المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكتاب الثامن والثلاثون: كتاب الدماء أبواب القصاص: الباب الأول: باب إيجاب القصاص - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - ت حلاق - جـ ١٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

الكتاب الثامن والثلاثون: كتاب الدماء

أبواب القصاص:

الباب الأول: باب إيجاب القصاص بالقتل العمد، وأن مستحقه بالخيار بينه وبين الدية.

الباب الثاني: باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر، والتشديد في قتل الذمي، وما جاء في الحر بالعبد.

الباب الثالث: باب قتل الرجل بالمرأة، والقتل بالمثقل، وهل يمثّل بالقاتل إذا مثَّل أم لا؟

الباب الرابع: باب ما جاء في شبه العمد.

الباب الخامس: باب من أمسك رجلًا وقتله آخر.

الباب السادس: باب القصاص في كسر السن.

الباب السابع: باب من عض يد رجل فانتزعها فسقطت ثنيته.

الياب الثامن: باب من اطلع في بيت قوم مغلق عليهم بغير إذنهم.

الباب التاسع: باب النهي عن الاقتصاص في الطرف قبل الاندمال.

الباب العاشر: باب في أن الدم حق لجميع الورثة من الرجال والنساء.

الباب الحادي عشر: باب فضل العفو عن الاقتصاص والشفاعة في ذلك.

الباب الثاني عشر: باب ثبوت القصاص بالإقرار.

الباب الثالث عشر: باب ثبوت القتل بشاهدين.

الباب الرابع عشر: باب ما جاءَ في القسامة.

الباب الخامس عشر: باب هل يستوفى القصاص والحدود في الحرم أم لا؟.

الباب السادس عشر: باب ما جاء في توبة القاتل والتشديد في القتل.

ص: 5

ثانيًا: أبواب الديات:

الباب الأول: باب دية النفس وأعضائها ومنافعها.

الباب الثاني: باب دية أهل الذمة.

الباب الثالث: باب دية المرأة في النفس وما دونها.

الباب الرابع: باب دية الجنين.

الباب الخامس: باب من قتل في المعترك من يظنه كافرًا فبان مسلمًا من أهل دار الإسلام.

الباب السادس: باب ما جاء في مسألة الزبية والقتل بالسبب.

الباب السابع: باب أجناس مال الدية وأسنان إبلها.

الباب الثامن: باب العاقلة وما يحمله.

الكتاب التاسع والثلاثون: كتاب الحدود

أبواب حد الزنا:

الباب الأول: باب ما جاء في رجم الزاني المحصن وجلد البكر وتغريبه.

الباب الثاني: باب رجم المحصن من أهل الكتاب وأن الإسلام ليس بشرط في الإحصان.

الباب الثالث: باب اعتبار تكرار الإقرار بالزنا أربعًا.

الباب الرابع: باب استفسار المقر بالزنا واعتبار تصريحه بما لا تردد فيه.

الباب الخامس: باب أن من أقر بحد ولم يسمه لا يحد.

الباب السادس: باب ما يذكر في الرجوع عن الإقرار.

الباب السابع: باب أن الحد لا يجب بالتهم وأنه يسقط بالشبهات.

الباب الثامن: باب من أقر أنه زنا بامرأة فجحدت.

الباب التاسع: باب الحث على إقامة الحد إذا ثبت والنهي عن الشفاعة فيه.

ص: 6

الباب العاشر: باب أن السنة بداءة الشاهد بالرجم وبداءة الإمام به إذا ثبت بالإقرار.

الباب الحادي عشر: باب ما جاء في الحفر للمرجوم.

الباب الثاني عشر: باب تأخير الرجم عن الحبلى حتى تضع، وتأخير الجلد عن ذي المرض المرجوّ زواله.

الباب الثالث عشر: باب صفة سوط الجلد وكيف يجلد من به مرض لا يرجى برؤه.

الباب الرابع عشر: باب من وقع على ذات محرم أو عمل عمل قوم لوط أو أتى بهيمة.

الباب الخامس عشر: باب فيمن وطئ جارية امرأته.

الباب السادس عشر: باب حد زنا الرقيق خمسون جلدة.

الباب السابع عشر: باب السيد يقيم الحد على رقيقه.

ثانيًا: أبواب القطع في السرقة:

الباب الأول: باب ما جاء في كم يقطع السارق؟.

الباب الثاني: باب اعتبار الحرز والقطع فيما يسرع إليه الفساد.

الباب الثالث: باب تفسير الحرز وأن المرجع فيه إلى العرف.

الباب الرابع: باب ما جاء في المختلس والمنتهب والخائن وجاحد العارية.

الباب الخامس: باب القطع بالإقرار وأنه لا يكتفى فيه بالمرة.

الباب السادس: باب حسم السارق إذا قطعت، واستحباب تعليقها في عنقه.

الباب السابع: باب ما جاء في السارق يوهب السرقة بعد وجوب القطع والشفع فيه.

الباب الثامن: باب في حد القطع وغيره، هل يستوفى في دار الحرب أم لا؟.

ص: 7

ثالثًا: أبواب حد شارب الخمر:

الباب الأول: الجلد في الخمر بالجريد والنعال وغيرها.

الباب الثاني: باب ما ورد في قتل الشارب في الرابعة وبيان نسخه.

الباب الثالث: باب من وجد منه سكر أو ريح خمر ولم يعترف.

الباب الرابع: باب ما جاء في قدر التعزير والحبس في التهم.

الباب الخامس: باب المحاربين وقطاع الطريق.

الباب السادس: باب قتال الخوارج وأهل البغي.

الباب السابع: باب الصبر على جور الأئمة، وترك قتالهم والكف عن إقامة السيف.

الباب الثامن: باب ما جاء في حد الساحر وذم السحر والكهانة.

الباب التاسع: باب قتل من صرح بسبّ النبي صلى الله عليه وسلم دون من عرّض.

رابعًا: أبواب أحكام الردة والإسلام:

الباب الأول: باب قتل المرتد.

الباب الثاني: باب ما يصير به الكافر مسلمًا.

الباب الثالث: باب صحة الإسلام مع الشرط الفاسد.

الباب الرابع: باب تبع الطفل لأبويه في الكفر ولمن أسلم منهما في الإسلام وصحة إسلام المميز.

الباب الخامس: باب حكم أموال المرتدين وجناياتهم.

ص: 8

[الكتاب الثامن والثلاثون] كتاب الدماء

[أولًا أبواب القصاص]

[الباب الأول] باب إيجاب القِصاص بالقتلِ العمدِ وأنَّ مستحقَّهُ بالخيارِ بينَهُ وبينَ الدِّيةِ

1/ 2995 - (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحل دَمُ امْرِئٍ مُسلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلا الله، وأنِّي رسُولُ الله، إلَّا بإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، والنَّفْسِ بالنَّفْسِ، والتَّارِكِ لِدِينِهِ المُفَارِقِ للْجَمَاعَةِ". رَوَاهُ الجَماعةُ)

(1)

[صحيح]

2/ 2996 - (وعَنْ عائشةَ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا مِنْ ثَلاثَةٍ: إلَّا مَنْ زَنا بَعْدَما أحصِنَ، أَوْ كَفَرَ بَعدَما أَسْلَمَ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا فَقُتِلَ بهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(2)

والنَّسَائي

(3)

ومُسْلِمٌ

(4)

بمَعناهُ.

وفي لَفْظ: لَا يَحِلُّ قَتْلُ مُسلِمٍ إلَّا في إحْدَى ثَلاثِ خِصالٍ: زَانٍ مُحْصَنٍ فيُرْجَمُ، ورَجُلٍ يَقْتُلُ مُسْلِمًا مُتَعَمِّدًا، أو رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنْ الإسَلامِ فَيُحاربُ الله عز وجل ورَسُولهُ فَيُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ الأَرْضِ. رَوَاهُ

(1)

أحمد في المسند (1/ 382، 428، 444) والبخاري رقم (6878) ومسلم رقم (25/ 1676) وأبو داود رقم (4352) والترمذي رقم (1402) والنسائي رقم (4721) وابن ماجه رقم (2534).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (289) والدارمي (2/ 218) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 19، 194، 202، 213، 283 - 284) والبغوي في شرح السنة رقم (2517) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (6/ 58).

(3)

في سننه رقم (4017).

(4)

في صحيحه رقم (26/ 1676) بنحو حديث ابن مسعود.

ص: 9

النَّسَائيُّ

(1)

[صحيح]

وهُوَ حُجَّةٌ في أنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مُسلِمٌ بكافِرٍ).

حديث عائشة باللفظ الآخر أخرجه أيضًا أبو داود

(2)

والحاكم

(3)

وصححه.

قوله: (امرئٍ مسلم) فيه دليل على أن الكافر يحل دمهُ لغير الثلاث المذكورة، لأن التوصيف بالمسلم يشعر بأن الكافر يخالفه في ذلك ولا يصحُّ أن تكون المخالفة إلى عدم حلّ دمهِ مطلقًا.

قوله: (يشهدُ أن لا إله إلا الله

إلخ)، هذا وصف كاشف لأن المسلم لا يكون مسلمًا إلا إذا كان يَشهد تلك الشهادة.

قوله: (إلا بإحدى ثلاث) مفهوم هذا يدلُّ على أنه لا يحلُّ بغير هذه الثلاث. وسيأتي ما يدل على أنه يحل [بغيرها]

(4)

، فيكون عموم هذا المفهوم مخصصًا بما ورد من الأدلة الدالة: على أنَّه يحلُّ دم المسلم بغير الأمور المذكورة.

قوله: (الثيب الزاني) هذا مجمع عليه على ما سيأتي بيانُهُ إن شاء الله [تعالى]

(5)

.

قوله: (والنَّفس بالنَّفس) المراد به: القِصاص. وقد يستدلُّ به من قال: إنه يقتل الحر بالعبد، والرجل بالمرأة، والمسلم بالكافر، لما فيه من العموم، وسيأتي تحقيق الخلاف وما هو الحق في هذه المواطن.

قوله: (والتارك لدينه) ظاهره: أن الردَّة من موجبات قتل المرتدِّ بأيِّ نوع من أنواع الكفر كانت، والمراد بمفارقة الجماعة: مفارقة جماعة الإسلام، ولا يكون ذلك إلا بالكفر، لا بالبغي، والابتداع ونحوهما؛ فإنه وإن كان في ذلك

(1)

في السنن الكبرى رقم (3497 - الرسالة) والمجتبى رقم (4048).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 367) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين. وأبو داود رقم (4353).

وهو حديث صحيح.

(2)

في السنن رقم (4353) وقد تقدم.

(3)

في المستدرك (4/ 367) وقد تقدم.

(4)

في المخطوط (أ): (لغيرها).

(5)

زيادة من المخطوط (ب).

ص: 10

مخالفة للجماعة فليس فيه ترك للدين، إذ المراد الترك الكلي ولا يكون إلا بالكفر لا مجرد ما يصدق عليه اسم الترك وإن كان لخصلة من خصال الدين للإجماع على أنه لا يجوز قتل العاصي بترك أي خصلة من خصال الإسلام، اللهم إلا أن يراد أنه يجوز قتل الباغي ونحوه دفعًا لا قصدًا، ولكنَّ ذلك ثابتٌ في كل فرد من الأفراد، فيجوز لكل فرد من أفراد المسلمين أن يقتل من بغى عليه مريدًا لقتله، أو أخذ ماله.

ولا يخفى أن هذا غير مراد من حديث الباب، بل المراد بالترك للدين والمفارقة للجماعة الكفر فقط، كما يدلُّ على ذلك قوله في الحديث الآخر:"أوْ كَفَرَ بعدما أسلم"، وكذلك قوله:"أو رجل يخرج من الإسلام".

قوله: (يخرج من الإسلام) هذا مستئنى من قوله: "مسلم" باعتبار ما كان عليه، لا باعتبار الحال الذي قتل فيه، فإنه قد صار كافرًا فلا يصدق عليه أنه امرؤ مسلم.

قوله: (فيقتَلُ أو يُصلب أو يُنفى) هذه الأفعال الثلاثة أوائلها مضمومة مبنية للمجهول.

وفيه دليل على أنه يجوز أن يفعل بمن كفر وحارَبَ أي نوع من هذه الأنواع الثلاثة.

ويمكن أن يراد بقوله: "ورجل يخرج من الإسلام" المحارب، ووصفه بالخروج عن الإسلام لقصد المبالغة، ويدل على إرادة هذا المعنى تعقيب الخروج عن الإسلام بقوله:"فيحارب الله ورسوله"، لما تقرر من أن مجرد الكفر يوجب القتل وإن لم ينضم إليه المحاربة.

ويدل على إرادة ذلك المعنى أيضًا ذكر حد المحارب عقب ذلك بقوله: "فيقتل أو يصلب، أو ينفى من الأرض"، فإن هذا هو الذي أمر الله به في حق المحاربين بقوله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}

(1)

.

(1)

سورة المائدة، الآية:(33).

ص: 11

3/ 2997 - (وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قُتِلَ لهُ قَتِيل فَهُوَ بخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَفتَدِيَ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ". رَوَاهُ الجَمَاعَةُ

(1)

. [صحيح]

لَكِنْ لفَظُ التِّرْمِذِيِّ: "إمَّا أَنْ يَعْفُوَ، وإمَّا أَنْ يَقْتُلَ").

4/ 2998 - (وعَنْ أَبي شُرَيْحٍ الخُزَاعِيِّ قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أُصيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبَلٍ، - والخَبَلُ: الْجِرَاحُ - فَهُوَ بالخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلاثٍ: إمّا أَنْ يَقْتَصَّ، أَو يَأخُذَ العَقْلَ، أَوْ يَعْفُوَ، فإِنْ أرَادَ رَابِعةً فَخُذُوا على يَدَيْهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ

(2)

وأبو دَاوُدَ

(3)

وابْنُ ماجهْ)

(4)

. [صحيح بطرقه]

5/ 2999 - (وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: كانَ في بَنِي إسْرَائِيلَ القِصَاصُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فقال الله تعالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ}

(5)

الآية، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}. قالَ: فالْعَفوُ أَنْ يَقْبَلَ في الْعَمْدِ الدِّيَةَ، والاتِّباعُ بالمَعْرُوفِ يَتْبَعُ الطَّالِبُ بِمَعْرُوفٍ ويؤَدّي إلَيْهِ المَطْلُوبُ بإِحْسَانٍ {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} فِيما كُتِبَ على مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ. رَوَاهُ البُخاريُّ

(6)

والنَّسَائيُّ

(7)

وَالدَّارقُطْنِيُّ)

(8)

. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (2/ 238) والبخاري رقم (2434) ومسلم رقم (447/ 1355) وأبو داود رقم (2017) والترمذي رقم (1405) والنسائي رقم (4785) وابن ماجه رقم (2624).

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (4/ 31).

(3)

في السنن رقم (4496).

(4)

في السنن رقم (2623).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 188) والبيهقي (8/ 52) والدارقطني (3/ 96 رقم 56) وابن الجارود في المنتقى رقم (774) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 174 - 175) إسناده ضعيف لضعف سفيان بن أبي العوجاء، أما ابن إسحاق فقد صرح بالتحديث عند الطحاوي.

والخلاصة: أن الحديث سنده ضعيف لكنه صحيح بطرقه.

انظر: "الإرواء" رقم (2220).

(5)

سورة البقرة، الآية:(178).

(6)

في صحيحه رقم (4498).

(7)

في سننه رقم (4781).

(8)

في سننه رقم (3/ 199 رقم 347).

وهو حديث صحيح.

ص: 12

حديث أبي شريح الخزاعي في إسناده محمد بن إسحاق، وقد أورده معنعنًا وهو معروف بالتدليس

(1)

، فإذا عنعن ضعف حديثه كما تقدم تحقيقه غير مرة؛ وفي إسناده أيضًا سفيان بن أبي [العرجاء]

(2)

السلمي، قال أبو حاتم الرازي

(3)

: ليس بالمشهور، وقد أخرج الحديث المذكور النسائي

(4)

، وأصله في الصحيحين

(5)

من حديث أبي هريرة بمعناه كما في حديثه المذكور.

وأبو شريح

(6)

- بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية وبعدها حاء مهملة - اسمه خويلد بن عمرو، ويقال: كعب بن عمرو، ويقال: هانئ، ويقال: عبد الرحمن بن عمرو، وقيل غير ذلك، والأولُ هو المشهورُ.

قوله: (بِخَير النَّظَرين: إمَّا أن يفتدي، وإما أن يَقْتُل)، ظاهره: أن الخيار إلى الأهل الذين هم الوارثون للقتيل، سواء كانوا يرثونه بسبب، أو نسب، وهذا مذهب العترة

(7)

والشافعي

(8)

وأبي حنيفة

(9)

وأصحابه، وقال الزهري ومالك

(10)

: يختص بالعصبة إذ شُرع لنفي العار كولاية النكاح، فإن عفوا فالدية كالتركة.

وقال [ابنُ سيرين]

(11)

: يختص بالورثة من النسب، إذ شُرع للتشفِّي، والزوجية ترتفع بالموت فلا تشفي.

(1)

قلت: لكنه صرح بالتحديث عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 174 - 175).

(2)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) والصواب (العوجاء) كما في مصادر الترجمة الآتية.

• تنبيه: لقد تحرّف الاسم في جميع طبعات "نيل الأوطار" بما فيها المحققة، والصواب هو:"سفيان بن أبي العوجاء السلمي".

(3)

في "الجرح والتعديل"(4/ 219).

وانظر: "تهذيب التهذيب"(2/ 59 - 61) والتقريب رقم (2450) وقال الحافظ: ضعيف.

(4)

لم أقف عليه عند النسائي. ولم يعزه صاحب التحفة (9/ 25) له.

(5)

البخاري رقم (6880) ومسلم رقم (447/ 1355).

(6)

انظر ترجمته في: "الإصابة" رقم (6004) والاستيعاب رقم (3063) والكاشف (3/ 305).

(7)

البحر الزخار (5/ 235).

(8)

البيان للعمراني (11/ 328).

(9)

البناية في شرح الهداية (12/ 153 - 154) والأم (الرسالة)(1/ 209 - الوفاء).

(10)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 492 - 494).

(11)

في المخطوط (ب): (شبرمة). وانظر: البحر الزخار (5/ 235).

ص: 13

وأجيب بأنه شرع لحفظ الدماء لقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}

(1)

، وظاهر الحديث: أن القصاص والدية واجبان على التخيير، وإليه ذهبت الهادوية (2) والناصر

(2)

، وأبو حامد

(3)

، والشافعي (3) في قول له.

وقال مالك

(4)

وأبو حنيفة

(5)

وأصحابه، والشافعي في أحد قوليه، والناصر (6) والدَّاعي

(6)

والطبريُّ

(7)

: إنَّ الواجب بالقتل هو القصاص لا الدية، فليس للوليِّ اختيارها [إلا بالمراضاة]

(8)

لقوله تعالى: {عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}

(9)

، ولم يذكر الدية.

ويجاب بأن عدم الذكر في الآية لا يستلزم عدم الذكر مطلقًا، فإن الدية قد ذكرت في حديثي الباب.

وأيضًا: تقدير الآية فمن اقتصَّ فالحرُّ بالحرِّ، ومن عُفي له من أخيه شيءٌ فالدّية، ويدلّ على ذلك تفسير ابن عباس المذكور.

وظاهر الحديث أيضًا: أنَّ الوليَّ إذا عفا عن القصاص لم تسقط الدية، بل يجب على القاتل تسليمها.

وروي عن مالك

(10)

وأبي حنيفة

(11)

والشافعي

(12)

في قول له، والمؤيد بالله في قول له أيضًا أنها تتبع القصاص في السقوط.

ويؤيد عدم السقوط قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}

(13)

، وأجاب القائلون بالسقوط بأن المعروف والإحسان

(1)

سورة البقرة، الآية:(179).

(2)

البحر الزخار (5/ 241).

(3)

البيان للعمراني (11/ 429 - 430).

(4)

بداية المجتهد (4/ 293) بتحقيقي، ومواهب الجليل (8/ 295) وعيون المجالس (5/ 1991 - 1992).

(5)

البناية في شرح الهداية (12/ 86 - 87).

(6)

البحر الزخار (5/ 241).

(7)

في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 105 - 106).

(8)

زيادة في المخطوط (ب).

(9)

سورة البقرة، الآية:(178).

(10)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 487).

(11)

بدائع الصنائع (7/ 246).

(12)

البيان للعمراني (11/ 429 - 430).

(13)

سورة البقرة، الآية:(178).

ص: 14

التفضل لا الوجوب، كما تقتضيه العبارة، لأن الوجوب يقتضي العقاب على الترك، والمعروف والإحسان لا يقتضيان ذلك بدليل قوله تعالى:{ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}

(1)

، ورد بأن التخفيف المذكور هو بالتخيير بين القصاص والدية لهذه الأمة بعد أن كان الواجب على بني إسرائيل هو القصاص فقط، ولم يكن فيهم الدية، ولا شك أن التخيير بين أمرين أوسع وأخفُّ من تعيين واحدٍ منهما كما في كلام ابن عباس

(2)

المذكور في الباب.

ويدل على عدم سقوط الدية بسقوط القصاص حديث أبي هريرة

(3)

، وأبي شُريح

(4)

المذكوران.

وقد أخرج الترمذي

(5)

وابن ماجه

(6)

من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: "من قتل متعمدًا أسلم إلى أولياء المقتول، فإنْ أحبُّوا قتلوا وإنْ أحبُّوا أخذوا العقل ثلاثين

(7)

حِقَّةً، وثلاثين جَذَعةً

(8)

، وأربعين خِلْقَةً

(9)

في بطونها أولادها".

وفي الكشاف

(10)

في تفسير الآية المذكورة ما لفظه: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} ، فليكن

(1)

سورة البقرة، الآية:(178).

(2)

تقدم برقم (2999) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (2997) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (2998) من كتابنا هذا.

(5)

في سننه رقم (1387)، وقال: هذا حديث حسن غريب.

(6)

في سننه رقم (2626)، وهو حديث حسن.

(7)

هي أنثى الإبل التي أتمت ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة، وسميت حِقة لأنها استحقت أن يطرقها الفحل.

(8)

هي أنثى الإبل التي أتمت أربع سنين ودخلت الخامسة.

(9)

الخلقة: هي الحوامل من النوق. القاموس المحيط (ص 1042).

(10)

الكشاف للزمخشري (1/ 371 - 372).

• وأخرج هذا الكلام في معنى الآية ابن جرير في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 111) عن قتادة.

• وكذلك ابن كثير في "تفسيره"(2/ 165) عن قتادة.

• وأخرج البخاري في صحيحه رقم (4498): عن ابن عباس عز وجل، قال: كان في بني إسرائيل القصاصُ ولم تكن فيهم الديةُ، فقال الله تعالى لهذه الأمة:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ، فالعفو أن يقبل الدية في العمد {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} يتبع بالمعروف، ويؤدي بإحسان {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} مما كتب على من كان قبلكم {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قتل بعد قبوله الدية.

ص: 15

اتباع، أو: فالأمر اتباع، وهذه توصية للمعفو عنه والعافي جميعًا، يعني فليتبع الولي القاتل بالمعروف بأن لا يعنف عليه وأن لا يطالبه إلا مطالبة جميلة، وليؤد إليه القاتل بدل دم المقتول أداء بإحسان بأن لا يمطله ولا يبخسه ذلك الحكم المذكور من العفو والدية {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} ، لأنَّ أهل التوراة كُتِبَ عليهم القصاصُ البتة وحرم العفو، وأخذ الدية، وعلى أهل الإنجيل العفو وحرم القصاص والدية، وخيرت هذه الأمة بين الثلاث: القصاص، والدية، والعفو، توسعةً عليهم وتيسيرًا. انتهى.

والمراد بقوله في حديث أبي شريح

(1)

: "فإنْ أراد رابعةً فخذوا على يديه"، أي: إذا أراد زيادة على القصاص أو الدية أو العفو، ومن ذلك قوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

(2)

.

[الباب الثاني] باب ما جاءَ لا يُقْتَل مسْلِمٌ بكافِرٍ، والتَّشدِيدُ في قتلِ الذِّمِّيِّ، وما جاءَ في الحرِّ بالعبدِ

6/ 3000 - (عَنْ أَبي جُحَيْفَةَ قالَ: قَلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِندَكُمْ شَيءٌ مِنَ الْوَحْي ما لَيْسَ في القُرْآنِ؟ فَقَالَ: لَا، والَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ الله رَجُلًا في القُرْآنِ، وما في هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قُلْتُ: وَمَا في هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وفِكَاكُ الأسِيرِ، وأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسلمٌ بكافِرٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(3)

والبُخارِيُّ

(4)

والنَّسَائيُّ

(5)

وأبو دَاوُدَ

(6)

والتّرْمِذِيُّ)

(7)

. [صحيح]

(1)

تقدم برقم (2998) من كتابنا هذا.

(2)

سورة البقرة، الآية:(178).

(3)

في المسند (1/ 79).

(4)

في صحيحه رقم (111) و (3046) و (6915).

(5)

في سننه رقم (4744).

(6)

لم يخرجه أبو داود عن أبي جحيفة.

(7)

في سننه رقم (1412).

قلت: وأخرجه الحميدي رقم (40) وابن الجارود رقم (794) وأبو يعلى رقم (451) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 192) والطيالسي رقم (91) وابن ماجه رقم (2658) وعبد الرزاق رقم (18508) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 28) من طرق.

وهو حديث صحيح.

ص: 16

7/ 3001 - (وعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "المُؤْمِنُونَ تَتَكافأُ دِماؤُهُمْ، وهُمْ يَدٌ على مَنْ سِوَاهُمْ، وَيسعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهمْ، ألَا لا يُقْتَلُ مؤمنٌ بِكافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْده. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

والنَّسَائيُّ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

. [صحيح لغيره]

وَهُوَ حُجَّةٌ في أَخْذِ الحُرِّ بالعَبْدِ).

8/ 3002 - (وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أنْ لا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكافِرٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(4)

وابْنُ ماجَهْ

(5)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(6)

. [صحيح]

وفي لَفظٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يُقتَلُ مُسْلِمٌ بِكافِرٍ، ولا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ

(7)

وأَبُو دَاوُدَ

(8)

. [صحيح]

حديث عليّ الآخر أخرجه أيضًا الحاكم

(9)

وصححه.

وحديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود

(10)

والمنذري

(11)

وصاحب التلخيص

(12)

، ورجاله رجال الصحيح إلى عمرو بن شعيب.

(1)

في المسند (1/ 19، 122).

(2)

في سننه رقم (4734).

(3)

في سننه رقم (4530).

وهو حديث صحيح لغيره.

(4)

في المسند (2/ 178).

(5)

في سننه رقم (2659).

(6)

في سننه رقم (1413) وقال: حديث حسن.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (4506) والبغوي في شرح السنة رقم (2532) وابن أبي شيبة (9/ 294).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (2/ 180).

(8)

في سننه رقم (2751).

وهو حديث صحيح.

(9)

في المستدرك (2/ 141) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار" (3/ 193) والدارقطني (3/ 98 رقم 61) والبيهقي (8/ 29).

وهو حديث صحيح لغيره كما تقدم.

(10)

في السنن (4/ 669).

(11)

في "مختصر السنن"(6/ 329).

(12)

في "التلخيص"(4/ 31).

ص: 17

وفي الباب عن ابن عمر عند ابن حبان في صحيحه

(1)

وأشار إليه الترمذي

(2)

وحسنه.

وعن ابن عباس عند ابن ماجه

(3)

.

وروى الشافعي

(4)

من حديث عطاء وطاوس ومجاهد والحسن مرسلًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: "لا يُقتل مؤمنٌ بكافر".

وروى البيهقي

(5)

من حديثِ عِمرانَ بن حُصين نحو ما في الباب.

وكذلك رواهُ البزارُ

(6)

من حديثه.

وروى أبو داودَ

(7)

والنسائي

(8)

والبيهقي

(9)

من حديث عائشة نحوه.

وقال الحافظ [في الفتح

(10)

]

(11)

بعد أن ذكر حديث عليّ الآخر

(12)

، وحديث عمرو بن شعيب

(13)

، وحديث عائشة

(14)

، وابن عباس

(15)

: إن طرقها

(1)

في صحيحه رقم (5996) بسند حسن.

(2)

في السنن (4/ 25).

(3)

في سننه رقم (2660).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 343): "هذا إسناد ضعيف، حنش اسمه حسين بن قيس أبو علي الرَّحْبي، ضعفه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبخاري، والنسائي، وابن المديني، والدارقطني وغيرهم

". اهـ.

وهو حديث صحيح بشواهده.

(4)

في المسند (ج 2 رقم 348 و 349) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 29) بسند مرسل ضعيف، وقد ثبت موصولًا.

(5)

في السنن الكبرى (8/ 29).

(6)

في المسند رقم (1546 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 295) وقال: "رجاله وثقهم ابن حبان".

(7)

في السنن رقم (4353).

(8)

في السنن رقم (4743).

(9)

في السنن الكبرى (8/ 30).

وهو حديث صحيح.

(10)

في "الفتح"(12/ 261).

(11)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(12)

تقدم برقم (7/ 3001) وهو حديث صحيح لغيره.

(13)

تقدم برقم (8/ 3002) وهو حديث صحيح.

(14)

تقدم آنفًا، وهو حديث صحيح.

(15)

تقدم آنفًا، وهو حديث صحيح بشواهده.

ص: 18

كلها ضعيفة إلا الطريق الأولى والثانية، فإن سند كل منهما حسن. انتهى.

وروى عبد الرزاق

(1)

عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه:"أن مسلمًا قتل رجلًا من أهل الذمة فَرُفِعَ إلى عثمان فلم يقتله وغلظ عليه الدية".

قال ابن حزم

(2)

: هذا في غاية الصحة، فلا يصح عن أحد من الصحابة شيء غير هذا إلا ما رويناه عن عمر: أنَّه كتب في مثل ذلك أن يقاد به ثم ألحقه كتابًا فقال: لا تقتلوه ولكن اعتقلوه.

قوله: (هل عندكم) الخطاب لعليّ، ولكنه غلبه على غيره من أهل البيت لحضوره وغيبتهم أو للتعظيم.

قال الحافظ

(3)

: وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن لأهل البيت لا سيما عليّ اختصاصًا بشيء من الوحي لم يطلع عليه غيرهم، وقد سأل عليًا عن هذه المسألة قيس بن عبادة والأشتر النخعي.

قال

(4)

: والظاهر أن المسؤول عنه هنا ما يتعلق بالأحكام الشرعية من الوحي الشامل للكتاب والسنة، فإن الله سبحانه سمَّاها وحيًا، إذ فسر قوله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)}

(5)

بما هو أعم من القرآن.

ويدل على ذلك قوله: "وما في هذه الصحيفة"، فإن المذكور فيها ليس من القرآن بل من أحكام السنة.

وقد أخرج أحمد

(6)

والبيهقي

(7)

[في الدلائل]

(8)

: "أن عليًّا كان يأمر

(1)

في "المصنف" رقم (18492).

(2)

المحلى (10/ 349).

(3)

في "الفتح"(1/ 204).

(4)

أي: القاضي حسين المغربي في "البدر التمام"(4/ 285) كما في هامش (ب).

(5)

سورة النجم، الآية:(3).

(6)

في المسند (1/ 119) بسند رجاله ثقات، غير أبي حسان الأعرج فمن رجال مسلم، وهو صدوق، وروايته عن علي مرسلة.

(7)

في السنن الكبرى (8/ 29).

وهو حديث صحيح لغيره.

(8)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

ص: 19

بالأمر، فيقال: قد فعلناه، فيقول: صدق الله ورسوله، فلا يلزم منه نفي ما ينسب إلى عليٍّ من علم الجفر

(1)

ونحوه، أو يقال: هو مندرج تحت قوله: "إلا فهمًا يعطيه الله [تعالى]

(2)

رجلًا في القرآن"، فإنه ينسب إلى كثير ممن فتح الله عليه بأنواع العلوم أنه يستنبط ذلك من القرآن.

ومما يدلّ على اختصاص عليّ بشيء من الأسرار دون غيره

(3)

، حديث

(1)

كتاب الجفر، المنسوب كذبًا وزورًا إلى الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه تارة، وإلى جعفر الصادق رحمه الله تارة أخرى.

وفي هذا الكتاب من أمور الغيب والأحداث والأسرار الشيء الكثير، ويزعم الإمامية أن جعفرًا الصادق رحمه الله، كتب لهم فيه كل ما يحتاجون إليه، وكل ما سيقع ويكون إلى يوم القيامة، وكان مكتوبًا عنده في جلد ماعز، فكتبه عنه هارون بن سعيد العجلي رأس الزيدية، وسماه (الجفر) باسم الجلد الذي كتب فيه، وهذا زعم باطل مخالف لما يعتقده المسلمون من أن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه، ومن ارتضى من رسله، قال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26 - 27]. وانظر ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في: "مجموع الفتاوى"(4/ 78 - 79) و (35/ 138) و"نقض المنطق"(66) و"بغية المرتاد"(ص 321) و"درء تعارض العقل والنقل"(5/ 26) ومنهاج السنة النبوية (2/ 464) و (8/ 10 - 11) وفتاوى محمد رشيد رضا (4/ 1307 فتوى رقم 515) ومجلة المنار (4/ 60) وأبجد العلوم (2/ 214 - 216) لصديق حسن خان، ومقدمة ابن خلدون (ص 334) والعيني في "عمدته"(1/ 161) وعلي القاري في "شرح الفقه الأكبر"(ص 124) و (125) و"مفتاح دار السعادة"(2/ 216) لابن القيم.

• وأخيرًا إن في كتاب الجفر هذا: مكر الحاقدين على الإسلام وكيدهم في إشاعة الشعوذة، وادعاء علم الغيب، وإلهاء المسلمين وإشغالهم بالغيبيات المزعومة عن الإعداد والجهاد وبث التوعية الإيمانية في الأمة

ومخالفة صريحة للعقيدة الإسلامية، ونشر مزاعم باطلة تثير الرعب والفزع من المستقبل في بلاد المسلمين.

والجفر كله قائم على التنجيم والطلاسم، ومنه ألفاظ كفرية صريحة، فيها حلف بغير الله، كالجن والأفلاك السبعة ونحوها، وفيه طلب المدد من الجن والعفاريت، واستطلاع الغيب، ونحو ذلك من أمور ينكرها الإسلام جملةً وتفصيلًا.

[وانظر ما كتبه كل من الأخ أبي عبيدة مشهور بن حسن في كتابه القيّم: "كتب حذر منها العلماء"، وكذلك ما كتبه الأخ علي الحلبي، والأخ سليم الهلالي في الكتاب نفسه (1/ 108 - 116، 116 - 119، 120 - 124)، فقد أجادوا وأفادوا جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا].

(2)

سقط من المخطوط (ب).

(3)

انظر الرسالة رقم (21): "هل خص النبي صلى الله عليه وسلم أهل البيت بشيء من العلم" ضمن كتاب =

ص: 20

المخدج المقتول من الخوارج يوم النهروان

(1)

كما في صحيح مسلم

(2)

وسنن أبي داود

(3)

، فإنه قال يومئذ:"التمسوا فيهم المخدج"، يعني في القتلى فلم يجدوه، فقام عليّ عليه السلام بنفسه حتى أتى أناسًا قد قتل بعضهم على بعض، فقال: أخرجوهم، فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر وقال: صدق الله وبلغ رسوله، فقام إليه عبيدة السَّلماني

(4)

فقال: يا أمير المؤمنين، والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إي والله الذي لا إله إلا هو، حتى استحلفه ثلاثًا وهو يحلف"، والمخدج المذكور هو ذو الثدية، وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، عليه شعرات مثل سبالة السِّنَّور.

قوله: (إلا فهمًا) هكذا في روايةٍ بالنصب على الاستثناء. وفي روايةٍ بالرفع على البدل، والفهم بمعنى المفهوم من لفظ القرآن أو معناه.

قوله: (وما في هذه الصحيفة) أي: الورقة المكتوبة، والعقل

(5)

: الدية، وسميت بذلك لأنهم كانوا يعطون الإبل ويربطونها بفناء دار المقتول بالعقال، وهو الحبل. وفي رواية:"الديات" أي تفصيل أحكامها.

= "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني"(2/ 895 - 912) بتحقيقي.

(1)

كانت وقعة النهراون مع الخوارج سنة (38 هـ).

ونهروان: هي ثلاث نهروانات: الأعلى، والأوسط، والأسفل، وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي، حدّها الأعلى متصل ببغداد وفيها عدة بلاد متوسطة، منها: إسكاف، وجرجرايا، والصافية، ودير قُني وغير ذلك.

بها وقعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج، وقد خرج منها جماعة من أهل العلم والأدب.

["معجم البلدان" (5/ 324 - 326)].

(2)

في صحيحه رقم (155/ 1066).

(3)

في سننه رقم (4768).

وهو حديث صحيح.

(4)

عبيدة بن عمرو السَّلماني أبو مسلم، ويقال: أبو عمر صاحب ابن مسعود، قال: أسلمت وصليت قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين، ولم أره. رواه الثقات عن ابن سيرين، عنه لا يعدُّ في الصحابة إلا بما ذكرنا هو من كبار أصحاب ابن مسعود الفقهاء وهو من أصحاب علي رضي الله عنه.

[الاستيعاب رقم (1773) والإصابة رقم (6421)].

(5)

النهاية (2/ 239).

ص: 21

قوله: (وفكاك الأسير) بكسر الفاء وفتحها: أي أحكام تخليص الأسير من يد العدوّ والترغيب فيه.

قوله: (وأن لا يُقْتَل مسلمٌ بكافر) فيه دليل: على أن المسلم لا يقاد بالكافر، أما الكافر الحربيُّ: فذلك إجماع كما حكاه صاحب البحر

(1)

.

وأما الذميُّ: فذهب إليه الجمهور

(2)

لصدق اسم الكافر عليه.

وذهب الشعبي والنخعي وأبو حنيفة

(3)

وأصحابه إلى أنه يقتل المسلم بالذميِّ.

واستدلوا بقوله في حديث عليّ

(4)

، وعمرو بن شعيب

(5)

: "ولا ذو عهدٍ في عهده"، ووجهه: أنه معطوف على قوله: "مؤمن"، فيكون التقدير: ولا ذو عهدٍ في عهده بكافرٍ كما في المعطوف عليه.

والمراد بالكافر المذكور في المعطوف: هو الحربي فقط، بدليل جعله مقابلًا للمعاهد، لأنَّ المعاهد يُقْتَلُ بمن كان معاهدًا مثله من الذميين إجماعًا، فيلزم أن يقيد الكافر في المعطوف عليه بالحربيِّ، كما قيد في المعطوف، لأن الصفة بعد متعدد ترجع إلى الجميع اتفاقًا، فيكون التقدير: لا يقتل مؤمن بكافرٍ حربيٍّ، ولا ذو عهدٍ في عهده بكافرٍ حربيٍّ، وهو يدلُّ بمفهومه على أن المسلم يُقتل بالكافر الذمي.

ويجاب (أوّلًا) بأن هذا مفهوم صفة

(6)

، والخلاف في العمل به مشهور بين أئمة الأصول

(7)

. ومن جملة القائلين بعدم العمل به الحنفية

(8)

. فكيف يصحُّ احتجاجهم به.

(1)

البحر الزخار (5/ 222).

(2)

المغني (11/ 465 - 466).

(3)

البناية في شرح الهداية (12/ 104).

(4)

تقدم برقم (3001) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (3002) من كتابنا هذا.

(6)

مفهوم الصفة: هو تعليق الحكم على الذات بأحد الأصاف، نحو:"في سائمة الغنم زكاة"، والمراد بالصفة عند الأصوليين تقييد لفظٍ مشترك المعنى بلفظ آخر يختص ببعض معانيه ليس بشرط ولا غاية ولا يريدون به النعت فقط، وهكذا عند أهل البيان، فإن المراد بالصفة عندهم هي المعنوية لا النعت وإنما يخص الصفة بالنعت أهل النحو فقط.

[إرشاد الفحول (ص 596)، وتيسير التحرير (1/ 100)].

(7)

انظر: "البحر المحيط"(4/ 31).

(8)

قال أبو حنيفة وأصحابه، وبعض الشافعية، والمالكية: إنَّه لا يؤخذ به ولا يعمل عليه، =

ص: 22

(وثانيًا) بأنَّ الجملة المعطوفة، أعني قوله:"ولا ذو عهد في عهده"، لمجرَّد النهي عن قتل المعاهد فلا تقدير فيها أصلًا.

وردَّ: بأن الحديث مسوقٌ لبيان القِصاص لا للنهي عن القتل، فإنَّ تحريم قتل المعاهد معلومٌ من ضرورة أخلاق الجاهلية فضلًا عن الإسلام.

وأجيب عن هذا الردِّ: بأنَّ الأحكام الشرعية إنما تعرف من كلام الشارع، وكون تحريم قتل المعاهد معلومًا من أخلاق الجاهلية لا يستلزم معلوميته في شريعة الإسلام، وكيف والأحكام الشرعية جاءت بخلاف القواعد الجاهلية، فلا بد من معرفة: أن الشريعة الإسلامية قرّرته.

ويؤيد ذلك أن السبب في خطبته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بقوله: "لا يقتل مسلم بكافر" ما ذكره الشافعيُّ في "الأم"

(1)

حيث قال

(2)

: وخطبته يوم الفتح كانت بسبب القتل الذي قتلته خزاعة وكان له عهد، فخطب النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:"لو قتلت مسلمًا بكافر لقتلته به"، وقال:"لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده"، فأشار بقوله:"لا يقتل مسلم بكافر" إلى تركه الاقتصاص من الخزاعي بالمعاهد الذي قتله، وبقوله:"ولا ذو عهد في عهده" إلى النهي عن الإقدام على ما فعله القاتل المذكور.

فيكون قوله: "ولا ذو عهد في عهده"[كلامًا تامًّا]

(3)

لا يحتاج إلى تقدير.

ولا سيما وقد تقرّر أن التقدير خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا لضرورة ولا ضرورة كما قرّرناه.

= ووافقهم من أئمة اللغة الأخفش وابن فارس وابن جنّي. وأخذ الجمهور، وهو الحق لما هو معلوم من لسان العرب أنَّ الشيء إذا كان له وصفان فوصف بأحدهما دون الآخر كان المراد به ما فيه تلك الصفة دون الآخر.

البحر المحيط (4/ 31).

(1)

الأم (7/ 98) و (9/ 138).

(2)

في هامش المخطوط (ب): ليس هذا من كلام الشافعي بل من كلام الحافظ لمن تأمل كلام "الفتح".

انظر: "فتح الباري"(12/ 262).

(3)

في المخطوط (أ) و (ب): (كلام تام) والصواب ما أثبتناه.

ص: 23

ويجاب (ثالثًا) بأن الصحيح المعلوم من كلام المحققين من النحاة وهو الذي نصَّ عليه الرضيُّ

(1)

أنه لا يلزم اشتراك المعطوف والمعطوف عليه إلا في الحكم الذي لأجله وقع العطف، وهو هنا النهي عن القتل مطلقًا من غير نظر إلى كونه قصاصًا أو غير قصاص، فلا يستلزم كون إحدى الجملتين في القصاص أن تكون الأخرى مثلها حتى يثبت ذلك التقدير المدعى.

وأيضًا تخصيص العموم بتقدير ما أضمر في المعطوف ممنوع

(2)

لو سلمنا صحة التقدير المتنازع فيه كما صرّح بذلك صاحب المنهاج

(3)

وغيره من أهل الأصول.

ومن جملة ما احتجّ به القائلون بأنه يقتل: المسلم بالذمي عموم قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}

(4)

.

ويجاب بأنه مخصَّصٌ بأحاديث الباب.

ومن أدلتهم: ما أخرجه البيهقي

(5)

من حديث عبد الرحمن بن البيلماني: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مسلمًا بمعاهد وقال: [أنا أكرم]

(6)

من وفّى بذمته".

وأجيب عنه بأنه مرسل، ولا تثبت بمثله حجة وبأن ابن البيلماني المذكور: ضعيف، لا تقوم به حُجَّة إذا وصل الحديثَ، فكيف إذا أرسله؛ كما قال الدارقطني

(7)

.

(1)

شرح كافية ابن الحاجب (2/ 361 - 362).

(2)

انظر توضيح ذلك في: "إرشاد الفحول"(ص 470 - 472) بتحقيقي تحت عنوان: المسألة الثامنة والعشرون.

(3)

قال القاضي "البيضاوي" في "منهاج الوصول إلى علم الأصول"(ص 93 - 94): "الثامنة: عطف العام على الخاص لا يخصص مثل: "أَلَا لا يُقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده". وقال بعض الحنفية: بالتخصيص تسوية بين المعطوفين. قلنا: التسوية في جميع الأحكام غير واجبة". اهـ. وانظر: شرح المنهاج للأصفهاني (1/ 427 - 428).

(4)

سورة المائدة، الآية:(45).

• وانظر ما قاله ابن حجر في: "الفتح"(12/ 209) بإثر الآية. وخلاصته: "لا حجة في هذه الآية لمن تمسك بها في قتل الحر بالعبد، والمسلم بالكافر".

(5)

في السنن الكبرى (8/ 31) بسند مرسل ضعيف.

(6)

في المخطوط (ب): ضرب عليها وكُتب فوقها: (أنا أول).

(7)

في سننه (3/ 135) بإثر الحديث رقم (165). =

ص: 24

قال أبو عبيد القاسم بن سلام

(1)

: هذا حديث ليس بمسند ولا يجعل مثله إمامًا [تسفك

(2)

] به دماء المسلمين.

وأما ما وقع في رواية عمار بن مطر عن ابن البيلمانيِّ عن ابن عمر فقال البيهقيُّ: هو خطأ من وجهين:

(أحدهما) وصله بذكر ابن عمر.

(والآخر) أنه رواه عن إبراهيمَ عن ربيعةَ، وإنما رواه إبراهيم عن ابن المنكدر، والحمل فيه على عمار بن مطر الرهاويّ

(3)

، فقد كان يقلب الأسانيد ويسرق الأحاديث حتى كثر ذلك في رواياته وسقط عن حدّ الاحتجاج به.

وروي عن البيهقي: أنه قال: لم يسنده غير ابن أبي يحيى، يعني إبراهيم المذكور.

وقد ذكرنا في غير موضع من هذا الشرح أنه لا يحتج بمثله لكونه ضعيفًا جدًّا.

وقد قال عليُّ بن المديني: إنَّ هذا الحديث إنما يدور على إبراهيم بن أبي يحيى

(4)

، وقيل: إن كلام ابن المديني هذا غير مسلَّم، فإنَّ أبا داود قد أخرجه في المراسيل

(5)

،

= وقال الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين"(454): "محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، يماني، عن أبيه، وأبوه يُعتبر به". اهـ.

(1)

في غريب الحديث (2/ 105).

(2)

في المخطوط (ب): (يسفك).

(3)

قاله البيهقي في السنن الكبرى (8/ 30).

وانظر لترجمة عمار هذا: الجرح والتعديل (6/ 394) والكامل (5/ 1727) والميزان (3/ 169).

(4)

إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي: مختلف في عدالته، وضعفه أكثر أهل العلم بالحديث، وكان الشافعي يبعده عن الكذب.

تاريخ يحيى بن معين (3/ 95) تاريخ البخاري الكبير (1/ 1/ 323) والمجروحين (1/ 105) والكامل (1/ 219).

(5)

رقم (250) بسند ضعيف لضعف مرسله.

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (18514) ومن طريقه الدارقطني (3/ 135) والبيهقي (8/ 30). =

ص: 25

وكذلك الطحاوي

(1)

من طريق سليمان بن بلال عن ربيعة عن ابن البيلماني، فلم يكن دائرًا على إبراهيم.

ويجاب بأنَّ ابن المدينيّ إنما أراد: أن الحديث المسند بذكر ابن عمر يدور على إبراهيم بن أبي يحيى

(2)

فقط.

ولم يرد: أن المسند والمرسل يدوران عليه فلا استدراك.

وقد أجاب الشافعي في الأم

(3)

عن حديث ابن البيلماني المذكور بأنه كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن أمية، فلو ثبت لكان منسوخًا، لأنَّ حديث:"لا يقتل مسلم بكافر" خطب به النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح؛ كما في رواية عمرو بن شعيب، وقصة عمرو بن أمية متقدمة على ذلك بزمان.

واستدلوا بما أخرجه الطبراني

(4)

: "أن عليًّا أُتي برجلٍ من المسلمين قتل

= عن سفيان الثوري، عن ربيعة، عن عبد الرحمن بن البيلماني، مرسلًا.

• وأخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 350) من طريق محمد بن الحسن، أنبأنا إبراهيم بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن عبد الرحمن بن البيلماني، مرسلًا، بسند ضعيف لضعف مرسله.

وأخرجه أبو داود في "المراسيل" برقم (251) من طريق عبد الله بن يعقوب، حدثنا عبد الله بن عبد العزيز بن صالح الحضرمي، مرسلًا، بسند ضعيف لجهالة مرسله عبد الله بن عبد العزيز بن صالح الحضرمي، والراوي عنه عبد الله بن يعقوب مجهول أيضًا.

وخلاصة القول: أن المرسل ضعيف، والله أعلم.

(1)

في "شرح معاني الآثار"(3/ 195) بسند ضعيف.

(2)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (4).

(3)

في "الأم"(9/ 137 - 138 رقم 4091 - كتاب الرد على محمد بن الحسن).

(4)

لم أقف عليه عند الطبراني.

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 34) والدارقطني في سننه (3/ 147 - 148 رقم 200) والشافعي في المسند (ج 2 رقم 351).

قال الدارقطني في سننه (3/ 148): "أبو الجنوب ضعيف الحديث".

قلت: أبو الجَنُوب اسمه: عقبة بن علقمة اليَشْكري، وهو كوفي ضعيف، كما في "التقريب" رقم الترجمة (4646)، بل قال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل (6/ 163): هو ضعيف جدًّا.

والخلاصة: أن الأثر ضعيف جدًّا، والله أعلم.

ص: 26

رجلًا من أهل الذمة، فقامت عليه البينة، فأمر بقتله، فجاء أخوه فقال: إنِّي قد عفوت، قال: فلعلهم هدَّدوك وفرقوك وقرعوك، قال: لا، ولكن قتلُه لا يردُّ عليَّ أخي، وعرضوا لي ورضيت، قال: أنت أعلم؛ من كان له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا" وهذا مع كونه قول صحابي ففي إسناده أبو الجنوب الأسدي، وهو ضعيف الحديث كما قال الدارقطني

(1)

.

وقد روى عليّ

(2)

رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه لا يُقتلُ مسلمٌ بكافرٍ" كما في حديث الباب. والحجة إنما هي في روايته.

وروي عن الشافعيِّ في هذه القضية: أنه قال: ما دلكم أن عليًا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ويقول بخلافه؟.

واستدلوا أيضًا بما رواه البيهقي

(3)

عن عمر في مسلم قتل معاهدًا فقال: إن كانت طيرة في غضب فعلى القاتل أربعة آلاف، وإن كان القاتل لصًا عاديًا فيقتل.

ويجاب عن هذا (أولًا): بأنَّه قول صحابي ولا حجة فيه.

(وثانيًا): بأنه لا دلالة فيه على محل النزاع لأنه رتب القتل على كون القاتل لصًا عاديًا، وذلك خارج عن محل النزاع، وأسقط القصاص عن القاتل في غضب وذلك غير مسقطٍ لو كان القِصاص واجبًا.

(وثالثًا): بأنه قال الشافعي

(4)

في القصص المروية عن عمر في القتل بالمعاهد أنه لا يعمل بحرف منها، لأن جميعها منقطعات أو ضعاف أو تجمع الانقطاع والضعف.

وقد تمسك بما روي عن عمر مما ذكرنا مالك

(5)

والليث فقالا: يقتل

(1)

في سننه (3/ 148) كما تقدم.

(2)

تقدم برقم (3001) من كتابنا هذا.

(3)

في السنن الكبرى (8/ 33).

(4)

في "الأم"(9/ 138 - 139 رقم 4093 - كتاب الرد على محمد بن الحسن).

(5)

انظر: "مواهب الجليل لشرح مختصر خليل"(8/ 290).

وقال ابن عبد البر في "الاستذكار"(25/ 177 رقم 37552): وأما قول مالك: "أن المسلمَ إذا قتلَ الكافِرَ قَتْلَ غيلةٍ، قُتِلَ بهِ"، فقد قالت به طائفة من أهل المدينة، وجعلوه من باب المحاربةِ، وقطعِ السبيل.

ص: 27

المسلم بالذمي إذا قتله غيلة. قال: والغيلة

(1)

: أن يضجعه فيذبحه، ولا متمسك لهما في ذلك لما عرفت، إذا تقرر هذا عُلم أن الحق ما ذهب إليه الجمهور

(2)

.

ويؤيده قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}

(3)

، ولو كان للكافر أن يقتصَّ من المسلم لكان في ذلك أعظم سبيل، وقد نفى الله تعالى أن يكون له عليه السبيل نفيًا مؤكدًا.

وقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ}

(4)

، ووجهه أن الفعل الواقع في سياق النفي يتضمن النكرة

(5)

، فهو في قوّةٍ لا استواءَ، فيعمُّ كل أمر من الأمور إلا ما خصَّ.

ويؤيدُ ذلك أيضًا قصةُ اليهودي الذي لطمه المسلم لمَّا قال: لا، والذي اصطفى موسى على البشر. فلطمه المسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت له الاقتصاص كما في الصحيح

(6)

، وهو حجة على الكوفيين لأنهم [يُثبتونَ]

(7)

القصاص باللطمة.

ومن ذلك حديث: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه"

(8)

، وهو وإن كان فيه مقال لكنه قد علقه البخاري في صحيحه

(9)

.

قوله: (المؤمنون تتكافأ دماءهم) أي: تتساوى في القصاص والديات.

والكفء: النظير والمساوي، ومنه الكفاءة في النكاح، والمراد أنه لا فرق بين الشريف والوضيع في الدم بخلاف ما كان عليه الجاهلية من المفاضلة وعدم المساواة.

(1)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 335): الغِيلة: فَعِلَة من الاغتيال: وهو أن يخدع، ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد.

(2)

المغني لابن قدامة (11/ 465 - 466).

(3)

سورة النساء، الآية:(141).

(4)

سورة الحشر، الآية:(20).

(5)

إرشاد الفحول (ص 420) بتحقيفي، والبحر المحيط (3/ 123) والإحكام للآمدي (2/ 270 - 273).

(6)

في صحيح البخاري رقم (6917).

(7)

في المخطوط (ب): (لم يثبتوا).

(8)

تقدم تخريجه (11/ 377 - 378) من كتابنا هذا.

(9)

في صحيحه (3/ 218 رقم الباب (79) - مع الفتح) معلقًا.

ص: 28

قوله: (وهم يدٌ على من سواهم) أي: هم مجتمعون على أعدائهم لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضًا.

قوله: (ويسعى بذمتهم أدناهم) يعني أنه إذا أمَّنَ المسلمُ حربيًا كان أمانه أمانًا من جميع المسلمين، ولو كان ذلك المسلم امرأة بشرط أن يكون مكلفًا فيحرم النكث من أحدهم بعد أمانه.

9/ 3003 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وإنّ رِيحَها يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا". رَواهُ أَحْمَدُ

(1)

والبُخاريُّ

(2)

والنَّسَائيُّ

(3)

وابْنُ ماجهْ)

(4)

. [صحيح]

10/ 3004 - (وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ألَا مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعاهَدَةً لهَا ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُوله فَقَد أخْفَر ذِمَّة الله، ولَا يَرِحْ رَائِحَة الجنَّة، وإنَّ رِيحَها لَيوجَدُ من مَسِيرَة أرْبَعِينَ خَرِيفًا". رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(5)

والتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)

(6)

. [صحيح بشواهده]

حديث أبي هريرة قال الترمذيُّ

(7)

بعد أن قال: إنَّه حسن صحيح: إنَّه قد روي عن أبي هريرةَ من غير وجهٍ مرفوعًا.

قوله: (مُعاهِدًا) المعاهِدُ هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان، فيحرم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه.

ويدلُّ على ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}

(8)

.

(1)

في المسند (2/ 186).

(2)

في صحيحه رقم (3166).

(3)

في سننه رقم (4750).

(4)

في سننه رقم (2686).

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (2687).

(6)

في السنن رقم (1403) وقال: وهو حديث حسن صحيح، قلت: وهو حديث صحيح بشواهده.

انظر: "الصحيحة" رقم (2356) وصحيح الترغيب والترهيب (2/ 634 - 635).

(7)

في السنن (4/ 20).

(8)

سورة التوبة، الآية:(6).

ص: 29

قوله: (لم يرحْ رائِحةَ الجنةِ) بفتح الأوّل من يرح وأصلُه: راح الشيء

(1)

؛ أي: وجد ريحَهُ، ولم يرحْهُ؛ أي لم يجد ريحه، ورائحةُ الجنة نسيمُها الطيب.

وهذا كناية عن عدم دخول من قتلَ معاهدًا الجنةَ، لأنه إذا لم يَشُمَّ [نسيمها]

(2)

وهو يوجد من مسيرة أربعين عامًا لم يدخلها.

قوله: (فقد أخفر ذمة الله) بالخاء والفاء والراء، أي: نقض عهده وغدر

(3)

.

والحديثان اشتملا على تشديد الوعيد على قاتل المعاهد لدلالتهما على تخليده في النار وعدم خروجه عنها وتحريم الجنة عليه، مع أنه قد وقع الخلاف بين أهل العلم في قاتل المسلم هل يخلد فيها أم يخرج عنها؟ فمن قال: إنه يخلد تمسك بقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}

(4)

الآية، ومن قال بعدم تخليده على الدوام قال: الخلود في اللغة

(5)

: اللبث الطويل ولا يدلّ على الدوام، وسيأتي الكلام عليه.

وأما قاتلُ المعاهِدِ، فالحديثان مصرِّحان بأنه لا يجد رائحة الجنة وذلك مستلزم لعدمِ دخولها أبدًا

(6)

، وهذان الحديثان وأمثالهما ينبغي أن يخصص بهما عموم الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة بعد ذلك.

وقال في الفتح

(7)

: إن المراد بهذا النفي وإن كان عامًا التخصيص بزمان ما لتعاضد الأدلة العقلية والنقلية أن من مات مسلمًا وَكان من أهل الكبائر فهو محكوم بإسلامه غير مخلد في النار ومآله إلى الجنة ولو عذب قبل ذلك. انتهى.

وقد ثبت في الترمذي

(8)

من حديث أبي هريرة بلفظ: "سبعين خريفًا".

(1)

القاموس المحيط (ص 282) والنهاية (1/ 698).

(2)

في المخطوط (ب): (نسمها).

(3)

النهاية (1/ 510).

(4)

سورة النساء، الآية:(93).

(5)

قال الراغب الأصفهاني في "مفرداته"(ص 291): "الخلود: هو تبرِّي الشيء من اعتراض الفساد، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها، وكل ما يتباطأ عنه التغييرُ والفساد تصفه العرب بالخلود، كقولهم للأثافي: خوالد، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها". اهـ.

(6)

العقيدة الطحاوية (ص 416 - 417) تخريج المحدث الألباني.

(7)

الفتح (12/ 259 - 260).

(8)

في السنن رقم (1403) وقد تقدم.

ص: 30

ومثله روي عن أحمد

(1)

عن رجل من الصحابة.

وفي رواية للطبراني

(2)

من حديث أبي هريرة بلفظ: "مائة عام".

وفي أخرى له

(3)

عن أبي بكرة بلفظ: "خمسمائة عام".

ومثله في الموطأ

(4)

.

وفي رواية في مسند الفردوس

(5)

من حديث جابر بلفظ: "ألف عام"، وقد جمع صاحب الفتح

(6)

بين هذه الأحاديث.

11/ 3005 - (وعَن الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قَتَلَ عَبدَهُ قَتَلْناهُ، ومَنْ جَدَع عَبدَهُ جَدَعْنَاهُ". رواه الخمْسةُ

(7)

، وقالَ التِّرمذيُّ: حَدِيث حَسَنٌ غَرِيبٌ. [ضعيف]

(1)

في المسند (4/ 61) بسند صحيح.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 293) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

(2)

في الأوسط رقم (663).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 294) وقال: رجاله رجال الصحيح غير معلل بن فضيل، وهو ثقة.

(3)

أي للطبراني في الأوسط رقم (2923).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 293) وقال: فيه محمد بن عبد الرحمن العلاف، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

• محمد بن عبد الرحمن العلاف: ذكره ابن حبان في "الثقات"(9/ 98) وقال: "حدثنا عنه الحسن بن سفيان". اهـ.

وأخرج حديثه في صحيحه رقم (5750، 7032).

[الفرائد على مجمع الزوائد (ص 309) رقم (497)].

(4)

في الموطأ (2/ 913 رقم 7) وهو موقوف صحيح.

(5)

في الفردوس بمأثور الخطابب (2/ 271 رقم 3260).

(6)

في "الفتح"(12/ 260).

(7)

أحمد في المسند (5/ 10، 12، 19) وأبو داود رقم (4515) والترمذي رقم (1414) والنسائي رقم (4738) وابن ماجه رقم (2663).

إسناده ضعيف، فإن الحسن البصري لم يسمعه من سمرة.

انظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص 32 - 33).

وهو حديث ضعيف.

ص: 31

وَفي رِوَايَة لأبي دَاوُد

(1)

والنَّسائيّ

(2)

: "ومَنْ خَصَى عَبدَهُ خَصَيناهُ"[ضعيف]

قالَ البُخاريُّ: قالَ عَليُّ بنُ المَدينِي: سَمَاعُ الحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صحيحٌ، وأَخَذَ بحَدِيثه:"مَنْ قتَلَ عَبدَهُ قَتَلْنَاهُ".

وَأَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ على أنَّهُ لَا يُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ، وَتأوَّلُوا الخَبَرَ على أنَّهُ أرَادَ مَنْ كانَ عَبدَهُ، لِئلَّا يُتَوَهَّمَ تَقَدُّمُ الْمِلْكِ مانِعًا.

وَقَدْ رَوَى الدارقُطنيُّ

(3)

بإسْنادِهِ عَنْ إسماعيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الأوْزَاعيِّ عَنْ عمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رجُلًا قتلَ عَبدَهُ مُتَعَمِّدًا، فَجَلَدَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ونَفَاهُ سنَةً ومَحَا سَهْمَهُ مِنَ المُسْلِمينَ، ولمْ يَقُدْهُ به وأمَرَهُ أنْ يَعْتِقَ رَقبةٌ. [ضعيف]

وإسماعيلُ بْنُ عيَّاشٍ فيهِ ضَعْفٌ، إلَّا أنَّ أَحمدَ قالَ: ما رَوى عَنِ الشَّامِيّينَ صحيحٌ، وما روى عَنْ أَهْلِ الْحِجازِ فليْسَ بصَحيحٍ، وكَذلِكَ قوْلُ البُخاريّ فِيهِ).

حديث سمرة قال الحافظ في "بلوغ المرام"

(4)

: إن الترمذي صححه، والصواب ما قاله المصنف هنا، فإنا لم نجد في نسخ من الترمذي إلا لفظ حسن غريب كما قال المصنف، والزيادة التي ذكرها أبو داود والنسائي

(1)

في سننه رقم (4516).

(2)

في سننه رقم (4736).

وهو حديث ضعيف.

في سننه (3/ 144 رقم 187).

(3)

قال ابن عبد الهادي في "تنقيح تحقيق أحاديث التعليق"(3/ 258): "وقد رواه الطحاوي من حديث إبراهيم ومحمد بن عبد العزيز الرملي المعروف بابن الواسطي، روى عنه في صحيحه. وذكره ابن حبان في الثقات.

لكن قال أبو حاتم: عنده غرائب، والصحيح أنه من رواية إسماعيل بن عياش، وإسحاق بن عبد الله لا يحتج بهما". اهـ.

وهو حديث ضعيف.

(4)

رقم الحديث (4/ 1590) بتحقيقي.

قلت: بل في "بلوغ المرام" حسّنه الترمذي.

وكذلك في سنن الترمذي (4/ 26).

ص: 32

صححها الحاكم

(1)

، وفي إسناد الحديث ضعف لأنه من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه خلاف طويل

(2)

، فقال يحيى بن معين: إنه لم يسمع منه شيئًا. وقال علي بن المديني: إن سماعه منه صحيح، كما حكى ذلك المصنف عنه، وعن بعض أهل العلم أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة المتقدم فقط.

وقد قدمنا الخلاف في سماعه وعدمه بما هو أطول من هذا.

وقد روى أبو داود

(3)

عن قتادة بإسناد شعبة أن الحسن نسي هذا الحديث فكان يقولُ: لا يقتل حرّ بعبد.

وحديث الباب مرويّ من طريق قتادة عنه. وحديث إسماعيل بن عياش رواه عن الأوزاعي كما ذكره المصنف، والأوزاعي شامي دمشقي، وإسماعيل قويّ في الشاميين لكن دونه محمد بن عبد العزيز الشامي، قال فيه أبو حاتم

(4)

: لم يكن عندهم بالمحمود وعنده غرائب.

وفي الباب عن عمر عند البيهقي

(5)

وابن عدي

(6)

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقاد مملوك من مالك، ولا ولد من والده"، وفي إسناده عمر بن عيسى الأسلمي وهو منكر الحديث كما قال البخاري

(7)

.

(1)

في المستدرك (4/ 367) وقال: هذا حديث على شرط البخاري ولم يخرجاه.

قلت: وأخرجه البغوي في شرح السنّة رقم (2533) والدارمي (2/ 191). والحسن البصري لم يسمع من سمرة.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

(2)

"المراسيل" لابن أبي حاتم (ص 32 - 33) و"تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل" لأبي زرعة (ص 67 - 76).

(3)

في سننه رقم (4517).

وهو حديث صحح مقطوع.

(4)

حكاه عنه ابن عبد الهادي في "تنقيح تحقيق أحاديث التعليق"(3/ 258).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 36).

(6)

في "الكامل"(5/ 1713).

(7)

ذكره البيهقي في السنن الكبرى (8/ 36).

وانظر: الميزان (3/ 216) واللسان (4/ 320 - 322).

ص: 33

وعن ابن عباس عند الدارقطني

(1)

والبيهقي

(2)

مرفوعًا: "لا يقتل حرّ بعبد" وفيه جويبر

(3)

وغيره من المتروكين.

وعن عليّ قال: "من السنة لا يُقتل حرٌّ بعبدٍ"، ذكره صاحب التلخيص

(4)

وأخرجه البيهقي

(5)

، وفي إسناده جابر الجعفي

(6)

وهو ضعيف.

وأخرج البيهقي

(7)

عن عليّ قال: "أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قتل عبده متعمدًا، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة، ونفاه سنة، ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به"، وهو شاهد لحديث عمرو بن شعيب

(8)

المذكور في الباب.

وأخرج البيهقي

(9)

أيضًا من حديث عبد الله بن عمرو في قصة زنباع لما جبّ عبده وجدع أنفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مثَّل بعبده أو [حرقه]

(10)

بالنار فهو حرّ وهو مولى الله ورسوله، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقتصّ من سيده"، وفي إسناده المثنى بن الصباح

(11)

، وهو ضعيف لا يحتجّ به.

وله طريق أخرى فيها الحجاج بن أرطاة

(12)

وهو أيضًا ضعيف.

وله أيضًا طريق ثالثة فيها [سواد بن حمزة]

(13)

وليس بالقويّ.

(1)

في سننه (3/ 133 رقم 158).

(2)

في السنن الكبرى (8/ 35)، بسند ضعيف جدًّا.

(3)

جويبر بن سعيد الخراساني مفسر. قال ابن معين: ليس بشيء. قال البخاري: ضعّف.

وقال الدارقطني والنسائي: متروك الحديث.

"الضعفاء والمتروكون" للنسائي رقم (106) وكذلك للدارقطني رقم (147) والميزان (1/ 427) والجرح والتعديل (2/ 540 - 541) والمجروحين (1/ 218).

(4)

"التلخيص الحبير"(4/ 32).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 34) بسند ضعيف.

(6)

تقدم الكلام عليه مرارًا.

(7)

في السنن الكبرى (8/ 36 - 37).

(8)

تقدم برقم (3003) من كتابنا هذا.

(9)

في السنن الكبرى (8/ 36).

(10)

المخطوط (ب): (حرَّق).

(11)

مثنى بن الصباح، أبو عبد الله، ضعيف. الميزان (3/ 435) وقد تقدم.

(12)

حجاج بن أرطأة كوفي، ليس بالقوي. الميزان (1/ 458). وقد تقدم.

(13)

كذا في المخطوطة (أ) و (ب): والصواب (سوّار بن داود، أبو حمزة المزني) كما في السنن الكبرى للبيهقي (8/ 36) والجرح والتعديل (4/ 272) والميزان (2/ 245) والتقريب رقم (2682).

ضعفه الذهبي، وقال الدارقطني: لا يتابع على أحاديثه، وقال أحمد: لا بأس به. وقال الحافظ: صدوق له أوهام.

ص: 34

وفي سنن أبي داود

(1)

من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:"جاءَ رجلٌ مستصرخٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: حادثةٌ لي يا رسول الله، فقال: ويحك ما لك؟ فقال: شرٌّ، أبصَرَ لسيده جاريةً فغار فجبَّ مذاكيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليَّ بالرجل"، فطُلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب فأنت حرٌّ"، فقال: يا رسول الله على من نصرتي، قال: "على كلِّ مؤمن" أو قال: "على كل مسلم".

وأخرج أحمد

(2)

وابن أبي شيبة

(3)

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن أبا بكر، وعمر كانا لا يقتلان الحرَّ بالعبد".

وأخرج البيهقي

(4)

عن أبي جعفر، عن بكير أنه قال:"مضت السنَّةُ بأن لا يقتل الحرُّ المسلم بالعبد وإن قتله عمدًا"، وكذلك أخرج

(5)

عن الحسن، وعطاء

(6)

، والزهري، من قولهم.

وقد اختلف أهل العلم في قتل الحرِّ بالعبد، فحكى صاحبُ البحر

(7)

الإجماع: على أنَّه لا يُقتل السيد بعبده إلا عن النخعيِّ، وهكذا حكى الخلاف عن النخعي وبعض التابعين الترمذي.

(1)

في السنن رقم (4519).

وهو حديث حسن.

(2)

لم أقف عليه في المسند، والذي يبدو أن العزو لأحمد وهم.

وذلك لأمور (منها): أن الحافظ في "إتحاف المهرة" عزاه للدارقطني فقط.

وكذلك ابن الجوزي في "التحقيق"(9/ 253 - 258 رقم المسألة 675) عندما ذكر الأحاديث التي احتج بها على أنه لا يقتل حر بعبد لم يعزه لأحمد من هذا الوجه.

(3)

في المصنف (9/ 305).

قلت: وأخرجه الدارقطني في سننه (3/ 134 رقم 161) والبيهقي (8/ 34) وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وقد ضعفوه لكن تابعه عليه عمرو بن عامر.

(4)

في السنن الكبرى (8/ 35).

وفي إسناده ابن لهيعة.

(5)

أي البيهقي في السنن الكبرى (8/ 35) عن الحسن قال: لا يُقاد الحر بالعبد.

(6)

أخرج البيهقي في السنن الكبرى (8/ 35) عن عطاء مثل أثر الحسن.

(7)

البحر الزخار (5/ 226).

ص: 35

وأما قتل الحرّ بعبد غيره: فحكاه في البحر

(1)

عن أبي حنيفة

(2)

وأبي يوسف.

وحكاه صاحب الكشاف

(3)

عن سعيد بن المسيب، والشعبي، والنخعي، وقتادة، والثوري، وأبي حنيفة وأصحابه.

وحكى الترمذي

(4)

عن الحسن البصري وعطاء بن [أبي]

(5)

رباح وبعض أهل العلم أنه ليس بين الحرّ والعبد قصاص لا في النفس ولا فيما دون النفس.

قال

(6)

: وهو قول أحمد

(7)

وإسحاق.

وحكاه صاحب الكشاف

(8)

عن عمر بن عبد العزيز، والحسن، وعطاء، وعكرمة، ومالك

(9)

، والشافعي

(10)

.

وحكاه في البحر

(11)

عن عليّ وعمر وزيد بن ثابت وابن الزبير والعترة جميعًا، والشافعي

(12)

ومالك

(13)

وأحمد بن حنبل

(14)

.

وروى الترمذي

(15)

في المسألة مذهبًا ثالثًا فقال: وقال بعضهم: إذا قتل عبده لا يقتل به، وإذا قتل عبد غيره قتل به، وهو قول سفيان الثوري. انتهى.

وقد احتج المثبتون للقصاص بين الحر والعبد بحديث سمرة المذكور

(16)

، وهو نص في قتل السيد بعبده، ويدل بفحوى الخطاب

(17)

على أن غير السيد يقتل بالعبد بالأولى.

(1)

البحر الزخار (5/ 227).

(2)

الهداية (4/ 161).

(3)

في "الكشاف"(1/ 368).

(4)

في السنن (4/ 26).

(5)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

أي الترمذي في السنن (4/ 26).

(7)

المغني (11/ 473).

(8)

الكشاف (1/ 368).

(9)

عيون المجالس (5/ 1978 مسألة رقم 1414).

(10)

روضة الطالبين (9/ 151).

(11)

البحر الزخار (5/ 227).

(12)

روضة الطالبين (9/ 151).

(13)

عيون المجالس (5/ 1978 مسألة رقم 1414).

(14)

المغني (11/ 473).

(15)

في السنن (4/ 26).

(16)

تقدم برقم (11/ 3005) من كتابنا هذا.

(17)

انظر: "شرح الكوكب المنير (4/ 676).

ص: 36

وأجاب عنه النافون (أوَّلًا): بالمقال الذي تقدم فيه.

(وثانيًا): بالأحاديث القاضية بأنه لا يقتل حر بعبد، فإنها قد رويت من طرق متعددة يقوي بعضها بعضًا فتصلحُ للاحتجاج.

(وثالثًا): بأنه خارج مخرج التحذير.

(ورابعًا): بأنه منسوخ، ويؤيد دعوى النسخ فتوى الحسن بخلافه.

(وخامسًا): بأن النهي أرجح من غيره كما تقرر في الأصول.

والأحاديث المذكورة في أنه لا يقتل حر بعبد مشتملة عليه.

(وسادسًا): بأنه يفهم من دليل الخطاب في قوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}

(1)

أنه لا يقتل الحر بالعبد، ولا يخفى أن هذه الأجوبة يمكن مناقشة بعضها، وقد عكس دعوى النسخ المثبتون فقالوا: إن الآية المذكورة منسوخة بقوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}

(2)

.

واستدلوا أيضًا بالحديث المتقدم في أول الباب عن علي

(3)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤمنون تتكافأ دماؤهم".

ويجاب عن الاحتجاج بالآية المذكورة - أعني قوله: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} هو (4) - بأنها حكاية لشريعة بني إسرائيل لقوله تعالى في أوّل الآية: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}

(4)

، بخلاف قوله تعالى:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}

(5)

، فإنها خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وشريعة من قبلنا إنما تلزمنا إذا لم يثبت في شرعنا ما يخالفها، وقد ثبت ما هو كذلك.

على أنه قد اختلف في التعبد بشرع من قبلنا من الأصل كما ذلك معروف في كتب الأصول

(6)

، ثم إنا لو فرضنا أن الآيتين جميعًا تشريع لهذه الأمة لكانت

(1)

سورة البقرة، الآية:(178).

(2)

سورة المائدة، الآية:(45).

(3)

تقدم برقم (3001) من كتابنا هذا.

(4)

سورة المائدة، الآية:(45).

(5)

سورة البقرة، الآية:(178).

(6)

تقدم الكلام عنه، وانظر:"إرشاد الفحول"(ص 779 - 785) بتحقيقي، والبحر المحيط (6/ 39) والبرهان (1/ 508).

ص: 37

آية البقرة مفسرة لما أبهم في آية المائدة، أو تكون آية المائدة مطلقة، وآية البقرة مقيدة، والمطلق يحمل على المقيد

(1)

.

وقد أيَّد بعضهم عدم ثبوت القصاص: بأنَّه لا يقتصّ من الحرّ بأطراف العبد إجماعًا، فكذا النفس، وأيَّد آخرُ ثبوت القصاص فقال: إنَّ العتق يقارن المثلة، فيكون جنايةً على حرٍّ في التحقيق حيث كان الجاني سيده.

ويجاب عن هذا: بأنه إنما يتمُّ على فرض بقاء المجني عليه بعد الجناية زمنًا يمكن فيه أن يتعقب الجناية العتقُ، ثم يتعقبه الموت؛ لأنه لا بد من تأخر المعلول عن العلة في الذهن، وإن تقارنا في الواقع.

وعلى فرض أن العبد يعتق بنفس المثلة، لا بالمرافعة وهو محل خلاف. وقد أجاب صاحب "المنحة" عن هذا الإشكال فقال: إنه يتمّ في صورة جدعه وخصيه لا في صورة قتله. انتهى.

وهذا وهمٌ؛ لأنَّ المراد بالمثلة في كلام المورد للتأييد هي المثلةُ بالعبد الموجبةُ لعتقه بالضرب واللطم ونحوهما؛ لا المثلة المخصوصة التي سرى ذهن صاحب "المنحة" إليها.

وقد أورد على المستدلين بقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}

(2)

أنه يلزم على مقتضى ذلك أن لا يقتل العبدُ بالحرّ.

وأجيب بأن قتل العبد بالحرّ مجمع عليه

(3)

فلا يلزم التساوي بينهما في ذلك.

وأورد أيضًا: بأنه يلزم أن لا يُقْتَل الذكر بالأنثى، ولا الأنثى بالذكر

(4)

وسيأتي الجواب عن ذلك.

(1)

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 542 - 544) والبحر المحيط (3/ 418).

(2)

سورة البقرة، الآية:(178).

(3)

"الإجماع" لابن المنذر (ص 144 - 145 رقم 653).

(4)

المغني (11/ 500).

ص: 38

[الباب الثالث] بابُ قَتْلِ الرَّجُلِ بالمرأةِ والقتلِ بالمثقَّلِ، وهل يمثَّل بالقاتِلِ إذا مثَّل أمْ لا؟

12/ 3006 - (عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رأسَ جارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا؟ فُلانٌ أَوْ فُلانٌ حتَّى سُمّيَ اليهُوديُّ فأوْمأتْ برأسها، فَجِيءَ به فاعْتَرَفَ، فأمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رأسُهُ بِحَجَرَيْنِ. رَوَاهُ الجَماعَةُ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (رضَّ رأس جارية) في رواية لمسلم

(2)

: "فقتلها بحجر فجيء بها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وبها رمق".

وفي رواية أخرى

(3)

: "قتل جاريةً من الأنصار على حليِّ لها ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة، فأمر به أن يرجم حتى يموت، فرجم حتى مات".

والحديث يدلّ على أنه يقتل الرجل بالمرأة، وإليه ذهب الجمهور

(4)

.

وحكى ابن المنذر

(5)

الإجماع عليه إلا رواية عن عليّ (6)، وعن الحسن

(6)

وعطاء، ورواه البخاري

(7)

عن أهل العلم.

(1)

أحمد في المسند (3/ 193) والبخاري رقم (6879) ومسلم رقم (17/ (1672) وأبو داود رقم (4527) والترمذي رقم (1394) والنسائي رقم (4741) وابن ماجه رقم (2665).

وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (15/ 1672).

(3)

في صحيحه رقم (16/ 1672).

(4)

المغني (11/ 500) وفتح الباري (12/ 198).

(5)

في كتابه "الإجماع"(ص 144 - 145 رقم 653).

(6)

قال الحافظ في "الفتح"(12/ 198): "قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن العبد يقتل بالحر، وأنَّ الأنثى تقتل بالذكر ويقتل بها، إلا أنه ورد عن بعض الصحابة كعلي والتابعين كالحسن البصري: أن الذكر إذا قتل الأنثى فشاء أولياؤها قتله وجب عليهم نصف الدية، وإلا فلهم الدية كاملة.

قال: ولا يثبت عن علي، لكن هو قول عثمان البتي أحد فقهاء البصرة". اهـ.

(7)

في صحيحه (12/ 214 رقم الباب (14) - مع الفتح) معلقًا.

ص: 39

وروي في البحر

(1)

عن عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري

(2)

، وعكرمة، وعطاء، ومالك

(3)

وأحد قولي الشافعي

(4)

أنه لا يقتل الرجل بالمرأة وإنما تجب الدية، وقد رواه أيضًا عن الحسن البصري أبو الوليد الباجي والخطابي.

وحكى هذا القول صاحب الكشاف

(5)

عن الجماعة الذين حكاه صاحب البحر

(6)

عنهم ولكنه قال: وهو مذهب مالك (3) والشافعي (4)، ولم يقل: وهو أحد قولي الشافعي كما قال صاحب البحر (6).

وقد أشار السعد في حاشيته على الكشاف إلى أن الرواية التي ذكرها الزمخشريُّ وَهْم محضٌ.

قال: ولا يوجد في كتب المذهبين، يعني مذهب مالك والشافعي تردّد في قتل الذكر بالأنثى. انتهى.

وأخرج البيهقي

(7)

عن أبي الزناد أنه قال: كان من أدركته من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار في مشيخة جلَّةٍ من سواهم من نظرائهم أهلُ فقهٍ وفضل، أن المرأة تقادُ من الرجل عينًا بعين وأذنًا بأذنٍ، وكلُّ شيء من الجراح على ذلك وإن قتلها قتل بها.

ورويناه عن الزهري وغيره، وعن النخعي، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز.

قال البيهقي

(8)

: وروينا عن الشعبي وإبراهيم خلافه فيما دون النفس.

(1)

البحر الزخار (5/ 217).

(2)

موسوعة الحسن البصري (1/ 285).

(3)

قال القاضي عبد الوهاب البغدادي في "عيون المجالس"(5/ 1982 - 1983 - رقم المسألة 1417): "الرجل يقتل بالمرأة، والمرأة تقتل بالرجل، إذا كانا مسلمين حرّين، أو عبدين مسلمين، يقتص كذلك لكل واحد منهما من صاحبه في الأطراف، لا يختلف قول مالك رحمه الله في هذا

". اهـ.

(4)

البيان للعمراني (11/ 304).

(5)

الزمخشري في الكشاف (1/ 368).

(6)

البحر الزخار (5/ 217).

(7)

في السنن الكبرى (8/ 40).

(8)

في السنن الكبرى (8/ 40).

ص: 40

واختلف الجمهورُ هل يتوفى ورثةُ الرجل من ورثة المرأةِ أم لا؟ فذهب الهادي

(1)

، والقاسم، والناصر، وأبو العباس، وأبو طالب، إلى أنهم يتوفون نصف دية الرجل، وحكاه البيهقي عن عثمان البتي، وحكاه أيضًا السعد في حاشية الكشاف عن مالك. وذهبت الشافعية

(2)

والحنفية

(3)

وزيد بن عليّ (4)، والمؤيد بالله (4)، والإمام يحيى

(4)

، إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة ولا توفية.

وقد احتجّ القائلون بثبوت القصاص بقوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}

(5)

.

ويجاب عن ذلك بما قدمنا في الباب الأول من أن هذه الآية حكاية عن بني إسرائيل كما يدلّ على ذلك قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} أي في التوراة.

وقد صرّح صاحب الكشاف

(6)

بأنها واردة لحكاية ما كتب في التوراة على أهلها، فتكون هذه الآية مفسرة أو مقيدة أو مخصصة بقوله تعالى:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى}

(7)

.

وهذه الآية تدلُّ على اعتبار الموافقة ذكورةً وأنوثة وحرية.

وقد أجاب السَّعد عن هذا في حاشيته على الكشاف بوجوه:

(الأول): أنَّ القول بالمفهوم إنما هو على تقدير أن لا يظهر للقيدِ فائدة، وههنا الفائدة أن الآية إنما نزلت لذلك.

(والثاني): أنَّه لو اعتبر ذلك لزم أن لا تُقتَل الأنثى بالذكر نظرًا إلى مفهوم الأنثى، قال: وهذا يردّ على ما ذكرنا أيضًا ويدفع بأنه يعلم بطريق الأولى.

(والثالث): أنه لا عبرة بالمفهوم في مقابلة المنطوق الدالّ على قتل النفس بالنفس كيفما كانت.

لا يقال: تلك حكاية عمَّا في التوراة، لا بيانٌ للحكم في شريعتنا. لأنا نقول: شرائع من قبلنا - سيَّما إذا ذكرت في كتابنا - حجةٌ، وكم مثلها في أدلة

(1)

البحر الزخار (5/ 217).

(2)

البيان للعمراني (11/ 495).

(3)

البناية في شرح الهداية (12/ 213).

(4)

البحر الزخار (5/ 217).

(5)

سورة المائدة، الآية:(45).

(6)

الكشاف (2/ 244).

(7)

سورة البقرة، الآية:(178).

ص: 41

أحكامنا حتى يظهر الناسخ، وما ذكر هنا - يعني في البقرة - يصلح مفسرًا فلا يجعل ناسخًا.

وأما أنَّ تلك - يعني: آية المائدة - ليست ناسخةً لهذه؛ فلأنها مفسرةٌ بها، فلا تكون هي منسوخة بها.

ودليل آخر على عدم النسخ: أنَّ تلك، أعني {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}

(1)

حكايةٌ لما في التوراة، وهذه أعني:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ} إلخ، خطابٌ لنا، وحكم علينا، فلا ترفعها تلك، وإلى هذا أشار - يعني: الزمخشريُّ - بقوله: ولأنَّ تلك عطفًا على مضمون قوله، ويقولون: هي مفسرة، لكنهم يقولون: إنَّ المحكيَّ في كتابنا من شريعة من قبلنا بمنزلة المنصوص المقرّر فيصلح ناسخًا، وما ذكرنا من كونه مفسرًا إنما يتمُّ لو كان قولنا:{النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (1) مبهمًا، ولا إبهام، بل هو عامٌّ، والتنصيص على بعض الأفراد لا يدفع العموم سيَّما والخصم يدعي تأخر العام، حيث يجعله ناسخًا، لكن يرد عليه: أنَّه ليس فيه رفع شيءٍ من الحكم السابق، بل إثبات زيادة حكم آخر، اللهمَّ إلا أن يقال: إن في قوله: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} الآية؛ دلالة على وجوب اعتبار المساواة في الحرية والذكورة دون الرقّ والأنوثة. انتهى كلام السعد.

والحاصلُ: أن الاستدلال بالقرآن على قتل الحرِّ بالعبد، أو عدمه، أو قتل الذكر بالأنثى، أو عدمه لا يخلو عن إشكال يفتّ في عضد الظنّ الحاصل بالاستدلال، فالأولى: التعويل على ما سلف من الأحاديث القاضية: بأنه لا يقتل الحرُّ بالعبد، وعلى ما ورد من الأحاديث والآثار القاضية: بأنه يقتل الذكر بالأنثى.

(منها) حديث الباب

(2)

؛ وإن كان لا يخلو عن إشكال، لأنَّ قتل الذكر الكافر بالأنثى المسلمة لا يستلزم قتل الذكر المسلم بها لما بينهما من التفاوت، ولو لم يكن إلا ما أسلفنا من الأدلة القاضية: بأنه لا يقتل المسلم بالكافر.

(1)

سورة المائدة، الآية:(45).

(2)

تقدم برقم (3006) من كتابنا هذا.

ص: 42

(ومنها) ما أخرجه مالك

(1)

والشافعي

(2)

من حديث عمرو بن حزم: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن: أن الذكر يقتل بالأنثى".

وهو عندهما عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه: "أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: أن الذكر يقتل بالأنثى".

ووصله نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده، وجده محمد بن عمرو بن حزم ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يسمع منه كما قال الحافظ

(3)

.

وكذا أخرجه عبد الرزاق

(4)

عن معمر، ومن طريقه الدارقطني

(5)

.

ورواه أبو داود

(6)

والنسائي

(7)

من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري مرسلًا.

(1)

في الموطأ (2/ 849 رقم 1).

(2)

في المسند (ج 2 رقم 363، 369، 370، 372).

قلت: وأخرجه أبو داود في "المراسيل" رقم (92) ورجاله ثقات، رجال الشيخين غير محمد بن عمارة - وهو ابن عمرو بن حزم الأنصاري الخرمي المدني - فإنه لم يخرجا له، ولا أحدهما، وهو صدوق، وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 380) وقال أبو حاتم: صالح بن إدريس: هو عبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي الكوفي، وهو في سنن الدارقطني (1/ 121) من طريق ابن إدريس به.

• قلت: وأخرجه النسائي رقم (4853) وابن حبان رقم (793 - موارد) والحاكم (1/ 395 - 397) و (3/ 485) والبيهقي (4/ 89 - 90) موصولًا مطولًا من حديث الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده.

وفي هذا الحديث كلام طويل، وخلاصته:"أن الحديث طرقه كلها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير إذ ليس في شيء منها من اتُّهم بكذب، وإنما لعلة الإرسال أو سوء الحفظ، ومن المقرَّر في "علم المصطلح": أن الطرق يقوي بعضها بعضًا إذا لم يكن فيها متَّهم كما قرَّره النووي في "تقريبه" ثم السيوطي في "شرحه" وعليه فالنفس تطمئن لصحة هذا الحديث

".

قاله المحدث الألباني في "الإرواء"(1/ 160 - 162).

(3)

في "التلخيص"(4/ 34).

(4)

في المصنف رقم (6793).

(5)

في سننه (1/ 122 رقم 5).

(6)

في المراسيل رقم (257).

(7)

في سننه رقم (4855).

وهو مرسل صحيح.

ص: 43

ورواه أبو داود في المراسيل

(1)

عن ابن شهاب قال: "قرأت في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم".

ورواه النسائي

(2)

وابن حبان

(3)

والحاكم

(4)

والبيهقي

(5)

موصولًا مطوّلًا، من حديث الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود: حدثني الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، وفرّقه الدارمي

(6)

في مسنده عن الحكم مقطعًا.

قال الحافظ

(7)

: وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث، فقال أبو داود في المراسيل

(8)

: قد أُسنِدَ هذا الحديث ولا يصحُّ، والذي في إسناده سليمانُ بن داود وهم، إنما هو سليمان بن أرقم.

وقال

(9)

في موضع آخر: لا أحدّث به، وقد وهم الحكم بن موسى في قوله: سليمان بن داود، وقد حدثني محمد بن الوليد الدمشقي أنه قرأ في أصل يحيى بن حمزة: سليمان بن أرقم، وهكذا قال أبو زرعة الدمشقي

(10)

: إنه الصواب، وتبعه صالح بن محمد جزرة، وأبو الحسن الهروي وغيرهما.

(1)

في المراسيل رقم (257) مرسل صحيح.

(2)

في السنن رقم (4853).

(3)

في صحيحه رقم (6559).

(4)

في المستدرك (1/ 395 - 397) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(5)

في السنن الكبرى (8/ 28).

(6)

مسند الدارمي (2/ 249).

(7)

في "التلخيص"(4/ 35).

(8)

في المراسيل (ص 213) بإثر رقم (257) و (258).

(9)

أي أبو داود كما في "التلخيص"(4/ 35).

(10)

قال الذهبي في "الميزان"(2/ 201 - 202): "وقال أبو زُرعة الدمشقي: الصواب سليمان بن أرقم. وقال الحافظ بن منده: رأيت في كتابي يحيى بن حمزة بخطّه، عن سليمان بن أرقم، عن الزهري: وهو الصواب.

وقال صالح جَزَرة: حدثنا دحيم، قال: نظرت في أصل كتاب يحيى حديثَ عمرو بن حزم في الصدقات، فإذا هو عن سليمان بن أرقم.

قال صالح: فكتبت هذا الكلام عن مسلم بن الحجاج.

قلت: - أي الذهبي - ترجَّح أنَّ الحكم بن موسى وَهِم ولا بُدّ". اهـ.

ص: 44

وقال صالح جزرة: حدثنا دحيم قال: قرأت في كتاب يحيى بن حمزة حديث عمرو بن حزم، فإذا هو عن سليمان بن أرقم.

قال صالح: كتب عني هذه الحكاية مسلم بن الحجاج.

قال الحافظ

(1)

أيضًا: ويؤيدُ هذه الحكاية ما رواه النسائي

(2)

عن الهيثم بن مروان

(3)

، عن محمد بن بكار

(4)

، عن يحيى بن حمزة، عن سليمان بن أرقم

(5)

، عن الزهري، وقال: هذا أشبه بالصواب.

وقال ابن حزم في المحلى

(6)

: صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا تقوم بها حجة، وسليمان بن داود متفق على تركه.

وقال عبد الحق

(7)

: سليمان بن داود الذي يروي هذه النسخة عن الزهري ضعيف، ويقال: إنه سليمان بن أرقم.

وتعقبه ابن عديّ

(8)

فقال: هذا خطأ، إنما هو سليمان بن داود، وقد جوّده الحكم بن موسى، وقال أبو زرعة

(9)

: عرضته على أحمد فقال: سليمان بن داود اليمامي ضعيف، وسليمان بن داود الخولاني ثقة، وكلاهما يروي عن الزهري،

(1)

في "التلخيص"(4/ 35).

(2)

في سننه رقم (4854).

وهو حديث ضعيف.

(3)

الهيثم بن مروان بن الهيثم العَنسي، أبو الحكم الدمشقي: مقبول، من الحادية عشرة. س - التقريب رقم (7377).

وقال المحرران: بل صدوق حسن الحديث، فقد روى عنه جمع من الثقات، منهم النسائي، وقال: لا بأس به. وقال الذهبي: صدوق مشهور.

(4)

محمد بن بكَّار بن بلال العاملي، أبو عبد الله الدمشقي القاضي، صدوق، من التاسعة

التقريب رقم (5757).

(5)

سليمان بن أرقم؛ قال أحمد: لا يروى عنه، وقال عباس وعثمان عن ابن معين: ليس بشيء. وقال الجوزجاني: ساقط. وقال أبو داود والدارقطني: متروك. وقال أبو زرعة: ذاهب الحديث. وقال الحافظ في "التقريب": ضعيف. الميزان (2/ 196) والتقريب رقم (2532).

(6)

في "المحلى"(6/ 13).

(7)

في الأحكام الوسطى (4/ 58 - الرشد).

(8)

في "الكامل"(4/ 270).

(9)

"الكامل" لابن عدي (4/ 269).

ص: 45

والذي روى حديث الصدقات هو الخولاني، فمن ضعفه فإنما ظنّ أن الراوي هو اليمامي.

وقد أثنى على سليمان بن داود الخولاني

(1)

هذا أبو زرعة، وأبو حاتم، وعثمان بن سعيد، وجماعة من الحفاظ.

وحكى الحاكم

(2)

عن أبي حاتم أنه سئل عن حديث عمرو بن حزم فقال: سليمان بن داود عندنا ممن لا بأس به.

وقد صحح هذا الحديث عمرو بن حزم فقال: سليمان بن داود عندنا ممن لا بأس به.

وقد صحح هذا الحديث ابن حبان

(3)

والحاكم

(4)

والبيهقي

(5)

ونقل عن أحمد أنه قال: أرجو أن يكون صحيحًا، وصححه أيضًا من حيث الشُّهرة لا من حيثُ الإسنادُ جماعة من الأئمة منهم الشافعي فإنه قال في رسالته

(6)

: لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عبد البرّ

(7)

: هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم يستغنى بشهرته عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة. قال: ويدلُّ على شُهرته ما رَوَى ابنُ وهب عن مالك عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: "وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

وقال العقيلي

(8)

: هذا حديث ثابت محفوظ إلا أنا نرى أنه كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري.

وقال يعقوب بن أبي سفيان: لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابًا أصحّ

(1)

تهذيب التهذيب (2/ 93).

(2)

في المستدرك (1/ 397).

(3)

في صحيحه رقم (6559).

(4)

في المستدرك (1/ 395 - 397).

(5)

في السنن الكبرى (4/ 89 - 90).

(6)

في الرسالة (ص 422 رقم 1163).

(7)

في "التمهيد"(17/ 338 - تيمية).

(8)

في "الضعفاء الكبير" له (2/ 128).

ص: 46

من كتاب عمرو بن حزم هذا، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم.

قال الحاكم

(1)

: قد شهد عمر بن عبد العزيز، وإمامُ عصره الزهريُّ بالصحة لهذا الكتاب، ثم ساق ذلك بسنده إليهما وسيأتي لفظ هذا الحديث في أبواب الديات

(2)

، هذا غاية ما يمكن الاستدلال به للجمهور.

ومما يقوّي ما ذهبوا إليه قوله صلى الله عليه وسلم: "وهم يقتلون قاتلها"، وسيأتي في باب أن الدم حقّ لجميع الورثة من الرجال والنساء.

ووجهه ما فيه من العموم الشامل للرجل والمرأة. ومما يقوي ما ذهبوا إليه أيضًا أنا قد علمنا: أن الحكمة في شرعية القصاص هي حقن الدماء وحياة النفوس كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}

(3)

، وترك الاقتصاص للأنثى من الذكر يفضي إلى إتلاف نفوس الإناث لأمور كثيرة:

(منها): كراهيةُ توريثهنَّ.

(ومنها): مخافة العار لا سيما عند ظهور أدنى شيء منهن لما بقي في القلوب من حمية الجاهلية التي نشأ عنها الوأد.

(ومنها): كونهنَّ مستضعفاتٍ لا يخشى من رام القتل لهنَّ أن يناله من المدافعة ما يناله من الرجال، فلا شكَّ ولا ريب: أن الترخيص في ذلك من أعظم الذرائع المفضية إلى هلاك نفوسهن ولا سيما في مواطن الأعراب المتصفين بغلظ القلوب وشدة الغيرة والأنفة اللاحقة بما كانت عليه الجاهلية.

لا يقال: يلزم مثل هذا في الحرِّ إذا قتل عبدًا، لأن الترخيص في القود يفضي إلى مثل ذلك الأمر. لأنا نقول: هذه المناسبة إنما تعتبر مع عدم معارضتها لما هو مقدم عليها من الأدلة فلا يعمل بها في الاقتياد للعبد من الحرّ لما سلف من الأدلة القاضية بالمنع، ويعمل بها في الاقتياد للأنثى من الذكر لأنها لم تعارض ما هو كذلك، بل جاءت مظاهرة للأدلة القاضية بالثبوت.

(1)

في المستدرك (1/ 397).

(2)

الباب الأول: باب دية النفس وأعضائها ومنافعها، عند الحديث رقم (1/ 3055).

(3)

سورة البقرة، الآية:(179).

ص: 47

وفي حديث الباب دليل على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل، وسيأتي بيان الخلاف فيه.

وفيه أيضًا دليل على أنه يجوز القود بمثل ما قتل به المقتول، واليه ذهب الجمهور

(1)

.

ويؤيد ذلك عموم قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}

(2)

، وقوله تعالى:{فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}

(3)

، وقوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}

(4)

.

وما أخرجه البيهقي

(5)

والبزار

(6)

عنه صلى الله عليه وسلم من حديث البراء وفيه: "ومن حرَّق حرَّقناه، ومن غرَّق غرَّقناه". قال البيهقي

(7)

: في إسناده بعض من يجهل، وإنما قاله زياد في خطبته، وهذا إذا كان السبب الذي وقع القتل به مما يجوز فعله لا إذ كان لا يجوز، كمن قتل غيره بإيجاره

(8)

الخمر أو اللواط به

(9)

.

وذهبت العترة والكوفيون

(10)

، ومنهم أبو حنيفة

(11)

وأصحابه إلى أن الاقتصاص لا يكون إلا بالسيف.

واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عند ابن ماجه

(12)

والبزار

(13)

(1)

المغني (11/ 507) والفتح (12/ 200).

(2)

سورة النحل: الآية (126).

(3)

سورة البقرة: الآية (194).

(4)

سورة الشورى: الآية (40).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 43) وفي المعرفة (12/ 409 رقم 17185).

(6)

لم أقف عليه.

(7)

في "المعرفة"(12/ 415).

قلت: وقال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 344): "قال صاحب "التنقيح": في هذا الإسناد من يجهل حاله، كبشر، وغيره". اهـ.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(8)

الوَجُور - بالفتح - يوجر في وسط الفم: أي: يصبُّ.

(9)

البحر الزخار (5/ 236).

(10)

حكاه عنهم الحافظ في "الفتح"(12/ 200).

(11)

البناية في شرح الهداية (12/ 110 - 112) وبدائع الصنائع (7/ 245).

(12)

في السنن رقم (2667).

(13)

في المسند رقم (3244) ورقم (1527 - الكشف) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" =

ص: 48

والطحاوي

(1)

والطبراني

(2)

والبيهقي

(3)

بألفاظ مختلفة.

(منها): "لا قود إلا بالسيف"، وأخرجه ابن ماجه

(4)

أيضًا والبزار

(5)

والبيهقي

(6)

من حديث أبي بكرة.

وأخرجه الدارقطني

(7)

والبيهقي

(8)

من حديث أبي هريرة.

وأخرجه الدارقطني

(9)

من حديث علي.

= (6/ 291): فيه جابر الجعفي وهو ضعيف.

(1)

في شرح معاني الآثار (3/ 184).

(2)

مسند النعمان مع الجزء المفقود من المعجم. وقد عزاه له في الكنز رقم (39837).

(3)

في السنن الكبرى (8/ 62).

وهو حديث ضعيف جدًّا.

(4)

في سننه رقم (2668).

(5)

في المسند رقم (3663).

(6)

في السنن الكبرى (8/ 62 - 63).

قال البزار في المسند (9/ 116): "لا نعلم أحدًا أسنده بأحسن من هذا الإسناد، ولا نعلم أحدًا قال: عن أبي بكرة إلا الحر بن مالك، ولم يكن به بأس، وأحسبه أخطأ في هذا الحديث؛ لأن الناس يروونه عن الحسن مرسلًا".

قال ابن القطان في "الوهم والإيهام"(5/ 184): "والبزار يرويه عن شيخ له يقال له: أبو زيد الأبلي، عن الحر بن مالك المذكور ولا أعرف حال أبي زيد هذا.

وكذا قال أبو حاتم - في الجرح والتعديل (3/ 278) - في الحر بن مالك: لا بأس به.

قلت: فيه مع ذلك مبارك بن فضالة: وثقه قوم وضعفه آخرون. انظر: تهذيب الكمال (27/ 180 - 190) والجرح والتعديل (8/ 339).

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 345): "هذا إسناد ضعيف لضعف مبارك بن فضالة وتدليسه".

وهو حديث ضعيف.

(7)

في سننه (3/ 87 رقم 20).

(8)

في السنن الكبرى (8/ 63).

قلت: علة الحديث أبو معاذ سليمان بن أرقم وهو متروك.

وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 307): إنه حديث لا يصح.

(9)

في سننه (3/ 87 - 88 رقم 21).

وعلته: معلى بن هلال، وهو كذاب وضّاع، قال أحمد: متروك الحديث حديثه موضوع كذب. انظر: "الميزان"(4/ 152).

وهو حديث ضعيف جدًّا.

ص: 49

وأخرجه البيهقي

(1)

والطبراني

(2)

من حديث ابن مسعود.

وأخرجه ابن أبي شيبة

(3)

عن الحسن مرسلًا، وهذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو متروك حتى قال أبو حاتم

(4)

: حديث منكر.

وقال عبد الحقّ

(5)

وابن الجوزي

(6)

: طرقه كلها ضعيفة.

وقال البيهقي

(7)

: لم يثبت له إسناد ويؤيد معنى هذا الحديث الذي يقوّي بعض طرقه بعضًا، حديث شداد بن أوس عند مسلم

(8)

وأبي داود

(9)

والنسائي

(10)

وابن ماجه

(11)

أن النبيّ صلى الله عليه وسلم: قال: "إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة".

وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العنق بالسيف كما يحصل به.

ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يأمر بضرب عنق من أراد قتله، حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه، فإذا رأوا رجلًا يستحقّ القتل قال قائلهم: يا رسول الله دعني أضربْ عنقه، حتى قيل: إن القتل بغير ضرب العنق بالسيف مُثْلَةٌ.

وقد ثبت النهيُ عنها كما سيأتي.

(1)

في السنن الكبرى (8/ 63).

(2)

في المعجم الكبير (ج 10 رقم 10044).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 291) وقال: "فيه أبو معاذ سليمان بن أرقم وهو متروك.

قلت: وعلته: عنعنة بقية والمتروك سليمان بن أرقم.

وهو حديث موضوع.

(3)

في "المصنف"(9/ 354) مرسلًا.

(4)

في "العلل"(1/ 461 رقم 1388) عقب حديث أبي بكرة.

(5)

في الأحكام الوسطى (4/ 75 - الرشد).

(6)

في "التحقيق"(9/ 272 - 274).

(7)

في "السنن الكبرى"(8/ 63). وقال في المعرفة (12/ 80 رقم 15946): "وروي من أوجه أُخر كلها ضعيف والله أعلم".

(8)

في صحيحه رقم (57/ 1955).

(9)

في سننه رقم (2815).

(10)

في سننه رقم (4405).

(11)

في سننه رقم (3170).

وهو حديث صحيح.

ص: 50

وأما حديث ابن عمر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "يُقتل القاتل ويُصبر الصابر"، أخرجه البيهقي

(1)

والدارقطني

(2)

وصححه ابن القطان

(3)

.

فالأشهر فيه رواية معمر عن إسماعيل بن أمية مرسلًا.

وقد قال الدارقطنيُّ: الإرسال فيه أكثر.

وقال البيهقي: الموصول غير محفوظ.

وأما حديث أنس المذكور في الباب

(4)

، فقد أجيب عنه بأنه فعل لا ظاهر له فلا يعارض ما ثبت من الأقوال في الأمر بإحسان القتلة والنهي عن المثلة وحصر القود في السيف.

13/ 3007 - (وَعَنْ حَمَلِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كنْتُ بَيْنَ امْرَأتَيْنِ، فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِمسْطَحٍ فَقَتَلَتْها وَجَنِينها، فَقَضَى النبي صلى الله عليه وسلم فِي جَنِينِها بِغُرَّة وأنْ تُقْتَلَ بِها. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

(5)

. [صحيح]

(1)

في السنن الكبرى (8/ 50) وقال: إنه غير محفوظ.

(2)

في سننه (3/ 140 رقم 175) وقال: الإرسال في هذا الحديث أكثر. وتبعه عبد الحق في "الأحكام الوسطى"(4/ 72) وتعقبهما ابن القطان.

(3)

في الوهم والإيهام (5/ 416).

قال ابن القطان: (أوهما - أي البيهقي والدارقطني - بهذا القول ضعف الخبر وهو عندي صحيح، فإن إسماعيل بن أمية من الثقات فلا يعد رفعه مرة وإرساله أخرى اضطرابًا، إذ يجوز للحافظ أن يرسل الحديث عند المذاكرة، فإذا أراد التحمُّل أسنده، وإنما يعد هذا اضطرابًا بمن لم نثق بحفظه، والثوري أحد الأئمة وقد وصله غيره كما ذكر.

وخلاصة القول: أن حديث ابن عمر حديث صحيح، والله أعلم.

(4)

تقدم برقم (3006) من كتابنا هذا.

(5)

أحمد في المسند (1/ 364) و (4/ 79 - 80) وأبو داود رقم (4572) وابن ماجه رقم (2641) والنسائي رقم (4818).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 196 - 197) وابن الجارود رقم (779) والبيهقي (8/ 114) والحاكم (3/ 575) وابن حبان رقم (6021) والدارقطني (3/ 115 - 117) من طرق.

قال المنذري في "مختصر السنن"(6/ 367): "وقوله: "وأن تُقتل" لم يذكر في غير هذه الرواية، وقد روي عن عمرو بن دينار أنه شك في قتل المرأة بالمرأة.

قال الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر: ويظهر أن هذا التشكيك كان له عند عمرو أثره، فروى الحديثَ مرةً أخرى دون هذا الحرف الذي شك فيه. =

ص: 51

14/ 3008 - (وَعَنْ أنَسٍ قال: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَحُثُّ فِي خُطْبَتِهِ على الصَّدَقَةِ وينْهَى عَنِ المُثْلَةِ. رَوَاهُ النَّسائيُّ)

(1)

. [صحيح]

15/ 3009 - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قالَ: ما خَطَبَنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً إلَّا أمَرَنا بالصَّدَقَةِ ونَهَانا عَنِ المُثْلَةِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

. [صحيح]

وَلَهُ

(3)

مِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ سَمُرَةَ). [المرفوع منه صحيح]

الحديثُ الأوّل أصلُه في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة

(4)

، والمغيرة بن شعبة

(5)

، ولكن بدون زيادة قوله:"وأن تقتل بها"

(6)

التي هي المقصود من ذكر الحديث [ههنا]

(7)

.

وقد قال المنذري

(8)

: إنَّ هذه الزيادة لم تذكر في [غير]

(9)

هذه الرواية.

[وحديث أنس رجال إسناده ثقات، فإن النسائي قال: أخبرنا محمد بن المثنى؛ حدثنا عبد الصمد، حدثنا هشام عن قتادة عن أنس

فذكره]

(10)

.

= والخلاصة: أن الحديث صحيح، لكن قوله:"وأن تُقتل" شاذة لم تَرِدْ في غير هذه الرواية، والمحفوظ أنه قضى بديتها على عاقلة القاتلة.

(1)

في السنن رقم (4047).

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (4/ 429) بسند رجاله ثقات، لكن الحسن البصري لم يسمع من عمران بينهما هياج بن عمران كما في الرواية التي قبل هذه (4/ 428) كما في التعليقة الآتية.

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (4/ 428) بسند حسن.

قلت: وأخرجه البزار في مسنده رقم (3605) والطبراني في الكبير (ج 18 رقم 542).

والمرفوع منه صحيح.

(4)

البخاري في صحيحه رقم (6904) ومسلم في صحيحه رقم (34/ 1681).

(5)

البخاري رقم (6095) ومسلم رقم (37/ 1682).

(6)

وهي "شاذة" والمحفوظ: أنه قضى بديتها على عاقلة القاتلة، كما تقدم.

(7)

في المخطوط (ب): (هنا).

(8)

في "مختصر السنن"(6/ 367) وقد تقدم.

(9)

في المخطوط (أ)، (ب):(غيره) والصواب ما أثبتناه من مختصر السنن.

(10)

هذه الفقرة جاءت في (أ، ب) بعد الفقرة رقم (2).

ص: 52

[وحديث عمران بن حصين قال في مجمع الزوائد

(1)

: رواه الطبراني في الكبير وفيه من لم أعرفهم. انتهى]

(2)

.

وأحاديث النهي عن المثلة [أيضًا]

(3)

أصلها في صحيح البخاري

(4)

من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري، وفي غيره

(5)

من حديث ابن عباس.

قال الترمذي

(6)

: وفي الباب يعني في النهي عن المثلة عن عبد الله بن مسعود

(7)

، وشدّاد

(8)

بن أوس، وسمرة

(9)

، والمغيرة

(10)

، ويعلى بن

(1)

في "مجمع الزوائد"(4/ 189) حيث قال الهيثمي: "رواه أحمد والبزار بنحوه والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح

". اهـ.

والمذكور هنا عند الشوكاني فإنه يتعلق بالحديث الذي بعده. فلنتنبّه؟.

(2)

هذه الفقرة جاءت في (أ، ب) قبل الفقرة رقم (10).

(3)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

في صحيحه رقم (2474) و (5516).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (4/ 307) وابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 57)، (9/ 422 - 423) ومن طريقه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (2117).

وهو حديث صحيح.

(5)

كأحمد في المسند (1/ 274) بسند رجاله ثقات.

وهو حديث صحيح.

(6)

في السنن بأثر الحديث رقم (1408).

(7)

أخرجه أبو داود رقم (2666) وابن ماجه رقم (2681) و (2682).

وهو حديث ضعيف.

(8)

أخرجه الترمذي رقم (1409) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(9)

تقدم بأثر الحديث رقم (15/ 3009) من كتابنا هذا.

(10)

• أخرجه أحمد في المسند (4/ 246) من طريق وكيع عن مسلمةُ بنُ نوفل، عن رجل من ولد المغيرة بن شعبة، عن المغيرة، بسند ضعيف لإيهام الرجل من ولد المغيرة، وللاختلاف فيه.

• وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 316) والطبراني في "المعجم الكبير"(ج 20 رقم 894) من طريق أبي نعيم عن مسلمة بن نوفل، عن المغيرة ابن بنت المغيرة بن شعبة، بنحوه، وفيه قصة.

• وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة (9/ 421) عن وكيع، عن مسلمة بن نوفل، عن صفية بنت المغيرة بن شعبة، قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة، مرسلًا. وصفية هي عمة مسلمة بن نوفل. =

ص: 53

مرة

(1)

، وأبي أيوب

(2)

. انتهى.

قوله: (بمِسْطَح) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة أيضًا بعدها حاء مهملة. قال أبو داود

(3)

: قال النضر بن شميل

(4)

: المِسْطَح

(5)

: هو الصولج. اهـ.

= وأورده الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 119) رواية ابن أبي شيبة هذه، فوصلها، وزاد فيه المغيرة.

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 248 - 249): "رواه أحمد عن رجل من ولد المغيرة، عن المغيرة.

وفي الطبراني عن المغيرة ابن بنت المغيرة

فإن كان المغيرة ابن بنت المغيرة هو المغيرة عبد الله اليشكري فهو ثقة. وإن كان غيره فلم أعرفه". اهـ.

"قلت: هو المغيرة بن صفية، وهو ابن بنت المغيرة بن شعبة الثقفي.

ترجم له البخاري في الكبير (7/ 318) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 224) وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 408).

وذكروا له جميعًا روايته عن المغيرة بن شعبة - شيخه في هذا الحديث - ورواية مسلمة بن نوفل عنه؛ وهو راوي حديثه هذا.

وقد فرّقوا بينه وبين المغيرة بن عبد الله اليشكري، فتبيّن أنه غيره كما ظن الهيثمي". اهـ.

[الفرائد على مجمع الزوائد، لخليل بن محمد العربي (ص 346 رقم 568)].

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 172) بسند ضعيف لجهالة عبد الله بن حفص ورواية محمد بن فضيل بن غزوان عن عطاء بن السائب بعد الاختلاط.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 248) وقال: رواه أحمد، وفي رواية له عند الطبراني - في المعجم الكبير (ج 22 رقم 698 و 699) - وفي إسنادهما عطاء بن السائب وقد اختلط". اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(2)

أخرج الطبراني كما في "مجمع الزوائد"(6/ 249) عن أبي أيوب قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النهبة والمثلة". وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح".

(3)

في السنن (4/ 699).

(4)

قال ابن شميل: "إذا عُرِّش الكرم عُمد إلى دعائم يحفر لها في الأرض، لكل دعامة شعبتان، ثم تؤخذ خشبَةٌ فتعرَّضُ على الدّعامتين، وتسمَّى هذه الخشبة المعروضة المِسْطَح".

تهذيب اللغة للأزهري (4/ 280).

(5)

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 775): المِسْطَح بالكسر: عودٌ من أعواد الخِبَاء. =

ص: 54

والصولج

(1)

: الذي يرقق به الخبز.

وقال أبو عبيد

(2)

: هو عود من أعود الخباء.

وقد استدلَّ المصنف رحمه الله، بحديث حمل بن مالك

(3)

المذكور على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل وإليه ذهب الجمهور

(4)

، ومن أدلتهم أيضًا حديث أنس

(5)

المذكور أول الباب. وحكي في البحر

(6)

عن الحسن البصري

(7)

، والشعبي، والنخعي

(8)

، وأبي حنيفة

(9)

أنه لا قصاص بالمثقل.

واحتجوا بما أخرجه البيهقي

(10)

من حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ شيءٍ خطأ إلا السَّيف، ولكلّ خطأٍ أرشٌ".

وفي لفظ

(11)

: "كلُّ شيءٍ سوى الحديدة خطأ، ولكل خطأٍ أرشٌ". وهذا الحديث يدور على جابر الجعفي

(12)

، وقيس بن الربيع

(13)

، ولا يحتج بهما، وأيضًا هذا الدليل أخص من الدعوى، فإن أبا حنيفة يوجب القصاص بالمحدد ولو كان حجرًا أو خشبًا، ويوجبه أيضًا بالمنجنيق لكونه معروفًا بقتل الناس وبالإلقاء في النار.

فالراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ لأنَّ المقصود بالقصاص صيانةُ الدماء من الإهدار، والقتل بالمثقل كالقتل بالمحدد في إتلاف النفوس، فلو لم يجب به القصاصُ كان ذلك ذريعة إلى إزهاق الأرواح، والأدلةُ الكليةُ القاضيةُ بوجوب

= وقال الزمخشري في "الفائق"(1/ 241): المِسْطَح: عمودُ الخِبَاء، لأنه يسطح به، أي يُمدّ.

(1)

الوسيط (1/ 527).

(2)

في غريب الحديث (1/ 175).

(3)

تقدم برقم (3007) من كتابنا هذا.

(4)

المغني لابن قدامة (11/ 445 - 446، 447).

(5)

تقدم برقم (3008) من كتابنا هذا.

(6)

البحر الزخار (5/ 219).

(7)

موسوعة الحسن البصري (1/ 278).

(8)

موسوعة إبراهيم النخعي (1/ 377).

(9)

بدائع الصنائع (7/ 245 - 246) والبناية في شرح الهداية (12/ 91 - 92).

(10)

في السنن الكبرى (8/ 42) بسند ضعيف.

(11)

في السنن الكبرى (8/ 42) بسند ضعيف.

(12)

ضعيف. الميزان (2/ 379) والمجروحين (1/ 208) وقد تقدم مرارًا.

(13)

ضعيف. الميزان (3/ 393) والمجروحين (2/ 216) وقد تقدم مرارًا.

ص: 55

القصاص كتابًا وسنة وردت مطلقةً، غير مقيدةٍ بمحدَّدٍ أو غيره، وهذا إذا كانت الجناية بشيءٍ يقصد به القتل في العادة، وكان الجاني عامدًا لا لو كانت بمثل العصا، والسوط، والبندقة، ونحوها، فلا قصاص فيها عند الجمهور وهي شبه العَمد على ما سيأتي تحقيقه.

وسيأتي أيضًا بقية الكلام على حديث حمل بن مالك

(1)

في باب دية الجنين من أبواب الديات.

وقد استدلّ بالأحاديث المذكورة في النهي عن المثلة القائلون: بأنَّه لا يجوز الاقتصاص بغير السيف، وقد قدَّمنا الخلاف في ذلك.

قال الترمذي

(2)

: وكره أهل العلم المثلة.

[الباب الرابع] بابُ ما جاءَ في شبهِ العَمْدِ

16/ 3010 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "عَقْلُ شِبْه العَمْدِ مُغلَّظٌ مِثْلُ عَقْلِ العَمْدِ، وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ، وذلِكَ أَنْ يَنْزُوَ الشيْطَانُ بَيْنَ النَّاسِ فَتَكُونُ دِمَاءٌ في غَيْرِ ضَغِينَةٍ، وَلا حَمْل سلاحٍ". رَوَاهُ أحمدُ

(3)

وأبو داوُد)

(4)

. [حسن]

17/ 3011 - (وعَنْ عَبدِ الله بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَلا إنَّ قَتِيلَ الخَطَإِ شِبْهِ العَمْدِ قَتِيلَ السَّوْطِ أَوِ الْعَصَا فِيهِ مِائة مِنَ الإبلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ في بُطُونِها أوْلادُها"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ

(5)

. [حسن]

(1)

يأتي برقم (3071) من كتابنا هذا.

(2)

في السنن (4/ 23).

(3)

في المسند (2/ 183).

(4)

في السنن رقم (4565).

قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 95) والبيهقي (8/ 70).

وهو حديث حسن.

(5)

أحمد في المسند (2/ 164) وأبو داود رقم (4588) والنسائي رقم (4791) وابن ماجه رقم (2627). =

ص: 56

وَلَهُمْ مِنْ حَديثِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ)

(1)

. [ضعيف]

حديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الدمشقيُّ المكحوليُّ

(2)

، وقد تكلم فيه غير واحدٍ، ووثقه غيرُ واحدٍ.

والحديث الثاني: أخرجه أيضًا البخاري في التاريخ

(3)

، وساق اختلاف الرواة فيه.

وأخرجه الدارقطني في سننه

(4)

، وساق أيضًا فيه الاختلاف، وقد صححه ابن حبان

(5)

.

وقال ابن القطان

(6)

: هو صحيح، ولا يضرّه الاختلاف.

وحديث عبد الله بن عمر الذي أشار إليه المصنف لفظه في سنن أبي داود

(7)

قال: "خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على درجة البيت أو الكعبة"، وذكر مثل الحديث الذي قبله، وذكر له طرقًا في بعضها عليّ بن زيد بن جدعان ولا يحتجّ بحديثه.

= قلت: وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (4946) والدارقطني (3/ 104) والبيهقي (8/ 44).

وهو حديث حسن.

(1)

أحمد في المسند (2/ 11، 36) وأبو داود رقم (4549) والنسائي رقم (4793) وابن ماجه رقم (2628).

وهو حديث ضعيف.

(2)

محمد بن راشدٍ المكحولي الخزاعي، الدمشقي، نزيل البصرة، صدوقٌ يهم ورُمي بالقدر، من السابعة

"التقريب" رقم (5875).

وقال المحرران: "بل ثقة، وثقه أحمد، فقال: ثقة ثقة، وابن معين، وعبد الله بن المبارك، والنسائي، وعبد الرحمن بن صالح. وقال الذهبي في "الكاشف": وثقه أحمد وجماعة. وقال دحيم: مستقيم الحديث. وقال أبو حاتم: كان صدوقًا حسن الحديث.

وإنما ضعّفه بعضهم بسبب ما رمي به من البدع

". اهـ.

(3)

في "التاريخ الكبير"(4/ 2/ 392 - 393).

(4)

في سننه (3/ 95 رقم 53) وقد تقدم.

(5)

في صحيحه رقم (6011).

(6)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(4/ 30).

(7)

في سننه رقم (4551) بسند ضعيف.

ص: 57

وسيأتي في باب أجناس مال الدية حديث عقبة بن أوس عن رجل من الصحابة

(1)

، وهو مثل حديث عبد الله بن عمرو الثاني.

وفي الباب عن عليّ عند أبي داود

(2)

: "أنه قال: في شبه العمد أثلاثًا: ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خَلِفَة".

وفي إسناده عاصم بن ضمرة

(3)

، وقد تكلم فيه غير واحد.

وعن عليّ أيضًا عند أبي داود

(4)

: "قال في الخطأ أرباعًا: خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض".

وعن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت عند أبي داود

(5)

قالا في المغلظة: أربعون جذعة خلفة، وثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون. وفي الخطأ ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكورًا، وعشرون بنات مخاض.

وأخرج أبو داود

(6)

عن علقمة والأسود أنهما قالا: "قال عبد الله في شبه العمد: خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض".

وقد استدلَّ بأحاديث الباب من قال: إن القتل على ثلاثة أضرب: عمدٍ،

(1)

يأتي تخريجه برقم (3080) من كتابنا هذا.

(2)

في سننه رقم (4551).

وهو حديث ضعيف.

(3)

عاصمُ بن ضَمْرَة السَّلُولي، الكوفي، صدوق

التقريب رقم (3063).

(4)

في سننه رقم (4553).

وهو حديث ضعيف.

(5)

في سننه رقم (4554).

وهو حديث صحيح.

(6)

في سننه رقم (4552).

وهو حديث ضعيف.

ص: 58

وخطأ، وشبهِ عمدٍ. وإليه ذهب زيد بن عليّ

(1)

، والشافعية

(2)

، والحنفية

(3)

، والأوزاعي، والثوري

(4)

، وأحمد

(5)

، وإسحاق، وأبو ثور

(6)

، وجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم

(7)

.

فجعلوا في العمد القصاص.

وفي الخطإ الدية التي سيأتي تفصيلها.

وفي شبه العمد وهو ما كان بما مثله لا يقتل في العادة كالعصا والسوط والإبرة مع كونه قاصدًا للقتل دية مغلظة وهي مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها.

وقال ابن أبي ليلى (8): إن قتل بالحجر أو العصا، فإن كرَّرَ ذلك فهو عمد، وإلا فخطأ.

وقال عطاء (8) وطاوس

(8)

: شرط العمد أن يكون بسلاح.

وقال الجصاص: القتل ينقسم إلى عمد وخطإ، وشبه العمد، وجار مجرى الخطإ، وهو ما ليس إنهاء كفعل الصبي.

قال الإمام يحيى

(9)

: ولا ثمرة للخلاف إلا في شبه العمد.

وقال مالك

(10)

والليث والهادي والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب

(11)

: إنَّ القتل ضربان: عمد، وخطأ.

فالخطأ ما وقع بسبب من الأسباب، أو من غير مكلف، أو غير قاصد للمقتول أو للقتل، بما مثله لا يقتل في العادة. والعمد ما عداه، والأوّل لا قود فيه.

(1)

البحر الزخار (5/ 215).

(2)

البيان للعمراني (11/ 297، 302).

(3)

البناية في شرح الهداية (12/ 84).

(4)

موسوعة فقه سفيان الثوري (ص 298).

(5)

المغني (11/ 444 - 445).

(6)

موسوعة فقه أبي ثور (ص 683).

(7)

المغني (11/ 445).

(8)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 200).

(9)

البحر الزخار (5/ 215).

(10)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 483) وبداية المجتهد (4/ 296).

(11)

حكاه عنهم الإمام المهدي في البحر الزخار (5/ 215).

ص: 59

وقد حكى صاحب البحر

(1)

الإجماع على ذلك. والثاني فيه القود.

ولا يخفى أن أحاديث الباب صالحة للاحتجاج بها على إثبات قسم ثالث وهو شبه العمد وإيجاب دية مغلظة على فاعله.

وسيأتي تفصيل الديات وذكر أجناسها إن شاء الله [تعالى]

(2)

.

[الباب الخامس] بابُ مَنْ أمسكَ رجلًا وقتلَه آخَرُ

18/ 3012 - (عَن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا أمْسَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَقتلَهُ الآخرُ، يُقْتَلُ الَّذِي قَتَلَ، ويُحْبَسُ الَّذِي أَمْسَكَ". رَوَاهُ الدَّارقطنيُّ)

(3)

. [مرسل صحيح]

19/ 3013 - (وعَنْ عَلِيّ: أَنَّهُ قَضَى في رَجُلٍ قَتَلَ رجُلًا متَعَمِّدًا وأمْسَكَهُ آخَرُ، قالَ: يُقتَلُ القاتِلُ، وَيُحْبَسُ الآخَرُ في السِّجْنِ حتَّى يَمُوتَ. رَوَاهُ الشَّافعيُّ)

(4)

.

حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني (3) من طريق الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر.

(1)

البحر الزخار (5/ 215).

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

في سننه (3/ 140 رقم 176).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 50).

قال ابن الملقن في "البدر المنير"(8/ 362): "هذا إسناد على شرط مسلم، لكن قال البيهقي: إنه غير محفوظ.

قال: وقد قيل: عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن المسيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: - القائل ابن الملقن - هو في الدارقطني (3/ 139 رقم 174) ولفظه: "أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين أحدهما: قتل، والآخر: أمسك، فقتل القاتل، وحبس الممسك".

وقال البيهقي (8/ 50 - 51): "والصواب ما رواه إسماعيل بن أمية، قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل أمسك رجلًا وقتل الآخر، قال:"يقتل القاتل، ويحبس الممسك".

(4)

في "المعرفة" رقم (15857).

ص: 60

ورواه معمر وغيره عن إسماعيل. قال الدارقطني: والإرسال أكثر. وأخرجه أيضًا البيهقي

(1)

ورجح المرسل وقال: إنه [موصول]

(2)

غير محفوظ.

قال الحافظ في بلوغ المرام

(3)

: ورجاله ثقات وصححه ابن القطان

(4)

.

وقد روي أيضًا عن إسماعيل عن سعيد بن المسيب مرفوعًا، والصواب: عن إسماعيل، قال:"قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث. ورواه ابن المبارك عن معمر عن سفيان عن إسماعيل يرفعه قال: "اقتلوا القاتل، واصبروا الصابر"

(5)

، يعني: احبسوا الذي أمسك.

وأثر عليّ

(6)

هو من طريق سفيان عن جابر عن عامر عنه.

والحديث فيه دليل: على أن الممسك للمقتول حال قتل القاتل له لا يلزمه القود، ولا يعدّ فعله مشاركة حتى يكون ذلك من باب قتل الجماعة بالواحد، بل الواجب حبسه فقط.

وقد حكى صاحب البحر

(7)

هذا القول عن العترة والفريقين، يعني الشافعية والحنفية.

وقد استدلّ لهم بالحديث والأثر المذكورين، وبقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}

(8)

.

(1)

في السنن الكبرى (8/ 50).

(2)

في المخطوط (أ): (موصولًا).

(3)

في "بلوغ المرام" رقم (14/ 1100) بتحقيقي.

(4)

في "الوهم والإيهام"(5/ 416).

(5)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 50) وقال: إنه غير محفوظ. والدارقطني (3/ 140 رقم 175) وقال: الإرسال في هذا الحديث أكثر. وتبعه عبد الحق في الأحكام الوسطى (4/ 72) وتعقبهما ابن القطان في الوهم والإيهام (5/ 416) وقد تقدم.

وهو حديث صحيح.

(6)

تقدم برقم (3013) من كتابنا هذا.

(7)

البحر الزخار (5/ 228). وانظر: البيان للعمراني (11/ 342).

(8)

سورة البقرة، الآية:(194).

ص: 61

وحكي في البحر

(1)

أيضًا عن النخعي ومالك

(2)

والليث أنه يقتل الممسك كالمباشر للقتل لأنهما شريكان، إذ لولا الإمساك لما حصل القتل.

وأجيب: بأنَّ ذلك تسبيب مع مباشرة ولا حكم له معها.

والحق العمل بمقتضى الحديث المذكور، لأنَّ إعلاله بالإرسال غير قادح على ما ذهب إليه أئمة الأصول وجماعة من أئمة الحديث وهو الراجح لأن الإسناد زيادة مقبولة يتحتم الأخذ بها، والحبس المذكور جعله الجمهور موكولًا إلى نظر الإمام في طول المدّة وقصرها لأن الغرض تأديبه وليس بمقصود استمراره إلى الموت.

وقد أخذ بما روي عن عليّ من الحبس إلى الموت ربيعةُ.

[الباب السادس] باب القِصَاصِ في كَسْرِ السِّنّ

20/ 3014 - (عَنْ أَنَسٍ: أن الرُّبَيِّعَ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جارِيةٍ، فَطَلَبُوا إلَيْها العَفْوَ فأبَوْا، فَعَرَضُوا الأرْشَ فأبَوْا، فأتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأبَوْا إلَّا القصَاصَ فأمَرَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاصِ، فَقالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يا رسُولَ الله أتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقّ لا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُها، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"يا أنَسُ كِتابُ الله القِصاصُ" فَرَضِيَ القَوْمُ فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ مِنْ عِبادِ الله منْ لَوْ أقسَمَ على الله لأَبرَّهُ"، رَوَاهُ البُخَارِيُّ

(3)

وَالخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

(4)

. [صحيح]

قوله: (الربيع) بضم الراء، وهي بنت النضر.

قوله: (فطلبوا إليها العفو) أي: طلب أهل الجانية إلى المجنيّ عليها العفو، فأبى أهل المجنيِّ عليها.

(1)

البحر الزخار (5/ 228).

(2)

عيون المجالس (5/ 1990 رقم 1422) ومواهب الجليل (8/ 306).

(3)

في صحيحه رقم (2703).

(4)

أحمد في المسند (3/ 128) وأبو داود رقم (4595) والنسائي رقم (4756) وابن ماجه رقم (2649).

وهو حديث صحيح.

ص: 62

وفي رواية للبخاري

(1)

: "فطلبوا إليهم العفو فأبوا"، أي: إلى أهل المجنيِّ عليها.

قوله: (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

إلخ) فيه دليل: على وجوب القصاص في السنّ.

وقد حكى صاحب البحر

(2)

الإجماع على ذلك وهو نصّ القرآن

(3)

.

وظاهر الحديث وجوب القصاص ولو كان ذلك كسرًا لا قلعًا، ولكن بشرط: أن يُعْرَف مقدار المكسور.

ويمكن أخذ مثله من سنِّ الكاسر فيكون الاقتصاص بأن تُبْرَد سنّ الجاني إلى الحدِّ الذاهب من سنّ المجنيِّ عليه، كما قال أحمد بن حنبل

(4)

.

وقد حكي الإجماع: على أنه لا قصاص في العظم الذي يخاف منه الهلاك، وحكي عن الليث

(5)

والشافعي

(6)

والحنفية

(7)

: أنه لا قصاص في العظم الذي ليس بسن، لأن المماثلة متعذرة، لحيلولة اللحم والعصب والجلد.

قال الطحاوي

(8)

: اتفقوا على أنه لا قصاص في عظم الرأس فيلحق به سائر العظام.

وتعقّب بأنه مخالفٌ حديث الباب فيكون فاسد الاعتبار، وقد تأوّل - من قال بعدم القصاص في العظم مطلقًا إذا كسر - هذا الحديث: بأنَّ المراد بقوله: كسرَت ثنية جاريةٍ: أي قلعتها، وهو تعسف.

قوله: (لا والذي بعثك [بالحقّ]

(9)

إلخ)، قيل: لم يرد بهذا القول ردَّ حكم الشرع، وإنما أراد التعريض بطلب الشفاعة، وقيل: إنه وقع منه ذلك قبل

(1)

في صحيحه رقم (4500).

(2)

البحر الزخار (5/ 280).

(3)

لقوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45].

(4)

المغني (11/ 540).

(5)

ذكره الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء"(5/ 112).

(6)

البيان للعمراني (11/ 362).

(7)

البناية في شرح الهداية (12/ 141).

(8)

في "مختصر اختلاف العلماء"(5/ 113).

(9)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 63

علمه بوجوب القصاص إلا أن يختار المجنيُّ عليه، أو ورثته الدية، أو العفو، وقيل غير ذلك، وجميع ما قيل لا يخلو من بعد، ولكنه يقربه ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من الثناء عليه، بأنه ممن أبرّ الله قسمه، ولو كان مريدًا بيمينه ردّ ما حكم الله به لكان مستحقًا لأوجع القول وأفظعه.

قوله: (كتاب الله) الأشهر فيه الرفع على أنه مبتدأ، والقصاص خبره، ويجوز فيه: النصب على المصدرية لفعل محذوف كما في {صِبْغَةَ اللَّهِ}

(1)

و {وَعَدَ اللَّهُ}

(2)

، ويكون القصاص مرفوعًا: على أنه خبر مبتدأ محذوفٍ، وأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى قوله تعالى:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}

(3)

، وقيل: إلى قوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}

(4)

وهو الظاهر.

[الباب السابع] باب مَنْ عَضَّ يدَ رجُلٍ فانتزعَهَا فسقطَتْ ثنيَّتُهُ

21/ 3015 - (عَنْ عمْرَانَ بْنِ حُصيْنٍ: أن رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتاهُ، فاخْتَصَمُوا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: "يَعَضُّ أحَدُكُمْ يَدَ أخِيهِ كما يَعَضُّ الفَحْلُ، لا دِيَةَ لَكَ"، رَوَاهُ الجَماعةُ إلَّا أَبَا داودَ)

(5)

. [صحيح]

22/ 3016 - (وعَنْ يَعْلَى بْنِ أمَيَّةَ قالَ: كانَ لِي أَجِيرٌ فقاتَلَ إنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَانْتَزَعَ أصْبُعَهُ، فأنْدَرَ ثَنِيّتَهُ فَسَقَطَتْ، فانْطَلَقَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فأهْدَرَ

(1)

سورة البقرة، الآية:(138). انظر: "معجم القراءات"(1/ 202) والدر المصون (1/ 142 - 143).

(2)

سورة النساء، الآية:(122). انظر: "الدر المصون"(4/ 95) وإعراب القرآن الكريم (2/ 827)، وعد الله: مفعول مطلق لفعل محذوف، وحقًا: مفعول مطلق لفعل محذوف أيضًا.

(3)

سورة المائدة، الآية:(45).

(4)

سورة المائدة، الآية:(45).

(5)

أحمد في المسند (4/ 427) والبخاري رقم (6892) ومسلم رقم (18/ 1673) والترمذي رقم (1416) والنسائي رقم (4758) وابن ماجه رقم (2657).

وهو حديث صحيح.

ص: 64

ثَنِيَّتَهُ وقالَ: "أيدَع يَدَهُ في فِيكَ تَقْضَمُها كما يَقْضُمُ الفَحْلُ"، رَواهُ الجَمَاعَةُ إلَّا التِّرمذيَّ)

(1)

. [صحيح]

في رواية مسلم

(2)

عن عمران بن حصين: أنه قال: "قاتل يعلى بن أمية رجلًا، فعضَّ أحدُهما صاحبه"، ظاهره يخالف ما في حديث يعلى المذكور من قوله:"كان لي أجير فقاتل إنسانًا"، وسيأتي الجمع.

قوله: (عضَّ يد رجل) في روايةٍ لمسلم

(3)

: "عضَّ ذراع رجلٍ".

وفي رواية للبخاري

(4)

: "فعضَّ أصبع صاحبه".

وقد جمع بتعدد القصة.

وقيل: رواية الذراع أرجح من رواية الأصبع، لأنها من طريق جماعة كما حقق ذلك صاحب الفتح

(5)

.

قوله: (ثنيتاه) هكذا في رواية البخاري عند الأكثر.

وفي رواية للكشميهني

(6)

: "ثناياه" بصيغة الجمع. وفي روايةٍ

(7)

: بصيغة الإفراد، كما وقع في حديث يعلى، ويجمع بين ذلك: بأنه أريد بصيغة الإفراد الجنس، وجعل صيغة الجمع مطابقة لصيغة التثنية عند من يجيز إطلاق صيغة الجمع على المثنى، ولكنه وقع في رواية للبخاريّ

(8)

: "إحدى ثنيته"، وهي مصرّحة بالأفراد، والجمع بتعدّد الواقعة بَعِيْدٌ.

قوله: (فاختصموا) في روايةٍ بصيغة التثنية.

قوله: (يعضّ أحدكم) بفتح أوله، وبفتح العين المهملة، بعدها ضاد معجمة

(1)

أحمد في المسند (4/ 224) والبخاري رقم (2265) ومسلم رقم (20/ 1674) وأبو داود رقم (4584) والنسائي رقم (4767) وابن ماجه رقم (2656).

وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (18/ 1673).

(3)

في صحيحه رقم (19/ 1673).

(4)

في صحيحه رقم (2265).

(5)

الحافظ ابن حجر في "الفتح"(12/ 221).

(6)

كما في "الفتح"(12/ 221).

(7)

للبخاري في صحيحه رقم (2265).

(8)

في صحيحه رقم (4417).

ص: 65

مشدّدة؛ لأن أصله: عَضِض بكسر الضاد الأولى يعضض بفتحها، ثم أدغمت، ونقلت الحركة التي عليها إلى ما قبلها.

والمراد بالفحل: الذكر من الإبل.

قوله: (فعضَّ أحدهما صاحبه) لم يصرّح بالفاعل. وقد ورد في بعض الروايات: أن رجلًا من بني تميم قاتل رجلًا فعض يده، ويعلى هو من بني تميم.

ويدل على ذلك رواية مسلم المتقدمة

(1)

، واستبعد القرطبيُّ

(2)

وقوع مثل ذلك من مثل يعلى.

وأجيب: باحتمال أن يكون ذلك في أول الإسلام.

قال النووي

(3)

: إنَّ الرواية الأولى من صحيح مسلم تدل على أن المعضوض يعلى.

وفي الرواية الثانية

(4)

والثالثة

(5)

منه أن المعضوض أجير يعلى.

وقد رجح الحافظ

(6)

أن المعضوض أجير يعلى.

قال

(7)

: ويحتمل أنهما قصتان وقعتا ليعلى ولأجيره في وقت أو وقتين.

وقد تعقب الزين العراقي في شرح الترمذي

(8)

ما قاله النووي بأنه ليس في رواية مسلم ولا غيره من الكتب الستة ولا غيرها ما يدل على أن يعلى هو المعضوض، لا صريحًا ولا إشارة.

قال

(9)

: فيتعين أن يكون يعلى هو العاض. انتهى.

ولكنه يشكل على ذلك ما في حديث يعلى

(10)

المذكور في الباب: من أن المقاتلة وقعت بين أجيره وإنسانٍ آخر، فلا بدَّ من الجمع بتعدّد القصة كما سلف.

(1)

في صحيحه رقم (20/ 1674).

(2)

في "المفهم"(5/ 32).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 161).

(4)

مسلم في صحيحه رقم (20/ 1674).

(5)

مسلم في صحيحه رقم (23/ 1674).

(6)

في "الفتح"(12/ 220).

(7)

أي النووي في شرح صحيح مسلم (11/ 160).

(8)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 220).

(9)

أي: الزين العراقي كما في "الفتح"(12/ 220).

(10)

تقدم برقم (3016) من كتابنا هذا.

ص: 66

قوله: (فأندر)

(1)

بالنون والدال المهملة والراء، أي: أزال ثنيته.

قوله: (تقضمها)

(2)

بسكون القاف وفتح الضاد المعجمة على الأفصح، وهو الإمساك بأطراف الأسنان.

والحديثان يدلان على أن الجناية إذا وقعت على المجني عليه بسبب منه كالقصة المذكورة وما شابهها، فلا قصاص ولا أرش.

وإليه ذهب الجمهور

(3)

، ولكن بشرط أن لا يتمكن المعضوض مثلًا من إطلاق يده أو نحوها بما هو أيسر من ذلك، وأن يكون ذلك العض مما يتألم به المعضوض، وظاهر الدليل عدم الاشتراط.

وقد قيل: إنه من باب التقييد بالقواعد الكلية، وفي وجه للشافعية

(4)

أنه يهدر مطلقًا.

وروي عن مالك أنه يجب الضمان في مثل ذلك، وهو محجوج بالدليل الصحيح. وقد تأول أتباعه ذلك الدليل بتأويلات في غاية السقوط وعارضوه بأقيسة باطلة.

وما أحسن ما قال يحيى بن يعمر

(5)

: لو بلغ مالكًا هذا الحديث لم يخالفه، وكذا قال ابن بطال

(6)

.

[الباب الثامن] بابُ مَنْ اطَّلعَ في بيتِ قومٍ مغلق عليهم بغيرِ إذنِهِم

23/ 3017 - (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أن رَجُلًا اطَّلَعَ في جُحْرٍ في بابِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ومَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يُرَجِّلُ بِهَا رأسَهُ، فقالَ لهُ: "لوْ أَعْلَمُ

(1)

النهاية (2/ 725).

وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (ص 615): "ندر الشيء ندورًا: سقط من جوف شيء، أو من بين أشياء فظهر".

(2)

النهاية (2/ 466) والقاموس المحيط (ص 1485).

(3)

الفتح (12/ 222).

(4)

البيان للعمراني (12/ 75).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 223).

(6)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 522).

ص: 67

أَنَكَ تنْظُرُ طَعَنْتُ بهِ في عَيْنِكَ، إنما جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ")

(1)

. [صحيح]

24/ 3018 - (وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رجُلًا اطَّلَعَ فِي بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَقامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمشْقَصٍ أَوْ بِمَشاقِصَ، فَكأنّي أنْظُرُ إلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعَنَهُ)

(2)

. [صحيح]

25/ 3019 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ أن رَجُلًا اطَّلعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأتَ عَيْنَهُ ما كانَ عَلَيْكَ جُناحٌ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ)

(3)

. [صحيح]

26/ 3020 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ اطَّلعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أنْ يَفْقَؤُوا عَيْنَهُ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(4)

وَمُسْلِمٌ

(5)

. [صحيح]

وفي رِوَايَةٍ: "مَنِ اطّلعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَفَقَؤُوا عَيْنَهُ فَلا دِيَةَ لَهُ وَلا قِصَاصَ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(6)

وَالنَّسَائيُّ)

(7)

. [صحيح]

اللفظ الآخر من حديث أبي هريرة الآخر، أخرجه أيضًا ابن حبان وصححه

(8)

.

قوله: (مِدْرًى) المدرى

(9)

: بكسر الميم، وسكون الدال المهملة: عود يشبه أحَد أسنان المشط، وقد يجعل من حديد.

قوله: (بمشقص) بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة، وفتح القاف بعدها

(1)

أحمد في المسند (5/ 330) والبخاري رقم (6901) ومسلم رقم (40/ 2156).

(2)

أحمد في المسند (3/ 239) والبخاري رقم (6900) ومسلم رقم (42/ 2157).

(3)

أحمد في المسند (2/ 243) والبخاري رقم (6902) ومسلم رقم (44/ 2158).

(4)

في المسند (2/ 266).

(5)

في صحيحه رقم (43/ 2158).

وهو حديث صحيح.

(6)

في المسند (2/ 385).

(7)

في سننه رقم (4860).

وهو حديث صحيح.

(8)

في صحيحه رقم (6004) بسند صحيح.

(9)

القاموس المحيط (ص 1655) والنهاية (1/ 567).

ص: 68

صاد، قال في القاموس

(1)

: المشقص، كمنبر: نصل عريض، أو سهم فيه ذلك، والنصل الطويل، أو سهم فيه ذلك يُرمى به الوحش.

قوله: (يختل) بفتح الياء التحتية، وسكون الخاء المعجمة، بعدها مثناة مكسورة، وهو الخدع والاختفاء على ما في القاموس

(2)

.

قوله: (ليطعنه) بضم العين وقد تفتح.

قوله: (فخذفته)

(3)

الخذف: بالخاء المعجمة: الرمي بالحصاة، وأما بالحاء المهملة: فهو بالعصا، لا بالحصا.

وقد استدلّ بأحاديث الباب من قال: إن من قصد النظر إلى مكان لا يجوز له الدخول إليه بغير إذن، جاز للمنظور إلى مكانه أن يفقأ عينه، ولا قصاص عليه ولا دية؛ للتصريح بذلك في الحديث الآخر، ولقوله:"فقد حلّ لهم أن يفقئوا عينه"، ومقتضى الحِلِّ: أنه لا يضمن، ولا يقتصّ منه، ولقوله:"ما كان عليك من جناح".

وإيجاب القصاص أو الدية جناحٌ، ولأن [قوله]

(4)

صلى الله عليه وسلم المذكور: "لو أعلم أنك تنظر طعنت به في عينك"، يدل على الجواز.

وقد ذهب إلى مقتضى هذه الأحاديث جماعة من العلماء منهم الشافعي

(5)

.

وخالفت المالكية

(6)

هذه الأحاديث فقالت: إذا فعل صاحب المكان بمن اطلع عليه ما أذن به النبيّ صلى الله عليه وسلم وجب عليه القصاص أو الدية، وساعدهم على ذلك جماعة من العلماء، وغاية ما عوّلوا عليه قولهم إن المعاصي لا تدفع

(1)

القاموس المحيط (ص 802).

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 881): المِشقص: نصلُ السهم إذا كان طويلًا غير عريض، فإن كان عريضًا فهو: المِقْبَلة. الفائق (2/ 257).

(2)

القاموس المحيط (ص 1281) والنهاية (1/ 471).

(3)

القاموس المحيط (ص 1037) والنهاية (1/ 476).

(4)

في المخطوط (أ): (فعله).

(5)

البيان للعمراني (12/ 79 - 80).

(6)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 575 - 576).

ورجح القرطبي في "المفهم"(5/ 34) القول بعدم الضمان.

ص: 69

بمثلها، وهذا من الغرائب التي يتعجب المصنف من الإقدام على التمسك بمثلها في مقابلة تلك الأحاديث الصحيحة، فإن كل عالم يعلم أن ما أذن فيه الشارع ليس بمعصية، فكيف يجعل فقء عين المطلع من باب مقابلة المعاصي بمثلها.

ومن جملة ما عوّلوا عليه قولهم: إنَّ الحديث وارد على سبيل التغليظ والإرهاب.

ويجاب عنه بالمنع، والسند: أن ظاهر ما بلغنا عنه صلى الله عليه وسلم محمول على التشريع إلا لقرينة تدلُّ على إرادة المبالغة، وقد تخلص بعضهم عن الحديث بأنه مؤوّل بالإجماع: على أنَّ من قصد النظر إلى عورة غيره لم يكن ذلك مبيحًا لفقء عينه ولا سقوط ضمانها.

ويجاب أوّلًا: بمنع الإجماع، وقد نازع القرطبي

(1)

في ثبوته، وقال: إنَّ الحديث يتناول كلَّ مُطَّلِعٍ، قال: لأن الحديث المذكور إنما هو لمظنة الاطلاع على العورة، فبالأولى نظرها المحقق؛ ولو سلم الإجماع المذكور لم يكن معارضًا لما ورد به الدليل لأنه في أمرٍ آخر، فإنَّ النظر إلى البيت ربما كان مفضيًا إلى النظر إلى الحرم، وسائر ما يقصد صاحب البيتِ سَتْرَهُ عن أعين الناس.

وفرَّق بعض الفقهاء بين من كان من الناظرين في الشارع، وفي خالص ملك المنظور إليه. وبعضهم فرق بين من رمى الناظر قبل الإنذار وبعده. وظاهر أحاديث الباب عدم الفرق.

والحاصلُ: أن لأهل العلم في هذه الأحاديث تفاصيلَ وشروطًا واعتباراتٍ يطول استيفاؤها؛ وغالبها مخالفٌ لظاهر الحديث، وعاطل عن دليلٍ خارج عنه، وما كان هذا سبيله فليس في الاشتغال ببسطه ورده كثيرُ فائدة، وبعضُها مأخوذٌ من فهم المعنى المقصود بالأحاديث المذكورة، ولا بد أن يكون ظاهر الإرادة واضح الاستفادة، وبعضها مأخوذ من القياس، وشرط تقييد الدليل به أن يكون صحيحًا معتبرًا على سنن القواعد المعتبرة في الأصول.

(1)

المفهم (5/ 34)، (5/ 478 - 479) والفتح (12/ 245).

ص: 70

[الباب التاسع] باب النهي عن الاقتصاص في الطرف قبل الاندمال

27/ 3021 - (عَنْ جابرٍ: أن رَجُلًا جُرِحَ فأرَادَ أنْ يَسْتَقِيدَ، فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسْتَقَادَ مِنَ الجارحِ حتَّى يَبْرَأ المَجْرُوحُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)

(1)

. [مرسل ضعيف]

28/ 3022 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَجاءَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: أقِدْنِي، فقال:"حتَّى تَبْرَأ"، ثُمَّ جاءَ إلَيْهِ فَقالَ: أَقِدْنِي، فأقادَهُ، ثُمَّ جاءَ إلَيْهِ فَقالَ: يا رَسُولَ الله عَرَجْتُ، قالَ:"قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَني فأبْعَدَكَ الله وَبَطَلَ عَرَجُكَ"، ثمّ نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حتَّى يَبْرأَ صَاحِبُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(2)

وَالدارَقُطْنِيُّ)

(3)

[حسن لغيره]

حديث جابر أخرجه أيضًا أبو بكر بن أبي شيبة

(4)

عن ابن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عنه.

وأخرجه أيضًا عثمان بن أبي شيبة بهذا الإسناد.

وقال أبو الحسن الدارقطني

(5)

: أخطأ فيه ابنا أبي شيبة وخالفهما أحمد بن

(1)

في السنن (3/ 88 رقم 25).

وأخرجه الحازمي في "الاعتبار"(ص 455).

أعله الدارقطني بالإرسال، فقال:"أخطأ فيه ابنا أبي شيبة، وخالفهما أحمد بن حنبل وغيره، عن ابن علية عن أيوب عن عمرو مرسلًا، وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه، وهو المحفوظ مرسلًا".

وانظر: العلل لابن أبي حاتم (1/ 463) والسنن الكبرى (8/ 67).

(2)

في المسند (2/ 217) عن ابن إسحاق.

(3)

في السنن (3/ 88 رقم 24) عن ابن جريج.

قلت: ابن إسحاق، وابن جريج كلاهما عن عمرو بن شعيب به.

ورجاله ثقات، غير أن ابن إسحاق، وابن جريج مدلسان ولم يصرحا بالتحديث.

لكن للحديث شواهد يتقوى بها، فيكون الحديث حسن لغيره.

(4)

في "المصنف"(6/ 296).

(5)

ذكره الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 377).

ص: 71

حنبل وغيره فرووه عن ابن علية عن أيوب عن عمرو مرسلًا. وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه وهو المحفوظ، يعني المرسل.

وأخرجه أيضًا البيهقي

(1)

من حديث جابر مرسلًا بإسناد آخر. وقال: تفرّد به عبد الله الأموي عن ابن جريج وعنه يعقوب بن حميد.

وأخرجه

(2)

أيضًا من وجه آخر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقاس الجراحات ثم يتأنى بها سنة ثم يقضى فيها بقدر ما انتهت إليه"، وفي إسناده ابن لهيعة، وكذا رواه جماعة من الضعفاء عن أبي الزبير من وجهين آخرين عن جابر، ولم يصحّ شيء من ذلك

(3)

.

وحديث عمرو بن شعيب، قال الحافظ في بلوغ المرام

(4)

: وأعلّ بالإرسال.

وقد تقدم الخلاف في سماع عمرو بن شعيب واتصال إسناده، وأخرجه أيضًا الشافعي والبيهقي

(5)

من طريق [عمرو]

(6)

بن دينار عن محمد بن طلحة.

وقد استدلّ بالحديثين المذكورين من قال: إنه يجب الانتظار إلى أن يبرأ الجرح ويندمل ثم يقتص المجروح بعد ذلك.

وإليه ذهبت العترة

(7)

وأبو حنيفة

(8)

ومالك

(9)

.

(1)

في السنن الكبرى (8/ 67).

(2)

في السنن الكبرى (8/ 67).

(3)

قلت: أخرج الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 184) من طريق عبد الله بن المبارك، عن عنبسة بن سعيد، عن الشعبي، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يستقاد من الجرح حتى يبرأ".

قال ابن التركماني في "الجوهر النقي"(8/ 67 - هامش السنن الكبرى) سنده جيد، ونقل الزيلعي عن صاحب "التنقيح" قوله: إسناده صالح، وعنبسةُ وثّقه أحمد وغيره.

وقال ابن أبي حاتم: سُئل أبو زرعة عن هذا الحديث؛ فقال: هو مرسل مقلوب.

(4)

برقم (9/ 1095) بتحقيقي.

(5)

في السنن الكبرى (8/ 66) و"المعرفة" رقم (15959).

(6)

في المخطوط (ب): (عمر).

(7)

البحر الزخار (5/ 238).

(8)

البناية في شرح الهداية (12/ 169) وبدائع الصنائع (7/ 303).

(9)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 511) وعيون المجالس (5/ 200 رقم 1436).

ص: 72

وذهب الشافعي

(1)

إلى أنه يندب فقط، وتمسك بتمكينه صلى الله عليه وسلم الرجل المطعون بالقرن المذكور في حديث الباب من القصاص قبل البرء.

واستدلّ صاحب البحر

(2)

على الوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم: "اصبروا حتى يسفر الجرح".

وأصله: "أنَّ رجلًا طعن حسان بن ثابت، فاجتمعت الأنصار ليأخذ لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم القصاص فقال: انتظروا حتى يبرأ صاحبكم ثم أقتصّ لكم، فبرأ حسان ثم عفا"

(3)

.

وهذا الحديث إن صحَّ فحديث عمرو بن شعيب قرينة لصرفه من معناه الحقيقي إلى معناه المجازيِّ، كما أنه قرينة لصرف النهي المذكور في حديث جابر

(4)

إلى الكراهة.

وأما ما قيل من أن ظهور مفسدة التعجيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم قرينةُ أن أمره الأنصار بالانتطار للوجوب، لأن دفع المفاسد واجب كما قال في "ضوء النهار"

(5)

.

فيجاب عنه: بأن محلَّ الحجة هو إذنه صلى الله عليه وسلم بالاقتصاص قبل الاندمال، وهو لا يأذن إلا بما كان جائزًا.

وظهور المفسدة غير قادح في الجواز المذكور، وليس ظهورها بكلي ولا أكثري حتى تكون معلومة عند الاقتصاص قبل الاندمال أو مظنونة، فلا يجب ترك الإذن دفعًا للمفسدة الناشئة منه نادرًا، نعم قوله: "ثم نهى أن يتقصّ من جرح

"إلخ.

(1)

البيان للعمراني (11/ 412).

(2)

البحر الزخار (5/ 238).

(3)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (17990) عن الثوري، عن عيسى بن المغيرة، عن يزيد بن وهب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى طريف بن ربيعة - وكان قاضيًا بالشام - أن صفوان بن المعطل ضرب حسان بن ثابت بالسيف فجاءت الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تنتظرون فإن برأ صاحبكم تقتصوا، وإن يمت نُقدكم"، فعوفي، فقالت الأنصار: قد علمتم أن هوى النبي صلى الله عليه وسلم في العفو، قال: فعفوا عنه، فأعطاه صفوان جارية، فهي أم عبد الرحمن بن حسان. بسند منقطع.

(4)

تقدم برقم (3021) من كتابنا هذا.

(5)

ضوء النهار للجلال (4/ 2350).

ص: 73

يدلّ على تحريم الاقتصاص قبل الاندمال لأن لفظ "ثم" يقتضي الترتيب فيكون النهي الواقع بعدها ناسخًا للإذن الواقع قبلها.

[الباب العاشر] بابُ في أن الدَّمَ حقٌّ لجميعِ الورثةِ مِنَ الرِّجَالِ والنِّساءِ

29/ 3023 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّه: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى أنْ يَعْقِلَ عَنِ المَرأةِ عَصَبَتُها مَنْ كانُوا، وَلا يَرثُوا مِنْها إلَّا ما فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِها، وَإِنْ قَتَلَتْ فَعَقْلُها بَيْنَ وَرَثَتِها وَهُمْ يَقْتُلُونَ قاتِلَها. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا التّرْمِذِيَّ)

(1)

[حسن]

30/ 3024 - (وَعَنْ عائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "وَعلى المُقْتَتِلِينَ أَنْ يَنْحَجِزُوا الأوَّلَ فالأوَّلَ وإنْ كانَتِ امْرأةً" رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(2)

وَالنَّسَائيُّ

(3)

. [ضعيف]

وأرادَ بالمُقْتَتِلِينَ أَوْلياءَ المَقْتُولِ الطَّالِبِينَ القَوَدَ.

وَيَنْحَجِزُوا: أيْ يَنْكَفُّوا عَنِ القَوَدِ بِعَفْوِ أَحَدِهِمْ وَلَوْ كانَ امْرأةً.

وَقَوْلُهُ: الأوَّلُ فالأوَّلَ: أي الأَقْرَبَ فالأقْرَبَ).

(1)

أحمد في المسند (2/ 224) وأبو داود رقم (4564) والنسائي رقم (4801) وابن ماجه رقم (2647).

في إسناده محمد بن راشد وهو المكحولي، وسليمان بن موسى، وفيهما كلام لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن. قاله الألباني في الإرواء رقم (2302).

والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(2)

في سننه رقم (4538).

(3)

في سننه رقم (4788).

وفي إسناده حصن بن عبد الرحمن، ويقال: ابن محصن أبو حذيفة الدمشقي، قال أبو حاتم الرازي - الجرح والتعديل (3/ 305 رقم 1362) -: لا أعلم من روى عنه غير الأوزاعي ولا أعلم أحدًا نسبه.

وأورده البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 118 رقم 396) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. ووثقه ابن حبان في "الثقات"(6/ 246).

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف والله أعلم.

ص: 74

حديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي، وقد وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد

(1)

، وهو حديث طويل هذا طرف منه، وقد بسطه أبو داود في سننه

(2)

.

وحديث عائشة في إسناده حصن بن عبد الرحمن، ويقال: ابن محصن أبو حذيفة الدمشقي. قال أبو حاتم الرازي

(3)

: لا أعلم روى عنه غير الأوزاعي ولا أعلم أحدًا نسبه.

قوله: (أن يعقل) العقل

(4)

: الدية، والمراد ههنا بقوله:"أن يعقل" أن يدفع عن المرأة ما لزمها من الدية عصبتُها: والعصبة - محركةً - الذين يرثون الرجل عن كلالة من غير والدٍ، ولا ولدٍ.

فأمَّا في الفرائض: فكلُّ من لم تكن له فريضة مسماةٌ فهو عصبة إن بقي بعد الفرض [أخذ]

(5)

. وقوم الرجل الذين يتعصبون له، كذا في القاموس

(6)

.

قوله: (أن ينحجزوا) بحاء مهملة ثم جيم ثم زاي

(7)

. وقد فسره أبو داود

(8)

بما ذكره المصنف.

وقد استدلَّ المصنف بالحديثين المذكورين: على أن المستحق للدم جميعُ

(1)

تقدم الكلام عليه.

(2)

في سننه رقم (4564) وقد تقدم.

(3)

في "الجرح والتعديل"(3/ 305 رقم 1362) وقد تقدم.

(4)

العقل: الدية من الإبل، فعقلها بفناء أولياء المقتول، أي شدَّها في عُقُلها ليُسَلمها إليهم، ويقبضوها منه، فسميت الدِّية عقلًا بالمصدر. وكان أصلُ الدية الإبل، ثم قوِّمت بعد ذلك بالذهب، والفضة، والغنم، وغيرها.

