المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكتاب الحادي والأربعون: كتاب الأطعمة، والصيد، والذبائح أولًا: أبواب الأطعمة: الباب الأول: - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - ت حلاق - جـ ١٥

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

الكتاب الحادي والأربعون: كتاب الأطعمة، والصيد، والذبائح

أولًا: أبواب الأطعمة:

الباب الأول: باب في أن الأصل في الأعيان والأشياء الإباحة، إلى أن يرد منع أو إلزام.

الباب الثاني: باب ما يباح من الحيوان الإنسي.

الباب الثالث: باب النهي عن الحمر الإنسية.

الباب الرابع: باب تحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير.

الباب الخامس: باب ما جاء في الهر والقنفذ.

الباب السادس: باب ما جاء في الضب.

لباب السابع: باب ما جاء في الضبع والأرنب.

الباب الثامن: باب ما جاء في الجلالة.

الباب التاسع: باب ما استفيد تحريمه من الأمر بقتله، أو النهي عن قتله.

ثانيًا: أبواب الصيد:

الباب الأول: باب ما يجوز فيه اقتناء الكلب، وقتل الكلب الأسود البهيم.

الباب الثاني: باب ما جاء في صيد الكلب المعلم والبازي ونحوهما.

الباب الثالث: باب ما جاء فيما إذا أكل الكلب من الصيد.

الباب الرابع: باب وجوب التسمية.

الباب الخامس: باب الصيد بالقوس وحكم الرمية إذا غابت أو وقعت في ماء.

الباب السادس: باب النهي عن الرمي بالبندق وما في معناه.

ص: 5

ثالثًا: أبواب الذبح:

الباب الأول: باب الذبح وما يجب له وما يستحب.

الباب الثاني: باب ذكاة الجنين بذكاة أمه.

الباب الثالث: باب أن ما أُبين من حي فهو ميتة.

الباب الرابع: باب ما جاء في السمك والجراد وحيوان البحر.

الباب الخامس: باب الميتة للمضطر.

الباب السادس: باب النهي أن يؤكل طعام الإنسان بغير إذنه.

الباب السابع: باب ما جاءَ من الرخصة في ذلك لابن السبيل إذا لم يكن حائط ولم يتخذ خبنة.

الباب الثامن: باب ما جاءَ في الضيافة.

الباب التاسع: باب الأدهان تصيبها النجاسة.

الباب العاشر: باب آداب الأكل.

الكتاب الثاني والأربعون: كتاب الأشربة

الباب الأول: باب تحريم الخمر ونسخ إباحتها المتقدمة.

الباب الثاني: باب ما يتخذ منه الخمر، وأن كل مسكر حرام.

الباب الثالث: باب الأوعية المنهي عن الانتباذ فيها ونسخ تحريم ذلك.

الباب الرابع: باب ما جاءَ في الخليطين.

الباب الخامس: باب النهي عن تخليل الخمر.

الباب السادس: باب شرب العصير ما لم يغل أو يأت عليه ثلاث، وما طبخ قبل غليانه فذهب ثلثاه.

الباب السابع: باب آداب الشرب.

الكتاب الثالث والأربعون كتاب الطب

الباب الأول: باب إباحة التداوي وتركه.

ص: 6

الباب الثاني: باب ما جاءَ في التداوي بالمحرمات.

الباب الثالث: باب ما جاءَ في الكي.

الباب الرابع: باب ما جاءَ في الحجامة وأوقاتها.

الباب الخامس: باب ما جاءَ في الرقى والتمائم.

الباب السادس: باب الرقية من العين والاستغسال منها.

الكتاب الرابع والأربعون: كتاب الأيمان وكفارتها

الباب الأول: باب الرجوع في الأيمان وغيرها من الكلام إلى النية.

الباب الثاني: باب من حلف فقال: إن شاءَ الله.

الباب الثالث: باب من حلف لا يهدي هدية فتصدق.

الباب الرابع: باب من حلف لا يأكل إداماً بماذا يحنث؟

الباب الخامس: باب أن من حلف أنه لا مال له يتناول الزكاتي وغيره.

الباب السادس: باب من حلف عند رأس الهلال لا يفعل شيئاً شهراً، فكان ناقصًا.

الباب السابع: بابُ الحلف بأسماء الله وصفاته، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى.

الباب الثامن: باب ما جاءَ في وأيم الله، ولعمر الله، وأقسم بالله، وغير ذلك.

الباب التاسع: باب الأمر بإبرار القسم والرخصة في تركه للعذر.

الباب العاشر باب ما يذكر فيمن قال: هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا.

الباب الحادي عشر: باب ما جاءَ في اليمين الغموس ولغو اليمين.

الباب الثاني عشر: باب اليمين على المستقبل وتكفيرها قبل الحنث وبعده.

الكتاب الخامس والأربعون: كتاب النذر

الباب الأول: باب نذر الطاعة مطلقًا ومعلقاً بشرط.

ص: 7

الباب الثاني: باب ما جاءَ في نذر المباح والمعصية وما أخرج مخرج اليمين.

الباب الثالث: باب من نذر نذرًا لم يسمّ ولا يطيقه.

الباب الرابع: باب من نذر وهو مشرك ثم أسلم، أو نذر ذبحاً في موضع معين.

الباب الخامس: باب ما يذكر فيمن نذر الصدقة بماله كله.

الباب السادس: باب ما يجزي من عليه عتق رقبة مؤمنة بنذر أو غيره.

الباب السابع: باب أن من نذر الصلاة في المسجد الأقصى أجزأه أن يصلي في مسجد مكة والمدينة.

الباب الثامن: باب قضاء كل المنذورات عن الميت.

الكتاب السادس والأربعون: كتاب الأقضية والأحكام

الباب الأول: باب وجوب نصب ولاية القضاء والإمارة وغيرهما.

الباب الثاني: باب كراهية الحرص على الولاية وطلبها.

الباب الثالث: باب التشديد في الولايات وما يخشى على من لم يقم بحقها دون القائم به.

الباب الرابع: باب المنع من ولاية المرأة والصبي ومن لا يحسن القضاءَ أو يضعف عن القيام بحقه.

الباب الخامس: باب تعليق الولاية بالشرط.

الباب السادس: باب نهي الحاكم عن الرشوة واتخاذ حاجب لبابه في مجلس حكمه.

الباب السابع: باب ما يلزم اعتماده في أمانة الوكلاء والأعوان.

الباب الثامن: باب النهي عن الحكم في حال الغضب إلا أن يكون يسيراً لا يشغل.

الباب التاسع: باب جلوس الخصمين بين يدي الحاكم والتسوية بينهما.

ص: 8

الباب العاشر: باب ملازمة الغريم إذا ثبت عليه الحق وإعداء الذمي على المسلم.

الباب الحادي عشر: باب الحاكم يشفع للخصم ويستوضع له.

الباب الثاني عشر: باب إن حكم الحاكم ينفذ ظاهراً لا باطناً.

الباب الثالث عشر: باب ما يذكر في ترجمة الواحد.

الباب الرابع عشر: باب الحكم بالشاهد واليمين.

الباب الخامس عشر: باب ما جاءَ في امتناع الحاكم من الحكم بعلمه.

الباب السادس عشر: باب من لا يجوز الحكم بشهادته.

الباب السابع عشر: باب ما جاءَ في شهادة أهل الذمة بالوصية في السفر.

الباب الثامن عشر: باب الثناء على من أعلم صاحب الحق بشهادة له عنده وذمّ من أدّى شهادة من غير مسألة.

الباب التاسع عشر: باب التشديد في شهادة الزور.

الباب العشرون: باب تعارض البينتين والدعوتين.

الباب الحادي والعشرون: باب استحلاف المنكر إذا لم تكن بينة، وأنَّه ليس للمدّعي الجمع بينهما.

الباب الثاني والعشرون: باب استحلاف المدعى عليه في الأموال والدماء وغيرهما.

الباب الثالث والعشرون: باب التشديد في اليمين الكاذبة.

الباب الرابع والعشرون: باب الاكتفاء في اليمين بالحلف بالله وجواز تغليظها باللفظ والمكان والزمان.

الباب الخامس والعشرون: باب ذم من حلف قبل أن يستحلف.

ص: 9

[الكتاب الحادي والأربعون] كتاب الأطعمَةِ والصَّيْدِ والذبائح

[أولًا: أبواب الأطعمة]

[الباب الأول] بابٌ في أنَّ الأصلَ في الأعيانِ والأشياءِ الإِباحةُ إلى أنْ يَرِدَ مَنْعٌ أَوْ إِلْزَامٌ

1/ 3567 - (عَنْ سَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ أعْظَمَ المُسْلِمِينَ فِي المُسْلِمِينَ جُرْماً، مَنْ سألَ عَنْ شَيْء لمَ يَحْرُمْ على النَّاسِ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسألَتِهِ")

(1)

[صحيح]

2/ 3568 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ذَرُونِي ما تَرَكْتُكُمْ، فإنَّما هَلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ على أنْبِيَائِهِمْ، فإذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيء فاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بأمْرٍ فأتُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما)

(2)

. [صحيح]

3/ 3569 - (وَعَنْ سَلْمَانَ الفارِسِيّ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّمْنِ وَالجُبْنِ وَالفَراءِ، فَقالَ:"الحَلالُ ما أَحَلَّ الله في كتابِهِ، وَالحَرَامُ ما حَرَّمَ الله في كتابِهِ، ومَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ ممَّا عَفا لَكُمْ"، رَوَاهُ ابْنُ

(3)

مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ)

(4)

. [حسن]

4/ 3570 - (وَعَنْ عَلِيّ قالَ: لمَّا نَزَلَتْ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ

(1)

أحمد في المسند (1/ 176) والبخاري رقم (7289) ومسلم رقم (132/ 2358). وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (2/ 258) والبخاري رقم (7288) ومسلم رقم (130/ 1337). وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (3367).

(4)

في سننه رقم (1726) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه. وهو حديث حسن.

ص: 11

اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}

(1)

قالُوا: يا رَسُولَ الله في كُلّ عامٍ؟ فَسَكَتَ، فَقالُوا: يا رَسُولَ الله في كُلّ عامٍ؟ قالَ: "لا، وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ"، فأنْزَلَ الله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}

(2)

، رَوَاة أحْمَدُ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

وَقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ). [صحيح]

حديث سلمان قيل: إنه لم يوجد في سنن الترمذي، ويدلّ على ذلك أنه روى صاحب جامع الأصول

(5)

شطراً منه من قوله: "الحلال ما أحلّ الله

" إلخ، ولم ينسبه إلى الترمذي بل بيض له، ولكنه قد عزاه الحافظ في الفتح

(6)

في (باب ما يكره من كثرة السؤال) إلى الترمذي كما فعله المصنف رحمه الله.

والحديث أورده الترمذي

(7)

في كتاب اللباس، وبوّب له باب (ما جاء في لباس الفراء). وأخرجه أيضاً الحاكم

(8)

في المستدرك، وقد ساقه ابن ماجه

(9)

بإسناد فيه سيف بن هارون البرجمي وهو ضعيف متروك

(10)

.

وحديث عليّ أخرجه أيضاً الحاكم

(11)

وهو منقطع كما قال الحافظ

(12)

، وصورة إسناده في الترمذي

(13)

قال: حدثنا أبو سعيد الأشجّ، حدثنا منصور بن

(1)

سورة آل عمران، الآية:(97).

(2)

سورة المائدة، الآية:(101).

(3)

في المسند (1/ 113).

(4)

في سننه رقم (3055) وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو حديث صحيح.

(5)

في "جامع الأصول"(5/ 58 - 59) رقم (3069).

(6)

في "الفتح"(13/ 264 رقم الباب (31)).

(7)

في السنن (4/ 220 رقم الباب 6).

(8)

في المستدرك (4/ 115) وقال الذهبي: "سيف بن هارون ضعفه جماعة".

(9)

في سننه رقم (3367) وقد تقدم.

(10)

سيف بن هارون البرجمي الكوفي: قال يحيى: ليس بشيء، وقال مرة: ليس بذاك، وقال الدارقطني: ضعيف متروك. وقال ابن حبان: يروي عن الأثبات الموضوعات. [المجروحين (1/ 346) والجرح والتعديل (4/ 276) والميزان (2/ 257)].

(11)

في المستدرك (2/ 294) وسكت عنه، وقال الذهبي:"مخول رافضي، وعبد الأعلى هو ابن عامر ضعفه أحمد".

(12)

في "التلخيص الحبير"(2/ 421).

(13)

في سننه (5/ 256).

ص: 12

زاذان عن عليّ بن عبد الأعلى، عن أبيه، عن أبي البختري، عن عليّ

فذكره.

قال أبو عيسى الترمذي

(1)

: حديث علي حديث غريب، واسم أبي البختري سعيد بن أبي عمران وهو سعيد بن فيروز. انتهى.

وفي الباب عن ابن عباس

(2)

وأبي هريرة

(3)

وقد تقدما في أول كتاب الحج

(4)

.

وفي الباب أحاديث ساقها البخاري

(5)

في (باب: ما يكره من كثرة السؤال).

وأخرج البزار

(6)

وقال: سنده صالح، والحاكم

(7)

وصححه من حديث أبي الدرداء رفعه بلفظ: "ما أحلّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً. وتلا:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)}

(8)

".

وأخرج الدارقطني

(9)

من حديث أبي ثعلبة رفعه: "إن الله فرض فرائض فلا

(1)

في سننه (5/ 256).

(2)

"نيل الأوطار"(9/ 13 رقم 1/ 1783) من حديث أبي هريرة من كتابنا هذا.

(3)

"نيل الأوطار"(9/ 13 رقم 2/ 1784) من حديث ابن عباس من كتابنا هذا.

(4)

"نيل الأوطار"(9/ 13) من كتابنا هذا.

(5)

في صحيحه (13/ 264 رقم الباب 13 - مع الفتح).

وأرقام الأحاديث هي: (7289): من حديث سعد بن أبي وقاص.

: (7290): من حديث زيد بن ثابت.

: (7291): من حديث أبي موسى الأشعري.

: (7292): من حديث المغيرة بن شعبة.

: (7293 - 7296): من حديث أنس.

: (7297): من حديث عبد الله بن مسعود.

(6)

في المسند (رقم 123 - كشف) وقال البزار: إسناده صالح.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 121) وقال: "رواه البزار، والطبراني في الكبير، وإسناده حسن ورجاله موثقون".

(7)

في المستدرك (2/ 375) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(8)

سورة مريم، الآية:(64).

(9)

في سننه (4/ 183 رقم 42).

ص: 13

تضيعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها".

وأخرج مسلم

(1)

من حديث أنس وأصله في البخاري

(2)

قال: "كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء" الحديث.

وفي البخاري

(3)

من حديث ابن عمر: "فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها". وأخرج أحمد

(4)

عن أبي أمامة قال: "لما نزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}

(5)

الآية، كنا قد اتقينا أن نسأله صلى الله عليه وسلم" الحديث.

والراجح في تفسير الآية أنها نزلت في النهي عن [كثرة]

(6)

المسائل عما كان وعما لم يكن، وقد أنكر ذلك جماعة من أهل العلم منهم القاضي أبو بكر بن العربي

(7)

فقال: اعتقد قوم من الغافلين منع السؤال عن النوازل إلى أن تقع تعلقاً بهذه الآية، وليس كذلك، لأنها مصرّحة بأن المنهي عنه ما تقع المساءة في جوابه، ومسائل النوازل ليست كذلك.

قال الحافظ

(8)

: وهو كما قال، إلا أن ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي.

ويؤيده حديث سعد

(9)

المذكور في أول الباب، لأنَّه قد أمن من وقوع التحريم لأجل المسألة، ولكن ليس الظاهر ما قاله ابن العربي من الاختصاص، لأن المساءة مجوّزة في السؤال عن كل أمر لم يقع.

وأما ما ثبت في الأحاديث من وقوع المسائل من الصحابة فيحتمل أن ذلك قبل نزول الآية.

(1)

في صحيحه رقم (10/ 12).

(2)

في صحيحه رقم (63).

(3)

في صحيحه رقم (4745).

(4)

في المسند (5/ 266) بسند ضعيف.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 201) وقال: فيه علي بن يزيد ضعيف جداً.

(5)

سورة المائدة، الآية:(101).

(6)

في المخطوط (ب): (كثر).

(7)

في أحكام القرآن (2/ 700).

(8)

في الفتح (8/ 280).

(9)

تقدم برقم (3567) من كتابنا هذا.

ص: 14

ويحتمل أن النهي في الآية لا يتناول ما يحتاج إليه مما تقرّر حكمه كبيان ما أجمل أو نحو ذلك مما وقعت عنه المسائل.

وقد وردت عن الصحابة آثار كثيرة في المنع من ذلك ساقها الدارمي في أوائل مسنده

(1)

.

(منها): عن زيد

(2)

بن ثابت أنه كان إذا سئل عن الشيء يقول: هل كان هذا؟ فإن قيل: لا، قال: دعوه حتى يكون.

قال في الفتح

(3)

: والتحقيق في ذلك أن البحث عما لا يوجد فيه نصّ على قسمين:

(أحدهما): أن يبحث عن دخوله في دلالة النصّ على اختلاف وجوهها، فهذا مطلوب لا مكروه، بل ربما كان فرضاً على من تعين عليه من المجتهدين.

(ثانيهما): أن يدقق النظر في وجوه الفرق، فيفرق بين متماثلين بفرق ليس له أثر في الشرع مع وجود وصف الجمع، أو بالعكس بأن يجمع بين مفترقين لوصف طردي مثلاً، فهذا الذي ذمه السلف، وعليه ينطبق حديث ابن مسعود رفعه:"هلك المتنطعون" أخرجه مسلم

(4)

. فرأوا: أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته، ومثله: الإكثار من التفريع على مسألةٍ لا أصل لها في الكتاب، ولا

(1)

رقم (123 - 131).

(2)

• أخرجه الدارمي رقم (124) وهذا الأثر بلاغ من بلاغات الزهري.

قال الحافظ: "بلاغات الزهري قبض الريح".

قلت: وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" برقم (1813) من طريق سحنون: عبد السلام بن سعيد بن حبيب، حدثنا ابن وهب، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه زيد

وهذا إسناد حسن.

• وأخرج الدارمي في مسنده رقم (126) عن طاووس قال: قال عمر - رضوان الله عليه - على المنبر: أُحَرِّجُ بالله على رجُلٍ سأل عما لم يكن، فإنَّ الله قد بين ما هوَ كائنٌ. إسناده صحيح.

• وأخرج الدارمي في مسنده رقم (129) عن زيد بن حباب، أخبرني رجاء بن حيوة قال:"سمعت عبادةَ بن نُسَيّ الكندي، وسُئِلَ عن امرأةٍ ماتت مع قوم ليس لها ولي، فقال: أدركتُ أقواماً ما كانوا يشدِّدون تشديدَكم، ولا يسألونَ مسائِلكم" إسناده صحيح.

(3)

(13/ 267).

(4)

في صحيحه رقم (7/ 2670).

ص: 15

السنة، ولا الإجماع، وهي نادرة الوقوع جداً فيصرف فيها زماناً كان صرفه في غيرها أولى، ولا سيما إن لزم من ذلك المقال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه.

وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها.

ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحسّ كالسؤال عن وقت الساعة، وعن الروح، وعن مدة هذه الأمة إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل، والكثير منه لم يثبت فيه شيء، فيجب الإيمان به من غير بحث.

وأشدّ من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشكّ والحيرة، كما صحّ من حديث أبي هريرة رفعه عند البخاري

(1)

وغيره: "لا يزال الناس يتساءلون: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله".

قال الحافظ

(2)

: فمن سدّ باب المسائل، حتى فاته كثير مِن الأحكام التي يكثر وقوعها، فإنه يقلّ فهمه وعلمه، ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها، ولا سيما فيما يقلّ وقوعه أو يندر، ولا سيما إن كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة، فإنه يذمّ فعله، وهو عين الذي كرهه السلف.

ومن أمعن البحث عن معاني كتاب الله تعالى، محافظاً على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة الذين شاهدوا التنزيل، وحصّل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه، وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك، مقتصراً على ما يصلح للحجة فيها، فإنه الذي يحمد، وينفع وينتفع به.

وعلى ذلك يحمل عمل فقهاء الأمصار من التابعين فمَنْ بعدهم، حتى حدثت الطائفة الثانية، فعارضتها الطائفة الأولى، فكثر بينهم المراء والجدال، وتولدت البغضاء، وهم من أهل دين واحد، والوسط هو المعتدل من كل شيء، وإلى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور في الباب

(3)

: "فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم".

(1)

في صحيحه رقم (3276) من حديث أبي هريرة.

وأخرج البخاري رقم (7296) ومسلم رقم (217/ 136) من حديث أنس بن مالك.

(2)

في "الفتح"(13/ 267).

(3)

تقدم برقم (3568) من كتابنا هذا.

ص: 16

فإن الاختلاف يجرّ إلى عدم الانقياد، وهذا كله من حيث تقسيم المشتغلين بالعلم.

وأما العمل بما ورد في الكتاب والسنة والتشاغل به، فقد وقع الكلام في أيهما أولى: يعني هل العلم أو العمل والإنصاف أن يقال: كل ما زاد على ما هو في حقّ المكلف فرض عين.

فالناس فيه على قسمين: من وجد من نفسه قوّة على الفهم والتحرير، فتشاغله بذلك أولى من إعراضه عنه، وتشاغله بالعبادة لما فيه من النفع المتعدي، ومن وجد من نفسه قصوراً، فإقباله على العبادة أولى به لعسر اجتماع الأمرين، فإنَّ الأوّل لو ترك العلم لأوشك على أن يضيع بعض الأحكام بإعراضه.

والثاني لو أقبل على العلم وترك العبادة فاته الأمران، لعدم حصول الأوّل له، وإعراضه عن الثاني. انتهى.

قوله: (إنَّ أعظم المسلمين

إلخ) هذا لفظ مسلم

(1)

، ولفظ البخاري

(2)

: "إن أعظم الناس جرماً".

قال الطيبي

(3)

: فيه من المبالغة: أنه جعله عظيماً، ثم فسره بقوله:"جرمًا"؛ ليدلّ على أنه نفسه جرم، قال: وقوله: "في المسلمين"، أي: في حقهم.

قوله: (فحُرّم) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء.

قال ابن بطال

(4)

عن المهلب: ظاهر الحديث يتمسك به القدرية في أن الله يفعل شيئاً من أجل شيء وليس كذلك، بل هو على كل شيء قدير، فهو فاعل السبب والمسبب، ولكن الحديث محمول على التحذير مما ذكر، فعظم جرم من فعل ذلك لكثرة الكارهين لفعله.

وقال غيره

(5)

: أهل السنة لا ينكرون إمكان التعليل

(6)

وإنما

(1)

في صحيحه رقم (132/ 2358).

(2)

في صحيحه رقم (7289).

(3)

في شرح المشكاة (1/ 346) رقم (153/ 14).

(4)

في شرحه لصحيح البخاري (10/ 343).

(5)

الفتح (13/ 268).

(6)

انظر: "منهاج السنة النبوية" لابن تيمية (1/ 141 - 146). =

ص: 17

ينكرون وجوبه فلا يمتنع أن يكون الشيء الفلاني تتعلق به الحرمة إن سئل عنه، فقد سبق القضاء بذلك إلا أن السؤال علة للتحريم.

وقال ابن التين

(1)

: قيل: الجرم اللاحق به إلحاق المسلمين المضرّة لسؤاله، وهي منعهم التصرّف فيما كان حلالاً قبل مسألته.

وقال القاضي عياض

(2)

: المراد بالجرم هنا: الحدث على المسلمين، لا الذي هو بمعنى الإثم المعاقب عليه، لأن السؤال كان مباحا، ولهذا قال:"سلوني".

وتعقبه النووي

(3)

فقال: هذا الجواب ضعيف أو باطل. والصواب الذي قاله الخطابي

(4)

والتيمي

(5)

وغيرهما أن المراد بالجرم: الإثم، والذنب حملوه على من سأل تكلفاً وتعنتاً فيما لا حاجة له به إليه، وسبب تخصيصه ثبوت الأمر بالسؤال عما يحتاج إليه بقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}

(6)

، فمن سأل عن نازلة وقعت له لضرورته إليها فهو معذور فلا إثم عليه ولا عتب، فكل من الأمر بالسؤال والزجر عنه مخصوص بجهة غير الأخرى.

قال: ويؤخذ منه أن من عمل شيئاً أضرّ به غيره كان آثماً.

وأورد الكرماني

(7)

على الحديث سؤالاً فقال: السؤال ليس بجريمة، ولئن كان فليس بكبيرة، ولئن كان فليس بأكبر الكبائر.

وأجاب أن السؤال عن الشيء بحيث يصير سبباً لتحريم شيء مباح هو أعظم الجرم؛ لأنَّه صار سبباً لتضييق الأمر على جميع المكلفين، فالقتل مثلاً كبيرة ولكن مضرّته راجعة إلى المقتول وحده، أو إلى من هو منه بسبيل بخلاف صورة المسألة فضررها عامّ للجميع. انتهى.

= "ومنهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في العقيدة"(1/ 463 - 466).

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 268).

(2)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(7/ 329).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (15/ 111).

(4)

في معالم السنن (5/ 16 - مع السنن).

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 268).

(6)

سورة النحل، الآية:(43).

(7)

في شرحه لصحيح البخاري (25/ 38 - 39).

ص: 18

وقد روي ما يدلّ على أنه قد وقع في زمنه صلى الله عليه وسلم من المسائل ما كان سبباً لتحريم الحلال.

أخرج البزار

(1)

عن سعد بن أبي وقاص قال: "كان الناس يتساءلون عن الشيء من الأمر فيسألون النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو حلال، فلا يزالون يسألون النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى يحرم عليهم".

قوله: (ذروني) في رواية للبخاري

(2)

: "دعوني"، ومعناهما واحد.

قوله: (ما تركتكم) أي: مدّة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيءٍ. قال [ابن فَرْح]

(3)

: معناه لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجهٍ ما ظاهره، ولو كانت صالحة لغيره، كما أنَّ قوله:"حجوا" وإن كان صالحاً للتكرار فينبغي أن يكتفي بما يصدق عليه اللفظ، وهو [المرَّة]

(4)

، فإن الأصل عدم الزيادة، ولا يكثر التعنت عن ذلك، فإنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل في البقرة.

قوله: (واختلافهم) يجوز فيه الرفع والجرّ.

قوله: (فإذا نهيتكم) هذا النهي عامّ في جميع المناهي، ويستثنى من ذلك ما يكره المكلف على فعله، وإليه ذهب الجمهور، وخالف قوم فتمسكوا بالعموم فقالوا: الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها.

(1)

في المسند رقم (1229) وأورده الهيثمي في "كشف الأستار" رقم (198). وأورده أيضًا في "مجمع الزوائد"(1/ 158): وقال: "رواه البزار وفيه قيس بن الربيع وثقه شعبة، وسفيان، وضعفه أحمد ويحيى بن معين وغيرهما".

(2)

في صحيحه رقم (7288).

(3)

في كل طبعات نيل الأوطار قاطبة (ابن فرج) وهو تحريف والصواب (ابن فَرْح) وهو: أبو العباس، أحمد بن فَرْح الإشبيلي (ت 699) الشافعي، المحدث الحافظ، تفقه على ابن عبد السلام.

وقال ابن ناصر الدين: ومن نظمه الرائق قصيدته التي أولها:

غَرامي صحيحٌ والرجا فيكَ مُعْضَلُ

وحُزني ودمعي مرسلٌ ومسلسلُ

(وبحوزتي مخطوطتين لها، ولي عليها شرح موسع) أعانني الله على نشرها.

[شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد (7/ 775 - 776)] ط: دار ابن كثير.

(4)

في المخطوط (ب): (المدة).

ص: 19

قوله: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أي: اجعلوه قدر استطاعتكم.

قال النووي

(1)

: هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام، ويدخل فيه كثير من الأحكام، كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور، وكذا الوضوء وستر العورة، وحفظ بعض الفاتحة، وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل، والإمساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار، إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها، واستدلّ به على أن من أُمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور أنه يسقط عنه ما عجز عنه، وبذلك استدلّ المزني على أن ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه، ومن ثم كان الصحيح أن القضاء بأمر جديد.

واستدلّ بهذا الحديث على أن اعتناء الشارع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات، لأنَّه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك، وقيد في المأمورات بالاستطاعة، وهذا منقول عن الإمام أحمد

(2)

.

فإن قيل: إن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضاً إذ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

(3)

.

فجوابه أن الاستطاعة تطلق باعتبارين، كذا قيل.

قال الحافظ

(4)

: والذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدلّ على المدعى من الاعتبار، بل هو من جهة الكف، إذ كل واحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلاً، فلا يتصوّر عدم الاستطاعة من الكف، بل كل مكلف قادر على الترك بخلاف الفعل، فإن العجز عن تعاطيه محسوس، فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي، قال [ابن فَرْح]

(5)

في "شرح الأربعين"

(6)

: إن

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (9/ 102).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 262).

(3)

سورة البقرة، الآية:(286).

(4)

في "الفتح"(13/ 262).

(5)

في كل طبعات نيل الأوطار (ابن فرج) والصواب (ابن فَرْح) كما تقدم التنبيه عليه قريبًا.

(6)

شرح الأربعين، ابن فَرْح، (أبو العباس، أحمد بن فرح الإشبيلي، ت 699 هـ) كما في كشف الظنون (1/ 59).

[معجم المصنفات (ص 228 رقم 668)].

ص: 20

الأمر بالاجتناب على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الإكراه.

والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنًا بالإيمان كما نطق به القرآن.

قال الحافظ

(1)

: والتحقيق أن المكلف في كل ذلك ليس منهيًا في تلك الحال.

وقال الماوردي

(2)

: إن الكفّ عن المعاصي ترك وهو سهل، وعمل الطاعة فعل وهو شاق، فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنَّه ترك، والترك لا يعجز المعذور عنه، وادعى بعضهم أن قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}

(3)

يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهي، وقد قيد بالاستطاعة فاستويا، وحينئذ تكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي أن العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي، فإن تصوّر العجز فيه محصور في الاضطرار وهو قوله تعالى:{إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}

(4)

وهو مضطر، ولا يرد الإكراه لأنَّه مندرج في الاضطرار.

وزعم بعضهم أن قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}

(5)

نسخ بقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}

(6)

.

قال الحافظ

(7)

: والصحيح أنه لا نسخ بل المراد بحقِّ تقاته: امتثال أمره واجتناب نهيه مع القدرة لا مع العجز.

قوله: (الفَراء) بفتح الفاء مهموز: حمار الوحش كذا في مختصر النهاية

(8)

،

(1)

في "الفتح"(13/ 262).

(2)

حكاه عنه الحافظ في المرجع السابق.

(3)

سورة التغابن، الآية:(16).

(4)

سورة الأنعام، الآية:(119).

(5)

سورة التغابن، الآية:(16).

(6)

سورة آل عمران، الآية:(102).

(7)

في "الفتح"(13/ 262 - 263).

(8)

النهاية (2/ 351).

والفائق للزمخشري (1/ 224).

ص: 21

ولكن تبويب الترمذي

(1)

الذي ذكرناه سابقاً يدل على أن الفِراء بكسر الفاء جمع فرو.

قوله: (الحلال ما أحلّ الله في كتابه

إلخ)، المراد من هذه العبارة وأمثالها مما يدلّ على حصر التحليل والتحريم على الكتاب العزيز هو باعتبار اشتماله على جميع الأحكام ولو بطريق العموم أو الإشارة، أو باعتبار الأغلب لحديث:"إني أوتيت القرآن ومثله معه"

(2)

، وهو حديث صحيح.

قوله: (وعن عليّ

إلخ) قد تقدم الكلام على ما اشتمل عليه حديث عليّ في أول كتاب الحجّ

(3)

.

[الباب الثاني] باب ما يباح من الحيوان الإنسي

5/ 3571 - (عَنْ جابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَأَذنَ في لُحُومِ الخَيْلِ. مُتَّفَق عَلَيْه

(4)

. [صحيح]

وَهُوَ للنَّسَائي

(5)

وأبي دَاوُدَ

(6)

. [صحيح]

وفي لَفْظٍ: أطْعَمَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الخَيْلِ، وَنهانا عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ. رَوَاهُ التّرْمِذِيُّ

(7)

وَصَحَّحَهُ. [صحيح]

(1)

في السنن (4/ 220 رقم الباب 6).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 130 - 131) وأبو داود رقم (4604) والطبراني في "مسند الشاميين" رقم (1061) والحاكم (1/ 109) من حديث المقدام بن معدي كرب. وهو حديث صحيح.

(3)

"نيل الأوطار"(9/ 14) من كتابنا هذا.

(4)

أحمد في المسند (3/ 356) والبخاري رقم (5520) ومسلم رقم (36/ 1941). وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (4447).

(6)

في سننه رقم (3808). وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (1793) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 22

وفي لَفْظٍ: "سَافرْنا؛ يَعْنِي مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَكُنَّا نأكُلُ لُحُومَ الخَيْلِ وَنَشْرَبُ ألْبانَها. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)

(1)

.

6/ 3572 - (وَعَنْ أسَماءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ قالَتْ: ذَبَحْنا على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَرَساً وَنَحْنُ بالمَدِينَةِ فأكَلْناهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

.

وَلَفْظُ أحْمَدَ: ذَبَحْنا فَرَساً على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأكَلْناهُ نَحْنُ وَأهْلُ بَيْتِهِ). [صحيح].

7/ 3573 - (وَعَنْ أبي مُوسَى قالَ: رأيْت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يأكُلُ لَحْمَ دَجاجٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية) فيه دليل على تحريمها، وسيأتي الكلام على ذلك.

قوله: (وأذن في لحوم الخيل) استدلّ به القائلون بحلّ أكلها.

قال الطحاوي

(4)

: ذهب أبو حنيفة

(5)

إلى كراهة أكل الخيل، وخالفه صاحباه وغيرهما.

واحتجوا بالأخبار المتواترة في حلها، ولو كان ذلك مأخوذاً من طريق النظر لما كان بين الخيل والحمر الأهلية فرق، ولكن الآثار إذا صحَّت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن نقول بها مما يوجبه النظر، ولا سيما وقد أخبر جابر "أنه صلى الله عليه وسلم أباح لهم لحوم الخيل في الوقت الذي منعهم فيه من لحوم الحمر".

فدلّ ذلك على اختلاف حكمهما.

(1)

في سننه (4/ 288 رقم 68).

(2)

أحمد في المسند (6/ 345) والبخاري رقم (5511) ومسلم رقم (38/ 1942). وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (4/ 394، 401) والبخاري رقم (5517) ومسلم رقم (9/ 1649). وهو حديث صحيح.

(4)

مختصر اختلاف العلماء له (3/ 216) وشرح معاني الآثار (4/ 210).

(5)

بدائع الصنائع (5/ 39).

ص: 23

قال الحافظ

(1)

: وقد نقل الحلّ بعض التابعين عن الصحابة من غير استثناء أحد؛ فأخرج ابن أبي شيبة

(2)

بسند صحيح على شرط الشيخين عن عطاء أنه قال لابن جريج: لم يزل سلفك يأكلونه، قال ابن جريج: قلت: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم.

وأما ما نقل في ذلك عن ابن عباس من كراهتها، فأخرجه ابن أبى شيبة

(3)

وعبد الرزاق

(4)

بسندين ضعيفين.

وسيأتي في الباب الذي بعد هذا عن ابن عباس

(5)

أنه استدلّ لحلّ الحمر الأهلية بقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} الآية

(6)

، وذلك يقوّي أنه من القائلين بالحلّ.

وأخرج الدارقطني

(7)

عنه بسند قوّي قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل".

قال في الفتح

(8)

: [وصحّ]

(9)

القول بالكراهة عن الحكم بن عتيبة

(10)

، ومالك

(11)

وبعض الحنفية

(12)

، وعن بعض المالكية

(13)

والحنفية

(14)

التحريم، قال [الفاكهاني]

(15)

: المشهور عند المالكية الكراهة، والصحيح عند المحققين منهم التحريم.

(1)

في "الفتح"(9/ 650).

(2)

في "المصنف"(8/ 70) وصحح إسناده الحافظ في الفتح (9/ 650).

(3)

في "المصنف"(8/ 70) بسند ضعيف.

(4)

لم أقف عليه في مصنف عبد الرزاق، وقد عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(9/ 650).

(5)

سيأتي برقم (3579) من كتابنا هذا.

(6)

سورة الأنعام، الآية:(145).

(7)

في سننه (4/ 290 رقم 73) وفيه محمد بن عبد الله بن سليمان، هو الخراساني ضعيف.

(8)

في "الفتح"(9/ 650).

(9)

في المخطوط (ب): (وصحيح).

(10)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 650).

(11)

عيون المجالس (2/ 980 رقم المسألة 686).

(12)

بدائع الصنائع (5/ 39).

(13)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 251 - 252).

(14)

المحيط البرهاني (6/ 431).

(15)

كذا في (أ)، (ب): وفي "الفتح"(الفاكهي).

ص: 24

وقد صحح صاحب المحيط

(1)

والهداية

(2)

والذخيرة

(3)

عن أبي حنيفة التحريم، وإليه ذهبت العترة كما حكاه في البحر

(4)

، ولكنه حكى الحلّ عن زيد بن عليّ

(5)

.

واستدلّ القائلون بالتحريم بما رواه الطحاوي

(6)

وابن حزم

(7)

من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر والخيل والبغال".

قال الطحاوي

(8)

: أهل الحديث يضعفون عكرمة بن عمار.

قال الحافظ

(9)

: لا سيما في يحيى بن أبي كثير، فإن عكرمة وإن كان مختلفاً في توثيقه قد أخرج له مسلم، لكن إنما أخرج له من غير روايته عن يحيى بن أبي كثير. وقال يحيى بن سعيد القطان: أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفة.

وقال البخاري: حديثه عن يحيى مضطرب.

وقال النَّسَائِي: ليس به بأس إلا في يحيى. وقال أحمد: حديثه من غير

(1)

العلامة محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازة البخاري في المحيط البرهاني (6/ 431).

(2)

الهداية (4/ 68).

(3)

"الذخيرة": "تفيد النقول أن الكتاب المذكور من كتب الحنفية. ولم يصرح ابن حجر باسم مصنفه، وهو لبرهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازة البخاري، وكتابه: "ذخيرة الفتاوى" اختصره من كتابه المشهور "المحيط البرهاني" كلاهما مقبول عند العلماء".

راجع: كشف الظنون (1/ 823 - 824).

[معجم المصنفات (ص 194) رقم (543)].

(4)

البحر المحيط (4/ 330).

(5)

قال القاضي الحسين بن أحمد السياغي في "الروض النضير"(1/ 290): "الأول: الرخصة في أكل لحوم الخيل. وهو مذهب زيد بن علي، والمهدي محمد بن المطهر، وقرره في "المنهاج". وقال به أيضاً محمد بن منصور المرادي مع زيادة أكل البرازين". اهـ.

(6)

في "شرح مشكل الآثار"(8/ 68 رقم 3064) بسند ضعيف.

(7)

في المحلى (7/ 408).

(8)

في "شرح مشكل الآثار"(8/ 70).

(9)

في "الفتح"(9/ 651).

ص: 25

إياس بن سلمة مضطرب

(1)

.

وعلى تقدير صحة هذه الطريق فقد اختلف على عكرمة فيها، فإن الحديث عند أحمد

(2)

والترمذي

(3)

من طريقه ليس فيه للخيل ذكر، وعلى تقدير أن يكون الذي زاده حفظه، فالروايات المتنوعة عن جابر المفصلة بين لحوم الخيل والحمر في الحكم أظهر اتصالاً وأتقن رجالاً وأكثر عدداً.

ومن أدلتهم ما رواه في السنن

(4)

من حديث خالد بن الوليد: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الخيل".

وتعقب بأنه شاذّ منكر لأن في سياقه "أنه شهد خيبر"

(5)

، وهو خطأ، فإنه لم يُسلم إلا بعدها على الصحيح.

وقد روي الحديث من طريق أخرى عن خالد وفيها مجهول.

ولا يقال: إن جابر أيضاً لم يشهد خيبر كما أعلّ الحديث بذلك بعض الحنفية.

لأنا نقول: ذلك ليس بعلة مع عدم التصريح بحضوره، فغايته أن يكون من مراسيل الصحابة.

(1)

"تهذيب التهذيب"(3/ 132) و"التقريب" رقم الترجمة (4672).

(2)

و

(3)

عزاه إليهما الحافظ في "الفتح"(9/ 651) من طريقه - أي من طريق عكرمة بن عمار - ليس فيه للخيل ذكر.

(4)

أخرجه أبو داود رقم (3790) وابن ماجه رقم (3198) والنسائي رقم (4331). قال أبو داود: هذا منسوخ، قد أكل لحوم الخيل جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وأخرجه أحمد في المسند (4/ 89) والدارقطني (4/ 287 رقم 61) وإسناده ضعيف، لضعف صالح بن يحيى بن المقدام.

قال البخاري: فيه نظر، والراوي عنه، وهو أبوه لم يوثقه إلا ابن حبان.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

أخرجها الدارقطني في السنن (4/ 287) رقم (60) وفيه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف.

وفي سياق الحديث ما يشهد بضعفه وعدم صحته، فقد جاء فيه أن خالداً شهد خيبر، وهو خطأ فإنه لم يسلم إلا بعدها على الصحيح.

ص: 26

وأما الرواية الثانية عنه المذكورة في الباب: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أطعمهم لحوم الخيل".

وفي الأخرى: "أنهم سافروا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم "، فليس في ذلك تصريح بأنه كان في خيبر، فيمكن أن يكون في غيرها، ولو فرضنا ثبوت حديث خالد وسلامته عن العلل لم ينتهض لمعارضة حديث جابر

(1)

وأسماء

(2)

المتفق عليهما مع أنه قد ضعف حديث خالد أحمد

(3)

، والبخاري، وموسى بن هارون، والدارقطني

(4)

، والخطابي

(5)

، وابن عبد البرّ

(6)

، وعبد الحقّ

(7)

، وآخرون.

ومن جملة ما استدلّ به القائلون بالتحريم قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}

(8)

، وقد تمسك بها [أكثر القائلين]

(9)

بالتحريم، وقرّروا ذلك: بأن اللام للتعليل، فدلَّ على أنها لم تخلق لغير ذلك؛ لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر، فإباحة أكلها تقتضي خلاف الظاهر من الآية، وقرّروه أيضاً بأن العطف يشعر بالاشتراك في الحكم، وبأن الآية سيقت مساق الامتنان، فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم.

وأجيب إجمالاً: بأن الآية مكية اتفاقاً، والإذن كان بعد الهجرة، وأيضاً: ليست نصاً في منع الأكل، والحديث صريح في الحلِّ.

وأجيب أيضاً تفصيلًا: بأنا لو سلمنا أنَّ اللام للعلة، لم نسلم إفادته الحصر في الركوب، والزينة، فإنه ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير الأكل اتفاقاً، ونظير ذلك حديث البقرة المذكور في الصحيحين

(10)

حين خاطبت راكبها فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث، فإنه مع كونه أصرح في الحصر لكونه بإنما مع اللام لا يستدلّ به على تحريم أكلها، وإنما المراد الأغلب من المنافع، وهو الركوب في الخيل والتزين بها والحرث في البقر.

(1)

تقدم برقم (3571) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3572) من كتابنا هذا.

(3)

في "المغني"(13/ 325).

(4)

في السنن (4/ 290 رقم 61).

(5)

في معالم السنن (4/ 150 - مع السنن).

(6)

في "التمهيد"(11/ 110 - الفاروق).

(7)

في الأحكام الوسطى (4/ 117 - الرشد).

(8)

سورة النحل، الآية:(8).

(9)

في المخطوط (ب): (أكثر القائلون).

(10)

البخاري في صحيحه رقم (3471) ومسلم رقم (113/ 2388) من حديث أبي هريرة.

ص: 27

وأيضاً يلزم المستدلّ بالآية أنه لا يجوز حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير ولا قائل به.

وأما الاستدلال بالعطف فغايته (دلالة الاقتران)

(1)

، وهي من الضعف بمكان.

وأما الاستدلال بالامتنان، فهو باعتبار غالب المنافع.

قوله: (ذبحنا فرساً)، لفظ البخاري

(2)

: "نحرنا فرساً"، وقد جمع بين الروايتين بحمل النحر على الذبح مجازًا، وقد وقع ذلك مرتين.

قوله: (يأكل لحم دجاج) هو اسم جنس مثلث الدال ذكره المنذري

(3)

وابن مالك

(4)

وغيرهما، ولم يحك النووي أن ذلك مثلث، وقيل: إن الضم ضعيف.

قال الجوهري

(5)

: دخلتها التاء للوجدة مثل الحمامة.

وقال إبراهيم الحربي: إن الدجاجة بالكسر اسم للذكران دون الإناث والواحد منها ديك، وبالفتح الإناث دون [الذكر]

(6)

والواحدة دجاجة بالفتح أيضاً، وفي القاموس

(7)

: والدجاجة معروف للذكر والأنثى وتثلث. اهـ، وقد تقدم نقله.

وفي الحديث قصة: وهو أن رجلاً امتنع من أكل الدجاج وحلف على ذلك، فأفتاه أبو موسى بأنه يكفّر عن يمينه ويأكل، وقصّ له الحديث.

(1)

انظر: "إرشاد الفحول"(810 - 811) والبحر المحيط (6/ 99) وشرح الكوكب المنير (3/ 262).

• وأنكر دلالة الاقتران الجمهور، فقالوا: إنَّ الاقتران في النظم لا يستلزم الاقتران في الحكم.

(2)

في صحيحه رقم (5510).

(3)

في "الحاشية" كما في "الفتح"(9/ 644).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 644).

(5)

في "الصحاح"(1/ 313).

(6)

في المخطوط (أ)، (ب):(الذكر). وفي "الفتح"(9/ 645): (الذكران).

(7)

القاموس المحيط ص 240.

ص: 28

[الباب الثالث] باب النَّهْي عَنِ الحُمُرِ الإِنسِيَّةِ

8/ 3574 - (عَنْ أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيّ قالَ: حَرَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

، وَزَادَ أحْمَدُ

(2)

: وَلحْمَ كُلّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ). [صحيح]

9/ 3575 - (وَعَنِ البَراء بْنِ عازِبٍ قالَ: نَهانا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ نَضِيجاً وَنِيئاً)

(3)

. [صحيح]

10/ 3576 - (وَعَنِ ابنِ عُمَرَ قالَ: إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما)

(4)

. [صحيح]

11/ 3577 - (وَعَنْ ابن أبي أوْفى قالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عن لُحُومِ الحُمُرِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَالبُخَارِيُّ)

(6)

. [صحيح]

12/ 3578 - (وَعَنْ زَاهِرٍ الأسْلَمِيّ وَكانَ ممَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ قالَ: إني لأوقِدُ تَحتَ القُدُورِ بلُحُومِ الحُمُرِ إذْ نادَى مُنادٍ: إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهاكُمْ عَنْ لُحُوم الحُمُرِ)

(7)

.

13/ 3579 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ قالَ: قُلْتُ لِجابِرِ بن زَيْدٍ: يَزْعُمُونَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهى عَنِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ، قالَ: قَدْ كانَ يَقُولُ ذلكَ الحَكَمُ بْنُ عَمرٍو الغِفارِيُّ عِنْدَنا بالبَصْرَةِ، وَلَكِنْ أبى ذلكَ البَحْرُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَرأ: {قُل لَّا أَجِدُ فِي

(1)

أحمد في المسند (4/ 193) والبخاري رقم (5527) ومسلم رقم (23/ 1961).

(2)

في المسند (4/ 193).

(3)

أحمد في المسند (4/ 297) والبخاري رقم (5521) ومسلم رقم (25/ 561).

(4)

أحمد في المسند (2/ 102) والبخاري رقم (5522) ومسلم رقم (24/ 561).

(5)

في المسند (4/ 355).

(6)

في صحيحه رقم (5525، 5526).

(7)

البخاري في صحيحه رقم (4173).

ص: 29

مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}

(1)

، رَوَاهُمَا البُخارِيُّ)

(2)

.

14/ 3580 - (وَعَن أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ كُلَّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ والمُجَثَّمَةَ والحِمَارَ الإِنْسِيِّ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ)

(4)

. [صحيح]

15/ 3581 - (وَعَنِ ابْنِ أبي أوْفَى قالَ: "أصابَتْنا مَجَاعَةٌ ليَالِي خَيْبَرَ؛ فَلَمَّا كانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنا في الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ فانْتَحَرناها، فَلَمَّا غَلَتْ بِها القُدُورُ نَادَى مُنادِي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أن اكْفِئُوا القُدُورَ لا تأكُلُوا مِنْ لُحُومِ الحُمُرِ شَيْئاً، فَقالَ ناسٌ: إنَّمَا نَهَى عَنْها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ؛ وَقالَ آخَرُونَ: نَهَى عَنْها الْبَتَّةَ. مُتَّفَقٌ

(5)

عَلَيْهِ. [صحيح]

وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيّ

(6)

وَأنَسٍ

(7)

وَقَدْ ذُكِرَا).

قوله: (الإنسية) قال في الفتح

(8)

: بكسر الهمزة وسكون النون منسوبة إلى الإنس، ويقال فيه: أنسية بفتحتين. وزعم ابن الأثير

(9)

أن في كلام أبي موسى المديني

(10)

ما يقتضي أنها بالضمّ ثم السكون.

وقد صرّح الجوهري

(11)

أن الأنَس بفتحتين ضد الوحشة، ولم يقع في شيء

(1)

سورة الأنعام، الآية:(145).

(2)

في صحيحه رقم (5529).

(3)

في المسند (2/ 366).

(4)

في سننه رقم (1795) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وتقدم مختصراً برقم (1479).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (1933) والنسائي رقم (4324) وابن ماجه رقم (3233). وهو حديث صحيح.

(5)

أحمد في المسند (4/ 356) والبخاري رقم (4220) ومسلم رقم (26/ 1937).

(6)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 79) والبخاري رقم (4216) ومسلم رقم (29، 30/ 1407). وهو حديث صحيح.

(7)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 115) والبخاري رقم (4198) ومسلم رقم (34/ 1940) وهو حديث صحيح.

(8)

في "الفتح"(9/ 654).

(9)

النهاية (1/ 82).

(10)

المجموع المغيث (1/ 98).

(11)

الصحاح للجوهري (3/ 906).

ص: 30

من روايات الحديث بضم ثم سكون مع احتمال جوازه، نعم زيف أبو موسى الرواية بكسر أوله ثم السكون، فقال ابن الأثير

(1)

: إن أراد من جهة الرواية وإلا فهو ثابت في اللغة؛ والمراد بالإنسية: الأهلية، كما وقع في سائر الروايات.

ويؤخذ من التقييد بها جواز أكل الحمر الوحشية، ولعله يأتي البحث عنها إن شاء الله [تعالى]

(2)

.

قوله: (إذ نادى منادي) وقع عند مسلم

(3)

: أن الذي نادى بذلك أبو طلحة. ووقع عند مسلم

(4)

أيضاً بلالاً نادى بذلك.

وعند النَّسَائِي

(5)

أن المنادي بذلك عبد الرحمن بن عوف، ولعلّ عبد الرحمن نادى أوّلاً بالنهي مطلقاً، ثم نادى أبو طلحة بزيادة على ذلك وهو قوله:"فإنها رجس".

قوله: (وقرأ {قُل لَّا أَجِدُ}

(6)

الآية.

هذا الاستدلال إنما يتم في الأشياء التي لم يرد النصّ بتحريمها.

وأما الحمر [الإنسية]

(7)

فقد تواترت النصوص على ذلك، والتنصيص على التحريم مقدّم على عموم التحليل وعلى القياس.

وأيضاً الآية مكية.

وقد [روي]

(8)

عن ابن عباس أنه قال: "إنما حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمر الأهلية مخافة قلة الظهر"، رواه ابن ماجه

(9)

، والطبراني

(10)

، وإسناده ضعيف.

(1)

النهاية (1/ 82 - 83).

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

في صحيحه رقم (35/ 1940).

(4)

في صحيحه رقم (26/ 1937).

(5)

في سننه رقم (4341). وهو حديث صحيح.

(6)

سورة الأنعام، الآية:(145).

(7)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

في المخطوط (ب): (ورد).

(9)

لم أقف عليه عند ابن ماجه في سننه.

(10)

في "المعجم الكبير"(ج 11 رقم 12226). =

ص: 31

وفي البخاري

(1)

في المغازي: أنَّ ابن عباس تردّد هل كان النهي لمعنى خاصّ أو للتأبيد؟ وعن بعضهم: إنما نهى عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنها كانت تأكل العذرة.

وفي حديث ابن أبي أوفى

(2)

المذكور في الباب، فقال ناس: إنما نهى عنها لأنها لم تخمَّس.

قال الحافظ

(3)

: وقد أزال هذه الاحتمالات من كونها لم تخمس أو كانت جلَّالة أو غيرهما حديث أنس

(4)

حيث جاء فيه: "فإنها رجس"، وكذلك الأمر بغسل الإناء في حديث سلمة

(5)

. انتهى.

والحديثان متفق عليهما، وقد تقدما في أول الكتاب في (باب نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل إذا ذبح)

(6)

من كتاب الطهارة.

قال القرطبي

(7)

: ظاهره أن الضمير في (إنها رجس) عائد على الحمر، لأنها المتحدث عنها المأمور بإكفائها من القدور وغسلها، وهذا حكم النجس فيستفاد منه تحريم أكلها لعينها لا لمعنى خارج.

وقال ابن دقيق العيد

(8)

: الأمر بكفاء القدور ظاهر أنه بسبب تحريم لحم الحمر.

قال الحافظ

(9)

: وقد وردت علل أخر إن صحّ رفع شيء منها وجب المصير إليه، لكن لا مانع أن يعلل الحكم بأكثر من علة.

وحديث أبي ثعلبة

(10)

صريح في التحريم فلا [معدل]

(11)

عنه.

= وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 47) وقال: "فيه حبان بن علي وفيه ضعف وقد وثق".

(1)

في صحيحه رقم (4227).

(2)

تقدم برقم (3581) من كتابنا هذا.

(3)

في "الفتح"(9/ 656).

(4)

أخرجه أحمد والبخاري رقم (4198)، ومسلم رقم (34/ 1940) وهو حديث صحيح.

(5)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 48) والبخاري رقم (2477) ومسلم رقم (33/ 1802).

(6)

"نيل الأوطار"(1/ 294) من كتابنا هذا.

(7)

في "المفهم" له (5/ 224).

(8)

في "إحكام الأحكام" ص 929 - 930.

(9)

في "الفتح"(9/ 656).

(10)

تقدم برقم (3574) من كتابنا هذا.

(11)

في المخطوط (ب): (يعدل).

ص: 32

وأما التعليل بخشية قلة الظهر فأجاب عنه الطحاوي

(1)

بالمعارضة بالخيل، فإن في حديث جابر

(2)

النهي عن الحمر والإذن في الخيل مقرونان، فلو كانت العلة لأجل الحمولة لكانت الخيل أولى بالمنع لقلتها عندهم وعزّتها وشدّة حاجتهم إليها.

قال النووي

(3)

: قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم، ولم نجد عن أحد من الصحابة في ذلك خلافاً إلا عن ابن عباس، وعند مالك ثلاث روايات ثالثها الكراهة.

وقد أخرج أبو داود

(4)

عن غالب بن أبجر قال: "أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنك حرّمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة، قال: "أطعم أهلك من سمين حمرك"، فإنما حرّمتها من أجل جَوَالِّ القرية" بفتح الجيم والواو وتشديد اللام جمع جالَّة

(5)

، مثل: سوام جمع سامّة بتشديد الميم، وهوامّ جمع هامة: يعني الجلالة، وهي التي تأكل العذرة.

والحديث لا تقوم به حجة.

قال الحافظ

(6)

: إسناده ضعيف: والمتن شاذّ مخالف للأحاديث الصحيحة، فلا اعتماد عليه.

وقال المنذري

(7)

: اختلف في إسناده كثيراً.

وقال البيهقي: إسناده مضطرب.

قال ابن عبد البرّ

(8)

: روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم تحريم الحمر الأهلية: علي،

(1)

في شرح معاني الآثار (4/ 206 - 207).

(2)

تقدم برقم (3571) من كتابنا هذا.

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 91).

(4)

في سننه رقم (3809). وهو ضعيف الإسناد ومضطرب.

(5)

النهاية (1/ 282) والفائق (1/ 223).

(6)

في "الفتح"(9/ 656).

(7)

في "المختصر"(5/ 320).

(8)

في "التمهيد"(11/ 107 - 108 - الفاروق).

ص: 33

وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو [بن العاص]

(1)

، وجابر، والبراء، وعبد الله بن أبي أوفى، وأنس، وزاهر الأسلمي، بأسانيد صحاح وحسان.

وحديث غالب بن أبجر

(2)

لا يعرّج على مثله مع ما يعارضه ويحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لهم في مجاعتهم وبيَّن علة تحريمها المطلق بكونها تأكل العذرات.

وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني

(3)

عن أمّ نصر المحاربية: "أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية فقال: "أليس ترعى الكلأ وتأكل الشجر؟ "، قال: نعم، قال: "فأصب من لحومها"".

وأخرجه ابن أبي شيبة

(4)

من طريق رجل من بني مرّة قال: سألت

فذكر نحوه.

فقال الحافظ

(5)

: في السندين مقال، ولو ثبتا احتمل أن يكون قبل التحريم.

قال الطحاوي

(6)

: لولا تواتر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريم الحمر الأهلية لكان النظر يقتضي حلها، لأن كل ما حرّم في الأهلي أجمع على تحريمه إذا كان وحشياً كالخنزير، وقد أجمع على حلّ الوحشي، فكان النظر يقتضي حلّ الحمار الأهلي.

قال في الفتح

(7)

: وما ادّعاه من الإجماع مردود، فإن كثيراً من الحيوان الأهلي مختلف في نظيره الحيوان الوحشي كالهرّ.

قوله: (كل ذي ناب من السباع) سيأتي الكلام فيه.

(1)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(2)

تقدم وهو عند أبي داود برقم (3809). وهو ضعيف الإسناد ومضطرب.

(3)

في "المعجم الكبير"(ج 25 رقم 390).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 47) وقال: "فيه ابن إسحاق وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر".

(4)

في "المصنف"(8/ 76).

(5)

في "الفتح"(9/ 656).

(6)

في شرح معاني الآثار (4/ 210).

(7)

(9/ 656).

ص: 34

قوله: (المُجَثمة) بضم الميم وفتح وتشديد المثلثة على صيغة اسم المفعول، وهي كل حيوان ينصب ويقتل، إلا أنها قد كثرت في الطير والأرنب وما يجثم في الأرض، أي: يلزمها، والجثم في الأصل: لزوم المكان أو الوقوع على الصدر أو التلبد بالأرض كما في القاموس

(1)

، التجثيم نوع من المثلة.

[الباب الرابع] باب تحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير

16/ 3582 - (عَنْ أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيّ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "كُلُّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ فأكْلُهُ حَرَامٌ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ وَأبا دَاوُدَ)

(2)

. [صحيح]

17/ 3583 - (وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ وكُلّ ذي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ)

(3)

. [صحيح]

(1)

القاموس المحيط ص 1403. وقاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 235) والفائق (1/ 190).

(2)

أحمد في المسند (4/ 193، 194) والبخاري رقم (5530) ومسلم رقم (12/ 1932) وأبو داود رقم (3802) والنسائى رقم (4325) والترمذي رقم (1477) وابن ماجه رقم (3232). عن أبي ثعلبة الخشني، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع".

• قلت: وأخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 496 رقم 13).

عن أبي ثعلبة الخشني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أكلُ كُلِّ ذي نابٍ من السباع حرام". قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(15/ 311) رقم (22073): "قال أبو عمر: هكذا رواه يحيى، عن مالك بهذا الإسناد، عن ابن شهاب، عن أبي إدريس، عن أبي ثعلبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

فذكره.

22074 -

ولا يرويه أحدٌ كذلك، لا من أصحاب ابن شهاب، ولا من أصحاب مالك.

22075 -

وإنما هذا اللفظ حديث أبي هريرة من رواية مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عبيدة بن أبي سفيان الحضرمي، عن أبي هريرة.

22076 -

والمحفوظ من حديث أبي ثعلبة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع".

وخلاصة القول: أن لفظ مالك شاذ، والله أعلم.

(3)

أحمد في المسند (1/ 244، 289، 302) ومسلم رقم (16/ 1934). =

ص: 35

18/ 3584 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: حَرَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، يَعْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ لُحُومَ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، وَلحُومَ البغالِ، وَكُلَّ ذِي نابٍ من السِّباعِ، وكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالتِّرْمِذِيُّ)

(2)

. [صحيح]

19/ 3585 - (وَعَنِ عِرْباضِ بْنِ سارِيَةَ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ كُلَّ ذِي مخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ ولُحُومَ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ وَالخُلْسَة وَالمُجَثَّمَةَ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

وَقالَ: نَهَى، بَدَلَ لَفْظِ التَّحْرِيمِ، وَزَادَ في رِوَايَةٍ: قالَ أبُو عاصِمٍ: المُجَثَّمَةُ: أنْ يُنْصَبَ الطَّيْرُ فَيُرْمَى. وَالخُلْسَةُ الذّئْبُ أو السَّبُعُ يُدْرِكُهُ الرَّجُلُ فَيأخُذُ مِنْهُ، يَعْنِي الفَرِيسَةَ، فَتَمُوتُ في يَدهِ قَبْلَ أنْ يُذَكِّيها). [صحيح دون قوله:(الخلسة)]

حديث جابر أصله في الصحيحين

(5)

كما سلف، وهو بهذا اللفظ بسند لا

= وأبو داود رقم (3803) والنسائي رقم (4326) وابن ماجه رقم (3234).

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (892) والبيهقي (9/ 315). وهو حديث صحيح.

(1)

في المسند (3/ 323).

(2)

في سننه رقم (1478) وقال: هذا حديث حسن غريب.

إسناده ضعيف، عكرمة بن عمار، قال أحمد: مضطرب الحديث عن يحيى بن أبي كثير. وقال علي بن المديني: أحاديث عكرمة عن يحيى بن أبي كثير ليست بذاك: مناكير، كان يحيى بن سعيد يضعفها.

وقال البخاري: مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير.

قلت: ومما يدل على اضطراب عكرمة فيه ما رواه أحمد في المسند (3/ 356) وأبو داود رقم (3789) والدارقطني في سننه (4/ 289 رقم 69) والبيهقي (9/ 337) من طرق عن حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال:"ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل".

وأخرجه الحاكم (4/ 235) من طريق يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، وعمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

وصححه ابن حبان رقم (5272).

(3)

في المسند (4/ 127).

(4)

في سننه رقم (1474). صحيح دون قوله: (الخلسة).

(5)

البخاري رقم (5520) ومسلم رقم (36/ 1941).

ص: 36

بأس به كما قاله الحافظ في الفتح

(1)

، وكذلك حديث العرباض بن سارية لا بأس بإسناده.

قوله: (كل ذي ناب) الناب

(2)

: السنّ الذي خلف الرباعية جمعه أنياب.

قال ابن سينا: لا يجتمع في حيوانٍ واحدٍ نابٌ وقرن معاً. وذو الناب من السباع كالأسد، والذئب، والنمر، والفيل، والقرد، وكل ما له ناب يتقوّى به ويصطاد.

قال في النهاية

(3)

: وهو ما يفترس الحيوان ويأكل قسراً، كالأسد، والنمر، والذئب ونحوها.

وقال في القاموس

(4)

: والسبع - بضم الباء وفتحها -: المفترس من الحيوان. انتهى.

ووقع الخلاف في جنس السباع المحرّمة، فقال أبو حنيفة

(5)

: كل ما أكل اللحم فهو سبع حتى الفيل والضَّبُّ واليربوعُ والسنَّور.

قال الشافعيُّ

(6)

: يحرم من السباع ما يعدو على الناس، كالأسد، والنمر، والذئب. وأما الضبع والثعلب فيحلان عنده لأنهما لا يعدوان.

قوله: (وكلُّ ذي مخلبٍ) المخلب - بكسر الميم وفتح اللام - قال أهل اللغة

(7)

: المخلب للطير والسباع بمنزلة الظفر للإنسان.

وفي الحديث دليل على تحريم ذي الناب من السباع، وذي المخلب من الطير، وإلى ذلك ذهب الجمهور

(8)

.

وحكى ابن عبد الحكم وابن وهب عن مالك

(9)

مثل قول الجمهور.

وقال ابن العربي

(10)

: المشهور عنه الكراهة، قال ابن رسلان: ومشهور

(1)

(9/ 657).

(2)

النهاية (2/ 814).

(3)

النهاية (1/ 751).

(4)

القاموس المحيط ص 938.

(5)

بدائع الصنائع (5/ 39) والهداية (4/ 68).

(6)

البيان للعمراني (4/ 502).

(7)

القاموس المحيط ص 104.

(8)

المغني لابن قدامة (13/ 319).

(9)

عيون المجالس (2/ 979 رقم 685).

(10)

في "أحكام القرآن"(2/ 766).

ص: 37

مذهبه على إباحة ذلك، وكذا قال القرطبي

(1)

؛ وقال ابن عبد البرّ

(2)

: اختلف فيه عن ابن عباس

(3)

وعائشة

(4)

، وجاء عن ابن عمر من وجه ضعيف، وهو قول الشعبي، وسعيد بن جبير؛ يعني عدم التحريم، واحتجوا بقوله تعالى:{قُل لَّا أَجدُ فِي مَا أُوحِىَ إِلَيَّ} الآية (5).

وأجيب بأنها مكية، وحديث التحريم بعد الهجرة، وأيضاً هي عامة والأحاديث خاصة، وقد تقدم الجواب عن الاحتجاج بالآية مفصلاً.

وعن بعضهم: أنَّ آية الأنعام خاصة ببهيمة الأنعام؛ لأنَّه تقدم قبلها حكاية عن الجاهلية: أنهم كانوا يحرمون أشياء من الأزواج الثمانية بآرائهم فنزلت الآية: {قُل لَّا أَجِدُ}

(5)

، أي: من المذكورات.

ويجاب عن هذا: أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

(6)

.

قوله: (ولحوم البغال) فيه دليل على تحريمه

(7)

وبه قال الأكثر، وخالف في ذلك الحسن البصري

(8)

كما حكاه عنه في البحر

(9)

.

قوله: (والخلسة)

(10)

بضم الخاء وسكون اللام بعدها سين مهملة، وهي ما وقع التفسير به في المتن.

(1)

في "المفهم" له (5/ 215).

(2)

في التمهيد (10/ 350 - الفاروق).

(3)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (8709) عن الضحاك قال: تلا ابن عباس هذه الآية {قُل لَّا أَجدُ} [الأنعام: 145] الآية، فقال:"ما خلا هذا فهو حلال".

(4)

وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (8708) عن القاسم بن محمد قال: سئلت عائشة عن أكل كل ذي ناب من السباع قتلت: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} ، - إلى - {دَمًا مَسْفُوحًا} [لأنعام: 145] فقالت: قد ترى في القدر صفرة الدم. وهو أثر صحيح.

(5)

سورة الأنعام، الآية:(145).

(6)

"إرشاد الفحول"(ص 454) بتحقيقي، والبحر المحيط (3/ 195).

(7)

المغني (13/ 319).

(8)

موسوعة فقه الحسن البصري (2/ 677) وذكره القفال في "حلية العلماء"(3/ 405).

(9)

البحر الزخار (4/ 330).

(10)

"النهاية"(1/ 517) والمجموع المغيث (1/ 604).

ص: 38

قوله: (والمجثمة)

(1)

، قد تقدم ضبطها وتفسيرها.

[الباب الخامس] باب ما جاءَ في الهِرِّ والقنْفُذِ

20/ 3586 - (عَنْ جابرٍ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أكْلِ الهِرّ وأكْلِ ثَمَنِها. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(2)

وَابْنُ ماجَهْ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ)

(4)

. [ضعيف]

21/ 3587 - (وَعَنْ عِيسَى بْنِ نُمَيْلَةَ الفَزَارِيّ عَنْ أبِيهِ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَسُئِلَ عَنْ أكْلِ القُنْفُذ، فَتَلا هَذِهِ الآيَةَ:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية

(5)

، فَقالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ: سَمِعْتُ أبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: "خَبِيثَةٌ مِنَ الخَبَائِثِ"، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنْ كانَ قالَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كمَا قالَ. رَوَاهُ أحْمدُ

(6)

وأبُو دَاوُدَ)

(7)

. [إسناده ضعيف]

حديث جابر في إسناده عمر بن زيد الصنعاني

(8)

، قال المنذري

(9)

وابن حبان: لا يحتجّ به.

وقال ابن رسلان في شرح السنن: لم يرو عنه غير عبد الرزاق.

(1)

"النهاية"(1/ 235) والفائق (1/ 190) والقاموس المحيط ص 1403.

(2)

في سننه رقم (3480).

(3)

في سننه رقم (3250).

(4)

في سننه رقم (1280).

قلت: وأخرجه أحمد (3/ 297) والبيهقي (6/ 11).

قال الترمذي: هذا حديث غريب، وعمر بن زيد لا نَعْرِفُ كبير أحَدٍ روى عنه غير عبد الرزاق. وقد ضعف الألباني الحديث في الإرواء رقم (2487).

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

سورة الأنعام، الآية:(145).

(6)

في المسند (2/ 381).

(7)

في السنن رقم (3799).

وفيه عيسى بن نميلة ضعيف.

قال الذهبي في الميزان (3/ 327) رقم (6622): "وما روى عنه سوى الدراوردي حديثه في أكل القنفذ".

(8)

عمر بن زيد الصنعاني: ضعيف. من السابعة. (د ت ق) التقريب رقم الترجمة (4898).

(9)

انظر: "المختصر" للمنذري (5/ 313 - 314).

ص: 39

وقد أخرج النهي عن أكل ثمن الكلب والسنور مسلم في صحيحه

(1)

.

وحديث عيسى بن نميلة: قال الخطابي

(2)

: ليس إسناده بذاك. وقال البيهقي

(3)

: إسناده غير قويّ ورواه شيخ مجهول.

وقال في بلوغ المرام

(4)

: إسناده ضعيف.

وقد استدلّ بالحديث الأوّل على تحريم أكل الهرّ، [وظاهره]

(5)

عدم الفرق بين الوحشيِّ والأهلي.

ويؤيد التحريم أنه من ذوات الأنياب.

وللشافعية

(6)

وجه في حلِّ الهرِّ الوحشيِّ، كحمار الوحش إذا كان وحشيَّ الأصل، لا إن كان أهلياً، ثم توحش.

قوله: (عن عيسى بن نُميلة) بضم النون، وتخفيف الميم مصغر نملة، ذكره ابن حبان في الثقات

(7)

.

قوله: (القنفذ)

(8)

هو واحد، القنافذ، والأنثى الواحدة قنفذة، وهو بضم القاف، وسكون النون، وضم الفاء، وبالذال المعجمة، وقد تفتح الفاء. وهو نوعان: قنفذ يكون بأرض مصر قدر الفأر الكبير، وآخر يكون بأرض الشام في قدر الكلب وهو مولع بأكل الأفاعي ولا يتألم بها، كذا قال ابن رسلان في شرح السنن.

وقد استدلّ بالحديث على تحريم

(9)

القنفذ؛ لأن الخبائث محرّمة بنصّ القرآن، وهو مخصصٌ لعموم الآية الكريمة، كما سلف في مثل ذلك.

وقد حكى التحريم في البحر

(10)

عن أبي طالب والإمام يحيى.

(1)

في صحيحه رقم (42/ 1569).

(2)

في "معالم السنن"(4/ 157).

(3)

ذكره المنذري في "المختصر"(5/ 314).

(4)

رقم الحديث (8/ 1247) بتحقيقي.

(5)

في المخطوط (ب): (وظاهر).

(6)

البيان للعمراني (4/ 502).

(7)

في "الثقات"(8/ 489).

(8)

الصحاح للجوهري (2/ 568).

(9)

انظر: "المغني"(13/ 317).

(10)

البحر الزخار (4/ 331).

ص: 40

قال ابن رسلان راوياً عن القفال

(1)

أنه قال: إن صحّ الخبر فهو حرام، إلا رجعنا إلى العرب، والمنقول عنهم أنهم يستطيبونه.

وقال مالك

(2)

، وأبو حنيفة

(3)

: القنفذ مكروه. ورخص فيه الشافعي

(4)

، والليث

(5)

، وأبو ثور

(6)

. اهـ

وحكى الكراهة في البحر

(7)

أيضاً عن المؤيد بالله.

والراجح: أن الأصل الحلُّ؛ حتى يقوم دليل ناهض ينقل عنه أو يتقرّر أنه مستخبث في غالب الطباع.

ويؤيد القول بالحلّ ما أخرجه أبو داود

(8)

عن ملْقَام بن تَلِبٍّ

(9)

عن أبيه قال: "صحبتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم أسمع لحشرات الأرض تحريماً".

وهذا يؤيد الأصل أن كان عدم السماع لا يستلزم عدم ورود دليل، ولكن قال البيهقي

(10)

: إن إسناده غير قويّ.

وقال النَّسَائِي: ينبغي أن يكون ملقام بن التلب ليس بالمشهور.

قال ابن رسلان: إن حشرات الأرض كالضبّ والقنفذ واليربوع وما أشبهها، وأطال في ذلك.

(1)

قال القفال في "حلية العلماء"(3/ 406): "ويحل القنفذ، وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يحل". اهـ.

(2)

التهذيب في اختصار المدونة (2/ 19). والمدونة (2/ 64).

(3)

بدائع الصنائع (5/ 36).

(4)

البيان للعمراني (4/ 503) والمهذب (2/ 868). والمجموع (9/ 12 - 13).

(5)

ذكره ابن المنذر في "الإشراف"(2/ 341 رقم 1696).

(6)

موسوعة أبي ثور ص 428. وذكره ابن المنذر في "الإشراف" (2/ 341 رقم 1696).

(7)

البحر الزخار (4/ 331).

(8)

في سننه رقم (3798) بسند ضعيف.

(9)

ويقال: هلقام، وهو مستور كما في التقريب (2/ 273).

(10)

في السنن الكبرى (9/ 326).

ص: 41

[الباب السادس] بابُ ما جاءَ في الضَّبِّ

22/ 3588 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ: أنَّهُ أخْبَرَهُ أنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم على مَيْمُونَةَ وَهِيَ خالَتُهُ وَخالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَوَجَدَ عِنْدَها ضبًّا مَحْنُوذاً قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُها حُفَيْدَةُ بِنْتُ الحارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأهْوَى بِيَدِهِ إلى الضَّبّ، فَقالَتِ امْرأةٌ مِنَ النِّسْوةِ الحُضُورِ: أخْبِرْن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِما قَدَّمْتُنَّ لَهُ، قُلْنَ: هُوَ الضَّبُّ يا رَسُولَ الله، فَرَفَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، فَقالَ خالِد بْنُ الوَلِيدِ: أحَرَامٌ الضَّبُّ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: "لا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُن بأرْضِ قَوْمِي فأجِدني أعافُهُ"، قالَ خالِد: فاجْتَرَرْتُهُ فأكَلْتُهُ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ فَلَمْ يَنْهَنِي. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

(1)

. [صحيح]

23/ 3589 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الضَّبّ فَقالَ: "لا آكُلُهُ وَلا أُحَرّمُهُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ مَعَهُ ناسٌ فِيهِمْ سَعْدُ، فأتُوا بِلَحْمِ ضَبٍّ، فَنَادَتِ امْرأةٌ مِنْ نِسائِهِ: إنَّهُ لَحْمُ ضَبّ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"كُلُوا فإنَّهُ حَلالٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعامي"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَمُسْلِمٌ)

(4)

. [صحيح]

24/ 3590 - (وَعَنْ جابِرٍ: أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ قالَ في الضَّبّ: إنَّ

(1)

أحمد في المسند (4/ 88، 89) والبخاري رقم (5400) ومسلم رقم (44/ 1946) وأبو داود رقم (3794) والنسائي رقم (4317) وابن ماجه رقم (3241). وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (2/ 46) والبخاري رقم (5536) ومسلم رقم (40/ 1943). وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (2/ 137).

(4)

في صحيحه رقم (42/ 1944). وهو حديث صحيح.

ص: 42

رَسُولَ الله [صلى الله عليه وسلم]

(1)

لَمْ يُحَرّمْهُ، وَإنَّ عُمَرَ قالَ:[إنَّ]

(2)

الله لَيَنْفَعُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَإنَّمَا طَعامُ عامَّةِ الرّعاء مِنْهُ، وَلَوْ كانَ عِنْدِي طَعِمْتُهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

وَابْنُ ماجَهْ)

(4)

.

25/ 3591 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: أُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِضَبّ، فأبَى أنْ يأكُلَ مِنْهُ وَقالَ: "لا أدْرِي لعَلَّهُ مِنَ القُرُونِ الَّتي مُسِخَتْ")

(5)

. [صحيح]

26/ 3592 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ: أنَّ أعْرَابِياً أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إني في غائِطٍ مَضَبَّةٍ وَإنَّهُ عامَّةُ طَعامِ أهْلِي، قالَ: فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقُلْنا: عاوِدْهُ، فَعاوَدَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثَلاثاً، ثُمَّ نادَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في الثَّالِثَةِ، فَقالَ: "يا أعْرابيّ: إنَّ الله لَعَنَ - أوْ غَضِبَ على - سِبْطٍ من بَنِي إسْرَائِيلَ فَمَسَخَهُمْ دَوَابَّ يَدِبُّون في الأرْضِ، ولَا أدْرِي لَعَلَّ هَذَا مِنْها فَلَمْ آكُلْهَا، [وَلا]

(6)

أنَهى عَنْها"، رَوَاهُمَا أحْمَدُ

(7)

وَمُسْلِمٌ

(8)

. [صحيح]

وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أنَّ المَمْسُوخَ لا نَسْلَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ ذلكَ إلَّا بِوَحْي، وَأنَّ تَرَدُّدَهُ في الضَّبّ كانَ قَبْلَ الوَحْي بِذَلكَ، والحَدِيثُ يَرْوِيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ:

(1)

زيادة من المخطوط (ب).

(2)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

في صحيحه رقم (49/ 1950).

(4)

في سننه رقم (3239).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 67) رقم (1113/ 3239) هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع، حكى الترمذي في "الجامع" عن البخاري أن قتادة لم يسمع من سليمان اليشكري

" اهـ. إسناده ضعيف.

(5)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 380) ومسلم رقم (48/ 1949). وهو حديث صحيح.

(6)

في المخطوط (ب): (ولم) والمثبت من المخطوط (أ) ومصادر التخريج.

(7)

في المسند (3/ 5).

(8)

في صحيحه رقم (50/ 1951). وهو حديث صحيح.

ص: 43

أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَتْ عِنْدَهُ القِرَدَةُ، قالَ مِسْعَرٌ: وأراهُ قالَ: وَالخَنازِيرُ مِمَّا مُسخَ، فَقالَ: إنَّ الله لَمْ يَجْعَلْ لمَسْخٍ نَسْلاً وَلا عَقِباً، وَقَدْ كانَتِ القِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قبْلَ ذَلِكَ

(1)

. [صحيح]

وَفِي رِوَايَة: أن رَجُلاً قَالَ: يا رسُولَ الله القِردَةُ والخَنَازِيرُ هِيَ ممَّا مَسَخَ الله؟ فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لَمْ يُهْلِكْ أوْ يُعَذّبْ قَوْماً فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلاً، رَوَىَ ذلكَ أحْمَدُ

(2)

وَمُسْلِمٌ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (فوجد عندها ضباً)

(4)

هو دويبة تشبه الجرذان، ولكنه أكبر منه قليلاً، ويقال: الأنثى ضَبَّةٌ.

قال ابن خالويه

(5)

: إنه يعيش سبعمائة سنة، وإنه لا يشرب الماء، ويبول في كل أربعين يوماً قطرة، ولا يسقط له سنٌّ، ويقال: بل أسنانه قطعة واحدة.

قوله: ([محنوذاً

(6)

])

(7)

بحاء مهملة، ونون مضمومة، وآخره ذال معجمة؛ أي: مشوياً بالحجارة المحماة، ووقع في رواية

(8)

: "بضبٍّ مشويٍّ".

قوله: (أختها حفيدة) بمهملة مضمومة، بعدها فاء مصغرة.

قوله: (لم يكن بأرض قومي) قال ابن العربى

(9)

: اعترض بعض الناس على هذه اللفظة وقال: إن الضباب موجودة بأرض الحجاز، فإن كان أراد تكذيب الخبر فقد كذب هو فإنه ليس بأرض الحجاز منها شيءٌ، وربما أنها حدثت بعد عصر النبوّة، وكذا أنكر ذلك ابن عبد البرّ

(10)

ومن تبعه.

(1)

أحمد في المسند (1/ 433) ومسلم رقم (32/ 2663). وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (1/ 445).

(3)

في صحيحه رقم (32/ 2663). وهو حديث صحيح.

(4)

لسان العرب (1/ 538 - 539)، وزهر الأكم في الأمثال والحكم (2/ 50 - 51) و (2/ 148).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 663).

(6)

النهاية (1/ 442) والفائق (3/ 45).

(7)

في المخطوط (أ)، (ب):"محنوذ" والمثبت من الحديث.

(8)

أخرجه البخاري رقم (5400) والنسائي رقم (4316) وابن ماجه رقم (3241).

(9)

في "عارضة الأحوذي"(7/ 290 - 291).

(10)

في "التمهيد"(16/ 156 - الفاروق).

ص: 44

قال الحافظ

(1)

: ولا يحتاج إلى شيءٍ من هذا، بل المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:"بأرض قومي" قريش فقط، فيختص النفي بمكة وما حولها، ولا يمنع ذلك أن تكون موجودةً بسائر بلاد الحجاز.

قوله: (فأجدني أعافه)

(2)

أي: أكره أكله، يقال: عفت الشيء، أعافه.

قوله: (فاجتررته) بجيم وراءين مهملتين، هذا هو المعروف في كتب الحديث، وضبطه بعض شرّاح المهذّب

(3)

بزاي قبل الراء، وقد غلطه النووي

(4)

.

قوله: (لا آكله ولا أحرمه) فيه جواز أكل الضبّ.

قال النووي

(5)

: وأجمع المسلمون على أنَّ الضبّ حلالٌ ليس بمكروه إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة

(6)

من كراهته، وإلا ما حكاه القاضي عياض

(7)

عن قوم أنهم قالوا: هو حرام، وما أظنُّه يصحّ عن أحد، فإن صحّ عن أحدٍ فمحجوج بالنصوص، وإجماع من قبله. اهـ.

قال الحافظ

(8)

: قد نقله ابن المنذر

(9)

عن عليّ رضي الله عنه، فأين يكون الإجماع مع مخالفته؟.

ونقل الترمذي

(10)

كراهته عن بعض أهل العلم.

وقال الطحاوي

(11)

في معاني الآثار: كره قوم أكل الضبِّ منهم: أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وقد جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن

(1)

في "الفتح"(9/ 665).

(2)

"النهاية"(2/ 280).

(3)

المجموع للنووي (9/ 13).

(4)

في المرجع السابق.

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 97 - 98) وفي المجموع (9/ 13).

(6)

مختصر اختلاف العلماء: (3/ 211 - 212).

(7)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 388).

(8)

في "الفتح"(9/ 665).

(9)

في "الإشراف" له (2/ 338 - 339).

(10)

في سننه بإثر الحديث رقم (1790): "وقد اختلف أهل العلم في أكل الضب، فرخص فيه بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وكرهه بعضهم، .... ".

(11)

في شرح معاني الآثار (4/ 200).

ص: 45

أكل لحم الضبّ"، أخرجه أبو داود

(1)

من حديث عبد الرحمن بن شبل.

قال الحافظ في الفتح

(2)

: وإسناده حسن، فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي راشدٍ الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل.

وحديث ابن عياش عن الشاميين قويّ، وهؤلاء شاميُّون ثقات، ولا يغترّ بقول الخطابي

(3)

: ليس إسناده بذاك.

وقول ابن حزم

(4)

: فيه ضعفاء، ومجهولون. وقول البيهقي: تفرّد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة.

وقول ابن الجوزي

(5)

: لا يصحّ، ففي كل ذلك تساهل لا يخفى، فإنَّ رواية إسماعيل عن الشاميين قوية عند البخاري، وقد صحح الترمذي بعضها.

وأخرج أحمد

(6)

، وأبو داود

(7)

، وصححه ابن حبان

(8)

، والطحاوي

(9)

وسنده على شرط الشيخين من حديث عبد الرحمن بن حسنة: "نزلنا أرضاً كثيرة الضباب .. "، الحديث، وفيه:"أنهم طبخوا منها، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أمةً من بني إسرائيلَ مُسخت دوابّ، فأخشى أن تكون هذه، فأكفئوها"".

ومثله حديث أبي سعيد

(10)

المذكور في الباب.

قال في الفتح

(11)

: والأحاديث وإن دلت على الحلّ تصريحاً وتلويحاً، نصاً وتقريراً، فالجمع بينها وبين الحديث المذكور حمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون مما مسخ.

(1)

في سننه رقم (3796). وهو حديث حسن.

(2)

في "الفتح"(9/ 665).

(3)

في "معالم السنن"(4/ 155).

(4)

في المحلى (7/ 431).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 665).

(6)

في المسند (4/ 196).

(7)

في سننه رقم (3795).

(8)

في صحيحه رقم (5266).

(9)

في شرح معاني الآثار (4/ 197) ومشكل الآثار (4/ 278). وهو حديث صحيح.

(10)

تقدم برقم (3592) من كتابنا هذا.

(11)

(9/ 666).

ص: 46

وحينئذ أمر بإكفاء القدور، ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه.

وحمل الإذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له وبعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرّمه، وأكل على مائدته بإذنه، فدلّ على الإباحة.

وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره، وتحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذّره.

وقد استدلّ على الكراهة بما أخرجه الطحاوي (1) عن عائشة: "أنه أهدي للنبيّ صلى الله عليه وسلم ضبّ فلم يأكله، فقام عليهم سائل، فأرادت عائشة أن تعطيه، فقال لها: "أتعطينه ما لا تأكلين؟ "، قال محمد بن الحسن: دلّ ذلك على كراهته لنفسه ولغيره.

وتعقبه الطحاوي

(1)

باحتمال أن يكون ذلك من جنس ما قال الله تعالى: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}

(2)

، ثم ساق الأحاديث الدالة على كراهة التصدّق بحشف التمر، وكحديث البراء "كانوا يحبون الصدقة بأردأ تمرهم، فنزلت:{أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (2)، قال: فلهذا المعنى كره لعائشة أن تصدّق بالضبّ لا لكونه حراماً.

وهذا يدلّ على أن الطحاوي (1) فهم عن محمد أن الكراهة فيه للتحريم.

والمعروف عن أكثر الحنفية

(3)

فيه كراهة التنزيه، وجنح بعضهم إلى التحريم.

وقال: اختلفت الأحاديث وتعذّرت معرفة المتقدم فرجحنا جانبي التحريم، ودعوى التعذّر ممنوعة بما تقدم.

قوله: (في غائط مضبَّة) قال النووي

(4)

: فيه لغتان مشهورتان: إحداهما فتح

(1)

في شرح معاني الآثار (4/ 201).

(2)

سورة البقرة، الآية:(267).

(3)

رؤوس المسائل (5/ 837) ومختصر اختلاف العلماء (3/ 211). والهداية (4/ 68).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم رقم (13/ 102).

ص: 47

الميم والضاد، والثانية ضم الميم وكسر الضاد، والأوّل أشهر وأفصح؛ والمراد ذات ضباب كثيرة، والغائط

(1)

: الأرض المطمئنة.

قوله: (يدِبُّون) بكسر الدال.

قوله: (ولا أدري لعلّ هذا منها) قال القرطبي

(2)

: إنما كان ذلك ظناً منه قبل أن يوحى إليه: "إن الله لم يجعل لمسخ نسلًا"، فلما أوحي إليه بذلك زال التظنن وعلم أن الضب ليس مما مسخ، كما في الحديث المذكور

(3)

في الباب.

ومن العجيب أن ابن العربي

(4)

قال: إن قولهم: الممسوخ لا نسل له، دعوى، فإنه أمر لا يعرف بالعقل وإنما طريقه النقل وليس فيه أمر يعوّل عليه، وكأنه لم يستحضره من صحيح مسلم

(5)

، ثم قال: وعلى تقدير كون الضبّ ممسوخًا فذلك لا يقتضي تحريم أكله، لأن كونه آدمياً قد زال حكمه ولم يبق له أثر أصلاً، وإنما كره النبيّ صلى الله عليه وسلم الأكل منه لما وقع عليه من سخط الله كما كره الشرب من مياه ثمود. اهـ.

ولا منافاة بين كونه صلى الله عليه وسلم عاف الضبّ، وبين ما ثبت أنه كان لا يعيب الطعام، لأن عدم العيب إنما هو فيما صنعه الآدمي لئلا ينكسر خاطره وينسب إلى التقصير فيه. وأما الذي خلق كذلك فليس نفور الطبع منه ممتنعًا.

[الباب السابع] بابُ ما جاءَ في الضَّبُعِ والأرْنَبِ

27/ 3593 - (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أبي عِمَارَةَ قالَ: قُلْتُ لجابِرٍ: الضَّبُعُ أصَيْدٌ هِيَ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: آكُلُها؟ قالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أقالَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ وصَحَّحهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

.

(1)

النهاية (2/ 329) والمجموع المغيث (2/ 586).

(2)

في "المفهم" له (5/ 235).

(3)

تقدم في رواية من الحديث (3592) من كتابنا هذا.

(4)

في عارضة الأحوذي (7/ 290).

(5)

في صحيحه رقم (32/ 2663).

(6)

أحمد في المسند (3/ 318، 322) وأبو داود رقم (3801) والترمذي رقم (851، 1791) والنسائي رقم (4323) وابن ماجه رقم (3236). وهو حديث صحيح.

ص: 48

وَلَفْظُ أبي دَاوُدَ

(1)

عَنْ جابرٍ: سألْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّبُعِ فقالَ: "هِيَ صَيْد ويُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ المُحْرِمُ". [صحيح]

28/ 3594 - (وَعَنْ أنَسٍ قالَ: أنْفَجْنا أرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَى القَوْمُ فَلَغِبُوا، وأدْرَكْتُها فأخَذْتُها فأتَيْتُ بِها أبا طَلْحَةَ فَذَبَحَها وَبَعَثَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِوَرِكِها وَفَخِذِها فَقَبِلَهُ. رَوَاهُ الجمَاعَةُ

(2)

.

وَلَفْظُ أبي دَاوُدَ

(3)

: صِدْتُ أرْنَبًا فَشَوَيْتُها، فَبَعَثَ مَعِي أبُو طَلْحَةَ بِعَجُزِها إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأتَيْتُهُ بِها). [صحيح]

29/ 3595 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: جاءَ أعْرابيّ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بأرْنَبٍ قَدْ شَوَاها وَمَعَها صِنابُها وأُدْمُها فَوَضَعَها بَيْنَ يَدَيْهِ، فأمْسَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَأكُلْ، وأمَرَ أصحَابَهُ أنْ يأكُلُوا. رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَالنَّسائيُّ)

(5)

. [ضعيف]

30/ 3596 - (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ: أنَّهُ صَادَ أرْنَبَيْن فَذَبَحَهُما بِمَرْوَتَيْنِ، فأتى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأمَرَهُ بِأكْلِهِما. رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وَالنَّسَائيُّ

(7)

وَابْنُ ماجَهْ)

(8)

.

(1)

في سننه رقم (3801) وقد تقدم.

(2)

أحمد في المسند (3/ 118، 171) والبخاري رقم (2572) ومسلم رقم (53/ 1953) وأبو داود رقم (3791) والترمذي رقم (1789) والنسائي رقم (4312) وابن ماجه رقم (3243). وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (3791) وقد تقدم.

(4)

في المسند (2/ 336، 346).

(5)

في سننه رقم (4310). وهو حديث ضعيف. انظر: إرواء الغليل (4/ 100 - 101).

(6)

في المسند (3/ 471).

(7)

في سننه رقم (4313).

(8)

في سننه رقم (3244).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2822) والدارمي (2/ 92) وابن حبان رقم (1069 - موارد) والبيهقي (9/ 320) والطيالسي رقم (1182). وهو حديث صحيح.

ص: 49

حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة أخرجه أيضًا الشافعي

(1)

والبيهقي

(2)

، وصححه أيضاً البخاري وابن حبان

(3)

وابن خزيمة

(4)

والبيهقي

(5)

، وأعله ابن عبد البرّ

(6)

بعبد الرحمن المذكور وهو وهم، فإنه وثقه أبو زرعة والنسائي ولم يتكلم فيه أحد، ثم إنه لم ينفرد به.

وحديث أبي هريرة قال في الفتح

(7)

: رجاله ثقات إلا أنه اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافا كثيراً.

وحديث محمد بن صفوان أخرجه أيضاً بقية أصحاب السنن

(8)

وابن حبان

(9)

والحاكم

(10)

.

قوله: (الضبع)

(11)

هو الواحد الذكر، والأنثى ضبعان ولا يقال: ضبعة. ومن عجيب أمره أنه يكون سنة ذكراً وسنة أنثى فيلقح في حال الذكورة ويلد في حال الأنوثة، وهو مولع بنبش القبور لشهوته للحوم بني آدم.

قوله: (قال: نعم) فيه دليل على جواز أكل الضبع. وإليه ذهب الشافعي

(12)

وأحمد

(13)

، قال الشافعي

(14)

: ما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير، ولأن العرب تستطيبه، وتمدحه.

(1)

في المسند (ج 2 رقم 610 ترتيب).

(2)

في السنن الكبرى (9/ 319).

(3)

في صحيحه رقم (3965).

(4)

في صحيحه (4/ 182).

(5)

في السنن الكبرى (9/ 319).

(6)

في "التمهيد"(10/ 355).

(7)

(9/ 662).

(8)

أبو داود رقم (2822) والنسائي رقم (4313) و (4399) وابن ماجه رقم (3244) بنحوه، وأشار إليه الترمذي بإثر الحديث رقم (1789).

(9)

في صحيحه رقم (5887).

(10)

في المستدرك (4/ 235) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.

(11)

القاموس المحيط ص 956 والصحاح (3/ 1247 - 1248) وتهذيب اللغة للأزهري (1/ 485).

(12)

المجموع شرح المهذب (9/ 12).

(13)

المغني (13/ 341 - 342).

(14)

الأم (3/ 644).

ص: 50

وذهب الجمهور

(1)

إلى التحريم، واستدلوا بما تقدم في تحريم كل ذي ناب من السباع.

ويجاب بأنَّ حديث الباب خاصٌّ فيقدم على حديث كل ذي ناب. واستدلوا أيضاً بما أخرجه الترمذي

(2)

من حديث خزيمة بن جزء قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع، فقال: "أو يأكل الضبع أحد؟ "، وفي روايةٍ

(3)

: "ومن يأكل الضبع؟ ".

فيجاب بأن هذا الحديث ضعيف لأن في إسناده عبد الكريم بن أمية وهو متفق على ضعفه، والراوي عنه إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف.

قال ابن رسلان: وقد قيل: إن الضبع ليس لها ناب. وسمعت من يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد كصفيحة نعل الفرس، فعلى هذا لا يدخل في عموم النهي. اهـ.

قوله: (ويجعل فيه كبش) فيه دليل: على أنَّ الكبش مثل الضبع. وفيه أن المعتبر في المثلية. بالتقريب في الصورة لا في القيمة، ففي الضبع الكبش سواء كان مثله في القيمة أو أقلّ أو أكثر.

قوله: (أنفجنا

(4)

أرنباً) بنون، ثم فاء مفتوحة، وجيم ساكنة؛ أي: أثرنا، يقال: نفج الأرنب: إذا ثار، وأنفجته

(5)

: أي أثرته من موضعه، ويقال: الانتفاج

(6)

: الاقشعرار، وارتفاع الشعر، وانتفاشه.

والأرنب: دويبة معروفة، تشبه العناق، لكن في رجليها طول بخلاف يديها، والأرنب: اسم جنس للذكر والأنثى.

(1)

المغني لابن قدامة (13/ 342) والإشراف (2/ 318 - 319).

(2)

في سننه رقم (1792) وقال: "هذا حديث ليس إسناده بالقوي لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن مسلم عن عبد الكريم أبي أمية، وقد تكلم بعض أهل الحديث في إسماعيل

". وهو حديث ضعيف.

(3)

في سننه رقم (3237) وهو حديث ضعيف.

(4)

"النهاية"(2/ 771).

(5)

"النهاية"(2/ 770 - 771) والفائق (4/ 16).

(6)

لسان العرب (2/ 382).

ص: 51

قوله: (بمرّ الظهران)

(1)

اسم موضع على مرحلة من مكة، والراء من قوله: بمرّ مشددة.

قوله: (فلغبوا)

(2)

بمعجمة وموحدة؛ أي: تعبوا، وزناً ومعنى.

قوله: (صنابها) بالصاد المهملة بعدها نون.

قال في القاموس

(3)

: الصناب ككتاب. اهـ.

وهو صبغ يتخذ من الخردل والزبيب، ويؤتدم به، فعلى هذا عطف أدمها عليه للتفسير، ويمكن أن يكون من عطف العام على الخاصّ.

قوله: (بوركها) الورك بكسر الراء، وبكسر الواو، وسكون الراء: وهما وركان فوق الفخذين كالكتفين فوق العضدين، كذا في المصباح

(4)

.

قوله: (وأمر أصحابه أن يأكلوا) فيه دليل: على جواز أكل الأرنب.

قال في الفتح

(5)

: وهو قول العلماء كافة إلا ما جاء في كراهتها عن عبد الله بن عمرو بن العاص

(6)

من الصحابة، وعن عكرمة (7) من التابعين، وعن محمد بن أبي ليلى

(7)

من الفقهاء.

واحتجوا بحديث خزيمة ابن جزء

(8)

قال: "قلت: يا رسول الله ما تقول في الأرنب؟ قال: "لا آكله ولا أحرمه"، قلت: ولم يا رسول الله؟ قال: "نبئت أنها تدمي"

(9)

.

(1)

"النهاية"(2/ 148).

(2)

"النهاية"(2/ 604).

(3)

القاموس المحيط ص 136، والنهاية (2/ 54).

(4)

المصباح المنير ص 751.

(5)

(9/ 662). وانظر: "المغني" لابن قدامة (13/ 325).

(6)

كما في "الإشراف"(2/ 340) والمغني (13/ 325).

(7)

كما في "الفتح"(9/ 662) والمجموع (9/ 18).

(8)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (2).

(9)

أخرجه ابن ماجه رقم (3245). وهو حديث ضعيف.

"النهاية"(1/ 584) والفائق (1/ 438).

ص: 52

قال الحافظ

(1)

: وسنده ضعيف، ولو صحّ لم يكن فيه دلالة على الكراهة، وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ:"جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها، ولم ينه عنها، وزعم أنها تحيض". أخرجه أبو داود

(2)

، وله شاهد أيضاً عند إسحاق بن راهويه في مسنده، وهذا إذا صحّ صلح للاحتجاج به على كراهة التنزيه لا على التحريم، والمحكي عن عبد الله بن عمرو التحريم كما في شرح ابن رسلان للسنن.

وحكى الرافعي

(3)

عن أبي حنيفة

(4)

: أنه حرّمها، وغلّطه النووي

(5)

في النقل عن أبي حنيفة.

وقد حكى في البحر

(6)

عن العترة الكراهة، يعني كراهة التنزيه، وهو القول الراجح.

[الباب الثامن] بابُ ما جاءَ في الجَلَّالَةِ

31/ 3597 - (عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ قالَ: نَهى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ شُرْبِ لَبنِ الجَلَّالَةِ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ ماجَهْ

(7)

وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. [صحيح]

وفي رِوَايَةٍ: نَهَى عَنْ رُكُوبِ الجلَّالَةِ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(8)

. [صحيح]

(1)

في "الفتح"(9/ 662).

(2)

في سننه رقم (3792) بسند ضعيف.

(3)

في "العزيز شرح الوجيز" المعروف: بالشرح الكبير (12/ 131).

(4)

بل قال الكاساني في "بدائع الصنائع"(5/ 39): ولا بأس بأكل الأرنب.

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 662).

(6)

البحر الزخار (4/ 335).

(7)

أحمد في المسند (1/ 226، 241) وأبو داود رقم (3786) والترمذي رقم (1825) والنسائي رقم (4448). وهو حديث صحيح.

(8)

في سننه رقم (2557) ورقم (3719). وهو حديث صحيح.

ص: 53

32/ 3598 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أكْلِ الجَلَّالَةِ وألْبَانِها. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ

(1)

. [صحيح]

وفي رِوَايةٍ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنِ الجَلَّالَة في الإبِلِ أنْ يُرْكَبَ عَلَيْها أوْ يُشْرَبَ مِنْ ألبانِها. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(2)

. [صحيح]

33/ 3599 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّه قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ لحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ، وَعَنِ الجَلَّالَةِ عَنْ رُكُوبِها وأكْلِ لُحُومِها. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَالنَّسائيُّ

(4)

وأبُو دَاوُدَ)

(5)

. [حسن]

حديث ابن عباس أخرجه أيضاً أحمد

(6)

وابن حبان

(7)

والحاكم

(8)

والبيهقي

(9)

، وصححه أيضاً ابن دقيق العيد

(10)

، ولفظه:"وعن أكل الجلالة وشرب ألبانها".

(1)

أحمد في المسند (2/ 219) وأبو داود رقم (3785) والترمذي رقم (1824) وقال: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجه رقم (3189). وصححه الألباني في "الإرواء" رقم (2503). وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (3787). وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (2/ 219).

(4)

في سننه رقم (4447).

(5)

في سننه رقم (3811).

قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 39) والدارقطني (4/ 283) رقم (44) والبيهقي (9/ 333). وانظر: "إرواء الغليل"(8/ 150 - 151). وهو حديث حسن، والله أعلم.

(6)

في المسند (1/ 293).

(7)

في صحيحه رقم (5399).

(8)

في المستدرك (2/ 34) وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي.

(9)

في السنن الكبرى (9/ 334).

(10)

في "الإلمام بأحاديث الأحكام"(2/ 441) رقم (859).

تنبيه: قال ابن دقيق العيد في مقدمة كتابه هذا (1/ 46 - 47): وسميته: بكتاب الإلمام بأحاديث الأحكام، وشرطي فيه أن لا أورد إلا حديث من وثَّقه إمام من مزكي رواة الأخبار، وكان صحيحاً على طريقة بعض أهل الحديث الحفاظ، أو أئمة الفقه النظار، فإن لكل منهم مغزًى قصده وسلكه، وطريقاً أعرض عنه وتركه، وفي كل خير

". ا. هـ.

ص: 54

وحديث ابن عمر حسنه الترمذي

(1)

.

وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضاً الحاكم

(2)

[والدارقطني

(3)

والبيهقي

(4)

]

(5)

.

وقد اختلف في حديث ابن عمر على ابن أبي نجيح.

فقيل: عن مجاهد عنه.

وقيل: عن مجاهد مرسلاً.

وقيل: عن مجاهد، عن ابن عباس.

في الباب عن أبي هريرة

(6)

مرفوعاً، وفيه النهي عن الجلالة: وهي التي تأكل العذرة، قال في التلخيص

(7)

: إسناده قويّ.

قوله: (عن شرب لبن الجلالة)

(8)

بفتح الجيم وتشديد اللام من أبنية المبالغة: وهي الحيوان الذي يأكل العذرة والجَلة بفتح الجيم: هي البعرة، وقال في القاموس

(9)

: الجلة: مثلثةً البعر، أو البعرة. اهـ، وتجمع على جلالات على لفظِ الواحدةِ، كدابَّةِ ودوابَّ، يقالُ: جلَّت الدَّابَّةُ الجلَّةَ وأجلَّتها فهي جالةٌ وجلالةٌ.

وسواءٌ في الجلالة البقرُ والغنم والإبل وغيرها، كالدَّجاجِ والأوزِّ وغيرهما.

وادعى ابن حزم

(10)

أنها لا تقع إلا على ذات الأربع خاصة، ثم قيل: إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة، وإن كان أكثر علفها الطاهر فليست جلالة، وجزم به النووي في "تصحيح التنبيه".

(1)

في السنن (4/ 270).

(2)

في المستدرك (2/ 39) قال: حديث صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: إسماعيل وأبوه ضعيفان. وقد تقدم.

(3)

في السنن (4/ 283) رقم (44) وقد تقدم.

(4)

في السنن الكبرى (9/ 33) وقد تقدم.

(5)

في المخطوط (ب): (البيهقي والدارقطني).

(6)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 333).

(7)

"التلخيص الحبير"(4/ 288).

(8)

النهاية (1/ 282) والفائق (1/ 223).

(9)

القاموس المحيط ص 1264.

(10)

المحلى (7/ 410).

ص: 55

وقال في "الروضة"

(1)

تبعاً للرافعي

(2)

: الصحيح أنه لا اعتداد بالكثرة بل بالرائحة والنتن، فإن تغير ريح مرقها أو لحمها أو طعمها أو لونها فهي جلالة.

والنهي حقيقةٌ في التحريم، فأحاديثُ الباب ظاهرها تحريم أكل لحم الجلالة وشرب لبنها وركوبها.

وقد ذهبت الشافعية

(3)

إلى تحريم أكل لحم الجلالة.

وحكاه في البحر

(4)

عن الثوري، وأحمد بن حنبل

(5)

.

وقيل: يكره فقط كما في اللحم المذكى إذا أنتن.

قال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام: لو غذى شاة عشر سنين بأكل حرام لم يحرم عليه أكلها ولا [على]

(6)

غيره، وهذا أحد احتمالي البغوي.

وإذا قلنا بالتحريم أو الكراهة فمن علفت طاهراً فطاب لحمها حلّ لأن علة النهي التغير وقد زالت.

قال ابن رسلان: ونقل الإمام فيه الاتفاق.

قال الخطابي

(7)

: كرهه أحمد

(8)

وأصحاب الرأي

(9)

والشافعي

(10)

وقالوا: لا تؤكل حتى تحبس أياماً.

وفي حديث: "إن البقر تعلف أربعين يوماً، ثم يؤكل لحمها"، وكان ابن عمر يحبس الدجاجة ثلاثاً، ولم ير بأكلها بأساً مالك من دون حبس. اهـ.

قال ابن رسلان في شرح السنن: وليس للحبس مدة مقدرة. وعن بعضهم

(1)

الروضة للنووي (3/ 278).

(2)

الشرح الكبير (12/ 152).

(3)

البيان للعمراني (4/ 508 - 509).

(4)

البحر الزخار (4/ 334 - 335).

(5)

المغني (13/ 328).

(6)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(7)

كما في شرح السنة (11/ 253 - 254).

(8)

المغني (13/ 328 - 329) والإشراف (2/ 326).

(9)

المبسوط (11/ 255) ومختصر اختلاف العلماء (3/ 217).

(10)

المجموع (9/ 30) والبيان للعمراني (4/ 508 - 509).

ص: 56

في الإبل والبقر أربعين يوماً، وفي الغنم سبعة أيام، وفي الدجاج ثلاثة. واختاره في المهذب

(1)

والتحرير.

قال الإمام المهدي في البحر

(2)

: فإن لم تحبس وجب غسل أمعائها ما لم يستحلّ ما فيه استحالة تامة.

قوله: (نهى عن ركوب الجلالة) علة النهي: أن تعرق فتلوِّث ما عليها بعرقها، وهذا ما لم تحبس، فإذا حبست جاز ركوبها عند الجميع، كذا في شرح السنن.

وقد اختلف في طهارة لبن الجلالة، فالجمهور

(3)

على الطهارة؛ لأن النجاسة تستحيل في باطنها فيطهر بالاستحالة كالدم يستحيل في أعضاء الحيوانات لحماً ويصير لبناً.

[الباب التاسع] باب ما استفيد تحريمه من الأمر بقتله أو النهي عن قتله

34/ 3600 - (عَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ في الْحِلِّ وَالحَرَمِ: الحَيَّةُ، وَالغُرَابُ الأبْقَعُ، وَالفأرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ، وَالحُدَيَّا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَمُسْلِمٌ

(5)

وَابْنُ ماجَهْ

(6)

وَالتِّرْمِذِيُّ)

(7)

. [صحيح]

35/ 3601 - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ وَسمَّاهُ فُوَيْسِقًا. رَوَاهُ أحْمَدُ

(8)

وَمُسْلِمٌ

(9)

، وَللْبُخارِي

(10)

مِنْهُ الأمْرُ بِقَتْلِهِ). [صحيح]

(1)

المهذب (2/ 874).

(2)

البحر الزخار (4/ 334 - 335).

(3)

المغني لابن قدامة (13/ 328).

(4)

في المسند (6/ 97، 98).

(5)

في صحيحه رقم (69/ 1198).

(6)

في سننه رقم (3087).

(7)

في سننه رقم (837).

وانظر: الإرواء وطرق هذا الحديث (4/ 221 - 223) رقم (1036). وهو حديث صحيح.

(8)

في المسند (1/ 176).

(9)

في صحيحه رقم (144/ 2238).

(10)

في صحيحه رقم (3307). وهو حديث صحيح.

ص: 57

36/ 3602 - (وَعَنْ أُمّ شَرِيكٍ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. زَادَ البُخارِيُّ قالَ: وكانَ يَنْفُخُ على إبْرَاهِيمَ عليه السلام. [صحيح]

37/ 3603 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ وَزَغاً في أوّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذلك، وفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذلكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَمُسْلِمٌ

(3)

وَلابن ماجَهْ

(4)

وَالتِّرْمِذِيّ مَعْناهُ)

(5)

. [صحيح]

38/ 3604 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ أرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابّ: النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وَأبُو دَاوُدَ

(7)

وَابْنُ ماجَهْ)

(8)

. [صحيح]

39/ 3605 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمانَ

(9)

قالَ: ذَكَرَ طَبِيبٌ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم دَوَاءً، وَذَكَرَ الضّفْدَعَ يُجْعَلُ فِيهِ، فَنهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ الضّفْدَعِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(10)

وَأبُو دَاوُدَ

(11)

وَالنَّسائيُّ)

(12)

. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (6/ 462) والبخاري رقم (3307) ومسلم رقم (142/ 2237). وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (2/ 355).

(3)

في صحيحه رقم (147/ 2240).

(4)

في سننه رقم (3229).

(5)

في سننه رقم (1482) وقال: حديث حسن صحيح.

(6)

في المسند (9/ 332).

(7)

في سننه رقم (5267).

(8)

في سننه رقم (3224).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (1078 - موارد) والدارمي (2/ 89) والبيهقي (9/ 317). وانظر: "الإرواء" للألباني: (8/ 142) رقم (2490). وهو حديث صحيح.

(9)

عبد الرحمن بن عثمان، هو ابنُ عبيد الله التيميِّ القرشي ابنِ أخي طلحةَ بن عبيد الله الصحابي، قيل: إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وليست له رواية، أسلمَ يومَ الفتح، وقيلَ: يومَ الحديبية، وقتل مع ابن الزبير في يومٍ واحد، روى عنه ابناهُ وابنُ المنكدر.

[الإصابة رقم (5175) والاستيعاب رقم (1444) و"أسد الغابة" رقم (3355]).

(10)

في المسند (3/ 453).

(11)

في سننه رقم (3871).

(12)

في سننه رقم (4355).

وصححه الحاكم في المستدرك (4/ 411). =

ص: 58

40/ 3606 - (وَعَنْ أبي لُبابَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ قَتْلِ الجِنَّانِ الَّتِي تَكُونُ في البُيُوتِ إلَّا الأبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَين فإنَّهُما اللَّذَان يَخْطَفانِ البَصَرَ، وَيتْبَعانِ ما في بُطُونِ النِّساءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

41/ 3607 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِبُيُوتِكُمْ عُمَّاراً فَحَرجُوا عَلَيْهِنَّ ثَلاثاً، فإنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذلك شَيء فاقْتُلُوهُ": رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَمُسْلِمٌ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

. وفي لَفْظٍ لمُسْلِمٍ: "ثَلَاثةَ أيَّامٍ"). [صحيح]

حديث ابن عباس قال الحافظ

(5)

: رجاله رجال الصحيح.

وقال البيهقي: هو أقوى ما ورد في هذا الباب.

ثم رواه

(6)

من حديث سهل بن سعد، وزاد فيه:"والضفدع"، وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد، وهو ضعيف

(7)

.

وحديث عبد الرحمن بن عثمان أخرجه أيضًا الحاكم

(8)

والبيهقي

(9)

، قال البيهقي: هو أقوى ما ورد في النهي.

= وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 258)، (9/ 318) وفي المعرفة (14/ 86) رقم (19212). وهو حديث صحيح.

(1)

أحمد في المسند (3/ 452) والبخاري رقم (3311) ومسلم رقم (130/ 2233).

(2)

في المسند (3/ 41).

(3)

في صحيحه رقم (140/ 2236).

(4)

في سننه رقم (1484). وهو حديث صحيح.

(5)

في "التلخيص"(2/ 524).

(6)

أي البيهقي في السنن الكبرى (9/ 317) بسند ضعيف جداً.

(7)

عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي: قال النَّسَائِي: متروك.

وقال البخاري: منكر الحديث. وقال الدارقطني: ليس بالقوي.

[الضعفاء والمتروكين للنسائي رقم (407) والجرح والتعديل (6/ 67) والمجروحين (2/ 148) والميزان (2/ 671) والخلاصة ص 305].

(8)

في المستدرك (4/ 411) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

(9)

في السنن الكبرى (9/ 318).

ص: 59

وروى البيهقي

(1)

من حديث أبي هريرة النهي عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد، وفي إسناده إبراهيم بن الفضل وهو متروك

(2)

.

وروى البيهقي

(3)

أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفاً: "لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح، ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال: يا ربّ سلطني على البحر حتى أغرقهم".

قال البيهقي: إسناده صحيح.

قال الحافظ

(4)

: وإن كان إسناده صحيحاً لكن عبد الله بن عمرو كان يأخذ عن الإسرائيليات.

ومن جملة ما نهى عنه قتله الخطاف.

أخرج أبو داود في المراسيل

(5)

من طريق عباد بن إسحاق عن أبيه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الخطاطيف"

(6)

.

ورواه البيهقي

(7)

معضلاً أيضاً من طريق ابن أبي الحويرث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

ورواه ابن حبان في الضعفاء

(8)

من حديث ابن عباس، وفيه الأمر بقتل العنكبوت. وفيه عمرو بن جميع وهو كذاب

(9)

.

(1)

في السنن الكبرى (2/ 267).

(2)

إبراهيم بن الفضل، أبو إسحاق المخزومي، قال البخاري: منكر الحديث، وقال جماعة: متروك.

[التاريخ الكبير (1/ 311) والمجروحين (1/ 104) والجرح والتعديل (2/ 122) والميزان (1/ 52) والخلاصة ص 20].

(3)

في السنن الكبرى (9/ 318).

(4)

في "التلخيص"(4/ 283).

(5)

في المراسيل رقم (384) بسند منقطع؛ لأنَّ أبا داود لم يصرح بمن حدثه عن ابن المبارك.

(6)

الخطاف طائر معروف وجمعه خطاطيف. [تهذيب الأسماء واللغات (3/ 94)].

والخطاف العصفور الأسود، وهو الذي تدعوه العامة عصفور الجنة، وجمعه خطاطيف. [لسان العرب (9/ 77)].

(7)

في السنن الكبرى (9/ 318).

(8)

لم أقف عليه في "المجروحين" في ترجمة عمرو بن جميع.

(9)

عمرو بن جميع، يكنى أبا المنذر، وقيل: كنيته أبو عثمان، وكان على قضاء حلوان كذبه =

ص: 60

وقال البيهقي

(1)

: روى فيه حديث مسند وفيه حمزة النصيبي

(2)

وكان يرمى بالوضع.

ومن ذلك: الرخمة. أخرج ابن عديّ

(3)

والبيهقي

(4)

عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الرخمة.

وفي إسناده خارجة بن مصعب وهو ضعيف

(5)

جداً.

ومن ذلك العصفور، أخرج الشافعي

(6)

وأبو داود

(7)

والحاكم

(8)

من حديث عبد الله بن عمر، وقال: صحيح الإسناد مرفوعاً: "ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا سأل الله عنها، قال: يا رسول الله وما حقها؟ قال: "يذبحها ويأكلها ولا يقطع رأسها ويطرحها"".

وأعله ابن القطان

(9)

بصهيب مولى ابن عباس الراوي عن عبد الله فقال: لا يعرف حاله.

= ابن معين، وقال الدارقطني وجماعة: متروك، وقال ابن عدي: يتهم بالوضع، وقال البخاري: منكر الحديث.

[المجروحين (2/ 77) والجرح والتعديل (6/ 224) والميزان (3/ 251)].

(1)

في السنن الكبرى (9/ 318).

(2)

حمزة ابن أبي حمزة النصيبي، قال ابن معين: لا يساوي فلسًا، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه موضوع.

[التاريخ الكبير (2/ 53) والمجروحين (1/ 269) والجرح والتعديل (3/ 210) والميزان (1/ 606) ولسان الميزان (7/ 204) والخلاصة ص 93].

(3)

في "الكامل"(2/ 786).

(4)

في السنن الكبرى (9/ 317).

(5)

خارجة بن مصعب، أبو الحجاج الخراساني الضبعي، قال ابن معين: ليس بثقة، وقال أيضاً: كذاب، وقال الدارقطني وغيره: هو من يكتب حديثه. [المجروحين (1/ 288) والجرح والتعديل (3/ 375) والميزان (1/ 625)].

(6)

في المسند (ج 2 رقم 599 - ترتيب).

(7)

أبو داود الطيالسي في المسند رقم (2279).

(8)

في المستدرك (4/ 233) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

قلت: وفيه صهيب المكي الحذاء، قال الحافظ في "التقريب" رقم (2957): مقبول حيث لم يرو عنه سوى عمرو بن دينار، وقال الذهبي في "الميزان": وعنه عمرو بن دينار فقط، وقال ابن القطان: لا يعرف. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(9)

في الوهم والإيهام (4/ 590).

ص: 61

ورواه الشافعي

(1)

وأحمد

(2)

والنسائي

(3)

وابن

(4)

حبان عن عمرو بن الشريد عن أبيه مرفوعًا: "من قتل عصفوراً عبثاً عج إلى الله [به]

(5)

يوم القيامة يقول: يا رب إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني منفعة".

قوله: (خمس فواسق

إلخ)، هذا الحديث قد تقدم الكلام عليه في كتاب الحج

(6)

.

قوله: (أمر بقتل الوزغ) قال: أهل اللغة

(7)

هي من الحشرات المؤذيات وجمعه أوزاغ، وسام أبرص جنس منه وهو كباره، وتسميته فويسقاً كتسمية الخمس فواسق، وأصل الفسق

(8)

الخروج، والوزغ والخمس المذكورة خرجت عن خلق معظم الحشرات ونحوها بزيادة الضرّ والأذى.

قوله: (وكان ينفخ على إبراهيم) أي في النار، وذلك لما جُبل عليه طبعها من عداوة نوع الإِنسان.

قوله: (في أول ضربةٍ كتب له مائة حسنة)، في رواية

(9)

أخرى: "سبعون".

قال النووي

(10)

: مفهوم العدد لا يعمل به عند جمهور الأصوليين، فذكر

(1)

في المسند (ج 2 رقم 599 - ترتيب).

(2)

في المسند (4/ 389).

(3)

في سننه رقم (4446).

(4)

في صحيحه رقم (5894). وهو حديث ضعيف.

(5)

كذا في المخطوط (أ)، (ب): وغير موجود في الحديث كما تبين من مصادره.

(6)

نيل الأوطار (9/ 229) رقم (44/ 1922) من كتابنا هذا.

(7)

القاموس المحيط ص 1020. والنهاية (2/ 846). والمجموع المغيث (3/ 409).

(8)

القاموس المحيط ص 1185.

(9)

في صحيح مسلم رقم (147/ 2240).

(10)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 237).

قلت: لقد قال الإمام الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 599 - 560) بتحقيقي: "والحقُّ ما ذهب إليه الأولون، والعمل به معلومٌ من لغة العرب ومن الشرع، فمن من أمَرَ بأمر وقيّده بعدد مخصوص فزاد المأمور على ذلك العدد أو نقصَ عنه فأنكر عليه الآمرُ الزيادةَ أو النقصَ كان هذا الإنكارُ مقبولًا عند كلّ من يعرِف لغةَ العرب. فمن ادعى المأمورُ أنه قد فعلَ ما أُمِر به مع كونه نقصَ عنه أو زاد عليه كانت دعواه هذه مردودةً عند كل من يعرِف لغةَ العرب". اهـ.

ص: 62

سبعين لا يمنع المائة، فلا معارضة بينهما، ويحتمل: أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بالسبعين، ثم تصدّق الله بالزيادة إلى المائة، فأعلم بها النبيّ صلى الله عليه وسلم حين أوحي إليه بعد ذلك.

ويحتمل: أنَّ ذلك يختلف باختلاف قاتل الوزغ، بحسب نياتهم وإخلاصهم، وكمال أحوالهم، ونقضها؛ فتكون المائة للكامل منهم، والسبعون لغيره.

وأما سبب تكثير الثواب في قتله بأوّل ضربة، ثم ما يليها، فالمقصود به: الحثّ على المبادرة بقتله، والاعتناء به وتحريض قاتله على أن يقتله بأوّل ضربة، فإنه إذا أراد أن يضربه ضربات ربما انفلت وفات قتله.

قوله: (والصرد)

(1)

هو طائر فوق العصفور، وأجاز مالك

(2)

أكله، وقال ابن العربي: إنما نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قتله لأن العرب كانت تشاءم به فنهى عن قتله ليزول ما في قلوبهم من اعتقاد التشاؤم.

وفي قول للشافعي

(3)

مثل مالك؛ لأنه أوجب فيه الجزاء على المحرم إذا قتله.

وأما النمل فلعله إجماع على المنع من قتله.

قال الخطابي

(4)

: إن النهي الوارد في قتل النمل المراد به السليماني: أي لانتفاء الأذى منه دون الصغير، وكذا في شرح السنة

(5)

.

وأما النحلة فقد روي إباحة أكلها عن بعض السلف.

وأما الهدهد فقد روي أيضاً حلّ أكله وهو مأخوذ من قول الشافعي

(6)

: إنه يلزم في قتله الفدية.

قوله: (فنهى عن قتل الضفدع) فيه دليل: على تحريم أكلها، بعد تسليم: أنَّ النهي عن القتل يستلزم تحريم الأكل.

(1)

النهاية (2/ 22) والمجموع المغيث (2/ 262).

(2)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 544 - 245). وعيون المجالس (2/ 979).

(3)

المجموع (9/ 16).

(4)

في معالم السنن (5/ 418).

(5)

انظر: شرح السنة (11/ 240).

(6)

المجموع (9/ 18 - 19) والبيان للعمراني (4/ 505 - 506).

ص: 63

قال في القاموس

(1)

: الضفدع كزبرج، وجُنْدَب، ودِرْهم، وهذا أقلّ، أو مردود: دابة نهرية.

قوله: (ينهى عن قتل الجِنَّان)

(2)

هو بجيم مكسورة، ونون مشدَّدة: وهي الحيات، جمع جانّ، وهي: الحية الصغيرة، وقيل: الدقيقة الخفيفة، وقيل: الدقيقة البيضاء.

قوله: (إلا الأبتر) هو قصير الذنب.

وقال النضر بن شميل

(3)

هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها. وهو المراد من قوله: "يتبعان ما في بطون النساء"، أي: يسقطان.

قوله: (وذا الطفيتين) هو بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء: وهما: الخطان الأبيضان على ظهر الحية، وأصل الطفية

(4)

: خوصة المقل، وجمعها طفى، شبَّه الخطين على ظهرها بخوصتي المقل.

قوله: (يخطفان البصر) أي: يطمسانه بمجرّد نظرهما إليه لخاصية جعلها الله تعالى في بصرهما إذا وقع على بصر الإنسان.

قال النووي

(5)

: قال العلماء: وفي الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع بصره على عين إنسان مات من ساعته.

قوله: (فحرّجوا عليهن ثلاثاً) بحاء مهملة ثم راء مشددة ثم جيم، والمراد به الإنذار.

قال المازري

(6)

والقاضي

(7)

: لا تقتلوا حيات مدينة النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا بإنذارٍ كما جاء في هذه الأحاديث، فإذ أنذرها ولم تنصرف قتلها.

(1)

القاموس المحيط ص 958.

(2)

النهاية (1/ 300 - 301).

(3)

تهذيب اللغة للأزهري (14/ 277). وذكره القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 170).

(4)

النهاية (2/ 116) والفائق (2/ 363) وغريب الحديث للهروي (1/ 55).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 230 - 231).

(6)

في المعلم (3/ 109).

(7)

في إكمال المعلم في شرح فوائد مسلم (7/ 167).

ص: 64

وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت والدور فيندب قتلها من غير إنذار لعموم الأحاديث الصحيحة في الأمر بقتلها، ففي الصحيح بلفظ:"اقتلوا الحيات"

(1)

، ومن ذلك حديث الخمس الفواسق

(2)

المذكورة في أول الباب.

وفي حديث الحيَّة الخارجة بمنى: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها

(3)

ولم يذكر إنذاراً، ولا نقل: إنهم أنذروها، فأخذ بهذه الأحاديث في استحباب قتل الحيات مطلقاً، وخصت المدينة بالإنذار للحديث الوارد فيها.

وسببه ما صرّح به في صحيح مسلم

(4)

وغيره أنه أسلم طائفة من الجنّ بها.

وذهبت طائفة من العلماء إلى عموم النهي في حيات البيوت بكل بلد حتى تنذر، وأما ما ليس في البيوت؛ فيقتل من غير إنذار.

قال مالك: يقتل ما وجد منها في المساجد.

قال القاضي

(5)

: وقال بعض العلماء: الأمر بقتل الحيات مطلقاً مخصوص بالنهي عن حيات البيوت إلا الأبتر، وذا الطفيتين، فإنه يقتل على كل حال، سواء كان في البيوت أم غيرها وإلا ما ظهر منها بعد الإنذار.

قالوا: ويخصُّ من النهي عن قتل حيات البيوت الأبتر، وذي الطفيتين. اهـ، وهذا هو الذي يقتضيه العمل الأصولي في مثل أحاديث الباب، فالمصير إليه أرجح.

وأما صفة الاستئذان؛ فقال القاضي

(6)

: روى ابن حبيب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه يقول: "أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكن سليمان بن داود أن لا تؤذننا وأن تظهرن لنا"

(7)

، وقال مالك

(8)

: يكفيه أن يقول: أحرّج عليك بالله واليوم الآخر أن لا تبدوا لنا ولا تؤذننا. ولعلَّ مالكاً أخذ لفظ التحريج من لفظ الحديث المذكور.

(1)

أخرجه البخاري رقم (3297) ومسلم رقم (128/ 2233).

(2)

تقدم برقم (3600) من كتابنا هذا.

(3)

مسلم في صحيحه رقم (138/ 2235).

(4)

في صحيحه رقم (139/ 2236).

(5)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 171 - 172).

(6)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 167).

(7)

أخرجه أبو داود رقم (5260) والترمذي رقم (1485) وقال: حديث حسن غريب. وهو حديث ضعيف.

(8)

ذكره القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 167 - 168).

ص: 65

وتبويب المصنف في الباب فيه إشارة إلى أن الأمر بالقتل والنهي عنه من أصول التحريم.

قال المهدي في البحر

(1)

: أصول التحريم: إمَّا نصّ الكتاب، أو السنة، أو الأمر بقتله، كالخمسة، وما ضرّ من غيرها، فمقيس عليها، أو النهي عن قتله، كالهدهد، والخطاف، والنحلة، والنملة، والصرد، أو استخباث العرب إياه، كالخنفساء، والضفاع، والعظاية، والوزغ، والحرباء، والجعلان، وكالذباب، والبعوض، والزنبور، والقمل، والكتَّان، والنامس، والبقّ، والبرغوث، لقوله تعالى:{وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الْخَبائِثَ}

(2)

، وهي مستخبثة عندهم، والقرآن نزل بلغتهم، فكان استخباثهم طريق تحريم، فإن استخبثه البعض اعتبر الأكثر، والعبرة باستطابة أهل السعة لا ذوي الفاقة. اهـ.

والحاصل: أنَّ الآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة المذكورة في أول الكتاب وغيرها قد دلت على أن الأصل الحلّ، وأن التحريم لا يثبت إلا إذا ثبت الناقل عن الأصل المعلوم وهو أحد الأمور المذكورة، فما لم يرد فيه ناقل صحيح فالحكم بحله هو الحق كائناً ما كان، وكذلك إذا حصل التردّد؛ فالمتوجه: الحكم بالحلِّ؛ لأن الناقل غير موجود مع التردّد، ومما يؤيد أصالة الحلِّ بالأدّلة الخاصة استصحاب البراءة الأصلية.

* * *

(1)

البحر الزخار (4/ 328 - 329).

(2)

سورة الأعراف، الآية:(157).

ص: 66

[ثانياً] أبواب الصيد

[الباب الأول] بابُ ما يجوزُ فيه اقتناءُ الكلبِ وقتلُ الكلب الأسود البهيم

1/ 3608 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "منِ اتَّخَذَ كَلْباً إلا كَلْبَ الصَّيْدِ أوْ زَرْعٍ أوْ ماشِيَةٍ انْتَقَصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاط"، رَوَاهُ الجَماعَةُ)

(1)

. [صحيح]

2/ 3609 - (وَعَنْ سُفْيانَ بْنِ أبي زُهَيْرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنى كَلْباً لا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعاً وَلا ضَرْعاً نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاط"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(2)

. [صحيح]

3/ 3610 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِقَتْلِ الكِلابِ إلَّا كَلْبَ صيْدٍ أوْ كَلْبَ ماشِيَةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

وَالنَّسائيُّ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ

(5)

وَالتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ)

(6)

. [صحيح]

4/ 3611 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ المُغَفَّلِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْلا أنَّ

(1)

أحمد في المسند (2/ 345) والبخاري رقم (3324) ومسلم رقم (60/ 1575) وأبو داود رقم (2844) والترمذي رقم (1490) والنسائي رقم (4289) وابن ماجه رقم (3204). وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (5/ 219) والبخاري رقم (3325) ومسلم رقم (61/ 1576). وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (46/ 1571).

(4)

في سننه رقم (4278).

(5)

في سننه رقم (3203).

(6)

في سننه رقم (1488). وهو حديث صحيح.

ص: 67

الكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأمَمِ لأمَرْتُ بِقَتْلِها فاقْتُلُوا مِنْها الأسْوَدَ البَهِيم"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ)

(1)

. [صحيح]

5/ 3612 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: أمَرَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ كُلّ الكِلابِ حتَّى إنَّ المَرأةَ تَقْدُمُ مِنَ البادِيَةِ بِكَلْبِها فَنَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِها، وَقالَ:"عَلَيْكُمْ بالأسْوَدِ البهيم ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإنَّهُ شَيْطان"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَمُسْلِمٌ)

(3)

. [صحيح] قوله: (أو زرع) زيادة الزرع أنكرها ابن عمر، كما في صحيح مسلم

(4)

أنه قيل لابن عمر: إنَّ أبا هريرة يقول: أو كلب زرع، فقال ابن عمر: إن لأبي هريرة زرعاً. ويقال: إن ابن عمر أراد بذلك: أن سبب حفظ أبي هريرة لهذه الرواية: أنه صاحب زرع دونه، ومن كان مشتغلًا بشيء احتاج إلى تعرّف أحكامه، وهذا هو الذي ينبغي حمل الكلام عليه.

وفي صحيح مسلم

(5)

أيضًا قال سالم: وكان أبو هريرة يقول: أو كلب حرث، وكان صاحب حرث؛ وقد وافق أبا هريرة على ذكر الزرع سفيان بن أبي زهير

(6)

، وعبد الله بن المغفل

(7)

.

قوله: (أو ماشية) أو للتنويع، لا للترديد، وهو ما يتخذ من الكلاب لحفظ الماشية عند رعيها؛ والمراد بقوله:"ولا ضرعًا" الماشية أيضًا.

قوله: (وقال عليكم بالأسود البهيم)

(8)

أي الخالص السواد والنقطتان هما الكائنتان فوق العينين.

(1)

أحمد في المسند (4/ 85) وأبو داود رقم (2845) والترمذي رقم (1486) والنسائي رقم (4280) وابن ماجه رقم (3205). وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (3/ 333).

(3)

في صحيحه رقم (47/ 1572). وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (58/ 1575).

(5)

في صحيحه رقم (54/ 1574).

(6)

مسلم في صحيحه رقم (61/ 1576).

(7)

مسلم في صحيحه رقم (49/ 1573).

(8)

غريب الحديث للهروي (1/ 197). والنهاية (1/ 169) والفائق (2/ 105).

ص: 68

قال ابن عبد البر

(1)

: في هذه الأحاديث إباحة اتخاذ الكلب للصيد، والماشية، وكذلك للزرع؛ لأنها زيادة حافظ، وكراهة اتخاذها لغير ذلك، إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر اتخاذها لجلب المنافع، ودفع المضارّ قياساً، فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة؛ لما فيه من ترويع الناس، وامتناع دخول الملائكة إلى البيت الذي [الكلاب فيه]

(2)

.

والمراد بقوله: "نقص من عمله" أي: من أجر عمله، وقد استدلّ بهذا على جواز اتخاذها لغير ما ذكر وأنَّه ليس بمحرّم، لأنَّ ما كان اتخاذه محرّماً امتنع اتخاذه على كل حال، سواء نقص الأجر أم لا، فدلّ ذلك على أن اتخاذها مكروه لا حرام.

قال ابن عبد البر

(3)

أيضاً: ووجه الحديث عندي: أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعاً لا يكاد يقوم بها المكلف، ولا يتحفظ منها، فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك.

وروي: أنّ المنصور [بالله]

(4)

سأل عمرو بن عبيد عن سبب هذا الحديث فلم يعرفه، فقال المنصور: لأنَّه ينبح الضيف ويروّع السائل. اهـ.

قال في الفتح

(5)

: وما ادّعاه من عدم التحريم واستدلّ له بما ذكره ليس بلازم، بل يحتمل أن تكون العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط مما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ كلباً، ويحتمل أن يكون الاتخاذ حراماً.

والمراد بالنقص: [أن]

(6)

الإثم الحاصل باتخاذه يوازن قدر قيراط، أو قيراطين من أجر فينتقص من ثواب عمل المتخذ قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه، وهو قيراط أو قيراطان.

وقيل: سبب النقصان امتناع الملائكة من دخول بيته، أو ما يلحق المارّين من الأذى، أو لأن بعضها شياطين، أو: عقوبة لمخالفة النهي، أو: لولوغها

(1)

التمهيد (16/ 165 - الفاروق).

(2)

في المخطوط (ب): (فيه الكلاب).

(3)

التمهيد (16/ 166 - الفاروق).

(4)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(5)

(5/ 6 - 7).

(6)

في المخطوط (أ): (إذا).

ص: 69

في الأواني عند غفلة صاحبها، فربما ينجس الطاهر منها، فإذا استعمل في [العبادة]

(1)

لم يقع موقع الطاهر.

وقال ابن التين

(2)

: المراد أنه لو لم يتخذه لكان عمله كاملاً، [فإذا]

(3)

اقتناه نقص من ذلك العمل ولا يجوز أن ينقص من عمل مضى، وإنما أراد أنه ليس في الكمال كعمل من لم يتخذ. اهـ.

قال في الفتح

(4)

: وما ادّعاه من عدم الجواز منازع فيه.

فقد حكى الروياني في البحر اختلافاً في الأجر: هل ينقص من العمل الماضي أو المستقبل؟ وفي محلّ نقصان القيراطين خلاف، فقيل: من عمل النهار قيراط ومن عمل الليل آخر، وقيل: من الفرض قيراط ومن النفل آخر.

واختلفوا في اختلاف الروايتين في القيراطين كما في صحيح البخاري

(5)

والقيراط كما في أحاديث الباب. فقيل: الحكم للزائد لكونه حفظ ما لم يحفظ الآخر، أو أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أوّلاً بنقص قيراط واحد فسمعه الراوي الأول ثم أخبر ثانياً بنقص قيراطين زيادة في التأكيد والتنفير من ذلك فسمع الراوي الثاني.

وقيل: ينزل على حالين فنقص القيراطين باعتبار كثرة الإضرار باتخاذها ونقص القيراط باعتبار قلته.

وقيل: يختصّ نقص القيراطين بمن اتخذها بالمدينة الشريفة خاصة والقيراط بما عداها، وقيل غير ذلك.

واختلف في القيراطين المذكورين هنا، هل هما كالقيراطين المذكورين في الصلاة على الجنازة واتباعها؟ فقيل بالتسوية، وقيل: اللذان في الجنازة من باب الفضل، واللذان هنا من باب العقوبة، وباب الفضل أوسع من غيره.

والأصحّ عند الشافعية

(6)

: إباحة اتخاذ الكلب لحفظ الدروب إلحاقاً

(1)

في المخطوط (ب): (العبادات).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 7).

(3)

في المخطوط (ب): (فإذ).

(4)

في "الفتح"(5/ 7).

(5)

رقم (5480) وأطرافه رقم (5481) و (5482) من حديث ابن عمر.

(6)

البيان (5/ 53 - 54).

ص: 70

للمنصوص بما في معناه، كما أشار إليه ابن عبد

(1)

البّر.

واتفقوا

(2)

على أن المأذون في اتخاذه ما لم يحصل الاتفاق على قتله وهو الكلب العقور. وأما غير العقور فقد اختلف هل يجوز قتله مطلقاً أم لا؟ واستدلّ بأحاديث الباب على طهارة الكلب المأذون باتخاذه لأن في ملابسته مع الاحتراز عنه مشقة شديدة، فالإذن باتخاذه إذن بمكملات مقصوده، كما أن المنع من اتخاذه مناسب للمنع، وهو استدلال قويّ كما قال الحافظ

(3)

لا يعارض إلا عموم الخبر في الأمر بغسل ما ولغ فيه الكلب من غير تفصيل وتخصيص العموم غير مستنكر إذا سوّغه الدليل.

[الباب الثاني] بابُ ما جاءَ في صَيْدِ الكَلْبِ المعَلَّمِ والبازي ونحوِهِمَا

6/ 3613 - (عَنْ أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِي قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله أنا بِأرْضِ صيْدٍ أصِيدُ بِقَوْسِي وَبكَلْبِي المُعَلَّمِ، وَبِكَلْبِي الذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَمَا يَصْلُحُ لي؟ فَقالَ: "ما صِدْتَّ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ الله عَلَيْهِ فَكُلْ، وما صدتَّ بكلبكَ المعلم فذكرتَ اسمَ اللهِ عليه فكُلْ، وَما صِدْتَّ بِكَلْبِكَ غَيْرِ المُعَلَّمِ فأدْرَكْتَ ذَكاتهُ فَكُلْ")

(4)

. [صحيح]

7/ 3614 - (وَعَنْ عَدِيّ بْنِ حاتِمٍ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله إني أُرْسِلُ الكِلابَ المُعَلَّمَةَ فَيُمْسِكْنَ عليَّ وأذْكُرُ اسْمَ الله، قالَ:"إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ الله عَلَيْهِ فَكُلْ ما أمْسَكَ عَلَيْكَ"، قُلْتُ: وَإنْ قَتَلْنَ، قالَ:"وَإنْ قَتَلْنَ ما لَمْ يَشْرَكْها كَلْبٌ لَيْسَ مَعَها"، قُلْتُ لَهُ: - فإني أرْمِي بالمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فأصِيدُ، قالَ:"إذَا رَمَيْتَ بالمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإنْ أصَابَهُ بعَرْضِهِ فَلا تأكُلْهُ"

(5)

[صحيح]

(1)

التمهيد (16/ 165).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 7).

(3)

في "الفتح"(5/ 7).

(4)

أحمد في المسند (4/ 193) والبخاري رقم (5478) ومسلم رقم (8/ 1930). وهو حديث صحيح.

(5)

أحمد في المسند (4/ 258) والبخاري رقم (5477) ومسلم رقم (1/ 1929). وهو حديث صحيح.

ص: 71

وفِي رِوَايَةٍ

(1)

أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ الله عَلَيْهِ، فَإِذَا أمْسَكَ عَلَيْكَ فأدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإنْ أدْرَكْتَهُ قَدْ قُتِلَ ولَمْ يأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، فَإنَّ أخْذَ الكَلْبِ ذكاةٌ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ. [صحيح].

وَهُوَ دَلِيلٌ على الإِباحَةِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ الكَلْبُ جَرْحاً أوْ خَنْقاً).

8/ 3615 - (وَعَنْ عَدِيّ بْنِ حاتمٍ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَا عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبِ أوْ بازٍ ثُمَّ أرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ الله عَلَيْهِ فَكُلْ ما أمْسَكَ عَلَيْكَ"، قُلْتُ: وَإنْ قَتَلَ؟ قالَ: "وَإنْ قَتَلَ ولَمْ يأكُلْ مِنْهُ شَيْئاً فإنَّمَا أمْسَكَهُ عَلَيْكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ)

(3)

. [صحيح دون قوله: "أو باز"].

حديث عديّ بن حاتم الآخر أخرجه أيضاً البيهقي (4)، وهو من رواية مجالد عن الشعبي عنه، قال البيهقي

(4)

: تفرّد مجالد بذكر الباز فيه وخالفَ الحفاظ.

قوله: (ما صدت بقوسك) سيأتي الكلام على الصيد بالقوس.

قوله: (وما صدت بكلبك المعلم)، المراد بالمعلم

(5)

الذي إذا أغراه صاحبه على الصيد طلبه، وإذا زجره انزجر، وإذا أخذ الصيد حبسه على صاحبه، وفي اشتراط الثالث خلاف.

واختلف متى يعلم ذلك منها، فقال البغوي في "التهذيب"

(6)

: أقله ثلاث

(1)

أحمد في المسند (4/ 379) والبخاري رقم (5475) ومسلم رقم (6/ 1929). وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (4/ 257).

(3)

في سننه رقم (2851).

وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، غير مجالد - وهو ابن سعيد -، وليس بالقوي، فلا يحتج به، ولا سيما عند المخالفة كما هنا؛ فإنه تفرد بذكر (الباز)؛ دون كل الثقات الذين شاركوه في رواية أصل الحديث عن الشعبي، فهي زيادة منكرة.

وبذلك أعلها البيهقي في السنن الكبرى (9/ 238)، وقال الترمذي بإثر الحديث رقم (1467): هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مجالد عن الشعبي. وخلاصة القول: أن الحديث صحيح دون قوله: "أو باز"، والله أعلم.

(4)

في السنن الكبرى (9/ 238).

(5)

انظر: "رؤوس المسائل"(5/ 808).

(6)

"التهذيب" البغوي، (أبو محمد، الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء (ت 516 هـ) كتابه =

ص: 72

مرَّات، وعن أبي حنيفة

(1)

وأحمد

(2)

يكفي مرّتين. وقال الرافعي

(3)

: لا تقدير لاضطراب العرف، واختلاف طباع الجوارح، فصار المرجع إلى العرف.

قوله: (فذكرت اسم الله عليه) فيه اشتراط التسمية، وسيأتي الكلام عليه.

وأحاديث الباب تدلّ على إباحة الصيد بالكلاب المعلمة، وإليه ذهب الجمهور

(4)

من غير تقييد، واستثنى أحمد

(5)

وإسحاق الأسود، وقالا: لا يحلّ الصيد به لأنَّه شيطان. ونقل عن الحسن

(6)

وإبراهيم (6) وقتادة (6) نحو ذلك.

قوله: (فكُلْ ما أمسك عليك) فيه جواز أكل ما أمسكه الكلب بالشروط المذكورة في الأحاديث، وهو مجمع عليه.

قوله: (ما لم يشركها كلبٌ ليس معها)، فيه دليل: على أنه لا يحلّ أكل ما يشاركه كلبٌ آخر في اصطياده، ومحلُّه ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة، فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الذكاة حلّ، ثم ينظر فإن كان إرسالهما معاً فهو لهما وإلا فللأوَّل.

ويؤخذ ذلك من التعليل في قوله: "فإنما سميت على كلبك ولم تسمّ على

= في المذهب الشافعي، وهو محرَّر مهذب، مجرَّد من الأدلة غالباً، لخصه من "التعليقة الكبرى" لشيخه القاضي: حسين بن محمد بن أحمد الخراساني، أبو علي (ت 462 هـ) وزاد فيه ونقص، وهو مشهور متداول عند الشافعية.

وله نسخة خطية في أربع مجلدات ضخام، المجلد الرابع في "الظاهرية" بدمشق، تحت رقم (292 - فقه شافعي) يرجع تاريخ نسخه إلى سنة (599 هـ). [معجم المصنفات (ص 143 رقم 351) (وص 117 رقم 268)].

• وذكره الحافظ في "الفتح"(6/ 441).

(1)

بدائع الصنائع (5/ 53) والمحيط البرهاني (6/ 441).

(2)

المغني (13/ 262) والإنصاف للمرداوي (10/ 427).

وانظر: البيان للعمراني (4/ 538).

(3)

في الشرح الكبير (12/ 21).

(4)

الفتح (9/ 601).

(5)

المغني (13/ 267) والإنصاف للمرداوي (10/ 427) ورؤوس المسائل (5/ 803) رقم (1/ 2047).

(6)

حكاه عنهم ابن قدامة في المغني (13/ 267).

ص: 73

غيره"، يفهم منه أن المرسِل لو سمَّى على [إرسال]

(1)

الكلب لحلّ.

ووقع في رواية بيان عن الشعبي: "وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل"

(2)

، [فيؤخذ]

(3)

منه أنه لو وجده حياً وفيه حياة مستقرّة فذكَّاه حلَّ؛ لأن الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على إمساك الكلب؛ ويؤيده ما في حديث الباب: "وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكُلْ".

قوله: (بالمعراض)

(4)

بكسر الميم وسكون المهملة وآخره معجمة. قال الخليل وتبعه جماعة: هو سهم لا ريش له ولا نصل.

وقال ابن دريد

(5)

وتبعه ابن سيده

(6)

: هو سهم طويل له أربع قذذ رقاقاً فإذا رمى به اعترض.

وقال الخطابي

(7)

: المعراض: نصل عريض، له ثقلٌ ورزانة.

وقيل: عود رقيق الطرفين غليظ الوسط.

وقيل: خشبة ثقيلة آخرها عصاً محدّدٌ رأسها، وقد لا يحدّ، وقوى هذا الأخير النووي

(8)

تبعاً لعياض.

وقال القرطبي

(9)

: إنَّه مشهور.

وقال ابن التين

(10)

: المعراض: عصا في طرفها حديدة يرمي بها الصائد فما أصاب بحدّه، فهو ذكيّ فيؤكل، وما أصاب بغير حدِّه فهو وقيذ.

قوله: (فخزق)

(11)

بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها قاف، أي: نفذ،

(1)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(2)

أخرجه مسلم رقم (2/ 1929).

(3)

في المخطوط (ب): (فيفهم).

(4)

النهاية (2/ 188)، حيث قال: المعراض بالكسر سهم بلا ريش ولا نصل، وإنما يصيب بعرضه دون حده.

(5)

في جمهرة اللغة (2/ 363).

(6)

في المحكم (1/ 400).

(7)

في معالم السنن (3/ 269).

(8)

في شرحه لصحيح مسلم (3/ 75).

(9)

في "المفهم"(5/ 209).

(10)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 600).

(11)

النهاية (1/ 488) والفائق (1/ 85).

ص: 74

يقال: سهمٌ خازق: أي نافذ، ويقال بالسين المهملة

(1)

بدل الزاي، وقيل: الخزق بالزاي وقد تبدل سيناً: الخدش

(2)

.

قال في الفتح

(3)

: وحاصله أن السهم وما في معناه إذا أصاب الصيد حلّ وكانت تلك ذكاته، وإذا أصاب بعرضه لم يحلّ

(4)

لأنَّه في معنى الخشبة الثقيلة أو الحجر ونحو ذلك من المثقل.

قوله: (بعرضه) بفتح العين المهملة: أي بغير طرفه المحدّد، وهو حجة للجمهور

(5)

في التفصيل المذكور. وعن الأوزاعي وغيره من فقهاء الشام يحلّ مطلقاً، وسيأتي لهذا زيادة بسط إن شاء الله تعالى.

قوله: (ولم يأكل منه) فيه دليل: على تحريم ما أكل

(6)

منه الكلب من الصيد ولو كان الكلب معلمًا.

وقد علل في الحديث بالخوف من أنه إنما أمسك على نفسه، وهذا قول الجمهور (5).

وقال مالك

(7)

، وهو قول الشافعي في القديم

(8)

، ونقل عن بعض الصحابة

(9)

أنه يحلّ.

