاهره أن الملاعنة تأخرت إلى وضع المرأة، وعلى ذلك بوب المصنف.
وقد تقدم في حديث سهل أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع. ورواية ابن عباس هذه هي القصة التي في حديث سهل كما تقدم، فعلى هذا تكون الفاء في قوله:"فلاعن" لعطف لاعن علي "فأخبره بالذي وجد عليه امرأته" ويكون ما بينهما اعتراضًا.
قوله: (فقال رجل لابن عباس) هو عبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة ابن عباس، سماه أبو الزناد كما ذكره البخاري
(3)
في الحدود.
قوله: (كانت تظهر في الإسلام السوء) أي كانت تعلن بالفاحشة ولكنه لم يثبت ذلك عليها ببينة ولا اعتراف.
قال الداودي
(4)
: فيه جواز غيبة من يسلك مسالك السوء.
وتعقب بأنه لم يسمها فإن أراد إظهار الغيبة على طريق الإبهام فمُسلمٌ.
(1)
(9/ 455).
(2)
في عارضة الأحوذي (5/ 193).
(3)
في صحيحه رقم (6855).
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 461).
[الباب الثامن] باب ما جاءَ في قذف الملاعنة وسقوط نفقتها
17/ 2916 - (عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ فِي قِصَّةِ المُلاعَنَةِ: أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أنْ لا قُوتَ لَهَا وَلَا سُكْنَى مِنْ أَجْلِ أنَّهُمَا يَتَفَرّقانِ مِنْ غَيْرِ طَلاقٍ وَلَا مُتَوَفَّى عَنْهَا"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَأَبُو دَاوُدَ)
(2)
. [ضعيف]
18/ 2917 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي وَلَدِ المُتلاعِنَيْنِ أنّه يَرِث أمّه وَتَرِثُهُ أمّه، وَمَنْ رَماها بِهِ جُلِدَ ثَمَانِينَ، وَمَنْ دَعاه وَلَدَ زنا جُلِدَ ثَمَانِينَ. رَوَاهُ أحْمَدُ)
(3)
. [إسناده ضعيف]
حديث ابن عباس هو طرف من حديثه الطويل الذي ساقه أبو داود
(4)
، وفي إسناده عباد بن منصور
(5)
وفيه مقال كما تقدم.
وحديث عمرو بن شعيب أشار إليه في التلخيص
(6)
ولم يتكلم عليه، وقد قدمنا الاختلاف في حديثه.
وقال في مجمع الزوائد
(7)
: في إسناده ابن إسحاق وهو مدلس
(8)
وبقية رجاله ثقات.
(1)
في المسند (1/ 238 - 239) وقد تقدم.
(2)
في سننه رقم (2256) وقد تقدم.
والحديث تقدم تخريجه برقم (2912) من كتابنا هذا.
(3)
في المسند (2/ 216).
إسناده ضعيف، محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 280): وقال: "رواه أحمد من طريق ابن إسحاق، قال: وذكر عمرو بن شعيب، فإن كان تصريحًا بالسماع فرجاله ثقات، وإلا فهي عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات". اهـ.
(4)
في سننه رقم (2256).
(5)
وهو ضعيف تقدم الكلام عليه.
(6)
في "التلخيص"(3/ 455).
(7)
(6/ 280) وقد تقدم.
(8)
ثقة مدلس. انظر: "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس" لابن حجر (ص 132 - 134 رقم 125) و"المغني في الضعفاء" للذهبي (2/ 552 رقم 5275) والميزان (3/ 468 - 475 رقم 7197).
قوله: (أن لا قوت ولا سكنى) فيه دليل: على أن المرأة المفسوخة باللعان لا تستحق في مدة العدَّة نفقةً ولا سكنى؛ لأنَّ النفقة إنما تستحق في عدة الطلاق، لا في عدة الفسخ، وكذلك السكنى ولا سيما إذا كان الفسخ بحكمٍ كالملاعنة.
ومن قال: إن اللعان طلاق؛ كأبي حنيفة
(1)
وإحدى الروايتين عن محمد فلعله يقول بوجوب النفقة والسكنى، والحديث حجةٌ عليه.
قوله: (أنه يرث أمَّه وترثه) فيه دليل: على أن قرابة الولد المنفي قرابةُ أمه، وقد قدَّمنا الكلام على ذلك في أوَّل كتاب اللعان.
قوله: (ومن رماها به جلد ثمانين) فيه دليل: على أنه يجب الحدّ على من رمى المرأة التي لاعنها زوجها بالرَّجل الذي اتهمها به، وكذلك يجب على من قال لولدها: إنَّه ولد زنا، وذلك لأنه لم يتبين صدق ما قاله الزوج، والأصل عدم الوقوع في المحرم، ومجرد وقوع اللعان لا يخرجها عن العفاف، والأعراض محمية عن الثلب ما لم يحصل اليقين.
[الباب التاسع] باب النَّهي أَن يقذف زوجته لأنْ ولدت ما يخالف لونهما
19/ 2918 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: وَلَدَتِ امْرَأَتِي غُلامًا أَسْوَدَ وَهُوَ حِينَئِذٍ يُعَرّضُ بأنْ يَنْفِيَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ "، قَالَ نَعَمْ، قَالَ:"فَمَا ألوَانُهَا؟ "، قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ:"هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ "، قَالَ: إنَّ فِيهَا لَوَرَقًا، قَالَ:"فَأَنى أتاهَا ذَلِكَ؟ "، قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ:"فَهَذَا عَسَى أنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ"، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ في الانْتِفَاءِ مِنْهُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
(2)
. [صحيح]
(1)
الاختيار (4/ 246).
(2)
أحمد في المسند (2/ 233، 234، 239، 279) والبخاري رقم (5305) ومسلم رقم (18/ 1500) وأبو داود رقم (2260) والترمذي رقم (2128) والنسائي رقم (3478) وابن ماجه رقم (2002).
وهو حديث صحيح.
ولأبي دَاوُدَ
(1)
فِي رِوَايَةٍ: إنَّ امْرَأتي وَلَدَتْ غُلامًا أسْوَدَ وَإني أنْكِرُهُ). [صحيح]
قوله: (جاء رجلٌ) اسمه: ضمضم بن قتادة.
قوله: (يعرِّض بأن ينفيه) وجه التعريض أنه قال: غلامٌ أسود: أي: وأنا أبيض فكيف يكون مني؟ وفيه دليل: على أن التعريض بالقذف لا يكون قذفًا، وإليه ذهب الجمهور
(2)
.
وعن المالكية
(3)
يجب به الحدّ إذا كانوا يفهمونها، وكذلك قالت الهادوية
(4)
، إلا أنهم اشترطوا أن يقرَّ بأنَّ قصده القذف.
وأجابوا عن حديثي الباب: بأنَّه لا حجة فيه لأنَّ الرجل لم يرد قذفًا، بل جاء سائلًا مستفتيًا عن الحكم بما وقع له من الريبة فلما ضرب له المثل أذعن.
وقال المهلب
(5)
: التعريض إذا كان على سبيل السؤال لا حدَّ فيه، وإنما يجب الحدُّ في التعريض إذا كان على سبيل المواجهة. وقال ابن المنير: الفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض أن الأجنبي يقصد الأذية المحضة والزوج يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب.
قوله: (من أورق)
(6)
هو الذي يميل إلى الغبرة، ومنه قيل للحمامة: ورقاء.
قوله: (فأنَّى ذلك) بفتح النون الثقيلة: أي: من أين أتاها اللون الذي خالفها هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها، أو لأمر آخر؟.
قوله: (نزعه عرق) المراد بالعِرْقِ
(7)
: الأصل من النسب تشبيهًا بعرق الشجرة، ومنه قولهم: فلانٌ عريق في الأصالة: أي أن أصله متناسبٌ، وكذا معرِّقٌ في الكرم، وهو ضرب مثل لتعريف السائل وتوضيح البيان
(1)
في سننه رقم (2262) وهو حديث صحيح.
(2)
الفتح (9/ 443).
(3)
عيون المجالس (3/ 1228 - 1231).
(4)
البحر الزخار (5/ 162).
(5)
ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 444).
(6)
قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (ص 198): الأورق من الإبل ما في لونه بياض إلى سواد.
وانظر: النهاية (2/ 841).
(7)
النهاية (2/ 192) والغريبين لأبي عبيد (6/ 1826).
بتشبه المجهول بالمعلوم، وهو من قياس التشبيه كما قال الخطابي
(1)
.
قال ابن العربي
(2)
: فيه دليل: على صحة القياس والاعتبار بالنظير. وتوقف فيه ابن دقيق العيد
(3)
فقال: هو تشبيه في أمر وجودي، والنزاع إنما هو في التشبيه في الأحكام الشرعية من طريق واحدة قوية.
وفي الحديث دليل: على أنه لا يجوز للأب أن ينفي ولده بمجرد كونه مخالفًا له في اللون.
وقد حكى القرطبي
(4)
وابن رشد الإجماع على ذلك
(5)
.
وتعقبهما الحافظ
(6)
بأن الخلاف في ذلك ثابت عند الشافعية فقالوا: إن لم ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنًا لم يجز النفي، فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح عندهم، وعند الحنابلة
(7)
يجوز النفي مع القرينة مطلقًا.
[الباب العاشر] باب أن الولد للفراش دون الزاني
20/ 2919 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ"، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أبا دَاوُدَ
(8)
. [صحيح]
وَفي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيّ
(9)
: "لِصَاحِبِ الفِرَاشِ"). [صحيح]
(1)
في معالم السنن (2/ 694 - مع السنن).
(2)
في عارضة الأحوذي (8/ 289).
(3)
في إحكام الأحكام (4/ 69).
(4)
في "المفهم"(4/ 307).
(5)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 604).
(6)
في "الفتح"(9/ 444).
(7)
المغني (11/ 165 - 166).
(8)
أحمد في المسند (2/ 239، 280، 386، 409، 466، 475، 492) والبخاري رقم (6818) ومسلم رقم (37/ 1458) والترمذي رقم (1157) والنسائي رقم (3482) وابن ماجه رقم (2006).
وهو حديث صحيح.
(9)
في صحيحه رقم (6750) وهو حديث صحيح.
21/ 2920 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاص وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ الله ابْنُ أخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبي وَقّاصٍ عَهِدَ إليَّ أنّهُ ابْنُهُ انْظُرْ إلى شبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ الله وُلدَ على فِرَاشِ أبي؛ فَنَظَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى شَبَهِهِ، فرأى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ:"هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَللْعَاهِرِ الحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ"، قَالَ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطّ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ
(1)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةِ أبِي دَاوُدَ
(2)
وَرِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيّ
(3)
: "هُوَ أخُوكَ يَا عَبْدُ"). [صحيح]
22/ 2921 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن عُمَرَ قَالَ: ما بَال رجالٍ يَطَؤُونَ ولَائِدَهُمْ ثُم يَعْتَزِلُونَهُنَّ، لَا تَأتِيني وَليدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُها أنْ قَدْ ألمّ بها إلا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَها، فَاعْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ أوِ اتْرُكُوا. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ)
(4)
. [موقوف بسند صحيح]
حديث: "الولد للفراش"، مرويٌ من طريق بضعةٍ وعشرين نفسًا من الصحابة كما أشار إليه الحافظ
(5)
.
(1)
أحمد في المسند (6/ 129، 200، 237) والبخاري رقم (2218) ومسلم رقم (36/ 1457) وأبو داود رقم (2273) والنسائي رقم (3484) وابن ماجه رقم (2004).
وهو حديث صحيح.
(2)
في سننه رقم (2273).
(3)
في صحيحه رقم (4303).
وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند (ج 2 رقم 94 - ترتيب).
وهو موقوف بسند صحيح.
(5)
منهم: عمر، وعلي، وعثمان، وعائشة، وأبو هريرة، وأبو أمامة الباهلي، وعبادة بن الصامت، وعمرو بن خارجة، وغيرهم.
• أما حديث عمر فقد أخرجه أحمد في المسند (1/ 25).
وهو حديث صحيح لغيره.
• وحديث علي فقد أخرجه أحمد في المسند (1/ 104) بسند ضعيف.
• وحديث عثمان فقد أخرجه أحمد في المسند (1/ 59) بسند ضعيف. لجهالة رباح.
فقد قال الحافظ في "التقريب": مجهول.
وأخرجه أبو داود رقم (2275) والبيهقي (7/ 402 - 403). =
قوله: (الولد للفراش) اختلف في معنى الفراش، فذهب الأكثر
(1)
إلى أنه اسم للمرأة. وقد يعبر به عن حالة الافتراش. وقيل: إنَّه اسم للزوج، روي ذلك عن أبي حنيفة.
وأنشد ابن الأعرابي مستدلًا على هذا المعنى قول [جرير]
(2)
:
باتَتْ تُعانِقْهُ وَبَاتَ فِراشُها
(3)
وفي القاموس
(4)
: إنَّ الفراش: زوجةُ الرجل، قيل: ومنه: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)}
(5)
، والجارية يفترشها الرجل، انتهى.
قوله: (وللعاهر الحجر) العاهر: الزاني، يقال: عهر: أي زنى، قيل: ويختص ذلك بالليل.
قال في القاموس
(6)
: عهر المرأة، كمنع، عهرًا، ويكسر، ويحرك، وعهارةً
= وهو حديث ضعيف.
• وحديث عائشة تقدم برقم (2920) من كتابنا هذا.
• وحديث أبي هريرة تقدم برقم (2919) من كتابنا هذا.
• وحديث أبي أمامة الباهلي فقد أخرجه أحمد في المسند (5/ 267).
بسند حسن.
• وحديث عبادة بن الصامت، فقد أخرجه أحمد في المسند (5/ 326) بسند ضعيف، ولكن الحديث صحيح لغيره.
• وحديث عمرو بن خارجة، فقد أخرجه أحمد في المسند (4/ 186) بسند ضعيف.
• وحديث أنس بن مالك، فقد أخرجه الدارقطني (4/ 70 رقم 8) والترمذي رقم (2120).
وهو حديث صحيح.
وهو حديث متواتر ذكره الكتاني في "نظم المتناثر"(ص 105 - 106) من حديث ستة وعشرين صحابيًا.
(1)
الفتح (12/ 35).
(2)
في كل طبعات نيل الأوطار التي وقفت عليها وهي تربو على السبعة (جريج) وهو تحريف.
والمثبت من المخطوط (أ) و (ب) و"الفتح"(12/ 35).
(3)
هذا صدر البيت؛ أما عجزه: (خَلقُ العباءَةِ في الدِّماءِ قتِيلُ).
كما في "ديوان جرير"(ص 476).
(4)
القاموس المحيط (ص 775).
(5)
سورة الواقعة، الآية:(34).
(6)
القاموس المحيط (ص 574).
- بالفتح - وعهورة، وعاهرها عهارًا: أتاها ليلًا للفجور أو نهارًا، انتهى.
ومعنى: له الحجر: الخيبة، أي لا شيء له في الولد، والعرب تقول: له الحجر
(1)
وبفيه التراب، يريدون ليس له إلا الخيبة.
وقيل: المراد بالحجر أنه يرجم بالحجارة إذا زنى، ولكنه لا يرجم بالحجارة كل زانٍ بل المحصن
(2)
فقط.
وظاهر الحديث أن الولد إنما يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش، وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء في النكاح الصحيح، أو الفاسد، وإلى ذلك ذهب الجمهور
(3)
.
وروي عن أبي حنيفة أنه يثبت بمجرد العقد، واستدل له أن مجرد المظنة كافية، وردّ بمنع حصولها بمجرد العقد بل لا بد من إمكان الوطء ولا شك أن اعتبار مجرد العقد في ثبوت الفراش جمود ظاهر، فإنه قد حكى ابن القيم
(4)
عن أبي حنيفة أنه يقول بأن نفس العقد وإن علم أنه لم يجتمع بها بل لو طلقها عقبه في المجلس تصير به الزوجة فراشًا، وهذا يدل على أنه لا يلاحظ المظنة أصلًا.
ويؤيد ذلك أنه روي عنه في الغيث أنه يقول بثبوت الفراش ولحوق الولد. وإن علم أنه ما وطئ بأن يكون بينه وبين الزوجة مسافةٌ طويلةٌ لا يمكن وصوله إليها في مقدار مدة الحمل.
(1)
النهاية (2/ 276).
(2)
قاله ابن الأثير في "النهاية"(1/ 336).
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم (10/ 37): "وهو ضعيف لأنه ليس كل زانٍ يرجم وإنما يرجم المحصن خاصة، ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد عنه .. ". اهـ.
وقال الحافظ في "الفتح"(12/ 36 - 37) بإثر كلام النووي السابق: "وقال السبكي: والأول أشبه بمساق الحديث لتعم الخيبة كل زانٍ، ودليل الرجم مأخوذ من موضع آخر فلا حاجة للتخصيص من غير دليل.
قلت: - أي الحافظ - ويؤيد الأول أيضًا ما أخرجه أبو أحمد الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه: "الولد للفراش وفي فم العاهر الحجر"، وفي حديث ابن عمر عند ابن حبان:"الولد للفراش وبقي العاهر الأثلب" بمثلثة ثم موحدة بينهما لام ويفتح أوله وثالثه ويكسران قيل: هو الحجر، وقيل: دقاقه، وقيل: التراب". اهـ.
(3)
الفتح (12/ 35).
(4)
في زاد المعاد (5/ 372).
وذهب ابن تيمية
(1)
إلى أنه لابد من معرفة الدخول المحقق، وذكر أنه أشار إليه أحمد ورجحه ابن القيم (1) وقال: وهل يعد أهل اللغة والعرف المرأة فراشًا قبل البناء بها؟ وكيف تأتي الشريعة بإلحاق نسب من لم يبن بامرأته ولا دخل بها ولا اجتمع بها بمجرد إمكان ذلك؟ وهذا الإمكان قد قطع بانتفائه عادة، فلا تصير المرأة فراشًا إلا بدخول محقق، انتهى.
وأجيب: بأنَّ معرفة الوطء المحقق متعسرةٌ، فاعتبارها يؤدي إلى بطلان كثيرٍ من الأنساب، وهو يحتاط فيها. واعتبار مجرد الإمكان يناسب ذلك الاحتياط، ولا بدَّ في ثبوت نسب الولد أن تأتي المرأة به بعد مضي أقل مدة الحمل من وقت إمكان الوطء عند الجمهور أو العقد عند أبي حنيفة، أو معرفة الوطء المحقق عند ابن تيمية وهذا مجمع عليه، فلو ولدت قبل مضيها حصل القطع بأنَّ الولد من قبل فلا يلحق.
وظاهر الحديث أيضًا: أن فراش الأمة كفراش الحرَّة؛ لأنه يدخل تحت عموم الفراش.
(1)
كما في زاد المعاد (5/ 372).
• قال ابن القيم في "زاد المعاد"(5/ 372): "واختلف الفقهاءُ فيما تصيرُ به الزوجة فراشًا، على ثلاثة أقوال:
(أحدُها): أنه نفسُ العقد وإن علم أنه لم يجتمع بها، بل لو طلَّقها عقيبَه في المجلس، وهذا مذهب أبي حنيفة.
(والثاني): أنه العقدُ مع إمكان الوطء، وهذا مذهب الشافعي وأحمد.
(والثالث): أنه العقدُ مع الدخول المحقَّقِ لا إمكانه المشكوك فيه، وهذا اختيارُ شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إن أحمد أشار إليه في رواية حرب، فإنه نص في روايته فيمن طلق قبل البناء، وأتت امرأتُه بولد، فأنكره أنه ينتفي عنه بغير لعان، وهذا هو الصحيحُ المجزوم به، وإلا فكيف تصيرُ المرأة فراشًا ولم يدخُلْ بها الزوجُ، ولم يَبْنِ بها لمجرد إمكان بعيدٍ؟ وهل يَعُدُّ أهلُ العرف واللغة المرأة فراشًا قبل البناء بها، وكيف تأتي الشريعةُ بإلحاق نسبٍ بمن لم يبنِ بامرأته، ولا دخلَ بها، ولا اجتمع بها بمجرَّدِ إمكان ذلك؟ وهذا الإمكانُ قد يقطع بانتفائه عادة، فلا تصيرُ المرأة فِراشًا إلا بدخول محقق، وبالله التوفيق.
وهذا الذي نص عليه في رواية حرب، هو الذي تقتضيه قواعِدُه وأصولُ مذهبه، والله أعلم". اهـ.
وحديث عائشة المذكور
(1)
نص في ذلك، فإنَّ النزاع بين عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص في ابن وليدة زمعة.
وقد ذهب الجمهور
(2)
إلى أنَّه لا يعتبر في ثبوت فراش الأمة الدعوة.
وروي عن أبي حنيفة والثوري وهو مذهب الهادوية
(3)
: أن الأمة لا يثبت فراشها إلا بدعوة الولد، ولا يكفي الإقرار بالوطء فإن لم يدّعه كان ملكًا له.
وأجيب: بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ألحق ولد زمعة به ولم يستفصل هل ادعاه زمعة أم لا؟ بل جعل العلة في الإلحاق أنه صاحب الفراش.
وأما قولهم: إنه لم يلحقه بعبد بن زمعة على أنه أخ له. وإنما جعله مملوكًا له كما في قوله: "هو لك يا عبد بن زمعة" واللام للتمليك.
ويؤيد ذلك ما في آخر الحديث من أمره صلى الله عليه وسلم لسودة بالاحتجاب منه، ولو كان أخًا لها لم تؤمر بالاحتجاب منه، ووقع في رواية
(4)
: "احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك"، فقد أجيب عنه: بأن اللام في قوله صلى الله عليه وسلم: "هو لك" للاختصاص لا للتمليك.
ويؤيد ذلك ما في الرواية الأخرى المذكورة
(5)
بلفظ: "هو أخوك يا عبد"، وبأن أمره لسودة بالاحتجاب على سبيل الاحتياط والورع والصيانة لأمهات المؤمنين لما رآه من الشبه بعتبة بن أبي وقاص كما في حديث:"كيف وقد قيل"
(6)
.
قال ابن القيم
(7)
بعد ذكر هذا الجواب: "أو يكون مراعاة للشيئين وإعمالًا للدليلين، فإن الفراش دليل لحوق النسب، والشبه بغير صاحبه دليل نفيه، فأعمل
(1)
تقدم برقم (2920) من كتابنا هذا.
(2)
زاد المعاد (5/ 372) والفتح (12/ 35).
(3)
البحر الزخار (3/ 144 - 145).
(4)
أخرجه أحمد في المسند (4/ 5) والدارقطني (4/ 240 رقم 132) والطحاوي في مشكل الآثار رقم (4255) و (4256) و (4257).
وهو حديث صحيح دون قوله: "فليس لك بأخ".
(5)
عند البخاري رقم (4303) وأبو داود رقم (2273) وقد تقدم.
(6)
أخرج هذه الرواية البخاري رقم (88). وانظر: رقم (2970) من كتابنا هذا.
(7)
في زاد المعاد (5/ 371).
أمر الفراش بالنسبة إلى المدعى، وأعمل الشبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة، وهذا من أحسن الأحكام وأبينها وأوضحها، ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه"، انتهى.
وأما الرواية
(1)
التي فيها: "احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك"، فقد طعن البيهقي
(2)
في إسنادها. وقال فيها جرير: وقد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ، وفيها يوسف مولى آل الزبير وهو غير معروف.
قوله: (اختصم سعد وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) لم يذكر ما وقع فيه الاختصام، ولعل هذا اللفظ أحد الألفاظ التي روي بها هذا الحديث، فيه بقية الألفاظ في الصحيحين
(3)
وغيرهما التصريح بأن الاختصام وقع في غلام.
قوله: (وقال عبد بن زمعة
…
إلخ) فيه دليلٌ: على أنه يجوز لغير الأب أن يستلحق الولد مثل استلحاق عبد بن زمعة للأخ، وكذلك للوصيّ الاستلحاق، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على سعد الدعوى المذكورة.
وقد أجمع العلماء على أن للأب أن يستلحق
(4)
، واختلفوا في الجد.
قوله: (فرأى شبهًا بينًا بعتبة) سيأتي الكلام على العمل بالشبه والقافة قريبًا.
قوله: (يعترف سيدها أن قد ألمّ بها) فيه تقوية لمذهب الجمهور من أنه لا يشترط في فراش الأمة الدعوة، بل يكفي مجرد ثبوت الفراش.
[الباب الحادي عشر] باب الشركاء يطؤون الأمة في طُهرٍ واحدٍ
23/ 2922 - (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَهُوَ بِالْيَمَنِ فِي ثَلَاثَةٍ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسأَل اثْنَيْنِ فَقَالَ: أتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟
(1)
تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (4).
(2)
في السنن الكبرى (6/ 87).
(3)
البخاري رقم (2218) ومسلم رقم (36/ 1457).
(4)
انظر: "سبل السلام"(6/ 257) بتحقيقي.
قالا: لا، ثُمَّ سألَ اثْنَيْنِ: أتُقِرَّان لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟ قالا: لا، فَجَعَلَ كُلّما سأَلَ اثْنَيْنِ: أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟ قالا: لا، فأقْرَعَ بَيْنَهُم، فألْحَقَ الوَلَدَ بالَّذِي أصَابَتْهُ القُرْعَةُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، فَذَكَرَ ذلكَ للنّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَضَحِكَ حتّى بَدتْ نَوَاجِذُهُ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ
(1)
. [صحيح]
وَرَوَاهُ النّسائيُّ
(2)
وأَبُو دَاوُدَ
(3)
مَوْقُوفًا على عَلِيّ بإسْنَادٍ أجْوَدَ مِنْ إِسْنَادِ المَرْفُوعِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الحَمِيدِيُّ فِي مُسْنَدهِ
(4)
وَقَالَ فِيهِ: فأغْرَمَهُ ثُلُثَيْ قِيمَةِ الجارِيةِ لِصَاحِبَيْهِ). [صحيح]
الحديث في إسناده يحيى بن عبد الله الكندي المعروف بالأجلح. قال المنذري
(5)
: لا يحتج بحديثه.
وقال في الخلاصة
(6)
: وثقه يحيى بن معين والعجلي. وقال ابن عدي
(7)
: يعد في الشيعة مستقيم الحديث، وضعفه النسائي.
قال المنذري
(8)
: ورواه بعضهم مرسلًا.
وقال النسائي
(9)
: هذا صواب.
وقال الخطابي
(10)
: وقد تكلم في إسناد حديث زيد بن أرقم، انتهى.
(1)
أحمد في المسند (4/ 373) وأبو داود رقم (2269) وابن ماجه رقم (2348) والنسائي رقم (3489) وفي الكبرى رقم (5682 و 6036 - العلمية).
وهو حديث صحيح.
(2)
في سننه رقم (3488).
(3)
في سننه رقم (2270).
(4)
في المسند (2/ 345 رقم 785).
وهو حديث صحيح.
(5)
في "المختصر"(3/ 177).
(6)
الخلاصة للخزرجي، في (الفضل الخامس في الألقاب) رقم (6): الأجْلَح: يحيى بن عبد الله.
ولم يترجم له الخزرجي في هذا الكتاب، وترجم له في الميزان الذهبي.
(7)
كما في الميزان (4/ 388 - 389 رقم الترجمة 9558).
(8)
في "المختصر"(3/ 178).
(9)
في السنن (6/ 184).
(10)
في معالم السنن (2/ 701).
وقد رواه أبو داود من طريقين
(1)
:
(الأولى): من طريق عبد الله بن الخليل عن زيد بن أرقم عنه.
(والثانية): من طريق عبد خير عن زيد عنه.
قال المنذري
(2)
: أما حديث عبد خير فرجال إسناده ثقات غير أن الصواب فيه الإرسال، انتهى. وعلى هذا لم تخل كل واحدة من الطريقين من علة فالأولى فيها الأجلح، والثانية معلولة بالإرسال، والمراد بالإرسال ههنا: الوقف، كما عبر عن ذلك المصنف، لا ما هو الشائع في الاصطلاح
(3)
من أنه قول التابعي: قال رسول الله.
والحديث يدلُّ على أن الابن لا يلحق بأكثر من أب واحد. قاله الخطابي
(4)
.
وقال أيضًا
(5)
: وفيه إثبات القرعة في إلحاق الولد، انتهى.
وقد أخذ بالقرعة مطلقًا: مالك
(6)
والشافعي
(7)
وأحمد
(8)
والجمهور
(9)
.
حكى ذلك عنهم ابن رسلان في كتاب العتق من شرح سنن أبي داود، وقد ورد العمل بها في مواضع:
(منها): في إلحاق الولد.
(ومنها): في الرجل الذي أعتق ستة أعبد فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أجزاء وأقرع بينهم كما في حديث عمران بن حصين عند: مسلم
(10)
وأبي داود
(11)
والنسائي
(12)
والترمذي
(13)
وابن ماجه
(14)
.
(1)
الأولى برقم (2269)، والثانية برقم (2270) كما تقدم.
(2)
في "المختصر"(3/ 178).
(3)
انظر: "إرشاد الفحول"(ص 233 - 234) بتحقيقي. وشرح الكوكب المنير (3/ 69).
(4)
في معالم السنن (2/ 700).
(5)
أي الخطابي في المرجع المتقدم.
(6)
عيون المجالس (4/ 1852 - 1854).
(7)
روضة الطالبين (12/ 141 - 142).
(8)
الإنصاف للمرداوي (7/ 427).
(9)
المغني (14/ 378).
(10)
في صحيحه رقم (56/ 1668).
(11)
في سننه رقم (3958).
(12)
في سننه رقم (1958).
(13)
في سننه رقم (1364).
(14)
في سننه رقم (2345).
وهو حديث صحيح.
(ومنها): في تعيين المرأة من نسائه التي يريد أن يسافر بها كما في حديث عائشة عند: البخاري
(1)
ومسلم
(2)
، وهكذا ثبت اعتبار القرعة في الشيء الذي وقع فيه التداعي إذا تساوت البينتان، وفي قسمة المواريث مع الالتباس لأجل إفراز الحصص بها، وفي مواضع أُخر.
فمن العلماء من اعتبر القرعة في جميعها، ومنهم من اعتبرها في بعضها.
وممن قال بظاهر حديث الباب: إسحاق بن راهويه، وقال: هذه السنة في دعوى الولد، حكى ذلك عنه الخطابي
(3)
وقال: إنه كان الشافعي يقول به في القديم.
وقيل: لأحمد في حديث زيد بن أرقم هذا، فقال: حديث القافة أحب إليَّ؛ وسيأتي قريبًا
(4)
ويأتي الكلام على الجمع بينهما، وقد قال بعضهم: إن حديث القرعة منسوخ.
وقال المقبلي في "الأبحاث"
(5)
: إن حديث الإلحاق بالقرعة إنما يكون بعد انسداد الطرق الشرعية، انتهى.
ومن المخالفين في اعتبار القرعة الحنفية
(6)
وكذلك الهادوية
(7)
، وقالوا: إذا وطئ الشركاء الأمة المشتركة في طهر واحد وجاءت بولد وادعوه جميعًا، ولا مرجح للإلحاق بأحدهم كان الولد ابنًا لهم جميعًا يرث كل واحد منهم ميراث ابن كامل ومجموعهم أب يرثونه ميراث أب واحد.
(1)
في صحيحه رقم (2593).
(2)
في صحيحه رقم (56/ 2770).
وهو حديث صحيح.
(3)
في "معالم السنن"(2/ 701).
(4)
برقم (24/ 2923) من كتابنا هذا.
(5)
"الأبحاث المسددة في فنون متعددة"(ص 273).
وبحوزتي مخطوطتين لها.
(6)
مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (4/ 451).
(7)
البحر الزخار (3/ 146 - 147).
[الباب الثاني عشر] باب الحجة في العمل بالقافة
24/ 2923 - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أسارِيرُ وَجْهِهِ فَقَال: "أَلمْ تَرَيْ أن مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إلى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الأقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ"، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
(1)
. [صحيح]
وَفِي لَفْظِ أَبي دَاوُدَ
(2)
وَابْنُ مَاجَهْ
(3)
، وَرِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ
(4)
وَالنّسائيِّ
(5)
وَالتِّرْمِذِيِّ
(6)
: "أَلمْ تَرَيْ أن مُجَزَّزًا الْمدْلِجِيَّ رأى زيدًا وَأُسَامَةَ قَدْ غَطَّيَا رُؤُوسَهُمَا بِقَطِيفَةٍ وَبَدَتْ أقْدَامُهُمَا فَفَالَ: إنَّ هَذِهِ الأقْدَامَ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ". [صحيح]
وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ: دَخَلَ قَائِفٌ وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم شاهِدٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ فَقَال: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، فَسُرَّ بِذَلِكَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأعْجَبَهُ وأخْبَرَ بِهِ عائِشَةَ، مُتّفَقٌ عَلَيْهِ
(7)
[صحيح]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ
(8)
: كانَ أُسَامَةُ أسْوَدَ وَكَانَ زيدٌ أَبْيَضَ).
قوله: (تبرق أسارير) الأسارير جمع: سرر، أو سرارة بفتح أولهما ويضمان، وهما في الأصل خطوط الكف كما في القاموس
(9)
، أطلق على ما يظهر على وجه من سرَّه أمرٌ من الإِضَاءة والبريق.
(1)
أحمد في المسند (6/ 82) والبخاري رقم (3555) ومسلم رقم (38/ 1459) وأبو داود رقم (2268) والترمذي رقم (2129) والنسائي رقم (3293) وابن ماجه رقم (2349).
وهو حديث صحيح.
(2)
في سننه رقم (2267).
(3)
في سننه رقم (2349).
(4)
في صحيحه رقم (39/ 1459).
(5)
في سننه رقم (3494).
(6)
في سننه رقم (2129).
وهو حديث صحيح.
(7)
أحمد في المسند (2/ 226) والبخاري رقم (3731) ومسلم رقم (40/ 1459).
وهو حديث صحيح.
(8)
في سننه (2/ 700).
(9)
في القاموس المحيط (ص 520).
قوله: (إن مجزِّزًا) هو بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولى، اسم فاعل من الجز؛ لأنه جز نواصي القوم، هكذا قيده جماعة من الأئمة، وذكر الدارقطني
(1)
وعبد الغني عن ابن جريج: أنه مُحْرِز بالحاء المهملة بعدها راء ثم زاي على صيغة اسم الفاعل.
قال الخطابي
(2)
: في هذا الحديث دليل على ثبوت العمل بالقافة وصحة الحكم بقولهم في إلحاق الولد، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده وكان الناس قد ارتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة، وكان زيد أبيض وأسامة أسود كما وقع في الرواية المذكورة، فتمارى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع قول المدلجي فرح به وسري عنه.
وقد أثبت الحكم بالقافة: عمر بن الخطاب
(3)
وابن عباس
(4)
وعطاء والأوزاعي ومالك
(5)
والشافعي
(6)
وأحمد
(7)
.
(1)
مُحَرَّر، ويقال: مُحْرِز بن هارون بن عبد الله بن مُحَرَّر بن الهُدَير التيميُّ القرشي.
• ذكره الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين"(498)، وقال: مدنيّ، عن الأعرج، عن أبيه، لا يُعرف إلا به.
• وقال الدارقطني:
…
قال أبو عبد الله - أحمد بن حنبل -: محرز منكرُ الحديثِ، وما أدري أيَّ شيء حديثه. وقيل: مُحَرَّر. (المؤتلف والمختلف)(4/ 2058).
• وقال: مُحَرّر بن هارون بن عبد الله التيميُّ القرشيُّ المدينيُّ، يروي عن الأعرج، روى عنه أحمد بن أبي بكر، منكر الحديث. قال ذلك كُلَّه البخاري فيما أخبرنا علي، عن ابن فارس، عنه. وغير البخاري يقول: هو مُحْرِز. "المؤتلف والمختلف"(4/ 2062 - 2063).
• وقال الدارقطني: ضعيف. "تهذيب الكمال"(27/ 5800).
[موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله 2/ 542 رقم 2890].
(2)
في معالم السنن (2/ 699).
(3)
أخرج أثره مالك في الموطأ (2/ 740 رقم 22) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 263) والسنن الصغير رقم (4359) بسند ضعيف لانقطاعه.
وهو موقوف ضعيف.
(4)
أورد البيهقي في السنن الكبرى (10/ 265): ما يلي: "ويذكر عن ابن عباس ما دل على أنه أخذ بقول القافة".
(5)
التهذيب في اختصار المدونة (2/ 607).
(6)
البيان للعمراني (8/ 29 - 30).
(7)
المغني (8/ 375).
وذهبت العترة
(1)
والحنفية
(2)
إلى أنه لا يعمل بقول القائف، بل يحكم بالولد الذي ادعاه اثنان لهما.
واحتج لهم صاحب البحر
(3)
بحديث: "الولد للفراش" وقد تقدمَّ
(4)
.
ووجه الاستدلال به: أن تعريف المسند إليه واللام الداخلة على المسند للاختصاص يفيدان الحصر.
ويجاب: بأن حديث الباب بعد تسليم الحصر المدعى مخصص لعمومه، فيثبت به النسب في مثل الأمة المشتركة إذا وطئها المالكون لها.
وروي عن الإمام يحيى
(5)
أن حديث القافة منسوخ.
ويجاب: بأن الأصل عدم النسخ، ومجرَّد دعواه بلا برهانٍ كما لا ينفع المدعي لا يضرُّ خصمه.
وأمَّا ما قيل من أن حديث مجزز لا حجة فيه؛ لأنَّه إنما يعرف القائف بزعمه: أن هذا الشخص من ماء ذاك، لا أنَّه طريقٌ شرعيٌّ، فلا يعرف إلا بالشرع.
فيجاب بأن في استبشاره صلى الله عليه وسلم من التقرير ما لا يخالف فيه مخالف، ولو كان مثل ذلك لا يجوز في الشرع لقال له: إنَّ ذلك لا يجوز. لا يُقَال: إنَّ أسامة قد ثبت فراش أبيه شرعًا، وإنَّما لما وقعت القالة بسبب اختلاف اللون، وكان [قول]
(6)
المدلجيّ المذكور دافعًا لها لاعتقادهم فيه الإصابة وصدق المعرفة، استبشر صلى الله عليه وسلم بذلك، فلا يصح التعلق بمثل هذا التقرير على إثبات أصل النسب، لأنا نقول: لو كانت القيافة لا يجوز العمل بها إلا في مثل هذه المتفقة مع مثل أولئك الذين قالوا مقالة السوء لما قرره صلى الله عليه وسلم على قوله: "هذه الأقدام بعضها من
(1)
البحر الزخار (3/ 144).
(2)
مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (4/ 451).
(3)
البحر الزخار (3/ 144).
(4)
تقدم برقم (2919 و 2920) من كتابنا هذا.
(5)
البحر الزخار (3/ 144).
(6)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
بعض" وهو في قوة: هذا ابن هذا، فإن ظاهره أنه تقرير للإلحاق بالقافة مطلقًا لا إلزام للخصم بما يعتقده، ولا سيما والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه إنكار كونها طريقًا يثبت بها النسب حتى يكون تقريره لذلك من باب التقرير على مضي كافر إلى كنيسة ونحوه مما عرف منه صلى الله عليه وسلم إنكاره قبل السكوت عنه.
ومن الأدلة المقوِّية للعمل بالقافة: حديث الملاعنة المتقدِّم
(1)
، حيث أخبر صلى الله عليه وسلم بأنها إن جاءت به على كذا فهو لفلانٍ، وإن جاءت به على كذا فهو لفلانٍ، فإنَّ ذلك يدل على اعتبار المشابهة. لا يقال: لو كان ذلك معتبرًا لما لاعن بعد أن جاءت بالولد مشابهًا لأحد الرجال، وتبين له صلى الله عليه وسلم ذلك حتى قال:"لولا الأيمان لكان لي ولها شأن"
(2)
.
لأنا نقول: إن النسب كان ثابتًا بالفراش وهو أقوى ما يثبت به، فلا تعارضه القافة لأنها إنما تعتبر مع الاحتمال فقط ولا سيما بعد وجود الأيمان التي شرعها الله تعالى بين المتلاعنين ولم يشرع في اللعان غيرها، ولهذا جعلها صلى الله عليه وسلم مانعة من العمل بالقافة، وفي ذلك إشعار بأنه يعمل بقول القائف مع عدمها.
ومن المؤيدات للعمل بالقافة: ما تقدم من جوابه صلى الله عليه وسلم على أم سليم حيث قالت: "أو تحتلم المرأة؟ فقال: فيم يكون الشبه"
(3)
وقال: "إن ماء الرجل إذا سبق ماء المرأة كان الشبه له"
(4)
الحديث المتقدم.
لا يقال: إن بيان سبب الشبه لا يدل على اعتباره في الإلحاق. لأنا نقول: إن إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك يستلزم أنَّه مناطٌ شرعيٌّ، وإلا لما كان للإخبار فائدة يعتدُّ بها.
وأمّا عدم تمكينه صلى الله عليه وسلم لمن ذكر له أن ولده أسود من اللعان كما تقدم فلمخالفته لما يقتضيه الفراش الذي لا يعارضه العمل بالشبه ..
(1)
تقدم برقم (2911) من كتابنا هذا.
(2)
تقدم برقم (2912) من كتابنا هذا.
(3)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 306) والبخاري رقم (3328) والنسائي رقم (197).
وهو حديث صحيح.
(4)
أخرجه البخاري رقم (3329) ومسلم رقم (34/ 315).
وهو حديث صحيح.
إذا تقرر هذا فاعلم أنه لا معارضة بين حديث العمل بالقافة وحديث العمل بالقرعة الذي تقدم، لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما دلَّ على أن ما اشتمل عليه طريق شرعي فأيهما حصل وقع به الإلحاق، فإن حصلا معًا فمع الاتفاق؛ لا إشكال، ومع الاختلاف؛ الظاهر أن الاعتبار بالأول منهما لأنه طريق شرعي يثبت [به]
(1)
الحكم ولا ينقضه طريق آخر يحصل بعده.
قوله: (دخل قائف) قال في القاموس
(2)
: والقائف: من يعرف الآثار، الجمع قافة، وقاف أثره: تبعه، كقفاه واقتفاه، انتهى.
[الباب الثالث عشر] باب حد القذف
25/ 2924 - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا أنْزَلَ عُذْرِي قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على المِنْبَرِ فَذَكَرَ ذلكَ وَتَلا القُرآنَ، فَلَمّا نَزَلَ أمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأةٍ فَضُرَبُوا حَدَّهُمْ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النّسائيَّ)
(3)
. [حسن]
26/ 2925 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ [يُقَامُ]
(4)
عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا أنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ"، مُتّفَقٌ عَلَيْهِ)
(5)
. [صحيح]
(1)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(2)
في القاموس المحيط (ص 1095).
وقال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 500): (من قوف) والقائف الذي يتتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه، والجمع: القافة. يقال: فلان يَقُوف الأثر ويقتافُه قيافةً، مثل قَفَا الأثر واقتفاه.
وانظر: الفائق للزمخشري (4/ 102).
(3)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 35، 61) وأبو داود رقم (4474) والترمذي رقم (3181) وابن ماجه رقم (2567).
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من محمد بن إسحاق.
قلت: وأشار إليه البخاري في صحيحه (12/ 181 - رقم الباب 44 - مع الفتح).
وهو حديث حسن.
(4)
في المخطوط (ب): (تقام).
(5)
أحمد في المسند (2/ 431، 499) والبخاري رقم (6858) ومسلم رقم (37/ 1660). =
27/ 2926 - (وَعَنْ أبي الزّنادِ أنّهُ قالَ: جَلَدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ ثَمَانِينَ، قَالَ أَبُو الزّنَادِ: فَسألْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أدْرَكْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفانَ وَالْخُلَفَاءَ هَلُم جَرّا ما رأيْتُ أحَدًا جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ أكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ. رَوَاهُ مالك فِي المُوَطَّأ
(1)
عَنْهُ). [مقطوع صحيح]
حديث عائشة حسَّنه الترمذي
(2)
وقال: لا يعرف إلا من حديث محمد بن إسحاق.
قال المنذري
(3)
: وقد أسنده ابن إسحاق مرة وأرسله أخرى، انتهى. وقد عنعن ههنا، وقد قدمنا أنه لا يحتج بعنعنته لتدليسه.
وقد أشار إلى الحديث البخاري في صحيحه
(4)
. والأثر الذي رواه أبو الزناد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أخرجه أيضًا البيهقي
(5)
، ورواه أيضًا الثوري في جامعه
(6)
.
= قلت: وأخرجه أبو داود رقم (5165) والترمذي رقم (1947) وقال: حسن صحيح.
والنسائي في الكبرى رقم (7352) - العلمية. وقال: هذا حديث جيد.
وهو حديث صحيح.
(1)
في الموطأ (2/ 828 رقم 17).
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13794) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 251) عن مالك به.
إسناده صحيح.
• وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13793) وابن سعد في الطبقات (5/ 9) والبيهقي (8/ 251) من طريق الثوري وابن عيينة، عن أبي الزناد به، وزاد معهم: أبا بكر الصديق.
إسناده صحيح.
وخلاصة القول: أن الأثر مقطوع صحيح، والله أعلم.
(2)
في السنن (5/ 48).
(3)
في "المختصر"(6/ 283).
(4)
(12/ 181 رقم الباب 44 - مع الفتح) وقد تقدم.
(5)
في السنن الكبرى (8/ 251).
(6)
جامع سفيان الثوري (سفيان بن سعيد بن مسروق، ت 161 هـ)، وذكره له الذهبي في "السير"(7/ 230)، (8/ 272، 515)، وذكر ابن النديم في الفهرست (225) أن له جامعان: كبير وصغير.