[النهاية 2/ 238].

(5)

في كل طبعات نيل الأوطار تحرّفت إلى (أحد) والصواب ما أثبتناه من المخطوط (أ) و (ب): (أخذ) فلتتنبه؟!

(6)

القاموس المحيط (ص 148). وانظر: "النهاية"(2/ 214).

(7)

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 338): "ينحجزوا: أي يكفُّوا عن القَوَد، وكل من ترك شيئًا فقد انحجز عنه. والانحجاز: مُطَاوع حَجزَه: إذا منعه.

والمعنى: أن لورثةِ القتيل أن يَعْفُوا عن دَمِه؛ رجالُهم ونساؤهم أيهم عفا - وإن كانت امرأة - سَقط القَوَدُ، واستحقوا الدِّيَة". اهـ.

(8)

في السنن (4/ 676).

ص: 75

ورثة القتيل من غير فرق بين الذكر والأنثى، والسبب والنسب، فيكون القصاص إليهم جميعًا.

وإليه ذهبت العترة

(1)

والشافعي

(2)

وأبو حنيفة

(3)

وأصحابه.

وذهب الزهري

(4)

ومالك

(5)

إلى أنَّ ذلك يختصُّ بالعَصَبة. قالا: لأنه مشروع لنفي العار، كولاية النِّكاح، فإنْ وقع العفو من العصبة فالدِّية عندهما كالتركة.

وقال [ابن سيرين]

(6)

: إنه يختصّ بدم المقتول الورثة من النسب إذ هو مشروع للتشفي، والزوجية ترتفع بالموت، وردَّ بأنه شرع لحفظ الدماء.

واستدلّ لذلك في البحر

(7)

بقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}

(8)

، وبقول عمر حين عفت أختُ المقتول: عتق من القتل. قال: ولم يخالف.

وسيأتي في باب ما تحمله العاقلة

(9)

بيان كيفية العقل، واختلاف الأدلة في ثبوته إن شاء الله [تعالى]

(10)

.

[الباب الحادي عشر] باب فَضْل العَفْوِ عن الاقتِصَاص والشفاعَةِ في ذلكَ

31/ 3025 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ما عَفا رَجُلٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ

(1)

البحر الزخار (5/ 235).

(2)

البيان للعمراني (11/ 396 - 397) وروضة الطالبين (6/ 214).

(3)

بدائع الصنائع (7/ 242) ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي (5/ 131).

(4)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (11/ 581) والقاضي عبد الوهاب في "عيون المجالس"(5/ 1993).

(5)

عيون المجالس (5/ 1992 رقم المسألة 1424).

(6)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) ولكن في كتب الفقه التالية (ابن شبرمة): المغني (11/ 581) والبيان للعمراني (11/ 397) والبحر الزخار (5/ 235).

(7)

البحر الزخار (5/ 235).

(8)

سورة البقرة، الآية:(179).

(9)

الباب الثامن عند الحديث (3082 - 3091) من كتابنا هذا.

(10)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

ص: 76

إلا زَادَهُ الله بِهَا عِزًّا"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وَالتِّرْمِذِيّ وَصحَّحَه)

(3)

. [صحيح]

32/ 3026 - (وَعَنْ أنَسٍ قالَ: ما رُفِعَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أمْرٌ فِيهِ

القِصَاصُ إلا أمَرَ فِيه بالعَفْوِ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

(4)

. [صحيح]

33/ 3027 - (وَعَنْ أبي الدَّرْدَاءِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ما مِنْ رَجُل يُصَابُ بِشَيء فِي جَسَدِهِ فَيَتَصَدّقُ بِهِ إلَّا رَفَعَه الله بِهِ دَرَجَةً، وَحَطَّ بِه عَنهُ خَطِيئَةً"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(5)

وَالتّرْمِذِيُّ)

(6)

. [ضعيف]

(1)

في المسند (2/ 235، 438).

(2)

في صحيحه رقم (69/ 2588).

(3)

في سننه رقم (2029) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (3/ 213) وأبو داود رقم (4497) والنسائي رقم (4784) وابن ماجه رقم (2692).

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (2693).

(6)

في سننه رقم (1393) وقال: "غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولا أعرف لأبي السفر سماعًا من أبي الدرداء، واسمه: سعيد بن أحمد، ويقال: ابن محمد الثوري".

وقال الألباني في "الضعيفة"(9/ 463): "قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، ولكنه لم يسمع من أبي الدرداء، كما قال الترمذي. بل قال الحافظ: "وما أظنه أدركه؛ فإن أبا الدرداء قديم الموت".

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (6/ 448).

• وأخرج أبو يعلى في المسند (رقم 6869) من طريق عمران بن ظبيان، عن عدي بن ثابت، قال: هَشَمَ رجلٌ فمَ رجلٍ على عهد معاوية فأعطِيَ ديتَهُ فأبى أن يقبلَ حتى أُعطِيَ ثلاثًا.

فقال رجل: إني سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تصدَّقَ بدمٍ أو دونَهُ كان كفارةً له من يومِ وُلدَ إلى يومِ تصدق".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 302) وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عمران بن ظبيان وقد وثقه ابن حبان وفيه ضعف". اهـ.

قال الألباني في "الضعيفة"(9/ 463): "قلت: وهذا إسناد ضعيف، ومتن منكر، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمران بن ظبيان، وهو الحنفي الكوفي مختلف فيه.

فقال البخاري في "التاريخ"(3/ 2/ 424): "روى عنه الثوري وابن عيينة في الكوفيين، فيه نظر". =

ص: 77

34/ 3028 - (وَعَنْ عَبْدِ الرحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ثَلاثٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنْ كُنْتُ لَحالِفًا عَلَيْهِنّ: لا يَنْقُصُ مالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا، ولَا يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ الله عز وجل إلَّا زَادَهُ الله بِهَا عِزًّا يَوْمَ القِيامَةِ، ولَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بابَ مَسْأَلةٍ إلَّا فَتَحَ الله عَلَيْهِ بابَ فَقْرٍ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ)

(1)

. [حسن لغيره]

= وقال ابن أبي حاتم عن أبيه (3/ 1/ 300): "يكتب حديثه".

وقال ابن حبان في "الضعفاء"(2/ 124): "كان ممن يخطئ، لم يفحش خطؤه حتى يبطل الاحتجاج به، ولكن لا يحتج بما انفرد به من الأخبار" .. ". اهـ.

• وأخرج أحمد في المسند (5/ 316) من حديث عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل يُجرح في جسده جراحَةً فيتصدَّقُ بها، إلا كفر اللهُ عنه مثل ما تصدق به".

إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح، لكن الشعبي - وهو عامر بن شراحيل - لم يسمع من عبادة فيما قاله البيهقي والعلائي.

[انظر: "تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل" لأبي زرعة (ص 163 - 164)].

وأخرجه الطيالسي رقم (587) ومن طريقه البيهقي (8/ 56) عن الشعبي، قال: قال عبادة مرفوعًا: "من أصيب بجسده بقدر نصف ديته فعفا، كُفِّرَ عنه نصف سيئاته، وإن كان ثلثًا أو ربعًا، فعلى قدر ذلك".

قال البيهقي بإثره: منقطع.

وخلاصة القول: إن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

في المسند (1/ 193) إسناده ضعيف لجهالة قاصّ أهل فلسطين.

• قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (159) والبزار في المسند رقم (1033) وأبو يعلى رقم (849) والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (818) من طريق أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، قال: حدثني قاصُّ أهل فلسطين، به.

• وأخرجه البزار في المسند رقم (1032) وابن عدي في "الكامل"(5/ 1782) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (819) من طريق عمرو بن مجمع، عن يونس بن خباب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، به.

إسناده ضعيف منقطع. عمرو بن مجمع، ويونس بن خباب ضعيفان، وأبو سلمة لم يدرك أباه.

• وأخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" رقم (168) والطبراني في الصغير رقم (142 - الروض الداني) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (783)، (817) من طريق سفيان الثوري، عن منصور، عن يونس بن خباب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. =

ص: 78

حديث أنس سكت عنه أبو داود

(1)

والمنذري

(2)

، وإسناده لا بأس به.

وحديث أبي الدرداء هو من رواية أبي السفر عن أبي الدرداء، قال الترمذي

(3)

: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولا أعرف لأبي السفر سماعًا من أبي الدرداء

(4)

.

وأبو السفر اسمه سعيد بن أحمد، ويقال: ابن محمد الثوري.

وحديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه أيضًا أبو يعلى

(5)

والبزار

(6)

، وفي إسناده رجل لم يسمّ

(7)

.

وأخرجه البزار

(8)

من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه وقال

(9)

: إن الرواية هذه أصحّ.

ويشهد لصحته ما ورد من الأحاديث في الترغيب في الصدقة والتنفير عن المسألة وقد تقدمت

(10)

.

= وفي الإسناد إلى سفيان ضعف.

• وله شاهد من حديث أبي كبشة عند أحمد في المسند (4/ 231) والترمذي رقم (2325) والطبراني في المعجم الكبير (ج 22 رقم 855 و 868) والبغوي في شرح السنّة رقم (4097) وقال الترمذي: حسن صحيح.

وهو حديث حسن، لاختلافهم في يونس بن خباب الأسيدي.

وشاهدًا آخر من حديث أبي هريرة عند أحمد في المسند (2/ 386) ومسلم رقم (69/ 2588).

وهو حديث صحيح.

والخلاصة: أن حديث عبد الرحمن بن عوف حسن لغيره، والله أعلم.

(1)

في السنن (4/ 637).

(2)

في المختصر (6/ 298).

(3)

في السنن (4/ 15).

(4)

نعم وهو كما قال وقد تقدم كلام الحافظ، والمحدث الألباني رحمهم الله.

(5)

في المسند رقم (849) وقد تقدم.

(6)

في المسند رقم (1033) وقد تقدم.

(7)

وهو قاصّ أهل فلسطين كما تقدم.

(8)

في المسند رقم (1032) وقد تقدم.

(9)

أي البزار في المسند (3/ 245 بإثر الحديث 1033).

(10)

قلت: بل يشهد له حديث أبي كبشة وحديث أبي هريرة.

وهو حديث حسن لغيره كما تقدم.

ص: 79

وأما فضل العفو المذكور فيه فهو مثل حديث أبي هريرة

(1)

المذكور في الباب.

والترغيب في العفو ثابت بالأحاديث الصحيحة ونصوص القرآن الكريم.

ولا خلاف في مشروعية العفو في الجملة، وإنما وقع الخلاف فيما هو الأولى للمظلوم هل العفو عن ظالمه أو الترك؟

فمن رجح الأوّل قال: إن الله سبحانه لا يندب عباده إلى العفو إلا ولهم فيه مصلحة راجحة على مصلحة الانتصاف من الظالم.

فالعافي له من الأجر بعفوه عن ظالمه فوق ما يستحقه من العوض عن تلك المظلمة من أخذ أجر أو وضع وزر لو لم يعف عن ظالمه.

ومن رجَّح الثاني قال: إنا لا نعلم هل عوض المظلمة أنفع للمظلوم أم أجر العفو؟ ومع التردّد في ذلك ليس إلى القطع بأولوية العفو طريق.

ويجاب بأن غاية هذا عدم الجزم بأولوية العفو لا الجزم بأولوية الترك الذي هو الدعوى، ثم الدليل قائم على أولوية العفو، لأن الترغيب في الشيء يستلزم راجحيته، ولا سيما إذا نصّ الشارع على أنه من موجبات رفع الدرجات وحطّ الخطيئات وزيادة العزِّ كما وقع في أحاديث الباب.

ونحنُ لا ننكر: أن للمظلوم الذي لم يعف [عن]

(2)

ظلامته عوضًا عنها، فيأخذ من حسنات ظالمه أو يضع عليه من سيئاته، ولكنه لا يساوي الأجر الذي يستحقه العافي لأن الندب إلى العفو والإرشاد إليه والترغيب فيه يستلزم ذلك، وإلا لزم أن يكون ما هو بتلك الصفة مساويًا أو مفضولًا فلا يكون للدعاء إليه فائدة على فرض المساواة أو يكون مضرًّا بالعافي على فرض أن العفو مفضول لأنه كان سببًا في نقصان ما يستحقه من عوض المظلمة، واللازم باطل فالملزوم مثله.

(1)

تقدم برقم (31/ 3025) من كتابنا هذا.

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من (ب).

ص: 80

[الباب الثاني عشر] باب ثُبُوْتِ القِصَاصِ بالإِقْرَارِ

35/ 3029 - (عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قالَ: إني لَقاعِدٌ مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذْ جاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَة فَقالَ: يا رَسُولَ الله هَذَا قَتَلَ أخِي، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أقَتَلْتَهُ؟ "، فَقالَ: إنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ البَيِّنَةَ، قالَ: نَعَمْ، قَتَلْتُهُ، قالَ:"كيْفَ قَتَلْتَهُ؟ "، قالَ: كُنْتُ أنا وَهُوَ نَحْتَطِبُ مِنْ شَجَرَةٍ فَسَبَّنِي فأغْضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بالفأسِ على قَرْنِهِ فَقَتَلْتُهُ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ تُؤَدّيهِ عَنْ نَفْسِكَ؟ "[قالَ]

(1)

: ما لي مالٌ إلَّا كسائي وَفأسِي، قالَ:"فَتَرى قَوْمَكَ يَشْتَرُونَكَ؟ "، قالَ: أنا أهْوَنُ عَلى قَوْمِي مِنْ ذَاكَ، فَرَمَى إلَيْهِ بِنِسْعَتِهِ وَقالَ:"دُونَكَ صَاحِبَكَ"، قالَ: فانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ، فَلَمَّا وَلَّى قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ"، فَرَجَعَ فَقالَ: يا رَسُولَ الله بَلَغَنِي أنَّكَ قُلْتَ: إنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ وأخَذْتُهُ بِأمْرِكَ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أمَا تُرِيدُ أنْ يَبُوءَ بإثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ؟ "، فَقالَ: يا نَبِيَّ الله لَعَلَّهُ، قالَ: بَلى، قالَ: فإنَّ ذلكَ كَذَلِكَ، فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

وَالنسائيُّ

(3)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ قالَ: "جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِحَبشِيّ فَقَالَ: إنَّ هَذَا قَتَلَ أخِي، قالَ: "كيْفَ قَتَلْتَهُ؟ "، قالَ: ضَرَبْتُ رأسَه بالفأسِ ولَمْ أُرِدْ قَتْلَهُ، قالَ: "هَلْ لَكَ مالٌ تُؤدّي دِيَتَهُ؟ "، قالَ: لا، قالَ: "أفَرأيْتَ إنْ أرْسَلْتُكَ تَسألُ النّاسَ تَجْمَعُ دِيَتَهُ؟ "، قالَ: لا، قالَ: "فَمَوالِيكَ يُعْطُونَكَ دِيَتَهُ؟ "، قالَ: لا، قالَ لِلرَّجُلِ: "خُذْهُ"، فَخَرَجَ بِهِ لِيَقْتُلَهُ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أمَّا إنَّهُ إنْ قَتَلَه كانَ مِثْلَهُ"، فَبَلَغَ بِهِ الرَّجُلُ حَيْثُ سَمِعَ قَوْلَهُ، فَقالَ: هُوَ ذَا فَمُرْ فِيهِ ما شِئْتَ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أرْسِلْهُ يَبُوءُ

(1)

في المخطوط (ب): (فقال).

(2)

في صحيحه رقم (32/ 1680).

(3)

في سننه رقم (4727).

وهو حديث صحيح.

ص: 81

بإثْمِ صَاحِبِهِ وإثْمِهِ فَيَكُونَ مِنْ أصحَابِ النَّارِ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)

(1)

. [صحيح لغيره]

هذه الرواية [الآخرة]

(2)

سكت عنها أبو داود

(3)

والمنذري

(4)

وعزاها إلى مسلم

(5)

والنسائي

(6)

، ولعله باعتبار [اتفاقها]

(7)

في المعنى هي والرواية الأولى.

وفي رواية أخرى من حديث وائل بن حجر أخرجها أبو داود

(8)

والنسائي

(9)

. قال: "كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة، قال: فدعا وليّ المقتول فقال: أتعفو؟ قال: لا، قال: أفتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: أفتقتل، قال: نعم، قال: اذهب به؟ فلما كان في الرابعة قال: أما إنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه، قال: فعفا عنه، قال: فأنا رأيته يجرُّ النسعة".

قوله: (بنسعَةِ) بكسر النون وسكون السين بعدها عين مهملة. قال في القاموس

(10)

: النسع بالكسر: سير ينسج عريضًا على هيئة أعنَّة النّعال تشدُّ به الرِّحال، والقِطعةُ منه نِسَعَةٌ، وسُمي نسعًا لطوله. الجمعُ: نُسُعٌ بالضم، ونِسَعٌ بالكسر، كعِنَبٍ، وأنساعٌ ونسوع.

قوله: (نحتطب)

(11)

من الاحتطاب. ووقع في نسخة "تختبط" من الاختباط

(12)

.

(1)

في سننه رقم (4501).

وهو حديث صحيح لغيره.

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

في السنن (4/ 640).

(4)

في "المختصر"(6/ 300).

(5)

في صحيحه رقم (32/ 1680).

(6)

في سننه رقم (4727).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المخطوط (ب): (اتفاقهما).

(8)

في السنن رقم (4499).

(9)

في السنن رقم (4724).

وهو حديث صحيح.

(10)

القاموس المحيط (ص 990).

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 736): "النِّسْعة - بالكسر -: سَيْرٌ مضفور، يُجعل زمامًا للبعير وغيره. وقد تنسجُ عريضة، تُجعل على صدر البعير.

(11)

القاموس المحيط (ص 96).

(12)

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (11/ 172 - 173): "يختبط: أي يجمع الخبط وهو =

ص: 82

قوله: (إن قتله فهو مثله)، قد استشكل هذا بعد إذنه صلى الله عليه وسلم بالاقتصاص وإقرار القاتل القتل على الصفة المذكورة، والأولى حمل هذا المطلق على المقيد بأنه لم يرد قتله بذلك الفعل.

قال المصنف

(1)

رحمه الله تعالى: وقال ابن قتيبة في قوله: "إن قتله فهو مثله" لم يرد أنه مثله في المأثم، وكيف يريده والقصاص مباح؟ ولكن أحبّ له العفو فعرَّض تعريضًا أوهمه به أنه إن قتله كان مثله في الإثم ليعفو عنه، وكان مراده أنه يقتل نفسًا كما أن الأوّل قتل نفسًا، وإن كان الأوّل ظالمًا والآخر مقتصًا.

وقيل: معناه كان مثله في حكم البواء، فصارا متساويين لا فضل للمقتصّ إذا استوفى على المقتصّ منه.

وقيل: أراد ردعه عن قتله، لأن القاتل ادَّعى أنه لم يقصد قتله، فلو قتله الوليّ كان في وجوب القود عليه مثله لو ثبت منه قصد القتل.

يدلّ عليه ما روى أبو هريرة قال: "قتل رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع القاتل إلى وليه، فقال القاتل: يا رسول الله، والله ما أردت قتله، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أما إنه إن كان صادقًا فقتلته دخلت النار، فخلاه الرجل وكان مكتوفًا بنسعة فخرج يجرّ نسعته، قال: فكان يسمى ذا النسعة"، رواه أبو داود

(2)

وابن ماجه

(3)

والترمذي

(4)

وصححه. انتهى.

وأخرج هذا الحديث أيضًا النسائي

(5)

وهو مشتمل على زيادة وهي: تقييد الإقرار بأنه لم يرد القتل بذلك الفعل فيتعين قبولها، ويحمل المطلق على المقيد كما تقدم فيكون عدم قصد القتل موجبًا لكون القتل خطأ، ولكنه يشكل على قول

= ورق الثمر بأن يضرب الشجر بالعصا فيسقط ورقه فيجمعه علفًا.

(1)

ابن تيمية الجد في "المنتقى"(2/ 684 - 685).

(2)

في سننه رقم (4498).

(3)

في سننه رقم (2690).

(4)

في سننه رقم (1407) وقال: حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(5)

في السنن رقم (4722) بسند صحيح.

ص: 83

من قال: إن عدم قصد القتل إنما يصير القتل من جنس الخطأ إذا كان بما مثله لا يقتل في العادة، لا إذا كان مثله يقتل في العادة فإنه يكون عمدًا وإن لم يقصد به القتل، وإلى هذا ذهبت الهادوية

(1)

والحديث يردّ عليهم.

لا يقال: الحديث مشكل من جهة أخرى وهي أنه صلى الله عليه وسلم أذن لوليّ المجني عليه بالاقتصاص، ولو كان القتل خطأ لم يأذن له بذلك إذ لا قصاص في قتل الخطأ إجماعًا كما حكاه صاحب البحر

(2)

، وهو صريح القرآن والسنة. لأنا نقول: لم يمنعه صلى الله عليه وسلم من الاقتصاص بمجرّد تلك الدعوى لاحتمال أن يكون المدعي كاذبًا فيها، بل حكم على القاتل بما هو ظاهر الشرع، ورهَّب وليّ الدم عن القود بما ذكره معلقًا لذلك على صدقه.

قوله: (أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك)، أما كون القاتل يبوء بإثم المقتول فظاهر، وأما كونه يبوء بإثم وليه فلأنه لما قتل قريبه وفرق بينه وبينه كان جانيًا عليه جنايةً شديدةً لما جرت به عادة البشر من التألم لفقد القريب، والتأسف على فراق الحبيب، ولا سيما إذا كان ذلك بقتله، ولا شكّ أن ذلك ذنب شديد ينضمّ إلى ذنب القتل، فإذا عفا وليّ الدم [عن]

(3)

القاتل كانت ظلامته بقتل قريبه وإحراج صدره باقية في عنق القاتل، فينتصف منه يوم القيامة بوضع ما يساويها من ذنوبه عليه فيبوء لإثمه.

قوله: (قال: يا نبيّ الله لعله)، أي لعله أن لا يبوء بإثمي وإثم صاحبي، فقال صلى الله عليه وسلم:"بلى"، يعني بلى يبوء بذلك.

وأما قوله في الرواية الأخرى: "بإثم صاحبه وإثمه" فلا إشكال فيه، وهو مثل ما حكاه الله في القرآن عن ابن آدم حيث قال:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ}

(4)

، والمراد بالبواء الاحتمال.

قال في القاموس

(5)

: وبذنبه بَوْأً وَبَوَاءً: احْتَمَلَهُ أو اعْتَرَفَ بهِ، وَدَمَهُ بِدَمِهِ عَدَلَهُ، وبِفُلَانْ قُتِلَ بِهِ فَقَاوَمَهُ. انتهى.

(1)

البحر الزخار (5/ 215).

(2)

البحر الزخار (5/ 215).

(3)

في المخطوط (ب): (على).

(4)

سورة المائدة، الآية:(29).

(5)

القاموس المحيط (ص 43).

ص: 84

وقد استدلّ المصنف رحمه الله بحديث وائل بن حجر

(1)

على أنه يثبت القصاص على الجاني بإقراره، وهو مما لا أحفظ فيه خلافًا إذا كان الإقرار صحيحًا متجرّدًا عن الموانع

(2)

.

[الباب الثالث عشر] باب ثبوت القتل بشاهدين

36/ 3030 - (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيج قالَ: أصْبَحَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ بِخَيْبَرَ مَقْتُولًا، فانْطَلَق أوْلِياؤُهُ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا ذلكَ لَهُ، فَقالَ: "لَكُمْ شاهِدَانِ يشْهَدَانِ عَلى قَتْلِ صَاحِبِكُمْ"، فَقَالُوا: يا رَسُولَ الله لَمْ يَكُنْ ثمَّ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا هُمْ يَهُودٌ قَدْ يَجْتَرِئُونَ على أعْظَمَ مِنْ هَذَا، قَالَ: "فاخْتَارُوا مِنْهُمْ خَمْسِينَ فاسْتَحْلِفُوهُمْ"، فَوَدَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)

(3)

. [صحيح لغيره]

37/ 3031 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّه: أَنَّ ابْنَ مُحَيِّصَةَ الأصغَر أَصبَحَ قَتِيلًا على أبْوَابِ خَيْبَرَ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أقِمْ شاهِدَيْنِ على مَنْ قَتَلَهُ أدْفَعْهُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ"، فَقالَ: يا رَسُولَ الله وَمِنْ أَيْنَ أُصِيبُ شاهِدَيْنِ؟ وَإِنَّما أصْبَحَ قَتِيلًا على أَبْوَابِهِمْ، قالَ:"فَتَحْلِفُ خَمْسِينَ قَسامَةً"، فقالَ: يا رَسُولَ الله فَكَيَفَ أحْلِفُ على ما لَمْ أَعْلَمْ؟ فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فاسْتَحْلِفْ مِنْهُم خَمْسِينَ قَسامَةً"، فَقالَ: يا رسُولَ الله كَيْفَ نَسْتَحْلِفُهُمْ وَهُمُ اليَهُودُ؟ فَقَسَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم

(1)

تقدم برقم (3029) من كتابنا هذا.

(2)

"اتفقوا على أن من أقر على نفسه في حد واجب بقتل، أو سرقة، في مجلسين مفترقين، وهو حر عاقل، بالغ، غير سكران، ولا مُكرَه، وكان ذلك الإقرار في مجلس الحاكم، بحضرة بيّنة عدول، وغاب بين الإقرارين عن المجلس حتى لم يَرَوه، ثم ثبت على إقراره حتى يقتل، أو يقطع، فقد أقيم عليه الحد الواجب".

[موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (1/ 312 رقم 20)].

(3)

في سننه رقم (4524).

وهو حديث صحيح لغيره.

ص: 85

دِيَتَهُ عَلَيهِمْ وأعانَهُمْ بِنِصْفِها. رَوَاهُ النَّسائيُّ)

(1)

. [شاذ]

الحديث الأول سكت عنه أبو داود

(2)

والمنذري

(3)

، ورجاله رجال الصحيح إلا الحسن بن عليّ بن راشد وقد وثق.

والحديث الثاني في إسناده عمرو بن شعيب وقد تقدم الكلام عليه، والراوي عنه عبيد الله بن الأخنس، وقد حسَّن الحافظ في الفتح

(4)

إسناد هذا الحديث.

والكلام على ما اشتمل عليه الحديثان من أحكام القسامة يأتي في بابها.

وأوردهما المصنف ههنا للاستدلال بهما على أنه يثبت القتل بشهادة شاهدين، ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه يقول باشتراط زيادة على شهادة شاهدين في القصاص

(5)

.

ولكنه وقع الخلاف في قبول شهادة النساء في القصاص كالمرأتين مع الرجل، فحكى صاحب البحر

(6)

عن الأوزاعي والزهري أن القصاص كالأموال فيكفي فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وظاهر اقتصاره على حكاية ذلك عنهما فقط: أن من عداهما يقول بخلافه، والمعروف من مذهب الهادوية

(7)

أنها لا تقبل في القصاص إلا شهادة رجلين أصلين لا فرعين.

والمعروف في مذهب الشافعية

(8)

أنه يكفي في الشهادة على المال والعقود المالية شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين.

وفي عقوبةٍ لله تعالى كحدّ الشرب وقطع الطريق، أو لآدميّ كالقصاص رجلان.

(1)

في سننه رقم (4720).

وهو حديث شاذ.

(2)

في السنن (4/ 662).

(3)

في المختصر (6/ 322).

(4)

الفتح (12/ 334).

(5)

"اتفقوا على أن جميع الحدود ما عدا الزنا ثبتت بشهادة شاهدين، عدلين ذكرين. وقال الحسن البصري: لا تقبل بأقل من أربعة شهداء، وهو ضعيف".

[موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (1/ 313 رقم 25)].

(6)

البحر الزخار (5/ 20 - 21).

(7)

البحر الزخار (5/ 21).

(8)

البيان للعمراني (13/ 332 - 334).

ص: 86

قال النووي في المنهاج

(1)

ما لفظه: "ولمال وعقد مالي كبيع، وإقالةٍ وحوالةٍ وضمانٍ، وحقّ مالي كخيار: رجلان، أو رجلٌ وامرأتان، ولغير ذلك: من عقوبةٍ لله تعالى، أو لآدميٍّ وما يطلع عليه رجال غالبًا، كنكاحٍ وطلاقٍ ورجعةٍ وإسلامٍ وردّةٍ وجرحٍ وتعديلٍ وموتٍ وإعسارٍ، ووكالةٍ ووصايةٍ وشهادةٍ على شهادة: رجلان". انتهى.

واستدلّ الشارحُ المحلِّيُّ للأوّل بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}

(2)

قال: وعموم الأشخاص مستلزم لعموم الأحوال المخرج منه ما يشترط فيه الأربعة، وما لا يكتفى فيه بالرجل والمرأتين.

واستدلَّ للثاني بما رواه مالك

(3)

عن الزهري، قال: مضت السُّنَّة: أنَّه لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق.

قال: وقيس على الثلاثة باقي المذكورات بجامع: أنها ليست بمال، ولا يقصد منها مال، والقصد من الوكالة والوصاية الراجعتين إلى المال الولاية والخلافة لا المال. انتهى.

وقد أخرج قول الزهريِّ المذكور ابن أبي شيبة

(4)

بإسناد فيه الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف مع كون الحديث مرسلًا لا تقوم بمثله الحجة فلا يصلح لتخصيص عموم القرآن باعتبار ما دخل تحت نصه فضلًا عمَّا لم يدخل تحته بل ألحق به بطريق القياس.

وأما الحديثان المذكوران في الباب فليس فيهما إلا مجرّد التنصيص على شهادة الشاهدين في القصاص، وذلك لا يدلّ على عدم قبول شهادة رجل وامرأتين، وغاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب ما هو الأصل الذي لا يجزى عنه غيره إلا مع عدمه كما يدلّ عليه قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}

(5)

(1)

في "المنهاج"(4/ 441 - 442 - مع مغني المحتاج).

(2)

سورة البقرة، الآية:(282).

(3)

عيون المجالس (4/ 1543 - 1544 رقم المسألة 1083).

(4)

في المصنف (10/ 58 رقم 8763) بسند ضعيف.

(5)

سورة البقرة، الآية:(282).

ص: 87

والأصل مع إمكانه متعين لا يجوز العدول إلى بدله مع وجوده، فذلك هو النكتة في التنصيص في حديثي الباب على شهادة الشاهدين.

قوله: (إن ابن مُحَيِّصَة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر التحتانية وتشديدها وفتح الصاد المهملة.

قوله: (برُمَّتِهِ) بضم الراء وتشديد الميم

(1)

: وهي الحبل الذي يقاد به.

قوله: (فقسم ديته عليهم) هو مخالف لما في المتفق عليه الآتي، وسيأتي الكلام على ذلك.

[الباب الرابع عشر] بابُ ما جاءَ في القَسَامَةِ

38/ 3032 - (عَنْ أبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمانَ بْنِ يَسار عَنْ رَجُلٍ مِنْ أصحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأنْصَارِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أقَرَّ القَسامَةَ على ما كانَتْ عَلَيْهِ فِي الجاهِلِيَّةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(2)

وَمُسْلِمٌ

(3)

وَالنَّسَائِيُّ)

(4)

. [صحيح]

39/ 3033 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أبي حَثْمَةَ قالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ الله بْنُ سَهْل ومُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُود إلى خَيْبَرَ وَهي يَوْمَئِذ صُلْحٌ فَتَفَرَّقا، فأتى مُحَيِّصَةُ إلى عَبْدِ الله بْنِ سَهْل وَهُو يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا، فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ المَدينَةَ فانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ ومُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنا مَسْعُودٍ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقالَ:"كَبِّر كَبِّر" وَهُوَ أَحْدَثُ القَوم، فَسَكَت فَتَكَلَّما، قالَ: "أتحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّون

(1)

القاموس المحيط (ص 1440).

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 694): الرُّمة: قِطعة حبل يُشدُّ بها الأسير، أو القاتل إذا قيد إلى القصاص: أي يُسلَّم إليهم بالحبل الذي شدّ به تمكينًا لهم منه لئلا يهرب، ثم اتسعُوا فيه حتى قالوا: أخذت الشيء برُمّته: أي كلَّه.

(2)

في المسند (4/ 62).

(3)

في صحيحه رقم (7/ 1670).

(4)

في سننه رقم (4707).

وهو حديث صحيح.

ص: 88

قاتِلَكُمْ" أوْ "صَاحِبَكُمْ"، فَقالُوا: وكَيْفَ نَحْلِفُ وَلمْ نَشْهَدْ وَلمْ نَرَ؟ قالَ: "فَتُبَرّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا"، فَقالُوا: كَيْفَ نأخُذُ أيمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ. رَوَاهُ الجَماعَةُ)

(1)

. [صحيح]

40/ 3034 - (وفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا

(2)

: فَقالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يقْسِمُ خَمْسونَ منْكُمْ على رَجلٍ مِنْهمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ"، فقالوا: أمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ: كَيْفَ نَحْلِفُ؟ قالَ: "فَتُبَرّئكمْ يَهودُ بِأيمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ"، قالُوا: يا رَسُولَ الله قَوْمٌ كُفَّارٌ. - وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. [صحيح]

وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ قالَ: لا يُقْسِمُونَ على أكْثَرَ مِنْ وَاحِدِ).

41/ 3035 - (وفِي لَفْظٍ لأحْمَدَ

(3)

: فَقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تُسَمُّونَ قاتِلَكُمْ ثُمَّ تَحْلِفونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ نُسَلِّمُهُ".] صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْها

(4)

فَقالَ لَهُمْ: "تأتُونَ بالبَيِّنَةِ على مَنْ قَتَلَهُ؟ "، قالُوا: ما لَنا مِنْ بَيِّنَةٍ، قالَ:"فَيَحْلِفُونَ"، قالُوا: لا نَرْضَى بِأيمَانِ اليَهُودِ، فَكَرِهَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُبطل دَمُهُ، فَوَدَاهُ بِمَائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ). [صحيح]

قوله: (ما جاء في القسامة) بفتح القاف وتخفيف السين المهملة، وهي مصدر أقسم، والمراد بها: الأيمان، واشتقاق القسامة من القسم كاشتقاق الجماعة من الجمع.

(1)

أحمد في المسند (4/ 2) والبخاري رقم (3173) ومسلم رقم (3/ 1669) وأبو داود رقم (4520) والترمذي رقم (1422) والنسائي رقم (4712) وابن ماجه رقم (2677).

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (4/ 142) والبخاري رقم (6142) ومسلم رقم (2/ 1669).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (4/ 3).

قلت: وأخرجه ابن عبد البر في "التمهيد"(23/ 202 - 203 - تيمية) والدارمي (2/ 188 - 189) والبيهقي (8/ 126).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (4/ 3) والبخاري رقم (6898) ومسلم رقم (2/ 1669).

وهو حديث صحيح.

ص: 89

وقد حكى إمام الحرمين

(1)

أن القسامة عند الفقهاء اسم للأيمان

(2)

. وعند أهل اللغة اسم للحالفين، وقد صرّح بذلك في القاموس

(3)

.

وقال في الضياء: إنها الأيمان.

وقال في المحكم

(4)

: إنها في اللغة الجماعة ثم أطلقت على الأيمان.

قوله: (أقرَّ القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية) القسامة في الجاهلية قد أخرج البخاري

(5)

والنسائي

(6)

صفتها عن ابن عباس: أن أوَّل قسامةٍ كانت في الجاهلية لَفِينَا بني هاشم: كان رجلٌ من بني هاشم استأجره رجلٌ من قريش من فخذٍ أخرى، فانطلق معه في إبله، فمرَّ به رجلٌ من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فقال: أغثني بعقال أشدُّ به عروة جوالقي لا تنفر الإبل، فأعطاه عقالًا فشدّ به عروةَ جوالقه، فلمَّا نزلوا عقلت الإبل إلا بعيرًا واحدًا، فقال الذي استأجره: ما بال هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ قال: ليس له عقال، قال: فأين عقاله؟ فحذفه بعصًا كان فيه أجله، فمرَّ به رجل من أهل اليمن فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهده وربما شهدته، قال: هل أنت مبلغ عني رسالة مرّة من الدهر؟ قال: نعم، قال: فإذا شهدت فناد يا قريش! فإذا أجابوك فنادِ يا آل بني هاشم! فإن أجابوك فسل عن أبي طالب فأخبره: أن فلانًا قتلني في عقال ومات المستأجَرُ؛ فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا؟

قال: مرض فأحسنت القيام عليه ووليت دفنه، قال: قد كان أهلَ ذاك منك، فمكث حينًا، ثم إنَّ الرجل الذي أوصى إليه أن يُبَلِّغ عنه وافى الموسم فقال: يا قريش! قالوا: هذه قريش، قال: يا آل بني هاشم! قالوا: هذه بنو هاشم، قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب، قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالةً: أن فلانًا قتله في عقال، فأتاه أبو طالب فقال: اختر منَّا إحدى ثلاث: إن

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 231).

(2)

التعريفات للجرجاني (ص 184)، والتوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي (ص 581).

(3)

القاموس المحيط (ص 1483) والنهاية (2/ 454).

(4)

المحكم لابن سيده (6/ 247 - 248).

(5)

في صحيحه رقم (3845).

(6)

في السنن رقم (4706).

ص: 90

شئت أن تودي مائةً من الإبل، فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك إنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به، فأتى قومه فأخبرهم، فقالوا: نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم - كانت تحت رجل منهم كانت قد ولدت منه - فقالت: يا أيا طالب أحِبُّ أَنْ تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان، ففعل؛ فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب أردت خمسين رجلًا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل [فيُصيبُ]

(1)

كل رجل منهم بعيران، هذان البعيران فاقبلهما مني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان، فقبلهما، وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا، قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف. انتهى.

وقد أخرج البيهقي

(2)

من طريق سليمان بن يسار عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "أن القسامة كانت في الجاهلية قسامة الدم فأقرّها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين أناس من الأنصار من بني حارثة ادّعوا على اليهود.

قوله: (عن سهل بن أبي حثمة قال: انطلق)، هكذا في كثير من روايات البخاري ومسلم.

وفي رواية لمسلم

(3)

: "عن رجال من كبراء قومه".

وفي أخرى له

(4)

: "عن رجل من كبراء قومه".

قوله: (ومُحَيِّصَة) قد تقدم ضبطه في الباب الذي قبل هذا، وهو ابن عمّ عبد الله بن سهل.

قوله: (يتشحط

(5)

في دمه) بالشين المعجمة، والحاء المهملة المشددة، بعدها طاء مهملة أيضًا. وهو الاضطراب في الدم، كما في القاموس

(6)

.

(1)

في المخطوط (ب): (فنصيب).

(2)

في السنن الكبرى (8/ 122).

(3)

في صحيحه رقم (6/ 1669).

(4)

أي لمسلم في صحيحه رقم (4/ 1669).

(5)

قال ابن الأثير في النهاية (1/ 847): أي يتخبط فيه ويضطرب ويتمرَّغ.

(6)

القاموس المحيط (ص 869).

ص: 91

قوله: (وحويصة) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد الياء مصغرًا. وقد روي التخفيف فيه وفي محيصة.

قوله: (كَبِّرْ كَبِّرْ) أي دع من هو أكبر منك سنًا يتكلم، هكذا في رواية يحيى بن سعيد أن الذي تكلم هو عبد الرحمن بن سهل وكان أصغرهم

(1)

.

وفي رواية أن الذي تكلم هو محيصة وكان أصغر من حويصة

(2)

.

قوله: (أتحلفون وتستحقون صاحبكم) فيه دليل: على مشروعية القسامة، وإليه ذهب جمهور الصحابة، والتابعين، والعلماء من الحجاز والكوفة والشام، حكى ذلك القاضي عياض

(3)

، ولم يختلف هؤلاء في الجملة إنما اختلفوا في التفاصيل على ما سيأتي بيانه.

وروى القاضي عياض

(4)

عن جماعة من السلف منهم أبو قلابة

(5)

، وسالم بن عبد الله

(6)

، والحكم بن عتيبة، وقتادة، وسليمان بن يسار

(7)

، وإبراهيم بن عُلَيَّة

(8)

، ومسلم بن خالد، وعمر بن عبد العزيز

(9)

في رواية عنه أن القسامة غير ثابتة لمخالفتها لأصول الشريعة من وجوه:

(1)

و

(2)

تقدم تخريجهما رقم (3034)(3035) من كتابنا هذا.

(3)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 448).

(4)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 448).

• وقال أبو عمر - ابن عبد البر - في "الاستذكار"(25/ 326 - 327): "وقد أنكرت طائفة من العلماء الحكم بالقسامة، ودفعوها جملةً واحدةً، ولم يقضوا بشيء منها.

- وممن أنكرها: سالم بن عبد الله بن عمر، وأبو قلابة الجرميُّ، وعمر بن عبد العزيز، ورواية عن قتادة.

- وهو قول مسلم بن خالد الزنجي، وفقهاء أهل مكة.

- وإليه ذهب ابن عُلَيَّة". اهـ.

(5)

أخرج أثره عبد الرزاق في المصنف رقم (18278) وابن عبد البر في الاستذكار (25/ 327 رقم 38432).

(6)

أخرج أثره ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 393 رقم 7903) وابن عبد البر في الاستذكار (25/ 328 رقم 38434).

(7)

أخرج أثره البيهقي في السنن الكبرى (8/ 121) من طريق الحسن بن علي عن عبد الرزاق.

(8)

ذكره ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد"(4/ 359) بتحقيقي.

(9)

أخرج أثره ابن عبد البر في "الاستذكار"(25/ 327 - 328 رقم 38433) وابن أبي شيبة في "المصنف"(9/ 388 رقم 7886) والأثر عند ابن أبي شيبة مبتور.

ص: 92

(منها): أنَّ البينة على المدَّعي واليمينَ على المنكر في أصل الشرع.

(ومنها): أن اليمين لا يجوز إلا على ما علمه الإنسان قطعًا بالمشاهدة الحسيَّة أو ما يقوم مقامها.

وأيضًا لم يكن في حديث الباب حكم بالقسامة، وإنما كانت القسامة من أحكام الجاهلية فتلطف لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ليريهم كيف بطلانها، وإلى عدم ثبوت القسامة أيضًا ذهب الناصر كما حكاه عنه صاحب البحر

(1)

.

وأجيب: بأنَّ القسامة أصلٌ من أصول الشريعة مستقلٌّ لورود الدليل بها، فتخصص بها الأدلة العامة، وفيها حفظٌ للدماء وزجر للمعتدين، ولا يحلُّ طرح سنةٍ خاصةٍ لأجل سنةٍ عامة، وعدم الحكم في حديث سهل بن أبي حثمة

(2)

لا يستلزم عدم الحكم مطلقًا، فإنه صلى الله عليه وسلم قد عرض على المتخاصمين اليمين، وقال:"إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يأذنوا بحرب" كما في رواية متفق عليها

(3)

، وهو لا يعرض إلا ما كان شرعًا.

وأمَّا دعوى أنه قال ذلك للتلطف بهم وإنزالهم من حكم الجاهلية فباطلة، كيف وفي حديث أبي سلمة

(4)

المذكور في الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وقد قدمنا صفة الواقعة التي وقعت لأبي طالب مع قاتل الهاشمي.

وقد أخرج أحمد

(5)

والبيهقي

(6)

عن أبي سعيد قال: "وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

البحر الزخار (5/ 297).

(2)

تقدم برقم (3033) من كتابنا هذا.

(3)

البخاري رقم (7192) ومسلم برقم (6/ 1669).

(4)

تقدم برقم (3032) من كتابنا هذا.

(5)

في المسند (3/ 39).

(6)

في السنن الكبرى (8/ 126).

قلت: وأخرجه البزار رقم (1534 - كشف) والعقيلي في "الضعفاء"(1/ 76) وابن عدي في "الكامل"(1/ 287) من طرق.

إسناده ضعيف جدًّا، لضعف أبي إسرائيل الملائي الكوفي، وعطية بن سعد العوفي.

وتابع أبا إسرائيل، الصبيُّ بنُ الأشعث السلولي، عند ابن عدي، في الكامل (4/ 1411) عنه، عن عطية، به مرفوعًا.

قلت: الصبيُّ صاحب مناكير، وهذا الحديث أحدها كما صرح بذلك ابن عدي.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

ص: 93

قتيلًا بين قريتين، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذرع ما بينهما، فوجده أقرب إلى أحد الجانبين بشبر فألقى ديته عليهم".

قال البيهقي

(1)

: تفرّد به أبو إسرائيل عن عطية ولا يحتجّ بهما.

وقال العقيلي

(2)

: هذا الحديث ليس له أصل.

وأخرج عبد الرزاق

(3)

وابن أبي شيبة

(4)

والبيهقي

(5)

عن الشعبي "أن قتيلًا وجد بين وادعة وشاكر، فأمرهم عمر بن الخطاب أن يقيسوا ما بينهما فوجدوه إلى وادعة أقرب، فأحلفهم عمر خمسين يمينًا، كل رجل ما قتلته ولا علمت قاتلًا، ثم أغرمهم الدية، فقالوا: يا أمير المؤمنين لا أيماننا دفعت عن أموالنا، ولا أموالنا دفعت عن أيماننا؟ فقال عمر: كذلك الحقّ".

وأخرج نحوه الدارقطني

(6)

والبيهقي

(7)

عن سعيد بن المسيب، وفيه أن عمر قال:"إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم صلى الله عليه وسلم"، قال البيهقي

(8)

: رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم منكر، وفيه عمر بن [صبيح

(9)

]

(10)

أجمعوا على تركه. وقال الشافعي

(11)

: ليس بثابت إنما رواه الشعبي عن الحارث الأعور.

وقال البيهقي

(12)

: روي عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عمر.

(1)

في السنن الكبرى (8/ 126).

(2)

في الضعفاء الكبير (1/ 76).

(3)

في المصنف رقم (18266).

(4)

في المصنف (9/ 381).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 126).

(6)

في السنن (3/ 170 رقم 255) وقال: عمر بن صبيح متروك الحديث.

(7)

في السنن الكبرى (8/ 125).

(8)

في السنن الكبرى (8/ 125).

(9)

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل"(6/ 116) والكامل (5/ 1683 - 1685) والميزان (3/ 206 - 207).

(10)

في المخطوط (ب): (صبح) والمثبت من المخطوط (أ) والمراجع المتقدمة لترجمته وهو الصواب.

(11)

"معرفة السنن والآثار"(12/ 182 رقم 16392).

وحكاه أيضًا الحافظ في "التلخيص"(4/ 75) عن الشافعي.

(12)

في "المعرفة"(12/ 183 رقم 16395).

وقال البيهقي: ومجالد غير محتج به.

ص: 94

وروى

(1)

عن مطرف عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع لكن لم يسمعه أبو إسحاق من الحارث.

وأخرج مالك

(2)

والشافعي

(3)

وعبد الرزاق

(4)

والبيهقي

(5)

عن سليمان بن يسار، وعراك بن مالك: أن رجلًا من بني سعد بن ليث أجرى فرسًا فوطئ على أصبع رجل من جهينة فمات، فقال عمر للذين ادّعى عليهم: أتحلفون خمسين يمينًا ما مات منها؟ فأبوا، فقال للآخرين: احلفوا أنتم، فأبوا، فقضى عمر بشطر الدِّية على السعديين.

وسيأتي حكمه صلى الله عليه وسلم على اليهود بالدية

(6)

.

قوله: (فيدفع برمته) قد تقدم ضبط الرمَّة وتفسيرها في الباب الأوّل

(7)

.

وقد استدلّ بهذا من قال: إنه يجب القود بالقسامة، وإليه ذهب الزهري

(8)

وربيعة

(9)

وأبو الزناد

(10)

ومالك

(11)

، والليث

(12)

والأوزاعي والشافعي

(13)

في

(1)

أي البيهقي في "المعرفة"(12/ 183 رقم 16396).

قلت: وهذه الرواية مدارها على مجالد أيضًا وهو غير محتج به.

(2)

في الموطأ (2/ 851 رقم 4).

(3)

في المسند (ج 2 رقم 384 - ترتيب).

(4)

في المصنف رقم (18297).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 125).

سليمان بن يسار لم يسمع من عمر، قاله أبو زرعة في "تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل" لأبي زرعة (ص 138 - 139) وهو موقوف بسند منقطع.

(6)

يأتي برقم (3037) من كتابنا هذا.

(7)

في نهاية شرح الحديث (3031) من كتابنا هذا صفحة (88).

(8)

حكاه عنه وعن جميع المذكورين بعده الحافظ في "الفتح"(12/ 235).

(9)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (12/ 202) والقاضي عبد الوهاب في عيون المجالس (5/ 2062).

(10)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (12/ 202).

(11)

في عيون المجالس (5/ 2061 رقم 1485).

(12)

حكاه عنه القاضي عبد الوهاب في عيون المجالس (5/ 2062).

(13)

الأم للشافعي (7/ 224 - 225) والبيان للعمراني (13/ 222 - 223).

ص: 95

أحد قوليه، وأحمد

(1)

وإسحاق، وأبو ثور

(2)

، وداود، ومعظم الحجازيين. وحكاه مالك عن ابن الزبير.

واختلف في ذلك على عمر بن عبد العزيز

(3)

.

وحكي في البحر

(4)

عن علي، ومعاوية، والمرتضى، والشافعي

(5)

في أحد قوليه أنه لا يجب القود بالقسامة، وإليه ذهب أبو حنيفة

(6)

وأصحابه، وسائر الكوفيين، وكثير من البصريين، وبعض المدنيين، والثوري والأوزاعي

(7)

، والهادوية

(8)

، بل الواجب عندهم جميعًا اليمين، فيحلف خمسون رجلًا من أهل القرية خمسين يمينًا ما قتلناه ولا علمنا قاتله، ولا يمين على المدّعي، فإن حلفوا لزمتهم الدية عند جمهورهم.

وقد أخرج ابن أبي شيبة

(9)

عن الحسن أن أبا بكر وعمر والجماعة الأولى لم يكونوا يقتلون بالقسامة.

وأخرج عبد الرزاق

(10)

وابن أبي شيبة

(11)

والبيهقي

(12)

عن عمر إن القسامة إنما توجب العقل ولا تشيط الدم.

وقال عبد الرزاق في مصنفه

(13)

: قلت لعبيد الله بن عمر العمري: أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلت: فعمر؟ قال: لا، قلت: فلم تجترئون عليها؟ فسكت.

وقد استدلَّ بقوله صلى الله عليه وسلم: "تقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته"

(1)

المغني لابن قدامة (12/ 202).

(2)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (12/ 202).

(3)

ذكره البيهقي في السنن الكبرى (8/ 127) عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز.

(4)

البحر الزخار (5/ 296).

(5)

روضة الطالبين (10/ 16).

(6)

بدائع الصنائع (7/ 286).

(7)

حكاه عنهم الحافظ في "الفتح"(12/ 237).

(8)

البحر الزخار (5/ 296).

(9)

في مصنفه (9/ 387).

(10)

في مصنفه رقم (18286).

(11)

في مصنفه (9/ 387).

(12)

في السنن الكبرى (8/ 129).

(13)

في مصنفه رقم (18276).

ص: 96

أحمد

(1)

ومالك في المشهور عنه

(2)

أن القسامة إنما تكون على رجل واحد.

وقال الجمهور

(3)

: يشترط أن تكون على معين سواء كان واحدًا أو أكثر.

واختلفوا هل يختصّ القتل بواحد من الجماعة المعيَّنين أو يقتل الكلّ.

وقال أشهب

(4)

: لهم أن يحلفوا على جماعة ويختاروا واحدًا للقتل ويسجن الباقون عامًا ويضربون مائة مائة.

قال الحافظ

(5)

: وهو قول لم يسبق إليه. وقال جماعة من أهل العلم: إنَّ شرط القسامة أن تكون على غير معين.

واستدلُّوا على ذلك بحديث سهل بن أبي حثمة المذكور

(6)

، فإن الدَّعوى فيه وقعت على أهل خيبر من غير تعيين.

ويجاب عن هذا: بأنَّ غايته: أن القسامة تصحّ على غير معين، وليس فيه ما يدلُّ على اشتراط كونها على غير معين، ولا سيما وقد ثبت: أنَّه صلى الله عليه وسلم

(7)

قرَّر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية.

وقد قدَّمنا: أن أوّل قسامة كانت في الجاهلية قسامةُ أبي طالب وهي دعوى على معينٍ كما تقدم.

فإن قيل: إذا كانت على معين كان الواجب في العمد القود، وفي الخطأ الدية فما وجه إيجاب القسامة؟ فيقال: لما لم يكن على ذلك المعين بينةً، ولم يحصل منه مصادقة كان ذلك مجرّد لوث، فإن اللوث في الأصل هو ما يثمر صدق الدعوى، وله صور ذكرها صاحب البحر

(8)

:

(منها): وجود القتيل في بلد يسكنه محصورون، فإن كان يدخله غيرهم اشترط عداوة المستوطنين للقتيل كما في قصة أهل خيبر.

(1)

في "المغني"(12/ 190).

(2)

عيون المجالس (5/ 2061) رقم المسألة (1485).

(3)

الفتح (12/ 238) والمغني (12/ 190).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 238).

(5)

في "الفتح"(12/ 238).

(6)

تقدم برقم (3033) من كتابنا هذا.

(7)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

البحر الزخار (5/ 295 - 296).

ص: 97

(ومنها): وجوده في صحراء وبالقرب منه رجل في يده سلاح مخضوب بالدم ولم يكن هناك غيره.

(ومنها): وجوده بين صفَّي القتال.

(ومنها): وجوده ميتًا بين مزدحمين في سوق أو نحوه.

(ومنها): كون [الشهادة]

(1)

على القتل نساءً أو صبيانًا لا يقدّر تواطؤهم على الكذب هذا معنى كلام البحر.

ومن صور اللوث: أن يقول المقتول في حياته دمي عند فلان أو هو قتلني أو نحو ذلك، فإنها تثبت القسامة بذلك عند مالك

(2)

والليث.

وادّعى مالك: أن ذلك ممَّا أجمعَ عليه الأئمةُ قديمًا وحديثًا، واعترض هذه الدعوى ابن العربي وفي الفتح

(3)

أنه لم يقل بذلك غيرهما.

(ومنها): إذا كان الشهود غير عدول، أو كان الشاهد واحدًا؛ فإنها تثبت القسامة عند مالك

(4)

والليث، ولم يحك صاحب البحر

(5)

اشتراط اللوث إلا عن الشافعي

(6)

.

وحكي

(7)

عن القاسمية والحنفية

(8)

أنه لا يشترط.

(1)

كذا في المخطوط (أ، ب) ولعل الصواب (الشُّهَّادِ).

(2)

المَسامة لا تكون إلا إذا كانت معتمدة على لوث، والمراد باللوث، هو غلبة الظن على أن فلانًا هو القاتل، وتحصل غلبة الظن هذه بناء على وجود واحد من الأمور التالية:

التدمية: هي قول القتيل قبل موته، قتلني فلان، أو دمي عند فلان

ويشترط للعمل بالتدمية أن يكون القتيل حرًا، مسلمًا، بالغًا، وأن يستمر القتيل على قوله إلى الموت ولا يرجع عنه، وأن يشهد على إقراره عدلان فأكثر. وانظر باقي الأمور الأخرى.

[مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 565 - 568)].

(3)

الفتح (12/ 236).

(4)

عيون المجالس (5/ 2066 رقم المسألة 1488) والاستذكار (25/ 326 رقم 38427).

(5)

الإمام المهدي في البحر الزخار (5/ 298).

(6)

الأم (7/ 226) والبيان للعمراني (13/ 231).

(7)

أي: الإمام المهدي في البحر الزخار (5/ 298).

(8)

بدائع الصنائع (7/ 287).

ص: 98

وردَّ بأن عدم الاشتراط غفلة عن أن الاختصاص بموضع الجناية نوع من اللوث والقسامة لا تثبت بدونه.

قوله: (فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم) أي: يخلصونكم من الأيمان بأن يحلفوا، فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء وخلصتم أنتم من الأيمان.

والجمع بين هذه الرواية والرواية الأخرى التي فيها تقديم طلب البينة على اليمين حيث قال: "يأتون بالبينة على من قتله، قالوا: ما لنا بينة"

(1)

بأن يقال: إن الرواية الأخرى مشتملة على زيادة وهي طلب البينة أوّلًا ثم اليمين ثانيًا، ولا وجه لما زعمه بعضهم من كون طلب البيتة وَهْمٌ في الرواية المذكورة؛ لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد علم: أن خيبر حينئذ لم يكن بها أحد من المسلمين.

قال الحافظ

(2)

: إن سلم أنه لم يسكن مع اليهود أحد من المسلمين في خيبر فقد ثبت في نفس القصة: أن جماعة من المسلمين خرجوا يمتارون تمرًا، فيجوز أن يكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك، ثم قال: وقد وجدنا لطلب البينة في هذه القصة شاهدًا، وذكر حديث عمرو بن شعيب

(3)

، وحديث رافع بن خديج

(4)

المتقدمين في الباب الأوّل.

قوله: (أن يُبطلُ دمهُ) في رواية للبخاري

(5)

: "أن يُطَلَّ دمه" بضم أوله وفتح الطاء وتشديد اللام: أي يهدر.

قوله: (فوداه بمائةٍ من إبل الصدقة) في الرواية الأولى

(6)

: "فعقله"، أي: أعطى ديته.

وفي روايةٍ

(7)

: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أعطى عقله"، والعقل: الدية كما تقدم. وقد زعم بعضهم أن قوله: "من إبل الصدقة" غلط من سعيد بن عبيد؛ لتصريح يحيى بن سعيد بقوله: "فعقله النبيّ صلى الله عليه وسلم من عنده"

(8)

، وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال

(1)

تقدم برقم (3035) من كتابنا هذا.

(2)

في "الفتح"(12/ 234).

(3)

تقدم برقم (3031) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (3030) من كتابنا هذا.

(5)

في صحيحه رقم (6898).

(6)

تقدم برقم (3033) من كتابنا هذا.

(7)

لمسلم في صحيحه رقم (1/ 1669).

(8)

تقدم برقم (3033) من كتابنا هذا.

ص: 99

أَنْ يكون النبي صلى الله عليه وسلم اشتراها من إبل الصدقة بمالٍ دفعه من عنده.

أو المراد بقوله: "من عنده" أي: من بيت المال المرصد للمصالح، وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجانًا. وحمله بعضهم على ظاهره.

وقد حكى القاضي عياض

(1)

عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة في المصالح العامة، واستدلّ بهذا الحديث وغيره.

قال القاضي عياض

(2)

: وذهب من قال بالدية إلى تقديم المدعى عليهم في اليمين إلا الشافعي

(3)

وأحمد

(4)

فقالا بقول الجمهور

(5)

يبدأ بالمدعين وردّها إن أبوا على المدَّعى عليهم.

وقال بعكسه أهل الكوفة، وكثير من أهل البصرة، وبعض أهل المدينة.

وقال الأوزاعي

(6)

: يستحلف من أهل القرية خمسون رجلًا خمسين يمينًا: ما قتلناه ولا علمنا من قتله، فإن حلفوا برئوا، وإن نقصت قسامتهم عن عددٍ، أو نكولٍ، حلف المدعون على رجلٍ واحد، واستحقوا دمه، فإن نقصت قسامتهم عادت دية.

وقال عثمان البتيُّ

(7)

: يبدأ المدعى عليهم بالأيمان، فإن حلفوا فلا شيء عليهم.

وقال الكوفيون: إذا حلفوا وجبت عليهم الدية.

قال في الفتح

(8)

: واتفقوا كلهم: على أنها لا تجب القسامة بمجرَّد دعوى الأولياء حتى يقترن بها شبهةٌ يغلب على الظنّ الحكم بها.

واختلفوا في تصوير الشبهة على سبعة أوجه، ثم ذكرها، وذكر الخلاف في كلِّ واحدةٍ منها، وهي ما أسلفناه في بيان صور اللوث

(9)

.

(1)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 448).

(2)

في المرجع السابق (5/ 449).

(3)

البيان للعمراني (13/ 220 - 221).

(4)

المغني (12/ 202).

(5)

المغني (12/ 202) والفتح (12/ 236).

(6)

حكاه عنه القاضي عياض في إكمال المعلم (5/ 449) والحافظ في الفتح (12/ 236).

(7)

حكاه عنه القاضي عياض في إكمال المعلم (5/ 449) والحافظ في الفتح (12/ 236).

(8)

في "الفتح"(12/ 236).

(9)

المغني (12/ 194 - 196).

ص: 100

قال في الفتح

(1)

بعد أن ذكر السابعة من تلك الصور، وهي أن يوجد القتيل في محلةٍ، أو قبيلةٍ: أنَّه لا يوجب القسامة عند الثوري

(2)

والأوزاعي

(3)

وأبي حنيفة

(4)

وأتباعهم إلا هذه الصورة ولا يجب فيما سواها.

وبهذا يتبين لك: أن عدم اشتراط اللوث مطلقًا بعد الاتفاق على تفسيره بما سلف غير صحيح.

ومن شروط القسامة عند الجميع إلا الحنفية أن يوجد بالقتيل أثر

(5)

.

والحاصل: أن أحكام القسامة مضطربة غاية الاضطراب، والأدلة فيها واردة على أنحاء مختلفة، ومذاهب العلماء في تفاصيلها متنوّعةٌ إلى أنواع، ومتشعبةٌ إلى شعب، فمن رام الإحاطة بها فعليه بكُتُبِ الخلاف، ومطولات شروح الحديث.

42/ 3036 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أن رَسَولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "البَيِّنَةُ على المَدَّعِي، وَالْيَمِينُ على مَنْ أنْكَرَ إلَّا فِي القَسامَةِ"، رَوَاهُ الدارّقُطْنِيُّ)

(6)

. [ضعيف]

(1)

في "الفتح"(12/ 237).

(2)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (12/ 197).

(3)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 237).

(4)

اللباب في الجمع بين السنّة والكتاب (2/ 735) وبدائع الصنائع (7/ 295).

(5)

انظر: "الفتح"(12/ 237). وقال ابن قدامة في المغني (12/ 197): "فصل: وليس من شرط اللَّوث أن يكونَ بالقتيل أثر. وبهذا قال مالك، والشافعي؛ وعن أحمد؛ أنَّه شرط. وهذا قولُ حمادٍ، وأبي حنيفة، والثوري، لأنه إذا لم يكن به أثر، احتملَ أنه مات حتفَ أنفه. ولنا؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسألِ الأنصار، هل كان بقتيلهم أثرٌ أو لا؟ ولأنَّ القتلَ يحصُلُ بما لا أثر له، كغمِّ الوجه، والخنق، وعصرِ الخصيتين، وضربةِ الفؤاد، فأشبه من به أثر، ومن به أثر قد يموت حتف أنفه؛ لسقطته، أو صرعِهِ، أو يقتل نفسه. فعلى قول من اعتبر الأثر، إن خرجَ الدمُ من أذنِه، فهو لوث؛ لأنه لا يكونُ إلا لخنقٍ له، أو أمرٍ أصيبَ به، وإن خرج من أنفه، فهل يكون لوثًا؟ على وجهين". اهـ.

(6)

في السنن (4/ 218 رقم 52).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 123) وابن عبد البر في "التمهيد"(23/ 204 - 205 - تيمية) وقال ابن عبد البر: في إسناده لين.

قلت: وثمّ علة أخرى وهي أن ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب كما قاله البخاري فيما نقله البيهقي في السنن الكبرى (4/ 173)، وعلة أخرى وهي أن مسلم بن خالد قد =

ص: 101

43/ 3037 - (وَعَنْ أبي سَلَمَة بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ عَنْ رَجُلٍ مِن الأنْصَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِليهُودِ وبَدأ بهم: "يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا فأبَوْا"، فَقالَ لِلأنْصَارِ: "اسْتَحِقُّوا"، فَقالُوا: أنحْلِفُ على الغَيْب يا رَسُولَ الله؟ فَجَعَلَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم دِيَةً على اليهُودِ لأنَّهُ وُجِدَ بعيْنَ أَظْهُرهِمْ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(1)

[شاذ]

الحديث الأوّل أخرجه أيضًا ابن عبد البرّ

(2)

، والبيهقي

(3)

من حديث مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب، به قال البخاري

(4)

: إن ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب.

وقد روي عن عمرو مرسلًا

(5)

من طريق عبد الرزاق وهو أحفظ من مسلم بن خالد وأوثق. ورواه ابن عديّ

(6)

والدارقطني

(7)

من حديث عثمان بن محمد

= خولف فيه، فأخرجه عبد الرزاق وحجاج، عن ابن جريج، عن عمرو مرسلًا، ذكره الدارقطني في سننه (3/ 111 رقم 100) أيضًا. واختلف فيه على مسلم أيضًا، فأخرجه عثمان بن محمد بن عثمان الرازي عنه، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة، مرفوعًا به سواء، أخرجه الدارقطني أيضًا في سننه (4/ 217 - 218 رقم 51) وابن عدي في "الكامل" (6/ 2312) من هذه الطريق. ثم قال: هذان الإسنادان - يعني هذا والذي قبله - يعرفان بمسلم بن خالد.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

في سننه رقم (4526).

قال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 392): "قال المنذري: قيل للشافعي: ما منعك على أن تأخذ بحديث ابن شهاب؟ قال: مرسل والقتيل أنصاري، والأنصاريون بالعناية أولى بالعلم به من غيرهم". اهـ.

وقال المنذري في "المختصر"(6/ 323) قال: قال بعضهم: وهذا ضعيف لا يلتفت إليه.

والخلاصة: أن الحديث شاذ، والله أعلم.

(2)

في "التمهيد"(23/ 204 - 205 - تيمية) وقد تقدم.

(3)

في السنن الكبرى (8/ 123) وقد تقدم.

(4)

كما نقله عنه البيهقي في السنن الكبرى (4/ 173) وقد تقدم.

(5)

ذكره الدارقطني في السنن (3/ 111 رقم 100) وقد تقدم.

(6)

في "الكامل"(6/ 2312) وقد تقدم.

(7)

في السنن (4/ 217 - 218 رقم 51) وقد تقدم.

ص: 102

[عن مسلم]

(1)

عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ الحديث المذكور.

قال الحافظ في التلخيص

(2)

: وهو ضعيف.

والحديث الثاني الراوي له عن أبي سلمة وسليمان هو الزهري، قال المنذري في "مختصر السنن"

(3)

بعد ذكره.

قال بعضهم: وهذا ضعيف لا يلتفت إليه. وقد قيل للإمام الشافعي

(4)

: ما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب، يعني [هذا]

(5)

؟ فقال: مرسل، والقتيل أنصاري والأنصاريون بالعناية أولى بالعلم به من غيرهم. إذ كان كل ثقة وكل عندنا بنعمة الله ثقة.

قال البيهقي: وأظنه أراد بحديث الزهري [ما رواه [

(6)

عنه معمر عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار، وذكر هذا الحديث.

وقد استدلّ بالحديث الأول: على أن أحكام القسامة مخالفةٌ لما عليه سائر القضايا من إيجاب البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، فيندفع به ما أورده النافون للقسامة من مخالفتها لما عليه سائر الأحكام الشرعية، وقد تقدم تفصيل ذلك.

واستدلّ بالحديث الثاني من قال بإيجاب الدية على من وُجِد القتيلُ بين أظهرهم، ويعارضه حديث عمرو بن شعيب

(7)

المتقدم في الباب الأول؛ فإنَّ فيه "أنه أعانهم بنصف الدية".

ويعارض الجميع ما في المتفق عليه من حديث سهل بن أبي حثمة

(8)

: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم عقله من عنده"، فإن أمكن حمل ذلك على قصص متعددة فلا إشكال، وإن لم يمكن وكان المخرج متحدًا فالمصير إلى ما في الصحيحين

(9)

هو المتعين،

(1)

في المخطوط (أ): (بن سالم).

(2)

في "التلخيص"(4/ 74).

(3)

في "مختصر السنن"(6/ 323).

(4)

في معرفة السنن والآثار (12/ 181 رقم 16385) وفي السنن الكبرى (8/ 121 - 122).

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من (ب).

(6)

في المخطوط (أ): (ما روى).

(7)

تقدم برقم (3031) من كتابنا هذا.

(8)

تقدم برقم (3033) من كتابنا هذا.

(9)

تقدم برقم (3034) من كتابنا هذا.

ص: 103

ولا سيما مع ما في حديث أبي سلمة

(1)

المذكور في الباب. وحديث عمرو بن شعيب

(2)

المذكور في الباب الأوّل من الحكم بالدية بدون أيمان.

قوله: (فقال للأنصار: استحقوا) قال في القاموس

(3)

: استحقه: استوجبه. اهـ. والمراد ههنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر الأنصار بأن يستوجبوا الحقّ الذي يدَّعونه على اليهود بأيمانهم فأجابوا بأنهم لا يحلفون على الغيب.

[الباب الخامس عشر] بَابٌ هَلْ يُستوفَى القِصَاصُ والحدودُ في الحرمِ أَمْ لا؟

44/ 3038 - (عَنْ أنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عامَ الفَتْحِ وَعلى رأسهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأسْتار الكَعْبَةِ، فَقَالَ:"اقْتُلُوهُ"

(4)

. [صحيح]

45/ 3039 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: لَمَّا فَتَحَ الله على رَسُولهِ مَكَّةَ قامَ في النَّاسِ فَحَمِدَ الله وأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ:"إنَّ الله حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْها رَسُولَهُ وَالمُسْلِمِينَ، وَإنَّهَا لَمْ تَحِل لأحَدٍ قَبْلِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لي ساعَةً مِنَ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَا تحِلُّ لأحَدٍ بَعْدي"

(5)

. [صحيح]

46/ 3040 - (وَعَنْ أبي شُرَيْحٍ الخُزَاعِيِّ أنَّهُ قالَ لِعَمْرو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إلى مَكَّةَ: ائْذَنْ لي أيُّهَا الأمِيرُ أحَدّثْكَ قَوْلًا قامَ بِه رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الغَدَ مِنْ يَوْم الفَتْحِ سَمعَتْهُ أُذُنايَ وَوَعاهُ قَلْبِي وأبْصَرَتْهُ عَيْنايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ حَمِدَ الله وأثنَى عَلَيْهِ ثمَّ قالَ: "إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَها الله ولَمْ يحَرّمْها النَّاسُ، فَلا يَحِلُّ لامْرئٍ يُؤْمِنُ بالله وَاليَوْمِ الآخِر أنْ يَسْفِكَ بهَا دَمًا. وَلَا يَعْضدَ بها شَجَرَةً، فإنْ أحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتال رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِيها فَقُولُوا لَهُ: إنَّ الله قَدْ أذِنَ لِرَسُولِهِ وَلم يأذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّما أذِنَ لي

(1)

تقدم برقم (3037) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3036) من كتابنا هذا.

(3)

القاموس المحيط (ص 1130).

(4)

أحمد في المسند (3/ 109) والبخاري رقم (1846) ومسلم رقم (450/ 1357).

(5)

أحمد في المسند (2/ 238) والبخاري رقم (112) ومسلم رقم (447/ 1355).

ص: 104

فيها ساعَةً مِنْ نَهارٍ، ثُمَّ عادَتْ حُرْمَتُها اليَوْمَ كَحُرْمَتِها بالأمْس، فَلْيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغائِبَ"، فَقِيلَ لأبي شُرَيْحٍ: ماذَا قالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قالَ: أنا أعْلَمُ بذَاكَ مِنْكَ يا أبا شُرَيْحٍ، إن الحَرَمَ لَا يُعِيذُ عاصيًا وَلا فارًّا بدَمٍ، وَلا فارًّا بخُرْبَةٍ)

(1)

. [صحيح]

47/ 3041 - (وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ: "إنَّ هَذَا البَلَدَ حَرَامٌ، حَرَّمَهُ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، فَهُوَ حَرامٌ بحُرْمَةِ الله إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وإنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتالُ فِيهِ لأحَدٍ قَبْلِي، وَلْمَ يحِلَّ لي إلَّا ساعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَام بَحُرْمَةِ الله إلى يَوْمِ القِيامَةِ"، مُتَّفَقٌ على أرْبَعَتِهِنَّ)

(2)

. [صحيح]

48/ 3042 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ [عُمَرَ]

(3)

أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ أَعْدَى النَّاسِ على الله عز وجل مَنْ قَتَلَ فِي الحَرَمِ، أوْ قَتَلَ غَيْرَ قاتِلِهِ، أوْ قَتَلَ بِذُحُولِ الجاهِلِيَّةِ" رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

. [صحيح لغيره]

(1)

أحمد في المسند (4/ 31) والبخاري رقم (104) ومسلم رقم (446/ 1354).

(2)

أحمد في المسند (1/ 259) والبخاري رقم (1834) ومسلم رقم (445/ 1353).

(3)

كذا في (أ)، (ب) والصواب (عمرو) كما في المسند، و"مجمع الزوائد" كما سيأتي.

(4)

في المسند (2/ 179) بسند حسن

وهو حديث صحيح لغيره.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 177 - 178) وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات، قلت: في الصحيح منه النهي عن الصلاة بعد الصبح، وفي السنن بعضه".

قلت: وفاته أن ينسبه لأحمد.

• وله شاهد من حديث عائشة عند أبي يعلى رقم (4757) والدارقطني (3/ 131) والبيهقي (8/ 26) والحاكم (4/ 349) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

قالت: وجدتُ في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا: "إنَّ أشدَّ الناس عتوًا من ضرب غير ضاربه، ورجل قتل غير قاتله".

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 292) وقال: "رجاله رجال الصحيح غير مالك بن أبي الرجال، وقد وثقه ابن حبان، ولم يضعفه أحد".

• وله شاهد آخر مرسل من حديث عطاء بن يزيد، ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 211).

• وآخر بمعناه عند البخاري رقم (6882) من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحدٌ في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومُطَّلِبٌ دم امرئ بغير حق ليهريق دمه".

ص: 105

ولَهُ

(1)

مِنْ حَدِيثِ أبي شُرَيْحٍ الخُزَاعِي نَحْوُهُ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ وَجَدَتُ قاتِلَ عُمَرَ فِي الحَرَمِ ما هِجْتُهُ.

وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي يُصِيبُ حَدًّا ثُمَّ يَلْجَأُ إلى الحَرَمِ يُقامُ عَلَيْهِ الحَدُّ إذَا خَرَجَ مِنَ الحَرَمِ، حَكاهُمَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الأثْرَمِ)

(2)

.

حديث عبد الله بن عمر أخرجه أيضًا ابن حبان في صحيحه

(3)

.

(1)

في المسند (4/ 32) بلفظ: "من أعتى الناس على الله عز وجل: من قتلَ غير قاتلِهِ، أو طلبَ بدم الجاهلية من أهْلِ الإسلام، أو بَصَّرَ عينيه في النوم ما لم تَبْصِر".

قلت: وأخرجه الدارقطني في السنن (3/ 96 رقم 57) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2303) و (2304) والفاكهي في "أخبار مكة" رقم (1460) والطبراني في المعجم الكبير (ج 22 رقم 498، 499) والحاكم (4/ 349) وقال: صحيح الإسناد، وقال الذهبي: صحيح، ولكن اختلف على الزهري فيه.

قلت: إسناده ضعيف. لسوء حفظ عبد الرحمن بن إسحاق المدني.

• وأخرجه عمر بن شبة في "كتاب مكة" كما في "الفتح"(12/ 211) من طريق عمرو بن دينار، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، مرسلًا.

- ومن طريق مسعر، عن عمرو بن مرة، عن الزهري، معضلًا.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 174) وقال: هو في "الصحيح" غير قوله: "أو بصَّر عينيه"، رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

وخلاصة القول: أن حديث أبي شريح الخزاعي حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(2)

عزاهما إليه "البنا" في "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني"(16/ 43).

• أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (17306) عن ابن عباس قال: من قتل أو سرق في الحل، ثم دخل الحرم، فإنه لا يجالس، ولا يكلم، ولا يؤذى، ويناشد حتى يخرج، فيقام عليه. ومن قتل أو سرق فأخذ في الحل فأدخل الحرم، فارادوا أن يقيموا عليه ما أصاب، أخرج من الحرم إلى الحل، وإن قتل في الحرم أو سرق أقيم عليه في الحرم. وهو أثر صحيح.

• وأخرج ابن حزم في "المحلى"(10/ 345 - 346) عن نافع مولى ابن عمر، أن مجنونًا على عهد ابن الزبير دخل البيت بخنجر فطعن ابن عمه فقتله، فقضى ابن الزبير بأن يخلع من ماله ويدفع إلى أهل المقتول".

قال ابن حزم: هذا أثر في غاية الصحة.

وهو أثر صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (5996) بسند حسن، سنان بن الحارث بن مصرف أورده ابن حبان في "الثقات"(6/ 424)، وروى عنه جمع.

قلت: ويجوز أن يكون هو (عبد الله بن عمرو) فسقطت الواو، والله أعلم.

ص: 106

وحديث أبي شريح الآخر الذي أشار إليه المصنف أخرجه أيضًا الدارقطني

(1)

والطبراني

(2)

والحاكم

(3)

.

ورواه الحاكم

(4)

والبيهقي

(5)

من حديث عائشة بمعناه.

وروى البخاري في صحيحه

(6)

عن ابن عباس مرفوعًا: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، [ومبتغ]

(7)

في الإسلام سنة جاهلية، ومطلب دم بغير حقّ ليهريق دمه"، والملحد

(8)

في الأصل: هو المائل عن الحقّ.

وأخرج عمر بن شبة

(9)

عن عطاء بن يزيد قال: "قتل رجل بالمزدلفة، يعني في غزوة الفتح، فذكر القصة وفيها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: وما أعلم أحدًا أعتى على الله من ثلاثة: رجل قتل في الحرم، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحل في الجاهلية".

قوله: (عن أنس أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل مكة

إلخ)، قد تقدم هذا الحديث وشرحه في باب دخول مكة من غير إحرام

(10)

من أبواب الحجّ.

قوله: (إنَّ الله حبس عن مكة الفيل) هو الحيوان المشهور، وأشار بحبسه عن مكة إلى قضية الحبشة وهي مشهورة، ساقها ابن إسحاق مبسوطة

(11)

.

وحاصل ما ساقه: أن أبرهة الحبشيّ لما غلب على اليمن وكان نصرانيًا بنى كنيسة وألزم الناس بالحجّ إليها، فعمد بعض العرب فاستغفل الحَجَبَة وتغوّط وهرب، فغضب أبرهة وعزم على تخريب الكعبة، فتجهز في جيش كثيف واستصحب معه فيلًا عظيمًا، فلما قرب من مكة خرج إليه عبد المطلب فأعظمه، وكان جميل الهيئة، فطلب منه أن يردّ عليه إبلًا نهبت، فاستقصر همته، وقال:

(1)

في سننه (3/ 96 رقم 57) وقد تقدم.

(2)

في المعجم الكبير (ج 22 رقم 498 و 499) وقد تقدم.

(3)

في المستدرك (4/ 349) وقد تقدم.

(4)

في المستدرك (4/ 349) وقد تقدم.

(5)

في السنن الكبرى (8/ 26) وقد تقدم.

(6)

في صحيحه رقم (6882) وقد تقدم.

(7)

في المخطوط (أ): (ومتبع) والمثبت من (ب) وصحيح البخاري.

(8)

النهاية (2/ 589) والقاموس المحيط (ص 404).

(9)

في "كتاب مكة" كما في "الفتح"(12/ 211) مرسلًا. وقد تقدم.

(10)

في الباب الثاني عند الحديث رقم (1820) من كتابنا هذا.

(11)

انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (1/ 91 - 97).

ص: 107

لقد ظننت أنك لا تسألني إلا في الأمر الذي جئتُ فيه، فقال: إنَّ لهذا البيت ربًا سيحميه، فأعاد إليه إبله، وتقدم أبرهة بجيوشه فقدَّموا الفيل، فأرسل الله عليهم طيرًا مع كل واحدة ثلاثة أحجار: حجران في رجليه وحجر في منقاره، فألقتها عليهم فلم يبق منهم أحد إلا أصيب.

وأخرج ابن مردويه

(1)

بسند حسن عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح وهو بكسر المهملة ثم فاء ثم مهملة: موضع خارج مكة من جهة طريق اليمن، فأتاهم عبد المطلب فقال: إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحدًا، فقالوا: لا نرجع حتى نهدمه، فكانوا لا يقدمون الفيل قبله إلا تأخر، فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداء، فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك أحد منهم جلده إلا تساقط لحمه.

قال ابن إسحاق

(2)

: حدثني: [يعقوب]

(3)

بن عتبة قال: حدثت أن أوّل ما وقعت الحصبة والجدري بأرض العرب يومئذ.

وعند الطبري

(4)

بسند صحيح عن عكرمة: "أنها كانت طيرًا خضرًا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع".

ولابن أبي حاتم

(5)

من طريق عبيد بن عمير بسند قويّ: بعث الله عليهم طيرًا أنشأها من البحر كأمثال الخطاطيف

فذكر نحو ما تقدم.

قوله: (لعمرو بن سعيد) هو المعروف بالأشدق، وكان أميرًا على دمشق من جهة عبد الملك بن مروان، فقتله عبد الملك وقصته مشهورة

(6)

.

(1)

كما في "الدر المنثور"(8/ 629) بسند حسن. قاله الحافظ في الفتح (12/ 207).

(2)

ذكره ابن هشام في "السيرة النبوية"(1/ 93).

(3)

في (أ): (يغوث) وهو خطأ. والصواب ما أثبتناه من (ب) والفتح (12/ 207).

(4)

في "جامع البيان"(15/ ج 30/ 298) بسند صحيح. قاله الحافظ في "الفتح"(12/ 207).

(5)

في تفسيره (10/ 3466 رقم 19483) بسند قوي. قاله الحافظ في "الفتح"(12/ 207).

(6)

انظر هذه القصة في: "تهذيب التهذيب"(3/ 272 - 273) فقد صدرها الحافظ بصيغة التمريض، مما يفيد ضعفها.

ص: 108

قوله: (ولا يعضد [بها]

(1)

شجرة)، قد تقدم ضبطه وتفسيره في الحجّ

(2)

.

قوله: (فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها) أي استدلَّ بقتاله صلى الله عليه وسلم فيها على القتال فيها لغيره مرخص فيه.

قوله: (إنَّ الحرم لا يعيذ عاصيًا)، هذا من عمرو المذكور معارضةٌ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه، وهو مصادم للنصِّ، ولا جرم فالمذكور من عتاة الأمة النابين عن الحقّ.

قوله: (ولا فارًا بخربة)

(3)

بضم الخاء المعجمة، ويجوز فتحها وسكون الراء بعدها باء موحدة، وهي في الأصل سرقة الإبل، وفي البخاري

(4)

أنها الخيانة.

وقال الترمذي

(5)

: قد روي بخزية بالزاي والياء التحتية، أي: بجريمة يستحيا منها.

قوله: (إن أعدى الناس) في رواية

(6)

: "إن أعتى الناس" وهما [اسما]

(7)

تفضيل: أي الزائد في التعدي أو العتوّ على غيره، والعتوّ: التكبر والتجبر

(8)

.

وقد أخرج البيهقي

(9)

عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال: وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب "إن أعدى الناس على الله" الحديث.

وأخرج

(10)

من حديث سليمان بلفظ: "إن أعتى الناس على الله".

وأخرج

(11)

أيضًا حديث أبي شريح بلفظ: "إن أعتى الناس".

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

عند الحديث رقم (40/ 1918) من كتابنا هذا (9/ 226 - 228) بتحقيقي.

(3)

النهاية (1/ 477) والقاموس المحيط (ص 101).

(4)

في صحيحه في نهاية رقم (1832 و 4295): الخَرِبَة: البلية.

(5)

في سننه (3/ 174): (ولا فارَّ بِخَزِيَةٍ).

(6)

في صحيح ابن حبان رقم (5996) وقد تقدم.

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

النهاية (2/ 160) والقاموس المحيط (ص 1688).

(9)

في السنن الكبرى (8/ 26) وقد تقدم.

(10)

أي البيهقي في السنن الكبرى (8/ 26).

(11)

تقدم برقم (3040) من كتابنا هذا.

ص: 109

قوله: (بِذُحُوْلِ الجاهلية) جمع ذَحْل - بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة -: وهو الثأر وطلب المكافأة والعداوة

(1)

أيضًا.

والمراد هنا: طلب من كان له دم في الجاهلية بعد دخوله في الإسلام.

والمراد: أن هؤلاء الثلاثة، أعتى أهل المعاصي، وأبغضُهم إلى الله، وإلا فالشرك أبغضُ إليه من كل معصية، كذا قال المهلب

(2)

وغيره.

وقد استُدِلَّ بحديث أنس المذكور

(3)

على أن الحرم لا يعصِم من إقامة واجب، ولا يؤخر لأجله عن وقته، كذا قال الخطابي

(4)

، وقد ذهب إلى ذلك مالك

(5)

والشافعي

(6)

، وهو اختيار ابن المنذر

(7)

.

ويؤيد ذلك عموم الأدلة القاضية باستيفاء الحدود في كل مكان وزمان.

وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والحنفية

(8)

وسائر أهل العراق، وأحمد

(9)

ومن وافقه من أهل الحديث والعترة: إلى أنه لا يحلّ لأحدٍ أن يسفك بالحرم دمًا، ولا يقيم به حدًّا حتى يخرج عنه من لجأ إليه.

واستدلوا على ذلك بعموم حديث أبي هريرة

(10)

، وأبي شريح

(11)

، وابن عباس

(12)

، وعبد الله بن عمر

(13)

، وعموم قوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}

(14)

، وهو الحكم الثابت قبل الإسلام وبعده، فإن الجاهلية كان يرى أحدهم قاتل أبيه أو قاتل ابنه فلا يهيجه.

(1)

النهاية (1/ 600) والقاموس المحيط (ص 1291، 1294).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 210).

(3)

تقدم برقم (3038) من كتابنا هذا.

(4)

في أعلام الحديث له (2/ 921).

(5)

عيون المجالس (5/ 2019 رقم المسألة (1449).

(6)

روضة الطالبين (9/ 224).

(7)

الإشراف له (2/ 122 - 123) وذكره ابن قدامة في المغني (12/ 410).

(8)

في "مختصر اختلاف العلماء" للطحاوي (5/ 91 - 92).

(9)

الإنصاف للمرداوي (10/ 167 - 168) والمغني (12/ 409 - 413).

(10)

تقدم برقم (3039) من كتابنا هذا.

(11)

تقدم برقم (3040) من كتابنا هذا.

(12)

تقدم برقم (3041) من كتابنا هذا.

(13)

تقدم برقم (3042) من كتابنا هذا.

(14)

سورة آل عمران، الآية:(97).

ص: 110

وكذلك في الإسلام كما قاله ابن عمر في الأثر المذكور

(1)

، وكما روى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب أنه قال: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه.

وهكذا روي عن ابن عباس أنه قال: لو وجدت قاتل أبي في الحرم

(2)

ما هجته

(3)

.

وأما الاستدلال بحديث أنس المذكور

(4)

فوهم، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتل ابن خطل في الساعة التي أحل الله له فيها القتال بمكة، وقد أخبرنا بأنها لم تحل لأحد قبله ولا لأحد بعده، وأخبرنا أن حرمتها قد عادت بعد تلك الساعة كما كانت.

وأما الاستدلال بعموم الأدلة القاضية باستيفاء الحدود فيجاب:

(أولًا) بمنع عمومها لكل مكان وكل زمان لعدم التصريح بهما. وعلى تسليم العموم فهو مخصص بأحاديث الباب لأنها قاضية بمنع ذلك في مكان خاصٍّ وهي متأخرة فإنها في حجة الوداع بعد شرعية الحدود.

هذا إذا ارتكب ما يوجب حدًّا أو قصاصًا في خارج الحرم ثم لجأ إليه.

وأما إذا ارتكب ما يوجب حدًّا أو قصاصًا في الحرم؛ فذهب بعض العترة إلى أنه يخرج من الحرم ويقام عليه الحدّ.

وروى أحمد عن ابن عباس أنه قال: "من سرق أو قتل في الحرم أقيم عليه في الحرم".

ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}

(5)

.

(1)

تقدم بإثر الحديث رقم (3042) من كتابنا هذا.

(2)

الحرم: المراد به: حرم مكة، فتكون الألف واللام للعهد. وقال ابن مفلح: قال بعض أصحابنا: حرم المدينة كمكة.

انظر: "المبدع"(8/ 362)، و"الإنصاف"(10/ 75).

(3)

هاج الشيء يهيج هيجًا وهيجانًا، واهتاج وتهيج: أي ثار، وهاجه غيره، يتعدى ويلزم، وتهايج الفريقان: إذا تواثبا للقتال. فلم يهجه أي لم يزعجه، ولم ينفره، الصحاح (1/ 352)، واللسان (2/ 395).

(4)

تقدم برقم (3038) من كتابنا هذا.

(5)

سورة البقرة، الآية:(191).

ص: 111

ويؤيده أيضًا أن الجاني في الحرم هاتك لحرمته بخلاف الملتجئ إليه.

وأيضًا لو ترك الحدّ والقصاص على من فعل ما يوجبه في الحرم لعَظم الفساد في الحرم.

وظاهر أحاديث الباب المنع مطلقًاص غير فرق بين اللاجئ إلى الحرم، والمرتكب لما يوجب حدًّا أو قصاصًا في داخله وبين قتل النفس أو قطع العضو، والآية التي فيها الإذن بمقاتلة من قاتل عند المسجد الحرام لا تدل إلا على جواز المدافعة لمن قاتل حال المقاتلة كما يدل على ذلك التقييد بالشرط.

وقد اختلف العلماء في كون هذه الآية منسوخة ومحكمة، حتى قال أبو جعفر في كتاب "الناسخ والمنسوخ"

(1)

: إنها من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ. فممن قال بأنها محكمة: مجاهد

(2)

وطاوس

(3)

، وأنه لا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم تمسكًا بظاهر الآية وبأحاديث الباب، وقال في جامع البيان

(4)

: إن هذا قول الأكثر.

ومن القائلين بالنسخ قتادة

(5)

قال: والناسخ لها قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}

(6)

.

وقيل بآية التوبة كما ذكر النَّجري

(7)

.

(1)

في "الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل واختلاف العلماء في ذلك"(1/ 519).

(2)

أخرج الطبري في "جامع البيان"(3/ 567 رقم 3108 - شاكر) عن ابن أبي نجيح - هو عبد الله بن أبي نجيح - عن مجاهد: "فإن قاتلوكم" في الحرم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين، لا تقاتل أحدًا فيه، فمن عدا عليك فقاتلك، فقاتله كما يقاتلك.

(3)

ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"(2/ 351).

(4)

في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 193).

(5)

أخرج الطبري في "جامع البيان"(3/ 567 رقم 3105 - شاكر) عن قتادة قوله: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} ، كانوا لا يقاتلون فيه حتى يُبدأوا بالقتال، ثم نسخ بعدُ ذلك فقال:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} ، حتى لا يكون شرك، {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} ، أن يقال: لا إله إلا الله، عليها قاتل نبيُّ الله، وإليها دعا".

وانظر الأثر رقم (3106 - شاكر).

(6)

سورة البقرة، الآية:(193).

(7)

في "شافي العليل في شرح الخمسمائة آية من التنزيل"(1/ 193) بتحقيق وتعليق: أحمد =

ص: 112

وقال أبو جعفر

(1)

: وهذا قول أكثر أهل النظر وأن المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالقرآن والسنة، قال الله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}

(2)

، وبراءة نزلت بعد البقرة بسنتين، وقال تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}

(3)

.

وأما السنة فما روي

(4)

أنه صلى الله عليه وسلم: "دخل وعلى رأسه المغفر فقتل ابن خطل".

وقد اختار صاحب "تيسير البيان"

(5)

القول الأوّل وقرّره. وردّ دعوى النسخ؛ أما بآية براءة فلأن قوله تعالى في المائدة: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ}

(6)

موافق لآية البقرة، والمائدة نزلت بعد براءة في قول أكثر أهل العلم بالقرآن، ثم إن كلمة "حيث" تدل على المكان، فهي عامة في أفراد الأمكنة، وآية البقرة نصّ في النهي عن القتال في مكان مخصوص وهو المسجد الحرام فتكون مخصصةً لآية "براءة"، ويكونُ التقديرُ:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}

(7)

إلا أن يكونوا في المسجد الحرام فلا تقتلوهم {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}

(8)

.

وأما قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}

(9)

، فهو مطلق في الأمكنة والأزمنة والأحوال، وآية البقرة مقيدة ببعض الأمكنة، فيكون ذلك المطلق مقيدًا بها، وإذا أمكن الجمع فلا نسخ.

هذا معنى كلامه، وهو طويل، ولكن في كون العام المتأخر يُخَصَّصُ بالخاصِّ المتقدم خلاف بين أهل الأصول

(10)

، والراجح التخصيص،

= علي أحمد الشامي، ووافته المنية قبل إكماله.

(1)

في "الناسخ والمنسوخ"(1/ 521).

(2)

سورة التوبة، الآية (5).

(3)

سورة التوبة، الآية (36).

(4)

تقدم من حديث أنس برقم (3038) من كتابنا هذا.

(5)

ولعل الصواب "تيسير المنان في تفسير القرآن" تأليف السيد أحمد بن عبد القادر الكوكباني (مخطوط). وبحوزتي مخطوطتان له.

(6)

سورة المائدة، الآية (2).

(7)

سورة التوبة، الآية (5).

(8)

سورة البقرة، الآية (191).

(9)

سورة البقرة، الآية (193).

(10)

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 536 - 538) بتحقيقي.

والبحر المحيط (3/ 405).

ص: 113

[وفي]

(1)

كون عموم الأشخاص لا يستلزم عموم الأحوال والأمكنة والأزمنة خلاف أيضًا معروف بين أهل الأصول

(2)

.

[الباب السادس عشر] بابُ ما جاءَ في تَوْبةِ القَاتِلِ والتشديدِ في القَتْلِ

49/ 3043 - (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أوَّلُ ما يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ القِيامَةِ فِي الدّماءِ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا أبا دَاوُدَ)

(3)

. [صحيح]

50/ 3044 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إلَّا كانَ على ابْنِ آدَمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِها لأَنَّهُ كانَ أوَّلَ مَنْ سَنَّ القَتْلَ"، مُتَّفَق عَلَيْهِ)

(4)

. [صحيح]

51/ 3045 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعانَ على قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِي الله عز وجل مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ الله"،

(1)

في المخطوط (ب): (وهو في).

(2)

قال ابن اللحام في القواعد الأصولية: (ص 236): "العام في الأشخاص عام في الأحوال هذا المعروف عند العلماء".

وقال ابن النجار في "شرح الكوكب المنير"(3/ 115): "وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات عند أكثر العلماء.

وخالف في ذلك جمع منهم (القرافي)، وتابعه (ابن قاضي الجبل): بأنَّ صيغ العموم وإن كانت عامة في الأشخاص، فهي مطلقة في الأزمنة والبقاع والأحوال والمتعلقات.

فهذه الأربع لا عموم فيها من جهة ثبوت العموم في غيرها حتى يوجد لفظ يقتضي العموم. نحو: لأصومنَّ الأيام، ولأصلينَّ في جميع البقاع.

ومثل قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] تقتضي قتل كل مشرك لكن لا في كل حال بحيث يعم الهدنة والحرابة وعقد الذمة. وهذا قول أبي العباس بن تيمية.

انظر: "البحر المحيط"(3/ 29 - 34).

(3)

أحمد في المسند (1/ 388) والبخاري رقم (6864) ومسلم رقم (28/ 1678) والترمذي رقم (1396) والنسائي رقم (3991) وابن ماجه رقم (2615).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (1/ 383) والبخاري رقم (3335) ومسلم رقم (27/ 1677).

ص: 114

رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

وَابْنُ ماجَهْ)

(2)

. [ضعيف جدًّا]

52/ 3046 - (وَعَنْ مُعاوِيةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى الله أنْ يَغفِرَهُ إلَّا الرَّجُل يَمُوتُ كافِرًا، أوِ الرَّجُلَ يَقْتُلُ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَالنَّسائيُّ

(4)

. [صحيح لغيره]

وَلأبي دَاوُدَ

(5)

مِنْ حَدِيثِ أبي الدَّرْدَاءِ كَذَلِكَ). [صحيح]

(1)

لم أقف عليه في المسند؟!.

(2)

في سننه رقم (2620).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 22).

وفي إسناده: يزيد بن زياد، وقيل: ابن أبي زياد، وقد ضعفوه. قال البخاري والبيهقي: منكر الحديث.

وقال ابن حبان في "المجروحين"(3/ 100): كان صدوقًا إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان يتلقن ما لقِّن فوقعت المناكير في حديثه، فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح.

وذكره ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 104 - 105) وقال: إنه حديث لا يصح.

وقال البيهقي في السنن الكبرى (8/ 22): وقد روي هذ المتن مرسلًا، عن الفرج بن فضالة، عن الضحاك، عن الزهري يرفعه، قال:"من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله". والفرج بن فضالة: قواه أحمد، وفي رواية: يحدث عن الثقات أحاديث مناكير، قال البخاري: منكر الحديث، وضعفه آخرون. انظر:"تهذيب الكمال"(23/ 156).

وخلاصة القول: أن حديث أبي هريرة حديث ضعيف جدًّا، والله أعلم.

(3)

في المسند (4/ 99).

(4)

في السنن الكبرى (3984).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 351) والطبراني في المعجم الكبير (ج 19 رقم 856، 857، 858) وفي "مسند الشاميين" رقم (1892) من طرق. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(5)

في سننه رقم (4270).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (5980) والحاكم (4/ 351) وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.

ص: 115

حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا البيهقي

(1)

، وفي إسناده يزيد بن أبي زياد

(2)

وهو ضعيف.

وقد روي عن الزهري مرسلًا أخرجه البيهقي

(3)

من طريق [فرج]

(4)

بن فضالة عن الضحاك عن الزهري يرفعه، [وفرج]

(5)

ضعيف وقد قوّاه أحمد

(6)

. وبالغ ابن الجوزي فذكر الحديث في الموضوعات

(7)

وسبقه إلى ذلك أبو حاتم فإنه قال في العلل: إنه باطل موضوع.

وقد رواه أبو نعيم في الحلية

(8)

من طريق حكيم بن نافع

(9)

، عن خلف بن حوشب، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن المسيب، سمعت عمر

فذكره، وقال: تفرّد به حكيم عن خلف.

ورواه الطبراني

(10)

من حديث ابن عباس نحوه.

وأورده ابن الجوزي

(11)

من طريق أخرى عن أبي سعيد الخدري بلفظ: "يجيء القاتل يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه آيس من رحمة الله"، وأعله بعطية

(12)

،

(1)

في السنن الكبرى (8/ 22) وقدم تقدم.

(2)

تقدم الكلام عنه آنفًا. وانظر: المجروحين (3/ 100).

(3)

في السنن الكبرى (8/ 22).

(4)

في المخطوط (أ): (فرح) وهو خطأ والمثبت من (ب) ومصادر الترجمة والتخريج.

(5)

في المخطوط (أ): (فرح) وهو خطأ.

(6)

وفي رواية عن أحمد قال عن فرج هذا: يحدث عن الثقات أحاديث مناكير، وقد تقدم.

انظر: "تهذيب الكمال"(23/ 156).

(7)

في "الموضوعات"(3/ 104 - 105).

(8)

في "الحلية"(5/ 74). قلت: وأخرجه ابن الجوزي في "موضوعاته"(3/ 103).

(9)

قال عنه أبو زرعة: ليس بشيء كما في "الميزان"(1/ 586).

وهو حديث لا يصح.

(10)

في المعجم الكبير (ج 11 رقم 11539) والأوسط رقم (2944) وفي الصغير (1/ 82) وأورده الهيثمي في "المجمع"(4/ 205) وقال: رواه الطبراني في الثلاثة. وفي إسناد الكبير (حنش) وهو متروك، وزعم أبو محصن أنه شيخ صدق. وفي إسناد الصغير، والأوسط: سعيد بن رحمة، وهو ضعيف".

(11)

في "الموضوعات"(3/ 104) وقال: وهذا لا يصح، في إسناده محمد بن عثمان بن أبي شيبة، كذبه عبد الله بن أحمد بن حنبل، وعطية العوفي وقد ضعفه ....

(12)

تقدم مرارًا.

ص: 116

ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة

(1)

.

قال الحافظ

(2)

: ومحمدٌ لا يستحقُّ أن يحكم على أحاديثه بالوضع، فأما عطية فضعيف، لكن حديثه يحسنه الترمذي إذا توبع.

وحديث معاوية

(3)

جميع رجال إسناده ثقات ويشهد له ما في هذا الباب من الأحاديث القاضية بعدم المغفرة للقاتل.

وحديث أبي الدرداء

(4)

الذي أشار إليه المصنف لفظه: قال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركًا، أو مؤمن قتل مؤمنًا متعمدًا".

وروى أبو داود

(5)

أيضًا عن عبادة بن الصامت أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل مؤمنًا فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا".

قال الخطابي

(6)

: فاعتبط: أي فقتله بغير سبب، وفسَّره يحيى بن يحيى الغساني بأنه الذي يقتل صاحبه في الفتنة فيرى أنه على هدى، لا يستغفر الله من ذلك.

وهذان الحديثان سكت عنهما أبو داود

(7)

والمنذري

(8)

في مختصر السنن، ورجال إسناد كل واحد منهما موثقون.

قوله: (أول ما يقضى بين الناس

إلخ)، فيه دليل على عظم ذنب القتل، لأن الابتداء إنما يكون بالأهمِّ وعائد الموصول محذوف، والتقدير: أول ما يقضى فيه، ويجوز أن تكون "ما" مصدرية ويكون تقديره أوّل قضاء في الدماء.

(1)

قال ابن عدي: لم أر له حديثًا منكرًا، وهو على ما وصف لي أنه لا بأس به. وقال ابن خراش: كان يضع الحديث. وقال البرقاني: لم أزل أسمعهم يذكرون أنه مقدوح فيه. [الميزان (3/ 642)].

(2)

في "التلخيص"(4/ 29).

(3)

تقدم برقم (52/ 3046).

(4)

تقدم بإثر الحديث رقم (52/ 3046).

(5)

في سننه رقم (4270).

وهو حديث صحيح.

(6)

في معالم السنن (4/ 464 - مع السنن).

(7)

في السنن (4/ 464).

(8)

في المختصر (6/ 152).

ص: 117

أو يكون المصدر بمعنى اسم المفعول: أي أوّل مقضيٍّ فيه الدماء.

وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث والحديث الذي أخرجه أصحاب السنن

(1)

عن أبي هريرة بلفظ: "أول ما يحاسب العبد عليه صلاته".

وأجيب بأن الأول يتعلق بمعاملات العباد، والثاني بمعاملات الله [تعالى]

(2)

.

قال الحافظ

(3)

: على أنَّ النسائي

(4)

أخرجهما في حديث واحد أورده من طريق أبي وائل عن ابن مسعود رفعه: "أول ما يحاسب العبد به الصلاة، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء".

وقد استدلّ بحديث ابن مسعود الأوّل

(5)

المذكور على أن القضاء يختصّ بالناس ولا يكون بين البهائم وهو غلط، لأن مفاده حصر الأوّلية في القضاء بين الناس، وليس فيه نفي القضاء بين البهائم مثلًا بعد القضاء بين الناس.

قوله: (على ابن آدم الأوّل) هو قابيل عند الأكثر، وعكس القاضي جمال الدين بن واصل في تاريخه

(6)

فقال: اسم المقتول قابيل اشتقّ من قبول قربانه. وقيل: اسمه قابن بنون بدل اللام بغير ياء. وقيل: قبن، مثله بغير ألف.

(1)

أبو داود رقم (865) والترمذي رقم (413) والنسائي رقم (467) وابن ماجه رقم (1425).

قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه.

قلت: وأخرجه أحمد (2/ 290) وإسحاق بن راهويه رقم (506) من حديث أبي هريرة.

وهو حديث صحيح.

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

في "الفتح"(2/ 189).

(4)

في سننه رقم (3991).

وهو حديث صحيح.

(5)

تقدم برقم (3043) من كتابنا هذا.

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 193).

قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره"(5/ 166): "

المشهور عند الجمهور أن الذي قرب الشاة هو (هابيل)، وأنَّ الذي قرب الطعام هو (قابيل)، وأنه تقبل من هابيل شاته - حتى قال ابن عباس وغيره: إنها الكبش الذي فدى به الذبيح، وهو مناسب، والله أعلم. ولم يتقبل من قابيل.

كذلك نص عليه غير واحد من السلف والخلف، وهو المشهور عن مجاهد أيضًا، ولكن روى ابن جرير عنه أنه قال: الذي قرب الزرع قابيل، وهو المتقبل منه، وهذا خلاف المشهور، ولعله لم يحفظ عنه جيدًا، والله أعلم". اهـ.

ص: 118

وعن الحسن: لم يكن ابن آدم المذكور وأخوه المقتول من صلب آدم، وإنما كانا من بني إسرائيل، أخرجه الطبري

(1)

.

وعن مجاهد

(2)

: أنهما كانا ولدي آدم لصلبه. وهذا هو المشهور، وهو الظاهر من حديث الباب لقوله الأوّل: أي: أوّل من ولد لآدم، ويقال: إنه لم يولد [في الجنة لآدم]

(3)

غيره وغير توأمته، ومن ثمّ فخر على أخيه هابيل فقال: نحن من أولاد الجنة، وأنتم من أولاد الأرض، ذكر ذلك ابن إسحاق في "المبتدأ"

(4)

.

قوله: (كِفْلٌ من دمها) - بكسر الكاف، وسكون الفاء - وهو النصيب. وأكثر ما يطلق على الأجر كقوله تعالى:{كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ}

(5)

، ويطلق على الإثم كقوله تعالى:{وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}

(6)

.

قوله: (لأنه أوّل من سنّ القتل) فيه دليل: على أن من سنَّ شيئًا كتب له، أو عليه، وهو أصل في: أن المعونة على ما لا يحلُّ حرام.

وقد أخرج مسلم

(7)

من حديث جرير: "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"، وهو محمولٌ على من لم يتب من ذلك الذنب.

قوله: (بشطر كلمة) قال الخطابي

(8)

: قال ابن عيينة: مثل أن يقول: "إن" من قوله: اقتل، وفي هذا من الوعيد الشديد ما لا يقادر قدره، فإذا كان شطر الكلمة موجبًا لكتب الإياس من الرحمة بين عيني قائلها، فكيف بمن أراق دم المسلم ظلمًا وعدوانًا بغير حجة نيرة؟.

(1)

في "جامع البيان"(4/ ج 6/ 189) عن الحسن.

(2)

أخرجه الطبري في "جامع البيان"(4/ ج 6/ 187) عنه.

(3)

في المخطوط (ب): (لآدم في الجنة).

(4)

اسمه: "المبتدأ والمبعث والمعاد" ابن إسحاق (محمد بن إسحاق، ت 151 هـ)، نشره: محمد بن حميد الله، في الرباط، عن معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، سنة 1967 م في 395 صفحة [معجم المصنفات (ص 342 رقم 1088)].

(5)

سورة الحديد، الآية (28).

(6)

سورة النساء، الآية (85).

(7)

في صحيحه رقم (69/ 1017).

(8)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(4/ 29).

ص: 119

وقد استدلّ بهذا الحديث وبحديث معاوية

(1)

وأبي الدرداء

(2)

المذكورين بعده على أنها لا تقبل التوبة من قاتل العمد، وسيأتي بيان ما هو الحقّ إن شاء الله [تعالى]

(3)

.

53/ 3047 - (وَعَنْ أبي بَكْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا تَوَاجَه المسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِما فَقَتَلَ أحَدُهُما صَاحِبَهُ فالقاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ"، فَقِيلَ: هَذَا القاتِلُ فَمَا بالُ المَقْتُولِ؟ قالَ: "قَدْ أرَادَ قَتْل صَاحِبِهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(4)

. [صحيح]

54/ 3048 - (وَعَنْ جُنْدَبِ البَجَلِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "كانَ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَرحٌ، فأخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِها يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حتَّى ماتَ، قالَ الله تَعالى: بادَرَنَي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ"، أخْرَجَاهُ)

(5)

. [صحيح]

55/ 3049 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بحَدِيدَةٍ فَحَديدَتُهُ في يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالدًا مُخَلَّدًا فِيها أبدًا؛ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أبدًا؛ وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ مُتَرَدٍّ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أبَدًا")

(6)

. [صحيح]

56/ 3050 - (وَعَنِ المِقْدَادِ بْنِ الأسْوَدِ أنَّهُ قالَ: يا رسول الله، أرأيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الكُفَّارِ فَقاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بالسَّيْفِ فَقَطَعَها، ثُمَّ لاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقالَ: أسْلَمْتُ لله، أفأقْتُلُهُ يا رَسُولَ الله بَعْدَ أنْ قَالَها؟ قالَ:"لا تَقْتُلْهُ"، قالَ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله إنَّهُ قَطَعَ يَدِي ثُمَّ قالَ ذلكَ بَعْدَ أن قَطَعَها، أفأقْتُلُهُ؟ قالَ: "لَا تَقْتُلْهُ، فإن قتلته فإنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ

(1)

تقدم برقم (3046) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم بإثر الحديث (3046) من كتابنا هذا.

(3)

زيادة من المخطوط (ب).

(4)

أحمد في المسند (5/ 43، 51) والبخاري رقم (7083) ومسلم رقم (14/ 2888).

(5)

البخاري رقم (3463) ومسلم رقم (181/ 113).

(6)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 254، 478، 488) والبخاري رقم (5778) ومسلم رقم (175/ 109).

ص: 120

كَلِمَتَهُ الَّتي قالَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما)

(1)

. [صحيح]

57/ 3051 - (وَعَنْ جابرٍ قالَ: لَمَّا هاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المَدِينَةِ هاجَرَ إلَيْهِ الطُّفَيْل بْنُ عَمْرٍو وَهاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فاجْتَوَوُا المَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزعَ فأخَذَ مَشاقِصَ فَقَطَعَ بِهَا بِرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حتَّى ماتَ، فَرآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنامِهِ وَهَيْئَتُهُ حَسنَةٌ ورآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فَقالَ لَهُ: ما صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ قالَ: غَفَرَ لي بِهِجْرَتِي إلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقالَ: ما لي أرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قالَ: قِيلَ لي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ ما أفْسَدْتَ، فَقَصَّها الطُّفَيْلُ على رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"وَلِيَدَيْهِ فاغْفِرْ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(2)

وَمُسْلِمٌ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (فالقاتل والمقتول في النار)، قال في الفتح

(4)

: قال العلماء: معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك، ولكن أمرهما إلى الله تعالى إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين، وإن شاء عفا عنهما أصلًا.

وقيل: هو محمول على من استحلّ ذلك، ولا حجة فيه للخوارج

(5)

. ومن قال من المعتزلة

(6)

بأن أهل المعاصي مخلدون في النار لأنه لا يلزم من قوله: "القاتل والمقتول في النار" استمرار بقائهما فيها.

(1)

أحمد في المسند (6/ 3، 4، 5) والبخاري رقم (4019) ومسلم رقم (115/ 95).

(2)

أحمد في المسند (3/ 370، 371).

(3)

في صحيحه رقم (184/ 116)،

(4)

في "الفتح"(13/ 33).

(5)

و

(6)

إن مسألة تخليد أصحاب الذنوب في النار من المسائل التي بحثها المعتزلة وأهل السنة، وأطالوا فيها الكلام، وكثر فيها الخصام، وأود إيجاز النتيجة فيما يلي:

إن استدلال المعتزلة لما يذهبون إليه من إنفاذ الوعيد لا محالة، وأن أصحاب الكبائر والذنوب من المؤمنين مخلدون في النار حتمًا قول غير مسلَّم، وهو خطأ في فهم النصوص، وحمل لها على غير معانيها الصحيحة، فإن الآيات لا تدل على خلود أصحاب المعاصي من المؤمنين خلودًا أبديًا حتميًا، ذلك أن الله عز وجل قد يعفو عنهم ابتداءً وقد يعذبهم بقدر ذنوبهم ثم يخرجهم الله بتوحيدهم وإيمانهم لأنه لا يخلد في النار إلا من مات على الشرك الذي أخبر عز وجل أنه لا يغفر لصاحبه، وأما ما عدا الشرك فإن الله تعالى يغفره.

ومن ناحية أخرى فإن خُلف الوعيد مِن فِعل الكرام، وهي صفة مدح بخلاف خُلف الوعد =

ص: 121

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فإنها صفة ذم والله عز وجل يتنزه عنها بخلاف الوعيد فإنه يعتبر من باب التفضل والتكرم وإسقاط حق نفسه، وهذا هو مذهب السلف أهل السنة والجماعة، وما ذهب إليه المعتزلة من منع إخلاف الوعيد وزعمهم أنه من الكذب فهو إلى سوء الظن أقرب، وهو تحكم على الله عز وجل، والله تعالى يفعل ما يشاء.

وقد أجمل الطحاوي في "العقيدة الطحاوية" مع شرحها (ص 416 - 417) مذهب أهل السنة في كلامه الآتي: "وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون، إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين - بل مؤمنين، والاقتصار على المعرفة قول الجهم وهو باطل مردود - وهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر عز وجل في كتابه:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48، 116] وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته، وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته. وذلك بأن الله تعالى تولَّى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته، الذين خابوا من هدايته، ولم ينالوا من ولايته

". اهـ.

وهذه الشفاعة التي أشار إليها الطحاوي رحمه الله للمعتزلة فيها موقف مخالف لموقف أهل الحق.

وذلك أن المعتزلة لا ترى الشفاعة لأحد في الآخرة إلا للمؤمنين فقط دون الفساق من أهل القبلة، فلا شفاعة لأهل الكبائر لأنَّ إثبات ذلك يؤدي إلى خلف وعيد الله وخلف الوعيد عندهم يعتبر كذبًا والله يتنزه عن الكذب.

ثم استدلوا بالآيات الواردة في نفي الشفاعة عن غير المؤمنين الفائزين. كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)} [البقرة: 48]

ولا ريب أن المعتزلة جانبوا الصواب في الحكم بنفي الشفاعة في العصاة، فإن القول بإثبات هذه الشفاعة مما هو ثابت متواتر عن السلف لثبوت الأحاديث المتواترة بذلك وإجماع علماء الإسلام عدا المعتزلة.

والذي جرَّ المعتزلة لهذا الخطأ، خطأ آخر وهو أن من عقائدهم أن السيئات يذهبن الحسنات، فلو أتى الشخص بحسنات كالجبال ثم جاء بعدها بسيئة فإن تلك الحسنات تحبط بمجرد صدور المعصية.

ومذهب السلف أنه لا شيء يبطل جميع الحسنات إلا الردة عن الإسلام، والرجوع إلى الكفر.

كما أن تكفير جميع السيئات عن المذنب لا يكون إلا بالتوبة، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (12/ 483): "والتحقيق أن يقال: إن الكتاب والسنة مشتمل على نصوص الوعد والوعيد كما أن ذلك مشتمل على نصوص الأمر والنهي، وكل =

ص: 122

واحتجَّ به من لم ير القتال في الفتنة، وهم كل من ترك القتال مع عليٍّ في حروبه: كسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأبي بكرة، وغيرهم، وقالوا: يجب الكفُّ حتى لو أراد قتله لم يدفعه عن نفسه.

ومنهم من قال: لا يدخل في الفتنة، فإن أرادَ أحدٌ قتلَهُ دفع عن نفسه. انتهى.

ويدلُّ على القول الآخر حديث أبي هريرة عند أحمد

(1)

ومسلم

(2)

، وقد تقدم في باب دفع الصائل من كتاب الغصب

(3)

، وفيه:"أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله".

ويدلّ على القول الأوّل ما تقدم من الأحاديث في باب أن الدفع لا يلزم المصول عليه من ذلك الكتاب

(4)

. قال في الفتح

(5)

: وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصرة الحقّ وقتال الباغين.

وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال، أو قصر نظره عن معرفة صاحب الحقِّ.

= من النصوص يفسر الآخر ويبينه، فكما أن نصوص الوعد على الأعمال الصالحة مشروطة بعدم الكفر المحبط، لأن القرآن قد دل على أن من ارتد فقط حبط عمله، فكذلك نصوص الوعد للكفار والفساق مشروطة بعدم التوبة، لأن القرآن قد دل على أن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب، وهذا متفق عليه بين المسلمين، فإن الله قد بيّن بنصوص معروفة أن الحسنات يذهبن السيئات، وأن من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره

" إلى أن قال: "فجعل للسيئات ما يوجب رفع عقابها كما جعل للحسنات ما قد يبطل ثوابها، لكن ليس شيء يبطل جميع السيئات إلا التوبة كما أنه ليس شيء يبطل جميع الحسنات إلا الردة" اهـ. انظر:"فرق معاصرة"(2/ 843 - 845) و"المعتزلة" وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منها" (ص 262 - 264).

(1)

في المسند (2/ 360).

(2)

في صحيحه رقم (225/ 140).

وهو حديث صحيح.

(3)

تقدم في الباب السابع عند الحديث رقم (2441) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم في الباب الثامن عند الحديث رقم (2444 - 2447) من كتابنا هذا.

(5)

في "الفتح"(13/ 34).

ص: 123

قال: واتفق أهل السنَّة على وجوب منع الطعن علي أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك، ولو عرف المحقَّ منهم؛ لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت: أنَّه يؤجر أجرًا واحدًا، وأنَّ المصيب يؤجر أجرين.

قال الطبري

(1)

: لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل، وكسر السيوف، لما أقيم حقّ ولا أبطل باطل، ولوجد أهلُ الفسوق سبيلًا إلى ارتكاب المحرمات؛ من أخذ الأموال، وسفك الدماء، وسبي الحريم بأن يحاربوهم، ويكفّ المسلمون أيديهم ويقولوا: هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها، وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء. اهـ.

وقد أخرج البزار

(2)

زيادة في هذا الحديث تبين المراد، وهي:"إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار".

ويؤيده ما أخرجه مسلم

(3)

بلفظ: "لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قَتَلَ، ولا المقتول فيم قُتِلَ؟ " فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: "الهرج، القاتلُ والمقتول في النار".

قال القرطبي

(4)

: فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب دنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله: "القاتل والمقتول في النار".

قال الحافظ

(5)

: ومن ثم كان الذين توقفوا عن القتال في الجمل وصفِّين أقل عددًا من الذين قاتلوا، وكلهم متأوّل مأجور إن شاء الله [تعالى]

(6)

بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا. اهـ.

وهذا يتوقف على صحة نيات جميع المقتتلين في الجمل وصفين وإرادة كل

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 34).

(2)

أخرجه البزار كما في "الفتح"(13/ 34).

ولم أقف عليه في "كشف الأستار" وكذلك في الأجزاء المطبوعة من البحر الزخار.

(3)

في صحيح رقم (56/ 2908).

(4)

في "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة"(2/ 439 بإثر الحديث رقم 1821).

(5)

في "الفتح"(13/ 34).

(6)

زيادة من المخطوط (ب).

ص: 124

واحد منهم الدين لا الدنيا وصلاح أحوال الناس لا مجرّد الملك [ومنافسة]

(1)

بعضهم لبعض مع علم بعضهم بأنه المبطل وخصمه المحقّ، ويبعد ذلك كل البعد، ولا سيما في حقّ من عرف منهم الحديث الصحيح أنها:"تقتل عمارًا الفئة الباغية"

(2)

، فإن إصراره بعد ذلك على مقاتلة من كان معه عمار معاندة للحقّ وتماد في الباطل كما لا يخفى على منصف، وليس هذا منا محبة لفتح باب المثالب على بعض الصحابة [رضي الله عنهم]

(3)

، فأنا كما علم الله من أشدّ الساعين في سد هذا الباب والمنفرين للخاصّ والعامّ عن الدخول فيه حتى كتبنا في ذلك رسائل

(4)

وقعنا بسببها مع المتظهرين بالرفض والمحبين له بدون تظهر في أمور يطول شرحها، حتى رُمينا تارة بالنصب وتارة بالانحراف عن مذاهب أهل البيت، وتارة بالعداوة للشيعة، وجاءتنا الرسائل المشتملة على العتاب من كثير من الأصحاب والسباب من جماعة من غير ذوي الألباب.

ومن رأى ما لأهل عصرنا من الجوابات على رسالتنا التي سمَّيناها: (إرشاد الغبيّ إلى مذهب أهل البيت في صحب النبيّ)

(5)

، وقف على بعض أخلاق القوم وما جُبلوا عليه من عداوة من سلك مسلك الإنصاف وآثر نص الدليل على مذاهب الأسلاف، وعداوة الصحابة الأخيار، وعدم التقييد بمذاهب الآل الأطهار، فإنا قد حكينا في تلك الرسالة إجماعهم على تعظيم الصحابة رضي الله عنهم، وعلى ترك السبّ لأحد منهم من ثلاث عشرة طريقًا، وأقمنا الحجة على من يزعم أنه من أتباع أهل البيت، ولا يتقيد بمذاهبهم في مثل هذا الأمر الذي هو مزلة أقدام المقصرين فلم يقابل ذلك بالقبول، والله المستعان وأقول

(6)

:

(1)

في كل طبعات "النيل" المحققة وغيرها (ومناقشةِ) وهو تحريف. والصواب المثبت من المخطوط (أ) و (ب).

(2)

أخرجه البخاري رقم (447) ومسلم رقم (72/ 2916).

(3)

زيادة من المخطوط (أ).

(4)

انظر كتاب: "أدب الطلب ومنتهى الأرب" للشوكاني بتحقيقي.

(5)

وهي الرسالة رقم (19) في كتاب "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني"(2/ 825) بتحقيقي.

(6)

الإمام الشوكاني في "ديوانه"(ص 125).

ص: 125

إني بُلِيتُ بأهلِ الجهلِ في زَمَنٍ

قامُوا بهِ ورجالُ العِلْم قد قعدُوا

ومما يؤيد ما تقدم من التأويل للحديث المذكور ما أخرجه مسلم

(1)

عن أبي هريرة يرفعه: "من قاتل تحت راية عُمِّيَّةٍ يغضب لعصبيةٍ أو يدعو إلى عصبيّة أو ينصرُ عصبيةً، فقتل؛ فقتلة جاهلية".

وقد قدَّمنا ما هو أبسط من هذا الكلام في باب دفع الصائل

(2)

، وباب أن الدفع لا يلزم المصول عليه

(3)

من كتاب الغصب فراجعه.

قوله: (فقيل: هذا القاتل فما بال المقتول)، القائل هو أبو بكرة كما وقع مبينًا في رواية مسلم

(4)

. ومعنى ذلك أن هذا القاتل قد استحق النار بذنبهم وهو الإقدام على قتل صاحبه، فما بال المقتول؟ أي: فما ذنبه.

قوله: (قال: قد أراد قتل صاحبه)، في لفظ للبخاري

(5)

في كتاب الإيمان: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه".

وقد استدلّ بذلك من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل.

وأجاب من لم يقل بذلك أن في ذلك فعلًا وهو المواجهة بالسلاح ووقوع القتال، ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكونا في مرتبة واحدة، فالقاتل يعذّب على القتال والقتل، والمقتول يعذّب على القتال فقط، فلم يقع التعذيب على العزم المجرّد، ويؤيد هذا حديث: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم يتكلموا به [أو]

(6)

يعملوا"

(7)

.

قال في الفتح

(8)

: والحاصل أن المراتب ثلاث: الهمّ المجرّد وهو يثاب

(1)

في صحيحه رقم (53/ 1848).

(2)

الباب السابع عند الحديث رقم (2441 - 2443) من كتابنا هذا.

(3)

الباب الثامن عند الحديث رقم (2444 - 2447) من كتابنا هذا.

(4)

في صحيحه برقم (14/ 2888).

(5)

في صحيحه رقم (31).

(6)

في المخطوط (أ): (و).

(7)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 425) والبخاري رقم (2528) ومسلم رقم (201/ 127) من حديث أبي هريرة.

وهو حديث صحيح.

(8)

(13/ 34).

ص: 126

عليه ولا يؤاخذ به، واقتران الفعل بالهمّ أو بالعزم ولا نزاع في المؤاخذة به، والعزم وهو أقوى من الهمّ وفيه النزاع.

قوله: (يتوجأ)

(1)

أي يضرب بها نفسه، وحديث جندب البجلي

(2)

، وأبي هريرة

(3)

، يدلان على أن من قتل نفسه من المخلدين في النار، فيكون عموم إخراج الموحدين مخصصًا بمثل هذا وما ورد في معناه كما حققنا ذلك مرارًا.

وظاهر حديث جابر

(4)

المذكور يخالفهما فإن الرجل الذي قطع براجمه بالمشاقص ومات من ذلك أخبر بعد موته الرجل الذي رآه في المنام بأن الله تعالى غفر له، ووقع منه صلى الله عليه وسلم التقرير لذلك بل دعا له.

ويمكن الجمع بأنه لم يرد قتل نفسه بقطع البراجم، وإنما حمله الضجر وما حلّ به من المرض على ذلك بخلاف الرجل المذكور في حديث جندب (2) فإنه قطع يده مريدًا لقتل نفسه، وعلى هذا فتكون الأحاديث الواردة في تخليد من قتل نفسه في النار وتحريم الجنة عليه مقيدة بأن يكون مريدًا للقتل

(5)

.

(1)

النهاية (2/ 824).

(2)

تقدم برقم (3048) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (3049) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (3051) من كتابنا هذا.

(5)

في هذا إشكال يقتضي تخليد الموحد في النار. وقد أجاب الحافظ ابن حجر في "الفتح"(6/ 500) عليه من أوجه:

"(أحدها) أنه كان استحل ذلك الفعل فصار كافرًا.

(ثانيها): كان كافرًا في الأصل وعوقب بهذه المعصية زيادة على كفره.

(ثالثها): أن المراد أن الجنة حرمت عليه في وقت ما كالوقت الذي يدخل فيه السابقون، أو الوقت الذي يعذب فيه الموحدون في النار ثم يخرجون.

(رابعها): أن المراد جنة معينة كالفردوس مثلًا.

(خامسها): أن ذلك ورد على سبيل التغليظ والتخويف، وظاهره غير مراد.

(سادسها): أن التقدير حرمت عليه الجنة إن شئت استمرار ذلك.

(سابعها): قال النووي: يحتمل أن يكون ذلك شرع من مضى أن أصحاب الكبائر يكفرون بفعلها". اهـ.

• وقد بوَّب الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم (2/ 130) على حديث الطفيل بن عمرو - رقم 184/ 116)، آخر أحاديث هذا الباب -: (باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر".

ثم قال النووي (2/ 131 - 132): "أما أحكام الحديث ففيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل =

ص: 127

وقد أخرج الشيخان

(1)

من حديث أبي هريرة قال: "شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل ممن يَدَّعي الإسلام: "هذا من أهل النار"، فلما حضر القتال قاتل قتالًا شديدًا فأصابه جراح، فقيل: يا رسول الله الذي قلت آنفًا أنه من أهل النار قد قاتل قتالًا شديدًا وقد مات، فقال صلى الله عليه وسلم: إلى النار، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل له: إنه لم يمت ولكن به جراحة شديدة، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فأخذ ذباب سيفه فتحامل عليه فقتل نفسه، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله"، ثم أمر بلالًا فنادى في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".

وأخرج أبو داود

(2)

من حديث جابر بن مسلمة قال: "أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه، فقال: لا أصلي عليه".

= السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة، وقد تقدم بيان القاعدة وتقريرها، وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار، وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي، فإن هذا عوقب في يديه، ففيه رد على "المرجئه" القائلين بأن المعاصي لا تضر. والله أعلم". اهـ.

• وقال القرطبي في "المفهم"(1/ 324) في شرح حديث الطفيل أيضًا: "وهذا الحديث يقتضي: أن قاتل نفسه ليس بكافر، وأنه لا يخلدُ في النار، وهو موافق لمقتضى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]. وهذا الرجل ممن شاء الله أن يغفرَ له، لأنه إنما أتى بما دون الشِّرك، وهذا بخلاف القاتل نفسه المذكور في حديث جندب، فإنه ممن شاء اللهُ أن يعذِّبه". اهـ.

• وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(1/ 403) في شرح حديث الطفيل أيضًا: "وفي هذا الحديث غفران الله تعالى لهذا قتله نفسه، وفيه دليل لأهل السنة على غفران الذنوب لمن شاء الله تعالى، وشرح للأحاديث قبله الموهم ظاهرُها التخليد وتأبيد الوعيد على قاتل نفسه، ورد على "الخوارج والمعتزلة" وفيه مؤاخذته بذنبه ومعاقبته، وهو رد على "المرجئة"". اهـ.

• وقال الأبي في "إكمال إكمال المعلم"(1/ 375) في شرح حديث الطفيل أيضًا: "قلت: لا يقال: كيف يحتج به لجواز المغفرة وهو قد عوقب في يده، لأن عدم العفو عند القائل به موجب لدخول النار وهذا لم يدخلها". اهـ.

(1)

البخاري رقم (3062) ومسلم رقم (178/ 111).

(2)

في سننه رقم (3185).

وهو حديث صحيح.

ص: 128

قوله: (أرأيت إن لقيت رجلًا)، في رواية للبخاري

(1)

: "إني لقيت كافرًا فاقتتلنا فضرب يدي فقطعها"، وظاهرها أن ذلك وقع، والذي في نفس الأمر بخلافه، وإنما سأل المقداد عن الحكم في ذلك لو وقع كما في حديث الباب.

وفي لفظ للبخاري (1) في غزوة بدر بلفظ: "أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار" الحديث.

قوله: (ثم لاذ مني بشجرة) أي: التجأ إليها، وفي رواية للبخاري

(2)

: "ثم لاذ بشجرة".

قوله: (فقال: أسلمت لله) أي: دخلت في الإسلام.

قوله: (فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله).

قال الكرماني

(3)

: القتل ليس سببًا لكون كل منهما بمنزلة الآخر، لكنه عند النحاة مؤوّل بالإخبار: أي هو سبب لإخباري لك بذلك، وعند البيانيين المراد لازمه.

قوله: (وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته).

قال الخطابي

(4)

: معناه أن الكافر مباح الدم بحكم الدين قبل أن يسلم، فإذا أسلم صار مُصان الدم كالمسلم، فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحًا بحقّ القصاص كالكافر بحقّ الدين، وليس المراد إلحاقه به في الكفر كما يقوله الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة

(5)

.

وحاصله: اتحاد المنزلتين مع اختلاف المأخذ، أي: أنَّه مثلك في صون الدم، وإنك مثله في الهدر.

ونقل ابن التين

(6)

عن الداودي أن معناه: إنك صرت قاتلًا كما كان هو

(1)

في صحيحه رقم (4019)

(2)

في صحيحه رقم (6865).

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (15/ 193).

(4)

في أعلام الحديث: (3/ 1713).

(5)

تقدم التعليق عليها قريبًا ص 121 - 123.

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 189 - 190).

ص: 129

قاتلًا، وهذا من المعاريض لأنه أراد الإغلاظ بظاهر اللفظ دون باطنه، وإنما أراد أن كلًّا منهما قاتل ولم يرد أنه صار كافرًا بقتله إياه.

ونقل ابن بطَّال

(1)

عن المهلب أن معناه أنك بقصدك لقتله عمدًا آثم كما كان هو بقصده لقتلك آثمًا، فأنتما في حالة واحدة من العصيان.

وقيل: المعنى أنت عنده حلال الدم قبل أن يسلم كما كان عندك حلال الدم قبل ذلك.

وقيل: معناه أنه مغفور له بشهادة التوحيد كما أنك مغفور لك بشهادة بدر.

ونقل ابن بطال

(2)

عن ابن القصَّار أن معنى قوله: "وأنت بمنزلته"، أي: في إباحة الدم، وإنما قصد بذلك ردعه وزجره عن قتله [لا أن]

(3)

الكافر إذا قال: أسلمتُ، حرم قتله.

وتعقب بأن الكافر مباح الدم، والمسلم الذي قتله إن لم يتعمد قتله ولم يكن عرف أنه مسلم وإنما قتله متأوّلًا فلا يكون بمنزلته في إباحة الدم.

وقال القاضي عياض

(4)

: معناه أنه مثله في مخالفة الحقِّ وارتكاب الإثم وإن اختلف النوع في كون أحدهما كفرًا والآخر معصيةً.

واستدلَّ بهذا الحديث على صحة إسلام من قال: أسلمتُ لله، ولم يزد على ذلك.

وقد ورد في بعض طرق الحديث: "أنه قال: لا إله إلا الله" كما في صحيح مسلم

(5)

.

قوله: (فاجتووا المدينة) أي: استوخموها

(6)

.

(1)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 494 - 495).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 495).

(3)

في كل طبعات "نيل الأوطار"(لأن) وهو تحريف. والصواب ما أثبتناه من المخطوط (أ)، (ب).

(4)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 368).

(5)

في صحيح رقم (156/ 95).

(6)

النهاية لابن الأثير (1/ 312 - 313) حيث قال: "الجوى: المرض وداء الخوف إذا =

ص: 130

قوله: (فأخذ مشاقص) جمع مشقص

(1)

، وقد تقدم تفسيره في باب من اطلع في بيت قوم مغلق عليهم بغير إذنهم، وقد تقدم أيضًا في الحجّ.

قوله: (براجمه) جمع برجمة بضم الموحدة وسكون الراء وضم الجيم.

قال في القاموس

(2)

: وهي المفصل الظاهر أو الباطن من الأصابع والإصبع الوسطى من كل طائر أو هي مفاصل الأصابع كلها أو ظهور العصب من الأصابع ورؤوس السلاميات إذا قبضت كفك نشرت وارتفعت. اهـ.

قوله: (فشخبت)

(3)

بفتح الشين والخاء المعجمتين والباء الموحدة: أي انفجرت يداه دمًا.

قوله: (لن نصلح منك ما أفسدت)، فيه دليل على أن من أفسد عضوًا من أعضائه لم يصلح يوم القيامة بل يبقى على الصفة التي هو عليها عقوبة له.

58/ 3052 - (وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أصحَابِهِ: "بايِعُونِي على أنْ لا تُشْرِكُوا بالله شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، ولَا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا أوْلَادَكُمْ، وَلا تأتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أيْدِيكُمْ وأرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْروفٍ، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فأجْرُهُ على الله، وَمَنْ أصَابَ مِنْ ذلكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ في الدُّنْيا فَهُوَ كفَّارَته، وَمَنْ أصَابَ مِنْ ذلكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرهُ الله فَهُوَ إلى الله، إنْ شاءَ عَفا عَنْهُ، وَإنْ شاءَ عاقَبَهُ"، فَبَايَعْناهُ على ذلكَ

(4)

. [صحيح]

وفِي لَفْظِ: "ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ الله إلَّا بالحَقِّ"

(5)

. [صحيح]

= تطاول وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها. ويقال: اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه، وإن كنت في نعمة".

وانظر: الفائق للزمخشري (1/ 244).

(1)

النهاية (1/ 882).

(2)

القاموس المحيط (ص 1394)، وانظر: النهاية (1/ 119).

(3)

النهاية (1/ 848) والقاموس المحيط (ص 128).

(4)

أخرجه أحمد في المسند (5/ 323) والبخاري رقم (18) ومسلم رقم (43/ 1709).

(5)

أخرجه البخاري رقم (3893) ومسلم رقم (41/ 1709).

ص: 131

59/ 3053 - (وَعَنْ أبي سَعِيد أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "كانَ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسألَ عَنْ أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ، فَدُلَّ على رَاهِبِ فأتاهُ، فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقالَ: لا، فَقَتَلَهُ فَكَفَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سألَ عَنْ أَعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ، فَدُلَّ على رجُلٍ عالِمِ، فَقالَ: إنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقالَ: نَعَمْ، مَنْ يَحُولُ بَيْنَك وبَيْنَ التَّوْبَةِ، انْطَلِقْ إلى أرضِ كَذا وكَذا فإنَّ بِهَا أناسًا يَعْبُدون الله فاعْبُدِ الله مَعَهُم، ولا تَرجِعْ إلى أرضِك فإنَّهَا أرضُ سُوءٍ، فانْطَلَقَ حتَّى إذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أتاهُ المَوتُ، فاخْتَصَمَت فِيهِ مَلائِكَة الرَّحمَةِ ومَلائِكَةُ العَذابِ، فَقالَت مَلائِكَة الرَّحْمَةِ: جاء تائِبًا مُقْبِلًا فَقَبِلَه الله، وقالَتْ مَلائِكَةُ العَذابِ: إنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فأتاهُمْ مَلَكٌ في صُورِةِ آدمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقالَ: قِيسُوا ما بيْنَ الأرْضِينِ، فإلى أيّهِما كان أدْنى فَهُوَ لَهُ، فَقاسُوا فَوجَدُوهُ أدْنى إلى الأرْضِ الَّتِي أراد، فَقَبَضَتْهُ ملائِكَةُ الرَّحْمَةِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا)

(1)

. [صحيح]

60/ 3054 - (وعنْ واثِلَة بْنِ الأسْقَعِ قال: أتَيْنا رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي صَاحِبٍ لَنا أوْجَبَ، يَعْنِي النَّارَ بالقَتْلِ، فَقَالَ:"أعْتِقُوا عَنْهُ يَعْتِقِ الله بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ)

(3)

. [ضعيف]

(1)

أحمد في المسند (3/ 72) والبخاري رقم (3470) ومسلم رقم (26/ 2766).

(2)

في المسند (3/ 490 - 491).

(3)

في السنن رقم (3964).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 132) من طريق ضمرة بن ربيعة، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن الغريف الديلمي عن واثلة، به.

وتابعه عبد الله بن المبارك عن إبراهيم بن أبي عبلة به نحوه.

أخرجه أحمد في المسند (4/ 107).

وخالفهما ابن علاثة قال: ثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن واثلة .. قأسقط من بينهما الغريف الديلمي.

أخرجه أحمد في المسند (3/ 490).

قال الألباني في "الإرواء"(7/ 339 رقم 2309): "قلت: وابن علاثة فيه ضعف، والغريف، الذي أسقطه هو علة هذا الحديث، فإنه مجهول كما قال ابن حزم، ولم يرو عنه غير إبراهيم بن أبي عَبْلَة، ولم يوثقه غير ابن حبان " اهـ.

ص: 132

حديث واثلة أخرجه أيضًا النسائي

(1)

وابن حبان

(2)

والحاكم

(3)

.

قوله: (وحولَهُ عصابةٌ)

(4)

بفتح اللام على الظرفية. والعِصابةُ بكسر العين: الجماعة من العشرة إلى الأربعين، ولا واحد لها من لفظها. وقد جمعت على عصائب وعُصُب.

قوله: (بايعوني) المبايعة هنا: عبارة عن المعاهدة، سميت بذلك تشبيهًا بالمعاوضة المالية كما في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}

(5)

.

قوله: (ولا تقتلوا أولادكم) قال محمد بن إسماعيل التيميُّ

(6)

وغيره: خصَّ القتل بالأولاد لأنه قتلٌ وقطيعة رحم، فالعناية بالنهي عنه آكد، ولأنه كان شائعًا فيهم وهو وأد البنات أو قتل البنين خشيةَ الإملاق، أو خصهم بالذكر، لأنهم بصدد أن لا يدفعوا عن أنفسهم.

قوله: (ولا تأتوا ببهتان) البهتان الكذب الذي يبهت سامعه

(7)

، وخصَّ

= • الغريف بن عياش بن فيروز الديلمي، ابن أخي الضحاك بن فيروز وقد ينسب إلى جده.

روى عن: جده فيروز، وواثلة بن الأسقع. وعنه: إبراهيم بن أبي عبلة. ذكره ابن حبان في "الثقات"(5/ 294) وقال: من أهل الشام، له عندهما أي: د س - حديث واحد في فضل العتق.

قلت: القائل ابن حجر: وقال ابن حزم - في "المحلى"(10/ 515) -: مجهول وذكره بالعين المهملة". اهـ. من "تهذيب التهذيب" (3/ 374 - 375).

وخلاصة القول: أن حديث واثلة بن الأسقع حديث ضعيف ..

(1)

في السنن الكبرى (رقم 4872 - الرسالة).

(2)

في صحيحه رقم (4307).

(3)

في المستدرك (2/ 212 - 213) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

وتعقبهما الألباني في "الضعيفة"(2/ 308 - 309) فانظره فهو مفيد.

(4)

النهاية (2/ 212) والفائق (1/ 81).

(5)

سورة التوبة، الآية (111).

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 64).

(7)

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 167): ببهتان: هو الباطل الذي يتحيَّر منه، وهو من البُهْتُ: التحيُّر، والألف والنون زائدتان. يقال: بَهتَه يَبْهَتُه: والمعنى لا يأتين بولد من غير أزواجهنَّ فينسبْنَه إليهم. والبُهْتُ: الكذب والافتراء". اهـ.

ص: 133

الأيدي والأرجل بالافتراء، لأن معظم الأفعال يقع بهما إذا كانت هي العوامل، والحوامل للمباشرة والسعي، ولذا يسمون الصنائع: الأيادي.

وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال: هذا بما كسبت يداك.

ويحتمل أن يكون المراد: لا تبهتوا الناس كفاحًا وبعضكم يشاهد بعضًا كما يقال: قلت كذا بين يدي فلان. قاله الخطابي

(1)

.

وقد تعقب بذكر الأرجل. وأجاب الكرماني

(2)

: بأنَّ المراد: الأيدي، وذكر الأرجل للتأكيد ومحصله: أن ذكر الأرجل إن لم يكن مقتضيًا فليس بمانع، ويحتمل أن يكون المراد بما بين [الأرجل والأيدي]

(3)

القلب؛ لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه، فلذلك نسب إليه الافتراء.

وقال أبو محمد بن أبي جمرة

(4)

: يحتمل أن يكون قوله: "بين أيديكم": أي في الحال. وقوله: "وأرجلكم" أي في المستقبل لأن السعي من أفعال الأرجل.

وقال غيره: أصل هذا كان في بيعة النساء وكنى به كما قال الهروي

(5)

عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به أو تلقطه إلى زوجها، ثم لما استعمل هذا اللفظ في بيعة الرجال احتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أولًا.

قوله: (ولا تعصوا في معروفٍ) هو ما عرف من الشارع حسنه نهيًا وأمرًا.

قال النووي (6): يحتمل أن يكون المراد ولا تعصوني ولا أحدًا ولي الأمر عليكم في المعروف، فيكون التقييد بالمعروف متعلقًا بشيء بعده.

وقال غيره

(6)

: نبه بذلك على أن طاعة المخلوق إنما تجب فيما كان غير معصية لله فهي جديرة بالتوقي في معصية الله.

(1)

في كتابه "أعلام الحديث"(1/ 152).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (1/ 106).

(3)

في المخطوط (ب): (الأيدي والأرجل).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(1/ 65).

(5)

في "الغريبين في القرآن والحديث"(1/ 225).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(1/ 65).

ص: 134

قوله: (فَمَنْ وفى منكم) أي: ثبتَ على العهد، ولفظ "وفى" بالتخفيف، وفي رواية بالتشديد وهما بمعنًى.

قوله: (فأجره على الله) هذا على سبيل التفخيم (لأنه لما ذكرَ المبالغةَ المقتضيةَ لوجودِ العوضِ أثبتَ ذكرَ الأجرِ)

(1)

.

وقد وقع التصريح في رواية في الصحيحين

(2)

بالعوض فقال: بالجنة.

قوله: (ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو) أي العقاب (كفارةٌ له).

قال النووي

(3)

: عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}

(4)

، فالمرتدُّ إذا قُتِل على ارتداده لا يكون القتلُ [له كفارة]

(5)

.

قال الحافظ

(6)

: وهذا بناءً على أن قوله: "من ذلك شيئًا" يتناول جميع ما ذكر وهو ظاهر.

وقد قيل: يحتمل أن يكون المراد ما ذكر بعد الشرك، بقرينة أن المخاطب بذلك المسلمون فلا يدخل حتى يحتاج إلى إخراجه.

ويؤيده رواية مسلم

(7)

من طريق أبي الأشعث، عن عبادة في هذا الحديث:"ومن أتى منكم حدًا" إذ القتل على الشرك لا يسمى حدًّا.

ويجاب بأن خطاب المسلمين لا يمنع التحذير لهم من الإشراك.

وأما كون القتل على الشرك لا يسمَّى حدًّا فإن أراد لغةً، أو شرعًا فممنوع، وإن أراد عرفًا فذلك غير نافع، فالصواب ما قاله النووي.

وقال الطيبي

(8)

: الحقُّ أن المراد بالشرك: الشركُ الأصغر، وهو الرياء، ويدلُّ عليه: تنكير "شيئًا"، أي: شركًا أيًا ما كان.

(1)

في "الفتح"(1/ 65): (لأنه لما ذكر المبايعة المقتضية لوجود العوضين أثبت ذكرَ الأجرِ في موضع أحدهما).

وفي حاشية المخطوط (ب): تنبيه على ذلك.

(2)

البخاري رقم (3893) و (6873) ومسلم رقم (44/ 1709).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 223).

(4)

سورة النساء، الآية (48).

(5)

في المخطوط (ب): (كفارة).

(6)

في "الفتح"(1/ 65).

(7)

في صحيحه برقم (43/ 1709).

(8)

في شرحه على المشكاة المسمّى (الكاشف عن حقائق السنن): (1/ 144).

ص: 135

وتعقِّب: بأنَّ عرف الشارع إذا أطلق الشرك إنما يريد به ما يقابل التوحيد.

وقد تكرَّر هذا اللفظ في الكتاب، والأحاديث حيث لا يراد به إلا ذلك.

وقال القاضي عياض

(1)

: ذهب أكثر العلماء: إلى أن الحدود كفارات واستدلوا بالحديث.

ومن العلماء

(2)

من وقف لأجل حديث أبي هريرة الذي أخرجه الحاكم في المستدرك

(3)

والبزار

(4)

من رواية: معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا؟ ".

قال الحافظ

(5)

: وهو صحيح على شرط الشيخين.

وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر.

وذكر الدارقطني أن عبد الرزاق تفرد بوصله وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله.

وقد وصله الحاكم (3) من طريق آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب فقويت رواية معمر.

قال القاضي عياض

(6)

: لكن حديث عبادة أصح إسنادًا.

ويمكن الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولًا قبل أن يُعْلِمَه الله ثم [أعلمه]

(7)

بعد ذلك، وهذا جمع حسن لولا أن القاضي ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة المذكور كان بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة

(1)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 550).

(2)

حكاه الحافظ في "الفتح"(1/ 66).

(3)

في المستدرك (1/ 36) و (2/ 488) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة. ووافقه الذهبي.

(4)

في المسند رقم (1543 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 265) وقال: "رواه البزار بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة".

(5)

في "الفتح"(1/ 66).

(6)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 550).

(7)

في المخطوط (ب): (أعمله).

ص: 136

الأولى بمنى، وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر؛ فكيف يكون حديثه متقدمًا؟ ويمكن أن يجاب: بأن أبا هريرة لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قديمًا، ولم يسمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: أنَّ الحدود كفارة كما سمع عبادة، ولا يخفى ما في هذا من التعسف، على أنه يبطله: أن أبا هريرة صرَّح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ الحدود لم تكن نزلت إذ ذاك.

ورجح الحافظ

(1)

: أن حديث عبادة المذكور لم يقع ليلة العقبة وإنما وقع في ليلة العقبة ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي

(2)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن حضر من الأنصار: "أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم"، فبايعوه على ذلك وعلى أن يرحل إليهم هو وأصحابه".

وقد ثبت في الصحيح (3) من حديث عبادة أنه قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره"، الحديث ساقه البخاري في كتاب الفتن من صحيحه

(3)

.

وأخرج أحمد

(4)

والطبراني

(5)

من وجه آخر عن عبادة أنها جرت له قصة مع أبي هريرة عند معاوية بالشام فقال: "يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إِذْ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنشاط والكسل وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول بالحقّ ولا نخاف في الله لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم[إذا قدم]

(6)

علينا يثرب فنمنعه مما نمنع به أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة" الحديث.

(1)

في "الفتح"(1/ 66).

(2)

السيرة النبوية لابن هشام (2/ 85 - 86).

(3)

البخاري في صحيحه رقم (7199).

(4)

في المسند (5/ 325) بسند ضعيف.

(5)

عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 227) للطبراني.

وقال الهيثمي: فيه الأعشى بن عبد الرحمن ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

"قلت: ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 339) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. وذكره ابن حبان في "الثقات" (6/ 80) ". اهـ.

[الفرائد على مجمع الزوائد (ص 57 رقم 72)].

قلت: وأزهر بن عبد الله لم يسمع من عبادة.

(6)

في المخطوط (ب): (إذا قد قدم).

ص: 137

قال الحافظ

(1)

: والذي يقوي أنَّ هذه البيعة المذكورة في حديث عبادة وقعت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التي في الممتحنة

(2)

وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} ، ونزول هذه الآية متأخر بعد قصة الحديبية بلا خلاف.

والدليل على ذلك ما عند البخاري

(3)

في كتاب الحدود في حديث عبادة هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايعهم قرأ الآية كلها.

وعنده

(4)

في تفسير الممتحنة من هذا الوجه قال: قرأ النساء.

ولمسلم

(5)

من طريق معمر عن الزهري قال: "فتلا علينا آية النساء قال: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}

(6)

".

وللطبراني

(7)

من هذا الحديث: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بايع عليه النساء يوم الفتح".

ولمسلم

(8)

: "أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء".

فهذه أدلة ظاهرة في أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية، بل بعد صدور البيعة، بل بعد فتح مكة وذلك بعد إسلام أبي هريرة بمدة.

وقد أطال الحافظ في الفتح

(9)

الكلام في كتاب الإيمان على هذا، فمن رام الاستكمال فليراجعه.

واعلم أن عبادة بن الصامت لم يتفرَّد برواية هذا المعنى، بل روى ذلك علي بن أبي طالب وهو في الترمذي

(10)

وصححه الحاكم

(11)

، وفيه: "من أصاب

(1)

في "الفتح"(1/ 66).

(2)

سورة الممتحنة، الآية (12).

(3)

في صحيحه رقم (6784).

(4)

أي البخاري في صحيحه رقم (4894).

(5)

في صحيحه رقم (42/ 1709).

(6)

سورة الممتحنة، الآية (12).

(7)

في "المعجم الكبير"(ج 2 رقم 2260).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 36) وقال: فيه سيف بن هارون، وثقه أبو نعيم، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح".

(8)

في صحيحه رقم (43/ 1709).

(9)

(1/ 64 - 69).

(10)

في سننه رقم (2626) وقال: هذا حديث حسن غريب.

(11)

في المستدرك (2/ 445) وقال: صحيح على شرط للشيخين ووافقه الذهبي.

وهو حديث ضعيف.

ص: 138

ذنبًا فعوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة"، وهو عند الطبراني

(1)

بإسناد حسن

(2)

، ولفظه:"من أصاب ذنبًا أقيم عليه حدُّ ذلك الذنب فهو كفارة له".

وللطبراني

(3)

عن ابن عمر مرفوعًا: "ما عوقب رجلٌ على ذنبٍ إلا جعله الله كفارةً لما أصاب من ذلك الذنب".

قال ابن التين

(4)

: يريد بقوله: "فعوقب به" أي بالقطع [في السرقة]

(5)

والجلد أو الرجم في الزنا.

وأما قتل الولد فليس له عقوبة معلومةٌ إلا أن يريد قتل النفس فكنَّى عنه. وفي رواية الصنابحي

(6)

عن عبادة في هذا الحديث: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}

(7)

، ولكن قوله في حديث الباب

(8)

: "فعوقب به"، هو أعم من أن تكون العقوبة حدًا أو تعزيرًا.

قال ابن التين (2): وحكي عن القاضي إسماعيل وغيره أن قتل القاتل إنما هو إرداع لغيره. وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حقٌّ.

قال الحافظ

(9)

: بل وصل إليه حقٍّ وأيُّ حقٍّ، فإنَّ المقتول ظلمًا تكفر عنه ذنوبه بالقتل، كما ورد في الخبر الذي صححه ابن حبان

(10)

: "إنَّ السيف محّاءٌ للخطايا".

(1)

في "المعجم الكبير"(ج 4 رقم 3731) من حديث خزيمة بن ثابت.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 265) وقال: فيه راو لم يسم وهو ابن خزيمة، وبقية رجاله ثقات.

(2)

قاله الحافظ في "الفتح"(1/ 67 - 68).

(3)

في الأوسط رقم (8443).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 265) وقال: فيه ياسين الزيات وهو متروك.

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(8/ 68).

(5)

في المخطوط (ب): (بالسرقة) والمثبت من المخطوط (أ) وهو موافق لما في الفتح (1/ 68).

(6)

أخرجها البخاري رقم (3893) ومسلم رقم (44/ 1709).

(7)

سورة الأنعام، الآية (151).

(8)

تقدم برقم (3052) من كتابنا هذا.

(9)

في "الفتح"(1/ 68).

(10)

وهو جزء من حديث طويل عند ابن حبان في صحيحه رقم (4663). =

ص: 139

وروى الطبراني

(1)

عن ابن مسعود قال: إذا جاء القتل محا كلَّ شيءٍ.

وللطبرانيِّ

(2)

أيضًا عن الحسن بن عليٍّ نحوه.

وللبزار

(3)

عن عائشة مرفوعًا: "لا يمرُّ القتل بذنب إلا محاهُ، فلولا القتلُ ما كُفِّرَتْ"، ولو كان حدُّ القتل إنما شرع للإرداع فقط لم يشرع العفو عن القاتل.

ويستفاد من الحديث: أنَّ إقامة الحدِّ كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود.

قال في الفتح

(4)

: وهو قول الجمهور.

وقيل: لا بدَّ من التوبة، وبذلك جزم بعض التابعين وهو قول المعتزلة ووافقهم ابن حزم

(5)

، ومن المفسرين البغوي

(6)

وطائفة يسيرة.

قوله: (فهو إلى الله) قال المازري

(7)

: فيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، وردٌّ على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأنه تحت المشيئة، ولم يقل: لا بد أن يعذبه.

وقال الطيبي

(8)

: فيه إشارة إلى الكفّ عن الشهادة بالنار على أحدٍ، أو بالجنة لأحدٍ، إلا مَنْ ورد النص فيه بعينه.

= قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1267) ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 164) بسند حسن.

(1)

في المعجم الكبير (ج 9 رقم 9736).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 266) وقال: فيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات.

(2)

في المعجم الكبير (ج 3 رقم 2690).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 266) وقال: رجاله رجال الصحيح.

(3)

في المسند رقم (1545 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 266) وقال: رجاله ثقات.

(4)

(1/ 68).

(5)

قال ابن حزم في "المحلى": (11/ 124 رقم المسألة 2166): "كل من أصاب ذنبًا فيه حد، فأقيم عليه ما يجب في ذلك، فقد سقط عنه ما أصاب من ذلك تاب أو لم يتب حاش المحاربة فإن إثمها باق عليه، وإن أقيم عليه حدها، ولا يسقطها عنه إلا التوبة لله تعالى فقط .. ". اهـ.

(6)

تفسير البغوي" معالم التنزيل"(3/ 50 عند الآية 34 من سورة المائدة).

(7)

في "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 261).

(8)

في شرحه لمشكاة المصابيح (1/ 144).

ص: 140

قوله: (إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه) يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب، وإلى ذلك ذهبت طائفة، وذهب الجمهور

(1)

: إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة، ومع ذلك فلا يأمن من مكر الله، لأنه لا اطلاع له، هل قبلت توبته أم لا. وقيل: يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب.

قوله: (انطلق إلى أرض كذا وكذا

إلخ) قال العلماء

(2)

: في هذا استحباب مفارقة التائب للمواضع التي أصاب بها الذنوب، والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والمتعبدين الورعين.

قوله: (نصف الطريق) هو بتخفيف الصاد؛ أي بلغ نصفها، كذا قال النووي

(3)

.

قوله: (فقال: قيسوا ما بين الأرضين) هذا محمول على أن الله تعالى أمرهم عند اشتباه الأمر عليهم واختلافهم فيه أن يحكِّموا رجلًا يمر بهم، فمر المَلَك في صورة رجل فحكم بذلك.

وقد استدل بهذا الحديث على قبول توبة القاتل عمدًا.

قال النووي

(4)

: هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم، ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس.

وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا: فمراد قائله الزجر والتورية، لا إنه يعتقد بطلان توبته، وهذا الحديث وإن كان شرع من قبلنا وفي الاحتجاج به خلاف، فليس هذا موضع الخلاف، وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره، فإن ورد كان شرعًا لنا بلا شك، وهذا وقد ورد شرعنا به، وذلك قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ} (5) إلى قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ}

(5)

الآية.

(1)

حكاه الحافظ في "الفتح"(1/ 68).

(2)

حكاه النووي في "شرحه لصحيح مسلم"(17/ 83).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (17/ 83 - 84).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (17/ 82).

(5)

سورة الفرقان، الآية (68 - 70).

ص: 141

وأما قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}

(1)

، فقال النووي في شرح مسلم

(2)

: إنَّ الصواب في معناها: أن جزاءه جهنم، فقد يجازى بذلك، وقد يجازى بغيره. وقد لا يجازي بل يعفى عنه، فإنْ قتل عمدًا مستحلًا بغير حقٍّ، ولا تأويل؛ فهو كافرٌ مرتدٌّ يخلد في جهنم بالإجماع، وإن كان غير مستحل بل معتقدًا تحريمه فهو فاسقٌ عاصٍ مرتكبُ كبيرةٍ جزاؤها جهنم خالدًا فيها، لكن تفضل الله تعالى وأخبر: أنه لا يخلد من مات موحدًا فيها، فلا يخلد هذا ولكن قد يعفى عنه ولا يدخل النار أصلًا. وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد في النار، قال: فهذا هو الصواب في معنى الآية، ولا يلزم من كونه يستحقُّ أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم ذلك الجزاء، وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم وإنما فيها أنها جزاؤه، أي: يستحق أن يجازى بذلك.

وقيل: وردت الآية في رجل بعينه.

وقيل: المراد بالخلود طول المدَّة لا الدوام.

وقيل: معناها هذا جزاؤه إن جازاه، وهذه الأقوال كلها ضعيفة أو فاسدة لمخالفتها حقيقة لفظ الآية، ثم قال: الصواب ما قدمناه، اهـ كلام النووي.

وينبغي أن نتكلم أولًا في معنى الخلود، ثم نبين ثانيًا الجمع بين هذه الآية وبين ما خالفها، فنقول: معنى الخلود الثبات الدائم.

قال في الكشاف

(3)

عند الكلام على قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

(4)

ما لفظه: والخلد: الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع، قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)}

(5)

.

وقال امرؤ القيس

(6)

:

(1)

سورة النساء، الآية (93).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (17/ 82 - 83).

(3)

في "الكشاف" للزمخشري (1/ 234).

(4)

سورة البقرة: الآية (25).

(5)

سورة الأنبياء، الآية (34).

(6)

في ديوانه (ص 122).

ص: 142

ألا أَنْعِمْ

(1)

صباحًا أيها الطَّللُ

(2)

البالي

وهَلْ يَنْعمنْ مَنْ كانَ في العصر الخالي

وهَلْ يَنْعمنْ إلا سعيدٌ مخلَّدٌ

قليلُ الهموم لا يبيتُ [على حالِ]

(3)

وقال في القاموس

(4)

: وخلد خلودًا دام. اهـ.

وأما بيان الجمع بين هذه الآية وما خالفها فنقول: لا نزاع أن قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا}

(5)

من صيغ العموم الشاملة للتائب وغير التائب بل للمسلم والكافر، والاستثناء المذكور في آية الفرقان، أعني قوله تعالى:{إِلَّا مَن تَابَ}

(6)

بعد قوله تعالى {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}

(7)

مختص بالتائبين فيكون مخصصًا لعموم قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} (5)، أمَّا على ما هو المذهب الحقُّ من أنه يبنى العامُّ على الخاص مطلقًا: تقدَّم، أو تأخر، أو قارن فظاهر.

وأما على مذهب من قال: إن العامّ المتأخر ينسخ الخاصَّ المتقدم، فإذا سلَّمنا تأخر، قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} (5) على آية الفرقان، فلا نسلم تأخرها عن العمومات القاضية بأن القتل مع التوبة من جملة ما يغفره الله كقوله تعالى:{يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}

(8)

، وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

(9)

.

ومن ذلك ما أخرجه مسلم

(10)

عن أبي هريرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه".

(1)

عم صباحًا، وأنعم صباحًا. وعم مساءً، وعم ظلامًا، كل هذا من تحيات الجاهلية لملوكها في أوقات الليل والنهار.

(2)

الطَّلل: ما شخص من الآثار والديار. اللسان (11/ 406).

(3)

كذا في المخطوط (أ)، (ب): بينما في ديوان امرؤ القيس (ص 122) وفي "الكشاف"(1/ 234): (بأوْجَال).

أوْجَال: الأمور الموجبة للخوف. والوجل: توقع المصائب.

والوجل: الفزع والخوف. اللسان (11/ 722).

(4)

القاموس المحيط ص 357.

(5)

سورة النساء، الآية (93).

(6)

سورة الفرقان، الآية (70).

(7)

سورة الفرقان، الآية (68).

(8)

سورة الزمر، الآية (53).