(1)

أي (خاسق): النهاية (1/ 488) والفائق (1/ 85).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 600). وقال الحافظ: لا يثبت فيه، فإن قيل بالراء فهو أن يثقبه. النهاية (1/ 485).

(3)

(9/ 600).

(4)

المغني (13/ 282) ومختصر اختلاف العلماء (3/ 196 - 197).

(5)

الفتح (9/ 600) والمغني (13/ 282).

(6)

مختصر اختلاف العلماء (3/ 201) والمغني (13/ 263).

(7)

عيون المجالس (2/ 966).

(8)

البيان للعمراني (4/ 542 - 543) والمجموع شرح المهذب (9/ 118 - 121) وروضة الطالبين (3/ 247) وشرح مسلم للنووي (13/ 77).

(9)

روى ذلك عن سعد، وابن عمر، وسلمان، وأبي هريرة، حكاه عنهم الإمام أحمد المغني (13/ 263). وانظر:"المحلى"(7/ 471).

ص: 75

واحتجوا بما ورد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن أعرابيًا يقال له أبو ثعلبة قال: يا رسول الله إن لي كلاباً مكلبة فأفتني في صيدها، فقال: كل مما أمسك عليك وإن أكل منه"، أخرجه أبو داود

(1)

.

قال الحافظ

(2)

: ولا بأس بإسناده، وسيأتي هذا الحديث في الباب الذي بعد هذا.

قال: وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقاً منها للقائلين بالتحريم.

الأولى: حمل حديث الأعرابي على ما إذا قتله وخلَّاه ثم عاد فأكل منه. والثانية: الترجيح.

فرواية عديّ في الصحيحين ورواية الأعرابي في غير الصحيحين ومختلف في تضعيفها؛ وأيضاً فرواية عديّ صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإِمساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في الميتة التحريم، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل ولظاهر القرآن أيضًا، وهو قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}

(3)

، فإن مقتضاها أن الذي تمسكه من غير إرسال لا يباح، ويتقوّى أيضاً بالشواهد من حديث ابن عباس عند أحمد

(4)

: "إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه، فإذا أرسلته فقتله ولم يأكل فكل فإنما [أمسك]

(5)

على صاحبه".

(1)

في سننه رقم (2857).

إسناده حسن، على الخلاف المعروف في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والمعتمد أنه حسن الحديث؛ إذا لم يخالف من هو أوثق منه، وهذا الشرط غير متوفر هنا، لمخالفته لأحاديث من هو أوثق وأكثر عدداً منه. وهو في "الصحيحين"؛ وليس فيه ذكر الأكل. وخلاصة القول: أن الحديث حسن، لكن قوله:"وإن أكل منه" فهو منكر، والله أعلم.

(2)

في "الفتح"(9/ 602).

(3)

سورة المائدة، الآية:(4).

(4)

في المسند (1/ 231) رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد، إلا أن إبراهيم بن يزيد النخعي لم يسمع من ابن عباس.

(5)

في المخطوط (ب): (أمسكه).

ص: 76

وأخرجه البزار

(1)

من وجه آخر عن ابن عباس.

وابن أبي شيبة

(2)

من حديث أبي رافع نحوه بمعناه، ولو كان مجرّد الإمساك كافياً لما احتيج إلى زيادة {عَلَيْكُم} في الآية.

وأما القائلون بالإباحة فحملوا حديث عديّ

(3)

على كراهة التنزيه، وحديث الأعرابي على بيان الجواز.

قال بعضهم: ومناسبة ذلك أن عدياً كان موسراً فاختير له الحمل على الأولى، بخلاف أبي ثعلبة

(4)

فإنه كان بعكسه، ولا يخفى ضعف هذا التمسك مع التصريح بالتعليل في الحديث لخوف الإمساك على نفسه.

وقال ابن التين

(5)

: قال بعض أصحابنا: هو عام فيحمل على الذي أدركه ميتًا من شدّة العدو، أو من الصدمة فأكل منه؛ لأنَّه صار على صفة لا يتعلق بها الإرسال والإمساك على صاحبه.

قال: ويحتمل أن يكون معنى قوله: "فإن أكل فلا تأكل"، أن لا يوجد منه غير الأكل دون إرسال الصائد له، وتكون هذه الجملة مقطوعة عما قبلها، ولا يخفى تعسف هذا وبعده.

وقال ابن القصَّار (5): مجرّد إرسالنا الكلب إمساك علينا؛ لأنَّ الكلب لا نية له، وإنما يتصيد بالتعليم، فإذا كان الاعتبار بأن يمسك علينا، أو على نفسه، واختلف الحكم في ذلك، وجب أن يتميز ذلك بنية من له نية، وهو مرسله، فإذا أرسله؛ فقد أمسك عليه، وإذا لم يرسله فلم يمسك عليه، كذا قال.

ولا يخفى بعده، ومصادمته لسياق الحديث.

وقد قال الجمهور

(6)

: إنَّ معنى قوله: "أمسكن عليكم"

(7)

صدن لكم، وقد

(1)

في المسند (رقم 1212 - كشف). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 31) وقال: رواه البزار وفيه حماد بن شعيب وهو ضعيف.

(2)

في المصنف (5/ 354، 355).

(3)

تقدم برقم (3614) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (3613) من كتابنا هذا.

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 602).

(6)

"الفتح"(9/ 602).

(7)

سورة المائدة، الآية:(4).

ص: 77

جعل الشارع أكله منه علامةً على أنه أمسك لنفسه، لا لصاحبه، فلا يعدل عن ذلك.

وقد وقع في رواية لابن أبي شيبة

(1)

: "إن شرب من دمه فلا تأكل فإنه لم يعلم ما علمته".

وفي هذا إشارة إلى أنه إذا شرع في أكله؛ دلَّ على أنه ليس بمعلَّمٍ التَّعلِيمَ المشترط، وسلك بعض المالكية الترجيح، فقال: هذه القطعة ذكرها الشعبي ولم يذكرها همام، وعارضها حديث الأعرابي المعروف بأبي ثعلبة.

قال الحافظ

(2)

: وهذا ترجيح مردود لما تقدم، وتمسك بعضهم بأنَّ الإجماع على جواز أكله إذا أخذه الكلب بفيه وهمَّ بأكله، فأدركه قبل أن يأكل منه، يدلّ: على أنه يحلّ ما أكل منه؛ لأن تناوله بفيه وشروعه في أكله مثل الأكل في أنَّ كلَّ واحد منهما يدلّ: على أنه إنما أمسكه على نفسه.

قوله: (فإنَّ أخْذَ الكلب ذكاةٌ) فيه دليل: على أن إمساك الكلب للصيد بمنزلة التذكية إذا لم يدركه الصائد إلا بعد الموت، لا إذا أدركه قبل الموت، فالتذكية واجبة؛ لقوله في الحديث:"فإن أدركته حياً فاذبحه".

قوله: (فكُلْ ما أمسك عليك) استدلَّ به: على أنه لو أرسل كلبه على صيد فاصطاد غيره، حلّ للعموم الذي في قوله:"ما أمسك عليك"، وهذا قول الجمهور

(3)

.

وقال مالك

(4)

: لا يحلّ، وهو رواية البويطي عن الشافعي

(5)

.

(1)

في "المصنف"(5/ 365).

(2)

في "الفتح"(9/ 602).

(3)

المغني (13/ 273).

(4)

التهذيب في اختصار المدونة (2/ 13). وعيون المجالس (2/ 970) والمنتقى للباجي (3/ 124).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 603). وانظر: "المهذب"(2/ 895) والمجموع (9/ 138). والبيان للعمراني (4/ 554) ومختصر اختلاف العلماء (3/ 198).

ص: 78

[الباب الثالث] بابُ ما جاءَ فِيمَا إذَا أَكلَ الكَلْبُ مِنَ الصَّيْدِ

9/ 3616 - (عَنْ عَدِيّ بْنِ حاتمٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا أرْسَلْتَ كِلابَكَ المُعَلَّمَةَ وذَكَرْتَ اسْمَ الله، فَكُلْ مِمَّا أمْسَكنَ عَلَيْكَ إلَّا أنْ يأكُلَ الكَلْبَ فَلا تأكُلْ، فإني أخافُ أنْ يَكُونَ إنَّمَا أمْسَكَ على نَفْسِهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

10/ 3617 - (وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أرْسَلْتَ الكَلْبَ فأكَلَ مِنَ الصَّيْدِ فَلا تأكُلْ فإنَّمَا أمْسَكَهُ على نَفْسِهِ، فإذَا أرْسَلْتَهُ فَقَتَلَ ولَمْ يأكُلْ فَكُلْ فإنَّمَا أمْسَكَهُ على صَاحِبِهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(2)

. [صحيح لغيره]

11/ 3618 - (وَعَنْ أبي ثَعْلَبَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي صَيْدِ الكَلْبِ: "إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ الله فَكُلْ وَإنْ أكَلَ مِنْهُ، وكُلْ ما رَدَّتْ عَلَيْكَ يَدُكَ" رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(3)

. [منكر]

12/ 3619 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو أنَّ أبا ثَعْلَبَةَ الخُشَنِي قالَ: يا رَسُولَ الله إنَّ لي كِلاباً مُكَلَّبَةً فأفْتِني فِي صَيْدِها، قالَ: "إنْ [كَانتْ]

(4)

لَك

(1)

أحمد في المسند (4/ 377) والبخاري رقم (175) ومسلم رقم (2/ 1929). وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (1/ 231) رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد - وهو ابن أبي سليمان الكوفي الفقيه - فقد روى له مسلم مقروناً بمنصور والأعمش وهو ثقة. إلا أن إبراهيم - وهو ابن يزيد النخعي - لم يسمع من ابن عباس. وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره.

(3)

في سننه رقم (2852).

إسناده ضعيف، رجاله ثقات غير داود بن عمرو، وهو ممن اختلف فيه. قال الحافظ: صدوق سيئ الحفظ. وقد حكى الذهبي في "الميزان" أقوال أئمة الجرح والتعديل، ثم ذكر أنه انفرد بحديثين، هذا أحدهما، وقال: وهذا حديث منكر ضعيف أبي داود (10/ 385 - 386). وهو حديث منكر، والله أعلم.

(4)

في المخطوط (ب): (كان).

ص: 79

كِلابٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مِمَّا أمْسَكَتْ عَلَيْكَ"، فَقالَ: يا رَسُولَ الله ذَكِيٌّ وَغيرُ ذَكِيٍّ؟ قال: "ذكِيٌّ وَغيرُ ذَكِيٍّ"، قالَ: وإنْ أكَلَ مِنْهُ؟ قالَ: "وَإنْ أَكَلَ مِنْهُ"، قالَ: يا رَسُولَ الله أفْتِني فِي قَوْسِي، قالَ: "كُلْ مِمَّا أمْسَكَ عَلَيْكَ قَوسُكَ"، قالَ: ذَكِيٌّ وَغْيرُ ذَكِيٍّ، قالَ: "ذَكِيٌّ وَغيرُ ذَكِيٍّ"، قالَ: فإنْ تَغَيَّبَ عَنِّي؟ قالَ: "وَإنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ ما لَمْ يَصِلَّ". - يَعْنِي يَتَغَيَّرْ - "أوْ تَجِدَ فيهِ أثَرَ غَيْرِ سَهْمِكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وأبُو دَاوُدَ)

(2)

[حسن، دون قوله: "وإن أكل منه" فمنكر]

حديث ابن عباس قد تقدم في الباب الذي قبل هذا ذكر طرقه وما يشهد

(3)

له.

وحديث أبي ثعلبة الأوّل قد تقدم أن الحافظ

(4)

قال: لا بأس بإسناده انتهى. وفي إسناده داود بن عمرو الأودي الدمشقي عامل واسط. قال أحمد بن عبد الله العجلي

(5)

: ليس بالقوي. وقال أبو زرعة الرازي

(6)

: هو شيخ. وقال يحيى بن معين (6): ثقة. وقال أبو زرعة (6): لا بأس به. وقال ابن عدي

(7)

: لا أرى برواياته بأساً. قال ابن كثير

(8)

: وقد طعن في حديث أبي ثعلبة.

وأجيب بأنه صحيح لا شك فيه، على أنه قد روى الثوري عن سماك بن حرب عن عدي عنه صلى الله عليه وسلم مثل حديث أبي ثعلبة إذا كان الكلب ضارياً.

وروى عبد الملك بن حبيب، حدثنا أسد بن موسى عمّ أبي زائدة عن

(1)

في المسند (2/ 184).

(2)

في سننه رقم (2857).

إسناده حسن، على الخلاف المعروف في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والمعتمد أنه حسن الحديث، إذا لم يخالف من هو أوثق منه، وهذا الشرط غير متوفر هنا، لمخالفته لأحاديث من هو أوثق وأكثر عدداً منه. قلت: وقد خالف لما في "الصحيحين". والخلاصة: أن الحديث حسن دون قوله: "وإن أكل منه" فمنكر.

(3)

تقدم تخريجه قريباً.

(4)

في "الفتح"(9/ 602).

(5)

في (معرفة الثقات): (1/ 341) رقم الترجمة (425).

(6)

في "الجرح والتعديل"(3/ 419 - 420) رقم الترجمة (1917).

(7)

في "الكامل"(3/ 952).

(8)

في "إرشاد الفقيه" له (1/ 364).

ص: 80

الشعبي عن عديّ بمثله، فوجب حمل حديث عديّ، يعني على نحو ما تقدم في الباب الأول.

وحديث أبي ثعلبة الثاني أخرجه أيضاً النسائي

(1)

وابن ماجه

(2)

وأعلَّه البيهقي

(3)

، وقد تقدم الكلام على حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

قوله: (إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل)، قد تقدم البحث عن هذا وما عارضه من حديث أبي ثعلبة المذكور مبسوطاً في الباب الذي قبل هذا فليرجع إليه

(4)

.

قوله: (وكل ما ردّت عليك يدك)، أي: كُلْ كُلَّ ما صدته بيدك لا بشيء من الجوارح ونحوها.

قوله: (كلاباً مكلبة) يحتمل أن يكون مشتقاً من الكلْب بسكون اللام اسم العين، فيكون حجة لمن خصّ ما صاده الكلب بالحلّ إذا وجد ميتاً دون ما عداه من الجوارح، كما قيل في قوله تعالى:{مُكَلِّبِينَ} (5).

ويحتمل أن يكون مشتقاً من الكلَب بفتح العين، وهو مصدر بمعنى التكليب وهو التضرية، ويقوّي هذا عموم قوله:{مِّنَ الجَوَارِحَ مُكَلِّبِينَ}

(5)

، فإن الجوارح المراد بها الكواسب على أهلها وهو عامّ.

قوله: (ذكيّ وغير ذكيّ) فيه دليل: على أنه يحلّ ما وجد ميتاً من صيد الكلاب المعلمة وهو مجمع عليه فيما عدا الكلب الأسود كما تقدم.

واختلف العلماء فيما عداه من السباع كالفهد، والنمر، وغيرهما، وكذلك الطيور، فذهب مالك

(6)

إلى أنها مثل الكلاب. وحكاه ابن شعبان عن فقهاء الأمصار وهو مرويّ عن ابن عباس.

(1)

في سننه رقم (4266).

(2)

في سننه رقم (3207).

(3)

في السنن الكبرى (9/ 237 - 238).

(4)

الباب الثاني عند الحديث رقم (3613) من كتابنا هذا.

(5)

سورة المائدة، الآية:(4).

(6)

قال القاضي عبد الوهاب المالكي في "عيون المجالس"(2/ 963 - 965) رقم (673) مسألة: "وكل جارحة يمكن الاصطياد بها، فإذا علمت جاز الاصطياد بها، وكل =

ص: 81

وقال جماعة ومنهم مجاهد: لا يحلّ ما صادوه غير الكلب إلا بشرط إدراك ذكاته، وبعضهم خصّ البازي بحلّ ما قتله لحديث ابن عباس

(1)

المتقدم في الباب الأول.

قوله: (وإن تغيب عنك) سيأتي الكلام عليه.

قوله: (ما لم يَصِلَّ) بفتح حرف المضارعة وكسر الصاد المهملة وتشديد اللام، أي: يتغير.

قوله: (أو تجد فيه أثر غير سهمك) سيأتي أيضًا الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

[الباب الرابع] بابُ وجوبِ التَّسْمِيَةِ

13/ 3620 - (عَنْ عَدِيّ بْنِ حاتِمٍ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله إني أُرْسِلُ كَلْبِي وأُسَمِّي، قالَ:"إنْ أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسمَّيْتَ فأخَذَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإنْ أكَلَ مِنْهُ فَلا تأكُلْ، فإنَّمَا أمْسَكَ على نَفْسِهِ"، قُلْتُ: إني أُرْسِلُ كَلْبِي أجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لا أدْرِي أيُّهُما

= ما صادته، ولا فرق بين الكلب، والفهد، والنمر، وكذلك الوحش من الطير، لا فرق بين البازي، والصقر، والباشق، والشاهين، والعقاب، وغيره من الطير، وما أمكن تعليمه فإن الاصطياد به مباح، ويؤكل ما اصطاد. هذا مذهب عامة الفقهاء: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة رحمهم الله. وهو مذهب ابن عباس رضي الله عنهما.

وروي عن ابن عمر، ومجاهد رضي الله عنهم، قالا: يحل صيد الكلب حسبُ، وما صيد بالنمر، والفهد، والبازي، وغيره لا يجوز.

وقال الحسن البصر، والنخعي وأحمد وإسحاق رحمهم الله: يجوز صيد كل شيء إلا صيد الكلب الأسود البهيم، فإنه لا يجوز.

وقالت طائفة: يحل صيد الكلب والبازي حسب، وأما سواهما فلا يحل". اهـ.

وانظر: المحلى (6/ 169، 191 - 192) الإنصاف للمرداوي (10/ 427) والسنن الكبرى للبيهقي (9/ 235) وبداية المجتهد (2/ 488) بتحقيقي. والمجموع شرح المهذب (9/ 108).

(1)

تقدم قريبًا.

ص: 82

أخَذَهُ؟ قالَ: "فَلا تأكُلْ فإنَّمَا سَمَّيْتَ على كَلْبِكَ ولَمْ تُسَمّ عَلى غَيرِهِ"

(1)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ: إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ فاذْكُرِ اسْمَ الله، فإنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْباً غَيْرَهُ وَقَدْ قُتِلَ فَلَا تأكُلْ فإنَّكَ لا تَدْرِي أيُّهما قَتَلَهُ"

(2)

. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما [صحيح]

وَهُوَ دَلِيلٌ على أنَّهُ إذَا أوْحاهُ أحَدُهُما وَعُلِمَ بِعَيْنِهِ فالحُكْمُ لَهُ؛ لأنَّهُ قَدْ عُلِمَ أنَّهُ قاتِلُهُ).

قوله: (وسميت) استدلّ به على مشروعية التسمية، وهو مجمع على ذلك، إنما الخلاف في كونها شرطاً في حلّ الأكل؛ فذهب أبو حنيفة

(3)

وأصحابه، وأحمد

(4)

، وإليه ذهبت القاسمية (5)، والناصر

(5)

، والثوري

(6)

، والحسن بن صالح

(7)

: إلى أنها شرط.

وذهب ابن عباس، وأبو هريرة، وطاوس

(8)

، والشافعي

(9)

، وهو مرويّ عن مالك

(10)

وأحمد

(11)

إلى أنها سنة، فمن تركها عندهم عمداً، أو سهواً؛ لم يقدح في حلِّ الأكل.

ومن أدلة القائلين بأن التسمية شرط قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}

(12)

، فهذه الآية فيها النهي عن أكل ما لم يسمّ عليه.

وفي حديث الباب إيقاف الإذن في الأكل عليها، والمعلق بالوصف ينتفي عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم.

(1)

أحمد في المسند (4/ 379) والبخاري رقم (5483) ومسلم رقم (3/ 1929).

(2)

أحمد في المسند (4/ 380) والبخاري رقم (5484) ومسلم رقم (6/ 1929).

(3)

"بدائع الصنائع"(5/ 47) والاختيار (5/ 474).

(4)

المغني (13/ 289 - 290).

(5)

البحر الزخار (4/ 306).

(6)

موسوعة فقه سفيان الثوري ص 596.

(7)

حكاه ابن قدامة في المغني (13/ 290).

(8)

حكاه ابن قدامة في المغني (13/ 290).

(9)

المجموع شرح المهذب (9/ 98).

(10)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 219، 235 - 236).

(11)

المغني (13/ 290).

(12)

سورة الأنعام، الآية:(121).

ص: 83

والشرط أقوى من الوصف، ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة، وما أذن فيه منها تراعى صفته، فالمسمى عليها وافق الوصف، وغير المسمى باقٍ على أصل التحريم.

واختلفوا إذا تركها ناسياً، فعند أبي حنيفة

(1)

ومالك

(2)

والثوري

(3)

وجماهير العلماء

(4)

، ومنهم القاسمية والناصر: أنَّ الشرطية إنما هي في حقّ الذكر، فيجوز أكل ما تركت التسمية عليه سهواً لا عمداً.

وذهب داود

(5)

والشعبي

(6)

وهو مرويّ عن مالك وأبى ثور

(7)

أنها شرط مطلقاً؛ لأن الأدلة لم تفصل.

واختلف الأوّلون في العمد: هل يحرم الصيد ونحوه، أم يكره؟ فعند الحنفية

(8)

يحرم، وعند الشافعية

(9)

في العمد ثلاثة أوجه، أصحُّها: يكره الأكل، وقيل: خلاف الأولى. وقيل: يأثم بالترك ولا يحرم الأكل.

والمشهور عند أحمد

(10)

التفرقة بين الصيد والذبيحة، فذهب في الذبيحة إلى هذا القول الثالث.

وحجة القائلين بعدم وجوب التسمية مطلقاً ما سيأتي في باب الذبح إن شاء الله [تعالى]

(11)

.

قوله: (فإن وجدت مع كلبك

إلخ) فيه دليل: على أنَّ من وجد الصيد ميتًا ومع كلبه كلب آخر، وحصل اللبس عليه أيهما القاتل له؟ أنه لا يحلّ الصيد؛ لأنَّه لم يسمِّ إلا على كلبه، بخلاف ما لو وجده حياً فإنَّه يذكيه، ويحلُّ أكله بالتذكية.

(1)

الاختيار (5/ 482 - 483).

(2)

التسهيل (3/ 998) وعيون المجالس (2/ 960 - 961).

(3)

موسوعة فقه سفيان الثوري (596 - 597).

(4)

البحر الزخار (4/ 296).

(5)

المحلى (8/ 112).

(6)

حكاه عنه القاضي عبد الوهاب في عيون المجالس (2/ 961).

(7)

موسوعة فقه أبي ثور ص 406.

(8)

الاختيار (5/ 483).

(9)

المجموع شرح المهذب (8/ 384) وروضة الطالبين (3/ 205).

(10)

انظر: المغني (13/ 258) و (13/ 290).

(11)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (أ).

ص: 84

وسيأتي الخلاف في الصيد إذا غاب، وسبب الاختلاف حصول اللبس المذكور هنا.

قوله: (على أنه أوحاه) بالحاء المهملة بمعنى، أنهاه إلى حركة المذبوح، وليس لأوجاه بالجيم هنا معنى.

[الباب الخامس] بابُ الصيد بالقوس وحكم الرمية إذا غابت أَو وقعت في ماء

14/ 3621 - (عَنْ عَدِيّ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله إنَّا قَوْمٌ نَرْمِي فَمَا يَحِلُّ لَنا؟ قالَ: "يَحِلُّ لَكُمْ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذَكَرْتُمُ اسْمَ الله عَلَيْهِ وَخَزَقْتُمْ فَكُلُوا مِنْهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

. [صحيح لغيره]

وَهُوَ دَلِيلٌ على أنَّ ما قَتَلَهُ السَّهْمُ بِثِقَلِهِ لَا يَحِلُّ).

15/ 3622 - (وَعَنْ أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيّ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَغابَ ثَلَاثةَ أيَّامٍ وأدْرَكْتَهُ فَكُلْهُ ما لَمْ يَنْتَنْ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(2)

وَمُسْلِمٌ

(3)

وأبُو دَاوُدَ

(4)

وَالنَّسائيُّ)

(5)

. [صحيح]

16/ 3623 - (وَعَنْ عَدِيّ بْنِ حاتمٍ قالَ: سألْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّيْدِ قالَ: "إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فاذْكُرِ اسْمَ الله فإنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُتِلَ فَكُلْ إلَّا أنْ تجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي ماء فإنَّكَ لا تَدْرِي المَاءُ قَتَلَهُ أوْ سَهْمُكَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

وَهُوَ دَلِيلٌ على أنَّ السَّهْمَ إذَا أوْحاهُ أُبِيحَ لأنَّهُ قَدْ عَلِمَ أنَّ سَهْمَهُ قَتَلَهُ).

(1)

في المسند (4/ 257) بسند ضعيف لكن الحديث صحيح لغيره.

(2)

في المسند (4/ 194).

(3)

في صحيحه رقم (9/ 1931).

(4)

في سننه رقم (2861).

(5)

في سننه رقم (4303). وهو حديث صحيح.

(6)

أحمد في المسند (4/ 379) والبخاري رقم (5484) ومسلم رقم (6/ 1929). وهو حديث صحيح.

ص: 85

17/ 3624 - (وَعَنْ عَدِيّ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إلَّا أثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ، وَإنْ وَقَعَ فِي المَاءِ فَلا تأكُلْ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالبُخَارِيُّ

(2)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ: "إذَا رَمَيْتَ [سَهْمَكَ]

(3)

فاذْكُرِ اسْمَ الله، فإنْ غابَ عَنْكَ يَوْماً فَلَمْ تَجِدْ فِيه إلَّا أثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ إنْ شِئْتَ، وَإِنْ وَجدْتَهُ غَرِيقاً فِي المَاءِ فَلا تأكلْ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

وَالنَّسائيُّ

(5)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ: أنَّهُ قالَ للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إنَّا نَرْمِي الصَّيْدَ فَنَقْتَفِي أثَرَهُ اليَوْمَيْنِ وَالثَّلاثَةَ ثُمَّ نَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ، قالَ:"يأكُلُ إنْ شاءَ الله"، رَوَاهُ البُخارِيُّ)

(6)

. [صحيح]

18/ 3625 - (وفِي رِوَايَةٍ قالَ: سألْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: إنَّ أرْضنَا أرْضُ صَيْدٍ فَيَرْمِي أحَدُنا الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ لَيْلَةً أوْ لَيْلَتَيْن فَيَجدُهُ وَفِيهِ سَهْمُهُ، قالَ:"إذَا وَجَدْتَّ سَهْمَكَ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أثَرَ غَيْرِهِ وَعَلِمْتَ أنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

وَالنَّسائيُّ)

(8)

. [صحيح]

19/ 3626 - (وفِي رِوَايَةٍ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله أرْمِي الصَّيْدَ فأجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنَ الغَدِ، قالَ:"إذَا عَلِمْتَ أنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ ولَمْ تَرَ فِيهِ أثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ"،

(1)

في المسند (4/ 378).

(2)

في صحيحه رقم (5484). وهو حديث صحيح.

(3)

في المخطوط (ب): (بسهمك).

(4)

في صحيحه رقم (6/ 1929).

(5)

في سننه رقم (4300). وهو حديث صحيح.

(6)

في صحيحه رقم (5484). وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (4/ 377).

(8)

في سننه رقم (4301). وهو حديث صحيح.

ص: 86

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(1)

وَصحَّحَهُ). [صحيح]

حديث عديّ الأوّل له طرق هذه أحدها، وقد تقدم بعضها، والرواية الأخرى من حديث عديّ أخرجها أيضاً أبو داود

(2)

.

قوله: (يحلّ لكم ما ذكيتم وما ذكرتم اسم الله عليه)، فيه دليل: على أن التسمية واجبة لتعليق الحلِّ عليها، وقد تقدم الخلاف في ذلك، وسيأتي له مزيد.

قوله: (فكله ما لم ينتن) جعل الغاية أن ينتن الصيد، فلو وجده مثلًا بعد [ثلاث]

(3)

ولم ينتن حلّ، فلو وجده [في]

(4)

دونها وقد أنتن فلا، هذا ظاهر الحديث.

وأجاب النووي

(5)

بأن النهي عن أكله إذا أنتن للتنزيه، وظاهر التحريم، ولكنه سيأتي في: باب ما جاء في السمك

(6)

: أنَّ الجيش أكلوا من الحوت التي ألقاها البحر نصف شهر، وأهدوا عند قدومهم النبي صلى الله عليه وسلم منه فأكله، واللحم لا يبقى في الغالب مثل هذه المدة بلا نتن لا سيما في الحجاز مع شدة الحرِّ، فلعلَّ هذا الحديث هو الذي استدل به النووي على كراهة التنزيه، ولكنه يحتمل أن يكونوا ملَّحوه وقدَّدوه فلم يدخله النتن.

وقد حرَّمت المالكية المنتن مطلقاً وهو الظاهر.

قوله: (إلا أن تجده قد وقع في ماء)[وجهه]

(7)

: أنَّه يحصل حينئذٍ التردّد هل قتله السهم أو الغرق في الماء؟ فلو تحقق: أنَّ السهم أصابه فمات، فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم حلَّ أكله.

(1)

في سننه رقم (1468) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (2849). وهو حديث صحيح.

(3)

في المخطوط (ب): ثلاثة.

(4)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (أ).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 81).

(6)

الباب الرابع عند الحديث رقم (18/ 3647) من كتابنا هذا.

(7)

في المخطوط (ب): (ووجهه).

ص: 87

قال النووي في شرح مسلم

(1)

: إذا وُجد الصيد في الماء غريقًا حَرُمَ بالاتفاق. انتهى.

وقد صرّح الرافعي

(2)

: بأنَّ محله ما لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح، فإن انتهى إليها، كقطع الحلقوم مثلًا؛ فقد تمت ذكاته، ويؤيده ما قاله بعد ذلك: فإنَّك لا تدري؛ الماء قتله أو سهمك، فدلّ: على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي قتله أنه يحل.

قوله: (إذا أوحاه) قد تقدم ضبطه وتفسيره في الباب الذي قبل هذا.

قوله: (ليس به إلا أثر سهمك) مفهومه: أنَّه إن وجد فيه أثر غير سهمه لا يأكل، وهو نظير ما تقدم في الكلب من التفصيل فيما إذا خالط الكلب الذي أرسله الصائد كلب آخر، لكن التفصيل في مسألة الكلب فيما إذا شارك الكلب في قتله كلبٌ آخر، وهنا الأثر الذي يوجد فيه من غير سهم الرامي، أعمُّ من أن يكون أثر سهم رام آخر، أو غير ذلك من الأسباب القاتلة، فلا يحلّ أكله مع التردّد، وقد جاءت فيه زيادة كما في الرواية الآخرة في الباب بلفظ:"ولم تر فيه أثر سبع".

قال الرافعي

(3)

: يؤخذ منه أنه لو جرحه ثم غاب ثم وجده ميتا أنه لا يحل وهو ظاهر نصّ الشافعي في المختصر

(4)

.

وقال النووي

(5)

: الحلُّ أصحُّ دليلًا.

وحكى البيهقي في "المعرفة"

(6)

عن الشافعي

(7)

: أنه قال في قول ابن عباس: كُلْ ما أصميتَ ودع ما أنميت. معنى ما أصميت: ما قتله الكلب وأنت تراه؛ وما أنميت: ما غاب عنك مقتله.

قال: وهذا لا يجوز عندي غيره إلا أن يكون جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم

(1)

(3/ 79).

(2)

في الشرح الكبير (12/ 18).

(3)

في الشرح الكبير (12/ 34).

(4)

حكاه عنه الرافعي في الشرح الكبير (12/ 34).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 79).

(6)

في "معرفة السنن والآثار"(13/ 449) رقم (1880).

(7)

في الأم (3/ 595).

ص: 88

فيه شيء فيسقط كل شيء خالف أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا يقوم معه رأي ولا قياس.

قال البيهقي: وقد ثبت الخبر: يعني المذكور في الباب فينبغي أن يكون هو قول الشافعي.

وقد استدلّ بما في الباب على أن الرامي لو أخر طلب الصيد عقب الرمي إلى أن يجده أنه يحلّ بالشروط المتقدمة ولا يحتاج إلى استفصال عن سبب غيبته عنه.

قوله: (فيقتفي أثره) بفاء ثم مثناة تحتية ثم قاف ثم مثناة فوقية ثم فاء: أي يتبع قفاه حتى يتمكن منه.

قوله: (اليومين والثلاثة) فيه زيادة على الرواية التي قبلها، وهي قوله:"بعد يوم أو يومين"، وفي الرواية الآخرة:"فيغيب عنه الليلة والليلتين".

[الباب السادس] بابُ النَّهْي عَنِ الرَّمْي بالبُنْدُقِ وما في معناهُ

20/ 3627 - (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ المُغَفَّلِ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الخَذْفِ وَقال: "إنَّهَا لا تَصِيدُ صَيْداً وَلا تَنْكأُ عَدُوًّا وَلَكنَّها تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقأُ العَيْنَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

21/ 3628 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ قَتَلَ عُصْفُوراً بِغَيْرِ حَقِّهِ سألَهُ الله عَنْهُ يَوْمَ القيامَةِ"، قِيلَ: يا رَسُولَ الله وَمَا حَقُّهُ؟ قال: "أنْ تَذْبَحهُ وَلا تأخُذَ بِعُنُقِهِ فَتَقْطَعَهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَالنَّسائيُّ)

(3)

. [ضعيف]

(1)

أحمد في المسند (4/ 86)، (5/ 54، 57) والبخاري رقم (6220) ومسلم رقم (55/ 1954). وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (2/ 166).

(3)

في سننه رقم (4349). إسناده ضعيف لجهالة صهيب الحذاء، وباقي رجاله ثقات، رجال الصحيح. والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 89

22/ 3629 - (وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَدِيّ بْنِ حاتمٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَخَزَقْتَ فَكُلْ، وَإنْ لَمْ تخْزقْ فَلا تأكُلْ، وَلا تأكُلْ مِنَ المِعْرَاضِ إلَّا ما ذَكيْتَ، وَلا تأكُلْ مِنَ البُنْدُقَةِ إلا ما ذَكَّيْتَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَهْوَ مُرْسَلٌ. إبْرَاهِيمُ لَمْ يَلْقَ عَدِيًّا). [صحيح لغيره دون قوله: "ولا تأكل

ذكيت"]

حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضاً الحاكم

(2)

وصححه، وأعله ابن القطان

(3)

بصهيب مولى ابن عباس الراوي عن عبد الله فقال: لا يعرف حاله.

وله طريق أخرى عند الشافعي

(4)

وأحمد

(5)

والنسائي

(6)

وابن حبان

(7)

عن عمرو بن الشرّيد عن أبيه مرفوعاً: "من قتل عصفوراً عبثًا عجّ إلى الله يوم القيامة يقول: يا ربّ إن فلاناً قتلني عبثًا ولم يقتلني منفعة"، وقد تقدم

(8)

ذكر هذا الحديث.

وحديث عديّ المذكور في الباب وإن كان مرسلاً كما ذكره لكن معناه

(1)

في المسند (4/ 380).

إسناده ضعيف لانقطاعه ما بين إبراهيم - وهو النخعي - وعديِّ بن حاتم. وقد انفرد الأعمش في هذه الرواية بزيادة: "ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت".

• وعلق البخاري في صحيحه (9/ 603 رقم الباب (2) - مع الفتح) في المقتولة بالبندقة عن ابن عمر بصيغة الجزم، حيث قال:"وقال ابن عمر في المقتولة بالبندقة: تلك الموقوذة". ووصله البيهقي في السنن الكبرى (9/ 249) من طريق أبي عامر العقدي، عن زهير - هو ابن محمد - عن زيد بن أسلم، عنه. وهو أثر صحيح. وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره دون قوله: "ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت".

(2)

في المستدرك (4/ 233) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(3)

في "الوهم والإيهام"(4/ 590 - 591) حيث قال: وصهيب هذا، هو الحذاء مولى عبد الله بن عامر، لا تعرف حاله، ولا راوٍ عنه إلا عمرو بن دينار.

(4)

في المسند (ج 2 رقم 599 - ترتيب).

(5)

في المسند (4/ 389).

(6)

في سننه رقم (4446).

(7)

في صحيحه رقم (5894). وهو حديث ضعيف.

(8)

تقدم.

ص: 90

صحيح ثابت عن عديّ في الصحيحين

(1)

كما تقدم.

قوله: (نهى عن الخذف)

(2)

بالخاء المعجمة، وآخره فاء، وهو الرمي بحصاة أو نواة بين سبابتيه أو بين الإبهام والسبابة، أو على ظاهر الوسطى وباطن الإبهام.

وقال ابن فارس

(3)

: خذفتَ الحصاة: رميتها بين أصبعيك.

وقيل في حصا الخذف

(4)

: أن تجعل الحصاة بين السبابة من اليمنى والإبهام من اليسرى ثم تقذفها بالسبابة من اليمنى.

وقال ابن سيده

(5)

: خذف بالشيء يخذف، قال: والمخذفة: التي يوضع فيها الحجر ويرمي بها الطير، ويطلق على المقلاع أيضًا. قاله في الصحاح

(6)

.

والمراد بالبندقة المذكورة في ترجمة الباب هي التي تتخذ من طين وتيبس فيرمى بها.

قال ابن عمر

(7)

في المقتولة بالبندقة: تلك الموقوذة.

وكرهه سالم (8)، والقاسم

(8)

، ومجاهد، وإبراهيم

(9)

، وعطاء، والحسن

(10)

. كذا في البخاري

(11)

.

وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم (8) بن عبد الله بن عمر، والقاسم (8) بن

(1)

البخاري رقم (5477) ومسلم رقم (1/ 1929).

(2)

النهاية (1/ 476).

(3)

"مقاييس اللغة" له ص 290.

(4)

انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (7/ 327).

(5)

في "المحكم والمحيط الأعظم"(5/ 160).

(6)

الصحاح للجوهري (4/ 1347 - 1348).

(7)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 249) عنه، وهو أثر صحيح تقدم قريبًا.

(8)

سالم: هو ابن عبد الله بن عمر. والقاسم: هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق.

أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 378) عن عبد الوهاب الثقفي، عن عبيد الله بن عمر، عنهما أنهما كانا يكرهان البندقة إلا ما أدركت ذكاته.

(9)

أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 378) عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: "إذا قتل الحجر فلا تأكل".

(10)

أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 379) عن عبد الأعلى، عن هشام عن الحسن قال: إذا رمى الرجل الصيد بالحجر بالحادقة فلا تأكله إلا أن تدرك ذكاته.

(11)

في صحيحه (9/ 603 رقم الباب (2) - مع الفتح).

ص: 91

محمد بن أبي بكر أنهما كانا يكرهان البندقة إلا ما أدركت ذكاته.

قوله: (إنها لا تصيد صيداً) قال المهلب

(1)

: أباح الله الصيد على صفة فقال: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}

(2)

، وليس الرمي بالبندقة ونحوها من ذلك، وإنما هو وقيذ. وأطلق الشارع أن الخذف لا يصاد به.

وقد اتفق العلماء إلا من شذّ منهم على تحريم أكل ما قتلته البندقة والحجر، وإنما كان كذلك لأنَّه يقتل الصيد بقوّة رامية لا بحدّه. كذا في الفتح

(3)

.

قوله: (ولا تنكأ عدوًّا) قال عياض

(4)

: الرواية بفتح الكاف، وبهمزةٍ في آخره وهي لغة، والأشهر بكسر الكاف بغير همز.

وقال

(5)

في شرح مسلم: لا تنكأ بفتح الكاف مهموزاً، وروي لا تنكي بكسر الكاف وسكون التحتانية وهو أوجه؛ لأن المهموز نكأت القرحة، وليس هذا موضعه فإنه من النكاية، لكن قال في العين

(6)

: [نكأه]

(7)

لغة في نكيت، فعلى هذا تتوجه هذه الرواية، قال: ومعناه المبالغة في الأذى.

وقال ابن سيده

(8)

: نكى العدوّ نكاية: أصاب منه، ثم قال: نكأت العدو أنكؤهم: لغة في نكيتهم، فظهر أن الرواية صحيحة ولا معنى لتخطئتها.

وأغرب ابن التين

(9)

فلم يعرّج على الرواية التي بالهمز أصلاً بل شرحه على التي بكسر الكاف بغير همز، ثم قال: ونكأت القرحة بالهمز.

قوله: (ولكنها تكسر السنّ) أي: الرمية، وأطلق السنّ ليشمل سنّ المرمي وغيره من آدمي وغيره.

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 607).

(2)

سورة المائدة، الآية:(94).

(3)

(9/ 607).

(4)

في "المشارق" له (2/ 12).

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 393 - 394).

(6)

للخليل الفراهيدي ص 987.

(7)

في المخطوط (ب): (نكأت).

(8)

في "المحكم والمحيط الأعظم"(7/ 91).

(9)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 608).

ص: 92

قوله: (وتفقأ العين) قد تقدم ضبطه وتفسيره، وأطلق العين لما ذكرنا في السنّ.

قوله: (بغير حقِّه) فيه دليل: على تحريم قتل العصفور وما شاكله لمجرّد العبث وعلى غير الهيئة المذكورة، ولأن تعذيب الحيوان قد ورد النهي عنه في غير حديث.

قوله: (فخزقت فَكُلْ) فيه: أن الخزق شرط الحلّ، وقد تقدم؛ وكذلك تقدم الكلام على المعراض.

* * *

ص: 93

[ثالثاً] أبواب الذبح

[الباب الأول] بابُ الذبح وما يجب له وما يستحب

1/ 3630 - (عَنِ عَليّ بْنِ أبي طالبٍ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَعَنَ الله مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ الله، وَلَعَنَ الله مَنْ آوَى مُحْدِثاً، وَلَعَنَ الله مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ الله مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الأرْضِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وَالنَّسائيُّ)

(3)

. [صحيح]

2/ 3631 - (وَعَنْ عائِشَةَ: أنَّ قَوْماً قالُوا: يا رَسُولُ الله إنَّ قَوْما يأتُونَنا باللَّحْمِ لا نَدْرِي أذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ أمْ لا؟ فَقالَ: "سَمُّوا عَلَيْهِ أنْتُمْ وكُلُوا"، قال: وكانُوا حَدِيثي عَهْدٍ بالكُفْرِ. رَوَاهُ البُخارِيُّ

(4)

وَالنَّسائيُّ

(5)

وابْنُ ماجَهْ

(6)

. [صحيح]

وَهُوَ دَلِيلٌ على أنَّ التَّصرُّفاتِ وَالأفْعالَ تُحْمَلُ على حالِ الصِّحَّةِ وَالسَّلامَةِ إلى أنْ يَقُومَ دَلِيلُ الفَسادِ).

3/ 3632 - (وَعَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ عَنْ أبِيه: أنَّهُ كانَتْ لَهُمْ غَنمٌ تَرْعَى بِسَلْعَ، فأبْصَرَتْ جارِيةٌ لَنا بِشاةٍ مِنْ غَنَمِنا مَوْتاً، فَكَسَرَتْ حَجَراً فَذَبَحَتْها بِهِ، فَقالَ لَهُمْ: لا تأكُلُوا حتَّى أسألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أوْ أُرْسِلَ إلَيْهِ مَنْ يَسألُهُ عَنْ ذلكَ وأنَّهُ سألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلكَ أوْ أرْسَلَ إِلَيْهِ فأمَرَهُ بأكْلِها. رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

(1)

في المسند (1/ 108).

(2)

في صحيحه رقم (44/ 1978).

(3)

في صحيحه رقم (4422). وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (5507).

(5)

في سننه رقم (4436).

(6)

في سننه رقم (3174). وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (3/ 454).

ص: 94

وَالبُخارِيُّ

(1)

، قالَ: وَقالَ عُبَيدُ اللهِ: يُعْجِبُنِي أنَّها أمَةٌ وأنَّها ذَبَحَتْ بِحَجَرٍ). [صحيح]

4/ 3633 - (وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ: أنَّ ذِئْباً نَيَّبَ فِي شاةٍ فَذَبَحُوها بِمَرْوَةٍ، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي أكْلِها. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَالنَّسائيُّ

(3)

وَابْنُ ماجَهْ)

(4)

. [صحيح لغيره]

5/ 3634 - (وَعَنْ عَدِيّ بْنِ حاتمٍ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله إنا نَصِيد فَلا نَجِدُ سِكِّيناً إلَّا الظَّرَارَ وَشِقَّةَ العَصَا، فَقالَ: "أمِرَّ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ وَاذْكُرِ اسْمَ الله عَلَيْهِ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

(5)

. [صحيح]

حديث زيد بن ثابت [رجاله رجال الصحيح إلا حاضر بن المهاجر فقيل: هو مجهول، وقيل: مقبول. و]

(6)

قد أخرج معناه أحمد

(7)

والبزار

(8)

والطبراني في الأوسط

(9)

عن ابن عمر بإسناد صحيح.

وحديث عديّ بن حاتم أخرجه أيضاً الحاكم

(10)

وابن حبان

(11)

، ومداره

(1)

في صحيحه رقم (5501). وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (5/ 184).

(3)

في سننه رقم (4400).

(4)

في سننه رقم (3176). وهو حديث صحيح لغيره.

(5)

أحمد في المسند (4/ 256) وأبو داود رقم (2824) والنسائي رقم (4402) وابن ماجه رقم (3177). وهو حديث صحيح.

(6)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب) والمثبت من المخطوط (أ).

(7)

في المسند (2/ 12).

(8)

في المسند رقم (1223 - كشف).

(9)

في المعجم الأوسط رقم (7371). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 33) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح". وهو حديث صحيح.

(10)

في المستدرك (4/ 240) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي.

(11)

في صحيحه رقم (332).

ص: 95

على سماك بن حرب عن مري بن قطري

(1)

عنه.

قوله: (لعن الله من ذبح لغير الله) المراد به أن يذبح [لغير الله]

(2)

تعالى، كمن ذبح للصنم، أو الصليب، أو لموسى، أو لعيسى عليهما السلام أو للكعبة، ونحو ذلك، فكلُّ هذا حرام، ولا تحلُّ هذه الذبيحة، سواء كان الذابح مسلماً أو كافراً.

وإليه ذهب الشافعي وأصحابه

(3)

، فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى، والعبادة له، كان ذلك كفراً، فإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتدًّا.

وذكر الشيخ إبراهيم المروزي

(4)

من أصحاب الشافعي: أنَّ ما يذبح عند استقبال السلطان تقرّباً إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه؛ لأنَّه مما أهلّ به لغير الله.

قال الرافعي

(5)

: هذا إنما يذبحونه استبشاراً بقدومه، فهو كذبح العقيقة لولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم.

قوله: (محدثاً) بكسر الدال، هو من يأتي لما فيه فساد في الأرض من جناية على غيره، أو غير ذلك، والمؤوي له: المانع له من القصاص ونحوه. ولعن الوالدين من الكبائر. وتخوم الأرض

(6)

- بالتاء المثناة من فوق، والخاء المعجمة -: وهي الحدود، والمعالم، وظاهره العموم في جميع الأرض، وقيل: معالم الحرم خاصة، وقيل: في الأملاك، وقيل: أراد المعالم التي يهتدي بها في الطرقات.

(1)

سماك بن حرب، حسن الحديث إلا في روايته عن عكرمة، فإنها مضطربة، وهو من رجال مسلم، وروى له البخاري تعليقًا.

وشيخه مُرَي - بالتصغير - بن قَطَري - بفتحتين وكسر الراء مخففًا - لم يوثقه غير ابن حبان في "الثقات"(5/ 459). وقال الذهبي: لا يعرف، تفرد عنه سماك.

(2)

في المخطوط (ب): (باسم غير الله).

(3)

المجموع شرح المهذب (9/ 88 - 89) والشرح الكبير (12/ 84).

(4)

ذكره الرافعي في الشرح الكبير (12/ 84) والنووي في شرح صحيح مسلم (13/ 141).

(5)

في الشرح الكبير (12/ 85).

(6)

النهاية (1/ 184) والفائق (1/ 149).

ص: 96

قوله: (إنَّ قوماً قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم) قال في الفتح

(1)

: لم أقف على تعيينهم.

قوله: (فقال: سمُّوا عليه أنتم) قال المهلب

(2)

: هذا الحديث أصل في أن التسمية ليست فرضًا، فلما نابت تسميتهم عن التسمية على الذبح دلَّ على أنها سنة؛ لأن السنة لا تنوب عن [فرض]

(3)

، هذا على أن الأمر في حديث عديّ وأبي ثعلبة محمول على التنزيه، من أجل أنَّهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية فعلمهما النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر الصيد والذبح، فرضه ومندوبه، لئلا يوافقا شبهة في ذلك، وليأخذا بأكمل الأمور.

وأما الذين سألوا عن هذه الذبائح فإنهم سألوا عن أمر قد وقع لغيرهم فعرفهم بأصل الحلّ فيه.

وقال ابن التين

(4)

: يحتمل أن يراد التسمية هنا عند الأكل، وبذلك جزم النووي

(5)

.

قال ابن التين (4): وأما التسمية على ذبح تولاه غيرهم فلا تكليف عليهم فيه وإنما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها، ويحتمل أن يريد أن تسميتكم الآن تستبيحون بها أكل ما لم تعلموا: اذكروا اسم الله عليه أم لا؟ إذا كان الذابح ممن تصحّ ذبيحته إذا سمى.

ويستفاد منه: أنَّ كلَّ ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين، لأنَّ الغالب أنهم عرفوا التسمية، وبهذا الأخير جزم ابن عبد البّر فقال: إن ما ذبحه المسلم يؤكل، ويحمل على أنَّه سمَّى، لأن المسلم لا يظنّ به في كل شيءٍ إلا الخير حتى يتبين خلاف ذلك، وعكس هذا الخطابي

(6)

فقال: فيه دليل على أنَّ التسمية غير شرط على الذبيحة، لأنها لو كانت شرطاً لم تستبح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه، كما لو عرض الشكُّ في نفس الذبيحة فلم يعلم هل وقعت الذكاة المعتبرة أم لا؟

(1)

(9/ 635).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 635).

(3)

في المخطوط (ب): (الفرض).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 635).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 74).

(6)

في معالم السنن (3/ 254 - مع السنن).

ص: 97

وهذا هو المتبادر من سياق الحديث، حيث وقع الجواب فيه: سموا أنتم، كأنه قيل لهم: لا تهتموا بذلك بل الذي يهمُّكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا، وهذا من الأسلوب الحكيم، كما نبه عليه الطيبي

(1)

.

ومما يدلّ على عدم الاشتراط قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}

(2)

فأباح الأكل من ذبائحهم مع وجود الشكّ في أنهم سمُّوا أم لا.

قوله: (وكانوا حديثي عهد بالكفر) في رواية لمالك

(3)

: "وذلك في أوائل الإسلام"، وقد تعلق بهذه الزيادة قوم فزعموا أن هذا الجواب كان قبل نزول قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}

(4)

، قال ابن عبد البّر

(5)

: وهو تعلق ضعيف.

وفي الحديث نفسه ما يردّه لأنَّه أمرهم فيه بالتسمية عند الأكل، فدلّ على أن الآية كانت نزلت بالأمر بالتسمية.

وأيضاً فقد اتفقوا؛ على أن الأنعام مكية، وأنَّ هذه القصة جرت بالمدينة، وأنَّ الأعراب المشار إليهم في الحديث هم بادية أهل المدينة.

قوله: (جارية) في رواية

(6)

: "أمة"، وفي رواية

(7)

: "امرأةٍ"، ولا تنافي بين الروايات، لأن الرواية الأخيرة أعمُّ، فيؤخذ بقول من زاد في روايته صفةً وهي كونها أمةً.

قوله: (فأمره بأكلها) فيه دليل: على أنها تحلّ ذبيحة المرأة، وإليه ذهب الجمهور

(8)

.

(1)

في شرحه على المشكاة (8/ 97).

(2)

سورة المائدة، الآية:(5).

(3)

في "الموطأ"(2/ 488) رقم (1).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2829) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 239) من طريق حماد بن سلمة، وجعفر بن عون، كلاهما عن هشام به مرسلًا. والخلاصة: أن هذا مرسل صحيح الإسناد.

وقد وصله البخاري في "صحيحه" رقم (2057) و (5507) و (7398) من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به.

(4)

سورة الأنعام، الآية:(121).

(5)

التمهيد (10/ 320 - الفاروق).

(6)

عند البخاري رقم (5505).

(7)

عند البخاري رقم (5504).

(8)

الفتح (9/ 632).

ص: 98

وقد نقل محمد بن عبد الحكم عن مالك كراهته

(1)

، وفي "المدوّنة"

(2)

جوازه.

وفي وجه للشافعية يكره ذبح المرأة الأضحية.

وعند سعيد بن منصور بسند صحيح عن إبراهيم النخعي أنه قال في ذبيحة المرأة والصبيّ: لا بأس إذا أطاق الذبيحة وحفظ التسمية.

وفيه جواز ما ذبح بغير إذن مالكه، وإليه ذهب الجمهور

(3)

، وخالف في ذلك طاوس، وعكرمة، وإسحاق [وأهل الظاهر

(4)

]

(5)

، وإليه جنح البخاري.

ويدلّ لما ذهبوا إليه: ما أخرجه أحمد

(6)

وأبو داود

(7)

بسند قويّ من طريق عاصم بن كليب عن أبيه في قصة الشاة التي ذبحتها المرأة بغير إذن صاحبها، فامتنع النبيّ صلى الله عليه وسلم من أكلها لكنه قال:"أطعموها الأسارى"، ولو لم تكن مذكاة لما أمر بإطعام الأسارى لأنَّه لا يبيح لهم إلا ما يحلّ.

قوله: (فذبحوها بمروة) أي بحجر أبيض

(8)

، وقيل: هو الذي تقدح منه النار.

قوله: (إلا الظرار) بالمعجمة، بعدها راءان مهملتان بينهما ألف [جمع]

(9)

ظرر: [وهي الحجارة، كذا في النهاية

(10)

]

(11)

. قال في القاموس

(12)

: الظرّ

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 632).

(2)

المدونة (2/ 67).

وانظر: "التسهيل"(3/ 1029).

(3)

الفتح (9/ 632).

(4)

المحلى (7/ 457).

(5)

في المخطوط (ب): (الظاهرية).

(6)

في المسند (5/ 294).

(7)

في سننه رقم (3332).

وهو حديث صحيح.

(8)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 654) المَرْوة: حجزٌ أبيض براق. وقيل: هي التي تقدح منها النار.

وانظر: "المجموع المغيث"(3/ 201).

(9)

في المخطوط (ب): (والجمع).

(10)

النهاية (2/ 139) حيث قال: وهو حجر صَلْب محَدَّد، ويجمع أيضًا على أظِرّة.

(11)

في المخطوط (أ): (كذا في النهاية وهي الحجارة).

(12)

القاموس المحيط ص 556.

ص: 99

بالكسر والظرر الظررة: الحجر، أو المدوَّر المحدّد منه، الجمع: ظُرَّارٌ وظِرَّارٌ.

قال: والمظرة بالكسر: الحجر تقدح به النار، وبالفتح: كسر الحجر ذي الحدّ.

قوله: (وشقة العصا) بكسر الشين المعجمة؛ أي: ما يشقّ منها ويكون محدّدًا.

قوله: (أَمِرِ الدم)

(1)

بفتح الهمزة، وكسر الميم، وبالراء مخففة من أمار الشيء ومار: إذ جرى، وبكسر الهمزة، وسكون الميم من مَرَى الضرع: إذا مسحه ليدرّ.

قال الخطابي

(2)

: المحدّثون يروونه بتشديد الراء وهو خطأ، إنما هو بتخفيفها من: مريت الناقة إذا حلبتها.

قال ابن الأثير: ويروى أمرر براءين [مظهرين]

(3)

من غير إدغام، وكذا في التلخيص

(4)

: أنه براءين مهملتين، الأولى مكسورة. ثم نقل كلام الخطابي.

قال: وأجيب بأن التثقيل لكونه أدغم إحدى الراءين في الأخرى على الرواية الأولى.

6/ 3635 - (وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله إنَّا نَلْقَى العَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَ مَعَنا مُدًى، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ما أنْهَرَ الدمَ وَذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ فَكُلُوا ما لَمْ يَكنْ سِنًّا أوْ ظُفْرًا، وَسأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذلكَ: أمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وأمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ"، رَوَاهُ الجمَاعَةُ)

(5)

. [صحيح]

7/ 3636 - (وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أوْسٍ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إن الله كَتَبَ الإحْسانَ على كُلِّ شَيْءٍ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإذَا ذَبَحْتُمْ فأَحْسِنُوا الذَّبْحَ،

(1)

النهاية (2/ 653).

(2)

غريب الحديث له (3/ 284) ومعالم السنن (3/ 250).

(3)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

"التلخيص الحبير"(4/ 244 - 245).

(5)

أحمد في المسند (3/ 463) والبخاري رقم (5498) ومسلم رقم (20/ 1968) وأبو داود رقم (2821) والترمذي رقم (1491) والنسائي رقم (4404) وابن ماجه رقم (3178).

وهو حديث صحيح.

ص: 100

وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَليُرِحْ ذَبِيحتهُ"، روَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وَالنَّسائيُّ

(3)

وَابْنُ ماجَهْ)

(4)

. [صحيح]

8/ 3637 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ أنْ تُحَدَّ الشفارُ وأنْ تُوَارَى عَنِ البَهائمِ، وَقالَ:"إذَا ذَبَحَ أحَدُكُمْ فلْيُجْهِزْ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَابْنُ ماجَهْ)

(6)

. [ضعيف]

9/ 3638 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بُدَيْلَ بْنَ وَرْقاءَ الخُزَاعِيَّ على جَمَلٍ أوْرَقَ يَصِيحُ فِي فِجاجِ مِنًى: ألَا إنَّ الذَّكاةَ فِي الحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَلَا تَعْجُلُوا الأنْفُسَ أنْ تَزْهَقَ، وأيَّامُ مِنًى أيَّامُ أكْل وَشُرْبٍ وَبِعالٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ)

(7)

. [إسناده ضعيف]

حديث ابن عمر في إسناده عند ابن ماجه ابن لهيعة، وفيه مقال معروف، ويشهد له الحديث الذي قبله.

(1)

في المسند (4/ 123).

(2)

في صحيحه رقم (57/ 1955).

(3)

في سننه رقم (4405).

(4)

في سننه رقم (3170).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (2/ 108).

(6)

في سننه رقم (3172).

إسناده ضعيف، لضعف ابن لهيعة، وهو عبد الله، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.

قلت: وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير رقم (13144) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 280) من طريقين، عن ابن لهيعة، به.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(7)

في السنن (4/ 283) رقم (45).

وفيه: "سعيد بن سَلَّام العطار" كذبه ابن نُمير، وقال البخاري: يُذكَرُ بوضع الحديث، وقال النَّسَائِي: بصري ضعيف، وقال أحمد بن حنبل: كذاب، وقال الدارقطني: يُحدِّث بالبواطيل متروك.

[التاريخ الكبير (2/ 481) والجرح والتعديل (2/ 1/ 31 - 32) والمجروحين (1/ 321) و"الضعفاء والمتروكون" للدراقطني رقم (269)].

وخلاصة القول: أن إسناده ضعيف، والله أعلم.

ص: 101

وحديث أبي هريرة في إسناده سعيد بن سلام العطار

(1)

، قال أحمد: كذّاب. وقد تقدم ما يشهد له

(2)

في صلاة العيد.

قوله: (إنا نلقى العدوّ غدًا) لعلَّه عرف ذلك بخبرٍ، أو بقرينة.

قوله: (وليس معنا مُدى)

(3)

بضم الميم مخفف مقصور جمع مدية بسكون الدال بعدها تحتانية؛ وهي السكين سميت بذلك لأنها تقطع مدى الحيوان، أي: عمره، والرابط بين قوله:"نلقى العدوّ وليس معنا مدى"، يحتمل أن يكون مراده أنهم إذا لقوا العدوّ صاروا بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه، ويحتمل أن يكون مراده أنهم يحتاجون إلى ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدوّ إذا لقوه.

قوله: (ما أنهر الدم)

(4)

أي: أسأله، وصبَّه بكثرةٍ: شبهه بجري الماء في النهر.

قال عياض

(5)

: هذا هو المشهور في الروايات بالراء، وذكره أبو ذرّ بالزاي وقال: النهز بمعنى الدفع وهو غريب، و (ما) موصولة في موضع رفع بالابتداء، وخبرها: فكلوا، والتقدير: ما أنهر الدم فهو حلال، فكلوا.

ويحتمل أن تكون شرطية. ووقع في رواية إسحاق عن الثوري: "كلُّ ما أنهر الدم ذكاة"

(6)

، و (ما) في هذا موصوفة.

قوله: (وذكر اسم الله عليه) فيه دليل على اشتراط التسمية: لأنَّه علق الإذن بمجموع الأمرين وهما: الإِنهار والتسمية، والمعلق على شيئين لا يكتفي فيه إلا باجتماعهما وينتفي بانتفاء أحدهما، وقد تقدم الكلام على ذلك.

قوله: (وسأحدثكم) اختلف في هذا: هل هو من جملة المرفوع أو مدرج؟.

(1)

تقدم الكلام عليه في التعليقة السابقة.

(2)

قلت: والحديث الصحيح في هذا الباب حديث شداد بن أوس عند مسلم رقم (57/ 1955) ولفظه: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدَّ أحدكم شفرته، فليرُح ذبيحته".

(3)

النهاية (2/ 643).

(4)

النهاية (2/ 810) والفائق (4/ 33) وغريب الحديث للهروي (2/ 55).

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 416).

(6)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 4 رقم 4380).

ص: 102

قوله: (أمَّا السنّ فعظم) قال البيضاوي

(1)

: هو قياس [حذفت]

(2)

منه المقدمة الثانية لشهرتها عندهم، والتقدير: أما السنّ فعظم، وكلُّ عظم لا يحلّ الذبح به: وطوي النتيجة لدلالة الاستثناء عليها.

وقال ابن الصلاح في "مشكل الوسيط"

(3)

: هذا يدلّ على أنه عليه السلام كان قد قرّر كون الذكاة لا تحصل بالعظم، فلذلك اقتصر على قوله:"فعظم".

قال: ولم أر بعد البحث من نقل للمنع من الذبح بالعظم معنى يعقل، وكذا وقع في كلام ابن عبد السلام

(4)

.

وقال النووي

(5)

: معنى الحديث: لا تذبحوا بالعظام، فإنها تنجس بالدم.

وقد نهيتم عن تنجيسها؛ لأنها زاد إخوانكم من الجنّ.

وقال ابن الجوزي في "المشكل"

(6)

: هذا يدلّ على أن الذبح بالعظم كان معهودًا عندهم أنه لا يجزي وقرّرهم الشارع على ذلك.

قوله: (وأما الظفر فمُدى الحبشة) أي: وهم كفار. وقد نهيتم عن التشبه بهم، قاله ابن الصلاح

(7)

وتبعه النووي

(8)

.

وقيل: نُهيَ عنهما؛ لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان، ولا يقع به غالبًا إلا الخنق الذي هو على صورة الذبح.

واعترض على الأوَّل: بأنه لو كان كذلك لامتنع الذبح بالسكين وسائر ما يذبح به الكفار.

وأجيب: بأن الذبح بالسكين هو الأصل.

وأما ما يلتحق بها فهو الذي يعتبر فيه التشبه، ومن ثم كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين.

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 628).

(2)

في المخطوط (ب): (حذف).

(3)

وهو حاشية على "الوسيط"(7/ 112).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 629).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 124 - 125).

(6)

في "المشكل"(2/ 184).

(7)

كما في "الفتح"(9/ 629).

(8)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 125).

ص: 103

وروي عن الشافعي

(1)

أنه قال: السنّ إنما يذكى بها إذا كانت منتزعة، فأما وهي ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة، يعني فدلّ على عدم جواز التذكية بالسنّ المنتزعة بخلاف ما نقل عن الحنفية

(2)

من جوازه بالسنّ المنفصلة.

قال: وأما الظفر فلو كان المراد به ظفر الإِنسان لقال فيه ما قال في السنّ، لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة وهو لا يقوي فيكون في معنى الخنق.

قوله: (فأحسنوا القتلة) بكسر القاف وهي الهيئة والحالة.

قوله: (فأحسنوا الذَّبح) قال النووي في شرح مسلم

(3)

: وقع في كثير من النسخ أو أكثرها: "فأحسنوا الذبح" بفتح الذال بغير هاء، وفي بعضها:"الذِبحة" بكسر الذال وبالهاء كالقتلة، وهي الهيئة والحالة.

قوله: (وليحدَّ)

(4)

بضم الياء يقهال: أحدَّ السكين، وحدّدها، واستحدّها بمعنى، "وليرح ذبيحته" باحداد السكين وتعجيل إمرارها وغير ذلك.

قوله: (وأن توارى عن البهائم) قال النووي

(5)

: يستحب أن لا يحدَّ السكين بحضرة الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى، ولا يجرّها إلى مذبحها.

قوله: (فليجهز) بالجيم والزاي: أي يسرع الذبح.

قوله: (واللبة)

(6)

هي المنحر من البهائم وهي بفتح اللام وتشديد الموحدة.

قوله: (ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق) بزاي، أي: لا تشرعوا في شيء من الأعمال المتعلقة بالذبيحة قبل أن تموت.

10/ 3639 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ قالا: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطانِ وَهِيَ الَّتِي تُذْبَحُ فيُقْطَعُ الجِلْدُ ولَا تُفْرَى الأوْدَاجُ. رَوَاهُ

(1)

"روضة الطالبين"(3/ 243) والأم (3/ 614) والبيان للعمراني (4/ 529).

(2)

مختصر اختلاف العلماء (3/ 208) رقم (1307).

والاختيار (5/ 485).

(3)

(13/ 107).

(4)

النهاية (1/ 346)، الفائق (1/ 265).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 107).

(6)

النهاية (2/ 580) والفائق (3/ 294) وغريب الحديث للخطابي (3/ 218).

ص: 104

أبُو دَاوُدَ)

(1)

. [ضعيف]

11/ 3640 - (وَعَنْ أسَماءَ ابْنَةِ أبي بَكْرٍ قالَتْ: نَحَرْنا على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَرَسًا فأكَلْناهُ. مُتَّفَق عَلَيْهِ)

(2)

. [صحيح]

12/ 3641 - (وَعَنْ أبي العُشَرَاءِ عَنْ أبِيه قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله، أمَا تَكُونُ الذَّكاةُ إلَّا فِي الحَلْقِ وَاللَّبَّةِ؟ قال:"لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِها لأجْزأكَ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ

(3)

. [ضعيف]

وَهَذَا فِيما لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ).

13/ 3642 - (وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ إِبِل القَوْمِ ولَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ، فَرَماهُ رَجُل بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ، فَقالَ

(1)

في سننه رقم (2826).

قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (5888) والحاكم (4/ 113) والبيهقي (9/ 278) وأحمد في المسند (1/ 289) من طرق، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر عن عمرو بن عبد الله عن عكرمة، عن ابن عباس، وأبي هريرة. وزاد الحاكم: قال ابن المبارك: والشريطة: أن يخرج الروح منه بشرط من غير قطع الحلقوم. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عمرو بن عبد الله - وهو: ابن الأسوار اليماني -، وقد ضُعِّفَ؛ كما قال الذهبي في "الكاشف" - رقم الترجمة (4246) - ولم يوثقه من المشهورين أحد سوى ابن حبان!

وقال الحافظ - في "التقريب" رقم الترجمة (5060) -: صدوق فيه لين. وبه أعله المنذري، فقال:"وقد تكلم فيه غير واحد".

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(2)

أحمد في المسند (6/ 345، 346، 353) والبخاري رقم (5519) ومسلم رقم (38/ 1942).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (4/ 334) وأبو داود رقم (2825) والترمذي رقم (1481) والنسائي رقم (4408) وابن ماجه رقم (3184).

قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث".

وهو حديث ضعيف. انظر: الإرواء رقم (2535).

ص: 105

رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِهَذهِ البَهائمِ أوَابِدَ كأوَابِدِ الوَحْشِ، فَمَا فَعَلَ مِنْها هَذَا فافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا"، رَوَاهُ الجَماعَةُ)

(1)

. [صحيح]

حديث ابن عباس وأبي هريرة قال المنذري

(2)

: في إسناده عمرو بن عبد الله الصنعاني. وقد تكلم فيه غير واحد.

وحديث أبي العشراء قال الترمذي

(3)

: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ولا يعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث.

قال الخطابي

(4)

: وضعفوا هذا الحديث؛ لأن رواته مجهولون، وأبو العشراء لا يدرى من أبوه، ولم يرو عنه غير حماد بن سلمة.

قال في التلخيص

(5)

: وقد تفرّد حماد بن سلمة بالرواية عنه - يعني أبا العشراء - على الصحيح، وهو لا يعرف حاله.

قوله: (عن شريطة الشيطان) أي ذبيحته وهي المذكورة في الحديث، والتفسير ليس في الحديث، بل زيادة رواها الحسن بن عيسى أحد رواته كما صرّح به أبو داود في السنن

(6)

.

قال في النهاية

(7)

: شريطة الشيطان. قيل: هي الذبيحة التي لا يقطع أوداجها، ولا يستقصي ذبحها. وهو من شرط الحجام، وكان أهل الجاهلية يقطعون بعض حلقها ويتركونها حتى تموت، وإنما أضافها إلى الشيطان لأنَّه هو الذي حملهم على ذلك وحسّن هذا الفعل لديهم وسوّله لهم. انتهى.

قوله: (عن أبي العشراء) بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة.

(1)

أحمد في المسند (4/ 140) والبخاري رقم (5498) ومسلم رقم (20/ 1968) وأبو داود رقم (2821) والترمذي رقم (1492) والنسائي رقم (4297) وابن ماجه رقم (3183).

وهو حديث صحيح.

(2)

في "المختصر"(4/ 118).

(3)

في سننه (4/ 75).

(4)

في "معالم السنن " له (3/ 251 - مع السنن).

(5)

في "التلخيص الحبير"(4/ 243).

(6)

في السنن (3/ 252).

(7)

"النهاية"(1/ 856).

وانظر: "الفائق"(2/ 233).

ص: 106

قال أبو داود: [واسمه]

(1)

عطارد بن بكرة، ويقال: ابن قهطم، ويقال: اسمه عطارد بن مالك بن قهطم.

قوله: (لو طعنت في فخذها

إلخ)، قال أهل العلم بالحديث: هذا عند الضرورة كالتردي في البئر وأشباهه.

وقال أبو داود

(2)

بعد إخراجه: هذا لا يصحّ إلا في المتردية والنافرة والمتوحشة.

قوله: (نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا) فيه: أن النحر يجزئ في الخيل كما يجزئ في الإبل.

قال ابن التين

(3)

: الأصل في الإبل النحر، وفي الشاة ونحوها الذبح.

وأما البقر فجاء في القرآن ذكر ذبحها وفي السنة ذكر نحرها.

واختلف في ذبح ما ينحر ونحر ما يذبح، فأجازه، الجمهور

(4)

ومنع منه ابن القاسم.

• قوله: (فندّ بعير)

(5)

أي نفر، وهو بفتح النون وتشديد الدال.

قوله: (فحبسه)

(6)

أي أصابه السهم فوقف.

قوله: (أوابد)

(7)

جمع آبدة، بالمد، وكسر الموحدة، أي: غريبة. يقال: جاء فلان بآبدةٍ؛ أي: بكلمة أو فعلة منفرة، يقال: أبَدت - بفتح الموحدة - تأبد - بضمها، ويجوز الكسر -، ويقال: تأبدت؛ أي: توحشت، والمراد أن لها توحشًا.

وفي الحديث جواز أكل ما رمي بالسهم فجرح في أيِّ موضع

(1)

في المخطوط (ب): (اسمه).

(2)

في السنن (3/ 251 - 252).

(3)

كما في "الفتح (9/ 640).

(4)

الفتح (9/ 640).

(5)

ند: أي شرد وذهب على وجهه.

(6)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(1/ 322).

(7)

غريب الحديث للهروي (2/ 54) والفائق (1/ 18) والنهاية (1/ 29).

ص: 107

كان من جسده بشرط أن يكون وحشيًا، أو متوحشًا، وإليه ذهب الجمهور

(1)

.

وروي عن مالك

(2)

، والليث

(3)

، وسعيد بن المسيب

(4)

، وربيعة: أنه لا يحلّ الأكل لما توحش إلا بتذكية في حلقه أو لبته.

[الباب الثاني] بابُ ذَكاةِ الجَنين بذكاةِ أمِّهِ

14/ 3643 - (عَن أبي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: "فِي الجَنِينِ: ذَكاتُهُ ذَكاةُ أُمِّهِ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَالتِّرْمِذيُّ

(6)

وَابْنُ ماجَهْ

(7)

.

وفِي رِوَايَةٍ قُلْنا: يا رَسُولَ الله نَنْحَرُ النَّاقةَ وَنَذْبَحُ البَقَرَةَ وَالشَّاةَ فِي بَطْنِها الجَنِينُ، أنْلْقِيه أمْ نأكُلُ؟ قالَ:"كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإنَّ ذَكاتَهُ ذَكاةُ أمِّهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(8)

وأبُو دَاوُدَ

(9)

. [صحيح بطرقه وشواهده]

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني

(10)

وابن حبان

(11)

وصححه، وضعفه عبد الحق

(12)

وقال: لا يحتج بأسانيده كلها؛ وذلك لأن في بعضها مجالدًا، ولكن أقلّ أحوال الحديث أن يكون حسنًا لغيره لكثرة طرقه.

(1)

الفتح (9/ 627) والمغني (13/ 291 - 292).

والبيان للعمراني (4/ 555).

(2)

عيون المجالس (2/ 956 رقم 669).

(3)

كما في "المغني"(13/ 292).

(4)

كما في "البيان"(4/ 555).

(5)

في المسند (3/ 31).

(6)

في سننه رقم (1476) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(7)

في سننه رقم (3199).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2827) وابن الجارود رقم (900) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (8650) وابن أبي شيبة رقم (14/ 179) والدارقطني (4/ 273 - 274 رقم 28 و 29) والبيهقي (9/ 335) من طرق عن مجالد، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد الخدري، به.

وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.

(8)

في المسند (3/ 31، 39) وقد تقدم.

(9)

في سننه رقم (2827) وقد تقدم.

(10)

في سننه (4/ 274) رقم (29) وقد تقدم.

(11)

في صحيحه رقم (5889).

(12)

في الأحكام الوسطى (4/ 135).

ص: 108

ومجالد ليس إلا في الطريق التي أخرجها الترمذي

(1)

وأبو داود

(2)

منها.

وقد أخرجه أحمد

(3)

من طريق ليس فيها ضعيف.

والحاكم

(4)

أخرجه من طريق فيها عطية عن أبي سعيد، وعطية فيه لين

(5)

. وقد صححه مع ابن حبان، ابن دقيق العيد

(6)

وحسنه الترمذي

(7)

. وقال: وفي الباب عن عليّ، وابن مسعود، وأبي أيوب، والبراء، وابن عمر، وابن عباس، وكعب بن مالك.

وزاد في التلخيص

(8)

عن جابر، وأبي أمامة، وأبي الدرداء، وأبي هريرة.

أما حديث عليّ فأخرجه الدارقطني

(9)

بإسناد فيه الحارث الأعور

(10)

، [وموسى بن عمر الكوفي]

(11)

وهما ضعيفان.

(1)

في السنن رقم (1476).

(2)

في السنن رقم (2827).

(3)

في المسند (3/ 39) بسند حسن من أجل يونس بن أبي إسحاق، وهو السبيعي، وبقية رجاله ثقات.

(4)

في المستدرك (4/ 114) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولم يذكره الذهبي.

(5)

عطية بن سعيد العوفي الكوفي: ضعيف.

الميزان (3/ 79) والمجروحين (2/ 176) والجرح والتعديل (6/ 382).

(6)

في "الإلمام بأحاديث الأحكام"(2/ 431 - 432) رقم (833).

(7)

في سننه (4/ 72).

(8)

التلخيص الحبير (4/ 288 - 289).

(9)

في السنن (4/ 274 - 275) رقم (33) بسند ضعيف.

(10)

الحارث بن عبد الله الأعور، قال الدارقطني وابن معين: ضعيف.

وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ.

التاريخ الكبير (2/ 273) والمجروحين (1/ 222) والجرح والتعديل (3/ 78) والميزان (1/ 435) والكامل (2/ 186).

(11)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) وهو تحريف، والصواب:(موسى بن عثمان الكوفي).

كما في "الميزان"(4/ 214) رقم (8896) ولسان الميزان (7/ 119 - 120 رقم 8745. ط: إحياء التراث) و"الكامل"(6/ 2348).

• وتحرف في سنن الدارقطني أيضًا: (موسى بن عثمان الكندي).

• قال ابن عدي: "ولموسى بن عثمان غير ما ذكرت وهو من الغالين في جملة أهل الكوفة .. ". اهـ.

• وقال ابن القطان في "الوهم والإيهام"(3/ 582): "فأما موسى بن عثمان الحضرمي، الذي يرويه أيضًا عن أبي إسحاق كذلك فمتروك، وليس بالكندي المذكور".

ص: 109

وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أيضًا الدارقطني

(1)

بسند رجاله ثقات إلا أحمد بن الحجاج بن الصامت فإنه ضعيف جدًّا.

وأما حديث أبي أيوب فأخرجه الحاكم

(2)

وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف

(3)

.

وأما حديث البراء فأخرجه البيهقي

(4)

.

وأما حديث ابن عمر فأخرجه الحاكم

(5)

، والطبراني في الأوسط

(6)

، وابن حبان في الضعفاء

(7)

، وفي إسناده محمد بن الحسن الواسطي، ضعفه ابن حبان وفي بعض طرقه عنعنة محمد بن إسحاق.

(1)

في السنن (4/ 274) رقم (31).

ورجاله رجال الصحيح إلا أن شيخ شيخه أحمد بن الحجاج بن الصلت ذكره الذهبي في "الميزان"(1/ 89) رقم (328) وذكر له حديثًا وأنَّه آفته، والظاهر أنه هو.

وانظر: "التلخيص"(4/ 290) و"نصب الراية" للزيلعي (4/ 190).

(2)

في المستدرك (4/ 114 - 115) وقال: ربما توهم متوهم أن حديث أبي أيوب صحيح، وليس كذلك، ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(7/ 419) من طريق ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى، عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر".

ثم قال: ابن أبي ليلى: سيء الحفظ ثم هو منقطع.

قلت: قد ذكر موصولًا.

(3)

محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة، أحد الفقهاء، ليس بالقوي في الحديث، وقال يحيى القطان: سيئ الحفظ جدًّا.

الجرح والتعديل (7/ 322) والمجروحين (2/ 243) والميزان (3/ 613).

(4)

في السنن الكبرى (9/ 335).

(5)

في المستدرك (4/ 114) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(6)

في الأوسط رقم (7856) وقال: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن إسحاق إلا محمد بن الحسن، تفرد به وهب بن بقية.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 35) وقال: فيه ابن إسحاق وهو ثقة، ولكنه مدلس، وبقية رجاله ثقات.

(7)

في "المجروحين"(2/ 275) وقال: محمد هذا - أي ابن الحسن - يرفع الموقوفات ويسند المراسيل، وإنما هو قول ابن عمر.

ص: 110

وفي بعضها أحمد بن عصام

(1)

وهو ضعيف، وهو في الموطإ

(2)

موقوف وهو أصحّ.

وأما حديث ابن عباس، فرواه الدارقطني

(3)

وفي إسناده [موسى بن عثمان العبدي]

(4)

وهو مجهول.

وأما حديث كعب بن مالك، فأخرجه الطبراني في الكبير

(5)

، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم

(6)

وهو ضعيف.

وأما حديث جابر، فأخرجه الدارمي

(7)

، وأبو داود

(8)

، وفي إسناده عبيد الله بن

(1)

أخرجه الخطيب في كتاب "من روى عن مالك" - كما في البدر المنير (9/ 398) - من حديث أحمد بن عصام، ثنا مالك، عن نافع به ولم يذكر:"إذا أشعر"، ثم قال: هو في "الموطأ"(2/ 391) رقم (8) موقوف، وذلك أصح.

قلت - ابن الملقن -: وأحمد - بن عصام - تكلم فيه الدارقطني. وقال: ضعيف.

قلت: انظر: الميزان (1/ 119) والمغني (1/ 47) ولسان الميزان (1/ 331 - إحياء التراث).

".. وأخرج له في "غرائب مالك" - أي الدارقطني - في ترجمة نافع، عن ابن عمر رفعه: "ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمه". وقال: تفرد برفعه هذا الشيخ وهو في "الموطأ" موقوف". اهـ.

(2)

في "الموطأ"(2/ 391) رقم (8) وهو موقوف صحيح.

(3)

في سننه (4/ 274 - 275) بإثر رقم (33).

وأعله ابن القطان في "الوهم والإيهام"(3/ 582) بجهالة موسى بن عثمان وهو المتقدم في حديث علي.

(4)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب:(موسى بن عثمان الكوفي) كما تقدم قريبًا.

(5)

في "المعجم الكبير"(ج 19 رقم 157).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 35) وقال: فيه إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف.

(6)

إسماعيل بن مسلم، قال النَّسَائِي وغيره: متروك، وعن ابن معين قال: ليس بشيء.

الميزان (1/ 248) و"المجروحين"(1/ 120) والجرح والتعديل (2/ 198).

(7)

في السنن (2/ 1260) رقم (2022).

(8)

في سننه رقم (2828).

أعله عبد الحق في "الأحكام الوسطى"(4/ 135) بعبيد الله القداح، وقال: إنه ضعيف الحديث.

وتعقبه ابن القطان في "الوهم والإيهام"(3/ 220) بأنه لم يبين أنه من رواية عتاب بن بشير عنه، قال: وعتاب هو الحراني، زعموا أنه روى بأخرة أحاديث منكرة، وأنَّه اختلط =

ص: 111

أبي زياد القدّاح عن أبي الزبير، والقداح ضعيف، وله طرق أخر.

وأما حديث أبي أمامة وأبي الدرداء، فأخرجهما الطبراني

(1)

من طريق راشد بن سعد

(2)

، وفيه ضعف وانقطاع.

وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه الدارقطني

(3)

، وفي إسناده عمر بن قيس

(4)

وهو ضعيف.

قوله: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) مرفوعان بالابتداء والخبر، والمراد الإخبار

= عليه العرض والسماع فتكلموا فيه.

قال: "وهذا عندي من الوسواس ولا يضره ذلك؛ فمن كل واحد منهما تحمل صحيح". اهـ. وانظر: "نصب الراية"(4/ 189).

قلت: أما القداح هذا فهو عبيد الله بن أبي زياد القداح، أبو الحصين المكي: قال أحمد: ليس به بأس، وقال الذهبي في "المغني" قال أحمد: صالح الحديث.

[العلل رواية عبد الله (1504) وفي الجرح والتعديل (2/ 2/ 315) والميزان (3/ 8)].

وأما عتاب بن بشير، فقد احتج به البخاري ووثفه ابن معين مرة، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.

وقال الذهبي في "الكاشف"(2/ 213): "أحاديثه من خصيف منكرة، وقال ابن معين: ثقة".

وخلاصة القول: أن حديث جابر صحيح بطرقه وشواهده.

(1)

في المعجم الكبير (ج 8 رقم 7498) عن أبي أمامة وأبي الدرداء مرفوعا: "ذكاة الجنين ذكاة أمه".

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 35): "فيه بشر بن عمارة، وقد وثق، وفيه ضعف".

(2)

راشد بن سعد، قال عبد الله: قال أبي: راشد بن سعد، لم يسمع من ثوبان.

[العلل رواية عبد الله (4550) والجرح والتعديل (1/ 2/ 283) والتاريخ الكبير (2/ 1/ 292)].

(3)

في السنن (4/ 274) رقم (32).

قال عبد الحق في "الأحكام الوسطى"(4/ 135): لا يحتج بإسناده، ولم يبين موضع العلة، وبينها ابن القطان في "الوهم والإيهام" (3/ 582) بعمر بن قيس فقال: هو متروك.

(4)

عمر بن قيس المكي، قال البخاري: منكر الحديث، تركه أحمد والدارقطني، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال أحمد أيضًا: أحاديثه بواطيل.

[التاريخ الكبير (6/ 187) والمجروحين (2/ 85) والجرح والتعديل (6/ 129) والميزان (3/ 218)].

ص: 112

عن ذكاة الجنين: بأنها ذكاة أمه، فيحلُّ بها كما تحلّ الأمّ بها، ولا يحتاج إلى تذكية، وإليه ذهب الثوري

(1)

، والشافعي

(2)

، والحسن بن

(3)

زياد، وصاحبا أبي حنيفة. وإليه ذهب أيضًا مالك

(4)

واشترط أن يكون قد أشعر؛ لما في بعض روايات الحديث عن ابن عمر بلفظ: "إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه"، وقد تفرّد به أحمد بن عصام

(5)

كما تقدم.

والصحيح أنه موقوف فلا حجة فيه.

وأيضًا قد روي

(6)

من طريق ابن أبي ليلى مرفوعًا: "ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر"، وفيه ضعف كما تقدمت الإشارة إليه.

وأيضًا قد روي من طريق ابن عمر نفسه مرفوعًا وموقوفًا كما رواه البيهقي

(7)

أنه قال: "أشعر أو لم يشعر".

وذهبت العترة

(8)

، وأبو حنيفة

(9)

إلى تحريم الجنين إذا خرج ميتًا، وأنها لا تغني تذكية الأم عن تذكيته محتجين بعموم قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}

(10)

وهو من ترجيح العامّ على الخاصّ.

وقد تقرّر في الأصول

(11)

بطلانه، ولكنهم اعتذروا عن الحديث بما لا يغني شيئًا، فقالوا: المراد: ذكاة الجنين كذكاة أمه.

وردّ بأنه لو كان المعنى على ذلك لكان منصوبًا بنزع الخافض، والرواية

(1)

موسوعة فقه الإمام سفيان الثوري ص 407.

(2)

البيان للعمراني (4/ 556) وروضة الطالبين (3/ 279).

(3)

كما في "المغني"(13/ 309).

(4)

عيون المجالس (2/ 986) رقم (692) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 223).

(5)

تقدم في الصفحة (111) الحاشية رقم (1).

(6)

تقدم في الصفحة (110) الحاشية رقم (2).

(7)

في السنن الكبرى (9/ 335).

(8)

البحر الزخار (4/ 301).

(9)

الاختيار (5/ 486) وبدائع الصنائع (5/ 42 - 43).

(10)

سورة المائدة، الآية:(3).

(11)

"إرشاد الفحول" ص 899 - 901 بتحقيقي، والبحر المحيط (6/ 166) وشرح الكوكب المنير (4/ 674 - 676).

ص: 113

بالرفع، ويؤيده أنه روي بلفظ:"ذكاة الجنين في ذكاة أمه" أي كائنة أو حاصلة في ذكاة أمه.

وروي: "ذكاة الجنين بذكاة أمه" والباء للسببية.

قال في التلخيص

(1)

: فائدة: قال ابن المنذر: إنه لم يرو عن أحد من الصحابة ولا من العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه إلا ما روي عن أبي حنيفة

(2)

. اهـ.

وظاهر الحديث أنه [يحلّ]

(3)

بذكاة الأمّ الجنين مطلقًا، سواء خرج حيًا أو ميتًا، فالتفصيل ليس عليه دليل.

[الباب الثالث] بابُ أَنَّ مَا أُبينَ مِنْ حَيّ فهوَ مَيْتَةٌ

15/ 3644 - (عَنِ ابن عُمَرَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما قُطِعَ مِنْ بهيمَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا قُطِعَ مِنْها فَهُوَ مَيْتَةٌ"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(4)

. [صحيح لغيره]

16/ 3645 - (وَعَنْ أبي وَاقِدٍ اللَّيْثِيّ قالَ: قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَبِها ناس يَعْمَدُونَ إلى ألِيَّاتِ الغَنمِ وأسْنِمَةِ الإِبِلِ يَجُبُّونَهَا، فَقالَ: "ما قُطِعَ مِنَ البَهيمَةِ

(1)

في "التلخيص الحبير"(4/ 291).

وكذلك ذكر كلام ابن المنذر ابن قدامة في المغني (13/ 309).

(2)

الاختيار (5/ 486) وبدائع الصنائع (5/ 42 - 43).

(3)

في المخطوط (ب): (حل).

(4)

في سننه رقم (3216).

قلت: وأخرجه الدارقطني (4/ 292) والحاكم (4/ 124) من طريق هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وضعفه الحافظ عبد الحق في "أحكامه الكبرى" فقال على ما نقله ابن القطان في "الوهم والإيهام"(3/ 583) رقم (1376) عنه: في إسناده هشام بن سعد، وهو ضعيف.

قلت: هشام بن سعد المدني: ليس بذاك القوي، لكن يعتبر به في المتابعات والشواهد.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره.

ص: 114

وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(2)

. ولِأبي دَاوُدَ

(3)

مِنْهُ الكلَامُ النَّبَويُّ فَقَطْ). [صحيح]

حديث ابن عمر أخرجه أيضًا البزار

(4)

، والطبراني في الأوسط

(5)

من حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عنه.

واختلف فيه على زيد بن أسلم.

وقد روي عن زيد بن أسلم مرسلًا. قال الدارقطني

(6)

: المرسل أشبه بالصواب.

وله طريق أخرى عن ابن عمر، أخرجها أيضًا الطبراني في الأوسط

(7)

، وفيها عاصم بن عمر وهو ضعيف.

وحديث أبي واقد، أخرجه أيضًا الدارمي

(8)

والحاكم

(9)

من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عنه.

وأخرجه أيضًا الحاكم

(10)

من حديث سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا.

(1)

في المسند (5/ 218).

(2)

في سننه رقم (1480). وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن أسلم.

وأخرجه الترمذي في "العلل الكبير"(2/ 632).

قلت: وأخرج الدارمي رقم (2061) وابن الجارود رقم (876) والطحاوي في "مشكل الآثار رقم (1572) والطبراني في "الكبير" رقم (3304) وابن عدي في "الكامل" (4/ 1608) والدارقطني (4/ 292) والحاكم (4/ 239) من طرق عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، قال عبد الصمد في حديثه: حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد الليثي، به.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(3)

في سننه رقم (2858).

(4)

في "مسنده" كما في "البدر المنير"(1/ 462).

(5)

في "المعجم الأوسط" رقم (3099).

(6)

في "العلل" له (11/ 259 - 260 س 2273).

(7)

في "المعجم الأوسط" رقم (7932) وقد تقدم الكلام عليه.

(8)

في سننه رقم (2061) وقد تقدم.

(9)

في المستدرك (4/ 239) وقد تقدم.

(10)

في المستدرك (4/ 124، 239).

ص: 115

قال الدارقطني

(1)

: والمرسل أصحّ.

وأخرجه البزار

(2)

من طريق المسور بن الصلت عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري وقال: تفرّد به ابن الصلت، وخالفه سليمان بن بلال فقال: عن زيد عن عطاء مرسلًا

(3)

، وكذا قال الدارقطني

(4)

، وقد وصله الحاكم كما تقدم

(5)

، وتابع المسور وغيره عليه خارجة بن مصعب.

أخرجه ابن عديّ في "الكامل"

(6)

وأبو نعيم في "الحلية"

(7)

.

وأخرجه ابن ماجه

(8)

والطبراني

(9)

وابن عديّ

(10)

من طريق تميم الداري، وإسناده ضعيف كما قال الحافظ

(11)

.

قوله: (فما قطع منها) المجيء بهذه الجملة لزيادة الإيضاح، وإلا فقد أغنى عنها ما قبلها.

قوله: (فهو ميتة) فيه دليل: على أن البائن من الحيّ حكمه حكم الميتة في تحريم أكله ونجاسته، وفي ذلك تفاصيل ومذاهب مستوفاة في كتب الفقه.

قوله: (إلى أليات)

(12)

جمع ألية.

والجبّ

(13)

: القطع.

والأسنمة

(14)

: جمع سنام.

(1)

في "العلل" له (6/ 298 - 299 س 1153).

(2)

في المسند (رقم 1220 - كشف).

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 32): فيه مسور بن الصلت وهو متروك.

(3)

أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار"(1/ 496).

(4)

في "العلل" له (11/ 260).

(5)

في المستدرك (4/ 124، 239).

(6)

في "الكامل"(4/ 299).

(7)

كما في "التلخيص"(1/ 40).

(8)

في سننه رقم (3217).

(9)

في المعجم الكبير (ج 2 رقم 1276) والطبراني في الأوسط رقم (3099).

(10)

في "الكامل"(3/ 325).

(11)

في "التلخيص"(1/ 40).

(12)

النهاية (1/ 73).

وغريب الحديث للخطابي (2/ 247).

(13)

النهاية (1/ 229).

(14)

النهاية (1/ 813).

ص: 116

[الباب الرابع] بابُ ما جاءَ في السَّمكِ والجَرَادِ وحيوانِ البَحْرِ

قَدْ سَبَقَ قَوْلُهُ فِي البَحْرِ: "هُوَ الحِلُّ مَيْتَتُهُ"

(1)

. [صحيح]

17/ 3646 - (عَنِ ابْنِ أبي أوْفَى قالَ: غَزَوْنا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ نأكُلُ مَعَهُ الجَرَادَ. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ)

(2)

. [صحيح]

18/ 3647 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: غَزَوْنا جَيْش الخَبَطِ وأمِيرُنا أبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فألْقَى البَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ يُقال لَهُ: العَنْبَرُ، فأكَلْنا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فأخَذَ أبُو عُبَيْدَةَ عظَمًا مِنْ عِظامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ؛ قالَ: فَلَمَّا قَدِمْنا المَدِينَةَ ذَكَرْنا ذلكَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: "كلُوا رِزْقًا أخْرَجَهُ الله عز وجل لَكُمْ، أطْعِمُونا إنْ كانَ مَعَكُمْ"، فأتاه بَعْضُهُمْ بِشَيءٍ فأكَلَهُ. مُتَّفَق عَلَيْهِ)

(3)

. [صحيح]

19/ 3648 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ زيدِ بْنِ أسْلَمَ عَنْ أبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُحِلَّ لَنا مَيْتَتانِ وَدَمانِ، فأمَّا المَيْتَتانِ فالحُوتُ وَالجَرَادُ، وأمَّا الدَّمانِ فالكَبِدُ وَالطِّحَالُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ

(5)

وَالدَّارَقُطْنِيُّ

(6)

. [صحيح]

(1)

تقدم تخريجه رقم (1) من كتابنا هذا.

(2)

أحمد في المسند (4/ 353) والبخاري رقم (5495) ومسلم رقم (52/ 1952) وأبو داود رقم (3812) والترمذي رقم (1821، 1822) والنسائي رقم (4356).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (3/ 303، 304) والبخاري رقم (5494) ومسلم رقم (18/ 1935). وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (2/ 97).

(5)

في سننه رقم (3218) و (3314).

(6)

في السنن (4/ 271) رقم (25).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 64): "هذا إسناد فيه عبد الرحمن بن أسلم وهو ضعيف، وله شاهد من حديث عبد الله بن أبي أوفى رواه النَّسَائِي في "الصغرى" مقتصرًا على ذكر الجراد". اهـ. =

ص: 117

وَهُوَ للدَّارَقُطْنِيِّ

(1)

أيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الله بْنِ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ عَنْ أبِيهِ بإسْنادِهِ.

قالَ: أحْمَدُ

(2)

وابْنُ المَدِينِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ زيدٍ ضَعِيفٌ وأخُوهُ عَبْدُ الله ثقة).

20/ 3649 - (وَعَنْ أبي شُرَيْحٍ مِنْ أصَحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله ذَبَحَ ما فِي البَحْرِ لِبَني آدَمَ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(3)

.

وَذَكَرَهُ البُخارِيُّ

(4)

عَنْ أبي شُرَيْحٍ مَوْقُوفًا.

وَعَنْ أبي بَكْرٍ الصِّدّيقِ قالَ: الطَّافِي حَلالٌ)

(5)

.

= قلت: وأخرجه الشافعي في "المسند"(ج 2 رقم 608 - ترتيب) وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (820) وابن حبان في "المجروحين"(3/ 58) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 254) و (9/ 257) و (10/ 7) وفي "المعرفة" رقم (18853) والبغوي في "شرح السنة" رقم (2803) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(1)

تقدم في التعليقة السابقة.

(2)

عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي، مولى عمر بن الخطاب: ضعفه أحمد وآخرون.

[العلل رواية عبد الله (1795، 5203) والجرح والتعديل (2/ 2/ 233) والميزان (2/ 564)].

(3)

في سننه رقم (4/ 269) رقم (13).

(4)

في صحيحه (9/ 614 رقم الباب (12) - مع الفتح) معلقًا.

قال الحافظ في "الفتح"(9/ 616): "وصله المصنف في "التاريخ" (4/ 228) رقم (2609) وابن منده في "المعرفة" من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي الزبير، أنهما سمعا شريحًا صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كل شيء في البحر مذبوح" قال: فذكرت ذلك لعطاء، فقال: "أما الطير فأرى أن تذبحه".

وأخرجه الدارقطني - (4/ 269) رقم (13) - وأبو نعيم في "الصحابة" - (3/ 1479) رقم (3748) - مرفوعًا من حديث شريح. والموقوف أصح". اهـ

(5)

في صحيح البخاري (9/ 614 رقم الباب (12) - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 615): "وصله أبو بكر بن أبي شيبة - (5/ 380 - 381) - والطحاوي والدارقطني - (4/ 269) رقم (14) - من رواية عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس قال: أشهد على أبي بكر أنه قال: "السمكة الطافية حلال" زاد الطحاوي: "لمن أراد أكله".

ص: 118

21/ 3650 - (وَعَنْ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ تَعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}

(1)

، قالَ: صَيْدُه ما اصْطِيدَ، وَطَعامُهُ ما رَمَى

(2)

بِهِ.

وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعامُهُ مَيْتَتُهُ إلَّا ما قَذَرْتَ مِنْهَا

(3)

.

قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ البَحْرِ صَيْدَ يَهُودِيٍّ، أوْ نَصْرَانِيٍّ، أوْ مجوسيٍّ

(4)

.

وَرَكِبَ الحَسَنُ على سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلابِ المَاءِ

(5)

.

ذَكَرَهُنَّ البُخارِيُّ فِي صَحِيحِهِ).

(1)

سورة المائدة، الآية:(96).

(2)

ذكره البخاري في صحيحه (9/ 614 رقم الباب (12) - مع الفتح) معلقًا.

قال الحافظ (9/ 615): "وصله المصنف في "التاريخ"، وعبد بن حميد من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، قال: لما قدمتُ البحرين سألني أهلها عما قذف البحر، فأمرتهم أن يأكلوه، فلما قدمت على عمر - فذكر قصة - قال: فقال عمر، قال الله عز وجل في كتابه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ}، فصيده ما صيد وطعامه ما قذف به".

(3)

ذكره البخاري في صحيحه (9/ 614 رقم الباب (12) - مع الفتح) معلقًا.

قال الحافظ (9/ 615): "وصله الطبري من طريق أبي بكر بن حفص عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} ، قال: طعامه: ميتته.

وأخرج عبد الرزاق - في المصنف رقم (8659) - من وجه آخر عن ابن عباس وذكر صيد البحر: لا تأكل منه طافيًا. في سنده الأجلح وهو لين". اهـ.

(4)

ذكره البخاري في صحيحه (9/ 614 رقم الباب (12) - مع الفتح) معلقًا.

قال الحافظ في "الفتح"(9/ 616 - 617): "وصله البيهقي من طريق سماك بن حرب عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "كُل ما ألقى البحر وما صيد منه صاده يهودي أو نصراني أو مجوسي"

وأخرج ابن أبي شيبة - في "المصنف"(5/ 369) - بسند صحيح عن عطاء، وسعيد بن جبير. وبسند آخر - عند ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 269) - عن علي كراهية صيد المجوسي". اهـ.

(5)

ذكره البخاري في صحيحه (9/ 614 رقم الباب (12) - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 616): "أما قول الحسن فقيل: إنه (ابن علي)، وقيل: (البصري)؛ ويؤيد الأول أنه وقع في رواية: "وركب الحسن عليه السلام"، وقوله: "على سرج من جلود" أي: متخذ من جلود "كلاب الماء". اهـ.

ص: 119

الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله: قد سبق هو أوّل حديث في كتابه هذا

(1)

، وقد مرّ الكلام عليه.

وحديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أخرجه أيضًا الشافعي

(2)

، والبيهقي

(3)

، ورواه الدارقطني

(4)

أيضًا من رواية سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم موقوفًا، وقال: هو أصحّ.

وكذا صحح الموقوف أبو زرعة

(5)

وأبو حاتم.

وعبد الرحمن بن زيد ضعيف كما نقله المصنف عن أحمد

(6)

وابن المديني.

وفي رواية عن أحمد أنه قال: حديثه هذا منكر

(7)

.

وقال البيهقي

(8)

: رفع هذا الحديث أولاد زيد بن أسلم: عبد الله، وعبد الرحمن، وأسامة. وقد ضعفهم ابن معين، وكان أحمد بن حنبل يوثق عبد الله، وكذا روي عن ابن المديني

(9)

.

(1)

تقدم برقم (1) من كتابنا هذا.

(2)

في المسند (ج 2 رقم 608 - ترتيب) وقد تقدم.

(3)

في السنن الكبرى (1/ 254)، (9/ 257) و (10/ 7) وفي "المعرفة" رقم (18853) وقد تقدم.

(4)

قال الدارقطني في "علله"(11/ 266 - 267): "

يرويه المسور بن الصلت عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد.

وخالفه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فرواه عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وغيره يرويه عن زيد بن أسلم عن ابن عمر موقوفًا، وهو الصواب. اهـ.

(5)

في "العلل لابن أبي حاتم (2/ 17) رقم (1524).

(6)

في "العلل" رواية عبد الله (1795، 5203).

(7)

نقله العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 331) عنه.

(8)

ذكره عنه ابن الملقن في "البدر المنير"(1/ 450).

(9)

قال ابن الصلاح في كلامه على "الوسيط" - كما في "البدر المنير"(1/ 451) - "

قال: وأولاد زيد وإن كانوا قد ضُعِّفوا ثلاثتهم، فعبد الله منهم: قد وثقه أحمد وعلي بن المديني.

قال: وفي اجتماعهم على رفعه ما يقويه تقوية صالحة.

قلت: - ابن الملقن -: وجنح الشيخ تقي الدين في "الإمام" - (3/ 362 - 363) =

ص: 120

قال الحافظ

(1)

: قلت: رواه الدارقطني

(2)

وابن عديّ

(3)

من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم. قال ابن عديّ: الحديث يدور على هؤلاء الثلاثة.

قال الحافظ (1): وقد تابعهم شخص أضعف منهم وهو أبو هاشم كثير بن عبد الله الأبلي

(4)

، أخرجه ابن مردويه

(5)

في تفسير سورة الأنعام من طريقه عن زيد بن أسلم بلفظ: "يحلُّ من الميتة اثنان، ومن الدم اثنان، فأَما الميتة: فالسمك والجراد؛ وأما الدم: فالكبد والطحال"، ورواهُ المسور بن الصلت أيضًا عن زيد بن أسلم، لكنه خالف في إسناده. قال: عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد مرفوعًا، أخرجه الخطيب

(6)

، وذكره الدارقطني في "العلل"

(7)

، والمسور كذاب، نعم الرواية الموقوفة التي صححها أبو حاتم وغيره هي في حكم المرفوع؛ لأن

= إلى تصحيح الرواية المرفوعة من طريق عبد الله بن زيد، فإنَّه قال: عقب قول البيهقي: إن أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، كانا يوثقان عبد الله بن زيد

إلخ.

إذا كان عبد الله على ما قالاه، فيدخل حديثه فيما رفعه الثقة، ووقفه غيره، قال: وقد عُرِف ما فيه عند الأصوليين والفقهاء. يعني: والأصح تقدم ما رواه الرافع؛ لأنها زيادة، وهي من الثقة مقبولة.

قال: لا سيما وقد تابعه على ذلك أخواه. أي: فلا يُسَلَّم أن الصحيح الأول كما قال البيهقي، فتكون هذه الطريق حسنة، مع أن الرواية الأخرى يحسن الاستدلال بها.

قال البيهقي: هي في معنى المسند.

قلت - ابن الملقن -: لأن قول الصحابي: "أمرنا بكذا"، و"نهينا عن كذا"، و"أحل كذا"، و"حُرِّم كذا" مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم على المختار عند جمهور الفقهاء، والأصوليين، والمحدثين". اهـ.

(1)

في "التلخيص"(1/ 35).

(2)

في السنن (4/ 271 - 272) رقم (25).

(3)

في "الكامل"(1/ 397).

(4)

كثير بن عبد الله، أبو هاشم الأبُلّي الناجي الوشّاء.

قال البخاري: منكر الحديث. وقال النَّسَائِي: كثير أبو هاشم الأُبُلِّي: متروك الحديث.

[الميزان (3/ 406 رقم الترجمة 6942)].

(5)

كما في "التلخيص"(1/ 35) و"الدر المنثور"(1/ 407) وتفسير ابن كثير (2/ 149) و"نصب الراية"(4/ 202).

(6)

في "تاريخ بغداد"(13/ 245) في ترجمة "مسور بن الصلت بن ثابت بن وردان أبو الحسن".

(7)

في "العلل"(11/ 266 س 2277).

ص: 121

قول الصحابي: أحلّ لنا كذا. وحرّم علينا كذا مثل قوله: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا، فيحصل الاستدلال بهذه الرواية لأنها في معنى المرفوع، كذا قال الحافظ

(1)

.

قوله: (سبع غزوات) في رواية البخاري

(2)

: "أو ستًا" ووقع في توضيح ابن مالك

(3)

: سبع غزوات، أو ثماني، وتكلم عليه فقال: الأجود أن يقال: أو ثمانيًا - بالتنوين -؛ لأنَّ لفظ ثماني وإن كان كلفظ جواري: في أن ثالث حروفه ألف بعد حرفان ثانيهما ياء، فهو يخالفه في أن جواري جمع وثماني ليس بجمع، وقد أطال الكلام على ذلك، ثم وجّه

(4)

ترك التنوين بتوجيهات: منها أن يكون حذف المضاف إليه، وأبقى المضاف على ما كان عليه قبل الحذف.

قال الحافظ

(5)

: ولم أر لفظ ثماني في شيءٍ من كتب الحديث، قال: وهذا الشكّ في عدد الغزوات من شعبة.

قوله: (نأكل معه الجراد) يحتمل أن يراد بالمعيَّة مجرّد الغزو دون ما تبعه من أكل الجراد.

ويحتمل أن يريد مع أكله، ويدلّ على الثاني ما وقع في رواية أبي نعيم

(6)

بلفظ: "ويأكله معنا"، وهذا يردُّ على الصيمري من الشافعية حيث زعم أنه صلى الله عليه وسلم عافه كما عاف الضبّ.

وقد أخرج أبو داود

(7)

عنه صلى الله عليه وسلم من حديث سلمان أنه قال: "لا آكله ولا أحرّمه"، والصواب أنه مرسل ولابن عديّ

(8)

في ترجمة ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر "أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبّ فقال: لا آكله ولا أحرّمه"، "وسئل عن الجراد فقال مثل ذلك".

(1)

في "التلخيص"(1/ 35).

(2)

في صحيحه رقم (5495).

(3)

في "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" ص 47.

(4)

أي ابن مالك في "المرجع السابق"(ص 48 - 49).

(5)

في "الفتح"(9/ 621).

(6)

كما في "الفتح"(9/ 621).

(7)

في سننه رقم (3813).

وهو حديث ضعيف.

(8)

في "الكامل"(2/ 94).

ص: 122

قال الحافظ

(1)

: وهذا ليس ثابتًا؛ لأن ثابتًا قال فيه النَّسَائِي

(2)

: ليس بثقة.

ونقل النووي

(3)

الإجماع على حلّ أكل الجراد.

وفصَّل ابن العربي في شرح الترمذي

(4)

بين جراد الحجاز وجراد الأندلس، فقال في جراد الأندلس: لا يؤكل لأنَّه ضرر محض، وهذا إن ثبت أنه يضرُّ آكله بأن يكون فيه سميَّة تخصه دون غيره من جراد البلاد؛ تَعَيَّنَ استثناؤه.

وذهب الجمهور

(5)

إلى حلِّ أكل الجراد، ولو مات بغير سبب، وعند المالكية

(6)

: اشتراط التذكية، وهي: هنا أن يكون موته بسبب آدمي، إما بأن يقطع رأسه، أو بعضه، أو يسلق، أو يلقى في النار حيًا، فإن مات حتف أنفه، أو في وعاء لم يحلَّ.

واحتجّ الجمهور بحديث ابن عمر

(7)

المذكور في الباب.

ولفظ (الجراد) جنس يقع على الذكر والأنثى، ويميز واحده بالتاء، وسمي جرادًا لأنَّه يجرد ما ينزل عليه، أو لأنَّه أجرد:[أي]

(8)

أملس، وهو من صيد البرِّ وإن كان أصله بحريًا عند الأكثر، وقيل: إنه بحري بدليل حديث أبي هريرة: أنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّ أو عمرة، فاستقبلنا رجْلٌ من جراد، فجعلنا نضربهنّ بنعالنا وأسواطنا"، فقال صلى الله عليه وسلم:"كلوه فإنه من صيد البحر"، أخرجه أبو داود

(9)

والترمذي

(10)

وابن ماجه

(11)

إسناد ضعيف.

(1)

في "الفتح"(9/ 622).

(2)

في "الضعفاء والمتروكين"(رقم الترجمة: 97).

قلت: وانظر ترجمته في: "المجروحين"(1/ 256) والجرح والتعديل (2/ 452) والميزان (1/ 264) ولسان الميزان (2/ 76).

(3)

المجموع شرح المهذب (9/ 25).

(4)

في عارضة الأحوذي (8/ 15 - 16).

(5)

المغني (13/ 300) والفتح (9/ 622).

(6)

عيون المجالس (2/ 977 - 978) رقم (683).

(7)

تقدم برقم (3648) من كتابنا هذا.

(8)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(9)

في سننه رقم (1854) وقال أبو داود: أبو المهزم ضعيف والحديثان جميعًا وهم.

(10)

في سننه رقم (850) وقال: غريب.

(11)

في سننه رقم (3222). =

ص: 123

وأخرج نحوه أبو داود والترمذي من طريق أخرى عن أبي هريرة وفي إسناده أبو المُهَزِّم

(1)

بضم الميم وكسر الزاي وفتح الهاء وهو ضعيف. وأخرج ابن ماجه

(2)

من حديث أنس مرفوعًا: "إن الجراد نثرة حوت من البحر" أي: عطسته.

قوله: (الخبط)

(3)

بالتحريك: هو ما يسقط من الورق عند خبط الشجر.

قوله: (فأكله) بهذا تتمّ الدلالة، وإلا فمجرّد أكل الصحابة منه وهم في حال المجاعة قد يقال: إنه للاضطرار، ولا سيما وقد ثبت عن أبي عبيدة في رواية عند مسلم

(4)

بلفظ: "وقد اضطررتم فكلوا".

قال في الفتح

(5)

: وحاصل قول أبي عبيدة: أنه بني أوّلًا على عموم تحريم الميتة، ثم ذكر تخصيص المضطرّ بإباحة أكلها إذا كان غير باغٍ ولا عاب، وهم بهذه الصفة؛ لأنهم في سبيل الله وفي طاعة رسول الله.

وقد تبين من آخر الحديث: أن جملة كونها حلالًا ليس لسبب الاضطرار بل لكونها من صيد البحر، لأكله صلى الله عليه وسلم منها لأنَّه لم يكن مضطرًا.

وقد ذهب الجمهور

(6)

إلى إباحة ميتة البحر سواء ماتت بنفسها أو ماتت بالاصطياد.

وعن الحنفية

(7)

والهادي والقاسم والإمام يحيى

(8)

والمؤيد بالله في أحد

= وهو حديث ضعيف جدًّا.

(1)

أبو المُهَزّم، التميمي، البصري، اسمه: يزيد، وقيل: عبد الرحمن بن سفيان: متروك.

من الثالثة. د ت ق.

[التقريب رقم الترجمة (8397)].

(2)

في سننه رقم (3221).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 65): "هذا إسناد ضعيف، لضعف موسى بن محمد بن إبراهيم، أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق هارون بن عبد الله، وقال: لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضعه موسى بن محمد المذكور". اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث موضوع.

(3)

النهاية (1/ 469) والمجموع المغيث (1/ 548).

(4)

في صحيحه رقم (17/ 1935).

(5)

(8/ 619).

(6)

"الفتح"(9/ 618).

(7)

الاختيار (5/ 490) وبدائع الصنائع (5/ 35).

(8)

البحر الزخار (4/ 302).

ص: 124

قوليه: إنه لا يحلّ إلا ما مات بسبب آدمي، أو بإلقاء الماء له أو جزره عنه.

وأما ما مات، أو قتله حيوان غير آدمي فلا يحلّ.

واستدلوا بحديث أبي الزبير عن جابر مرفوعًا بلفظ: "ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه". أخرجه أبو داود

(1)

مرفوعًا من رواية يحيى بن سليم الطائفي عن أبي الزبير عن جابر.

وقد أسند

(2)

من وجه آخر عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا.

وقال الترمذي: سألت البخاري عنه فقال: ليس بمحفوظ، ويروى عن جابر خلافه. انتهى. ويحيى بن سليم

(3)

صدوق سيء الحفظ. وقال النَّسَائِي

(4)

: ليس بالقويّ. وقال يعقوب: إذا حدّث من كتابه فحديثه حسن، وإذا حدّث حفظًا ففي حديثه ما يعرف وينكر. وقال أبو حاتم

(5)

: لم يكن بالحافظ.

وقال ابن حبان في الثقات

(6)

: كان يخطئ وقد توبع على رفعه، أخرجه الدارقطني

(7)

من رواية أبي أحمد الزبيري عن الثوري مرفوعًا لكن قال: خالفه وكيع وغيره فوقفوه عن الثوري وهو الصواب.

وروي عن ابن أبي ذئب وإسماعيل بن أمية مرفوعًا ولا يصحّ والصحيح موقوف.

قال الحافظ

(8)

: وإذا لم يصحّ إلا موقوفًا فقد عارضه قول أبي بكر وغيره، يعني المذكور في الباب.

(1)

في سننه رقم (3815) وهو حديث ضعيف.

(2)

أي: أبو داود في سننه بإثر (3815).

(3)

التقريب رقم الترجمة (7563).

(4)

في "الضعفاء والمتروكين" رقم الترجمة (664) وقد قال: ليس بالقوي.

قلت: وثقه ابن معين، وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال أحمد: رأيته يخلط حديثه فتركته.

[التاريخ الكبير (8/ 279) والميزان (4/ 383) ولسان الميزان (7/ 432)].

(5)

في الجرح والتعديل (9/ 156).

(6)

في "الثقات"(7/ 615).

(7)

في سننه (4/ 268) رقم (7).

(8)

في "الفتح"(9/ 6019).

ص: 125

وقال أبو داود

(1)

: روى هذا الحديث سفيان الثوري، وأيوب، وحمَّاد عن أبي الزبير؛ أوقفوه على جابر.

قال المنذري

(2)

: وقد أسند هذا الحديث من وجه ضعيف.

وأخرجه ابن ماجه

(3)

. قال الحافظ

(4)

أيضًا: والقياس يقتضي حلَّه؛ لأنَّه لو مات في البرِّ لأكل بغير تذكية، ولو نضب عنه الماء فمات لأكل، فكذلك إذا مات وهو في البحر.

ولا خلاف بين العلماء في حلّ السمك على اختلاف أنواعه، وإنما اختلفوا فيما كان على صورة حيوان البرّ كالآدمي والكلب والخنزير؛ فعند الحنفية

(5)

، وهو قول للشافعية

(6)

: أنه يحرم، والأصحّ عن الشافعية

(7)

الحلّ مطلقًا، وهو قول المالكية

(8)

، إلا الخنزير في رواية.

وحجتهم عموم قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}

(9)

، وحديث:"هو الطهور ماؤه والحلّ ميتته"، أخرجه مالك

(10)

، وأصحاب السنن

(11)

، وصححه ابن خزيمة

(12)

، وابن حبان

(13)

، وغيرهما، وقد تقدم في أول الكتاب

(14)

.

وروي عن الشافعية

(15)

أيضًا: أنه يحلّ ما يؤكل نظيره في البرّ، وما لا

(1)

في السنن (4/ 166).

(2)

في "المختصر"(5/ 325).

(3)

في سننه رقم (3247).

وهو حديث ضعيف.

(4)

في "الفتح"(9/ 619).

(5)

الاختيار (5/ 490) بدائع الصنائع (5/ 35) ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي (3/ 214).

(6)

المهذب (2/ 875).

(7)

البيان للعمراني (4/ 523) والمجموع شرح المهذب (9/ 32).

(8)

عيون المجالس (2/ 976) رقم (682) والتسهيل (3/ 1015).

(9)

سورة المائدة، الآية:(96).

(10)

في "الموطأ"(1/ 22) رقم (12).

(11)

أبو داود رقم (83) والترمذي رقم (69) والنسائي رقم (59) وابن ماجه رقم (386).

(12)

في صحيحه رقم (111).

(13)

في صحيحه رقم (1243).

(14)

برقم (1) من كتابنا هذا.

(15)

البيان للعمراني (4/ 523) والمجموع (9/ 32).

ص: 126

فلا، وإليه ذهبت الهادوية

(1)

، واستثنت الشافعية

(2)

ما يعيش في البرّ والبحر.

وهو نوعان: النوع الأوّل ما ورد في منع أكله شيء يخصه كالضفدع، وكذا استثناه أحمد

(3)

للنهي عن قتله كما ورد ذلك من حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي. أخرجه أبو داود

(4)

والنسائي

(5)

وصححه

(6)

الحاكم.

وله شاهد من حديث ابن عمر عند أبي عاصم، وآخر عن عبد الله بن عمر، وأخرجه الطبراني في الأوسط

(7)

وزاد: "فإن نقيقها تسبيح".

وذكر الأطباء

(8)

: أن الضفدع نوعان: برّي، وبحري؛ ومن المستثنى: التمساح، والقرش، والثعبان، والعقرب، والسرطان، والسلحفاة، للاستخباث والضرر اللاحق من السمّ.

النوع الثاني: ما لم يرد فيه مانع فيحل، لكن بشرط التذكية كالبط وطير الماء.

قوله: (إنَّ الله ذبح ما في البحر لبني آدم) لفظ البخاري

(9)

: "كل شيء في البحر مذبوح".

وقد أخرجه الدارقطني

(10)

وأبو نعيم في الصحابة

(11)

مرفوعًا.

(1)

البحر الزخار (4/ 302).

(2)

المجموع (9/ 34).

(3)

المغني (13/ 344).

(4)

في سننه رقم (3871) و (5269).

(5)

في سننه رقم (4355).

(6)

في المستدرك (4/ 411) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(7)

في "المعجم الأوسط" رقم (3716).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 41 - 42) وقال: "فيه المسيب بن واضح وفيه كلام وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح".

(8)

ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 619).

(9)

في صحيحه (9/ 614 رقم الباب (12) - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في "الفتح"(9/ 616): وصله المصنف في "التاريخ الكبير"(4/ 228) رقم (2609) وقد تقدم.

(10)

في سننه (4/ 270) رقم (16) وقد تقدم.

(11)

في "المعرفة"(3/ 1479) رقم (3748) وقد تقدم.

ص: 127

قال الحافظ

(1)

: والموقوف أصحّ.

وأخرجه ابن أبي عاصم في "الأطعمة"

(2)

من طريق عمرو بن دينار: سمعت شيخًا كبيرًا يحلف بالله ما في البحر دابة إلا قد ذبحها الله لبني آدم.

وأخرج الدارقطني

(3)

من حديث عبد الله بن سرجس رفعه: "إن الله قد ذبح كل ما في البحر لبني آدم"، وفي سنده ضعف.

والطبراني

(4)

من حديث ابن عمر ورفعه نحوه وسنده ضعيف.

وأخرج عبد الرزاق

(5)

بسندين جيدين عن عمر ثم عن عليّ بلفظ: "الحوت ذكى كلُّه"، قال عطاء

(6)

: أما الطير فأرى أن تذبحه.

قوله: (الطافي حلال) وصله أبو بكر بن أبي شيبة

(7)

والطحاوي

(8)

والدارقطني

(9)

من رواية عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس، والطافي بغير همز من طفا يطفو: إذا علا على الماء ولم يرسب.

قوله: (صيده ما اصطيد، وطعامه: ما رمي به)، وصله البخاري في التاريخ

(10)

وعبد بن حميد.

(1)

في "الفتح"(9/ 616).

(2)

"الأطعمة" ابن أبي عاصم (أبو بكر أحمد بن عمرو بن النبيل أبي عاصم الشيباني، ت 287).

نسبه له السمعاني في "التحبير"(2/ 82) وابن حجر في "المعجم المفهرس"(ق 30/ أ) والذهبي في السير (19/ 458) والكتاني في "الرسالة المستطرفة"(49).

[معجم المصنفات (ص 66 رقم 95)].

• وقد عزاه الحافظ في "الفتح"(9/ 616) إليه.

(3)

في سننه (4/ 267) رقم (3).

(4)

في "المعجم الكبير"(ج 12 رقم 13333).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 35 - 36) وقال: "فيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك".

(5)

في "المصنف" رقم (8663) عن علي.

(6)

تقدم تخريجه قريبًا.

(7)

في المصنف (5/ 380).

(8)

كما في "التعليق المغني على سنن الدارقطني"(4/ 270).

(9)

في سننه (4/ 269) رقم (14).

(10)

تقدم قريبًا (4/ 228) رقم (2609).

ص: 128

قوله: (طعامه ميتة إلا ما قذرت) وصله الطبراني.

قوله: (كل من صيد البحر صيد يهودي

إلخ)، وصله البيهقي

(1)

. قال ابن التين: مفهومه أن صيد البحر لا يؤكل إن صاده غير هؤلاء، وهو كذلك عند قوم.

وأخرج ابن أبي شيبة

(2)

بسند صحيح عن عطاء وسعيد بن جبير كراهية صيد المجوسي. وأخرج

(3)

أيضًا بسند آخر عن عليّ مثل ذلك.

قوله: (وركب الحسن على سرج) قيل: إنه الحسن بن عليّ، وقيل البصري.

والمراد أن السرج متخذ من جلود الكلاب المعروفة بكلاب الماء التي في البحر كما صرّح به في الرواية.

[الباب الخامس] بابُ الميتةِ لِلْمُضْطَرِّ

22/ 3651 - (عَنْ أبي وَاقدٍ اللَّيْثِي قالَ: قُلْتُ يا رَسُولَ الله إنَّا بأرْضٍ تُصِيبُنا مَخْمَصَةٌ فَمَا يَحِلُّ لَنا مِنَ المَيْتَةِ؟ فَقالَ: "إذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا ولَمْ تَغْتَبقُوا ولَمْ تَحْتَفِئُوا بِها بَقْلًا فَشأنكُمْ بِها". رَوَاهُ أحْمَدُ)

(4)

. [إسناده ضعيف جدًّا]

23/ 3652 - (وَعَنْ جابِرِ بْنِ [سَمُرَةَ]

(5)

: أن أهْلَ بَيْتٍ كانُوا بالحَرَّةِ مُحْتاجِينَ، قالَ: فَمَاتَتْ عِنْدَهُمْ ناقَةٌ لَهُمْ أوْ لِغَيْرِهِمْ، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي أكْلِهَا، قالَ: فَعَصَمَتْهُمْ بَقِيَّةَ شِتائهِمْ أوْ سَنَتهِمْ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

. [إسناده ضعيف]

(1)

في السنن الكبرى (9/ 253).

(2)

في "المصنف"(5/ 369).

(3)

أي: ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 369).

(4)

في المسند (5/ 218).

قلت: وأخرجه الدولابي في "الكنى"(1/ 59) والبيهقي (9/ 356).

إسناده ضعيف جدًّا، فيه: أبو إبراهيم محمد بن القاسم الأسدي الكوفي، فقد كُذِّب، لكنه متابع، وفيه انقطاع بين حسان بن عطية، وبين أبي واقد الليثي.

(5)

في المخطوط (ب): سلمة. وهو خطأ.

(6)

في المسند (5/ 87). =

ص: 129

وفِي لَفْظٍ: أنَّ رَجُلًا نَزَلَ الحَرَّةَ وَمَعَهُ أهْلُهُ وَوَلَدُهُ، فَقالَ رَجُلٌ: إنَّ ناقَةً لي ضَلَّتْ فإنْ وَجَدْتَها فأمْسِكْها، فَوَجَدَها فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَها فَمَرِضَتْ، فَقالَتِ امْرأتُهُ: انْحَرْها، فأَبَى فَنَقَقَتْ، فَقالَتْ: اسْلُخْها حتَّى نَقْدُرَ شَحْمَها وَلحْمَهَا وَنأكلُهُ، فَقالَ: حتَّى أسأل رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فَسألَهُ، فَقالَ:"هَلْ عِنْدَكَ غِنًى يُغْنِيكَ؟ "، قالَ: لا، قالَ:"فَكُلُوهُ"، قالَ: فَجاءَ صاحِبُها فأخْبَرَهُ الخَبَرَ، فَقالَ: هَلَّا كُنْتَ نَحَرْتَهَا؟ قالَ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْكَ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(1)

. [إسناده حسن]

وَهُوَ دَلِيلٌ على إمْساكِ المَيْتَةِ للْمُضْطرِ).

حديث أبي واقد، قال في مجمع الزوائد

(2)

: أخرجه الطبراني

(3)

ورجاله ثقات. انتهى.

وحديث جابر بن سمرة سكت عنه أبو داود

(4)

والمنذري

(5)

، وليس في إسناده مطعن [إلَّا أن أبا]

(6)

داود رواه من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة

(7)

.

وفي الباب عن الفجيع العامري

(8)

: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما يحلّ

= قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (776) وأبو يعلى رقم (7448) والطبراني رقم (1946) من طرق عن شريك، عن سماك، عن جابر بن سمرة.

وإسناده ضعيف. شريك - وهو ابن عبد الله النخعي - سيئ الحفظ وقد توبع، وقد تفرد به سماك - وهو ابن حرب - وهو لم يكن حجة إذا انفرد كما قال النَّسَائِي.

ورواية الطيالسي مطولة وفيها أن الناقة كانت لقطةً عندهم، وذكر في رواية أبي يعلى والطبراني أن أهل البيت هم من بني سليم.

(1)

في سننه رقم (3816) بسند حسن.

(2)

في مجمع الزوائد (5/ 50).

(3)

في المعجم الكبير رقم (3316).

(4)

في السنن (4/ 167).

(5)

في "المختصر"(5/ 327).

(6)

تنبيه: في كل طبعات نيل الأوطار تحرفت إلى (لأنَّ أبا)، والصواب ما أثبتناه من المخطوط (أ)، (ب).

(7)

إسناده حسن.

(8)

أخرجه أبو داود رقم (3817).

قال المنذري في "المختصر"(5/ 327): "في إسناده: عقبة بن وهب العامري، قال يحيى بن معين: صالح. وقال علي بن المديني لسفيان بن عيينة: عقبة بن وهب؟ فقال: =

ص: 130

لنا الميتة"؟ قال: "ما طعامكم؟ " قلنا: نغتبق، ونصطبح. قال أبو نعيم وهو الفضل بن دكين: فسره لي عقبة: قدحٌ غدوة، وقدحٌ عشيَّة، قال: "ذاك - وأبي - الجوع"، فأحلّ لهم الميتة على هذه الحال.

قال أبو داود

(1)

: الغبوق من آخر النهار، والصبوح من [أول النهار]

(2)

.

وفي إسناده عقبة بن وهب العامري. قال يحيى بن معين: صالح. وقال عليّ بن المديني: قلت لسفيان بن عيينة: عقبة بن وهب، فقال: ما كان ذاك فيدري ما هذا الأمر ولا كان شأنه الحديث

(3)

. انتهى.

قوله: (إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا) قال ابن رسلان في شرح السنن الاصطباح هاهنا أكل الصبوح، وهو الغداء، والغبوق: أكل العشاء. انتهى.

وقد تقدم تفسير الصبوح والغبوق وهما بفتح أولهما، والأوّل شرب اللبن أول النهار، والثاني شرب اللبن آخر النهار، ثم استعملا في الأكل للغداء والعشاء، وعليهما يحمل ما في حديث أبي واقد الليثي المذكور.

ولعلَّ المراد بهما في حديث الفجيع: مجرَّد شرب اللبن؛ لأنَّه لو كان المراد بهما: أكل الطعام في الوقتين لم يصحَّ ما في آخر الحديث، وهو قوله:"ذاك - وأبي - الجوع " إذ لا جوع حينئذٍ.

قوله: (ولم تَحْتَفِئُوا بها بقلًا) بفتح المثناتين من فوق، بينهما حاء مهملة، وبعدهما فاءٌ مكسورة، ثم همزة مضمومة، من الحفاء

(4)

، وهو البُردي، بضمّ الموحدة: نوع من جيد التمر. وضعَّفه بعضهم بأن البُردي ليس من البقول.

قال أبو عبيد

(5)

: هو أصل البُردي الأبيض الرطب وقد يؤكل.

= ما كان ذاك يدري ما هذا الأمر. ولا كان من شأنه، يعني الحديث. اهـ.

وخلاصة القول: أن إسناده ضعيف، والله أعلم.

(1)

في سننه (4/ 168).

وانظر: "النهاية"(2/ 287) و "المختصر" للمنذري (5/ 327).

(2)

في المخطوط (ب): (أوله).

(3)

حكاه المنذري في "المختصر (5/ 327) كما تقدم آنفًا.

(4)

النهاية (1/ 401) والفائق (1/ 294).

(5)

في غريب الحديث له (1/ 59).

ص: 131

قال أبو عبيد

(1)

: معنى الحديث: أنه ليس لكم أن تصطبحوا، وتغتبقوا، وتجمعوهما جمع الميتة.

قال الأزهري

(2)

: قد أنكر هذا على أبي عبيد وفسر أنه أراد إذا لم تجدوا [ألبنة]

(3)

تصطبحونها، أو شرابًا تغتبقونه، ولم تجدوا بعد عدم الصبوح والغبوق بقلة تأكلونها، حلت لكم الميتة، قال: وهذا هو الصحيح.

قال الخطابي

(4)

: القدح من اللبن بالغداة، والقدح بالعشيّ يمسك الرمق، ويقيم النفس، وإن كان لا يغذو البدن، ولا يشبع الشبع التامَّ، وقد أباح لهم مع ذلك الميتة فكان دلالته أن تتناول الميتة إلى أن تأخذ النفس حاجتها من القوت، كما ذهب إليه مالك

(5)

والشافعي

(6)

في أحد قوليه، [والقول]

(7)

الراجح عند الشافعي

(8)

هو: الاقتصار على سدِّ الرمق، كما نقله المزني، وصححه الرافعي

(9)

والنووي

(10)

، وهو قول أبي حنيفة

(11)

وإحدى الروايتين عن مالك

(12)

والهادوية

(13)

.

ويدلّ عليه قوله: "هل عندك غنًى يغنيك؟ "، إذا كان يقال لمن وجد سدَّ رمقه مستغنيًا لغة أو شرعًا.

(1)

في غريب الحديث له (1/ 61).

(2)

في "تهذيب اللغة" له (5/ 260).

(3)

في المخطوط (ب): (لبينة).

(4)

في "معالم السنن"(4/ 167 - مع السنن).

(5)

عيون المجالس (2/ 984) رقم (690).

(6)

المجموع شرح المهذب (9/ 44 - 45) والبيان للعمراني 4/ 511 - 513) وفيهما تفصيل لمذهب الشافعي.

(7)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(8)

المجموع شرح المهذب (9/ 45) والروضة (3/ 183).

(9)

"الشرح الكبير"(12/ 159 - 160).

(10)

المجموع شرح المهذب (9/ 45).

(11)

البناية في شرح الهداية (10/ 58) ومختصر اختلاف العلماء (4/ 358 - 359) رقم (2054).

(12)

عيون المجالس (2/ 984) والمنتقى للباجي (3/ 138).

(13)

البحر الزخار (4/ 332 - 333).

ص: 132

واستدلّ به بعضهم على القول الأوّل قال: لأنَّه سأله عن الغنى ولم يسأله عن خوفه على نفسه، والآية الكريمة قد دلّت على تحريم الميتة، واستثنى ما وقع الاضطرار إليه، فإذا اندفعت الضرورة لم يحلّ الأكل كحالة الابتداء، ولا شك أن سدّ الرمق يدفع الضرورة.

وقيل: إنه يجوز أكل المعتاد للمضطرّ في أيام عدم الاضطرار.

قال الحافظ

(1)

: وهو الراجح لإطلاق الآية

(2)

.

واختلفوا في الحالة التي يصحّ فيها الوصف بالاضطرار، ويباح عندها الأكل.

فذهب الجمهور إلى أنها الحالة التي يصل به الجوع فيها إلى حدّ الهلاك أو إلى مرض يفضي إليه، وعن بعض المالكية

(3)

تحديد ذلك بثلاثة أيام. قال ابن أبي جمرة

(4)

: الحكمة في ذلك: أن في الميتة سمِّيَّة شديدة، فلو أكلها ابتداء [لأهلكته]

(5)

، فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه بالجوع سمِّيَّة هي أشدّ من سمية الميتة.

قوله: (كانوا بالحرّة)

(6)

بفتح الحاء، والراء المشددة مهملتين: أرض بظاهر المدينة، بها حجارة سود.

قوله: (فنَفَقَت)

(7)

بفتح النون، والفاء، والقاف؛ أي: ماتت. يقال: نفقت الدابة نفوقًا، مثل: قعدت المرأة قعودًا: إذا ماتت.

(1)

في "الفتح"(9/ 674).

(2)

في هامش المخطوط (ب): "هذا غلط من الشارح، فالمذكور هذا في "الفتح" هو في تفسير الإثم في قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: 3]، الذي جعل مناطًا في مقدار ما يأكل المضطر من الميتة.

ثم ذكر في الهامش قول ابن حجر من قوله: "وقد فسره قتادة بالمتعدي

" إلخ.

(3)

حكاه عنهم الحافظ في "الفتح"(9/ 674).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 674).

(5)

في المخطوط (ب): (أهلكته).

(6)

النهاية (1/ 357) والمجموع المغيث (1/ 426).

(7)

النهاية (2/ 781) والمجموع المغيث (3/ 333).

ص: 133

قوله: (حتى نَقْدُر) بفتح النون، وسكون القاف، وضم الدال، بعده راء مهملة، هكذا في النسخ الصحيحة، يقال: قدر اللحم

(1)

، يقدره: طبخه في القدر.

وفي سنن أبي داود

(2)

: "نقدد اللحم"

(3)

بدال مهملة مكان الراء، وعلى ذلك شرح ابن رسلان فإنه قال: أي: نجعله قديدًا.

قوله: (غنى يغنيك) أي: تستغني به ويكفيك، ويكفي أهلك، وولدك عنها.

قوله: (استحييت منك) بياءين مثناتين من تحت. ولغة تميم وبكر بن وائل: استحيت - بفتح الحاء، وحذف إحدى الياءين -.

وقد دلّت أحاديث الباب: على أنَّه يجوز للمضطرّ أن يتناول من الميتة ما يكفيه على الخلاف السابق في مقدار ما يتناوله، ولا أعلم خلافًا في الجواز، وهو نصّ القرآن الكريم، وهل يجب على المضطرِّ أن يتناول من الميتة حفظًا لنفسه.

قال في البحر

(4)

: في ذلك وجهان: يجب لوجوب دفع الضرر ولا [يجب]

(5)

إيثارًا للورع.

واختلفوا في المراد بقوله تعالى: {غيرَ بَاغٍ}

(6)

فقيل: أي غير متلذذ ولا مجاوز لدفع الضرر، وقيل: أي: غير عاصٍ؛ فمنعوا العاصي من أكل الميتة.

وحكى الحافظ في الفتح

(7)

عن الجمهور: أنهم جعلوا من البغي العصيان، قالوا: وطريقه أن يتوب ثم يأكل قال: وجوّزه بعضهم مطلقًا، ولعلَّه يعني بالبعض القائل بالتفسير الأول.

(1)

النهاية (2/ 423).

(2)

في سننه رقم (3816) من حديث جابر بن سمرة وإسناده حسن.

(3)

وهو اللحم المملُوح، المجفّف في الشمس. النهاية (2/ 422).

(4)

البحر الزخار (4/ 332).

(5)

ما بين الحاصرتين زيادة من البحر الزخار (4/ 332) وقد سقطت من (أ)، (ب).

(6)

سورة البقرة، الآية:(173).

(7)

في "الفتح"(9/ 674).

ص: 134

[الباب السادس] بابُ النَّهي أَنْ يُؤْكَلَ طعامُ الإِنسانِ بغيرِ إِذْنِهِ

24/ 3653 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يحْلِبَنَّ أحَدٌ ماشِيَةَ أحَدٍ إلَّا بإذْنِهِ، أَيحِبُّ أحَدُكُمْ أنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَيُنْتَثَلَ طَعامُهُ، وَإنَّمَا تَخْزِنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أطْعِمَتَهُمْ؛ فَلا يَحْلِبَنَّ أحَدٌ ماشِيَةَ أحَدٍ إلَّا بِإذْنِهِ". مُتَّفَق عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

25/ 3654 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبيّ قالَ: شَهِدْتُ خُطْبَةَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِنَى، وكانَ فِيما خَطبَ بِهِ أنْ قالَ: "وَلَا يحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ مالِ أخِيهِ إلَّا ما طابَت بِهِ نَفْسُهُ"، قالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ ذلكَ قُلْتُ: يا رَسُولَ الله أرأيْتَ لَو لَقِيتُ فِي مَوضِعٍ غَنَمَ ابْنِ عَمِّي فأخَذْتُ مِنْها شاةً فاجْتَزَزتُها، هَلْ عَليَّ فِي ذلكَ شَيءٌ؟ قالَ: "إنْ لَقِيتها نَعْجَةً تَحْمِلُ شَفْرَةً وأزْنادًا فَلا تَمَسَّها")

(2)

. [صحيح لغيره]

26/ 3655 - (وَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلى آبِي اللَّحْمِ قالَ: أقْبَلْتُ مَعَ سادَتِي نُرِيدُ الهِجْرَةَ حتَّى إذَا دَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ قالَ: فَدَخَلُوا وَخَلَّفُونِي في ظَهْرِهِمْ، فأصَابَتْنِي مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، قالَ: فَمَرَّ بِي بَعْضُ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ المَدِينَةِ، فَقالُوا: لَوْ دَخَلْتَ المَدِينَةَ فأصَبْتَ مِنْ تَمْرِ حَوَائِطِها، قالَ: فَدَخَلْتُ حائِطًا فَقَطَعْتُ

(1)

أحمد في المسند (2/ 6) والبخاري رقم (2435) ومسلم رقم (13/ 1726).

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (3/ 423).

قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " رقم (979) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 97) والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 332).

بإسناد ضعيف؛ لأن عمارة بن حارثة الضمري لم يوثقه غير ابن حبان (5/ 244) وباقي رجاله ثقات.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد (4/ 171) وقال: رجال أحمد ثقات.

وله شاهد بمعناه من حديث أبي هريرة عند مسلم رقم (32/ 2564) ولفظه: "

كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه. اهـ.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم. =

ص: 135

مِنْهُ قِنْوَيْنِ، [فأتانِي]

(1)

صَاحِبُ الحائِطِ وأتَى بِي إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأخْبَرَهُ خَبرِي وَعَليَّ ثَوْبانِ، فَقالَ لِي: [أَيُّهُما أفْضَلُ؟ "، فأشَرْتُ إلى أحَدِهِما، فَقالَ: "خُذْهُ وأعْطِ صَاحِبَ الحائِطِ الآخَرَ"، فَخَلَّى سَبِيلي. رَواهُمَا أحْمَدُ)

(2)

. [حسن]

حديث عمرو بن اليثربي في إسناده حاتم بن إسماعيل وفيه خلاف عن عبد الملك بن حسين الجاري، فإن يكن هو الكوفي النخعي فضعيف بمرّة، وإلا فليس من رجال الأمهات.

وحديث عمير مولى آبي اللحم في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن زيد، وقد قال العجلي

(3)

: يكتب حديثه وليس بالقويّ، [وكذا]

(4)

قال أبو حاتم

(5)

ونحوه عن البخاري

(6)

. وقال النَّسَائِي (6) وابن خزيمة (6): ليس به بأس.

وقال في مجمع الزوائد

(7)

: إن حديث عمير هذا أخرجه أحمد بإسنادين في

(1)

في المخطوط (ب): (فأتى).

(2)

في المسند (5/ 223).

قال المحدث الألباني في "تعليقه على الروضة الندية"(3/ 75): "قلت: وهذا سند حسن عندي؛ فإن رجاله كلهم ثقات معروفون، وأبو بكر بن زيد بن المهاجر: هو محمد بن زيد بن المهاجر، كما جزم به الحافظ في "التعجيل" - رقم الترجمة (980) - وهو ثقة من رجال مسلم.

وعبد الرحمن بن إسحاق: هو ابن عبد الله بن الحارث بن كنانة العامري، ثقة أيضًا من رجال مسلم، وفيه ضعف يسير، وأبوه ثقة، وعمه لم أعرفه؛ ولا يضر؛ فإنه مقرون بأبي بكر.

ثم وجدت الحديث في "المستدرك"(4/ 132 - 133) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

وخلاصة القول: أن الحديث حديث حسن، والله أعلم.

(3)

في "معرفة الثقات"(2/ 72 رقم الترجمة 1017).

(4)

في المخطوط (ب): وكذلك.

(5)

في الجرح والتعديل (5/ 212 - 213).

(6)

كما في "تهذيب التهذيب"(2/ 486 - 487).

(7)

في "مجمع الزوائد"(4/ 162 - 163).

ص: 136

أحدهما

(1)

ابن لهيعة؛ وفي الآخر

(2)

أبو بكر بن زيد المهاجر ذكره ابن أبي حاتم

(3)

ولم يذكر فيه جرحًا - ولا تعديلًا، وبقية رجاله ثقات.

قوله: (مشربته) قال في القاموس

(4)

: والمشربة وتضمّ الراء: أرضٌ لينةٌ دائمة النبات، والغرفة، والعِلِّيَّة، والضُّفَّةُ، والمشْرَعَةُ. انتهى.

والمراد هنا الغرفة التي يجمع فيها الطعام، شبه صلى الله عليه وسلم ضروع المواشي في حفظها لما فيها من اللبن بالمشربة في حفظها لما فيها من الطعام، فكما أن هذه يحفظ فيها الإنسان طعامه فتلك تحفظ له شرابه وهو لبن ماشيته، وكما أن الإنسان يكره دخول غيره إلى مشربته لأخذ طعامه؛ كذلك يكره حلب غيره لماشيته، فلا يحلّ الجميع إلا بإذن المالك.

قوله: (فينتثل طعامه) النثل

(5)

: الاستخراج؛ أي: فيستخرج طعامه.

قال في القاموس

(6)

: نثل الركية ينثلها: استخرج ترابها وهي: النثيلة، والنُّثالَةُ، والكنانة استخرج نبلها ونثرها. ودرعه: ألقاها عنه، واللحم في القدر: وضعه فيها مقطعًا؛ وامرأة نثول: تفعل ذلك كثيرًا، وعليه درعه: صَبَّها. انتهى.

(1)

في "الملحق المستدرك من مسند الأنصار، بقية خامس عشر الأنصار". الذي سقط من الطبعة الميمنية والنسخ الخطية التي اعتمدت في تحقيق المسند من قبل الشيخ شعيب وإخوانه.

وقد استُدركت هذه الأحاديث من "جامع المسانيد" للحافظ ابن كثير، ومن "أطراف المسند" و"إتحاف المهرة" كلاهما للحافظ ابن حجر، ومن "غاية المقصد في زوائد المسند" للحافظ الهيثمي، ومن "ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج حديثهم أحمد بن حنبل في المسند" للحافظ ابن عساكر. والله ولي التوفيق.

في المسند (39/ 525 رقم 24009/ 84) إسناده ضعيف، لضعف ابن لهيعة، وباقي رجاله ثقات.

(2)

في مسند أحمد (5/ 223) إسناده حسن وقد تقدم الكلام عليه آنفًا.

(3)

في "الجرح والتعديل"(9/ 342) رقم (1523) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وقال أحمد في "العلل ومعرفة الرجال"(2/ 493): شيخ ثقة.

وقال الحافظ في "التعجيل" رقم الترجمة (980): هو من رجال التهذيب.

وهو ثقة من رجال مسلم كما تقدم من كلام المحدث الألباني.

(4)

القاموس المحيط ص 128.

(5)

النهاية (2/ 709) والفائق (3/ 205).

(6)

القاموس المحيط ص 1370.

ص: 137

قوله: (فاجتزرتها) بزاي ثم راء.

قوله: (إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وأزنادًا)، هذا فيه مبالغة في المنع من أخذ ملك الغير بغير إذنه، وإن كان على حال مشعرة بأن تلك الماشية معدّة للذبح حاملة لما تصلح به من آلة الذبح وهي الشفرة، وآلة الطبخ، وهو: الأزناد، وهي جمع زند: وهو العود الذي يقدح به النار.

قال في القاموس

(1)

: والجمع زناد، وأزند، وأزناد. ونعجة: منصوبة على الحال؛ أي: لقيتها حال كونها نعجة حاملة لشفرة وأزناد.

قوله: (مولى آبي اللحم) قد تقدم غير مرّة: أن آبي اللحم اسم فاعل من أبى يأبى، فهو: آب.

قوله: (في ظهرهم)

(2)

أي: في دوابِّهم التي يسافرون بها ويحملون عليها أمتعتهم.

قوله: (وأعط صاحب الحائط الآخر) فيه دليل: على تغريم السارق قيمة ما أخذه مما لا يجب فيه الحدُّ، وعلى أن الحاجة لا تبيح الإقدام على مال الغير مع وجود ما يمكن الانتفاع به أو بقيمته ولو كان مما تدعو حاجة الإنسان إليه، فإنه هنا أخذ أحد ثوبيه ودفعه إلى صاحب النخل.

[الباب السابع] بابُ ما جاءَ مِنَ الرُّخْصَةِ في ذلكَ لابنِ السبيلِ إذَا لم يكُنْ حائِط ولم يتخذ خُبنة

27/ 3656 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ دَخَلَ حائِطًا، فَلْيَأكُلْ وَلا يَتَّخِذْ خُبْنَةً"، رَوَاهُ التِّرْمِدْيُّ

(3)

(1)

القاموس المحيط ص 364

وانظر: "النهاية"(1/ 733).

(2)

النهاية (2/ 147).

(3)

في سننه رقم (1287) وقال: حديث ابن عمر غريب لا نعرفه من هذا الوجه إلا من حديث يحيى بن سليم. =

ص: 138

وَابْنُ ماجَهْ)

(1)

. [صحيح لغيره]

28/ 3657 - (وَعَنْ [عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ]

(2)

قالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يَدْخُلُ الحائِطَ، فَقالَ:"يأكُلُ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(3)

. [حسن]

29/ 3658 - (وَعَنِ الحَسنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا

= قال الترمذي في "العلل الكبير"(1/ 516): "سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: يحيى بن سليم يروي أحاديث عن عبيد الله - بن عمر - يهم فيها، وكأنه لم يعرف هذا إلا من حديث يحيى بن سليم.

وقال أبو زرعة، كما في "العلل" لابن أبي حاتم (2/ 325) رقم (2495):"هذا حديث منكر".

قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي"(4/ 424 - العلمية): "قال في "التقريب": يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيئ الحفظ". اهـ. وقال في "مقدمة فتح الباري": وثقه ابن معين والعجلي وابن سعد. وقال أبو حاتم: محله الصدق ولم يكن بالحافظ.

وقال النَّسَائِي: ليس به بأس وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمرو.

وقال الساجي: أخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمرو.

قال يعقوب بن سفيان: كان رجلا صالحًا وكتابه لا بأس به، فإذا حدّث من كتابه فحديثه حسن، وإذا حدث حفظًا فيعرف وينكر. اهـ.

(1)

في سننه رقم (2301).

قلت: وخلاصة القول أن حديث ابن عمر حديث صحيح لغيره.

• وفي الباب حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود رقم (1710) والنسائي رقم (4957 - 4959) وابن ماجه رقم (2596) والترمذي رقم (1288).

وهو حديث حسن.

• ومن حديث عباد بن شرحبيل، عند أبي داود رقم (2620) والنسائي رقم (5409) وابن ماجه رقم (2298).

وهو حديث صحيح.

• ومن حديث رافع بن عمرو الغفاري عند أبي داود رقم (2622) والترمذي رقم (1288) وابن ماجه رقم (2299).

وهو حديث ضعيف.