[معجم المصنفات (ص 154 رقم 384)].
قوله: (لما أنزل عذري) أي براءتي مما نسب إلي أهل الإِفك. والمراد: بالمُنزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} إلى قوله: {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}
(1)
، هكذا رواه ابن أبي حاتم
(2)
والحاكم من مرسل سعيد بن المسيّب وفي البخاري إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
(3)
، وعن الزهري إلى قوله تعالى:{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(4)
.
قوله: (أمر برجلين وامرأة) الرجلان حسان بن ثابت، ومسطح، والمرأة حمنة بنت جحش
(5)
.
وأخرج الحاكم في "الإكليل"
(6)
: أن من جملة من حدَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين.
والحديث يرد على الماوردي
(7)
حيث قال: إنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يحدَّ قذفة عائشة، ولا مستند له إلا توهم: أن الحدَّ إنما يثبت بالبينة أو الإقرار، وغفل عن النصِّ القرآني المصرِّح بكذبهم، وصحةُ الكذب تستلزم ثبوت الحدِّ.
(1)
سورة النور، الآية:(11 - 26).
(2)
في تفسيره (8/ 2539 رقم 14206).
(3)
سورة النور، الآية:(19).
(4)
سورة النور، الآية:(22).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4750).
(6)
"الإكليل" الحاكم (محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه النيسابوري (ت 405 هـ).
• قال ابن حجر: "جمع فيه ما وقع من علامات النبوة قبل المبعث؛ بل قبل المولد".
• قال الذهبي في "السير"(17/ 167 - 168): "وصنَّف لأبي علي بن سَيْمَجُور كتابًا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأحاديثه، وسماه "الإكليل"، لم أرَ أحدًا رتب ذلك الترتيب". اهـ.
• وله ذكر في "معرفة علوم الحديث"(127، 239)، توجد اقتباسات منه في "نيل الأوطار"(6/ 302) و"لسان الميزان"(6/ 408)، و"فيض القدير"(1/ 26).
قلت: وطبع "المدخل إلى معرفة الإكليل" للحاكم نفسه، نشره محمد راغب الطباخ، في حلب، سنة 1932 م، في (36 صفحة). ثم نشره جيمس روبسون، في لندن، عن الجمعية الآسيوية الملكية، سنة (1953 م)، في (48 صفحة).
• ويعد هذا الكتاب من الكتب المفقودة، وقد نمى إليَّ أن نسخة منه في مكتبة لايبزج، في ألمانيا الشرقية، وله ذكر في "فهرست الكتب المخطوطة النادرة في مكتبة دار العلوم الألمانية"، وأن نسخة منه هناك، وأنها كاملة، وبخط عمر بن نعيم الأنصاري، والله أعلم". اهـ.
["معجم المصنفات الواردة في فتح الباري" ص 74 رقم 121].
(7)
الحاوي الكبير (13/ 254) وفي تفسيره (4/ 81).
وقد أجمع العلماء على ثبوت حد القذف
(1)
.
وأجمعوا أيضًا على أن حده ثمانون جلدة لنص القرآن الكريم بذلك.
واختلفوا هل ينصَّف الحدُّ للعبد أم لا؟ فذهب الأكثر إلى الأوَّل، وذهب ابن مسعود
(2)
والليث والزهري والأوزاعي وعمر بن عبد العزيز
(3)
وابن حزم
(4)
إلى أنَّه لا ينصَّف؛ لعموم الآية.
وأجاب الأولون: بأنَّ العبد مخصصٌ من ذلك العموم بالقياس على حدِّ الزنا، ويؤيده فعل أكابر الصحابة رضي الله عنهم.
قد تُعُقِّب القياس المذكور: بأنَّ حدَّ الزنا إنَّما نُصِّف في العبد لعدم أهليته لِلْعِفَّة، وحيلولة الملك بينه وبين التحصن بخلاف الحرّ، وبأنَّ القذف حقٌّ لآدمي وهو أغلظ.
واعلم: أنَّه لا فرق بين قاذف الرجل والمرأة في وجوب حدِّ القذف عليه. ولا يُعرف في ذلك خلافٌ بين أهل العلم، وقد نازع الجلال في وجوبه على قاذف الرجل، [واستدل]
(5)
على عدم الوجوب بما تقدم عنه صلى الله عليه وسلم في اللعان أنه لم
(1)
المغني (12/ 384) وتكملة المجموع (20/ 53).
(2)
موسوعة فقه الإمام عبد الله بن مسعود (ص 415).
(3)
قال الحافظ في "الفتح"(12/ 185): "
…
أن على العبد إذا قذف نصف ما على الحر ذكرًا كان أو أنثى، وهذا قول الجمهور.
وعن عمر بن عبد العزيز، والزهري، وطائفة يسيرة، والأوزاعي، وأهل الظاهر: حدّه ثمانون. وخالفهم ابن حزم فوافق الجمهور". اهـ.
(4)
بل قول ابن جزم هو قول الجمهور كما تقدم. وانظر: "المحلى"(238 - 241).
• وقال العمراني في "البيان"(12/ 397): "
…
وقال عمر بن عبد العزيز: يجبُ على المملوك ثمانون جلدةً. وبه قالَ الزهريُّ، وداودُ، وحُكيَ ذلك عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم". اهـ.
(5)
في حاشية المخطوط (أ) ما نصه: "قد رد المصنف حفظه الله هذا الاستدلال برسالة مستقلة مفيدة" تمت.
• قلت: الرسالة بعنوان "بحث في قاذف الرجل" رقمها (154) في "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني"(9/ 4737 - 4759) بتحقيقي فانظرها فقد أجاد فيها الشوكاني وأفاد كما فعل في كل رسائله.
يحد هلال بن أمية لقذفه شريك بن سحماء
(1)
، ولم يحد أهل الإِفك إلا لعائشة فقط لا لصفوان بن المعطل، ولو كان يجب على قاذف الرجل؛ لحدَّ أهل الإِفك حدين؛ وقد أطال الكلام على ذلك في "ضوء النهار"
(2)
، والبسط ههنا يقود إلى تطويل يخرج عن المقصود.
قوله: (يقام عليه الحدُّ يوم القيامة) فيه دليل: على أنَّه لا يحدُّ من قذف عبده، لأنَّ تعليق إيقاع الحدّ عليه بيوم القيامة مشعرٌ بذلك.
وقد ذهب الجمهور
(3)
: إلى أنَّه لا يحد قاذف العبد مطلقًا.
وحكى صاحب البحر
(4)
عن داود
(5)
: أنه يحدّ.
وأجاب عنه: بأنَّه مخالفٌ للإجماع.
وذهب الجمهور أيضًا إلى أنَّه لا يحدُّ قاذف أمِّ الولد إِلْحَاقًا لها بالقنِّ.
وقال مالك
(6)
: يحدّ مطلقًا.
وقال محمد
(7)
: يحدُّ إن كان معها ولدٌ، ولعلَّ مالكًا يجعل المحصنات المذكوراتِ في الآية هنَّ العفائفُ لا الحرائر.
[الباب الرابع عشر] باب من أقر بالزنا بامرأة لا يكون قاذفًا لها
28/ 2927 - (عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هُزَالٍ قَالَ: كانَ مَاعِزُ بْنُ مالِكٍ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أُبَيٍّ، فأصَابَ جارِيَةً مِنَ الحَيّ، فَقَالَ لَهُ أُبَيٌّ: ائْتِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْتَ لَعَلّهُ يَسْتَغْفِرُ لَكَ، فأتاهُ فَقَالَ: يا رَسُولَ الله إني زَنَيْتُ فأقمْ عَلَيَّ كِتَابَ الله، فأعْرَضَ عَنْهُ، فَعَادَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَليَّ كِتَابَ الله، فأعْرَضَ
(1)
تقدم الحديث برقم (2910) من كتابنا هذا.
(2)
ضوء النهار (4/ 2720).
(3)
المغني (12/ 399) والمحلى (11/ 371).
(4)
البحر الزخار (5/ 165).
(5)
المحلى (11/ 271 - 272).
(6)
عيون المجالس (5/ 2111 رقم 1525).
(7)
البحر الزخار (5/ 165).
عَنْهُ، ثُمَّ أتاهُ الثّالِثَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إني زَنَيْتُ فأقِمْ علي كتَابَ الله، ثم أتاهُ الرابعةَ فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأقم عليَّ كتاب الله. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّكَ قَدْ قُلْتَها أرْبَعَ مَرَّات، فَبِمَنْ؟ "، قالَ: بِفُلانَةَ، قَالَ:"ضَاجَعْتَها؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"جَامَعْتَها؟ "، قَالَ: نَعَمْ، فأمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فَخَرَجَ بِهِ إلى الحَرَّةِ، فَلَمَّا رُجِمَ فَوَجَدَ مَسّ الحِجارَةِ جَزعَ، فَخَرَجَ يَشتَدّ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَقَدْ أَعْجَزَ أصْحَابَهُ، فَنَزَعَ بِوَظِيفِ بِعِيرٍ فَرَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أتى النبي صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذلكَ لَهُ، فَقَالَ:"هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ الله عَلَيْهِ؟ "، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَأَبُو دَاوُدَ)
(2)
. [صحيح لغيره]
الحديث سكت عنه أبو داود
(3)
والمنذري
(4)
وحسّنه الحافظ، وفي صحبة نعيم بن هزال خلاف.
وروى أبو داود
(5)
من طريق محمد بن إسحاق قال: ذكرتُ لعاصم بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال لي: حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال: حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلَّا تركتموهُ" من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم، قال: ولا أعرف الحديث، قال: فجئت جابر بن عبد الله فقلت: إن رجالًا من أسلم يحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته: "ألا تركتموه؟ "، وما أعرف الحديث، قال: يا ابن أخي أنا أعلم الناس بهذا الحديث، كنت فيمن رجم الرجل: "إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم ردُّوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قومي قتلوني وغرُّوني من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى قتلناه؛ فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
في المسند (5/ 216 - 217).
(2)
في سننه رقم (4419).
قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(10/ 71 - 72) وابن عبد البر في "التمهيد"(23/ 126 - تيمية).
إسناده حسن، ولكن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(3)
في السنن (4/ 576).
(4)
في "المختصر"(6/ 246).
(5)
في السنن رقم (4420) وهو حديث حسن.
وأخبرناه قال: "فهلَّا تركتموه وجئتموني به؟ "، ليستثبت رسول الله منه، فأما لترك حد فلا، قال: فعرفت وجه الحديث".
وأخرجه النسائي
(1)
وفي إسناده محمد بن إسحاق.
وقد اتفق الشيخان
(2)
على طرف من هذا الحديث، وسيأتي
(3)
الكلام على حديث ماعز هذا في أبواب حد الزاني إن شاء الله تعالى.
وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على أنه لا يلزم من أقر بالزنا حد القذف إذا قال: زنيت بفلانة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه تعيين من زنى بها فعيَّنها ثم لم يحده للقذف، وإلى ذلك ذهبت الشافعية
(4)
والحنفية والهادوية
(5)
. وقال مالك: يحد، والحديث يرد عليه، وسيأتي تمام الكلام وتحقيق ما هو الحق في باب من أقر أنه زنى بامرأة فجحدت، من أبواب الحدود.
قوله: (بوظيفِ) بفتح الواو وكسر الظَّاء المعجمة، ثم ياءِ تحتية ساكنة، بعدها فاءٌ: وهو دقيقُ السَّاقِ من الجمال والخيل
(6)
.
وفي "النهاية"
(7)
: خفُّ الجمل: هو الوظيف.
وسيأتي في باب ما يُذكر في الرجوعِ عن الإِقْرارِ من حديث أبي هريرة
(8)
بلفظ: "فرَّ يشتدُّ حتى مرَّ برجلٍ معهُ لحي جملٍ فضربه به وضربهُ الناس حتى ماتَ".
* * *
(1)
في السنن الكبرى (رقم 7206 - العلمية).
(2)
البخاري رقم (6815، 6816) ومسلم رقم (16/ 1691).
(3)
يأتي برقم (3101) من كتابنا هذا.
(4)
البيان للعمراني (12/ 420).
(5)
البحر الزخار (5/ 152).
(6)
في القاموس المحيط (ص 1111).
(7)
النهاية (2/ 864).
(8)
يأتي برقم (3110) من كتابنا هذا.
[الكتاب الخامس والثلاثون] كتاب العدد
[الباب الأول] باب إِن عدة الحامل بوضع الحمل
1/ 2928 - (عَنْ أُم سَلَمَة: أن امْرأةً مِنْ أسلَمَ يُقَالُ لَهَا سُبَيْعَةُ كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا فَتُوُفّيَ عَنْهَا وَهِيَ حُبْلَى، فَخَطَبَهَا أبُو السّنابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فأبَتْ أنْ تَنْكِحَهُ فَقَالَ: والله مَا يَصْلُحُ أنْ تَنْكِحِي حتّى تَعْتَدّي آخِرَ الأجَلَيْنِ، فَمَكَثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ ثُمَّ نُفِسَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"انْكِحِي"، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُدَ وَابْنَ مَاجَهْ
(1)
. [صحيح]
وَللْجَمَاعَةِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سُبَيْعَةَ وَقَالَتْ فِيهِ: فأفْتَانِي بأني قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي وأَمَرَنِي بالتَّزْوِيجِ إنْ بَدَا لِي)
(2)
، [صحيح]
2/ 2929 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي المُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُها وَهِيَ حامل قالَ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ؟ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّساء الْقُصْرَى بَعْدَ الطّولى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(3)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(4)
وَالنّسائي)
(5)
[صحيح]
3/ 2930 - (وَعَنْ أُبيّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ
(1)
أحمد في المسند (6/ 311، 314، 319) والبخاري رقم (5318) ومسلم رقم (56/ 1484) والترمذي رقم (1194) والنسائي رقم 3516).
وهو حديث صحيح.
(2)
أحمد في المسند (6/ 432) والبخاري رقم (3991) ومسلم رقم (56/ 1484) وأبو داود رقم (2306) والنسائي رقم (3518) وابن ماجه رقم (2028).
وهو حديث صحيح.
(3)
سورة الطلاق، الآية:(4)
(4)
في صحيحه رقم (4910).
(5)
في سننه رقم (3521).
وهو حديث صحيح.
أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(1)
لْلْمُطَلّقَةِ ثَلاثًا وللْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟ فَقَالَ: "هِيَ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا وَللْمُتَوَفَّى عَنْهَا"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
. [ضعيف]
4/ 2931 - (وَعَنِ الزّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ: أنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ أُمُّ كُلْثُوم بِنْت عُقْبَةَ فَقَالَتْ لَهُ وَهِيَ حَامِلٌ: طَيّبْ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ، فَطَلّقَهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ خَرَجَ إلى الصَّلاةِ فَرَجَعَ وَقَدْ وَضَعَتْ، فَقَالَ: ما لَهَا خَدَعَتْنِي خَدَعَهَا الله، ثُمَّ أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "سَبَقَ الكِتابُ أجَلَهُ اخْطُبْها إلى نَفْسِها"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)
(4)
. [صحيح]
حديث أبي بن كعب أخرجه أيضًا أبو يعلى
(5)
، والضياء في المختارة
(6)
، وابن مردويه. قال في "مجمع الزوائد"
(7)
: في إسناده المثنى بن الصباح، وثقه ابن معين وضعفه الجمهور، انتهى.
(1)
سورة الطلاق، الآية:(4).
(2)
في زوائد المسند (5/ 116).
(3)
في سننه (4/ 39 رقم 111).
قلت: وأخرجه الضياء المقدسي في "المختارة" رقم (1214).
إسناده ضعيف، لضعف المثنى بن الصَّبَّاح اليماني الأَنْباري.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (14/ 39): "هذا حديث غريب جدًّا، بل منكر، لأن في إسناده المثنى بن الصباح، وهو متروك الحديث بمرة.
وهو حديث ضعيف، وقد ضعفه الألباني في الإرواء رقم (2116).
(4)
في سننه رقم (2026) من طريق قبيصة بن عقبة ثنا سفيان عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن الزبير بن العوام. به.
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 126): "هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع؛ ميمون هو ابن مهران أبو أيوب روايته عن الزبير مرسلة. قاله المزي في "التهذيب"". اهـ.
قال الحافظ في "التقريب" رقم (5513) قَبيصة بن عُقبة: صدوق ربما خالف.
وقال المحرران: بل ثقة.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 421) من طريق عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن أم كلثوم بنث عقبة أنها كانت تحت الزبير رضي الله عنه، به.
إسناده صحيح.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، وقد صححه الألباني في الإرواء رقم (2117).
(5)
في "معجم شيوخه" رقم (3).
(6)
في "المختارة" رقم (1213).
قلت: وأخرجه الدارقطني في سننه (3/ 302 رقم 211).
إسناده ضعيف لضعف المثنى بن الصباح كما تقدم. وهو حديث ضعيف.
(7)
في "مجمع الزوائد"(5/ 2).
وأخرج نحوه عنه من وجه آخر ابن جرير
(1)
وابن أبي حاتم
(2)
وابن مردويه
(3)
والدارقطني
(4)
.
وحديث الزبير إسناده في سنن ابن ماجه
(5)
هكذا: حدثنا محمد بن عمر بن هيَّاج، حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن الزبير
…
فذكره، وكلهم من رجال الصحيح إلا محمد بن عمر بن هياج وهو صدوق لا بأس به وفيه انقطاع لأن ميمونًا هو ابن مهران ولم يسمع من الزبير.
قوله: (العِدَد) جمع العدَّة، قال في الفتح
(6)
: العدَّةُ: اسمُ لمدَّةٍ تتربَّصُ بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها إما بالولادة أو بالأقراء أو الأشهر.
قوله: (سُبَيْعَةُ) بضم السين المهملة تصغير سبع، وقد ذكرها ابن سعد
(7)
في المهاجرات وهي بنت أبي برزةَ الأسلمي.
قوله: (كانت تحت زوجها) هو سَعد بن خَوْلة العامري من بنى عامر بن لؤي، وقيل: إنه من حُلفائهم.
قوله: (فتوفي عنها) نقل ابن عبد البر
(8)
الاتفاق أنه توفي في حجة الوداع.
(1)
في "جامع البيان"(14/ ج 28/ 143) من طريق موسى بن داود عن ابن لهيعة به.
وابن لهيعة ضعيف.
وفي "جامع البيان"(14/ ج 28/ 143) من طريق عبد الكريم بن أبي المخارق عن أُبيّ بن كعب، به.
وعبد الكريم هذا ضعيف، ولم يدرك أُبيًا كما قاله ابن كثير في تفسيره (14/ 39).
(2)
كما في "تفسير ابن كثير"(8/ 39) والدر المنثور (8/ 203).
(3)
كما في "الدر المنثور"(8/ 203).
(4)
في سننه (3/ 302 رقم 210) بسند ضعيف لضعف المثنى كما تقدم.
(5)
في سننه رقم (2026) وقد تقدم الكلام عليه.
(6)
الفتح (9/ 470).
(7)
في "الطبقات الكبرى"(8/ 287 - 288): حيث قال: سبيعة بنت الحارث الأسلمية، كانت تحت سَعد بن خَوْلة فتوفي عنها
…
".
(8)
في "الاستيعاب"(2/ 152).
وقد قيل: إنه قتل في ذلك الوقت وهي روايةٌ شاذةٌ.
قوله: (أبو السنابل) بمهملة ونون، ثُمَّ موحدة: جمع سنبلة، وقد اختلف في اسمه؛ فقيل: عمرو، وقيل: عامر، وقيل: حبة، بمهملة ثم موحدة، وقيل: أصرم، وقيل: عبد الله، وبعكك بموحدة فمهملة فكافين بوزن جعفر وهو ابن الحارث، وقيل: ابن الحجاج من بني عبد الدار.
قوله: (فقال: والله ما يصلح أن تنكحي
…
إلخ)، قال عياض
(1)
: والحديث مبتورٌ نقصَ منهُ قولها: "فنفست بعدَ ليالٍ فخطبت
…
إلخ"، قال الحافظ
(2)
: وقد ثبتَ المحذوفُ في روايةِ ابن ملحانَ عن يحيى بن بكير شيخ البخاري، ولفظهُ:"فمكثت قريبًا من عشرينَ ليلة ثم نفست".
وقد وقعَ للبخاريِّ اختصارُ المتن في طريقٍ بأخصرَ من هذه الطَّريق، ووقعَ له
(3)
في تفسير سورةِ الطَّلاقِ مطوَّلًا بلفظِ: "إنَّ سبيعةَ بنتَ الحارث أخبرتُه أنها كانت تحتَ سعدِ بن خولةَ فتوفيَ عنها في حجَّةِ الوداع وهي حاملٌ، فلم تنشب أن وضعت حملها، فلما تعلَّت من نفاسها تجمَّلت للخطاب فدخل عليها أبو السنابلِ بْنُ بعككٍ - رجل من بني عبد الدار - فقالَ: ما لي أراك تجمَّلت للخُطَّاب؟ فإنكِ والله ما أنتِ بناكحٍ حتى تمر عليك أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ، قالت سبيعةُ: فلما قال لي ذلك جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج".
وظاهرُ هذا يخالف ما في حديث الباب
(4)
حيث قال: "فمكَثَتْ قريبًا من عَشْرِ ليالٍ ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم"، فإن قولها:"فلما قال لي ذلك جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت"، يدل على أنها توجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مساء ذلك اليوم الذي قال لها فيه أبو السنابل ما قال.
(1)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 473).
(2)
في "الفتح"(9/ 473).
(3)
أي للإمام البخاري في صحيحه رقم (3991).
(4)
تقدم برقم (2928) من كتابنا هذا.
ويمكنُ الجمعُ بينهما بحملِ قولها: "حينَ أمسيت" على إرادة وقتِ توجُّهها، ولا يلزمُ منه أن يكونَ ذلكَ في اليوم الذي قال لها فيه ما قال.
قوله: (ثم نُفِست)
(1)
بضم النون وكسر الفاء، أي: ولدت.
قوله: (قريبًا من عشر ليالٍ) في روايةٍ لأحمدَ
(2)
: "فلم أمكث إلَّا شهرين حتى وضعت"، وفي رواية للبخاري
(3)
: "فوضعت بعد موته بأربعين ليلة"، وفي أخرى للنسائي
(4)
: "بعشرين ليلة أو خمس عشرة"، وفي رواية للترمذي
(5)
والنسائي
(6)
: "فوضعت بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين يومًا أو خمسة وعشرين يومًا"، ولابن ماجه
(7)
: "ببضع وعشرين"، وفي ذلك روايات أخر مختلفة.
قال في الفتح
(8)
بعد أن ساقها: والجمع بين هذه الروايات متعذرٌ لاتحاد القصة، ولعلَّ هذا هو السر في إبهام من أبهم المدَّة، إذ محلُّ الخلاف أن تضع لدون أربعة أشهر وعشر، وهنا كذلك، فأقل ما قيل في هذه الروايات: نصف شهر.
وأما ما وقع في بعض الشروح أن في البخاري
(9)
عشر ليال، وفي رواية للطبراني
(10)
ثمان أو سبع فهو في مدة إقامتها بعد الوضع إلى أن استفتت النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
النهاية (2/ 777).
وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (4/ 43).
(2)
في المسند (6/ 432 - 433) بسند حسن من أجل ابن إسحاق، وقد صرَّح بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه، ولكن الحديث صحيح.
(3)
في صحيحه رقم (4909).
(4)
في سننه رقم (3509) و (3511).
وهو حديث صحيح.
(5)
في سننه رقم (1193).
(6)
في سننه رقم (3508).
وهو حديث صحيح.
(7)
في سننه رقم (2027).
وهو حديث صحيح.
(8)
(9/ 473).
(9)
في صحيحه رقم (5319).
(10)
في "المعجم الكبير"(ج 25 رقم 347). =
لا في مدة بقية الحمل، وأكثر ما قيل فيه بالتصريح [شهران]
(1)
، وبغيره دون أربعة أشهر.
وقد ذهبَ جمهورُ أهل العلم
(2)
من السلف، وأئمة الفتوى في الأمصار إلى أن الحامل إذا مات عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل.
وأخرج سعيد بن منصور
(3)
، وعبد بن حميد عن عليٍّ بسندٍ صحيح: أنَّها تعتد بآخر الأجلين.
ومعناه أنها إن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها. وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع، وبه قال ابن عباس
(4)
. وروي عنه أنه رجع
(5)
. أو روي عن ابن أبي ليلى: أنه أنكر على ابن سيرين
(6)
القول بانقضاء عدتها بالوضع، وأنكر أن يكون ابن مسعود قال بذلك.
وقد ثبت عن ابن مسعود
(7)
من عدة طرق: أنه كان يوافق الجمهور حتى كان يقول: من شاء لاعنته على ذلك.
وقد حكى صاحب البحر
(8)
عن الشعبيِّ، والقاسمية، والمؤيد بالله، والناصر، موافقة عليّ على اعتبار آخر الأجلين.
وأما أبو السنابل فهو وإن كان في حديث الباب
(9)
ما يدل على أنه يذهب إلى اعتبار آخر الأجلين لكنه قد روي عنه الرجوع عن ذلك.
= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 2) وقال: "وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات".
(1)
في المخطوط (ب): (شهرين).
(2)
الفتح (9/ 474) والمغني (11/ 227).
(3)
في سننه رقم (1517).
(4)
أخرج سعيد بن منصور في سننه رقم (1518) عن ابن عباس في المتوفى عنها زوجها، ينتظر آخر الأجلين.
(5)
أخرج البيهقي في السنن الكبرى (7/ 427) عن ابن عباس إلا أن تكون حاملًا فعدتها أن تضع ما في بطنها.
(6)
"جامع البيان" للطبري (14/ ج 28/ 142 - 143).
(7)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (11714) والطبري في "جامع البيان"(14/ ج 28/ 142).
(8)
البحر الزخار (3/ 221).
(9)
تقدم برقم (2928) من كتابنا هذا.
وقد نقل المازري
(1)
وغيره عن سحنون من المالكية أنه يقول بقول عليّ.
قال الحافظ
(2)
: وهو مردود لأنه إحداث خلاف بعد استقرار الإِجماع.
والسبب الذي حمل القائلين باعتبار آخر الأجلين الحرص على العمل بالآيتين: أعني قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}
(3)
، فإنَّ ظاهر ذلك أنَّه عامٌّ في كلِّ من مات عنها زوجها سواء كانت حاملًا أو غير حامل.
وقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(4)
، عامٌّ يشمل المطلقة والمتوفى عنها، فجمعوا بين العمومين بقصر الآية الثانية على المطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات كالآيسة والصغيرة قبلها، ولم يهملوا ما تناولته من العموم فعملوا بها وبالتي قبلها في حق المتوفى عنها.
قال القرطبيُّ
(5)
: هذا نظرٌ حسنٌ، فإنَّ الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول، لكنَّ حديث سبيعة، وسائر الأحاديث المذكورة في الباب نصٌّ بأنها تنقضي عدة المتوفى عنها بوضع الحمل، وفي ذلك أحاديث [أُخر]
(6)
.
(منها) ما أخرجه عبد الرزاق
(7)
، وابن أبي شيبة
(8)
وعبد بن حميد
(9)
، والبخاري
(10)
ومسلم
(11)
وأبو داود
(12)
والترمذي
(13)
والنسائي
(14)
وابن ماجه
(15)
وابن جرير (9) وابن المنذر (9) وابن مردويه (9) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "كنت أنا وابن عباس وأبو هريرة فجاء رجل فقال: أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة، فقال ابن عباس: تعتد آخر الأجلين.
(1)
في "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 136).
(2)
في الفتح (9/ 474).
(3)
سورة البقرة، الآية:(234).
(4)
سورة الطلاق، الآية:(4).
(5)
في المفهم (4/ 280).
(6)
في المخطوط (أ): (آخره).
(7)
في "المصنف" رقم (11725).
(8)
في "المصنف"(4/ 296 - 297).
(9)
كما في "الدر المنثور"(8/ 204).
(10)
في صحيحه رقم (4909).
(11)
في صحيحه رقم (57/ 1485).
(12)
في سننه رقم (2307).
(13)
في سننه رقم (1194).
(14)
في سننه رقم (3509).
(15)
في سننه رقم (2027).
وهو حديث صحيح.
وقلت أنا: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(1)
.
قال ابن عباس: ذلك في الطلاق.
وقال أبو سلمة: أرأيت لو أن امرأة أخَّرَتْ حملها سنة فما عدتها؟ قال ابن عباس: آخر الأجلين.
قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي. يعني أبا سلمة، فأرسل ابن عباس غلامه كريبًا إلى أمّ سلمة يسألها: هل مضت في ذلك سنة؟ فذكرت أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد موت زوجها بأربعين ليلة، فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وأخرج ابن أبي شيبة
(2)
، وعبد بن حميد (3)، وابن مردويه
(3)
، من حديث أبي السنابل:"أن سبيعة وضعت بعد موت زوجها بثلاثة وعشرين يومًا، فقال صلى الله عليه وسلم: قد حلّ أجلها".
وأخرج ابن أبي شيبة
(4)
وابن مردويه
(5)
من حديث سبيعة نحوه.
وأخرج عبد الرزاق
(6)
وابن أبي شيبة
(7)
وعبد بن حميد
(8)
من حديث المسور بن مخرمة نحو ذلك.
وأخرج عبد الرزاق
(9)
وسعيد بن منصور
(10)
وابن أبي شيبة
(11)
وعبد بن حميد
(12)
وأبو داود
(13)
والنسائي
(14)
وابن ماجه
(15)
عن ابن مسعودٍ: "أنَّه بلغه أن عليًا يقول: تعتدّ آخر الأجلين فقال: من شاء لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة البقرة بكذا وكذا شهرًا".
وأخرج عبد بن حميد
(16)
عنه: "أنها نسخت ما في البقرة".
(1)
سورة الطلاق، الآية:(4).
(2)
في "المصنف"(4/ 299).
(3)
كما "الدر المنثور"(8/ 204).
(4)
في "المصنف"(4/ 296).
(5)
كما "الدر المنثور"(8/ 205).
(6)
في "المصنف" رقم (11734).
(7)
في "المصنف"(4/ 297).
(8)
كما "الدر المنثور"(8/ 205).
(9)
في "المصنف" رقم (11714).
(10)
في سننه رقم (1514).
(11)
في "المصنف"(4/ 297 - 298).
(12)
كما "الدر المنثور"(8/ 203).
(13)
في سننه رقم (2307).
(14)
في سننه رقم (3521).
(15)
في سننه رقم (2030).
وهو حديث صحيح.
(16)
كما "الدر المنثور"(8/ 203).
وأخرج ابن مردويه
(1)
عنه: "إنها نسخت سورة النساء الصغرى كل عدّة".
وأخرج ابن مروديه
(2)
عن أبي سعيد الخدريّ قال: "نزلت سورة النساء بعد التي في البقرة بسبع سنين".
وهذه الأحاديث والآثار مصرّحة بأن قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(3)
عامة في جميع العدد، وأن عموم آية البقرة مخصصٌ بها.
والحاصل: أن الأحاديث الصحيحة الصريحة حجةٌ لا يمكن التخلص عنها بوجه من الوجوه على فرض عدم اتضاح الأمر باعتبار ما في الكتاب العزيز، وأنَّ الآيتين من باب تعارض العمومين، مع أنه قد تقرر في الأصول
(4)
أن الجموع المنكرة لا عموم فيها فلا تكون آية البقرة عامة، لأن قوله:{وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}
(5)
من ذلك القبيل فلا إشكال.
وحديث أُبيّ بن كعب
(6)
، والزبير بن العوام
(7)
يدلان على أنها تنقضي عدة المطلقة بالوضع للحمل من الزوج وهو مجمع عليه، كما حكى ذلك في البحر
(8)
لدخولها تحت عموم قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} الآية
(9)
.
وإنما [تعتد]
(10)
بوضعه حيث لحق، وإلا فلا عند الشافعي
(11)
، والهادي
(12)
. وقال أبو حنيفة
(13)
: بل تعتدّ بوضعه ولو كان من زنا، لعموم الآية.
(1)
كما "الدر المنثور"(8/ 204).
(2)
كما "الدر المنثور"(8/ 204).
(3)
سورة الطلاق، الآية:(4).
(4)
انظر: "إرشاد الفحول"(ص 405 - 406) بتحقيقي، وتيسير التحرير (1/ 225).
(5)
سورة البقرة، الآية:(234).
(6)
تقدم برقم (2930) من كتابنا هذا.
(7)
تقدم برقم (2931) من كتابنا هذا.
(8)
البحر الزخار (3/ 221).
(9)
سورة الطلاق، الآية:(4).
(10)
في المخطوط (ب): (يعتد).
(11)
البيان للعمراني (11/ 39).
(12)
البحر الزخار (3/ 222) والاعتصام (3/ 342).
(13)
الاختيار (2/ 224) وشرح فتح القدير (4/ 278) والبناية في شرح الهداية (5/ 409).
[الباب الثاني] باب الاعتداد بالأَقراءِ وتفسيرها
5/ 2932 - (عَنِ الأسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أمَرْت بَرِيرَةَ أنْ تَعْتَدَّ بِثَلاث حِيَضٍ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)
(1)
. [صحيح]
6/ 2933 - (وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ بَرِيرَةَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَأمَرَهَا أنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الحُرَّةِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
وَالدّارَقُطْنِي
(3)
. [صحيح]
وَقَدْ أَسْلَفْنَا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْتَحَاضَة: "تَجْلِسُ أيّامَ أقْرَائِهَا")
(4)
. [صحيح]
7/ 2934 - (وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "طَلَاقُ الأمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَان"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(5)
وَأَبُو دَاوُدَ
(6)
. [ضعيف]
وَفِي لَفْظٍ: "طَلاقُ العَبْد اثْنَتان، وَقُرْءُ الأمَة حَيْضَتَان"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِي)
(7)
. [ضعيف]
(1)
في سننه رقم (2077).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 138): "هذا إسناد صحيح رجاله موثقون".
وهو حديث صحيح.
(2)
في المسند (1/ 361).
(3)
في سننه (3/ 294 رقم 187).
وهو حديث صحيح.
(4)
تقدم تخريجه برقم (3/ 370).
وهو حديث صحيح من كتابنا هذا.
(5)
في سننه رقم (1182) وقال: غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مظاهر بن أسلم.
(6)
في سننه رقم (2189) وقال أبو داود: وهو حديث مجهول.
وهو حديث ضعيف.
(7)
في سننه (4/ 39 رقم 112).
وأخرجه الحاكم (2/ 205) وصححه، والبيهقي (7/ 370) ومُظاهِر بن أسلم ضعفه أبو عاصم النبيل والنسائي، وقال العقيلي: هو منكر الحديث وكذا ضعفه الآخرون.
وقال البيهقى في "المعرفة": حديثُ القاسم الآتي يدل على ضعفِ حديثِ مظاهر، ويدل أيضًا على أن المرفوع غير محفوظ.
قاله الآبادي في "التعليق المغني".
وهو حديث ضعيف.
8/ 2935 - (وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "طَلَاقُ الأمَة اثْنَتان وَعِدَّتُها حَيْضَتَانِ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(1)
وَالدَّارَقُطْنِي
(2)
وَإِسْنَادُ الحَدِيثَيْنِ ضَعِيفٌ. [ضعيف]
وَالصَّحِيحُ
(3)
عَن ابْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ: "عِدَّةُ الحُرة ثَلاثُ حِيَضٍ، وَعدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ"). [موقوف صحيح]
حديث عائشة الأوّل قال الحافظ في بلوغ المرام
(4)
: رواته ثقات لكنه معلولٌ.
وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط
(5)
. قال في مجمع الزوائد
(6)
: ورجال أحمد رجال الصحيح، ويشهد له ما أخرجه أحمد من حديث بريرة بنحوه.
والحديث الذي أشار إليه المصنف في المستحاضة تقدم في أبواب الحيض
(7)
وتقدم في معناه أحاديث.
وحديث عائشة الثاني أخرجه أيضًا البيهقى
(8)
. قال أبو داود
(9)
: وهو حديثٌ مجهولٌ.
وقال الترمذي
(10)
: حديث غريب ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مُظاهر بن أسلم، ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث، اهـ.
(1)
في سننه رقم (2079).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 139): "هذا إسناد ضعيف لضعف عطية بن سعيد العوفي، وعمر بن شبيب الكوفي".
(2)
في سننه (4/ 38 رقم 104).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 369) وقالا: تفرد به عمر بن شبيب المسلي هكذا مرفوعًا، وكان ضعيفًا.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 574 رقم 50) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 369) و"المعرفة"(5/ 509 رقم 4497 - العلمية).
إسناده صحيح. فهو موقوف صحيح.
(4)
برقم (2/ 1040) بتحقيقي.
(5)
في الأوسط رقم (3881).
(6)
(4/ 341 - 342).
(7)
تقدم برقم (3/ 370) من كتابنا هذا.
(8)
في السنن الكبرى (7/ 369 - 370).
(9)
في السنن (2/ 640).
(10)
في السنن (3/ 488).
وحديث ابن عمر أخرجه أيضًا مالك في الموطأ
(1)
والشافعي
(2)
، وفي إسناده عمر بن شبيب
(3)
وعطية العوفي
(4)
وهما ضعيفان، وصحح الدارقطني الموقوف.
وقد ذكر المصنف هذه الأحاديث للاستدلال بها على أن عدّة المطلقة ثلاثة أقراء، وعلى أن الأقراء هي الحيض.
أما الأوّل فهو صريح قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}
(5)
، وإنما وقع الخلاف في الأقراء المذكورة في الآية: هل هي الأطهار أو الحيض؟ فظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "تعتد بثلاث حيض"، وقوله:"تجلس أيام أقرائها" وقوله: "وعدتها حيضتان"، أن الأقراء
(6)
هي الحيض، وقراءة الجمهور
(7)
: قروء بالهمز. وعن نافع
(8)
بتشديد الواو بغير همز. قال الأخفش
(9)
: أقرأت المرأة: إذا صارت ذات حيض. وعن أبي عبيد
(10)
أن القرء يكون بمعنى الطُّهْر، وبمعنى
(1)
في الموطأ (2/ 574 رقم 50).
(2)
كما في المعرفة (5/ 509 رقم 4497 - العلمية).
(3)
عمر بن شبيب بن عمر المسلي: ضعيف. الميزان (3/ 204) تاريخ ابن معين (3/ 405) والجرح والتعديل (6/ 115).
(4)
عطية العوفي: ضعيف. المجروحين (2/ 176) والميزان (3/ 79).
(5)
سورة البقرة، الآية:(228).
(6)
قال الأصفهاني: "والقرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر، ولما كان اسمًا جامعًا للأمرين الطهر والحيض المتعقب له أطلق على كل واحد منهما، وليس القرء اسمًا للطهر مجردًا، ولا للحيض مجردًا، بدلالة أن الطاهر التي لم ترَ أثر الدم لا يقال لها: ذات قرء، وكذا الحائض التي استمر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك
…
" مختصرًا، "المفردات في غريب القرآن" (ص 668)، و"معجم مقاييس اللغة" (ص 853) و"القاموس المحيط" (ص 62) ".
(7)
على وزن فعُول. معجم القراءات (1/ 312).
البحر المحيط (2/ 186) والمحرر الوجيز (2/ 270).
(8)
قراءة الزهري ونافع في رواية (قُرُوِّ) بالتشديد من غير همز.
معجم القراءات (1/ 312) النشر (1/ 463).
(9)
وهو سعيد بن مسعدة البلخي المجاشعي، في "معاني القرآن"(1/ 370).
(10)
في "الغريبين"(5/ 1516 - 1517) لأبي عبيد.
وفي "مجاز القرآن"(1/ 74) لأبي عبيدة.
الضم والجمع، وجزم به ابن بطال
(1)
. وفي القاموس
(2)
: الْقَرْء، ويضم: الحيض والطُّهر، انتهى. وزعم كثير أنَّ القرء مشترك بين الحيض والطُّهر، وقد أنكر صاحب الكشاف
(3)
إطلاقه على الطهر.
وقال ابن القيم
(4)
: إنّ لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشارع إلا للحيض، ولم يجئ عنه في موضع واحدٍ استعماله للطُّهرِ، فحمله في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى، بل يتعين، فإنَّه قد قال للمستحاضة:"دعي الصلاة أيام أقرائك"
(5)
، وهو صلى الله عليه وسلم المعبر عن الله وبلغة قومه نزل القرآن، فإذا أورد المشترك في كلامه على أحد معنييه وجب حمله في سائر كلامه عليه، إذا لم يثبت إرادة الآخر في شيء من كلامه البتة، ويصير هو لغة القرآن التي خوطبنا بها وإن كان له معنى آخر في كلام غيره، وإذا ثبت استعمال الشارع للقرء في الحيض علم أن هذا لغته، فيتعين حمله عليها في كلامه.
ويدلّ في ذلك ما في سياق الآية من قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}
(6)
، وهذا هو الحيض والحمل عند عامة المفسرين، والمخلوق في الرحم إنما هو الحيض الوجودي، وبهذا قال السلف والخلف، ولم يقل أحد إنه الطهر، وأيضًا فقد قال سبحانه:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}
(7)
، فجعل كل شهر بإزاء حيضة، وعلق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر والحيض، وقد أطال الكلام ابن القيم وأطاب، فليراجع.
وحكى في البحر
(8)
عن العترة: أن القرءَ - بفتح القاف، وضمها - حقيقة في الحيض مجازٌ في الطُّهر.
(1)
في شرحه لصحيح البخاري (7/ 488).
(2)
في القاموس المحيط (ص 62).
(3)
الزمخشري في "الكشاف"(1/ 440).
(4)
في زاد المعاد (5/ 569 - 572).
(5)
أخرج البخاري رقم (228) ومسلم رقم (62/ 333) مرفوعًا بلفظ: "
…
فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغْسلي عنك الدم وصلي".
(6)
سورة البقرة، الآية:(228).
(7)
سورة الطلاق، الآية:(4).
(8)
البحر الزخار (3/ 210).
وعن بعض أصحاب الشافعي
(1)
عكس ذلك، وعن الأكثر أنَّه مشتركٌ، وعن الأخفش الصغير
(2)
: أنَّه اسم لانقضاء الحيض، ثم قال في البحر
(3)
: ولا خلاف أن المراد بالآية أحدهما لا مجموعهما.
قال: فعن أمير المؤمنين عليّ، وابن مسعود، وأبي موسى، والعترة، والحسن البصري، والأوزاعي، والثوري، والحسن بن صالح، وأبي حنيفة، وأصحابه: المراد به في الآية: الحيض
(4)
.
وعن ابن عمر، وزيد بن ثابت، وعائشة، والصادق، والباقر، والإمامية،
(1)
البيان للعمراني (11/ 15) وروضة الطالبين (8/ 366).
(2)
في معاني القرآن (1/ 370).
(3)
البحر الزخار (3/ 210).
(4)
• قال ابن قدامة في "المغني"(11/ 199 - 200): "واختلف أهل العلم في المراد بقوله سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، واختلفت الرواية في ذلك عن أحمد، فروى أنها الحيضُ.
رُوِيَ ذلك عن عمر، وعلي، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والثوري، والأوزاعي، والعنبريِّ وإسحاق، وأبي عُبيد، وأصحاب الرأي.
ورُويَ ذلك عن أبي بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبي موسى، وعبادةَ بن الصَّامت، وأبي الدرداء. قال القاضي: الصحيح عن أحمد أن الأقراء الحيض.
وإليه ذهب أصحابنا، ورجعَ عن قولِه بالأطهار، فقال في رواية النيسابوري: كنتُ أقولُ: إنَّه الأطهار، ثم وقفتُ لقولِ الأكابر". اهـ.
• وقال العمراني في "البيان"(11/ 15 - 16): "وذهبت طائفة إلى: أن المرادَ بالقُرءِ في الآية الحيضُ. وبه قال عمر، وعليُّ بن أبي طالب، وابن مسعود؛ ومن التابعين: الحسن البصري، ومن الفقهاء: الأوزاعي، ومن أهل الكوفة: سفيان الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وهي إحدى الروايتين عن أحمد، والرواية الأخرى: كقولنا - أي الشافعية - ". اهـ.
وانظر: "الإنصاف" للمرداوي (9/ 279).
• أثر عمر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 417).
• وأثر علي بن أبي طالب أخرجه سعيد بن منصور في "السنن" رقم (1219).
• وأثر عمر وابن مسعود أخرجه سعيد بن منصور في "السنن" رقم (1218).
والبيهقي (7/ 417).
• وأثر الحسن البصري، انظر: موسوعة فقه الإمام الحسن البصري (2/ 727) وشرح السنة (9/ 206).
• وأثر الثوري، انظر: موسوعة فقه الإمام الثوري (ص 646) وشرح السنة (9/ 206).
والزهري، وربيعة ومالك
(1)
، والشافعي
(2)
، وفقهاء المدينة
(3)
، ورواية عن علي أنه الأطهار
(4)
.
ثم رجع القول الأوّل واستدل له، وقد أخذ بظاهر حديث عائشة
(5)
وابن عمر
(6)
المذكورين في الباب الشافعي
(7)
فقال: لا يملك العبد من الطلاق إلا اثنتين، حرّة كانت زوجته أو أمة.