(9)

سورة النساء، الآية (48).

(10)

في صحيحه رقم (43/ 2703).

ص: 143

وما أخرجه الترمذي

(1)

وصححه من حديث صفوان بن عسال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "باب مِنْ قِبَل المغرب يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين سنة، خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوح للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها".

وأخرج الترمذي

(2)

أيضًا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".

وأخرج مسلم

(3)

من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".

ونحو هذه الأحاديث مما يطول تعداده. لا يقال: إن هذه العمومات مخصصة بقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}

(4)

الآية. لأنَّا نقول: الآية أعمُّ من وجه وهو شمولها للتائب وغيره، وأخصُّ من وجه: وهو كونها في القاتل، وهذه العمومات أعمّ من وجه: وهو شمولها لمن كان ذنبه القتل، ولمن كان ذنبه غير القتل؛ وأخصُّ من وجه: وهو كونها في التائب، وإذا تعارض عمومان لم يبق إلا الرجوع إلى الترجيح.

ولا شكّ أن الأدلة القاضية بقبول التوبة مطلقًا أرجح لكثرتها، وهكذا أيضًا يقال: إنَّ الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار وهي متواترة المعنى، كما يعرف ذلك من له إلمام بكتب الحديث، تدلُّ على خروج كلِّ موحدٍ، سواء كان ذنبه القتل أو غيره، والآية القاضية بخلود من قتل نفسًا هي أعمُّ من أن يكون القاتل موحدًا، أو غير موحد، فيتعارض عمومان وكلاهما ظنيِّ الدلالة، ولكن عموم آية القتل قد عورض بما سمعته بخلاف أحاديث خروج

(1)

في سننه رقم (3535) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث حسن.

(2)

في سننه رقم (3537) وقال: هذا حديث حسن غريب.

وهو حديث حسن.

(3)

في صحيحه رقم (31/ 2759).

(4)

سورة النساء، الآية (93).

ص: 144

الموحدين، فإنها إنما عورضت بما هو أعم منها مطلقًا كآيات الوعيد للعصاة

(1)

الدالة على الخلود الشاملة للكافر والمسلم، ولا حكم لهذه المعارضة أو بما هو أخص منها مطلقًا كالأحاديث القاضية بتخليد بعض أهل المعاصي نحو من قتل نفسه، وهو يبني العام على الخاص، وبما قررناه يلوح كل انتهاض القول بقبول توبة القاتل إذا تاب وعدم خلوده في النار إذا لم يتب.

ويتبين لك أيضًا أنه لا حجة فيما احتج به ابن عباس من أن آية الفرقان مكية منسوخة بقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا [مُتَعَمِّدًا]

(2)

}

(3)

الآية كما أخرج ذلك عنه البخاري

(4)

ومسلم

(5)

وغيرهما

(6)

.

وكذلك لا حجة له فيما أخرجه النسائي

(7)

والترمذي

(8)

عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجيء المقتول متعلقًا بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دمًا يقول: يا رب قتلني هذا حتى يدنيه من العرش".

وفي رواية للنسائي

(9)

: "فيقول: أي رب سل هذا فيم قتلني؟ ".

لأن غاية ذلك وقوع المنازعة بين يدي الله عز وجل، وذلك لا يستلزم أخذ التائب بذلك الذنب ولا تخليده في النار على فرض عدم التوبة.

(1)

(منها): قوله تعالى في سورة النساء الآية (168، 169): {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)} .

(ومنها): قوله تعالى في سورة النساء الآية (14): {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} .

(ومنها): قوله تعالى في سورة النساء الآيةَ (93): {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} .

(2)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

سورة النساء، الآية (93).

(4)

في صحيحه رقم (4590).

(5)

في صحيحه رقم (16/ 3023).

(6)

كأحمد في المسند (1/ 240).

(7)

في سننه رقم (3999).

(8)

في سننه رقم (3029) وقال: هذا حديث حسن غريب.

وهو حديث صحيح.

(9)

في سننه رقم (3998) بسند صحيح.

ص: 145

والتوبة النافعة ههنا هي الاعتراف بالقتل عند الوارث إن كان له وارث، أو السلطان إن لم يكن له وارث، والندم على ذلك الفعل والعزم على ترك العود إلى مثله، لا مجرد الندم والعزم بدون اعتراف وتسليم للنفس أو الدية إن اختارها مستحقها، لأن حق الآدمي لا بد فيه من أمر زائد على حقوق الله وهو تسليمه أو تسليم عوضه بعد الاعتراف به.

فإن قلت: فعلام تحمل حديث أبي هريرة

(1)

وحديث معاوية

(2)

المذكورين في أول الباب، فإن الأول يقضي بأن القاتل أو المعين على القتل يلقى الله مكتوبًا بين عينيه الإياس من الرحمة، والثاني يقضي بأن ذنب القتل لا يغفره الله.

قلت: هما محمولان على عدم صدور التوبة من القاتل، والدليل هذا التأويل ما في الباب من الأدلة القاضية بالقبول عمومًا وخصوصًا، ولو لم يكن من ذلك إلا حديث الرجل القاتل للمائة

(3)

الذي تنازعت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.

وحديث عبادة بن الصامت

(4)

المذكور قبله فإنهما يلجئان إلى المصير إلى ذلك لتأويل، ولا سيما مع ما قدمنا من تأخر تاريخ حديث عبادة ومع كون الحديثين في الصحيحين بخلاف حديث أبي هريرة (1) ومعاوية (2).

وأيضًا في حديث معاوية نفسه ما يرشد إلى هذا التأويل فإنه جعل الرجل القاتل عمدًا مقترنًا بالرجل الذي يموت كافرًا، ولا شك أن الذي يموت كافرًا مصرًا على ذنبه غير تائب منه من المخلدين في النار، فيستفاد من هذا التقييد أن التوبة تمحو ذنب الكفر فيكون ذلك القرين الذي هو القتل أولى بقبولها.

وقد قال العلامة الزمخشري في الكشاف

(5)

: إن هذه الآية يعني قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا}

(6)

فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد

(7)

أمر عظيم وخطب غليظ.

(1)

تقدم برقم (3045) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3046) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (3053) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (3052) من كتابنا هذا.

(5)

في الكشاف للزمخشري (2/ 128).

(6)

سورة النساء، الآية (93).

(7)

قال العلامة أحمد بن محمد، المعروف: بابن المنير، عالم الإسكندرية وقاضيها وخطيبها =

ص: 146

قال

(1)

: ومن ثم روي عن ابن عباس ما روي من أن توبة قاتل المؤمن عمدًا غير مقبولة

(2)

.

وعن سفيان: كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا: لا توبة له، وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنة الله في التغليظ والتشديد، وإلا فكل ذنب ممحو بالتوبة، وناهيك بمحو الشرك دليلًا.

ثم ذكر حديث: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم"، وهو عند النسائي

(3)

من حديث بريدة.

وعند ابن ماجه

(4)

من حديث البراء.

= في كتابه: "الانتصاف" حاشية على الكشاف: "وكفى بقوله تعالى في هذه السورة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] دليلًا أبلج على أن القاتل الموحد - وإن لم يتب - في المشيئة وأمره إلى الله، إن شاء أخذه، وإن شاء غفر له.

وقد مر الكلام على الآية، وما بالعهد من قدم.

وأما نسبة أهل السنة إلى الأشعبية، فذلك لا يضيرهم، لأنهم إنما تطفلوا على لطف أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، ولم يقنطوا من رحمة الله، إنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الظالمون". اهـ.

(1)

أي الزمخشري في "الكشاف"(2/ 128).

(2)

أخرج البخاري رقم (4765) ومسلم رقم (19/ 3023) عن سعيد بن جبير، قال ابن أبزى: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93]، وقوله:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} حتى بلغ {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 68 - 70].

فسألته فقال: لما نزلت قال أهل مكة: فقد عدلنا باللهِ وقتلنا النفس التي حرم اللهُ إلَّا بالحق، وأيتنا الفواحش، فأنزل:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} إلى قوله: {غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70].

(3)

في سننه رقم (3990).

قلت: وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان رقم (5342) وابن عدي في "الكامل"(2/ 454) في ترجمة بشير بن مهاجر، وابن أبي عاصم في "الزهد" رقم (139).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(4)

في سننه رقم (2619).

قال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب"(3/ 256 رقم 3588): "رواه ابن ماجه بإسناد حسن. =

ص: 147

وعند النسائي

(1)

أيضًا من حديث ابن عمرو. أخرجه أيضًا الترمذي

(2)

.

وأما حديث واثلة بن الأسقع

(3)

الذي ذكره المصنف في الرجل الذي أوجب على نفسه النار بالقتل، فأمرهم صلى الله عليه وسلم بأن يعتقوا عنه، فهو من أدلة قبول توبة القاتل عمدًا، ولا بد من حمله على التوبة، فإذا تاب القاتل عمدًا فإنه يشرع له التكفير لهذا الحديث، وهو دليل: على ثبوت الكفارة في قتل العمد كما ذهب إليه الشافعي

(4)

وأصحابه. ومن أهل البيت القاسم والهادي والمؤيد بالله والإمام يحيى

(5)

.

وقد حكي في البحر

(6)

عن الهادي عدم الوجوب في العمد، ولكنه نص في "الأحكام"

(7)

و"المنتخب" على الوجوب فيه، وهذا إذا عفى عن القاتل أو رضي الوارث بالدية، وأما إذا اقتص منه فلا كفارة عليه، بل القتل كفارته لحديث عبادة

(8)

المذكور في الباب.

= ورواه البيهقي - في شعب الإيمان رقم (5344) - والأصبهاني في الترغيب والترهيب رقم (2295) وزاد فيه: "ولو أن أهل سماواته، وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهمُ الله النار"، وفي رواية للبيهقي في شعب الإيمان رقم (5345): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا جميعا أهونُ على الله من دمٍ سفك بغير حقٍّ".

والخلاصة: أن حديث البراء بن عازب حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(1)

في سننه رقم (3989).

(2)

في سننه رقم (1395).

قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد" رقم (140) والبيهقي في شعب الإيمان رقم (5341) والطبراني في الأوسط رقم (4349) والصغير (1/ 213 - 214).

وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"(3/ 257 رقم 3589): "رواه

النسائي والترمذي مرفوعًا وموقوفًا، ورجح الموقوف". اهـ.

وكذلك قال الترمذي: والموقوف أصح. وانظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 340 - 342).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

تقدم برقم (3054) من كتابنا هذا.

(4)

البيان للعمراني (11/ 621 - 622).

(5)

حكاه عنهم الإمام المهدي في البحر الزخار (5/ 260).

(6)

البحر الزخار (5/ 259).

(7)

واسمه: "الأحكام المتضمن لفقه أئمة الإسلام"، تأليف: الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى الحسني (840) مخطوط.

(8)

تقدم برقم (3052) من كتابنا هذا.

ص: 148

ولما أخرجه أبو نعيم في المعرفة

(1)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القتل كفارة"، وهو من حديث خزيمة بن ثابت

(2)

، وفي إسناده ابن لهيعة

(3)

.

قال الحافظ

(4)

: لكنه من حديث ابن وهب عنه فيكون حسنًا.

ورواه الطبراني في الكبير

(5)

عن الحسن بن علي موقوفًا عليه. وأما الكفارة في قتل الخطأ فهي واجبة بالإجماع وهو نص القرآن.

* * *

(1)

في معرفة الصحابة (2/ 918 رقم 2369).

(2)

تقدم تخريجه قريبًا.

(3)

تقدم الكلام عليه مرارًا.

(4)

في "التلخيص"(4/ 72 رقم 1974).

(5)

في المعجم الكبير (ج 3 رقم 2690).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 266) وقال: رجاله رجال الصحيح.

ص: 149

[ثانيًا] أبواب الديات

[الباب الأول] باب دية النفس وأعضائها ومنافعها

1/ 3055 - (عَن أبي بكْرِ بْنِ محمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أبيهِ عَنْ جَدِّهِ أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلى أهْلِ اليَمَن كتابًا، وكانَ في كِتابهِ: أنَّ من اعْتَبَطَ مُؤمنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ، فإنَّهُ قَوَدٌ، إلَّا أنْ يُرْضِيَ أوْليَاءَ المَقْتُولِ

(1)

.

وأنَّ في النَّفْسِ الدِّيةَ مائةٌ مِنَ الإبلِ

(2)

.

وأنَّ في الأنْف إذَا أوْعَبَ جَدْعَهُ الدِّيَة

(3)

، وفي اللِّسَانَ الدِّية

(4)

، وفي

(1)

يشهد له حديث عبد الله بن عمرو، عند أحمد في المسند (2/ 183، 217) والترمذي رقم (1387) وابن ماجه رقم (2626) والبيهقي (8/ 53) ولفظ الترمذي: "من قتل مؤمنًا متعمدًا دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حِقَّة، وثلاثون جَذعة، وأربعون خلفة، وما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل". قال الترمذي: حديث حسن غريب.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

وحديث أبي هريرة عند البخاري رقم (112) و (2434) و (6880) ومسلم رقم (1355) بلفظ: "مَنْ قُتِلَ له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يُؤَدى وإما أن يُقَاد".

وهو حديث صحيح.

(2)

يشهد له حديث عبد الله بن عمرو، عند أبي داود رقم (4541) والنسائي رقم (4801) وابن ماجه رقم (2627) و (2630) والبغوي في شرح السنة رقم (2536).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(3)

يشهد له حديث عبد الله بن عمرو، عند أحمد في المسند (2/ 217، 224) وأبي داود رقم (4564).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(4)

في دية اللسان: عن سعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم، والزهري، ومكحول مرسلًا.

وفيه آثار: عن أبي بكر، وعمر، وعلي، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. انظر:"المصنف" لعبد الرزاق (9/ 356 - 358) و"المصنف" لابن أبي شيبة (9/ 175) = 179) =

ص: 150

الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةَ

(1)

، وفي البَيْضَتَيْنِ الدِّيَةَ

(2)

، وفي الذَّكَرِ الدِّية

(3)

، وفي الصُّلْبِ الدِّية

(4)

، وفي الْعَيْنَيْنِ الدِّيةَ، وفي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفَ الدِّيةِ، وفي المَأمُومَةِ ثُلثَ الدِّيةَ، وفي الجَائِفةِ ثَلُثَ الدِّيةِ، وفي المُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الإبِلِ، وفي كُلِّ أصْبع مِنْ أصابعِ اليَدِ والرِّجْلِ عَشرٌ مِنَ الإبِلِ، وفي السِّنِّ خَمسٌ مِنْ الإبِلِ، وفي المُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإبِلِ

(5)

؛ وأنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بالمَرْأَةِ

(6)

، وعلى أَهلِ الذَّهَبِ ألْف دِينارٍ. رَواهُ النَّسائيُّ

(7)

، وقالَ

(8)

: وَقَدْ روَى هَذَا الحَديثَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسلًا). [صحيح لغيره]

= والسنن الكبرى للبيهقي (8/ 89).

(1)

في دية الشفتين: عن زيد بن أسلم مرسلًا.

وفيه آثار: انظرها في "المصنف" لعبد الرزاق (9/ 342 - 343) و"المصنف" لابن أبي شيبة (9/ 173 - 175) وفي السنن الكبرى للبيهقي (8/ 88).

(2)

في دية البيضتين: عن ابن المسيب مرسلًا.

وفيه آثار: انظرها في "المصنف" لعبد الرزاق (9/ 373 - 374) و"المصنف" لابن أبي شيبة (9/ 224 - 225) والسنن الكبرى للبيهقي (8/ 97 - 98).

(3)

وفي دية الذكر: عن الزهري، وطاووس مرسلًا.

وفيه آثار: انظرها في "المصنف"(9/ 371 - 372) و"المصنف" لابن أبي شيبة (9/ 213 - 215) وفي السنن الكبرى للبيهقي (8/ 97 - 98).

(4)

وفي دية الصلب: عن ابن المسيب، والزهري مرسلًا.

وفيه آثار: انظرها في "المصنف" لعبد الرزاق (9/ 364 - 366) و"المصنف" لابن أبي شيبة (9/ 229 - 231) وفي السنن الكبرى للبيهقي (8/ 95).

(5)

ويشهد لما تقدم الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند (2/ 217) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا. وفيه:"وقضى في الأنف إذا جُدع كُلُّه بالعقل كاملًا، وإذا جُدعت أرنبته فنصف العقل، وقضى في العين نصف العقل، خمسين من الإبل، أو عِدْلَها ذهبًا أو وَرِقًا أو مئةَ بقرةٍ، أو ألفَ شاةٍ، والرجلُ نصف العقل، واليد نصف العقل والمأمومةُ ثلثُ العقل، ثلاث وثلاثون من الإبل أو قيمتها من الذهب، أو الورق أو البقر، أو الشاء، والجائفة ثلثُ العقل، والمنقِّلَةُ خمس عشرة من الإبل. والموضحة خمس من الإبل، والأسنان خمس من الإبل".

وهو حديث حسن.

(6)

يشهد له حديث أنس أن يهوديًا قتل جارية على أوضاح فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم برقم (3006) من كتابنا هذا.

(7)

في سننه رقم (4853).

(8)

أي النسائي في سننه رقم (8/ 59).

ص: 151

الحديث أخرجه أيضًا ابن خزيمة

(1)

وابن حبان

(2)

وابن الجارود

(3)

والحاكم

(4)

والبيهقي

(5)

موصولًا. وأخرجه أيضًا أبو داود في المراسيل

(6)

، وقد صححه جماعة من أئمة الحديث منهم أحمد والحاكم

(7)

وابن حبان

(8)

والبيهقي

(9)

، وقد قدمنا بسط الكلام عليه واختلاف الحفاظ فيه في باب قتل الرجل بالمرأة

(10)

.

قوله: (من اعتبط)

(11)

بعين مهملة فمثناة فوقية فموحدة فطاء مهملة: وهو القتل بغير سبب موجب، وأصله من اعتبط الناقة: إذا ذبحها من غير مرضٍ ولا داءٍ، فمن قتل مؤمنًا كذلك وقامت عليه البينةُ بالقتل وجب عليه القود إلا أن يرضى أولياءُ المقتول بالدِّية أو يقع منهم العفو.

(1)

في صحيحه رقم (2269).

(2)

في صحيحه رقم (6559).

(3)

في "المنتقى" رقم (784).

(4)

في المستدرك (1/ 395 - 397).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 73).

(6)

في المراسيل رقم (257).

قلت: ولمعظم فقراته شواهد. انظر: "نصب الراية"(1/ 196 - 197) و (2/ 340 - 341) و"التلخيص الحبير"(4/ 34 - 36) والإرواء رقم (2212).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(7)

في المستدرك (1/ 397).

(8)

في صحيحه رقم (6559).

(9)

في السنن الكبرى (4/ 90).

(10)

الباب الثالث من كتاب الدماء خلال شرح الحديث (3006) من كتابنا هذا.

• قال الشافعي في "الرسالة"(ص 422 رقم 1163): "لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

• وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(17/ 338): "هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغني بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة

". اهـ.

• وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 128): " هذا حديث ثابت محفوظ، إلا أنا نرى أنه كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري". اهـ.

وقال ابن كثير في "الإرشاد"(2/ 277): "بعدَ نقله كلام أئمة الحديث فيه ما لفظه: "قلت: وعلى كلِّ تقدير فهذا الكتابُ متداول بين أئمة الإسلام قديمًا وحديثًا يعتمدون عليه ويفزعون في مهمات هذا الباب إليه .. إلى أن قال: إذا عرفتَ كلامَ العلماءِ هذا، عرفت أن الحديث معمول به وأنه أولى من الرأي المحض". اهـ.

(11)

القاموس المحيط (ص 874) والنهاية (2/ 152).

ص: 152

قوله: (وإنَّ في النفس [الدِّية]

(1)

مائةٌ من الإبل) الاقتصار على هذا النوع من أنواع الدية يدلُّ: على أنه الأصل في الوجوب كما ذهب إليه الشافعي

(2)

ومن أهل البيت القاسم بن إبراهيم

(3)

، قالا: وبقية الأصناف كانت مصالحةً لا تقديرًا شرعيًا.

وقال أبو حنيفة

(4)

وزفر والشافعي

(5)

في قولٍ له: بل هي من الإبل للنص، ومن النقدين تقويمًا، إذ هما قيم المتلفات، وما سواهما صلح.

وذهب جماعة من أهل العلم

(6)

إلى أن الدِّيةَ من الإبل مائةٌ، ومن البقر مائتان، ومن الغنم ألفان، ومن الذهب ألفُ مثقال.

واختلفوا في الفضة، فذهب الهادي

(7)

والمؤيد بالله (7) إلى أنها عشرة آلاف درهم، وذهب مالك

(8)

والشافعي

(9)

في قول له إلى أنها اثنا عشر ألف درهم.

قال زيد بن علي

(10)

والناصر (10): أو مائتا حُلَّةٍ، الحلَّة: إزارٌ ورداءٌ أو قميصٌ وسراويل"، وستأتي أدلة هذه الأقوال في باب أجناس الدية، وسيأتي أيضًا الخلاف في صفة الإبل وتنوُّعِها.

قوله: (وإنَّ في الأنف إذا أوعبَ جدعُه الديةَ) بضم الهمزة من أوعب

(11)

على البناء للمجهول، أي: قطع جميعه. وفي هذا دليل: على أنه يجب في قطع الأنف جميعه الديةُ، قال في البحر

(12)

: فصل: والأنف مركبة من قصبةٍ ومارنٍ وأرنبة وروثة، وفيها الدية إذا استؤصلت من أصل القصبة إجماعًا ثم قال: فرع: قال الهادي (13): وفي كل واحدٍ من الأربع حكومة. وقال الناصر

(13)

والفقهاء: بل في المارن الديةُ وفي بعضه حصته.

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من (أ) و (ب) وأثبتناه من متن الحديث.

(2)

البيان للعمراني (11/ 487، 491) والأم (7/ 258).

(3)

البحر الزخار (5/ 272).

(4)

"البناية في شرح الهداية"(12/ 211).

(5)

البيان للعمراني (11/ 487). وانظر: المبسوط (26/ 75) والاختيار (5/ 517).

(6)

المغني (12/ 6 - 7).

(7)

البحر الزخار (5/ 272).

(8)

التهذيب في اختصار المدونة (4/ 561) وعيون المجالس (5/ 2020).

(9)

البيان للعمراني (11/ 489 - 491).

(10)

البحر الزخار (5/ 272).

(11)

القاموس المحيط (ص 181).

(12)

البحر الزخار (5/ 278).

(13)

البحر الزخار (5/ 278).

ص: 153

وأجاب عن ذلك بأن المارن وحده لا يسمى أنفًا، وإنما الدية في الأنف. وردّ بما رواه الشافعي

(1)

عن طاوس أنه قال: عندنا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وفي الأنف إذا قطع مارنه مائة من الإبل".

وأخرج البيهقي

(2)

من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم إذا جُدِعَتْ ثندوة الأنف بنصف العقل: خمسون من الإبل وعدلها من الذهب والورِق".

قال في النهاية

(3)

: أراد بالثندوة هنا: روثة الأنف، وهي طرفه ومقدمه. اهـ

وإنما قال: أراد بالثندوة هنا؛ لأنَّها في الأصل لحم الثدي أو أصله على ما في القاموس

(4)

. وفي القاموس

(5)

أيضًا أن المارن: الأنف أو طرفه أو ما لان منه، وفيه أن الأرنبة طرف الأنف، وفيه أيضًا أن الروثة طرف الأرنبة.

قال في البحر

(6)

: فرع: فإنْ قطعَ الأرنبة وهي: الغضروف الذي يجمع المنخرين ففيه الدية؛ إذ هو زوجٌ كالعينين، وفي الوترة حكومة، وهي الحاجزة بين المنخرين وفي إحداهما نصف الدية، وفي الحاجز حكومة؛ فإن قطع المارن والقصبة أو المارن والجلدة التي تحته [لزمت]

(7)

دية وحكومة. اهـ.

والوترة هي الوتيرة. قال في القاموس

(8)

: وهي حجاب ما بين المنخرين.

قوله: (وفي اللسان الدِّية) فيه دليل: على أن الواجب في اللسان إذا قطع جميعه الدية.

وقد حكى صاحب البحر

(9)

الإجماع على ذلك، قال: فإن جنى ما أبطل كلامه فدية، فإن أبطل بعضه فحصته، ويعتبر بعدد الحروف

(10)

.

وقيل: بعدد حروف اللسان فقط وهي ثمانية عشر حرفًا لا بما عداها.

(1)

الأم (7/ 291 رقم 2727).

(2)

في السنن الكبرى (8/ 88).

(3)

النهاية (1/ 220).

(4)

القاموس المحيط (ص 345).

(5)

القاموس المحيط (ص 1592).

(6)

البحر الزخار (5/ 278).

(7)

في المخطوط (ب): لزمه.

(8)

القاموس المحيط (ص 631).

(9)

البحر الزخار (5/ 280).

(10)

انظر: المغني (12/ 124 - 125) والبيان للعمراني (11/ 527 - 528).

ص: 154

واختلف في لسان الأخرس إذا قطعت؛ فذهب الأكثر إلى أنها يجب فيها حكومة فقط

(1)

. وذهب النخعي

(2)

إلى أنها يجب فيها دية.

قوله: (وفي الشفتين الدِّية) إلى هذا ذهب جمهور أهل العلم

(3)

، وقيل: إنه مجمع عليه.

قال في البحر

(4)

: وحدُّهما من تحت المنخرين إلى منتهى الشدقين في عرض الوجه ولا فضل لإحداهما على الأخرى عند أبي حنيفة

(5)

والشافعي

(6)

والناصر

(7)

والهادوية.

وذهب زيد بن ثابت

(8)

إلى أن دية العليا ثلث والسفلى ثلثان، ومثله في المنتخب.

قال في البحر

(9)

: إذ منافع السفلى أكثر للجمال والإمساك، يعني للطعام والشراب، وأجاب عنه بقوله صلى الله عليه وسلم:"وفي الشفتين الدية" ولم يفصل.

ولا يخفى أن غاية ما في هذا: أنَّه يجب في المجموع دية، وليس ظاهرًا في أن لكلِّ واحدة نصف دية؛ حتى يكون ترك الفصل منه صلى الله عليه وسلم مشعرًا بذلك، ولا شكَّ أنَّ في السفلى نفعًا زائدًا على النفع الكائن في العليا، ولو لم يكن إلا الإمساك للطعام والشراب، على فرض الاستواء في الجمال.

قوله: (وفي البيضتين الدية) في رواية: "وفي الأنثيين الدية"، ومعناهما ومعنى البيضتين واحد، كما في الصحاح

(10)

والضياء والقاموس

(11)

.

وذكر في "الغيث"

(12)

أن الأنثيين هما الجلدتان المحيطتان بالبيضتين، فينظر

(1)

انظر: المغني (12/ 124 - 125) والبيان للعمراني (11/ 527 - 528).

(2)

بل ذهب النخعي إلى أن فيها حكومة. انظر: موسوعة فقه إبراهيم النخعي (1/ 376).

(3)

المغني (12/ 122).

(4)

البحر الزخار (5/ 278).

(5)

البناية في شرح الهداية (12/ 226).

(6)

البيان للعمراني (11/ 525 - 526).

(7)

البحر الزخار (5/ 278).

(8)

أخرج خبر زيد بن ثابت ابن حزم في المحلى (10/ 446).

(9)

البحر الزخار (5/ 278).

(10)

الصحاح (1/ 273).

(11)

القاموس المحيط (ص 210).

(12)

ذكره الإمام المهدي في البحر الزخار (5/ 283).

ص: 155

في أصل ذلك فإن كتب اللغة على خلافه

(1)

.

وقد قيل: إن وجوب الدية في البيضتين مجمع عليه.

وذهب الجمهور

(2)

: إلى أن الواجب في كل واحدةٍ نصفُ الدية.

وحكي في البحر

(3)

عن عليٍّ: أنَّ في اليسرى [ثلثا]

(4)

الدية إذ النسل منها، وفي اليمنى ثلثها، وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب

(5)

.

قوله: (وفي الذَّكر الدِّية) هذا مما لا يعرف فيه خلاف بين أهل العلم

(6)

، وظاهر الدليل عدم الفرق بين ذكر الشاب والشيخ والصبي، كما صرَّح به الشافعي

(7)

والإمام يحيى

(8)

.

وأما ذكر العنِّين والخصيِّ فذهب الجمهور

(9)

إلى أن فيه حكومة، وذهب البعض إلى أن فيه الدية إذ لم يفصل الدليل.

قوله: (وفي الصلب الدِّية) قال في القاموس

(10)

: الصُّلب - بالضم وبالتحريك -: عظمٌ من لدن الكاهل إلى العَجْبِ. اهـ.

ولا أعرف خلافًا في وجوب الدية

(11)

[فيه]

(12)

.

وقد قيل: [إن](12) المراد بالصُّلب هنا هو ما في الجدول المنحدر من

(1)

لسان العرب (1/ 229).

• قال الجلال في "ضوء النهار"(4/ 2408): "

وأما تفسيرهما بالجلدتين المحيطتين بالبيضتين فمما لا ينبغي أن يناط به إلزام الدية الكاملة لا سيما وقد نبهت عبارته على أن مناط وجوب الدية زوال المنفعة، والمنفعة إنما هي في البيضتين فإن إحداهما مخلوقة لتصوير الشخص، والأخرى لحفظ النوع كما صرح به أئمة التشريح". اهـ.

• وقال الشوكاني في "السيل الجرار"(3/ 637) بتحقيقي: "

والمراد بهما البيضتان كما صرح به أهل اللغة، لا الجلدتان المحيطتان بالبيضتين كما زعم المصنف - مؤلف الأزهار - ". اهـ.

(2)

المغني (12/ 147).

(3)

البحر الزخار (5/ 283).

(4)

في المخطوط (أ): (ثلثي).

(5)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (12/ 147) وابن المنذر في "الإشراف"(2/ 176) رقم (1444).

(6)

المغني (12/ 146).

(7)

الأم (7/ 297).

(8)

البحر الزخار (5/ 283).

(9)

المغني (12/ 146 - 147).

(10)

القاموس المحيط (ص 135).

(11)

المغني: (12/ 144 - 145).

(12)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 156

الدماغ، لتفريق الرطوبة في الأعضاء، لا نفس المتن، بدليل ما رواه ابن المنذر

(1)

عن علي أنه قال: في الصُّلب الدِّية إذا منع من الجماع، هكذا في ضوء النهار

(2)

.

والأولى: حمل الصُّلب في كلام الشارع على المعنى اللغويِّ؟ وعلى فرض صلاحية قول عليّ لتقييد ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فليس من لازمه تفسير الصلب بغير المتن، بل غايته أن يعتبر مع كسر المتن زيادة، وهي الإفضاء إلى منع الجماع لا مجرد الكسر مع إمكان الجماع.

قوله: (وفي العينين الدية) هذا مما لا أعرف فيه خلافًا

(3)

بين أهل العلم، وكذلك لا يعرف الخلاف بينهم: في أن الواجب في كل عين نصف الدِّية.

وإنما اختلفوا في عين الأعور فحكي في البحر

(4)

عن الأوزاعي، والنخعي

(5)

، والعترة

(6)

، والحنفية

(7)

، والشافعية

(8)

أن الواجب فيها نصفُ دية، إذ لم يفصل الدليل.

(1)

قال ابن المنذر في "الإشراف"(2/ 173 رقم 1406): "قال أبو بكر: واختلفوا فيما يجب في كسر الصلب:

فروينا عن علي أنه قال: فيه الدية إذا منع الجماع.

وعن زيد بن ثابت أن فيه الدية.

وأكثر أهل العلم يرون في الصلب الدية. منهم: عطاء بن أبي رباح، والزهري، ومالك، ويزيد بن قسيط، والحسن البصري، وسفيان الثوري. وبه قال الشافعي إذا منعه أن يمشي بحال.

وروينا عن ابن الزبير أنه قضى في رجل كسر صلب رجل فاحدَوْدَبَ ولم يقعد فمشى وهو يمشي محدودبًا، فقضى له بثلثي الدية.

وقال أحمد، وإسحاق في كسر الصلب: إذا ذهب ماؤه الدية". اهـ.

(2)

في ضوء النهار (4/ 2407).

(3)

المغني (2/ 106) و"الإشراف"(2/ 152 رقم 1253).

(4)

البحر الزخار (5/ 276 - 277).

(5)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (12/ 110).

(6)

البحر الزخار (5/ 277).

(7)

البناية في شرح الهداية (12/ 226 - 227).

(8)

البيان للعمراني (11/ 515) وروضة الطالبين (9/ 272).

ص: 157

وحكي أيضًا عن علي

(1)

، وعمر

(2)

، وابن عمر

(3)

، والزهري

(4)

، ومالك

(5)

، والليث، وأحمد

(6)

، وإسحاق: أن الواجب فيها دية كاملة لعماية بذهابها.

وأجاب عنه: بأنَّ الدليل لم يفصل، وهو الظاهر، ثم حكي أيضًا عن العترة

(7)

والشافعية

(8)

والحنفية

(9)

: أنَّه يقتصُّ من الأعور إذا أذهبَ عينَ من له عينان، وخالف في ذلك أحمد بن حنبل

(10)

، والظاهر ما قاله الأولون.

قوله: (وفي الرِّجل الواحدة نصف الدية)، هذا أيضًا مما لا أعرف فيه خلافًا

(11)

. وهكذا لا خلاف في أن في اليدين دية كاملة.

قال في البحر

(12)

: وحدُّ موجب الدية مفصلُ السَّاق، واليدان كالرجلين بلا خلاف، والحدُّ الموجب للدية من الكوع كما حكاه صاحب البحر

(13)

عن العترة وأبي حنيفة

(14)

والشافعي

(15)

، فإن قُطِعت اليدُ من المنكب أو الرِّجلُ من الرُّكبة ففي كلِّ واحدةٍ منهما نصفُ [دية]

(16)

وحكومةٌ عند أبي حنيفة

(17)

ومحمد

(1)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (17432) عن علي في رجل أعور فقئت عينه الصحيحة عمدًا: إن شاء أخذ الدية كاملة، وإن شاء فقأ عينًا، وأخذ نصف الدية".

وذكره البيهقي في السنن الكبرى (8/ 94).

(2)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (17431) عن عبد الله بن صفوان أن عمر بن الخطاب قضى في عين أعور فقئت عينه الصحيحة بالدية كاملة".

(3)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (12/ 110).

(4)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (17424) عن ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب أن الأعور تفقأ عينه فيها الدية كاملة. قلت: عمن؟ قال: لم نزل نسمعه، قال: وقال ذلك ربيعة.

(5)

عيون المجالس (5/ 2027 رقم 1458).

(6)

المغني (12/ 110).

(7)

البحر الزخار (5/ 277).

(8)

البيان للعمراني (11/ 515).

(9)

المختصر للطحاوي (5/ 120 - 121).

(10)

المغني (12/ 111).

(11)

انظر: "الإشراف"(2/ 169) رقم (1395).

(12)

البحر الزخار (5/ 285).

(13)

البحر الزخار (5/ 284).

(14)

المختصر للطحاوي (5/ 119).

(15)

البيان للعمراني (11/ 539 - 540).

(16)

في المخطوط (ب): (الدية).

(17)

المختصر للطحاوي (5/ 119).

ص: 158

والقاسمية

(1)

والمؤيد بالله، وعند أبي يوسف والشافعي

(2)

في قول له: إنه يدخل الزائد على الكوع ومفصل الساق في دية اليد والرجل فلا تجب حكومة لذلك.

قوله: (وفي المأمومة ثلث الدِّية) هي الجناية البالغة أمَّ الدِّماغ، وهو: الدماغُ، أو: الجلدة الرقيقة التي عليها، كما حكاه صاحب القاموس

(3)

.

وإلى إيجاب ثلث الدية فقط في المأمومة ذهب علي

(4)

وعمر

(5)

والعترة

(6)

والحنفية

(7)

والشافعية

(8)

.

وذهب بعض أصحاب الشافعي

(9)

إلى أنه يجب مع ثلث الدية حكومة لغشاوة الدماغ.

وحكى ابن المنذر

(10)

الإجماع على أنه يجب في المأمومة ثلث الدية إلا عن مكحول فإنه قال: يجب الثلث مع الخطأ والثلثان مع العمد.

قوله: (وفي الجائفة ثلث الدية) قال في القاموس

(11)

: الجائفة: هي الطعنة التي تبلغ الجوف، أو تنفذه، ثم فسر الجوف بالبطن.

(1)

البحر الزخار (5/ 284).

(2)

البيان للعمراني (11/ 540).

(3)

القاموس المحيط (ص 1391).

(4)

أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 145 رقم 6848) عن علي قال: في الآمة ثلث الدية.

(5)

انظر: المصنف لعبد الرزاق (9/ 317) خلال رقم (17363).

(6)

البحر الزخار (5/ 289).

(7)

المبسوط (26/ 74).

(8)

البيان للعمراني (11/ 510).

(9)

قال أبو الحسن الماورديّ البصري من أصحابنا - الشافعية -: "يجب فيها حكومةٌ مع ثلثِ الديةِ؛ لِخَرق الغشاوة التي على الدماغ" البيان للعمراني (11/ 510).

(10)

قال ابن المنذر في "الإشراف"(2/ 149 - 150 رقم 1345): "قال أبو بكر: جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في المأمومة ثلث الدية".

وأجمع عوام أهل العلم على القول به.

ولا نعلم أحدًا يخالف ذلك إلا مكحولًا فإنه قال: إذا كانت المأمومة عمدًا ففيها ثلثا الدية، وإذا كانت خطأ ففيها ثلث الدية.

قال أبو بكر: "وهذا قول شاذ، وبالقول الأول أقول". اهـ.

(11)

القاموس المحيط (ص 1031).

ص: 159

وقال في البحر

(1)

هي ما وصل جوف العضو من ظهر، أو صدر، أو وركٍ، أو عنقٍ، أو ساقٍ أو عضدٍ مما له جوف. وهكذا في "الانتصار"

(2)

، وفي "الغيث"

(3)

أنها ما وصل الجوف وهو من ثغرة النحر إلى المثانة. اهـ.

وهذا هو المعروف عند أهل العلم، والمذكور في كتب اللغة

(4)

. وإلى وجوب ثلث الدية في الجائفة ذهب الجمهور

(5)

وحكي في نهاية المجتهد

(6)

الإجماع على ذلك

قوله: (وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل) في روايةٍ: "خمس عشرة"، قال في القاموس

(7)

: هي الشجة التي ينقل منها فراش العظام وهي قشور تكون على العظم دون اللحم، وفي "النهاية"

(8)

أنها التي تخرج صغار العظام وتنتقل عن أماكنها.

وقيل: التي تنقل العظم؛ أي تكسره.

وقد حكى صاحب البحر

(9)

القول بإيجاب خمس عشرة ناقة عن علي وزيد بن ثابت والعترة والفريقين يعني الشافعية

(10)

والحنفية

(11)

.

قوله: (وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل) هذا مذهب الأكثرين

(12)

.

وروي عن عمر

(13)

أنه كان يجعل في الخنصر ستًا من الإبل، وفي البنصر تسعًا، وفي الوسطى عشرًا، وفي السبابة اثنتي عشرة، وفي الإبهام ثلاث عشرة، ثم روي عنه الرجوع عن ذلك.

(1)

البحر الزخار (5/ 289).

(2)

تقدم الكلام عليه.

(3)

تقدم الكلام عليه.

(4)

لسان العرب (9/ 34) والصحاح (4/ 1339).

(5)

المغني (12/ 166).

(6)

"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(4/ 346) بتحقيقي.

(7)

القاموس المحيط (ص 1375).

(8)

النهاية (2/ 790).

(9)

البحر الزخار (5/ 290).

(10)

البيان للعمراني (11/ 510).

(11)

المبسوط (26/ 74 - 75).

(12)

المغني (12/ 149).

(13)

أخرج خبره ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 194 رقم 7050).

ص: 160

وروي عن مجاهد

(1)

أنه قال: في الإبهام خمس عشرة، وفي التي تليها عشر، وفي الوسطى عشر، وفي التي تليها ثمان، وفي الخنصر سبع، وهو مردود بحديث الباب وبما سيأتي قريبًا من حديث أبي موسى

(2)

وعمرو بن شعيب

(3)

.

وذهبت الشافعية

(4)

والحنفية

(5)

والقاسمية

(6)

إلى أن في كل أنملة ثلث دية الأصبع إلا أنملة الإبهام ففيها النصف. وقال مالك

(7)

: بل الثلث.

قوله: (وفي السن خمس من الإبل) ذهب إلى هذا جمهور العلماء

(8)

.

وظاهر الحديث عدم الفرق بين الثنايا والأنياب والضروس؛ لأنه يصدق على كلِّ منها أنه سنّ.

وروي عن علي أنه يجب في الضرس عشر من الإبل. وروي عن عمر وابن عباس أنه يجب في كل ثنية خمسون دينارًا، وفي الناجذ أربعون، وفي الناب ثلاثون، وفي كل ضرس خمسة وعشرون.

وروى مالك

(9)

والشافعي

(10)

عن عمر أن في كسر الضرس جملًا، قال الشافعي: وبه أقول لأني لا أعلم له مخالفًا من الصحابة، وفي قول للشافعي: في كل سن خمس من الإبل ما لم تزد على دية النفس، وإلا كفت في جميعها دية.

وأجاب عنه في البحر

(11)

بأنه خلاف الإجماع. وردّ بأنه لا وجه للحكم

(1)

أخرج أثره ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 195 رقم 7055).

(2)

يأتي برقم (3059) من كتابنا هذا.

(3)

يأتي برقم (3060) من كتابنا هذا.

(4)

البيان للعمراني (11/ 541).

(5)

البناية في شرح الهداية (12/ 230).

(6)

البحر الزخار (5/ 284).

(7)

بداية المجتهد (4/ 351) بتحقيقي، ومدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 438).

(8)

المغني (12/ 130 - 131).

(9)

في الموطأ (2/ 861 رقم 7).

(10)

الأم (7/ 307 رقم 2731) وفي المسند (ج 2 رقم 374 - ترتيب).

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (17406) عن أسلم مولى عمر، أن عمر قال: وفي الضرس جمل".

وهو أثر صحيح.

(11)

البحر الزخار (5/ 279).

ص: 161

بمخالفة الإجماع لاختلاف الناس في دية الأسنان، وسيأتي قريبًا ما يدل على أن جميع الأسنان مستوية.

قوله: (وفي الموضحة خمس من الإبل) هي التي تكشف العظم بلا هشم. وقد ذهب إلى إيجاب الخمس في الموضحة الشافعية

(1)

والحنفية

(2)

والعترة

(3)

وجماعة من الصحابة.

وروي عن مالك أن الموضحة إن كانت في الأنف أو [اللحى]

(4)

الأسفل فحكومةٌ، وإلا فخمس من الإبل.

وذهب سعيدُ بن المسيب إلى أنَّه يجب في الموضحة عُشْرُ الدِّية، وذلك عَشْرٌ من الإبل، وتقدير أرش الموضحة المذكور في الحديث إنما هو في موضحة الرأس، والوجه لا موضحة ما عداهما من البدن؛ فإنها على النصف من ذلك كما هو المختار لمذهب الهادوية وكذلك الهاشمة والمنقلة والدامية، وسائر الجنايات.

وحكي في البحر

(5)

عن الإمام يحيى: أنَّ الموضحة، والهاشمة، والمنقلة: إنما أرشها المقدر في الرأس، وفيها في غيره حكومة.

وقيل: بل في جميع البدن لحصول معناها حيث وقعت.

قال في البحر

(6)

: وهو الأقرب للمذهب لكن ينسب من دية ذلك العضو قياسًا على الرأس، ففي الموضحة نصف عشر دية ما هي فيه. اهـ.

وحكي في البحر

(7)

أيضًا في موضع آخر عن الإمام يحيى والقاسمية وأحد قولي الشافعي

(8)

أن في الموضحة ونحوها في غير الرأس حكومة إذ لم يقدر الشرع أرشها إلا فيه.

وحكى الشافعي في قول له: أن الحكم واحد.

(1)

البيان للعمراني (11/ 506).

(2)

البناية في شرح الهداية (12/ 237).

(3)

البحر الزخار (5/ 287).

(4)

في المخطوط (ب): (للحى).

(5)

البحر الزخار (5/ 287 - 288).

(6)

البحر الزخار (5/ 290).

(7)

البحر الزخار (5/ 290).

(8)

البيان للعمراني (11/ 511 - 512).

ص: 162

قال الإمام يحيى

(1)

: وهو غير بعيد إذ لم يفصل الخبر. اهـ.

وهو يستفاد أيضًا من العموم المستفاد من تحلية الموضحة بالألف واللام.

وأخرج البيهقي

(2)

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أن أبا بكر وعمر قالا: في الموضحة في الوجه والرأس سواء.

وأخرج البيهقي

(3)

أيضًا عن سليمان بن يسار نحو ذلك.

قوله: (وإن الرجل يقتل بالمرأة) قد تقدم الكلام على هذا مبسوطًا.

قوله: (وعلى أهل الذهب ألف دينار) فيه دليل لمن جعل الذهب من أنواع الدية الشرعية كما سلف.

2/ 3056 - (وعَنْ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ: أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضى في الأنْفِ إذَا جُدِع كُلُّهُ بِالْعَقْلِ كامِلًا، وَإِذَا جُدِعَتْ أَرْنَبَتُه فَنِصْفُ الْعَقْلِ، وَقَضى في الْعَيْنِ نِصْفَ الْعَقْلِ، وَالرّجْلِ نِصْفَ العَقْلِ، وَالْيَدِ نِصْفَ العَقْلِ، وَالْمَأمُومَةِ ثُلُثَ الْعَقْلِ، وَالْمُنَقِّلَة خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الإِبِلِ. رَوَاهُ أحمدُ

(4)

، وَرَواهُ أبُو داوُدَ

(5)

وَابْنُ ماجَهْ

(6)

، وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ الْعَيْنَ ولَا وَالْمُنَقِّلَة). [حسن]

3/ 3057 - (وعَنِ ابْن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "هذِهِ وَهِذِهِ سَوَاءٌ"، يَعْني الخِنْصرَ والإبْهامَ. رَواه الجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا

(7)

. [صحيح]

(1)

البحر الزخار (5/ 293).

(2)

في السنن الكبرى (8/ 82).

وهو أثر حسن.

(3)

في السنن الكبرى (8/ 82).

(4)

في المسند (2/ 217).

(5)

في سننه رقم (4564).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 83).

وهو حديث حسن.

(6)

لم أقف عليه عند ابن ماجه بهذا اللفظ المذكور.

(7)

أحمد في المسند (1/ 227) والبخاري رقم (6895) وأبو داود رقم (4558) والترمذي رقم (1392) والنسائي رقم (4850) وابن ماجه رقم (2652).

وهو حديث صحيح.

ص: 163

وفي رِوَايَةٍ قالَ: "دِيَةُ أَصابعِ الْيَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ لِكُلِّ أصْبُعٍ". رَواهُ التِّرْمِذِيُّ

(1)

وَصَحَّحَهُ. [صحيح]

4/ 3058 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الأسْنانُ سَواءٌ الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَواءٌ". رَواهُ أبو داوُدَ

(2)

وَابْن ماجَهْ)

(3)

. [صحيح]

5/ 3059 - (وعَنِ أَبي مُوسى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى في الأصابع بِعَشْرٍ عَشْرٍ مِنَ الإِبلِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ

(4)

وأَبُو داوُدَ

(5)

والنَّسائيُّ)

(6)

. [صحيح لغيره]

6/ 3060 - (وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فِي كُلِّ أصْبُعٍ عَشْرٌ مِنَ الإبلِ، وفي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الإبل، والأصابعُ سواءٌ، والأسْنانُ سواءً". رواهُ الخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

(7)

. [صحيح]

7/ 3061 - (وعَنْ عمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "في المَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ مِنَ الإبلِ". رَواهُ الخَمْسَة)

(8)

. [حسن]

8/ 3062 - (وعَنْ عمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى

(1)

في السنن رقم (1391) وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

وهو حديث صحيح.

(2)

في السنن رقم (4559).

(3)

في السنن رقم (2650).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (4/ 397) و (4/ 404).

(5)

في السنن رقم (4556).

(6)

في السنن رقم (4845) وفي الكبرى رقم (7050 - العلمية).

وهو حديث صحيح لغيره.

(7)

في المسند (2/ 182) وأبو داود رقم (4564) والنسائي رقم (4841، 4850) وابن ماجه رقم (2651).

وهو حديث صحيح.

(8)

أحمد في المسند (2/ 215) وأبو داود رقم (4566) والترمذي رقم (1390) والنسائي رقم (4852) وابن ماجه رقم (2655).

وهو حديث حسن.

ص: 164

في الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ السَّادَّةِ لمكانِها إذا طُمِسَتْ بِثُلثِ دِيَتِها، وَفي الْيَدِ الشَّلَّاءِ إذا قُطِعَتْ بِثُلُثِ دِيتها، وَفي السِّنِّ السَّوْدَاءِ إذا نُزعَتْ بِثُلُثِ دِيَتها. رَواهُ النَّسائيُّ

(1)

، وَلأبي داوُدَ

(2)

مِنْهُ: قَضَى في الْعَينِ الْقائِمةِ السَّادَّة لمَكانِها بِثُلُثِ الدِّيَةِ). [حسن]

9/ 3063 - (وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَنَّهُ قَضى في رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَر وَنِكَاحُهُ وَعَقْلُهُ بأرْبعِ دِياتٍ. ذَكَرَهُ أحمد بْن حَنْبَل في رِوَايَةِ أَبي الحارِث وَابْنِهِ عَبْدِ الله)

(3)

. [أثر صحيح]

حديث عمرو بن شعيب الأول في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي، وقد تكلم فيه جماعة من أهل العلم ووثقه جماعة

(4)

، ولفظ أبي داود

(5)

: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنف إذا جدع الدِّية كاملةً، وإن جدعت ثندوته فنصف العقل، خمسون من الإبل، أو عدلها من الذهب أو الوَرِق أو مائة بقرةٍ، أو ألف شاةٍ، وفي اليد إذا قطعت نصف العقل، وفي الرجل نصف العقل، وفي المأمومة ثلث العقل: ثلاث وثلاثون وثلث، أو قيمتها من الذهب، أو الوَرِق، أو البقر، أو الشاء، والجائفةُ مثل ذلك، وفي الأصابع في كلِّ أصبع عشر من الإبل" وهو حديث طويل.

(1)

في السنن رقم (4840).

قال الألباني: حديث حسن إن كان العلاء بن الحارث حدث به قبل الاختلاط.

(2)

في السنن رقم (4567).

وهو حديث حسن.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 86).

وابن أبي شيبة (9/ 167) وعبد الرزاق رقم (18183) عن عوف الأعرابي قال: لقيت شيخنا في زمان الجماجم فخليته وسألت عنه، فقيل لي: ذلك أبو المهلب عم أبي قلابة، فسمعته يقول. رمى رجلٌ رجلًا بحجر في رأسه في زمان عمر بن الخطاب، فذهب سمعه وعقله، ولسانه، وذكره، فقضى فيها عمر بأربع ديات، وهو حي.

وهو أثر صحيح.

(4)

تقدم الكلام عليه.

(5)

في السنن رقم (4564) وقد تقدم.

وهو حديث حسن.

ص: 165

وحديث ابن عباس الثاني

(1)

أخرجه أيضًا البزار

(2)

وابن حبان

(3)

ورجال إسناده رجال الصحيح.

وحديث أبي موسى

(4)

أخرجه أيضًا ابن حبان

(5)

وابن ماجه

(6)

. وسكت عنه أبو داود

(7)

والمنذري

(8)

وإسناده لا بأس به.

وحديث عمرو بن شعيب الثاني

(9)

سكت عنه أبو داود

(10)

والمنذري

(11)

وصاحب التلخيص

(12)

، ورجال إسناده إلى عمرو بن شعيب ثقات.

وحديثه الثالث

(13)

أخرجه أيضًا ابن خزيمة

(14)

وابن الجارود

(15)

وصححاه.

وحديثه الرابع

(16)

سكت عنه أبو داود

(17)

والنسائي

(18)

ورجال إسناده إلى عمرو بن شعيب ثقات.

وأثر عمر أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة

(19)

عن خالد عن عوف سمعت شيخًا في زمن الحاكم وهو ابن المهلب عم أبي قلابة قال: "رمى رجل رجلًا بحجر في رأسه في زمن عمر فذهب سمعه وبصره وعقله وذكره فلم يقرب النساء فقضى عمر فيه بأربع ديات وهو حي".

(1)

تقدم برقم (3058) من كتابنا هذا.

(2)

في المسند كما في "التلخيص الحبير"(4/ 55).

(3)

في صحيحه رقم (6014).

وفي صحيح البخاري رقم (6895) مختصرًا بلفظ: "هذه وهذه سواء" يعني الخنصر والإبهام.

(4)

تقدم برقم (3059) من كتابنا هذا.

(5)

في صحيحه رقم (6013).

(6)

في سننه رقم (2654).

(7)

في السنن (4/ 688).

(8)

في المختصر (6/ 358).

(9)

تقدم برقم (3060) من كتابنا هذا.

(10)

في السنن (4/ 695).

(11)

في المختصر (6/ 364).

(12)

"التلخيص الحبير"(4/ 55).

(13)

تقدم برقم (3061) من كتابنا هذا.

(14)

لم أقف عليه في الأجزاء المطبوعة.

(15)

في "المنتقى" له رقم (785) بسند صحيح.

(16)

تقدم برقم (3062) من كتابنا هذا.

(17)

في السنن (4/ 696).

(18)

في السنن (8/ 55).

(19)

في "المصنف"(9/ 167) وهو أثر صحيح وقد تقدم آنفًا.

ص: 166

وقد قدَّمنا الكلام المتعلق بفقه أكثر هذه الأحاديث في شرح حديث عمرو بن حزم المذكور في أول الباب

(1)

، ونتكلم الآن على ما لم يذكر هنالك.

قوله: (فنصف العقل) أي الدية.

قوله: (هذه وهذه سواء

إلخ) هذا نصٌّ صريحٌ يردُّ القول بالتفاضل بين الأصابع، ولا أعرف مخالفًا من أهل العلم لما يقتضيه إلا ما روي عن عمر

(2)

ومجاهد

(3)

، وقد قدَّمنا أنه روي عن عمر الرجوع.

قوله: (الأسنانُ سواءٌ)[هذه]

(4)

جملة مستقلة؛ لفظ الأسنان فيها مبتدأ ولفظ سواءٌ خبره، وقوله:"الثنية" مبتدأ، والضرس مبتدأ آخر والخبر عنهما قوله:"سواء".

وإنما تعرضنا لمثل هذا مع وضوحه لأنه ربما ظُنَّ أن سواء الأولى بمعنى غير، وأنَّ الخبر عن الأسنان هو سواء الثانية، ويكون التقدير: الأسنان غير الثنية والضرس سواء، ولا شكَّ أن هذا غيرُ مراد، بل المراد: الحكم على جميع الأسنان التي يدخل تحتها الثنيةُ والضرسُ بالاستواء والتنصيص على الثنية، والضرس: إنما هو لدفع توهم عدم دخولهما تحت الأسنان، ولهذا اقتصر في الرواية الثانية على قوله:"الأسنان سواء".

وبهذا يندفع قول من ذهب إلى تفضيل الثنيَّة والضِّرس من الصحابة وغيرهم، وقولُ من حكم في الأسنان بأحكام مختلفة كما سلف.

(1)

تقدم عند الحديث رقم (3055) من كتابنا هذا.

(2)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف"(9/ 384 رقم 17698).

عن سعيد بن المسيب، أن عمر جعل في الإبهام خمس عشرة، وفي السبابة عشرًا، وفي الوسطى عشرًا، وفي البنصر تسعًا، وفى الخنصر ستًا، حتى وجدنا كتابًا عند آل حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأصابع كلها سواءٌ، فأُخذ به".

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 93).

(3)

أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 195 رقم 7055).

عن أبي نجيح عن مجاهد قال: في الإبهام خمس عشرة، وفي التي تليها عشر، وفي التي تليها ثمان، وفي التي تليها سبع.

(4)

في المخطوط (ب): هذا.

ص: 167

قوله: (قضى في [العين]

(1)

العوراء السادَّة لمكانها) أي: التي هي باقية لم يذهب إلا نورها، والمراد بالطمس: ذهاب جرمها، وإنما وجب فيها ثلث دية العين الصحيحة؛ لأنها كانت بعد ذهاب بصرها باقية الجمال، فإذا قلعت، أو فقئت ذهب ذلك.

قوله: (وفي اليد الشلاء

إلخ) هي التي لا نفع فيها، وإنما وجب فيها ثلث دية الصحيحة

(2)

لذهاب الجمال أيضًا.

قوله: (وفي السنِّ السوداء إلخ) نفع السنِّ السوداء باقٍ، وإنما ذهب منها مجرد الجمال فيكون على هذا التقدير: ذهاب النفع كذهاب الجمال، وبقاؤه فقط كبقائه وحده

(3)

.

قال في البحر

(4)

: مسألة: وإذا اسودَّ السنُّ وضعف، ففيه: الدية لذهاب الجمال والمنفعة، ولقول عليٍّ عليه السلام: إذا اسودَّت فقد تمّ عقلها؛ أي ديتها، فإن لم تضعف فحكومة، وقال الناصر

(5)

وزفر

(6)

: وكذا لو اصفرت أو احمرت. وقيل: لا شيء في الاصفرار؛ إذ أكثر الأسنان كذلك، قلنا: إذا لم يحصل بجناية. اهـ.

قوله: (بأربع ديات) فيه دليل: على أنَّه يجب في كلِّ واحدٍ من الأربعة المذكورة دية عند من يجعل قول الصحابي حجة.

وقد استدلَّ بها صاحب البحر وزعم أنه لم ينكره أحد من الصحابة فكان إجماعًا.

وقد قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص"

(7)

: إنه وجد في حديث معاذ:

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

المغني (12/ 154 - 155).

(3)

المغني (12/ 155) والبيان للعمراني (11/ 537 - 538).

(4)

البحر الزخار (5/ 280).

(5)

البحر الزخار (5/ 280).

(6)

قال الإمام زفر: إن في تغييرها إلى الصفرة الأرش كاملًا كما لو تغيرت إلى السواد لأنه لا فرق في تفويت جمال الأسنان بالسواد أم بالصفرة فكان الحكم واحدًا".

[الإمام زفر وآراؤه الفقهية (1/ 323 - 324)].

(7)

في "التلخيص الحبير"(4/ 57).

ص: 168

في السمع الدِّية، قال: وقد رواه البيهقي

(1)

من طريق قتادة عن ابن المسيب عن علي رضي الله عنه، وقد زعم الرافعي أنه ثبت في حديث معاذ أن في البصر الدية.

قال الحافظ

(2)

: لم أجده وروى البيهقي

(3)

من حديث معاذ في العقل الدية، وسنده ضعيف، قال البيهقي: وروينا عن عمر وعن زيد بن ثابت مثله.

وقد زعم الرافعي أن ذلك في حديث عمرو بن حزم وهو غلط. وأخرج البيهقي

(4)

عن زيد بن أسلم بلفظ: "مضت السنة في أشياء من الإنسان

إلى أن قال: وفي اللسان الدية وفي الصوت إذا انقطع الدية".

والحاصل: أنه قد ورد النصُّ بإيجاب الدية في بعض الحواسّ الخمس الظاهرة كما عرفت، ويقاس ما لم يرد فيه نصٌّ منها على ما ورد فيه.

وقد قيل: إنها تجب الدية في ذهاب القول بغير قطع اللسان بالقياس على السمع بجامع فوات القوَّة، والأولى: التعويل على النصِّ المذكور في حديث زيد بن أسلم

(5)

.

وأما ذهاب النكاح فيمكن أن يستدلَّ لإيجاب الدية فيه بالقياس على سلس البول، فإنه قد روى محمد بن منصور بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أنه قضى بالدية لمن ضرب حتى سلس بوله، والجامع ذهاب القوة ولكن هذا على القول بحجية قول علي.

قال في البحر

(6)

: وفي إبطالِ مَنِيّ الرجل بحيثُ لا يقع منه حمل دية

(1)

في السنن الكبرى (8/ 86).

(2)

في "التلخيص الحبير"(4/ 57).

(3)

في السنن الكبرى (8/ 86).

(4)

في السنن الكبرى (8/ 88).

(5)

أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (17496) و (17578) و (17607) منقطعًا عن زيد بن أسلم، به.

وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 861 رقم 7) والشافعي في المسند (ج 2 رقم 374 ترتيب) عن زيد بن أسلم، عن مسلم بن جُندب، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الضرس بجمل، وفي التَّرقُوة بجمل، وفي الضلع بجمل).

وهو أثر صحيح.

(6)

البحر الزخار (5/ 283).

ص: 169

كاملة، إذ هو إبطال منفعة كاملة كالشلل، ويخالف مَني المرأة ولبنها ففيهما حكومةٌ، إذ قد يطرأُ ويزول بخلافه من الرجل فيستمر، وإذا انقطع لم يرجع. اهـ.

وهذا إذا كان ذهابُ النكاح بغير قطع الذكر أو الأنثيين، فإن كان بذلك دخلت ديته في دية ذلك المقطوع، وهكذا ذهاب البصر إذا كان بغير قلع العينين أو فقئهما، وإلا وجبت الدية للعينين ولا شيء لذهابه، وهكذا السمع لو ذهب بقطع الأذنين.

[الباب الثاني] بابُ ديةِ أهلِ الذِمَّةِ

10/ 3064 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ المُسلمِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ

(1)

والنَّسَائيُّ

(2)

والتِّرْمِذِيُّ

(3)

. [حسن]

وفي لَفْظٍ: قَضَى أَنّ عَقْلَ أَهْلِ الكِتَابَيْنِ نِصْفُ عَقْلِ المسْلِمِينَ وَهُمُ اليَهُودُ والنَّصارَى. رَواهُ أَحمدُ

(4)

والنَّسائيُّ

(5)

وابْنُ ماجَهْ

(6)

. [حسن]

وفي روايةٍ: كانَتْ قِيمَةُ الدِّيةِ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ثَمَانمائةِ دِينارٍ وثَمانِيةَ آلافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ أهْلِ الكِتابِ يَوْمَئذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيةِ المُسلمِ، قالَ: وكانَ ذلِكَ كَذلِكَ حتى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فقامَ خَطِيبًا، فقالَ: إنَّ الإبلَ قدْ غَلَتْ، قالَ فَفَرَضَهَا عُمَرُ على أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دينَار، وعلى أَهْلِ الْوَرِقِ اثنَيْ عشَرَ أَلْفًا، وعلى أَهْلِ البَقَرِ مائتَيْ بقَرَةٍ؛ وعلى أَهْلِ الشَّاةِ أَلْفَي شَاةٍ، وعلى أَهْلِ الْحُللِ مائَتي حلَّةٍ، قالَ:

(1)

في المسند (2/ 183).

(2)

في سننه رقم (4807).

(3)

في سننه رقم (1413) وقال: هذا حديث حسن.

وهو كما قال الترمذي.

(4)

في المسند (2/ 183).

(5)

في سننه رقم (4806).

(6)

في سننه رقم (2644).

وهو حديث حسن.

ص: 170

وَتَرَكَ دِيةَ أَهْلِ الذِّمّةِ لمْ يَرْفَعْها فِيما رَفَعَ مِنَ الدِّيةِ. رواهُ أبُو دَاوُد)

(1)

. [حسن]

11/ 3065 - (وعَنْ سَعِيد بْنِ المُسَيَّبِ قالَ: كانَ عُمَرُ يَجْعَلُ دِيةَ اليهُودِيِّ والنّصْرانيِّ أرْبعةَ آلافٍ، والمَجُوسِيِّ ثَمانِمائةٍ. رَواهُ الشَّافِعِي

(2)

والدَّارقطنيُّ)

(3)

. [أثر صحيح]

حديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي

(4)

، وصححه ابن الجارود

(5)

.

وأثر عمر أخرجه أيضًا البيهقي

(6)

.

وأخرج ابن حزم في "الإيصال"

(7)

من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ديةُ المجوسيِّ ثمانمائة درهم"، وأخرجه أيضًا الطحاوي

(8)

وابن عدي

(9)

والبيهقي

(10)

وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة.

وروى البيهقي

(11)

عن ابن مسعود وعلي أنهما كانا يقولان: "في دية المجوسي ثمانمائة درهم". وفي إسناده ابن لهيعة.

وأخرج البيهقي

(12)

أيضًا عن عقبة بن عامر نحوه، وفيه أيضًا ابن لهيعة وروى نحو ذلك ابن عدي (9) والبيهقي (10) والطحاوي (8) عن عثمان، وفيه ابن لهيعة.

(1)

في سننه رقم (4542).

وهو حديث حسن.

(2)

المسند (ج 2 رقم 356 - ترتيب).

(3)

في السنن (3/ 131 رقم 153).

وهو موقف صحيح.

(4)

في السنن (4/ 25).

(5)

في "المنتقى" له رقم (1052).

(6)

في السنن الكبرى (8/ 100).

(7)

كما في "التلخيص الحبير"(4/ 66).

(8)

كما في "التلخيص الحبير"(4/ 66).

(9)

في "الكامل"(4/ 208).

(10)

في السنن الكبرى (8/ 101).

(11)

في السنن الكبرى (8/ 101) من مرسل الزهري عنهما.

(12)

في السنن الكبرى (8/ 101) مرفوعًا. ورجح الوجه الأول، يعني ما رواه الزهري عن علي وابن مسعود موقوفًا عليهما.

ص: 171

قوله: (عقل الكافر نصف دية المسلم) أي دية الكافر نصف دية المسلم، فيه دليل: على أن دية الكافر الذميِّ نصف دية المسلم، وإليه ذهب مالك

(1)

.

وذهب الشافعي

(2)

والناصر

(3)

إلى أن دية الكافر أربعة آلاف درهم.

والذي في منهاج النووي

(4)

أنَّ دية اليهوديِّ والنصرانيِّ ثلث دية المسلم، ودية المجوسيِّ ثلثا عشر دية المسلم، قال شارحه

(5)

"المحلى": أنه قال بالأول عمر وعثمان، وبالثاني عمر وعثمان أيضًا وابن مسعود.

ثم قال النووي في المنهاج (4): وكذا وثَنِيٌّ له أمان، يعنيي أنَّ ديته دية [مجوسيّ]

(6)

، ثم قال: والمذهب أن من لم يبلغه الإسلام إن تمسك بدين لم يبدّل فديته دية دينه وإلا فكمجوسي.

وحكي في البحر

(7)

عن زيد بن علي والقاسمية وأبي حنيفة

(8)

وأصحابه أن دية المجوسيِّ كالذميِّ، وعن الناصر (7) والإمام يحيى والشافعي

(9)

ومالك

(10)

أنها ثمانمائة درهم.

وذهب الثوري

(11)

والزهري (11) وزيد بن علي

(12)

وأبو حنيفة

(13)

وأصحابه والقاسمية (12) إلى أن دية الذمي كدية المسلم.

وروي عن أحمد

(14)

: أن ديته مثلُ دية المسلم إن قُتِلَ عمدًا وإلا فنصفُ ديةٍ.

(1)

عيون المجالس (5/ 2534 - 2036 رقم 1464) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 479).

(2)

البيان للعمراني (11/ 492 - 493) والأم (7/ 259).

(3)

البحر الزخار (5/ 275).

(4)

المنهاج (4/ 57 - مع مغني المحتاج).

(5)

انظر: مغني المحتاج شرح المنهاج للشربيني الخطيب (4/ 57).

(6)

في المخطوط (ب): المجوسي.

(7)

البحر الزخار (5/ 276).

(8)

المبسوط (26/ 84 - 85).

(9)

الأم (7/ 259) والبيان للعمراني (11/ 493).

(10)

عيون المجالس (5/ 2036 قم 1465).

(11)

حكاه عنه ابن قدامة في المغنى (12/ 52).

(12)

البحر الزخار (5/ 276).

(13)

المبسوط (26/ 84) والمختصر للطحاوي (5/ 155 - 157).

(14)

المغني (12/ 52 - 53).

ص: 172

احتجَّ من قال: إن ديته ثلث دية المسلم بفعل عمر

(1)

المذكور من عدم رفع دية أهل الذمة وأنها كانت في عصره أربعة آلاف درهم ودية المسلم اثنا عشر ألف درهم.

ويجاب عنه بأن فعل عمر ليس بحجة على فرض عدم معارضته لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، فكيف وهو هنا معارض للثابت قولًا وفعلأ. وتمسكوا في جعل دية المجوسي ثلثي عشر دية المسلم بفعل عمر المذكور في الباب.

ويجاب عنه بما تقدم ويمكن الاحتجاج لهم بحديث عقبة بن عامر

(2)

الذي ذكرناه فإنه موافق لفعل عمر، لأن ذلك المقدار هو ثلثا عشر الدية إذ هي اثنا عشر ألف درهم وعشرها اثنا عشر مائة، وثلثا عشرها ثمانمائة.

ويجاب بأن إسناده ضعيف كما أسلفنا فلا يقوم بمثله حجة.

لا يقال: إن الرواية الثانية من حديث الباب

(3)

بلفظ: "قضى أن عقل أهل الكتابين، إلخ" مقيدة باليهود والنصارى، والرواية الأولى منه مطلقة فيحمل المطلق على المقيد، ويكون المراد بالحديث دية اليهود والنصارى دون المجوس.

لأنا نقول: لا نسلم صلاحية الرواية الثانية للتقييد ولا للتخلص، لأن ذلك من التنصيص على بعض أفراد المطلق أو العام، وما كان كذلك فلا يكون مقيدًا لغيره ولا مخصصًا له، ويوضح ذلك: أن غاية ما في قوله: عقل أهل الكتابين أن يكون من عداهم بخلافهم لمفهوم اللَّقَب، وهو غير معمولٍ به عند الجمهور وهو الحقُّ فلا يصلح لتخصيص قوله صلى الله عليه وسلم:"عقل الكافر نصف دية المسلم" ولا لتقييده على فرض الإطلاق ولا سيما ومخرج اللفظين واحدٌ والراوي واحدٌ، فإنَّ ذلك يفيد: أن أحدهما من تصرُّف الراوي، واللازم الأخذ بما هو مشتمل على زيادة، فيكون المجوسيُّ داخلًا تحت ذلك العموم، وكذلك كل من له ذمّة من الكفار، ولا يخرج عنه إلا من لا ذمّة له، ولا أمان، ولا عهد من

(1)

تقدم برقم (3065) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم، وقد أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 208) والبيهقي (8/ 101) وغيرهم بسند ضعيف.

(3)

تقدم برقم (3064) من كتابنا هذا.

ص: 173

المسلمين؛ لأنه مباحُ الدم، ولو فرض عدم دخول المجوسيِّ تحت ذلك اللفظ؛ كان حكمه حكم اليهود والنصارى، والجامع الذمة من المسلمين للجميع ويؤيد ذلك حديث:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب"

(1)

.

واحتج القائلون بأن دية الذمي كدية المسلم بعموم قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}

(2)

، قالوا: وإطلاق الدية يفيد: أنَّها الدية المعهودة، وهي دية المسلم.

ويجاب عنه (أولًا) بمنع كون المعهود ههنا هو دية المسلم، لِمَ لا يجوز أن يكون المراد بالدية الدية المتعارفة بين المسلمين لأهل الذمة والمعاهدين.

(وثانيًا) بأن هذا الإطلاق مقيد بحديث الباب.

واستدلوا (ثانيًا) بما أخرجه الترمذي

(3)

عن ابن عباس، وقال: غريب: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ودى العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضَّمْري - وكان لهما عهدٌ من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يشعر به عمرو - بدية المسلمين.

وبما أخرجه البيهقي

(4)

عن الزهريِّ: أنها كانت دية اليهوديِّ والنصرانيِّ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مثل دية المسلم، وفي زمن أبي بكر وعمر وعثمان، فلما كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف وألقى النصف في بيت المال. قال: ثم قضى عمر بن عبد العزيز بالنصف وألغى ما كان جعل معاوية.

وبما أخرجه

(5)

أيضًا عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية العامريين دية الحر المسلم وكان لهما عهد".

وأخرج

(6)

أيضًا من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم جعل دية المعاهدين دية المسلم.

(1)

يأتي تخريجه في كتاب الجهاد والسير، الباب السابع عند الحديث رقم (17/ 3474) من كتابنا هذا.

(2)

سورة النساء، الآية (92).

(3)

في سننه رقم (1404) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه".

قلت: إسناده ضعيف لأن سعيد بن المرزبان أبو سعد البقال: لا يحتج به.

(4)

في السنن الكبرى (8/ 102).

(5)

أي: البيهقي في السنن الكبرى (8/ 102).

(6)

أي: البيهقي في السنن الكبرى (8/ 102).

ص: 174

وأخرج

(1)

أيضًا عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى ذميًا دية مسلم".

ويجاب عن حديث ابن عباس بأن في إسناده [أبا سعيد](2) البقال واسمه سعيد بن المرزبان ولا يحتج بحديثه، والراوي عنه أبو بكر بن عياش، وحديث الزهري مرسل ومراسيله قبيحة، لأنه حافظ كبير لا يرسل إلا لعلة.

وحديث ابن عباس الآخر في إسناده أيضًا [أبو سعيد]

(2)

البقال المذكور، وله طريق أخرى فيها الحسن بن عمارة وهو متروك

(3)

.

وحديث ابن عمر في إسناده أبو كرز

(4)

وهو أيضًا متروك.

ومع هذه العلل فهذه الأحاديث معارضة بحديث الباب

(5)

وهو أرجح منها من جهة صحته، وكونه قولًا وهذه فعلًا والقول أرجح من الفعل، ولو سلمنا صلاحيتها للاحتجاج وجعلناها مخصصة لعموم حديث الباب كان غاية ما فيها إخراج المعاهد ولا ضير في ذلك، فإن بين الذمي والمعاهد فرقًا، لأن الذمي ذل ورضي بما حكم به عليه من الذلة بخلاف المعاهد فلم يرضَ بما حكم عليه به منها فوجب ضمان دمه وماله الضمان الأصلي الذي كان بين أهل الكفر وهو الدية الكاملة التي ورد الإسلام بتقريرها.

ولكنه يعكر على هذا ما وقع في رواية من حديث عمرو بن شعيب عند

(1)

أي البيهقي في السنن الكبرى (8/ 102).

(2)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) وهو خطأ. والصواب (أبا سعد) كما في التاريخ الكبير (2/ 1/ 525) والكنى للدولابي (1/ 186) والجرح والتعديل (4/ 62) والكامل (3/ 1219) والمجروحين (1/ 315) والميزان (2/ 157).

(3)

الحسن بن عمارة البجلي مولاهم، أبو محمد الكوفي. لا يحتج به.

انظر: الجرح والتعديل (3/ 27) والكامل (2/ 698) والمجروحين (1/ 229) والميزان (1/ 514).

(4)

عبد الله بن كُرْز، أبو كرز قاضي الموصل، عن نافع. قال البخاري: هو عبد الله بن عبد الملك بن كرز. متروك.

["المغني في الضعفاء" للذهبي (1/ 351 رقم الترجمة 3313)].

(5)

تقدم برقم (3064) من كتابنا هذا.

وهو حديث حسن.

ص: 175

أبي داود

(1)

بلفظ: "دية المعاهد نصف دية الحر"، وتخلص عن هذا بعض المتأخرين فقال: إن لفظ المعاهد يطلق على الذمي فيحمل ما وقع في حديث عمرو بن شعيب

(2)

عليه ليحصل الجمع بين الأحاديث، ولا يخفى ما في ذلك من التكلف.

والراجح العمل بالحديث الصحيح وطرح ما يقابله مما لا أصل له في الصحة.

وأما ما ذهب إليه أحمد

(3)

من التفصيل باعتبار العمد والخطأ فليس عليه دليل.

[الباب الثالث] باب دية المرأة في النفس وما دونها

12/ 3066 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عَقْلُ المَرأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حتَّى يبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهِ". رَوَاهُ النَّسائيُّ

(4)

والدَّارَقُطْنِيُّ)

(5)

. [ضعيف]

13/ 3067 - (وعَنْ رَبيعَةَ بْنِ أبي عَبدِ الرَّحمنِ أنهُ قالَ: سألت سعيد بْنِ المُسَيَّبِ: كمْ في أصْبُعِ المَرْأَةِ؟ قالَ: عشْرٌ مِنَ الإبلِ، قلْتُ: كمْ في أصْبُعَيْنِ؟ قالَ: عِشرُون مِنَ الإبلِ، قلْتُ: فكَمْ في ثَلاثِ أصَابِعَ؟ قالَ: ثلَاثونَ مِنَ الإبلِ، قلْتُ: فكَمْ في أَرْبَعِ أَصَابِعَ؟ قالَ: عشْرُونَ مِنَ الإبِلِ، قُلْتُ: حِينَ عَظُمَ جُرْحهَا واشْتَدَّتْ مُصِيبتها نَقصَ عَقْلُها، قالَ سعِيدٌ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قلْتُ: بلْ

(1)

في سننه رقم (4583).

وهو حديث حسن.

(2)

تقدم برقم (3064) من كتابنا هذا.

(3)

المغني (12/ 52 - 53).

(4)

في سننه رقم (4805).

(5)

في السنن (3/ 91 رقم 38).

وهو حديث ضعيف لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين، فإن ابن جريج حجازي مكي. وقد قال يحيى بن معين: هو ثقة فيما روى عن الشاميين.

ص: 176

عالِمٌ مُتَثَبِّتٌ أوْ جاهِلٌ متعَلِّمٌ، قالَ: هِيَ السُّنَّةُ يا ابْنَ أَخِي. رَوَاهُ مالكٌ في المُوطَّأ

(1)

عنه). [مقطوع صحيح]

حديث عمرو بن شعيب هو من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عنه، وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة كما حكي ذلك عنه في بلوغ المرام

(2)

.

وحديث سعيد بن المسيب أخرجه أيضًا البيهقي

(3)

[من طريق مالك]

(4)

وعلى تسليم أن قوله: من السنة، يدل على الرفع فهو مرسل.

وقد قال الشافعي

(5)

فيما أخرجه عنه البيهقي أن قول سعيد: من السنة، يشبه أن يكون عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن عامة من أصحابه ثم قال: وقد كنا نقول: إنه على هذا المعنى، ثم وقفت عنه وأسأل الله الخير لأنا قد نجد منهم من يقول السنة، ثم لا نجد لقوله السنة نفاذًا إنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، والقياس أولى بنافيها.

وروى صاحب التلخيص

(6)

عن الشافعي أنه قال: كان مالك يذكر أنه السنة وكنت أتابعه عليه وفي نفسي منه شيء، ثم علمت أنه يريد أنه سنة أهل المدينة فرجعت عنه.

وفي الباب عن معاذ بن جبل

(7)

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دية المرأة نصف دية

(1)

في الموطأ (2/ 860).

قلت: وأخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 360 - 361 رقم 358) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 96) وفي معرفة السنن والآثار (6/ 226 رقم 4921 - العلمية) بسند صحيح.

وخلاصة القول: أنه مقطوع صحيح، والله أعلم.

(2)

رقم الحديث (9/ 1112) بتحقيقي.

(3)

في السنن الكبرى (8/ 96) وقد تقدم.

(4)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(5)

انظر: السنن الكبرى للبيهقي (8/ 96).

(6)

الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 49).

(7)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 95) وقال: ويروى ذلك من وجه آخر عن عبادة بن نسي، وفيه ضعف. وفي الباب الذي بعده (8/ 96) روي عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت مثله.

وقال ابن الملقن في "البدر المنير"(8/ 442): "قلت: وسيأتي في آخر الباب آثارًا تعضد هذا". اهـ.

ص: 177

الرجل"، قال البيهقي

(1)

: إسناده لا يثبت مثله.

وأخرج البيهقي

(2)

عن علي أنه قال: دية المرأة على النصف من دية الرجل في الكل، وهو من رواية إبراهيم النخعي عنه وفيه انقطاع.

وأخرجه ابن أبي شيبة

(3)

من طريق الشعبي عنه، وأخرجه أيضًا

(4)

من وجه آخر عنه وعن عمر.

قوله: (عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديته)، فيه دليل على أنَّ أرش المرأة يساوي أرش الرَّجل في الجراحات التي لا يبلغ أرشها إلى ثلث دية الرجل، وفيما بلغ أرشه إلى مقدار الثلث من الجراحات يكون أرشها فيه كنصف أرش الرجل، لحديث سعيد بن المسيب

(5)

المذكور.

وإلى هذا ذهب الجمهور من أهل المدينة منهم مالك (6) وأصحابه، وهو مذهب سعيد بن المسيب كما تقدم في رواية مالك

(6)

عنه. ورواه أيضًا عن عروة بن الزبير، وهو مروي عن عمر

(7)

وزيد بن ثابت

(8)

وعمر بن عبد العزيز، وبه قال أحمد

(9)

وإسحاق والشافعي

(10)

في قول، وصفة التقدير أن يكون على الصفة المذكورة في حديث الباب عن سعيد بن المسيب فإنه جعل أرش إصبعها عشرًا، وأرش الأصبعين عشرين، وأرش الثلاث ثلاثين لأنها دون ثلث دية الرجل، فلما سأله السائل عن أرش الأربع الأصابع جعلها عشرين من الإبل، لأنها لما جاوزت ثلث دية الرجل وكان أرش الأصابع الأربع من الرجل أربعين من الإبل كان أرش الأربع من المرأة عشرين، وهذا كما قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن:"إن المرأة حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها".

(1)

في السنن الكبرى (8/ 96).

(2)

في السنن الكبرى (8/ 96) وفيه انقطاع.

(3)

في المصنف (9/ 296 - 297).

(4)

أي ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 300).

(5)

تقدم برقم (3067) من كتابنا هذا.

(6)

عيون المجالس (5/ 2028 - 2029 رقم 1459).

(7)

أخرج أثر عمر بألفاظ متقاربة عبد الرزاق في المصنف رقم (17748) و (17753).

(8)

أخرج أثر زيد بن ثابت البيهقي في السنن الكبرى (8/ 96).

(9)

المغني (12/ 57 - 58).

(10)

الأم (7/ 261) والبيان للعمراني (11/ 551 - 552).

ص: 178

والسبب في ذلك أن سعيدًا جعل التنصيف بعد بلوغ الثلث من دية الرجل راجعًا إلى جميع الأرش، ولو جعل التنصيف باعتبار المقدار الزائد على الثلث، لا باعتبار ما دونه، فيكون مثلًا في الأصبع الرابعة من المرأة خمس من الإبل، لأنها هي التي جاوزت الثلث، ولا يحكم بالتنصيف في الثلاث الأصابع، فإذا قطع من المرأة أربع أصابع كان فيها خمس وثلاثون ناقة لم يكن في ذلك إشكال، ولم يدل حديث عمرو بن شعيب

(1)

المذكور إلا على أن أرشها في الثلث فما دون مثل أرش الرجل، وليس في ذلك دليل على أنها إذا حصلت المجاوزة للثلث لزم تنصيف ما لم يجاوز الثلث من الجنايات على فرض وقوعها متعددة، كالأصابع والأسنان، وأما لو كانت جنايةً واحدةً مجاوزةً للثلث من دية الرجل فيمكن أن يقال باستحقاق نصف أرش الرجل في الكلِّ، فإنْ كان ما أفتى به سعيد مفهومًا من مثل حديث عمرو بن شعيب فغير مسلَّم، وإنْ كان حفظ ذلك التفصيل من السنة التي أشار إليها، فإن أراد سنة أهل المدينة كما تقدم عن الشافعي فليس في ذلك حجة، وإنْ أراد السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فنعم، ولكن مع الاحتمال لا ينتهض إطلاق تلك السنة للاحتجاج به، ولا سيما بعد قول الشافعي

(2)

إنه علم أن سعيدًا أراد سنة أهل المدينة، ومع ذلك فالمرسل لا تقوم به حجة، فالأولى أن يحكم في الجنايات المتعددة بمثل أرش الرجل في الثلث فما دون، وبعد المجاوزة يحكم بتنصيف الزائد على الثلث فقط لئلا يتقحم الإنسان في مضيق مخالف للعدل والعقل والقياس بلا حجة نيرة.

وحكى صاحب البحر

(3)

عن ابن مسعود وشريح أن أرش المرأة يساوي أرش الرجل، حتى يبلغ أرشها خمسًا من الإبل ثم ينصف.

قال في نهاية المجتهد

(4)

: إنَّ الأشهر عن ابن مسعودٍ، وعثمان، وشريحٍ، وجماعة: أن دية جراحة المرأة مثلُ دية جراحة الرجل؛ إلا الموضحة فإنَّها على النصف.

(1)

تقدم برقم (3066) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم قريبًا (ص 177).

(3)

البحر الزخار (5/ 286).

(4)

في بداية المجتهد ونهاية المقتصد (4/ 353) بتحقيقي.

ص: 179

وحكي في البحر

(1)

أيضًا عن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار: أنَّهما يستويان حتى يبلغ أرشها خمس عشرة من الإبل.

وعن الحسن البصري

(2)

: يستويان إلى النصف ثم ينصف، وهذه الأقوال لا دليل عليها.

وذهب علي، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والليث، والثوري، والعترة

(3)

والشافعية

(4)

والحنفية

(5)

كما حكى ذلك عنهم صاحب البحر

(6)

إلى أن أرش المرأة نصفُ أرش الرجل في القليل والكثير.

واستدلوا بحديث معاذ

(7)

الذي ذكرناه، وهو مع كونه لا يصلح للاحتجاج به لما سلف يمكن الجمع بينه وبين حديث الباب إما بحمله على الدية الكاملة كما هو ظاهر اللفظ.

وذلك مجمع عليه كما حكاه في البحر (6) في موضعين.

حكى في أحدهما

(8)

بعد حكاية الإجماع خلافًا للأصم وابن عليّة أن ديتها مثلُ دية الرجل، ويمكن الجمع بوجه آخر على فرض أن لفظ الدية يصدق على دية النفس وما دونها وهو أن يقال: هذا العموم مخصوص بحديث عمرو بن شعيب

(9)

المذكور فتكون ديتها كنصف ديةُ الرجل فيما جاوز الثلث فقط.

[الباب الرابع] باب دية الجنين

14/ 3068 - (عَنْ أَبِي هُرَيرَة قالَ: قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثمَّ إنَّ المرْأَةَ التي قَضَى عَلَيْها بالْغُرةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بأنَّ مِيرَاثها لِبَنيها وَزوْجِها وأَنَّ العقْلَ على عَصَبَتِها. [صحيح]

(1)

البحر الزخار (5/ 286).

(2)

حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(12/ 57). وموسوعة فقه الحسن البصري (1/ 285).

(3)

البحر الزخار (5/ 286).

(4)

البيان للعمراني (11/ 551).

(5)

البناية في شرح الهداية (2/ 792).

(6)

البحر الزخار (5/ 275، 286).

(7)

تقدم (ص 177 - 178) من كتابنا هذا.

(8)

البحر الزخار (5/ 275).

(9)

تقدم برقم (3066) من كتابنا هذا.

ص: 180

وَفِي رِوَايَةٍ: اقْتَتَلَتِ امْرأَتان مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُما الأخْرَى بحَجَرٍ فقَتَلْتَها ومَاء في بَطْنِها، فاخْتَصَمُوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَضَى أن ديَةَ جَنِينها غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ وَليدَةٌ، وَقَضى بِدِية المَرْأَةِ على عاقلتها مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما

(1)

. [صحيح]

وفِيه دليلٌ على أَن دِية شِبْه العمدْ تحْمِلُها العاقلةُ).

15/ 3069 - (وعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ في إمْلَاصِ المَرأَةِ، فقالَ المُغِيرَةُ: قضى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ بالْغُرَّةِ: عبْدٍ أَو أَمَةٍ، فَشَهِدَ محمَّدُ بْنُ مَسْلمةَ أنهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضى به. مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(2)

. [صحيح]

16/ 3070 - (وعَنِ المُغِيرةِ أَنَّ امْرَأَةً ضَرَبَتْها ضَرَّتُها بِعَمُود فسْطَاطٍ، فَقَتَلَتْها وَهِيَ حُبْلَى فأُتِيَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقضَى فِيهَا على عَصَبَةِ الْقاتلةِ بالدِّيَةِ في الجَنِينِ غُرَّةٌ، فقالَ عَصبَتُها: أَنَدِي ما لَا طَعِمَ ولَا شَرِبَ ولَا صَاحَ ولَا اسْتَهَلّ، مِثلُ ذلِكَ يُطَلُّ، فَقالَ:"سَجْعٌ مثلُ سجْعِ الأعْرَابِ". رَواهُ أحمدُ

(3)

وَمُسْلِمٌ

(4)

وأَبُو داوُد

(5)

والنَّسائيُّ

(6)

، وكَذَلِكَ التِّرمذيُّ

(7)

وَلمْ يَذْكُرِ اعْتِرَاضَ العَصَبَة وجَوَابَهُ). [صحيح]

17/ 3071 - (وعن ابن عبَّاسٍ في قِصَّةِ حَمَلِ بْنِ مالكٍ قالَ: فَأَسقَطَتْ غُلامًا قَدْ نَبَتَ شَعْرُهُ مَيِّتًا وَمَاتَتَ المرأَةُ فَقَضَى على العَاقِلَةِ بالدِّيةِ، فقالَ عَمُّها: إنَّها قدْ أسْقَطَتْ يا نَبِيّ الله غُلامًا قَدْ نَبتَ شَعْر، فَقالَ أبُو القَاتِلَةِ: إنَّهُ كَاذِب إنَّهُ وَالله ما اسْتَهَلَّ ولَا شَرب [ولا أكَلَ]

(8)

فَمِثْلُهُ يُطَلُّ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أسَجْعُ الجَاهِلِيَّةِ وكَهَانَتِها، أَدِّ في الصَّبِيِّ غُرةً". رَوَاهُ أبو داوُد

(9)

والنَّسائيُّ

(10)

. [صحيح لغيره]

(1)

أحمد في المسند (2/ 274) والبخاري رقم (6740) ومسلم رقم (36/ 1681).

(2)

أحمد في المسند (2/ 244) والبخاري رقم (6905) ومسلم رقم (39/ 1689).

(3)

في المسند (4/ 246).

(4)

في صحيحه رقم (37/ 1682).

(5)

في سننه رقم (4568).

(6)

في سننه رقم (4822).

(7)

في سننه رقم (1410).

وهو حديث صحيح.

(8)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(9)

في سننه رقم (4574).

(10)

في سننه رقم (4828).

ص: 181

وَهْوَ دَليلٌ على أن الأبَ مِنَ العَاقِلةِ).

حديث ابن عباس أخرجه أيضًا ابن ماجه

(1)

وابن حبان

(2)

والحاكم

(3)

وصحَّحاه.

قوله: (في جنين امرأةٍ) الجنين - بفتح الجيم بعده نونان بينهما ياء تحتية ساكنة، بوزن عظيم - وهو حمل المرأة ما دام في بطنها

(4)

سمي بذلك لاستتاره، فإنْ خرج حيًّا؛ فهو ولد، أو ميتًا، فهو سقط، وقد يطلق عليه جنين. قال الباجي في شرح رجال الموطإ

(5)

: الجنين: ما ألقته المرأة مما يعرف أنَّه ولدٌ، سواء كان ذكرًا، أو أنثى، ما لم يستهلَّ صارخًا.

قوله: (بغرَّةٍ) - بضمِّ الغين المعجمة، وتشديد الراء - وأصلها: البياض في وجه الفرس.

قال الجوهري

(6)

: كأنَّه عبر بالغرَّة عن الجسم كلِّه، كما قالوا: أعتق رقبة وقوله: "عبد أو أمةٍ" تفسيرٌ للغرّة، وقد اختلف؛ هل لفظ غرَّةٍ مضاف إلى عبدٍ أو منون؟ قال الإسماعيلي

(7)

: قرأه العامة بالإضافة وغيرهم بالتنوين.

وحكي القاضي عياض

(8)

الاختلاف، وقال: التنوين أوجه؛ لأنه بيانٌ للغرَّة ما هي؟ وتوجيه الإضافة: أن الشيء قد يضاف إلى نفسه لكنه نادرٌ.

قال الباجي

(9)

: يحتمل أن [تكون]

(10)

"أو" شكًا من الراوي في تلك الواقعة المخصوصة، ويحتمل أن تكون للتنويع وهو الأظهر.

(1)

في سننه رقم (2639).

(2)

في سننه رقم (6019).

(3)

في المستدرك (3/ 575).

قلت: وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير رقم (11767) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 115) والخطيب في "الأسماء المبهمة"(ص 512 - 513).

وهو حديث صحيح لغيره.

(4)

النهاية في غريب الحديث (1/ 300).

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 247).

(6)

في الصحاح (2/ 768).

(7)

ذكره الحافظ في الفتح (12/ 247).

(8)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 488 - 489).

(9)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 247).

(10)

في المخطوط (ب): (يكون).

ص: 182

قال في الفتح

(1)

: قيل: المرفوع من الحديث قوله: "بغرّة"، وأما قوله:"عبدٍ أو أمة" فشك من الراوي في المراد بها.

وروي عن أبي عمرو بن العلاء: أنَّه قال: الغرّة: عبد أبيضٌ، أو أمةٌ بيضاءُ. فلا يجزي عنده في دية الجنين الرقبةُ السوداءُ؛ وذلك منه مراعاةً لأصل الاشتقاق، وقد شذَّ بذلك، فإن سائر أهل العلم يقولون بالجواز.

وقال مالك

(2)

: الحمران أولى من السودان.

قال في الفتح

(3)

وفي رواية ابن أبي عاصم: "ما له عبد ولا أمة، قال: عشر من الإبل، قالوا: ما له شيء إلا أن تعينه من صدقة بني لحيان، فأعانه بها".

وفي حديثه عند الحارث بن أبي أسامة

(4)

: "وفي الجنين عبد، أو أمة، أو عشر من الإبل، أو مائة شاة".

(1)

(12/ 249).

(2)

قال أبو سعيد البراذِعيّ القيرواني في "التهذيب في اختصار المدونة": (4/ 574): "قال مالك: والحمران من الرقيق أحب إليّ من السودان، فإن قل الحمران بتلك البلدة فليؤخذ من السودان.

والقيمة في ذلك خمسون دينارًا أو ستمائة درهم، وليست القيمة بسنة مجمع عليها، وإنا لنرى ذلك حسنًا". اهـ.

(3)

الفتح (12/ 249).

(4)

كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث"(ص 182) رقم (584).

قلت: وأخرجه ابن حجر في "المطالب العالية"(ج 9 رقم 1902).

بسند رجاله كلهم ثقات.

وأخرجه الطبراني في الكبير (ج 4 رقم 3485) من طريق مسدد بن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة به بنحوه.

قال الألباني في الصحيحة (4/ 637): إسناده صحيح.

• وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد (2/ 216) من طريق ابن إسحاق، قال: "ذكر عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، قال: قضى رسول الله في عقل الجنين إذا كان في بطن أمّه بغرَّة عبد أبو أمة، فقضى بذلك في امرأة حمل بن مالك بن النابغة الهذليّ.

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 299): "رواه أحمد وفيه ابن إسحاق وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات". =

ص: 183

ووقع في حديث أبي هريرة

(1)

: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرةٍ عبدٍ، أو أمةٍ، أو فرسٍ، أو بغل".

وكذا وقع عند عبد الرزاق

(2)

عن حمل بن النابغة: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية في المرأة وفي الجنين غرة عبد أو أمة أو فرس"، وأشار البيهقي

(3)

إلى أن ذكر الفرس في المرفوع وهم، وأنَّ ذلك أدرج من بعض رواته على سبيل التفسير للغرَّة، وذكر أنَّه في رواية حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس بلفظ:

= وقال الحافظ في "الفتح"(12/ 248): "أخرجه الحارث من طريق أبي المليح فأرسله، لم يقل: عن أبيه".

• والخلاصة: أن إسناده مرسل كما نص عليه الحافظ، وقد رُوي من طرق أخرى متصلًا عن أبي المليح عن أبيه بأسانيد يرتقي بمجموعها إلى الصحيح لغيره. وأمّا متنه فصحيح ثابت من طرق أخرى.

(منها): حديث ابن عباس. أخرجه أبو داود رقم (4574) والنسائي رقم (4828) والطبراني في الكبير (ج 11 رقم 11767) والبيهقي (8/ 115) من طرق عن أسباط، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قصة حمل بن مالك، قال: فأسقطت غلامًا قد نبت شعره ميتًا، وماتت المرأة، فقضى على العاقلة الدية، فقال عمّها: إنها قد أسقطت يا نبي الله غلامًا قد نبت شعره، فقال أبو القاتلة: إنه كاذب، إنه والله ما استهلّ ولا شرب ولا أكل. فمثله يُطَلُّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أسجع الجاهلية وكهانتها أدِّ في الصبي غرة".

قال ابن عباس: كان اسم إحداهما مُلَيْكة، والأخرى أم غطيف.

وهو حديث صحيح لغيره، وقد تقدم برقم (3071) من كتابنا هذا.

(ومنها): حديث المغيرة بن شعبة. أخرجه مسلم رقم (38/ 1682) وأبو داود رقم (4568) والترمذي رقم (1411) والنسائي رقم (4825) وابن الجارود رقم (778) وابن حبان رقم (6016) من طرق عن شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحد الرجلين: كيف ندِي من لا صاح ولا أكل، ولا شرب ولا استهل، فقال:"أسجع كسجع الأعراب" فقضى فيه بغرَّة وجعله على عاقلة المرأة. واللفظ لأبي داود.

وهو حديث صحيح، وقد تقدم برقم (3070) من كتابنا هذا.

(1)

أخرجه أبو داود رقم (4579).

قال أبو داود: رَوَى هذا الحديث حماد بن سلمة وخالد بن عبد الله بن محمد بن عمر ولم يذكرا أو فرسٍ أو بغلٍ".

وهو حديث شاذ والله أعلم.

(2)

في "المصنف" رقم (18339).

(3)

في السنن الكبرى (8/ 115).

ص: 184

"فقضى أن في الجنين غرة"، قال طاوس: الفرس غرَّةٌ؛ وكذا أخرج الإسماعيلي

(1)

عن عروة قال: الفرس غرَّةٌ. وكأنهما رأيا: أن الفرس أحقُّ بإطلاق الغرة من الآدمي.

ونقل ابن المنذر، والخطابى

(2)

عن طاوس، ومجاهد، وعروة بن الزبير: الغرة عبد أو أمة أو فرس

(3)

.

وتوسع داود ومن تبعه من أهل الظاهر فقالوا: يجزئ كل ما وقع عليه اسم غرة.

وحكي في الفتح

(4)

عن الجمهور: أن أقلَّ ما يجزي من العبد والأمة ما سلم [من]

(5)

العيوب التي يثبت بها الردُّ في البيع؛ لأن المعيب ليس من الخيار.

واستنبط الشافعي

(6)

من ذلك أن يكون منتفعًا به بشرط أن لا ينقص عن سبع سنين؛ لأن من لم يبلغها لا يستقلَّ غالبًا بنفسه، فيحتاج إلى التعهد بالتربية، فلا يجبر المستحقُّ على أخذه، وافقه على ذلك القاسمية.

وأخذ بعضهم من لفظ الغلام المذكور في رواية أن لا يزيد على خمس عشرة ولا تزيد الجارية على عشرين.

وقال ابن دقيق العيد

(7)

: إنه يجزئ ولو بلغ الستين وأكثر منها ما لم يصل إلى سنِّ الهرم، ورجحه الحافظ

(8)

وذهب الباقر (9) والصادق والناصر

(9)

في أحد قوليه إلى أن الغرة عشر الدية، وخالفهم في ذلك الجمهور وقالوا: الغرة ما ذكر في الحديث.

قال في الفتح

(10)

: وتطلق الغرَّةُ على الشيء النفيس، آدميًا كان أم غيره، ذكرًا أم أنثى.

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 249).

(2)

في "معالم السنن"(4/ 697 - مع السنن).

(3)

انظر: المغني (12/ 64).

(4)

في "الفتح"(12/ 249).

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

في الأم (7/ 268 - 269).

(7)

في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام"(ص 853) ط: ابن حزم.

(8)

في "الفتح"(12/ 250).

(9)

البحر الزخار (5/ 258).

(10)

(12/ 249).

ص: 185

وقيل: أطلق على الآدمي غرّة؛ لأنه أشرف الحيوان فإن محلَّ الغرة الوجه، وهو أشرف الأعضاء.

قال في البحر

(1)

: واشتقاقها من غرة الشيء، أي: خياره. وفي القاموس

(2)

: والغرة بالضم العبدُ، والأمة.

قوله: (ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت)، وفي الرواية الثانية:"فقتلتها وما في بطنها".

وفي رواية المغيرة

(3)

المذكورة: "فقتلتها وهي حبلى".

وفي حديث ابن عباس

(4)

المذكور: "فأسقطت غلامًا قد نبت شعره ميتًا وماتت المرأة".

ويجمع بين هذه الروايات: بأن موت المرأة تأخر عن موت ما في بطنها فيكون قوله: فقتلتها وما في بطنها إخبارًا بنفس القتل، وسائر الروايات يدل على تأخر موت المرأة.

قوله: (في إملاص المرأة) وقع تفسير الإملاص في الاعتصام من البخاري

(5)

: هو أن تضرب المرأة في بطنها فتلقي جنينها، وهذا التفسير أخصُّ من قول أهل اللغة: إنَّ الإملاص أن تزلقه المرأة قبل الولادة؛ أي: قبل حين الولادة، هكذا نقله أبو داود في السنن

(6)

عن أبي عبيد

(7)

، وهو كذلك في الغريب له.

وقال الخليل

(8)

: أملصت الناقة إذا رمت ولدها.

وقال ابن القطاع

(9)

: أملصت الحامل: ألقت ولدها. ووقع في بعض الروايات ملاص بغير ألف كأنه اسم فعل الولد فحذف وأقيم المضاف إليه مقامه أو اسم لتلك الولادة كالخداج.

(1)

البحر الزخار (5/ 258).

(2)

القاموس المحيط (ص 578).

(3)

تقدم برقم (3070) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (3071) من كتابنا هذا.

(5)

في صحيحه رقم (7317).

(6)

في السنن (4/ 698).

(7)

في غريب الحديث (1/ 177).

(8)

في كتابه "العين"(ص 924).

(9)

حكاه عنه الحافظ في الفتح (12/ 250).

ص: 186

وروى الإسماعيلي

(1)

عن هشام أنه قال: الملاص: الجنين. وقال صاحب البارع

(2)

: الإملاص: الإسقاط.

قوله: (فشهد محمد بن مسلمة) زاد البخاري

(3)

في روايةٍ: "فقال عمر: من يشهد معك؟ فقام محمد بن مسلمة فشهد له".

وفي رواية له

(4)

أن عمر قال للمغيرة: لا نبرح حتى تجيء بالمخرج مما قلت، قال: فخرجت فوجدت محمد بن مسلمة، فجئت به فشهد معي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قضى به.

قوله: (فسطاط)

(5)

هو الخيمة.

قوله: (فقضى فيها على عصبة القاتلة) في حديث أبي هريرة

(6)

المذكور: "وقضى بدية المرأة على عاقلتها".

وفي حديث ابن عباس

(7)

المذكور أيضًا: "فقضى على العاقلة بالدية"، وظاهر هذه الروايات يخالف ما في الرواية الأولى من حديث أبي هريرة (6) حيث قال:"ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة".

ويمكن الجمع بأن نسبة القضاء إلى كونه على المرأة باعتبار أنها هي المحكوم عليها بالجناية في الأصل فلا ينافي ذلك الحكم على عصبتها بالدية، والمراد بالعاقلة المذكورة هي العصبة وهم من عدا الولد وذوي الأرحام.

ووقع في رواية عند البيهقي

(8)

فقال أبوها: "إنما يعقلها أبوها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الدية على العصبة"، وفي حديث أبي هريرة (6) المذكور: "فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لزوجها وبنيها وأن العقل على عصبتها، وسيأتي

(1)

حكاه عنه الحافظ في الفتح (12/ 250).

(2)

لم أجده في "البارع" لأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي، المطبوع. ولعله في القسم المفقود منه.

(3)

في صحيحه رقم (6906).

(4)

أي للبخاري في صحيحه رقم (6907، 7317).

(5)

لسان العرب (7/ 371).

(6)

تقدم برقم (3068) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (3071) من كتابنا هذا.

(8)

في السنن الكبرى (8/ 108).

ص: 187

الكلام على العاقلة وضمانها لدية الخطأ في باب العاقلة وما تحمله

(1)

.

وقد استدلَّ المصنف بحديث أبي هريرة

(2)

المذكور على أن دية شبه العمد تحملها العاقلة، وسيأتي تكميل الكلام عليه.

قوله: (مثل ذلك يُطَلُّ)

(3)

بضم أوله وفتح الطاء المهملة وتشديد اللام، أي: يبطل ويهدر، يقال: طلَّ القتل يطل فهو مطلول، وروي بالباء الموحدة وتخفيف اللام على أنه فعل ماض من البطلان.

قوله: (فقال: سجعٌ مثل سَجْعِ الأعراب)، استُدِلَّ بذلك على ذمّ السَّجع في الكلام، ومحلُّ الكراهة: إذا كان ظاهر التكلف، وكذا لو كان منسجمًا، لكنه في إبطال حقِّ أو تحقيق باطل، فأما لو كان منسجمًا وهو حق أو في مباحٍ، فلا كراهة بل ربما كان في بعضه ما يستحبُّ، مثل أن يكون فيه إذعانُ مخالفٍ للطاعة [وعلى هذا]

(4)

يحمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا عن غيره من السلف الصالح.

قال الحافظ

(5)

: والذي يظهر لي: أن الذي جاء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عن قصدٍ إلى التسجيع وإنما جاء اتفاقًا لعظم بلاغته.

وأما من بعد فقد يكون كذلك، وقد يكون عن قصد وهو الغالب، ومراتبهم في ذلك متفاوتةٌ جدًّا.

وفي قوله في حديث ابن عباس

(6)

المذكور: "أسَجْعُ الجاهلية وكهانتها"، دليل: على أن المذموم من السجع إنما هو ما كان من ذلك القبيل؛ الذي يراد به إبطال شرعٍ، أو إثباتُ باطلٍ أو كان مُتَكلفًا.

وقد حكى النووي

(7)

عن العلماء: أن المكروه منه إنما هو ما كان كذلك لا غيره.

قوله: (حَمَل بن مالك) بفتح الحاء المهملة، والميم وفي بعض الروايات:

(1)

الباب الثامن عند الحديث رقم (3082) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3068) من كتابنا هذا.

(3)

النهاية في غريب الحديث (2/ 121) وغريب الحديث للخطابي (3/ 289).

(4)

في المخطوط (ب): ولهذا.

(5)

في "الفتح"(12/ 252).

(6)

تقدم برقم (3071) من كتابنا هذا.

(7)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 781).

ص: 188

حَمَل بن النابغة، وهو نسبة إلى جده، وإلا فهو حمل بن مالك بن النابغة.

قوله: (فقال أبو القاتلة) في رواية لمسلم

(1)

وأبي داود

(2)

: "فقال حمل بن النابغة وهو زوج القاتلة".

وفي رواية للبخاري

(3)

: "فقال وليُّ المرأة".

وفي حديث أبي هريرة

(4)

المذكور في الباب: "فقال عصبتها".

وفي رواية للطبراني

(5)

: "فقال أخوها العلاء بن مسروح".

وفي رواية للبيهقي

(6)

من حديث أسامة بن عمير: "فقال أبوها".

ويجمع بين الروايات: بأنَّ كلَّ واحدٍ من أبيها، وأخيها، وزوجها قال ذلك؛ لأنهم كلهم من عصبتها، بخلاف المقتولة؛ فإن في حديث أسامة بن عمير: أن المقتولة عامرية، والقاتلة هذلية، فيبعد أن تكون عصبة إحدى المرأتين عصبة للأخرى مع اختلاف القبيلة.

وقد استُدِلَّ بأحاديث الباب: على أنَّه يجب في الجنين على قاتله الغرّةُ إنْ خرج ميتًا.

وقد حكى في البحر

(7)

الإجماع: على أنَّ المرأة إذا ضربت، فخرج جنينها بعد موتها، ففيها القود أو الدية.

وأمَّا الجنين: فذهبت العترة

(8)

والشافعية

(9)

: إلى أنَّ فيه الغرّةَ وهو ظاهر أحاديث الباب.

(1)

في صحيحه رقم (36/ 1681).

(2)

في السنن رقم (4576).

وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (5758).

(4)

تقدم برقم (3068) من كتابنا هذا.

(5)

في المعجم الكبير (ج 17 رقم 352).

وأروده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 300) وقال: فيه محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف".

(6)

في السنن الكبرى (8/ 108).

(7)

البحر الزخار (5/ 256).

(8)

البحر الزخار (5/ 256).

(9)

البيان للعمراني (11/ 498).

ص: 189

وذهب أبو حنيفة

(1)

ومالك

(2)

: إلى أنه لا يضمن.

وأما إذا مات الجنين بقتل أمه، ولم ينفصل: فذهبت العترة

(3)

والحنفية

(4)

والشافعية

(5)

: إلى أنه لا شيء فيه.

وقال الزهري: إن سكنت حركته ففيه الغرة. وردَّ: بأنه يجوز أن يكون غير آدمي فلا ضمان مع الشك.

قال في الفتح

(6)

: وقد شرط الفقهاء في وجوب الغرة انفصالَ الجنين ميتًا بسبب الجناية فلو انفصل حيًا ثم مات وجب فيه القود أو الدية كاملةً انتهى.

فإن أخرج الجنين رأسه ومات، ولم يخرج الباقي، فذهبت الحنفية

(7)

والشافعية

(8)

والهادوية

(9)

إلى أن فيه الغرة أيضًا، وذهب مالك

(10)

إلى أنه لا يجب فيه شيء.

قال ابن دقيق العيد

(11)

: ويحتاج من اشترط الانفصال إلى تأويل الرواية وحملها على أنه انفصل وإن لم يكن في اللفظ ما يدلُّ عليه.

وتعقب بما في حديث ابن عباس

(12)

المذكور: أنها أسقطت غلامًا قد نبت شعره ميتًا فإنه صريح في الانفصال، وبما في حديث أبي هريرة

(13)

المذكور في الباب بلفظ: "سقط ميتًا".

وفي لفظٍ للبخاري

(14)

: "فطرحت جنينها".

قيل: وهذا الحكم مختصٌّ بولد الحرة؛ لأنّ القصة وردت في ذلك، وما

(1)

المبسوط (26/ 87) والمختصر للطحاوي (5/ 175 - 176).

(2)

التهذيب في اختصار المدونة (4/ 575).

(3)

البحر الزخار (5/ 256).

(4)

المبسوط (26/ 87) والمختصر للطحاوي (5/ 176).

(5)

البيان للعمراني (11/ 497)

(6)

(12/ 251).

(7)

المبسوط (26/ 87).

(8)

البيان للعمراني (11/ 500).

(9)

البحر الزخار (5/ 256).

(10)

عيون المجالس (5/ 2058).

(11)

في "إحكام الأحكام"(ص 851) ط ابن حزم.

(12)

تقدم برقم (3071) من كتابنا هذا.

(13)

تقدم برقم (3068) من كتابنا هذا.

(14)

في صحيحه رقم (5759).

ص: 190

وقع في الأحاديث بلفظ إملاص المرأة ونحوه فهو وإن كان فيه عموم لكن الراوي ذكر أنه شهد واقعة مخصوصة.

وقد ذهب الشافعي

(1)

والهادوية

(2)

وغيرهم: إلى أن في جنين الأمة عُشر قيمة أمه، كما أن الواجب في جنين الحرة عشر ديتها.

[الباب الخامس] باب من قتل في المعترك من يظنه كافرًا فبان مسلمًا من أهل دار الإسلام

18/ 3072 - (عَنْ محمُودِ بْنِ لُبَيْدٍ قالَ: اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ المسْلِمِينَ على الْيَمَانِ أَبي حُذَيْفَةَ يَوْمَ أُحُدٍ ولَا يَعْرِفُونَهُ فقَتَلُوهُ، فأرَادَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يدِيَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفةُ بِدِيتِهِ على المُسْلِمينَ. رَوَاهُ أَحمدُ)

(3)

. [حسن]

19/ 3073 - (وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: كانَ أَبُو حُذَيْفةَ اليَمانِ شيْخًا كَبِيرًا، فَرفِعَ في الآطَامِ مَعَ النِّسَاءِ يَومَ أحُدٍ، فَخَرَجَ يَتَعَرّضُ للشَّهَادَةِ فَجاءَ مِنْ ناحِيةِ المشركينَ فابْتَدَرهُ المُسلمُونَ فَتَوشَّقُوهُ بأسْيَافِهِمْ وحُذَيْفَةُ يقُولُ: أَبي أَبي فلَا يَسْمَعُونهُ مِنْ شَغْلِ الحَرْبِ حتَّى قتَلُوهُ، فقالَ حُذَيْفَةُ: يَغفِرُ الله لكُمْ وهْوَ أَرحَمُ الرَّاحمِينَ، فَقَضَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بدِيته. رَواهُ الشَّافِعِيُّ)

(4)

[مرسل، بسند ضعيف]

حديث محمود بن لبيد في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس وبقية رجالِه رجال الصحيح.

وأصل الحديثين في صحيح البخاري

(5)

وغيره عن عروة عن عائشة قالت:

(1)

البيان للعمراني (11/ 501).

(2)

البحر الزخار (5/ 256).

(3)

في المسند (5/ 429) بسند حسن، من أجل محمد بن إسحاق - وهو ابن يسار المطلبي - فهو صدوق حسن الحديث. وقد صرح بالتحديث عند غير المصنف.

وأخرجه الطبري في "تاريخه"(2/ 530) والحاكم (3/ 203) والبيهقي (8/ 132) وابن هشام في السيرة (3/ 127 - 128).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(4)

في المسند (ج 2 رقم 341 - ترتيب) بسند ضعيف.

(5)

في صحيحه رقم (3824، 4065).

ص: 191

"لما كان يوم أحد هزم المشركون فصاح إبليس: أيّ عباد الله أُخْرَاكُم، فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال: أي عباد الله أبي أبي، قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، قال حذيفة: غفر الله لكم، قال عروة: فما زالت في حذيفة منه بقية خير حتى لحق بالله".

وقد أخرج أبو إسحاق الفزاريُّ في السيرة عن الأوزاعيِّ عن الزهري قال: أخطأ المسلمون بأبي حذيفة يوم أحد حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فبلغت النبي صلى الله عليه وسلم فوداه من عنده

(1)

.

وأخرج أبو العباس السَّراج في "تاريخه"

(2)

من طريق عكرمة: "أن والد حذيفة قتل يوم أحد قتله بعض المسلمين وهو يظن أنه من المشركين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

قال في الفتح

(3)

: ورجاله ثقات مع إرساله. انتهى.

وهذان المرسلان يقويان مرسل عروة المذكور

(4)

في الباب في دفع أصل الدية، وإن كان حديث عروة يدل على أنه لم يحصل منه صلى الله عليه وسلم إلا مجرد القضاء بالدية، ومرسل الزهري وعكرمة يدلان على أنه صلى الله عليه وسلم وداه من عنده.

وحديث محمود بن لبيد المذكور

(5)

يدل على أن حذيفة تصدق بدية أبيه على المسلمين، ولا تعارض بينه وبين تلك المرسلات لأن غاية ما فيها أنه وقع القضاء منه صلى الله عليه وسلم بالدية أو وقع منه الدفع لها من بيت المال، وليس فيها أن حذيفة قبضها وصيرها من جملة ماله حتى ينافي ذلك تصدقه بها عليهم.

ويمكن الجمع أيضًا بين تلك المرسلات بأنه وقع منه صلى الله عليه وسلم القضاء بالدية، ثم

(1)

أخرج الحارث في مسنده (ج 2 رقم 521 - بغية الباحث):

حدثنا معاوية بن عمرو، ثنا أبو إسحاق، عن الأوزاعي، عن الزهري، قال: أخطأ المسلمون بأبي حذيفة يوم أحد، فجعل يقول: أبي أبي. فلم يفهموا عنه حتى قتلوه، فقال: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فزاده عنده خيرًا، ووداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده". بسند ضعيف.

(2)

كما في "الفتح"(218/ 12).

(3)

(12/ 218)، وقال الحافظ: مرسل بسند رجاله ثقات.

(4)

تقدم برقم (19/ 3073) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (18/ 3072) من كتابنا هذا.

ص: 192

الدفع لها من بيت المال ثم تعقب ذلك التصدق بها من حذيفة.

وقد استدل المصنف رحمه الله تعالى بما ذكره على الحكم فيمن قتله قاتل في المعركة وهو يظنه كافرًا ثم انكشف مسلمًا [لدية]

(1)

، وقد ترجم البخاري

(2)

على حديث عائشة الذي ذكرناه فقال: "باب إذا مات من الزحام"، وترجم عليه في باب آخر

(3)

فقال: "باب العفو في الخطأ بعد الموت".

قال ابن بطال

(4)

: اختُلِفَ على عمر وعليٍّ هل تجب الدية في بيت المال أو لا؟ وبه قال إسحاق، أي: بالوجوب. وتوجيهه: أنه مسلم مات بفعل قوم من المسلمين فوجبت ديته في بيت مال المسلمين.

وروى مسدد في مسنده من طريق يزيد بن مذكور: "أنَّ رجلًا زحم يوم الجمعة فمات، فوداه علي من بيت مال المسلمين"

(5)

.

وقال الحسن البصري

(6)

: إن ديته تجب على جميع من حضر، وإلى ذلك ذهبت الهادوية

(7)

.

وقال الشافعي

(8)

ومن وافقه: إنه يقال لولي المقتول: ادع على من شئت واحلف فإن حلفت استحققت الدية وإن نكلت حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة، وتوجيهه أن الدم لا يجب إلا بالطلب، ومنها: قول مالك

(9)

: دمه هدر. وتوجيهه [أنَّه]

(10)

إذا لم يعلم قاتله بعينه استحال أن يؤخذ به أحد.

قوله: (الآطام)

(11)

جمع أطم وهو بناء مرتفع كالحصن.

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(2)

(12/ 217 رقم الباب (16) - مع الفتح).

(3)

(12/ 211 رقم الباب (10) - مع الفتح).

(4)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 518).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 394 رقم 7905) وعبد الرزاق في المصنف (10/ 51 رقم 18316) وابن حزم في المحلى (10/ 567). عن يزيد بن مذكور.

(6)

موسوعة الحسن البصري (1/ 280).

(7)

البحر الزخار (5/ 255).

(8)

في الأم (7/ 241 - 242).

(9)

"الإشراف"(2/ 233).

(10)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(11)

النهاية في غريب الحديث (1/ 66) وغريب الحديث للخطابي (1/ 27).

ص: 193

قوله: (توشقوه)

(1)

بالشين المعجمة وبعدها قاف، أي: قطعوه بأسيافهم، ومنه الوشيقة

(2)

وهي اللحم يغلي ثم يقدد.

[الباب السادس] باب ما جاء في مسألة الزبية والقتل بالسبب

20/ 3074 - (عَنْ حَنَش بْنِ المعْتَمِر عَنْ عَليّ [رضي الله عنه]

(3)

قالَ: بعَثَنِي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى اليَمَنِ فانْتَهَيْنا إلى قوْم قدْ بنوْا زُبْيَةً للأسَدِ فَبَيْنَما هُمْ كَذلِكَ يَتَدافَعُونَ إذْ سَقَطَ رَجُلٌ فتعَلَّقَ بآخَرَ، ثمَّ تعَلَّقَ الرَّجلُ بآخرَ حتَّى صَارُوا فِيها أَرْبَعَةً، فَجرَحَهُمُ الأسَدُ، فَانْتَدَبَ لَهُ رَجُل بِحَرْبَةٍ فَقَتَلَهُ وَمَاتُوا مِنْ جِرَاحَتِهمْ كُلُّهُمْ، فَقَامَ أَوْلياءُ الأوَّلِ إلى أَوْليَاءِ الآخِرِ فأخْرَجُوا السِّلاحَ لِيَقتَتِلُوا، فأتاهُمْ عليٌّ رضي الله عنه على تَفِئَةِ ذلِكَ، فقالَ: تُريدُونَ أَنْ تَقْتَتِلوا ورسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَيٌّ؟ إنِّي أقضِي بيْنَكُمْ قَضاءً إنْ رَضِيتُمْ بهِ فَهُوَ القَضاءُ، وَإِلَّا حَجَرَ بَعْضُكمْ على بَعْضٍ حتَّى تأتُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيكونَ هُوَ الذِي يَقضِي بيْنَكُمْ، فمَنْ عدَا بَعدَ ذلِكَ فلَا حَقّ لهُ، اجمَعوا مِنْ قبَائلِ الذينَ حضَرُوا البِئرَ رُبُعَ الدِّيَةِ وثُلُثَ الدِّيةِ ونصْفَ الدِّيةِ والدِّيةَ كامِلةً، فللأوَّل رُبْعُ الدِّيةِ لأنَّهُ هَلَكَ مِنْ فَوْقِهِ ثَلَاثَةٌ، وَللثَّانِي ثُلُثُ الدِّيةِ، ولِلثَّالثِ نصْفُ الدِّيةِ، ولِلرابعِ الدِّيةُ كامِلةً، فأبَوْا أنْ يَرضَوْا، فأتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وهْوَ عِندَ مَقامِ إبْراهِيمَ فَقَصُّوا عليهِ القِصَّةَ، فأجازَهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. رَواهُ أَحَمدُ

(4)

[إسناده ضعيف]

(1)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 851): أي بأسيافهم قطعوه وشائق كما يقطع اللحم إذا وانظر: الفائق للزمخشري (4/ 62).

(2)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 851): أن يؤخذ اللحم فيغلى قليلًا ولا ينضج، ويحمل في الأسفار، وقيل: هي القديد.

الفائق للزمخشري (4/ 61).

(3)

زيادة من المخطوط (أ).

(4)

في المسند (1/ 77) بسند ضعيف، لأن حنش بن المعتمر ويقال: ابن ربيعة الكناني، قال الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام، قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (114) وابن أبي شيبة في "المصنف"(9/ 400) والبزار في مسنده رقم (732) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 111). =

ص: 194

وَروَاهُ بِلَفْظٍ آخر

(1)

نَحْوَ هذا وَفيهِ: وجَعلَ الدِّيةَ على قبَائلِ الَّذِينَ ازْدَحَمُوا).

[إسناده ضعيف]

21/ 3075 - (وعَنْ عليّ بْنِ رَباح اللَّخْمِّي: أن أعَمَى كانَ ينْشُدُ في المُوسِمِ في خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وهْوَ يَقُولُ:

يَا أَيُّها النَّاسُ لَقِيتُ مُنْكَرًا

هَلْ يَعْقِلُ الأعمى الصَّحيحَ المُبْصِرَا

خَرّا مَعًا كِلَاهُمَا تَكَسَّرَا

وَذَلِكَ أَنَّ أعْمَى كانَ يَقُودُهُ بَصيرٌ فَوَقَعَا فِي بئرٍ فَوقَعَ الأعْمَى على البَصِيرِ، فَمَاتَ البَصيرُ، فقَضى عمَرُ بعَقْلِ البَصيرِ على الأعْمَى. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(2)

[أثر منقطع]

وفي الحَدِيثِ، أن رَجُلًا أتى أهْل أَبْياتِ فاسْتَسْقَاهُمْ فلَمْ يَسْقُوهُ حتَّى ماتَ فأغْرَمَهُمْ عمَرُ رضي الله عنه الدِّيةَ. حكاهُ أحمدُ

(3)

في روايةِ ابنْ مَنْصورٍ وقالَ: أَقُولُ بهِ).

= من طرق عن سماك، عن حنش، به.

قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم له طريقًا عن علي إلا عن هذا الطريق.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 287) وقال: فيه حنش وثقه أبو داود، وفيه ضعف. وبقية رجاله رجال الصحيح،. اهـ.

(1)

أي: رواه الإمام أحمد في المسند (1/ 152) بسند ضعيف.

(2)

في سننه (3/ 98 رقم 62).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 112) من طريق الدارقطني، به.

وقال الحافظ في "التلخيص"(4/ 69): وفيه انقطاع.

(3)

في "مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه " برواية: إسحاق ابن منصور المروزي. (7/ 3600 - 3601 رقم 2616).

قال البهوتي في "كشاف القناع"(8/ 2922) "وإن اضطر إنسان إلى طعام أو شراب لغير مضطر، فطلبه منه فمنعه إياه فمات بذلك، ضمنه المطلوب منه.

روي أن رجلًا أتى أهل أبيات فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات، فأغرمهم عمر الدية، حكاه أحمد في رواية ابن منصور، وقال: أقول به". اهـ.

وقال المرداوي في "الإنصاف"(10/ 50): "وهو المذهب جزم به في "الهداية" و"المذهب"، و"المستوعب" و"الخلاصة" و"الوجيز" و"منتخب الآدمي" =

ص: 195

حديث حنش بن المعتمر أخرجه أيضًا البيهقي

(1)

والبزار

(2)

، قال: ولا نعلمه يروي إلا عن علي ولا نعلم له إلا هذه الطريقة، وحنش ضعيف، وقد وثقه أبو داود، قال في "مجمع الزوائد"

(3)

: وبقية رجاله رجال الصحيح.

وأثر علي بن رباح أخرجه أيضًا البيهقي

(4)

وهو من رواية موسى بن علي بن رباح عن أبيه.

قال الحافظ

(5)

: وفيه انقطاع، ولفظه:"فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى فذكر أن الأعمى كان ينشد ثم ذكر الأبيات".

قوله: (زُبْيَة للأسد) الزبية بضم الزاي وسكون الموحدة بعدها تحتية، وهي حفرة الأسد، وتطلق أيضًا على الرابية بالراء.

قال في القاموس

(6)

: والزبية بالضم الرابية لا يعلوها ماء، ثم قال: وحفرة للأسد. انتهى.

والمقصود هنا الحفرة التي يحفرها الناس ليقع فيها الأسد فيقتلونه، ومن إطلاق الزبية على المحل المرتفع قول عثمان بن عفان يخاطب علي بن أبي طالب أيام حصره في الدار: قد بلغ السَّيْلُ الزُّبى ونالني ما حسبي به وكفى.

قوله: (على تَفئَةِ ذلك) بالتاء الفوقية المفتوحة وكسر الفاء ثم همزة مفتوحة.

قال في القاموس

(7)

: تفئة الشيء: حينه وزمانه.

وقد استُدِلَّ بهذا القضاء الذي قضى به أمير المؤمنين، وقرّره رسول الله صلى الله عليه وسلم: على أن دية المتجاذبين في البئر تكون على الصفة المذكورة، فيؤخذ من قوم

= و "المنور" و"الفروع" وغيرها. وهو من مفردات المذهب". اهـ.

(1)

في السنن الكبرى (8/ 111) وقد تقدم.

(2)

في المسند رقم (732) وقد تقدم.

(3)

(6/ 287).

(4)

في السنن الكبرى (8/ 112) وقد تقدم.

(5)

في "التلخيص"(4/ 69).

(6)

القاموس المحيط (ص 1666).

وقال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 717 - 718): الزبُّيْة: حفرة تحفرُ للأسد والصيد، ويغطى رأسها بما يستُرها ليقع فيها". اهـ.

(7)

القاموس المحيط (ص 43).

ص: 196

الجماعة الذين ازدحموا على البئر، وتدافعوا ذلك المقدار، ثم يقسم على تلك الصفة، فيعطي الأول من المتردين ربع الدية، ويهدر من دمه ثلاثة أرباع، لأنَّه هلك بفعل المزدحمين، وبفعل نفسه، وهو جذبه لمن بجنبه، فكأنَّ موته وقع بمجموع الازدحام، ووقع الثلاثة الأنفار عليه، ونزل الازدحام منزلة سبب واحد من الأسباب التي كان بها موته، ووقوع الثلاثة عليه، منزلة ثلاثة أسباب، فهدر من ديته ثلاثة أرباع، واستحق الثاني ثلث الدية لأنه هلك بمجموع الجذب المتسبب عن الازدحام ووقوع الاثنين عليه، ونزل الازدحام منزلة سبب واحد، ووقوع الاثنين عليه منزلة سببين فهدر من دمه الثلثان؛ لأن وقوع الاثنين عليه كان بسببه، واستحقّ الثالث نصف الدية لأنه هلك بمجموع الجذب ممن تحته المتسبب عن الازدحام وبوقوع من فوقه عليه، وهو واحد، وسقط نصف ديته ولزم نصفها، والرابع كان هلاكه بمجرّد الجذب له فقط فكان مستحقًا للدية كاملة، ولم يجعل الجناية التي وقعت من الأسد عليهم حكم جناية من تضمن جنايته حتى ينظر في مقدار ما شاركها من الوقوع الذي كان هلاك الواقعين بمجموعهما.

والمعروفُ في كتب الفقه: أنَّهُ إذا تجاذبَ جماعة في بئر بأن سقط الأول، ثمَّ جذبَ من بجنبهِ فوقعَ عليه، ثمَّ كذلك، حتى صارَ الواقعونَ في البئر مثلًا أربعةً فإنَّهُ يُهدرُ من الأول سقوطُ الثاني عليه؛ لأنَّهُ بسببهِ وهو ربعُ الدية، ويضمنُ الحافرُ ربعَ ديتهِ، والثالثُ [والرابع]

(1)

نصفها، ويُهدرُ من الثاني سقوطُ الثالث عليه، وحصَّتهُ ثلث ديتِه، ويضمنُ الأول ثلثَ ديتهِ، والثالثُ ثلثها، ويهدرُ من الثالثِ وقوعُ الرابع عليه، وحصَّتهُ نصفُ الدِّيةِ، ويضمن الثاني نصفَها، ويضمنُ الثالثُ جميعَ ديةِ الرابع.

هذا إذا هلكوا بمجموع الوقوع في البئر، وصدم بعضهم لبعض.

وأما إذا لم يتصادموا بل تجاذبوا ووقع كلُّ واحدٍ منهم بجانب من البئر غير جانبِ صاحبه فإنها تكون دية الأول على الحافر، ودية الثاني على الأول، ودية الثالث على الثاني، ودية الرابع على الثالث.

(1)

ما بين الخاصرتين زيادة من (أ).

ص: 197

وأما إذا تصادموا في البئر، ولم يتجاذبوا فربع دية الأول على الحافر وعلى الثلاثة ثلاثة أرباع، ونصف دية الثاني على الثالث، والنصف الآخر على الرابع، ودية الثالث على الرابع، ويهدر الرابع، وهذا إذا كان الموت وقع بمجرَّد المصادمة من دون أن يكون لِلْهُوِيِّ تأثير، وإلا كان على الحافر من الضمان بقدر ذلك، ويكون الضمان في صورة التصادم والتجاذب على عاقلة الحافر. وفي أموال المتجاذبين المتصادمين، وفي صورة التجاذب فقط كذلك.

وأما في صورة التصادم فقط، فعلى عواقلهم فقط. وأما إذا لم يكن تجاذب ولا تصادم: فالديات كلُّها على عاقلة الحافر.

والحاصل أن من كان جانيًا على غيره خطأً فما لزم بالجناية على عاقلته، ومن كان جانيًا عمدًا فمن ماله، وتحمل قضية الأعمى المذكورة في الباب

(1)

: على أنه لم يقع على البصير بجذبه له وإلا كان هدرًا.

قوله: (فاستسقاهم فلم يسقوه

إلخ)، فيه دليل على أن من منع من غيره ما يحتاج إليه من طعام أو شراب مع قدرته على ذلك فمات ضمنه؛ لأنه متسبب بذلك لموته، وسدُّ الرَّمَقِ واجبٌ

(2)

.

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا مات الشخص بسببٍ ومباشرةٍ يكون الضمان على المباشر فقط.

قال في البحر

(3)

: مسألة: ومن سقط في بئرٍ، فجرَّ آخر، فماتا بالتصادم والهُوِيِّ ضمن الحافر نصف دية الأول فقط، وهدر نصف إذ مات بسببين: منه ومن الحافر. وقيل: لا شيء على الحافر إذ هو فاعل سبب والجذب مباشرة، وأما المجذوب فعلى الجاذب قولًا واحدًا إذ هو المباشر. انتهى.

(1)

تقدم برقم (3075) من كتابنا هذا.

(2)

انظر: "كشاف القناع"(8/ 2922) والإنصاف للمرداوي (10/ 50) والمغني (12/ 88 - 89).

(3)

البحر الزخار (5/ 249 - 250).

ص: 198

[الباب السابع] بابُ أجنَاسِ مالِ الديةِ وأسنانِ إبلِهَا

22/ 3076 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أن مَنْ قُتِلَ خَطأ فديتُهُ مِائةٌ مِنَ الإبلِ، ثَلَاثُونَ بِنْتَ مخَاضٍ، وثلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وثَلَاثونَ حِقَّةً، وعشَرَةُ بَنِي لَبونٍ ذُكُورٍ. رَوَاهُ الخَمْسةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

(1)

[حسن]

23/ 3077 - (وعَنِ الحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ خَشفٍ بن مَالكِ الطَّائي عَن ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "في دِيةِ الخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعشرُونَ جذعةً، وعشْرُونَ بنْتَ مَخاضٍ، وَعشْرُونَ بنْتَ لَبُونٍ، وعشْرُونَ ابْنَ مخاضٍ ذَكَرًا". رَوَاهُ الخمْسَةُ

(2)

، وقالَ ابْنُ ماجَهْ في إسْنَادِهِ عَنِ الحَجَّاجِ: حَدَّثنا

(1)

أحمد في المسند (2/ 178) وأبو داود رقم (4541) والنسائي رقم (4801) وابن ماجه رقم (2630).

قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 176) والبيهقي (8/ 74).

وهو حديث حسن.

(2)

أحمد في المسند (1/ 450) وأبو داود رقم (4545) والنسائي رقم (4802) والترمذي رقم (1386) وابن ماجه رقم (2631).

قال الترمذي: "لا نعرفه إلا مرفوعًا من هذا الوجه".

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(9/ 133) والدارقطني (3/ 173) والبيهقي (8/ 75).

قال الدارقطني: هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه عدة، وذكرها.

قلت: وفي إسناده حجاج بن أرطاة: مدلس وفد عنعن، وخشف وهو ابن مالك: جهله غير واحد، وذكره ابن حبان في "الثقات".

وقال أبو داود: وهو قول عبد الله.

وقال البيهقي: يعني إنما روي من قول عبد الله موقوفًا غير مرفوع.

قلت: أخرجه موقوفًا عبد الرزاق في "المصنف" رقم (17238) وابن أبي شيبه في "المصنف"(9/ 134) والطبراني في الكبير رقم (9730) والدارقطني في السنن (3/ 173 - 174).

وإسناده حسن.

ص: 199

زَيْد بْنُ جُبَيْرٍ قالَ أبُو حاتِمِ الرَّازِي: الحَجَّاجُ يُدَلِّسُ عن الضُّعَفاءِ، فإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا فَلَانٌ فَلا يُرْتَابُ بهِ). [ضعيف]

الحديث الأول: سكت عنه أبو داود

(1)

، وقال المنذري

(2)

: في إسناده عمرو بن شعيب، وقد تقدم الكلام عليه، ومَنْ دون عمرو بن شعيب ثقاتٌ إلا محمد بن راشد المكحولي، وقد وثقه أحمد [وابن معين والنسائي]

(3)

وضعفه ابن حبان وأبو زرعة

(4)

قال الخطابي

(5)

: هذا الحديث لا أعرف أحدًا قال به من الفقهاء.

والحديث الثاني أخرجه أيضًا البزار

(6)

، والبيهقي

(7)

، والدارقطني

(8)

، وقال:(عشرون بنو لبون) مكان قوله: (عشرون ابن مخاض).

رواه

(9)

كذلك من طريق أبي عبيدة عن أبيه، يعنى: عبد الله بن مسعود موقوفًا، وقال: هذا إسناد حسن.

وضعف الأول من أوجه عديدة، وتعقبه البيهقي بأن الدارقطني وهم فيه، والجواد قد يعثر. قال: وقد رأيته في جامع سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن عبد الله، وعن ابن إسحاق عن علقمة عن عبد الله، وعن عبد الرحمن بن مهدي عن يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز عن أبي عبيدة، عن عبد الله، وعند الجميع: بنو مخاض.

(1)

في السنن (4/ 678).

(2)

في "المختصر"(6/ 347).

(3)

في المخطوط (أ): (والنسائي وابن معين).

(4)

محمد بن راشد المكحولي، الخزاعي، الدمشقي. قال الدارقطني: ضعيف عند أهل الحديث.

وانظر ترجمته في: الكامل (6/ 2207 - 2209) والمغني (2/ 578) وقد تقدم.

(5)

في معالم السنن (4/ 678 - مع السنن).

(6)

في المسند رقم (1923).

(7)

في السنن الكبرى (8/ 75) وقد تقدم.

(8)

في السنن (3/ 173) وقد تقدم.

(9)

أي: الدارقطني في السنن (3/ 173 - 174).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (17238) وابن أبي شيبة في "المصنف"(9/ 134) والطبراني في الكبير رقم (9730).

بسند حسن وقد تقدم.

ص: 200

قال الحافظ

(1)

: وقد ردَّ، يعني: البيهقي على نفسه بنفسه فقال: وقد رأيته في كتاب ابن خزيمة - وهو إمام - من رواية وكيع عن سفيان فقال: بنو لبون، كما قال الدارقطنيُّ فانتفى أن يكون الدارقطني عثر.

وقد تكلم الترمذي

(2)

على حديث ابن مسعود المذكور فقال: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه. وقد روي عن عبد الله موقوفًا.

وقال أبو بكر البزار

(3)

: وهذا الحديث لا نعلمه روي عن عبد الله مرفوعًا إلا بهذا الإسناد.

وذكر الخطابي

(4)

أن خشف بن مالك مجهولٌ لا يعرف إلا بهذا الحديث، وعدل الشافعيُّ عن القول به، لهذه العلة، ولأن فيه بني مخاض ولا مدخل لبني المخاض في شيءٍ من أسنان الصدقات.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة القسامة أنه ودى قتيل خيبر بمائةٍ من إبل الصدقة، وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض.

وقال الدارقطني

(5)

: هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث، وبسط الكلام في ذلك. وقال: لا نعلمه رواه إلا خشف بن مالك عن ابن مسعود، وهو رجل مجهول لم يرو عنه إلا زيد بن جبير، ثم قال: لا نعلم أحدًا رواه عن زيد بن جبير إلا حجاج بن أرطاة وهو رجل مشهور بالتدليس وبأنه يحدث عمن لم يلقه ولم يسمع منه، ثم ذكر أنه قد اختلف فيه على الحجاج بن أرطاة.

وقال البيهقي

(6)

: خشف بن مالك مجهول.

وقال الموصلي: خشف بن مالك ليس بذاك، وذكر له هذا الحديث.

قال المنذري

(7)

بعد أن ذكر الخلاف فيه على الحجاج: والحجاج غير

(1)

في "التلخيص"(4/ 44).

(2)

في السنن بإثر الحديث رقم (1386)

(3)

في المسند (5/ 306).

(4)

في "معالم السنن"(4/ 678 - مع السنن).

(5)

في السنن (3/ 173).

(6)

في السنن الكبرى (8/ 75).

(7)

في "المختصر"(6/ 350 - 351).

ص: 201

محتج به، وكذا قال البيهقي

(1)

، والصحيح أنه موقوف على عبد الله كما سلف.

وقد اختلف العلماء في دية الخطأ من الإبل بعد الاتفاق على أنها مائة

(2)

؛ فذهب الحسن البصري

(3)

والشعبي والهادي (4) والمؤيد (4) بالله وأبو طالب

(4)

إلى أنَّها تكون أرباعًا: ربعًا جِذَاعًا، ورُبُعًا حِقَاقًا، وربعًا بنات لبون، وربعًا بنات مخاض.

وقد قدمنا تفسير هذه الأسنان في كتاب الزكاة

(5)

.

واستدلوا بحديثٍ ذكره الأمير الحسين في الشفاء

(6)

عن السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دية الإنسان خمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض".

وقد أخرجه أبو داود

(7)

موقوفًا على عليّ [عليه السلام]

(8)

من طريق عاصم بن ضمرة قال: "في الخطأ أرباعًا" فذكره.

وأخرجه أيضًا أبو داود

(9)

عن ابن مسعود موقوفًا من طريق علقمة والأسود. قالا: قال عبد الله: في الخطأ شبه العمد خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض، ولم أجد هذا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب حديثيٍّ، فلينظر فيما ذكره صاحب الشفاء

(10)

.

(1)

في السنن الكبرى (8/ 76).

(2)

المغني (20/ 12) والإشراف (2/ 137 - 138).

(3)

موسوعة الحسن البصري (1/ 292) وانظر: المغني (12/ 20).

(4)

البحر الزخار (5/ 273).

(5)

في "نيل الأوطار"(8/ 57 - 58) من كتابنا هذا.

(6)

شفاء الأوام (3/ 411).

(7)

في سننه رقم (4553).

وهو حديث ضعيف.

(8)

زيادة من المخطوط (أ).

(9)

في سننه رقم (4552).

وهو حديث ضعيف الإسناد.

(10)

في شفاء الأوام (3/ 410 - 412).

ص: 202

وذهب ابن مسعود والزهري، وعكرمة، والليث، والثوري، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان بن يسار

(1)

، ومالك

(2)

والحنفية

(3)

والشافعية

(4)

إلى أن الدية تكون أخماسًا: خمسًا جذاعًا، وخمسًا حقاقًا، وخمسًا بنات لبون، وخمسًا بنات مخاض، وخمسًا أبناء لبون.

وحكى صاحب البحر

(5)

عن أبي حنيفة: أن النوع الخامس يكون أبناء مخاض. وهو موافق لحديث الباب عن ابن مسعود

(6)

مرفوعًا، والأول موافق للموقوف عن ابن مسعود كما ذكرنا.

وذهب عثمان بن عفان وزيد بن ثابت إلى أنها تكون ثلاثين جذعة، وثلاثين حقة، وعشرين ابن لبون، وعشرين بنت مخاض. وهذا الخلاف في دية الخطأ المحض.

وأما في دية العمد وشبهه فقد تقدم طرف من الخلاف في ذلك، وسيأتي الكلام عليه قريبًا إن شاء الله.

24/ 3078 - (وعَنْ عطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى. وفِي روايةٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جابِرٍ قالَ: فَرضَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في الدِّيةِ على أَهْلِ الإِبلِ مائةً مِن الإبِلِ، وعلى أهْلِ البَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرةٍ، وعلى أهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وعلى أهلِ الحُلَلِ مائتَيْ حُلَّةٍ. رَواهُ أَبُو دَاوَد)

(7)

. [ضعيف]

(1)

"الإشراف"(2/ 137 - 138 رقم 1320) والمغني (12/ 19).

(2)

عيون المجالس (5/ 2017).

(3)

"البناية في شرح الهداية"(12/ 208) والاختيار (5/ 516).

(4)

البيان للعمراني (11/ 481 - 482).

(5)

البحر الزخار (5/ 273).

(6)

تقدم برقم (3077) من كتابنا هذا.

(7)

في سننه رقم (4543 و 4544) وعنه البيهقي (8/ 78).

قال البيهقي: "كذا رواه محمد بن إسحاق بن يسار، ورواية من رواه عن عمر رضي الله عنه أكثر وأشهر".

قلت: وابن إسحاق مدلس وقد عنعنه.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 203

25/ 3079 - (وعن عمْرِو بْنِ شُعيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: قَضَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن مَنْ كانَ عقْلُهُ في البَقَرِ على أَهْلِ البَقَرِ مائَتَيْ بَقَرةٍ، ومَنْ كانَ عقْلُهُ في الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ. رَواهُ الخَمْسَةُ إلَّا التّرمذِيَّ)

(1)

[حسن]

حديث عطاء: رواه أبو داود

(2)

مسندًا بذكر جابر ومرسلًا، وهو من رواية محمد بن إسحاق عنه، وقد عنعن وهو ضعيف إذا عنعن لما اشتهر عنه من التدليس.

فالمرسل فيه علتان: الإرسال وكونه من طريقه.

والمسند فيه أيضًا علتان: العلة الأولى كون في إسناده محمد بن إسحاق المذكور، والعلة الثانية كونه قال فيه ذكر عطاء عن جابر بن عبد الله، ولم يسم من حدثه عن عطاء فهي رواية عن مجهول.

وحديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي

(3)

، وقد تكلم فيه غير واحد ووثقه جماعة، وهذا الذي ذكره المصنف ههنا بعض من الحديث وهو حديث طويل ساقه بجميعه أبو داود في سننه.

وقد استدلَّ بحديثي الباب من قال: إنَّ الدية من الإبل مائة، ومن البقر مائتان، ومن الشاء ألفان، ومن الحلل مائتا حُلَّةٍ كلُّ حلةٍ: إزارٌ ورداءٌ أو قميص وسراويل.

وفيهما ردّ على من قال: إن الأصل في الدية الإبل وبقية الأصناف مصالحة لا تقدير شرعي.

وقد قدمنا تفصيل الخلاف في ذلك في أول أبواب الديات.

ويدلُّ على أن الدية من الذهب ألف دينار ما تقدم في حديث عمرو بن حزم

(4)

بلفظ: "وعلى أهل الذهب ألف دينار".

(1)

أحمد في المسند (2/ 217) وأبو داود رقم (4542) والنسائي رقم (4801) وابن ماجه رقم (2630).

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(2)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (7).

(3)

تقدم الكلام عليه أكثر من مرة.

(4)

تقدم برقم (3055).

من كتابنا هذا.

ص: 204

ويدلُّ على أنها من الفضة: اثنا عشر ألف درهم ما سيأتي قريبًا

(1)

، وهو ما أخرجه أبو داود

(2)

عن عكرمة عن ابن عباس: "أن رجلًا من بني عديّ قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا".

قال أبو داود

(3)

: رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر عن ابن عباس.

وأخرجه الترمذي

(4)

مرفوعًا ومرسلًا وأرسله النسائي

(5)

، ورواه ابن ماجه

(6)

مرفوعًا.

قال الترمذي

(7)

: ولا نعلم أحدًا يذكر في هذا الحديث عن ابن عباس غير محمد بن مسلم. انتهى.

ومحمد بن مسلم هذا هو الطائفي. وقد أخرج له البخاري في المتابعات ومسلم في الاستشهاد

(8)

، ووثقه يحيى بن معين

(9)

، وقال مرة: إذا حدث من

(1)

يأتي برقم (3081).

من كتابنا هذا.

(2)

في سننه رقم (4546)

وهو حديث ضعيف.

(3)

في السنن (4/ 682).

(4)

في سننه رقم (1389).

وهو حديث ضعيف.

(5)

في السنن (8/ 44).

وهو حديث ضعيف.

(6)

في سننه رقم (2629).

وهو حديث ضعيف.

(7)

في السنن (4/ 12).

(8)

أورده محمد بن ظاهر في كتاب الجمع بين رجال الصحيحين تحت عنوان أفراد مسلم (2/ 476 رقم 1846).

وكذلك أورده ابن منجويه في "رجال صحيح مسلم"(2/ 205 رقم 1509). وأورده (محمد أمين بن عبد الله الأثيوبي) في كتاب: خلاصة القول المفهم على تراجم رجال جامع الإمام مسلم (2/ 42 - 43 رقم 1478).

وقال الذهبي في "الكاشف"(3/ 85 رقم 5237) حيث قال: له في مسلم حديث واحد.

(9)

في "معرفة الثقات"(2/ 254 رقم 1648).

ص: 205

حفظه يخطئ، وإذا حدث من كتابه فليس به بأس، وضعفه الإمام أحمد

(1)

.

وقد أخرجه النسائي عن محمد بن ميمون عن ابن عيينة. وقال فيه: سمعناهُ مرة يقول: عن ابن عباس.

وأخرجه الدارقطني في سننه عن أبي محمد بن صاعد. وقال فيه: عن ابن عباس. وقال الدارقطني

(2)

: قال ابن ميمون: وإنما قال لنا فيه: عن ابن عباس مرة واحدة، وأكثر ذلك كان يقول: عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وذكره البيهقي

(3)

من حديث الطائفي موصولًا. وقال: رواه أيضًا سفيان عن عمرو بن دينار موصولًا ومحمد بن ميمون المذكور هو أبو عبد الله المكي الخياط.

روى عن ابن عيينة وغيره، قال النسائي

(4)

: صالح.

وقال أبو حاتم الرازي

(5)

: كان أميًا مغفلًا، ذكر لي عنه أنه روى عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن شعبة حديثًا باطلًا، وما يبعد أن يكون وضع للشيخ فإنه كان أميًا.

وقال في الخلاصة

(6)

: وثقه ابن حبان.

ويعارض هذا الحديث ما أخرجه أبو داود

(7)

من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينارٍ، أو ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين. قال: فكان ذلك كذلك حتى استُخلِف عمر فقام خطيبًا فقال: ألا إن الإبل قد غَلَتْ،

(1)

قال أحمد: ما أضعف حديثه كما في كتاب بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم (ص 385 رقم 934).

وانظر: الجرح والتعديل (4/ 1/ 77) والعقيلي (4/ 134).

(2)

في السنن (3/ 130 رقم 151).

وانظر: "نصب الراية"(4/ 361) وعلل ابن أبي حاتم (1/ 462 - 463 رقم 1390).

(3)

في السنن الكبرى (8/ 78).

(4)

في "منهج الإمام أبي عبد الرحمن النسائي في الجرح والتعديل"(5/ 2316 رقم 34).

(5)

في الجرح والتعديل (8/ 81 - 82 رقم 340).

(6)

في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال رقم الترجمة (6699) بتحقيقي.

(7)

في سننه رقم (4542).

وهو حديث حسن.

ص: 206

قال: ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفًا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل الحُلل مائتي حلة، وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية.

ولا يخفى أن حديث ابن عباس فيه إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها اثني عشر ألفًا، وهو مثبت فيقدم على النافي كما تقرر في الأصول

(1)

وكثرة طرقه تشهد لصحته، والرفع زيادة إذا وقعت من طريق ثقة تعين الأخذ بها.

26/ 3080 - (وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ رجُلٍ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْمَ فَتْحِ مكَّةَ فقالَ: "ألَا وإنَّ قَتِيلَ خطأِ العَمْدِ بالسَّوْطِ والعصَا والحَجَر دِيةٌ مُغَلَّظةٌ مائةٌ مِنَ الابِل مِنهَا أَربَعُونَ مِنْ ثنيَّةٍ إلى بَازِلِ عامِهَا كُلُّهُنَّ خَلِفَةٌ". رَواهُ الخَمسةُ إلَّا الترمذيَّ)

(2)

[حسن]

27/ 3081 - (وعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عبّاسٍ أَنَّ رَجلًا قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِيَتَه اثني عشَرَ أَلْفًا. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا أَحمد

(3)

. [ضعيف].

وَرُويَ

(4)

ذلكَ عنْ عِكْرِمَة عَنْ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلًا وهْوَ أصَحُّ وأشْهَرُ). [ضعيف]

الحديث الأول أخرجه أيضًا البخاري في تاريخه الكبير

(5)

، وساق اختلاف

(1)

يقدم المثبت على المنفي. نقله إمام الحرمين في البرهان (2/ 1200) عن جمهور الفقهاء لأن مع المثبت زيادة علمٍ.

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 904) بتحقيقي، والبحر المحيط (6/ 175).

(2)

أحمد في المسند (4/ 410) وأبو داود رقم (4547) والنسائي رقم (4794) وابن ماجه رقم (2627).

وهو حديث حسن.

(3)

أبو داود رقم (4546) والترمذي رقم (1388) والنسائي رقم (4803) وابن ماجه رقم وهو حديث ضعيف.

(4)

أخرجه الترمذي في سننه رقم (1389) وقال الترمذي: ولا نعلم أحدًا يذكر في هذا الحديث عن ابن عباس غير محمد بن مسلم.

وهو حديث ضعيف.

(5)

في "التاريخ الكبير"(6/ 434).

ص: 207

الرواة فيه. وأخرجه أيضًا الدارقطني

(1)

وساق أيضًا الاختلاف، ويشهد له ما أخرجه أبو داود

(2)

عقبه من حديث [ابن عمرو]

(3)

بنحوه.

وقد قدمنا ما يشهد لذلك أيضًا في باب ما جاء في شبه العمد.

والحديث الثاني قد تقدم الكلام عليه وعلى فقهه في شرح الحديث الذي قبل حديث عقبة بن أوس المذكور

(4)

. وتقدم أيضًا الخلاف في شبه العمد وأن القتل ينقسم إلى عمد وشبه عمد وخطأ في باب ما جاء في شبه العمد مستوفى.

قوله: (خَلِفَة)

(5)

بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وبعدها فاءٌ وهي الحامل وتجمع على خلفات وخلائف.

وقد ذهب الشافعي

(6)

إلى تغليظ الدية أيضًا على من قتل في الحرم أو قتل مُحْرِمًا أو في الأشهر الحرم قال: لأن الصحابة رضي الله عنهم غلظوا في هذه الأحوال وإن اختلفوا في كيفية التغليظ، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة فكان إجماعًا.

ومن جملة من ذهب إلى التغليظ من السلف، على ما حكاه في البحر

(7)

، عمر وعثمان وابن عباس والزهري وقتادة وداود وابن المسيب وعطاء وجابر بن زيد ومجاهد وسليمان بن يسار والنخعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم

(8)

.

(1)

في السنن (3/ 103 رقم 76).

قلت: وأخرجه النسائي رقم (4794 و 4795).

وهو حديث صحيح لغيره.

(2)

في سننه رقم (4547).

وهو حديث حسن.

(3)

في المخطوط (أ): (ابن عمر) والصواب ما أثبتناه من حاشية (ب) وسنن أبي داود ومختصر السنن للمنذري (6/ 381).

(4)

تقدم برقم (3079) من كتابنا هذا.

(5)

النهاية (1/ 523) والمجموع المغيث (1/ 608).

(6)

في الأم (7/ 278 - 279).

(7)

البحر الزخار (5/ 274).

(8)

ذكرهم ابن قدامة في المغني (12/ 23) وابن المنذر في الإشراف (2/ 139).

والسرخسي في المبسوط (26/ 77 - 78).

ص: 208

وقد أخرج البيهقي

(1)

من طريق مجاهد عن عمر: "أنه قضى فيمن قتل في الحرم، أو في الشهر الحرام، أو وهو محرم بالدية، وثلث الدية". وهو منقطع، وفي إسناده ليث بن أبي سليم

(2)

وهو ضعيف.

قال البيهقي: وروى عكرمة عن عمر ما يدلُّ على التغليظ في الشهر الحرام.

وقال ابن المنذر

(3)

: روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: "من قتل في الحرم أو قتل محرمًا أو قتل في الشهر الحرام فعليه الدية وثلث الدية".

وروى الشافعي

(4)

والبيهقي

(5)

عن عمر أيضًا من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه: "أن رجلًا أوْطأ امرأة بمكة فقتلها فقضى فيها بثمانية آلاف درهم دية وثلث".

وروى البيهقي

(6)

وابن حزم عن ابن عباس من طريق نافع بن جبير عنه قال: "يزاد في دية المقتول في الأشهر الحرم أربعة آلاف وفي دية المقتول في الحرم أربعة آلاف".

وروى ابن حزم

(7)

عنه: "أن رجلًا قتل في البلد الحرام في الشهر الحرام، فقال ابن عباس: ديته اثنا عشر ألفًا، وللشهر الحرام والبلد الحرام أربعة آلاف". وذهبت العترة

(8)

وأبو حنيفة

(9)

إلى عدم التغليظ في جميع ما سلف إلا في شبه العمد [فإن أبا حنيفة]

(10)

يغلظ فيه.

[الباب الثامن] باب العاقلة وما تحمله

28/ 3082 - (صَحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَضَى بِدِيَةِ المرْأةِ المَقْتولةِ وَديةِ جَنِينِها على عَصَبةِ القاتِلَةِ

(11)

. [صحيح]

(1)

في السنن الكبرى (8/ 71) منقطع وسنده ضعيف.

(2)

تقدم الكلام عليه مرارًا.

(3)

في "الإشراف"(2/ 138 رقم 1321).

(4)

في "الأم"(7/ 261 رقم 2711).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 71).

(6)

في السنن الكبرى (8/ 71).

(7)

في المحلى (10/ 396 - 397).

(8)

البحر الزخار (5/ 273).

(9)

المختصر للطحاوي (5/ 91 - 92).

(10)

في المخطوط (ب): (فأبا حنيفة).

(11)

تقدم تخريجه برقم (3068) من كتابنا هذا.

ص: 209

ورَوَى جابرٌ قالَ: كَتَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على كُلِّ بَطْنٍ عُقُولةً، ثمَّ كَتَبَ إنَّهُ لَا يَحلُّ أنْ يَتَوَالَى مَوْلى رُجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ. رَوَاهُ أحمدُ

(1)

ومُسلمٌ

(2)

والنَّسائيُّ)

(3)

. [صحيح]

29/ 3083 - (وعَنْ عُبادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى في الجَنِينِ المَقْتُولِ بِغُرَّةٍ: عَبدٍ أَوْ أمَةٍ، فَوَرِثَها بَعْلُها وَبَنُوه، قالَ: وكانَ مِنِ امْرَأَتَيْهِ كِلْتَيْهِما وَلدٌ، فقالَ أَبُو القَاتِلَةِ المُقْضَى عَليهِ: يَا رَسُولَ الله كَيفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهلّ وَلا شَرِبَ وَلا أَكلَ، فمِثْلُ ذلِكَ [بَطَلَ]

(4)

، فَقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هذا مِنَ الكُهَّانِ". رَواهُ عَبدُ الله بْنُ أحمدَ في المُسْندِ)

(5)

. [إسناده ضعيف]

30/ 3084 - (وعَن جابرٍ: أنَّ امْرَأتَينِ مِنْ هُذَيْلٍ قتلَتْ إِحْدَاهما الأخْرَى، وَلكُلِّ وَاحِدَةٍ منهما زَوْجٌ وَوَلدٌ، فَجَعَلَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم دِيةَ المقْتُولَةِ على عاقِلَةِ الْقَاتِلة، وَبَرَأَ زَوْجُها وَوَلَدُهَا، قالَ: فَقالَ عاقلةُ المَقْتُولةِ مِيرَاثُها لنَا، فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لَا، مِيرَاثُها لِزَوْجِهَا وَوَلدِها". رواهُ أَبُو دَاودَ

(6)

[صحيح]

(1)

في المسند (3/ 321، 342، 349).

(2)

في صحيحه رقم (17/ 1507).

(3)

في سننه رقم (4829).

(4)

في (ب): (يُطل). والمثبت في (أ) ومسند أحمد (5/ 326 - 327).

• قال الحافظ في "الفتح"(10/ 218): "للأكثر بضم المثناة التحتانية، وفتح الطاء المهملة، وتشديد اللام أي: يُهدر، يقال: دم فلان هدر: إذا تُرِكَ الطلبُ بثأره، وطُلَّ الدمُ بضم الطاء وبفتحها أيضًا، وحكي: أُطِلَّ، ولم يعرفه الأصمعي، ووقع للكشميهني في رواية ابن مسافر (بطل) بفتح الموحدة، والتخفيف من البطلان، كذا رأيته في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر، وزعم عياض أنه وقع هنا للجميع بالموحدة، قال بالوجهين في "الموطأ" وقد رجح الخطابي أنه من البطلان، وأنكره ابن بطال، فقال: كذا يقوله أهل الحديث، وإنما هو: طلَّ الدمُ: إذا هدر. قلت (ابن حجر): وليس لإنكاره معنى بعد ثبوت الرواية وهو موجَّه راجع إلى معنى الرواية الأخرى". اهـ.

(5)

(5/ 326 - 327) بسند ضعيف.

الفضيل بن سليمان - وهو النمَيري - لين الحديث، وإسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة مجهول الحال، وروايته عن جَدِّه عبادة مرسلة.

["تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل" لأبي زرعة (ص 25)].

(6)

في سننه رقم (4575).

وهو حديث صحيح.

ص: 210

وهْوَ حُجَّةٌ في أن ابْنَ المَرْأَةِ ليْسَ مِنْ عاقِلتِها).

الحديث الأول الذي أشار إليه المصنف بقوله: "صح عنه أنه قضى

إلخ"، قد تقدم في باب دية الجنين

(1)

.

وحديث عبادة قد تقدم ما يشهد له في باب دية الجنين (1) أيضًا.

وحديث جابر [الثاني]

(2)

أخرجه أيضًا ابن ماجه

(3)

وصححه النووي في الروضة

(4)

، وفي إسناده مجالد

(5)

وهو ضعيف لا يحتج بما انفرد به، ففي تصحيحه ما فيه. وقد تكلم جماعة من الأئمة في مجالد بن سعيد.

وقد اختلفت الأحاديث، ففي بعضها ما يدل على أن لكل واحدة من المرأتين المقتتلتين زوجًا غير زوج الأخرى، كما في حديث جابر المذكور

(6)

في الباب، وكما في حديث أبي هريرة عند الشيخين

(7)

بلفظ: "إن امرأتين من هذيل اقتتلتا ولكل واحدة منهما زوج، فبرأ الزوج والولد، ثم ماتت القاتلة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراثها لبنيها والعقل على العصبة".