(2)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب:(عبد الله بن عمرو) كما في مسند أحمد (2/ 224).

(3)

في المسند (2/ 224).

وهو حديث حسن.

ص: 139

أتى أحَدُكُمْ على ماشِيَةٍ، فإنْ كانَ فِيها صَاحِبُها فَلْيَسْتأذِنْهُ، فإنْ أذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيها أحَدٌ فَلْيُصَوّتْ ثَلاثًا، فإنْ أجابَهُ أحَدٌ فَلْيَسْتأذِنْهُ، [فإنْ]

(1)

لَمْ يَجبْهُ أحَدٌ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(2)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ

(3)

. وَقالَ ابْنُ المَدِيني: سَمَاعُ الحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ). [صحيح]

30/ 3659 - (وَعَنْ أبي نَضْرَةَ عَنْ أبي سَعِيدٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا أتى أحَدُكُمْ حائِطًا فأرَادَ أنْ يأكُلَ فَلْينادِ: يا صَاحِبَ الحائِطِ ثَلاثًا، فإنْ أجابَهُ وإلَّا فَلْيأكُلْ، وَإذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ بإِبِلٍ فأرَادَ أنْ يَشْرَبَ مِنْ ألْبانِها فَلْيُنادِ: يا صَاحِبَ الإبِلِ، أوْ:

(1)

في المخطوط (ب): (وإن).

(2)

في سننه رقم (2619).

(3)

في سننه رقم (1296) وقال: حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 359) وقال: "أحاديث الحسن عن سمرة لا يثبتها بعض الحفاظ، ويزعم أنها من كتاب، غير حديث العقيقة الذي قد ذكر فيه السماع".

وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا بلفظ:

"إذا أتيت على راعٍ، فناده ثلاث مرار، فإن أجابك وإلا فاشرب في غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاث مرات، فمن أجابك، وإلا فكل غير أن لا تفسد".

أخرجه ابن ماجه رقم (2300) وابن حبان رقم (5281) والبيهقي (9/ 359 - 360) وأبو نعيم (3/ 99) من طرق يزيد بن هارون، أنبأنا الجريري عن أبي نضرة عنه.

قال البيهقي: "تفرد به سعيد بن إياس الجريري، وهو من الثقات، إلا أنَّه اختلط في آخر عمره، وسماع يزيد بن هارون عنه بعد اختلاطه؛ ورواه أيضًا حماد بن سلمة عن الجريري، وليس بالقوي".

قال الألباني في "الإرواء"(8/ 161): "قلت: إن كان يعني أن السند إلى حماد بن سلمة بذلك ليس بالقوي، فممكن، وإن كان يعني أنَّ حمادًا نفسه ليس بالقوي أو أنه روي عنه في الاختلاط، فليس بصحيح؛ لأن حمادًا ثقة، وفيه كلام لا يضر، وقد روى عن الجريري قبل الاختلاط".

قال العجلي: "بصري ثقة، اختلط بأخرة، روى عنه في الاختلاط يزيد بن هارون، وابن المبارك، وابن أبي عدي، وكل ما روى عنه مثل هؤلاء الصغار فهو مختلط، إنما الصحيح عنه حماد بن سلمة والثوري وشعبة

".

علمًا أن اختلاط الجرير لم يكن فاحشًا كما قال يحيى بن سعيد القطان". اهـ.

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

ص: 140

يا رَاعِيَ الإبِلِ، فإنْ أجابَهُ وَالَّا فلْيَشْرَبْ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَابْنُ ماجَهْ)

(2)

. [صحيح]

حديث ابن عمر الأوّل والثاني هما حديث واحد، ولكن المصنف أوردهما هكذا لاختلاف اللفظ. وقال الترمذي

(3)

بعد إخراجه في البيوع: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وحديث سمرة قال الترمذي

(4)

بعد إخراجه: حديث سمرة حسن صحيح غريب، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد

(5)

وإسحاق.

وقال عليّ بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح، وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة.

وقالوا: إنما يحدث عن صحيفة سمرة. انتهى.

وحديث أبي سعيد أخرجه أيضًا أبو يعلى

(6)

وابن حبان

(7)

والحاكم

(8)

والمقدسي.

وفي الباب عن رافع عند الترمذي

(9)

وأبي داود

(10)

قال: كنت أرمي نخل الأنصار؛ فأخذوني؛ فذهبوا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رافع لمَ ترمي نخلهم؟ "، قال: قلت: يا رسول الله الجوع، قال:"لا ترم، وكل ما وقع، أشبغك الله وأرواك".

(1)

في المسند (3/ 7، 21، 85).

(2)

في سننه رقم (2300).

وهو حديث صحيح وقد تقدم الكلام عليه في تخريج الحديث الذي قبله.

(3)

في السنن (3/ 583).

(4)

في السنن (3/ 590) بل قال: حديث حسن غريب.

(5)

المغني لابن قدامة (13/ 333 - 334).

(6)

في المسند رقم (1244).

(7)

في صحيحه رقم (5281).

(8)

في المستدرك (4/ 132) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(9)

في سننه رقم (1288) وقال: حسن غريب.

(10)

في سننه رقم (2622).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2299).

وهو حديث ضعيف.

ص: 141

وعند أبي داود

(1)

والنسائي

(2)

من حديث شرحبيل بن عباد في قصةٍ مثل قصة رافع، وفيها: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الحائط: "ما علَّمت إذ كان جاهلًا، ولا أطعمت [إذ]

(3)

كان جائعًا".

قوله: (في ترجمة الباب إذا لم يكن حائط)، قال في النهاية

(4)

: الحائط: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار. وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب مخالف لما قيد به المصنف الترجمة، فلعله أراد بقوله:"إذا لم يكن حائط"، أي: جدار يمنع الدخول إليه محرزة طرقه لما في ذلك من الإشعار بعدم الرضا، وكأنه حمل الأَحاديث على ما ليس كذلك، ولا ملجئ إلى هذا بل الظاهر الإطلاق وعدم التقييد.

قوله: (ولا يتخذ خبنة) بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة، وبعدها نون؛ وهي: ما تحمله في حضنك كما في القاموس

(5)

.

وهذا الإطلاق في حديث ابن عمر مقيد بما في حديث أبي سعيد المذكور من الأمر بالنداء ثلاثًا.

وحديث سمرة في الماشية ليس فيه إلا مجرَّد الاستئذان بدون تقييد بكونه ثلاثًا.

وكذلك حديث أبي سعيد فإنه لم يذكر في الماشية إلا مجرّد النداء ولم يقيده بكونه ثلاثًا.

وظاهر أحاديث الباب جواز الأكل من حائط الغير، والشرب من ماشيته بعد النداء المذكور، من غير فرق بين أن يكون مضطرًا إلى الأكل أم لا؟ لأنَّه إنما قال: إذا دخل وإذا أراد أن يأكل ولم يقيد الأكل بحدّ ولا خصه بوقت.

(1)

في سننه رقم (2620).

(2)

في سننه رقم (5409).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2298).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المخطوط (ب): (إذا) والمثبت من (أ) ومصادر التخريج المتقدمة.

(4)

النهاية (2/ 453).

(5)

القاموس المحيط ص 1539.

ص: 142

فالظاهر جواز تناول الكفاية، والممنوع إنما هو الخروج بشيء من ذلك من غير فرق بين القليل والكثير.

قال العلامة المقبلي - في "الأبحاث"

(1)

بعد ذكر حديث أبي سعيد ما لفظه: وفي معناه عدّة أحاديث تشهد لصحته.

ووجه موافقته للقانون الشرعي ظاهر فيمن له حقّ الضيافة كابن السبيل، وفي ذي الحاجة مطلقًا، ومساقات الحديث تشعر بالاختصاص بمن هو كذلك فهو المتيقن.

وأما الغنيُّ الذي ليس له حقّ الضيافة فمشكوك فيه، فيبقى على المنع الأصلي، فإن صحت إرادته بدليل خاصّ، كقضية فيها ذلك، أن مقبولًا، وتكون مناسبته ما في اللبن والفاكهة من الندرة؛ إذ لا يوجد في كل حال مع مسارعة النفس إليها، والعرف شاهد بذلك، حتى أنه يذمّ من ضنّ بهما ويبخل وهو خاصة الوجوب، فهو من حقِّ المال غير الصدقة، وهذا يرجح بقاء الحديث على عمومه، إذ لا معنى للاقتصار مع ظهور العموم.

وفي "المنتهى"

(2)

من فقه الحنابلة: "ومَن مرَّ بثمرةِ بستانٍ لا حائطَ عليه، ولا ناظرَ، فله الأكلُ، ولو بلا حاجةٍ مجانًا، لا صعودُ شجرة أو رميه بشيء، ولا يحمل ولا يأكل من مجنيٍّ مجموع إلا لضرورة، وكذا زرعٌ قائم، وشربُ لبنِ ماشيةٍ؛ وألحقَ جماعةٌ بذلك باقلًا وحِمَّصًا [أخضر من المنفتح]

(3)

وهو قويّ". اهـ.

وأحاديث الباب مخصصة للحديث المذكور في الباب الأوّل، ومخصصة أيضًا لحديث:"ليس في المال حقّ سوى الزكاة"

(4)

، وهو من حديث فاطمة بنت

(1)

الأبحاث المسددة في فنون متعددة" له ص 290.

وبحوزتي مخطوطات ثلاث لهذا الكتاب.

(2)

منتهى الإرادات (5/ 184).

(3)

كذا في (أ) و (ب) وفي "منتهى الإرادات"(5/ 185): [أخضرَيْنِ. المنقّحُ:] وفي حاشية المنتهى: قوله: (وهو قويٌّ) الزركشيُّ: وهو حسنٌ بخلافِ نحوِ شعيرٍ مما لم تجرِ العادةُ بأكله.

(4)

قال النووي في "المجموع شرح المهذب"(5/ 304): هذا حديث ضعيف جدًّا لا يعرف. =

ص: 143

قيس، مع أنه قد ثبت في الترمذي

(1)

من حديثها بلفظ: "في المال حقّ سوى الزكاة" بدون لفظ: "ليس".

ومن جملة المخصصات لحديث: "ليس في المال حقّ سوى الزكاة" ما ورد في الضيافة وفي سد رمق المسلم.

(ومنها): {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}

(2)

.

[الباب الثامن] بابُ ما جاءَ في الضِّيَافَةِ

31/ 3660 - (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله إنَّكَ تَبْعَثُنِي فَنَنْزلُ بِقَوْمٍ لا يَقْرُونا فَمَا تَرَى؟ فَقالَ: "إنْ نَزَلْتُمْ بَقَوْمٍ فأمَرُوا لكُمْ بِما يَنْبَغِي للضَّيْفِ

= وقال البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 84): أصحابنا يروونه في تعاليقهم لست أحفظ له إسنادًا.

وقد أخرجه ابن ماجه رقم (1789) من حديث شريك، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس أنها سمعت - تعني النبي صلى الله عليه وسلم يقول -:"ليس في المال حق سوى الزكاة".

(1)

في "السنن" رقم (660) من حديث فاطمة بنت قيس، وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف. قال: ورواه بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي قوله، وهذا أصح.

• قال البيهقي في السنن الكبرى (4/ 84) وروي في معناه أحاديث:

(منها): ما أخرجه أبو داود في "مراسيله" رقم (130) عن محمد بن الصباح، عن هشيم، عن عذافر، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا:"من أدى زكاة ماله فقد أدى الحق الذي عليه، ومن زاد فهو أفضل".

(ومنها): حديث أبي هريرة، رفعه:"إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك، ومن جمع مالًا حرامًا ثم تصدق به، لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه". أخرجه الترمذي رقم (618) وقال: هذا حديث غريب.

وهو حديث ضعيف.

(ومنها): حديث جابر، رفعه:"إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره".

قال البيهقي في السنن الكبرى (4/ 84): روي مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أصح.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 390) مرفوعًا، ثم قال: إنه صحيح على شرط مسلم.

(2)

سورة الأنعام، الآية:(141).

ص: 144

فاقْبَلُوا، وَإن لَم يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُم حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغي لَهُمْ")

(1)

. [صحيح]

32/ 3661 - (وَعَنْ أبي شُرَيْحٍ الخُزَاعيّ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّه وَاليوم الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جائزَتَهُ"، قالُوا: وَما جائِزَتُهُ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: "يَومٌ وَلَيْلَةَ، وَالضيّافَةُ ثَلاثةُ أيَّامٍ، فَمَا كانَ وَرَاءَ ذلكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَثْوي عِنْدَهُ حتَّى يُحْرِجَهُ". مُتَّفَق عَلَيْهِما)

(2)

. [صحيح]

33/ 3662 - (وَعَنِ المِقْدَامِ أبي كَرِيمَةَ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَيْلَةُ الضَّيْفِ وَاجِبَةٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ، فَإِنْ أصبَحَ بِفِنائِهِ مَحْرُومًا كانَ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، إن شاء اقْتَضَاهُ، وَإن شاءَ تَرَكَهُ"

(3)

. [صحيح]

وفي لَفْظٍ: "مَنْ نَزَلَ بَقَومٍ فَعَلَيْهِمْ أنْ يَقْرُوهُ، فَإنْ لمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ"، رَوَاهما أحْمَدُ

(4)

وأبُو دَاوُدَ)

(5)

. [صحيح]

34/ 3663 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّمَا ضَيْفٍ نَزَلَ بِقَوْمٍ فأصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا فَلَهُ أنْ يأخُذَ بِقَدْرِ قِراهُ وَلا حَرَجَ عَلَيْهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(6)

. [إسناده صحيح]

(1)

أحمد في المسند (4/ 149) والبخاري رقم (6137) ومسلم رقم (17/ 1727).

(2)

أحمد في المسند (4/ 31) والبخاري رقم (6135) ومسلم رقم (14/ 48).

(3)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 130) وأبو داود رقم (3750).

قلت: وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (744) وابن ماجه رقم (3677) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 242) وفي "شرح مشكل الآثار" رقم (1839) وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (4/ 131).

(5)

في سننه رقم (3804).

وهو حديث صحيح.

(6)

في المسند (2/ 380) إسناده صحيح.

قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2816 و 2817) وفي شرح معاني الآثار (4/ 242).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 175): وقال: رجاله ثقات.

ص: 145

حديث المقدام سكت عنه أبو داود

(1)

[هو و]

(2)

المنذري

(3)

.

قال الحافظ في التلخيص

(4)

: وإسناده على شرط الصحيح، وله

(5)

أيضًا من حديثه: "أيما رجل أضاف قومًا فأصبح الضيف محرومًا، فإنَّ نصره حقّ على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلة من زرعه وماله".

قال الحافظ

(6)

: وإسناده صحيح.

وعن أبي هريرة عند أبي داود

(7)

والحاكم

(8)

بسند صحيح أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "الضيافة ثلاثة أيام، فما سوى ذلك فهو صدقة".

وعن شقيق بن سلمة عند الطبراني في الأوسط

(9)

قال: "دخلنا على سلمان فدعا بماء كان في البيت وقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التكلف للضيف لتكلفت لكم".

وحديث أبي هريرة المذكور في الباب قال في "مجمع الزوائد"

(10)

: رجال أحمد ثقات.

وفي الباب عن عائشة أشار إليه الترمذي

(11)

.

قوله: (لا يقرونا) بفتح أوله من القرى

(12)

، أي: لا يضيفونا.

قوله: (بما ينبغي للضيف) أي: من الإِكرام بما لا بدّ منه من طعام وشراب، وما يلتحق بهما.

(1)

في السنن (4/ 129).

(2)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

في "المختصر"(5/ 293).

(4)

في "التلخيص"(4/ 293).

(5)

أي: لأبي داود في سننه رقم (3751).

وهو حديث ضعيف.

(6)

في "التلخيص"(4/ 293).

(7)

في سننه رقم (3749).

(8)

في المستدرك (4/ 164) وقال: "صحيح الإسناد ووافقه الذهبي".

وهو حديث حسن.

(9)

في المعجم الأوسط رقم (5935).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 179) وقال: رجاله رجال الصحيح.

(10)

(4/ 175).

(11)

في السنن (4/ 345).

(12)

القاموس المحيط ص 1706.

ص: 146

قوله: (فخذوا منهم حقّ الضيف

إلخ) قال الخطابي

(1)

: إنما كان يلزم ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم حيث لم يكن بيت مال، فأما اليوم فأرزاقهم في بيت المال، لا حقّ لهم في أموال المسلمين.

وقال ابن بطال

(2)

: قال أكثرهم: إنه كان هذا في أول الإِسلام حيث كانت المواساة واجبة، وهو منسوخ بقوله:"جائزته" كما في حديث الباب، قالوا: والجائزة تفضُّل لا واجب.

قال ابن رسلان: قال بعضهم: المراد أن لكم أن تأخذوا من أعراض من لم يضيفكم بألسنتكم، وتذكروا للناس لؤمهم والعيب عليهم، وهذا من المواضع التي يباح فيها الغيبة، كما أن القادر المماطل بالدين مباح عرضه وعقوبته.

وحمله بعضهم على أن هذا كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة، فلما اتسع الإِسلام نسخ ذلك.

قال النووي

(3)

: وهذا تأويل ضعيف، أو باطل؛ لأن هذا الذي ادّعاه قائله لا يعرف. انتهى.

وقد تقدم ذكر قائله قريبًا، فتعليل الضعف أو البطلان بعدم معرفة القائل ضعيف أو باطل، بل الذي ينبغي عليه التعويل في ضعف هذا التأويل هو أن تخصيص ما شرعه صلى الله عليه وسلم لأمته بزمن من الأزمان، أو حال من الأحوال لا يقبل إلا بدليل ولم يقم هاهنا دليل على تخصيص هذا الحكم بزمن النبوّة، وليس فيه مخالفة للقواعد الشرعية؛ لأن مؤنة الضيافة بعد شرعتها قد صارت لازمة للمضيف لكل نازل عليه، فللنازل المطالبة بهذا الحقّ الثابت شرعًا كالمطالبة بسائر الحقوق، فإذا أساء إليه واعتدى عليه بإهمال حقه؛ كان له مكافأته بما أباحه له الشارع في هذا الحديث، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}

(4)

، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}

(5)

.

(1)

في أعلام الحديث (2/ 1224 - 1225).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 585).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (12/ 32).

(4)

سورة الشورى، الآية:(40).

(5)

سورة البقرة، الآية:(194).

ص: 147

قوله: (من كان يؤمن بالله

إلخ) قيل: المراد من كان يؤمن الإِيمان الكامل المنجي من عذاب الله، الموصل إلى رضوانه، ويؤمن بيوم القيامة الآخر، استعدّ له واجتهد في فعل ما يدفع به أهواله ومكارهه، فيأتمر بما أمر به، وينتهي عما نهى عنه.

ومن جملة ما أُمر به إكرام الضيف، وهو: القادم من السفر، النازل عند المقيم. وهو يطلق على الواحد والجمع والذكر والأنثى.

قال ابن رسلان: والضيافة من مكارم الأخلاق، ومحاسن الدين، وليست واجبة عند عامة العلماء خلافًا لليث بن سعد، فإنه أوجبها ليلة واحدة. وحجة الجمهور: لفظ: "جائزته" المذكورة؛ فإن الجائزة هي العطية والصلة؛ التي أصلها على الندب، وقلما يستعمل هذا اللفظ في الواجب.

قال العلماء

(1)

: معنى الحديث: الاهتمام بالضيف في اليوم والليلة، وإتحافه بما يمكن من بر وألطاف. انتهى.

والحقّ: وجوب الضيافة لأمور:

الأوّل: إباحة العقوبة بأخذ المال لمن ترك ذلك، وهذا لا يكون في غير واجب.

والثاني: التأكيد البالغ يجعل ذلك فرع الإِيمان بالله واليوم الآخر، ويفيد: أن فعل خلافه فعل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، ومعلوم: أنَّ فروع الإِيمان مأمور بها. ثم: تعليق ذلك بالإِكرام، وهو أخصّ من الضيافة، فهو دالّ على لزومها بالأولى.

والثالث: قوله: (فما كان وراء ذلك فهو صدقة) فإنه صريح: أن ما قبل ذلك غير صدقة، بل واجب شرعًا.

قال الخطابي

(2)

: يريد أنه يتكلف له في اليوم الأوّل ما اتسع له من برّ وألطاف، ويقدّم له في اليوم الثاني ما كان بحضرته، ولا يزيد على عادته، فما

(1)

ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (12/ 32).

(2)

في "معالم السنن"(4/ 128 - مع السنن).

ص: 148

جاوز الثلاث فهو معروف وصدقة، إن شاء فعل وإن شاء ترك.

وقال ابن الأثير

(1)

: الجائزة: العطية؛ أي: يقري ضيفه ثلاثة أيام، ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة.

والرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: "ليلة الضيف حقّ واجب"

(2)

، فهذا تصريح بالوجوب لم يأت ما يدلّ على تأويله.

والخامس: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث المقدام الذي ذكرنا: "فإن نصره حقّ على كل مسلم"، فمن ظاهر هذا وجوب النصرة، وذلك فرع وجوب الضيافة.

إذا تقرّر هذا تقرّر ضعف ما ذهب إليه الجمهور، وكانت أحاديث الضيافة مخصصة لأحاديث حرمة الأموال إلا بطيبة الأنفس، ولحديث:"ليس في المال حقّ سوى الزكاة"

(3)

، ومن التعسفات حمل أحاديث الضيافة على سدّ الرمق، فإن هذا مما لم يقم عليه دليل ولا دعت إليه حاجة.

وكذلك تخصيص الوجوب بأهل الوبر دون أهل المدن استدلالًا بما يروى أن الضيافة على أهل الوبر.

قال النووي

(4)

وغيره من الحفاظ: إنه حديث موضوع لا أصل له.

قوله: (أن يَثْوي)

(5)

بفتح أوله وسكون المثلثة؛ أي: يقيم.

قوله: (حتى يُحرجه)

(6)

بضم أوله وسكون الحاء المهملة؛ أي: يوقعه في الحرج وهو الإِثم؛ لأنَّه قد يكدره فيقول: هذا الضيف ثقيل، أو قد ثقل علينا بطول إقامته، أو يتعرّض له بما يؤذيه، أو يظنّ به ما لا يجوز.

(1)

في "جامع الأصول"(7/ 59).

(2)

تقدم تخريجه برقم (3662) من كتابنا هذا. وهو حديث صحيح.

(3)

وهو حديث ضعيف جدا، وقد تقدم آنفا.

(4)

قال النووي في "المجموع شرح المهذب"(5/ 304): "وأما حديث: "ليس في المال حق سوى الزكاة"، فضعيف جدا لا يعرف".

(5)

النهاية (1/ 226) والفائق (1/ 179).

(6)

النهاية (2/ 354) والمجموع المغيث (1/ 418).

ص: 149

قال النووي

(1)

: وهذا كله محمول على ما إذا أقام بعد الثلاث بغير استدعائه، وأما إذا استدعاه وطلب منه إقامته، أو علم، أو ظنّ منه محبة الزيادة على الثلاث، أو عدم كراهته؛ فلا بأس بالزيادة؛ لأن النهي إنما جاء لأجل كونه يؤثمه، فلو شكّ في حال المضيف هل تكره الزيادة ويلحقه بها حرج أم لا؟ لم تحلّ له الزيادة على الثلاث لظاهر الحديث.

قوله: (ليلة الضيف) أي: ويومه بدليل الحديث الذي قبله.

قوله: (بفنائه)

(2)

بكسر الفاء وتخفيف النون ممدودًا: وهو المتسع أمام الدار.

وقيل

(3)

: ما امتدّ من جوانب الدار. جمعه: أفنية.

قوله: (فله أن يعقبهم

إلخ) قال الإِمام أحمد

(4)

في تفسير ذلك: أي للضيف أن يأخذ من أرضهم وزرعهم بقدر ما يكفيه بغير إذنهم.

وعنه

(5)

رواية أخرى أن الضيافة على أهل القرى دون الأمصار، وإليه ذهبت الهادوية

(6)

.

وقد تقدّم تحقيق ما هو الحقّ.

[الباب التاسع] بابُ الأَدْهَانِ تصيبُها النجاسةُ

35/ 3664 - (عَنْ مَيْمُونَةَ: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ فَأرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ، فَقالَ:"ألْقُوها وَما حَوْلَهَا وكُلُوا سَمْنَكُمْ". رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (12/ 31).

(2)

القاموس المحيط ص 1704 والنهاية (2/ 397).

(3)

لسان العرب (15/ 165).

(4)

كما في "المغني" لابن قدامة (13/ 354).

(5)

أي عن الإمام أحمد في "المغني"(13/ 354).

(6)

البحر الزخار (4/ 333 - 334).

(7)

في المسند (6/ 329، 330).

ص: 150

وَالبُخارِيُّ

(1)

والنَّسَائِيُّ

(2)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ: أنَّه سُئِلَ عَنِ الفأرةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَقالَ: "إنْ كانَ جامِدًا فَألْقُوها وَما حَوْلَهَا، وَإنْ كانَ مائِعًا فَلا تَقْرَبُوهُ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(3)

وَالنَّسائيُّ)

(4)

. [شاذ]

36/ 3665 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ فأرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ، فَقالَ:"إنْ كانَ جامِدًا فَخُذُوها وَما حَوْلَهَا ثمَّ كُلُوا ما بَقِيَ، وَإنْ كانَ مائِعًا فَلا تَقْرَبُوهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وأبُو دَاوُدَ)

(6)

. [شاذ]

حديث أبي هريرة قال الترمذي

(7)

: هو حديث غير محفوظ، سمعت محمد بن إسماعيل، - يعني البخاري - يقول: هذا خطأ.

قال

(8)

: والصحيح حديث الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، يعني الحديث الذي قبله.

قال في الفتح

(9)

: وجزم الذهليُّ بأن الطريقين [صحيحان]

(10)

، وقد قال أبو داود

(11)

في روايته عن الحسن بن عليّ: قال الحسن: وربما حدّث به معمر، عن الزهري، عن عبيد الله [بن]

(12)

عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة.

وأخرجه أبو داود

(13)

أيضًا عن أحمد بن صالح، عن عبد الرزاق، وكذا

(1)

في صحيحه رقم (235).

(2)

في السنن رقم (4258).

وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (3843).

(4)

في سننه رقم (4260).

وهو حديث شاذ، والله أعلم.

(5)

في المسند (2/ 265).

(6)

في سننه رقم (3842).

وهو حديث شاذ، والله أعلم.

(7)

في السنن (4/ 257).

(8)

أي: الترمذي في السنن (4/ 257).

(9)

(9/ 668).

(10)

في المخطوط (أ): (صحيحتان).

(11)

في إثر الحديث رقم (3842).

(12)

في المخطوط (ب): (عن) والمثبت من المخطوط (أ) وسنن أبي داود، وهو الصحيح.

(13)

في سننه رقم (3843) وهو حديث شاذ.

ص: 151

أخرجه النَّسَائِي

(1)

عن خشيش بن أصرم، عن عبد الرزاق، وذكر الإسماعيلي

(2)

: أن الليث رواهُ عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال:"بلغنا: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة" وذكر الحديث.

وأما الزيادة في حديث ميمونة التي زادها أبو داود

(3)

والنسائي

(4)

فصححها ابن حبان

(5)

وغيره.

قوله: (فماتت فيه) استدلّ بهذا الحديث لإحدى الروايتين عن أحمد أن المائع إذا حلت فيه النجاسة لا ينجس إلا بالتغير، وهو اختيار البخاري.

ووجه الاستدلال ما قاله ابن العربي

(6)

متمسكًا بقوله: "وما حولها" على أنه كان جامدًا، قال: لأنَّه لو كان مائعًا لم يكن له حول؛ لأنَّه لو نقل - من جانب خَلَفَهُ غيَّرُه في الحال، فيصير مما حوله، فيحتاج إلى إلقائه كلِّه، فما بقي إلا اعتبار ضابط كلي في المائع وهو التغير.

ولكنه يدفع هذا ما في الرواية الأخيرة من حديث ميمونة، وما في حديث أبي هريرة المذكور من التفرقة بين الجامد والمائع، وتبيين حكم كلِّ واحدٍ منهما.

وضابط المائع عند الجمهور

(7)

: أن يترادّ بسرعة إذا أُخذ منه شيءٌ، واستدلّ بقوله:"فماتت"، على أنَّ تأثيرها إنما يكون بموتها فيه، فلو وقعت فيه وخرجت بلا موتٍ لم يضرّ.

وما عدا الفأرة ملحقٌ بها، وكذلك ما يشابه السمن ملحق، فلا عمل بمفهومهما.

وجمد ابن حزم

(8)

على عادته [قال: فلو]

(9)

وقع غير جنس الفأرة من الدوابّ في مائع لم ينجس إلا بالتغير، ولم يرد في طريق صحيحة تقدير ما يلقى.

(1)

في سننه رقم (4260) وهو حديث شاذ.

(2)

كما في "الفتح"(9/ 668).

(3)

في سننه رقم (3843) وقد تقدم.

(4)

في سننه رقم (4260) وقد تقدم.

(5)

في صحيحه رقم (1392).

(6)

في عارضة الأحوذي (7/ 301).

(7)

الفتح (9/ 670).

(8)

في "المحلى"(1/ 142 - 143).

(9)

في المخطوط (ب): (فقال: لو).

ص: 152

وقد أخرج ابن أبي شيبة

(1)

من مرسل عطاء بن يسار أنه يكون قدر الكفّ وسنده جيد لولا إرساله.

وأما ما أخرجه الطبراني

(2)

عن أبي الدرداء مرفوعًا من التقييد في المأخوذ منه بثلاث غرفات بالكفين فسنده ضعيف، ولو ثبت لكان ظاهرًا في المائع، واستدلّ بقوله في المائع:"فلا تقربوه" على أنه لا يجوز الانتفاع به في شيء، فيحتاج من أجاز الانتفاع به في غير الأكل كالشافعية (3)، أو أجاز بيعه كالحنفية

(3)

إلى الجواب عن الحديث فإنهم احتجوا به في التفرقة بين الجامد والمائع.

وأما الاحتجاج بما عند البيهقي

(4)

من حديث ابن عمر [بلفظ]

(5)

: "إن كان السمن مائعًا انتفعوا به ولا تأكلوه".

وعنده

(6)

من رواية ابن جريج مثله، فالصحيح أنه موقوف.

وعند البيهقي

(7)

أيضًا عن ابن عمر: "في فأرة وقعت في زيت فقال: [استصبحوا]

(8)

به وادهنوا به أدمكم".

(1)

في المصنف (8/ 95) وليس فيه: (أنه يكون قدر الكف).

ولكن قد روى هذه الرواية عبد الرزاق في المصنف رقم (282).

(2)

في المعجم الكبير (1/ 287 - مجمع الزوائد) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفيه مسلمة بن علي الخشني وهو ضعيف جدًّا.

(3)

قال النووي في "المجموع"(9/ 40)"فرع: قال الخطابي: اختلف العلماء في الزيت إذا وقعت فيه نجاسة، فقال جماعة من أصحاب الحديث: لا يجوز الانتفاع به بوجه من الوجوه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فلا تقربوه".

وقال أبو حنيفة: هو نجس لا يجوز أكله ولا شربه، ويجوز الاستصباح به وبيعه.

وقال الشافعي: لا يجوز أكله ولا بيعه، ويجوز الاستصباح به.

وقال داود: "إن كان هذا سمنًا لم يجز بيعه ولا أكله ولا شربه. وإن كان زيتًا لم يحرم أكله ولا بيعه، وزعم أن الحديث مختص بالسمن، وهو لا يقاس. والله أعلم". اهـ.

وانظر: عيون المجالس (2/ 983 - 984).

(4)

في السنن الكبرى (9/ 354).

(5)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

أي عند البيهقي في السنن الكبرى (9/ 354).

(7)

في السنن الكبرى (9/ 354) بسند صحيح.

(8)

في المخطوط (ب): (اصطبحوا).

ص: 153

وهذا السند على شرط الشيخين لأنَّه من طريق الثوري عن أيوب عن نافع عنه إلا أنه موقوف.

واستدلّ بالحديث على أن الفأرة طاهرة العين.

وأغرب ابن العربي

(1)

فحكى عن الشافعي وأبي حنيفة أنها نجسة.

[الباب العاشر] بابُ آداب الأَكل

37/ 3666 - (عَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ طَعامًا فلْيَقُلْ: بِسْمِ الله، فإنْ نَسِيَ فِي أوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ الله على أوَّلِهِ وآخِرِهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

وَابْنُ ماجَهْ

(4)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)

(5)

. [صحيح]

الحديث أخرجه أيضًا النسائيُّ

(6)

، وهو من حديث عبد الله بن عبيد، عن امرأة منهم يقال لها: أمّ كلثوم عن عائشة، ولم يقل الترمذي

(7)

: عن امرأة منهم، إنما قال: عن أمّ كلثوم.

ووقع في [بعص رواياته]

(8)

: أم كلثوم الليثية. وهو الأشبه؛ لأن عبيد بن عمير ليثي.

وقد أخرج أبو بكر بن أبي شيبة هذا الحديث في مسنده

(9)

عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة، ولم يذكر فيه أمَّ كلثوم.

وفي الباب عن جابر عند مسلم

(10)

، وأبي داود

(11)

، والنسائي

(12)

، وابن

(1)

في عارضة الأحوذي (7/ 300).

(2)

في المسند (6/ 246، 265، 297).

(3)

في سننه رقم (3767).

(4)

في سننه رقم (3264).

(5)

في سننه رقم (1858) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(6)

وفي السنن الكبرى رقم (10112 - العلمية).

(7)

في السنن (4/ 288) رقم (1858).

(8)

في المخطوط (ب): (رواية).

(9)

لم أقف عليه في المسند المطبوع.

(10)

في صحيحه رقم (103/ 2018).

(11)

في سننه رقم (3765).

(12)

في السنن الكبرى رقم (6757 - العلمية).

ص: 154

ماجه

(1)

، سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله؛ وعند طعامه؛ قال الشيطان: لا مبيت لكم، ولا عشاء، وإذا دخل، فلم يذكر الله عند دخوله؛ قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء".

وعن حذيفة بن اليمان عند مُسلم

(2)

، وأبي داود

(3)

، والنسائي

(4)

قال: كنا إذا حضرنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم طعامًا لم يضع أحدنا يده في الطعام حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنا حضرنا معه طعامًا فجاء أعرابيّ كأنما يدفع، فذهب ليضع يده في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم جاءت جارية كأنما تدفع؛ فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها وقال:"إن الشيطان ليستحلّ الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذا الأعرابي ليستحلّ بيده فأخذت بيده، وجاء بهذه الجارية يستحلّ بيدها فأخذت بيدها، والذي نفسي بيده إن يده لفي يدي مع أيديهما".

وأخرج الترمذي

(5)

عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعامًا في ستة من أصحابه، فجاء أعرابيّ فأكل بلقمتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه لو سمى لكفي لكم" وقال: [حديث حسن]

(6)

.

وأخرج ابن السني

(7)

عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي

(1)

في سننه رقم (3887).

وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (102/ 2017).

(3)

في سننه رقم (3766).

(4)

في السنن الكبرى (رقم 6753 - العلمية).

(5)

في سننه رقم (1858) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(6)

في المخطوط (ب): (حسن صحيح).

(7)

في عمل اليوم والليلة رقم (459).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (5213) عن أبي يعلى. وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير" (ج 10 رقم 10354) و"المعجم الأوسط" رقم (4576) وفي الدعاء (2/ 1213) رقم (889). وللحديث شواهد خرج بعضها في الإرواء رقم (1965) المحدف الألباني، وانظر:"الصحيحة" رقم (198).

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

ص: 155

أن يذكر الله في أوّل طعامه فليقل حين يذكر: بسم الله أوّله وآخره، فإنه يستقبل طعامًا جديدًا ويمنع الخبيث مما كان يصيب منه".

وفي الباب أيضًا عن عمر بن أبي سلمة وسيأتي

(1)

.

وفي هذه الأحاديث دليل على مشروعية التسمية للأكل، وأن الناسي يقول في أثنائه: بسم الله على أوّله وآخره، [وكذا]

(2)

التارك للتسمية عمدًا يشرع له التدارك في أثنائه.

قال في الهدي

(3)

: والصحيح وجوب التسمية عند الأكل وهو أحد الوجهين لأصحاب أحمد، وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة لا معارض لها ولا إجماع يسوّغ مخالفتها ويخرجها عن ظاهرها، وتاركها يشركه الشيطان في طعامه وشرابه اهـ.

والذي عليه الجمهور

(4)

من السلف والخلف من المحدّثين وغيرهم: أن أكل الشيطان محمولٌ على ظاهره، وأن للشيطان يدين ورجلين وفيهم ذكر وأنثى، وأنَّه يأكل حقيقة بيده إذا لم يدفع.

وقيل: إن أكلهم على المجاز والاستعارة.

وقيل: إن أكلهم شمّ واسترواح، ولا ملجئ إلى شيء من ذلك.

وقد ثبت في الصحيح كما سيأتي

(5)

: "إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله".

وروي عن وهب بن منبه: أنه قال: الشياطين أجناس، فخالص الجنِّ لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتناكحون وهم ريح، ومنهم جنس يفعلون ذلك كله ويتوالدون وهم السعالي والغيلان ونحوهم.

38/ 3667 - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا يأكُلْ أحَدُكُمْ بِشمالِهِ

(1)

يأتي برقم (3669) من كتابنا هذا.

(2)

في المخطوط (ب): (وكذلك).

(3)

في "زاد المعاد"(2/ 362).

(4)

الفتح (9/ 522).

(5)

برقم (38/ 3667) من كتابنا هذا.

ص: 156

وَلَا يَشْرَبْ بِشمالِهِ، فإنَّ الشَّيْطانَ يأكُلُ بِشمالهِ ويشربُ بشماله"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وأبُو دَاوُد

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَه)

(4)

. [صحيح]

39/ 3668 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "البَرَكَةُ تَنْزِلُ فِي وَسَطِ الطَّعامِ، فَكُلُوا مِنْ حافَتَيْهِ، وَلا تأكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَابْنُ ماجَهْ

(6)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)

(7)

. [صحيح]

40/ 3669 - (وَعَنْ عُمَرَ بْنِ أبي سَلَمَةَ قالَ: كُنْتُ غُلامًا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقال لِي: "يا غُلامُ سَمِّ الله وكُلْ بِيَمِينكَ وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(8)

. [صحيح]

41/ 3670 - (وَعَنْ أبي جُحَيْفَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أمَّا أنا فَلا آكُلُ مُتَّكِئًا"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسائي)

(9)

. [صحيح]

قوله: (لا يأكل أحدكم بشماله) فيه النهي عن الأكل والشرب بالشمال، والنهي حقيقة في التحريم كما تقرّر في الأصول

(10)

، ولا يكون لمجرّد الكراهة فقط إلا مجازًا مع قيام صارف.

(1)

في المسند (2/ 8، 33، 106، 109).

(2)

في صحيحه رقم (105/ 2020).

(3)

في سننه رقم (3776).

(4)

في سننه رقم (1799) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (1/ 270، 345).

(6)

في سننه رقم (3277).

(7)

في سننه رقم (1805) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(8)

أحمد في المسند (4/ 26) والبخاري رقم (5376) ومسلم رقم (108/ 2022).

وهو حديث صحيح.

(9)

أحمد في المسند (4/ 308، 309) والبخاري رقم (5398) أبو داود رقم (3769) والترمذي رقم (1830) وابن ماجه رقم (3262).

وهو حديث صحيح.

(10)

إرشاد الفحول ص 384 بتحقيقي، وشرح الكوكب المنير (3/ 81) والمسودة ص 81.

ص: 157

قال النووي

(1)

: وهذا إذا لم يكن عذر، فإن كان عذر يمنع الأكل أو الشرب باليمين من مرض، أو جراحةٍ، أو غير ذلك فلا كراهة في الشمال.

قوله: (فإن الشيطان يأكل

إلخ) إشارة إلى أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشيطان، وقد تقدم الخلاف: هل ذلك على الحقيقة أم على المجاز؟.

قوله: (البركةُ تنزل في وسط الطعام) لفظ أبي داود

(2)

: "إذا أكل أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلى الصحفة ولكن لياكل من أسفلها، فإن البركة تنزل من أعلاها".

وفيه مشروعية الأكل من جوانب الطعام قبل وسطه.

قال الرافعي

(3)

وغيره: يكره أن يأكل من أعلى الثريد ووسط القصعة، وأن يأكل مما يلي أكيله ولا بأس بذلك في الفواكه.

وتعقبه الإِسنوي

(4)

بأنَّ الشافعي نصّ على التحريم؛ فإن لفظه في "الأم"

(5)

: فإن أكل مما يليه أو من رأس الطعام أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالمًا، واستدلّ بالنهي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأشار إلى هذا الحديث.

قال الغزالي

(6)

: وكذا لا يأكل من وسط الرغيف بل من استدارته إلا إذا قلّ الخبز فليكسر الخبز.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 191).

(2)

في سننه رقم (3772) وهو حديث صحيح.

(3)

في "الشرح الكبير"(8/ 353).

(4)

انظر: "الفتح"(9/ 522).

(5)

قال الشافعي في (الأم - الرسالة (1/ 162)): "ولم يكن أمره أن يأكل من بين يديه، ولا يأكل من رأس الطعام. إذا كان مباحًا له أن يأكل مما بين يديه، وجميع الطعام إلا أدبًا في الأكل من بين يديه؛ لأنَّه أجملُ به عندَ مواكِلِه، وأبعدُ له، من قُبْح الطعمة والنَّهم. وأمره ألا يأكل من رأس الطعام؛ لأنَّ البركة تنزل فيه، على النَّظر له في أن يُبارك له بركةً دائمةً تدومُ بدوام نزولها له، وهو يبيح له إذا أكل ما حولَ رأسِ الطعام أن يأكل رأسَه". اهـ.

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح"(9/ 522).

ص: 158

والعلة في ذلك: ما في الحديث من كون البركة تنزل في وسط الطعام.

قوله: (تطيش) بكسر الطاء، وبعدها مثناة تحتية ساكنة؛ أي: تتحرّك، وتمتدّ إلى نواحي الصحفة، ولا تقتصر على موضع واحدٍ.

قال النووي

(1)

: والصحفة دون القصعة: وهي ما تسع ما يشبع خمسة، والقصعة تشبع عشرة، كذا قاله الكسائي فيما حكاه الجوهري

(2)

وغيره عنه.

وقيل: الصحفة كالقصعة، وجمعها: صحاف.

قال النووي

(3)

أيضًا: وفي هذا الحديث ثلاث سنن من سنن الأكل وهي: التسمية، والأكل [باليمين]

(4)

، وقد سبق بيانهما.

والثالثة: الأكل مما يليه؛ لأنَّ أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة، وترك مروءةٍ قد يتقذّره صاحبه، لا سيما في الأمراق وشبهها.

وهذا في الثريد والأمراق وشبههما، فإن كان تمرًا وأجناسًا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه، والذي ينبغي تعميم النهي حملًا للنهي على عمومه حتى يثبت دليل مخصص، والله أعلم.

قوله: (أما أنا فلا آكل متكئًا)، سبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن بسر عند ابن ماجه

(5)

والطبراني

(6)

بإسناد حسن قال: "أهديت للنبيّ صلى الله عليه وسلم شاة فجثى على ركبتيه يأكل، فقال له أعرابيّ: ما هذه الجلسة؟ فقال: إن الله جعلني عبدًا كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا".

قال ابن بطال

(7)

: إنما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعًا لله، ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال: "أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها فقال: إن ربك يخيرك

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 193).

(2)

في "الصحاح"(3/ 1384).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 193).

(4)

في المخطوط (أ): باليمنى.

(5)

في سننه رقم (3263).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 73): "هذا إسناد صحيح روى أبو داود بعضه من حديث عبد الله بن بسر أيضًا". اهـ.

(6)

والطبراني في المعجم الكبير بإسناد حسن كما في الفتح (9/ 541).

(7)

في شرحه لصحيح البخاري (9/ 474).

ص: 159

بين أن تكون عبدًا نبيًّا أو ملكًا نبيًّا، قال: فنظر إلى جبريل كالمستشير له، فأومأ إليه أن تواضع، فقال: بل عبدًا نبيا، فما أكل متكئًا". اهـ.

قال الحافظ

(1)

: وهذا مرسل أو معضل، وقد وصله النَّسَائِي

(2)

من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال: كان ابن عباس يحدث

فذكر نحوه.

وأخرج أبو داود

(3)

من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "ما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط".

وأخرج ابن أبي شيبة

(4)

عن مجاهد قال: "ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم متكئًا إلا مرة ثم نزع فقال: اللهم إني عبدك ورسولك". وهذا مرسل.

ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو.

وقد أخرج ابن شاهين في ناسخه

(5)

من مرسل عطاء بن يسار "أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا فنهاه".

ومن حديث أنس

(6)

"أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاه جبريل عن الأكل متكئا لم يأكل متكئًا بعد ذلك".

واختلف في صفة الاتكاء، فقيل: أن يتمكن في الجلوس للأكل على أيّ صفةٍ كان، وقيل: أن يميل على أحد شقيه، وقيل: أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض.

(1)

في "الفتح"(9/ 541).

(2)

في السنن الكبرى رقم (6743 - العلمية) و (6710 - الرسالة).

(3)

في سننه رقم (3770) وهو حديث صحيح.

(4)

في "المصنف"(8/ 125).

(5)

الناسخ والمنسوخ من الحديث لابن شاهين (ص 453 رقم 650 - الوفاء).

إسناده ضعيف، لإرساله، وشريك سمى الحفظ.

(6)

أخرجه ابن شاهين في المرجع السابق (ص 453 رقم 651 - الوفاء).

إسناده ضعيف، لضعف عبد الحكم، ابن عبد الله القسملي.

ص: 160

قال الخطابي

(1)

: تحسبُ العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه، وليس كذلك، بل هو المعتمد على الوطاء عند الأكل؛ [لأنه صلى الله عليه وسلم قال]

(2)

: "إني أذمُّ فعل من يستكثر من الطعام، فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد، فلذلك أقعد مستوفزًا".

وفي حديث أنس

(3)

"أنه صلى الله عليه وسلم أكل تمرًا وهو مقع"، والمراد: الجلوس على وركيه غير متمكن.

وأخرج ابن عديّ

(4)

بسند ضعيف "زَجْرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل"، قال مالك: هو نوع من الاتكاء.

قال الحافظ

(5)

: وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة [كل]

(6)

ما يعد الآكل فيه متكئأ ولا يختصّ بصفة بعينها.

وجزم ابن الجوزي

(7)

في تفسير الاتكاء بأنه الميل على أحد الشقين، ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك.

وحكى ابن الأثير في النهاية

(8)

أن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوّله على مذهب الطبّ بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلًا، ولا يُسيْغُه هنيئًا.

واختلف السلف في حكم الأكل متكئًا؛ فزعم ابن القاص

(9)

أن ذلك من الخصائص النبوية.

(1)

في "معالم السنن"(4/ 141 - مع السنن).

وانظر: أعلام الحديث (3/ 2048).

(2)

في المخطوط (ب): (كأنه قال صلى الله عليه وسلم).

(3)

أخرجه أبو داود رقم (3771) وهو حديث صحيح.

(4)

لم أقف عليه في الكامل المطبوع.

وقد عزاه إلى ابن عدي الحافظ في "الفتح"(9/ 541) وقال: سنده ضعيف.

(5)

في "الفتح"(9/ 541).

(6)

زيادة من المخطوط (ب).

(7)

في "كشف المشكل"(1/ 439).

(8)

النهاية (1/ 192).

وانظر: "المجموع المغيث"(1/ 235).

(9)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 541).

ص: 161

وتعقبه البيهقي فقال: يكره لغيره أيضًا؛ لأنَّه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم، قال: فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه من الأكل إلا متكئًا لم يكن في ذلك كراهة، ثم ساق عن جماعة من السلف أنهم أكلوا كذلك.

وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة، وفي الحمل نظر.

وقد أخرج ابن أبي شيبة

(1)

عن ابن عباس، وخالد بن الوليد، وعبيدة السلماني، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن يسار، والزهري، جواز ذلك مطلقًا.

وإذا ثبت كونه مكروهًا أو خلاف الأولى فالمستحبّ في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيًا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى.

واستثنى الغزالي

(2)

من كراهة الأكل مضطجعًا أكل البقل.

واختلف في علة الكراهة، وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة

(3)

من طريق إبراهيم النخعي قال: كانوا يكرهون أن يأكلوا تكأة مخافة أن تعظم بطونهم، وإلى ذلك يشير بقية ما ورد من الأخبار.

ووجه الكراهة فيه ظاهر.

وكذلك ما أشار إليه ابن الأثير من جهة الطبّ.

42/ 3671 - (وَعَنْ أنَسٍ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا طَعِمَ طَعامًا لَعَقَ أصابِعَهُ الثلاثَ وَقالَ: "إذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْها الأذَى وَلْيأكُلْها وَلا يَدَعْها للشَّيْطانِ"، وأمَرَنا أنْ نَسْلُتَ القَصْعَةَ وَقالَ:"إنَّكُمْ لا تَدْرُونَ فِي أيّ طَعامِكُمُ البرَكَة"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

ومُسْلِمٌ

(5)

وأبُو دَاوُد

(6)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)

(7)

. [صحيح]

(1)

في "المصنف"(8/ 125 - 126).

(2)

انظر: "الإحياء" له (5/ 176).

(3)

في "المصنف"(8/ 126).

وموسوعة فقه إبراهيم النخعي (2/ 696).

(4)

في المسند (3/ 177، 290).

(5)

في صحيحه رقم (136/ 2034).

(6)

في سننه رقم (3845).

(7)

في سننه رقم (1803) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

ص: 162

43/ 3672 - (وَعَنِ المُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ قالَ: ضِفْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فأمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِيَ، قالَ: فأخَذَ الشَّفْرَةَ فَجَعَلَ يَحْتَزُّ لي بها مِنْهُ. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [صحيح]

44/ 3673 - (وَعَنْ جابِرٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أتى بَعْضَ حُجَرِ نِسائِهِ فَدَخَلَ، ثُمَّ أذِنَ لي فَدَخَلْتُ، فَقالَ:"هَلْ مِنْ غَدَاء؟ "، فَقالُوا: نَعَمْ، فأُتِيَ بِثَلاثَةِ أقْرُصَةٍ، فأخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قُرْصًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وأخَذَ قُرْصًا آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ أخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ باثْنَتَيْنِ، فَجَعَلَ نِصْفَه بَيْنَ يَدَيْهِ، وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ قالَ:"هَلْ مِنْ أدْمٍ؟ "، قالُوا: لا إلَّا شيْءٌ مِنْ خَلٍّ، قالَ:"هاتُوهُ فَنِعْمَ الأدْمُ هُوَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَمُسْلِمٌ)

(3)

. [صحيح]

حديث المغيرة أخرجه أيضًا أبو داود

(4)

، والترمذي

(5)

، وابن ماجه

(6)

.

ولفظ أبي داود (4) في باب ترك الوضوء مما مست النار: عن المغيرة بن شعبة، قال: "ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ليلة، فأمر بجنب فشوي فأخذ الشفرة، فجعل يحزُّ لي [بها]

(7)

منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى السكين وقال: "ما له تربت يداه؟ "، وقام يصلِّي. زاد ابن الأنباري:"وكان بشاربي وفاءٌ فقصَّه على سِوَاكٍ، أو قال: أقصُّه لك على سِوَاكٍ".

قوله: (لعق أصابعه) فيه استحباب لعق الأصابع محافظةً على بركة الطعام وتنظيفًا، وسيأتي تمام الكلام على ذلك.

(1)

في المسند (4/ 252، 255) بسند حسن.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (188) والترمذي في "الشمائل" رقم (167).

وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1550) مختصرًا، والطبراني في المعجم الكبير (ج 20 رقم 1059) من طرق. وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (1/ 303، 304، 364، 405).

(3)

في صحيحه رقم (169/ 2052).

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (188) وقد تقدم.

(5)

في "الشمائل" رقم (167) وقد تقدم.

(6)

لم أقف عليه عند ابن ماجه. ولم يعزه المزي لابن ماجه (8/ 492).

(7)

ما بين الحاصرتين سقط من (ب).

ص: 163

وفيه استحباب الأكل بثلاث أصابع، ولا يضمّ إليها الرابعة والخامسة إلا لعذرٍ؛ بأن يكون مرقًا وغيره مما لا يمكن بثلاث وغير ذلك من الأعذار.

قوله: (فليمط عنها الأذى) فيه مشروعية أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذًى يصيبها، هذا إذا لم تقع على موضع نجسٍ، ولا بدّ من غسلها إن أمكن، فإن تعذّر قال النووي

(1)

: أطعمها حيوانًا ولا يتركها للشيطان.

قوله: (أن نسلت القصعة) قال الخطابي

(2)

: سلت القصعة: تتبع ما يبقى فيها من الطعام.

وفيه أن لعق القصعة مشروع، والعلة في ذلك: ما ذكره عقبه من أنهم لا يدرون في أيِّ طعامهم البركة؟ أي: أن الطعام الذي يحضر الإنسان فيه بركة، ولا يدري هل البركة فيما أكل، أو فيما بقي على أصابعه، أو فيما بقي في أسفل القصعة، أو في اللقمة الساقطة؟ فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة؛ الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به.

قال النووي

(3)

: والمراد هنا والله أعلم ما تحصل به التغذية، وتسلم عاقبته من أذى، ويقوي على طاعة الله، وغير ذلك، وسيأتي حديث استغفار القصعة قريبًا، وهو صالح للتعليل به.

قوله: (ضِفْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم) بكسر الضاد المعجمة، من ضاف، يضيف مثل: باع يبيع.

قال في النهاية

(4)

: ضفت الرجل: إذا نزلت به في ضيافته.

وقال في الضياء: إذا تعرَّض به ليضيفه.

قال في النهاية

(5)

: وأضفته؛ إذا أنزلته، وتضيفته: إذا نزلت به.

قوله: (فأخذ الشفرة فجعل يحتزُّ لي بها) فيه دليل: على جواز قطع اللحم بالسكين.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 204).

(2)

في معالم السنن (4/ 184 - مع السنن).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 206).

(4)

النهاية (2/ 99).

(5)

النهاية (2/ 99).

ص: 164

وقد أخرج أبو داود

(1)

عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنع الأعاجم، وانهشوه فإنه أهنأ وأمرأ".

ويؤيد حديث الباب ما رواه البخاري

(2)

وغيره

(3)

من حديث عمرو بن أمية الضمري: "أنه رأى رسول الله يحتزّ من كتف شاةٍ، فدعي إلى الصلاة، فألقى السكِّين، فصلى ولم يتوضأ"، على أن حديث عائشة المذكور في إسناده أبو معشر السندي المدني واسمه نجيح

(4)

، كان يحيى بن سعيد القطان لا يحدّث عنه ويستضعفه جدًّا ويضحك إذا ذكره غيره.

قال المنذري

(5)

: وتكلم فيه غير واحد من الأئمة. وقال النَّسَائِي: أبو معشر له أحاديث مناكير منها هذا.

ومنها عن أبي هريرة: "ما بين المشرق والمغرب قبلة"

(6)

.

وأما أحمد بن حنبل فقال: صدوق

(7)

، وعلى كل حال فحديث عائشة لا يعادل ما عارضه من حديث عمرو بن أمية وحديث الباب.

(1)

في سننه رقم (3778).

وهو حديث ضعيف.

(2)

في صحيحه رقم (2923).

(3)

كأحمد في "المسند"(4/ 139) و (5/ 288) ومسلم رقم (92/ 355).

(4)

نجيح أبو معشر السندي، الهاشمي مولاهم المدني، صاحب المغازي.

قال ابن معين: ليس بقوي. وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه، وقال الدارقطني: ضعيف.

[التاريخ الكبير (8/ 114) والمجروحين (3/ 60) والجرح والتعديل (8/ 493) والميزان (4/ 246) ولسان الميزان (7/ 409) والخلاصة ص 406].

(5)

في "المختصر"(5/ 304).

(6)

أخرجه الترمذي رقم (342) وابن ماجه رقم (1511).

وهو حديث صحيح.

(7)

قال الإمام أحمد في "العلل" رواية عبد الله (602): أضعف الناس حديثًا.

وقال الإمام أحمد في "العلل" رواية عبد الله (875): صدوق لكنه لا يقيم الإسناد.

وقال الإمام أحمد في "العلل" رواية عبد الله (1595): هو أجل في القلب من إبراهيم بن مهاجر.

وقال الإمام أحمد في "العلل" رواية عبد الله (3616، 3998): ضعيف.

وقال الإمام أحمد في "العلل" رواية المروذي (133): لم يرضه وتكلم فيه بشيء.

ص: 165

ويروى عن الإمام أحمد أنه سئل عن حديث عائشة فقال: ليس بمعروف.

قوله: (فأخذ قرصًا

إلخ) فيه استحباب التسوية بين الحاضرين على الطعام وإن كان بعضهم أفضل من بعضهم.

قوله: (هل من أدم) قال أهل اللغة

(1)

: الإِدام - بكسر الهمزة -: ما يؤتدم به، يقال: أدم الخبز يأدمه - بكسر الدال -، وجمع الإِدام: أدم - بضم الهمزة - كإهاب وأهب، وكتاب وكتب، والأدم - بإسكان الدال - مفرد كالإدام، كذا قال النووي

(2)

.

قال الخطابي

(3)

والقاضي عياض

(4)

: معنى الحديث: مدح الاقتصار في المأكل، ومنع النفس عن ملاذّ الأطعمة. تقديره: ائتدموا بالخلّ وما في معناه، مما تخفّ مؤنته، ولا يعزّ وجوده، ولا تتأنقوا في الشهوات؛ فإنها مفسدة للدين مسقمة للبدن.

قال النووي

(5)

: والصواب الذي ينبغي أن يجزم به: أنه مدح للخلِّ نفسه.

وأمَّا الاقتصار في المطعم، وترك الشهوات؛ فمعلوم من قواعد أخر.

قال

(6)

: وأما قول جابر

(7)

: فما زلت أحبُّ الخلّ منذ سمعتها من نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فهو كقول أنس

(8)

: ما زلت أحبُّ الدُّبَّاءَ.

وهذا يؤيد ما قلناه في معنى الحديث: أنَّه مدح للخلّ نفسه، وقد كرّرنا مرّاتٍ: أن تأويل الراوي إذا لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين

(9)

، وهذا كذلك، بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ ويتعين اعتماده. اهـ.

(1)

"تهذيب اللغة" للأزهري (14/ 214 - 215).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (7/ 14).

(3)

في معالم السنن (4/ 169 - مع السنن).

(4)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 536).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (7/ 14).

(6)

أي النووي في "المرجع المتقدم آنفًا".

(7)

أخرجه مسلم رقم (167/ 1052).

(8)

أخرجه البخاري رقم (2092) ومسلم رقم (144/ 2041).

(9)

"إرشاد الفحول"(ص 585 - 586) بتحقيقي.

وشرح الكوكب المنير (2/ 560)، (3/ 460 - 465).

ص: 166

وقيل وهو الصواب: إنه ليس فيه تفضيل على اللحم واللبن والعسل والمرق، وإنما هو مدح له في تلك الحال التي حضر فيها، ولو حضر لحم أو لبن لكان أولى بالمدح منه.

45/ 3674 - (وَعَنْ أبي مَسْعُود عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو: أن رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ يُقالُ لَهُ: أبُو شُعَيْبٍ، صَنَعَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعامًا، فأرْسَلَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: ائتِني أنْتَ وَخمسَةٌ مَعَكَ، قالَ: فَبَعَثَ إلَيْه: "أنِ ائْذَنْ لي فِي السَّادِسِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

46/ 3675 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا أَكلَ أحَدُكُمْ طَعامًا فَلا يَمسَحْ يَدَهُ حتَّى يَلْعَقَها أوْ يُلْعِقَها" مُتَّفَق عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

وَرَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(3)

، وَقالَ فِيهِ:"بالمنْدِيلِ"). [صحيح]

47/ 3676 - (وَعَنْ جابِرٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِلَعْق الأصَابعِ وَالصَّحْفَةِ، وَقالَ:"إنَّكُمْ لا تَدْرُونَ فِي أيّ طَعامِكُمُ البرَكَةَ" رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَمُسْلِمٌ)

(5)

. [صحيح]

48/ 3677 - (وَعَنْ نَبِيشَةَ الخَيْرِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أَكَلَ في قَصْعَةٍ، ثُمَّ لَحَسَها اسْتَغْفَرتْ لَهُ القَصْعَةُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وَابْنُ ماجَهْ

(7)

وَالترْمِذِيُّ)

(8)

. [ضعيف]

(1)

أحمد في المسند (4/ 121) والبخاري رقم (5434) ومسلم رقم (138/ 2036).

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (1/ 221) والبخاري رقم (5456) ومسلم رقم (134/ 2033).

وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (3847).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (3/ 177، 301، 315، 331).

(5)

في صحيحه رقم (133/ 2033).

وهو حديث صحيح.

(6)

في المسند (5/ 76).

(7)

في سننه رقم (3271).

(8)

في سننه رقم (1804) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث المعلى بن راشد.

وهو حديث ضعيف.

ص: 167

49/ 3678 - (وَعَنْ جابِرٍ أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، فَقالَ: لا، لَقَدْ كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَجِدُ مِثْلَ ذلكَ مِنَ الطَّعامِ إلَّا قَلِيلًا، فإذَا نَحْنُ وَجَدْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَنا مَنادِيلُ إلَّا أكُفَّنا وَسَوَاعِدَنا وأقْدَامَنا ثُمَّ نُصَلِّي وَلا نتَوَضَّأ. رَوَاهُ البُخارِيُّ

(1)

وَابْنُ ماجَهْ)

(2)

. [ضعيف]

50/ 3679 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ باتَ في يَدِهِ غَمَرٌ ولَمْ يَغْسِلْهُ فأصَابَهُ شَيءٌ فَلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ)

(3)

[صحيح].

حديث نبيشة الخير رواهُ الترمذي

(4)

من طريق نصر بن علي الجهضمي، قال: أخبرنا أبو اليمان المعلى بن راشد قال: حدثتني جدتي أمُّ عاصم، وكانت أمّ ولد لسنان بن سلمة، قالت:"دخل علينا نبيشة الخير ونحن نأكل في قصعةٍ، فحدّثنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل في قصعةٍ ثم لحسها استغفرت له القصعة".

قال الترمذي

(5)

: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث المعلى بن راشد، وقد روى يزيد بن هارون وغير واحد من الأئمة عن المعلى بن راشد هذا الحديث. اهـ.

وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود ورجال إسناده رجال الصحيح.

(1)

في صحيحه رقم (5457).

(2)

في سننه رقم (3282).

وانظر ما قاله المحدث الألباني في "الضعيفة"(12/ 1/ 396 - 399) رقم (5675) فقد ضعف الحديث.

(3)

أحمد في المسند (2/ 263) وأبو داود رقم (3852) والترمذي رقم (1860) وابن ماجه رقم (3297).

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (1804) وقد تقدم.

(5)

في السنن (4/ 260).

ص: 168

وأخرجه الترمذي

(1)

معلقًا، وأخرجه الضياء

(2)

من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة وقال: غريب.

وأخرجه

(3)

أيضًا من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وقال

(4)

: حسن غريب لا نعرفه من حديث الأعمش إلا من هذا الوجه.

قوله: (فبعث إليه أن ائذن لي في السادس) فيه: أن المدعوَّ إذا تبعه رجلٌ من غير استدعاءٍ ينبغي له أن لا يأذن له، ولا ينهاه، وإذا بلغ باب دار صاحب الطعام، أعلمه به ليأذن له، أو يمنعه، وأنَّ صاحب الطعام يستحبّ له أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة؛ بأن يؤذي الحاضرين، أو يشيع عنهم ما يكرهونه، أو يكون جلوسه معهم مزريًا بهم لشهرته بالفسوق ونحو ذلك، فإن خيف من حضوره شيءٌ من هذا لم يأذن له، وينبغي أن يتلطف في ردِّه، ولو أعطاه شيئًا من الطعام إن كان يليق به ليكون ردًّا جميلًا، كذا قال النووي

(5)

.

قوله: (فلا يمسح يده) يحتمل أن يكون أطلق اليد على الأصابع الثلاث؛ لما تقدم

(6)

في حديث أنس بلفظ: "لعق أصابعه الثلاث".

وفي مسلم

(7)

من حديث كعب بن مالك بلفظ: "يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها".

ويحتمل أن يطلق على جميع أصابع اليد؛ لأن الغالب اتصال شيء من آثار الطعام بجميعها.

ويحتمل أن يكون المراد باليد الكفّ كلها.

قال الحافظ

(8)

: وهو الأولى فيشمل الحكمُ من أكل بكفِّه كلِّها أو بأصابعه فقط، أو ببعضها.

(1)

في السنن رقم (1859) مرفوعًا. دون قوله: "ولم يغسله وهو حديث موضوع.

(2)

لم أقف عليه في "المختارة" له المطبوعة.

(3)

أي الترمذي في سننه رقم (1860) وهو حديث صحيح وقد تقدم.

(4)

في السنن (4/ 289).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 208).

(6)

برقم (3671) من كتابنا هذا.

(7)

في صحيحه رقم (132/ 2032).

(8)

في "الفتح"(9/ 578).

ص: 169

وقال ابن العربي

(1)

في شرح الترمذي: يدلّ على الأكل بالكفّ كلها "أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعرق العظم وينهش اللحم"، ولا يمكن ذلك عادة إلا بالكفّ كلها.

قيل: وفيه نظر؛ لأنَّه يمكن بالثلاث سلمنا، لكن هو ممسك بكفِّه كلِّها لا آكلُ بها سلمنا، لكن محلّ الضرورة لا يدلُّ على عموم الأحوال.

ويؤخذ من حديث كعب بن مالك: أن السنَّة الأكل بثلاث أصابع، وإن كان الأكل بأكثر منها جائزًا.

وقد أخرج سعيد بن منصور

(2)

عن سفيان عن عبيد الله بن يزيد أنه رأى ابن عباس إذا أكل لعق أصابعه الثلاث.

قال عياض

(3)

: والأكل بأكثر منها من الشره وسوء الأدب، وتكبير اللقم ولأنه غير مضطرّ إلى ذلك؛ لجمعه اللقمة وإمساكها من جهاتها الثلاث، فإن اضطرّ إلى ذلك لخفة الطعام، وعدم تلفيفه بالثلاث فيدعمه بالرابعة أو الخامسة.

قوله: (حتى يَلعقها أو يُلعقها) الأوّل بفتح حرف المضارعة، والثاني بضمها: أي يلعقها زوجته أو جاريته أو خادمه أو ولده، وكذا من كان في معناهم كتلميذ يعتقد البركة بلعقها. وكذا لو ألعقها شاة ونحوها.

وقال البيهقي

(4)

: إن قوله: "أو يلعقها" شكّ من الراوي، ثم قال: فإن كانا جميعًا محفوظين فإنما أراد أن يلعقها صغيرًا أو من يعلم أنه لا يتقذّر بها، ويحتمل أن يكون أراد أن يلعق أصبعه فمه فيكون بمعنى يلعقها فتكون "أو" للشك.

قال ابن دقيق العيد

(5)

: جاءت علة هذا مبينة في بعض الروايات أنه لا يدري في أيّ طعامه البركة، وقد يعلل أن مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث

(1)

في "عارضة الأحوذي شرح الترمذي"(7/ 307).

(2)

كما في "الفتح"(9/ 578).

(3)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 501).

(4)

في "شعب الإيمان (8/ 41 - الرشد).

(5)

في "إحكام الأحكام"(ص 934).

ص: 170

لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق، لكن إذا صحّ الحديث بالتعليل لم يعدل عنه، وقد عرفت أنه في صحيح مسلم ما في الباب

(1)

.

قوله: (وقال فيه: بالمنديل) هو أيضًا في صحيح مسلم

(2)

بلفظ: "فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه".

وفي حديث جابر

(3)

أنهم لم يكن لهم مناديل، ومفهومه يدلّ على أنها لو كانت لهم مناديل لمسحوا بها.

قوله: (استغفرت له القصعة) فيه أن ذلك من القرب التي ينبغي المحافظة عليها؛ لأن استغفار القصعة دليل على كون الفعل مما يثاب عليه الفاعل.

قوله: (إلا أكفنا وسواعدنا) فيه الإِخبار بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من التقلل من الدنيا والزهد فيها والانتفاع بالأكفّ والسواعد كما ينتفع غيرهم بالمناديل، وقد تقدم الكلام على الوضوء مما مست النار.

قوله: (غَمَرَ) بفتح الغين المعجمة والميم معا: هو ريح دسم اللحم وزهومته، كالوضر من السمن، ذكر معنى ذلك في النهاية

(4)

.

قوله: (ولم يغسله) إطلاقه يقتضي حصول السنَّة بمجرّد الغسل بالماء.

قال ابن رسلان: والأولى غسل اليد منه بالأشنان والصابون، وما في معناهما.

قوله: (وأصابه شيءٌ) في رواية للطبراني

(5)

: "من بات وفي يده ريح غَمَر فأصابه وضح"، أي: برص.

قوله: (فلا يلومنّ إلا نفسه) أي: لأنَّه فرّط بترك الغسل فأتى الشيطان فلحس يده فوقع بها البرص.

(1)

رقم (3675) من كتابنا هذا.

(2)

في "صحيح مسلم" برقم (134/ 2033).

(3)

تقدم برقم (3678) من كتابنا هذا.

(4)

"النهاية"(2/ 320).

وانظر: "المجموع المغيث"(2/ 576).

(5)

في "المعجم الكبير"(ج 6 رقم 5435).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 30) وقال: إسناده حسن.

ص: 171

وأخرج الترمذي

(1)

عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان حساس لحاس فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده غمر فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه".

وقد جاء في الحديث تخصيص غسل اليد بأكل اللحم، فأخرج أبو يعلى

(2)

بإسناد ضعيف من حديث ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هذه اللحوم شيئًا فليغسل يده من ريح وضره".

51/ 3680 - (وَعَنْ أبي أُمامَةَ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا رَفَعَ مائِدَتَهُ قالَ: "الحَمْدُ لله كثِيرًا طيَبًا مُبارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ، ولَا مُوَدَّع، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَالبُخاريُّ

(4)

وأبُو دَاوُدَ

(5)

وَابْنُ ماجَهْ

(6)

وَالتِّرمِذِيُّ وَصحَّحَه

(7)

. [صحيح]

وفِي لَفْظٍ: كانَ إذَا فَرَغَ مِنْ طَعامِهِ قالَ: "الحَمْدُ لله الَّذِي كَفانا وأرْوَانا غَيْرَ مَكْفِيٍّ ولَا مَكْفُورٍ"، رَوَاهُ البُخارِيُّ)

(8)

. [صحيح]

52/ 3681 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: كانَ النبي صلى الله عليه وسلم إذَا أكَلَ أوْ شَرِبَ قالَ: "الْحَمْدُ لله الَّذِي أطْعَمَنا وَسَقانا وَجَعَلَنا مُسْلِمِينَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(9)

وأبُو دَاوُدَ

(10)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(11)

وَابْنُ ماجَهْ)

(12)

. [ضعيف]

(1)

في "السنن" رقم (1859) وقال: هذا حديث غريب.

وهو حديث موضوع.

(2)

في المسند رقم (5567) بسند ضعيف.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 30) وقال: فيه الوازع بن نافع وهو متروك.

(3)

في المسند (5/ 252، 256).

(4)

في صحيحه رقم (5458).

(5)

في سننه رقم (3849).

(6)

في سننه رقم (3284).

(7)

في سننه رقم (3456) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(8)

في صحيحه رقم (5459).

وهو حديث صحيح.

(9)

في المسند (3/ 32، 98).

(10)

في سننه رقم (3850).

(11)

في سننه رقم (3457).

(12)

في سننه رقم (3283).

وهو حديث ضعيف.

ص: 172

53/ 3682 - (وَعَنْ مُعاذِ بْنِ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أكَلَ طَعامًا فَقالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي أطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي ولَا قُوَّة غَفَرَ الله لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَابْنُ ماجَهْ

(2)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ)

(3)

. [حسن]

54/ 3683 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أطْعَمَهُ الله طَعامًا فَلْيَقُلْ: "اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيه، وأطْعِمْنا خَيْرًا مِنْهُ؛ وَمَنْ سَقاهُ الله لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيه وَزِدْنا مِنْه"، وَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ شَيءٌ يُجْزِي مَكانَ الشَّرَابِ وَالطَّعامِ غَيْرَ اللَّبَنِ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ)

(4)

. [حسن]

حديث أبي سعيد أخرجه أيضًا النسائي

(5)

وذكره البخاري في تاريخه الكبير

(6)

، وساق اختلاف الرواة فيه، وقد سكت عنه أبو داود

(7)

والمنذري

(8)

، وفي إسناده إسماعيل بن رباح السلمي وهو مجهول

(9)

.

(1)

في المسند (3/ 439).

(2)

في سننه رقم (3285).

(3)

في سننه رقم (3458) وقال: هذا حديث حسن غريب.

وهو حديث حسن.

(4)

أحمد في "المسند"(1/ 225، 284) وأبو داود رقم (3730) والترمذي رقم (3455) وابن ماجه رقم (3322). وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

وقال ابن علان (5/ 238) نقلًا عن الحافظ ابن حجر قوله: "هذا حديث حسن، يعني بطرقه، فإن مدار الحديث عند جميع من خرجه على علي بن زيد بن جدعان، وهو عنده ضعيف، لا يحسن حديثه إلا بالمتابعة والشواهد".

وهو حديث حسن.

(5)

في "سننه الكبرى" رقم (10120 - العلمية).

(6)

في "التاريخ الكبير"(1/ 353 - 354).

(7)

في "السنن"(4/ 187).

(8)

في "المختصر"(5/ 344).

(9)

قال الحافظ في "التقريب" رقم (444): إسماعيل بن رباح السلميُّ: مجهول. من الثالثة. س.

وقال المحرران: (س) هكذا في الأصل. وصوابه عند المزي (د تم سي)"فإن أبا داود روى له في "السنن" (3850) وروى له الترمذي في "الشمائل" ص 123 والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (291).

ص: 173

وحديث معاذ بن أنس أخرجه الترمذي

(1)

من طريق محمد بن إسماعيل قال: حدثنا [محمد بن إسماعيل قال: حدثنا]

(2)

عبد الله بن يزيد المقبري، حدثنا سعيد بن أيوب، حدثني أبو مرحوم - وهو عبد الرحمن بن ميمون - عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه، وساق الحديث ثم قال: هذا حديث حسن غريب.

وحديث ابن عباس [وغيره، ولكن]

(3)

لفظ أبي داود

(4)

: "إذا أكل أحدكم طعامًا فليقل: اللهمّ بارك لنا فيه، وأطعمنا خيرًا منه؛ وإذا سقي لبنًا فليقل: اللهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن".

ولفظ الترمذي

(5)

: "من أطعمه الله طعامًا فليقل: اللهمّ بارك فيه وأطعمنا خيرًا منه؛ ومن سقاه الله لبنًا فليقل: اللهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس شيء يجزي مكان الطعام والشراب غير اللبن" وقد حسّن هذا الحديث الترمذي

(6)

، ولكن في إسناده عليّ بن زيد بن جدعان، عن عمر بن حرملة، وقد ضعّف عليَّ بن زيد جماعةٌ من

(7)

الحفاظ. وعمر بن حرملة

(8)

سئل عنه أبو زرعة الرازي

(9)

فقال: بصري لا أعرفه إلا في هذا الحديث.

قوله: (إذا رفع مائدته) قد ثبت: أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل على خوان قط، كما في

(1)

في "السنن" رقم (3458) وهو حديث حسن.

(2)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(3)

في المخطوط (أ): (و).

(4)

في السنن رقم (3730) وهو حديث حسن. وقد تقدم.

(5)

في السنن رقم (3455) وهو حديث حسن. وقد تقدم.

(6)

في السنن (5/ 507).

(7)

علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي، البصري، أصلُه حجازي، وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان. ينسب أبوه إلى جدِّ جدِّه: ضعيف

"التقريب" رقم (4734).

(8)

عمر بن حرملة، أو ابن أبي حرملة، وقيل: اسمه عمرو: مجهول. من الرابعة. (د ت س). "التقريب" رقم (4875).

(9)

كما في الجرح والتعديل (6/ 102) رقم (533).

ص: 174

حديث أنس

(1)

، والمائدة: هي خوان عليه طعام، فأجاب بعضهم بأن أنسًا ما رأى ذلك ورآه غيره، والمثبت يقدم على النافي.

قال في الفتح

(2)

: وقد تطلق المائدة ويراد بها نفس الطعام. وقد نقل عن البخاري أنه قال: إذا أكل الطعام على شيء ثم رفع قيل: رفعت المائدة.

قوله: (غير مكفيٍّ) بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الفاء وتشديد التحتانية.

قال ابن بطال

(3)

: يحتمل أن يكون من كفأت الإِناء، فالمعنى: غير مردود عليه إنعامه، ويحتمل أن يكون من الكفاية؛ أي: أن الله غير مكفي رزق عباده لأنَّه لا يكفيهم أحدٌ غيره.

وقال ابن التين

(4)

: أي: غير محتاج إلى أحدٍ لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم، هذا قول الخطابي

(5)

.

وقال القزاز (4): معناه: أنا غير مكتف بنفسي عن كفايته.

وقال الداودي: معناه: لم أكتف من فضل الله ونعمته. قال ابن التين: وقول الخطابي أولى؛ لأن مفعولًا بمعنى مفتعل فيه بعدٌ، وخروجٌ عن الظاهر.

قال في الفتح

(6)

: وهذا كله على أن الضمير لله، ويحتمل أن يكون الضمير للحمد.

وقال إبراهيم الحربي: الضمير للطعام، ومكفيّ: بمعنى مقلوب من الإِكفاء، وهو القلب.

وذكر ابن الجوزي

(7)

عن أبي منصور الجواليقي: أن الصواب: غير مكافأ بالهمز: أي: إنَّ نعمة الله لا تكافأ. اهـ.

(1)

أخرجه البخاري رقم (5386).

(2)

(9/ 580).

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (9/ 506).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 580).

(5)

في معالم السنن (4/ 187).

(6)

الفتح (9/ 580).

(7)

في "كشف المشكل"(4/ 147 - 148).

ص: 175

وقد ثبت هكذا في حديث أبي هريرة.

ويؤيد هذا لفظ: "كفانا" الواقع في الرواية الأخرى؛ لأن الضمير فيه يعود إلى الله تعالى بلا ريب؛ إذ هو تعالى هو الكافي لا المكفي، وكفانا: هو من الكفاية، وهو أعمُّ من الشبع، والريِّ، وغيرهما، فأروانا على هذا من الخاصّ بعد العامّ.

ووقع في رواية ابن السكن (1): "وآوانا" بالمدّ من الإِيواء.

قوله: (ولا مودع) بفتح الدال الثقيلة، أي: غير متروك. ويحتمل أنه حال من القائل، أي: غير تارك.

قوله: (ولا مستغنًى عنه) بفتح النون وبالتنوين.

قوله: (ربُّنا) بالرفع على أنه خبر مبتدأٍ محذوف: أي هو ربنا، أو على أنه مبتدأ وخبره متقدم عليه، ويجوز النصب على المدح أو الاختصاص أو إضمار أعني.

قال ابن التين

(1)

: ويجوز الجرّ على أنه بدل من الضمير في "عنه"، وقال غيره: على البدل من الاسم في قوله: "الحمد لله"، وقال ابن الجوزي

(2)

: "ربنا" بالنصب على النداء مع حذف أداة النداء.

قوله: (ولا مكفور) أي: مجحود فضله ونعمته، وهذا أيضًا مما يقوِّي أن الضمير لله تعالى.

قوله: (إذا أكل أو شرب) لفظ أبي داود

(3)

: "كان إذا فرغ من طعامه" والمذكور في الباب لفظ الترمذي

(4)

.

وفي حديث أبي هريرة عند النَّسَائِي

(5)

والحاكم

(6)

وقال: صحيح على شرط مسلم مرفوعًا: "الحمد لله الذي أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسا من

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(9/ 581).

(2)

في "كشف المشكل"(4/ 147).

(3)

في سننه رقم (3850) وقد تقدم.

(4)

في سننه رقم (3457) وقد تقدم.

(5)

في السنن الكبرى (10133 - العلمية).

(6)

في المستدرك (1/ 546) وصححه ووافقه الذهبي.

ص: 176

العري وهدى من الضلالة وبصر من العمى وفضل على كثير ممن خلق تفضيلًا".

قوله: (وزدنا منه) هذا يدلّ على الروايات التي ذكرناها أنه ليس في الأطعمة والأشربة خير من اللبن.

وظاهره: أنه خير من العسل الذي هو شفاء، لكن قد يقال: إن اللبن باعتبار التغذي والريّ خير من العسل، ومرجح عليه، والعسل باعتبار التداوي من كل داء وباعتبار الحلاوة مرجح على اللبن، ففي كل منهما خصوصية يترجح بها، ويحتمل أن المراد وزدنا لبنًا من جنسه وهو لبن الجنة كما في قوله تعالى:{هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ}

(1)

.

قوله: (فإنه ليس يُجزي) بضم أوله (في الطعام) أي: بدل الطعام. كقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ}

(2)

، أي: بدلها.

* * *

(1)

سورة البقرة، الآية:(25).

(2)

سورة التوبة، الآية:(38).

ص: 177

[الكتاب الثاني والأربعون] كتاب الأشربة

[الباب الأول] بابُ تحريم الخمر ونسخ إباحتها المتقدمة

1/ 3684 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ شَرِبَ الخمْرَ فِي الدُّنْيا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْها حُرِمَها فِي الآخِرَةِ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

(1)

. [صحيح]

2/ 3685 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مُدْمِنُ الخَمْرِ كَعابدِ وَثَنٍ"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(2)

. [حسن]

3/ 3686 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يا أيُّهَا النَّاسُ إن الله يَبْغَضُ الخَمْرَ، وَلَعَلَّ الله سَيُنْزِلُ فِيها أمْرًا، فَمَنْ كانَ عِنْدَهُ مِنْها شَيءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ"، قالَ: فَمَا لَبِثنَا إلَّا يَسِيرًا حتَّى قالَ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله حَرَّمَ الخَمْرَ فَمَنْ أدْرَكَتْهُ هَذِهِ الآيةُ وَعِنْدَهُ مِنْها شَيءٌ فَلا يَشْرَبُ، [وَلَا يَبِيعُ] "

(3)

، قالَ:

(1)

أحمد في المسند (2/ 21) والبخاري رقم (5575) ومسلم رقم (77/ 2003) وأبو داود رقم (3679) والنسائي رقم (5761) وابن ماجه رقم (3373).

وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (3375).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 102): "هذا إسناد فيه مقال، محمد بن سليمان ضعفه النَّسَائِي وابن عدي، وقواه ابن حبان.

وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وباقي رجال الإسناد ثقات وله شاهد من حديث أبي موسى

". اهـ. وانظر: "الصحيحة" رقم (677).

وهو حديث حسن.

(3)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصحيح (ولا يبع) من صحيح مسلم.

ص: 178

فاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كانَ عِنْدَهُمْ مِنْها طُرُقَ المَدِينَةِ فَسَفَكُوها. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

(1)

.

4/ 3687 - (وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: كان لِرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم صدِيقٌ مِنْ ثَقِيفٍ أو دوْسٍ فَلَقِيَهُ يَوْمَ الفَتْحِ بِراحِلَةٍ أوْ راوِيَةٍ مِنْ خَمْرٍ يُهْدِيها إلَيْهِ، فَقال: "يا فُلانُ أمَا عَلِمْت أن الله حرمَهَا؟ " فأقْبَل الرَّجُلُ على غُلامِهِ فَقال: اذْهَبْ فَبِعْها، فَقال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الذِي حَرَّم شُرْبَها حَرَّم بَيْعَها")، فأمَر بِها فأُفِرغَتْ في البَطْحاءِ. رواهُ أحْمَدُ

(2)

ومُسْلِمٌ

(3)

والنَّسائيُّ

(4)

. [صحيح]

وفي رِوايَةٍ لأحْمَد

(5)

: أن رجُلًا خَرج والخَمْرُ حَلالٌ فأَهْدَى لِرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم راوِية خمْرٍ، فَذكَر نحْوهُ. [صحيح]

وهُو دلِيلٌ على أن الخُمُور المُحَرَّمَة وغَيرَها تُراقُ ولَا تُسْتَصْلَحُ بِتَخْلِيلٍ ولَا غَيْرِه).

5/ 3688 - (وعَنْ أبي هُريْرةَ: أنَّ رَجُلًا كان يُهْدِي للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَاوِيةَ خَمْرٍ، فأهْدَاها إلَيْهِ عامًا وقَدْ حُرِّمَتْ، فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّهَا قَدْ حُرّمَتْ"، فَقال الرَّجُلُ: أفَلا أبِيعُها؟ فَقال: "إن الَّذِي حَرَّم شُرْبَها حَرَّم بَيْعَهَا"، قال: أفلَا أكارِمُ بِهَا الْيَهُودَ؟ قالَ: "إنَّ الَّذِي حَرَّمَهَا حَرَّم أنْ يُكارَمَ بِهَا الْيَهُودُ"، قال: فَكَيْفَ أصْنَعُ بِهَا؟ قال: "شِنَّها على البَطْحاءِ")، رواهُ الحُمَيْدِيُّ في مُسْنَدِهِ

(6)

. [صحيح بشواهده]

(1)

في صحيحه رقم (67/ 1578).

(2)

في المسند (1/ 230، 244).

(3)

في صحيحه رقم (68/ 1579).

(4)

في سننه رقم (4664).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (1/ 323 - 324) بسند حسن.

وهو حديث صحيح.

(6)

في مسنده (2/ 447 - 448) رقم (1034).

إسناده ضعيف للجهالة بِأحد رواته.

وله شواهد كثيرة (منها):

عن عباس رضي الله عنهما، قال: أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما علمتَ أن الله حرّمها؟ " قال: لا، فسارّه رجل إلى جنبه فقال له =

ص: 179

6/ 3689 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: نَزَلَ في الخَمْرِ ثَلاثُ آياتٍ؛ فأوَّلُ شَيءٍ نَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}

(1)

الآية، فَقِيلَ: حُرّمَتِ الخَمْرُ، فَقِيلَ: يا رَسُولَ الله نَنْتَفِعُ بِهَا كمَا قالَ الله عز وجل، فَسَكَتَ عَنْهُم، ثُمَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:{لَا تَقرَبُوا الصَّلَاةَ وَأنتُمْ سُكَارَى}

(2)

، فَقِيلَ: حُرّمَتِ الخَمْرُ بِعَيْنِها، فَقالُوا: يا رَسُولَ الله إنَّا لا نَشْرَبُهَا قُرْبَ الصَّلاةِ، فَسَكَتَ عَنْهُمْ، ثُمَّ نَزَلَتْ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}

(3)

الآيَةَ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"حُرّمَتِ الخَمْرُ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ الطَّيالِسِيُّ في مُسْنَدِهِ)

(4)

. [صحيح بغير هذا السياق]

7/ 3690 - (وَعَنْ علِيّ قالَ: صَنَعَ لَنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ طَعامًا فَدَعانا وَسَقانا مِنَ الخَمْرِ، فأخَذَتِ الخَمْرُ منَّا، وَقَدْ حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَقَدَّمُوني، فَقَرَأتُ: (قُلْ يا أيُّهَا الكافِرُونَ لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَنحْنُ نَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ)، قالَ: فأنْزلَ الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}

(5)

، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصحَّحَهُ)

(6)

. [صحيح]

= رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بم ساررته؟ " فقال: أمرته أن يبيعها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الذي حرّم شربها حرّم بيعها"، ففتح الرجل المزادتين حتى ذهب ما فيهما.

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (68/ 1579).

وحديث أبي هريرة صحيح بشواهده.

(1)

سورة البقرة، الآية:(219).

(2)

سورة النساء، الآية:(43).

(3)

سورة المائدة، الآية:(90).

(4)

في مسند أبي داود الطيالسي رقم (1957) بسند ضعيف، لجهالة أبي توبة المصري، وسوء حفظ محمد بن أبي حميد.

وأخرجه أبو داود رقم (3674) وابن ماجه رقم (3380) والبيهقي (8/ 287) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وأبي طعمة، سمعا ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الخمر وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه".

وهو حديث صحيح.

(5)

سورة النساء، الآية:(43).

(6)

في سننه رقم (3026) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

ص: 180

حديث أبي هريرة الأول: إسناده في سنن ابن ماجه

(1)

هكذا: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن الصباح، قال: حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة

فذكره، ورجال إسناده ثقات إلا محمد بن سليمان فصدوق لكنه يخطئ

(2)

، وقد ضعفه النَّسَائِي، وقال أبو حاتم

(3)

: لا بأس به وليس بحجة.

وحديث عليّ سيأتي الكلام عليه آخر البحث.

قوله: (من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها حُرِمَها) بضم المهملة وكسر الراء الخفيفة من الحرمان، والمراد بقوله:"لم يتب منها" أي: من شربها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

قال الخطابي

(4)

والبغوي في شرح السنة

(5)

: معنى الحديث لا يدخل الجنة؛ لأن الخمر شراب أهل الجنة، فإذا حرّم شربها دلّ على أنه لا يدخل الجنة.

وقال ابن عبد البّر

(6)

: هذا وعيد شديد يدل على حرمان دخول الجنة؛ لأن الله تعالى أخْبَرَ أن في الجنة أنهارًا من خمر لذّة للشاربين، وأنهم لا يصدّعون عنها ولا ينزفون، فلو دخلها وقد علم أن فيها خمرًا أو أنه حرمها عقوبةً له؛ لزم وقوع الهمِّ والحزن، والجنة لا همّ فيها ولا حزن.

وإن لم يعلم بوجودها في الجنة، ولا أنه حرمها عقوبةً له لم يكن عليه في فقدها ألم.

فلهذا قال بعض من تقدم: إنه لا يدخل الجنة أصلًا.

قال

(7)

: وهو مذهب غير مرضي. قال: ويحمل الحديث عند أهل السنة: على أنه لا يدخلها، ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله عنه، كما في بقية الكبائر، وهو في المشيئة، فعلى هذا معنى الحديث: جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلا إن عفا الله عنه.

(1)

في سننه رقم (3375) وهو حديث حسن.

(2)

التقريب رقم الترجمة (5930).

(3)

الجرح والتعديل (7/ 267).

(4)

في معالم السنن (4/ 86).

(5)

(11/ 355).

(6)

في "التمهيد"(14/ 150 - الفاروق).

(7)

أي: ابن عبد البر في المرجع السابق (14/ 150).

ص: 181

قال

(1)

: وجائزٌ أن يدخل الجنة بالعفو ثم لا يشرب فيها خمرًا، ولا تشتهيها نفسه، وإن علم بوجودها فيها.

ويؤيده حديث أبي سعيد مرفوعًا: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه"، وقد أخرجه الطبراني

(2)

، وصححه ابن حبان

(3)

.

وقريبٌ منه حديث عبد الله بن عمرو رفعه: "من مات من أمتى وهو يشرب الخمر حرّم الله عليه شربها في الجنة"، أخرجه أحمد

(4)

بسند حسن.

وقد زاد عياض

(5)

على ما ذكره ابن عبد البّر

(6)

احتمالًا، وهو أن المراد بحرمانه شربها أنه يحبس عن الجنة مدة إذا أراد الله عقوبته.

ومثله الحديث الآخر: "لم يرح رائحة الجنة"

(7)

قال: ومن قال: لا يشربها

(1)

أي: ابن عبد البر في المرجع السابق (14/ 151).

(2)

في المعجم الأوسط رقم (5592).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 142) وقال: "فيه عيسى بن بكر بن داب وهو ضعيف جدًّا".

(3)

في صحيحه رقم (5437).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (3/ 23) والطيالسي رقم (2217) والطحاوي (4/ 246) والحاكم (4/ 191) وصححه الحاكم وأقره الذهبي.

إسناده ضعيف لجهالة داود السراج. وشطره الأول ثابت عن عدد من الصحابة في الصحيحين.

(4)

في المسند (2/ 209) بسند ضعيف، لسماع يزيد بن هارون من الجريري - وهو سعيد بن إياس - بعدما اختلط. وباقي رجاله ثقات.

وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 74) وقال: رجاله ثقات.

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 470).

(6)

في "التمهيد"(14/ 150 - 151 - الفاروق).

(7)

أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (363).

وأورده الهيثمي في "المجمع"(5/ 68) وقال: ورجاله رجال الصحيح خلا صالح بن داود التمار وهو ثقة.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 147) وقال: صحيح على شرط مسلم. من حديث عبد الله بن عمر. مرفوعًا ولفظه: "ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة، ولا يموت وفي مثانته منها شيء إلا حرمت عليه الجنة

". اهـ.

ص: 182

في الجنة بأن ينساها أو لا يشتهيها يقول: ليس عليه في ذلك حسرة ولا يكون ترك شهوته إياها عقوبة في حقه بل هو نقص، نعم بالنسبة إلى من هو أتمّ نعيمًا منه كما تختلف درجاتهم ولا يلحق من هو أنقص درجة بمن هو أعلى درجة منه استغناء بما أعطي واغتباطًا به.

وقال ابن العربي

(1)

: ظاهر الحديثين: أنه لا يشرب الخمر في الجنة، ولا يلبس الحرير فيها، وذلك: لأنَّه استعجل ما أمر بتأخيره، ووعد به، فحرمه عند ميقاته، وفصَّل بعض المتأخرين بين من شربها مستحلًّا، فهو الذي لا يشربها أصلًا؛ لأنَّه لا يدخل الجنة أصلًا.

وعدم الدخول يستلزم حرمانها، ومن شربها عالمًا بتحريمها، فهو محلُّ الخلاف، وهو الذي يُحْرَمُ شربها مدّةً ولو في حال تعذيبه إنْ عذّب؛ أو المعنى: أن ذاك جزاؤه إن جوزي.

وفي الحديث: "إن التوبة تكفّر المعاصي والكبائر"، وذلك في التوبة من الكفر القطعي؛ وفي غيره من الذنوب خلاف بين أهل السنة، هل هو قطعي أو ظني؟

قال النووي

(2)

: الأقوى أنه ظني.

وقال القرطبي

(3)

: من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعًا، وللتوبة الصادقة شروط مدوّنة في مواطن ذلك.

وظاهر الوعيد أنه يتناول من شرب الخمر وإن لم يحصل له السكر؛ لأنَّه رتب الوعيد في الحديث على مجرّد الشرب من غير تقييد.

قال في الفتح

(4)

: وهو مجمع عليه في الخمر المتخذ من عصير العنب، وكذا فيما يسكر من غيرها، وأما ما لا يسكر من غيرها فالأمر فيه كذلك عند الجمهور.

(1)

في عارضة الأحوذي (8/ 51).

(2)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 173).

(3)

في "المفهم"(5/ 269) ونصه: "إن من استقرأ الشريعة قرآنًا وسنةً، وتتبع ما فيهما من هذا المعنى علم علم القطع واليقين أن الله يقبل توبة الصادقين".

(4)

(10/ 33).

ص: 183

قوله: (مدمن الخمر كعابد وثن)، هذا وعيدٌ شديدٌ وتهديدٌ ما عليه مزيد؛ لأن عابد الوثن أشدُّ الكافرين كفرًا، فالتشبيه لفاعل هذه المعصية بفاعل العبادة للوثن من أعظم المبالغة والزجر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

قوله: (إن الله حرّم الخمر) اختلف في بيان الوقت الذي حُرِّمت فيه الخمر، فقال الدمياطي

(1)

في "سيرته"

(2)

بأنه كان عام الحديبية، والحديبية كانت سنة ستّ. وذكر ابن إسحاق

(3)

: أنه كان في وقعة بني النضير، وهي بعد أُحُدٍ، وذلك سنة أربع على الراجح.

قوله: (فمن أدركته هذه الآية) لعله يعني قوله تعالى: {إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ}

(4)

.

قوله: (أفلا أكارم بها اليهود) قال في القاموس

(5)

: كارمه فكَرَمَه، كنصره: غلبه فيه. اهـ. ولعلّ المراد هنا المهاداة. قال في النهاية

(6)

: المكارمة: أن تهدي لإِنسان شيئًا ليكافئك عليه. وهي مفاعلة من الكرم. اهـ.

قوله: (ثم نزلت: {إنَّمَا الخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ})، أخرج أبو داود

(7)

عن ابن عباس أن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}

(8)

، وقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}

(9)

نسختهما التي في المائدة: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ}

(10)

، وفي

(1)

هو عبد المؤمن بن خلف، (ت 705 هـ).

(2)

السيرة، الدمياطي، عبد المؤمن بن خلف، (ت 705 هـ).

ذكره له: الذهبي في المعجم المختص، (95) وحاجي خليفة في "كشف الظنون"(2/ 1013).

[معجم المصنفات ص 221 رقم (646)].

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 31).

(4)

سورة المائدة، الآية:(90).

(5)

القاموس المحيط ص 1489.

(6)

النهاية (2/ 536).

وانظر: الفائق للزمخشري (3/ 254).

(7)

في السنن رقم (3672) بسند حسن.

(8)

سورة النساء، الآية:(43).

(9)

سورة البقرة، الآية:(219).

(10)

سورة المائدة، الآية:(90).

ص: 184

إسناده عليّ بن الحسين بن واقد، وفيه مقال

(1)

.

ووجه النَّسخ: أن الآية الآخرة فيها الأمر بمطلق الاجتناب، وهو يستلزم: أن لا ينتفع بشيء معه من الخمر في حال من حالاته في غير وقت الصلاة، وفي حال السُّكر وحال عدم السكر، وجميع المنافع في العين والثمن.

قوله: (وعن عليّ قال: صنع لنا عبد الرحمن

إلخ)، هذا الحديث صححه الترمذي

(2)

كما رواه المصنف رحمه الله [تعالى]

(3)

-.

وأخرجه أيضًا النسائي

(4)

وأبو داود

(5)

، وفي إسناده عطاء بن السائب لا يعرف إلا من حديثه. وقد قال يحيى بن معين: لا يحتجّ بحديثه، وفرّق مرّة بين حديثه القديم وحديثه الحديث، ووافقه على التفرقة الإِمام أحمد

(6)

.

وقال أبو بكر البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عليّ رضي الله عنه متصل الإِسناد إلا من حديث عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن؛ يعني السلمي، وإنما كان ذلك قبل أن تحرم الخمر فحرمت من أجل ذلك.

قال المنذري

(7)

: وقد اختلف في إسناده ومتنه، فأما الاختلاف في إسناده فرواه سفيان الثوري وأبو جعفر الرازي عن عطاء بن السائب فأرسلوه.

وأما الاختلاف في متنه ففي كتاب أبي داود

(8)

والترمذي

(9)

: أن الذي صلى بهم عليّ.

(1)

علي بن الحسين بن واقد المروزي: صدوق يهم. التقريب رقم (4717). وقال: المحرران: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد

(2)

في السنن (5/ 238).

(3)

زيادة من المخطوط (ب).

(4)

في السنن الكبرى رقم (11041 - الرسالة).

(5)

في سننه رقم (3671).

وهو حديث صحيح.

(6)

انظر: "بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم"(ص 296 رقم 690) والعلل رواية عبد الله (5368) والعلل رواية للمروذي (33) والجرح والتعديل (3/ 1/ 334) والميزان (3/ 71).

(7)

في "المختصر"(5/ 259).

(8)

في سننه رقم (3671).

(9)

في سننه رقم (3026).

ص: 185

وفي كتاب النَّسَائِي

(1)

وأبي جعفر النحاس

(2)

أن المصلي بهم عبد الرحمن بن عوف.

وفي كتاب أبي بكر البزار: أمروا رجلًا فصلى بهم ولم يسمه.

وفي حديث غيره: "فتقدم بعض القوم". اهـ.

وأخرج الحاكم

(3)

في تفسير سورة النساء عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن عليّ رضي الله عنه دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر فحضرت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فأُلبس عليه، فنزلت:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}

(4)

، ثم قال: صحيح.

قال: وفي هذا الحديث فائدة كبيرة، وهي أن الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب دون غيره. وقد برأه الله منها فإنه راوي الحديث.

[الباب الثاني] بابُ ما يُتَّخَذ منْهُ الخَمْرُ وأَنَّ كلَّ مُسْكِرٍ حرامٌ

8/ 3691 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "الخَمْرُ مِنْ هاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ، وَالعِنبَةِ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ)

(5)

. [صحيح]

9/ 3692 - (وَعَنْ أنَسٍ قال: إنَّ الخَمْرَ حُرّمَتْ وَالخَمْرُ يَوْمَئِذٍ البُسْرُ والتَّمْرُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(6)

. [صحيح]

(1)

في السنن الكبرى رقم (11041 - الرسالة) إلا أن فيه أن الذي صلى علي بن أبي طالب.

(2)

في "الناسخ والمنسوخ في كتاب الله"(9/ 202) رقم (377).

(3)

في المستدرك (2/ 307) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(4)

سورة النساء، الآية:(43).

(5)

أحمد في المسند (2/ 279) ومسلم رقم (13/ 1985) وأبو داود رقم (3678) والترمذي رقم (1875) والنسائي رقم (5573) وابن ماجه رقم (3378) وهو حديث صحيح.

(6)

أحمد في المسند (3/ 181) والبخاري رقم (5584) ومسلم رقم (7/ 1980).

وهو حديث صحيح.

ص: 186

وفي لَفْظٍ قال: حُرِّمَتْ عَلَيْنا حِين حُرّمَتْ وَما نَجِدُ خَمْر الأعْنابِ إلَّا قَلِيلًا وَعامَّةُ خَمْرِنا البُسْرُ وَالتَّمْرُ. رَوَاهُ البُخارِيُّ

(1)

. [صحيح]

وفي لَفْظٍ: لَقَدْ أنْزَلَ الله هَذِهِ الآيَةَ التي حَرَّم فِيها الخَمْرَ، وَما في المَدِينَةِ شَرَابٌ إلَّا مِنْ تَمْرٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

(2)

. [صحيح]

10/ 3693 - (وَعَنْ أنَسٍ قال: كُنْتُ أسْقِي أبا عُبَيْدَةَ وأُبيَّ بْن كَعْب مِنْ فَضِيخٍ زَهْوٍ وتَمْرٍ، فَجاءهُمْ آتٍ فَقالَ: إنَّ الخَمْرَ حُرّمَتْ، فَقالَ أبُو طَلْحَةَ: قُمْ يا أنَسُ فأهْرِقْها، فأهْرَقْتُها. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(3)

. [صحيح]

11/ 3694 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَإنَّ بالمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ الْخَمْسَةَ أشْرِبَةٍ ما فِيها شَرَابُ العِنَبِ. رَوَاهُ البُخارِيُّ)

(4)

. [صحيح]

12/ 3695 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أن عُمَرَ قالَ على مِنْبَرِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أمَّا بَعْدُ؛ أيُّهَا النَّاس إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ العِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالعَسَلِ، وَالحنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالخَمْرُ ما خَامَرَ العَقْلَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(5)

. [صحيح]

13/ 3696 - (وَعَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِنَ الحنطَةِ خَمْرًا، وَمِنَ الشَّعِيرِ خَمْرًا، وَمِنَ الزَّبِيبِ خَمْرًا، وَمِنَ التَّمْرِ خَمْرًا، ومِن العَسَلِ خَمْرًا"، رَواهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ

(6)

،

(1)

في صحيحه رقم (5580).

وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (10/ 1982).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (3/ 183) بنحوه، والبخاري رقم (5582) ومسلم رقم (9/ 1980).

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (5579).

وهو حديث صحيح.

(5)

البخاري رقم (5580) ومسلم رقم (33/ 3032).

وهو حديث صحيح.

(6)

أحمد في المسند (4/ 267، 273) وأبو داود رقم (3677) والترمذي رقم (1872) وقال: غريب. وابن ماجه رقم (3379).

ص: 187

زَادَ أحْمَدُ

(1)

وأبُو دَاوُدَ

(2)

: "وأنا أنْهَى عَنْ كُلّ مُسْكِرٍ"). [صحيح]

14/ 3697 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَر أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ وَابْنَ ماجَهْ

(3)

. [صحيح]

وفي رِوَايَةٍ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُل خَمْرٍ حَرَامٌ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

وَالدَّارَقُطْنِيُّ)

(5)

. [صحيح]

15/ 3698 - (وَعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ البِتْعِ، وَهُوَ نَبِيذُ العَسَلِ، وكانَ أهْلُ اليَمَنِ يَشْرَبُونَهُ، فَقالَ [رسول الله]

(6)

صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ شَرَابٍ أسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ")

(7)

. [صحيح]

16/ 3699 - (وَعَنْ أبي مُوسَى قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله أفْتِنا في شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعُهُما باليَمَنِ: البِتْعُ، وَهُوَ مِنَ العَسَلِ يُنْبَذُ حتَّى يَشْتَدَّ، والمِزْرُ وَهُوَ مِنَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ يُنْبَذُ حتَّى يَشْتَدَّ، قالَ: وكانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الكَلِمِ بِخَوَاتِمِهِ، فَقالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما)

(8)

. [صحيح]

(1)

في المسند (4/ 273).

(2)

في سننه رقم (3677).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (2/ 16، 29، 98، 134) ومسلم رقم (74/ 2003) وأبو داود رقم (3679) والترمذي رقم (1861) وابن ماجه رقم (3390).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (75/ 2003).

(5)

في سننه (4/ 249) رقم (18).

وهو حديث صحيح.

(6)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(7)

أحمد في المسند (6/ 96، 97) والبخاري رقم (5585) ومسلم رقم (67/ 2001).

وهو حديث صحيح.

(8)

أحمد في المسند (4/ 402، 410، 417) والبخاري رقم (4343) ومسلم رقم (70/ 1733).

وهو حديث صحيح.

ص: 188

17/ 3700 - (وَعَنْ جابِرٍ: أن رَجُلًا مِنْ جَيْشانَ، وَجَيْشانُ مِنَ اليَمَنِ سألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ يُقالُ لَهُ: المِزْرُ، فَقالَ:"أمُسْكِرٌ هُوَ؟ "، قالَ: نَعَمْ، فَقالَ:"كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إن على الله عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ المُسْكِرَ أنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طينَةِ الخبالِ"، قالُوا: يا رَسُولَ الله وَما طِينَةُ الخَبالِ؟ قالَ: "عَرَقُ أهْلِ النَّارِ، أو: عُصَارَةُ أهْلِ النَّارِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وَالنَّسائيُّ)

(3)

. [صحيح]

18/ 3701 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "كُلُّ مُخمِّرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(4)

. [صحيح]

19/ 3702 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "كُلُّ مُسْكرٍ حَرَامٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَالنَّسائيُّ

(6)

وَابْنُ ماجَهْ

(7)

وَصحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ

(8)

. [صحيح]

وَلابْنِ ماجَهْ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ

(9)

. [صحيح لغيره]

(1)

في المسند (3/ 360، 361).

(2)

في صحيحه رقم (27/ 2002).

(3)

في سننه رقم (5709).

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (3680).

ومن طريقه البيهقي (8/ 288) عن إبراهيم بن عمر الصنعاني، قال: سمعت النعمان يقول: عن طاوس عن ابن عباس مرفوعًا.

وقال الألباني في "الصحيحة"(5/ 67) رقم (2039): "قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، والنعمان هذا هو ابن أبي شيبة عبيد الصنعاني، وهو ثقة بلا خلاف، ومثله إبراهيم بن عمر الصنعاني". اهـ.

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (2/ 429).

(6)

في سننه رقم (5588).

(7)

في سننه رقم (3401).

(8)

بإثر الحديث رقم (1864) من سنن الترمذي.

وهو حديث صحيح.

(9)

في سننه رقم (3388).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (3/ 105: "هذا إسناد حسن، أيوب بن هانئ مختلف فيه تفرد ابن جريج بالرواية عنه. قاله الذهبي في طبقات التهذيب".

وهو حديث صحيح لغيره.

ص: 189

وَحَدِيثِ مُعاوِيَةَ)

(1)

. [ضعيف]

حديث النعمان بن بشير في إسناده إبراهيم بن المهاجر البجلي الكوفي، قال المنذري

(2)

: قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة.

وقال الترمذي

(3)

بعد إخراجه: غريب. اهـ.

قال ابن المديني: لإبراهيم بن مهاجر نحو أربعين حديثًا، وقال أحمد

(4)

: لا بأس به، وقال النَّسَائِي والقطان

(5)

: ليس بالقويّ.

وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود

(6)

، والمنذري

(7)

، وهو من طريق محمد بن رافع النيسابوري شيخ الجماعة، سوى ابن ماجه.

قال: حدثنا إبراهيم بن عمر الصنعاني - وهو ثقة - قال: سمعت النعمان - يعني ابن أبي شيبة [عبيد الجنيدي]

(8)

، وهو أيضًا ثقة - يقول: عن طاوس عن ابن عباس الحديث، وتمامة عند أبي داود

(9)

: "ومن شرب مسكرًا بُخِسَتْ صلاتُه أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقًّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال".

قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: "صديد أهل النار، ومن سقاه صغيرًا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقًّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال".

(1)

أخرجه ابن ماجه في سننه رقم (3389).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 106): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".

(2)

في المختصر (5/ 263).

(3)

في السنن (4/ 297).

(4)

في العلل رواية عبد الله (2512): ليس به بأس

وفي العلل برواية المروذي (85): لين أمره.

وانظر: الجرح والتعديل (1/ 1/ 133) والميزان (1/ 68).

(5)

الوهم والإيهام (3/ 129).

(6)

في السنن (4/ 86).

(7)

في المختصر (5/ 266).

(8)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب (عبيد الجَنَدي) كما في المراجع الآتية: في "الجرح والتعديل"(8/ 447 - 448) رقم (2058) والثقات لابن حبان (9/ 258 - 209) و"تهذيب الكمال"(29/ 450 - 451).

(9)

في سننه رقم (3680).

وهو حديث صحيح.

ص: 190

وحديث جابر

(1)

المذكور في الباب أخرجه أيضًا أبو داود

(2)

بلفظ: "ما أسكر كثيره فقليله حرام"، وقد حسنه الترمذي

(3)

.

قال المنذري

(4)

: في إسناده داود بن بكر بن أبي الفُرات الأشجعي مولاهم المدني سئل عنه ابن معين فقال: ثقة، وقال أبو حاتم الرازي

(5)

: لا بأس به ليس بالمتين.

قال المنذري

(6)

أيضًا: وقد روى عنه هذا الحديث من رواية عليّ [بن أبي طالب]

(7)

، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعائشة، وخوّات بن جبير، وحديث سعد بن أبي وقاص، أجودها إسنادًا، فإن النَّسَائِي رواه في سننه

(8)

عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير.

وقد احتجّ به مسلم والبخاري في الصحيحين عن الضحاك بن عثمان، وقد احتجّ به مسلم في صحيحه عن بكير بن عبد الله الأشجّ عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، وقد احتجّ البخاري ومسلم بهما في الصحيحين.

قال أبو بكر البزار: وهذا الحديث لا يعلم روي عن سعد إلا من هذا الوجه، ورواه عن الضحاك وأسنده جماعة عنه منهم الدراوردي والوليد بن كثير ومحمد بن جعفر بن أبي كثير المدني. انتهى.

قال المنذري

(9)

أيضًا: وتابع محمد بن عبد الله بن عمار أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشجّ، وهو ممن اتفق عليه البخاري ومسلم واحتجَّا به.

(1)

تقدم برقم (3700) من كتابنا هذا.

(2)

في سننه رقم (3681).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1865) وابن ماجه رقم (3393).

وهو حديث صحيح.

(3)

في السنن (4/ 292).

(4)

في المختصر (5/ 267).

(5)

في "الجرح والتعديل"(1/ 2/ 407) والميزان (2/ 18) والعلل رواية الميموني (447).

(6)

في "المختصر"(5/ 267).

(7)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(8)

في سنن النَّسَائِي رقم (5609).

وهو حديث صحيح.

(9)

في "المختصر"(5/ 267).

ص: 191

وحديث أبي هريرة

(1)

لم يذكر الترمذي

(2)

لفظه إنما ذكر حديث عائشة

(3)

المذكور في الباب

(4)

، ثم حديث ابن عمر

(5)

بلفظ: "كل مسكر حرام"، ثم قال

(6)

: "وفي الباب عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأنس، وأبي سعيد، وأبي موسى، والأشجَّ، وديلم، وميمونة، وابن عباس، وقيس بن سعد، والنعمان بن بشير، ومعاوية، ووائل بن حجر، وقرة المزني، وعبد الله بن مغفل، وأمّ سلمة، وبريدة، وأبي هريرة، وعائشة.

قال

(7)

: هذا حديث حسن.

وقد روي عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه.

وكلاهما صحيح.

ورواه غير واحد عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وعن أبي سلمة عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم " ..

وحديث ابن مسعود ومعاوية اللذان أشار إليهما المصنف هما في سنن ابن ماجه

(8)

كما قال.

أما حديث ابن مسعود فلم يكن في إسناده إلا أيوب بن هانئ

(9)

، وهو صدوق وربما يخطئ، وهو بلفظ:"كل مسكر حرام".

(1)

تقدم برقم (3702) من كتابنا هذا.

(2)

في سننه بإثر الحديث رقم (1864).

(3)

في سننه رقم (1866).

وهو حديث صحيح.

(4)

تقدم برقم (3698) من كتابنا هذا.

(5)

أخرجه الترمذي في سننه رقم (1864).

وهو حديث صحيح.

(6)

أي الترمذي في السنن (4/ 292).

(7)

أي الترمذي في المرجع السابق (4/ 292).

(8)

أخرجه ابن ماجه رقم (3388) من حديث ابن مسعود.

وهو حديث صحيح لغيره.

وأخرجه ابن ماجه رقم (3389) من حديث معاوية.

وهو حديث ضعيف.

(9)

قال الحافظ في "التقريب" رقم (628): أيوب بن هانئ الكوفي: صدوق فيه لين. من السادسة. (ق).

ص: 192

وأما حديث معاوية ففي إسناده سليمان بن عبد الله بن الزبرقان

(1)

وهو لين الحديث، ولفظه:"كل مسكر حرام على كل مؤمن".

قوله: (النخلة والعنبة) لفظ أبي داود

(2)

: يعني: النخلة والعنبة، وهو يدلُّ على أن تفسير الشجرتين ليس من الحديث، فتحمل رواية من عدا أبا داود على الإدراج، وليس في هذا نفي الخمرية عن نبيذ الحنطة، والشعير، والذرة، وغير ذلك.

فقد ثبت فيه أحاديث صحيحة في البخاري

(3)

وغيره

(4)

، قد ذكر بعضها المصنف

(5)

كما ترى، وإنما خصّ بالذكر هاتين الشجرتين لأن أكثر الخمر منهما، وأعلى الخمر وأنفسه عند أهله منهما، وهذا نحو قولهم: المال الإبل: أي أكثره وأعمه، والحجّ عرفات، ونحو ذلك، فغاية ما هناك أن مفهوم الخمر المدلول عليه باللام معارض بالمنطوقات، وهي أرجح بلا خلاف.

قوله: (وعامة خمرنا البسر والتمر) أي: الشراب الذي يصنع منهما.

وأخرج النَّسَائِي

(6)

والحاكم وصححه

(7)

من رواية محارب بن دثار عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "الزبيب والتمر هو الخمر" وسنده صحيحٌ، وظاهره الحصر.

قال الحافظ

(8)

: لكن المراد المبالغة وهو بالنسبة إلى ما كان حينئذٍ بالمدينة موجودًا.

(1)

قال الحافظ في "التقريب" رقم (2578): سليمان بن عبد الله بن الزبرقان، ويقال: ابن عبد الرحمن بن فيروز: لين الحديث من السابعة. (ق).

وخلاصة القول المحرران أنه مقبول.

(2)

في سننه رقم (3678).

وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه رقم (5580).

(4)

كمسلم في صحيحه رقم (33/ 3032).

(5)

تقدم برقم (3695) من كتابنا هذا.

وتقدم برقم (3699) من كتابنا هذا.

(6)

في سننه رقم (5546).

(7)

في المستدرك (4/ 141).

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح.

(8)

في "الفتح"(10/ 36).

ص: 193

وقيل: إنَّ مراد أنس الردُّ على من خصّ اسم الخمر مما يتخذ من العنب.

وقيل: مراده: أن التحريم لا يختصُّ بالخمر المتخذة من العنب، بل يشركها في التحريم كلُّ شرابٍ مسكرٍ.

قال الحافظ

(1)

: وهذا أظهر. قال: والمجمع على تحريمه عصير العنب إذا اشتدّ فإنه يحرم تناوله بالاتفاق.

وحكى ابن قتيبة

(2)

عن قوم من مُجّان أهل الكلام أن النهي عنها للكراهة، وهو قولُ مجهولٍ، لا يلتفت إلى قائله.

وحكى أبو جعفر النحاس

(3)

عن قوم: أن الحرام ما أجمعوا عليه، وما اختلفوا فيه فليس بحرام قال: وهذا عظيم من القول يلزم منه القول بحلّ كل شيء اختلف في تحريمه ولو كان الخلاف واهيًا.

ونقل الطحاوي في اختلاف العلماء

(4)

عن أبي حنيفة أن الخمر حرام قليلها وثيرها، والسكر من غيرها حرام وليس كتحريم الخمر، والنبيذ المطبوخ لا بأس به من أيّ شيء كان.

وعن أبي يوسف

(5)

: لا بأس بالنقيع من كل شيء وإن غلا إلا الزبيب والتمر، قال: كذا حكاه محمد عن أبي حنيفة.

وعن محمد

(6)

: ما أسكر كثيره فأحبّ إليّ أن لا أشربه ولا أحرّمه.

وقال الثوري

(7)

: أكره نقيع التمر ونقيع الزبيب إذا غلا. قال: ونقيع العسل لا بأس به. انتهى.

(1)

في الفتح" (10/ 35).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 35).

(3)

"الناسخ والمنسوخ" له (1/ 582).

(4)

في "مختصر اختلاف العلماء"(4/ 371).

(5)

حكاه عنه الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء"(4/ 371).

(6)

حكاه عنه الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء"(4/ 371).

(7)

"موسوعة فقه سفيان الثوري" ص 162.

ص: 194

والبسر بضم الموحدة من تمر النخل معروف.

قوله: (من فضيخ)

(1)

بالفاء ثم معجمتين وزن عظيم: اسم للبسر إذا شدخ ونبذ وأما الزهو

(2)

: فبفتح الزاي، وسكون الهاء، بعدها واو، هو: البسر الذي يحمر، أو يصفر قبل أن يترطب، وقد يطلق الفضيخ على خليط البسر والتمر، ويطلق على البسر وحده، وعلى التمر وحده.

قوله: (فأهرقها)

(3)

الهاء بدل من الهمزة، والأصل: أرقها، وقد تستعمل هذه الكلمة بالهمزة والهاء معًا كما وقع هنا، وهو نادر.

قوله: (وهي من خمسة: من العنب) قال في الفتح

(4)

: هذا الحديث أورده أصحاب المسانيد والأبواب في الأحاديث المرفوعة؛ لأن له عندهم حكم الرفع؛ لأنَّه خبر صحابيٍّ شهد التنزيل، وأخبر عن سبب.

وقد خطب به [عمر]

(5)

على المنبر بحضرة كبار الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحدٍ منهم إنكاره، وأراد عمر بنزول تحريم الخمر نزول قوله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ}

(6)

الآية، فأراد عمر التنبيه على أن المراد بالخمر في هذه الآية ليس خاصًّا بالمتخذ من العنب، بل يتناول المتخذ من غيره. انتهى.

ويؤيده حديث النعمان بن بشير

(7)

المذكور في الباب، وفي لفظ منه عند أصحاب السنن

(8)

، وصححه ابن حبان

(9)

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة".

(1)

النهاية (2/ 376 - 377) وغريب الحديث للهروي (2/ 177).

(2)

القاموس المحيط ص 1668.

(3)

النهاية (2/ 903) والمجموع المغيث (3/ 494).

(4)

(10/ 46).

(5)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

سورة المائدة، الآية:(90).

(7)

تقدم برقم (3696) من كتابنا هذا.

(8)

أبو داود رقم (3677) والترمذي رقم (1872) وقال: غريب. وابن ماجه رقم (3379) والنسائي في الكبرى رقم (6787 - العلمية).

(9)

في صحيحه رقم (5398) بسند حسن.

وهو حديث صحيح.

ص: 195

ولأحمد

(1)

من حديث أنس بسند صحيح، قال:"الخمر من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والذرة - بضم المعجمة، وتخفيف الراء من الحبوب معروفة - ".

قوله: (والخمر ما خامر العقل) أي: غطاه، أو خالطه، فلم يتركه على حاله، وهو مجاز، والعقل: هو آلة التمييز، فلذلك حُرِّم ما غطاه أو غيَّره؛ لأن بذلك يزول الإِدراك الذي طلبه الله من عباده؛ ليقوموا بحقوقه.

قال الكرماني

(2)

: هذا تعريف بحسب اللغة، وأما بحسب العرف فهو: ما يخامر العمل من [عصير]

(3)

العنب خاصةٍ.

قال الحافظ

(4)

: وفيه نظر؛ لأنَّ عمر ليس في مقام تعريف اللغة، بل هو في مقام تعريف الحكم الشرعيِّ، فكأنه قال: الخمر الذي وقع تحريمه في لسان الشرع؛ هو: ما خامر العقل، على أن عند أهل اللغة اختلافًا في ذلك كما قدمته؛ ولو سُلِّم: أن الخمر في اللغة يختصُّ بالمتخذ من العنب؛ فالاعتبار بالحقيقة الشرعية، وقد تواترت الأحاديث على أن المسكر من المتخذ من غير العنب يسمى: خمرًا، والحقيقة الشرعية مقدمةٌ على اللغوية.

وقد ثبت في صحيح مسلم

(5)

عن أبي هريرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة" وقد تقدم

(6)

، وقد جعل الطحاوي

(7)

هذا الحديث معارضًا لحديث عمر

(8)

المذكور.

وقال البيهقي: ليس المراد الحصر في الأمرين المذكورين في حديث أبي هريرة (6)؛ لأنَّه يتخذ الخمر من غيرهما، وقد تقدم الكلام على ذلك.

(1)

في المسند (3/ 112) إسناده صحيح على شرط مسلم.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 55) وقال: "رجال أحمد رجال الصحيح".

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (20/ 141 - 142).

(3)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

في "الفتح"(10/ 47).

(5)

في صحيحه رقم (13/ 1985).

(6)

برقم (3691) من كتابنا هذا.

(7)

في "مختصر اختلاف العلماء"(4/ 373 - 374).

(8)

تقدم برقم (3695) من كتابنا هذا.

ص: 196

قال الحافظ

(1)

: إنه يحمل حديث أبي هريرة

(2)

على إرادة الغالب؛ لأن أكثر ما يتخذ الخمر من العنب والتمر، ويحمل حديث عمر

(3)

ومن وافقه على إرادة استيعاب ذكر ما عهد حينئذٍ؛ أنَّه: يتخذ منه الخمر.

قال الراغب في مفردات القرآن

(4)

: سمي الخمر لكونه خامرًا للعقل؛ أي: ساترًا له، وهو عند بعض الناس اسم لكلِّ مسكر، وعند بعضهم للمتخذ من العنب خاصةً، وعند بعضهم للمتَّخذ من العنب والتمر، وعند بعضهم لغير المطبوخ، ورجح: أنه لكلِّ شيءٍ ستر العقل، وكذا قال غير واحد من أهل اللغة منهم: الدينوري

(5)

والجوهري

(6)

.

ونقل عن ابن الأعرابي

(7)

قال: سميت الخمر؛ لأنها تركت حتى اختمرت واختمارها تغير رائحتها.

ويقال: سميت بذلك لمخامرتها العقل.

نعم؛ جزم ابن سيده في المحكم

(8)

أن الخمر حقيقة إنما هو للعنب، وغيرُها من المسكرات يسمى خمرًا مجازًا.

وقال صاحب "الفائق"

(9)

في حديث: "إياكم والغبيراء فإنها خمر العالم"

(10)

: هي نبيذ الحبشة، تتخذ من الذرة، سميت الغبيراء لما فيها من الغبرة، وقال: خمر العالم: أي هي مثل خمر العالم، لا فرق بينها وبينها.

وقيل: أراد أنها معظم خمر العالم.

(1)

في "الفتح"(10/ 47).

(2)

برقم (3691) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (3695) من كتابنا هذا.

(4)

ص 298 - 299.

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(10/ 47).

(6)

في الصحاح (2/ 648).

(7)

كما في "الصحاح"(2/ 648) و"لسان العرب"(4/ 255).

(8)

في المحكم (5/ 185).

(9)

الفائق للزمخشري (3/ 46).

وانظر: النهاية (2/ 285).

(10)

وهو جزء من حديث قيس بن سعد بن عبادة عند أحمد في المسند (3/ 422) وابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 197) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 222) بسند ضعيف.

ص: 197

وقال صاحب الهداية

(1)

من الحنفية: الخمر ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتدّ، وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم.

قال (2): وقيل: هو اسم لكل مسكرٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكرٍ خمر"، ولأنه من مخامرة العقل، وذلك موجود في كلِّ مسكر.

قال (2): ولنا إطباق أهل اللغة على تخصيص الخمر بالعنب، ولهذا اشتهر استعمالها فيه؛ لأن تحريم الخمر قطعيٌّ، وتحريم ما عدا المتخذ من العنب ظنيٌّ.

قال (2): وإنما يسمى الخمر خمرًا لتخمره لا لمخامرة العقل.

قال

(2)

: ولا ينافي ذلك كون الاسم خاصًّا فيه، كما في النجم فإنه مشتق من الظهور، ثم هو خاصّ بالثريا. انتهى.

قال في الفتح

(3)

: والجواب عن الحجة الأولى: ثبوت النقل عن بعض أهل اللغة: بأن غير المتخذ من العنب يسمى خمرًا.

قال الخطابي

(4)

: زعم قومٌ: أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فيقال لهم: إن الصحابة الذين سموا غير المتَّخَذِ من العنب خمرًا عربٌ فصحاء، فلو لم يكن هذا الاسم صحيحًا لما أطلقوه.

وقال ابن عبد البّر

(5)

: قال الكوفيون: الخمر من العنب لقوله تعالى: {أَعْصِرُ خَمْرًا}

(6)

، قالوا: فدلّ على أن الخمر هو ما يعصر، لا ما ينبذ.

قال

(7)

: ولا دليل فيه على الحصر.

قال أهل المدينة، وسائر الحجازيين، وأهل الحديث كلهم: كل مسكرٍ خمر، وحكمه حكم ما اتخذ من العنب.

ومن الحجة لهم: أن القرآن لما نزل بتحريم الخمر فهم الصحابة - وهم أهل اللسان - أنَّ كلَّ شيءٍ يسمى خمرًا يدخل في النهي، ولم يخصوا ذلك

(1)

في الهداية (4/ 108).

(2)

صاحب الهداية في المرجع السابق.

(3)

(10/ 48).

(4)

في أعلام الحديث (3/ 2089).

(5)

في "التمهيد"(14/ 168 - الفاروق).

(6)

سورة يوسف، الآية:(36).

(7)

أي: ابن عبد البر في "التمهيد"(14/ 168 - الفاروق).

ص: 198

بالمتخذ من العنب وعلى تقدير التسليم، فإذا ثبت تسمية كل مسكرٍ خمرًا من الشرع كان حقيقة شرعيةً، وهي مقدمةٌ على الحقيقة اللغوية.

والجواب عن الحجة الثانية: أن اختلاف مشتركَيْن في الحكم لا يلزم افتراقهما منه في التسمية كالزنا مثلًا؛ فإنَّه يصدق على من وطئ أجنبيةً، وعلى من وطئ امرأة جاره.

والثاني أغلظ من الأوّل، وعلى من وطئ مَحْرَمًا له، وهو أغلظ منهما، واسم الزنا مع ذلك شامل للثلاثة. [وأيضًا]

(1)

فالأحكام الفرعية لا تشترط فيها الأدلة القطعية، فلا يلزم من القطع بتحريم المتَّخذ من العنب، وعدم القطع بتحريم المتَّخذ من غيره أن لا يكون حرامًا، بل يحكم بتحريمه وكذا تسميته خمرًا.

وعن الثالثة ثبوت النقل عن أعلم الناس بلسان العرب كما في قول عمر: الخمر ما خامر العقل، وكان مستنده ما ادّعاه من اتفاق أهل اللغة، فيحمل قول عمر على المجاز، لكن اختلف قول أهل اللغة في سبب تسمية الخمر خمرًا، فقال ابن الأنباري

(2)

: لأنها تخامر العقل؛ أي: تخالطه.

وقيل: لأنها تخمر العقل؛ أي: تستره، ومنه خمار المرأة؛ لأنَّه يستر وجهها، وهذا أخصُّ من التفسير الأوّل؛ لأنَّه لا يلزم من المخالطة التغطية.

وقيل: سميت خمرًا لأنها تخمر؛ أي: تترك كما يقال: خمرت العجين؛ أي: تركته، ولا مانع من صحة هذه الأقوال كلِّها لثبوتها عن أهل اللغة، وأهل المعرفة باللسان.

قال ابن عبد البر

(3)

: الأوجه كلها موجودة في الخمر.

وقال القرطبي

(4)

: الأحاديث الواردة عن أنس

(5)

وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب، وما كانت من

(1)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(10/ 48).

(3)

في "التمهيد"(14/ 167 - الفاروق).

(4)

في "المفهم"(5/ 2052).

(5)

تقدم برقم (3692) و (3693) من كتابنا هذا.

ص: 199

غيره فلا تسمى خمرًا ولا يتناولها اسمُ الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب والسنة الصحيحة وللصحابة؛ لأنهم لما نزل تحريم الخمر، فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كلِّ مسكرٍ، ولم يفرِّقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره، بل سوّوا بينهما، وحرموا كلَّ نوعٍ منهما، ولم يتوقفوا ولا استفصلوا، ولم يُشْكِلْ عليهم شيء من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب، وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن.

فلو كان عندهم فيه تردد؛ لتوقفوا عن الإِراقة حتى يستكشفوا، ويستفصلوا، ويتحققوا التحريم؛ لمَّا كان قد تقرّر عندهم من النهي عن إضاعة المال.

فلما لم يفعلوا ذلك، بل بادروا إلى إتلاف الجميع علمنا أنهم فهموا التحريم ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر بما يوافق ذلك ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.

وقد ذهب إلى التعميم

(1)

عليٌّ، وعمرُ، وسعد، وابن عمر، وأبو موسى، وأبو هريرة، وابن عباس، وعائشة.

ومن التابعين ابن المسيب، وعروة، والحسن، وسعيد بن جبير، وآخرون.

وهو قول مالك

(2)

، والأوزاعي، والثوري، وابن المبارك، والشافعي

(3)

، وأحمد

(4)

، وإسحاق، وعامة أهل الحديث.

قال في الفتح

(5)

: ويمكن الجمع بأنه من أطلق ذلك على غير المتخذ من العنب حقيقة يكون أراد الحقيقة الشرعية، ومن نفى أراد الحقيقة اللغوية. وقد أجاب بهذا ابن عبد البّر

(6)

.

وقال: إن الحكم يتعلق بالاسم الشرعي دون اللغوي.

(1)

انظر: "الإشراف على مذاهب أهل العلم"(2/ 376 - 379).

وعيون المجالس (2/ 911 - 915 رقم المسألة 632).

(2)

عيون المجالس (2/ 912).

ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 252 - 253).

(3)

البيان للعمراني (12/ 519).

(4)

المغني لابن قدامة (12/ 495).

(5)

(10/ 49).

(6)

في "التمهيد"(14/ 157 - الفاروق).

ص: 200

وقد تقرَّرَ أن نزول تحريم الخمر وهي من البسر إذ ذاك فيلزم من قال: إن الخمر حقيقة في ماء العنب مجاز في غيره أن يجوّز إطلاق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه؛ لأن الصحابة لما بلغهم تحريم الخمر أراقوا كل ما يطلق عليه لفظ الخمر حقيقة ومجازًا، وهو لا يجوّز ذلك، فصحّ أن الكل خمر حقيقة ولا انفكاك عن ذلك.

وعلى تقدير إرخاء العنان والتسليم بأن الخفر حقيقة في ماء العنب خاصة، فإنما ذلك من حيث الحقيقة اللغوية، فأما من حيث الحقيقة الشرعية فالكل خمر حقيقةً، لحديث:"كلُّ مسكرٍ خمرٌ"

(1)

، فكل ما اشتدّ كان خمرًا، وكل خمر يحرم قليله وكثيره، وهذا يخالف قولهم، وبالله التوفيق.

قال الخطابيُّ

(2)

: إنما عدّ عمر الخمسة المذكورة لاشتهار أسمائها في زمانه، ولم تكن كلها توجد بالمدينة الوجود العام، فإنَّ الحنطة كانت بها عزيزة، وكذا العسل، بل كان أعزَّ، فعدَّ عمر ما عرف منها، وجعل ما في معناه مما يتخذ من الأرز وغيره خمرًا إن كان مما يخامر العقل.

وفي ذلك دليل: على جواز إحداث الاسم بالقياس وأخذه من طريق الاشتقاق.

وذكر ابن حزم

(3)

أن بعض الكوفيين احتجّ بما خرّجه عبد الرزاق

(4)

عن [ابن عمر]

(5)

بسند جيد. قال: أما الخمر فحرام لا سبيل إليها. وأما ما عداها من الأشربة فكل مسكر حرام. قال: وجوابه أنه ثبت عن [ابن عمر](5) أنه قال: "كل مسكر خمر"

(6)

فلا يلزم من تسمية المتخذ من العنب خمرًا انحصار اسم الخمر فيه.

وكذا احتجوا بحديث [ابن عمر](5) أيضًا: "حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء"

(7)

، مراده المتخذ من العنب، ولم يرد أن غيرها لا يسمى خمرًا.

(1)

تقدم برقم (3697) من كتابنا هذا.

(2)

في "معالم السنن"(4/ 83 - 84 - مع السنن).

(3)

المحلى (7/ 490).

(4)

في "المصنف" رقم (17008).

(5)

في المخطوط (أ): عمرو، والمثبت من (ب).

(6)

تقدم برقم (3697) من كتابنا هذا.

(7)

أخرجه البخاري رقم (5579).

ص: 201

قوله: (من العنب والتمر) هذان مما وقع الإجماع على تحريمهما، حيث لم يطبخ حتى يذهب ثلثاه.

قوله: (والعسل) هو الذي يسمى البتع

(1)

: وهو خمر أهل اليمن.

قوله: (والشعير) بفتح الشين المعجمة، وكسرها لغةً، وهو المسمى بالمزر

(2)

، زاد أبو داود

(3)

: "والذرة"، وهي بضم الذال المعجمة وتخفيف الراء المهملة كما سبق ولامها محذوفة، والأصل ذرو أو ذرى، فحذفت لام الكلمة وعوّض عنها الهاء.

قوله: (عن البتع) بكسر الموحدة وسكون المثناة فوق، وهو ما ذكره في الحديث.

قوله: (كل شراب أسكر فهو حرام)، [و]

(4)

هذا حجةٌ للقائلين بالتعميم من غير فرق بين خمر العنب وغيره؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم لما سأله السائل عن البتع قال: "كلُّ شرابٍ أسكر فهو حرام"، فعلمنا: أن المسألة إنما وقعت على ذلك الجنس من الشراب وهو البتع، ودخل فيه كل ما كان في معناه مما يسمى شرابا مسكرا من أيّ نوع كان.

فإن قال أهل الكوفة: إن قوله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ شرابٍ أسكر"، يعني به: الجزء الذي يحدث عقبه السكر فهو حرام.

فالجواب: أن الشراب اسم جنس، فيقتضي أن يرجع التحريم إلى الجنس كله، كما يقال: هذا الطعام مشبع، والماء مَرْوٍ، [يريدُ]

(5)

به الجنس، وكل جزء منه يفعل ذلك الفعل، فاللقمة تشبع العصفور وما هو أكبر منها يشبع ما هو أكبر من العصفور، وكذلك جنس الماء يروي الحيوان على هذا الحدّ، فكذلك النبيذ.

قال الطبري: يقال لهم: أخبرونا عن الشربة التي يعقبها السكر أهي التي

(1)

النهاية (1/ 100) والفائق (1/ 72).

(2)

المجموع المغيث (3/ 203) والنهاية (2/ 654).

(3)

في سننه رقم (3677) وقد تقدم.

(4)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(5)

في المخطوط (ب): (تريد).

ص: 202

أسكرت صاحبها دون ما تقدمها من الشراب؟ أم أسكرت باجتماعها مع ما تقدم وأخذت كل شربة بحظها من الإِسكار، فإن قالوا: إنما أحدث له السكر الشربة الآخرة التي وجد خبل العقل عقبها؛ قيل لهم: وهل هذه التي أحدثت له ذلك إلا كبعض ما تقدم من الشربات قبلها في أنها لو انفردت دون ما قبلها كانت غير مسكرة وحدها، وأنها إنما أسكرت باجتماعها واجتماع عملها، فحدث عن جميعها السكر.

قوله: (والمزر)

(1)

بكسر الميم بعدها زاي ثم راء.

قوله: (من جَيْشان) بفتح الجيم، وسكون الياء تحتها نقطتان، وبالشين المعجمة، وبالنون، وهو جيشان بن عَيْدَان بن حجر بن ذي رُعَيْن. قاله في الجامع

(2)

.

قوله: (من طينة الخبال)

(3)

بفتح الخاء المعجمة والموحدة المخففة، يعني يوم القيامة، والخبال في الأصل: الفساد، وهو يكون في الأفعال والأبدان والعقول. والخبل بالتسكين: الفساد.

20/ 3703 - (وَعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَما أسْكَر الفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الكَفّ مِنْهُ حَرَامٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وأبُو دَاوُدَ

(5)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(6)

وَقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ). [صحيح]

21/ 3704 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَام"، رَوَاهُ أحْمَد

(7)

وَابْنُ ماجَهْ

(8)

وَالدَّارَقُطْنِيُّ وصَحَّحَهُ)

(9)

. [صحيح]

(1)

النهاية (2/ 654) والمجموع المغيث (3/ 203) وقد تقدم.

(2)

جامع الأصول (12/ 280. ط: دار الفكر).

(3)

النهاية (1/ 470) والفائق (1/ 354).

(4)

في المسند (6/ 71، 72، 131).

(5)

في السنن رقم (3687).

(6)

في السنن رقم (1866) وقال: هذا حديث حسن.

(7)

في المسند (1/ 92).

(8)

في سننه رقم (3392).

(9)

في السنن (4/ 262) رقم (83) وصححه الدارقطني عن ابن عمر باللفظ المذكور.

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 106): "هذا إسناد فيه زكريا بن منظور وهو ضعيف". =

ص: 203

ولأبي دَاوُدَ

(1)

وَابْنِ ماجَهْ

(2)

وَالتِّرْمِذِيّ

(3)

مِثْلُهُ سَوَاءٌ مِنْ حَدِيثِ جابِرٍ. [صحيح] وكَذَا لأحْمَد

(4)

وَالنَّسائيّ

(5)

وَابْنِ ماجَهْ

(6)

مِنْ حَدِيثِ عمرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ. [صحيح]

وكَذَلِكَ للدَّارَقُطْنِيُّ

(7)

مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ بْنِ أبي طالِبٍ. [إسناده ضعيف]

22/ 3705 - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَلِيلِ ما أسْكَرَ كَثِيرُهُ. رَوَاهُ النَّسائيُّ

(8)

وَالدَّارَقُطْنِيُّ)

(9)

. [صحيح]

= قال المزي: هكذا وقع في أكثر الروايات: عبد الله بن عمر.

ووقع في رواية إبراهيم بن دينار عن ابن ماجه: عبد الله بن عمرو، فالله أعلم. اهـ.

وهو حديث صحيح.

(1)

في سننه رقم (3681).

(2)

في سننه رقم (3393).

(3)

في سننه رقم (1865) وقال: حسن غريب.

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (860) وأحمد في الأشربة (3/ 343).

"إسناده حسن، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين غير داود هذا وهو صدوق كما في "التقريب"، ووقع في "زوائد ابن حبان" مكانه "موسى بن عقبة" وهو ثقة من رجال الستة، ولكني أظنه خطأ من الناسخ أو الطابع أو الراوي".

"ويترجح الأخير لأن الزيلعي نقله في "نصب الراية" (4/ 302) عن صحيح ابن حبان كما نقلته من "الزوائد"، والله أعلم.

فيمكن أن يقال: إنها متابعة قوية لداود بن بكر بن موسى بن عقبة، ويرجح هذا أن لفظه مخالف للفظ داود، فإنه "قليل ما أسكر كثيره حرام" اهـ. قاله الألباني في الإرواء (8/ 43).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (2/ 167) و (2/ 179).

(5)

في سننه رقم (5607).

(6)

في سننه رقم (3394).

وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه (4/ 250) رقم (21) وفي إسناده عيسى بن عبد الله عن آبائه تركه الدارقطني.

(8)

في سننه رقم (5609).

(9)

في السنن (4/ 251) رقم (31).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (5370) وابن الجارود رقم (862) والبيهقي (8/ 296) والطحاوي (4/ 216).

قال النَّسَائِي بإثره: "وفي هذا دليل على تحريم السكر قليله وكثيره، وليس كما يقول المخادعون لأنفسهم بتحريمهم آخر الشربة، وتحليلهم ما تقدمها الذي يشرب في الفرق =

ص: 204

23/ 3706 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أتاهُ قَوْمٌ فَقالُوا: يا رَسُولَ الله إنَّا نَنْبُذُ النَّبِيذَ فَنَشْرَبُهُ على غَدَائِنا وَعَشائِنا، فَقالَ: "اشْرَبُوا [فَكُلُّ]

(1)

مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، فَقالُوا: يا رَسُول الله إنَّا نَكْسِرُهُ بالمَاءِ، فَقال: "حَرامٌ قَلِيلُ ما أسْكَر كَثِيرُهُ"، رَوَاهُ الدَّارقُطْنِي)

(2)

. [إسناده ضعيف]

24/ 3707 - (وَعَنْ مَيْمُونَة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قالَ: "لا تَنْبُذُوا في الدُّبَّاءِ، ولا في المُزفَّتِ، ولا في النَّقِيرِ، ولا في الجِرارِ"، وقال: "كُلُّ مُسْكرٍ حَرامٌ"، رواهُ أحْمَدُ)

(3)

. [صحيح]

25/ 3708 - (وعَنْ أبي مالِكِ الأشْعَرِيّ أنَّهُ سمع النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَيَشْربَنَّ أُناسٌ مِنْ أمَّتي الخَمْر ويُسَمُّونها بِغَيْرِ اسْمِها"، رواهُ أحْمَدُ

(4)

وأبُو داوُد

(5)

وَقَدْ سَبَقَ). [صحيح]

26/ 3709 - (وعَنْ عُبادةَ بْنِ الصَّامِتِ قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَتَسْتَحِلَّنَّ طائِفَةٌ مِنْ أمَّتِي الخَمْر باسْمِ يُسَمُّونها إيَّاهُ"، رواهُ أحْمَدُ

(6)

وابْنُ ماجَهْ

(7)

، وقال:"تَشْربُ" مَكان "تَسْتَحِلُّ"). [صحيح]

= قبلها، ولا خلاف بين أهل العلم أن السكر بكليته لا يحدث على الشربة الآخرة، دون الأولى والثانية بعدها".

ونقله الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 327) ملخصًا، وأقره ونفل عن المنذري أنه قال في "مختصره":"أجود أحاديث هذا الباب حديث سعد".

وهو حديث صحيح.

(1)

في المخطوط (ب): (كل).

(2)

في السنن (4/ 257) رقم (60) فيه سعيد بن مَسْلَمة بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي، وهو ضعيف.

(3)

في المسند (6/ 332 - 333) بسند ضعيف، لضعف عبد الله بن محمد بن عقيل. ولكن الحديث صحيح.

(4)

في المسند (5/ 342).

(5)

في السنن رقم (3688).

وهو حديث صحيح.

(6)

في المسند (5/ 318).

(7)

في سننه رقم (3385). =

ص: 205

27/ 3710 - (وعَنْ أبي أُمامَة قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَذْهَبُ اللَّيالي والأيَّامُ حتَّى تَشْربَ طائِفَةٌ مِنْ أمّتِي الخَمْرَ ويُسَمُّونهَا بِغَيْرِ اسْمِها"، رواهُ ابْنُ ماجَهْ)

(1)

. [صحيح]

28/ 3711 - (وعَنِ ابْنِ مُحْيرِيزِ عَنْ رجُلٍ مِنْ أصحابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "يَشْربُ ناسٌ مِنْ أمَّتِي الخَمْر ويُسَمُّونها بِغَيْرِ اسمِها"، رواهُ النَّسائيُّ)

(2)

. [صحيح]

حديث عائشة رواته كلهم محتجّ بهم في الصحيحين سوى أبي عثمان عمرو، ويقال: عمرو بن سالم الأنصاري مولاهم المدني، ثم الخراساني

(3)

، وهو مشهور ولي القضاء بمرو، ورأى عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس، وسمع من القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق، وروى عنه غير واحد.

قال المنذري

(4)

: لم أر أحدا قال فيه كلامًا. وقال الحاكم

(5)

: هو معروف بكنيته.

= قلت: وأخرجه البزار رقم (2689) والشاشي رقم (1308) وابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 108) وابن عبد البر في "الاستذكار"(24/ 322) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(1)

في سننه رقم (3384).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 104): "وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد السلام هو ابن عبد القدوس، وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت

". اهـ.

وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (5658) وانظر: "الصحيحة" رقم (90) و (414).

وهو حديث صحيح.

(3)

"التقريب" رقم الترجمة (8239) وخلاصة قوله عنه أنه "مقبول".

وقال المحرران: ثقة، فقد رفع عنه جمع، ووثقه أبو داود، وذكره ابن حبان في "الثقات" أما قول الذهبي في "الميزان":"لا يكاد يُدرى من هو" فهو مدفوع بما ذكرنا.

(4)

في "المختصر"(5/ 270).

(5)

لم يطبع من كتاب "الأسامي والكنى" لأبي أحمد الحاكم سوى جزء منه إلى حرف الخاء.

ص: 206

وأخرجه أيضًا ابن حبان

(1)

وأعله الدارقطني

(2)

بالوقف.

وحديث جابر الذي أشار إليه المصنف حسنه الترمذي

(3)

.

وقال الحافظ

(4)

: رجاله ثقات انتهى. وفي إسناده داود بن بكر بن أبي الفرات الأشجعي مولاهم المدني

(5)

، سئل عنه ابن معين فقال: ثقة.

وقال أبو حاتم الرازي

(6)

: لا بأس به ليس بالمتين.

وحديث عمرو بن شعيب وما بعده أشار إلى البعض منها الترمذي

(7)

بعد إخراج حديث جابر.

وفي الباب عن سعد، وعائشة، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وخوَّات بن جبير.

وقال المنذري

(8)

بعد الكلام على حديث جابر ما نصه: وقد رُوي هذا الحديث من رواية عليّ بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعائشة، وخوات بن جبير.

وحديث سعد بن أبي وقاص أجودُها إسنادًا، فإن النَّسَائِي

(9)

رواه في سننه عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير، وقد احتج به البخاري ومسلم في الصحيحين عن الضحاك بن عثمان.

وقد احتجّ به مسلم في صحيحه عن بكير بن عبد الله الأشجِّ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص.

وقد احتجَّ البخاري ومسلم بهما في الصحيحين.

(1)

في صحيحه رقم (5383) بسند صحيح.

(2)

في "العلل"(10/ 382).

(3)

في السنن (4/ 292).

(4)

في "التلخيص الحبير"(4/ 137).

(5)

التقريب رقم (1777) والميزان (2/ 18).

(6)

في الجرح والتعديل (1/ 2/ 407).

(7)

في السنن (4/ 292).

(8)

في المختصر (5/ 267).

(9)

في سننه رقم (5609).

وهو حديث صحيح.

ص: 207

وقال أبو بكر البزار

(1)

: "وهذا الحديث لا نعلم روي عن سعد إلا من هذا الوجه، ورواه عن الضحاك وأسنده جماعة منهم الدراوردي والوليد بن كثير ومحمد بن جعفر بن أبي كثير المدني". انتهى.

وتابع محمد بن عبد الله بن عمار أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشجّ، وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج به، وأخرجه أيضًا البزار

(2)

وابن حبان

(3)

.

قال الحافظ في التلخيص

(4)

: حديث عليّ في الدارقطني

(5)

.

وحديث خوّات في المستدرك

(6)

.

وحديث سعد في النَّسَائِي

(7)

.

وحديث ابن عمرو في ابن ماجه

(8)

والنسائي

(9)

.

وحديث ابن عمر في الطبراني

(10)

.

وحديث ميمونة في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل

(11)

، وحديثه حسن وفيه ضعف.

(1)

في مسنده (3/ 307).