وقال الناصر
(8)
وأبو حنيفة
(9)
: إلا اثنتانِ في الأمةِ لا في الحرّة فكالحر، وقالوا كلهم: عدّة الحرّة منه ثلاثة قروء، وعدّة الأمة قرءان.
وذهبت الهادوية
(10)
وغيرهم أن العبد يملك من الطلاق ما يملكه الحرّ، والعدّة منه كالعدّة من الحرّ مطلقًا. وتمسكوا بعموم الأدلة الواردة في ذلك فإنها شاملة للحرّ والعبد.
(1)
عيون المجالس (3/ 1345 رقم 936).
(2)
الأم (6/ 532).
(3)
الأم (6/ 530 - 531).
(4)
• قال ابن قدامة في "المغني"(11/ 200): "والرواية الثانية عن أحمد، أنَّ القروءَ الأطهار. وهو قول زيد، وابن عمر، وعائشة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وأبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك، والشافعي، وأبي ثور. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: ما أدركتُ أحدًا من فقهائنا إلا وهو يقول ذلك.
قال ابن عبد البر: رجعَ أحمدُ إلى أنَّ القروءَ الأطهار، قال في رواية الأثرم: رأيتُ الأحاديثَ عمَّن قال: القروءَ الحيضُ تختلف، والأحاديث عمَّن قال: إنَّهُ أحقُّ بها حتى تدخلَ الحيضة الثالثة، أحاديثها صحاح وقوية
…
". اهـ.
• وقال العمراني في "البيان"(11/ 15): "فمذهبنا - أي الشافعية -: أنَّ المراد بالقروء المذكورة في الآية الأطهار، وبه قال: ابن عمر، وزيد بن ثابت، وعائشة، في الصحابة، ومن التابعين: فقهاء المدينةِ السبعة، والزهري، وربيعة ومالك". اهـ.
• وأثر عائشة أخرجه البيهقي (7/ 415).
• وانظر: البحر الزخار (3/ 210) والاعتصام (3/ 334 - 335).
(5)
تقدم برقم (2932).
(6)
تقدم برقم (2935).
(7)
روضة الطالبين للنووي (8/ 368).
(8)
البحر الزخار (3/ 211).
(9)
شرح فتح القدير (4/ 278) والبناية في شرح الهداية (5/ 409).
ومختصر الطحاوي (2/ 386).
(10)
البحر الزخار (3/ 211، 220).
ويجاب بأنَّ ما في الباب مخصصٌ لذلك العموم، ويؤيده ما أخرجه الدارقطني
(1)
والبيهقي
(2)
من حديث ابن مسعود وابن عباس مرفوعًا: "الطلاق بالرجال والعدّة بالنساء"، والإِعلال بالوقف غير قادح، لأن الرفع زيادةٌ. وأيضًا قد روى أحمدُ عن عليٍّ نحوَ ذلكَ.
[الباب الثالث] باب إحداد المعتدة
9/ 2936 - (عَنْ أُمّ سَلَمَةَ: أَنَّ امْرَأَةً تُوُفّيَ زَوْجُها فَخَشَوْا على عَيْنِها فأتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَاستَأذَنُوه فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ: "لا تَكْتَحِلْ؛ كانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثْ فِي شَرّ أحْلاسِها أو شَر بَيْتِها، فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كلْبٌ رَمَتْ بِبَعْرَةٍ فَلا حتى تَمْضيَ أرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ"، مُتّفَقٌ عَلَيْهِ)
(3)
. [صحيح]
10/ 2937 - (وَعَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زينَبَ بِنْتِ أُمّ سَلَمَةَ أنَّهَا أخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الأحادِيثِ الثّلاثَةِ قَالَتْ: دَخَلْتُ على أُمّ حَبِيبَةَ حِينَ تُوِفِيَ أبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ، فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرِهِ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَة، ثمَّ مَسّتْ بِعارضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَالله مَا لِي بالطّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ على المِنْبَرِ: "لَا يَحِلّ لامْرأةٍ تُؤمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلى مَيّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلَّا على زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"، قَالَتْ زينَبُ: ثُمَّ دَخَلَتْ عَليّ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ حِينَ تُوُفّيَ أخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسّتْ مِنْهُ ثُمّ قالَتْ: وَالله ما لي بالطِّيبِ
(1)
أورده الدارقطني في "العلل"(5/ 195 س 816) عن ابن مسعود.
(2)
في السنن الكبرى (7/ 370).
قلت: وأخرجه الطبراني في المعجم الكبر (ج 9 رقم 9678 و 9679) وسعيد بن منصور في سننه رقم (1332) وابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 82).
وعبد الرزاق في المصنف رقم (12935).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 337) وقال: ورجال أحد الإسنادين رجال الصحيح.
(3)
أحمد في المسند (6/ 291، 311) والبخاري رقم (5338) ومسلم رقم (58/ 1486).
مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ على المِنْبَرِ: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلَّا عَلى زَوْجٍ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشرًا"، قَالَتْ زينَبُ: وَسَمِعْتُ أُمِّي أُمُّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جاءتِ امْرأةٌ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنَّ ابْنَتِي تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَها أَفَنَكْحُلُها؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا" مَرّتَيْنِ أوْ ثَلاثًا، كُل ذلكَ يَقُولُ:"لا"، ثم قالَ:"إنمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُن فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بالْبَعْرَةِ عَلى رأسِ الحَوْلِ"، قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمي بالبَعْرَةِ على رأسِ الحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زينَبُ: كانَتِ الْمَرأةُ إِذَا تُوُفي عَنْهَا زَوْجُها دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسْ طِيْبًا وَلَا شَيْئًا حَتّى تُمرّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تؤْتَى بِدَابّةٍ حمارٍ أوْ شاةٍ أوْ طَيْرٍ فَتفتضَّ بِهِ، فَقَلّمَا تَفْتَض بشيءٍ إلّا ماتَ، ثُمَّ تخرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجعُ بَعْدَمَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أوْ غَيْرِهِ. أخْرَجَاهُ)
(1)
. [صحيح]
11/ 2938 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أن النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يحِل لامْرأةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِن بالله وَالْيَوْم الآخِر أنْ تُحِدّ فَوْقَ ثَلَاثة أيّام إلَّا على زَوْجِها أرْبَعَةَ أشْهُر وَعَشْرًا" أخْرَجَاهُ
(2)
. [صحيح]
وَاحْتَجَّ به مَنْ لَمْ يَرَ الْإِحْدَاد على المُطَلّقَةِ).
قوله: (أن امرأة) هي عاتكة بنت نعيم بن عبد الله كما أخرجه ابن وهب عن أمِّ سلمة والطبراني
(3)
أيضًا.
قوله: (لا تكتحل) فيه دليل على تحريم الاكتحال على المرأة في أيام عِدَّتها من موت زوجها سواء احتاجت إلى ذلك أم لا. وجاء في حديث أم سلمة في
(1)
البخاري رقم (5334 - 5337) ومسلم رقم (1486 - 1489).
(2)
البخاري رقم (1281) ومسلم رقم (58/ 1487).
(3)
في المعجم الكبير (ج 23 رقم 812).
قلت: وأخرجه مسلم برقم (60/ 1488) وأحمد في المسند (6/ 311).
وهو حديث صحيح.
الموطأ
(1)
وغيره
(2)
: "اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار"، ولفظ أبي داود
(3)
: "فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار".
قال في الفتح
(4)
: ووجه الجمع [أنها]
(5)
إذا لم تحتج إليه لا يحل.
وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأَولى تركه؛ فإذا فعلت مسحته بالنهار. وتأول بعضهم حديث الباب على أنه لم يتحقق الخوف على عينها.
وتعقب: بأنَّ في حديث الباب المذكور: "فخشوا على عينها"، وفي روايةٍ لابن منده:"وقد خشيت على بصرها".
وفي رواية لابن حزم
(6)
: "إني أخشى أن تنفقئ عينها. قال: لا، وإن انفقأت".
قال الحافظ
(7)
: وسنده صحيح. ولهذا قال مالك
(8)
في رواية عنه بمنعه مطلقًا. وعنه
(9)
: يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه، وبه قالت الشافعية
(10)
مقيدًا بالليل.
وأجابوا عن قصَّة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل، كالتضميد بالصبر.
(ومنهم) من تأوّل النهي على كحل مخصوص، وهو ما يقتضي التزيُّن به،
(1)
في "الموطأ"(2/ 600 رقم 108).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 440) و"المعرفة"(6/ 62 - 63 رقم 4679 - العلمية) من طريق عن مالك به.
إسناده ضعيف؛ لانقطاعه، وبه أعله البيهقي.
وقد وصله أبو داود رقم (2305) والنسائي رقم (3537).
وهو حديث ضعيف.
(2)
انظر التعليقة المتقدمة.
(3)
في سننه رقم (2305).
(4)
الفتح (9/ 488).
(5)
في المخطوط (أ): مكررة.
(6)
ابن حزم في المحلى (10/ 276).
(7)
في "الفتح"(9/ 488).
(8)
و
(9)
بداية المجتهد (3/ 231) والاستذكار (18/ 234 رقم 27647).
(10)
البيان للعمراني (11/ 82) وروضة الطالبين (8/ 407).
لأنَّ محض التداوي قد يحصل بما لا زينة فيه، فلم ينحصر فيما فيه زينةٌ.
وقالت طائفة من العلماء
(1)
: يجوز ذلك ولو كان فيه طيبٌ، وحملوا النهي على التنزيه جمعًا بين الأدلة.
قوله: (في شرِّ أحلاسها)
(2)
، المراد بالأحلاس: الثياب، وهي بمهملتين: جمع حلس - بكسر ثم سكون -: وهو الثوب، أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة.
قوله: (أو شرِّ بيتها) هو أضعف موضع فيه كالأمكنة المظلمة ونحوها، والشكُّ من الراوي.
قوله: (فمرَّ كلبٌ رمت ببعرة) البعرة بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة ويجوز فتحها، وفي روايةِ مطرف وابن الماجشون عن مالك:"ترمي ببعرة من بعر الغنم أو الإبل، فترمي بها أمامها فيكون ذلك إحلالًا لها"، وظاهر رواية الباب: أن رميها بالبعرة يتوقف على مرور الكلب سواءٌ طال زمن انتظار مروره أم قصر، وبه جزم بعض الشُّرَّاح.
وقيل: ترمي بها من عرض من كلبٍ أو غيره تُري من حضرها: أنَّ مقامها حولًا أهون عليها من بعرة ترمي بها كلبًا أو غيره.
واختلف في المراد برمي البعرة، فقيل: هو إشارةٌ إلى أنَّها رمت العِدَّة رمي البعرة.
وقيل: إشارةٌ إلى أن الفعل الذي فعلته من التربُّص والصبر على البلاء الذي كانت فيه كان عندها بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارًا له، وتعظيمًا لحقّ زوجها.
وقيل: بل ترميها على سبيل التفاؤل لعدم عودها إلى مثل ذلك.
قوله: (حتى تمضي أربعة أشهر وعشر) قيل: الحكمة في ذلك أنَّها تكمل خلقة الولد وينفخ فيه الروح بعد مضيّ مائةٍ وعشرين يومًا، وهي زيادةٌ على أربعة
(1)
قاله الحافظ في "الفتح"(9/ 489).
(2)
في القاموس المحيط (ص 694).
أشهر لنقصان الأهلة، فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط، وذكر العشر مؤنثًا لإرادة الليالي، والمراد مع أيامها عند الجمهور فلا تحلّ حتى تدخل الليلة الحادية عشرة.
وعن الأوزاعي
(1)
وبعض السلف تنقضي بمضيِّ الليالي العشر بعد الأشهر، وتحل في أوَّل اليوم العاشر. واستثنيت الحامل كما تقدم شرح حالها.
ويعارض أحاديث الباب ما أخرجه أحمد
(2)
وابن حبان
(3)
وصححه من حديث أسماء بنت عميس قالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب: فقال لا تحدّي بعد يومك هذا" وسيأتي
(4)
.
قال العراقيُّ في شرح الترمذي
(5)
: ظاهره: أنّه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث، لأنَّ أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بالاتفاق، وهي والدة أولاده، قال: بل ظاهر النهى أن الإحداد لا يجوز.
وأجاب بأنَّ هذا الحديث شاذّ مخالف للأحاديث الصحيحة، وقد أجمعوا على خلافه
(6)
.
وأجاب الطحاوي
(7)
بأنه منسوخ، وأن الإحداد كان على المعتدّة في بعض عدتها في وقت، ثم وقع الأمر بالإحداد أربعة أشهر وعشرًا.
واستدلَّ على النسخ بأحاديث الباب وليس فيها ما يدلّ على ذلك.
وقيل: المراد بالإحداد المقيد بالثلاث قدر زائد على الإحداد المعروف فعلته أسماء مبالغة في حزنها على جعفر. فنهاها عن ذلك بعد الثلاث.
ويحتمل أنها كانت حاملًا فوضعت بعد ثلاث فانقضت عدتها.
ويحتمل أنه أبانها بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها إحداد.
(1)
حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(11/ 224) وابن حجر في "الفتح"(9/ 487).
(2)
في المسند (6/ 369، 438).
(3)
في صحيحه رقم (3148).
(4)
يأتي برقم (2943) من كتابنا هذا.
(5)
حكاه عن شيخه العراقي الحافظ في "الفتح"(9/ 487).
(6)
الإشراف (4/ 294 - 295) والمغني (11/ 284).
(7)
في شرح معاني الآثار (3/ 75، 78).
وقد أعلَّ البيهقي
(1)
الحديث بالانقطاع فقال: لم يثبت سماع عبد الله بن شداد من أسماء.
وتعقب بأنه قد صححه أحمد
(2)
، وقد ورد معنى حديث أسماء من حديث ابن عمر بلفظ:"لا إحداد فوق ثلاث"، قال أحمد: هذا منكر، والمعروف عن ابن عمر من رأيه. ويحتمل أن يكون هذا لغير المرأة المعتدة فلا نكارة فيه بخلاف حديث أسماء.
قوله: (لا يحل) استدل بذلك على تحريم الإحداد على غير الزوج وهو ظاهرٌ، وعلى وجوب الإحداد على المرأة التي مات زوجها.
وتُعُقِّب بأن الاستثناء وقع بعد النفي، وهو يدل على مجرد الجواز لا الوجوب.
وردَّ بأنَّ الوجوب استفيد من دليل آخر كالإجماع.
وتُعقِّب بأن المنقول عن الحسن البصري
(3)
أن الإحداد لا يجب كما أخرجه عنه ابن أبي شيبة
(4)
. وروي أيضًا عن الشعبي
(5)
أنَّه كان لا يعرف الإحداد.
(1)
في السنن الكبرى (7/ 438).
(2)
حكاه الحافظ في "الفتح"(9/ 487) ولفظه:، فقد صححه أحمد لكنه قال: إنه مخالف للأحاديث الصحيحة في الإحداد. قلت: - الحافظ ابن حجر - وهو مصير منه إلى أنه يعلّه بالشذوذ. وذكر الأثرم أن أحمد سئل عن حديث حنظلة عن سالم عن ابن عمر رفعه: "لا إحداد فوق ثلاث" فقال: هذا منكر، والمعروف عن ابن عمر من رأيه". اهـ.
(3)
قال ابن قدامة في "المغني"(11/ 284): "
…
ولا نعلم بين أهل العلم خلافًا في وجوبه - أي الإحداد - على المتوفى عنها زوجها، إلا عن الحسن، فإنَّه قال: لا يجب الإحداد. وهو قول شذَّ به عن أهلِ العلم، وخالف به السنة، فلا يعرّج عليه
…
". اهـ.
• وقال ابن عبد البر في "الاستذكار"(18/ 218 رقم 27568) فالعدةُ واجبة في القرآن، والإحدادُ واجب بالسنة المجتمع عليها وفي رقم (27569) - وقد شذَّ الحسن عنها وحده، فهو محجُوجٌ بها". اهـ.
(4)
في "المصنف"(5/ 281).
(5)
قال الحافظ في "الفتح"(9/ 486): "ونقل الخلال بسنده عن أحمد عن هشيم عن داود عن الشعبي أنه كان لا يعرف إلا حداد، قال أحمد: ما كان بالعراق أشد تبحرًا من هذين - يعني الحسن والشعبي - قال: وخفي ذلك عليها. اهـ.
ومخالفتهما لا تقدح في الاحتجاج وإن كان فيها رد على من ادعى الإجماع
…
". اهـ.
وقيل: إنَّ السياق دالٌّ على الوجوب.
قوله: (لامرأة) تمسك بمفهومه الحنفية
(1)
فقالوا: لا يجب الإحداد على الصغيرة، وخالفهم الجمهور
(2)
فأوجبوه عليها كالعدَّة. وأجابوا عن التقيد بالمرأة بأنَّه خُرّج مخرج الغالب، وظاهر الحديث عدم الفرق بين المدخولة وغيرها والحرة والأمة.
قوله: (تؤمن بالله واليوم الآخر) استدل به الحنفية
(3)
وبعض المالكية
(4)
على عدم وجوب الإحداد على الذمّية. وخالفهم الجمهور
(5)
، وأجابوا بأنه ذكر للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له.
وقال النووي
(6)
: التقييد بوصف الإيمان لأنَّ المتصف به هو الذي ينقاد للشرع. ورجَّح ابن دقيق العيد
(7)
الأوّل.
وقد أجاب ابن القيم في الهدي
(8)
عن هذا التقييد بما فيه كفاية فراجعه.
قوله: (تُحِدُّ) بضم أوّله وكسر ثانيه من الرباعي ويجوز بفتح أوّله وضمّ ثانيه من الثلاثي.
قال أهل اللغة: أصل الإحداد: المنع، ومنه تسمية البوّاب حدَّادًا لمنعه الداخل، وتسمية العقوبة حدًّا لأنَّها تردع عن المعصية. قال ابن درستويه
(9)
: معنى الإحداد: منعُ المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطّيبَ ومنع الخطَّاب خطبتها، وحكى الخطابي (9) أنه يروى بالجيم والحاء، والحاء أشهر، وهو بالجيم مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته، فكأن المرأة انقطعت عن الزينة.
قوله: (على ميت) استدلَّ به من قال: إنه لا إحداد على امرأة المفقود لعدم
(1)
مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (2/ 395 رقم 901).
وبدائع الصنائع (3/ 209).
(2)
المغني (11/ 284).
(3)
حاشية ابن عابدين (5/ 169).
(4)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 111)، وعيون المجالس (3/ 1365 رقم 953).
(5)
المغني (11/ 284).
(6)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 112) وروضة الطالبين (8/ 405).
(7)
في إحكام الأحكام (4/ 61).
(8)
في زاد المعاد (5/ 620 - 621).
(9)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 485).
تحقق وفاته خلافًا للمالكية
(1)
. وظاهره أنه لا إحداد على المطلقة. فأما الرجعية فإجماع. وأما البائنة: فلا إحداد عليها عند الجمهور
(2)
. وقال أبو حنيفة
(3)
وأبو عبيد وأبو ثور
(4)
وبعض المالكية
(5)
والشافعية
(6)
، وحكاه أيضًا في البحر
(7)
عن عليّ، وزيد بن عليّ، والمنصور بالله، والثوري، والحسن بن صالح، أنه يلزمها الإحداد .. والحقُّ الاقتصار على مورد النصِّ عملًا بالبراءة الأصلية فيما عداه، فمن ادّعى وجوب الإحداد على غير المتوفى عنها فعليه الدليل
(8)
.
وأمَّا المطلقة قبل الدخول فقال في الفتح
(9)
: إنه لا إحداد عليها اتفاقًا.
قوله: (فوق ثلاث) فيه دليل: على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها، وتحريمه فيما زاد عليها، وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظّ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية.
وأما ما أخرجه أبو داود في المراسيل
(10)
من حديث عمرو بن شعيب: "أن
(1)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 111).
(2)
قال ابن المنذر في "الإشراف"(4/ 297 مسألة 2873): "واختلفوا في الإحداد على المطلقة ثلاثًا، فقالت طائفة: هي والمتوفى عنها في الإحداد سواء، هذا قول ابن المسيب، وأبي عبيد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
ورخّص فيه عطاء بن أبي رباح، وربيعة، ومالك.
وقال الشافعي: أحب أن تفعل، ولا يبين لي أن أوجبه.
قال أبو بكر: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا". دليل على أن المطلقة ثلاثًا، والمطلق حي، لا حداد عليها". اهـ.
(3)
بدائع الصنائع (3/ 209) وشرح فتح القدير (4/ 303).
(4)
موسوعة فقه الإمام أبي ثور (ص 544).
(5)
عيون المجالس (3/ 1364).
ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 111).
(6)
البيان للعمراني (11/ 78 - 79).
(7)
البحر الزخار (3/ 216).
(8)
هذا ما رجحه ابن المنذر في "الإشراف"(4/ 297 مسألة 2873).
(9)
في "الفتح"(9/ 487).
(10)
في المراسيل رقم (409) رجال إسناده ثقات.
والأحاديث الصحيحة في الموضوع تصرح بأن مدة الإحداد على الزوج هي أربعة أشهر وعشرًا.
النبيّ صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة أن تحدّ على أبيها سبعة أيام، وعلى من سواه ثلاثة أيام"، فلو صحّ لكان مخصصًا للأب من هذا العموم لكنه مرسل؛ وأيضًا عمرو بن شعيب ليس من التابعين حتى يدخل حديثه في المرسل.
وقال الحافظ
(1)
: يحتمل أن أبا داود لا يخصُّ المرسل برواية التابعيِّ.
قوله: (والله ما لي بالطيب من حاجةٍ)، إشارةٌ: إلى أن آثار الحزن باقيةٌ عندها [لكنَّها]
(2)
لم يسعها إلا امتثال الأمر.
قوله: (وقد اشتكت عينها)، قال ابن دقيق العيد
(3)
: يجوز فيه وجهان: ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية، وفتحها على أن يكون في اشتكت ضميرُ الفاعل، ويرجح الأوَّل أنه وقع في مسلم:"عيناها"، وعليها اقتصر النووي
(4)
.
قوله: (أفنكحُلها) بضم الحاء.
قوله: (حِفْشًا)
(5)
بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة، فسره أبو داود
(6)
في روايته من طريق مالك أنه البيت الصغير.
قوله: (فتفتض به) بفاء ثم مثناة من فوق ثم [فاء]
(7)
ثم مثناة فوقية ثم ضاد معجمة، فسره مالك بأنها تمسح به جلدها، وفي النهاية
(8)
: فرجها، وأصل الفضِّ: الكسر: أي تكسر ما كانت فيه وتخرج منه بما فعلت بالدَّابة.
وفي رواية للنسائي
(9)
: "تقبص" بعد القاف باء موحدة ثم صاد مهملة، والقبص
(10)
: الأخذ بأطراف الأنامل.
(1)
في "الفتح"(9/ 486).
(2)
في المخطوط (ب): (لكنه).
(3)
في "إحكام الأحكام"(4/ 63).
(4)
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (10/ 113): (وقد اشتكت عينها) هو برفع النون ووقع في بعض الأصول (عيناها) بالألف". اهـ.
(5)
قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 398): "الحِفْش: البيت الصغير، الذَّليل، القريب السَّمْك، سُمِّي به لضيقه". اهـ.
(6)
في السنن (2/ 723).
(7)
في المخطوط (أ): (قاف).
(8)
النهاية (2/ 378).
(9)
في سننه رقم (3533).
وهو حديث صحيح.
(10)
النهاية (2/ 408).
قال الأصبهاني
(1)
وابن الأثير
(2)
: هو كناية عن الإسراع: أي تذهب بسرعةٍ إلى منزل أبويها لكثرة جفائها [لقبح]
(3)
منظرها أو لشدّة شوقها إلى الأزواج لبعد عهدها.
قال ابن قتيبة
(4)
: سألت الحجازيين عن الافتضاض فذكروا أن المعتدَّةَ كانت لا تمسُّ ماءً ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا، ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر، ثم تفتضُّ: أي تكسرُ ما كانت فيه من العدَّةِ بطائر تمسحُ به قبلها فلا يكادُ يعيشُ ما تفتضُّ به.
قال الحافظ
(5)
: وهذا لا يخالف تفسير مالك لكنه أخص منه لأنه أطلق الجلد فتبين أن المراد به جلد القبل. والافتضاض بالفاء: الاغتسال بالماء العذب لإزالة الوسخ حتى تصير بيضاء نقية كالفضة.
[الباب الرابع] باب ما تجتنب الحادة وما رخص لها فيه
12/ 2939 - (عَنْ أُمّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنّا نُنْهَى أنْ نُحِدّ على مَيِّت فَوْقَ ثَلاثٍ إلَّا عَلى زَوْج أَرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا نَكْتَحِلُ، وَلَا نَتَطَيَّبُ، وَلَا نَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رَخّصَ لَهَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إحْدَانا مِنْ مَحِيضِها فِي نُبذَةٍ مِنْ كُسْتِ أظفَارٍ. أخْرَجَاه
(6)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يحلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بَالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلَّا على زَوْجٍ، فَإنَّهَا لا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَمَسّ طيبًا إلَّا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أوْ أَظْفَارٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(7)
. [صحيح]
(1)
في مفردات ألفاظ القرآن (ص 652).
(2)
في "النهاية"(2/ 408).
(3)
في المخطوط (أ): (بقبح).
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 489).
(5)
في "الفتح"(9/ 489).
(6)
البخاري رقم (313) ومسلم رقم (67/ 938).
(7)
أحمد في المسند (5/ 85) والبخاري رقم (5342) و (5343) ومسلم رقم (66/ 938).
وَقَالَ فِيهِ أَحْمَدُ
(1)
وَمُسْلِمٌ
(2)
: "لَا تُحِدّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلَّا المَرأة فإنَّهَا تُحِدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"). أصحيح،
13/ 2940 - (وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لا تَلْبَسِ الْمُعَصْفَرِ مِنَ الثِّيَابِ، وَلَا المُمَشَّقَةِ، وَلَا الحُليّ، [وَلَا تَخْتَضِبْ]
(3)
، وَلَا تكْتَحِلْ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وأَبُو دَاوُدَ
(5)
وَالنّسائيّ)
(6)
. [صحيح]
14/ 2941 - (وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَيّ صَبْرًا، فَقَالَ:"مَا هَذَا يا أُمّ سَلَمَةَ؟ "، فَقُلْتُ: إنّمَا هُوَ صَبْرٌ يَا رَسُولَ الله لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، قَالَ: "إِنَّهُ يشب الوَجْهَ فَلَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ وَتَنْزعِيهِ بالنّهَارِ، [وَلَا تَمْتَشِطي]
(7)
بِالطِّيبِ وَلَا بالْحِنَّاءِ فإنَّهُ خِضَابٌ"، قَالَتْ: قُلْتُ: بِأيّ شَيْءٍ أمْتَشِطُ يا رَسول الله؟ قالَ: "بالسِّدْرِ تُغْلفِينَ بِهِ رأسَكِ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(8)
وَالنَّسَائِيُّ)
(9)
. [ضعيف]
(1)
في المسند (5/ 85) وقد تقدم.
(2)
في صحيحه رقم (66/ 938) وقد تقدم.
(3)
في المخطوط (ب): (ولا تخضب)، وما أثبتناه من المخطوط (أ) وهو موافق لمسند أحمد وأبي داود.
(4)
في المسند (6/ 302).
(5)
في السنن رقم (2304).
(6)
في سننه رقم (3534).
قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (767) وأبو يعلى رقم (7012) وابن حبان رقم (4306) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 440) وفي السنن الصغير رقم (2819) وفي "معرفة السنن والآثار"(11/ 223) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(7)
في المخطوط (ب): (ولا تمشطي) وما أثبتناه من المخطوط (أ) وهو موافق لما في سنن أبي داود.
(8)
في سننه رقم (2305).
(9)
في سننه رقم (3537).
"إسناده ضعيف، مسلسل بالمجهولين: المغيرة بن الضحاك، فأم حكيم بنت أَسِيْد، فأمها؛ كلهم لا يعرفون كما قال الذهبي وغيره واستغرب حديثهم هذا.
وأعله المنذري بجهالة أمِّ أمِّ حكيم فقط وهو قصورٌ ظاهر .. ". اهـ. ضعيف سنن أبي داود (10/ 255).
وهو حديث ضعيف.
15/ 2942 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: طُلِّقَتْ خَالَتِي ثَلاثًا، فَخَرَجَتْ تَجُدُّ نَخْلًا لَهَا، فَلَقِيَها رَجُلٌ فَنَهَاهَا، فأتَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهَا:"اخْرُجِي فَجُدّي نَخْلَكِ لَعَلَّكِ أَنْ تَصَدَّقي مِنْهُ أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَمُسْلِم
(2)
وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
وابْنُ مَاجَهْ
(4)
وَالنّسائيُّ)
(5)
. [صحيح]
16/ 2943 - (وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسِ قَالَتْ: لَمّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ أتانا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "تَسَلّبِي ثَلاثًا ثمّ اصْنَعِي مَا شئْتِ".
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْيَوْمَ الثالِثَ مِنْ قَتْلِ جَعْفَرٍ، فَقَالَ:"لَا تُحِدّي بَعْدَ يَوْمِكِ هَذَا"، رَوَاهما أحمدُ
(6)
. [إسناده صحيح]
وَهُوَ مُتأوّلٌ على المُبَالَغَةِ فِي الْإِحْدَادِ وَالجُلُوسِ لِلتّعْزِيَةِ).
(1)
في المسند (3/ 321).
(2)
في صحيحه رقم (155/ 1483).
(3)
في سننه رقم (2297).
(4)
في سننه رقم (2034).
(5)
في سننه رقم (3550).
وهو حديث صحيح.
(6)
في المسند (6/ 369، 438).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (3148) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 75) والطبراني في المعجم الكبير (ج 4 رقم 369) والبيهقي (7/ 438) من طرق عن محمد بن طلحة بن مصرِّف، عن الحكم بن عُتيبة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أسماء بنتِ عُميس، به.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 17) وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح.
وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 487): قال شيخنا في "شرح الترمذي": ظاهره أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث، لأن أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بن أبي طالب بالاتفاق، وهي والدة أولاده: عبد الله ومحمد وعون وغيرهم. قال: بل ظاهر النهي أن الإحداد لا يجوز.
وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة. وقد أجمعوا على خلافه.
قال: ويحتمل أن يقال: إن جعفرًا قتل شهيدًا، والشهداء أحياء عند ربهم.
قال: وهذا ضعيف لأنه لم يرد في حق غير جعفر من الشهداء ممن قطع بأنهم شهداء كما قطع لجعفر كحمزة بن عبد المطلب عمه، وكعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر. انتهى كلام شيخنا ملخصًا.
والخلاصة: أن الحديث اختلف في وصله وإرساله، وإرساله أصح.
حديث أم سلمة الأول قال البيهقي
(1)
: روي موقوفًا، والمرفوع من رواية إبراهيم بن طهمان، وهو ثقةٌ من رجال الصحيحين، وقد ضعَّفه ابن حزم
(2)
، ولا يلتفت إلى ذلك، فإن الدارقطني
(3)
قد جزم بأنَّ تضعيف من ضعَّفه إنما هو من قبل الإرجاء، وقد قيل: إنَّه رجع عن ذلك.
وحديثها الثاني أخرجه أيضًا الشافعي
(4)
، وفي إسناده المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولى لها عن أم سلمة.
وقد أعلَّه عبد الحق
(5)
والمنذري بجهالة حال المغيرة ومن فوقه.
قال الحافظ
(6)
: وأعلّ بما في الصحيحين
(7)
عن زينب بنت أمّ سلمة: "سمعت أمّ سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها
…
" الحديث وقد تقدم، وقد حسَّن إسناد حديثها المذكور في الباب الحافظ في بلوغ المرام
(8)
.
وحديث أسماء بنت عميس أخرجه ابن حبان
(9)
وصححه. وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبل هذا.
قوله: (نُنْهى) بضم أوّله.
(1)
في السنن الكبرى (7/ 440).
(2)
في المحلى (10/ 277).
وقال ابن حجر في "التقريب" رقم (189): "ثقة يغرب تكلم في الإرجاء، ويقال: رجع عنه.
وقال الذهبي في "الكاشف"(1/ 38 رقم 147): "من أئمة الإسلام فيه إرجاء، وثقه أحمد وأبو حاتم.
قلت: الأئمة على تصحيح حديثه.
(3)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(3/ 477).
(4)
كما في معرفة السنن والآثار (15341).
(5)
في "الأحكام الوسطى"(3/ 223 - الرشد) حيث قال: "ليس لهذا الحديث إسناد يعرف والله أعلم؛ لأنه عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولاة لها عن أم سلمة.
(6)
في "التلخيص"(3/ 477).
(7)
تقدم تخريجه برقم (2937) من كتابنا هذا.
(8)
في "بلوغ المرام" رقم الحديث (5/ 1043) بتحقيقي ط: مكتبة ابن تيمية.
(9)
في صحيحه رقم (3148) وقد تقدم.
قوله: (ولا نكتحل) قد تقدم الكلام عليه.
قوله: (ولا نتطيَّب) فيه تحريم الطيب على المعتدة وهو كل ما يسمَّى طيبًا ولا خلاف في ذلك، وقد استثنى صاحب البحر
(1)
اللينوفر
(2)
والبنفسج والعرار، وعلَّل ذلك: بأنَّها ليست بطيبٍ، ثم قال: أمَّا البنفسج ففيه نظر.
قوله: ([ولا نلبس]
(3)
ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عَصْبٍ)
(4)
بمهملتين مفتوحة ثم ساكنة ثم موحدة، وهو بالإضافة: برود اليمن، يعصب غزلها: أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوبًا فيخرج موشَّى لبقاء ما عصب منه أبيض لم ينصبغ، وإنما ينصبغ السدي دون اللحمة.
وقال السهيلي: إنَّ العصب نبات لا ينبت إلا باليمن، وهو غريبٌ، وأغرب منه قول الداودي
(5)
: إنَّ المراد بالثوب العصب: الخضرة وهي الحبرة.
قال ابن المنذر
(6)
: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادّة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة إلا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك
(7)
والشافعي
(8)
لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن.
وقال الإمام يحيى
(9)
: لها لبس البياض، والسَّواد، والأكهب، وما بلي صبغه، والخاتم، والزقر والودع. وكره عروة العصب أيضًا، وكره مالك
(10)
غليظه.
(1)
البحر الزخار (3/ 223).
(2)
النيلوفر، فارسي معرب معناه: النيلي الأجنحة والأرياش، ويدعى بالسريانية: كرنب الماء، ينبت في المياه الراكدة، ويكون داخل الماء وخارجه، له ورق كثير من أصل واحد، وزهره أبيض شبيه بالسوسن، وسطه زعفرانيُّ اللون، وفيه بذر أسود عريض مرٌّ لزج.
انظر خواصه وفوائده في: "المعتمد في الأدوية المفردة"(ص 530) وما بعدها.
(3)
في المخطوط (ب): (ولا تلبس).
(4)
النهاية (2/ 213).
(5)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 491).
(6)
في "الإجماع"(ص 111 رقم 458).
(7)
"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(3/ 231) بتحقيقى.
(8)
الأم (6/ 588) والبيان للعمراني (11/ 86 - 87).
(9)
البحر الزخار (3/ 222 - 223).
(10)
مدونة الفقه المالكي (3/ 113).
قال النووي
(1)
: الأصحُّ عند أصحابنا تحريمه مطلقًا، والحديث حجة عليهم.
قال النووي
(2)
: ورخص أصحابنا ما لا يتزين به ولو كان مصبوغًا. واختلف في الحرير؛ فالأصح عند الشافعية منعه مطلقًا مصبوغًا أو غير مصبوغ لأنَّه من ثياب الزينة، وهي ممنوعة منها.
قال في البحر
(3)
: مسألة: ويحرم من اللباس المصبوغ للزينة ولو بالمغرة والحرير وما في منزلته لحسن صنعته والمطرَّز والمنقوش بالصبغ والحليِّ جميعًا.
قال في الفتح
(4)
: وفي التحلِّي بالذهب، والفضَّة، واللؤلؤ، ونحوه، وجهان: الأصحُّ جوازه، وفيه نظر لأنه من الزينة، ويصدق عليه أيضًا اسم الحلّي المنهي عنه في حديث أمّ سلمة
(5)
المذكور.
قوله: (في نُبذةٍ)
(6)
بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمة: وهي كالقطعة من الشيء. وتطلق على الشيء اليسير.
قوله: (من كُسْتِ أظفارٍ) بضم الكاف وسكون المهملة وبعدها مثناة فوقية، وفي رواية:"من قُسط" بقاف مضمومة كما في الرواية الأخرى المذكورة وهو بالإضافة إلى أظفار وفي الرواية الأخرى: "من قسطٍ أو أظفار" وهو أصوب، وخطأ القاضي عياض
(7)
رواية الإضافة.
قال النووي
(8)
: القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب.
(1)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 118) وروضة الطالبين (8/ 406).
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 118).
(3)
البحر الزخار (3/ 222).
(4)
الفتح (9/ 491).
(5)
المتقدم برقم (2940) من كتابنا هذا.
(6)
النهاية (2/ 702).
(7)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 75).
وانظر: المفهم (4/ 289 - 290).
(8)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 118 - 119).
وقال البخاري: القسط والكست مثل الكافور والقافور
(1)
، انتهى.
وروي كسط بالطاء بإبدال الكاف من القاف. قال في النهاية
(2)
: وقد تبدل الكاف من القاف، وقد استدل بهذا على أنَّه يجوز للمرأة استعمال ما فيه منفعة لها من جنس ما منعت منه.
قوله: [(ولا الممشقة)
(3)
] أي المصبوغة بالمشق وهو المغرة.
قوله: (يَشُبُّ الوجه)
(4)
بفتح أوّله وضم الشين المعجمة: أي يجمله.
وظاهر حديث أمّ سلمة
(5)
هذا أنه يجوز للمرأة المعتدة عن موت أن تجعل على وجهها الصبر بالليل وتنزعه بالنهار لأنه يحسن الوجه فلا يجوز فعله في الوقت الذي تظهر فيه الزينة وهو النهار، ويجوز فعله بالليل [لأنها]
(6)
لا تظهر فيه.
قوله: (ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحنَّاء) فيه دليل: على أنَّه لا يجوز للمرأة أن تمتشط بشيءٍ من الطيب أو بما فيه زينةٌ كالحنَّاء، ولكنَّها تمتشط بالسِّدر.
قوله: (تغلفين به رأسك) الغلاف في الأصل الغشاوة، وتغليف الرأس: أن يجعل عليه من الطِّيب أو السِّدر ما يشبه الغلاف. قال في القاموس
(7)
: تغلف الرجل واغتلف حصل له غلاف.
قوله: (تَجُدُّ)
(8)
بفتح أوله وضم الجيم بعدها دال مهملة: أي تقطع نخلًا لها، وظاهر إذنه صلى الله عليه وسلم لها بالخروج لجدِّ النخل يدل: على أنه يجوز لها الخروج لتلك الحاجة ولما يشابهها بالقياس.
(1)
النهاية (2/ 539).
(2)
النهاية (2/ 539).
(3)
في المخطوط (ب): (ولا المشققة).
وانظر معنى "الممشقة" في: النهاية (2/ 661) وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (73/ 509).
(4)
قال ابن الأثير في النهاية (1/ 838): يشبُّ الوجه: يُلوِّنه ويحسِّنُه.
وانظر: الفائق للزمخشري (3/ 180).
(5)
تقدم برقم (2941) من كتابنا هذا.
(6)
في المخطوط (ب): (لأنه).
(7)
في القاموس المحيط (ص 1088).
(8)
في القاموس المحيط (ص 346) النهاية (1/ 240).
وقد بوّب النووي
(1)
لهذا الحديث فقال: باب جواز خروج المعتدة البائن من منزلها في النهار للحاجة إلى ذلك ولا يجوز لغير حاجة.
وقد ذهب إلى ذلك عليٌّ وأبو حنيفة
(2)
والقاسم (3) والمنصور بالله
(3)
، ويدلّ على اعتبار الغرض الديني أو الدنيوي تعليله صلى الله عليه وسلم بالصدقة أو فعل الخير. ولا معارضة بين هذا الحديث وبين قوله تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ}
(4)
الآية.
بل الحديث مخصصٌ لذلك العموم بالمشعور به من النهي، فلا يجوز الخروج إلا للحاجة لغرضٍ من الأعراض.
وذهب الثوري
(5)
والليث
(6)
ومالك
(7)
والشافعي
(8)
وأحمد
(9)
وغيرهم إلى أنه يجوز لها [الخروج]
(10)
في النهار مطلقًا، وتمسكوا بظاهر الحديث، وليس فيه ما يدلّ على اعتبار الحاجة، وغايته اعتبار أن يكون الخروج لقربة من القرب كما يدلّ على ذلك آخر الحديث.
ومما يؤيد مطلق الجواز في النهاية القياس على المتوفى عنها كما سيأتي قوله: (تَسَلَّبِي) بفتح أوله وبعده سين مهملة مفتوحة وتشديد اللام، أي: البسي السلاب: وهو ثوب الإحداد. وقيل: هو ثوب أسود تغطي به رأسها
(11)
، وقد قدمنا الكلام على حديث أسماء
(12)
هذا وكيفية الجمع بينه وبين الأحاديث القاضية بوجوب الإحداد.
(1)
في شرحه لصحيح مسلم (10/ 108).
(2)
الاختيار (3/ 230 - 231) وشرح فتح القدير (4/ 309).
(3)
الاعتصام بحبل الله المتين (3/ 348) والبحر الزخار (3/ 223).
(4)
سورة الطلاق، الآية:(1).
(5)
موسوعة فقه الإمام الثوري (ص 653) والتمهيد (11/ 323).
(6)
التمهيد (11/ 323).
(7)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 117).
(8)
المهذب (4/ 554) والروضة للنووي (8/ 415 - 416).
(9)
المغني (11/ 297).
(10)
في المخطوط (ب): (الخورج) وهو خطأ.
(11)
قاله ابن الأثير في النهاية (1/ 793). وانظر: الفائق (1/ 192).
(12)
تقدم برقم (2943) من كتابنا هذا.
[الباب الخامس] باب أَيْنَ تعتد المتوفى عنها؟
17/ 2944 - (عَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ قَالَتْ: خَرَجَ زَوْجِي فِي طَلَبِ أعْلاجٍ لَهُ فأدْرَكَهُمْ فِي طَرَفِ القُدُومِ فَقَتَلُوهُ، فأتاني نَعْيُهُ وأنا في دَارٍ شَاسِعَةٍ مِنْ دُورِ أَهْلِي، فأتَيْتُ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلكَ لَهُ، فَقُلْتُ: إنَّ نَعْيَ زَوْجِي أتَانِي فِي دَارٍ شاسِعَةٍ مِنْ دُورِ أَهْلِي، وَلَمْ يَدَعْ نَفَقَةً وَلَا مالًا وَرِثْتُه، وَلَيْسَ المَسْكَنُ لَهُ، فَلَوْ تَحَوّلْتُ إلى أهْلي، وإخْوَتي لَكَانَ أَرْفَقَ لِي فِي بَعْض شأنِي، قَالَ: "تحَوَّلي"، فَلَمَّا خَرَجْتُ إلى المَسْجِدِ أوْ إلى الحُجْرَةِ دَعَانِي أَوْ أَمَرَ بي فَدُعِيتُ، فَقَالَ: "امْكُثي فِي بَيْتك الَّذي أتاك فيه نَعْي زَوْجك حتّى يَبْلُغَ الكتابُ أجَلَهُ"، قَالَتْ: فاعْتَدَدْتُ فيهِ أرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَتْ: وأرْسَلَ إليّ عُثْمَانُ فأخْبَرْتُهُ، فَأَخَذَ بِهِ. رَوَاهُ الخَمْسَةَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ يَذْكُر النّسائيّ وَابْنُ مَاجَهْ إرْسَالَ عُثْمَانَ)
(1)
. [صحيح]
18/ 2945 - (وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَن ابْنِ عَبّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}
(2)
، نُسخَ ذلكَ بآية الميرَاث بِمَا فَرَضَ الله لَهَا مَنَ الرّبُع وَالثُّمُن، وَنُسِخَ أجَل الحَوْل أنْ جُعِلَ
(1)
أحمد في المسند (6/ 420 - 421) وأبو داود رقم (2300) والترمذي في سننه رقم (1304) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (2031) والنسائي رقم (3532).
قلت: وأخرجه مالك (2/ 591 رقم 87) والشافعي في المسند (ج 2 رقم 175 - ترتيب) وفي الرسالة (1214) والطبراني في المعجم الكبر (ج 24 رقم 1077) وابن حبان رقم (4292) والحاكم (2/ 208) وقال: صحيح الإسناد من الوجهين جميعًا ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وابن سعد (8/ 368) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 78) وفي شرح مشكل الآثار رقم (3645) وفي شرح السنة رقم (2386).
وهو حديث صحيح.
(2)
سورة البقرة، الآية:(240).
أجَلُهَا أَرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا. رَوَاهُ النّسائيُّ
(1)
وأَبُو دَاوُدَ
(2)
[إسناده حسن]
حديث فريعة: أخرجه أيضًا مالك في الموطأ
(3)
، والشافعي
(4)
، والطبراني
(5)
، وابن حبان
(6)
والحاكم
(7)
وصحَّحاه، وأعله ابن حزم
(8)
، وعبد الحق
(9)
بجهالة حال زينب بنت كعب بن عجرة الرواية له عن الفريعة.