وفي بعض الأحاديث ما يدلُّ على أن المرأتين المقتتلتين زوجهما واحد، كما في حديث الباب وكما أخرجه الطبراني

(8)

من طريق أبي المليح بن أسامة بن عمير الهذليِّ عن أبيه قال: "كان فينا رجل يقال له: حَمَل بن مالك، له امرأتان إحداهما هذلية والأخرى عامرية، فضربت الهذلية بطن العامرية".

(1)

تقدم تخريجه برقم (3068) من كتابنا هذا.

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

في سننه رقم (2648).

وهو حديث صحيح.

(4)

"روضة الطالبين"(9/ 349).

(5)

مجالد بن سعيد، أبو عُمير بن بِسْطام، الهمداني، ضعفه الأكثرون، ووثقه البعض، ولكن الجرح مقدم فقد فسره بعضهم باختلاطه وعدم تميزه.

[الجرح والتعديل 4/ 1/ 361) والميزان (3/ 438) والمجروحين (3/ 10)].

(6)

تقدم برقم (3084) من كتابنا هذا.

(7)

البخاري في صحيحه رقم (5758) ومسلم رقم (36/ 1681).

(8)

في المعجم الكبير (ج 1 رقم 514).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 300) وقال: فيه المنهال بن خليفة، وثقة أبو حاتم، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات".

ص: 211

وأخرجه الحارث

(1)

من طريق أبي المليح، فأرسله لم يقل: عن أبيه، ولفظه:"أن حَمَل بن النابغة كان له امرأتان: مليكة، وامرأة منا، يقال لها: أم عفيف بنت مسروح تحت حمل بن النابغة فضربت أم عفيف مليكة".

وفي رواية لابن عباس عند أبي داود

(2)

: "إحداهما مليكة والأخرى أم عطيف".

قوله: (باب العاقلة)

(3)

بكسر القاف جمع عاقل، وهو دافع الدية، وسميت الدية عقلًا، تسمية بالمصدر؛ لأن الإبل كانت تعقل بفناء وليِّ المقتول، ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية، ولو لم تكن إبلًا، وعاقلةُ الرجل [قراباته]

(4)

من قبل الأب وهم عصبته [وهم]

(5)

الذين كانوا يعقلون الإبل على باب ولي المقتول.

وتحميل العاقلة الدية ثابت بالسنة، وهو إجماع أهل العلم كما حكاه في الفتح

(6)

، وتضمين العاقلة مخالف لظاهر قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

(7)

، فتكون الأحاديث القاضية بتضمين العاقلة مخصصة لعموم الآية لما في ذلك من المصلحة، لأن القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن تأتي على جميع ماله؛ لأن تتابع الخطأ لا يؤمن، ولو ترك بغير تغريم لأهدر دم المقتول.

وعاقلة الرجل عشيرته، فيبدأ بفخذه الأدنى، فإن عجزوا ضمَّ إليهم الأقرب فالأقرب المكلف، الذكر الحرُّ من عصبة النسب، ثم السبب، ثم في بيت المال.

(1)

كما في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (ص 182 رقم 584). وتقدم الكلام عليه وخلاصته: أنه صحيح لغيره.

(2)

في سننه رقم (4574).

وهو حديث ضعيف.

(3)

النهاية في غريب الحديث (2/ 239) وغريب الحديث للهروي (3/ 210).

(4)

في المخطوط (ب): (قرابته).

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من (ب).

(6)

(12/ 246).

(7)

سورة الأنعام، الآية (164).

ص: 212

وقال الناصر

(1)

: إنها تجب على العصبة ثم على أهل الديوان. يعني: جند السلطان.

وقال أبو حنيفة

(2)

: إنها تجب على أهل الديوان، ولا شيء على الورثة؛ لأن عمر جعلها على أهل الديوان دون أهل الميراث، ولم ينكر هكذا في البحر، ولا يخفى ما في ذلك من المخالفة للأحاديث الصحيحة.

وقد حكي في البحر

(3)

عن الأصمِّ، وابن علية، وأكثر الخوارج: أن دية الخطأ في مال القاتل ولا تلزم العاقلة، وحكي عن علقمة، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة والبتيِّ وأبي ثور: أن الذي يلزم العاقلة هو الخطأ المحض وعمد الخطأ في مال القاتل

(4)

.

قوله: (على كل بطن عُقُولَةً) بضم العين المهملة، والقياس في مصدر عقل؛ أن يأتي على العقل أو العقول، وإنما دخلت الهاء لإفادة المرة الواحدة.

قوله: (لا يحلُّ أن يتوالى مولى رجل

إلخ) فيه تحريمُ أنْ يتولَّى [مولى]

(5)

الرَّجلِ مولى رجل آخرَ، وليسَ المرادُ بقوله:"بغير إذنه" أنه يجوز ذلك مع الإذن، بل المراد التأكيد كقوله تعالى:{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}

(6)

.

قوله: (قضى في الجنين المقتول بغرّة

إلخ) قد تقدم تفسير الجنين، والغرَّة، وما يتعلق بهما في باب دية الجنين

(7)

.

قوله: (وبرأ زوجها وولدها) فيه دليل على أن الزوج والولد ليسا من العاقلة، وإليه ذهب مالك

(8)

والشافعي

(9)

، وذهبت العترة

(10)

إلى أن الولد من جملة العاقلة. وقد تقدم كلامٌ في ذلك.

(1)

البحر الزخار (5/ 251).

(2)

المختصر للطحاوي (5/ 100).

(3)

البحر الزخار (5/ 251).

(4)

انظر: المغني (12/ 39 - 46) وعيون المجالس (5/ 2045 رقم 1475).

روضة الطالبين (9/ 349) والبيان للعمراني (11/ 595 - 600).

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

سورة آل عمران، الآية (130).

(7)

في الباب الرابع عند الحديث رقم (3068) من كتابنا هذا.

(8)

عيون المجالس (5/ 2044).

(9)

البيان للعمراني (11/ 595 - 596).

(10)

البحر الزخار (5/ 252).

ص: 213

31/ 3085 - (وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أن غُلامًا لأناس فُقرَاء قطَعَ أذُنَ غُلَامٍ لأناسٍ أَغْنِيَاءَ، فأتى أهْلُهُ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقالُوا: يَا نَبِيَّ الله إنَّا أناسٌ فُقَرَاءُ، فلَمْ يَجْعَلْ عَليهِ شيئًا. رواهُ أحمَدُ

(1)

وأبو دَاودَ

(2)

والنَّسَائيُّ

(3)

. [صحيح]

وَفِقْهُهُ أن ما تَحْمِلُهُ العَاقلةُ يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِفقْرِهْمِ وَلا يَرْجعُ على القَاتِلِ).

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه

(4)

، وصحح الحافظ

(5)

إسناده، وهو عند أبي داود (2) من رواية أحمد بن حنبل عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي نضرة عن عمران بن حصين، وهذا إسناد صحيح.

وفي الحديث دليل على أن الفقير لا يضمن أرش ما جناه ولا يضمن عاقلته أيضًا ذلك.

قال البيهقي

(6)

: إن كان المراد فيه الغلام المملوك؛ فإجماع أهل العلم على أن جناية العبد في رقبته.

وقد حمله الخطابي

(7)

: على أن الجاني كان حرًّا، وكانت الجناية خطأ، وكانت عاقلته فقراء، فلم يجعل عليهم شيئًا، إمَّا لفقرهم، وإما لأنهم لا يعقلون الجناية الواقعة من العبد على العبد على فرض أن الجاني كان عبدًا، وقد يكون الجاني غلامًا حرًّا، وكانت الجناية عمدًا فلم يجعل أرشها على عاقلته، وكان فقيرًا فلم يجعل في الحال عليه شيئًا، أو رآه على عاقلته، فوجدهم فقراء، فلم يجعل عليهم شيئًا لفقرهم، ولا عليه لكون جنايته في حكم الخطأ، هذا معنى كلام الخطابي.

(1)

في المسند (4/ 438).

(2)

في سننه رقم (4590).

(3)

في سننه رقم (4751).

قلت: وأخرجه البزار في المسند رقم (3600) والطبراني في الكبير (ج 18 رقم 512) والبيهقي (8/ 105).

وهو حديث صحيح.

(4)

لم يعزه صاحب التحفة إلى ابن ماجه (8/ 193) وإنما عزاه لأبي داود والنسائي.

(5)

في بلوغ المرام رقم (8/ 1094) بتحقيقي.

(6)

في السنن الكبرى (8/ 105) و (9/ 280).

(7)

في معالم السنن (4/ 712 - مع السنن).

ص: 214

وقد ذهب أكثر العترة

(1)

إلى أن جناية الخطأ تلزم العاقلة؛ وإن كانوا فقراء، قالوا: إذا شُرِعت لحقن دم الخاطئ، فعمَّ الوجوب.

وقال الشافعي

(2)

: [لا تلزم]

(3)

الفقير، وقال أبو حنيفة

(4)

: تلزم الفقير إذا كان له حرفة وعمل.

وقد ذهب الشافعي

(5)

في أحد قوليه إلى أن عمد الصغير في ماله، وكذلك المجنون، ولا يلزم العاقلة.

وذهبت العترة

(6)

وأبو حنيفة

(7)

والشافعي

(8)

في أحد قوليه: إلى أن عمد الصبيِّ، والمجنون على عاقلتهما، واستدلَّ لهم في البحر

(9)

بما روي عن عليٌّ عليه السلام أنه قال: لا عمد للصبيان والمجانين، قال: وهو توقيف، أو اجتهاد اشتهر ولم ينكر، ولا بد من تأويل لفظ الغلام بما سلف لما تقدم من الإجماع، وسيأتي أيضًا حديث:"إنَّ العاقلة لا تعقل جناية العبد".

32/ 3086 - (وعَنْ عَمْرِو بْنِ الأحْوَصِ أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لَا يَجْنِي جانٍ إلا على نَفسِهِ، لَا يَجْنِي وَالِدٌ على وَلدِهِ، وَلَا مَوْلودٌ على وَالِدِهِ". رواهُ أحمدُ

(10)

وابنُ ماجهْ

(11)

والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ)

(12)

. [صحيح]

33/ 3087 - (وعَنِ الخَشْخَاشِ العَنْبَريِّ قالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَعِي ابْنٌ لِي، فقالَ:"ابْنُكَ هَذَا"؟ فقُلتُ: نَعَمْ، قالَ:"لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلا تَجنِي عَليهِ".

(1)

البحر الزخار (5/ 253).

(2)

البيان للعمراني (11/ 604) والأم (7/ 286 - 287).

(3)

في المخطوط (ب): (لا يلزم).

(4)

المختصر للطحاوي (5/ 101 - 102).

(5)

البيان للعمراني (11/ 487).

(6)

البحر الزخار (5/ 251).

(7)

المختصر للطحاوي (5/ 115 - 116).

(8)

الأم (7/ 286) والبيان (11/ 603).

(9)

البحر الزخار (5/ 251).

(10)

في المسند (498/ 3، 499).

(11)

في السنن رقم (2669).

(12)

في السنن رقم (2159) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 215

رواهُ أَحْمَدُ

(1)

وابْنُ ماجهْ)

(2)

. [صحيح]

34/ 3088 - (وعَنْ أَبي رِمْثَةَ قالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبي حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيْتُ بِرَأسِهِ رَدْعَ حِنَّاءٍ، وقالَ لأبي:"هَذَا ابْنُكَ؟ "، قالَ: نَعَمْ، قالَ:"أَمَا إنهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلا تَجْنِي عَليهِ"، وقَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

(3)

. رَوَاهُ أحمدُ

(4)

وأبو دَاوُدَ)

(5)

. [صحيح]

35/ 3089 - (وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤخذُ الرَّجلُ بِجَرِيرَةِ أبيهِ، وَلا بِجَرِيرَةِ أَخيهِ". رَواهُ النّسائيُّ)

(6)

. [صحيح]

36/ 3090 - (وعَنْ رجُلٍ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ قالَ: أَتَيْنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ يُكلِّمُ النَّاسَ، فقامَ إليهِ النَّاسُ فقالوا: يا رسُولَ الله هؤلَاءِ بَنُو فلَانٍ الَّذِينَ قتَلُوا فلَانًا، فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لَا تَجْنِي نَفْسٌ على نفْسٍ". رواهُ أَحمَدُ

(7)

والنَّسَائيُّ)

(8)

. [صحيح]

حديث عمرو بن الأحوص أخرجه أيضًا أبو داود

(9)

، كما روى ذلك عنه

(1)

في المسند (4/ 344 - 345).

(2)

في السنن رقم (2671).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (2/ 226 - 228) و (4/ 163).

(4)

سورة الأنعام، الآية:(164).

(5)

في السنن رقم (4207 و 4495).

قلت: وأخرجه النسائي رقم (4832) والدارمي (2/ 198 - 199) وابن الجارود في المنتقى رقم (770) وابن حبان رقم (1522 - موارد) والبيهقي (8/ 27، 345).

وهو حديث صحيح.

(6)

في السنن رقم (4127).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (4/ 64، 65).

(8)

في السنن رقم (4833).

وهو حديث صحيح.

(9)

في السنن رقم (3334).

وهو حديث صحيح.

ص: 216

صاحب التلخيص

(1)

، ورجال إسناده ثقات إلا سليمان بن عمرو بن الأحوص وهو مقبول.

وحديث الخشخاش أورده في التلخيص

(2)

: وسكت عنه، وله طرق رجال أسانيدها ثقات.

وروى نحوه الطبراني

(3)

مرسلًا بإسناد رجاله ثقات.

وحديث أبي رمثة أخرجه أيضًا النسائي

(4)

والترمذي

(5)

وحسنه، وصححه ابن خزيمة

(6)

وابن الجارود

(7)

والحاكم

(8)

.

قال الحافظ

(9)

: وأخرج نحوه أحمد

(10)

والنسائي

(11)

من رواية ثعلبة بن زَهْدَم، وللنسائي

(12)

وابن ماجه

(13)

وابن حبان

(14)

من رواية طارق المحاربي.

ولابن ماجه

(15)

من رواية أسامة بن شريك. انتهى.

وحديث ابن مسعود أخرجه أيضًا البزار

(16)

ورجاله رجال الصحيح.

وحديث الرجل من بني يربوع

(17)

، رجال أحمد رجال الصحيح.

(1)

في "التلخيص"(4/ 60).

(2)

في "التلخيص"(4/ 60).

(3)

في المعجم الكبير (ج 4 رقم 4177).

(4)

في سننه رقم (4832) وقد تقدم.

(5)

في الشمائل رقم (44).

(6)

لعله في الأجزاء المفقودة.

(7)

في المنتقى رقم (770) وقد تقدم.

(8)

في المستدرك (2/ 425) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

(9)

في "التلخيص"(4/ 60).

(10)

في المسند (4/ 64، 65).

(11)

في السنن رقم (4833).

(12)

في السنن رقم (4829).

(13)

في السنن رقم (2670).

(14)

في صحيحه رقم (6562).

وهو حديث صحيح.

(15)

في السنن رقم (2672).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 348): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(16)

في المسند (رقم 1519 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 283) وقال: رجاله رجال الصحيح.

(17)

تقدم برقم (36/ 3090) من كتابنا هذا.

ص: 217

وأحاديث الباب يشهد بعضها لبعض ويقوِّي بعضُها بعضًا.

والثَّلاثةُ الأحاديثُ الأولى تدلُّ على أنه لا يضمن الولد من جناية أبيه شيئًا، ولا يضمن الوالد من جناية ابنه شيئًا، أما عدم ضمان الولد: فهو مخصوص من ضمان العاقلة بما سلف في حديث جابر.

وأما الأب فقد استدل بهذه الأحاديث: على أنه لا يضمن جناية ابنه كما أن الابن لا يضمن جناية الأب، وإلى ذلك ذهب مالك

(1)

والشافعي

(2)

في الابن والأب كما تقدم، وجعلا هذه الأحاديث مخصصة لعموم الأحاديث القاضية بضمان العاقلة على العموم فلا يكون الأب والابن من العاقلة التي تضمن الجناية الواقعة على جهة الخطأ، وخالفتهما في ذلك العترة

(3)

كما سلف.

ويمكن الاستدلال لهم بأنَّ هذه الأحاديث قاضيةٌ بعدم ضمان الابن لجناية الأب، والأب لجناية الابن سواء كانت عمدًا أو خطأ، فتكون مخصصةً بالأحاديث القاضية بضمان العاقلة، وهذا وإن سلم فلا يتمُّ باعتبار الابن؛ لأنه قد خرج من عموم العاقلة بما تقدم في حديث جابر

(4)

من أنه صلى الله عليه وسلم جعل دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرَّأ زوجها وولدها.

والحاصل أنه قد تعارض ههنا عمومان؛ لأن الأحاديث القاضية بضمان العاقلة هي أعمُّ من الأب وغيره من الأقارب، كما سلف والأحاديث المذكورة هي أعمُّ من جناية العمد والخطأ.

وقد قيل: إن ما تحمله العاقلة في جناية الخطأ والقسامة ليس من تحمل عقوبة الجناية، وإنما هو من باب النصرة والمعاضدة فيما بين الأقارب، فلا معارضة بين هذه الأحاديث وأحاديث ضمان العاقلة.

وقد تقدم في باب دية الجنين

(5)

من حديث ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي القاتلة: "أدّ في الصبيِّ غرّةً"، وجعله المصنف دليلًا: على أن الأب من العاقلة كما سلف.

(1)

عيون المجالس (5/ 2044).

(2)

البيان للعمراني (11/ 598).

(3)

البحر الزخار (5/ 253 - 254).

(4)

تقدم برقم (3084) من كتابنا هذا.

(5)

في الباب الرابع عند الحديث رقم (3071) من كتابنا هذا.

ص: 218

وأما حديث ابن مسعود

(1)

، وحديث الرجل الذي من بني يربوع

(2)

فهما يدلان على أنه لا يؤاخذ أحدٌ بذنب أحدٍ في عقوبةٍ ولا ضمان، ولكنَّهما مخصصان بأحاديث ضمان العاقلة المتقدمة؛ لأنهما أعمُّ مطلقًا كما خصص بها عموم قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

(3)

.

وقد قدمنا أن ضمان العاقلة لجناية الخطأ مجمع عليه على ما حكاه صاحب الفتح

(4)

، وقد حمل المصنف رحمه الله هذه العمومات على جناية العمد كما سيأتي.

قوله: (وعن الخشخاش) بخاءين معجمتين مفتوحتين وشينين معجمتين الأولى ساكنة.

قوله: (عن أبي رِمثة) بكسر الراء المهملة وبعدها ميم ساكنة وثاء مثلثة وتاء تأنيث، واسمه رفاعة بن يثربي بفتح التحتية بعدها مثلثة ساكنة ثم راء مكسورة ثم باء موحدة ثم ياء النسبة، وفي اسمه اختلاف كثير.

قوله: (رَدْعٌ)

(5)

بفتح الراء وسكون الدال المهملة بعدها عين مهملة: وهو لطخ من زعفران أو دم أو حناء أو طيب أو غير ذلك. وهو هنا من حناء كما وقع مبينًا في الرواية.

قوله: (بجريرةِ أبيه) بجيم فراء فتحتية فراء فهاء تأنيث. قال في القاموس

(6)

: والجريرة: الذنب والجناية.

37/ 3091 - (وعَنْ عُمَرَ قالَ: الْعَمْدُ والْعَبْدُ والصُّلحُ وَالاعتِرَافُ لَا تَعْقِلُهُ العَاقِلَةُ. رواهُ الدَّارقُطْنِيُّ

(7)

. [أثر ضعيف منقطع]

(1)

تقدم برقم (3089) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3090) من كتابنا هذا.

(3)

سورة الأنعام، الآية (164).

(4)

الحافظ ابن حجر في "الفتح"(12/ 246).

(5)

النهاية في غريب الحديث (1/ 649 - 650).

(6)

القاموس المحيط (ص 464) والنهاية (1/ 252).

(7)

في السنن (3/ 177 رقم 276) وأخرجه البيهقي (8/ 104) عن عبد الملك بن حسين أبي مالك النخعي عن عبد الله بن أبي السفر عن عامر عن عمر

فذكره. =

ص: 219

وحكى أحمَدُ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ مِثْلَهُ.

وقالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتْ السُّنَّة أن العَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شيئًا مِنْ دِيةِ العمْدِ إلَّا أنْ يَشاؤوا. رواهُ عَنْهُ مالكٌ في المُوطأ

(1)

. [مقطوع صحيح]

وعلى هَذَا وأَمْثَالِهِ تُحْمَلُ العُمُوماتُ المَذْكُورةُ).

أثر عمر أخرجه أيضًا البيهقي

(2)

، قال الحافظ

(3)

: وهو منقطع، وفي إسناده عبد الملك بن حسين وهو ضعيف

(4)

. قال البيهقي

(5)

: والمحفوظ أنه عن عامر الشعبي من قوله.

وأثر ابن عباس أخرجه أيضًا البيهقي

(6)

، ولفظه:"لا تحمل العاقلة عمدًا ولا صلحًا ولا اعترافًا ولا ما جنى المملوك".

وقول الزهري روى معناه البيهقي

(7)

عن أبي الزناد عن الفقهاء من أهل المدينة.

وفي الباب عن عبادة بن الصامت عند الدارقطني

(8)

والطبراني

(9)

: أن

= قال البيهقي: هذا منقطع بين الشعبي وعمر؛ وعبد الملك بن حسين غير قوي، والمحفوظ رواية أبي إدريس عن مطرف عن الشعبي من قوله.

ثم أخرجه عن الشعبي من قوله، وقال في "التنقيح": عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي ضعفوه، وقال الأزدي: متروك الحديث، وعامر الشعبي عن عمر منقطع.

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة، يقولان: الشعبي عن عمر مرسل". اهـ.

"نصب الراية"(4/ 380).

(1)

في الموطأ (2/ 865).

وهو مقطوع صحيح.

(2)

في السنن الكبرى (8/ 104).

(3)

في "التلخيص"(4/ 61).

(4)

عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي الكوفي: قال البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو زرعة والدارقطني: ضعيف.

[التاريخ الكبير (5/ 411) والمجروحين (2/ 134) والجرح والتعديل (5/ 347) والميزان (2/ 653)].

(5)

في السنن الكبرى (8/ 104).

(6)

في السنن الكبرى (8/ 104).

(7)

في السنن الكبرى (8/ 105).

(8)

في السنن (3/ 178 رقم 278).

(9)

في "مسند الشاميين"(3/ 220). =

ص: 220

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئًا". وفي إسناده محمد بن سعيد المصلوب

(1)

وهو كذاب، وفيه أيضًا الحارث بن نبهان

(2)

وهو منكر الحديث.

وقد تمسك بما في الباب من قال: إن العاقلة لا تعقل العمد ولا العبد ولا الصلح ولا الاعتراف.

وقد اختلف في المجني عليه إذا كان عبدًا، فذهب الحكم

(3)

وحماد (3) والعترة

(4)

وأبو حنيفة

(5)

والشافعي

(6)

في أحد قوليه إلى أن العاقلة تحمل العبد كالحر.

وذهب مالك

(7)

والليث وأحمد

(8)

وإسحاق وأبو ثور إلى أنها لا تحمله.

وقد أجيب عن قول عمر مع كونه مما لا يحتج به لكون أقوال الصحابة لا تكون حجة إلا إذا أجمعوا أن المراد أن العاقلة لا تعقل الجناية الواقعة من العبد على غيره كما يدل على ذلك قول ابن عباس الذي ذكرناه بلفظ: "ولا ما جنى المملوك".

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 301) وقال: فيه الحارث بن نبهان، وهو متروك".

قال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 380): "والحارث بن نبهان: قال ابن القطان: متروك الحديث، قال عبد الحق في أحكامه: ومحمد بن سعيد هذا أظنه المصلوب. قال ابن القطان: وأصاب في شكِّه". اهـ.

(1)

محمد بن سعيد بن حسان بن قيس القرشي الأسدي، المصلوب قال أحمد بن حنبل: قتله أبو جعفر في الزندقة، حديثه حديث موضوع.

[الجرح والتعديل (3/ 263/2) والعقيلي في الضعفاء الكبير (4/ 71)].

(2)

الحارث بن نبهان أبو محمد الجرمي: قال أحمد: رجل صالح، لم يكن يعرف الحديث ولا يحفظه منكر الحديث.

[الميزان (1/ 444) والجرح والتعديل (1/ 2/ 91 - 92) والعقيلي (1/ 217) والتاريخ الكبير (1/ 2/ 284) والكامل (2/ 609)].

والخلاصة: أن حديث عبادة بن الصامت حديث ضعيف جدًّا.

(3)

البيان للعمراني (11/ 589).

(4)

البحر الزخار (5/ 254 - 255).

(5)

المختصر للطحاوي (5/ 104 - 105).

(6)

البيان للعمراني (11/ 588 - 589).

(7)

بداية المجتهد (4/ 329) بتحقيقي.

(8)

المغني (12/ 27 - 28).

ص: 221

والحاصل أنه لم يكن في الباب ما ينبغي إثبات الأحكام الشرعية بمثله، فالمتوجه الرجوع إلى الأحاديث القاضية بضمان العاقلة مطلقًا لجناية الخطأ، ولا يخرج عن ذلك إلا ما كان عمدًا. وظاهره عدم الفرق بين كون الجناية الواقعة على جهة العمد من الرجل على غيره أو على نفسه، وإليه ذهبت العترة

(1)

والحنفية

(2)

والشافعية

(3)

، وذهب الأوزاعي وأحمد

(4)

وإسحاق إلى أن جناية العمد على نفس الجاني مضمونة على عاقلته.

واعلم أنه [قد]

(5)

وقعَ الإجماع على أن دية الخطأ مؤجلة على العاقلة.

ولكن اختلفوا في مقدار الأجل، فذهب الأكثر إلى أن الأجل ثلاث سنين. وقال ربيعة: إلى خمس، وحكي في البحر

(6)

عن بعض الناس بعد حكايته للإجماع السابق أنه تكون حالة إذ لم يرو عنه صلى الله عليه وسلم تأجيلها.

قال في البحر

(7)

: قلنا: روي عن علي أنه قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين

(8)

، وقاله عمر

(9)

وابن عباس ولم ينكرا. انتهى.

قال الشافعي

(10)

في المختصر: لا أعلم مخالفًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين.

قال الرافعي

(11)

: تكلم أصحابنا في ورود الخبر بذلك، فمنهم من قال: ورد ونسبه إلى رواية علي عليه السلام، ومنهم من قال: ورد أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة. وأما التأجيل فلم يرد به الخبر وأخذ ذلك من إجماع الصحابة.

وقال ابن المنذر (11): ما ذكره الشافعي لا نعرفه أصلًا من كتاب ولا سنة،

(1)

البحر الزخار (5/ 253).

(2)

المختصر للطحاوي (5/ 114).

(3)

البيان للعمراني (11/ 590).

(4)

المغني (12/ 33).

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

البحر الزخار (5/ 252 - 253).

(7)

البحر الزخار (5/ 253).

(8)

في السنن الكبرى (8/ 110).

(9)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 284 - 285 رقم 7488) وعبد الرزاق في المصنف رقم (17858) والبيهقي (8/ 109 - 110).

(10)

معرفة السنن والآثار رقم (16307).

وانظر: البيان للعمراني (11/ 592).

(11)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(4/ 62).

ص: 222

وقد سئل عن ذلك أحمد بن حنبل

(1)

فقال: لا نعرف فيه شيئًا، فقيل: إن أبا عبد الله - يعني الشافعي - رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لعله سمعه من ذلك المدني فإنه كان حسن الظن به، يعني إبراهيم بن أبي يحيى.

وتعقبه ابن الرفعة

(2)

بأن من عرف حجة على من لم يعرف.

وروى البيهقي

(3)

من طريق ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: من السنة أن تنجم الدية في ثلاث سنين.

وقد وافق الشافعي على نقل الإجماع الترمذي في جامعه

(4)

وابن المنذر

(5)

، فحكى كل واحد منهما الإجماع.

وقد روى التأجيل ثلاث سنين ابن أبي شيبة

(6)

وعبد الرزاق

(7)

والبيهقي

(8)

عن عمر وهو منقطع لأنه من رواية الشعبي عنه.

ورواه عبد الرزاق

(9)

أيضًا عن ابن جريج عن أبي وائل قال: "إن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين، وجعل نصف الدية في سنتين، وما دون النصف في سنة".

وروى البيهقي

(10)

التأجيل المذكور عن عليٍّ وهو منقطع وفي إسناده ابن لهيعة.

(1)

المغني (12/ 15 - 17).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(4/ 62).

(3)

في السنن الكبرى (8/ 107).

(4)

في السنن (4/ 6).

(5)

في الإجماع له (ص 75) رقم (705) والإشراف له (2/ 197 رقم 1455).

(6)

في المصنف (9/ 284 - 285 رقم 7488).

(7)

في المصنف رقم (17858).

(8)

في السنن الكبرى (8/ 109 - 110).

وهو أثر ضعيف منقطع.

(9)

في المصنف رقم (17857).

(10)

في السنن الكبرى (8/ 110).

وهو أثر ضعيف منقطع.

ص: 223

[بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين.

بلغ السماع عليَّ إلى هاهنا

الفقيه العلامة: يحيى بن محسن الحبوري

أصلًا وتحشية، فقرأه تحقيق

في شهر الله المحرم مفتاح

سنة (1227 هـ) سبع وعشرين ومائتين وألف

كتبه: حسن بن يحيى الكبسي غفر الله لهما]

(1)

.

* * *

(1)

زيادة في المخطوط (ب).

ص: 224

[الكتاب التاسع والثلاثون] كتاب الحدود

[أولًا: أبواب حد الزنى]

[الباب الأول] باب ما جاء في رجم الزاني المحصن وجلد البكر وتغريبه

1/ 3092 - (عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بْنِ خالِدٍ أَنَّهُمَا قَالَا: إنَّ رجُلًا مِنَ الأعْرَابِ أَتَى رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: يَا رَسُولَ الله أنْشُدكَ الله إلَّا قَضيْتَ لِي بكِتابِ الله، وقالَ الخَصْمُ الآخَرُ وهْوَ أَفْقَهُ مِنهُ: نعَمْ فَاقْضِ بيْنَنَا بكِتَابِ الله وائْذَنْ لِي، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"قُلْ"، [قَالَ]

(1)

: إنَّ ابْنِي كانَ عَسِيفًا على هَذَا فَزنى بامْرَأَتِهِ وإنِّي أخْبَرْتُ أَنَّ على ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنهُ بمِائةِ شَاةٍ وَوَليدَةٍ، فَسَألْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فأخْبَرُوني أنَّ على ابْنِي جَلْدَ مِائةٍ وَتَغْرِيبَ عامٍ، وإنَّ على امْرَأَةِ هَذَا الرَّجمَ، فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"وَالذِي نفْسِي بِيَدِهِ لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتَابِ الله، الْوَلِيدَةُ والْغَنَمُ رَدٌّ، وعلى ابْنِكَ جَلْدُ مِائةٍ وَتغريبُ عامٍ، واغْدُ يا أُنَيْسُ - لِرجُلٍ مِنْ أسْلَمَ - إلى امْرَأَة هذا، فإنِ اعْتَرَفَتْ فارْجُمْها".

قالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا فاعَتَرَفتْ، فأمَرَ بهَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فرُجِمَتْ. رَوَاهُ الجَماعَةُ

(2)

.

قالَ مالِك

(3)

: العَسيفُ: الأجِيرُ.

(1)

في المخطوط (ب): (فقال).

(2)

أحمد في المسند (4/ 115 - 116) والبخاري رقم (6859) ومسلم رقم (25/ 1697، 1698) وأبو داود رقم (4445) والترمذي رقم (1433) والنسائي رقم (5410) وابن ماجه رقم (2549).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 177) والحميدي رقم (811) والطيالسي رقم (953) و (2514) والبغوي في "شرح السنة"(10/ 274 - 275).

وهو حديث صحيح.

(3)

في الموطأ (2/ 822) بإثر رقم (6).

ص: 225

ويَحْتَجُّ بهِ مَنْ يُثْبِتُ الزِّنَا بالإقْرَارِ مَرَّةً وَمَنْ يَقْتَصِرُ على الرَّجمِ).

2/ 3093 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بنَفْيِ عَامٍ، وإِقامَةِ الحَدِّ عَليهْ)

(1)

. [صحيح]

3/ 3094 - (وعَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا حينَ رَجَمَ المَرْأَةَ ضَرَبَها يَوْمَ الخَمِيس ورَجَمَهَا يَوْمَ الجُمْعَةِ، وقالَ: جَلدْتُها بكِتابِ الله، ورَجَمْتها بسنَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.

روَاهُما أَحمدُ

(2)

والبُخاريُّ)

(3)

. [صحيح]

4/ 3095 - (وعَنْ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خُذوا عَنِّي خُذوا عَنِّي، قدْ جَعَلَ الله لَهُنَّ سَبيلًا، الْبِكْرُ بالْبِكْرِ جلْدُ مِائةٍ وَنَفْيُ سَنةٍ، والثِّيبُ بالثِّيبِ جلْدُ مِائةٍ والرَّجمُ". رواهُ الجماعة إلَّا البُخاريّ والنَّسائيّ)

(4)

. [صحيح]

5/ 3096 - (وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبدِ الله أَنَّ رَجُلًا زَنَى بامْرَأَةٍ فأمَرَ بِه النبِيُّ صلى الله عليه وسلم فجُلِدَ الحَدَّ، ثمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فأمَرَ بهِ فرُجِمَ. رَوَاهُ أَبُو داودَ)

(5)

. [إسناده ضعيف]

6/ 3097 - (وعَنْ جابرِ بْنِ سَمُرَةَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَجمَ ماعِزَ بْن مالكٍ وَلَمْ يذْكُرْ جَلْدًا. رواهُ أَحمدُ)

(6)

. [صحيح لغيره]

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 453) والبخاري رقم (6833).

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (1/ 93).

(3)

في صحيحه رقم (6812).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (5/ 313) ومسلم رقم (12/ 1690) وأبو داود رقم (4415) والترمذي رقم (1434) وابن ماجه رقم (2550).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 181) والطيالسي رقم (584) والبيهقي (8/ 221 - 224) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 134).

وهو حديث صحيح.

(5)

في السنن رقم (4438) بسند ضعيف.

(6)

في المسند (5/ 92).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 82 - 83) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 139) إسناده حسن. =

ص: 226

حديث جابر بن عبد الله سكت عنه أبو داود

(1)

والمنذري

(2)

، وقد قدمنا في أول الكتاب أن ما سكت عنه فهو صالح للاحتجاج به، وقد أخرجه أبو داود عنه من طريقين

(3)

، ورجال إسناده رجال الصحيح. وإخرجه أيضًا النسائي

(4)

.

وحديث جابر بن سمرة أخرجه أيضًا البيهقي

(5)

، وأورده الحافظ في "التلخيص"

(6)

ولم يتكلم عليه، وقد أخرجه أيضًا البزار

(7)

، قال في مجمع الزوائد

(8)

: في إسناده صفوان بن المغلس لم أعرفه وبقية إسناده ثقات، وحديثه أصله في الصحيح

(9)

وسيأتي.

قوله: (كتاب الحدود) الحدُّ لغة

(10)

: المنع، ومنه سمي البوّابُ: حدَّادًا، وسُميت عقوبات المعاصي حدودًا، لأنها تمنع العاصي من العود إلى تلك المعصية التي حُدَّ لأجلها في الغالب.

وأصل الحدِّ

(11)

: الشيء الحاجز بين الشيئين، ويُقال على ما يميزُ الشيء عن غيره، ومنه حدود الدار والأرض، ويطلق الحد أيضًا على نفس المعصية ومنه:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}

(12)

.

وفي الشرع: عقوبة مقدرة لأجل حق الله. فيخرج التعزير لعدم تقديره، والقصاص لأنه حق لآدمي.

قوله: (أَنْشُدك الله) بفتح الهمزة وسكون النون وضم المعجمة أي أذكرك الله.

= وهو حديث صحيح لغيره.

(1)

في السنن (4/ 586).

(2)

في "المختصر"(6/ 250).

(3)

الأول برقم (4438) بسند ضعيف.

والثاني برقم (4439) ضعيف موقوف.

(4)

في السنن الكبرى رقم (7211 - العلمية).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 226 - 227).

(6)

في "التلخيص الحبير"(4/ 98).

(7)

في المسند رقم (1556 - كشف).

(8)

في "مجمع الزوائد"(6/ 267 - 268).

(9)

في صحيح البخاري رقم (6812).

(10)

القاموس المحيط (ص 352) والنهاية (1/ 345).

(11)

القاموس المحيط (ص 352) والنهاية (1/ 346).

(12)

سورة البقرة، الآية (187).

ص: 227

قوله: (إلا قضيت لي بكتاب الله) أي لا أسألك إلا القضاء بكتاب الله فالفعل مؤول بالمصدر للضرورة، أو بتقدير حرف المصدر فيكون الاستثناء مفرَّعًا، والمراد بكتاب الله ما حكم به الله على عباده سواء كان من القرآن أو على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم. وقيل: المراد به القرآن فقط.

قوله: (وهو أفقه منه) لعلَّ الرَّاوي عرفَ ذلك قبل الواقعةِ، أو استدل بما وقعَ منه في هذه [القضيَّةِ]

(1)

على أنه أفقه من صاحبه.

قوله: (قال: إنَّ ابني هذا

إلخ) القائل هو الآخر الذي وصفه الراوي بأنه أفقه كما يشعر بذلك السياق.

وقال الكرماني

(2)

: إنَّ القائل هو الأول، ويدل على ذلك ما وقع في كتاب الصلح

(3)

من صحيح البخاري بلفظ: "فقال الأعرابي: إن ابني". بعد قوله في الحديث: "جاء أعرابي"، قال الحافظ

(4)

: والمحفوظ ما في سائر الطرق.

قوله: (عسيفًا على هذا) بفتح العين المهملة وكسر السين المهملة أيضًا وتحتية وفاء كالأجير وزنًا ومعنًى

(5)

.

وقد وقع تفسيره بذلك في صحيح البخاري مدرجًا كما أشار إليه المصنف

(6)

.

ووقع في رواية للنسائي

(7)

بلفظ: "كان ابني أجيرًا لامرأته".

ويطلق العسيف على السائل والعبد والخادم، والعسف في أصل اللغة الجور

(8)

، وسمي الأجير بذلك لأن المستأجر يعسفه على العمل، أي: يجور عليه. ومعنى قوله: "على هذا" عند هذا.

قوله: (وإني أخبِرتُ) على البناء للمجهول.

(1)

في المخطوط (ب): (القصة).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (23/ 210).

(3)

(5/ 301 رقم 2695، 2696 - مع الفتح).

(4)

في "الفتح"(2/ 139).

(5)

النهاية (2/ 206) والفائق (2/ 429).

(6)

في الحديث المتقدم رقم (3092) من كتابنا هذا.

(7)

في السنن الكبرى (رقم 7193 - العلمية).

(8)

النهاية (2/ 206) والفائق (2/ 429).

ص: 228

قوله: (جلد مائةٍ) بالإضافة في رواية الأكثرين، وقُرئ بتنوين جلدٍ، ونصب مائة، قال الحافظ

(1)

: ولم يثبت رواية.

قوله: ([والغنم]

(2)

ردّ) أي: مردود.

وقد استدل بذلك على عدم حل الأموال المأخوذة في الصلح مع عدم طيبة النفس.

قوله: (وعلى ابنك جلد مائةٍ) حكمه صلى الله عليه وسلم بالجلد من دون سؤال عن الإحصان يشعر بأنه عالم بذلك من قبل. ووقع في رواية

(3)

بلفظ: "وابني لم يُحصَنُ".

قوله: (يا أُنيس) بضم الهمزة بعدها نون ثم تحتية ثم سين مهملة مصغرًا.

قال ابن عبد البر

(4)

: هو ابن الضحاك الأسلمي.

وقيل: ابن مرشد.

وقال ابن السكن في كتاب الصحابة

(5)

: لم أدر من هو ولا ذكر إلا في هذا الحديث، وغلط بعضهم فقال: إنه أنس بن مالك وليس الأمر كذلك فإن أنس بن مالك أنصاري وهذا أسلمي كما وقع التصريح بذلك في حديث الباب.

قوله: (فإن اعترفتْ فارجمها) فيه دليل لمن قال: إنه يكفي الإقرار مرَّةً واحدةً، وسيأتي الخلاف في ذلك وبيان ما هو الحقُّ.

وقد استشكل بعثه صلى الله عليه وسلم إلى المرأة مع أمره لمن أتى الفاحشة بالستر.

وأجيب بأن بعثه صلى الله عليه وسلم إليها لم يكن لأجل إثبات الحدِّ عليها بل لأنها لما قذفت بالزنا بعث إليها لتنكر فتطالب بحد القذف أو تقر بالزنا فيسقط حدٌّ القذف.

(1)

في "الفتح"(12/ 140).

(2)

في المخطوط (ب): (وللغنم).

(3)

عند النسائي في السنن الكبرى (رقم 7193 - العلمية).

(4)

في الاستيعاب (1/ 203 رقم 95).

(5)

حكاه الحافظ في "الفتح"(12/ 140) وانظر: "الإصابة"(1/ 287).

ص: 229

قوله: (فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت) في رواية الأكثرين: فاعترفت فرجمها

(1)

.

وفي روايةٍ مختصرة: "فغدا عليها فرجمها"

(2)

.

وفي رواية

(3)

: "وأما امرأة هذا فترجم".

والرواية المذكورة في الباب أتم من سائر الروايات لإشعارها بأن أنيسًا أعاد جوابها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فرجمها.

قال الحافظ

(4)

: والذي يظهر: أنَّ أنيسًا لما اعترفت أعلم النبي صلى الله عليه وسلم مبالغة في الاستثبات مع كونه كان علق له رجمها على اعترافها، ولكنه لا بدَّ من أن يقال: إن أنيسًا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ومعه غيره ممن يصحُّ أن يثبت بشهادته حدُّ الزنا، لكنه اختصر ذلك في الرواية وإن كان قد استدل به البعض بأنه يجوز للحاكم أن يحكم بإقرار الزاني من غير أن يشهد عليه غيره، وأنيس قد فوض إليه النبي صلى الله عليه وسلم الحكم.

وقد يجاب عنه بأنها واقعة عين، ويحتمل أن يكون أنيس قد أشهد قبل رجمها.

وقد حكى القاضي عياض

(5)

عن الشافعي

(6)

في قول له وأبي ثور

(7)

أنه يجوز للحاكم في الحدود أن يحكم بما أقر به الخصم عنده وأبى ذلك الجمهور

(8)

.

(1)

أحمد في المسند (4/ 115، 116) والبخاري رقم (6859) ومسلم رقم (25/ 1697) وأبو داود رقم (4445) والترمذي رقم (1433) والنسائي رقم (5410، 5411) وابن ماجه رقم (2549).

وهو حديث صحيح.

(2)

النسائي في السنن الكبرى رقم (7190 - العلمية).

(3)

النسائي في السنن الكبرى رقم (7193 - العلمية).

(4)

في "الفتح"(12/ 142).

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 527).

(6)

البيان للعمراني (12/ 373).

(7)

موسوعة الإمام أبي ثور (ص 717).

(8)

المغني (12/ 376).

ص: 230

قوله: (بنفي عام) في هذا الحديث. وفي حديث أبي هريرة

(1)

المذكور قلبه.

وفي حديث عبادة بن الصامت

(2)

المذكور بعده دليل على ثبوت التغريب ووجوبه على من كان غير محصن.

وقد ادعى محمد بن نصر في كتاب "الإجماع"

(3)

الاتفاق على نفي الزاني البكر إلا عن الكوفيين.

وقال ابن المنذر

(4)

: أقسم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب الله تعالى، ثم قال:"إن عليه جلد مائة وتغريب عام"، وهو المبين لكتاب الله تعالى.

وخطب عمر بذلك على رؤوس المنابر، وعمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكره أحد فكان إجماعًا.

وقد حكى القول بذلك صاحب البحر

(5)

عن الخلفاء الأربعة، وزيد بن علي، والصادق، وابن أبي ليلى (6) والثوري

(6)

، ومالك

(7)

والشافعي

(8)

وأحمد

(9)

وإسحاق (6) والإمام يحيى (10) وأحد قولي الناصر

(10)

.

وحكي عن القاسمية (10) وأبي حنيفة

(11)

وحماد: أن التغريب والحبس غير واجبين.

واستدل لهم بقوله إذ لم يُذْكَرَا في آيةِ الجلدِ

(12)

، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا زنت أمةُ

(1)

تقدم برقم (3093) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3095) من كتابنا هذا.

(3)

"الإجماع"، محمد بن نصر المروزي (ت 294 هـ).

معجم المصنفات (ص 39) رقم (8).

(4)

في "الإشراف" له (2/ 31 - 32).

(5)

البحر الزخار (5/ 147).

(6)

حكاه عنهم ابن قدامة في المغني (12/ 322).

(7)

عيون المجالس (5/ 2087).

(8)

البيان للعمراني (12/ 355).

(9)

المغني (12/ 322).

(10)

الإمام المهدي في البحر الزخار (5/ 147).

(11)

البناية في شرح الهداية (6/ 229) الاختيار (4/ 341).

(12)

سورة النور، الآية (2).

ص: 231

أحدِكم فَلْيجلِدْهَا" الحديث

(1)

.

وهذا الاستدلال من الغرائب، فإن عدم ذكر التغريب في آية الجلد لا يدل على مطلق العدم.

وقد ذكر التغريب في الأحاديث الصحيحة الثابتة باتفاق أهل العلم بالحديث من طريق جماعة من الصحابة بعضها ذكره المصنف في الباب وبعضها لم يذكر، وليس بين هذا الذكر وبين عدمه في الآية منافاة، وما أشبه هذا الاستدلال بما استدل به الخوارج على عدم ثبوت رجم المحصن فقالوا: لأنه لم يذكر في كتاب الله.

وأغرب من هذا استدلاله بعدم ذكر التغريب في قوله: "إذا زنت أمة أحدكم"(1).

والحاصل أن أحاديث التغريب قد جاوزت حدَّ الشهرة المعتبرة عند الحنفية

(2)

فيما ورد من السنة زائدًا على القرآن فليس لهم معذرة عنها بذلك، وقد عملوا بما هو دونها بمراحل كحديث نقض الوضوء بالقهقهة (2)، وحديث جواز الوضوء بالنبيذ

(3)

، وهما زيادة على ما في القرآن، وليس هذه الزيادة مما يخرج بها المزيد عليه عن أن يكون مجزئًا حتى تتجه دعوى النسخ.

وقد أجاب صاحب البحر

(4)

عن أحاديث التغريب بأنه عقوبة لا حدّ، ويجاب عن ذلك القول بموجبه، فإن الحدود كلها عقوبات والنزاع في ثبوته لا في مجرد التسمية.

وأما الاستدلال بحديث سهل بن سعد عند أبي داود

(5)

: "أن رجلًا من

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 294) والبخاري رقم (2152) ومسلم رقم (30/ 1703).

(2)

البناية في شرح الهداية (1/ 226 - 227).

(3)

البناية في شرح الهداية (1/ 463 - 464).

(4)

البحر الزخار (5/ 147 - 148).

(5)

في السنن رقم (4437). وهو حديث صحيح، ولفظه: "أن رجلًا أتاهُ فأقرَّ عنده أنه زنى بامرأة سماها له فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحدَّ وتركها.

وأما اللفظ الذي ذكره الشوكاني فهو عند أبي داود برقم (4467) من حديث ابن عباس.

وهو حديث منكر.

ص: 232

بكر بن ليث أقرَّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه زنى بامرأةٍ، وكان بكرًا فجلده النبيُّ صلى الله عليه وسلم مائة، وسأله البينة على المرأة إذ كذبته فلم يأت بشيء فجلده حد الفرية ثمانين جلدة".

قالوا: ولو كان التغريب واجبًا لما أخلَّ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فيجاب عنه باحتمال أن يكون ذلك قبل مشروعية التغريب.

غاية الأمر: احتمال تقدمه وتأخره على أحاديث التغريب، والمتوجه عند ذلك المصير إلى الزيادة التي لم تقع منافية للمزيد، ولا يصلح ذلك للصرف عن [الوجوب]

(1)

إلا على فرض تأخره ولم يعلم.

وهكذا يقال في حديث: "إذا زنت أمة أحدكم" المتقدم

(2)

. وبه يندفع ما قاله الطحاوي

(3)

من أنه ناسخ للتغريب معللًا ذلك بأنه إذا سقط عن الأمة سقط عن الحرة لأنها في معناها.

قال: ويتأكد ذلك بأحاديث: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"

(4)

، وقد تقدمت

(5)

.

قال: وإذا انتفى عن النساء انتفى عن الرجال.

قال: وهو مبني على أن العموم إذا خص سقط الاستدلال به وهو مذهب ضعيف

(6)

. انتهى.

وغاية الأمر أنا لو سلمنا تأخُّر حديث الأَمَة عن أحاديث التغريب كان معظم ما يستفاد منه: أن التغريب في حقِّ الإماء ليس بواجب، ولا يلزم ثبوت مثل ذلك في حقِّ غيرها، أو يقال: إنَّ حديث الأمة المذكور مخصصٌ لعموم أحاديث التغريب مطلقًا على ما هو الحقُّ من أنه يبني العامُّ على الخاصِّ؛ تقدم، أو تأخر، أو قارن.

ولكن ذلك التخصيص باعتبار عدم الوجوب في الخاصِّ لا باعتبار عدم الثبوت مطلقًا، فإن مجرَّد الترك لا يفيد مثل ذلك.

(1)

في المخطوط (ب): (الواجب).

(2)

تقدم آنفًا (ص 232).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 157).

(4)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 182) والبخاري رقم (1862) ومسلم رقم (424/ 1341).

(5)

تقدمت برقم (1802 و 1803، 1804، 1805) من كتابنا هذا.

(6)

إرشاد الفحول (ص 466 - 467) بتحقيقي والبحر المحيط (3/ 269).

ص: 233

وظاهِر أحاديثِ التغريبِ أنه ثابتٌ في الذكر والأنثى، وإليه ذهب الشافعي

(1)

.

وقال مالك

(2)

والأوزاعي: لا تغريب على المرأة؛ لأنها عورة. وهو مروي عن علي

(3)

وظاهرها أيضًا أنه لا فرق بين الحر والعبد، وإليه ذهب الثوري وداود والطبري والشافعي

(4)

في قول له، والإمام يحيى

(5)

ويؤيده قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}

(6)

.

وقد ذهب بعضهم إلى أنه ينصف في حقِّ الأمة، والعبد، قياسًا على الحد. وهو قياس صحيح.

وفي قول للشافعي

(7)

أنه لا ينصف فيهما.

وذهب مالك

(8)

وأحمد بن حنبل

(9)

وإسحاق والشافعي في قول

(10)

له، وهو مروي عن الحسن إلى أنَّه لا تغريب للرقّ.

واستدلوا بحديثٍ: "إذا زنت أمة أحدكم " المتقدم

(11)

، وقد تقدم الجواب عن ذلك، وسيأتي الحديث أيضًا في باب السيد يقيم الحد على رقيقه.

وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب أن التغريب هو نفي الزاني عن محله سنة، وإليه ذهب مالك والشافعي

(12)

وغيرهما ممن تقدم ذكره.

والتغريب يصدق بما يُطلق عليه اسم الغربة شرعًا، فلا بدَّ من إخراج الزاني عن المحلِّ الذي لا يصدق عليه اسم الغربة فيه.

(1)

البيان (12/ 355) وروضة الطالبين (10/ 87).

(2)

عيون المجالس (5/ 2088).

(3)

أخرج البيهقي في السنن الكبرى (8/ 223) عن الشعبي أن عليًا جلد ونفى من البصرة إلى الكوفة، أو قال: من الكوفة إلى البصرة".

وهو أثر صحيح.

(4)

البيان للعمراني (12/ 357).

(5)

البحر الزخار (5/ 148).

(6)

سورة النساء، الآية (25).

(7)

البيان (12/ 357).

(8)

عيون المجالس (5/ 2087) وبداية المجتهد (4/ 379) بتحقيقي.

(9)

المغني (12/ 333 - 334).

(10)

البيان (12/ 356).

(11)

الباب السابع عشر عند الحديث (3137)(ص 232) من كتابنا هذا.

(12)

البيان (12/ 355).

ص: 234

قيل: وأقله مسافة قصر

(1)

. وحكي في البحر

(2)

عن علي، وزيد بن علي، والصادق، والناصر في أحد قوليه، أن التغريب هو حبس سنة.

وأجاب عنه: بأنه مخالف لوضع التغريب.

وتعقبه صاحب ضوء النهار

(3)

بأن مخالفة الوضع لا تنافي التجوز، وهما مشتركان في فقد الأنيس.

قال: ومنه: "بدأ الدين غريبًا وسيعود غريبًا"

(4)

. وجعل قرينة المجاز حديث النهي عن سفر المرأة مع غير محرم.

(1)

روضة الطالبين (10/ 88).

(2)

البحر الزخار (5/ 148).

(3)

في ضوء النهار (4/ 2252).

(4)

وقد ورد من حديث: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وعبد الرحمن بن سنة، وعبد الله بن عمر، وعمرو بن عوف بن زيد بن مِلحة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس، وجابر.

• أما حديث سعد بن أبي وقاص، فقد أخرجه أحمد في المسند (1/ 184) وأبو يعلى في المسند رقم (756) والدورقي رقم (92) والبزار رقم (1119) وابن منده في "الإيمان" رقم (424).

وهو حديث صحيح.

• وأما حديث ابن مسعود، فقد أخرجه أحمد في المسند (1/ 398) والترمذي رقم (2629) وابن ماجه رقم (3988) والدارمي (2/ 311 - 312) والطبراني في الكبير رقم (10081) والشاشي رقم (729) والآجري في "الغرباء"(1، 2) وأبو يعلى في المسند رقم (4975) وابن أبي شيبة (13/ 236).

وهو حديث صحيح.

• وأما حديث أبي هريرة، فقد أخرجه أحمد في المسند (2/ 286) والبخاري رقم (1876) ومسلم رقم (147) وابن ماجه رقم (3111) وابن حبان رقم (3729) والبغوي رقم (65) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإيمان ليأرِزُ إلى المدينة، كما تأرِزُ الحيةُ إلى حجرها".

وهو حديث صحيح.

• وأما حديث عبد الرحمن بن سنة، فقد أخرجه أحمد في المسند (4/ 73 - 74) مرفوعًا بلفظ:)

والذي نفسي بيده ليأرزَنَّ الإسلامُ إلى ما بين المسجدين كما تأرز الحية إلى حجرها".

إسناده ضعيف جدًّا.

• وأما حديث عبد الله بن عمر، فقد أخرجه مسلم رقم (146). =

ص: 235

ويجاب عن هذا التعقب بأن الواجب حمل الأحكام الشرعية على ما هي حقيقة فيه في لسان الشارع، ولا يعدل عن ذلك إلى المجاز إلا لملجئ، ولا ملجئ هنا، فإن التغريب المذكور في الأحاديث شرعًا: هو إخراج الزاني عن موضع إقامته بحيث يعدُّ غريبًا، والمحبوس في وطنه لا يصدق عليه ذلك الاسم، وهذا المعنى هو المعروف عند الصحابة الذين هم أعرف بمقاصد الشارع؛ فقد غرَّب عمر من المدينة إلى الشام، وغرَّب عثمان إلى مصر، وغرَّب ابن عمر أمته إلى فدك.

وأمَّا النهيُ عن سفر المرأة فلا يصلح جعله قرينة على أن المراد بالتغريب هو الحبس.

أما (أولًا): فلأنَّ النهي مقيد بعدم المحرم.

وأما (ثانيًا): فلأنه عامٌّ مخصوصٌ بأحاديث التغريب.

= وهو حديث صحيح.

• وأما حديث عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة، فقد أخرجه الترمذي برقم (2630) مرفوعًا، بلفظ:"إنَّ الدين بدأ غريبًا، ويرجِعُ غريبًا، فطوبى للغرباء الذين يُصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي".

وهو حديث ضعيف جدًّا.

• وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، فقد أخرجه أحمد في المسند (2/ 177) وابن المبارك في "الزهد" رقم (775) والآجري في الغرباء رقم (6) مرفوعًا: بلفظ: "

طوبى للغرباء، فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: "أناس صالحون، في أناس سُوءٍ كثير، من يعصيهم أكثرُ ممن يطيعُهم

".

وهو حديث حسن لغيره.

• وأما حديث أنس، فقد أخرجه ابن ماجه رقم (3987) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 298) مرفوعًا بلفظ:"بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا، فطوبى للغرباء".

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة": "هذا إسناد حسن، سنان بن سعد ويقال: سعد بن سنان مختلف فيه وفي اسمه. وله شاهد في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة، وفي الترمذي وابن ماجه من حديث ابن مسعود". اهـ.

وهو حديث حسن لغيره.

• وأما حديث جابر، فقد أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(1/ 298) والبيهقي في الزهد رقم (198) والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (7/ 278)، وقال الهيثمي:"فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو ضعيف، وقد وثق". اهـ.

ص: 236

وأما (ثالثًا): فلأنَّ أمر التغريب إلى الإمام لا إلى المحدود، ونهي المرأة عن السفر إذا كانت مختارة له، وأمَّا مع الإكراه من الإمام فلا نهي يتعلق بها.

قوله: (جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله)، في هذا الحديث، وكذلك في حديث عبادة

(1)

المذكور بعده. وحديث جابر بن عبد الله

(2)

دليل: على أنَّه يجمع للمحصن يبن الجلد والرجم.

أمَّا الرَّجم فهو مجمع عليه. وحكي في البحر

(3)

عن الخوارج أنه غير واجب، وكذلك حكاه عنهم أيضًا ابن العربي

(4)

، وحكاه أيضًا عن بعض المعتزلة كالنظَّام

(5)

وأصحابه، ولا مستند لهم إلا أنه لم يذكر في القرآن وهذا باطل، فإنه قد ثبت بالسنة المتواترة المجمع عليها.

(1)

تقدم برقم (3095) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3096) من كتابنا هذا.

(3)

البحر الزخار (5/ 140).

(4)

قال ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (8/ 431 - 432): "ودفع الخوارج الرجم والمعتزلة، واعتلوا بأن الرجم ليس في كتاب الله - تعالى - وما يلزمهم من اتباع كتاب الله مثله يلزمهم من اتباع سنة رسول الله، لقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] فلا معنى لقول من خالف السنة وإجماع الصحابة، واتفاق أئمة الفتوى ولا يعدون خلافًا.

وحكاه الحافظ في الفتح عنه (12/ 118) وزاد قائلًا: "وحكاه الحافظ في الفتح عنه (12/ 118) وزاد قائلًا: "وحكاه ابن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج". اهـ.

(5)

هو إبراهيم بن سيار بن هانئ المعروف بالنظام، سمي بهذا الاسم لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة، ولد سنة (185 هـ) وتوفي سنة (231 هـ).

عاشر في شبابه قومًا من الثانوية والسمنية القائلين بتكافؤ الأدلة، وخالط بعد كبره قومًا من ملحدة الفلاسفة، تم اتصل بهشام بن الحكم الرافضي

وأعجب بقول البراهمة بإبطال النبوات؛ ولذلك أنكر إعجاز القرآن وما رُوِيَ من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم ليتوصل بذلك إلى إنكار نبوته صلى الله عليه وسلم، ثم إنه استثقل أحكام الشريعة، فأبطل الطرق الدالة عليها، ومن ثم أبطل حجية الإجماع والقياس في الفروع، وأنكر الحجة من الأخبار التي لا توجب العلم الضروري، وطعن في فتاوى الصحابة.

وجميع فرق الأمة من فريقي الرأي والحديث - مع الخوارج، والشيعة، والنجارية، وأكثر المعتزلة - متفقون على تكفير النظام

=

ص: 237

وأيضًا هو ثابت بنص القرآن لحديث عمر

(1)

عند الجماعة أنه قال: كان مما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.

ونسخ التلاوة لا يستلزم نسخ الحكم كما أخرجه أبو داود

(2)

من حديث ابن عباس.

وقد أخرج أحمد

(3)

والطبراني في الكبير

(4)

من حديث أبي أمامة بن سهل عن خالته العجماء: "إن فيما أنزل الله من القرآن: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة".

وأخرجه ابن حبان في صحيحه

(5)

من حديث أبي بن كعب بلفظ: "كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة وكان فيها آية الرجم: الشيخ والشيخة" الحديث.

وأما الجلد فقد ذهب إلى إيجابه على المحصن مع الرجم جماعة من العلماء منهم: العترة

(6)

، وأحمد

(7)

، وإسحاق، وداود الظاهري

(8)

، وابن المنذر

(9)

، تمسكًا بما سلف.

= وممن قال بتكفيره من شيوخ المعتزلة: أبو الهذيل، والجبائي، والأسكافي، وجعفر بن حرب، وكُتب أهل السنة في تكفيره تكاد لا تحصى.

[التبصير في الدين لأبي المظفر الأسفراييني (ص 67) ط: الخانجي والمثنى. والفرق بين الفرق (ص 131 - 133) ط: محمد صبيح، والمدني].

(1)

سيأتي تخريجه برقم (3116) من كتابنا هذا.

(2)

في سننه رقم (4418).

وهو حديث صحيح.

(3)

لم أقف عليه في المسند. ولم يعزه الهيثمي له في "مجمع الزوائد" كما يأتي.

(4)

في المعجم الكبير (ج 24 رقم 867).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 265) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

(5)

في صحيحه رقم (4428) في سنده عاصم بن أبي النجود صدوق له أوهام. وباقي السند ثقات على شرط الصحيحين.

قلت: وأخرجه الحاكم (2/ 415) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

قلت: إن عاصم بن أبي النجود حديثه في "الصحيحين" مقرون.

(6)

البحر الزخار (5/ 140).

(7)

المغني (12/ 313).

(8)

المحلى (11/ 233 - 234).

(9)

حكاه العيني عنه في البناية في شرح الهداية (11/ 227).

ص: 238

وذهب مالك

(1)

والحنفية

(2)

والشافعية

(3)

وجمهور العلماء

(4)

إلى أنه لا يجلد المحصن بل يرجم فقط، وهو مروي عن أحمد بن حنبل

(5)

.

وتمسَّكوا بحديث سمرة

(6)

في أنه صلى الله عليه وسلم لم يجلد ماعزًا بل اقتصر على رجمه، قالوا: وهو متأخر عن أحاديث الجلد فيكون ناسخًا لحديث عبادة

(7)

المذكور.

ويجاب بمنع التأخر المدعى فلا يصلح ترك جلد ماعز للنسخ لأنه فرع التأخر، ولم يثبت ما يدل على ذلك، ومع عدم ثبوت تأخره لا يكون ذلك الترك مقتضيًا لإبطال الجلد الذي أثبته القرآن على كل من زنى.

ولا ريب أنه يصدق على المحصن أنه زان فكيف إذا انضم إلى ذلك من السنة ما هو صريح في الجمع بين الجلد والرجم للمحصن كحديث عبادة (7) المذكور، ولا سيما وهو صلى الله عليه وسلم في مقام البيان والتعليم لأحكام الشرع على العموم بعد أن أمر الناس في ذلك المقام بأخذ ذلك الحكم عنه فقال:"خذوا عني خذوا عني"(7)، فلا يصح الاحتجاج بعد نص الكتاب والسنة بسكوته صلى الله عليه وسلم في بعض المواطن أو عدم بيانه لذلك أو إهماله للأمر به.

وغاية ما في حديث سمرة (6) أنه لم يتعرض لذكر جلده صلى الله عليه وسلم لماعز ومجرد هذا لا ينتهض لمعارضة ما هو في رتبته، فكيف بما بينه وبينه ما بين السماء والأرض.

وقد تقرر أن المثبت أولى من النافي

(8)

.

ولا سيما كون المقام مما يجوز فيه أن الراوي ترك ذكر الجلد لكونه معلومًا من الكتاب والسنة.

(1)

عيون المجالس (5/ 2087 رقم المسألة 1506).

والتهذيب في اختصار المدونة (4/ 402 - 403).

(2)

انظر: الإشراف على مذاهب أهل العلم (2/ 8).

(3)

البيان للعمراني (12/ 349).

(4)

الفتح (12/ 118) والمغني (12/ 313).

(5)

المغني (32/ 311 - 314).

(6)

تقدم برقم (3097) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (3095) من كتابنا هذا.

(8)

إرشاد الفحول (ص 916) بتحقيقي، والبحر المحيط (6/ 192).

ص: 239

وكيف يليق بعالم أن يدَّعيَ نسخَ الحُكْمِ الثابتِ كتابًا وسنة بمجرد ترك الراوي لذلك الحكم في قضية عين لا عموم لها.

وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول بعد موته صلى الله عليه وسلم بعدة من السنين لما جمع لتلك المرأة بين الرجم والجلد: "جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله"

(1)

. فكيف يخفى على مثله الناسخ وعلى من بحضرته من الصحابة الأكابر؟.

وبالجملة: إنا لو فرضنا أنَّه صلى الله عليه وسلم أمر بترك جلد ماعزٍ، وصحَّ لنا ذلك لكان على فرض تقدمه منسوخًا، وعلى فرض التباس المتقدم بالمتأخر مرجوحًا، ويتعين تأويله بما يحتمله من وجوه التأويل.

وعلى فرض تأخره، غاية ما فيه أنه يدل على أن الجلد لمن استحق الرجم غير واجب لا غير جائز، ولكن أين الدليل على التأخير؟

قال ابن المنذر

(2)

: عارض بعضهم الشافعي فقال: الجلد ثابت على البكر بكتاب الله، والرجم ثابت بسنة رسول الله كما قال عليٌّ.

وقد ثبت الجمع بينهما في حديث عبادة

(3)

، وعمل به عليٌّ ووافقه أبيٌّ، وليس في قصة ماعز ومن ذكر معه تصريح بسقوط الجلد عن المرجوم لاحتمال أن يكون ترك ذكره لوضوحه وكونه الأفضل. انتهى.

وقد استدل الجمهور

(4)

أيضًا بعدم ذكر الجلد في رجم الغامدية وغيرها، قالوا: وعدمُ ذكرِهِ يدلُّ على عدم وقوعِهِ، وعدمُ وقوعِهِ يدلُّ على عدمِ وجوبهِ.

ويجاب بمنع كون عدم الذكر يدل على عدمِ الوقوع.

لم لا يقال: إن عدم الذكر لقيام أدلة الكتاب والسنة القاضية بالجلد.

وأيضًا عدم الذكر لا يعارض صرائح الأدلة القاضية بالإثبات، وعدم العلم ليس علمًا بالعدم، ومن عَلِمَ حجةٌ على من لم يعلم.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 93، 116) وأبو يعلى في المسند رقم (290) وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 329) والدارقطني (3/ 122 - 123)(123 - 124).

وهو حديث صحيح.

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 119).

(3)

تقدم برقم (3095) من كتابنا هذا.

(4)

الفتح (12/ 118) والمغني (12/ 314).

ص: 240

[الباب الثاني] بابُ رَجْمِ المحصَن مِنْ أهلِ الكتابِ وأنَّ الإسلامَ ليسَ بشرطٍ في الإحصَانِ

7/ 3098 - (عَن ابْنِ عُمَرَ أَنَّ اليَهودَ أتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِرجُلٍ وامْرَأَةٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا، فقالَ:"مَا تَجِدُونَ في كِتابِكُمْ؟ "، فقالُوا: تُسَخَّمُ وُجُوهُهُمَا وَيُخْزَيَانِ، قالَ:"كَذْبْتُمْ إنَّ فِيهَا الرَّجَمَ، فأتُوا بالتَّوْرَاةِ فاتلُوها إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ"، فجاءوا بالتَّوْرَاةِ وجَاءُوا بقَارئ لَهُمْ فَقَرأَ حتَّى إذَا انْتَهَى إلى مَوْضِعٍ مِنْها وَضعَ يَدَهُ عَليهِ، فقِيلَ لهُ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفعَ يَدَهُ فإِذَا هِيَ تَلُوحُ، فقالَ أَوْ قالُوا: يَا محمَّد إنَّ فِيها الرَّجمَ ولكِنَّا كُنَّا نَتَكاتَمهُ بَيْنَنا، فأمَرَ بِهِمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، قالَ: فَلَقَدْ رأَيْتُهُ يَجْنَأ عَلَيْهَا يَقيها الحِجَارَةَ بَنفْسِهِ. متَّفَقٌ عَليهِ

(1)

.

وفِي رِوَايةِ أَحمدَ

(2)

بِقَارِئٍ لَهُمْ أعْوَرَ يقالُ لهُ: ابْنُ صُورِيا. [صحيح]

8/ 3099 - (وعَنْ جابِرِ بْنِ عَبدِ الله قالَ: رجَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجُلًا مِنْ أسْلَمَ وَرَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ وامْرأَةً. رَوَاهُ أَحمدُ

(3)

ومُسلمٌ

(4)

. [صحيح]

9/ 3100 - (وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازبٍ قال: مُرَّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمٍ مَجلُودٍ فدَعاهُم فقالَ: "أهكَذَا تَجِدونَ حَدَّ الزِّنَا في كِتابِكُمْ؟ "، قالُوا: نعَمْ، فَدَعا رجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فقالَ:"أَنْشُدُكَ بالله الذِي أنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلى مُوسى، أَهكذَا تَجِدُون حَدَّ الزَّانِي في كِتابِكُمْ؟ "، قالَ: لَا، ولوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهذا لمْ أخبِرْكَ بحَدِّ الرَّجمِ، ولكِنْ كَثُرَ في أشْرَافِنَا وكُنَّا إذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذَنا الضَّعِيفَ أَقمْنَا عَليهِ الحَدَّ، فقُلنا: تعَالَوْا فَلْنَجْتَمِع على شَيءٍ نُقِيمُهُ على الشَّرِيفِ والْوَضِيعِ فَجَعَلْنا التَّحْمِيمَ والجَلْدَ مَكانَ الرَّجْمِ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ إنِّي أوَّلُ

(1)

أحمد في المسند (2/ 5) والبخاري رقم (7543) ومسلم رقم (26/ 1699).

(2)

في المسند (2/ 5) وقد تقدم.

(3)

في المسند (3/ 321).

(4)

في صحيحه رقم (28/ 1701) وهو حديث صحيح.

ص: 241

مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إذْ أَمَاتُوهُ"، فأمرَ بهِ فرُجِمَ فأَنْزَلَ الله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا} إلى قوْلِه: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ}

(1)

، يَقُولُونَ: ائتُوا محمَّدًا فإنْ أَمَرَكُمْ بالتَّحْمِيمِ والجَلْدِ فخُذُوهُ، وَإِنْ أَفْتاكُمْ بالرجْمِ فاحْذَرُوا، فأنْزَلَ الله تبارك وتعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} - {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} - {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}

(2)

قالَ: هيَ في الكُفّارِ كُلُّهَا. رَوَاهُ أَحمدُ

(3)

ومسْلِمُ

(4)

وأبُو دَاوُد)

(5)

. [صحيح]

قوله: (تُسَخَّمُ) بسين مهملة ثم خاء معجمة، قال في القاموس

(6)

: السخم - محركةً - السَّواد. والأسخم: الأسود، ثم قال: وقد تسخم عليه، وسخم بصدره تسخيمًا: أغضبه ووجهه سوَّده.

قوله: (ويخزيان) بالخاء، والزاء المعجمتين، أي: يفضحان ويشهران. قال في القاموس

(7)

خزي، كرضي، خِزيًا بالكسر: وقع في بليةٍ، وشهرةٍ، فذلَّ بذلك. وأخزاه الله: فضحه.

قوله: (فإذا هي تلوح) يعني آية الرجم.

قوله: (فلقد رأيته يَجْنَأُ) بفتح أوله وسكون الجيم وفتح النون بعدها همزة أي: ينحني.

قال في القاموس

(8)

: جنأ عليه، كجعل، وفرح، جُنُوءًا، أكَبَّ كأجْنَأَ وجَانَأ وَتَجَانَا، وكفرِحَ: أشرف كاهله على صدره فهو أجنأ، والمُجْنَأُ بالضم: الترس لا

(1)

سورة المائدة، الآية (41).

(2)

سورة المائدة، الآية (44، 45، 47).

(3)

في المسند (4/ 286).

(4)

في صحيحه رقم (28/ 1700).

(5)

في سننه رقم (4448).

وهو حديث صحيح.

(6)

القاموس المحيط (ص 1446).

(7)

القاموس المحيط (ص 1651).

(8)

القاموس المحيط (ص 46).

ص: 242

حديد فيه. انتهى، وفي هذه اللفظة روايات كثيرة هذه أصحها على ما ذكره صاحب المشارق

(1)

.

قوله: (رجلًا من أسلم) هو: ماعز بن مالك الأسلمي.

قوله: (وامرأة هي الجهنية) ويقال لها: الغامدية.

قوله: (مُحَمَّمٍ)

(2)

بضم الميم الأولى، وفتح الحاء المهملة، وتشديد الميم الثانية مفتوحة: اسم مفعول؛ أي: مسوَّد الوجه، والتحميم: التسويد.

وأحاديث الباب تدلُّ: على أن حدَّ الزنا يقام على الكافر كما يقام على المسلم.

وقد حكى صاحب البحر

(3)

الإجماع على أنه يجلد الحربيُّ.

وأمَّا الرجم: فذهب الشافعي

(4)

وأبو يوسف والقاسمية إلى أنه يرجم المحصن من الكفار.

وذهب أبو حنيفة

(5)

ومحمد، وزيد بن علي (6)، والناصر (6)، والإمام يحيى (6) إلى أنه يجلد ولا يرجم. قال الإمام يحيى

(6)

: والذمي كالحربي في الخلاف. وقالَ مالكٌ

(7)

: لا حدَّ عليه.

وأما الحربي المستأمن؛ فذهبت العترة

(8)

والشافعي

(9)

وأبو يوسف

(10)

إلى أنه يحدُّ.

وذهب مالك

(11)

وأبو حنيفة

(12)

ومحمد إلى أنَّه لا يحدُّ.

(1)

القاضي عياض في "المشارق"(1/ 156 - 157).

وقال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 295): يجنئ عليها، أي: يكب ويميلُ عليها ليقيها الحجارة.

(2)

القاموس المحيط (ص 1418) والنهاية (1/ 439).

(3)

البحر الزخار (5/ 142).

(4)

البيان اللعمراني (12/ 352، 354).

(5)

البناية في شرح الهداية (6/ 226).

(6)

البحر الزخار (5/ 142).

(7)

الإشراف على نكت مسائل الخلاف (2/ 856).

(8)

البحر الزخار (5/ 142).

(9)

البيان للعمراني (2/ 354).

(10)

البناية في شرح الهداية (6/ 224).

(11)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 622 - 623).

(12)

البناية في شرح الهداية (6/ 224).

ص: 243

وقد بالغ ابن عبد البر

(1)

فنقل الاتفاق على أن شرط الإحصان الموجب للرجم هو الإسلام.

وتعقب بأن الشافعي

(2)

وأحمد

(3)

لا يشترطان ذلكَ ومن جُملَةِ من قال: بأن الإسلام شرط ربيعة

(4)

شيخُ مالكٍ وبعضُ الشافعية.

وأحاديث الباب تدلُّ على أنه يحدُّ الذميّ كما يحدّ المسلم. والحربيُّ، والمستأمن، يلحقان بالذمي بجامع الكفر.

وقد أجاب من اشترط الإسلام عن أحاديث الباب: بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمضى حكم التوراة على أهلها، ولم يحكم عليهم بحكم الإسلام، وقد كان ذلك عند مقدمه المدينة. وكان إذ ذاك مأمورًا باتباع حكم التوراة، ثم نسخ ذلك الحكم بقوله تعالى:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}

(5)

.

ولا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف، ونصب مثله في مقابلة أحاديث الباب من الغرائب، وكونه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك عند مقدمه المدينة لا ينافي ثبوت الشرعية، فإنَّ هذا حكمٌ شرعه الله لأهل الكتاب، وقرره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا طريق لنا إلى ثبوت الأحكام التي توافق أحكام الإسلام إلا بمثل هذه الطريق، ولم يتعقب ذلك في شرعنا ما يبطله.

ولا سيما وهو مأمور بأن يحكم بينهم بما أنزل الله ومنهيٌّ عن اتباع أهوائهم، كما صرَّح بذلك القرآن.

وقد أتوه صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الحكم ولم يأتوه ليعرّفهم شرعهم، فحكم بينهم بشرعه، ونبههم على أن ذلك ثابت في شرعهم كثبوته في شرعه.

ولا يجوز أن يقال: إنَّه حكم بينهم بشرعهم مع مخالفته لشرعه لأن الحكم منه بما هو منسوخ عنده لا يجوز على مثله، وإنما أراد بقوله: فإني أحكم بينكم

(1)

"الاستذكار، (24/ 61) وانظر: "التمهيد" (14/ 8 - 9، 10).

(2)

البيان للعمراني (12/ 352).

(3)

المغني (12/ 317).

(4)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 622 - 623).

(5)

سورة النساء، الآية (15).

ص: 244

بالتوراة. كما وقع في رواية من حديث أبي هريرة

(1)

إلزامهم الحجة.

وأما الاحتجاج بقوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}

(2)

فغاية ما فيه أن الله شرع هذا الحكم بالنسبة إلى نساء المسلمين، وهو مخرّج على الغالب كما في الخطابات الخاصة بالمؤمنين والمسلمين، مع أن كثيرًا منها يستوي فيه الكافر والمسلم بالإجماع، ولو سلمنا أن الآية تدلُّ بمفهومها: على أن نساء الكفار خارجات عن ذلك الحكم، فهذا المفهوم قد عارضه منطوق حديث ابن عمر

(3)

المذكور في الباب، فإنه مصرح بأنه صلى الله عليه وسلم رجم اليهودية مع اليهودي.

ومن غرائب التعصبات: ما روي عن مالك: أنه قال: إنما رجم النبيُّ صلى الله عليه وسلم اليهوديين؛ لأن اليهود يومئذٍ لم يكن لهم ذمة فتحاكموا إليه.

وتعقب بأنَّه صلى الله عليه وسلم إذا أقام الحدَّ على من لا ذمة له، فَلأَنْ يقيمه على من له ذمة بالأولى، كذا قال الطحاوي

(4)

.

وقال القرطبي

(5)

معترضًا على قول مالك: إن مجيء اليهود سائلين له صلى الله عليه وسلم يوجب له عهدًا كما لو دخلوا للتجارة؛ فإنهم في أمان إلى أن يردوا إلى مأمنهم.

وأجاب بعضهم بأنَّه صلى الله عليه وسلم لما أمر برجمهما من دون استفصال عن الإحصان كان دليلًا على أنه حكم بينهم بشرعهم؛ لأنه لا يرجم في شرعه إلا المحصن.

وتعقب ذلك: بأنَّه قد ثبت في طريق عند [الطبري

(6)

]

(7)

: "أن أحبار اليهود اجتمعوا في بيت المدراس، وقد زنى رجل منهم بامرأة بعد إحضانهما".

وأخرج أبو داود

(8)

عن أبي هريرة قال: "زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا"، وفي إسناده رجل من مزينة لم يسم.

(1)

أخرجه أبو داود رقم (4455 و 4451).

وهو حديث ضعيف.

(2)

سورة النساء، الآية (15).

(3)

تقدم برقم (3098) من كتابنا هذا.

(4)

في، مختصر اختلاف العلماء" له (3/ 282).

(5)

المفهم (5/ 114).

(6)

في "جامع البيان" للطبري (4/ ج 6/ 232).

(7)

في المخطوط (أ): الطبراني والمثبت من المخطوط (ب).

(8)

في سننه رقم (4451).

وهو حديث ضعيف.

ص: 245

وأخرج الحاكم

(1)

من حديث ابن عباس: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية قد أحصنا".

وأخرج البيهقي

(2)

من حديث عبد الله بن الحارث الزبيدي: "أن اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية قد زنيا وقد أحصنا" وإسناده ضعيف، فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد علم بالإحصان بإخبارهم له لأنهم جاءوا إليه سائلين يطلبون رخصة فيبعد أن يكتموا عنه مثل ذلك.

ومن جملة ما تمسك به من قال: إن الإسلام شرط حديث ابن عمر مرفوعًا

(3)

وموقوفًا

(4)

: "من أشرك بالله فليس بمحصن"، ورجح الدارقطني وغيره الوقف.

وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده

(5)

على الوجهين، ومنهم من أوّل الإحصان في هذا الحديث بإحصان القذف.

ولأحاديث الباب فوائد ليس هذا موضع بسطها.

[الباب الثالث] بابُ اعتبارِ تَكْرَارِ الإقْرَارِ بالزِّنا [أربعًا]

(6)

10/ 3101 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: أتى رجُلٌ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهْوَ في المَسْجِدِ فَنَادَاهُ فقالَ: يا رسُولَ الله إنِّي زَنَيْتُ، فأعْرضَ عَنهُ حتَّى رَدَّدَ عَليهِ أَرْبَعَ

(1)

في المستدرك (4/ 365) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي.

(2)

في السنن الكبرى (8/ 215) بسند ضعيف.

(3)

أخرجه الدارقطني في (3/ 147 رقم 199).

وقال الدارقطني: ولم يرفعه غير إسحاق، ويقال أنه رجع عنه، والصواب موقوف.

وانظر: "نصب الراية"(3/ 327).

(4)

أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 147 رقم 198).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 216).

(5)

في مسنده كما في "نصب الراية"(3/ 327).

(6)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 246

مَرَّات، فلمَّا شَهِدَ على نَفْسِهِ أَرْبَع شَهَاداتِ دَعاه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ:"أَبِكَ جُنُونٌ؟ "، قالَ: لَا، قالَ:"فَهَلْ أَحْصنْتَ؟ "، قالَ: نَعَمْ، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اذْهَبُوا بهِ فارْجُمُوهُ"، قالَ ابْنُ شِهَابِ: فأَخْبَرَنِي مَنْ سمعَ جابرَ بْنَ عَبدِ الله قالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمهُ، فرَجمْناهُ بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الحِجَارةُ هَرَبَ فَأَدرَكْنَاهُ بِالحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ. مُتَّفَقٌ عَليهِ

(1)

. [صحيح]

وهْوَ دَليلٌ على أنّ الإحْصَانَ يَثبُتُ بالإقْرارِ مَرَّةً، وأَنَّ الجَوَابَ بنعَمْ إقَرَارٌ).

11/ 3102 - (وعَنْ جابرِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: رَأَيْتُ ماعِزَ بْنَ مالكٍ حِينَ جِيءَ بهِ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهْوَ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أنَّهُ زَنَى، فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"فَلَعَلَّكَ؛ "، قالَ: لَا والله إنَّهُ قَدْ زَنى الآخِرُ، فرَجَمَهُ. رَوَاهُ مُسلِمٌ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

. [صحيح]

وَلأَحمدَ

(4)

: أنّ ماعِزًا جاءَ فأقرَّ عندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أرْبَعَ مَرَّاتِ فَأَمَرَ برَجْمِهِ).

[صحيح لغيره]

12/ 3103 - (وعَن ابْنِ عَبَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِمَاعزِ بْنِ مالكٍ: "أَحَقٌّ ما بَلَغَنِي عَنكَ"؟ قالَ: وما بَلغكَ عَنِي؟ قالَ: "بَلَغنِي أَنَّكَ وقَعْتَ بِجَارِيَةِ آلِ فلَانٍ"، قالَ: نعَمْ، فشهَدَ أَرْبَعَ شهادَاتٍ فَأُمِرَ بهِ فَرُجِمَ. رَواهُ أحمدُ

(5)

ومُسْلمٌ

(6)

وأبو داوُد

(7)

والترْمذِيُّ

(8)

وَصَحَّحَهُ. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (2/ 453) والبخاري رقم (6815، 6816) ومسلم رقم (16/ 1691).

(2)

في صحيحه رقم (17/ 1692).

(3)

في سننه رقم (4422).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (5/ 86، 99، 102، 103) والدارمي (2/ 176 - 177).

(4)

في المسند (5/ 91).

وهو حديث صحيح لغيره.

(5)

في المسند (1/ 245).

(6)

في صحيحه رقم (19/ 1693).

(7)

في السنن رقم (4425).

(8)

في السنن رقم (1427) وقال: هذا حديث حسن.

وهو حديث صحيح.

ص: 247

وفي روايةٍ قالَ: جاءَ ماعِزُ بْنُ مالكٍ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فاعتَرَفَ بالزِّنَا مَرَّتَيْنِ فَطَرَدَهُ، ثمَّ جاءَ فاعتَرَفَ بالزِّنَا مَرَّتَيْنِ، فقالَ:"شهِدْتَ على نَفْسِكَ أَرْبَعَ مَرّاتٍ، اذْهَبُوا بهِ فارْجُمُوهُ". رَواهُ أبُو داود)

(1)

. [صحيح]

13/ 3104 - (وعَنْ أبي بكْرٍ الصِّديقِ قالَ: كُنْتُ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جالِسًا فجَاءَ ماعِزُ بْنُ مالكٍ فاعْتَرَفَ عِندَهُ مَرّةً فَردّهُ، ثمَّ جاءَ فاعْتَرفَ عِندَهُ الثَّانِيَةَ فَردّهُ، ثمّ جاءَ فاعْترفَ عِندَهُ الثَّالِثَةُ فَردّهُ، فقُلْتُ: لهُ: إنّكَ إنِ اعْتَرَفْتَ الرّابعَةَ رجمكَ، قالَ: فاعْتَرف الرّابعَةَ فحَبَسهُ، ثمّ سَألَ عَنْهُ فقالُوا: ما نَعلَمُ إلّا خَيْرًا قالَ: فأمَرَ برَجمِهِ)

(2)

[صحيح لغيره]

14/ 3105 - (وعَنْ بُريْدةَ قال: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنّ ماعِزَ بْنَ مالَكٍ لوْ جلَسَ في رَحْلِهِ بَعْدَ اعتِرَافِهِ ثَلاث مَرَّاتٍ لَمْ يَرْجمْهُ، وإنّما رَجمه عِندَ الرّابعةِ. رَوَاهُما أحمدُ)

(3)

. [صحيح]

15/ 3106 - (وعَنْ بُرَيْدَةَ أَيْضًا قالَ: كُنّا أَصحابَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْغَامِدِيّةَ وماعِزَ بْنِ مالِكٍ، لوْ رَجَعَا بَعدَ اعْتَرافِهِمَا، أَوْ قالَ: لوْ لَمْ يَرجعَا بَعدَ اعْتَرافِهمَا لَمْ يَطلُبهمَا، وإنّما رَجمُهما بَعدَ الرّابِعَةِ. رَواهُ أَبو داوُدَ)

(4)

[ضعيف]

قصة ماعز قد رواها جماعة من الصحابة (منهم) من ذكره المصنف (ومنهم) جماعة لم يذكرهم.

(1)

في السنن رقم (4426).

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (1/ 8).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(10/ 72) والبزار في مسنده رقم (55) وأبو يعلى رقم (40 و 41).

إسناده ضعيف لضعف جابر بن يزيد لجعفي. ولكن الحديث صحيح لغيره.

(3)

في المسند (5/ 347).

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (4434).

وهو حديث ضعيف.

ص: 248

وقد اتفق عليها الشيخان من حديث أبي هريرة

(1)

، وابن عباس

(2)

، وجابر، دون تسمية صاحب القصة

(3)

.

وقد أطال أبو داود في سننه

(4)

واستوفى طرقها.

وحديث أبي بكر أخرجه أيضًا أبو يعلى

(5)

والبزار

(6)

والطبراني

(7)

، وفي أسانيدهم كلهم جابر الجعفي وهو ضعيف.

(1)

البخاري رقم (6825) ومسلم رقم (16/ 1691).

(2)

البخاري رقم (6824) ومسلم رقم (19/ 1693).

(3)

البخاري رقم (6820) ومسلم رقم (18/ 1692).

(4)

في سننه رقم (4419 حتى 4439) باب رجم ماعز بن مالك.

(4419): صحيح دون قوله: "لعله أن يتوب فيتوب اللهُ عليه".

(4420): حسن.

(4421): صحيح الإسناد.

(4422): صحيح.

(4423): صحيح.

(4424): صحيح مقطوع.

(4425): صحيح.

(4426): صحيح.

(4427): صحيح.

(4428): ضعيف.

(4429): ضعيف.

(4430): صحيح.

(4431): صحيح.

(4432): ضعيف مرسل.

(4433): صحيح.

(4434): ضعيف.

(4435): حسن الإسناد.

(4436): حسن الإسناد.

(4437): صحيح.

(4438): ضعيف الإسناد.

(4439): ضعيف موقوت.

(5)

في المسند رقم (40، 41) وقد تقدم.

(6)

في المسند رقم (55) وقد تقدم.

(7)

في المعجم الأوسط رقم (2553) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 266)، =

ص: 249

وحديث بريدة الآخر أخرج نحوه النسائي

(1)

، وفي إسناده بشير بن مهاجر الكوفي الغنوي. وقد أخرج له مسلم ووثقه يحيى بن معين.

وقال الإمام أحمد

(2)

: منكر الحديث يجيء بالعجائب مرجئ متهم، وقال أبو حاتم الرازي (2): يكتب حديثه، ولكنه يشهد لهذا الحديث حديثه الأول الذي ذكره المصنف.

وحديث أبي بكر الذي قبله

(3)

، وكذلك الرواية الأخرى من حديث ابن عباس [التي عزاها]

(4)

المصنف

(5)

إلى أبي داود، لأن قوله فيها:"شهدت على نفسك أربع مرات، اذهبوا به فارجموه"، يشعر بأن ذلك هو العلة في ثبوت الرجم. وقد سكت أبو داود

(6)

والمنذري

(7)

عن هذه الرواية ورجالها رجال الصحيح.

قوله: (أبكَ جنونٌ) وقعَ في روايةٍ من حديث بريدة

(8)

: "فسأل: أبه جنون؟ فأخبرَ بأنه ليس بمجنون".

وفي لفظ

(9)

: "فأرسل إلى قومه فقالوا: ما نعلم إلا أنه في العقل من صالحينا".

وفي حديث أبي سعيد

(10)

: "ما نعلم به بأسًا".

ويجمع بين هذه الروايات بأنه سأله أولًا ثم سأل عنه احتياطًا.

وفيه دليل: على أنه يجب على الإمام الاستفصال والبحث عن حقيقة الحال، ولا يعارض هذا عدم استفصاله صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف المتقدمة

(11)

، لأن عدم ذكر الاستفصال فيها لا يدل على العدم لاحتمال أن يقتصر الراوي على نقل بعض الواقع.

= وفي أسانيدهم كلهم جابر الجعفي، وهو ضعيف".

(1)

في السنن الكبرى رقم (7202 - العلمية).

(2)

في الجرح والتعديل (1/ 378/1).

وانظر: "الضعفاء الكبير" للعقيلي (1/ 143) والميزان (1/ 330).

(3)

تقدم برقم (3104) من كتابنا هذا.

(4)

في المخطوط (ب): (الذي عزاه).

(5)

تقدم برقم (3103) من كتابنا هذا.

(6)

في السنن (4/ 579).

(7)

في "المختصر"(6/ 248).

(8)

عند مسلم رقم (22/ 1695).

(9)

عند مسلم رقم (23/ 1695).

(10)

عند مسلم رقم (20/ 1694).

(11)

تقدم برقم (3092) من كتابنا هذا.

ص: 250

قوله: (فهل أحصنت)

(1)

بفتح الهمزة أي: تزوجت.

وقد روي في هذه القصة زيادات في الاستفصال، منها في حديث ابن عباس عند البخاري

(2)

والنسائي

(3)

وأبي داود

(4)

بلفظ: "لعلك قبَّلت أو غمزت أو نظرت"، والمعنى أنك تجوزت بإطلاق لفظ الزنا على مقدماته.

وفي رواية لهم من حديث ابن عباس

(5)

أيضًا: "أفنكتها؟ قال: نعم"، وسيأتي ذلك في باب استفسار المقرّ.

وفي رواية لمسلم

(6)

وأبي داود

(7)

من حديث بريدة أنّه صلى الله عليه وسلم قال له: "أشربت خمرًا؟ "، قال: لا"، وفيه: "فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريحًا".

قوله: (اذهبوا به فارجموه)، فيه دليل على أنه لا يجب أن يكون الإمام أوّل من يرجم، وسيأتي الكلام على ذلك في باب إن السنة بداءة الشاهد بالرجم وبداءة الإمام به

(8)

.

وفيه أيضًا دليل على أنه لا يجب الحفر للمرجوم

(9)

. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بذلك، وسيأتي بيان ذلك في باب ما جاء في الحفر للمرجوم.

قوله: (فلما أذلقته الحجارة) بالذال المعجمة والقاف، أي: بلغت منه الجهد.

قوله: (أعضل) بالعين المهملة والضاد المعجمة؛ أي: ضخم عضلة الساق.

قوله: (إنه قد زنى الأخِرُ) هو مقصور بوزن الكبد، أي: الأبعد.

قوله: (فأقرَّ عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم أربع مرات) قد تطابقت الروايات التي ذكرها المصنف في هذا الباب على أن ماعزًا أقر أربع مرات.

(1)

النهاية (1/ 388).

(2)

في صحيحه رقم (6824).

(3)

في السنن الكبرى رقم (7168 - العلمية).

(4)

في سننه رقم (4427).

وهو حديث صحيح.

(5)

سيأتي في الباب الرابع عند الحديث رقم (3107).

(6)

في صحيحه رقم (22/ 1695).

(7)

في سننه رقم (4433).

وهو حديث صحيح.

(8)

في الباب العاشر عند الحديث رقم (3120) من كتابنا هذا.

(9)

في الباب الحادي عشر عند الحديث رقم (3121 - 3124) من كتابنا هذا.

ص: 251

ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم

(1)

بلفظ: "فاعترف ثلاث مرات".

ووقع عند مسلم

(2)

من طريق شعبة عن سماك قال: "فرده مرتين"، وفي أخرى "مرتين أو ثلاثًا"، قال شعبة: فذكرته لسعيد بن جبير، فقال: إنه رده أربع مرات.

وقد جمع بين الروايات بحمل رواية المرتين: على أنه اعترف مرَّتين في يوم، ومرتين في يومٍ آخر.

ويدلّ على ذلك: ما أخرجه أبو داود

(3)

عن ابن عباس قال: "جاء ماعز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا مرتين، فطرده، ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين" كما في الرواية المذكورة في الباب

(4)

، فلعله اقتصر الراوي على ما وقع منه في أحد اليومين. وأما رواية الثلاث فلعله اقتصر الراوي فيها على المرَّاتِ التي رده فيها فإنه لم يرده في الرابعة بل استثبت وسأله عن عقله ثم أمر برجمه.

قوله: (لو رجعا بعد اعترافهما)(1) أي رجعا إلى رحالهما، ويحتمل أنه أراد الرجوع عن الإقرار، ولكن الظاهر الأول لقوله:"أو قال: لو لم يرجعا"، فإن المراد به: لم يرجعا إليه صلى الله عليه وسلم، فيكون معنى الحديث: لو رجعا إلى رحالهما ولم يرجعا إليه صلى الله عليه وسلم بعد كمال الإقرار لم يرجمهما.

وقد استدل بأحاديث الباب القائلون بأنه [يشترط]

(5)

في الإقرار بالزنا أن يكون أربع مرات، فإن نقص عنها، لم يثبت الحدُّ، وهم: العترة

(6)

، وأبو حنيفة

(7)

، وأصحابه، وابن أبي ليلى، وأحمد بن حنبل

(8)

، وإسحاق، والحسن بن صالح

(9)

، هكذا في البحر

(10)

، وفيه أيضًا عن أبي بكر، وعمر، والحسن

(1)

في صحيحه رقم (20/ 1694).

(2)

في صحيحه رقم (18/ 1692).

(3)

في سننه رقم (4426) وقد تقدم.

(4)

تقدم برقم (3103) من كتابنا هذا.

(5)

في المخطوط (أ): (يشرط).

(6)

البحر الزخار (5/ 152).

(7)

"المختصر" للطحاوي (3/ 283) والمبسوط (9/ 93).

(8)

المغني (12/ 354).

(9)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (12/ 354).

(10)

البحر الزخار (5/ 152 - 153).

ص: 252

البصري

(1)

، ومالك

(2)

، وحماد، وأبي ثور

(3)

، والبتي

(4)

والشافعي

(5)

أنه يكفي وقوع الإقرار مرة واحدة. وروي ذلك عن داود.

وأجابوا عن أحاديث الباب بما سلف من الاضطراب ويرد عليهم بما تقدم.

واستدلوا بحديث العسيف المتقدم

(6)

فإن فيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لأنيس: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها".

وبما أخرجه مسلم

(7)

والترمذي

(8)

وأبو داود

(9)

والنسائي

(10)

وابن ماجه

(11)

من حديث عبادة بن الصامت

(12)

: "أنه صلى الله عليه وسلم رجم امرأة من جهينة ولم تقر إلا مرة واحدة".

وسيأتي الحديث في باب تأخير الرجم عن الحبلى.

وكذلك حديث بريدة

(13)

الذي سيأتي هنالك، فإن فيه:"أنه صلى الله عليه وسلم رجمها قبل أن تقر أربعًا".

وبما أخرجه أبو داود

(14)

والنسائي

(15)

من حديث خالد بن اللجلاج عن أبيه: أنَّه كان قاعدًا يعمل في السُّوق فمرَّت امرأةٌ تحمل صَبِيًّا فثارَ الناسُ معها وثرتُ فيمن ثار، فانتهيتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وهو يقول: "من أبو هذا معك؟ "

(1)

موسوعة الحسن البصري (1/ 157).

(2)

عيون المجالس (5/ 2091 رقم المسألة 1511).

(3)

فقه الإمام أبي ثور (ص 716).

(4)

حكاه عنه الطحاوي في "المختصر"(3/ 283).

(5)

البيان للعمراني (12/ 373).

(6)

تقدم برقم (3092) من كتابنا هذا.

(7)

في صحيحه رقم (24/ 1696).

(8)

في سننه رقم (1435).

(9)

في سننه رقم (4440).

(10)

في سننه رقم (1957).

(11)

في سننه رقم (2555). كلهم من حديث عمران بن حصين، وهو حديث صحيح.

(12)

الصواب أنه من حديث "عمران بن حصين" كما يأتي برقم (3126) من كتابنا هذا.

(13)

يأتي برقم (3125) من كتابنا هذا.

(14)

في سننه رقم (4435).

(15)

في السنن الكبرى (7184 - العلمية).

إسناده حسن.

ص: 253

فسكتت، فقال شاب: خذوها أنا أبوه يا رسول الله، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه، فقالوا: ما علمنا إلا خيرًا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أحصنت؟ " قال: نعم، فأمر به فرجم".

وعن جابر بن عبد الله عند أبي داود

(1)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ عنده رجلٌ: أنه زنى بامرأة، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد الحد ثم أخبر أنه محصن فأمر به فرجم"، وقد تقدم

(2)

.

ومن ذلك حديث الذي أقر بأنه زنى بامرأة وأنكرت، وسيأتي

(3)

في باب من أقر أنه زنى بامرأة فجحدت.

ومن ذلك حديثُ الرجل الذي ادَّعتِ المرأةُ أنَّهُ وقعَ عليها فأمرَ برجمه، ثم قام آخَرُ فاعترف أنَّهُ الفاعِلُ، ففي رواية:"أنَّهُ رجمهُ"، وفي رواية:"أنَّهُ عَفَا عنهُ" وهُوَ في سنن النسائي

(4)

والترمذي

(5)

.

ومن ذلك حديثُ اليهوديين: فإنَّه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كرر عليهما الإقرار

(6)

. قالوا: ولو كان تربيع الإقرار شرطًا؛ لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الواقعات التي يترتب عليها سفك الدماء وهتك الحرم.

وأجاب الأولون عن هذه الأدلة: بأنها مطلقةٌ قيدتها الأحاديث التي فيها أنه وقع الإقرار أربع مرات، وردَّ بأنَّ الإطلاق والتقييد من عوارض الألفاظ، وجميع الأحاديث التي ذكر فيها تربيع الإقرار أفعال، ولا ظاهر لها، وغاية ما فيها: جواز تأخير إقامة الحدِّ بعد وقوع الإقرار مرّةً إلى أن ينتهي إلى أربع، ثم لا يجوز التأخير بعد ذلك، وظاهر السياقات مشعرٌ: بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك في قصة ماعز لقصد التثبت كما يشعر بذلك قوله له: "أبك جنون؟ "

(7)

، ثم سؤاله بعد ذلك لقومه، فتحمل الأحاديث التي فيها التراخي عن إقامة الحدِّ بعد صدور الإقرار مرّةً

(1)

في سننه رقم (4438) بسند ضعيف.

(2)

تقدم برقم (3096) من كتابنا هذا.

(3)

الباب الثامن عند الحديث (3117) من كتابنا هذا.

(4)

في السنن الكبرى رقم (7311 - العلمية).

(5)

في سننه رقم (1454) وقال: حديث حسن غريب صحيح.

وهو حديث حسن دون قوله: وارجموه، والأرجح أنه لم يرجم.

(6)

تقدم برقم (3098) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (3101) من كتابنا هذا.

ص: 254

على من كان أمره ملتبسًا في ثبوت العقل واختلاله، والصحو والسكر، ونحو ذلك.

وأحاديث إقامة الحدّ بعد الإقرار مرّة واحدة على من كان معروفًا بصحة العقل، وسلامة إقراره عن المبطلات.

وأمَّا ما رواهُ بريدةُ

(1)

من أن الصحابة كانوا يتحدثون: أنَّه لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مراتٍ لم يرجمه: فليس ذلك مما تقوم به الحجة؛ لأن الصحابيَّ لا يكون فهمه حجة إذا عارض الدليل الصحيح.

ومما يؤيد ما ذكرناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له الغامديةُ: أتريد أن تردَّني كما رددت ماعزًا؟ لم ينكر ذلك عليها، كما سيأتي في باب تأخير الرجم عن الحبلى

(2)

، ولو كان تربيع الإقرار شرطًا؛ لقال لها: إنما رددته لكونه لم يقرَّ أربعًا، وهذه الواقعة من أعظم الأدلة الدالة: على أن تربيع الإقرار ليس بشرط للتصريح فيها: بأنها متأخرة عن قضية ماعز.

وقد اكتفى فيها بدون أربع مرات كما سيأتي.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس

(3)

المذكور في الباب: "شهدتَ على نفسِكَ أربعَ شهاداتٍ"، فليسَ في هذا ما يدلُّ على الشرطيَّةِ أصلًا، وغاية ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بأنه قد استحق الرجم لذلك، وليس فيه ما ينفي الاستحقاق فيما دونَهُ، ولا سيما وقد وقع منه الرجم بدون حصول التربيع كما سلف.

وأما الاستدلالُ بالقياسِ على شهادة الزنا فإنه لما اعتبر فيه أربعة شهود اعتُبر في إقراره أن يكونَ أربعَ مراتٍ ففي غايةِ الفسادِ، لأنَّهُ يلزمُ من ذلكَ أن يُعتبر في الإقرارِ بالأموالِ والحقوقِ أن يكونَ مرتينِ لأنَّ الشهادة في ذلك لا بُدَّ أن تكون من رجلين، ولا يكفي فيها الرجل الواحد، واللازم باطل بإجماع المسلمين فالملزوم مثله.

(1)

تقدم برقم (3105) من كتابنا هذا.

(2)

الباب الثاني عشر عند الحديث رقم (3125) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (3103) من كتابنا هذا.

ص: 255

وإذا قد تقرَّرَ لك عدم اشتراط الأربع عرفت عدم اشتراط ما ذهبت إليه الحنفية

(1)

والقاسمية

(2)

من أن الأربع لا تكفي أن تكون في مجلس واحد، بل لا بد أن تكون في أربعة مجالس، لأنَّ تعدُّدَ الأمكنة فرع تعدُّد الإقرار الواقع فيها، وإذا لم يشترط في الأصل؛ تبعه الفرع في ذلك.

وأيضًا: لو فرضنا اشتراط كون الإقرار أربعًا؛ لم يستلزم كون مواضعه متعددة؟ أما عقلًا: فظاهر؛ لأن الإقرار أربع مرات وأكثر منها في موضع واحدٍ من غير انتقالٍ مما لا يخالف في إمكانه عاقل.

وأمَّا شرعًا: فليس في الشرع ما يدلُّ على أن الإقرار الواقع بين يديه صلى الله عليه وسلم وقع من رجلٍ في أربعة مواضع، فضلًا عن وجود ما يدلُّ على أن ذلك شرط، وأكثر الألفاظ في حديث ماعز بلفظ:"أنَّه أقرَّ أربع مرّات، أو شهد على نفسه أربع شهادات".

وأما الردّ الواقع بعد كلِّ مرَّةٍ، كما في حديث أبي بكر

(3)

المذكور: فليس في ذلك: أنه ردُّ المقرِّ من ذلك الموضع إلى موضع آخر، ولو سلم: فليس الغرض في ذلك الرد هو تعدد المجالس، بل الاستثبات كما يدل على ذلك ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من الألفاظ الدالة على أن ذلك الرد لأجله، ومما يؤيد ذلك حديث ابن عباس

(4)

المذكور في الباب فإن فيه: "أنه جاء اليوم الأول فأقر مرتين فطرده ثم جاء اليوم الثاني فأقر مرتين فأمر برجمه".

وهكذا يجاب عن الاستدلال بما روى نعيم بن هزال أنه صلى الله عليه وسلم أعرض عن ماعز في المرة الأولى والثانية والثالثة كما أخرجه أبو داود

(5)

، وأخرجه أيضًا أبو داود

(6)

والنسائي

(7)

من حديث أبي هريرة، والإعراض لا يستلزم أن تكون

(1)

"المختصر" للطحاوي (3/ 283) والبناية في شرح الهداية (6/ 198 - 199).

(2)

البحر الزخار (5/ 155).

(3)

تقدم برقم (3104) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (3103) من كتابنا هذا.

(5)

في سننه رقم (4377).

وهو حديث ضعيف.

(6)

في سننه رقم (4428).

(7)

في السنن الكبرى رقم (7166 - العلمية). =

ص: 256

المواضع التي أقر فيها المقر أربعة بلا شك ولا ريب؛ ولو سلم أنه يستلزم ذلك بقرينة: ما روى أنه جاءه من جهة وجهه أولًا ثم من عن يمينه ثم من عن شماله ثم من ورائه، وسيأتي قريبًا

(1)

أنه كان يقر كل مرة في جهة غير الجهة الأولى، فهذا ليس فيه أيضًا أن الإعراض لقصد تعدد الإقرار أو تعدد مجالسه بل لقصد الاستثبات كما سلف لما سلف.

[الباب الرابع] باب استفسار المقرِّ بالزنا واعتبار تصريحه بما لا تردد فيه

16/ 3107 - (عن ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: لمَّا أتى ماعِز بْنُ مالكٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ: "لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ؟ "، قالَ: لَا يا رَسُولَ الله، قالَ:"أَفَنِكْتَهَا؟ " لَا يَكْنِي، قالَ: نعَمْ، فَعِنْدَ ذلِكَ أَمَرَ برَجمِهِ. رَوَاهُ أَحمدُ

(2)

والبُخاريُّ

(3)

وأبُو داودُ)

(4)

[صحيح]

17/ 3108 - (وعَنْ أبي هُريرةَ قالَ: جاءَ الأسْلمِيُّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم فَشَهِدَ على نفْسِهِ أنّه أَصَابَ امْرَأَةً حَرَامًا أَرْبَعَ مَرّاتٍ كُلُّ ذلِكَ يُعْرِضُ عَنهُ، فأقبَلَ عَليهِ فِي الخَامِسَةِ، فقالَ:"أَنِكْتَهَا""، قالَ: نعَمْ، قالَ: "كما يَغِيبُ الْمِرْوَدُ في المُكْحُلَةِ والرِّشاءُ في البِئرِ؟ "، قالَ: نعَمْ، قال: "فَهَلْ تَدْرِي ما الزِّنَا؟ "، قالَ: نعَمْ أَتَيْتُ مِنهَا حَرَامًا ما يَأتِي الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ حَلَالًا، قالَ: "فمَا تُرِيدُ بهَذا الْقَولِ؟ "، قالَ: أرِيدُ أنْ تُطَهِّرَنِي فأمرَ به فَرُجِمَ. رَواهُ أَبُو داوُد

(5)

والدارقطنِيُّ)

(6)

. [ضعيف]

حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا النسائي

(7)

، وفي إسناده ابن الهضهاض،

= وهو حديث ضعيف.

(1)

يأتي برقم (3110) من كتابنا هذا.

(2)

في المسند (1/ 270).

(3)

في صحيحه رقم (6824).

(4)

في سننه رقم (4427).

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (4428).

(6)

في السنن (3/ 196 - 197 رقم 339).

(7)

في السنن الكبرى رقم (7126، 7128). =

ص: 257

ذكره البخاري في تاريخه

(1)

، وحكى الخلاف فيه، وذكر له هذا الحديث، وقال: حديثه في أهل الحجاز ليس يعرف إلا بهذا الواحد.

قوله: (أو غمزت)

(2)

بغين معجمة وزاي، والمراد لعلَّه وقع منك هذه المقدمات فتجوزت بإطلاق لفظ الزنا عليها.

وفي روايةٍ

(3)

: "هل ضاجعتها"؟ قال: نعم؛ قال: "فهل باشرتها؟ "، قال: نعم، قال:"هل جامعتها"؟ قال: نعم.

قوله: (لا يَكْنِي) بفتح أوله وسكون الكاف من الكناية: أي أنه ذكر هذا اللفظ صريحًا ولم يُكَنِّ عنه بلفظٍ آخرَ كالجماعِ.

قوله: (المرود) بكسر الميم: الميل

(4)

.

قوله: (والرِّشاء)

(5)

بكسر الراء، قال في القاموس

(6)

: والرِّشاء، ككساء: الحبل، وفي هذا من المبالغة في الاستثبات والاستفصال ما ليس بعده في تطلب بيانِ حقيقةِ الحالِ، فلم يكتف بإقرار المقر بالزنا بل استفهمه بلفظ لا أصرح منه في المطلوب وهو لفظ: النيك، الذي كان صلى الله عليه وسلم يتحاشى عن التكلم به في جميع حالاته، ولم يُسمع منه إلا في هذا الموطن، ثم لم يكتف بذلك بل صوره تصويرًا حسيًا، ولا شك أن تصوير الشيء بأمر محسوس أبلغ في الاستفصال من تسميته بأصرح أسمائه وأدلِّها عليه.

= قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (814) وابن حبان رقم (4399) والبيهقي (8/ 227).

إسناده ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الرحمن بن الصامت، ويقال: عبد الرحمن بن الهضهاض، وقيل: ابن الهضاض، والأول أصح، لم يوثقه غير ابن حبان.

قلت: وهو مجهول. وانظر: الإرواء رقم (2354).

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

في "التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 361) رقم الترجمة (1146).

(2)

النهاية (2/ 321).

قال ابن الأثير: بالإشارة كالرَّمز بالعين، أو الحاجب، أو اليد.

(3)

لأبي داود رقم (4419)، وهو حديث صحيح دون قوله:"لعله أن يتوب فيتوب الله عليه".

(4)

لسان العرب (3/ 191).

(5)

النهاية (1/ 659).

(6)

القاموس المحيط (ص 1662).

ص: 258

وقد استُدِلَّ بهذين الحديثين؛ على مشروعية الاستفصال للمقرِّ بالزنا، وظاهر ذلك عدم الفرق بين من يجهل الحكم ومن يعلمه ومن كان منتهكًا للحرم ومن لم يكن كذلك، لأن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في المقال

(1)

، وذهبت المالكية إلى أنه لا يلقن من اشتهر بانتهاك الحرم، وقال أبو ثور: لا يلقن إلا من كان جاهلًا للحكم وإذا قصر الإمام في الاستفصال ثم انكشف بعد التنفيذ وجود مسقط للحد فقيل: يضمن الدية من ماله إن تعمد التقصير وإلا فمن بيت المال. وقيل: على عاقلة الإمام قياسًا على جناية الخطأ.

قال في "ضوء النهار"

(2)

: والحقُّ أنه إذا تعمد التقصير في البحث عن المسقط المجمع على إسقاطه اقتص منه، وإلا فلا يضمن إلا الدية لما عرفت من كون الخلاف شبهة. اهـ.

وهذا إنَّما يَتُمُّ بعد تسليم أن استفصالَ المقِرِّ عن المسقِطَاتِ المجمعِ عليها واجبٌ على الإمام، وشرط في إقامة الحد يستلزم عدمه العدم كما هو شأن سائر الشروط على ما عرف في الأصول.

والواجبات والشروط لا تثبت بمجرد فعله صلى الله عليه وسلم، وليس في المقام إلا ذلك وغايته الندب.

وأما الاستدلال على الوجوب: بأنَّ الإمام حاكم، والحاكم يجب عليه التثبت.

فيمكن مناقشته بمنع الصغرى، والسند أنَّ الحاكم هو من يفصل الخصومات بين العباد عند الترافع إليه، ولا خصومة ههنا بل مجرد التنفيذ لما شرعه الله على من تعدى حدوده بشهادة لسانه عليه بذلك، وكون المانع مجوّزًا لا يستلزم القدح في صحة الحكم الواقع بعد كمال السبب وهو الإقرار بشروطه وإلا لزم ذلك في الإقرار بالأموال والحقوق، فيجب على الحاكم مثلًا بعد أن يقر عنده رجل بأنه أخذ مال رجل أن يقول له: لعلك أردت المجاز ولم يصدر منك الأخذ حقيقةً لعلك كذا لعلك كذا، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله.

(1)

البحر المحيط (3/ 148) وتيسير التحرير (1/ 264).

(2)

"ضوء النهار"(4/ 2265 - 2266).

ص: 259

وبيان الملازمة: أن وجود المانع مجوز في الإقرار بالأموال والحقوق كما هو مجوز في الإقرار بالزنا، فتقرر لك بهذا أن إيجاب الاستفصال على الإمام في مثل الإقرار بالزنا وجعله شرطًا لإقامة الحد بمجرد كونه حاكمًا غير منتهض، فالأولى التعويل على أحاديث الباب القاضية بمطلق مشروعية الاستفصال في الإقرار بالزنا لا بالمشروعية المقيدة بالوجوب أو الشرطية.

[الباب الخامس] بابُ أن مَنْ أقرَّ بحدٍّ ولم يُسَمِّهِ لا يُحَدُّ

18/ 3109 - (عَنْ أَنَسٍ قالَ: كُنْتُ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فجَاءَهُ رَجُلٌ، فقالَ: يا رَسُولَ الله إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فأقِمْهُ علَيَّ وَلَمْ يَسألْهُ، قالَ: وحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فصَلى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلمَّا قَضى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاة قَامَ إليهِ الرَّجُلُ فقالَ: يا رَسُولَ الله إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فأقِمْ فِيَّ كِتَابَ الله، قالَ:"أَلَيْسَ قدْ صَلَّيْتَ مَعَنا؟ "، قالَ: نعَمْ، قَالَ:"فإنَّ الله قَدْ غفَرَ لكَ ذَنْبَكَ - أوْ حدَّكَ - ". أخرَجاهُ

(1)

. [صحيح]

ولأحمدَ

(2)

ومُسلِم

(3)

مِنْ حديثِ أبي أمامةَ نَحْوُهُ). [صحيح]

لفظ حديث أبي أمامة الذي أشار إليه المصنف قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن معه إذْ جاء رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدًا فأقمه علي، فسكت عنه ثم أعاد فسكت [عنه]

(4)

وأقيمت الصلاة، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعه الرجل واتبعته أنظر ماذا يرد عليه، فقال له:"أرأيت حين خرجت من بيتك أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء؟ "، قال: بلى يا رسول الله، قال:"ثم شهدت الصلاة معنا؟ "، قال: نعم يا رسول الله، قال:"فإن الله تعالى قد غفر لك حدك - أو قال: ذنبك - ".

(1)

البخاري في صحيحه رقم (6823) ومسلم رقم (44/ 2764).

(2)

في المسند (5/ 251 - 252).

(3)

في صحيحه رقم (45/ 2765).

وهو حديث صحيح.

(4)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).

ص: 260

وفي الباب عن ابن مسعود عند مسلم

(1)

والترمذي

(2)

وأبي داود

(3)

والنسائي

(4)

قال: إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فأقم علي ما شئت، فقال عمر: لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، فانطلق الرجل فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا فدعاه فتلا عليه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} إلى آخر الآية

(5)

، فقال رجل من القوم: أله خاصة أم للناس عامة؟ فقال: للناس كافة. هذا لفظ أبي داود، وهذا الرجل هو أبو اليسر كعب بن عمرو، وقيل غيره.

قوله: (إني أصبتُ حدًّا) قال في النهاية

(6)

: أي: أصبتُ ذنبًا أوجب علي حدًّا، أي: عقوبةً.

قال النووي في شرح مسلم

(7)

: هذا الحديث معناه: معصية من المعاصي الموجبة للتعزير، وهي هنا من الصغائر، لأنها كفَّرتها الصلاةُ، ولو أنها كانت موجبة لحدٍّ أو غيره لم [تسقط]

(8)

بالصلاة.

فقد أجمع العلماء

(9)

على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة.

وحكى القاضي عياض

(10)

عن بعضهم: أن المراد الحدُّ المعروف، قال: وإنما لم يحدَّه لأنه لم يفسر موجب الحدِّ، ولم يستفسره النبي صلى الله عليه وسلم إيثارًا للستر، بل استحب تلقين الرجل صريحًا. انتهى.

(1)

في صحيحه رقم (42/ 2763).

(2)

في سننه رقم (3112).

(3)

في سننه رقم (4468).

(4)

في سننه الكبرى رقم (7322 - العلمية).

وهو حديث صحيح.

(5)

سورة هود، الآية (114).

(6)

النهاية (1/ 345).

وانظر: الفائق (1/ 264).

(7)

في شرح صحيح مسلم للنووي (17/ 81).

(8)

في المخطوط (ب): (يسقط).

(9)

قاله النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 81).

(10)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 267).

ص: 261

ومما يؤيد ما ذهب إليه الجمهور من أن المراد بالحدِّ المطلق في الأحاديث هو غير الزنا، ونحوه من الأمور التي توجب الحدَّ ما في حديث ابن مسعود الذي ذكرناه من قوله:"فأصبتُ منها ما دون أن أمسها"، فإنَّ هذا يفسر ما أبهم في حديث أنس

(1)

وأبي أمامة

(2)

.

هذا إذا كانت القصة واحدة، وأما إذا كانت متعددة فلا ينبغي تفسير ما أبهم في قصة بما فسر في قصة أخرى، وتوجه العمل بالظاهر، والحكم بأن الصلاة تكفر ما يصدق عليه أنه يوجب الحد.

ولا شكَّ ولا ريب أن من أقرّ بحدٍّ من الحدود ولم يفسره لا يطالب بالتفسير ولا يقام عليه الحد إن لم يقع منه ذلك لأحاديث الباب.

ولما سيأتي من أنها تدرأ الحدود بالشبهات

(3)

بعد ثبوتها وتعيينها، فبالأولى قبل التفسير للقطع بأنها مختلفة المقادير فلا يتمكن الإمام من إقامتها مع الإبهام.

ويؤيد ذلك ما سلف من استفصاله صلى الله عليه وسلم لماعز

(4)

بعد أن صرح بأنه زنى.

[الباب السادس] باب ما يُذْكَرُ في الرجُوعِ عن الإِقَرارِ

19/ 3110 - (عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: جَاءَ ماعِزٌ الأسْلَمِيُّ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ إنَّهُ قد زَنى، فأعْرَضَ عَنهُ، ثم جاءَهُ من شِقِّه الآخَرِ فقالَ إنَّهُ قدْ زَنى، فأعْرَضَ عَنهُ، ثمَّ جاءَهُ مِنْ شِقِّهِ الآخرِ فقالَ: يا رسُولَ الله إنه قدْ زَنى، فأمَرَ بهِ في الرَّابِعةِ، فأخْرَجَ إلى الحَرَّةِ فرُجِمَ بالحِجَارَةِ، فلمَّا وَجدَ مَسّ الحِجَارَةِ فرَّ يَشْتَدُّ حتَّى مَرّ برَجُل مَعهُ لِحْيُ جملٍ فضَرَبَهُ بهِ وضَرَبَهُ النَّاسُ حتَّى ماتَ، فذَكَرُوا ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ فرَّ حِينَ وَجدَ مَسّ الحِجَارَةِ وَمَسّ المَوْتِ، فقالَ

(1)

تقدم برقم (3109) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم بإثر الحديث (3109) من كتابنا هذا.

(3)

الباب السابع عند الحديث (3112 - 3115) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم في الحديث رقم (3107) من كتابنا هذا.

ص: 262

رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ". رَوَاهُ أحمدُ

(1)

وابْنُ ماجَهْ

(2)

والتِّرمذيُّ وقالَ: حَسَنٌ)

(3)

. [صحيح]

20/ 3111 - (وعَنْ جَابِرٍ في قِصَّةِ ماعِزٍ قالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رجمَ الرجُلَ، إنَّا لما خَرَجنَا بهِ فَرجمْناهُ فَوَجدَ مَسَّ الحِجارِةِ صَرَخَ بِنَا: يَا قَوْمُ رُدُّونِي إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فإنَّ قَوْمِي قتَلُوَنِي وغَرُّونِي مِنْ نَفْسِي، وأَخْبَرونِي أَنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم غيرُ قاتِلِي، فَلَمْ نَنْزِعْ عَنهُ حتَّى قتَلنَاهُ؛ فلمَّا رجعْنَا إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأخبَرَناهُ قالَ: "فَهَلَّا ترَكْتُمُوهُ وجئْتُمُونِي بهِ"، لِيَسْتَثْبِتَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنهُ، فأمّا تَرْكُ حَدٍّ فَلا. رَوَاه أَبُو دَاوُدَ)

(4)

[حسن]

الحديث الأول قال الترمذي

(5)

بعد أن قال: إنه حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة. انتهى.

ورجال إسناده ثقات، فإن الترمذي رواه من حديث عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة.

والحديث الثاني أخرجه أيضًا النسائي

(6)

وأشار إليه الترمذي

(7)

وفي إسناده محمد بن إسحاق، وفيه خلاف قد تقدم الكلام عليه.

وأخرج البخاري

(8)

ومسلم

(9)

والترمذي

(10)

والنسائي

(11)

من حديث أبي

(1)

في المسند (2/ 450).

(2)

في سننه رقم (2554).

(3)

في سننه رقم (1428).

قلت: وأخرجه النسائي في السنن الكبرى رقم (7204 - العلمية) والبغوي في شرح السنة رقم (2584) وابن الجارود رقم (819) وابن حبان رقم (4439) والبيهقي (8/ 228).

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (4420).

وهو حديث حسن.

(5)

في السنن (4/ 36).

(6)

في السنن الكبرى رقم (7204 - العلمية) وقد تقدم.

(7)

في السنن (4/ 36).

(8)

في صحيحه رقم (6820).

(9)

في صحيحه رقم (16/ 1691).

(10)

في السنن رقم (1429).

(11)

في السنن الكبرى رقم (7174 - العلمية).

وهو حديث صحيح.

ص: 263

سلمة بن عبد الرحمن عن جابر طرفًا منه، ولفظ أبي داود

(1)

قال: ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال لي: حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال: حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " [فلا]

(2)

تركتموه من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم"، قال: ولا أعرف الحديث قال: فجئت جابر بن عبد الله فقلت: إن رجالًا من أسلم يحدثون: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته: "ألا تركتموه"، وما أعرف الحديث؟ قال: يا ابن أخي، أنا أعلم الناس بهذا الحديث

فذكره.

وفي الباب عن نعيم بن هزَّال عن أبيه عند أبي داود

(3)

وفيه: "فلمَّا رُجِمَ وجد مسَّ الحجارة فخرج يشتدّ، فلقيه عبد الله بن أنيس، وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعيرٍ فقتله، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: "هلّا تركتموه، لعله أن يتوب فيتوب الله عليه! ".

قوله: (فلما وجدَ مسَّ الحجارةِ فرَّ يشتدُّ حتى مرَّ برجُلٍ معه لِحْيُ جملٍ

إلخ)، ظاهر هذه الرواية ورواية نعيم بن هزَّال أنه وقع منه الفرار حتى ضربه الرجل الذي معه لحي الجمل.

وظاهر قوله في حديث جابر المذكور

(4)

: "صرخ يا قوم

إلخ"، أنه لم يفرَّ.

ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم

(5)

والنسائي

(6)

وأبي داود

(7)

واللفظ له

(1)

في السنن رقم (4420).

وهو حديث حسن.

(2)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) وفي سنن أبي داود: (فَهَلَّا).

(3)

في سننه رقم (4419) صحيح دون قوله: "لعله أن

".

(4)

تقدم برقم (3111) من كتابنا هذا.

(5)

في صحيحه رقم (20/ 1694).

(6)

في السنن الكبرى رقم (7198 - العلمية).

(7)

في سننه رقم (4431).

وهو حديث صحيح.

ص: 264

قال: "لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز بن مالك خرجنا إلى [البقيع]

(1)

، فوالله ما أوثقناه، ولا حفرنا له، ولكنَّه قام لنا، قال أبو كامل: فرميناه بالعظام، والمدر، والخزف، فاشتدَّ، واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرَّة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرَّة حتى سكت".

فظاهر هذه الرواية أنه إنما فرّ لأجل ما في ذلك المحلِّ الذي فر إليه من الأحْجَارِ التي تقتل بلا تعذيب، بخلاف المحلِّ الذي كان فيه، فإنه لم يكن فيه من الأحجار ما هو كذلك.

ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن يقال: إنه فرَّ أوَّلًا من المكان الأوّل لأجل عدم الحجارة فيه إلى الحرَّة، فلمَّا وصل إليها، ونصب نفسه، ووجد مسَّ الحجارة التي تقضي إلى الموت، قال ذلك المقال، وأمرهم أن يردُّوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما لم يفعلوا هرب، فلقيه الرجل الذي معه لحي الجمل، فضربه به فوقع، ثم رجموه حتى مات.

قوله: (هلَّا تركتموه) استُدِلَّ به على أنه يقبل من المقرِّ الرجوع عن الإقرار ويسقط عنه الحدُّ، وإلى ذلك ذهب أحمد

(2)

والشافعية

(3)

والحنفية

(4)

والعترة

(5)

. وهو مروي عن مالك في قول له.

وذهب ابن أبي ليلى

(6)

، والبتي

(7)

، وأبو ثور

(8)

ورواية عن مالك

(9)

، وقول

(1)

في المخطوط (ب): (بالنقيع) والمثبت من (أ) وسنن أبي داود.

(2)

في المغني (12/ 361، 379).

(3)

روضة الطالبين (10/ 95) والبيان (12/ 374 - 375).

(4)

البناية في شرح الهداية (6/ 203).

(5)

البحر الزخار (5/ 158).

(6)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (12/ 361).

(7)

حكاه عنه ابن عبد البر في "التمهيد"(14/ 74 - الفاروق).

(8)

فقه أبي ثور (ص 717).

(9)

عيون المجالس (5/ 2092 - 2093 رقم المسألة 1512).

والتمهيد (14/ 73 - 74 - الفاروق). والمنتقى للباجي (7/ 143) قال ابن المنذر في الإشراف (2/ 17 - 18): "قال أبو بكر: واختلفوا في الرجل يقر بالزنا، ثم يرجع عنه: فكان عطاء، ويحيى بن يَعْمَر، والزهري، وحماد بن أبي سليمان، والثوري والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، ويعقوب، يقولون: يترك، ولا يحد. =

ص: 265

للشافعي

(1)

: أنَّه لا يقبل منه الرجوع عن الإقرار بعد كما له كغيره من الإقرارات.

قال الأولون: ويترك إذا هرب لعله يرجع.

قال في البحر

(2)

مسألة إذا هرب المرجوم بالبينة أتبع الرجم حتى يموت، لا بالإقرار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ماعز:"هلَّا خليتموه"، ولصحة الرجوع عن الإقرار، ولا ضمان إذ لم يضمنهم صلى الله عليه وسلم لاحتمال كون هربه رجوعًا، أو غيره. انتهى.

وذهبت المالكية

(3)

إلى أن المرجوم لا يترك إذا هرب، وعن أشهب

(4)

إن ذكر عذرًا فقيل: يترك وإلا فلا، ونقله [القعنبي

(5)

]

(6)

عن مالك.

وحكى اللخميُّ عنه قولين فيمن رجع إلى شبهة.

قوله: (ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم

إلخ)، هذا من قول جابر، يعني: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك لأجل الاستثبات والاستفصال، فإنْ وجد شبهةً يسقط بها الحدّ أسقطه لأجلها، وإن لم يجد شبهة كذلك أقام عليه الحدَّ، وليس المراد: أن

= واختلف عن مالك في هذه المسألة:

فذكر القعنبي عن مالك أنه قال: يقبل منه.

وقال ابن عبد الحكم: قال مالك: لا يقبل ذلك منه.

وقال أشهب: قال مالك: إن جاء بعذر، وإلا لم يقبل ذلك منه.

وقال سعيد بن جبير: إذا رجع أقيم عليه الحد. وبه قال الحسن البصري، وابن أبي ليلى، وأبو ثور.

قال أبو بكر: لا يقبل رجوعه، ولا نعلم في شيء من الأخبار أن ماعزًا رجع.

وإذا وجب الحد بالاعتراف، ثم رجع، واختلفوا في سقوطه عنه لم يجز أن يسقط ما قد وجب بغير حجة". اهـ.

(1)

البيان للعمراني (12/ 374 - 375).

(2)

البحر الزخار (5/ 158).

(3)

انظر: الحاشية رقم (9) من الصفحة السابقة.

(4)

أبو عمرو: أشهب بن عبد العزيز المصري الفقيه الثبت، انثهت إليه رئاسة مصر بعد موت ابن القاسم. روى عن الليث. ومالك وتفقه به، وعنه بنو عبد الحكم وسحنون، مات بمصر سنة (204 هـ).

[العبر (1/ 345 - الكويت) وشجرة النور الزكية (95) دار الكتاب العربي].

(5)

أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي التميمي المدني القعنبي، الإمام الزاهد، الثقة الحجة، روى عن الكبار، وهو من أوثق من روى الموطأ عن مالك، ولازمه عشرين سنة. مات بمكة سنة (221 هـ).

[العبر (1/ 382 - الكويت، وشجرة النور الزكية (57) - دار الكتاب العربي].

(6)

في المخطوط (أ): العتبي وهو خطأ، والمثبت من (ب) وهو الصواب.

ص: 266

النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدعوه، وأنَّ هرب المحدود من الحدِّ من جملة المسقطات، ولهذا قال:"فهلا تركتموه وجئتموني به؟ ".

[الباب السابع] بابُ أن الحدَّ لا يجِبُ بالتُّهمِ وأنَّهُ يسقُط بالشُّبهاتِ

21/ 3112 - (عَن ابْنِ عبَّاسٍ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَاعنَ بيْنَ العَجْلَانِيِّ وامْرَأَتِهِ، فقالَ [شَدّادُ بنُ الهْادِ]

(1)

: هِيَ المَرْأَةُ الَّتِي قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لوْ كُنْتُ رَاجمًا أحدًا بغَيْرِ بَيِّنَةٍ لرَجمْتُها"، قالَ: لَا، تِلْكَ امْرَأَةٌ كانَتْ قدْ أَعلنَتْ في الإسْلَامِ. مُتَّفَقٌ عليهِ)

(2)

. [صحيح]

22/ 3113 - (وعَن ابْنِ عبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لوْ كُنْتُ رَاجِمًا أحَدًا بغيرِ بيِّنَةٍ [رجمْتُ]

(3)

فلَانَةَ، فقَدْ ظَهَرَ منْهَا الرَّيبَةُ في مَنْطِقِها وهَيْئتِهَا ومَنْ يَدْخُلُ علَيْها". رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(4)

. [صحيح]

وَاحْتَجّ بهِ منْ لَمْ يَحُدّ المَرْأَةَ بِنُكُولِهَا عَنِ اللِّعَانِ).

حديث ابن عباس الثاني إسناده في سنن ابن ماجه

(5)

هكذا: حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي، قال: حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد قال: حدثني الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن أبي الأسود عن عروة عن ابن عباس

فذكره.

(1)

في مصادر التخريج: (عبد الله بن شداد بن الهاد) كما سيشير الشوكاني إلى ذلك.

(2)

أحمد في المسند (1/ 335 - 336) والبخاري رقم (6855) ومسلم رقم (13/ 1497). وهو حديث صحيح.

(3)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) وفي سنن ابن ماجه: (لرجمت).

(4)

في سننه رقم (2559).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 307): "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات

". اهـ.

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (2559) وقد تقدم.

ص: 267

والعباس صدوق، وزيد بن يحيى ثقة، وبقية رجال الإسناد رجال الصحيح.

وقد ورد بألفاظ منها ما ذكره المصنف ومنها ألفاظ أُخر، وفي بعضها أنها لما أتت بالولد على النعت المكروه قال صلى الله عليه وسلم:"لولا الأيمان لكان لي ولها شأن"، أخرجه أحمد

(1)

وأبو داود

(2)

من حديثه، ولفظ البخاري

(3)

: "لولا ما مضى من كتاب الله".

وقد تقدم في اللعان

(4)

ما قاله صلى الله عليه وسلم في شأن الولد الذي كان في بطن المرأة وقت اللعان فإنه قال: "إن أتت به على الصفة الفلانية فهو لشريك بن سحماء، وإن أتت به على الصفة الفلانية فهو لزوجها هلال بن أمية".

قوله: فقال شداد بن الهاد في الفتح

(5)

في كتاب اللعان: إن السائل هو عبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة ابن عباس قال: سماه أبو الزناد عن القاسم بن محمد في هذا الحديث، كما في كتاب الحدود من صحيح البخاري

(6)

.

قوله: (كانت قد أعلنت في الإسلام) في لفظ للبخاري

(7)

: "كانت تظهر في الإسلام السوء"، أي: كانت تعلن بالفاحشة، ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا اعتراف كما تقدم في اللعان.

قال الداودي

(8)

: فيه جواز عيب من [يسلك]

(9)

مسالك السوء. وتعقب بأن ابن عباس لم يسمها، فإن أراد إظهار العيب على العموم فمحتمل.

وقد استدل المصنف رحمه الله [تعالى]

(10)

بقوله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت راجمًا

(1)

في المسند (1/ 238 - 239).

(2)

في سننه رقم (2254).

وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (4747).

(4)

عند الحديث رقم (2912) من كتابنا هذا.

(5)

الفتح (12/ 181) في كتاب الحدود.

(6)

في صحيحه رقم (6855).

(7)

في صحيحه رقم (6856).

(8)

ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 461).

(9)

في المخطوط (ب): (تسلك).

(10)

زيادة من (ب).

ص: 268

أحدًا بغير بينة لرجمتها"

(1)

، على أنه لا يجب الحد بالتهم، ولا شك أن إقامة الحد إضرار بمن لا يجوز الإضرار به وهو قبيح عقلًا وشرعًا، فلا يجوز منه إلا ما أجازه الشارع كالحدود والقصاص وما أشبه ذلك بعد حصول اليقين، لأن مجرد الحدس والتهمة والشك مظنة للخطأ والغلط، وما كان كذلك فلا يستباح به تأليم المسلم وإضراره بلا خلاف.

23/ 3114 - (وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ادْفَعُوا الحُدُودَ ما وجدْتُمْ لهَا مدفَعًا". رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(2)

. [ضعيف]

24/ 3115 - (وعَنْ عائشةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحُدُود عَنَ المُسْلِمينَ ما استَطَعْتُمْ، فإنْ كانَ لهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبيلَهُ، فإن الامام إنْ يُخْطِئ في العَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أنْ يُخْطِئ في العُقُوبَةِ". رَواهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

وذَكَرَ أنَّهُ قَدْ رُوِيَ مَوْقوفًا، وأنْ الْوَقْفَ أصَحُّ. قالَ: وَقَدْ رُويَ عَنْ غيْرِ واحِدٍ مِن الصّحابَةِ رضي الله عنهم أنّهُمْ قالوا مثلَ ذلكَ). [ضعيف]

حديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجه

(4)

بإسناد ضعيف لأنه من طريق إبراهيم بن الفضل وهو ضعيف

(5)

.

(1)

تقدم برقم (3112) من كتابنا هذا.

(2)

في سننه رقم (2545).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 303): "هذا إسناد ضعيف إبراهيم بن الفضل المخزومي ضعفه أحمد، وابن معين، والبخاري، والنسائي والأزدي، والدارقطني.

وله شاهد من حديث عائشة رواه الترمذي في الجامع مرفوعًا وموقوفًا بلفظ: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين بالشبهات ما استطعتم"، وقال: كونه موقوفًا أصح".

وهو حديث ضعيف.

(3)

في سننه رقم (1424).

وهو حديث ضعيف.

(4)

في سننه برقم (2545) وقد تقدم.

(5)

إبراهيم بن الفضل المدني، أبو إسحاق المخزومي: قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن معين: ضعيف لا يكتب حديث، وقال مرة: ليس بشيء. وقال جماعة: متروك.

[التاريخ الكبير (1/ 311) والمجروحين (1/ 104) والجرح والتعديل (2/ 122) والميزان (1/ 52) والتقريب (1/ 41) والخلاصة (ص 20)].

ص: 269

وحديث عائشة

(1)

أخرجه أيضًا الحاكم

(2)

والبيهقي

(3)

ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد

(4)

وهو ضعيف كما قال الترمذي

(5)

. وقال البخاري فيه: إنه منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. انتهى.

والصواب الموقوف كما في رواية وكيع.

قال البيهقي

(6)

: رواية وكيع أقرب إلى الصواب. قال: ورواه رشدين عن عقيل عن الزهري ورشدين

(7)

ضعيف.

وفي الباب عن علي

(8)

مرفوعًا: "ادرءوا الحدود بالشبهات"، وفيه المختار بن نافع

(9)

، قال البخاري

(10)

وهو منكر الحديث، قال: وأصحُّ ما فيه حديث سفيان الثوريِّ عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، قال:"ادرءوا الحدود بالشبهات، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم"

(11)

.

(1)

في المخطوط (أ): بعد: حديث عائشة، جملة وهي (الذي ساق المصنف متنه) وقد ضُرب عليها.

(2)

في المستدرك (4/ 384 - 385) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال الذهبي: قال النسائي: يزيد بن زياد شامي متروك".

(3)

في السنن الكبرى (8/ 238).

(4)

يزيد بن أبي زياد، كوفي، قال يحيى: ليس بالقوي، وقال أيضًا: لا يحتج به، وقال أحمد: ليس بذاك.

[التاريخ الكبير (8/ 334) والمجروحين (3/ 99) والجرح والتعديل (9/ 265) والميزان (4/ 423) والتقريب (2/ 365)].

(5)

في سننه بإثر الحديث رقم (1424).

(6)

في السنن الكبرى (8/ 238).

(7)

رشدين بن سعد، مصري، أبو الحجاج المهري، قال البخاري عن الأوزاعي: في أحاديثه مناكير، قال أحمد: لا يبالي عمن روى وليس به بأس في الرقائق، قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو زرعة: ضعيف.

[التاريخ الكبير (3/ 337) والمجروحين (1/ 303) والجرح والتعديل (3/ 513) والميزان (2/ 49) والتقريب (1/ 251) والخلاصة (ص 117)].

(8)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 238) بسند ضعيف.

(9)

المختار بن نافع التميمي، أبو إسحاق التمار، قال البخاري: منكر الحديث.

[الميزان (4/ 480) والتقريب (2/ 234)].

(10)

التاريخ الأوسط له (2/ 73).

(11)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 238).

ص: 270

وروي عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضًا موقوفًا

(1)

.

وروي منقطعًا وموقوفًا على عمر

(2)

. ورواه ابن حزم في كتاب "الإيصال"

(3)

عن عمر

(4)

موقوفًا عليه. قال الحافظ

(5)

: وإسناده صحيح.

ورواه ابن أبي شيبة

(6)

من طريق إبراهيم النخعي عن عمر بلفظ: "لأن أخطئ في الحدود بالشبهات أحب إليّ من أن أقيمها بالشبهات".

وفي مسند أبي حنيفة للحارثي من طريق مقسم عن ابن عباس بلفظ: "ادرءوا الحدود بالشبهات" [كذا في التلخيص

(7)

]

(8)

، وما في الباب وإن كان فيه المقال المعروف فقد شد من عضده ما ذكرناه فيصلح بعد ذلك للاحتجاج به على مشروعية درء الحدود بالشبهات المحتملة لا مطلق الشبهة.

وقد أخرج البيهقي

(9)

وعبد الرزاق

(10)

عن عمر أنه عذر رجلًا زنى في الشام وادعى الجهل بتحريم الزنا.

وكذا روي عنه وعن عثمان أنهما عذرا جارية زنت وهي أعجمية وادعت أنها لم تعلم التحريم

(11)

.

25/ 3116 - (وَعَن ابْن عَبَّاسٍ قالَ: قالَ عُمرُ بْن الخَطَّابِ:

(1)

أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 84 رقم 10) وهو حديث معلول بإسحاق ابن أبي فروة، فإنه متروك.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 238).

(3)

واسمه الكامل: "الإيصال إلى فهم كتاب الخصال". وهو شرح كبير أورد فيه ابن حزم أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في مسائل الفقه ودلائله.

(4)

عزاه الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(4/ 105) إلى ابن حزم في "الإيصال". وصحح إسناده.

(5)

في "التلخيص الحبير"(4/ 105).

(6)

في "المصنف"(9/ 566 رقم 8542).

قلت: وأخرجه البيهقي (8/ 238) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة.

(7)

في "التلخيص"(4/ 155).

(8)

ما بين الخاصرتين زيادة من (أ).

(9)

في السنن الكبرى (8/ 239).

(10)

في "المصنف" رقم (13643).

(11)

أخرجه البيهقي (8/ 238) وعبد الرزاق رقم (13644).

ص: 271

كانَ فِيما أَنْزَلَ الله آيةُ الرَّجْمِ فَقَرَأناها وَعَقَلْنَاها وَوعيناها، وَرَجَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَرَجمْنا بَعْدَهُ، فأخْشَى إنْ طالَ بِالنَّاسِ زَمانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: والله ما نجدُ الرّجْمَ في كِتابِ الله تعالى، فَيضِلُّوا بِترْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا الله تعالى، والرَّجْمُ في كِتَابِ الله حَقٌّ على مَنْ زَنى إذا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذا قامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كانَ الحَبَلُ أَوْ الاعْتِرَافُ. رَواهُ الجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائيَّ)

(1)

. [صحيح]

قوله: (آية الرجم) هي: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة".

وقد قدمنا الكلام على ذلك في أول كتاب الحدود

(2)

، وهذه المقالة وقعت من عمر لَمَّا صدر من الحجِّ وقدم المدينة.

قوله: (فأخشى إن طال بالناس زمان

إلخ)، قد وقع ما خشيه رضي الله عنه حتى أفضى ذلك إلى أن الخوارج وبعض المعتزلة أنكروا ثبوت مشروعية الرجم كما سلف.

وقد أخرج عبد الرزاق

(3)

والطبراني

(4)

عن ابن عباس: أن عمر قال: "سيجيء أقوام يكذبون بالرجم".

وفي رواية للنسائي

(5)

: "وإن ناسًا يقولون: ما بال الرجم فإنَّ ما في كتاب الله [تعالى]

(6)

الجلد".

وهذا من المواطن التي وافق حدس عمر فيها الصواب.

وقد وصفه صلى الله عليه وسلم بارتفاع طبقته في ذلك الشأن كما قال: "إنْ يكنْ في هذه الأمة محدَّثون فمنهم عمر"

(7)

.

(1)

أحمد في المسند (1/ 40) والبخاري رقم (6829) ومسلم رقم (15/ 1691) وأبو داود رقم (4418) والترمذي رقم (1432) وابن ماجه رقم (2553).

وهو حديث صحيح.

(2)

(ص 237 - 238) من كتابنا هذا.

(3)

في المصنف رقم (13364).

(4)

لم أقف عليه، في المعاجم الثلاث، ولا في مسند الشاميين، والله أعلم.

(5)

في السنن الكبرى رقم (7154 - العلمية)، ورقم (7116 - الرسالة).

(6)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(7)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 55) ومسلم رقم (23/ 2398) والترمذي رقم (3693) =

ص: 272

قوله: (إذا قامت البينة) أي شهادة أربعة شهود ذكور بالإجماع.

قوله: (أو كان الحبل) بفتح المهملة والموحدة، وفي رواية "الحمل".

وقد استدلَّ بذلك من قال: إن المرأة تحدُّ إذا وجدت حاملًا، ولا زوج لها ولا سيِّد، ولم تذكر شبهة، وهو مرويٌّ عن عمر

(1)

ومالك وأصحابه

(2)

. قالوا: إذا حملت ولم يعلم لها زوج ولا عرفنا إكراهها لزمها الحد إلا أن تكون غريبة وتدَّعي أنه من زوج أو سيد.

وذهب الجمهور

(3)

: إلى أن مجرَّد الحبل لا يثبت به الحدُّ، بل لا بدَّ من الاعتراف، أو البينة، واستدلوا بالأحاديث الواردة في درء الحدود بالشبهات.

والحاصل: أن هذا من قول عمر، ومثل ذلك لا يثبت به مثل هذا الأمر العظيم الذي يفضي إلى هلاك النفوس، وكونه قاله في مجمع من الصحابة ولم ينكر عليه، لا يستلزم أن يكون إجماعًا كما بينا ذلك في غير موضع من هذا الشرح؛ لأن الإنكار في مسائل الاجتهاد غير لازم للمخالف، ولا سيما والقائل بذلك عمر وهو بمنزلة من المهابة في صدور الصحابة وغيرهم، اللهمَّ إلا أن يدَّعى أن قوله: إذا قامت البينة وكان الحبل أو الاعتراف من تمام ما يرويه عن كتاب الله تعالى ولكنه خلاف الظاهر، لأن الذي كان في كتاب الله هو ما أسلفنا في أول كتاب الحدود.

وقد أجاب الطحاوي

(4)

بتأويل ذلك على أن المراد أن الحبل إذا كان من زنا وجب فيه الرجم، ولا بد من ثبوت كونه من زنا.

= والنسائي في الكبرى (رقم 8119 - العلمية).

والحميدي رقم (253) وابن راهويه رقم (1058) و (1059) والطحاوي في مشكل الآثار رقم (1648) و (1649) وابن حبان رقم (6894) والحاكم في المستدرك (3/ 86) كلهم من حديث عائشة.

قال الترمذي: هذا حديث صحيح.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

والخلاصة: أن حديث عائشة حديث صحيح، والله أعلم.

(1)

أخرج أثره عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13329).

(2)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 633) وعيون المجالس (5/ 2112).

(3)

الفتح (12/ 148 - 149).

(4)

بدائع الصنائع (3/ 240).

ص: 273

وتعقب بأنه يأبى ذلك جعل الحبل مقابلًا للبينة والاعتراف.

قوله: ([أو]

(1)

الاعتراف) قد تقدم الخلاف في مقداره وما هو الحق.

[الباب الثامن] باب من أقَرَّ أنَّه زنى بامرأةٍ فجحدت

26/ 3117 - (عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ أَنَّ رُجلًا جاءَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إنَّهُ قد زَنى بامَرَأَةٍ سَمَّاها، فأرْسَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المَرْأَةِ فَدَعاها فَسألَها عَمَّا قالَ فأنْكَرَتْ، فَحدَّهُ وَتَرَكَها. رَوَاهُ أَحمدُ

(2)

وَأَبُو داوُدَ)

(3)

. [صحيح]

الحديث في إسناده عبد السلام بن حفص أبو مصعب المدني، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم الرازي

(4)

: ليس بمعروف.

وفي الباب عن ابن عباس عند أبي داود

(5)

والنسائي

(6)

: "أن رجلًا من بكر بن ليث أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة وكان بكرًا، ثم سأله البينة على المرأة فقالت: كذب يا رسول الله، فجلده حد الفرية ثمانين"، وفي إسناده القاسم بن فياض الصنعاني تكلم فيه غير واحد حتى قال ابن

(1)

في المخطوط (ب): (و).

(2)

في المسند (5/ 339) بسند ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي، لكنه لم يتفرد به، فقد توبع عليه.

(3)

في السنن رقم (4437) و (4466) بسند رجاله ثقات رجال الصحيح، غير عبد السلام بن حفص، فمن رجال أبي داود، والترمذي، والنسائي، وقد وثقه يحيى بن معين، وابن حبان والذهبي في "الكاشف"، وقال في "الميزان": صدوق، وقال أبو حاتم: ليس بمعروف.

[الميزان (2/ 615 رقم 5047) والكاشف (2/ 172 رقم 3414) والجرح والتعديل (6/ 45 - 46 رقم 239) وتهذيب التهذيب (2/ 575 - 576)].

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(4)

في الجرح والتعديل (6/ 45 - 46 رقم 239) وانظر: التعليقة المتقدمة.

(5)

في السنن رقم (4467).

(6)

في السنن الكبرى رقم (7348 - العلمية) وقال: هذا حديث منكر.

ص: 274

حبان

(1)

: إنه بطل الاحتجاج به، وقال النسائي

(2)

: هذا حديث منكر.

وقد استدلَّ بحديث سهل بن سعد مالك

(3)

والشافعي

(4)

فقالا: يحد من أقرّ بالزنا بامرأة معيَّنةٍ للزنا لا للقذف. وقال الأوزاعي (3) وأبو حنيفة

(5)

: يحد للقذف فقط، قالا: لأن إنكارها شبهة.

وأجيب بأنه لا يبطل به إقراره.

وذهبت الهادوية

(6)

ومحمد

(7)

، وروي عن الشافعي إلى أنه يحد للزنا والقذف.

واستدلوا بحديث ابن عباس

(8)

الذي ذكرناه، وهذا هو الظاهر لوجهين:

(الأول): أن غاية ما في حديث سهل "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد ذلك الرجل للقذف"، وذلك لا ينتهض للاستدلال به على السقوط لاحتمال أن يكون ذلك لعدم الطلب من المرأة، أو لوجود مسقط، بخلاف حديث ابن عباس فإن فيه: أنه أقام الحد عليه.

(الوجه الثاني): أن ظاهر أدلة القذف العموم فلا يخرج من ذلك إلا ما خرج بدليل، وقد صدق على من كان كذلك أنه قاذف، وقد تقدم طرف من الكلام في باب من أقر بالزنا بامرأة لا يكون قاذفًا من أبواب اللعان.

(1)

في "المجروحين"(2/ 213).

وانظر: التاريخ الكبير (7/ 162) والجرح والتعديل (7/ 117) والميزان (3/ 377).

(2)

في السنن الكبرى عقب الحديث رقم (7348 - العلمية).

والخلاصة: أن حديث ابن عباس حديث منكر، والله أعلم.

(3)

حكاه عنه الطحاوي في "المختصر"(3/ 298).

(4)

البيان للعمراني (12/ 374).

(5)

"المختصر" للطحاوي (3/ 297).

(6)

البحر الزخار (5/ 152).

(7)

حكاه عنه الطحاوي في "المختصر"(3/ 297) وابن قدامة في المغني (12/ 356).

(8)

المتقدم، آنفًا.

وهو حديث منكر.

ص: 275

[الباب التاسع] بابُ الحثِّ على إقامةِ الحَدِّ إذا ثبتَ والنَّهي عَنِ الشَّفاعَةِ فيهِ

27/ 3118 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "حَدٌّ يُعْمَلُ بهِ في الأرْضِ خَيْرٌ لأهْلِ الأرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صبَاحًا". رَوَاهُ ابْنُ ماجهْ

(1)

والنَّسائيُّ

(2)

، وَقالَ: ثَلاثين، وَأَحمْد

(3)

بِالشَّكِّ فِيهم). [حسن بلفظ: "أربعين"]

28/ 3119 - (وعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ حالَتْ شفاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله فَهُوَ مُضَّادُّ الله في أَمرِه". رَوَاهُ أَحمدُ

(4)

وَأَبُو داوُد)

(5)

. [صحيح]

حديث أبي هريرة: أخرج نحوه الطبراني في الأوسط

(6)

من حديث ابن عباس مرفوعًا بلفظ: "وحَدٌّ يقام في الأرض بحقه أزكى من مطر أربعين صباحًا"، قال في مجمع الزوائد

(7)

: وفي إسناده زريق بن السحب ولم أعرفه

(8)

، وفي إسناد

(1)

في السنن رقم (2538).

(2)

في السنن رقم (4904).

(3)

في المسند (2/ 362).

قلت: وأخرجه ابن الجاورد في "المنتقى" رقم (801) وأبو يعلى في المسند رقم (6111) وابن حبان رقم (4398) من طرق.

وفي رواية النسائي وابن الجاورد "ثلاثين" دون شك، وعند الباقين "أربعين". وانظر:"العلل" للدارقطني (11/ 212 - 213) والصحيحة، رقم (231).

وخلاصة القول: أن الحديث حسن بلفظ "أربعين".

(4)

في المسند (2/ 70).

(5)

في السنن رقم (3597).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 383) والطبراني في المعجم الكبير رقم (13084).

وهو حديث صحيح.

(6)

في الأوسط رقم (4765)

(7)

(6/ 263).

(8)

قلت: ذكره ابن حبان في "الثقات"(8/ 259) وقال: مستقيم الحديث إذ روى عنه الثقات، حدثنا عنه شيوخنا.

وذكره ابن ماكولا في الإكمال (4/ 56)، وابن ناصر الدين الدمشقي في توضيح المشتبه (4/ 178 - 179) في ذكر الخلاف في اسمه".

["الفرائد على مجمع الزوائد" (ص 118) رقم (176)]. =

ص: 276

حديث أبي هريرة المذكور في الباب

(1)

عند ابن ماجه والنسائي جرير بنُ يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي، وهو ضعيف منكر الحديث

(2)

.

وحديث ابن عمر أخرجه أيضًا الحاكم

(3)

وصححه، وأخرجه ابن أبي شيبة

(4)

عنه من وجه آخر صحيح موقوفًا عليه.

وأخرج نحوه الطبراني في الأوسط

(5)

عن أبي هريرة مرفوعًا وقال فيه: "فقد ضادّ الله في ملكه".

وحديث أبي هريرة: فيه الترغيب في إقامة الحدود، وأنَّ ذلك مما ينتفع به الناس، لما فيه من تنفيذ أحكام الله تعالى، وعدم الرأفة بالعصاة، وردعهم عن هتك حرم المسلمين، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة في الصحيحين

(6)

. أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: "أيها الناس إنما هلك الذين من قبلكم: أنه كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا الحد عليه".

فإذا كان ترك الحدود والمداهنة فيها وإسقاطها عن الأكابر من أسباب الهلاك؛ كانت إقامتها على كلّ أحدٍ من غير فرق بين شريف ووضيع من أسباب الحياة، وتبين سر قوله صلى الله عليه وسلم: "حدّ يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحًا

" الحديث.

= ولهذا اللفظ المذكور شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن حبان رقم (4397) بسند حسن.

والخلاصة: أن حديث ابن عباس حديث حسن، والله أعلم.

(1)

تقدم برقم (3118) من كتابنا هذا.

(2)

جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي. قال أبو زرعة: منكر الحديث، شامي.

قلت: له في النسائي وابن ماجه حديث واحد.

[الميزان (1/ 397 رقم 1471)].

(3)

في المستدرك (4/ 383) وسكت عنه الحاكم وكذلك الذهبي.

(4)

في "المصنف"(9/ 465 - 466 رقم 8128).

(5)

رقم (2921).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 259) وقال: "فيه عبد الله بن جعفر المديني، وهو متروك".

(6)

البخاري رقم (3733) ومسلم رقم (8/ 1688).

ص: 277

وحديث ابن عمر المذكور

(1)

: فيه دليل على تحريم الشفاعة في الحدود والترهيب لفاعلها بما هو غاية في ذلك، وهو وصفه بمضادة الله تعالى في أمره.

وقد ثبت النهي عن ذلك في الصحيحين كما في حديث عائشة في قصة المرأة المخزومية لما شفع فيها أسامة بن زيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: "أتشفع في حد من حدود الله"، وفي لفظ:"لا أراك تشفع في حد من حدود الله"، وسيأتي في باب ما جاء في المختلس

(2)

من كتاب القطع.

ولكنه ينبغي أن يقيد المنع من الشفاعة بما إذا كان بعد الرفع إلى الإمام لا إذا كان قبل ذلك لما في حديث صفوان بن أمية عند أحمد

(3)

والأربعة

(4)

، وصححه الحاكم

(5)

وابن الجارود

(6)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أراد أن يقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه: "هلَّا كان قبل أن تأتيني به؟ "".

وأخرج أبو داود

(7)

والنسائي

(8)

والحاكم

(9)

وصححه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: "تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب".

وأخرج الطبراني

(10)

عن عروة بن الزبير قال: "لقي الزبير سارقًا فشفع فيه،

(1)

تقدم برقم (3119) من كتابنا هذا.

(2)

في الباب الرابع عند الحديث رقم (3150) من كتابنا هذا.

(3)

في المسند (3/ 401).

(4)

أبو داود رقم (4394) والنسائي رقم (4883) وابن ماجه رقم (2595) ولم يعزه صاحب التحفة إلى الترمذي (4/ 187).

(5)

في المستدرك (4/ 380) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

(6)

في المنتقى رقم (828).

وانظر: "إرواء الغليل"(7/ 345 - 349).

والخلاصة: أن حديث صفوان حديث صحيح.

(7)

في السنن رقم (4376).

(8)

في سننه رقم (4886).

(9)

في المستدرك (4/ 383) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح.

(10)

الطبراني في الأوسط رقم (2284).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 259) وقال: "فيه أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري، ضعفه أبو حاتم وغيره، ووثفه الحاكم، وعبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف".

ص: 278

فقيل له: حتى يبلغ الإمام، قال: إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع".

وأخرج ابن أبي شيبة

(1)

قال الحافظ

(2)

: بسند حسن: "أن الزبير، وعمارًا، وابن عباس، أخذوا سارقًا فخلوا سبيله، قال عكرمة: فقلت: بئس ما صنعتم حين خليتم سبيله، فقالوا: لا أمَّ لك، أما لو كنت أنت لسرّك أن يُخَلَّى سبيلك".

وأخرج الدارقطني

(3)

من حديث الزبير مرفوعًا: "اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي، فإذا وصل إلى الوالي فعفا، فلا عفا الله عنه". والموقوف أصح.

وقد ادعى ابن عبد البر

(4)

الإجماع: على أنه يجب على السلطان الإقامة إذا بلغه الحدُّ، وهكذا حكي الإجماع في البحر

(5)

.

وحكى الخطابي

(6)

عن مالك

(7)

: أنه فرق بين من عُرِف بأذية الناس وغيره، فقال: لا يشفع في الأول مطلقًا، وفي الثاني: تحسن الشفاعة قبل الرفع لا بعده، والراجحُ عدمُ الفرقِ بينَ المحدودينَ، وعلى التَّفصيل المذكور بينَ قبل الرَّفعِ وبعدهُ تحملُ الأحاديثُ الواردةُ في الترغيبِ في السترِ على المسلمِ، فيكونُ السترُ هو الأفضلَ قبلَ الرفعِ إلى الإمامِ.

[الباب العاشر] بابُ أن السُّنَّةَ بداءَةُ الشاهِدِ بالرجْمِ وبداءةُ الإمامِ بهِ إذا ثبتَ بالإقرارِ

29/ 3120 - (عَنْ عامِرٍ الشَّعْبِيِّ قالَ: كانَ لِشُرَاحَة زَوْجٌ غائِبٌ بِالشَّامِ وَأَنَّها حَمَلَتْ فَجاءَ بِها مَوْلاها إلى عَليِّ بْنِ أَبي طالِبٍ، فَقالَ: إنَّ هذِهِ زَنَت وَاعْتَرَفَتْ فَجَلدَها يَومَ الخَمِيسِ مائَةً، ورَجَمَها يَوْمَ الجُمُعَةِ، وحَفَرَ لها إلى السُّرَّةِ

(1)

في "المصنف"(9/ 468).

(2)

في "الفتح"(12/ 88) وفد قال: بسند صحيح.

(3)

في السنن (3/ 204 - 205 رقم 363) بسند ضعيف.

(4)

في "التمهيد"(14/ 117 - 118 - الفاروق).

(5)

البحر الزخار (5/ 185).

(6)

في معالم السنن (4/ 537 - 538 - مع السنن).

(7)

مدونه الفقه المالكي وأدلته (4/ 668 - 669).

ص: 279

وَأَنا شَاهِدٌ ثمَّ قال: إنَّ الرجْمَ سُنَّةٌ سَنَّها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ كانَ شَهدَ على هذِهِ أَحَدٌ لكانَ أَوَّلَ مَنْ يَرمِي الشَّاهِدُ، يَشْهَدُ ثمَّ يُتْبَعُ شهَادَتهُ حَجَرَهُ، وَلكنَّها أَقَرَّتْ فأنا أوَّلُ مَنْ رَمَاها، فَرماها بحَجَرٍ ثمَّ رَمَى النَّاسُ وَأَنَا فِيهمْ، فَكُنْتُ وَالله فِيمَنْ قَتَلَها. رواهُ أَحمَدُ)

(1)

. [صحيح]

الحديث أخرجه [أيضًا]

(2)

النسائي

(3)

والحاكم

(4)

، وأصله في [صحيح]

(5)

البخاري

(6)

ولكن بدون ذكر الحفر وما بعده كما تقدم في أول كتاب الحدود من حديث الشعبي.