(2)

في مسنده (3/ 306 - 307) رقم (1098 و 1099).

(3)

في صحيحه رقم (5370).

وهو حديث حسن.

(4)

في "التلخيص الحبير"(4/ 137 - 138).

(5)

في سنن الدارقطني (4/ 250) رقم (21) فيه عيسى بن عبد الله عن آبائه تركه الدارقطني.

(6)

في المستدرك (3/ 413) وسكت عنه الحاكم، والذهبي.

(7)

في سننه رقم (5609).

وهو حديث صحيح، تقدم.

(8)

في سننه رقم (3394).

(9)

في سننه رقم (5607).

إسناده حسن.

(10)

في المعجم الكبير (ج 12 رقم 13411).

وقد صححه أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد رقم (5648).

(11)

عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد المدني، أمُّه زينب بنت =

ص: 208

قال في مجمع الزوائد

(1)

: وبقية رجاله رجال الصحيح.

وستأتي الأحاديث الواردة في معناه في باب الأوعية المنهي عن الانتباذ فيها

(2)

، وإنما ذكره المصنف هاهنا لقوله في آخره:"كل مسكر حرام".

وحديث أبي مالك الأشعري قد تقدم في (باب ما جاء في آلة اللهو)

(3)

، وقد صححه ابن حبان

(4)

.

قال في الفتح

(5)

: وله شواهد كثيرة، ثم ساق من ذلك عدة أحاديث منها حديث أبي أمامة

(6)

المذكور في الباب وسكت عنه.

(ومنها): حديث ابن محيريز

(7)

المذكور أيضًا.

وقد أخرجه أحمد

(8)

وابن ماجه

(9)

من وجه آخر بسند جيد.

وحديث عبادة في إسناده عند ابن ماجه

(10)

الحسين بن أبي السريّ العسقلاني وهو مجهول

(11)

.

وحديث أبي أمامة رواه ابن ماجه

(12)

من طريق العباس بن الوليد الدمشقي

= علي: صدوق في حديثه لين. ويقال: تغير بأخرةٍ،

التقريب رقم (3592).

وقال المحرران: بل: ضعيف يعتبر به ....

(1)

في مجمع الزوائد (5/ 58).

(2)

الباب الثالث الآتي من كتابنا هذا.

(3)

تقدم في الباب الثامن من "كتاب الجهاد والسير" رقم (3558) من كتابنا هذا.

(4)

في صحيحه رقم (6758).

(5)

(10/ 51).

(6)

تقدم برقم (3710) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (3711) من كتابنا هذا.

(8)

في المسند (5/ 342).

(9)

في سننه رقم (3384).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 104): "هذا إسناد ضعيف لضعف عبد السلام - هو ابن عبد القدوس - وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت رواه النَّسَائِي وابن ماجه". اهـ.

وهو حديث صحيح.

(10)

في سننه رقم (3385). وهو حديث صحيح.

(11)

الحسين بن المتوكل بن عبد الرحمن، أبو عبد الله بن أبي السَّري: ضعيف. التقريب رقم (1343).

(12)

في سننه رقم (3384).

ص: 209

وهو صدوق

(1)

، وقد ضعف عن عبد السلام بن عبد القدوس، وهو ضعيف

(2)

وبقية رجال إسناده ثقات.

وحديث ابن محيريز

(3)

إسناده عند النَّسَائِي

(4)

صحيح قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، عن خالد - وهو ابن الحارث - عن شعبة، قال: سمعت أبا بكر بن حفص يقول: سمعت ابن محيريز

فذكره، ولعلَّ الرجل المبهم من الصحابة هو عبادة بن الصامت، فإنَّ ابن ماجه روى حديث عبادة المتقدم من طريق ابن محيريز، والأحاديث الواردة في هذا المعنى يقوّي بعضها بعضًا.

قوله: (الفرق)

(5)

بفتح الراء وسكونها والفتح أشهر، وهو مكيال يسع ستة عشر رطلًا، وقيل: هو بفتح الراء كذلك، فإذا سكنت فهو مائة وعشرون

(6)

رطلًا.

قوله: (فملء الكف منه حرام) في رواية الإمام أحمد

(7)

في الأشربة بلفظ: "فالأوقية منه حرامٌ"، وذكره ملء الكف أو الأوقية في الحديث على سبيل التمثيل، وإنما العبرة بأن التمثيل شامل للقطرة ونحوها.

قوله: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) قال ابن رسلان في شرح السنن: أجمع المسلمون على وجوب الحدّ على شاربها سواء شرب قليلًا أو كثيرًا ولو قطرة واحدة قال: وأجمعوا على أنه لا يقتل شاربها وإن تكرّر.

قوله: (لا تنبذوا في الدباء

) إلى آخر الحديث، سيأتي تفسير هذه الألفاظ في باب الأوعية المنهي عن الانتباذ فيها.

قوله: (ليشربن) بفتح الباء الموحدة ونون التوكيد.

(1)

عباس بن الوليد بن صُبح الدمشقي، السلمي: صدوق. التقريب رقم (3191).

(2)

عبد السلام بن عبد القدوس بن حبيب، أبو محمد الكلاعي، الدمشقي: ضعيف. التقريب رقم (4073).

(3)

تقدم برقم (3711) من كتابنا هذا.

(4)

في سننه رقم (5658) وقد تقدم.

(5)

النهاية (2/ 363) وغريب الحديث للخطابي (1/ 253).

(6)

الفرق = 8.25 ليترًا الفرق = 8.235 كيلو غرامًا.

(7)

في "كتاب الأشربة" رقم (6) و (46).

إسناده ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم.

ص: 210

قوله: (ويسمونها بغير اسمها) يعني يسمونها: الداذي، بدال مهملة وبعد الألف ذال معجمة.

قال الأزهري

(1)

: هو حبّ يطرح في النبيذ فيشتدّ حتى يسكر أو يسمونها بالطلاء.

وقد تقدم الكلام على هذا

(2)

في (باب ما جاء في آلة اللهو).

[الباب الثالث] بابُ الأوعية المنْهِي عَنِ الانتباذِ فيها ونَسْخِ تحريمِ ذلكَ

29/ 3712 - (عَنْ عائِشَة أن وفْدَ عَبْدِ القَيْسِ قَدِمُوا على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَسألُوهُ عَنِ النَّبِيذِ، فَنَهاهُمْ أنْ يَنْبُذُوا في الدُّبَّاءِ والنَّقيرِ والمُزفَّتِ والحَنْتَمِ)

(3)

. [صحيح]

30/ 3713 - (وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لِوفْدِ عَبْدِ القَيْسِ: "أنهاكُمْ عمَّا يُنْبَذُ في الدُّبَّاءِ والنَّقِيرِ والحَنْتَمِ والمُزفَّتِ")

(4)

. [صحيح]

31/ 3714 - (وعَنْ أنَسٍ أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَنْبُذُوا في الدُّبَّاءِ ولا المُزفَّتِ")

(5)

[صحيح]

32/ 3715 - (وعَنِ ابْنِ أبي أوْفى قال: نهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَبِيذ الجَرّ الأخْضَرِ)

(6)

. [صحيح]

(1)

النهاية (1/ 593 - 594) والمجموع المغيث (1/ 682) ولسان العرب (3/ 491).

(2)

في الباب الثامن من كتاب الجهاد والسير عند الحديث رقم (3558) من كتابنا هذا.

(3)

أحمد في المسند (6/ 131) والبخاري رقم (5595) ومسلم رقم (37/ 1995).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (1/ 228) والبخاري رقم (1398) ومسلم (3/ 1579) رقم (39/ 17).

وهو حديث صحيح.

(5)

أحمد في المسند (3/ 110) والبخاري رقم (5587) ومسلم رقم (30/ 1992).

وهو حديث صحيح.

(6)

أحمد في المسند (4/ 353، 356) والبخاري رقم (5596).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (814) والنسائي رقم (5621، 5622). =

ص: 211

33/ 3716 - (وعَنِ عليّ قال: نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن تَنْبُذُوا في الدُّبَّاءِ والمُزفَّتِ. مُتَّفَقٌ على خمْستِهِنَّ)

(1)

. [صحيح]

34/ 3717 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تَنْبُذوا فِي الدُّبَّاءِ وَلا فِي المُزَّفتِ"

(2)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ: أنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُزَفَّتِ والحَنْتَمِ وَالنَّقِير، قيلَ لأبي هُرَيْرَةَ: ما الحَنْتَمُ؟ قالَ: الجِرَارُ الخُضْرُ)

(3)

. [صحيح]

35/ 3718 - (وَعَنْ أبي سَعِيد: أن وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ قالُوا: يا رَسُولَ الله ماذَا يَصْلُحُ لَنا مِنَ الأشْرِبَةِ؟ قالَ: "لا تَشْرَبُوا فِي النَّقِير"، فَقالُوا: جَعَلَنا الله فِدَاكَ، أوَ تَدْرِي ما النَّقِيرُ؟ قالَ:"نَعَمْ، الْجذْع يُنْقَرُ فِي وَسَطهِ، وَلا فِي الدُّبَّاءِ، وَلا فِي الحَنتمِ، وَعَلَيْكُمْ بالمُوكى"، رَوَاهُنَّ أحْمَدُ

(4)

وَمُسْلمٌ)

(5)

. [صحيح]

36/ 3719 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ والحَنْتَم والمُزَفَّتِ)

(6)

. [صحيح]

37/ 3720 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لِوَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ:

= والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(8/ 124) وابن حبان رقم (5402) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 309).

وهو حديث صحيح.

(1)

أحمد في المسند (1/ 83) والبخاري رقم (5594) ومسلم رقم (34/ 1994).

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (2/ 241، 279) ومسلم رقم (31/ 1993).

وهو حديث صحيح.

(3)

مسلم في صحيحه رقم (32/ 1993).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (3/ 57).

(5)

في صحيحه رقم (44/ 1996).

وهو حديث صحيح.

(6)

مسلم في صحيحه رقم (46/ 1997) وأبو داود رقم (3690) والنسائي رقم (5643).

وهو حديث صحيح.

ص: 212

"أنْهاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ والحَنْتَمِ وَالنَّقِير وَالمُقَيَّرِ وَالمَزَادَة المَجْبُوبَةِ، وَلَكِنِ اشْرَبْ فِي سِقائِكَ وأوْكِهِ"، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ

(1)

وَالنَّسائيُّ

(2)

وأبُو دَاوُدَ)

(3)

. [صحيح]

38/ 3721 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قالا: حَرَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَبِيذَ الجَرّ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَمُسْلِمٌ

(5)

وَالنَّسائيُّ

(6)

وأبُو دَاوُدَ)

(7)

. [صحيح]

39/ 3722 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الحَنْتَمَةِ وهِيَ الجَرَّة، ونَهَى عَن الدُّبَّاءِ: وَهِيَ القَرْعَةُ، ونَهَى عَنِ النَّقِير: وَهِيَ أصْلُ النَّخْلِ تُنْقَرُ نَقْرًا وَتُنْسَحُ نَسْحًا، ونَهَى عَنِ المُزَفَّتِ: وَهُوَ المُقَير، وأمَرَ أنْ يُنْبَذَ فِي الأسْقِيَةِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(8)

وَمُسْلمٌ

(9)

وَالنَّسائيّ

(10)

وَالتِّرْمِذِي وَصحَّحَهُ)

(11)

. [صحيح]

40/ 3723 - (وَعَنْ بُرَيْدَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الأشْرِبَةِ إلَّا فِي ظُرُوفِ الأدَمِ، فاشْرَبُوا فِي كُلّ وِعاء غَيْرَ أنْ لا تَشْرَبُوا مُسكِرًا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(12)

وَمُسْلِمٌ

(13)

وأبُو دَاوُدَ

(14)

وَالنَّسائيُّ

(15)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ: "نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ وَإنَّ ظَرْفًا لا يُحِل شَيْئًا وَلا يُحَرّمُهُ، وكُلُّ

(1)

في صحيحه رقم (33/ 1992).

(2)

في سننه رقم (5646).

(3)

في سننه رقم (3693).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (2/ 48).

(5)

في صحيحه رقم (47/ 1997).

(6)

في سننه رقم (5645).

(7)

في سننه رقم (3691).

وهو حديث صحيح.

(8)

في المسند (2/ 93).

(9)

في سننه رقم (57/ 1997).

(10)

في سننه رقم (5654).

(11)

في سننه رقم (1868) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(12)

في المسند (5/ 350، 355).

(13)

في سننه رقم (65/ 1999).

(14)

في سننه رقم (3698).

(15)

في سننه رقم (5654).

وهو حديث صحيح.

ص: 213

مُسْكِرٍ حَرامٌ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ وأبا دَاوُدَ)

(1)

. [صحيح]

41/ 3724 - (وَعَنْ [عَبْدِ الله بْنِ عمر]

(2)

قالَ: لَمَّا نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الأوْعِيَةِ، قِيلَ للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَجِدُ سِقاءً فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الْجَرّ غَيرِ المُزَفَّتِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(3)

. [صحيح]

42/ 3725 - (وَعَنْ أنَسٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالحَنْتَمِ وَالمُزَفَّتِ، ثُمَّ قالَ بَعْدَ ذلكَ: "ألَا كنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ فِي الأوْعِيَةِ فاشْرَبُوا فِيما شِئْتُمْ وَلا تَشْربُوا مُسْكِرًا، مَنْ شاءَ أوْكى سِقاءَهُ على إثم")

(4)

.

[صحيح بطرقه وشواهده]

43/ 3726 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُغَفَّلٍ قالَ: أنا شَهِدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ نَهَى عَنْ نَبِيذِ الجَرّ، وأنا شَهِدْتُهُ حِينَ رَخَّصَ فِيهِ وَقالَ: "وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ" رَوَاهُمَا أحْمَدُ)

(5)

. [إسناده ضعيف]

حديث أنس أخرجه أيضًا أبو يعلى

(6)

، والبزار

(7)

، وفي إسناده يحيى بن

(1)

أحمد في المسند (5/ 356) ومسلم رقم (64/ 1999) والترمذي رقم (1869) والنسائي رقم (5655) وابن ماجه رقم (3405).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(2)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب (عبد الله بن عمرو) كما في مصادر التخريج.

(3)

أحمد في المسند (2/ 160) والبخاري رقم (5593) ومسلم رقم (66/ 2000).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (3/ 237).

قلت: وأخرجه أبو يعلى في المسند رقم (3707).

إسناده ضعيف، لكن الحديث صحيح بطرقه وشواهده.

(5)

في المسند (4/ 87).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 110).

إسناده ضعيف.

ويغني عنه حديث بريدة عند مسلم رقم (977) مرفوعًا بلفظ: "ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكرًا".

(6)

في المسند رقم (3707).

(7)

في المسند رقم (2911 - كشف).

ص: 214

عبد الله الجابري، ضعفه الجمهور

(1)

، وقال أحمد

(2)

: لا بأس به، وبقية رجاله ثقات.

وحديث عبد الله بن مغفل رجال إسناده ثقات.

وفي أبي [جعفر]

(3)

الرازي كلام لا يضرُّ، وقد أخرجه الطبراني في الكبير

(4)

والأوسط

(5)

في الباب عن جماعة من الصحابة غير من ذكره المصنف.

قوله: (في الدباء)

(6)

بضم الدال المهملة، وتشديد الباء؛ وهو القرع، وهو من الآنية التي يسّرع الشراب في الشدّة إذا وضع فيها.

قوله: (والنقير)

(7)

هو فعيل بمعنى مفعول من نقر ينقر، وكانوا يأخذون أصل النخلة فينقرونه في جوفه، ويجعلونه إناء ينتبذون فيه؛ لأن له تأثيرًا في شدّة الشراب.

قوله: (والمزفت)

(8)

اسم مفعول، وهو الإناء المطلي بالزفت، وهو نوع من القار.

قوله: (والحنتم) بفتح الحاء المهملة: جرارٌ خضر مدهونة، كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة، ثم اتسع فيها، فقيل للخزف كله: حنتم، واحدها حنتمة، وهي أيضًا: مما تسرع فيه الشدّة.

قوله: (عن نبيذ الجرّ)

(9)

بفتح الجيم، وتشديد الراء: جمع جرّة، كتمر جمع تمرة، وهو بمعنى الجرار، الواحدة جرّة، ويدخل فيه جميع أنواع الجرار من الحنتم

(10)

وغيره.

(1)

التاريخ الكبير للبخاري (4/ 2/ 286) والجرح والتعديل (4/ 2/ 161) والميزان (4/ 389).

(2)

في "العلل" رواية عبد الله (804، 3995).

(3)

في المخطوط (ب): (حفصة) والمثبت من المخطوط (أ) ومسند أحمد وهو الصواب.

(4)

كما في "مجمع الزوائد"(5/ 62).

(5)

في الأوسط رقم (5280).

(6)

النهاية (1/ 549) والفائق (1/ 406).

(7)

النهاية (2/ 786).

(8)

النهاية (1/ 725) الفائق (1/ 407) وغريب الحديث للهروي (2/ 182).

(9)

النهاية (1/ 254).

(10)

الحنتم جرار مدهونة خضْرٌ كانت تُحْمَل الخمر فيها إلى المدينة ثم اتسع فيها، فقيل: =

ص: 215

وروى أبو داود

(1)

عن سعيد بن جبير: أنه قال لابن عباس: ما الجرّ؟ قال: كل شيء يصنع من المدر. فهذا تصريح: أن الجر يدخل فيه جميع أنواع الجرار المتخذة من المدر الذي هو التراب والطين.

يقال: مدرت الحوض

(2)

، أمدره: إذا أصلحته بالمدر، وهو الطين من التراب.

قوله: (والمقير)

(3)

بضم الميم، وفتح القاف، والياء المشدّدة، وهو المزفت؛ أي: المطلي بالزفت، وهو نوع من القار كما تقدم.

وروي عن ابن عباس أنه قال: المزفت: هو المقير، حكى ذلك ابن رسلان في شرح السنن وقال: إنه صحّ ذلك عنه.

قوله: (والمزادة)

(4)

هي: السقاء الكبير، سميت بذلك؛ لأنَّه يزاد فيها على الجلد الواحد، كذا قال النَّسَائِي.

والمجبوبة

(5)

: بالجيم. بعدها موحدتان بينهما واو، قال عياض

(6)

: ضبطناه في جميع هذه الكتب بالجيم، والباء الموحدة المكرّرَة، ورواهُ بعضهم: المخنوثة

(7)

بخاء معجمة، ثم نون، وبعدها ثاء مثلثة؛ كأنه أخذه من اختناث الأسقية المذكورة في حديث آخر.

ثم قال

(8)

: وهذه الرواية ليست بشيء، والصواب الأول: أنها بالجيم؛

= للخزفِ كله حنتم، واحدتها حَنْتَمة.

النهاية (1/ 440). الفائق (1/ 406) والمجموع المغيث (1/ 508).

(1)

في سننه رقم (3691).

وهو حديث صحيح، وقد تقدم.

(2)

النهاية (2/ 644) والفائق (3/ 351).

(3)

النهاية (1/ 725).

(4)

النهاية (1/ 735) والمجموع المغيث (2/ 34).

(5)

المجبوبة وهي التي قطع رأسها، وليس لها عَزْلاء من أسفلِها يَتنفَّس منها الشرَّاب. النهاية (1/ 229).

(6)

في "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" له (1/ 139).

(7)

النهاية (1/ 535) والفائق (1/ 373).

(8)

أي: القاضي عياض في "مشارق الأنوار"(1/ 139).

ص: 216

وهي: التي قطع رأسها فصارت كالدنِّ، مشتقة من الجبّ، وهو القطع، لكون رأسها يقطع حتى لا يبقى لها رقبة توكى.

وقيل: هي التي قطعت رقبتها، وليس لها عزلاء؛ أي: فم من أسفلها [يتنفس]

(1)

الشراب منها، فيصير شرابها مسكرًا ولا يدري به.

قوله: (وأوكه)

(2)

بفتح الهمزة؛ أي: وإذا فرغت من صبّ الماء واللبن الذي من الجلد فأوكه؛ أي: [شدّ]

(3)

رأسه بالوكاء، يعني بالخيط لئلا يدخله حيوان أو يسقط فيه شيء.

قوله: (تنسح نسخًا)

(4)

بالحاء المهملة عند أكثر الشيوخ، وفي كثير من نسخ مُسلم عن ابن ماهان بالجيم، وكذا في الترمذي

(5)

وهو تصحيف، ومعناه القشر ثم الحفر.

قوله: (إلا في ظروف الأدم)

(6)

بفتح الهمزة، والدال: جمع أديم.

ويقال: أدم بضمهما، وهو القياس، ككثيب وكثب؛ وبريد وبرد، والأديم: الجلد المدبوغ.

قوله: (فاشربوا في كلِّ وعاء) فيه دليل على نسخ النهي عن الانتباذ في الأوعية المذكورة.

قال الخطابي

(7)

: ذهب الجمهور: إلى أنَّ النهي إنما كان أوّلًا ثم فسخ، وذهب جماعة إلى أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية باقٍ منهم: ابن عمر

(8)

،

(1)

في المخطوط (ب): (تنفس).

(2)

النهاية (2/ 877) والمجموع المغيث (3/ 446).

(3)

في المخطوط (أ): (سد).

(4)

النسح بالحاء: معناه أن يُنحى قِشرها عنها وتُمْلَس وتُحَفَر.

قال الأزهري: النَّسْح ما تحاتَّ عن التَّمر من قِشره وأقماعه، مما يبقى في أسفل الوعاء.

"تهذيب اللغة"(4/ 323) والنهاية (2/ 735).

(5)

في السنن (4/ 294) بل فيه ينسح نسحًا.

(6)

النهاية (1/ 46).

(7)

في "معالم السنن"(4/ 93).

(8)

أخرج النَّسَائِي في سننه رقم (5615) عن طاوس قال: "جاء رجل إلى ابن عمر قال: أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر؟ قال: نعم. زاد - إبراهيم بن ميسرة - في حديثه: والدُّباء" وهو حديث صحيح.

ص: 217

وابن عباس

(1)

، وبه قال مالك

(2)

، وأحمد

(3)

، وإسحاق

(4)

، كذا أطلق، قال: والأوّل أصحّ؛ والمعنى في النهي: أن العهد بإباحة الخمر كان قريبًا، فلما اشتهر التحريم أبيح لهم الانتباذ في كلِّ وعاء بشرط ترك شرب المسكر، وكأنَّ من ذهب إلى استمرار النهي لم يبلغه الناسخ.

وقال الحازمي

(5)

: لمن نصر قول مالك أن يقول: ورد النهي عن الظروف كلِّها ثم نسخ منها ظروف الأدم، والجرار غير المزفتة، واستمرّ ما عداها على المنع.

ثم تعقب ذلك بما ورد من التصريح في حديث بريدة

(6)

عند مسلم كما في حديث الباب.

قال: وطريق الجمع أن يقال: لمَّا وقع النهي عامًّا شَكَوْا إليه الحاجة، فرخص لهم في ظروف الأدم، ثم شكوا إليه أن كلهم لا يجد ذلك، فرخص لهم في الظروف كلها.

وقال ابن بطال

(7)

: النهي عن الأوعية إنما كان قطعًا للذريعة، فلما قالوا: لا نجد بدًا من الانتباذ في الأوعية قال: "انتبذ وكلُّ مسكرٍ حرام"، وهكذا الحكم في كل شيءٍ نهي عنه بمعنى النظر إلى غيره، فإنه يسقط للضرورة كالنهي عن الجلوس في الطرقات، فلما قالوا: لا بد لنا منها قال: "وأعطوا الطريق حقها"

(8)

.

(1)

أخرج النَّسَائِي في سننه رقم (5620): عن سعيد بن جبير قال: كنت عند ابن عمر فسئل عن نبيذ الجر، فقال: حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليَّ لما سمعتُه فأتيت ابن عباس، فقلت: إن ابن عمر سُئل عن شيء فجعلتُ أُعَظِّمه قال: ما هو؟ قلت: سئل عن نبيذ الجرِّ، فقال: صدق. حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وما الجَرُّ. قال: كُلُّ شيء صُنع من مَدَر.

وهو حديث صحيح.

(2)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 256 - 257) والتمهيد (14/ 131).

(3)

المغني (12/ 514 - 515).

(4)

حكاه عنه ابن المنذر في "الإشراف"(2/ 373).

(5)

في الاعتبار (ص 521).

(6)

تقدم برقم (3723) من كتابنا هذا.

(7)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 56).

(8)

أخرجه البخاري رقم (2465) ومسلم رقم (144/ 2121) وأحمد (3/ 36).

وهو حديث صحيح.

ص: 218

[الباب الرابع] بابُ ما جاءَ في الخَلِيطَينِ

44/ 3727 - (عَنْ جابِرٍ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ نَهَى أنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، ونَهَى أنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالبُسْر جَمِيعًا"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ

(1)

، فإنَّ لَهُ

(2)

مِنْهُ فَصْلَ الرُّطَبِ وَالبُسْرِ). [صحيح]

45/ 3728 - (وَعَنْ أبي قَتادَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تَنْبُذوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا، وَلا تَنْبُذُوا الزَّبِيبَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا، وَلَكِنِ انْبذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُما على حِدَتِهِ" مُتَّفَق عَلَيْهِ

(3)

، لَكِنْ لِلْبُخارِيِّ ذِكْرُ (التَّمْرِ) بَدَلَ (الرُّطَبِ). [صحيح]

وَفِي لَفْظٍ: أن نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالبُسْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْو وَالرطَبِ وَقالَ:"انْتَبِذُوا كُل وَاحِدٍ على حِدَتِهِ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

وَأبُو دَاوُدَ)

(5)

. [صحيح]

46/ 3729 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أنْ يُخْلَطَ بيْنَهُما، وَعَنِ التَّمْرِ والبُسر أنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُما، يَعْنِي فِي الانْتِباذِ. رَوَاه أحْمَدُ

(6)

(1)

أحمد في المسند (3/ 363) والبخاري رقم (5601) ومسلم رقم (17/ 1986) وأبو داود رقم (3703) والنسائي رقم (5556) وابن ماجه رقم (3395).

وهو حديث صحيح.

(2)

أي: الترمذي في سننه رقم (1876) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (5/ 309) والبخاري رقم (5602) ومسلم رقم (24/ 1988).

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (26/ 1988).

(5)

في سننه رقم (3704).

وهو حديث صحيح.

(6)

في المسند (3/ 71).

ص: 219

وَمُسْلِمٌ

(1)

[والنسائي

(2)

]

(3)

والتِّرْمِذِيُّ

(4)

. [صحيح]

وَفِي لَفْظٍ: نَهانا أنْ نَخْلُط بُسْرًا بِتَمْرٍ أوْ زَبيبًا بتَمْرٍ أَوْ زَبِيبًا بِبُسْر، وَقالَ:"مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا وَتمْرًا فَرْدًا وَبُسْرًا فَرْدًا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(5)

وَالنَّسائيُّ)

(6)

. [صحيح]

47/ 3730 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَنْبُذُوا التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا، وَلا تَنْبُذوا التَّمْرَ وَالبُسْرَ جَمِيعًا، وَانْبُذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُن وَحْدَهُ") رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

وَمُسْلِمٌ)

(8)

. [صحيح]

48/ 3731 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَميعًا، وأنْ يُخْلَطَ البُسْرُ والتَّمْر جَمِيعًا)

(9)

. [صحيح]

49/ 3732 - (وَعَنْهُ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُخْلَطَ البَلَحُ بالزَّهْوِ. رَوَاهُما مُسْلِمٌ

(10)

وَالنَّسائيُّ)

(11)

. [صحيح]

(1)

في صحيحه رقم (20/ 1987).

(2)

في السنن الكبرى رقم (6804 - الرسالة).

(3)

ما بين الحاصرتين سقط من كل طبعات نيل الأوطار والمثبت من المخطوط (أ)، (ب).

(4)

في سننه رقم (1877) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (23/ 1987).

(6)

في سننه رقم (5568).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (2/ 526).

(8)

في صحيحه رقم (26 م/1989).

وهو حديث صحيح.

(9)

مسلم في صحيحه رقم (27/ 1990) والنسائي رقم (5557).

وهو حديث صحيح.

(10)

في صحيحه (3/ 1580) رقم (41/ 17).

(11)

في سننه رقم (5548).

وهو حديث صحيح.

ص: 220

50/ 3733 - (وَعَنِ المُخْتارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أنَسٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نَجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَيُنْبَذا يَبْغي أحَدُهُما على صَاحِبِه قالَ: وَسألْتُهُ عَنِ الفَضِيخِ فَنَهانِي عَنْهُ، قالَ: كانَ يَكْرَهُ المُذَنَّبَ مِنَ البُسْرِ مَخافَةَ أنْ يَكُونَ شَيْئَيْنِ فَكُنَّا نَقْطَعُهُ. رَوَاهُ النَّسائيُّ)

(1)

. [إسناده صحيح]

51/ 3734 - (وَعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كُنَّا نَنْبُذُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي سِقاءٍ فَنأخُذُ قَبْضَةً منْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ [فَنَطْرَحُهُمَا]

(2)

، ثُمَّ نَصُبُّ عَلَيْهِ المَاءَ فَنَنْبُذُهُ غُدوَةً فيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً وَنَنْبُذُهُ عَشِيَّةً فَيَشْربُهُ غُدْوَةً. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهُ)

(3)

. [صحيح لغيره]

حديث أنس رواه النَّسَائِي (1) من طريق سويد بن نصر، وهو ثقة، عن عبد الله بن المبارك الإِمام الكبير، عن ورقاء، وهو صدوق، عن المختار بن فلفل، وهو ثقة عن أنس.

وقد أخرجه أيضًا أحمد بن حنبل

(4)

من طريق المختار بن فلفل عنه.

وحديث عائشة رجاله عند ابن ماجه (3) رجال الصحيح إلا [تبالة بنت يزيد]

(5)

الراوية له عن عائشة فإنها مجهولة.

وقد أخرجه أيضًا أبو داود

(6)

عن صفية بنت عطية قالت: دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة فسألناها عن التمر والزبيب فقالت: "كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في إناء فأمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وسلم "، وفي إسناده

(1)

في سننه رقم (5563) بسند صحيح.

(2)

في المخطوط (أ): (فيطرحها). والمثبت من (ب) وابن ماجه.

(3)

في سننه رقم (3398).

وهو حديث صحيح لغيره.

(4)

في المسند (3/ 112) وفي "الأشربة" رقم (194) وفي الورع ص 158.

بسند صحيح.

(5)

كذا في المخطوط (أ)، (ب): والصواب (بُنانة بنت يزيد) كما في سنن ابن ماجه، و"التقريب" رقم (8545) وقال الحافظ: لا تعرف.

(6)

في سننه رقم (3708) بسند ضعيف.

ص: 221

أبو بحر عبد الرحمن بن عثمان البكراوي البصري

(1)

.

قال المنذري

(2)

: ولا يحتجّ بحديثه. قال أبو حاتم

(3)

: وليس هو بالقويّ.

وأخرج أبو داود

(4)

أيضًا عن امرأة من بني أسد عن عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينتبذ له زبيب فيلقى فيه تمر، أو [تمر]

(5)

فيلقى فيه الزبيب" وفيه هذه المرأة المجهولة.

قوله: (باب ما جاء في الخليطين) أصل الخلط: تداخل أجزاء أشياء بعضها في بعض.

قوله: (والبُسر) بضم الموحدة: نوع من تمر النخل معروف.

قوله: (الزَّهو) بفتح الزاي، وضمها، لغتان مشهورتان.

قال الجوهري

(6)

: أهل الحجاز يضمون؛ يعني: وغيرهم يفتح، والزهو:

هو البسر الملوّن الذي بدا فيه حمرة، أو صفرة، وطاب، وزهت، تزهي، زهوًا.

وأزهت: تزهى.

وأنكر الأصمعي

(7)

أزهت بالألف، وأنكر غيره زهت بلا ألف، ورجح الجمهور: زهت.

وقال ابن الأعرابي

(8)

: زهت: ظهرت، وأزهت: احمرّت، أو اصفرّت.

والأكثرون على خلافه.

قوله: (على حدته) بكسر الحاء المهملة، وفتح الدال؛ أي: وحدته، فحذفت الواو من أوله، والمراد أن كل واحدٍ منهما ينبذ منفردًا عن الآخر.

(1)

عبد الرحمن بن عثمان بن أمية بن عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي، أبو بَحْر البكراوي: ضعيف من التاسعة

التقريب رقم (3943).

وقال المحرران: بل ضعيف يعتبر به

(2)

في "المختصر"(5/ 278).

(3)

في "الجرح والتعديل"(5/ 264).

(4)

في سننه رقم (3707) بسند ضعيف.

(5)

في المخطوط (ب): (تمرا).

(6)

في الصحاح (6/ 2370).

(7)

انظر: "تهذيب اللغة"(6/ 373) والصحاح (6/ 2370).

(8)

حكاه عنه الأزهري في "تهذيب اللغة"(6/ 373).

ص: 222

قوله: (البلح) بفتح الموحدة، وسكون اللام، ثم حاء مهملة، وفي القاموس

(1)

وشمس العلوم

(2)

بفتحهما: هو أول ما يرطب من البسر، واحده بلحة.

قوله: (وسألته عن الفضيخ) قد تقدم ضبطه وتفسيره.

قوله: (كان يكره المذنب)

(3)

بذال معجمة فنون مشددة مكسورة: ما بدا فيه الطيب من ذنبه: أي طرفه، ويقال له أيضًا: التذنوب.

قوله: (نقطعه) أي نفصل بين البسر وما بدا فيه.

واختلف في سبب النهي عن الخليطين، فقال النووي

(4)

: ذهب أصحابنا وغيرهم من العلماء إلى أنّ سبب النهي عن الخليط: أن الإِسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يشتدّ، فيظنُّ الشارب أنه لم يبلغ حدَّ الإِسكار وقد بلغه.

قال: ومذهب الجمهور

(5)

: أن النهي في ذلك للتنزيه، وإنما يحرم إذا صار مسكرًا، ولا تخفى علامته.

وقال بعض المالكية

(6)

: هو للتحريم.

واختلف في خلط نبيذ البسر الذي لم يشتدّ مع نبيذ التمر الذي لم يشتدّ عند الشرب؛ هل يمتنع، أو يختصُّ النهي عن الخلط بالانتباذ؟ فقال الجمهور

(7)

: لا فرق .. وقال الليث

(8)

: لا بأس بذلك عند الشرب.

ونقل ابن التين عن الداودي

(9)

: أن المنهيَّ عنه خلط النبيذ بالنبيذ، لا إذا [نبذا]

(10)

معًا.

(1)

القاموس المحيط ص 273.

(2)

(1/ 601) البلح: حمل النخل قبل البُسْر ما دام أخضر، واحدته بَلَحة بالهاء.

(3)

النهاية (1/ 613) والفائق (2/ 18).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 154).

(5)

الفتح (10/ 68).

(6)

حكاه الحافظ عن المالكية في "الفتح"(10/ 68).

(7)

المغني (12/ 515 - 516).

(8)

الإشراف (2/ 370) ومختصر اختلاف العلماء (4/ 370).

(9)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(10/ 68).

(10)

في المخطوط (ب): (انتبذا).

ص: 223

واختلف في الخليطين من الأشربة غير النبيذ، فحكى ابن التين عن بعض الفقهاء

(1)

: أنه كره أن يخلط للمريض الأشربة.

قال ابن العربي

(2)

: لنا أربع صور: أن يكون الخليطان منصوصين فهو حرام، أو منصوصٌ ومسكوتٌ عنه، فإنْ كان كل منهما لو انفرد أسكر، فهو حرام قياسًا على المنصوص، أو مسكوتٌ عنهما، وكل منهما لو انفرد لم يسكر جاز

إلى آخر كلامه.

وقال الخطابيُّ

(3)

: ذهب إلى تحريم الخليطين وإن لم يكن الشراب منهما مسكرًا جماعة عملًا بظاهر الحديث وهو قول مالك

(4)

، وأحمد

(5)

، وإسحاق، وظاهر مذهب الشافعي، وقالوا: من شرب الخليطين أثم من جهة واحدة، فإن كان بعد الشدَّة؛ أثم من جهتين، وخصّ الليث

(6)

النهي بما إذا انتبذا معا.

وخص ابن حزم

(7)

النهي بخمسة أشياء: التمر، والرطب، والزهو، والبسر، والزبيب.

قال

(8)

: سواء خلط أحدهما في الآخر منها، أو في غيرها، فأما لو خلط واحد من غيرها في واحد من غيرها؛ فلا منع، كالتين، والعسل مثلا.

وحديث أنس

(9)

المذكور في الباب يردّ عليه.

وقال القرطبي

(10)

: النهي عن الخليطين ظاهر في التحريم وهو قول جمهور فقهاء الأمصار، وعن مالك

(11)

يكره فقط، وشذّ من قال: لا بأس به؛ لأن كلًّا منهما يحلُّ منفردا، فلا يكره مجتمعا. قال: وهذه مخالفة للنص بقياس مع وجود الفارق، فهو فاسدٌ، ثم هو منتقض بجواز كلِّ واحدة من الأختين منفردة، وتحريمهما مجتمعتين.

(1)

حكاه الحافظ عنهم في "الفتح"(10/ 68).

(2)

في عارضة الأحوذي (8/ 68).

(3)

في "معالم السنن"(4/ 100).

(4)

مدونة الفقه المالكي (2/ 256).

(5)

المغني (12/ 515).

(6)

حكاه عنه الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء"(4/ 370).

(7)

في "المحلى"(7/ 508).

(8)

أي ابن حزم في المرجع السابق.

(9)

تقدم برقم (3733) من كتابنا هذا.

(10)

في المفهم (5/ 258 - 259).

(11)

التهذيب في اختصار المدونة (4/ 501 - 502).

ص: 224

[الباب الخامس] بابُ النَّهي عَنْ تخليلِ الخَمْر

52/ 3735 - (عَنْ أنَسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا؟ فقال: "لا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ)

(4)

. [صحيح]

53/ 3736 - (وَعَنْ أنَسٍ أن أبا طَلْحَةَ سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أيْتام وَرِثُوا خَمْرًا، قالَ:"أهْرِقْها"، قالَ: أفَلا نَجْعَلُها خَلًّا؟ قالَ: "لا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وأبُو دَاوُدَ)

(6)

. [صحيح]

54/ 3737 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: قُلْنا لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا حُرِّمَتِ الخَمْرُ: إنَّ عِنْدَنا خَمْرًا لِيَتِيمٍ لَنا، فَأمَرَنا فأهْرَقْناها. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(7)

. [صحيح لغيره]

55/ 3738 - (وَعَنْ أنَسٍ أن يَتِيمًا كانَ فِي حِجْرِ أبي طَلْحَةَ فاشْتَرى لَهُ خَمْرًا. فَلَمَّا حُرّمَتْ الخمر سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أتتخَذُ خَلًّا؟ قالَ: "لا"، رَوَاه أحْمَد

(8)

وَالدَّارَقُطْنيُّ)

(9)

. [حسن]

(1)

في المسند (3/ 180).

(2)

في صحيحه رقم (11/ 1983).

(3)

في سننه رقم (3675).

(4)

في سننه رقم (1294) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (3/ 119).

(6)

في سننه رقم (3675).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (3/ 26).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1263) وأبو يعلى رقم (1277).

إسناده ضعيف، لضعف مجالد بن سعيد الهمداني، وبقية رجاله ثقات.

ولكن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(8)

في المسند (3/ 260).

(9)

في سننه (4/ 265) رقم (4).

إسناده ضغيف، لضعف الليث بن أبي سليم. =

ص: 225

حديث أنس الأول: قال الترمذي

(1)

بعد إخراجه: حديث حسن صحيح.

وحديثه الثاني عزاه المنذري في مختصر السنن

(2)

إلى مسلم، وهو كما قال في صحيح مسلم

(3)

، ورجال إسناده في سنن أبي داود

(4)

ثقات.

وأخرجه الترمذي من طريقين وقال

(5)

: الثانية أصحّ.

وحديث أبي سعيد أشار إليه الترمذي

(6)

قال: وفي الباب عن جابر، وعائشة، وأبي سعيد، وابن مسعود، وابن عمر، وفي لفظ للترمذي

(7)

عن أنس عن أبي طلحة أنه قال: يا نبيّ الله. وفي لفظ آخر كما في الكتاب

(8)

.

قوله: (قال لا) فيه دليل للجمهور

(9)

على أنه لا يجوز تخليل الخمر، ولا تَطْهُرُ بالتخليل هذا: إذا خللها بوضع شيءٍ فيها.

أما إذا كان التخليل بالنقل من الشمس إلى الظلِّ أو نحو ذلك: فأصحّ وجه عن الشافعية

(10)

أنها تحلّ وتطهر.

وقال الأوزاعي وأبو حنيفة

(11)

: تطهر إذا خُلِّلَتْ بإلقاء شيءٍ فيها.

وعن مالك

(12)

ثلاث روايات أصحها: أن التخليل حرام، فلو خللها عصى وطهرت.

= ولكن الحديث حسن، والله أعلم.

(1)

في السنن (3/ 589).

(2)

المختصر (5/ 261).

(3)

في صحيحه رقم (11/ 1983).

(4)

في سننه رقم (3675).

وهو حديث صحيح.

(5)

أي الترمذي في السنن (3/ 588).

(6)

في السنن (3/ 588).

(7)

في السنن رقم (1293).

وهو حديث حسن.

(8)

عند الترمذي برقم (1294).

وهو حديث صحيح.

(9)

المغني (12/ 517).

(10)

حكاه ابن قدامة في المغني (12/ 517).

(11)

المبسوط (7/ 24) والبناية في شرح الهداية (11/ 454).

(12)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 256).

والتهذيب في اختصار المدونة (4/ 503).

ص: 226

قال القرطبي

(1)

: كيف يصحّ لأبي حنيفة القول بالتخليل مع هذا الحديث، ومع سببه الذي خرج عليه إذ لو كان جائزًا لكان قد ضيع على الأيتام مالهم، ولوجب الضمان على من أراقها عليهم وهو أبو طلحة.

قوله: (أهرقها) بسكون القاف وكسر الراء.

فيه دليل: على أن الخمر لا تملك، بل يجب إراقتها في الحال، ولا يجوز لأحدٍ الانتفاع بها إلا بالإراقة.

قال القرطبي

(2)

: وقال بعض أصحابنا: تملك، وليس بصحيح. ولفظ أحمد

(3)

في رواية له: "أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عندي خمور لأيتام، فقال: "أرقها"، قال: ألا أخللها؟ قال: "لا".

[الباب السادس] بابُ شُرْبِ العَصِيرِ مَا لم يَغْلِ أَو يأْتِ عليهِ ثلاثٌ وما طُبخَ قبلَ غليانهِ فذهَبَ ثُلُثَاهُ

56/ 3739 - (عَنْ عائِشَة قالَتْ: كُنَّا نَنْبُذُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي سَقاء يُوكَى أعلاه وَلَه عَزْلاء نَنْبُذه غُدْوَة فَيَشْرَبُهُ عَشِيًّا، وَنَنْبُذه عَشِيًّا فَيَشْرَبُه غُدْوَةً. رَوَاه أحْمَد

(4)

وَمُسْلِمٌ

(5)

وأبُو دَاودَ

(6)

وَالتِّرْمِذِيُّ)

(7)

. [صحيح]

57/ 3740 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُنْبَذ لَه أوَّلَ اللَّيْلِ فَيَشْرَبُهُ إذَا أصْبَحَ يَوْمَه ذلكَ، وَاللَّيْلَةَ الَّتي تَجيءُ وَالغَدَ وَاللَّيْلَةَ الأخْرَى وَالغَدَ إلى العَصْرِ، فإذَا بَقيَ شَيءٌ سَقاه الخَدَّامَ أوْ أمَرَ بِهِ فَصُبَّ. رَوَاه أحْمَدُ

(8)

وَمُسْلمٌ

(9)

. [صحيح]

(1)

في "المفهم"(5/ 260).

(2)

في "المفهم"(5/ 260).

(3)

في المسند (3/ 180، 260) وقد تقدم.

(4)

في المسند (6/ 124).

(5)

في صحيحه رقم (85/ 2005).

(6)

في سننه رقم (3711).

(7)

في سننه رقم (1871) وقال: هذا حديث غريب.

وهو حديث صحيح.

(8)

في المسند (1/ 233).

(9)

في صحيحه رقم (79/ 2004). =

ص: 227

وفِي رِوَايَةٍ: كانَ يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ اليَوْمَ وَالغَدَ وَبَعْدَ الغَدِ إلى مَساءِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يأمُرُ بِهِ فَيُسْقَى الخادِمَ أوْ يُهرَاقَ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

، وَقالَ: مَعْنَى يُسْقَى الخادِمَ يُبادِرُ بِهِ الفَسادُ. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ: كانَ يُنْبَذُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ ذلكَ وَالغَدَ وَاليَوْمَ الثَّالِثَ، فإنْ بَقِيَ شَيءٌ مِنْهُ أهرَقَهُ، أوْ أمَرَ بِهِ فأُهرِيقَ. رَوَاه النَّسائيُّ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ)

(5)

. [صحيح]

58/ 3741 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: عَلِمْتُ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَصُومُ فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَه بِنَبِيذٍ صَنَعْتُهُ فِي دُبَّاءٍ، ثُمَّ أتَيْتُهُ بِهِ فإذَا هُوَ يَنِشُّ، فَقالَ:"اضْربْ بِهَذَا الحائِطَ، فإنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لا يُؤْمِنُ بالله وَاليَوْمِ الآخِرِ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(6)

وَالنَّسائيُّ

(7)

. [صحيح]

وَقالَ ابْنُ عُمَرَ فِي العَصِيرِ: اشْرَبْهُ ما لَمْ يأخُذْهُ شيْطانُهُ، قِيلَ: وفِي كَمْ يأخُذُهُ شيْطانُهُ؟ قالَ: فِي ثَلاثٍ. حَكاهُ أحْمَدُ وَغيرُهُ)

(8)

. [أثر ابن عمر صحيح]

59/ 3742 - (وَعَنْ أبي موسَى أنَّهُ كانَ يَشْرَبُ منَ الطِّلاءِ ما ذَهَبَ ثُلُثاهُ

= وهو حديث صحيح.

(1)

في المسند (1/ 224).

(2)

في صحيحه رقم (81/ 2004).

(3)

في سننه رقم (3713).

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (5737).

(5)

في سننه رقم (3399). وانظر: الإرواء رقم (2388).

وهو حديث صحيح.

(6)

في سننه رقم (3716).

(7)

في سننه رقم (5704).

وهو حديث صحيح.

(8)

أخرج أثر ابن عمر بن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 496) رقم (3915) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (16990).

وهو أثر صحيح.

ص: 228

وَبَقِي ثُلُثُهُ. رَوَاهُ النَّسائيُّ

(1)

. [صحيح موقوف]

وَلَهُ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ

(2)

. [صحيح الإسناد مقطوع]

وأبي الدَّرْدَاءِ

(3)

[صحيح الإسناد موقوف]

وَقالَ البُخارِيُّ

(4)

: رأى عُمَرُ

(5)

، وأبُو عُبَيْدَةَ وَمُعاذٌ شُرْبَ الطِّلاءِ على الثُّلُثِ

(6)

، وَشَرِبَ البَراءُ

(7)

، وأبُو جُحَيْفَة

(8)

على النِّصْفِ.

(1)

في سننه رقم (5721) وهو صحيح موقوف. وانظر: الإرواء رقم (2390).

(2)

أخرجه النَّسَائِي في سننه رقم (5722) وهو صحيح الإسناد مقطوع.

(3)

أخرجه النَّسَائِي في سننه رقم (5720) وهو صحيح الإسناد موقوف. وانظر: الإرواء رقم (2391).

(4)

في صحيحه (10/ 62 رقم الباب (10) - مع الفتح) معلقًا.

(5)

أثر عمر أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 847) رقم (14) من طريق محمود بن لبيد الأنصاري: "أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباءَ الأرض وثقلِها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر: اشربوا هذا العسل، قالوا: لا يصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك بأن نجعل لك من هذا الشراب شيئًا لا يسكر؟ قال: نعم.

فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلثُ. فأتوا به عمر. فأدخلَ فيه عمرُ إصبعَهُ. ثم رفع يده، فتبعها يتمطط. فقال: هذا الطلاء. هذا مثلُ طلاء الإبل. فأمرهم عمر أن يشربوه. فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله. فقال عمر: كلَّا واللهِ؛ اللهم إني لا أُحِلُّ لهم شيئًا حرمته عليهم، ولا أحرِّم عليهم شيئًا أحللته لهم".

قلت: وأخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 306 - ترتيب) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 300 - 301) وفي "المعرفة"(6/ 440 رقم 5213 - العلمية) بسند صحيح.

وهو أثر صحيح.

(6)

قال الحافظ في "الفتح"(10/ 64): "وأما أثر أبي عبيدة وهو ابن الجراح، ومعاذ وهو ابن جبل، فأخرجه أبو مسلم الكجي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 528) رقم (4039) وعبد الرزاق في المصنف رقم (17122) من طريق قتادة عن أنس: "أن أبا عبيدة، ومعاذ بن جبل، وأبا طلحة، كانوا يشربون من الطلاء، ما طبخ على الثلث، وذهب ثلثاه".

(7)

أثر البراء أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 543) رقم (4086).

(8)

أثر أبو جحيفة أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 543) رقم (4087).

ص: 229

وَقالَ أبُو دَاوُدَ

(1)

: سألْتُ أحْمَدَ عَنْ شُرْبِ الطِّلاءِ إذَا ذَهَبَ ثُلُثاه وَبَقِيَ ثُلُث؟ فَقالَ: لا بأسَ بِهِ، فَقُلْتُ: إنَّهُمْ يَقُولُونَ: يُسْكِرُ؟ قالَ: لا يُسْكِرُ، لَوْ كانَ يُسْكِرُ ما أحَلَّهُ عُمَرُ.

حديث عائشة تقدم في باب ما جاء في الخليطين

(2)

.

وأخرج أبو داود

(3)

أيضًا عن عائشة أنها كانت تنتبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم غدوة، فإذا كان من العشاء فتعشى شرب على عشائه، وإن فضل شيء صبته أو فرغته ثم تنبذ له بالليل، فإذا أصبح تغدى فشرب على غدائه، قالت: نغسل السقاء غدوة وعشية، فقال لها:[أَبِي]

(4)

: مرتين في يوم؟ قالت: نعم.

وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا ابن ماجه

(5)

وسكت عنه أبو داود

(6)

والمنذري

(7)

: ورجال إسناده ثقات.

وقد اختلف في هشام بن عمار، ولكنه قد أخرج له البخاري

(8)

.

وأما قوله: وله مثله عن عمر فهو ما أخرجه النَّسَائِي

(9)

من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي قال؛ "كتب عمر اطبخوا شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان اثنين ولكم واحد"، وصحح هذا الحافظ في الفتح

(10)

.

وأخرج مالك في الموطأ

(11)

من طريق محمود بن لبيد الأنصاريِّ أن عمر بن

(1)

في مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (ص 259).

(2)

تقدم برقم (3734) من كتابنا هذا.

(3)

في سننه رقم (3712) بسند حسن.

(4)

في المخطوط (أ)، (ب):(أي): والصواب ما أثبتناه من سنن أبي داود.

(5)

في سننه رقم (3409).

وهو حديث صحيح.

(6)

في السنن (4/ 108).

(7)

في "المختصر"(5/ 281).

(8)

رجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 774 رقم الترجمة 1295) والجمع بين رجال الصحيحين (2/ 548) والتقريب (2/ 320).

(9)

في سننه رقم (5717).

وهو حديث صحيح.

(10)

(10/ 63).

(11)

في الموطأ (2/ 847) رقم (14) وهو أثر صحيح تقدم الكلام عليه آنفًا.

ص: 230

الخطاب حين قدم الشام شكى إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر: اشربوا العسل، قالوا: ما يصلحنا العسل، قال رجل من أهل الأرض: هل لك أن تجعل من هذا الشراب شيئًا لا يسكر؟ فقال: نعم، فطبخوا حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه أصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء مثل طلاء الإِبل. فأمرهم عمر أن يشربوه وقال: اللهمّ إني لا أحلّ لهم شيئًا حرمته عليهم.

وأخرج سعيد بن منصور (1) من طريق أبي مجلز عن عامر بن عبد الله قال: "كتب عمر إلى عمار: أما بعد، فإنه جاءني عمر تحمل شرابًا أسود كأنه طلاء الإبل، فذكروا أنهم يطبخونه حتى يذهب ثلثاه الأخبثان ثلث بريحه وثلث ببغيه، فمر من قبلك أن يشربوه".

ومن طريق سعيد بن المسيب

(1)

أن عمر أحلّ من الشراب ما يطبخ فذهب ثلثاه وبقي ثلثه.

وأثر أبي عبيدة ومعاذ أخرجه أبو مسلم الكجي

(2)

وسعيد بن منصور (1) بلفظ يشربون من الطلاء ما يطبخ على الثلث وذهب ثلثاه.

قال في الفتح

(3)

: وقد وافق عمر ومن ذكر معه على الحكم المذكور أبو موسى

(4)

، وأبو الدرداء

(5)

؛ أخرجه النَّسَائِي عنهما؛ وعليّ

(6)

، وأبو أمامة

(7)

،

(1)

كما في "الفتح"(10/ 63) بسند صحيح.

(2)

كما في "الفتح"(10/ 64).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 528) رقم (4039) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (17122).

(3)

(10/ 64).

(4)

أخرجه النَّسَائِي رقم (5721).

عنه وهو صحيح موقوف.

(5)

أخرجه النسائي رقم (5720) عنه.

وهو صحيح الإسناد موقوف.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 534) رقم (4061).

(7)

لم أقف عليه.

ص: 231

وخالد بن الوليد

(1)

، وغيرهم، أخرجها ابن أبي شيبة؛ وغيره من التابعين: ابن المسيب

(2)

، والحسن (3)، وعكرمة

(3)

.

ومن الفقهاء الثوري

(4)

والليث

(5)

ومالك

(6)

وأحمد

(7)

، والجمهور

(8)

وشرط تناوله عندهم ما لم يسكر، وكرهه طائفة تورّعًا.

وأثر البراء أخرجه ابن أبي شيبة

(9)

من رواية عديّ بن ثابت عنه أنه كان يشرب الطلاء على النصف: أي إذا طبخ فصار على النصف.

وأثر أبي جحيفة أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة

(10)

، ووافق البراء وأبا جحيفة جرير.

ومن التابعين ابن الحنفية وشريح.

وأطلق الجميع على أنه إن كان يسكر حرم.

قال أبو عبيدة: بلغني أن النصف يسكر فإن كان كذلك فهو حرام، والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف أعناب البلاد.

فقد قال ابن حزم

(11)

: إنه شاهد من العصير ما إذا طبخ إلى الثلث ينعقد ولا يصير مسكرًا أصلًا، ومنه ما إذا طبخ إلى النصف كذلك، ومنه ما إذا طبخ إلى الربع كذلك، بل قال: إنه شاهد منه ما لو طبخ حتى لا يبقى غير ربعه لا ينفك عنه السكر.

قال

(12)

: فوجب أن يحمل ما ورد عن الصحابة من أمر الطلاء على ما لا يسكر بعد الطبخ.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 533) رقم (4058).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 530) رقم (4084).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 536) رقم (4065).

(4)

موسوعة فقه الإمام سفيان الثوري ص 164.

(5)

كما في "الإشراف"(2/ 380).

(6)

التهذيب في اختصار المدونة (4/ 500).

(7)

المغني (12/ 514).

(8)

الفتح (10/ 64).

(9)

في المصنف (7/ 543) رقم (4086).

(10)

في المصنف (7/ 543) رقم (4087).

(11)

في "المحلى"(7/ 498).

(12)

أي ابن حزم في المرجع السابق.

ص: 232

وأخرج النَّسَائِي

(1)

من طريق عطاء عن ابن عباس بسند صحيح أنه قال: "إن النار لا تحلّ شيئًا ولا تحرّمه".

وأخرج النَّسَائِي

(2)

أيضًا من طريق أبي ثابت الثعلبي قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل يسأله عن العصير، فقال: اشربه ما كان طريًا، قال: إني طبخت شرابًا وفي نفسي، قال: كنت شاربه قبل أن تطبخه؟ قال: لا، قال: فمن النار لا تحلّ شيئًا قد حرّم.

قال الحافظ

(3)

: وهذا يقيد ما أطلق في الآثار الماضية، وهو أن الذي يطبخ إنما هو العصير الطريُّ قبل أن يتخمر، أما لو صار خمرًا، فطبخ؛ فإن الطبخ لا يحله، ولا يطهره إلا على رأي من يجيز تخليل الخمر، والجمهور على خلافه.

وأخرج ابن أبي شيبة

(4)

والنسائي

(5)

من طريق سعيد بن المسيب، والشعبي، والنخعي:"اشربوا العصير ما لم يغل".

وعن الحسن البصري: "ما لم يتغير". وهذا قول كثير من السلف: أنه إذا بدا فيه التغير يمتنع. وعلامة ذلك أن يأخذ في الغليان.

وبهذا قال أبو يوسف

(6)

، وقيل: إذا انتهى غليانه وابتدأ في الهدوِّ بعد الغليان، وقيل: إذا سكن غليانه.

(1)

في سننه رقم (5730) بسند صحيح.

(2)

في سننه رقم (5729) بسند صحيح موقوف.

(3)

في "الفتح"(10/ 64).

(4)

وفي "المصنف"(7/ 494) رقم (3905) عن سعيد بن المسب.

وفي "المصنف"(7/ 495) رقم (3909) عن الشعبي.

وفي "المصنف"(7/ 495) رقم (3912) عن إبراهيم النخعي.

(5)

في سننه رقم (5731) عن سعيد بن المسيب.

وهو صحيح الإسناد مقطوع.

وفي سننه رقم (5734) عن الشعبي.

وهو صحيح الإسناد مقطوع.

وفي سننه رقم (5732) عن إبراهيم النخعي.

وهو صحيح الإسناد مقطوع.

(6)

مختلف الرواية لأبي الليث السمرقندي (4/ 1829).

ص: 233

وقال أبو حنيفة

(1)

: لا يحرم عصير العنب إلى أن يغلي ويقذف بالزَّبد، فإذا غلى، وقذف بالزبد، حرم.

وأما المطبوخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه: فلا يمتنع مطلقًا ولو غلى وقذف بالزبد بعد الطبخ.

وقال مالك

(2)

والشافعي والجمهور

(3)

: يمتنع إذا صار مسكرًا شرب قليله وكثيره، سواء غلى أم لا؛ لأنَّه لا يجوز أن يبلغ حدَّ الإِسكار، بأن يغلي ثم يسكن غليانه بعد ذلك.

وهو مراد من قال: حدّ منع شربه أن يتغير.

وأخرج مالك

(4)

بإسناد صحيح أن عمر قال: إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء، وإني سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته، فجَلَده عمر الحدَّ تامًّا. وفي السياق حذف والتقدير: فسأل عنه، فوجده يسكر فجلده.

وأخرج سعيد بن منصور

(5)

عنه نحوه.

وفي هذا ردٌّ على من احتجّ بعمر في جواز المطبوخ إذا ذهب منه الثلثان ولو أسكر؛ بأن عمر أذن في شربه ولم يفصل.

وتعقب: بأنَّ الجمع بين الأثرين ممكن بأن يقال: سال ابنه فاعترف بأنه شرب كذا، فسأل غيره عنه فأخبره أنه يسكر، أو سأل ابنه فاعترف أنه يسكر.

وقال أبو الليث السمرقندي

(6)

: شارب المطبوخ إذا كان يسكر أعظم ذنبًا

(1)

المبسوط (24/ 13) وتبيين الحقائق (6/ 44) و"البناية في شرح الهداية"(11/ 447 - 448).

(2)

التهذيب في اختصار المدونة (4/ 500).

(3)

الفتح (10/ 64).

(4)

في الموطأ (2/ 842) رقم (1) بسند صحيح.

وهو موقوف صحيح.

(5)

كما في "فتح الباري"(10/ 65).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(10/ 66).

ص: 234

من شارب الخمر؛ لأن شارب الخمر يشربها وهو عالم أنه عاص بشربها، وشارب المطبوخ يشرب المسكر ويراه حلالًا وقد قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره حرام. وثبت قوله صلى الله عليه وسلم:"كل مسكر حرام"، ومن استحلّ ما هو حرام بالإِجماع كفر.

قوله: (يوكى)

(1)

أي: يشدُّ بالوكاء وهو غير مهموز.

قوله: (وله عزلاء)

(2)

بفتح العين المهملة، وإسكان الزاي، وبالمدّ: وهو الثقب الذي يكون في أسفل المزادة والقربة.

قوله: (فيشربه عشاءً) قال النووي

(3)

: هو بكسر العين، وفتح الشين، وضبطه بعضهم: بفتح العين، وكسر الشين، وزيادة ياء مشددة.

قال القرطبي

(4)

: هذا يدلّ على أن أقصى زمان الشراب ذلك المقدار، فإنه لا تخرج حلاوة التمر، أو الزبيب في أقلّ من ليلة أو يوم.

والحاصل: أنه يجوز شرب النبيذ ما دام حلوًا، غير أنَّه إذا اشتدَّ الحرُّ أسرع إليه التغير في زمان الحرِّ دون زمان البرد.

قوله: (إلى مساء الثالثة) قال النووي

(5)

: مساء الثالثة، يقال بضم الميم وكسرها، لغتان مشهورتان، والضم أرجح.

قوله: (فيسقي الخادم) هذا محمول على أنه لم يكن قد بلغ إلى حدِّ السكر؛ لأن الخادم لا يجوز أن يسقى المسكر، كما لا يجوز له شربه، بل تتوجه إراقته.

قوله: (أو يهراق) - بضم أوله -؛ لأنَّه إذا صار مسكرًا حرم شربه، وكان نجسًا [فيراق]

(6)

.

قوله: (فتحينت فطره) أي: طلبت حين فطره.

(1)

النهاية (2/ 877) والفائق (1/ 406).

(2)

النهاية (2/ 202).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 176).

(4)

في "المفهم"(5/ 271).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 175).

(6)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 235

قوله: (صنعته في دُبَّاء) أي قرع.

قوله: (ينشنُ)

(1)

بفتح الياء التحتية، وكسر النون؛ أي: إذا غلى. يقال: نشت الخمر، تنشّ نشيشًا إذا غلت.

قوله: (اضرب بهذا الحائط) أي: اصببه وأرقه في البستان، وهو الحائط.

قوله: (في ثلاث) فيه دليل: على أن النبيذ بعد الثلاث قد صار مظنة لكونه مسكرًا، فيتوجه اجتنابه.

قوله: (من الطِلاء)

(2)

بكسر المهملة والمدّ شبه بطلاء الإِبل، وهو في تلك الحال غالبًا لا يسكر.

[الباب السابع] باب آدابِ الشّربِ

60/ 3743 - (عَنْ أنَسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِناءِ ثَلَاثًا. مُتَّفَقٌ

(3)

عَلَيْهِ. [صحيح]

وفِي لَفْظٍ: كانَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا وَيَقُولُ: "إنَّهُ أرْوَى وأبْرَأُ وأمْرَأُ" رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَمُسْلِمٌ)

(5)

. [صحيح]

61/ 3744 - (وَعَنْ أبي قَتادَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا شَرِبَ أحَدُكُمْ فلَا يَتَنَفَّسْ في الإناءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(6)

. [صحيح]

(1)

النهاية (2/ 743) والفائق (3/ 433).

(2)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 121 - 122): "الطِلاء بالكسر والمدِّ: الشرابُ المطبوخ من عصير العنب وهو الرُّبُّ وأصلُه: القطرانُ الخاثر، الذي تطلى به الإبل".

غريب الحديث للهروي (2/ 177) والمجموع المغيث (2/ 366).

(3)

أحمد في المسند (3/ 114) والبخاري رقم (5631) ومسلم رقم (122/ 2028).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (3/ 211).

(5)

في صحيحه رقم (123/ 2028).

وهو حديث صحيح.

(6)

أحمد في المسند (4/ 383) والبخاري رقم (5630) ومسلم رقم (121/ 267). =

ص: 236

62/ 3745 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ يُتَنَفَّسَ فِي الإِناءِ أوْ يُنْفَخَ فِيه. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلا النَّسائيَّ وَصحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ)

(1)

. [صحيح]

63/ 3746 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ، فَقالَ رَجُل: القَذَاةُ أرَاها فِي الإِناء؟ فَقَالَ: "أرِقْها"، فَقالَ: إني لا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحدٍ؟ قالَ: "فَابِنِ القَدَحَ إذًا عَنْ فِيكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)

(3)

. [حسن]

قوله: (كان يتنفس في الإناء ثلاثًا) حمل بعضهم هذه الرواية على ظاهرها، وأنَّه يقع التنفس في الإِناء ثلاثًا؛ وقال: فعل ذلك ليبين به جواز ذلك.

ومنهم من علل جواز ذلك في حقه عليه الصلاة والسلام بأنه لم يكن يتقذّر منه شيءٌ، بل الذي يتقذر من غيره يستطاب منه، فنهم كانوا إذا بزق أو تنخع يدلكون بذلك، وإذا توضأ اقتتلوا على فضلة وضوئه، إلى غير ذلك مما في هذا المعنى.

قال القرطبي

(4)

: وحمل هذا الحديث على هذا المعنى ليس بصحيح بدليل بقيته، فإنه قال:"إنه أروى وأمرأ".

وفي لفظ لأبي داود

(5)

: "وأبرأ" وهذه الثلاثة الأمور إنما تحصل بأن يشرب ثلاثة أنفاس خارج القدح، فأما إذا تنفس في الماء وهو يشرب فلا يأمن الشرق.

وقد لا يروى، وعلى هذا المعنى حمل الحديث الجمهور نظرًا إلى المعنى،

= وهو حديث صحيح.

(1)

أحمد في المسند (1/ 220) وأبو داود رقم (3728) والترمذي رقم (1888) وابن ماجه رقم (3428).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (3/ 32).

(3)

في سننه رقم (1887) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث حسن.

(4)

في "المفهم"(5/ 289).

(5)

في سننه رقم (3727).

وهو حديث صحيح.

ص: 237

ولبقية الحديث، وللنهي عن التنفس في الإِناء في حديث أبي قتادة

(1)

. وحديث ابن عباس

(2)

، ولقوله في حديث أبي سعيد

(3)

: "فأبن القدح إذًا"، ولا شكّ أن هذا من مكارم الأخلاق ومن باب النظافة.

وما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يأمر بشيء ثم لا يفعله وإن كان لا يستقذر منه، (وأهنأ وأمرأ)، من قوله تعالى:{فَكُلُوُه هَنِيئًا مَريئًا}

(4)

، ومعنى الحديث: كان إذا شرب تنفس في الشراب من الإناء ثلاثًا.

ومعنى أروى: أي: أكثر ريًا، وأبرأ - مهموز -: أي: أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد، وأمرأ: أي: أكمل انسياغًا.

وقيل: إذا نزل من المريء الذي في رأس المعدة فيمرئ في الجسد منها.

وفي رواية لأبي داود

(5)

بزيادة (أهنأ)، وكل ما لم يأتِ بمشقة ولا عناء فهو هنيءٌ، [ونقول]

(6)

: هَنأني الطعامُ فهو هنيءٌ، أي: لا إثم فيه

(7)

.

ويُحتمل أن يكون (أهنأُ) في هذه الرواية بمعنى: أروى.

قال ابنُ رسلان في شرح السنن: وفي هذا الحديث إشارة إلى ما يدعى [للشارب به]

(8)

عقب الشرب، فيقال له عقب الشراب: هنيئًا مريئًا.

وأما قولهم في الدعاء للشارب: صِحة - بكسر الصاد -، فلم أجد له أصلًا في السنة مسطورًا.

بل نقل لي بعض طلبة الدمشقيين عن بعض مشايخه: أنه صلى الله عليه وسلم قال للتي شربت دمه أو بوله: (صحة)، فإن ثبت هذا فلا كلام. انتهى.

قوله: (فلا يتنفس في الإِناء) النهي عن التنفس في الذي يشرب منه، لئلا

(1)

تقدم برقم (3744) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3745) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (3746) من كتابنا هذا.

(4)

سورة النساء، الآية:(4).

(5)

في سننه رقم (3727).

وهو حديث صحيح.

(6)

تنبيه: في كل طبعات نيل الأوطار (ويقال): وهو تحريف. والمثبت من المخطوط (أ)، (ب).

(7)

النهاية (2/ 914).

(8)

في المخطوط (ب): (للشارب).

ص: 238

يخرج من الفم بزاق يستقذره من شرب بعده منه، أو تحصل فيه رائحة كريهة تتعلق بالماء أو بالإناء.

وعلى هذا: فإذا لم يتنفس في الإِناء فليشرب في نفس واحد، قاله عمر بن عبد العزيز

(1)

.

وأجازه جماعة منهم ابن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، ومالك بن أنس

(2)

.

وكره ذلك جماعة منهم ابن عباس، ورواية عكرمة وطاوس وقالوا:"هو شرب الشيطان".

والقول الأول أظهر لقوله في حديث الباب للذي قال له: إنه لا يروى من نفس واحد: "ابن القدح عن فيك"، وظاهره أنه أباح له الشرب في نفس واحد إذا كان يروى منه، وكما لا يتنفس في الإناء لا يتجشأ فيه، بل ينحيه عن فيه مع الحمد لله، ويردّه إلى فيه مع التسمية، فيتنفس ثلاثًا يحمد الله في آخر كلّ نفسٍ، ويسمي الله في أوّله.

قوله: (أو ينفخ فيه) أي: في الإناء الذي يشرب منه.

والإِناء يشمل إناء الطعام والشراب، فلا ينفخ في الإناء ليذهب ما في الماء من قذاة ونحوها، فإنه لا يخلو النفخ غالبًا من بزاق يستقذر منه.

وكذا لا ينفخ في الإناء لتبريد الطعام الحارّ، بل يصبر إلى أن يبرد، كما تقدم، ولا يأكله حارًّا، فإن البركة تذهب منه، وهو شراب أهل النار.

64/ 3747 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قائمًا. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَمُسْلِم)

(4)

. [صحيح]

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(10/ 93).

(2)

انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 495).

(3)

في المسند (3/ 32).

(4)

في صحيحه رقم (115/ 2025).

وهو حديث صحيح.

ص: 239

65/ 3748 - (وَعَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قائِمًا، قالَ قَتادَةُ: فَقُلْنا: فالأكْلُ؟ قالَ: "ذَاكَ شَرٌّ وأخْبَثُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وَالتِّرْمِذِي)

(3)

. [صحيح]

66/ 3749 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَشْرَبَنَّ أحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

(4)

. [صحيح]

67/ 3750 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: شَرِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا مِنْ زَمْزَمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(5)

. [صحيح]

68/ 3751 - (وَعَنِ عَلِيّ أنَّهُ فِي رَحَبَةِ الكوفَةِ شَرِبَ وَهُوَ قائمٌ، ثم قالَ: إنَّ ناسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قائمًا، وَإنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُ. رَوَاه أحْمَدُ

(6)

وَالبُخارِيُّ)

(7)

. [صحيح]

69/ 3752 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: كُنَّا نأكُلُ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ونحن نَمْشِي وَنَشْرَبُ ونَحْنُ قِيامٌ. وَرَوَاهُ أحْمَدُ

(8)

وابْنُ ماجَهْ

(9)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)

(10)

. [صحيح]

(1)

في المسند (3/ 131).

(2)

في صحيحه رقم (113/ 2024).

(3)

في سننه رقم (1879) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (116/ 2026).

وهو حديث صحيح.

(5)

أحمد في المسند (1/ 220) والبخاري رقم (5617) ومسلم رقم (117/ 2027).

وهو حديث صحيح.

(6)

أحمد في المسند (1/ 144).

(7)

في صحيحه رقم (5616).

وهو حديث صحيح.

(8)

في المسند (2/ 12).

(9)

في صحيحه رقم (3301).

(10)

في صحيحه رقم (1880) وقال: هذا حديث صحيح غريب.

وهو حديث صحيح.

ص: 240

ظاهر النهي في حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، أن الشرب من قيام حرام ولا سيما بعد قوله:"فمن نسي فليستقئ"، فإنه يدلُّ على التشديد في المنع والمبالغة في التحريم.

ولكن حديث ابن عباس، وحديث عليّ، يدلان على جواز ذلك.

وفي الباب أحاديث غير ما ذكره المصنف.

(منها): ما أخرجه أحمد

(1)

وصححه ابن حبان

(2)

عن أبي هريرة بلفظ: "لو يعلم الذي يشرب وهو قائم لاستقاء".

ولأحمد

(3)

من وجهٍ آخر عن أبي هريرة "أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يشرب قائمًا فقال: "قه"، قال: لمه؟ قال: "أيسرّك أن يشرب معك الهرُّ؟ "، قال: لا، قال: قد شرب معك من هو شرّ منه؛ الشيطان".

وهو من رواية شعبة عن أبي زياد الطحان مولى الحسن بن عليّ عنه، وأبو زياد لا يعرف اسمه، وقد وثقه يحيى بن معين

(4)

.

(ومنها): عند مسلم

(5)

عن أنس: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائمًا".

(1)

في المسند (2/ 283).

(2)

في صحيحه رقم (5324).

إسناده ضعيف لإبهام الراوي عن أبي هريرة، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين.

وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(3)

في المسند (2/ 301).

قلت: وأخرجه الدارمي رقم (2174) والبزار رقم (2896 - كشف) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2102) من طرق عن شعبة، عن أبي زياد الطحان، عن أبي هريرة.

إسناده صحيح.

أبو زياد الطحان ترجمه البخاري في التاريخ الكبير (9/ 32)، ولم يورد فيه جرحًا ولا تعديلًا.

ونقل ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(9/ 373) عن ابن معين قال: "أبو زياد الطحان ثقة".

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي زياد الطحان، فقال:"شيخ صالح الحديث".

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(4)

كما حكاه عنه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(9/ 373).

(5)

في صحيحه رقم (113/ 2024).

وهو حديث صحيح.

ص: 241

قال المازري

(1)

: اختلف الناس في هذا، فذهب الجمهور

(2)

إلى الجواز وكرهه قوم، فقال بعض شيوخنا: لعلَّ النهي منصرفٌ إلى من أتى أصحابه بماءٍ، فبادر بشربه قائمًا قبلهم، استبدادًا به، وخروجًا عن كون ساقي القوم آخرهم شربًا.

قال: وأيضًا فإنَّ الحديث تضمن المنع من الأكل قائمًا، ولا خلاف في جواز الأكل قائمًا.

قال: والذي يظهر لي: أن أحاديث شربه قائمًا تدلّ على الجواز، وأحاديث النهي تحمل على الاستحباب والحثّ على ما هو أولى وأكمل.

قال: ويحمل الأمر بالقيء على أن الشرب قائمًا يحرّك خلطًا يكون القيء دواءه.

ويؤيده قول النخعي: إنما نهي عن ذلك لداء البطن.

وقد تكلم عياض

(3)

على أحاديث النهي وقال: إن مسلمًا أخرج حديث أبي سعيد، وحديث أنس، من طريق قتادة.

وكان شعبة يتقي من حديث قتادة ما لا يصرّح فيه بالتحديث.

قال: واضطراب قتادة فيه مما يعله مع مخالفة الأحاديث الأخرى والأئمة له.

وأما حديث أبي هريرة ففي سنده عمر بن حمزة، ولا يتحمل منه مثل هذه المخالفة غيره له، والصحيح أنه موقوف. انتهى ملخصًا

(4)

.

قال النووي

(5)

ما ملخصه: هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالًا باطلةً، وزاد: حتى تجاسر ورام أن يضعف بعضها، ولا وجه لإشاعة الغلطات، بل يذكر الصواب، ويشار إلى التحذير عن الغلط، وليس

(1)

في "المعلم"(3/ 68).

(2)

الفتح (10/ 84) وإكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 490).

(3)

في "إكمال المعلم"(6/ 491).

(4)

الفتح (10/ 82 - 83).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (195/ 13).

ص: 242

في الأحاديث إشكال، ولا فيها ضعف، بل الصواب: أن النهي فيها محمول على التنزيه، وشربه قائمًا لبيان الجواز.

وأما من زعم نسخًا، أو غيره فقط غلط، فإن النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ، وفعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز لا يكون في حقه مكروهًا أصلًا، فإنه كان يفعل الشيء للبيان مرَّةً أو مرَّاتٍ ويواظب على الأفضل.

والأمر بالاستقاء محمول على الاستحباب، فيستحبّ لمن يشرب قائمًا أن يستقيء لهذا الحديث الصحيح، فإن الأمر إذا تعذّر حمله على الوجوب يحمل على الاستحباب.

وأما قول عياض

(1)

: لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب قائمًا ليس عليه أن يتقيأ، وأشار به إلى تضعيف الحدث فلا يلتفت إلى إشارته، وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاء لا يمنع من الاستحباب، فمن ادعى منع الاستحباب بالإجماع فهو مجازف، وكيف تترك السنة الصحيحة بالتوهمات والدعاوى والترّهات

(2)

.

قال الحافظ

(3)

: ليس في كلام عياض التعرّض للاستحباب أصلًا، بل ونقل الاتفاق المذكور إنما هو في كلام المازري

(4)

، كما مضى.

وأما تضعيف عياض للأحاديث فلم يتشاغل النووي بالجواب عنه.

قال: فأما إشارته إلى تضعيف حديث أنس بكون قتادة مدلسًا، فيجاب عنه بأنه صرَّح في نفس هذا الحديث بما يقتضي السماع، فإنه قال: قلنا لأنس: "فالأكل

" إلخ، وأما تضعيف حديث أبي سعيد بأنَّ أبا عباس غير مشهور. فهو قول سبق إليه ابن المديني؛ لأنَّه لم يرو عنه إلا قتادة، لكن وثقه الطبري، وابن حبان، ودعواه اضطرابه مردودة، فقد تابعه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، كما رواه أحمد

(5)

، وابن حبان

(6)

.

(1)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 491).

(2)

انتهى كلام النووي الملخص (13/ 195 - 196).

(3)

في "الفتح"(10/ 83).

(4)

في "المعلم"(3/ 68).

(5)

في المسند (2/ 283) وقد تقدم.

(6)

في صحيحه رقم (5324) وقد تقدم. =

ص: 243

فالحديث بمجموع طرقه صحيح.

قال النووي

(1)

والعراقي

(2)

في شرح الترمذي: إن قوله: "فمن نسي" لا مفهوم له، بل يستحبّ ذلك للعامد أيضًا بطريق الأولى، وإنما خُصّ الناسي بالذكر لكون المؤمن لا يقع ذلك منه بعد النهي غالبًا إلا نسيانًا.

قال القرطبي في المفهم

(3)

: لم يصر أحد إلى أن النهي فيه للتحريم، وإن كان القول به [جاريًا]

(4)

على أصول الظاهرية.

وتعقب بأن ابن حزم

(5)

منهم جزم بالتحريم، وتمسك من لم يقل بالتحريم بالأحاديث المذكورة في الباب.

وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص أخرجه الترمذي

(6)

.

وعن عبد الله بن أنيس أخرجه الطبراني

(7)

.

وعن [عبد الله بن]

(8)

أنس أخرجه البزار

(9)

والأثرم.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه الترمذي

(10)

وحسنه.

= وهو حديث صحيح لغيره.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 196).

(2)

قال الحافظ في "الفتح"(10/ 83): "قال النووي، وتبعه شيخنا في "شرح الترمذي": إن قوله: "فمن نسي" لا مفهوم له. بل يستحب ذلك للعامد أيضًا بطريق الأولى. وإنما خص الناسي بالذكر لكون المؤمن لا يقع ذلك منه بعد النهي غالبًا إلا نسيانًا.

قلت: - ابن حجر - وقد يطلق النسيان ويراد به الترك فيشمل السهو والعمد، فكأنه قيل: من ترك امتثال الأمر وشرب قائمًا فليستقئ".

(3)

في "المفهم (5/ 285).

(4)

في المخطوط (ب): جائزا.

(5)

في المحلى (7/ 519).

(6)

في سننه رقم (1882) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(7)

في المعجم الأوسط رقم (2306).

(8)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(9)

في المسند رقم (2899 - كشف) بسند صحيح.

(10)

في السنن رقم (1883) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث حسن.

ص: 244

وعن عائشة أخرجه البزار

(1)

، وأبو علي الطوسي في "الأحكام"

(2)

.

وعن أمّ سليم أخرجه ابن شاهين

(3)

.

وعن عبد الله بن السائب أخرجه ابن أبي حاتم.

وثبت الشرب قائمًا عن عمر أخرجه الطبري

(4)

.

وفي الموطإ أن عمر وعثمان

(5)

وعليًا كانوا يشربون قيامًا، وكان سعد وعائشة

(6)

لا يريان بذلك بأسًا، وثبتت الرخصة عن جماعة من التابعين.

وسلك العلماء في ذلك مسالك

(7)

:

(أحدها) الترجيح، وأن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي، وهذه طريقة أبي بكر الأثرم، فقال: حديث أنس

(8)

يعني في النهي جيد الإسناد، ولكن قد جاء عنه خلافه، يعني في الجواز، قال: ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز أن لا يكون الذي يقابله أقوى؛ لأن الثبت قد يروي من هو دونه الشيء فيرجح عليه.

(1)

لم أقف عليه في "كشف الأستار".

(2)

لا يزال الكتاب مخطوطًا فيما أعلم.

وقد طبع جزء من "مختصر الأحكام" للحافظ أبي على الحسن بن علي الطوسي، إلى نهاية "كتاب المناسك" فقط.

• قلت: أخرج حديث عائشة أحمد في المسند (6/ 161):

أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل على امرأة من الأنصار، وفي البيت قربة معلقة، فاختنثها، وشرب وهو قائم" بسند حسن.

(3)

في "الناسخ والمنسوخ من الحديث" رقم (585) ط: دار الوفاء.

قلت: وأخرجه الدارمي رقم (2170) وأحمد (6/ 376، 431).

والترمذي في "الشمائل" رقم (215) والطبراني في المعجم الكبير (ج 25 رقم 307).

بسند حسن.

وهو حديث صحيح.

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 84).

(5)

في "الموطأ"(2/ 925) رقم (13) إسناده ضعيف لإعضاله.

وهو موقوف ضعيف.

(6)

في "الموطأ"(2/ 926) رقم (14) بسند ضعيف لانقطاعه.

وهو موقوف ضعيف.

(7)

الفتح (10/ 84).

(8)

تقدم برقم (3748) من كتابنا هذا.

ص: 245

فقد رجح نافع على سالم في بعض الأحاديث عن ابن عمر، وسالم مقدّم على نافع في التثبت.

وقدم شريك على الثوري في حديثين وسفيان مقدّم عليه في جملة أحاديث.

ويروى عن أبي هريرة أنه قال: لا بأس بالشرب قائمًا، قال: فدلّ على أن الرواية عنه في النهي ليست بثابتة وإلا لما قال: لا بأس به، قال: ويدلّ على وهانة أحاديث النهي أيضًا اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب أن يستقيء.

(المسلك الثاني): دعوى النسخ وإليها جنح الأثرم وابن شاهين

(1)

فقرّرا أن أحاديث النهي على تقدير ثبوتها منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز.

وقد عكس ابن حزم

(2)

، فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي، متمسكًا بأن الجواز على وفق الأصل.

وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع، فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان، فإنَّ النسخ لا يثبت بالاحتمال.

وأجاب بعضهم: بأن أحاديث الجواز متأخرة لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما تقدم ذكره في حديث الباب عن ابن عباس

(3)

، وإذا كان ذلك الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم دلّ على الجواز ويتأيد بفعل الخلفاء الراشدين.

(المسلك الثالث): الجمع بين الأخبار بضرب من التأويل.

قال أبو الفرج الثقفي

(4)

: المراد بالقيام هنا المشي، يقال: قمت في الأمر: إذا مشيت فيه، وقمت في حاجتي: إذا سعيت فيها وقضيتها، ومنه قوله تعالى:{إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}

(5)

أي: مواظبًا بالمشي عليه.

(1)

في "الناسخ والمنسوخ من الحديث" لابن شاهين (ص 423 - دار الوفاء).

(2)

المحلى (7/ 520).

(3)

تقدم برقم (3750) من كتابنا هذا.

(4)

في "نصرة الصحاح" كما في "الفتح"(10/ 84).

(5)

سورة آل عمران الآية: (75).

وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (4/ 117). =

ص: 246

وجنح الطحاوي

(1)

إلى تأويل آخر، وهو حمل النهي على من لم يسمِّ عند شربه، وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الأحاديث، لم يسلم له في بقيتها، وسلك آخرون في الجمع بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، وأحاديث الجواز على بيانه، وهي طريقة الخطابي

(2)

، وابن بطال

(3)

في آخرين.

قال الحافظ

(4)

: وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض. وقد أشار الأثرم إلى ذلك آخرًا فقال: إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم، وبذلك جزم الطبري

(5)

وأيده بأنه لو كان جائزًا ثم حرمه، أو كان حرامًا ثم جوّزه، لبين النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك بيانًا واضحًا، فلما تعارضت الأخبار في ذلك جمعنا بينها بهذا.

وقيل: إنَّ النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطبِّ مخافة وقوع ضرر به، فإنَّ الشرب قاعدًا أمكنُ وأبعدُ من الشَرَقِ، وحصول الوجع في الكبد أو الحلق، وكلُّ ذلك قد لا يأمن منه من شرب قائمًا.

قوله: (شرب النبيّ صلى الله عليه وسلم قائمًا من زمزم) في روايةٍ لابن ماجه

(6)

من وجه آخر عن عاصم، فذكرت ذلك لعكرمة فحلف إنَّه ما كان حينئذ إلا راكبًا.

وعند أبي داود

(7)

من وجه آخر عن ابن عباس: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره ثم أناخه بعد طوافه فصلى ركعتين"، فلعلَّه حينئذٍ شرب من زمزم قبل أن يعود إلى بعيره ويخرج إلى الصفا، بل هذا هو الذي يتعين المصير إليه؛ لأنَّ عمدة عكرمة في إنكاره كونه شرب قائمًّا إنما هو ما ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره، وخرج إلى الصفا على بعيره، وسعى كذلك.

= و"مفردات القرآن" للراغب (ص 690).

(1)

انظر: شرح معاني الآثار (4/ 272 - 276).

(2)

في "معالم السنن"(4/ 108).

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 72).

(4)

في "الفتح"(10/ 84).

(5)

حكاه عنه ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (6/ 72).

(6)

في سننه رقم (3422).

وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (1881).

وهو حديث ضعيف.

ص: 247

لكن لا بد من تخلل ركعتي الطواف بين ذلك، وقد ثبت أنَّه صلاهما على الأرض فما المانع من كونه شرب حينئذٍ من سقاية زمزم قائمًا كما حفظه الشعبي عن ابن عباس؟

قوله: (في رحبة الكوفة) الرَّحبة

(1)

بفتح الراء المهملة، وفتح الموحدة: المكان المتسع، والرَّحب: بسكون المهملة: المتسع أيضًا.

قال الجوهري

(2)

: ومنه أرضٌ رحبة: أي متسعةٌ، وَرَحَبَةُ المسجد بالتحريك: وهي ساحته.

قال ابن التين

(3)

: فعلى هذا يقرأ الحديث بالسكون، ويحتمل أنها صارت رحبة الكوفة بمنزلة رحبة المسجد، فيقرأ بالتحريك وهذا هو الصحيح.

قوله: (صنع كما صنعت) أي: من الشرب قائمًا، وصرّح به الإسماعيلي

(4)

في روايته فقال: شرب فضلة وضوئه قائمًا كما شربتُ.

70/ 3753 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ اخْتِنَاثِ الأسْقِيَةِ أن يشْرَبَ مِنْ أفْوَاهِها. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(5)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ: وَاخْتِنَاثُها أنْ يَقْلِبَ رأسَها ثُمَّ يَشْرَبَ مِنْهُ. أخْرَجاهُ)

(6)

. [صحيح]

71/ 3754 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نهَى أنْ يُشْرَبَ مِنْ فِيِّ السِّقاءِ. رَوَاهُ البُخارِيُّ

(7)

وأحْمَدُ

(8)

، وَزَادَ: قالَ أيُّوبُ: فأنْبِئْتُ أن رَجُلًا شَرِب مِنْ فِيِّ السِّقاءِ فخَرَجَتْ حَيَّةٌ). [صحيح]

(1)

النهاية (1/ 644).

(2)

في "الصحاح"(1/ 135).

(3)

كما في "الفتح"(10/ 81).

(4)

كما في "الفتح"(10/ 82).

(5)

أحمد في المسند (3/ 6، 67، 69) والبخاري رقم (5626) ومسلم رقم (111/ 2023).

وهو حديث صحيح.

(6)

البخاري رقم (5625) ومسلم رقم (111/ 2023).

(7)

في صحيحه رقم (5628).

(8)

في المسند (2/ 230، 247، 327، 353).

وهو حديث صحيح.

ص: 248

72/ 3755 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فيّ السِّقاءِ. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا مُسْلِمًا)

(1)

. [صحيح]

73/ 3756 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أبي عَمْرَةَ عَنْ جَدَّتِهِ كَبْشَةَ قالَتْ: دَخَلَ عَليَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَشَرِبَ مِنْ فيّ قِرْبَةٍ مُعَلَّقة قائمًا، فَقُمْت إلى فِيها فَقَطعْتُه. رَوَاه ابْن ماجَهْ

(2)

وَالتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَه)

(3)

. [صحيح]

74/ 3757 - (وَعَنْ أمّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَليَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وفِي البَيْتِ قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَشَرِبَ مِنْها وَهُوَ قائمٌ فَقَطَعْتُ فَاهَا فإنَّه لَعِنْدِي. رَواه أحْمَد)

(4)

.

[صحيح لغيره]

حديث أمّ سليم أخرجه أيضًا ابن شاهين

(5)

، والترمذي في الشمائل

(6)

، والطبراني

(7)

، والطحاوي في معاني الآثار

(8)

.

وفي الباب عن عبد الله بن أنيس عند أبي داود

(9)

والترمذي

(10)

.

(1)

أحمد في المسند (1/ 226، 241، 293) والبخاري رقم (5629) وأبو داود رقم (3719) والترمذي رقم (1825) والنسائي رقم (4448) وابن ماجه رقم (3421).

وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (3423).

(3)

في سننه رقم (1892) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (6/ 376) إسناده ضعيف لجهالة البراء بن زيد، فلم يوثقه غير ابن حبان، وقال ابن حزم: مجهول، ولكنه توبع، فقد تابعه حميد عند أبي الشيخ في أخلاق النبي رقم (226)، فهو به حسن.

وله شاهد من حديث عائشة عند أحمد (6/ 161)، فهو به صحيح.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 79) وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه البراء بن زيد، ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(5)

في "الناسخ والمنسوخ من الحديث" له (رقم 585 - دار الوفاء).

(6)

في "الشمائل" رقم (215).

(7)

في الأوسط رقم (658) والكبير (ج 25 رقم 307).

(8)

في "شرح معاني الآثار"(4/ 274).

(9)

في سننه رقم (3721).

(10)

في سننه رقم (1891) وقال: هذا حديث ليس إسناده بصحيح، وعبد الله بن عمر العمري يضعف في الحديث ولا أدري سمع من عيسى أم لا.

وخلاصة القول: أن الحديث منكر، والله أعلم.

ص: 249

قوله: (عن اختناث الأسقية)

(1)

بالخاء المعجمة، ثم المثناة من فوق، بعدها نون، وبعد الألف مثلثة: افتعال من الخنث، بالخاء المعجمة والنون والمثلثة، وهو في الأصل الانطواء، والتكسر، والانثناء. والأسقية جمع سقاء، والمراد به المتخذ من الأدم صغيرًا كان أو كبيرًا، وقيل: القربة قد تكون صغيرة، وقد تكون كبيرة، والسقاء لا يكون إلا صغيرًا

(2)

.

قوله: (واختناثها

إلخ) هو مدرج.

وقد جزم الخطابي

(3)

أن تفسير الاختناث من كلام الزهري.

قوله: (وزاد، فقال: أيوب

إلخ) هذه الزيادة زادها أيضًا ابن أبي شيبة

(4)

، ولفظه: "شرب رجل من سقاء فانساب في بطنه [حيتان]

(5)

، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك"، وكذا أخرجه الإسماعيلي

(6)

.

قوله: (من في السقاء) قال النووي

(7)

: اتفقوا على أن النهي هنا للتنزيه، لا للتحريم كذا قال: وفي الاتفاق نظر، فقد نقل ابن التين

(8)

وغيره عن مالك: أنَّه أجاز الشرب من أفواه القرب وقال: لم يبلغني فيه نهي.

قال الحافظ

(9)

: لم أر في شيءٍ من الأحاديث المرفوعة ما يدلّ على الجواز إلا من فعله صلى الله عليه وسلم، وأحاديث النهي كلها من قوله، فهي أرجح.

وإذا نظرنا إلى علة النهي عن ذلك؛ فإن جميع ما ذكره العلماء في ذلك يقتضي أنه مأمون منه صلى الله عليه وسلم، أما أوّلًا: فلعصمته، وطيب نكهته، وأما دخول شيءٍ في فم الشارب، فهو يقتضي أنه لو ملأ السقاء وهو يشاهد الماء الذي يدخل فيه ثم ربطه ربطًا محكمًا ثم شرب منه لم يتناوله النهي.

(1)

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 535) خَنَثتُ السِّقاء: إذا ثنيت فمه إلى داخل، وإنما نهى عنه لأنه ينَتِّنُها، فإن إدامة الشرب هكذا مما يغيِّر ريحها. وقيل: لا يؤمن أن يكون فيها هامَّةٌ.

غريب الحديث للهروي (2/ 282) والفائق (1/ 373).

(2)

أعلام الحديث للخطابي (3/ 2093) ومعالم السنن له (4/ 110).

(3)

في أعلام الحديث (3/ 2093).

(4)

في "المصنف"(8/ 19).

(5)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) وفي "المصنف"(جانِّ).

(6)

كما في "الفتح"(10/ 90).

(7)

في شرحه لصحيح مسلم (13/ 194).

(8)

كما في "الفتح"(10/ 91).

(9)

في "الفتح"(10/ 91).

ص: 250

وقد أخرج الحاكم

(1)

من حديث عائشة بسند قويٍّ بلفظ: "نهى أن يشرب من في السقاء لأن ذلك ينتنه".

وهذا يقتضي أن يكون النهي خاصًّا بمن يشرب فيتنفس داخل السقاء أو باشر بفمه باطن السقاء.

أما من صبّ من الفم إلى داخل فمه من غير مماسةٍ فلا.

ومن جملة ما علل به النهي: أن الذي يشرب من فم السقاء قد يغلبه الماء فينصبّ منه أكثر من حاجته، فلا يأمن أن يشرق به أو [يبلّ]

(2)

ثيابه.

قال ابن العربي

(3)

: واحدة من هذه العلل تكفي في ثبوت الكراهة وبمجموعها تقوى الكراهة جدًّا.

قال ابن أبي جمرة

(4)

: الذي يقتضيه الفقه أنه لا يبعد أن يكون النهي لمجموع هذه الأمور وفيها ما يقتضي الكراهة، وفيها ما يقتضي التحريم، والعادة في مثل ذلك ترجيح ما يقتضي التحريم.

وقد جزم ابن حزم

(5)

بالتحريم لثبوت النهي، وحمل أحاديث الرخصة على أصل الإباحة.

وأطلق أبو بكر الأثرم صاحب أحمد أن أحاديث النهي ناسخة للإباحة لأنهم كانوا أولًا يفعلون ذلك حتى وقع دخول الحية في بطن الذي شرب من فم السقاء فنسخ الجواز.

قال العراقي

(6)

: لو فرق بين ما يكون لعذرٍ، كأن تكون القربة معلقةً ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء، ولم يتمكن من التناول بكفه، فلا كراهة حينئذٍ، وعلى هذا تحمل الأحاديث المذكورة، وبين ما يكون لغير عذر فتحمل عليه أحاديث النهي.

(1)

في المستدرك (4/ 140) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(2)

في المخطوط (ب): (يبلل).

(3)

في عارضة الأحوذي (8/ 82).

(4)

كما في "الفتح"(10/ 91).

(5)

في المحلى (7/ 520).

(6)

كما في "الفتح"(10/ 92).

ص: 251

قال الحافظ

(1)

: ويؤيده: أن أحاديث الجواز كلها فيها: أن القربة كانت معلقةً، والشرب من القربة المعلقة أخصُّ من الشرب من مطلق القربة، ولا دلالة في أخبار الجواز على الرخصة مطلقًا بل على تلك الصورة وحدها، وحملها على حالة الضرورة - جمعًا بين الخبرين - أولى من حملها على النسخ، والله أعلم.

قال

(2)

: وقد سبق ابن العربي إلى ما أشار إليه العراقى، فقال: ويحتمل أن يكون شربه صلى الله عليه وسلم في حال ضرورة، إمّا عند الحرب، وإمّا عند عدم الإناء، أو مع وجوده.

لكن لا يمكن تفريغ السقاء في الإناء.

ثم قال

(3)

: ويحتمل أن يكون شرب من إداوة، والنهي محمول على ما إذا كانت القربة كبيرة لأنها مظنة وجود الهوامّ.

قال الحافظ

(4)

: والقربة الصغيرة لا يمتنع وجود شيءٍ من الهوامّ فيها والضرر يحصل به ولو كان حقيرًا. اهـ.

وقد عرفت: أن كبشةَ

(5)

، وأمّ سليم

(6)

صرَّحتا بأنَّ ذلك كان في البيت، وهو مظنة وجود الآنية. وعلى فرض عدمها فأخذ القربة من مكانها وإنزالها والصبّ منها إلى الكفين أو أحدهما ممكن، فدعوى أن تلك الحالة ضرورية لم يدل عليه دليل، ولا شك: أن الشرب من القربة المعلقة أخصّ من الشرب مطلقًا، ولكن لا فرق في تجويز العذر وعدمه بين المعلقة وغيرها، وليست المعلقة مما يصاحبها العذر دون غيرها حتى يستدلّ بالشرب منها على اختصاصه بحال الضرورة، وعلى كل حال فالدليل أخصّ من الدعوى، فالأولى الجمع بين الأحاديث بحمل الكراهة على التنزيه ويكون شربه صلى الله عليه وسلم بيانًا للجواز.

75/ 3758 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقالَ: "إنَّ لَهُ دَسَمًا". رَوَاهُ أحْمَد

(7)

وَالبُخارِيُّ)

(8)

. [صحيح]

(1)

في "الفتح"(10/ 92).

(2)

أي ابن حجر كما في المرجع السابق.

(3)

أي العراقي كما في المرجع السابق (10/ 92).

(4)

في "الفتح"(10/ 92).

(5)

تقدم برقم (3756) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم برقم (3757) من كتابنا هذا.

(7)

في المسند (1/ 223، 227، 329).

(8)

في صحيحه رقم (5609). =

ص: 252

76/ 3759 - (وَعَنْ أنَسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِه أعْرَابيّ وَعَنْ يَسارِهِ أبُو بَكْرٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ أعْطَى الأعْرابيَّ وَقالَ: "الأيمنَ فالأيمَنَ" رَوَاهُ الجمَاعَة إلَّا النَّسائيَّ)

(1)

. [صحيح]

77/ 3760 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرَبَ مِنْه، وَعَن يمِينِهِ غُلامٌ وَعَنْ يَسارِهِ الأشْياخُ، فَقالَ: للغُلامِ: "أتأذَنُ لي أن أعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ "، فَقالَ الغُلام: وَالله يا رَسُولَ الله لا آثَرْتُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أحَدًا فَتَلَّه رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(2)

. [صحيح]

78/ 3761 - (وَعَنْ أبي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ساقي القَوْمِ آخِرْهُمْ شُرْبًا"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصححهُ)

(4)

. [صحيح]

حديث أبي قتادة أخرجه أيضًا أبو داود

(5)

، وقال المنذري

(6)

: ورجال إسناده ثقات.

وقد أخرج مسلم

(7)

في حديث أبي قتادة الأنصاري الطويل: "قلت: لا أشرب حتى يشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن الساقي آخرهم

"".

قوله: (فمضمض) فيه مشروعية المضمضة بعد شرب اللبن.

= وهو حديث صحيح.

(1)

أحمد في المسند (3/ 110، 113، 197، 231) والبخاري رقم (5619) ومسلم رقم (124/ 2029) وأبو داود رقم (3726) والترمذي رقم (1893) وابن ماجه رقم (3425).

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (5/ 333، 338) والبخاري رقم (5620) ومسلم رقم (127/ 2030).

وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (3434).

(4)

في سننه رقم (1894) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (3725) من حديث عبد الله بن أبي أوفى.

ولم أقف عليه في سنن أبي داود من حديث أبي قتادة، والله أعلم.

(6)

في المختصر (5/ 285) على إسناد حديث ابن أبي أوفى.

(7)

في صحيحه رقم (311/ 681).

ص: 253

وقد روى أبو جعفر الطبري

(1)

من طريق عقيل عن ابن شهاب بلفظ: "تمضمضوا من شرب اللبن"، والعلة: الدسومة الكائنة في اللبن، والتعليل بذلك يشعر: بأنَّ ما كان له دسومة من مأكول أو مشروب؛ فإنها تشرع له المضمضة.

قوله: (قد شيب بماء) أي: مزج بالماء، وإنما كانوا يمزجونه بالماء لأنَّ اللبن يكون عند حلبه حارًا، وتلك البلاد في الغالب حارّة، فكانوا يمزجونه بالماء لذلك.

قوله: (ثم أعطى الأعرابيَّ وقال: "الأيمن فالأيمن ") يجوز أن يكون قوله: الأيمن مبتدأ [خبره]

(2)

محذوف؛ أي: الأيمن مقدم، أو: أحقُّ.

ويجوز أن يكون منصوبًا على تقدير: قدموا الأيمن: أو: أعطوا.

وفيه دليل على أنه يقدم مَنْ على يمين الشارب في الشرب، وهلمَّ جرًّا، وهو مستحبّ عند الجمهور

(3)

.

وقال ابن حزم

(4)

: يجب، ولا فرق بين شراب اللبن وغيره كما في حديث سهل بن سعد وغيره.

ونقل عن مالك أنه خصه بالماء. قال ابن عبد البرّ

(5)

: لا يصحّ عن مالك.

وقال عياض

(6)

: يشبه أن يكون مراده أن السنة ثبتت نصًا في الماء خاصة، وتقديم الأيمن في غير شرب الماء يكون بالقياس.

(1)

كما في "الفتح"(10/ 73).

وقد أخرج الطبراني في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5721) وابن ماجه في سننه رقم (500) من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مضمضوا من اللبن فإن له دسمًا".

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 198): "هذا إسناد ضعيف: عبد المهيمن قال فيه البخاري: منكر الحديث". اهـ.

قلت: وللحديث شواهد فهو بها حسن، والله أعلم.

(2)

في المخطوط (ب): وخبره.

(3)

الفتح (10/ 86).

(4)

في "المحلى"(7/ 522).

(5)

في التمهيد (15/ 255 - 256).

(6)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 499).

ص: 254

قال ابن العربي

(1)

: كأنَّ اختصاص الماء بذلك لكونه قد قيل: إنه لا يملك بخلاف سائر المشروبات، ومن ثم اختلف هل يجري الربا فيه وهل يقطع في سرقته؟. اهـ.

ولا يخفى: أن حديث أنس نصٌّ في اللبن. وحديث سهل بن سعد يعمّ الماء وغيره، فتأويل قول مالك بأن السنة ثبتت في الماء لا يصحّ.

قوله: (أتأذن لي أن أعطيَ هؤلاء) ظاهر في أنه لو أذن له لأعطاهم.

ويؤخذ منه جواز الإيثار بمثل ذلك وهو مشكل على ما اشتهر من أنه لا إيثار بالقُرَب.

وعبارة إمام الحرمين في هذا: لا يجوز التبرُّع في العبادات، ويجوز في غيرها، وقد يقال: إنَّ القرب أعمُّ من العبادة.

وقد أورد على هذه القاعدة تجويز جذب واحدٍ من الصفّ الأوّل ليصلي معه، فإنَّ خروج المجذوب من الصف الأوّل لقصد تحصيل فضيلة للجاذب وهي الخروج من الخلاف في بطلان صلاته.

ويمكن الجواب بأنه لا إيثار إذ حقيقة الإيثار عطاء ما استحقه لغيره، وهذا لم يعط الجاذب شيئًا، وإنما رجح مصلحته لأن مساعدة الجاذب على تحصيل مقصوده ليس فيها إعطاؤه ما كان يحصل للمجذوب لو لم يوافقه.

قوله: (فَتَلَّهُ) بفتح المثناة من فوق، وتشديد اللام؛ أي: وضعه.

وقال الخطابي

(2)

: وضعه بعنف، وأصله من الرمي على التلّ وهو المكان العالي المرتفع، ثم استعمل في كل شيء رمي به وفي كل إلقاء.

وقيل: هو من التلتل بلام ساكنة بين المثناتين المفتوحتين وآخره لام وهو العنق

(3)

.

(1)

في عارضة الأحوذي (8/ 86 - 87).

(2)

في غريب الحديث له (1/ 388 - 389).

وانظر: النهاية (1/ 194 - 195).

(3)

"مفردات ألفاظ القرآن" للراغب (ص 167).

ص: 255

ومنه {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}

(1)

: أي: صرعه، فألقى عنقه وجعل جبينه إلى الأرض، والتفسير الأوّل أليق بمعنى حديث الباب.

وقد أنكر بعضهم

(2)

تقييد الخطابي الوضع بالعنف.

وظاهر هذا: إن تقديم الذي على اليمين ليس لمعنى فيه بل لمعنى من جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار.

فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحًا لمن هو على اليمين بل هو ترجيح لجهة اليمين.

وقد يعارض حديث أنس وسهل المذكورين حديث سهل بن أبي حثمة الذي تقدم في القسامة

(3)

بلفظ: "كَبِّرْ كَبِّرْ"، وكذلك حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو يعلى

(4)

بسند قويّ قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى قال: "ابدءوا بالأكبر"".

ويجمع: بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين إما بين يدي الكبير، أو عن يساره كلهم، أو خلفه.

قال ابن المنير

(5)

: يؤخذ من هذا الحديث أنها إذا تعارضت فضيلة الفاضل وفضيلة الوظيفة اعتبرت فضيلة الوظيفة.

قوله: (ساقي القوم آخرهم شربًا) فيه دليل: على أنَّه يشرع لمن تولى سقاية قوم أن يتأخر في الشرب حتى يفرغوا عن آخرهم.

وفيه إشارة إلى أن كل من ولي من أمور المسلمين شيئًا يجب عليه تقديم إصلاحهم على ما يخصّ نفسه، وأن يكون غرضُه إصلاحَ حالهم وجرّ المنفعة إليهم ودفعَ المضار عنهم، والنظرَ لهم في دقِّ أمورهم وجلِّها، وتقديمَ مصلحتهم على مصلحته.

وكذا من يفرّق على القوم فاكهةً، فيبدأ بسقي كبير القوم، أو بمن عن يمينه إلى آخرهم، وما بقي شربه، ولا معارضة بين هذا الحديث وحديث:"ابدأ بنفسك"

(6)

لأن ذاك عامّ، وهذا خاصٌّ، فيبنى العامُّ على الخاصِّ.

(1)

سورة الصافات، الآية:(103).

(2)

كما في "الفتح"(10/ 87).

(3)

تقدم برقم (3033) من كتابنا هذا.

(4)

في مسنده رقم (2425) بسند صحيح.

(5)

كما في الفتح (10/ 87).

(6)

أخرجه مسلم رقم (41/ 997).

ص: 256

[الكتاب الثالث والأربعون][كتاب]

(1)

الطب

[الباب الأول] باب إباحة التداوي وتركه

1/ 3762 - (عَنْ أُسامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قالَ: جاءَ أعْرَابيٌّ فَقالَ: يا رَسُولَ الله أنَتَدَاوَى؟ قالَ: "نَعَمْ، فإنَّ الله لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا أنْزَلَ لهُ شِفاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

. [صحيح لغيره]

وفِي لَفْظٍ: قالَتِ الأعْرَابُ: يا رَسُولَ الله ألا نَتَدَاوَى؟ قالَ: "نَعَمْ، عِبادَ الله تَدَاوَوْا، فإن الله لَمْ يَضَعْ دَاءً إلا وَضَعَ لَهُ شِفاءً، أوْ دَوَاءً إلا دَاءً وَاحِدًا"، قالُوا: يا رَسُولَ الله ومَا هُوَ؟ قالَ: "الهَرَمُ"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(3)

وأبُو دَاوُدَ

(4)

وَالترْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)

(5)

. [صحيح]

2/ 3763 - (وَعَنْ جابِرٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لِكُلّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فإذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بإذْنِ الله تَعالى"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وَمُسْلِمٌ)

(7)

. [صحيح]

3/ 3764 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لَمْ يُنْزِلْ

(1)

في المخطوط (أ)، (ب):(أبواب) وتم تعديله لضرورة التبويب.

(2)

في المسند (4/ 278) بسند ضعيف، لكن الحديث صحيح لغيره.

(3)

في سننه رقم (3436).

(4)

في سننه رقم (3855).

(5)

في سننه رقم (2038) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(6)

في المسند (3/ 335).

(7)

في صحيحه رقم (69/ 2204).

وهو حديث صحيح.

ص: 257

دَاءً إلَّا أنْزَلَ لَهُ شِفاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [صحيح لغيره]

4/ 3765 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما أنْزَلَ الله مِنْ دَاءٍ إلَّا أنْزَلَ لَهُ شِفاءً"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَالبُخارِيُّ

(3)

وَابْنُ ماجَهْ)

(4)

. [صحيح]

5/ 3766 - (وَعَنْ أبي خزَامَةَ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله أرأيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيها، وَدَوَاءً نتَدَاوَى بِهِ، وَتُقاةً نَتَّقِيها هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدرِ الله شَيْئًا؟ قالَ:"هِيَ مِنْ قَدَرِ الله"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَابْنُ ماجَهْ

(6)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(7)

، وَقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ؛ [وَلا نَعْرِفُ]

(8)

لأبي خزَامَةَ غَيْرُ هَذَا الحَدِيثِ). [ضعيف]

6/ 3767 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتي سَبْعُونَ ألْفًا بِغَيْرِ حِسابٍ هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُون وَعلى رَبِّهمْ يَتَوَكَّلُونَ")

(9)

. [صحيح]

7/ 3768 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنَّ امْرأةً سَوْدَاءَ أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَتْ: إني أُصْرَعُ وإني أتكَشَّفُ فادْعُ الله لي، قالَ: "إنْ شئْتِ صَبرتِ وَلكِ الْجنَّةُ، وإنْ شئْتِ

(1)

في المسند (1/ 377) بسند حسن.

قلت: وأخرجه الحميدي رقم (90) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 343). وابن عبد البر في "التمهيد"(5/ 184. ط: تيمية).

وهو حديث صحيح لغيره.

(2)

لم أقف عليه عند أحمد من حديث أبي هريرة.

(3)

في صحيحه رقم (5678).

(4)

في سننه رقم (3439).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (3/ 421).

(6)

في سننه رقم (3437).

(7)

في سننه رقم (2148) وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث الزهري.

وهو حديث ضعيف.

(8)

في المخطوط (ب): (ولا يُعرف) والمثبت من المخطوط (أ) وسنن الترمذي بإثر الحديث رقم (2065 م).

(9)

أحمد في المسند (1/ 271، 321) والبخاري رقم (5752) ومسلم رقم (374/ 220).

وهو حديث صحيح.

ص: 258

دَعَوْتُ الله أنْ يُعافيَكِ"، فَقالَتْ: أصْبِر، وَقالَتْ: إني أتكَشَّفُ فادْعُ الله أنْ لا أتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهما)

(1)

. [صحيح].

حديث أسامة أخرجه أيضًا النسائي

(2)

والبخاري في الأدب المفرد

(3)

، وصححه أيضًا ابن خزيمة والحاكم

(4)

.

وحديث ابن مسعود أخرجه أيضًا النسائي

(5)

، وصححه ابن حبان

(6)

، والحاكم

(7)

.

وحديث أبي خزامة - وهو بمعجمة مكسورة وزاي خفيفة - أخرجه أيضًا الترمذي

(8)

من طريقين:

(إحداهما): عن أبي عمر، عن سفيان، عن الزهري، عن أبي خُزامة عن أبيه.

(والثانية): عن سعيد بن عبد الرحمن، عن سفيان، عن الزهري، عن ابن أبي خزامة عن أبيه. قال: وقد روي عن ابن عيينة كلتا الروايتين.

وقال بعضهم عن أبي خزامة عن أبيه. وقال بعضهم: عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال: وقد روى هذا الحديث غير ابن عيينة عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه وهذا أصحّ، ولا يعرف لأبي خزامة عن أبيه غير هذا الحديث. اهـ. كلامه، وقد صرّح بأنه حديث حسن

(9)

وهو كما قال.

(1)

أحمد في المسند (1/ 347) والبخاري رقم (5652) ومسلم رقم (54/ 2576).

وهو حديث صحيح.

(2)

في السنن الكبرى رقم (7553 - العلمية).

(3)

في الأدب المفرد رقم (291).

(4)

في المستدرك (4/ 198 - 199، 399 - 400).

(5)

في السنن الكبرى رقم (6865 - العلمية).

(6)

في صحيحه رقم (6062).

(7)

في المستدرك (4/ 196) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(8)

الأولى برقم (2065)، والثانية رقم (2148).

(9)

في السنن (4/ 400).

ص: 259

قوله: (فإن الله لم ينزل داء) المرادُ بالإِنزال: إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم مثلًا، أو المراد به: التقدير.

قوله: (عباد الله تداووا) لفظ الترمذي

(1)

: "قال: نعم يا عباد الله تداووا"، والداء والدواء كلاهما بفتح الدال المهملة، وبالمدِّ، وحكي: كسر دال الدواء.

قوله: (والهرم)

(2)

استثناه؛ لكونه شبيهًا بالموت، والجامع بينهما تَقَضِّي الصحة، أو لقربه من الموت، أو إفضائه إليه.

ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعًا، والتقدير: لكن الهرم لا دواء له، وفي لفظ:"إلا السام"

(3)

بمهملةٍ مخففًا: وهو الموت.

ولعل التقدير: إلا داء السام؛ أي: المرض الذي قُدِّر على صاحبه الموت.

قوله: (علمه من علمه) فيه إشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمه كل واحد.

وفي أحاديث الباب كلها إثبات الأسباب، وأنَّ ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله، وبتقديره، وأنها لا تنجع بذواتها، بل بما قدره الله فيها، وأنَّ الدواء قد ينقلب داءً إذا قدر الله ذلك، وإليه الإشارة في حديث جابر

(4)

حيث قال: "بإذن الله" فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته، والتداوي لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب، وكذلك تجنب المهلكات، والدعاء بالعافية، ودفع المضارِّ وغير ذلك.

قوله: (وجهله من جهله) فيه دليل: على أنَّه لا بأس بالتداوي لمن كان به داء قد اعترف الأطباء بأنه لا دواء له وأقرُّوا بالعجز عنه.

قوله: (رُقًى نسترقيها

إلخ) سيأتي الكلام على الرقية.

(1)

في سننه رقم (2038) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

الهرم: الكبر. وقد هَرِم يَهْرَم فهو هرم. جعل الهرَم داءً تشبيهًا به، لأنَّ الموت يتعقَّبه كالأدواء.

النهاية (2/ 903) والمجموع المغيث (3/ 495).

(3)

النهاية (1/ 809) والمجموع المغيث (2/ 130).

(4)

تقدم برقم (3763) من كتابنا هذا.

ص: 260

قوله: (وتقاة نتقيها) أي ما نتقي به ما يردّ علينا من الأمور التي لا نريد وقوعها بنا.

قوله: (قال هي من قدر الله) أي لا مخالفة بينهما؛ لأن الله هو الذي خلق تلك الأسباب وجعل لها خاصيةً في الشفاء.

قوله: (لا يسترقون

إلخ) سيأتي الكلام على الرقية والكيّ.

وأما التطير فهو من الطيرة

(1)

بكسر الطاء [المهملة]

(2)

وفتح المثناة التحتية. وقد تسكن، وهي التشاؤم بالشيء، وكان ذلك يصدّهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه.

والأحاديث في الطيرة متعارضةٌ، وقد وضعت فيها رسالة مستقلة

(3)

.

وقد استُدِلَّ بهذا الحديث والذي بعده: على أنه يكره التداوي.

وأجيب عن ذلك بأجوبة، قال النووي

(4)

: لا مخالفة، بل المدح في ترك الرقى، المراد بها: الرقى التي هي من كلام الكفار، والرقى المجهولة، والتي بغير العربية، وما لا يعرف معناه، فهذه مذمومة لاحتمال أن معناها كفر، أو قريب منه، أو مكروه.

وأمَّا الرقى بآيات القرآن، وبالأذكار المعروفة؛ فلا نهي فيه بل هو سنةٌ.

ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين: أن الوارد في ترك الرقى: للأفضلية، وبيان التوكل؛ وفي فعل الرقى: لبيان الجواز، مع أن تركها أفضل.

وبهذا قال ابن عبد البرّ

(5)

وحكاه عمَّن حكاه، والمختار الأول.

وقد نقلوا الإِجماع على جواز الرقى بالآيات، وأذكار الله تبارك وتعالى.

(1)

النهاية (2/ 134).

(2)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

بعنوان "إتحاف المهرة بالكلام عن حديث: "لا عدوى ولا طيرة" وهي الرسالة رقم (53) من "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني" (4/ 1931 - 1963) بتحقيقي.

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (3/ 93).

(5)

في "التمهيد"(15/ 372 - 375 - الفاروق).

ص: 261

قال المازري

(1)

: جميع الرقى جائزة إذا كانت بكتاب الله [تبارك وتعالى]

(2)

أو بذكره، ومنهيٌّ عنها إذا كانت باللغة العجمية، أو بما لا يدرى معناه، لجواز أن يكون فيه كفر.

وقال الطبري والمازري

(3)

وطائفة: إنه محمول على من يعتقد أن الأدوية تنفع بطبعها كما كان أهل الجاهلية يعتقدون.

قال عياض

(4)

: الحديث يدلُّ: على أن للسبعين ألفًا مزية على غيرهم، وفضيلةً انفردوا بها عمن يشاركهم في أصل الفضل والديانة.

ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رُقى أهل الجاهلية ونحوها، فليس مسلمًا، فلم يسلم هذا الجواب.

وأجاب الداودي

(5)

وطائفة أن المراد بالحديث: الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء، وأمَّا من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء فلا.

وأجاب الحليمي

(6)

بأنه يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث: من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدَّة لدفع العوارض، فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء، والاعتصام بالله، والرضا بقضائه، فهم غافلون عن طبِّ الأطباء، ورقى الرقاة، ولا يخشون من ذلك شيئًا.

وأجاب الخطابي

(7)

ومن تبعه: بأن المراد بترك الرقى والكيِّ: الاعتماد على الله في دفع الداء، والرضا بقدره لا القدح في جواز ذلك، وثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة. وعن السلف الصالح، لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب.

(1)

في المعلم (3/ 95).

(2)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(3)

في المعلم (1/ 231).

(4)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 602).

(5)

ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 602).

(6)

في كتابه "المنهاج في شعب الإيمان"(2/ 8 - 9).

(7)

في أعلام الحديث له (3/ 2116 - 2117).

ص: 262

قال ابن الأثير

(1)

: هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلائقها، وهؤلاء هم خواصّ الأولياء، ولا يرد عليه وقوع مثل ذلك من النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلًا وأمرًا لأنه كان في أعلى مقامات العرفان، ودرجات التوكل.

فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز، ومع ذلك فلا ينقص من توكله؛ لأنه كان كامل التوكُّل يقينًا، فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئًا، بخلاف غيره، ولو كان كثير التوكل، فكان مَنْ ترك الأسباب، وفوّض وأخلص؛ أرفع مقامًا.

قال الطبري

(2)

: قيل: لا يستحقّ اسم التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوفٌ من شيء البتة، حتى السبع الضاري، والعدوّ العادي، ولا يسعى في طلب رزقه ولا في مداواة ألم.

والحقُّ: أن من وثق بالله؛ وأيقن أن قضاءه عليه ماضٍ؛ لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعًا لسنته وسنة رسوله.

فقد ظاهر صلى الله عليه وسلم بين درعين، ولبس على رأسه المغفر، وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة، وهاجر هو، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوتهم، ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء، وهو كان أحقّ الخلق أن يحصل له ذلك.

وقال للذي سأله: أيعقل ناقته أو يتوكل؟: "أعقلها وتوكل"

(3)

، فأشار إلى أن الاحتراز لا يدفع التوكل.

(1)

في النهاية (1/ 683).

(2)

لعله القرطبي كما في "الفتح"(11/ 409).

قال القرطبي في "المفهم"(1/ 467): "واختلف العلماءُ في التوكل، وفيمن يستحقُّ اسم المتوكل على الله، فقالت طائفةٌ من المتصوفة: لا يستحقه إلَّا من لم يخالط قلبَه خوفُ غير الله من سبُع أو غيره، وحتى يترك السعي في طلب الرزق؛ لضمان الله تعالى.

وقال عامةُ الفقهاء: إنَّ التوكلَ على الله تعالى هو الثقةُ بالله، والايقانُ بأنَّ قضاءَهُ ماضٍ، واتباعُ سنة نبيه في السعي فيما لا بُدَّ منه من الأسباب من مطعم ومشرب، وتحرز من عدو، وإعداد الأسلحة، واستعمال ما تقتضيه سنةُ الله تعالى المعتادة، وإلى هذا ذهب محقّقو المتصوفة

".

(3)

أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (731) والحاكم (3/ 623) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (633) بسند حسن من حديث جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه. =

ص: 263

قوله: (فقالت: إني أصرع) الصرع

(1)

- نعوذ بالله منه -: عِلَّةٌ تمنع الأعضاء الرئيسية عن استعمالها منعًا غير تامّ. وسببه: ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ، أو بخار رديءٌ يرتفع إليه من بعض الأعضاء.

وقد يتبعه تشنج في الأعضاء، ويقذف المصروع بالزبد لغلظ الرطوبة.

وقد يكون الصرع من الجنّ ويقع من النفوس الخبيثة منهم، إما لاستحسان بعض الصور الإِنسية، وإما لإِيقاع الأذية به.

(والأول): هو الذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه.

(والثاني): يجحده كثيرٌ منهم، وبعضهم يثبته، ولا يعرف له علاج إلا بجذب الأرواح الخيرة العلوية لدفع آثار الأرواح الشريرة السفلية، وتبطيل أفعالها.

وممن نصّ على ذلك "بقراط"

(2)

، فقال بعد ذكر علاج المصروع: إنما ينفع في الذي سببه أخلاط، وأما الذي يكون من الأرواح فلا.

قوله: (وإني أتكشف) بمثناة من فوق، وتشديد الشين المعجمة، من التكشف، وبالنون الساكنة المخففة من الانكشاف، والمراد: أنَّها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر.

وفيه أن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة

(3)

، وأن الأخذ بالشدّة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة، ولم يضعف عن التزام الشدّة.

وفيه دليل على جواز ترك التداوي، وأنَّ التداوي بالدعاء مع الالتجاء إلى الله أنجع، وأنفع من العلاج بالعقاقير.

= وهو حديث حسن.

(1)

انظر: "زاد المعاد"(4/ 60 - 65) فيه بحث كامل عن الصرع وأنواعه.

(2)

هو بقراط بن إيراقليس من تلاميذ إسقلبيوس الثاني، قال يحيى النحوي: بقراط وحيد دهره. يضرب به المثل، الطبيب الفيلسوف وعاش (95) سنة، منها صبيًا ومتعلمًا (16) سنة وعالمًا ومعلمًا (79) سنة ومن كتبه: كتاب عهد بقراط بتفسير جالينوس وترجم إلى السيريانية ثم إلى العربية وغيرها

الفهرست لابن النديم ص 402.

(3)

انظر: "زاد المعاد"(4/ 176 - 177) و (178).

ص: 264

ولكن إنما ينجع بأمرين: (أحدهما) من جهة العليل وهو صدق القصد، (والآخر) من جهة المداوي، وهو توجه قلبه إلى الله وقوّته بالتقوى والتوكل على الله.

[الباب الثاني] بابُ ما جاءَ في التداوي بالمحرَّمَاتِ

8/ 3769 - (عَنْ وَائلِ بْنِ حُجْرٍ: أن طارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الجُعَفِيَّ سألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الخَمْرِ، فَنَهاهُ عَنْها، فَقالَ: إنَّما أصْنَعُها للدَّوَاءِ، قالَ:"إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ"، رَوَاهُ أحمد

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

والتِّرْمذِيُّ وَصحَّحَهُ)

(4)

. [صحيح]

9/ 3770 - (وَعَنْ أبي الدَّرْدَاءِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله أنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلّ داءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا، وَلا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(5)

. [صحيح لغيره]

وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي المُسْكِرِ: إنَّ الله لَمْ يَجْعَلْ شِفاءَكُمْ فِيما حُرّمَ عَلَيْكُمْ. ذَكَرَهُ البُخارِيُّ)

(6)

.

10/ 3771 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: نَهى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّواءِ الخَبِيثِ، يَعْنِي السُّمَّ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

وَمُسْلِمٌ

(8)

وَابْنُ ماجَهْ

(9)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(10)

. [حسن]

(1)

في المسند (4/ 317).

(2)

في صحيحه رقم (12/ 1984).

(3)

في سننه رقم (3873).

(4)

في سننه رقم (2046).

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (3874) إسناده حسن ولمتنه شواهد، فهو بها صحيح.

(6)

في صحيحه (10/ 78 رقم الباب (15) - مع الفتح) معلقًا بصيغة الجزم.

(7)

في المسند (2/ 305).

(8)

لم أقف عليه عند مسلم. ولم يعزه صاحب التحفة (10/ 316) لمسلم.

(9)

في سننه رقم (3459).

(10)

في سننه رقم (2045).

وهو حديث حسن.

ص: 265

وَقالَ الزُّهْرِيّ فِي أبْوَالِ الإِبِلِ: قَدْ كانَ المُسْلِمُونَ يَتَدَاوَوْنَ بِها فَلا يَرَوْنَ بِها بأسًا. رَوَاهُ البُخارِيُّ)

(1)

.

حديث أبي الدرداء في إسناده إسماعيل بن عياش، قال المنذري

(2)

: وفيه مقال. انتهى.

وقد عرفت غير مرَّةٍ: أنه إذا حدث عن أهل الشام فهو ثقة، وإنما يضعف في الحجازيين، وهو ههنا حدَّث عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي، وهو شامي ذكره ابن حبان في "الثقات"

(3)

عن أبي عمران الأنصاري مولى أمِّ الدرداء، وقائدها، وهو أيضًا شاميٌّ.

قوله: (ليس بدواءٍ ولكنه داءٌ) فيه التصريح: بأنَّ الخمر ليست بدواءٍ، فيحرم التداوي بها كما يحرم شربها.

وكذلك سائر الأمور النجسة، أو المحرمة، وإليه ذهب الجمهور.

قوله: (ولا تتداووا بحرام) أي: لا يجوز التداوي بما حرَّمه الله من النجاسات وغيرها مما حرّمه الله ولو لم يكن نجسًا.

قال ابن رسلان في شرح السنن: والصحيح من مذهبنا.

يعني الشافعية

(4)

جواز التداوي بجميع النجاسات سوى المسكر، لحديث العرنيين في الصحيحين

(5)

، حيث أمرهم صلى الله عليه وسلم بالشرب من أبوال الإِبل للتداوي.

قال: وحديث الباب محمول على عدم الحاجة بأن يكون هناك دواء غيره يغني عنه ويقوم مقامه من الطاهرات.

قال البيهقي

(6)

: هذان الحديثان إن صحَّا محمولان على النهي عن التداوي بالمسكر والتداوي بالحرام من غير ضرورة ليجمع بينهما وبين حديث العرنيين. انتهى.

(1)

في صحيحه رقم (5781) معلقًا.

(2)

في "المختصر"(5/ 357).

(3)

في "الثقات"(8/ 157).

(4)

شرح صحيح مسلم للنووي (11/ 154).

(5)

البخاري رقم (233) ومسلم رقم (9/ 1671).

(6)

في السنن الكبرى (10/ 5).

ص: 266

ولا يخفى ما في هذا الجمع من التعسف، فإن أبوال الإِبل، الخصم يمنع اتصافها بكونها حرامًا أو نجسًا، وعلى فرض التسليم فالواجب الجمع بين العام وهو تحريم التداوي بالحرام وبين الخاصّ وهو الإِذن بالتداوي بأبوال الإِبل بأن يقال: يحرم التداوي بكل حرام إلا أبوال الإِبل، هذا هو القانون الأصولي.

قوله: (عن الدواء الخبيث) ظاهره تحريم التداوي بكل خبيث، والتفسير بالسمّ مدرج لا حجة فيه.

ولا ريب أن الحرام والنجس خبيثان.

قال الماوردي

(1)

وغيره: السموم على أربعة أضرب.

(منها): ما يقتل كثيره وقليله، فأكله حرام للتداوي ولغيره لقوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(2)

.

(ومنها): ما يقتل كثيره دون قليله، فأكل كثيره الذي يقتل حرام للتداوي وغيره، والقليل منه إن كان مما ينفع في التداوي جاز أكله تداويًا.

(ومنها): ما يقتل في الأغلب وقد يجوز أن لا يقتل فحكمه كما قبله.

(ومنها): ما لا يقتل في الأغلب وقد يجوز أن يقتل، فذكر الشافعي في موضع إباحة أكله وفي موضع تحريم أكله فجعله بعض أصحابه على حالين، فحيث أباح أكله فهو إذا كان للتداوي، وحيث حرم أكله فهو إذا كان غير منتفع به في التداوي.

[الباب الثالث] بابُ ما جاءَ في الكَيِّ

11/ 3772 - (عَنْ جَابِرٍ قالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ طَبيبًا فَقَطَعَ منْهُ عِرْقًا ثُمَّ كَوَاهُ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَمُسْلمٌ)

(4)

. [صحيح]

(1)

في "الحاوي الكبير"(15/ 178 - 179).

(2)

سورة البقرة، الآية:(195).

(3)

في المسند (3/ 303، 304، 315).

(4)

في صحيحه رقم (74/ 2207).

وهو حديث صحيح.

ص: 267

12/ 3773 - (وَعَنْ جابرٍ أيْضًا: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعاذٍ فِي أكْحَلهِ مَرَّتَيْنِ. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(1)

وَمُسْلمٌ بِمَعْناهُ)

(2)

. [صحيح]

13/ 3774 - (وَعَنْ أنَسٍ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَوَى أسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ منَ الشَّوْكَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذيُّ وَقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ)

(3)

. [صحيح]

14/ 3775 - (وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: "مَنِ اكْتَوَى أو اسْتَرْقى فَقَدْ بَرئَ مِنَ التَّوَكُّلِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ

(5)

وَالتِّرْمِذيُّ وَصحَّحَهُ)

(6)

. [صحيح]

15/ 3776 - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالَ: "الشِّفاءُ فِي ثَلاثةٍ: فِي شَرْطَةِ محْجَمٍ، أوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أوْ كَيَّةٍ بِنارٍ، وأنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَي"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

وَالبُخارِيُّ

(8)

وَابْنُ ماجَهْ)

(9)

. [صحيح]

16/ 3777 - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الكَيّ فاكْتَوَيْنَا فَمَا أفْلَحْنَ وَلا أَنْجَحْنَ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ وَصحَّحَهُ الترْمِذِيُّ

(10)

(1)

في سننه رقم (3494).

(2)

في صحيحه رقم (74/ 2207)

وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (2050) وقال: هذا حديث حسن غريب.

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (4/ 249).

(5)

في سننه رقم (3489).

(6)

في سننه رقم (2055) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (1/ 246).

(8)

في صحيحه رقم (5680).

(9)

في سننه رقم (3491).

وهو حديث صحيح.

(10)

أحمد في المسند (4/ 427) وأبو داود رقم (3865) والترمذي رقم (2049) وابن ماجه رقم (3490).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

ص: 268

وَقالَ: فَمَا أفْلَحْنا، [ولا أنجَحْنا])

(1)

. [صحيح]

حديث أنس أخرجه الترمذي

(2)

من طريق حميد بن مسعدة، حدثنا يزيد بن زريع، أخبرنا معمر عن الزهري عن أنس وإسناده حسن، كما قال.

وحديث المغيرة صححه أيضًا ابن حبان

(3)

والحاكم

(4)

.

قوله: (فقطع منه عرقًا) استدلّ بذلك على أن الطبيب يداوي بما ترجح عنده

(5)

.

قال ابن رسلان: وقد اتفق الأطباء على أن متى أمكن التداوي بالأخف لا ينتقل إلى ما فوقه، فمتى أمكن التداوي بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء، ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب، ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة، ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى قطع العرق.

وقد روى ابن عديّ في "الكامل"

(6)

من حديث [عبد الله بن جواد]

(7)

: "قطع العروق مسقمة"، كما في الترمذي

(8)

وابن ماجه

(9)

: "ترك العشاء مهرمة" وإنما كواه بعد القطع لينقطع الدم الخارج من العرق المقطوع.

قوله: (كوى سعد بن معاذ) الكيُّ: هو أن يحمى حديدٌ ويوضع على عضو

(1)

في المخطوط (ب): (ولا نجحنا) والمثبت من (أ) والترمذي.

(2)

في سننه رقم (2050) وقد تقدم.

(3)

في صحيحه رقم (6087).

(4)

في المستدرك (4/ 415).

(5)

الطبيب الحاذق: هو الذي يراعي في علاجه عشرين أمرًا:

أحدها: النظر في نوع المرض من أي الأمراض هو؟.

الثاني: النظر في سببه من أي شيء حدث ....

وانظرها في: "زاد المعاد"(4/ 130 - 133).

(6)

لم أجده في "الكامل" المطبوع؛ وقد عزاه العراقي إلى ابن عدي في الكامل، كما في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (2/ 935) رقم (1269) من حديث عبد الله بن جراد.

(7)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب عبد الله بن جراد كما تقدم.

(8)

في سننه رقم (1856) من حديث أنس. وقال: حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وهو حديث ضعيف جدًّا.

(9)

في سننه رقم (3355) من حديث جابر، وفي إسناده إبراهيم بن عبد السلام، وهو ضعيف، وهو حديث ضعيف جدًّا.

ص: 269

معلول ليحرق، ويحبس دمه ولا يخرج، أو لينقطع العرق الذي خرج منه الدم.

وقد جاء النهي عن الكيّ، وجاءت الرخصة [فيه]

(1)

.

والرخصة لسعد لبيان جوازه، حيث لا يقدر الرجل أن يداوي العلة بدواء آخر، وإنما ورد النهي حيث يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر؛ لأن الكيّ فيه تعذيب بالنار، ولا يجوز أن يعذّب بالنار إلا ربّ النار وهو الله تعالى، ولأنَّ الكيّ يبقى منه أثر فاحشٌ، وهذان نوعان من أنواع الكيِّ الأربعة، وهما: النهي عن الفعل، وجوازه.

والثالث: الثناء على من تركه، كحديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة [بغير حساب]

(2)

، وقد تقدم

(3)

.

والرابع: عدم محبته كحديثه الصحيحين

(4)

: "وما أحبّ أن أكتوي"، فعدم محبته يدل على أن الأولى عدم فعله، والثناء على تركه يدلّ على أن تركه أولى، فتبين أنه لا تعارض بين الأربعة.

قال الشيخ أبو محمد بن حمزة

(5)

: علم من مجموع كلامه في الكي أن فيه نفعًا وأن فيه مضرة، فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب، وقريب منه إخبار الله تعالى أن في الخمر منافع ثم حرمها، لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع. انتهى ملخصًا.

قوله: (من الشوكة) هي داءٌ معروفٌ كما في القاموس

(6)

، قال في النهاية

(7)

: هي حمرة تعلو الوجه والجسد، يقال: منه شيك فهو [مشوك]

(8)

.

(1)

ما بين الحاصرتين سقط من (ب).

(2)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(3)

تقدم برقم (3767) من كتابنا هذا.

(4)

البخاري رقم (5702) ومسلم رقم (71/ 2205).

(5)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 139).

(6)

القاموس المحيط ص 1221.

(7)

النهاية (1/ 897) وانظر: الفائق (1/ 151).

(8)

في المخطوط (ب): (مشيوك) والمثبت من (أ) والنهاية.

ص: 270

وكذلك إذا دخل في جسمه شوكة ومنه الحديث: "وإذا شيك فلا انتقش"

(1)

؛ أي: إذا شاكته شوكة فلا يقدر على انتقاشها وهو إخراجها بالمنقاش.

قوله: (فقد برئ من التوكل) قال في الهدي

(2)

: أحاديث الكي التي في هذا الباب قد تضمنت أربعة أشياء: (أحدها): فعله، (ثانيها): عدم محبته، (ثالثها): الثناء على من تركه، (رابعها): النهي عنه.

ولا تعارض فيها بحمد الله فإن فعله يدل على جوازه، وعدم محبته لا يدلّ على المنع منه، والثناء على تاركيه يدلّ على أن تركه أفضل، والنهي عنه إما على سبيل الاختيار من دون علة أو عن النوع الذي يحتاج معه إلى كيّ. انتهى.

وقيل: الجمع بين هذه الأحاديث أن المنهي عنه هو الاكتواء ابتداء قبل حدوث العلة كما يفعله الأعاجم، والمباح هو الاكتواء بعد حدوث العلة.

قوله: (في شرطة محجم) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم.

قوله: (أو شربة عسل) قال في الفتح

(3)

: العسل يذكر ويؤنث وأسماؤه تزيد على المائة.

وفيه من المنافع ما لخصه الموفق البغدادي

(4)

وغيره فقالوا: يجلي الأوساخ التي في العروق والأمعاء، ويدفع الفضلات، ويغسل المعدة، ويسخنها تسخينًا معتدلًا، ويفتح أفواه العروق، ويشدّ المعدة، والكبد، والكلى، والمثانة، وفيه تحليل للرطوبات أكلًا، وطلاءً وتغذيةً.

وفيه حفظ للمعجونات، وإذهاب لكيفية الأدوية المستكرهة، وتنقية للكبد، والصدر، وإدرار البول والطمث.

وينفع السعال الكائن من البلغم، والأمزجة الباردة، وإذا أضيف إليه الخل، نفع أصحاب الصفراء.

ثم هو غذاء من الأغذية، ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة، وحلو من الحلاوات، وطلاء من الأطلية، ومفرَّح من المفرِّحات.

(1)

أخرجه البخاري رقم (2887) وابن ماجه رقم (4136).

وهو حديث صحيح.

(2)

في "زاد المعاد"(4/ 60).

(3)

(10/ 140).

(4)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 140).

كما ذكر فوائد العسل ابن القيم في "زاد المعاد"(4/ 31 - 32).

ص: 271

ومن منافعه أنه إذا شرب حارًّا بدهن الورد نفع من نهش الحيوان، وإذا شرب وحده بماء نفع من عضة الكلب الكَلِب

(1)

، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر، وكذا الخيار والقرع والباذنجان، والليمون، ونحو ذلك، وإذا لطخ به البدن للقمل، قتل القمل والصّئبان وطول الشعر وحسنه ونعمه، وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر، وإن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها.

وهو عجيب في حفظ جثة الموتى فلا يسرع إليها البلاء وهو مع ذلك مأمون الغائلة قليل المضرة، ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه ولا ذكر للسكر في [أكثر]

(2)

كتبهم أصلًا.

وقد أخرج أبو نعيم في "الطبّ النبوي"

(3)

بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه.

وابن ماجه

(4)

بسند ضعيف من حديث جابر رفعه: "من لعق العسل ثلاث غدوات من كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء".

قوله: (وأنهى أمتي عن الكي) قال النووي

(5)

: هذا الحديث من بديع الطبّ

(1)

هذه الكلمة سقطت من كل طبعات نيل الأوطار، مع العلم أنها موجودة في (أ)، (ب)؛ فليعلم.

(2)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

الطب، لأبي نعيم. أحمد بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني (ت 430 هـ).

ذكر بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي"(6/ 227) أنه طبع في مطبعة المنار القاهرة. وله عدة نسخ خطية.

[انظر: معجم المصنفات ص 278 رقم (825)].

• ذكره الحافظ في الفتح (10/ 140).

(4)

في سننه رقم (3450).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 119): "هذا إسناد فيه لين، ومع ذلك فهو منقطع.

قال البخاري: لا يعرف لعبد الحميد سماع من أبي هريرة

".

وهو حديث ضعيف.

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 192).

وانظر: زاد المعاد (4/ 46 - 48).

ص: 272

عند أهله، لأن الأمراض الامتلائية دموية، أو صفراوية، أو سوداوية، أو بلغمية، فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم، وإن كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإِسهال بالمسهل اللائق بكل خلطٍ منها.

فكأنه نبه صلى الله عليه وسلم بالعسل على المسهلات وبالحجامة على إخراج الدم بها وبالفصد ووضع العلق وما في معناها، وذكر الكيّ لأنه يستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها، فآخر الطبّ الكيّ.

والنهي عنه إشارة إلى تأخير العلاج بالكيّ حتى يضطرّ إليه لما فيه من استعجال الألم الشديد. في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكيّ.

قوله: (نهى عن الكي فاكتوينا) قال ابن رسلان: هذه الرواية فيها إشارة: إلى أنه يباح الكيّ عند الضرورة بالابتلاء بالأمراض المزمنة؛ التي لا ينجع فيها إلا الكيّ، ويخاف الهلاك عند تركه.

ألا تراه كوى سعدًا لما لم ينقطع الدم من جرحه وخاف عليه الهلاك من كثرة خروجه كما يكوى من تقطع يده أو رجله.

ونهى عمران بن حصين عن الكيّ؛ لأنه كان به ناصور وكان موضعه خطرًا فنهاه عن كيه، فتعين أن يكون النهي خاصًّا بمن به مرض مخوف.

ولأن العرب كانوا يرون: أن الشافي لما لا شفاء له بالدواء هو الكيُّ، ويعتقدون أن من لم يكتو هلك، فنهاهم عنه لأجل هذه النية.

فإن الله تعالى هو الشافي

(1)

.

قال ابن قتيبة

(2)

: الكيّ جنسان كيّ الصحيح لئلا يعتل، فهذا الذي قيل فيه: لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه.

(1)

الشافي: يوصف الله عز وجل بأنه الشافي الذي يشفي عباده من الأسقام. والشافي اسم من أسمائه تعالى الثابتة بالسنة الصحيحة.

فعن أبي هريرة، وعائشة رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم ربُّ الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا".

[البخاري رقم (5742) ومسلم رقم (2191)].

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 155).

ص: 273

والثاني: كيّ الجرح إذا لم ينقطع دمه بإحراق ولا غيره، والعضو إذا قطع ففي هذا الشفاء بتقدير الله.

وأما إذا كان الكيّ للتداوي الذي يجوز أن ينجح ويجوز أن لا ينجح فإنه إلى الكراهة أقرب.

وقد تضمنت أحاديث الكيّ أربعة أنواع كما تقدم.

قوله: (فما أفلحن ولا أنجحن) هكذا الرواية الصحيحة بنون الإِناث فيهما، يعني تلك الكيات التي [اكتويناهن]

(1)

وخالفنا النبيّ صلى الله عليه وسلم في فعلهنّ وكيف يفلح أو ينجح شيء خولف فيه صاحب الشريعة، وعلى هذا فالتقدير فاكتوينا كيَّات لأوجاع فما أفلحن ولا أنجحن.

وهو أولى من أن يكون المحذوف الفاعل على تقدير: فما أفلحن الكيات ولا أنجحن، لأنَّ حذف المفعول الذي هو فضلة أقوى من حذف الفاعل الذي هو عمدة، ورواية الترمذي

(2)

كما ذكره المصنف رحمه الله فيكون الفلاح والنجاح مسندًا فيها إلى المتكلم ومن معه.

وفي رواية لابن ماجه

(3)

: "فما أفلحت ولا أنجحت" بسكون تاء التأنيث بعد الحاء المفتوحة.

[الباب الرابع] بابُ ما جاءَ في الحجامة وأَوقاتها

17/ 3778 - (عَنْ جابِرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنْ كانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ محجَمٍ، أوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أوْ لَذْعَةِ نارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ، وَما أُحِبُّ أنْ أكْتَويَ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(4)

. [صحيح]

(1)

في المخطوط (ب): (اكتوينا بهن).

(2)

في سننه رقم (2049) وقد تقدم.

(3)

في سننه رقم (3490).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (3/ 343) والبخاري رقم (5702) ومسلم رقم (71/ 2205).

وهو حديث صحيح.

ص: 274

18/ 3779 - (وَعَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ قالَ: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَجِمُ فِي الأخْدَعَيْنِ وَالكاهِل، وكانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وإحْدَى وَعِشْرِينَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ)

(1)

. [صحيح]

19/ 3780 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإحْدَى وَعِشْرِينَ كانَ شِفاءً مِنْ كُلّ دَاءٍ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(2)

. [حسن]

20/ 3781 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ خَيْرَ ما تَحْتَجِمُونَ فِيهِ يَوْمُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإحْدَى وَعِشْرِينَ"، رَوَاهُ الترْمِذِيُّ وَقالَ: حَدِيثُ حَسَنٌ غَرِيبٌ)

(3)

. [إسناده ضعيف]

(1)

في سننه رقم (2051) وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3860) وابن ماجه رقم (3483).

وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (3861).

قلت: وعنه البيهقي (9/ 340).

وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال مسلم، وفي سعيد بن عبد الرحمن كلام لا يضر.

قال الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام، وأفرط ابن حبان في تضعيفه.

وقد أخرج الحديث مختصرًا الحاكم (4/ 210) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وتعقبه المناوي بقوله:

• لكن ضعفه ابن القطان بأنه من رواية سعيد الجمحي عن سهل عن أبيه، وسهل وأبوه مجهولان. لكن ذكر جدي في "تذكرته" أن شيخه الحافظ العراقي أفتى بأن إسناده صحيح على شرط مسلم.

وتعقبه الألباني في "الصحيحة"(2/ 191): "قلت: وهذا هو الصواب أنه على شرط مسلم؛ فإن رجاله كلهم رجال صحيحه"، وما منعنا أن نحكم نحن بصحته إلا ما في سعيد بن عبد الرحمن من ضعف في حفظه، وأما تضعيف ابن القطان له، فهو بناء منه على أن شيخ سعيد هذا هو سهل، وليس كذلك؛ بل هو سهيل - بالتصغير - ابن أبي صالح كما جاء منسوبًا في المستدرك، وهو وأبوه ثقتان معروفان من رجال مسلم أيضًا". اهـ.

والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.

(3)

في سننه رقم (2053) وقال: هذا حديث حسن غريب.

إسناده ضعيف، ولبعضه شواهد يتقوى بها.

ص: 275

21/ 3782 - (وَعَنْ أبي بَكْرَةَ: أنَّهُ كانَ يَنْهَى أهْلَهُ عَنِ الحجامَةِ يَوْمَ الثُّلاثاءِ وَيَزْعُمُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أن يَوْمَ الثُّلاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ، وَفِيه ساعَةٌ لا يَرْقأ. رَوَاهُ أبُو دَوُدَ)

(1)

. [ضعيف]

22/ 3783 - (وَرُوِيَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الحجامَةُ يَوْمَ الثُّلاثاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنَ الشَّهْرِ دَوَاءٌ لِدَاءِ السَّنَةِ"، رَوَاهُ حَرْبُ بْنُ إسَماعيلَ الكِرْمانيُّ صَاحِبُ أحْمَد وَلَيْسَ إسْنادُهُ بذَاكَ)

(2)

. [موضوع]

23/ 3784 - (وَرَوَى الزُّهْرِيُّ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ أوْ يَوْمَ الأرْبِعاءِ فأصَابَهُ وَضَحٌ فَلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ"، ذَكَرَهُ أحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ. قالَ أبُو دَاوُدَ

(3)

: وَقَدْ أُسْنِدَ وَلا يَصِحُّ. [مرسل صحيح الإسناد]

وكَرِهَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ الحجامَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالأرْبِعاءِ وَالثُّلاثاءِ، إلَّا إذَا كانَ يَوْمُ الثُّلاثاءِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنَ الشَّهْرِ أوْ تِسْعَ عَشْرَةَ أوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ)

(4)

.

حديث أنس أخرجه أيضًا ابن ماجه

(5)

من وجه آخر وسنده ضعيف.

(1)

في سننه رقم (3862).

وهو حديث ضعيف.

(2)

أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" رقم (1732) من طريق ابن عدي في "الكامل"(3/ 1147 - 1148) في ترجمة سلام بن سليم التميمي الطويل.

وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه عمن يرويه عن الضعفاء والثقات لا يتابعه أحد عليه.

وهو حديث موضوع.