وأجيب بأن زينب المذكورة وثقها الترمذي
(10)
وذكرها ابن فتحون
(11)
وغيره في الصحابة.
وأما ما روي عن عليّ بن المدينيِّ بأنه لم يرو عنها غير سعد بن إسحاق فمردودٌ بما في مسند أحمد
(12)
من رواية سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب في فضل علي رضي الله عنه.
(1)
في سننه رقم (3543).
(2)
في سننه رقم (2298).
إسناده حسن.
(3)
في الموطأ (2/ 591 رقم 87) وقد تقدم.
(4)
في المسند (ج 2 رقم 175 - ترتيب) وفي، الرسالة (1214) وقد تقدم.
(5)
في المعجم الكبير (ج 24 رقم 1077) وقد تقدم.
(6)
في صحيحه رقم (4292) وقد تقدم.
(7)
في المستدرك (2/ 208) وقد تقدم.
(8)
في المحلى (10/ 302).
(9)
في الأحكام الوسطى (3/ 227 - الرشد).
(10)
في السنن (3/ 509 - 510).
(11)
قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 479): "وذكرها ابن فتحون وابن الأمين في الصحابة .. ". اهـ.
(12)
في المسند (3/ 86) من طريق ابن إسحاق قال: فحدثني ابن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب بن عُجْرَة، عن عمته زينب بنت كعب، وكانت عند أبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد الخدري، قال: اشتكى عليًا النَّاسُ قال: فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبًا فسمِعْتُهُ يقول: "أيها الناسُ، لا تشكُوا عليًا، فواللهِ إنهُ الأخيشن في ذاتِ الله، أو في سبيلِ الله".
زينب بنت كعب، زوجة أبي سعيد، مختلف في صحبتها، روى عنها ابنا أخويها، وذكرها ابن حبان في "الثقات" وأخرج لها أصحاب السنن.
انظر: "لسان الميزان"(9/ 545 رقم 15653) و"الميزان"(4/ 607 رقم 10960) و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 186 رقم 7848). =
وقد أعلَّ الحديث أيضًا بأن في إسناده سعد بن إسحاق. وتعقبه ابن القطان
(1)
بأنه قد وثقه النسائي (2) وابن حبان (2)، انتهى. ووثقه أيضًا يحيى بن معين
(2)
والدارقطني (2) وقال ابن حاتم (2): صالح الحديث. وروى عنه جماعة من أكابر الأئمة، ولم يتكلم فيه بجرح، وغاية ما قاله فيه ابن حزم
(3)
وعبد الحقّ
(4)
: إنَّه غير مشهورٍ، وهذه دعوى باطلةٌ، فإنَّ من يروي عنه مثل سفيان الثوريُّ، وحمَّاد بن زيدٍ، ومالكٌ بن أنسٍ، ويحيى بن سعيدٍ، والدراورديُّ، وابن جريج، والزهريُّ مع كونه أكبر منه، وغير هؤلاء الأئمة كيف يكون غير مشهور.
وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود
(5)
، وفي إسناده عليُّ بن الحسين بن واقد وفيه مقال، ولكنه قد رواهُ النسائيُّ
(6)
من غير طريقه.
قوله: (عن فُرَيْعَة) بضم الفاء وفتح الراء وبعدها تحتية ساكنة ثم عين مهملة، ويقال لها: الفارعة، وهي بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري وشهدت بيعة الرضوان.
وقد استدلَّ بحديثها هذا على أن المتوفى عنها تعتدُّ في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه، ولا تخرج منه إلى غيره، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقد أخرج ذلك عبد الرزاق عن عمر
(7)
وعثمان
(8)
وابن عمر
(9)
، وأخرجه أيضًا سعيد بن منصور عن أكثر أصحاب ابن
= • وابن إسحاق: وهو محمد، صرّح بالتحديث هنا، فانتفت شبهة تدليسه وبقية رجاله ثقات.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 129) وقال: "رواه أحمد، ورجاله ثقات".
(1)
في "بيان الوهم والايهام"(5/ 394 - 395) حيث قال: وعندي أنه ليس كما ذهب إليه، بل الحديث صحيح، فإن سعد بن إسحاق ثقة، وممن وفقه النسائي، وزينب كذلك ثقة
…
"اهـ.
(2)
كما "تهذيب التهذيب"(1/ 690).
(3)
المحلى (10/ 302).
(4)
في الأحكام الوسطى (3/ 226 - 227 - الرشد).
(5)
في السنن (2/ 721).
(6)
في سننه رقم (3544) بسند حسن.
(7)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (12065).
(8)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (12067).
(9)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (12061).
مسعود والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعطاء، وأخرجه حماد عن ابن سيرين.
وإليه ذهب مالك
(1)
وأبو حنيفة
(2)
والشافعي
(3)
وأصحابهم والأوزاعي
(4)
وإسحاق (7) وأبو عبيد (7).
قال ابن عبد البر
(5)
: وقد قال بحديث الفريعة جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر، ولم يطعن فيه أحد منهم.
وقد رويَ جوازُ خروج المتوفَّى عنها للعذر عن جماعة، منهم عمرُ، أخرج عنه ابن أبي
(6)
شيبة: "أنه رخص للمتَوفى عنها أن تأتي أهلها بياض يومها"، وأن زيد بن ثابت
(7)
رخص لها في بياض يومها.
وأخرج عبد الرزاق
(8)
عن ابن عمر أنه كان له ابنة تعتدّ من وفاة زوجها فكانت تأتيهم بالنهار فتحدّث إليهم، فإذا كان بالليل أمرها أن ترجع إلى بيتها.
وأخرج
(9)
أيضًا عن ابن مسعود في نساء نعي إليهنَّ أزواجهنّ وشكينَ الوحشةَ، فقال ابن مسعود: يجتمعنَ بالنهار ثم ترجع كل امرأة منهنَّ إلى بيتها بالليل.
وأخرج سعيد بن منصور عن عليّ أنه جوّز للمسافرة الانتقال. وروى الحجاج بن منهال: "أن امرأةً سألت أمَّ سلمة بأنَّ أباها مريض وأنها في عدّة وفاة فأذنت لها في وسط النهار".
وأخرج الشافعي
(10)
وعبد الرزاق
(11)
عن مجاهد مرسلًا: "أن رجالًا
(1)
عيون المجالس (3/ 1362 - 1363).
(2)
الاختيار (3/ 230).
(3)
روضة الطالبين (8/ 408) والأم (6/ 574 - 575).
(4)
المغني (11/ 290) والتمهيد (11/ 323 - الفاروق).
(5)
في "التمهيد"(11/ 323 - الفاروق).
(6)
في "المصنف"(5/ 187، 188).
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 186 - 187).
(8)
في "المصنف" رقم (12064).
(9)
أي عبد الرزاق في "المصنف" رقم (12068).
(10)
في الأم (6/ 596 رقم 2560).
(11)
في "المصنف" رقم (12077).
إسناده حسن إلا أنه مرسل.
استشهدوا بأُحدٍ، فقال نساؤهم: يا رسول الله إنا نستوحش في بيوتنا أفنبيت عند إحدانا؟ فأذن لهن أن يتحدثن عند إحداهن، فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها".
وحكى في البحر
(1)
عن عليّ وابن عباس، وعائشة، وجابر، والقاسمية، أنه يجوز لها الخروج من موضع عدتها لقوله:{يَتَرَبَّصْنَ}
(2)
ولم يخص مكانًا، والبيان لا يؤخر عن الحاجة.
وعن زيد بن علي
(3)
، والشافعية
(4)
والحنفية
(5)
أنه لا يجوز؛ ثم قال
(6)
: فرع: ولها الخروج نهارًا ولا تبيت إلا في منزلها إجماعًا، انتهى.
وحكايةُ الإِجماعِ راجعةٌ إلى مبيتها في منزلها لا إلى الخروجِ نهارًا فإنَّه محلُّ الخلافِ كما عرفت.
وحديث فريعةَ لم يأت من خالفهُ بما ينتهضُ لمعارضتِهِ، فالتمسكُ به متعين، ولا حجة في أقوال أفراد الصحابة، ومرسل مجاهد لا يصلح للاحتجاج به على فرض انفراده عند من لم يقبل المراسيل مطلقًا.
وأما إذا عارضه مرفوع أصح منه كما في مسألة النزاع فلا يحل التمسك به بإجماع من يعتدّ به من أهل العلم.
وقد استدلَّ بحديث ابن عباس
(7)
المذكور في الباب من قال: إن المتوفى عنها لا تستحقّ السكنى والنفقة والكسوة.
قال الشافعي
(8)
: حفظت عمن أرضى به من أهل العلم أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولًا منسوختان بآية الميراث ولم أعلم مخالفًا في نسخ نفقة المتوفي عنها وكسوتها سنة أو أقل من سنة.
(1)
البحر الزخار (3/ 223).
(2)
سورة البقرة، الآية:(234).
(3)
الاعتصام (3/ 346) والبحر الزخار (3/ 223 - 224).
(4)
البيان للعمراني (11/ 73 - 74) والأم (6/ 597).
(5)
شرح فتح القدير (4/ 309) والاختيار (3/ 230).
(6)
أي الإمام المهدي في البحر الزخار (3/ 224).
(7)
تقدم برقم (2945) من كتابنا هذا.
(8)
في الأم (6/ 565).
ثم قال ما معناه: إنه يحتمل أن يحتمل أن يكون حكم السكنى حكمهما لكونها مذكورة معهما، ويحتمل أنها تجب لها السكنى.
وقال الشافعي
(1)
أيضًا في كتاب العدد: الاختيار لورثة الميت أن يسكنوها، لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث فريعة:"امكثي في بيتك"، وقد ذكرت أنَّه لا بيت لزوجها، يدلّ على وجوب سكونها في بيت زوجها إذا كان له بيت بالطريق الأولى.
وأجيب عن الاستدلال بحديث ابن عباس بأن نسخ بعض المدة إنما يستلزم نسخ نفقة المنسوخ وكسوته وسكناه دون ما لم ينسخ وهو أربعة أشهر وعشر.
وأجيب عن الاستدلال به بحديث فريعة بأنه مخالف للقياس لأنها قالت: "وليس المسكن له ولم يدع نفقة ولا مالًا"، فأمرها بالوقوف فيما لا يملكه زوجها وملك الغير لا يستحق غيره الوقوف فيه فيكون ذلك قضية عين موقوفة.
وقد حكى في البحر
(2)
القول بوجوب نفقة المتوفى عنها عن ابن عمر، والهادي، والقاسم، والناصر، والحسن بن صالح، وعدم الوجوب عن الشافعية
(3)
والحنفية
(4)
ومالك
(5)
والوجوب للحامل لا للحائل، عن علي وابن مسعود وأبي هريرة وشريح وابن أبي ليلى.
وحكى
(6)
أيضًا لقول بوجوب السكنى عن ابن عمر، وأم سلمة [ومالك
(7)
]
(8)
والإمام يحيى، والشافعي
(9)
.
وعدمه عن علي وعمر وابن مسعود وعثمان وعائشة وأبي حنيفة
(10)
وأصحابه.
(1)
في الأم (6/ 576 - 577).
(2)
البحر الزخار (3/ 223).
(3)
البيان للعمراني (11/ 238).
(4)
البناية في شرح الهداية (5/ 531) والاختيار (4/ 245 - 246).
(5)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 121 - 122).
(6)
أي الأمام المهدي في البحر الزخار (3/ 223).
(7)
عيون المجالس (3/ 1362 - 1364).
(8)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).
(9)
البيان للعمراني (3/ 59) والأم (6/ 574) وروضة الطالبين (8/ 408).
(10)
الاختيار (3/ 231). =
وقد أخرج أحمد
(1)
والنسائي
(2)
من حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما النفقة والسُّكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة،، وفي لفظٍ آخر: "إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة؛ فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى"، وسيأتي
(3)
هذا الحديث في باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية، وهو نصَّ في محل النزاع، والقرآن والسنة إنما دلَّا: على أنَّه يجب على المتوفى عنها لزومها لبيتها، وذلك تكليف لها.
وجديث الفريعة إنَّما دل على هذا، فهو واضح في أنَّ السكنى والنفقة [ليستا]
(4)
من تكليف الزوج، ويؤيد هذا: أنَّ الذي في القرآن في سورة الطلاق هو إيجاب النفقة لذات الحمل لا غير، وفي البقرة إيجابها للمطلقات.
وقد خرج من عمومهن البائنة بحديث فاطمة بنت قيس إلا أن تكون حاملًا؛ لذكر ذلك في حديثها كما سيأتي.
وخرجت أيضًا المطلقة قبل الدخول بآية الأحزاب، فخرجت المتوفى عنها
= • قال العمراني في "البيان"(11/ 59): أما المتوفى عنها زوجها: فهل تجبُ لها السُّكنى في مدة عدتها؟ فيه قولان:
(أحدُهما): لا تجب لها السكنى، وبه قال: عليٌّ، وابن عباس، وعائشة، وهو اختيار المزني، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، فذكرَ العِدَّة ولم يذكر السُّكنى، ولو كانتْ واجبةً لذكرها. ولأنها لا تجبُ لها النفقةُ بالإجماعِ، فلم تجب لها السكنى، كما لو وِطئَها بشبهةٍ.
(والثاني): تجبُ لها السكنى، وبه قال عمر، وابن عمر، وابن مسعود، وأمُّ سلمةَ ومن الفقهاء: مالك، والثوري، وأبو حنيفة، وهو الصحيح، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240]، فذكر اللهُ تعالى في هذه الآية أحكامًا؛ (منها): أنَّ المتوفى عنها لا تخرجُ من منزلها، وأنّ العِدَّة حولٌ، وأنَّ لها النفقة والوصيّةَ؛ فنسختِ العِدَّةُ فيما زادَ على أربعةِ أشهرٍ وعشرٍ بالآية الأولى، ونسختِ النفقةُ بآية الميراثِ، وبقيتِ السُّكنى على ظاهرِ الآية، بدليل: ما روي عن فريعةَ بنتِ مالكِ .... الحديث". اهـ.
(1)
في المسند (6/ 373، 374، 412، 416).
(2)
في سننه رقم (3403).
وهو حديث صحيح.
(3)
يأتي برقم (2951) من كتابنا هذا.
(4)
في المخطوط (أ): (ليست).
من ذلك، وكذلك لا سكنى لها، لأنَّ قوله تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}
(1)
وقوله: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}
(2)
في الرجعيات لظاهر السياق كما سيأتي تحقيق ذلك.
إذا تقرر هذا علمت أنه لم يكن في القرآن ما يدل على وجوب النفقة أو السكنى للمتوفى عنها، كما علمت أن السنة قاضية بعدم الوجوب.
وأما حديث الفريعة
(3)
وحديث ابن عباس
(4)
فقد استدل بهما من قال بعدم الوجوب كما استدل بهما من قال بالوجوب لما فيهما من الاحتمال، والمحتمل لا تقوم به الحجة.
وقد أطال صاحب الهدي
(5)
الكلام في هذه المسألة وحرر فيها المذاهب تحريرًا نفيسًا. فمن رام الوقوف على تفاصيلها فليراجعه.
[الباب السادس] باب ما جاءَ في نفقة المبتوتة وسكناها
19/ 2946 - (عَنِ الشعْبِي عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا قَالَ: "لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(6)
وَمُسْلِم
(7)
[صحيح]
وفِي رِوَايَةِ عَنْهَا قَالَتْ: طَلّقَنِي زَوْجِي ثَلاثًا فَلَمْ يَجْعَلْ لِي رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيّ
(8)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةِ عَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: طَلّقَنِي زَوْجِي ثَلاثًا، فأذِنَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أَعْتَدّ فِي أهْلِي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
(9)
. [صحيح]
(1)
سورة الطلاق، الآية:(1).
(2)
سورة الطلاق، الآية:(6).
(3)
تقدم برقم (2944) من كتابنا هذا.
(4)
تقدم برقم (2945) من كتابنا هذا.
(5)
في زاد المعاد (5/ 603 - 615).
(6)
في المسند (6/ 412).
(7)
في صحيحه رقم (44/ 1480).
(8)
أحمد في المسند (6/ 412) ومسلم رقم (51/ 1480) وأبو داود رقم (2288) والترمذي بإثر رقم (1180) والنسائي رقم (3551) وابن ماجه رقم (2035).
(9)
في صحيحه رقم (43/ 1480).
20/ 2947 - (وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أنّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْ إلى فُلَانَةَ بِنْتِ الحَكَمِ طَلّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتّةَ، فَخَرَجَتْ، فَقَالَتْ: بِئْسَمَا صَنَعَتْ؛ فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي إلى قَوْلِ فَاطِمَةَ، فَقَالَتْ: أما إنّهُ لا خَيْرَ لَهَا فِي ذَلِكَ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
[صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ: أن عَائِشَةَ عَابَتْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ: إن فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحْشٍ فَخِيفَ على نَاحِيَتِهَا، فَلِذَلِكَ أرْخَصَ لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(2)
وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
وَابْنُ مَاجَهْ)
(4)
. [صحيح]
21/ 2948 - (وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله زَوْجِي طَلّقَنِي ثَلاثًا وَأَخَافُ أَنْ يَقْتَحِمَ عَلَيَّ، فَأمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(5)
وَالنّسَائيّ)
(6)
. [صحيح]
22/ 2949 - (وَعَنْ الشّعْبِيّ أنّهُ حَدّثَ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ، فَأَخَذَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ كَفًّا مِنْ حَضى فَحَصَبَهُ بِهِ وَقَالَ: ويلَكَ تُحَدّثُ بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالَ عُمَرُ: لا نَتْرُكُ كِتَابَ الله وَسُنّةَ نَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ امْرَأةٍ لا نَدْرِي لَعَلّها حَفِظَتْ أوْ نَسِيَتْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
(7)
. [صحيح]
23/ 2950 - (وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: أَرْسَلَ مَرْوَانُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤيب إلى فَاطِمَةَ، فَسَأَلَهَا فَأخْبَرَتْهُ أنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ أبي حَفْصِ بْنِ المُغِيرَةِ، وَكَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمّرَ عَلَيّ بْنَ أبي طالِب على بَعْضِ الْيَمَنِ فَخَرَجَ مَعَهُ زَوْجُها، فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا، وأمَرَ عَيَّاشَ بْنَ أَبي رَبِيعَةَ وَالْحَارِثِ بْنَ هِشَامٍ أَنْ يُنْفِقَا عَلَيْهَا، فَقَالا: وَالله مَا لَهَا نَفَقَةٌ إلَّا أنْ تَكُونَ حامِلًا، فأتَتِ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"لَا نَفَقَةَ لَكِ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا"، وَاسْتَأذَنَتْهُ فِي الانْتِقَالِ فأذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: أيْنَ أنْتَقِلُ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: "عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ"، وَكَانَ
(1)
أحمد في المسند (6/ 416) والبخاري رقم (5325) ومسلم رقم (54/ 1481).
(2)
في صحيحه رقم (5326).
(3)
في سننه رقم (2292).
(4)
في سننه رقم (2032).
(5)
في صحيحه رقم (53/ 1482).
(6)
في سننه رقم (3547).
(7)
في صحيحه رقم (46/ 1480).
أَعْمَى تَضَعُ ثِيَابَها عِنْدَهُ وَلَا يُبْصِرُهَا، فَلَمْ تَزَلْ هُنَاكَ حَتّى مَضَتْ عِدَّتُها، فأنْكَحَهَا النبِيّ صلى الله عليه وسلم أُسامَة، فَرَجَعَ قَبِيصَةُ إِلى مَرْوَانَ فَأخْبَرَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ نَسْمَعْ هَذَا الحَدِيثَ إِلَّا مِنِ امْرَأَةٍ، فَسَنَأخُذُ بِالْعِصْمَةِ الّتِي وَجَدْنا النَّاسَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ بَلَغَها ذَلِكَ: بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ الله، قَالَ الله:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، حتّى قالَ:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}
(1)
، فأيُّ أمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثلاث؟. رَوَاهُ أحْمَدُ
(2)
وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
وَالنّسَائيُّ
(4)
وَمُسْلِمٌ
(5)
بمَعْنَاهُ). [صحيح]
قوله: (ألم تري إلى فلانةٍ بنت الحكم) اسمها عمرة بنت عبد الرحمن بن الحكم، فهي بنت أخي مروان بن الحكم، ونسبها عروة في هذه الرواية إلى جدها.
قوله: (بئسما صنعت) في رواية للبخاري
(6)
: "بئسما صنع"، أي زوجها في تمكينها من ذلك أو أبوها في موافقتها.
قوله: (أما إنه لا خير لها في ذلك) كأنها تشير إلى أن سبب الإِذن في انتقال فاطمة ما في الرواية الثانية المذكورة من أنها كانت في مكان وحش، أو إلى ما وقع في رواية أبي داود
(7)
: "إنما كان ذلك من سوء الخلق".
قوله: (وحشٍ)
(8)
بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة: أي: مكان لا أنيس به.
وقد استدلَّ بأحاديث الباب من قال: إن المطلقة بائنًا لا تستحقّ على زوجها شيئًا من النفقة والسكنى
(9)
، وقد ذهب إلى ذلك أحمد
(10)
وإسحاق وأبو
(1)
سورة الطلاق، الآية:(1).
(2)
في المسند (6/ 414).
(3)
في سننه رقم (2290).
(4)
في سننه رقم (3552).
(5)
في صحيحه رقم (41/ 1480).
وهو حديث صحيح.
(6)
هذه رواية الكشميهني. فتح الباري (9/ 479).
(7)
في سننه رقم (2294).
وهو حديث ضعيف.
(8)
النهاية (2/ 830).
(9)
الإشراف (4/ 276 - 277).
(10)
المغني (11/ 403).
ثور
(1)
وداود
(2)
وأتباعهم، وحكاه في البحر
(3)
عن ابن عباس والحسن البصري
(4)
وعطاء
(5)
والشعبي (5) وابن أبي ليلى (5) والأوزاعي (5) والإمامية (6)، والقاسم
(6)
.
وذهب الجمهور كما حكى ذلك صاحب الفتح
(7)
عنهم إلى أنه لا نفقة لها، ولها السكنى.
واحتجوا لإثبات السكنى بقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} ، ولإسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(8)
فإنَّ مفهومه: أن غير الحامل لا نفقة لها، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر فائدة.
وذهب عمر بن الخطاب
(9)
وعمر بن عبد العزيز
(10)
، والثوري
(11)
وأهل الكوفة من الحنفية
(12)
وغيرهم والناصر (13) والإمام يحيى
(13)
إلى وجوب النفقة والسكنى.
واستدلوا بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}
(14)
، فإنَّ آخر الآية - وهو النهي عن إخراجهنّ - يدل على وجوب النفقة والسكنى.
ويؤيده قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
(15)
الآية.
(1)
موسوعة فقه الإمام أبي ثور (ص 548).
(2)
المحلى (10/ 282).
(3)
البحر الزخار (3/ 215).
(4)
موسوعة فقه الإمام الحسن البصري (2/ 731).
(5)
حكاه عنهم ابن قدامة في المغني (11/ 403).
(6)
حكاه عنهما الإمام المهدي في البحر الزخار (3/ 215).
(7)
الفتح (9/ 480).
(8)
سورة الطلاق، الآية:(6).
(9)
موسوعة فقه عمر بن الخطاب (ص 825).
(10)
حكاه عنه الإمام المهدي في البحر الزخار (3/ 216).
(11)
موسوعة فقه الإمام الثوري (ص 649).
(12)
الاختيار (4/ 245) والبناية في شرح الهداية (5/ 526 - 527).
(13)
البحر الزخار (3/ 216).
(14)
سورة الطلاق، الآية:(1).
(15)
سورة الطلاق، الآية:(6).
وذهب الهادي
(1)
والمؤيد (1) بالله، وكان في البحر (1) عن أحمد بن حنبل
(2)
إلى أنها تستحق النفقة دون السكنى.
واستدلوا على وجوب النفقة بقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}
(3)
الآية، وبقوله تعالى:{وَلَا تُضَارُّوهُنَّ} (4) وبأنَّ الزوجة المطلقة بائنًا محبوسةٌ بسبب الزوج.
واستدلوا على عدم وجوب السكنى بقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}
(4)
، فإنه أوجب أن تكون حيث الزوج، وذلك لا يكون في البائنة.
وأرجح هذه الأقوال الأوّل لما في الباب من النص الصحيح الصريح، وأما ما قيل من أنّه مخالف للقرآن فوهم، فإنَّ الذي فهمه السلف من قوله تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}
(5)
هو ما فهمته فاطمة من كونه في الرجعية، لقوله في آخر الآية:{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} لأنَّ الأمر الذي يرجى إحداثه هو الرجعة لا سوى، وهو الذي حكاه الطبري
(6)
عن قتادة والحسن والسديِّ والضَحَّاك، ولم يحك عن أحد غيرهم خلافه.
قال في الفتح
(7)
: وحكى غيره: أنَّ المراد بالأمر: ما يأتي من قبل الله تعالى من نسخٍ أو تخصيصٍ، أو نحو ذلك فلم ينحصر، انتهى.
ولو سلم العموم في الآية لكان حديث فاطمة
(8)
المذكور مخصصًا له، وبذلك يظهر أن العمل به ليس بترك للكتاب العزيز، كما قال عمر فيما أخرجه عنه مسلم
(9)
لما أخبر بقول فاطمة المذكور: "لا نترك كتاب ربنا وسنّة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت".
فإن قلت: إنَّ قوله: "وسنّة نبينا" يدل على أنه قد حفظ في ذلك شيئًا من
(1)
البحر الزخار (3/ 215).
(2)
المغني (11/ 403).
(3)
سورة البقرة، الآية:(241).
(4)
سورة الطلاق، الآية:(6).
(5)
سورة الطلاق، الآية:(1).
(6)
جامع البيان (14/ ج 28/ 135 - 136).
(7)
الفتح (9/ 480).
(8)
تقدم رقم (2946) من كتابنا هذا.
(9)
في صحيحه رقم (46/ 1480) وقد تقدم برقم (2949) من كتابنا هذا.
السنّة يخالف قول فاطمة، لما تقرر أن قول الصحابي: من السنة كذا، له حكم الرفع
(1)
.
قلت: صرح الأئمة بأنَّه لم يثبت شيء من السنة يخالف قول فاطمة، وما وقع في بعض الروايات عن عمر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لها السكنى والنفقة"، فقد قال الإمام أحمد
(2)
: لا يصحُّ ذلك عن عمر.
وقال الدَّارقطنيُّ
(3)
: السنة بيد فاطمة قطعًا. وأيضًا تلك الرواية عن عمر من طريق إبراهيم النخعي، ومولده بعد موت عمر بسنتين.
قال العلامة ابن القيم
(4)
: ونحن نشهدُ باللهِ شهادة نُسئلُ عنها إذا لقيناه، أن هذا كذبٌ على عُمَرَ، وكذب على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن لا يَحْمِلَ الإنسانَ فرطُ الانتصارِ للمذاهب والتعصب على معارضة السنن النبوية الصريحة الصحيحة بالكذب البحت، فلو يكونُ هذا عند عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم لَخَرِسَت فاطمة وذووها، ولم [ينبزوا]
(5)
بكلمةٍ، ولا دعت فاطمة إلى المناظرة"، انتهى.
فإن قلت: إنَّ ذلك القول من عمر يتضمن الطعن علي رواية فاطمة لقوله: "لقول امرأؤ لا ندري أحفظت أم نسيت".
قلت: هذا مطعنٌ باطلٌ بإجماع المسلمين للقطع بأنَّه لم ينقل عن أحد من العلماء: أنَّه ردَّ خبر المرأة لكونها امرأة، فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول على امرأةٍ واحدةٍ من الصحابة، وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة، ولو ينقل أيضًا عن أحد من المسلمين: أنَّه يردّ الخبر بمجرَّد تجويز نسيان ناقله، ولو كان ذلك مما يقدح به لم يبق حديث من الأحاديث النبوية إلا وكان مقدوحًا فيه.
لأنَّ تجويز النسيان لا يسلم منه أحدٌ، فيكون ذلك مفضيًا إلى تعطيل السنن
(1)
انظر: "إرشاد الفحول"(ص 233) بتحقيقي. والبحر المحيط (4/ 378).
(2)
حكاه عنه ابن القيم في "زاد المعاد"(5/ 479).
(3)
حكاه عنه ابن القيم في "زاد المعاد"(5/ 479 - 480).
(4)
في "زاد المعاد"(5/ 480).
(5)
في "زاد المعاد": [يَنْبِسوا]، والمثبت من (أ)، (ب).
بأسرها، مع كون فاطمة المذكورة من المشهورات بالحفظ كما يدل على ذلك حديثها الطويل في شأن الدَّجال، ولم تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرّة واحدة يخطب به على المنبر، فوعته جميعه
(1)
، فكيف يظنُّ بها أن تحفظ مثل هذا وتنسى أمرًا متعلقًا بها مقترنًا بفراق زوجها وخروجها من بيته، واحتمال النسيان أمرٌ، مشترك بينها وبين من اعترض عليها.
فإنَّ عمر قد نسي تيمم الجنب وذكّره عمَّار فلم يذكر
(2)
، ونسي قوله تعالى:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}
(3)
حتى ذكرته امرأة
(4)
، ونسي:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)}
(5)
حتى سمع أبا بكر يتلوها
(6)
، وهكذا يقال في إنكار عائشة
(7)
، وهكذا قول مروان
(8)
: سنأخذ
(1)
أخرجه بطوله مسلم رقم (2942).
(2)
أخرج الحديث البخاري رقم (347) ومسلم رقم (110/ 368).
(3)
سورة النساء، الآية:(20).
(4)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 233) بسند ضعيف منقطع.
وله طريق آخر عند عبد الرزاق في "المصنف" رقم (10420) عن قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي، به.
وإسناده ضعيف منقطع أيضًا.
وتقدم الكلام على هذا الأثر.
(5)
سورة الزمر، الآية:(30).
(6)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 219 - 220) مطولًا. وأخرجه مقطعًا ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 232 - 233، 261، 265، 267 - 268)، وأخرجه أبو يعلى مطولًا برقم (4962) من طريق عَوْبَدٌ بن أبي عمران، عن أبيه، به.
وأخرجه بتمامه ومختصرًا أبو داود رقم (2137) والبيهقي (7/ 298 - 299) وفي "الدلائل"(7/ 213 - 215) من طريق مرحوم بن عبد العزيز عن أبي عمران الجوني به.
وهو حديث حسن، والله أعلم.
(7)
أخرج البخاري رقم (5323 و 5324) ومسلم رقم (54/ 1481) عن عائشة أنها قالت: "ما لفاطمةَ خيرٌ أن تذكُرَ هذا. قال: تعني قولها: لا سكنى ولا نفقة".
وانظر: صحيح مسلم رقم (41/ 1480) وصحيح البخاري رقم (5325)، (5326).
(8)
أخرج مسلم في صحيحه رقم (41/ 1480) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبةَ أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرَج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن؛ فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيسٍ بتطليقةٍ كانت بقيت من طلاقها. وأمرَ لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقةٍ فقالا لها: والله ما لكِ نفقة إلا أن تكوني حاملًا، فأتتِ النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له قولهما فقالا:"لا نفقة لكِ" فاستأذنته في الانتقالِ فأذن لها. فقالت: أينَ؟ يا رسول اللهِ =
بالعصمة، وهكذا إنكار الأسود بن يزيد عن الشعبي
(1)
لما سمعه يحدّث بذلك، ولم يقل أحد منهم: إن فاطمة كذبت في خبرها. وأما دعوى أن سبب خروجها كان لفحش في لسانها كما قال مروان لما حدّث بحديثها: "إن كان بكم شرّ فحسبكم ما بين هذين من الشرّ"، يعني أن خروج فاطمة كان لشرّ في لسانها
(2)
، فمع كون مروان ليس من أهل الانتقاد على أجلاء الصحابة والطعن فيهم، فقد أعاذ الله فاطمة عن ذلك الفحش الذي رماها به، فإنها من خيرة نساء الصحابة فضلًا وعلمًا، ومن المهاجرات الأولات، ولهذا ارتضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبه
= فقال: "إلى ابن أم مكتوم" وكان أعمى، تضع ثيابها عنده ولا يراها، فلما مضت عدتها أنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامةَ بن زيدٍ، فأرسل إليها مروانُ قبيصةَ بنَ ذويب يسألُها عن الحديث فحدثتهُ به، فقال مروان: إن لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأةٍ، سنأخذُ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها، فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان: فبيني وبينكم القرآنُ؛ قال الله عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الآية. قالت: هذا لمن كانت له مراجعة؛ فأي أمرٍ يُحدثُ بعد الثلاثِ؟ فكيف تقولون: لا نفقة لها إذا لم تكن حاملًا؟ فعلام تحبسونها؟ ".
(1)
أخرج النسائي في سننه رقم (3549): عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت: طلقني زوجي فأردتُ النقلَةَ فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: "فقال انتقلي إلى بيت ابن عمك عمرو بن أم مكتوم فاعتدي فيه"، فحصبه الأسودُ وقال: ويلكَ لِمَ تُفتي بمثل هذا، قال عمر: إن جئتِ بشاهدين يشهدانِ أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1].
وهو حديث صحيح.
(2)
قال ابن القيم في "زاد المعاد"(5/ 479): "وأما المطعن الثالث: وهو خروجها لم يكن إلا لفحش من لسانها، فما أبردَه من تأويل وأسمجَه، فإن المرأة من خيار الصحابة رضي الله عنهم وفضلائهم، ومن المهاجرات الأُوَل، وممن لا يحملها رِقةُ الدين وقلة التقوى على فُحش يُوجب إخراجها من دارها، وأن يمنع حقها الذي جعله الله لها، ونهى عن إضاعة المال، فيا عجبًا! كيف لم يُنْكِرْ عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الفحش؟ ويقول لها: اتقي الله، وكُفِّي لسانَك عن أذى أهل زوجك، واستقري في مسكنك؟ وكيفَ يَعْدِلُ عن هذا إلى قوله: "لا نفقة لك ولا سكنى" إلى قوله: "إنما السُّكنى والنفقةُ للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعةٌ؟!! " فيا عجبًا! كيف يُترك هذا المانع الصريح الذي خرج من بين شفتي النبي صلى الله عليه وسلم، ويُعلل بأمرٍ موهوم لم يعلل به رسول الله صلى الله عليه وسلم البتة، ولا أشار إليه، ولا نبّه عليه؟ هذا من المحال البيّن. ثم لو كانت فاحشة اللسان وقد أعاذها اللهُ من ذلك، لقال لها النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعتْ وأطاعتْ: كفي لِسانَك حتى تنقضي عِدّتُك، وكان من دونها يسمع ويطيع لئلا تخرج من سكنه". اهـ.
وابن حبه أسامة، وممن لا يحملها رقة الدين على فحش اللسان الموجب لإخراجها من دارها، ولو صحّ شيء من ذلك لكان أحقّ الناس بإنكار ذلك عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملًا) فيه دليل: على وجوب النفقة للمطلقة بائنًا إذا كانت حاملًا
(1)
.
ويدلّ بمفهومه على أنها لا تجب لغيرها ممن كان على صفتها في البينونة، فلا يرد ما قيل: إنه يدخل تحت هذا المفهوم المطلقة الرجعية إذا لم تكن حاملًا، ولو سلم الدخول لكان الإجماع على وجوب نفقة الرجعية مطلقًا مخصصًا لعموم ذلك المفهوم.
قوله: (واستأذنته في الانتقال فأذن لها) فيه دليل: على أنه يجوز للمطلقة بائنًا الانتقال من المنزل الذي وقع عليها الطلاق البائن وهي فيه
(2)
، فيكون مخصصًا لعموم قوله تعالى:{وَلَا يَخْرُجْنَ}
(3)
كما خصص ذلك حديث جابر المتقدم
(4)
في باب ما تجتنب الحادّة. ولا يعارض هذا حديث الفريعة المتقدم
(5)
؛ لأنه في عدة الوفاة، وقد قدمنا الخلاف في جواز الخروج وعدمه للمطلقة بائنًا.
[الباب السابع] باب النفقة والسُّكنى للمعتدَّة الرَّجعية
24/ 2951 - (عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: أتَيْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إن زَوْجِي فُلانًا أَرْسَلَ إليَّ بِطَلَاقٍ، وَإِنِّي سألْتُ أَهْلَهُ النّفَقَةَ والسُّكْنَى فأبَوْا عَليَّ، قالُوا: يا رَسولَ الله إنَّهُ أرْسَلَ إِلَيْهَا بِثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا النّفَقَةُ وَالسكْنَى لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(6)
وَالنّسَائيُّ
(7)
. [صحيح]
(1)
المغني (11/ 402) والبيان للعمراني (11/ 230، 233).
(2)
المغني (11/ 302، 303) والبيان للعمراني (11/ 58، 60 - 61).
(3)
سورة الطلاق، الآية:(1).
(4)
تقدم برقم (2942) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم برقم (2944) من كتابنا هذا.
(6)
في المسند (6/ 416).
(7)
في سننه رقم (3403).
وَفِي لَفْظٍ: "إنّمَا النّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ على زَوْجِها ما كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، فإذَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
. [صحيح لغيره]
الحديث تفرّد برفعه مجالد بن سعيد وهو ضعيف كما بينه الخطيب في المدرج
(2)
. وقد تابعه في رفعه بعض الرواة.
قال في الفتح
(3)
: ولكنه أضعف من مجالد، وهو في أكثر الروايات موقوف عليها، والرفع زيادة يتعين قبولها كما بيناه في غير موضع، ورواية الضعيف مع الضعيف توجب الارتفاع عن درجة السقوط إلى درجة الاعتبار.
والحديث يدلّ بمنطوقه على وجوب النفقة والسكنى على الزوج للمطلقة رجعيًا، وهو مجمع عليه
(4)
، ويدلّ بمفهومه على عدم وجوبهما لمن عداها إلا إذا كانت حاملًا لما تقدّم في الباب الأوّل، وقد قدمنا تحقيق ذلك فلا نعيده.
[الباب الثامن] باب استبراءِ الأمة إِذا مُلكت
25/ 2952 - (عَنْ أَبي سَعِيدٍ أنَّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ: "لا تُوْطأُ حامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتّى تَحِيضَ حَيْضَةً"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(5)
وَأَبُو دَاوُدَ)
(6)
. [صحيح لغيره]
(1)
في المسند (6/ 373).
وهو حديث صحيح.
(2)
"الفصل للوصل المدرج في النقل"(2/ 929 - 932 رقم 108).
(3)
في الفتح (9/ 480).
(4)
الإشراف (4/ 276).
(5)
في المسند (3/ 28، 62، 87).
(6)
في سننه رقم (2157).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 171) والحاكم (2/ 195) والبيهقي (7/ 449) والبغوي في شرح السنة رقم (2394).
وصححه الحاكم على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبي.
وقال المنذري: في إسناده شريك القاضي.
والخلاصة: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
26/ 2953 - (وَعَنْ أبي الدَّرْدَاءِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ أتى على امْرَأَةٍ مُجِحٍّ على بابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ: "لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمّ بِها؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ ألعَنَهُ لَعْنَةً تَدخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُه وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُه وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ "، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَمُسْلِمٌ
(2)
وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
. [صحيح]
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ
(4)
وَقَالَ: "كَيْفَ يُوَرِّثَهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ وَكَيْفَ يَسْتَرِقُّهُ وَهُوَ لَا يحِلُّ لَهُ؟ ". [صحيح]
وَالْمُجِحُّ: هِيَ الحامِلُ المُقْرَبُ).
حديث أبي سعيد أخرجه أيضًا لحاكم وصححه
(5)
، وإسناده حسن.
وهو عند الدارقطني
(6)
من حديث ابن عباس وأعلّ بالإرسال.
وعند الطبراني
(7)
من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف.
(1)
في المسند (5/ 195).
(2)
في صحيحه رقم (139/ 1441).
(3)
في سننه رقم (2156).
وهو حديث صحيح.
(4)
في المسند رقم (977).
وهو حديث صحيح.
(5)
في المستدرك (2/ 195) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي.
(6)
في سننه (3/ 257 رقم 50).
قلت: وأخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (479).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 4) وقال: ورجاله ثقات.
وأخرجه النسائي رقم (4645) وأبو يعلى رقم (2414) و (2491) والدارقطني (3/ 68 - 69 رقم 260) والحاكم (2/ 137) من طريقين عن مجاهد عن ابن عباس قال: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المغانم حتى تُقسم، وعن الحبالى أن يوطأن حتى يضعن ما في بطونهن، وعن لحم كل ذي ناب من السباع".
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(7)
في الأوسط رقم (2974) وفي الصغير (1/ 95).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 7) وقال: "فيه بقية، والحجاج بن أرطاة وكلاهما مدلس".
وأخرج الترمذي
(1)
من حديث العرباض بن سارية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهنّ".
وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة
(2)
من حديث علي بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة"، وفي إسناده ضعف وانقطاع.
قوله: (أوطاس)
(3)
هو واد في ديار هَوازِنَ.
قال القاضي عياض
(4)
: وهو موضع الحرب بحنين، وبه قال بعض أهل [السير
(5)
]
(6)
.
قال الحافظ
(7)
: والراجح أن وادي أوطاس غير وادي حنين، وهو ظاهر كلام ابن إسحاق في السيرة.
قوله: (مجح)
(8)
بضم الميم ثم جيمٌ مكسورةٌ ثم حاءٌ مهملةٌ: وهي الحامل التي قد قاربت الولادة على ما فسره المصنف.
والحديثان يدلان على أنه يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبية إذا كانت حاملًا حتى تضع حملها.
والحديث الأوّل منهما يدلّ أيضًا على أنه يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبية إذا كانت حائلًا حتى تستبرأ بحيضة.
وقد ذهب إلى ذلك العترة
(9)
والشافعية
(10)
والحنفية
(11)
والثوري
(12)
(1)
في سننه رقم (1564) وقال: حديث غريب.
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(2)
في "المصنف"(4/ 370) بسند ضعيف.
(3)
قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان"(1/ 281): "أوطاس: وادٍ في ديار هوازن، فيه كانت وقعة حُنين للنبي صلى الله عليه وسلم ببني هوازن".
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(8/ 42).
(5)
السيرة النبوية (4/ 114) لابن هشام.
(6)
في المخطوط (ب): (السيرة).
(7)
في "الفتح"(8/ 42).
(8)
النهاية (1/ 236) والفائق (1/ 190).
(9)
البحر الزخار (3/ 138).
(10)
روضة الطالبين (8/ 427) والبيان للعمراني (11/ 224).
(11)
المبسوط للسرخسي (6/ 57).
(12)
موسوعة فقه الإمام الثوري (ص 138).
والنخعي
(1)
ومالك
(2)
، وظاهر قوله:"ولا غير حامل" أنه يجب الاستبراء للبكر.
ويؤيده القياس على العدّة فإنها تجب مع العلم ببراءة الرحم.
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الاستبراء إنما يجب في حقّ من لم تعلم براءة رحمها، وأمَّا من علمت براءة رحمها فلا استبراء في حقِّها.
وقد روى عبد الرزاق
(3)
عن ابن عمر: أنَّه قال: إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء وهو في صحيح البخاري
(4)
عنه، وسيأتي
(5)
.
ويؤيد هذا حديث رويفع الآتي
(6)
فإن قوله فيه: "فلا ينكحن ثيبًا من السبايا حتى تحيض" يرشد إلى ذلك.
ويؤيده أيضًا حديث عليٍّ الآتي
(7)
قريبًا فيكون هذا مخصصًا لعموم قوله: "ولا غير حامل" أو مقيدًا له. وقد روي ذلك عن مالك.
قال [المازري
(8)
]
(9)
من المالكية: القول الجامع في ذلك: أن كل أمة أمن عليها الحمل فلا يلزم فيها الاستبراء، وكل من غلب على الظن أنها حامل أو شك في حملها أو تردّد فيه فالاستبراء لازم فيها، وكل من غلب على الظنّ براءة رحمها لكنه يجوز حصوله فإن المذهب فيه على وجهين في ثبوت الاستبراء وسقوطه.
ومن القائلين بأنَّ الاستبراء إنما هو للعلم ببراءة الرحم فحيث تعلم البراءة لا يجب، وحيث لا يعلم ولا يظن يجب: أبو العباس بن سريج
(10)
، وأبو
(1)
موسوعة فقه الإمام النخعي (1/ 273).
(2)
عيون المجالس (3/ 1373 رقم 959) ومواهب الجليل (5/ 515 - 516).
(3)
في "المصنف" رقم (12906).
(4)
في صحيحه (4/ 423 - مع الفتح) معلقًا. ووصله البيهقي (7/ 450).
وصححه الألباني في الإرواء (7/ 214 رقم 2139).
(5)
تحت رقم (2955) من كتابنا هذا.
(6)
برقم (2955) من كتابنا هذا.
(7)
تحت رقم (2955) من كتابنا هذا.
(8)
في "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 104).
(9)
في المخطوط (أ): (المازني).
(10)
الإمام الكبير المشهور أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج، البغدادي شيخ المذهب، وإمام الأصحاب ومقدمهم بعد الذين صحبوا الشافعي، وعن ابن سريج انتشر فقه الشافعي في أكثر الآفاق. =
العباس بن تيمية
(1)
، وابن القيم
(2)
، ورجحه جماعة من المتأخرين منهم الجلال
(3)
والمقبلي
(4)
والمغربي
(5)
والأمير
(6)
، وهو الحقّ لأن العلة معقولة، فإذا لم توجد المئنة؛ كالحمل، ولا المظنة؛ كالمرأة المزوّجة فلا وجه لإيجاب الاستبراء.