وسيأتي الكلام على الحفر قريبًا

(7)

.

وأما كون [الشَّهادَة]

(8)

أول من يرمي الزاني المحصن حيث ثبت ذلك بالشهادة فقد ذهب أبو حنيفة

(9)

والهادوية

(10)

إلى أن ذلك واجبٌ عليهم، وأنَّ الإمام يجبرهم على ذلك، لما فيه من الزَّجر عن التساهل والترغيب في التثبت، وإذا كان ثبوت الزنا بالإقرار، وجب أن يكون الإمام أول من يرجم، أو مأموره؛ لما عند أبي داود

(11)

في رواية من حديث أبي بكرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة وكان هو أول من رماها بحصاة مثل الحمصة، ثم قال: ارموها واتقوا الوجه".

ويجاب بأن مجرد هذا الفعل لا يدل على الوجوب.

(1)

في المسند (1/ 121).

(2)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(3)

في السنن الكبرى رقم (7140، 7141 - العلمية).

(4)

في المستدرك (4/ 365).

قال الحاكم: "إسناده صحيح، وإن كان في الإسناد الأول الخلاف في سماع عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود من أبيه". ووافقه الذهبي.

(5)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (أ).

(6)

في صحيحه رقم (6812).

(7)

في الباب الحادي عشر عند الحديث رقم (3121 - 3124) من كتابنا هذا.

(8)

في كل طبعات "نيل الأوطار"(الشاهد) والمثبت من المخطوط (أ)، (ب). وانظر: لسان العرب (3/ 239) و"المحكم والمحيط الأعظم" لابن سيدة (4/ 181 - 182).

(9)

الاختيار (4/ 338).

(10)

البحر الزخار (5/ 157 - 158).

(11)

في سننه رقم (4444) بسند ضعيف.

ص: 280

وأما حديث العسيف المتقدم

(1)

: فلا يدل قوله صلى الله عليه وسلم فيه: "واغد يا أنيس [على]

(2)

امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" على وجوب البداءة بذلك منه، بل غايته الأمر بنفس الرجم لا بالرجم الخاص الذي هو محل النزاع. وأما ما رواه المصنف في الباب عن علي

(3)

[عليه السلام]

(4)

فإنما ينتهض للاحتجاج به على قول من يقول بالحجية لا على من يخالف في ذلك والمقام مقام اجتهاد، ولهذا حكى صاحب البحر

(5)

عن العترة والشافعي

(6)

أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم. وهو الحق لعدم دليل يدل على الوجوب، ولما تقدَّمَ

(7)

في حديث ماعز: "أنه صلى الله عليه وسلم أمر برجم ماعز، ولم يخرج معهم"، والزنا منه ثبت بإقراره كما سلف.

وكذلك لم يحضر في رجم الغامدية كما زعم البعض.

قال في التلخيص

(8)

: لم يقع في طرق الحديثين أنه حضر، بل في بعض الطرق ما يدل على أنه لم يحضر، وقد جزم بذلك الشافعي

(9)

، قال: وأما الغامدية ففي سنن أبي داود

(10)

وغيره

(11)

ما يدل على ذلك.

وإذا تقرر هذا تبين عدم الوجوب على الشهود ولا على الإمام.

وأما الاستحباب فقد حكى ابن دقيق العيد

(12)

أن الفقهاء استحبوا أن يبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإقرار وتبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة.

(1)

تقدم برقم (3092) من كتابنا هذا.

(2)

زيادة من المخطوط (أ).

(3)

تقدم برقم (3120) من كتابنا هذا.

(4)

زيادة من المخطوط (أ).

(5)

البحر الزخار (5/ 157).

(6)

البيان للعمراني (12/ 376).

(7)

تقدم برقم (3103) من كتابنا هذا.

(8)

في "التلخيص"(4/ 107).

(9)

الأم (7/ 335 - 336).

(10)

في سننه رقم (4440، 4441، 4442).

(11)

كمسلم في صحيحه رقم (23/ 1695).

وهو حديث صحيح.

(12)

في "إحكام الأحكام"(ص 867) ط: ابن حزم.

ص: 281

[الباب الحادي عشر] بابُ ما جاءَ في الحَفْرِ للمرجُومِ

30/ 3121 - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قالَ: لمَّا أَمَرَنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نَرْجُمَ ماعِزَ بْنَ مالِكٍ خَرَجْنَا بهِ إلى الْبَقِيعِ فَوَالله ما حَفرْنا لهُ، ولَا أَوْثَقْنَاهُ، وَلكِنْ قامَ لنَا فَرَمَيْنَاهُ بالْعِظَامِ وَالخَزْفِ، فاشْتَكَى فَخَرَجَ يَشْتَدُّ حتَّى انْتَصَبَ لنَا في عُرْض الحَرَّةِ، فَرَميْناه بجَلامِيدِ الجَنْدَلِ حَتَّى سَكَتَ)

(1)

. [صحيح]

31/ 3122 - (وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ بريْدَةَ عنْ أَبيهِ قال: جاءَتِ الغَامِدِيَّةُ، فَقالَتْ: يا رسُولَ الله إنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَأَنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله لِمَ تُرَدِّدُنِي لعَلَّك تُرَدِّدُنِي كما رَدَّدْتَ ماعِزًا، فوالله إنِّي لحُبْلى، قالَ:"إمَّا لا، فاذْهَبِي حتى تَلدِي"، فَلمَّا ولدتْ أَتَتْهُ بالصَّبِيِّ في خرْقَةٍ قالتْ: هذا قدْ وَلدْتُهُ، قالَ:"اذْهَبِي فأَرْضِعِيهِ حتَّى تَفْطُمِيهِ"، فلمّا فطَمَتْهُ أتَتْهُ بالصَّبِيِّ في يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فقالتْ: هذا يَا نَبِيّ الله قدْ فطَمْتُهُ وَقدْ أكَلَ الطّعامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلى رجلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثمّ أَمَرَ بِهَا فحُفِر لهَا إلى صَدْرِها، وأَمَرَ النّاسَ فَرَجَمُوها، فيُقْبِل خَالِدُ بْنُ الوَليدِ بِحَجَر فَرَمَى رَأسَها فَنَضَخَ الدّمُ على وَجهِ خَالدٍ فَسَبّها، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبّهُ إيّاها، فقالَ:"مَهْلًا يا خَالِدُ، فوَالذِي نفْسِي بيدِهِ لقَدْ تابَتْ تَوْبَة لَوْ تابهَا صاحِبُ مكْسٍ لغفِرَ لهُ"، ثمّ أمَرَ بهَا فَصُلِّيَ علَيها ودُفنَتْ. رَوَاهُما أَحْمَدُ

(2)

ومُسْلِمٌ

(3)

وأَبُو داوُد

(4)

.

32/ 3123 - (وعَنْ عَبدِ الله بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ ماعِز بْنِ مالكٍ الأسلميّ أتى رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسُولَ الله إنِّي زَنَيْتُ، وإنِّي أرِيدُ أنْ تُطهِّرنِي

(1)

أحمد في المسند (3/ 62) ومسلم رقم (20/ 1694) وأبو داود رقم (4431).

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (5/ 348).

(3)

في صحيحه رقم (23/ 1695).

(4)

في السنن رقم (4432).

وهو حديث صحيح.

ص: 282

فرَدَّهُ؛ فلمَّا كانَ الغَدُ أَتاهُ، فقالَ: يا رَسُولَ الله إنِّي قَدْ زَنَيْتُ، فرَدَّهُ الثَّانِيةَ، فأرْسَلَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى قَوْمِهِ، فقال:"هل تَعْلَمُونَ بعَقْلِهِ بأسًا تُنْكِرُونَ مِنهُ شيئًا؟ " قالُوا: ما نَعْلَمُهُ إلَّا وَفِي الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِيْنَا فِيما نَرَى، فأتَاهُ الثَّالِثَةَ فأرْسَلَ إلَيْهِمْ أَيْضًا فَسأل عنهُ، فأخبَرُوهُ: أَنَّهُ لَا بَأسَ بهِ، ولَا بعَقْلِهِ، فلمّا كانَ الرّابعَةُ حُفِرَ لهُ حُفْرَةٌ، ثمّ أَمَرَ بهِ فَرُجِمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

وأحمدُ

(2)

، وقالَ في آخره: فأمر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحُفِرَ لهُ حُفْرَةٌ فجُعِلَ فِيهَا إلى صَدْرِه، ثمَّ أَمَرَ النَّاسَ برَجمهِ). [صحيح]

33/ 3124 - (وعَنْ خالدِ بْنِ اللّجْلَاجِ أنّ أَباهُ أَخْبَرهُ فذَكَرَ قصَّةَ رجل اعْتَرَفَ بالزِّنَا، قال: فقالَ لهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أحْصَنْتَ؟ "، قالَ: نعَمْ، فأمَرَ برَجمهِ، فذَهَبْنَا فَحَفرْنا لهُ حتَّى أَمكنَنَا ورمَيْنَاهُ بالحِجَارةِ حتَّى هَدَأَ. رَواهُ أحمدُ

(3)

وأبُو دَاوُد)

(4)

. [إسناده حسن]

حديث خالد بن اللجلاج في إسناده محمد بن عبد الله بن علاثة وهو مختلف فيه

(5)

، وقد أخرجه أيضًا النسائي

(6)

ولأبيه صحبة، وهو بفتح اللام

(1)

في صحيحه رقم (23/ 1695).

(2)

في المسند (5/ 347).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (3/ 479).

(4)

في السنن رقم (4435).

قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى رقم (7184) و (7203).

والطبراني في المعجم الكبير (ج 19 رقم 488) والبيهقي (8/ 218).

والإسناد حسن، محمد بن عبد الله بن علاثة مختلف فيه، وقال الحافظ في "التقريب": صدوق يخطئ. وخالد بن اللجلاج فمن رجال أبي داود والترمذي والنسائي وهو صدوق. وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الصحيح.

(5)

قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(7/ 302 رقم 1638): "سئل أبو زرعة عن ابن علاثة فقال: صالح كأنه بصري أصله من الجزيرة.

وسئل أبي عن محمد بن عبد الله بن علاثة فقال: يكتب حديثه ولا يحتج به".

وقال الحافظ في "التقريب" رقم (6040): صدوق يخطئ.

وانظر: "تهذيب التهذيب"(3/ 612 - 613).

(6)

في السنن الكبرى رقم (7184) و (7203) وقد تقدم.

ص: 283

وسكون الجيم وآخره جيم أيضًا، وهو عامري كنيته أبو العلاء، عاش مائة وعشرين سنة.

قوله: (والخزف)

(1)

بفتح الخاء المعجمة والزاي آخره فاء: وهي أكسار الأواني المصنوعة من المدر.

قوله: (في عُرْضِ الحرَّة) بضم العين المهملة وسكون الراء، والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء: وهي أرض ذات أحجار سود، وقد سمي بذلك مواضع منها موضع وقعة حنين، وموضع بتبوك وبِنَقَدَةَ وبين المدينة والعقيق، وقِبليّ المدينة، وببلاد عبس، وببلاد فزارة، وببلاد بني القَيْنِ، وبالدَّهناءِ، وبعالية الحجاز، وقربَ فَيْد، وبجبال طَيءٍ، وبأرض بارِقٍ، وبنجدٍ، وببني مُرَّةَ، وقربَ خيبرَ - وهيَ حَرَّةُ النَّارِ - وبظاهر المدينة تحت واقم - وبها كانت وقعةُ الحرةِ أيام يزيد - وبالبُرَيكِ في طريق اليمن وحَرَّةُ غُلَّاسٍ ولُبْنٍ، ولَفْلَفٍ، وشُوْرَانُ، والحمارةِ وجفلٍ، وميطانَ، ومعشرٍ، وليلى، وعبَّادٍ والرَّجْلاءِ وقمأةَ مواضع بالمدينة، كذا في القاموس

(2)

.

قوله: (بجلاميد الجندل) الجلاميد: جمع جلمد، وهو: الصخر، كالجلمود. والجندل، كجعفر: ما يُقلُّهُ الرجل من الحجارة، وبكسر الدال، وكعُلَبِط: الموضع يجتمع فيه الحجارة، وأرض جُنَدِلَةٌ كعُلَبِطة، وقد تفتح: كثيرتها كذا في القاموس

(3)

.

قوله: (إمَّا لا فاذهبي) قال النووي في شرح مسلم

(4)

: هو بكسر الهمزة من إما، وتشديد الميم، وبالإمالة، ومعناه: إذا أبيت أن تستري نفسك وتتوبي عن قولك، فاذهبي حتى تلدي فترجمين بعد ذلك. اهـ.

قوله: (فَنَضَخَ)

(5)

بالخاء المعجمة، وبالمهملة.

(1)

انظر: "المحكم" لابن سيده (5/ 100).

(2)

القاموس المحيط (ص 478).

وانظر: معجم البلدان (2/ 245 - 246).

(3)

القاموس المحيط (ص 349 - 350).

(4)

في شرح صحح مسلم للنووي (11/ 203).

(5)

القاموس المحيط (ص 334).

ص: 284

قوله: (صاحب مَكْس) بفتح الميم وسكون الكاف بعدها مهملة: هو من يتولى الضرائب التي تؤخذ من الناس غير حق. قال في القاموس

(1)

: مكس في البيع، يمكس: إذا جبى مالًا، والمكس: النقص والظلم، ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية، أو درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه من الصدقة. انتهى.

قوله: (فصلَّى عليها) قال القاضي عياض

(2)

: هو بفتح الصاد واللام عند جمهور رواة مسلم، ولكن في رواية ابن أبي شيبة

(3)

وأبي داود

(4)

والطبراني

(5)

: (فَصُلِّي) بضم الصَّاد على البناء للمجهول.

ويؤيده ما وقع في رواية لأبي داود

(6)

بلفظ: "ثم أمرهم فصلوا عليها"، ووقع في [حديث]

(7)

عمران بن حصين عند مسلم

(8)

: "أنه قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: [يُصلَّى]

(9)

عليها؟ فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين أهل المدينة لوسعتهم"".

قوله: (إلا وَفِيَّ العقل) بفتح الواو وكسر الفاء وتشديد الياء صفة مشبهة.

وهذه الأحاديث المذكورة في الباب قد قدمنا الكلام على فقهها، وإنما ساقها المصنف ههنا للاستدلال بها على ما ترجم الباب به وهو الحفر للمرجوم.

وقد اختلفت الروايات في ذلك، فحديث أبي سعيدٍ

(10)

المذكور فيه: أنهم لم يحفروا لماعز، وحديث عبد الله بن بريدة

(11)

فيه: أنهم حفروا له إلى صدره.

وقد جمع بين الروايتين: بأن المنفيَّ حفيرةٌ لا يمكنه الوثوب منها، والمثبت

(1)

القاموس المحيط (ص 742).

(2)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 523)

(3)

في المصنف (10/ 86 - 87).

(4)

في سننه رقم (4442).

(5)

في الأوسط رقم (4843) وليس فيه لفظ: "فصلى عليها".

وهو حديث صحيح.

(6)

في سننه رقم (4444).

وهو حديث ضعيف.

(7)

في المخطوط (ب): (رواية).

(8)

في صحيحه رقم (1696).

(9)

في المخطوط (أ): (أيصلَّى) وفي (ب): (أتصلي) والمثبت من صحيح مسلم.

(10)

تقدم برقم (3121) من كتابنا هذا.

(11)

تقدم برقم (3122) من كتابنا هذا.

ص: 285

عكسه؛ أو أنهم لم يحفروا له أول الأمر، ثم لما فرّ فأدركوه حفروا له حفيرة فانتصب لهم فيها حتى فرغوا منه. أو: أنهم حفروا له في أول الأمر، ثم لما وجد مسَّ الحجارة خرج من الحفرة فتبعوه.

وعلى فرض عدم إمكان الجمع فالواجب تقديم رواية الإثبات على النفي، ولو فرضنا: أن ذلك غير مرجح توجه إسقاط الروايتين والرجوع إلى غيرهما كحديث خالد بن اللجلاج

(1)

، فإن فيه التصريح بالحفر بدون تسمية المرجوم، وكذلك حديثه

(2)

أيضًا في الحفر للغامدية.

وقد ذهب العترة

(3)

إلى أنه يستحب الحفر إلى سرة الرجل وثدي المرأة.

وذهب أبو حنيفة

(4)

والشافعي

(5)

إلى أنه لا يحفر للرجل. وفي قول للشافعي أنه إذا حفر له فلا بأس، وبه قال الإمام يحيى

(6)

. وفي وجه للشافعية

(7)

أنه يخير الإمام، وفي المرأة عندهم ثلاثة أوجه؛ ثالثها: يُحفر [استحبابًا]

(8)

إن ثبت زناها بالبينة لا بالإقرار، والمروي عن أبي يوسف

(9)

وأبي ثور

(10)

: أنه يحفر للرجل والمرأة.

والمشهور عن الأئمة الثلاثة

(11)

أنه لا يحفر مطلقًا، والظاهر مشروعية الحفر لما قدمنا.

(1)

تقدم برقم (3124) من كتابنا هذا.

(2)

في حاشية المخطوط (ب): "ينظر أين ذكر حديثه في الغامدية، فلعله حديث بريدة الذي في المتن، فصوابه التصريح بحديث بريدة". اهـ.

(3)

البحر الزخار (5/ 157).

(4)

الاختيار (4/ 340 - 341) والبناية في شرح الهداية (6/ 216 - 217).

(5)

البيان للعمراني (12/ 391).

(6)

البحر الزخار (5/ 157).

(7)

البيان للعمراني (12/ 391).

(8)

زيادة من المخطوط (ب).

(9)

حكاه النووي عنه في شرحه لصحيح مسلم (11/ 197).

(10)

فقه الإمام أبي ثور (ص 719).

(11)

المغني (12/ 311) والإشراف (2/ 12 - 13) والمبسوط (9/ 51 - 52) مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 635).

ص: 286

[الباب الثاني عشر] بابُ تأخيرِ الرَّجْمِ عن الحُبْلَى حتى تضعَ وتأخِير الجلدِ عن ذي المرض المرجوّ زوالُه

34/ 3125 - (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جاءتْهُ امرأَةٌ منْ غامدٍ منَ الأزْدِ، فقالتْ: يا رسُولَ الله طهِّرْنِي، فقال:"ويحَكِ ارجعِي فاسْتَغْفِري الله وتُوبي إليه"، فقالتْ: أراكَ تُريدُ أنْ تُردّدَني كما رَدَّدْتَ ماعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قالَ:"وما ذَاكَ"؟ قالَتْ: إنَّها حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، قالَ:"أنْتِ؟ "، قالتْ: نعَمْ، فقالَ لَهَا:"حتّى تَضَعي ما في بطْنِكِ"، قالَ: فَكَفَلَها رجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ حتَّى وَضَعتْ، [قالَ]

(1)

: فأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: قدْ وضَعتِ الغامِدِيّةُ، فَقَال:"إِذَنْ لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعَ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ"، فقام رجل مِنَ الأنْصارِ فقالَ: إليّ رَضاعُهُ يا نَبِيّ الله، قالَ: فَرَجَمَها. رَوَاهُ مُسْلمٌ

(2)

والدَّارقُطْنِيُّ

(3)

، وقالَ: هذا حَدِيثٌ صحيحٌ). [صحيح]

35/ 3126 - (وعَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ أَنَّ امْرَأَةً مِن جُهَيْنَةَ أَتَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنا، فَقالَتْ: يا رسُولَ الله أصَبْتُ حَدًّا فأقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعا نَبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وَليَّها، فَقالَ:"أحْسِنْ إليْها، فإذا وَضَعَتْ فأتِني"، فَفَعَلَ فأمَرَ بها رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَشُدَّتْ عَليْها ثِيابُها ثم أَمَرَ بها فَرُجِمَتْ ثمَّ صَلَّى عَليها، فقالَ لهُ عُمَرُ: تُصلِّي عَليْها يا رسُولَ الله وقَدْ زَنَتْ؟ قالَ: "لقَدْ تَابَتْ توْبةً لوْ قُسِمَتْ بَينَ سَبْعينَ مِنْ أَهلِ المدِينةِ لوَسِعَتْهمْ، وهَلْ وَجَدت أفضلَ مِنْ أَن جادَتْ بِنَفْسِها لله؟ ". رَوَاهُ الجَمَاعَةُ، إلا البُخاريّ وابْنَ ماجَهْ

(4)

. [صحيح]

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في صحيحه رقم (22/ 1695).

(3)

في السنن (3/ 91 - 92 رقم 39) وقال: "هذا حديث صحيح أخرجه مسلم

".

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (4/ 435) ومسلم رقم (24/ 1696) وأبو داود رقم (4440) والترمذي =

ص: 287

وهْوَ دَليلٌ على أن المحْدُودَ محْتَرَزٌ تحْفَظُ عَوْرتهُ مِنَ الْكَشْفِ).

36/ 3127 - (وعَنْ عَليّ قالَ: إنَّ أَمَةً لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم زَنَتْ، فأمَرَنِي أَنْ أَجْلِدهَا، فأتيْتُها فإذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ فَخَشيتُ أنْ أجْلِدَهَا

(1)

أَنْ أَقْتُلَها، فذَكَرْتُ ذلِكَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ:"أَحْسَنْتَ اتْرُكْهَا حتى تُماثِلَ". رَواهُ أَحمدُ

(2)

ومُسلِمٌ

(3)

وأبو داوُدَ

(4)

والترْمِذِيُّ وصحَّحهُ)

(5)

. [صحيح]

قوله: (من غامد) بغين معجمة، ودال مهملة: لقب رجل، هو أبو قبيلة، وهم بطن من جهينة، ولهذا وقع في حديث عمران بن حصين المذكور: امرأةً من جُهينة، وهي هذه، واسم غامد المذكور: عمرو بن عبد الله، ولُقِّب غامدًا لإصلاحه أمرًا كان في قومه.

وهذه القصة

(6)

قد رواها جماعة من الصحابة منهم بريدة

(7)

، وعمران بن حصين

(8)

، كما ذكره المصنف في هذا الباب

(9)

، وفي الباب الأول

(10)

.

= رقم (1435) والنسائي رقم (1957).

وهو حديث صحيح.

(1)

في صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن الترمذي: (إن أنا جلدتها).

(2)

في المسند (1/ 156).

(3)

في صحيحه رقم (34/ 1705).

(4)

في السنن برقم (4473) بنحوه.

(5)

في السنن رقم (1441).

وهو حديث صحيح.

(6)

في حاشية المخطوط (ب): "ينظر في هذا؛ فإن ظاهر قوله: وهذه القصة

إلخ؛ أي قصة الغامدية ولم يروها من ذكر ثانيًا من قوله: ومنهم أبو هريرة، ولا وقع حديثهم في قصتها عند مسلم، فقد وقع البحث في مسلم وشرحه، والتلخيص، وأبي داود، وهؤلاء أعظم من استوفى طرقها، فلم أجدهم رووها إلا عن سليمان، وعبد الله ابني بريدة، وعمران بن حصين، ولم يرووها عن غيرهم. والله أعلم". اهـ.

(7)

تقدم برقم (3125) من كتابنا هذا.

(8)

تقدم برقم (3126) من كتابنا هذا.

(9)

الباب الثاني عشر: باب تأخير الرجم عن الحبلى حتى تضع وتأخير الجلد عن ذي المرض المرجو زواله.

(10)

الباب الثالث: باب اعتبار تكرار الإقرار بالزنا أربعًا. عند الحديث رقم (3106).

ص: 288

ومنهم أبو هريرة

(1)

، وأبو سعيد

(2)

، وجابر بن عبد الله

(3)

، وجابر بن سمرة

(4)

، وابن عباس

(5)

.

وأحاديثهم عند مسلم، وفي سياق الأحاديث بعض اختلاف، ففي حديث بريدة

(6)

المتقدم في الباب الأول: "أنها جاءت بنفسها إلى النبي صلى الله عليه وسلم حال الحمل وعند الوضع، وأخر رجمها إلى الفطام، فجاءت بعد ذلك ورجمت".

وفي حديثه المذكور في هذا الباب

(7)

: "أنه كفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، ثم أتى فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا"، فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه فرجمت".

وفي حديث عمران بن حصين

(8)

المذكور أنها: "لما أقرت دعا النبي صلى الله عليه وسلم وليها وأمره بالإحسان إليها حتى تضع ثم جاء بها عند الوضع فرجمت ولم يمهلها إلى الفطام".

ويمكن الجمع بأنها جاءت عند الولادة وجاء معها وليها وتكلمت وتكلم، ولكنه يبقى الإشكال في [رواية]

(9)

أنه رجمها عند الولادة ولم يؤخرها، ورواية أنه أخرها إلى الفطام، وقد قيل: إنهما روايتان صحيحتان والقصة واحدة، ورواية التأخير رواية صحيحة صريحة لا يمكن تأويلها، فيتعين تأويل الرواية القاضية بأنها رجمت عند الولادة بأن يقال: فيها طيٌّ وحَذْفٌ، والتقديرُ أن وليها جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند الولادة فأمر بتأخيرها إلى الفطام ثم أمر بها فرجمت، ولا يخفى أن هذا وإن تمّ باعتبار حديث عمران (8) المذكور في الباب فلا يتم باعتبار حديث بريدة (7) المذكور فإن فيه:"أنه قام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبي الله، فرجمها"، وَيبعدُ أنْ يُقالَ: أن هذا لا يدل على أنه قبل قوله وكفالته بل أخرها إلى الفطام ثم أمر برجمها بعد ذلك، لأنَّ السياق يأبى

(1)

مسلم في صحيحه رقم (16/ 1691).

(2)

مسلم في صحيحه رقم (20/ 1694).

(3)

مسلم في صحيحه رقم (16/ 1691).

(4)

مسلم في صحيحه رقم (17/ 1692).

(5)

مسلم في صحيحه رقم (19/ 1693).

(6)

تقدم برقم (3122) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (3125) من كتابنا هذا.

(8)

تقدم برقم (3126) من كتابنا هذا.

(9)

في المخطوط (أ): (روية).

ص: 289

ذلك كل الإباء، وما أكثر ما يقع مثل هذا الاختلاف بين الصحابة في القصة الواحدة التي مخرجها متحد بالاتفاق ثم ترتكب لأجل الجمع بين روايتهم العظائم التي لا تخلو في الغالب من تعسفات وتكلفات كأن السهو والغلط والنسيان لا يجري عليهم وما هم إلا كسائر الناس في العوارض البشرية، فإن أمكننا الجمع بوجه سليم عن التعسفات فذاك، وإلا توجه علينا المصير إلى الترجيح وحمل الغلط أو النسيان على الرواية المرجوحة، إما من الصحابي أو ممن هو دونه من الرواة. وقد مر لنا في هذا الشرح عدة مواطن من هذا القبيل مشينا فيها على ما مشى عليه الناس من الجمع بوجوه ينفر عن قبولها كل طبع سليم، ويأبى الرضا بها كل عقل مستقيم.

قوله: (أصبت حدًا فأقمِهُ عليَّ) هذا الإجمال قد وقع من المرأة تبيينه كما في سائر الروايات، ولكنه وقع الاختصار في هذه الرواية كما يشعر بذلك قوله صلى الله عليه وسلم عقب ذلك:"أحسِنْ إليها فإذا وضَعَتْ فأتِني"، وقد قدَّمنا أن مجرَّد الإقرار بالحد من دون تعيين لا يجوزُ للإمام أنْ يُحِدَّ بهِ.

قوله: (أحسِنْ إليها) إنما أَمَرَهُ بذلكَ لأنَّ سائر قرابتها ربما حملتهم الغيرة وحمية الجاهلية على أن يفعلوا بها ما يؤذيها فأمره بالإحسان تحذيرًا من ذلك.

قوله: (فَشُدتْ) في رواية

(1)

: "فشكَّتْ" ومعنا هُما واحدٌ. والغرضُ من ذلكَ: أن لا تنكشفَ عند وقوع الرجم عليها لما جرت به العادةُ من الاضطراب عند نزولِ الموت وعدم المبالاة بما يبدو من الإنسان، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المرأة ترجم قاعدة والرجل قائمًا لما في ظهور عورة المرأة من الشناعة.

وقد زعم النووي

(2)

: أنه اتفق العلماء على أن المرأة ترجم قاعدةً، وليس في الأحاديث ما يدلُّ على ذلك، ولا شك أنَّه أقرب إلى الستر، ولم يحك ذلك في البحر

(3)

إلا عن أبي حنيفة

(4)

والهادوية

(5)

.

(1)

أبو داود رقم (4440).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 197).

(3)

البحر الزخار (5/ 155).

(4)

البناية في شرح الهداية (6/ 214).

(5)

البحر الزخار (5/ 155).

ص: 290

وحكي عن ابن أبي ليلى

(1)

، وأبي يوسُفَ (1) أنها تحدُّ قائمةً، وذهبَ مالكٌ

(2)

إلى أن الرجُلَ يحدُّ قاعِدًا.

قوله: (ثم صلى عليها) قد تقدم الخلاف في ذلك في كتاب

(3)

الجنائز.

قوله: (لو قُسِّمَتْ بينَ سبعينَ

إلخ) في رواية بريدة المتقدمة

(4)

في الباب الأول: "لو تَابها صاحِبُ مُكْس"، ولا مانع مِنْ أنْ يكونَ ذلك قد وقع جميعه منه صلى الله عليه وسلم.

وفيهِ دليل: على أن الحدود لا تسقط بالتوبة، وإليه ذهب جماعة من العلماء منهم الحنفية والهادي.

وذهب جماعة منهم إلى سقوطه بها، ومنهم الشافعي

(5)

، وقد استُدِلَّ بقصة الغامدية: على أنه يجب تأخير الحد عن الحامل حتى تضع، ثم حتى ترضع وتفطم، وعند الهادوية

(6)

أنها لا تؤخر إلى الفطام إلا إذا عدم مثلها [للرضاع]

(7)

والحضانة، فإن وجد من يقوم بذلك لم تؤخر، وتمسكوا بحديث بريدة

(8)

المذكور.

قوله: (اتركها حتى تماثل) بالمثلثة، قال في القاموس

(9)

: تماثل العليل: قارب البُرء، وفي رواية لأبي داود

(10)

: "حتى ينقطع عنها الدم"، وسيأتي في باب حد الرقيق بلفظ:"إذا تعالت من نفاسها فاجلدها"

(11)

، وفيه دليل على أن المريض يمهل حتى يبرأ أو يقارب البرء.

وقد حكي في البحر

(12)

الإجماع على أنه يمهل البكر حتى تزول شدة الحر والبرد والمرض المرجو، فإن كان مأيوسًا فقال الهادي

(13)

وأصحاب الشافعي

(14)

: إنه يضرب بعثكول إن احتمله.

(1)

حكاه عنهما العمراني في البيان (12/ 384).

(2)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 635).

(3)

في الباب الخامس عند الحديث رقم (6/ 1405) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (3122) من كتابنا هذا.

(5)

في الأم (7/ 350).

(6)

البحر الزخار (5/ 156)

(7)

في المخطوط (ب): (للرضاعة).

(8)

تقدم برقم (3125) من كتابنا هذا.

(9)

القاموس المحيط (ص 1364).

(10)

في سننه رقم (4473).

(11)

سيأتي برقم (3135) من كتابنا هذا.

(12)

البحر الزخار (5/ 157).

(13)

البحر الزخار (5/ 157).

(14)

البيان للعمراني (12/ 385).

ص: 291

وقال الناصر

(1)

والمؤيد بالله (1): لا يحدُّ في مرضه وإن كان مأيوسًا. والظاهر: الأول، لحديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف الآتي قريبًا

(2)

.

وأما المرجوم إذا كان مريضًا أو نحوه فذهبت العترة

(3)

والشافعية

(4)

والحنفية

(5)

ومالك

(6)

إلى أنه لا يمهل لمرض ولا لغيره إذ القصد إتلافه.

وقال المروزي

(7)

: يؤخر لشدة الحر، أو البرد، أو المرض، سواء ثبت بإقراره أو بالبينة.

وقال الإسفراييني (7) يؤخر للمرض فقط، وفي الحرِّ والبرد أوجه: يرجم في الحال، أو حيث ثبت بالبينة لا الإقرارِ أو العكسُ.

[الباب الثالث عشر] بابُ صِفَةِ سَوْطِ الجَلْدِ وكيفَ يُجْلَدُ مَنْ بهِ مَرَضٌ لا يُرْجَى بُرْؤهُ

37/ 3128 - (عَنْ زيدِ بْنِ أسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ على نَفْسِهِ بالزِّنَا على عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَدَعا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَوْطِ فأتِيَ بِسَوْطٍ مكسورٍ، فقالَ:"فَوْقَ هذا"، فأتِيَ بِسَوْطٍ جَديدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ، فقالَ:"بَيْنَ هذيْنِ"، فأتِيَ بِسَوْط قَدْ لَانَ وَرُكِبَ بهِ فأمرَ بهِ فجُلِدَ. رواهُ مالكٌ في المُوطأ

(8)

عَنهُ). [ضعيف]

(1)

البحر الزخار (5/ 156).

(2)

برقم (3129) من كتابنا هذا.

(3)

البحر الزخار (5/ 157).

(4)

البيان للعمراني (12/ 390).

(5)

الاختيار (4/ 342) والبناية في شرح الهداية (6/ 234).

(6)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 638).

(7)

حكاه عنهما الإمام المهدي في البحر الزخار (5/ 157).

(8)

في الموطأ (2/ 825 رقم 12).

قلت: وأخرجه الشافعي في الأم (7/ 367 رقم 2790) والسرقسطي في "الدلائل في غريب الحديث"(1/ 205) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 326، 330) المعرفة (6/ 466 - 467 رقم 5258 - العلمية) والسنن الصغير (3/ 345 رقم 3406) من طرق.

قال الشافعي: هذا حديث منقطع، ليس مما يثب به هو نفسه حجة".

وكذا أعله البيهقي بالإرسال.

وضعفه المحدث الألباني في الإرواء (7/ 363).

ص: 292

38/ 3129 - (وعَنْ أبي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبادةَ قالَ: كانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا رُويجِلٌ ضَعيفٌ مُخْدَج فلمْ يَرُعِ الْحَيَّ إلَّا وهْوَ على أَمَةٍ مِنْ إِمائِهِمْ يَخْبُثُ بهَا، فذكَرَ ذلك سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِرَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وكانَ ذلِكَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا فقالَ:"اضْرِبُوهُ حَدَّهُ"، قالُوا: يا رسُولَ الله إنَّهُ أَضْعَفُ مِمَّا تَحْسبُ، لوْ ضَرَبْنَاهُ مِائةً قَتلْناهُ، فقالَ:"خُذُوا لهُ عِثْكَالًا فِيهِ مائَةُ شِمْرَاخ، ثمَّ اضْرِبُوهُ بهِ ضَرْبَةً واحِدَةً"، قالَ: فَفَعلُوا. رَواهُ أَحمدُ

(1)

وابنُ ماجهْ

(2)

. [صحيح]

ولأبي داوُدَ

(3)

معْناه مِنْ رواية أبي أُمامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ بعضِ الصَّحابَة مِنَ الأنْصَارِ، وَفِيهِ ولَوْ حَمَلْنَاهُ إليْكَ لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ ما هُوَ إلَّا جلْدٌ على عَظْمٍ). [صحيح]

حديث زيد بن أسلم هو مرسل وله شاهد عند عبد الرزاق

(4)

عن معمر، عن يحيى بن أبي كثيرٍ نحوه، وآخرُ عندَ ابن وهبٍ من طريق كريب مولى ابن عباس، فهذه المراسيل الثلاثة يشد بعضها بعضًا.

وحديث أبي أمامة أخرجه أيضًا الشافعي

(5)

والبيهقي

(6)

وقال: هذا هو المحفوظ عن أبي أمامة مرسلًا.

(1)

في المسند (5/ 222).

(2)

في سننه رقم (2574).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 313): "هذا إسناد ضعيف من الطريقين لأن مدار الإسنادين: على محمد بن إسحاق وهو مدلس، وقدر رواه بالعنعنة

". اهـ.

قلت: لكن روى الحديث من غير وجه عن أبي أمامة، واختلف عليه في وصله وإرساله، وأصح هذه الأوجه عنه المرسل، وإرساله لا يضر، فهو معدود من صغار الصحابة، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي سمَّاه وحنكه. والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى رقم (7309 - العلمية)، والطبراني في المعجم الكبير رقم (5522) والبيهقي (8/ 230) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني" رقم (2024) من طرق.

(3)

في سننه رقم (4472) موصولًا.

وهو حديث صحيح.

(4)

في "المصنف" رقم (13515).

(5)

في "الأم"(7/ 367 رقم 2790) وقد تقدم.

(6)

في السنن الكبرى (8/ 326، 330) وقد تقدم.

ص: 293

ورواه الدارقطني

(1)

عن فليح، عن أبي سالم، عن سهل بن سعدٍ وقال: وهم فليح، والصواب: عن أبي حازم، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه.

ورواهُ الطبراني

(2)

من حديث أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري، وقال

(3)

: إن كانت الطرق كلها محفوظةً فيكون أبو أمامة قد حمله عن جماعة من الصحابة، وأرسله أخرى.

ورواهُ أبو داود

(4)

من حديث الزهريِّ عن أبي أمامة عن رجل من الأنصار، ولفظه:"أنه اشتكى رجلٌ منهم حتى أضنى، فعاد جلدة على عظم فدخلت عليه جارية لبعضهم، فهشَّ لها فوقع عليها فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال: استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني قد وقعت على جارية دخلت عليَّ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضُّرِّ مثل الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربونه بها ضربة واحدة".

وأخرجه النسائي

(5)

من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه باللفظ الذي ذكره أبو داود

(6)

وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر الثعلبي.

(1)

في السنن (3/ 99 رقم 64). قال الآبادي في "التعليق المغني": "قال المؤلف: وهم فليح حيث قال: عن أبي حازم عن سهل بن سعد، والصواب: عن أبي حازم، عن أبي أمامة بن سهيل بن حنيف عن أبيه". اهـ.

(2)

في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5446).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 252) وقال: رجاله رجال الصحيح.

(3)

الحافظ في "التلخيص"(4/ 109).

(4)

في السنن رقم (4472) وقد تقدم.

وقال المنذري في "المختصر"(6/ 281 - 282): "وقد روي عن أبى أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري؛ وعن أبي أمامة، عن أبيه؛ وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وعن أبى أمامة عن سعيد بن سعد بن عُبادة. وروى أيضًا عن أبي حازم عن سهل بن سعد". اهـ.

(5)

في السنن الكبرى رقم (7301).

(6)

في سننه رقم (4472) وقد تقدم.

قلت: والكلام الذي بعده هو لحديث أبي داود رقم (4473) وليس لحديث رقم (4472).

ص: 294

قال المنذري

(1)

: لا يحتج به وهو كوفي، وقال في التقريب

(2)

: صدوق يَهِمُ من السادسة. وقال الحافظ في بلوغ المرام

(3)

: إنَّ إسناد هذا الحديث حسنٌ، ولكنه اختلف في وصله وإرساله.

قوله: (لم تقطع ثمرته) أي: عذبته، وهي طرفه.

قوله: (ورُكب به) بضم الراء وكسر الكاف - على صيغة المجهول - أي: ركب به الراكب على الدابة وضربها به حتى لان.

قوله: (رويجل)

(4)

تصغير رجل للتحقير.

قوله: (مُخْدَجٌ)

(5)

بضم الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الدال المهملة بعدها جيم، وهو السقيم الناقص الخَلْق. وفي روايةٍ: مقعد.

قوله: (يَخْبُثُ

(6)

بها) بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وضم الموحدة وآخره مثلثة؛ أي يزني بها.

قوله: (عِثْكالًا) بكسر المهملة، وسكون المثلثة، قال في القاموس

(7)

: كقرطاس: العِذْق، والشمراخ، ويقال: عثكول، وعثكولة بضم العين. انتهى.

وجاء في رواية: "إثكال"

(8)

وفي أخرى

(9)

: "أثكول" وهما لغتان في العثكال، وهو الذي يكون فيه البسر. والشِّمراخ بكسر الشين المعجمة وسكون

(1)

في "المختصر"(6/ 282).

قلت: وكلام المنذري هذا هو لحديث (4473) وليس لحديث رقم (4472)

(2)

رقم الترجمة (3731).

(3)

رقم الحديث (10/ 1139) بتحقيقي. ط: مكتبة ابن تيمية.

(4)

• رجل: تصغيره رُجَيْل، ورويجل على غير قياس. حكاه سيبويه.

• تصغير الرجل رُجيل، وعامَّتهم يقولون: رُويجل صدق، ورويجل سوء على غير قياس، يرجعون إلى الراجل لأن اشتقاقه منه، كما أن العجل من العاجل، والحذر من الحاذر.

[تهذيب اللغة (11/ 32) ولسان العرب (11/ 265)].

(5)

القاموس المحيط (ص 237).

(6)

النهاية (1/ 468).

(7)

القاموس المحيط (ص 1331).

(8)

عند النسائي في السنن الكبرى رقم (7302 - العلمية)، وانظر: القاموس المحيط (ص 1257).

(9)

عند النسائي في السنن الكبرى رقم (7310 - العلمية).

ص: 295

الميم وآخره خاء معجمة وهو غصن دقيق. وقال في القاموس

(1)

: الشِّمراخ بالكسر: العثكال عليه بسر، أو عنب كالشمروخ. انتهى.

والمراد ههنا بالعثكال: العنقود من النخل الذي يكون فيه أغصان كثيرة، وكلُّ واحدةٍ من هذه الأغصان يسمى شمراخًا.

وحديث زيد بن أسلم

(2)

فيه دليل على أنه ينبغي أن يكون السوط الذي يجلد به الزاني متوسطًا بين الجديد والعتيق، وهكذا إذا كان الجَلْد بعودٍ ينبغي أن يكون متوسطًا بين الكبير والصغير، فلا يكون من الخشب التي تكسر العظم، وتجرح اللحم، ولا من الأعواد الرقيقة التي لا تؤثر في الألم، وينبغي أن يكون متوسطًا بين الجديد والعتيق.

قال في البحر

(3)

: وقدر عرضه بأصبعٍ، وطوله بذراعٍ.

وحديث أبي أمامة

(4)

فيه دليل: على أن المريض إذا لم يحتمل الجلد ضُرب بعثكول أو ما يشابهه مما يحتمله، ويشترط أن تباشره جميع الشماريخ.

وقيل: [يكفي الاعتماد

(5)

] وهذا العمل من الحيل الجائزة شرعًا. وقد جوَّز الله مثله في قوله: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا}

(6)

الآية.

[الباب الرابع عشر] بابُ مَنْ وقعَ على ذاتِ مُحْرَمٍ أَو عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ أو أَتى بهيمةً

39/ 3130 - (عن البَرَاءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: لَقِيتُ خالِي ومَعَهُ الرَّايَةُ، فقُلْتُ: أَيْنَ تُريدُ؟ قالَ: بَعَثَني رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى رجُلٍ تَزوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعدِهِ أَنْ أَضْرِبَ عَنُقَهُ وآخُذَ مالهُ. رواهُ الخمْسَةُ

(7)

. ولمْ يَذْكُرِ ابْنُ ماجهْ والتِّرْمذيُّ أَخْذ المَالِ). [صحيح]

(1)

القاموس المحيط (ص 325).

(2)

تقدم برقم (3128) من كتابنا هذا.

(3)

البحر الزخار (5/ 155).

(4)

تقدم برقم (3129) من كتابنا هذا.

(5)

ما بين الخاصرتين زيادة من (ب).

(6)

سورة ص، الآية (44).

(7)

أحمد في المسند (4/ 290) وأبو داود رقم (4457) والترمذي رقم (1362) وقال: حسن غريب. والنسائي رقم (3331) وابن ماجه رقم (2607). =

ص: 296

الحديث حسنه الترمذي

(1)

، وأخرجه أبو داود

(2)

عن البراء أيضًا بلفظ: "بينما [أنا]

(3)

أطوف على إبل لي ضلَّت، إذ أقبل ركبٌ أو فوارسُ معهم لواءٌ فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتوا قبةً فاستخرجوا منها رجلًا، فضربوا عنقه، فسألت عنه؟ فذكروا: أنَّه أعرس بامرأة أبيه".

قال المنذري

(4)

: وقد اختلف في هذا اختلافًا كَثيرًا؛ فروي عن البراء، وروي عنه، عن عمه، وروي عنه قال: مرَّ بي خالي أبو بردة بن نيار ومعه لواء، وهذا لفظ الترمذي

(5)

.

وروي عنه، عن خاله وسمَّاه هشيم في حديثه الحارث بن عمرو، وهذا لفظ ابن ماجه

(6)

.

وروي عنه

(7)

قال: "مرَّ بنا أناس ينطلقون".

وروي

(8)

عنه: "إني لأطوف على إبل ضلَّت في تلك الأحياء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءهم رهط معهم لواء"، وهذا لفظ النسائي.

وللحديث أسانيد كثيرة منها ما رجاله رجال الصحيح.

والحديث فيه دليل: على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعيًا مَن

= وانظر: "العلل الكبير" للترمذي (ص 208 - 209) رقم (372).

والعلل لابن أبي حاتم (1/ 403 رقم 1207) و"العلل" للدارقطني (6/ 20 - 22 س 951).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح.

(1)

في السنن (3/ 643).

(2)

في سننه رقم (4456).

وهو حديث صحيح.

(3)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ) والمثبت من المخطوط (ب) وسنن أبي داود.

(4)

في "المختصر"(6/ 268).

(5)

في السنن رقم (1362) وقال: حديث البراء حديث حسن غريب.

(6)

في السنن رقم (2607).

(7)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 292) والحاكم (2/ 191 - 192).

بسند ضعيف لاضطرابه.

(8)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 295) والحكم (2/ 192) و (4/ 356 - 357) والبيهقي في "المعرفة" برقم (16853).

بسند ضعيف لاضطرابه.

ص: 297

قطعيات الشريعة كهذه المسألة؛ فإن الله تعالى يقول: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}

(1)

، ولكنَّهُ لا بدَّ من حمل الحديث: على أن ذلك الرجل الذي أمر [النبي]

(2)

صلى الله عليه وسلم بقتله عالم بالتحريم، وفعلَهُ مستحلًّا، وذلكَ من موجباتِ الكفرِ، والمرتدُّ يقتلُ للأدلةِ الآتية.

وفيه أيضًا: متمسك لقول مالك: إنه يجوز التعزير بالقتل.

وفيه دليل أيضًا: على أنه يجوز أخذ مال من ارتكب معصية مستحلًّا لها بعد إراقة دمه.

وقد قدمنا في كتاب الزكاة الكلام على التأديب بالمال

(3)

.

40/ 3131 - (وعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فاقْتُلُوا الْفَاعِلَ والمَفْعُولَ بهِ". رواهُ الخمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ)

(4)

. [صحيح]

41/ 3132 - (وعَنْ سعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٍ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ في الْبِكْرِ يُوجَدُ على اللوطّيةِ يُرْجَمُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)

(5)

. [موقوف بسند صحيح]

الحديث الذي من طريق عكرمة أخرجه أيضًا الحاكم

(6)

والبيهقي

(7)

.

(1)

سورة النساء، الآية (22).

(2)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(3)

نيل الأوطار (8/ 41 - 43) من كتابنا هذا.

(4)

أخرجه أحمد (1/ 300) وأبو داود رقم (4462) والترمذي رقم (1456) وابن ماجه رقم (2561).

قلت: وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (4/ 322 رقم 36/ 2159) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 231 - 232) والحاكم (4/ 355).

وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ووافقهما الألباني في الإرواء رقم (2350).

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(5)

في سننه رقم (4463) وهو موقوف بسند صحيح.

(6)

في المستدرك (4/ 355) وقد تقدم.

(7)

في السنن الكبرى (8/ 231 - 232) وقد تقدم.

ص: 298

وقال الحافظ

(1)

: رجاله موثقون إلا أن فيه اختلافًا.

وقال الترمذي

(2)

: وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه.

وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال: "ملعون من عمل عمل قوم لوط"

(3)

، ولم يذكر القتل. انتهى.

وقال يحيى بن معين: عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، ثقةٌ، ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"اقتلوا الفاعل والمفعول به"

(4)

.

ويجاب عن ذلك: بأنَّه قد احتجّ الشيخان به، وروى عنه مالك في الموطأ، وقد استنكر النسائيُّ هذا الحديث.

والأثر المرويُّ عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير، ومجاهد: أخرجه أيضًا النسائي

(5)

، والبيهقي

(6)

.

وفي الباب عن أبي هريرة عن ابن ماجه

(7)

، والحاكم

(8)

أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "اقتلوا الفاعل والمفعول به، أحصنا أو لم يُحصنا"، وإسناده ضعيف.

(1)

في "بلوغ المرام" رقم الحديث (11/ 1140) بتحقيقي.

(2)

في السنن (4/ 58).

(3)

أخرج الطبراني في المعجم الكبير رقم (11546) والحاكم (4/ 356) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 231) وفي "شعب الإيمان" رقم (5373).

من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "

ملعون من عمل بعمل قوم لوط".

وأخرجه أحمد في المسند (1/ 217) من طريق محمد بن إسحاق، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

تقدم برقم (3131) من كتابنا هذا.

(4)

في السنن الكبرى رقم (7338 - العلمية).

(5)

في السنن الكبرى رقم (8/ 232).

(6)

في سننه رقم (2562) ولفظه: "ارجموا الأعلى والأسفل

".

(7)

في المستدرك (4/ 355) بلفظ: "من عمل عمل قوم لوط

".

(8)

وهو حديث حسن لغيره.

ص: 299

وقال ابن الطَّلاع في أحكامه

(1)

: لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم في اللواط، ولا أنه حكم فيه. وثبت عنه أنه قال:"اقتلوا الفاعل والمفعول به"، رواه عنه ابن عباس وأبو هريرة. انتهى.

قال الحافظ

(2)

: وحديث أبي هريرة لا يصحُّ.

وقد أخرجه البزَّار

(3)

من طريق عاصم بن عمر العمريِّ، عن سهيل، عن أبيه عنه، وعاصم متروك.

وقد رواهُ ابن ماجه

(4)

من طريقه بلفظ: "فارجموا الأعلى والأسفل".

وأخرج البيهقي

(5)

من حديث أبي موسى أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى الرجلُ الرجلَ، فهما زانيان؛ وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان"، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن، كذَّبه أبو حاتم

(6)

، وقال البيهقيُّ (5): لا أعرفه، والحديث منكر بهذا الإسناد. انتهى.

ورواهُ أبو الفتح الأزدي في "الضعفاء" والطبراني في "الكبير"

(7)

من وجه آخر عن أبي موسى وفيه [بشر بن المفضل البجلي]

(8)

، وهو مجهول.

وقد أخرجه أبو داود الطيالسي

(9)

في مسنده عنه.

(1)

ذكره عنه الحافظ في "التلخيص"(4/ 102).

(2)

في "التلخيص"(4/ 103).

(3)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(4/ 103).

(4)

في سننه (2562) وهو حديث حسن لغيره.

(5)

في السنن الكبرى (8/ 233) بسند ضعيف جدًّا.

(6)

قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(7/ 325 رقم 1752): محمد بن عبد الرحمن المقدسي القشيري، كان يسكن بيت المقدس

سمعت أبي يقول وسألته عنه فقال: متروك الحديث كان يكذب، ويفتعل الحديث

".

(7)

عزاه إليه الحافظ في "لسان الميزان"(2/ 53 - إحياء التراث).

(8)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) وفي كل طبعات "نيل الأوطار" وهو تحريف. والصواب (بشر بن الفَضْل البجلي) كما في "ميزان الاعتدال"(1/ 324 رقم الترجمة 1216) ولسان الميزان (2/ 53 رقم الترجمة 1641) و "التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 2/ 81) رقم الترجمة 1762).

(9)

كما في "لسان الميزان"(2/ 53 - إحياء التراث).

ص: 300

وأخرج البيهقي

(1)

عن علي أنه رجم لوطيًا.

قال الشافعي: وبهذا نأخذ: يرجم اللوطي محصنًا كان أو غير محصن.

وأخرج البيهقي

(2)

أيضًا عن أبي بكر: أنَّه جمعَ الناس في حقِّ رجلٍ يُنكح كما ينكح النساء، فسأل أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فكان من أشدهم يومئذٍ قولًا علي بن أبي طالب، قال: هذا ذنبٌ لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن نحرقه بالنار، فاجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقه بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار. وفي إسناده إرسال.

وروى

(3)

من وجهٍ آخر: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي في غير هذه القصة قال: يرجم ويحرق بالنار.

وأخرج البيهقي

(4)

أيضًا عن ابن عباس؛ أنه سئل عن حد اللوطيِّ فقال: ينظر أعلى بناء في القرية فيرمي به منكسًا ثم يتبع الحجارة.

وقد اختلف أهل العلم في عقوبة الفاعل لِلِّواط، والمفعول به، بعد اتفاقهم على تحريمه

(5)

، وأنَّه من الكبائر للأحاديث المتواترة في تحريمه، ولعن فاعله؛ فذهب من تقدم ذكره من الصحابة: إلى أن حدَّه القتل، ولو كان بكرًا، سواءٌ كان فاعلًا، أو مفعولًا، وإليه ذهب الشافعيُّ

(6)

، والناصر، والقاسم بن إبراهيم.

واستدلوا بما ذكره المصنف وذكرناه في هذا الباب، وهو بمجموعه ينتهض للاحتجاج به.

وقد اختلفوا في كيفية قتل اللوطي؛ فروي عن علي أنه يقتل بالسيف ثم يحرق لعظم المعصية، وإلى ذلك ذهب أبو بكر كما تقدم عنه.

وذهب عمر، وعثمان: إلى أنه يلقى عليه حائط.

(1)

في السنن الكبرى (8/ 232).

(2)

في السنن الكبرى (8/ 232).

(3)

أي البيهقي في السنن الكبرى (8/ 232 - 233).

(4)

في السنن الكبرى (8/ 232).

(5)

المغنى (12/ 348) والإشراف لابن المنذر (2/ 36).

(6)

البيان للعمراني (12/ 366).

ص: 301

وذهب ابن عباس: إلى أنه يلقى من أعلى بناءٍ في البلد

(1)

.

وقد حكى صاحب الشفاء

(2)

إجماع الصحابة على القتل.

وقد حكى البغوي

(3)

عن الشعبي، والزهري، ومالك

(4)

وأحمد

(5)

وإسحاق: أنه يرجم.

وحكى ذلك الترمذي

(6)

عن مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.

وروي عن النخعي

(7)

أنه قال: لو كان يستقيم أن يرجم الزاني مرتين لرجم اللوطيُّ.

وقال المنذري

(8)

: حرَّقَ اللوطية بالنار أبو بكر وعلي وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك.

(1)

قال ابن المنذر في "الإشراف على مذاهب أهل العلم (2/ 36): "قالت طائفة: عليه القتل، محصنًا كان أو غير محصن.

وروينا عن أبي بكر الصديق، وابن الزبير رضي الله عنهما، أنهما أمَرا أن يُحرق من فعلَ ذلك بالنار.

وروينا عن علي، وابن عباس رضي الله عنهم: أنهما قالا: يرجم، وقال ابن عباس: وإن كان بكرًا.

وبه قال جابر بن زيد، والشعبي، وربيعة، ومالك، وإسحاق.

وفيه قول ثان وهو: أن حده حد الزاني: يرجم إن كان محصنًا، ويجلد إن كان بكرًا.

كذلك قال عطاء، والحسن البصري، والنخعي، وسعيد بن المسيب، وقتادة، والشافعي، وأبو ثور.

وقال الحكم: يضرب دون الحد". اهـ.

(2)

"شفاء الأُوام في أحاديث الأحكام للتمييز بين الحلال والحرام" للسيد الحسين بن بدر الدين (3/ 323).

(3)

في "شرح السنة"(10/ 309).

(4)

عيون المجالس (5/ 2097 رقم 1515).

(5)

المغني (12/ 349).

(6)

في السنن (4/ 58).

وانظر: المغني لابن قدامة (12/ 349) والبيان للعمراني (12/ 366 - 367) وروضة الطالبين (10/ 90) والإشراف لابن المنذر (2/ 36).

(7)

موسوعة فقه الإمام النخعي (2/ 823).

(8)

في "الترغيب والترهيب"(3/ 251).

ص: 302

وذهب سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والحسن

(1)

، وقتادة والنخعي

(2)

والثوري (3) والأوزاعي

(3)

وأبو طالب (4) والإمام يحيى

(4)

والشافعي

(5)

في قول له إلى أن حد اللوطي حد الزاني فيجلد البكر ويغرَّب، ويرجم المحصن.

وحكاه في البحر

(6)

عن القاسم بن إبراهيم، وروى عنه المؤيد بالله القتل مطلقًا كما سلف.

واحتجوا بأنَّ التلوُّط نوع من أنواع الزنا؛ لأنه إيلاج فرج في فرج فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الأدلة الواردة في الزاني المحصن والبكر؛ وقد تقدمت.

ويؤيد ذلك حديث: "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان"، وقد تقدم

(7)

.

وعلى فرض عدم شمول الأدلة المذكورة لهما فهما لاحقان بالزاني بالقياس.

ويجاب عن ذلك: بأنَّ الأدلة الواردة بقتل الفاعل والمفعول به مطلقًا مخصصة لعموم أدلة الزنا الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها لِلُّوطي ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمول، لأنه يصير فاسدَ الاعتبار كما تقرَّر في الأصول

(8)

، وما أحقَّ مرتكب هذه الجريمة، ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأنْ يعاقب عقوبةً يصير بها عبرة للمعتبرين، ويعذَّب تعذيبًا يكسر شهوة

(1)

"اختلفت الرواية عن الحسن في عقوبة اللواطة، ففي رواية عنه أن اللوطي يرجم أُحصِنٍ أو لم يُحصَن. وفي رواية أخرى عنه أن عقوبة اللوطي عفوبة الزاني. إن كان محصنًا يُرجَم، وإن كان غير محصن يُخْلد.

قال الحسن رحمه الله: "اللوطي بمنزلة الزاني" إن كان ثيبًا يُرجم وإن كان بكرًا يُجلد".

[موسوعة فقه الحسن البصري (2/ 823)].

وانظر: المحلى (11/ 382) وأحكام الجصاص (3/ 262) وشرح السنة (10/ 359) والسنن الكبرى للبيهقي (8/ 239).

(2)

موسوعة فقه الإمام النخعي (2/ 823).

(3)

انظر: "الترغيب والترهيب"(3/ 250 - 251).

(4)

البحر الزخار (5/ 146).

(5)

روضة الطالبين (10/ 90).

(6)

البحر الزخار (5/ 146).

(7)

تقدم خلال شرح الحديث (3132) من كتابنا هذا (ص 300).

(8)

إرشاد الفحول (ص 755) بتحقيقي، والبحر المحيط (5/ 369).

ص: 303

الفسقة المتمرِّدين، فحقيق بمن أتى بفاحشةِ قومٍ ما سبقهم بها من أحدٍ من العالمين أن يَصْلى من العقوبة، بما يكون في الشدَّة والشناعة، مشابهًا لعقوبتهم.

وقد خسف الله تعالى بهم، واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم.

وذهب أبو حنيفة

(1)

والشافعي

(2)

في قول له والمرتضى

(3)

والمؤيد بالله (3): إلى أَنَّه يعزر اللوطيّ فقط، ولا يخفى ما في هذا المذهب من المخالفة للأدلة المذكورة في خصوص اللُّوطي، والأدلة الواردة في الزاني على العموم.

وأما الاستدلال لهذا بحديث: "لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في العقوبة"

(4)

، فمردود: بأن ذلك إنما هو مع الالتباس، والنزاع ليس هو في ذلك.

42/ 3133 - (وعَنْ عمْرِو بْنِ أبي عمْرٍو عَنْ عكْرِمةَ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ وقَعَ على بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهْ، واقْتلُوا البَهيمَةَ". رواه أحمدُ

(5)

وأبُو دَاوُدَ

(6)

والتِّرْمِذِيُّ

(7)

وقالَ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حدِيثِ عمْرِو بْنِ أبي عمْرٍو. [إسناده حسن]

ورَوى الترْمِذِي

(8)

وأبُو داوُد

(9)

مِنْ حدِيثِ عاصِمٍ عَنْ أبي رُزينٍ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أَنهُ قَالَ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فلَا حَدَّ عَليهِ. وذَكَرَ أَنهُ أصَحُّ). [حسن]

(1)

البناية في شرح الهداية (6/ 255) والاختيار (4/ 347).

(2)

البيان للعمراني (12/ 370).

(3)

البحر الزخار (5/ 146).

(4)

تقدم برقم (3115) من كتابنا هذا.

(5)

المسند (1/ 269).

(6)

في سننه رقم (4464) وقال: ليس هذا بالقوي.

(7)

في السنن رقم (1455).

قلت: وأخرجه النسائي في "الكبرى" رقم (7340 - العلمية) وعبد بن حميد رقم (575) وأبو يعلى رقم (2462) و (2743) والدارقطني (3/ 126 - 127) والحاكم (4/ 355) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 233) وفي "المعرفة" رقم (5087) من طرق.

إسناده حسن.

(8)

في السنن رقم (1455).

(9)

في السنن رقم (4465) وقال: حديث عاصم يُضعف حديث عمرو بن أبي عمر.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

ص: 304

الحديث الذي رواهُ عكرمة أخرجه أيضًا النسائيُّ

(1)

، وابن ماجه

(2)

، قال الترمذي

(3)

: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد رواه سفيان الثوريُّ عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس: أنّه قال: "من أتى بهيمةً فلا حدَّ عليه"، حدثنا بذلك محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، وهذا أصحُّ من الحديث الأول.

والعمل على هذا عند أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق. انتهى.

وقد روى هذا الحديث ابن ماجه

(4)

في سننه من حديث إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله: "من وقع على ذات محرم فاقتلوه، ومن وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة".

وإبراهيم

(5)

المذكور قد وثقه أحمد. وقال البخاري: منكر الحديث، وضعَّفه غير واحد من الحفاظ.

وأخرجه

(6)

أبو يعلى الموصلي

(7)

من حديث عبد الغفار بن عبد الله بن

(1)

في السنن الكبرى رقم (7340 - العلمية) وقد تقدم.

(2)

في السنن رقم (2564).

(3)

في السنن (4/ 57).

(4)

في سننه رقم (2564).

وهو حديث ضعيف دون الشطر الأول فهو صحيح.

(5)

إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حَبيْبَة الأنصاري. قال أحمد: ثقة. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي وغيره: ضعيف. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن حجر: ضعيف. ولم أقف على تحسين حاله إلا لأحمد.

[الجرح والتعديل (1/ 1/ 83) والتاريخ الكبير (1/ 1/ 271) والمجروحين (1/ 109)

والميزان (1/ 19) والتقريب رقم (146)].

(6)

في المخطوط (ب): "الصواب تأخير هذا إلى بعد الكلام على حديث عمرو بن أبي عمرو الآتي. وحذف الضمير من أخرجه". اهـ.

(7)

في المسند رقم (5987).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 273) وقال: فيه محمد بن عمرو بن علقمة، وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات.

قلت: إسناده ضعيف. عبد الغفار بن عبد الله لم يوثقه إلا ابن حبان. وقد قال أبو يعلى بإثره: ثم بلغني أنه رجع عنه. =

ص: 305

الزبير، عن علي بن مسهر عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة مرفوعًا.

وذكر ابن عدي

(1)

عن أبي يعلى أنه قال: بلغنا أن عبد الغفار رجع عنه، وذكر ابن عدي أنهم كانوا لقنوه.

وأخرج هذا الحديث البيهقي

(2)

بلفظ: "ملعون من وقع على بهيمة وقال: اقتلوه واقتلوها لا يقال: هذا [الذي]

(3)

فعل [بها]

(4)

كذا وكذا"، ومال البيهقي إلى تصحيحه

(5)

.

ورواه أيضًا من طريق عباد بن منصور عن عكرمة

(6)

.

ورواه عبد الرزاق

(7)

عن إبراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن عكرمة، وإبراهيم ضعيف، وإن كان الشافعي يقوي أمره، إذا عرفت هذا تبين لك أنه لم يتفرد برواية الحديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة كما قال الترمذي، بل رواه عن عكرمة جماعة كما بينا.

وقد قال البيهقي: رويناه عن عكرمة من أوجه مع أن تفرد عمرو بن أبي عمرو لا يقدح في الحديث، فقد قدمنا أنه احتج به الشيخان ووثقه يحيى بن معين. وقال البخاري: عمرو صدوق، ولكنه روى عن عكرمة مناكير.

والأثر الذي رواه أبو رزين عن ابن عباس أخرجه أيضًا النسائي

(8)

، ولا حكم لرأي ابن عباس إذا انفرد، فكيف إذا عارض المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريقه؟

= وقد أورد حديثه هذا ابن عدي، عن أبي يعلى في مقدمة "الكامل" (1/ 46) تحت باب:"من قال: التلقين هو الذي يكذب فيه الرواي، وذكر بعض من لُقِّن".

(1)

في مقدمة "الكامل"(1/ 46) وقد تقدم.

(2)

في السنن الكبرى (8/ 233 - 234).

(3)

كذا في المخطوط (أ)، (ب): وفي السنن الكبرى للبيهقي: (التي).

(4)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 234).

وانظر: "التلخيص الحبير"(4/ 104).

(6)

في السنن الكبرى (8/ 233).

(7)

في المصنف رقم (13492).

(8)

في السنن الكبرى رقم (7341 - العلمية).

ص: 306

وقد اختلفَ أهلُ العلم فيمن وقعَ على بهيمةٍ، فأخرج البيهقي

(1)

عن جابر بن زيد أنَّه قال: من أتى البهيمةَ أقيمَ عليه الحدُّ.

وأخرج أيضًا

(2)

عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قال: إن كان محصنًا رجم.

وروى أيضًا

(3)

عن الحسن البصري

(4)

أنه قال: هو بمنزلةِ الزاني، وقالَ الحاكم: أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحدُّ، وهو مجمعٌ على تحريم إتيان البهيمة، كما حكى ذلك صاحب البحر

(5)

.

وقد ذهب إلى أنه يوجب الحدَّ كالزنا الشافعي

(6)

في قول له والهادوية

(7)

وأبو يوسف، وذهب أبو حنيفة

(8)

ومالك

(9)

والشافعي

(10)

في قولٍ له، والمرتضى (11) والمؤيد بالله

(11)

والناصر (11) والإمام يحيى (11) إلى أنه يوجب التعزير فقط؛ إذ ليس بزنا.

وردَّ بأنه فرج محرَّم شرعًا مشتهى طبعًا فأوجب الحد كالقبل.

وذهب الشافعي

(12)

في قول له إلى أنه يقتل أخذًا بحديث الباب.

(1)

في السنن الكبرى رقم (8/ 234).

(2)

أي البيهقي في السنن الكبرى (8/ 234).

(3)

أي البيهقي في السنن الكبرى (8/ 234).

(4)

موسوعة فقه الحسن البصري (2/ 496) وشرح السنة للبغوي (10/ 310).

(5)

البحر الزخار (5/ 146).

(6)

البيان للعمراني (12/ 370 - 371).

(7)

البحر الزخار (5/ 146).

(8)

الاختيار (4/ 348) والبناية في شرح الهداية (6/ 259).

(9)

عيون المجالس (5/ 2098 رقم 1516).

(10)

البيان للعمراني (12/ 370).

(11)

البحر الزخار (5/ 146).

(12)

البيان للعمراني (12/ 370).

• قال أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب"(5/ 385 - 386): "فيه ثلاثة قوال:

أحدهما: أنه يجب عليه القتل

والثاني: أنه كالزنا

والثالث: أنه يجب فيه التعزير". اهـ.

• وقال النووي في "المنهاج"(4/ 145 - مع مغني المحتاج): الأظهر القول بالتعزير.

ص: 307

وفي الحديث دليل: على أنها تقتل البهيمة، والعلة في ذلك ما روى أَبو داود

(1)

والنسائي

(2)

أنه قيل لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ قال: ما أراه قال ذلك إلا أنه يكره أن يؤكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل.

وقد تقدم أن العلة أن يقال: [هذه التي]

(3)

فعل بهذا كذا وكذا.

وقد ذهب إلى تحريم لحم البهيمة المفعول بها وإلى أنها تذبح، علي [عليه السلام]

(4)

والشافعي

(5)

في قول له، وذهبت القاسمية

(6)

والشافعي (5) في قول له وأبو حنيفة (7) وأبو يوسف

(7)

إلى أنه يكره أكلها تنزيهًا فقط.

قال في البحر

(8)

: إنها تذبح البهيمة ولو كانت غير مأكولة لئلا تأتي بولد مشوّه، كما روي أن راعيًا أتى بهيمة فأتت بولد مشوه. انتهى.

وأما حديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح الحيوان إلَّا لأكله"

(9)

، فهو عموم مخصِّص لحديث الباب.

(1)

في السنن رقم (4464) وقد تقدم.

(2)

في السنن الكبرى (رقم 7340 - العلمية) وقد تقدم.

(3)

في المخطوط (ب): (هذا الذي).

(4)

زيادة من المخطوط (ب).

(5)

البيان للعمراني (12/ 371 - 372).

(6)

البحر الزخار (4/ 146).

(7)

البناية في شرح الهداية (6/ 360).

(8)

البحر الزخار (5/ 146).

(9)

لم أقف عليه بهذا اللفظ.

• أخرج أحمد في المسند (4/ 389) والنسائي في المجتبى رقم (4446) وفي السنن الكبرى رقم (4535) وابن حبان رقم (5894) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (7245) من طريق صالح بن دينار، عن عمرو بن الشريد، قال: سمعتُ الشريدَ يقولُ: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ قتلَ عصُفورًا عَبَثًا، عجَّ إلى الله عز وجل يوم القيامةِ منهُ يقول: يا ربِّ، إنَّ فلانًا قتلني عَبَثًا، ولم يقتلْني لمنفعة".

إسناده ضعيف لجهالة صالح بن دينار، وهو الجعفي، أو الهلالي.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

• وأخرج أحمد في المسند (2/ 166) والنسائي في سننه رقم (4445) والحاكم (4/ 233) والبغوي في شرح السنة رقم (2787) والحميدي رقم (587) والدارمي (2/ 84) والبيهقي (9/ 86).

من طريق عمرو بن دينار، عن صهيب مولى ابن عامر يحدِّث، عن عبد الله بن عمرو، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ذبحَ عصفُورًا أو قتله في غير شيء"، قال عمرو: أحسِبه قال: "إلا بحقِّه، سألَهُ اللهُ عنه يومَ القيامة". =

ص: 308

[الباب الخامس عشر] باب فيمَنْ وطيءَ جاريَة امرأَتِهِ

43/ 3134 - (عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ أنَّه رُفِعَ إليهِ رَجلٌ غَشِيَ جارِيةَ امْرَأْتِهِ، فقالَ: لأقْضِيَنَّ فِيها بِقَضاءِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، إنْ كانَتْ أَحَلَّتْهَا لَكَ جَلَدْتُكَ مِائَةً، وإنْ كانَتْ لمْ تحِلَّها لَكَ رَجَمْتُكَ. رواهُ الخَمْسةُ

(1)

. [ضعيف]

وفي روايةِ: عَنِ النُّعْمانِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ في الرَّجُلِ يأتِي جارِيةَ امْرَأَتِهِ، قال: لا إنْ كانَتْ أحَلَّتْها لهُ جَلَدْتُهُ مِائةً، وإنْ لَمْ تَكُنْ أحلَّتْهَا له رَجَمْتُهُ".

= إسناده ضعيف لجهالة صهيب مولى ابن عامر، وهو الحذَّاء المكي، يكنى أبا موسى.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

• أخرج سعيد بن منصور في "سننه" رقم (2384) من طريق عبد الله بن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن القاسم مولى عبد الرحمن، أنَّه قال: أستأذن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو، فأذِنَ له، فقال:"إنْ لَقيتَ فلا تجبن، وإن قدرت فلا تغلل، ولا تحرِقَنَّ نخلًا ولا تعقرها، ولا تقطع شجرة مُطعِمة، ولا تقتُل بهيمةً ليستَ لك فيها حاجة، واتقِ أذى المؤمن ".

إسناده حسن.

(1)

أحمد في المسند (4/ 277) وأبو داود رقم (4458) والترمذي رقم (1451) والنسائي رقم (3361) وابن ماجه رقم (2551) قال الترمذي في سننه: حديث النعمان في إسناده اضطراب، سمعت محمدًا - أي البخاري - يقول: لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث، إنما رواه عن خالد بن عرفطة.

وزاد الترمذي في "العلل الكبير"(2/ 614): عن البخاري قوله: أنا أتقي هذا الحديث، إنما رواه قتادة، عن خالد بن عرفطة، عن حبيب بن سالم.

قلت: خالد بن عرفطة: مجهول.

وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 448) عن أبيه قوله: حبيب بن يساف مجهول، لا أعلم أحدًا روى عنه غير قتادة هذا الحديث الواحد.

وكذلك خالد مجهول، لا نعرف أحدًا يقال له: خالد بن عرفطة إلا واحد، والذي له صحبة". اهـ.

وخلاصة القول: أن حديث النعمان بن بشير حديث ضعيف. والله أعلم.

ص: 309

رواهُ أبُو دَاوُدَ

(1)

والنَّسَائيُّ)

(2)

. [ضعيف]

الحديث قال الترمذي

(3)

: في إسناده اضطراب، سمعت محمدًا يعني البخاري يقول: لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث إنما رواه عن خالد بن عرفطة، وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا الحديث أيضًا إنما رواه عن خالد بن عرفطة. انتهى.

والذي في السنن: أن أبا بشر رواهُ عن خالد بن عرفطة، عن حبيب، ولكنَّ الترمذيَّ رواهُ في سننه عن أبي بشر، عن حبيب، وخالد بن عرفطة.

قال أبو حاتم الرازي

(4)

: هو مجهول. وقال الترمذي

(5)

: سألت محمد بن إسماعيل عنه فقال: أنا أتقي هذا الحديث.

وقال النسائي: أحاديث النعمان هذه مضطربة.

وقال الخطابي

(6)

: هذا الحديث غير متصل، وليس العمل عليه. انتهى.

وعُرْفُطَة: بضم العين، وسكون الراء المهملتين، وضم الفاء، وبعدها طاء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث.

وفي الباب عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عند أبي داود

(7)

والنسائي

(8)

: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجلٍ وقع على جارية امرأته: إنْ كان

(1)

في سننه رقم (4459).

(2)

في سننه رقم (3360).

قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى رقم (7225 - العلمية) والبيهقي (8/ 239) والحاكم (4/ 365) من طرق.

وهو حديث ضعيف.

وقد قال النسائي في السنن الكبرى رقم (7233 - العلمية): "ليس في هذا الباب شيء صحيح يحتج به".

(3)

في السنن (4/ 54).

(4)

في العلل لابن أبي حاتم (1/ 448) وقد تقدم.

(5)

في "العلل الكبير"(2/ 614).

(6)

في معالم السنن (4/ 604 - مع السنن).

(7)

في سننه رقم (4465).

(8)

في سننه رقم (3363).

وهو حديث ضعيف.

ص: 310

استكرهها فهي حرَّة، وعليه لسيدتها مثلُها، وإنّ كانت طاوعته فهي له، وعليه لسيدتها مثلُها".

قال النسائي

(1)

: لا تصح هذه الأحاديث.

وقال البيهقي

(2)

: قبيصة بن حريث غير معروف.

وروينا عن أبي داود أنه قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: رواه عن سلمة بن المحبق شيخ لا يعرف لا يحدث عنه غير الحسن يعني: قبيصة بن حريث.

وقال البخاري في التاريخ: قبيصة بن حريث سمع سلمة بن المحبق في حديثه نظر

(3)

.

وقال ابن المنذر: لا يثبت خبر سلمة بن المحبق.

وقال الخطابي

(4)

: هذا حديث منكر، وقبيصة بن حريث غير معروف والحجة لا تقوم بمثله، وكان الحسن لا يبالي أن يروي الحديث ممن سمع.

وقال بعضهم: هذا كان قبل الحدود.

وقد روى أبو داود

(5)

والنسائي

(6)

وابن ماجه

(7)

من طريق الحسن البصري عن سلمة بن المحبق نحو ذلك إلا أنه قال: "وإن كانت طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها".

وقد اختلف في هذا الحديث عن الحسن فقيل عنه عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق.

وقيل: عنه عن سلمة من غير ذكر قبيصة.

(1)

في إثر الحديث رقم (7233) في السنن الكبرى.

(2)

في "معرفة السنن والآثار"(6/ 360 - العلمية).

(3)

انظر: السنن الكبرى للبيهقي (8/ 240).

(4)

في معالم السنن (4/ 606 - مع السنن).

(5)

في سننه رقم (4461).

(6)

في سننه رقم (3364).

(7)

في سننه رقم (2552).

وهو حديث ضعيف.

ص: 311

وقيل: عن جون بن قتادة عن سلمة. وجون بن قتادة قال الإمام أحمد

(1)

: لا يعرف، والمُحَبَّق: بضم الميم، وفتح الحاء المهملة، وبعدها باء موحدةٌ، مشددةٌ مفتوحةٌ، ومن أهل اللغة

(2)

من يكسرها.

والمحبَّق لقب، واسمه صخر بن عبيد، وسلمة ابنه، له صحبة سكن البصرة، كنيته أبو سنان كني بابنه سنان.

وذكر أبو عبد الله بن منده: أن لابنه سنان صحبة أيضًا. وجَوْن: بفتح الجيم وسكون الواو وبعدها نون.

وقد اختلف أهل العلم في الرجل يقع على جارية امرأته، فقال الترمذي

(3)

: روي عن غير واحدٍ من الصحابة منهم: عليٌّ، وابن عمر: أن عليه الرجم.

وقال ابن مسعود: ليس عليه حد ولكن يعزر.

وذهب أحمد

(4)

وإسحاق إلى ما رواه النعمان بن بشير. انتهى.

وهذا هو الراجح؛ لأن الحديث وإن كان فيه المقال المتقدم فأقلُّ أحواله أن يكون شبهةً يُدرأ بها الحدُّ.

قال في البحر

(5)

: مسألة: ولو أباحت الزوجة للزوج وطء أمتها، أو وطأ امرأةٍ يستحقُّ دمها؛ حُدَّ.

وقال أبو حنيفة

(6)

: لا، إذ هما شبهة. قلنا: لا نسلم. انتهى.

وهذا منع مجرد، فإن مثل حديث النعمان

(7)

إذا لم يكن شبهة فما الذي يكون شبهة؟

(1)

جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق، قال أحمد: لا يعرف.

وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. وقال ابن حجر: مقبول. انظر: الكامل (2/ 600) والميزان (1/ 427) والجرح والتعديل (1/ 1/ 542) والتاريخ الكبير (1/ 2/ 252) والتقريب رقم (986).

وخلاصة القول: أن جون بن قتادة مجهول.

(2)

القاموس المحيط (ص 1127).

(3)

في السنن (4/ 55).

(4)

المغني (2/ 345 - 346).

(5)

البحر الزخار (5/ 143).

(6)

البناية في شرح الهداية (6/ 248 - 249). والاختيار (4/ 345 - 346).

(7)

تقدم برقم (3134) من كتابنا هذا.

ص: 312

قوله: (وإن كانت لم تحلها لك رجمتك)، زاد أبو داود

(1)

: فوجدوه أحلتها له فجلده مائة

(2)

.

[الباب السادس عشر] بابُ حد زِنَا الرقيقِ خمسونَ جلدةً

44/ 3135 - (عَنْ عَليٍّ قالَ: أَرْسَلني رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أَمَةٍ سَوْداءَ زَنَتْ لأجْلدَها الحَدَّ، قالَ: فَوَجدْتُها في دَمِها، فأتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخْبَرْتُهُ بِذلِكَ، فقالَ لي: "إذا تَعَالَتْ مِنْ نِفاسِها فاجْلِدْها خَمْسين". رَوَاه عَبْدُ الله بْن أَحمَدَ في المُسْنَدِ)

(3)

. [صحيح لغيره]

45/ 3136 - (وعَنْ عَبدِ الله بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبي رَبيعَةَ المخْزُومِيِّ قالَ: أَمَرَني عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ في فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَجَلدْنا وَلائِدَ مِنْ وَلائِدِ الإِمارَةِ خَمْسينَ خَمْسينَ في الزِّنا. رَوَاهُ مالِكٌ في المُوَطَّأ)

(4)

. [موقوف صحيح]

حديث عليّ: قد تقدم الكلام عليه في باب تأخير الرجم عن الحبلي

(5)

، وسيأتي أيضًا في الباب الذي بعد

(6)

هذا.

وأثر عمر مؤيد لحديث الباب لوقوع ذلك منه بمحضر جماعة من الصحابة.

(1)

في سننه رقم (4458).

وهو حديث ضعيف.

(2)

انظر: "الإشراف على مذاهب أهل العلم" لابن المنذر (2/ 34 - 35).

(3)

في زوائد مسند أحمد (1/ 136).

وإسناده ضعيف لضعف عبد الأعلى بن عامر الثعلبي.

ولكن الحديث صحيح لغيره.

(4)

في الموطأ (2/ 827 رقم 16).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 242) و"المعرفة"(6/ 366 رقم 5104 - العلمية).

إسناده صحيح.

(5)

تقدم عند الحديث رقم (3127) من كتابنا هذا.

(6)

يأتي برقم (3139) من كتابنا هذا.

ص: 313

وروى ابن وهب عن ابن جريج عن عمرو بن دينار: "أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تجلد وليدتها إذا زنت خمسين"

(1)

.

ويشهد لذلك عموم قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}

(2)

، ولا قائل بالفرق بين الأمة والعبد، كما حكى ذلك صاحب البحر

(3)

.

وروي عن ابن عباس أنه قال: لا حد على مملوك حتى يتزوج

(4)

تمسكًا بقوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ}

(5)

، فإنه تعالى علق حد الإماء بالإحصان.

وأجاب عنه في البحر

(6)

: بأن لفظ الإحصان محتمل لأنه بمعنى أسلمن وبلغن وتزوجن، قال: ولو سلم فخلاف ابن عباس منقوض، والأولى الجواب بحديث أبي هريرة

(7)

، وزيد بن خالد الآتي في الباب الذي بعد

(8)

هذا، فإن فيه:"أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، فقال: "إن زنت فاجلدوها""، وهذا نص في محل النزاع.

وأخرج مسلم

(9)

وأبو داود

(10)

والترمذي

(11)

من حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن عليًا خطب فقال: يا أيها الناس أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن.

وقد وافق ابن عباس طاوس وعطاء وابن جريج، وذهب الجمهور إلى خلاف

(12)

ذلك.

(1)

أخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 257 - ترتيب) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 245) وعبد الرزاق في المصنف رقم (13603).

وهو موقوف بسند منقطع.

(2)

سورة النساء، الآية (25).

(3)

البحر الزخار (5/ 142).

(4)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 243).

(5)

سورة النساء، الآية (25).

(6)

البحر الزخار (5/ 142).

(7)

يأتي برقم (3138) من كتابنا هذا.

(8)

باب السيد يقيم الحد على رقيقه رقم الحديث (3137) من كتابنا هذا.

(9)

في صحيحه رقم (34/ 1705).

(10)

في سننه رقم (4473).

(11)

في سننه رقم (1441).

وهو حديث صحيح.

(12)

انظر: "البيان" للعمراني (12/ 356) والمغني (12/ 331 - 332).

ص: 314

قوله: (إذا تعالت من نفاسها) بالعين المهملة، أي: خرجت.

وفيه دليل على أنه يمهل من كان مريضًا حتى يصح من مرضه.

وقد تقدم الكلام على ذلك في باب تأخير الرجم عن الحبلي.

[الباب السابع عشر] باب السّيدِ يقيمُ الحَدَّ على رقيقهِ

46/ 3137 - (عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذا زَنَتْ أَمَة أحَدِكُمْ فَتبيّنَ زناهَا فَلْيجْلِدْها الحَدَّ وَلَا يُثرِّبْ عَلَيها، ثم إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْها الحَّدّ وَلَا يُثرِّبْ عَليهَا، ثمّ إنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا، وَلوْ بِحَبْلٍ مِن شَعْرٍ". مُتَّفقٌ عَليهِ

(1)

. [صحيح]

وَرَواهُ أَحمَدُ

(2)

في رِوايَةٍ، وأبُو داوُد

(3)

، وذَكَرا فِيهِ في الرّابعَةِ الحَدَّ والبيْع. [صحيح لغيره]

قال الخَطَّابيُّ

(4)

: مَعْنَى لا يُثَرِّبْ: لا يَقْتَصِرْ عَلى التَّثْريبِ).

47/ 3138 - (وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وزيدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَنِّي قالا: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الأمَةِ إذَا زَنَتْ ولَمْ تُحْصَنْ، قال: "إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها، ثمَّ إنْ زَنت فاجْلدُوها، ثمّ إن زَنَتْ فاجْلدُوها، ثم بيعُوها وَلوْ بِضَفِيرٍ"، قالَ ابْنُ شِهابٍ: لا أَدْري أبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرّابِعَةِ. مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(5)

. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (2/ 494) والبخاري رقم (6839) ومسلم رقم (30/ 1703).

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (2/ 422).

(3)

في سننه رقم (4471).

وهو حديث صحيح لغيره.

(4)

في معالم السنن (4/ 615 - مع السنن) ولفظه: "معنى التثريب: التعيير والتبكيت، يقول: لا يقتصر على أن يبكتها بفعلها أو يسبها، ويعطل الحد الواجب عليها .. ". اهـ.

(5)

أحمد في المسند (4/ 117) والبخاري رقم (6837، 6838) ومسلم رقم (32/ 1703) و (33/ 1704).

ص: 315

48/ 3139 - (وعَنْ عَليٍّ أن خادِمًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثَتْ فأمَرَني النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أقِيمَ عَليْهَا الحَدّ، فأتَيْتُها فَوَجَدْتُها لَمْ تَجفّ مِنْ دَمِها، فأتَيْتُهُ فأخْبَرْتهُ، فقالَ:"إذا جَفَّتْ مِنْ دَمِها فأقِمْ عَليْها الحَدّ، أَقِيمُوا الحُدُودَ على ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ". رَوَاهُ أَحْمدُ

(1)

وأَبُو دَاوُدَ)

(2)

. [صحيح لغيره]

حديث عليّ: أخرجه مُسَلم في صحيحه

(3)

، والبيهقي

(4)

، والحاكم

(5)

، ووهم فاستدركه.

قوله: (فتبيَّن زناها) الظاهر: أن المراد تبينه بما يتبين في حقِّ الحرَّة، وذلك: إمَّا بشهادة أربعةٍ، أو بالإقرار على الخلاف المتقدم فيه.

وقيل: إنَّ المراد بالتبين: أن يعلم السيد بذلك، وإن لم يقع إقرار، ولا قامت شهادة. وإليه ذهب بعضهم.

وحكى في البحر

(6)

الإجماع على أنه يعتبر شهادة أربعة في العبد كالحرِّ، والأمةُ حكمها حكمه.

وقد ذهب الأكثر إلى أن الشهادة تكون إلى الإمام أو الحاكم.

وذهب بعض أصحاب الشافعي

(7)

إلى أنها تكون عند السيد.

(1)

في المسند (1/ 95).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق رقم (13601) والبزار في المسند رقم (762) والنسائي في الكبرى رقم (7239) و (7268) وأبو يعلى رقم (320) من طرق عن سفيان الثوري، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي جميلةَ الطّهَوي عن علي، به.

(2)

في سننه رقم (4473) من طريق إسرائيل.

قلت: وأخرجه البيهقي (8/ 245) من طريق شريك.

كلاهما عن عبد الأعلى، به. وقرن البيهقي بعبد الأعلى عبدَ الله بن أبي جميلة، وهو مجهول. وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي ضعيف.

وخلاصة القول: أن حديث علي حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(3)

في صحيحه رقم (34/ 1705).

(4)

في السنن الكبرى (8/ 244 - 245).

(5)

في المستدرك (4/ 369) وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح.

(6)

البحر الزخار (5/ 149).

(7)

البيان للعمراني (12/ 379).

ص: 316

قوله: (ولا يُثَرِّبُ عليها) بمثناة تحتية مضمومة ومثلثة مفتوحة ثم راء مشددة مكسورة وبعدها موحدة وهو التعنيف

(1)

.

وقد ثبت في رواية عند النسائي

(2)

بلفظ: "ولا يعنفها"، والمراد: أن اللازم لها شرعًا هو الحدُّ فقط؛ فلا يضمَّ إليه سيدُها ما ليس بواجبٍ شرعًا، وهو المحريب.

وقيل: إنَّ المراد نهي السيد عن أن يقتصر على التثريب دون الحد، وهو مخالف لما يفهمه السياق. وفي ذلك كما قال ابن بطال

(3)

دليل على أنَّه لا يعزر من أقيم عليه الحد بالتعنيف واللوم، ولهذا لم يثبت: أنَّه صلى الله عليه وسلم سبَّ أحدًا ممن أقام عليه الحدَّ، بل نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما سيأتي من حديث أبي هريرة في كتاب حد شارب

(4)

الخمر.

قوله: (ثم إن زنت) فيه دليل على أنه لا يقام على الأمة الحدُّ إلا إذا زنت بعد إقامة الحدِّ عليها، لا إذا تكرَّر منها الزنا قبل إقامة الحد كما يدلُّ على ذلك لفظ:"ثم" بعد ذكر الجلد.

قوله: (فليبعها) ظاهر هذا أنها لا تحدُّ إذا زنت بعد أن جلدها في المرّة الثانية، ولكنَّ الرواية التي ذكرها المصنف عن أبى هريرة وزيد بن خالد

(5)

مصرحة بالجلد في الثالثة، وكذلك الرواية التي ذكرها عن أحمد

(6)

وأَبي داود

(7)

أنهما ذكرا في الرابعة الحدَّ، والبيعَ؛ نصٌّ في محل النزاع، وبها يُردُّ على النووي

(8)

حيث قال: إنه لما لم يحصل المقصود من الزجر عدل إلى الإخراج

(1)

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 207): "أي لا يوبخها ولا يقرعها بالزنا بعد الضرب، وقيل: أراد لا يقنع في عقوبتها بالتثريب، بل يضربها الحد، فإن زنا الإماء لم يكن عند العرب مكروهًا ولا منكرًا، فأمرهم بحد الإماء كما أمرهم بحد الحرائر".

(2)

في السنن الكبرى رقم (7229 - الرسالة).

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 473 - 474).

(4)

عند الحديث رقم (5/ 3165) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (3138) من كتابنا هذا.

(6)

في المسند (2/ 422) وقد تقدم.

(7)

في سننه رقم (4471) وقد تقدم.

وهو حديث صحيح لغيره، وقد تقدم بإثر الحديث رقم (3137) من كتابنا هذا.

(8)

لم أقف على كلام النووي هذا في شرحه لصحيح مسلم ولا في الروضة

بل وقفت =

ص: 317

عن الملك دون الجلد مستدلًا على ذلك بقوله: "فليبعها"، وكذا وافقه على ذلك ابن دقيق العيد

(1)

وهو مردود.

وأمَّا الحافظ في الفتح

(2)

فقال: الأرجح: أنه يجلدها قبل البيع، ثم يبيعها، وصرَّح بأن السكوت عن الجلد للعلم به، ولا يخفى: أنَّه لم يسكت صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما سلف.

وظاهر الأمر بالبيع أنه واجب.

وذهب الجمهورُ

(3)

إلى أنه مستحب فقط.

وزعم بعض الشافعية أن الأمر بالبيع منسوخ كما حكاه ابن الرفعة (3) في "المطلب"

(4)

، ولا أعرف له ناسخًا: فإنْ كان هو النهي عن إضاعة المال، كما زعم بعضهم؛ فيجاب عنه أولًا: بأنَّ الإضاعة إنما تكون إذا لم يكن شيء في

= على كلام للإمام النووي في شرح صحيح مسلم (11/ 12): "

وهذا البيع المأمور به يلزم صاحبه أن يبين حالها للمشتري، لأنه عيب، والإخبار بالعيب واجب، فإن قيل: كيف يكره شيئًا ويرتضيه لأخيه المسلم؟ فالجواب لعلها تستعف عند المشتري بأن يعفها بنفسه أو يصونها بهيبته، أو بالإحسان إليها والتوسعة عليها، أو يزوجها أو غير ذلك، والله أعلم". اهـ.

قلت: وهذا مغاير لما ذكره الشوكاني رحمه الله، فلينظر.

(1)

في "إحكام الأحكام"(ص 864 - 865 ط: دار ابن حزم) ونصه: "

وذكر بعضهم أن قوله: "فليبعها ولو بضفير" دليل على أن الزنا عيبٌ في الرقيق يرد به، ولذلك حط من القيمة. قال: وفيه دليل على جواز بيع غير المحجور عليه ماله بما لا يتغابن به الناس.

وفيما قاله في الأول نظر، لجواز أن يكون المقصودُ أن يبيعَهَا، وإن انحطت قيمتها إلى الضفير. فيكون ذلك إخبارًا متعلقًا بحال وجودي لا إخبارًا عن حكم شرعي: ولا شك أن من عرفَ بتكرُّر زنا الأمةِ انحطت قيمتُها عندَه.

وفيما قاله في الثاني نظر أيضًا، لجواز أن يكونَ هذا العيب أوجبَ نقصانَ قيمتِهَا عند الناس. فيكون بيعها بالنقصان بيعًا بثمنِ المثل، لا بيعًا بما لا يتغابن الناس به". اهـ.

(2)

(12/ 164).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 164).

(4)

واسمه: "المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي" لابن الرفعة، نجم الدين، أحمد بن محمد (ت 710 هـ). يقع في ستين مجلدًا ولم يكمله منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية، وفي مكتبة أحمد الثالث برقم (1130)، ومنه نسخة مصورة مع تتمة له للحموي، في معهد المخطوطات، بالقاهرة. تحت أرقام (268 - 294) وتقع في (26) مجلدًا ضخمًا.

[معجم المصنفات (ص 389 رقم 1251)].

ص: 318

مقابل المبيع، والمأمور به ههنا هو البيع، لا الإضاعة، وذكر الحبل من الشعر للمبالغة ولو سلم عدم إرادة المبالغة لما كان في البيع بحبل من شعر إضاعة، وإلا لزم أن يكون بيع الشيء [الكثير]

(1)

بالحقير إضاعة، وهو ممنوع.

وقد ذهب داود

(2)

وسائر أهل الظاهر إلى أن البيع واجب، لأن ترك مخالطة الفسقة ومفارقتهم واجبتان، وبيع [الكثير](1) بالحقير جائزٌ إذا كان البائع عالمًا به بالإجماع.

قال ابن بطال

(3)

: حمل الفقهاء الأمر بالبيع على الحضِّ على مباعدة من تكرر منه الزنا لئلا يظن بالسيد الرضا بذلك، ولما في ذلك من الوسيلة إلى تكثير أولاد الزنا.

قال

(4)

: وحمله بعضهم على الوجوب، ولا سلف له في الأمة فلا يشتغل به. انتهى.

وظاهره: أنه أجمع السلف على عدم وجوب البيع؛ فإن صحَّ ذلك كان هو القرينة الصارفة للأمر عن الوجوب وإلا كان الحقُّ ما قاله أهل الظاهر.

وأحاديث الباب فيها دليل: على أن السيد يقيم الحدَّ على مملوكه، وإلى ذلك ذهب جماعة من السلف، والشافعي

(5)

.

وذهبت العترة

(6)

: إلى أن حد المماليك إلى الإمام إن كان ثَمَّ إمام، وإلا كان إلى سيده.

وذهب مالك

(7)

إلى أن الأمة إن كانت مزوجة كان أمر حدها إلى الإمام إلا أن يكون زوجها عبدًا لسيدها فأمر حدها إلى السيد، واستثنى مالك أيضًا القطع في السرقة. وهو وجه للشافعية

(8)

، وفي وجه لهم آخر يستثنى حدُّ الشرب.

(1)

في المخطوط (ب): (الكبير).

(2)

في المحلى (8/ 444).

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 474).

(4)

أي: ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (8/ 474).

(5)

الأم (7/ 341 - 342).

(6)

البحر الزخار (5/ 159).

(7)

التهذيب في اختصار المدونة (4/ 421 - 422).

(8)

البيان للعمراني (12/ 377).

ص: 319

وروي عن الثوري

(1)

والأوزاعي (1): أنه لا يقيم السيد إلا حد الزنا.

وذهبت الحنفية

(2)

إلى أنه لا يقيم الحدود على المماليك إلا الإمام مطلقًا.

وظاهر أحاديث الباب أنه يحدُّ المملوكَ سيده من غير فرقٍ بين أن يكون الإمام موجودًا أو معدومًا، وبين أن يكون السيد صالحًا لإقامة الحد أم لا.

وقال ابن حزم

(3)

: يقيمه السيد إلا إنْ كان كافرًا.

وقد أخرج البيهقي

(4)

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مَجَالسِهم إذا زنت.

ورواه الشافعي

(5)

عن ابن مسعود وأبي بردة.

وأخرجه أيضًا البيهقي

(6)

عن خارجة بن زيد عن أبيه.

وأخرجه

(7)

أيضًا عن أبي الزناد، عن أبيه، عن الفقهاء الذين يُنتهى إلى أقوالهم من أهل المدينة: أنهم كانوا يقولون: لا ينبغي لأحدٍ يقيم شيئًا من الحدود دون السلطان؛ إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمته.

وروى الشافعي

(8)

عن ابن عمر: أنه قطع يد عبده وجلد عبدًا له زنى.

وأخرج مالك

(9)

عن عائشة: "أنها قطعت يد عبد لها".

(1)

حكاه عنهما العمراني في البيان (12/ 377).

(2)

البناية في شرح الهداية (6/ 218) والاختيار (4/ 342).

(3)

المحلى (11/ 168) حيث قال ابن حزم: "

ولا يطلق على إقامة الحدود على المماليك إلا أهل العدالة فقط من المسلمين".

(4)

في السنن الكبرى (8/ 245).

(5)

في "الأم"(7/ 341 رقم 2768 م).

(6)

في السنن الكبرى (8/ 245).

(7)

أي: البيهقي في السنن الكبرى (8/ 245).

(8)

في المسند (ج 2 رقم 269 - ترتيب).

قلت: وأخرجه البيهقي (8/ 268) ومالك في الموطأ (2/ 833 رقم 26).

وهو موقوف صحيح.

(9)

في الموطأ (2/ 832 - 833 رقم 25).

قلت: وأخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 280 - ترتيب) والبيهقي (8/ 276) و"المعرفة"(6/ 418 رقم 5183 - العلمية).

وهو موقوف صحيح.

ص: 320

وأخرج

(1)

أيضًا: "أن حفصة قتلت جارية لها سحرتها".

وأخرج عبد الرزاق

(2)

والشافعي

(3)

: "أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّتْ جارية لها زنت"، وتقدم في الباب الذي قبل هذا

(4)

: "أنها جلدت وليدة لها خمسين".

وقد احتجَّ من قال: إنه لا يقيم الحدود مطلقًا إلا الإمامُ بما رواه الطحاوي (5) عن مسلم بن يسار: أنه قال: "كان رجل من الصحابة يقول: الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلى السلطان".

قال الطحاوي

(5)

: لا نعلم له مخالفًا من الصحابة، وتعقبه ابن حزم

(6)

بأنه خالفه اثنا عشر صحابيًا.

وظاهر أحاديث الباب: أن الأمة والعبد يجلدان سواء كانا محصنين أم لا،

(1)

أي: مالك في الموطأ (2/ 871 رقم 14).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 416) وعبد الرزاق رقم (18747) والبيهقي (8/ 136).

وهو موقوف صحيح.

(2)

في المصنف رقم (13603).

(3)

في المسند (ج 2 رقم 257 - ترتيب).

وهو موقوف بسند منقطع.

(4)

الباب السادس عشر خلال شرح الحديث (45/ 3136) من كتابنا هذا.

(5)

في "مختصر اختلاف العلماء"(3/ 299) وفي "أحكام القرآن" للجصاص (3/ 283).

(6)

المحلى (11/ 165 - 166).

• قال الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 326): "قال عليه السلام: "أربع إلى الولاة"، وذكر منها الحدود. قلت: غريب - أي ضعيف -.

- وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه"(9/ 553 رقم 8487): حدثنا عبدة عن عاصم عن الحسن، قال:"أربعة إلى السلطان: الزكاة، والصلاة، والحدود، والقضاء" انتهى.

- حدثنا ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية، عن عبد الله بن محيريز، قال:"الجمعة، والحدود، والزكاة، والفيء إلى السلطان" - مصنف ابن أبي شيبة (9/ 554 رقم 8488) - انتهى.

- حدثنا عمر بن أيوب عن مغيرة بن زيادة عن عطاء الخراساني، قال:"إلى السلطان: الزكاة، والجمعة، والحدود" انتهى - مصنف ابن أبي شيبة (9/ 554 رقم 8449) - انتهى". اهـ.

ص: 321

وقد تقدم الخلاف في ذلك في الباب الذي قبل هذا.

وقد اختلف أهل العلم في المملوك إذا كان محصنًا هل يرجم أم لا؟ فذهب الأكثر إلى الثاني، وذهب الزهري وأبو ثور

(1)

إلى الأول.

واحتج الأولون بأن الرجم لا يتنصَّف، واحتجَّ الآخرون بعموم الأدلة.

وأما المكاتب فذهبت العترة

(2)

إلى أنه لا رجم عليه ويجلد كالحر بقدر ما أدي وفي البقية كالعبد، وذهبت الشافعية

(3)

والحنفية

(4)

إلى أنه يجلد كالعبد مطلقًا لحديث: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم"

(5)

.

وقد تقدَّمَ وتقدم الكلامُ على التقسيطِ في المكاتبِ في بابِ الكتابةِ

(6)

.

* * *

(1)

موسوعة الإمام أبي ثور (ص 706 - 707).

(2)

البحر الزخار (5/ 142).

(3)

البيان للعمراني (12/ 356).

(4)

الاختيار (4/ 340).

(5)

أخرجه أبو داود رقم (3926) والنسائي في الكبرى رقم (5026 - العلمية) والحاكم في المستدرك (2/ 218) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(6)

عند الحديث رقم (2608) من كتابنا هذا.

ص: 322

[ثانيًا][أبواب]

(1)

القطع في السَّرقة

[الباب الأول] بابُ ما جاءَ في كَمْ يقطعُ السَّارِقُ؟

1/ 3140 - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ في مِجَنّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَراهِمَ. رَواهُ الجَماعَةُ

(2)

.

وفي لفْظِ بَعْضِهِمْ: قِيمَتُهُ ثلَاثَةُ دَرَاهِمَ). [صحيح]

2/ 3141 - (وعَنِ عَائِشةَ قَالتْ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْطَعُ يَدَ السّارِقِ في رُبُعِ دينار فَصاعِدًا. رَواهُ الجَماعَةُ إلَّا ابْنَ ماجَهْ

(3)

. [صحيح]

وفي روايَةٍ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تُقْطَعُ يَدُ السّارِقِ إلَّا في رُبُعِ دِينارٍ فصاعدًا"، رواهُ أَحمَدُ

(4)

ومسْلِمٌ

(5)

والنَّسائيُّ

(6)

وابْنُ ماجَهْ

(7)

. [صحيح]

وفي رِوايَةٍ قالَ: "تُقْطعُ يَدُ السّارِقِ في رُبُعِ دِينارٍ"، رَوَاهُ البُخَاريُّ

(8)

(1)

في المخطوط (أ)، (ب):(كتاب) وأبدلته بـ (أبواب) لضرورة الترتيب.

(2)

أحمد في المسند (2/ 80، 82) والبخاري رقم (6795) ومسلم رقم (6/ 1686) وأبو داود رقم (4385) والترمذي رقم (1446) والنسائي رقم (4907) وابن ماجه رقم (2584).

وهو حديث صحيح.

• ولفظ: "قيمته" للبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه.

(3)

أحمد في المسند (6/ 36) والبخاري رقم (6791) ومسلم رقم (1/ 1684) وأبو داود رقم (4383) والترمذي رقم (1445) والنسائي رقم (4921).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (6/ 104).

(5)

في صحيحه رقم (12/ 684).

(6)

في سننه رقم (4928)

(7)

في سننه رقم (2585).

وهو حديث صحيح.

(8)

في صحيحه رقم (6790).

ص: 323

والنَّسائيُّ

(1)

وأَبُو داوُدَ

(2)

. [صحيح]

وَفي رِوَايَةٍ قالَ: "تُقْطَعُ اليَدُ في رُبُعِ دِينارٍ فصَاعِدًا". رَوَاهُ البُخاريُّ

(3)

. [صحيح]

وفي روايةٍ قال: "اقْطَعُوا في رُبُعِ دِينَارٍ، وَلا تقْطَعُوا فِيما هُوَ أَدْنَى مِنْ ذلِكَ"، وكَانَ رُبُعُ الدِّينَارِ يَوْمَئذٍ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ، والدِّينَارُ اثْنَى عشر دِرْهَمًا. رَوَاهُ أَحمدُ

(4)

. [صحيح]

وفي روايةٍ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقْطَعُ يَدُ السَارقِ فيما دُونَ ثمَنِ الْمِجَنِّ"، قِيل لِعائشةَ: ما ثَمَنُ الْمِجَنِّ؟ قالتْ: رَبُعُ دِينَارٍ. رَواهُ النَّسائيُّ)

(5)

. [منكر]

3/ 3142 - (وعَنِ الأعمَش عَنْ أبي صالِحٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ الله السَّارِقَ يَسْرِق البَيْضةَ فتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرقُ الحَبْلَ فتُقْطعُ يَدُهُ"، قالَ الأعمَشُ: كانُوا يَروْنَ أَنهُ بَيْضُ الحَدِيدِ، والحَبْلُ كانوا يرَوْنَ أَنَّ مِنها ما يُساوِي دَرَاهِمَ. متَّفَقٌ عَليهِ

(6)

، وليْسَ لِمُسلمٍ فيهِ زيادَةُ قوْلِ الأعمَشِ). [صحيح]

قوله: (في مِجَنّ) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون وهو الترس

(7)

، ويُقَالُ له: مِجنة

(8)

بكسر الميم أيضًا، وجُنَانٌ وجُنَانَةٌ بضمهِمَا.

(1)

في صحيحه رقم (4917).

(2)

في سننه رقم (4384).

(3)

في سننه رقم (6789).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (6/ 80 - 81).

قلت: وأخرجه البيهقي (8/ 255) وإسناده صحيح.

• وأخرج مسلم في صحيحه رقم (4/ 1684) والنسائي رقم (4928) و (4929) وفي السنن الكبرى رقم (7415، 7416 - العلمية) وابن نصر المروزي في "السنة" رقم (322) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 165 - 166) والبيهقي (8/ 254، 255) من طرق بنحوه.

وهو حديث صحيح.

(5)

في السنن رقم (4915).

وهو حديث منكر.

(6)

أحمد في المسند (2/ 253) والبخاري رقم (6799) ومسلم رقم (7/ 1687).

وهو حديث صحيح.

(7)

النهاية (1/ 301).

(8)

القاموس المحيط (ص 1532).

ص: 324

قوله: (فصاعدًا) هو منصوب على الحالية: أي: فزائدًا، ويستعمل بالفاء وبثم، لا بالواو.

وفي رواية لمسلم

(1)

: "لن تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فما فوقه".

قوله: (في ربع دينار) هذه الرواية موافقةٌ لرواية الثلاثة الدراهم التي هي ثمن المجن، كما في رواية النسائي المذكورة في الباب

(2)

: "أن ثمن المجنِّ كان ربع دينار"، وكما في رواية أحمد

(3)

: "أَنه كان ربع الدينار يومئذٍ ثلاثة دراهم".

قال الشافعي

(4)

: وربع الدينار موافقٌ لرواية: ثلاثة دراهم؛ وذلك أن الصَّرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر درهمًا بدينار، وكان كذلك بعده.

وقد تقدم أن عمر فرض الدية على أهل الوَرِق اثني عشر ألف درهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار.

وأخرج ابن المنذر: أنَّه أُتيَ عثمان بسارقٍ سرق أترجَّةً، فقوِّمت بثلاثة دراهم من حساب [الدينار]

(5)

باثني عشر، فَقُطِعَ

(6)

.

وأخرج أيضًا البيهقي

(7)

من طريق جعفر بن محمد عن أبيه: أن عليًا قطع في ربع دينار وكانت قيمته درهمين ونصفًا.

وأخرج البيهقي

(8)

أيضًا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن علي: القطع في ربع دينار فصاعدًا.

وأخرج

(9)

أيضًا من طريقه عن علي أنه قطع يد سارق في بيضة من حديد ثمنها ربع دينار، ورجاله ثقات ولكنه منقطع.

(1)

في صحيحه رقم (3/ 1684).

(2)

تقدم وهو في سنن النسائي رقم (4915).

وهو حديث منكر.

(3)

تقدم وهو في المسند (6/ 80 - 81) بسند صحيح.

(4)

"الأم"(7/ 373).

(5)

في المخطوط (ب): الدنانير.

(6)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 832 رقم 23) والشافعي في المسند (ج 2 رقم 273 - ترتيب) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 260، 262).

وهو موقوف صحيح.

(7)

في السنن الكبرى (8/ 260).

(8)

في السنن الكبرى (8/ 261).

(9)

أي: البيهقي في السنن الكبرى (8/ 260).

ص: 325

وقد ذهب إلى ما تقتضيه أحاديث الباب من ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار الجمهور

(1)

من السلف والخلف ومنهم الخلفاء الأربعة.

واختلفوا فيما يقوَّم به ما كان من غير الذهب والفضة. فذهب مالك

(2)

في المشهور عنه إلى أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدينار إذا كان الصرف مختلفًا.

وقال الشافعي

(3)

: الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب، لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها حتى قال: إن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع. انتهى.

قال مالك

(4)

: وكلُّ واحدٍ من الذهب والفضة معتبر في نفسه، لا يقوّم بالآخر. وذكر بعض البغداديين: أنه ينظر في تقويم العروض بما كان غالبًا في نقود أهل البلد.

وذهبت العترة

(5)

، وأبو حنيفة

(6)

وأصحابه وسائر فقهاء العراق إلى أن النصاب الموجب للقطع هو عشرة دراهم، ولا قطع في أقل من ذلك.

واحتجُّوا بما أخرجهُ البيهقي

(7)

والطحاوي

(8)

من حديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال: كان ثمن المجنّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوَّم عشرة دراهم.

وأخرج نحو ذلك النسائي

(9)

عنه.

(1)

المغني (12/ 418).

(2)

عيون المجالس (5/ 2117 - 2118) والمدونة (4/ 412).

(3)

الأم (7/ 373) والبيان للعمراني (12/ 438).

(4)

التهذيب في اختصار المدونة (4/ 425).

(5)

البحر الزخار (5/ 175).

(6)

البناية في شرح الهداية (6/ 376).

(7)

في السنن الكبرى (8/ 257).

(8)

في شرح معاني الآثار (3/ 163) بإسنادهما محمد بن إسحاق وقد عنعن.

(9)

في سننه رقم (4951).

وهو حديث شاذ.

ص: 326

وأخرج عنه أبو داود

(1)

أن ثمنه كان دينارًا أو عشرة دراهم.

وأخرج البيهقي

(2)

عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم".

وأخرج النسائي

(3)

عن عطاء مرسلًا أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن قال: وثمنه عشرة دراهم.

قالوا: وهذه الروايات في تقدير ثمن المجن أرجح من الروايات الأولى وإن كانت أكثر وأصح ولكن هذه أحوط، والحدود تدفع بالشبهات، فهذه الروايات كأنها شبهة في العمل بما دونها.

وروي نحو هذا عن ابن العربي

(4)

قال: وإليه ذهب سفيان مع جلالته.

ويجاب: بأنَّ الروايات المروية عن ابن عباس، وابن عمرو بن العاص، في إسنادها جميعًا محمد بن إسحاق وقد عنعن، ولا يحتج بمثله إذا جاء بالحديث معنعنًا فلا يصلح لمعارضة ما في الصحيحين عن ابن عمر

(5)

وعائشة

(6)

، وقد تعسف الطحاوي

(7)

فزعم أن حديث عائشة مضطرب ثم بين الاضطراب بما يفيد بطلان قوله.

وقد استوفى صاحِبُ الفتح

(8)

الرَّدَّ عليه.

وأيضًا حديث ابن عمر (5) حجة مستقلة، ولو سلمنا صلاحية روايات تقدير ثمن المجن بعشرة دراهم لمعارضة الروايات الصحيحة لم يكن ذلك مفيدًا للمطلوب، أعني عدم ثبوت القطع فيما دون ذلك لما في الباب من إثبات القطع في ربع الدينار وهو دون عشرة دراهم، فيرجع إلى هذه الروايات ويتعين طرح

(1)

في سننه رقم (4387).

وهو حديث شاذ.

(2)

في السنن الكبرى (8/ 259). بإسناده، محمد بن إسحاق وقد عنعن.

(3)

في السنن رقم (4952).

وهو حديث شاذ.

(4)

في عارضة الأحوذي (6/ 226).

(5)

تقدم برقم (3140) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم برقم (3141) من كتابنا هذا.

(7)

في "شرح معاني الآثار"(3/ 164).

(8)

في "الفتح"(12/ 106).

ص: 327

الروايات المتعارضة في ثمن المجن، وبهذا يلوح لك عدم صحة الاستدلال برواية العشرة الدراهم عن بعض الصحابة على سقوط القطع فيما دونها وجعلها شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات لما سلف.

وقد أسلفنا عن جماعة من الصحابة أنهم قطعوا في ربع دينار وفي ثلاثة دراهم.

(المذهب الثالث): نقله عياض

(1)

عن النخعي

(2)

: أنَّه لا يجب القطع إلا في أربعة دنانير، أو أربعين درهمًا، وهذا قول لا دليل عليه فيما أعلم.

(المذهب الرابع): حكاه ابن المنذر

(3)

عن الحسن البصري

(4)

أنه يقطع في درهمين. وحكاه في البحر

(5)

عن زياد بن أبي زياد، ولا دليل على ذلك من المرفوع.

وقد أخرج ابن أبي شيبة

(6)

عن أنس بسند قوي أن أبا بكر قطع في شيء ما يساوي درهمين. وفي لفظ: لا يساوي ثلاثة دراهم.

(المذهب الخامس): أربعة دراهم، نقله ابن المنذر

(7)

عن أبي هريرة وأبي سعيد، وكذلك حكاه عنهما في البحر

(8)

، ونقله عياض

(9)

عن بعض الصحابة وهو مردود بما سلف.

(1)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 499).

(2)

انظر: موسوعة فقه إبراهيم النخعي (2/ 572 - 573).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 106).

(4)

انظر: موسوعة فقه الحسن البصري (2/ 527).

والاستذكار (24/ 166 رقم 35894).

(5)

البحر الزخار (5/ 176).

(6)

في المصنف (9/ 470).

(7)

وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 471 رقم 8144) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 262).

عن داود بن فراهيج أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد الخدري يقولان: لا تقطع اليد إلا في أربعة دراهم فصاعدًا".

وانظر: الاستذكار (24/ 164 - 165 رقم 35887).

(8)

البحر الزخار (5/ 176).

(9)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 499).

ص: 328

(المذهب السادس): ثلث دينار، رواه ابن المنذر

(1)

عن الباقر.

(المذهب السابع): خمسة دراهم، حكاه في البحر

(2)

عن الناصر والنخعي

(3)

وروي عن ابن شبرمة

(4)

، وهو مروي عن ابن أبي

(5)

ليلى، والحسن البصري

(6)

.

واستدلوا بما أخرجه ابن المنذر

(7)

عن عمر أنه قال: لا تقطع الخمس إلا في خمس.

(المذهب الثامن): دينارٌ، أو ما بلغ قيمته، رواه ابن المنذر

(8)

عن النخعي

(9)

، وحكاه ابن حزم

(10)

عن طائفة.

(المذهب التاسع): ربع دينار من الذهب، ومن غيره في القليل والكثير، وإليه ذهب ابن حزم

(11)

ونقل نحوه ابن عبد البر

(12)

.

واستدل ابن حزم

(13)

بأن التحديد في الذهب منصوص ولم يوجد نصٌّ في غيره فيكون داخلًا تحت عموم الآية.

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 107).

(2)

البحر الزخار (5/ 176).

(3)

موسوعة فقه إبراهيم النخعي (2/ 573).

(4)

(5)

الاستذكار (24/ 163 رقم 35880).

(6)

قال ابن عبد البر في الاستذكار (24/ 165 رقم 35891):

وروي عن الحسن البصري، في هذا الباب روايات:

35892 -

فروى الأشعث بن عبد الملك، أنه قال: ما كنت لأنْ أقطع اليد في أقل من خمسة دراهم.

35893 -

وروى منصور عنه، أنه كان لا يوقَّتُ في السرقةِ شيئًا، ويتلو هذه الآية:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38].

35894 -

وروى قتادة عنه، أنه قال: تذاكرنا على عهد زياد ما تقطع فيه اليد، فأجمع رأينا على درهمين".

وروي عن الحسن البصري روايات أخرى انظرها في: أحكام القرآن للجصاص (2/ 416).

(7)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 107).

(8)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 107).

(9)

موسوعة فقه إبراهيم النخعي (2/ 573).

(10)

المحلى (11/ 351).

(11)

المحلى (11/ 350).

(12)

الاستذكار (24/ 158 - 159).

(13)

المحلى (11/ 351 - 452).

ص: 329

ويجاب عن ذلك برواية النسائي

(1)

المذكور في الباب بلفظ: "لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن".

ويمكن أيضًا الجواب عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: "اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما دون ذلك" كما في الباب

(2)

؛ لأنه يصدق على ما لم تبلغ قيمته ربع دينار: أنه دونه، وإن كان من غير الذهب فإنه يفضل الجنس على جنس آخر مغايرٍ له باعتبار الزيادة في الثمن، وكذلك العرض على العرض باعتبار اختلاف ثمنهما.

(المذهب العاشر): أنه يثبت القطع في القليل والكثير، حكاه في البحر

(3)

عن الحسن البصري

(4)

وداود

(5)

والخوارج

(6)

.

واستدلوا بإطلاق قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}

(7)

.

ويجاب: بأنَّ إطلاق الآية مقيد بالأحاديث المذكورة في الباب.

واستدلوا ثانيًا بحديث أبي هريرة المذكور في الباب

(8)

؛ فإنَّ فيه: "يسرق البيضة فتقطع يده، وشرق الحبل فتقطع يده".

وقد أجيب عن ذلك: أن المراد به تحقير شأن السارق وخسار ما ربحه، وأنَّه إذا جعل السرقة عادةً له جرأه ذلك على سرقة ما فوق البيضة والحبل حتى يبلغ إلى المقدار الذي تقطع به الأيدي، هكذا قال الخطابي، وابن قتيبة، وفيه تعسف.

ويمكن أن يقال: المراد المبالغة في التنفير عن السرقة وجَعْل ما لا قطع فيه بمنزلة ما فيه القطع، كما في حديث: "من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص

(1)

في سننه رقم (4915).

وهو حديث منكر وقد تقدم.

(2)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 80 - 81) بسند صحيح.

(3)

البحر الزخار (5/ 176).

(4)

تقدمت الروايات عنه قريبًا. وانظر: موسوعة فقه الحسن البصري (2/ 527).

(5)

المحلى (11/ 350).

(6)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(24/ 166 رقم 35895): وقالت الخوارج، وطائفة من أهل الكلام: كل سارق، بالغ، سرق ماله قيمة، قفت: أو كثرت، فعليه القطع.

(7)

سورة المائدة، الآية (38).

(8)

تقدم برقم (3142) من كتابنا هذا.

ص: 330

قطاة"

(1)

، وحديث:"تصدَّقي ولو بظلف محرَّق"

(2)

، مع أن مفحص القطاة لا يكون مسجدًا، والظلف المحرق لا ثواب في التصدق به لعدم نفعه، ولكن مقام الترغيب في بناء المساجد والصدقة اقتضى ذلك، على أنه قد قيل: إنَّ المراد بالبيضة بيضةُ الحديد كما وقع في الباب عن الأعمش، ولا شك أن لها قيمة، وكذلك الحبل فإن في الحبال ما تزيد قيمته على ثلاثة دراهم كحبال السفن، ولكن مقام المبالغة لا يناسب ذلك.

وقد تقدم أن عليًا قطع في بيضة حديدٍ، ثمنها ربع دينار.

(الحادي عشر): أنَّه يثبت القطع في درهم فصاعدًا لا دونه، حكاهُ في "البحر"

(3)

عن البتِّي

(4)

، وروي عن ربيعة.

هذه جملة المذاهب المذكورة في المسألة، وقد جعلها في الفتح

(5)

عشرين مذهبًا، ولكن البقية على ما ذكرنا لا يصلح جعلها مذاهب مستقلة لرجوعها إلى ما حكيناه.

[الباب الثاني] بابُ اعتبارِ الحِرْزِ والقَطْعِ فيمَا يسْرِعُ إليه الفَسَادُ

4/ 3143 - (عَنْ رَافعِ بْنِ خَدِيجٍ قالَ: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا قطْعَ في ثَمَرٍ، ولا كَثَرٍ". رواهُ الخَمْسةُ)

(6)

. [صحيح]

(1)

تقدم تخريجه برقم (627) من كتابنا هذا.

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 83) ولم يعزه لأحد، ولم يحكم عليه.

(3)

البحر الزخار (5/ 176).

(4)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(24/ 165 رقم 35890): وقال عثمان البتي: تقطعُ اليد في درهمٍ.

(5)

الفتح (12/ 106 - 107).

(6)

أحمد في المسند (3/ 463) و (4/ 140، 142) وأبو داود رقم (4388) والترمذي رقم (1449) والنسائي رقم (4961) وابن ماجه رقم (2593).

وهو حديث صحيح. وانظر: الإرواء رقم (2414).

ص: 331

5/ 3144 - (وعَن عمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الثَّمَرِ المُعلَّقِ، فقالَ:"مَنْ أَصَابَ مِنْهُ بِفِيهِ مِنْ ذِي حاجةٍ غيْرَ متَّخِذٍ خُبْنةً فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، ومَنْ خَرَجَ بشْيءٍ فعليه غرَامةُ مِثليْهِ والْعُقُوبَةُ، ومنْ سَرقَ مِنْهُ شيئًا بَعدَ أَنْ يُؤوَيهُ الجَرينُ فبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ القَطْعُ". رَوَاهُ النَّسائي

(1)

وأَبُو دَاوُدَ

(2)

. [حسن]

وفي رِوَايَةٍ قالَ: سمِعتُ رجلًا مِنْ مُزَيْنةَ يَسألُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الحَرِيسةِ التي [تُوجَدُ]

(3)

في مَرَاتِعِها قال: "فِيها ثَمنُها مَرّتَيْنِ وضَرْبُ نَكَالٍ، وما أُخِذَ مِنْ عَطَنِهِ فَفِيهِ القَطْعُ إذَا بلَغَ ما يُؤْخَذُ مِنْ ذلكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ"، قالَ: يا رسُولَ الله فالثمارُ ومَا أُخِذَ مِنْها في أَكْمامِهَا؟ قالَ: "مَنْ أَخَذَ بِفَمِهِ وَلمْ يتَّخذْ خُبْنَةً فَلَيْسَ عَليْهِ شَيْءٌ، ومَنِ احْتمَل فَعَلَيْهِ ثَمنُهُ مَرَّتينِ وضَرْبُ نَكالٍ، وما أُخِذَ مِنْ أَجْرَانِهِ ففِيهِ القَطْعُ إذَا بَلَغَ ما يؤخَذُ مِنْ ذلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ"، رَواهُ أحمد

(4)

والنَّسائيُّ

(5)

ولابْنِ ماجهْ

(6)

مَعنَاهُ. وزَادَ النَّسائي (5) في آخِرهِ: "وَمَا لمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فِفيهِ غَرَامَةُ مِثلَيْهِ، وَجلْدَاتُ نَكالٍ"). [حسن]

6/ 3145 - (وعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحمنِ أن سَارِقًا سَرَقَ أتَرُجَّةً في زمَنِ عُثْمانَ بْنِ عفَّانَ، فأَمَرَ بِها عُثْمانُ أَنْ تُقَوَّمَ فقُوِّمَتْ ثَلاثةَ درَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثَنْي عَشَرَ بدِينَارٍ فَقَطَعَ عُثْمانُ يَدَهُ. رواهُ مالك في المُوَطَّإِ)

(7)

. [موقوف صحيح]

(1)

في سننه رقم (4958).

(2)

في سننه رقم (4390).

وهو حديث حسن.

(3)

في المخطوط (أ)، (ب):(تؤخذ) والمثبت من المسند.

(4)

في المسند (2/ 180، 203).

(5)

في سننه رقم (4959).

(6)

في سننه رقم (2596).

وهو حديث حسن.

(7)

في الموطأ (2/ 832 رقم 23).

قلت: وأخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 273 - ترتيب) وفي السنن الكبرى (8/ 260، 262) وفي السنن الصغير رقم (3265) وفي "معرفة السنن والآثار"(6/ 392 رقم 5145 - العلمية).

وهو موقوف صحيح.

ص: 332

حديث رافع [بن خديج]

(1)

أخرجه أيضًا الحاكم

(2)

والبيهقي

(3)

، وصححه البيهقي

(4)

وابن حبان

(5)

واختلف في وصله وإرساله.

وقال الطحاوي

(6)

: هذا الحديث تلقّت العلماء متنه بالقبول.

وحديث عمرو بن شعيب: أخرجه أيضًا الحاكم

(7)

، وصححه، وحسنه الترمذي

(8)

.

وأثر عثمان أخرجه أيضًا البيهقي

(9)

وابن المنذر.

وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد

(10)

وابن ماجه

(11)

بنحو حديث رافع وفي إسناده سعد بن سعيد المقبري

(12)

وهو ضعيف.

وأخرج ابن أبي شيبة

(13)

عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن

(1)

زيادة من المخطوط (1).

(2)

لم أقف عليه في المستدرك، وقد عزاه الحافظ في "التلخيص"(4/ 121) للحاكم.

(3)

في السنن الكبرى (8/ 263).

(4)

في حاشية المخطوط (ب): "أما ابن حبان فذكر في "خلاصة البدر" أنه صححه. وأما البيهقي فلم يصححه بعدما بحث في سننه" و "التلخيص" فينظر.

(5)

في صحيحه رقم (4466).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(4/ 121).

(7)

في المستدرك (4/ 381) وقال: "سنة تفرد بها عمرو بن شعيب بن محمد عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر" ووافقه الذهبي.

(8)

في سننه رقم (1289) وقال: حسن.

(9)

في السنن الكبرى (8/ 260، 262) وفي السنن الصغير رقم (3265) وفي "معرفة السنن والآثار"(6/ 392 رقم 5145 - العلمية) وقد تقدم.

(10)

عزاه الحافظ في "التلخيص"(4/ 121) لأحمد.

(11)

في سننه رقم (2594) وإسناده ضعيف جدًّا لضعف سعد بن سعيد المقبري ضعيف.

وأخوه - عبد الله - متروك.

ولكن الحديث صحيح لغيره.

(12)

قال الحافظ في "التقريب" رقم (2236): سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، المدني، أبو سهل: لين الحديث

وقال المحرران: بل ضعيف.

(13)

لم أقف عليه في "المصنف".

وقد أخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 277 - ترتيب) والبيهقي في السنن الكبرى =

ص: 333

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة حبل"، وهو معضل.

قوله: (ولا كثر) بفتح الكاف والثاء المثلثة وهو الجُمَّار.

قال في القاموس

(1)

: والكثر، ويحرَّك: جُمَّار النَّخل، أو طلعها، قال أيضًا: والجُمَّار كرُمَّان: شحم النخلة.

قوله: (خُبْنَة) بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها نون. قال في القاموس

(2)

: خبن الثوب وغيره، يخبنه خبنًا. وخبانًا بالكسر: عطفه وخاطه ليقصر، والطعام غيَّبه، وخبَّاه للشدَّة، والخبنة بالضم: ما تحمله في حضنك. انتهى.

قوله: (الجرين) قال في "النهاية"

(3)

: هو موضعُ تجفيف التمر، وهو له كالبيدر للحنطة، ويجمع على جُرُنٍ بضمَّتين. وقال في القاموس

(4)

: والجرن بالضم، وكأميرٍ، ومنبرٍ: البيدر، وأجرن التمر: جمعه فيه. انتهى.

قوله: (عن الحَرِيْسة) بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء، وسكون التحتية، بعدها سين مهملة، قيل: هي التي ترعى وعليها حرس، فهي على هذا المحروسة نفسها.

وقيل: هي السيارة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها.

وفي القاموس

(5)

: حرس، كضرب: سرق، كاحترس، وكسمع: عاش طويلًا. والحريسة: المسروقة، الجمع: حرائس، وجدارٌ من حجار يعمل للغنم. انتهى.

= (8/ 263) وفي السنن الصغير رقم (3277) و"معرفة السنن والآثار"(6/ 405 رقم 5165).

إسناده ضعيف لإعضاله، لكن ثبت موصولًا عند أبي داود رقم (1710، 4390) والترمذي رقم (1289) والنسائي رقم (4958) وابن ماجه رقم (2596) وأحمد (2/ 180، 203، 207) وغيرهم من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به.

وإسناده حسن.

وقد حسنه المحدث الألباني في الإرواء رقم (2413).

والخلاصة: أن الحديث حسن.

(1)

القاموس المحيط (ص 602).

(2)

القاموس المحيط (ص 1539).

(3)

النهاية (1/ 258). وانظر: "المجموع المغيث"(1/ 323).

(4)

القاموس المحيط (ص 1530).

(5)

القاموس المحيط (ص 692).

ص: 334

قوله: (فيها ثمنها مرتين) فيه دليل على جواز التأديب بالمال. وقد تقدم الكلام على ذلك في الزكاة

(1)

.

وقوله: (وضرب نكالٍ) يجوز أن يكون بالتنوين للأول وبالإضافة، وفيه: جواز الجمع بين عقوبة المال والبدن.

قوله: (في أكمامها) جمع كم بكسر الكاف: وهو وعاء الطَّلع

(2)

.

وقد استُدِلَّ بحديث رافع: على أنه لا قطع على من سرق الثمر، والكثر، سواء كانا باقيين في منبتهما أو قد أخذا منه وجعلا في غيره، وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة

(3)

قال: ولا قطع في الطعام، ولا فيما أصله مباحٌ، كالصيد، والحطب، والحشيش.

واستدلّ على ذلك أيضًا: بأنَّ هذه الأمور غير مرغوب فيها، ولا يشحّ بها مالكها، فلا حاجة إلى الزجر والحرز فيها ناقص.

وذهبت الهادوية

(4)

إلى أنه لا قطع في الثمر والكثر والطبائخ والشواء والهرائس إذا لم تحرز، وأما إذا أحرزت وجب فيه القطع وهو محكي عن الجمهور.

وذهب الثوري إلى أن الشيء إن كان يبقى يومًا فقط كالهرائس والشواء لم يقطع سارقه وإلا قطع.

وقال الشافعي

(5)

: إنَّ حديث رافع خرجَ على ما كان عليه عادة أهل المدينة من عدم إحراز حوائطها فذلك لعدم الحرز، فإذا أحرزت الحوائط كانت كغيرها.

وقد حكى صاحب البحر

(6)

عن الأكثر أن شرط القطع الحرز.

وعن أحمد

(7)

وإسحاق وزفر

(8)

والخوارج

(9)

، وهو مروي عن

(1)

نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار (8/ 35 - 43) من كتابنا هذا.

(2)

القاموس المحيط (ص 1491).

(3)

الاختيار (4/ 368 - 370).

(4)

البحر الزخار (5/ 180).

(5)

البيان للعمراني (12/ 439 - 440).

(6)

البحر الزخار (5/ 179).

(7)

المغني (12/ 416).

(8)

الإمام زفر وآراؤه الفقهية (1/ 303).

والمبسوط للسرخسي (9/ 148 - 149).

(9)

الاستذكار (24/ 181 - 182 رقم 35949).

ص: 335

الظاهرية

(1)

وطائفة من أهل الحديث، أنه لا يشترط.

ويدلُّ على ذلك ما سيأتي في قطع جاحد الوديعة

(2)

، وفي باب تفسير الحرز.

ومما يُسَتدلُّ به على عدم القطع في الثمر إذا كان غير محرز حديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب

(3)

، فإن فيه:"إن من أصاب من الثمر المعلق بفيه ولم يتخذ خبنة فلا قطع عليه ولا ضمان إن كان من ذوي الحاجة، وإن خرج بشيء منه كان عليه غرامة مثليه ومن سرق منه بعد أن يحرز في الجرين قطع إذا بلغ ثمن المجن"، فهذا يدل على أن الثمر إذا أحرز قطع سارقه.

ومما يدلُّ على اعتبار الحرز أيضًا: روايةُ النسائي

(4)

وأحمد

(5)

المذكورة في الباب في سارق الحريسة والثمار.

وأما أثر عثمان المذكور في الباب

(6)

: "أنه قطع في أُترجّة"، فلا يعارض ما ورد في اعتبار الحرز، لأن غاية ما فيه: أنه لم يقع تقييد ذلك بالحرز فيمن حمله على أن تلك الأترجة كانت قد أحرزت.

وهكذا حديث رافع

(7)

فإنَّ ظاهره: أنه لا قطع في ثمرٍ، ولا كثر مطلقًا، ولكنه مطلقٌ مقيدٌ بحديث عمرو بن شعيب (3) المذكور بعدَهُ.

[الباب الثالث] بابُ تفسيرِ الحِرْزِ وأنَّ المرجِعَ فيهِ إلى الغرْفِ

7/ 3146 - (عَنْ صَفْوانَ بْنِ أميَّةَ قال: كُنتُ نائمًا في المَسْجِدِ على خَميصةٍ لي فَسُرِقَتْ فأخَذْنا السَّارِقَ فَرَفَعْناهُ إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأمرَ بقَطْعِهِ، فَقُلْتُ:

(1)

بل قال ابن حزم في المحلى (11/ 320): "لا قطع إلَّا فيما أخرج من حرزه".

(2)

الباب الرابع: باب ما جاء في المختلِس والمنتهب والخائن وجاحد العارية عند الحديث رقم (9/ 3148) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (3144) من كتابنا هذا.

(4)

في سننه رقم (4959).

(5)

في المسند (2/ 180).

تقدم خلال الحديث رقم (3144) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم برقم (3145) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (3143) من كتابنا هذا.

ص: 336

يَا رَسُولَ الله أَفِي خَمِيصةٍ ثَمَنِ ثَلاثِينَ دِرْهمًا؟ أَنَا أهبُها لهُ أوْ أَبِيعُها لهُ، قال:"فَهَلَّا كانَ قبْلَ أَنْ تأتِيَني بهِ". رواهُ الخمْسةُ إلَّا الترمذيَّ

(1)

. [صحيح]

وفي رواية لأحمدَ

(2)

والنسائيِّ

(3)

: فقطَعهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم). [صحيح]

8/ 3147 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قطَعَ يَدَ سَارِقٍ سَرَقَ بُرْنُسًا مِنْ صُفَّةِ النساءِ ثَمنُهُ ثَلاثةُ دَرَاهِمَ. رَوَاهُ أحمدُ

(4)

وأبُو داود

(5)

والنَّسائي)

(6)

. [صحيح]

حديث صفوان أخرجه أيضًا مالك في الموطأ

(7)

والشافعي

(8)

والحاكم

(9)

من طرق منها عن طاوس عن ابن عباس، قال البيهقي

(10)

: وليس بصحيح.

(ومنها) عن طاوس عن صفوان، قال ابن عبد البر

(11)

: سماع طاوس عن صفوان ممكن لأنه أدرك زمن عثمان. وروي عنه أنه قال: أدركت سبعين صحابيًا.

ورواه مالك عن الزهري عن عبيد الله بن صفوان عن أبيه. وقد صححه ابن الجارود

(12)

والحاكم

(13)

.

(1)

أحمد في المسند (3/ 401)، (6/ 466) وأبو داود رقم (4394) والنسائي رقم (4884) وابن ماجه رقم (2595).

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (3/ 401)، (6/ 465).

(3)

في سننه رقم (4878).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (2/ 80).

(5)

في سننه رقم (4386).

(6)

في سننه رقم (4909).

كلهم بلفظ: "ترْسًا" بدل: "بُرْنسًا".

وهو حديث صحيح.

(7)

في الموطأ (2/ 834 - 835 رقم 28).

(8)

في المسند (ج 2 رقم 278، 279 - ترتيب).

(9)

في المستدرك (4/ 380) وسكت عنه هو والذهبي.

(10)

في السنن الكبرى (8/ 265).

(11)

في التمهيد (11/ 219 - مكتبة ابن تيمية).

(12)

في "المنتقى" رقم (828).

(13)

في المستدرك (4/ 380) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. =

ص: 337

وله شاهد

(1)

من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الحافظ

(2)

: وسنده ضعيف.

ورواه البزار والبيهقي

(3)

عن طاوس مرسلًا.

ورواه أيضًا البيهقي

(4)

عن الشافعي عن مالك أن صفوان بن أمية .. الحديث، وأخرجه أيضًا البيهقي

(5)

من حديث حميد بن أخت صفوان عن صفوان.

وحديث ابن عمر أخرجه أيضًا مسلم

(6)

بمعناه.

قوله: (خميصة) بخاء معجمة مفتوحة، وميم مكسورة، وتحتية ساكنة، ثم صاد. قال في القاموس

(7)

: الخميصة: كساءٌ أسود، مربع له علمان.

قوله: (بُرنسًا) بضم الموحدة، وسكون الراء، وضم النون بعده، مهملة. قال في القاموس

(8)

: هو قلنسوة طويلة؛ أو كلُّ ثوب رأسه منه، دُرَّاعةً كان أو جُبَّةً.

وفي جامع الأصول

(9)

وسنن أبي داود

(10)

وغيرها بلفظ: "ترسًا". بالمثناة من فوق، وسكون الراء، بعدها مهملة وهو معروف.

قوله: (صُفَّةِ النساءِ) بضم الصاد المهملة، وتشديد الفاء: أي الموضع المختصُّ بهنّ من المسجد، وصفة المسجد، موضع مظَّللٌ منه.

وحديثُ صفوان يدل: على أنَّ العفو بعد الرفع إلى الإمام لا يسقط به الحد

= وهو حديث صحيح.

وللحديث طرق أخرى قد استوفاها المحدث الألباني تخريجًا في "الإرواء"(7/ 345 - 349).

(1)

أخرجه الدارقطني في سننه (3/ 204 - 205 رقم 363) إسناده ضعيف فيه محمد بن عبيد الله العرزمي المتروك وغيره.

(2)

في "التلخيص"(4/ 120).

(3)

في السنن الكبرى (8/ 265).

(4)

في السنن الكبرى (8/ 265).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 265).

(6)

في صحيحه رقم (6/ 1686) وقد تقدم.

(7)

القاموس المحيط (ص 797). وانظر: الفائق (2/ 167).

(8)

القاموس المحيط (ص 685). وانظر: النهاية (1/ 128) والفائق (1/ 101).

(9)

في جامع الأصول (3/ 557).

(10)

في سننه رقم (4386).

ص: 338

وهو مجمع عليه كما قدمنا ذلك في باب الحث على إقامة الحد إذا ثبت والنهي عن الشفاعة

(1)

فيه.

ورُوي عن أبي حنيفة

(2)

: أنه يسقط القطع بالعفو مطلقًا، والحديث يردّ عليه.

والمراد بقوله: "فهلا كان قبل أن تأتيني به؟! "، الإخبار له عما ذكره من البيع، أو الهبة: أنَّهما إنما يصحان قبل الرفع إلى الإمام، لا بعده.

وفيه دليل: على أن القطع يسقط بالعفو قبل الرفع، وهو مجمع عليه.

وقد استدلَّ بحديثي الباب من قال بعدم اشتراط الحرز؛ وقد سبق ذكرهم في الباب الذي قبل هذا.

ويُرَدُّ: بأن المسجد حرز لما داخله من آلته وغيرها. وكذلك: الصفة المذكورة في حديث ابن عمر ولا سيما بعد أن جعل صفوان خميصته تحت رأسه كما ثبت في الروايات.

وأما جعل المسجد حرزًا لآلته فقط فخلاف الظاهر، ولو سلم ذلك كان غايته تخصيص الحرز بمثل المسجد ونحوه مما يستوي الناس فيه لما في ترك القطع في ذلك من المفسدة.

وأما التمسك بعموم آية السرقة: فلا ينتهض للاستدلال به؛ لأنه عمومٌ مخصوصٌ بالأحاديث القاضية باعتبار الحرز.

ومما يؤيد اعتباره: قولُ صاحب القاموس

(3)

: السرقةُ والاستراق: المجيء مستترًا لأخذ مال غيره من حرز، فهذا إمام من أئمة اللغة جعل الحرز جزءًا من مفهوم السرقة، وكذا قال ابن الخطيب في تفسير البيان.

(1)

عند الحديث رقم (3119) من كتابنا هذا.

(2)

المبسوط للسرخسي (9/ 186).

(3)

القاموس المحيط (ص 1153).

ص: 339

[الباب الرابع] بابُ ما جَاءَ في المختلِس والمنتهِبِ والخائنِ وجاحِدِ العاريَّةِ

9/ 3148 - (عَنْ جابرٍ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ليْسَ على خائنٍ، ولَا مُنتَهِبٍ، ولَا مُخْتِلس قطعٌ". رواهُ الخُمْسةُ وصحّحهُ التِّرمذيُّ)

(1)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا: الحاكم

(2)

، والبيهقي

(3)

، وابن حبان

(4)

وصححه، وفي رواية له

(5)

عن ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي الزبير عن جابر وليس فيه ذكر الخائن، ورواه ابن الجوزي في "العلل"

(6)

من طريق مكي بن إبراهيم عن ابن جريج وقال: لم يذكر فيه الخائن غير مكي.

(1)

أحمد في المسند (3/ 380) وأبو داود رقم (4391) والترمذي رقم (1448) والنسائي رقم (4971) وابن ماجه رقم (2591).

قلت: وأخرجه: الدارمي (2/ 175) والطحاوي في شرح المعاني (3/ 171) والبيهقي (8/ 279) والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 153) وابن حبان رقم (4457).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في "جامع الأصول"(3/ 570): وفيه تدليس أبي الزبير.

قلت: وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه رقم (18844)، وصرَّح بسماع أبي الزبير من جابر، فانتفت شبهة تدليسه.

وخلاصة القول: أن حديث جابر حديث صحيح.

(2)

لم أقف عليه من حديث جابر في المستدرك.

(3)

في السنن الكبرى (8/ 279).

(4)

في صحيحه رقم (4457).

(5)

أي: لابن حبان في صحيحه رقم (4456) إسناده صحيح.

(6)

في "العلل المتناهية"(2/ 308 - 309 رقم 1326).

"قال الخطيب: لا أعلم روى هذا الحديث عن ابن جريج مجودًا هكذا غير المكي بن إبراهيم إن كان أحمد بن الحباب حفظه عنه. وإن الثوري وعيسى بن يونس وغيرهما رووه عن ابن جريج عن أبي الزبير ولم يذكروا فيه "الخائن".

وكان أهل العلم يقولون: لم يسمع ابن جريج هذا الحديث من أبي الزبير وإنما سمعه من ياسين الزيات عنه فدلسه في روايته عن أبى الزبير.

وقال المؤلف: وقد قال يحيى بن معين: ياسين، ليس حديثه بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث". اهـ.

ص: 340

قال الحافظ

(1)

: قد رواه ابن حبان

(2)

من غير طريقه، فأخرجه من حديث سفيان عن أبي الزبير، عن جابر بلفظ:"ليس على المختلس ولا على الخائن قطعٌ".

وقال ابن أبي حاتم في العلل

(3)

: لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير إنما سمعه من ياسين بن معاذ الزيات وهو ضعيف، وكذا قال أبو داود

(4)

.

قال الحافظ

(5)

أيضًا: وقد رواهُ المغيرة بن مُسلم عن أبي الزبير، عن جابر وأسنده النسائي

(6)

من حديث المغيرة، ورواه

(7)

سويد بن نصر عن ابن المبارك عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير.

قال النسائي

(8)

: [ورواه]

(9)

عيسى بن يونس والفضل بن موسى وابن وهب ومخلد بن يزيد وجماعة فلم يقل واحد منهم: عن ابن جريج حدثني أبو الزبير ولا أحسبه سمعه عنه، وقد أعله ابن القطان

(10)

بعنعنة أبي الزبير عن جابر.

وأجيب: بأنه قد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه

(11)

وصرح بسماع أبي الزبير من جابر.

وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف عند ابن ماجه

(12)

بإسناد صحيح بنحو حديث الباب.

(1)

في "التلخيص"(4/ 123).

(2)

في صحيحه رقم (4458).

(3)

العلل لابن أبي حاتم (1/ 450).

(4)

بأثر الحديث رقم (4393) من سنن أبي داود.

(5)

في "التلخيص"(4/ 123).

(6)

في السنن رقم (4975).

وهو حديث صحيح.

(7)

أخرجه النسائي في الكبرى رقم (3/ 7463 - العلمية).

(8)

في سننه (8/ 89).

(9)

في المخطوط (ب): رواه.

(10)

الوهم والإيهام (4/ 315).

(11)

عبد الرزاق في "المصنف" رقم (18844).

(12)

في سننه رقم (2592).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 319): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات". اهـ.

وقال في الزوائد: رجال إسناده موثقون.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

ص: 341

وعن أنس عند ابن ماجه

(1)

أيضًا، والطبراني في الأوسط

(2)

.

وعن ابن عباس عند ابن الجوزي في "العلل"

(3)

وضعفه، وهذه الأحاديثُ يقوي بعضها بعضًا ولا سيما بعد تصحيح الترمذي

(4)

وابن حبان

(5)

لحديث الباب.

وياسين الزيات هو الكوفي وأصله يمامي، قال المنذري

(6)

: لا يحتج بحديثه، والمغيرة بن مسلم هو السراج خراساني كنيته أبو سلمة

(7)

. قال ابن معين: صالح الحديث، صدوق. وقال أبو داود الطيالسي: إنه كان صدوقًا.

وقد ذهب إلى أنه لا يقطع المختلس والمنتهب والخائن العترة

(8)

والشافعية

(9)

والحنفية

(10)

.

وذهب أحمد

(11)

وإسحاق وزفر والخوارج إلى أنه يقطع، وذلك لعدم اعتبارهم الحرز كما سلف.

والمراد بالخائن هو من يأخذ المال خفيةً، ويظهر النصح للمالك.

والمنتهب: هو من ينتهب المال عن جهة القهر، والغلبة.

والمختلس الذي يسلب المال على طريقة الخلسة. وقال في النهاية

(12)

: هو من يأخذه سلبًا ومكابرة.

(1)

لم أقف عليه عند ابن ماجه.

(2)

في "المعجم الأوسط" رقم (509) وإسناده صحيح.

(3)

في "العلل المتناهية"(2/ 308 رقم 1325) وقال المؤلف: وزمعة بن صالح قد ضعفه أحمد ويحيى والفلاس.

(4)

في السنن (4/ 52).

(5)

في صحيحه رقم (4457).

(6)

في "مختصر السنن"(6/ 224).

(7)

المغيرة بن مسلم القسملي، السرّاج، أبو سلمة: قال أحمد: ما أرى به بأسًا، ووثقه وحسَّن حاله الآخرون أيضًا.

العلل رواية عبد الله (3363)، (5274) والتاريخ الكبير (4/ 1/ 324) والجرح والتعديل (4/ 1 / 229).

(8)

البحر الزخار (5/ 173).

(9)

الأم (7/ 383).

(10)

الاختيار (4/ 371).

(11)

المغني (12/ 416).

(12)

النهاية (1/ 517).

ص: 342

10/ 3149 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: كانتْ مَخْزُوميَّةٌ تَسْتَعِيرُ المَتَاعَ وتَجْحَدُهُ، فأَمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقَطْعِ يَدِها. رَوَاهُ أَحْمدُ

(1)

والنسائيُّ

(2)

وأَبُو داوُد

(3)

وقالَ: فأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقُطِعَت يَدُها [صحيح]

قالَ أَبُو داوُد

(4)

: ورَواهُ [ابْنُ أبي نَجْيحٍ]

(5)

عَنْ نافِعٍ عَنْ صفِيَّةَ بِنْتِ عبَيْدٍ، قال فيهِ: فشُهِدَ عَليهَا).

11/ 3150 - (وعَنْ عائشَةَ قَالَتْ: كانتِ امْرَأَةٌ مخْزُوميَّةٌ تَستعيرُ المتَاعَ وتَجْحَدهُ فأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقَطْعِ يَدِها، فأتى أَهْلُها أُسَامةَ بْنَ زَيدٍ فَكَلَّمُوهُ، فكَلَّمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فِيها، فقالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا أسامَةُ لَا أَرَاكَ تَشْفَعُ في حَدّ مِنْ حُدودِ الله عز وجل"، ثمَّ قَامَ النبيُّ [صلى الله عليه وسلم]

(6)

خَطِيبًا فقالَ: "إنَّما هَلكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ بأنَّهُ إذَا سَرَقَ فيهِمُ الشَّريفُ تركُوهُ، وإذَا سَرقَ فيهِمُ الضَّعيفُ قَطَعُوهُ، والذِي نفْسِي بَيدِهِ لوْ كانَتْ فاطِمةَ بِنْتَ مُحمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" فَقَطَعَ يَدَ المَخْزُوميَّةِ. رواهُ أَحمَدُ

(7)

ومسْلمٌ

(8)

والنَّسائيُّ

(9)

[صحيح]

(1)

في المسند (2/ 151).

(2)

في السنن رقم (4887).

(3)

في السنن رقم (4395).

(4)

في سننه (4/ 556).

(5)

كذا في المخطوط (أ)، و (ب) وفي سنن أبي داود (ابن غَنْحٍ).

• قلت: وأخرجه بنحوه النسائي رقم (4889) من طريق عمرو بن هاشم الجَنْي أبي مالك، عن عبيد الله، عن نافع، به. وإسناده ضعيف.

وأخرجه النسائي رقم (4890) عن محمد بن الخيل الدمشقي، عن شعيب بن إسحاق، عن عبيد الله، عن نافع، أن امرأة كانت

مرسلًا. وإسناده صحيح.

قال الدارقطني في "العلل"(4/ ورقة 113) ورواه يحيى بن عبد الله بن سالم، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، أن امرأة كانت .. مرسلًا. وكذلك رواه الثقفي عن أيوب مرسلًا، والمرسل أشبه.

قلت: والحديث أصله عند مسلم رقم (10/ 1688) من طريق معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، به.

وخلاصة القول: أن حديث ابن عمر حديث صحيح، والله أعلم،

(6)

ما بين الخاصرتين سقط من (أ).

(7)

في المسند (6/ 41، 162).

(8)

في صحيحه رقم (9/ 1688).

(9)

في سننه رقم (4894).

وهو حديث صحيح.

ص: 343

وفي روايةٍ قالَ: اسْتَعارَتِ امْرَأَةٌ، يَعْنِي حُلِيًّا على أَلْسِنة ناسٍ يُعْرفُونَ وَلا تُعْرَف هِيَ، فبَاعَتهُ، فأُخِذَتْ فأتِيَ بِهَا النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمَرَ بقَطْعِ يَدِها، وَهِيَ التِي شفَعَ فِيها أُسَامةُ بْنُ زيدٍ، وقالَ [فِيها]

(1)

رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ما قالَ. رَواهُ أَبُو دَاودَ

(2)

والنَّسائيُّ)

(3)

[صحيح]

حديث ابن عمر: أخرجه أيضًا أبو عوانة في صحيحه

(4)

من طريق أيوب، عن نافع عنه.

وأخرجه أيضًا: النسائي

(5)

وأبو عوانة

(6)

من وجهٍ آخر عن [عبيد الله]

(7)

بن عمر العمري، عن نافع عنه أيضًا، بلفظ:"استعارت حليًا".

قوله: (كانت مخزوميةً) اسمها فاطمةُ بنتُ الأسودِ بن عبدِ الأسدِ بن عبد اللهِ بن [عمروِ]

(8)

وهي بنتُ أخي أبي سلمةَ بن عبدِ الأسد الصحابي.

قوله: (تستعير المتاع وتجحده) في رواية لعبد الرزاق

(9)

بسندٍ صحيحٍ إلى أبي بكر بن عبد الرحمن: "أن امرأةٌ جاءت، فقالت: إن فلانةً تستعير حليًا. فأعارتها فمكثت لا تراها، فجاءت إلى التي استعارت لها تسألها، فقالت: ما استعرتك شيئًا، فرجعت إلى الأخرى فأنكرت، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاها فسألها، فقالت: والذي بعثك بالحقِّ ما استعرت منها شيئًا، فقال: "اذهبوا إلى بيتها تجدوه تحت فراشها" فأتوه، وأخذوه، فأمر بها فقطعت".

قوله: (فأتى أهلُها أسامةَ فكلَّموه) في رواية للبخاري

(10)

: "إنَّ قريشًا أهمَّتهم المرأةُ المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامةُ حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من (ب).

(2)

في سننه رقم (4396).

(3)

في سننه رقم (4898).

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (6243).

(5)

في سننه رقم (4890).

(6)

في صحيحه رقم (6244).

(7)

في المخطوط (ب): عبد الله. والمثبت من (أ) والنسائي وأبي عوانة.

(8)

في المخطوط (أ): (عمر).

(9)

في "المصنف" رقم (18832).

(10)

في صحيحه رقم (6788).

ص: 344

وجاء في رواية

(1)

: "أن المخزومية المذكورة عاذت بأم سلمة".

وأخرج الحاكم

(2)

موصولًا، أبو داود

(3)

مرسلًا: "أنها عاذت بزينب

(4)

بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

واستشكل ذلك بأن زينب ماتت في شهر جمادى من السنة السابعة من الهجرة، وقصة المخزومية في غزوة الفتح سنة ثمان.

وقيل: المراد زينب بنت أم سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم فتكون نسبتها إليه [مجازًا]

(5)

.

وجاء في رواية لعبد الرزاق

(6)

أنها عاذت بعمر بن أبي سلمة.

والجمعُ بين الرواياتِ أنها عاذَتْ بأم سلمة وابنيها فشفعوا [لها]

(7)

إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يشفعهم، [فطلبتِ]

(8)

الجماعة من قريش من أسامة الشفاعة ظنًا منهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل شفاعته لمحبته له.

قوله: (لا أراك تشفع في حدٍّ من حدود الله) فيه دليل: على تحريم الشفاعة في الحدود، وهو مقيدٌ بما إذا كان قد وقع الرفع إلى الإمام، لا قبل ذلك، فإنه جائزٌ، وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث من مرسل حبيب بن أبي ثابت: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأسامة لما تَشَفَّعَ: "لا تَشْفَعْ في حدٍّ فإنَّ الحدود إذا انتهت إلّي فليست بمتروكة"

(9)

.

(1)

عند مسلم رقم (1689) والنسائي رقم (4891) من حديث جابر.

وهو حديث صحيح.

(2)

في المستدرك (4/ 379).

وقال: قد اتفق الشيخان على إخراج حديث الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أن المخزومية إنما عاذت بأسامة بن زيد. وهو الصحيح.

(3)

في سننه رقم (4374).

وهو حديث صحيح.

(4)

هذا لفظ أبي داود. ولفظ الحاكم: "بربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ولعل "زينب" تصحيف، ويؤيده ما سيأتي.

(5)

في المخطوط (ب): مجازي.

(6)

في "المصنف" رقم (18831).

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من (ب).

(8)

في المخطوط (ب): (فطلب).

(9)

وهو في مرسل حبيب بن أبي ثابت كما في "فتح الباري"(12/ 87).

ص: 345

وقد قدَّمنا في باب الحثِّ على إقامةِ الحدودِ والنهي عن الشفاعةِ فيه ما فيه أكملُ دلالة على الفرق بين الشفاعة في الحد قبل الرفع وبعده.

قوله: (إنما هلكَ من كانَ قبلكم) في رواية: "إنما هلكَ بنو إسرائيل"

(1)

وظاهرُ الحصرِ العمومُ

(2)

، وأنه لم يقع الهلاكُ لمن قبلَ هذه الأمةِ أو لبني إسرائيل إلا بهذا السبب.

وقيل: المراد من هلك بسبب تضييع الحدود، فيكون المراد بالعموم هذا النوع الخاص.

وفي حديث عائشة عند أبي الشيخ

(3)

أنهم عطلوا الحدود عن الأغنياء وأقاموها على الضعفاء.

ومثله ما في حديث الباب: "أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه

إلخ". وفي حديث ابن عباس

(4)

: "أنهم كانوا يأخذون الدية من الشريف إذا قتل عمدًا والقصاص من الضعيف".

قوله: (فقطع يد المخزومية) فيه دليل: على أنَّه يقطع جاحدُ العارية.

وإليه ذهب من لم يشترط في القطع أن يكون من حرزٍ، وهو: أحمد

(5)

وإسحاق، وزفر، والخوارج، كما سلف، وبه قال أهل الظاهر

(6)

، وانتصر له ابن حزم.

وذهب الجمهور

(7)

: إلى عدم وجوب القطع لمن جحد العاريَّة، واستدلوا

(1)

وهو جزء من حديث عائشة أخرجه النسائي في سننه رقم (4895).

وهو حديث صحيح.

(2)

انظر: البحر المحيط (2/ 324 - 326) وشرح الكوكب المنير (3/ 515 - 518).

(3)

أخرجه أبو الشيخ (أبو محمد، عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيَّان، ت 369 هـ).

في "كتاب السرقة" من طريق زاذان عن عائشة مرفوعًا كما في "فتح الباري"(12/ 94).

• واعلم أن "كتاب السرقة" سمَّاه السمعاني في "التحبير"(1/ 161): "القطع والسرقة" وكذا الكتاني في "الرسالة المستطرفة"(49)، ولم يصل إلينا.

انظر: ["معجم المصنفات" (ص 182 رقم 501)، (ص 213 رقم 615)].

(4)

انظر: "فتح الباري"(12/ 95).

(5)

المغني (12/ 416).

(6)

المحلى لابن حزم (11/ 320)، وقال فيه: لا قطع إلا فيما أخرج من حرزه.

(7)

المغنى (12/ 416).

ص: 346

على ذلك بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق؛ والجاحد للوديعة ليس بسارق.

وردَّ: بأنَّ الجحد داخلٌ في اسم السرقة؛ لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما، بخلاف المختلس والمنتهب، كذا قال ابن القيم

(1)

.

ويجاب عن ذلك: بأن الخائن لا يمكن الاحتراز عنه؛ لأنه آخذ المال خفيةً، مع إظهار النصح كما سلف.

وقد دلَّ الدليل: على أنَّه لا يقطع.

وأجاب الجمهور عن أحاديث الباب المذكورة في المخزومية: بأنَّ الجحد للعارية وإن كان مرويًا فيها من طريق عائشة، وجابر، وابن عمر، وغيرهم، لكنه ورد التصريح في الصحيحين

(2)

وغيرهما بذكر السرقة.

وفي روايةٍ من حديث ابن مسعودٍ: "أنها سرقت قطيفةً من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه ابن ماجه

(3)

والحاكم

(4)

، وصححه أبو الشيخ، وعلَّقه أبو

(5)

داود والترمذي

(6)

، ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت:"أنَّها سرقت حليًا"، قالوا: والجمع ممكنٌ؛ بأن يكون الحلي في القطيفة، فتقرَّر أن المذكورة قد وقع منها السرق فذكر جحد العارية لا يدلُّ على أن القطع كان له فقط.

ويمكن أن يكون ذكر الجحد لقصد التعريف بحالها، وأنها كانت مشتهرة بذلك الوصف، والقطع كان للسرقة، كذا قال الخطابي

(7)

وتبعه البيهقي

(8)

(1)

زاد المعاد (5/ 46).

(2)

البخاري رقم (6788) ومسلم رقم (11/ 1689) من حديث جابر.

(3)

في سننه رقم (2548).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 305): هذا إسناد ضعيف لتدليس ابن إسحاق.

(4)

في المستدرك (4/ 379 - 380) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة، ووافقه الذهبي.

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

علَّقه أبو داود في سننه بإثر الحديث رقم (4374).

(6)

أشار إليه الترمذي بإثر الحديث رقم (1430).

(7)

معالم السنن (4/ 556 - مع السنن).

(8)

في "المعرفة"(12/ 430 رقم 17258).

ص: 347

والنووي

(1)

وغيرهما.

ويؤيد هذا ما في حديث الباب

(2)

من قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما هلك من كان قبلكم بأنهم إذا سرق فيهم الشريف .. إلخ"، فإن ذكر هذا عقب ذكر المرأة المذكورة يدل على أنه قد وقع منها السرق.

ويمكن أن يجاب عن هذا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم نزَّل ذلك الجحد منزلة السرق فيكون دليلًا لمن قال: إنه يصدق اسم السرق على جحد الوديعة.