(3)

أخرجه أبو داود في المراسيل رقم (451) وقال: وقد أُسْنِدَ هذا ولم يصح، وهو مرسل بسند صحيح.

• والراوية المسندة التي أشار إليها أبو داود، فقد أخرجها البزار في المسند (رقم 3022 - كشف) والحاكم في المستدرك (4/ 409 - 410) والبيهقي (9/ 340) من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعًا به. وسكت عنه الحاكم، وتعقبه الذهبي فقال: سليمان متروك.

(4)

في مسائل الإمام أحمد بن محمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، رواية: حرب بن إسماعيل الكرماني (ص 293).

(5)

في سننه رقم (3483) وقد تقدم.

ص: 276

والطريق التي رواها الترمذي منها هي ما في سننه

(1)

قال: حدثنا عبد القدوس بن محمد، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام، وجرير بن حازم قالا: حدثنا قتادة عن أنس

فذكره.

وقال النووي

(2)

عند الكلام على هذا الحديث: رواه أبو داود

(3)

بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم، وصححه الحاكم

(4)

أيضًا، ولكن ليس في حديث أبي داود المذكور الزيادة وهي قوله: "وكان يحتجم لسبع عشرة

إلخ".

وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود

(5)

والمنذري

(6)

، وهو من رواية سعيد بن عبد الرحمن بن عوف الجمحي عن سهيل بن أبي صالح وسعيد، وثقه الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه، وله شاهد مذكور في الباب بعده

(7)

.

وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا أحمد

(8)

، قال الحافظ

(9)

: ورجاله ثقات لكنه معلول انتهى، وإسناده في سنن الترمذي

(10)

هكذا: حدثنا عبد بن حميد، أخبره النضر بن شميل، حدثنا عبَّاد بن منصور، قال: سمعت عكرمة

فذكره.

وحديث أبي بكرة في إسناده أبو بكرة بكَّار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، قال يحيى بن معين: ضعيف ليس حديثه بشيء. وقال ابن عديّ

(11)

: أرجو أنه لا بأس به، وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم.

وحديث معقل بن يسار أشار إليه الترمذي

(12)

. وقد ضعف المصنف إسناده، ولكن شهد له ما قبله.

(1)

في سننه رقم (2051) وقد تقدم.

(2)

في المجموع شرح المهذب (9/ 68).

(3)

في سننه رقم (3860).

(4)

في المستدرك (4/ 210) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(5)

في السنن (4/ 196).

(6)

في المختصر (5/ 349).

(7)

في سنن أبي داود رقم (3862).

وهو حديث ضعيف.

(8)

في المسند (1/ 354) بسند ضعيف، لضعف عباد بن منصور، وهو الناجي.

(9)

في "الفتح"(10/ 150).

(10)

في السنن رقم (2053) وقد تقدم.

(11)

في "الكامل"(2/ 43).

(12)

في السنن (4/ 390).

ص: 277

وقد أخرجه أيضًا رزين.

وفي الباب عن ابن عمر عند ابن ماجه

(1)

رفعه في أثناء حديث وفيه: "فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد"، أخرجه من طريقين ضعيفتين، وله طريق ثالثة ضعيفة أيضًا عند الدارقطني في الإِفراد

(2)

، وأخرجه بسند جيد عن ابن عمر موقوفًا.

ونقل الخلال

(3)

عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة، وإن كان الحديث لم يثبت.

وحكي أن رجلًا احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث.

قال في الفتح

(4)

: ولكون هذه الأحاديث لم يصحّ منها شيء.

قال حنبل بن إسحاق

(5)

: كان أحمد يحتجم أيَّ وقت هاج به الدم، وأيَّ ساعة كانت.

ومن أحاديث الباب في الحجامة حديث أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن كان في شيءٍ مما تداويتم به خير فالحجامة""، أخرجه أبو داود

(6)

وابن ماجه

(7)

.

وعن سلمى خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا في رأسه إلا قال: "احتجم"، ولا وجعًا في رجليه إلا قال:

(1)

في سننه رقم (3487) وهو حديث حسن.

ورقم (3488) وهو حديث حسن.

(2)

أخرجه الدارقطني كما في "أطراف الغرائب والأفراد"(3/ 501) رقم (3387).

(3)

ذكره ابن القيم في "زاد المعاد"(4/ 55 - 56).

وانظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق رواية الكرماني ص 293.

(4)

(10/ 150).

(5)

كما في "زاد المعاد"(4/ 54).

(6)

في سننه رقم (3857).

(7)

في سننه رقم (3476).

وهو حديث صحيح.

ص: 278

"اخضبهما""، أخرجه أبو داود

(1)

والترمذي

(2)

وابن ماجه

(3)

. وقال الترمذي

(4)

: حديث غريب إنما يعرف من حديث [فائد](5). [وفائد]

(5)

هذا هو مولى عبيد الله بن عليّ بن أبي رافع، وثقه يحيى بن معين

(6)

، وقال أحمد وأبو حاتم الرازي

(7)

: لا بأس به. وفي إسناده أيضًا عبيد الله بن علي بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن معين: لا بأس به

(8)

، وقال أبو حاتم الرازي

(9)

: لا يحتجّ بحديثه.

وقد أخرجه الترمذي

(10)

من حديث عليّ بن عبيد الله عن جدته وقال: وعبيد الله بن عليّ أصحّ.

وقال غيره: عليّ بن عبيد الله بن أبي رافع لا يعرف بحال، ولم يذكره أحد من الأئمة في كتاب، وذكر بعده حديث عبيد الله بن عليّ بن أبي رافع هذا الذي ذكرناه، وقال: فانظر في اختلاف إسناده وتغير لفظه هل يجوز لمن يدّعي السنة أو ينسب إلى العلم أن يحتجّ بهذا الحديث على هذا الحال ويتخذه سنة وحجة في خضاب اليد والرجل؟

وعن جابر: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم احتجم على وركيه من وثء كان به"، أخرجه أبو داود

(11)

والنسائي

(12)

، والوثء بالمثلثة: الوجع

(13)

.

(1)

في سننه رقم (3858).

(2)

في سننه رقم (2054) وقال: هذا حديث حسن غريب.

(3)

في سننه رقم (3502).

وهو حديث صحيح.

(4)

في السنن (4/ 392).

(5)

في كل طبعات نيل الأوطار: (قائد)، وهو تحريف والمثبت من (أ)، (ب) ومصادر الترجمة الآتية والسنن.

(6)

كما في "تهذيب التهذيب"(3/ 381).

(7)

في الجرح والتعديل (7/ 84).

(8)

كما في "تهذيب التهذيب"(3/ 22).

(9)

في الجرح والتعديل (5/ 328).

(10)

في سننه رقم (2054) وقد تقدم.

(11)

في سننه رقم (3863).

(12)

في سننه رقم (2848).

وهو حديث صحيح.

(13)

وثأو فيه: "فوثئت رجلي"، أي: أصابها وهنٌ، دون الخَلْع والكسر. يقال: وثئتْ رجله فهي موثوءة، ووثائها أنا، وقد يترك الهمزة.

النهاية (2/ 821 - 822) والمجموع المغيث (3/ 381).

ص: 279

قوله: (أو لذعةٍ بنار) بذال معجمة ساكنة، وعين مهملة. اللذع

(1)

: هو الخفيف من حرق النار. وأما اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة فهو ضرب أو عضّ ذات السم، وقد تقدم الكلام على حديث جابر هذا قريبًا.

قوله: (في الأخدعين)

(2)

قال أهل اللغة: الأخدعان: عرقان في جانبي العنق يحجم منه؛ والكاهل

(3)

: ما بين الكتفين وهو مقدم الظهر.

قال ابن القيم في الهدي

(4)

: الحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه، كالوجه، والأسنان، والأذنين، والعينين، والأنف، إذا كان حدوث ذلك من كثرة الدم أو فساده أو منهما جميعًا.

قال

(5)

: والحجامة لأهل الحجاز والبلاد الحارّة لأن دماءهم رقيقة، وهي أميل إلى ظاهر أبدانهم لجذب الحرارة الخارجة إلى سطح الجسد، واجتماعها في نواحي الجلد، ولأنَّ مسامّ أبدانهم واسعة ففي الفصد لهم خطر.

قوله: (كان شفاء من كل داء) هذا من العام المراد به الخصوص، والمراد كان شفاء من كل داء سببه غلبة الدم.

وهذا الحديث موافق لما أجمعت عليه الأطباء أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر أنفع مما قبله، وفي الربع الرابع أنفع مما قبله.

قال صاحب القانون

(6)

: أوقاتها في النهار الساعة الثانية، أو الثالثة؛ وتكره عندهم الحجامة على الشبع، فربما أورثت سددًا وأمراضًا رديئة، لا سيما إذا كان الغذاء رديئًا غليظًا.

والحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء، واختيار هذه الأوقات للحجامة فيما إذا كانت على سبيل الاحتراز من الأذى وحفظًا للصحة.

وأما في مداواة الأمراض فحيثما وجد الاحتياج إليها وجب استعمالها.

(1)

النهاية (2/ 598) والفائق (3/ 314).

(2)

النهاية (1/ 475) والمجموع المغيث (1/ 555).

(3)

النهاية (2/ 572).

(4)

في "زاد المعاد"(4/ 51).

(5)

أي: ابن القيم في "زاد المعاد"(4/ 50).

(6)

القانون في الطب لابن سينا (1/ 365).

ص: 280

قوله: (إن يوم الثلاثاء يوم الدم) أي يوم يكثر فيه الدم في الجسم.

قوله: (وفيه ساعة لا يرقأ) بهمز آخره؛ أي: لا ينقطع فيها دم من احتجم أو افتصد، أو لا يسكن وربما يهلك الإنسان فيها بسبب عدم انقطاع الدم.

وأخفيت هذه الساعة لتترك الحجامة في ذلك اليوم خوفًا من مصادفة تلك الساعة، كما أخفيت ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر ليجتهد المتعبد في جميع أوتاره ليصادف ليلة القدر، وكما أخفيت ساعة الإجابة في يوم الجمعة.

وفي رواية رواها رزين: "لا تفتحوا الدم في سلطانه ولا تستعملوا الحديد في يوم سلطانه"، وزاد أيضًا:"إذا صادف يوم سبع عشرة يوم الثلاثاء كان دواء السنة لمن احتجم فيه"

(1)

.

وفي الحجامة منافع، قال في الفتح

(2)

: والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق، وتنوب عن فصد الباسليق، والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه، كالأذنين، والعينين، والأسنان، والأنف، والحلق. وتنوب عن فصد القيفال.

والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان، والوجه، والحلقوم، وتنقي الرأس.

والحجامة على القدم تنوب عن فصد الصافن، وهو عرق تحت الكعب، وتنفع من قروح الفخذين، والساقين، وانقطاع الطمث، والحكة العارضة في الأنثيين.

والحجامة على أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره، ومن

(1)

أخرج ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 508) رقم (1733) من طريق الحافظ ابن حبان في "المجروحين"(1/ 309) في ترجمة: زيد العمي.

عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة مضين من الشهر كان دواءً لداءِ سنة".

وفيه زيد العمي، قال ابن حبان: يروي عن أنس أشياء موضوعة لا أصل لها حتى سبق إلى القلب أنه المعتمد لها.

(2)

في "الفتح"(10/ 152).

وانظر: "زاد المعاد"(4/ 51) والقانون لابن سينا (1/ 366 - 367).

ص: 281

النقرس والبواسير وداء الفيل وحكة الظهر، ومحلّ ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الاحتياج إليه.

والحجامة على المعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض. انتهى.

قال أهل العلم بالفصد

(1)

: فصد الباسليق ينفع حرارة الكبد، والطحال، والرئة، ومن الشوصة، وذات الجنب، وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك.

وفصد الأكحل ينفع الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويًا، ولا سيما إن كان قد فسد.

وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد، وفصد الودجين لوجع الطحال والربو [ووجع الجنبين]

(2)

.

قال أهل المعرفة

(3)

: إن المخاطب بأحاديث الحجامة غير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم.

وقد أخرج الطبري

(4)

بسند صحيح عن ابن سيرين قال: إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم.

قال الطبري

(5)

: وذلك لأنه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره وانحلال من قوّة جسده، فلا ينبغي أن يزيده وهنًا بإخراج الدم. انتهى. وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتده. وقد قال ابن سينا في أرجوزته

(6)

:

وَمَنْ يَكُنْ تعوَّدَ الفِصَادَهْ

فَلَا يَكُنْ يَقْطَعُ تِلْكَ العَادَهْ

ثم أشار إلى أنه يقلل ذلك بالتدريج إلى أن ينقطع جملة في عشر الثمانين.

وقال ابن سينا في أبيات أخرى:

وَوَفّر على الجسم الدماءَ فإنَّها

لِصِحَّةِ جِسم مِنْ أجلِّ الدَّعائمِ

(1)

الفتح (10/ 151) والقانون لابن سينا (1/ 353).

وزاد المعاد (4/ 49 - 50).

(2)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(3)

في الفتح (10/ 151) والقانون لابن سينا (1/ 356).

(4)

كما في "الفتح"(10/ 151).

(5)

في المرجع السابق.

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 151).

ص: 282

قال الموفق البغدادي

(1)

بعد أن ذكر الحجامة في نصف الشهر الآخر ثم في ربعه الرابع أنفع من أوله واخره، وذلك أن الأخلاط في أول الشهر وفي آخره تسكن، فأولى ما يكون الاستفراغ في أثنائه.

والحاصل: أن أحاديث التوقيت

(2)

وإن لم يكن شيءٌ منها على شرط الصحيح إلا أن المحكوم عليه بعدم الصحة إنما هو في ظاهر الأمر لا في الواقع فيمكن أن يكون الصحيح ضعيفًا، والضعيف صحيحًا، لأن الكذوب قد يصدق والصدوق قد يكذب، فاجتناب ما أرشد الحديث الضعيف إلى اجتنابه، واتباع ما أرشد إلى اتباعه من مثل هذه الأمور ينبغي لكل عارف، وإنما الممنوع إثبات الأحكام التكليفية أو الوضعية أو نفيها بما هو كذلك.

[الباب الخامس] باب ما جاءَ في الرقى والتمائم

24/ 3785 - (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ الرُّقَى وَالتَّمائمَ والتّوَلَةَ شِرْكٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وأبُو دَاوُدَ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ

(5)

. وَالتِّوَلَةُ: ضَرْبٌ مِنَ السِّحْرِ، قالَ الأصْمَعِيُّ: هُوَ تَحْبِيبُ المرأةِ إلى زَوْجِها). [صحيح]

25/ 3786 - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أتمَّ الله لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ الله لَهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(6)

. [حسن]

(1)

ذكره الحافظ في "الفتح"(10/ 151).

(2)

زاد المعاد (4/ 55).

(3)

في المسند (1/ 381).

(4)

في سننه رقم (3883).

(5)

في سننه رقم (3530).

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (5208) والبغوي رقم (3240).

وهو حديث صحيح.

(6)

في المسند (4/ 154) بسند ضعيف لجهالة خالد بن عُبيد - المعافري -.

وقد تابعه ابن لهيعة عند ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص 289، وإن كان ابن لهيعة سيئ الحفظ يصلح في المتابعات والشواهد.

والخلاصة: أن الحديث حسن، والله أعلم.

ص: 283

26/ 3787 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "ما أُبالي ما رَكِبْتُ أوْ ما أتَيْتُ إذَا أنا شَرِبْتُ تِرْياقًا أوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً، أوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وأبُو دَاودَ

(2)

وَقالَ: هَذَا كانَ للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خاصَّةً، وَقَدْ رخَّصَ فِيه قَوْمٌ؛ يَعْنِي الترْياقَ). [ضعيف]

27/ 3788 - (وَعَنْ أنَسٍ قالَ: رَخَّصَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي الرُّقْيَةِ مِنَ العَيْنِ وَالحُمَةِ، وَالنَّمْلَةِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَمُسْلِمٌ

(4)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

وَابْنُ ماجَهْ

(6)

، وَالنَّمْلَةُ: قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الجَنْبِ). [صحيح]

28/ 3789 - (وَعَنِ الشّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ الله قالَتْ: دَخَلَ عَليَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقالَ لي: "ألا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كما عَلَّمْتِها الكِتابَةَ؟ "، رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

وأبُو دَاوُدَ

(8)

. [صحيح]

وَهُوَ دَلِيلٌ على جَوَازِ تَعَلُّمِ النِّساءِ الكِتَابَةَ).

29/ 3790 - (وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الجاهِلِيَّةِ، فَقُلْنا: يا رَسُولَ الله كَيْفَ تَرَى فِي ذلكَ؟ فَقالَ: "اعْرِضُوا عَليَّ رُقاكُمْ، لا بأسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فِيه شِرْكٌ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(9)

وأبُو دَاودَ)

(10)

. [صحيح]

(1)

في المسند (2/ 223).

(2)

في سننه رقم (3869).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 78) والبيهقي (9/ 355).

وهو حديث ضعيف.

(3)

في المسند (3/ 118).

(4)

في سننه رقم (58/ 2196).

(5)

في سننه رقم (2056).

(6)

في سننه رقم (3516).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (6/ 372).

(8)

في سننه رقم (3887).

وهو حديث صحيح.

(9)

في صحيحه رقم (64/ 2200).

(10)

في سننه رقم (3886). =

ص: 284

30/ 3791 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الرُّقَى، فَجاء آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقالُوا: يا رَسُولَ الله إنَّهَا كانَتْ عِنْدَنا رُقْيَةٌ نَرْقي بِها مِنَ العَقْرَبِ وإنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، قالَ: فَعَرَضُوها عَلَيْهِ، فَقالَ: "ما أرَى بأسًا، فَمَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمْ أنْ يَنْفَعَ أخاهُ فَلْيَفْعَلْ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

(1)

. [صحيح]

31/ 3792 - (وَعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا مَرِضَ أحَدٌ مِنْ أهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بالمُعَوِّذاتِ؛ فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي ماتَ فِيه جَعَلْتُ أنْفُثُ عَلَيْهِ وأمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ لأنَّها أعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ يَدِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(2)

. [صحيح]

حديث ابن مسعود أخرجه أيضًا الحاكم

(3)

وصححه، وصححه أيضًا ابن حبان

(4)

، وهو من رواية ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود عنها عن ابن مسعود.

قال المنذري

(5)

: والراوي عن زينب مجهول.

وحديث عقبة بن عامر قال في مجمع الزوائد

(6)

: أخرجه أحمد

(7)

وأبو يعلى

(8)

والطبراني

(9)

ورجالهم ثقات. انتهى.

وحديث عبد الله بن عمرو في إسناده عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي أفريقيَّة، قال البخاري

(10)

: في حديثه مناكير. وحكى ابن أبي حاتم

(11)

عن أبيه نحو هذا.

وحديث الشفاء سكت عنه أبو داود

(12)

والمنذري

(13)

ورجال إسناده رجال الصحيح إلا إبراهيم بن مهدي البغدادي المصيصي، وهو ثقة.

= وهو حديث صحيح.

(1)

في صحيحه رقم (63/ 2199).

(2)

أحمد في المسند (6/ 256) والبخاري رقم (4439) ومسلم رقم (50/ 2192).

(3)

في المستدرك (4/ 217).

(4)

في صحيحه رقم (6090).

(5)

في المختصر (5/ 363).

(6)

في "مجمع الزوائد"(5/ 103).

(7)

في المسند (4/ 154).

(8)

في المسند رقم (1759).

(9)

في المعجم الكبير (ج 17 رقم 820).

(10)

كما في "تهذيب التهذيب"(2/ 503).

(11)

في الجرح والتعديل (5/ 232).

(12)

في السنن (4/ 215).

(13)

في المختصر (5/ 364).

ص: 285

وقد أخرجه النسائي

(1)

عن إبراهيم بن يعقوب عن علي بن المديني عن محمد بن بشر ثم بإسناد أبي داود.

قوله: (إنَّ الرقى)

(2)

بضم الراء، وتخفيف القاف مع القصر: جمع رقية، كدمى: جمع دمية.

قوله: (والتمائم)

(3)

جمع تميمة: وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم، يمنعون بها العين في زعمهم فأبطله الإسلام.

قوله: (والتِّولة)

(4)

بكسر التاء المثناة فوق، وبفتح الواو المخففة.

قال الخليل

(5)

: التِّولة بكسر التاء وضمها: شبيه بالسحر، وقد جاء تفسير التولة عن ابن مسعود كما أخرجه الحاكم

(6)

وابن حبان

(7)

وصححاه: "أنه دخل على امرأته وفي عنقها شيءٌ معقود، فجذبه، فقطعه ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الرقى، والتمائم، والتولة شرك"، قالوا: يا أبا عبد الله هذه التمائم والرقى قد عرفناها فما التولة؟ قال: شيء تصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهنّ؛ يعني من السحر".

قيل: هو خيط يقرأ فيه من السحر أو قرطاس يكتب فيه شيء منه [يتحبب]

(8)

به النساء إلى قلوب الرجال. أو الرجال إلى قلوب النساء.

فأما ما تحبب به المرأة إلى زوجها من كلام مباح؛ كما يسمى: الغنج؛ وكما تلبسه للزينة، أو تطعمه من عقَّار مباح أكله، أو أجزاء حيوان مأكولٍ مما يعتقد: أنه سبب إلى محبة زوجها لها؛ لما أودع الله تعالى فيه من الخصيصة بتقدير الله لا أنه يفعل ذلك بذاته.

(1)

في السنن الكبرى رقم (7542، 7543 - العلمية).

(2)

الرقى والرُّقية: العوذة التي يُرْقى بها صاحب الآفة؛ كالحمَّى والصَّرع، وغير ذلك من الآفات.

غريب الحديث للهروي (4/ 51).

(3)

النهاية (1/ 196) وغريب الحديث للهروي (4/ 51).

(4)

الفائق (1/ 157) وغريب الحديث للهروي (4/ 50).

(5)

في "العين" له ص 107.

(6)

في المستدرك (4/ 217).

(7)

في صحيحه رقم (6090).

(8)

في المخطوط (ب): (تتحبب).

ص: 286

قال ابن رسلان: فالظاهر: أن هذا جائز، لا أعرف الآن ما يمنعه في الشرع.

قوله: (شرك) جعل هذه الثلاثة من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر بنفسه.

قوله: (فلا أتمَّ الله له) فيه الدعاء على من اعتقد في التمائم، وعلقها على نفسه بضدِّ قصده، وهو عدم التمام لما قصده من التعليق، وكذلك قوله:"فلا ودع الله له"، فإنه دعاء على من فعل ذلك. وودع ماضي يدع، مثل: وذر ماضي يذر.

قوله: (أو ما أتيت) بفتح الهمزة والتاء الأولى: أي [لا أكترث]

(1)

بشيء من أمر ديني ولا أهتم بما فعلته؛ إن أنا فعلت هذه الثلاثة، أو شيئًا منها، وهذه مبالغةٌ عظيمةٌ، وتهديدٌ شديدٌ في فعل شيءٍ من هذه الثلاثة؛ أي: من فعل شيئًا منها فهو غير مكترث بما يفعله ولا يبالي به هل [هو]

(2)

حرام أو حلال؟ وهذا وإنْ أضافه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى نفسه فالمراد به إعلام غيره بالحكم. وقد سئل عن تعليق التمائم فقال: "ذلك شرك".

قوله: (ترياقًا)

(3)

بالتاء، أو الدال، أو الطاء في أوله، مكسوراتٍ أو مضموماتٍ، فهذه ستّ لغات أرجحهنّ بمثناة مكسورة: روميٌ معرَّب.

والمراد به هنا ما كان مختلطًا بلحوم الأفاعي، يطرح منها رأسها وأذنابها، ويستعمل أوساطها في الترياق، وهو محرَّم، لأنه نجس، وإن اتخذ الترياق من أشياء طاهرة، فهو [طاهر]

(4)

لا بأس بأكله وشربه. ورخص مالك فيما فيه شيء من لحوم الأفاعي؛ لأنه يرى إباحة لحوم الحيات، وأما إذا كان الترياق نباتًا أو حجرًا فلا مانع منه.

قوله: (أو قلت الشعر من قبل نفسي) أي: من جهة نفسي، فخرج به ما

(1)

في المخطوط (أ): (لا أكثرت).

(2)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

النهاية (1/ 188) والقاموس المحيط ص 1124.

(4)

في المخطوط (ب): (ظاهر).

ص: 287

قاله لا عن نفسه، بل حاكيًا له عن غيره كما في الصحيح

(1)

: "خير كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد".

ويخرج منه أيضًا ما قاله لا على قصد الشعر فجاء موزونًا.

قوله: (كان للنبيّ خاصةً) يعني: وأما في حق الأمة فالتمائم وإنشاء الشعر غير حرام.

قوله: (في الرقية من العين) أي: من إصابة العين.

قوله: (والحمة)

(2)

بضم الحاء المهملة، وفتح الميم المخففة، وأصلها: حمو، أو حُمَى بوزن صُرَد، والهاء فيه عوض من الواو المحذوفة، أو الياء، مثل: سمة من الوسم، وهذا على تخفيف الميم.

أما مَنْ شَدَّدَ فالأصلُ عنده حممة، ثم أدغم كما في الحديث

(3)

: "العالم مثل الحمة" وهي عين ماء [حارّ]

(4)

ببلاد الشام

(5)

يستشفي بها المرضى، وأنكر الأزهري

(6)

تشديد الميم، والمراد بالحمة: السمّ من ذوات السموم. وقد تسمى إبرة العقرب والزنبور ونحوهما

(7)

: حمة، لأن السمَّ يخرج منها فهو من المجاز، والعلاقة المجاورة.

قوله: (ألا تُعَلِّمِينَ) بضم أوله وتشديد اللام المكسورة (هذه) يعني: حفصة (رقية النَّملة)

(8)

بفتح النون وكسر الميم: وهي قروح تخرج من الجنب أو الجنبين، ورقية النملة: كلام كانت نساء العرب تستعمله، يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضرُّ ولا ينفع.

(1)

البخاري رقم (3841) ومسلم رقم (2 - 6/ 2256).

(2)

انظر: زاد المعاد (4/ 24 - 29) والنهاية (1/ 437).

(3)

ذكره ابن الأثير في "النهاية"(1/ 437).

(4)

في المخطوط (ب): (جار).

(5)

انظر: معجم البلدان (2/ 306).

(6)

تهذيب اللغة (5/ 276) حيث قال الأزهري: "ولم أسمع التشديد في الحمة لغير ابن الأعرابي، ولا أحسبه رواه إلا وقد حفظه عن العرب".

(7)

قاله الليث كما في "تهذيب اللغة"(5/ 276).

(8)

انظر: "زاد المعاد"(4/ 169).

ص: 288

ورقية النملة

(1)

التي كانت تعرف بينهن أن يقال للعروس: تحتفل وتختضب وتكتحل وكل شيء يفتعل غير أن لا تعصي الرجل، فأراد صلى الله عليه وسلم بهذا المقال تأنيب حفصة والتأديب لها تعريضًا لأنه ألقى إليها سرًا فأفشته على ما شهد به التنزيل في قوله تعالى:{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ} الآية

(2)

.

قوله: (كما علمتها الكتابة) فيه دليل على جواز تعليم النساء الكتابة.

وأما حديث: "لا تعلموهنّ الكتابة، ولا تسكنوهنّ الغرف، وعلموهنّ سورة النور"

(3)

، فالنهي عن تعليم الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمها الفساد.

(1)

روى الخلال: "أن الشفاء بنتَ عبد الله كانت تَرقي في الجاهلية من النملة، فلما هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكانت قد بايعته بمكة، قالت: يا رسول الله! إني كنت أرقي في الجاهلية من النملة، وإني أريدُ أن أعرضها عليك، فعرضت عليه، فقالت: بسم اللهِ ضلَّت حتى تعود مِن أفواهها، ولا تضُرُّ أحدًا، اللهم اكشف البأس ربَّ الناسِ، قال: "ترقي بها على عود سبعَ مرات، وتقصِدُ مكانًا نظيفًا، وتدلكُهُ على حجر بخل خمرٍ حاذق، وتطليه على النملة"". اهـ.

كما في زاد المعاد (4/ 169 - 170).

(2)

سورة التحريم، الآية:(3).

وانظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (14/ 48 - 50).

(3)

وهو حديث موضوع.

أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"(14/ 224) في ترجمة يحيى بن زكريا بن يزيد الدقاق أبو زكريا. وفي إسناده: محمد بن إبراهيم بن العلاء الشامي أبو عبد الله، بضع الحديث على الشاميين

لا تحل الرواية عنه إلا عند الاعتبار. قاله ابن حبان في المجروحين (2/ 301 - 302) وقال ابن عدي في "الكامل"(6/ 2274 - 2275): منكر الحديث.

وقال أيضًا: عامة أحاديثه غير محفوظة.

• وأخرجه الحاكم (2/ 396) وعنه البيهقي في "شعب الإيمان" رقم (2453) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك، حدثنا شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: بل موضوع، وآفته عبد الوهاب. قال أبو حاتم: كذاب".

• وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" رقم (2454) وابن حبان في المجروحين (2/ 302) من طريق محمد بن إبراهيم الشامي، عن شعيب بن إسحاق، به.

قال البيهقي: هذا بهذا الإسناد منكر.

وأخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 269) عن الخطيب من طريقه المتقدم. =

ص: 289

قوله: (لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شيء من الشرك المحرّم) فيه دليل: على جواز الرقى والتطبب بما لا ضرر فيه ولا منع من جهة الشرع وإن كان بغير أسماء الله وكلامه، لكن إذا كان مفهومًا؛ لأن ما لا يفهم لا يؤمن أن يكون فيه شيء من الشرك.

قوله: (من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل) قد تمسك قوم بهذا العموم، فأجازوا كل رقية جرّبت منفعتها ولو لم يعقل معناها، لكن دلّ حديث عوف أنه يمنع ما كان من الرقى يؤدّي إلى الشرك، وما لا يعقل معناه لا يؤمن من أن يؤدي إلى الشرك فيمنع احتياطًا.

وقال قوم: لا تجوز الرقية إلا من العين والحمة كما في حديث عمران بن حصين: "لا رقية إلا من عينٍ أو حمة"

(1)

.

وأجيب: بأن معنى الحصر فيه: أنهما أصل كل محتاج إلى الرقية، فيلحق بالعين جواز رقية من به مسٌّ أو نحوه، لاشتراك ذلك في كون كلِّ واحدٍ ينشأ عن أحوال شيطانية من إنسيٍّ أو جنيٍّ.

ويلتحق بالسمِّ كلُّ ما عرض للبدن من قرح ونحوه من المواد السمية.

وقد وقع عند أبي داود

(2)

في حديث أنس مثل حديث عمران وزاد: "أو دم"، وكذلك حديث أنس المذكور في الباب زاد فيه:"النملة"

(3)

.

وقال قوم: المنهي عنه من الرقى ما يكون قبل وقوع البلاء، والمأذون فيه ما كانت بعد وقوعه، ذكره ابن عبد البرّ

(4)

والبيهقي وغيرهما وفيه نظر، وكأنه

= وقال: هذا الحديث لا يصح، وقد ذكره أبو عبد الله الحاكم في "صحيحه"، والعجب كيف خفي عليه أمره. ثم أعله بـ: محمد بن إبراهيم الشامي.

وخلاصة القول: أن الحديث موضوع، والله أعلم.

(1)

أخرجه أبو داود رقم (3884) والترمذي رقم (2057) موصولًا عنه.

وأخرجه البخاري رقم (5705) موقوفًا على عمران بن حصين.

وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (3889) وهو حديث صحيح دون قوله: "أو دم يرقأ" فضعيف.

(3)

تقدم برقم (3788) من كتابنا هذا.

(4)

في "التمهيد"(15/ 372).

ص: 290

مأخوذ من الخبر الذي قرنت فيه التمائم بالرقى كما في حديث ابن مسعود

(1)

المذكور في الباب.

قوله: (نفث عليه)

(2)

النفث: نفخٌ لطيفٌ بلا ريق، وفيه استحباب النفث في الرقية.

قال النووي

(3)

: وقد أجمعوا على جوازه، واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

قال القاضي

(4)

: وأنكر جماعة النفث في الرقى، وأجازوا فيها النفخ بلا ريق، قال: وهذا المذهب.

وقد اختلف في النفث، والتفل؛ فقيل: هما بمعنى، ولا يكون إلا بريق.

وقال أبو عبيد

(5)

: يشترط في التفل ريق يسير، ولا يكون في النفث، وقيل عكسه. قال: وسئلت عائشة عن نفث النبيّ صلى الله عليه وسلم في الرقية فقالت: كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه ولا اعتبار بما يخرج عليه من بلة، ولا يقصد ذلك

(6)

. وقد جاء في حديث الذي رقى بفاتحة الكتاب فجعل يجمع بزاقه ويتفل

(7)

.

قوله: (بالمعوّذات) قال ابن التين

(8)

: الرقى بالمعوّذات

(1)

تقدم برقم (3785) من كتابنا هذا.

(2)

قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 770): "النَّفْث بالضم، وهو شبيه بالنَّفخ. وهو أقل من التفل، لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق".

وانظر: الفائق للزمخشري (4/ 9).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 182).

(4)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 100).

(5)

في غريب الحديث (1/ 298).

(6)

أخرج ابن ماجه في سننه رقم (1618):

عن عبيد الله بن عبد الله، قال: سألت عائشة فقلت: أي أمَّهْ أخبريني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "اشتكى فعلق ينفثُ فجعلنا نشبِّهُ نفثه بنفثة آكلِ الزبيب

"، وهو حديث صحيح.

(7)

أخرج مسلم في صحيحه رقم (65/ 2201) من حديث أبي سعيد وفيه: "فجعل يقرأ أم القرآن، ويجمع بزاقَهُ، ويتفل

" وهو حديث صحيح.

(8)

كما في "الفتح"(10/ 196).

ص: 291

وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطبُّ الروحاني، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله، فلما عزّ هذا النوع فزع الناس إلى الطبِّ الجسماني، وتلك الرقى المنهيُّ عنها التي يستعملها المعزِّم وغيره ممن يدّعي تسخير الجنِّ، فأتى بأمور مشبهة مركبة من حقّ وباطل، يجمع إلى ذكر الله تعالى وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بمردتهم.

ويقال: إن الحية لعداوتها للإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم، فإذا عزَّم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت، فلذلك كره من الرقى ما لم يكن بذكر الله وأسمائه خاصة، وباللسان العربيِّ الذي يعرف معناه ليكون بريئًا من شوب الشرك، وعلى كراهة الرقى بغير كتاب الله علماء الأمة.

وقال القرطبي

(1)

: الرقى ثلاثة أقسام:

(أحدها): ما كان يرقى به في الجاهلية ما لا يعقل معناه، فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك، أو يؤدِّي إلى الشرك.

(الثاني): ما كان بكلام الله، أو بأسمائه، فيجوز؛ فإن كان مأثورًا فيستحبّ.

(الثالث): ما كان بأسماء غير الله من ملكٍ، أو صالحٍ، أو معظم من المخلوقات كالعرش.

قال: فهذا ليس من الواجب اجتنابه، ولا من المشروع الذي يتضمن الالتجاء إلى الله، والتبرّك بأسمائه فيكون تركه أولى؛ إلا أن يتضمَّن تعظيم المرقي به؛ فينبغي أن يجتنب كالحلف بغير الله.

قال الربيع

(2)

: سألت الشافعي عن الرقية، فقال: لا بأس أن ترقي بكتاب الله، وبما تعرف من ذكر الله، قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ قال: نعم، إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وبذكر الله.

قوله: (وأمسحه بيد نفسه) في رواية

(3)

: "وأمسح بيده نفسه".

(1)

في المفهم (5/ 581).

(2)

في "الأم" للشافعي (8/ 630 - 631).

(3)

عند البخاري رقم (5735).

ص: 292

[الباب السادس] بابُ الرُّقْيَةِ مِنَ العينِ والاستِغْسَالِ منْها

32/ 3793 - (عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يأمُرُنِي أنْ أسْتَرْقِيَ مِنَ العَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(1)

. [صحيح]

33/ 3794 - (وَعَنْ أسمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أنَّها قَالَتْ: يا رَسُولَ الله إنَّ بَنِي جَعْفَرٍ تُصِيبُهُم العَيْن أفَنَسْتَرقِيَ لَهُمْ؟ قالَ: "نَعَمْ، فَلَوْ كانَ شَيْءٌ سَبَقَ القَدَرَ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَالتِّرْمِذِيُ وصَحَّحَهُ)

(3)

. [صحيح]

34/ 3795 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "العَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كانَ شَيْءٌ سابِقٌ القَدَرَ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ، وَإذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فاغْسِلُوا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَمُسْلمٌ

(5)

وَالتِّرْمِذِي وَصحَّحَهُ)

(6)

. [صحيح]

35/ 3796 - (وَعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ يُؤْمَرُ العائِنُ فَيَتَوَضّأُ ثُمَّ يُغْسَلُ مِنْهُ المَعِينُ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(7)

. [إسناده صحيح]

36/ 3797 - (وعَنْ سهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَسارَ مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ، حتَّى إذَا كانُوا بِشِعْبِ الخِرَارِ مِنَ الجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وكانَ رَجُلًا

(1)

أحمد في المسند (6/ 63، 138) والبخاري رقم (5738) ومسلم رقم (56/ 2195).

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (6/ 438).

(3)

في سننه رقم (2059) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3510).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (1/ 274) بلفظ: "العين حق، تستنزل الحالق".

(5)

في صحيحه رقم (42/ 2188).

(6)

في سننه رقم (2062) وقال: هذا حديث صحيح.

وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (3880) بسند صحيح.

ص: 293

أبْيَضَ حَسَنَ الجِسْمِ، وَالجِلْدِ، فَنَظَرَ إلَيْهِ عامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ [أخو]

(1)

بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ. فَقالَ: ما رأيْتُ كاليَوْمِ وَلَا جِلُدَ مُخَبَّأةٍ، فَلُبِطَ سَهْلٌ، فأُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقِيل: يا رَسُولَ الله هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ؟ وَالله ما يَرْفَعُ رأسَهُ، قالَ:"هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيه مِنْ أحَدٍ؟ "، قالُوا: نَظَرَ إلَيْهِ عامرُ بنُ رَبِيعَةَ، فَدَعا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقالَ:"عَلَامَ يَقْتُلُ أحَدُكُمْ أخاهُ؟ هَلَّا إذَا رأيْتَ ما يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ"، ثُمَّ قالَ لَهُ:"اغْتَسِلْ لَهُ"، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وأطْرَافَ رِجْلَيْهِ [وَدَاخِلَةَ]

(2)

إزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذلكَ المَاءُ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ على رأسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِه، ثُمَّ يُكفأُ القَدَحُ وَرَاءهُ فَفُعِلَ بِهِ ذلكَ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بأسٌ. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(3)

. [صحيح]

(1)

في المخطوط (أ)، (ب):(أحد) والمثبت من مسند أحمد.

(2)

في المخطوط (أ)، (ب):(وداخل) والمثبت من مسند أحمد.

(3)

في المسند (3/ 486 - 487).

قلت: وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 939) رقم (2) ومن طريقه النسائي في الكبرى رقم (7618 - العلمية) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2895) والطبراني في الكبير رقم (5575) والبيهقي في "الدلائل"(6/ 163).

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (19766) والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (209) والطبراني في الكبير رقم (5574) من طريق معمر.

وابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 58 - 59) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (2896) والطبراني في الكبير رقم (5578) وابن عبد البر في "التمهيد"(6/ 242 - تيمية) من طريق ابن أبي ذئب.

والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (208) وابن ماجه رقم (3509) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2894) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 351 - 352) من طريق سفيان بن عيينة.

والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2898) و (2899) والطبراني في الكبير رقم (5579) من طريق عُقَيْل بن خالد.

وابن حبان رقم (6106) من طريق إسحاق بن يحيى الكلبي.

والطبراني في الكبير رقم (5573) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمِّع.

والطبراني في الكبير رقم (5576) من طريق معاوية بن يحيى الصفدي.

والطبراني في الكبير رقم (5577) والحاكم (3/ 411) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 352) من طريق يونس بن يزيد. =

ص: 294

حديث أسماء بنت عميس أخرجه أيضًا النسائي

(1)

، ويشهد له حديث جابر

(2)

المتقدم في الباب الأول.

وحديث عائشة سكت عنه أبو داود

(3)

والمنذري

(4)

، ورجال إسناده ثقات؛ لأنَّه عن عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود عنها.

وحديث سهل أخرجه أيضًا الموطأ

(5)

والنسائي

(6)

وصححه ابن حبان

(7)

من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه.

ووقع في رواية ابن ماجه

(8)

من طريق ابن عيينة عن الزهري عن أبي أمامة: "أن عامر بن ربيعة مرّ بسهل وهو يغتسل

" فذكر الحديث.

قوله: (يأمرني أن أسترقي من العين) أي: من الإصابة بالعين.

قال المازري

(9)

: أخذ الجمهور بظاهر الحديث، وأنكره طوائف من المبتدعة لغير معنى. لأنَّ كل شيء ليس محالًا في نفسه ولا يؤدّي إلى قلب حقيقة ولا فساد دليلٍ، فهو من مجوّزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه، لم يكن لإنكاره معنى، وهل من فرق بين إنكارهم هذا، وإنكارهم ما يخبر به في الآخرة من الأمور.

قوله: (فلو كان شيء [سابق]

(10)

القدر لسبقته [العين])

(11)

، فيه ردّ على

= والحاكم (3/ 410 - 411) من طريق الجراح بن منهال.

عشرتهم عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه

فذكره.

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(1)

في السنن الكبرى رقم (7537 - العلمية).

(2)

تقدم برقم (3763) من كتابنا هذا.

(3)

في السنن (4/ 210).

(4)

في المختصر (5/ 361).

(5)

في "الموطأ"(2/ 939) رقم (2) وقد تقدم.

(6)

في السنن الكبرى رقم (7618 - العلمية) وقد تقدم.

(7)

في صحيحه رقم (6106) وقد تقدم.

(8)

في سننه رقم (3509) وقد تقدم.

(9)

في "المعلم" بفوائد مسلم (3/ 91).

(10)

في المخطوط (أ): سبق.

والمثبت من المخطوط (ب) والحديث.

(11)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 295

من زعم من المتصوّفة أن قوله: "العين حقّ" يريد به القدر؛ أي: العين التي تجري منها الأحكام، فإنَّ عين الشيء حقيقته؛ والمعنى: أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر إنما هو بقدر الله السابق، لا شيء يحدثه الناظر في المنظور.

ووجه الردّ: أنَّ الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين، وإن كنا نعتقد: أن العين من جملة المقدور؛ لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب، إما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه إياها.

وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر، وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا أنه يمكن أن يردّ القدر، إذ القدر عبارة عن سابق علم الله، ولا رادّ لأمره، أشار إلى ذلك القرطبي

(1)

.

وحاصله: لو فرض أنَّ شيئًا له قوّةٌ؛ بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق فكيف غيرها؟ وقد أخرج البزار

(2)

من حديث جابر بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس"، قال الراوي: يعني بالعين.

قوله: (العين حقّ) أي: شيء ثابت، موجود من جملة ما تحقق كونه.

قوله: (وإذا استغسلتم فاغسلوا) أي: إذا طُلبتم للاغتسال فاغسلوا أطرافكم عند طلب المعيون ذلك من العائن، وهذا كان أمرًا معلومًا عندهم، فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم، وأدنى ما في ذلك رافع الوهم، وظاهر الأمر الوجوب.

وحكى المازريُّ فيه خلافًا، وصحح الوجوب وقال: متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء فيه فإنه يتعين، وقد تقرّر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطّر وهذا أولى، ولم يبين في حديث ابن عباس صفة الاغتسال.

(1)

في "المفهم"(5/ 565 - 566).

(2)

في المسند (رقم 3052 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 106) وقال: "رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، خلا طالب بن حبيب بن عمرو، وهو ثقة".

ص: 296

قوله: (بشعب الخرار) بمعجمة ثم مهملتين. قال في القاموس

(1)

: هو موضع قرب الجحفة.

قوله: (فلُبِط)

(2)

- بضم اللام وكسر الموحدة -، لبط الرجل فهو ملبوط: أي صرع وسقط إلى الأرض.

قوله: ([وداخلة]

(3)

إزاره) يحتمل أن يريد بذلك الفرج، ويحتمل أن يريد طرف الإزار الذي يلي جسده من الجانب الأيمن.

وقد اختلف ذلك على قولين: ذكرهما في الهدي

(4)

، وقد بيّن في هذا الحديث صفة الغسل.

قوله: (ثم يكفأ القدح وراءه)، زاد في رواية

(5)

: "على الأرض".

قال المازري

(6)

: هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل، فلا يُرَدُّ لكونه لا يعقل معناه.

وقال ابن العربي

(7)

: إن توقف فيه متشرِّع قلنا له: قل: الله ورسوله أعلم.

وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة.

قال ابن القيم

(8)

: هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها، ولا من سخر منها، ولا من شكَّ فيها، أو فعلها مجرّبًا غير معتقد، وإذا كان في الطبيعة خواصُّ لا يعرف الأطباء عللها، بل هي عندهم خارجة عن القياس، وإنما يفعل بالخاصة فما الذي ينكر جهلتهم من الخواصِّ الشرعية؟! هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة، فهذا ترياق سمِّ الحية يؤخذ من لحمها، وهذا علاجُ النفس الغضبية توضع اليد على يد الغضبان فيسكن، فكأنَّ

(1)

القاموس المحيط ص 490.

(2)

القاموس المحيط ص 884، والنهاية (2/ 583).

(3)

في المخطوط (أ)، (ب):(داخل) والمثبت من المسند وهو الصواب.

(4)

في "زاد المعاد"(4/ 157).

(5)

أي ابن حبان في صحيحه رقم (6106).

(6)

في "المعلم"(3/ 92).

(7)

في عارضة الأحوذي (8/ 218).

وانظر: "القبس" له (3/ 1125 - 1126).

(8)

في "زاد المعاد"(4/ 157).

ص: 297

أثر تلك العين شعلة نار وقعت على جسد المعيون؛ ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة.

ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدّة النفوذ فيها، ولا شيء أرقّ من العين، فكان في غسلها إبطال لعملها، ولا سيما للأرواح الشيطانية في تلك المواضع.

وفيه أيضًا وصول أثر الغسل إلى القلب من أرقّ المواضع وأسرعها نفاذًا فتنطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الماء، وهذا الغسل المأمور به ينفع بعد استحكام النظرة.

فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة: "ألا برّكت عليه"، وفي رواية ابن ماجه

(1)

: "فليدع بالبركة"، ومثله عند ابن السني

(2)

من حديث عامر بن ربيعة.

وأخرج البزار

(3)

وابن السني

(4)

من حديث أنس رفعه: "من رأى شيئًا فأعجبه فقال: ما شاءَ الله لا قوّة إلا بالله لم يضرّه".

(1)

في سننه رقم (3509).

وهو حديث صحيح تقدم.

(2)

في "عمل اليوم والليلة" رقم (206) بسند ضعيف لكن الحديث صحيح بشواهده.

قلت: وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (1033) وعنه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2901) وابن ماجه رقم (3506) وأحمد في المسند (3/ 447) والحاكم في المستدرك (4/ 215) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وتعقبهما الألباني رحمه الله في "الصحيحة"(6/ 148) بقوله: "وفيه نظر؛ فإن أمية بن هند أورده الذهبي في "الميزان" وقال: "قال ابن معين: لا أعرفه. قلت: روى عنه سعيد بن أبي هلال وغيره"، وانظر هامش: الكلم الطيب ص 178.

ولم يذكر توثيقه عن أحد، وقد وثقه ابن حبان (4/ 41) و (6/ 70) فهو مجهول الحال، ولذلك قال الحافظ في "التقريب": إنه "مقبول"؛ يعني: لين الحديث إلا إذا توبع، ولم أجد له متابعًا في هذا الحديث". اهـ.

قلت: لكن يشهد له شواهد أخر، فهو بها صحيح إن شاء الله.

(3)

في المسند (رقم 3055 - كشف).

(4)

في "عمل اليوم والليلة" رقم (207). =

ص: 298

وقد اختلف في القصاص بذلك؛ فقال القرطبي

(1)

: لو أتلف العائن شيئًا ضمنه، ولو قتل؛ فعليه القصاص، أو الدية، إذا تكرّر ذلك منه، بحيث يصير عادةً، وهو في ذلك كالساحر.

قال الحافظ

(2)

: ولم تتعرّض الشافعية للقصاص في ذلك؛ بل منعوه، وقالوا: إنه لا يقتل غالبًا ولا يعدُّ مهلكًا.

وقال النووي في الروضة

(3)

: ولا دية فيه ولا كفارة؛ لأنَّ الحكم إنما يترتب على منضبطٍ عامٍّ دون ما يختصّ ببعض الناس في بعض الأحوال مما لا انضباط له، كيف ولم يقع منه فعل أصلًا، وإنما غايته حسد، وتمنٍّ لزوال نعمة.

وأيضًا فالذي ينشأ عن الإصابة حصول مكروه لذلك الشخص، ولا يتعين المكروه في زوال الحياة فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين.

ونقل ابن بطال

(4)

عن بعض أهل العلم: أنَّه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس، وأن يلزم بيته؛ فإن كان فقيرًا رزقه ما يقوم به، فإن [ضرره]

(5)

أشدُّ من ضرر المجذوم الذي أمر عمر بمنعه من مخالطة الناس، وأشدُّ من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة.

قال النووي

(6)

: هذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه.

= وأورده الهيمثي في "مجمع الزوائد"(5/ 109) وقال: رواه البزار من رواية أبي بكر الهذلي، وأبو بكر ضعيف جدًّا

". اهـ.

وضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الكلم الطيب" رقم (245).

وقال الألباني في الحاشية ص 178: "ضعيف الإسناد جدًّا، فيه أبو بكر الهذلي قال الحافظ في "التقريب": متروك الحديث.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

في "المفهم"(5/ 568).

(2)

في "الفتح"(10/ 205).

(3)

في "روضة الطالبين" له (9/ 348).

(4)

في شرحه لصحيح البخاري (9/ 431).

(5)

في المخطوط (ب): (ضره).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 173).

ص: 299

[الكتاب الرابع والأربعون][كتاب]

(1)

الأيمانِ وكَفَّارَتها

[الباب الأول] بابُ الرجوعِ في الأَيمانِ وغيرِها مِنَ الكلامِ إِلى النيَّةِ

1/ 3798 - (عَنْ سُوَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ قالَ: خَرَجْنا نُرِيدُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَنا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، فأخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ فَتَحَرَّجَ القَوْمُ أنْ يَحْلِفُوا، وَحَلَفْتُ أنَّهُ أخِي فَخُلِّي عَنْهُ، فأتَيْنا إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلكَ لَهُ، فَقالَ:"أنْتَ كُنْتَ أبَرَّهُمْ وأصْدَقَهُم، صَدَقْتَ، المُسْلمُ أخُو المُسْلِم"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَابْنُ ماجَهْ

(3)

. [صحيح]

وفِي حَدِيثِ الإِسْرَاءِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ

(4)

: "مَرْحَبًا بالأخِ الصَّالِحِ وَالنبِيِّ الصَّالحِ"). [صحيح]

2/ 3799 - (وعَنْ أنَسٍ قالَ: أَقبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أبا بَكْرٍ، وأبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ وَنَبِيُّ الله شابٌّ لا يُعْرَفُ، قالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أبا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يا أبا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، فَيَحْسِبُ الحاسِبُ أنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَالبُخارِيُّ)

(6)

. [صحيح]

(1)

في المخطوط (أ)، (ب):(أبواب) وأبدلته بـ (كتاب) لضرورة التبويب.

(2)

في المسند (4/ 79).

(3)

في سننه رقم (2119).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (4/ 208، 209) والبخاري رقم (3342) ومسلم رقم (263/ 163).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (3/ 211).

(6)

في صحيحه رقم (3911). =

ص: 300

3/ 3800 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَمِينُكَ على ما يُصَدّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِم

(2)

وَابْنُ ماجَهْ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

. [صحيح]

وفِي لَفْظٍ: "اليَمِينُ على نِيَّةِ المُسْتَحْلِفِ"، رَوَاهُ مُسلِمٌ

(5)

وَابْنُ ماجَهْ

(6)

. [صحيح]

وَهُوَ مَحْمولٌ على المُسْتَحْلِفِ المَظْلُومِ).

حديث سويد بن حنظلة، أخرجه أيضًا أبو داود

(7)

وسكت عنه، ورجاله ثقات وله طرق، وهو من رواية إبراهيم بن عبد الأعلى عن جدته عن سويد بن حنظلة، وعزاه المنذري إلى مسلم، فينظر في صحة ذلك

(8)

.

قال المنذري

(9)

أيضًا: وسويد بن حنظلة لم ينسب ولا يعرف له غير هذا الحديث. انتهى.

وآخره الذي هو محلُّ الحجة وهو قوله: "المسلم أخو المسلم" هو متفق عليه

(10)

بلفظ: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه".

وكذلك حديث: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" فإنه متفق عليه

(11)

، وليس المراد بهذه الأخوَّة إلا أخوة الإسلام، فإن كل اتفاق بين شيئين يطلق بينهما اسم

= وهو حديث صحيح.

(1)

في المسند (2/ 228).

(2)

في صحيحه رقم (20/ 1653).

(3)

في سننه رقم (2121).

(4)

في سننه رقم (1354) وقال: هذا حديث حسن غريب.

وهو حديث صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (21/ 1653).

(6)

في سننه رقم (2120).

وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (3256).

(8)

قلت: في "المختصر" للمنذري (4/ 359) رقم (3127) لم يعزه لمسلم فليعلم.

(9)

في المختصر (4/ 359).

(10)

أحمد في المسند (2/ 91) والبخاري رقم (2442) ومسلم رقم (58/ 2580).

(11)

أحمد في المسند (3/ 99) والبخاري رقم (2443، 2444) من حديث أنس. ومسلم رقم (62/ 2584) من حديث جابر.

ص: 301

الأخوة، ويشترك في ذلك الحرّ والعبد، ويبرّ الحالف إذا حلف أن هذا المسلم أخوه، ولا سيما إذا كان في ذلك قربة كما في حديث الباب.

ولهذا استحسن ذلك صلى الله عليه وسلم من الحالف وقال: "أنت كنت أبرّهم وأصدقهم".

ولهذا قيل: إن في المعاريض لمندوحة.

وقد أخرج ذلك البخاري في "الأدب المفرد"

(1)

من طريق قتادة عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين.

وأخرجه الطبري في التهذيب

(2)

، والطبراني في الكبير

(3)

.

(1)

في "الأدب المفرد" رقم (857) و (885 - تحقيق الزهيري).

(2)

كما في "الفتح"(10/ 594).

(3)

في المعجم الكبير (ج 18 رقم 201).

قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (8/ 535) رقم (6147) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (4794) عن عقبة بن خالد وآدم بن أبي إياس وأبي الوليد الطيالسي، وروح بن عبادة، عن شعبة به. موقوفًا وهو الصواب.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 130) وقال: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح".

وقد توبع شعبة على وقفه، فأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 199) وفي "شعب الإيمان" رقم (4794) من طريق روح بن عبادة وعبد الوهاب بن عطاء الثقفي، كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به موقوفًا.

قلت: هذا إسناد صحيح موقوفًا.

ولذلك قال البيهقي عقبه: هذا هو الصحيح موقوفًا.

وخالف روحًا وعبد الوهاب داودُ بن الزبرقان، فرواه عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن الحصين به مرفوعًا.

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(1/ 49) و (3/ 963) وابن الأعرابي في "المعجم"(2/ 513) رقم (993) وأبو الشيخ في "الأمثال" رقم (230) والبيهقي (10/ 199) وفي "الآداب" رقم (392) والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 119) رقم (1011).

قال ابن عدي: "وهذا الحديث لا أعلمه رواه عن سعيد بن أبي عروبة أحد فرفعه غير داود بن الزبرقان".

وقال البيهقي: "تفرد برفعه داود بن الزبرقان" وزاد في "الآداب": ووقفه غيره. والحديث ضعيف جدًّا مرفوعًا.

وكذا حكم عليه بالضعف الشديد المحدث الألباني في "الضعيفة"(3/ 214).

والخلاصة: أن الحديث ضعيف جدًّا مرفوعًا. والصواب أنه موقوف صحيح.

ص: 302

قال الحافظ

(1)

: ورجاله ثقات.

وأخرجه ابن عدي

(2)

من وجه آخر عن قتادة مرفوعًا، ووهَّاه أبو بكر بن كامل في "فوائده".

وأخرجه البيهقي في "الشعب"

(3)

من [طريقه]

(4)

كذلك.

وأخرجه ابن عديّ

(5)

أيضًا من حديث عليّ.

قال الحافظ

(6)

: وسنده واهٍ أيضًا. وأخرج البخاري في الأدب [المفرد]

(7)

(8)

من طريق أبي عثمان النهدي عن عمر قال: أما في المعاريض ما يكفي المسلم من الكذب.

قال الجوهري

(9)

: المعاريض: هي خلاف التصريح، وهي التورية بالشيء عن الشيء.

وقال الراغب

(10)

: التعريض له وجهان في صدقٍ وكذبٍ، أو باطنٍ وظاهرٍ.

والمندوحة

(11)

: السعة، وقد جعل البخاري في صحيحه هذه المقالة ترجمة باب فقال: باب المعاريض مندوحة

(12)

.

قال ابن بطال

(13)

: ذهب مالك

(14)

والجمهور: إلى أن من أكره على يمين؛ إن لم يحلفها قتل أخوه المسلم أنه لا حنث عليه. وقال الكوفيون: يحنث.

قوله: (مرحبًا بالأخ الصالح) فيه دليل على صحة إطلاق الأخوة على بعض الأنبياء من بعضٍ منهم، والجهة الجامعة هي النبوّة.

(1)

في "الفتح"(10/ 594).

(2)

في "الكامل"(3/ 963) وقد تقدم.

(3)

في الشعب رقم (4794) وقد تقدم.

(4)

في المخطوط (ب): طريق.

(5)

في "الكامل"(1/ 49).

(6)

في "الفتح"(10/ 594).

(7)

رقم (884) عن عمر، موقوفًا بسند صحيح. كما قاله المحدث الألباني في "الضعيفة"(3/ 214 - 215) و "صحيح الأدب المفرد" رقم (680/ 884).

(8)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(9)

في "الصحاح"(3/ 1087).

(10)

في "مفردات ألفاظ القرآن" ص 560.

(11)

النهاية (2/ 724).

(12)

في صحيحه (10/ 593 رقم الباب (116) - مع الفتح).

(13)

في شرحه لصحيح البخاري.

(14)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 474).

ص: 303

قوله: (ونبيُّ الله شابٌّ) فيه جواز إطلاق اسم الشاب على من كان في نحو الخمسين السنة، فإنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عند مهاجره قد كان مناهزًا للخمسين إن لم يكن قد جاوزها، وفي إثبات الشيخوخة لأبي بكر والشباب للنبيّ صلى الله عليه وسلم إشكال؛ لأن أبا بكر أصغر من النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإنه عاش بعده ومات في السنّ التي مات فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويمكن أن يقال: إن أبا بكر ظهرت عليه هيئة الشيخوخة من الشيب والنحول في ذلك الوقت، والنبيّ صلى الله عليه وسلم لم يظهر عليه ذلك، ولهذا وقع الخلاف بين الرواة في وجود الشيب فيه عند موته صلى الله عليه وسلم، وفي هذا التعريض الواقع من أبي بكر غاية اللطافة.

قوله: (على ما يصدقك به صاحبك) فيه دليل: على أن الاعتبار بقصد المحلِّف، من غير فرق بين أن يكون المحلِّف هو الحاكم أو الغريم، وبين أن يكون المحلف ظالمًا أو مظلومًا، صادقًا أو كاذبًا، وقيل: هو مقيد بصدق المحلف فيما ادَّعاه، أما لو كان كاذبًا كان الاعتبار بنية الحالف.

وقد ذهبت الشافعية

(1)

إلى تخصيص الحديث بكون المحلِّف هو الحاكم، ولفظ (صاحبك) في الحديث يردّ عليهم، وكذلك ما ثبت في رواية لمسلم

(2)

بلفظ: "اليمين على نية المستحلف"، قال النووي

(3)

: أما إذا حلف بغير استحلاف وورّى فتنفعه التورية ولا يحنث سواء حلف ابتداء من غير تحليف أو حلفه غير القاضي أو غير نائبه في ذلك. ولا اعتبار بنية المستحلِف بكسر اللام غير القاضي.

وحاصله: أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه.

قال

(4)

: والتورية وإن كان لا يحنث بها؛ فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حقّ المستحلف، وهذا مجمع عليه. انتهى.

(1)

ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (11/ 117).

(2)

في صحيحه رقم (21/ 1653).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 117).

(4)

أي النووي في المرجع السابق.

ص: 304

وقد حكى القاضي عياض

(1)

الإجماع على أن الحالف من غير استحلاف ومن غير تعلق حقّ بيمينه له نيته ويقبل قوله، وأما إذا كان لغيره حقّ عليه فلا خلاف أنه يحكم عليه بظاهر يمينه سواء حلف متبرّعًا أو باستحلاف. انتهى ملخصًا.

وإذا صحّ الإجماع على خلاف ما يقضي به ظاهر الحديث كان الاعتماد عليه، يمكن التمسك لذلك بحديث سويد بن حنظلة

(2)

المذكور في الباب، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم حكم له بالبرّ في يمينه مع أنه لا يكون بارًّا إلا باعتبار نية نفسه لأنه قصد الأخوة المجازية، والمستحلف له قصد الأخوة الحقيقية، ولعلّ هذا هو مستند الإجماع.

[الباب الثاني] باب من حلف فقال: إن شاء الله

4/ 3801 - (عَنْ أبي هُرَيْرَة قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إنْ شاءَ الله، لَمْ يَحْنَثْ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ

(5)

وَقالَ: "فَلَهُ ثُنْياهُ"، وَالنَّسائيُّ

(6)

وَقالَ: "فقدِ اسْتثْنَى"). [صحيح]

5/ 3802 - (وَعنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ على يَمينِ فَقالَ: إنْ شاءَ الله، فَلا حِنْثَ عَلَيْهِ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا أبا دَاوُدَ)

(7)

. [صحيح]

(1)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 414).

(2)

تقدم برقم (3798) من كتابنا هذا.

(3)

في المسند (9/ 302).

(4)

في سننه رقم (1532) وقال: "سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث خطأ

".

(5)

في سننه رقم (2104).

(6)

في سننه رقم (3831).

وهو حديث صحيح. انظر: نصب الراية (3/ 234) والإرواء رقم (2570).

(7)

أحمد في المسند (2/ 10) والترمذي رقم (1531) والنسائي رقم (3793) وابن ماجه رقم (2106) وقال الترمذي: "حديث ابن عمر حديث حسن، وقد رواه عبيد الله بن عمر وغيره، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا. وهكذا رُوي عن سالم، عن ابن عمر موقوفًا. =

ص: 305

6/ 3803 - (وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "وَالله لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا"، ثُمَّ قالَ: "إنْ شاءَ الله"، ثُمَّ قالَ: "وَالله لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا"، ثُمَّ قالَ: "إنْ شاءَ الله"؛ ثُمَّ قالَ: "وَالله لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا"، ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قالَ: "إنْ شاءَ الله"، ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ. أخْرَجَهُ أبُو دَاوُدَ)

(1)

.

حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا ابن حبان

(2)

، وهو من حديث عبد الرزاق

(3)

عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة.

قال البخاري فيما حكاه الترمذي

(4)

: أخطأ فيه عبد الرزاق، واختصره من حديث: "إن سليمان بن داود عليه السلام قال: لأطوفنَّ الليلة على سبعين امرأة

" الحديث.

وفيه: "فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لو قال: إن شاء الله لم يحنث""، وهو في الصحيح

(5)

، وله طرق أخرى رواها الشافعي، وأحمد

(6)

، وأصحاب السنن

(7)

، وابن حبان

(8)

، والحاكم

(9)

من حديث ابن عمر، كما ذكره المصنف في الباب.

= ولا نعلم أحدًا رفعه غير أيوب السختياني. وقال إسماعيل بن إبراهيم، وكان أيوب أحيانًا يرفعه وأحيانًا لا يرفعه". اهـ.

وهو حديث صحيح.

(1)

في سننه رقم (3285).

قال أبو داود: وقد أسند هذا الحديث غير واحد عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، أسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد صححه المحدث الألباني، مع أن مداره على سماك بن حرب، وفد اختلف عليه في وصله وإرساله. وفي رواية سماك عن عكرمة اضطراب. والله أعلم.

(2)

في صحيحه رقم (4341).

(3)

في المصنف رقم (16118).

(4)

في السنن (4/ 109).

(5)

البخاري رقم (3424) ومسلم رقم (25/ 1654).

(6)

في المسند (2/ 6).

(7)

أبو داود رقم (3261، 3262) والترمذي رقم (1531) وقال: حديث حسن.

والنسائي رقم (3828، 3830) وابن ماجه رقم (2105، 2106).

(8)

في صحيحه رقم (4340).

(9)

في المستدرك (4/ 303) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

ص: 306

قال الترمذي

(1)

: لا نعلم أحدًا رفعه غير أيوب السختياني. وقال ابن علية: كان أيوب تارةً يرفعه، وتارة لا يرفعه.

قال: ورواه مالك

(2)

، وعبيد الله بن عمر، وغير واحد موقوفًا.

قال الحافظ

(3)

: هو في الموطأ كما قال البيهقي وقال: لا يصحّ رفعه إلا عن أيوب مع أنه شك فيه، وتابعه على لفظه العمريُّ عبد الله، وموسى بن عقبة، وكثير بن فرقد، وأيوب بن موسى، وقد صححه ابن حبان

(4)

.

وحديث ابن عمر رجاله رجال الصحيح، وله طرق كما ذكره صاحهب الأطراف وهو أيضًا في سنن أبي داود

(5)

في الأيمان والنذور لا كما قال المصنف.

وحديث عكرمة قال أبو داود

(6)

: إنه قد أسنده غير واحد عن عكرمة عن ابن عباس، وقد رواه البيهقي

(7)

موصولًا ومرسلًا.

قال ابن أبي حاتم في العلل

(8)

: الأشبه إرساله.

وقال ابن حبان في الضعفاء

(9)

: رواهُ مسعر، وشريكٌ أرسله مرّةً ووصله أخرى.

قوله: (لم يحنث) فيه دليل: على أن التقييد بمشيئة الله مانع من انعقاد اليمين، أو يحلُّ انعقادها.

(1)

في السنن (4/ 108).

(2)

في الموطأ (2/ 477) رقم (10) بسند صحيح.

وهو موقوف صحيح.

(3)

في "الفتح"(61/ 601).

(4)

في صحيحه رقم (4341).

(5)

في سننه رقم (3261).

وهو حديث صحيح.

(6)

في سننه رقم (3285) وهو حديث صحيح، قاله الألباني مع ما فيه من كلام تقدم.

(7)

في السنن الكبرى (10/ 48).

(8)

في العلل لابن أبي حاتم (1/ 440) رقم (1322).

(9)

في "المجروحين" له (2/ 307 - 308).

ص: 307

وقد ذهب إلى ذلك الجمهور

(1)

وادّعى عليه ابن العربي

(2)

الإجماع، قال: أجمع المسلمون على أن قوله: "إن شاء الله" يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلًا.

قال: ولو جاز منفصلًا - كما روى بعض السلف - لم يحنث أحد قط في يمين ولم يحتج إلى كفارة.

قال: واختلفوا في الاتصال؛ فقال مالك

(3)

والأوزاعي

(4)

والشافعي

(5)

والجمهور (1): هو أن يكون قوله: إن شاء الله، متصلًا باليمين من غير سكوت بينهما، ولا يضرّ سكتة النفس.

وعن طاوس

(6)

، والحسن (6)، وجماعة من التابعين، أن له الاستثناء ما لم يقم من مجلسه.

وقال قتادة (6): ما لم يقم أو يتكلم.

وقال عطاء (6): قدر حلبة ناقة.

وقال سعيد بن جبير (6): يصحّ بعد أربعة أشهر.

وعن ابن عباس (6): له الاستثناء أبدًا.

ولا فرق بين الحلف بالله أو بالطلاق أو العتاق أن التقييد بالمشيئة يمنع الانعقاد، وإلى ذلك ذهب الجمهور

(7)

. وبعضهم فصّل.

واستثنى أحمد

(8)

العتاق قال: لحديث: "إذا قال: أنت طالق إن شاء الله، لم تطلق، وإن قال لعبده: أنت حرّ إن شاء الله، فإنَّه حرٌّ"

(9)

، وقد تفرّد به حميد بن مالك، وهو مجهول، كما قال البيهقي.

(1)

المغني (13/ 484).

(2)

في عارضة الأحوذي (7/ 13).

(3)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 357 - 358).

(4)

ذكره ابن المنذر في الإشراف (1/ 426) وابن قدامة في المغني (13/ 484).

(5)

في الأم (8/ 152 - 153).

(6)

الإشراف (1/ 426).

(7)

المغني (13/ 485).

(8)

المغني (13/ 488).

(9)

أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" رقم (1066) والبيهقي (7/ 361).

قال ابن الجوزي: هذا الحديث لا يصح ومداره على حميد بن مالك وقد ضعفه يحيى والرازي، وقال ابن عدي: ما يرويه منكر. قال البيهقي: حميد بن مالك مجهول، ومكحول عن معاذ منقطع.

ص: 308

وذهبت الهادوية

(1)

: إلى أن التقييد بالمشيئة يعتبر فيه مشيئة الله في تلك الحال، باعتبار ما يظهر من الشريعة، فإن كان ذلك الأمر الذي حلف على تركه وقيد الحلف بالمشيئة محبوبًا لله فعله لم يحنث بالفعل، وإن كان محبوبًا لله تركه لم يحنث بالترك، فإذا قال: والله ليتصدقنّ إن شاء الله حنث بترك الصدقة؛ لأن الله يشاء التصدق في الحال، وإن حلف ليقطعنّ رحمه إن شاء الله لم يحنث بترك القطع؛ لأن الله يشاء ذلك الترك.

وقال المؤيد

(2)

بالله: معنى التقيد بالمشيئة، بقاء الحالف في الحياة وقتًا يمكنه الفعل، فإذا بقي ذلك القدر حنث الحالف على الفعل بالترك، وحنث الحالف على الترك بالفعل.

والظاهر من أحاديث الباب: أن التقييد إنما يفيد إذا وقع بالقول كما ذهب إليه الجمهور

(3)

لا بمجرَّد النية؛ إلا ما زعمه بعض المالكية عن مالك: أن قياس قوله صحة استثناء بالنية

(4)

وعند الهادوية (1) في ذلك تفصيل معروف.

وقد بوّب البخاري

(5)

على ذلك فقال: باب النية في الأيمان.

قوله: (ثم سكت ثم قال: إن شاء الله) لم يقيد هذا السكوت بالعذر، بل ظاهره السكوت اختيارًا، لا اضطرارًا، فيدل على جواز ذلك.

[الباب الثالث] بابُ مَنْ حَلَفَ لا يهدي هَدِيَّةً فتصدَّقَ

7/ 3804 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا أُتِيَ بِطَعامٍ سأل عَنْهُ أهَدِيَّةٌ أمْ صَدَقَةٌ؟ فإنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ قال لأصحابِهِ: "كُلُو" ولَمْ يأكُلْ؛ وَإنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ وأكَلَ مَعَهُمْ)

(6)

. [صحيح]

(1)

البحر الزخار (4/ 241 - 242) واللمعة الدمشقية (3/ 53 - 54).

(2)

البحر الزخار (4/ 242).

(3)

المغني (13/ 485).

(4)

عند المالكية هذا من شروط الاستثناء كما في "مدونة الفقه المالكي وأدلته"(2/ 358).

(5)

في صحيحه (11/ 571 رقم الباب (23) - مع الفتح).

(6)

أحمد في المسند (2/ 302) والبخاري رقم (2576) ومسلم رقم (175/ 1077).

وهو حديث صحيح.

ص: 309

8/ 3805 - (عَنْ أنَسٍ قالَ: أهْدَتْ بَرِيْرَةُ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَحْمًا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْها، فَقالَ: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلنا هَدِيَّةٌ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهما)

(1)

. [صحيح]

قد تقدم الكلام على معنى الحديثين في كتاب الزكاة

(2)

، والمقصود من إيرادهما ههنا: أن الحالف بأنه لا يهدي لا يحنث إذا تصدق، لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يسأل عن الطعام الذي يقرّب إليه: هل هو صدقة أو هدية؟ وكذلك قال في لحم بريرة: "هو لها صدقة ولنا هدية" كما في حديث الباب.

فدلّ ذلك على تغاير مفهومي الهدية والصدقة، فإذا حلف من إحداهما لم يحنث بالأخرى كسائر المفهومات المتغايرة.

قال ابن بطال

(3)

: إنما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة لأنها أوساخ الناس، ولأن أخذ الصدقة منزلة ضِعَةٍ، والأنبياء منزّهون عن ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان كما وصفه الله:{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}

(4)

والصدقة لا تحلُّ للأغنياء، وهذا بخلاف الهدية، فإنَّ العادة جارية بالإثابة عليها، وكذلك كان شأنه.

وفي حديث أنس دليل: على أن الصدقة إذا قبضها من يحلّ له أخذها ثم تصرّف فيها زال عنها حكم الصدقة وجاز لمن حرمت عليه الصدقة أن يتناول منها إذا أهديت له، أو بيعت.

[الباب الرابع] بابُ مَنْ حَلَفَ لا يَأْكُل إِدَامًا بِمَاذَا يَحْنَث

9/ 3806 - (عَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "نِعْمَ [الإدَامُ]

(5)

الخَلّ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ

(6)

. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (3/ 130) والبخاري رقم (1495) ومسلم رقم (170/ 1074).

وهو حديث صحيح.

(2)

"نيل الأوطار"(8/ 186 - 188) من كتابنا هذا.

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (3/ 541).

(4)

سورة الضحى، الآية:(8).

(5)

في المخطوط (أ): "الأدْم" والمثبت من (ب) ومصادر التخريج.

(6)

أحمد في المسند (3/ 301) ومسلم رقم (166/ 2052) وأبو داود رقم (3820) والترمذي =

ص: 310

وَلأحْمَدَ

(1)

وَمُسْلِمٍ

(2)

وَابْنِ ماجَهْ

(3)

وَالتِّرْمِذِيَّ

(4)

مِنْ حَدِيثِ عائِشَةَ مِثْلُهُ). [صحيح]

10/ 3807 - (وَعَنِ [ابْنِ عُمَرَ]

(5)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ائْتَدِمُوا بالزَّيْتِ وَادَّهِنُوا بِهِ فإنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ")

(6)

. [حسن]

= رقم (1839) والنسائي رقم (3796) وابن ماجه رقم (3317).

وهو حديث صحيح.

(1)

لم أقف عليه عند أحمد من حديث عائشة.

(2)

في صحيحه رقم (164/ 2051).

(3)

في سننه رقم (3316).

(4)

في سننه رقم (1840).

وانظر: "الصحيحة" للألباني رقم (2220).

وهو حديث صحيح.

(5)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب (عمر) كما في مصادر التخريج.

(6)

أخرجه ابن ماجه في سننه رقم (3319).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1851) والحاكم (2/ 122).

قال الترمذي: "لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق عن معمر، وكان عبد الرزاق يضطرب في رواية هذا الحديث، فربما ذكر فيه: عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وربما رواه على الشك، فقال: أحسبه عن عمر (الأصل: معمر) عن النبي صلى الله عليه وسلم، وربما قال: عن زيد بن أسلم، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ولم يذكر فيه: عن عمر".

قلت - المحدث الألباني في الصحيحة (1/ القسم الثاني/ 725) -: ونحوه في "العلل" لابن أبي حاتم (2/ 15 - 16) عن أبيه، وهو أدق في بيان مراحل اضطراب عبد الرزاق فيه، قال:"حدث مرة عن زيد بن أسلم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم. هكذا رواه دهرًا، ثم قال بعد: زيد بن أسلم عن أبيه أحسبه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم لم يمت حتى جعله: عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ بلا شك".

قلت - المحدث الألباني -: وفيه إشعار بأن الصواب فيه مرسل، وهو ما صرح به ابن معين فيما روى عنه عباس الدوري في كتاب "التاريخ والعلل" ليحيى بن معين. قال (2/ 23): "سمعت يحيى بن معين يقول: حديث معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(فذكره)، ليس هو بشيء إنما هو عن زيد مرسلًا". وأما الحاكم، فقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

• وفي الباب من حديث أبي أسيد عند أحمد (3/ 497) والحاكم (2/ 397 - 398) والترمذي رقم (1852) وقال: هذا حديث غريب.

• ومن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه رقم (3320).

وقال الألباني في "الصحيحة"(1/ القسم الثاني/ 727): "وجملة القول أن الحديث =

ص: 311

11/ 3808 - (وَعَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "سَيِّدُ إدَامِكُمُ المِلْحُ" رَوَاهما ابْنُ ماجَهْ)

(1)

. [ضعيف]

12/ 3809 - (وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ سَلامٍ قالَ: رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أخَذَ كِسْرَةً مِن خُبْزِ شَعِيرٍ فَوَضَعَ عَلَيْها تَمْرَةً وَقالَ: "هَذِه إدَامُ هَذِهِ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(2)

وَالبُخارِيُّ)

(3)

. [ضعيف]

13/ 3810 - (وَعَنْ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالَ: "سَيِّدُ إدَامِ أهْلِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ اللَّحْمُ"، رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي "غَرِيبِه"

(4)

فَقالَ: حَدَّثَنا القَوْمَسِيُّ، حدَّثَنا الأصْمَعيُّ عَنْ أبي هِلالٍ الرَّاسِبيّ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أبِيهِ

فَذَكَرَهُ).

14/ 3811 - (وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَكُونُ الأرْضُ يَوْمَ القِيامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُها الجَبَّارُ

(5)

= بمجموع طريقي عمر، وطريق أبي سعيد المقبري يرتقي إلى درجة الحسن لغيره، على أقل الأحول. والله أعلم".

(1)

في سننه رقم (3315).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(3/ 85): "هذا إسناد ضعيف لضعف عيسى بن أبي

عيسى الحناط، ويقال: الخياط، ويقال: الخباط

". اهـ.

وهو حديث ضعيف.

(2)

في سننه رقم (3830).

(3)

في "التاريخ الكبير"(8/ 371).

إسناده ضعيف، لجهالة يزيد الأعور - وهو ابن أبي أمية - كما في التقريب رقم (7690).

(4)

في "غريب الحديث" له (1/ 88).

(5)

الجبَّار: اسم من أسماء الله تعالى ثابت بالكتاب والسنة:

الدليل من الكتاب: قوله تعالى في سورة الحشر الآية (23): {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّر} .

والدليل من السنة: حديث أبي سعيد الخدري في الرؤية: "

قال: فيأيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة

".

البخاري رقم (7439).

• وللجبار معانٍ ثلاثة:

1 -

أنه الذي يجبر ضعف الضعفاء من عباده، ويجبر كسر القلوب المنكسرة من أجله، =

ص: 312

بِيَدِهِ

(1)

كمَا يَتَكَفَّأُ أحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلًا لِأهْلِ الجَنَّةِ"، فأتى رَجُلٌ مِنَ اليهُودِ فَقالَ: بارَكَ الرَّحْمنُ عَلَيْكَ يا أبا القاسِمِ، ألا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أهْلِ الجَنَّةِ؟ قالَ: "بَلَى"، قالَ: تَكُونُ الأرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً كما قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَيْنا ثُمَّ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثمَّ قالَ: ألَا أُخْبِرُكَ بإدَامِهِمْ؟ قالَ: "بَلَى"، قالَ: إدَامُهُمْ بَالَام ونونٌ، قالَ: "ما هَذَا؟ "، قالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ يأكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِما سَبْعُونَ ألْفًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(2)

. [صحيح]

= الخاضعة لعظمته وجلاله، فكم جبر سبحانه من كسير، وأغنى من فقير، وأعز من ذليل، وأزال من شدة، ويسَّر عن عسير؟ وكم جبر من مصاب، فوفقه للثبات والصبر، وأعاضه من مصابه أعظم الأجر. فحقيقة هذا الجبر هو إصلاح حال العبد بتخليصه من شدته، ودفع المكاره عنه.

2 -

أنه القهار، دان كلَّ شيء لعظمته، وخضع كل مخلوق لجبروته وعزته، فهو يجبر عباده على ما أراد مما اقتضته حكمته ومشيئته، فلا يستطيعون الفكاك منه.

3 -

أنه العلي بذاته، فوق جميع خلقه، فلا يستطيع أحد منهم أن يدنو منه.

وذكر العلامة السندي رحمه الله: أن له معنى رابعًا، وهو أنه المتكبر عن كل سوء ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له كفوًا أو ضدًا، أو سمي، أو شريك في خصائه وحقوقه.

(1)

اليدان: صفة ذاتية خبرية لله عز وجل، نثبتها كما نثبت باقي صفاته تعالى، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهي ثابتة بالكتاب والسنة.

الدليل من الكتاب: قوله تعالى في سورة المائدة الآية (64): {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} .

وقوله تعالى في سورة ص الآية (75): {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} .

والدليل من السنة: (منها): حديث أبي موسى الأشعري: "إنَّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".

[مسلم رقم 2760].

(ومنها): حديث: "يد الله ملأى لا يغيضها نفقة

وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع".

[البخاري رقم (7411) ومسلم رقم (993)].

الحجة للأصبهاني (1/ 185) وأصول الاعتقاد للالكائي (3/ 412) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (6/ 263).

(2)

البخاري رقم (6520) ومسلم رقم (30/ 2792).

ص: 313

وَالنُّونُ: الحُوتُ)

(1)

.

حديث [ابن عمر]

(2)

رجال إسناده في سنن ابن ماجه

(3)

ثقات إلا حسين بن مهدي شيخ ابن ماجه فقال في التقريب

(4)

: إنه صدوق، وعزاه السيوطي في الجامع الصغير

(5)

أيضًا إلى الحاكم في المستدرك

(6)

، والبيهقي في الشعب

(7)

.

وأخرج أيضًا الطبراني في الكبير

(8)

عن ابن عمر مرفوعًا: "ائتدموا بالزيت وادّهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة".

وحديث أنس في إسناده عند ابن ماجه

(9)

رجل مجهول، فإنه قال: عن رجل، أراه موسى عن أنس، وقد أخرجه أيضًا الحكيم الترمذي

(10)

.

وحديث بريدة أخرجه بهذا اللفظ أبو نعيم في "الطب"

(11)

من حديث عليّ بإسناد ضعيف.

قوله: (نعم [الإدَامُ])

(12)

قال النووي

(13)

: الإِدام: بكسر الهمزة، ما يؤتدم به، يقال: أدم الخبز، يأدمه - بكسر الدال -، وجمع الإِدام: أدم - بضم الهمزة - كإهاب وأهب، وكتاب وكتب، والأدم: بإسكان الدال مفرد كالإِدام.

(1)

النهاية (2/ 807).

(2)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب:(عمر) كما في مصادر التخريج المتقدمة.

(3)

في سننه رقم (3319).

(4)

في "التقريب" رقم (1356).

(5)

رقم الحديث (32). وانظر الكلام عليه في تخريجي لـ: "التنوير شرح الجامع الصغير" لمحمد بن إسماعيل الأمير.

(6)

في المستدرك (4/ 122) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(7)

في شعب الإيمان رقم (5939) بسند حسن.

وهو حديث حسن.

(8)

في "المعجم الكبير"(1/ 5/ 1) كما في "الصحيحة"(1/ القسم الثاني/ 725) وقال الألباني: وهذا إسناد ضعيف، من دون عمر ثلاثتهم مجهولون.

(9)

في سننه رقم (3315) وقد تقدم.

(10)

في نوادر الأصول (1/ 173 - دار صادر).

(11)

كما في "كشف الخفاء" للعجلوني (1/ 560).

(12)

في المخطوط (أ): "الأدْم".

(13)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 7).

ص: 314

قال الخطابي

(1)

والقاضي عياض

(2)

: معنى الحديث: مدح الاقتصار في المأكل، ومنع النفس عن ملاذّ الأطعمة، تقديره: ائتدموا بالخلِّ، وما في معناه، مما تخفُّ مؤنته، ولا يعزّ وجوده، ولا تتأنقوا في الشهوات، فإنها مفسدة للدين مسقمة للبدن.

قال النووي

(3)

: والصواب الذي ينبغي أن يجزم به: أنه مدح للخلِّ نفسه.

وأما الاقتصار في [المطعم]

(4)

وترك الشهوات [فمعلوم]

(5)

من قواعد أخر.

وأما قول جابر فما زلت أحبُّ الخلَّ منذ سمعتها من نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم فهو كقول أنس: "ما زلت أحبّ الدّباء"

(6)

، قال: وهذا مما يؤيد ما قلنا في معنى الحديث: إنه مدح للخلّ نفسه.

وتأويل الراوي إذا لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين، وهذا كذلك، بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ فيتعين اعتماده.

قوله: (ائتدموا بالزيت) فيه الترغيب في الائتدام بالزيت معللًا ذلك بكونه من شجرة مباركة.

قوله: (سيِّد إدامكم الملح) قد تقدم أن الإِدام اسم لما يؤتدم به: أي يؤكل به الخبز مما يطيب، سواء كان مما يصطبغ به كالأمراق والمائعات، أو مما لا يصطبغ به، كالجامدات من الجبن، والبيض، والزيتون، وغير ذلك.

قال ابن رسلان: هذا معنى الإِدام عند الجمهور من السلف والخلف. انتهى.

ولعلَّ تسمية الملح بسيد الإِدام لكونه مما يحتاج إليه في كل طعام، ولا يمكن أن يساغ بدونه، فمع كونه لا يزال مخالطًا لكل طعام محتاجًا إليه، لا يغني

(1)

في معالم السنن (4/ 169 - مع السنن).

(2)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 538).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (14/ 7).

(4)

في المخطوط (ب): (الطعم).

(5)

في المخطوط (ب): (فمعلومة).

(6)

أخرجه البخاري رقم (5420) ومسلم رقم (144/ 2041).

ص: 315

عنه من أنواع الإِدام شيءٌ، وهو يغني عنها، بل ربما لا يصلح بعض الأدم إلا بالملح، فلما كان بهذا المحلِّ أطلق عليه اسم: السيّد، وإن لم يكن سيدًا بالنسبة إلى ذاته، لكونه خاليًا عن الحلاوة، والدسومة، ونحوهما.

قوله: (فوضع عليها تمرةً) فيه: أن وضع التمرة على الكسرة جائز ليس بمكروه، وإن كان البزار قد روى حديث:"أكرموا الخبز"

(1)

مع ما في الحديث من المقال، فمثل هذا لا ينافي الكرامة.

قوله: (هذه إدام هذه) فيه دليل: على أن الجوامد تكون إدامًا، كالجبن، والزيتون، والبيض، والتمر، وبهذا قال الشافعي

(2)

، وقال أبو حنيفة

(3)

: ما لا يصطبغ به فليس بإدام؛ لأنَّ كل واحدٍ منهما يرفع إلى الفم منفردًا.

قوله: (سيد إدام أهل الدنيا

إلخ) فيه تصريح: بأنَّ اللحم حقيق بأن يطلق عليه اسم السيادة المطلقة في الدنيا والآخرة.

ولا جرم فهو بمنزلة لا يبلغها شيءٌ من الأدم كائنًا ما كان، فإطلاق السيادة عليه لذاته لا لمجرّد الاحتياج إليه كما تقدم في الملح.

قوله: (خبزة واحدة) بضم الخاء المعجمة، وسكون الموحدة، بعدها زاي: هي في أصل اللغة: الطُّلمة

(4)

، والمراد بها هنا المصنوع من الطعام.

قال النووي

(5)

: معنى الحديث أن الله يجعل الأرض كالطلمة والرغيف

(1)

في المسند (رقم 2877 - كشف).

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 34): "رواه البزار والطبراني، وفيه عبد الله بن عبد الرحمن الشامي، ولم أعرفه، وصوابه عبد الملك بن عبد الرحمن الشامي. وهو ضعيف".

(2)

البيان للعمراني (10/ 541 - 542).

والمهذب (4/ 504 - 505).

(3)

البناية في شرح الهداية (6/ 94).

(4)

الطُّلْمة: خُبزَة تجعل المَلَّة، وهي: الرَّماد الحارُّ، وأصل الطَّلْم: الضرب ببسط الكفِّ.

الفائق للزمخشري (1/ 47).

"المجموع المغيث"(2/ 365).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (17/ 135).

ص: 316

العظيم، ويكون ذلك طعامًا نزلًا لأهل الجنة، والله تبارك وتعالى على كل شيء قدير.

قوله: (بَالَام، ونون) الحرف الأوّل: باء موحدة، وبعدها لام مخففة، بعده ميم مرفوعة غير منوّنة، كذا قال النووي.

قال

(1)

: وفي معناها أقوال مضطربة، الصحيح منها؛ الذي اختاره القاضي

(2)

وغيره من المحققين أنها لفظة عبرانية معناها بالعبرانية ثور، ولهذا فسر ذلك به ووقع السؤال [لليهود]

(3)

عن تفسيرها، ولو كانت عربية لعرفتها الصحابة ولم يحتاجوا إلى سؤاله عنها، فهذا هو المختار في بيان هذه.

قال

(4)

: وأما النون فهو الحوت باتفاق العلماء، والمراد بقوله:"يتكفؤها"

(5)

أي: يميلها من يد إلى يد، حتى تجتمع، وتستوي لأنها ليست منبسطة كالرقاقة ونحوها.

والنزل

(6)

بضم النون والزاي، ويجوز إسكان الزاي، وهو: ما يعدُّ للضيف عند نزوله. قال الخطابي

(7)

: لعلّ اليهوديّ أراد التعمية عليهم، فقطع الهجاء، وقدَّم أحد الحرفين على الآخر، وهي: لام ألف وياء، يريد: لأى على وَزْن لعَا وهو: الثور الوحشيُّ، فصحف الراوي الياء المثناة فجعلها موحدة.

قال الخطابي

(8)

: هذا أقرب ما يقع لي فيه، والمراد بزائدة الكبد: قطعة منفردة متعلقة بالكبد وهي أطيبها.

قوله: (يأكل منها سبعون ألفًا) قال القاضي

(9)

: يحتمل أنهم السبعون ألفًا

(1)

أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 136).

(2)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 324).

(3)

في المخطوط (ب): (لليهودي).

(4)

أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 135).

(5)

النهاية (2/ 547 - 548).

(6)

النهاية (2/ 732) وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (105/ 7).

(7)

في أعلام الحديث (3/ 2266).

(8)

في المرجع السابق.

(9)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 324).

ص: 317

الذين يدخلون الجنة بغير حساب فخصوا بأطيب النزل، ويحتمل أنه عبَّر بالسبعين ألفًا عن العدد الكثير، ولم يرد الحصر في ذلك القدر، وهذا معروف في كلام العرب.

[الباب الخامس] بابُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لا مالَ لهُ يتناولُ الزكاتي وغيرَهُ

15/ 3812 - (عَنْ أبي الأحْوَص عَنْ أبِيهِ قالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَليَّ شَمْلَةٌ أوْ شَمْلَتانِ فَقال: "هَلْ لَكَ مِنْ مالٍ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ قَدْ آتانِي الله مِنْ كُلِّ مالِهِ، مِنْ خَيْلِهِ وَإبلِه وَغَنَمِهِ وَرَقِيقِهِ فَقَالَ: "فإذَا آتاكَ الله مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ نِعَمُهُ"، فَرُحْتُ إِلَيْهِ في حُلَّةٍ)

(1)

. [صحيح]

16/ 3813 - (وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ هُبَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "خَيْرُ مالِ امْرئٍ لَهُ مُهْرَةً مأمُورَةٌ أوْ سِكَّةٌ مأبُورةٌ"، رَوَاهُمَا أحْمَدُ

(2)

. [مرسل ضعيف]

المَأمُورَةُ: الكَثيرَةُ النَّسْلِ.

وَالسِّكَّةُ: الطَّريقُ مِنَ النَّخْلِ المُصْطَفَّةِ.

والمَأبُورَة: هِيَ المُلَقَّحةُ.

وَقَدْ سَبَقَ أنَّ عُمَرَ قالَ: يا رَسُولَ الله أصَبْتُ أرْضًا بخَيْبَر لَمْ أُصِبْ مالًا قَطُّ أنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ

(3)

. [صحيح]

وَقالَ أبُو طَلْحَةَ للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أحَبُّ أمْوَالي إليَّ بَيْرُحاءَ؛ لِحائِطٍ لَهُ مُسْتَقْبِلَةِ المَسْجِدِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(4)

. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (4/ 137) بسند صحيح.

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (3/ 468).

وهو مرسل بسند ضعيف.

(3)

تقدم برقم (2507) من كتابنا هذا.

(4)

أحمد في المسند (3/ 141) والبخاري رقم (1461) ومسلم رقم (42/ 998). =

ص: 318

حديث أبي الأحوص أخرجه أيضًا أبو داود

(1)

، والنسائي

(2)

، والترمذي

(3)

، والحاكم في المستدرك

(4)

، ورجال إسناده رجال الصحيح.

وحديث سويد بن هبيرة أخرجه أيضًا ابن سعد

(5)

، والبغوي

(6)

، وابن قانع

(7)

، والطبراني في الكبير

(8)

، والبيهقي في السنن

(9)

، والضياء المقدسي في المختارة وصححه، وأخرجه أيضًا عنه من طريق أخرى العسكري.

وحديث عمر قد سبق في أول كتاب الوقف

(10)

.

قوله: (فإذا آتاك الله مالًا) ذكره النبيّ صلى الله عليه وسلم إتيان المال مع أمره بإظهار النعمة عليه يدلُّ: على أنه علة، لأنه لو لم يمكن التعليل لما كان لإِعادة ذكره فائدة، وكان ذكره عبثًا، وكلام الشارع منزّه عنه.

قوله: (فلير) بسكون لام الأمر، والياء المثناة التحتية مضمومة، ويجوز بالمثناة من فوق باعتبار النعم المذكورة، ويجوز أيضًا بالمثناة من تحت المفتوحة.

وفيه: أنَّه يستحبّ للغني أن يلبس من الثياب ما يليق به، ليكون ذلك إظهارًا لنعمة الله عليه؛ إذ الملبوس هو أعظم ما يظهر فيه الفرق بين الأغنياء والفقراء،

= وهو حديث صحيح.

(1)

في سننه رقم (4063).

(2)

في سننه رقم (5224).

(3)

في سننه رقم (2006) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(4)

في المستدرك (1/ 24 - 25) وصححه ووافقه الذهبي.

(5)

في "الطبقات الكبرى"(7/ 79).

تنبيه: وقع في معظم طبعات نيل الأوطار (أبو سعيد) وهو تحريف، والصواب (ابن سعد) كما أثبته.

(6)

في شرح السنة رقم (2647).

(7)

في "معجم الصحابة"(1/ 295 رقم الترجمة 357).

(8)

في المعجم الكبير (ج 7 رقم 6471).

(9)

في السنن الكبرى (10/ 64).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 258) وقال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات.

والخلاصة أنه مرسل بسند ضعيف.

(10)

تقدم برقم (2507) من كتابنا هذا.

ص: 319

فمن لبس من الأغنياء ثياب الفقراء صار مماثلًا لهم في إيهام الناظر له أنه منهم.

وذلك ربما كان من كفران نعمة الله عليه، وليس الزهد والتواضع في لزوم ثياب الفقر والمسكنة، لأن الله سبحانه أحلَّ لعباده الطيبات، ولم يخلق لهم جيد الثياب إلا لتلبس ما لم يرد النصّ على تحريمه.

ومن فوائد إظهار أثر الغنى أن يعرفه ذوو الحاجات فيقصدونه لقضاء حوائجهم.

وقد أخرج الترمذي

(1)

حديث: "إنَّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته بالخير على عبده"، وقال: حسن.

فدلّ هذا على أن إظهار النعمة من محبوبات المنعم، ويدلّ على ذلك قوله تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}

(2)

، فإنَّ الأمر منه جل جلاله إذا لم يكن للوجوب كان للندب، وكلا القِسْمَين مما يحبه الله.

فمن أنعم الله عليه بنعمة من نعمه الظاهرة أو الباطنة فليبالغ في إظهارها بكل ممكن ما لم يصحب ذلك الإِظهار رياءٌ، أو عجب، أو مكاثرة للغير، وليس من الزهد والتواضع أن يكون الرجل وسخ الثياب شعث الشعر.

فقد أخرج أبو داود

(3)

والنسائي

(4)

عن جابر بن عبد الله قال: "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلًا شعثًا قد تفرّق شعره، فقال: "أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره"، ورأى رجلًا آخر عليه ثياب وسخة، فقال: "أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه"".

والحاصل: أن الله جميل يحب الجمال، فمن زعم أن رضاه في لبس الخلقان والمرقعات وما أفرط في الغلظ من الثياب، فقد خالف ما أرشد إليه الكتاب والسنة.

(1)

في سننه رقم (2819) وقال: هذا حديث حسن.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(2)

سورة الضحى، الآية:(11).

(3)

في سننه رقم (4062).

(4)

في سننه رقم (5236).

وهو حديث صحيح.

ص: 320

قوله: (مهرةٌ مأمورةٌ) قال في القاموس

(1)

: وأَمِرَ كفَرِحَ، أَمَرًا وإمَرَةً كثُرَ وتمَّ، فهوَ أَمِرٌ، والأَمْرُ: اشتدَّ، والرَّجُلُ كثرت ماشيتهُ، وأمره اللهُ أمْرَهُ كَنَصَرَهُ، لغيَّةٌ: كثرَ نسلهُ وماشيتهُ.

قوله: (سكَّةٌ) قال في القاموس

(2)

: السَّكُّ والسِّكَّةُ بالكسر: حديدةٌ منقوشةٌ يُضربُ عليها الدَّراهمُ والسَّطرُ من الشَّجرِ، وحديدةُ الفَدَّانِ، والطَّريقِ المستوي، وضربوا بيوتهم سكاكًا بالكسر: صفًّا واحدًا.

قوله: (مأبورة) قال في القاموس

(3)

: وأَبِرَ كَفَرحَ: صَلُحَ، وذكرَ أنَّ تأبيرَ النَّخلِ إصلاحُه.

وقد تقدم الكلام على ما قاله عمر وما قاله أبو طلحة في الوقف.

[الباب السادس] بابُ مَنْ حَلَفَ عنْدَ رأسِ الهلالِ لا يفعلُ شيئًا شهرًا فكانَ ناقِصًا

17/ 3814 - (عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَلَفَ لا يَدْخُلُ على بَعْضِ أهْلِهِ شَهْرًا، وفي لَفْظٍ: آلى مِنْ نِسائِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا عَلَيْهِمْ أوْ رَاحَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ الله حَلَفْتَ أنْ لا تَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا، فَقالَ: "إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ"، مُتَّفَق عَلَيْهِ)

(4)

. [صحيح]

18/ 3815 - (وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: هَجَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نِساءَهُ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ أتى جِبْرِيلُ عليه السلام فَقالَ: قَدْ بَرَّتْ يَمينُكَ وَقَدْ تَمَّ الشَّهْرُ. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(5)

. [إسناده صحيح]

قوله: (فقيل له: يا رسول الله! حلفت

إلخ)، فيه تذكير الحالف بيمينه إذا

(1)

القاموس المحيط ص 439.

(2)

القاموس المحيط ص 1217.

(3)

القاموس المحيط ص 435.

(4)

أحمد في المسند (6/ 315) والبخاري رقم (5202) ومسلم رقم (25/ 1085).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (1/ 235) بسند صحيح على شرط مسلم.

ص: 321

وقع منه ما ظاهره نسيانها لا سيما ممن له تعلق بذلك، والقائل له بذلك عائشة كما تدلُّ عليه الروايات الآخرة؛ فإنها لما خشيت أن يكون صلى الله عليه وسلم نسي مقدار ما حلف عليه وهو شهر، والشهر ثلاثون يومًا، أو تسعة وعشرون يومًا، فلما نزل في تسعة وعشرين ظنت: أنَّه ذهل عن القدر، أو أن الشهر لم يهلَّ، فأعلمها: أن الشهر استهلَّ، وأنَّ الذي كان الحلف وقع فيه تسعًا وعشرين: وفيه تقوية لقول من قال: إنَّ يمينه صلى الله عليه وسلم اتفق أنها كانت في أول الشهر، ولهذا اقتصر على تسعةٍ وعشرين، وإلا فلو اتفق ذلك في أثناء الشهر، فالجمهور

(1)

: على أنَّه لا يقع البرُّ إلا بثلاثين.

وذهبت طائفة إلى الاكتفاء بتسعة وعشرين أخذًا بأقلِّ ما ينطلق عليه الاسم.

قال ابن بطال

(2)

: يؤخذ منه: أن من حلف على شيءٍ برّ بفعل أقلِّ ما ينطلق عليه الاسم، والقصة محمولة عند الشافعي

(3)

، ومالك

(4)

: على أنه دخل أول الهلال وخرج به، فلو دخل في أثناء الشهر لم يبرّ إلا بثلاثين وافية.

قوله: (إن الشهر يكون تسعًا وعشرين) هذه الرواية تدلُّ: على المراد من الرواية الأخرى بلفظ: "الشهر تسع وعشرون"

(5)

كما في لفظ ابن عمر، فإنَّ ظاهر ذلك الحصر، وهذا الظاهر غير مراد؛ وإن وهم فيه من وهم.

وقد أنكرت عائشة على ابن عمر روايته المطلقة: أن الشهر تسع وعشرون، قال: فذكروا ذلك لعائشة، فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن إنما قال: الشهر قد يكون تسعًا وعشرين.

وقد أخرج مسلم

(6)

من وجه آخر عن عمر بهذا اللفظ الأخير الذي جزمت

(1)

"الفتح"(11/ 568).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 141 - 142).

(3)

البيان للعمراني (10/ 577 - 578).

(4)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 382).

(5)

أحمد في المسند (2/ 5) والبخاري رقم (1907) ومسلم رقم (1080)، من حديث عبد الله بن عمر، وهو الصواب.

(6)

في صحيحه رقم (11/ 1080).

ص: 322

به عائشة، ويدلُّ أيضًا على ذلك: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يخرج من يمينه بمجرّد مضي ذلك العدد بل للخبر الواقع من جبريل، كما في حديث ابن عباس

(1)

المذكور.

[الباب السابع] بابُ الحلف بأَسماءِ الله وصفاته، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

19/ 3816 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: كانَ أكْثَرُ ما كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُ: "لا وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا مُسْلِمًا)

(2)

. [صحيح]

20/ 3817 - (وفِي حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَمَّا خَلَقَ الله الجَنَّةَ أرْسَلَ جِبْرِيلَ فَقالَ: انْظُرْ إلَيْها وَإلى ما أعْدَدْتُ لأهْلِها فِيها، فَنَظَرَ إلَيْها فَرَجَعَ فَقالَ: لا وَعِزَّتِك لا يَسْمَعُ بِها أحَد إلَّا دَخَلَها")

(3)

. [حسن]

21/ 3818 - (وفِي حَدِيثٍ لأبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَقُولُ: يا رَبّ اصْرِفْ وَجْهي عَنِ النَّارِ، لا وَعِزَّتِكَ لا أسألُكَ غَيْرَها" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما)

(4)

. [صحيح]

22/ 3819 - (وفِي حَدِيثِ اغْتِسالِ أيُّوبَ: "بَلَى وَعِزَّتِك وَلَكِنْ لا غِنَى لي عَنْ بَرَكتِكَ")

(5)

. [صحيح]

(1)

تقدم برقم (3815) من كتابنا هذا.

(2)

أحمد في المسند (2/ 25، 26) والبخاري رقم (6628) وأبو داود رقم (3263) والترمذي رقم (1540) والنسائي رقم (3761) وابن ماجه رقم (2092).

وهو حديث صحيح.

(3)

لم يخرجه البخاري، ومسلم، وقد أخرجه أحمد (2/ 332، 333)، والترمذي رقم (2560) والنسائي (7/ 3 - 4) رقم (3763) وأبو يعلى رقم (5945) والآجري في "الشريعة" ص 389 - 390، 390، والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (384) بسند حسن.

وهو حديث حسن.

(4)

أحمد في المسند (2/ 276) والبخاري رقم (806) و (6573) ومسلم رقم (299/ 182).

وهو حديث صحيح.

(5)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 314) والبخاري رقم (279) وابن حبان رقم (6229) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 198) وفي الأسماء والصفات ص 206، والبغوي =

ص: 323

23/ 3820 - (وَعَنْ قُتَيْلَةَ بِنْتِ صيفِيّ أن يَهُودِيًّا أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إنَّكُمْ تُنْدّدُونَ، وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ، تَقُولُونَ: ما شاءَ الله وَشِئْتُ، وَتَقُولُونَ: والكَعْبَةَ، فأمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أرادُوا أنْ يَحْلِفُوا أنْ يَقُولُوا: ورَبّ الكَعْبَةِ، وَيَقُولَ أحَدُهُمْ: ما شاءَ الله ثُمَّ شِئْتُ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالنَّسائيُّ)

(2)

. [صحيح]

24/ 3821 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بأبِيه فَقالَ: "إنَّ الله يَنْهاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بآبائِكُمْ، فَمَنْ كانَ حالِفًا فَلْيَحْلِفْ بالله أوْ لِيَصْمُتْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

وَفِي لَفْظٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَ حالِفًا فلَا يَحْلِفْ إلَّا بالله"، فَكانَتْا قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بآبائِهَا، فَقالَ:"لا تَحْلِفُوا بآبائِكُمْ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَمُسْلِمٌ

(5)

وَالنَّسائيُّ)

(6)

. [صحيح]

25/ 3822 - (وعَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحْلِفُوا إلَّا بالله، وَلا تَحْلِفُوا إلا وأنْتُمْ صَادِقُونَ"، رَوَاهُ النَّسائيُّ)

(7)

. [صحيح]

= في شرح السنة رقم (2027) من حديث أبي هريرة.

وهو حديث صحيح.

(1)

في المسند (6/ 371 - 372) بسند صحيح.

(2)

في سننه رقم (3773) وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (986).

قلت: وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 25 رقم 5 و 6) والحاكم (4/ 297) وابن سعد في "الطبقات"(8/ 309).

وصحح الحاكم إسناده ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (2/ 7) والبخاري رقم (6646، 6647) ومسلم رقم (3/ 1646).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (2/ 20).

(5)

في صحيحه رقم (4/ 1646).

(6)

في سننه رقم (3764).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (3836) وابن حبان رقم (4362) والبيهقي في السنن (10/ 29 - 30) وفي "الشعب" رقم (5193).

وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (3769).

وهو حديث صحيح.

ص: 324

حديث قتيلة أخرجه أيضًا ابن ماجه

(1)

وصححه النسائي

(2)

.

وحديث أبي هريرة الآخر أخرجه أيضًا أبو داود

(3)

والنسائي

(4)

وابن حبان

(5)

والبيهقي

(6)

. [وفي الصحيحين

(7)

عن ابن عمر رفعه: "من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله"]

(8)

.

وفي الباب عن ابن عمر رفعه: "من حلف بغير الله فقد كفر" أخرجه أبو داود

(9)

والترمذي

(10)

وحسنه والحاكم

(11)

وصححه.

ويروى أنه قال: "فقد أشرك"، وهو عند أحمد

(12)

من هذا الوجه، وكذا عند الحاكم

(13)

. ورواه الترمذي

(14)

وابن حبان

(15)

من هذا الوجه أيضًا بلفظ: "فقد كفر وأشرك"، قال البيهقي

(16)

: لم يسمعه سعد بن عبيدة من ابن عمر.

قال الحافظ

(17)

: قد رواه شعبة عن منصور، عنه قال: كنت عند ابن عمر.

ورواه الأعمش عن سعيد عن عبد الرحمن السلمي عن ابن عمر.

قوله: (لا ومقلب القلوب)، لا: نفيٌ للكلام السابق، و (مقلب القلوب) هو: المقسم به، والمراد بتقليب القلوب: تقليب أحوالها، لا ذواتها، وفيه جواز

(1)

لم أجده عند ابن ماجه ولم يعزه المزي له في "التحفة"(18046).

(2)

في سننه رقم (3773).

(3)

في سننه رقم (3248).

(4)

في سننه الكبرى رقم (11488 - العلمية).

(5)

في صحيحه رقم (4357).

(6)

في السنن الكبرى (10/ 29).

(7)

البخاري رقم (3836) ومسلم رقم (4/ 1646).

(8)

في المخطوط (أ) شطب عليها.

(9)

في سننه رقم (3251).

(10)

في سننه رقم (1535).

(11)

في المستدرك (1/ 18) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وهو حديث صحيح.

(12)

في المسند (2/ 86، 87).

(13)

في المستدرك (1/ 18) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

إسناده ضعيف لأن سعد بن عبيدة لم يسمع هذا الحديث من ابن عمر مباشرة.

(14)

في سننه رقم (1535)، وقال: هذا حديث حسن.

(15)

في صحيحه رقم (4358).

(16)

في السنن الكبرى (10/ 29).

(17)

في "التلخيص الحبير"(4/ 311).

ص: 325

تسمية الله بما ثبت من صفاته على وجه يليق به

(1)

.

قال القاضي أبو بكر بن العربي

(2)

: في الحديث جواز الحلف بأفعال الله تعالى إذا وصف بها ولم يذكر اسمه تعالى.

(1)

• اعلم أن إجازة هذه الطريقة تتعارض مع القول بأن أسماء الله تعالى لا تؤخذ إلا توقيفًا من الكتاب والسنّة.

- قال أبو القاسم القشيري: "الأسماء تؤخذ توقيفًا من الكتاب والسنّة والإجماع، فكل اسم ورد فيها وجب إطلاقه في وصفه، وما لم يرد لا يجوز ولو صح معناه". فتح الباري (11/ 217).

- وقال أبو الحسن القابسي: أسماء الله وصفاته لا تعلم إلا بالتوقيف من الكتاب أو السنّة، أو الإجماع، ولا يدخل فيها القياس.

فتح الباري (11/ 217).

- وانظر: "القواعد المثلى" لفضيلة الشيخ ابن عثيمين ص 11.

• واعلم أن صفات الله عز وجل تنقسم إلى قسمين:

(القسم الأول): صفات سلبية: وهي ما نفاها الله سبحانه عن نفسه في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب. وكلها صفات نقص فوجب نفيها عنه تعالى مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل.

(القسم الثاني): صفات ثبوتية: وهي على نوعين:

(النوع الأول): صفات ذاتية: وهي التي لم يزل، ولا يزال متصفًا بها، كالعلم والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة.

ومنها: الصفات الخبرية: كالوجه واليدين والعينين.

(النوع الثاني): صفات فعلية: وهي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها تبعًا لحكمته سبحانه وتعالى.

وقد اختلف العلماء في القسم بصفات الله تعالى:

(القول الأول): يجوز الإقسام بصفات الله تعالى سواء كانت ذاتية أو فعلية. وبه قال بعض المالكية والشافعية والحنابلة.

(القول الثاني): إن تعورف الحلف بالصفة كان يمينًا وإن لم يتعارف الحلف بها لم تكن يمينًا، وسواء كانت صفة ذاتية، أو فعلية.

وفي قول آخر للأحناف: يجوز القسم بصفات الذات، ولا يجوز القسم بصفات الفعل.

انظر: روضة الطالبين (11/ 12 - 13) وبدائع الصنائع (3/ 5 - 6) وحاشية الدسوقي (2/ 399 - 400) والراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه جمهور أهل العلم لقوة أدلتهم، لكن العلامة ابن عثيمين لا يرى الحلف بالصفات الخبرية كاليد والإصبع وما أشبه ذلك إلا الوجه فيقسم به لأنه يعبر به عن الذات.

(2)

عارضة الأحوذي (7/ 23).

ص: 326

وفرّق الحنفية

(1)

بين القدرة والعلم فقالوا: إن حلف بقدرة الله انعقدت يمينه، وإن حلف بعلم الله لم تنعقد، لأن العلم يعبر به عن المعلوم كقوله تعالى:{قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا}

(2)

؟ والجواب أنه [هنا]

(3)

مجاز إن سلم أن المراد به المعلوم، والكلام إنما هو في الحقيقة.

قال الراغب

(4)

: تقليب الله القلوب والأبصار: صرفها عن رأي إلى رأي.

قال: ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختصُّ به من الروج، والعلم، والشجاعة.

قوله: (فقال: وعزَّتك) هذا طرف من الحديث الذي فيه: "إنَّ الجنة حفت بالمكاره والنار بالشهوات"

(5)

، وذكره المصنف رحمه الله هنا للاستدلال به على الحلف بعزّة الله تعالى.

قال ابن بطال

(6)

: العزّة

(7)

يحتمل أن تكون صفة ذات، بمعنى: القدرة،

(1)

البناية في شرح الهداية (6/ 15 - 16) وبدائع الصنائع (3/ 2 - 3).

(2)

سورة الأنعام، الآية:(148).

(3)

في المخطوط (ب): (هاهنا).

(4)

في "المفردات" ص 681.

(5)

وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (3/ 153) والبغوي في شرح السنة رقم (4114) ومسلم رقم (2822) والترمذي رقم (2559) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. من حديث أنس.

(6)

في شرحه لصحيح البخاري (10/ 412).

(7)

العز والعزة: صفة ذاتية ثابتة لله تعالى بالكتاب والسنّة، والعزيز والأعز من أسماء الله عز وجل.

الدليل من الكتاب: قوله تعالى في سورة البقرة، الآية:(129): {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . وقوله تعالى في سورة النساء، الآية:(139): {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} .

والدليل من السنّة: حديث أبي هريرة عند مسلم رقم (2620) مرفوعًا بلفظ: "قال الله عز وجل: العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن ينازعني، عذبته".

وحديث أنس عند البخاري رقم (6661) مرفوعًا بلفظ: "لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول: قط قط وعزتك، ويزوي بعضها إلى بعض".

قال الغنيمات في "شرح كتاب التوحيد"(1/ 149): "والعزة من صفات ذاته تعالى التي لا تنفك عنه، فغلب بعزته، وقهر بها كل شيء، وكل عزة حصلت لخلقه فهي منه

".

ص: 327

والعظمة، وأن تكون صفةَ فعل، بمعنى: القهر لمخلوقاته والغلبة لهم، ولذلك صحت الإضافة.

قال

(1)

: ويظهر الفرق بين الحالف بعزّة الله: أي التي هي صفة لذاته، والحالف بعزّة الله، التي هي صفة لفعله؛ بأنه يحنث في الأول دون الثاني.

قال الحافظ

(2)

: وإذا أطلق الحالف انصرف إلى صفة الذات وانعقدت اليمين.

قوله: (لا وعزّتك لا أسألك غير هذا) هذا طرف من الحديث الطويل في [صفة]

(3)

الحشر، ومحل الحجة منه هذا اللفظ المذكور، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك مقرّرًا له، فكان دليلًا على جواز الحلف بذلك.

قوله: (بلى وعزّتك) هو طرف من حديث طويل وأوله: "إن أيوب كان يغتسل، فخرّ عليه جراد من ذهب"، ووجه الدلالة منه: أن أيوب عليه السلام لا يحلف إلا بالله، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عنه وأقرَّه.

قوله: (ولكن لا غنى لي عن بركتك) بكسر الغين المعجمة والقصر، كذا للأكثر. ووقع لأبي ذرٍّ عن غير الكشميهني

(4)

بفتح أوله والمد؛ والأول أولى: فإن معنى الغناء بالفتح والمدِّ الكفاية.

يقال: ما عند فلان غناء: أي: ما يغتني به.

قوله: (تنددون) أي: تجعلون لله أندادًا. و (تشركون): أي: تجعلون لله شركاء.

وفيه النهي عن الحلف بالكعبة، وعن قول الرجل: ما شاء الله وشئت، ثم أمرهم أن يأتوا بما لا تنديد فيه ولا شرك فيقولون: وربّ الكعبة، ويقولون: ما شاء الله ثم شئت.

وحكى ابن التين عن أبي جعفر الداودي أنه قال: ليس في الحديث نهي عن القول المذكور.

(1)

أي: ابن بطال في المرجع السابق (10/ 412).

(2)

في "الفتح"(13/ 369).

(3)

في المخطوط (ب): (حديث).

(4)

كما في "الفتح"(11/ 546).

ص: 328

وقد قال الله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ}

(1)

، وقال تعالى:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ}

(2)

، وغير ذلك.

وتعقبه

(3)

بأن الذي قاله أبو جعفر ليس بظاهر؛ لأن قوله: ما شاء الله وشئت تشريك في مشيئته تعالى.

وأما الآية فإنما أخبر الله أنه أغناهم، وأن رسوله أغناهم، وهو من الله تعالى حقيقة، لأنه الذي قدّر ذلك ومن الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة باعتبار تعاطي الفعل.

وكذا الإنعام أنعم الله على زيد بالإسلام، وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق، وهذا بخلاف المشاركة في المشيئة فإنها منفردة لله سبحانه وتعالى بالحقيقة، وإذا نسبت لغيره، فبطريق المجاز.

قوله: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) في رواية للترمذي

(4)

من حديث ابن عمر: "أنه سمع رجلًا يقول: لا والكعبة، فقال: لا تحلف بغير الله فإنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك"". قال الترمذي

(5)

: حسن وصححه الحاكم

(6)

، والتعبير بقوله:"كفر أو أشرك" للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك، وقد تمسك به من قال بالتحريم.

قوله: (فليحلف بالله أو ليصمت)، قال العلماء

(7)

: السرُّ في النهي عن الحلف بغير الله: أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، فلا يحلف إلا بالله، وذاته، وصفاته، وعلى ذلك اتفق الفقهاء.

واختلف هل الحلف بغير الله حرام أو مكروه؟ للمالكية والحنابلة قولان، ويحمل ما حكاه ابن عبد البرّ

(8)

من الإجماع على عدم جواز الحلف

(1)

سورة التوبة، الآية:(74).

(2)

سورة الأحزاب، الآية:(37).

(3)

كما في "الفتح"(11/ 540).

(4)

في سننه رقم (1535) وقد تقدم.

(5)

في السنن (4/ 110).

(6)

في المستدرك (1/ 18) وقد تقدم.

(7)

الفتح (11/ 531).

(8)

في "التمهيد"(10/ 242 - الفاروق).

• قال ابن عبد البر في "التمهيد"(10/ 241 - 242): "فإن احتج محتج بحديث يروى عن =

ص: 329

بغير الله على أن مراده بنفي الجواز الكراهة أعمّ من التحريم والتنزيه.

وقد صرّح بذلك في موضع آخر.

وجمهور الشافعية

(1)

على أنه مكروه تنزيهًا، وجزم ابن حزم

(2)

بالتحريم.

قال إمام الحرمين

(3)

: المذهب القطع بالكراهة. وجزم غيره بالتفصيل، فإن اعتقد في المحلوف به ما يعتقد في الله تعالى كان بذلك الاعتقاد كافرًا.

ومذهب الهادوية

(4)

: أنه لا إثم في الحلف بغير الله ما لم يسوّ بينه وبين الله

= إسماعيل بن جعفر عن أبي سهل نافع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله في قصة الأعرابي النجدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفلح - وأبيه - إن صدق". قيل له: هذه لفظة غير محفوظة في هذا الحديث من حديث من يحتج به، وقد روى هذا الحديث مالك وغيره عن أبي سهيل لم يقولوا ذلك فيه، وقد روي عن إسماعيل بن جعفر هذا الحديث، وفيه: "والله إن صدق أو دخل الجنة - والله - إن صدق". وهذا أولى من رواية من روى "وأبيه"، لأنها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح، وبالله التوفيق".

(1)

البيان للعمراني: (10/ 492 - 493) والحاوي الكبير (15/ 262).

(2)

المحلى (8/ 32).

(3)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(11/ 531).

(4)

البحر الزخار (4/ 235).

• وقد قال الشوكاني في "السيل الجرار"(3/ 163 - 164) بتحقيقي:

قوله: "ولا الإثمُ ما لم يُسَوِّ في التعظيم". أقول: أقل ما تقتضيه الأحاديث الكثيرة في النهي عن الحلف بغير الله، والوعيد الشديد عليه أن يكون الفاعل لذلك آثمًا، لأنه أقدم على فعل محرَّم، والإثمُ لازمٌ من لوازم الحرام، وأما الاستدلالُ على عدم الإثم بما ورد في غاية الندرةِ والقلةِ كحديث:"أفلح وأبيه إن صدق" فمن الغرائب والمغالط، وكيف تُهمل المناهي والزواجر التي وردت موردًا يقرب من التواتر بمثل هذا الذي تعرض العلماء لتأويلهِ بوجوه من وجوه التأويل التي يجب استعمالُها والمصيرُ إليها فيما خالف السننَ الظاهرةَ المشتهرة. على أنه قد تقرر في الأصول أن فِعلَه صلى الله عليه وسلم لما نهى عن الأمة يدل على اختصاصه به.

وأما التسوية في التعظيم فهي موجبة للإثم الشديد لمجردها، ولو كانت في غير اليمين، بل ذلك نوع من أنواع الشرك بالله سبحانه، وهكذا ما تضمن كفرًا أو فسقًا فإنه يأثم بمجرد ذلك

". اهـ.

• وكذلك قال الشوكاني في "وبل الغمام على شفاء الأوام"(2/ 211) بتحقيقي: قوله: يعني - والله أعلم - أن من حلف بغير الله معظمًا له

إلخ"

أقول: الحديث في الصحيحين (البخاري رقم 6650) ومسلم رقم (5/ 1647) وغيرهما =

ص: 330

في التعظيم أو كان الحالف متضمنًا كفرًا أو فسقًا، وسيأتي الكلام على من يكفر بحلفه.

قال في الفتح

(1)

: وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله ففيه جوابان:

(أحدهما): أن فيه حذفًا، والتقدير: ورب الشمس ونحوه.

(والثاني): أن ذلك ذلك يختصُّ بالله، فإذا أراد تعظيم شيءٍ من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذلك.

وأما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "أفلح وأبيه إن صدق"

(2)

، فقد أجيب عنه بأجوبة:

(الأوّل): الطعن في صحة هذه اللفظة، كما قال ابن عبد البرّ

(3)

: إنها غير محفوظة، وزعم أن أصل الرواية:"أفلح والله" فصحفها بعضهم.

(والثاني): أنّ ذلك كان يقع من العرب ويجري على ألسنتهم من دون قصد للقسم، والنهي إنما ورد في حقّ من قصد حقيقة الحلف، قاله البيهقي

(4)

.

وقال النووي

(5)

: إنه الجواب المرضي.

(والثالث): أنه كان يقع في كلامهم على وجهين للتعظيم والتأكيد، والنهي إنما وقع عن الأوّل.

(والرابع): أن ذلك كان جائزًا ثم نسخ، قاله الماوردي

(6)

، وقال السهيلي

(7)

: أكثر الشرّاح عليه.

= بلفظ: "من حلف باللّات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله".

ولا ريب أن الإنسان إنما يحلف بما هو عظيمٌ عنده، ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم الحالف أن يحلف بالله أو ليصمت، فمن حلف باللّات والعزّى كان معظمًا لها، ومن عظمها كفر، ومن كفر لم يرجع إلى الإسلام إلا بكلمة الإسلام، وهي: لا إله إلا الله". اهـ.

(1)

فتح الباري (11/ 533).

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (9/ 11) وأبو داود رقم (392) وهو حديث شاذ بذكر "وأبيه".

(3)

في "التمهيد"(10/ 242).

(4)

في السنن الكبرى (10/ 29).

(5)

كما في "البيان" للعمراني (10/ 494).

(6)

الحاوي الكبير (15/ 262).

(7)

كما في "الفتح"(11/ 534).

ص: 331

قال ابن العربي

(1)

: وروي "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحلف بأبيه حتى نهي عن ذلك"، قال السهيلي

(2)

: ولا يصحّ؛ لأنه لا يظن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يحلف بغير الله.

ويجاب بأنه قبل النهي عنه غير ممتنع عليه، ولا سيما والأقسام القرآنية على ذلك النمط.

وقال المنذري

(3)

: دعوى النسخ ضعيفة لإمكان الجمع ولعدم تحقق التاريخ.

(والخامس): أنه كان في ذلك حذف، والتقدير أفلح وربّ أبيه، قاله البيهقي

(4)

.

(والسادس): أنه للتعجب، قاله السهيلي (2).

(والسابع): أنه خاصٌّ به صلى الله عليه وسلم.

وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال.

وأحاديث الباب تدلُّ على أن الحلف بغير الله لا ينعقد، لأنَّ النهي يدلّ على فساد المنهي عنه

(5)

، وإليه ذهب الجمهور

(6)

.

وقال بعض الحنابلة

(7)

: إن الحلف بنبينا صلى الله عليه وسلم ينعقد وتجب الكفارة.

[الباب الثامن] بابُ ما جاءَ في وايم الله، ولعمرُ اللهِ، وأقْسِمُ باللهِ، وغَيرِ ذلكَ

26/ 3823 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "قالَ سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ على تِسْعِينَ امْرأةً كُلُّها تأتِي بِفارِسٍ يُقاتِلُ فِي سَبِيلِ الله، فَقالَ لَهُ

(1)

عارضة الأحوذي (7/ 17).

(2)

كما في "الفتح"(11/ 534).

(3)

قال المزي في الأطراف: أخرجه أبو داود في الصلاة رقم (392)، وفي الأيمان والنذور رقم (3252) قال في عون المعبود (9/ 57):"وليس هذا الحديث في نسخة المنذري" وانظر: "المختصر"(1/ 230)(4/ 358). فلم أجد ما قاله الشوكاني عنه.

(4)

في السنن الكبرى (10/ 29).

(5)

إرشاد الفحول ص 386 بتحقيقي.

والبحر المحيط (2/ 439 - 440).

(6)

البيان للعمراني (10/ 494).

(7)

المغني (13/ 472).

ص: 332

صَاحِبُهُ: قُلْ: إنْ شَاءَ الله، فَلَمْ يَقُلْ: إنْ شاءَ الله، فَطافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا، فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إلَّا امْرأةٌ وَاحِدةٌ فَجاءَتْ بِشِقّ رَجُلٍ، وايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قالَ: إنْ شَاءَ الله؛ لَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله فُرْسانًا أجمَعُونَ"

(1)

. [صحيح]

وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أن إلْحاقَ الاسْتِثْناءِ ما لَمْ يَطُلِ الفَصْلُ يَنْفَعُ، وَإنْ لَمْ يَنْوِهِ وَقْتَ الكَلامِ الأوَّلِ).

27/ 3824 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ فِي زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ: "وَايْمُ الله إنْ كانَ لَخَلِيقًا للإمارَةِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما

(2)

. [صحيح]

وفِي حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ

(3)

: لَمَّا وُضِعَ عُمَرُ على سَرِيرهِ جاءَ عَلِي، فَتَرحَّمَ عَلَيْهِ وَقالَ: وَايْمُ الله إنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أنْ يَجْعَلَكَ الله مَعَ صَاحِبَيْكَ. [صحيح]

وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ المَخْزُومِيَّةِ

(4)

: "وَايْمُ الله لَوْ أن فَاطِمَة بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَها". [صحيح]

وَقَوْلُ عُمَرَ لِغَيْلانَ بْنِ سَلَمَةَ

(5)

: وَايْمُ الله لَتُرَاجِعَنَّ نِساءَكَ. [صحيح]

وفِي حَدِيثِ الإِفْكِ: فَقامَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ الله بْنِ أُبَيٍّ، فَقامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبادَةَ: لَعَمْرُ الله لنَقْتُلَنَّهُ. وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(6)

. [صحيح]

28/ 3825 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ صَفْوَانَ - وكانَ صَدِيقًا للعَبَّاسِ - أنَّهُ لَمَّا كانَ يَوْمُ الفَتْحِ جاءَ بأبِيهِ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقالَ: يا رَسُولَ الله بايِعْهُ على

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 275) والبخاري رقم (2819) ومسلم رقم (25/ 1654).

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (2/ 20) والبخاري رقم (6627) ومسلم رقم (63/ 2426).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (1/ 112) والبخاري رقم (3685) ومسلم رقم (14/ 2389).

وهو حديث صحيح.

(4)

تقدم برقم (3158) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (2722) من كتابنا هذا.

(6)

أحمد في المسند (6/ 196) والبخاري رقم (4750) ومسلم رقم (56/ 2770).

وحديث صحيح.

ص: 333

الهِجْرَةِ، فأبى وَقالَ:"إنَّهَا لا هِجْرَةَ"، فانْطَلَقَ إلى العَبَّاسٍ، فَقامَ العَبَّاسُ مَعَهُ فقالَ: يا رَسُولَ الله قَدْ عَرَفْتَ ما بَيْنِي وبَيْنَ فُلانٍ وأتاكَ بأبِيهِ لِتُبايعَهُ على الهِجْرَةِ فأبَيْتَ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لا هِجْرَةَ"، فَقَالَ العَبَّاسُ: أقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُبَايِعَنَّهُ، قالَ: فَبَسَطَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، فَقالَ:"هَاتِ أبررت عَمِّي وَلَا هِجْرَةَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَابْنُ ماجَهَ)

(2)

. [ضعيف]

29/ 3826 - (وَعَنْ أبي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ عائِشَةَ أن امْرأةً أهْدَتْ إلَيْها تَمْرًا في طَبَقٍ، فأكَلَتْ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ، فَقالَتْ: أقْسَمْتُ عَلَيْكِ إلَّا أكَلْتِ بَقِيَّتَهُ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أبِرّيهَا فإنَّ الاثْمَ على المُحْنِثِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(3)

. [ضعيف]

30/ 3827 - (وَعَنْ بُرَيْدَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بالأمانةِ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(4)

. [صحيح]

(1)

في المسند (3/ 430 - 431).

(2)

في سننه رقم (2116).

قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (780) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 40) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (2620) من طرق عن يزيد بن أبي زياد، به.

إسناده ضعيف، لضعف يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي.

والحديث ضعيف، والله أعلم.

(3)

في المسند (6/ 114).

قلت: وأخرجه أبو داود في "المراسيل" رقم (388) والدارقطني في السنن (4/ 142 - 143) والبيهقي في السنن (10/ 41) من طريقين عن معاوية بن صالح، قال: أخبرني أبو الزاهرية، عن عائشة، به.

وقد قرنوا بأبي الزاهرية راشد بن سعد.

إسناده ضعيف لانقطاعه، أبو الزاهرية - وهو حدير بن كريب - لم يسمع من عائشة، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.

وكذلك حديث راشد عن عائشة منقطع.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 183) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(4)

في سننه رقم (3253).

وهو حديث صحيح.

ص: 334

حديث المخزومية

(1)

تقدم في باب ما جاء في السارق يوهب السرقة بعد وجوب القطع أو يشفع فيه.

وقول عمر لغيلان

(2)

تقدم في باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع.

وحديث عبد الرحمن بن صفوان قال ابن ماجه

(3)

في إسناده: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة

(4)

، حدثنا محمد بن فضيل، وحدثنا محمد بن يحيى، حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا ابن إدريس جميعًا عن يزيد بن أبي زياد

(5)

عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان

فذكره، ثم قال: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا الحسن بن الربيع عن عبد الله بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد بإسناده نحوه.

وقال يزيد بن أبي زياد: يعني لا هجرة من دار من قد أسلم أهلها. اهـ.

وحديث أبي الزاهرية قال في مجمع الزوائد

(6)

: رجال أحمد رجال الصحيح.

ويشهد لصحته الأحاديث الآتية في إبرار القسم

(7)

.

وحديث بريدة سكت عنه أبو داود

(8)

، والمنذري

(9)

، ورجال إسناده ثقات.

وأخرج الطبراني في الأوسط

(10)

بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يحلف بالأمانة، فقال: ألست الذي يحلف بالأمانة".

(1)

تقدم برقم (3158) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (2722) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (2).

(4)

في المخطوط (ب) هنا زيادة. (قال) وهي مقحمة.

(5)

في المخطوط (ب) هنا زيادة. و (و) وهي مقحمة.

(6)

في "مجمع الزوائد"(4/ 183). قلت: أبو الزاهرية لم يسمع من عائشة فهو منقطع كما تقدم.

(7)

في الباب التاسع الآتي عند الحديث رقم (31/ 3828 و 32/ 3829) من كتابنا هذا.

(8)

في السنن (3/ 571).

(9)

في المختصر (4/ 358).

(10)

في الأوسط رقم (3657).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 178) وقال: "ورجاله ثقات".

ص: 335

قوله: (لأطوفنَّ) اللام جواب القسم، كأنه قال: والله لأطوفنَّ، ويرشد إلى ذلك ذكر الحنث في قوله:"لم يحنث" كما في رواية.

قوله: (على تسعين) بتقديم التاء الفوقية على السين.

قوله: (وايم الله) بكسر الهمزة وفتحها والميم مضمومة. وحكى الأخفش

(1)

كسرها مع كسر الهمزة، وهو اسم عند الجمهور

(2)

وحرف عند الزجاج

(3)

، وهمزته همزة وصل عند الأكثر، وهمزة قطع عند الكوفيين

(4)

ومن وافقهم، لأنه عندهم جمع يمين، وعند سيبويه

(5)

ومن وافقه أنه اسم مفرد. واحتجوا بجواز كسر همزته وفتح ميمه.

قال ابن مالك

(6)

: ولو كان جمعًا لم تكسر همزته، وقد ذكر في "فتح الباري"

(7)

فيها لغات عديدة، وقال غيره [أي: غير سيبويه]

(8)

: أصله يمين الله ويجمع على أيمن فيقال: وأيمن الله، حكاه أبو عبيدة

(9)

، وأنشد لزهير بن أبي سلمى

(10)

:

فَيُجْمَعُ أَيمنٌ مِنَّا ومِنْكُم

لمقسَمَةِ

(11)

تمورُ بِهَا الدِّمَاءُ

(12)

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(11/ 521).

(2)

مغني اللبيب (1/ 101) وذكره النحوي في "شرح المفصل"(8/ 35).

(3)

حكاه عنه ابن هشام في "مغني اللبيب"(1/ 100).

(4)

حكاه عنهم ابن هشام في "مغني اللبيب"(1/ 100).

(5)

في "الكتاب" له (3/ 559 - 560).

(6)

قال ابن مالك: فلو كان جمعًا لم تحذف همزته، كما في الفتح (11/ 521).

(7)

الفتح (11/ 521) وقد جمعها في بيتين:

همز ايم وايمن فافتح واكسر أو أم قل

أو قل م أو من بالتثليث قد شكلا

وايمن اختم به والله كلا أضف

إليه في قسم تستوف ما نقلا

(8)

زيادة من المخطوط (أ).

(9)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(11/ 522). وقد قاله أبو عبيد في الغريبين (6/ 2059).

(10)

في شرح شعر زهير بن أبي سلمى (ص 69).

(11)

في شعر زهير ص 69 (بمقسمة).

(12)

هذا البيت الثالث والخمسون من قصيدة زهير والتي مطلعها:

عَفا، من آل فاطمةَ الجِواءُ

فَيُمْنٌ، فالقوارم، فالحساء

ص: 336

فقالوا عند القسم: وأيمن الله، ثم كثر فحذفوا النون كما حذفوها من (لم يكن)، فقالوا:(لم يك)، ثم حذفوا الياء، فقالوا: أم الله، ثم حذفوا الألف فاقتصروا على الميم مفتوحة، ومضمومة، ومكسورة، وقالوا أيضًا: مِ الله بكسر الميم وضمها، وأجازوا في (أيمن) فتح الميم، وضمها، وكذا في (أيم)، ومنهم من وَصل الألف وجعل الهمزة زائدة ومسهلة، وعلى هذا: تبلغ لغاتها عشرين.

قال الجوهري

(1)

: قالوا: أيم الله، وربما حذفوا الياء، فقالوا: أم الله، وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة، فقالوا: مُ الله، وربما كسروها، لأنها صارت حرفًا واحدًا فشبهوها بالباء.

قال: وألفها ألف وصل عند أكثر النحويين، ولم يجئ ألف وصل مفتوحة غيرها، وقد يدخل اللام للتأكيد، فيقال: ليمن الله. قال الشاعر

(2)

:

فقالَ فريقُ القَوْمِ لما شَهِدْتُهِمْ

(3)

نَعَمْ وفريقٌ لِيُمْنِ اللهِ ما نَدرِي

وذهب ابن كيسان

(4)

وابن درستويه

(5)

إلى أن ألفها ألف قطع، وإنما خففت همزتها وطرحت في الوصل لكثرة الاستعمال.

وحكى ابن التين

(6)

عن الداودي: أنه قال: (أيم الله) معناه: اسم الله، أبدل السين ياء، وهو غلط فاحش لأن السين لا تبدل ياء.

وذهب المبرّد

(7)

إلى أنها عوض من واو القسم، وأن معنى قوله: وأيم الله: والله لأفعلنّ.

(1)

في الصحاح (6/ 2222).

(2)

هو "نصيب" في ديوانه ص 94.

وكذلك نسبه إليه ابن هشام في المغني (1/ 101 رقم الشاهد 140).

وانظر: شواهد أبيات سيبويه للسيرافي (2/ 288 رقم الشاهد 526) وشرح المفصل (8/ 35 - 36) والكتاب لسيبويه (3/ 559 رقم الشاهد 864).

(3)

في الديوان ص 94: (نشدتهم) وكذلك في جميع المراجع المتقدمة التي ذكرتها.

(4)

ذكره الشيخ موفق الدين بن يعيش النحوي (ت 643 هـ) في شرح المفصل (8/ 36).

(5)

ذكره الشيخ موفق الدين بن يعيش النحوي (ت 643 هـ) في شرح المفصل (8/ 36).

(6)

كما في "الفتح"(11/ 522).

(7)

كما في "الفتح"(11/ 521).

ص: 337

ونقل عن ابن عباس

(1)

: أن يمين الله من أسماء الله؛ ومنه قول امرئ القيس

(2)

:

فقلتُ يمينَ اللهِ أَبْرَحُ قاعدًا

ولو قَطَعُوا رَأسي لَدَيْكِ وَأَوْصَالي

ومن ثم قالت المالكية

(3)

والحنفية

(4)

: إنه يمين.

وعند الشافعية

(5)

إن نوى اليمين انعقدت وإن نوى غيرها لم تنعقد يمينًا، وإن أطلق فوجهان، أصحهما لا تنعقد إلا إن نوى.

وعن أحمد

(6)

روايتان أصحهما الانعقاد.

وحكى الغزالي

(7)

في معناه وجهين: (أحدهما): أنه كقوله بالله، (والثاني): أنه كقوله: أحلف بالله، وهو الراجح.

ومنهم من سوّى بينه وبين العمر الله).

وفرّق الماوردي

(8)

بأن (لعمر الله) شاع في استعمالهم عرفًا بخلاف (أيم الله).

واحتجّ بعض من قال منهم بالانعقاد مطلقًا بأن معناه يمين الله، ويمين الله من صفاته، وصفاته قديمة.

وجزم النووي في التهذيب

(9)

: أن قوله: (وأيم الله)، كقوله: وحقّ الله، وقال: إنه ينعقد به اليمين عند الإطلاق وقد استغربوه.

(1)

أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (15941) عن زهدم الجرمي أنه سمع ابن عباس يقول: "وأيم الله" بسند صحيح.

• ولم أقف على أثر ابن عباس (أن يمين الله من أسماء الله)، والله أعلم.

(2)

في ديوان امرئ القيس ص 125.

(3)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 353 - 354).

(4)

بدائع الصنائع (3/ 6 - 7) ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي (3/ 241 رقم (1342)).

والبناية في شرح الهداية (6/ 26 - 27).

(5)

البيان للعمراني (10/ 506 - 507).

(6)

المغني (13/ 457).

(7)

الوسيط (7/ 210).

(8)

الحاوي الكبير (15/ 273 - 274).

(9)

لم أقف عليه في "التهذيب".

وانظر: "روضة الطالبين" للنووي (11/ 15).

ص: 338

قوله: (لعمر الله) بفتح العين المهملة وسكون الميم: هو العمر بضم العين.

قال في النهاية

(1)

: ولا يقال في القسم إلا بالفتح.

وقال الراغب

(2)

: العمر بالضم وبالفتح واحد ولكن خصّ الحلف بالثاني.

قال الشاعر

(3)

:

عَمْرُكَ الله كيفَ يَلْتَقِيَانِ

أي: سألت الله أن يطيل عمرك.

وقال أبو القاسم الزجاجي

(4)

: العمر: الحياة، فمن قال: لعمر الله، فكأنه قال: أحلف ببقاء الله، واللام للتوكيد والخبر محذوف: أي ما أقسم به.

ومن ثم قالت المالكية

(5)

والحنفية

(6)

: تنعقد بها اليمين، لأن بقاء الله تعالى من صفة ذاته.

وعن الإمام مالك

(7)

: لا يعجبني الحالف بذلك.

وقد أخرج إسحاق بن راهويه في مصنفه عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: كانت يمين عثمان بن أبي العاص: لعمري.

وقال الإمام الشافعي

(8)

وإسحاق: لا يكون يمينًا إلا بالنية؛ لأنَّه يطلق على العلم، وعلى الحقّ، وقد يراد بالعلم المعلوم، وبالحقّ ما أوجبه الله تعالى.

وعن أحمد

(9)

كالمذهبين، والراجح عنه كالشافعي.

(1)

النهاية (2/ 254).

(2)

في "مفردات ألفاظ القرآن" ص 586.

(3)

هو عمر بن أبي ربيعة في الديوان ص 503.

أيُّها المنكِحُ الثُريَّا سُهَيْلًا

عَمْرُكَ الله كيفَ يلتقيان

هي شاميةٌ إذا ما استقلَّت

وسُهيلُ إذا استقلَّ يماني

(4)

كذا في (أ)، (ب) وفي "الفتح" (11/ 547): أبو القاسم الزجاج وكذلك القول مذكور في "معاني القرآن وإعرابه" لأبي القاسم الزجاج (3/ 183 - 184).

(5)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 354).

(6)

بدائع الصنائع (3/ 6 - 7) واختلاف العلماء للطحاوي (3/ 241).

(7)

المدونة (2/ 103).

(8)

البيان للعمراني (10/ 505 - 506).

(9)

المغني (13/ 455 - 456).

ص: 339

وأجابوا عن الآية التي فيها القسم بالعمر بأنَّ لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس ذلك لغيره، لثبوت النهي عن الحلف بغير الله تعالى.

وقد عدَّ الأئمة ذلك في فضائل النبيّ صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى أقسم به، حيث قال:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)}

(1)

.

وأيضًا فإنَّ اللام ليست من أدوات القسم، لأنها محصورة في الواو، والباء، والتاء.

وقد ثبت عند البخاري

(2)

في كتاب الرقاق من حديث لقيط بن عمر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ["لعمرُ إلهك"]

(3)

وكرّرها، وهو عند عبد الله بن أحمد

(4)

، وعند غيره.

قوله: (أقسمت عليك) قال ابن المنذر

(5)

: اختلف فيمن قال: أقسمت بالله. أو أقسمت - مجرّدًا -، فقال قوم: هي يمين وإن لم يقصد، وممن روى عنه ذلك: ابن عمر، وابن عباس، وبه قال النخعيُّ، والثوريُّ، والكوفيون.

وقال الأكثرون: لا يكون يمينًا إلا إن نوى.

وقال الإمام مالك

(6)

: أقسمت بالله يمين، وأقسمت - مجرّدة - لا تكون يمينًا إلا إن نوى.

وقال الشافعي

(7)

: المجرّدة لا تكون يمينًا أصلًا، ولو نوى، وأقسمت بالله: إن نوى يكون يمينًا، وكذا لو قال: أقسم بالله، وقال سحنون: لا يكون يمينًا أصلًا.

(1)

سورة الحجر، الآية:(72).

(2)

هذا الحديث لم يثبت عند الإمام البخاري في صحيحه.

(3)

تنبيه: في كل طبعات نيل الأوطار على الإطلاق تحرّفت إلى: (لعمرُ الأهل). والمثبت من المخطوط (أ)، (ب) وزوائد المسند.

(4)

في زوائد المسند (4/ 14) بسند ضعيف جدًّا.

(5)

في "الإشراف على مذاهب أهل العلم" له (1/ 412 رقم المسألة 730).

(6)

في المدونة (2/ 105).

(7)

الأم (8/ 151 - 152) وروضة الطالبين (11/ 15).

ص: 340

وعن الإمام أحمد

(1)

كالأوّل، وعنه كالثاني، وعنه إن قال: قسمًا بالله فيَمين جزمًا، لأن التقدير أقسمت بالله قسمًا، وكذا لو قال: آليت بالله.

قال ابن المنير

(2)

: لو قال: أقسم بالله عليك لتفعلنّ، فقال: نعم، هل يلزمه اليمين بقوله: نعم، وتجيء الكفارة إن لم يفعل؟ قال: وفي ذلك نظر.

قوله: (ليس منا من حلف بالأمانة) قال في النهاية

(3)

: يشبه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله وصفاته، والأمانة أمر من أموره، فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء الله، كما نهوا أن يحلفوا بآبائهم.

قال: وإذا قال الحالف: وأمانة الله كانت يمينًا عند أبي حنيفة

(4)

، والشافعي

(5)

لا يعدّها يمينًا، قال: والأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والنقد والأمان، وقد جاء في كل [منها]

(6)

حديث.

[الباب التاسع] بابُ الأَمْرِ بإِبرارِ القَسَمِ والرُّخْصَةِ في تركِهِ للعُذْرِ

31/ 3828 - (عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: أمَرَنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ: أمَرَنا بَعِيادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّباعِ الجَنائِزِ، وَتَشْمِيتِ العاطِسِ، وَإِبْرَارِ القَسَمِ أوِ المُقْسِمِ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشاءِ السَّلامِ)

(7)

. [صحيح]

32/ 3829 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ رُؤْيا قصَّها أبُو بَكْرٍ: أن أبا بَكْرٍ قالَ: أخْبِرْنِي يا رَسُول الله بأبي أنْتَ وأُمِّي أصَبْتُ أمْ أخْطأتُ؟ فَقالَ: "أصَبْتَ بَعْضًا وأخْطَأتَ بَعْضًا"، قَالَ: فَوَالله لَتُحَدّثُنِي بالَّذِي أخْطأتُ؟ قالَ: "لا تُقْسِمْ"

(1)

المغني (13/ 467 - 468).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(11/ 542).

(3)

النهاية (1/ 80). وانظر: المجموع المغيث (1/ 91).

(4)

بدائع الصنائع (3/ 8 - 9).

ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي (3/ 240) رقم المسألة (1341).

(5)

البيان للعمراني (10/ 501).

(6)

في المخطوط (ب): (منهما).

(7)

أحمد في المسند (4/ 284) والبخاري رقم (6222) ومسلم رقم (3/ 2066).

ص: 341

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما)

(1)

. [صحيح]

قولى: (وإبرار القسم) أي: بفعل ما أراد الحالف، ليصير بذلك بارًّا.

قوله: (أو المقسم) اختلف في ضبط السين، فالمشهور: أنها بالكسر، وضم الميم، على أنه اسم فاعل، وقيل بفتح السين؛ أي: الإقسام والمصدر قد يأتي للمفعول، مثل: أدخلته مدخلًا، بمعنى: الإدخال، وكذا أخرجته.

قوله: (في حديث رؤيا قصَّها) هذا من كلام المصنف.

قوله: (لا تقسم) أي: لا تحلف؛ وهذا طرف من حديث طويل قد ساقه البخاري

(2)

مستوفى في كتاب التعبير.

قوله: (وإبرار القسم) ظاهر الأمر الوجوب، واقترانه ببعض ما هو متفق على عدم وجوبه - كإفشاء السلام - قرينة صارفة عن الوجوب، وعدم إبراره صلى الله عليه وسلم لقسم أبي بكر، وإن كان خلاف الأحسن لكنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان عدم الوجوب.

ويمكن أن يقال: إن الفعل منه صلى الله عليه وسلم يعارض الأمر الخاصّ بالأمة كما تقرّر في الأصول

(3)

وما نحن فيه كذلك، وبقية ما اشتمل عليه الحديث موضعه غير هذا.

[الباب العاشر] بابُ ما يذكَرُ فيمن قالَ: هو يهوديُّ أو نَصْرَانيّ إنْ فَعَلَ كَذَا

33/ 3830 - (عَنْ ثابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ حَلَفَ على يمِين بِمِلَّةِ غَيْرِ الاسْلامِ كَاذِبًا، فَهُوَ كما قالَ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إِلَّا أبا دَاوُدَ)

(4)

. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (1/ 236) والبخاري رقم (7046) ومسلم رقم (17/ 2269).

(2)

في صحيحه رقم (7046).

(3)

إرشاد الفحول ص 166 - 167 بتحقيقي. وشرح الكوكب المنير (2/ 198) والبحر المحيط (4/ 192).