والقول بأن الاستبراء تعبدي وأنه يجب في حقّ الصغيرة، وكذا في حق البكر والآيسة ليس عليه دليل.
27/ 2954 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَقَعَنَّ رَجُلٌ على امْرأةٍ وَحَمْلُها لغَيْرِهِ"، رَوَاه أحْمَد
(7)
[إسناده ضعيف]
28/ 2955 - (وَعَنْ رُويفعٍ بن ثابِتٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يَسْقِي ماءَه وَلَدَ غَيْرِهِ"، رَواهُ أحْمَدُ
(8)
والتِّرْمِذِيُّ
(9)
وأبُو دَاوِدَ
(10)
، وَزَادَ:"مَنْ كانَ يُؤْمنُ بالله وَاليَوْمِ الآخرِ فَلا يَقَعُ على امْرأةٍ منَ السّبْيِ حتّى يَسْتَبْرِئَها". [حسن]
وفِي لَفْظٍ: "مَنْ كانَ يُؤْمِ بالله واليَوْمِ الآخرِ فَلا يَنْكحَنَّ ثَيِّبًا منَ السّبايا حتّى
= وكان حاضر الجواب، سريع البديهة، له نظم حسن، ومؤلفات بلغت أربعمائة مؤلف.
[طبقات السبكي 3/ 21 تاريخ بغداد 4/ 287 شذرات الذهب 2/ 247 النجوم الزاهرة 1/ 194].
(1)
تيسير الفقه الجامع للاختيارات الفقهية لابن تيمية (2/ 850 - 854).
(2)
زاد المعاد (5/ 655 - 656).
(3)
في ضوء النهار (3/ 866).
(4)
المنار (1/ 512).
(5)
البدر التمام (4/ 217).
(6)
سبل السلام (6/ 252) بتحقيقي.
(7)
في المسند (2/ 368).
قلت: وأخرجه في الأوسط رقم (2974) وفي الصغير (1/ 95).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 7) وقال: "فيه بقية، والحجاج بن أرطأة وكلاهما مدلس".
(8)
في المسند (4/ 108).
(9)
في سننه رقم (1131) وقال: هذا حديث حسن.
(10)
في سننه رقم (2158).
وهو حديث حسن.
تَحيضَ"، رَوَاه أحْمَدُ
(1)
. [صحيح لغيره]
وَمَفْهُومُهُ أن البكْرَ لا تُسْتَبْرأُ.
وَقالَ ابْنُ عُمَرَ: إذَا وُهِبَتِ الوَليدَةُ الّتي تُوْطَأُ أوْ بِيعَتْ أوْ أُعْتِقَتْ فَلْتُسْتَبْرَأ بِحَيْضَةٍ، ولَا تُسْتَبْرأُ العَذْرَاءُ، حَكَاهُ البُخارِيُّ فِي صحِيحِهِ
(2)
. [صحيح]
وَقَدْ جاءَ فِي حَدِيثٍ عَنْ عَلي ما الظّاهِرُ حَمْلُهُ على مِثْلِ ذلكَ، فَرَوَى بُرَيْدَةُ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا إلى خالِدٍ، يَعْنِي إلى اليَمَنِ لِيَقْبِضَ الخُمُسِ، فاصطفى عَلِيٌّ مِنْهُ سبيّةً فأصْبَحَ وَقَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ لخالِدٍ: ألا تَرَى إلى هَذَا؟ وكُنْتُ أبْغُضُ عَلِيًّا؟ فَلَقا قَدمْنا على النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرْتُ لَهُ ذلك، فَقال:"يا بُرَيْدَةُ أتبْغُضُ عَلِيًّا؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقالَ:"لا تَبْغُضْهُ فإن لَهُ فِي الخُمُس أكثَرَ مِنْ ذلكَ" رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
وَالبُخاريُّ
(4)
. [صحيح]
وفِي روَايَة قالَ: أبْغَضْتُ عَلِيًّا بُغْضًا لَمْ أبْغضْهُ أحَدًا، وأحْبَبْتُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ لَمْ أُحْبِبْهُ إلَّا على بُغْضه عَلِيًّا، قالَ: فَبَعَثَ ذلكَ الرَّجُلَ على خَيْلٍ فَصَحِبْتُهُ فأصَبْنا سَبايا، قالَ: فَكَتَبَ إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: ابْعَثْ إلَيْنا مَنْ يُخَمِّسُهُ، قالَ: فَبَعَثَ إلَيْنا عَلِيًّا، وفِي السّبْيِ وَصيفَةٌ؛ هِيَ مِنْ أفْضَل السّبْيِ، قالَ: فَخَمّسَ وَقَسَمَ، فَخَرَجَ وَرأسُهُ يَقْطُرُ، فَقُلْنا: يا أبا الحَسَن ما هَذَا؟ قالَ: ألَمْ تَرَوْا إلى الوَصيفَة التي كانَتْ فِي السّبْيِ فإنّي قَسَمْتُ وخَمَّسْتُ فَصَارَتْ فِي الخُمْس، ثُمَّ صَارَتْ فِي أهْل بَيْتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ صَارَتْ فِي آلِ عَلِيّ وَوَقَعْتُ بِهَا، قالَ: فَكَتَبَ الرَّجُلُ إلى
(1)
في المسند (4/ 109) إسناده ضعيف لإبهام الراوي عن حنش الصنعاني.
وهو حديث صحيح لغيره.
(2)
في صحيحه (4/ 423 - مع الفتح) معلقًا.
ووصله البيهقي (7/ 450)، وصححه الألباني في الإرواء رقم (2139).
(3)
في المسند (5/ 359).
(4)
في صحيحه رقم (4350).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 342) وفي "الدلائل"(5/ 396 - 397).
وهو حديث صحيح.
نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: ابْعَثْنِي، فَبَعَثَنِي مُصَدِّقًا، فَجَعَلْتُ أقْرأُ الكِتابَ وأقُولُ: صَدَقَ، قالَ: فَأمْسَكَ يَدَيَّ وَالكِتابَ وَقالَ: "أتبْغُضُ عَلِيًّا؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، قالَ:"فَلا تَبْغضْهُ، وَإنْ كُنْتَ تُحِبُّهُ فازْدَدْ لَهُ حُبًّا، فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَنَصِيبُ آلِ عَلِيّ فِي الخُمُسِ أفْضَلُ مِنْ وَصيفَةٍ"، قالَ: فَمَا كانَ مِنَ النّاسِ أحَدٌ بَعْدَ قَوْلِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أحَبُّ إليَّ مِنْ عَليّ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
. [صحيح]
وَفيهِ بَيانُ أنَّ بَعْضَ الشُّرَكاءِ يَصِحّ تَوْكِيلُهُ فِي قِسْمَةِ مالِ الشّرِكَةِ، وَالمُرَادُ بآلِ عَلِي عَليٍّ، نَفْسُهُ).
حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا الطبراني
(2)
وإسناده ضعيف كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
قال في "مجمع الزوائد"
(3)
: في إسناده بقية والحجاج بن أرطأة وكلاهما مدلس، اهـ.
ولكنه يشهد لصحته حديث رويفع المذكور بعده والأحاديث المذكورة قبله.
وحديث رويفع أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة
(4)
والدارمي
(5)
والطبراني
(6)
والبيهقي
(7)
والضياء المقدسي
(8)
وابن حبان
(9)
وصححه والبزار
(10)
وحسنه، واللفظ الآخر أخرجه أيضًا الطحاوي
(11)
.
(1)
في المسند (5/ 351) بسند حسن.
قلت: وأخرجه حميد بن زنجويه في الأموال (1244) والنسائي في "الخصائص"(97) والطحاوي في مشكل الآثار (3051).
وهو حديث صحيح.
(2)
في الأوسط رقم (2974) وفي الصغير (1/ 95) وقد تقدم.
(3)
"مجمع الزوائد"(5/ 7).
(4)
في "المصنف"(14/ 465).
(5)
في المسند (2/ 227).
(6)
في المعجم الكبير (ج 5 رقم 4482).
(7)
في السنن الكبرى (7/ 449).
(8)
لم أقف عليه في الأجزاء المطبوعة.
(9)
في صحيحه رقم (4850).
(10)
في المسند رقم (2314).
وهو حديث حسن.
(11)
في شرح معاني الآثار (4/ 252) وفي شرح مشكل الآثار (3/ 251).
وفي الباب عن ابن عباس عند الحاكم
(1)
: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن بيع المغانم حتى تقسم وقال: "لا تسق ماءك زرع غيرك"، وأصله في النسائي
(2)
.
وعن رجل من الأنصار عند أبي داود
(3)
قال: "تزوّجت امرأة بكرًا في سترها، فدخلت عليها فإذا هي حبلى
…
" فذكر الحديث، قال: ففرّق النبيّ صلى الله عليه وسلم بينهما.
وقد استدلّ من قال بوجوب الاستبراء للمسبية - إذا كانت حاملًا أو حائلًا يجوز عليها الحمل فقط لا مع عدم التجويز كالبكر والصغيرة - بحديث أبي هريرة
(4)
ورويفع
(5)
المذكورين. وقد تقدم الكلام على ذلك.
واستدلّ بالأثر المذكور عن ابن عمر
(6)
من قال بوجوب الاستبراء على واهب الأمة وبائعها.
وقد حكى ذلك في البحر
(7)
عن الهادي والناصر، والنخعي
(8)
والثوري
(9)
ومالك
(10)
. ولم يفرّقوا بين أن يكون البائع أو الواهب رجلًا أو امرأة، وبين كون المبيعة بكرًا أو ثيبًا، صغيرة أو كبيرة.
(1)
في المستدرك (2/ 56، 137) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي.
(2)
في سنته رقم (4645).
وهو حديث صحيح.
(3)
في سننه رقم (2131، 2132).
وهو حديث ضعيف.
(4)
تقدم برقم (2954) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم برقم (2955) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم تحت رقم (2955) من كتابنا هذا.
(7)
البحر الزخار (3/ 138) والاعتصام (3/ 291).
(8)
موسوعة فقه الإمام النخعي (1/ 273).
(9)
موسوعة فقه الإمام الثوري (ص 139 - 140).
(10)
عيون المجالس (3/ 1373 - 1374) ومواهب الجليل (5/ 523).
وقال الشافعي
(1)
والمؤيد بالله
(2)
، وزيد
(3)
بن عليّ، والإمام يحيى
(4)
: لا يجب.
وقال أبو حنيفة: يستحبّ فقط.
استدل القائلون بالوجوب بالقياس على عدة الزوجة بجامع ملك الوطء فلا يملكه غيره إلا بعد الاستبراء.
وأجيب بالفرق بين الأصل والفرع بوجوه:
(أحدها): أن العدة إنما تكون بعد الطلاق. وهذا الاستبراء قبل البيع.
(ومنها): تنافي أحكام الملك والنكاح، وإلا لزم أن لا يصح الجمع بين الأختين في الملك قياسًا على عدم صحة النكاح.
(ومنها): أن العدّة إنما تجب على المرأة لا على الزوج.
(ومنها): أن العدّة إنما تجب على الزوجة بعد الدخول أو الخلوة، ويجب الاستبراء عندهم في الأمة مطلقًا.
فالحقّ أن مثل هذا القياس المبني على غير أساس لا يصلح لإثبات تكليف شرعي على جميع الناس.
وكما وأنه لا وجه للإيجاب لا وجه للاستحباب لأن لكل واحد منهما حكم شرعي.
والبراءة الأصلية مستصحبة حتى ينقل عنها ناقل صحيح. وليس في كلام ابن عمر المذكور ما يدلّ على أن الاستبراء على البائع ونحوه، بل ظاهره أنه على المشتري. لو سلم فليس في كلامه حجة على أحد.
واختلف في وجوب الاستبراء على المشتري والمتهب ونحوهما.
(1)
البيان للعمراني (11/ 123).
(2)
البحر الزخار (3/ 138).
(3)
الاعتصام (5/ 523).
(4)
البحر الزخار (3/ 139).
فذهب الجمهور
(1)
إلى الوجوب، واحتجوا بالقياس على المسبية بجامع تجدّد الملك في الأصل والفرع.
وذهب داود
(2)
والبتي
(3)
إلى أنه لا يجب الاستبراء في غير السبي.
أما داود فلأنه لا يقول بثبوت الحكم الشرعي بمجرّد القياس.
وأما البتي فلأنه جعل تجدّد الملك بالشراء والهبة كابتداء النكاح وهو لا يجب على من تزوّج امرأة أن يستبرئها بعد العقد.
وردّ بالفرق بين النكاح والملك. فإنّ النكاح لا يقتضي ملك الرقبة، كذا في البحر
(4)
.
ولا يخفى أن ملك الرقبة مما لا دخل له في محلّ النزاع فلا يقدح به في القياس.
واستدلّ في البحر للجمهور بقول عليّ: "من اشترى جارية فلا يقربها حتى تستبرأ بحيضة"
(5)
، قال: ولم يظهر خلافه، وقد عرّفناك غير مرّة أن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يدلّ على الموافقة لعدم وجوب الإنكار فيها على المخالف.
والأولى التَّعويلُ في الاستدلال للموجبين على عموم حديث رويفع
(6)
وأبي هريرة
(7)
، فإن ظاهرهما شاملٌ للمسبية والمستبرأة ونحوهما، والتصريح في آخر الحديث بقوله:"فلا ينكحنَّ ثيبًا من السبايا" ليس من باب التقييد للمطلق أو التخصيص للعامّ، بل من التنصيص على بعض أفراد العام.
(1)
المغني (11/ 281 - 282).
(2)
المحلى (10/ 315).
(3)
كما في المغني (11/ 275).
(4)
البحر الزخار (3/ 139).
(5)
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 224 - 225): "عن علي قال: تستبرئ الأمة بحيضة".
(6)
تقدم برقم (2955) من كتابنا هذا.
(7)
تقدم برقم (2954) من كتابنا هذا.
ويمكن أن يقال: إن قوله في الحديث: "من السبايا" مفهوم
(1)
صفة فلا يكون من التنصيص المذكور إلا عند من لم يعملَ به، وأوضح من ذلك حديث أبي سعيد
(2)
المتقدم، فإن قوله:"لا توطأ حاملٌ حتى تضع، ولا غير حاملٍ حتى تحيض حيضة" يشمل المستبرأة ونحوها، وكون السبب في ذلك سبايا أوطاس لا يدلّ على قصر اللفظ العامِّ عليهنَّ لما تقرَّر أن العبرة بعموم اللفظ (3) لا بخصوص السبب، فيكون ذلك عامًا لكلِّ من لم يجوِّز خلوَّ رحمها، لا من كان رحمها خاليًا بيقين كالصغيرة والبكر كما تقدم تحقيق ذلك.
وظاهر حديث رويفع
(3)
وما قبله أنه لا فرق بين الحامل من زنا وغيرها فيجب استبراء الأمة التي كانت قبل ثبوت الملك عليها تزني؛ إن كانت حاملًا فبالوضع، وإن كانت غير حامل فبحيضة، ويؤيد هذا حديث الرجل من الأنصار
(4)
الذي ذكرناه في أوّل الباب.
قوله: (فاصطفى عليٌّ منه سبية
…
إلخ) يمكن حمل هذا على أنَّ السبية التي أصابها كانت بكرًا أو صغيرة أو كان قد مضى عليها من بعد السبي مقدار مدة الاستبراء لأنها قد دخلت في ملك المسلمين من وقت السبي، والمصير إلى مثل هذا متعين للجمع بينه وبين الأحاديث المذكورة في الباب.
وظاهر هذا الحديث وسائر أحاديث الباب أنه لا يشترط في جواز وطء المسبية الإسلام، ولو كان شرطًا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبينه، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك وقتها، ولا سيما وفي المسلمين في يوم حنين وغيره من هو حديث عهد بالإسلام يخفى عليهم مثل هذا الحكم وتجويز حصول الإسلام من جميع السبايا وهنَّ في غاية الكثرة بعيد جدًّا، فإن إسلام مثل عدد المسبيات في أوطاس دفعة واحدة من غير إكراه لا يقول بأنه يصحّ
(1)
تقدم، وانظر:"إرشاد الفحول"(ص 596) بتحقيقي، والبحر المحيط (4/ 31).
(2)
تقدم برقم (2952) من كتابنا هذا.
(3)
انظر: "إرشاد الفحول"(ص 454) بتحقيقي والبحر المحيط (3/ 196) والمسودة لآل تيمية (ص 133).
(4)
تقدم تحت رقم (2955) من كتابنا هذا.
تجويزه عاقل، ومن أعظم المؤيدات لبقاء المسبيات على دينهنّ ما ثبت من ردّه صلى الله عليه وسلم لهن بعد أن جاء إليه جماعة من هوازن وسألوه أن يردّ إليهم ما أخذ عليهم من الغنيمة، فردّ إليهم السبي فقط.
وقد ذهب إلى جواز وطء المسبيات الكافرات بعد الاستبراء المشروع جماعة منهم طاوس، وهو الظاهر لما سلف.
وفي الحديث الآخر منقبة ظاهرة لعلي رضي الله عنه ومنقبة لبريدة، لمصير علي أحب الناس إليه، وقد صح أنَّه لا يحبّه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، كما في صحيح مسلم
(1)
وغيره
(2)
.
* * *
(1)
في صحيحه رقم (131/ 78).
(2)
كالترمذي رقم (3717): كلاهما من حديث أم سلمة.
وهو حديث صحيح.
[الكتاب السادس والثلاثون] كتاب الرَّضاع
[الباب الأول] باب عدد الرَّضعات المحرِّمة
1/ 2956 - (عَنْ عائشَةَ أنّ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا تحرّمُ المَصّة ولَا المَصَّتانِ"، رَوَاه الجَمَاعَة إلَّا البُخاريَّ)
(1)
. [صحيح]
2/ 2957 - (وَعَنْ أمّ الفَضْل: أن رَجُلًا سألَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أتحَرّم المَصَّة؟ فَقالَ: "لا تحَرّمُ الرَّضْعَة وَالرَّضْعَتانِ، وَالمَصّة وَالمَصَّتانِ"
(2)
. [صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ قالَتْ: دَخَلَ أعْرَابِيّ على نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ فِي بَيْتِي فَقالَ: يا نَبِيَّ الله إني كانَتْ لي امْرأةٌ فَتزَوَّجْتُ عَلَيْها أُخْرَى فَزَعَمَتِ امْرأتي الأولى أنَّهَا أرْضَعَت امْرأتي الحَدْثَى رَضْعَةً أوْ رَضْعَتَيْن فَقالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لا تُحَرّمُ الإمْلاجَةُ ولَا الإمْلاجَتانِ"، رَوَاهُمَا أحْمَدُ
(3)
وَمُسْلِمٌ)
(4)
. [صحيح]
3/ 2958 - (وَعَنْ عَبْد الله بْن الزُّبَيْر أن النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تُحَرّمُ مِنَ الرَّضاعَةِ المَصَّةُ وَالمَصّتانِ" رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
وَالنّسائيُّ
(6)
وَالتِّرْمِذِيُّ)
(7)
. [صحيح]
حديث عبد الله بن الزبير أخرجه أيضًا بن حبان
(8)
.
(1)
أحمد في المسند (6/ 31) ومسلم رقم (17/ 1450) وأبو داود رقم (2063) والترمذي رقم (1150) والنسائي رقم (3310) وابن ماجه رقم (1941).
وهو حديث صحيح.
(2)
أحمد في المسند (6/ 339) ومسلم رقم (21/ 1451).
(3)
في المسند (6/ 339، 340).
(4)
في صحيحه رقم (1/ 1451).
(5)
في المسند (4/ 5).
(6)
في سننه رقم (3309).
(7)
في سننه بإثر رقم (1150).
وهو حديث صحيح.
(8)
في صحيحه رقم (4225).
وقال الترمذي
(1)
: الصحيح عن أهل الحديث من رواية ابن الزبير عن عائشة كما في الحديث الأوّل، وأعلَّه ابن جرير الطبري بالاضطراب، فإنه روي عن ابن الزبير عن أبيه، وجمع ابن حبان
(2)
بينهما بإمكان أن يكون ابن الزبير سمعه من كل منهم، وفي الجمع بعد كما قال الحافظ
(3)
.
ورواه النسائي
(4)
من حديث أبي هريرة.
وقال ابن عبد
(5)
البرّ: لا يصحّ مرفوعًا.
قوله: (الرضعة) هي المرّة من الرضاع، كضربة، وجلسة وأكلة، فمتى التقم الصبيُّ الثدي فامتصَّ منه، ثم تركه باختياره لغير عارضٍ؛ كان ذلك رضعةً.
وفي القاموس
(6)
: رضع أمَّه كسمع، وضرب، رَضْعًا، ويحرَّك، ورضاعًا، [ورَضاعةً]
(7)
ويكسران، ورضعًا ككتف، فهو راضعٌ، إلى أن قال: امتصَّ ثديها، ثم قال
(8)
في مادّة مصصته: إنَّه بمعنى شربته شربًا رفيقًا.
وفي الضياء: أن المصَّة الواحدة من المصِّ، وهي أخذ اليسير من الشيء.
قوله: (الإملاجة ولا الإملاجتان) الإملاجة: الإرضاعة الواحدة، مثل المصة. وفي القاموسَ
(9)
: ملج الصبيّ أمه كنصر وسمع: تناول ثديها بأدنى فمه، وامتلج اللبن: امتصه. وأملجه: أرضعه، والمليج: الرضيع، انتهى.
والأحاديث المذكورة تدلُّ: على أن الرضعة الواحدة، والرضعتين، والمصة الواحدة، والمصتين والإملاجة والإملاجتين، لا يثبت بها حكم الرضاع الموجب للتحريم.
(1)
في السنن بإثر الحديث رقم (1150).
(2)
في صحيحه (10/ 41 - 42).
(3)
في "التلخيص"(4/ 9).
(4)
في السنن الكبرى (رقم 5461 - العلمية).
(5)
في "التمهيد" حيث قال: رفع هذا الحديث حماد بن سلمة عن هشام، وتوقيفه أصح.
(6)
في القاموس المحيط (ص 932).
(7)
ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ) و (ب)، والمثبت من القاموس المحيط (ص 814).
(8)
أي الفيروزآبادي في القاموس (ص 814).
(9)
في القاموس المحيط (ص 263).
وتدلُّ هذه الأحاديث بمفهومها: على أنَّ الثلاث من الرضعات، أو المصَّات تقتضي التحريم.
وقد حكى صاحب البحر
(1)
هذا المذهب عن زيد بن ثابت
(2)
، وأبي
(3)
ثور، وابن المنذر
(4)
، انتهى.
وحكاه في البدر التمام
(5)
عن أبي عبيدة وداود الظاهري
(6)
وأحمد
(7)
في رواية.
ولكنه يعارض هذا المفهوم القاضي بأن ما فوق الاثنتين يقتضي التحريم ما ستأتي من أن الرضاع المقتضي للتحريم هو الخمس الرضعات، وسيأتي تحقيق ذلك، وذكر من قال به، نعم هذه الأحاديث دافعة لقول من قال: إن الرضاع المقتضي للتحريم هو الواصل إلى الجوف، ولا شكّ أنّ المصة الواحدة تصل إلى الجوف، فكيف ما فوقها؟ وسيأتي ذكر ما تمسكوا به.
4/ 2959 - (وَعَنْ عائِشَةَ أنَّهَا قالَتْ: كانَ فِيما نَزَلَ مِنَ القُرآنِ: عَشْرُ رَضَعاتٍ مَعْلُوماتٍ يُحَرّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسِ مَعْلُوماتٍ، فَتُوُفّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيم يُقْرأُ مِنَ القْرآنِ. رواه مُسْلِمٌ
(8)
وأبُو دَاوُدَ
(9)
والنّسائيُّ
(10)
. [صحيح]
وفي لَفْظٍ قالَت: وَهي تَذْكُرُ الْذِي يُحَرّمُ منَ الرَّضَاعَةِ: نَزَلَ فِي القُرآنِ عَشْرُ
(1)
البحر الزخار (3/ 265).
(2)
موسوعة فقه الإمام زيد بن ثابت، وأبي هريرة (ص 120)، وسنن البيهقي (7/ 457).
(3)
موسوعة فقه الإمام أبي ثور (ص 493).
(4)
الإشراف (4/ 111).
(5)
في "البدر التمام"(4/ 227)، والذي فيه:(أبو عبيد).
(6)
المحلى (10/ 9، 11).
(7)
المغني (11/ 310 - 311).
(8)
في صحيحه رقم (24/ 1452).
(9)
في سننه رقم (2062).
(10)
في سننه رقم (3307).
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1150) وابن ماجه رقم (1942) وابن الجارود رقم (688) والبيهقي (7/ 454) والدارمي (2/ 157) والشافعي (ج 2 رقم 66، 67 - ترتيب) ومالك في الموطأ (2/ 608 رقم 17) وسعيد بن منصور رقم (976) والدارقطني (4/ 181 رقم 30).
وهو حديث صحيح.
رَضَعاتٍ مَعْلُوماتٍ، ثُمَّ نَزَلَ أيْضًا خَمْسٌ مَعْلُوماتٌ؟ [رَوَاهُ مُسْلمٌ
(1)
]
(2)
. [صحيح]
وفِي لَفْظٍ قالَتْ: أنْزِلَ فِي القُرآنِ: عَشْرُ رَضَعاتٍ مَعْلُوماتٍ، فَنُسخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُ رَضَعاتٍ إلى خَمْسِ رَضَعاتٍ مَعْلُوماتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَالأمْرُ على ذلكَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(3)
.
وفِي لَفْظٍ: كانَ فِيمَا أنْزَلَ الله عز وجل مِنَ القُرْآنِ ثُمَّ سَقَطَ: لا يُحَرّمُ إلّا عَشْرُ رَضَعات أوْ خَمْسٌ مَعْلُوماتٌ. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)
(4)
. [صحيح]
5/ 2960 - (وَعَنْ عائِشَةَ: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ امْرأةَ أبي حُذَيْفَةَ فأرْضَعَتْ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعاتٍ وكانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ. رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
. [صحيح]
وفِي رِوَايَةٍ: أن أبا حُذَيْفَةَ تَبَنَّى سالِمًا وَهُوَ مَوْلًى لامْرأةٍ مِنَ الأنْصَارِ، كمَا تَبَنَّى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم زيدًا، وكانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الجَاهِليّة دَعاهُ النّاس ابْنَهُ وَوَرِثَ مِيرَاثَهُ، حتّى أنْزلَ الله عز وجل:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}
(6)
، فَرُدّوا إلى آبائِهِمْ، فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أبٌ فَمَوْلى وأخٌ فِي الدّينِ، فَجاءَتْ سَهْلَةُ فَقالَتْ: يا رَسُولَ الله كُنّا نَرَى سالمًا وَلَدًا يَأوِي مَعِي وَمَعَ أبي حُذَيْفَةَ ويرَانِي فُضْلَى، وَقَدْ أنْزَلَ الله عز وجل فِيهِمْ مما قَدْ عَلِمْتَ، فَقالَ:"أرْضِعيهِ خَمْسَ رَضَعاتٍ"، فَكَانَ بِمَنْزلَةِ وَلَدِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ.
رَوَاهُ مالِكٌ فِي المُوَطّأ
(7)
وأحْمَدُ)
(8)
. [صحيح]
(1)
في صحيحه رقم (25/ 1452).
(2)
في المخطوط (ب): (رواه أحمد ومسلم).
(3)
في سننه بإثر (1150).
(4)
في سننه رقم (1942) وهو حديث صحيح.
(5)
في المسند (6/ 255).
قلت: وأخرجه ابن عبد البر في "التمهيد"(8/ 249 - تيمية) إسناده صحيح.
وهو حديث صحيح.
(6)
سورة الأحزاب، الآية:(5).
(7)
في الموطأ (2/ 605 رقم 12).
(8)
في المسند (6/ 201).
وهو حديث صحيح.
حديث عائشة في قصة سالم أخرج الرواية منه النسائي
(1)
عن جعفر بن ربيعة عن الزهري كتابة عن عروة عنها.
ورواه الشافعي في الأم
(2)
عن مالك عن الزهري عن عروة مرسلًا. ورواه أيضًا عبد الرزاق
(3)
.
وأخرج الرواية عن الزهري الثانية عنها أبو داود
(4)
؛ وأخرجها أيضًا البخاري
(5)
في المغازي من صحيحه من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عنها إلى قوله: "فجاءت سهلة النبي صلى الله عليه وسلم
…
" قال: فذكر الحديث ولم يسق بقيته؛ وساقها البيهقي في سننه
(6)
عن هذا الوجه كرواية أبي داود.
ورواها أيضًا البخاري
(7)
من رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عنها، وساق منها إلى قوله:"وقد أنزل الله فيه ما قد علمت".
قوله: (معلومات) فيه إشارة: إلى أنَّه لا يثبت حكم الرَّضاع إلا بعد العلم بعدد الرضعات وأنَّه لا يكفي الظنُّ، بل يرجع معه ومع الشكِّ إلى الأصل وهو العدم.
قوله: (وهنّ فيما يُقرأ) بضم الياء، وفيه إشارة إلى أنَّه تأخر إنزال الخمس الرضعات، فتوفي صلى الله عليه وسلم وهنَّ قرآن يقرأ.
قوله: (فُضلى) بضم الفاء والضاد المعجمة. قال الخطابي
(8)
: أي مبتذلة في ثياب مهنتها، انتهى. والفضل من الرجال والنساء: الذي عليه ثوبٌ واحدٌ بغير إزار.
وقال ابن وهب: أي [مكشوف]
(9)
الرأس.
(1)
في سننه رقم (3324).
وهو حديث صحيح.
(2)
في الأم (6/ 77 - 78 رقم 2234).
(3)
في "المصنف" رقم (13886).
(4)
في سننه رقم (2061).
(5)
في سننه رقم (4000).
(6)
في السنن الكبرى (7/ 459).
(7)
في صحيحه رقم (5588).
(8)
في معالم السنن (2/ 551 - مع السنن).
(9)
في المخطوط (ب): (مكشوفة).
وقد استدلَّ بأحاديث الباب من قال: إنَّه لا يقتضي التحريم من الرضاع إلا خمس رضعات معلوماتٍ، وقد تقدم تحقيق الرضعة، وإلى ذلك ذهب ابنُ مسعود، وعائشةُ، وعبد الله بن الزبير، وعطاء، وطاوسٌ، وسعيدُ بنُ جبير، وعروة بن الزبير، واللَّيثُ بنُ سعدٍ
(1)
، والشافعي
(2)
وأحمد
(3)
في ظاهر مذهبه وإسحاقُ، وابن حزم
(4)
وجماعة من أهل العلم، وقد روى هذا المذهب عن عليّ بن أبي طالب
(5)
رضي الله عنه.
وذهب الجمهور
(6)
إلى أن الرضاع الواصل إلى الجوف يقتضي التحريم وإن قلّ. وقد حكاهُ صاحبُ البحر
(7)
عن الإمام عليّ وابن عباس، وابن عمر
(8)
، والثوري
(9)
، والعترة، وأبي حنيفة
(10)
وأصحابه، ومالك
(11)
، وزيد بن أوس، انتهى.
وروي أيضًا عن سعيد بن المسيب، والحسن، والزهري، وقتادة، والحكم، وحماد، والأوزاعي.
قال المغربي في البدر
(12)
: وزعم الليث بن سعد أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم منه ما يفطر الصائم، وهو رواية عن الإمام أحمد
(13)
، انتهى.
وحكى ابن القيم
(14)
عن الليث أنه لا يحرّم إلا خمس رضعات كما قدمنا ذلك، فينظر في المرويّ عنه من حكاية الإجماع فإنه يبعد كل البعد أن يحكي العالم الإجماع في مسألة ويخالفها.
(1)
الإشراف (4/ 110 - 111) والمغني (11/ 310) والبيان للعمراني (11/ 145).
حكوه عنهم.
(2)
البيان (11/ 144).
(3)
المغني (11/ 310 - 311).
(4)
المحلى (10/ 9).
(5)
البحر الزخار (3/ 264).
(6)
المغني (11/ 310).
(7)
البحر الزخار (3/ 264).
(8)
موسوعة فقه ابن عمر (ص 368) وشرح السنة للبغوي (9/ 82).
(9)
موسوعة فقه الإمام الثوري (ص 419) وشرح السنة للبغوي (9/ 82).
(10)
الاختيار (3/ 156).
(11)
عيون المجالس (3/ 1384 - 1385 م 967).
(12)
البدر التمام (4/ 227).
(13)
المغني (11/ 310).
(14)
زاد المعاد (5/ 507 - 508).
وقد أجاب أهل القول الثاني عن أحاديث الباب التي استدلّ بها أهل القول الأول بأجوبة:
(منها): أنها متضمنة لكون الخمس الرضعات قرآنًا، والقرآن شرطه التواتر
(1)
ولم يتواتر محلُّ النزاع.
وأجيب بأن كون التواتر شرطًا ممنوع، والسند ما أسلفنا عن أئمة القراءات كالجزري وغيره في (باب الحجة في الصلاة
(2)
بقراءة ابن مسعود، وأُبيّ) من أبواب صفة الصلاة فإنه نقل هو وجماعة من أئمة القراءات الإجماع على ما يخالف هذه الدعوى، ولم يعارض نقله ما يصلح لمعارضته كما بينا ذلك هنالك.
وأيضًا اشتراط التواتر فيما نسخ لفظه على رأي المشترطين ممنوع
(3)
. وأيضًا انتفاء قرآنيته لا يستلزم انتفاء حجيته على فرض شرطية التواتر، لأن الحجة تثبت بالظنّ، ويجب عنده العمل.
وقد عمل الأئمة بقراءة الآحاد في مسائل كثيرة:
(منها): قراءة ابن مسعود
(4)
: (فصيام ثلاثة أيَّامٍ متتابعاتٍ)، وقراءة أُبيّ
(5)
: (وله أخ أو أخت من أم) ووقع الإجماع على ذلك ولا مستند له غيرها.
(1)
"إرشاد الفحول"(ص 137 - 138) بتحقيقي. وانظر: "النشر في القراءات العشر" للجزري (1/ 14).
(2)
الباب السابع عشر عند الحديث رقم (60/ 721 - 62/ 723) من كتابنا هذا.
(3)
إرشاد الفحول (ص 625 - 626) بتحقيقي.
(4)
بل قرأ أُبَيّ بن كعب (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) بزيادة (متتابعات) على قراءة الجماعة، ويُحْمَلُ مثل هذا على التفسير".
"الكشاف" للزمخشري (1/ 405) ومعجم القراءات للدكتور عبد اللطيف الخطيب (1/ 270).
(5)
بل قرأ سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود (وله أخ أو أخت من أُمّ)، بغير أداة تعريف. "معجم القراءات"(2/ 32).
• وقرأ أُبَي بن كعب (وله أخ أو أخت من الأُمّ)، وذكرها البيضاوي قراءة لسعد بن مالك مع أُبَيّ.
"معجم القراءات"(2/ 31).
وأجابوا أيضًا: بأن ذلك لو كان قرآنًا لحفظ لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}
(1)
.
وأجيب: بانَّ كونه غير محفوظٍ ممنوعٌ، بل قد حفظه الله برواية عائشة له.
وأيضًا المعتبر حفظ الحكم، ولو سلم انتفاء قرآنيته على جميع التقادير لكان سنة لكون الصحابي راويًا له عنه صلى الله عليه وسلم لوصفه له بالقرآنية وهو يستلزم صدوره عن لسانه، وذلك كافٍ في الحجية لما تقرّر في الأصول من أن المروي آحادًا إذا انتفى عنه وصف القرآنية لم ينتف وجوب العمل به كما سلف.
واحتجوا أيضًا بقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}
(2)
، وإطلاق الرضاع يشعر بأنه يقع بالقليل والكثير، ومثل ذلك حديث:"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"
(3)
.
ويجاب بأنه مطلق مقيد بما سلف.
واحتجوا بما ثبت في الصحيحين
(4)
عن عقبة بن الحارث أنه تزوّج أمّ يحيى بنت أبي إهاب الذي سيأتي في باب شهادة المرأة الواحدة بالرضاع؛ فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن الكيفية ولا سأل عن العدد.
ويجاب أيضًا: بأن أحاديث الباب اشتملت على زيادة على ذلك المطلق المشعور به من ترك الاستفصال، فيتعين الأخذ بها على أنه يمكن أن يكون ترك الاستفصال لسبق البيان منه صلى الله عليه وسلم للقدر الذي يثبت به التحريم. فإن قلت: حديث: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء"
(5)
، يدلّ على عدم اعتبار الخمس؛ لأن الفتق يحصل بدونها. قلت: سيأتي الجواب عن ذلك في شرح الحديث؛ فالظاهر ما ذهب إليه القائلون باعتبار الخمس، وأما حديث:"لا تحرم الرضعة والرضعتان"
(6)
، وكذلك سائر الأحاديث المتقدمة في الباب الأول.
وقد سبق ذكر من ذهب إلى العمل بها؛ فمفهومها يقتضي أن ما زاد عليها
(1)
سورة الحجر، الآية:(9).
(2)
سورة النساء، الآية:(23).
(3)
يأتي برقم (2966) من كتابنا هذا.
(4)
أخرجه الجماعة إلا مسلمًا وابن ماجه كما سيأتي برقم (2970) من كتابنا هذا.
(5)
يأتي برقم (2962) من كتابنا هذا.
(6)
تقدم برقم (2957) من كتابنا هذا.
يوجب التحريم كما أن مفهوم أحاديث الخمس أن ما دونها لا يقتضي التحريم فيتعارض المفهومان ويرجع إلى الترجيح، ولكنه قد ثبت عند ابن ماجه
(1)
بلفظ: "لا يحرّم إلا عشر رضعات أو خمس" كما ذكره المصنف، وهذا مفهوم (حصر) وهو أولى من مفهوم (العدد)
(2)
.
وأيضًا قد ذهب بعض علماء البيان كالزمخشري إلى أن الإخبار بالجملة الفعلية المضارعية يفيد الحصر والإخبار عن الخمس الرضعات بلفظ يحرّمن كذلك. ولو سلم استواء المفهومين وعدم انتهاض أحدهما كان المتجه تساقطهما، وحمل ذلك المطلق على الخمس لا على ما دونها إلا أن يدلّ عليه دليل؛ ولا دليل يقتضي أن ما دون الخمس تحرم إلا مفهوم قوله:"لا تحرّم الرضعة والرضعتان"
(3)
والمفروض أنه قد سقط، نعم لا بدّ من تقييد الخمس الرضعات بكونها في زمن المجاعة لحديث عائشة الآتي
(4)
في الباب الذي بعد هذا.
وأما حديث ابن مسعود عند أبي داود
(5)
مرفوعًا: "لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم".
فيجاب بأن الإنبات والإنشار إن كانا يحصلان بدون الخمس ففي حديث الخمس زيادة يجب قبولها والعمل بها، وإن كانا لا يحصلان إلا بزيادة عليها فيكون حديث الخمس مقيدًا بهذا الحديث لولا أنه من طريق أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود.
وقد قال أبو حاتم
(6)
: إن أبا موسى وأباه مجهولان.
وقد أخرجه البيهقي
(7)
من حديث أبي حصين عن أبي عطية قال: جاء رجل
(1)
في سننه رقم (1942) وقد تقدم تحت رقم (2959) من كتابنا هذا.
(2)
قال ابن النجار في "شرح الكوكب المنير"(3/ 524): " (وأقواها) أي أقوى المفاهيم (استثناءٌ، فـ) يليهِ (حَصْرٌ بنفى، فـ) يليهِ (ما قيل أنَّه منطوقٌ، فـ) يليهِ (حَصْرُ مبتدأ) في خبير (فـ) يليهِ (شَرْطٌ، فَصِفَةٌ مناسِبَةٌ، فـ) صفةٌ هي (عِلَّةٌ، فغيرُها) أي فصفةٌ غيرُ عِلَّةٍ (فَعَدَدٌ، فتقديمُ معمولٍ) والله سبحانه وتعالى أعلم". اهـ.
(3)
تقدم برقم (2957) من كتابنا هذا.
(4)
تقدم برقم (2959) من كتابنا هذا.
(5)
في سننه رقم (2060) وهو حديث ضعيف، والصواب وقفه.
(6)
الجرح والتعديل (9/ 438 رقم 2197).
(7)
في السنن الكبرى (7/ 461).
إلى أبي موسى
…
فذكره بمعناه، وهذا على فرض أنه يفيد ارتفاع الجهالة عن أبي موسى لا يفيد ارتفاعها عن أبيه فلا ينتهض الحديث لتقييد أحاديث الخمس بإنشار العظم وإنبات اللحم.
وفي حديث عائشة المذكور في قصة سالم دليل على أن إرضاع الكبير يقتضي التحريم، وسيأتي تحقيق ذلك
(1)
.
[الباب الثاني] باب ما جاءَ في رضاعة الكبير
6/ 2961 - (عَنْ زينَبَ بِنْتِ أُمّ سَلَمَةَ قالَتْ: قالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِعائِشَةَ: إنّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الغُلامُ الأيْفَعُ الّذِي ما أُحِبّ أنْ يَدْخُلَ عليَّ؟ فَقالَتْ عائِشَةُ: مَا لَكِ فِي رَسُولِ الله [صلى الله عليه وسلم]
(2)
أُسْوةٌ حَسَنَةٌ؟ وَقالَت: إنّ امْرأةَ أبي حُذَيْفَةَ قالَتْ: يا رَسُولَ الله إنَّ سالمًا يَدْخُل عَليَّ وهُو رَجُل وفِي نَفْسِ أبي حُذَيْفَةَ مِنْه شَيءٌ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أرْضِعيه حتّى يَدْخُلَ عَلَيْك"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
وَمُسْلِمٌ
(4)
. [صحيح]
وفِي روَايَةٍ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّها أُمُّ سَلَمَةَ أنهَا قالَتْ: أَبى سائِرُ أزْواج النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنْ أحَدًا بِتِلْكَ الرضَاعَة وَقُلْنَ لِعائِشَةَ: ما نَرى هَذَا إلا رُخْصَةً أرْخَصَها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِسالم خَاصّةً، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنا أحَدٌ بهَذه الرَّضَاعَة ولَا رَائينَا. رَوَاهُ أحْمَدُ
(5)
وَمُسْلِمٌ
(6)
وَالنّسائيُّ
(7)
وَابْنُ ماجَهْ
(8)
. [صحيح]
(1)
في شرح الحديث رقم (2961) من كتابنا هذا.
(2)
زيادة المخطوط (ب).
(3)
أحمد في المسند (6/ 174).
(4)
في صحيحه رقم (29/ 1453).
وهو حديث صحيح.
(5)
في المسند (6/ 312).
(6)
في صحيحه رقم (31/ 1454).
(7)
في سننه رقم (3325).
(8)
في سننه رقم (1947).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 460) وفي السنن الصغير رقم (2869) و"في معرفة السنن والآثار" رقم (15479).
وهو حديث صحيح.
هذا الحديث قد رواهُ من الصحابة: أمَّهات المؤمنين، وسهلة بنت سهيل، وهي من المهاجرات، وزينب بنت أمِّ سلمة، وهي ربيبة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ورواه من التابعين: القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وحميد بن نافع، ورواه عن هؤلاء: الزهريُّ، وابن أبي مليكة، وعبد الرحمن بن القاسم، ويحيى بن سعيد الأنصاريُّ، وربيعة، ثم رواه عن هؤلاء: أيوب السختياني، وسفيان الثوريُّ، وسفيان بن عيينة، وشعبة، ومالك، وابن جريج، وشعيب، ويونس، وجعفر بن ربيعة، ومعمر، وسليمان بن بلال، وغيرهم، وهؤلاء هم أئمة الحديث المرجوع إليهم في أعصارهم، ثم رواهُ عنهم الجمُّ الغفير، والعدد الكثير. وقد قال بعض أهل العلم: إن هذه السنة بلغت طرقها نصاب التواتر.
وقد استدلَّ بذلك من قال: إنَّ إرضاع الكبير يثبت به التحريم، وهو مذهب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كما حكاه عنه ابن حزم
(1)
. وأما ابن عبد البر
(2)
فأنكر الرواية عنه في ذلك، وقال: لا يصح، وإليه ذهبت عائشة
(3)
، وعروة بن
(1)
• قال ابن حزم في "المحلى"(10/ 19): "ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عبد الكريم أن سالم بن أبي الجعد مولى الأشجعي أخبره أن أباه أخبره أنه سأل علي بن أبي طالب فقال: إني أردت أن أتزوج امرأة وقد سقتني من لبنها وأنا كبير تداويت به فقال له علي: لا تنكحها، ونهاه عنها". اهـ.
• والأثر في المصنف لعبد الرزاق رقم (13888).
• وقال الأمام المهدي في "البحر الزخار"(3/ 267): "فلا يحرِّم - أي الرضاع - بعد حولين لقول علي عليه السلام: "خذ بأي رجلي جاريتك
…
الخبر". اهـ.
وقال محمد بن بهران في كتاب "جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار"(3/ 267 - البحر): "قوله: "خذ بأي رجلي أمتك شئت" الخبر. لفظه في "أصول الأحكام" عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام: "أن رجلًا أتاه فقال: إن لي زوجة، وإني أصبت خادمة فأتيتها يومًا، فقالت: إني أرويتها من ثديي، فما تقول في ذلك؟ فقال علي عليه السلام: انطلق قاتل زوجتك عقوبة ما أتت، وخذ بأي رجلي أمتك شئت، لا رضاع إلا ما أنبت لحمًا أو شد عظمًا، ولا رضاع بعد فصال"، انتهى.