ولا يخفى أن الظاهر من أحاديث الباب أن القطع كان لأجل ذلك الجحد كما يشعر به قوله في حديث ابن عمر

(3)

بعد وصف القصة: "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها". وكذلك بقية الألفاظ المذكورة.

ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بأنها سرقت، فإنه يصدق على جاحد [الوديعة]

(4)

بأنه سارق كما سلف، فالحق قطع جاحد العارية ويكون ذلك مخصصًا للأدلة الدالة على اعتبار الحرز.

ووجهه أن الحاجة ماسة بين الناس إلى العارية، فلو علم المعير أن المستعير إذا جحد لا شيء عليه لجر ذلك إلى سد باب العارية وهو خلاف المشروع.

[الباب الخامس] بابُ القَطْعِ بالإقرَارِ وأنَّه لا يكْتَفى فيه بالمرَّةِ

12/ 3151 - (عَنْ أبي أمَيَّة المَخْزُومِيِّ أَنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بلصّ فاعْتَرَفَ اعْتِرافًا ولمْ يُوجَدْ معَهُ المَتَاعُ، فقالَ لَهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ما إخَالُكَ سَرَقْتَ؟ " قالَ: بَلى، مَرَّتْينِ أَوْ ثَلَاثًا، قالَ: فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اقْطَعُوهُ ثمَّ جِيئُوا بهِ"، قال: فقَطَعُوهُ ثُمَّ جَاءُوا بهِ، فقالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "قُلْ أسْتغْفرُ الله وأتُوبُ

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 188).

(2)

تقدم برقم (3150) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (3149) من كتابنا هذا.

(4)

في المخطوط (ب): (العارية).

ص: 348

إليهِ"، فقالَ: أَسْتَغْفِرُ الله وأتُوبُ إليهِ، فقال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ تُبْ عَليهِ" رواهُ أحمدُ

(1)

وأَبُو داوُد

(2)

وكَذَلكَ النَّسائيُّ

(3)

ولَمْ يقُلْ فيهِ: مَرَّتْينِ أَوْ ثَلاثًا. وابْنُ ماجَهْ

(4)

، وذكَرَ مَرَّةً ثانِيَةً فِيهِ قالَ:"ما إخالُكَ سَرقْتَ؟ "، قالَ: بَلَى). [ضعيف]

13/ 3152 - (وعَنِ القْاسِم بْنِ عَبْد الرَّحمن عن علّي قال: لا يقْطَعُ السَّارِقُ حتى يشْهَدَ على نفْسِهِ مَرّتْينِ. حَكاهُ أحمدُ في روايَةِ مَهْنَا واحتَجَّ بهِ)

(5)

.

حديث أبي أمية قال الحافظ في بلوغ المرام

(6)

: رجاله ثقات.

وقال الخطابي

(7)

: إن في إسناده مقالًا. قال: والحديث إذا رواه مجهول لم يكن حجة ولم يجب الحكم به.

(1)

في المسند (5/ 293).

(2)

في سننه رقم (4380).

(3)

في سننه رقم (4877).

(4)

في سننه رقم (2597).

قلت: وأخرجه الدارمي (2/ 173) والبيهقي (8/ 276) من طريق أبي المنذر مولى أبي ذر عن أبي أمية المخزومي.

وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي المنذر هذا. فإنه لا يعرف كما قال الذهبي في "الميزان".

وله شاهد من حديث أبي هريرة بنحوه، لكن ليس فيه الاعتراف. وقد أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 168) والدارقطني في سننه (3/ 102 رقم 71) والحاكم (4/ 381) والبيهقي (8/ 275 - 276). وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

وقال الألباني في "الإرواء"(8/ 84): "قلت: وهو كما قال، وأقره الذهبي لكن أعله الدارقطني بقوله: ورواه الثوري عن يزيد بن خصيفة مرسلًا. ثم ساق إسناده إليه بذلك.

وكذلك رواه الطحاوي من طريق أخرى عن سفيان به.

ثم أخرجه من طريق ابن إسحاق، وابن جريج كلاهما عن يزيد بن خصيفة به.

فهذا يؤكد أن المرسل هو الصواب، وأن وصله وهم من الدراوردي، فإنه وإن كان ثقة في نفسه، ففي حفظه شيء.

قال الحافظ: صدوق، كان يحدث من كتب غيره فيخطئ

". اهـ.

وخلاصة القول: أن حديث أبى أمية المخزومي ضعيف وكذلك حديث أبى هريرة ضعيف، والله أعلم.

(5)

أثر علي أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (18783) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 275).

(6)

رقم الحديث (8/ 1156) بتحقيقي. ط: مكتبة ابن تيمية - القاهرة.

(7)

في معالم السنن (4/ 543).

ص: 349

قال المنذري

(1)

وكأنه يشير إلى أن أبا المنذر مولى أبي ذرٍّ لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة من رواية حماد بن سلمة عنه، ويشهد له ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا.

وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة (منها) عن أبي الدرداء

(2)

أنه أتي بجارية سرقت فقال لها: أسرقت؟ قولي: لا، فقالت: لا، فخلى سبيلها.

وعن عطاء [عند]

(3)

عبد الرزاق

(4)

أنه قال: كان من مضى يؤتى إليهم بالسارق فيقول: أسرقت؟ قل: لا، وسمى أبا بكر وعمر.

وأخرج

(5)

أيضًا عن عمر بن الخطاب أتي برجل فسأله: أسرقت؟ قل: لا، فقال: لا، فتركه. وعن أبي هريرة عند ابن أبي شيبة

(6)

أن أبا هريرة أتي بسارق فقال: أسرقت؟ قل: لا، مرتين أو ثلاثًا.

وعن أبي مسعود الأنصاري في "جامع سفيان"

(7)

: أن امرأة سرقت جملًا فقال: أسرقت؟ قولي: لا.

قوله: (ما إخالك سرقت) بفتح الهمزة وكسرها؛ أي: ما أظنك سرقت، وفي ذلك دليل: على أنه يستحب تلقين ما يسقط الحدَّ.

قوله: (مرتين أو ثلاثًا) استدلَّ به من قال: إنَّ الإقرار بالسرقة مرَّةً واحدة لا يكفي، بل لا بدَّ من الإقرار مرتين أو ثلاثًا، وأقلُّ ما يلزم به القطع مرتان.

(1)

في "مختصر السنن"(6/ 218).

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 276).

(3)

في المخطوط (ب): (عن).

(4)

في المصنف رقم (18919).

(5)

أي عبد الرزاق في المصنف رقم (18920).

(6)

في "المصنف"(10/ 23 - 24).

(7)

"جامع سفيان الثوري"(سفيان بن سعيد بن مسروق. ت 161 هـ).

ذكره له الذهبي في "السير"(7/ 230)، (8/ 272، 515) وذكر ابن النديم في "الفهرست"(225) أن له جامعان: كبير وصغير.

[(معجم المصنفات ص 154 رقم 384)].

• وقد عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(4/ 126).

ص: 350

وإلى ذلك ذهبت العترة

(1)

، وابن أبي (2) ليلى، وابن شبرمة

(2)

وأحمد بن حنبل

(3)

وإسحاق. وروي عن أبي يوسف

(4)

. وذهب مالك

(5)

، والشافعية

(6)

، والحنفية

(7)

، وهو مروي عن أبي يوسف إلى أنه يكفي الإقرار مرة.

ويجاب عن الاستدلال بحديث أبي أمية

(8)

المذكور: أنَّه لا يدلُّ على اشتراط الإقرار مرتين، وإنما يدل: على أنه يندب تلقين المسقط للحدِّ عنه، والمبالغة في الاستثبات.

ومما يدل على أنَّ هذا هو المراد: أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا إخالك سرقت ثلاث مرات" في روايةٍ، ولا قائل: بأن يشترط ثلاث مرات، ولو كان مجرَّد الفعل يدلُّ على الشرطية لكان وقوع التكرار منه صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات يقتضي اشتراطها.

وقد تقدم في حديث المجنّ

(9)

، ورداء صفوان

(10)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع، ولم ينقل في ذلك تكرير الإقرار.

وأما الاحتجاج بما روي عن علي عليه السلام كما ذكره المصنف فهو وإن [كانت]

(11)

الصيغة مشعرة باشتراط الإقرار مرتين، لكنه لا تقوم به الحجةُ إلا عند من يرى حجية قوله، كما ذهب إليه بعض الزيدية.

قوله: (قل أستغفر الله) فيه دليل: على مشروعية أمر المحدود بالاستغفار، والدعاء له بالتوبة بعد استغفاره.

[الباب السادس] بابُ حَسْمِ يدِ السَّارِقِ إذَا قُطِعَتْ واستِحْبَابِ تعليقِها في عُنُقِهِ

14/ 3153 - (عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بسَارِقٍ قَدْ سَرَقَ شَمْلَةً، فقالوا: يَا رَسُولَ الله إنَّ هذا قدْ سَرَقَ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما إخالُهُ

(1)

البحر الزخار (5/ 186).

(2)

ذكره ابن قدامة في المغني (12/ 464).

(3)

المغني (12/ 464 - 465).

(4)

المبسوط للسرخسي (9/ 182).

(5)

عيون المجالس (5/ 2133 رقم 1544).

(6)

روضة الطالبين للنووي (10/ 143).

(7)

المبسوط للسرخسي (9/ 182).

(8)

تقدم برقم (3151) من كتابنا هذا.

(9)

تقدم برقم (3140) من كتابنا هذا.

(10)

تقدم برقم (3146) من كتابنا هذا.

(11)

في المخطوط (ب): (كان).

ص: 351

سَرَقَ"، فقال السَّارقُ: بَلى يا رسولَ الله، فقال: "اذْهَبُوا بِهِ فاقْطَعُوهُ، ثمَّ احْسِمُوهُ، ثمّ ائْتُونِي بِهِ"، فقُطِعَ فأُتِيَ بهِ فقال: "تُبْ إلى الله"، قالَ: قدْ تبْتُ إلى الله، فقالَ: "تَابَ الله عَليْكَ"، رَواهُ الدَّارقطنيُّ)

(1)

. [ضعيف]

15/ 3154 - (وعَنْ عَبدِ الرحمنِ بْنِ مُحَيْرِيز قالَ: سألْنا فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ عَنْ تَعْلِيقِ الْيَدِ في عُنُقِ السّارقِ أَمِنَ السُّنَّةِ؟ قالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسَارِقٍ فقُطِعَتْ يَدُهُ، ثمَّ أَمَرَ بِهَا فَعلِّقَتْ في عُنُقِهِ. رَواهُ الخمْسةُ إلَّا أَحمَدَ

(2)

.

وفي إسنابٍ الحَجَّاجُ بْنُ أرْطَاةَ وهْوَ ضعِيفٌ). [ضعيف]

حديث أبي هريرة: أخرجه موصولًا أيضًا: الحاكم

(3)

، والبيهقي

(4)

، وصححه ابن القطان.

وأخرجه أبو داود في المراسيل

(5)

من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان بدون ذكر أبي هريرة، ورجح المرسل ابن خزيمة، وابن المديني، وغير واحدٍ.

وحديث عبد الرحمن بن محيريز: قال الترمذي

(6)

: حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه

(1)

في سننه (3/ 102) رقم (71).

قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 168) والحاكم في المستدرك (4/ 381) والبيهقي (8/ 275 - 276) من طرق ثلاث، وهو حديث ضعيف، وقد تقدم الكلام عليه في تخريج الحديث رقم (12/ 3151) من كتابنا هذا.

(2)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 19) خلافًا لما قاله ابن تيمية الجد.

وأبو داود رقم (4411) والترمذي رقم (1447) وقال: حسن غريب. والنسائي رقم (4982) وابن ماجه رقم (2587).

قال النسائي: الحجاج بن أرطاة ضعيف، ولا يحتج بحديثه.

وقال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 270): وزاد ابن القطان جهالة حال ابن محيريز.

قال: لم يذكره البخاري ولا ابن أبي حاتم".

وهو حديث ضعيف. الإرواء رقم (2432).

(3)

في المستدرك (4/ 381) وقد تقدم.

(4)

في السنن الكبرى (8/ 271).

(5)

في المراسيل رقم (244) مرسل بسند صحيح.

(6)

في السنن (4/ 51).

ص: 352

إلا من حديث عمر بن علّي المقدمي عن الحجاج بن أرطاة، وعبد الرحمن بن محيريز هو: أخو عبد الله بن محيريز شامي. انتهى.

وقال النسائي

(1)

: الحجاج بن أرطاة ضعيف لا يحتج بحديثه.

قال المنذري

(2)

: وهذا الذي قاله النسائي قاله غير واحدٍ من الأئمة.

قوله: (ثم احسموه)

(3)

ظاهره: أن الحسم واجبٌ، والمراد به: الكي بالنار، أي: يكوي محلُّ القطع؛ لينقطع الدم، لأنَّ منافذ الدم تنسدّ به لأنه ربما استرسل الدم فيؤدِّي إلى التلف.

وذكر في البحر: أنه إذا كره السارق الحسم؛ لم يحسم له. وجعله مندوبًا فقط مع رضاه، وفي كل من الطرفين نظر.

(أما الأول): فلأن ترك الحسم إذا كان مؤديًا إلى التلف وجب علينا عدم الإجابة له إلى ما يؤدي إلى تلفه.

(وأما الثاني): فلأن ظاهر الحديث الوجوب لكونه أمرًا، ولا صارف له عن معناه الحقيقي، ولا سيَّما مع كونه يؤدِّي الترك إلى التلف فإنه يصير واجبًا من جهة أخرى، قال في البحر

(4)

: وثمن الدهن، وأجرة القطع من بيت المال، ثم من مال السارق، فإن اختار أن يقطع نفسه فوجهان.

قال الإمام

(5)

يحيى: كالقصاص وسائر الحدود، وقيل: يمكن لحصول الزجر. انتهى.

قوله: (فعلِّقَت في عنقه) فيه دليل على: مشروعية تعليق يد السارق في عنقه لأن في ذلك من الزجر ما لا مزيد عليه، فإنَّ السارق ينظر إليها مقطوعةً معلقةً، فيتذكر السبب لذلك، وما جرَّ إليه ذلك الأمر من الخسارة بمفارقة ذلك العضو النفيس، وكذلك الغير يحل له بمشاهدة اليد على تلك الصورة من الانزجار ما تنقطع به وساوسه الرديئة.

(1)

في سننه بإثر الحديث (4983).

(2)

في "مختصر السنن"(6/ 239).

(3)

النهاية (1/ 378).

(4)

البحر الزخار (5/ 191).

(5)

البحر الزخار (5/ 191).

ص: 353

وأخرج البيهقي

(1)

أن عليًا رضي الله عنه قطع سارقًا، فمروا به ويده معلقة في عنقه.

[الباب السابع] بابُ ما جَاءَ في السَّارِقِ يُوهَبُ السَّرِقَة بَعْدَ وُجُوبِ القَطْعِ وَالشَّفْعِ فِيهِ

16/ 3155 - (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عمَرو: أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "تَعافُوا الحُدُودَ فِيما بَيْنكُمْ فمَا بَلَغني مِنْ حدٍّ فَقدْ وَجَبَ". رَوَاهُ النَّسائيُّ

(2)

وأَبُو داوُد)

(3)

. [صحيح]

17/ 3156 - (وعَنْ عائِشَةَ: أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَقِيلوا ذَوي الهَيْئاتِ عَثَراتِهمْ إلَّا الحُدُودَ". رَوَاهُ أَحمدُ

(4)

وأَبُو داوُد)

(5)

. [صحيح]

18/ 3157 - (وعَنْ رَبيعَة بْنِ أَبِي عَبدِ الرَّحمنِ: أن الزُّبَيْرَ بْنَ العَوّامِ لقيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سارِقًا وهُوَ يُريدُ أَنْ يَذْهَبَ بهِ إلى السُّلْطانِ فَشفَعَ لهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ، فقالَ: لا، حتَّى أُبَلّغَ بِهِ السُّلطانَ، فقالَ الزُّبَيْرُ: إذَا بَلَّغْتَ به السُّلْطانَ فَلَعَنَ الله الشَافعَ والمُشَفَّعَ. رَوَاهُ مالِكٌ في المُوَطَّإِ)

(6)

. [موقوف صحيح]

(1)

في السنن الكبرى (8/ 275) و "المعرفة"(12/ 416 رقم 17214).

(2)

في سننه رقم (4885).

(3)

في سننه رقم (4376).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (6/ 181).

(5)

في سننه رقم (4375).

قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى رقم (7294 - العلمية) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2377) وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 43) وابن حزم في "المحلى"(11/ 405) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عبد الملك بنُ زيد، عن محمد بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة، به.

قال ابن حزم، وقد أورد طرقه: أحسنُها كلّها حديث عبد الرحمن بن مهدي، فهو جيد، والحجة به قائمة.

وهو حديث صحيح. انظر: "الصحيحة" رقم (638).

(6)

في الموطأ (2/ 835 رقم 29).

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(24/ 176): "هذا خبر منقطع، ويتصل من وجه صحيح". اهـ. =

ص: 354

19/ 3158 - (وعَنْ عائِشَةَ: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ المرأَةُ المَخْزُوميَّةُ الَّتي سَرَقَتْ، قالوا: منْ يُكَلِّمُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ومَنْ يَجْترئُ عَليهِ إلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فكلَّمَ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: "أَتَشْفعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله"، ثمَّ قامَ فَخَطَبَ فقالَ: "يا أَيُّهَا الناسُ إنَّما ضَلَّ مَنْ كان قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ كانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّريفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فيِهمُ الضَّعيفُ أقامُوا عَليْهِ الحَدَّ، وَايْمُ الله لوْ أَنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمدٌ يَدَها". مُتفَقٌ عَليهِ)

(1)

. [صحيح]

حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضًا الحاكم وصححه

(2)

، وسكت عنه أبو داود

(3)

، وهو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

قال في الفتح

(4)

: وسنده إلى عمرو بن شعيب صحيح، والواقع فيما وقفنا عليه من نسخ هذا الكتاب إلى عبد الله بن عمر بدون واو، ولعله غلط من الناسخ.

وحديث عائشة الأول

(5)

أخرجه أيضًا النسائي

(6)

، وابن عدي

(7)

، والعقيلي

(8)

، وقال: له طرق وليس فيها شيء يثبت، وذكره ابن ظاهر في تخريج أحاديث الشهاب من رواية عبد الله بن هارون بن موسى الفروي، عن القعنبي، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أنس.

وقال: الإسناد باطلٌ والحمل فيه على الفروي.

= قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 333) بسند صحيح.

والخلاصة: أنه موقوف صحيح، والله أعلم.

(1)

أحمد في المسند (6/ 41، 162) والبخاري رقم (6788) ومسلم رقم (8/ 1688).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (4373) والترمذي رقم (1430) والنسائي رقم (4899) وابن ماجه رقم (2547) والبيهقي (8/ 253) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (18830) والطحاوي في شرح المعاني (3/ 170).

وهو حديث صحيح.

(2)

في المستدرك (4/ 383) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

(3)

في السنن (4/ 540).

(4)

"الفتح"(12/ 87).

(5)

تقدم برقم (17/ 3156) من كتابنا هذا.

(6)

في سننه الكبرى رقم (7294 - العلمية).

(7)

في "الكامل"(5/ 308).

(8)

في "الضعفاء الكبير"(2/ 343).

ص: 355

ورواه الشافعي

(1)

وابن حبان في صحيحه

(2)

وابن عدي

(3)

أيضًا وَالبيهقي

(4)

من حديث عائشة بلفظ: "أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم"، ولم يذكر ما بعده.

قال الشافعي

(5)

: وسمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث ويقول: يتجاوز للرجل من ذوي الهيئات عثرته ما لم يكن حدًا.

وقال عبد الحق

(6)

: ذكره ابن عدي في باب واصل بن عبد الرحمن الرقاشي ولم يذكر له علة.

قال الحافظ

(7)

: وواصلُ هو أبو حرة، ضعيف، وفي إسناد ابن حبان أبو بكر بن نافع. وقد نص أبو زرعة على ضعفه في هذا الحديث.

وفي الباب عن ابن عمر رواه أبو الشيخ

(8)

في كتاب الحدود بإسناد ضعيف.

وعن ابن مسعود رفعه: "تجاوزوا عن ذنب السخي فإن الله يأخذ بيده عند عثراته"، ورواه الطبراني في الأوسط

(9)

بإسناد ضعيف.

وأثر الزبير المذكور أخرجه أيضًا الطبراني

(10)

. قال في الفتح

(11)

: وإسناده

(1)

في المسند (ج 2 رقم 287 - ترتيب).

(2)

في صحيحه رقم (94).

(3)

في "الكامل"(7/ 87).

(4)

في السنن الكبرى (8/ 334).

إسناده ضعيف، وقد ثبت من غير هذا الوجه كما تقدم.

(5)

في "الأم"(7/ 368).

(6)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(4/ 150).

(7)

في "التلخيص"(4/ 150).

(8)

عزاه إليه الحافظ في "التلخيص"(4/ 150) وقال: سنده ضعيف.

(9)

في المعجم الأوسط رقم (1199) بسند ضعيف.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 282) وقال: "فيه بشر بن عبيد لله الدارس، وهو ضعيف".

(10)

في المعجم الأوسط رقم (2284).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 259) وقال: فيه أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري ضعفه أبو حاتم وغيره، ووثقه الحاكم، وعبد الرحمن ابن أبي الزناد ضعيف".

(11)

في "الفتح"(12/ 87).

ص: 356

منقطع، وهو عند ابن أبي شيبة

(1)

[بسند]

(2)

حسن عن الزبير.

وفي حديث عبد الله بن عمرو دليل على مشروعية المعافاة في الحدود قبل الرفع إلى الإمام لا بعده. وقد تقدَّم الكلام على ذلك.

وحديث عائشة

(3)

فيه دليل: على أنَّه يشرع إقالة أرباب الهيئات إن وقعت منهم الزلة نادرًا.

والهيئة: صورة الشيء، وشكله، وحالته، ومراده: أهل الهيئات الحسنة.

والعثرات

(4)

: جمع عثرة، والمراد بها الزلة كما وقع في الرواية المذكورة.

قال الشافعي

(5)

: وذوي الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يُعرفون بالشرِّ فيزلُّ أحدهم الزِّلَّة.

وقال الماوردي

(6)

: في تفسير العثرات المذكورة وجهان: (أحدهما): الصغائر. (والثاني): أول معصيةٍ زلَّ فيها مطيع.

والمراد. بقوله: "إلا الحدود"، أي فإنها لا تقال بل تقام على ذي الهيئة وغيره بعد الرفع إلى الإمام، وأما قبله فيستحبُّ الستر مطلقًا.

لما في حديث أبي هريرة عند الترمذي

(7)

من حديث: "ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة"، وأخرجه أيضًا الحاكم

(8)

.

ورواه الترمذي

(9)

من حديث ابن عمر.

(1)

في "المصنف"(9/ 464 - 465).

(2)

في المخطوط (ب): بإسناد.

(3)

تقدم برقم (3156) من كتابنا هذا.

(4)

النهاية في غريب الحديث (2/ 160) ولسان العرب (4/ 539)

(5)

الأم (7/ 368).

(6)

الحاوي الكبير (13/ 404).

(7)

في سننه رقم (1935) وقال: حديث حسن.

(8)

في المستدرك (4/ 383) وقال: الإسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح.

(9)

في سننه رقم (1426) وقال: حديث حسن صحيح غريب.

وهو حديث صحيح.

ص: 357

ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة

(1)

من حديث مسلمة بن مخلد مرفوعًا: "من ستر مسلمًا في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة".

وروى ابن ماجه

(2)

عن ابن عباس مرفوعًا: "من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه في بيته".

قوله: (فلعن الله الشافع والمشفع) فيه التشديد في الشفاعة في الحدود بعد الرفع. وقد تقدم الكلام على حديث المخزومية

(3)

الذي ذكره المصنف.

[الباب الثامن] باب في حَدِّ القَطْعِ وغيرِهِ هَلْ يسْتَوْفَى في دارِ الحربِ أمْ لا؟

20/ 3159 - (عَنْ بُسْرِ بْنِ أَرْطاةَ: أنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا يَسْرِقُ في الغَزوِ فَجَلَدَهُ ولمْ يَقْطَعْ يَدَهُ، وقالَ: نَهانا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ القَطْعِ في الغَزْو. رَوَاهُ أَحمدُ

(4)

وأَبُو داوُدَ

(5)

والنَّسائيُّ

(6)

، وللتِّرْمِذيِّ

(7)

مِنهُ المَرْفوعُ). [صحيح]

(1)

في معرفة الصحابة (5/ 2495 رقم 6060).

ولفظه: "من علم من أخيه سيئة فسترها ستره الله بها من النار يوم القيامة؟ ".

(2)

في سننه رقم (2546).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 304): هذا إسناد فيه مقال محمد بن عثمان بن صفوان الجمحي قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث. وقال الدارقطني: ليس بقوي. وذكره ابن حبان في "الثقات وباقي رجال الإسناد ثقات، وله شاهد من حديث أبي هريرة

".

والخلاصة: أن حديث ابن عباس حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(3)

تقدم برقم (3158) من كتابنا هذا.

(4)

في المسند (4/ 1801) بسند رجاله موثقون.

(5)

في سننه رقم (4408).

(6)

في سننه رقم (4979)

(7)

في سننه رقم (1450). وقال: هذا حديث غريب.

وهو حديث صحيح.

• وفي الباب عن حذيفة موقوفًا عند سعيد بن منصور رقم (2501) وابن أبي شيبة (10/ 103) بسند صحيح. =

ص: 358

21/ 3160 - (وعَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "جاهِدُوا النَّاسَ في الله، القريبَ والبَعيدَ، ولا تُيالوا في الله لَوْمَةَ لائمٍ، وأَقِيمُوا حدُودَ الله في الحَضَرِ والسَّفَرِ". رَوَاهُ عَبدُ الله بْنُ أَحمدَ في مُسْنَدِ أَبيهِ)

(1)

. [حسن]

حديث بسر بن أرطاة سكت عنه أبو داود

(2)

.

وقال الترمذي

(3)

: غريب ورجال إسناده عند أبي داود ثقات إلى بسر، وفي إسناد الترمذي ابن لهيعة

(4)

، وفي إسناد النسائي بقية بن الوليد

(5)

.

واختلف في صحبة بُسر المذكور، وهو: بضم الباء الموحدة، وسكون السين المهملة، وبعدها راء، قرشيٌّ عامريٌّ، كنيته: أبو عبد الرحمن، فقيل: له صحبة، وقيل: لا صحبة له، وإنَّ مولده بعدَ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وله أخبارٌ مشهورٌ

(6)

،

= • وعن عمر موقوفًا عن سعيد بن منصور رقم (2500) وابن أبي شيبة (10/ 103) بسند ضعيف.

• وعن أبي الدرداء موقوفًا عند سعيد بن منصور رقم (2499) وابن أبي شيبة (10/ 103) بسند ضعيف.

(1)

في المسند (5/ 316، 326).

قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1866) والبزار في المسند رقم (2712) والطبراني في "الشاميين" رقم (1502). بسند ضعيف لضعف أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم. ولكن الحديث حسن والله أعلم.

(2)

في السنن (4/ 564).

(3)

في السنن (4/ 53).

(4)

وهو سيئ الحفظ، ولكن رواه عنه قتيبة بن سعيد، وروايته عن ابن لهيعة مقبولة، كرواية العبادلة عنه، عند أهل العلم بالحديث. وقد سمعت هذا من المحدث الألباني في منزل الشيخ سليم الهلالي، وحضور الشيخ علي الحلبي وغيرهم حفظ الله الجميع.

وابن لهيعة متابع. لكن قد اختلف في صحبة بسر بن أرطاة.

(5)

بقية بن الوليد بن صائد، أبو يُحمد، الكلاعي، ولد سنة (115 هـ) صدوق، ولكنه كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين.

قال أبو زرعة: بقية عَجَب إذا روى عن الثقات فهو ثقة. مات سنة (197 هـ).

[التاريخ الكبير (1/ 1/ 150) والجرح والتعديل (1/ 1/ 434) والكامل (1/ 504) والمجروحين (1/ 191) وتاريخ بغداد (7/ 123)].

(6)

قال علاء الدين مغلطاي في "الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة (1/ 110 رقم الترجمة 97): "بُسْر بن أَرْطاة، ويقال: ابن أبي أرطاة العامري: ذكره أبو عمر، وأبو نعيم، وابن منده في جُملة الصحابة. =

ص: 359

وكان يحيى بن معين

(1)

لا يحسن الثناء عليه.

قال المنذري

(2)

: وهذا يدل على أنه عنده لا صحبة له.

ونقل في "الخلاصة"

(3)

عن ابن معين أنه قال: لا صحبة له وأنه رجل سوء. ولي اليمن وله بها آثار قبيحة. انتهى.

ونقل عبد الغني

(4)

: أن حديثه في الدعاء فيه التصريح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غمزه الدارقطنيُّ، ولا يرتاب منصف: أن الرجل ليس بأهلٍ للرواية؛ وقد فعل في الإسلام أفاعيل لا تصدر عمن في قلبه مثقال حبة من إيمان، كما تضمنت ذلك كتب التاريخ المعتبرة، فثبوت صحبته [لا يرفع]

(5)

القدح عنه على ما هو المذهب الراجح، بل هو إجماع لا يختلف فيه أهل العلم كما حققنا ذلك في غير هذا الموضع

(6)

، وحققه العلامة محمد بن إبراهيم الوزير في "تنقيحه"

(7)

.

ولكن إذا كان المناط في قبول الرواية هو تحرِّي الصدق، وعدم الكذب،

= وقال ابن قانع، والباوَرْدي، وأبو أحمد العسكري، وأبو سليمان محمد بن عبد الله بن زيْر، والبخاري أنه سمع من سيدنا سيد المخلوقين صلى الله عليه وسلم أنه قال:"اللهم أحسِنْ عاقبتنا في الأمور كلها".

قال ابن حبان في "كتاب الصحابة" له: من قال: ابن أرطاة فقد وهم. وفي "سؤالات أبي عبيد الآجري"، قال أبو داود: كان حجَّامًا في الجاهلية، وهو من مسلمة الفتح.

وقال محمد بن عُمر الواقدي: ولد قبل وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين ولم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا في روايتنا

".

انظر: "الاستيعاب" رقم الترجمة (175) وأسد الغابة رقم الترجمة (406) و"الإصابة" رقم الترجمة (642). وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 129) وفي معجم ابن قانع رقم الترجمة (97) وتاريخ دمشق (10/ 145 - 147) و"التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 123) والثقات لابن حبان (3/ 36) وسؤالات الآجري (2/ 219 - 220).

(1)

انظر: (تاريخ الدوري" (3/ 152)، (4/ 449).

(2)

في "مختصر السنن"(6/ 235).

(3)

الخلاصة للخزرجي (ص 47).

(4)

ذكره عنه في الخلاصة (ص 47).

(5)

في المخطوط (ب): لا ترفع.

(6)

انظر: "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص 257 - 265) بتحقيقي.

(7)

في "تنقيح الأنظار"(ص 259 - 263) بتحقيقي.

ص: 360

فلا ملازمة بين القدح في العدالة وعدم قبول الرواية، وهذا يتمشى على قول من قال: إنَّ الكفر والفسق مظنةُ تهمةٍ

(1)

، لا من قال: إنهما سلب أهلية؛ على ما تقرر في الأصول

(2)

.

وحديث عبادة بن الصامت أخرج أوله الطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، قال في مجمع الزوائد

(3)

: وأسانيد أحمد وغيره ثقات، ويشهدُ لصحته عمومات الكتاب والسنة وإطلاقاتهما لعدم الفرق فيها بين القريب والبعيد والمقيم والمسافر.

ولا معارضة بين الحديثين؛ لأنَّ حديث بسر

(4)

أخصُّ مطلقًا من حديث عبادة

(5)

، فيبنى العام على الخاص، وبيانه أن السفر المذكور في حديث عبادة أعم مطلقًا من الغزو المذكور في حديث بسر، لأن المسافر قد يكون غازيًا وقد لا يكون، وأيضًا حديث بسر في حدِّ السَّرقة، وحديث عبادة في عموم الحدِّ.

وقوله: "فجلده"، فيه إجمال لعدم ذكر عدد الجلد، والظاهر أن أمر ذلك إلى الإمام كسائر التعزيرات.

* * *

(1)

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 201 - 206) بتحقيقي.

(2)

انظر: "البحر المحيط"(4/ 270) والمحصول (4/ 396) والمعتمد (2/ 135).

(3)

"مجمع الزوائد"(5/ 272) وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط أطول من هذا".

(4)

تقدم برقم (20/ 3159) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (21/ 3160) من كتابنا هذا.

ص: 361

[ثالث][أبواب]

(1)

حَدُّ شاربِ الخَمْر

[الباب الأول: الجلد في الخمر بالجريد والنعال وغيرها]

1/ 3161 - (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ برَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ فَجُلِدَ بجَريدَتَيْنِ نَحو أَرْبَعِينَ، قالَ: وفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فلمّا كانَ عُمَرُ استَشارَ النَّاسَ، فقالَ عَبدُ الرَّحمنِ: أَخَفُّ الحُدُودِ ثمانِينَ فَأمَرَ بهِ عُمَرُ. رواهُ أحمدُ

(2)

ومُسْلِمٌ

(3)

وأبُو داوُد

(4)

والترِّمِذيُّ وصحّحَهُ)

(5)

. [صحيح]

2/ 3162 - (وعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ في الخَمْرِ بالجَريدِ والنِّعالِ، وَجلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعينَ. مُتَّفَقٌ عَليهِ)

(6)

. [صحيح]

3/ 3163 - (وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ قالَ: جِيءَ بالنُّعْمانِ أَو ابْنِ النُّعْمانَ شارِبًا، فأمَرَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ كانَ في البَيتِ أنْ يَضْربُوهُ فَكُنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ، فَضَرَبْناهُ بالنعالِ والجَرِيدِ)

(7)

. [صحيح]

4/ 3164 - (وعَنِ السِّائِبِ بْنِ يزيدَ قالَ: كُنّا نُؤتى بالشّاربِ في عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وفي إمْرَةِ أَبي بَكْرٍ وصَدْرًا مِنْ إمْرَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ إليْهِ نَضْرِبهُ بأيْدِينا

(1)

في "المخطوط"(أ)، (ب): كتاب، وأبدلته بـ (أبواب) لضرورة التقسيم.

(2)

في المسند (3/ 115، 176، 180).

(3)

في صحيحه رقم (35/ 1706).

(4)

في سننه رقم (4479).

(5)

في سننه رقم (1443) وقال: حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(6)

أحمد في المسند (3/ 176) والبخاري رقم (6773) ومسلم رقم (37/ 1706).

وهو حديث صحيح.

(7)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 7، 8، 384) والبخاري في صحيحه رقم (6774).

وهو حديث صحيح.

ص: 362

ونِعالِنا وأَرْدِيَتِنا، حَتّى كانَ صَدْرًا مِنْ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ فِيها أَرْبَعين، حَتّى إذَا عَتَوْا فِيها وفَسَقُوا جَلَدَ ثَمانِينَ. رَواهُما أَحمَدُ والبُخاريُّ)

(1)

. [صحيح]

5/ 3165 - (وعَنْ أبي هُرَيْرَة قالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم برَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، فقالَ:"اضْرِبُوهُ" فقالَ أَبو هُرَيرةَ: فمِنّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، والضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، والضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أَخْزاكَ الله، قالَ:"لا تَقولوا هكذَا، لَا تعينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ". رواهُ أحمَدُ

(2)

والبُخارِيُّ

(3)

وأَبُو داوُد)

(4)

. [صحيح]

6/ 3166 - (وعَنْ حُصَيْنِ بْنِ المُنْذِرِ قالَ: شَهِدْتُ عُثْمانَ بْن عفَّانَ أُتِيَ بالوَلِيدِ قَدْ صلّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قالَ: أَزيدُكُمْ، فشَهِدَ عليهِ رَجُلَانِ أَحَدُهُما حُمْرانُ أَنَّهُ شَرِبَ الخَمْرَ، وشَهِدَ آخَرُ أنهُ رَآهُ يَتَقَيَّؤها، فقالَ عُثْمانُ: إنَّهُ لمْ يَتَقَيَّأهَا حَتَّى شَرِبَها، فقالَ: يَا عَلَيُّ قُمْ فاجلِدْهُ، فقالَ عَليُّ: قُمْ يا حسَن فاجلِدْهُ، فقالَ الحَسَن: وَلّ حارَّها مَنْ تَوَلَّى قارَّهَا، فكأنَّهُ وجدَ عليهِ، فقالَ: يا عَبدَ الله بْن جَعفَرْ قُمْ فاجلِدْهُ، [فَجلَدَهُ]

(5)

وَعلي يَعدُّ حتَّى بلغَ أَرْبعِينَ فقالَ: أمْسِكْ، ثمَّ قالَ: جلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أرْبَعِينَ، وأبو بكْرٍ أرْبعِينَ، وَعُمَرُ ثمَانِينَ وكُلٌّ سنَّةٌ. وهذا أَحَبُّ إليَّ. رواهُ مُسلمٌ

(6)

. [صحيح]

وفيهِ مِنَ الْفِقْهِ أن لِلْوَكِيلِ أنْ يُوَكِّلَ، وأَن الشهَادَتَيْنِ على شَيْئَيْنِ إذَا آلَ مَعْناهُما إلى شَيْءٍ واحِدٍ جُمعتَا جائزةٌ كالشَّهادةِ على الْبَيْعِ والإِقْرَار بهِ، أوْ على القَتْلِ والإقْرارِ بِهِ).

قوله: (قد شرب الخمر) اعلم أن الخمر يطلق على عصير العنب المشتدِّ إطلاقًا حقيقيًا إجماعًا.

(1)

أحمد في المسند (3/ 449) والبخاري في صحيحه رقم (6779).

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (2/ 299).

(3)

في صحيحه رقم (6777).

(4)

في سننه رقم (4477).

وهو حديث صحيح.

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

في صحيحه رقم (38/ 1707).

ص: 363

واختلفوا هل يطلق على غيره حقيقةً أو مجازًا؟ وعلى الثاني هل مجازُ لغةٍ كما جزم به صاحب المحكم

(1)

؟ قال صاحب الهداية من الحنفية

(2)

: الخمر عندنا: ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتدَّ، وهو المعروف عند أهل اللغة، وأهل العلم. انتهى.

أو من باب القياس على الخمر الحقيقية عند من يثبت التسمية بالقياس؟

وقد [صرَّح]

(3)

الراغب

(4)

: أن الخمر عند البعض اسم لكلِّ مسكر، وعند بعضٍ: للمتخذ من العنب والتمر، وعند بعضهم: لغير المطبوخ.

ورجح: أن كل شيء يستر العقل يسمى خمرًا لأنها سميت بذلك لمخامرتها للعقل، وسترها له، وكذا قال جماعة من أهل اللغة منهم: الجوهري

(5)

وأبو نصر القشيري

(6)

والدينوري

(7)

وصاحب القاموس

(8)

.

[ويؤيد ذلك]

(9)

أنها حرمت بالمدينة، وما كان شرابهم يومئذٍ إلا نبيذ البسر والتمر.

ويؤيده أيضًا: أن الخمر في الأصل: الستر، ومنه: خمار المرأة لأنه يستر وجهها، والتغطية ومنه:"خمروا آنيتكم"

(10)

أي: غطوها، والمخالطة، ومنه: خامره داءٌ، أي: خالطه، والإدراك: ومنه: اختمر العجين، أي: بلغ وقت إدراكه.

قال ابن عبد البر

(11)

: الأوجه كلُّها موجودة في الخمر؛ لأنها تركت حتى أدركت وسكنت، فإذا شربت خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه.

(1)

ابن سيده (5/ 185 - 186).

(2)

البناية في شرح الهداية (11/ 392).

(3)

في المخطوط (أ): (صرح في).

(4)

الراغب الأصفهاني في "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 298 - 299).

(5)

في "الصحاح"(2/ 649).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(10/ 47).

(7)

في كتاب المعاني الكبير في أبيات المعاني (2/ 811).

(8)

القاموس المحيط (ص 495).

(9)

في المخطوط (ب): (ويؤيده).

(10)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 386) والبخاري رقم (5623) ومسلم رقم (97/ 2012) وأبو داود رقم (3731) والترمذي رقم (1812). من حديث جابر.

وهو حديث صحيح.

(11)

في "التمهيد"(14/ 167 - الفاروق).

ص: 364

ونقل عن ابن الأعرابي

(1)

أنه قال: سميت الخمر خمرًا؛ لأنها تركت حتى اختمرت، واختمارها: تغيّر رائحتها.

قال الخطابي

(2)

: زعم قومٌ أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فيقال لهم: إن الصحابة الذين سمُّوا غير المتخذ من العنب خمرًا عربٌ فصحاءُ، فلو لم يكن هذا الاسم صحيحًا؛ لما أطلقوه. انتهى.

ويجاب بإمكان أن يكون ذلك الإطلاق الواقع منهم شرعيًا لا لغويًا.

وأما الاستدلال على اختصاص الخمر بعصير العنب بقوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}

(3)

ففاسد؛ لأن الصيغة لا دليل فيها على الحصر المدعى، وذكر شيءٍ بحكمٍ لا ينفي ما عداه.

وقد روى ابن عبد البر

(4)

عن أهل المدينة، وسائر الحجازيين، وأهل الحديث كلهم: أن كل مسكرٍ خمر.

وقال القرطبي

(5)

: الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين: بأنَّ الخمر لا يكون إلا من العنب، وما كان من غيره لا يسمى خمرًا، ولا يتناوله اسم الخمر، وهو قولٌ مخالف للغة العرب، وللسنَّة الصحيحة، وللصحابة؛ لأنهم لمَّا نزل تحريم الخمر؛ فهموا من الأمر بالاجتناب تحريم كلِّ ما يُسكر، ولم يفرِّقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره، بل سوّوا بينهما وحرّموا كلَّ ما يسكر نوعه، ولم يتوقفوا [ولم يستفصلوا]

(6)

ولم يشكل عليهم شيءٌ من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب، وهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل القرآن، فلو كان عندهم ترددٌ لتوقفوا عن الإراقة حتى يستفصلوا، ويتحققوا التحريم.

وقد أخرج أحمد في مسنده

(7)

، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من

(1)

حكاه عنه الجوهري في "الصحاح"(2/ 649).

(2)

في أعلام الحديث (3/ 2089).

(3)

سورة يوسف، الآية (36).

(4)

في "التمهيد"(14/ 176 - الفاروق).

(5)

في "المفهم"(5/ 252 - 253).

(6)

في المخطوط (ب): (ولا استفصلوا).

(7)

في المسند (2/ 118) بسند ضعيف لضعف ابن لهيعة. وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. =

ص: 365

الحنطة خمرٌ، ومن الشعير خمرٌ، ومن التمر خمر، ومن الزبيب خمرٌ، ومن العسل خمر".

وروي أيضًا أنه خطب عمر على المنبر وقال: "ألا إن الخمر قد حرمت وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل". وهو في الصحيحين

(1)

وغيرهما

(2)

. وهو من أهل اللغة: وتعقب: بأنَّ ذلك يمكن أن يكون إطلاقًا للاسم الشرعي لا اللغوي، فيكون حقيقةً شرعيةً.

قال ابن المنذر

(3)

: القائل: بأنَّ الخمر من العنب، وغيره: عمر، وعلي، وسعد، وابن عمر، وأبو موسى، وأبو هريرة، وابن عباس، وعائشة، ومن غيرهم: "ابن المسيِّب، والشافعي

(4)

، وأحمد

(5)

، وإسحق، وعامة أهل الحديث.

وحكاه في البحر

(6)

عن الجماعة المذكورين من الصحابة إلا أبا موسى، وعائشة، وعن المذكورين من غيرهم إلا ابن المسيِّب، وزاد: العترة، ومالكًا

(7)

، والأوزاعي. وقال: إنَّه يكفر مستحلُّ خمر الشجرتين، ويفسق مستحل ما عداهما، ولا يكفر لهذا الخلاف، ثم قال: فرع: وتحريم سائر المسكرات بالسنَّة والقياس فقط، إذ لا يسمى خمرًا إلا مجازًا.

وقيل: بهما وبالقرآن؛ لتسميتها خمرًا في حديث: "إن من التمر خمرًا" الخبر، وقول أبي موسى وابن عمر:"الخمر ما خامر العقل"، قلنا: مجازًا. انتهى.

= وروي موقوفًا عند النسائي برقم (5580) ولفظه: "الخمر من خمسة: من التمر، والحنطة والشعير، والعسل، والعنب". بسند صحيح. وهو في حكم المرفوع.

وأخرجه عبد الرزاق رقم (17049) والبخاري رقم (5581) والنسائي رقم (5578) و (5579) عن ابن عمر، عن عمر موقوفًا.

والخلاصة: أن حديث ابن عمر صحيح. وكذلك حديث عمر.

(1)

البخاري رقم (4619) ومسلم رقم (32/ 3032).

(2)

كأبي داود رقم (3669).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 49).

(4)

البيان للعمراني (12/ 514).

(5)

المغني (11/ 495).

(6)

البحر الزخار (5/ 192).

(7)

التهذيب في اختصار المدونة (4/ 500 - 501).

ص: 366

وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أحاديث:

(منها) ما هو بلفظ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٍ، كُلُّ مسكرٍ حَرَامٌ"

(1)

.

(ومنها) ما هو بلفظ: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام"

(2)

.

(ومنها) ما هو بلفظ: "كلُّ شرابٍ أسكرَ فهو حَرَامٌ"

(3)

.

وهذا لا يفيد المطلوب، وهو كونها حقيقة في غير عصير العنب، أو مجازًا؛ لأنَّ هذه الأحاديث غايةُ ما يثبت بها: أنَّ المسكر على عمومه يقال له: خمر ويحكم بتحريمه، وهذه حقيقة شرعيةٌ لا لغويةٌ، وقد صرّح الخطابي

(4)

بمثل هذا وقال: إن مسمَّى الخمر كان مجهولًا عند المخاطبين حتى بيّنه الشارع بأنه ما أسكر. فصار ذلك كلفظ الصلاة، والزكاة، وغيرهما من الحقائق الشرعية، وقد عرفت ما سلف عن أهل اللغة من الخلاف.

قوله: (فجلد بجريدتين نحو أربعين) الجريد

(5)

: سعف النخل.

وفي ذلك دليل: على مشروعية أن يكون الجلد بالجريد، وإليه ذهب بعض الشافعية

(6)

.

وقد صرّح القاضي أبو الطيب

(7)

ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط.

وصرّح القاضي حسين بتعين السوط، واحتجّ بأنه إجماع الصحابة، وخالفه النووي في شرح مسلم

(8)

فقال: أجمعوا على الاكتفاء بالجريد، والنعال، وأطراف الثياب، ثمَّ قال: والأصحّ جوازه بالسوط.

(1)

البخاري رقم (6124) ومسلم رقم (74/ 2003) وأحمد (2/ 16) وأبو داود رقم (3679) والترمذي رقم (1861) وابن ماجه رقم (3395) من حديث ابن عمر.

وهو حديث صحيح.

(2)

مسلم رقم (75/ 2003) وأحمد (2/ 16) وأبو داود رقم (3679) والترمذي رقم (1861). وهو حديث صحيح.

(3)

البخاري رقم (5585) و (5586) ومسلم رقم (67/ 2001) وأبو داود رقم (3682) والترمذي رقم (1863) وابن ماجه رقم (3386)، وهو حديث صحيح.

(4)

انظر: "أعلام الحديث"(3/ 2590 - 2091).

(5)

النهاية (1/ 252).

(6)

البيان للعمراني (12/ 527) الروضة للنووي (10/ 171 - 172).

(7)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 66).

(8)

في شرح صحيح مسلم (11/ 218).

ص: 367

وحكى الحافظ

(1)

عن بعض المتأخرين أنه يتعين السوط للمتمرِّدين، وأطراف الثياب، والنعال، للضعفاء ومن عداهم، بحسب ما يليق بهم، وهذه الرواية مُصرِّحةٌ بأن الأربعين كانت بجريدتين.

وفي رواية للنسائي

(2)

: "أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ضربه بالنعال نحوًا من أربعين".

وفي رواية لأحمد

(3)

والبيهقي

(4)

: "فأمر نحوًا من عشرين رجلًا، فجلده كل واحد جلدتين بالجريد والنعال".

فيجمع بأن جملة الضربات كانت نحو أربعين إلا أن كل جلدةٍ بجريدتين، وهذا الجمع باعتبار مجرَّد الضرب بالجريد، وهو مبينٌ لما أجمل في الرواية المذكورة في حديث أنس

(5)

بلفظ: "إن النبيّ صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال".

وكذلك ما في سائر الروايات المجملة.

ولكن الجمع بين الضرب بالجريد والنعال في روايات الباب يدلّ على أن الضرب بهما غير مقدر بحدّ، لأنها إذا كانت الضربات بالجريد مقدرة بذلك المقدار فلم يأت ما يدلُّ على تقدير الضربات النعال إلا برواية النسائي (2) المتقدمة فإنها مصرّحة أن الضرب كان بالنعال فقط نحوًا من أربعين.

وورد أيضًا الضرب بالأردية كما في رواية السائب بن يزيد

(6)

المذكورة.

وفي حديث عليّ

(7)

المذكور في جلد الوليد تصريح بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، وهو يخالف ما سيأتي

(8)

من حديثه: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يسن في ذلك سنة".

ويمكن الجمع: بأنَّ المراد بالسنّة المذكورة في الحديث الآتي هي الطريقة المستمرة، وفعل الأربعين في مرّةٍ واحدةٍ، لا يستلزم أن يكون ذلك سنةً مع عدم الاستمرار، كما في سائر الروايات.

(1)

في "الفتح"(12/ 66).

(2)

في سننه الكبرى رقم (5276 - العلمية).

(3)

في المسند (3/ 176) بسند صحيح.

(4)

في السنن الكبرى (8/ 317، 319).

(5)

تقدم برقم (3162) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم برقم (3164) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (3166) من كتابنا هذا.

(8)

يأتي برقم (3167) من كتابنا هذا.

ص: 368

وقيل: تحمل رواية الأربعين على التقريب دون التحديد.

ويمكن الجمع أيضًا بما سيأتي أنه جلد الوليد بسوط له طرفان، فكان الضرب باعتبار المجموع أربعين، وبالنظر إلى الحاصل من كل واحد من الطرفين ثمانين

(1)

.

وقد ضعف الطحاوي

(2)

هذه الرواية التي فيها التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين لعبد الله بن فيروز.

ويجاب عنه: بأنه قد قوّي الحديث البخاري كما روى ذلك الترمذي عنه.

ووثق عبد الله المذكور أبو زرعة والنسائي، وإخراج مسلم له دليل على أنه من المقبولين.

وقال ابن عبد البر

(3)

أن هذا الحديث أثبت شيء في هذا الباب، واستدلَّ الطحاوي

(4)

على ضعف الحديث بقوله فيه: "وكلٌّ سنةٌ

إلخ"، قال: لأنَّ عليًا لا يُرجِّح فعل عمر على فعل النبي [صلى الله عليه وسلم]

(5)

. بناء منه على أن قول عليٍّ: "وهذا أحبّ إليّ" إشارةٌ إلى الثمانين التي فعلها عمر، وليس الأمر كذلك، بل المشار إليه: هو الجلد الواقع بين يديه في تلك الحال، وهو أربعون كما يشعر بذلك الظاهر، ولكنه يُشْكلُ من وجه آخر، وهو: أن الكلَّ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وعمر لا يكون سنةً، بل السُّنَّة فعلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقط

(6)

.

وقد قيل: إنَّ المراد: أنَّ ذلك جائز، قد وقع لا محذور فيه.

ويمكن أن يقال: إنَّ إطلاق السُّنَّة على فعل الخلفاء لا بأس به، لما في حديث العرباض بن سارية عند أهل السنن

(7)

بلفظ: "عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين الهادين عضّوا عليها بالنواجذ

" الحديث.

(1)

يأتي برقم (3169) من كتابنا هذا.

(2)

في شرح معاني الآثار (3/ 158).

(3)

الاستذكار (24/ 273 رقم 36338).

(4)

في شرح معاني الآثار (3/ 158).

(5)

زيادة من المخطوط (ب).

(6)

شرح معاني الآثار (3/ 154، 155).

(7)

أبو داود رقم (4607) والترمذي رقم (2676) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (42)، ولم يخرجه النسائي. =

ص: 369

ويمكن أن يقال: المراد بالسنّة: الطريقة المألوفة، وقد ألف الناس ذلك في زمن عمر، كما ألفوا الأربعين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر.

قوله: (أخفُّ الحدود ثمانين) هكذا ثبت بالياء. قال ابن دقيق العيد

(1)

: حذف عامل النصب، والتقدير: أجعله ثمانين. وقيل: التقدير أجلده ثمانين.

وقيل: التقدير: أرى أن نجعله ثمانين.

قوله: (النعمان أو ابن النعمان) هكذا في نسخ هذا الكتاب مكبرًا.

وفي صحيح البخاري: النعيمان، أو ابن النعيمان بالتصغير.

قوله: (وعن حضين) بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة.

قوله: (لا تعينوا عليه الشيطان) في ذلك دليل: على أنه لا يجوز الدعاء على من أقيم عليه الحدُّ، لما في ذلك من إعانة الشيطان عليه، وقد تقدَّمَ في حديث جلد الأمة النَّهيُ للسيِّدِ عن التثريب عليها

(2)

. [وقد]

(3)

تقدم أيضًا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر السارق بالتوبة، فلما تاب قال: تاب الله عليك"

(4)

. وهكذا ينبغي أن يكون الأمر في سائر المحدودين.

قوله: (إنه لم يتقيأها حتى شربها) فيه دليلٌ: على أن يكفي في ثبوت حدِّ الشرب شاهدان: أحدهما يشهد على الشرب، والآخر على القيء.

ووجه الاستدلال بذلك أنه وقع بمجمع من الصحابة، ولم ينكر، وإليه

= قلت: وأخرجه أحمد (4/ 126، 127) والدارمي رقم (1/ 44) وابن حبان في صحيحه رقم (5) وهو حديث صحيح.

(1)

في إحكام الأحكام (ص 879 - ط: ابن حزم).

(2)

أحمد في المسند (2/ 249) والبخاري رقم (6839) ومسلم رقم (30/ 1703).

(3)

في المخطوط (أ): (و).

(4)

أخرجه الدارقطني (3/ 102 رقم 71).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 381) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.

وأخرجه البيهقي (8/ 271) أيضًا موصولًا. وصححه ابن القطان.

ص: 370

ذهب مالك

(1)

والناصر (2) والقاسمية

(2)

.

وذهبت الشافعية

(3)

والحنفية

(4)

إلى أنه لا يكفي ذلك الاحتمال، لإمكان أن يكون المتقيء لها مكرهًا على شربها أو نحو ذلك.

قوله: (ولِّ حارّها) بحاء مهملة وبعد الألف وراء مشددة: قال في القاموس

(5)

: والحار من العمل: شاقه وشديده. اهـ. و (قارَّها)

(6)

بالقاف وبعد الألف راء مشدَّدةٌ: أي: ما لا مشقة فيه من الأعمال.

والمراد: ولِّ الأعمال الشاقَّة من تولى الأعمال التي لا مشقة فيها، استعار للمشقة الحرَّ، ولما لا مشقة فيه البرد.

قوله: (جُمِعَتَا) بضم الجيم، وفتح الميم، والعين: لفظ تأكيد للشهادتين، كما يقال: جُمَع لتأكيد ما فوق الاثنتين؛ وفي بعض النسخ جميعًا وهو الصواب.

والأحاديث المذكورة في الباب فيها دليل: على مشروعية حدِّ الشرب، وقد ادّعى القاضي عياض

(7)

الإجماع على ذلك.

وقال في البحر

(8)

: مسألة: "ولا ينقص حدُّه عن الأربعين إجماعًا"، وذكر أن الخلاف إنما هو في الزيادة على الأربعين.

وحكى ابن المنذر

(9)

، والطبري (9)، وغيرهما عن طائفةٍ من أهل العلم أن الخمر لا حدَّ فيها، وإنما فيها التعزير، واستدلوا بالأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة من الضرب بالجريد والنعال والأردية، وبما أخرجه عبد الرزاق

(10)

عن

(1)

حاشية الدسوقي (6/ 368).

(2)

البحر الزخار (5/ 194).

(3)

البيان للعمراني (12/ 528 - 529).

(4)

بدائع الصنائع (7/ 40).

(5)

القاموس المحيط (ص 479).

(6)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 435): "جعل الحرَّ كناية عن الشرِّ والشدِّة، والبرد كناية عن الخير والهين، والقار: فاعل من القُرِّ: البرد.

أراد: وَلِّ شرَّها من تولى خيرها، وولِّ شديدها من تولى هَيْنَها".

(7)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 540).

(8)

البحر الزخار (5/ 195).

(9)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 72).

(10)

في "المصنف" رقم (13540).

ص: 371

الزهري: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرض في الخمر حدًّا، وإنما كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم حتى يقولَ لهم: "ارفعوا"".

وأخرج أبو داود

(1)

والنسائي

(2)

بسند قوي عن ابن عباس أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت في الخمر حدًا، ومما سيأتي في باب من وجد منه سكر أو ريح

(3)

.

وأجيب: بأنه قد انعقد إجماع الصحابة على جلد الشارب، واختلافهم في العدد إنما هو بعد الاتفاق على ثبوت مطلق الجلد، وسيأتي في الباب المشار إليه الجواب عن بعض ما تمسكوا به.

وقد ذهبت العترة

(4)

، وما لك

(5)

، والليث، وأبو حنيفة

(6)

، وأصحابه، والشافعي

(7)

في قول له: إلى أن حدّ السكران ثمانون جلدة.

وذهب أحمد

(8)

، وداود

(9)

، وأبو ثور

(10)

، والشافعي

(11)

في المشهور عنه إلى أنه أربعون لأنها هي التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر وفعلها علي في زمن عثمان كما سلف.

واستدلَّ الأولون: بأنَّ عمر جلد ثمانين بعدما استشار الصحابة كما سلف، وبما سيأتي عن علي

(12)

أنه أفتى بأنه يجلد ثمانين، وبما في حديث أنس

(13)

المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر نحو أربعين بجريدتين.

والحاصل: أن دعوى إجماع الصحابة غير مسلَّمةٍ؛ فإن اختلافهم في ذلك

(1)

في سننه رقم (4476).

(2)

في سننه الكبرى رقم (5291 - العلمية).

وهو حديث ضعيف.

(3)

في الباب الثالث عند الحديث رقم (18/ 3178) من كتابنا هذا.

(4)

البحر الزخار (5/ 195).

(5)

مواهب الجليل (8/ 433).

(6)

بدائع الصنائع (7/ 57).

(7)

البيان للعمراني (12/ 523).

(8)

المغني (12/ 498 - 499).

(9)

المحلى (11/ 365).

(10)

موسوعة فقه أبي ثور (ص 746).

و"الاستذكار"(24/ 269 رقم 36327).

(11)

البيان للعمراني (12/ 522) وروضة الطالبين (10/ 171).

(12)

يأتي برقم (3172) من كتابنا هذا.

(13)

تقدم برقم (3161) من كتابنا هذا.

ص: 372

قبل إمارة عمر وبعدها وردت به الروايات الصحيحة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاقتصار على مقدار معيَّن، بل جلد تارةً بالجريد، وتارةً بالنعالِ، وتارةً بهما فقط، وتارةً بهما مع الثياب، وتارة بالأيدي والنعال، والمنقول من المقادير في ذلك: إنما هو بطريق التخمين، ولهذا قال أنس: نحو أربعين، والجزم المذكور في رواية عليّ بالأربعين يعارضه ما سيأتي من أنه ليس في ذلك عن النبي [صلى الله عليه وسلم]

(1)

سنة، فالأولى الاقتصار على ما ورد عن الشارع من الأفعال وتكون جميعها جائزةً فأيها وقع؛ فقد حصل به الجلد المشروع الذي أرشدنا إليه صلى الله عليه وسلم بالفعل والقول كما في حديث:"من شرب الخمر فاجلدوه"، وسيأتي

(2)

.

فالجلد المأمور به هو الجلد الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة بين يديه، ولا دليل يقتضي تحتم مقدار معين لا يجوز غيره.

لا يقال: الزيادة مقبولةٌ فيتعين المصير إليها، وهي رواية الثمانين. لأنا نقول: هي زيادة شاذةٌ لم يذكرها إلا ابن دحية

(3)

، فإنه قال في كتاب (وهج الجمر في تحريم الخمر): صح عن عمر أنه قال: لقد هممت أن أكتب في المصحف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر ثمانين.

وقد قال الحافظ في التلخيص

(4)

: إنه لم يسبق ابن دحية إلى تصحيحه.

وحكى ابن الطلاع (3) أن في مصنف عبد الرزاق

(5)

: "أنه صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر أربعين".

وورد من طريق لا تصح أنه جلد ثمانين

(6)

. انتهى.

وهكذا ما رواه أبو داود

(7)

من حديث عبد الرحمن بن أزهر أنه صلى الله عليه وسلم أمر بجلد الشارب أربعين، فإنه قال ابن أبي حاتم في العلل

(8)

: سألت أبي عنه فقال:

(1)

زيادة من المخطوط (ب).

(2)

يأتي برقم (3176) من كتابنا هذا.

(3)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(4/ 143).

(4)

(4/ 143).

(5)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (13545).

(6)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (13547).

(7)

في سننه رقم (4489).

(8)

العلل لابن أبي حاتم (1/ 446 - 447).

ص: 373

لم يسمعه الزهري عن عبد الرحمن بل عن عقيل بن خالد عنه ولو صح لكان من جملة الأنواع التي يجوز فعلها، لا أنه هو المتعين لمعارضة غيره له على أنه قد رواه الشافعي

(1)

عن عبد الرحمن المذكور بلفظ: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشارب فقال: اضربوه، فضربوه بالأيدي والنعال".

ومن ذلك حديث أبي سعيد عند الترمذي

(2)

وقال: حسن؛ "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين" وسيأتي

(3)

.

ومما يؤيد عدم ثبوت مقدار معين عنه صلى الله عليه وسلم طلب عمر للمشورة من الصحابة، فأشاروا عليه بآرائهم، ولو كان قد ثبت تقديره عنه صلى الله عليه وسلم لما جهله جميع أكابر الصحابة.

7/ 3167 - (وعَنْ عَليِّ بْنِ أبي طَالِبٍ قالَ: ما كُنْتُ لأُقِيمَ حدًّا على أحَدٍ فَيَمُوت وأجِدُ في نَفسي مِنهُ شَيئًا إلَّا صاحِبَ الخَمْرِ، فإِنَّهُ لَوْ ماتَ وَدَيْتُهُ، وذلِكَ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لمْ يَسُنَّهْ. متَّفَقٌ عَليهِ

(4)

. [صحيح]

وهْوَ لأبي داوُد

(5)

وابْنِ مَاجَهْ

(6)

وقالَا فيهِ: لَمْ يُسِنَّ فيهِ شيئًا إنَّمَا قلْنَاهُ نَحْنُ. [صحيح]

(1)

في المسند (ج 2 رقم 292 - ترتيب).

قال أحمد بن حنبل في "جامع التحصيل"(ص 269): "ما أراه سمع من عبد الرحمن بن أزهر. ومعمر وأسامة يقولان عنه، ولم يصنعا شيئًا".

فالإسناد منقطع، ولكن ثبت نحوه عند مسلم في صحيحه برقم (36/ 1706) من حديث أنس.

والخلاصة: أن حديث عبد الرحمن بن أزهر حديث حسن لغيره.

(2)

في سننه رقم (1442) وقال: حديث حسن. قلت: إسناده ضعيف.

(3)

برقم (8/ 3168) من كتابنا هذا.

(4)

أحمد في المسند (1/ 125، 130) والبخاري رقم (6778) ومسلم رقم (1707).

وهو حديث صحيح.

(5)

في السنن رقم (4486).

(6)

في السنن رقم (2569).

وهو حديث صحيح.

ص: 374

قلْتُ: ومَعْنَى لمْ يَسُنَّهُ يعْنِي لمْ يُقَدِّرْهُ ويُوَقِّتْهُ بَلَفْظِهِ ونُطْقِهِ).

8/ 3168 - (وعَنْ أَبِي سعِيدٍ قالَ: جُلِدَ على عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في الخَمْرِ بِنَعْلَيْنِ أَرْبَعِينَ، فلمَّا كانَ زَمَنُ عُمَرَ جَعَلَ بَدَلَ كُلِّ نَعْلٍ سوْطًا. رَواهُ أَحمدُ)

(1)

. [ضعيف]

9/ 3169 - (وعَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَدِيِّ بْنِ الخيارِ: أَنَّهُ قالَ لعُثْمانَ: قدْ أكْثَرَ النَّاسُ في الْوَليدِ، فقالَ: سَنَأْخُذُ مِنهُ بالحَقِّ إنْ شَاءَ الله تعالى، ثمَّ دَعَا عَلِيًّا فأمَرَهُ أنْ يَجْلِدَهُ، فَجَلَدَهُ ثمانينَ. مُخْتَصَرًا مِنَ البُخاريِّ

(2)

.

وفي روايَة له

(3)

: أرْبعِينَ. [صحيح]

وَيَتَوَجَّهُ الجَمْعُ بيْنَهُما بِمَا رَوَاهُ أبُو جَعْفَر مُحَمَّدٌ بنُ عَليٍّ أن عليّ بْنَ أبي طالبٍ جَلَدَ الوليدَ بِسَوْطٍ لهُ طَرَفانِ. رَواهُ الشَّافعِيُّ في مُسْنَدِهِ)

(4)

. [موقوف بسند متقطع]

10/ 3170 - (وعَنْ أبي سعِيدٍ قالَ: أُتِيَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم برَجُلٍ نَشوَانَ، فقالَ: إني لَمْ أَشْرَبْ خَمْرًا، إنَّمَا شَرِبْتُ زَبيبًا وتَمْرًا في دُبَّاءَةٍ، [قالَ]

(5)

: فأمَرَ بهِ فَنُهِزَ بالأيْدي وخُفِقَ بالنِّعالِ، ونَهى عَنِ الدُّبَّاء، ونهى عَن الزَّبيبِ والتَّمْرِ، يَعْني أَنْ يُخْلَطا. رواهُ أَحمدُ)

(6)

. [إسناده صحيح]

11/ 3171 - (وعنِ السائِبِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ عَليهمْ، فقالَ: إنِّي وجَدْتُ

(1)

في المسند (3/ 67).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 547).

إسناده ضعيف لضعف زيد العمي - وهو ابن الحواري - واختلاط المسعودي - وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة - وسماع يزيد - وهو ابن هارون - منه بعد الاختلاط.

وخلاصة القول: أن حديث أبي سعيد ضعيف، والله أعلم.

(2)

في صحيحه رقم (3696).

(3)

أي: للبخاري في صحيحه رقم (3872).

(4)

في المسند (ج 2 رقم 294 - ترتيب).

بسند منقطع لأن أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين لم يدرك جد أبيه.

والخلاصة: أنه موقوف بسند منقطع.

(5)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

في المسند (3/ 34) بسند صحيح.

ص: 375

مِنْ فلَانٍ ريحَ شَرَابٍ، فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلأَ، وإنِّي سَائِلٌ عَمَا شَرِبَ، فإنْ كانَ مُسْكِرًا جلَدْتُهُ، فَجلَدَهُ عُمَرُ الحَدَّ تامًّا. رواه النَّسائيُّ

(1)

والدَّارَقُطْنِيُّ)

(2)

. [إسناده صحيح]

12/ 3172 - (وعَنْ عليٍّ في شارب الخَمْرِ قالَ: إنَّهُ إذَا شرِبَ سَكِرَ، وإذَا سَكَرَ هَذى، وإذَا هَذَى افْتَرى، وعلى المُفْتَري ثمانُون جلْدَةً. رواهُ الدَّارقطنيُّ

(3)

. [ضعيف]

ومالكٌ بمَعْناهُ)

(4)

. [موقوف ضعيف]

13/ 3173 - (وعَن ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُ سُئلَ عَنْ حَدِّ العَبدِ في الخَمْرِ فقالَ: بَلَغنِي أنّ عَليهِ نِصْفَ حَدِّ الحُرِّ في الخَمْر وأَن عُمَرَ وعُثمانَ وعَبدَ الله بْنَ عُمرَ جلَدُوا عَبيدَهُمْ نِصفَ الحَدِّ في الخَمرِ. رواهُ مالكٌ في المُوطَّإِ)

(5)

. [موقوف ضعيف]

حديث أبي سعيد الأول أخرجه الترمذي

(6)

وحسنه، قال

(7)

: وفي الباب عن

(1)

في سننه رقم (5708).

(2)

في السنن (4/ 248 رقم 6).

إسناده صحيح.

(3)

في سننه (3/ 166 رقم 245) موصولًا والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 156) والحاكم (4/ 375) والبيهقي (8/ 320)، قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وهو حديث ضعيف. وانظر: الإرواء رقم (2378).

(4)

في الموطأ (2/ 842 رقم 2).

قلت: وأخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 293 - ترتيب) وابن شبة في "تاريخ المدينة"(2/ 299) والبيهقي في "المعرفة"(6/ 458 رقم 5246 - العلمية) والحافظ ابن حجر في "موافقه الخبر الخبر"(2/ 422) عن مالك به.

قال الحافظ في "التلخيص"(4/ 142): "وهو منقطع، لأن ثورًا لم يلحق عمر بلا خلاف".

وقال الحافظ في "موافقة الخبر الخبر": هكذا أورده مالك في الموطأ معضلًا. وهو موقوف ضعيف.

(5)

في الموطأ 2/ 842 - 843 رقم 3).

وهو موقوف ضعيف.

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 321) من طريق ابن بكير، عن مالك به.

وإسناده ضعيف، لانقطاعه.

(6)

في سننه رقم (1442) وقال: حسن. قلت: بل سنده ضعيف.

(7)

أي: الترمذي في سننه (4/ 48).

ص: 376

علي، وعبد الرحمن بن أزهر، وأبي هريرة، والسائب، وابن عباس، وعقبة بن الحارث. انتهى.

وأثر أبي جعفر محمد بن علي فيه انقطاع

(1)

.

وحديث أبي سعيد الثاني أصله في صحيح مسلم

(2)

.

وأخرج الشيخان

(3)

عن جابر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعًا، وأن ينبذ الرطب والبسر جميعًا".

وأخرج نحوه مسلم عن أبي هريرة

(4)

، وابن عمر

(5)

، وابن عباس

(6)

، واتفقا

(7)

عليه من حديث أبي قتادة بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين التمر والزهو، والتمر والزبيب، ولينبذ كل منهما على حدة، والنهي عن الانتباذ في الدباء".

أخرجه مسلم

(8)

من حديث أبي هريرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس: أنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقيَّر".

وأخرج نحوه الشيخان

(9)

من حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس.

ولهما

(10)

أيضًا عن أنس: نهى عن الدباء والمزفت.

وللبخاري

(11)

عن ابن أبي أوفى: "نهى عن المزفت والحنتم والنقير".

ولهما

(12)

عن علي في النهي عن الدباء والمزفت.

(1)

تقدم الكلام عليه آنفًا.

(2)

في صحيحه رقم (20/ 1987).

(3)

البخاري رقم (5601) ومسلم رقم (17/ 1986).

(4)

مسلم في صحيحه رقم (26 م/1989).

(5)

مسلم في صحيحه رقم (28/ 1991).

(6)

مسلم في صحيحه رقم (27/ 1990).

(7)

أي البخاري رقم (5602) ومسلم رقم (26/ 1988).

(8)

في صحيحه رقم (33/ 1992).

(9)

البخاري رقم (53، 88) ومسلم رقم (39/ 17).

(10)

أي البخاري رقم (5587) ومسلم رقم (30/ 1992).

(11)

في صحيحه رقم (5596).

(12)

أي البخاري رقم (5594) ومسلم رقم (34/ 1994).

ص: 377

ولعائشة عند مسلم

(1)

: "نهى وفد عبد القيس أن ينتبذوا في الدباء والنقير والمزفت والحنتم". انتهى.

والدُّباء

(2)

: هو القرع، والحنتم

(3)

: هو الجِرَارُ الخضر، والنقير

(4)

: هو أصلُ الجذع ينقر، ويتخذ منه الإناء، والمزفت

(5)

: هو المطلي بالزفت، والمقيَّر

(6)

: المطلي بالقار.

وأثر عمر رواه النسائي

(7)

من طريق الحارث بن مسكين، وهو ثقةٌ عن ابن القاسم، يعني: عبد الرحمن صاحب مالك، وهو ثقة أيضًا، عن مالك عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد عن عمر، والسائب له صحبة.

وأثر علي الآخر أخرجه أيضًا الشافعي

(8)

وهو من طريق ثور بن زيد الديلي، ولكنه منقطع، لأن ثورًا لم يلحق عمر بلا خلاف، ووصله النسائي

(9)

والحاكم

(10)

فروياه عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه عبد الرزاق

(11)

عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، ولم يذكر ابن عباس، وقد أعِلَّ هذا بما تقدم في أول الباب: أن عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن: أخفُّ الحدود ثمانون، فأمر به عمر.

قال في التلخيص

(12)

: ولا يقال: يحتمل أن يكون عليٌّ، وعبد الرحمن أشارا بذلك جميعًا، لما ثبت في صحيح مسلم

(13)

عن علي في جلد الوليد بن

(1)

في صحيحه رقم (37/ 1995).

(2)

النهاية (1/ 549) والفائق (1/ 406) والهروي في غريب الحديث (2/ 180).

(3)

القاموس المحيط (ص 1419).

(4)

النهاية (2/ 786).

(5)

القاموس المحيط (ص 195).

(6)

القاموس المحيط (ص 601).

(7)

في سننه رقم (5708) بسند صحيح.

(8)

في المسند (ج 2 رقم 293 ترتيب) بسند ضعيف منقطع، لأن ثور بن زيد الديلي لم يلق عمر بلا خلاف كما في "التلخيص"(4/ 142).

(9)

في السنن الكبرى رقم (5288 - العلمية).

(10)

في المستدرك (4/ 375) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وهو حديث ضعيف.

(11)

في "المصنف" رقم (13542).

(12)

(4/ 143).

(13)

في صحيحه رقم (38/ 1707).

ص: 378

عقبة أنه جلده أربعين وقال: "جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلّ سنة، وهذا أحبّ إليّ"، فلو كان هو المشير بالثمانين ما أضافها إلى عمر ولم يعمل بها لكن يمكن أن يقال: إنه قال لعمر باجتهاد ثم تغيَّر اجتهاده.

ولهذا الأثر طرق: (منها) ما تقدم، و (منها) ما أخرجه الطبري

(1)

والطحاوي

(2)

والبيهقي

(3)

وفيه: "أن رجلًا من بني كلب يقال له: ابن وبرة، أخبره أن خالد بن الوليد بعثه إلى عمر وقال له: إن الناس قد انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة، فقال عمر لمن حوله: ما ترون؟ فقال علي فذكر مثل ما تقدم".

وأخرج نحوه عبد الرزاق

(4)

عن عكرمة.

وأخرج ابن أبي شيبة

(5)

عن أبي عبد الرحمن السُّلميِّ عن عليٍّ قال: "شرب نفرٌ من أهل الشام الخمر وتأوَّلوا الآية الكريمة، فاستشار فيهم، فقلت: أرى أن تستتيبهم؛ فإن تابوا ضربتهم ثمانين، وإلا ضربت أعناقهم لأنهم استحلوا ما حرم، فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين ثمانين".

وأثر ابن شهاب فيه انقطاع لأنه لم يدرك عمر ولا عثمان.

قوله: (فإنه لو مات وَدَيْتُهُ) في هذا الحديث دليل على أنَّه إذا مات رجلٌ بحد من الحدود لم يلزم الإمام ولا نائبه الأرش، ولا القصاص إلا حدَّ الشُّرب.

وقد اختلف أهل العلم في ذلك. فذهب الشافعي

(6)

وأحمد بن حنبل

(7)

والهادي (8) والقاسم (8) والناصر

(8)

وأبو يوسف (9) ومحمد

(9)

إلى أنه لا شيء فيمن مات بحدٍّ أو قِصاصٍ مطلقًا من غير فرق بين حد الشرب وغيره.

(1)

لم أقف عليه في "جامع البيان".

(2)

في شرح معاني الآثار (3/ 153).

(3)

في السنن الكبرى (8/ 320).

وهو آثر ضعيف.

(4)

في المصنف رقم (13542) وقد تقدم.

(5)

في المصنف (9/ 546 رقم 8458).

(6)

البيان للعمراني (12/ 525 - 526).

(7)

المغني (12/ 503 - 504).

(8)

البحر الزخار (5/ 195).

(9)

مجمع الضمانات (1/ 447).

ص: 379

وقد حكى النووي

(1)

الإجماع على ذلك، وفيه نظر، فإنه قد قال أبو حنيفة

(2)

وابن أبي ليلى: إنها تجب الدية على العاقلة، كما حكاه في البحر

(3)

.

وأجابا: بأنَّ عليًا لم يرفع هذه المقالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل أخرجها مخرج الاجتهاد.

وكذلك يجاب عن رواية عبيد بن عمير: "أنَّ عليًا وعمر قالا: من مات من حدِّ أو قِصاصٍ فلا دية له، الحقُّ قَتَلَهُ"، ورواه بنحوه ابن المنذر

(4)

عن أبي بكر.

واحتجَّا بأن اجتهاد بعض الصحابة لا يجوز به إهدار دم امرئٍ مُسلم مجمعٍ على أنه لا يهدر.

وقد أجيب عن هذا: بأن الهدر ما ذهب بلا مقابل له، ودَم المحدود مقابل للذنب.

ورد: بأنَّ المقابل للذنب عقوبة لا تفضي إلى القتل.

وتعقب هذا الردُّ: بأنه تسبب بالذنب إلى ما يفضي إلى القتل في بعض الأحوال، فلا ضمان.

وأما من مات بتعزير فذهب الجمهور

(5)

إلى أنه يضمنه الإمام.

وذهبت الهادوية

(6)

إلى أنه لا شيء فيه كالحد.

وحكى النووي

(7)

عن الجمهور من العلماء أنه لا ضمان فيمن مات بتعزير لا على الإمام، ولا على عاقلته، ولا في بيت المال.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 221).

(2)

قال أبو محمد بن غانم بن محمد البغدادي في "مجمع الضمانات" في مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان (1/ 447): "1788 - إذا وجب على رجل حدّ أو تعزير، فجلده الإمام أو عزره فمات، فدمه هدر

بخلاف الزوج إذا عزر زوجته فيما يجوز له تعزيرها، حيث يضمن كما في "الهداية" و"الكنز".

والأصل فيه أن الواجب لا يتقيد بوصف السلامة والمباح يتقيد بها. وفعل الإمام من قبيل الأول. وفعل الزوج من قبيل الثاني. وتمام الكلام في فروع هذا الأصل في التعزير من الزيلعي، وذكرنا عن الأشباه طرفًا منه في الجنايات". اهـ.

(3)

البحر الزخار (5/ 196).

(4)

الإشراف له (2/ 87 رقم 1244).

(5)

المغني (12/ 505).

(6)

الاعتصام بحبل الله المتين (5/ 103).

(7)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 221).

ص: 380

وحُكي عن الشافعي

(1)

: أنه يضمنه الإمام ويكون على عاقلته.

قوله: (لم يسنه) قد قدمنا الجمع بين هذا وبين روايته السابقة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين".

قوله: (فجلده ثمانين)، هذا يخالف ما تقدم في أول الباب أن عليًا أمر بجلده أربعين، وظاهر هذه الرواية أنه جلده بنفسه وأن جملة الجلد ثمانون.

وقد جمع المصنف بين الروايتين بما ذكره من رواية أبي جعفر، ولا بدَّ من الجمع بمثل ذلك؛ لأنَّ حمل ذلك على تعدد الواقعة بعيدٌ جدًّا، فإن المحدود في القصتين واحدٌ، وهو الوليد بن عقبة، وكان ذلك بين يدي عثمان في حضرة عليّ.

قوله: (نشوان) بفتح النون وسكون الشين. قال في القاموس

(2)

: رجلٌ نشوان، ونشيان: سكران بَيِّنُ النشوة. انتهى.

قوله: (في دُبَّاءة)

(3)

بضم الدال، وتشديد الباء الموحدة: واحدة الدُّباء، وهي: الآنية التي تتخذ منه.

قوله: (نُهِزَ) بضم النون وكسر الهاء بعدها زايٌ: وهو الدفع باليد، قال في القاموس

(4)

: نهزه، كمنعه: ضربه ودفعه.

قوله: (ونهى عن الزبيب والتمر) يعني: أنْ يُخلطا فيه دليل على أنه لا يجوز الجمع بين الزبيب والتمر وجعلهما نبيذًا، وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأشربة إن شاء الله [تعالى]

(5)

.

قوله: (فزعم أنَّه شرب الطِّلاء) هي: الخمرة اللذيذة على ما في القاموس

(6)

.

قوله: (إذا شرب سكر

إلخ)، اعلم أن معنى هذا الأثر لا يتمُّ إلا بعد تسليم أنَّ كلَّ شارب [خمرٍ]

(7)

يهذي بما هو افتراء، وأنَّ كلَّ مفترٍ يجلد ثمانين

(1)

البيان للعمراني (2/ 526 - 527).

(2)

القاموس المحيط (ص 1725).

(3)

النهاية في غريب الحديث (1/ 549).

(4)

القاموس المحيط (ص 679).

(5)

ما بين الخاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(6)

القاموس المحيط (ص 1686).

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 381

جلدة، والكلُّ ممنوعٌ، فإن الهذيان إذا كان ملازمًا للسكر، فلا يلازمه الافتراء، لأنَّه نوع خاصٌ من أنواع ما يهذو به الإنسان، والجلد إنما يلزم من افترى افتراءً خاصًّا، وهو القذف لا كلَّ مفتر، وهذا مما لا خلاف فيه، فكيف صحَّ مثل هذا القياس؟! فإن قال قائل: إنه من باب الإخراج للكلام على الغالب؛ فذلك أيضًا ممنوع، فإن أنواع الهذيان بالنسبة إلى الافتراء، وأنواع الافتراء بالنسبة إلى القذف هي الغالبة بلا ريب.

وقد تقرر في علم المعاني أنَّ أصل (إذا)

(1)

الجزمُ بوقوع الشرط، ومثل هذا الأمر النادر مما يبعد الجزم بوقوعه، باعتبار كثرة الأفراد المشاركة له في ذلك الاسم وغلبتها، وللقياس شروط مدونة في الأصول

(2)

لا تنطبق على مثل هذا الكلام.

ولكن مثلُ أمير المؤمنينَ وَمَنْ بحضرته من الصحابة الأكابر هم أصل الخبرة بالأحكام الشرعية ومداركها.

قوله: (بلغني أنَّ عليه نصف حدِّ الحرِّ) قد ذهب إلى التنصيف للعبد في حد الزنا والقذف والشرب الأكثر من أهل العلم

(3)

.

وذهب ابن مسعود

(4)

، والليث،

(1)

• الأصل في (إذا) أن تكون للمقطوع بحصوله، ولكثير الوقع، فمن المقطوع بحصوله، قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180]، فإنَّ كل واحد منا سيحضره الموت، وقوله تعالى:{فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: 25] وأما ما يقع كثيرًا، فنحو قوله تعالى:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282].

انظر: معترك الأقران في إعجاز القرآن (2/ 50 - 51).

ومعاني النحو (4/ 61 - 62).

(2)

"إرشاد الفحول"(ص 678 - 685) بتحقيقي والبحر المحيط (5/ 83) وتيسير التحرير (3/ 286).

(3)

المغني (12/ 511) والاختيار (4/ 355) والبيان للعمراني (12/ 524).

(4)

قلت: بل ذهب ابن مسعود إلى خلاف ما نقله الشوكاني. قال الدكتور القلعه جي في "موسوعة فقه عبد الله بن مسعود"(ص 199): (8 - تنصيف الحد في حق العبد: طالما أن الحدود حق لله تعالى، فإن الله تعالى جعل عقوبة الحر إذا ارتكبه عبد نصف عقوبته على الحر إن كان الحد قابلًا للتنصيف، ولذلك فإننا رأينا ابن مسعود عندما أتاه رجل =

ص: 382

والزهري

(1)

، وعمر بن عبد العزيز، إلى أنه يستوي الحر والعبد في ذلك لعموم الأدلة.

ويجاب: بأن القرآن مصرّح في حد الزنا بالتنصيف.

قال الله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}

(2)

، ويلحق بالإماء العبيد، ويلحق بحد الزنا سائر الحدود، وهذا قياس صحيح لا يختلف في صحته من أثبت العمل بالقياس.

[الباب الثاني] باب ما وَرَدَ في قَتْلِ الشَّارِبِ في الرَّابِعَةِ وبيانِ نَسْخِهِ

14/ 3174 - (عَنْ عَبدِ الله بْنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فاجْلِدُوهُ، فإنْ عَادَ فاجْلِدُوهُ، فإنْ عادَ فاجْلِدُوهُ، فإنْ عادَ فاقْتُلُوهُ".

- قالَ عَبدُ الله: ائتُونِي بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ في الرَّابِعَةِ فَلَكُمْ عليَّ أَنْ أَقْتُلَه. رَواهُ أَحمدُ)

(3)

. [صحيح لغيره]

= وقال له: جاريتي زنت، قال له ابن مسعود: اجلدها خمسين - المصنف لعبد الرزاق رقم (18867) - وإنما أمره ابن مسعود أن يجلدها خمسين لأن الرقيق لا يكون محصنًا. فحده الجلد دائمًا، ولأن حده على النصف من حد الحر، وحد الزنا على الحر مائة جلدة، فحد الرقيق فيه خمسون. ولذلك أمره ابن مسعود أن يجلدها خمسين جلدة.

وقال رضي الله عنه: "أيكون على الأمة نصف العذاب ولا يكون لها نصف الرخصة".

(1)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13558) عن معمر عن الزهري في العبد يشرب الخمر، قال: يضرب نصف حدّ الحرّ، وقد ضرب عثمان غلامًا له نصف الحدِّ في الخمر".

وهذا خلاف ما نقله الشوكاني رحمه الله عن الزهري.

(2)

سورة النساء، الآية (25).

(3)

في المسند (2/ 191).

إسناده ضعيف، فالحسن البصري لم يسمع هذا الحديث من عبد الله بن عمرو. كما صرح بذلك في الرواية الآتية (2/ 211). من رواية قرة أيضًا عن الحسن، قال: واللهِ لقد زعَموا أنّ عبد الله بن عمرو شهِدَ بها على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن شربَ الخمر فاجلدوه

" الحديث.

والخلاصة: أن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص حديث صحيح لغيره.

ص: 383

15/ 3175 - (وعَنْ مُعاوِيَةَ أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا شَرِبوا الخَمْرَ فَاجْلِدُوهُمْ، ثمَّ إذَا شَرِبوا فاجْلِدُوهُمْ، ثمَّ إذَا شَرِبُوا الرَّابعَةَ فاقْتُلُوهُمْ" رواهُ الخمْسَةُ إلَّا النَسَائيَّ

(1)

. [صحيح]

قالَ التِّرْمِذِيُّ: إنّما كانَ هذَا في أَوَّلِ الأمْر ثمّ نُسِخَ بَعدُ، هكذَا رَوى محمَّدُ بنُ إسْحَاقَ عَنْ محمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جابر عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إنْ شَرِبَ الخَمْرَ فاجِلدُوهُ، فإنْ عادَ الرَّابِعةَ فاقْتُلُوهُ"، قال: ثمَّ أتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعدَ ذلِكَ بِرَجُلٍ قدْ شَرِبَ في الرَّابِعَةِ فضَرَبَهُ ولمْ يَقْتلهُ)

(2)

.

16/ 3176 - (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤْيبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فاجْلِدُوهُ، فإِنْ عادَ فاجْلِدُوهُ، فإِنْ عادَ في الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابعةِ فاقتُلُوهُ"، فأتِي برَجُل قدْ شَرِبَ فجَلَدَهُ، ثمَّ أتِيَ بِهِ فجلَدَهُ، ثمَّ أتِيَ بهِ فجلَدَهُ، ثم أتِيَ بهِ فجلَدَهُ وَرُفِعَ الْقَتْلُ وكانَتْ رُخْصَة. رواهُ أَبو دَاوُدَ

(3)

وذكَرَهُ

(1)

أحمد في المسند (4/ 95) وأبو داود رقم (4482) والترمذي رقم (1444) وابن ماجه رقم (2573).

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (7363) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 159) وابن حبان رقم (4446) والطبراني في "المعجم الكبير"(ج 19 رقم 768) والحاكم (4/ 372) وابن حزم في المحلى (11/ 366) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 313) من طرق عن عاصم بن بهدلة يُحدِّث عن أبي صالح - وهو ذكوان السَّمَّان - عن معاوية، به.

وهو حديث صحيح.

(2)

أخرجه الترمذي في السنن (4/ 49) معلقًا.

وأخرجه البزار في "المسند" رقم (1562 - كشف) وقال: كان ذلك ناسخًا لقتله، ولا نعلم أحدًا حدث به إلا ابن إسحاق.

وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 161) والحاكم في المستدرك (4/ 373) وسكت عنه لأنه أخرجه شاهدًا لما قبله، والبيهقي (8/ 314).

وأخرجه النسائي في السنن الكبرى رقم (5302 - العلمية).

وانظر: تحقيق المسند لأبي الأشبال أحمد شاكر (9/ 53 - 54) فقد قال: وأسانيد حديث جابر كلها صحيحة، وساقه من عدة طرق عن جابر.

وانظر: "نصب الراية" للزيلعي (3/ 347).

(3)

في سننه رقم (4485). =

ص: 384

التِّرْمِذِيُّ

(1)

بمَعْناهُ). [ضعيف مرسل]

17/ 3177 - (وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ سَكِرَ فاجلِدُوهُ، ثمَّ إنْ سَكِرَ فاجلدُوهُ، فإِنَّ عادَ في الرَّابِعَةِ فاضْرِبُوا عُنُقَهُ". رَوَاهُ الخَمْسة إلا التِّرْمِذِيَّ

(2)

. [صحيح لغيره]

وَزَادَ أَحمدُ: قالَ الزُّهْريُّ: فأُتِيَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ في الرَّابِعَةِ فخلَّى سَبِيلَهُ). [إسناده ضعيف]

حديث ابن عمرو أخرجه أيضًا الحارث بن أبي أسامة في مسنده من طريق الحسن البصري، ورواه من طريق ابن حزم، والحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو فهو منقطع، وقد جزم بعدم سماعه منه ابن المديني وغيره

(3)

، ووقع في نسخة من هذا الكتاب (عبد الله بن عمر) بدون واو، والصواب إثباتها

= قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 161) وعبد الرزاق في "مصنفه" رقم (17084) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 314). من طريق الشافعي والبغوي في "شرح السنة"(10/ 335 - 336) والشافعي في "الأم"(6/ 155، 195 - ط: قتيبة) كلهم أخرجوه عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن قبيصة، وقبيصة ولد زمن النبي ولم يسمع منه، والزهري لم يسمع من قبيصة أيضًا.

وفي "نصب الراية"(3/ 347) ذكر الزيلعي أن قبيصة من ولد الصحابة له رؤية وفي صحبته خلاف.

ومن "الجوهر النقي"(8/ 313 - 314) ذكر ابن التركماني أنه مرسل منقطع.

وفي تحقيق "المسند"(9/ 61 - 62) قال أحمد شاكر: هو حديث ضعيف حكمه حكم غيره من المراسيل.

(1)

أشار إليه الترمذي في السنن (4/ 49) عقب إخراجه حديث معاوية، وحديث جابر.

(2)

أحمد في المسند (2/ 291، 504، 519) وأبو داود رقم (4484) والنسائي رقم (5662) وفي الكبرى رقم (5172 - العلمية) وابن ماجه رقم (2572).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (2337) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 159) وابن حبان رقم (4447) والحاكم (4/ 371) وابن حزم في المحلى (11/ 367) والبيهقي (8/ 313) وابن الجارود رقم (831).

وهما حديث صحيح لغيره.

(3)

انظر: "تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل" لأبي زرعة العراقي (ص 67 - 76).

ص: 385

وحديث معاوية قال البخاري

(1)

: هو أصحُّ ما في هذا الباب.

وأخرجه أيضًا الشافعي

(2)

، والدارمي

(3)

، وابن المنذر (1).

وابن حبان وصححه

(4)

من حديث أبي هريرة.

وأخرجه ابن أبي شيبة من رواية أبي سعيد والمحفوظ أنه عن معاوية.

وأخرجه أبو داود

(5)

من رواية أبان العطار، وفيه:"فإن شربوا، يعني بعد الرابعة فاقتلوهم".

ورواه أيضًا أبو داود

(6)

من حديث ابن عمر، وقال: وأحسبه قال في الخامسة: "ثم إن شربها فاقتلوه". [قال]

(7)

: وكذا في حديث غطيف: في الخامسة.

وحديث جابر أخرجه أيضًا النسائي

(8)

.

وحديث قبيصة بن ذؤيب أخرجه أيضًا الشافعي

(9)

وعبد الرزاق

(10)

وعلَّقه الترمذي

(11)

.

وأخرجه أيضًا الخطيب

(12)

عن ابن إسحاق، عن الزهري عن قبيصة، قال سفيان بن عيينة: حدَّث الزهري بهذا، وعنده منصور بن المعتمر، ومخول بن راشد فقال لهما: كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث.

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 80).

(2)

معرفة السنن والآثار (13/ 38 رقم 17392).

(3)

في المسند (2/ 115).

(4)

في صحيحه رقم (4446) من حديث معاوية.

ورقم (4447) من حديث أبي هريرة.

(5)

في سننه رقم (4482) بسند حسن.

(6)

في سننه رقم (4483) بسند ضعيف.

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

في السنن الكبرى رقم (5302).

(9)

في "المسند" رقم (ج 2 رقم 291 - ترتيب) بسند مرسل.

(10)

في "المصنف" رقم (13553).

(11)

أشار إليه الترمذي في السنن (4/ 49) عقب إخراجه حديث معاوية، وحديث جابر. وقد تقدم.

(12)

في "الأسماء المبهمة والأنباء المحكمة" للخطيب البغدادي (ص 306 - 307).

ص: 386

وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة، ولد عام الفتح. وقيل: إنه ولد أول سنة من الهجرة، ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعده الأئمة من التابعين، وذكروا أنه سمع الصحابة

(1)

.

قال المنذري

(2)

: وإذا ثبت أن مولده أول سنة من الهجرة، أمكن أن يكون سمع من [رسول الله]

(3)

صلى الله عليه وسلم.

وقد قيل: إنه أتي به النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام يدعو له، وذكر عن الزهري أنَّه كان إذا ذكر قبيصة بن ذؤيب قال: كان من علماء هذه الأمة، وأما أبوه ذؤيب بن حلحلة فله صحبة. انتهى.

ورجال الحديث مع إرساله ثقات.

وأعلَّه الطحاوي

(4)

بما أخرجه من طريق الأوزاعيِّ أن الزهري راويه قال: بلغني عن قبيصة، ولم يذكر أنه سمع منه، وعورض بأنه رواه ابن وهب عن يونس قال: أخبرني الزهري أن قبيصة حدثه أنه بلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويونس أحفظ لحديث الزهري من الأوزاعي، وأخرج عبد الرزاق

(5)

عن ابن المنكدر مثله.

وأما حديث أبي هريرة فقد قدمنا من أخرجه ومن صححه.

وفي الباب عن الشريد بن أوس الثقفي عند أحمد

(6)

والأربعة

(7)

والدارمي

(8)

، والطبراني

(9)

، وصححه الحاكم

(10)

.

(1)

تقدم الكلام عليه عند تخريج حديثه رقم (3176) من كتابنا هذا.

(2)

في "المختصر"(6/ 290).

(3)

في المخطوط (ب): (النبي).

(4)

في شرح معاني الآثار (3/ 161).

(5)

في المصنف رقم (13549).

(6)

في المسند (4/ 388 - 389).

(7)

النسائي في السنن الكبرى رقم (5301 - العلمية) ولم أقف عليه عند الثلاثة من حديث الشريد.

(8)

في المسند (2/ 175).

(9)

في المعجم الكبير رقم (7244).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 277 - 278) وقال: فيه عبد الله بن عتبة بن عروة بن مسعود الثقفي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".

(10)

في المستدرك (4/ 372) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. =

ص: 387

وعن شرحبيل الكندي عند أحمد

(1)

، والطبراني

(2)

، وابن منده ورجاله ثقات.

وعن أبي الرمداء - براء مهملة مفتوحة وميم ساكنة ودال مهملة - وبالمد عند الطبراني

(3)

، وابن منده، وفي إسناده ابن لهيعة وفيه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بضرب عنقه وأنه ضرب عنقه"، فإن ثبت هذا كان فيه رد على من يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل به

(4)

.

وقد اختلف العلماء: هل يقتل الشارب بعد الرابعة أو لا؟ فذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه يقتل ونصره ابن حزم

(5)

، واحتجَّ له، ودفع دعوى الإجماع على عدم القتل، وهذا هو ظاهر ما في الباب عن ابن عمرو.

= قلت: في إسناده محمد بن مسلمة - وهو ابن الوليد أبو جعفر الواسطي الطيالسي - قال الخطيب في "تاريخ بغداد"(3/ 305): في حديثه مناكير بأسانيد واضحة، إلا أن الحاكم ذكر أنه سمع الدارقطني يقول: لا بأس به، ثم قال الخطيب: رأيت هبة الله بن الحسن الطبري - وهو أبو القاسم اللالكائي - يضعفه، وسمعت الحسن بن محمد الخلال يقول: ضعيف جدًّا.

وخلاصة القول: أن حديث الشريد سنده ضعيف إلا أنه حديث حسن لغيره.

(1)

في المسند (4/ 234).

(2)

في المعجم الكبير رقم (7212).

قلت: وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(7/ 431) وعبد بن حميد رقم (408) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2434) وابن قانع في "معجمه"(1/ 331) والطبراني في "مسند الشاميين" رقم (1082) والحاكم (4/ 373) من طرق.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(3)

في المعجم الكبير (ج 22 رقم 893).

قلت: وأخرجه الدولابي في "الكنى"(1/ 30) من طريق عبد الله بن يزيد المقري عن ابن لهيعة، به.

وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 159) عن ربيع المؤذن عن أسد بن موسى عن ابن لهيعة، به. - فيه أبو رمثة وهو خطأ - وأبو سليمان مجهول الحال. قال ابن القطان: لا يعرف حاله.

الخلاصة: أن حديث أبي الرمداء حديث ضعيف.

(4)

انظر: "كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر" تأليف: أحمد شاكر. فهي مفيدة في بابها.

(5)

ناقش ابن حزم في "المحلى"(11/ 365 - 370 رقم المسألة 2288) هذه القضية نقاشًا -

ص: 388

وذهب الجمهور

(1)

إلى أنَّه لا يقتل الشارب، وأن القتل منسوخٌ.

قال الشافعي

(2)

: والقتل منسوخٌ بهذا الحديث وغيره - يعني: حديث قبيصة بن ذؤيب

(3)

- ثم ذكر أنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم.

وقال الخطابي

(4)

: قد يرد الأمر بالوعيد ولا يرادُ بهِ الفعلُ، وإنما يقصد به الردع والتحذير. وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبًا ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل. انتهى.

وحكى المنذري

(5)

: عن بعض أهل العلم أنه قال: أجمع المسلمون على وجوب الحدِّ في الخمر. وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه إلا طائفة شاذة قالت: يقتل بعد حدّه أربع مرات للحديث وهو عند الكافة منسوخ. اهـ.

وقال الترمذي

(6)

: أنه لا يعلم في ذلك اختلافًا بين أهل العلم في القديم والحديث، وذكر أيضًا في آخر كتابه الجامع في "العلل"

(7)

أن جميع ما فيه معمول به عند البعض من أهل العلم إلا حديث: "إذا سكر فاجلدوه"

(8)

المذكور في الباب.

وحديث الجمع بين الصلاتين

(9)

.

وقد احتج من أثبت القتل بأن حديث معاوية

(10)

المذكور متأخر عن الأحاديث القاضية بعدم القتل، لأن إسلام معاوية متأخر.

= واسعًا حتى قال في (11/ 369): "فأما نحن فنقول وبالله تعالى التوفيق: أن الواجب ضم أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم كلها بعضها إلى بعض، والانقياد إلى جميعها والأخذ بها وأن لا يقال في شيء منها: هذا منسوخ إلا بيقين

". اهـ.

(1)

الفتح (12/ 80).

(2)

معرفة السنن والآثار (13/ 36 رقم 17384).

(3)

تقدم برقم (3176) من كتابنا هذا.

(4)

في معالم السنن (4/ 624 - مع السنن).

(5)

في "مختصر السنن"(6/ 289).

(6)

في السنن (4/ 49).

(7)

في "العلل"(5/ 736 - مع السنن).

(8)

تقدم برقم (3177) من كتابنا هذا.

(9)

أخرجه الترمذي في سننه رقم (187).

ومسلم رقم (49/ 705).

وهو حديث صحيح.

(10)

تقدم برقم (3175) من كتابنا هذا.

ص: 389

وأجيب عن ذلك بأن تأخر إسلام الراوي لا يستلزم تأخر المروي لجواز أن يروي ذلك عن غيره من الصحابة المتقدم إسلامهم على إسلامه.

وأيضًا قد أخرج الخطيب في "المبهمات"

(1)

عن ابن إسحاق عن الزهري عن قبيصة أنه قال في حديثه السابق: "فأتي برجل من الأنصار يقال له: نعيمان، فضربه أربع مرات، فرأى المسلمون أن القتل قد أخّر".

وأخرج عبد الرزاق

(2)

عن معمر عن سهيل وفيه قال: فحدثت به ابن المنكدر فقال: قد ترك ذلك. "وقد أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن النعيمان فجلده ثلاثًا ثم أتي به الرابعة فجلده ولم يزد". وقصة النعيمان أو ابن النعيمان كانت بعد الفتح؛ لأن عقبة بن الحارث حضرها فهي إما بحنين وإما بالمدينة، ومعاوية أسلم قبل الفتح أو في الفتح على الخلاف وحضور عقبة كان بعد الفتح.

[الباب الثالث] بابُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ سُكْرٌ أَوْ رِيحُ خَمْرٍ وَلَمْ يَعْتَرِفْ

18/ 3178 - (عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقِتْ في الخَمْرِ حَدًا. وقالَ ابْنُ عبَّاسٍ: شَرِبَ رَجُلٌ فَسَكِرَ، فَلُقِيَ يَمِيلُ في الْفَجِّ، فانْطُلِقَ بهِ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا حاذَى بِدَارِ العَبَّاسِ انْفَلَتَ فَدَخَلَ على الْعَبَّاسِ فالْتَزَمَهُ، فذُكِرَ ذلِكَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ وقالَ:"أفَعَلَها؟ " وَلمْ يأمُرْ فِيهِ بِشيْءٍ. روَاهُ أَحمدُ

(3)

وَأَبُو داوُد

(4)

وقالَ: هَذا مِمَّا تَفَرَّدَ بهِ أَهلُ المَدِينَةِ). [ضعيف]

19/ 3179 - (وعَنْ علْقَمةَ قالَ: كُنْتُ بِحِمْصَ، فَقَرأَ ابْنُ مَسْعُودٍ سُورَةَ

(1)

(ص 306 - 307).

(2)

في "المصنف" رقم (13549).

(3)

في المسند (1/ 322) بسند ضعيف، لجهالة محمد بن علي بن يزيد بن ركانة.

(4)

في السنن رقم (4476) قال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل المدينة.

قلت: وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير رقم (11597).

قلت: ومتنه مخالف للأحاديث الصحيحة التي فيها أن حد شارب الخمر كان على زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين، وكذلك كان في عهد أبي بكر، فلما كانت خلافة عمر جلد ثمانين.

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 390

يُوسُفَ، فقالَ رَجُلٌ: ما هَكَذَا أُنْزِلَتْ، فقالَ عَبدُ الله: والله لَقَرَأتُها على رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: "أَحْسَنْتَ"، فبَيْنَما هُوَ يُكَلِّمهُ إذْ وَجَدَ مِنهُ ريحَ الخَمْرِ، فقالَ: أَتَشْرَبُ الخَمْرَ وتُكَذِّبُ بِالْكِتَابِ؟ فَضَرَبَهُ الحَدِّ. متَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

حديث ابن عباس أخرجه أيضًا النسائي

(2)

وقوى الحافظ إسناده.

قوله: (لم يَقِتْ)

(3)

من التوقيت، أي: لم يقدره بقدر، ولا حدَّه بحدٍّ.

وقد استدل بهذا الحديث من قال: إن حد السكر غير واجب، وإنه غير مقدر، وإنما هو تعزير فقط كما تقدم.

وأجيب عن هذا بأنه قد وقع الإجماع من الصحابة على وجوبه.

وحديث ابن عباس المذكور قد قيل: إنه كان قبل أن يشرع الجلد ثم شرع الجلد، والأولى أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لم يقم على ذلك الرجل الحدّ لكونه لم يقرَّ لديه، ولا قامت عليه بذلك الشهادة عنده، وعلى هذا بوَّب المصنف، فيكون في ذلك دليل على أنه لا يجب على الإمام أن يقيم الحدَّ على شخص بمجرّد إخبار الناس [له]

(4)

أنَّهُ فعلَ ما يوجبُهُ، ولا يلزمه البحث بعد ذلك لما قدمنا من مشروعية الستر، وأولوية ما يدرأ الحدَّ على ما يوجبه.

وأثر ابن مسعود

(5)

المذكور فيه متمسكٌ لمن يُجَوّز للإمام، والحاكم، ومن صلح أن يقيم الحدود إذا علم بذلك، وإن لم يقع من فاعل ما يوجبها إقرارٌ، ولا قامت عليه البينةُ به.

(1)

أحمد في المسند (1/ 378، 424 - 425) والبخاري رقم (5001) ومسلم رقم (249/ 801).

قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى رقم (8085 - العلمية) والحميدي رقم (112) وأبو يعلى رقم (5068) وعبد الرزاق في المصنف رقم (17041) والطبراني في المعجم الكبير رقم (9712، 9713).

وهو حديث صحيح.

(2)

في السنن الكبرى رقم (5290 - العلمية).

(3)

النهاية في غريب الحديث (2/ 870).

(4)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(5)

تقدم برقم (19/ 3179) من كتابنا هذا.

ص: 391

وقد خالف في أصل حكم الحاكم بما علم مطلقًا شريح (1) والشعبي

(1)

وابن أبي ليلى (2) والأوزاعي

(2)

ومالك

(3)

وأحمد

(4)

وإسحاق

(5)

والشافعي

(6)

في قول له، فقالوا: لا يجوز له أن يقضي بما علم مطلقًا.

وقال الناصر

(7)

والمؤيد بالله (7) في قول له، والشافعي

(8)

في قول له أيضًا: إنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في كل شيء من غير فرق بين الحدّ وغيره.

وذهبت العترة

(9)

إلى أن يحكم بعلمه في الأموال دون الحدود إلا في حدِّ القذف، فإنَّه يحكم فيه بعلمه. ويدلُّ على ذلك ما أخرجه البخاري

(10)

تعليقًا: "أن عمر قال لعبد الرحمن: لو رأيتُ رجلًا على حدٍّ؟ أفقال،

(11)

: أرى شهادتك شهادة رجل من المسلمين، قال: أصبت". ووصله البيهقي

(12)

، ويؤيده حديث:"لو كنتُ راجمًا أحدًا بغيرِ بينة لرجمتها"

(13)

. في قصة الملاعنة.

وقد تقدم، فإن ذلك يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم زناها.

[الباب الرابع] بابُ ما جاءَ في قَدْرِ التعزيرِ والحَبْسِ في التُّهَمِ

20/ 3180 - (عَنْ أَبي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عشْرَةِ أَسْواطٍ إلا في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله تعالى". رَوَاهُ الجَمَاعَةُ إلَّا النَّسائيَّ)

(14)

. [صحيح]

(1)

ذكره ابن قدامة في المغني (14/ 31).

(2)

ذكره العمراني في "البيان"(13/ 102).

(3)

عيون المجالس (4/ 1535 - 1537).

(4)

المغني (14/ 31 - 32).

(5)

ذكره ابن قدامة في "المغني"(14/ 31) والعمراني في "البيان"(13/ 102).

(6)

البيان للعمراني (13/ 102 - 103).

(7)

البحر الزخار (5/ 130).

(8)

البيان للعمراني (13/ 102 - 104).

(9)

البحر الزخار (5/ 130).

(10)

في صحيحه (13/ 158 رقم الباب (21) - مع الفتح) معلقًا.

(11)

في المخطوط (ب): (قال).

(12)

في السنن الكبرى (10/ 144) موصولًا.

(13)

تقدم برقم (3112) من كتابنا هذا.

(14)

أحمد في المسند (3/ 466)، (4/ 45) والبخاري رقم (6850) ومسلم رقم (40/ 1708) =

ص: 392

21/ 3181 - (وعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جدَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلًا في تُهْمَةٍ ثمَّ خَلى عَنْهُ. رَوَاهُ الخَمْسةُ إلَّا ابْنَ ماجهْ)

(1)

[حسن]

حديث أبي بردة مع كونه متفقًا عليه قد تكلم في إسناده ابن المنذر

(2)

والأصيلي

(3)

من جهة الاختلاف فيه.

وقال البيهقي

(4)

: قد أقام عمرو بن الحارث إسناده فلا يضرُّه تقصير من قصَّر فيه. وقال الغزالي

(5)

: صححه بعض الأئمة، وتعقبه الرافعي في التذنيب

(6)

فقال: أراد بقوله بعض الأئمة صاحب التقريب.

ولكن الحديث أظهر من أن تضاف صحته إلى فرد من الأئمة فقد صححه البخاري ومسلم.

= وأبو داود رقم (4491) والترمذي رقم (1463) وابن ماجه رقم (2601).

قلت: وكذلك أخرجه النسائي في الكبرى رقم (7330 - 7332 - العلمية). على عكس ما قاله ابن تيمية الجد في المنتقى.

وأخرجه الدارقطني (3/ 207 رقم 371) والدارمي (2/ 176) والبيهقي (8/ 568) والبغوي في شرح السنة رقم (2609) وابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 567).

وهو حديث صحيح.

(1)

أحمد في المسند (5/ 2، 4) وأبو داود رقم (3630) والترمذي رقم (1417) وقال: حديث حسن. والنسائي رقم (4876).

وهو حديث حسن.

(2)

انظر: "مختصر السنن"(6/ 294).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 177).

• قال ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(9/ 231): "هذا الحديث ذكر ابن المنذر في إسناده مقالًا، وقال الأصيلي: اضطرب إسناده فوجب تركه، وقول ابن المنذر: يرجع إلى ما ذكره الأصيلي من الاضطراب، فإن رجال إسناده ثقات، والاضطراب الذي أشار إليه: هو أنه روى عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبي بردة. وعنه عن أبيه عن أبي بردة، وعنه عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الطرق كلها مخرجة في "الصحيحين" على الاتفاق والانفراد.

وروى عنه عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الاختلاف لم يؤثر عند البخاري ومسلم؛ لأنه يحتمل أن يكون سمعه من أبيه عن أبي بردة، وسمعه من أبي بردة، فحدث به مرة عن هذا، ومرة عن هذا". اهـ.

(4)

"معرفة السنن والآثار"(13/ 70 رقم 17505).

(5)

كما في "التلخيص"(4/ 148 - 149).

ص: 393

وحديث بهز بن حكيم حسنه الترمذي

(1)

. وقال الحاكم

(2)

: صحيح الإسناد، ثم أخرج

(3)

له شاهدًا من حديث أبي هريرة، وفيه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة يومًا وليلة".

وقد تقدم الاختلاف في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.

قوله: (لا يجلد) روي بفتح الياء في أوله وكسر اللام. وروي أيضًا بضم الياء وفتح اللام. وروي بصيغة النهي مجزومًا وبصيغة النفي مرفوعًا.

قوله: (فوق عشرة أسواط) في رواية: "فوق عشر ضربات"

(4)

.

قوله: (إلا في حد) المراد به ما ورد عن الشارع مقدَّرًا بعدد مخصوص كحد الزنا والقذف ونحوهما.

وقيل: المراد بالحد هنا عقوبة المعصية مطلقًا لا الأشياء المخصوصة، فإنَّ ذلك التخصيص إنما هو من اصطلاح الفقهاء، وعُرفُ الشرع إطلاق الحدِّ على كلِّ عقوبةٍ لمعصيةٍ من المعاصي كبيرةٍ أو صغيرة.

ونسب ابن دقيق العيد

(5)

هذه المقالة إلى بعض المعاصرين له

(6)

، وإليها

(1)

في سننه (4/ 28).

(2)

في المستدرك (4/ 102) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(3)

أي الحاكم في المستدرك (4/ 102) قال الذهبي: إبراهيم - بن خثيم - متروك.

قلت: ومن هذا الوجه أخرجه البزار - كما في "مجمع الزوائد"(4/ 203) وقال الهيثمي: وفيه إبراهيم بن خثيم عن عراك وهو متروك.

• تنبيه: وقد تحرف (خثيم) إلى (حسم) في "مجمع الزوائد".

• انظر ترجمة إبراهيم بن خثيم في "الجرح والتعديل"(2/ 98) والميزان (1/ 30) ولسان الميزان (1/ 53).

(4)

قلت: من الأحاديث الموضوعة في هذا الباب، حديث أبي هريرة مرفوعًا:"لا تعزير فوق عشرين سوطًا"، قال ابن الجوزي في "موضوعاته" (3/ 300 - 301 رقم 1533): قال أبو حاتم: في إسناده محمد بن إبراهيم وهو يضع الحديث، ويروي ما لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تحل الرواية عنه إلَّا اعتبارًا.

(5)

في "إحكام الأحكام"(ص 882).

• وبحوزتي مخطوطتين لإحكام الأحكام لابن دقيق العيد.

(6)

قال الحافظ في "الفتح"(12/ 178): "قلت: والعصري المشار إليه أظنه ابن تيمية =

ص: 394

ذهب ابن القيم

(1)

، وقال: المراد بالنهي المذكور في التأديب للمصالح كتأديب الأب ابنه الصغير.

واعترض على ذلك بأنه قد ظهر أن الشارع يطلق الحدود على العقوبات المخصوصة.

ويؤيد ذلك قول عبد الرحمن بن عوف

(2)

: إن أخف الحدود ثمانون كما تقدم في كتاب حد شارب الخمر.

وقد ذهب إلى العمل بحديث الباب جماعة من أهل العلم منهم: الليث

(3)

وأحمد

(4)

في المشهور عنه وإسحاق

(5)

وبعض الشافعية

(6)

.

وذهب أبو حنيفة

(7)

، والشافعي

(8)

، وزيد بن علي، والمؤيد بالله (9) والإمام يحيى

(9)

إلى جواز الزيادة على عشرة أسواط ولكن لا يبلغ إلى أدنى الحدود.

وذهب الهادي (10)، والقاسم (10)، والناصر (10)، وأبو طالب

(10)

، إلى أنَّه يكون في كلِّ موجبٍ للتعزير دون حدّ جنسه، وإلى مثل ذلك ذهب الأوزاعي

(11)

، وهو مروي عن محمد بن الحسن الشيباني

(12)

.

وقال أبو يوسف

(13)

: إنه ما يراه الحاكم بالغًا ما بلغ.

= الحفيد - وقد تقلد صاحبه ابن القيم المقالة المذكورة. فقال: الصواب في الجواب أن المراد بالحدود هنا الحقوق التي هي أوامر الله ونواهيه .. ". اهـ.

(1)

انظر: "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" أو "الفراسة المرضية في أحكام السياسة الشرعية" لابن القيم. (ص 106 - 108) و"إعلام الموقعين"(2/ 342 - 346).

(2)

تقدم برقم (3161) من كتابنا هذا.

(3)

حكاه عنه الكاساني في "بدائع الصنائع"(7/ 64).

(4)

المغني لابن قدامة (12/ 524).

(5)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (12/ 524).

(6)

البيان للعمراني (12/ 533).

(7)

بدائع الصنائع (7/ 64).

(8)

البيان للعمراني (12/ 534).

(9)

البحر الزخار (5/ 212).

(10)

البحر الزخار (5/ 212).

(11)

حكاه عنه النووي في شرحه لصحيح مسلم (11/ 222).

(12)

بدائع الصنائع (7/ 64).

(13)

حكاه القرطبي عنه في "المفهم"(5/ 139).

ص: 395

وقال مالك وابن أبي ليلى: أكثره خمسة وسبعون، هكذا حكى ذلك صاحب البحر

(1)

، والذي حكاه النووي

(2)

عن مالك وأصحابه، وأبي ثور

(3)

، وأبي يوسف

(4)

، ومحمد (4)، أنه إلى رأي الإمام بالغًا ما بلغ. وقال الرافعي

(5)

: الأظهر أنها تجوز الزيادة على العشرة، وإنما المراعى النقصان عن الحد.

قال (5): وأما الحديث المذكور فمنسوخ على ما ذكره بعضهم واحتج بعمل الصحابة بخلافه من غير إنكار. انتهى.

وقال البيهقي

(6)

: عن الصحابة آثار مختلفة في مقدار التعزير وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر حديث أبي بردة المذكور في الباب

(7)

.

قال الحافظ

(8)

: فتبين بما نقله البيهقي عن الصحابة أن لا اتفاق على عمل في ذلك، فكيف يُدَّعَى نسخ الحديث الثابت، ويُصارُ إلى ما يخالفه من غير برهانٍ؟ وسبق إلى دعوى عمل الصحابة بخلافه الأصيليُّ وجماعة. وعمدتهم كون عمر جلد في الخمر ثمانين، وأن الحد الأصْلِيَّ أربعون، والباقية ضربها تعزيرًا، لكن حديث عليّ السابق يدل على أن عمر إنما ضرب ثمانين معتقدًا أنه الحد، وأما النسخ فلا يثبت إلا بدليل.

وذكر بعضُ المتأخرين أن الحديث محمول على التأديب الصادر من غير الولاةِ كالسيد يضربُ عبدَهُ، والزوجُ يضربُ زوجته، والأب ولده.

والحقُّ العمل بما دلّ عليه الحديث الصحيح المذكور في الباب (7)، وليس لمن خالفه متمسك يصلح للمعارضة.

وقد نقل القرطبي

(9)

عن الجمهور أنهم قالوا بما دلّ عليه، وخالفه النووي

(10)

فنقل عن الجمهور عدم القول به، ولكن (إذا جاء نهرُ الله بطل

(1)

البحر الزخار (5/ 212).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 222).

(3)

موسوعة فقه الإمام أبي ثور (ص 749 - 750).

(4)

بدائع الصنائع (7/ 64).

(5)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(4/ 149).

(6)

في السنن الكبرى (8/ 327 - 328).

(7)

تقدم برقم (3180) من كتابنا هذا.

(8)

في "التلخيص"(4/ 149).

(9)

في "المفهم"(5/ 139).

(10)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 222).

ص: 396

نهرُ مَعْقِلٍ)

(1)

، فلا ينبغي لمنصف التعويل على قول أحد عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

دَعُوا كُلَّ قولٍ عندَ قولِ محمدٍ

فَمَا آمِنُ في دينهِ كمخَاطِرِ

(2)

قوله: (في تهمة) بضم التاء، وسكون الهاء. وقد تقدم في لغةٍ، وهي فعلة من الوهم، والتاء بدل من الواو، واتهمته إذا ظننت فيه ما نسب إليه.

وفيه دليل على أن الحبس كما يكون حبس عقوبة يكون حبس استظهار في غير حقٍّ، بل لينكشف به بعض ما وراءه. وقد بوّب أبو داود

(3)

على هذا الحديث فقال: "باب في الحبس في الدين وغيره". وذكر معه حديث عمرو بن الشريد

(4)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيُّ الواجدِ يُحِل عرضَه وعقوبَتَه". وقد تقدم

(5)

.

وذكر أيضًا

(6)

حديث الهرماس بن حبيب عن أبيه عن جده قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم لي، فقال لي: "الزَمْهُ"، ثم قال: "يا أخا بني تميم، ما تريد أن

(1)

"إذا جاء سيل الله بطل نهر معقل".

نهر مَعْقل: في البصرة، وقد احتفره معقل بن يَسار في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنسب إليه.

يضرب في الاستغناء عن الأشياء الصغيرة إذا وجد ما هو أكبر منها وأعظم نفعًا.

ومن أمثال المولَّدين: "إذا جاءَ نهرُ الله بَطَل نهر معقل". [الأمثال اليمانية (1/ 95 رقم 237)].

(2)

وقال محمد بن إسماعيل الأمير في الثناء على من تمسك بالأحاديث النبوية من السلف:

سلام على أهل الحديث فإنني

نشأت على حب الأحاديث من مهدي

هم بذلوا في حفظ سنة أحمد

وتنقيحها من جهدهم غاية الجهد

وأعني بهم أسلاف أمةِ أحمد

أولئك في بيت القصيد هُمُ قصدي

أولئك أمثال البخاري ومسلم

وأحمد أهل الجد في العلم والجِد

بحور وحاشاهم عن الجزر إنما

لهم مدد يأتي من الله بالمد

رووا وارتووا من بحر علم محمد

وليست لهم تلك المذاهب من ورد

كفاهم كتاب الله والسنة التي

كفتْ قبلهم صحبَ الرسول ذوي المجد

(3)

في سننه: (4/ 45 رقم الباب 29).

(4)

أخرجه أبو داود رقم (3628).

قلت: وأخرجه النسائي رقم (4689) وابن ماجه رقم (2427).

وهو حديث حسن.

(5)

برقم (2309) من كتابنا هذا.

(6)

أي: أخرجه أبو داود في سننه رقم (3629).

ص: 397

تفعل بأسيرك؟ ". وأخرجه أيضًا ابن ماجه

(1)

.

قال في البحر

(2)

: مسألة: وندب اتخاذ سجن للتأديب واستيفاء الحقوق لفعل علي، وعمر، وعثمان، ولم ينكر، وكذلك الدرة والسوط لفعل عمر وعثمان.

فرع: ويجب حبس

(3)

من عليه الحق للإيفاء إجماعًا إن طلب، لحبسه صلى الله عليه وسلم من أعتق شقصًا في عبد حتى غرم لشريكه قيمته، وكذلك التقييد. انتهى.

والحديث الذي ذكره أخرجه البيهقي

(4)

وهو منقطع.

[الباب الخامس] بابُ المحاربينَ وقُطَّاعِ الطريقِ

22/ 3182 - (عَنْ قتادَةَ عَنْ أَنسٍ أَنَّ ناسًا مِنْ عُكْلٍ وعُرَيْنَةَ قَدِمُوا على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وتَكَلَّمُوا بالإِسْلَامِ فاستَوْخَمُوا المَدِينَةَ، فأمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَوْدٍ وَرَاعٍ، وأمَرَهُمْ أَنْ يَخْرجُوا فلْيَشْرَبُوا من أَبْوَالِهَا وأَلْبَانِها، فانْطَلَقُوا حتَّى إذَا كانُوا بِنَاحِيَةِ الحَرَّةِ كَفَرُوا بَعدَ إسْلامِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم واسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فبلغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فبَعَثَ الطَّلَبَ في آثارِهِمْ، فأمَرَ بِهِمْ فَسَمَّرُوا أَعْيُنَهُمْ وقَطَّعُوا أَيْدِيَهُمْ وتُرِكوا في ناحِيَةِ الحَرَّةِ حتَّى ماتُوا على حالِهِمْ. رَوَاهُ الجَمَاعَةُ

(5)

. [صحيح]

(1)

في سننه رقم (2428).

وهو حديث ضعيف.

(2)

البحر الزخار (5/ 211).

(3)

قلت: إن السجون وأحكامها يحتاج إلى بحث دقيق في الآيات التي ورد فيها السجن، وكذلك الأحاديث النبوية والكتب الفقهية وكذلك التاريخية والسياسية.

وفي خلال بحثي وجدت رسالة لنيل الماجستير للشيخ أحمد الوائلي بعنوان "أحكام السجون بين الشريعة والقانون".

(4)

في السنن الكبرى (8/ 281).

(5)

أحمد في المسند (3/ 170) والبخاري رقم (4192) ومسلم رقم (9/ 1671) وأبو داود رقم (4364) والترمذي رقم (72) والنسائي رقم (4032) وابن ماجه رقم (2578).

وهو حديث صحيح.

ص: 398

وَزَادَ البُخاريُّ

(1)

: قالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذلِكَ كانَ يَحُثُّ على الصّدَقةِ، وَينْهَى عَنِ المُثْلَةِ.

وفي رِوَايةٍ لأحمدَ

(2)

وَالبُخاريِّ

(3)

وأبي داود

(4)

، قالَ قَتَادَةُ: فحَدّثَنِي ابْنُ سِيريْنَ أَنّ ذلِكَ كانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الحُدُودُ. [صحيح]

وَللْبُخَاريِّ

(5)

وأبي داوُد

(6)

في هذا الحدِيثِ: فأمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ وقَطّعَ أَيْدِيَهُمْ وأَرْجُلَهُمْ وَما حَسَمَهُمْ، ثمّ ألْقوا في الحَرّةِ يَسْتَسْقُونَ فمَا سُقوا حتّى ماتُوا. [صحيح]

وفي روايةِ النَّسَائيِّ

(7)

: فقَطّعَ أَيْدِيَهُمْ وأَرْجلَهُمْ وسَمّلَ أَعْيُنَهُمْ وصَلَبَهُمْ).

[صحيح دون قوله: "صلبهم"]

23/ 3183 - (وعَنْ سُلَيْمانَ التَّيْميِّ عَنْ أنسٍ قال: إنّما سَمّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْيُنَ أولئكَ لأنَّهُمْ سَمّلوا أعْيُنَ الرُّعاةِ. رواهُ مُسلِمٌ

(8)

والنَّسائيُّ

(9)

والتِّرْمذيُّ)

(10)

. [صحيح]

24/ 3184 - (وعَنْ أبي الزِّنادِ أَنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لمّا قطعَ الَّذينَ سَرَقُوا

(1)

في صحيحه رقم (4192).

(2)

في المسند (3/ 290).

(3)

في صحيحه رقم (5686).

(4)

في سننه رقم (4365).

وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (6804).

(6)

في سننه رقم (4365).

وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (4028).

وهو حديث صحيح دون قوله "وصلبهم" وهو ما ذكره المحدث الألباني ومن قبله الحافظ ابن حجر في "الفتح"(1/ 340) حيث قال: "وزعم الواقدي - والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف - أنهم صلبوا، والروايات الصحيحة ترده. لكن عند أبي عوانة من رواية أبي عقيل عن أنس: "فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين"، كذا ذكر ستة فقط، فإن كان محفوظًا فعقوبتهم كانت موزعة". اهـ.

(8)

في صحيحه رقم (14/ 1671).

(9)

في سننه رقم (73).

(10)

في سننه رقم (4043).

وهو حديث صحيح.

ص: 399

لِقَاحَهُ وسَمّلَ أَعْيُنَهُمْ بالنَّار عاتبهُ الله في ذلكَ، فأنْزَلَ:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا}

(1)

الآية. رواهُ أبو داوُد

(2)

والنَّسائيُّ)

(3)

. [ضعيف]

25/ 3185 - (وعَن ابْنِ عَبَّاسٍ في قُطّاعَ الطَّريقِ: إذَا قتَلُوا وأَخذُوا المَالَ قُتلُوا وَصُلِبُوا، وإذَا قَتَلُوا ولمْ يأْخذُوا المالَ قُتِلوا وَلَمْ يُصلَبوا، وإذا أَخَذُوا المَالَ وَلَمْ يقتُلوا قطّعَتْ أَيْدِيهمْ وأرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وإذا اخافُوا السَّبيلَ وَلَمْ يأخذُوا مالًا نُفوا مِنَ الأرْضِ. رَواهُ الشَّافعيُّ في مسْنَدِهِ)

(4)

. [موقوف ضعيف]

حديث أبي الزناد مرسل - وقد سكت عنه أبو داود

(5)

- ولم يذكر المنذري

(6)

له علة غير إرساله، ورجال هذا المرسل رجال الصحيح.

وقد وصله أبو الزناد من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عمرو عن عمر كما في سنن أبي داود

(7)

في الحدود.

ويؤيده ما أخرجه أبو داود

(8)

والنسائي

(9)

من حديث ابن عباس: "أن ناسًا أغاروا على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدُّوا عن الإسلام، وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنًا، فبعث في آثارهم فأخذوا، فقطع أيديهم، وأرجلهم، وسمَّل أعينهم، قال: فنزلت فيهم آية المحاربة".

(1)

سورة المائدة، الآية (33).

(2)

في سننه رقم (4370).

(3)

في سننه رقم (4042).

وهو حديث ضعيف.

(4)

في المسند (ج 2 رقم 282 - ترتيب).

قلت: وأخرجه البيهقي (8/ 283) بسند ضعيف جدًّا؛ لأن إبراهيم بن محمد متروك.

والخلاصة: أنه موقوف ضعيف، والله أعلم.

(5)

في السنن (4/ 536).

(6)

في "المختصر"(6/ 208).

(7)

في سننه رقم (4369) بسند حسن.

(8)

في سننه رقم (4372).

(9)

في سننه رقم (4046) بمعنى اللفظ المذكور.

وهو حديث حسن.

وأما اللفظ المذكور فقد أخرجه أبو داود رقم (4364 - 4366) والنسائي رقم (4035) من حديث أنس.

وهو حديث صحيح.

ص: 400

وعند البخاري

(1)

وأبي داود

(2)

عن أبي قلابة أنه قال في العُرَنيين: فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله، وهو يشير إلى أنهم سبب الآية.

وأخرج أبو داود

(3)

والنسائي

(4)

عن ابن عمر أن الآية نزلت في العرنيين.

وأثر ابن عباس في إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى

(5)

وهو ضعيف عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس.

وأخرجه البيهقي

(6)

من طريق محمد بن سعد العوفي عن آبائه إلى ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}

(7)

قال: إذا حارب فقتل فعليه القتل إذا ظهر عليه قبل توبته، فإذا حارب وأخذ المال وقتل فعليه الصلب. وإن لم يقتل فعليه قطع اليد والرجل من خلاف. وإذا حارب وأخاف السبيل فإنما عليه النفي ".

ورواه أحمد بن حنبل في "تفسيره" عن أبي معاوية عن عطية به نحوه.

وأخرج أبو داود

(8)

والنسائي

(9)

بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} إلى {غَفُورٌ

(1)

في صحيحه رقم (233).

(2)

في سننه رقم (4364).

وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (4369).

(4)

في سننه رقم (4041).

وهو حديث حسن.

(5)

إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى: متروك الحديث.

[التاريخ الكبير (1/ 323) والمجروحين (1/ 105) والجرح والتعديل (2/ 125) والميزان (1/ 57، 64)].

(6)

في السنن الكبرى (8/ 283) وفيه: محمد بن سعد العوفي.

(7)

سورة المائدة، الآية (33).

(8)

في السنن رقم (4372).

(9)

في السنن رقم (4046).

وهو حديث حسن.

ص: 401

رَحِيمٌ}

(1)

، نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدروا عليه لم يمنعه ذلك أن يقام [عليه]

(2)

الحد الذي أصابه، وفي إسناده عليّ بن الحسين بن واقد وفيه مقال

(3)

.

قوله: (من عكل وعرينة) في رواية للبخاري

(4)

: "من عكل أو عرينة" بالشكِّ، ورواية الكتاب هي [الصواب]

(5)

كما قال الحافظ

(6)

.

ويؤيدها ما رواه أبو عوانة

(7)

والطبري

(8)

من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: "كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل". وزعم الداودي (9) وابن التين

(9)

أن عرينة هم عكل وهو غلط، بل هما قبيلتان متغايرتان، فعكل من عدنان، وعرينة من قحطان.

وعُكل بضم العين المهملة وإسكان الكاف، قبيلة من تيم الرباب.

وعُرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرًا: حي من قضاعة وحي من بجيلة، والمراد هنا الثاني، كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي، وكذا رواه الطبري

(10)

من وجه آخر عن أنس.

ووقع عند عبد الرزاق

(11)

من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فزارة وهو غلط، لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلًا.

وذكر ابن إسحاق في المغازي

(12)

أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد، وكانت في جمادى الآخرة سنة ست.

(1)

سورة المائدة، الآية (33).

(2)

في المخطوط (أ): (فيه).

(3)

علي بن الحسين بن واقدٍ المروزي: صدوق يهم

التقريب رقم (4717) قال المحرران: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد ....

(4)

في صحيحه رقم (233).

(5)

في المخطوط (ب): (للصواب).

(6)

في "الفتح"(1/ 337).

(7)

في مسند أبي عوانة رقم (6098).

(8)

في "جامع البيان"(4/ ج 8/ 206).

(9)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 337).

(10)

في "جامع البيان"(4/ ج 6/ 207).

(11)

في "المصنف" رقم (18541).

(12)

انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (2/ 390 - 394).

ص: 402

وذكر الواقدي

(1)

أنها كانت في شوال منها، وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما.

قوله: (فاستوخموا المدينة) في رواية

(2)

: "اجتووا المدينة". قال ابن فارس

(3)

: اجتويت المدينة: إذا كرهت المقام فيها، وإن كنتُ في نعمةٍ، وقيده الخطابي

(4)

بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة.

وقال القزاز (1): اجتووا؛ أي: لم يوافقهم طعامها.

وقال ابن العربي

(5)

: الجوي: داء يأخذ من الوباء، ورواية:"استوخموا" بمعنى هذه الرواية، وللبخاري

(6)

في الطبِّ من رواية ثابت عن أنس: "أن ناسًا كان بهم سقم قالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا فلمّا صحوا قالوا: إن المدينة وخمة". والظاهر أنهم قدموا سقامًا، فلما صحُّوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها، فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد، والجهد من الجوع.

كما رواهُ أبو عوانة

(7)

عن أنس: أنه كان بهم هزالٌ شديد. وعنده

(8)

من رواية أبي سعيد: مصفرةٌ ألوانهم.

وأما الوخم الذي شكَوْا منه بعد أن صحت أجسامُهم فهو من حمَّى المدينة، كما رواهُ أحمد

(9)

عن أنس. وذكر البخاري

(10)

في الطب عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله [تعالى]

(11)

أن ينقلها إلى الجحفة".

قوله: (فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذود وراع)، وقد تقدم تفسير الذود في الزكاة

(12)

.

وفي رواية للبخاري

(13)

وغيره: "فأمرهم بلقاح"، أي: أمرهم أن

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 337).

(2)

أحمد في المسند (3/ 177).

(3)

في مقاييس اللغة (ص 212).

(4)

في "أعلام الحديث"(1/ 285).

(5)

في "عارضة الأحوذي"(1/ 95).

(6)

في صحيحه رقم (5685).

(7)

في المسند رقم (6103).

(8)

أي: عند أبي عوانة رقم (6110).

(9)

في المسند (3/ 233).

(10)

في صحيحه رقم (5654، 5677).

(11)

زيادة من المخطوط (أ).

(12)

من نيل الأوطار (8/ 48 - 49) بتحقيقي.

(13)

في صحيحه رقم (233).

ص: 403

[يلقحوا]

(1)

بها، وفي أخرى له

(2)

: "فأمر لهم بلقاح" واللقاح

(3)

بكسر اللام وبعدها قاف وآخره مهملة: النوق ذوات الألبان، [واحدتها]

(4)

لِقْحة بكسر اللام وإسكان القاف.

قوله: (فليشرَبُوا من أبوالِها) استدل به من قال بطهارة أبوال الإبل، وقاس سائر المأكولات عليها، وقد تقدم الكلام على ذلك في [أوائل]

(5)

الكتاب.

قوله: (بناحية الحرَّة) هي أرض ذات حجارةٍ سودٍ معروفةٌ بالمدينة.

قوله: (وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم) اسمه: يسار بياء تحتانية، ثم مهملة خفيفة، كما ذكره الطبراني وابن إسحاق في "السيرة"

(6)

. وفي لفظ لمسلم

(7)

أنهم قتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال: قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل.

قال الحافظ

(8)

: ولم أقف على اسم الراعي الآتي بالخبر، والظاهر أنه راعي إبل الصدقة، ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: (فبعث الطلب في آثارهم)[ذكره]

(9)

ابن إسحاق

(10)

عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خيلًا من المسلمين أميرهم كُرْز بن جابر الفهري، وكُرْز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي.

وفي رواية للنسائي

(11)

: "فبعث في طلبهم قافة"، أي: جمع قائف. ولمسلم

(12)

: "إنهم شباب من الأنصار قريب [من]

(13)

عشرين رجلًا، وبعث معهم قائفًا يقتصُّ آثارهم". وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد، وذكر غيره أنَّه سعيد بن زيد الأشهليُّ، والأول أنصاري.

(1)

في المخطوط (أ): (يلحقوا).

(2)

أي: للبخاري في صحيحه رقم (6805).

(3)

النهاية في غريب الحديث (2/ 608).

(4)

في المخطوط (أ): (واحدها).

(5)

في المخطوط (ب): (أول).

(6)

في السيرة النبوية لابن هشام (4/ 383 - 384).

(7)

في صحيحه رقم (10/ 1671).

(8)

في "الفتح"(1/ 339).

(9)

في المخطوط (أ): (ذكر).

(10)

السيرة النبوية لابن هشام (3/ 390 - 391).

(11)

في السنن الكبرى رقم (11143).

(12)

في صحيحه رقم (13/ 1671).

(13)

ما بين الخاصرتين سقط من (أ) و (ب) وأثبتها من صحيح مسلم.

ص: 404

ويمكن الجمع بأنَّ كلَّ واحدٍ منهما أمير قومه، وكَرْزٌ أمير الجميع.

وفي رواية للطبراني

(1)

وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم، وإسناده ضعيف، والمعروف أن جريرًا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة.

قوله: (فأمر بهم) فيه حذف تقديره: فأدركوا فأخذوا فجيء بهم فأمر بهم.

وفي رواية للبخاري (2) فلما ارتفع النهار جيء بهم.

قوله: (فسمَّروا أعينهم) بالسين المهملة، وتشديد الميم.

وفي رواية للبخاري

(2)

: "وسمرت أعينهم".

وفي رواية لمسلم

(3)

: "وسمل أعينهم" بتخفيف الميم واللام.

قال الخطابي

(4)

: السمر لغة في السمل ومخرجهما متقارب.

قال

(5)

: وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت، قال: والسمل: فقء العين بأي شيء كان.

قال أبو ذؤيب الهذلي

(6)

:

والعينُ بعدَهُم كأنَّ حِدَاقَها

سُمِلَتْ بِشوكٍ فهي عَوْرَاءُ تَدْمَعُ

(7)

وقد وقع التصريح بمعنى السمر في الرواية المذكورة في الباب

(8)

بلفظ: "فأمر بمسامير

إلخ".

(1)

لم أقف عليه في المعاجم الثلاثة. ولعله في "الطبري".

(2)

في صحيحه رقم (233).

(3)

في صحيحه رقم (10/ 1671).

(4)

في "أعلام الحديث"(1/ 285).

(5)

أي: الخطابي في "أعلام الحديث"(1/ 285).

(6)

هو خويلد بن خالد بن محرِّث بن مُضر، وعاش مع أهله في السَّرَوات وهي هضابٌ عالية تفصل بين تهامة ونجد، وهو شاعرٌ فحل مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام.

وأبو ذؤيب هو أشعر شعراء هذيل دون مدافع.

[أشعار هذيل وأثرها في محيط الأدب العربي. للدكتور إسماعيل النتشة (2/ 264 - 265)].

(7)

في كتاب: "شرح أشعار الهذليين"(1/ 9 رقم البيت 11) لفظه:

فالعينُ بعدهُمْ كأنَّ حِدَاقها

سُمِلَتْ بشوكٍ فهي عُورٌ تَدْقعُ

(8)

تقدم برقم (3182) من كتابنا هذا.

ص: 405

قوله: (وما حَسَمَهُم) أي: لم يكو ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف.

قوله: (يستسقون فما سقوا)، في رواية للبخاري

(1)

: "ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا".

وفي أخرى له

(2)

: "يعضون الحجارة".

وفي أخرى له في الطب

(3)

: "قال أنس: فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت".

وفي رواية لأبي عوانة

(4)

من هذا الوجه: "يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة".

قوله: (وصَلَبهم) حكى في الفتح

(5)

عن الواقدي أنَّهم صلبوا، قال: والروايات الصحيحة ترده، لكن عند أبي عوانة

(6)

عن أنس: "فصلب اثنين، وقطع اثنين، وسمل اثنين".

وهذا يدل على أنهم ستة فقط، وقد تقدم ما يدلُّ على أنهم سبعة. [وفي]

(7)

البخاري

(8)

في الجهاد عن أنس: "أن رهطًا من عكل ثمانية".

قوله: (لأنهم سملوا أعين الرعاة) فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك بهم اقتصاصًا لما فعلوه بالرعاة، وإلى ذلك مال جماعة منهم ابن الجوزي

(9)

.

وتعقبه ابن دقيق العيد

(10)

بأنَّ المثلةَ وقعتْ في حَقِّهم من جهاتٍ، وليس في الحديث إلا السَّمْلُ فيحتاج إلى ثبوت البقية.

وقد نقل أهل المغازي

(11)

أنهم مثلوا بالراعي، وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ.

(1)

في صحيحه رقم (6899).

(2)

أي: للبخاري في صحيحه رقم (1501).

(3)

أي للبخاري في صحيحه رقم (5685).

(4)

في المسند رقم (6111).

(5)

في "الفتح"(1/ 340).

(6)

في المسند رقم (6122).

(7)

في المخطوط (ب): (في).

(8)

في صحيحه رقم (3018).

(9)

في "كشف المشكل"(3/ 230 - 231).

(10)

في إحكام الأحكام (ص 860).

(11)

الفتح (1/ 340).

ص: 406

قال ابن شاهين

(1)

عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة: هذا الحديث ينسخ كل مثلة.

وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ. ويجاب عن هذا التعقب بحديث أبي الزناد

(2)

المذكور، فإنَّ معاتبة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم تدل على أن ذلك الفعل غير جائز.

ويؤيده ما أخرجه البخاري

(3)

في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه. وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة، وقد حضر الإذن ثم النهي عنه.

ويؤيده أيضًا ما في الباب عن ابن سيرين

(4)

أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود، وأصرح من الجميع ما في الباب عن قتادة

(5)

أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك نهى عن المثلة، وإلى هذا مال البخاري، وحكاه إمام الحرمين في "النهاية"

(6)

عن الشافعي.

واستشكل القاضي عياض

(7)

عدم سقيهم الماء للإجماع على أن من وجب

(1)

في "الناسخ والمنسوخ" له (ص 423).

وانظر: "الاعتبار" للحازمي (ص 462 - 466).

(2)

تقدم برقم (3184) من كتابنا هذا.

(3)

في صحيحه رقم (3016).

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (10/ 142 رقم الباب (6) - مع الفتح) معلقًا. والحازمي في "الاعتبار"(ص 466).

وقال الحافظ في "الفتح"(10/ 143): "قوله: (قال قتادة) هو موصول بالإسناد المذكور - في صحيح البخاري رقم (5686) -، "وقوله: فحدثني محمد بن سيرين

إلخ" يعكر عليه ما أخرجه مسلم رقم (14/ 1671) من طريق سليمان التيمي عن أنس قال: "إنما سملهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم سملوا أعين الرعاة". اهـ.

(5)

تقدم برقم (3182) من كتابنا هذا. وفي صحيح البخاري رقم (4192).

(6)

اسمه: (نهاية المطلب في المذهب) لإمام الحرمين، أبو المعالي، عبد الملك بن عبد الله الجويني، (ت 478 هـ) في ثمانية أسفار، كما في "السير"(18/ 475).

[معجم المصنفات (ص 433 رقم 1403)].

• وذكر كلام إمام الحرمين الحافظ في "الفتح"(1/ 341).

(7)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 464).

ص: 407

عليه القتل فاستسقى لا يمنع، وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا وقع منه نهي عن سقيهم. اهـ.

وتعقب بأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك، وسكت، والسكوت كافٍ في ثبوت الحكم.

وأجاب النووي

(1)

بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره، ويدلُّ عليه أن معه ماء لطهارته فقط لا يسقي المرتد ويتيمم بل يستعمله ولو مات المرتد عطشًا.

وقال الخطابي

(2)

: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك؛ لأنه أراد بهم الموت بذلك، وقيل: إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم.

قوله: (وعن ابن عباس في قطاع الطريق) أي: الحكم فيهم هو المذكور. وقد حكى في البحر

(3)

عن ابن عباس، والمؤيد بالله، وأبي طالب، والحنفية

(4)

، والشافعية

(5)

، أن الآية، أعني قوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}

(6)

نزلت في قطاع الطريق المحاربين.

وعن ابن عمر والهادي

(7)

إنها نزلت في العرنيين.

ويدل على ذلك حديث أبي الزناد

(8)

المذكور في الباب.

وحكى المؤيد بالله (9) وأبو طالب

(9)

عن قوم أنَّها نزلت في المشركين. وردَّ ذلك بالإجماع على أنه لا يفعل بالمشركين كذلك، ويدفع هذا الرد بما أخرجه أبو داود

(10)

والنسائي

(11)

عن ابن عباس أنها نزلت في المشركين،

(1)

في شرح صحيح مسلم (11/ 154).

(2)

في "أعلام الحديث"(1/ 286).

(3)

في البحر الزخار (5/ 197).

(4)

الاختيار (4/ 378) وبدائع الصنائع (7/ 92 - 93).

(5)

البيان للعمراني (12/ 503).

(6)

سورة المائدة، الآية (33).

(7)

البحر الزخار (5/ 197).

(8)

تقدم برقم (3184) من كتابنا هذا.

(9)

البحر الزخار (5/ 197).

(10)

في سننه رقم (4372).

(11)

في سننه رقم (4046). =

ص: 408

وقد دعا له

(1)

النبي صلى الله عليه وسلم بعلم التأويل.

وقد ذهب أكثر العترة والفقهاء إلى أنَّ المحارب هو من أخاف السبيل في غير المِصر لأخذ المال، وسواء أخاف المسلمين أو الذميِّين. قال الهادي

(2)

وأبو حنيفة

(3)

: إنّ قاطع الطريق في المصر، أو القرية، ليس محاربًا للحوق الغوث بل مختلسًا أو منتهبًا.

وفي رواية عن مالك

(4)

: إذا كانوا على ثلاثة أميال من المصر، أو القرية فمحاربون، لا دون ذلك؛ إذ يلحقه الغوث.

وفي رواية أخرى عن مالك

(5)

: لا فرق بين المصر وغيره؛ لأن الآية لم تفصل، وبه قال الأوزاعي، وأبو ثور

(6)

، وأبو يوسف، ومحمد،

= قال المنذري: في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال.

قلت: والحديث حسن لأجل علي هذا، والله أعلم.

(1)

يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند (1/ 266، 314، 328، 335) وابن حبان في صحيحه رقم (7055) والطبراني في المعجم الكبير رقم (10587) والحاكم (3/ 534) وابن سعد في "الطبقات"(2/ 365) وابن أبي شيبة في "المصنف"(12/ 111 - 112) ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(1/ 493 - 494).

قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت ميمونة، فوضعت له وضوءًا من الليل، قال: فقالت: ميمونة: يا رسول الله، وضعَ لك هذا عبدُ الله بن عباسٍ. فقال:"اللهم فقِّهْهُ في الدينِ، وعلمه التأويل".

وهو حديث صحيح.

• وأورده ابن الأثير في "جامع الأصول"(9/ 63 رقم 6602) وعزاه للبخاري ومسلم والترمذي.

قلت: ليست في "الصحيحين" بهذا اللفظ، ولذا قال ابن الأثير:"ولم أجده في الكتابين".

وقال الحافظ في "الفتح"(1/ 170): "وذكر الحميدي في "الجمع" رقم (1013) قال الحميدي: وهذه الزيادة ليست في الصحيحين، وهو كما قال

". اهـ.

• قلت: وأخرج البخاري رقم (143) ومسلم رقم (2477).

عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء فوضعت له وضوءًا. قال: من وضع هذا؟ فأخبر، فقال: اللهم فقهه في الدين".

(2)

البحر الزخار (5/ 197 - 198).

(3)

بدائع الصنائع (7/ 91).

(4)

مواهب الجليل (8/ 427 - 428).

(5)

حاشية الدسوقي (6/ 359).

(6)

موسوعة فقه الإمام أبي ثور (ص 742).

ص: 409

والشافعي

(1)

، والناصر (2)، والإمام يحيى.

وإذا لم يكن قد أحدث المحارب غير الإخافة عزره الإمام فقط، قال أبو طالب

(2)

وأصحاب الشافعي

(3)

: ولا نفي مع التعزير، وأثبته المؤيد بالله (2)، فإن وقع منه القتل فقط فذهبت العترة (2) والشافعي إلى أنه يقتل فقط.

وعن أبي حنيفة

(4)

ليس بمحارب إن قتل بمثقل، فإن قتل وأخذ المال فذهب الشافعي

(5)

وأبو حنيفة

(6)

، وأبو يوسف، ومحمد، والهادي (7)، والمؤيد (7) بالله، وأبو طالب

(7)

إلى أنه يقتل ويصلب. ولا قطع لدخوله في القتل.

وقال الناصر

(8)

وأبو العباس: بل يخير الإمام بين أن يصلب ويقتل، أو يقتل ثُمَّ يصلب، أو يقطع، ثم يقتل، أو يقطع ويقتل ويصلب، لأن (أو) للتخيير.

وقال مالك

(9)

: إذا شهروا السلاح، وأخافوا لزمهم ما في الآية. وقال الحسن البصري

(10)

، وابن المسيب (10)، ومجاهد (10): إذا أخافوا خيِّر الإمام بين أن يقتل فقط أو يقتل ويصلب، أو يقطع الرِّجل واليد فقط، أو يحبس فقط لأجل التخيير.

وقال أبو الطيب بن سلمة من الشافعية

(11)

: وحصّله صاحب "الوافي" للهادي

(12)

أنهم إذا أخذوا المال وقتلوا قُطِّعُوا للمال، ثم قتلوا للقتل، ثم صلبوا للجمع بين الأخذ والقتل.

(1)

الروضة للنووي (10/ 154) و"المهذب"(5/ 448).

(2)

البحر الزخار (5/ 198) والاعتصام (5/ 132 - 133).

(3)

البيان للعمراني (12/ 500).

(4)

بدائع الصنائع (7/ 93).

(5)

البيان للعمراني (12/ 500).

(6)

بدائع الصنائع (7/ 93) والاختيار (4/ 378 - 379).

(7)

البحر الزخار (5/ 199).

(8)

البحر الزخار (5/ 199).

(9)

حاشية الدسوقي (6/ 359) ومواهب الجليل (8/ 429).

(10)

ذكره عنهم العمراني في البيان (12/ 500).

(11)

البيان للعمراني (12/ 500) و "المهذب"(5/ 450 - 451).

(12)

البحر الزخار (5/ 199).

ص: 410

قال أبو حنيفة والهادوية

(1)

: فإن قتل وجرح قتل فقط لدخول الجرح في القتل.

وقال الشافعي

(2)

: بل يجرح ثم يقتل إذ هما جنايتان، والنفي المذكور في الآية هو طرد سنة عند الهادي (1)، والشافعي

(3)

، وأحمد

(4)

، والمؤيد بالله (5)، وأبي طالب

(5)

.

وقال الناصر

(6)

وأبو حنيفة

(7)

وأصحابه: بل الحبس فقط إذ القصد دفع أذاه.

وإذا كان المحاربون جماعةً واختلفت جناياتهم، فذهب العترة

(8)

والشافعي إلى أنه يحدُّ كلُّ واحدٍ منهم بقدر جنايته.

وقال أبو حنيفة

(9)

: بل يستوون إذ المعين كالقاتل واختلفوا هل يقدم الصلب على القتل أو العكس؟ فذهب الشافعي

(10)

والناصر (11) والإمام يحيى (11) إلى أنه يقدم الصلب على القتل، إذ المعنى يقتلون بالسيف أو بالصلب.

وقال الهادي

(11)

وأبو حنيفة

(12)

وهو مروي عن الشافعي: إنَّه لا صلب قبل القتل؛ لأنه مثلةٌ، وجعل الهادي (أو) بمعنى الواو، ولذلك قال بتقدم القتل على الصلب.

وقال بعض أصحاب الشافعي

(13)

: يصلب قبل القتل ثلاثًا ثم ينزل فيقتل.

وقال بعض أصحاب الشافعي

(14)

أيضًا: يصلب حتى يموت جوعًا وعطشًا.

وقال أبو يوسف

(15)

والكرخي (15): يصلب قبل القتل ويطعن في لبته وتحت ثديه الأيسر ويخضخض حتى يموت.

(1)

البحر الزخار (5/ 199).

(2)

البيان للعمراني (12/ 506) و "المهذب"(5/ 450).

(3)

"المهذب"(5/ 451) والبيان للعمراني (12/ 500).

(4)

المغني (12/ 482).

(5)

البحر الزخار (5/ 199).

(6)

البحر الزخار (5/ 199).

(7)

البدائع الصنائع (7/ 95).

(8)

البحر الزخار (5/ 200).

(9)

الاختيار (4/ 378).

(10)

البيان للعمراني (12/ 507 - 508).

(11)

البحر الزخار (5/ 200).

(12)

بدائع الصنائع (7/ 95).

(13)

البيان للعمراني (12/ 508).

(14)

البيان للعمراني (12/ 508).

(15)

بدائع الصنائع (7/ 95).

ص: 411

وروى الرازي عن أبي بكر الكرخي

(1)

أنه لا معنى للصلب بعد القتل.

واختلفوا في مقدار الصلب، فقال الهادي

(2)

: حتى تنتثر عظامه، وقال ابن أبي هريرة حتى يسيل صديده، وقال بعض أصحاب الشافعي

(3)

ثلاثًا في البلاد الباردة، وفي الحارة ينزل قبل الثلاث.

وقال الناصر

(4)

والشافعي

(5)

: ينزل بعد الثلاث ثم يقتل إن لم يمت ويغسل ويصلى عليه إن تاب.

وقد رجح صاحب البحر

(6)

أن الآية للتخيير، وتكون العقوبة بحسب الجنايات، وأنَّ التقدير أن يقتلوا إذا قتلوا، ويصلبوا بعد القتل إذا قتلوا وأخذوا المال، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا فقط، أو ينفوا من الأرض إذا أخافوا فقط، إذ محاربة الله ورسوله بالفساد في الأرض متنوعة كذلك، وهو مثل تفسير ابن عباس

(7)

المذكور في الباب.

وقال صاحب المنار

(8)

: إنَّ الآية تحتمل التخيير احتمالًا مَرجوحًا. قال: والظاهر أن المراد حصر أنواع عقوبة المحاربة مثل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}

(9)

الآية. قال: وهو مثل ما قاله صاحب البحر

(10)

، يعني في كلامه الذي ذكرناه قبل هذا.

ورجح صاحب ضوء النهار

(11)

اختصاص أحكام المحارب بالكافر لتتم فوائد وتندفع مفاسد، ثم ذكر ذلك، وهو كلام رصين لولا أنه قصر للعام على السبب المختلف في كونه هو السبب.

(1)

الاختيار (4/ 369).

(2)

البحر الزخار (5/ 201).

(3)

البيان للعمراني (12/ 508).

(4)

البحر الزخار (5/ 201).

(5)

البيان للعمراني (12/ 508).

(6)

البحر الزخار (5/ 200).

(7)

تقدم برقم (3184) من كتابنا هذا.

(8)

المنار في "المختار"(5/ 403).

• وبحوزتي مخطوطتين لكتاب المنار للمقبلي.

(9)

سورة التوبة، الآية (60).

(10)

البحر الزخار (5/ 200).

(11)

في ضوء النهار، للجلال (4/ 2310).

• وبحوزتي مخطوطتين لكتاب ضوء النهار، وحاشيته: منحة الغفار على ضوء النهار لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني.

ص: 412

وللعلماء في تفصيل أحكام المحاربين أقوال منتشرة مبسوطة في كتب الخلاف، وقد أوردنا منها في هذا الشرح طرفًا مفيدًا.

[الباب السادس] بابُ قِتَالِ الخَوَارجِ وأَهْلِ البَغْي

26/ 3186 - (عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمانِ حِدَاثُ الأسْنَانِ سُفَهاءُ الأحْلَامِ، يقُولونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِئةِ، لَا يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرّمِيَّةِ، فأيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلوهُمْ، فإن في قَتْلِهِمْ أجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ" مُتّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

27/ 3187 - (وعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أنَّهُ كانَ فِي الْجَيْشِ الذِينَ كانُوا مَعَ عَلِيِّ الذِينَ سَارُوا إلى الخَوَارجِ، فقالَ عَلِيٌّ: أيُّها النَّاسُ إنِّي سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يقْرَؤُونَ القُرْآنَ لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إلى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إلى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلا صَيَامُكُمْ إلى صَيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَؤونَ القُرْآنَ يَحْسَبُونَ أنَّهُ لَهُمْ وهُوَ عَلَيْهِمْ، لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلَامِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرّميَّةِ، لَوْ يَعْلَمُ الجَيْشُ الذِينَ يصِيبُونَهُمْ ما قَضَى لَهُمْ على لِسانِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم لنَكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ، وآيةُ ذلِكَ أن فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ ليسَ له ذِرَاعٌ، على عضُدِهِ مِثْلُ حَلمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهِ شُعَيْرَاتٌ بيضٌ".

قالَ: فتَذْهَبُونَ إلى مُعَاوِيَةَ وأهْلِ الشَّامِ، وَتَتْرُكُونَ هؤلاءِ يَخْلُفُونَكُمْ في ذَرَارِيكُمْ وأَمْوَالِكُمْ، والله إنِّي لأرْجو أنْ يَكونوا هؤلاء القَوْمَ فإنّهُمْ قَدْ سَفَكوا الدّمَ الحَرَامَ وأغَاروا في سَرَحِ النَّاسِ فَسِيروا على اسْمِ الله.

قال سَلَمَةُ بْنُ كهَيْلٍ: فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزلًا مَنْزلًا حَتَّى قالَ: مَرَرْنا على قنْطرَةٍ، فلمَّا الْتَقَيْنَا وعلى الخَوَارجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ الله بْنُ وهْبٍ الرَّاسِبِيُّ فقالَ لَهُمْ:

(1)

أحمد في المسند (1/ 81، 113، 131) والبخاري رقم (3611) ومسلم رقم (154/ 1066).

ص: 413

ألقوا الرِّماحَ وسُلُّوا سُيوفَكُمْ مِنْ جُفُونِها، فَإنِّي أخَافُ أنْ يُنَاشِدوكُمْ كما ناشَدوكمْ يَوْمَ حَرورَاءَ، فرَجَعوا فوَحَشوا برِمَاحهِمْ وَسَلُّوا السُّيوفَ وشَجَرَهم النَّاسُ برِمَاحِهِمْ؛ قالَ: وقَتَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ ومَا أُصِيبَ مِنَ النّاسِ يَوْمَئِذٍ إلَّا رجُلَانِ، فقالَ عَلِيٌّ: الْتَمِسوا فيهم المخَدّجَ، فالتَمَسوه فلَمْ يجِدوه، فقامَ عليّ بِنَفْسِهِ حتّى أتي ناسًا قدْ قُتِل بَعْضهُمْ على بَعْضٍ، قالَ: أَخّروهمْ فوَجَدُوه مِمَّا يَلي الأَرْضَ فَكَبّرَ، ثمّ قالَ: صَدَقَ الله وبَلّغَ رَسولُهُ، قالَ: فقامَ إليهِ عُبَيْدَةُ السّلْمَانِيُّ، فقالَ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنينَ، الله الّذي لَا إلهَ إلَّا هوَ لَسَمِعْتَ هَذا الحَديثَ مِنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالَ: إيْ والله الّذي لا إله إلَّا هوَ حتّى اسْتَحْلَفَهُ ثلاثًا وَهُوَ يَحْلِف له، رواهُ أحمَدُ

(1)

ومُسلمٌ)

(2)

. [صحيح]

قوله: (باب قتال الخوارج) هم جمع خارجة، أي: طائفة، سموا بذلك لخروجهم عن الدين، وابتداعهم، أو خروجهم عن خيار المسلمين

(3)

.

وأصل بدعتهم فيما حكاه الرافعي في الشرح الكبير

(4)

أنَّهم خرجوا على عليّ رضي الله عنه حيث اعتقدوا أنه يعرف قتلة عثمان رضي الله عنه، وَيقْدِرُ عَليهِم، ولا يقتصُّ منهم، لرضاه بقتله أو مواطأته

(5)

،

(1)

في المسند (1/ 91، 92) زوائد عبد الله بن أحمد.

(2)

في صحيحه رقم (156/ 1066).

(3)

الفتح (12/ 283).

(4)

في "العزيز شرح الوجيز" المعروف: بالشرح الكبير. لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني الشافعي (11/ 78).

(5)

أي: مواطأته إياهم، كما في "الفتح"(12/ 283).