(4)

أحمد في المسند (4/ 33) والبخاري رقم (6047) ومسلم رقم (176/ 110) والترمذي رقم (1543) والنسائي رقم (3770) وابن ماجه رقم (2098).

وهو حديث صحيح.

ص: 342

34/ 3831 - (وَعَنْ بُرَيْدَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ: إني بَرِيءٌ مِنَ الإِسْلامِ، فإنْ كانَ كاذِبًا فَهُوَ كما قالَ، وَإنْ كانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إلى الإسْلامِ سَالمًا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالنَّسائيُّ

(2)

وَابْنُ ماجَهْ)

(3)

. [صحيح]

حديث بريدة: هو من طريق الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، وقد صححه النسائي.

قوله: (بملة غير الإسلام) الملة بكسر الميم وتشديد اللام: الدين، والشريعة، وهي نكرة في سياق الشرط، فتعم جميع الملل من أهل الكتاب، كاليهودية، والنصرانية، ونحوهم من المجوسية، والصابئة، وأهل الأوثان، والدهرية، والمعطلة، وعبدة الشياطين، والملائكة وغيرهم.

قال ابن المنذر

(4)

: اختلف فيمن قال: أكفر بالله ونحوه إن فعلت؛ ثم فعل، فقال ابن عباس، وأبو هريرة، وعطاء، وقتادة، وجمهور فقهاء الأمصار: لا كفارة عليه ولا يكون كافرًا إلا إن أضمر ذلك بقلبه.

وقال الأوزاعي والثوري

(5)

والحنفية

(6)

وأحمد

(7)

وإسحاق: هو يمين وعليه الكفارة.

قال ابن المنذر

(8)

: والأول أصحُّ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف باللات والعزّى

(1)

في المسند (5/ 356).

(2)

في سننه رقم (3772).

(3)

في سننه رقم (2100).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3258) والحاكم (4/ 298) والبيهقي (10/ 30).

من طريق الحسين بن واقد، ثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه، به.

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين" ووافقه الذهبي.

وتعقبهما الألباني في الإرواء (8/ 202) بقوله: "الحسين بن واقد، إنما أخرج له البخاري تعليقًا، فهو على شرط مسلم وحده".

وهو حديث صحيح.

(4)

في "الإشراف"(1/ 424) رقم المسألة (748).

(5)

موسوعة فقه سفيان الثوري (ص 832).

(6)

بدائع الصنائع (3/ 21).

(7)

المغني (13/ 436 - 437).

(8)

في "الإشراف"(1/ 424) رقم المسألة (748).

ص: 343

فليقل: لا إله إلا الله"

(1)

، ولم يذكر كفارة، زاد غيره: وكذا قال: "من حلف بملة سوى الإسلام فهو كما قال"، فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه.

ونقل ابن القصار

(2)

من المالكية عن الحنفية أنهم احتجوا لإيجاب الكفارة بأن في اليمين الامتناع من الفعل وتضمن كلامه بما ذكر تعظيمًا للإسلام. وتعقب ذلك بأنهم قالوا فيمن قال: وحقّ الإسلام إذا حنث لا يجب عليه كفارة، فأسقطوا الكفارة إذا صرّح بتعظيم الإسلام، وأثبتوها إذا لم يصرّح.

قال ابن دقيق العيد

(3)

: الحلف بالشيء حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله: والله، وقد يطلق على التعليق بالشيء يمين، كقولهم: من حلف بالطلاق فالمراد تعليق الطلاق، وأطلق عليه الحالف لمشابهته لليمين في اقتضاء الحنث أو المنع.

وإذا تقرّر ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني لقوله كاذبًا، والكذب يدخل القضية الإخبارية التي يقع مقتضاها تارة ولا يقع أخرى، وهذا بخلاف قولنا: والله، وما أشبهه، فليس الإخبار بها عن أمر خارجي بل هي لإنشاء القسم فتكون صورة الحلف هنا على وجهين:

(أحدهما): أن تتعلق بالمستقبل، كقوله: إن فعل كذا فهو يهودي.

(والثاني): تتعلق بالماضي، كقوله: إن كان كاذبًا فهو يهودي.

وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة، بل جعل المرتب على كذبه قوله: فهو كما قال.

قال

(4)

: ولا يكفر في صورة الماضي إلا إن قصد التعظيم، وفيه خلاف عند

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 309) والبخاري رقم (4860) ومسلم رقم (5/ 1647) وأبو داود رقم (3247) والترمذي رقم (1545) والنسائي (7/ 7) وابن ماجه رقم (2096) من حديث أبي هريرة.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(11/ 538).

(3)

في "إحكام الأحكام"(ص 895).

(4)

أي: ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" ص 895.

ص: 344

الحنفية

(1)

لكونه تنجيز معنى فصار كما لو قال: هو يهودي.

(ومنهم) من قال: إذا كان لا يعلم أنه يمين لم يكفر، وإن كان يعلم أنه يكفر بالحنث به كفر لكونه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل.

وقال بعض الشافعية

(2)

: ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبًا، والتحقيق: التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وإن قصد حقيقة التعليق فينظر، فإن كان أراد أن يكون متصفًا بذلك كفر، لأن إرادة الكفر كفر، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيهًا؟ الثاني هو المشهور.

قوله: (كاذبًا) زاد في البخاري

(3)

، ومسلم

(4)

: "متعمدًا".

قال عياض

(5)

: تفرّد بهذه الزيادة سفيان الثوري، وهي زيادة حسنة يستفاد منها أن الحالف متعمدًا إن كان مطمئن القلب بالإيمان وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر؛ وإن قاله معتقدًا لليمين بتلك الملة لكونها حقًّا كفر، وإن قالها لمجرّد التعظيم لها احتمل.

قال الحافظ

(6)

: وينقدح بأن يقال: إن أراد تعظيمها باعتبار ما كانت قبل النسخ لم يكفر أيضًا.

قال: ودعواه أن سفيان تفرّد بها، إن أراد بالنسبة إلى رواية مسلم، فعسى فإنه أخرجها من طريق شعبة عن أيوب وسفيان عن خالد الحذّاء جميعًا عن أبي قلابة.

قوله: (في الحديث الآخر، فهو كما قال).

قال في الفتح

(7)

: يحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في

(1)

البناية في شرح الهداية (6/ 28 - 29).

ومختصر اختلاف العلماء (3/ 239 رقم المسألة 1339).

(2)

البيان للعمراني (10/ 494 - 495).

(3)

في صحيحه رقم (1363).

(4)

في صحيحه رقم (177/ 110).

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 389).

(6)

في "الفتح"(11/ 539).

(7)

(11/ 539).

ص: 345

الوعيد لا الحكم، كأنه قال فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال، ونظيره:"من ترك الصلاة فقد كفر"

(1)

، أي: استوجب عقوبة من كفر.

وقال ابن المنذر

(2)

: ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر، بل المراد أنه كاذب كذب المعظم لتلك الجهة.

[الباب الحادي عشر] بابُ مَا جاءَ في اليمينِ الغَمُوسِ وَلَغْوِ اليمينِ

35/ 3832 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بالله، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وبَهْتُ مُؤْمِنٍ، وَالفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَيمِينٌ صَابِرَةٌ يَقَتَطِعُ بِها مالًا بِغَيْرِ حَقّ")

(3)

. [إسناد ضعيف جدًّا]

36/ 3833 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لِرَجُلٍ: "فَعَلْتَ كَذا؟ " قالَ: لا وَالَّذِي لا إلهَ إلا هُوَ ما فَعَلْتُ، قالَ: "فَقالَ جِبْرِيلُ عليه السلام: قَدْ فَعَلَ، وَلَكِنَّ الله عز وجل غَفَرَ لَهُ بِقَوْلِهِ: لا وَالَّذِي لا إلهَ إلَّا هُوَ")

(4)

. [إسناده ضعيف]

37/ 3834 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: اخْتَصَمَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلانِ فَوَقَعَتِ

(1)

أخرج أحمد في المسند (5/ 346) والترمذي رقم (2621) وابن ماجه رقم (1079) ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" رقم (895) و (896) والدارقطني (2/ 52) واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" رقم (1519) و (1520) والحاكم في المستدرك (1/ 6 - 7) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 366) من حديث بريدة، مرفوعًا بلفظ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وهو حديث صحيح.

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(11/ 539).

(3)

في المسند (2/ 362) بسند ضعيف جدًّا، لجهالة أبي المتوكل، وتدليس بقية تدليس التسوية وقد عنعن. وبقية رجاله ثقات.

(4)

أحمد في المسند (2/ 68، 127).

إسناده ضعيف لانقطاعه بين ثابت البُناني، وبين ابن عمر، كما صرح بذلك حماد بن سلمة، ورجاله ثقات رجال مسلم.

ص: 346

اليَمِينُ على أحَدِهِما، فَحَلَفَ بالله الَّذِي لا إلهَ إلَّا هُوَ ما لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ، قالَ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إنَّهُ كاذِبٌ إنَّ لَهُ عِنْدَهُ حَقَّهُ، فأمَرَهُ أنْ يَعْطِيَهُ حَقَّهُ وكَفَّارَةُ يَمِينِهِ مَعْرِفَتُهُ أنْ لا إِلهَ إلَّا الله أوْ شَهادَتُهُ. رَوَاهُنَّ أحْمَدُ

(1)

.

ولأبي دَاوُدَ الثَّالِثُ بِنَحْوِهِ)

(2)

. [إسناده ضعيف]

38/ 3835 - (وَعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}

(3)

فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لا وَالله، وَبَلى وَالله. أخْرَجَهُ البُخارِيُّ)

(4)

. [صحيح]

حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا أبو الشيخ

(5)

.

ويشهد له ما أخرجه البخاري

(6)

من حديث ابن عمرو قال: جاء أعرابي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟

فذكر الحديث، وفيه:"اليمين الغموس"، وفيه:"قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: "الذي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب"".

(1)

في المسند (1/ 253، 288، 296).

إسناده ضعيف، عطاء بن السائب اختلط بأخرة، وقد عدَّ الإمام الذهبي هذا الحديث في "ميزان الاعتدال"(3/ 72) من مناكيره.

(2)

في السنن رقم (3275) بإسناد أحمد.

• قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(3/ 105). "قلت: فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري، وشعبة، وزهيرًا، وزائدة، وحماد بن زيد، وأيوب، عنه - أي عن عطاء بن السائب - صحيح.

ومن عداهم يُتوقف فيه إلا حماد بن سلمة، فاختلف قولُهم، والظاهر أنه سمع منه مرتين، مرة مع أيوب كما يومئ إليه كلام الدارقطني، ومرة بعد ذلك لما دخل إليهم البصرة وسمع منه جرير وذويه، والله أعلم".

• قال الألباني رحمه الله في الإرواء (2/ 124): "

عطاء بن السائب، كان اختلط، وحماد - وهو ابن سلمة - روى عنه قبل الاختلاط وبعده، فلا يحتج بحديثه عنه حتى يتبين في أي الحالين رواه عنه، خلافًا لبعض المعاصرين، فإنه جرى على تصحيح حديثه عنه

". اهـ.

• قلت: وكذلك جرى بعضهم الآخر على تضعيف حديثه عنه.

وقد صحح الألباني حديث أبي داود، والله أعلم.

(3)

سورة البقرة، الآية:(225).

(4)

في صحيحه رقم (6663).

(5)

في "التوبيخ والتنبيه" له رقم (211) إسناده ضعيف.

(6)

في صحيحه رقم (6920).

ص: 347

وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا النسائي

(1)

، وفي إسناده عطاء بن السائب، وقد تكلم فيه غير واحد

(2)

. وأخرج له البخاري حديثًا مقرونًا بابن بشر.

قوله: (ليس لهنّ كفارة)، أي: لا يمحو الإثم الحاصل بسببهنّ شيء من الطاعات.

أما الشرك بالله فلقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

(3)

.

وأما قتل النفس، فعلى الخلاف في قبول توبة التائب عنه، وقد تقدم الكلام فيه.

والمراد ببهت المؤمن: أن يغتابه بما ليس فيه؛ واليمين الصابرة: أي التي ألزم بها وصبر عليها وكانت لازمة؛ لصاحبها من جهة الحكم، والظاهر أن هذه الأمور لا كفارة لها إلا التوبة منها، ولا توبة في مثل القتل إلا [بتسليم]

(4)

النفس للقود.

قوله: (وكفارة يمينه

إلخ) هذا يعارض حديث أبي هريرة، لأنه قد نفى الكفارة عن الخمس التي من جملتها اليمين الفاجرة في اقتطاع حقّ، وهذا أثبت له كفارة، وهي التكلم بكلمة الشهادة ومعرفته لها.

ويجمع بينهما بأنَّ النفي عامّ والإثبات خاصّ.

قوله: (باللغو) الآية.

قال الراغب

(5)

: هو في الأصل: ما لا يعتدّ به من الكلام والمراد به في الأيمان ما يورد عن غير روية، فيجري مجرى اللغا، وهو صوت العصافير.

(1)

في السنن الكبرى رقم (6006 و 6007 - العلمية) و (5963 و 5964 - الرسالة).

(2)

انظر: "تهذيب التهذيب"(3/ 103 - 105).

ومعجم الرواة الذين ترجم لهم العلامة الألباني (3/ 129 - 136).

(3)

سورة النساء، الآية:(48).

(4)

في المخطوط (ب): (تسليم).

(5)

في مفرداته ص 742.

ص: 348

قوله: (لا والله) أخرجه أبو داود

(1)

عنها مرفوعًا بلفظ: "قالت عائشة: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هو كلام الرجل في بيته، كلا والله، وبلى والله"".

وأخرجه أيضًا البيهقي

(2)

وابن حبان

(3)

، وصحح الدارقطني

(4)

الوقف.

ورواه البخاري

(5)

والشافعي

(6)

ومالك

(7)

عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة موقوفًا.

ورواه الشافعي

(8)

من حديث عطاء أيضًا موقوفًا.

قال أبو داود

(9)

: ورواه غير واحد عن عطاء عن عائشة موقوفًا.

وأخرج الطبري

(10)

من طريق الحسن البصري مرفوعًا في قصة الرُّمَاة، وكان أحدهم إذا رمى حلف أنه أصاب فيظهر أنه أخطأ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"أيمان الرماة لغو لا كفارة لها ولا عقوبة".

قال الحافظ

(11)

: وهذا لا يثبت لأنهم كانوا لا يعتمدون مراسيل الحسن، لأنه كان يأخذ عن كل أحد.

وقد تمسك بتفسير عائشة المذكور في الباب الشافعي

(12)

، وقال: إنها قد جزمت بأن الآية نزلت في قول الرجل: لا والله، وبلى والله، وهي قد شهدت التنزيل.

(1)

في السنن رقم (3254) وهو حديث صحيح.

(2)

في السنن الكبرى (90/ 401).

(3)

في صحيحه رقم (4333).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "التلخيص"(4/ 308).

(5)

في صحيحه رقم (4613) موقوفًا.

(6)

في المسند (ج 2 رقم 244 - ترتيب).

(7)

في "الموطأ"(2/ 477 رقم 9).

وهو موقوف صحيح.

(8)

في المسند (ج 2 رقم 245 - ترتيب).

وهو موقوف صحيح.

(9)

في إثر الحديث رقم (3254).

(10)

في "جامع البيان"(4/ 31 - عالم الكتب) بسند ضعيف.

(11)

في "الفتح"(11/ 547).

(12)

"الأم" للشافعي (8/ 154 - 155).

ص: 349

وذهبت الحنفية

(1)

والهادوية

(2)

إلى أن لغو اليمين أن يحلف على شيء يظنه ثم يظهر خلافه، وبه قال ربيعة (3) ومالك (3) ومكحول (3) والأوزاعي (3) والليث

(3)

.

وعن أحمد

(4)

روايتان.

قال في الفتح

(5)

: ونقل ابن المنذر وغيره عن ابن عمر، وابن عباس، وغيرهما من الصحابة.

وعن القاسم، وعطاء، والشعبي، وطاوس، والحسن، نحو ما دلّ عليه حديث عائشة عن أبي قلابة: لا والله، وبلى والله، لغة من لغات العرب لا يراد بها اليمين وهي من صلة الكلام.

ونقل إسماعيل القاضي عن طاوس أن لغو اليمين أن يحلف وهو غضبان، ونقل أقوالًا آخر عن بعض التابعين.

وجملة ما يتحصل من ذلك ثمانية أقوال من جملتها قول إبراهيم النخعي: إن اللغو هو أن يحلف على الشيء لا يفعله ثم ينسى فيفعله، أخرجه الطبري

(6)

. وأخرج عبد الرزاق

(7)

عن الحسن مثله.

وعنه

(8)

هو كقول الرجل: والله إنه لكذا، وهو يظنّ أنه صادق ولا يكون كذلك.

وأخرج الطبري

(9)

من طريق طاوس عن ابن عباس أن يحلف وهو غضبان.

ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس

(10)

أن يحرّم ما أحلّ الله له.

وقيل

(11)

: هو أن يدعو على نفسه إن فعل كذا ثم يفعله، وهذا هو يمين المعصية.

(1)

بدائع الصنائع (3/ 4) والبناية في شرح الهداية (6/ 7 - 8).

(2)

البحر الزخار (4/ 233).

(3)

حكاه عنهم ابن قدامة في المغني (13/ 451).

(4)

المغني (13/ 451) والفتح (11/ 548) والإشراف (1/ 430 - 431 رقم المسألة 760).

(5)

الفتح (11/ 548).

(6)

في "جامع البيان"(4/ 22).

(7)

في "المصنف" رقم (15955).

(8)

عبد الرزاق في المصنف رقم (15953).

(9)

في "جامع البيان"(4/ 26).

(10)

انظر: "جامع البيان"(4/ 29).

(11)

انظر: "جامع البيان"(4/ 31 - 32).

ص: 350

قال ابن العربي

(1)

: القول بأن اللغو اليمين هو المعصية باطل، لأن الحالف على ترك المعصية تنعقد يمينه، ويقال له: لا تفعل وكفّر عن يمينك، فإن خالف وأقدم على الفعل أثم وبرّ في يمينه.

قال

(2)

: ومن قال: إنها يمين الغضب يردّه ما ثبت في الأحاديث، يعني المذكورة في الباب، ومن قال: دعاء الإنسان على نفسه إن فعل أو لم يفعل، فاللغو إنما هو في طريق الكفارة وهي تنعقد.

وقد يؤاخذ بها لثبوت النهي عن دعاء الإنسان على نفسه، ومن قال: إنها اليمين التي تكفر فلا متعلق له، فإن الله تعالى رفع المؤاخذة عن اللغو مطلقًا فلا إثم فيه ولا كفارة، فكيف يفسر اللغو بما فيه الكفارة وثبوت الكفارة يقتضي وجود المؤاخذة.

وقد أخرج ابن أبي عاصم

(3)

من طريق الزبيدي، وابن وهب في "جامعه"(3) عن يونس، وعبد الرزاق في "مصنفه"

(4)

عن معمر كلهم عن الزهري عن عروة عن عائشة: "لغو اليمين ما كان في المراء والهزل أو المراجعة في الحديث الذي لا يعقد عليه القلب"، وهذا موقوف.

ورواية يونس تقارب الزبيدي، ولفظ معمر:"إنه القوم يتدارءون يقول أحدهم: لا والله، وبلى والله، وكلا والله، ولا يقصد الحلف"، وليس مخالفًا للأول.

وأخرج ابن وهب

(5)

عن الثقة عن الزهري بهذا السند: "هو الذي يحلف على الشيء لا يريد به إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه".

وهذا يوافق القول الثاني لكنه ضعيف من أجل هذا المبهم شاذّ لمخالفته من هو أوثق منه وأكثر عددًا.

(1)

ابن العربي في "أحكام القرآن"(1/ 176).

(2)

كما في "الفتح"(11/ 548).

(3)

كما في "الفتح"(11/ 548).

(4)

في "المصنف" رقم (15952).

وهذا موقوف قاله الحافظ في الفتح (11/ 548).

(5)

كما في "الفتح"(11/ 548).

ص: 351

والحاصل في المسألة أن القرآن الكريم قد دلّ على عدم المؤاخذة في يمين اللغو، وذلك يعمّ الإثم والكفارة فلا يجب أيهما.

والمتوجه الرجوع في معرفة معنى اللغو إلى اللغة العربية وأهل عصره صلى الله عليه وسلم أعرف الناس بمعاني كتاب الله تعالى، لأنهم مع كونهم من أهل اللغة قد كانوا من أهل الشرع ومن المشاهدين لرسول الله صلى الله عليه وسلم والحاضرين في أيام النزول، فإذا صحّ عن أحدهم تفسير لم يعارضه ما يرجح عليه أو يساويه وجب الرجوع إليه وإن لم يوافق ما نقله أئمة اللغة في معنى ذلك اللفظ، لأنه يمكن أن يكون المعنى الذي نقله إليه شرعيًا لا لغويًا، والشرعي مقدّم على اللغوي كما تقرّر في الأصول

(1)

، فكان الحقّ فيما نحن بصدده هو أن اللغو ما قالته عائشة رضي الله عنها.

وفي حديث الباب تعرُّض لذكر بعض الكبائر، والكلام في شأنها طويل الذيول لا يتسع لبسطه إلا مؤلف حائل، وقد ألف ابن حجر في ذلك [مجلدًا]

(2)

ضخمًا سمَّاه (الزواجر في الكبائر)

(3)

، فمن رام الاستقصاء رجع إليه، وأما حصرها في عدد معين فليس ذلك إلا باعتبار الاستقراء لا باعتبار الواقع، فمن جعل عددها أوسع فلكثرة ما استقرأه منها.

[الباب الثاني عشر] باب اليمين على المستقبل وتكفيرها قبل الحنث وبعده

39/ 3836 - (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا حَلَفْتَ عَلى يَمِينٍ فَرأيْتَ غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، فائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك"

(4)

. [صحيح]

(1)

انظر: "إرشاد الفحول" ص 109 بتحقيقي، والمحصول (1/ 298) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (7/ 298 - 299).

(2)

في المخطوط (ب): (مؤلفًا).

(3)

الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي الهيتمي.

ويضم (467) كبيرة.

(4)

أحمد في المسند (5/ 61) والبخاري رقم (6622) ومسلم رقم (19/ 1652).

وهو حديث صحيح.

ص: 352

وفي لَفْظٍ: "فَكَفِّرْ عنْ يَمِينِكَ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما

(1)

.

[صحيح]

وفِي لَفْظٍ: "إذَا حَلَفْتَ على يَمِينٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، رَوَاهُ النَّسائيُّ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

. [صحيح]

وَهُوَ صَرِيح في تَقْدِيمِ الكَفَّارَةِ).

40/ 3837 - (وَعَنْ عَدِيّ بْنِ حاتمٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حَلَفَ أحَدُكُمْ على يَمِينٍ فَرأى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها فَلْيُكَفِّرْها وَلْيأتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

. [صحيح]

وفِي لَفْظٍ: "مَنْ حَلَفَ على يَمِين فَرأى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها فَلْيأتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَمُسْلِمٌ

(6)

وَالنَّسائيُّ

(7)

وَابْنُ ماجَهْ)

(8)

. [صحيح]

41/ 3838 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ فَرأى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِه، وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(9)

وَمُسْلِمٌ

(10)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(11)

وصَحَّحَهُ. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (5/ 63) والبخاري رقم (6722) ومسلم رقم (13/ 1650).

(2)

في سننه رقم (3782).

(3)

في سننه رقم (3277).

وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (17/ 1651).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المسند (4/ 256).

(6)

في صحيحه رقم (16/ 1651).

(7)

في سننه رقم (3785).

(8)

في سننه رقم (2108).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1027) و (1028) والبيهقي (10/ 32).

وهو حديث صحيح.

(9)

في المسند (2/ 361).

(10)

في صحيحه رقم (12/ 1650).

(11)

في سننه رقم (1530) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 353

وفِي لَفْظٍ: "فَلْيأتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِه"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

(1)

. [صحيح]

42/ 3839 - (وَعَنْ أبي مُوسَى عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا أحْلِفُ على يَمِينٍ فأرَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها إِلا أتيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا"

(2)

. [صحيح]

وفِي لَفْظٍ: "إلَّا كفَّرْتُ عَنْ يَمِيني وفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"

(3)

. [صحيح]

وفي لَفْظٍ: "إلَّا أتيْتُ الَّذي هُوَ خَيْرٌ وكَفَّرْتُ عَنْ يَمِيني"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ)

(4)

. [صحيح]

43/ 3840 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا نَذْرَ وَلا يَمِينَ فِيما لا تَمْلِكُ، وَلا فِي مَعْصِيَةٍ، وَلا [فِي]

(5)

قَطِيعَةِ رَحِمٍ"، رَوَاهُ النَّسائيُّ

(6)

وأبُو دَاوُدَ

(7)

. [حسن دون قوله: "ومن حلف

" فمنكر]

وَهُوَ مَحْمُولٌ على نَفْي الوَفاءِ بِها).

44/ 3841 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: كانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أهْلَهُ قُوتًا فِي سَعَةٍ، وكانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أهْلَهُ قُوتًا فِي شِدَّةٍ، فَنَزلَتْ:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}

(8)

. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(9)

. [موقوف صحيح الإسناد]

(1)

في صحيحه رقم (13/ 1650).

(2)

أحمد في المسند (4/ 401) والبخاري رقم (3133) ومسلم رقم (9/ 1649).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (4/ 398) والبخاري رقم (6719) ومسلم رقم (7/ 1649).

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (4/ 418) والبخاري رقم (6621) ومسلم رقم (10/ 1649).

وهو حديث صحيح.

(5)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (أ).

(6)

في سننه رقم (3792).

(7)

في سننه رقم (32740).

وهو حديث حسن وأما قوله: "ومن حلف

" فهو منكر.

(8)

سورة المائدة، الآية:(89).

(9)

في سننه رقم (2113).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 148): "هذا إسناد موقوف صحيح الإسناد".

ص: 354

45/ 3842 - (وَعَنْ أُبيّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُما قَرَءا: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات"، حَكاهُ أحْمَدُ وَرَوَاهُ الأثْرَمُ بإسْنَادِهِ)

(1)

.

حديث عمرو بن شعيب ذكر البيهقي

(2)

أنه لم يثبت وتمامه: "ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها وليأت الذي هو خير، فإنَّ تركها كفارتها".

قال أبو داود

(3)

: الأحاديث كلُّها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وليكفر عن يمينه" إلا ما لا يعبأ به.

قال الحافظ في الفتح

(4)

: ورواته لا بأس بهم لكن اختلف في سنده على عمرو، وفي بعض طرقه عند أبي داود

(5)

: "ولا في معصية".

وأثر ابن عباس رجال إسناده في سنن ابن ماجه

(6)

رجال الصحيح إلا سليمان بن أبي المغيرة العبسي، ولكنه قد وثقه ابن معين، وقال في التقريب

(7)

: صدوق.

وأثر أُبيّ بن كعب أخرجه الدارقطني

(8)

وصححه.

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 276) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

من حديث أُبيّ بن كعب. وعزاه السيوطي في الدر المنثور للحاكم (3/ 155).

• وأخرجه البيهقي (10/ 60) وعبد الرزاق رقم (16103) عن ابن مسعود.

قلت: إسناده حسن، والله أعلم.

وانظر: "معجم القراءات"(2/ 337).

(2)

في السنن الكبرى (10/ 33، 34).

(3)

في السنن (3/ 583).

(4)

في "الفتح"(11/ 565).

(5)

في السنن رقم (3274) وقد تقدم.

(6)

في السنن رقم (2113) وقد تقدم.

(7)

في "التقريب رقم الترجمة (2613).

وقال المحرران: بل ثقة، وثّقه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، والعجلي، وابن حبان، وابن خلفون، وروى عنه جمع منهم السفيانان، وشعبة، ولا نعلم فيه جرحًا سوى قول أبي زرعة: شيخ. فكأنه ما عرفه".

(8)

لم أقف عليه عند الدارقطني.

بل أخرج الحاكم أثر أُبيّ بن كعب في المستدرك (2/ 276) وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (10/ 60) وعبد الرزاق رقم (16103) أثر ابن مسعود وقد تقدما قريبًا.

ص: 355

قوله: (فائت الذي هو خير) فيه دليل: على أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة، ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه، فإن حلف على فعل واجب، أو ترك حرام؛ فيمينه طاعة، والتمادي واجب، والحنث معصية، وعكسه بالعكس، وإن حلف على فعل نفلٍ، فيمينه طاعة، والتمادي مستحبٌ، والحنث مكروه؛ وإن حلف على ترك مندوب؛ فبعكس الذي قبله، وإن حلف على فعل مباحٍ، فإن كان يتجاذبه رجحان الفعل أو الترك، كما لو حلف لا يأكل طيبًا ولا يلبس ناعمًا ففيه عند الشافعية

(1)

خلاف.

وقال ابن الصباغ - وصوّبه المتأخرون -: إنَّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال، وإن كان مستوي الطرفين، فالأصحّ: أن التمادي أولى؛ لأنه قال: "فليأت الذي هو خير".

قوله: (فكفّر عن يمينك، ثم ائت الذي هو خير)، هذه الرواية صححها الحافظ في "بلوغ المرام"

(2)

.

وأخرج نحوها أبو عوانة في صحيحه

(3)

.

وأخرج الحاكم

(4)

عن عائشة نحوها.

وأخرج أيضًا الطبراني

(5)

من حديث أُم سلمة بلفظ: "فليكفّر عن يمينه، ثم ليفعل الذي هو خير".

وفيه دليل: على أن الكفارة يجب تقديمها على الحنث، ولا يعارض ذلك الروايةُ المذكورة في الباب قبلها بلفظ:"فأتِ الذي هو خير وكفر"، [لأن]

(6)

الواو لا تدلّ على ترتيب إنما هي لمطلق الجمع.

(1)

البيان للعمراني (10/ 491 - 492).

(2)

رقم الحديث (4/ 1283) بتحقيقي ط: دار ابن تيمية، القاهرة.

(3)

في مسنده رقم (5911 و 5914 و 5949).

(4)

في المستدرك (4/ 301) وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

(5)

في المعجم الكبير (ج 23 رقم 694).

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 184، 185) وقال: رجاله ثقات إلا أن عبد الله بن حسن لم يسمع من أم سلمة.

(6)

في المخطوط (ب): (فإن).

ص: 356

على أن الواو لو كانت تفيد ذلك لكانت الرواية التي بعدها بلفظ: "فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير" تخالفها، وكذلك بقية الروايات المذكورة في الباب.

قال ابن المنذر

(1)

: رأي ربيعة، والأوزاعي، ومالك، والليث وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي أن الكفارة تجزئ قبل الحنث إلا أن الشافعي

(2)

استثنى الصيام فقال: لا يجزئ إلا بعد الحنث.

وقال أصحاب

(3)

الرأي: لا تجزئ الكفارة قبل الحنث.

وعن مالك

(4)

روايتان.

ووافق الحنفية أشهب

(5)

من المالكية وداود الظاهري

(6)

، وخالفه ابن حزم

(7)

، واحتجّ له الطحاوي

(8)

لقوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}

(9)

، فإن المراد إذا حلفتم فحنثتم. وردّه مخالفوه فقالوا: بل التقدير فأردتم الحنث.

قال الحافظ

(10)

: وأولى من ذلك أن يقال: التقدير أعمّ من ذلك فليس أحد التقديرين بأولى من الآخر.

واحتجوا أيضًا بأن ظاهر الآية أن الكفارة وجبت بنفس اليمين.

وردّه من أجازها بأنها لو كانت بنفس اليمين لم تسقط عمن لم يحنث اتفاقًا.

(1)

في الإشراف (1/ 454 - 455) رقم المسألة (846).

(2)

الأم (8/ 155 - 156).

(3)

المبسوط (8/ 147 - 148) ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي (3/ 246 رقم المسألة 1350).

(4)

مواهب الجليل (3/ 337) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 467 - 468).

(5)

حكاه عنه القاضي عياض في إكمال المعلم (5/ 408).

(6)

المحلى (8/ 65).

(7)

في المحلى (8/ 65).

(8)

مختصر اختلاف العلماء (3/ 247).

(9)

سورة المائدة، الآية:(89).

(10)

في "الفتح"(11/ 609).

ص: 357

واحتجوا أيضًا بأن الكفارة بعد الحنث فرض وإخراجها قبله تطوّع فلا يقوم التطوّع مقام المفروض.

وانفصل عنه من أجاز بأنه يشترط إرادة الحنث، وإلا فلا تجزئ كما في تقديم الزكاة

(1)

.

وقال عياض

(2)

: اتفقوا على أن الكفارة لا تجب إلا بالحنث وأنه يجوز تأخيرها [إلى]

(3)

بعد الحنث؛ واستحبّ الإمام مالك والشافعي

(4)

والأوزاعي والثوري

(5)

تأخيرها بعد الحنث.

قال عياض

(6)

: ومنع بعض المالكية تقديم كفارة حنث المعصية، لأن فيه إعانة على المعصية، وردّه الجمهور.

قال ابن المنذر

(7)

: واحتجّ للجمهور بأن اختلاف ألفاظ الأحاديث لا يدلّ على تعيين أحد الأمرين.

والذي يدلّ عليه أنه أمر الحالف بأمرين، فإذا أتى بهما جميعًا فقد فعل ما أمر به، وإذا دلّ الخبر على المنع فلم يبق إلا طريق النظر، فاحتجّ للجمهور بأن عقد اليمين لما كان يحله الاستثناء وهو كلام، فلأن تحله الكفارة وهي فعل مالي أو بدني أولى، ويرجح قولهم أيضًا بالكثرة.

وذكر عياض

(8)

وجماعة أن عدّة من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشر صحابيًا، وتبعهم فقهاء الأمصار إلا أبا حنيفة.

وقد عرفت مما سلف أن المتوجه العمل برواية الترتيب المدلول عليه بلفظ (ثم)، ولولا الإجماع المحكي سابقًا على جواز تأخير الكفارة عن الحنث لكان ظاهر الدليل أن تقديم الكفارة واجب كما سلف.

(1)

نيل الأوطار (8/ 113 - 119) من كتابنا هذا.

(2)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 408).

(3)

زيادة من المخطوط (ب).

(4)

في الأم (8/ 155).

(5)

موسوعة فقه سفيان الثوري ص 834.

(6)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 408).

(7)

الإشراف لابن المنذر (1/ 455 - 456).

(8)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 408).

ص: 358

قال المازري

(1)

: للكفارة ثلاث حالات:

(أحدها): قبل الحلف فلا تجزئ اتفاقًا.

(ثانيها): بعد الحلف والحنث فتجزئ اتفاقًا.

(ثالثها): بعد الحلف وقبل الحنث ففيها الخلاف.

والأحاديث المذكورة في الباب تدلّ على وجوب الكفارة مع إتيان الذي هو خير.

وفي حديث عمرو بن شعيب

(2)

المذكور بعضه في الباب ما يدلّ على أن ترك اليمين وإتيان الذي هو خير هو الكفارة، وقد ذكرنا ذلك، وذكرنا أن أبا داود قال: إنَّ ما ورد من ذلك إلا ما لا يعبأ به.

قال الحافظ

(3)

: كأنه يشير إلى حديث يحيى بن عبيد الله عن أبيه أبي هريرة

(4)

يرفعه: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير فهو كفارته"، ويحيى

(5)

ضعيف جدًّا.

وقد وقع في حديث عديّ بن حاتم عند مسلم

(6)

ما يوهم ذلك، فإنه أخرجه عنه بلفظ:"من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير وليترك يمينه"، هكذا أخرجه من وجهين ولم يذكر الكفارة، ولكن أخرجه من وجه آخر

(7)

بلفظ: "فرأى غيرها خيرًا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير"، ومداره في الطرق كلها على عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عديّ، والذي زاد ذلك حافظ فهو المعتمد.

(1)

في "المعلم"(2/ 241 - 242).

(2)

تقدم برقم (3840) من كتابنا هذا.

(3)

في "الفتح"(11/ 617).

(4)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 34) بسند ضعيف جدًّا.

(5)

يحيى بن عبيد الله. قال أبو داود: قلت لأحمد بن حنبل: روى يحيى بن سعيد عن يحيى بن عبيد الله، فقال: تركه بعد ذلك وكان لذلك أهلًا.

قال أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير، وأبوه لا يعرف.

[السنن الكبرى (10/ 34) و"المعرفة" (7/ 308 - العلمية)].

(6)

في صحيحه رقم (16/ 1651).

(7)

أي مسلم من وجه آخر في صحيحه رقم (17/ 1651).

ص: 359

قوله: (كان الرجل يقوت أهله

إلخ) فيه أن الأوسط المنصوص عليه في الآية الكريمة هو المتوسط ما بين قوت الشدّة والسعة.

قوله: (إنهما قرءا فصيام ثلاثة أيام متتابعات) قراءة الآحاد منزلة منزلة أخبار الآحاد صالحة لتقييد المطلق وتخصيص العام كما تقرّر في الأصول

(1)

، وخالف في وجوب التتابع عطاء ومالك

(2)

والشافعي

(3)

والمحاملي

(4)

.

(1)

إرشاد الفحول (ص 137 - 138) بتحقيقي.

(2)

عيون المجالس (3/ 1004 - 1005) رقم المسألة (707).

(3)

الأم (8/ 161) والمهذب (4/ 529).

(4)

البيان للعمراني (10/ 592).

ص: 360

[الكتاب الخامس والأربعون] كتاب النذر

[الباب الأول] بابُ نَذْرِ الطَّاعَةِ مطلقًا ومعلَّقًّا بِشَرْط

1/ 3843 - (عَنْ عائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ الله فَليُطعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا)

(1)

[صحيح]

2/ 3844 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّذْرِ وَقالَ: "إنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا وَإنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا الترْمِذِيَّ

(2)

. [صحيح]

وَللْجَماعَةِ إلَّا أبا دَاوُدَ

(3)

مِثْلُ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أبي هُرَيْرَةَ). [صحيح]

لفظ حديث أبي هريرة: "لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم أكن قدرته، ولكن يلقيه النذر إلى القدر فيستخرج الله فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل"، أي: يعطيني.

قوله: (فليطعه) الطاعة أعمُّ من أن تكون واجبة أو غير واجبة، ويتصوَّر النذر في الواجب بأن يوقِّته، كمن ينذر أن يصلي الصلاة في أوّل وقتها فيجب عليه ذلك بقدر ما أقته.

(1)

أحمد في المسند (6/ 36، 41، 224) والبخاري رقم (6696) وأبو داود رقم (3289) والترمذي رقم (1526) والنسائي رقم (3806) وابن ماجه رقم (2126).

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (2/ 61، 86، 118) والبخاري رقم (6693) ومسلم رقم (2/ 1639) وأبو داود رقم (3287) والنسائي رقم (3803) وابن ماجه رقم (2122).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (2/ 242، 301، 412) والبخاري رقم (6694) ومسلم رقم (5/ 1639) والترمذي رقم (1538) والنسائي رقم (3804) وابن ماجه رقم (2123).

قلت: وهو عند أبي داود رقم (3288).

وهو حديث صحيح.

ص: 361

وأما المستحبُّ من جميع العبادات المالية والبدنية فينقلب بالنذر واجبًا، ويتقيد بما قيد به الناذر.

والخبر صريح في الأمر بالوفاء بالنذر إذا كان في طاعة، وفي النهي عن الوفاء به إذا كانت في معصية.

وهل تجب في الثاني كفارة يمين أو لا؟ فيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى.

قوله: (إنه لا يرد شيئًا) فيه إشارةٌ إلى تعليل النهي عن النذر.

وقد اختلف العلماء في هذا النهي؛ فمنهم من حمله على ظاهره، ومنهم من تأوَّله.

قال ابن الأثير في النهاية

(1)

: تكرّر النهي عن النذر في الحديث، وهو تأكيد لأمره، وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه، وإسقاط لزوم الوفاء به، إذ يصير بالنهي معصيةً فلا يلزم، وإنما وجه الحديث: أنه قد أعلمهم أن ذلك الأمر لا يجرّ إليهم في العاجل نفعًا ولا يصرف عنهم ضررًا ولا يغير قضاء، فقال: لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئًا لم يقدّر الله لكم، أو تصرفون به عنكم ما قدَّره عليكم، فإذا نذرتم فاخرجوا بالوفاء، فإن الذي نذرتموه لازم لكم. انتهى.

وقال أبو عبيد

(2)

: النهي عن النذر والتشديد فيه؛ ليس هو أن يكون مأثمًا، ولو كان كذلك ما أمر الله تعالى أن يوفى به، ولا حَمد فاعله، ولكن وجهه عندي تعظيم شأن النذر وتغليظ أمره لئلا يستهان بشأنه فيفرّط في الوفاء به ويترك القيام به.

ثم استدلّ على الحثّ على الوفاء به من الكتاب والسنة، وإلى ذلك أشار المازري

(3)

بقوله: ذهب بعض علمائنا: إلى أن الغرض بهذا الحديث التحفظ في النذر.

(1)

النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/ 728).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(11/ 577).

(3)

في "المعلم" له (2/ 236).

ص: 362

قال

(1)

: وهذا عندي بعيد من ظاهر الحديث.

ويحتمل عندي أن يكون وجه الحديث أن الناذر يأتي بالقربة مستثقلًا لها لما صارت عليه ضربة لازب، وكل ملزوم فإنه لا ينشط للفعل نشاط مطلق الاختيار.

ويحتمل أن يكون سببه: أن الناذر لما لم يبذل القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يريد صار كالمعاوضة التي تقدح في نية المتقرّب.

قال (1): ويشير إلى هذا التأويل قوله: "إنه لا يأتي بخير"

(2)

، وقوله:"إنه لا يقرِّب من ابن آدم شيئًا لم يكن الله قدّره له"

(3)

، وهذا كالنصّ على هذا التعليل. انتهى.

والاحتمال الأول يعمّ أنواع النذر، والثاني يخصّ نوع المجازاة، وزاد القاضي عياض

(4)

فقال: ويقال: إن الإخبار بذلك وقع على سبيل الإعلام من أنه لا يغالب القدر ولا يأتي الخير بسببه والنهي عن اعتقاد خلاف ذلك خشية أن يقع ذلك في ظنّ بعض الجهلة.

قال

(5)

: ومحصل مذهب الإمام مالك: أنه مباح إلا إذا كان مؤبدًا لتكرره عليه في أوقات، فقد يثقل عليه فعله فيفعله بالتكلف من غير طيبة نفس وخالص نية.

قوله: (إنَّه لا يردُّ شيئًا) يعني مما يكرهه الناذر، وأوقع النذر استدفاعًا له؛ وأعمُّ من هذه الرواية ما في البخاري

(6)

وغيره

(7)

بلفظ: "إنه لا يأتي بخير" فإنه قد ينظر استجلابًا لنفع أو استدعاء لضرر، والنذر لا يأتي بذلك المطلوب، وهو الخير الكائن في النفع أو الخير الكائن في اندفاع الضرر.

(1)

أي المازري في المرجع المتقدم.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (4/ 1639).

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (7/ 1640).

(4)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 388).

(5)

أي القاضي عياض في المرجع المتقدم.

(6)

لم أقف عليه عند البخاري.

(7)

كمسلم في صحيحه رقم (4/ 1639).

ص: 363

قال الخطابي في "الأعلام"

(1)

: هذا باب من العلم غريب وهو أن ينهى عن فعل شيء حتى إذا فعل كان واجبًا.

وقد ذهب أكثر الشافعية

(2)

ونقل عن نص الشافعي أن النذر مكروه، وكذا نقل عن المالكية

(3)

، وجزم الحنابلة

(4)

بالكراهة.

وقال النووي

(5)

: إنه مستحب، صرح بذلك في شرح المهذب.

وروي ذلك عن القاضي حسين

(6)

، والمتولي

(7)

والغزالي

(8)

.

وجزم القرطبي في المفهم

(9)

بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي على نذر المجازاة فقال: هذا النهي محله أن يقول مثلًا: إن شفى الله مريضي فعليّ صدقة.

ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكورة على حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى بما صدر منه، بل سلك فيها مسلك المعاوضة.

ويوضحه: أنه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه، وهذه حالة البخيل، فإنه لا يخرج من ماله شيئًا إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالبًا.

وهذا المعنى هو المشار إليه بقوله: "وإنما يستخرج به من البخيل"، قال: وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظنّ أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو أن الله تعالى يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر، وإليهما الإشارة في الحديث بقوله:"فإنه لا يرد شيئًا"، والحالة الأولى تقارب الكفر، والثانية خطأ صريح.

قال الحافظ

(10)

: بل تقرب من الكفر، ثم نقل القرطبي

(11)

عن العلماء حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة.

(1)

في أعلام الحديث (4/ 3277).

(2)

المجموع شرح المهذب (8/ 434).

(3)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 390).

(4)

المغني (13/ 621).

(5)

في "المجموع شرح المهذب"(8/ 434).

(6)

في شفاء الأوام (3/ 111).

(7)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(11/ 578).

(8)

في كتابه "الوسيط"(7/ 259).

(9)

في "المفهم"(4/ 607).

(10)

في "الفتح"(11/ 579).

(11)

في المفهم (4/ 607).

ص: 364

قال

(1)

: والذي يظهر لي: أنَّه على التحريم في حقّ من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرّمًا، والكراهة في حقّ من لم يعتقد ذلك.

قال الحافظ

(2)

: وهو تفصيل حسن، ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها في نذر المجازاة.

وقد أخرج الطبري

(3)

بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}

(4)

قال: كانوا ينذرون طاعة الله تعالى من الصلاة والصيام والزكاة والحجّ والعمرة وما افترض عليهم، فسماهم الله تعالى أبرارًا، وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة.

وقد يشعر التعبير بالبخيل أن المنهي عنه من النذر ما فيه مال فيكون أخصّ من المجازاة.

ولكن قد يوصف بالبخل من تكاسل عن الطاعة كما روى الحديث المشهور: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ"، أخرجه النسائي

(5)

وصححه ابن حبان

(6)

، أشار إلى ذلك العراقي في شرح الترمذي.

وقد نقل القرطبي

(7)

الاتفاق على وجوب الوفاء بنذر المجازاة لقوله: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"، ولم يفرّق بين المعلق وغيره.

(1)

أي: القرطبي في المرجع المتقدم.

(2)

في "الفتح"(11/ 579).

(3)

في "جامع البيان"(23/ 541).

(4)

سورة الإنسان، الآية:(7).

(5)

في "عمل اليوم والليلة" رقم (56) وفي "فضائل القرآن" رقم (125).

(6)

في صحيحه رقم (909).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (3546) وأحمد في المسند (1/ 201) وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (382) وأبو يعلى رقم (6776) وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " رقم (32) والحاكم (1/ 549) من طرق.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وقال الحافظ: ولا يقصر عن درجة الحسن (الفتح: 11/ 168).

وصححه الألباني في الإرواء (1/ 35).

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(7)

في "المفهم"(4/ 614).

ص: 365

قال الحافظ

(1)

: والاتفاق الذي ذكره مسلم لكن في الاستدلال بالحديث المذكور لوجوب الوفاء بالنذر المعلق نظر. قلت: لا نظر إذا لم يصحبه اعتقاد فاسد، لأن إخراج المال في القرب طاعة، والبخيل يحرص على المال فلا يخرج إلا في نحو نذر المجازاة ولا تتيسر طاعته المالية إلا [بمثل]

(2)

ذلك، أو ما لا بدّ [له]

(3)

منه كالزكاة والفطرة، فلو لم يلزمه الوفاء لاستمرّ على بخله ولم يتمّ الاستخراج المذكور.

[الباب الثاني] باب ما جاءَ في نذر المباح والمعصية وما أخرج مخرج اليمين

3/ 3845 - (عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال: بَيْنا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إذْ هُوَ بِرَجُلٍ قائمٍ، فَسألَ عَنهُ فَقالُوا: أبُو إسْرَائيلَ نَذَرَ أنْ يَقُوم فِي الشَّمْسِ، وَلا يَقْعُدَ، وَلا يَسْتَظِلَّ، وَلا يَتَكَلَّمَ، وأنْ يَصُومَ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ". رَوَاهُ البُخارِيُّ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ

(5)

وأبُو دَاوُدَ)

(6)

[صحيح]

4/ 3846 - (وَعَنْ ثابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَيْسَ على الرَّجُلِ نَذْرٌ فِيما لا يَمْلِكُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(7)

. [صحيح]

5/ 3847 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا نَذْرَ إلَّا فِيما ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ الله تعالى"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(8)

وأبُو دَاوُدَ

(9)

. [حسن]

(1)

في "الفتح"(11/ 579).

(2)

في المخطوط (ب): (في مثل).

(3)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(4)

في صحيحه رقم (6704).

(5)

في سننه رقم (2136).

(6)

في سننه رقم (3300).

وهو حديث صحيح.

(7)

أحمد في المسند (4/ 33) والبخاري رقم (6047) ومسلم رقم (176/ 110).

وهو حديث صحيح.

(8)

في المسند (2/ 183، 185).

(9)

في سننه رقم (2192) و (3273).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 186) وقال: "روى أبو داود طرفًا من آخره، =

ص: 366

وفِي رِوَايَةٍ: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إلى أعْرَابيّ قائمًا فِي الشَّمْسِ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقالَ:"ما شأنُكَ؟ " قَالَ: نَذَرْتُ يا رَسُولَ الله أنْ لا أزَالَ فِي الشَّمْسِ حتَّى تَفْرُغَ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ هَذَا نَذْرًا، إنما النَّذْرُ ما ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ الله" رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [حسن]

6/ 3848 - (وَعَنْ سَعِيد بْنِ المُسَيِّبِ أن أخَوَيْنِ مِنَ الأنْصَارِ كانَ بَيْنَهُما مِيرَاثٌ، فَسألَ أحَدُهُما صَاحِبَهُ القِسْمَةَ، فَقالَ: إنْ عُدْتَ تسألُنِي القِسْمَةَ فَكُلُّ مالي فِي رِتاجِ الكَعْبَةِ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّ الكَعْبَةَ غَنِيَّةٌ عَنْ مالِكَ، كَفِّرْ عَنْ يَمِينكَ وكَلِّمْ أخَاكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يمِينَ عَلَيْكَ، وَلا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبّ، وَلا فِي قَطِيعَة الرَّحِمِ، وَلا فِيما لَا تَمْلِكُ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(2)

[إسناده ضعيف]

7/ 3849 - (وَعَنْ ثابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أن رَجُلًا أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إني نَذَرْتُ أنْ أنحَرَ إبِلًا ببُوَانَةَ، فَقالَ: "أكانَ فِيها وَثَنٌ مِنْ أوْثانِ الجاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ "، قالُوا: لا، قالَ: "فَهَلْ كان فِيها عِيدٌ مِنْ أعْيادِهِمْ؟ "، قالُوا: لا، قالَ: "أوْفِ بِنَذْرِكَ فإنَّهُ لا وَفاءَ لِنَذرٍ فِي مَعْصِيَةِ الله، وَلا فِيما لا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(3)

. [صحيح]

= رواه أحمد، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزَّناد، وقد وثقه جماعة، وضعفه آخرون".

قلت: عبد الرحمن بن أبي الزَّناد: رواية البغداديين عنه مضطربة.

قال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني يضعَّف ما حدث به ابن أبي الزَّناد بالعراق، ويصحح ما حدث به بالمدينة. وهذا من رواية البغداديين عنه. لكنه توبع.

وللحديث شاهد من حديث ابن عباس عند الطبراني في الأوسط رقم (2029) وفي الكبير (ج 11 رقم 10933).

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 186): ورجال الكبير ثقات.

قلت: وفي إسناد الأوسط والكبير: سليمان بن أبي سليمان: ضعيف.

- الجرح والتعديل (4/ 122) والكامل (3/ 1109).

وخلاصة القول: أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حديث حسن.

(1)

في المسند (2/ 211) وفي سنده عبد الرحمن بن أبي الزَّناد، وقد تقدم الكلام عليه في التعليقة السابقة. وقد توبع.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(2)

في سننه رقم (3272) بسند ضعيف.

(3)

في سننه رقم (3313). =

ص: 367

8/ 3850 - (وَعَنْ عَائِشَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمينٍ"، رَوَاه الخَمْسَةُ

(1)

وَاحْتَجَّ بِهِ أحْمَدُ وَإسْحَاقُ). [صحيح]

9/ 3851 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(2)

[صحيح موقوفًا]

10/ 3852 - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَمُسْلِمٌ)

(4)

. [صحيح]

حديث عمرو بن شعيب: أخرجه أيضًا البيهقي

(5)

، وأورده الحافظ في التلخيص

(6)

، وسكت عنه. وقد أخرجه بلفظ أحمد المذكور الطبراني

(7)

.

قال في "مجمع الزوائد"

(8)

: فيه عبد الله بن نافع المدني، وهو ضعيف، ولم يكن في إسناد أبي داود، لأنه أخرجه عن أحمد بن عبدة الضبي عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

وحديث سعيد بن المسيب حديث صالح، سكت عنه أبو داود

(9)

والحافظ،

= وهو حديث صحيح.

(1)

أحمد في المسند (6/ 247) وأبو داود رقم (3290) والترمذي رقم (1524) والنسائي رقم (3834) وابن ماجه رقم (2125).

وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (3322) وعنه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 45).

والصواب أنه موقوف على ابن عباس.

وانظر: "الإرواء"(8/ 210 - 211).

(3)

في المسند (4/ 144).

(4)

في صحيحه رقم (13/ 1645).

وهو حديث صحيح.

(5)

في السنن الكبرى (10/ 75).

(6)

في "التلخيص الحبير"(4/ 322 رقم 2535/ 2).

(7)

في الأوسط رقم (1410).

(8)

في "مجمع الزوائد"(4/ 187).

(9)

بإثر الحديث رقم (3272).

ص: 368

وهو من طريق عمرو بن شعيب، ولكن سعيد بن المسيب لم يسمع [من عمر بن الخطاب]

(1)

فهو منقطع

(2)

.

وروي نحوه عن عائشة: "أنها سئلت عن رجل جعل ماله في رتاج الكعبة إن كلم ذا قرابة، فقالت: يكفّر عن اليمين"، أخرجه مالك

(3)

والبيهقي

(4)

بسند صحيح وصححه ابن السكن.

وحديث ثابت بن الضحاك أخرجه أيضًا الطبراني

(5)

وصحح الحافظ

(6)

إسناده.

وأخرج نحوه أبو داود

(7)

من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا.

ورواه ابن ماجه

(8)

من حديث ابن عباس.

(1)

في المخطوط (ب): (منه).

(2)

قال ابن قيم الجوزية في تهذيبه - حاشية مختصر السنن لأبي داود - (4/ 364): "قال الشيخ ابن القيم رحمه الله، وقال الإمام أحمد وغيره من الأئمة: سعيد بن المسيب عن عمر عندنا حجة، قال أحمد: إذا لم نقبل سعيدًا عن عمر، فمن نقبل؟ قد رآه وسمع منه، ذكره ابن أبي حاتم، فليس روايته عنه منقطعة على ما ذكره أحمد.

ولو كانت منقطعة فهذا الانقطاع غير مؤثر عند الأئمة، فإن سعيدًا أعلم الخلق بأقضية عمر، وكان ابنه عبد الله بن عمر يسأل سعيدًا عنها، وسعيد بن المسيب إذا أرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مرسله، فكيف إذا روى عن عمر". اهـ.

• وفي كتاب المراسيل لابن أبي حاتم (ص 71 - 73 رقم 114): "سمعت أبي يقول: سعيد بن المسيب عن عمر: مرسل، يدخل في المسند على المجاز. وهذا هو الصواب.

(3)

في "الموطأ"(2/ 481 رقم 17).

(4)

في السنن الكبرى (10/ 65) وفي "المعرفة"(7/ 330 رقم 5821 - العلمية).

وفي السنن الصغير (4/ 109 رقم 4051) بسند صحيح.

وهو موقوف صحيح.

(5)

في المعجم الكبير (ج 2 رقم 1332).

(6)

في "التلخيص"(4/ 331).

(7)

في السنن رقم (3274) وهو حديث حسن إلا قوله: "ومن حلف

" فهو منكر.

(8)

في السنن رقم (2128) وفيه خارجة بن مصعب: متروك، وكان يدلس عن الكذابين.

التقريب رقم (1612).

وهو حديث ضعيف جدًّا.

ص: 369

ورواه أحمد في مسنده

(1)

من حديث عمرو بن شعيب عن ابنة كردم عن أبيها بنحوه.

وفي لفظ لابن ماجه

(2)

عن ميمونة بنت كردم.

وحديث عائشة قال الترمذي

(3)

بعد إخراجه: [لا]

(4)

يصحُّ، لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة، وكذلك قال غيره، قالوا: وإنما سمعه من سليمان بن أرقم وسليمان متروك.

وقال أحمد

(5)

: ليس بشيء ولا يساوي فلسًا.

وقال البخاري

(6)

: تركوه وتكلم فيه جماعة أيضًا منهم: عمرو بن عليّ، وأبو داود، وأبو زرعة

(7)

، والنسائي، وابن حبان، والدارقطني.

وقال الخطابي

(8)

: لو صحّ هذا الحديث لكان القول به واجبًا والمصير إليه لازمًا إلا أن أهل المعرفة بالحديث زعموا أنه حديث مقلوب وهم فيه سليمان بن [الأرقم]

(9)

، ورواه النسائي

(10)

والحاكم

(11)

والبيهقي

(12)

من حديث عمران بن حصين ومداره على محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عنه، ومحمد ليس بالقويّ وقد اختلف عليه فيه.

ورواه ابن المبارك عن عبد الوارث عن أبيه أن رجلًا حدثه أنه سأل عمران بن الحصين

فذكره، وفيه رجل مجهول.

(1)

في المسند (6/ 366).

(2)

في سننه رقم (2131) وهو حديث صحيح.

(3)

في السنن (4/ 103).

(4)

في المخطوط (ب): (لم).

(5)

في العلل رواية عبد الله (1570، 2756).

(6)

التاريخ الكبير (2/ 2/ 2).

(7)

الجرح والتعديل (2/ 1/ 100) والميزان (2/ 196) والكامل لابن عدي (3/ 1100).

(8)

في معالم السنن (3/ 594).

(9)

في المخطوط (ب): (أرقم).

(10)

في سننه رقم (3840، 3841).

(11)

في المستدرك (4/ 305) وقال: وقد أعضله معمر عن يحيى بن أبي كثير، وسكت عنه الذهبي.

(12)

في السنن الكبرى (10/ 69).

وهو صحيح لغيره.

ص: 370

ورواه أحمد

(1)

وأصحاب السنن

(2)

والبيهقي

(3)

من رواية الزهري عن أبي سلمة عن [أبي هريرة]

(4)

.

قال الحافظ

(5)

: وإسناده صحيح إلا أنه معلول بأنه منقطع، وذلك لأن الزهري لم يروه عن أبي سلمة.

ورواهُ ابن ماجه

(6)

من حديث سليمان بن بلال عن حرشي بن عتبة، ومحمد بن أبي عتيق عن الزهري، عن سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن الزبير الحنظلي، عن أبيه، عن عمران فرجع إلى الرواية الأولى.

ورواه عبد الرزاق

(7)

عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل من بني حنيفة، وأبي سلمة كلاهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو مع كونه مرسلًا فالحنفيُّ هو محمد بن الزبير المتقدم، قاله الحاكم

(8)

.

وقال: إن قوله: من بني حنيفة تصحيف، وإنما هو من بني حنظلة.

وله طريق أخرى عن عائشة عند الدارقطني

(9)

من رواية غالب بن عبد الله الجزري عن عطاء عن عائشة مرفوعًا بلفظ: "من جعل عليه نذرًا في معصية فكفارته كفارة يمين" وغالب متروك.

(1)

في المسند (6/ 247).

(2)

أبو داود رقم (3290) والترمذي رقم (1524) والنسائي رقم (3834 - 3838) وابن ماجه رقم (2125).

قال الترمذي: لا يصح لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة.

(3)

في السنن الكبرى (10/ 69).

وهو حديث صحيح.

(4)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) وهو خطأ. والصواب (عائشة) كما في مصادر تخريج الحديث، والتلخيص الحبير (4/ 323).

(5)

في "التلخيص"(4/ 323).

(6)

لم يعزه المزي في "التحفة"(12/ 372) لابن ماجه.

(7)

في "المصنف" رقم (15815).

(8)

في المستدرك (4/ 305).

(9)

في سننه (4/ 159 - 160 رقم 4) وغالب بن عبيد الله الجزري مجمع على تركه. قاله صاحب "التنقيح".

ص: 371

وله طريق أخرى عند أبي داود

(1)

من حديث كريب عن ابن عباس وإسنادها حسن فيها طلحة بن يحيى، وهو مختلف فيه.

وقال أبو داود

(2)

: موقوفًا: يعني وهو أصح.

وقال النووي في الروضة

(3)

: حديث: "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين" ضعيف باتفاق المحدّثين.

قال الحافظ

(4)

: قلت: قد صححه الطحاوي وأبو علي بن السكن فأين الاتفاق.

وحديث ابن عباس قد تقدمت الإشارة إليه أنه من طريق كريب عنه ولفظه في سنن أبي داود

(5)

عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر نذرًا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا أطاقه فليف به" وسيأتي.

وقد تقدم أنه موقوف على ابن عباس وأن الموقوف أصحّ.

وأخرجه ابن ماجه

(6)

وفي إسناد ابن ماجه من لا يعتمد عليه، وليس فيه:"من نذر نذرًا في معصية".

قوله: (أبو إسرائيل) قال الخطيبُ: هو رجلٌ من قريش، ولا يشاركه أحد من الصحابة في كنيته.

واختلف في اسمه؛ فقيل: قشير - بقاف وشين معجمة - مصغرًا.

وقيل: يسير - بمهملة - مصغرًا.

وقيل: قيصر: باسم ملك الروم.

وقيل: بالسين المهملة بدل الصاد. وقد جزم ابن الأثير

(7)

وغيره بأنه من الصحابة.

(1)

في السنن رقم (3322).

وهو صحيح موقوفًا.

(2)

في السنن (3/ 615).

(3)

"روضة الطالبين" للنووي (3/ 300).

(4)

في "التلخيص"(4/ 324).

(5)

في سننه رقم (3322) وقد تقدم.

(6)

في سننه رقم (2128) وقد تقدم.

(7)

في "أسد الغابة"(6/ 9 رقم 5680).

ص: 372

وفيه دليل: على أن كُلَّ شيءٍ يتأذّى به الإنسان مما لم يرد بمشروعيته كتاب ولا سنة، كالمشي حافيًا، والجلوس في الشمس، ليس من طاعة الله [تعالى]

(1)

، فلا ينعقد النذر به، فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا إسرائيل في هذا الحديث بإتمام الصوم دون غيره، وهو محمول على أنه علم أنه لا يشقّ عليه.

قال القرطبي

(2)

: في قصة أبي إسرائيلَ هذا أعظم حجة للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية أو ما لا طاعة فيه.

قال مالك: لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة.

قوله: (ليس على الرجل نذر فيما لا يملك) فيه دليل: على أن من نذر بما لا يملك لا ينفذ نذره؛ وكذلك من نذر بمعصية كما في بقية أحاديث الباب.

واختلف في النذر بمعصية هل تجب فيه الكفارة أم لا؟ فقال الجمهور

(3)

: لا.

وعن أحمد

(4)

والثوري

(5)

وإسحاق وبعض الشافعية

(6)

والحنفية

(7)

: نعم.

ونقل الترمذي

(8)

اختلاف الصحابة في ذلك، واتفقوا على تحريم النذر في المعصية، واختلافهم إنما هو في وجوب الكفارة.

واحتجّ من أوجبها بحديث عائشة

(9)

المذكور في الباب وما ورد في معناه.

(1)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في "المفهم"(4/ 621).

(3)

المجموع شرح المهذب (8/ 437).

(4)

المغني (13/ 622، 626).

(5)

موسوعة فقه سفيان الثوري ص 772.

والإشراف لابن المنذر (1/ 478).

(6)

قال النووي في المجموع شرح المهذب (8/ 437): "قال إمام الحرمين: وفروض الكفاية التي يحتاج في أدائها إلى بذل مال أو مقاساة مشقة تلزم بالنذر. قال الرافعي: ويجيء مما سنذكره في السنن الراتبة إن شاء الله تعالى وجه أنها لا تلزم. قال القفال: لا يلزم الجهاد بالنذر، وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما ليس فيه بذل مال ولا مقاساة مشقة، ففيه وجهان:(أصحهما): لزومها بالنذر، و (الثاني): لا.

(7)

"بدائع الصنائع"(5/ 82).

(8)

في السنن (4/ 104).

(9)

تقدم برقم (3851) من كتابنا هذا.

ص: 373

وأجيب بأن ذلك لا ينهض للاحتجاج لما سبق من المقال.

واحتجّ أيضًا بما أخرجه مسلم

(1)

من حديث عقبة بن عامر بلفظ: "كفارة النذر كفارة اليمين"، لأن عمومه يشمل نذر المعصية.

وأجيب بأن فيه زيادة تمنع العموم وهي أن الترمذي

(2)

وابن ماجه

(3)

أخرجا حديث عقبة بلفظ: "كفارة النذر إذا لم يسمّ كفارة يمين"، هذا لفظ الترمذي، ولفظ ابن ماجه:"من نذر نذرًا لم يسمه".

وحديث ابن عباس

(4)

المذكور في الباب أيضًا قد سبق ما فيه من المقال.

واستدلَّ بأحاديث الباب: على أنه يصحُّ النذر في المباح لأنه لما نفى النذر في المعصية بقي ما عداه ثابتًا.

ويدلّ على أن النذر لا ينعقد في المباح الحديث المذكور في أول الباب عن ابن عباس

(5)

، والحديث الذي فيه

(6)

: "إنما النذر ما يبتغى به وجه الله".

ومن جملة ما استدلّ به على أنه يلزم الوفاء بالنذر المباح قصة التي نذرت الضرب بالدفّ.

وأجاب البيهقي

(7)

بأنه يمكن أن يقال: إن من قسم المباح ما قد يصير بالقصد مندوبًا كالنوم في القائلة للتقوّي على قيام الليل، وأكلة السحر للتقوّي على صيام النهار، فيمكن أن يقال: إن إظهار الفرح بعود النبيّ صلى الله عليه وسلم سالمًا معنى مقصود يحصل به الثواب.

قوله: (في رتاج الكعبة) بمهملة فمثناة فوقية فجيم بعد ألف هو في

(1)

في صحيحه رقم (13/ 1645).

(2)

في سننه رقم (1528) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وهو حديث صحيح دون قوله: "إذا لم يسم".

(3)

في سننه رقم (2127).

وهو حديث صحيح دون قوله: "ولم يسمه".

(4)

تقدم برقم (3851) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (3845) من كتابنا هذا.

(6)

تقدم برقم (3847) من كتابنا هذا.

(7)

السنن الكبرى (10/ 77) وانظر: "الفتح"(11/ 588) فالكلام لابن حجر.

ص: 374

اللغة

(1)

: الباب، وكنَّى به هنا عن الكعبة نفسها.

قوله: (ببوانة) بضم الموحدة وبعد الألف نون.

قال في التلخيص

(2)

: موضع بين الشام وديار بكر، قاله أبو عبيدة

(3)

، وقال البغوي

(4)

: أسفل مكة دون يلملم.

وقال المنذري

(5)

: هضبة من وراء ينبع ومثله في النهاية

(6)

، وسيأتي الكلام على حديث ثابت بن الضحاك [إن شاء الله تعالى]

(7)

.

[الباب الثالث] باب من نذر نذرًا لم [يسمّ ولا]

(8)

يطيقه

11/ 3853 - (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ [يُسَمِّ]

(9)

كَفَّارَةُ يَمِينٍ"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(10)

وَالتِّرْمِذِيُّ وصحَّحَهُ

(11)

. [صحيح دون قوله: "إذا لم يسم"]

12/ 3854 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ نَذَرَ نَذْرًا ولَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ"، رَوَاهُ

(1)

"النهاية"(1/ 633) وغريب الحديث للهروي (4/ 325).

(2)

"التلخيص الحبير"(4/ 332).

(3)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) وفي المصادر الآتية:(أبو عبيد).

"التلخيص"(4/ 332) وغريب الحديث للهروي (4/ 28).

(4)

في شرح السنّة (10/ 31).

(5)

انظر: "المختصر"(4/ 382).

(6)

النهاية في غريب الحديث (1/ 166).

(7)

زيادة من المخطوط (ب).

(8)

في المخطوط (ب): (يسمه أولًا).

(9)

في المخطوط (ب): (يسمه).

(10)

في سننه رقم (2127).

(11)

في سننه رقم (1528) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3323) وأحمد (4/ 144) والبيهقي (10/ 45) من طرق.

وانظر: الإرواء رقم (2586).

والخلاصة: أن الحديث صحيح دون قوله: "إذا لم يسم".

ص: 375

أبُو دَاوُدَ

(1)

وَابْنُ ماجَهُ

(2)

، وَزَادَ:"وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أطاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ"). [موقوف صحيح]

13/ 3855 - (وَعَنْ أنَسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رأى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَقالَ: "ما هَذَا؟ "، قالُوا: نَذَرَ أنْ يَمشِيَ، قالَ:"إنَّ الله عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نفْسَهُ لَغَنِيّ"، وأمَرَهُ أنْ يَرْكَبَ. رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا ابْنَ ماجَهْ

(3)

. [صحيح]

وللنَّسائيّ

(4)

فِي رِوَايَةٍ: نَذَرَ أنْ يَمْشِيَ إلى بَيْتِ الله). [صحيح]

14/ 3856 - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أنْ تَمْشِي إلى بَيْتِ الله فأمَرَتْنِي أنْ أسْتَفْتِي لَهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فاسْتَفْتَيْتُهُ فَقالَ: "لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(5)

[صحيح].

ولمُسْلِمٍ

(6)

فِيه: حافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ. [صحيح]

وفي رِوَايَةٍ: نَذَرَتْ أُخْتِي أنْ تَمْشِيَ إلى الكَعْبَةِ، فَقالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الله لَغَنِيٌ عَنْ مَشْيِها لِتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

. [صحيح]

(1)

في السنن رقم (3322).

(2)

في السنن رقم (2128).

وانظر: الإرواء (8/ 210 - 211).

والخلاصة: أنه موقوف صحيح على ابن عباس.

(3)

أحمد في المسند (3/ 106) والبخاري رقم (1865) ومسلم رقم (9/ 1642) وأبو داود رقم (3301) والترمذي رقم (1537) والنسائي رقم (3853).

وهو حديث صحيح.

(4)

في السنن رقم (3852).

وهو حديث صحيح.

(5)

أحمد في المسند (4/ 149) والبخاري رقم (1866) ومسلم رقم (11/ 1644).

وهو حديث صحيح.

(6)

في صحيحه رقم (11/ 1644).

(7)

في المسند (4/ 201) رجاله ثقات.

وهو حديث صحيح.

ص: 376

وفِي رِوَايَةٍ: أنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أنْ تَمْشِيَ حافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، فَسأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ:"إنَّ الله لَا يَصْنَعُ بِشَقاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، مُرْها فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَرْكَبْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ)

(1)

. [ضعيف]

15/ 3857 - (وَعَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: جاءَتِ امْرأةٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالَتْ: يا رَسُولَ الله إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ ماشِيَة، فَقالَ:"إنَّ الله لا يَصْنَعُ بِشَقاءِ أُخْتِكِ شَيْئًا، لِتَخْرُجْ رَاكبَةً وَلْتكفِّرْ عَنْ يَمِينِها"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وأبُو دَاودَ)

(3)

. [ضعيف]

16/ 3858 - (وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن عُقْبَةَ بْنَ عامِرٍ سألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أنْ تَمْشِيَ إلى البَيْتِ وَشَكا إلَيْهِ ضَعْفَها، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الله غَنِيٌّ عَنْ نَذْرِ أُخْتِكَ فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

[صحيح]

وفِي لَفْظٍ: إنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ نَذَرَتْ أنْ تَمْشِيَ إلى البَيْتِ وأنَّهَا لا تُطِيقُ ذلكَ، فأمَرَها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تَرْكَبَ وتُهْدِيَ هَدْيًا. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(5)

. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (4/ 145) وأبو داود رقم (3293) والترمذي رقم (1544) والنسائي رقم (3815) وابن ماجه رقم (2134).

قال الترمذي: حديث حسن، وفي إسناده عبيد الله بن زَحْر، وقد تكلم فيه غير واحد.

قاله المنذري.

قلت: ذكر المحدث الألباني متابعات وشواهد لهذا الحديث في "إرواء الغليل"(8/ 219، 221).

ثم قال في الخاتمة: "وجملة القرآن أن ذكر الصيام في الحديث لم يأت من طريق تقوم به الحجة لا سيما وفي الطرق الأخرى خلافه وهو قوله: "ولتهد بدنة" فهذا هو المحفوظ. والله أعلم.

وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

(2)

في المسند (1/ 310).

(3)

في سننه رقم (3295) وعنده السائل رجلًا.

وهو حديث ضعيف.

(4)

في المسند (1/ 239) بسند صحيح.

وهو حديث صحيح.

(5)

في سننه رقم (3296) و (3297) و (3303).

وهو حديث صحيح.

ص: 377

حديث عقبة الأول هو في صحيح مسلم

(1)

بدون زيادة: "إذا لم يسم".

وأخرجه أيضًا أبو داود

(2)

والنسائي

(3)

.

وحديث ابن عباس الأول قال الحافظ في "بلوغ

(4)

المرام": إسناده صحيح إلا أن الحفاظ [رجحوا]

(5)

وقفه، وقد تقدم الكلام عليه.

والرواية الأخرى من حديث عقبة التي فيها "ولتصم ثلاثة أيام" حسنها الترمذي

(6)

، ولكن في إسنادها [عبيد الله بن زحر]

(7)

.

وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة.

وحديث كريب عن ابن عباس سكت عنه أبو داود

(8)

والمنذري

(9)

ورجاله رجال الصحيح.

وحديث عكرمة عن ابن عباس سكت أيضًا عنه أبو داود

(10)

والمنذري

(11)

ورجاله رجال الصحيح.

قال الحافظ في التلخيص

(12)

: إسناده صحيح، والرواية الأخرى أوردها أبو داود وسكت عنها

(13)

هو والمنذري

(14)

.

قوله: (لم يُسَمَّ) فيه دليل: على أن كفارة اليمين إنما تجب فيما كان من النذور غير مسمى.

(1)

في صحيحه رقم (5/ 16413).

(2)

في سننه رقم (3323).

(3)

في سننه رقم (3832).

وهو حديث صحيح.

(4)

في "بلوغ المرام" رقم (13/ 1292) بتحقيقي.

(5)

في المخطوط (ب): (رجحه).

(6)

في السنن (4/ 116).

(7)

في كل طبعات نيل الأوطار على الإطلاق: (عبد الله بن زحر)، وهو تحريف والصواب ما أثبتناه من "تهذيب التهذيب"(3/ 9 - 10) والتقريب رقم الترجمة (4290). ومصادر تخريج الحديث كسنن أبي داود رقم (3293) والترمذي رقم (1544) وابن ماجه رقم (2134) فليعلم.

(8)

في السنن (3/ 598).

(9)

في المختصر (4/ 377).

(10)

في السنن (4/ 602).

(11)

في "المختصر"(4/ 377).

(12)

في "التلخيص الحبير"(4/ 327).

(13)

في السنن (3/ 598).

(14)

في "المختصر"(4/ 377).

ص: 378

قال النووي

(1)

: اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج، فهو مخير يبن الوفاء بالنذر، أو الكفارة.

وحمله مالك

(2)

، وكثيرون، أو الأكثرون على النذر المطلق كقوله: عليّ نذر.

وحمله جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذر، وقالوا: هو مخير في جميع أنواع المنذورات بين الوفاء بما التزم، وبين كفارة اليمين. انتهى.

والظاهر: اختصاص الحديث بالنذر الذي لم يسمَّ، لأن حمل المطلق على المقيد واجب.

وأما النذور المسماة إن كانت طاعة، فإن كانت غير مقدورة؛ ففيها كفارة يمين، وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها؛ سواء كانت متعلقة بالبدن أو بالمال، وإن كانت معصية لم يجز الوفاء بها ولا ينعقد، ولا يلزم فيها الكفارة، وإن كانت مباحة مقدورة فالظاهر الانعقاد ولزوم الكفارة لوقوع الأمر بها في أحاديث الباب في قصة الناذرة بالمشي، وإن كانت غير مقدورة ففيها الكفارة لعموم: "ومن نذر نذرًا لم يطقه

"، هذا خلاصة ما يستفاد من الأحاديث الصحيحة.

وقال ابن رشد في "نهاية المجتهد"

(3)

ما حاصله: إنه وقع الاتفاق على لزوم النذر بالمال إذا كان في سبيل البرّ، وكان على جهة الخير، وإن كان على جهة الشرّ فقال مالك

(4)

: يلزم كالخير ولا كفارة يمين في ذلك إلا أنه إذا نذر بجميع ماله لزمه ثلث ماله إذا كان مطلقًا، وإن كان معينًا لزمه، وإن كان جميع ماله أو أكثر من الثلث، وسيأتي الخلاف فيمن نذر بجميع ماله.

قال

(5)

: وإذا كان النذر مطلقًا؛ أي: غير مسمَّى ففيه الكفارة عند كثيرٍ من العلماء.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (11/ 104).

(2)

مدونة "الفقه المالكي وأدلته"(2/ 387).

(3)

في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" له (2/ 425) بتحقيقي.

(4)

في المرجع المتقدم (2/ 425).

(5)

أي ابن رشد في المرجع السابق (2/ 420).

ص: 379

وقال قوم: فيه كفارة الظهار.

وقال قوم: فيه أقلّ ما ينطلق عليه الاسم من القرب صيام يوم أو صلاة ركعتين.

قوله: (ومن نذر نذرًا لم يطقه فكفارته كفارة يمين) ظاهره سواء كان المنذور به طاعة، أو معصية، أو مباحًا، إذا كان غير مقدور ففيه الكفارة، إلا أنه يخصُّ من هذا العموم ما كان معصية بما تقدم، ويبقى ما كان طاعة، أو مباحًا، وسواء كان غير مقدور شرعًا أو عقلًا أو عادة.

قوله: (ومن نذر نذرًا أطاقه

إلخ)، ظاهره العموم، ولكنه يخصُّ منه نذر المعصية بما سلف، وكذلك نذر المباح بلزوم الكفارة.

وأما النذر الذي لم يسمَّ: فغير داخل في عموم الطاقة وعدمها، لأن اتصاف النذر بأحد الوصفين فرع معرفته وما لم يسم لا يعرف.

قوله: (لتمش ولتركب) فيه أن النذر بالمشي ولو إلى مكان المشي إليه طاعة، فإنه لا يجب الوفاء به بل يجوز الركوب لأن المشي نفسه غير طاعة، إنما الطاعة الوصول إلى ذلك المكان كالبيت العتيق من غير فرق بين المشي والركوب، ولهذا سوّغ [النبيّ]

(1)

صلى الله عليه وسلم الركوب للناذرة بالمشي، فكان ذلك دالًّا على عدم لزوم النذر بالمشي، وإن دخل تحت الطاقة.

قال في الفتح

(2)

: وإنما أمر الناذر في حديث أنس

(3)

أن تركب جزمًا، وأمر أخت عقبة

(4)

أن تمشي وأن تركب لأن الناذر في حديث أنس كان شيخًا ظاهر العجز، وأخت عقبة لم توصف بالعجز، فكأنه أمرها أن تمشي إن قدرت وتركب إن عجزت، وبهذا ترجم البيهقى

(5)

للحديث، وأورد في بعض طرقه من رواية عكرمة عن ابن عباس ما ذكره المصنف رحمه الله.

وأخرج الحاكم

(6)

من حديث ابن عباس بلفظ: "جاء رجل فقال: يا

(1)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

في "الفتح"(11/ 588 - 589).

(3)

تقدم برقم (3855) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم برقم (3856) من كتابنا هذا.

(5)

في السنن الكبرى (10/ 79).

(6)

في المستدرك (4/ 302) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

ص: 380

رسول الله! إن أختي حلفت أن تمشي إلى البيت، وإنه يشقُّ عليها المشي، فقال:"مرها فلتركب إذا لم تستطع أن تمشي فما أغنى الله أن يشقّ على أختك"".

وأحاديث الباب مصرّحة بوجوب الكفارة. ونقل الترمذي عن البخاري أنه لا يصحّ فيه الهدي.

وقد أخرج الطبراني

(1)

من طريق أبي تميم الجيشاني عن عقبة بن عامر في هذه القصة: "نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة"، وفيه:"لتركب ولتلبس ولتصم".

وللطحاوي

(2)

من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن عقبة نحوه.

وأخرج البيهقي

(3)

بسندٍ صحيح عن أبي هريرة: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في جوف الليل إذ بصر بخيال، ففرَّت منه الإبل، فإذا امرأة عريانة ناقضة شعرها، فقالت: نذرت أن أحجّ عريانة ناقضة شعري، فقال: مرها فلتلبس ثيابها ولتهرق دمًا".

وأورد

(4)

من طريق الحسن عن عمران رفعه: "إذا نذر أحدكم أن يحجّ ماشيًا فليهد هديًا وليركب"، وفي سنده انقطاع.

وقد استدل بهذه الأحاديث على صحة النذر بإتيان البيت الحرام لغير حجّ ولا عمرة. وعن أبي حنيفة

(5)

: إذا لم ينو حجًا، ولا عمرة، لم ينعقد، ثم إنَّ نذره راكبًا لزمه، فلو مشى؛ لزم دم لتوفر مؤنة الركوب، وإن نذر ماشيًا لزمه من حيث أحرم إلى أن ينتهي الحجّ أو العمرة، ووافقه صاحباه، فإن ركب لعذر أجزأه ولزم دم.

وفي أحد القولين عن الشافعي

(6)

مثله.

واختلف هل يلزمه بدنة أو شاة؟ وإن ركب بلا عذر لزمه الدم.

(1)

في المعجم الكبير (ج 17 رقم 896).

(2)

في شرح معاني الآثار (3/ 130). وانظر: "مختصر اختلاف العلماء" له (2/ 234).

(3)

في السنن الكبرى (10/ 80)،

(4)

أي البيهقي في السنن الكبرى (10/ 80).

(5)

مختصر اختلاف العلماء (2/ 235) وبدائع الصنائع (5/ 84 - 85).

(6)

المجموع شرح المهذب (8/ 490 - 491).

ص: 381

وعن المالكية

(1)

في العاجز: يرجع من قابل، فيمشي ما ركب، إلا أن يعجز مطلقًا، فيلزمه الهدي.

وعن عبد الله بن الزبير: لا يلزمه شيء مطلقًا.

قال القرطبي

(2)

: زيادة الأمر بالهدي رواتها ثقات.

وعن الهادوية

(3)

: أنه لا يجوز الركوب مع القدرة على المشي، فإذا عجز جاز الركوب ولزمه دم، قالوا: لأن الرواية وإن جاءت مطلقة، فقد قيدت برواية العجز، ولا يخفى ما في أكثر هذه التفاصيل من المخالفة لصريح الدليل.

ويردُّ قول من قال بأنه لا كفارة مع العجز، وتلزم مع عدمه ما وقع في حديث عكرمة عن ابن عباس

(4)

، وفي الرواية التي بعده فإنهما مصرّحان بوجوب الهدي مع ذكر ما يدلّ على العجز من الضعف وعدم الطاقة، والرجل المذكور في حديث:"أنه يهادى بين ابنيه"

(5)

، قيل: هو أبو إسرائيل المذكور في الباب الأوّل، روي ذلك عن الخطيب، حكى ذلك عنه مغلطاي

(6)

.

قال الحافظ

(7)

: وهو تركيب منه، وإنما ذكر الخطيب ذلك في رجل آخر مذكور في حديث لابن عباس.

[الباب الرابع] بابُ مَنْ نَذَرَ وهُوَ مُشْرِكٌ ثُمَّ أسلَمَ أَو نَذَرَ ذَبْحًا في مَوْضِعٍ معيَّنٍ

17/ 3859 - (عَنْ عُمَرَ قالَ: نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الجاهِلِيَّةِ، فَسألْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَما أسْلَمْتُ، فأمَرَنِي أنْ أُوفِيَ بِنَذْرِي. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(8)

. [صحيح]

(1)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 396).

(2)

المفهم (4/ 617).

(3)

البحر الزخار (4/ 274).

(4)

تقدم برقم (3858) من كتابنا هذا.

(5)

تقدم برقم (3855) من كتابنا هذا.

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(11/ 589).

(7)

في "الفتح"(11/ 589).

(8)

في سننه رقم (2129).

وهو حديث صحيح.

ص: 382

18/ 3860 - (وَعَنْ كَرْدَمِ بْنِ سُفْيانَ: أنهُ سألَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ نَذْرٍ نَذَرَهُ فِي الجاهِلِيَّةِ، فَقالَ لَهُ: "ألِوَثَنٍ أوْ لِنُصُبٍ؟ "، قالَ: لا، وَلَكِنْ لله، فَقالَ: "أوْفِ لله ما جَعَلْتَ لَهُ، انحِرْ على بُوَانَةَ وأوْفِ بِنَذْرِكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [صحيح لغيره]

19/ 3861 - (وَعَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ قالَتْ: كُنْتُ رِدْفَ أبي فَسَمِعْتُهُ يَسألُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: يا رَسُولَ الله إنى نَذَرْتُ أنْ أنحَرَ بِبُوَانَةَ، قالَ:"أبِهَا وَثَنٌ أوْ طاغِيَة؟ "، قالَ: لا، قالَ:"أَوْفِ بِنَذْرِكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَابْنُ ماجَهْ

(3)

. [صحيح]

وفِي لَفْظٍ لأحْمَدَ

(4)

: إني نَذَرْتُ أنْ أنحَرَ عَدَدًا مِنَ الغَنَمِ

وَذَكَرَ مَعْناهُ. [صحيح]

وَفِيه دِلالَةٌ على جَوازِ نَحْرِ ما يُذْبَحُ).

20/ 3862 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدّهِ أن امْرأة قالَتْ: يا رَسُولَ الله إني نَذَرْتُ أنْ أنحَرَ بمَكانِ كَذَا وكَذَا، مَكانٌ كانَ يَذْبَحُ فِيهِ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ، قالَ: "لِصَنَمٍ! "، قالَتْ: لا، قالَ: "لِوثَنٍ"، قالَتْ: لا، قالَ: "أوْفِي بِنَذْرِكِ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(5)

. [حسن]

(1)

في المسند (3/ 419) بسند ضعيف.

ولكن الحديث صحيح لغيره.

(2)

في المسند (6/ 366).

(3)

في سننه رقم (2131).

قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير"(ج 19 رقم 426) و (ج 25 رقم 73). إسناده حسن.

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (6/ 366) ضمن حديث طويل بسند ضعيف لجهالة حال سارة بنت مِقْسَم، فقد قال الحافظ في "التقريب" رقم (8602): لا تعرف.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3314) والبيهقي (10/ 83).

كلاهما بإسناد أحمد.

والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(5)

في سننه رقم (3312).

وهو حديث حسن.

ص: 383

حديث عمر رجال إسناده في سنن ابن ماجه

(1)

رجال الصحيح.

وهذا اللفظ لعله أحد روايات حديثه الصحيح المتفق عليه

(2)

بلفظ أنه قال: "قلت: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: "أوف بنذرك". وزاد البخاري

(3)

في رواية: "فاعتكف".

وحديث ميمونة بنت كردم رجال إسناده في سنن ابن ماجه

(4)

رجال الصحيح، وعبد الله بن عبد الرحمن الطائفي قد أخرج له مسلم، وقال فيه يحيى بن معين: صالح، وقال أبو حاتم

(5)

: ليس بالقويّ، وقال في التقريب

(6)

: صدوق يخطئ.

وقد أخرجه ابن ماجه

(7)

من طريق أخرى من حديث ابن عباس.

وبقية أحاديث الباب قد تقدم تخريج بعضها في باب ما جاء في نذر المباح، عند ذكر المصنف رحمه الله لحديث ثابت بن الضحاك

(8)

الذي بمعناها هنالك.

وفي حديث عمر دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم،

(1)

في سننه رقم (2129).

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (1/ 37) والبخاري رقم (2043) ومسلم رقم (27/ 1656).

(3)

في صحيحه رقم (2042).

(4)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (3).

(5)

في الجرح والتعديل (5/ 96).

(6)

في "التقريب" رقم (3438).

قلت: وانظر: "الميزان"(2/ 453) ولسان الميزان (7/ 265) والخلاصة ص 205، والمجروحين (2/ 25) والتاريخ الكبير (5/ 133).

(7)

في السنن رقم (2130).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 154): "هذا إسناد رجاله ثقات لكن فيه المسعودي، واسمه عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود أخو أبي عميس اختلط بأخرة ولم يتميز حديثه فاستحق الترك. قاله ابن حبان". اهـ.

وصححه المحدث الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه.

(8)

تقدم برقم (3849) من كتابنا هذا.

ص: 384

وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعي

(1)

.

وعند الجمهور

(2)

: لا ينعقد النذر من الكافر، وحديث عمر حجة عليهم.

وقد أجابوا عنه: بأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لما عرف أن عمر قد تبرّع بفعل ذلك، أذن له به، لأن الاعتكاف طاعة، ولا يخفى ما في هذا الجواب من مخالفة الصواب.

وأجاب بعضهم: بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء استحبابًا لا وجوبًا؛ ويردُّ بأن هذا الجواب لا يصلح لمن ادعى عدم الانعقاد.

وقد تقدم الكلام على حديث عمر في باب الاعتكاف

(3)

.

قوله: (كردم) بفتح الكاف والدال. وفيه دليل: على أنه يجب الوفاء بالنذر في المكان المعين إذا لم يكن في التعيين معصيةٌ، ولا مفسدة، من اعتقاد تعظيم جاهلية، أو نحوه، وبوانة: قد تقدم ضبطه وتفسيره.

قوله: (قال: "لصنم؟ "، قالت: لا، قال: "لوثن؟ ")، قال في النهاية

(4)

: الفرق بين الوثن والصنم أن الوثن كل ماله جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي تعمل، وتنصب، فتعبد.

والصنم الصورة بلا جثة، ومنهم من لم يفرّق بينهما، وأطلقهما على المعنيين.

وقد يطلق الوثن على غير الصورة، ومنه حديث عديّ بن حاتم:"قدمت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "ألق هذا الوثن عنك""

(5)

. انتهى.

(1)

البيان للعمراني (4/ 471 - 472) والمجموع شرح المهذب (8/ 433 - 434).

(2)

الفتح (4/ 284).

(3)

من "نيل الأوطار"(8/ 477 رقم 11/ 1765) من كتابنا هذا.

(4)

النهاية (2/ 823).

(5)

أخرجه الترمذي في سننه رقم (3095) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 116) والطبراني في المعجم الكبير (ج 17 رقم 218) وابن جرير الطبري في "جامع البيان"(6/ ج 10/ 114) من طرق عن عدي بن حاتم. =

ص: 385

[الباب الخامس] بابُ ما يُذكرُ فيمن نذرَ الصَّدَقةَ بمالهِ كلِّهِ

21/ 3863 - (عَنْ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ أنَّهُ قالَ: يا رَسُولَ الله إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أَنْخلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلى الله وَرَسُولِهِ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قالَ: قُلْتُ: إني أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. مُتَّفَق عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

وفِي لَفْظٍ قالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إنَّ مِنْ تَوْبَتِي إلى الله أنْ أخْرُجَ مِنْ مالي كُلِّهِ إلى الله وَرَسُولِهِ صَدَقَةً؟ قالَ: "لا"، قُلْتُ: فَنِصْفُهُ؟ قالَ: "لا"، قُلْتُ: فَثُلُثُهُ؟ قالَ: "نَعَمَ"، قُلْتُ: فإني سأمْسِكُ سَهْمِي مِنْ خَيْبَرَ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(2)

. [إسناده حسن]

22/ 3864 - (وَعَنِ الحُسَيْنِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أبي لُبابَةَ أن أبا لُبابَةَ بْنَ عَبْدِ المُنْذِرِ لَمَّا تابَ الله عَلَيْهِ قال: يا رَسُولَ الله إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أهْجُرَ دَارَ قَوْمِي وأُساكِنَكَ، وأنْ أنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لله عز وجل وَلرَسُولِهِ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:

= قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب.

وغطيف بن أعين: ليس بمعروف في الحديث". اهـ.

قلت: عبد السلام هذا ثقة حافظ له مناكير كما ذكره ابن حجر في التقريب (1/ 505 رقم 1186). وأما غطيف هذا فضعفه ابن حجر في التقريب (6/ 102 رقم 21) والذهبي في الميزان (3/ 336) ووثقه ابن حبان (7/ 311) وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 55 رقم 315) ولم يتكلم فيه بشيء. وكذلك البخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 106 رقم 471) مع إخراجه للحديث. وللحديث شاهدان:

(الأول): من حديث حذيفة بن اليمان، أخرجه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم)(2/ 109) والبيهقي (10/ 116) وابن جرير الطبري في (جامع البيان)(6/ ج 10/ 114) وهو وإن كان موقوفًا فله حكم المرفوع كما هو مقرر في مصطلح الحديث.

و (الثاني): من حديث أبي العالية عند ابن جرير الطبري في "جامع البيان"(6/ ج 10/ 115).

وبذلك يكون الحديث حسنًا إن شاء الله.

وقد حسّنه الألباني في "غاية المرام" رقم (6) وابن تيمية في "الإيمان" ص 64.

(1)

أحمد في المسند (3/ 454) والبخاري رقم (6690) ومسلم برقم (53/ 2769).

(2)

في سننه رقم (3321) بسند حسن.

ص: 386

"يُجْزِي عَنْكَ الثُّلُثُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [حسن]

رواية أبي داود في إسنادها محمد بن إسحاق، وفيه مقال معروف.

وحديث أبي لبابة أورده الحافظ في الفتح

(2)

، وعزاه إلى أحمد

(3)

وأبي داود

(4)

وسكت عنه.

وأخرج أبو داود

(5)

من طريق ابن أبي عيينة عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم

فذكر الحديث، وفيه: "وأن أنخلع من مالي كله صدقة، [قال]

(6)

: "يجزي عنه الثلث"".

قوله: (أن أنخلع) بنون وخاء معجمة: أي أعْرَى من مالي كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه.

وقد اختلف السلف فيمن نذر أن يتصدّق بجميع ماله على عشرة مذاهب:

(الأول): أنه يلزمه الثلث فقط لهذا الحديث، قاله مالك

(7)

؛ ونوزع في أنَّ كعب بن مالك لم يصرّح بلفظ النذر ولا بمعناه، بل يحتمل أنه نَجَّزَ النذر، ويحتمل أن يكون أراده فاستأذن، والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر في صدور النذر منه، وإنما الظاهر: أنه أراد أن يؤكد أمر توبته بالتصدّق بجميع ما يملك شكرًا لله تعالى على ما أنعم به عليه.

قال ابن المنير

(8)

: لم يبتت كعب الانخلاع، بل استشار هل يفعل أم لا؟.

قال الحافظ

(9)

: ويحتمل أن يكون استفهم وحذفت أداة الاستفهام. ومن ثم

(1)

في المسند (3/ 452 - 453، 502) بسند ضعيف.

وأخرجه أبو داود رقم (3321)، قلت: فثلثه؟ قال: "نعم". قلت: فإني سأمسك سهمي في خيبر.

وبرواية أبي داود هذه تقوى رواية "أحمد" فتحسّن بها. والله أعلم.

(2)

في "الفتح"(11/ 573).

(3)

في المسند (3/ 452 - 453، 502) وقد تقدم آنفًا.

(4)

في سننه رقم (3321) وقد تقدم آنفًا.

(5)

في سننه رقم (3319) بسند صحيح.

(6)

في المخطوط (ب): (فقال).

(7)

التهذيب في اختصار المدونة (2/ 91) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 394).

(8)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(11/ 573).

(9)

في "الفتح"(11/ 573).

ص: 387

كان الراجح عند الكثير من العلماء وجوب الوفاء ممن التزم أن يتصدّق بجميع ماله إذا كان على سبيل القربة.

وقيل: إن كان مليًا لزمه، وإن كان فقيرًا فعليه كفارة يمين، وهذا قول الليث

(1)

، ووافقه ابن وهب

(2)

وزاد: وإن كان متوسطًا يخرج قدر زكاة ماله.

(والأخير) عن أبي حنيفة

(3)

بغير تفصيل وهو قول ربيعة

(4)

. وعن الشعبي (5) وابن أبي ليلى

(5)

: لا يلزمه شيء أصلًا.

وعن قتادة

(6)

: يلزم الغنيّ العشر، والمتوسط السبع، والمملق الخمس.

وقيل: يلزم الكل إلا في نذر اللجاج فكفارة يمين.

وعن سحنون: يلزمه أن يخرج ما لا يضرّ به.

وعن الثوري

(7)

والأوزاعي

(8)

وجماعة: يلزمه كفارة يمين بغير تفصيل.

وعن النخعي

(9)

يلزمه الكلّ بغير تفصيل.

وإذا تقرّر ذلك فقد دلّ حديث كعب أنه يشرع لمن أراد التصدّق بجميع ماله أن يمسك بعضه ولا يلزم من ذلك أنه لو نجزه لم ينفذ.

وقيل: إن التصدّق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال، فمن كان قويًا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يُمنع، وعليه يُتَنَزَّل فعل أبي بكر الصديق وإيثار الأنصار على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن لم يكن كذلك فلا، وعليه يُتَنَزَّل:"لا صدقة إلا عن ظهر غنى"

(10)

، وفي لفظ: "أفضل الصدقة ما كان

(1)

الاستذكار (15/ 104 رقم 21183).

(2)

الاستذكار (15/ 105 رقم 21184).

(3)

بدائع الصنائع (5/ 86 - 87).

(4)

المغني (13/ 630).

(5)

الاستذكار (15/ 105 رقم 21192 و 21193).

(6)

الاستذكار (15/ 109 رقم 21215 و 21216 و 21217).

(7)

موسوعة فقه سفيان الثوري (ص 772).

(8)

الاستذكار (15/ 104 رقم 11182).

(9)

موسوعة فقه إبراهيم النخعي (2/ 872).

(10)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 230) من حديث أبي هريرة.

وهو حديث صحيح.

ص: 388

عن ظهر غنى"

(1)

.

[الباب السادس] بابُ ما يُجزِي مَنْ عليهِ عِتْقُ رقبةٍ مؤمنةٍ بِنَذْرٍ أَو غيرِهِ

23/ 3865 - (عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ: أنَّهُ جاءَ بِأمَةٍ سَوْدَاءَ، فَقالَ: يَا رَسُولَ الله إنَّ عَلَيَّ عِتْقَ رَقَبَةٍ مُومِنَةٍ، فإنْ كُنْتَ تَرَى هَذِهِ مُؤْمِنَةً أعْتَقْتُها، فَقالَ لها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أتَشْهَدِينَ أنْ لا إلَهَ إِلَّا الله؟ "، قالَتْ: نَعَمْ، قال: "أتشْهَدِينَ أني رَسُولُ الله؟ "، قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: "أتُؤْمِنِينَ بالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ؟ "، قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: "فأعْتِقْها")

(2)

. [صحيح]

24/ 3866 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن رَجُلًا أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِجارِيةٍ سَوْدَاءَ أعْجَمِيَّة فَقالَ: يا رَسولَ الله إنَّ عَليَّ عِتْقَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَة، فَقالَ لَها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَيْنَ الله؟ "، فأشارَتْ إلى السَّماءِ بِأُصْبُعِها السبابة، فقالَ لَها: "مَنْ أنا؟ "، فأشارَتْ بِأُصْبُعِها إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَإلى السَّماءِ: أيْ أنْتَ رَسُولُ الله، فَقالَ: "أعْتِقْها" رَوَاهُمَا أحْمَدُ)

(3)

. [ضعيف]

حديث عبيد الله بن عبد الله: رواه أحمد عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن رجل من الأنصار، وهذا إسنادٌ رجاله

(1)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 402) و (3/ 434) ومسلم رقم (95/ 1034) والنسائي رقم (2543) كلهم من حديث حكيم بن حزام.

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (3/ 451 - 452).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (16814) وابن خزيمة في "التوحيد"(1/ 286 رقم 185) ومالك في الموطأ (2/ 777 رقم 9).

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (2/ 291).

قلت: وأخرجه ابن خزيمة في "التوحيد"(1/ 284 - 285) وأبو داود رقم (3284) والبيهقي (9/ 115) وابن عبد البر في التمهيد (9/ 115 - تيمية).

بسند ضعيف لاختلاط المسعودي.

ص: 389

أئمة، وجهالة الصحابي مغتفرة، كما تقرّر في الأصول

(1)

.

وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا أبو داود

(2)

من حديث عون بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة "أن رجلًا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء

" الحديث.

وأخرجه الحاكم في المستدرك

(3)

من حديث عون بن عبد الله بن عتبة، حدثني أبي عن جدي

فذكره.

وفي اللفظ مخالفة كثيرة، وسياق أبي داود (2) أقرب إلى السياق الذي في الباب.

وروى نحوه أحمد

(4)

وأبو داود

(5)

والنسائي

(6)

وابن حبان

(7)

من حديث الشّريد بن سويد.

وأخرجه الطبراني في الأوسط

(8)

من طريق ابن أبي ليلى عن المنهال والحكم عن سعيد عن ابن عباس بنحو حديث أبي هريرة المذكور في الباب.

ومن ذلك حديث معاوية بن الحكم السلمي

(9)

المشهور.

(1)

الإحكام للآمدي (2/ 136) والبحر المحيط (4/ 282).

(2)

في سننه رقم (3284).

وهو حديث ضعيف تقدم.

(3)

في المستدرك (1/ 258) وقال: "وعبد الله بن عتبة بن مسعود أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه"، وسكت عنه الذهبي.

(4)

في المسند (4/ 222).

(5)

في سننه رقم (3283).

(6)

في سننه رقم (3653).

(7)

في صحيحه رقم (189).

قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير رقم (5257) والبيهقي (7/ 388).

وهو حديث حسن.

(8)

في الأوسط رقم (5523) وفي الكبير رقم (12369).

قلت: وأخرجه البزار في المسند (رقم 13 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 244) وقال: "فيه سعيد بن أبي المرزبان، وهو ضعيف مدلس وعنعنه، وفيه محمد بن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ وقد وثق".

(9)

أخرجه مسلم رقم (33/ 537) وأحمد (5/ 447) والطيالسي رقم (1105) واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة"(3/ 391 - 392 رقم 652) وابن أبي عاصم في "السنّة" رقم (489) والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص 421 - 422 وابن خزيمة في "التوحيد" ص 121 - 122.

وهو حديث صحيح.

ص: 390

قوله: (إن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها) إلى آخر ما في الحديثين، استُدِلَّ بالحديثين: على أنه لا يجزئ في كفارة اليمين إلا رقبة مؤمنة، وإن كانت الآية الواردة في كفارة اليمين لم تدلّ على ذلك، لأنه قال تعالى:{وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}

(1)

، بخلاف آية كفارة القتل فإنها قيدت بالإيمان.

قال ابن بطال

(2)

: حمل الجمهور ومنهم: الأوزاعي

(3)

ومالك

(4)

والشافعي

(5)

وأحمد

(6)

وإسحاق المطلق على المقيد، كما حملوا المطلق في قوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}

(7)

على المقيد في قوله [تعالى]

(8)

: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}

(9)

.

وخالف الكوفيون

(10)

فقالوا: يجوز إعتاق الكافر، ووافقهم أبو ثور

(11)

، وابن المنذر

(12)

واحتجّ له في كتابه الكبير بأن كفارة القتل مغلظة بخلاف كفارة اليمين.

ومما يؤيد القول الأوّل أن المعتق للرقبة المؤمنة آخذ بالأحوط، بخلاف المكفر بغير المؤمنة فإنه في شكّ من براءة الذمة.

[الباب السابع] بابُ أن مَنْ نَذرَ الصلاةَ في المسجدِ الأقصَى أجزأَهُ أَنْ يُصَلِّي في مسجدِ مكَّةَ والمدينةِ

25/ 3867 - (عَنْ جابِرِ أنَّ رَجُلًا قالَ يَوْمَ الفَتْحِ: يا رَسُولَ الله إني نَذَرْتُ إنْ فَتَحَ الله عَلَيْكَ مَكَّةَ أنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، فَقالَ:"صَلّ ها هُنا"، فَسألَهُ فَقال:

(1)

سورة المائدة، الآية:(89).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 175 - 176).

(3)

الإشراف (1/ 438).

(4)

التهذيب في اختصار المدونة (2/ 108).

(5)

البيان للعمراني (4/ 477).

(6)

المغني لابن قدامة (13/ 641).

(7)

سورة البقرة، الآية:(282).

(8)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(9)

سورة الطلاق، الآية:(2).

(10)

حكاه الحافظ في "الفتح"(11/ 599).

(11)

كما في الإشراف (1/ 438).

(12)

في الإشراف لابن المنذر (1/ 438).

ص: 391

"صَلّ ها هُنا"، فَسَألَهُ فَقالَ:"شأنَكَ إذَنْ" رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وأبُو دَاوُدَ

(2)

. [صحيح]

وَلهُما عَنْ بَعْضِ أصحَابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَهَذَا الخَبَرِ، وَزَادَ: فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بالحَقّ لَوْ صَلَّيْتَ ها هُنا لَقَضَى عَنْكَ ذلكَ كُلَّ صَلاةٍ في بَيْتِ المَقْدِسِ")

(3)

. [إسناده ضعيف]

26/ 3868 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنَّ امْرأةً شَكَتْ شَكْوَى فَقالَتْ: إنْ شَفانِي الله [فَلأَخْرُجَنَّ]

(4)

فلأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، فَبَرأتْ ثُمَّ تَجَهَّزَتْ تُرِيدُ الخُرُوجَ. فَجاءَتْ مَيْمُونَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْها، فأخبَرَتْها بِذَلِكَ، فَقالَتْ: اجْلِسِي فَكُلِي ما صَنَعْتِ وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فإني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"صَلاةٌ فِيهِ أفضَلُ مِنْ ألْفِ صَلاةٍ فِيما سِوَاهُ مِنَ المَساجِدِ إلَّا مَسْجِدَ الكَعْبَةِ"، روَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَمُسْلِمٌ)

(6)

. [صحيح]

27/ 3869 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي خَيْرٌ مِنْ ألْفِ صَلاةٍ فِيما سِوَاهُ إلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا أبا دَاوُدَ

(7)

. [صحيح]

(1)

في المسند (3/ 363).

(2)

في سننه رقم (3305).

قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (1009) وابن الجارود رقم (945) وأبو يعلى رقم (2116) و (2224) والطحاوي (3/ 125) والحاكم (4/ 304 - 305) من طرق بسند رجاله رجال الصحيح.

وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (3/ 373) وأبو داود في سننه رقم (3306).

وهو ضعيف الإسناد.

(4)

في المخطوط (ب): (لأخرجن).

(5)

في المسند (6/ 334).

(6)

في صحيحه (رقم 510/ 1396).

وهو حديث صحيح.

(7)

أحمد في المسند (2/ 256) والبخاري رقم (1190) ومسلم رقم (505/ 1394) والترمذي رقم (325) والنسائي رقم (2899) وابن ماجه رقم (1404).

وهو حديث صحيح.

ص: 392

ولأحْمَدَ

(1)

وأبي دَاوُدَ

(2)

مِنْ حَديثِ جابِرٍ مِثْلُهُ، وَزَادَ:"وَصَلاةٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أفضَلُ مِنْ مِائَةِ ألْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ". [صحيح]

وكَذَلِكَ لأحْمَد

(3)

مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ. وَزَادَ: "وَصَلاةٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلاةٍ فِي هَذَا"). [صحيح]

28/ 3870 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُشَدُّ الرّحالُ إلَّا إلى ثَلاثةِ مَساجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدِ الأقْصَى"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(4)

. [صحيح]

وَلِمُسْلِمٍ

(5)

فِي رِوَايَةٍ: "إنَّمَا يُسافَرُ إلى ثَلاثةِ مَساجِدَ". [صحيح]

حديث جابر أخرجه أيضًا البيهقي

(6)

والحاكم

(7)

وصححه، وصححه أيضًا ابن دقيق العيد في الاقتراح

(8)

.

(1)

في المسند (3/ 343).

(2)

لم أقف عليه عند أبي داود، كما لم يعزه صاحب التحفة (2/ 229) له.

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1406) والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (599) وابن عبد البر في "التمهيد"(6/ 27 - تيمية).

وهو حديث صحيح.

(3)

في المسند (4/ 5).

قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (521) والبزار رقم (425 - كشف) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (597) و (598) وابن حبان رقم (1620) وابن عدي في "الكامل"(2/ 817) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 246) وفي الشعب رقم (4141) و (4142) وابن عبد البر في "التمهيد"(6/ 24 - 25 - تيمية) من طرق بسند صحيح.

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (2/ 234) والبخاري رقم (1189) ومسلم رقم (511/ 1397).

(5)

في صحيحه رقم (513/ 1397).

(6)

في السنن الكبرى (10/ 82، 83).

(7)

في المستدرك (4/ 304 - 305) وقال: صحيح على شرط مسلم. وسكت عنه الذهبي.

(8)

في "الاقتراح" ص 402. وهو الحديث التاسع ضمن القسم السادس في ذكر أحاديث أخرج مسلم رحمه الله عن رجالها في الصحيح ولم يحتج بهم البخاري.

ص: 393

وحديث بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم سكت عنه أبو داود

(1)

والمنذري

(2)

، وله طرق رجال بعضها ثقات.

وقد تقرّر أن جهالة الصحابي لا تضرّ.

وقيل: إنه روي الحديث عن عبد الرحمن بن عوف وعن رجال من أصحاب النبيّ

(3)

صلى الله عليه وسلم.

وحديث جابر الآخر رواه أحمد

(4)

من حديث أحمد بن عبد الملك: حدثنا [عبيد الله بن عمرو]

(5)

عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن جابر رفعه:"صلاةٌ في مسجدي هذا، أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه".

قال الحافظ

(6)

: وإسناده صحيح، إلا أنَّه اختلف فيه على عطاء.

وحديث عبد الله بن الزبير أخرجه أيضًا ابن حبان

(7)

والبيهقي

(8)

، ولفظه:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي".

وفي الباب عن جابر أيضًا عند ابن عديّ

(9)

بلفظ: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة"، وإسناده ضعيف لأنه من حديث يحيى بن أبي حية عن عثمان بن الأسود عن مجاهد عن جابر.

(1)

في سننه (3/ 603).

(2)

في "المختصر"(4/ 379).

(3)

أبو داود في سننه رقم (3306) بسند ضعيف.

(4)

في المسند (3/ 397) بسند صحيح.

(5)

في كل طبعات نيل الأوطار على الإطلاق: (عبد الله بن عمرو) وهو محرف، والصواب ما أثبتناه من المسند، وتهذيب الكمال للمزي (19/ 136 - 139 رقم 3671) وتهذيب التهذيب (3/ 24) والجمع لابن القيسراني (1/ 303).

(6)

في "التلخيص"(4/ 330).

(7)

في صحيحه رقم (1620) وقد تقدم.

(8)

في السنن الكبرى (5/ 246) وفي الشعب رقم (4141) و (4142) وقد تقدم.

(9)

في "الكامل"(7/ 2670) بسند ضعيف.

ص: 394

وفي الباب أيضًا من حديث أبي الدرداء مرفوعًا عند الطبراني في الكبير

(1)

: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة".

وعن أبي ذرّ عند الدارقطني في العلل

(2)

والحاكم في المستدرك

(3)

: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات في بيت المقدس".

وعند ابن ماجه

(4)

من حديث ميمونة بنت سعد "بأن الصلاة في بيت المقدس كألف صلاة في غيره".

وروى ابن ماجه

(5)

من حديث أنس: "فصلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة"، وإسناده ضعيف.

وروى ابن عبد البرّ في التمهيد

(6)

من حديث الأرقم: "صلاة هنا خير من ألف صلاة ثم"، يعني بيت المقدس. قال ابن عبد البرّ: هذا حديث ثابت.

وحديث أبي هريرة الآخر هو أيضًا متفق عليه

(7)

من حديث أبي سعيد الخدري وغيره.

قوله: (صلّ ههنا) فيه دليل: على أنَّ من نذر بصلاةٍ أو صدقةٍ، أو نحوها في مكان ليس بأفضل من مكان الناذر، فإنَّه لا يجب عليه الوفاء بإيقاع المنذور به في ذلك المكان، بل يكون الوفاء بالفعل في مكان الناذر.

وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناذر بأن ينحر ببوانة أنَّه يفي بنذره بعد أن سأله: هل كانت كذا، هل كانت كذا؟ فدلَّ ذلك: على أنَّه يتعين مكان النذر ما لم يكن معصية.

(1)

كما في "التلخيص الحبير"(4/ 329).

(2)

في العلل (6/ 243 - 244).

(3)

في المستدرك (4/ 509) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(4)

في سننه رقم (1407).

وهو حديث منكر.

(5)

في سننه رقم (1413).

وهو حديث ضعيف.

(6)

كما في "التلخيص"(4/ 330).

(7)

أحمد في المسند (3/ 7) والبخاري رقم (1197) ومسلم رقم (415/ 827).

وهو حديث صحيح.

ص: 395

ولعلّ الجمع ما هنا وما هناك أن المكان لا يتعين حتمًا، بل يجوز فعل المنذور به في غيره، فيكون ما هنا بيانًا للجواز.

ويمكن الجمع بأنه يتعين مكان النذر إذا كان مساويًا للمكان الذي فيه الناذر أو أفضل منه، لا إذا كان المكان الذي فيه الناذر فوقه في الفضيلة، ويشعر بهذا ما في حديث ميمونة

(1)

من تعليل ما أفتت به ببيان أفضلية المكان الذي فيه الناذرة في الشيء المنذور به وهو الصلاة.

قوله: (إلا المسجد الحرام) هذا فيه دليل: على أفضلية الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم على غيره من المساجد إلا المسجد الحرام فإنه استثناه فاقتضى ذلك أنه ليس بمفضول بالنسبة إلى مسجده صلى الله عليه وسلم.

ويمكن أن يكون مساويًا أو أفضل، وسائر الأحاديث دلت على أنه أفضل باعتبار الصلاة فيه بذلك المقدار.

قوله: (لا تشدّ الرحال

إلخ) فيه دليل: على أنه يتعين مكان النذر إذا كان أحد الثلاثة المذكورة.

وقد ذهب إلى ذلك مالك

(2)

والشافعي

(3)

.

وقال أبو حنيفة

(4)

: لا يلزم وله أن يصلي في أيّ محلّ شاء، وإنما يجب عنده المشي إلى المسجد الحرام إذا كان بحجّ أو عمرة، وما عدا الأمكنة الثلاثة فلا يتعين مكانًا للنذر ولا يجب الوفاء عند الجمهور

(5)

.

وقد تمسك بهذا الحديث من منع السفر وشدّ الرحل إلى غيرها من غير فرق بين جميع البقاع، وقد وقع لحفيد المصنف في ذلك وقائع بينه وبين أهل عصره لا يتسع المقام لبسطها.

(1)

تقدم برقم (3868) من كتابنا هذا.

(2)

التهذيب في اختصار المدونة (2/ 85) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 392).

(3)

البيان للعمراني (4/ 498).

(4)

المبسوط للسرخسي (8/ 138) وحاشية ابن عابدين (5/ 413).

(5)

الفتح (11/ 585) والمغني (13/ 640).

ص: 396

[الباب الثامن] باب قَضَاءِ كلِّ المَنْذُورَاتِ عَنِ المَيِّتِ

29/ 3871 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاس: أن سَعْدَ بْنَ عُبادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إنَّ أمِّي ماتَتْ وَعَلَيْها نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اقْضِهِ عَنْها" رَوَاهُ أبُو دَاودَ

(1)

وَالنَّسائيُّ

(2)

وَهُوَ على شَرْطِ الصَّحِيحِ. [صحيح]

قالَ البُخارِيُّ

(3)

: وأمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرأةً جَعَلَتْ أُمُّها على نَفْسِها صَلاةً بِقُباءَ - يَعْنِي ثُمَّ ماتَتْ -، فَقالَ: صَلِّي عَنْها. [موقوف ضعيف]

قالَ: وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ)

(4)

[موقوف صحيح]

(1)

في سننه رقم (3307).

(2)

في سننه رقم (3657 - 3663) و (3817 - 3819).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (2761) ومسلم رقم (1638) والترمذي رقم (1546) وابن ماجه رقم (2132).

وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه (11/ 583 رقم الباب (30) - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في "الفتح"(11/ 584): وصله مالك - في الموطأ (2/ 472 رقم 2) - عن عبد الله بن أبي بكر - أي ابن محمد بن عمرو بن حزم - عن عمته أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيًا إلى مسجد قباء، فماتت ولم تقضه، فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها. سنده ضعيف، فيه من لا يعرف.

وهو موقوف ضعيف.

(4)

البخاري في صحيحه (11/ 583 رقم الباب (30) - مع الفتح) معلقًا.

وقال الحافظ في "الفتح"(11/ 584): "وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال مرة: عن ابن عباس، قال: إذا مات وعليه نذر قضى عنه وليه.

ومن طريق عون بن عبد الله بن عتبة أن امرأة نذرت أن تعتكف عشرة أيام فماتت ولم تعتكف، فقال ابن عباس: اعتكف عن أمك.

وجاء عن ابن عمر وابن عباس خلاف ذلك.

فقال مالك في الموطأ: أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد". اهـ.

ص: 397

حديث ابن عباس في قصة سعد بن عبادة أصله في الصحيحين

(1)

.

وقول ابن عباس الذي أشار البخاري بأنه نحو ما قاله ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة

(2)

بسند صحيح: "أن امرأة جعلت على نفسها مشيًا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه، فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها.

وجاء عن ابن عمر وابن عباس خلاف ذلك، فقال مالك في الموطإ

(3)

: إنه بلغه أن عبد الله بن عمرو كان يقول: لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد.

وأخرج النسائي

(4)

من طريق أيوب بن موسى عن ابن أبي رباح عن ابن عباس قال: "لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد".

أورده ابن عبد البرّ

(5)

من طريقه موقوفًا، ثم قال: والنقل في هذا عن ابن عباس مضطرب.

قال الحافظ

(6)

: ويمكن الجمع بحمل الإثبات في حقّ من مات والنفي في حقّ الحيّ.

قال

(7)

: ثم وجدت عن ابن عباس ما يدلّ على تخصيصه في حقّ الميت بما إذا مات وعليه شيء واجب، فعند ابن أبي شيبة

(8)

بسند صحيح: سئل ابن عباس عن رجل مات وعليه نذر فقال: يصام عنه النذر.

وقال ابن المنير

(9)

: يحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله صلي عنها العمل

(1)

البخاري رقم (2761) ومسلم رقم (1638).

(2)

في الجزء المفقود ص 65 - 66.

(3)

في الموطأ (3/ 301 رقم 43) بسند ضعيف لانقطاعه.

لكن أخرج أبو القاسم البغوي في "جزء أبي الجهم: العلاء بن موسى الباهلي"(ص 34 رقم 24) من طريق الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر، به.

وهذا سند صحيح.

(4)

في السنن الكبرى (رقم 2918 - العلمية).

(5)

في "التمهيد"(10/ 218 - 219).

(6)

في "الفتح"(11/ 584).

(7)

أي الحافظ كما في المرجع المتقدم.

(8)

في الجزء المفقود ص 65.

(9)

ذكره الحافظ في "الفتح"(11/ 584).

ص: 398

بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، فعدّ منها الولد"

(1)

، لأن الولد من كسبه فأعماله الصالحة مكتوبة للوالد من غير أن ينقص من أجره، فمعنى: صلّي عنها، أن صلاتك مكتتبة لها ولو كنت إنما تنوي عن نفسك. كذا قال، ولا يخفى تكلفه.

وحاصل كلامه تخصيص الجواز بالولد، وإلى ذلك ذهب ابن وهب، وأبو مصعب من أصحاب الإمام مالك.

وفيه تعقب على ابن بطال

(2)

حيث نقل الإجماع: أنه لا يصلي أحد عن أحد فرضًا ولا سنة لا عن حيّ ولا عن ميت.

ونقل عن المهلب

(3)

أن ذلك لو جاز لجاز في جميع العبادات البدنية، ولكان الشارع أحقّ بذلك أن يفعله عن أبويه.

ولما نهى عن الاستغفار لعمه، ولبطل معني قوله:{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا}

(4)

.

قال الحافظ

(5)

: وجميع ما قاله لا يخفى وجه تعقبه، خصوصًا ما ذكره في حق الشارع صلى الله عليه وسلم، وأما الآية فعمومها مخصوص اتفاقًا.

وقد ذهب ابن حزم

(6)

ومن وافقه إلى أن الوارث يلزمه قضاء النذر عن مورّثه في جميع الحالات.

واختلف في تعيين نذر أم سعد؛ فقيل: كان صومًا لما رواه مسلم البطين

(1)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 372) ومسلم رقم (14/ 1631) والترمذي رقم (1376) والنسائي (6/ 251) وأبو يعلى رقم (6457) وابن خزيمة رقم (2494) والطحاوي في مشكل الآثار رقم (246) وابن حبان رقم (3016) والطبراني في الدعاء رقم (1251) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 278) وفي "الشعب" رقم (3447) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1/ 190).

وهو حديث صحيح.

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (6/ 159).

(3)

ذكره ابن بطال عنه في المرجع السابق.

(4)

سورة الأنعام، الآية:(164).

(5)

في "الفتح"(11/ 584).

(6)

في المحلى (8/ 27 - 28).

ص: 399

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "جاء رجل فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: نعم

" الحديث

(1)

.

وأجيب بأنه لم يكن فيه أن الرجل سعد. وقال ابن عبد البرّ

(2)

: كان عتقًا واستدلّ بما أخرجه من طريق القاسم بن محمد أن سعد بن عبادة قال: "يا رسول الله إن أمي ماتت، فهل ينفعها أن أعتق عنها؟ قال: "نعم"

(3)

.

وقيل: كان صدقة، لما رواه في الموطإ

(4)

وغيره: "أن سعدًا خرج مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فقيل لأمه: أوصي، قالت: المال مال سعد، فتوفيت قبل أن يقدم، فقال: يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدّق عنها؟ قال: "نعم". وليس في هذا والذي قبله أنها نذرت.

قال عياض

(5)

: والذي يظهر أنه كان نذرها في مالٍ أو مبهمًا. وظاهر حديث الباب أنه كان معينًا عند سعد.

(1)

أخرجه البخاري رقم (1953) ومسلم رقم (154/ 1148) وأبو داود رقم (3310) والترمذي رقم (716) و (717) والنسائي في السنن الكبرى رقم (3613 - العلمية) وابن ماجه رقم (1758).

وهو حديث صحيح.

(2)

في "التمهيد"(10/ 220 - الفاروق).

(3)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 779 رقم 13) والبغوي في شرح السنّة رقم (2424) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 279) و"المعرفة"(5/ 105 رقم 3936 - العلمية) من طرق عن مالك، به.

قال البيهقي: هذا مرسل.

وقال البنوي: هذا منقطع.

وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(26/ 20 - تيمية): "هذا حديث منقطع؛ لأن القاسم لم يلق سعد بن عبادة".

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(4)

في الموطأ (2/ 760 رقم 52).

قلت: وأخرجه النسائي رقم (3650) والطبراني في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5523) وابن خزيمة رقم (2500).

إسناده ضعيف، لأرساله، وبه أعله الحافظ المزي في تهذيب الكمال (21/ 24).

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 385).

ص: 400

وفي الحديث قضاء الحقوق الواجبة عن الميت، وقد ذهب الجمهور

(1)

إلى أن من مات وعليه نذر مالي فإنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص إلا إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث، وشرط المالكية

(2)

والحنفية

(3)

أن يوصي بذلك مطلقًا.

(1)

الفتح (11/ 585).

(2)

التمهيد (10/ 219 - الفاروق) ومدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 398).

(3)

البناية في شرح الهداية (3/ 697 - 698).

ص: 401

[الكتاب السادس والأربعون] كتاب الأقضية والأحكام

[الباب الأول] بَابُ وُجُوبِ نصْبِ ولايةِ القضاءِ والإمارَةِ وغيرِهمَا

1/ 3872 - (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يحِلُّ لِثَلاثةٍ يَكُونُونَ بِفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ إلَّا أمَّروا عَلَيْهِمْ أحَدَهُمْ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [صحيح لغيره]

2/ 3873 - (وَعَنْ أبي سعِيدٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي فَلْيُؤَمِّروا عَلَيْهِمْ أحَدَهُمْ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(2)

. [أحسن]

وَلَهُ

(3)

مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ). [أحسن]

حديث عبد الله بن عمرو، وحديث أبي سعيد قد أخرج نحوهما البزار

(4)

(1)

في المسند (2/ 176 - 177).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 63 - 64) وقال: رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وهو لين، وبقية رجاله رجال الصحيح.

- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري عند أبي داود رقم (2608) والبيهقي (5/ 257).

ولفظه: "إذا خرج ثلاثةٌ في سفرٍ، فليؤمروا أحدهم" وهو حديث حسن.

• وآخر من حديث أبي هريرة عند أبي داود رقم (2609) والبيهقي (5/ 257) ولفظه: "إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم". وهو حديث حسن.

وخلاصة القول: أن حديث عبد الله بن عمرو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(2)

في سننه رقم (2608) وهو حديث حسن تقدم.

(3)

في سننه رقم (2609) وهو حديث حسن تقدم.

(4)

في المسند (رقم 1672 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 255) وقال: "رجاله رجال الصحيح، خلا عمار بن خالد، وهو ثقة".

ص: 402

بإسناد صحيح من حديث عمر بن الخطاب بلفظ: "إذا كنتم ثلاثةً في سفر فأمِّروا أحدكم، ذاك أمير أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

وأخرج البزار

(1)

أيضًا بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمر مرفوعًا بلفظ: "إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم".

وأخرجه بهذا اللفظ الطبراني

(2)

من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح.

وهذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض.

وقد سكت أبو داود

(3)

والمنذري

(4)

عن حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، وكلاهما رجالهما رجال الصحيح إلا عليّ بن بحر وهو ثقة.

ولفظ حديث أبي هريرة: "إذا [خرج]

(5)

ثلاثةٌ في سفرٍ فليؤمروا أحدهم".

وفيها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدًا أن يؤمروا عليهم أحدهم لأن في ذلك السلامة من الخلاف الذي يؤدّي إلى التلاف، فمع عدم التأمير يستبدّ كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون، ومع التأمير يقلّ الاختلاف وتجتمع الكلمة، وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ويحتاجون لدفع التظالم وفصل التخاصم أولى وأحرى.

وفي ذلك دليل لقول من قال: إنه يجب على المسلمين نصب الأئمة، والولاة، والحكام.

وقد ذهب الأكثر

(6)

إلى أن الإمامة واجبة، لكنهم اختلفوا: هل الوجوب

(1)

في المسند (رقم 1673 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 255) وقال: "رجاله رجال الصحيح، خلا عنيس بن مرحوم، وهو ثقة".

(2)

في المعجم الكبير (ج 9 رقم 8915).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 255 - 256) وقال: رجاله رجال الصحيح.

(3)

في السنن (3/ 81).

(4)

في المختصر (3/ 414).

(5)

ما بين الحاصرتين سقط من (ب).

(6)

نقل ابن حزم في "الفصل"(4/ 149): "اتفاق جميع أهل السنّة، وجميع المرجئة، وجميع =

ص: 403

عقلًا أو شرعًا؟ فعند العترة

(1)

وأكثر المعتزلة

(2)

والأشعرية

(3)

: تجب شرعًا.

وعند الإمامية

(4)

: تجب عقلًا فقط.

وعند الجاحظ

(5)

والبلخي

(6)

والحسن البصري (6): تجب عقلًا وشرعًا.

وعند ضرار

(7)

والأصم

(8)

وهشام الفوطي

(9)

والنجدات

(10)

: لا تجب.

= الشيعة، وجميع الخوارج على وجوب الإمامة. وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيها أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتاها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم

". اهـ.

(1)

البحر الزخار (5/ 374).

(2)

انظر: أصول مذهب الشيعة (2/ 791).

(3)

الملل والنحل للشهرستاني (1/ 117 - 118).

(4)

انظر كتاب: "الإمامة والرد على الرافضة" لأبي نعيم الأصبهاني ص 25 - 26.

(5)

الجاحظ: عمرو بن بحر أبي عثمان الجاحظ (ت 250 هـ) من المعتزلة، وتنسب إليه فرقة الجاحظية.

قال الإسفرائيني في "التبصير في الدين" ص 81 - 82 اغتر أصحابه بحسن بيانه في تصانيفه، ولو عرفوا ضلالاته وما أحدثه في الدين من بدعه وجهالاته لكانوا يستغفرون عن مدحه، ويستنكفون عن الانتساب إلى مثله.

وانظر: الملل والنحل (1/ 85 - 87).

(6)

ذكر أقوالهما صاحب البحر الزخار (5/ 374).

(7)

ضرار بن عمرو، كان من كبار المعتزلة طمع في رياستهم في بلده فلم يدركها، فخالفهم فكفروه وطردوه، صنف نحو ثلاثين كتابًا بعضها في الرد عليهم، وعلى الخوارج؛ شهد عليه الإمام أحمد عند القاضي سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، فأفتى بضرب عنقه فهرب. توفي سنة (190 هـ) وإليه تنسب الضرارية من الجبرية.

[لسان الميزان (3/ 607 - إحياء التراث) التبصير في الدين ص 105 والملل والنحل (1/ 102)].

(8)

كان أبو بكر الأصم من أصحاب هشام بن عمرو الفوطي ومن بدعه في الإمامة قوله: "إنها لا تنعقد في أيام الفتنة واختلاف الناس، وإنما يجوز عقدها في حال الاتفاق والسلام".

انظر: "الملل والنحل"(1/ 86) والبحر الزخار (5/ 374).

(9)

هشام بن عمرو الفوطي كان من جملة القدرية، وزاد عليهم في بدع كثيرة تنسب إليه الهاشمية وهي من فِرَق المعتزلة القدرية.

[انظر: "التبصير في الدين" ص 75، والملل والنحل (1/ 85) والفَرْق بين الفِرَق ص 109].

(10)

وهم أصحاب نجدة بن عامر الحنفي استولى على اليمامة والبحرين سنة (66 هـ) وقتله =

ص: 404

[الباب الثاني] بابُ كَرَاهِيَةِ الحِرْصِ على الولايةِ وطَلَبِهَا

3/ 3874 - (عَنْ أبي مُوسَى قالَ: دَخَلْتُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنا وَرَجُلانِ مِنْ بَنِي عَمِّي، فَقالَ أحَدُهُما: يا رَسُول الله أمِّرْنا على بَعْضِ ما وَلَّاكَ الله عز وجل، وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذلك، فَقالَ: "إنَّا وَالله لا نُوَلِّي هَذَا العَمَلَ أحَدًا يَسألُهُ أوْ أحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ")

(1)

. [صحيح]

4/ 3875 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ لا تَسألِ الإمارَةَ، فإنَّكَ إنْ أُعْطِيَتها عَنْ غَيْرِ مَسألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْها، وَإنْ أُعْطِيتَها عَنْ مَسألةٍ وُكِلْتَ إلَيْها"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما)

(2)

. [صحيح]

5/ 3876 - (وَعَنْ أنَسِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سأل القَضَاءَ وُكِلَ إلى نَفْسِهِ، وَمَنْ جُبِرَ عَلَيْهِ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدّدُهُ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائيَّ)

(3)

. [ضعيف]

= أصحابه سنة (69 هـ). [العبر (1/ 74)].

وربما قيل للنجدات: العاذرية لأنهم عذروا بالجهالات في أحكام الفروع، وحكى الكعبي وأجمعت النجدات على أنه لا حاجة إلى إمام قط. وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم، فإن هم رأوا أن ذلك لا يتم إلا بإمام يحملهم عليه فأمره جائز.

[الفصل لابن حزم (4/ 149) والملل والنحل (1/ 143)].

(1)

أحمد في المسند (4/ 393، 409) والبخاري رقم (7149) ومسلم رقم (14/ 1733). وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (5/ 62 - 63) والبخاري رقم (7147) ومسلم رقم (13/ 1652). وهو حديث صحيح.

(3)

أحمد في المسند (3/ 118، 220) وأبو داود رقم (3578) والترمذي رقم (1323) وابن ماجه رقم (2309).

قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 92) والبيهقي (10/ 100) من طرق عن إسرائيل عن عبد الأعلى عن بلال بن أبي موسى عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .. فذكره.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. =

ص: 405

6/ 3877 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّكُمْ سَتَحْرِصونَ على الإِمارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الفاطِمَةُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

والْبُخَارِيُّ

(2)

وَالنَّسائيُّ)

(3)

. [صحيح]

7/ 3878 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ المُسْلِمينَ حتَّى ينالَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الجَنَّةُ، وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ"، روَاهُ أبُو دَاوُدَ

(4)

. [ضعيف]

وَقَدْ حُمِلَ على ما إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ).

حديث أنس أخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط

(5)

من رواية عبد الأعلى التغلبي عن بلال بن أبي بردة الأشعري عن أنس مرفوعًا بلفظ: "من طلب القضاء واستعان عليه وكل إلى نفسه، ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله عليه ملكًا يسدّده".

قال: لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد تفرّد به عبد الأعلى.

= قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وعبد الأعلى هذا هو ابن عامر الثعلبي: ضعيف، وأورده الذهبي نفسه في "المغني في الضعفاء" (1/ 364 رقم 3444) وقال: ضعفه أحمد وأبو زرعة.

وقال الحافظ في "التقريب" رقم (3731): صدوق يهم.

ومع ضعف عبد الأعلى هذا فقد اضطرب في إسناد هذا الحديث.

وانظر ما قاله المحدث الألباني رحمه الله في: "الضعيفة" رقم (1154).

وخلاصة القول: إن حديث أنس حديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

في المسند (2/ 448).

(2)

في صحيحه رقم (7148).

(3)

في سننه رقم (4211).

وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (3575).

وعنه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 88) بسند ضعيف، لجهالة موسى بن نجدة. قاله الحافظ في "التقريب" رقم (7020).

وهو حديث ضعيف.

(5)

في الأوسط رقم (5958).

ص: 406

وأخرجه البزار

(1)

من طريق عبد الأعلى عن بلال بن مرداس عن خيثمة عن أنس، قال: ولا يعلم عن أنس إلا من هذا الوجه.

وأخرجه الترمذي من الطريقتين

(2)

جميعًا وقال: حسن غريب، وقال في الرواية الثانية: أصحّ.

وأخرجه الحاكم

(3)

من طريق إسرائيل عن عبد الأعلى عن بلال عن خيثمة وصححه.

وتعقب أن خيثمة لينه يحيى بن معين، وعبد الأعلى ضعفه الجمهور.

وأخرج الحديث ابن المنذر

(4)

بلفظ: "من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله ملكًا يسدّده".

وحديث أبي هريرة

(5)

الثاني سكت عنه أبو داود

(6)

والمنذري

(7)

وسنده لا مطعن فيه

(8)

؛ فإن أبا داود قال: حدثنا عباس العنبريُّ - يعني ابن عبد العظيم أبا الفضل شيخ الشيخين - حدثنا عمرُ بنُ يونس - يعني اليمامي - حدثنا ملازم بن عمرو - يعني ابن عبد الله بن بدر اليمامي، وثقه أحمد وابن معين والنسائي - حدثني [موسى]

(9)

- عن أبي هريرة

فذكره.

(1)

كما في "مجمع الزوائد"(5/ 201) وقال الهيثمي: رواه البزار، وفيه سوار بن داود أبو حمزة وثقه أحمد وابن حبان، وابن معين، وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح.

(2)

في السنن رقم (1323).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3578) وابن ماجه رقم (2309).

وهو حديث ضعيف.

في السنن رقم (1324).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو أصح من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى - أي المتقدم برقم (1323) -.

(3)

في المستدرك (4/ 92) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(4)

كما في "الفتح"(13/ 224).

(5)

تقدم برقم (7/ 3878) من كتابنا هذا.

(6)

في السنن (4/ 7).

(7)

في المختصر (5/ 206).

(8)

قلت: بل موسى بن نجدة مجهول كما تقدم.

(9)

في كل طبعات نيل الأوطار (محمد بن نجدة) وهو خطا والصواب ما أثبتناه من سنن أبي داود، والتقريب، رقم الترجمة (7020) و"تهذيب التهذيب"(4/ 191).

ص: 407

قوله: (أو أحدًا حرص عليه) بفتح المهملة والراء.

قال العلماء

(1)

: والحكمة في أنه لا يولَّى من سأل الولاية: أنه يوكل إليها، ولا يكون معه إعانة، كما في الحديث الذي بعده، وإذا لم يكن معه إعانة لا يكون كفؤًا ولا يولى غير الكفء، لأن فيه تهمة.

قوله: (لا تسأل الإمارة) هكذا في أكثر طرق الحديث، ووقع في رواية بلفظ:"لا تتمنينّ الإمارة" بصيغة النهي عن التمني مؤكدًا بالنون الثقيلة.

قال ابن حجر

(2)

: والنهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب.

قوله: (عن غير مسألة) أي: سؤال.

قوله: (وكلت إليها) بضمِّ الواو، وكسر الكاف، مخففًا، ومشدّدًا، وسكون اللام، ومعنى المخفف، أي: صرفت إليها، وكل الأمر إلى فلان: صرفه إليه، ووكله بالتشديد: استحفظه.

ومعنى الحديث: أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه.

ويستفاد من هذا أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه؛ فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك، وأن من حرص على ذلك لا يعان.

ويعارض ذلك في الظاهر حديث أبي هريرة

(3)

المذكور في آخر الباب.

قال الحافظ

(4)

: ويجمع بينهما: أنه لا يلزم من كونه لا يعان بسبب طلبه أن لا يحصل منه العدل إذا ولي؛ أو يحمل الطلب هنا على القصد وهناك على التولية.

وبالجملة فإذا كان الطالب مسلوب الإعانة تورَّط فيما دخل فيه وخسر الدنيا والآخرة فلا تحلّ تولية من كان كذلك، وأيضًا ربما كان الطالب للإمارة مريدًا بها الظهور على الأعداء والتنكيل بهم فيكون في توليته مفسدة عظيمة.

(1)

شرح صحيح مسلم للنووي (12/ 207 - 208).

(2)

في "الفتح"(13/ 124).

(3)

تقدم برقم (7/ 3878) من كتابنا هذا.

(4)

في "الفتح"(13/ 124).

ص: 408

قال ابن التين

(1)

: محمول على الغالب، وإلا فقد قال يوسف عليه السلام:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ}

(2)

، وقال سليمان:{وَهَبْ لِي مُلْكًا}

(3)

.

قال: ويحتمل أن يكون في غير الأنبياء عليهم السلام. انتهى.

قلت: وذلك لوثوق الأنبياء بأنفسهم بسبب العصمة من الذنوب.

وأيضًا لا يعارض الثابت في شرعنا ما كان في شرع غيرنا، فيمكن أن يكون الطلب في شرع يوسف عليه السلام سائغًا.

وأما سؤال سليمان فخارج عن محلّ النزاع، إذ محله سؤال المخلوقين لا سؤال الخالق، وسليمان عليه السلام إنما سأل الخالق.

قوله: (إنكم ستحرِصون) بكسر الراء ويجوز فتحها، ويدخل في لفظ الإمارة، الإمارة العظمى - وهي الخلافة -، والصغرى - وهي الولاية على بعض البلاد -، وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بالشيء قبل وقوعه، فوقع كما أخبر.

قوله: (وستكون ندامة يوم القيامة) أي: لمن لم يعمل فيها بما ينبغي.

ويوضح ذلك ما أخرجه البزار

(4)

والطبراني

(5)

بسندٍ صحيح عن عوف بن مالك بلفظ: "أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل".

وفي الأوسط للطبراني

(6)

من رواية شريك عن عبد الله بن عيسى، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال شريك: لا أدري رفعه أم لا قال: "الإمارة أوّلها ندامة، وأوسطها غرامة، وآخرها عذاب يوم القيامة".

(1)

حكاه الحافظ عنه في "الفتح"(3/ 125).

(2)

سورة يوسف، الآية:(55).

(3)

سورة ص، الآية:(35).

(4)

في المسند (رقم 1597 - كشف).

(5)

في المعجم الكبير (ج 18 رقم 132) والأوسط رقم (6747).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 200 - 201) وقال: رجال الكبير رجال الصحيح.

(6)

في المعجم الأوسط رقم (5616).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 201) وقال: رجاله ثقات.

ص: 409

وله شاهد من حديث شدّاد بن أوس رفعه بلفظ: "أوّلها ملامة وثانيها ندامة" أخرجه الطبراني

(1)

.

وعند الطبراني

(2)

من حديث زيد بن ثابت رفعه: "نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقّها، وحلّها، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها، تكون عليه حسرة يوم القيامة".

قال الحافظ

(3)

: وهذا يقيد ما أطلق في الذي قبله.

ويقيد أيضًا ما أخرجه مسلم

(4)

عن أبي ذرّ: "قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: إنك ضعيف وإنّها أمانةٌ، وإنها يوم القيامة خزي وندامةٌ إلا من أخذها بحقّها، وأدّى الذي عليه فيها".

قال النووي

(5)

: هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن كان فيه ضعف، وهو من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل، فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة. وأما من كان أهلًا وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار، ولكن الدخول فيها خطر عظيم، ولذلك امتنع الأكابر منها. انتهى.

وسيأتي حديث أبي ذرّ

(6)

هذا.

قوله: (فنعم

(7)

المرضعة، وبئست (7) الفاطمة)

(1)

في المعجم الكبير (ج 7 رقم 7186).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 200) وقال: فيه إسحاق بن إبراهيم المزني، وهو ضعيف.

(2)

في المعجم الكبير (ج 5 رقم 4831).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 200) وقال: رواه الطبراني عن شيخه حفص بن عمر بن الصباح الرقي، وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(3)

في "الفتح"(13/ 126).

(4)

في صحيحه رقم (16/ 1825).

(5)

في شرحه لصحيح مسلم (12/ 210).

(6)

برقم (3892) من كتابنا هذا.

(7)

قال الطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح (7/ 232 - 233): "فنعم المرضعة": لفظة (نعم، وبئس) إذا كان فاعلها مؤنث، جاز إلحاق تاء التأنيث، وجاز تركها، فلم يلحقها هنا في "نعم" وألحقها في "بئست". =

ص: 410

قال الداودي

(1)

: نعمت المرضعة؛ أي: في الدنيا، وبئست الفاطمة؛ أي: بعد الموت لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك، فهو كالذي يفطم قبل أن يستغني، فيكون في ذلك هلاكه.

وقال غيره (1): نعمت المرضعة لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات الحسية والوهمية حال حصولها، وبئست الفاطمة عند الانفصال عنها بموت أو غيره وما يترتب عليها من التبعات في الآخرة.

قوله: (ثم غلب عدله جوره) أي كان عدله في حكمه أكثر من ظلمه، كما يقال: غلب على فلان الكرم؛ أي: هو أكثر خصاله.

وظاهره: أنه ليس من شرط الأجر الذي هو الجنة أن لا يحصل من القاضي جوز أصلًا، بل المراد أن يكون جوره مغلوبًا بعدله.

فلا يضر الجور المغلوب بالعدل، إنما الذي يضرُّ ويوجب النار أن يكون الجور غالبًا للعدل.

قيل: هذا الحديث محمول على ما إذا لم يوجد غير هذا القاضي الذي طلب القضاء، جمعًا بينه وبين أحاديث الباب، وقد تقدم طرف من الجمع.

وبقي الكلام في استحقاق الأمير للإعانة هل يكون بمجرّد إعطائه لها من غير مسألة كما يدلّ عليه حديث عبد الرحمن بن سمرة

(2)

المذكور في الباب أم لا يستحقها إلا بالإكراه والإجبار كما يدلّ عليه حديث أنس

(3)

المذكور أيضًا؟

فقال ابن رسلان: إنَّ المطلق مقيد بما إذا أكره على الولاية وأجبر على

= أقول: لم يلحقها بـ (نعم) لأنَّ المرضعة مستعارة للإمارة وهي وإن كانت مؤنثة إلا أن تأنيثها غير حقيقي، وألحقها بـ (بئس) نظرًا إلى كون الإمارة حينئذٍ داهية دهياء، وفيه أن ما يناله الأمير من البأساء والضراء، أبلغ وأشد مما يناله من النعماء والسراء، وإنما أتى بالتاء في المرضع والفاطم، دلالة على تصوير، تينيك الحالتين المتجددتين في الإرضاع والفطام".

(1)

حكاه الحافظ في "الفتح"(13/ 126).

(2)

تقدم برقم (3875) من كتابنا هذا.

(3)

تقدم برقم (3876) من كتابنا هذا.

ص: 411

قبولها، فلا ينزل الله إليه الملك يسدده إلا إذا أكره على ذلك جبرًا، ولا يحصل هذا لمن عرضت عليه الولاية فقبلها من دون إكراه، كما في لفظ الترمذي من رواية بلال بن مرداس

(1)

: "ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكًا يسدده"، وقال

(2)

: حسن غريب.

ولا يخفى ما في حديث أنس

(3)

من المقال الذي قدمناه من اضطراب ألفاظه التي أشرنا إلى بعضها وأكثر ألفاظه بدون ذكر الإجبار والإكراه كما في سنن أبي داود

(4)

وغيرها.

على أنه على فرض صحته وصلاحيته لا معارضة بينه وبين حديث عبد الرحمن بن سمرة

(5)

، لأن حديث عبد الرحمن فيه أن من أعطي الإمارة من غير مسألة أعين عليها، وليس فيه نزول الملك للتسديد.

وحديث أنس (3) فيه أن من أجبر نزل عليه ملك يسدّده، فغايته أن الإعانة تحصل بمجرّد إعطاء الإمارة من غير مسألة بخلاف نزول الملك فلا يحصل إلا بالإجبار، فلا معارضة ولا إطلاق ولا تقييد إلا في حديث أنس نفسه فيمكن أن يحمل المطلق من ألفاظه على الإجبار والإكراه بالمقيد بهما إذا انتهض لذلك.

لا يقال: إن إنزال الملك للتسديد نوع من الإعانة فتثبت المعارضة، لأنا نقول: بعض أنواع الإعانة لا يعارض البعض الآخر.

[الباب الثالث] بابُ التَّشديدِ في [الولايات]

(6)

وما يخشى على من لم يقم بحقها دون القائم به

8/ 3879 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جُعِلَ قاضِيًا

(1)

أخرجه الترمذي رقم (1324) وهو حديث ضعيف تقدم.

(2)

أي الترمذي في السنن (3/ 614).

(3)

تقدم برقم (3876) من كتابنا هذا.

(4)

في سننه رقم (3578).

وهو حديث ضعيف.

(5)

تقدم برقم (3875) من كتابنا هذا.

(6)

في المخطوط (ب): (الولاية).

ص: 412

بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينِ"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائِيَّ)

(1)

[أحسن]

9/ 3880 - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما مِنْ حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ إلَّا حُبِسَ يَوْمَ القِيامَةِ وَمَلَكٌ آخِذٌ بِقَفاهُ حتَّى يَقِفَهُ على جَهَنَّمَ، ثُمَّ يَرْفَعُ رأسَهُ إلى الله عز وجل، فإنْ قالَ: ألْقِهِ، ألْقاهُ فِي مَهْويّ فَهَوَى أربَعِينَ خَرِيفًا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَابْنُ ماجَهْ بِمَعْنَاهُ)

(3)

. [ضعيف]

10/ 3881 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: "وَيْلٌ لِلأُمرَاءِ، وَيْلٌ للعُرَفاءِ، وَيْلٌ لِلأمْنَاءِ، لَيَتَمَنَيَنَّ أقْوَامٌ يَوْمَ القِيامَةِ أن ذَوَائِبَهُمْ كانَتْ [مُتَعَلِّقَةً]

(4)

بالثُّرَيَّا يَتَذَبْذَبُونَ بَيْنَ السَّماء وَالأرْضِ ولَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا على شَيْءٍ")

(5)

. [إسناده حسن]

11/ 3882 - (وَعَنْ عائِشَةَ قالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَتأتِيَنَّ على القاضِي العَدْلِ يَوْمَ القِيامَةِ ساعَةٌ يَتَمَنَّى أنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ")

(6)

. [ضعيف]

(1)

أحمد في المسند (2/ 230، 365) وأبو داود رقم (3572) والترمذي رقم (1325) وابن ماجه رقم (2308).

قلت: وأخرجه الدارقطني (4/ 204) والبيهقي (10/ 96) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (396).

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

وهو حديث حسن، والله أعلم.

(2)

في المسند (1/ 430).

(3)

في سننه رقم (2311).