وخلاصة القول أن أثر ابن حزم فيه اضطراب، ولذلك لم يحك الفقهاء عن علي رضي الله عنه أن رضاع الكبير معتبر كرضاع الصغير، فإنه لا يصح عنه والله أعلم.
انظر: موسوعة فقه علي بن أبي طالب (ص 277 - 278).
(2)
في "التمهيد"(11/ 374 - الفاروق) حيث قال: والصحيح عنه أن لا رضاع بعد فطام.
(3)
حكاه عنها ابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 374) وأخرج أثرها عبد الرزاق رقم (13884).
الزبير، وعطاء بن أبي
(1)
رباح، والليث بن سعد
(2)
، وابن علية
(3)
.
وحكاه النووي
(4)
عن داود الظاهري (5)، وإليه ذهب ابن حزم
(5)
.
ويؤيد ذلك الإطلاقات القرآنية كقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}
(6)
، وذهب الجمهور
(7)
إلى أن حكم الرضاع إنما يثبت في الصغير.
وأجابوا عن قصة سالم بأنها خاصة به كما وقع من أمهات المؤمنين لما قالت لهنّ عائشة بذلك محتجة به.
وأجيب بأن دعوى الاختصاص تحتاج إلى دليلٍ وقد اعترفن بصحة الحجة التي جاءت بها عائشة، ولا حجة في إبائهن لها كما أنه لا حجة في أقوالهن، ولهذا سكتت أمّ سلمة لما قالت لها عائشة:"أما لك في رسول الله أسوة حسنة؟ ".
ولو كانت هذه السنة مختصة بسالم لبيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بيّن اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز
(8)
.
واختصاص خزيمة بأن شهادته كشهادة رجلين
(9)
.
وأجيب أيضًا بدعوى نسخ قصة سالم المذكورة، واستدلّ على ذلك بأنها كانت في أوّل الهجرة عند نزول قوله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}
(10)
، وقد ثبت اعتبار الصغر من حديث ابن عباس
(11)
، ولم يقدم المدينة إلا قبل الفتح، ومن حديث أبي هريرة ولم يسلم إلا في فتح خيبر.
(1)
حكاه عنه ابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 374) وأخرج أثره عبد الرزاق رقم (13883).
(2)
حكاه عنه ابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 374) حيث قال: فذهب الليث بن سعد إلى أن رضاعة الكبير تحرم، كما تحرم رضاعة الصغير.
(3)
الاستذكار (18/ 274 رقم 27815) حيث قال: وقال بقول الليث قوم منهم ابن عليَّة.
(4)
في شرحه لصحيح مسلم (3/ 10).
(5)
المحلى (10/ 17).
(6)
سورة النساء، الآية:(23).
(7)
المغني (11/ 319 - 320) والتمهيد (11/ 376 - 377).
(8)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (5557) ومسلم رقم (5/ 1961).
(9)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (2807).
(10)
سورة الأحزاب، الآية:(5).
(11)
يأتي برقم (2963) من كتابنا هذا.
وردّ ذلك بأنهما لم يصرّحا بالسماع من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأيضًا حديث ابن عباس مما لا تثبت به الحجة كما سيجيء، ولو كان النسخ صحيحًا لما ترك التشبث به أمهات المؤمنين.
ومن أجوبتهم أيضًا حديث
(1)
: "لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام"، وحديث
(2)
: "إنما الرضاعة من المجاعة"، وسيأتي الجواب عن ذلك كما سيأتي الجواب عن حديث
(3)
: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين".
وقد اختلفوا في تقدير المدّة التي يقتضي الرضاع فيها التحريم على أقوال:
(الأول): أنه لا يحرّم منه إلا ما كان في الحولين، وقد حكاه في البحر
(4)
: عن عمر
(5)
، وابن عباس
(6)
، وابن مسعود
(7)
، والعترة، والشافعي
(8)
، وأبي
(1)
يأتي برقم (2962) من كتابنا هذا.
(2)
يأتي برقم (2965) من كتابنا هذا.
(3)
يأتي برقم (2963) من كتابنا هذا.
(4)
البحر الزخار (3/ 265).
(5)
أخرج مالك في الموطأ (2/ 606 رقم 13): "عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أنه قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر، وأنا معه عند دار القضاء، يسأله عن رضاعَةِ الكبير؟ فقال عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني كانت لي وليدةٌ، وكنتُ أطؤها فعمدَتِ امرأتي إليها فأرضعتها، فدخلتُ عليها. فقالت: دونكَ، فقد واللهِ، أرضعتها. فقال عمر: أوجعها وأتِ جاريتك فإنما الرضاعة رضاعةُ الصغير".
وهو أثر صحيح، والله أعلم.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 461) من طريق نافع. وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (13890) من طريق سالم بن عبد الله، كلاهما عن ابن عمر، به.
وإاسناده صحيح، والله أعلم.
(6)
أخرج سعيد بن منصور في "السنن" رقم (980) عن ابن عباس قال: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين".
وهو أثر صحيح، والله أعلم.
(7)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13895): "عن أبي عطية الوادعي قال: جاء رجل إلى ابن مسعود، فقال: إنها كانت معي امرأتي فحصر لبنها في ثديها، فجعلت أمُصّه ثم أمُجّه، فأتيت أبا موسى فسألته، فقال: حرمت عليك، قال: فقام وقمنا معه حتى انتهى إلى أبي موسى، فقال: ما أفتيت هذا؟ فأخبره بالذي أفتاه، فقال ابن مسعود، وأخذ بيد الرجل: أرضيعًا ترى هذا؟ إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم. فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم" وهو أثر صحيح، والله أعلم.
(8)
روضة الطالبين (9/ 7) والبيان (11/ 142 - 143).
حنيفة
(1)
، والثوري
(2)
، والحسن بن صالح، ومالك
(3)
، وزفر
(4)
، ومحمد
(5)
، اهـ.
وروي أيضًا عن أبي هريرة، وابن عمر
(6)
، وأحمد
(7)
، وأبي يوسف (5)، وسعيد بن المسيّب
(8)
، والشعبي
(9)
، وابن شبرمة
(10)
، وإسحاق وأبي عبيد، وابن المنذر
(11)
.
(1)
بدائع الصنائع (4/ 6).
(2)
موسوعة فقه الإمام الثوري (419).
(3)
عيون المجالس (3/ 1388 رقم 969).
(4)
موسوعة فقه الإمام زفر (2/ 90).
(5)
حكاه عنه الكاساني في بدائع الصنائع (4/ 6).
(6)
أخرج مالك في "الموطأ"(2/ 603 رقم 6): "عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا رضاعة إلا لمن أرضع في الضغر، ولا رَضَاعة لكبير".
وهو أثر صحيح، والله أعلم.
(7)
المغني (11/ 319).
(8)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13907) ومالك في الموطأ (2/ 604 رقم 11) عن يحيى بن سعيد أنه قال: "سمعت سعيد بن المسيَّب يقول: لا رضاعة إلا ما كان في المهد، وإلا ما أنبت اللحم والدم".
وهو أثر صحيح، والله أعلم.
(9)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13894) عن الشعبي قال: كل سعوط، أو وجور، أو رضاع يرضع قبل الحولين فهو يُحرِّم وما كان بعد الحولين فلا يُحرِّم.
قال عبد الرزاق: والناس على هذا.
وهو أثر صحيح، والله أعلم.
• السَعوط: هو الدواء يوضع في الأنف.
• والوَجور: هو الدواء يوضع في الفم.
(10)
حكاه عنه ابن قدامة في المغني (11/ 319).
(11)
قال ابن المنذر في "الإشراف"(4/ 111 - 112): "قال أبو بكر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الرضاعة من المجاعة" - يأتي برقم (2965) من كتابنا هذا - ودل على صحة هذا القول، قوله تبارك وتعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] فدل ذلك على أن لا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين.
وجاءت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موافقة لهذا القول. روينا معنى ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، وأم سلمة.
وبهذا نقول.
وليس تخلو قصة سالم أن تكون منسوخةً أو خاصةً لسالم، كما قالت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بالخاص والعام والناسخ والمنسوخ أعلم؟ =
(القول الثاني): أنَّ الرَّضاع المقتضي للتحريم ما كان قبل الفطام
(1)
؛ وإليه ذهبت أمّ سلمة
(2)
، وروي عن عليّ
(3)
ولم يصحّ عنه، وروي عن ابن عباس
(4)
، وبه قال الحسن
(5)
والزهري والأوزاعي وعكرمة وقتادة
(6)
.
(القول الثالث): أن الرضاع في حال الصغر يقتضي التحريم
(7)
ولم يحدّه القائل بحدّ، وروي ذلك عن أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم ما خلا عائشة، وعن ابن عمر
(8)
، وسعيد بن المسيّب
(9)
.
= وممن مذهبه أن لا رضاع إلا ما كان في حال الصغر: مالك، والثوري، وأهل العراق، والأوزاعي، والشافعي وأصحابه، وأبو عبيد ومن تبعه". اهـ. وانظر "الفتح" (9/ 149).
(1)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(18/ 256 رقم 27730): "قال أبو عمر: قولُهُ: لا رضاعَ بعد الحولين، وقولُهُ: لا رضاع بعد الفصال، معنى واحد متقارب وإن كان بعض المتعسفين قد فرَّق بين ذلك". اهـ.
(2)
حكاه عنها ابن عبد البر في "الاستذكار"(18/ 256 رقم 27731).
(3)
تقدم قريبًا أن الأثر الذي أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (13888) وابن حزم في "المحلى"(10/ 19) فيه اضطراب، ولذلك لم يحك الفقهاء عن علي رضي الله عنه أن رضاع الكبير معتبر كرضاع الصغير. فإنه لا يصح عنه.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في السنن رقم (980) وهو أثر صحيح وقد تقدم.
(5)
موسوعة فقه الإمام الحسن البصري (1/ 432).
(6)
قال ابن المنذر في "الإشراف"(4/ 112 مسألة 2380): "واختلف أهل العلم فيما يحرم عن الرضاع في الحولين وبعدهما.
فقال طائفة: ما كان في الحولين فهو محرم، ولا يحرم ما كان بعد الحولين كذلك قال ابن عباس، وروي ذلك عن ابن مسعود.
وقال الزهري، وقتادة: لا رضاع بعد الفصال.
وممن قال: لا رضاع بعد الحولين، الشعبي، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور.
وقد اختلف فيه عن مالك فقال في الموطأ: كقول هؤلاء ....
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول، لظاهر قوله:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233].
(7)
انظر: "فتح الباري"(9/ 146) وزاد المعاد (5/ 513) والمغني (11/ 312).
(8)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 603 رقم 6).
وهو أثر صحيح وقد تقدم.
(9)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 604 رقم 11).
وهو أثر صحيح وقد تقدم.
(القول الرابع): ثلاثون شهرًا، وهو رواية عن أبي حنيفة
(1)
وزفر
(2)
.
(القول الخامس): في الحولين وما قاربهما. روي ذلك عن مالك، وروي عنه أن الرَّضاعَ بعد الحولين لا يحرّم قليله ولا كثيره كما في الموطأ
(3)
.
(القول السادس): ثلاث سنين
(4)
، وهو مرويّ عن جماعة من أهل الكوفة، وعن الحسن بن صالح
(5)
.
(القول السابع): سبع سنين
(6)
، روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز.
(القول الثامن): حولان [واثنا] عشر يومًا
(7)
. روي عن ربيعة.
(القول التاسع): أن الرَّضاع يعتبر فيه الصِّغَر إلا فيما دعت إليه الحاجة كرضاع الكبر الذي لا يستغنى عن دخوله على المرأة ويشقّ احتجابها
(1)
البدائع (4/ 6) والاختيار (3/ 156).
(2)
موسوعة فقه الإمام زفر (2/ 90 - 91).
• قال الحافظ في "الفتح"(9/ 146): "باب من قال: لا رضاع بعد حولين، لقوله تعالى:{حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] أشار بهذا إلى قول الحنفية أن أقصى مدة الرضاع ثلاثون شهرًا وحجتهم قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] أي المدة المذكورة لكل من الحمل والفصال، وهذا تأويل غريب.
والمشهور عند الجمهور أنها تقدير مدة أقل الحمل وأكثر مدة الرضاع، وإلى ذلك صار أبو يوسف ومحمد بن الحسن، ويؤيد ذلك أن أبا حنيفة لا يفول أن أقصى الحمل سنتان ونصف". اهـ.
(3)
قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(18/ 257 رقم 27735): "فقال مالك في "الموطأ" - (2/ 604) -: الرَّضاعةَ، قليلُها وكثيرها إذا كان في الحولينِ تُحرِّمُ؛ فأما ما كان بعدَ الحولينِ، فإنَّ قليلُه وكثيرُه لا يُحرِّمُ شيئًا، وإنما هو بمنزلةِ الطعام".
وهو مقطوع صحيح، والله أعلم.
(4)
ذكره ابن القيم في "زاد المعاد"(5/ 514) وابن قدامة في "المعنى"(11/ 319) قال زفر: يستمر إلى ثلاث سنين إذا كان يجتزئ باللبن ولا يجتزئ بالطعام. ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 146).
(5)
انظر: زاد المعاد (5/ 514).
(6)
قال عمر بن عبد العزيز: مدته إلى سبع سنين، وكان يزيد بن هارون يحكيه عنه كالمتعجِّب من قوله، وروي عنه خلافُ هذا. وحكى عنه ربيعة، أنَّ مدته حولان واثنا عشر يومًا.
(7)
في المخطوط (ب): (واثني).
منه، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية
(1)
وهذا هو الراجح عندي، وبه يحصل الجمع بين الأحاديث، وذلك بأن تجعل قصة سالم المذكورة مخصصة لعموم:"إنَّما الرضاع من المجاعة"
(2)
، و"لا رضاع إلَّا في الحولين"
(3)
، و"لا رضاع إلا ما فتقَ الأمعاء وكان قبل الفطام"
(4)
، و"لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبتَ اللحمَ"
(5)
.
وهذه [طريق]
(6)
متوسطة بين طريقة من استدلّ بهذه الأحاديث على أنه لا حكم لرضاع الكبير مطلقًا، وبين من جعل رضاع الكبير كرضاع الصغير مطلقًا لما لا يخلو عنه كل واحدة من هاتين الطريقتين من التعسف كما سيأتي بيانه.
ويؤيدُ هذا أن سؤال سهلة امرأة أبي حذيفة كان بعد نزول آية الحجاب، وهي مصرّحة بعدم جواز إبداء الزينة لغير من في الآية، فلا يخص منها غير من استثناه الله تعالى إلا بدليل [كقضية]
(7)
سالم وما كان مماثلًا لها في تلك العلة التي هي الحاجة إلى رفع الحجاب من غير أن يقيد ذلك بحاجة مخصوصة من الحاجات المقتضية لرفع الحجاب ولا بشخص من الأشخاص ولا مقدارٍ من عمر الرضيع معلوم.
وقد ثبت في حديث
(8)
سهلة أنها قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم: "إن سالمًا ذو لحية. فقال: أرضعيه" وينبغي أن يكون الرضاع خمس رضعات لما تقدم في الباب الأول.
قوله: (الغلام الأيفع) هو من راهق عشرين سنة على ما في القاموس
(9)
.
(1)
في "مجموع الفتاوى"(34/ 60).
(2)
يأتي برقم (2965) من كتابنا هذا.
(3)
يأتي برقم (2963) من كتابنا هذا.
(4)
يأتي برقم (2962) من كتابنا هذا.
(5)
أخرجه أحمد (6/ 80 رقم 4114 - شاكر)، وفي سنده أبو موسى الهلالي وأبوه وهما مجهولان، وأخرجه من وجه آخر عبد الرزاق في المصنف رقم (13895) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 461) من حديث أبي حصين عن أبي عطية قال: جاء رجل إلى ابن مسعود
…
فذكره بمعناه وهو حديث ضعيف. وانظر: الإرواء رقم (2153).
(6)
في المخطوط (ب): (طريقة).
(7)
في المخطوط (ب): (كقصة).
(8)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (30/ 1453).
(9)
في القاموس المحيط (ص 1004).
7/ 2962 - (وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُحَرّمُ مِنَ الرَّضَاع إلَّا ما فَتَقَ الأمْعاءَ فِي الثّدْيِ وكانَ قَبْلَ الفِطام"، رَوَاه التّرْمِذيّ وَصحَّحَهُ)
(1)
. [صحيح]
8/ 2963 - (وَعَنِ ابْن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرو بْنِ دِينارٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا رَضَاعَ إلَّا ما كانَ فِي الحَوْلَيْن"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ
(2)
وَقالَ: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ الهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، وَهوَ ثِقَة حافِظٌ). [موقوف صحيح]
(1)
في سننه رقم (1152) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (4224).
وله شاهد من حديث عبد الله بن الزبير أخرجه ابن ماجه رقم (1946) وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 104): "هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة".
قلت: بل إسناده صحيح، لأن راويه عن ابن لهيعة عبد الله بن وهب وهو أحد العبادلة الذين رووا عنه قبل احتراق كتبه.
وخلاصة القول: أن حديث أم سلمة صحيح، والله أعلم.
(2)
في السنن (4/ 174 رقم 10) وقال الدارقطني: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ.
قلت: وأخرجه سعيد بن منصور في سننه رقم (974) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 462) وابن عدي في "الكامل"(7/ 2562).
قال ابن عدي: "وهذا يعرف بالهيثم بن جميل عن ابن عقيل مسندًا وغير الهيثم يوقفه على ابن عباس، والهيثم بن جميل يسكن أنطاكية ويقال: هو البغدادي ويَغْلَط الكثير على الثقات كما يغلط غيره وأرجو أنه لا يتعمد الكذب". اهـ.
وصحح البيهقي في السنن الكبرى (7/ 462) وقفه.
ورجح ابن عدي الموقوف.
وقال ابن كثير في "الإرشاد"(2/ 238 - 239): ورواه مالك في الموطأ (2/ 602 رقم 4) عن ثور بن زيد، عن ابن عباس موقوفًا، وهو أصح.
قلت: سنده ضعيف، لانقطاعه.
فقد قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(18/ 255): "أما حديثه عن ثور بن زيد، عن ابن عباس؛ فإنه لم يسمع ثور من ابن عباس؛ بينهما عكرمة". اهـ.
وقد وصله ابن منصور في سننه رقم (972) ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 462): نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.
وهذا سند صحيح.
وخلاصة القول: أنه موقوف صحيح، والله أعلم.
9/ 2964 - (وَعَنْ جابِرٍ عَن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا رضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ، ولَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلامٍ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ الطّيالِسيّ فِي مُسْنَده)
(1)
. [حسن]
10/ 2965 - (وَعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: دَخَلَ عليَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي رَجُلٌ، فَقالَ: "مَنْ هَذَا؟ "، قُلْتُ: أخي مِنَ الرَّضَاعَة، قالَ: "يا عائِشَةُ انْظُرْنَ مِنْ إخْوَانُكُنَّ فإنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجاعَةِ"، رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذيَّ)
(2)
. [صحيح]
حديث أمّ سلمة أخرجه أيضا الحاكم
(3)
وصححه. وأُعلّ بالانقطاع لأنه من رواية فاطمة بنت المنذر بن الزبير الأسدية عن أمّ سلمة ولم تسمع منها شيئًا لصغر سنها إذ ذاك.
وحديث ابن عباس رواه أيضًا سعيد بن منصور
(4)
والبيهقي
(5)
وابن عديّ
(6)
وقال: يعرف بالهيثم وغيره. وكان يغلط، وصحح البيهقي (5) وقفه، ورجح ابن عديّ (6) الموقوف.
(1)
في مسنده رقم (1767).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 319).
والحارث كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" رقم (354) وابن عدي في "الكامل"(2/ 852).
بسند ضعيف.
قلت: وأخرجه أبو داود في السنن رقم (2873) عن علي بن أبي طالب قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُتم بعد احتلام، ولا صُمات يوم إلى الليل"، وإسناده ضعيف.
ولكن أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" من وجه آخر عن علي بن أبي طالب (2/ 158 رقم 952 - الروض الداني) بلفظ: "لا رضاع بعد فصالٍ، ولا يُتم بعد حُلم".
وقد حسنه الزرقاني في "مختصر المقاصد الحسنة" رقم (1207)، وانظر: الإرواء رقم (1244).
والخلاصة: أن حديث جابر حديث حسن.
(2)
أحمد في المسند (6/ 214) والبخاري رقم (5102) ومسلم رقم (32/ 1455) وأبو داود رقم (2058) والنسائي رقم (3312) وابن ماجه رقم (1945).
قلت: وأخرجه ابن الجارود في المنتقى رقم (691) والبيهقي (7/ 460).
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
(3)
لم أقف عليه عند الحاكم في المستدرك.
(4)
في السنن رقم (974) وقد تقدم.
(5)
في السنن الكبرى (7/ 462) وقد تقدم.
(6)
في "الكامل"(7/ 2562) وقد تقدم.
وقال ابن كثير في الإرشاد
(1)
: رواه مالك في الموطأ
(2)
عن ثور بن يزيد عن ابن عباس موقوفًا وهو أصحّ. وكذا رواه غير ثور عن ابن عباس
(3)
.
وحديث جابر قد قدمنا في "باب علامات البلوغ"
(4)
من كتاب التفليس عند الكلام على حديث عليّ بن أبي طالب بلفظ: "حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتم بعد احتلام
…
" الحديث. أن المنذري
(5)
قال: وقد روي هذا الحديث - يعني حديث عليّ - من رواية جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وليس فيها شيء يثبت، اهـ، وهو يشير برواية جابر بن عبد الله إلى حديثه
(6)
هذا. ولا يخفى أن حديث ابن عباس المذكور
(7)
ههنا يشهد له، وكذلك يشهد له حديث عليّ المتقدّم هناك
(8)
.
قوله: (إلا ما فتق الأمعاء) أي: سلك فيها، والفتق: الشقُّ
(9)
، والأمعاء جمع المعي بفتح الميم وكسرها
(10)
.
قوله: (في الثَّدي) أي: في زمن الثَّدي، وهو لغة معروفة؛ فإنَّ العرب تقول: مات فلان في الثَّدي: أي في زمن الرَّضاع قبل الفطام كما وقع التصريح بذلك في آخر الحديث.
قوله: (انظرن من إخوانكن)، هو أمر بالتأمل فيما وقع من الرضاع؛ هل هو رضاعٌ صحيح مستجمع للشروط المعتبرة؟
(1)
في "الإرشاد"(2/ 238 - 239) وقد تقدم.
(2)
في الموطأ (2/ 602 رقم 4) بسند ضعيف، لانقطاعه وفد تقدم.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 602 - 603 رقم 5).
قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13942) وسعيد بن منصور في سننه رقم (966) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 453) والسنن الصغير رقم (2853) و (2854)، بسند صحيح.
وهو موقوف صحيح.
(4)
الباب الخامس عند الحديث رقم (2317) من كتابنا هذا.
(5)
في "مختصر السنن"(4/ 153).
(6)
تقدم برقم (9/ 2964) من كتابنا هذا.
(7)
تقدم برقم (8/ 2963) من كتابنا هذا.
(8)
تقدم رقم (9/ 2317) من كتابنا هذا.
(9)
القاموس المحيط (ص 1182).
(10)
النهاية (2/ 668).
قال المهلب
(1)
: المعنى انظرن ما سبب هذه الأخوّة، فإنَّ حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حيث تسدّ الرضاعة المجاعة.
وقال أبو عبيد
(2)
: معناه: أن الذي إذا جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرَّضاع هو الصبيُّ، لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع.
قوله: (فإنَّما الرَّضاعة من المجاعة) هو تعليل للباعث على إمعان النظر والتفكر بأن الرضاعة التي تثبت بها الحرمة هي حيث يكون الرضيع طفلًا يسدُّ اللبن جوعته.
وأما من كان يأكل ويشرب فرضاعه لا عن مجاعة، لأن في الطعام والشراب ما يسدّ جوعته، بخلاف الطفل الذي لا يأكل الطعام. ومثل هذا المعنى حديث:"لا رضاع إلا ما أنشرَ العظم وأنبت اللحم"
(3)
، فإن إنشار العظم وإنبات اللحم إنما يكون لمن كان غذاؤه اللبن.
وقد احتج بهذه الأحاديث من قال: إن رضاع الكبير لا يقتضي التحريم مطلقًا وهم الجمهور كما تقدّم. وأجاب القائلون بأنَّ رضاع الكبير يقتضي التحريم مطلقًا وهم من تقدّم. ذكره عن هذه الأحاديث، فقالوا: أما حديث: "لا يحرّم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء"
(4)
، فأجابوا عنه بأنه منقطع كما تقدم.
ولا يخفى أن تصحيح الترمذي
(5)
والحاكم
(6)
لهذا الحديث يدفع علة الانقطاع فإنهما لا يصححان ما كان منقطعًا إلا وقد صحّ لهما اتصاله، لما تقرّر في علم الاصطلاح أن المنقطع من قسم الضعيف
(7)
.
وأجابوا عن حديث: " [لا رضاع
(8)
] إلا ما كان في الحولين"
(9)
بأنه موقوف كما تقدم، ولا حجة في الموقوف، وبما تقدم من اشتهار الهيثم بن جميل بالغلط
(1)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 148).
(2)
في "غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (2/ 149).
(3)
وهو حديث ضعيف وقد تقدم آنفًا.
(4)
تقدم برقم (2962) من كتابنا هذا.
(5)
في السنن (3/ 459).
(6)
لم أقف عليه في المستدرك كما تقدم.
(7)
انظر: "إرشاد الفحول"(ص 247) بتحقيقي. وتدريب الراوي (1/ 179). وتنقيح الأنظار (ص 112) بتحقيقي.
(8)
في المخطوط (ب): (الإرضاع).
(9)
تقدم برقم (2963) من كتابنا هذا.
وهو المنفرد برفعه، ولا يخفى أن الرفع زيادة يجب المصير إليها على ما ذهب إليه أئمة الأصول
(1)
وبعض أئمة الحديث، إذا كانت ثابتةً من طريقِ ثقةٍ، والهيثم ثقةٌ، كما قاله الدارقطني، مع كونه مؤيدًا بحديث جابر
(2)
المذكور.
وأجابوا عن حديث: "فإنما الرضاعة من المجاعة"
(3)
بأنَّ شرب الكبير يؤثر في دفع مجاعته قطعًا، كما يؤثر في دفع مجاعة الصغير أو قريبًا منه.
وأورد عليهم: أن الأمر إذا كان كما ذكرتم من استواء الكبير والصغير فما الفائدة في الحديث، وتخلصوا عن ذلك بأنَّ فائدته إبطال تعلق التحريم بالقطرة من اللبن والمصة التي لا تغني من جوع.
ولا يخفى ما في هذا من التعسُّف؛ ولا ريب أن سدّ الجوعة باللبن الكائن في ضرع المرضعة إنما يكون لمن لم يجد طعامًا ولا شرابًا غيره، وأما من كان يأكل ويشرب فهو لا يسدّ جوعته عند الحاجة بغير الطعام والشراب، وكون الرضاع مما يمكن أن تسدّ به جوعة الكبير أمر خارج عن محل النزاع، فإنه ليس النزاع فيمن يمكن أن تسدّ جوعته به، إنما النزاع فيمن لا تسدّ جوعته إلا به. وهكذا أجابوا عن الاحتجاج بحديث:"لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم"
(4)
فقالوا: إنه يمكن أن يكون الرضاع كذلك في حقّ الكبير ما لم يبلغ أرذل العمر، ولا يخفى ما فيه من التعسف، والحقّ ما قدمناه من أن قضية سالم مختصة بمن حصل له ضرورة بالحجاب لكثرة الملابسة
(5)
، فتكون هذه الأحاديث
(1)
إرشاد الفحول (ص 228 - 230) بتحقيقي.
والبحر المحيط (4/ 329).
(2)
تقدم رقم (2964) من كتابنا هذا.
(3)
تقدم رقم (2965) من كتابنا هذا.
(4)
وهو حديث ضعيف وقد تقدم آنفًا.
(5)
• قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(34/ 60): "يعتبر الصِّغر في الرضاعةِ إلَّا إذا دعت إليه الحاجةُ كرضاع الكبير الذي لا يُستغنى عن دخوله على المرأة ويشق احتجابها عنه كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثَّرَ رضاعهُ؛ وأما ما عداه فلا بدَّ من الصِّغر". اهـ.
• وقال محمد بن إسماعيل الأمير في "سبل السلام"(6/ 265): "هذا جمع حسن بين الأحاديث، وإعمالٌ لها من غير مخالفة لظاهرها باختصاصٍ ولا نسخٍ ولا إلغاء لما اعتبرته اللغة ودلَّتْ عليه الأحاديث". اهـ. =
مخصصة بذلك النوع فتجتمع حينئذٍ الأحاديث ويندفع التعسف من الجانبين.
وقد احتج القائلون باشتراط الصغر بقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}
(1)
.
قالوا: وذلك بيان للمدة التي تثبت فيها أحكام الرضاع.
ويجاب بأن هذه الآية مخصصة بحديث قصة سالم الصحيح
(2)
.
[الباب الثالث] بابُ يَحْرُم من الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ
11/ 2966 - (عَن ابْن عَبّاس: أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُريدَ على ابْنَة حَمْزَةَ فَقالَ: "إنَّهَا لَا تحِلُّ لي، إنَّهَا ابْنَةُ أخي مِنَ الرَّضَاعَة، وَيحْرُمُ مِن الرَّضَاعَة ما يَحْرُمُ مِنَ الرَّحِم"، وفي لَفْظٍ: "مِنَ النّسَب" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(3)
. [صحيح]
12/ 2967 - (وَعَنْ عائِشَةَ أنَّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَة ما يَحْرُمُ مِنَ الولادَة" رَوَاهُ الجَماعَة
(4)
، وَلَفْظُ ابْن ماجَهْ:"مِنَ النّسَب". [صحيح]
13/ 2968 - (وَعَنْ عائِشَةَ أنَّ أفْلَحَ أخا أبي القُعَيْس جاءَ يَسْتأذنُ عَلَيْها، وَهُوَ عَمُّها مِنَ الرَّضَاعَةِ بَعْدَ أنْ نَزَلَ الحجابُ، قالَتْ: فأبَيْتُ أنْ آذَنَ لَهُ؛ فَلَمّا جاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أخَبَرْتُهُ بالّذي صَنَعْتُ، فأمَرَنِي أنْ آذَنَ لَهُ. رَوَاهُ الجَماعَةُ)
(5)
. [صحيح]
= • وقال ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد"(5/ 527): "والأحاديث النافية للرضاع في الكبير إما مطلقة، فتقيد بحديث سهلة، أو عامة في الأحوال فتخصيصُ هذه الحال من عمومها. وهذا أولى من النسخ ودعوى التخصيص بشخصٍ بعينه، وأقرب إلى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين، وقواعد الشرع تشهد له". اهـ.
(1)
سورة البقرة، الآية:(233).
(2)
تقدم برقم (2961) من كتابنا هذا.
(3)
أحمد في المسند (1/ 275) والبخاري رقم (5100) ومسلم رقم (12/ 1447).
وهو حديث صحيح.
(4)
أحمد في المسند (6/ 66) والبخاري رقم (3105) ومسلم رقم (2/ 1444) وأبو داود رقم (2055) والترمذي رقم (1147) والنسائي رقم (3303) وابن ماجه رقم (1937).
وهو حديث صحيح.
(5)
أحمد في المسند (6/ 177) والبخاري رقم (5239) ومسلم رقم (3/ 1445) وأبو داود =
14/ 2969 - (وَعَن عَلِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله حَرَّمَ منَ الرَّضَاع ما حَرَّمَ مِنَ النّسَب"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)
(2)
. [صحيح لغيره]
قوله: (أريد) بضم الهمزة. والذي أراد من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها هو عليّ رضي الله عنه كما في صحيح مسلم
(3)
.
وقد اختلف في اسم ابنة حمزة على أقوال: أمامة، وسلمى، وفاطمة، وعائشة، وأَمة الله، وعمارة، ويعلى، وإنما كانت ابنة أخي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم رضع من ثُوَيْبَة وقد كانت أرضعت حمزة
(4)
.
قوله: (أفلح) بالفاء والحاء المهملة: وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: مولى أمّ سلمة، والقُعيس - بضم القاف وبعين وسين مهملتين - مصغرًا.
وقد استدلّ بأحاديث الباب على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وذلك بالنظر إلى أقارب الموضع لأنهم أقارب للرضيع.
وأما أقارب الرضيع فلا قرابة بينهم وبين الموضع.
والمحرَّمات من الرضاع سبع: الأمّ، والأخت بنصّ القرآن
(5)
، والبنت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت؛ لأن هؤلاء الخمس يحرمن من النسب.
= رقم (2057) والترمذي رقم (1148) والنسائي رقم (3316) وابن ماجه رقم (1948).
وهو حديث صحيح.
(1)
أحمد في المسند (1/ 132).
(2)
في السنن رقم (1146) وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: وأخرجه البزار في المسند رقم (525) والنسائي في الكبرى (رقم 5438 - العلمية) وأبو يعلى رقم (381).
إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، ولكن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
(3)
رقم (11/ 1446).
(4)
قال محمد بن إسماعيل الأمير في "سبل السلام"(6/ 268): "اختُلِفَ في اسم ابنةِ حمزةَ على سبعةِ أقوالٍ ليس فيها ما يجزمُ به، وإنما كانت ابنةُ أخيهِ صلى الله عليه وسلم لأنهُ رضعَ من ثُويبة أمةِ أبي لهب وقد كانت أرضعتْ عمَّه حمزةَ، وأحكامُ الرضاع هي حرمةُ التناكح وجوازُ النظرِ والخلوةِ والمسافرةِ لا غيرُ ذلكَ من التوارث، ووجوب الإنفاقِ والعتقِ بالملكِ وغيره من أحكامِ النسب". اهـ.
(5)
قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23].
وقد وقع الخلاف: هل يحرم بالرَّضاع ما يحرم من الصَّهار؟ وابن القيم قد حقق ذلك في الهدي
(1)
بما فيه كفايةٌ فليرجع إليه.
وقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أنه يحرم نظير المصاهرة بالرضاع فتحرم عليه أمّ امرأته من الرضاعة وامرأة أبيه من الرضاعة.
ويحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة وبين المرأة وعمتها وبنتها وبين خالتها من الرضاعة، وقد نازعهم في ذلك ابن تيمية كما حكاه صاحب الهدي
(2)
.
وحديث عائشة
(3)
في دخول أفلح عليها فيه دليل على ثبوت حكم الرضاع في حقّ زوج المرضعة وأقاربه كالمرضعة.
وقد ذهب إلى هذا جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين وسائر العلماء، وقد وقع التصريح بالمطلوب في رواية لأبي داود
(4)
بلفظ: "قالت عائشة: دخل عليَّ أفلح، فاستترت منه، فقال: أتستترين مني وأنا عمك؟ قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي. قلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال: إنه عمك فليلج عليك".
وروي عن عائشة، وابن عمر، وابن الزبير، ورافع بن خديج، وزينب بنت أمّ سلمة، وسعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وسالم وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، والشعبي، والنخعي، وأبي قلابة، وإياس بن معاوية القاضي أنه لا يثبت حكم الرَّضاع للزوج، حكى ذلك عنهم ابن أبي شيبة
(5)
، وسعيد بن منصور
(6)
، وعبد الرزاق
(7)
، وابن المنذر
(8)
، وروي أيضًا هذا القول عن ابن سيرين، وابن علية، والظاهرية
(9)
وابن بنت الشافعي
(10)
، وقد روي ما يدلّ على أنه قول جمهور الصحابة.
(1)
زاد المعاد (5/ 495 - 500).
(2)
في زاد المعاد (5/ 496).
(3)
تقدم برقم (13/ 2968) من كتابنا هذا.
(4)
في سننه رقم (2057).
وهو حديث صحيح.
(5)
في "المصنف"(4/ 347 - 349).
(6)
في سننه (1/ 237 - 240).
(7)
في "المصنف"(7/ 471 - 474).
(8)
في "الإشراف"(4/ 113 - 114).
(9)
المحلى (10/ 2 - 3).
(10)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 151).
فأخرج الشافعي
(1)
عن زينب بنت أبي سلمة أنها قالت: "كان الزبير يدخل عليّ وأنا أمتشط أرى أنه أبي وأن ولده إخوتي لأن امرأته أسماء أرضعتني، فلما كان بعد الحرّة أرسل إليَّ عبد الله بن الزبير يخطب ابنتي أم كلثوم على أخيه حمزة بن الزبير وكان للكلبية، فقلت: وهل تحلّ له؟ فقال: إنه ليس لك بأخ إنما إخوتك من ولدت أسماء دون من ولد الزبير من غيرها، قالت: فأرسلت فسألت والصحابة متوافرون وأمهات المؤمنين، فقالوا: إن الرضاع لا يحرّم شيئًا من قبل الرجل فأنكحتها إياه".
وأجيب بأنَّ الاجتهاد من بعض الصحابة والتابعين لا يعارض النص ولا يصح دعوى الإجماع لسكوت الباقين. لأنا نقول: نحن نمنع (أوّلًا): أن هذه الواقعة بلغت كل المجتهدين منهم.
(وثانيًا): أن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يكون دليلًا على الرضا.
وأما عمل عائشة بخلاف ما روت فالحُجَّة روايتها لا رأيها، وقد تقرّر في الأصول
(2)
أن مخالفة الصحابي لما رواه لا تقدح في الرواية.
وقد صحَّ عن عليّ القول بثبوت حكم الرضاع للرجل، وثبت أيضًا عن ابن عباس كما في البخاري
(3)
.
[الباب الرابع] باب شهادة المرأة الواحدة بالرضاع
15/ 2970 - (عَنْ عُقْبَةَ بْن الحارِثِ: أنّهُ تَزَوّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أبي إهاب فَجاءَتْ أمَةٌ سَوْدَاءُ فَقالَتْ: قَدْ أرْضَعْتُكُما، قالَ: فَذَكَرْتُ ذلكَ للنّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأعْرَض عَنِّي، قالَ: فَتَنَحْيْتُ فَذَكَرْتُ ذلكَ لَهُ، فَقالَ:"وكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أنَّهَا قَدْ أرْضَعَتْكُما"، فَنهاهُ عَنْها. رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وَالبُخارِيُّ
(5)
. [صحيح]
(1)
في المسند (ج 2 رقم 77 - ترتيب) بسند ضعيف.
(2)
إرشاد الفحول ص 905 بتحقيقي، والبحر المحيط (6/ 179).
(3)
في صحيحه رقم (5105).
(4)
في المسند (4/ 384).
(5)
في صحيحه رقم (2640).
وفِي رِوَايَةٍ: "دَعْها عَنْكَ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَابْنَ ماجَه)
(1)
.
في رواية للبخاري
(2)
: فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "كيف وقد قيل؟ ففارقها عقبة ونكحت زوجًا غيره".
قوله: (أمّ يحيى) اسمها غَنِيَّة بفتح الغين المعجمة وكسر النون بعدها تحتيةٌ مشدَّدة.
وقيل: اسمها زينب.
وإهاب: بكسر الهمزة وآخره باءٌ موحدةٌ.
وقد استدل بالحديث على قبول شهادة المرضعة ووجوب العمل بها وحدها وهو مرويّ عن عثمان
(3)
وابن عباس
(4)
، والزهري
(5)
، والحسن
(6)
، وإسحاق، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل
(7)
، وأبي عبيد، ولكنه قال: يجب العمل على الرجل بشهادتها فيفارق زوجته ولا يجب الحكم على الحاكم.
وروي ذلك عن مالك
(8)
. وفي رواية عنه أنه لا يقبل في الرضاع إلا شهادة امرأتين، وبه قال جماعة من أصحابه، وقال جماعة منهم بالأوّل.
(1)
أحمد في المسند (4/ 7) والبخاري رقم (5104) وأبو داود رقم (3603) والترمذي رقم (1151) والنسائي رقم (3330).
(2)
في صحيحه رقم (88).
(3)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13969): "عن الزهري أن عثمان فرَّق بين أهل أبيات بشهادة امرأة".
(4)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13971) عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال: شهادة المرأة الواحدة جائزة في الرضاع، إذا كانت مرضيّة، وتُستحلف مع شهادتها
…
".
(5)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13970) عن ابن شهاب قال: "جاءت امرأة سوداءُ في إمارة عثمان إلى أهل ثلاثة أبيات قد تناكحوا، فقالت: أنتم بنيّ وبناتي، ففرق بينهم".
(6)
أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13974) عن رجل عن الحسن قال: "تجوز شهادة الواحدة المرضية في الرضاع والنفاس".
(7)
المغني (11/ 340 - 342).
(8)
عيون المجالس (3/ 1392 - 1393 رقم 974) وبداية المجتهد (3/ 71 - 72) بتحقيقي.
وذهبت العترة
(1)
والحنفية
(2)
إلى أنه لا بدّ من رجلَيْن أو رجل وامرأتين كسائر الأمور.
ولا تكفي شهادة المرضعة وحدها بل لا تقبل عند الهادوية
(3)
لأن فيها تقريرًا لفعل المرضعة.
ولا تقبل عندهم الشهادة إذا كانت كذلك مطلقًا، ولكنه حكي في البحر
(4)
عن الهادوية والشافعية والحنفية أنه يجب العمل بالظنّ الغالب في النكاح تحريمًا. ويجب على الزوج الطلاق إن لم تكمل الشهادة، واستدلّ لهم على ذلك بهذا الحديث.
وقال الإمام يحيى (3): الخبر محمول على الاستحباب.
ولا يخفى أن النهي حقيقة في التحريم كما تقرر في الأصول
(5)
فلا يخرج عن معناه الحقيقي إلا لقرينة صارفة.
والاستدلال على عدم قبول المرأة المرضعة بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}
(6)
لا يفيد شيئًا لأن الواجب بناء العامّ على الخاصّ، ولا شكّ أن الحديث أخص مطلقًا. وأما ما أجاب به عن الحديث صاحب "ضوء النهار"
(7)
من أنَّه مخالف للأصول فيجاب عنه بالاستفسار عن الأصول.
فإن أراد الأدلة القاضية باعتبار شهادة عدلين أو رجلٍ وامرأتين فلا مخالفة لأنَّ هذا خاصّ وهي عامة.
وإن أراد غيرها فما هو؟ وأما ما رواه أبو عبيد عن علي وابن عباس والمغيرة وأنهم امتنعوا من التفرقة بين الزوجين بذلك فقد تقرّر أن أقوال بعض الصحابة ليست بحجة على فرض عدم معارضتها لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فكيف إذا عارضت ما هو كذلك
(8)
؟ وأما ما قيل من أن أمره صلى الله عليه وسلم له من باب الاحتياط فلا
(1)
البحر الزخار (3/ 270).
(2)
البناية في شرح الهداية (4/ 832).
(3)
البحر الزخار (3/ 270).
(4)
البحر الزخار (3/ 270).
(5)
وهو ما ذهب إليه الجمهور. انظر: إرشاد الفحول (ص 384) بتحقيقي، وتيسير التحرير (1/ 374).
(6)
سورة البقرة، الآية:(282).
(7)
"ضوء النهار"(13/ 113 - 1114).
(8)
تقدم الكلام عليه.
وانظر: "إرشاد الفحول"(ص 797) بتحقيقي، وشرح الكوكب المنير (4/ 422).
يخفى مخالفته لما هو الظاهر ولا سيما بعد أن كرّر السؤال أربع مرّات كما في بعض الروايات.
والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول له في جميعها: "كيف وقد قيل"
(1)
، وفي بعضها:"دعها عنك"
(2)
، كما في حديث الباب، وفي بعضها:"لا خير لك فيها"
(3)
مع أنه لم يثبت في رواية أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالطلاق، ولو كان ذلك من باب الاحتياط لأمره به.
فالحقُّ وجوب العمل بقول المرأة المرضعة حرَّةً كانت أو أمة، حصل الظنُّ بقولها، أو لم يحصل، لما ثبت في رواية
(4)
: "أن السائل قال: وأظنها كاذبة" فيكون هذا الحديث الصحيح هادمًا لتلك القاعدة المبنية على غير أساس. أعني قولهم: إنها لا تقبل شهادة فيها تقرير لفعل الشاهد ومخصصًا لعمومات الأدلة كما خصصها دليل كفاية العَدْلَة في عورات النساء عند أكثر المخالفين.
[الباب الخامس] باب ما يستحب أن تعطى المرضعة عند الفطام
16/ 2971 - (عَنْ حَجّاج بْن حَجّاجٍ - رَجُلٍ مِنْ أسْلَمَ - قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله: ما يُذْهِبُ عَني مَذَمّةَ الرَّضَاعِ؟ قالَ: "غُرَّةٌ: عَبْدٌ أوْ أمَةٌ"، رَواهُ الخَمْسَةُ إلا ابْنَ ماجَهْ وَصحَّحَهُ التِّرْمِذيُّ)
(5)
. [ضعيف]
(1)
البخاري رقم (88) وقد تقدم.
(2)
أخرجه الجماعة إلا مسلمًا وابن ماجه، وقد تقدم برقم (2970) من كتابنا هذا.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (4/ 177 رقم 19).