• أخرج البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 1/ 68) وأحمد في "فضائل الصحابة"(1/ 458) بسند حسن.

عن عميرة بن سعد قال: كنا مع علي على شاطئ الفرات، فمرت سفينة مرفوع شراعها، فقال علي رضي الله عنه: يقول الله عز وجل: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: 24] والذي أنشأها في بحرٍ من بحاره ما قتلت عثمان، ولا مالأت على قتله".

• وأخرج أحمد في "فضائل الصحابة"(1/ 455) بسند صحيح عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن الحنفية قال: بلغ عليًا أن عائشة تلعن قتلة عثمان في المريد، قال: فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال: وأنا ألعن قتلة عثمان لعنهم الله في السهل والجبل، قال مرتين أو ثلاثًا. =

ص: 414

كذا قال

(1)

، وهو خلاف ما قاله أهلُ الأخبار، فإنه لا نزاع عندهم أن الخوارج لم يطلبوا بدم عثمان، بل كانوا ينكرون عليه شيئًا

(2)

ويتبرؤون منه.

وأصل ذلك أن بعض أهل العراق أنكروا سيرة بعض أقارب عثمان، فطعنوا على عثمان بذلك، وكان يقال لهم: القرَّاء، لشدّة اجتهادهم في التلاوة والعبادة، إلا أنهم يتأولون القرآن على غير المراد منه

(3)

، ويستبدون بآرائهم، ويبالغون في

= • وأخرج أحمد في "فضائل الصحابة"(1/ 452) وابن سعد في "الطبقات"(3/ 103) بسند صحيح.

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: رأيت عليًا رافعًا حضنيه يقول: "اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان".

• وأخرج أبو نعيم في كتاب "الإمامة"(329 رقم 138) عن قيس بن عباد قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان رضي الله عنه، ولقد طاش عقلي يوم قتل وانكسرت نفسي وجاؤوني للبيعة فقلت: والله إني لأستحي من الله تعالى أن أبايع قومًا قتلوا رجلًا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة، وإني لأستحي من الله تعالى أن أبايع وعثمان قتيل على وجه الأرض لم يدفن بعد.

وأخرجه الحاكم كذلك عن قيس بن عباد وزاد فيه: "فانصرفوا فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين فكأنما صدع قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى. قال الحاكم في المستدرك (3/ 95): هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ولقد بيّن الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" أن الحافظ ابن عساكر اعتنى بجميع هذه الأحاديث، ثم قال ابن كثير: ولقد نهى عنه (أي نهى عن المشاركة في الفتنة أيام عثمان) فلم يسمعوا منه. ثبت ذلك عنه من طريق القطع عند كثير من أئمة الحديث. البداية والنهاية (7/ 193).

(1)

أي: الرافعي في الشرح الكبير.

(2)

ينكرون عليه أشياء، كما في "الفتح"(12/ 283).

(3)

قال الدكتور الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه "التفسير والمفسرون"(2/ 292): "سلطان المذهب يغلب على الخوارج في فهم القرآن: والذي يقرأ تاريخ الخوارج، ويقرأ ما لهم من أفكار تفسيرية، يرى أن المذهب قد سيطر على عقولهم وتحكم فيها، فأصبحوا لا ينظرون إلى القرآن إلا على ضوئه، ولا يدركون شيئًا من معانيه إلا تحت تأثير سلطانه، ولا يأخذون منه إلا بقدر ما ينصر مبادءهم ويدعو إليها". اهـ. ثم يسوق أمثلة على ذلك (2/ 293 - 297). =

ص: 415

الزهد والخشوع؛ فلما قتل عثمان قاتلوا مع علي واعتقدوا كفر عثمان ومن تابعه؛ واعتقدوا إمامة علي وكفر من قاتله من أهل الجمل الذين كان رئيسَهم طلحةُ والزبير؛ فإنهما خرجا إلى مكة بعد أن بايعا

(1)

عليًا، فلقيا عائشة - وكانت حجَّت

= • ويقول الذهبي أيضًا: (2/ 297): "مدى فهم الخوارج لنصوص القرآن: هذا .. هان الخوارج عندما ينظرون إلى القرآن لا يتعمقون في التأويل ولا يغوصون وراء المعاني الدقيقة، ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن أهداف القرآن وأسراره، بل يقفون عند حرفية ألفاظه، وينظرون إلى الآيات نظرة سطحية، وربما كانت الآية لا تنطبق على ما يقصدون إليه، ولا تتصل بالموضوع الذي يستدلون بها عليه، لأنهم فهموا ظاهرًا معطلًا، وأخذوا بفهم غير مراد.

ولقد يعجب الإنسان ويدهش عندما يقرأ ما للقوم من سخافات في فهمهم لبعض نصوص القرآن، أوقعهم فيها التنطع والتمسك بظواهر النصوص، ولكي لا أتهم بالقسوة في حكمي هذا، أضع بين يدي القارئ الكريم بعض ما جاء عن القوم، حتى لا يجد مفرًا من الحكم عليهم بمثل ما حكمت به.

ثم ساق أمثلة على ذلك (2/ 298 - 299).

(1)

أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (15/ 228): حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثني أبو بكر بن عياش عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة

الخبر. وفيه يقول الأشتر: "ولكني رأيت طلحة والزبير والقوم بايعوا عليًا طائعين غير مكرهين".

وصحح الحافظ إسناده في "الفتح"(13/ 58). وهذه الرواية الصحيحة تكذب الروايات الضعيفة التي تذكر أن الأشتر سل سيفه فأجبر الزبير وطلحة على البيعة.

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (15/ 260): حدثنا غندر عن شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبي يقول: بلغ علي بن أبي طالب أن طلحة يقول: إنما بايعت واللجّ على قفاي، فأرسل ابن عباس فسألهم قال: فقال أسامة: "أما واللج على قفاه فلا، ولكن بايع وهو كاره". إسناده صحيح.

والفرق واضح بين الكاره والكره، وأخذًا بالاعتبار قول أسامة:"ولكن بايع وهو كاره" نقول:

إن كان هناك احتمال آخر فهو أنهما كانا كارهين لحظة البيعة لأنهما كانا يريان ضرورة الحسم في مسألة قتلة عثمان، والقصاص منهم قبل إجراء البيعة، وإلا فإنهما لم يختلفا في أولوية علي رضي الله عنه، وأحقيته بالخلافة، ولو كانت كراهتهما من أجل عدم قناعتهما بأحقية علي لقالا له عندما سألهما بعد ذلك: ألم تبايعاني؟ فكان عليهما أن يقولا: نعم. بايعناك ولكن كارهين غير مقتنعين بخلافتك، ولكنهما أجابا بأنهما يطلبان دم عثمان ليس إلَّا، أي أنهما كانا يريان ذلك أشد ضرورة، ونحن لا نشك أن أمر الخلافة أولى، وأن عليًا كان مع الأصوب والأولى.

ص: 416

تلك السنة - فاتفقوا على طلب قتلة عثمان وخرجوا إلى البصرة يدعون الناس إلى ذلك، فبلغ عليًا فخرج إليهم، فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة

(1)

، وانتصر

(1)

خلاصة الروايات الصحيحة في وقعة الجمل:

• كان علي رضي الله عنه يرى أن الأوجب أن تستقر أمور الخلافة أولًا، ولا يتعجل في التحقيق في ملف الفتنة، وملاحقة الجناة، وذلك لأن الفتنة حديثة العهد، والقتلة ينتمون إلى قبائل ولهم صلات بأهل بعض الأمصار، فإذا فعل ذلك اشتعلت الفتنة أكثر فلا بد من إطفاء النيران حتى تتوضح الأمور للناس وعندها يمكن القصاص من قتلة عثمان دون إثارة أية ضجة ولذلك أرسل عمارًا والحسن إلى الكوفة يوضحان لأهل الكوفة والمجاهدين فيها وأعيان البلد أن الواجب هو طاعة الإمام الأعظم فيما يقوم به من سياسة شرعية، وأنّ عليهم أن يطيعوا ولي الأمر، وأن طاعة الخليفة يقدم في هذه الحالة على طاعة السيدة عائشة على جلالة قدرها، فإنها اجتهدت في موقفها هذا، وقرار علي أصوب.

• فقد أخرج البخاري في صحيحه - (الفتح 7/ 133) - عن أبي وائل قال: لما بعث علي عمارًا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمَّار، فقال:"إني لأعلم أنها زوجته صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها".

• وإليك رواية صحيحة توضح أن الهدف من خروج عائشة رضي الله عنها والزبير وطلحة رضي الله عنهما، كان للإصلاح بالإضافة إلى طلب الإسراع بالقصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه.

• أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(15/ 287 رقم 19679) عن زيد بن وهب (فقال علي لطلحة والزبير: ألم تبايعاني؟ فقالا: نطلب بدم عثمان). إسناده حسن.

أي إن من مقاصد خروجهما الإسراع بالقصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، وهذا مقصد واحد أرادا تحقيقه من خلال المصالحة بين الناس لا القتال.

• أخرج أحمد في المسند (6/ 52): لما أقبلت عائشة رضي الله عنها مياه بني عامر ليلًا نبحت الكلاب، قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلَّا أني راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم. قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب). إسناده صحيح.

• وفي رواية أخرى لأحمد (6/ 97): (ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب. فقال لها الزبير: ترجعين؟! عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس). إسناده صحيح.

قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية"(6/ 212): وهذا الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه وصححه الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(2/ 178).

وهذا الحديث يدل على أن الإصلاح كان الهدف الرئيس لخروج عائشة والزبير وطلحة رضي الله عنهم إلى جانب الإسراع بالقصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه. =

ص: 417

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= • وكانت السيدة عائشة ترى أنها بمنزلتها في قلوب المسلمين فهي أمهم بنص كتاب الله كما في "مغازي الزهري / 154" أن عائشة رضي الله عنها، قالت: إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني، ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال، ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدًا".

ويؤيد رواية الزهري هذه ما تقدم من رواية أحمد من أن الزبير حثها على عدم الرجوع عسى أن يراها الناس فيصلح الله بها بينهم.

• قال ابن تيمية في "منهاج السنة"(6/ 466): "

ثم إن القتلة أحسوا باتفاق الأكابر، فأثاروا الفتنة، وبدؤوا بالحملة على عسكر طلحة والزبير وقالوا لعلي: إنهم حملوا قبل ذلك، فقاتل كل من هؤلاء وهؤلاء دفاعًا عن نفسه، ولم يكن لعلي ولا طلحة والزبير غرض في القتال أصلًا، وإنما كان الثأر من قتلة عثمان". اهـ.

• أخرج عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"(2/ 589) بسند صحيح، عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال: قال علي رضي الله عنه لابنه الحسن يوم الجمل: يا حسن ليت أباك مات عن عشرين سنة، قال: فقال له الحسن: يا أبتِ قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني، لم أر الأمر يبلغ هذا.

وكذلك بالنسبة للطرف الآخر، فقد أخرج البزار في "البحر الزخار" (3/ 190) وأحمد في المسند (1/ 165) عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: قلنا للزبير - يعني في قصة الجمل - يا أبا عبد الله ما جاء بكم؟ ضيعتم الخليفة الذي قتل - يعني عثمان - بالمدينة، ثم جئتم تطلبون بدمه - يعني بالبصرة - فقال الزبير: إنا قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، لم نكن نحسب أنَّا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت".

وكذلك أخرج الطبري في تفسيره (9/ 218) عن الحسن البصري قال: قال الزبير: لقد خوفنا بهذه الآية ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظننا أن خصصنا بها.

وهاتان الروايتان تبين لنا أمرين:

(الأول): أن الزبير رضي الله عنه لم يكن هدفه القتال حين خروجه صوب البصرة.

(والثاني): أن الزبير أكد أنه لم يكن من المجموعة (الخاصة) التي شاركت في فتنة عثمان، وإنما كان من (العامة) الذين لم يظلموا عثمان في حقيقة الأمر.

• لم يتوان الطرفان في بذل كافة مساعيهم لمنع حدوث المصيبة باقتتال المسلمين حتى قبل المعركة بلحظات، لم يتوقف كل طرف عن محاولة التهدئة. أخرج خليفة بن خياط في تاريخه (ص 186)، قال: حدثنا علي بن عاصم عن حصين عن عمرو بن جأوان عن الأحنف قال: لما انحاز الزبير - أي من المعركة بعد نقاشه مع علي - قتله عمرو بن جرموز بوادي السباع". بسند رجاله ثقات، غير عمرو بن جاوان فقد وثقه ابن حبان، وروى له النسائي، وقال الذهبي: ثقة. =

ص: 418

علي، وقتل طلحة في المعركة وقتل الزبير بعد أن انصرف من الوقعة

(1)

، فهذه الطائفة هي التي كانت تطلب بدم عثمان بالاتفاق.

= • كثرت الروايات الضعيفة في تحديد عدد الجيش الذي كان مع علي رضي الله عنه، ولكنَّا وجدنا أصح رواية هي ما أخرجه الطبري (4/ 505) عن محمد بن الحنفية قال: أقبلنا من المدينة بسبعمائة رجل، ورحل إلينا من الكوفة سبعة آلاف، وانضم إلينا من حولنا ألفان أكثرهم من بكر بن وائل. إسناده حسن.

• أما زمن المعركة فكانت معركة قصيرة، بدأت بعد الظهر وانتهت قبل غروب الشمس. فقد أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(15/ 286) عن زيد بن وهب، قال: فكف علي يده حتى بدؤوه بالقتال فقاتلهم بعد الظهر حتى غربت الشمس وما حول الجمل أحد، فقال علي: لا تتموا جريحًا، ولا تقتلوا مدبرًا، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن". بسند صحيح كما قاله الحافظ في "الفتح" (13/ 63).

• أما عدد القتلى فقد بالغت الروايات الضعيفة في عدد القتلى كما بالغت في تعداد جيش علي، وقد تقدم أن عدد جيش علي رضي الله عنه (9700 مقاتل)، أما عن القتلى، فلم نجد رواية يحتج بها لتحديد العدد، فكلها روايات ضعيفة أو ضعيفة جدًّا، إلا أن خليفة بن خياط ذكر أسماء القتلى فكانوا (مئة) وترجح أنه لا يزيد عن ذلك، نظرًا لقصر الفترة الزمنية التي استغرقتها المعركة، فلم تدم إلا ساعات ما بين الظهر وغروب الشمس؛ ولتحرج كل فريق من القتال لما يعلمون من عظم حرمة دم المسلم، ولتعليمات علي رضي الله عنه الصادرة عنه كما أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" (15/ 286) خبرًا وفيه:(فما غربت الشمس وحول الجمل أحد، فقال علي: لا تتموا جريحًا، ولا تقتلوا مدبرًا، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن". وصحح ابن حجر إسناده في "الفتح" (13/ 62).

(1)

كان أول قتيل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه كما أخرج خليفة بن خياط في "تاريخه"(ص 185): قال: فحدثنا علي بن عاصم قال: نا حصين قال: حدثني عمرو بن جأوان قال: سمعت الأحنف بن قيس قال: لما التقوا كان أول قتيل طلحة بن عبيد الله، وخرج كعب بن سور من البصرة معه المصحف ناشره بين الصفين يناشد الناس في دمائهم فقتل وهو بتلك الحال. بسند رجاله ثقات.

• وأخرج خليفة بن خياط في "تاريخه"(ص 186): قال: حدثنا علي بن عاصم عن حصين عن عمرو بن جأوان عن الأحنف قال: لما انحاز الزبير قتله عمرو بن جرموز بوادي السباع. بسند رجاله ثقات.

جاء عمرو بن جرموز إلى علي متقربًا بقتل الزبير، فبشره علي بالنار كما في "الفتح"(7/ 102).

ويكفي ابن الزبير أنه خرج من أرض المعركة قبل نشوبها، وفرَّ بدينه الذي كان أكبر همه كي لا يموت ظالمًا في الفتنة، وكانت أمنيته أن يموت مظلومًا عسى أن لا يبوء بالإثم. كما أخرج البخاري عن عبد الله بن الزبير "الفتح" (6/ 262): قال: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بني لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا =

ص: 419

ثم قام معاوية بالشام في مثل ذلك وكان أمير الشام إذ ذاك، وكان علي أرسل إليه أن يبايع له أهل الشام، فاعتلَّ بأن عثمان قتل مظلومًا، وأنها تجب المبادرة إلى الاقتصاص من قتلته، وإنه أقوى الناس على الطلب بذلك، والتمس من عليٍّ أن يمكنه منهم، ثم يبايع له بعد ذلك، وعلي يقول: ادخل فيما دخل فيه الناس وحاكمهم إليّ أحكم فيهم بالحق.

فلما طال الأمر خرج علي في أهل العراق طالبًا قتال أهل الشام، فخرج معاوية في أهل الشام قاصدًا لقتاله، فالتقيا بصفين

(1)

، فدامت الحرب بينهم

= أراني إلا سأقتل مظلومًا، وإن أكبر همي لديني

".

ولم يكن علي رضي الله عنه حزينًا على الزبير فحسب بل حزينًا على كل من قتل يومها. كما أن عائشة تذكرت وهي في خضم الأحداث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: "كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب". تنوي الرجوع والعودة من لحظتها، وحزنت لما حدث. وكان الهدف هو الإصلاح وإحقاق الحق.

(1)

الأسباب التي أدت إلى معركة صفين هي: إصرار معاوية رضي الله عنه ومن معه على ضرورة التعجيل في القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، وذلك ما كان يراه علي رضي الله عنه، مثيرًا لفتنةٍ أخرى في ذلك الوقت الذي لم تستتب الأمور فيه بعد.

ولم يكن السبب في هذه المعركة هو منافسة معاوية رضي الله عنه لعلي على الخلافة، بل كان يقرّ ويعترف علنًا بأنَّ علي أولى منه بهذا الأمر.

- كما أخرج شيخ البخاري يحيى بن سليمان الجعفي في كتاب "صفين" عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: أنت تنازع عليًا في الخلافة أو أنت مثله، قال: لا، وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلومًا وأنا ابن عمه ووليه أطلب بدمه؟ فأتوا عليًا فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا عليًا فكلموه فلم يدفعهم إليه".

[سير أعلام النبلاء (3/ 140) وجوّد الحافظ إسناده في "الفتح" (13/ 86)].

- وأخرج ابن عساكر (تاريخ دمشق 16/ 360 أ) والطبري (6/ 161) عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أنه قال: كان علي بالعراق يدعى أمير المؤمنين، وكان معاوية بالشام يدعى الأمير، فلما مات علي دعي معاوية بالشام أمير المؤمنين. إسناده حسن.

وهذه الشهادة من سعيد بن عبد العزيز تقطع الطريق على كل الروايات المكذوبة التي رواها الهالك أبو مخنف، وخاصة إذا علمت أن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أعلم الناس بأمر الشام. [راجع: تهذيب التهذيب (4/ 60)].

وهذا يؤكد إجماع الأمة على إمامة علي شاميهم وعراقيهم وحجازيهم، ولكن أهل الشام عاهدوا معاوية على الأخذ بحق الخليفة المظلوم عثمان رضي الله عنه، والقصاص من =

ص: 420

أشهرًا، وكاد معاوية وأهل الشام أن ينكسروا فرفعوا المصاحف على الرماح ونادوا: ندعوكم إلى كتاب الله تعالى

(1)

، وكان ذلك بإشارة عمرو بن العاص

= قتلته ولم يكن يروه خليفة يومئذٍ ولم يبايعوه بالخلافة، ما زال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حيًا.

وإذا كان ذلك كذلك، فهذا من أدلة بطلان قصة التحكيم الآتية في التعليقة القادمة.

• أما عن تفاصيل المعركة وأمراء الأجناد وحملة الألوية في الجيش، فقد أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (15/ 292) من حديث حجر بن عنبس (قيل لعلي يوم صفين: قد حيل بيننا وبين الماء، قال:"أرسلوا إلى الأشعث، فجاء فقال: ائتوني بدرع ابن سهر - رجل من بني براء - فصبها عليه ثم أتاهم فقاتلهم حتى أزالهم عن الماء". إسناده حسن.

وأخرجه خليفة بن خياط في تاريخه (ص 193) ثنا أبو نعيم، قال: نا موسى بن قيس، قال: سمعت حجر بن عنبس قال: حيل بين علي والماء، فقال: أرسلوا إلى الأشعث بن قيس، فأزالهم عن الماء، ثم التقى الناس يوم الأربعاء لسبع خلون من صفر سنة سبع وثلاثين، ولواء علي مع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وفي ميسرة علي ربيعة، وعليهم ابن عباس، وفي ميمنة علي أهل اليمن عليهم الأشعث بن قيس، وعلي في القلب في مضر البصرة والكوفة.

ولواء معاوية مع المخارق بن الصباح الكلاعي، وفي ميسرة معاوية مضر عليهم ذو الكلاع، وفي ميمنته أهل اليمن، ومعاوية في الشهباء أصحاب البيض والدروع.

ولم نجد رواية أخرى صحيحة تتحدث عن تفاصيل أخرى، وكل ما ورد من مرويات أبي مخنف التالفة، ولم تؤيدها رواية صحيحة، والله أعلم.

• أما عن عدد القتلى في وقعة صفين فقد بالغت الروايات الضعيفة والمنكرة في عددها مبالغة كبيرة، كما بالغت في عدد القتلى في وقعة الجمل.

ولم ترد غير رواية صحيحة واحدة تتحدث عن القتلى من الصحابة الذين كانوا في جيش علي رضي الله عنه، فقد أخرج خليفة بن خياط في "تاريخه" (ص 196): حدثنا أبو غسان، قال: نا عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن، عن جعفر - أظنه ابن أبي المغيرة - عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منا ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر".

إسناده حسن.

(1)

• أما تحاكم كل من علي ومعاوية رضي الله عنهما إلى كتاب الله ورضاهم بذلك فصحيح. وأما رفع المصاحف على رؤوس الرماح فلا يصح.

أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(15/ 318) وأحمد في المسند (23/ 145 - البنا) عن حبيب بن أبي ثابت قال: أتيت أبا وائل في مسجد أهله، وفيه: "قال: كنا بصفين فلما استمر القتل بأهل الشام اعتصموا بتلٍّ فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أرسل إلى علي =

ص: 421

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بمصحف وادعه إلى كتاب الله، فإنه لن يأبى عليك فجاء به رجل فقال:"بيننا وبينكم كتاب الله"{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)} [آل عمران: 23]، فقال علي: نعم. وأنا أولى بذلك، بيننا وبينكم كتاب الله". وإسناده حسن صحيح.

وهذا تكذيب لروايات أبي مخنف المفتراة التي تزعم أن عليًا أكره على قبول التحكيم - وعلى هذه الروايات المختلفة اعتمد المستشرقون وغيرهم، وما دروا وما أدركوا، نظر علي رضي الله عنه لطبيعة القتال في صفين، وحرصه الشديد على حقن دماء المسلمين، حتى ولو كلَّفَه ذلك حياته الخاصة.

• أما حقيقة ما دار بين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص في وقعة صفين، فقد أخرج ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(13/ 262) والبخاري في التاريخ الكبير مختصرًا عن الحصين بن المنذر أن معاوية أرسله إلى عمرو بن العاص، فقال له: إنه بلغني عن عمرو بعض ما أكره، فاته فاسأله عن الأمر الذي اجتمع عمرو وأبو موسى فيه: كيف صنعتما فيه؟ قال (أي عمرو بن العاص): قد قال الناس وقالوا، ولا والله ما كان ما قالوا، ولكن اجتمعتُ أنا وأبو موسى قلت له: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ. قال: فقلت: أين تجعلني من هذا الأمر ومعاوية؟ قال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما). بسند رجاله ثقات.

• ولا أصل لما أشيع من قبل المبتدعة بكون أبي موسى رجلًا ضعيفًا خُدع من قبل عمرو بن العاص المراوغ. فلا أبو موسى ضعيف، ولا عمرو بن العاص مراوغ، حاشاهما أن يكونا كذلك.

- فقد أخرج الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(1/ 57) عن قبيصة بن جابر وهو الذي شهد الجمل مع علي: (قد صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلًا أبين ولا أنصع رأيًا، ولا أكرم جليسًا منه، ولا أشبه سريرة بعلانية منه.

- وأخرج الترمذي في سننه رقم (3843) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص".

وهو حديث حسن.

هذه هي صورة الصحابي الجليل عمرو بن العاص في الحديث والتاريخ، فليخسأ المبتدعة الكذابون أمثال أبي مخنف وغيره.

- وأما أبو موسى فلم يكن ضعيف الرأي، ولا مغفلًا ولا جاهلًا حتى ينخدع بهذه البساطة ويخلع من عنقه بيعة خليفة راشد أجمع أهل الحرمين، والبدريون، وأهل بيعة الرضوان على إمامته.

- أخرج الفسوي في "المعرفة والتاريخ"(2/ 540) عن أبي البختري قال: أتينا عليًا =

ص: 422

- وهو مع معاوية - فترك القتال جمع كثيرٌ ممن كان مع عليٍّ، خصوصًا القراءُ بسبب ذلك تدينًا.

واحتجوا بقوله تعالى: {مْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}

(1)

الآية، فراسلوا أهل الشام في ذلك، فقالوا: ابعثوا حكمًا منكم، وحكمًا منّا، ويحضر معهما من لم يباشر القتال، فمن رأوا الحق معه أطاعوه، فأجاب علي ومن معه إلى ذلك.

وأنكرت ذلك الطائفة التي صارت خوارج وفارقوا عليًا، وهم ثمانية آلاف. وقيل: كانوا أكثر من عشرة آلاف، وقيل: ستة آلاف، ونزلوا مكانًا يقال له: حروراء بفتح الحاء المهملة وراءين مهملتين الأولى مضمومة، ومن ثم قيل لهم: الحرورية وكان كبيرهم عبد الله بن الكَوّاء بفتح الكاف وتشديد الواو مع المد اليشكري، وشَبث بفتح الشين المعجمة والموحدة بعدها مثلثة التميمي، فأرسل إليهم علي ابن عباس فناظرهم

(2)

فرجع كثير منهم معه، ثم خرج إليهم علي

= فسألناه عن أبي موسى قال: صبغ في العلم صبغة.

- وأخرج ابن سعد في "الطبقات"(4/ 108) عن أنس قال: بعثني الأشعري إلى عمر فقال: كيف تركت الأشعري؟ قلت: تركته يعلّم الناس القرآن. فقال: أما إنه الكيّس ولا تُسمعها إياه".

• أما بالنسبة لما أورده أبو مخنف الكذاب في مروياته من اللعن بين علي ومعاوية، فقد بحثنا فيما بين أيدينا من مراجع التاريخ وكتب الحديث فلم نجد رواية صحيحة، ولا حسنة، ولا مرسلة صحيحة تثبت أن عليًّا رضي الله عنه، كان يلعن معاوية وأصحابه، ولا قنت معاوية على علي ولم يلعنه، ولم يأمر بذلك، فكل ذلك لم يصح كما قال ابن كثير في "البداية والنهاية"(7/ 284).

والخلاصة: أن الروايات التي ذكرت أن عليًا ومعاوية كانا يلعنان (أحدهما الآخر) منكرة سندًا ومتنًا، ولله الحمد على نعمة الإسناد.

(1)

سورة آل عمران، الآية (23).

(2)

أما سبب ظهور فرقة الخوارج وشقهم لجيش علي رضي الله عنه، فهو جهلهم بحقائق الأمور، ومعاني الآيات القرآنية، وضحالة فقههم وإدراكهم لمقاصد الشرع وأصول الدين.

فقد أخرج الطبري (5/ 73) عن أبي رزين قال: لما وقع التحكيم ورجع علي من صفين، رجعوا مباينين له، فلما انتهوا إلى النهر أقاموا به، فدخل علي في الناس الكوفة، ونزلوا =

ص: 423

فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة ومعهم رئيساهم المذكوران، ثم أشاعوا أن عليًا تاب من الحكومة ولذلك رجعوا معه، فبلغ ذلك عليًا فخطب وأنكر ذلك، فتنادوا من جانب المسجد: لا حكم إلا لله، فقال: كلمة حق يراد بها باطل، فقال لهم: لكم علينا ثلاث أن لا نمنعكم من المساجد، ولا من رزقكم من الفيء، ولا نبدأكم بقتال ما لم تحدثوا فسادًا

(1)

، وخرجوا شيئًا بعد شيء إلى أن اجتمعوا بالمدائن، فراسلهم علي في الرجوع فأصروا على الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم ويتوب، ثم راسلهم أيضًا فأرادوا قتل رسوله ثم اجتمعوا على أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله، واستعرضوا الناس فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين، ومر بهم عبد الله بن خباب بن الأرت

(2)

واليًا

= بحروراء، فبعث إليهم عبد الله بن عباس فرجع ولم يصنع شيئًا، فخرج إليهم علي فكلمهم حتى وقع الرضا بينه وبينهم، فدخلوا الكوفة فأتاه رجل فقال: إن الناس قد تحدثوا أنك رجعت لهم عن كفرك، فخطب الناس في صلاة الظهر، فذكر أمرهم فعابه، فوثبوا من نواحي المسجد يقولون: لا حكم إلا لله، واستقبله رجل منهم واضع إصبعيه في أذنيه فقال:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزمر: 65]، فقال علي:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)} [الروم: 60].

إسناده حسن.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(15/ 313) ولفظه: "ولما وقع الرضا بالتحكيم ورجع علي إلى الكوفة اعتزلت الخوارج بحروراء

الخبر".

(1)

أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(15/ 327) عن كثير بن نمير قال: بينا أنا في الجمعة، وعلي بن أبي طالب على المنبر إذ جاء رجل فقال: لا حكم إلا لله، ثم قام آخر فقال: لا حكم إلا لله، ثم قاموا من نواحي المسجد يحكِّمون الله؟ فأشار عليهم بيده: اجلسوا، نعم: لا حكم إلا لله، كلمة حق يبتغى بها باطل. حكم الله ينتظر فيكم. الآن لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ولا نمنعكم فيئًا ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلوا. ثم أخذ في خطبته". إسناده حسن.

(2)

أخرج الطبري (5/ 81) من طريق أيوب عن حميد بن هلال عن رجل من عبد القيس كان من الخوارج ثم فارقهم، قال: دخلوا قرية فخرج عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَعِرًا يجرّ رداءه، فقالوا: لم تُرَع؟ فقال: والله لقد ذعرتموني! قالوا: أأنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قالوا: فهل سمعت من أبيك حديثًا يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، =

ص: 424

لعلي على بعض تلك البلاد ومعه سريِّته وهي حامل فقتلوه وبقروا بطن سريته عن ولد، فبلغ عليًا فخرج إليهم في الجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام، فأوقع بهم بالنهروان

(1)

ولم ينج منه إلا دون العشرة، ولا قتل ممن معه إلا نحو العشرة، فهذا ملخص أول أمرهم، ثم انضم إلى من بقي منهم ممن مال إلى رأيهم، فكانوا مختفين في خلافة علي حتى كان منهم ابن ملجم الذي قتل عليًا بعد أن دخل في صلاة الصبح

(2)

.

= والماشي فيها خير من الساعي؟ قال: فإن أدركتم ذلك فكن يا عبد الله المقتول، قال أيوب: ولا أعلمه إلا قال: (ولا تكن يا عبد الله القاتل) قال: نعم، قال: فقدموه على ضفة النهر فضربوا عنقه، فسال دمه كأنه شراك نعل، وبقروا بطن أم ولده عمّا في بطنها). إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(15/ 323) عن أبي مجلز، وعن حميد بن هلال عن رجل من عبد القيس (15/ 310) وصحح الحافظ إسناده في الفتح وزاد نسبته إلى يعقوب بن سفيان (الفتح: 12/ 297).

(1)

أما الوقعة الشهيرة التي وقعت بين الخوارج من جهة وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من جهة أخرى، فهي التي وقعت عند (النهروان) ونصر الله فيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقتل فيها الخوارج شر قتلة، ولم يقتل من جيش علي إلا اثنان في أصح رواية - وظهرت أثناء المعركة معجزة أخرى من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، فكبر لها عليّ وقال: صدق الله وبلَّغ رسوله - فقد أخرج النسائي في خصائص علي (/ 190) عن زيد بن وهب أنهم قتلوا جميعًا في النهروان. إسناده صحيح.

• وأخرج الطبري في تاريخه (5/ 91 - 92) عن أبي مريم: أن شبث بن ربعي وابن الكواء خرجا من الكوفة إلى حروراء

كان معلومًا أن الوقعة كانت بينه وبينهم في سنة ثمان وثلاثين". إسناده حسن.

(2)

أخرج الطبراني في المعجم الكبير (ج 1 رقم 164) ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا يحيى بن بكير قال: قتل علي بن أبي طالب يوم الجمعة يوم سبعة عشر من شهر رمضان سنة أربعين.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 146) وقال: رجاله ثقات.

واتفق المؤرخون على سنة استشهاده رضي الله عنه، في سنة (40 هـ). واختلفوا بالنسبة لتحديد اليوم، فخليفة بن خياط يرى أنه قتل صبيحة يوم الجمعة، فيتفق في ذلك مع أبي معشر. (تاريخ خليفة/198).

وأما ابن سعد فقد ذكر في طبقاته (3/ 37) أنه طعن يوم الجمعة ولكن توفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من يسهر رمضان سنة أربعين.

وأغلب المؤرخين على أنه قتل رضي الله عنه في شهر رمضان. =

ص: 425

ثم لما وقع صلح الحسن ومعاوية ثارت منهم طائفة فأوقع بهم عسكر الشام بمكان يقال له: النخيلة، وكانوا منقمعين في إمارة زياد وابنه طول مدة ولاية معاوية وابنه يزيد

(1)

. وظفر زياد وابنه بجماعة منهم فأبادهم بين قتل وحبس طويل.

= وقال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية"(7/ 343): وحاصل الأمر أن عليًا قتل يوم الجمعة سَحَرًا، وذلك لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان من سنة أربعين.

وقيل: قتل في ربيع الأول.

والأول هو الأصح والأشهر، والله أعلم.

(1)

تنبيه: في كل طبعات "نيل الأوطار" بلا استثناء، جملة (لعنهما الله). مما دفع كثيرًا من العلماء الغيورين لسؤالي عن هذه الجملة هل هي من الشوكاني، أم من النساخ، أم ماذا؟!.

وتبرأة للإمام الشوكاني من هذه الجملة أثبت من صورة المخطوط التي كتب بيده عدم وجودها مطلقًا.

|

[هذه صورة - من المخطوط (أ) المكتوب بيد الإمام الشوكاني [130 أ/ 2]

وتبرأة للنساخ طلاب العلم والحقيقة أثبت من صورة المخطوط (ب) عدم وجود هذه الجملة أيضًا.

|

[هذه صورة من المخطوط (ب) المكتوب بخط: يحيى بن محسن الدلواني وحسن بن يحيى بن أحمد الكبسي [188 ب/ ب / 2].

• والذي يبدو أن بعض المبتدعة أقحموها في بعض نسخ الكتاب لاتهام الشوكاني بها أو إرواءً لما في قلوبهم من غل وحقد على الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه.

ص: 426

فلما مات يزيد ووقع الافتراق وولي الخلافة عبد الله بن الزبير، وأطاعه أهل الأمصار إلا بعض أهل الشام، وثار مروان فادعى الخلافة وغلب على جميع الشام ثم مصر.

فظهر الخوارج

(1)

حينئذٍ بالعراق مع نافع بن

(1)

للخوارج ألقاب كثيرة منها:

1 -

الخوارج: سموا بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفهم بأنهم (يخرجون على حين فرقة من المسلمين)، ولأنهم يخرجون على أئمة المسلمين وعلى جماعتهم بالاعتقاد والسيف، وهذا وصف عام من سلك سبيلهم إلى يوم القيامة.

2 -

المحكِّمة: لأنهم فارقوا عليًا وجماعة المسلمين بسبب مسألة التحكيم، حينما زعموا أن عليًا حكم الرجال وقالوا: لا حكم إلا لله.

وقد كفروا عليًا والحكمين ومن قال بالتحكيم ورضي به، وهذا اسم لجماعة الخوارج الأولين.

3 -

الحرورية: وهم الذين خرجوا على علي وجماعة الصحابة؛ لأنهم حين خرجوا انحازوا إلى مكان يقال له: حروراء، بالعراق وهو كسابقه.

4 -

أهل النهروان: نسبة إلى المكان الذي قاتلهم فيه علي، وهم الحرورية والمحكمة.

5 -

الشراة: لأنهم زعموا أنهم يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله في قتالهم المسلمين، وقد أطلق على فئات من الخوارج الأولين. ولا يزال الخوارج المعاصرون (الأباضية) يرون هذا الوصف يمكن تحقيقه إذا توافرت شروطه. ويعدونه مسلكًا من مسالك الدين.

6 -

المارقة: لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم (مارقة) ووصفهم بأنهم (يمرقون من الدين).

7 -

المكفِّرة: لأنهم يكفرون بالكبائر، ويكفرون من خالفهم من المسلمين، وهذا وصف لكل من نهج هذا النهج في كل زمان.

8 -

السبئية: لأن منشأهم من الفتنة التي أوقدها ابن سبأ اليهودي، وهذا وصف لأصول الخوارج الأولين ورؤوسهم.

9 -

الناصبة: لأنهم ناصبوا عليًا رضي الله عنه وآله العداء، وصرحوا ببغضهم.

• وأول من أحدث الخلاف بين الخوارج نافع بن الأزرق الحنفي، والذي أحدثه: البراء من القعدة، والمحنة لمن قصد عسكره، وإكفار من لم يهاجر إليه".

قلت: ويُعدُّ افتراق ابن الأزرق أول انقسام في الخوارج، وكان ذلك سنة (64 هـ) حين فاصلوا ابن الزبير، فافترقوا إلى أربع فرق:

1 -

الأزارقة.

2 -

الصفرية.

3 -

النجدات.

وقد انقرضت هذه الثلاث.

4 -

الأباضية وهي الباقية إلى اليوم. =

ص: 427

الأزرق

(1)

، وباليمامة مع نجدة بن عامر، وزاد نجدة على معتقد الخوارج

(2)

أن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر ولو اعتقد معتقدهم، وعظم البلاء بهم وتوسعوا في معتقدهم الفاسد فأبطلوا رجم المحصن وقطعوا يد السارق من الإبط، وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال حيضها، وكفّروا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كان قادرًا، وإن لم يكن قادرًا فقد ارتكب كبيرة، وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر، وكفوا عن أموال أهل الذمة وعن التعرض لهم مطلقًا، وفتكوا في المنتسبين إلى الإسلام بالقتل والسبي والنهب، فمنهم من يفعل ذلك مطلقًا بغير دعوة، ومنهم من يدعو أولًا ثم يفتك.

ولم يزل البلاء بهم إلى أن أمر المهلب بن أبي صفرة على قتالهم، فطاولهم حتى ظفرَ بهم وتَفَلّلَ جمعهم، ثم لم يزل منهم بقايا في طول الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية، ودخلت طائفة منهم المغرب.

= • واعلم أن الذين نازعوا عليًا حين رفع المصاحف وأمروه بالتوقف:

1 -

الأشعث بن قيس الكندي.

2 -

مسعر بن فديك التميمي.

3 -

زيد بن حصين الطائي.

ومن رؤوس أهل حروراء:

1 -

عبد الله بن الكواء.

2 -

عتاب بن الأعور.

3 -

عبد الله بن وهب الراسبي.

4 -

عروة بن جرير.

5 -

يزيد بن أبي عاصم المحاربي.

6 -

حرقوص بن زهير (ذو الثدية).

وأول من بويع من الخوارج بالإمامة: عبد الله بن وهب الراسبي في منزل زيد بن الحصين. وبايعه: عبد الله بن الكواء، وعروة بن جرير، ويزيد بن أبي عاصم وجماعة.

(1)

هو رأس الأزارقة وإليه نسبتهم، خرج في آخر دولة يزيد بن معاوية، وكان يعترض الناس بما يحير العقل، واشتدت شوكته وكثرت جموعه، فبعث إليه عبد الله بن الحارث بن مسلم بن عبيس بن كريز على رأس جيش كثيف، فقتل سنة (65 هـ).

[خطط المقريزي (2/ 354) والملل والنحل (1/ 137) "الفصل في الملل والأهواء والنحل" لابن حزم (5/ 52)].

(2)

الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (5/ 53). و"الملل والنحل" للشهرستاني (1/ 141 - 144).

ص: 428

وقد صنف في أخبارهم أبو مخنف

(1)

- بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح النون بعدها فاء - واسمه لوط بن يحيى، كتابًا لخصه الطبري في تاريخه

(2)

.

وصنف في أخبارهم أيضًا الهيثم بن عدي

(3)

كتابًا.

(1)

أبو مخنف: هو لوط بن يحيى، أخباريُّ تالف، لا يوثق به.

تركه أبو حاتم وغيره. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن عدي: شيعي مُحترق صاحب أخبارهم.

قلت: روى عن الصعقب بن زهير، وجابر الجعفي، ومُجالد، روى عنه المدائني، وعبد الرحمن بن مغراء، ومات قبل السبعين ومائة.

وقال أبو عُبيد الآجري: سألت أبا داود عنه، فنفض يده، وقال: أحد يسألُ عن هذا؟! وذكره العقيلي في "الضعفاء".

[لسان الميزان (5/ 567 - 568 رقم 6830)] والميزان (3/ 419 رقم 6992) و "الكامل في الضعفاء" لابن عدي (6/ 93) والضعفاء الكبير للعقيلي (4/ 18) والتاريخ الكبير (4/ 1/ 252) والجرح والتعديل (3/ 2/ 182) وسير أعلام النبلاء (7/ 301 رقم 94) والمعرفة والتاريخ للفسوي (3/ 36).

(2)

انظر: "تاريخ الطبري" المرحلة الثالثة: "تاريخ الخلفاء الراشدين" خلافة علي رضي الله عنه قسم الضعيف.

• واعلم أن تاريخ الطبري قسمناه إلى خمس مراحل، وكل مرحلة إلى قسمين: صحيح وضعيف - مسكوت عنه.

1 -

المرحلة الأولى: ما قبل البعثة النبوية من تاريخ الطبري.

2 -

المرحلة الثانية: السيرة النبوية من تاريخ الطبري.

3 -

المرحلة الثالثة: تاريخ الخلفاء الراشدين من تاريخ الطبري.

4 -

المرحلة الرابعة: تاريخ بني أمية من تاريخ الطبري.

5 -

المرحلة الخامسة: تاريخ العباسيين من تاريخ الطبري.

وقمنا بتطبيق مصطلح علم الحديث على الروايات التي ذكرها الطبري بالسند. وحاولنا إيجاد الشواهد والمتابعات لهذه الروايات، وبذلنا فيه ما الله به عليم.

بتحقيق الدكتور محمد البرزنجي وإشراف ومراجعة محمد صبحي بن حسن حلاق. ط: دار ابن كثير - دمشق.

• وقال الحافظ في "الفتح"(12/ 285): "وقد صنف في أخبارهم - أي أخبار الخوارج - أبو مخنف - بكسر الميم، وسكون المعجمة، وفتح النون بعدها فاء، واسمه لوط بن يحيى - كتابًا لخصه الطبري في تاريخه

". اهـ.

(3)

اسم الكتاب "أخبار الخوارج" للهيثم بن عدي بن عبد الرحمن الثعلبي الطائي (ت 207 هـ).

ص: 429

ومحمد بن قدامة الجوهري أحد شيوخ البخاري خارج الصحيح كتابًا كبيرًا

(1)

.

وجمع أخبارهم أبو العباس المبرّد في كتابه "الكامل"

(2)

لكن بغير أسانيد بخلاف المذكورين من قبله.

هذا خلاصة معتقد الخوارج والسبب الذي لأجله خرجوا، وهو مجمع عليه عند علماء الأخبار، وبه يتبين بطلان ما حكاه الرافعي

(3)

في كلامه السالف.

وقد وردت بما ذكرنا من أصل حال الخوارج أخبار جياد: (منها) ما أخرجه عبد الرزاق

(4)

عن معمر عن الزهري.

وأخرج نحوه الطبري

(5)

عن يونس عن الزهري.

وأخرج نحو ذلك ابن أبي شيبة

(6)

عن أبي رزين.

قال القاضي أبو بكر بن العربي

(7)

: الخوارج صنفان: أحدهم يزعم أن عثمان وعليًا وأصحاب الجمل وصفين وكل من رضي بالتحكيم كفار، والآخر يزعم أن كل من أتى كبيرة فهو كافر مخلد في النار أبدًا.

وقال غيره: بل الصنف الأول متفرع عن الصنف الثاني؛ لأن الحامل لهم على تكفير أولئك كونهم أذنبوا فيما فعلوه بزعمهم.

وقال ابن حزم

(8)

: ذهب نجدة بن عامر الحروري من الخوارج إلى أن من أتى صغيرة عذب بغير النار، ومن أدمن على صغيرة فهو كمن ارتكب الكبيرة في التخليد في النار.

(1)

اسم الكتاب "أخبار الخوارج" لمحمد بن قدامة الجوهري، أحد شيوخ البخاري خارج الصحيح. وهو كتاب كبير كما قال الحافظ في "الفتح"(12/ 285).

(2)

"الكامل" تأليف: أبي العباس محمد بن يزيد المبرّد (3/ 1201 - 1229).

(3)

في "العزيز شرح الوجيز" المعروف بالشرح الكبير (11/ 78).

(4)

في "المصنف" رقم (18649).

(5)

تقدم.

(6)

في "المصنف"(15/ 312 - 313).

(7)

في "عارضة الأحوذي"(9/ 38 - 39).

(8)

"الفصل في الملل والأهواء والنحل"(5/ 56).

ص: 430

وذكر أن منهم من غلا في معتقدهم الفاسد

(1)

فأنكر الصلوات الخمس.

وقال: الواجب صلاة بالغداة، وصلاة بالعشي.

(ومنهم)

(2)

من جوّز نكاح بنت الابن وبنت الأخ والأخت.

(ومنهم)

(3)

من أنكر أن تكون سورة يوسف من القرآن، وأن من قال: لا إله إلا الله، فهو مؤمن عند الله ولو اعتقد الكفر بقلبه.

وقال أبو منصور البغدادي في المقالات

(4)

: عدة فِرَق الخوارج عشرون فرقة.

وقال ابن حزم: أسوؤهم حالًا الغلاة المذكورون، وأقربهم إلى قول أهل الحق الأباضية. وقد بقيت منهم بقية بالمغرب.

قال الغزالي في الوسيط

(5)

تبعًا لغيره: في حكم الخوارج وجهان:

(1)

قال أبو إسماعيل البطيحي وأصحابه، وهم الخوارج: أن لا صلاة واجبة إلا ركعة واحدة بالغداة، وركعة أخرى بالعشي فقط.

ويرون الحج في جميع شهور السنة، ويحرمون أكل السمك حتى يذبح، ولا يرون أخذ الجزية من المجوس، ويكفرون من خطب في الفطر والأضحى، ويقولون: إن أهل النار في النار في لذة ونعيم، وأهل الجنة كذلك.

قال أبو محمد: وأصل أبي إسماعيل هذا من الأزارقة، إلا أنه غلا عن سائر الأزراقة، وزاد عليهم.

["الفصل في الملل والأهواء والنحل" (5/ 51 - 52)].

(2)

قالت الميمونية - وهم فرقة من العجاردة، والعجاردة فرق من الصُّفْرية - بإجازة نكاح بنات البنات، وبنات البنين، وبنات بني الإخوة والأخوات.

وذكر ذلك عنهم الحسين بن علي - بن يزيد، أبو علي - الكربيسي، وهو أحد الأئمة في الدين والحديث، ولم يبق من فرق الخوارج إلَّا الأباضية والصفرية فقط.

[الفصل في الملل والأهواء والنحل (5/ 53) والملل والنحل للشهرستاني (1/ 149)].

(3)

قالت الفضيلية من الصُّفرية: من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، بلسانه ولم يعتقد ذلك بقلبه، بل اعتقد الكفر أو الدهرية، أو اليهودية، أو النصرانية، فهو مسلم عند الله، مؤمن، ولا يضره إذا قال الحق بلسانه ما اعتقد بقلبه.

[الفصل في الملل والأهواء والنحل (5/ 54) والملل والنحل للشهرستاني (1/ 149)].

(4)

في "الفرق بين الفرق" لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي تحت عنوان: "في بيان مقالات فرق الخوارج"(ص 78).

(5)

الوسيط للغزالي (6/ 416 - 417).

ص: 431

(أحدهما): أن حكمهم حكم أهل الردة.

(والثاني): أنه كحكم أهل البغي.

ورجح الرافعي

(1)

الأول.

قال في الفتح

(2)

: وليس الذي قاله مطردًا في كل خارجي، فإنهم على قسمين:

(أحدهما): من تقدم ذكره.

(والثاني): من خرج في طلب الملك لا للدعاء إلى معتقده، وهم على قسمين أيضًا: قسم خرجوا غضبًا للدين من أجل جور الولاة وترك عملهم [بالسنة]

(3)

النبوية، فهؤلاء أهل حق.

(ومنهم): الحسين بن علي رضي الله عنه وأهل المدينة في وقعة الحرة، والقراء الذين خرجوا على الحجاج. وقسم خرجوا لطلب الملك فقط سواء كانت لهم فيه شبهة أو لا وهم البغاة، وسيأتي بيان حكمهم.

قوله: (في آخر الزمان) ظاهر هذا يخالف ما بعده من أحاديث الباب من خروجهم في خلافة علي. وأجاب ابن التين

(4)

بأن المراد زمان الصحابة.

قال الحافظ

(5)

: وفيه نظر؛ لأن آخر زمان الصحابة كان على رأس المائة، وهم قد خرجوا قبل ذلك بأكثر من ستين سنة.

ويمكن الجمع بأن المراد بآخر الزمان زمان خلافة النبوة لما في حديث سفينة عند أهل السنن

(6)

وابن حبان في صحيحه

(7)

مرفوعًا: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكًا".

(1)

في "الشرح الكبير"(11/ 77 - 78).

(2)

"الفتح"(12/ 285 - 286).

(3)

في المخطوط (ب): (بالسيرة).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 287).

(5)

في "الفتح"(12/ 287).

(6)

أبو داود رقم (4646). والترمذي رقم (2226) وقال: حديث حسن. والنسائي في الكبرى رقم (8155 - العلمية).

(7)

في صحيحه رقم (6943، 6657).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (5/ 220) والبزار في المسند رقم (3828) و (3829) والطبراني في الكبير رقم (136، 6443، 6444) والحاكم (3/ 145) من طرق.

وهو حديث صحيح.

ص: 432

وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في آخر خلافة علي سنة ثماني وثلاثين من الهجرة وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بدون ثلاثين سنة.

قوله: (حداث الأسنان) بحاء مهملةٍ، ثم دال مهملة أيضًا ثم بعد الألف مثلثة جمع حدث بفتحتين، والحدث: هو الصغير السنِّ، هكذا في أكثر الروايات، وفي رواية السرخسي

(1)

حدّاث بضم أوله وتشديد الدال.

قال في "المطالع"

(2)

؛ معناه: شباب.

وقال ابن التين (1): حداث جمع حديث، مثل: كرام جمع كريم، وكبار جمع كبير. والحديث: الجديد من كل شيء، ويطلق على الصغير بهذا الاعتبار.

قوله: (سفهاء الأحلام) جمع حِلم - بكسر أوله - والمراد به: العقل، والمعنى: أن عقولهم رديئة.

قال النووي

(3)

: يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن، وكثرة التجارب وقوة العقل.

قوله: (يقولون من قول خير البرية) قيل: هو القرآن، ويحتمل أن يكون على ظاهره: أي القول الحسن في الظاهر والباطن على خلافه، كقولهم: لا حكم إلا لله.

قوله: (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم) الحناجر

(4)

بالحاء المهملة والنون ثم الجيم جمع حَنْجَرة بوزن قسورة، وهي: الحلقوم والبلعوم، وكلُّه يطلق على مجرى النفس، وهو طرف المريء مما يلي الفم، والمراد: أنهم يؤمنون بالنطق لا بالقلب.

وفي حديث زيد بن وهب

(5)

المذكور: "لا تجاوز صلاتهم تراقيهم"، فكأنه أطلق الإيمان على الصلاة.

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 2872).

(2)

كما في "الفتح"(12/ 287).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (7/ 169).

وتعقبه الحافظ في "الفتح"(12/ 287) بقوله: "قلت: ولم يظهر لي وجه الأخذ منه فإن هذا معلوم بالعادة، لا من خصوص كون هؤلاء كانوا بهذه الصفة". اهـ.

(4)

لسان العرب (4/ 216).

(5)

تقدم برقم (3187) من كتابنا هذا.

ص: 433

وفي رواية أبي سعيد الآتية

(1)

: "يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم"، وفي رواية مُسلم

(2)

: "يقولون الحقَّ بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم"، وأشار إلى حلقه.

قوله: (يمرقون من الدين) في رواية للنسائي

(3)

والطبري: "يمرقون من الإسلام"، وكذا في حديث زيد بن وهب

(4)

المذكور: "يمرقون من الإسلام". وفي رواية للنسائي

(5)

: "يمرقون من الحق"، وفيها ردّ على من فسّر الدين هنا بالطاعة.

قوله: (كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتانية: أي: الشيء الذي يرمي به.

وقيل: المراد بالرمية: الغزالة المرمية مثلًا.

قوله: (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة) في رواية زيد بن وهب (4) المذكورة: "لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم .. إلخ".

قوله: (لنكلوا عن العمل) أي: تركوا الطاعات واكتفوا بثواب قتلهم.

قوله: (وآية ذلك) أي: علامته كما وقع في رواية الطبري.

قوله: (على عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعيرات بيض)، في حديث أبي سعيد

(6)

الآتي: "آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة" وسيأتي تفسير ذلك.

والشُّعيراتُ - بالتصغير - جمعُ شعرةٍ. واسمُ ذي الثدية هذا: نافعٌ، كما أخرجه أبو داود

(7)

من طريق أبي مريم. قال: إن كان ذلك المخدَج لمعنا في المسجد كان فقيرًا، وقد كسوته برنسًا ورأيته شهد طعام علي، كان يسمى نافعًا ذا

(1)

برقم (3188) ورقم (3189) من كتابنا هذا.

(2)

في صحيحه رقم (157/ 1066).

وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (2578).

وهو حديث صحيح.

(4)

تقدم برقم (3187) من كتابنا هذا.

(5)

في السنن الكبرى (رقم 8566 - العلمية) بلفظ: "يخرجون من الحق".

(6)

يأتي برقم (3188) من كتابنا هذا.

(7)

في سننه رقم (4770) بسند ضعيف.

ص: 434

الثدية، وكان يده مثل ثدي المرأة على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، عليه شعيرات مثل سبال السِّنَّور.

وفي رواية لأبي الوضيء بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة عند أبي داود

(1)

: "إحدى يديه مثل ثدي المرأة عليه شعيرات مثل شعيرات تكون على ذنب اليربوع". وسيأتي عن بعضهم أن اسم المخدج "حرقوص".

قوله: (في سَرْح الناس) بفتح السين المهملة وسكون الراء، بعدها حاء مهملة: وهو المال السائم.

قوله: (فنزلني زيد بن وهب منزلًا منزلًا) بفتح النون من نزلني وتشديد الزاي: أي حكى لي سيرهم منزلًا منزلًا.

قوله: (فوحشوا برماحهم) بالحاء المهملة والشين المعجمة، أي: رموها بعيدًا.

قال في القاموس

(2)

: وحش بثوبه، كوعد: رمى به مخافةً.

قوله: (وشجرهم الناس) بفتح الشين المعجمة والجيم والراء.

قال في القاموس

(3)

: اشتجروا: تخالفوا، كتشاجروا، ثم قال: وبالرمح: طعنة، ثم قال: والشجر: الأمر المختلف. اهـ.

والرماح الشواجر: المختلف بعضها في بعض، والمراد هنا: أنّ الناس اختلفوا برماحهم وطعنوهم بها.

قوله: (وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان) هذا يخالف ما قدمنا عن أهل التاريخ أنه قتل من أصحاب علي نحو العشرة.

قوله: (المخدَج) بخاء معجمة وجيم وهو الناقص.

قوله: (فقال: يا أمير المؤمنين: آلله الذي لا إله إلا هو .. إلخ). قال النووي

(4)

: إنما استحلفه ليؤكد عند السامعين، وليظهر معجزة النبي صلى الله عليه وسلم وأنَّ عليًا ومن معه على الحق.

(1)

في سننه رقم (4769) بسند صحيح.

(2)

القاموس المحيط (ص 786).

(3)

القاموس المحيط (ص 530).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (7/ 172).

ص: 435

قال الحافظ

(1)

: ليطمئنَّ قلب المستحلف لإزالة توهم ما أشار إليه علي أنْ الحرب خدعة، فخشي أن يكون لم يسمع في ذلك شيئًا منصوصًا، وإلى ذلك يشير قول عائشة لعبد الله بن شداد لما سألته: ما قال علي؟ فقال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله، قالت: يرحم الله عليًا إنه كان لا يرى شيئًا يعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله، فيذهب أهل العراق فيكذبون عليه ويزيدون، فمن هذا أراد عبيدة التثبت في هذه القصة بخصوصها.

28/ 3188 - (وعَنْ أَبي سعيدٍ قالَ: [بَيْنَا]

(2)

نَحْنُ عِندَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَقْسِمُ قِسْمًا، أتاه ذُو الخَوَيْصِرَةِ وهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، قالَ: يا رَسُولَ الله اعْدِلْ، فقالَ:"وَيْلَكَ فَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إنْ لَمْ أكُنْ أَعْدِلُ"، فقالَ عُمَرُ: يا رسُولَ الله أَتأْذَنُ لِي فيهِ فأضْرِبَ عُنُقَهُ؟ فقالَ: "دَعْهُ فإنّ لهُ أَصحَابًا يَحْقِرُ أحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلاِتهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤونَ القُرْآنَ لَا يُجاوِز تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ إلى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثمَّ يَنْظُرُ إلى نَضِيِّهِ - وَهْوَ قَدْحُهُ - فَلَا يوجَدُ فيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلى قذَذِه فَلَا يوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُم رَجُلٌ أسْوَدُ إحْدَى عضُدَيْهِ مِثْلُ ثَديِ المَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، يَخْرُجُونَ على حِيْنِ فِرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ".

قَالَ أَبُو سَعِيد: فأشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هذَا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قاتلَهُمْ وَأنَا مَعَهُ، فأمَرَ بذلِكَ الرَّجُل فالْتُمِسَ فَأُتِيَ بهِ حتَّى نَظَرْتُ إليهِ على نعْت رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي نَعَتَهُ)

(3)

. [صحيح]

29/ 3189 - (وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قالَ: بَعثَ عليٌّ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ: الأقْرَعِ بْنِ حابِسٍ الحَنْظَلِيِّ ثمَّ المُجاشِعيِّ، وعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائي، ثمَّ أَحدِ بَنِي نَبْهَانَ، وعَلْقَمَةَ بْنِ علَاثَةَ الْعَامِريِّ ثمَّ أحَدِ بَنِي كِلَابٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ والأنْصارُ، قالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أهْلِ نجْدٍ وَيدَعنَا؟ قالَ:

(1)

في "الفتح"(12/ 288).

(2)

في المخطوط (ب): (بينما).

(3)

أحمد في المسند (3/ 56) والبخاري رقم (3610، 6933) ومسلم رقم (148/ 1064).

ص: 436

"إنَّما أتألَّفهُمْ"، فأقْبَلَ رَجُلٌ غائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، ناتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فقالَ: اتَّقِ الله يا محمَّدُ، فقالَ:"مَنْ يُطِعِ الله إذَا عَصَيْتُ؟ أيَأمَنُنِي على أهْلِ الأرْضِ فلَا تأمَنُونِي؟ "، فَسألهُ رَجل قَتْلَهُ - أَحْسِبُهُ خالِدَ بْن الْوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، فلمَّا وَليَ قالَ:"إنَّ مِنْ ضئْضِئِ هذا - أَوْ في عَقبِ هذا - قَوْمًا يَقْرَؤونَ الْقُرآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرهمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّميَّةِ، يَقْتُلُونَ أهل الإسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأوْثَانِ، لَئِنْ أنَا أَدْرَكْتُهُمْ لأقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عادٍ"

(1)

. متَّفَقٌ عَلَيهِمَا). [صحيح]

وفيهِ دَلِيلٌ على أن مَنْ تَوَجَّهَ عَليهِ تَعْزِيرٌ لحَقِّ الله جازَ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ، وَإنَّ قَوْمًا لَوْ أَظْهَرُوا رَأيَ الخَوَارجِ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُمْ بذلِكَ، وإنَّما يحِلُّ إذَا كَثُرُوا وامْتَنَعُوا بالسِّلاحِ وَاسْتَعْرَضُوا الناسَ.

30/ 3190 - (وعَنْ أَبي سعيدٍ قالَ: قالَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "تكُونُ أمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، فَيَخْرُج مِنْ بَيْنَهِمَا مارِقَةٌ يَلي قَتْلَهُمْ أَوْلاهُما بالْحَقِّ"

(2)

. [صحيح]

وَفي لفظٍ: "تَمْرُقُ مَارِقة عِندَ فِرقَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يَقْتُلهَا أَوْلى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ". رَوَاهُما أحمدُ

(3)

ومُسْلمٌ)

(4)

. [صحيح]

قوله: (بينا نحن عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يَقْسِمُ) بفتح الأول من "يقسم"، ولم يذكر المقسوم. وقد ذكره في الرواية الثانية

(5)

من طريق عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد أن المَقْسُومَ ذهيبة بعثه علي بن أبي طالب من اليَمَنِ، فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بين الأربعة المذكورين.

(1)

أحمد في المسند (3/ 68) والبخاري رقم (3344 و 4667). ومسلم رقم (143/ 1064).

(2)

أحمد في المسند (3/ 45) ومسلم.

في صحيحه رقم (151/ 1064).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (3/ 25، 32، 48).

(4)

في صحيحه رقم (152/ 1064).

وهو حديث صحيح.

(5)

تقدم برقم (3189) من كتابنا هذا.

ص: 437

قوله: (ذو الخُوَيْصِرة) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء التحتية وكسر الصاد المهملة بعدها راء، واسمه حرقوص بن زهير التميمي.

وقد ذكر حرقوصًا في الصحابة

(1)

أبو جعفر الطبري، وذكر أن له في فتوح العراق أثرًا، وأنه الذي افتتح سوق الأهواز ثم كان مع علي في حروبه، ثم صار مع الخوارج فقتل معهم، وزعم بعضهم أنه ذو الثدية، ووقع نحو ذلك في رواية للطبري

(2)

عن أبي مريم.

قال الحافظ

(3)

: وليس كذلك.

قوله: (اعْدِلْ) في الرواية الثانية

(4)

المذكورة، فقال:"اتق الله يا محمدُ".

وفي حديث ابن عمرو عند البزار

(5)

والحاكم

(6)

فقال: "يا محمد والله لئن كان الله أمرك أن تعدل ما أراك تعدل".

وفي لفظ آخر له: "اعدل يا محمد"، وفي حديث أبي بكرة

(7)

: "والله

(1)

قال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة"(1/ 126 رقم 1301): "حرقوص بن زهير السعدي. قال الطبري: له صحبة، وأمد به عمر المسلمين الذين نازلوا الأهواز فافتتح حرقوص سوق الأهواز، وله أثر كبير في قتل الهرمزان، ثم كان مع علي بصفين ثم صار من الخوارج عليه فقتل".

(2)

تقدم.

(3)

"الفتح"(12/ 292).

(4)

تقدم برقم (3189) من كتابنا هذا.

(5)

في المسند (رقم 1850 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 228) وقال: رجاله رجال الصحيح.

(6)

في المستدرك (2/ 145) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة.

وقال الذهبي: محمد بن سنان: كذبه أبو داود وغيره".

ولفظه عند الحاكم: "يا محمد اعدل".

وهو حديث صحيح بشواهده.

(7)

أخرجه أحمد في المسند (5/ 42) بسند ضعيف لجهالة بلال بن بُقْطر.

وأخرجه البزار في المسند (رقم 1852 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجموع الزوائد"(6/ 227) وقال: رواه أحمد والبزار باختصار والطبراني، وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط.

فالحديث إسناده ضعيف لكنه صحيح بشواهده.

ص: 438

يا محمد ما تعدل"، وفي لفظ: "ما أراك عدلت"، ونحوه في حديث أبي برزة

(1)

.

قوله: (ويلك) في لفظ للبخاري: "ويحك"، وهي رواية الكشميهني

(2)

، والرواية الأولى

(3)

رواية شعيب والأوزاعي.

قوله: (فمن يعدل إذا لم أعدل) في رواية للبخاري

(4)

: "من يطع الله إذا عصيته".

ولمسلم

(5)

: "أوَ لستُ أحق أهل الأرض أن أطيع الله؟ ".

وفي حديث [ابن عمرو]

(6)

: "وممن يلتمس العدل بعدي؟ "، وفي رواية له:"العدل إذا لم يكن عندي فعند من يكون؟ ".

وفي حديث أبي بكرة

(7)

: "فغضب حتى احمرّت وجنتاه".

وفي حديث أبي برزة (1): "فغضب غضبًا شديدًا وقال: والله لا تجدون بعدي رجلًا هو أعدل عليكم مني".

قوله: (فقال عمر: أتأذن لي فيه فأضرب عنقه) في حديث أبي سعيد الآخر المذكور

(8)

: فسأله رجل "أحسبه خالد بن الوليد".

وفي رواية لمسلم

(9)

: "فقال خالد بن الوليد" بالجزم، ويجمع بينهما بأن كل واحد منهما سأله.

ويؤيد ذلك ما وقع في مسلم

(10)

بلفظ: "فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: لا".

(1)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 421 - 422) و (4/ 424 - 425) وهو حديث صحيح لغيره، دون "حتى يخرج آخرهم مع الدجال".

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 293).

(3)

تقدم برقم (3188) من كتابنا هذا.

(4)

في صحيحه رقم (3344).

(5)

في صحيحه رقم (144/ 1064).

(6)

في المخطوط (ب): ابن عمر، والمثبت من (أ) ومسند أحمد.

واللفظ المذكور أخرجه أحمد في المسند (2/ 219) بسند حسن وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 227 - 228) وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار. ورجال أحمد ثقات.

قلت: وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، والخلاصة: أن الحديث صحيح.

(7)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (7).

(8)

تقدم برقم (3189) من كتابنا هذا.

(9)

في صحيحه برقم (144/ 1064).

(10)

في صحيحه برقم (145/ 1064).

ص: 439

قوله: (دَعْهُ) في رواية للبخاري

(1)

: "لا". وفي أخرى

(2)

: "ما أنا بالذي أقتل أصحابي".

قوله: (فإن له أصحابًا) ظاهِرُ هذا أنَّ تركَ الأمر بقتله بسبب أن له أصحابًا على الصفة المذكورة، وهذا لا يقتضي ترك قتله مع ما أظهره من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بما واجهه، فيحتمل أن يكون لمصلحة التأليف كما فهمه البخاري

(3)

، فإنه بوَّب على هذا الحديث:(باب من ترك قتال الخوارج للتأليف ولئلا ينفر الناسُ عنه) لأنه وصفهم بالمبالغة في العبادة [من]

(4)

إظهار الإسلام، فلو أذن في قتلهم لكان في ذلك تنفير عن دخول غيرهم في الإسلام.

قوله: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم) في رواية بصيغة الإفراد، ويَحقِرُ بفتح أوله، أي: يستقلُّ.

قوله: (لا يجاوز تراقيهم)

(5)

بمثناةٍ فوقيةٍ، وقاف: جمع تَرْقُوَةٍ بفتح أوله، وسكون الراء، وضم القاف، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق، والمعنى أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها.

وقيل: لا يعملون بالقرآن فلا يثابون على قراءته فلا يحصل لهم إلا سرده.

وقال النووي

(6)

: المراد أنهم ليس لهم فيه حظ إلا مروره على ألسنتهم لا يصل إلى حلوقهم فضلًا عن قلوبهم، لأن المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب.

قوله: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) تقدم تفسيره في أول الباب.

قوله: (ينظر إلى نصله) أي: نصل السهم وهو الحديدة المركبة فيه، والمراد أنه ينظر إلى ذلك ليعرف هل أصاب أم أخطأ، فإنه إذا لم يره علق به

(1)

في صحيحه رقم (4351).

(2)

لمسلم في صحيحه رقم (6342/ 101).

(3)

في صحيحه (12/ 290) رقم الباب (7) - مع الفتح).

(4)

في المخطوط (ب): (مع).

(5)

القاموس المحيط (ص 1124) والنهاية (1/ 188).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 159).

ص: 440

شيء من الدم ولا غيره ظن أنه لم يصبه، والفرض أنه أصابه، وإلى ذلك أشار بقوله: قد سبق الفرث والدم: أي جاوزهما، ولم يتعلق به منهما شيء بل خرجا بعده.

قوله: (ثم ينظر إلى رِصَافِهِ) الرِّصَافُ اسم للعقِب الذي يُلوى فوقَ الرُعْظ

(1)

من السهم، يقال: رصف السهم: شدَّ على رُعْظِه عَقَبَةً، كذا في القاموس

(2)

.

قوله: (ثم ينظر إلى نَضِيِّه) بفتح النون، وكسر الضاد المعجمة، وتشديد الياء. قال في القاموس

(3)

: هو سهم فسد من كثرة ما رُمي به.

قال

(4)

: والنَّضِي، كغنيٍّ: السَّهم بلا نصلٍ ولا ريشٍ.

قوله: (ثم ينظر إلى قذذه) جمع قذة بضم القاف وتشديد الذال المعجمة: وهي ريش السهم. والمراد أن الرامي إذا أراد أن يعرف هل أصاب أم لا؟ نظر إلى السَّهم والنصل، هل بهما شيءٌ من الدم؟ فإن لم يجد قال: إن كنت أصبت فإنَّ بالنَّضِي أو الريش شيئًا من الدم، فإذا نظر فلم يجد شيئًا عرف أنه لم يصب، وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للخوارج، أبان به أنهم يخرجون من الإسلام، لا يعلق بهم منه شيءٌ، كما أنَّه لم يعلق بالسهم من الدَّم والفرْث شيء.

قوله: (أو مثل البَضْعَةِ) بفتح الموحدة وسكون المعجمة القطعة من اللحم.

قوله: (تَدَرْدَرُ) بفتح أوله ودالين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وآخره راء وهو على حذف إحدى التاءين، وأصله تتدردر

(5)

، ومعناه تتحرك وتذهب وتجيء، وأصله حكاية صوت الماء في بطن الوادي إذا تدافع

(6)

.

قوله: (يخرجون على حين فرقةٍ من الناس) في كثير من الروايات: "حين فرقة" بكسر الحاء المهملة، وآخره نون.

(1)

في هامش المخطوط (أ): "رُعْظُ السهم - بالضم - مدخل سنخ النَّصل وفوقه لفائف العقب؛ جمع: أرعاظ" تمت. القاموس من حرف الظاء.

(2)

القاموس المحيط (ص 1050). وانظر: "النهاية"(1/ 660).

(3)

القاموس المحيط (ص 1726).

(4)

أي: الفيروزآبادي في القاموس المحيط (ص 1726).

(5)

القاموس المحيط (ص 501).

(6)

النهاية (1/ 563).

ص: 441

ويؤيد هذه الرواية الرواية المذكورة في الباب عن أبي سعيد

(1)

بلفظ: "عند فرقة من الناس". وفي رواية لأحمد

(2)

وغيره: "حين فترة من الناس" بفتح الفاء وسكون المثناة الفوقية.

ووقع للكشميهني

(3)

: "خَيْر فِرْقَةٍ" بفتح الخاء المعجمة، وآخره راء، وفرقة بكسر الفاء، والرواية الأولى هي المعتمدة.

قوله: (فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم)، في رواية للبخاري

(4)

: "وأشهد أن عليًا قتلهم"، نسب القتل إلى عليّ لكونه كان القائم في ذلك.

قوله: (بِذُهَيْبَة) بضم الذال المعجمة وفتح الهاء تصغير ذهبة.

قوله: (وعلقمة بن عُلاثةَ العامري) عُلاثَة بضم العين المهملة وبالمثلثة.

قوله: (صناديد أهل نجد) جمع صنديد: وهو الشجاع، أو الحليم، أو الجواد، أو الشريف على ما في القاموس

(5)

.

قوله: (غائر العينين) بالغين المعجمة، والمراد أن عينيه منحدرتان عن الموضع المعتاد، ووجنتيه مشرفتان، أي: مرتفعتان عن المكان المعتاد، وجبينه ناتئ، أي: بارز.

قوله: (محلوق) أي: رأسُهُ جميعُه محلوق.

وقد ورد ما يدل على أن حلق الرؤوس من علامات الخوارج كما في حديث أبي سعيد عند أبي داود

(6)

والطبراني

(7)

بلفظ: "قيل: يا رسول الله ما سيماهم؟ قال: التحليق".

(1)

تقدم برقم (3188) من كتابنا هذا.

(2)

في المسند (3/ 56) بسند صحيح.

(3)

ذكر الحافظ في "الفتح"(12/ 295).

(4)

في صحيحه رقم (3610).

(5)

في القاموس المحيط (ص 375 - 376).

(6)

في سننه رقم (4765) واللفظ له.

(7)

في المعجم الكبير رقم (5433) مختصرًا.

وهو حديث صحيح.

ص: 442

وفي رواية أخرى

(1)

من حديثه بلفظ: "فقام رجل فقال: يا نبي الله هل في هؤلاء القوم علامة؟ قال: يحلقون رؤوسهم".

قوله: (من ضِئْضِئ): بضادين معجمتين مكسورتين، بينهما همزة ساكنة وآخره همزة، قال في القاموس

(2)

: الضئضئ، كجرجر، وجرجير، والضؤضؤ، كهدهد، وسرسور: الأصل والمعدن أو كثرة النسل وبركته. انتهى.

قوله: (أولاهما بالحقِّ) فيه دليل على أن عليًا ومن معه هم المحقون، ومعاوية ومن معهم هم المبطلون، وهذا أمر لا يمتري فيه منصف ولا يأباه إلا مكابر متعسف، وكفى دليلًا على ذلك هذا الحديث.

وحديث: "تقتل عمارًا الفئة الباغية"، وهو في الصحيح

(3)

.

(1)

انظر: "كنز العمال" رقم (31598).

(2)

القاموس المحيط (ص 75).

(3)

• هذا الحديث مروي من طرق:

• أخرجه مسلم في صحيحه برقم (71/ 2915) من حديث أبي قتادة.

• وأخرجه مسلم في صحيحه برقم (70/ 2915) من حديث أبي سعيد الخدري.

• وأخرجه مسلم في صحيحه برقم (2916) من حديث أم سلمة.

• وأخرجه البخاري في صحيحه برقم (447) من حديث أبي سعيد الخدري.

• وأخرجه الترمذي في سننه رقم (3800) من حديث أبي هريرة.

• وأخرجه أحمد في مسنده (5/ 214 - 215) من حديث خزيمة بن ثابت.

• وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 1 رقم 954) من حديث أبي رافع.

• وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 19 رقم 382، 383) من حديث أبي اليسر.

• وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 19 رقم 759) من حديث معاوية، وعمرو بن العاص.

• وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 5 رقم 296) من حديث أبي اليسر وزياد بن الفرد.

• وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 4 رقم 4030) من حديث أبي أيوب.

وهو حديث صحيح لا مطعن فيه.

• لم يكن أحد من الذين في جيش معاوية رضي الله عنه يتمنى أن يكون في جيش يضم أفرادا ممن قتل عمار رضي الله عنه.

ولما علم جيش معاوية بذلك تألم كثير منهم، وتبين لهم خطأ اجتهادهم، وتغير لون الصحابي عمرو بن العاص، كما في رواية، وفي رواية أنه نبه معاوية إلى هذا الحادث الخطير، فأخذ معاوية يبحث عن مبرر يدفع به عنه وعن جيشه إثم قتل عمار رضي الله عنه، =

ص: 443

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= حتى لا يكون من الفئة الباغية، وهذا جانب آخر من الجوانب الروحية أو المعنوية في التاريخ الإسلامي. فما خرج معاوية وعمرو إلا بعد قناعتهما بصحة اجتهادهما في الخروج، وعندما تبين قتل عمار دبّ الشك في صحة اجتهادهما.

وهذا ما لا يفهمه المستشرقون أو لا يكادون يدركونه.

فقد أخرج عبد الرزاق في المصنف رقم (20427) عن معمر عن ابن طاووس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أخبره قال: لما قتل عمار بن ياسر، دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص، فقال: قتل عمار، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية، فقام عمرو يرجع فزعًا حتى دخل على معاوية

فأخبره.

قلنا: وهذا إسناد صحيح، ونقول للمستشرقين: انظروا إلى قول الراوي (فقام عمرو فزعًا). فلو كان طالبًا للدنيا والملك فلماذا الفزع

إلا أن خشية الصحابة من أن يكونوا قد أخطؤوا في اجتهادهم فلم يكونوا من الفرقة التي هي أقرب من الحق.

كما أخرج ابن سعد في طبقاته (3/ 254) أن عمرو بن العاص حينما وقف على عمار مقتولًا انتقع لونه، أي: تغير لونه واصفر.

ونقول لأهل البدع وأعداء التاريخ الإسلامي، أن عليًا رضي الله عنه حزن لمقتل الزبير رضي الله عنه، الذي كان في الصف المقابل، وعندما دخل قاتل الزبير بشَّره علي بنار جهنم، وذلك بعد انتهاء معركة الجمل.

وكذلك عمرو بن العاص عندما جاءه رجلان يدعي كل منهما أنه قتل عمارًا، ظنًا منهما أن الصحابي عمرو بن العاص سيغدق عليهما، ولكن خاب ظنهما فما أن رآهما عمرو يختصمان حتى بشرهما بالنار.

فقد أخرج الحاكم في المستدرك (3/ 386) عن عبد الله بن عمرو: أن رجلين أتيا عمرو بن العاص يختصمان في دم عمار بن ياسر وسلبه، فقال عمرو: خليا عنه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"اللهم أولعت قريش بعمار، إن قاتل عمار وسالبه في النار". بسند صحيح.

كما نذكر القارئ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للحسن بن علي: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2704).

وهذا دليل قطعي على أن الطرفين (وإن بغا أحدهما) لم يخرجا من دائرة الإسلام والإيمان بنص الكتاب والسنة.

وكذلك الحديث الصحيح المتقدم برقم (3190) من كتابنا هذا ولفظه: "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلهما أولى الطائفتين بالحق". وفي رواية أخرى: "تمرق مارقة من الناس يلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق". وهذا يعني أن كل طائفة كانت على الحق إذا كان بمعنى الإسلام والتوحيد، ولكن إحداهما كانت أقرب إلى الحق بمعنى اتخاذ القرار الصائب شرعًا. وهو ما كان عليه علي والمصلحون من أصحابه كما قال عمار. =

ص: 444

وقد وردت في الخوارج أحاديث:

(منها): ما أخرجه الطبري عن أبي بكرة يرفعه: "إن في أمتي أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فإذا لقيتموهم فأنيموهم"، أي: اقتلوهم.

وأخرج الطبري وأبو يعلى

(1)

أيضًا من رواية مسروق قال: "قالت لي عائشة من قتل المخدج؟ قلت: علي، قالت: فأين؟ قلت: على نهر يقال لأَسْفَلِهِ النَّهْروان، قالت: ائتني على هذا ببينة، فأتيتها بخمسين نفسًا فشهدوا أن عليًا قتله بالنهروان".

وأخرج الطبراني في الأوسط

(2)

من طريق [عامر بن سعد]

(3)

قال: قال عمار لسعد: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرجُ قومٌ من أمتي يمرقُونَ من الدِّينِ مروقَ السَّهمِ من الرَّميَّةِ يقتلُهم علي بن أبي طالب؟ قال: إي والله".

وأخرج يعقوب بن سفيان

(4)

من طريق عمران بن حدير عن أبي مجلز قال:

= أما مثيرو الفتنة والسبئية فليسوا منهم، ولم تمض فترة قليلة حتى كشف الله زيف كثير منهم فخرجوا على علي رضي الله عنه، فقاتلهم وانتصر عليهم.

وهذا يعني أيضًا أن طائفة علي كانت أقرب إلى الحق بمعنى الصواب في اتباع أمير المؤمنين، وعدم الخروج عليه، وكانت طائفة معاوية مخطئة في اجتهادها فلم تصب الصواب بخروجها على ولي الأمر الشرعي.

ولقد أدرك معاوية رضي الله عنه، بعد ذلك أنه أخطأ، وكان جوابه لمن اعترض عليه (كالمسور بن مخرمة) بأنه أخطأ ولكنه يرجو ربًا غفورًا، أن يغفر له ويعفو عنه، وكذلك ندم عمرو بن العاص ندمًا شديدًا وظل كذلك طول حياته، ولم ينس حتى وهو ينازع سكرات الموت فيثني على عمار وعلي رضي الله عنهما ومن معهما.

رضي الله عنهم أجمعين وغفر الله لنا ولهم، والحمد لله رب العالمين.

(1)

لم أقف عليه في مسنده ومعجمه ومفاريده وجزء محمد بن بشار في مظانه.

(2)

رقم (3634).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 235) وعزاه إلى الكبير - أيضًا - وقال: وفيه عمر بن أبي عائشة ذكره الذهبي في "الميزان" وذكر له هذا الحديث، وقال: هذا حديث منكر"اهـ.

قلت: وانظر: الميزان (3/ 259).

(3)

في المخطوط (1): (عامر بن سعيد) وهو خطأ. والصواب ما أثبتناه من المخطوط (ب) والطبراني.

(4)

في كتاب "المعرفة والتاريخ"(3/ 315). =

ص: 445

"كان أهل النهروان أربعة آلاف، فقتلهم المسلمون، ولم يقتل من المسلمين سوى تسعة؟ فإن شئت فاذهب إلى أبي برزة فسله فإنه شهد ذلك".

وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده

(1)

من طريق حبيب بن أبي ثابت قال: أتيت أبا وائل فقلت: أخبرني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم عليٌّ؛ فيم فارقوه؟ وفيم استحلَّ قتالهم؟ قال: لما كان بصفين استحرَّ القتل في أهل الشام فرفعوا المصاحف

فذكر قصة التحكيم

(2)

، فقال الخوارج ما قالوا ونزلوا حروراء، فأرسل إليهم علي فرجعوا ثم قالوا: نكون في ناحية، فإن قبل القضية قاتلناه، وإن نقضها قاتلنا معه، ثم افترقت منهم فرقة يقتلون الناس، فحدث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم.

وأخرج أحمد

(3)

والطبراني

(4)

والحاكم

(5)

من طريق عبد الله بن شدَّاد أنَّه دخل على عائشة مرجعه من العراق ليالي قتل عليٍّ فقالت له عائشة: تحدثني عن أمر هؤلاء القوم الذين قتلهم علي، قال: إنَّ عليًا لما كاتب معاوية، وحكَّم الحكمين، خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، فنزلوا بأرض يقال لها: حروراء، من جانب الكوفة، وعتبوا عليه فقالوا: انسلخت من قميصٍ ألبسكه الله، ومن اسم سماك الله به، ثم حكَّمت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله، فبلغ ذلك عليًا، فجمع الناس فدعا بمصحف عظيم، فجعل يضربه بيده ويقول: أيُّها المصحف؛ حدِّثِ الناس، فقالوا: ماذا تسأل؟ إنما هو مداد وورق ونحن نتكلم بما روينا منه، فقال: كتاب الله بيني وبين هؤلاء، يقول الله في امرأة ورجل:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}

(6)

الآية. وأمة محمد أعظم من امرأة ورجل،

= قلت: وانظر: "تاريخ بغداد"(1/ 182).

(1)

كما في "الفتح"(12/ 296).

(2)

تقدم التعليق عليها في الحاشية بالتفصيل آنفًا.

(3)

في المسند (1/ 86) بسند حسن.

(4)

لم يخرجه الطبراني كما في "مجمع الزوائد"(6/ 237) إنما أخرجه أبو يعلى رقم (474).

(5)

في المستدرك (2/ 152 - 154) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه إلا ذكر ذي الثدية، فقد أخرجه مسلم بأسانيد كثيرة، ووافقه الذهبي.

(6)

سورة النساء، الآية (35).

ص: 446

ونقموا عليَّ أن كاتبت معاوية وقد كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بن عمرو، ولقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة، ثم بعث إليهم ابن عباس فناظرهم، فرجع منهم أربعة آلاف، منهم: عبد الله بن الكوَّاء، فبعث علي إلى الآخرين أن يرجعوا فأبوا، فأرسل إليهم: كونوا حيث شئتم وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دمًا حرامًا، ولا تقطعوا سبيلًا، ولا تظلموا أحدًا، فإن فعلتم نبذت إليكم الحرب. قال عبد الله بن شداد: فوالله ما قتلهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدم الحرام" الحديث.

وأخرج النسائي في الخصائص

(1)

صفة مناظرة ابن عباس لهم بطولها.

وفي الأوسط للطبراني

(2)

عن جندب بن عبد الله البجلي قال: "لما فارقت الخوارج عليًا خرج في طلبهم، فانتهينا إلى عسكرهم؛ فإذا له دويٌّ كدويِّ النحل من قراءة القرآن، وإذا فيهم أصحاب البرانس؛ يعني: الذين كانوا معروفين بالزهد والعبادة، قال: فدخلني من ذلك شدَّة، فنزلت عن فرسي وقمت أصلي، وقلت: اللهمَّ إن كان في قتال هؤلاء القوم لك طاعةٌ فائذن لي فيه، فمرّ بي عليٌّ، فقال لما حاذاني: نعوذ بالله من الشكِّ يا جندب! فلما جئته، أقبل رجل على برذون يقول: إن كان لك بالقوم حاجة فإنهم قد قطعوا النهر، قال: ما قطعوه! ثم جاء آخر كذلك، ثم جاء آخر كذلك، قال: لا، ما قطعوه ولا يقطعونه، وليقتلنَّ من دونه، عهد من الله ورسوله، قلت: الله أكبر، ثم ركبنا فسايرته فقال لي: سأبعث إليهم رجلًا يقرأ المصحف يدعوهم إلى كتاب الله وسنّة نبيهم، فلا يقبل علينا بوجهه حتى يرشقوه بالنبل، ولا يُقْتَلُ منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة.

قال: فانتهينا إلى القوم فأرسل إليهم رجلًا فرماه إنسان، فأقبل علينا بوجهه فقعد. وقال عليٌّ: دونكم القوم، فما قتل منا عشرة ولا نجا منهم عشرة".

(1)

في الخصائص رقم (185)، وعبد الرزاق رقم (18678)، والحاكم (2/ 150) و (4/ 182)، والبيهقي (8/ 179) بسند صحيح.

(2)

في المعجم الأوسط للطبراني رقم (4051).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 241 - 242) وقال: رواه الطبراني في الأوسط من طريق أبي السابغة، وبقية رجاله ثقات.

قلت: إسناده ضعيف لجهالة أبي السابغة، والله أعلم.

ص: 447

وأخرج يعقوب بن سفيان

(1)

بسند صحيح عن حميد بن هلال قال: حدثنا رجل من عبد القيس قال: لحقت بأهل النهروان مع طائفة منهم أسيرًا إذ أتينا على قرية بيننا نهر، فخرج رجل من القرية مروعًا فقالوا له: لا روع عليك، وقطعوا إليه النهر فقالوا: أنت ابن خباب بن الأرت صاحب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قالوا: فحدثنا عن أبيك، فحدثهم بحديث:"تكون فتنة فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول فكن". فقدَّموه فضربوا عنقه، ثم دعوا سريته وهي حبلى فبقروا عما في بطنها.

ولابن أبي شيبة

(2)

من طريق أبي مجلز قال: قال علي لأصحابه: لا تبدؤوهم بقتال حتى يحدثوا حدثًا، قال: فمر بهم عبد الله بن خباب فذكر قتلهم له ولجاريته وإنهم بقروا بطنها، وكانوا مروا على ساقية فأخذ واحد منها ثمرة فوضعها في فيه، فقالوا له: تمرة معاهد فبِمَ استحللتها؟ فقال لهم عبد الله بن خباب: أنا أعظم حرمة من هذه التمرة، فأخذوه فذبحوه فبلغ عليًا، فأرسل إليهم أقيدونا بقاتل عبد الله بن خباب، فقالوا: كلنا قتله، فأذن حينئذ في قتالهم.

وأخرج الطبري

(3)

من طريق أبي مريم قال: أخبرني أخي أبو عبد الله أن عليًا سار إليهم حتى إذا كان حذاءهم على شط النهروان أرسل يناشدهم فلم تزل رسله تختلف إليهم حتى قتلوا رسوله، فلما رأى ذلك نهض إليهم فقاتلهم حتى فرغ منهم كلهم.

وقد روي عن أبي سعيد الخدري قصة أخرى تتعلق بالخوارج فيها ما يخالف ما أسلفنا في أول الباب.

[أخرج]

(4)

أحمد

(5)

بسندٍ جيِّدٍ عن أبي سعيد قال: جاء أبو بكر إلى

(1)

كما في "الفتح"(12/ 297) وقال الحافظ: سنده صحيح.

(2)

في "المصنف"(15/ 310 - 311) بسند صحيح.

(3)

في "تاريخ الطبري"(5/ 81) بسند صحيح.

(4)

في (ب): (فأخرج).

(5)

في المسند (3/ 15) بسند ضعيف لجهالة أبي رؤبة شداد بن عمران القيسي وأورده الحافظ في "الفتح"(12/ 298) وجوَّد إسناده.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 225) وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات.

ص: 448

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا، فإذا رجل حسن الهيئة متخشع يصلي فيه، فقال: اذهب إليه فاقتله، قال: فذهب إليه أبو بكر فلما رآه يصلي كره أن يقتله فرجع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: اذهب فاقتله، فرآه يصلي على تلك الحالة فرجع، فقال: يا علي اذهب إليه فاقتله، فذهب علي فلم يره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يعودون فيه، فاقتلوهم هم شر البرية".

قال الحافظ

(1)

- بعد أن قال: إن إسناده جيد -: له شاهد من حديث جابر أخرجه أبو يعلى

(2)

ورجاله ثقات. قال: ويمكن الجمع بأن يكون هذا الرجل هو الأول وكانت قِصَّتُهُ هذه الثانية متراخية عن الأولى، وأَذِن صلى الله عليه وسلم في قتله بعد أن منع لزوال علة المنع وهي [التآلف]

(3)

، وكأنه استغنى عنه بعد انتشار الإسلام، كما نهى عن الصلاة على من ينسب إلى النفاق بعد أن كان يجري عليهم أحكام الإسلام قبل ذلك، وكأن أبا بكر وعمر تمسَّكا بالنهي الأول عن قتل المصلين وحملا الأمر هنا على قيد أن يكون لا يصلي، فلذلك علَّلا عدم القتل بوجود الصلاة أو غلّبا جانب النهي.

وفي أحاديث الباب دليل على مشروعية الكف عن قتل من يعتقد الخروج "على الإمام ما لم ينصب لذلك حربًا أو يستعد له، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا خرجوا فاقتلوهم".

وقد حكى الطبري الإجماع على ذلك في حق من لا يكفر باعتقاده.

وقد اختلف أهل العلم في تكفير الخوارج

(4)

، وقد صرح بالكفر القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي

(5)

فقال: الصحيح أنهم كفار لقوله صلى الله عليه وسلم:

(1)

في الفتح (12/ 298).

(2)

في المسند رقم (2215).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(6/ 227) وقال: رجاله رجال الصحيح.

(3)

في المخطوط (ب): (التأليف).

(4)

انظر: "الخوارج" للدكتور ناصر العقل. (ص 47 - 59). و"فرق معاصرة" لغالب بن علي عواجي (1/ 121 - 123).

(5)

في "عارضة الأحوذي"(9/ 38).

ص: 449

"يمرقون من الدين"، ولقوله:"لأقتلنهم قتل عاد"، وفي لفظ:"ثمود"، وكلٌّ منهما إنما هلك بالكفر. ولقوله:"هم شر الخلق" ولا يوصف بذلك إلا الكفار، ولقوله:"إنهم أبغض الخلق إلى الله تعالى". ولحكمهم على كل من خالف معتقدهم بالكفر والتخليد في النار فكانوا هم أحق بالاسم منهم، وممن جنح إلى ذلك من المتأخرين الشيخ تقي الدين السبكي فقال في فتاويه

(1)

: احتج من كفّر الخوارج وغلاة الروافض بتكفيرهم أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في شهادته لهم بالجنة، قال: وهو عندي احتجاج صحيح. قال: واحتج من لم يكفرهم بأن الحكم بتكفيرهم يستدعي تقدم علمهم بالشهادة المذكورة علمًا قطعيًا، وفيه نظر، لأنا نعلم تزكية من كفروه علمًا قطعيًا إلى حين موته، وذلك كاف في اعتقادنا تكفير من كفرهم.

ويؤيده حديث

(2)

: "من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما".

وفي لفظ لمسلم

(3)

: "من رمى مسلمًا بالكفر أو قال: عدو الله، إلا حار عليه".

قال: وهؤلاء قد تحقق منهم أنهم يرمون جماعةً بالكفر ممن حصل عندنا القطع بإيمانهم، فيجب أن يحكم بكفرهم بمقتضى خبر الشارع، وهو نحو ما قالوه فيمن سجد للصنم ونحوه مما لا تصريح فيه بالجحود بعد أن فسروا الكفر بالجحود، فإن احتجوا بقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك قلنا: وهذه الأخبار الواردة في حقِّ هؤلاء تقتضي كفرهم، ولو لم يعتقدوا تزكية من كفروه علمًا قطعيًا، ولا ينجيهم اعتقاد الإسلام إجمالًا والعمل بالواجبات عن الحكم بكفرهم كما لا ينجي الساجد للصنم ذلك.

(1)

فتاوى السبكي (2/ 569).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 18) وابن منده في "الإيمان" رقم (599). بسند صحيح.

• وفي الباب عند البخاري رقم (6045) ومسلم رقم (61) من حديث أبي ذر.

•وعند البخاري رقم (6103) من حديث أبي هريرة.

• وعند ابن حبان رقم (248) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (864) من حديث أبي سعيد الخدري.

(3)

في صحيحه رقم (112/ 61).

ص: 450

قال الحافظ

(1)

: وممن جنح إلى بعض هذا المحبُّ الطبري في تهذيبه، فقال بعد أن سرد أحاديث الباب: فيه الردُّ على قول من قال: لا يخرج أحدٌ من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالمًا فإنه مبطلٌ لقوله في الحديث: "يقولون الحق ويقرؤون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء". ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا بخطإ منهم فيما تأولوه من آي القرآن على غير المراد منه.

ويؤيد القول بالكفر ما تقدم من الأمر بقتالهم وقتلهم مع ما ثبت من حديث ابن مسعود

(2)

: "إنه لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وفيه: التارك لدينه المفارق للجماعة" كما تقدم.

وقال القرطبي في المفهم

(3)

: يؤيد القول بتكفيرهم ما في الأحاديث من أنهم خرجوا من الإسلام ولم يتعلقوا منه بشيء كما خرج السهم من الرمية لسرعته وقوة راميه بحيث لم يتعلق من الرمية بشيء، وقد أشار إلى ذلك بقوله:"سبق الفرث والدم".

وحكي في الفتح

(4)

عن صاحب الشفاء

(5)

أنه قال فيه: وكذا نقطع بكفر من قال قولًا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة.

وحكاه صاحب الروضة

(6)

في كتاب الردة عنه وأقرَّه.

وذهب أكثر أهل الأصول

(7)

من أهل السنّة إلى أن الخوارج فسّاق، وأن حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين، ومواظبتهم على أركان الإسلام، وإنما فُسِّقُوا بتكفير المسلمين، مستندين إلى تأويلٍ فاسدٍ، وجرّهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم بالكفر والشرك.

(1)

في الفتح (12/ 300).

(2)

تقدم تخريجه برقم (2995) من كتابنا هذا.

(3)

في "المفهم"(3/ 110).

(4)

في "الفتح"(12/ 300).

(5)

في "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" له (2/ 1065 - 1072).

(6)

روضة الطاليين (10/ 70).

(7)

البحر المحيط (4/ 271) وشرح الكوكب المنير (2/ 404 - 406).

ص: 451

وقال الخطابي

(1)

: أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم فرقة من فِرَق المسلمين، وأجازوا مناكحاتهم وأكل ذبائحهم، وأنهم لا يكفرون ما داموا متمسكين بأصل الإسلام.

وقال عياض

(2)

: كادت هذه المسألة تكون أشد إشكالًا عند المتكلمين من غيرها، حتى سأل الفقيه عبد الحقِّ الإمامَ أبا المعالي عنها فاعتذر بأن إدخال كافر في الملة، وإخراج مسلم عنها، عظيم في الدين.

قال

(3)

: وقد توقف القاضي أبو بكر الباقلاني قال: ولم يصرح القوم بالكفر وإنما قالوا أقوالًا تؤدي إلى الكفر.

وقال الغزالي (1) في كتاب "التفرقة بين الإيمان والزندقة": الذي ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلًا، فإن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلمٍ واحدٍ.

قال ابن بطال

(4)

: ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين من جملة المسلمين. قال: وقد سئل علي عن أهل النهروان: هل كفروا؟ فقال: من الكفر فرّوا.

قال الحافظ

(5)

: وهذا إن ثبت عن علي حمل على أنه لم يكن اطلع على معتقدهم الذي أوجب تكفيرهم عند من كفرهم.

قال القرطبي في المفهم

(6)

: والقول بتكفيرهم أظهر في الحديث، قال: فعلى القول بتكفيرهم يقاتلون ويقتلون وتغنم أموالهم وهو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج، وعلى القول بعدم تكفيرهم يسلك بهم مسلك أهل البغي إذا شقوا العصا ونصبوا الحرب.

قال

(7)

: وباب التكفير باب خطر ولا نعدل بالسلامة شيئًا.

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 300).

(2)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 612).

(3)

أي: القاضي في المرجع السابق (3/ 612 - 613).

(4)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 585).

(5)

في "الفتح"(12/ 301).

(6)

في "المفهم"(3/ 110).

(7)

أي: القرطبي في "المفهم"(3/ 301).

ص: 452

31/ 3191 - (وعَنْ مَرْوانَ بْنِ الْحَكَمِ قالَ: صَرَخَ صَارخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الجَمَلِ: لَا يُقْتَلَنَّ مُدْبِرٌ، وَلا يُذَفَّفُ على جَريحٍ، ومَنْ أَغْلَقَ بَابهُ فَهُوَ آمِنٌ، ومَنْ أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ. رواهُ سعِيدُ بن منْصُورٍ)

(1)

. [أثر صحيح]

32/ 3192 - (وعَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: هَاجَتِ الْفِتْنَةُ وأَصحابُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم متَوافِرُونَ، فأجمَعُوا أَنْ لَا يُقَادَ أَحَدٌ، وَلا يُؤخَذَ مالٌ على تأوِيلِ القُرْآنِ إلَّا ما وُجِدَ بعَيْنِهِ، ذكَرَهُ أحمدُ في روايةِ الأثْرَمِ وَاحْتَجَّ بهِ)

(2)

. [أثر صحيح]

أثر مروان أخرج نحوه أيضًا ابن أبي شيبة

(3)

والحاكم

(4)

والبيهقي

(5)

من طريق عبد خير عن علي بلفظ: "نادى منادي علي يوم الجمل: ألا لا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم".

وأخرج الحاكم

(6)

والبيهقي

(7)

عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: "يا ابن أم عبد ما حكم من بغى من أمتي؟ "، قال؟ الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يقتل أسيرهم". وفي لفظ: "ولا يذفف على جريحهم". وزاد: "ولا يغنم فيئهم". سكت عنه الحاكم.

وقال ابن عدي

(8)

: هذا الحديث غير محفوظ.

(1)

في سننه (2/ 337 رقم 2947).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 181) والشافعي في الأم (5/ 520 رقم 1990).

وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (15/ 186) والحاكم (2/ 155) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 181).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(9/ 430 رقم 8012) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (18584) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 175).

(3)

في المصنف (15/ 186).

(4)

في المستدرك (2/ 155) وسكت عنه، وقال الذهبي: صحيح.

(5)

في السنن الكبرى (8/ 181).

(6)

المستدرك (2/ 155) وسكت عنه. وقال الذهبي: (كوثر: متروك).

(7)

في السنن الكبرى (8/ 182).

(8)

في "الكامل"(6/ 76).

ص: 453

وقال البيهقي

(1)

: ضعيف.

قال الحافظ في بلوغ المرام

(2)

: وصححه الحاكم فوهم لأن في إسناده كوثر بن حكيم

(3)

وهو متروك. [قال]

(4)

: وصحّ عن علي من طرق نحوه موقوفًا، أخرجه ابن أبي شيبة

(5)

والحاكم

(6)

. اهـ.

وكوثر المذكور قد صرح بتركه البخاري

(7)

.

وأخرج البيهقي

(8)

عن أبي أمامة قال: "شهدت صفين فكانوا لا يجهزون على جريح، ولا يقتلون موليًا، ولا يسلبون قتيلًا".

وأخرج أيضًا

(9)

عن أبي فاختة أن عليًا أُتي بأسير يوم صفين فقال: لا تقتلني صبرًا. فقال علي: لا أقتلك صبرًا إني أخاف الله ربّ العالمين ثم خلى سبيله. ثم قال: أفيك خير تبايع.

وأخرج أيضًا

(10)

أن عليًا لم يقاتل أهل الجمل حتى دعا الناس ثلاثًا حتى إذا كان يوم الثالث دخل عليه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر فقالوا: قد أكثروا فينا الجراح، فقال: ما جهلت من أمرهم شيئًا، ثم توضأ وصلّى ركعتين حتى إذا فرغ رفع يديه ودعا ربه وقال لهم: إن ظفرتم على القوم فلا تطلبوا مدبرًا ولا تجهزوا على جريح، وانظروا إلى ما حضروا به الحرب من آلة فاقبضوه، وما سوى ذلك فهو لورثتهم.

قال البيهقي

(11)

: هذا منقطع، والصحيح أنه لم يأخذ شيئًا ولم يسلب قتيلًا.

(1)

في السنن الكبرى (8/ 182).

(2)

رقم الحديث (4/ 1121) بتحقيقي ط: دار ابن تيمية - القاهرة.

(3)

قال النسائي عنه: متروك الحديث، وقال أبو زرعة: ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشيء.

[الميزان (3/ 416) والمجروحين (2/ 228) ولسان الميزان (4/ 490)].

(4)

ما بين الخاصرتين سقط من (ب).

(5)

في "المصنف"(2/ 224).

(6)

في المستدرك (2/ 154 - 155) وقال: صحيح لم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(7)

في "التاريخ الكبير"(7/ 245 رقم الترجمة 1045).

(8)

في السنن الكبرى (8/ 182).

(9)

أي: البيهقي في السنن الكبرى (8/ 182).

(10)

أي: البيهقي في السنن الكبرى (8/ 182).

(11)

في السنن الكبرى (8/ 182).

ص: 454

وأخرج

(1)

أيضًا عن علي أنه كان لا يأخذ سلبًا.

وأخرج

(2)

أيضًا عن عرفجة عن أبيه قال: لما قتل علي أهل النهروان جال في عسكرهم، فمن كان يعرف شيئًا أخذه، حتى بقيت قِدْرٌ، ثم رأيتها أخذت بعدُ.

وأثر الزهري أخرجه أيضًا البيهقي

(3)

بلفظ: هاجت الفتنة الأولى فأدركت - يعني الفتنة - رجالًا ذوي عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد معه بدرًا وبلغنا أنهم يرون أن هذا أمر الفتنة لا يقام فيها على رجلٍ قاتل في تأويل القرآن قصاصٌ فيمن قتل، ولا حدٌّ في سباء امرأةٍ سبيت، ولا يُرى عليها حدٌّ، ولا بينها وبين زوجها ملاعنةٌ، ولا يرى أن يقذفها أحد إلا جلد الحدَّ، ويرى أن ترد إلى زوجها الأول بعد أن تعتدّ عدتها من زوجها الآخر، ويرى أن يرثها زوجها الأول.

قوله: (ولا يُذَفَّفُ) بالذال المعجمة المفتوحة بعده فاء مشددة ثم فاء مخففة على صيغة البناء للمجهول، وهو في معنى يجهز. قال في القاموس

(4)

: ذفَّ على الجريح ذَفًّا، وذِفافًا ككتاب، وذَفَفًا محركة: أجهز. والاسم: الذَّفاف كسحاب.

قال أيضًا

(5)

في مادة جهاز: وجهز على الجريح كمنع، وأجهز: أثبت قتله وأسرعه وتمم عليه، وموت مجهز وجهيز: سريع. انتهى.

وفي الأثر المذكور دليلٌ على أنه لا يجوز قتل من كان مدبرًا من البغاة، وكذلك يدل على ذلك الحديث المرفوع الذي ذكرناه، وعلى أنه لا يجهز على جريحهم، بل يترك على ما هو عليه إلا إذا كان المدبر أو الجريح مما له فئةٌ جاز

(1)

أي البيهقي في السنن الكبرى (8/ 182).

(2)

أي البيهقي في السنن الكبرى (8/ 182 - 183).

(3)

في السنن الكبرى (8/ 174 - 175).

(4)

القاموس المحيط (ص 1048).

وانظر: "النهاية"(1/ 606)

(5)

أي الفيروزآبادي (ص 652).

ص: 455

قتله عند الهادوية

(1)

وأبي حنيفة

(2)

والمروزي من الشافعية

(3)

.

وقال الشافعي

(4)

: لا يجوز؛ إذ القصد دفعهم في تلك الحال، وقد وقع، وهو الظاهر من إطلاق النهي في الحديث، ولكنه يدلُّ على جواز القتل؛ إذا كان للباغي المذكور فئةٌ، قوله تعالى:{فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}

(5)

، والهاربُ والجريحُ لم يحصل منهما ذلك.

وأجيب بأن المراد بالفيئة إلى أمر الله ترك الصولة والاستطالة، وقد حصل ذلك من الهارب والجريح الذي لا يقدر على القتال.

وأما ما روى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي أنه قال: لا تتبعوا موليًا ليس بمنحاز إلى فئة، فقد أجيب عن الاستدلال بمفهومه على جواز قتل من له فئة واتباعه بأن إمامة عليٌّ قطعيةٌ، وإمامة غيره ظنيةٌ فلا يكون الحكم متَّحدًا، بل المتوجه الوقوف على ظاهر النهي المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو وإن كان فيه المقال السابق ولكنه يؤيده أنَّ الأصل في دم المسلم تحريمُ سفكه، والآية المذكورة فيها الإذن بالمقاتلة إلى حصول تلك الغاية، وربما كان ذلك الهرب من [مقدماتها]

(6)

إن لم يكن منها.

قوله: (ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن) استدل به على عدم جواز مقاتلة البغاة إذا كانوا في بيوتهم أو طلبوا منّا الأمان؛ لأنهم إذا أغلقوا على أنفسهم فليسوا ببغاة في ذلك الوقت، واتصافهم بذلك الوصف شرط جواز مقاتلتهم؛ كما في الآية، وإذا طلبوا الأمان فقد فاؤوا إلى أمر الله تعالى، وهي الغاية التي أذن الله بالقتال إلى حصولها وقد حصلت.

قوله: (فأجمعوا على أن لا يقاد أحد) ظاهره وقوع الإجماع منهم على عدم جواز الاقتصاص ممن وقع منه القتل لغيره في الفتنة، سواءٌ كان باغيًا أو مبغيًا عليه. وقد ذهبت الشافعية

(7)

والحنفية

(8)

والإمام يحيى

(9)

إلى أنهم لا يضمنون ما

(1)

البحر الزخار (5/ 417 - 418).

(2)

بدائع الصنائع (7/ 140 - 141).

(3)

كما في "المهذب"(5/ 194).

(4)

في الأم (5/ 535).

(5)

سورة الحجرات، الآية (9).

(6)

في المخطوط (ب): (مقدماته).

(7)

البيان للعمراني (12/ 28 - 29).

(8)

بدائع الصنائع (7/ 141).

(9)

البحر الزخار (5/ 420).

ص: 456

أتلفوا: أي البغاة. وحكى أبو جعفر عن الهادوية

(1)

أنهم يضمنون.

قوله: (ولا يؤخذ مالٌ على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه)، فيه دليل على أنه لا يجوز أخذ أموال البغاة إلا ما كان منها موجودًا عند القتال.

قال في البحر

(2)

: ولا يجوز سبيهم، ولا اغتنام ما لم يجلبوا به إجماعًا، لبقائهم على الملة.

وحكي عن أكثر العترة

(3)

أنه يجوز اغتنام ما أجلبوا به من مال وآلة حرب.

وحكي عن النفس الزكية

(4)

والحنفية

(5)

والشافعية

(6)

أنه لا يغنم منهم شيء، ويدل على ذلك ما تقدم من الحديث المرفوع بلفظ: "ولا يغنم [منهم]

(7)

".

واعلم أن قتال البغاة جائز إجماعًا كما حكي ذلك في البحر

(8)

، ولا يبعد أن يكون واجبًا لقوله تعالى:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}

(9)

، وقد حكي في البحر

(10)

أيضًا عن العترة جميعًا أن جهادهم أفضل من جهاد الكفار إلى ديارهم، إذ فعلهم في دار الإسلام كفعل الفاحشة في المسجد.

قال في البحر

(11)

أيضًا: والبغي فسق إجماعًا.

[الباب السابع] بابُ الصَّبْرِ على جَوْرِ الأئمةِ وتركِ قتالِهم والكفِّ عن إقامةِ السيفِ

33/ 3193 - (عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيئًا يَكَرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ فإنّهُ مَنْ فارَقَ الجَماعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فمِيتَتُهُ جَاهِلية"

(12)

. [صحيح]

(1)

كما في البحر الزخار (5/ 420).

(2)

في البحر الزخار (5/ 420).

(3)

كما في البحر الزخار (5/ 420).

(4)

كما في البحر الزخار (5/ 420).

(5)

بدائع الصنائع (7/ 141).

(6)

البيان للعمراني (12/ 28) والمهذب (5/ 198).

(7)

في المخطوط (أ): (فيهم).

(8)

البحر الزخار (5/ 416).

(9)

سورة الحجرات، الآية (9).

(10)

البحر الزخار (5/ 415).

(11)

البحر الزخار (5/ 415).

(12)

أحمد في المسند (1/ 275) والبخاري رقم (7054) ومسلم رقم (55/ 1849).

ص: 457

وفي لفظٍ: "مَنْ كرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فلْيَصْبِرْ عَليهِ فإنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطانِ شِبْرًا فمَاتَ عَلَيْهِ إلا مَاتَ [مِيْتَةً]

(1)

جاهِلِيةً")

(2)

. [صحيح]

34/ 3194 - (وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "كانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنبِيَاءُ، كلّما هلَكَ نَبِيّ خَلفَهُ نَبِي، وإنهُ لَا نبيَّ بَعْدِي وسَيكُونُ خُلفاءُ فيَكْثُرونَ"، قالُوا: فمَا تأمُرُنا؟ قالَ: "فُوا بِبَيْعَةِ الأوَّلِ فالأوَّلِ، ثمَّ أعْطُوهُمْ حقَّهُمْ، فإنَّ الله سائلهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ"

(3)

. مُتَّفَقٌ عَليهنَّ). [صحيح]

قوله: (فليصبر) في رواية للبخاري

(4)

: "فليصبر عليه".

قوله: (من فارق الجماعة شبرًا) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة كناية عن معصية السلطان ومحاربته.

قال ابن أبي جمرة

(5)

: المراد بالمفارقة السعي في حلِّ عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير، ولو بأدنى شيء، فكنَّى عنها بمقدار الشبر؛ لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حقٍّ.

قوله: (فميتتهُ جماهليةٌ) في رواية للبخاري

(6)

: "مات ميتة جاهلية".

وفي رواية له أخرى

(7)

: "فمات إلا مات ميتة جاهلية".

وفي رواية لمسلم

(8)

: "فميتته ميتة جاهلية". وفي أخرى له

(9)

من حديث ابن عمر: "من خلع يدًا من طاعة لقي الله ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة نجاهلية". وفي الرواية الأخرى

(10)

من حديث ابن عباس المذكور: "فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية".

(1)

في المخطوط (ب): (ميتته).

(2)

أحمد في المسند (1/ 310) والبخاري رقم (7053) ومسلم رقم (56/ 1849).

(3)

أحمد في المسند (2/ 297) والبخاري رقم (3455) ومسلم رقم (44/ 1842).

(4)

في صحيحه رقم (7054).

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(7/ 13).

(6)

في صحيحه رقم (7053).

(7)

أي للبخاري في صحيحه رقم (7054).

(8)

في صحيحه رقم (55/ 1849).

(9)

أي لمسلم في صحيحه رقم (58/ 1851).

(10)

لمسلم في صحيحه رقم (56/ 1849).

ص: 458

قال الكرماني

(1)

: الاستثناء هنا: بمعنى الاستفهام الإنكاري، أي: ما فارق الجماعة أحد إلا جرى له كذا، أو حذف (ما) فهي مقدرةٌ، أو (إلا) زائدةٌ، أو عاطفة على رأي الكوفيين.

والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر الميم أن يكون حاله في الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال، وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرًا بل يموت عاصيًا.

ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره، ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن جاهليًا، أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير، فظاهره غير مراد.

ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه ما أخرجه الترمذي

(2)

وابن خزيمة

(3)

وابن حبان وصححه

(4)

من حديث الحارث بن الحارث الأشعري من حديث طويل، وفيه:"من فارق الجماعة شبرًا فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه".

وأخرجه البزار

(5)

والطبراني في الأوسط

(6)

من حديث ابن عباس، وفي سنده خليد بن دعلج وفيه مقال، وقال:"من رأسه" بدل: "من عنقه".

قوله: (فُوا بِبَيْعَةِ الأول فالأول)، فيه دليل على أنَّه يجب على الرعيَّة الوفاءُ ببيعة الإمام الأول، ثمَّ الأوَّل، ولا يجوز لهم المبايعة للإمام الآخر قبل موت الأول.

قوله: (ثم أعطوهم حقَّهم) أي: ادفعوا إلى الأمراء حقَّهم الذي لهم

(1)

في شرحه لصحيح البخاري (24/ 127).

(2)

في سننه رقم (2863) وقال: حديث حسن صحيح غريب.

(3)

في صحيحه رقم (930) ورقم (1895).

(4)

في صحيحه رقم (6233) بسند صحيح.

(5)

في المسند (رقم 1635 - كشف).

(6)

في المعجم الأوسط رقم (3405).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 224) وقال: فيه: خليد بن دعلج وهو ضعيف.

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (1571) والحاكم (1/ 118) والآجري في الشريعة (ص 8) والطيالسي رقم (1161) و (1162) وغيرهم من طرق.

وهو حديث صحيح.

ص: 459

المطالبة به وقبضه، سواءٌ كان يختصُّ بهم أو يعمُّ، وذلك من الحقوق الواجبة في المال، كالزكاة، وفي الأنفس، كالخروج إلى الجهاد، وظاهر الحديث العموم في المخاطبين.

ونقل ابن التين

(1)

عن الداودي أنه خاص بالأنصار، وكأنه أخذه من كون المخاطب بذلك الأنصار كما في حديث عبد الله بن زيد

(2)

، ولا يلزم من مخاطبتهم بذلك أن يختص بهم، فإنه يختص بهم بالنسبة إلى المهاجرين ويختص ببعض المهاجرين دون بعض، فالمستأثر من يلي الأمر ومن عداه هو الذي يستأثر عليه، ولما كان الأمر يختص بقريش ولا حظَّ للأنصار فيه خوطب الأنصار في بعض الأوقات، وهو خطاب للجميع بالنسبة إلى من لا يلي الأمر، وقد ورد ما يدل على التعميم.

ففي حديث يزيد بن سلمة الجعفي عند الطبراني

(3)

أنه قال: "يا رسول الله إن كان علينا أمراءُ يأخذونا بالحق [الذي علينا]

(4)

ويمنعونا الحق الذي لنا، أنقاتلهم؟ قال: لا، عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم".

وأخرج مسلم

(5)

من حديث أم سلمة مرفوعًا: "سيكون أمراء فتعرفون

(1)

كما في "الفتح"(6/ 13).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 42) والبخاري رقم (4330) و (7245) ومسلم رقم (1061) عن عبد الله بن زيد بن عاصم، قال: لما أفاء الله على رسوله يوم حنين ما أفاء، قال: قسَم في الناس المؤلفة قلوبهم، ولم يقسم ولم يُعط الأنصار شيئًا، فكأنهم وجدوا إذا لم يُصبهم ما أصابَ الناس، فخطبَهُم فقال: يا معشرَ الأنصار، ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين، فجمعكم الله بي، وعالةً فأغناكم الله بي؟ "، قال: كلَّما قال شيئًا قالوا: الله ورسولهُ أَمَنُّ. قال: " ما يمنعكم أن تجيبوني؟ "، قالوا: الله ورسولُهُ أمَنُّ، قال: لو شئتمُ لقلتُم: جئتنا كذا وكذا، ألا ترضونَ أن يذهب الناس بالشاةِ والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، لولا الهجرةُ لكنتُ امرءًا من الأنصار، لو سلك الناس واديًا وشعبًا، لسلكت وادي الأنصار وشِعْبَهُمْ، الأنصار شعارٌ والناس دثار، وإنكم ستلقوْنَ بعدي أثرةً، قاصبروا حتى تلقوني على الحوض".

(3)

في المعجم الكبير (ج 7 رقم: 1/ 6322) و (ج 22 رقم 634) في سنده محمد بن إسحاق بن راهويه فيه كلام.

(4)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(5)

في صحيحه رقم (62/ 1854).

ص: 460

وتنكرون، فمن كره برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وبايع. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلُّوا".

ونحوه حديث عوف بن مالك الآتي

(1)

.

وفي مسند الإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال: "أتاني جبريل فقال: إن أمتك مفتتنة من بعدك، فقلت: من أين؟ قال: من قبل أمرائهم وقرَّائهم، يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبونَ حقوقهم فيفتنون، ويتبع القراء الأمراء فيفتنون، قلت: فكيف يسلم من سلم منهم؟ قال: بالكف والصبر، إن أعطوا الذي لهم أخذوه، وإن مُنِعوه تركوه"

(2)

.

35/ 3195 - (وعَنْ عَوْفِ بْنِ مالكٍ الأشْجَعِيِّ قالَ: سمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "خِيار أئمَّتِكُم الَّذِبنَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونكُمْ، وتصلُّونَ عَلَيْهِمْ ويَصلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أئمَّتِكُمُ الَّذِينَ تَبْغُضُونَهُمْ وَيَبْغُضُونَكُمْ، وتَلْعَنُونَهُمْ ويَلْعَنُونكمْ"، قالَ: قلْنا: يا رَسُولَ الله أَفلَا نُنَابِذُهُمْ عِندَ ذلِكَ؟ قالَ: "لَا، ما أَقامُوا فيكُم الصَّلَاةَ إلَّا مَنْ وُلِّيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ الله فلْيَكْرَهْ ما يأتِي مِنْ مَعْصِيةِ الله وَلَا ينْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ")

(3)

. [صحيح]

36/ 3196 - (وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "يَكونُ بَعْدِي أَئِمَّة لا يَهْتَدُونَ بهَدْيي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بسُنَّتِي، وسَيَقُومُ فِيكُمْ رِجالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّياطِينِ في جُثْمانِ إنْسٍ"، قالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يا رسُولَ الله إنْ أَدْرَكْتُ ذلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وتُطيعُ"، وَإنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وأُخذَ مالُكَ فاسْمَعْ وَأَطعْ"

(4)

. [صحيح]

(1)

الآتي برقم (35/ 3195) من كتابنا هذا.

(2)

أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"(1/ 131 - 132) رقم (303) بسند ضعيف جدًّا، آفته: مسلمة بن علي وهو الخشني وهو متروك كما في التقريب. قاله الألباني.

(3)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 24) ومسلم رقم (66/ 1855).

(4)

أخرجه أحمد في المسند (5/ 403) ومسلم رقم (52/ 1847).

ص: 461

37/ 3197 - (وعَنْ عَرْفَجَةَ الأشْجَعِيِّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أتاكم وأمْركمْ جَمِيعٌ على رَجُلٍ واحدٍ يُريدُ أنْ يَشُقَّ عَصاكُمْ، أوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فاقْتُلُوهُ"

(1)

. رواهُنَّ أحمدُ ومُسلمٌ). [صحيح]

38/ 3198 - (وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ قالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم على السَّمْعِ والطَّاعَةِ في مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا، وعُسْرنا ويُسْرنا وأَثَرَةٍ عَلَيْنا، وأَنْ لا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلهُ إلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ الله بُرْهانٌ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ)

(2)

. [صحيح]

39/ 3199 - (وعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "يَا أبَا ذَرّ كَيْفَ بِكَ عِنْدَ وُلَاةٍ يَسْتَأثِرُونَ عَلَيْكَ بِهَذا الفَيءِ؟ "، قالَ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ أَضَعُ سَيْفي على عاتِقي وأضربُ حتَّى أَلْحَقَكَ، قالَ: "أولَا أدُلُّكَ على ما هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ ذَلِكَ؟ تصْبِرُ حتَّى تَلْحَقَنى". رَوَاهُ أَحمَدُ)

(3)

. [ضعيف]

حديث أبي ذر في إسناده خالد بن وُهبان، قال في التقريب

(4)

: مجهول من الثالثة. وقال في التهذيب

(5)

: ذكره ابن حبان في الثقات. وقال أبو حاتم

(6)

: مجهول.

وفي الباب أحاديثُ غير هذه، بعضها تقدم في باب

(7)

(براءة رب المال بالدفع إلى السلطان الجائر) في كتاب الزكاة

(8)

، وبعضها مذكور في غير هذا

(1)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 261، 341)، (5/ 23 - 24) ومسلم رقم (60/ 1852).

(2)

أحمد في المسند (3/ 441) و (5/ 316) والبخاري رقم (7054) و (7055) ومسلم رقم (41، 42/ 1709).

(3)

في المسند (5/ 180).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (4759) وابن أبي عاصم في السنة رقم (1104) و (1105) والبزار في مسنده رقم (4057) من طرق عن مطرف، به.

وهو حديث ضعيف.

(4)

التقريب رقم الترجمة (1685).

(5)

تهذيب التهذيب (1/ 535).

(6)

في الجرح والتعديل (3/ 356).

(7)

الباب الخامس عند الحديث رقم (12/ 1575 - 15/ 1578) من كتابنا هذا.

(8)

نيل الأوطار (8/ 130 - 135) بتحقيقي.

ص: 462

الكتاب، من ذلك حديث ابن عمر عند الحاكم

(1)

بلفظ: "من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه، ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن ميتته ميتة جاهلية".

وقد قدمنا نحوه قريبًا

(2)

عن الحارث بن الحارث الأشعري.

ورواه الحاكم

(3)

من حديث معاوية أيضًا.

والبزار

(4)

من حديث ابن عباس.

وأخرج مسلم

(5)

من حديث أبي هريرة بلفظ: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية".

وأخرج أيضًا مسلم

(6)

نحوه عن ابن عمر وفيه قصة.

وأخرج الشيخان

(7)

من حديث أبي موسى الأشعري بلفظ: "من حمل علينا السلاح فليس منّا".

وأخرجاه

(8)

أيضًا من حديث ابن عمر.

[وأخرج]

(9)

مسلم من حديث أبي هريرة

(10)

، وسلمة بن الأكوع

(11)

.

وأخرج أحمد

(12)

وأبو داود

(13)

والحاكم

(14)

من حديث أبي ذر: "من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه".

(1)

في المستدرك (1/ 77، 78) وقال: صحيح على شرط الشيخين وقد حدث به الحجاج بن محمد أيضًا عن الليث، ولم يخرجاه.

وأخرجه الحاكم من طريق آخر في المستدرك (1/ 117) وسكت عنه هو والذهبي.

(2)

تقدم آنفًا.

(3)

في المستدرك (1/ 118) وسكت عنه هو والذهبي. قلت: سنده حسن.

(4)

في المسند (رقم 1635 - كشف) وقد تقدم.

(5)

في صحيحه رقم (53/ 1848).

(6)

في صحيحه رقم (58/ 1851).

(7)

البخاري رقم (7071) ومسلم رقم (163/ 100).

(8)

البخاري رقم (7070) ومسلم رقم (161/ 98).

(9)

في المخطوط (أ): (وأخرجه).

(10)

في صحيحه رقم (164/ 101).

(11)

في صحيحه رقم (99/ 162).

(12)

في المسند (5/ 180).

(13)

في السنن رقم (4758).

(14)

في المستدرك (1/ 117) وقال: خالد بن وهبان لم يخرج في رواياته، وهو تابعي معروف إلا أن الشيخين لم يخرجاه. ووافقه الذهبي. =

ص: 463

وأخرج البخاري

(1)

من حديث أنس: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عبد حبشي رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله تعالى.

وأخرج الشيخان

(2)

من حديث أبي هريرة: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني".

وأخرج الشيخان

(3)

وغيرهما

(4)

من حديث ابن عمر: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".

وأخرج الترمذي

(5)

من حديث ابن عمر: "ألا أخبركم بخير أمرائكم وشرارهم؟ خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم، وشرار أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم [وتلعنونهم]

(6)

ويلعنونكم".

وأخرج الترمذي

(7)

من حديث أبي بكرة: "من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله تعالى".

والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهذا طرف منها.

قوله: (خيار أئمتكم .. إلخ) فيه دليل على مشروعية محبَّة الأئمة، والدعاء لهم، وإنَّ من كان من الأئمة محبًا للرعية ومحبوبًا لديهم، وداعيًا لهم، ومدعوًا له منهم؛ فهو من خيار الأئمة، ومن كان باغضًا لرعيته، مبغوضًا عندهم، يسبّهم

= وهو حديث صحيح.

(1)

في صحيحه رقم (7142).

(2)

البخاري رقم (7137) ومسلم رقم (32/ 1835).

(3)

البخاري رقم (7144) ومسلم رقم (38/ 1839).

(4)

كأحمد في المسند (2/ 142).

(5)

في سننه رقم (2264) وقال: هذا حديث غريب حسن.

وهو حديث صحيح.

(6)

في المخطوط (ب): (وتلعنوهم).

(7)

في سننه رقم (2224) وقال: هذا حديث حسن غريب.

وهو حديث صحيح.

ص: 464

ويسّبونه، فهو من شوارهم، وذلك لأنه إذا عدل فيهم وأحسن القول لهم أطاعوه وانقادوا له وأثنوا عليه، فلما كان هو الذي يتسبب بالعدل وحسن القول إلى المحبة والطاعة والثناء منهم كان من خيار الأئمة، ولما كان هو الذي يتسبب أيضًا بالجور والشتم للرعية إلى معصيتهم له وسوء القالة منهم فيه كان من شرار الأئمة.

قوله: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، فيه دليل على أنَّه لا يجوز منابذة الأئمة بالسيف مهما كانوا مقيمين للصلاة، ويدلُّ ذلك بمفهومه على جواز المنابذة عند تركهم للصلاة.

وحديث عبادة بن الصامت

(1)

المذكور فيه دليل على أنها لا تجوز المنابذة إلا عند ظهور الكفر البواح وهو بموحدة فمهملة.

قال الخطابي

(2)

: معنى قوله: "بواحًا" يريد ظاهرًا باديًا من قولهم: باح الشيء يبوح به بوحًا وبواحًا إذا ادعاه وأظهره.

قال

(3)

: ويجوز بوحًا بسكون الواو، ويجوز بضم أوله ثم همزة ممدودة. قال: ومن رواهُ بالراء فهو قريب من هذا المعنى. وأصل البراح: الأرض القفر التي لا أنيس فيها ولا بناء، وقيل

(4)

: البراح: البيان، يقال: برح الخفاء إذا ظهر.

قال النووي

(5)

: هي في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء.

قال الحافظ

(6)

: ووقع عند الطبراني: "كفرًا صراحًا" بصاد مهملة مضمومة ثم راء، ووقع في رواية:"إلا أن تكون معصية لله بواحًا".

وفي رواية لأحمد

(7)

: "ما لم يأمرك بإثم بواحًا".

(1)

تقدم برقم (3198) من كتابنا هذا.

(2)

في غريب الحديث له (1/ 690).

وانظر: "أعلام السنن"(4/ 2328).

(3)

أي الخطابي في المرجع السابق.

(4)

القاموس المحيط (ص 272).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (12/ 228 - 229).

(6)

في "الفتح"(8/ 13).

(7)

في المسند (5/ 321) بسند حسن. =

ص: 465

وفي رواية له

(1)

وللطبراني

(2)

عن عبادة: "سَيَلِي أموركم من بعدي رجال يعرّفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله".

وعند ابن أبي شيبة

(3)

من حديث عبادة: "سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون، ويفعلون ما تنكرون، فليس لأولئك عليكم طاعة".

قوله: (فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة)، فيه دليل على أن من كره بقلبه ما يفعله السلطان من المعاصي كفاه ذلك، ولا يجب عليه زيادة عليه.

وفي الصحيح

(4)

: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، [فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه]

(5)

.

ويمكن حمل حديث الباب وما ورد في معناه على عدم القدرة على التغيير باليد واللسان، ويمكن أن يجعل مختصًا بالأمراء إذا فعلوا منكرًا لما في الأحاديث الصحيحة من تحريم معصيتهم ومنابذتهم، فكفى في الإنكار عليهم مجرد الكراهة بالقلب، لأن في إنكار المنكر عليه باليد واللسان تظهُّرًا بالعصيان، وربما كان ذلك وسيلة إلى المنابذة بالسيف.

قوله: (في جُثْمان إنس) بضم الجيم وسكون المثلثة: أي لهم قلوب كقلوب الشياطين وأجسام كأجسام الإنس.

قوله: (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)، فيه دليل على وجوب

= قلت: وأخرجه الطبراني في الشاميين رقم (225) وابن أبي عاصم في السنة رقم (1028). وهو حديث حسن.

(1)

أي للإمام أحمد في المسند (5/ 325) بسند ضعيف.

(2)

في المعجم الأوسط رقم (2894).

(3)

في "المصنف"(15/ 233 - 234) بسند ضعيف منقطع أزهر بن عبد الله لم يسمع من عبادة.

(4)

في صحيح مسلم رقم (78/ 49).

وتقدم برقم (2758) من كتابنا هذا.

(5)

في المخطوط (أ)، (ب):"فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فبلسانه". وما أثبتناه من مصادر التخريج.

ص: 466

طاعة الأمراء، وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم، فيكون هذا مخصصًا لعموم قوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}

(1)

، وقوله:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}

(2)

.

قوله: (وعن عرفجة)

(3)

بفتح العين المهملة، وسكون الراء، وفتح الفاء بعدها جيم: هو ابن شُريح بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها حاء.

وقيل: ابن ضريح بضم الضاد المعجمة.

وقيل: ذريح بفتح الذال المعجمة وكسر الراء.

وقيل: صريح بضم الصاد المهملة.

وقيل: شراحيل، وقيل: سريج بضم السين المهملة وآخره جيم.

ويقال له: الأشجعي، وبقال: الكندي، ويقال: الأسلمي.

قوله: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح العين، ورسول فاعله.

قوله: (في منشطنا) بفتح الميم والمعجمة، وسكون النون التي بينهما: أي في حال نشاطنا وحال كراهتنا وعجزنا عن العمل بما نؤمر به.

ونقل ابن التين

(4)

عن الداودي أن المراد الأشياء التي يكرهونها.

قال ابن التين (4): والظاهر أنه أراد في وقت الكسل، والمشقة في الخروج، ليطابق معنى منشطنا.

ويؤيده ما عند أحمد

(5)

في حديث عبادة بلفظ: "في النشاط والكسل".

قوله: (وأثرة علينا) بفتح الهمزة والمثلثة، والمراد أن طاعتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصالهم حقوقهم، بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم.

قوله: (وإن لا ننازع الأمر أهله) أي: الملك والإمارة، زاد أحمد في رواية:"وإن رأيت أن لك في الأمر حقًّا فلا تعمل بذلك الظن، بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليكم بغير خروج عن الطاعة".

(1)

سورة البقرة، الآية (194).

(2)

سورة الشورى، الآية (45).

(3)

تجريد أسماء الصحابة للذهبي (1/ 378 رقم 4059).

(4)

كما في "الفتح"(7/ 13).

(5)

في المسند (5/ 325) بسند ضعيف.

ص: 467

قوله: (إلا أن تروا كفرًا بواحًا) قد تقدم [ضبطه وتفسيره]

(1)

.

قوله: (عندكم فيه من الله برهان) أي: نصُّ آية، أو خبر صريح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل.

قال النووي

(2)

: المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرًا محققًا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم. اهـ.

قال في الفتح

(3)

: وقال غيره: إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف، ومحل ذلك إذا كان قادرًا.

ونقل ابن التين

(4)

عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر.

وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء، فإن أحدث جورًا بعد أن كان عدلًا فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه.

قال ابن بطال

(5)

: إن حديث ابن عباس المذكور في أول الباب

(6)

حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار.

قال في الفتح

(7)

: وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وإن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث. اهـ.

(1)

في المخطوط (ب): (تفسيره وضبطه).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (2/ 229).

(3)

في "الفتح"(8/ 13).

(4)

كما في "الفتح"(8/ 13).

(5)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 10).

(6)

تقدم برقم (3193) من كتابنا هذا.

(7)

في الفتح (13/ 7).

ص: 468

وقد استدل القائلون بوجوب الخروج على الظلمة ومنابذتهم السيف ومكافحتهم بالقتال بعمومات من الكتاب والسنّة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا شك ولا ريب أن الأحاديث التي ذكرها المصنف في هذا الباب وذكرناها أخص من تلك العمومات مطلقًا، وهي متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنّة، ولكنه لا ينبغي لمسلم أن يحطَّ

(1)

على من خرج من السلف الصالح من العترة وغيرهم على أئمة الجور، فإنهم فعلوا ذلك باجتهاد منهم، وهم أتقى لله وأطوع لسنّة رسول الله من جماعة ممن جاء بعدهم من أهل العلم.

ولقد أفرط بعض أهل العلم كالكرَّامية

(2)

ومَنْ وافقهم في الجمود على أحاديث الباب حتى حكموا بأن الحسين السِّبْط رضي الله عنه وأرضاه -، باغٍ على الخمِّير السكِّير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية

(3)

. فيا لله العجب من مقالاتٍ تقشعر منها الجلودُ، ويتصدَّع من سماعها كلُّ جلمودٍ.

(1)

المعجم الوسيط (1/ 182) ولفظه: "حطَّ في عرض فلان: طعن".

(2)

الكرَّامية: هم أتباع أبي عبد الله بن كرَّام السجستاني، طرد من سجستان بسبب بدعته، ومن بدعهم: أنهم يغالون في إثبات الصفات لله إلى حد التشبيه، وقولهم أن الإيمان هو قول باللسان فقط دون المعرفة والعمل. وموافقتهم المعتزلة في الحسن والقبيح.

انظر: "الملل والنحل"(1/ 124) والتبصير في الدين (ص 111 - 117) ولسان الميزان (6/ 478 - ط. إحياء التراث).

(3)

سئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، عن يزيد بن معاوية: هل كان صحابيًا .. ؟ وهل في الصحابة من اسمه يزيد؟.

فأجاب رحمه الله بأن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الذي تولى على المسلمين بعد أبيه معاوية لم يكن من الصحابة.

ولكن عمه يزيد بن أبي سفيان من الصحابة، وهو رجل صالح من خيار المسلمين، ولد يزيد بن معاوية في خلافة عثمان، وهو الذي تولى الملك بعد أبيه معاوية (60 هـ - 64 هـ) - وهو الذي قُتل الحسين في خلافته - (يوم عاشوراء سنة 61 هـ) - وهو الذي جرى بينه وبين أهل الحرَّة - (حرَّة واقم بظاهر المدينة وكانت الوقعة سنة 63 هـ) - ما جرى.

ويزيد بن معاوية وأمثاله لم يكن فيهم من هو كافر، بل كلهم مسلمون ولهم حسنات وسيئات، ومن قال غير ذلك فهو كاذب.

ويزيد هذا الذي ولي الملك هو أول مَنْ غزا القسطنطينية، وغزاها في خلافة أبيه معاوية (سنة 50 هـ).

وقد أخرج البخاري في "صحيحه" رقم (2924): (أولُ جيشٍ من أمتي يغزون مدينة قيصر =

ص: 469

[الباب الثامن] باب ما جاءَ في حَدِّ السَّاحِرِ وَذَمِّ السِّحْرِ والكِهَانَةِ

40/ 3200 - (عَنْ جُنْدَبٍ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بالسَّيْفِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(1)

والدَّارقُطْنِيُّ

(2)

، وضَعَّفَ التِّرْمِذِيُّ إسْنَادَهُ، وَقَالَ: الصَّحيحُ عَنْ جُنْدَبٍ مَوْقُوفٌ). [ضعيف]

= مغفور لهم". ومن قال أيضًا أنه قتل الحسين تشفيًا وأخذَ بثأر أقاربه من الكفار فهو أيضًا كاذبٌ مفترٍ.

ومن قال: إنه تمثل لما أُتي برأس الحسين بأبيات شعرية، فقد كذب، والديوان الذي يُعزى إليه عامته كذب

ويزيد لم يأمر بقتل الحسين، ولا حُمل رأسه إلى بين يديه، ولا نكتَ بالقضيب على ثناياه، بل الذي جرى هذا منه هو عُبيد الله بن زياد، كما ثبت ذلك في "صحيح البخاري"، ولا طيف برأسه في الدنيا، ولا سُبي أحدٌ من أهل الحسين، بل الشيعة كتبوا إليه وغرّوه، فأشار عليه أهلُ العلم والنُّصْحِ بأن لا يقبلَ منهم، فأرسل ابنَ عمه مسلم بن عقيل، فرجع أكثرُهم عن كتبهم، حتى قُتل ابن عمه، ثم خرج منهم عسكرٌ مع عمر بن سعد حتى قتلوا الحسين مظلومًا شهيدًا.

(مختصرًا من سؤال في يزيد بن معاوية: لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية. تحقيق: د. صلاح الدين المنجد (ص 7 - 24) ط: دار الكتاب الجديد - بيروت).

والخلاصة: أن الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، أحد الذين تركوا في التاريخ الإسلامي آثارًا عميقة.

فالحوادث المؤلمة التي فُدِّر أن تجري في أيامه، على أيدي قُوّاده، رافقها طعن شديد عليه لدى فئة من الفئات الإسلامية، فدفعت طائفة ثانية إلى التعصب له وتعظيمه تعظيمًا بلغ الغلوّ. وما زالت الفئتان مختلفتين، واتخذ أهل السنة طريقًا وسطًا، فذكروا محامد الرجل، ولم يغفلوا عن مساوئه، لكنهم لم يغالوا في الحق ولا في الباطل.

(1)

في سننه رقم (1460) وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث

والصحيح عن جندب موقوف".

(2)

في سننه (3/ 114 رقم 112).

قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 360) والطبراني في المعجم الكبير (ج 1 رقم 1665) وابن عدي في الكامل (1/ 282) وعنه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 136) من طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

فذكره. قال الحاكم: "صحيح الإسناد؛ وإن كان الشيخان تركا حديث إسماعيل بن مسلم؛ فإنه =

ص: 470

41/ 3201 - (وعَنْ [بُجَالَةَ]

(1)

بْنِ عَبد قالَ: كُنْت كاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمّ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ فأتى كِتابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بشَهْرٍ: أَنْ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وسَاحِرَةٍ، وفَرِّقُوا بَيْنَ كُلّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ المَجُوسِ وانْهُوهُمْ عَنِ الزّمْزَمَةِ، فقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ، وجَعَلْنَا نُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَحَرِيمِهِ في كِتابِ الله تعَالى. رَواهُ أَحمدُ

(2)

وأَبُو دَاوُدَ

(3)

. [صحيح]

وللبُخاريِّ

(4)

مِنهُ: التَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَوِي المحارِمِ). [صحيح]

42/ 3202 - (وعَنْ محمَّدِ بْنِ عَبدِ الرَّحمنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ أَنّهُ بَلَغهُ أَنّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْها وكانَتْ قَدْ دَبّرَتْها فأمرت بِها فقُتِلَتْ. رَوَاهُ مالكٌ في المُوطَّإِ عَنْهُ)

(5)

. [موقوف صحيح]

= غريب صحيح". ووافقه الذهبي.

وتعقبهما الألباني في "الضعيفة"(3/ 641) بقوله: "وهذا هو الغريب حقًّا، فإن الذهبي نفسه قد أورد إسماعيل هذا في "الضعفاء والمتروكين"، وقال: "متفق على ضعفه"، وقال في "الكاشف": "ضعفوه، وتركه النسائي". اهـ.

ثم قال الألباني: "فمن رام تحسين الحديث فما أحسن، لا سيما والصحيح عن جندب موقوف كما تقدم عن الترمذي". اهـ.

(1)

في المخطوط (ب): (مجالة) وهو خطأ. والصواب ما أثبتناه من (أ) ومصادر التخريج.

• بجالة: هو ابن عَبَدَةَ التميمي العنبري البصري، من رجال البخاري.

(2)

في المسند (1/ 190 - 191) بسند صحيح.

(3)

في سننه رقم (3543).

قلت: وأخرجه الطيالسي رمم (225) والحميدي رقم (64) والترمذي رقم (1587) وقال: حسن صحيح. والبزار رقم (1065) والنسائي في الكبرى رقم (8768 - العلمية) وابن الجارود في المنتقى رقم (1105) وأبو يعلى رقم (865) والشاشي رقم (254 و 225) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 247 - 248) و (9/ 189) والبغوي في شرح السنة رقم (2750) من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو، سمع بجالة يقول: كنت كاتبًا لَجْزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس، فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة:

فذكره.

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (3156)، (3157).

(5)

في الموطأ (2/ 871 رقم 14) بسند ضعيف، لانقطاعه.

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (9/ 416) وعبد الرزاق في المصنف رقم =

ص: 471

43/ 3203 - (وعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أنَّه سُئلَ أَعَلى مَنْ سَحَرَ مِنْ أَهْلِ العَهْدِ قَتْلٌ؟ قالَ: بَلغنَا أَنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قدْ صُنِعَ لهُ ذلِكَ فلمْ يقْتل مَنْ صنَعَه، وكانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. أَخْرَجَه البُخاريُّ)

(1)

. [صحيح]

حديث جندب: في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي

(2)

.

قال الترمذي

(3)

بعد ذكره: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا في هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه، وإسماعيل بن مسلم العبدي

(4)

البصري قال وكيع: هو ثقة، ويروي عن الحسن أيضًا، والصحيح عن جندب موقوف.

قال

(5)

: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول مالك بن أنس. وقال الشافعي

(6)

: إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ الكفر، فإذا عمل عملًا دون الكفر فلم يرَ عليه قتلًا. اهـ.

وأخرج هذا الحديث الحاكم

(7)

والبيهقي

(8)

.

وأثر عمر أخرجه أيضًا البيهقي

(9)

وعبد الرزاق

(10)

.

= (18747) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 136) عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن حفصة بنت عمر

وذكره. إسناده صحيح على شرط الشيخين.

والأثر موقوف صحيح.

(1)

في صحيحه رقم (3268).

(2)

قال أبو زرعة: بصري ضعيف سكن مكة. قال أحمد وغيره: منكر الحديث. وقال النسائي وغيره: متروك، وعن ابن معين قال: ليس بشيء.

[التاريخ الكبير (1/ 372) والمجروحين (1/ 120) والجرح والتعديل (2/ 198) والميزان (1/ 248)].

(3)

في السنن (4/ 60).

(4)

إسماعيل بن مسلم العبدي، أبو محمد البصري القاضي: ثقة من السادسة. التقريب رقم الترجمة (483).

(5)

أي الترمذي في سننه (4/ 60).

(6)

البيان للعمراني (1/ 672).

(7)

في المستدرك (4/ 360) وقد تقدم.

(8)

في السنن الكبرى (8/ 136) وقد تقدم.

(9)

في السنن الكبرى (8/ 136) وقد تقدم.

(10)

في "المصنف" رقم (18745) وقد تقدم.

ص: 472

وأثر حفصة أخرجه أيضًا عبد الرزاق

(1)

.

وقد استدل بحديث جندب من قال: إنه يقتل الساحر.

قال النووي في شرح مسلم

(2)

: عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع.

قال

(3)

: وقد يكون كفرًا وقد لا يكون كفرًا بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، قال: ولا يقتل عندنا، يعني الساحر، فإن تاب قبلت توبته.

وقال مالك

(4)

: السَّاحر كافر يقتل بالسحر، ولا يستتاب، ولا تقبل توبته، بل يتحتم قتله.

والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق؛ لأن الساحر عنده كافر كما ذكرنا وعندنا ليس بكافر، وعندنا تقبل توبة المنافق والزنديق.

قال القاضي عياض

(5)

: وبقول مالك قال أحمد بن حنبل، وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين.

قال أصحابنا: إذا قَتَل الساحرُ بسحره إنسانًا، أو اعترف أنه مات بسحره وأنه يقتل غالبًا لزمه القصاص، وإن مات به ولكنه قد يقتل وقد لا يقتل فلا قصاص وتجب الدِّيةُ والكفارة، وتكون الدية في ماله لا على عاقلته، لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت باعتراف الجاني.

قال أصحابنا: ولا يتصوّر القتل بالسحر بالبينة، وإنما يتصوّر باعتراف الساحر والله أعلم. اهـ. كلام النووي

(6)

.

وحكي في البحر

(7)

عن العترة وأبي حنيفة

(8)

وأصحابه أن السحر كفر.

(1)

في "المصنف" رقم (18747) وقد تقدم.

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 176).

(3)

أي النووي في المرجع السابق.

(4)

عيون المجالس (5/ 2080) ومواهب الجليل (8/ 371) وحاشية الدسوقي (6/ 282).

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 90).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 175 - 176).

(7)

البحر الزخار (5/ 204).

(8)

حاشية ابن عابدين (60/ 291).

ص: 473

وحكي أيضًا عن العترة

(1)

وأكثر الفقهاء أنه لا حقيقة له ولا تأثير لقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}

(2)

.

وعن أبي جعفر الأستراباذي والمغربي من الشافعية أن له حقيقة وتأثيرًا

(3)

، إذ قد يقتل كالسُّموم، وقد يغيِّر العقل، وقد يكون بالقول، فيفرِّق بين المرء وزوجه؛ لقوله تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)}

(4)

، أراد الساحرات، فلولا تأثيره لما استعاذ منه. وقد يحصل به إبدال الحقائق من الحيوانات.

قلنا: سمَّاه الله خيالًا والخيال لا حقيقة له فقال: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}

(5)

، قالوا: روت عائشة

(6)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ حتى كان لا يدري ما يقول"، قلنا: رواية ضعيفة. اهـ كلام البحر

(7)

.

ويجاب عنه بأن الحديث صحيح كما سيأتي، ويأتي أيضًا أن مذهب جمهور العلماء أن للسحر تأثيرًا وهو الحق

(8)

كما يأتي بيانه.

قوله: (عن الزمزمة) بزايين معجمتين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة.

قال في القاموس

(9)

: الزمزمة: الصوت البعيد له دوي وتتابع صوت الرعد وهو أحسنه صوتًا وأثبته مطرًا، وتراطن العلوج على أكلهم وهم صموت لا يستعملون لسانًا ولا شفة، لكنه صوت تديره في [خياشيمها]

(10)

وحلوقها فيفهم بعضها عن بعض. اهـ.

(1)

البحر الزخار (5/ 204).

(2)

سورة البقرة، الآية (102).

(3)

بل قال الشيرازي في "المهذب"(5/ 215): "للسحر حقيقة، وله تأثير في إيلام الجسم. وقال أبو جعفر الاستراباذي من أصحابنا: لا حقيقة له، ولا تأثير له. والمذهب الأول

". اهـ.

وكذلك قال العمراني في "البيان"(12/ 63): "وقال أبو جعفرٍ الاستراباذيُّ من أصحابنا: لا حقيقة للسِّحرِ، وإنما هو خيال يخيل إلى المسحور،

". اهـ.

(4)

سورة الفلق، الآية (4).

(5)

سورة طه، الآية (66).

(6)

يأتي تخريجه برقم (44/ 3204) من كتابنا هذا.

وهو حديث متفق عليه دون ذكر: "

كان لا يدري ما يقول".

(7)

البحر الزخار (5/ 204).

(8)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 86).

(9)

القاموس المحيط (ص 1444).

(10)

في المخطوط (ب): (خياشمها).

ص: 474

قوله: (فلم يقتل من صنعه .. إلخ) استدل به من قال: إنه لا يقتل الساحر.

ويجاب عنه بما سيأتي قريبًا، وأيضًا ليس في ذلك دليل؛ لأن غايته جواز الترك لا عدم جواز الفعل، فيمكن الجمع على فرض عدم علم التاريخ بأنَّ القتل للساحر جائزٌ لا واجب.

44/ 3204 - (وعَنْ عائِشةَ قالَتْ: سُحِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى إنَّهُ ليُخَيَّلُ إليهِ أَنَّهُ فعَلَ الشَيْءَ ومَا فَعَلَهُ، حتَّى إذَا كانَ ذَاتَ يَوْمٍ وهْوَ عِنْدِي دَعا الله وَدَعا ثمَّ قالَ:"أَشَعَرْتِ يا عائشةُ أَنَّ الله قَدْ أفْتَانِي فِيما اسْتَفْتَيْتُهُ"، قُلْتُ: ومَا ذَاكَ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: "جاءَني رجُلَانِ فَجَلَسَ أحَدهُما عِنْدَ رأسِي والآخَرُ عِنْدَ رِجْلِي، ثمَّ قالَ أحَدهُما لِصاحِبه: ما وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ، قالَ: ومَنْ طَبَّهُ؟ قالَ: لَبِيْدُ بْنُ الأعْصَمِ اليَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُريقٍ، قالَ: فِيمَاذَا؟ قالَ: في مُشْطٍ ومُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةِ ذكَرٍ، قالَ: فأيْنَ هُوَ؟ قالَ: فِي بِئرِ ذَرْوَانَ". فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إلى الْبِئْرِ فَنَظَرَ إلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخلٌ ثمَّ رجَعَ إلى عائشةَ، فقالَ:"والله لَكَأنَّ مَاءَها نُقَاعَةُ الحِنَّاء، وَلَكَأنْ نخْلها رؤوسُ الشَّيَاطِينِ"، قُلْتُ: يا رسُولَ الله، أفأخْرَجْتَهُ؟ قالَ:"لَا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافاني الله وشَفَانِي، وَخِشيتُ أنْ أثَوِّرَ على النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا"، فأمَرَ بِها فَدُفِنَتْ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

وفي روايَةٍ لِمُسْلِمٍ

(2)

: قَالَتْ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله أفلَا أَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: "لا". [صحيح]

قوله: (حتى إنه ليخيل إليه .. إلخ)، قال الإمام المازري

(3)

: مذهب أهل السنّة وجمهور علماء الأمة: إثبات السِّحر، وأنَّ له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء، خلافًا لمن أنكر ذلك، وأنكر حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالاتٍ باطلةٍ لا حقائق لها، وقد ذكره الله تعالى في كتابه، وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارةٌ إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرَّق بين المرء وزوجه، وهذا كله

(1)

أحمد في المسند (6/ 57) والبخاري رقم (3268) ومسلم رقم (43/ 2189).

(2)

في صحيحه رقم (44/ 2189).

(3)

في "المعلم بفوائد مسلم"(3/ 93).

ص: 475

لا يمكن فيما لا حقيقة له، وهذا الحديث أيضًا مصرِّح بإثباته وأنه أشياء دفنت وأخرجت، وهذا كله يبطل ما قالوه، فإحالة كونه من الحقائق محال. ولا يستنكر في العقل أن الله سبحانه يخرق العادة عند النطق بكلامٍ، أو تركيب أجسامٍ، أو المزج بين قوى على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر.

وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام، منها: قاتلة كالسموم، ومنها: مسقمة كالأدوية الحادة، ومنها: مضرة كالأدوية المضادة للمرض لم يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوى قتّالة أو كلام مهلك أو مؤدٍّ إلى التفرقة. قال: وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب آخر، فزعم أنه يحط منصب النبوة وبشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع.

قال

(1)

: وهذا الذي ادّعاه هؤلاء المبتدعة باطلٌ، لأنَّ الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدةٌ بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل.

فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ولا كان مفضلًا من أجلها وهو مما يعرض للبشر، فغير بعيد أن يخيَّل إليه وطئ زوجاته وليس بواطئ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام، فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له.

وقيل: إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد صحة ما تخيله، فتكون اعتقاداته على السداد.

قال القاضي عياض

(2)

: وقد جاءت رواياتُ هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده، ويكون معنى قوله في الحديث:"حتى يظنَّ أنه يأتي أهله ولا يأتيهم"

(3)

، ويروى:"أنَّه يخيل إليه"، أي: يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن، فإذا دنا منهن أخذه السحر فلم يأتهن ولم يتمكن من ذلك، وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه أنه فعل شيئًا ولم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لا بخلل

(1)

أي المازري في المرجع السابق.

(2)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم له (88/ 7).

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5765).

ص: 476

تطرق إلى العقل، وليس في ذلك ما يدخل لبسًا على الرسالة ولا طعنًا لأهل الضلالة. انتهى.

قال المازري

(1)

: واختلف الناس في القدر الذي يقع به السحر، ولهم فيه اضطراب، فقال بعضهم: لا يزيد تأثيره على قدر التفرقة بين المرء وزوجه، لأن الله تبارك وتعالى إنما ذكر ذلك تعظيمًا لما يكون عنده وتهويلًا له، فلو وقع به أعظم منه لذكره، لأن المثل لا يضرب عند المبالغة إلا بأعلى أحوال المذكور.

قال

(2)

: ومذهب الأشعرية أنَّه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك.

قال (2): وهذا هو الصحيح عقلًا، لأنه لا فاعل إلا الله تبارك وتعالى، وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى ولا تفترق الأفعال في ذلك، وليس بعضها بأولى من بعض، ولو ورد الشرع بقصره على مرتبة لوجب المصير إليه.

ولكن لا يوجد شرع قاطع يوجب الاقتصار على ما قاله القائل الأول وذِكْرُ التفرقة بين الزوجين في الآية

(3)

ليس بنص في منع الزيادة، وإنما النظر في أنه ظاهرٌ أم لا.

قال

(4)

: فإن قيل: إذا جوّزت الأشعرية خرق العادة على يد الساحر فبماذا يتميز عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

فالجواب: أن العادة تنخرق على يد النبي

(5)

صلى الله عليه وسلم.

(1)

في "المعلم بفوائد مسلم"(3/ 93).

(2)

أي المازري في "المعلم بفوائد مسلم"(3/ 94).

(3)

يشير إلى الآية في سورة البقرة، الآية (102).

(4)

أي المازري في "المعلم بفوائد مسلم"(3/ 94).

(5)

وتسمى: معجزة: وهي عبارة عن الفعل الذي يدل على صدق مدعي النبوة في وقت تتأتى فيه، وسميت معجزة لأن البشر يعجزن عن الإتيان بما هذا سبيله فصار كأنه أعجزهم.

- والمعجزة لا بد من اقترانها بدعوى النبوة وهذا ما يميزها عن الكرامة.

- والمعجزة يستشهد بها الرسول لدعم دعواه إذ يتوقف إيمان قومه عليها بخلاف صاحب الكرامة، لا يجب عليه إظهار الكرامة بل يستحسن سترها. فهو يدعو إلى شرع قد ثبت وتقرر على يد رسول فلا يحتاج إلى إظهار كرامة على أن يتبعه الناس على ما دعاهم إليه. =

ص: 477

والولي

(1)

والساحر

(2)

، ولكن النبي يتحدّى بها الخلق ويستعجزهم عن مثلها ويخبر عن الله تعالى بخرق العادة له لتصديقه، فلو كان كاذبًا لم تنخرق العادة على يديه، والولي والساحر لا يتحديان الخلق، ولا يستدلان على نبوة، ولو ادعيا شيئًا من ذلك لم تنخرق العادة لهما.

= • قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"(11/ 30): "والفرق بين المعجزة والكرامة أن الكرامة من شرطها الاستتار، والمعجزة من شرطها الإظهار.

وقيل: الكرامة ما تظهر من غير دعوى، والمعجزة ما تظهر عند دعوى الأنبياء، فيطالبون بالبرهان، فيظهر أثر ذلك.

(1)

الكرامة: أمر خارق للعادة يجريها الله على يد ولي من أوليائه، قاصر عن النبوة في الرتبة، معونة له على أمر ديني أو دنيوي.

التعريفات (ص 184) وشرح العقيدة الواسطية (ص 168) والكواكب الدرية للمناوي (1/ 8).

(2)

السمات التي تعرف بها الخوارق الشيطانية:

1 "- معارضة الخوارق الشيطانية بعضها لبعض؛ لأنها ليست خاضعة لتوجيه الشرع، ولم تستعمل لتحقيق هدف موحد سليم، فصارت تحت تصرف الأهواء والتوجيهات الشيطانية؛ فتجد بعضهم يعارض بعض لغرض إبراز المهارات في المكر والخديعة.

قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(11/ 295): "وهؤلاء العباد الزهاد الذين ليسوا من أولياء الله المتقين، تقترن بهم الشياطين فيكون لأحدهم من الخوارق ما يناسب حاله، لكن خوارق هؤلاء يعارض بعضها بعضًا". اهـ.

2 "- النظر في مدى متابعة صاحب الخوارق للرسول صلى الله عليه وسلم، فمتى وجدنا الشخص مخالفًا للشرع متلبسًا بالبدع علمنا أن ما يجري على يديه من هذه الأمور ليست بكرامة، بل هي استدراج، وإما من أعمال الشيطان.

قال تعالى في سورة الأنعام، الآية (121):{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} .

3 "- الكرامات لا يجدي فيها التعلم والتعليم، ولا تكون بمزاولة أعمال مخصوصة يتقنها صاحبها بخلاف الشعوذة والكهانة.

4 "- أن أهل الأحوال تنصرف عنهم شياطينهم وتبطل أعمالهم وشعوذتهم إذا ذكر عندهم ما يطردها - آية الكرسي.

قال ابن تيمية في "الفرقان"(ص 135): ولهذا إذا قرأها - يعني آية الكرسي - الإنسان عند الأحوال الشيطانية بصدق أبطلها".

وذلك بخلاف كرامات أولياء الله، فإن القرآن لا يبطلها بل يزيدها قوة على قوة، ونورًا على نور.

انظر: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (11/ 286، 293).

ص: 478

وأمَّا الفرق بين الولي والساحر فمن وجهين:

(أحدهما): وهو المشهور: إجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر إلا على فاسق، والكرامة لا تظهر على فاسق فإنما تظهر على ولي، وبهذا جزم إمام الحرمين، وأبو سعيد المتولي، وغيرهما.

(والثاني): أن السحر قد يكون ناشئًا بفعلها وبمزجها ومعاناة وعلاج، والكرامة لا تفتقر إلى ذلك، وفي كثير من الأوقات يقع مثل ذلك من غير أن يستدعيه أو يشعر به والله أعلم، هكذا في شرح مسلم للنووي

(1)

.

قوله: (دعا الله ودعا) في رواية لمسلم

(2)

: "دعا الله ثم دعا ثم دعا"، وفي ذلك دليل على استحباب الدعاء عند حصول الأمر المكروه وتكريره وحسن الالتجاء إلى الله [سبحانه]

(3)

.

قوله: (ما وجع الرجل؟ قال: مطبوبٌ) بالطاء المهملة، وبموحدتين اسم مفعول. قال ابن الأنباري

(4)

: الطبُّ من الأضداد، يقال لعلاج الدَّاء: طب، وللسِّحر: طبٌّ، وهو من أعظم الأدواء، ورجل طبيب: أي حَاذِق سمي طبيبًا لحذقه وفطنته.

قال النووي

(5)

: كنُوا بالطبِّ عن السِّحر، كما كنُّوا بالسليم عن اللديغ.

قوله: (من بني زريق) بتقديم الزاي.

قوله: (في مشطٍ ومشاطةٍ) المشط بضم الميم والشين، وبضم الميم وإسكان الشين، وبكسر الميم وإسكان الشين: وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الشعر، [والمشاطة]

(6)

بضم الميم: وهي الشعر الذي يسقط من الرأس، أو اللحية عند تسريحه بالمشط.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 176).

(2)

في صحيحه رقم (43/ 2189).

(3)

في المخطوط (ب): (تعالى).

(4)

في كتاب الأضداد (ص 231 - 232 رقم 145) لمحمد بن القاسم الأنباري.

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 177).

(6)

في المخطوط (ب): (الماشطة) وهو خطأ.

ص: 479

ووقع في رواية للبخاري

(1)

، ومشاقةٍ بالقاف، وهي المشاطةُ، وقيلَ: مشاقةِ [الكُتَّانِ]

(2)

.

قوله: (وجف طلعةٍ) بالجيم والفاء وهو: وعاءُ طلع النخل: أي الغشاء الذي يكون عليه، ويطلق على الذكر والأنثى، فلهذا قيده في الحديث.