قلت: وأخرجه الدارقطني (4/ 205) والطبراني في الكبير رقم (10313) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 89).

وقال الدارقطني في "العلل"(5/ 249): "والموقوف هو الصحيح".

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(4)

في المخطوط (أ): (معلقة).

(5)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 352).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (2523) وأبو يعلى رقم (6217) والحاكم (4/ 91) والبغوي في شرح السنة رقم (2468) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 97) من طرق.

إسناده حسن.

(6)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 75) بسند ضعيف. =

ص: 413

12/ 3883 - (وَعَنْ أبي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذلكَ إلا أتى الله عز وجل يَوْمَ القِيامَةِ يَدُهُ إلى عُنُقِهِ فَكَّهُ بِرُّهُ، أوْ أَوْبَقَهُ إثْمُهُ، أوَّلُهَا مَلامَة، وأوْسَطُها نَدَامَةٌ، وآخِرُها خِزْيٌ يَوْمَ القِيامَةِ")

(1)

. [صحيح لغيره]

13/ 3884 - (وَعَنْ عُبادَةَ بْن الصَّامِتِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ أميرِ عَشَرَةٍ إلَّا جِيءَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ مَغْلُولَةً يَدُهُ إلى عُنُقِهِ، حتَّى يُطْلِقَهُ الحَقُّ أوْ يُوبِقَهُ، وَمَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ الله وَهُوَ أَجْذَمُ"، رَوَاهُنَّ أحْمَدُ)

(2)

. [إسناده ضعيف]

14/ 3885 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ أبي أوْفَى قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله مع القاضِي ما لَمْ يَجُرْ فإذَا جَارَ وَكَلَهُ الله إلى نَفَسِهِ"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(3)

[أحسن]

وفِي لَفْظٍ: "الله مَعَ القاضِي ما لَمْ يَجُرْ، فإذَا جارَ تَخَلَّى عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطانُ"

= قلت: وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 282) ووكيع في "أخبار القضاة"(1/ 20 - 21) وابن حبان رقم (5055) والعقيلي في الضعفاء (3/ 298) ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" رقم (1260).

قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (5/ 267) بسند ضعيف.

ويشهد له ما أخرجه أحمد في المسند (2/ 432) والبزار (رقم 1640 - كشف) وأبو يعلى رقم (6614).

ولفظه: "ما من أميرِ عشرةٍ، إلا يُؤتى به يوم القيامة مغلولًا، لا يفكُّهُ إلا العدلُ، أو يوبقهُ الجور" بسند حسن.

ويشهد لقوله: "أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة"، حديث عوف بن مالك الأشجعي عند البزار (رقم 1597 - كشف) والطبراني في الكبير (ج 18 رقم 132) والأوسط رقم (6743 - معارف) وفي الشاميين رقم (1195) بسند صحيح.

وخلاصة القول: إن حديث أبي أمامة حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(2)

أحمد في المسند (5/ 327 - 328) بسند ضعيف، لضعف يزيد بن أبي زياد - وهو الهاشمي الكوفي - وجهالة عيسى، وهو ابن قائد، وروايته عن الصحابة مرسلة.

(3)

في سننه رقم (2312) وهو حديث حسن.

ص: 414

رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ)

(1)

[أحسن]

15/ 3886 - (وَعَنْ [عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ]

(2)

قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ الله على مَنابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وأهْلِيهِمْ وَما وُلُّوا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَمُسْلِمٌ

(4)

وَالنَّسائِيُّ)

(5)

. [صحيح]

حديث أبي هريرة الأول أخرجه أيضًا الحاكم

(6)

والبيهقي

(7)

والدارقطني

(8)

وحسنه الترمذي

(9)

، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان وله طرق.

وقد أعله ابن الجوزي

(10)

فقال: هذا حديث لا يصحّ.

قال الحافظ ابن حجر

(11)

: وليس كما قال، وكفاه قوّة تخريج النسائي

(12)

له.

وقد ذكر الدارقطني

(13)

الخلاف فيه على سعيد المقبري.

(1)

في سننه رقم (1330) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمران القطان.

وهو حديث حسن.

(2)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب (عبد الله بن عمرو) كما في مصادر التخريج.

(3)

في المسند (2/ 160).

(4)

في صحيحه رقم (18/ 1827).

(5)

في السنن رقم (5379).

قلت: وأخرجه الحميدي رقم (588) وابن أبي شيبة (13/ 127) وابن حبان رقم (4484) و (4485) والآجري في الشريعة ص 322 والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 58) وفي "الأسماء والصفات" ص 324 من طرق.

وهو حديث صحيح.

(6)

في المستدرك (4/ 91) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

(7)

في السنن الكبرى (10/ 96) وقد تقدم.

(8)

في السنن (4/ 204 رقم 5 - 7) وقد تقدم.

(9)

في السنن (3/ 615).

(10)

في "العلل المتناهية"(2/ 271).

(11)

في "التلخيص الحبير"(4/ 339).

(12)

في السنن الكبرى" رقم (5893 و 5894 - الرسالة).

(13)

في "العلل"(10/ 397 - 402 س 2082) ثم قال في آخر كلامه على الحديث: والمحفوظ عن المقبري عن أبي هريرة.

ص: 415

قال

(1)

: والمحفوظ عن سعيد المقبري عن أبي هريرة.

قال المنذري

(2)

: وفي إسناده عثمان بن محمد الأخنسي.

قال النسائي: ليس بذاك القويّ. قال: وإنما ذكرناه لئلا يخرج من الوسط، ويجعل عن ابن أبي ذئب عن سعيد، انتهى.

فلا تتمّ التقوية بإخراج النسائي للحديث كما زعم الحافظ.

وحديث ابن مسعود أخرجه أيضًا البيهقي في "شعب الإيمان"

(3)

والبزار

(4)

، وفي إسناده مجالد بن سعيد

(5)

وثقه النسائي وضعفه جماعة.

وحديث أبي هريرة الثاني حسنه السيوطي.

وحديث عائشة أخرجه أيضًا العقيلي

(6)

وابن حبان

(7)

والبيهقي

(8)

.

قال البيهقي: عمران بن حطان الراوي عن عائشة لا يتابع عليه ولا يتبين سماعه منها.

ووقع في رواية الإمام أحمد

(9)

من طريقه قال: "دخلت على عائشة فذاكرتها حتى ذكرنا القاضي

" فذكره.

قال في مجمع الزوائد

(10)

: وإسناده حسن.

وحديث أبي أمامة حسنه السيوطي

(11)

.

(1)

أي الدارقطني كما في المرجع السابق.

(2)

في المختصر (5/ 304).

(3)

في "شعب الإيمان" رقم (7533).

(4)

في المسند (رقم 1351 - كشف).

(5)

قال أحمد: ليس بشيء. وقال ابن معين: لا يحتج به. وقال الدارقطني: ضعيف.

المغني في الضعفاء للذهبي (2/ 542 رقم 5183).

ووثقه النسائي. ولكن الجرح مقدم فقد فسَّره بعضهم باختلاطه وعدم تميزه. الطبقات لابن سعد (6/ 349) والتاريخ الكبير (4/ 2/ 9) والجرح والتعديل (4/ 1/ 361) والميزان (3/ 438) والمجروحين (3/ 10).

(6)

في الضعفاء الكبير (2/ 204)، (3/ 298).

(7)

في صحيحه رقم (5055).

(8)

في السنن الكبرى (10/ 96).

(9)

في المسند (6/ 75) وقد تقدم.

(10)

في "مجمع الزوائد"(4/ 192).

(11)

في "الجامع الصغير" رقم (8039) وقد حسّنه أيضًا الألباني رحمه الله في صحيح الجامع رقم (5718).

ص: 416

وفي معناه أحاديث منها حديث عبادة المذكور بعده

(1)

.

ومنها حديث أبي هريرة عند البيهقي

(2)

في السنن بلفظ: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولًا حتى يكفه العدل أو يوبقه الجور".

ومنها حديث ابن عباس: "ما من أمير يؤمّر على عشرة إلا سئل عنهم يوم القيامة"، أخرجه الطبراني في الكبير

(3)

.

وأخرج البيهقي

(4)

حديثًا آخر عن أبي هريرة بمعنى حديثه هذا.

وحديث عبادة أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير

(5)

، والبيهقي في الشعب

(6)

من حديث سعد بن عبادة.

وحديث عبد الله بن أبي أوفى أخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك

(7)

، والبيهقي في السنن

(8)

، وابن حبان

(9)

، وحسنه الترمذي

(10)

.

قوله: (فقد ذبح بغير سكين) بضم الذال المعجمة مبني للمجهول.

قال ابن الصلاح

(11)

: المراد ذبح من حيث المعنى، لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد، وبين عذاب الآخرة إن فسد.

وقال الخطابي

(12)

ومن تبعه: إنما عدل عن الذبح بالسكين ليعلم أن المراد ما يخاف من هلاك دينه دون بدنه، وهذا أحد الوجهين.

(1)

تقدم برقم (3484) من كتابنا هذا.

(2)

في السنن الكبرى (10/ 95، 96).

(3)

في المعجم الكبير (ج 11 رقم 12166).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 206) وقال: رجاله ثقات.

(4)

في السنن الكبرى (10/ 96).

(5)

في المعجم الكبير (ج 6 رقم 5387) و (5390).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد". (5/ 205) وقال: فيه رجل لم يسم، وبقية أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح.

(6)

في شعب الإيمان رقم (1969).

(7)

في المستدرك (4/ 93): إسناده صحيح ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(8)

في السنن الكبرى (10/ 88).

(9)

في صحيحه رقم (5062).

(10)

في السنن (3/ 618).

(11)

في "مشكل الوسيط"(7/ 288 - مع الوسيط).

(12)

في "معالم السنن"(4/ 4 - مع السنن).

ص: 417

والثاني: أن الذبح بالسكين فيه إراحة للمذبوح، وبغير السكين كالخنق وغيره يكون الألم فيه أكثر، فذكر ليكون أبلغ في التحذير.

قال الحافظ في التلخيص

(1)

: ومن الناس من فتن بحبّ القضاء فأخرجه عما يتبادر إليه الفهم من سياقه فقال: إنما قال: ذبح بغير سكين إشارة إلى الرفق به، ولو ذبح بالسكين لكان أشقّ عليه ولا يخفى فساده. انتهى.

وحكى ابن رسلان في شرح السنن عن أبي العباس أحمد بن القاصِّ: أنَّه قال: ليس في هذا الحديث عندي كراهة القضاء وذمه؛ إذ الذبح بغير سكين مجاهدة [النفس]

(2)

وترك [الهوى]

(3)

، والله تعالى يقول:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}

(4)

.

ويدلُّ على ذلك حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا هريرة عليك بطريق قومٍ إذا فزع الناس أمنوا"، قلت: من هم يا رسول الله؟ قال: "هم قوم تركوا الدنيا فلم يكن في قلوبهم ما يشغلهم عن الله، قد أجهدوا أبدانهم، وذبحوا أنفسهم في طلب رضا الله"

(5)

، فناهيك به فضيلة وزلفى لمن قضى بالحقّ في عباده إذ جعله ذبيح الحقّ امتحانًا، لتعظم له المثوبة امتنانًا.

وقد ذكر الله قصة إبراهيم خليله عليه السلام، وقوله:{يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}

(6)

، فإذا جعل الله إبراهيم في تسليمه لذبح ولده مصدقًا فقد جعل ابنه لاستسلامه للذبح ذبيحًا، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:"أنا ابن الذبيحين"

(7)

؛ يعني: إسماعيل، وعبد الله.

(1)

في "التلخيص الحبير"(4/ 339) تعليقًا على كلام الخطابي المتقدم.

(2)

في المخطوط (ب): (للنفس).

(3)

في المخطوط (ب): (للهوى).

(4)

سورة العنكبوت، الآية:(69).

(5)

أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" كما في كنز العمال للمتقي الهندي رقم (8595).

(6)

سورة الصافات، الآية:(102).

(7)

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(12/ 378): "رويناه في "الخلعيات" من حديث معاوية.

ونقله عبد الله بن أحمد عن أبيه، وابن أبي حاتم عن أبيه.

وأطنب ابن القيم في "الهدي" في الاستدلال لتقويته

". اهـ.

ص: 418

فكذلك القاضي عندنا: لما استسلم لحكم الله واصطبر على مخالفة الأباعد والأقارب في خصوماتهم لم تأخذه في الله لومة لائم حتى قاده إلى مرّ الحقّ جعله ذبيحًا للحقِّ، وبلغ به حال الشهداء الذين لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله، وقد ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا، ومعاذًا، ومعقل بن يسار، فنعم الذَّابحُ ونعم المذبوح.

وفي كتاب الله الدليل على الترغيب فيه بقوله: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}

(1)

إلى آخر الآيات. انتهى.

وحديث أبي هريرة الذي ذكره لا أدري من أخرجه

(2)

فيبحث عنه.

وعلى كل حال فحديث الباب وارد في ترهيب القضاة لا في ترغيبهم، وهذا هو الذي فهمه السلف والخلف؟ ومن جعله من الترغيب فقد أبعد.

وقد استروح كثير من القضاة إلى ما ذكره أبو العباس، وأنا وإن كنت [في]

(3)

حال تحرير هذه الأحرف منهم ولكن الله يحبّ الإنصاف، وقد ورد في الترغيب في القضاء ما يغني عن مثل ذلك التكلف.

فأخرج الشيخان

(4)

من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران".

ورواه الحاكم

(5)

والدارقطني

(6)

من حديث عقبة بن عامر، وأبي هريرة، وعبد الله [بن عمرو]

(7)

بلفظ: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب

(1)

سورة المائدة، الآية:(44).

(2)

تقدم، فقد أخرجه الديلمي في مسند الفردوس، كما في "الكنز" رقم (8595).

(3)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(4)

البخاري في صحيحه رقم (7352) ومسلم رقم (15/ 1716).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3574) وابن ماجه رقم (2314).

كلهم من حديث عمرو بن العاص. وكذلك عن أبي هريرة.

(5)

في المستدرك (4/ 88). وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، وتعقبه الذهبي فقال: "فرج ضعفوه".

(6)

في السنن (4/ 203 رقم 1 - 4).

(7)

في (أ)، (ب):(عمر) والمثبت من مصادر التخريج.

ص: 419

فله عشرة أجور"، وفي إسناده فرج بن فضالة

(1)

وهو ضعيف؛ وتابعه ابن لهيعة بغير لفظه

(2)

.

ورواه أحمد

(3)

من طريق عمرو بن العاص بلفظ: "إن أصبت القضاء فلك عشرة أجور، وإن اجتهدت فأخطأت فلك حسنة"، وإسناده ضعيف أيضًا.

وأخرج أحمد في "مسنده"

(4)

وأبو نعيم في "الحلية"

(5)

عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "السابقون إلى ظلّ الله يوم القيامة: الذين إذا أعطوا الحقّ قبلوه، وإذا سُئلوه بذلوه، وإذا حكموا بين الناس حكموا كحكمهم لأنفسهم"، وهو من رواية ابن

(1)

فرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم، أبو فضالة، التنوخي:

وثقه أحمد في رواية معاوية بن صالح كما في كنى الدولابي (2/ 81) ومن طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد"(12/ 395).

وضعفه أكثر الأئمة كابن معين وابن المديني والدارقطني، وتركه ابن مهدي، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حجر: ضعيف.

التاريخ الكبير (4/ 1/ 134) والميزان (3/ 343) والجرح والتعديل (3/ 2/ 85) و"تهذيب التهذيب"(3/ 382 - 383).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 187) وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص 228، والطبراني في المعجم الأوسط رقم (8988) من طرق عن عبد الله بن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن سلمة بن أكسوم، عن القاسم بن عبد الله بن ثعلبة البرحي، عن عبد الله، به.

إسناده ضعيف فيه علل ثلاث:

الأولى: ضعف ابن لهيعة.

والثانية: جهالة سلمة بن أكسوم، قاله الحسيني في "الإكمال"(ص 172 رقم 323).

والثالثة: جهالة القاسم بن البرحي، قاله الحسيني.

وضعف إسناده الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 333) وكذلك ضعفه المحدث الألباني في الإرواء (8/ 225) حيث قال:، وهذا إسناد ضعيف؛ سلمة بن أكسوم مجهول، كما قال الحسيني، وابن لهيعة ضعيف".

وخلاصة القول: أن الحديث منكر، والله أعلم.

(3)

في المسند (4/ 205) بإسناد ضعيف.

(4)

في المسند (6/ 67).

(5)

في الحلية (1/ 16) و (2/ 186 - 187) وقال أبو نعيم: هذا حديث غريب تفرّد به ابن لهيعة عن خالد.

قلت: وأخرج الحديث الحافظ ابن حجر في "الأمالي المطلقة" ص 113 من طريق أحمد بن حنبل وبسنده، وقال: هذا حديث غريب، ولم أره إلا من حديث ابن لهيعة، وخالد معروف.

ص: 420

لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عنها، قال أبو نعيم: تفرّد به ابن لهيعة عن خالد.

قال الحافظ

(1)

: وتابعه يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن زحر، عن عليّ بن زيد، عن القاسم، وهو ابن عبد الرحمن عن عائشة.

ورواه أبو العباس بن القاصّ في "كتاب آداب القضاء"

(2)

له.

ومن الأحاديث الواردة في الترغيب حديث عبد الله بن عمر

(3)

المذكور في الباب.

(ومنها): حديث ابن عباس: "إذا جلس الحاكم في مكانه هبط عليه ملكان يسدّدانه ويوفقانه ويرشدانه ما لم يجر، فإذا جار عرجًا وتركاه"، أخرجه البيهقي

(4)

من طريق يحيى بن زيد الأشعري عن ابن جريح عن عطاء عنه، وإسناده ضعيف.

قال صالح جزرة

(5)

: هذا الحديث ليس له أصل.

وروى الطبراني

(6)

معناه من حديث واثلة بن الأسقع.

وفي البزار

(7)

من رواية إبراهيم بن خثيم بن عراك عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: "من ولي من أمور المسلمين شيئًا وكل الله به ملكًا عن يمينه - وأحسبه قال: "وملكًا عن شماله" - يوفقانه ويسدّدانه إذا أريد به خير؛ ومن ولي من أمور المسلمين شيئًا فأريد به غير ذلك وكل إلى نفسه".

قال: ولا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا من حديث عراك، وإبراهيم ليس بالقويّ.

(1)

في "التلخيص"(4/ 333).

(2)

ذكره الحافظ في المرجع السابق.

(3)

تقدم برقم (3886) من كتابنا هذا.

(4)

في السنن الكبرى (10/ 88) بسند ضعيف.

(5)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(4/ 334).

(6)

في المعجم الكبير (ج 22 رقم 204).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 194) وقال: "فيه جناح مولى الوليد ضعفه الأزدي".

(7)

في المسند (رقم 1350 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 194) وقال: فيه إبراهيم بن خثيم بن عراك، وهو ضعيف.

ص: 421

ومن أحاديث الترغيب حديث عبد الله بن أبي أوفى

(1)

المذكور في الباب.

ولكن هذه الترغيبات إنما هي في حقّ القاضي العادل؛ الذي لم يسأل القضاء، ولا استعان عليه بالشفعاء، وكان لديه من العلم بكتاب الله وسنة رسوله ما يعرف به الحقّ من الباطل بعد إحراز مقدار من آلاتهما يقدر به على الاجتهاد في إيراده وإصداره.

وأما من كان بعكس هذه الأوصاف أو بعضها فقد أوقع نفسه في مضيق وباع آخرته بدنياه، لأن كل عاقل يعلم أن من تسلق للقضاء وهو جاهل بالشريعة المطهرة جهلًا بسيطًا أو جهلًا مركبًا، أو من كان قاصرًا عن رتبة الاجتهاد فلا حامل له على ذلك إلا حبُّ المال، والشرف، أو أحدهما، إذ لا يصحّ أن يكون الحامل من قبيل الدين، لأن الله لم يوجب على من لم يتمكن من الحكم بما أنزل من الحقّ أن يتحمل هذا العبء الثقيل قبل تحصيل شرطه الذي يحرم قبوله قبل حصوله.

فعلم من هذا أن الحامل للمقصرين على التهافت على القضاء والتوثب على أحكام الله بدون ما شرطه ليس إلا الدنيا لا الدين، فإياك والاغترار بأقوال قوم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فإذا لبسوا لك أثواب الرياء والتصنع، وأظهروا شعار التغرير والتدليس والتلبيس وقالوا ما لهم بغير الحقّ حاجة، ولا أرادوا إلا تحصيل الثواب الأخروي فقل لهم: دعوا الكذب على أنفسكم يا قضاة النار بنصّ المختار، فلو كنتم تخشون الله وتتقونه حقّ تقاته لما أقدمتم على المخاطرة بادئ بدء بدون إيجاب من الله ولا إكراه من سلطان ولا حاجة من المسلمين.

وقد كثر التتابع من الجهلة في هذا المنصب الشريف واشتروه بالأموال ممن هو أجهل منهم حتى عمت البلوى بهم جميع الأقطار اليمنية.

قوله: (فهوى أربعين خريفًا) قال في النهاية

(2)

: هو الزمان المعروف من

(1)

تقدم برقم (3885) من كتابنا هذا.

(2)

النهاية (1/ 484) وغريب الحديث للهروي (4/ 499).

ص: 422

فصول السنة ما بين الصيف والشتاء، ويريد به أربعين سنة، لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرّة، فإذا انقضى أربعون خريفًا انقضت أربعون سنة.

قوله: (ويلٌ للعرفاء) بضم العين المهملة وفتح الراء والفاء جمع عريف.

قال في النهاية

(1)

: وهو القيم بأمور القبيلة والجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم، فعيل بمعنى فاعل، والعِرَافةُ عملُه.

وسبب الوعيد لهذه الطوائف الثلاث وهم الأمراء، والعرفاء، والأمناء، أنهم يقبلون ويطاعون فيما يأتون به فإذا جاروا على الرعايا جاروا وهم قادرون فيكون ذلك سببًا لتشديد العقوبة عليهم، لأن حقّ شكر النعمة التي امتازوا بها على غيرهم أن يعدلوا ويستعملوا الشفقة والرأفة.

قوله: (أو أوبقه إثمه) بالباء الموحدة والقاف. قال في النهاية

(2)

: يقال: وبق يبق، ووبق يوبق: إذا هلك، وأوبقه غيره فهو موبق.

قوله: (وكلتا يديه يمين) قال في النهاية

(3)

: أي أن يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما، لأن الشمال تنقص عن اليمين.

وكلّ ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي [واليمين]

(4)

وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى الله فإنما هو على سبيل المجاز والاستعارة

(5)

، والله منزّه عن التشبيه والتجسيم.

(1)

النهاية (2/ 190) والمجموع المغيث (2/ 429).

(2)

النهاية (2/ 819) والفائق (4/ 38).

(3)

النهاية (2/ 932).

(4)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(5)

اليدان: صفة ذاتية خبرية لله عز وجل، ونثبتها كما نثبت باقي صفاته تعالى، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهي ثابتة بالكتاب والسنّة:

• الدليل من الكتاب:

- قال تعالى في سورة المائدة، الآية (64):{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} .

- وقال تعالى في سورة ص، الآية (75):{قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}

• الدليل من السنّة:

- أخرج مسلم رقم (2760) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعًا: =

ص: 423

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".

- وأخرج البخاري رقم (3340) ومسلم رقم (194) - حديث الشفاعة - وفيه: "

فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك بيده ونفخ فيك من روحه

".

- وأخرج البخاري رقم (7411) ومسلم رقم (993) وفيه: "يد الله ملآى لا يغيضها نفقة

وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع".

• قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(6/ 263): "إن لله تعالى يدين مختصتان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله".

• وقال أبو الحسن الأشعري في رسالة إلى أهل الثغر ص 225: "أجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى، وأن له تعالى يدين مبسوطتين".

• وقال أبو بكر الإسماعيلي في "اعتقاد أئمة الحديث" ص 51: "وخلق آدم عليه السلام بيده، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف يداه، إذ لم ينطق كتاب الله تعالى فيه بكيف".

وتوصف يد الله عز وجل بأنها يمين، وهذا ثابت بالكتاب والسنّة:

• الدليل من الكتاب:

- قال تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67].

• الدليل من السنّة:

- أخرج البخاري رقم (7382) ومسلم رقم (2787) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "

ويطوي السماء بيمينه

".

- وأخرج البخاري رقم (7430) ومسلم رقم (1014) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه

".

إنَّ تعليل القائلين بأن إحدى يدي الله عز وجل يمين، والأخرى شمال وإنما نقول: كلتاهما يمين، تأدبًا وتعظيمًا، إذ الشمال من صفات النقص والضعف قول قوي وله وجه من النظر، إلا أننا نقول: إن صفات الله عز وجل توقيفية، وما لم يأت دليل صحيح صريح في وصف إحدى يدي الله عز وجل بالشمال أو اليسار، فإننا لا نتعدى قول النبي صلى الله عليه وسلم:"كلتاهما يمين".

• وقد سئل المحدث الألباني في "مجلة الأصالة" العدد الرابع ص 68: كيف نوفق بين رواية: "بشماله" الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في "الصحيح" وقوله صلى الله عليه وسلم: "كلتا يديه يمين".

فأجاب: لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء فقوله صلى الله عليه وسلم: "

وكلتا يديه يمين" تأكيد لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيد للتنزيه، فيد الله ليست كيد البشر شمال ويمين، ولكن كلتا يديه سبحانه يمين. =

ص: 424

[الباب الرابع] بابُ المنْعِ مِنْ ولايةِ المرأَةِ والصَّبيِّ ومَنْ لا يُحْسِن القَضَاءَ أو يَضْعُفُ عن القيامِ بحقِّهِ

16/ 3887 - (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أن أهْلَ فارِسَ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أمْرَهُمُ امْرأةً"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالبُخارِيُّ

(2)

وَالنَّسائيُّ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)

(4)

. [صحيح]

= وأمر آخر: إن رواية "بشماله" شاذة كما بيّنتها في تخريج "المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن" رقم (1) لأبي الأعلى المودودي. ويؤكد هذا أن أبا داود رواه، وقال:"بيده الأخرى" بدل: بشماله. وهذا القول الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلتا يديه يمين".

• وحديث عبد الله بن عمر عند مسلم رقم (24/ 2788) وفيه لفظة: "الشمال" تفرّد بها عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سالم عن ابن عمر؛ عمر بن حمزة ضعيف.

فالحديث عند البخاري رقم (7412) من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر. وعند مسلم رقم (25/ 2788) من طريق عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، وليس عندهما لفظة "الشمال".

• وقد قال الحافظ البيهقي في "الأسماء والصفات"(2/ 55): "ذكر (الشمال) فيه تفرّد به عمر بن حمزة عن سالم، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، لم يذكرا فيه "الشمال"، وروي ذكر "الشمال" في حديث آخر في غير هذه القصة إلا أنَّه ضعيف بمرة، تفرَّد بأحدهما جعفر بن الزبير. وبالآخر: يزيد الرقاشي. وهما متروكان، وكيف ذلك؟!

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى كلتي يديه يمينًا". اهـ.

- وأما حديث أبي الدرداء المرفوع: "خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليمين فأخرج ذرية بيضاء، كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للتي في يمينه إلى الجنة ولا أبالي، وقال للتي في يساره: إلى النار ولا أبالي. أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في السنّة رقم (1059) والبزار في مسنده رقم (2144 - كشف) وقال: إسناده حسن.

فأعلم أن الضمير هنا يعود على آدم عليه السلام.

(1)

في المسند (5/ 38، 43، 47، 51).

(2)

في صحيحه رقم (4425) و (7099).

(3)

في سننه رقم (5388).

(4)

في سننه رقم (2262).

ص: 425

17/ 3888 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَعَوَّذُوا بالله مِنْ رأسِ السَّبْعِينَ وَإمَارَةِ الصِّبْيَانِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [إسناده ضعيف]

18/ 3889 - (وَعَنْ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "القُضَاةُ ثَلاثةٌ: وَاحِدٌ في الجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ؛ فأمَّا الَّذِي فِي الجَنَّةِ فَرَجُل عَرَفَ الحَقَّ فَقَضَى بِهِ؛ وَرَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ وَجارَ فِي الحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى للنَّاسِ على جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

. [صحيح بمجموع طرقه]

وَهُوَ دَليلٌ على اشْتِرَاطِ كَوْنِ القاضِي رَجُلًا).

19/ 3890 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا غَيْرِ ثَبْتٍ فإنَّمَا إثْمُهُ على الَّذِي أفْتاهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَابْنُ ماجَهْ

(5)

. [أحسن]

= قلت: وأخرجه الحاكم (3/ 118، 119)، و (4/ 291) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 90)، (10/ 117، 118) والبغوي في "شرح السنّة" رقم (2486) والطيالسي رقم (878) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (864، 865) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(1)

في المسند (2/ 326، 355) بسند ضعيف لجهالة أبي صالح - وهو مولى ضباعة. وقيل: اسمه: ميناء - فقد تفرَّد بالرواية عنه كامل أبو العلاء، وهو ابن العلاء التميمي. وقال الحافظ عنه في "التقريب" رقم (5604): صدوق يخطئ.

وقال المحرران: صدوق حسن الحديث.

(2)

في سننه رقم (2315).

(3)

في سننه رقم (3573).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 116) من طريق خلف بن خليفة عنه.

وقال أبو داود: "وهذا أصح شيء فيه؛ يعني حديث ابن بريدة: "القضاة ثلاثة".

قلت: القائل الألباني، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير أن خلف بن خليفة اختلط في الآخر، وادعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي فأنكر عليه ذلك ابن عيينة وأحمد. كما قال الحافظ في "التقريب" رقم (1731).

قلت: لم يتفرد به كما يأتي، فذلك يدل على أنه قد حفظ، فيكون من صحيح حديثه.

وانظر بقية طرق الحديث في: الإرواء (8/ 235 - 237).

وخلاصة القول: أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، والله أعلم.

(4)

في المسند (2/ 321).

(5)

في سننه رقم (53).

وهو حديث حسن.

ص: 426

وفِي لَفْظٍ: "مَنْ أُفْتِيَ بفُتْيَا بغَيْرِ علْمٍ كانَ إثمُ ذلكَ على الَّذِي أفْتاهُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وأبُو دَاوُدَ)

(2)

[حسن]

20/ 3891 - (وَعَنْ أبي ذَرّ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يا أبا ذَرّ إني أرَاكَ ضَعيفًا، وَإنِّي أُحِبُّ إلَيْكَ ما أُحبُّ لنَفْسِي، لا تأمَّرَنَّ على اثْنَيْنِ، وَلا تَوَلَّيَنَّ مالَ يَتِيمٍ")

(3)

. [صحيح]

21/ 3892 - (وَعَنْ أبي ذَرّ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله ألا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قالَ: فَضَرَب بِيَدِهِ على مَنْكِبي، ثُمَّ قالَ:"يا أبا ذَرّ إنَّكَ ضَعِيفٌ وإنَّهَا أمانَةٌ، وإنَّهَا يَوْمَ القِيامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إلَّا مَنْ أخَذَها بِحَقِّها وأدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا"، رَوَاهُما أحْمَدُ

(4)

وَمُسْلِمٌ)

(5)

. [صحيح]

22/ 3893 - (وَعَنْ أُمّ الحُصَيْنِ الأحمَسِيَّةِ أنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اسمَعُوا وأطِيعُوا وَإنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِي ما أقامَ فِيكُمْ كِتَابَ الله عز وجل" رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا البُخارِيَّ وأبا دَاوُدَ)

(6)

. [صحيح]

23/ 3894 - (وَعَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اسْمَعُوا وأطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِي كأنَّ رأسَهُ زَبِيبَةٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(7)

(1)

في المسند (2/ 365) وهو مرسل وتقدم (2/ 321) موصولًا.

(2)

في سننه رقم (3657).

وهو حديث حسن.

(3)

أخرجه أحمد في المسند (5/ 180) ومسلم في صحيحه رقم (17/ 1826).

وهو حديث صحيح.

(4)

في المسند (5/ 173).

(5)

في صحيحه رقم (16/ 1825).

وهو حديث صحيح.

(6)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 69) و (6/ 402) ومسلم رقم (37/ 1838) والترمذي رقم (1706) والنسائي رقم (4192) وابن ماجه رقم (2861).

وهو حديث صحيح.

(7)

في المسند (3/ 114).

ص: 427

وَالبُخَارِيُّ

(1)

. [صحيح]

وَهَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ مَحْمُولٌ على غَيْرِ وِلايَةِ الحُكْمِ أوْ على مَنْ كانَ عَبْدًا).

حديث أبي هريرة الأول قد أخرجه ما يشهد له أحمد

(2)

من حديث [عَبْس الغفاري]

(3)

مرفوعًا وفيه التحذير من إمارة السفهاء، ورجاله رجال الصحيح.

ومثله أخرجه الطبراني

(4)

عن عوف بن مالك مرفوعًا، وفي إسناده النَّهاس بن

(1)

في صحيحه رقم (7132).

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (3/ 494 - 495) من طريق شريك بن عبد الله، عن عثمان بن عُمير، عن زاذان أبي عمر، عن عُليم قال: كنا جلوسًا على سطح معنا رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال يزيد: لا أعلمه إلا عَبْسًا الغفاري - والناسُ يخرجون في الطاعون، فقال عبس: يا طاعونُ خُذني، ثلاثًا يقولها.

فقال له عُليم: لِمَ تقولُ هذا؟ ألم يَقُلْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنَّى أحدُكم الموت، فإنَّهُ عند انقطاعِ عملِهِ، ولا يردُّ فيستعتِبُ"، فقال: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بادِرُوا بالموتِ سِتًّا: إمرَةَ السفهاء، وكثرة الشُّرَطِ، وبيعَ الحُكم، واستِخفافًا بالدم، وقطيعةَ الرحم، ونَشْوًا يتخذونَ القرآنَ مزاميرَ يقدمونَه يغنيهم، وإن كان أقل منهم فقهًا".

إسناده ضعيف.

- شريك بن عبد الله - وهو النخعي - سيء الحفظ، لا يقبل منه ما تفرّد به.

- وعثمان بن عمير ضعيف.

- وعُليم: ذكره ابن حبان في الثقات (5/ 286) وقال: شيخ.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 245) وقال: رواه أحمد، والبزار - (رقم 1610 - كشف) - والطبراني في الأوسط، والكبير - ج 18 رقم 62) و (ج 18 رقم 63) - وفي إسناد أحمد: عثمان بن عمير البجلي وهو ضعيف. وأحد إسنادي الكبير - (ج 18 رقم 62) - رجاله رجال الصحيح.

وخلاصة القول: أن حديث عبس الغفاري صحيح، والله أعلم.

(3)

في المخطوط (ب): قيس الغفاري. وفي المخطوط (أ): قبس الغفاري والمثبت (عبس الغفاري) من مصادر التخريج المتقدمة.

(4)

في المعجم الكبير (ج 18 رقم 104).

قلت: وأخرجه أحمد في المسند (6/ 22) وابن أبي شيبة (15/ 244).

إسناده ضعيف لضعف النَّهاس بن قَهْم، ولانقطاعه، فإنَّ شدادًا أبا عمار لم يسمع من عوف بن مالك. =

ص: 428

قَهْم، وهو ضعيف

(1)

.

وحديث بريدة أخرجه أيضًا الترمذي

(2)

والنسائي

(3)

والحاكم

(4)

وصححه.

قال الحاكم في "علوم الحديث"

(5)

: تفرّد به الخراسانيون ورواته مراوزة.

قال الحافظ

(6)

: له طرق غير هذه جمعتها في جزء مفرد.

وحديث أبي هريرة الثاني سكت عنه أبو داود

(7)

والمنذري

(8)

، ورجال إسناده أئمة، أكثرهم من رجال الصحيح. وزاد أبو داود:"ومن أشار على أخيه بأمرٍ يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه".

وحديث أنس لفظ البخاري

(9)

: "أطيعوا السلطان وإن عبدًا حبشيًا رأسه كالزبيبة".

قوله: (لن يفلح قوم

إلخ) فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات ولا يحل لقوم توليتها، لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب.

قال في الفتح

(10)

: وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي إلا عن الحنفية

(11)

، واستثنوا الحدود؛ وأطلق ابن جرير، ويؤيد ما قاله الجمهور

(12)

أن القضاء يحتاج إلى الرأي، ورأي المرأة ناقص ولا كمال سيما في محافل الرجال.

= ولكن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(1)

النَّهاس بن قَهْم، القيسي، أبو الخطَّاب البصري: ضعيف.

التقريب رقم (7197).

(2)

في سننه رقم (1322 م).

(3)

في سننه الكبرى رقم (5922 - العلمية).

(4)

في المستدرك (4/ 90) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد بإسناد صحيح على شرط مسلم". وقال الذهبي: "ابن بكير الغنوي منكر الحديث وله شاهد صحيح".

(5)

في علوم الحديث ص 99.

(6)

في "التلخيص"(4/ 340).

(7)

في السنن (4/ 66).

(8)

في المختصر (5/ 251).

(9)

في صحيحه رقم (7132).

وهو حديث صحيح.

(10)

في "الفتح"(13/ 146).

(11)

البناية في شرح الهداية (8/ 52 - 53).

(12)

المغني (12/ 14).

ص: 429

واستدل المصنف أيضًا على ذلك بحديث بريدة

(1)

المذكور في الباب لقوله فيه: "رجل ورجل"، فدل بمفهومه على خروج المرأة.

قوله: (وإمارة الصبيان) فيه دليل على أنه لا يصح أن يكون الصبيُّ قاضيًا، قال في البحر

(2)

: إجماعًا.

وأمره صلى الله عليه وسلم بالتعوذ من رأس السبعين لعله لما ظهر فيها من الفتن العظيمة، منها: قتل الحسين رضي الله عنه، ووقعة الحرة، وغير ذلك مما وقع في عشر السبعين.

قوله: (القضاة ثلاثة

إلخ) في هذا الحديث أعظم وازع للجهلة عن الدخول في هذا المنصب الذي ينتهي بالجاهل والجائر إلى النار.

وبالجملة فما صنع أحد بنفسه ما صنعه من ضاقت عليه المعايش فزجّ بنفسه في القضاء لينال من الحطام وأموال الأرامل والأيتام ما يحول بينه وبين دار السلام مع جهله بالأحكام أو جوره على من قعد بين يديه للخصام من أهل الإسلام.

قوله: (من أفْتي) بضم الهمزة وكسر المثناة مبني لما لم يسمّ فاعله، فيكون المعنى من أفتاه مفت عن غير ثبت من الكتاب والسنة، والاستدلال كان إثمه على من أفتاه بغير الصواب لا على المستفتي المقلد.

وقد روي بفتح الهمزة والمثناة، فيكون المعنى من أفتى الناس بغير علم كان إثمه على الذي سوّغ له ذلك وأفتاه بجواز الفتيا من مثله مع جهله وأذن له في الفتوى ورخص له فيها.

قوله: (أراك ضعيفًا) فيه دليل: على أن من كان ضعيفًا لا يصلح لتولي القضاء بين المسلمين.

قال أبو علي الكرابيسي صاحب الشافعي

(3)

في "كتاب أدب القضاء" له: لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافًا أن أحقّ الناس أن يقضي بين المسلمين من

(1)

تقدم برقم (3889) من كتابنا هذا.

(2)

البحر الزخار (5/ 119).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(3/ 146).

ص: 430

بان فضله وصدقه وعلمه وورعه، وأن يكون عارفًا بكتاب الله عالمًا بأكثر أحكامه عالمًا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم حافظًا لأكثرها، وكذا أقوال الصحابة، عالمًا بالوفاق والخلاف، وأقوال فقهاء التابعين، يعرف الصحيح من السقيم، يتتبع النوازل من الكتاب، فإن لم يجد ففي السنة، فإن لم يجد عمل بما اتفق عليه الصحابة، فإن اختلفوا فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة ثم بفتوى أكابر الصحابة عمل به، ويكون كثير المذاكرة مع أهل العلم والمشاورة لهم مع فضل وورع، ويكون حافظًا للسانه ونطقه وفرجه، فهمًا بكلام الخصوم، ثم لا بد أن يكون عاقلًا مائلًا عن الهوى.

ثم قال: وهذا وإن كنَّا نعلم أنه ليس على وجه الأرض أحد يجمع هذه الصفات ولكن يجب أن يطلب من أهل كل زمان أكملهم وأفضلهم.

وقال المهلب

(1)

: لا يكفي في استحباب القضاء أن يرى نفسه أهلًا لذلك، بل أن يراه الناس أهلًا له.

وقال ابن حبيب

(2)

عن مالك: لا بد أن يكون القاضي عالمًا عاقلًا.

قال ابن حبيب

(3)

: فإن لم يكن علم فعقل وورع، لأنه بالورع يقف وبالعقل يسأل، وهو إذا طلب العلم وجده، وإذا طلب العقل لم يجده. انتهى.

قلت: ماذا يصنع الجاهل العاقل عند ورود مشكلات المسائل؟ وغاية ما يفيده العقل التوقف عند كل خصومة ترد عليه وملازمة سؤال أهل العلم عنها والأخذ بأقوالهم مع عدم المعرفة لحقها من باطلها، وما بهذا أمر الله عباده فإنه أمر الحاكم أن يحكم بالحقّ وبالعدل وبالقسط وبما أنزل، ومن أين لمثل هذا العاقل العاطل عن حلية الدلائل أن يعرف حقيقة هذه الأمور، بل من أين له أن يتعقل الحجة إذا جاءته من كتاب أو سنة حتى يحكم بمدلولها، ثم قد عرف اختلاف طبقات أهل العلم في الكمال والقصور والإنصاف والاعتساف والتثبت والاستعجال والطيش والوقار والتعويل على الدليل والقنوع بالتقليد، فمن أين لهذا الجاهل العاقل معرفة العالي من السافل حتى يأخذ عنه أحكامه وينيط به

(1)

ذكره ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (8/ 235).

(2)

ذكره ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (8/ 235).

(3)

ذكره ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (8/ 235).

ص: 431

حله وإبرامه، فهذا شيء لا يعرف بالعقل باتفاق العقلاء، فما حالُ هذا القاضي إلا كحال من قال [فيه من قال]

(1)

:

كبهيمةٍ عمياءَ قادَ زِمَامَهَا

أعمَى على عِوَجِ الطريقِ الحائرِ

قوله: (لا تأمَّرنَّ على اثنين

الخ) في هذا النهي بعد إمحاض النصح بقوله صلى الله عليه وسلم: "إني أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي"

(2)

، إرشاد للعباد إلى ترك تحمل أعباء الإمارة مع الضعف عن القيام بحقها من أيِّ جهة من الجهات التي يصدق على صاحبها: أنه ضعيف فيها، وقد قدمنا كلام النووي

(3)

على هذا الحديث في باب كراهية الحرص على الإمارة.

قوله: (وإن أمّر عليكم عبد حبشيٌّ) بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة منسوب إلى الحبشة.

قوله: (كأن رأسه زبيبة) هي واحدة الزبيب المأكول المعروف الكائن من العنب إذا جفّ، وإنما شبه رأس العبد بالزبيبة لتجمعها ولكون شعره أسود، وهو تمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة وعدم الاعتداد بها.

وقد حكى الحافظ في الفتح

(4)

عن ابن بطال

(5)

عن المهلب

(6)

أنها لا تجب الطاعة للعبد إلا إذا كان المستعمل له إمامًا قرشيًا، لأن الإمامة لا تكون إلا في قريش.

قال: وأجمعت الأمة على أنها لا تكون في العبيد.

وحكى في البحر

(7)

عن العترة أنه يصحّ أن يكون العبد قاضيًا.

وعن الشافعية

(8)

والحنفية

(9)

أن لا يصحّ أن يكون العبد قاضيًا.

(1)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

أخرجه مسلم رقم (17/ 1826).

(3)

في شرحه لصحيح مسلم (12/ 210).

(4)

في "الفتح"(13/ 122).

(5)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 215).

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 122) وابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (8/ 215).

(7)

البحر الزخار (5/ 119).

(8)

البيان للعمرانى (13/ 20).

(9)

البناية في شرح الهداية (8/ 4).

ص: 432

[الباب الخامس] بابُ تعليقِ الولايةِ بالشَّرْطِ

24/ 3895 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: أمَّرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زيدَ بْنَ حارِثَةَ وَقالَ: "إنْ قُتِلَ زيدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ الله بْنُ رَوَاحَةَ"، رَوَاهُ البُخارِيُّ

(1)

. [صحيح]

وَلأحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أبي قَتَادَةَ

(2)

. [صحيح لغيره]

وَعَبْدِ الله بْنِ جَعْفَرٍ

(3)

نَحْوُهُ). [صحيح]

حديث ابن عمر هو طرف من حديث طويل في ذكر غزوة مؤتة، وكذلك حديثا أبي قتادة، وعبد الله بن جعفر، هما في وصف الغزوة المذكورة.

وقد اشتمل على جميع ذلك كتب الحديث والسير فلا نطول بذكره.

وقد استدلّ المصنف رحمه الله بالحديث على جواز تعليق الولايات بالشرط المستقبل كما في ولاية جعفر فإنها مشروطة بقتل زيد، وكذلك ولاية عبد الله بن رواحة فإنها مشروطة بقتل جعفر، ولا أعرف الآن دليلًا يدل على المنع من تعليق الولاية بالشرط، فلعل خلاف من خالف في ذلك مستند إلى قاعدة فقهية كما يقع ذلك في كثير من المسائل.

(1)

في صحيحه رقم (4261).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (5/ 299) بسند حسن.

قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى رقم (8159) و (8282) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (5170) وابن حبان رقم (7048) والبيهقي في "دلائل النبوة"(4/ 367 - 368) من طرق

وهو حديث صحيح لغيره، والله أعلم.

(3)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 204).

قلت: وأخرجه النسائي في الكبرى (رقم 8604) وابن سعد في "الطبقات"(4/ 36 - 37).

وهو حديث صحيح.

ص: 433

[الباب السادس] بابُ نَهْي الحَاكم عن الرِّشْوَةِ واتخاذِ حاجبِ لِبَابِهِ في مَجْلِسِ حُكْمِهِ

25/ 3896 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَعْنَةُ الله على الرَّاشِي والمُرْتَشِي فِي الحُكْمِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وأبُو دَاوُدَ

(2)

وَالتِّرْمِذِيُّ)

(3)

. [صحيح]

26/ 3897 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَعْنَةُ الله على الرَّاشِي والمُرْتَشِي"، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا النَّسائِيَّ

(4)

وَصحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ)

(5)

. [صحيح]

27/ 3898 - (وَعَنْ ثَوْبَانَ قالَ: لَعَنَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي والمُرْتَشِيَ وَالرَّائشَ؛ يَعْنِي الَّذِيَ يَمْشِي بَيْنَهُما. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(6)

. [صحيح لغيره دون قوله: "والرائش"]

(1)

في المسند (2/ 387، 388).

(2)

لم أجده عند أبي داود، ولم يعزه صاحب "التحفة"(10/ 469) له.

(3)

في سننه رقم (1336).

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (585) والحاكم (4/ 103) وإلخطيب في "التاريخ"(10/ 254).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قلت: كذا قال: وعمر بن أبي سلمة ضعفه غير واحد من النقّاد.

قال أبو حاتم: هو عند صالح، صدوق في الأصل، ليس بذاك القوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، ويخالف في بعض الشيء.

قلت: فمثله يحسن حديثه إذا لم يخالف، وقد توبع في أصل الحديث.

وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وابن عوف، وثوبان، وحذيفة، وعائشة، وأم سلمة.

وهو حديث صحيح.

(4)

أحمد في المسند (2/ 164) وأبو داود رقم (3580) والترمذي رقم (1337) وابن ماجه رقم (2313).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (2276) وابن الجارود رقم (586) والبيهقي (10/ 138، 139) وصححه ابن حبان رقم (5077) والحاكم (4/ 102، 103) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وهو حديث صحيح.

(5)

في السنن بأثر الحديث (1337).

(6)

في المسند (5/ 279): بسند ضعيف، لضعف ليث بن أبي سليم وجهالة أبي الخطاب، =

ص: 434

28/ 3899 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ما مِنْ إمامٍ أوْ وَالٍ يَغْلِقُ بابَهُ دُونَ ذَوِي الحاجَةِ وَالخَلَّةِ وَالمَسْكَنَةِ إلَّا أغْلَقَ الله أبْوَابَ السَّماءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالتِّرْمِذِيّ)

(2)

. [صحيح لغيره]

حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا ابن حبان

(3)

وصححه، وحسنه الترمذي

(4)

.

وقد عزاه الحافظ في "بلوغ المرام"

(5)

إلى أحمد والأربعة وهو وهم، فإنه ليس في سنن أبي داود غير حديث ابن عمرو المذكور.

ووهم أيضًا بعض الشرّاح فقال: إن أبا داود زاد في روايته لحديث ابن عمرو لفظ: "في الحكم"، وليست تلك الزيادة عند إبي داود بل لفظه:"لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي".

قال ابن رسلان في شرح السنن: وزاد الترمذي

(6)

والطبراني

(7)

بإسناد جيد: "في الحكم".

وحديث ابن عمرو أخرجه أيضًا ابن حبان

(8)

والطبراني

(9)

والدارقطني

(10)

.

قال الترمذي

(11)

: وقوّاه الدارمي. اهـ.

= ولكن الحديث صحيح لغيره دون قوله: "والرائش".

(1)

في المسند (4/ 231).

(2)

في سننه رقم (1332).

قلت: وأخرجه أبو يعلى رقم (1566).

قال الترمذي: حديث عمرو بن مرة حديث غريب.

قلت: إسناده ضعيف لجهالة أبي الحسن الجزري، ولكن الحديث صحيح لغيره.

(3)

في صحيحه رقم (5076).

(4)

في السنن (3/ 622).

(5)

رقم الحديث (15/ 1315) بتحقيقي.

(6)

في السنن رقم (1336) وقد تقدم.

(7)

في المعجم الكبير (ج 23 رقم 951) من حديث أم سلمة.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 199) وقال: "رجاله ثقات".

(8)

في صحيحه رقم (5077).

(9)

في "الصغير"(1/ 28).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 199) وقال: "رجاله ثقات".

(10)

في "العلل"(4/ 274 - 275 س 558).

(11)

في السنن (3/ 622).

ص: 435

وإسناده لا مطعن فيه، فإن أبا داود

(1)

قال: حدثنا أحمد بن يونس - يعني اليربوعي - حدثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن؛ يعني القرشي العامري خال ابن أبي ذئب ذكره ابن حبان في "الثقات" عن أبي سلمة؛ يعني ابن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وحديث ثوبان أخرجه أيضًا الحاكم

(2)

، وفي إسناده ليث بن أبي سليم.

قال البزار

(3)

: إنه تفرَّد به.

وقال في مجمع الزوائد

(4)

: إنه أخرجه أحمد

(5)

والبزار

(6)

والطبراني في الكبير

(7)

، وفي إسناده أبو الخطاب وهو مجهول. اهـ.

وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف عند الحاكم

(8)

، وعن عائشة، وأمّ سلمة أشار إليهما الترمذي

(9)

.

قال في التلخيص

(10)

: ينظر من خرجهما.

وحديث عمرو بن مرّة أخرجه أيضًا الحاكم

(11)

والبزار

(12)

.

(1)

في سننه رقم (3580) وقد تقدم.

(2)

في المستدرك (4/ 103) وسكت عنه الحاكم والذهبي.

(3)

كما في كشف الأستار (2/ 124).

(4)

في "مجمع الزوائد"(4/ 198).

(5)

في المسند (5/ 279) وقد تقدم.

(6)

في المسند رقم (1353 - كشف).

(7)

في المعجم الكبير (ج 2 رقم 1415).

(8)

لم أقف عليه عند الحاكم من حديث عبد الرحمن بن عوف. بل أخرجه البزار رقم (1355 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 199) وقال: فيه من لم أعرفه.

(9)

في سننه (3/ 622).

(10)

في "التلخيص الحبير"(4/ 348). قلت:

• أما حديث عائشة فقد أخرجه البزار رقم (1354 - كشف).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 199) وقال: رواه البزار وأبو يعلى وفيه إسحاق بن يحيى بن طلحة وهو متروك.

• وأما حديث أم سلمة فقد أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج 23 رقم 951) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 199) وقال: ورجاله ثقات.

(11)

في المستدرك (4/ 94) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

(12)

لم أقف عليه عند البزار.

ص: 436

وفي الباب عن أبي مريم الأزدي مرفوعًا أخرجه أبو داود

(1)

والترمذي

(2)

بلفظ: "من تولى شيئًا من أمر المسلمين فاحتجب عن حاجتهم وفقيرهم احتجب الله دون حاجته".

قال الحافظ في الفتح

(3)

: إن سنده جيد.

وعن ابن عباس عند الطبراني في الكبير

(4)

بلفظ: "أيما أمير احتجب عن الناس فأهمهم احتجب الله عنه يوم القيامة". قال ابن أبي حاتم

(5)

: هو حديث منكر.

قوله: (على الراشي) هو دافع الرشوة، والمرتشي: القابض لها، والرائش: هو ما ذكره في الرواية التي في الباب قال ابن رسلان: ويدخل في إطلاق الرشوة للحاكم والعامل على أخذ الصدقات، وهي حرام بالإجماع

(6)

. اهـ.

قال الإمام المهدي في البحر

(7)

في كتاب الإجارات منه: مسألة: وتحرم رشوة الحاكم إجماعًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الراشي والمرتشي".

قال الإمام يحيى: ويفسق للوعيد.

والراشي إن طلب باطلًا عمه الخبر.

قال المنصور بالله وأبو جعفر وبعض أصحاب الشافعي

(8)

: وإن طلب بذلك حقًّا مجمعًا عليه جاز.

(1)

في السنن رقم (2948).

(2)

في السنن رقم (1333).

وهو حديث صحيح.

(3)

في "الفتح"(13/ 133).

(4)

في المعجم الكبير (ج 12 رقم 13603).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 211) وقال: فيه حسين بن قيس وهو متروك، وزعم أبو محصن أنه شيخ صدق، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(5)

في "العلل"(2/ 428 - 429) رقم (2793).

(6)

كما في "المغني" لابن قدامة (14/ 59).

(7)

البحر الزخار (4/ 53).

(8)

البيان للعمراني (13/ 31) والحاوي الكبير (16/ 283).

ص: 437

قيل: وظاهر المذهب المنع لعموم الخبر وإن كان مختلفًا فيه كالباطل إذ لا تأثير لحكمه. اهـ.

قلت: والتخصيص لطالب الحقّ بجواز تسليم الرشوة منه للحاكم لا أدري بأيّ مخصص، فالحقّ التحريم مطلقًا أخذًا بعموم الحديث، ومن زعم الجواز في صورة من الصور، فإن جاء بدليل مقبول وإلا كان تخصيصه ردًا عليه، فإن الأصل في مال المسلم التحريم:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}

(1)

، "لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه"

(2)

.

وقد انضمّ إلى هذا الأصل كون الدافع إنما دفعه لأحد أمرين: إما لينال به

(1)

سورة البقرة، الآية:(188).

(2)

وهو حديث صحيح.

• أخرجه أحمد (5/ 72) والبيهقي (6/ 100) والدارقطني (3/ 26 رقم 90) من حديث أبي حرة.

وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 172) إلى أبي يعلى وقال: "أبو حرة وثقه أبو داود، وضعفه ابن معين".

وقال الألباني في "الإرواء"(5/ 279): واعتمد الحافظ في "التقريب" الأول، فقال:"ثقة لكن العلة من الراوي عنه، علي بن زيد، وهو ابن جدعان، وهو ضعيف إلا أنَّه يستشهد به ويقوي حديثه بما بعده".

• وأخرجه أحمد (5/ 425) والبيهقي (6/ 100) وابن حبان (رقم 1166 - موارد) والطحاوي في "مشكل الآثار"(4/ 41 - 42) من حديث أبي حميد.

وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 171) إلى أحمد والبزار، وقال: رجال الجميع رجال الصحيح.

وقال الألباني في "الإرواء"(5/ 280) متعقبًا على الهيثمي: "كذا قال، وعبد الرحمن بن سعيد ليس من رجال الصحيح، وإنما أخرج له البخاري في "الأدب المفرد" ويحتمل أن يكون إسناد البزار كإسناد البيهقي، أعني وقع فيه عبد الرحمن بن سعد، وهو ابن أبي سعيد الخدري، فإنه ثقة من رجال مسلم، فتوهم أنه عند أحمد كذلك".

• وأخرجه أحمد (3/ 423) و (5/ 113) والبيهقي (6/ 97) والدارقطني (3/ 25 رقم 89) والطحاوي في "مشكل الآثار"(4/ 42).

وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 171) إلى أحمد وابنه من زياداته أيضًا، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط". وقال: رجال أحمد ثقات، من حديث عمرو بن يثربي.

وفي الباب عن ابن عباس، وأنس بن مالك.

ص: 438

حكم الله إن كان محقًا وذلك لا يحلُّ لأن المدفوع في مقابلة أمر واجب أوجب الله على الحاكم الصدع به، فكيف لا يفعل حتى يأخذ عليه شيئًا من الحطام؛ وإن كان الدفع للمال من صاحبه لينال به خلاف ما شرعه الله إن كان مبطلًا فذلك أقبح، لأنه مدفوع في مقابلة أمر محظور فهو أشدُّ تحريمًا من المال المدفوع للبغيِّ في مقابلة الزنا بها، لأن الرشوة يتوصل بها إلى أكل مال الغير الموجب لإحراج صدره، والإضرار به، بخلاف المدفوع إلى البغيِّ، فالتوصل به إلى شيء محرّم وهو الزنا لكنه مستلذّ للفاعل والمفعول به، وهو أيضًا ذنب بين العبد وربه، وهو أسمح الغرماء ليس بين العاصي [وبين]

(1)

المغفرة إلا التوبة، ما بينه وبين الله وبين الأمرين بون بعيد.

ومن الأدلة الدالة على تحريم الرشوة ما حكاه ابن رسلان في شرح السنن عن الحسن

(2)

، وسعيد بن جبير

(3)

، أنهما فسرا قوله تعالى:{أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}

(4)

بالرشوة.

وحكي عن مسروق عن ابن مسعود

(5)

أنه لما سئل عن السحت: أهو الرشوة؟ فقال: لا {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ .... } {الظَّالِمُونَ

} {الْفَاسِقُونَ}

(6)

، ولكن السحت أن يستعينك الرجل على مظلمته، فيهدي لك، فإن أهدى لك فلا تقبل.

وقال أبو وائل - شقيق بن سلمة، أحد أئمة التابعين -: القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر.

رواه ابن أبي شيبة

(7)

بإسناد صحيح. اهـ. ما حكاه ابن رسلان.

(1)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(2)

أخرجه الطبري في "جامع البيان"(8/ 428 - 429 - عالم الكتب).

(3)

أخرجه الطبري في "جامع البيان"(8/ 429 - عالم الكتب).

(4)

سورة المائدة، الآية:(42).

(5)

أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(8/ 430) من طريق مسروق.

وأخرجه وكيع في "أخبار القضاة"(1/ 52) والبيهقي (10/ 139) من طريق شعبة بنحوه.

وانظر: تفسير ابن كثير (5/ 226).

(6)

سورة المائدة، الآية:(44 - 47).

(7)

في المصنف (6/ 544).

ص: 439

ويدلُّ على المنع من قبول هدية من استعان بها على دفع مظلمته: ما أخرجه أبو داود

(1)

عن أبي أمامة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الربا"، وفي إسناده القاسم بن عبد

(2)

الرحمن، أبو عبد الرحمن الأمويُّ، مولاهم الشاميُّ وفيه مقال.

ويدلّ على تحريم قبول مطلق الهدية على الحاكم وغيره من الأمراء حديث: "هدايا الأمراء غلول"، أخرجه البيهقي

(3)

وابن عديّ

(4)

من حديث أبي حميد.

قال الحافظ

(5)

: وإسناده ضعيف ولعلّ وجه الضعف أنه من رواية إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز.

وأخرجه الطبراني في الأوسط

(6)

من حديث أبي هريرة.

قال الحافظ

(7)

: وإسناده أشدّ ضعفًا.

وأخرجه سنيد بن داود في تفسيره

(8)

عن عبيدة بن سليمان عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جابر، وإسماعيل ضعيف.

وأخرجه الخطيب

(9)

في "تلخيص المتشابه" من حديث أنس بلفظ: "هدايا العمال سحت".

(1)

في سننه رقم (3541).

وهو حديث حسن.

(2)

التقريب رقم الترجمة (5470) حيث قال عنه ابن حجر: "صدوق يغرب كثيرًا".

وقال المحرران: "بل ثقة، وثقه البخاري، وابن معين، ويعقوب بن سفيان، والترمذي، والجوزجاني، وأبو حاتم الرازي، ويعقوب بن شيبة السدوسي، وأبو إسحاق الحربي.

وضعفه المفضل بن غسان الفلابي، وابن حبان".

(3)

في السنن الكبرى (10/ 138).

(4)

في "الكامل"(1/ 295). إسناده ضعيف.

(5)

في "التلخيص الحبير"(4/ 348).

(6)

في الأوسط رقم (7852).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 151) وقال: "فيه حميد بن معاوية الباهلي، وهو ضعيف".

(7)

في "التلخيص الحبير"(4/ 349).

(8)

كما في "التلخيص الحبير"(4/ 349).

(9)

عزاه إليه الحافظ في المرجع المتقدم رقم الحديث (2590).

ص: 440

وقد تقدم في كتاب الزكاة

(1)

في باب العاملين عليها حديث بريدة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بلفظ: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذه بعد ذلك فهو غلول"، أخرجه أبو داود

(2)

.

وقد بوّب البخاري

(3)

في أبواب القضاء: باب هدايا العمال، وذكر حديث ابن اللتبية

(4)

المشهور.

والظاهر: أن الهدايا التي تهدى للقضاة ونحوهم هي نوع من الرشوة، لأن المهدي إذا لم يكن معتادًا للإهداء إلى القاضي قبل ولايته لا يهدي إليه إلا لغرض، وهو إما التقويّة به على باطله، أو التوصل بهديته له إلى حقه، والكلّ حرام كما تقدم.

وأقلّ الأحوال أن يكون طالبًا لقربه من الحاكم وتعظيمه ونفوذ كلامه، ولا غرض له بذلك إلا الاستطالة على خصومه أو الأمن من مطالبتهم له فيحتشمه من له حقّ عليه ويخافه من لا يخافه قبل ذلك، وهذه الأغراض كلها تؤول إلى ما آلت إليه الرشوة.

فليحذر الحاكم المتحفظ لدينه، المستعدُّ للوقوف بين يدي ربه من قبول هدايا من أهدى إليه بعد توليه للقضاء، فإنَّ للإحسان تأثيرًا في طبع الإنسان، والقلوب مجبولةٌ على حبِّ من أحسن إليها؛ فربما مالت نفسه إلى المهدي إليه ميلًا يؤثر الميل عن الحقّ عند عروض المخاصمة بين المهدي وبين غيره، والقاضي لا يشعر بذلك ويظنّ أنه لم يخرج عن الصواب بسبب ما قد زرعه الإحسان في قلبه، والرشوة لا تفعل زيادةً على هذا، ومن هذه الحيثية امتنعت عن قبول الهدايا بعد دخولي في القضاء ممن كان يهدي إليّ قبل الدخول فيه بل من الأقارب فضلًا عن سائر الناس، فكان في ذلك من المنافع ما لا يتسع المقام لبسطه، أسأل الله أن يجعله خالصًا لوجهه.

(1)

"نيل الأوطار"(8/ 161 رقم 16/ 1597) من كتابنا هذا.

(2)

في سننه رقم (2943).

وهو حديث صحيح.

(3)

في صحيحه (13/ 164 رقم الباب (24) - مع الفتح).

(4)

رقم الحديث (7174) من صحيح البخاري.

ص: 441

وقد ذكر المغربي في شرح "بلوغ المرام"

(1)

في شرح حديث الرشوة كلامًا في غاية السقوط فقال ما معناه: إنَّه يجوز أن يرشي من كان يتوصل بالرشوة إلى نيل حق أو دفع باطل.

وكذلك قال: يجوز للمرتشي أن يرتشي إذا كان ذلك في حقّ لا يلزمه فعله، وهذا أعمُّ مما قاله المنصور

(2)

بالله ومن معه كما تقدمت الحكاية لذلك عنهم، لأنهم خصوا الجواز بالراشي وهذا عممه في الراشي والمرتشي، وهو تخصيص بدون مخصص، ومعارضة لعموم الحديث بمحض الرأي الذي ليس عليه أثارة من علم، ولا يغترّ بمثل هذا إلا من لا يعرف كيفية الاستدلال، والقائل رحمه الله كان قاضيًا.

قوله: (والخلة) في النهاية

(3)

: الخلَّة بالفتح: الحاجة والفقر فيكون العطف على ما قبله من عطف العامّ على الخاص.

وفي الحديث دليلٌ: على أنَّه لا يحلُّ احتجاب أولي الأمر عن أهل الحاجات.

قال الشافعي

(4)

وجماعة: إنَّه ينبغي للحاكم أن لا يتخذ حاجبًا.

قال في الفتح

(5)

: وذهب آخرون إلى جوازه، وحمل الأول على زمن سكون الناس واجتماعهم على الخير وطواعيتهم للحاكم.

وقال آخرون: بل يستحبُّ الاحتجاب حينئذٍ لترتيب الخصوم، ومنع المستطيل، ودفع الشرِّ. ونقل ابن التين

(6)

عن الداودي قال: الذي أحدثه القضاة من شدّة الاحتجاب وإدخال بطائق

(7)

من الخصوم لم يكن من فعل السلف. اهـ.

(1)

أي: "البدر التمام شرح بلوغ المرام"(5/ 136).

وبحوزتي مخطوطات ثلاث له، ولله الحمد والمنة.

(2)

البحر الزخار (4/ 53).

(3)

النهاية (1/ 527).

(4)

في "الأم"(7/ 490).

وانظر: الحاوي الكبير (16/ 29).

(5)

في "الفتح"(13/ 133).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 133).

(7)

بطائق: جمع بطاقة: رقعة صغيرة يثبت فيها مقدار ما يجعل فيه إن كان عينًا فوزنه =

ص: 442

قلت: صَدَقَ لم يكن من فعل السلف، ولكن من لنا بمثل رجال السلف في آخر الزمان، فإن الناس اشتغلوا بالخصومة لبعضهم بعضًا، فلو لم يحتجب الحاكم لدخل عليه الخصوم وقت طعامه وشرابه وخلوّه بأهله وصلاته الواجبة وجميع أوقات ليله ونهاره، وهذا مما لم يتعبد الله به أحدًا من خلقه ولا جعله في وسع عبد من عباده.

وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحتجب في بعض أوقاته.

وقد ثبت في الصحيح

(1)

من حديث أبي موسى أنه كان بوّابًا للنبيّ صلى الله عليه وسلم لما جلس على قفّ البئر في القصة المشهورة، وإذا جعل لنفسه بوّابًا في ذلك المكان وهو منفرد عن أهله خارج عن بيته، فبالأولى اتخاذه في مثل البيت وبين الأهل.

وقد ثبت أيضًا في الصحيح

(2)

في قصة حلفه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل على نسائه شهرًا أن عمر استأذن له الأسود لما قال له: يا رباح استأذن لي، فذلك دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتخذ لنفسه بوّابًا، ولولا ذلك لاستأذن عمر لنفسه ولم يحتج إلى قوله: استأذن لي.

وقد ورد ما يخالف هذا في الظاهر، وهو ما ثبت في الصحيح

(3)

في قصة المرأة التي وجدها تبكي عند قبرٍ فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بوّابًا؛ والجمع ممكن.

(أما أولًا): فلأن النساء لا يحجبن عن الدخول في الغالب، لأن الأمر الأهم من اتخاذ الحاجب هو منع دخول من يخشى الإنسان من اطلاعه على ما لا يحلّ الاطلاع عليه.

= أو عدده، وإن كان متاعًا فثمنه.

[النهاية (1/ 141 - 142) والفائق (3/ 388)].

• في حاشية المخطوط (أ): ما نصه: (جمع بطاقة).

(1)

البخاري رقم (3674) ومسلم رقم (29/ 2403).

(2)

البخاري رقم (4913) ومسلم رقم (30/ 1479).

(3)

البخاري رقم (1283) ومسلم رقم (15/ 926) وأبو داود رقم (3124) والنسائي رقم (1869) وابن ماجه رقم (1869).

ص: 443

(وأما ثانيًا): فلأن النفي للحاجب في بعض الأوقات لا يستلزم النفي مطلقًا، وغاية ذلك أنه لم يكن له صلى الله عليه وسلم حاجب راتب.

قال ابن بطال

(1)

: الجمع بينهما أنه صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن في شغل من أهله ولا انفراد بشيء من أمره رفع حجابه بينه ويبن الناس ويبرز لطالب الحاجة وبمثله قال الكرماني

(2)

.

وقد ثبت في قصة عمر في منازعة عليّ والعباس في فدك: أنَّه كان له حاجب يقال له: يرفا.

قال ابن التين

(3)

متعقبًا لما نقله عن الداودي في كلامه المتقدم: إن كان مراده البطائق التي فيها الإخبار بما جرى فصحيح؛ يعني أنه حادث، وإن كان مراده البطائق التي يكتب فيها للسبق ليبدأ بالنظر في خصومة من سبق، فهو من العدل في الحكم. اهـ.

قلت: ومن العدل والتثبت في الحكم أن لا يُدخل الحاكم جميع من كان ببابه من المتخاصمين إلى مجلس حكمه دفعة واحدة إذا كانوا جمعًا كثيرًا، ولا سيما إذا كانوا مثل أهل هذه الديار اليمنية، فإنهم إذا وصلوا إلى مجلس القاضي صرخوا جميعًا فيتشوّش فهمه ويتغير ذهنه فيقلّ تدبره وتثبته، بل يجعل ببابه من يرقم الواصلين من الخصوم الأوّل فالأوّل، ثم يدعوهم إلى مجلس حكمه كل خصمين على حدة، فالتخصيص لعموم المنع بمثل ما ذكرناه معلوم من كليات الشريعة وجزئياتها، مثل حديث نهي الحاكم عن القضاء حال الغضب والتأذي بأمر من الأمور، كما سيأتي.

وكذلك أمره بالتثبت والاستماع لحجة كل واحد من الخصمين، وكذلك أمره باجتهاد الرأي في الخصومة التي تعرض.

قال بعض أهل العلم

(4)

: وظيفة البوّاب أو الحاجب أن يطالع الحاكم بحال

(1)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 223).

(2)

في شرحه لصحيح البخاري (24/ 202).

(3)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 133).

(4)

كما في "الفتح"(13/ 133).

ص: 444

من حضر ولا سيما من الأعيان لاحتمال أن يجيء مخاصمًا، والحاكم يظنّ أنه جاء زائرًا فيعطيه حقه من الإكرام الذي لا يجوز لمن يجيء مخاصمًا. انتهى.

ولا شكّ في أنه يكره دوام الاحتجاب إن لم يكن محرّمًا لما في حديث الباب.

قال في الفتح

(1)

: واتفق العلماء على أنه يستحبّ تقديم الأسبق فالأسبق والمسافر على المقيم ولا سيما إن خشي فوات الرفقة، وأن من اتخذ بوابًا أو حاجبًا أن يتخذه أمينًا ثقة عفيفًا عارفًا حسن الأخلاق عارفًا بمقادير الناس. انتهى.

[الباب السابع] باب ما يلزم اعتماده في أمانة الوكلاء والأعوان

29/ 3900 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ خاصَمَ فِي باطلٍ وَهُوَ يَعْلَمُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ الله حتَّى يَنْزعَ"

(2)

. [صحيح]

وفِي لَفْظٍ: "مَنْ أعانَ على خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله"، رَوَاهُما أبُو دَاوُدَ)

(3)

. [ضعيف]

30/ 3901 - (وَعَنْ أنَسٍ قالَ: إنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرُطِ مِنَ الأمِيرِ. رَوَاهُ البُخارِيُّ)

(4)

. [صحيح]

(1)

في "الفتح"(13/ 133).

(2)

أخرجه أبو داود رقم (3597).

وهو حديث صحيح.

(3)

أخرجه أبو داود رقم (3598).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (23020).

وهو حديث ضعيف.

(4)

في صحيحه رقم (7155).

وهو حديث صحيح.

ص: 445

حديث ابن عمر أخرجه أبو داود

(1)

بإسنادين: الإسناد الأول

(2)

لا مطعن فيه، لأنه قال: حدثنا أحمد بن يونس - يعني: اليربوعي - حدثنا زهير، حدثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد: يعني الدمشقي الطويل، وهو ثقة قال: جلسنا لعبد الله بن عمر

فذكره.

والإسناد الثاني

(3)

قال: حدثنا عليّ بن الحسين بن إبراهيم، - يعني العامري، وثقه النسائي -، حدثنا عمر بن يونس - يعني اليمامي، وهو ثقة -، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد العمري - يعني ابن عبد الله بن عمر -، حدثنا المثنى بن يزيد.

قال المنذري

(4)

: هو مجهول. انتهى.

وقد أخرج له النسائي في "عمل اليوم

(5)

والليلة" عن مطر؛ يعني ابن طهمان الخراساني الوراق، قال المنذري

(6)

: ضعفه غير واحد. انتهى.

وقد أخرج له مسلم

(7)

في مواضع عن نافع عن ابن عمر

فذكره بمعناه.

قوله: (من خاصم) قال الغزالي

(8)

: الخصومة: لجاجٌ في الكلام ليُسْتوفى بها مال أو حقٌّ مقصود، وتارةً تكون ابتداءً، وتارة تكون اعتراضًا.

والمراء لا يكون إلا اعتراضًا على كلام سابق.

قال بعضهم: إياك والخصومة فإنها تمحق الدِّين، ويقال: ما خاصم قطُّ ورع.

(1)

في سننه رقم (3597) و (3598).

(2)

أبو داود في سننه رقم (3597).

(3)

أبو داود في سننه رقم (3598).

(4)

في "المختصر"(5/ 216).

(5)

رقم الحديث (160).

(6)

في "المختصر"(5/ 216).

• مطر بن طهمان الوراق: ضعفه أحمد في عطاء، ووثقه ابن حبان وأبو زرعة. وقال النسائي: ليس بالقوي. أخرج حديثه مسلم والأربعة، وعلق عنه البخاري في الصحيح.

وذكره الحاكم فيمن أخرج له مسلم في المتابعات دون الأصول.

"تهذيب التهذيب"(4/ 87 - 88).

(7)

لم يخرجه مسلم. انظر: "تحفة الأشراف" رقم (8445).

(8)

في "الإحياء" له (3/ 118).

ص: 446

قوله: (لم يزل في سخط الله) هذا ذمٌّ شديدٌ له شرطان:

(أحدهما): أن تكون المخاصمة في باطل.

(والثاني): أن يعلم أنه باطل، فإن اختلّ أحد الشرطين فلا وعيد، وإن كان الأولى ترك المخاصمة ما وجد إليه سبيلًا.

قوله: (من أعان على خصومة بظلم) في معنى ذلك ما أخرجه الطبراني في الكبير

(1)

من حديث أوس بن شرحبيل: أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم، فقد خرج من الإسلام".

وأما ما ورد في الحديث الصحيح

(2)

بلفظ: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" فقد ورد تفسيره في آخر الحديث: "أن نصر الظالم كفه عن الظلم".

قوله: (فقد باء بغضب من الله) أي: انقلب ورجع بغضب لازم له.

ومعنى الغضب في صفات الله: إرادة العقوبة

(3)

.

(1)

في المعجم الكبير (ج 1 رقم 619).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 205) وقال: فيه عياش بن مؤنس ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله وثقوا وفي بعضهم كلام".

"قلت: ترجم له البخاري في الكبير (7/ 47) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 5) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وذكره ابن حبان في "الثقات"(8/ 509) ولكن وقع عنده: عياش بن يونس؛ مصحفًا.

وقد أشار إلى هذا التصحيف العلامة اليماني في تعليقه على التاريخ الكبير.

وقد تناولت كتب المشتبه هذا الاسم وضبطه، ومنها: مؤتلف الدارقطني (2166) وإكمال ابن ماكولا (7/ 301) وتهذيب مستمر الأوهام رقم (201) له، وتوضيح المشتبه (6/ 85) و (306/ 8 - 307). اهـ.

[الفرائد على مجمع الزوائد" (ص 270 - 271 رقم 425)].

(2)

في صحيح البخاري رقم (2444).

(3)

الغضب صفة فعلية خبرية ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنّة:

• الدليل من الكتاب:

- قوله تعالى في سورة النور، الآية (9):{وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .

- وقوله تعالى في سورة الممتحنة، الآية (13):{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} =

ص: 447

وفي الحديث دليل: على أنه ينبغي للحاكم إذا رأى مخاصمًا، أو معينًا على خصومة بتلك الصفة أن يزجره، ويردعه لينتهي عن غيِّه.

قوله: (إن قيس بن سعد) يعني: ابن عبادة الأنصاري الخزرجي.

قوله: (كان يكون) قال الكرماني

(1)

: فائدة تكرار لفظ الكون إرادة بيان الدوام والاستمرار. وقد وقع في رواية الترمذي

(2)

، وابن حبان

(3)

، والإسماعيلي، وأبي نعيم

(4)

، وغيرهم بلفظ: "كان قيس بن سعد

" إلخ.

قوله: (بمنزلة صاحب الشرط) زاد الترمذي

(5)

: "لما يلي من أموره".

= • الدليل من السنّة:

- أخرج البخاري رقم (3194) ومسلم رقم (2751) من حديث أبي هريرة ولفظه: "إن رحمتي غلبت غضبي".

- وفي حديث الشفاعة الطويل وفيه: "إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله

" [البخاري رقم (3340) ومسلم رقم (194)].

• وأهل السنّة والجماعة يثبتون صفة الغضب لله عز وجل بوجه يليق بجلاله وعظمته، لا يكيفون ولا يشبهون ولا يؤولون؛ ولا يعطلون، بل يقولون:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].

قال الطحاوي في "عقيدته" المشهورة: "والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى".

قال الشارح ابن أبي العز الحنفي (ص 463): "ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب والرضى والعداوة والولاية والحب والبغض ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنّة". اهـ.

وقال قوَّام السنّة الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة"(2/ 457): "قال علماؤنا: يوصف الله بالغضب، ولا يوصف بالغيظ".

(1)

في شرحه لصحيح البخاري (24/ 203).

(2)

في سننه رقم (3850) وقال: هذا حديث حسن غريب.

(3)

في صحيحه رقم (4508).

(4)

في "معرفة الصحابة"(4/ 2309 رقم 5694).

قلت: وأخرجه البخاري رقم (7155) والبيهقي (8/ 155) والبغوي في شرح السنة رقم (2485) من طرق.

وهو حديث صحيح.

(5)

في السنن (5/ 690).

ص: 448

وقد ترجم ابن حبان

(1)

لهذا الحديث فقال: (احتراز المصطفى من المشركين في مجلسه إذا دخلوا). وقد روى الإسماعيلي

(2)

: "أن سعدًا سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم في قيس أن يصرفه عن الموضع الذي وضعه فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك".

والشرط بضم المعجم والراء والنسبة إليها شرطي بضمتين، وقد يفتح الراء فيهما: أعوان الأمير.

والمراد بصاحب الشرط كبيرهم، فقيل: سموا بذلك لأنهم رذالة الجند.

ومنه في حديث الزكاة المتقدم

(3)

: "ولا الشرط اللئيمة"، أي: رديء المال.

وقيل: لأنهم الأشدَّاء الأقوياء من الجند. ومنه في حديث الملاحم

(4)

: "ويتشرَّط شرطة للموت"، أي: يتعاقدون على أن لا يفرّوا ولو ماتوا.

قال الأزهري

(5)

: شرطة كل شيء خياره، ومنه الشرط، لأنهم نخبة الجند

(6)

.

وقيل: هم أوّل طائفة تتقدم الجيش

(7)

.

وقيل: سموا شرطًا، لأن لهم علامات يعرفون

(8)

بها في اللباس والهيئة؛ وهو اختيار الأصمعي

(9)

.

وقيل: لأنهم أعدّوا أنفسهم لذلك، يقال: أشرط فلان نفسه لأمر كذا إذا أعدّها، قاله أبو عبيد

(10)

.

(1)

في صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (10/ 366).

(2)

ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 135).

(3)

تقدم برقم (1540) من كتابنا هذا.

(4)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 435) ومسلم رقم (37/ 2899).

(5)

في "تهذيب اللغة" له (11/ 309).

(6)

النهاية (1/ 856) وغريب الحديث للخطابي (2/ 96).

(7)

النهاية (1/ 856) وغريب الحديث للخطابي (2/ 96).

(8)

النهاية (1/ 856).

(9)

حكاه عنه الأزهري في تهذيب اللغة (11/ 309) وفي الفتح (13/ 135).

(10)

في غريب الحديث له (1/ 40 - 41).

ص: 449

وقيل: مأخوذ من الشريط، وهو الحبل المبروم لما فيهم من الشدة.

وفي الحديث جواز اتخاذ الأعوان لدفع ما يرد على الإمام والحاكم.

[الباب الثامن] بابُ النَّهي عن الحُكْمِ في حالِ الغضبِ إلَّا أَنْ يكونَ يسيرًا لا يُشْغِلُ

31/ 3902 - (عَنْ أبي بَكْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا يَقْضِيَنَّ حاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبانُ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ)

(1)

. [صحيح]

32/ 3903 - (وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أبِيهِ: أن رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ خاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي شِرَاجِ الحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِها النَّخْلَ، فَقالَ الأنْصَارِيُّ: سَرِّحِ المَاءَ يَمَرُّ، فأَبَى عَلَيْهِ، فاخْتَصَما عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم للزُّبَيْرِ: "اسْقِ يا زُبَيْرُ ثُمَّ [أرْسِلْ إلى]

(2)

جاركَ"، فَغَضِبَ الأنْصَارِيُّ، ثُمَّ قالَ: يا رَسُولَ الله أَنْ كانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قالَ للزُّبَيْرِ: "اسْقِ يا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حتَّى يَرْجِعَ إلى الجَدْرِ"، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَالله إِني لا أحْسِب أن هَذِهِ الآيةِ نَزَلَتْ إلَّا فِي ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآيةِ

(3)

. رَوَاهُ الجَماعَةُ

(4)

. [صحيح]

لَكِنَّهُ للْخَمْسَةِ إلَّا النَّسائيَّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أبِيهِ.

(1)

أحمد في المسند (5/ 36) والبخاري رقم (7159) ومسلم رقم (16/ 1717) وأبو داود رقم (3589) والترمذي رقم (1334) والنسائي رقم (5421) وابن ماجه رقم (2316).

وهو حديث صحيح.

(2)

في المخطوط (أ): (أرسل الماء إلى)، والمثبت من المخطوط (ب) ومصادر تخريج الحديث.

(3)

سورة النساء، الآية:(65).

(4)

أحمد في المستد (1/ 165، 166) و (4/ 4 - 5) والبخاري رقم (2359) و (2360) ومسلم رقم (129/ 2357) وأبو داود رقم (3637) والترمذي رقم (1363) و (3027) والنسائي رقم (5407) وابن ماجه رقم (15، 2480).

وهو حديث صحيح.

ص: 450

وَللبُخارِيِّ

(1)

فِي رِوَايَةٍ قالَ: خاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا. وَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: فاسْتَوْعَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ للزُّبَيْرِ حَقَّهُ، وكانَ قَبْلَ ذلكَ قَدْ أشارَ على الزُّبَيْرِ بِرأيٍ فِيهِ سَعَةٌ لَهُ وَلِلأنْصَارِيِّ، فَلَمَّا أحْفَظَ الأنْصَارِيُّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَوْعَى للزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الحُكْمِ. قالَ عُرْوَةُ: قالَ الزُّبَيْرُ: فَوَالله ما أحْسِبُ هَذِهِ الآيَة نَزَلَتْ إلَّا فِي ذلكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ [لَا يُؤْمِنُونَ]

(2)

} الآية

(3)

. رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

كَذَلِكَ لَكِنْ قالَ: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أن الزُّبير كانَ يُحَدّثُ أنَّهُ خاصَمَ رَجُلًا

وَذَكَرَهُ، جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِهِ.

وَزَادَ البُخارِيُّ

(5)

فِي رِوَايَةٍ: قالَ ابْنُ شِهابٍ: فَقَدَّرَتِ الأنْصَارُ وَالنَّاسُ قَوْلَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "اسْقِ يا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حتَّى يَرْجِعَ إلى الجَدْرِ"، فَكَانَ ذلكَ إلى الكَعْبَيْنِ.

وفِي الخَبرِ مِنَ الفِقْهِ: جَوَازُ الشَّفاعَةِ للْخَصْمِ وَالعَفْوِ عَنِ التَّعْزِيرِ).

قوله: (لا يقضينّ

إلخ) قال المهلب

(6)

: سبب هذا النهي أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحقّ فمنع، وبذلك قال فقهاء الأمصار. وقال ابن دقيق العيد

(7)

: النهي عن الحكم حالة الغضب، لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه.

قال

(8)

: وعدَّاه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين، وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقًا يشغله عن استيفاء النظر، وهو قياس مظنة على مظنة، وكأنَّ الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره.

(1)

في صحيحه رقم (2708).

(2)

زيادة من المخطوط (ب).

(3)

سورة النساء، الآية:(65).

(4)

في المسند (1/ 165 - 166) بسند صحيح.

(5)

في صحيحه رقم (2362).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 137).

(7)

في "إحكام الأحكام" له (ص 916).

(8)

أي ابن دقيق العيد في المرجع السابق.

ص: 451

وقد أخرج البيهقي

(1)

بسند ضعيف عن أبي سعيد رفعه: "لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان، ريان" انتهى.

وسبب ضعفه أن في إسناده القاسم العمري وهو متهم بالوضع.

وظاهر النهي التحريم ولا موجب لصرفه عن معناه الحقيقيِّ إلى الكراهة؛ فلو خالف الحاكم فحكم في حال الغضب: فذهب الجمهور

(2)

إلى أنَّه يصحُّ إن صادف الحقَّ، لأنه صلى الله عليه وسلم قضى للزبير بعد أن أغضبه، كما في حديث الباب، فكأنهم جعلوا ذلك قرينة صارفة للنهي إلى الكراهة.

ولا يخفى أنَّه لا يصحُّ إلحاق غيره صلى الله عليه وسلم به في مثل ذلك، لأنه معصوم عن الحكم بالباطل في رضاه وغضبه بخلاف غيره فلا عصمة تمنعه عن الخطأ، ولهذا ذهب بعض الحنابلة: إلى أنه لا ينفذ الحكم في حال الغضب لثبوت النهي عنه.

والنهي يقتضي الفساد

(3)

. وفصل بعضهم بين أن يكون الغضب طرأ عليه بعد أن استبان له الحكم، فلا يؤثر وإلا فهو محل الخلاف.

قال الحافظ ابن حجر

(4)

: وهو تفصيل معتبر.

وقيد إمام الحرمين، والبغوي، الكراهة بما إذا كان الغضب لغير الله، واستغرب الروياني

(5)

هذا واستبعده غيره لمخالفته لظاهر الحديث، وللمعنى الذي لأجله نهي عن الحكم حال الغضب.

وذكر ابن المنير

(6)

: أن الجمع بين حديثي الباب: بأن يجعل الجواز خاصًّا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم لوجود العصمة في حقه والأمن من التعدّي، أو أن غضبه إنما كان للحق فمن كان في مثل حاله جاز وإلا منع.

وقد تُعقِّب القول بالتحريم، وعدم انعقاد الحكم: بأنَّ النهي الذي يفيد فساد المنهي عنه هو ما كان لذات المنهي عنه، أو لجزئه أو لوصفه الملازم له، لا

(1)

في السنن الكبرى (10/ 105 - 106) بسند ضعيف.

(2)

"الفتح"(13/ 138).

(3)

إرشاد الفحول ص 386 بتحقيقي والبحر المحيط (2/ 439 - 440).

(4)

الفتح (13/ 138).

(5)

في "بحر المذهب" له (10/ 151).

(6)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 138).

ص: 452

المفارق، كما هنا، وكما في النهي عن البيع حال النداء للجمعة، وهذه قاعدة مقرّرة في الأصول

(1)

مع اضطراب فيها وطول نزاع وعدم اطراد.

قوله: (أن رجلًا من الأنصار) اسمه: ثعلبة بن حاطب.

وقيل: حميد.

وقيل: حاطب بن أبي بلتعة، ولا يصحّ لأنه ليس بأنصاري.

وقيل: إنه ثابت بن قيس بن شماس، وإنما ترك صلى الله عليه وسلم قتله بعد أن جاء في مقاله بما يدلُّ على أنه صلى الله عليه وسلم جارَ في الحكم: لأجل القرابة؛ لأنَّ ذلك كان في أوائل الإسلام، وقد كان صلى الله عليه وسلم يتألف الناس إذ ذاك، كما ترك قتل عبد الله بن أُبيّ بعد أن جاء بما يسوّغ به قتله.

وقال القرطبي

(2)

: يحتمل أنه لم يكن منافقًا، بل صدر منه ذلك عن غير قصدٍ، كما اتفق لحاطب بن أبي بلتعة، ومسطح، وحمنة، وغيرهم ممن بدره لسانه بدرة شيطانية.

قوله: (في شِراج)

(3)

بكسر الشين المعجمة وراء مهملة بعد الألف جيم: وهي مسايل النخل والشجر. واحدتها شرجة، وإضافتها إلى الحرَّة لكونها فيها، والحرَّةُ

(4)

بفتح الحاء المهملة: هي أرض ذات حجارة سود.

قوله: (سرّح الماء)

(5)

بفتح السين المهملة، وتشديد الراء المكسورة، ثم حاء مهملة؛ أي: أرسله.

قوله: (ثم أرسل إلى جارك)[كان]

(6)

هذا على سبيل الصلح.

قوله: (أن كان ابن عمتك) بفتح الهمزة، لأنه استفهام للاستنكار؛ أي: حكمت بهذا لكونه ابن عمتك.

(1)

إرشاد الفحول ص 386 بتحقيقي. والبحر المحيط (2/ 439 - 440).

(2)

في "المفهم"(6/ 153).

(3)

النهاية (1/ 852) وغريب الحديث للهروي (4/ 2).

(4)

النهاية (1/ 357) و"المجموع المغيث"(1/ 426).

(5)

انظر: "لسان العرب"(2/ 478).

(6)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 453

قوله: (حتى يرجع الماء إلى الجَدر) بفتح الجيم، وسكون الدال المهملة، وهو: الجدار، والمراد به: أصل الحائط.

وقيل: أصول الشجر والصحيح الأوّل.

وفي الفتح

(1)

: أن المراد به هنا: المسناة، وهي ما وضع بين شريات النخل كالجدار.

ويروى: الجُدُر بضم الجيم والدال: جمع جدار.

وحكى الخطابي

(2)

: الجذر، بسكون الذال المعجمة، وهو: جذر الحساب، والمعنى: حتى يبلغ تمام الشرب.

وفي بعض طرق الحديث: "حتى يبلغ الماء إلى الكعبين"، رواه أبو داود

(3)

.

قوله: (فلما أحفظ الأنصاريُّ، رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالحاء المهملة؛ أي: أثار حفيظته

(4)

.

قال في الفتح

(5)

: أحفظه بالمهملة والظاء المشالة؛ أي: أغضبه.

قوله: (فاستوعى)

(6)

أي: استوفى، وهو من الوعاء، كأنه جمعه له في وعائه.

قوله: (فقدرت الأنصار والناس) هو من عطف العائم على الخاصِّ.

قوله: (فكان ذلك إلى الكعبين) يعني: أنَّهم لما رأوا أن الجدر يختلف بالطول والقصر قاسوا ما وقعت فيه القصة، فوجدوه يبلغ الكعبين، فجعلوا ذلك

(1)

في "الفتح"(5/ 37).

(2)

أعلام الحديث (2/ 1169).

(3)

في سننه رقم (3639) وهو حديث حسن.

(4)

النهاية (1/ 398).

الحفيظة: الغضب. وأحفظته: أغضبته.

و"تفسير غريب ما في الصحيحين" للحميدي (7/ 5)، (72/ 257).

(5)

في "الفتح"(5/ 38).

(6)

قال الخطابي في "أعلام الحديث"(2/ 1169) قوله: واستوعى له حقه؛ يريد: أنَّه استوفاه كله، وهو مأخوذ من الوِعاء، كأنَّه جمعه في وعائه.

النهاية (2/ 866) والمجموع المغيث (3/ 435).

ص: 454

معيار الاستحقاق الأول فالأوّل؛ والمراد بالأول هنا من يكون مبدأ الماء من ناحيته.

وقد تقدم الكلام على ذلك في باب "الناس شركاء في ثلاث" من كتاب إحياء الموات

(1)

.

[الباب التاسع] بابُ جلوسِ الخصمينِ بينَ يَدَي الحاكِمِ والتَّسْوِيَةِ بَينهُمَا

33/ 3904 - (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن الخَصْمَيْنِ يَقْعُدَانِ بَيْنَ يَدَي الحاكِمِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ)

(3)

. [إسناده ضعيف]

34/ 3905 - (وَعَنْ عَلِيّ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "يا عَلِيُّ إذَا جَلَسَ إلَيْكَ الخَصْمانِ فَلا تَقْضِ بَيْنَهُما حتَّى تَسْمَعَ مِنَ الآخَر كما سَمِعْتَ مِنَ الأوَّلِ، فإنَّكِ إذا فَعَلْتَ ذلكَ تبَيَّن لَكَ القَضَاءُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وأبُو دَاوُدَ

(5)

وَالتِّرْمِذِيُّ)

(6)

. [حسن]

(1)

عند الحديث رقم (2406 و 2407) من كتابنا هذا.

(2)

في المسند (4/ 4).

(3)

في سننه رقم (3588).

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 94) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 135) كلهم من رواية مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، وفيه كلام.

قال أبو حاتم في الجرح والتعديل (8/ 304): إنه كثير الغلط.

وقال الحافظ: لين الحديث وكان عابدًا.

وقال أحمد: أراه ضعيف الحديث.

وقال ابن معين: ضعيف.

وذكره ابن حبان في "الثقات"(7/ 478) وقال: أدخلته في الضعفاء، وهو ممن استخرت الله فيه.

وانظر: المجروحين (3/ 28) والميزان (4/ 118).

وخلاصة القول: أن إسناد الحديث ضعيف، والله أعلم.

(4)

في المسند (1/ 111).

(5)

في سننه رقم (3582).

(6)

في سننه رقم (1331) وقال: هذا حديث حسن.

وهو كما قال الترمذي.

ص: 455

حديث عبد الله بن الزبير أخرجه أيضًا البيهقي

(1)

والحاكم

(2)

وفي إسناده مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، وهو ضعيف كما قال ابن معين وابن حبان

(3)

؛ وبيَّن الذهبي

(4)

ذلك الضعف فقال: فيه لين لغلطه. وقال أبو حاتم

(5)

: صدوق كثير الغلط. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال المنذري

(6)

: لا يحتج بحديثه، وقد صحح الحديث الحاكم كما حكاه الحافظ في بلوغ المرام

(7)

.

وحديث علي أخرجه أيضًا ابن حبان

(8)

وصححه وحسنه الترمذي

(9)

، وله طرق.

(منها): عند البزار

(10)

وفيها عمرو بن أبي المقدام، وفيها أيضًا اختلاف على عمرو بن مرة، ففي رواية أبي يعلى

(11)

أنه رواه [عنه]

(12)

شعبة عن أبي البختري قال: حدثني من سمع عليًا.

ومنهم من أخرجه عن أبي البختري عن عليّ

(13)

.

ومنهم من رواه عن حارثة بن مضرب عن عليّ

(14)

.

ومنهم من رواه عن سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر عن عليّ

(15)

.

(1)

في السنن الكبرى (10/ 135) وقد تقدم.

(2)

في المستدرك (4/ 94) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(3)

في "المجروحين"(3/ 28).

(4)

الميزان (4/ 118).

(5)

الجرح والتعديل (8/ 304).

(6)

في المختصر (5/ 211).

(7)

في بلوغ المرام رقم (17/ 1317) بتحقيقي.

(8)

في صحيحه رقم (5065) بسند ضعيف.

(9)

في السنن (3/ 618).

(10)

في المسند (2/ 307 رقم 733).

(11)

في المسند (رقم 316) بسند ضعيف لانقطاعه، وأبو البختري سعيد بن فيروز لم يسمع من علي.

(12)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(13)

أخرجه الطيالسي في المسند (رقم 98) والبيهقي (10/ 86، 87).

(14)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 88، 156) ووكيع في أخبار القضاة (1/ 85) وابن سعد في "الطبقات"(2/ 337) والنسائي في "خصائص علي"(35) بسند حسن.

(15)

أخرجه أبو يعلى في المسند رقم (371) وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند (1/ 150).

ص: 456

ومنهم من رواه من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن عليّ

(1)

.

ورواه أبو يعلى

(2)

، والدارقطني

(3)

والطبراني في الكبير

(4)

من حديث أمّ سلمة بلفظ: "من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه، وإشارته، ومقعده، ومجلسه، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفع على الآخر"، وفي إسناده [عبادة بن كثير]

(5)

، وهو ضعيف.

وفي الباب عن عليّ: أنه جلس بجنب شريح في خصومة له مع يهودي فقال: "لو كان خصمي مسلمًا جلست معه بين يديك، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تساووهم في المجالس"، أخرجه أبو أحمد الحاكم في الكنى

(6)

في ترجمة [أبي سمية]

(7)

عن الأعمش عن إبراهيم التيمي قال: "عرف عليّ درعًا مع يهودي

" فذكره مطوّلًا وقال: منكر.

وأورده ابن الجوزي في العلل

(8)

من هذا الوجه وقال: لا يصحّ تفرّد به [أبو سمية](7).

ورواه البيهقي

(9)

من وجه آخر من طريق جابر عن الشعبي قال: "خرج عليّ السوق فإذا هو بنصرانيّ يبيع درعًا، فعرف عليّ الدرع

" وذكر الحديث، وفي إسناده [عمرو بن سمرة]

(10)

عن جابر الجعفي، وهما ضعيفان.

(1)

أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (5065) بسند ضعيف.

(2)

في المسند رقم (5867).

(3)

في السنن (4/ 205 رقم 10).

(4)

في المعجم الكبير (ج 23 رقم 923).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 197) وقال: "فيه عباد بن كثير الثقفي، وهو ضعيف".

(5)

كذا في المخطوط (أ) و (ب)، والصواب:(عباد بن كثير) كما في مصادر التخريج.

(6)

المطبوع منها إلى حرف الخاء فقط فيما أعلم.

(7)

كذا في المخطوط (أ)، (ب)، والصواب:(أبو سمير) كما في المصادر الآتية.

(8)

في العلل المتناهية (2/ 388 رقم 1460).

وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح تفرّد به أبو سمير قال البخاري، وابن عدي: هو منكر الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث.

(9)

في السنن الكبرى (10/ 136) بسند ضعيف.

(10)

كذا في المخطوط (أ) و (ب)، والصواب:(عمرو بن شَمِر) كما في السنن الكبرى =

ص: 457

قال ابن الصلاح

(1)

في كلامه على الوسيط: لم أجد له إسنادًا يثبت.

قوله: (إنَّ الخصمين يقعدان

إلخ) هذا فيه دليل لمشروعية قعود الخصمين بين يدي الحاكم، ولعلّ هذه الهيئة مشروعة لذاتها لا لمجرّد التسوية بين الخصمين، فإنها ممكنة بدون القعود بين يدي الحاكم بأن يقعد أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله أو أحدهما في جانب من المجلس والآخر في جانب يقابله ويساويه أو نحو ذلك.

والوجه في مشروعية هذه الهيئة أن ذلك هو مقعد الإهانة والإصغار، وموقف من لا يعتدُّ بشأنه من الخدم ونحوهم، لقصد الإعزاز للشريعة المطهرة، والرفع من منارها، وتواضع المتكبرين لها، وكثيرًا ما ترى من كان متمسكًا بأذيال الكبر يعظم عليه قعوده في ذلك المقعد، فلعلَّ هذه هي الحكمة، والله أعلم.

ويؤخذ من الحديث أيضًا: مشروعية التسوية بين الخصمين؛ لأنهما لما أمرا بالقعود جميعًا على تلك الصفة، كان الاستواء في الموقف لازمًا لها، وأوضح من ذلك حديث أمّ سلمة

(2)

، وقصة عليّ مع خصمه عند شريح

(3)

، كما تقدم.

وفيها تخصيص المسلم إذا كان خصمه كافرًا، فلا يساويه في الموقف، بل يرفع موقف المؤمن على موقف الكافر؛ لأن الإسلام يعلو.

= للبيهقي (10/ 136) والتاريخ الكبير (6/ 344) والجرح والتعديل (6/ 239) والميزان (3/ 268).

(1)

في "مشكل الوسيط" له (7/ 313 - مع الوسيط).

• قصة عليٍّ مع غريمه الذمي عندَ شريح، وهو ما أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(4/ 139) بسنده، وذكر القصة بطولها.

• قلت: وذكر القصة أيضًا الذهبي في "الميزان"(1/ 585) في ترجمة أبي سُمير حكيم بن خِذام.

وذكر الحافظ الذهبي أن أبا حاتم قال: إنه متروك الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث .. فعلم بذلك أن القصة ضعيفة جدًّا من طريق سمير هذا.

• وأورد القصة أيضًا محمد بن خلف الملقب بـ "وكيع" في كتابه "أخبار القضاة"(2/ 194) بسند آخر مظلم.

(2)

تقدم آنفًا بسند ضعيف لضعف عباد بن كثير.

(3)

تقدم آنفًا بسند ضعيف.

ص: 458

ويستفاد من الحديث: أن الخصمين لا يتنازعان قائمين، أو مضطجعين، أو أحدهما.

قوله: (حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول)، فيه دليل: على أنه يحرم على الحاكم أن يحكم قبل سماع حجة كلِّ واحدٍ من الخصمين، واستفصال ما لديه، والإحاطة بجميعه، والنهي يَدل: على قبح المنهي عنه، والقبح يستلزم الفساد، فإذا قضى قبل السماع من أحد الخصمين؛ كان حكمه باطلًا، فلا يلزم قبوله، بل يتوجه عليه نقضه [و]

(1)

يعيده على وجه الصحة، أو يعيده حاكم آخر، فإن امتنع أحد الخصمين من الإجابة لخصمه جاز القضاء عليه لتمرُّده، ولكن بعد التثبت المسوِّغ للحكم كما في الغائب على خلافٍ فيه معروف.

[الباب العاشر] بابُ ملازمةِ الغريمِ إِذَا ثبتَ عليهِ الحقُّ وإعَداءِ الذِّمِّيِّ على المسْلِم

35/ 3906 - (عَنْ هِرْماسِ بْنِ حَبِيبٍ رَجُلٍ مِنْ أهْلِ البادِيَةِ عَنْ أبِيهِ قالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِغَرِيمٍ لي، فَقَالَ لي:"الْزَمْهُ"، ثُمَّ قالَ لي:"يا أخا بَنِي تَمِيمٍ ما تُرِيدُ أنْ تَفْعَلَ بِأسِيرِكَ؟ "، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(2)

وَابْنُ ماجَهْ

(3)

وَقالَ فِيهِ: ثُمَّ مَرَّ بي آخِرَ النَّهارِ فَقَالَ: "ما فَعَلَ أَسِيرُكَ يا أخا بَنِي تَمِيمٍ؟ ". [ضعيف]

وَقَالَ فِي مُسْنَدِهِ: عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.

وَعَنْ ابْنِ أبي حَدْرَدٍ الأسْلَمِيّ أنَّهُ كانَ لِيَهُوديٍّ عَلَيْهِ أرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فاسْتَعْدَى عَلَيْهِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقالَ: يا مُحَمَّدُ إنَّ لي على هَذَا أرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَيْها، فَقالَ:"أعْطِهِ حَقَّهُ"، قالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقّ ما أقْدِرُ عَلَيْها؛ قالَ: "أعْطِهِ حَقَّهُ"، قالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ ما أقْدرُ عَلَيْها، قَدْ أخْبَرْتُهُ أنَّكَ تَبْعَثُنا إلى

(1)

في المخطوط (ب): (أو).

(2)

في سننه رقم (3629).

(3)

في سننه رقم (2428).

وهو حديث ضعيف.

ص: 459

خَيْبَرَ، فأرْجُو أنْ تُغَنِّمَنا شيْئًا فَأرْجِعَ فأقَضِيَهُ؛ قالَ:"أعْطِهِ حَقَّهُ"، قالَ: وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا قالَ ثَلاثًا لَمْ يُرَاجَعْ، فَخَرَجَ بِهِ ابْنُ أبي حَدْرَدٍ إلى السُّوقِ وَعلى رأسِهِ عِصَابَةَ وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِبُرْدَةٍ، فَنَزَعَ العِمامَةَ عَنْ رأسِهِ فاتَّزَرَ بِها، وَنَزَعَ البُرْدَةَ ثمَّ قالَ: اشْتَرِ مِني هَذِهِ البُرْدَةَ، فَباعَها مِنْهُ بأرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَقالَتْ: ما لَك يا صَاحِبَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأخْبَرَها، فَقالَتْ: ها دُونَكَ هَذَا الْبُرْدَ عَلَيْها طَرَحَتْهُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

. [مرسل صحيح]

وَفِيهِ أنَّ الحاكِمَ يُكَرّرُ على النَّاكِلِ وَغْيرِهِ ثَلاثًا).

36/ 3907 - (وَمِثْلُهُ ما رَوَى أنَسٌ قالَ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاثًا، وَإذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أعادَها ثَلاثًا. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَالبُخَارِيُّ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ)

(4)

. [صحيح]

حديث هرماس أخرجه البخاري في "تاريخه الكبير"

(5)

عن أبيه عن جده، وقال ابن أبي حاتم

(6)

: هرماس بن حبيب العنبري، روى عن أبيه عن جده،

(1)

في المسند (3/ 423) بسند ضعيف، لانقطاعه. محمد بن أبي يحيى الأسلمي وهو والد عبد الله لم يدرك ابن أبي حدرد الأسلمي. وبقية رجاله ثقات.

قلت: وأخرجه الطبراني في الأوسط رقم (4512) وفي الصغير (رقم 655 - الروض الداني).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 129 - 130) وقال: رواه أحمد والطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، ورجاله ثقات إلا أن محمد بن أبي يحيى لم أجد له رواية عن الصحابة فيكون مرسلًا صحيحًا.

• تنبيه: لقد تحرّف لقب عبد الله بن محمد بن أبي يحيى وهو (سَحْبل) إلى (سهيل) في "الأوسط"، وإلى (سُخيل) في "الصغير".

وخلاصة القول: أن حديث ابن أبي حدرد مرسل صحيح، والله أعلم.

(2)

في المسند (3/ 213).

(3)

في صحيحه رقم (94) و (95) و (6244).

(4)

في سننه رقم (2723) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وهو حديث صحيح.

(5)

في "التاريخ الكبير"(8/ 247).

(6)

في "الجرح والتعديل"(9/ 118 رقم الترجمة 497).

ص: 460

ولجده صحبة، وذكر أنه سأل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين عن الهرماس بن حبيب العنبري فقالا: لا نعرفه.

وقال

(1)

: سألت أبي عن هرماس بن حبيب فقال: هو شيخ أعرابي لم يرو عنه غير النضر بن شميل ولا يعرف أبوه ولا جده.

وحديث ابن أبي حدرد قال في مجمع الزوائد

(2)

: رواه أحمد

(3)

والطبراني في الصغير

(4)

والأوسط

(5)

ورجاله ثقات، إلا أن محمد بن أبي يحيى لم أجد له رواية عن الصحابة، فيكون مرسلًا صحيحًا. انتهى.

قوله: (الزَمه) بفتح الزاي، فيه دليل: على جواز ملازمة من له الدين لمن هو عليه بعد تقرُّره بحكم الشرع، وقد حكاه في البحر

(6)

عن أبي حنيفة

(7)

وأحد وجهي أصحاب الشافعي

(8)

، فقالوا: إنه يسير حيث سار ويجلس حيث جلس غير مانع له من الاكتساب ويدخل معه داره.

وذهب أحمد

(9)

إلى أن الغريم إذا طلب ملازمة غريمه حتى يحضر ببينته القريبة؛ أجيب إلى ذلك لأنَّه لو لم يمكن من ملازمته ذهب من مجلس الحاكم، وهذا بخلاف البينة البعيدة.

وذهب الجمهور

(10)

: إلى أن الملازمة غير معمول بها، بل إذا قال: لي بينة غائبة، قال الحاكم: لك يمينه أو أخِّرْهُ حتى تحضر [بينتك]

(11)

، وحملوا الحديث على أن المراد إلزام غريمك بمراقبته له بالنظر من بعد.

ولعل الاعتذار عن الحديث بما فيه من المقال أولى من هذا التأويل المتعسف.

وأما حديث ابن أبي حدرد: فليس فيه دليل: على الملازمة، بل فيه التشديد على المديون بإيجاب القضاء، وعدم قبول دعواه الإعسار لمجرَّدها من دون بينة،

(1)

أي ابن أبي حاتم في المرجع السابق.

(2)

في "مجمع الزوائد"(4/ 129 - 130).

(3)

في المسند (3/ 423) وقد تقدم.

(4)

في الصغير (رقم 655 - الروض الداني) وقد تقدم.

(5)

في الأوسط رقم (4512) وقد تقدم.

(6)

البحر الزخار (5/ 80).

(7)

البناية في شرح الهداية (10/ 144 - 145).

(8)

البيان للعمراني (6/ 131 - 132).

(9)

المغني لابن قدامة (6/ 588).

(10)

المغني لابن قدامة (6/ 588).

(11)

في المخطوط (ب): (ببينتك).

ص: 461

وعدم الاعتداد بيمينه، من غير فرق بين أن يكون صاحب المال مسلمًا أو كافرًا.

قوله: (ما تريد أن تفعل بأسيرك) سماه أسيرًا باعتبار ما يحصل له من المذلة بالملازمة له، وكثرة تذلله عند المطالبة، وكأنه صلى الله عليه وسلم يعرِّض بالشفاعة.

وقد زاد رزين بعد قوله: "ما تريد أن تفعل بأسيرك، فأطلقه".

قوله: (وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا) لعلَّ هذا في الأمور التي يريد صلى الله عليه وسلم أن تحفظ عنه، وتنقلها الناس إلى بعضهم بعضًا، بخلاف الكلام في المحاورات التي تجري من دون قصد إلى حفظها، لكونها ليست من الأمور الشرعية، فلعلّ التكرار فيها لم يقع منه صلى الله عليه وسلم لعدم الفائدة في ذلك، مثلًا لو أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر رجلًا بأنه خرج إلى المسجد وصلى ورجع إلى بيته فكرّر كل كلمة من هذا الخبر ثلاث مرات لم يكن ذلك بمكان من الحسن والقبول.

وأما تكرير التسليم فلعله التسليم المراد به الاستئذان، وقد ثبتت مشروعية تكريره لإيقاظ ربِّ المنزل الذي وقع الاستئذان عليه لا أنه كان يكرّر السلام الواقع لمحض التحية مثلًا لا يلقى رجلًا في طريق، فيقوم بين يديه ويسلم عليه ثلاث مرَّات.

[الباب الحادي عشر] بابُ الحاكِمِ يشفَعُ للخَصمِ ويستَوْضِعُ لَهُ

37/ 3908 - (عَنْ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ أنَّهُ تَقاضَى ابْنَ أبي حَدْرَدٍ دَيْنًا كانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، فارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُما حتَّى سَمِعهما رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهما حتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى:"يا كعْبُ"، فَقالَ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ الله، قالَ:"ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا" وأوْمأ إلَيْهِ: أي الشَّطْرَ، قالَ: قَدْ فَعَلْتُ يا رَسُولَ الله، قالَ:"قُمْ فاقْضِهِ". رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ

(1)

. [صحيح]

(1)

أحمد في المسند (6/ 386، 387) البخاري رقم (2710) ومسلم رقم (20/ 1558) وأبو داود رقم (3595) والنسائي رقم (5408) وابن ماجه رقم (2429).

وهو حديث صحيح.

ص: 462

وَفِيهِ مِنَ الفِقْهِ: جَوَازُ الحُكْمِ فِي المَسْجِدِ، وأنَّ مَنْ قيلَ لَهُ: بعْ، أوْ: هَبْ، أوْ: أبْرِ، فَقالَ: قَدْ فَعَلتُ، صَحَّ ذلكَ مِنْهُ، وأنَّ الإيمَاءَ المَفْهُومَ يَقُومُ مَقامَ النُّطْقِ).

قوله: (سَجْف حجرته)

(1)

بكسر السين المهملة، وفتحها، وسكون الجيم: وهو الستر.

وقيل: الرقيق منه يكون في مقدم البيت، ولا يسمى سجفًا إلا أن يكون مشقوق الوسط كالمصراعين.

والحجرة ما يجعل عليه الرجل حاجزًا في بيته.

قوله: (ضع من دينك هذا وأومأ إليه) فيه دليل: على أن الإشارة المفهمة بمنزلة الكلام؛ لأنها تدلُّ كما تدلُّ عليه الحروف والأصوات، فيصحُّ بيع الأخرس، وشرائه، وإجارته، وسائر عقوده إذا فهم ذلك عنه.

قوله: (أي الشطر) هو النصف على المشهور.

ووقع في حديث الإسراء

(2)

ما يدلّ: على أن الشطر يطلق على الجزء.

والمراد بهذا الأمر الواقع منه صلى الله عليه وسلم الإرشاد إلى الصلح والشفاعة في ترك بعض الدَّين، وفيه: فضيلة الصلح، وحسن التوسط بين المتخاصمين.

قوله: (قد فعلت

إلخ) يحتمل أن يكون نزاعهما في مقدار الدين، كأن يدعي صاحب الدين مقدارًا زائدًا على ما يقرّ به المديون، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يضع الشطر من المقدار الذي ادّعاه، فيكون الصلح حينئذ عن إنكار، ويدلُّ الحديث على جوازه، ويحتمل أن يكون النزاع بينهما في التقاضي باعتبار حلول الأجل وعدمه مع الاتفاق على مقدار أصل الدين فلا يكون في الحديث دليل على جواز الصلح عن إنكار.

(1)

النهاية (1/ 756) والمجموع المغيث (2/ 63).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 143، 144) والبخاري رقم (349) ومسلم رقم (263/ 163) والنسائي رقم (448) وابن ماجه رقم (1399) من حديث أنس بن مالك.

وهو حديث صحيح.

ص: 463

وقد ذهب إلى بطلان الصلح عن إنكار: الشافعي

(1)

، ومالك

(2)

، وأبو حنيفة

(3)

، والهادوية

(4)

.

قوله: (قم فاقضه) قيل: هذا أمر على جهة الوجوب؛ لأن ربَّ الدين لما طاوع بوضع الشطر تعين على المديون أن يعجل إليه دينه، لئلا يجمع على ربّ المال بين [الوضيعة]

(5)

والمطل.

[الباب الثاني عشر] بابُ إنَّ حُكْمَ الحَاكِمِ يَنْفُذُ ظاهِرًا لا بَاطِنًا

38/ 3909 - (عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّمَا أنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إليَّ، وَلَعَلّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فأقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أسمعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقّ أخِيهِ شَيْئًا فَلا يأخُذْهُ فإنَّمَا أقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ" رَوَاهُ الجَماعَةُ

(6)

. [صحيح]

وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ أنْ يَحْكُمَ الحاكِمُ بِعِلْمِهِ).

قوله: (إنما أنا بشر) البشر: يطلق على الجماعة، والواحد: بمعنى: أنه منهم، والمراد: أنَّه مشارك للبشر في أصل الخلقة، ولو زاد عليهم بالمزايا التي اختُصَّ بها في ذاته وصفاته.

والحصر هنا مجازي؛ لأنه يختصُّ بالعلم الباطن، ويسمى: قصر قلب، لأنه أتي به ردًّا على من زعم: أن من كان رسولًا فإنه يعلم كل غيب؛ حتى لا يخفى عليه المظلوم من الظالم.

(1)

"روضة الطالبين" للنووي (4/ 198 - 199) والبيان للعمراني (6/ 246 - 247).

(2)

عيون المجالس (4/ 1651 رقم 1165) والتهذيب في اختصار المدونة (3/ 330).

(3)

البناية في شرح الهداية (9/ 4 - 5) وانظر: "المغني" لابن قدامة (7/ 6).

(4)

البحر الزخار (5/ 95).

(5)

في المخطوط (ب): (الوضعية).

(6)

أحمد في المسند (6/ 308) والبخاري رقم (7169) ومسلم رقم (4/ 1713) وأبو داود رقم (3583) والترمذي رقم (1339) والنسائي رقم (5401) وابن ماجه رقم (2317).

وهو حديث صحيح.

ص: 464

وقد أطال الكلام على بيان معنى هذا الحصر

(1)

علماء المعاني والبيان، فليرجع إلى ذلك.

قوله: (ألحن) بالنصب على أنه خبر كان؛ أي: أفطن بها، ويجوز أن يكون معناه: أفصح تعبيرًا عنها، وأظهر احتجاجًا، حتى يخيل أنه محقٌّ؛ وهو في الحقيقة مبطل.

والأظهر أن معناه: أبلغ. كما وقع في رواية في الصحيحين

(2)

؛ أي: أحسن إيرادًا للكلام، ولا بدّ في هذا التركيب من تقدير محذوف لتصحيح معناه؛ أي: وهو كاذب.

ويسمى هذا عند الأصوليين: دلالة اقتضاء

(3)

؛ لأن هذا المحذوف اقتضاه اللفظ الظاهر المذكور بعده. [و]

(4)

قال في النهاية

(5)

: اللحن: الميل عن جهة الاستقامة، يقال: لحن فلان في كلامه: إذا مال عن صحيح المنطق، وأراد: أنَّ بعضهم يكون أعرف بالحجة، وأفطن لها من غيره، ويقال: لحنت لفلان: إذا قلت له قولًا يفهمه ويخفى على غيره، لأنك تميله بالتورية عن الواضح المفهوم. انتهى.

قوله: (فإنما أقطع لى قطعة من النار) أي الذي قضيت له بحسب الظاهر إذا كان في الباطن لا يستحقه فهو عليه حرام يئول به إلى النار. وهو تمثيل يفهم منه شدة [التعذيب]

(6)

على ما يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه، كقوله تعالى:{إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}

(7)

.

وقد قدمنا الكلام على بعض ألفاظ الحديث في كتاب الصلح

(8)

فوقع تكرار البعض هنا لتكرار الفائدة.

(1)

انظر: "معترك الأقران في إعجاز القرآن"(1/ 138 - 139).

والبلاغة العربية (1/ 524 وما بعدها).

(2)

البخاري رقم (2458) ومسلم رقم (4/ 1713).

(3)

إرشاد الفحول للشوكاني ص 588 بتحقيقي.

(4)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(5)

النهاية (2/ 593) وغريب الحديث للهروي (2/ 232) والقاموس المحيط ص 1587.

(6)

في المخطوط (ب): (التعب).

(7)

سورة النساء، الآية:(10).

(8)

"نيل الأوطار"(10/ 338 - 340) من كتابنا هذا.

ص: 465

وفي الحديث دليل: على إثم من خاصم في باطل، حتى استحقّ به في الظاهر شيئًا هو في الباطن حرام عليه.

وأن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل، حتى يصير حقًّا في الظاهر، ويحكم له به: أنه لا يحلّ له تناوله في الباطن، ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم.

وفيه: أن المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه إثم، بل يؤجر كما في الحديث الصحيح

(1)

: "وإن اجتهد فأخطأ فله أجر".

وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شيء، وخالف في ذلك قوم.

وهذا الحديث من أصرح ما يحتجّ به عليهم.

وفيه أنه ربما أداه اجتهاده إلى أمر فيحكم به، ويكون في الباطن بخلاف ذلك.

قال الحافظ

(2)

: لكن مثل ذلك لو وقع لم يقرَّ عليه صلى الله عليه وسلم لثبوت عصمته.

واحتجّ من منع مطلقًا، بأنه لو جاز وقوع الخطأ في حكمه؛ للزم أمر المكلفين بالخطأ، لثبوت الأمر باتباعه في جميع أحكامه حتى قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية

(3)

، وبأنَّ الإجماع معصوم من الخطأ، فالرسول أولى بذلك.

وأجيب عن الأول: بأن الأمر إذا استلزم الخطأ لا محذورَ فيه، لأنه موجود في حقِّ المقلدين، فإنهم مأمورون باتباع المفتي والحاكم ولو جاز عليه الخطأ.

وأجيب عن الثاني بردّ الملازمة، فإنَّ الإجماع إذا فرض وجوده دلَّ على أن مستندهم ما جاء عن الرسول [صلى الله عليه وسلم]

(4)

، فرجع الاتباع إلى الرسول لا إلى نفس الإجماع.

(1)

أحمد في المسند (2/ 187) والبخاري رقم (7352) ومسلم رقم (15/ 1716).

وهو حديث صحيح.

(2)

في الفتح (13/ 174).

(3)

سورة النساء، الآية:(65).

(4)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 466

قال الحافظ

(1)

: وفي الحديث أيضًا: أن من ادعى مالًا ولم يكن له بينة، فحلف المدعى عليه، وحكم الحاكم ببراءة الحالف أنه لا يبرأ في الباطن ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم.

والحديث حجة لمن أثبت: أنَّه قد يحكم صلى الله عليه وسلم بالشيء في الظاهر، ويكون الأمر في الباطن بخلافه.

ولا مانع من ذلك؛ إذ لا يلزم منه محالٌ عقلًا ولا نقلًا.

وأجاب من منع: بأن الحديث يتعلق بالحكومات الواقعة في فصل الخصومات المبنية على الإقرار أو البينة، ولا مانع من وقوع ذلك فيها، ومع ذلك لا يقرّ على الخطأ.

وإنما الذي يمتنع وقوع الخطأ فيه أن يخبر عن أمر بأنَّ الحكم الشرعي فيه كذا ويكون ذلك ناشئًا عن اجتهاده فإنه لا يكون إلا حقًّا لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)}

(2)

.

وأجيب بأن ذلك يستلزم الحكم الشرعي فيعود الإشكال كما كان، والمقام يحتاج إلى بسط طويل ومحله الأصول فليرجع إليها.

قال الطحاوي: ذهب قوم إلى أن الحكم بتمليك مال، أو إزالة ملك، أو إثبات نكاحٍ، أو فرقة، أو نحو ذلك، إن كان في الباطن كما هو في الظاهر؛ نفذ على ما حكم به، وإن كان في الباطن على خلاف ما استند إليه الحاكم من الشهادة أو غيرها لم يكن الحكم موجبًا للتمليك، ولا الإزالة، ولا النكاح، ولا الطلاق، ولا غيرها وهو قول الجمهور

(3)

، ومعهم أبو يوسف.

وذهب آخرون: إلى أن الحكم إن كان في مال، وكان الأمر في الباطن بخلاف ما استند إليه الحاكم من الظاهر لم يكن ذلك موجبًا لحله للمحكوم له.

وإن كان في نكاح أو طلاق فإنه ينفذ ظاهرًا وباطنًا؛ وحملوا حديث الباب على ما ورد فيه وهو المال.

(1)

في "الفتح"(13/ 174).

(2)

سورة النجم، الآية:(3).

(3)

الفتح (13/ 175).

ص: 467

واحتجوا لما عداه بقصة المتلاعنين

(1)

، فإنه صلى الله عليه وسلم فرَّق بين المتلاعنين، مع احتمال أن يكون الرجل قد صدق فيما رماها به.

قالوا: فيؤخذ من هذا: أنَّ كل قضاء ليس فيه تمليك مال: أنَّه على الظاهر، ولو كان الباطن بخلافه، وأنَّ حكم الحاكم يحدث في ذلك التحريم، والتحليل، بخلاف الأموال.

وتعقب بأن الفرقة في اللعان إنما وقعت عقوبة للعلم بأنَّ أحدهما كاذب، وهو أصل برأسه فلا يقاس عليه.

وقال بعض الحنفية

(2)

مجيبًا على من استدل بالحديث لما تقدم: بأن ظاهر الحديث يدلُّ على أن ذلك مخصوص بما يتعلق بسماع كلام الخصم، حيث لا بينة هناك، ولا يمين، وليس النزاع فيه، وإنَّما النزاع في الحكم المرتب على الشهادة، وبأنَّ "مَن" في قوله:"فمن قضيت له" شرطية، وهي لا تستلزم الوقوع فيكون من فرض ما لم يقع، وهو جائز فيما يتعلق به غرض، وهو هنا محتمل لأن يكون للتهديد، والزجر عن الإقدام على أخذ أموال الناس بالمبالغة في الخصومة، وهو وإن جاز أن يستلزم عدم نفوذ الحكم باطنًا في العقود والفسوخ لكنه لم يسبق لذلك فلا يكون فيه حجة لمن منع، وبأن الاحتجاج به يستلزم أنه صلى الله عليه وسلم يقرّ على الخطأ، لأنه لا يكون ما قضى به قطعة من النار إلا إذا استمرّ الخطأ، وإلا فمتى فرض أنه يطلع عليه فإنه يجب أن يبطل ذلك الحكم ويردّ الحقّ لمستحقه.

وظاهر الحديث يخالف ذلك، فإمَّا أن يسقط الاحتجاج به ويؤوَّل على ما تقدم، وإما أن يستلزم استمرار التقرير على الخطأ، وهو باطل.

والجواب عن الأول: أنه خلاف الظاهر، بل من التحريف الذي لا يفعله منصفٌ.

(1)

أخرجه البخاري رقم (4747) وأبو داود رقم (2254) والترمذي رقم (3179) وابن ماجه رقم (2067).

وهو حديث صحيح.

(2)

حكاه عنهم الحافظ في "الفتح"(13/ 175).

ص: 468

وكذا الثاني.

والجواب عن الثالث: أن الخطأ الذي لا يقرُّ عليه هو الحكم الذي صدر عن اجتهاده فيما لم يوح إليه، فليس النزاع فيه، وإنما النزاع في الحكم الصادر منه عن شهادة زور، أو يمين فاجرة، فلا يسمى خطأ للاتفاق على العمل بالشهادة، وبالأيمان، وإلا لكان الكثير من الأحكام يسمى خطأ، وليس كذلك لما في حديث:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم"

(1)

، فيحكم بإسلام من تلفظ بالشهادتين ولو كان في نفس الأمر يعتقد خلاف ذلك.

ولما في حديث المتلاعنين حيث قال: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" فإنه لو كان خطأ لم يترك استدراكه والعمل بما عرفه.

وكذلك حديث: "إني لم أومر بالتنقيب عن قلوب الناس"

(2)

، فالحجة من حديث الباب شاملة للأموال والعقود والفسوخ.

وقد حكى الشافعي

(3)

الإجماع على أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام.

قال النووي

(4)

: والقول بأن حكم الحاكم يحلل ظاهرًا وباطنًا مخالف لهذا الحديث الصحيح وللإجماع المذكور ولقاعدة أجمع عليها العلماء ووافقهم القائل المذكور، وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال، وفي المقام مقاولات ومطاولات، ومع وضوح الصواب لا فائدة في الإطناب.

وقد استدلّ المصنف رحمه الله [تعالى]

(5)

بالحديث على أن الحاكم لا يحكم بعلمه.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 394) والبخاري رقم (25) ومسلم رقم (36/ 22).

وهو حديث صحيح.

تقدم تخريجه مع طرقه في كتابنا هذا.

(2)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 4) والبخاري رقم (4351) ومسلم رقم (144/ 1064).

وهو حديث صحيح.

(3)

انظر: الأم (7/ 493).

(4)

في شرحه لصحيح مسلم (12/ 6).

(5)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

ص: 469

وسيأتي الكلام على ذلك في باب مستقلّ إن شاء الله

(1)

.

وفيه الردّ على من حكم بما يقع في خاطره من غير استناد إلى أمر خارجي من بينة ونحوها.

ووجه الردّ عليه: أنه صلى الله عليه وسلم أعلى في ذلك من غيره مطلقًا، ومع ذلك فقد دلَّ حديثه هذا: على أنه إنما يحكم بالظاهر في الأمور العامة، فلو كان المدَّعى صحيحًا؛ لكان الرسول [صلى الله عليه وسلم]

(2)

أحقّ بذلك: فإنَّه أعلم أنه تجري الأحكام على ظاهرها مع أنه يمكن أن الله يطلعه على غيب كل قضية.

وسبب ذلك: أن تشريع الأحكام واقع على يده، فكأنه أراد تعليم غيره من الحكام أن يعتمدوا ذلك.

نعم لو شهدت البينة مثلًا بخلاف ما يعلمه مشاهدة أو سماعًا أو ظنًا راجحًا لم يجز له أن يحكم بما قامت به البينة.

قال الحافظ

(3)

: ونقل بعضهم فيه الاتفاق وإن وقع الاختلاف فيه في القضاء بالعلم كما سيأتي.

[الباب الثالث عشر] بابُ ما يُذْكَرُ في ترجمةِ الواحِدِ

39/ 3910 - (في حَدِيثِ زيدِ بْنِ ثابِتٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَهُ فَتَعَلَّمَ كِتَابَ اليَهُودِ وَقالَ: حَتَّى كَتَبْتُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُتُبَهُ وأقْرأتُهُ كُتُبَهُمْ إذَا كَتَبُوا إلَيْهِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(4)

وَالبُخَارِيُّ

(5)

. [حسن]

(1)

الباب الخامس عشر عند الحديث رقم (45/ 3916) من كتابنا هذا.

(2)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(3)

في "الفتح"(13/ 177).

(4)

في المسند (5/ 186).

(5)

في صحيحه رقم (7195) معلقًا بصيغة الجزم. وفي التاريخ الكبير (3/ 380 - 381) موصولًا.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3645) والترمذي رقم (2715) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2039) والطبراني في الكبير رقم (4856) و (4857) وابن سعد في "الطبقات"(2/ 358 - 359) من طرق.

وهو حديث حسن.

ص: 470

قالَ البُخارِيُّ

(1)

: قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وعُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ: ماذَا تَقُولُ هَذِهِ؟ فَقالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ حاطِبٍ: فَقُلْتُ: نُخْبِركَ بالَّذِي صَنَعَ بِها.

قالَ: وَقالَ أبُو جَمْرَةَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ و [بَيْنَ]

(2)

النَّاسِ).

قوله: (حتى كتبت للنبيّ صلى الله عليه وسلم كتبه) يعني: إليهم. هذا الحديث من الأحاديث المعلقة في البخاري، وقد وصله في تاريخه

(3)

بلفظ: "إنَّ زيد بن ثابت قال: أتي بي النبيّ صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة فأعجب بي، فقيل له: هذا غلام من بني النجار، قد قرأ مما أنزل الله عليك بضع عشر سورة، فاستقرأني، فقرأت (ق) فقال لي: "تعلَّم كتاب يهود، فإني ما آمن يهود على كتابي، فتعلمته في نصف شهر، حتى كتبت له إلى يهود، وأقرأ له إذا كتبوا إليه".

وأخرجه أيضًا موصولًا أبو داود

(4)

والترمذي

(5)

وصححه.

وأخرجه أحمد

(6)

وإسحاق وأخرجه أيضًا أبو يعلى

(7)

بلفظ: "إني [أكتب]

(8)

إلى قوم فأخاف أن يزيدوا عليّ وينقصوا فتعلم السريانية"

(9)

.

وظاهره: أن اللغة السريانية كانت معروفة يومئذٍ، وهي غير العبرانية، فكأنَّه صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم اللغتين.

قوله: (ماذا تقول هذه) أي المرأة التي وجدت حبلى.

قوله: (وقال أبو جمرة) بالجيم المفتوحة والميم الساكنة والراء المهملة.

(1)

في صحيحه بإثر رقم (7195) المعلق.

(2)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(3)

(3/ 380 - 381) وقد تقدم.

(4)

في سننه رقم (3645) وقد تقدم.

(5)

في سننه رقم (2715) وقد تقدم.

(6)

في المسند (5/ 186) وقد تقدم.

(7)

لم أقف عليه عند أبي يعلى.

(8)

في المخطوط (ب): (كتبت).

(9)

"كان مركزها مدينة الرها، واسمها اليوم (أورفة) واسمهم الذي تسموا به بعد نصرانيتهم، وما تزال السريانية حية حتى اليوم في بعض النصوص وعلى شفاه عدد قليل من سكان سوريا اليوم".

[دراسات فقه اللغة للأنطاكي ص 81].

ص: 471

وفي الحديث جواز ترجمة واحد.

قال ابن بطال

(1)

: أجاز الأكثر ترجمة واحد.

وقال محمد بن الحسن

(2)

: لا بد من رجلين أو رجل وامرأتين.

وقال الشافعي

(3)

: هو كالبينة، وعن مالك

(4)

روايتان.

ونقل الكرابيسي

(5)

عن مالك والشافعي

(6)

الاكتفاء بترجمان واحد.

وعن أبي حنيفة الاكتفاء بواحد. وعن أبي يوسف باثنين. وعن زفر لا يجوز أقلّ من اثنين.

وقال الكرماني

(7)

: لا نزاع لأحد أنه يكفي ترجمان واحد عند الإخبار، وأنه لا بد من اثنين عند الشهادة، فيرجع الخلاف إلى أنها إخبار أو شهادة، فلو سلم الشافعي أنها إخبار لم يشترط العدد، ولو سلم الحنفي أنها شهادة لقال بالعدد.

وقال ابن المنذر

(8)

: القياس يقتضي اشتراط العدد في الأحكام، لأن كل شيء غاب عن الحاكم لا تقبل فيه إلا البينة الكاملة، والواحد ليس بينة كاملة حتى يضمّ إليه كمال النصاب، غير أن الحديث إذا صحّ سقط النظر. وفي الاكتفاء بزيد بن ثابت وحده حجة ظاهرة لا يجوز خلافها. انتهى.

وتعقبه الحافظ

(9)

فقال: يمكن أن يجاب بأنه ليس غير النبيّ صلى الله عليه وسلم من الحكام في ذلك مثله، لإمكان اطلاعه على ما غاب عنه بالوحي، بخلاف غيره، بل لا بد له من أكثر من واحد، فمهما كان طريقه الإخبار يكتفي فيه بالواحد، ومهما كان طريقه الشهادة لا بد فيه من استيفاء النصاب.

(1)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 270).

(2)

حكاه عنه القاضي عبد الوهاب في عيون المجالس (4/ 1529).

(3)

البيان للعمراني (13/ 105) وروضة الطالبين (11/ 136).

(4)

عيون المجالس (4/ 1526 - 1527 رقم المسألة 1071).

(5)

الفتح (13/ 188).

(6)

روضة الطالبين للنووي (11/ 136).

(7)

في شرحه لصحيح البخاري (24/ 234).

(8)

الفتح (13/ 188 - 189) والإقناع له (1/ 511).

(9)

في الفتح (13/ 189).

ص: 472

وقد نقل الكرابيسي

(1)

أن الخلفاء الراشدين والملوك بعدهم لم يكن لهم إلا ترجمان واحد.

وقد نقل ابن التين (1) من رواية ابن عبد الحكم: لا يترجم إلا حرّ عدل، وإذا أقرّ المترجم بشيء وجب أن يسمع ذلك منه شاهدان [ويرفعان]

(2)

ذلك إلى الحاكم.

[الباب الرابع عشر] باب الحكم بالشاهد واليمين

40/ 3911 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى بِيَمِينٍ وَشاهِدٍ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(3)

وَمُسْلِمٌ

(4)

وأبُو دَاوُدَ

(5)

وَابْنُ ماجَهْ

(6)

. [صحيح]

(1)

حكاه عنهما الحافظ في "الفتح"(13/ 189).

(2)

في المخطوط (ب): (يرفعا).

(3)

في المسند (1/ 248) بسند صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (3/ 1712).

(5)

في سننه رقم (3608).

(6)

في سننه رقم (2370).

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (1006) وأبو يعلى رقم (2511) وابن عدي في "الكامل"(3/ 1274) والبيهقي (10/ 167).

• قال الزيلعي في "نصب الراية"(4/ 97): "قال الترمذي في "علله الكبير": "وسألت محمد عن هذا الحديث فقال: إن عمرو بن دينار لم يسمعه من ابن عباس".

قال الزيلعي: "يدلُّ عليه ما أخرجه الدارقطني عن عبد الله بن محمد بن أبي ربيعة: ثنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس. قال الدارقطني: وخالفه عبد الرزاق فلم يذكر طاووسًا". اهـ.

قلت: عبد الله بن محمد متروك، وعبد الرزاق ثقة حافظ فلا قيمة لمخالفة عبد الله بن محمد لعبد الرزاق.

وأما قول البخاري فهو مبني على شرطه الذي خالفه فيه الأكثرون، ولذلك لم يخرجه في صحيحه.

• قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (5/ 145) وأما حديث ابن عباس فمنكر، لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء، فكيف يحتجون به في مثل هذا". اهـ.

قال البيهقي في "المعرفة" كما في "نصب الراية"(4/ 98): "لا أعلم قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار بشيء

وهذا قول مدخول، فإنَّ قيسًا ثقة أخرج له الشيخان =

ص: 473

وفِي رِوَايَةٍ لِأحْمَدَ

(1)

: إنَّمَا كانَ ذلكَ فِي الأمْوَالِ). [صحيح]

41/ 3912 - (وَعَنْ جابِرٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى باليَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَابْنُ ماجَهْ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

. [صحيح]

ولأحْمَد

(5)

مِنْ حَدِيثِ عِمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ.

وَحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ مِثْلُهُ)

(6)

. [إسناده ضعيف]

= في صحيحهما، وقال ابن المديني:"هو ثبتٌ" وإذا كان الراوي عنه ثقة، وروى حديثًا عن شيخٍ يحتمل سنه ولقيه، وكان غير معروف بالتدليس وجب قبوله.

وقد روى قيس بن سعد عمن هو أكبرُ سنًا، وأقدمُ موتًا من عمرو بن دينار كعطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبر.

وقد روى عن عمرو بن دينار من كان في قرن قيس، وأقدم لُقيًا منه كأيوب السختياني، فإنه رأى أنس بن مالك، وروى عن سعيد بن جبير، ثم روى عن عمرو بن دينار، فكيف ينكر رواية قيس بن سعد، عن عمرو بن دينار، غير أنه روى ما يخالف مذهبه، ولم يجد له مطعنًا سوى ذلك". اهـ.

وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(13/ 45 - الفاروق): "وفي اليمين مع الشاهد آثار متواترة حسان ثابتة متصلة، أصحها إسنادًا وأحسنها حديث ابن عباس. وهو حديث لا مطعن لأحد في إسناده، ولا خلاف بين أهل المعرفة بالحديث في أن رجاله ثقات

". اهـ.

وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث صحيح، والله أعلم.

(1)

في المسند (1/ 323) بسند صحيح على شرط مسلم.

وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (3/ 305).

(3)

في سننه رقم (2369).

(4)

في سننه رقم (1344).

قلت: وأخرجه ابن الجارود رقم (1008) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 144 - 145) والدارقطني (4/ 212) والبيهقي (10/ 170) وابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 136 - تيمية).

وانظر: "نصب الراية"(4/ 100).

وهو حديث صحيح، والله أعلم.

(5)

أخرجه أحمد كما في "أطراف المسند"(5/ 13 رقم 6520).

وقال محققه: "قلت: سقط هذا الحديث من المسند المطبوع.

وأورده الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(2/ 514) و"تعجيل المنفعة" ص 294 - 295، وعزاه للإمام أحمد". اهـ.

(6)

أخرجه أحمد (5/ 285) إسناده ضعيف لاضطرابه.

ص: 474

42/ 3913 - (وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَلِيّ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِشَهادَةِ شاهِدٍ وَاحِدٍ، ويَمِينِ صَاحِب الحَقّ، وَقَضَى بِهِ عَلِيّ بالعِرَاقِ. رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالدَّارَقْطْنِيُّ

(2)

وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ)

(3)

. [إسناده صحيح]

43/ 3914 - (وَعَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبي صَالِحٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم باليَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الوَاحِدِ. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ

(4)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

وأبُو دَاوُدَ

(6)

. [صحيح]

وَزَادَ: قالَ عَبْدُ العَزِيزِ الدَّارَوَرْدِي: فَذَكَرْتُ ذلكَ لِسُهَيْلٍ، فَقالَ: أخَبْرَنِي رَبِيعَةُ وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ أني حَدَّثْتُهُ إيَّاهُ وَلا أحْفَظُهُ.

قالَ عَبْدُ العَزِيزِ: وَقَدْ كانَ أصَابَ سُهَيْلًا عِلَّةٌ أذْهَبَتْ بعْضَ عَقْلِهِ وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيثهِ، فَكانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدّثُهُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْهُ عَنْ أبِيهِ).

44/ 3915 - (وَعَنْ سُرَّقٍ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أجازَ شَهَادَةَ الرَّجُلِ، وَيمِينَ الطَّالِبِ. رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(7)

. [صحيح لغيره]

حديث ابن عباس قال في التلخيص

(8)

: قال فيه الشافعي

(9)

: وهذا الحديث

(1)

في المسند (3/ 305).

(2)

في سننه (4/ 212 رقم 31).

(3)

ذكره الترمذي تعليقًا، بإثر حديث رقم (1345).

وأعلّه الترمذي بالإرسال، فأخرج المرسل (1345) وقال:"وهذا أصح. وهكذا روى سفيان الثوري عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا". اهـ.

(4)

في سننه رقم (2368).

(5)

في سننه رقم (1343) وقال: حسن غريب.

(6)

في سننه رقم (3610).

وهو حديث صحيح.

(7)

في سننه رقم (2371).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 231): "قلت: ليس لسرق عند ابن ماجه سوى شهادة رجل، وليس له في الخمسة الأصول.

وإسناد حديثه ضعيف لجهالة تابعيه

". اهـ.

وهو حديث صحيح لغيره.

(8)

في "التلخيص"(4/ 377).

(9)

في الأم (8/ 16).

ص: 475

ثابت لا يردُّهُ أحد من أهل العلم لو لم يكن فيه غيره مع أن معه غيره مما يشدّه.

وقال النسائي: إسناده جيد.

وقال البزار: في الباب أحاديث حسان أصحها حديث ابن عباس.

وقال ابن عبد البرّ

(1)

: لا مطعن لأحد في إسناده.

وقال عباس الدوري في تاريخ يحيى بن معين: ليس بمحفوظ.

وقال البيهقي

(2)

: أعله الطحاوي

(3)

بأنه لا يعلم قيسًا يحدث عن عمرو بن دينار بشيء، قال: وليس ما لا يعلمه الطحاوي لا يعلمه غيره، ثم روى بإسناد جيد حديثًا من طريق وهب بن جرير عن أبيه عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار حديث الذي وقصته ناقته وهو محرم، ثم قال: وليس من شرط قبول رواية الإخبار كثرة رواية الراوي عمن روي عنه، ثم إذا روى الثقة عمن لا ينكر سماعه منه حديثًا واحدًا وجب قبوله، وإن لم يكن يروي عنه غيره على أن قيسًا قد توبع عليه، رواه عبد الرزاق عن محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار، أخرجه أبو داود

(4)

، وتابع عبد الرزاق أبو حذيفة.

وقال الترمذي في "العلل"

(5)

: سألت محمدًا، يعني البخاري عن هذا الحديث فقال: لم يسمعه عندي عمرو [بن دينار]

(6)

من ابن عباس.

قال الحاكم: قد سمع عمرو من ابن عباس عدّة أحاديث وسمع من جماعة من أصحابه فلا ينكر أن يكون سمع منه حديثًا وسمعه من بعض أصحابه عنه.

وأما رواية عصام البلخي وغيره ممن زاد بين عمرو وابن عباس طاوسًا فهم ضعفاء.

قال البيهقي

(7)

: ورواية الثقات لا تعلل برواية الضعفاء. انتهى ما في

(1)

في "التمهيد"(13/ 45 - الفاروق).

(2)

في السنن الكبرى (10/ 171).

(3)

في شرح معاني الآثار (5/ 145) و "مختصر اختلاف العلماء"(3/ 342).

(4)

في سننه رقم (3609).

وهو صحيح مقطوع.

(5)

في "العلل الكبير"(ص 204 رقم 361 - عالم الكتب).

(6)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(7)

في السنن الكبرى (10/ 170 - 171).

ص: 476

التلخيص

(1)

على الحديث.

وحديث جابر أخرجه أيضًا البيهقي

(2)

وهو من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر.

قال الترمذي

(3)

: رواه الثوري وغيره عن جعفر عن أبيه مرسلًا وهو أصح، وقيل: عن أبيه عن عليّ. انتهى.

وقد ذكر المصنف رحمه الله الطريقين كما ترى.

وقال ابن أبي حاتم في "العلل"

(4)

: عن أبيه وأبي زرعة: هو مرسل.

وقال الدارقطني: كان جعفر ربما أرسله وربما وصله.

وقال الشافعي والبيهقي (5): عبد الوهاب وصله وهو ثقة.

قال البيهقي

(5)

: وروى إبراهيم بن أبي [هند]

(6)

عن جعفر عن أبيه عن جابر رفعه: "أتاني جبريل وأمرني أن أقضي باليمين مع الشاهد" وإبراهيم ضعيف جدًّا، رواه ابن عدي

(7)

وابن حبان

(8)

في ترجمته.

وقد صحح حديث جابر أبو عوانة

(9)

وابن خزيمة.

وحديث عمارة قال في "مجمع الزوائد"

(10)

: رجاله ثقات، ولفظه:"إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى باليمين والشاهد".

وحديث سعد بن عبادة لفظه في مسند أحمد

(11)

عن إسماعيل بن عمرو بن قيس بن سعد بن عبادة عن أبيه أنهم وجدوا في كتاب سعد بن عبادة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين والشاهد". انتهى، وإسماعيل بن عمرو قال الحافظ

(1)

(4/ 377 - 378).

(2)

في السنن الكبرى (10/ 170).

(3)

في سننه (3/ 628).

(4)

في "العلل"(1/ 467 رقم 1402).

(5)

في السنن الكبرى (10/ 170).

(6)

كذا في المخطوط (أ) و (ب)، والصواب:(حية) كما في "الكامل"(1/ 238) والمجروحين (1/ 103 - 104) والسنن الكبرى (10/ 170).

(7)

في "الكامل"(1/ 238).

(8)

في المجروحين (1/ 103 - 104).

(9)

في مسند أبي عوانة رقم (6022).

(10)

في "مجمع الزوائد"(4/ 202).

(11)

في المسند (5/ 285) بسند ضعيف.

ص: 477

الحسيني

(1)

: شيخ محله الصدق وأبوه لم يذكر بشيء وسائر الإسناد رجاله رجال الصحيح.

وأخرجه البيهقي

(2)

وأبو عوانة في صحيحه

(3)

من حديثه بسند آخر.

وحديث أبي هريرة قال الحافظ في الفتح

(4)

: رجاله مدنيون ثقات، ولا يضرّه أن سهيل بن أبي صالح نسيه بعد أن حدّث به ربيعة، لأنه كان بعد ذلك يرويه عن ربيعة عن نفسه عن أبيه. انتهى.

وأخرجه أيضًا الشافعي

(5)

.

وروى ابن أبي حاتم في "العلل"

(6)

عن أبيه أنه صحيح.

ورواه البيهقي

(7)

من حديث مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

وقال الترمذي

(8)

بعد إخراج الطريق الأولى: حسن غريب.

قال ابن رسلان في شرح السنن: إنه صحح حديث الشاهد واليمين الحافظان أبو زرعة وأبو حاتم من حديث أبي هريرة وزيد بن ثابت.

وحديث سرق في إسناده رجل مجهول، وهو الراوي له عنه فإنه قال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا جويرة بن أسماء، حدثنا عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن رجل من أهل مصر عن سرق

فذكره، ورجال إسناده رجال الصحيح لولا هذا الرجل المجهول.

(1)

في كتاب التذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة (1/ 121 رقم 457) وفيه: شيخ ليس بالمشهور.

وفي كتاب "الإكمال" له (ص 30 رقم 41).

وفيه: شيخ محله الصدق.

(2)

في السنن الكبرى (10/ 171).

(3)

في مسنده رقم (6025).

(4)

في "الفتح"(5/ 282).

(5)

في الأم (7/ 626 رقم 2965).

وفي المسند (ج 2 رقم 632) بسند ضعيف.

(6)

في العلل (1/ 469 رقم 1409).

(7)

في السنن الكبرى (10/ 169).

(8)

في السنن (3/ 627).

ص: 478

وقد أخرجه أيضًا أحمد

(1)

. قال في التلخيص

(2)

: فائدة: ذكر ابن الجوزي في "التحقيق"

(3)

عدد من رواه فزاد على عشرين صحابيًا، وأصحّ طرقه حديث ابن عباس ثم حديث أبي هريرة.

وأخرج الدارقطني

(4)

من حديث أبي هريرة مرفوعًا قال: "استشرت جبريل في القضاء باليمين والشاهد، فأشار عليّ بالأموال لا تعد ذلك" وإسناده ضعيف.