(4)
أخرجه ابن حبان رقم (4217) بسند صحيح.
(5)
أحمد في المسند (3/ 450) وأبو داود رقم (2064) والترمذي رقم (1153) والنسائي في المجتبى رقم (3329) وفي السنن الكبرى (رقم 5458 - الرسالة).
قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 157) وأبو يعلى رقم (6835) وابن حبان رقم (4230) و (4231) والطحاوي "في شرح مشكل الآثار" رقم (692) و (693) و (694) والطبراني في المعجم الكبير رقم (3199) و (3201) و (3203 - 3208) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 464) من طرق.
وهو حديث ضعيف.
الحديث سكت عنه أبو داود
(1)
، وقال المنذري
(2)
: إنَّه الحجَّاج بن الحجَّاج بن مالك الأسلميُّ، سكن المدينة. وقيل: كان ينزل العرج.
ذكره أبو القاسم البغويُّ وقال: ولا أعلم للحجَّاج بن مالك غير هذا الحديث.
وقال أبو عمر النمريُّ: له حديثٌ واحدٌ.
وقال الترمذيُّ
(3)
بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح.
هكذا رواهُ يحيى بن سعيد القطان، وحاتم بن إسماعيل، وغير واحد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حجَّاج بن حجَّاج، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواهُ سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حجَّاج بن حجَّاج عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وحديث ابن عيينة غير محفوظٍ.
والصحيح ما رواهُ هؤلاء عن هشام بن عروة. وهشام بن عروة يكنى: أبا المنذر، وقد أدرك جابر بن عبد الله وابن عمر، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام هي أم هشام بن عروة، انتهى كلامه.
وقد بوّب أبو داود على هذا الحديث: باب في الرضخ عند الفصال
(4)
، وبوّب عليه الترمذيُّ: باب مَا جَاءَ ما يُذْهِبُ مَذَمَّةَ الرَّضاع
(5)
.
وقد استدلّ بالحديث على استحباب العطية للمرضعة عند الفطام وأن يكون عبدًا أو أمة.
والمراد بقوله: "ما يذهب عني مذمة الرضاع" أي ما يذهب عني الحقّ الذي تعلق بي للمرضعة لأجل إحسانها إليَّ بالرَّضاع، فإني إن لم أكافئها على ذلك صرت مذمومًا عند الناس بسبب عدم المكافأة، والله أعلم.
(1)
في السنن (2/ 553).
(2)
في "مختصر السنن"(3/ 14).
(3)
في سننه (3/ 460).
(4)
في سننه (2/ 553 رقم الباب رقم 12) باب في الرَّضخ عند الفصال.
(5)
في سننه (3/ 459 رقم الباب رقم 6) باب ما جاء ما يذهب مذمة الرضاع.
[الكتاب السابع والثلاثون] كتاب النفقات
[الباب الأول] باب نفقة الزوجة وتقديمها على نفقة الأقارب
1/ 2972 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "دِينارٌ أنْفَقْتَهُ فِي سَبِيل الله، وَدينارٌ أنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَة، وَدينارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ على مِسْكِينٍ، وَدينارٌ أنْفَقْتَهُ على أهْلِكَ، أعْظَمُها أجْرًا الّذي أنْفَقْتَهُ على أهْلِكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَمُسْلِمٌ)
(2)
. [صحيح]
2/ 2973 - (وَعَنْ جابِر: أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِرَجُل: "ابْدأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْها، فإنْ فَضَلَ شَيءٌ فَلأهْلِكَ؛ فإنْ فَضَلَ عَنْ أهْلِكَ شَيءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ؛ فإنْ فَضَلَ [شيء]
(3)
عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا" رَوَاهُ أحْمَدُ
(4)
وَمُسْلِمٌ
(5)
وأبُو دَاوُدَ
(6)
وَالنّسائيُّ)
(7)
. [صحيح]
3/ 2974 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَصَدَّقُوا"، قالَ رَجُل: عِنْدِي دِينارٌ، قالَ:"تَصَدَّقْ بِهِ على نَفْسِكَ"، قالَ: عِنْدِي دِينارٌ آخَرُ، قالَ:"تَصَدَّقْ بِهِ على زَوْجَتِكَ"، قالَ: عِنْدِي دِينارٌ آخَرُ، قالَ:"تَصَدَّقْ بِهِ على وَلَدِكَ"، قالَ: عِنْدِي دِينارٌ آخَرُ، قالَ:"تَصَدَّقْ بِهِ على خادِمِكَ"، قالَ: عِنْدِي دِينارٌ آخَرُ، قالَ:"أنْتَ أبْصَرُ بِهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ
(8)
وَالنّسائيُّ
(9)
، وَرَوَاهُ أبُو دَاوُدَ
(10)
لَكِنّهُ قَدَّمَ
(1)
في المسند (2/ 476).
(2)
في صحيحه رقم (39/ 995).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المخطوط (ب) زيادة كلمة (شيء) وهي مقحمة كما في مصادر التخريج.
(4)
في المسند (5/ 303، 369).
(5)
في صحيحه رقم (41/ 997).
(6)
في سننه رقم (3957).
(7)
في سننه رقم (2546).
وهو حديث صحيح.
(8)
في المسند (2/ 251).
(9)
في سننه رقم (2535).
(10)
في سننه رقم (1691). =
الوَلَدَ على الزَّوْجَةِ، وَاحْتَجَّ بِهِ أبُو عُبَيْدٍ فِي تَحْدِيدِ الغِنَى بِخَمْسَةِ دَنانِيرَ ذَهَبًا تَقْوِيَةً لِحدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الخَمْسِينَ دِرْهَمًا). [حسن]
حديث أبي هريرة الآخر أخرجه أيضًا لشافعي
(1)
وابن حبان
(2)
والحاكم
(3)
.
قال ابن حزم
(4)
: اختلف يحيى القطان، والثوريُّ، فقدَّم يحيى الزوجة على الولد، وقدَّم سفيان الولد على الزوجة، فينبغي أن لا يقدم أحدهما على الآخر بل يكونان سواءً؛ لأنَّه قد صحَّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم، تكلم ثلاثًا، فيحتمل أن يكون في إعادته إياه مرة قدَّم الولد، ومرَّةً قدّم الزوجة، فصارا سواءً ولكنَّه يمكن ترجيح تقدُّم الزوجة على الولد بما وقع من تقديمها في حديث جابرٍ
(5)
المذكور في الباب، وهكذا قال الحافظ في التلخيص
(6)
.
وحديث أبي هريرة
(7)
الأوّل فيه دليلٌ: على أن الإنفاق على أهل الرجل أفضل من الإنفاق في سبيل الله، ومن الإنفاق في الرقاب، ومن التصدُّق على المساكين.
وحديث جابر
(8)
فيه دليل: على أنه لا يجب على الرجل أن يؤثر زوجته وسائر قرابته بما يحتاج إليه في نفقة نفسه. ثم إذا فضل عن حاجة نفسه شيء فعليه إنفاقه على زوجه.
= قلت: وأخرجه الحميدي رقم (1176) والشافعي (ج 2 رقم 209 - ترتيب) والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (197) وابن حبان رقم (3337) و (4233) و (4235) والحاكم (1/ 415) والبيهقي (7/ 466) والبغوي في شرح السنة رقم (1685) و (1686) من طرق عن محمد بن عجلان، به.
وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، مع أن مسلمًا لم يحتج بابن عجلان، ومدار الحديث على محمد بن عجلان هذا وهو صدوق، وأقل أحواله أن يكون حسنًا.
والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.
(1)
في المسند (ج 2 رقم 209 - ترتيب) وقد تقدم.
(2)
في صحيحه رقم (3337) و (4233) و (4235) وقد تقدم.
(3)
في المستدرك (1/ 415) وقد تقدم.
(4)
المحلى (10/ 89).
(5)
تقدم برقم (2973) من كتابنا هذا.
(6)
في "التخليص"(4/ 18).
(7)
تقدم برقم (1/ 2972) من كتابنا هذا.
(8)
تقدم برقم (2/ 2973) من كتابنا هذا.
وقد انعقد الإجماع على وجوب نفقة الزوجة، ثم إذا فضل عن ذلك شيء فعلى ذوي قرابته، ثم إذا فضل عن ذلك شيء فيستحبّ له التصدُّق بالفاضل، والمراد بقوله:"هكذا وهكذا" أي: يمينًا وشمالًا كناية عن التصدُّق.
واعلم: أنَّه قد وقع الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين كما حكى ذلك في البحر
(1)
.
واستدلّ له بقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
(2)
ثم قال: ولو كانا كافرين لقوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ}
(3)
، و"أنت ومالكِ لأبيك"
(4)
.
(1)
البحر الزخار (3/ 279).
(2)
سورة البقرة، الآية:(83).
(3)
سورة العنكبوت، الآية:(8).
(4)
أخرج أحمد في المسند (2/ 179) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (995) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 480) وأبو داود رقم (2291) وابن ماجه رقم (2292).
من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتى أعرابيُّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أبي يُريدُ أن يجتاحَ مالي؟ قال: "أنت ومالُك لِوالدك، إنَّ أطيبَ ما أكلتُم من كسبكم، وإن أموال أولادِكم من كسبكم فكلُوه هنيئًا".
إسناده حسن، وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.
وله شواهد من حديث عائشة، وجابر، وابن مسعود، وسمرة، وعبد الله بن عمر.
• أما حديث عائشة فقد أخرجه أحمد في المسند (6/ 31، 42) وابن حبان في صحيحه رقم (410) و (4262).
إسناده ضعيف ولكن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.
• وأما حديث جابر، فقد أخرجه ابن ماجه رقم (2291) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 158) وفي شرح مشكل الآثار رقم (1598) والبيهقي في "دلائل النبوة"(6/ 304 - 305) في قصة مطولة.
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 202): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط البخاري
…
". اهـ.
وهو حديث صحيح، والله أعلم.
• وأما حديث ابن مسعود فقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" رقم (10019) وفي الأوسط رقم (57) والصغير رقم (2) و (947) مع الروض الداني. في قصة طويلة.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 154) وقال: "رواه الطبراني في الثلاثة وفيه إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات".
قلت: بل ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 304، 305) وسكت عنه. وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/ 113) حيث قال عن أبيه "ما به بأس". وذكره ابن حبان في "الثقات"(6/ 13) وقال: من فقهاء أهل الشام. وقال الطبراني: لا يروى عن ابن =
ثم حكى بعد حكاية الإجماع المتقدم عن العترة والفريقين أن الأم المعسرة كالأب في وجوب نفقتها.
واستدلّ له بقوله صلى الله عليه وسلم: "أمك ثم أمك" الخبر
(1)
.
وحكى عن مالك الخلاف في ذلك لعدم الدليل.
وأجاب عليه بأن هذا الخبر دليل، وعلى فرض عدم الدليل [فبالقياس]
(2)
على الأب، ثم قال: وكذا الخلاف في الجد أبي الأب. ثم حكى
(3)
عن عمر، وابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، والعترة، وأحمد بن حنبل
(4)
، وأبي ثور
(5)
، أنها تجب النفقة لكل معسرٍ على كل موسر إذا كانت ملَّتهما واحدة
(6)
وكانا يتوارثان.
= مسعود إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن ذي حماية وكان من ثقات المسلمين.
• وأما حديث سمرة فقد أخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (6961) والبزار رقم (1260 - كشف). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 154): وقال: "رواه البزار، والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عبد الله بن إسماعيل الجوداني، قال أبو حاتم: لين، وبقية رجال البزار ثقات". اهـ.
• وأما حديث عبد الله بن عمر، فقد أخرجه الزار رقم (1259 - كشف) وأبى يعلى رقم (5731).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 154): "رواه البزار، والطبراني في الكبير وفي الأوسط منه: الولد من كسب الوالد فقط. وميمون بن يزيد لينه أبو حاتم، ووهب بن يحيى بن زمام لم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات".
وانظر بقية الكلام على هذا الحديث في: الرسالة رقم (58) من المجلد الرابع من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بعنوان: "الكلام على حديث: "أنت ومالك لأبيك".
(1)
أخرجه أحمد في المسند (4/ 157) والبخاري رقم (5971) ومسلم رقم (1/ 2548) من حديث أبي هريرة.
(2)
في المخطوط (ب): (فالقياس).
(3)
أي الإمام المهدي في "البحر الزخار"(3/ 280).
(4)
المغني (11/ 374).
(5)
موسوعة فقه أبي ثور (ص 549 - 550).
(6)
قال العمراني في "البيان"(11/ 249 - 250): "نفقةُ القرابةِ تجبُ مع اتفاقِ الدِّينِ ومعَ اختلافِهِ، فإنْ كان أحدُهما مسلمًا والآخرُ كافرًا .. لم يمنع ذلك من وجوب النفقةِ؛ لأنه حق يتعلَّقُ بالولادةِ، فوجبَ معَ اتفاقِ الدينِ واختلافهِ، كالعتقِ بالملكِ.
ولا تجب النفقةُ لغيرِ الوالدين والمولودينَ من القرابةِ، كالأخ وابنِ الأخِ، والعمِّ وابن العم.
(وقال أبو حنيفة): (تجبُ لكلِّ ذي رَحِمٍ محرمٍ، فتجبُ عليهِ نفقةُ الأخ وأولادِهِ، والعم =
واستدلّ لذلك بقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
(1)
واللام للجنس
(2)
.
وحكى عن أبي حنيفة
(3)
وأصحابه أنها إنما تلزم للرحم المحرم فقط.
وعن الشافعي
(4)
وأصحابه لا تجب إلا للأصول والفصول فقط.
وعن مالك
(5)
: لا تجب إلا للولد والوالد فقط.
وقد أجيب عن الاستدلال بالآية المذكورة بمنع دلالتها على المطلوب ودعوى أنّ الإشارة بقوله ذلك إلى عدم المضارة، وعلى التسليم فالمراد وارث الأب بعد موته.
والأولى أن يقال: لفظ الوارث فيه احتمالات:
(أحدها): أن يراد [وارث]
(6)
المولود له المذكور في صدر الآية وهو المولود، وقد قال بهذا قبيصة بن ذؤيب
(7)
.
(الثاني): أن يراد وارث المولود، وبه قال الجمهور
(8)
من السلف وأحمد
(9)
وإسحاق وأبو ثور
(10)
.
(والثالث): أن يراد به الباقي من الأبوين بعد الآخر، وبه قال سفيان وغيره.
= والعمةِ، والخالِ والخالةِ. ولا تجبُ عليه نفقةُ أولادِ العم، ولا أولادِ العمةِ، ولا أولادِ الخال، ولا أولادِ الخالةِ).
(وقالَ أحمدُ): (تجبُ عليه نفقةُ كلِّ من كانَ وارثًا، كالأخِ وابنِ الأخ، والعمِّ وابنِ العم، ولا تجبُ عليه نفقةُ ابنةِ الأخ، والعمةِ، وابنِ العمة، وابنةِ العم).
(وقال عمر بن الخطابِ رضي الله عنه: (تجبُ عليهِ نفقةُ كلِّ قريب معروف النسب منه)
…
"اهـ.
وانظر: "البناية في شرح الهداية"(5/ 540 - 542) و"الاختيار"(4/ 247 - 249).
(1)
سورة البقرة، الآية:(233).
(2)
انظر: "روح المعاني"(2/ 147) و"الدر المصون"(2/ 471).
(3)
البناية في شرح الهداية (5/ 545) والاختيار (4/ 249).
(4)
البيان للعمراني (11/ 249 - 250) والأم (6/ 260).
(5)
المدونة (2/ 363 - 364).
(6)
زيادة من المخطوط (ب).
(7)
أخرجه الطبري في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 502) ورجحه في المرجع نفسه (2/ ج 2/ 505).
(8)
حكاه ابن كثير في تفسيره (2/ 376) والحافظ في "الفتح"(9/ 514).
(9)
المغني (11/ 375).
(10)
موسوعة فقه الإمام أبي ثور (ص 550).
فحينئذٍ لفظ الوارث مجمل لا يحلّ حمله على أحد هذه المعاني إلا بدليل، مع أنه لا يصحّ الاستدلال بالآية على وجوب نفقة كل معسر على من يرثه من قرابته الموسرين، لأن الكلام في الآية في رزق الزوجات وكسوتهنّ، ولكنه يدل على المطلوب عموم:"فلذي قرابتك".
قوله: (تصدق به على ولدك)، فيه دليل: على أنَّه يلزم الأب نفقة ولده المعسر. فإن كان الولد صغيرًا فذلك إجماع كما حكاه صاحب البحر
(1)
، وإن كان كبيرًا فقيل: نفقته على الأب وحده دون الأمّ، وقيل: عليهما حسب الإرث.
ويأتي بقية الكلام على نفقة الأقارب في باب النفقة على الأقارب
(2)
.
قوله: (تصدّق به على خادمك)، فيه دليل على وجوب نفقة الخادم، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله في باب نفقة الرقيق
(3)
.
قوله: (بخمسة دنانير ذهبًا) قد قدمنا الكلام على هذا في الزكاة
(4)
.
[الباب الثاني] بابُ اعِتبَارِ حالِ الزَّوْجِ في النَّفَقَةِ
4/ 2975 - (عَنْ مُعاوَيةَ القُشَيْرِي قالَ: أتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: فَقُلْتُ: ما تَقُولُ فِي نِسائِنا؟ قالَ: "أطْعِمُوهُن مَمّا تَأكُلُون، وَاكْسُوهُنَّ مَمّا تَكْتَسُونَ، ولَا تضْربُوهُنْ ولَا تقَبِّحُوهُنّ"، رَوَاه أبو دَاوُدَ)
(5)
. [صحيح]
(1)
البحر الزخار (3/ 277).
(2)
الباب الخامس عند الحديث رقم (8/ 2979) من كتابنا هذا.
(3)
الباب السابع عند الحديث رقم (16/ 2987) من كتابنا هذا.
(4)
نيل الأوطار (8/ 149 - 152) بتحقيقي.
(5)
في السنن رقم (2144).
• قلت: وأخرجه أحمد في المسند (4/ 447) وابن ماجه رقم (1850) والنسائي في السنن الكبرى (رقم 9171 - العلمية) والطبراني في المعجم الكبير (ج 19 رقم 1039) وابن حبان رقم (4175) والبيهقي (7/ 295).
من طرق عن يزيد بن هارون، عن شعبة، عن أبي قزعة، عن حكيم بن معاوية عن أبيه، به.
• وأخرجه أبو داود رقم (2142) وأحمد في المسند (4/ 447) والطبراني في المعجم الكبير (ج 19 رقم 1034، 1037، 1038) والحاكم في المستدرك (12/ 187 - 188) =
الحديث أخرجه أيضًا النسائي
(1)
وابن ماجه
(2)
والحاكم
(3)
وابن حبان
(4)
وصحَّحاه، وعلَّق البخاري
(5)
[طرفًا]
(6)
منه. وصححه الدارقطني في العلل
(7)
. وقد ساقه أبو داود في سننه من ثلاث طرق
(8)
، في كل واحدة [منها]
(9)
بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهو معاوية القشيري المذكور.
قال المنذري
(10)
: وقد اختلف الأئمة في الاحتجاج بهذه النسخة، يعني نسخة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده؛ فمنهم من احتج بها، ومنهم من أبى ذلك، وخرّج الترمذي
(11)
منها شيئًا وصححه.
وفي الحديث دليلٌ على أنه يجب على الزوج أن يُطعمَ امرأته مما يأكل ويكسوها مما يكتسي وأنه لا يجوز له ضربها ولا تقبيحها.
وقد تقدَّم الحديث وشرحه في باب إحسان العشرة
(12)
.
وقد استدلّ المصنف بهذا الحديث على أن العبرة بحال الزوج في النفقة، ويؤيد ذلك أيضًا قوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}
(13)
، وإلى ذلك ذهبت
= والبيهقي (7/ 305) من طرق عن أبي قزعة، به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
• وأخرجه أبو داود رقم (2143) و (2144) وأحمد (5/ 5) والطبراني في المعجم الكبير (ج 19 رقم 999، 1000، 1001، 1002) من طرق عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، وإسناده حسن.
والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(1)
في السنن الكبرى رقم (1971 - العلمية) وقد تقدم.
(2)
في سننه رقم (1850) وقد تقدم.
(3)
في المستدرك (2/ 187 - 188) وقد تقدم.
(4)
في صحيحه رقم (4175) وقد تقدم.
(5)
في صحيحه (9/ 300 - مع الفتح) معلقًا.
(6)
في المخطوط (ب): (طرفاه).
(7)
في "العلل"(7/ 90 س 1233) ليس تصحيحًا مطلقًا بل لبعض أوجه الخلاف فيه.
(8)
برقم (2142 و 2143، و 2144) وقد تقدم.
(9)
في المخطوط (ب): (منهن).
(10)
في "مختصر السنن"(3/ 68).
(11)
في سننه رقم (1965) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(12)
الباب الخامس عشر عد الحديث (2821) من كتابنا هذا.
(13)
سورة الطلاق، الآية:(9).
العترة
(1)
والشافعية
(2)
وبعض الحنفية
(3)
. وذهب أكثر الحنفية (3) ومالك
(4)
إلى أن الاعتبار بحال الزوجة.
واستدلوا بقصة هند امرأة أبي سفيان الآتية
(5)
.
وأجيب عن ذلك بأنه أمرها بالأخذ بالمعروف، ولم يطلق لها، الأخذ على مقدار الحاجة.
[الباب الثالث] باب المرأَة تنفق من مال الزوج بغير علمه إذا منعها الكفاية
5/ 2976 - (عَنْ عائِشَةَ: أنَّ هِنْدًا قالَتْ: يا رَسُولَ الله إنَّ أبا سُفْيانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي ما يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا ما أخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لا يَعْلَمُ فقالَ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بالمَعْرُوفِ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا الترْمِذِي
(6)
]. [صحيح]
قوله: (إنَّ هندًا) هي بنت عتبة بن ربيعة، والرواية بالصَّرف. ووقع في رواية للبخاري
(7)
بالمنع. وأبو سفيان: اسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
(1)
البحر الزخار (3/ 271).
(2)
البيان للعمراني (11/ 203).
وقال محققه في الحاشية: "وقد جمع أحدهم جميعها، فقال:
حقوقٌ إلى الزوجات سبعٌ تُرتَّب
…
على الزوج فاحفظ عدَّها ببيانِ
طعام وأدْمٌ كسوة ثم مسكنٌ
…
وَآلةُ تنظيف متاعٌ لبنيانِ
ومَن شأنُها الإخدامُ في بيت أهلِها
…
على زوجها فاحكمْ بخدمة إنسانِ
(3)
البناية في شرح الهداية (5/ 491 - 492).
وبدائع الصنائع (4/ 23 - 24).
(4)
عيون المجالس (3/ 1395 رقم 976).
(5)
برقم (5/ 2976) من كتابنا هذا.
(6)
أحمد في المسند (6/ 206) والبخاري رقم (5364) ومسلم رقم (7/ 1714) وأبو داود رقم (3532) والنسائي رقم (5420) وابن ماجه رقم (2293).
وهو حديث صحيح.
(7)
في صحيحه رقم (5359) ولفظه: "لا؛ إلا بالمعروف".
قوله: (شحيح)
(1)
أي بخيل حريص. وهو أعمّ من البخل لأن البخل مختصّ بمنع المال. والشحّ يعمّ منع كل شيء في جميع الأحوال. كذا في الفتح
(2)
.
قوله: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، قال القرطبي
(3)
: هذا أمر إباحةٍ، بدليل ما وقع في رواية للبخاري
(4)
بلفظ: "لا حرج"، والمراد بالمعروف القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية.
قال
(5)
: وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظًا فهي مقيدةٌ معنى، كأنَّه قال: إن صحَّ ما ذكرتِ.
والحديث فيه دليل: على وجوب نفقة الزوجة على زوجها، وهو مجمع عليه
(6)
كما سلف، وعلى وجوب نفقة الولد على الأب، وأنَّه يجوز لمن وجبت له النفقة شرعًا على شخصٍ أن يأخذ من ماله ما يكفيه إذا لم يقع منها لامتثال وأصرّ على التمرّد، وظاهره أنَّه لا فرق في وجوب نفقة الأولاد على أبيهم بين الصغير والكبير، لعدم الاستفصال، وهو ينزل منزلة العموم.
وأيضًا: قد كان في أولادها في ذلك الوقت من هو مكلف كمعاوية فإنَّه أسلم عام الفتح وهو ابن ثمانٍ وعشرين سنة، فعلى هذا يكون مكلفًا من قبل هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وسؤال هند كان في عام الفتح.
[وذهبت]
(7)
الشافعية
(8)
إلى اشتراط الصغر أو الزمانة، وحكاه ابن المنذر
(9)
عن الجمهور.
والحديث يردّ عليهم.
ولم يصب من أجاب عن الاستدلال بهذا الحديث على وجوب نفقة الأولاد
(1)
النهاية (1/ 846) والفائق (2/ 225).
(2)
الفتح (9/ 508).
(3)
في المفهم (5/ 160 - 161).
(4)
في صحيحه رقم (2460).
(5)
أي القرطبي في المفهم (5/ 161).
(6)
"الفتح"(9/ 500).
(7)
في المخطوط (ب): (ذهب).
(8)
البيان للعمراني (11/ 245).
(9)
الإشراف (4/ 48 رقم 516).
بأنه واقعة عين لا عموم لها، لأن خطاب الواحد كخطاب الجماعة كما تقرّر في الأصول
(1)
.
وفي رواية متفقٍ عليها
(2)
: "ما يكفيك ويكفي ولدك".
وقد أجيب عن الحديث أيضًا بأنه من باب الفتيا لا من القضاء وهو فاسد، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يفتي إلا بحق.
واستدلّ بالحديث أيضًا من قدّر نفقة الزوجة بالكفاية، وبه قال الجمهور
(3)
. وقال الشافعي
(4)
: إنها تقدّر بالأمداد، فعلى الموسر كل يوم مدّان، والمتوسط مدّ ونصف، والمعسر مدّ.
وروي نحو ذلك عن مالك
(5)
.
والحديث حجة عليهم كما اعترف بذلك النووي
(6)
.
وللحديث فوائد لا يتعلق غالبها بالمقام، وقد استوفاها في فتح الباري
(7)
واستوفى طرق الحديث واختلاف ألفاظه.
[الباب الرابع] بابُ إثباتِ الفُرْقَةِ للمرأةِ إِذا تعذَّرَتْ النفقةُ بإعسارٍ ونحوه
6/ 2977 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ ما كانَ مِنْها عَنْ ظَهْرِ غِنَى، وَاليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدْ السّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تعُولُ"، فَقِيلَ: مَنْ أعُولُ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: "امْرأتُكَ مِمّن تَعُولُ، تَقُولُ: أطْعِمْنِي وَإلّا فارِقْنِي، جارِيتُكَ تَقُولُ:
(1)
إرشاد الفحول (ص 444 - 445) والبحر المحيط (3/ 191).
وتيسير التحرير (1/ 252).
(2)
البخاري رقم (5364) ومسلم رقم (7/ 1714).
(3)
الفتح (9/ 500).
(4)
البيان للعمراني (11/ 204) وروضة الطالبين (9/ 40).
(5)
عيون المجالس (3/ 1395 - 1396).
(6)
في شرحه لصحيح مسلم (12/ 7 - 8).
(7)
فتح الباري (9/ 507 - 510).
أطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَلَدُك يَقُولُ: إلى مَنْ تَتْرُكنِي؟ "، رَوَاهُ أحْمَدُ
(1)
وَالدَّارَقُطْنِي
(2)
بإسْنادٍ صَحِيحٍ. [القسم الأول مرفوع صحيح، والقسم الثاني موقوف صحيح]
وأخْرَجَهُ الشّيْخانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ
(3)
وأحْمَدُ
(4)
مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَجَعَلُوا الزّيادَةَ المُفَسّرَةَ فِيهِ مِنْ قَوْلِ أبي هُرَيْرَةَ). [صحيح؛ والزيادة موقوف صحيح]
7/ 2978 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ: عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلِ لا يَجِدُ ما يُنْفِقُ على امْرأتِهِ قالَ: "يُفَرّقُ بَيْنَهُما"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)
(5)
. [ضعيف]
حديث أبي هريرة الأوّلُ حسَّن إسنادُه الحافظُ
(6)
. وهو من رواية عاصم، عن أبي صالح عن أبي هريرة. وفي حفظِ عاصم مقالٌ.
ولفظُ الحديث الذي أشار إليه المصنف في البخاري
(7)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ الصَّدقةِ ما كان عن ظهرِ غنى، واليدُ العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني،
(1)
في المسند (2/ 527).
(2)
في السنن (3/ 295 - 297 رقم 190).
قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى رقم 92111 - العلمية) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 470).
وقال البيهقي: هكذا رواه سعيد بن أبي أيوب عن ابن عجلان، ورواه ابن عيينة وغيره عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وجعل آخره من قول أبي هريرة.
وخلاصة القول: أن القسم الأول من الحديث صحيح. والقسم الثاني منه - وهو قوله: "امرأتك تقول
…
" إلخ - فالصحيح أنه موقوف على أبي هريرة.
(3)
البخاري رقم (1427) ومسلم رقم (95/ 1034).
(4)
في المسند (2/ 252).
(5)
في سننه (3/ 297 رقم 194).
قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 470) من طريق الدارقطني، به.
وانظر: "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 430). وانظر تعليق عبد العظيم آبادي في: "تعليق المغني" والإرواء (7/ 229 - 230 رقم 2161).
(6)
الفتح (9/ 501) والتلخيص (4/ 15).
(7)
في صحيحه رقم (1427) وقد تقدم.
ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلى من تدعني؟ " قالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة.
وحديث أبي هريرة الآخر أخرجه أيضًا البيهقي
(1)
من طريق عاصم القاري عن أبي صالح عن أبي هريرة وأعله أبو حاتم
(2)
.
وفي الباب عن سعيد بن المسيب عند سعيد بن منصور، والشافعي
(3)
وعبد الرزاق
(4)
: "في الرجل لا يجد ما ينفق على أهله قال: يفرّق بينهما"، قال أبو الزناد: قلت لسعيد: سنة؟ قال: سنة. وهذا مرسل قويّ.
وعن عمر عند الشافعي
(5)
وعبد الرزاق
(6)
وابن المنذر: "أنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم: إما أن ينفقوا وإما أن يطلقوا ويبعثوا نفقة ما حبسوا".
قوله: (ما كان عن ظهر غنى) فيه دليلٌ: على أن صدقة من كان غير محتاجٍ لنفسه إلى ما تصدّق به بل مستغنيًا عنه أفضل من صدقة المحتاج إلى ما تصدّق به.
ويعارضه حديث أبي هريرة عند أبي داود
(7)
والحاكم
(8)
يرفعه: "أفضل الصدقة جهد من مقلّ"، وقد فسره في النهاية
(9)
بقدر ما يحتمله حال قليل المال.
وحديث أبي هريرة أيضًا عند النسائي
(10)
وابن خزيمة
(11)
وابن حبان في
(1)
في السنن الكبرى (7/ 470) وقد تقدم.
(2)
في "العلل"(1/ 430) وقد تقدم.
(3)
في المسند (ج 2 رقم 212 - ترتيب).
(4)
في "المصنف" رقم (12356).
وهو مرسل حسن.
(5)
في المسند (ج 2 رقم 213 - ترثيب).
(6)
في "المصنف" رقم (12346).
وهو موقوف صحيح.
(7)
في سننه رقم (1677).
(8)
في المستدرك (1/ 414) وقال: صحيح على شرح مسلم ووافقه الذهبي.
وهو حديث صحيح.
(9)
النهاية (1/ 314).
(10)
في سننه رقم (2528).
(11)
في صحيحه رقم (2443).
صحيحه
(1)
واللفظ له والحاكم
(2)
وقال على شرط مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبق درهم مائة ألف درهم، فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدّق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدّق به. فهذا تصدّق بنصف ماله
…
" الحديث.
ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
(3)
.
ويؤيد الأوّل قوله تعالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}
(4)
.
ويمكن الجمع بأن الأفضل لمن كان يتكفف الناس إذا تصدّق بجميع ماله أن يتصدّق عن ظهر غنى.
والأفضل لمن يصبر على الفاقة أن يكون متصدّقًا بما يبلغ إليه جهده وإن لم يكن مستغنيًا عنه.
ويمكن أن يكون المراد بالغنى غنى النفس كما في حديث أبي هريرة عند الشيخين
(5)
وغيرهما
(6)
: "ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس".
قوله: (اليد العليا) هي يد المتصدِّق، واليد السفلى يد المتصدِّق عليه، هكذا في النهاية
(7)
.
وسيأتي في باب النفقة على الأقارب
(8)
ما يدلّ على هذا التفسير.
قوله: (وابدأ بمن تعول) أي: بمن تجب عليك نفقته.
قال في الفتح
(9)
: يقال: عال الرجل أهله: إذا مانهم: أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة.
(1)
في صحيحه رقم (3347).
(2)
في المستدرك (1/ 416) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وهو حديث حسن.
(3)
سورة الحشر، الآية:(9).
(4)
سورة الإسراء، الآية:(29).
(5)
البخاري رقم (6446) ومسلم رقم (120/ 1051).
(6)
كأحمد في المسند (2/ 243).
(7)
النهاية (2/ 251).
(8)
الباب الخامس عند الحديث (10/ 2981) من كتابنا هذا.
(9)
الفتح (9/ 500).
وفيه دليل على وجوب نفقة الأولاد مطلقًا. وقد تقدم الخلاف في ذلك، وعلى وجوب نفقة الأقارب وسيأتي
(1)
.
قوله: ([تقول:]
(2)
أطعمني وإلا فارقني)، استدلّ به وبحديث أبي هريرة الآخر على أن الزوج إذا أعسر عن نفقة امرأته واختارت فراقه فرّق بينهما، وإليه ذهب جمهور العلماء كما حكاه في فتح الباري
(3)
وحكاه صاحب البحر
(4)
عن عليّ
(5)
، وعمر
(6)
، وأبي هريرة
(7)
، والحسن البصري
(8)
، وسعيد بن المسيب
(9)
، وحماد
(10)
، وربيعة
(11)
، ومالك
(12)
، وأحمد بن حنبل
(13)
، والشافعي
(14)
، والإمام يحيى
(15)
.
(1)
الباب الخامس عند الحديث (10/ 2981) من كتابنا هذا.
(2)
سقط من المخطوط (ب).
(3)
فتح الباري (9/ 501).
(4)
البحر الزخار (3/ 276).
(5)
ذكر قول علي بن قدامة في "المغني"(11/ 361).
وقال د. القلعة جي في موسوعة فقه علي بن أبي طالب (ص 466): في الطلاق: (يعتبر عدم الإنفاق على الزوجة عذرًا مبيحًا للزوجة طلبَ فسخ النكاح، وتجاب إلى ذلك، سواء امتنع الزوج عن الإنفاق للإعسار أو لغير الإعسار).
(6)
أخرج ابن حزم في المحلى (10/ 93) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 469) في النفقات عن ابن عمر: (أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم، فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا عليهن أو يطلقوا، فإن طلقوا .. بعثوا بنفقة ما حبسوا).
(7)
ذكر قول أبي هريرة بن قدامة في المغني (11/ 361) والبغوي في شرح السنة (9/ 115) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 471).
(8)
أخرج أثر الحسن البصري بن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 149) وابن حزم في المحلى (10/ 97).
وقال الحسن: تواسيه وتتقي الله عز وجل وتصبر وينفق عليها ما استطاع، ولكنها إذا طلبت الطلاق .. كان لها ذلك، ثم قال: ينفق عليها أو يطلقها.
(9)
أخرج أثره ابن أبي شيبة في "المصنف"(4/ 148) والدارقطني (3/ 297) والبيهقي (7/ 469).
(10)
ذكره الدكتور القلعة جي في موسوعة فقه حماد (ص 198).
(11)
ذكره ابن قدامة في "المغني"(11/ 361).
(12)
في عيون المجالس (3/ 1399 رقم 980) ومواهب الجليل (5/ 561).
(13)
المغني (11/ 361).
(14)
البيان للعمراني (11/ 220) وروضة الطالبين (9/ 72).
(15)
البحر الزخار (3/ 276).
وحكى صاحب الفتح
(1)
عن الكوفيين أنه يلزم المرأة الصبر وتتعلق النفقة بذمة الزوج.
وحكاه في البحر
(2)
عن عطاء، والزهري، والثوري، والقاسمية، وأبي حنيفة
(3)
وأصحابه، وأحد قولي الشافعي
(4)
.
ومن جملة ما احتجّ به الأولون قوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}
(5)
.
وأجاب الآخرون عن الأحاديث المذكورة بما سلف من إعلالها.
وأما ما في الصحيحين فهو من قول أبي هريرة كما وقع التصريح به منه حيث قال أنه من كيسه؛ بكسر الكاف: أي من استنباطه من المرفوع.
وقد وقع في رواية الأصيلي بفتح الكاف، أي: من فطنته.
وأما قول عمر، فليس مما يحتجّ به.
وأجابوا عن الآية بأن ابن عباس
(6)
وجماعة من
(1)
الحافظ في "الفتح"(9/ 501).
(2)
البحر الزخار (3/ 276).
(3)
البناية في شرح الهداية (5/ 505).
(4)
قال العمراني في "البيان"(11/ 221): "حكاه المسعودي في الإبانة قولًا آخر لنا وليس بمشهور".
(5)
سورة البقرة، الآية:(231).
(6)
• أخرج ابن مردويه في "تفسيره" كما في "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (2/ 369) من طريق جعفر بن محمد السمسار عن إسماعيل بن يحيى عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: طلق رجل امرأته، وهو يلعب؛ لا يريد الطلاق فأنزل الله:{وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231]، فالزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق.
إسناده ضعيف، لضعف ليث بن أبي سليم. وهو حديث ضعيف.
في الباب عن عبادة بن الصامت، وأبي الدرداء.
• فأما حديث عبادة بن الصامت فقد أخرجه ابن مردويه كما في تفسير ابن كثير (2/ 369) وأحمد بن منيع كما في المطالب العالية (8/ 431 رقم 1706) وإتحاف الخيرة المهرة (4/ 484 رقم 4227) عن أبي معاوية عن إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن البصري عن عبادة بن الصامت.
إسناده ضعيف لعنعنة الحسن البصري، وضعف إسماعيل بن مسلم المكي. =
التابعين
(1)
قالوا: نزلت فيمن كان يطلق فإذا كادت العدّة تنقضي راجع.
ويجاب عن ذلك بأن الأحاديث المذكورة يقوّي بعضها بعضًا مع أنه لم يكن فيها قدح يوجب الضعف فضلًا عن السقوط، والآية المذكورة وإن كان سببها خاصًّا كما قيل فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وأما استدلال الآخرين بقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}
(2)
، قالوا: وإذا أعسر ولم يجد سببًا يمكنه به تحصيل النفقة فلا تكليف عليه بدلالة الآية.
فيجاب عنه بأنا لم نكلفه النفقة حال إعساره، بل دفعنا الضرر عن امرأته وخلصناها من حباله لتكتسب لنفسها أو يتزوّجها رجل آخر.
واحتجوا أيضًا بما في صحيح مسلم
(3)
من حديث جابر: "أنه دخلَ أبو بكر وعمرُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجداهُ حولهُ نساؤه واجمًا ساكتًا وهنّ يسألنه النفقة، فقام كل واحد منهما إلى ابنته، أبو بكر إلى عائشة وعمر إلى حفصة، فوجآ أعناقهما، فاعتزلهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شهرًا"، فضربهما لابنتيهما في حضرته صلى الله عليه وسلم لأجل مطالبتهما بالنفقة التي لا يجدها، يدلّ على عدم التفرقة لمجرّد الإعسار عنها، قالوا: ولم يزل الصحابة فيهم الموسر والمعسر، ومعسروهم أكثر.
ويجاب عن الحديث المذكور بأنّ زجرهما عن المطالبة بما ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدلّ على عدم جواز الفسخ لأجل الإعسار، ولم يروا أنهن
= وهو حديث ضعيف.
• وأما حديث أبي الدرداء فقد أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (4/ 288 - مجمع الزوائد) وابن عدي في "الكامل"(5/ 1761) المرفوع فقط، من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن عمرو بن عبيد عن الحسن عنه، به.
إسناده تالف، وهو حديث ضعيف جدًّا.
(1)
أخرج ابن جرير في "جامع البيان"(2/ 481) من طريق عمرو عن أسباط بن نصر عن السدي قال: نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن بشار، طلق امرأته، حتى إذا انقضت عدتها إلا يومين أو ثلاثة، راجعها، ثم طلقها، ففعل ذلك بها حتى مضت لها تسعة أشهر مضارة يضارها، فأنزل الله:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} بسند ضعيف جدًّا.
(2)
سورة الطلاق، الآية:(7).
(3)
رقم (29/ 1478).
طلبنه ولم يجبن إليه، كيف وقد خيرهن صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فاخترنه، وليس محل النزاع جواز المطالبة للمعسر بما ليس عنده وعدمها، بل محله: هل يجوز الفسخ عند التعذر أم لا؟
وقد أجيب عن هذا الحديث: بأنَّ أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعدمن النفقة بالكلية؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد استعاذ من الفقر المدقع، ولعلّ ذلك إنما كان فيما زاد على قوام البدن مما يعتاد الناس النزاع في مثله، وهكذا يجاب عن الاحتجاج بما كان عليه الصحابة من ضيق العيش.
وظاهر الأدلة أنَّه يثبت الفسخ للمرأة بمجرّد عدم وجدان الزوج لنفقتها، بحيث يحصل عليها ضرر من ذلك.
وقيل: إنه يؤجل الزوج مدة؛ فروي عن مالك
(1)
أنَّه يؤجل شهرًا، وعن الشافعية
(2)
ثلاثة أيام ولها الفسخ في أوّل اليوم الرابع.
وروي عن حماد
(3)
أن الزوج يؤجل سنة ثم يفسخ قياسًا على العِنِّيْن.
وهل تحتاج المرأة إلى الرفع إلى الحاكم؟ روي عن المالكية
(4)
في وجه لهم أنها ترافعه إلى الحاكم ليجبره على الإنفاق أو يطلق عنه. وفي وجهٍ لهم آخر: أنَّه ينفسخ النكاح بالإعسار، لكن بشرط أن يثبت إعساره عند الحاكم والفسخ بعد ذلك إليها.
وروي عن أحمد
(5)
أنها إذا اختارت الفسخ رافعته إلى الحاكم والخيار إليه بين أن يجبره على الفسخ أو الطلاق.
وروي عن عبد الله بن الحسن العنبري
(6)
أن الزوج إذا أعسر عن النفقة حبسه الحاكم حتى يجدها وهو في غاية الضعف، لأن تحصيل الرزق غير مقدور له إذا كان ممن أعوزته المطالب وأكدت عليه جميع المكاسب، اللهمَّ إلا أن
(1)
مواهب الجليل (5/ 564).
(2)
البيان للعمراني (11/ 225).
(3)
حكاه عنه ابن قدامة في المغني (11/ 362).
(4)
المنتقى للباجي (4/ 131 - 132).
(5)
المغني (11/ 365 - 366).
(6)
حكاه عنه ابن حزم في المحلى (10/ 92).
يتقاعد عن طلب أسباب الرزق والسعي له مع تمكنه من ذلك، فلهذا القول وجه.
وذهب ابن حزم
(1)
إلى أنه يجب على المرأة الموسرة الإنفاق على زوجها المعسر ولا ترجع عليه إذا أيسر.
وذهب ابن القيم
(2)
إلى التفصيل: وهو أنها إذا تزوَّجت به عالمة بإعساره أو كان حال [الزوج]
(3)
موسرًا ثم أعسر فلا فسخ لها، وإن كان هو الذي غرّها عند الزواج بأنه موسر ثم تبين لها إعساره كان لها الفسخ.
واعلم أنه لا فسخ لأجل الإعسار بالمهر على ما ذهب إليه الجمهور
(4)
.
وذهب بعض الشافعية
(5)
وهو مرويّ عن أحمد
(6)
إلى أنه يثبت الفسخ لأجل ذلك.
والظاهر الأوّل لعدم الدليل الدالّ على ذلك.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بأن النساء عوان في يد الأزواج كما تقدم
(7)
: أي حكمهن حكم الإسراء، لأن العاني: الأسير، والأسير لا يملك لنفسه خلاصًا من دون رضا الذي هو في أسره، فهكذا النساء.
ويؤيد هذا حديث: "الطلاق لمن أمسك بالساق"
(8)
، فليس للزوجة تخليص نفسها من تحت زوجها إلا إذا دلّ الدليل على جواز ذلك كما في الإعسار عن النفقة ووجود العيب المسوّغ للفسخ، وهكذا إذا كانت المرأة تكره الزوج كراهة شديدة.
وقد قدمنا الخلاف في ذلك.
(1)
في المحلى (10/ 92).
(2)
في زاد المعاد (5/ 458 - 459).
(3)
في المخطوط (ب): (الزواج).
(4)
المغني (10/ 172) وزاد المعاد (5/ 465).
(5)
البيان للعمراني (9/ 453 - 454).
(6)
المغني (10/ 172).
(7)
تقدم برقم (2820) من كتابنا هذا.
(8)
أخرجه ابن ماجه رقم (2081).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 140): هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة.
وهو حديث حسن.