وفي رواية لمسلم

(3)

: وجُب طلعة، بضم الجيم وبالباء الموحدة.

قال النووي

(4)

: هو في أكثر نسخ بلادنا كذلك، والطلعة: النخلة وهو بإضافة طلعة إلى ذكر.

قوله: (في بئرِ ذَرْوَانَ) هكذا في معظم نسخ البخاري. وفي جميع روايات مسلم في بئر ذي أروان.

قال النووي

(5)

: وكلاهما صحيح مشهور.

قال

(6)

: والذي في مسلم أجود وأصح.

وادّعى ابن قتيبة

(7)

أنه الصواب، وهو قول الأصمعي

(8)

وهي بئرٌ بالمدينة في بستان بني زريق.

قوله: (نُقاعةَ الحِنَّاءِ) بضم النون من نقاعة وهو: الماء الذي تنقع فيه الحنَّاء، والحنَّاء ممدود.

قوله: (أفأخرجتَهُ؟) في الرواية الثانية

(9)

: "أفلا أخرَجْتَهُ؟ ". وفي رواية

(10)

: "أفلا أحرقته؟ ".

(1)

في صحيحه رقم (3268).

(2)

في المخطوط (ب): (الكتاب).

(3)

في صحيحه رقم (189/ 243).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 177).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 177).

(6)

أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (14/ 177 - 178).

(7)

في غريب الحديث له (1/ 163).

(8)

ذكره ابن قتيبة في غريب الحديث (1/ 163).

وانظر: معجم البلدان (1/ 299).

ومعجم ما استعجم للبكري (1/ 211).

(9)

لمسلم في صحيحه رقم (44/ 2189).

(10)

لمسلم في صحيحه رقم (43/ 2189).

ص: 480

قال النووي

(1)

: كلاهما صحيحٌ، وذلك بأن يقال: طلبت منه صلى الله عليه وسلم أن يخرجه ثم يحرقه، وأخبر أن الله قد عافاه، وأنه يخاف من إحراقه وإخراجه وإشاعة هذا ضررًا وشرًّا على المسلمين، كتذكر السِّحر أو فعله.

والحديث فيه: "أو إيذاء فاعله" فيحمله ذلك أو يحمل بعض أهله ومحبيه من المنافقين وغيرهم على سحر الناس وأذاهم وانتصابهم لمنابذة المسلمين بذلك.

وهذا من باب ترك مصلحة لخوف مفسدةٍ أعظم منها. وذلك من أهم قواعد الإسلام.

وبمثل هذا يجاب عن استدلال من استدل على عدم جواز قتل الساحر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل من سحره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ترك إخراج ما سحر فيه من البئر لمخافة الفتنة، فبالأولى تركه لقتل الساحر فإن الفتنة في ذلك أعظمُ وأشدّ.

45/ 3205 - (وعَنْ أبي مُوسى أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ "ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلونَ الجَنَّةَ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَقَاطِعُ رَحِمٍ، ومُصَدِّقٌ بالسّحْرِ")

(2)

. [حسن لغيره]

46/ 3206 - (وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أتى كاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فصَدَّقَهُ بِمَا يقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ". رواهُما أَحمَدُ ومُسْلِمٌ)

(3)

. [صحيح]

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 177).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 399) بسند ضعيف، لضعف أبي حَرِيز - وهو عبد الله بن الحسين الأزدي - وبقية رجاله ثقات.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 74) وقال: "رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات".

• ولم أجده في صحيح مسلم.

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (7248) وابن حبان رقم (6137) والحاكم (4/ 146) من طريقين عن المعتمر بن سليمان، به.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره.

(3)

أحمد في المسند (2/ 408، 476).

• ولم أجده في صحيح مسلم. =

ص: 481

47/ 3207 - (وعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبي عُبَيْدٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَقْبلِ الله لهُ صلَاةً أرْبَعِينَ لَيْلَةً". رواهُ أَحمدُ

(1)

ومُسْلِمٌ"

(2)

. [صحيح]

قوله: (لا يدخلون الجنَّة) فيه دليل على أن بعض أهل التوحيد لا يدخلون الجنَّة، وهم مَنْ أقدم على معصية صَرَّح الشارع بأنَّ فاعلها لا يدخل الجنَّة كهؤلاء الثلاثة، ومن قتل نفسه، ومن قتل معاهدًا، وغيرهم من العصاة الفاعلين لمعصية، ورد النصُّ بأنها مانعةٌ من دخول الجنة فيكون حديث أبي موسى المذكور وما ورد في معناه مخصصًا لعموم الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة.

= قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3904) والترمذي رقم (135) وابن ماجه رقم (639) والنسائي في "عِشرة النساء" رقم (131).

والدارمي (1/ 259) والبيهقي (7/ 198) وابن الجارود في المنتقى رقم (107) من طرق عن حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهُجَيمي عن أبي هريرة، به.

قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة، وقال البخاري في "التاريخ الكبير" (3/ 17) عقب الحديث:"هذا حديث لا يتابع عليه، ولا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة في البصريين". اهـ.

وقال ابن عدي في "الكامل"(2/ 637): "وحكيم الأثرم يعرف بهذا الحديث، وليس له غيره إلَّا اليسير". اهـ.

قلت: أعلوا الحديث بأمرين:

الأول: ضعف حكيم الأثرم.

والثاني: الانقطاع بين أبي تميمة وأبي هريرة.

فالجواب عن الأول: أنَّ حكيم وثقه ابن المديني، وأبو داود، وابن حبان، وقال النسائي: لا بأس به، وقال الذهبي:"صدوق".

انظر: "تهذيب التهذيب"(1/ 475 - 476 - دار الفكر) والكاشف (1/ 186).

أما الجواب عن الثاني: فأبو تميمة اسمه طريف بن مُجالد، قد توفي سنة (97 هـ) وأبو هريرة توفي سنة (58 أو 59 هـ) والمعاصرة تكفي كما قال الجمهور، إن كان ثقة غير مدلس، وأبو تميمة كذلك.

وللحديث طرق أخرى عن أبي هريرة، انظر:"الإرواء"(7/ 69 - 70).

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(1)

في المسند (4/ 68).

(2)

في صحيحه رقم (125/ 2230).

وهو حديث صحيح.

ص: 482

قوله: (من أتى كاهنًا) قال القاضي عياض

(1)

: كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب:

(أحدها): يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم بطل من حين بعث الله تعالى نبينا.

(الثاني): أن يخبره بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عنه مما قرب أو بعد وهذا لا يبعد وجوده.

ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما، ولا استحالة في ذلك، ولا بُعد في وجوده لكنهم يصدقون ويكذبون، والنهي عن تصديقهم والسماع منهم عام.

(الثالث): المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله فيه لبعض الناس قوّة ما، لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عرّاف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدّعي معرفتها بها، وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك كالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة، وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة، وقد أكذبهم كلهم الشرع ونهى عن تصديقهم وإتيانهم.

قال الخطابي

(2)

: العراف: هو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق ومكان الضالة ونحوهما.

قال في النهاية

(3)

: الكاهن يشمل العرّاف والمنجم.

قوله: (فصدقه بما يقول) زاد الطبراني

(4)

من رواية أنس: "ومن أتاه غير

(1)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(7/ 154).

(2)

في معالم السنن (4/ 225 - مع السنن).

(3)

(2/ 573).

(4)

في الأوسط رقم (6670).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 118) وقال: فيه رشدين بن سعد وهو ضعيف، وفيه توثيق في أحاديث الرقائق. وبقية رجاله ثقات. قلت: رشدين بن سعد مصري، قال البخاري عن الأوزاعي، في أحاديثه مناكير. قال أحمد: لا يبالي عمن روى، وليس به بأس في الرقاق، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: ضعيف. =

ص: 483

مصدِّق له لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة". وظاهر هذا أن التصديق شرط في ثبوت كفر من أتى الكاهن والعرّاف.

قوله: (فقد كفر) ظاهره أنه الكفر الحقيقي، وقيل: هو الكفر المجازي، وقيل: من اعتقد أن الكاهن والعراف يعرفان الغيب ويطلعان على الأسرار الإلهية كان كافرًا كفرًا حقيقيًا كمن اعتقد تأثير الكواكب وإلا فلا

(1)

.

قوله: (لم يقبلِ اللهُ منهُ صلاةً أربعينَ ليلةً) قال النووي

(2)

: معناه أنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه. ولا يحتاج معها إلى إعادة، ونظير هذه الصلاة في الأرض المغصوبة فإنها مجزئة مسقطة للقضاء ولكن لا ثواب فيها، كذا قاله جمهور أصحابنا، قالوا: فصلاة الفرض وغيرها من الواجبات إذا أتى بها على وجهها الكامل ترتب عليها شيئان: سقوط الفرض عنه، وحصول الثواب، فإذا أدّاها في أرض مغصوبة حصل الأول دون الثاني.

ولا بدّ من هذا التأويل في هذا الحديث، فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العرّاف إعادة صلاة أربعين ليلة، فوجب تأويله، والله أعلم. اهـ.

48/ 3208 - (وعَنْ عائشةَ قالَتْ: سألَ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ناسٌ عَنِ الْكهانَةِ، فقالَ:"لَيْسُوا بِشَيْءٍ"، فقالُوا: يا رسُولَ الله إنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِشَيءٍ فَيَكُونُ

= [المجروحين (1/ 303) والميزان (2/ 49) والتقريب (1/ 251) والخلاصة (ص 117)].

(1)

قال الحافظ الحكمي في "سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد"(2/ 712 مع معارج القبول) بتحقيقي:

ومن يصدق كاهنًا فقد كفرْ

بما أتى به الرسولُ المعتبرْ

ثم قال الحافظ الحكمي في "معارج القبول بشرح سلم الوصول": (ومن يصدق كاهنًا) يعتقد بقلبه صِدقَه فيما ادعاه من علم المغيباتِ التي استأثر الله بعلمها (فقد كفر) أي بلغ درجةَ الكفرِ بتصديقه الكاهنَ بما أتى به الرسول) محمدٌ صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل من الكتاب والسنة ربما أتى به غيرُه صلى الله عليه وسلم من الرسل عليهم السلام

".

ثم ذكر رحمه الله تعريف الكاهن وفند كذبه وكفره، وأوضح كفر من صدقه. فارجع إليه مخير مأمور فإنه مفيد في بابه (2/ 712 - 720 ط: دار ابن الجوزي في الدمام).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 227).

ص: 484

حَقًّا، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُها الْجِنِّيُّ فيقُرَّها في أذُنِ وَلِيِّهِ يَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كذْبَةٍ". مُتَّفَق عَليهِ)

(1)

. [صحيح]

49/ 3209 - (وعَنْ عَائشةَ قالَتْ: كانَ لأبي بَكْرٍ غُلَامٌ يأكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فقالَ لَهُ الغُلَامُ: تَدْري مِمَّا هَذا؟ قالَ: ومَا هُوَ؟ قال: كُنْتُ تكَهَّنْتُ لإنْسان في الجَاهِلِيَّةِ وَمَا أَحْسِنُ الكَهَانَةَ إلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فلَقِيَنِي فأعْطَانِي بذلِكَ، فَهذَا الذِي أكَلْتَ مِنهُ، فأدْخَلَ أبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيءٍ في بَطْنِهِ. أَخْرَجَهُ البُخاريُّ)

(2)

. [صحيح]

50/ 3210 - (وعَنْ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اقْتبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبةً مِنَ السِّحْرِ زادَ ما زَادَ". رَواهُ أحمدُ

(3)

وأبُو دَاوُدَ

(4)

وابْنُ ماجهْ)

(5)

.

حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود

(6)

والمنذري

(7)

ورجال إسناده ثقات.

قوله: (ليسوا بشيءٍ) معناه: بطلان قولهم، وأنه لا حقيقة له.

قال النووي

(8)

: وفيه جواز إطلاق هذا اللفظ على ما كان باطلًا. انتهى.

وذلك لأنه لعدم نفعه كالمعدوم الذي لا وجود له.

قوله: (تلك الكلمة من الحقِّ يخطَفها) بفتح الطاء المهملة على المشهور، وبه جاء القرآن، وفي لغةٍ قليلة: كسرها، ومعناه: استرقه وأخذه بسرعة.

(1)

أحمد في المسند (6/ 87) والبخاري رقم (5762) ومسلم (123/ 2228).

(2)

في صحيحه رقم (3842).

(3)

في المسند (1/ 227) و (1/ 311).

(4)

في سننه رقم (3905).

(5)

في سننه رقم (3726).

قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (714) والطبراني في المعجم الكبير رقم (11278) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (5197).

وهو حديث حسن.

(6)

في سننه (4/ 227).

(7)

في المختصر (5/ 371).

(8)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 223).

ص: 485

قوله: (فَيَقُرُّها) بفتح الياء التحتية وضم القاف وتشديد الراء. قال أهل اللغة

(1)

والغريب

(2)

: القرُّ: ترديدك الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه تقول: قررته فيه أقرُه قرًا.

قال الخطابي

(3)

وغيره: معناه أن الجنيَّ يقذف الكلمة إلى وليِّه الكاهن [فتسمعُها]

(4)

الشياطين.

وفي رواية للبخاري

(5)

: "يقرُّها في أذنه، كما تقرُّ القارورة".

وفي رواية لمسلم

(6)

: "فيقرُّها في أذن وليِّه قرَّ الدجاجة" بفتح القاف من قرَّ، والدَجاجة بالدال: هي الحيوان المعروف: أي صوتها عند مجاوبتها لصواحبها.

قال الخطابي

(7)

: وفيه وجهٌ آخر، وهو أن تكون الرواية: قرَّ الزجاجة بالزاي، يدل عليه رواية البخاري (5) المتقدمة بلفظ كما تقر القارورة، فإن ذكر القارورة يدل على أن الرواية: الزجاجة، بالزاي.

قال القاضي عياض

(8)

: أما مسلم فلم تختلف الرواية عنه أنها الدجاجة بالدال، لكن رواية القارورة تصحح الزجاجة.

قال القابسي

(9)

: معناه يكون لما إلى وليه حسَّ كحسِّ القارورة عند تحريكها على اليد أو على صفا.

قوله: (يخلطون) في رواية لمسلم

(10)

: "يقرفون " بالراء.

قال النووي

(11)

: هذه اللفظة ضبطوها على وجهين: (أحدهما): بالراء،

(1)

القاموس المحيط (ص 592).

(2)

النهاية في غريب الحديث (2/ 436) والفائق للزمخشري (3/ 178).

(3)

في غريب الحديث له (1/ 611).

(4)

في المخطوط (ب): (فيسمعها).

(5)

في صحيحه رقم (3288).

(6)

في صحيحه رقم (123/ 2228).

(7)

في غريب الحديث له (1/ 611).

(8)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 156 - 157).

(9)

حكاه عنه القاضي عياض في المرجع المتقدم.

(10)

في صحيحه رقم (124/ 2229).

(11)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 227).

ص: 486

(والثاني): بالذال. ووقع في رواية الأوزاعي وابن معقل بالراء باتفاق النسخ، ومعناه يخلطون فيه الكذب وهو بمعنى يقذفون. وفي رواية يونس:"يرقون".

قال القاضي

(1)

: ضبطناه عن شيوخنا بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف. قال: ورواه بعضهم بفتح الياء وإسكان الراء.

قال في المشارق

(2)

: قال بعضهم: صوابه بفتح الياء وإسكان الراء وفتح القاف، وكذا ذكره الخطابي

(3)

، قال: ومعناه يزيدون، يقال: رقي فلان إلى الباطل بكسر القاف: أي رفعه وأصله من الصعود: أي يدعون فيها فوق ما سمعوا.

قال القاضي عياض

(4)

: وقد تصح الرواية الأولى على تضعيف هذا الفعل وتكثيره.

قوله: (فقاء كلَّ شيء في بطنه) فيه متمسك لتحريم ما أخذه الكهَّان ممن يتكهنون له، وإن دفع ذلك بطيبة من نفسه.

قوله: (من اقتبس) أي تعلم يقال: قبست العلم واقتبسته: إذا تعلمته.

والقبس

(5)

: الشعلة من النار، واقتباسها: الأخذ منها.

قوله: (اقتبس شعبة من السحر) أي قطعة، فكما أن تعلم السحر والعمل به حرام، فكذا تعلم علم النجوم والكلام فيه حرام،

قال ابن رسلان في شرح السنن: والمنهي عنه ما يدعيه أهل التنجيم

(6)

من علم الحوادث والكوائن التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها، وهذا تعاط لعلم استأثر الله بعلمه.

(1)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 157).

(2)

المشارق (1/ 299).

(3)

في غريب الحديث له (1/ 612).

(4)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 157).

(5)

القاموس المحيط (727).

(6)

انظر: "معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد" للحافظ الحكمي (2/ 701 - 709) بتحقيقي تحت عنوان (من أنواع السحر علم التنجيم) فإنه مفيد في بابه.

ص: 487

قال: وأما علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقي فغير داخل فيما نهي عنه، ومن المنهي عنه التحدث بمجيء المطر ووقوع الثلج وهبوب الرياح وتغير الأسعار.

قوله: (زاد ما زاد) أي زاد من علم النجوم كمثل ما زاد من السحر، والمراد أنه إذا ازداد من علم النجوم فكأنه ازداد من علم السحر.

وقد علم أن أصل علم السحر حرام

(1)

والازدياد منه أشد تحريمًا، فكذا الازدياد من علم التنجيم.

(1)

قال الوزير ابن هبيرة الحنبلي في كتابه "الإفصاح عن معاني الصحاح في مذاهب الأئمة الأربعة"(10/ 28 - 33): قال: "واختلفوا: فيمن يتعلم السحر ويستعمله، فقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، يكفر بذلك".

قلت: واستدلوا الثلاثة على كفر من يتعلم السحر ويستعمله بقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} إلى قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102].

أي: وما كفر سليمان، وما كان ساحرًا كفر بسحره. وقولهما: فلا تكفر، أي: لا تتعلمه فتكفر بذلك.

ثم قال ابن هبيرة: "إلا أن من أصحاب أبي حنيفة من فصَّل فقال: إن تعلمه ليتفيه أو ليتجنبه فلا يكفر بذلك، وإن تعلمه معتقدًا لجوازه أو معتقدًا أنه ينفعه فإنه يكفر، ولم ير الإطلاق، وإن اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر.

وقال الشافعي: إذا تعلم السحر قلنا له: صف سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر بمثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر، فإن اعتقد إباحته فهو كافر.

وهل يقتل بمجرد تعلمه أو استعماله؟.

قال مالك وأحمد: "يقتل بمجرد ذلك، وإن لم يقتل به". اهـ.

قلت: استدلا بحديث جندب بن جنادة المتقدم برقم (3200) وحديث بجالة بن عبده، من كتابنا هذا.

ثم قال ابن هبيرة: "وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يقتل بذلك فإن قتل الساحر قُتِل عندهم. إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا يقتل حتى يتكرر ذلك منه.

وروى عنه أنه قال: لا يقتل حتى يقر أني قتلت إنسانًا بعينه". اهـ.

قلت: ووجه كلام أبي حنيفة والشافعي الحديث المرفوع بلفظ: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنًا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق" تقدم برقم (2996) من كتابنا هذا. =

ص: 488

51/ 3211 - (وعَنْ مُعاوِيةَ بْنِ الحَكَمِ السُّلَمِيِّ قالَ: قُلْتُ: يا رسُولَ الله إنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَقَدْ جاءَ الله بالإسلَامِ فإنَّ مِنَّا رِجالًا يأتُونَ الكُهَّانَ، قالَ:"فَلَا تَأتِهمْ"، قالَ: وَمنَّا رِجالٌ يَطَّيَّرُونَ، قالَ: "ذلِكَ [بِشَيْءٍ]

(1)

يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ فلَا يَصُدَّنَّكُمْ"، قالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجالٌ يخُطُّونَ، قالَ: "كانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنبِيَاءِ يَخُطُّ، فمَنْ وافَقَ خَطُّهُ فَذاكَ". رَواهُ أحْمَدُ

(2)

ومُسْلِمٌ)

(3)

. [صحيح]

هذا الحديث هو طويل حذف المصنف رحمه الله ما لا تعلق له بالمقام، وقد تقدم في الصلاة طرف منه، وفي العتق طرف آخر.

قوله: (فلا تأتهم) فيه النهي عن إتيان الكهان، وقد تقدم الكلام على ذلك.

قوله: (يطيرون) بفتح التحتية في أوله وتشديد الطاء المهملة وأصله يتطيرون أدغمت التاء الفوقية في الطاء، والتطير: التشاؤم، وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي، وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح، فينفرون الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم، وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا، فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم، فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير ينفع ولا يضر.

وقد أخرج أبو داود

(4)

والترمذي

(5)

وصححه [وابن حبان

(6)

]

(7)

وابن ماجه

(8)

من حديث ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطيرة شرك" ثلاث مرات، "وما منّا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل".

= ولم يصدر من الساحر أحد الثلاث فوجب أن لا يحل دمه.

(1)

في المخطوط (ب): (شيء).

(2)

في المسند (3/ 443) و (5/ 447، 449).

(3)

في صحيحه رقم (33/ 537).

(4)

في سننه رقم (3910).

(5)

في سننه رقم (1614) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سلمة بن كهيل.

(6)

في صحيحه رقم (6122) إسناده صحيح.

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(8)

في سننه رقم (3538). =

ص: 489

قال الخطابي

(1)

: قال محمد بن إسماعيل - يعني البخاري -: كان سليمان بن حرب ينكر هذا ويقول: هذا الحرف ليس قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه قول ابن مسعود.

وحكى الترمذي

(2)

عن البخاري عن سليمان بن حرب نحو هذا، وأن الذي أنكره هو:"وما منّا إلَّا".

قال المنذري

(3)

: الصواب ما قاله البخاري وغيره أن قوله: "وما منّا .. إلخ" من كلام ابن مسعود مدرج.

قال الحافظ أبو القاسم الأصبهاني

(4)

والمنذري

(5)

وغيرهما: في الحديث إضمار، أي: وما منّا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك، يعني قلوب أمته

(6)

.

وقيل: معناه ما منّا إلا من يعتريه التطير وتسبق إلى قلبه الكراهة، فحذف اختصارًا واعتمادًا على فهم السامع، وهذا هو معنى ما وقع في حديث الباب.

= قلت: وأخرجه أحمد (1/ 389، 440) والبخاري في الأدب المفرد رقم (909) والبيهقي (8/ 139) والطيالسي رقم (356) والحاكم (1/ 17 - 18، 18) والبغوي في شرح السنة رقم (3257) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 312) وفي "مشكل الآثار"(1/ 358) و (2/ 304) من طرق. من حديث ابن مسعود.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح سنده، ثقات رواته، ولم يخرجاه.

وهو حديث صحيح.

(1)

في "معالم السنن"(4/ 230 - مع السنن).

(2)

في سننه (4/ 161).

(3)

في "الترغيب والترهيب" له (3/ 647 بإثر الحديث 4537).

(4)

في "الترغيب والترهيب" له (1/ 309).

(5)

في "الترغيب والترهيب"(3/ 647) والمختصر (5/ 375).

(6)

• قال المحدث الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(3/ 197 رقم التعليقة 2): "قلت: والراجح عندي أنه مرفوع من قوله صلى الله عليه وسلم كما هو مبين في "الأحاديث الصحيحة" (429)، ولذلك جعلته بين الأهلة". اهـ.

• وقال الألباني في "الصحيحة" رقم (429): قلت: يعني أن هذا القدر من الحديث مدرج ليس مرفوعًا، وكأنه لهذا لم يورده السيوطي بتمامه، وإنما أورد الجملة الأولى منه؛ اعتمادًا على كلام ابن حرب.

قال الشارح المناوي: "لكن تعقبه ابن القطان بأن كل كلام مسوق في سياق لا يقبل دعوى درجه إلا بحجة".

قلت: ولا حجة هنا في الإدراج، فالحديث صحيح بكامله". اهـ.

ص: 490

قال: "ذلك [بشيء]

(1)

يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم".

قال النووي في شرح مسلم

(2)

: معناه: أن كراهة ذلك تقع في نفوسكم في العادة، ولكن لا تلتفتوا إليه، ولا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل هذا. انتهى.

وإنما جعل الطيرة من الشرك؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن التطيُّر يجلب لهم نفعًا، أو يدفع عنهم ضررًا، إذا عملوا بموجبه، فكأنهم أشركوه مع الله تعالى، ومعنى إذهابه بالتوكل أن ابن آدم إذا تطير، وعرض له خاطرٌ من التطيُّر أذهبه الله بالتوكُّل، والتفويض إليه، وعدم العمل بما خطر من ذلك، فمن توكل سلم ولم يؤاخذه الله بما عرض له من التطير.

وأخرج الشيخان

(3)

وأبو داود

(4)

من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة" فقال أعرابيّ: ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ قال: فمن أعدى الأول؟ ".

قال معمر: قال الزهري: فحدثني رجلٌ عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يوردن ممرضٌ على مصحّ". قال: فراجعه الرجل فقال: أليس قد حدثتنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى ولا صفر ولا هامة؟ ". قال: "لم أحدثكموه".

قال الزهري: قال أبو سلمة: قد حدَّث به، وما سمعت أبا هريرة نسي حديثًا قط غيره، هذا لفظ أبي داود.

وقد أخرج حديث "لا عدوى .. إلخ" مسلم

(5)

وأبو داود

(6)

من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.

(1)

في المخطوط (ب): (شيء).

(2)

في شرح صحيح مسلم للنووي (5/ 22 - 23).

(3)

البخاري رقم (5774) و (5775) ومسلم رقم (101/ 2220).

(4)

في سننه رقم (3911).

وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (106/ 2220).

(6)

في سننه رقم (3912).

وهو حديث صحيح.

ص: 491

وأخرجه أيضًا أَبو داود

(1)

من طريق أبي صالح عن أبي هريرة.

وأخرج مسلم

(2)

من طريق جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة ولا غول".

وأخرج البخاري

(3)

ومسلم

(4)

وأبو داود

(5)

والترمذي

(6)

وابن ماجه

(7)

عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح".

والفأل الصالح: الكلمة الحسنة.

وأخرج أبو داود

(8)

عن رجل عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته فقال: "أخذنا فألك من فيك".

وأخرج أبو داود

(9)

عن عروة بن عامر القرشي قال: ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أحسنها الفأل ولا ترد مسلمًا، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك".

قال أبو القاسم الدمشقيُّ: ولا صحبة لعروة القرشيِّ تصحُّ. وذكر البخاري وغيره أنه سمع من ابن عباس، فعلى هذا يكون حديثه مرسلًا.

وقال النووي في شرح مسلم

(10)

: وقد صح عن عروة بن عامر

(1)

في سننه رقم (3913) إسناده حسن.

(2)

في صحيحه رقم (107/ 2222).

وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (5756).

(4)

في صحيحه رقم (111/ 2224).

(5)

في سننه رقم (3916).

(6)

في سننه رقم (1615).

(7)

في سننه رقم (3537).

وهو حديث صحيح.

(8)

في سننه رقم (3917).

وهو حديث صحيح.

(9)

في سننه رقم (3919).

وهو حديث ضعيف.

(10)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 224).

ص: 492

الصحابي رضي الله عنه

ثم ذكر الحديث. وقال في آخره: رواه أبو داود بإسناد صحيح.

وأخرج أبو داود

(1)

والنسائي

(2)

عن بريدة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث [غلامًا]

(3)

سأل عن اسمه فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمه رؤي كراهة ذلك في وجهه، فإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رؤي كراهة ذلك في وجهه".

وأخرج أبو داود

(4)

عن سعد بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا هامة ولا عدوى ولا طيرة، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار".

وأخرج البخاري

(5)

ومسلم

(6)

وأبو داود

(7)

والترمذي

(8)

والنسائي

(9)

عن ابن عمر قال: قال [النبي]

(10)

صلى الله عليه وسلم: "الشؤم في الدار والمرأة والفرس".

وفي رواية لمسلم

(11)

: "إنما الشؤم في ثلاث: المرأة والفرس والدار".

وفي رواية له

(12)

: "إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة".

وفي رواية له

(13)

أيضًا: "إن كان الشؤم في شيء ففي الربع والخادم والفرس".

(1)

في سننه رقم (3920).

(2)

في السنن الكبرى رقم (8771 - الرسالة).

وهو حديث صحيح.

(3)

في السنن (عاملًا).

(4)

في سننه رقم (3921).

وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (5093).

(6)

في صحيحه رقم (115/ 2225).

(7)

في سننه رقم (3922).

(8)

في سننه رقم (2824).

(9)

في سننه رقم (9236 - الرسالة).

وهو حديث صحيح.

(10)

في المخطوط (ب): (رسول الله).

(11)

في صحيحه رقم (116/ 2225).

(12)

أي لمسلم في صحيحه رقم (118/ 2225).

(13)

أي لمسلم في صحيحه رقم (120/ 2227).

ص: 493

وأخرج أبو داود

(1)

وصححه الحاكم

(2)

عن أنس: قال: قال رجل: يا رسول إنا كنا في دار كثيرٌ فيها عددنا، وكثير فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى فقلَّ فيها عددنا وقلَّت فيها أموالُنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذروها ذميمة".

وأخرج مالك في الموطأ

(3)

عن يحيى بن سعيد: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال، فقال:"دعوها فإنها ذميمة".

وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد أحد كبار التابعين، أخرجه عبد الرزاق

(4)

بإسناد صحيح.

قال النووي

(5)

: اختلف العلماء في حديث: "الشؤم في ثلاث"، فقال مالك

(6)

رحمه الله: هو على ظاهره، وإن الدار قد يجعل الله تبارك وتعالى سكناها سببًا للضرر أو الهلاك، وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى.

وقال الخطابي

(7)

: قال كثيرون: هو في معنى الاستثناء من الطيرة: أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة.

(1)

في سننه رقم (3924).

(2)

لم أقف عليه عند الحاكم.

وهو حديث حسن.

(3)

في الموطأ (2/ 972 رقم 23) إسناده ضعيف لإرساله.

وله شاهد موصول من حديث أنس بن مالك، عند أبي داود رقم (3924) والبخاري في الأدب المفرد رقم (755) والبيهقي (8/ 140) وابن عبد البر في "التمهيد"(24/ 69) والضياء في "الأحاديث المختارة"(4/ 364 رقم 1529).

وهو حديث حسن حسنه الألباني في "الصحيحة" رقم (790).

وصحيح الأدب المفرد رقم (705/ 918).

(4)

في "المصنف" رقم (9526) بسند صحيح.

(5)

في شرح لصحيح مسلم (14/ 220 - 221).

(6)

في المنتقى للباجي (7/ 294 - 295) وإكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 148).

(7)

في معالم السنن (4/ 237 - مع السنن).

ص: 494

وقال آخرون

(1)

: شؤم الدار: ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم؛ وشؤم المرأة: عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب؛ وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها، وقيل: حِرانها وغلاء ثمنها؛ وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه.

وقيل: المراد بالشؤم هنا عدم الموافقة.

قال القاضي عياض

(2)

: قال بعض العلماء: لهذه الفصول السابقة في الأحاديث ثلاثة أقسام:

(أحدها): ما لم يقع الضرر به، ولا اطَّردت به عادةٌ خاصةٌ ولا عامّةٌ؛ فهذا لا يلتفت إليه، وأنكر الشَّرع الالتفات إليه، وهو الطِّيرة.

(والثاني): ما يقع عنده الضَّرر عمومًا لا يخصه، ونادرًا لا يتكرر، كالوباء؛ فلا يقدم عليه ولا يخرج منه.

(والثالث): يخصُّ ولا يعمُّ، كالدَّار، والفرس، والمرأة، فهذا يباح الفرار منه. اهـ.

والراجح ما قاله مالك

(3)

، وهو الذي يدل عليه حديث أنس

(4)

الذي ذكرنا فيكون حديث الشؤم مخصصًا لعموم حديث: "لا طيرة"، فهو في قوَّة:"لا طيرة إلا في هذه الثلاث".

وقد تقرر في الأصول

(5)

أنه يبنى العامُّ على الخاصِّ مع جهل التاريخ، واذَعى بعضهم: أنه إجماع، والتاريخ في أحاديث الطيرة والشؤم مجهول.

وما حكاه القاضي عياض

(6)

في كلامه السابق أن الوباء لا يخرج منه، ولا يقدم عليه؛ فلعلَّه يتمسك بحديث النهي عن الخروج من الأرض التي ظهر فيها

(1)

كما في شرح صحيح مسلم للنووي (14/ 220 - 221).

(2)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم له (7/ 148 - 149).

(3)

المنتقى للباجي (7/ 294 - 295).

(4)

وهو حديث حسن تقدم آنفًا.

(5)

إرشاد الفحول (ص 536 - 537) بتحقيقي. والبحر المحيط: (3/ 405 - 409) وتيسير التحرير (1/ 361).

(6)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 149 - 150).

ص: 495

الطاعون والنهي عن دخولها، كما في حديث أسامة بن زيد عند البخاري

(1)

ومسلم

(2)

ومالك في الموطأ

(3)

والترمذي

(4)

، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم بالطاعون بأرضٍ فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم فيها فلا تخرجوا منها".

وقد أخرج أبو داود

(5)

عن يحيى بن عبد الله بن بحير قال: أخبرني من سمع فروة بن مسيك رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض عندنا يقال لها: أرض أبيَن، هي أرضُ ريفنا وميرتنا، وإنها وبئة، أو قال: وباؤها شديدٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"دعها عنك؟ فإنَّ من القَرَف التلف". اهـ.

والقَرَف بفتح القاف والراء بعدها فاء: وهو ملابسة الداء، ومقاربة الوباء، ومداناة المرضى وكل شيء قاربته فقد قارفته.

والتلف: الهلاك، يعني من قارب متلفًا يتلف إذا لم يكن هواء تلك الأرض موافقًا له فيتركها.

قال ابن رسلان: وليس هذا من باب العدوى بل هو من باب الطب، فإن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان، وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الأسقام.

قال

(6)

: واعلم أنَّ في المنع من الدخول إلى الأرض الوبئة حِكَمًا:

(أحدها): تجنب الأسباب المؤذية والبعد منها.

(الثاني): الأخذ بالعافية التي هي مادة مصالح المعاش والمعاد.

(الثالث): أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيكون سببًا للتلف.

(1)

في صحيحه رقم (5728).

(2)

في صحيحه رقم (92/ 2218).

(3)

في الموطأ (2/ 896 رقم 23).

(4)

في سننه رقم (1065).

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (3923) بسند ضعيف.

(6)

أي ابن رسلان.

ص: 496

(الرابع): أن لا يجاور المرضى الذين قد مرضوا بذلك فيحصل له بمجاورتهم من جنس أمراضهم، والحديث يدل على هذا. اهـ.

قال المنذري

(1)

في مختصر السنن بعد أن ذكر حديث فروة المذكور ما لفظه: في إسناده رجل مجهول.

قال

(2)

: ورواه عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر بن راشد عن يحيى بن عبد الله بن بحير عن فروة، وأسقط المجهول، وعبد الله بن معاذ

(3)

وثقه يحيى بن معين وغيره، وكان عبد الرزاق يكذبه. اهـ.

ورجال إسناد هذا الحديث ثقاتٌ؛ لأنه رواهُ أبو داود عن مخبد بن خالد شيخ مسلم، وعباس العنبري شيخ البخاري - تعليقًا -، ومسلم قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر - وهما من رجال الصحيحين - عن يحيى بن عبد الله بن بحير، ذكره ابن حبان في الثقات.

ومما ينبغي أن يجعل مخصصًا لعموم حديث: "لا عدوى ولا طيرة"، ما أخرجه مسلم في صحيحه

(4)

والنسائي

(5)

وابن ماجه

(6)

في سننهما من حديث الشريد بن سويد الثقفي، قال:"كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا قد بايعناك فارجع".

(1)

في المختصر (5/ 379).

(2)

أي المنذري في المرجع السابق.

(3)

عبد الله بن معاذ بن نشيط الصنعاني، مولى خالد بن غلاب قال أبو زرعة: قال ابن معين: كان عبد الرزاق يكذبه.

وقال هشام بن يوسف: هو صدوق.

وقال يحيى بن معين: وهو ثقة.

قال أبو زرعة: وأنا أقول: هو أوثق من عبد الرزاق.

وقال مسلم: ثقة صدوق.

[تهذيب التهذيب (2/ 436)].

(4)

في صحيحه رقم (126/ 2231).

(5)

في سننه رقم (4182).

(6)

في سننه رقم (3544).

وهو حديث صحيح.

ص: 497

وأخرج البخاري في صحيحه تعليقًا

(1)

من حديث سعيد بن ميناء قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة ولا هام ولا صفر، وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد".

ومن ذلك: "حديث لا يورد ممرض على مصح"

(2)

الذي قدمناه.

قال القاضي عياض

(3)

: قد اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الفجذوم، فثبت عنه الحديثان المذكوران. وعن جابر

(4)

أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع مجذوم، وقال له:"كُلْ ثقة بالله تبارك وتعالى، وتوكلًا عليه".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لنا مولى مجذومٌ فكان يأكل في صحافي، ويشرب في أقداحي، وينام على فراشي

(5)

.

قال: وقد ذهب عمر رضي الله عنه وغيره من السلف إلى الأكل معه، ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخٌ.

والصحيح الذي قاله الأكثرون، ويتعين المصير إليه أنه لا نسخ، بل يجب الجمع بين الحديثين، وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط. وأما الأكل معه ففعله لبيان الجواز والله أعلم، كذا في شرح مسلم للنووي

(6)

.

والحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم أكل مع المحذوم أخرجه أبو داود

(7)

والترمذي

(8)

وابن ماجه

(9)

. قال الترمذي

(10)

: غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث

(1)

في صحيحه رقم (5707).

(2)

أخرجه البخاري رقم (5774) ومسلم رقم (104/ 2221) من حديث أبي هريرة.

(3)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 162).

(4)

أخرجه أبو داود رقم (3925) والترمذي رقم (1817) وابن ماجه رقم (3542) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 219) وقال الترمذي: غريب.

وهو حديث ضعيف.

(5)

انظر: فتح الباري (10/ 159).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 228).

(7)

في سننه رقم (3925).

(8)

في سننه رقم (1817).

(9)

في سننه رقم (3542).

(10)

في السنن (4/ 266).

وهو حديث ضعيف، وقد تقدم.

ص: 498

يوسف بن محمدٍ عن المفضل بن فُضالة، وهذا شيخٌ بصري، والمفضل بن فضالة شيخ مصري أوثق من هذا وأشهر.

وروى شعبة هذا الحديث عن حبيب بن الشهيد عن أبى بريدة أن عمر أخذ بيد مجذوم، وحديث شعبة أشبه عندي وأصح.

قال الدارقطني

(1)

: تفرد به مفضل بن فضالة البصري أخو مبارك عن حبيب بن الشهيد عنه يعني عن ابن المنكدر.

وقال ابن عدي الجرجاني

(2)

: لا أعلم يرويه عن حبيب بن الشهيد غير مفضل بن فُضالة، وقالوا: تفرد بالرواية عنه يونس بن محمد. اهـ.

والمفضل بن فضالة البصري كنيته أبو مالك. قال يحيى بن معين: ليس بذاك. وقال النسائي (3): ليس بالقوي. وقال أبو حاتم

(3)

: يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات.

قال القاضي عياض

(4)

: قال بعض العلماء

(5)

: في هذا الحديث وما في معناه - يعني: حديث الفرار من المجذوم - دليل على أن يثبت للمرأة الخيار في فسخ النكاح إذا وجدت زوجها مجذومًا أو حدث به جذام.

قال النووي

(6)

: واختلف أصحابنا وأصحاب مالك

(7)

في أن أمته هل لها منع نفسها من استمتاعه إذا أرادها؟

قال القاضي

(8)

: قالوا: ويمنع من المسجد والاختلاط بالناس.

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 159).

(2)

في "الكامل"(6/ 2404).

(3)

انظر ترجمته في: التاريخ الكبير (7/ 405) والجرح والتعديل (8/ 317) والميزان (4/ 169) ولسان الميزان (7/ 396) والخلاصة (ص 386) والضعفاء والمتروكين، للنسائي رقم (591) والثقات (7/ 496).

(4)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 164).

(5)

منهم: الباجي في "المنتقى"(7/ 265) والخطابي في أعلام الحديث (3/ 2119).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 228).

(7)

المنتقى للباجي (7/ 265 - 266).

(8)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(7/ 164).

ص: 499

قال

(1)

: وكذلك اختلفوا في أنهم إذا كثروا هل يؤمرون أن يتخذوا لأنفسهم موضعًا منفردًا خارجًا عن الناس، ولا يمنعون من التصرّف في منافعهم، وعليه أكثر الناس، أم لا يلزمهم التنحِّي.

قال

(2)

: ولم يختلفوا في القليل منهم، يعني: في أنهم لا يمنعون، قال: ولا يمنعون من صلاة الجمعة مع الناس، ويمنعون من غيرها.

قال (2): ولو استضرَّ أهل قريةٍ فيهم جذمى بمخالطتهم في الماء؛ فإن قدروا على استنباط ماءٍ بلا ضرر أمروا به، وإلا استنبطه لهم الآخرون، أو أقاموا من يستقى لهم وإلا فلا يمنعون.

قال النووي

(3)

في شرح مُسلم في حديث: "لا يورد ممرض على مصح"

(4)

. قال العلماء: الممرض: صاحب الإبل المراض، والمصحُّ: صاحب الإبل الصحاح؛ فمعنى الحديث: لا يورد صاحب الإبل المراض إبله على إبل صاحب الإبل الصحاح، لأنه ربما أصابها المرض بفعل الله تعالى وقدره الذي أجرى به العادة لا بطبعها فيحصل لصاحبها ضرر بمرضها، وربما حصل له ضرر أعظم من ذلك باعتقاد العدوى بطبعها، فيكفر والله أعلم. انتهى.

وأشار إلى نحو هذا الكلام ابن بطال

(5)

، وقيل: النهي ليس للعدوى، بل للتأذِّي بالرائحة الكريهة ونحوها، حكاه ابن رسلان في شرح السنن.

وقال ابن الصلاح

(6)

: وجه الجمع أنَّ هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، لكنَّ الله سبحانه جعل مخالطة المريض للصحيح سببًا لإعدائه مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب.

قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة

(7)

: والأولى في الجمع أن يقال: إن

(1)

أي القاضي عياض في المرجع السابق.

(2)

أي القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد فسلم"(7/ 164).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 217).

(4)

تقدم تخريجه (ص 498).

(5)

في شرحه لصحيح البخاري (9/ 450).

(6)

(مقدمة ابن الصلاح - مع التقييد والإيضاح)(ص 285).

(7)

في "نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر"(ص 73 - 74) ط: دار الخير.

ص: 500

نفيه صلى الله عليه وسلم للعدوى باق على عمومه، وقد صح قوله:"لا يعدي شيء شيئًا".

وقوله صلى الله عليه وسلم لمن عارضه بأنَّ البعير الأجرب يكون بين الإبل الصحيحة، فيخالطها فتجرب، حيث رد عليه بقوله:"فمن أعدى الأول؟ "

(1)

، يعني أن الله سبحانه ابتدأ ذلك في الثاني كما ابتدأه في الأول.

قال: وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سدِّ الذرائع لئلا يتفق للشخص الذي يخالطه شيءٌ من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية فيظنُّ أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج، فأمر بتجنبه حسمًا للمادة. انتهى.

والمناسبُ للعمل الأصولي في هذه الأحاديث المذكورة في الباب هو أن يبنى "عموم لا عدوى ولا طيرة"(2) على الخاص وهو ما قدمنا من حديث: "الشؤم في ثلاث"(2)، وحديث:"فرّ من المجذوم"(2)، وحديث:"لا يورد ممرض على مصح"

(2)

، وما في [معناها]

(3)

.

وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في جواب سؤال سمَّيناه: "إتحاف المهرة بالكلام على حديث: لا عدوى ولا طيرة"

(4)

.

قوله: (ومنّا رجال يخطون). قال ابن عباس في تفسير هذا الخط: هو الخطُّ الذي يخطه الحازي. والحازي

(5)

بالحاء المهملة، والزاي: هو الحزَّاء، وهو الذي ينظر المغيبات بظنه، فيأتي صاحبُ الحاجة إلى الحازي، فيعطيه حلوانًا، فيقول له: اقعد حتى أخطَّ لك، وبين يدي الحازي غلامٌ له معه مِيْل ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخطُّ فيها خطوطًا كثيرة في أربعة أسطرٍ عجلًا، ثم يمحو منها على مهل خطين خطين، فإن بقي خطان؛ فهو علامة النجح، وإن بقي خطٌّ واحدٌ؛ فهو علامة الخيبة، هكذا في شرح السنن لابن رسلان.

(1)

تقدم آنفًا وقد أخرجه البخاري رقم (5774) و (5775) ومسلم رقم (101/ 2220) وأبو داود رقم (3913).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

في المخطوط (ب): معناه.

(4)

تم تحقيقها وتخريجها في "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني" رقم (53) في (4/ 1931 - 1963) بتحقيقي. ولله الحمد والمنة.

(5)

النهاية في غريب الحديث (1/ 372).

ص: 501

قال: وهذا علم معروف فيه للناس تصانيف كثيرة، وهو معمول به إلى الآن يستخرجون به الضمير.

وقال الحربي

(1)

: الخطُّ في الحديث: هو أن يخطَّ ثلاثة خطوط، ثم يضرب عليهنَّ ويقول: يكون كذا وكذا، وهو ضرب من الكهانة.

قوله: (كان نبيٌّ من الأنبياء يخطُّ) قيل: هو إدريس عليه السلام. حكى مكي

(2)

في تفسيره أن هذا النبي كان يخط بأصبعيه السبابة والوسطى في الرمل ثم يزجر.

قوله: (فمن وافق خطه فذاك) ينصب الطاء على المفعولية والفاعل ضمير يعود إلى لفظ "من".

قال الخطابي

(3)

: هذا يحتمل الزجر عنه؛ إذ كان علمًا لنبوّته. وقد انقطعت فنهينا عن التعاطي لذلك.

قال القاضي عياض

(4)

: الأظهر من اللفظ خلاف هذا، وتصويب خط من يوافق خطه لكن من أين تعلم الموافقة والشرع منع من ادعاء علم الغيب جملة، وإنما معناه: من وافق خطه فذاك الذي تجدون إصابته لا أنه يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم. اهـ.

ولو قيل: إنَّ قوله: فذاك، يدل على الجواز لكان جوازه مشروطًا بالموافقة ولا طريق إليها متصلة بذلك النبي فلا يجوز التعاطي.

(1)

في غريب الحديث له (2/ 722).

(2)

في كتابه "الهداية إلى بلوغ النهاية" وهو تفسير للقرآن الكريم مخطوط لم يطبع، أما المؤلف: أبو محمد، مكي بن أبي طالب - محمد حمّوش - ابن محمد بن مختار القيسي. ولد في مدينة القيروان في شعبان سنة 355 هـ وتلقى مكي علومه الأولية على شيوخ عصره، ورحل إلى مصر والحجاز وتلقى العلم عن علمائهم، ورحل إلى قرطبة وتصدر للتعليم والخطابة، وأفاد منه علماء عصره. توفي في قرطبة في محرم سنة (437 هـ).

[انظر: "سير أعلام النبلاء" (17/ 591) وغاية النهاية لابن الجزري (2/ 309) و، معجم الأدباء" لياقوت (19/ 167)].

(3)

في معالم السنن (4/ 230 - مع السنن).

(4)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 464).

ص: 502

[الباب التاسع] بابُ قتل من صرَّح بسبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم دون من عرَّض

52/ 3212 - (عَنِ الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيٍّ أن يَهُودِيَّة كانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وتَقعُ فيهِ، فَخَنَقَها رجلٌ حتَّى ماتَتْ، فأبْطلَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم دمها. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)

(1)

. [حسن]

53/ 3213 - (وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَعْمَى كانتْ لهُ أمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وتَقعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُها فلَا تَنْزَجِرُ، فلمَّا كانَ ذاتَ ليلةٍ جعَلَتْ تَقَعُ في النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وتَشْتُمُهُ، فأخذَ الْمِعْوَلَ فَجَعَلَهُ في بَطْنِها، وَاتّكَأ عَلَيِهِ فقتلهَا، فلمَّا أصْبَحَ ذُكِرَ ذلِكَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَمَعَ النَّاس فقالَ:"أُنْشِدُ الله رَجلًا فَعَلَ ما فَعَلَ لِي عَليهِ حَقٌّ إلَّا قامَ"، فَقَامَ الأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وهْوَ يَتَدَلْدلُ حتَّى قَعَدَ بَينَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسُولَ الله أَنا صَاحِبُها كانتْ تشتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فأنْهاها فَلَا تَنْتَهي، وَأَزْجُرُها فلَا تَنْزَجِر، ولي مِنْها ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤلُؤتَيْنِ، وكانتْ بِي رَفيقةً، فلمَّا كانَ البَارحَةُ جَعَلتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فأخَذْتُ الْمِعْوَلَ فوَضَعْتهُ في بَطْنِها، وَاتَّكأتُ عَليهِ حتَّى قَتَلْتُها، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَلا اشْهدُوا أَنَّ دَمَها هَدَرٌ".

(1)

في سننه رقم (4362).

قال ابن تيمية في "الصارم المسلول على شاتم الرسول"(2/ 126 - 127): "وهذا الحديث جيد، فإنَّ الشعبي رأى عليًا وروى عنه حديث: شُراحة الهمدانية - وكان على عهد علي قد ناهز العشرين سنة، وهو كوفي، فقد ثبت لقاؤه عليًا، فيكون الحديث متصلًا، ثم إن كان فيه إرسالٌ لأنَّ الشعبي يبعد سماعه من علي فهو حجة وفاقًا، لأن الشعبي عندهم صحيح المراسيل، لا يعرفون له مرسلًا إلَّا صحيحًا، ثم هو من أعلم الناس بحديث علي وأعلمهم بثقات أصحابه". اهـ.

قال العجلي في "تاريخ الثقات"(ص 244): "مرسل الشعبي صحيح، لا يرسل إلا صحيحًا صحيحًا". اهـ.

وانظر: "سير أعلام النبلاء"(4/ 301) للذهبي و"الرسالة" للإمام الشافعي (ص 461 - 463 رقم 1264 - 1270).

وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم.

ص: 503

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

والنَّسائيُّ

(2)

. [صحيح]

واحْتَجَّ بهِ أَحْمَدُ في روايةِ ابنه عَبدِ الله)

(3)

.

54/ 3214 - (وَعَنْ أَنَسٍ قالَ: مَرَّ يَهُودِيٌّ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"وَعليْكَ"؛ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أتدْرُونَ مَا يَقولُ؟ قالَ: السَّامُ عَلَيْكَ"، قالوا: يا رسُولَ الله أَلَا نَقْتُلُهُ؟ قالَ: "لَا، إذَا سَلَّمَ عليْكُمْ أَهْلُ الكِتابِ، فَقُولوا: وَعَلَيْكُمْ". رواهُ أحمَدُ

(4)

والبُخاريُّ

(5)

. [صحيح]

وَقَدْ سَبَقَ أَنّ ذَا الْخُوَيْصِرَةِ قالَ: يا رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اعْدِلْ، وأنّه مَنَعَ مِنْ قَتْلِهِ،

(6)

.

حديث الشعبي عن عليّ سكت عنه أبو داود

(7)

.

وقال المنذري

(8)

: ذكر بعضهم أنَّ الشعبي سمع من عليّ.

(1)

في سننه رقم (4361).

(2)

في سننه رقم (4070).

قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 112 رقم 103) والحاكم في المستدرك (4/ 354) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 60) و (10/ 131).

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وقال الحافظ في "بلوغ المرام" رقم الحديث (7/ 1129) بتحقيقي.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(3)

قال ابن تيمية في "الصارم المسلول"(2/ 142 - 143): "وهذا الحديث مما استدل به الإمام أحمد في رواية عبد الله، قال: ثنا روح، ثنا عثمان الشحام، ثنا عكرمة مولى ابن عباس أن رجلًا أعمَى كانت له أمُّ ولدِ تشتم النبي صلى الله عليه وسلم، فقتلها، فسأله عنها، فقال: يا رسول الله إنها كانت تشتمك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إنَّ دمَ فلانة هَدَرٌ".

قال محققه: ينظر "أحكام أهل الملل للخلال" كتاب الحدود - باب فيمن شتم النبي صلى الله عليه وسلم (ق/104/ أ).

(4)

في المسند (3/ 210، 218).

(5)

في صحيحه رقم (6926).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (2069) ومن طريقه أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (385).

(6)

تقدم برقم (3188) من كتابنا هذا.

(7)

في السنن (4/ 530).

(8)

في "المختصر"(6/ 200).

ص: 504

وقال غيره: إنه رآه

(1)

، ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح.

وحديث ابن عباس سكت عنه أيضًا أبو داود

(2)

والمنذري

(3)

.

وقال الحافظ في "بلوغ المرام"

(4)

: إن رواته ثقات.

والحديث الذي أشار إليه المصنف، أعني قوله:"قال: يا رسول الله اعدل" قد تقدم في باب قتال الخوارج

(5)

.

وفي الباب عن أبي برزة عند أبي داود

(6)

والنسائي

(7)

قال: "كنت عند أبي بكر فتغيظ عليه رجل فاشتد غضبه، فقلت: أتأذن لي يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام فدخل فأرسل إليّ فقال: ما الذي قلت آنفًا؟ قلت: ائذن لي أضرب عنقه، قال: أكنت فاعلًا لو أمرتك؟ قلت: نعم، قال: لا، والله ما كان لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم ".

وفي حديث ابن عباس

(8)

، وحديث الشعبيِّ

(9)

، دليل على أنه يقتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نقل ابن المنذر

(10)

الاتفاق على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم صريحًا وجب قتله.

(1)

قال العجلي في "تاريخ الثقات"(ص 244): "مرسل الشعبي صحيح، لا يرسل إلا صحيحًا صحيحًا".

وانظر: "سير أعلام النبلاء"(4/ 301).

(2)

في السنن (4/ 531).

(3)

في "المختصر (6/ 201).

(4)

عقب الحديث رقم (7/ 1129) بتحقيقي ط: مكتبة ابن تيمية - القاهرة.

(5)

تقدم برقم (3188) من كتابنا هذا.

(6)

في سننه رقم (4363).

(7)

في سننه رقم (4072) وله طرق أخرى عنده من رقم (4073 - 4077) وقال النسائي بعد ذلك: "هذا الحديث أحسن الأحاديث وأجودها والله تعالى أعلم". اهـ. وصححه الألباني.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(8)

تقدم برقم (3213) من كتابنا هذا.

(9)

تقدم برقم (3212) من كتابنا هذا.

(10)

في "الإقناع" له (2/ 584).

حيث قال: "وأجمع عوالم أهل العلم على وجوب القتل على من سب النبي صلى الله عليه وسلم ".

ص: 505

ونقل أبو بكر الفارسيُّ

(1)

أحد أئمة الشافعية في كتاب "الإجماع"

(2)

أن من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم هو قذفٌ صريحٌ كفر باتفاق العلماء، فلو تاب لم يسقط عنه القتل، لأنَّ حدَّ قذفه القتل، وحدُّ القذف لا يسقط بالتوبة].

وخالفه القفال

(3)

فقال: كفر بالسب فسقط القتل بالإسلام.

وقال الصيدلاني

(4)

: يزول القتل ويجب حد القذف.

(1)

أبو بكر الفارسي: هو الإمام الجليل، أبو بكر، أحمد بن الحسين بن سهل الفارسي.

أخذ الفقه عن ابن سريج.

وكان من أعلام المذهب الشافعي، وكبار أئمته المدققين، تفقه به خلق كثير.

ومن مصنفاته:

1 -

"العيون" على مسائل الربيع المرادي 20 - الأصول 30 - كتاب الانتقاد 40 - كتاب الخلاف 50 - كتاب الإجماع.

وفاته سنة (305 هـ) إلا أن ابن السبكي ذكر قرائن تدل على أن وفاته كانت بعد (340 هـ) والله أعلم.

[طبقات ابن السبكي (2/ 184)، (3/ 167) وتهذيب الأسماء (2/ 195) وطبقات الشيرازي (ص 132) تحقيق إحسان عباس والاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية د. محمد حسن هيتو. ص 126 - 127)].

(2)

لم نعلم عن وجوده شيئًا. هل من المفقودات أم من المغيبات؟

• وذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 281).

(3)

القفال الصغير: هو أبو بكر، عبد الله بن أحمد بن عبد الله، المعروف: بالقفال الصغير المروزي.

أحد كبار أئمة الشافعية أصحاب الوجوه، وهو غير القفال الكبير، إذا ذكر فيذكر مقيدًا بالشاشي، على أن ذكر القفال الصغير في كتب المذهب الفقهية أكثر. وأما في كتب الأصول والتفسير وغيرهما مما سوى الفقه فالشاشي يذكر أكثر.

قال عنه ابن السمعاني في "أماليه": (كان وحيد زمانه فقهًا، وحفظًا، وورعًا وزهدًا، وله في فقه الشافعي وغيره من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره. توفي رحمه الله سنة (417 هـ) وهو ابن تسعين سنة، ودفن بسجستان" [طبقات ابن السبكي (5/ 53) وشذرات الذهب (3/ 207) والنجوم الزاهرة (4/ 265) و"الاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية" للدكتور محمد حسن هيتو (ص 197 - 198)].

(4)

الصيدلاني. هو أبو بكر محمد بن داود بن محمد المعروف بالصيدلاني، ويعرف بالداودي أيضًا نسبة إلى أبيه. من كبار أئمة الفقه الشافعي، تلميذ الإمام أبي بكر القفال المروزي، كان إمامًا في الفقه والحديث. توفي سنة (427 هـ).

[طبقات ابن السبكي (4/ 148 - 149) طبقات الإسنوي (2/ 38 - 39) وطبقات ابن قاضي شهبة (1/ 214 - 215).

ص: 506

قال الخطابي

(1)

: لا أعلم خلافًا في وجوب قتله إذا كان مسلمًا.

وقال ابن بطال

(2)

: اختلف العلماء فيمن سبَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك

(3)

: يقتل من سبَّه صلى الله عليه وسلم منهم إلا أن يسلم. وأما المسلم فيقتل بغير استتابة.

ونقل ابن المنذر

(4)

عن الليث، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، مثله في حق اليهود ونحوه.

وروي عن الأوزاعي

(5)

، ومالك (3) في المسلم أنها ردةٌ يستتاب منها.

وعن الكوفيين إن كان ذميًا عزّر، وإن كان مسلمًا فهي ردّةٌ.

وحكى عياض

(6)

خلافًا هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف؟ ونقل عن بعض المالكية

(7)

أنه إنما لم يقتل اليهود الذين كانوا يقولون له: السام عليك لأنهم لم تقم عليهم البينة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهما بعلمه.

وقيل: إنهم لما لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم.

وقيل: إنه لم يحمل ذلك منهم على السب بل على الدعاء بالموت الذي لا بدّ منه، ولذلك قال في الرد عليهم: وعليكم، أي الموت نازل علينا وعليكم فلا معنى للدعاء به، أشار إلى ذلك القاضي عياض

(8)

. وكذا من قال: السأم بالهمز بمعنى السآمة: هو دعاء بأن يملوا الدين وليس بصريح في السبّ.

وعلى القول بوجوب قتل من وقع منه ذلك من ذمي أو معاهد فترك لمصلحة التأليف هل ينتقض بذلك عهده؟ محل تأمل.

(1)

في معالم السنن (4/ 528 - 529).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 580).

(3)

مواهب الجليل (8/ 386) والبيان والتحصيل لابن رشد (16/ 413 - 414).

(4)

في "الإقناع" له (2/ 584). وانظر: الفتح (12/ 281).

(5)

حكاه عنه ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (8/ 581).

(6)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 52).

(7)

حكاه ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (8/ 581).

(8)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 49).

ص: 507

واحتج الطحاوي

(1)

لأصحابه بحديث أنس

(2)

المذكور في الباب، وأيده بأن هذا الكلام لو صدر من مسلم لكانت ردة.

وأما صدوره من اليهود فالذي هم عليه من الكفر أشد، فلذلك لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم.

وتعقب بأن دماءهم لم تحقن إلا بالعهد، وليس في العهد أنهم يسبون النبي صلى الله عليه وسلم، فمن سبه منهم تعدى العهد فينتقض فيصير كافرًا بلا عهد فيهدر دمه إلا أن يسلم.

ويؤيده أنه لو كان كل ما يعتقدونه لا يؤاخذون به لكانوا لو قتلوا مسلمًا لم يقتلوا، لأن من معتقدهم حل دماء المسلمين ومع ذلك لو قتل منهم أحد مسلمًا قتل.

فإن قيل: إنما يقتل بالمسلم قصاصًا بدليل أنه يقتل به ولو أسلم، ولو سب - ثم أسلم لم يقتل.

قلنا: الفرق بينهما أن قتل المسلم يتعلق بحق آدمي فلا يهدر.

وأما السبُّ فإنَّ وجوب القتل به يرجع إلى حقِّ الدين فيهدمه الإسلام، والذي يظهر أن ترك قتل اليهود إنما كان لمصلحة التأليف، أو لكونهم لم يعلنوا به أولهما جميعًا، وهو أولى كما قال الحافظ

(3)

.

* * *

(1)

في شرح معاني الآثار (4/ 343).

(2)

تقدم برقم (54/ 3214) من كتابنا هذا.

(3)

في "الفتح"(12/ 281).

قلت: وأفضل ما كتب في حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "الصارم المسلول على شاتم الرسول"، فقد أجاد وأفاد.

ص: 508

[رابعًا] أبوابُ أحكامِ الرِّدَّةِ والإسْلَامِ

[الباب الأول] بابُ قَتْلِ المرتَدِّ

1/ 3215 - (عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: أُتِيَ عليٌّ [رضي الله عنه]

(1)

بِزَنادِقةٍ فأحْرَقَهُمْ، فَبلَغَ ذلِكَ ابْنَ عبَّاسٍ، فقالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لم أحْرِقهمْ لِنَهْيِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ الله"، ولَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقْتُلُوهُ". رَواهُ الجَماعَةُ إلَّا مُسْلمًا، وَلَيْسَ لابْنِ ماجهْ فِيهِ سِوَى:"مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقْتُلُوهُ"

(2)

. [صحيح]

وفي حَدِيثٍ لأبي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لَهُ: "اذْهَبْ إلى الْيَمَنِ" ثمَّ أتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، فلمَّا قَدِمَ عَليهِ ألْقَى لهُ وِسَادَةً وقالَ: انْزِلْ، وإذَا رَجُلٌ عِندَهُ مُوثَقٌ، قالَ: ما هَذا؟ قالَ: كانَ يَهُودِيًا فأسْلَمَ ثمَّ تَهَوَّدَ، قالَ: لَا أَجْلِسُ حتَّى يُقْتَلَ، قضَاءُ الله ورَسُولِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

وفي روايةٍ لأحْمدَ

(4)

: قَضَى الله ورَسُولهُ أَنَّ مَنْ رجَعَ عَنْ دينِهِ فاقْتُلُوهُ.

[صحيح لغيره]

ولأبي دَاوُدَ

(5)

في هَذِهِ الْقِصّةِ فأُتِيَ أبُو مُوسى برَجُلٍ قَد ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلَامِ، فَدَعاهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ قرِيبًا مِنْهَا، فجَاءَ مُعاذٌ فدَعاهُ فأبَى، فضرَبَ عُنقَهُ). [إسناده صحيح]

(1)

زيادة في المخطوط (أ).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 282) والبخاري رقم (6922) وأبو داود رقم (4351) والترمذي رقم (1458) والنسائي رقم (4060) وابن ماجه رقم (2535).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (4/ 409) والبخاري رقم (6923) ومسلم رقم (15/ 1733).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (5/ 231) بسند صحيح.

(5)

في سننه رقم (4356) بسند صحيح.

ص: 509

2/ 3216 - (وعَنْ محمَّدِ بْنِ عَبدِ الله بْنِ عَبْدٍ الْقَاريِّ قالَ: قدِمَ على عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رجُلٌ مِنْ قِبَلِ أبي موسى فسألهُ عَنِ النَّاسِ فأخْبَرَهُ، ثمَّ قالَ: هَلْ مِنْ مُغْرِبَةِ خَبر؟ قالَ: نعَمْ، رجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلامِهِ، قالَ: فما فعلْتُمْ بِهِ؟ قالَ: قَرَّبْنَاهُ فضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فقالَ عمَرُ: هَلّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وأطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رغِيفًا واسْتَتَبتُمُوهُ، لعَلّهُ يَتُوبُ ويُراجِعُ أَمْرَ الله؟ اللهُمّ إنِّي لمْ أَحْضرْ وَلَمْ أَرْضَ إذْ بَلغنِي. رواهُ الشّافعِيُّ)

(1)

. [موقوف ضعيف]

أثر عمر أخرجه أيضًا مالك في الموطأ

(2)

عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه.

قال الشافعي

(3)

: من لا يتأنى بالمرتد زعموا أن هذا الأثر عن عمر ليس بمتصل.

ورواه البيهقي

(4)

من حديث أنس قال: "لما نزلنا على تستر"، فذكر الحديث، وفيه:"فقدمت على عمر فقال: يا أنس ما فعل الستة الرهط من بكر بن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام فلحقوا بالمشركين؟ قال: يا أمير المؤمنين قتلوا بالمعركة، فاسترجع عمر، قلت: وهل كان سبيلهم إلا القتل؟ قال: نعم، قال: كنت أعرض عليهم الإسلام، فإن أبوا أودعتهم السجن".

(1)

في المسند (ج 2 رقم 286 - ترتيب).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 206 - 207) والسنن الصغير رقم (3171) ومعرفة السنن والآثار (6/ 309 رقم 5032 - العلمية). ومالك في الموطأ (2/ 737 رقم 16).

إسناده ضعيف. وفيه علتان:

الأولى: الانقطاع. فإن محمد بن عبد الله بن عبد القاري لم يدرك عمر، وبه أعله البيهقي نقلًا عن الشافعي.

والثانية: محمد بن عبد الله هذا مقبول كما في "التقريب" رقم الترجمة (6031) والمقبول: يعني: حيث يتابع، وإلا فلين، ولم يتابع.

والخلاصة: أن الأثر موقوف ضعيف، والله أعلم.

(2)

في الموطأ (2/ 737 رقم 16) وقد تقدم وهو موقوف ضعيف.

(3)

المهذب (5/ 208 - 209) والروضة للنووي (10/ 76) وبدائع المنن (2/ 218).

(4)

في السنن الكبرى (8/ 207).

ص: 510

وفي الباب عن جابر: "أن امرأة يقال لها: أم رومان". وفي التلخيص

(1)

: "أن الصواب: أم مروان ارتدتْ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عليها الإسلام، فإن تابت وإلا قتلت". أخرجه الدارقطني

(2)

والبيهقي

(3)

من طريقين، وزاد في إحداهما:"فأبت أن تسلم فقتلت".

قال الحافظ

(4)

: وإسنادهما ضعيفان.

وأخرج البيهقي

(5)

من وجه آخر ضعيف عن عائشة: "أن امرأة ارتدت يوم أُحد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب، فإن تابت وإلا قتلت".

وأخرج أبو الشيخ في كتاب الحدود

(6)

عن جابر: "أنه صلى الله عليه وسلم استتاب رجلًا أربع مرات".

وفي إسناده العلاء بن هلال

(7)

وهو متروك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر.

(1)

في "التلخيص"(4/ 92).

(2)

في السنن (3/ 118 - 119 رقم 122).

قال الآبادي في "التعليق المغني" الحديث فيه معمر بن بكَّار، وفي حديثه وهم، قاله العقيلي، كذا في "الزيلعي" - نصب الراية (3/ 459) - وفي "التلخيص" - (4/ 92) - رواه البيهقي - (8/ 203) - أيضًا من طريقين: وزاد في أحدهما: فأبتْ أن تُسْلِم، فقلت: وإسنادهما ضعيفان". اهـ.

(3)

في السنن الكبرى (8/ 203) وقد تقدم في التعليفة السابقة.

(4)

في "التلخيص"(4/ 92).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 203).

(6)

اسم الكتاب (حد السرقة) لأبي الشيخ (أبو محمد، عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، (ت 369 هـ).

سماه السمعاني في "التحبير"(1/ 161): (القطع والسرقة) وكذا الكتاني في "الرسالة المستطرقة"(49) ولم يصل إلينا.

[معجم المصنفات (ص 182) رقم (50)].

• عزاه الحافظ في "التلخيص" لأبي الشيخ (4/ 93) وإسناده ضعيف جدًّا.

(7)

العلاء بن هلال قال أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف. وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد، ويغير الأسماء. مات سنة (215 هـ).

الجرح والتعديل (6/ 361) والمجروحين (2/ 184) والميزان (3/ 106).

ص: 511

ورواه البيهقي

(1)

من وجه آخر من حديث عبد الله بن وهب عن الثوري عن رجل عن عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلًا، وسمى الرجل نبهان.

وأخرج الدارقطني

(2)

والبيهقي

(3)

: "أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها: [أم فرقة]

(4)

كفرت بعد إسلامها فلم تتب فقتلها". قال الحافظ

(5)

: وفي السير

(6)

"أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل [أم فرقة] (4) يوم قريظة وهي غير تلك".

وفي الدلائل عن أبي نعيم: "أن زيد بن ثابت قتل [أم فرقة] (4) في سريته إلى بني فزارة".

قوله: (بزنادقة) بزاي، ونونٍ، وقافٍ: جمع زنديق، بكسر أوله وسكون ثانية.

قال أبو حاتم السجستاني وغيره

(7)

: الزنديق: فارسيٌّ معرَّبٌ، أصله، زنده كرد، أي: يقول بدوام الدهر؛ لأن (زنده): الحياة، و (كرد): العمل، ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور.

وقال ثعلب

(8)

: ليس في كلام العرب زنديق، وإنما يقال: زندقي لمن يكون شديد التحيل، وإذا أرادوا ما تريد العامة؛ قالوا: ملحد، ودهريُّ - بفتح الدال - أي: يقول بدوام الدهر، وإذا قالوها بالضم أرادوا كبر السنِّ.

وقال الجوهري

(9)

: الزنديق من الثنوية

(10)

، وفسره بعض

(1)

في السنن الكبرى (8/ 197).

(2)

في السنن (3/ 114 رقم 110).

(3)

في السنن الكبرى (8/ 204).

(4)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) والصواب (أم قِرْفة) كما في مصادر التخريج المتقدمة واللاحقة.

(5)

في "التلخيص"(4/ 93 - 94).

(6)

السيرة النبوية لابن هشام (4/ 351).

والطبقات لابن سعد (2/ 90 - 91).

(7)

انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (9/ 400) والفتح (12/ 270).

(8)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 270).

(9)

في "الصحاح"(4/ 2489): الزنديق من الثنويَّة، وهو معرّب، والجمع الزنادقة، والهاء عوض من الياء المحذوفة، وأصله الزناديق وقد تزندق، والاسم الزندقةُ.

(10)

الثنوية: هم أصحاب الاثنين الأزليين، يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف =

ص: 512

الشرَّاح

(1)

بأنه الذي يدّعي مع الله إلهًا آخر.

وتعقب بأنه يلزم منه أن يطلق على كل مشرك.

قال الحافظ

(2)

: والتحقيق ما ذكره من صنف في الملل والنحل

(3)

أن أصل الزندقة اتباع ديصان ثم ماني ثم مزدك.

(الأول): بفتح الدال المهملة وسكون التحتية بعدها صاد مهملة.

(والثاني): بتشديد النون، وقد تخفف والياء خفيفة.

(والثالث): بزاي ساكنة ودال مهملة مفتوحة ثم كاف.

وحاصل مقالتهم:

(4)

أنَّ النُّور والظلمة قديمان، وأنَّهما امتزجا فحدث العالم كلُّه منهما، فمن كان من أهل الشرِّ، فهو من الظلمة، ومن كان من أهل الخير؛ فهو من النُّور، وأنه يجب أن يسعى في تخليص النور من الظلمة، فيلزم إزهاق كلِّ نفس، وكان بَهْرَامُ جدُّ كسرى تحيَّل على ماني حتى حضر عنده، وأظهر له أنَّه قبل مقالته، ثم قتله وقتل أصحابه، وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور، وقام الإسلام.

والزنديق يطلق على من يعتقد ذلك، وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل، فهذا أصل الزندقة.

وأطلق جماعة من الشافعية

(5)

الزندقة على من يظهر الإسلام ويخفي الكفر مطلقًا.

= المجوس، فإنهم قالوا بحدوث الظلام وذكروا سبب حدوثه.

وهؤلاء قالوا بتساويهما في القدم، واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والحيّز، والمكان، والأجناس، والأبدان والأرواح.

ومن فرقهم: المانوية، المزدكية، الديصانية، المرقيونية، الكينوية، الصيامية، التناسخية

[الملل والنحل (1/ 298)].

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(12/ 270).

(2)

في "الفتح"(12/ 271).

(3)

انظر: الملل والنحل (1/ 296 - 298).

(4)

انظر: "الملل والنحل"(1/ 297 - 298)

(5)

روضة الطالبين للنووي (10/ 75).

ص: 513

وقال النووي في الروضة

(1)

: الزنديق الذي لا ينتحل دينه. وقد اختلف الناس في الذين وقع لهم مع عليّ ما وقع، وسيأتي

(2)

.

قوله: (لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعذبوا بعذاب الله") أي: لنهيه عن القتل بالنار بقوله: "لا تعذبوا بعذاب الله"، وهذا يحتمل أن يكون مما سمعه ابن عباس من النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون سمعه من بعض الصحابة.

وقد أخرج البخاري

(3)

من حديث أبي هريرة حديثًا وفيه: "وإن النار لا يعذب بها إلا الله"، ذكره البخاري في الجهاد.

وأخرج أبو داود

(4)

من حديث ابن مسعود في قصة بلفظ: "وإنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار".

قوله: (من بدّل دينَهُ فاقتلُوه)، هذا ظاهره العموم في كل من وقع منه التبديل ولكنه عام ويخص منه من بدله في الباطن ولم يثبت عليه ذلك في الظاهر فإنه تُجرى عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه من بدّل دينه في الظاهر ولكن مع الإكراه، هكذا في الفتح

(5)

.

قال فيه: واستدلَّ به على قتل المرتدَّة كالمرتدِّ، وخصَّته الحنفية

(6)

بالذكر، وتمسّكوا بحديث النهي عن قتل النساء.

وحمل الجمهور

(7)

النهي على الكافرة الأصلية؛ إذ لم تباشر القتال لقوله في

(1)

في "لغات الروضة" كما في الفتح (12/ 271).

"لغات الروضة" النووي، (أبو زكريا، يحيى بن شرف. ت 676 هـ). سماه السخاوي في (ترجمة الإمام النووي)(15): "الإرشادات لما وقع في الروضة من الأسماء واللغات". عدّه بعضهم من الكتب المفقودة

[معجم المصنفات (ص 340) رقم (1081)].

(2)

قريبًا يأتي تخريجه وهو من حديث ابن عباس.

(3)

في صحيحه رقم (3016).

(4)

في سننه رقم (2675).

وهو حديث صحيح.

(5)

"الفتح"(12/ 272).

(6)

البناية في شرح الهداية (6/ 702) وبدائع الصنائع (7/ 135).

(7)

المغني (12/ 264 - 265).

ص: 514

بعض طرق حديث النهي عن قتل النساء؛ لما رأى امرأةً مقتولةً: "ما كانت هذه لتقاتل"

(1)

، ثم نهى عن قتل النساء، واحتجوا بأنَّ (مَنْ) الشرطية لا تعمُّ المؤنث.

وتعقب بأنَّ ابن عباس راوي الخبر، وقد قال بقتل المرتدة، وقتل أبو بكر الصديق في خلافته امرأةً ارتدَّت كما تقدم، والصحابة متوافرون فلم ينكر عليه أحدٌ ذلك.

واستدلُّوا أيضًا بما وقع. في حديث معاذ

(2)

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له: "أيما رجلٍ ارتدَّ عن الإسلام فادعه، فإن عاد، وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدتَّ عن الإسلام فادعها، فإن عادت وإلا فاضرب عنقها".

قال الحافظ

(3)

: وسنده حسنٌ، وهو نصٌّ في موضع النزاع، فيجب المصير إليه.

ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلِّها: الزنا والسرقة، وشرب الخمر، والقذف؛ ومن صور الزنا رجم المحصن حتى يموت، فإن ذلك مستثنى من النهي عن قتل النساء فيستثنى قتل المرتدة مثله.

واستدل بالحديث بعض الشافعية على أنه يقتل من انتقل من ملة من ملل الكفر إلى ملة أخرى.

وأجيب بأن الحديث متروك الظاهر فيمن كان كافرًا ثم أسلم اتفاقًا مع دخوله في عموم الخبر، فيكون المراد من بَدَّل دينه الذي هو دين الإسلام، لأنَّ الدين في الحقيقة هو دين الإسلام.

(1)

أخرجه ابن ماجه في سننه رقم (2842).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 418): "هذا إسناد صحيح. المرقع بن صيفي ذكره ابن حبان في الثقات، ولم أر من جرحه، وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين".

وهو حديث حسن لغيره، والله أعلم.

(2)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(ج 20 رقم 93).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 263) وقال: "فيه رجل لم يسم وبقية رجاله ثقات".

(3)

في "الفتح"(12/ 272).

ص: 515

قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}

(1)

.

ويؤيده أن الكفر ملَّةٌ واحدةٌ، فإذا انتقل الكافر من ملة كفرية إلى أخرى مثلها، لم يخرج عن دين الكفر.

ويؤيده أيضًا قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}

(2)

.

وقد ورد في بعض طرق الحديث ما يدل على ذلك؛ فأخرج الطبراني

(3)

من وجه آخر عن ابن عباس رفعه: "من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه".

واستدلَّ بالحديث المذكور في الباب

(4)

على أنه يقتل الزنديق من غير استتابة.

وتعقب بأنه وقع في بعض طرق الحديث أن عليًا استتابهم كما في الفتح

(5)

من طريق عبد الله بن شريك العامريِّ، عن أبيه، قال: قيل لعلي: إنَّ هنا قومًا على باب المسجد يزعمون أنَّك ربُّهم، فدعاهم، فقال لهم: ويلكم ما تقولون؟! قالوا: أنت ربُّنا، وخالقنا، ورازقنا، فقال: ويلكم إنما أنا عبدٌ مثلُكم، آكل الطعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني، فاتقوا الله وارجعوا، فأبوا؛ فلما كان الغد غدوا عليه، فجاء قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام، فقال: أدخلهم، فقالوا كذلك؛ فلما كان الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنَّكم بأخبث قِتْلَةٍ، فأبوا إلا ذلك، فأمر عليٌّ أن يُخدَّ لهم أخدودٌ بين باب المسجد والقصر، وأمر بالحطب أن يُطرح في الأخدود ويضرم بالنار، ثم قال لهم: إني طارِحُكُم فيها أو ترجِعُوا، فأبوا أنْ يرجعوا، فقذفَ بهم فيها حتى إذا احترقُوا قال:

إنِّي إذَا رَأيتُ أمرًا مُنْكَرًا

أوقَدْتُ ناري ودعوتُ قَنْبَرًا

قال الحافظ

(6)

: إن إسناد هذا صحيح.

(1)

سورة آل عمران، الآية (19).

(2)

سورة آل عمران، الآية (85).

(3)

في المعجم الكبير رقم (11617).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 263) وقال: فيه الحكم بن حبان وهو ضعيف.

(4)

تقدم برقم (3215) من كتابنا هذا.

(5)

في الفتح (12/ 270).

(6)

في الفتح (12/ 270) قلت بل قال: هذا إسناده حسن.

ص: 516

وزعم أبو مُظَفَّر الإسفرايني

(1)

في "الملل والنِّحل"

(2)

أن الذين أحرقهم عليٌّ طائفةٌ من الروافضِ ادَّعوا فيه الإلهية وهم السَّبئيةُ، وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ يهوديًا ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة.

وأما ما رواه ابن أبي شيبة

(3)

أنهم أناس كانوا يعبدون الأصنام في السر فسنده منقطع

(4)

، فإن ثبت حمل على قصة أخرى.

وقد ذهب الشافعي

(5)

إلى أنه يستتاب الزنديق كما يستتاب غيره.

وعن أحمد

(6)

وأبي حنيفة

(7)

روايتان (إحداهما): لا يستتاب، (والأخرى): إن تكرر منه لم تقبل توبته، وهو قول الليث وإسحاق

(8)

. وحكي عن أبي إسحاق المروزي

(9)

من أئمة الشافعية.

قال الحافظ

(10)

: ولا يثبت عنه بل قيل: إنه تحريف من إسحاق بن راهويه، والأول هو المشهور عن المالكية.

وحُكي عن مالك

(11)

[أنه]

(12)

إن جاء تائبًا قبل وإلا فلا، وبه قال أبو يوسف، واختاره أبو إسحاق الإسفرايني

(13)

وأبو منصور البغدادي

(14)

.

(1)

هو طاهر بن محمد الإسفرايني، الشافعي، الشهير بـ (شهفور) أبو المظفر (ت 471 هـ).

(2)

اسم الكتاب: "التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين"(ص 123).

(3)

في المصنف (12/ 142 رقم 9052).

(4)

هذا الحكم على أثر آخر. انظر: الفتح (12/ 270).

(5)

المهذب (5/ 200) والبيان للعمراني (12/ 47).

(6)

المغني (2/ 264 - 265).

(7)

بدائع الصنائع (7/ 135) وحاشية ابن عابدين (6/ 292 - 293).

(8)

مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه (7/ 3723 - 3724) والمغني (12/ 264) والبيان (12/ 49).

(9)

الروضة للنووي (10/ 76).

(10)

في "الفتح"(12/ 272).

(11)

عيون المجالس (5/ 2081).

(12)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(13)

روضة الطالبين للنووي (10/ 76).

(14)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(12/ 272).

ص: 517

وعن جماعة من الشافعية: إن كان داعية لم يقبل وإلا قبل.

وحكي في البحر

(1)

عن العترة وأبي حنيفة

(2)

والشافعي

(3)

ومحمد أنها تقبل توبة الزنديق لعموم {إِنْ يَنْتَهُوا}

(4)

.

وعن مالك

(5)

وأبي يوسف والجصاص

(6)

: لا تقبل؛ إذ يعرف منهم التظهر تقية بخلاف ما ينطقون به.

قال المهدي

(7)

: فيرتفع الخلاف حينئذ فيرجع إلى القرائن، لكن الأقرب العمل بالظاهر، وإن التبس الباطن، لقوله صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه في قتل منافق:"أليس يشهد أن لا إله إلا الله"

(8)

الخبر ونحوه. اهـ.

قال في الفتح

(9)

: واستدل من منع من قبول توبة الزنديق بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا}

(10)

، فقال: الزنديق لا يطلع على إصلاحه لأن الفساد إنما أتى مما أسره، فإذا اطلع عليه وأظهر الإقلاع عنه [لم يزد]

(11)

على ما كان عليه، وبقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}

(12)

.

(1)

البحر الزخار (5/ 425).

(2)

حاشية ابن عابدين (6/ 292 - 293) والبناية في شرح الهداية (6/ 700).

(3)

المهذب (5/ 210) وروضة الطالبين (10/ 75 - 76).

(4)

سورة الأنفال، الآية (38).

(5)

عيون المجالس (5/ 2081 رقم 1502).

(6)

في "أحكام القرآن"(2/ 407).

(7)

البحر الزخار (5/ 426).

(8)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 135، 174 - 175) من حديث أنس.

وهو حديث صحيح.

• أخرجه أحمد في المسند (5/ 432 - 433) من حديث عبيد الله بن عدي.

وهو حديث صحيح.

(9)

في "الفتح"(12/ 272).

(10)

سورة النساء، الآية (146).

(11)

تنبيه: في كل طبعات "نيل الأوطار": (لم يرد) وهو تحريف والصواب ما أثبتناه من المخطوط: (أ)، (ب).

(12)

سورة النساء، الآية (137).

ص: 518

وأجيب بأنَّ المراد من مات منهم على ذلك، كما فسره ابن عباس. أخرجه عنه ابن أبي حاتم

(1)

وغيره

(2)

.

واستدل لمن قال بالقبول بقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}

(3)

، فدلَّ على أن إظهار الإيمان يحصن من القتل.

قال الحافظ

(4)

: وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأسامة:"هلا شققت عن قلبه"

(5)

، وقال للذي سارَّه في قتل رجل:"أليس يصلي؟ "، قال: نعم، قال:"أولئكم الذين نهيت عن قتلهم"

(6)

. وقال [صلى الله عليه وسلم]

(7)

لخالد لما استأذنه في قتل الذي أنكر القسمة: "إني لم أومر بأن أنقب عن قلوب الناس"

(8)

، وهذه الأحاديث في الصحيح، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

قوله: (ثم أتبعه) بهمزة ثم مثناة ساكنة.

قوله: (معاذَ بن جبل) بالنصب أي بعثه بعده ظاهره أنه ألحقه به بعد أن توجه، ووقع في بعض النسخ وأتبعه بهمزة وصل وتشديد المثناة، ومعاذ بالرفع.

قوله: (فلما قدم عليه) في البخاري

(9)

في كتاب المغازي أن كلًّا منهما كان على عمل مستقل، وأن كلًّا منهما كان إذا سار في أرضه بقرب من صاحبه أحدث به عهدًا، وفي أخرى له

(10)

: "فجعلا يتزاوران".

قوله: (وسادة) هي ما تجعل تحت رأس النائم، كذا قال النووي

(11)

، قال:

(1)

في تفسيره (4/ 1091 رقم 6114) بسند ضعيف.

(2)

كابن كثير في "تفسيره"(4/ 312).

(3)

سورة المجادلة، الآية (16).

(4)

في "الفتح"(12/ 274).

(5)

أخرجه البخاري رقم (4269) ومسلم رقم (158/ 96) من حديث أسامة بن زيد.

(6)

أخرجه أحمد (5/ 432 - 433) وابن عبد البر في التمهيد (10/ 150، 164 - تيمية) من حديث عبيد الله بن عدي، وهو حديث صحيح وقد تقدم.

(7)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

أحمد في المسند (3/ 4) والبخاري رقم (4351) ومسلم رقم (144/ 1064) من حديث أبي سعيد الخدري.

(9)

في صحيحه رقم (4341، 4342).

(10)

أي للبخاري رقم (4344، 4345).

(11)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 208).

ص: 519

وكان من عادتهم أن من أرادوا إكرامه وضعوا الوسادة تحته مبالغة في إكرامه.

قوله: (وإذا رجل عنده .. إلخ) هي جملة حالية بين الأمر والجواب. قال الحافظ

(1)

: ولم أقف على اسمه.

قوله: (قضاء الله) خبر مبتدأ محذوف ويجوز النصب.

قوله: (فضرب عنقه) في رواية للطبراني

(2)

: "فأتي بحطب فألهب فيه النار فكتفه وطرحه فيها".

ويمكن الجمع بأنه ضرب عنقه ثم ألقاه في النار.

قوله: (هل من مُغْرِبَة خبرٍ) بضم الميم وسكون العين المعجمة وكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما، معناه: هل من خبر جديد من بلاد بعيدة.

قال الرافعي

(3)

: شيوخ الموطأ فتحوا الغين وكسروا الراء وشددوها.

قوله: (هلَّا حبستموه .. إلخ)، وكذلك قوله في الحديث الأول

(4)

: "فدعاه عشرين ليلة .. إلخ"، استدل بذلك من أوجب الاستتابة للمرتد قبل قتله.

وقد قدمناه في أول الباب ما في ذلك من الأدلة.

قال ابن بطال

(5)

: اختلفوا في استتابة المرتد، فقيل: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهو قول الجمهور.

وقيل: يجب قتله في الحال، وإليه ذهب الحسن

(6)

وطاوس

(7)

، وبه قال

(1)

في "الفتح"(12/ 274).

(2)

في المعجم الكبير (ج 20 رقم 66).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(6/ 261) وقال: رجاله رجال الصحيح.

(3)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(4/ 94).

(4)

تقدم برقم (3215) من كتابنا هذا.

(5)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 571 - 572).

(6)

موسوعة فقه الحسن البصري (1/ 429 - 430).

انظر: المغني (12/ 267) والإشراف (2/ 238).

(7)

ذكره ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (8/ 572) وابن قدامة في المغني (12/ 267) والإشراف (2/ 238).

ص: 520

أهل الظاهر

(1)

، ونقله ابن المنذر

(2)

عن معاذ وعبيد بن عمير، وعليه يدلُّ تصرف البخاري، فإنه استظهر بالآيات التي لا ذكر فيها للاستتابة، والتي فيها أن التوبة لا تنفع، وبعموم قوله:"من بدّل دينه فاقتلوه"

(3)

. وبقصة معاذ المذكورة، ولم يذكر غير ذلك.

قال الطحاوي

(4)

: ذهب هؤلاء إلى أن حكم من ارتد عن الإسلام حكم الحربيِّ الذي بلغته الدعوة، فإنه يقاتل من قبل أن يدعى، قالوا: وإنما تشرع الاستتابة لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرةٍ. فأما من خرج عن بصيرة فلا، ثم نقل عن أبي يوسف

(5)

موافقتهم، لكن إن جاء مبادرًا بالتوبة خلي سبيله ووكل أمره إلى الله.

وعن ابن عباس: إن كان أصله مسلمًا لم يستتب وإلا استتيب.

واستدل ابنُ القصَّار

(6)

لقول الجمهور بالإجماع، يعني السكوتي، لأن عمر كتب في أمر المرتد:"هلا حبستموه ثلاثة أيام؟ "، ثم ذكر الأثر المذكور في الباب. ثم قال: ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدّل دينه فاقتلوه"(3)، أي: إن لم يرجع، وقد قال تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}

(7)

.

واختلف القائلون بالاستتابة هل يكتفي بالمرة أم لا بد من ثلاث؟ وهل الثلاث في مجلس أو في يوم أو في ثلاثة أيام؟ ونقل ابن بطال

(8)

عن علي أنه يستتاب شهرًا، وعن النخعي

(9)

يستتاب أبدًا.

(1)

المحلى (11/ 188).

(2)

في "الإشراف"(2/ 238) وفيه: (أن يقتل ولا يستتاب هذا قول عبيد بن عمير وطاووس). وكذلك في المغني (12/ 267).

(3)

تقدم برقم (3215) من كتابنا هذا.

(4)

في شرح معاني الآثار (3/ 210).

(5)

مختصر الطحاوي (3/ 501 - 502) وشرح معاني الآثار (3/ 210).

(6)

حكاه عنه النووي في شرحه لصحيح مسلم (11/ 208) وابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (8/ 572).

(7)

سورة التوبة، الآية (5).

(8)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 575) ولم يذكر شهرًا. وقد ذكر القفال في "حلية العلماء"(7/ 625) عن علي أنه قال: يستتاب شهرًا.

(9)

موسوعة فقه إبراهيم النخعي (1/ 494).

ص: 521

[الباب الثاني] باب ما يصيرُ بهِ الكافِز مسلمًا

3/ 3217 - (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: إنَّ الله عز وجل ابْتَعَثَ نَبِيَّهُ لإدْخالِ رَجُلٍ الجنَّةَ فَدَخَلَ الكَنِيسَةَ فَإذَا يَهُودُ، وإذَا يَهُوديٌّ يَقْرَأ علَيْهِمُ التَّوْرَاةَ، فلمَّا أَتَوْا على صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَمْسَكُوا وفي ناحِيَتِهَا رجُلٌ مَرِيضٌ، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ما لَكُمْ أَمْسَكْتُمْ؟ "، فقالَ المَرِيضُ: إنَّهُمْ أَتَوْا على صِفَةِ نَبِيٍّ فأمْسَكوا، ثمَّ جاءَ المَريضُ يَحْبُو حتَّى أخَذَ التَّوْرَاةَ فَقَرأَ حتَّى أتى على صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأُمَّتِهِ، فقالَ: هذِهِ صِفَتُكَ وَصِفَةُ أُمَّتِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلَّا الله، وَأنَّكَ رسُولُ الله، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابهِ: "لُوا أَخَاكُمْ". رَوَاهُ أَحمدُ)

(1)

. [إسناده ضعيف منقطع]

4/ 3218 - (وعَنْ أَبي صَخْرٍ الْعُقَيْلِيِّ قالَ: حَدَّثَنِي رجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ قالَ: جَلَبْتُ جَلُوبَةً إلى المَدينةِ في حَيَاةِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا فَرَغْتُ مِنْ بَيْعَتِي قلْتُ: لأَلْقَيَنَّ هذا الرَّجُلَ ولأسْمَعَنّ مِنهُ، قالَ: فَتَلَقَّانِي بَيْنَ أبي بكْرٍ وعُمَرَ يَمْشُونَ فَتَبِعْتُهُمْ في أقْفَائِهِمْ حتَّى أَتَوْا على رجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ [ناشِرًا]

(2)

التَّوْرَاةَ يَقْرؤها يُعَزِّي بها نَفْسهُ على ابْنٍ لهُ في المَوْتِ كَأحْسَنِ الفِتْيانِ وأَجْمَلِهِ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَنْشُدُكَ بالَّذي أنْزَلَ التَّوْرَاةَ هَلْ تَجِدُ في كتَابِكَ هذا صِفَتي ومَخْرَجِي؟ "، فقالَ برأسِهِ هكَذَا: أيْ لَا، فقالَ ابْنهُ: إيْ وَالله الَّذِي أنْزَلَ التَّورَاةَ إنَّا لَنجدُ في كِتابنَا صِفَتَكَ ومَخْرَجك، أَشْهَدُ أن لَا إلهَ إلَّا الله، وأنَّكَ رسُولُ الله، فقالَ:"أَقِيمُوا الْيَهُودِي عَنْ أَخيكُمْ". ثمّ وَلِيَ دَفْنَهُ وَجنَنَهُ والصلَاةَ عَلَيْهِ. رواهُ أحمدُ)

(3)

. [إسناده ضعيف]

(1)

في المسند (1/ 416).

قلت: وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير رقم (10295).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 231).

وقال: رواه أحمد والطبراني، وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط".

قلت: وفيه انقطاع بين أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وأبيه.

والخلاصة: أن سنده ضعيف منقطع، والله أعلم.

(2)

في "المخطوطأ (أ)، (ب):(ناشرٌ) والمثبت من مسند أحمد.

(3)

في المسند (5/ 411) بسند ضعيف لجهالة أبي صخر العقيلي: =

ص: 522

5/ 3219 - (وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ يهُوديًا قالَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: أَشْهَدُ أنَّكَ رسُولُ الله ثمّ ماتَ، فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "صَلُّوا على صَاحِبِكم". رَوَاهُ أحمدُ في روايَةِ مَهْنا مُحْتَجًا بِهِ)

(1)

. [حسن]

6/ 3220 - (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: بَعَثَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إلى بَنِي جُذَيْمَةَ فدَعاهُمْ إلى الإسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنا، فَجَعَلوا يقُولونَ: صَبَأنا صَبَأنا. فجَعَلَ خالِدٌ يَقْتلُ وَيأسِرُ، ودَفَعَ إلى كُلِّ رجُلٍ مِنّا أسِيرَهُ، حتّى إذَا أَصْبَحَ أَمَرَ خالِدٌ أَنْ يَقْتُل كُلّ رجُلٍ مِنّا أسِيرَهُ، فقلْتُ: والله لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتلُ رجُلٌ مِنْ أَصحابِي أَسِيرَهُ حتَّى قدِمْنَا على رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ:"اللهُمّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكَ مِمّا صَنَعَ خالِدٌ" مَرّتَيْنِ. رواهُ أَحمدُ

(2)

والبُخاريّ

(3)

. [صحيح]

وهْوَ دَلِيلٌ على أنّ الكِنايَةَ مَعَ النَّيّةِ كَصَرِيح لَفْظِ الإسْلامِ).

حديث ابن مسعود أخرجه أيضًا الطبراني

(4)

. قال في مجمع الزوائد

(5)

: في إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط.

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 234) وقال: رواه أحمد، وأبو صخر لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".

قلت: وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(1/ 185) من طريق الصلت بن دينار، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي صخر العقيلي، قال: خرجت إلى المدينة فتلقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فذكره. إِلا أن فيه: يقرؤها على ابن أخ له، والصلت بن دينار متروك الحديث.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 260) والنسائي في السنن الكبرى رقم (7500 - العلمية) والحاكم في المستدرك (1/ 363) و (4/ 291) من طرق عن شريك النخعي، به.

إسناده ضعيف لسوء حفظ شريك بن عبد الله النخعي.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(2)

في المسند (2/ 150 - 151).

(3)

في صحيحه رقم (7189).

قلت: وأخرجه النسائي رقم (5405) وفي الكبرى رقم (5961) والبيهقي في "دلائل النبوة"(5/ 113 - 114) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (9434) و (18721) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (3231) والبيهقي (9/ 115).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المعجم الكبير رقم (10295) وقد تقدم.

(5)

في "مجمع الزوائد"(8/ 231).

ص: 523

وحديث أبي صخرة العقيلي، قال في مجمع الزوائد

(1)

: أبو صخر لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وقال ابن حجر في المنفعة

(2)

: قلت: اسمه عبد الله بن قدامة، وهو مختلف في صحبته، وجزم البخاري، ومسلم، وابن حبان وغيرهم بأن له صحبة.

ثم ذكر ابن حجر في المنفعة

(3)

الاضطراب في إسناده.

وحديث أنس قال في مجمع الزوائد

(4)

: أخرجه أبو يعلى

(5)

بإسناد رجاله رجال الصحيح، والأحاديث المذكورة في الباب بعضها يشهد لبعض، وقد ورد في معناها أحاديث.

(منها) ما أخرجه في الموطأ

(6)

عن رجل من الأنصار أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية له فقال: يا رسول الله عليَّ رقبة مؤمنة أفأعتق هذه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتشهدين أن لا إله الله؟ "، قالت: نعم، قال:"أتشهدين أن محمدًا رسول الله؟ " قالت: نعم، قال:"أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ " قالت: نعم، قال:"أعتقها".

وأخرج أبو داود

(7)

والنسائي

(8)

من حديث الشّريد بن سويد الثقفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية: "من ربك؟ "، قالت: الله، قال:"فمن أنا؟ "، قالت: رسول الله، قال:"أعتقها فإنها مؤمنة".

(1)

في "مجمع الزوائد"(8/ 234).

(2)

في "تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة" لابن حجر (2/ 483 - 484) رقم الترجمة (1311).

(3)

في "تعجيل المنفعة"(2/ 484).

(4)

في "مجمع الزوائد"(3/ 42) وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح".

(5)

في المسند رقم (40306) بسند ضعيف لضعف شريك القاضي.

(6)

في "الموطأ"(2/ 777 رقم 9) مرسلًا بسند صحيح.

وقد وصله أحمد في المسند (3/ 451 - 452) وابن خزيمة في "التوحيد"(1/ 286) رقم (185) بسند صحيح متصل وجهالة الصحابي لا تضر.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(7)

في سننه رقم (3283).

(8)

في سننه رقم (3653).

وهو حديث حسن.

ص: 524

وأخرج مسلم

(1)

ومالك في الموطأ

(2)

وأبو داود

(3)

والنسائي

(4)

من حديث معاوية بن الحكم السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية أراد معاوية بن الحكم أن يعتقها عن كفارة: "أين الله؟ "، فقالت: في السماء، فقال:"من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله، فقال:"أعتقها".

وأخرج نحوه أبو داود

(5)

من حديث أبي هريرة، ومثل ذلك أحاديث:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله". كما في الأمهات عن جماعة من الصحابة

(6)

.

(1)

في صحيحه رقم (537/ 33).

(2)

في الموطأ (2/ 776 رقم 8) عن عمر بن عبد الحكم.

(3)

في السنن رقم (3282).

(4)

في السنن رقم (1218).

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (3284) وهو حديث ضعيف.

(6)

وهو حديث متواتر ورد عن جماعة من الصحابة:

(منها): حديث أبي هريرة أخرجه مسلم رقم (35/ 21) وأبو داود رقم (2640) وابن ماجه رقم (3927) والترمذي رقم (2606) والنسائي (7/ 79) وأحمد (2/ 377) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 213) والبيهقي (3/ 92) و (8/ 19، 196) و (9/ 182) من طرق

وهو حديث صحيح.

(ومنها): حديث معاذ بن جبل:

أخرجه أحمد في المسند (5/ 245 - 246) وابن المبارك في (الجهاد" رقم (31) وعبد بن حميد رقم (113) وابن ماجه رقم (72) والبزار في "مسنده" رقم (2669) والطبراني في المعجم الكبير (ج 2 رقم 115) ورقم (117) والدارقطني (1/ 232 - 233) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(ومنها): حديث أوس بن أبي أوس:

أخرجه أحمد في المسند (4/ 8 - 9) وابن ماجه رقم (3929) والنسائي (7/ 81) من طرف.

وهو حديث صحيح.

و (منها): حديث جابر بن عبد الله:

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(10/ 122) ومسلم رقم (21/ 35) وابن ماجه رقم (3928) والنسائي (7/ 79) وأبو يعلى رقم (2282) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" =

ص: 525

قوله: (ابتعثَ اللهُ نبيهُ) أي: بعثه الله من بيته ليحصل بذلك إدخال رجلٍ الجنَّة، وهو الرجل المريض في الكنيسة، فإنَّ دخوله صلى الله عليه وسلم إليها كان سبب إسلامه الذي صار سببًا في دخوله الجنة.

قوله: (لُوا أخاكم) فيه الأمر لمن كان من المسلمين في حضرته صلى الله عليه وسلم بأن يلوا أمر ذلك الرجل المريض؛ لأنه قد صار بسبب تكلمه بالشهادتين أخًا لهم.

قوله: (وجَنَنَهُ) الجنن - بالجيم ونونين -: القبر. ذكره في النهاية

(1)

.

قوله: (صبأنا صبأنا) أي دخلنا في دين الصابئة، وكان أهل الجاهلية يسمون من أسلم صابئًا، فكأنهم قالوا: أسلمنا أسلمنا، والصابئ في الأصل: الخارجُ من دينٍ إلى دين. قال في القاموس

(2)

: صَبَأَ كمنعَ وكَرُمَ، صَبَأَ وصُبُوءًا: خرج من دين إلى دين. اهـ.

قوله: (مما صنع خالد) تبرأ صلى الله عليه وسلم من صنع خالد ولم يتبرأ منه، وهكذا ينبغي أن يقال لمن فعل ما يخالف الشرع ولا سيما إذا كان خطأ.

وقد استدل المصنف بأحاديث الباب على أنه يصير الكافرُ مسلمًا بالتكلم بالشهادتين، ولو كان ذلك على طريق الكناية بدون تصريح كما وقع في الحديث الآخر.

وقد وردت أحاديث صحيحة قاضية بأن الإسلام مجموع خصال:

= (3/ 213) والبيهقي (3/ 92) و (8/ 19) و (9/ 182) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(ومنها): حديث أنس بن مالك:

أخرجه أحمد في المسند (3/ 199) وابن أبي شيبة - في "المصنف"(12/ 380) والبخاري رقم (392) وأبو داود رقم (2641) والترمذي رقم (2608) والنسائي (7/ 76) و (8/ 109) وابن حبان رقم (5895) والدارقطني (1/ 232) وأبو نعيم في الحلية (8/ 173) والبيهقي (2/ 3).

وهو حديث صحيح.

وتقدم تخريجه من طرق أخرى في "كتاب الصلاة" باب: قتل تارك الصلاة رقم الحديث (396) من كتابنا هذا.

(1)

في النهاية في غريب الحديث (1/ 300). وانظر: "المجموع المغيث"(1/ 365).

(2)

في القاموس المحيط (ص 56).

ص: 526

(أحدها): التلفظ بالشهادتين.

(منها) حديث ابن عمر عند مسلم

(1)

وأبي داود

(2)

والترمذي

(3)

والنسائي

(4)

قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: "بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع عليه رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر". وفيه: فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا".

(ومنها) ما أخرجه الشيخان

(5)

وأبو داود

(6)

والنسائي

(7)

من حديث أبي هريرة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان".

(ومنها) ما أخرجه الشيخان

(8)

والترمذي

(9)

والنسائي

(10)

من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان".

(ومنها) ما أخرجه الشيخان

(11)

ومالك في الموطأ

(12)

وأبو داود

(13)

(1)

في صحيحه رقم (1/ 8).

(2)

في سننه رقم (4695).

(3)

في سننه رقم (2610) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(4)

في سننه رقم (4990).

وهو حديث صحيح.

(5)

البخاري رقم (50) ومسلم رقم (5/ 9).

(6)

في سننه رقم (4698).

(7)

في سننه رقم (4991).

وهو حديث صحيح.

(8)

البخاري رقم (8) ومسلم رقم (21/ 16).

(9)

في سننه رقم (2609).

(10)

في سننه رقم (5001).

وهو حديث صحيح.

(11)

البخاري رقم (42) ومسلم رقم (8/ 11).

(12)

في الموطأ (1/ 175 رقم 94).

(13)

في سننه رقم (391).

ص: 527

والنسائي

(1)

من حديث طلحة بن عبيد الله أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فسأله عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام رمضان" وذكر له الزكاة.

وأخرج النسائي

(2)

عن بهز بن حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن آيات الإسلام فقال: "أن تقول أسلمت وجهي وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة". وأخرج النسائي

(3)

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ["من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم". وأخرج الترمذي

(4)

والنسائي

(5)

من حديث أبي هريرة قال:]

(6)

"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم".

وأخرج الشيخان

(7)

وأبو داود

(8)

والنسائي

(9)

من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

وأخرج مسلم

(10)

من حديث جابر.

(1)

في سننه رقم (458).

وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (2436) بسند حسن.

(3)

في سننه رقم (4997) وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (2627) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(5)

في سننه رقم (4995).

وهو حديث حسن.

(6)

تنبيه:

ما بين الخاصرتين سقط من معظم طبعات (نيل الأوطار) المحققة وغير المحققة، التي وقفت عليها. وهو موجود في المخطوط (أ) و (ب). فليعلم.

(7)

البخاري رقم (10) ومسلم رقم (64/ 40).

(8)

في سننه رقم (2481).

(9)

في السنن الكبرى رقم (8701 - العلمية).

وهو حديث صحيح.

(10)

في صحيحه رقم (65/ 41).

ص: 528

والبخاري

(1)

ومسلم

(2)

والترمذي

(3)

والنسائي

(4)

من حديث أبي موسى نحو ذلك.

وأخرج الشيخان

(5)

من حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله".

وأخرج البخاري

(6)

والترمذي

(7)

وأبو داود

(8)

والنسائي

(9)

من حديث أنس أن رسول الله قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلّا الله وأن محمدًا رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلوا صلاتنا، حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها".

ولفظ البخاري

(10)

: "من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلّى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم؛ له ما للمسلم وعليه ما على المسلم".

فهذه الأحاديث ونحوها تدل على أن الرجل لا يكون مسلمًا إلا إذا فعل جميع الأمور المذكورة فيها.

والأحاديث الأولى تدل على أن الإنسان يصير مسلمًا بمجرد النطق بالشهادتين.

قال الحافظ

(11)

في الفتح عند الكلام على حديث: "أمرت أن أقاتل الناس

(1)

في صحيحه رقم (11).

(2)

في صحيحه رقم (42/ 66).

(3)

في سننه رقم (2504).

(4)

في سننه رقم (4999) وهو حديث صحيح.

(5)

البخاري رقم (25) ومسلم رقم (36/ 22).

(6)

في صحيحه رقم (392).

(7)

في السنن رقم (2608).

(8)

في السنن رقم (2641).

(9)

في السنن رقم (3967).

وهو حديث صحيح.

(10)

في صحيحه رقم (393).

وهو حديث صحيح.

(11)

في "الفتح"(12/ 279).

ص: 529

حتى يقولوا لا إله إلا الله" في باب [قتل]

(1)

من أبى من قبول الفرائض من كتاب استتابة المرتدين والمعاندين ما لفظه: وفيه منع قتل من قال: لا إله إلا الله، ولو لم يزد عليها وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلمًا؟ الراجح: لا، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه، وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله:"إلا بحق الإسلام".

قال البغوي

(2)

: الكافر إذا كان وثنيًا، أو ثنويًا لا يقرُّ بالوحدانية، فإذا قال: لا إله إلا الله، حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع الأحكام ويبرأ من كل دين خالف الإسلام.

وأما من كان مقرًا بالوحدانية منكرًا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول: محمد رسول الله، فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلا بد أن يقول إلى جميع الخلق، فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج إلى أن يرجع عن اعتقاده.

قال الحافظ

(3)

: ومقتضى قوله "يجبر" أنه إذا لم يلتزم يجرى عليه حكم المرتد وبه صرح القفال

(4)

، واستدل بحديث الباب وادعى أنه لم يرد في خبر من الأخبار:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله". وهي غفلة عظيمة فإن ذلك ثابت في الصحيحين

(5)

في كتاب الإيمان منهما كما قدمنا الإشارة إلى ذلك. انتهى.

[الباب الثالث] بابُ صِحَّةِ الإسلامِ معَ الشَّرطِ الفَاسِدِ

7/ 3221 - (عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ اللّيْثِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أنّهُ أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في شرح السنة له (10/ 242 - 243).

(3)

في "الفتح"(12/ 279).

(4)

انظر: "حلية العلماء للقفال"(7/ 626 - 627).

(5)

تقدم تخريجه آنفًا.

ص: 530

فأسْلَمَ على أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاتَيْنِ فَقَبِلَ مِنْه. رَوَاهُ أحمدُ

(1)

.

وفي لفْظٍ آخرَ لهُ

(2)

: على أنْ لَا يُصلِّي إلَّا صَلَاةً فَقَبِل مِنْهُ). [إسناد رجاله ثقات]

8/ 3222 - وعَنْ وَهْب قالَ: سألْتُ جابرًا عَنْ شأنِ ثَقِيفٍ إذْ بَايَعَتْ، فقالَ: اشْتَرَطَتْ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهَا وَلَا جِهَادَ، وأنّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعدَ ذلِكَ يَقُولُ:"سَيَتَصَدَّقُونَ ويُجاهِدُونَ". رواهُ أبو داوُدَ)

(3)

. [صحيح]

9/ 3223 - (وعَنْ أَنَسٍ أنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لِرَجُلٍ: "أَسْلِمْ"، قالَ: أَجِدُنِي كَارِهًا، قالَ: "أسْلِمْ وَإنْ كُنْتَ كارِهًا". رَوَاهُ أحمد)

(4)

. [إسناده صحيح]

هذه الأحاديث فيها دليل على أنه يجوز مبايعة الكافر وقبول الإسلام منه وإن شرط شرطًا باطلًا، وأنه يصح إسلام من كان كارهًا.

وقد سكت أبو داود

(5)

والمنذري

(6)

عن حديث وهب المذكور، وهو وهب بن منبه، وإسناده لا بأس به.

وأخرج أبو داود

(7)

أيضًا من حديث الحسن البصري عن عثمان بن أبي

(1)

في المسند (5/ 24 - 25) بسند رجاله ثقات، رجال الصحيح، غير صحابيه.

(2)

في المسند (5/ 363) بسند رجاله ثقات، رجال الصحيح، غير صحابيه.

(3)

في السنن رقم (3025).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (109/ 3).

قلت: وأخرجه الضياء في "المختارة" رقم (1990).

إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(5)

في السنن (3/ 420).

(6)

في المختصر (4/ 244).

(7)

في سننه رقم (3026).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (939) وابن خزيمة رقم (1328) وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 197) ورواية ابن خزيمة مقتصرة على إنزالهم في المسجد.

قال المنذري في "المختصر"(4/ 244): "قد قيل: إن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص".

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(1/ 388) بعدم سماع الحسن البصري من عثمان بن =

ص: 531

العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم، فاشترطوا عليه أن لا يحشروا [ولا يعشروا ولا يُجبُّوا]

(1)

، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لكم أن لا تحشروا، ولا تعشروا، ولا خير في دين ليس فيه ركوع".

قال المنذري

(2)

: قد قيل: إنَّ الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص.

والمراد بالحشر: جمعهم إلى الجهاد والنفير إليه، وبقوله:"يعشروا" أخذ العشور من أموالهم صدقة، وبقوله:"ولا يجبوا" بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشددة، وأصل التجبية أن يقوم الإنسان مقام الراكع. وأرادوا أنهم لا يصلون.

قال الخطابي

(3)

: ويشبه أن يكون إنما سمح لهم بالجهاد والصدقة؛ لأنهما لم يكونا بعد واجبتين في العاجل؛ لأن الصدقة إنما تجب بانقطاع الحول، والجهاد إنما يجب بحضوره.

وأمَّا الصلاة فهي راتبة؛ فلم يجز أن يشترطوا تركها. انتهى.

ويعكر على ذلك حديث نصر بن عاصم

(4)

المذكور في الباب، فإنَّ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل من الرجل أن يُصلِّي صلاتين فقط، أو صلاةً واحدةً - على اختلاف الروايتين - ويبقى الإشكال في قوله في الحديث الذي ذكرناه:"لا خير في دين ليس فيه ركوع"

(5)

.

= أبي العاص، ولكن يعكر عليه ما ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 212) عن الحسن قوله: كنا ندخل على عثمان بن أبي العاص".

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

• وانظر قصة وفد ثقيف بالتفصيل عند ابن سعد وفي "الطبقات الكبرى"(1/ 312 - 313) وفي "زاد المعاد" لابن القيم (3/ 600 - 602).

(1)

ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في "المختصر"(4/ 244).

(3)

في "معالم السنن"(3/ 420 - 421 - مع السنن).

(4)

تقدم برقم (3221) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم آنفًا من حديث عثمان بن أبي العاص.

ص: 532

فإنَّ ظاهره يدلُّ على أنه لا خير في إسلام من أسلم بشرط أن لا يُصلي.

ويمكن أن يقال: إن نفي الخيرية لا يستلزم عدم جواز قبول من أسلم بشرط أن لا يصلي، وعدم قبوله صلى الله عليه وسلم لذلك الشرط من ثقيف لا يستلزم عدم جواز القبول مطلقًا.

[الباب الرابع] بابُ تَبَعِ الطِّفلِ لأبويهِ في الكفْرِ ولمَنْ أسْلَمَ مِنْهُمَا في الإسلامِ وصِحَّةِ إسلامِ المميِّزِ

10/ 3224 - (عَنْ أبي هُرَيْرة أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولدُ على الْفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ويُنصِّرانِهِ أَوْ يُمجِّسانهِ، كما تُنتِجُ البهيمَةُ جَمْعاءَ هَلْ تُحِسُّون فِيها مِنْ جَدْعاء؟ "، ثمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}

(1)

الآية. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

وفي رِوَايَةٍ مُتَّفَق عَلَيْها

(3)

أَيْضًا قالوا: يا رسُولَ الله أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ وهْوَ صَغِيرٌ؟ قالَ: "الله أعلَمُ بمَا كانُوا عامِلينَ"). [صحيح]

11/ 3225 - (وعن ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا أَرَادَ قَتْلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبي مُعَيْظ، قالَ: مَنْ للصِّبْيَةِ؟ قالَ: "النَّارُ". رواهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

والدّارقطنيُّ في

(1)

سورة الروم، الآية (35).

(2)

أحمد في المسند (2/ 233) والبخاري رقم (6599) ومسلم رقم (22/ 2658).

(3)

أحمد في المسند (1/ 341) والبخاري رقم (6600) ومسلم رقم (24/ 2658).

(4)

في سننه رقم (2686).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 95). وقال الألباني في "الإرواء"(5/ 40 - 41): "قلت: هذا إسناد جيد، رجاله ثقات كلهم رجال الشيخين وله شاهد من حديث عبد الله بن عباس". اهـ.

وفي "جامع المسانيد والسنن" لابن كثير (27/ 377 رقم 760) عزاه لأبي داود والبزار، ولفظ البزار فيه:"لما أتي بأبيك أمر بضرب عنقه". وقال البزار: "لا يروى إلا بهذا الإسناد".

ص: 533

الأفْرَادِ

(1)

، وقالَ فيهِ:"النَّارُ لهُمْ ولأَبِيهِمْ"). [حسن]

12/ 3226 - (وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنَ النَّاس مُسلِمٍ يَمُوتُ لهُ ثَلَاثةٌ مِنَ الْوَلدِ لمْ يَبْلُغوا الْحِنْثَ إلَّا أَدْخَلَهُ الله الجنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ". رَواهُ البُخاريُّ

(2)

وأحْمَدُ

(3)

، وقالَ فيهِ:"ما مِنْ رجُلٍ مسلمٍ"[صحيح]

وَهْوَ عامُّ فِيما إذَا كانُوا مِنْ مسْلِمَة أوْ كافِرَةٍ.

قالَ البُخاريُّ: فكانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ أنَّهُ مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبيهِ على دِينِ قَوْمِهِ).

حديث ابن مسعود سكت عنه أبو داود

(4)

والمنذري

(5)

ورجال إسناده ثقات، إلا علي بن حسين الرقي، وهو صدوق كما قال في التقريب

(6)

.

وأخرج نحوه البيهقي

(7)

من طريق محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه عن جدّه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل بالأسارى فكان بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت فضرب عنق عقبة بن أبي معيط صبرًا، فقال: من للصبية يا محمد؟ قال: "النار لهم ولأبيهم".

قوله: (على الفطرة) للفطرة معان، (منها): الخلقة، (ومنها): الدين.

قال في القاموس

(8)

: والفطرة: صدقة الفطر، الخلقة التي خلق عليها المولود في رحم أمه والدين. انتهى.

والمناسب ههنا هو المعنى الآخر، أعني الدين: أي كل مولود يولد على

(1)

عزاه ابن الملقن في "البدر المنير"(9/ 111) للدارقطني في أفراده، من حديث ابن مسعود:"النار لهم ولأبيهم".

وذكره الدارقطني في "أطراف الغرائب والأفراد"(4/ 172 رقم 3969) وقال: تفرد به عيسى بن زيد عن إسماعيل بن سميع عن مسلم البطين، والحكم بن عتبة عن أبي وائل".

وخلاصة القول: أن حديث ابن مسعود حديث حسن، والله أعلم.

(2)

في صحيحه رقم (1248).

(3)

في المسند (3/ 152).

(4)

في السنن (3/ 136).

(5)

في المختصر (4/ 23).

(6)

التقريب رقم الترجمة (4718).

(7)

في السنن الكبرى (9/ 64 - 65).

(8)

القاموس المحيط (ص 587).

ص: 534

الدين الحق فإذا لزم غيره [فذلك]

(1)

لأجل ما يعرض له بعد الولادة من التغييرات من جهة أبويه أو سائر من يربيه.

قوله: (جمعاء) بفتح الجيم، وسكون الميم، بعدها عين مهملة، قال في القاموس

(2)

: والجمعاء: الناقة المهزولة، ومن البهائم التي لم يذهب من بدنها شيء. انتهى.

والمراد ههنا المعنى الآخر بقوله: "هل تحسون فيها من جدعاء؟ "، والجدع قطع الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة كما في القاموس

(3)

؛ قال: والجدعة محركة ما بقي بعد القطع. انتهى.

والمعنى أن البهائم كما أنها تولد سليمة من الجدع كاملة الخلقة، وإنما يحدث لها نقصان الخلقة بعد الولادة بالجدع ونحوه، كذلك أولاد الكفار يولدون على الدين الحق الكامل وما يعرض لهم من التلبس بالأديان المخالفة له فإنما هو حادث بعد الولادة بسبب الأبوين ومن يقوم مقامهما.

وحديث أبي هريرة

(4)

فيه دليل على أن أولاد الكفار يحكم لهم عند الولادة بالإسلام، وأنه إذا وجد الصبي في دار الإسلام دون أبويه كان مسلمًا، لأنه إنما صار يهوديًا أو نصرانيًا أو مجوسيًا بسبب أبويه، فإذا عدما فهو باق على ما ولد عليه وهو الإسلام.

قوله: (اللهُ أعلمُ بما كانُوا عاملين) فيه دليل على أن أحكام أولاد الكفار عند الله إذا ماتوا صغارًا غير متعينة بل منوطة بعمله الذي كان يعمله لو عاش.

وفي حديث ابن مسعود

(5)

المذكور دليل على أنه من أهل النار لقوله فيه: "النار لهم ولأبيهم"، ويشكل ذلك على مذهب العدلية

(6)

لعدم وقوع موجب التعذيب منهم.

(1)

في المخطوط (ب): (فكذلك).

(2)

القاموس المحيط (ص 917).

(3)

القاموس المحيط (ص 914).

(4)

تقدم برقم (10/ 3224) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (11/ 3225) من كتابنا هذا.

(6)

العدلية: سموا بالعدلية لقولهم: الله أعدل من أن يظلم عبده، ويؤاخذه بما لم يفعله، وهو أصل كلام القدرية الذي يعرفه عامتهم وخاصتهم، وهو أساس مذهبهم وشعارهم.

[منهاج السنة النبوية لابن تيمية (3/ 141)].

ص: 535

والحاصل: أن مسألة أطفال الكفار باعتبار أمر الآخرة من المعارك الشديدة لاختلاف الأحاديث فيها، ولها ذيول مطولة لا يتسع لها المقام

(1)

.

وفي الوقف عن الجزم بأحد الأمرين سلامة من الوقوع في مضيق لم تدع إليه حاجة ولا ألجأت إليه ضرورة، وأما باعتبار أحكام الدنيا، فقد ثبت في صحيح البخاري

(2)

في باب أهل الدار من كتاب الجهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين هل يقتلون مع آبائهم؟ فقال: "هم منهم".

(1)

اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في هذه المسألة على أقوال:

(أحدها): أنهم في مشيئة الله تعالى.

(ثانيها): أنهم تبع لآبائهم.

(ثالثها): أنهم يكونون في برزخ بين الجنة والنار.

(رابعها): أنهم خدم أهل الجنة.

(خامسها): أنهم يصيرون ترابًا.

(سادسها): هم في النار.

(سابعها): أنهم يمتحنون في الآخرة.

(ثامنها): أنهم في الجنة.

وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون.

(تاسعها): الوقف.

(عاشرها): الإمساك.

وانظر توضيح ذلك في: "فتح الباري"(3/ 246 - 251).

• وقال البيهقي في "الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد"(ص 196): "وقد روينا في آخر كتاب القدر"(ص 337 - 363) أخبارًا: في أن أولاد المشركين مع آبائهم في النار، وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة.

وأخبارًا غير قوية في أولاد المشركين أنهم خدام أهل الجنة. وما صح من ذلك يدل على أن أمرهم موكول إلى الله تعالى، وإلى ما علم الله من كل واحد منهم، وكتب له من السعادة أو الشقاوة

". اهـ.

وانظر: رسالة الإمام الشوكاني "أطفال الكفار في الآخرة" بتحقيقي. مع ملحق بعنوان: مصير أطفال الكافرين في الآخرة" بإعدادي.

والملحق الثاني: فيما يقول السادة العلماء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة

"، وما هو المختار من أطفال المشركين

وجواب السبكي عليه. بتحقيقي مكتبة البيان الحديثية الطائف.

(2)

في صحيح البخاري رقم (3012).

ص: 536

قال في الفتح

(1)

: أي في الحكم في تلك الحالة، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية، فإذا أصيبوا لاختلاطهم [بهم]

(2)

جاز قتلهم. انتهى.

وأخرج أبو داود

(3)

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان.

ويحمل هذا على أنه لا يجوز قتلهم بطريق القصد.

وأخرج الطبراني في الأوسط

(4)

من حديث ابن عمر قال: لما دخل

(1)

في "الفتح"(6/ 147).

(2)

في المخطوط (ب): (به).

(3)

في سننه رقم (2668) دون ذكر ابن أبي الحقيق.

وهو حديث صحيح.

• قلت: أخرج مالك في الموطأ (2/ 447 رقم 8) وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 281 رقم 1749) وابن المظفر البزاز في "غرائب حديث مالك"(ص 186 - 187 رقم 119) وابن حجر في "موافقة الخبر الخبر"(2/ 191) من طرق عن مالك به.

قال ابن المظفر: "مرسل".

وقال ابن حجر: "هكذا رواه جميع رواة "الموطأ" مرسلًا، وقال أكثرهم: حسبت أنه قال: عبد الرحمن، زاد القعنبي: (أبو عبد الله). وكذا أرسله كل من رواه عن مالك خارج "الموطأ" إلا الوليد بن مسلم؛ فوصله عن مالك، وقال فيه: عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه". اهـ.

وقال ابن عبد البر في "الاستذكار"(14/ 55 - 56): "أما حديثه - يعني: مالكًا - عن ابن شهاب، فحديث مرسل لم يسنده أحد عن مالك إلا الوليد بن مسلم

".

ورواية الوليد هذه:

أخرجها الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 221) وأبو عوانة في "صحيحه"(4/ 221 رقم 6587) والطبراني في الكبير (ج 19 رقم 146) وابن المظفر البزاز في "غرائب حديث مالك"(ص 186 رقم 118) وابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 66 - تيمية).

والوليد بن مسلم يدلس ويسوِّي، ولم يصرح بالتحديث في جميع طبقات السند. والصحيح عن مالك ما رواه أصحابه - عنه - مرسلًا. ولفظه:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان. قال: فكان رجل منهم يقول: برَّحَتْ بنا امرأة ابن أبي الحقيق بالصياح. فأرفعُ السيف عليها. ثم أذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكفُّ، ولولا ذلك استرحنا منها".

وهو صحيح مرسل والله أعلم.

(4)

في المعجم الأوسط رقم (673) وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن زيد إلا شريك.

ص: 537

رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أُتي بامرأة مقتولة فقال: "ما كانت هذه تقاتل"، ونهى عن قتل النساء والصبيان.

وأخرج نحوه أبو داود في المراسيل

(1)

من حديث عكرمة.

وقد ذهب مالك

(2)

والأوزاعي

(3)

إلى أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال، حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم.

وذهب الشافعي

(4)

والكوفيون

(5)

وغيرهم إلى الجمع بما تقدم، وقالوا: إذا قاتلت المرأة جاز قتلها.

ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود

(6)

والنسائي

(7)

وابن حبان

(8)

من حديث رباح بن الربيع التميمي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين فرأى امرأة مقتولة، فقال:"ما كانت هذه لتقاتل". فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت.

(1)

في المراسيل رقم (333 - مكرر).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 82) من طريق أبي داود. وإسناده صحيح إلى عكرمة.

• وله شاهد من حديث ابن عباس عند الطبراني في الكبير (ج 11 رقم 12082) بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة يوم الخندق مقتولة، فقال: "من قتل هذه؟ "، فقال رجل: أنا يا رسول الله، قال: "ولم؟ " قال: نازعتني سيفي. فسكت.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 316) وأعله بالحجاج بن أرطأة.

• وله شاهد آخر من مرسل عبد الرحمن بن أبي عمرة بنحوه، أخرجه عبد الرزاق رقم (9383) وابن أبي شيبة في المصنف (12/ 384 - 385) ورجاله ثقات.

(2)

"التهذيب في اختصار المدونة"(2/ 49 - 50).

ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 432 - 433).

(3)

ذكره ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (5/ 170).

(4)

البيان للعمراني (12/ 129).

(5)

حكاه الحافظ في "الفتح"(6/ 148).

(6)

في سننه رقم (2669).

(7)

في السنن الكبرى رقم (8625 - العلمية).

(8)

في صحيحه رقم (4791).

قلت: وأخرجه أحمد (4/ 178) وابن ماجه رقم (2842) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 222) والطبراني في الكبير رقم (3489) وعبد الرزاق رقم (9382) وابن أبي شيبة (12/ 382) وهو حديث حسن.

ص: 538

وقد نقل ابن بطال

(1)

وغيره الاتفاق على منع القصد إلى قتل النساء والولدان.

وأما حديث أنس

(2)

المذكور في الباب فمحله كتاب الجنائز، وإنما ذكره المصنف ههنا للاستدلال به على أن الولد يكون مسلمًا بإسلام أحد أبويه لما في قوله:"ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد". فإنه يقتضي أن من كان له ذلك المقدار من الأولاد دخل الجنة، وإن كانوا من امرأة غير مسلمة، ونفعهم لأبيهم في ذلك الأمر إنما يصح بعد الحكم بإسلامهم لأجل إسلام أبيهم.

13/ 3227 - (وعَنْ جَابرٍ قالَ: قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مَوْلودٍ يُولدُ على الفِطْرَةِ حتَّى يُعْرِبَ عَنهُ لِسَانُهُ، فإذَا أَعْرَبَ عَنْهُ لِسانُهُ، إمَّا شَاكِرًا وإمَّا كفُورًا". رواهُ أحمدُ)

(3)

. [إسناده ضعيف]

14/ 3228 - (وقَدْ صَحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَرَضَ الإِسلَامَ على ابْنِ صَيَّادٍ صغِيرًا، فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انطَلَقَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في رَهْطٍ مِنْ أَصحابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ معَ الصِّبْيانِ عِنْدَ أطُمِ بَنِي مُغَالَةَ، وَقَدْ قارَبَ ابْنُ صيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ فلَمْ يَشْعُرْ حتَّى ضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثمَّ قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لابْنِ صَيّادٍ:"أتشْهَدُ أنِّي رَسُولُ الله؟ "، فَنَظَرَ إليهِ ابْن صَيَّادٍ، فقالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رسُولُ الأُمِّيّينَ، فقالَ ابْنُ صَيّادٍ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ الله فَرَفَضَهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وقالَ: "آمنْتُ بالله وَبِرُسُلِهِ" وذَكَرَ الحَديثَ

(4)

. [صحيح]

(1)

في شرحه لصحيح البخاري (5/ 170).

(2)

تقدم برقم (3226) من كتابنا هذا.

(3)

في المسند (3/ 353).

قلت: وأخرجه اللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" رقم (999) بسند ضعيف لضعف، أبي جعفر - وهو عيسى بن أبي عيسى الرازي، مشهور بكنيته - ضعيف سيء الحفظ، وفي روايته عن الربيع بن أنس اضطراب، وفي الإسناد أيضًا عنعنة الحسن البصري.

وقد صح الحديث عن أبي هريرة دون قوله: "فإذا أعْرَب عنه لسانه إما شاكرًا وإما كفورًا".

(4)

أحمد في المسند (2/ 148، 149) والبخاري رقم (1354) - وأطرافه: رقم (3055) و (6173) و (6618) - ومسلم رقم (95/ 2930).

ص: 539

15/ 3229 - (وعَنْ عُرْوةَ قالَ: أَسْلَمَ عَليٌّ وهْوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ. أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ في تارِيخِهِ

(1)

. [إسناده ضعيف]

وأَخْرَجَ أَيضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمَّدٍ عَنْ أَبيهِ قالَ: قُتلَ عَلِيٌّ وهْوَ ابْنُ ثَمَانٍ وخَمْسينَ سَنةً

(2)

. [إسناده ضعيف]

قُلْت: وهذا يُبَيِّنُ إسْلَامَهُ صَغِيرًا لأنَّهُ أسْلَمَ في أوَائِلِ المَبْعَثِ).

16/ 3230 - (وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: كانَ عَلِيٌّ أَوّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ خَدِيجَةَ. رَوَاهُ أحمد

(3)

. [ضعيف]

وفي لفْظٍ: أوَّلُ مَنْ صَلَّى عَليٌّ. رَواهُ التِّرمِذيُّ)

(4)

. [صحيح لغيره]

17/ 3231 - (وعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ أبي حَمْزةَ عَنْ رجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ قالَ: سَمِعْت زَيدَ بْنَ أَرْقَمَ يقُولُ: أَوّل مَنْ أسلَمَ عَليٌّ. قالَ عَمْرو بْنُ مُرّةَ:

(1)

في "التاريخ الكبير"(6/ 259).

قلت: وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(ج 1 رقم 162).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 103) وقال: "وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح".

(2)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(ج 1 رقم 166) عن جعفر بن محمد عن أبيه، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 145) وقال: ورجاله رجال الصحيح.

قلت: فيه حسين بن زيد بن علي ضعيف.

(3)

في المسند (1/ 331) إسناده ضعيف.

أبو بلج - واسمه يحيى بن سليم، أو ابن أبي سليم - وثقه غير واحد، إلا أن البخاري قال: فيه نظر. وأعدل الأقوال فيه أنه يُقبل حديثه فيما لا ينفرد به. كما قال ابن حبان في "المجروحين".

وفي متن حديثه هذا ألفاظ منكرة، بل باطلة لمخالفتها ما في الصحيح. ولبعضه الآخر شواهد.

وقد بينها شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة"(5/ 34 - 36).

والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

(4)

في السنن رقم (3734) وقال: هذا حديث غريب.

وهو حديث صحيح لغيره.

ص: 540

فذكَرْتُ ذلِكَ لإبْرَاهِيمَ النَّخَعيِّ، قال: أوّلُ مَنْ أسلَمَ أبُو بكْرٍ الصِّدِيقُ. رواهُ أحمدُ

(1)

والتِّرمذيُّ

(2)

وصحّحُهُ. [إسناده صحيح]

وقَدْ صَحّ أنّ مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى وفاتِهِ نحْوُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وأنّ عَلِيًا عاشَ بَعْدَهُ نحْوَ ثَلَاثينَ سَنَةً، فيَكُونُ قد عمّرَ بَعدَ إسلَامِهِ فَوْقَ الخمْسينَ وَقَدْ مَاتَ ولمْ يَبلُغِ السِّتِّينَ، فعُلِمَ أَنَّهُ أسلَمَ صَغِيرًا).

حديث جابر أصله في الصحيحين

(3)

.

وحديث ابن عمر الذي ذكره المصنف في شأن ابن صياد لم يذكر من أخرجه ولم تجر له عادة بذلك، وهو في الصحيحين

(4)

وسنن أبي داود

(5)

والترمذي

(6)

والموطأ

(7)

.

وفي بعض النسخ قال: متفق عليه

(8)

، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ماذا ترى؟ " قال: يأتيني صادقٌ وكاذب، فقال صلى الله عليه وسلم:"خلط عليك الأمر". ثم قال له صلى الله عليه وسلم: "إني قد خبأت لك خبيئًا"، فقال ابن صياد: هو الدخ، فقال صلى الله عليه وسلم:"اخسأ فلن تعدو قدرك". فقال عمر: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله".

زاد الترمذي

(9)

بعد قوله: "خبأت لك خبيئًا"، وخبأ له:{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}

(10)

.

(1)

في المسند (4/ 368).

(2)

في سننه رقم (3735) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: إسناده صحيح.

(3)

البخاري رقم (6599) ومسلم رقم (23/ 2658).

(4)

البخاري رقم (1354) ومسلم رقم (95/ 2930).

(5)

في سننه رقم (4329).

(6)

في سننه رقم (2249) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(7)

لم أقف عليه في الموطأ.

(8)

أحمد (2/ 148، 149) والبخاري رقم (1354) ومسلم رقم (95/ 2930).

(9)

في سننه رقم (2249).

(10)

سورة الدخان، الآية (10).

ص: 541

وحديث عروة

(1)

مرسل.

وكذلك حديث جعفر بن محمد عن

(2)

أبيه.

وحديث ابن عباس، قال الترمذي

(3)

بعد إخراجه: هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث شعبة عن أبي بلج إلا من حديث محمد بن حميد، وأبو بلج اسمه يحيى بن أبي سليم

(4)

. وقال بعض أهل العلم: أول من أسلم من الرجال أبو بكر وأسلم علي وهو غلام ابن ثمان سنين، وأول من أسلم من النساء خديجة. انتهى.

وحديث زيد بن أرقم قال الترمذي

(5)

بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح. انتهى.

وفي إسناده ذلك الرجل المجهول، ولم يقع التصريح بأنه من الصحابة حتى تغتفر جهالته كما قررنا ذلك غير مرة، بل روايته بواسطة تدل على أنه ليس من الصحابة فلا يكون حديثه حينئذ صحيحًا ولا حسنًا.

وأما قول إبراهيم النخعي فهو مرسل فلا يصح لمعارضة ما رواه زيد بن أرقم وابن عباس.

وقد أخرج الترمذي

(6)

أيضًا عن أنس بن مالك قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء". قال الترمذي

(7)

: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث مسلم الأعور، ومسلم الأعور ليس عندهم بذاك القوي. وقد روي هذا عن مسلم، عن حبَّة عن عليٍّ نحو هذا. اهـ.

والأولى الجمع بين ما ورد مما يقتضي أن عليًا أول الناس إسلامًا، وأن أبا بكر أوَّلهُم إسلامًا؛ بأن يقال: علي كان أول من أسلم من الصبيان، وأبو بكر أول من أسلم من الرجال، وخديجة أول من أسلم من النساء.

(1)

تقدم برقم (15/ 3229) من كتابنا هذا. وإسناده ضعيف.

(2)

تقدم بإثر رقم (15/ 3229) من كتابنا هذا. وإسناده ضعيف.

(3)

في السنن (5/ 642).

(4)

تقدم الكلام عنه آنفًا.

(5)

في السنن (5/ 642).

(6)

في سننه رقم (3728) بسند ضعيف.

(7)

في السنن (5/ 640).

ص: 542

قوله: (حتى يعرب عنه لسانه)، فيه دليل على أنه لا يحكم للصبيِّ ما دام غير مميز إلا بدين الإسلام، فإذا أعرب عنه لسانه بعد تمييزه حكم عليه بالملة التي يختارها.

قوله: (قِبَلَ ابن صيَّاد) بكسر القاف وفتح الموحدة: أي جهته. وابن صيادٍ اسمه صاف وأصله من اليهود. وقد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافًا شديدًا، وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول.

وظاهر الحديث المذكور

(1)

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مترددًا في كونه هو الدجال أم لا؟ ومما يدل على أنه هو الدجال ما أخرجه الشيخان

(2)

وأبو داود

(3)

عن محمد بن المنكدر قال: "كان جابر بن عبد الله يحلف بالله: إنَّ ابن صياد الدجال، فقلت: أتحلف بالله؟ فقال: إني سمعت عمر بن الخطاب يحلف على ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره".

وقد أجيب عن التردد منه صلى الله عليه وسلم بجوابين:

(الأول): أنه تردد صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلمه الله بأنه هو الدجال، فلما أعلمه لم ينكر على عمر حلفه.

(والثاني): أن العرب قد تخرج الكلام مخرج الشك وإن لم يكن في الخبر شك.

ومما يدلُّ على أنه هو الدجال: ما أخرجه عبد الرزاق

(4)

بإسنادٍ صحيحٍ عن ابن عمر قال: "لقيت ابن صياد يومًا ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفيت وهي خارجة مثل عين الحمار، فلما رأيتها قلت: أنشدك الله يا ابن صياد متى [طفيت]

(5)

عينك؟ قال: لا أدري والرحمن، قلت: كذبت. وهي في رأسك،

(1)

تقدم برقم (14/ 3228) من كتابنا هذا.

(2)

البخاري رقم (7355) ومسلم رقم (94/ 2929).

(3)

في سننه رقم (4331).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المصنف رقم (20832) بسند صحيح.

(5)

في المخطوط (ب): (طفت).

ص: 543

قال: فمسحها ونخر ثلاثًا، فزعم اليهود أني ضربت بيدي صدره، وقلت: اخسأ فلن تعدو قدرك، فذكرت ذلك لحفصة، فقالت حفصة: اجتنب هذا الرجل فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها".

وأخرج مُسلم

(1)

هذا الحديث بمعناه من وجهٍ آخر عن ابن عمر، ولفظه:"لقيته مرتين" فذكر الأولى ثم قال: ثم لقيته لقيةً أخرى، وقد نفرت عينه، فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ فقال: لا أدري، فقلت: لا تدري وهي في رأسك، قال: إن شاء الله فعلها في عصاك هذه ونخر كأشد نخير حمار سمعت، فزعم أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت وأنا والله ما شعرت، قال: وجاء حتى دخل على حفصة فحدثها، فقالت: ما تريد إليه، ألم تسمع أنه قد قال صلى الله عليه وسلم:"أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه؟ ".

ثم قال ابن بطَّال

(2)

: فإن قيل: هذا أيضًا يدل على التردد في أمره.

فالجواب أنه قد وقع الشكُّ في أنَّه الدَّجال الذي يقتله عيسى ابن مريم، ولم يقع الشك في أنه أحد الدجالين الكذابين الذين أنذر بهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:"إنَّ بين يدي الساعة دجالين كذابين"، وهو في الصحيحين

(3)

.

وتعقَّبه الحافظ

(4)

بأن الظاهر أن حفصة، وابن عمر، أرادا الدجال الأكبر، واللام في القصة الواردة عنهما للعهد لا للجنس، وكذلك حلف عمر وجابر السابق على أن ابن صياد هو الدجال.

وقد أخرج أبو داود

(5)

بسند صحيح أن ابن عمر كان يقول: والله لا أشك أن المسيح الدجال هو ابن صياد.

وأخرج مسلم

(6)

عن أبي سعيدٍ قال: صحبني ابن صياد إلى مكة فقال: ماذا

(1)

في صحيحه رقم (99/ 2927).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (10/ 387).

(3)

البخاري رقم (3609) ومسلم رقم (84/ 2923).

(4)

في "الفتح"(13/ 325).

(5)

في سننه رقم (4330).

وهو صحيح الإسناد موقوف.

(6)

في صحيحه رقم (89/ 2927).

ص: 544

لقيت من الناس يزعمون أني الدجال، ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إنه لا يولد له؟ "، قلت: بلى، قال:"فإنه قد ولد لي"، قال: أوَلست سمعته يقول: لا يدخل المدينة ولا مكة؟ قلت: بلى، قال:"فقد ولدت بالمدينة وأنا أريد مكة".

وأخرج مسلم

(1)

أيضًا عن أبي سعيد أنه قال له ابن صياد هذا: "عذرت الناس ما لي وأنتم يا أصحاب رسول الله، ألم يقل نبي الله: إن الدجال يهودي، وقد أسلمت؟ "، فذكر نحو الأول.

وفي مسلم

(2)

أيضًا عن أبي سعيد أنه قال له ابن صياد: لقد هممت أن آخذ حبلًا فأعلقه بشجرة ثم أختنق به مما يقول الناس، يا أبا سعيد من خفي عليه حديث رسول الله ما خفي عليكم يا معشر الأنصار، ثم ذكر نحو ما تقدم وزاد. قال أبو سعيد: حتى كدت أعذره.

وفي آخر كل من الطرق أنه قال: إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن.

قال أبو سعيد: فقلت له: تبًا لك سائر اليوم

(3)

.

وأجاب البيهقي بأنَّ سكوت النبيّ صلى الله عليه وسلم على حلف عمر يحتمل أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم كان متوقفًا في أمره، ثم جاءه التثبت من الله تعالى بأنه غيره؛ على ما تقتضيه قصة تميم الداري، وبه تمسك من جزم بأنَّ الدجال غير ابن صياد وطريقه أصحُّ، وتكون الصِّفة التي في ابن صياد وافقت ما في الدَّجال.

وقد أخرج قصة تميم مسلم

(4)

من حديث فاطمة بنت قيس.

قال البيهقي: وفيها أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد، وكان ابن صياد أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجهم. وقد خرج أكثرهم وكان الذين يجزمون بأن ابن صياد هو الدجال لم يسمعوا قصة تميم. "وقد خطب بها النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أن تميمًا أخبره أنه لقي هو وجماعة معه

(1)

في صحيحه رقم (90/ 2927).

(2)

في صحيحه رقم (91/ 2927).

(3)

مسلم في صحيحه رقم (91/ 2927).

(4)

في صحيحه رقم (119/ 2942).

ص: 545

- في دير في جزيرة لعب بهم الموج شهرًا حتى وصلوا إليها - رجلًا كأعظم إنسان رأوه قط خلقًا وأشده وثاقًا، مجموعة يداه إلى عنقه بالحديد فقالوا له: ويلك ما أنت؟ "، فذكر الحديث.

وفيه: "أنه سألهم عن نبي الأميين هل بعث؟ وأنه قال: إن تطيعوه فهو خير لكم".

وفيه أنه قال: "إني مخبركم عني أنا المسيح الدجال، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة".

وفي بعض طرقه أنه شيخ. قال الحافظ

(1)

: وسندها صحيح.

وهذا الحديث ينافي ما استدلَّ به على أن ابن صياد هو الدجال ولا يمكن الجمع أصلًا، إذ لا يلتئم أن يكون من كان في الحياة النبوية شبه المحتلم، ويجتمع به النبي صلى الله عليه وسلم، ويسأله أن يكون شيخًا في آخرها مسجونًا في جزيرة من جزائر البحر موثقًا بالحديد يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وسلم هل خرج أم لا؟ فينبغي أن يحمل حلف عمر وجابر على أنه وقع قبل علمهما بقصة تميم.

قال ابن دقيق

(2)

العيد في أوائل "شرح الإلمام" ما ملخصه: إذا أخبر شخص بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر ليس فيه حكم شرعي، فهل يكون سكوته صلى الله عليه وسلم دليلًا على مطابقته ما في الواقع كما وقع لعمر في حلفه على ابن صياد أنه الدجال كما فهمه جابر حتى صار يحلف عليه ويستند إلى حلف عمر أو لا يدل؟. فيه نظر.

قال

(3)

: والأقرب عندي أنه لا يدل، لأن مأخذ المسألة ومناطها هو العصمة من التقرير على باطل، وذلك يتوقف على تحقيق البطلان ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة.

(1)

في "الفتح"(12/ 326).

(2)

في شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (1/ 214) و (1/ 221).

(3)

أي ابن دقيق العيد في المرجع السابق (1/ 221).

ص: 546

قال الخطابي

(1)

: اختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره؛ فروي أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا وجهه حتى يراه الناس وقيل لهم: اشهدوا.

وقال النووي

(2)

: قال العلماء: قصة ابن صيَّاد مشكلة وأمره مشتبه

(3)

، ولكن لا شك أنه دجال من الدجاجلة، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوحَ إليه في أمره بشيء، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة. فلذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يقطع في أمره بشيء. انتهى.

وقد أخرج أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان

(4)

ما يؤيد كون ابن صياد هو الدجال: عن حسان بن عبد الرحمن عن أبيه قال: لما افتتحنا أصبهان كان بين عسكرنا وبين اليهود فرسخٌ، فكنا نأتيها فنمتار منها، فأتينا يومًا فإذا اليهود يزفنون، فسألت صديقًا لي منهم، فقال: هذا ملكنا الذي نستفتح به العرب، فدخلت فبت على سطح فصليت الغداة؛ فلما طلعت الشمس إذا الوهج من قبل العسكر، فنظرت فإذا هو ابن صياد، فدخل المدينة فلم يعد حتى الساعة.

قال الحافظ في الفتح

(5)

بعد أن ساق هذه القصة: وعبد الرحمن بن حسان ما عرفته والباقون ثقات.

وقد أخرج أبو داود

(6)

بسند صحيح عن جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة، وفتح أصبهان كان في خلافة عمر، كما أخرجه أبو نعيم في تاريخها.

وقد أخرج الطبراني في الأوسط

(7)

من حديث فاطمة بنت قيس مرفوعًا: أن الدجال يخرج من أصبهان.

(1)

في "معالم السنن"(4/ 503 - 504 - مع السنن).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (18/ 46).

(3)

في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره.

(4)

في "أخبار أصفهان"(1/ 287 - 288) و (2/ 107).

(5)

في "الفتح"(13/ 328).

(6)

في سننه رقم (4332) بسند صحيح.

(7)

في الأوسط رقم (4859) قلت: وأخرجه في الكبير (ج 24 رقم 957).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 339) وقال: فيه سيف بن مسكين، وهو ضعيف جدًّا".

ص: 547

وأخرجه

(1)

أيضًا من حديث عمران بن حصين، وأخرجه أيضًا

(2)

بسند صحيح كما قال الحافظ

(3)

من حديث أنس لكن عنده من يهودية أصبهان.

قال أبو نعيم: وإنما سميت يهودية أصبهان لأنها كانت تختص بسكنى اليهود.

قال الحافظ في الفتح

(4)

: وأقرب ما يجمع بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال، أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقًا، وأنَّ ابنَ صيَّادٍ شيطانٌ تبدَّى في صورةِ الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها.

وقصة تميم السابقة قد توهم بعضهم من عدم إخراج البخاري لها أنها غريبة وهو وهم فاسد، وهي ثابتة عند أبي داود

(5)

من حديث أبي هريرة.

وعند ابن ماجه

(6)

عن فاطمة بنت قيس.

وأخرجها أبو يعلى

(7)

عن أبي هريرة من وجه آخر.

(1)

أي الطبراني في الأوسط رقم (7191).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 339) وقال: فيه محمد بن محمويه الجوهري، ولم أعرفه".

(2)

أي الطبراني في الأوسط رقم (4930).

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (884/ 3639) وأحمد في المسند (3/ 224) إسناده ضعيف، محمد بن مصعب هو ابن صدقة صدوق ولكنه كثير الغلط. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 338) وقال: رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي جيدة، وقد وثقه أحمد وغيره، وضعفه جماعة. وبقية رجالهما - أي أحمد، وأبي يعلى - رجال الصحيح".

قلت: وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (2944) بلفظ: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفًا، عليهم الطيالسة".

(3)

في "الفتح"(13/ 328).

(4)

(13/ 328 - 329).

(5)

لم أقف على قصة تميم الداري عند أبي داود من حديث أبي هريرة بل وجدتها عند أبي داود برقم (4325 و 4326) وهو حديث صحيح. من حديث فاطمة بنت قيس.

(6)

في سننه رقم (4074) وهو حديث ضعيف.

(7)

في مسنده رقم (5945). بسند حسن.

ص: 548

وأخرجها أبو داود

(1)

بسند حسن من حديث جابر وغير ذلك، وفي هذا المقدار كفاية.

وإنما تكلمنا على قصة ابن صياد مع كون المقام ليس مقام الكلام عليها؛ لأنها من المشكلات المعضلات التي لا يزال أهل العلم يسألون عنها، فأردنا أن نذكر ههنا ما فيه تحليل ذلك الإشكال وحسم مادة ذلك الإعضال.

قوله: (عند أُطُم)

(2)

بضم الهمزة والطاء المهملة: وهو البناء المرتفع.

قوله: (أتشهد أني رسول الله) استدل به المصنف رحمه الله تعالى على صحة إسلام المميز كما ذكر ذلك في ترجمة الباب، وكذلك يدل على ذلك بقية الأحاديث المذكورة في الباب في إسلام علي بن أبي طالب، وقد اختلف في مقدار سنه عند الموت على أقوال مذكورة في كتب التاريخ.

[الباب الخامس] بابُ حُكْمِ أموالِ المرتدِّينَ وجِنَايَاتِهم

18/ 3232 - (عنْ طارِقِ بْنِ شِهَابٍ قالَ: جاءَ وفْدُ بُزَاخَةَ مِنْ أسَدٍ وَغَطْفَانَ إلى أَبي بَكْرٍ يسْأَلونَهُ الصُّلْحَ، فخَيّرَهُمْ بَيْنَ الحَرْبِ المُجْلِيَةِ، والسِّلْم المُخْزية، فقالوا: هذِهِ [المُجليةُ]

(3)

قَدْ عَرَفْناهَا، فما المُخْزيةُ؟ قالَ: نَنْزعُ منْكُم الْحَلَقَةَ، والْكُرَاعَ، ونَغنَمُ ما أَصَبْنَا مِنْكُمْ وَتَرُدُّونَ عَلَيْنَا ما أَصَبْتُمْ مِنّا، وتدُونَ قَتلَانا وَتكُونُ قتْلَاكُمْ في النّار، وَتَتْرُكُونَ أَقْوَامًا يَتبعُونَ أَذْنَابَ الإبلِ حتّى يُرِيَ الله خَليفة رَسُولِهِ والمُهاجِرِينَ والأنْصارَ أَمْرًا يَعْذُرونَكُمْ به.

فعَرَضَ أَبُو بَكْرٍ ما قالَ على القَوْمِ، فقام عمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فقالَ: قَدْ رَأَيْتُ

(1)

في سننه رقم (4328) وهو ضعيف الإسناد.

(2)

قال صاحب القاموس المحيط (ص 1390): "الأطمُ: بضمة وبضمتين: القَصْر، وكلُّ حصن مبني بحجارة، وكل بيت مربع مسطح".

وقال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 66): أطُمُ: بناء مرتفع وجمعه: آطام.

وانظر: الفائق للزمخشري (1/ 48).

(3)

في المخطوط (ب): (المخلية).

ص: 549

رَأيًا وَسَنُشيرُ عَلَيْكَ، أَمَّا ما ذكَرْتَ مِنَ الْحَرْبِ [المُجْلِيَةِ]

(1)

، والسِّلْمِ المُخْزِيَةِ فَنِعْمَ ما ذكَرْتَ، وأَمّا ما ذكَرْتَ أَنْ نَغْنَمَ مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ وَتَرُدُّونَ ما أَصَبْتُمْ مِنَّا فَنِعْمَ ما ذكَرْتَ، وأمّا ما ذكَرْتَ تَدُونَ قَتْلانَا وَتكُونُ قَتْلَاكُمْ في النّارِ فإِنَّ قَتْلَانا قَاتَلَتْ فَقُتِلَتْ على أمْرِ الله، أجُورُهَا على الله لَيْسَ لَهَا دِيَاتٌ، فَتَبَايَعَ الْقَوْمُ على ما قالَ عُمَرُ. رَواهُ الْبَرْقانِيُّ على شَرْطِ البُخارِيّ)

(2)

. [صحيح]

هذا الأثر أخرج بعضه البخاري في صحيحه

(3)

، وأخرج بقيته البرقاني في مستخرجه

(4)

بطوله كما ذكره المصنف.

وأخرجه أيضًا البيهقي

(5)

من حديث ابن إسحاق عن [عاصم بن حمزة]

(6)

.

قوله: (بُزَاخَةَ) بضم الباء الموحدة ثم زاي [مخففة]

(7)

وبعد الألف خاءٌ معجمةٌ: هو موضع، قيل: بالبحرين، وقيل: ماء لبني أسد، كذا في التلخيص

(8)

.

(1)

في المخطوط (ب): (المخلية).

(2)

• أخرج البخاري في صحيحه رقم (7221): عن طارق ابن شهاب، عن أبي بكر رضي الله عنه قال لوفد بُزَاخةَ: تتبعون أذناب الإبل، حتى يُرِيَ اللهُ خليفةَ نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم والمهاجرين أمرًا يعذِرُونكم بهِ".

• وأخرجه الحميدي في "الجمع بين الصحيحين"(1/ 96 رقم 17): كاملًا بلفظ المصنف.

• ونقل ابن الأثير في "جامع الأصول"(11/ 793) الحديث كاملًا عن الحميدي، عن البرقاني، وقال: هذا طرف من حديث طويل أخرجه الحميديّ في كتابه عن أبي بكر البرقاني، ولم يخرج البخاري منه إلا هذا الطرف لا غير. والحديث هو

".

• وقال الحافظ في "الفتح"(13/ 210): "

وقد أوردها أبو بكر البرقاني في مستخرجه، وساقها الحميدي في "الجمع بين الصحيحين".

(3)

في صحيحه رقم (7221).

(4)

"الجمع بين الصحيحين" للحميدي (1/ 96 رقم 17) وقد تقدم.

(5)

في السنن الكبرى (8/ 183 - 184).

(6)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) والصواب (عاصم بن ضمرة) كما في سنن البيهقي الكبرى. ومصادر الترجمة الآتية:

["الكامل" (5/ 1866) والميزان (2/ 352)].

(7)

زيادة من المخطوط (ب).

(8)

في "التلخيص"(4/ 88).

ص: 550

وفي القاموس

(1)

: وبزاخة بالضم: موضعٌ به وقعة أبي بكر رضي الله عنه. انتهى.

قوله: ([المجلية])

(2)

يحتمل أن يكون بالخاء المعجمة، أي: المهلكة. قال في القاموس

(3)

: خلا مكانه: مات، وقال أيضًا: خلا المكان خلوًا، وخلاءً، وأخلى، واستخلى: فرغ، ومكان خلاء: ما فيه أحد، وأخلاه: جعله أو وجده خاليًا، وخلا: وقع في موضع خال لا تزاحم فيه.

ويحتمل أن يكون بالجيم، قال في القاموس

(4)

: جلا القوم عن الموضع، ومنه جَلَوْا وجلاءً وأَجْلَوا: تفرقوا، أو جلى من الخوف، وأجلى من الجدب. انتهى.

والمراد: الحرب المفرِّقة لأهلها لشدة وقعها وتأثيرها.

وقال في الفتح

(5)

: المجليةُ - بضم الميم، وسكون الجيم، بعدها لام مكسورة، ثم تحتانية - من الجلاء - بفتح الجيم وتخفيف اللام مع المد -، ومعناه الخروج عن جميع المال.

قوله: (والسلم المخزية) بالخاء المعجمة والزاي: أي المذلة، قال في القاموس

(6)

: خزي كرضي خِزيًا بالكسر، وخزًى: وقع في بلية وشهرة فذل بذلك، كاخْزَوزَى وأخزاه الله: فضحه، ومن كلامهم لمن أتى بمستهجن: ما له أخزاه الله؟ قال: وخَزِيَ بالكسر: استحيا. انتهى.

قوله: (الحلقة) بفتح الحاء المهملة وسكون اللام بعدها قاف.

قال في القاموس

(7)

: الحلقة: الدرع والخيل. انتهى.

وقال في النهاية

(8)

: والحلقة بسكون اللام: السلاح عامًّا، وقيل: الدروع خاصة، والمراد بالكراع: الخيل.

(1)

القاموس المحيط (ص 318).

(2)

في المخطوط (ب): (المخلية).

(3)

القاموس المحيط (ص 1652).

(4)

القاموس المحيط (ص 1640).

(5)

في "الفتح"(13/ 210).

(6)

القاموس المحيط (ص 1651).

(7)

القاموس المحيط (ص 1130).

(8)

النهاية (1/ 417).

ص: 551

قال في القاموس

(1)

: هو اسم [لجميع الخيل]

(2)

، فعلى هذا يكون المراد بالحلقة: الدروع أو هي سائر السلاح الذي يحارب به.

قوله: (يتبعون أذناب الإبل) أي يمتهنون بخدمة الإبل ورعيها والعمل بها لما في ذلك من الذلة والصغار.

وقد استُدلَّ بالأثر المذكور على أنه يجوز مصالحة الكفار المرتدين على أخذ أسلحتهم وخيلهم، وردِّ ما أصابوه من المسلمين.

وقد اختلف هل يملك الكفار ما أخذوه على المسلمين؟ فذهب الهادي

(3)

وأبو حنيفة

(4)

وأبو يوسف ومحمد إلى أنهم يملكون علينا ما استولوا عليه قهرًا، وإذا استولينا عليه فصاحبه أحقُّ بعينه ما لم يقسم، فإن قسم لم يستحقه إلا بدفع القيمة لمن صار في يده.

وذهب أبو بكر الصديق (5)، وعمر (5)، وعبادة بن الصامت

(5)

، وعكرمة، والشافعي

(6)

، والمؤيد بالله إلى أنهم لا يملكون علينا، ولو أدخلوه قهرًا فصاحبه أحق به قبل القسمة وبعدها بلا شيء.

وأما ما أخذوه من أموال أهل الإسلام في دارهم قهرًا كالعبد الآبق، فذهب الهادي

(7)

والنفس الزكية وأبو حنيفة

(8)

إلى أنهم لا يملكونه علينا؛ إذ دار الحرب دار إباحة، فالملك فيها غير حقيقي.

(1)

القاموس المحيط (ص 980).

(2)

كذا في المخطوط (أ) و (ب) وفي القاموس (يجمع الخيل).

(3)

البحر الزخار (5/ 407).

(4)

البناية في شرح الهداية (6/ 600) وحاشية ابن عابدين (6/ 197 - 198).

(5)

حكاه عنهم القاضي عبد الوهاب المالكي في "عيون المجالس"(2/ 695) وابن قدامة في المغني (13/ 117) وهناك آثار أخرى، انظرها في:"المصنف" لعبد الرزاق (5/ 193 - 194) والسنن الكبرى للبيهقي (9/ 111 - 112).

(6)

المهذب (5/ 285) والبيان للعمراني (12/ 190 - 191).

(7)

البحر الزخار (5/ 408).

(8)

البناية في شرح الهداية (6/ 601 - 602).

ص: 552

وذهب مالك

(1)

والأوزاعي (2)، والزهري (2)، وعمرو بن دينار

(2)

، وأبو يوسف، ومحمد، إلى أنهم يملكونه علينا، وهو مروي عن أبي طالب، ولعله يأتي تحقيق هذا البحث إن شاء الله تعالى.

تمَّ ولله الحمد والمنّة

الجزء الثالث عشر

من

نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار

ويليه

الجزء الرابع عشر منه وأوله:

الكتاب الأربعون: كتاب الجهاد والسِّيَر

(1)

التهذيب في اختصار المدونة (2/ 53 - 54).

(2)

حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(13/ 117 - 118) وعيون المجالس (2/ 693).

ص: 553