[الباب الخامس] باب النَّفَقَةِ على الأَقَارِبِ ومن يُقَدَّم منهم
8/ 2979 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أيّ النّاسِ أحَقُّ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: "أمّك"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمّكَ"، قَالَ: ثمّ مَنْ؟ قَالَ: "أَبُوكَ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. ولمُسْلم في رواية
(2)
: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أُمّكَ"). [صحيح]
9/ 2980 - (وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أمّكَ"، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمّكَ"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أمّكَ"، قَالَ: قُلْتُ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: "أَبَاكَ، ثُمَّ الْأقرَبَ فَالْأقرَبَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(3)
وَأَبُو دَاوُدَ
(4)
وَالتِّرْمِذِيُّ)
(5)
. [حسن]
10/ 2981 - (وَعَنْ طَارِقٍ المُحَارِبيِّ قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النّاسَ وَهُوَ يَقُولُ: "يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمّكَ وأباكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أدْناكَ أدْناكَ"، رَوَاهُ النّسائيُّ)
(6)
. [صحيح]
11/ 2982 - (وَعَنْ كلَيْبِ بْنِ مَنْفَعَةَ عَنْ جَدِّهِ: أَنّهُ أتى النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أُمّكَ وَأباكَ وَأُخْتَكَ وأخاكَ، وَمَوْلَاكَ الّذِي يَلِي ذَاكَ حَقّ
(1)
أحمد في المسند (2/ 327، 328) والبخاري رقم (5971) ومسلم رقم (1/ 2548).
(2)
في صحيحه رقم (4/ 2548).
(3)
في المسند (5/ 3، 5).
(4)
في سننه رقم (5139).
(5)
في سننه رقم (1897) وقال: هذا حديث حسن.
قلت: وأخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم (3) والبيهقي (4/ 179) و (8/ 2) والبغوي في شرح السنة رقم (3417).
وهو حديث حسن.
(6)
في سننه رقم (2532).
وهو حديث صحيح.
وَاجِبٌ وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)
(1)
. [ضعيف]
حديث بهز بن حكيم أخرجه أيضًا الحاكم
(2)
؛ وحسّنه أبو داود
(3)
.
وحديث طارق المحاربي أخرجه أيضًا ابن حبان
(4)
، والدارقطني
(5)
وصححاه.
وحديث كليب بن منفعة أورده الحافظ في التلخيص
(6)
وسكت عنه، وقد أخرجه البغوي [وابن قانع
(7)
والطبراني في الكبير
(8)
والبيهقي
(9)
]
(10)
.
ورجال إسناد أبي داود لا بأس بهم.
وفي الباب عن المقدام بن معديكرب عند البيهقي
(11)
بإسناد حسن: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم بالأقرب فالأقرب".
وأخرج البخاري في الأدب المفرد
(12)
، وأحمد
(13)
، وابن حبان
(14)
والحاكم
(15)
وصححاه بلفظ: "إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم
(1)
في سننه رقم (5140) من حديث كليب بن منفعة عن جده، وكليب وثقه ابن حبان وباقي رجاله ثقات، قلت: وهو حديث ضعيف.
انظر: إرواء الغليل رقم (837).
(2)
في المستدرك (4/ 150) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(3)
في السنن رقم (1/ 351).
(4)
في صحيحه رقم (3341).
(5)
في سننه (3/ 44 رقم 186).
(6)
في "التلخيص"(4/ 497).
(7)
في معجم الصحابة (3/ 63).
(8)
في المعجم الكبير رقم (8175).
(9)
في السنن الكبرى (4/ 179).
(10)
في المخطوط (ب): (والبيهقي وابن قانع والطبراني في الكبير).
(11)
في السنن الكبرى (4/ 179) بسند حسن.
(12)
في الأدب المفرد رقم (60).
(13)
في المسند (4/ 132).
(14)
لم أقف عليه في صحيحه؟!
(15)
في المستدرك (4/ 151).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3661) والطبراني في الكبير (ج 20 رقم 637) وفي مسند الشاميين رقم (1128) من طرق.
قال الحاكم: إسماعيل بن عياش أحد أئمة أهل الشام، إنما نقم عليه سوء الحفظ فقط.
قلت: يعني في روايته عن غير أهل بلده؛ وفي هذا الحديث شيخه: بحير بن سعيد شامي. فالإسناد صحيح. =
بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب".
وأخرج الحاكم
(1)
من حديث أبي رمثة بلفظ: "أمك أمك وأباك، ثم أختك وأخاك، ثم أدناك أدناك".
قوله: (أمك)، فيه دليل: على أنَّ الأمّ أحقُّ بحسن الصحبة من الأب، وأولى منه بالبرِّ، حيث لا يتسع مال الابن إلا لنفقة واحد منهما. إليه ذهب الجمهور، كما حكاه القاضي عياض
(2)
فإنه قال: ذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب.
وقيل: إنهما سواء، وهو مرويّ عن مالك
(3)
وبعض الشافعية
(4)
.
وقد حكى الحارث المحاسبي
(5)
الإجماع على تفضيل الأم على الأب.
قوله: (ثم الأقرب فالأقرب)، فيه دليل: على وجوب نفقة الأقارب على الأقارب، سواء كانوا وارثين أم لا.
وقد قدمنا تفصيل الخلاف في ذلك.
واستدلّ من اعتبر الميراث بقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
(6)
.
قوله: (يد المعطي العليا)، هو تفسير للحديث المتقدم
(7)
بلفظ: "اليد العليا خير من اليد السفلى".
قوله: (وابدأ بمن تعول) قد تقدم تفسيره.
قوله: (ثم أدناك أدناك) هو مثل قوله: "ثم الأقرب فالأقرب"، وفي ذلك دليل على أن القريب الأقرب أحقّ بالبرّ والإنفاق من القريب الأبعد وإن كانا جميعًا فقيرين حيث لم يكن في مال المنفق إلا مقدار ما يكفي أحدهما فقط بعد كفايته.
= انظر: الصحيحة (1666).
والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(1)
في المستدرك (3/ 611).
(2)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 5).
(3)
التهذيب في اختصار المدونة (2/ 403) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 129).
(4)
البيان للعمراني (11/ 260).
(5)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(10/ 402).
(6)
سورة البقرة، الآية:(233).
(7)
تقدم برقم (2977) من كتابنا هذا.
قولى: (ومولاك الذي يلي ذاك) قيل: أراد بالمولى هنا القريب.
ولعلّ وجه ذلك أنه جعله واليًا للأم والأب والأخت والأخ، ولا بد أن يكون الوالي لهم من جنسهم في قرابة النسب.
والظاهر أن المراد بالمولى هو المولى لغةً وشرعًا، وجعله واليًا لمن ذكر لا يستلزم أن يكون من جنسهم في القرابة.
بل المراد أنه يليهم في استحقاق النفقة حيث لم يوجد معهم من هو مقدم عليه، ولا يلزم من قوله بعد ذلك:"ورحم موصولة" أن تكون الرحامة موجودة في جميع المذكورين، بل يكفي وجودها في البعض كالأم والأب والأخت والأخ.
[الباب السادس] باب من أحقُّ بكفالةِ الطِّفْلِ
12/ 2983 - (عَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أن ابْنَةَ حَمْزَةَ اخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَزَيْدٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أنا أحَقُّ بِهَا هِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِخَالَتِهَا وَقَالَ:"الخالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمّ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ
(1)
. [صحيح]
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ
(2)
أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ، وَفِيهِ:"وَالْجَارِيَةُ عِنْدَ خَالَتِها، فإنَّ الخالَةَ وَالِدَةٌ"). [صحيح]
حديث عليّ أخرجه أيضًا أبو داود
(3)
والحاكم
(4)
والبيهقي
(5)
بمعناه.
(1)
أحمد في المسند (1/ 98) والبخاري رقم (2699) ولم يعزه صاحب التحفة (2/ 38) لمسلم.
(2)
في المسند (1/ 98) بسند حسن.
(3)
في سننه رقم (2280).
(4)
في المستدرك (3/ 120) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه الألفاظ. ووافقه الذهبي.
(5)
في السنن الكبرى (8/ 6).
قوله: (وخالتها تحتي) الخالة المذكورة: هي أسماء بنت عميس.
قوله: (وقال زيد: ابنة أخي) إنما سمى حمزة أخاه لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبينه.
قوله: (الخالة بمنزلة الأم) فيه دليل: على أن الخالة في الحضانة بمنزلة الأم، وقد ثبت بالإجماع
(1)
: أن الأم أقدم الحواضن، فمقتضى [التشبيه]
(2)
أن تكون الخالة أقدم من غيرها من أمهات الأمّ وأقدم من الأب والعمات.
وذهبت الشافعية
(3)
والهادي
(4)
إلى تقديم الأب على الخالة.
وذهب الشافعي
(5)
والهادوية
(6)
إلى تقدم أمّ الأم وأم الأب على الخالة أيضًا.
وذهب الناصر
(7)
والمؤيد بالله (7) وأكثر أصحاب الشافعي
(8)
وهو رواية عن أبي حنيفة
(9)
إلى أن الأخوات أقدم من الخالة.
والأولى تقديم الخالة بعد الأم على سائر الحواضن لنصّ الحديث وفاء بحق التشبيه المذكور وإلا كان لغوًا.
وقد قيل: إن الأب أقدم من الخالة بالإجماع، وفيه نظر، فإن صاحب البحر
(10)
قد حكى عن الإصطخري
(11)
أن الخالة أولى منه، ولم يحك القول بتقديم الأب عليها إلا عن الهادي
(12)
والشافعي
(13)
وأصحابه.
وقد طعن ابن حرّم
(14)
في حديث البراء المذكور بأن في إسناده إسرائيل،
(1)
الإجماع لابن المنذر (ص 99 رقم 392).
(2)
في المخطوط (ب): (التسمية).
(3)
البيان للعمراني (11/ 278).
(4)
البحر الزخار (287/ 3).
(5)
البيان للعمراني (11/ 279).
(6)
البحر الزخار (3/ 287).
(7)
البحر الزخار (3/ 288).
(8)
البيان للعمراني (11/ 284).
(9)
الاختيار (3/ 253 - 254) وبدائع الصنائع (4/ 41).
(10)
البحر الزخار (3/ 287).
(11)
حكاه عنه العمراني في "البيان"(11/ 284).
(12)
البحر الزخار (3/ 287).
(13)
البيان للعمراني (11/ 284).
(14)
المحلى (10/ 326).
وقد ضعفه عليُّ بن المدينيِّ، وردّ عليه بأنه قد وثقه سائر أهل الحديث، وتعجب أحمد
(1)
من حفظه وقال: ثقة. وقال أبو حاتم
(2)
: هو أتقن أصحاب أبي إسحاق، وكفى باتفاق الشيخين على إخراج هذا الحديث دليلًا.
واستشكل كثير من الفقهاء وقوع القضاء منه صلى الله عليه وسلم لجعفر وقالوا: إن كان القضاء له فليس بمحرم لها، وهو وعليّ سواء في قرابتها، وإن كان القضاء للخالة فهي مزوّجة، وسيأتي أن زواج الأم مسقط لحقها من الحضانة، فسقوط حقّ الخالة بالزواج أولى.
وأجيب عن ذلك: بأنَّ القضاء للخالة والزواج لا يسقط حقها من الحضانة مع رضا الزوج كما ذهب إليه أحمد
(3)
والحسن البصري
(4)
والإمام يحيى
(5)
وابن حزم
(6)
.
وقيل: إن النكاح إنما يسقط حضانة الأمّ وحدها حيث كان المنازع لها الأب ولا يسقط حقّ غيرها ولا حقّ الأمّ حيث كان المنازع لها غير الأب وبهذا يجمع بين حديث الباب وحديث: "أنت أحقّ به ما لم تنكحي" الآتي
(7)
، وإليه ذهب [ابن جرير]
(8)
.
13/ 2984 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ: أن امرأةً قَالَتْ: يا رَسُولَ الله إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنّهُ يَنْزعُهُ مِنِّي، فَقَالَ:"أنْتِ أَحَق بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي"، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(9)
وأبُو دَاوُدَ
(10)
لَكِنْ فِي لَفْظِهِ: "وأنَّ أَبَاهُ طَلّقَنِي وَزَعَمَ أنّهُ يَنْتَزِعُهُ مِنِّي"). [حسن]
(1)
الكاشف للذهبي (1/ 67 رقم 338).
(2)
المغني للذهبي (1/ 77 رقم 613).
(3)
المغني (11/ 421).
(4)
موسوعة فقه الحسن البصري (1/ 355).
(5)
البحر الزخار (3/ 285).
(6)
المحلى (10/ 326).
(7)
برقم (2984) من كتابنا هذا.
(8)
تنبيه: في معظم طبعات "النيل" تحرف إلى: (ابن جريج) وما أثبتناه من (أ) و (ب).
(9)
في المسند (2/ 182).
(10)
في سننه رقم (2276). =
الحديث أخرجه أيضًا البيهقي
(1)
والحاكم
(2)
وصححه، وهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
قوله: (وعاء) بفتح الواو والمد وقد يضمّ: وهو الظرف، وقرأ السبعة
(3)
(4)
بالكسر.
والحواء بكسر الحاء والمد
(5)
: اسمٌ لكل شيءٍ يحوي غيره، أي: يجمعه.
والسِقاء
(6)
: بكسر السين: أي يسقى منه اللبن. ومراد الأم بذلك: أنَّها أحق به لاختصاصها بهذه الأوصاف دون الأب.
قوله: (أنت أحقّ به)، فيه دليل على أن الأمّ أولى بالولد من الأب ما لم يحصل مانع من ذلك كالنكاح، لتقييده صلى الله عليه وسلم للأحقيَّة بقوله:"ما لم تنكحي"، وهو مجمع على ذلك كما حكاه صاحب البحر
(7)
.
فإن حصل منها النكاح بطلت حضانتها، وبه قال مالك
(8)
والشافعي
(9)
والحنفية
(10)
والعترة
(11)
.
وقد حكى ابن المنذر
(12)
الإجماع عليه.
= قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 4 - 5) والحاكم في المستدرك (2/ 207) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(1)
في السنن الكبرى (8/ 4 - 5) وقد تقدم.
(2)
في المستدرك (2/ 207) وقد تقدم.
(3)
معجم القراءات (4/ 312).
(4)
سورة يوسف، الآية:(76).
(5)
قاله ابن الأثير في النهاية (1/ 456).
وانظر: القاموس المحيط (ص 1648).
(6)
القاموس المحيط (ص 1671) والنهاية (1/ 788).
(7)
البحر الزخار (3/ 284).
(8)
عيون المجالس (3/ 1403 رقم 985).
(9)
البيان للعمراني (11/ 276).
(10)
الاختيار (4/ 253) وشرح فتح القدير (4/ 330).
(11)
البحر الزخار (3/ 284 - 285).
(12)
الإجماع لابن المنذر (ص 99 رقم 393).
وروي عن عثمان أنها لا تبطل بالنكاح، وإليه ذهب الحسن البصري
(1)
وابن حزم
(2)
.
واحتجوا بما روي: "أن أمّ سلمة تزوّجت بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وبقي ولدها في كفالتها"
(3)
، وبما تقدم في حديث ابن حمزة
(4)
.
ويجاب عن الأوّل: بأن مجرّد البقاء مع عدم المنازع لا يصلح للاحتجاج به على محل النزاع لاحتمال أنه لم يبق له قريب غيرها.
وعن الثاني: بأن ذلك في الخالة ولا يلزم في الأمّ مثله.
وقد ذهب أبو حنيفة
(5)
والهادوية
(6)
إلى أن النكاح إذا كان بذي رحم محرم للمحضون لم يبطل به حقّ [حضانتها]
(7)
.
وقال الشافعي: يبطل مطلقًا لأن الدليل لم يفصل وهو الظاهر. وحديث ابنة حمزة (4) لا يصلح للتمسك به؛ لأن جعفرً ليس بذي رحم محرم لابنة حمزة.
وأما دعوى دلالة القياس على ذلك كما زعمه صاحب البحر
(8)
فغير ظاهرة.
وقد أجاب ابن حزم
(9)
عن حديث الباب بأن في إسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه. ولم يسمع أبوه من جدّه وإنما هو صحيفة كما سبق تحقيقه.
وردّ بأن حديث عمرو بن شعيب قبله الأئمة وعملوا به.
وقد استدلّ لمن قال: بأن النكاح إذا كان بذي رحم للمحضون لم يبطل حقّ المرأة من الحضانة بما رواه عبد الرزاق
(10)
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن:
(1)
موسوعة فقه الحسن البصري (1/ 355).
(2)
في المحلى (10/ 325).
(3)
انظر: صحيح مسلم رقم (3/ 918).
(4)
تقدم برقم (2983) من كتابنا هذا.
(5)
الاختيار (4/ 254) وشرح فتح القدير (4/ 331).
(6)
البحر الزخار (3/ 285).
(7)
في المخطوط (ب): (لحضانتها).
(8)
البحر الزخار (3/ 285).
(9)
في المحلى (10/ 325).
(10)
في المصنف رقم (10304) مرسلًا وفي إسناده رجل مجهول.
"أنها جاءت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي أنكحني رجلًا لا أريده وترك عمّ ولدي فأخذ مني ولدي. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أباها ثم قال لها: اذهبي فانكحي عمّ ولدك"، وهذا مع كونه مرسلًا في إسناده رجل مجهول ولم يقع التصريح فيه بأنه أرجع الولد إليها عند أن زوّجها بذي رحم له.
14/ 2985 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ غُلامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَابْنُ مَاجَهْ
(2)
والتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
(3)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ امْرَأَةٍ جَاءَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بابْنِي وَقَدْ سَقَاني مِنْ بِئْرِ أبي عِنَبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اسْتَهِمَا عَلَيْهِ"، قَالَ زَوْجُهَا: مَنْ يُحاقِّنِي فِي وَلَدِي؟ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أمّكَ فَخُذْ بِيَدِ أيّهما شِئْتَ"، فَأخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
وَكذَلِكَ النّسائي
(5)
ولَمْ يَذْكُرْ فَقَالَ: "اسْتَهِما عَلَيْهِ". [صحيح]
وَلِأحْمَدَ
(6)
مَعْنَاهُ، لَكِنّهُ قَالَ فِيهِ: جَاءَتْ امْرَأةٌ قَدْ طَلّقَهَا زَوْجُها. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَهَا: قَدْ سَقَانِي وَنَفَعَنِي). [صحيح]
15/ 2986 - (وَعَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيّ عَنْ جَدِّهِ: أن جَدّهُ أَسْلَمَ وأبَتِ امْرَأَتُهُ أنْ تُسْلِمَ، فجاءَ بابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لَمْ يَبْلُغْ، قَالَ: فأجْلَسَ النّبِي صلى الله عليه وسلم
(1)
في المسند (2/ 246).
(2)
في سننه رقم (2351).
(3)
في سننه رقم (1357) وقال: حسن صحيح.
(4)
في سننه رقم (2277).
(5)
في سننه رقم (3496).
(6)
في المسند (2/ 447).
قلت: وأخرجه الطحاوي في المشكل (4/ 176) و (4/ 177) والبيهقي (4/ 3) والحاكم (4/ 97) وقال الحاكم: صحيح الإسناد؛ ووافقه الذهبي.
وأخرجه الحميدي في "المسند" رقم (1083) والدارمي (2/ 170) وعبد الرزاق رقم (12611) و (12612) والشافعي في ترتيب المسند (2/ 62) وسعيد بن منصور رقم (2275) وابن حبان في صحيحه رقم (1200 - موارد) وابن أبي شيبة في المصنف (5/ 237) من طرق وبألفاظ متقاربة.
وهو حديث صحيح.
الأبَ هاهُنَا وَالْأُمَّ هاهُنا، ثُمَّ خَيَّرَهُ وَقَالَ:"اللَّهُمَّ اهْدِهِ"، فَذَهَبَ إِلَى أَبِيهِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ
(1)
وَالنّسائي
(2)
. [صحيح]
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أبي عَنْ جَدِّي رَافع بْن سِنَانٍ أنّهُ أسْلَمَ وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أنْ تُسْلِم، فأتَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتِ: ابْنَتِي وَهِيَ فَطِيم أوْ شِبْهُهُ، وَقَالَ رَافِعٌ: ابْنَتِي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اقْعُدْ نَاحِيَةً"، وَقَالَ لَهَا:"اقْعِدِي نَاحِيَةً"، فأقْعَدَ الصَّبِيّةَ بَيْنَهُمَا ثمّ قَالَ:"ادْعوَاها"، فَمَالَتْ إِلَى أُمها، فَقَال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُم اهْدِها"، فَمَالَتْ إلى أبِيها فأخَذَها، رَوَاهُ أحْمَدُ
(3)
وأبُو دَاوُدَ
(4)
. [صحيح]
وَعَبْدُ الْحَمِيدِ هَذَا هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ رَافع بْنِ سِنان الأنصاري).
حديث أبي هريرة رواه باللفظ الأوّل أيضًا أبو داود
(5)
. ورواه بنحو اللفظ الثاني بقية أهل السنن
(6)
وابن أبي شيبة
(7)
وصححه الترمذي
(8)
وابن حبان
(9)
وابن القطان.
وحديث عبد الحميد باللفظ الآخر أخرجه أيضًا النسائي
(10)
وابن ماجه
(11)
والدارقطني
(12)
. وفي إسناده اختلاف كثير وألفاظه مختلفة.
(1)
في المسند (5/ 447).
(2)
في سننه رقم (3495).
وهو حديث صحيح.
(3)
في المسند (5/ 446).
(4)
في سننه رقم (2244).
وهو حديث صحيح.
(5)
في سننه رقم (2277) وقد تقدم.
(6)
الترمذي في سننه رقم (1357) وابن ماجه رقم (2351) والنسائي رقم (3496) وقد تقدم.
(7)
في المصنف (5/ 237) وقد تقدم.
(8)
في السنن (3/ 639).
(9)
في صحيحه رقم (1200 - موارد) وقد تقدم.
(10)
في سننه رقم (3495) وقد تقدم.
(11)
في سننه رقم (2352).
(12)
في سننه (4/ 43 رقم 126).
وهو حديث صحيح.
ورجّح ابن القطان رواية عبد الحميد بن جعفر.
وقال ابن المنذر
(1)
: لا يثبته أهل النقل وفي إسناده مقال، ولكنه قد صححه الحاكم
(2)
.
وذكر الدارقطني أن البنت المخيَّرة اسمها عميرة،
وقال ابن الجوزي: رواية من روى أنه كان غلامًا أصح.
وقال ابن القطان: لو صحّ رواية من روى أنها بنت، لاحتمل أنهما قصتان لاختلاف المخرجين.
قوله: (خيّر غلامًا
…
إلخ)، فيه دليل على أنه إذا تنازع الأب والأم في ابن لهما كان الواجب هو تخييره فمن اختاره ذهب به.
وقد أخرج البيهقي
(3)
عن عمر أنَّه خيَّر غلامًا بين أبيه وأمه.
وأخرج أيضًا
(4)
عن عليّ أنَّه خَيّر عمارة الجذامي بين أمه وعمته، وكان ابن سبع، أو ثمان سنين، وقد ذهب إلى هذا الشافعي
(5)
وأصحابه، وإسحاق بن راهويه
(6)
. وقال: أحبُّ أن يكون مع الأم إلى سبع سنين ثم يخير. وقيل: إلى خمس.
وذهب أحمد
(7)
إلى أن الصغير إلى دون سبع سنين أمه أولى به.
وإن بلغ سبع سنين فالذكر فيه ثلاث روايات: يخيِّر وهو المشهور عن أصحابه، وإن لم يختر أقرع بينهما.
والثانية: أن الأب أحقّ به.
والثالثة: أن الأب أحقّ بالذكر والأمّ بالأنثى إلى تسع، ثم يكون الأب أحق بها.
(1)
حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(4/ 21).
(2)
في المستدرك (2/ 206 - 257) وقال: صحيح الإسناد؛ ووافقه الذهبي.
(3)
في السنن الكبرى (8/ 4).
(4)
أي البيهقي في السنن الكبرى (8/ 4).
(5)
البيان للعمراني (11/ 287).
(6)
كما في البحر الزخار (3/ 287).
(7)
المغني (11/ 415).
والظاهر من أحاديث الباب: أن التخيير في حق من بلغ من الأولاد إلى سن التمييز هو الواجب من غير فرق بين الذكر والأنثى.
وحكي في البحر
(1)
عن مذهب الهادوية، وأبي طالب، وأبي حنيفة
(2)
وأصحابه، ومالك أنه لا تخيير، بل متى استغنى بنفسه فالأب أولى بالذكر والأم بالأنثى.
وعن مالك
(3)
: الأنثى للأم حتى تزوج وتدخل، والأب للذكر حتى يبلغ.
وحدّ الاستغناء عند أبي حنيفة
(4)
وأصحابه، وأبي العباس
(5)
، وأبي طالب، أنّ يأكل ويشرب ويلبس.
وعند الشافعي والمؤيد بالله
(6)
والإمام يحيى (6): هو بلوغ السبع.
وتمسك النافون للتخيير بحديث: "أنتِ أحقُّ به ما لم تنكحي"
(7)
، ويجاب عنه: بأنَّ الجمع ممكن، وهو أن يقال: المراد بكونها أحقُّ به فيما قبل السنّ التي يخير فيها لا فيما بعدها بقرينة أحاديث الباب.
قوله: (استهما عليه) فيه دليل على أن القرعة طريق شرعية عند تساوي الأمرين. وأنه يجوز الرجوع إليها كما يجوز الرجوع إلى التخيير.
وقد قيل: إنه يقدم التخيير عليها، وليس في حديث أبي هريرة
(8)
المذكور ما يدلّ على ذلك بل ربما دلّ على عكسه، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمرهما أوّلًا بالاستهام، ثم لما لم يفعلا خير الولد.
وقد قيل: إن التخيير أولى لاتفاق ألفاظ الأحاديث عليه وعمل الخلفاء الراشدين به.
قوله: (من يحاقني) الحقاق والاحتقاق: الخصام والاختصام كما في القاموس
(9)
: أي من يخاصمني في ولدي.
(1)
البحر الزخار (3/ 287).
(2)
الاختيار (4/ 254 - 255).
(3)
عيون المجالس (3/ 1404).
(4)
الاختيار (4/ 254).
(5)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 165).
(6)
البحر الزخار (3/ 286).
(7)
تقدم برقم (2984) من كتابنا هذا.
(8)
تقدم برقم (2985) من كتابنا هذا.
(9)
في القاموس المحيط (ص 1130).
قوله: (فمالت إلى أمها، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ اهدها")، استدلَّ بذلك على جواز نقل الصبيّ إلى من اختار ثانيًا، وقد نسبه صاحب البحر
(1)
إلى القائلين بالتخيير.
واستدلّ بحديث عبد الحميد
(2)
المذكور على ثبوت الحضانة للأم الكافرة؛ لأن التخيير دليل ثبوت الحقّ.
وإليه ذهب أبو حنيفة
(3)
وأصحابه، وابن القاسم
(4)
وأبو ثور
(5)
.
وذهب الجمهور
(6)
إلى أنه لا حضانة للكافرة على ولدها المسلم.
وأجابوا عن الحديث بما تقدم من المقال وبما فيه من الاضطراب.
ويجاب بأن الحديث صالح للاحتجاج به والاضطراب ممنوع باعتبار محل الحجة. وأما احتجاجهم بمثل قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}
(7)
، وبنحو حديث:"الإسلام يعلو "
(8)
، فغير نافع لأنه عامّ وحديث الباب خاص.
واعلم أنه ينبغي قبل التخيير والاستهام ملاحظة ما فيه مصلحة للصبيّ، فإذا كان أحد الأبوين أصلح للصبيّ من الآخر قدم عليه من غير قرعة ولا تخيير، هكذا قال ابن القيم
(9)
، واستدلّ على ذلك بأدلة عامة نحو قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}
(10)
، وزعم أن قول من قال بتقديم التخيير أو القرعة مقيد بهذا.
وحكى عن شيخه ابن تيمية
(11)
أنه قال: تنازع أبوان صبيًا عند الحاكم،
(1)
البحر الزخار (3/ 284 - 285).
(2)
تقدم برقم (2986) من كتابنا هذا.
(3)
نظر: البدائع (4/ 42 - 44) والبناية (5/ 473) ورؤوس المسائل (4/ 409 - 411).
(4)
البحر الزخار (3/ 284 - 285).
(5)
موسوعة فقه أبي ثور (ص 491).
(6)
المغني (11/ 413).
(7)
سورة النساء، الآية:(141).
(8)
تقدم تخريجه (11/ 377 - 378) من نيل الأوطار بتحقيقي.
(9)
في زاد المعاد (5/ 424).
(10)
سورة التحريم، الآية:(6).
(11)
حكاه ابن القيم عن شيخه ابن تيمية في زاد المعاد (5/ 424 - 425).
وانظر الموضوع مطولًا في: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(34/ 114 - 226).
فخُيّر الولد بينهما فاختار أباه، فقالت أمه: سله لأي شيء يختاره؟ فسأله فقال: أمي تبعثني كل يوم للكاتب والفقيه يضرباني، وأبي يتركني ألعب مع الصبيان، فقضى به للأم، ورجح هذا ابن تيمية.
واستدلّ له بنوع من أنواع المناسب
(1)
، ولا يخفى أن الأدلة المذكورة في خصوص الحضانة خالية عن مثل هذا الاعتبار مفوّضة حكم الأحقية إلى محض الاختيار، فمن جعل المناسب صالحًا لتخصيص الأدلة أو تقييدها فذاك، ومن أبى ووقف على مقتضاها كان في تمسكه بالنصّ وموافقته له أسعد من غيره.
[الباب السابع] باب نَفَقَةِ الرَّقِيقِ والرِّفْقِ بِهِمْ
16/ 2987 - (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لِقُهْرَمَانٍ لَهُ: هَلْ أعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ، فَإِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كَفَى بالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(2)
. [صحيح]
17/ 2988 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ ما لا يُطِيقُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ
(3)
وَمُسْلِمٌ
(4)
[صحيح]
18/ 2989 - (وَعَنْ أَبِي ذَرّ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هُمْ إِخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ - الله تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأكلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ [عَلَيْهِ]
(5)
". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
(6)
. [صحيح]
(1)
انظرها في: "إرشاد الفحول"(ص 713 - 714، 790) بتحقيقي.
(2)
في صحيحه رقم (40/ 996).
(3)
في المسند (2/ 247).
(4)
في صحيحه رقم (41/ 1662).
وهو حديث صحيح.
(5)
سقط من المخطوط (ب).
(6)
أحمد في المسند (5/ 161) والبخاري رقم (30) ومسلم رقم (40/ 1661).
19/ 2990 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذا أَتى أَحَدَكُم خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكلَةً أَوْ أَكلَتَيْنِ، فَإِنّهُ وَليَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ)
(1)
[صحيح]
20/ 2991 - (وَعَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وهُوَ يُغَرْغِرُ بِنَفْسِهِ: "الصَّلاة وَمَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ". رَوَاهُ أحمدُ
(2)
وأَبُو دَاوُدَ
(3)
وابْنُ مَاجَهْ
(4)
. [صحيح]
حديث أنس أخرجه أيضًا النسائي
(5)
، وابن سعد
(6)
.
وله عند النسائي
(7)
أسانيد منها ما رجاله رجال الصحيح.
وله شاهد من حديث علي عند أبي داود
(8)
وابن ماجه
(9)
. زاد فيه: "والزكاة بعد الصلاة".
(1)
أحمد في المسند (2/ 277) والبخاري رقم (2557) ومسلم رقم (42/ 1663) وأبو داود رقم (3846) والترمذي رقم (1853) وابن ماجه رقم (3289).
(2)
في المسند (3/ 117).
(3)
لم يعزه صاحب التحفة (1/ 319) لأبي داود.
(4)
في سننه رقم (2697).
قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1220 - موارد) والنسائي في كتاب الوفاة رقم (19).
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 361): "هذا إسناد حسن لقصور أحمد بن المقدام عن درجة أهل الحفظ والضبط وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين".
• ويشهد له حديث علي رضي الله عنه قال: "كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم".
أخرجه أبو داود رقم (5156) وعنه البيهقي (8/ 11) وابن ماجه رقم (2698) وأحمد (1/ 78) من طريق محمد بن الفضيل عن مغيرة عن أم موسى عنه.
بسند رجاله ثقات رجال الشيخين غير أم موسى وهي سرية علي بن أبي طالب.
قال الدارقطني: حديثها مستقيم يخرج حديثها اعتبارًا". والمغيرة هو ابن مقسم قال عنه الحافظ: "ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس".
والخلاصة: أن الحديث صحيح، وانظر: الإرواء رقم (2178).
(5)
في كتاب الوفاة رقم (19) وقد تقدم.
(6)
في "الطبقات الكبرى"(2/ 253).
(7)
في كتاب الوفاة رقم (20، 21، 22، 23، 24).
(8)
في السنن رقم (5156) وقد تقدم.
(9)
في السنن رقم (2698) وقد تقدم.
وأحاديث الباب فيها دليل على وجوب نفقة المملوك وكسوته وهو مجمع
(1)
على ذلك كما حكاه صاحب البحر
(2)
وغيره.
وظاهر حديث عبد الله بن عمرو
(3)
، وحديث أبي هريرة
(4)
أنَّه لا يتعين على السيد إطعامه مما يأكل، بل الواجب الكفاية بالمعروف.
وظاهر حديث أبي ذر
(5)
أنَّه يجب على السيد إطعامه مما يأكل وكسوته مما يلبس، وهو محمول على الندب، والقرينة الصارفة إليه الإجماع على أنه لا يجب على السيد ذلك.
وذهبت العترة
(6)
والشافعي
(7)
إلى أن الواجب الكفاية بالمعروف كما وقع في رواية: فلا يجوز التقتير الخارج عن العادة، ولا يجب بذل فوق المعتاد قدرًا وجنسًا وصفةً.
قوله: (ولا يُكَلَّف من العمل ما لا يُطيق)، فيه دليل: على تحريم تكليف العبيد والإماء فوق ما يطيقونه من الأعمال وهذا مجمع عليه.
قوله: (إذا أتى أحدَكم خادمه) بنصب أحدكم ورفع خادمه، والخادم يطلق على الذكر والأنثى وهو أعم من الحرّ والمملوك.
قوله: (فإن لم يجلسه) أي لم يجلس المخدوم الخادم.
قوله: (لُقمةً أو لقمتين) بضم اللام وهي العين المأكولة من الطعام
(8)
، وروي بفتح اللام والصواب الأول إذا كان المراد العين وهو ما يلتقم؛ والثاني: إذا كان المراد الفعل وهكذا.
قوله: (أكلة أو أكلتين) وهو شك من الراوي.
وفي هذا دليل على أنه لا يجب إطعام المملوك من جنس ما يأكله المالك، بل ينبغي أن يناوله منه ملء فمه للعلة المذكورة آخرًا وهي توليه [لحرّه]
(9)
(1)
المغني (1/ 434 - 435).
(2)
البحر الزخار (3/ 282).
(3)
تقدم برقم (2987) من كتابنا هذا.
(4)
تقدم برقم (2988) من كتابنا هذا.
(5)
تقدم برقم (2989) من كتابنا هذا.
(6)
البحر الزخار (3/ 282).
(7)
الأم (6/ 264).
(8)
القاموس المحيط (ص 1495).
(9)
في المخطوط (ب): (لحرّ).
وعلاجه، ويدفع إليه ما يكفيه من أي طعام أحب على حسب ما تقتضيه العادة لما سلف من الإجماع.
وقد نقله ابن المنذر فقال: الواجب عند جميع أهل العلم إطعام الخادم من غالب القوت الذي يأكل منه مثله في تلك البلد، وكذلك الإدام والكسوة، وللسيد أن يستأثر بالنفيس من ذلك وإن كان الأفضل المشاركة.
وقال الشافعي
(1)
بعد أن ذكر الحديث: هذا عندنا على وجهين:
(الأول): أن إجلاسه معه أفضل، فإن لم يفعل فليس بواجب.
(الثاني): أن يكون الخيار إلى السيد بين أن يجلسه أو يناوله، ويكون اختيارًا غير حتم.
قوله: (كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه دليل على وقوع وصية منه صلى الله عليه وسلم، وقد قدمنا الكلام على ذلك في كتاب الوصايا.
قوله: (يغرغر)
(2)
بغينين معجمتين وراءين مهملتين مبني للمجهول.
قوله: (الصلاة وما ملكت أيمانكم) أي حافظوا على الصلاة وأحسنوا إلى المملوكين.
[الباب الثامن] باب نفقة البهائم
21/ 2992 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "عُذِّبَتِ امْرَأةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تأكلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ"
(3)
. [صحيح]
(1)
في الأم (6/ 263).
(2)
القاموس المحيط (ص 578). الغرغرة: ترديد الماء في الحلق، وغرغر: جاد بنفسه عند الموت.
(3)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 159، 188) والبخاري رقم (3482) ومسلم رقم (151/ 2242).
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ
(1)
. [صحيح]
22/ 2993 - (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأكلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ، مِثْلُ الَّذِي كانَ بَلَغَ مِنّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأ خُفَّهُ مَاءً، ثمّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ الله لَهُ فَغَفَرَ لَهُ"، [قَالُوا]
(2)
: يَا رَسُولَ الله، وَإِنَّ لنَا في الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ:"في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرًا"
(3)
. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ). [صحيح]
23/ 2994 - (وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَألتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّالَّةِ مِنَ الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي قَدْ لُطْتُها لِلْإِبِلِ، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي شَأنِ ما أَسْقِيهَا؟ قَالَ:"نَعَمْ، فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ". رَوَاهُ أَحْمَدُ
(4)
. [صحيح]
حديث سراقة أخرجه أيضًا ابن ماجه
(5)
، وأبو يعلى
(6)
، والبغوي
(7)
، والطبراني في الكبير
(8)
، والضياء في المختارة.
قوله: (عُذِّبَتِ امرأةٌ) قال الحافظُ
(9)
: لَمْ أقف على اسمها، ووقع في رواية أنَّها حِمْيَريةٌ، وفي أخرى أنها من بني إسرائيل، كما في مسلم
(10)
، والجمع ممكن لأن طائفة من حِمْيَر دخلوا في اليهودية فيكون نسبتها إلى بني إسرائيل لأنهم أهل دينها، وإلى حمير لأنهم قبيلتها.
(1)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 286، 424) والبخاري رقم (3318) ومسلم رقم (153/ 2244).
(2)
في المخطوط (ب): (فقالوا).
(3)
أحمد في المسند (2/ 375) والبخاري رقم (2363) ومسلم رقم (153/ 2244).
(4)
في المسند (4/ 175).
(5)
في سننه رقم (3686).
(6)
في المسند رقم (1568).
(7)
في شرح السنة رقم (1667).
(8)
في المعجم الكبير (ج 7 رقم 6587).
قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) رقم (1032) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 134) وأبو نعيم في "الدلائل"(236) من طرق.
وهو حديث صحيح.
(9)
في الفتح (6/ 523).
(10)
في صحيحه رقم (9/ 904).
قوله: (في هرَّة) أي: بسبب هرة، والهرة: أنثى السِّنور.
قوله: (خَشاش الأرض)
(1)
بفتح الخاء المعجمة ويجوز ضمها وكسرها، بعدها معجمتان بينهما ألف، والمراد هوامّ الأرض وحشراتها.
قال النووي
(2)
: ورويَ بالحاء المهملة، والمراد: نبات الأرض، قال: وهو ضعيف أو غلط. وفي رواية
(3)
: "من حَشراتِ الأرض".
وقد استدل بهذا الحديث على تحريم حبس الهرة وما يشابهها من الدواب بدون طعام ولا شراب، لأن ذلك من تعذيب خلق الله، وقد نهى عنه الشارع.
قال القاضي عياض
(4)
: يحتمل أن تكون عذبت في النار حقيقة أو بالحساب، لأن من نوقش الحساب عُذِّبَ، ولا يخفى أن قوله:"فدخلت فيها النار" يدل على الاحتمال الأول.
وقد قيل: إن المرأة كانت كافرة فدخلت النار بكفرها وزيد في عذابها لأجل الهرة.
قال النووي (2): والأظهر أنها كانت مسلمة، وإنما دخلت النار بهذه المعصية.
قوله: (يلهث) قال في القاموس
(5)
: اللهثان: العطشان، وبالتحريك العطش كاللهث واللهاث، وقد لهث كسمع وكغراب: حر العطش وشدة الموت، قال: وَلَهَثَ كمنع، لهثًا، ولهاثًا بالضم: أخرج لسانه عطشًا وتعبًا، أو إعياء كاللهث، واللُّهثة بالضم: التعب والعطش، انتهى.
قوله: (الثَّرى) هو التراب النديّ كما في القاموس
(6)
.
قوله: (في كلِّ كبدٍ رطبةٍ) الرطب في الأصل: ضد اليابس، وأريد به هنا الحياة؛ لأن الرطوبة في البدن تلازمها، وكذلك الحرارة في الأصل ضد البرودة، وأريد بها هنا الحياة لأن الحرارة تلازمها.
(1)
النهاية (1/ 492).
(2)
في شرحه لصحيح مسلم (14/ 240).
(3)
عند أحمد في المسند (2/ 286).
(4)
في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 178).
(5)
القاموس المحيط (ص 225).
(6)
القاموس المحيط (ص 1635).
وقد استدل بأحاديث الباب على وجوب نفقة الحيوان على مالكه، وليس فيها ما يدل على الوجوب المدعى.
أما حديث ابن عمر
(1)
، وحديث أبي هريرة
(2)
الأول الذي أشار إليه المصنف فليس فيهما إلا وجوب إنفاق الحيوان المحبوس على حابسه، وهو أخص من الدعوى، اللهم إلا أن يقال: إن مالك الحيوان حابس له في ملكه، فيجب الإنفاق على كل مالك لذلك ما دام حابسًا له لا إذا سيبه، فلا وجوب عليه لقوله في الحديث:"ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"، كما وقع التصريح بذلك في كتب الفقه، ولكن لا يبرأ بالتسييب إلا إذا كان في مكان معشب يتمكن الحيوان فيه من تناول ما يقوم بكفايته.
وأما حديث أبي هريرة
(3)
الثاني فليس فيه إلا أن المحسن إلى الحيوان عند الحاجة إلى الشراب - ويلحق به الطعام - مأجور، وليس النزاع في استحقاق الأجر بما ذكر إنما النزاع في الوجوب.
وكذلك حديث سراقة بن مالك
(4)
ليس فيه إلا مجرد الأجر للفاعل وهو يحصل بالمندوب فلا يستفاد منه الوجوب، غاية الأمر أنَّ الإحسان إلى الحيوان المملوك أولى من الإحسان إلى غيره، لأن هذه الأحاديث مصرحة بأن الإحسان إلى غير المملوك موجب للأجر، وفحوى الخطاب يدل على أن المملوك أولى بالإحسان لكونه محبوسًا عن منافع نفسه بمنافع مالكه، وأما أن المحسن إليه أولى بالأجر من المحسن إلى غير المملوك فلا، فأولى ما يستدل به على وجوب إنفاق الحيوان المملوك حديث الهرة، لأن السبب في دخول تلك المرأة النار ليس مجرد ذلك الإنفاق، بل مجموع الترك والحبس، فإذا كان هذا الحكم ثابتًا في مثل الهرة، فثبوته في مثل الحيوانات التي تُمْلَكَ أولى؛ لأنها مملوكة محبوسة مشغولة بمصالح المالك.
(1)
تقدم برقم (2992) من كتابنا هذا.
(2)
تقدم بإثر الحديث رقم (2992) من كتابنا هذا.
(3)
تقدم برقم (2993) من كتابنا هذا.
(4)
تقدم برقم (2994) من كتابنا هذا.
وقد ذهبت العترة
(1)
والشافعي
(2)
وأصحابه إلى أن مالك البهيمة إذا تمرد عن علفها أو بيعها أو تسييبها أجبر كما يجبر مالك العبد بجامع كون كل منهما مملوكًا ذا كبد رطبة، مشغولًا بمصالح مالكه محبوسًا عن مصالح نفسه.
وذهب أبو حنيفة
(3)
وأصحابه إلى أن مالك الدابة يؤمر بأحد تلك الأمور استصلاحًا لا حتمًا، قالوا: إذ لا يثبت لها حق ولا خصومة ولا ينصب عنها فهي كالشجرة.
وأجيب بأنها ذات روح محترم، فيجب حفظه كالآدمي.
وأما الشجر فلا يجبر على إصلاحه إجماعًا لكونه ليس بذي روح فافترقا، والتخيير بين الأمور الثلاثة المذكورة إنما هي في الحيوان الذي دمه محترم.
وأما الحيوان الذي يحل أكله فيخير المالك بين تلك الأمور الثلاثة أو الذبح.
قوله: (قد لُطتها) بضم اللام وبالطاء المهملة وهو في الأصل: اللزوم والستر والإلصاق كما حققه صاحب القاموس
(4)
، والمراد هنا: إصلاح الحياض، يقال: لاط حوضه يليطه: إذا أصلحه بالطين والمدر ونحوهما، ومنه قيل: اللائط، لمن يفعل الفاحشة.
تم ولله الحمد والمنة الجزء الثاني عشر
من
نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار
ويليه
الجزء الثالث عشر منه وأوله
الكتاب الثامن والثلاثون: كتاب الدماء
(1)
البحر الزخار (3/ 283).
(2)
البيان للعمراني (11/ 273).
(3)
شرح فتح القدير (4/ 388) والبناية في شرح الهداية (5/ 558 - 559).
(4)
القاموس المحيط (ص 886).
وانظر: النهاية (2/ 619).