وفي الباب عن الزُّبَيْب - بضم الزاي وفتح الموحدة سكون المثناة - وهو ابن ثعلبة فذكر قصة وفيها: "أنه قال له صلى الله عليه وسلم: "هل لك بينة على أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا في هذه الأيام؟ " قلت: نعم، [قال]

(5)

: "من بينتك؟ " قلت: سمرة رجل من بني العبر ورجل آخر سماه له، فشهد الرجل وأبى سمرة أن يشهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد أبى أن يشهد لك فتحلف مع شاهدك الآخر"، قلت: نعم، فاستحلفني، فحلفت بالله لقد [أسلمنا]

(6)

يوم كذا وكذا، ثم ذكر تمام القصة وفيها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم عمل بالشاهد واليمين"، أخرجه أبو داود

(7)

مطولًا.

قال الخطابي

(8)

: إسناده ليس بذاك.

وقال أبو عمر النمري: إنه حديث حسن.

قال المنذري

(9)

: وقد روي القضاء بالشاهد واليمين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وسعد بن عبادة، والمغيرة بن شعبة، وجماعة من الصحابة. انتهى.

فجملة عدد من ذكره المصنف رحمه الله سبعة وزُبيب، وعمر بن الخطاب،

(1)

أحمد في المسند (3/ 305).

(2)

في التلخيص الحبير (4/ 378).

(3)

في "التحقيق في مسائل الخلاف"(11/ 56).

(4)

كما في "التلخيص"(4/ 378 - 379 رقم 2672/ 32) بسند ضعيف.

(5)

في المخطوط (ب): قلت.

(6)

في المخطوط (ب): أسلمت.

(7)

في السنن رقم (3612).

وهو حديث ضعيف.

(8)

في "معالم السنن"(4/ 36 - مع السنن).

(9)

في المختصر (5/ 230).

ص: 479

والمغيرة، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب؛ وأبو سعيد الخدري، وبلال بن الحارث، ومسلمة بن قيس، وعامر بن ربيعة، وسهل بن سعد، وتميم الداري، وأمّ سلمة، وأنس.

هؤلاء أحد وعشرون رجلًا من الصحابة وهم المشار إليهم بقول ابن الجوزي

(1)

: فزاد عددهم على عشرين رجلًا صحابيًا.

وقد استدلّ بأحاديث الباب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فقالوا: يجوز الحكم بشاهد ويمين المدعي.

وقد حكي ذلك صاحب البحر

(2)

: عن عليّ، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وأبيّ، وابن عباس، وعمر بن عبد العزيز، وشريح، والشعبي، وربيعة، وفقهاء المدينة، والناصر، والهادوية، ومالك

(3)

، والشافعي

(4)

.

وحكي أيضًا عن زيد بن عليّ، والزهري، والنخعي، وابن شبرمة، والإمام يحيى، وأبي حنيفة

(5)

، وأصحابه أنه لا يجوز الحكم بشاهد ويمين.

وقد حكى البخاري وقوعَ المراجعة في ذلك ما بين أبي الزناد وابن شبرمة؛ فاحتجّ أبو الزناد على جواز القضاء بشاهد ويمين بالخبر الوارد في ذلك، فأجاب عليه ابن شبرمة بقوله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}

(6)

.

قال الحافظ

(7)

: وإنما تتمّ له الحجة بذلك على أصل مختلف فيه بين الفريقين؛ يعني الكوفيين والحجازيين، وهو أن الخبر إذا ورد متضمنًا لزيادة على

(1)

في "التحقيق"(11/ 56).

(2)

البحر الزخار (5/ 132).

وانظر: المغني (14/ 130) وعيون المجالس (4/ 1555 - 1556).

(3)

التهذيب في اختصار المدونة (3/ 598 - 599).

وعيون المجالس (4/ 1554 رقم المسألة 1094).

(4)

البيان للعمراني (13/ 91 - 92).

(5)

مختصر اختلاف العلماء (3/ 342) وبدائع الصنائع (6/ 225) والبناية في شرح الهداية (8/ 401 - 402).

(6)

سورة البقرة، الآية:(282).

(7)

في الفتح (5/ 281).

ص: 480

ما في القرآن هل يكون نسخًا والسنة لا تنسخ القرآن، أو لا يكون نسخًا، بل زيادة مستقلة بحكم مستقلّ إذا ثبت سنده وجب القول به.

(والأول): مذهب الكوفيين.

(والثاني): مذهب الحجازيين، ومع قطع النظر عن ذلك لا تنهض حجة ابن شبرمة، لأنه يصير معارضة للنصّ بالرأي، وهو غير معتدّ به.

وقد أجاب عنه الإسماعيلي

(1)

فقال: الحاجة إلى إذكار إحداهما الأخرى إنما هو فيما إذا شهدتا، فإن لم تشهدا قامت مقامهما يمين الطالب ببيان السنة الثابتة واليمين ممن هي عليه لو انفردت لحلت محل البينة في الأداء والإبراء، فلذلك حلت اليمين هنا محل المرأتين في الاستحقاق بها مضافة إلى الشاهد الواحد. قال: ولو لزم إسقاط القول بالشاهد واليمين، لأنه ليس في القرآن للزم إسقاط الشاهد والمرأتين لأنهما ليستا في السنة، لأنه صلى الله عليه وسلم قال:"شاهداك أو يمينه"

(2)

.

وحاصله: أنه لا يلزم من التنصيص على الشيء نفيه عما عداه، لكن مقتضى ما بحثه: أنه لا يقضي باليمين مع الشاهد الواحد إلا عند فقد الشاهدين، أو ما قام مقامهما من الشاهد والمرأتين، وهو وجه للشافعية

(3)

وصححه الحنابلة

(4)

.

ويؤيده ما روى الدارقطني

(5)

من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: "قضى الله ورسوله في الحقّ بشاهدين، فإن جاء بشاهدين أخذ حقه وإن جاء بشاهد واحد حلف مع شاهده".

(1)

كما في "الفتح"(5/ 281).

(2)

أخرجه البخاري رقم (2669، 2670) ومسلم رقم (221/ 138).

(3)

البيان للعمراني (13/ 91 - 92).

(4)

مختصر اختلاف العلماء (3/ 342).

وبدائع الصنائع (6/ 225 - 226).

(5)

في سننه (4/ 213 رقم 32).

ص: 481

وأجاب بعض الحنفية

(1)

: بأنَّ الزيادة على القرآن نسخ

(2)

، وأخبار الآحاد لا تنسخ المتواتر، ولا تقبل الزيادة من الأحاديث إلا إذا كان الخبر بها مشهورًا.

وأجيب بأن النسخ رفع الحكم، ولا رفع هنا.

وأيضًا: فالناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير متحقق في الزيادة على النصِّ.

وغاية ما فيه أن تسمية الزيادة كالتخصيص نسخًا اصطلاحٌ، ولا يلزم منه نسخ الكتاب بالسنة، لكن تخصيص الكتاب بالسنة جائز، وكذلك الزيادة عليه كما في قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}

(3)

.

وأجمعوا على تحريم نكاح العمة مع بنت أخيها، وسند الإجماع في ذلك السنة الثابتة، وكذلك قطع رجل السارق في المرّة الثانية ونحو ذلك.

وقد أخذ من ردّ الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على ما في القرآن ترك العمل بأحاديث كثيرة في أحكام كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن كالوضوء بالنبيذ، والوضوء من القهقهة، ومن القيء، واستبراء المسبية، وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد، وشهادة المرأة الواحدة في الولادة، ولا قود إلا بالسيف، ولا جمعة إلا في مصر جامع، ولا تقطع الأيدي في الغزو، ولا يرث الكافر المسلم، ولا يؤكل الطافي من السمك، ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، ولا يقتل الوالد بالولد، ولا يرث القاتل من القتيل وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب.

وأجابوا بأن الأحاديث الواردة في هذه المواضع المذكورة أحاديث شهيرة، فوجب العمل بها لشهرتها.

فيقال لهم: وأحاديث القضاء بالشاهد واليمين رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نيف وعشرون نفسًا كما قدمنا، وفيها ما هو صحيح كما سلف، فأيّ شهرة تزيد على هذه الشهرة.

(1)

أصول السرخسي (2/ 82).

(2)

انظر: إرشاد الفحول (ص 644 - 649) بتحقيقي.

(3)

سورة النساء، الآية:(24).

ص: 482

قال الشافعي

(1)

: القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن؛ لأنه لا يمنع أن يجوز أقل مما نصّ عليه؛ يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم أصلًا فضلًا عن مفهوم العدد.

قال ابن العربي

(2)

: أظرف ما وجدت لهم في ردّ الحكم بالشاهد واليمين أمران:

(أحدهما): أن المراد: قضى بيمين المنكر مع شاهد الطالب. والمراد: أن الشاهد الواحد لا يكفي في ثبوت الحق، فتجب اليمين على المدعى عليه، فهذا المراد بقوله:"قضى بالشاهد واليمين".

وتعقبه ابن العربي

(3)

بأنه جهل باللغة، لأن المعية تقتضي أن تكون من شيئين في جهة واحدة لا في المتضادين.

(ثانيهما): حمله على صورةٍ مخصوصةٍ. وهي: أن رجلًا اشترى من آخر عبدًا مثلًا، فادعى المشتري أن به عيبًا وأقام شاهدًا واحدًا، فقال البائع: بعته بالبراءة، فيحلف المشتري أنه ما اشتراه بالبراءة، ويردّ العبد.

وتعقبه بنحو ما تقدم وبندور ذلك فلا يحمل الخبر على النادر.

وأقول: جميع ما أورده المانعون من الحكم بشاهد ويمين غير نافق في سوق المناظرة عند من له أدنى إلمام بالمعارف العلمية، وأقلّ نصيب من إنصاف، فالحقّ أن أحاديث العمل بشاهدٍ ويمينٍ زيادةٌ على ما دلَّ عليه قوله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} الآية

(4)

، وعلى ما دلَّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"شاهداك أو يمينه"

(5)

غير منافية للأصل فقبولها متحتم.

وغاية ما يقال على فرض التعارض - وإن كان فرضًا فاسدًا - أن الآية والحديث المذكورين يدلان بمفهوم العدد على عدم قبول الشاهد واليمين، والحكم بمجرّدهما، وهذا المفهوم

(6)

المردود عند أكثر أهل الأصول لا

(1)

حكاه الحافظ في "الفتح"(5/ 282) عنه.

(2)

في عارضة الأحوذي (6/ 88).

(3)

في المرجع السابق (6/ 88).

(4)

سورة البقرة، الآية:(282).

(5)

أخرجه البخاري رقم (2669 و 2670) ومسلم رقم (221/ 138) وقد تقدم.

(6)

انظر: "إرشاد الفحول"(ص 587) بتحقيقي والبحر المحيط (4/ 6). =

ص: 483

يعارض المنطوق، وهو ما ورد في العمل بشاهد ويمين. على أنه يقال: العمل بشهادة المرأتين مع الرجل مخالف لمفهوم حديث: "شاهداك أو يمينه"

(1)

.

فإن قالوا: قدمنا على هذا المفهوم منطوق الآية الكريمة.

قلنا: ونحن قدمنا على ذلك المفهوم منطوق أحاديث الباب.

هذا على فرض أن الخصم يعمل بمفهوم العدد، فإن كان لا يعمل به أصلًا فالحجة عليه أوضح وأتمّ.

قوله: (وعن سُرَّق) بضم السين المهملة وتشديد الراء [المكسورة

(2)

]

(3)

بعدها قاف، وهو ابن أسد، صحابيٌّ مصريٌّ، لم يرو عنه إلا رجلٌ واحد.

[الباب الخامس عشر] بابُ ما جاءَ في امتناع الحاكِمِ مِنَ الحُكْمِ بِعِلْمِهِ

45/ 3916 - (عَنْ عائِشَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أبا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا، فَلاحَاهْ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ، فَضَرَبَهُ أبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ، فأتوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقالُوا: القَوَدَ يا رَسُولَ الله، فَقالَ: لَكُمْ كَذَا وكَذَا فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقالَ: لَكُمْ كَذَا وكَذَا، فَرَضُوا، فَقالَ:"إنِّي خاطِبٌ على النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ؟ "، قالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ فَقالَ: "إنَّ هَؤُلَاءِ [الَّذِينَ]

(4)

أتَوْنِي يُرِيدُونَ القَوَدَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كَذَا وكَذَا فَرَضُوا أفَرَضِيتُمْ؟ "، قالُوا: لا، فَهَمَّ المُهاجِرُونَ بِهِمْ، فأمَرَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ فَكَفُّوا، ثُمَّ دَعاهُمْ فَزَادَهُمْ، فَقالَ: "أفَرَضِيتُمْ؟ "، قالُوا: نَعَمْ، قالَ: "إني خاطِبٌ على النَّاسِ ومُخبِرُهُمْ بِرِضَاكُم؟ "، قالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ فَقالَ: "أرَضِيتُمْ؟ " فَقالُوا: نَعَمْ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ)

(5)

. [صحيح]

= وشرح الكوكب المنير (3/ 474).

(1)

أخرجه البخاري رقم (2669 و 2670) ومسلم رقم (221/ 138) وقد تقدم.

(2)

كذا في المخطوط (ب) والصواب (المفتوحة) كما في "الإكمال"(4/ 295).

(3)

ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط (ب).

(4)

كذا في المخطوط (أ) و (ب)، والصواب:(اللَّيْثِيِّيْنَ) كما في مصادر التخريج.

(5)

أحمد في المسند (6/ 232) وأبو داود رقم (4534) والنسائي رقم (4778) وابن ماجه =

ص: 484

46/ 3917 - (وَعَنْ جابِرٍ قالَ: أتي رَجُلٌ بالجِعِرَّانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ وفِي ثَوْبِ بِلالٍ فِضَّةٌ، وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقْبِضُ مِنْها يُعْطِي النَّاسَ، فَقالَ: يا مُحَمَّد اعدِلْ، فَقالَ:"وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أعْدِلْ، لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إنْ لَمْ أكُنْ أعْدِلُ"، فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يا رَسُولَ الله أقْتُلْ هَذَا المُنافِقَ، فَقالَ:"مَعاذَ الله أنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أني أقْتُلُ أصحَابي، إنَّ هذَا وأصحَابَهُ يَقْرَأُونَ القُرآنَ لا يجاوِزُ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

. [صحيح]

قالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدّيقُ: لَوْ رأيْتُ رَجُلًا على حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله ما أخَذْتُهُ وَلا دَعَوْتُ لَهُ أحَدًا حتَّى يَكُونَ مَعِي غَيْرِي. حَكاهُ أحْمَدُ)

(3)

. [إسناده صحيح]

حديث عائشة سكت عنه أبو داود

(4)

والمنذري

(5)

. قال المنذري

(6)

: ورواهُ يونس بن يزيد عن الزهريِّ منقطعًا، قال البيهقي: ومعمر بن راشد حافظ قد أقام إسناده فقامت به الحجة، وأثر أبي بكر قال الحافظ في الفتح

(7)

: رواه ابن شهاب عن [زيد]

(8)

بن الصلت أن أبا بكر

فذكره وصحح إسناده.

= رقم (2638).

قلت: وأخرجه عبد الرزاق رقم (18032) وإسحاق بن راهويه رقم (848) وابن أبي عاصم في "الديات" رقم (275) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (845) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4538) وابن حبان رقم (4487) والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 49).

وهو حديث صحيح.

(1)

في المسند (3/ 353، 354).

(2)

في صحيحه رقم (142/ 1063).

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (4819) والطبراني في المعجم الكبير رقم (1753) وفي الأوسط رقم (9056 - المعارف) والحاكم (2/ 121) والبيهقي (5/ 185 - 186).

وصرح أبو الزبير بالسماع عند مسلم.

وهو حديث صحيح.

(3)

ذكره الحافظ في "التلخيص"(4/ 360).

(4)

في السنن (4/ 672).

(5)

في "المختصر"(6/ 334).

(6)

في "المختصر"(6/ 334).

(7)

في الفتح (13/ 160).

(8)

كذا في المخطوط (أ)، (ب)، وفي الفتح (13/ 160):(زبيد). =

ص: 485

وقد اختلف أهل العلم في جواز القضاء من الحاكم بعلمه؛ فروى البخاريُّ

(1)

عن عبد الرحمن بن عوف مثل ما ذكره المصنف عن أبي بكر.

واستدلّ البخاري

(2)

أيضًا على أنه لا يحكم الحاكم بعلمه بما قاله عمر: "لولا أن يقول الناس: زاد عمر آية في كتاب الله، لكتبت آية الرجم".

قال المهلب

(3)

: وأفصح بالعلة في ذلك بقوله: "لولا أن يقول الناس

" إلخ، فأشار إلى أن ذلك من قطع الذرائع لئلا يجد حكام السوء السبيل إلى أن يدّعوا العلم لمن أحبوا له الحكم بشيء.

قال البخاري

(4)

: وقال أهل الحجاز: الحاكم لا يقضي بعلمه سواء علم بذلك في ولايته أو قبلها.

قال الكرابيسي

(5)

: لا يقضي القاضي بما علم لوجود التهمة، إذ لا يؤمن على التقيّ أن تتطرّق إليه التهمة.

قال: ويلزم من أجاز للقاضي أن يقضي بعلمه مطلقًا: أنه لو عمد إلى رجلٍ مستورٍ لم يعهد منه فجورٌ قط أن يرجمه ويدعي: أنه رآه يزني، أو يفرّق بينه وبين زوجته ويزعم أنه سمعه يطلقها، أو بينه وبين أمته، ويزعم أنه سمعه يعتقها.

فإنَّ هذا الباب لو فُتح لوجد كل قاضٍ السبيل إلى قتل عدوِّه وتفسيقه، والتفريق بينه وبين من يحبّ؛ ومن ثم قال الشافعي

(6)

: لولا قضاة السوء لقلت: إن للحاكم أن يحكم بعلمه.

= والصواب (زُيَيْدِ) كما في "توضيح المشتبه" لابن ناصر الدين (4/ 270) والإكمال لابن ماكولا (4/ 171) وطبقات ابن سعد (5/ 13).

تنبيه: في كل طبعات "نيل الأوطار" تحرف (زُبَيْدِ) إلى (زيد) فليعلم.

(1)

في صحيحه (13/ 158 رقم الباب (21) - مع الفتح) معلقًا.

(2)

في صحيحه (13/ 158 رقم الباب (21) - مع الفتح) معلقًا.

(3)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 159).

(4)

في صحيحه (13/ 158 ضمن الحديث 7170) وقال الحافظ في "الفتح"(13/ 160): هو قول مالك.

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 160).

(6)

البيان للعمراني (13/ 104).

ص: 486

قال ابن التين

(1)

: ما ذكره البخاريُّ عن عمر، وعبد الرحمن هو قول مالك

(2)

وأكثر أصحابه.

وقال بعض أصحابه: يحكم بما علمه فيما أقرَّ به أحد الخصمين عنده في مجلس الحكم.

وقال ابن القاسم

(3)

وأشهب: لا يقضي بما يقع عنده في مجلس الحكم إلا إذا شهد به عنده.

وقال ابن المنير

(4)

: مذهب مالك

(5)

: أن من حكم بعلمه نقض على المشهور إلا إن كان علمه حادثًا بعد الشروع في المحاكمة فقولان.

وأما ما أقرَّ به عنده في مجلس الحكم فيحكم، ما لم ينكر الخصم بعد إقراره. وقبل الحكم عليه فإن ابن القاسم قال: لا يحكم عليه حينئذٍ، ويكون شاهدًا. وقال ابن الماجشون

(6)

: يحكم بعلمه.

قال البخاري

(7)

: وقال بعض أهل العراق: ما سمع أو رآه في مجلس القضاء قضى به وما كان في غيره لم يقض إلا بشاهدين يحضرهما إقراره.

قال في الفتح

(8)

: وهذا قول أبي حنيفة، ومن تبعه، ووافقهم مطرف وابن الماجشون

(9)

وأصبغ وسحنون من المالكية

(10)

.

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 160).

(2)

عيون المجالس (4/ 1535 رقم المسألة 1078).

والتهذيب في اختصار المدونة (3/ 579).

(3)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 160).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 161).

(5)

عيون المجالس (4/ 1535 - 1536 رقم المسألة (1078)).

والتهذيب في اختصار المدونة (3/ 579).

(6)

حكاه عنه القاضي عبد الوهاب في "عيون المجالس"(4/ 1536).

(7)

في صحيحه (13/ 158) ضمن الحديث (7170).

(8)

في "الفتح"(13/ 161).

(9)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" للطحاوي (3/ 369).

(10)

حكاه عنهم الحافظ في "الفتح"(13/ 161).

ص: 487

قال ابن التين

(1)

: وجرى به العمل.

وروى عبد الرزاق

(2)

نحوه عن شريح.

قال البخاري

(3)

: وقال آخرون منهم - يعني أهل العراق -: بل يقضي به لأنه مؤتمن.

قال في الفتح

(4)

: وهو قول أبي يوسف ومن تبعه، ووافقهم الشافعي

(5)

فيما بلغني عنه أنَّه قال: إن كان القاضي عدلًا لا يحكم بعلمه في حدٍّ، ولا قصاصٍ، إلا ما أقرّ به بين يديه، ويحكم بعلمه في كل الحقوق مما علمه قبل أن يلي القضاء، أو بعدما ولي، فقيد ذلك بكون القاضي عدلًا إشارة إلى أنه ربما ولي القضاء من ليس بعدل.

قال البخاري

(6)

: وقال بعضهم - يعني أهل العراق -: يقضي بعلمه في الأموال ولا يقضي في غيرها.

قال في الفتح

(7)

: هو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف فيما نقله الكرابيسي عنه، وهي رواية لأحمد

(8)

.

قال أبو حنيفة

(9)

: القياس: أنَّه يحكم في ذلك بعلمه، ولكن أدَعُ القياس وأستحسنُ أن لا يقضي في ذلك بعلمه.

وحكي مثل ذلك في الفتح

(10)

عن بعض المالكية

(11)

فقالوا: إنه يقضي بعلمه في كل شيء إلا في الحدود. قال: وهذا هو الراجح عند الشافعية

(12)

.

(1)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 161).

(2)

في المصنف (8/ 342)، رقم (1546).

(3)

في صحيحه (13/ 158 ضمن الحديث 7170).

(4)

في "الفتح"(13/ 161).

(5)

البيان للعمراني (13/ 104).

(6)

في صحيحه (13/ 158 ضمن الحديث 7170).

(7)

في "الفتح"(13/ 161).

(8)

المغني (14/ 31).

(9)

الاختيار (2/ 350).

(10)

في "الفتح"(13/ 161).

(11)

الاستذكار (22/ 17 رقم 31610).

(12)

البيان للعمراني (13/ 104) والحاوي الكبير (16/ 322).

ص: 488

وقال ابن العربي: لا يقضي بعلمه، والأصل فيه عندنا الإجماع على أنه لا يحكم بعلمه في الحدود.

قال: ثم أحدث بعض الشافعية قولًا أنه يجوز فيها أيضًا حين رأوا أنها لازمة لهم.

قال الحافظ

(1)

: كذا قال، فجرى على عادته في التهويل، والإقدام على نقل الإجماع مع شهرة الاختلاف.

وقد حكى في البحر

(2)

القول بأن الحاكم يحكم بعلمه عن العترة والشافعي

(3)

وأبي حنيفة

(4)

وأحمد

(5)

.

وحكي المنع عن شريح

(6)

والشعبي، والأوزاعي، ومالك

(7)

، وإسحاق، وأحد قولي الشافعي.

والأقوال في المسألة فيها طول، قد ذكر البخاريُّ

(8)

، وشرّاح كتابه بعضًا منها في باب الشهادة تكون عند الحاكم، وبعضًا في باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه

(9)

.

وذكر البخاريُّ في البابين

(10)

أحاديث يستدلُّ بها على الجواز وعدمه، وهي في غاية البعد عن الدلالة على المقصود.

وكذلك ما ذكره المصنف في هذا الباب؛ فإنَّ حديث عائشة

(11)

ليس فيه إلا مجرّد وقوع الإخبار منه صلى الله عليه وسلم بما وقع به الرضا من الطالبين للقود وإن كان الاحتجاج بعدم القضاء منه صلى الله عليه وسلم عليهم بما رضوا به المرّة الأولى فلم يكن هناك مطالب له بالحكم عليهم.

(1)

في "الفتح"(13/ 161).

(2)

البحر الزخار (5/ 130 - 131).

(3)

البيان للعمراني (13/ 103 - 104).

(4)

الاختيار (2/ 350).

(5)

المغني (14/ 31).

(6)

الاستذكار (22/ 15 رقم 31605).

(7)

عيون المجالس (4/ 535 - 536) رقم المسألة (1078).

(8)

في صحيحه رقم (7170) و (7171).

(9)

في صحيحه (13/ 183 رقم الباب (14) - مع الفتح) رقم الحديث (7161).

(10)

رقم الباب (14) ورقم (21) كما تقدم.

(11)

تقدم برقم (3916) من كتابنا هذا.

ص: 489

وكذلك حديث جابر

(1)

المذكور لا يدلّ على المطلوب بوجه. وغاية ما فيه الامتناع عن القتل لمن كان في الظاهر من الصحابة لئلا يقول الناس تلك المقالة، والإخبار للحاضرين بما يكون من أمر الخوارج وترك أخذهم بذلك لتلك العلة.

ومن جملة ما استدلّ به البخاري

(2)

على الجواز حديث هند زوجة أبي سفيان لما أذن لها النبيّ صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها.

قال ابن بطال

(3)

: احتجّ من أجاز للقاضي أن يحكم بعلمه بهذا الحديث، لأنه إنما قضى لها ولولدها بوجوب النفقة لعلمه بأنها زوجة أبي سفيان ولم يلتمس على ذلك بينة.

وتعقبه ابن المنيِّر

(4)

: بأنه لا دليل فيه لأنه خرج مخرج الفتيا، وكلام المفتي يتنزّل على تقدير صحة كلام المستفتي. اهـ. فإن قيل: إن محل الدليل إنما هو عمله بعلمه أنها زوجة أبي سفيان فكيف صحّ هذا التعقب.

فيجاب: بأن الذي يحتاج إلى معرفة المحكوم له هو الحكم، لا الإفتاء، فإنه يصحّ للمجهول، فإذا ثبت أن ذلك من قبيل الإفتاء بطلت دعوى: أنَّه حكم بعلمه أنَّها زوجة.

وقد تعقب الحافظ

(5)

كلام ابن المنير فقال: وما ادّعى نفيه بعيد، فإنه لو لم يعلم صدقها لم يأمرها بالأخذ، واطلاعه على صدقها ممكن بالوحي دون من سواه، فلا بد من سبق علم.

ويجاب عن هذا: بأن الأمر لا يستلزم الحكم لأن المفتي يأمر المستفتي بما هو الحقّ لديه وليس ذلك من الحكم في شيء.

ومن جملة ما استدلَّ به على المنع الحديث المتقدم عن أمّ سلمة

(6)

: "فأقضي بنحو ما أسمع" ولم يقل: بما أعلم.

(1)

تقدم برقم (3917) من كتابنا هذا.

(2)

في صحيحه رقم (7161).

(3)

في شرحه لصحيح البخاري (8/ 227).

(4)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(13/ 139).

(5)

في "الفتح"(13/ 140).

(6)

تقدم برقم (3909).

ص: 490

ويجاب بأنَّ التنصيص على السماع لا ينفي كون غيره طريقًا للحكم.

على أنَّه يمكن أن يقال: إنَّ الاحتجاج بهذا الحديث للمجوِّزين أظهر؛ فإن العلم أقوى من السماع؛ لأنه يمكن بطلان ما يسمعه الإنسان ولا يمكن بطلان ما يعلمه، ففحوى الخطاب تقتضي جواز القضاء بالعلم.

ومن جملة ما استدلَّ به المانعون حديث: "شاهداك أو يمينه"

(1)

، وفي لفظ:"وليس لك إلا ذلك"

(2)

، ويجاب بما تقدم من أن التنصيص على ما ذكر لا ينفي ما عداه.

وأمَّا قوله: "وليس لك إلا ذلك" فلم يقله النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد علم بالمحقّ منهما من المبطل حتى يكون دليلًا على عدم حكم الحاكم بعلمه، بل المراد أنه ليس للمدعي من المنكر إلا اليمين وإن كان فاجرًا حيث لم يكن للمدعي برهان.

والحقُّ الذي لا ينبغي العدول عنه أنْ يقال: إن كانت الأمور التي جعلها الشارع أسبابًا للحكم، كالبينة، واليمين، ونحوهما أمورًا تعبَّدنا الله بها، لا يسوغ لنا الحكم إلا بها، وإن حصل لنا ما هو أقوى منها بيقين، فالواجب علينا: الوقوف عندها، والتقيد بها، وعدم العمل بغيرها في القضاء كائنًا ما كان، وإن كانت أسبابًا يتوصل الحاكم بها إلى معرفة المحقِّ من المبطل والمصيب من المخطئ غير مقصودة لذاتها، بل لأمر آخر، وهو حصول ما يحصل للحاكم بها من علم أو ظنٍّ، وأنَّها أقلُّ ما يحصل له ذلك في الواقع؛ فكان الذكر لها لكونها طرائق لتحصيل ما هو المعتبر، فلا شك ولا ريب: أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه، لأنَّ شهادة الشاهدين والشهود لا تبلغ إلى مرتبة العلم الحاصل عن المشاهدة، أو ما يجري مجراها، فإنَّ الحاكم بعلمه غير الحاكم الذي يستند إلى شاهدين أو يمين، ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "فمن قضيت له بشيء [من]

(3)

(1)

أخرجه البخاري رقم (2357) ومسلم رقم (221/ 138).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 317) ومسلم رقم (223/ 139) وأبو داود رقم (3245) والترمذي رقم (1340) من حديث علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه.

وهو حديث صحيح.

(3)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (أ).

ص: 491

مال أخيه؛ فلا يأخذه إنما أقطع له قطعة من نار"

(1)

.

فإذا جاز الحكم مع تجويز كون الحكم صوابًا وتجويز كونه خطأ، فكيف لا يجوز مع القطع بأنه صواب لاستناده إلى العلم اليقين.

ولا يخفى رجحان هذا وقوّته، لأن الحاكم به قد حكم بالعدل والقسط والحقّ كما أمر الله تعالى.

ويؤيد هذا ما سيأتي في باب استحلاف المنكر

(2)

حيث قال صلى الله عليه وسلم للكندي: "ألك بينة؟ " فإن البينة في الأصل ما به يتبين الأمر ويتضح.

ولا يرد على هذا أنه يستلزم قبول شهادة الواحد والحكم بها. لأنا نقول: إذا كان القضاء بأحد الأسباب المشروعة فيجب التوقف فيه على ما ورد، وقد قال تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}

(3)

، وقال صلى الله عليه وسلم:"شاهداك" وإنما النزاع إذا جاء بسبب آخر من غير جنسها هو أولى بالقبول منها كعلم الحاكم.

واستدلَّ المستثني للحدود بما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن"

(4)

، وفي لفظ:"لو كنت راجمًا أحدًا من غير بينة لرجمتها"، أخرجه مسلم

(5)

وغيره

(6)

من حديث ابن عباس في قصة الملاعنة، وظاهره أنه صلى الله عليه وسلم قد علم وقوع الزنا منها ولم يحكم بعلمه، ومن ذلك قول أبي بكر وعبد الرحمن المتقدمان.

ويمكن أن يجاب عن الحديث: بأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما لم يعمل بعلمه لكونه قد حصل التلاعن، وهو أحد الأسباب الشرعية الموجبة للحكم بعدم الرجم، والنزاع إنما هو في الحكم بالعلم من دون أن يتقدّم سبب شرعي ينافيه، وقد تقدم في اللعان ما يزيد هذا وضوحًا.

(1)

تقدم برقم (3909) من كتابنا هذا.

(2)

الباب الحادي والعشرون: (بابُ استحلافِ المنكِر إذا لم تَكُنْ بيّنَةٌ وأنه ليس للمدّعي الجمع بينهما). عند الحديث رقم (62/ 3933) من كتابنا هذا.

(3)

سورة الطلاق، الآية:(2).

(4)

تقدم برقم (2910) من كتابنا هذا.

(5)

في صحيحه رقم (13/ 1497).

(6)

كالإمام البخاري في صحيحه رقم (6855).

ص: 492

ومن الأدلة الدالة على جواز الحكم بالعلم ما أخرجه أحمد

(1)

والنسائي

(2)

والحاكم

(3)

من حديث عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن الأعرج عن أبي هريرة

(4)

قال: "جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للمدعي: "أقم البينة" فلم يقمها، فقال للآخر: "احلف" فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عنده شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد فعلت، ولكن غفر لك بإخلاص لا إله إلا الله".

وفي رواية الحاكم

(5)

: "بل هو عندك، ادفع إليه حقه"، ثم قال:"شهادتك" أن لا إله إلا الله كفارة يمينك".

وفي رواية لأحمد

(6)

: "فنزل جبريل عليه السلام على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنه كاذب إن له عنده حقه، فأمره أن يعطيه وكفارة يمينه معرفة لا إله إلا الله"، وأعله ابن حزم

(7)

بأبي يحيى وهو مصدع المعرقب، كذا قال ابن عساكر.

وتعقبه المزي

(8)

بأنه وهم، بل اسمه: زياد. كذا اسمه عند أحمد

(9)

والبخاري

(10)

وأبي داود

(11)

في هذا الحديث، وأعله أبو حاتم

(12)

برواية شعبة

(1)

في المسند (1/ 288).

(2)

في السنن الكبرى (رقم 6006 - العلمية).

(3)

في المستدرك (4/ 95 - 96) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3275) والبيهقي (10/ 37) من طرق وفي إسناده: عطاء بن السائب: اختلط بأخرة. وقد عدّ الإمام الذهبي هذا الحديث من مناكيره في "ميزان الاعتدال"(3/ 72). ومع ذلك فقد صححه المحدث الألباني في صحيح أبي داود.

(4)

بل الصواب من حديث ابن عباس، كما في مصادر التخريج المتقدمة.

(5)

في المستدرك (4/ 95 - 96) وقد تقدم.

(6)

في المسند (1/ 296) بسند ضعيف.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 83) وقال: فيه عطاء بن السائب وقد اختلط.

(7)

في المحلى (9/ 348) قال: أبو يحيى المكي: مجهول.

(8)

في تهذيب الكمال (9/ 530 - 532 رقم 2080).

(9)

في المسند (1/ 296) وقد تقدم.

(10)

في التاريخ الكبير (3/ 378 رقم الترجمة 1271).

(11)

في سننه رقم (3275) وقد تقدم.

• قلت: كما تقدم يتبين أنه أبو يحيى الأعرج: زياد المكي، وهو ثقة، وليس هو مصدعًا المشهور بأبي يحيى الأعرج المعرقب.

(12)

في "العلل"(1/ 441 رقم 1327).

ص: 493

عن عطاء بن السائب عن البحتري بن عبيد عن أبي الزبير مختصرًا: "أن رجلًا حلف بالله وغفر له" قال: وشعبة أقدم سماعًا من غيره.

وفي الباب عن أنس من طريق الحارث بن عبيد عن ثابت وعن ابن عمر.

قال الحافظ

(1)

: أخرجهما البيهقي

(2)

والحارث بن عبيد هو أبو قدامة.

فهذا الحديث فيه أنه صلى الله عليه وسلم قضى بعلمه بعد وقوع السبب الشرعي وهو اليمين، فبالأولى جواز القضاء بالعلم قبل وقوعه.

وقد حكى في البحر

(3)

عن الإمام يحيى وأحد قولي المؤبد بالله، وأحد قولي الشافعي

(4)

أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في الحدود وغيرها، واستدلّ لهم بأنه لم يفصل الدليل.

وحكى عن أبي حنيفة

(5)

ومحمد أنه إن علم الحدّ قبل ولايته أو في غير بلد ولايته لم يحكم به إذ ذلك شبهة، وإن علم به في بلد ولايته أو بعد ولايته حكم بعلمه.

[الباب السادس عشر] بابُ مَنْ لا يجوزُ الحُكْمُ بشهادَتِهِ

47/ 3918 - (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيه عَنْ جَدّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَجُوزُ شَهادَةُ خائِنٍ وَلا خائِنَةٍ وَلا ذِي غمْرٍ على أخِيهِ، ولَا تَجُوزُ شَهادَةُ القانِعِ لأهْلِ البَيْتِ، وَالقانِعُ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ أهْلُ البَيْتِ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(6)

وأبُو دَاودَ

(7)

وَقالَ: "شَهادَةُ الخائِنِ وَالخائِنَةِ

" إلى آخِرِهِ، ولَمْ يَذْكُرْ تَفْسِيرَ القانعِ. [حسن]

(1)

في "التلخيص"(4/ 383).

(2)

في السنن الكبرى (10/ 37).

(3)

البحر الزخار (5/ 131).

(4)

البيان للعمراني (13/ 103).

(5)

في مختصر اختلاف العلماء (3/ 369).

(6)

في المسند (2/ 204، 225 - 226).

(7)

في السنن رقم (3600).

قلت: وأخرجه البغوي في شرح السنّة رقم (2511) والدارقطني (4/ 243) والبيهقي (10/ 200).

وهو حديث حسن.

ص: 494

ولأبي دَاوُدَ

(1)

فِي رِوَايَةٍ: "لا تَجُوزُ شَهادَةُ خائِنٍ وَلا خائِنَةٍ، وَلا زَانٍ وَلا زَانِيَةٍ، وَلا ذي غَمْرٍ على أخِيهِ"). [حسن]

48/ 3919 - (عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا تَجُوزُ شَهادَةُ بَدَوِيّ على صَاحِبِ قَرْيَةٍ"، رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(2)

وابْنُ ماجَهْ

(3)

. [صحيح]

حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضًا البيهقي

(4)

وابن دقيق العيد.

قال في التلخيص

(5)

: وسنده قويّ. اهـ.

وقد ساقه أبو داود بإسنادين: الإسناد الأوّل

(6)

قال: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا محمد بن راشد - يعني المكحولي الدمشقي نزيل البصرة وثقه أحمد وابن معين -، حدثنا سليمان بن موسى - يعني القرشي الأموي فقيه أهل الشام وكان أوثق أصحاب مكحول وأعلاهم -، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهذا إسناد لا مطعن فيه.

ورواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لا يخرج بها الحديث عن الحسن والصلاحية للاحتجاج.

والسند الثاني

(7)

قال: حدثنا محمد بن خلف بن طارق الرازي، حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد - يعني الدمشقي الخزاعي وهو ثقة -، حدثنا سعيد بن عبد العزيز؛ يعني ابن يحيى التنوخي الدمشقي، روى له البخاري في الأدب وسائر الجماعة عن سليمان بن موسى المتقدم عن عمرو بن شعيب بالإسناد المتقدم، وهذا كالإسناد الأوّل.

(1)

في السنن رقم (3601).

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2366) دون قوله: "ولا زان ولا زانية".

وهو حديث حسن.

(2)

في سننه رقم (3602).

(3)

في سننه رقم (2367).

وهو حديث صحيح.

(4)

في السنن الكبرى (10/ 200).

(5)

في "التلخيص الحبير"(4/ 364).

(6)

في سنن أبي داود رقم (3600) وقد تقدم.

(7)

في سنن أبي داود رقم (3601) وقد تقدم.

ص: 495

وفي الباب من حديث عائشة مرفوعًا بلفظ: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر لأخيه، ولا ظنين ولا قرابة"، أخرجه الترمذي

(1)

والدارقطني

(2)

والبيهقي

(3)

، وفيه يزيد بن زياد الشامي وهو ضعيف.

قال الترمذي

(4)

: لا يعرف هذا من حديث الزهري إلا من هذا الوجه، ولا يصحُّ عندنا إسناده.

وقال أبو زرعة في العلل

(5)

: منكر، وضعفه عبد الحقّ، وابن حزم، وابن الجوزي.

وفي الباب أيضًا من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب نحوه، أخرجه الدارقطني

(6)

والبيهقي

(7)

وفي إسناده عبد الأعلى وهو ضعيف، وشيخه يحيى بن سعيد الفارسي، وهو أيضًا ضعيف.

قال البيهقي

(8)

: لا يصحّ من هذا شيء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وفي الباب أيضًا عن عمر: "لا تقبل شهادة ظنِّين ولا خصم"، أخرجه مالك في الموطأ

(9)

موقوفًا وهو منقطع.

(1)

في سننه رقم (2298) وقال: لا يعرف هذا الحديث من حديث الزهري إلا من حديثه، ولا يصح عندي من قبل إسناده.

(2)

في سننه (4/ 244 رقم 145).

(3)

في السنن الكبرى (10/ 202).

قلت: وأخرجه البغوي في شرح السنّة رقم (2510).

وفي إسناده يزيد بن زياد الدمشقي، وهو ضعيف كما في "التلخيص"(4/ 364).

وهو حديث ضعيف.

(4)

في السنن (4/ 546).

(5)

في "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 476).

(6)

في سننه (4/ 244 رقم 146).

(7)

في السنن الكبرى (10/ 155).

إسناده ضعيف جدًّا.

(8)

في السنن الكبرى (10/ 155).

(9)

في "الموطأ"(2/ 720 رقم 4).

قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 166) بسند ضعيف.

وهو موقوف ضعيف.

ص: 496

قال الإمام في "النهاية"

(1)

: واعتمد الشافعي

(2)

خبرًا صحيحًا وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقبل شهادة خصم على خصم". قال الحافظ

(3)

: ليس له إسناد صحيح لكن له طرق يتقوّى بعضها ببعض؛ فروى أبو داود في المراسيل

(4)

من حديث طلحة بن عبد الله بن عوف: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مناديًا أنها لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين".

ورواه أيضًا البيهقي

(5)

من طريق الأعرج مرسلًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجوز شهادة ذي الظنّة والحنّة"، يعني الذي بينك وبينه عداوة.

ورواه الحاكم

(6)

من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه مثله، وفي إسناده نظر.

وحديث الباب عن أبي هريرة أخرجه البيهقي

(7)

وقال: هذا الحديث مما تفرد به محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار.

وقال المنذري

(8)

: رجال إسناده احتجّ بهم مُسلم في صحيحه. اهـ.

وسياقه في سنن أبي داود

(9)

قال: حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يحيى بن أيوب، ونافع بن يزيد - يعني الكلاعي -، عن أبي الهاد - يعني يزيد بن عبد الله بن الهاد الليثي -، عن محمد بن عمرو بن عطاء - يعني القرشي العامري - عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة.

(1)

"النهاية" لإمام الحرمين، (أبو المعالي، عبد الملك بن عبد الله الجويني، ت 478 هـ).

واسم الكتاب: "نهاية المطلب في المذهب" في ثمانية أسفار، كما في "السير"(18/ 475).

[معجم المصنفات ص 433 رقم 1403].

(2)

البيان للعمراني (13/ 310).

وروضة الطالبين (11/ 237 - 238).

(3)

في "التلخيص الحبير"(4/ 374).

(4)

في المراسيل رقم (396) بسند صحيح.

(5)

في السنن الكبرى (10/ 201).

(6)

في المستدرك (4/ 99) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(7)

في السنن الكبرى (10/ 250).

(8)

في "المختصر"(5/ 218).

(9)

في سننه رقم (3602) وقد تقدم.

ص: 497

قوله: (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنةٍ) صرّح أبو عبيد بأنَّ الخيانة تكون في حقوق الله كما تكون في حقوق الناس من دون اختصاص.

قوله: (ولا ذي غمر) قال ابن رسلان: بكسر الغين المعجمة، وسكون الميم، بعدها راء مهملة. قال أبو داود

(1)

: الغمر

(2)

: الحنَة والشحناء، والحنَة بكسر الحاء المهملة، وتخفيف النون المفتوحة لغة في إحنة: وهي الحقد؛ قال الجوهري

(3)

: يقال: في صدره عليَّ إحنةٌ، ولا يقال: حنة، والمواحنة: المعاداة.

والصحيح أنها لغة كما ذكره أبو داود وجمعها حنات.

قال ابن الأثير

(4)

: وهي لغة قليلة في الإحنة؛ وقال الهروي

(5)

: هي لغةٌ رديئةٌ، والشحناء بالمدِّ: العداوة، وهذا يدلّ على أن العداوة تمنع من قبول الشهادة لأنها تورث التهمة وتخالف الصداقة، فإن في شهادة الصديق لصديقه بالزور نفع غيره بمضرّة نفسه، وبيع آخرته بدنيا غيره، وشهادة العدوِّ على عدوّه يقصد بها نفع نفسه بالتشفي من عدوّه فافترقا.

فإن قيل: لم قبلتم شهادة المسلمين على الكفار مع العداوة؟ قال ابن رسلان: قلنا: العداوة ههنا دينيةٌ، والدِّين لا يقتضي شهادة الزور، بخلاف العداوة الدنيوية.

قال: وهذا مذهب الشافعي

(6)

ومالك

(7)

وأحمد

(8)

والجمهور.

وقال أبو حنيفة

(9)

: لا تمنع العداوة الشهادة لأنها لا تخلّ بالعدالة فلا تمنع الشهادة كالصداقة. اهـ.

(1)

في السنن (4/ 25).

(2)

النهاية (2/ 320) والمجموع المغيث (2/ 577).

(3)

في "الصحاح"(5/ 2068).

(4)

النهاية (1/ 42).

(5)

في الغريبين في القرآن والحديث (1/ 51).

(6)

روضة الطالبين للنووي (11/ 238) والبيان للعمراني (13/ 310 - 311).

(7)

عيون المجالس (4/ 553 رقم المسألة 1093) والتهذيب في اختصار المدونة (3/ 583 - 584).

(8)

المغني (14/ 174 - 175).

(9)

بدائع الصنائع (6/ 272).

ص: 498

وإلى الأوّل ذهبت الهادوية

(1)

، وإلى الثاني ذهب المؤيد بالله أيضًا.

والحقّ عدم قبول شهادة العدوّ على عدوّه لقيام الدليل على ذلك، والأدلة لا تعارض بمحض الآراء، وليس للقائل بالقبول دليلٌ مقبول.

قال في البحر

(2)

: مسألة: العداوة لأجل الدين لا تمنع كالعدلي على القدري والعكس، ولأجل الدنيا تمنع.

قوله: (ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت)، القانع: هو الخادم المنقطع إلى الخدمة

(3)

، فلا تقبل شهادته للتهمة بجلب النفع إلى نفسه، وذلك كالأجير الخاصِّ. وقد ذهب إلى عدم قبول شهادته للمؤجر له: الهادي، والقاسم

(4)

والناصر والشافعي

(5)

، قالوا: لأنَّ منافعه قد صارت مستغرقة فأشبه العبد.

وقد حكى في البحر

(6)

الإجماع على عدم قبول شهادة العبد لسيده.

قوله: (ولا زانٍ ولا زانيةٍ) المانع من قبول شهادتهما الفسق الصريح.

وقد حكى في البحر

(7)

الإجماع على أنها لا تصحّ الشهادة من فاسق تصريح. قال: لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ}

(8)

، وقوله:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ}

(9)

. اهـ.

واختلف في شهادة الولد لوالده والعكس؛ فمنع من ذلك الحسن البصري

(10)

، والشعبي، وزيد بن عليّ، والمؤيد بالله، والإمام يحيى،

(1)

البحر الزخار (5/ 34).

(2)

البحر الزخار (5/ 35).

(3)

قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 494): القانع: الخادم والتابع تردُّ شهادته للتهمة بجلب النفع إلى نفسه، والقانع في الأصل: السائل.

[غريب الحديث للهروي (2/ 155)].

(4)

البحر الزخار (5/ 35).

(5)

البيان للعمراني (13/ 307 - 308).

(6)

البحر الزخار (5/ 36).

(7)

البحر الزخار (5/ 23).

(8)

سورة الطلاق، الآية:(2).

(9)

سورة الحجرات، الآية:(6).

(10)

موسوعة فقه الحسن البصري (2/ 565).

وانظر: المغني (14/ 181).

ص: 499

والثوري

(1)

، ومالك

(2)

والشافعية

(3)

والحنفية

(4)

وعللوا بالتهمة فكان كالقانع.

وقال عمر بن الخطاب، وشريح، وعمر بن عبد العزيز، والعترة، وأبو ثور

(5)

، وابن المنذر

(6)

، والشافعي

(7)

في قول له: إنّها تقبل لعموم قوله تعالى: {ذَوَيْ عَدْلٍ}

(8)

، وهكذا وقع الخلاف في شهادة أحد الزوجين للآخر لتلك العلة.

ولا ريب: أنَّ القرابة، والزوجية مظنة للتهمة، لأنَّ الغالب فيهما المحاباة.

وحديث: "ولا ظنين" المتقدم يمنع من قبول شهادة المتهم، فمن كان معروفًا من القرابة ونحوهم بمتانة الدين البالغة إلى حدّ لا يؤثر معها محبة القرابة؛ فقد زالت حينئذٍ مظنة التهمة، ومن لم يكن كذلك، فالواجب: عدم القبول لشهادته؛ لأنه مظنةٌ للتهمة.

قوله: (لا تجوز شهادة بدويّ على صاحب قرية)، البدوي: هو الذي يسكن البادية في المضارب، والخيام، ولا يقيم في موضع خاصّ، بل يرتحل من مكانٍ إلى مكان، وصاحب القرية: هو الذي يسكن القرى، وهي المصر الجامع.

قال في النهاية

(9)

: إنما كره شهادة البدويِّ لما فيه من الجفاء في الدين، والجهالة بأحكام الشرع، ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها.

قال الخطابي

(10)

: يشبه أن يكون إنما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من عدم العلم بإتيان الشهادة على وجهها، ولا يقيمونها على حقها، لقصور علمهم

(1)

موسوعة فقه سفيان الثوري ص 541.

وانظر: المغني (14/ 181).

(2)

عيون المجالس (4/ 558 رقم المسألة 1096).

(3)

البيان للعمراني (13/ 311 - 312).

(4)

الاختيار (2/ 423) وبدائع الصنائع (6/ 272).

(5)

فقه الإمام أبي ثور ص 760.

وانظر: "عيون المجالس"(4/ 1558).

(6)

انظر: البيان للعمراني (13/ 311).

(7)

روضة الطالبين للنووي (11/ 236 - 237) والبيان للعمراني (13/ 312).

(8)

سورة الطلاق، الآية:(2).

(9)

النهاية (1/ 115).

(10)

في معالم السنن (4/ 26).

ص: 500

عما يغيرها عن وجهها، وكذلك قال أحمد

(1)

.

وذهب إلى العمل بالحديث جماعة من أصحاب أحمد، وبه قال مالك

(2)

وأبو عبيد، وذهب الأكثر إلى القبول.

قال ابن رسلان: وحملوا هذا الحديث على من لم تعرف عدالته من أهل البدو، والغالب: أنهم لا تعرف عدالتهم. اهـ.

وهذا حمل مناسب؛ لأن البدوي إذا كان معروف العدالة كان ردُّ شهادته لعلة كونه بدويًا غَيْرَ مناسب لقواعد الشريعة، لأنَّ المساكن لا تأثير لها في الردِّ والقبول؛ لعدم صحة جعل ذلك مناطًا شرعيًا، ولعدم انضباطه، فالمناط هو: العدالة الشرعية إن وجد للشرع اصطلاح في العدالة، وإلا توجه الحمل على العدالة اللغوية؛ فعند وجود العدالة يوجد القبول، وعند عدمها يعدم، ولم يذكر صلى الله عليه وسلم المنع من شهادة البدويِّ إلا لكونه مظنة لعدم القيام بما تحتاج إليه العدالة، وإلا فقد قبل صلى الله عليه وسلم في الهلال شهادة بدوي.

[الباب السابع عشر]: باب ما جاءَ في شهادة أهل الذمة بالوصية في السفر

49/ 3920 - (عَنِ الشَّعْبِيّ أنَّ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الوَفاةُ بِدَقُوقا هَذِهِ، ولَمْ يَجِدْ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ على وَصِيَّتِهِ، فأشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أهْلِ الكِتابِ، فَقَدِما الكُوفَةَ فأتَيا الأشْعَرِيَّ -يَعْني: أبا مُوسَى- فأخْبرَاهُ وَقَدِما بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ، فَقالَ الأشْعَرِيُّ: هَذَا أمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كانَ في عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأحْلَفَهُما بَعْدَ العَصْرِ ما خانا وَلا كَذَبا وَلا بَدَّلا وَلا كَتَما وَلا غَيَّرَا، وإنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ، فأمْضَى شَهادَتَهُما. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ

(3)

وَالدَّارَقُطْنِيُّ

(4)

بِمَعْنَاه). [صحيح الإسناد]

(1)

المغني (4/ 149 - 150).

(2)

مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 411).

(3)

في السنن رقم (3605).

وهو حديث صحيح الإسناد، إن كان الشعبي سمعه من أبي موسى.

(4)

لم أقف عليه في السنن.

ص: 501

50/ 3921 - (وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قالَ: دَخَلْتُ على عائِشَةَ فَقالَتْ: هَلْ تَقْرأُ سُورَةَ المَائِدَةِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قالَتْ: فإنَّهَا آخرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيها مِنْ حَلالٍ فأحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيها مِنْ حَرَامٍ فَحَرّمُوه. رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

[إسناده صحيح]

51/ 3922 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّاريّ وَعَدِيّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأرْضٍ لَيْسَ بِها مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمُوا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جامًا مِنْ فِضَّة مخَوَّصًا بِذَهَبٍ، فأحْلَفَهُما رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ وَجَدَ الجامَ بِمَكَّةَ، فَقالُوا: ابْتَعْناهُ مِنْ تَمِيم وَعَدِيّ بْنِ بَدَاءٍ، فَقامَ رَجُلانِ مِنْ أوْلِيائِهِ فَحَلَفا: لَشَهادَتُنا أحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِما، وَإنَّ الجامَ لصَاحِبِهِمْ، قالَ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}

(2)

"، رَوَاهُ البُخارِيُّ

(3)

وأبو دَاوُدَ)

(4)

. [صحيح]

حديث أبي موسى سكت عنه أبو داود

(5)

والمنذري

(6)

.

قال الحافظ في الفتح

(7)

: إن رجال إسناده ثقات. اهـ.

وسياقه عند أبي داود

(8)

قال: حدثنا زياد بن أيوب -يعني الطوسي شيخ البخاري- حدثنا هشيم، أخبرنا زكريا -يعني ابن أبي زائدة-، عن الشعبي.

وأثر عائشة (1) رجاله في المسند رجال الصحيح، وأخرجه أيضًا الحاكم

(9)

.

قال في الفتح

(10)

: صحّ عن عائشة، وابن عباس، وعمرو بن شرحبيل،

(1)

في المسند (6/ 188).

قلت: وأخرجه إسحاق بن راهويه رقم (1666) والنسائي في تفسيره رقم (158) بسند صحيح.

(2)

سورة المائدة، الآية:(106).

(3)

في صحيحه رقم (2780).

(4)

في سننه رقم (3606).

وهو حديث صحيح.

(5)

في السنن (4/ 31).

(6)

فى "المختصر"(5/ 222).

(7)

في الفتح (5/ 412).

(8)

في السنن رقم (3605).

وهو حديث صحيح الإسناد، إن كان الشعبي سمعه من أبي موسى.

(9)

في المستدرك (2/ 311) وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

(10)

في "الفتح"(5/ 412).

ص: 502

وجمع من السلف أن سورة المائدة محكمة

(1)

.

وحديث ابن عباس قال البخاري في صحيحه

(2)

: وقال لي عليّ بن المديني

فذكره.

قال المنذري

(3)

: وهذه عادته فيما لم يكن على شرطه، وقد تكلم عليّ بن المديني على هذا الحديث وقال: لا أعرف ابن أبي القاسم وقال: وهو حديث حسن. اهـ.

وابن أبي القاسم هذا، هو محمد بن أبي القاسم، قال يحيى بن معين

(4)

: ثقة قد كتبت عنه، وكذلك وثقه أبو حاتم

(5)

وتوقف فيه البخاري

(6)

.

وأخرج هذا الحديث الترمذي

(7)

وقال: حسن غريب.

وقد أشار في الفتح

(8)

إلى مثل كلام المنذري فقال: على قول البخاري، وقال لي عليّ بن المديني، وهذا مما يقوي مما قرّرته غير مرّة أنه يعبر بقوله:(وقال لي) في الأحاديث التي سمعها، لكن حيث يكون في إسنادها عنده نظر أو حيث تكون موقوفة.

وأما من زعم أنه يعبر بها فيما أخذه في المذاكرة أو بالمناولة فليس عليه دليل.

قوله: (بِدَقُوقا)

(9)

بفتح الدال المهملة، وضم القاف وسكون الواو بعدها

(1)

انظر: تفسير ابن كثير (5/ 400).

(2)

في صحيحه رقم (2780).

(3)

في المختصر (5/ 222 - 223).

(4)

حكاه عنه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل"(8/ 66 رقم الترجمة 298).

(5)

في "الجرح والتعديل"(8/ 66 رقم الترجمة 298).

(6)

في "التاريخ الكبير"(1/ 215 رقم الترجمة 676).

(7)

في السنن رقم (3060) وقال: هذا حديث حسن غريب.

وهو حديث صحيح.

(8)

الفتح (5/ 410).

(9)

دَقُوقاء: بفتح أوله، وضم ثانيه، وبعد الواو قاف أخرى، وألف ممدودة ومقصورة، مدينة بين إربل وبغداد.

معجم البلدان (2/ 459).

ص: 503

قاف مقصورة، وقد مدَّها بعضهم: وهي بلد بين بغداد وإربل.

قوله: (من أهل الكتاب) يعني نصرانيين، كما بيّن ذلك البيهقي

(1)

، وبيَّن أن الرجل من خثعم، ولفظه عن الشعبي:"توفي رجل من خثعم فلم يشهد موته إلا رجلان نصرانيان".

قوله: (فأحلفهما) يقال في المتعدِّي: أحلفته إحلافًا، وحلَّفته بالتشديد تحليفًا، واستحلفته.

قوله: (بعد العصر) هذا يدلُّ على جواز التغليظ بزمانٍ من الأزمنة.

قوله: (ولا بَدَّلَا) بتشديد الدال.

قوله: (من بني سهم) هو بُديل بضم الموحدة وفتح الدال مصغرًا، وقيل: بريل بالراء المهملة.

قوله: (وعدي بن بدّاء) بفتح الموحدة، وتشديد المهملة مع المد.

قوله: (فقدوا جامًا) بالجيم وتخفيف الميم: أي إناء.

قوله: (مخوّصًا)

(2)

بخاء معجمة وواو ثقيلة بعدها مهملة، أي: منقوشًا فيه صفة الخوص. ووقع في رواية: "مخوضًا" بالضاد المعجمة، أي: مموهًا، والأول أشهر.

قوله: (فقام رجلان

إلخ) وقع في رواية الكلبيِّ: "فقام عمرو بن العاص، ورجل آخرُ منهم". قال مقاتل بن سليمان: هو المطلب بن أبي وداعة، وهو سهميٌّ، ولكنه سمَّى الأول: عبد الله بن عمرو بن العاص.

واستدلّ بهذا الحديث على جواز ردِّ اليمين على المدَّعي، فيحلف ويستحق.

واستدلّ به ابن سريج الشافعي

(3)

على الحكم بالشاهد واليمين، وتكلف في

(1)

في السنن الكبرى (10/ 165).

(2)

النهاية (1/ 540) والفائق في غريب الحديث للزمخشري (1/ 402).

(3)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 411).

ص: 504

انتزاعه فقال: قوله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا}

(1)

لا يخلو إمَّا: أن يُقرَّا أو يشهد عليهما شاهدان، أو شاهد وامرأتان، أو شاهدٌ واحدٌ؛ قال: وقد أجمعوا على أنَّ الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينًا على الطَّالب، وكذلك مع الشاهدين، ومع الشاهد والمرأتين، فلم يبق إلا شاهدٌ واحدٌ، فلذلك استحقه الطالبان بيمينهما مع الشاهد الواحد.

وتعقبه الحافظ

(2)

بأنَّ القصة وردت من طرق متعدّدة في سبب النزول وليست في شيء منها أنه كان هناك من شهد، بل في رواية الكلبي:"فسألهم البيّنة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه" أي: عديًا بما يعظم على أهل دينه.

واستدلّ بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار بناء على أن المراد بالغير في الآية الكريمة الكفار؛ والمعنى {مِنْكُمْ} : أي من أهل دينكم {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}

(3)

: أي من غير أهل دينكم، وبذلك قال أبو حنيفة

(4)

ومن تبعه.

وتعقب بأنَّه لا يقول بظاهرها فلا يجيز شهادة الكفار على المسلمين، وإنما يجيز شهادة بعض الكفار على بعض.

وأجيب بأنَّ الآية دلت بمنطوقها على قبول شهادة الكافر على المسلم، وبإيمائها على قبول شهادة الكافر على الكافر بطريق الأولى، ثم دلَّ الدليل على أن شهادة الكافر على المسلم غير مقبولة، فبقيت شهادة الكافر على الكافر على حالها.

وهذا الجواب على التعقب في غير محله؛ لأن التعقب هو باعتبار ما يقوله أبو حنيفة لا باعتبار استدلاله، وخصّ جماعة القبول بأهل الكتاب، وبالوصية، وبفقد المسلم حينئذٍ، ومنهم ابن عباس

(5)

، وأبو موسى الأشعري (5)، وسعيد بن المسيب، وشريح (5)، وابن سيرين

(6)

، والأوزاعي (5)، والثوري، وأبو عبيد، وأحمد، وأخذوا بظاهر الآية.

(1)

سورة المائدة، الآية:(107).

(2)

في "الفتح"(5/ 412).

(3)

سورة المائدة، الآية:(106).

(4)

مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (3/ 339 - 340).

(5)

حكاه عنهم ابن قدامة في المغني (14/ 171).

(6)

حكاه عنه ابن قدامة في المغني (14/ 172).

ص: 505

وحديث الباب فإن سياقه مطابق لظاهر الآية.

وقيل: المراد بالغير غير العشيرة، والمعنى {مِنْكُمْ}: أي من عشيرتكم {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}

(1)

أي: من غير عشيرتكم، وهو قول الحسن البصري

(2)

.

واستدلّ له النحاس

(3)

بأن لفظ آخر لا بدّ أن يشارك الذي قبله في الصفة حتى لا يسوغ أن يقول: مررت برجل كريم ولئيم آخر، فعلى هذا فقد وصف الاثنان بالعدالة فتعين أن يكون الآخران كذلك.

وتعقب بأن هذا وإن ساغ في الآية لكن الحديث دلّ على خلاف ذلك، والصحابي إذا حكى سبب النزول كان ذلك في حكم الحديث المرفوع.

قال في الفتح

(4)

: اتفاقًا.

وأيضًا ففيما قال ردّ المختلف فيه بالمختلف فيه؛ لأن اتصاف الكافر بالعدالة مختلف فيه وهو فرع قبول شهادته، فمن قبلها وصفه بها ومن لا فلا.

واعترض أبو حيان على المثال الذي ذكره النحاس

(5)

بأنه غير مطابق. فلو قلت: جاءني رجل مسلم وآخر كافر صحّ، بخلاف ما لو قلت: جاءني رجل مسلم وكافر آخر. والآية من قبيل الأوّل لا الثاني، لأن قوله:{آخَرَانِ} من جنس قوله: اثنان، لأن كلًّا منهما صفة رجلان، فكأنه قال: فرجلان اثنان ورجلان آخران.

وذهب جماعة من الأئمة

(6)

إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}

(7)

.

(1)

سورة المائدة، الآية:(106).

(2)

أخرجه الطبري في "جامع البيان"(9/ 67 - 68).

(3)

انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (2/ 313).

(4)

في "الفتح"(5/ 412).

(5)

انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (2/ 313) والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (ص 275 - 277).

(6)

الفتح (5/ 412).

(7)

سورة البقرة، الآية:(282).

ص: 506

واحتجوا بالإجماع على ردّ شهادة الفاسق، والكافر شرّ من الفاسق.

وأجاب الأوّلون أنَّ النسخ لا يثبت بالاحتمال، وأن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وبأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن، وأنها محكمة كما تقدم.

وأخرج الطبري

(1)

عن ابن عباس بإسناد رجاله ثقات أن الآية نزلت فيمن مات مسافرًا وليس عنده أحد من المسلمين، وأنكر أحمد

(2)

على من قال: إن هذه الآية منسوخة.

وقد صحّ عن أبي موسى الأشعري أنه عمل بذلك كما في حديث الباب.

وذهب الكرابيسي

(3)

والطبري

(4)

وآخرون إلى أن المراد بالشهادة في الآية اليمين.

قالوا: وقد سمى الله اليمين شهادة في آية اللعان وأيدوا ذلك بالإجماع على أن الشاهد لا يلزمه أن يقول: أشهد بالله، وأن الشاهد لا يمين عليه أنه شهد بالحقّ قالوا: فالمراد بالشهادة اليمين لقوله: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ}

(5)

أي: يحلفان، فإن عرف أنهما حلفا على الإثم رجعت اليمين على الأولياء.

وتعقب بأنَّ اليمين لا يشترط فيها عدد ولا عدالة، بخلاف الشهادة.

وقد اشترط في القصة، فقوي حملها على أنها شهادة.

وأما اعتلال من اعتلَّ في ردَّها بأنَّ الآية تخالف القياس والأصول؛ لما فيها من قبول شهادة الكافر، وحبس الشاهد وتحليفه، وشهادة المدعي لنفسه، واستحقاقه بمجرّد اليمين.

فقد أجاب من قال به بأنَّه حكم بنفسه مستغن عن نظيره، وقد قبلت شهادة الكافر في بعض المواضع كما في الطبِّ، وليس المراد بالحبس السجن، وإنما المراد الإمساك لليمين ليحلف بعد الصلاة.

(1)

في "جامع البيان"(9/ 94).

(2)

المغني (14/ 172).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 413).

(4)

في "جامع البيان"(9/ 94).

(5)

سورة المائدة، الآية:(107).

ص: 507

وأما تحليف الشاهد فهو مخصوصٌ بهذه الصورة عند قيام الريبة.

وأما شهادة المدعى لنفسه واستحقاقه بمجرّد اليمين، فإنَّ الآية تضمنت نقل الأيمان إليهم عند ظهور اللوث بخيانة الوصيين، فيشرع لهما أنْ يحلفا ويستحقا، كما يشرع لمدَّعي القسامة أن يحلف ويستحقَّ، فليس هو من شهادة المدعي لنفسه، بل من باب الحكم له بيمينه القائمة مقام الشهادة لقوّة جانبه، وأيُّ فرق بين ظهور اللوث في صحة الدعوى بالدم وظهوره في صحة الدعوى بالمال.

وحكى الطبري

(1)

أن بعضهم قال: المراد بقوله: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}

(2)

: الوصيان.

قال

(3)

: والمراد بقوله: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}

(4)

معنى الحضور بما يوصيهما به الوصيّ، ثم زُيِّفَ ذلك، وهذا الحكم يختصّ بالكافر الذمي.

وأما الكافر الذي ليس بذمي فقد حكى في البحر

(5)

الإجماع على عدم قبول شهادته على المسلم مطلقًا.

[الباب الثامن عشر]: بابُ الثَّنَاءِ على مَنْ أَعلَمَ صاحِبَ الحقِّ بشهادةٍ لهُ عِنْدَهُ وذَمِّ من أدَّى شهادةً مِنْ غيرِ مسألةٍ

52/ 3923 - (عَنْ زَيْدِ بْنِ خالَدٍ الجُهَنِيّ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "ألا أخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاء، الَّذِي يأتِي بِشهَادَتِهِ قَبْلَ أنْ يُسْئَلَها"، رَوَاهُ أَحْمَدُ

(6)

وَمُسْلِمٌ

(7)

وأبُو دَاوُدَ

(8)

وابْنُ ماجَهْ

(9)

. [صحيح]

(1)

في جامع البيان (9/ 58).

(2)

سورة المائدة، الآية:(106).

(3)

أي الطبري في "جامع البيان"(9/ 58).

(4)

سورة المائدة، الآية:(106).

(5)

البحر الزخار (5/ 23).

(6)

في المسند (5/ 193).

(7)

في صحيحه رقم (19/ 1719).

(8)

في سننه رقم (3596).

(9)

في سننه رقم (2364).

قلت: وأخرجه الترمذي رقم (2295 و 2296) والطبراني في المعجم الكبير (ج 5 رقم 5182) والبيهقي (10/ 159) ومالك في الموطأ (2/ 270). =

ص: 508

وفِي لَفْظٍ: "الَّذِينَ يَبْدَؤُونَ بِشَهادَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ أنْ يُسْئَلُوا عَنْها" رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [صحيح]

53/ 3924 - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" -قالَ عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ، أوْ ثَلاثَةً- "ثُمَّ إنَّ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ ولَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(2)

. [صحيح]

54/ 3925 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ أُمَّتي القَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"، وَالله أعْلَمُ أذَكَرَ الثَّالِثَ أمْ لا؟ قالَ: "ثُمَّ

= قال الترمذي: هذا حديث حسن، وأكثر الناس يقولون: عبد الرحمن أبي عمرة، واختلفوا على مالكٍ في رواية هدا الحديث، فروى بعضهم عن أبي عمرة، وروى بعضهم عن ابن أبي عمرة، وهو عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، وهذا أصحُّ لأنه قد روى من غير حديث مالك عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن زيد بن خالد.

وقد رُوِيَ عن ابن أبي عمرة عن زيد بن خالد غير هذا الحديث، وهو حديث صحيح أيضًا، وأبو عمرة مولى زيد بن خالد الجهني وله حديث الغلول، وأكثر الناس يقولون: عبد الرحمن بن أبي عمرة.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.

(1)

في المسند (5/ 192).

وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (4/ 427، 436) والبخاري رقم (2651) ومسلم رقم (214/ 2535).

قلت: وأخرجه النسائي (7/ 17، 18) والطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 580، 581، 582) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 123) وفي "دلائل النبوة"(6/ 552) والبغوي في شرح السنّة رقم (3857) من طريق زهدم بن المضرِّب، عن عمران بن الحصين.

• وأخرجه مسلم رقم (215/ 2535) وأحمد في المسند (4/ 440) وأبو داود رقم (4657) والترمذي رقم (2222) والطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 527) من طرق عن أبي عوانة، به.

• وأخرجه مسلم رقم (215/ 2535) وأحمد في المسند (4/ 426) والطحاوي في "مشكل الآثار"(3/ 176) والطبراني في المعجم الكبير (ج 18 رقم 526، 528، 529) والبيهقي (10/ 160) والبغوي في شرح السنّة رقم (3858) من طرق عن قتادة، به.

ص: 509

يُخْلَفُ بِقَوْمٍ يَشْهَدُونَ قَبْلَ أنْ يُسْتَشْهَدُوا"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ)

(2)

. [صحيح]

قوله: (ألا أخبركم بخير الشهداء) جمع شهيد، كظرفاء جمع ظريف، ويجمع أيضًا على شهود؛ والمراد بخير الشهداء: أكملهم في رتبة الشهادة وأكثرهم ثوابًا عند الله.

قوله: (قبل أن يسألها) في رواية: "قبل أن يستشهد".

وهذه هي شهادة الحسبة فشاهدها خير الشهداء، لأنه لو لم يظهرها لضاع حكم من أحكام الدين وقاعدة من قواعد الشرع.

وقيل: إنَّ ذلك في الأمانة والوديعة ليتيمٍ لا يعلم مكانها غيره، فيخبر بما يعلم من ذلك.

وقيل: هذا مثل في سرعة إجابة الشاهد إذا استشهد، فلا يمنعها ولا يؤخرها، كما يقال: الجواد يعطي قبل سؤاله، عبارة عن حسن عطائه وتعجيله.

قوله: (خير أمتي قرني) قال في القاموس

(3)

: القرن: يطلق من عشر إلى مائة وعشرين سنة، ورجح الإطلاق على المائة.

وقال صاحب "المطالع"

(4)

: القرن: أمة هلكت فلم يبق منهم أحد.

قال في النهاية

(5)

: القرن: أهل كل زمان، وهو مقدار المتوسط في أعمار أهل كل زمان، مأخوذ من الاقتران، فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم.

(1)

في المسند (2/ 228، 410، 479).

(2)

في صحيحه رقم (213/ 2534).

وهو حديث صحيح.

(3)

القاموس المحيط ص 1578.

(4)

المطالع: ابن قرقول، (إبراهيم بن يوسف ت 569 هـ).

وضعه على منوال: "مشارق الأنوار" بل هو اختصار واستدراك عليه كما في "كشف الظنون"(2/ 1715).

[معجم المصنفات ص 389 رقم 1250].

• وذكره الفيروز آبادي في القاموس المحيط ص 1578 والقاضي عياض في "مشارق الأنوار"(2/ 179) نقلًا عن الحربي.

(5)

النهاية (2/ 445).

ص: 510

قيل: القرن: أربعون سنة.

وقيل: ثمانون.

وقيل: مائة.

وقيل: هو مطلق من الزمان وهو مصدر قرن يقرن. اهـ.

قال الحافظ

(1)

: لم نرَ من صرّح بالتسعين ولا بمائة وعشرة، وما عدا ذلك فقد قال به القائل.

والمراد بقرنه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هم الصحابة كما في حديث أبي هريرة

(2)

المذكور بلفظ: "الذي بعثت فيه"، والمراد بالذين يلونهم التابعون، والذين يلونهم تابعو التابعين.

وفيه دليل على أن الصحابة أفضل الأمة.

والتابعين أفضل من الذين بعدهم.

وتابعي التابعين أفضل ممن بعدهم.

وثَمَّ أحاديث معارضة في الظاهر لهذا الحديث، وسيأتي الكلام على ذلك -إن شاء الله- في باب ذكر من حلف قبل أن يُستحلف، وهو آخر أبواب الكتاب

(3)

.

قوله: (يخونون) بالخاء المعجمة مشتقّ من الخيانة.

وزعم ابن حزم

(4)

أنه وقع في نسخة "يُحْرِبون" بسكون الحاء المهملة، وكسر الراء، بعدها موحدة. قال: فإن كان محفوظًا فهو من قولهم: حربه يحربه: إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء

(5)

، ورجل محروب: أي لا يثق الناس بهم لخيانتهم.

وقال النووي

(6)

: وقع في نسخ مسلم: "ولا يُتَّمَنُون" بتشديد الفوقية، قال غيره: هو نظير قوله: يتزر بالتشديد موضع يأتزر.

(1)

في "الفتح"(7/ 5) وفيه (السبعين) وليس (التسعين).

(2)

تقدم برقم (3925) من كتابنا هذا.

(3)

الباب الخامس والعشرون من كتابنا هذا عند الحديث رقم (73/ 3944).

(4)

في المحلى له (1/ 29).

(5)

النهاية (1/ 351).

(6)

في شرحه لصحيح مسلم (16/ 88).

ص: 511

قوله: (ويظهر فيهم السِّمَن)

(1)

بكسر المهملة وفتح الميم بعدها نون، أي: يحبون التوسع في المآكل والمشارب، وهي أسباب السمن.

وقال ابن التين

(2)

: المراد ذمّ محبته وتعاطيه لا من يخلق كذلك.

وقيل: المراد يظهر فيهم كثرة المال.

وقيل: المراد أنهم يتسمنون

(3)

، أي: يتكثرون بما ليس فيهم ويدّعون ما ليس لهم من الشرف.

قال في الفتح

(4)

: ويحتمل أن يكون جميع ذلك مرادًا، وقد ورد في لفظ من حديث عمران عند الترمذي

(5)

بلفظ: "ثم يجيء قوم متسمنون ويحبون السمن".

قال الحافظ

(6)

: وهو ظاهر في تعاطي السمن على حقيقته، فهو أولى ما حمل عليه خبر الباب. وإنما كان ذلك مذمومًا، لأن السمين غالبًا يكون بليد الفهم ثقيلًا عن العبادة كما هو مشهور.

قوله: (ويشهدون ولا يستشهدون)، يحتمل أن يكون التحمل بدون تحميل، أو الأداء بدون طلب.

قال الحافظ

(7)

: والثاني أقرب.

وأحاديث الباب متعارضة. فحديث زيد بن خالد الجهني

(8)

يدلّ على استحباب شهادة الشاهد قبل أن يستشهد.

وحديث عمران

(9)

، وأبي هريرة

(10)

، يدلان على كراهة ذلك.

وقد اختلف أهل العلم في ذلك؛ فبعضهم جنح إلى الترجيح، فرجح ابن

(1)

النهاية (1/ 809).

(2)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 260).

(3)

النهاية (1/ 809).

(4)

(5/ 260).

(5)

في سننه رقم (2221).

وهو حديث صحيح.

(6)

في "الفتح"(5/ 260).

(7)

في "الفتح"(5/ 260).

(8)

تقدم برقم (3923) من كتابنا هذا.

(9)

تقدم برقم (3924) من كتابنا هذا.

(10)

تقدم برقم (3925) من كتابنا هذا.

ص: 512

عبد البرّ

(1)

حديث زيد بن خالد لكونه من رواية أهل المدينة، فقدمه على حديث عمران لكونه من رواية أهل العراق، وبالغ فزعم أن حديث عمران المذكور لا أصل له.

وجنح غيره إلى ترجيح حديث عمران لاتفاق صاحبي الصحيح عليه، وانفراد مسلم [بحديث]

(2)

زيد.

وذهب آخرون إلى الجمع؛ فمنهم من قال: إن المراد بحديث زيد من عنده شهادة لإنسان بحقّ لا يعلم بها صاحبها، فيأتي إليه فيخبره بها أو يموت صاحبها، [فيأتي]

(3)

إلى ورثته فيعلمهم بذلك.

قال الحافظ

(4)

: وهذا أحسن الأجوبة. وبه أجاب يحيى بن سعيد شيخ مالك ومالك وغيرهما.

ثانيها: أن المراد بحديث زيد شهادة الحسبة، وهي ما لا يتعلق بحقوق الآدميين المختصة بهم محضًا، ويدخل في الحسبة مما يتعلق بحقّ الله أو فيه شائبة منه [العتاق]

(5)

، والوقف، والوصية العامَّةُ، والعدَّةُ، والطلاقُ، والحدودُ، ونحو ذلك.

وحاصله: أنَّ المراد بحديث زيدٍ

(6)

: الشهادة في حقوق الله، وبحديث عمران

(7)

، وأبي هريرة

(8)

الشهادة في حقوق الآدميين.

(ثالثها): أنه محمول على المبالغة في الإجابة إلى الأداء فيكون لشدّة استعداده لها كالذي أدّاها قبل أن يسئلها، وهذه الأجوبة مبنية على أن الأصل في أداء الشهادة عند الحاكم: أنَّه لا يكون إلا بعد الطلب من صاحب

(1)

في "التمهيد"(13/ 38 - الفاروق) حيث قال: "هذا حديث كوفي لا أصل له. ولو صح لكان معناه كمعنى حديث ابن مسعود على ما فسّره إبراهيم النخعي فقيه الكوفة".

(2)

في المخطوط (ب): بإخراج حديث.

(3)

في المخطوط (ب): (العالم بها ويخلف ورثة فيأتي الشاهد).

(4)

في "الفتح"(5/ 260).

(5)

في المخطوط (ب): (كالعتاق).

(6)

تقدم برقم (3923) من كتابنا هذا.

(7)

تقدم برقم (3924) من كتابنا هذا.

(8)

تقدم برقم (3925) من كتابنا هذا.

ص: 513

الحقِّ فيخصُّ ذمّ من يشهد قبل أن يستشهد بمن ذكر ممن يخبر بشهادته، ولا يعلم بها صاحبها.

وذهب بعضهم إلى جواز أداء الشهادة قبل السؤال على ظاهر عموم حديث زيد

(1)

، وتأوّلوا حديث عمران

(2)

بتأويلات:

(أحدها): أنه محمول على شهادة الزور: أي يؤدّون شهادةً لم يسبق لهم تحملها، وهذا حكاه الترمذي

(3)

عن بعض أهل العلم.

(ثانيها): المراد بها الشهادة في الحلف؛ يدلّ عليه ما في البخاري

(4)

من حديث ابن مسعود بلفظ: "كانوا يضربوننا على الشهادة"، أي قول الرجل: أشهد بالله ما كان إلا كذا على معنى الحلف، فكره ذلك، كما كره الإكثار من الحلف، واليمين قد تسمى شهادة كما تقدم، وهذا جواب الطحاوي

(5)

.

(ثالثها): المراد بها الشهادة على المغيب من أمر الناس، فيشهد على قوم أنَّهم في النار، وعلى قوم أنَّهم في الجنة؛ بغير دليل كما يصنع أهل الأهواء، حكاه الخطابي

(6)

.

(رابعها): المراد به من ينتصب شاهدًا وليس من أهل الشهادة.

(خامسها): المراد به التسارع إلى الشهادة وصاحبها بها عالم من قبل أن يسأله.

والحاصل: أن الجمع مهما أمكن فهو مقدّم على الترجيح، فلا يصار إلى الترجيح في أحاديث الباب، وقد أمكن الجمع بهذه الأمور.

[الباب التاسع عشر]: باب التشديد في شهادة الزور

55/ 3926 - (عَنْ أنَسٍ قالَ: ذَكَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الكَبائِرَ -أوْ سُئِلَ عَنِ

(1)

تقدم برقم (3923) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3924) من كتابنا هذا.

(3)

في السنن (4/ 549).

(4)

في صحيحه رقم (3651).

(5)

حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(5/ 260).

(6)

في أعلام الحديث له (2/ 1304).

ص: 514

الكَبائِرِ- فَقالَ: "الشِّرْكُ بالله، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقوقُ الوَالِدَيْنِ -وَقالَ: - ألَّا أنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكبائر؟ قَوْلُ الزُّورِ -أوْ قالَ: - شَهادَةُ الزُّورِ")

(1)

. [صحيح]

56/ 3927 - (وَعَنْ أبي بَكْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ألَا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبائِرِ"، قلنا: بَلى يا رَسُولَ الله، قالَ: "الإِشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَقَالَ: - ألَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ"، فَمَا زَالَ يُكَرّرُها حتَّى قُلْنا: لَيْتَهُ سَكَتَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما)

(2)

. [صحيح]

57/ 3928 - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَنْ تَزُولَ قَدَمُ شاهِدِ الزُّورِ حتَّى يُوجِبَ الله لَهُ النَّارَ"، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)

(3)

. [موضوع]

(1)

أحمد في المسند (3/ 131) والبخاري رقم (5977) ومسلم رقم (144/ 88).

قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (2075) ومن طريقه أبو عوانة (1/ 54) والترمذي رقم (1207) و (3018) والنسائي (7/ 88) و (8/ 63) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (897) وابن منده في "الإيمان رقم (473) و (474) والبيهقي (8/ 20) و (10/ 121) من طرق عن شعبة، به. وهو حديث صحيح.

(2)

أحمد في المسند (6/ 36 - 37) والبخاري رقم (2654) ومسلم رقم (143/ 87).

قلت: وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (15) والترمذي في السنن رقم (1901) و (2301) و (3019) وفي الشمائل رقم (113) والبزار رقم (3630) وابن منده في "الإيمان" رقم (470) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 121) وفي "الشعب" رقم (7866) من طرق عن الجريري، به. وهو حديث صحيح.

(3)

في السنن رقم (2373).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 232): "هذا إسناد ضعيف، محمد بن الفرات أبو علي الكوفي متفق على ضعفه، وكذبه الإمام أحمد".

قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 98).

وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

قلت: الذهبي نفسه أورد الحديث في "الميزان"(4/ 3 رقم 8047) في ترجمة محمد بن الفرات المتقدم المتفق على ضعفه.

والخلاصة: أن الحديث موضوع. وانظر مزيد تخريج للحديث في تحقيق: "التنوير شرح الجامع الصغير" لمحمد بن إسماعيل الأمير بتحقيقي رقم (7382).

ص: 515

حديث ابن عمر انفرد ابن ماجه

(1)

بإخراجه كما في الجامع

(2)

وغيره، وسياق إسناده في سنن ابن ماجه (1) هكذا: حدثنا سويدُ بنُ سعيد، حدثنا محمدُ بنُ الفرات، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر

فذكره.

ومحمد بن الفرات هو الكوفي كذبه أحمد. وقال في التقريب

(3)

: كذبوه.

قوله: (ذكر الكبائر أو سئل عنها) هذه رواية محمد بن جعفر.

ورواية في البخاريِّ

(4)

: "سئل عن الكبائر"، ورواية أحمد:"أو ذكرها".

قال في الفتح

(5)

: وكأن المراد بالكبائر أكبرها لما في حديث أبي بكرة المذكور، وليس القصد حصر الكبائر فيما ذكر.

وقد ذكر الله الثلاث المذكورة في الحديث في آيتين:

(الأولى): {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}

(6)

.

(والثانية): {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}

(7)

.

قوله: [(وكان متكئًا فجلس)]

(8)

هذا يشعر باهتمامه صلى الله عليه وسلم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئًا، ويفيد ذلك تأكيد تحريمه، وعظيم قبحه، وسبب الاهتمام بشهادة الزور كونها أسهل وقوعًا على الناس، والتهاون بها أكثر، فإنَّ الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطبع.

وأما الزُّور فالحوامل عليه كثيرة: كالعداوة، والحسد، وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام به، وليس ذلك لعظمه بالنسبة إلى ما ذكر معه من الإشراك قطعًا، بل لكون مفسدته متعدية إلى الغير بخلاف الإشراك؛ فإنَّ مفسدته مقصورة عليه غالبًا.

وقول الزور أعمّ من شهادة الزور، لأنَّه يشمل كلَّ زور من شهادة، أو غيبة، أو بهتٍ، أو كذبٍ.

(1)

تقدم في الصفحة السابقة الحاشية رقم (3).

(2)

الجامع الصغير رقم (7382) بتحقيقي.

(3)

رقم الترجمة (6217).

(4)

في صحيحه رقم (2653).

(5)

في "الفتح"(5/ 262).

(6)

سورة الإسراء، الآية:(23).

(7)

سورة الحج، الآية:(30).

(8)

في المخطوط (أ)، (ب):(وجلس وكان متكئًا) والمثبت من نص الحديث المشروح.

ص: 516

ولذا قال ابن دقيق العيد

(1)

: يحتمل أن يكون من الخاصِّ بعد العامّ، لكن ينبغي أن يحمل على التوكيد، فإنَّا لو حملنا القول على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة كبيرةً، وليس كذلك.

قال

(2)

: ولا شكَّ في عظم الكذب، ومراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده، ومنه قوله تعالى:{وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)}

(3)

.

قوله: (حتى قلنا: ليته سكت) أي: شفقةً عليه، وكراهيةً لما يزعجه. وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه صلى الله عليه وسلم والمحبة له والشفقة عليه.

وفي الحديث انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر، وليس هذا موضع بسط الكلام على الكبائر، وستأتي إشارة إلى طرف من ذلك في باب التشديد في اليمين الكاذبة.

ويؤخذ من الحديث ثبوت الصغائر؛ لأن الكبائر بالنسبة إليها أكبر منها، والاختلاف في ثبوت الصغائر مشهور، وأكثر ما تمسك به من قال: ليس في الذنوب صغيرة كونه نظر إلى عظم المخالفة لأمر الله ونهيه؛ فالمخالفة بالنسبة إلى جلال الله كبيرة، لكن لمن أثبت الصغائر أن يقول: وهي بالنسبة إلى ما فوقها صغيرة، كما دلّ عليه حديث الباب.

وقد فهم الفرق بين الصغيرة والكبيرة من مدارك الشرع، ويدل على ثبوت الصغائر قوله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}

(4)

، فلا ريب أنَّ السيئات المكفرة ههنا هي غير الكبائر المجتنبة، لأنه لا يكفر إلا ذنب قد فعله المذنب لا ما كان مجتنبًا من الذنوب، فإنه لا معنى لتكفيره.

والكبائر المرادة في الآية مجتنبة، فالسيئات المكفرة غيرها وليست إلا الصغائر؛ لأنها المقابلة لها.

(1)

في "إحكام الأحكام" ص 920.

(2)

أي ابن دقيق العيد في المرجع المتقدم.

(3)

سورة النساء، الآية:(112).

(4)

سورة النساء، الآية:(31).

ص: 517

وكذلك يؤيد ثبوت الصغائر حديث تكفير الذنوب [الواردة]

(1)

في الصلاة والوضوء مقيدًا باجتناب الكبائر

(2)

.

فثبت أن من الذنوب ما يكفر بالطاعات، ومنها ما لا يكفر، وذلك عين المدعى.

ولهذا قال الغزالي

(3)

: إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بالفقيه.

ثم إن مراتب الصغائر والكبائر تختلف بحسب تفاوت مفاسدها.

قوله: (حتى يوجب الله له النار) في هذا وعيد شديد لشاهد الزور، حيث أوجب الله له النار قبل أن ينتقل من مكانه.

ولعلّ ذلك مع عدم التوبة.

أما لو تاب وأكذب نفسه قبل العمل بشهادته، فالله يقبل التوبة عن عباده.

[الباب العشرون]: بابُ تَعَارُضِ البَيِّنَتَيْنِ والدَّعْوَتَيْنِ

58/ 3929 - (عَنْ أبي مُوسَى أنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيا بَعِيرًا على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُما بِشاهِدَيْنِ، فَقَسَمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(4)

. [ضعيف]

59/ 3930 - (وَعنْ أبي مُوسَى أنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُما بَيِّنَةٌ فَجَعَلَها بَيْنَهُما نِصْفَيْنِ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ)

(5)

. [ضعيف]

(1)

في المخطوط (أ): (الوارد).

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه رقم (7/ 228).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 263).

(4)

في سننه رقم (3615).

وهو حديث ضعيف.

(5)

أحمد في المسند (4/ 402) وأبو داود رقم (3613) والنسائي رقم (5424) وابن ماجه رقم (2330). =

ص: 518

60/ 3931 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَضَ على قَوْمٍ اليَمِينَ، فَأَسْرَعُوا، فأمَرَ أنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي اليَمِينِ أيُّهُمْ يَحْلِفُ. رَوَاهُ البُخارِيُّ

(1)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ: أنَّ رَجُلَيْنِ تَدَارَءَا فِي دابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُما بَيِّنَةٌ، فأمَرَهُما رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَسْتَهِما على اليَمِينِ أَحَبَّا أوْ كَرِها. رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وأبُو دَاوُدَ

(3)

وَابْنُ ماجَهْ

(4)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ: تَدَارَءَا فِي بَيْعٍ. وفِي رِوَايَةٍ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذَا كَرِهَ الاِثْنَانِ اليَمِينَ أوِ اسْتَحَبَّاها فَلْيَسْتَهِما [عَلَيْها] "

(5)

، رَوَاهُ أحْمَدُ

(6)

وأبُو دَاوُدَ)

(7)

. [صحيح]

حديث أبي موسى أخرجه أيضًا الحاكم

(8)

، والبيهقي

(9)

وذكر الاختلاف فيه على قتادة.

وقال: هو معلول، فقد رواهُ حماد بن سلمة عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان في صحيحه

(10)

، واختلف فيه على سعيد بن أبي عروبة، فقيل: عنه، عن قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى

(11)

.

= وانظر: "الإرواء" رقم (2656).

وهو حديث ضعيف.

(1)

في صحيحه رقم (2674).

(2)

في المسند (2/ 489، 524).

(3)

في سننه رقم (3616).

(4)

في سننه رقم (2329).

وهو حديث صحيح.

(5)

في المخطوط (ب): (عليه).

(6)

في المسند (2/ 317).

(7)

في سننه رقم (3617).

وهو حديث صحيح.

(8)

في المستدرك (4/ 95) وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

(9)

في السنن الكبرى (10/ 258، 259).

(10)

في صحيحه رقم (5068) بسند صحيح.

(11)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 402) عن محمد بن جعفر.

وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 168) عن عبدة بن سليمان.

وأبو داود في سننه رقم (3613) من طريق يزيد بن زريع. =

ص: 519

وقيل: عنه عن سماك بن حرب، عن تميم بن طرفة

(1)

، قال:"أنبئت أنَّ رجلين" قال البخاري: قال سماك بن حرب: أنا حدثت أبا بردة بهذا الحديث، فعلى هذا لم يسمع أبو بردة هذا الحديث من أبيه.

ورواه أبو كامل عن أبيه ورواه أبو كامل [مطهر]

(2)

بن مدرك عن حماد عن

= وأبو داود أيضًا في سننه رقم (3614) من طريق عبد الرحيم بن سليمان.

والترمذي في "العلل"(1/ 565) من طريق محمد بن بكر.

والنسائي في الصغرى (8/ 248) وفي السنن الكبرى (رقم 5998 - العلمية) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4753) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى.

وابن ماجه رقم (2330) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4751) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 254) وفي "معرفة السنن والآثار" رقم (20270) وفي السنن الصغير رقم (4338) من طريق روح بن عبادة.

والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4752) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 67) و (10/ 254) وفي السنن الصغير رقم (4338) من طريق سعيد بن عامر.

والحاكم (4/ 94 - 95) من طريق عبد الوهاب بن عطاء، وصحح الحاكم إسناده ووافقه الذهبي.

تسعتهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، به.

وأورده المزي في "تحفة الأشراف"(6/ 452) فقال: وقال خالد بن الحارث: عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن أبي بردة -قال خالد: - أراه عن أبيه.

(1)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 258) من طريق أبي عوانة ومحمد بن جابر، وقال: وكذلك قال سفيان الثوري عن سماك، وذكر البيهقي قول الترمذي في العلل.

وقال الدارقطني في "علله"(7/ 204): "وهذا الحديث يرويه الثوري، وغيره عن سماك عن تميم بن طرفة مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ويرويه ياسين الزيات عن سماك عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة والمحفوظ حديث أبي كامل، عن حماد، عن قتادة.

ومدار الحديث يرجع إلى سماك بن حرب. والصحيح عن سماك بن حرب مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.

وانظر: "تحفة الأشراف"(6/ 452).

وإرواء الغليل للمحدث الألباني رقم (2656).

(2)

كذا في المخطوط (أ)، (ب) والصواب (مظفر) كما في "العلل" للدارقطني و"تحفة الأشراف" للمزي (6/ 452) و"تهذيب التهذيب"(4/ 96).

تنبيه: في كل طبعات "نيل الأوطار" على الإطلاق تحرف (مظفر) إلى مطهر. فليعلم.

ص: 520

قتادة عن النضر بن أنس عن أبي بردة مرسلًا، قال حماد: فحدثت به سماك بن حرب فقال: أنا حدثت به أبا بردة

(1)

.

وقال الدارقطني

(2)

والبيهقي

(3)

والخطيب

(4)

: الصحيح أنه عن سماك مرسلًا

(5)

.

ورواه ابن أبي

(6)

شيبة عن أبي الأحوص عن سماك عن تميم بن طرفة: "أن رجلين ادّعيا بعيرًا فأقام كل واحد منهما بيّنة أنه له فقضى به صلى الله عليه وسلم بينهما".

ووصله الطبراني

(7)

بذكر جابر بن سمرة فيه بإسنادين في أحدهما الحجاج بن أرطاة، والراوي عنه سويد بن عبد العزيز، وفي الآخر ياسين الزيات والثلاثة ضعفاء، كذا قال الحافظ

(8)

.

قال المنذري

(9)

في مختصر السنن حاكيًا عن النسائي أنه قال: هذا خطأ.

ومحمد بن كثير المصيصي

(10)

هو صدوق إلا أنه كثير الخطأ.

وذكر أنه خولف في إسناده ومتنه.

قال المنذري

(11)

: ولم يخرِّجه أبو داود من حديث محمد بن كثير، وإنما

(1)

ذكره الدارقطني في "العلل"(7/ 204) والمزي في "تحفة الأشراف"(6/ 452).

(2)

في "العلل"(7/ 204 - 205).

(3)

في السنن الكبرى (10/ 258).

(4)

ذكره المزي في تحفة الأشراف نقلًا عن الخطيب (6/ 453) وابن الملقن في "البدر المنير"(9/ 693).

(5)

قال عبد الحق في "الأحكام الوسطى"(3/ 361): "وقال غير الدارقطني: هذا لا يضر الحديث وقد أسنده ثقتان عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى، وهما سعيد بن أبي عروبة، وهمام بن يحيى، ولعل سعيد بن أبي بردة سمعه من سماك، وسمعه من أبيه عن أبي موسى".

(6)

في المصنف (10/ 184).

(7)

في المعجم الكبير (ج 2 رقم 1834).

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 203) وقال: "فيه ياسين الزيات وهو متروك".

(8)

في "التلخيص الحبير"(4/ 384 - 385).

(9)

في "المختصر"(5/ 232).

(10)

"تهذيب التهذيب"(3/ 682 - 683).

(11)

في "المختصر"(5/ 233).

ص: 521

خرَّجه بإسنادٍ كلهم ثقات. انتهى. وقد ذكر أبو داود

(1)

لحديث أبي موسى ثلاثة أسانيد ليس في واحد منها محمد بن كثير.

وحديث أبي هريرة أخرج الرواية الثانية [عنه]

(2)

النسائي

(3)

أيضًا.

والرواية الثالثة عزاها المنذري إلى البخاري

(4)

.

قوله: (قسمه النبيّ صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين) فيه أنَّه لو تنازع رجلان في عينٍ، دابةٍ أو غيرها، فادّعى كل واحدٍ منهما أنها ملكه دون صاحبه، ولم يكن بينهما بيّنة، وكانت العين في يديهما فكلُّ واحد مدَّع في نصف ومدعى عليه في نصف، أو أقام البيّنة كلُّ واحدٍ على دعواه تساقطتا، وصارتا كالعدم، وحكم به الحاكم نصفين بينهما، لاستوائهما في اليد، وكذا إذا لم يقيما بيّنة كما في الرواية الثانية، وكذا إذا حلفا، أو نكلا.

قال ابن رسلان: يحتمل أن تكون القصة في حديث أبي موسى الأول والثاني واحدة، إلا أن البينتين لما تعارضتا تساقطتا، وصارتا كالعدم، ويحتمل أن يكون أحدهما في عين كانت في يديهما، والآخر كانت العين في يد ثالث لا يدّعيها، بدليل ما وقع في رواية للنسائي

(5)

: "ادّعيا دابة وجداها عند رجل، فأقام كل منهما شاهدين، فلما أقام كلُّ واحدٍ منهما شاهدين، نزعت من يد الثالث، ودفعت إليهما". قال: وهذا أظهر؛ لأن حمل الإسنادين على معنيين متعددين أرجح من حملهما على معنى واحد؛ لأن القاعدة ترجيح ما فيه زيادة علم على غيره.

قوله: (أحبَّا أو كرها) قال الخطابي

(6)

: الإكراه هنا لا يراد به حقيقته، لأن الإنسان لا يكره على اليمين، وإنما المعنى إذا توجهت اليمين على اثنين، وأرادا الحلف سواء كانا كارهين لذلك بقلبهما، وهو معنى الإكراه، أو مختارين لذلك بقلبهما، وهو معنى المحبة، وتنازعا أيهما يبدأ، فلا يقدم

(1)

في سننه رقم (3612 - 3615).

وهي أحاديث ضعيفة.

(2)

في المخطوط (ب): (منه).

(3)

في سننه الكبرى (رقم 6000 - العلمية).

(4)

في صحيحه رقم (2674).

(5)

في السنن الكبرى رقم (5997).

(6)

في أعلام الحديث (2/ 1312).

ص: 522

أحدهما على الآخر بالتشهي بل بالقرعة. وهو المراد بقوله: "فليستهما" أي: فليقترعا، وقيل: صورة الاشتراك في اليمين أن يتنازع اثنان عينًا ليست في يد أحدهما، ولا بينةَ لواحدٍ منهما فيقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة حلف واستحقها، ويدلُّ على ذلك الرواية الثانية من حديث أبي هريرة.

ويحتمل أن تكون قصة أخرى، فيكون القوم المذكورون مدعى عليهم بعين في أيديهم مثلًا وأنكروا، ولا بيّنة للمدعى عليهم، فتوجهت عليهم اليمين فسارعوا إلى الحلف، والحلف لا يقع معتبرًا إلا بتلقين المحلِّف، فقطع النزاع بينهم بالقرعة، فمن خرجت له بدئ به.

وقال البيهقي

(1)

في بيان معنى الحديث: إنَّ القرعة في أيهما تقدَّم عند إرادة تحليف القاضي لهما، وذلك أنَّه يحلف واحدًا ثم يحلف الآخر، فإن لم يحلف الثاني بعد حلف الأول قضى بالعين كلها للحالف أولًا، وإن حلف الثاني فقد استويا في اليمين، فتكون العين بينهما كما كانت قبل أن يحلفا، وهذا يشهد له الرواية الثالثة في حديث أبي هريرة المذكورة في الباب.

وقد حمل ابن الأثير في "جامع الأصول"

(2)

الحديث على الاقتراع في المقسوم بعد القسمة، وهو بعيد.

ويردُّه الرواية الثالثة، فإنها بلفظ:"فليستهما عليها" أي: على اليمين.

قوله: (فليستهما عليها) وجه القرعة أنَّه إذا تساوى الخصمان؛ فترجيح أحدهما بدون مرجح لا يسوغ، فلم يبق إلا المصير إلى ما فيه التسوية بين الخصمين، وهو القرعة، وهذا نوع من التسوية المأمور بها بين الخصوم.

وقد طَوَّل أئمة الفقه الكلام على قسمة الشيء المتنازع فيه بين متنازعيه إذا كان في يد كلِّ واحدٍ منهم، أو في يد غيرهم مقرٌّ به لهم.

وأما إذا كان في يد أحدهما؛ فالقول قوله، واليمين عليه، والبيّنة على خصمه.

(1)

في السنن الكبرى (10/ 258).

(2)

في جامع الأصول (10/ 188 - 189).

ص: 523

وأمَّا القرعةُ في تقديم أحدهما في الحلف فالذي في فروع الشافعية

(1)

: أنَّ الحاكم يعين لليمين منهما من شاء على ما يراه.

قال البرماوي: لكن الذي ينبغي العمل به هو القرعة للحديث.

وقد قدمنا في كتاب الصلح

(2)

في العمل بالقرعة كلامًا مفيدًا.

[الباب الحادي والعشرون]: بابُ استحلافِ المنْكِرِ إذا لم تَكُنْ بيّنَةٌ وأنه ليس للمدّعي الجمع بينهما

61/ 3932 - (عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قالَ: كانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فاخْتَصَمْنا إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"شَاهِدَاكَ أوْ يَمِينُهُ"، فَقُلْتُ: إنَّهُ إذَنْ يَحْلِفُ وَلا يُبالي، فَقالَ:"مَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيها فاجِرٌ لَقِيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانٌ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(3)

. [صحيح]

وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ الشاهِدَ وَاليَمِينَ، وَمَنْ رأى العَهْدَ يَمِينًا.

وفِي لَفْظٍ: خاصَمْتُ ابْن عَمّ لي إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي بِئْرٍ كانَتْ لي فِي يَدِهِ فَجَحَدَنِي، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"بَيِّنتُكَ أنَّها بِئْرُكَ وَإلَّا فَيَمِينُهُ"، قُلْتُ: ما لي بَيِّنَةٌ، وأنْ يَجْعَلَها يَمِينَهُ تَذْهَبُ بِئْرِي، إنَّ خَصْمِي امْرُؤٌ فاجِرٌ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ

(1)

بحر المذهب في فروع مذهب الإمام الشافعي (11/ 76).

والبيان للعمراني (13/ 164 - 165).

(2)

"نيل الأوطار"(10/ 340 - 350) من كتابنا هذا.

(3)

أحمد في المسند (1/ 379، 460)، (5/ 211) والبخاري رقم (2416) و (2666) ومسلم رقم (220/ 138).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3243) و (3621) والترمذي رقم (1269) و (2996) والنسائي في الكبرى رقم (5991 - العلمية) وابن ماجه رقم (2322) وأبو يعلى رقم (5197) وأبو عوانة رقم (5974) و (5975) والبيهقي (10/ 179 - 180).

وهو حديث صحيح.

ص: 524

اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانٌ"، رَوَاهُ أحْمَدُ)

(1)

. [صحيح]

62/ 3933 - (وَعَنْ وَائلِ بْنِ حُجْرٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدةَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الحَضْرَمِيُّ: يا رَسُولَ الله إنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي على أرْضٍ كانَتْ لأبي، فقالَ الكِنْدِيُّ: هِيَ أرْضِي فِي يَدِي أزْرَعُها لَيْسَ لَهُ فِيها حَقّ، فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للحَضْرَمِيُّ:"ألَك بَيِّنَةٌ؟ "، قالَ: لا، قالَ:"فَلَكَ يَمِينُهُ"، فَقالَ: يا رَسُولَ الله الرَّجُلُ فاجِرٌ لا يُبالي على ما حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيءٍ، قالَ:"لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إلَّا ذَلكَ"، فانطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا أدْبَرَ الرَّجُلُ:"أمَا لَئِنْ حَلَفَ على مالِهِ لِيأكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ الله وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(2)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَصحَّحَهُ

(3)

[صحيح]

وَهُوَ حُجَّةٌ على عَدَمِ المُلازَمَةِ وَالتَّكْفِيلِ وَعَدَمِ رَدّ اليَمِينِ).

قوله: (كان بيني وبين رجلٍ خصومةٌ)، قد تقدم في كتاب الغصب أنَّ الأشعث بن قيس قال:"إنَّ رجلًا من كندة ورجلًا من حضرموت اختصما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم".

وهكذا وقع في رواية أبي داود

(4)

، وذلك يقتضي أن الخصومة بين رجلين غيره.

(1)

في المسند (5/ 212).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (220/ 138) وابن ماجه رقم (2322) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2426) وابن الجارود رقم (926) وأبو عوانة رقم (108) و (5974) والطبراني في الكبير رقم (642) والبيهقي (10/ 178). وهو حديث صحيح.

(2)

في صحيحه رقم (223/ 139).

(3)

في السنن رقم (1340) وقال: حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح.

(4)

في سننه رقم (3244). وهو حديث صحيح.

ص: 525

ورواية حديث الباب تقتضي أنه أحد الخصمين.

ويمكن الجمع بالحمل على تعدد الواقعة، فإن في رواية لأبي داود

(1)

في حديث الأشعث هذا بلفظ: "كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فيها".

ففي هذا تصريح بأنَّ خصمه كان يهوديًا بخلاف ما تقدم في الغصب فإنه قال: "إن رجلًا من كندة ورجلًا من حضرموت"، والكنديُّ: هو امرؤ القيس بن [عابس]

(2)

الصحابي الشاعر، والحضرميُّ: هو ربيعة بن عِبدان -بكسر العين- وكذلك حديث وائل المذكور [ههنا]

(3)

بأن الخصومة فيه بين الكندي والحضرمي وهما المذكوران في حديث الأشعث المتقدم، فلعل الرواية لقصة الكندي والحضرمي من طريق الأشعث ومن طريق وائل.

وأما المخاصمة بين الأشعث وغريمه فقصة أخرى، رواها الأشعث، والله أعلم.

قوله: (في بئر) في رواية أبي داود

(4)

: "في أرض"، ولا امتناع أن يكون المجموع صحيحًا؛ فتارة ذكرت الأرض لأن البئر داخلة فيها، وتارة ذكرت البئر لأنها المقصودة.

قوله: (يقتطع بها مال امرئ مسلم)، التقييد بالمسلم ليس لإخراج غير المسلم، بل كأن تخصيص المسلمين بالذكر لكون الخطاب معهم.

ويحتمل أن تكون العقوبة العظيمة مختصة بالمسلمين، وإن كان أصل العقوبة لازمًا في حقّ الكفار.

قوله: (لقي الله وهو عليه غضبان)، هذا وعيد شديد لأن غضب الله سبب لانتقامه وانتقامه بالنار، فالغضب منه عز وجل يستلزم دخول المغضوب عليه النار.

(1)

في سننه رقم (3243). وهو حديث صحيح.

(2)

في المخطوط (ب): (عانس).

(3)

في المخطوط (ب): (هنا).

(4)

في السنن رقم (3243). وهو حديث صحيح.

ص: 526

ولهذا وقع في رواية لمسلم

(1)

: "من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار"، ولا بدّ من تقييد ذلك بعدم التوبة.

وسيأتي بقية الكلام على هذا في باب التشديد في اليمين الكاذبة

(2)

.

قوله: (ليس يتورَّع من شيءٍ) أصل الورع: الكفُّ عن الحرام، والمضارع بمعنى النكرة في سياق النفي فيعمُّ، ويكون التقدير ليس له ورع عن شيءٍ.

قوله: (ليس لك منه إلا ذلك) في هذا دليل على أنَّه لا يجب للغريم على غريمه اليمين المردودة، ولا يلزمه التكفيل ولا يحلُّ الحكم عليه بالملازمة ولا بالحبس، ولكنه قد ورد ما يخصص هذه الأمور من عموم هذا النفي، وقد تقدم بعض ذلك.

ولنذكر ههنا ما ورد في جواز الحبس لمن استحقه، فأخرج أبو داود

(3)

والترمذي

(4)

والنسائي

(5)

من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حبس رجلًا في تهمة". قال الترمذي

(6)

: حسن، وزاد هو والنسائي:"ثم خلى عنه"، وقد تقدم

(7)

الكلام على حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.

ولكنه قد روى هذا الحديث الحاكم

(8)

وقال: صحيح الإسناد.

وله شاهد من حديث أبي هريرة ثم أخرجه

(9)

.

ولعله ما رواه ابن القاص بسنده عن عراك بن مالك عن أبيه عن جده عن

(1)

في صحيحه رقم (218/ 137).

(2)

الباب الثالث والعشرون عند الحديث (64/ 3935 - 66/ 3937) من كتابنا هذا.

(3)

في سننه رقم (3630).

(4)

في سننه رقم (1417) وقال: حديث حسن.

(5)

في سننه رقم (4876). وهو حديث حسن.

(6)

في السنن (4/ 28).

(7)

في كتاب الحدود باب ما جاء في قدر التعزير والحبس في التهمة رقم الحديث (3181) من كتابنا هذا.

(8)

في المستدرك (4/ 102) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

(9)

انظر ما تقدم في التعليقة السابقة.

ص: 527

أبي هريرة: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة يومًا وليلة"

(1)

، استظهارًا وطلبًا لإظهار الحقّ بالاعتراف.

وأخرج أبو داود

(2)

من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: أنه قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: جيراني بما أخذوا، فأعرض عنه مرّتين لكونه كلمه في حال الخطبة، ثم ذكر شيئًا فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"خلوا له عن جيرانه".

فهذا يدلّ على أنهم كانوا محبوسين.

ويدلّ أيضًا على جواز الحبس ما تقدم في باب ملازمة الغريم، فإن تسليط ذي الحقّ عليه وملازمته له نوع من الحبس.

وكذلك يدل على الجواز حديث: "مطل الغنيّ ظلم يحل عرّضه وعقوبته"، لأن العقوبة مطلقة والحبس من جملة ما يصدق عليه المطلق، وقد تقدم الحديث في كتاب التفليس

(3)

.

وحكى أبو داود

(4)

عن ابن المبارك أنه قال في تفسير الحديث: يحلّ عرضه، أي: يغلظ عليه، وعقوبته: يحبس له.

وروى البيهقي

(5)

: "أن عبدًا كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه، فحبسه النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى باع غنيمة له" وفيه انقطاع.

وقد روى

(6)

من طريق أخرى عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا.

وقد بوّب البخاري

(7)

على ذلك في صحيحه فقال في الأبواب التي قبل كتاب اللقطة ما لفظه: باب الربط والحبس في الحرم.

قال في الفتح

(8)

: كأنه أشار بهذا التبويب إلى ردّ ما نقل عن طاوس أنه

(1)

في المستدرك (4/ 114) والبيهقي (6/ 77).

(2)

في سننه رقم (3631) بسند حسن.

(3)

عند الحديث رقم (2302) من كتابنا هذا.

(4)

في السنن (4/ 46).

(5)

في السنن الكبرى (10/ 276).

(6)

أي البيهقي في السنن الكبرى (10/ 276).

(7)

في صحيحه (5/ 75 رقم الباب (81) - مع الفتح).

(8)

(5/ 75).

ص: 528

كان يكره السجن بمكة ويقول: لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة.

وأورد البخاري

(1)

في الرد عليه أن نافع بن عبد الحارث اشترى دارًا للسجن بمكة وكان نافع عاملًا لعمر على مكة.

وأخرج عمر بن شبة في كتاب مكة عن محمد بن يحيى بن غسان الكناني عن هشام بن سليمان عن ابن جريج أن نافع بن عبد الحارث الخزاعي كان عاملًا لعمر على مكة فابتاع دار السجن من صفوان فذكر نحو ما ذكره البخاري، وزاد في آخره: وهو الذي يقال له: سجن عارم بمهملتين

(2)

.

قال البخاري

(3)

: وسجن ابن الزبير بمكة. انتهى.

والحاصل: أنَّ الحبس وقع في زمن النبوّة، وفي أيام الصحابة، والتابعين، فمن بعدهم إلى الآن في جميع الأعصار والأمصار من دون إنكار.

وفيه من المصالح ما لا يخفى، لو لم يكن منها إلا حفظ أهل الجرائم المنتهكين للمحارم؛ الذين يسعون في الإضرار بالمسلمين، ويعتادون ذلك ويعرف من أخلاقهم ولم يرتكبوا ما يوجب حدًّا ولا قصاصًا حتى يقام عليهم فيراح منهم العباد والبلاد، فهؤلاء إن تركوا وخلي بينهم وبين المسلمين بلغوا من الإضرار بهم إلى كل غاية، وإن قتلوا كان سفك دمائهم بدون حقها، فلم يبق إلا حفظهم في السجن والحيلولة بينهم وبين الناس بذلك حتى تصحّ منهم التوبة أو يقضي الله في شأنهم ما يختاره.

وقد أمرنا الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بهما في حقّ من كان كذلك لا يمكن بدون الحيلولة بينه وبين الناس بالحبس، كما يعرف ذلك من عرف أحوال كثير من هذا الجنس.

وقد استدلّ البخاري

(4)

على جواز الربط بما وقع منه صلى الله عليه وسلم من ربط ثمامة بن

(1)

في صحيحه (5/ 75) معلقًا.

(2)

الفتح (5/ 76).

(3)

في صحيحه (5/ 75) معلقًا.

(4)

في صحيحه رقم (4372).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (59/ 1764) وأبو داود رقم (2679). وهو حديث صحيح.

ص: 529

أثال بسارية من سواري مسجده الشريف كما في القصة المشهورة في الصحيح.

[الباب الثاني والعشرون]: بابُ استحلافِ المدَّعَى عليه في الأَموالِ والدِّماءِ وغيرِهِمَا

63/ 3934 - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى باليَمِينِ على المُدَّعَى عَلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

(1)

. [صحيح]

وفِي رِوَايَةٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى ناسٌ دِماءَ رِجالٍ وأمْوَالَهُمْ، وَلَكِنِ اليَمِينُ على المُدَّعَى عَلَيْهِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(2)

وَمُسْلِمٌ)

(3)

. [صحيح]

قوله: (قضى باليمين على المدعى عليه) اختلف الفقهاء في تعريف المدّعي والمدّعى عليه.

قال في الفتح

(4)

: والمشهور فيه تعريفان.

(الأول): أن المدعي من تخالف دعواه الظاهر، والمدعى عليه بخلافه.

(الثاني): من إذا سكت ترك وسكوته، والمدعى عليه من لا يخلى إذا سكت.

والأول أشهر، والثاني أسلم.

وقد أورد على الأول بأن المودع إذا ادّعى الردّ أو التلف فإن دعواه تخالف الظاهر ومع ذلك فالقول قوله.

واستدلّ بالحديث على أن اليمين على المدعى عليه، وقد ذهب إلى ذلك

(1)

أحمد في المسند (1/ 356) والبخاري رقم (2514) ومسلم رقم (2/ 1711). وهو حديث صحيح.

(2)

في المسند (1/ 342 - 343، 363).

(3)

في صحيحه رقم (1/ 1711). وهو حديث صحيح.

(4)

في "الفتح"(5/ 283).

ص: 530

الجمهور

(1)

وحملوه على عمومه في حقّ كل أحد سواء كان بين المدعي والمدعى عليه اختلاط أم لا.

وعن مالك

(2)

لا تتوجه اليمين إلا على من بينه وبين المدعي اختلاط لئلا

يبتذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم مرارًا.

وقريب من مذهب مالك قول الإصطخري من الشافعية

(3)

: إن قرائن الحال إذا شهدت بكذب المدعي لم يلتفت إلى دعواه.

قوله: (لو يعطى الناس

إلخ)، هذا هو وجه الحكمة في جعل اليمين على المدعى عليه.

وقال جماعة من أهل العلم

(4)

: الحكمة في ذلك: أنَّ جانب المدعي ضعيف، لأنه يقول بخلاف الظاهر فكلف الحجة القوية وهي البينة، لأنها لا تجلب لنفسها نفعًا ولا تدفع عنها ضررًا فيقوي بها ضعف المدعي.

وأما جانب المدعى عليه فهو قويّ، لأن الأصل فراغ ذمته فاكتفى فيه باليمين، وهي حجة ضعيفة لأن الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع عنها الضرر، فكان ذلك في غاية الحكمة.

وقد أخرج الحديث البيهقي

(5)

بإسناد صحيح كما قال الحافظ

(6)

بلفظ: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر".

وزعم الأصيلي

(7)

أن قوله: "البينة

" إلخ إدراج في الحديث.

وأخرج ابن حبان

(8)

عن ابن عمر نحوه.

(1)

المغني (14/ 220 - 221) والفتح (5/ 283).

(2)

عيون المجالس (4/ 1576 رقم المسألة 1113).

(3)

ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 283).

(4)

كما في "الفتح"(5/ 283).

(5)

في السنن الكبرى (8/ 123).

(6)

في "التلخيص"(4/ 382).

(7)

ذكره الحافظ في التلخيص (4/ 382).

(8)

في صحيحه رقم (5083) عن ابن عباس، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"لو يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْواهُمْ، لادَّعى الناسُ دِماءَ رجالٍ وأموالَهُم، ولكن اليمينُ على المدَّعَى عليه" بسند صحيح، ولم أجده عن ابن عمر.

ص: 531

وأخرج الترمذي

(1)

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه.

وأخرجه أيضًا الدراقطني

(2)

بإسناد فيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف.

وظاهر أحاديث الباب: أنَّ اليمين على المنكر والبينة على المدعي، ومن كانت اليمين عليه فالقول قوله مع يمينه.

ولكنَّه ورد ما يدلُّ على أنه إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع.

فأخرج أبو داود

(3)

والنسائي

(4)

من حديث الأشعث: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا اختلف البيعان ليس بينهما بينة، فهو ما يقول ربّ السلعة أو يتتاركان".

وأخرجه أيضًا الترمذي

(5)

وابن ماجه

(6)

من حديث عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود.

قال الترمذي

(7)

: هذا مرسل، عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود. انتهى.

قال المنذري

(8)

: في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ولا يحتجّ به، وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه، فهو منقطع.

وقد روي هذا الحديث من طرق عن عبد الله بن مسعود كلها لا تصحّ.

(1)

في سننه رقم (1341) وقال: هذا حديث في إسناده مقال، ومحمد بن عبيد الله العرزمي يضعف في الحديث من قِبَل حفظه، ضعفه ابن المبارك وغيره.

قلت: ولكن الحديث صحيح، والله أعلم.

(2)

في سننه (4/ 218 رقم 52).

(3)

في سننه رقم (3511).

(4)

في سننه رقم (4648). وهو حديث حسن.

(5)

في سننه رقم (1270) وقال: هذا حديث مرسل عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود.

(6)

في سننه رقم (2186).

وهو حديث حسن.

(7)

في السنن بإثر الحديث (1270) المتقدم.

(8)

في المختصر (5/ 164).

ص: 532

قال البيهقي

(1)

: وأصحّ إسناد روي في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث، عن أبيه، عن جده، وقد تقدم

(2)

الكلام على هذا الحديث في كتاب البيوع في باب ما جاء في اختلاف المتبايعين بما هو أبسط من هذا.

وبين أحاديث الباب وهذه الأحاديث عمومٌ وخصوصٌ من وجه.

فظاهر أحاديث الباب أن اليمين على المدعى عليه فيكون القول قوله من غير فرق بين كونه بائعًا أم لا ما لم يكن مدعيًا، فإن كان كذلك فعليه البينة فلا يكون القول قوله.

وظاهر الأحاديث المتقدمة

(3)

في كتاب البيع أن القول قول البائع وذلك يستلزم أنه لا بينة عليه، بل عليه اليمين فقط سواء كان مدعيًا أو مدعى عليه.

وقد وقع التصريح باستحلاف البائع كما تقدم في رواية في البيع، فمادة التعارض حيث كان البائع مدَّعيًا، والواجب في مثل ذلك الرجوع إلى الترجيح، وأحاديث الباب أرجح فيكون القول ما يقوله البائع، ما لم يكن مدعيًا.

فإن قيل: الجمع ممكن بجعل الأحاديث الواردة في المتبايعين مخصصة لعموم أحاديث الباب فيبنى العام على الخاصّ ويكون القول قول البائع مطلقًا، سواء كان مدعيًا أو مدعى عليه إذا كان التنازع بينه وبين المشتري؛ وما عدا البائع؛ فإن كان مدعيًا فعليه البينة، وإن كان مدعى عليه فالقول قوله مع يمينه.

قلت: [هذا]

(4)

متوقف على أمرين:

(أحدهما): أنَّ أحاديث الباب أعمُّ مطلقًا من أحاديث اختلاف المتبايعين.

(والثاني): أن أحاديث اختلاف البيعين [صالحةٌ]

(5)

للاحتجاج بها منتهضة لتخصيص أحاديث الباب، وفي كلا الأمرين نظر.

(1)

في "معرفة السنن والآثار" رقم (11420).

(2)

في "نيل الأوطار"(10/ 250) من كتابنا هذا.

(3)

في "نيل الأوطار"(10/ 256) من كتابنا هذا.

(4)

في المخطوط (ب): (هو).

(5)

في المخطوط (ب): (صالح).

ص: 533

أما الأول فلأنَّ التخصيص إنما يكون بإخراج فرد من العام عن الأمر المحكوم به عليه، والعامُّ ههنا؛ هو المدَّعى عليه، والمحكوم به عليه هو وجوب اليمين عليه.

وحديث اختلاف البيعين له صورتان:

(إحداهما): أن يكون البائع مدَّعى عليه.

(والثانية): أن يكون مدعيًا، والأولى موافقة للعام، داخلة تحت حكمه غير مستثناة منه، والثانية مخالفة للعام، لأن العام هو باعتبار المدعى عليه، وهذا مدّعٍ لا مدعى عليه فهو مخالف له، فلا يصحُّ أن يقال بأنه مخصص له وإن كان التخصيص بالنسبة إلى عموم الأحاديث الدالة على وجوب البيّنة على المدعي.

ووجه التخصيص أن يقال: هذا مدعٍ ولم تجب عليه البيّنة، فهذا مستقيم وإن لم يَدَّعِهِ القائل بالتخصيص، ولكن حديث:"فالقول ما يقول البائع"

(1)

مع قوله في بعض ألفاظ الحديث كما تقدم في البيع: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر البائع أن يستحلف، هو أعمُّ من الأحاديث القاضية بوجوب البيّنة على المدعي من وجه، لشموله لصورةٍ أخرى، وهي حيث كان البائع مدعى عليه، فالأظهر العموم والخصوص من وجه لا مطلقًا.

وأما الثاني فقد عرفت عدم انتهاض الأحاديث المذكورة للتخصيص لما فيها من المقال.

[الباب الثالث والعشرون]: بابُ التشديدِ في اليمينِ الكاذبةِ

64/ 3935 - (عَنْ أبي أُمامَةَ الحارِثيّ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ الله لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ"، فَقالَ رَجُلٌ:

(1)

تقدم آنفًا.

ص: 534

وَإنْ كانَ شَيْئًا يَسِيرًا؟ قالَ: "وَإنْ كانَ قَضِيبًا مِنْ أرَاكٍ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَمُسْلِمٌ

(2)

وَابْنُ ماجَهْ

(3)

وَالنَّسائيُّ)

(4)

. [صحيح]

65/ 3936 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "الكَبائِرُ الإِشْرَاكُ بالله، وَعُقوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَاليَمِينُ الغَمُوسُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(5)

وَالبُخارِيُّ

(6)

وَالنَّسائيُّ)

(7)

. [صحيح]

66/ 3937 - (وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ أُنَيْسٍ الجُهَنِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِنَ الكَبائِرِ الشِّرْكَ بالله، وَعُقُوقَ الوَالِدَيْنِ، وَاليَمِينَ الغمُوسَ، وَمَا حَلَفَ حالِفٌ بالله يَمِينَ صَبْرٍ، فأدْخَلَ فِيها مِثْلَ جَناحِ بَعُوضَةٍ إلَّا جَعَلَهُ الله نُكْتَةً فِي قَلْبِهِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(8)

وَالتِّرْمِذِيُّ)

(9)

. [حسن]

حديث عبد الله بن أنيس أخرجه أيضًا الحاكم

(10)

وابن حبان

(11)

وحسّن

(1)

في المسند (5/ 260).

(2)

في صحيحه رقم (137/ 218).

(3)

في سننه رقم (2324).

(4)

في سننه رقم (5419).

قلت: وأخرجه مالك (2/ 227) والدارمي (2/ 266) والطبراني في الكبير رقم (796) و (797) والبغوي في شرح السنّة رقم (2507) والبيهقي (10/ 179).

من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن، عن مَعْبَدِ بن كعب، عن أخيه عبد الله بن كعب عن أبي أمامة الحارثي، به.

وأخرجه مسلم رقم (137/ 219) والدارمي (2/ 266) والدولابي في "الكنى والأسماء"(1/ 12) والطحاوي في مشكل الآثار (1/ 186) والطبراني في الكبير رقم (799) من طريقين عن محمد بن كعب، عن عبد الله بن كعب، به.

(5)

في المسند (2/ 201).

(6)

في صحيحه رقم (6675).

(7)

في سننه رقم (4011). وهو حديث صحيح.

(8)

في المسند (3/ 495).

(9)

في سننه رقم (3020) وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو حديث حسن.

(10)

في المستدرك (4/ 296) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

(11)

في صحيحه رقم (5563).

قلت: وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار"(1/ 382) وأبو نعيم في الحلية (7/ 327) من طرق.

ص: 535

الحافظ في الفتح

(1)

إسناده، وقال: له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، أخرجه ابن أبي حاتم

(2)

بإسناد حسن.

قوله: (وإن كان قضيبًا من أراك) هذا مبالغة في القلة، وأنَّ استحقاق النار يكون بمجرّد اليمين في اقتطاع الحقّ وإن كان شيئًا يسيرًا لا قيمة له.

قوله: (الكبائر

إلخ) قد اختلف السلف في انقسام الذنوب إلى صغيرة وكبيرة، فذهب إلى ذلك الجمهور

(3)

ومنعه جماعة منهم الإسفراييني

(4)

، ونقله عن ابن عباس وحكاه القاضي عياض

(5)

عن المحققين، ونسبه ابن بطال

(6)

إلى الأشعرية، وقد تقدم قريبًا وجه القولين وبيان الراجح منهما.

قال الطيبي

(7)

: الكبيرة والصغيرة أمران نسبيان، فلا بدّ من أمر يضافان إليه، وهو أحد ثلاثة أشياء: الطاعة، والمعصية، والثواب.

فأمّا الطاعة فكل ما تكفره الصلاة مثلًا، فهو من الصغائر.

وأما المعصية فكل معصية يستحقّ فاعلها بسببها وعيدًا أو عقابًا أزيد من الوعيد أو العقاب المستحقّ بسبب معصية أخرى فهي كبيرة.

وأما الثواب ففاعل المعصية إن كان من المقرّبين فالصغيرة بالنسبة إليه كبيرة، فقد وقعت المعاتبة في حقّ بعض الأنبياء على أمور لم تعدّ من غيرهم معصية. انتهى.

قال الحافظ

(8)

: وكلامه فيما يتعلق بالوعيد والعقاب تخصيص عموم من أطلق أن علامة الكبيرة ورود الوعيد أو العقاب في حقّ فاعلها، لكن يلزم منه أن مطلق قتل النفس مثلًا ليس كبيرة وإن ورد الوعيد فيه والعقاب، لكن ورود الوعيد والعقاب في حقّ قاتل ولده أشدّ.

(1)

في "الفتح"(10/ 411).

(2)

في تفسيره (3/ 930 رقم 5197).

(3)

الفتح (10/ 409).

(4)

كما في "الفتح"(10/ 409).

(5)

في إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 355).

(6)

في شرحه لصحيح البخاري (1/ 198).

(7)

في شرحه على المشكاة (1/ 195 - 196).

(8)

في "الفتح"(10/ 410).

ص: 536

فالصواب ما قاله الجمهور، وأنَّ المثال المذكور وما أشبهه ينقسم إلى كبير وأكبر.

قال النووي

(1)

: واختلفوا في ضبط الكبيرة اختلافًا كثيرًا منتشرًا؛ فروي عن ابن عباس

(2)

أنها كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب.

قال: وجاء نحو هذا عن الحسن البصري (2).

وقال آخرون

(3)

: هي ما أوعد الله عليه بنار في الآخرة أو أوجب فيه جزاء في الدنيا. قلت: وممن نصّ على هذا الأخير الإمام أحمد فيما نقله القاضي أبو يعلى.

ومن الشافعية الماوردي

(4)

ولفظه: الكبيرة ما أوجبت فيها الحدود أو توجه إليه الوعيد، والمنقول عن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم

(5)

بسند لا بأس به إلا أن فيه انقطاعًا.

وأخرج

(6)

من وجه آخر متصل لا بأس برجاله أيضًا عن ابن عباس قال: ما توعد الله عليه بالنار كبيرة.

وقد ضبط كثير من الشافعية الكبائر بضوابط أخر: منها قول إمام الحرمين

(7)

: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة.

وقال الحليمي

(8)

: كل محرّم لعينه منهيّ عنه لمعنى في نفسه.

وقال الرافعي

(9)

: هي ما أوجب الحدّ، وقيل: ما يلحق الوعيد بصاحبه بنصّ كتاب أو سنّة، هذا أكثر ما يوجد للأصحاب وهم إلى ترجيح الأول أميل، لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر. انتهى.

(1)

في شرحه لصحيح مسلم (2/ 85).

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 934 رقم 5215).

(3)

ذكره القرطبي في "المفهم"(1/ 283) وردّ عليه (1/ 284).

(4)

في الحاوي (17/ 149).

(5)

في تفسيره (3/ 934 رقم 5216).

(6)

ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 934 رقم 5215) وقد تقدم.

(7)

في كتابه: "الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد" ص 329.

(8)

كما في "الفتح"(10/ 410).

(9)

في الشرح الكبير (13/ 6).

ص: 537

وقد استشكل بأن كثيرًا مما وردت النصوص بكونه كبيرة لا حدّ فيه كالعقوق.

وأجيب بأن مراد قائله ضبط ما لم يرد فيه نصّ بكونه كبيرة.

وقال ابن عبد السلام في القواعد

(1)

: لم أقف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة لا يسلم من الاعتراض.

والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بدينه إشعارًا دون الكبائر المنصوص عليها، قال الحافظ

(2)

: وهو ضابط جيد.

وقال القرطبي في المفهم

(3)

: الراجح أنَّ كل ذنبٍ نصَّ على كبره، أو عظمه، أو تُوعِّد عليه بالعقاب، أو عُلِّق عليه حدّ، أو اشتدّ النكير عليه فهو كبيرة، وكلام ابن الصلاح يوافق ما نقل أوّلًا عن ابن عباس، وزاد إيجاب الحدّ وعلى هذا يكثر عدد الكبائر.

وهذا الكلام في غير ما قد ورد النصّ الصريح فيه أنه كبيرة من الكبائر أو أكبر الكبائر.

وقال الواحدي

(4)

: ما لم ينصّ الشارع على كونه كبيرة، فالحكمة في إخفائه أن يمتنع العبد من الوقوع فيه خشية أن يكون كبيرة كإخفاء ليلة القدر وساعة الجمعة والاسم الأعظم.

قوله: (يمين صبر) أي ألزم بها وحبس [عليها]

(5)

وكانت لازمةً لصاحبها من جهة الحكم، وإنما أطلق الصبر عليها وإن كان صاحبها هو المصبور، لأنه إنما صبر من أجلها: أي حبس فوصفت بالصبر وأضيفت إليه مجازًا. كذا في النهاية

(6)

، والنكتة: الأثر.

(1)

في "القواعد الكبرى" الموسوم بـ "قواعد الأحكام بإصلاح الأنام" له (1/ 34).

(2)

في "الفتح"(10/ 411).

(3)

في "المفهم"(1/ 284).

(4)

حكاه الحافظ في "الفتح"(10/ 411).

(5)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

(6)

النهاية (2/ 10) وانظر: الفائق (2/ 277).

ص: 538

[الباب الرابع والعشرون]: بابُ الاكتفاءِ في اليمينِ بالحلفِ بالله وجوازِ تغليظِها باللَّفظِ والمكانِ والزمانِ

67/ 3938 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ حَلَفَ بالله فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لهُ بالله فَلْيَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ الله"، رَوَاهُ ابْنُ ماجَهْ)

(1)

. [صحيح]

68/ 3939 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِرَجُلٍ حَلَّفَهُ: "احْلِفْ بالله الَّذِي لا إلهَ إلَّا هُوَ ما لَهُ عِنْدِي شَيءٌ" يَعْنِي للمُدَّعِي. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ)

(2)

. [إسناده ضعيف]

69/ 3940 - (وَعَنْ عِكْرِمَةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لَهُ -يَعْنِي ابْنَ صُورِيا-: (أُذَكِّرْكُمْ بالله الَّذِي نَجَّاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وأقْطَعَكُم البَحْرَ، وَظَلَّلَ عَلَيْكُمُ الغَمامَ، وأنْزَلَ عَلَيْكُمُ المَنَّ وَالسَّلْوَى، وأنْزَلَ التَّوْرَاةَ على مُوسَى أَتَجِدُونَ فِي كِتابِكُمُ الرَّجْمَ؟ "، قالَ: ذَكَّرْتَنِي بِعَظِيمٍ وَلا يَسَعُنِي أنْ أَكْذِبَكَ

وَساقَ الحَدِيثَ. رَوَاهُ أبُو دَاوُد)

(3)

. [مرسل صحيح]

70/ 3941 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَحْلِفُ عِنْدَ هَذَا المِنْبَرِ عَبْدٌ وَلا أمَةٌ على يَمِينٍ آثمَةٍ وَلَوْ عَلى سِوَاكٍ رَطْبٍ، إلَّا أوْجَبَ الله لَهُ النَّارَ")

(4)

[صحيح].

(1)

في سننه رقم (2101).

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 143): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات". وهو حديث صحيح.

(2)

في سننه رقم (3620). إسناده ضعيف.

(3)

في سننه رقم (3626). وهو مرسل صحيح.

(4)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 518) وابن ماجه رقم (2326). =

ص: 539

71/ 3942 - (وَعَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَحْلِفُ أحَدٌ على مِنْبَرِي كاذِبًا إلَّا تَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"، رَواهُمَا أحْمَدُ

(1)

وَابْنُ ماجَهُ)

(2)

. [صحيح لغيره]

72/ 3943 - (وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ثَلَاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ الله ولَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ القيِامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ على فَضْلِ ماءٍ بالفَلاةِ يَمْنَعُهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ. وَرَجُلٌ بَايَعَ الإِمامَ لا يُبايِعُهُ إلَّا للدُّنيا، فإنْ أعْطاهُ مِنْها وَفِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ؛ وَرَجُلٌ باعَ سِلْعَةً بَعْدَ العَصْرِ فَحَلَفَ بالله لأَخَذَها بِكَذَا وكَذَا، فَصَدَّقَهُ وَهُوَ على غَيْرِ ذَلكِ"، رَوَاهُ الجَماعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ

(3)

. [صحيح]

= قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 215): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه".

قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 297) وقال: "صحيح على شرط الشيخين فإن الحسن بن يزيد هذا هو أبو يونس القوي العابد". ووافقه الذهبي، فقال: صحيح.

"قلت -أي المحدث الألباني في الإرواء (8/ 314) -: وهذا هو الصواب أنه صحيح فقط، فإن أبا يونس هذا لم يخرج له من الستة سوى ابن ماجه، فليس على شرط الشيخين! ". اهـ.

وخلاصة القول: أن حديث أبي هريرة حديث صحيح.

(1)

في المسند (3/ 344).

(2)

في السنن رقم (2325).

قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3246) وابن حبان (رقم 1192 - موارد) والحاكم (4/ 296 - 297) والبيهقي (10/ 176) ومالك (2/ 727 رقم 10) قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

"قلت -القائل المحدث الألباني في الإرواء (8/ 313) -: وفيه نظر، فإن عبد الله بن نسطاس. قال الذهبي في الميزان: "لا يعرف، تفرّد عنه هاشم بن هاشم". اهـ.

وللحديث طريق أخرى عند أحمد في المسند (3/ 375) من طريق محمد بن عكرمة بن علية: حدثني رجل من جهينة -ونحن مع أبي سلمة بن عبد الرحمن بن جابر- عن أبيه جابر بن عبد الله به نحوه.

وهذا إسناد مجهول.

وخلاصة القول: أن حديث جابر حديث صحيح بالشاهد المتقدم عن أبي هريرة.

(3)

أحمد في المسند (2/ 253) والبخاري رقم (2672) ومسلم رقم (183/ 108) وأبو داود رقم (3474) والنسائي رقم (4462) وابن ماجه رقم (2870). وهو حديث صحيح.

ص: 540

وفِي رِوَايَةٍ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أُعْطِيَ بها أكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَ وَهُوَ كاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ كاذِبَةٍ بَعْدَ العَصْرِ لِيْقتطِعَ بِهَا مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ منَعَ فَضْلَ ماءٍ فَيَقُولُ الله لَهُ: اليَوْمَ أَمْنَعَكَ فَضْلِي كما مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

، وَالبُخَارِيُّ)

(2)

. [صحيح]

حديث ابن عمر قال ابن ماجه في سننه

(3)

: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة، حدثنا أسباطُ بن محمد عن محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر

فذكره.

ومحمد بن إسماعيل المذكور ثقة وبقية إسناده رجال الصحيح.

وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا النسائي

(4)

، وفي إسناده عطاء بن السائب

(5)

وفيه مقال.

وقد أخرج له البخاري مقرونًا بآخر.

وحديث عكرمة هو مرسل، وقد سكت عنه أبو داود

(6)

والمنذري

(7)

ورجال إسناده رجال الصحيح.

ويؤيده ما أخرجه أبو داود

(8)

من حديث أبي هريرة قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم، يعني لليهود:"أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى؟ ".

وفي إسناده مجهول، لأن الزهري قال: أخبرنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.

(1)

في المسند (2/ 480).

(2)

في صحيحه رقم (2369). وهو حديث صحيح.

(3)

في سننه رقم (2101) وقد تقدم.

(4)

في "السنن الكبرى" رقم (6007 - العلمية).

(5)

انظر ترجمته في: التاريخ الكبير (3/ 2/ 465) والثقات (7/ 251) والميزان (3/ 70).

(6)

في السنن (4/ 44).

(7)

في المختصر (5/ 236).

(8)

في السنن رقم (3624). وهو حديث ضعيف.

ص: 541

وحديث أبي هريرة الأول المذكور في الباب أخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك

(1)

ورجال إسناده في سنن ابن ماجه كلهم ثقات

(2)

.

وحديث جابر أخرجه أيضًا مالك

(3)

، وأبو داود

(4)

، والنسائي

(5)

، وصححه ابن خزيمة، وابن جبان

(6)

والحاكم

(7)

وغيرهم كذا في الفتح

(8)

.

ورجال إسناده عند ابن ماجه

(9)

كلهم ثقات.

وفي الباب عن أبي أمامة بن ثعلبة عند النسائي

(10)

بإسناد رجاله ثقات رفعه: "من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحلّ بها مال امرئ مسلم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا".

قوله: (من حلف بالله) فيه دليل على أنه يكفي مجرَّد الحلف بالله تعالى من دون أن يضمَّ إليه وصف من أوصافه، ومن دون تغليظ بزمانٍ أو مكانٍ.

قوله: (قال له -يعني ابن صوريا-) بضم الصاد المهملة وسكون الواو وكسر الراء المهملة ممدودًا.

أصله القصة "أنَّ جماعة من اليهود أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فقال: "ائتوني بأعلم رجل منكم" فأتوه بابن صوريا".

قوله: (وأنزل عليكم المنّ والسلوى) أكثر المفسرين

(11)

على أن المنّ هو

(1)

في المستدرك (4/ 297) وقد تقدم التعليق عليه عند تخريج الحديث رقم (70/ 3941) من كتابنا هذا.

(2)

كما في "مصباح الزجاجة"(2/ 215) وقد تقدم.

(3)

في الموطأ (2/ 727 رقم 10) وقد تقدم.

(4)

في سننه رقم (3246) وقد تقدم.

(5)

في السنن الكبرى (4353 - العلمية).

(6)

في صحيحه رقم (1192 - موارد) وقد تقدم.

(7)

في المستدرك (4/ 296 - 297) وقد تقدم.

(8)

(5/ 285).

(9)

في السنن رقم (2325).

(10)

في السنن الكبرى رقم (6019 - العلمية) بسند رجاله ثقات.

(11)

انظر: تفسير ابن كثير (1/ 407 - 409) حيث قال: "والفرض أنّ عبارات المفسرين متقاربة في شرح المنّ، فمنهم من فسّره بالطعام، ومنهم من فسّره بالشراب. والظاهر =

ص: 542

الترنجبين

(1)

وهو شيء أبيض كالثلج، والسلوى: طير يقال له: السماني.

فيه دليل على جواز تغليظ اليمين على أهل الذمة، فيقال لليهودي بمثل ما قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن أراد الاختصار قال: قل: والله الذي أنزل التوراة على موسى. وإن كان نصرانيًا قال له: قل: والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى.

قوله: (ذكِّرتني) بتشديد الكاف المفتوحة.

قوله: (أن أكذبك) بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة، يعني فيما ذكرته لي.

قوله: (عبد ولا أمة) أي: ذكر ولا أنثى.

قوله: (ولا على سواك رطب) إنما خصّ الرطب، لأنه كثير الوجود لا يباع بالثمن، وهو لا يكون كذلك إلا في مواطن نباته بخلاف اليابس، فإنه قد يحمل من بلد إلى بلد فيباع.

قوله: (ثلاثة لا يكلمهم

(2)

الله

إلخ) فيه دليل: على أنَّ حالهم يوم القيامة

= -والله أعلم- أنه كل ما امتن الله به عليهم من طعام وشراب وغير ذلك، مما ليس لهم فيه عمل ولا كدّ، فالمن المشهور إن أُكِل وحده كان طعامًا وحلاوة، وإن مزج مع الماء صار شرابًا طيبًا، وإن ركب مع غيره صار نوعًا آخر، ولكن ليس هو المراد من الآية وحده". اهـ.

وانظر: "جامع البيان"(1/ 700 - 710) ففيه جميع الأقوال.

(1)

طل يقع من السماء، ندى شبيه بالعسل، جامد متحبب، وتأويله عسل الندى. الجامع لمفردات الأدوية والأغذية (1/ 137).

(2)

كلام الله حقيقة بلا تأويل ولا تشبيه.

يعتقد أهل السنّة والجماعة أن الله عز وجل يتكلم ويقول ويتحدث وينادي، وأنَّ كلامه بصوت وحروف، وأن القرآن كلامه منزل غير مخلوق، وكلام الله صفة ذاتية اختيارية.

• دليله من القرآن.

- قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].

- وقال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6].

- وقال تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30].

• ودليله من السنّة: =

ص: 543

حال المغضوب عليهم، لأن هذه الأمور لا تكون إلا عند الغضب، فهي كناية عن حلول العذاب بهم.

قوله: (رجل على فضل ماء بالفلاة) قد تقدم الكلام على منع فضل الماء وحكم مانعه.

قوله: (بعد العصر) خصه لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار.

قوله: (لقد أعطي بها

إلخ) قال في الفتح

(1)

: وقع مضبوطًا بضم الهمزة وفتح الطاء على البناء للمجهول وفي بعضها بفتح الهمزة والطاء على البناء للفاعل والضمير للحالف وهي أرجح، ومعنى (لأخذها بكذا)؛ أي: لقد أخذها.

وقد استدلَّ بأحاديث الباب على جواز التغليظ على الحالف بمكان معين كالحرم والمسجد ومنبره صلى الله عليه وسلم، وبالزمان كبعد العصر ويوم الجمعة، ونحو ذلك.

وقد ذهب إلى هذا الجمهور كما حكاه صاحب الفتح

(2)

.

وذهبت الحنفية

(3)

إلى عدم جواز التغليظ بذلك.

وعليه دلت ترجمة البخاري، فإنَّه قال في الصحيح

(4)

: "باب [يحلف]

(5)

المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين".

وذهبت العترة

(6)

إلى مثل ما ذهبت إليه الحنفية كما حكى ذلك عنهم صاحب البحر (6).

وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك موضع اجتهاد للحاكم، وقد ورد عن

= - أخرج البخاري في صحيحه رقم (7518) ومسلم في صحيحه رقم (2829) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟

".

انظر: الحجة للأصبهاني (1/ 331 - 332) والسنّة لابن أبي عاصم (1/ 225).

(1)

في الفتح (13/ 202).

(2)

ابن حجر في الفتح (5/ 284).

(3)

البناية في شرح الهداية (8/ 426 - 427).

(4)

في صحيحه (5/ 284 رقم الباب (23) - مع الفتح).

(5)

في المخطوط (ب): (تحليف).

(6)

البحر الزخار (4/ 409).

ص: 544

جماعة من الصحابة طلب التغليظ على خصومهم في الأيمان بالحلف بين الركن والمقام وعلى منبره صلى الله عليه وسلم.

وورد عن بعضهم الامتناع من الإجابة إلى ذلك. وروي عن بعض الصحابة التحليف على المصحف

(1)

.

(1)

• أخرج البيهقي في السنن الكبرى (10/ 178): أن ابن الزبير أمر بأن يحلف على المصحف.

قال الشافعي رحمه الله: (ورأيت مطرفًا بصنعاء يحلف على المصحف).

قال الشافعي رحمه الله: (وقد كان في حكام الآفاق من يستحلف على المصحف، وذلك عندي حسن.

• قال ابن أبي الدم في "كتاب أدب القضاء" ص 188: "ومما تغلظ به اليمين التحليف بالمصحف.

قال الشافعي رضي الله عنه كان ابن الزبير يستحلف به. ورأيت مطرفًا قاضي صنعاء يستحلف به، وهو حسن.

وقال الماوردي: هو جائز، وليس بمستحب، قال أصحابنا: ومعناه أنه يوضع المصحف في حجره ليكون أزجر له.

قال الشيخ أبو علي: فلو أراد القاضي تحليفه بالمصحف وأن يضعه في حجره فامتنع هل يصير ناكلًا؟ فيه وجهان.

ثم قال: لا يحلفه بالمصحف، فيقول: وحق المصحف، لأنه تحليف بغير الله، وإنما يحلفه بمن أنزل القرآن، هكذا قال الشيخ أبو علي.

قال: وقال الشيخ أبو زيد: ولو حلفه بما في هذا المصحف، لا يكون يمينًا، لأن في المصحف سوادًا وبياضًا، ولو حلفه بما في المصحف في القرآن، أو بما هو مكتوب في المصحف، أو حلفه بالقرآن، فهو يمين.

وهل يحلّفه بالله الذي أنزل القرآن على محمد؟ فيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو علي في شرحه الكبير، والشيخ أبو عاصم في فتاويه، ولم يختارا شيئًا". اهـ.

• القول بمشروعية التحليف على المصحف هو مقتضى صنيع كعب بن سور الأزدي قاضي البصرة في عهد عمر حيث كان كعب يحلف أهل الذمة بحضرة كتبهم التي يعظمونها.

وأثر كعب بن سور أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (10235).

• وقال أبو بكر ابن المنذر في كتابه "الإقناع"(2/ 517): "وليس للحاكم أن يستحلف المدعى عليه بالطلاق والعتاق، والحج والسبيل، وما أشبه ذلك، ولا يستحلف على المصحف

". اهـ.

• وقال ابن العربي في "أحكام القرآن"(2/ 726): "وزعم الشافعي أنه رأى ابن مازن =

ص: 545

والحاصل: أنه لم يكن في أحاديث الباب ما يدلّ على مطلوب القائل بجواز التغليظ، لأن الأحاديث الواردة في تعظيم ذنب الحالف على منبره صلى الله عليه وسلم.

وكذلك الأحاديث الواردة في تعظيم ذنب الحالف بعد العصر لا تدلّ على أنها تجب إجابة الطالب للحلف في ذلك المكان أو ذلك الزمان.

وقد علمنا صلى الله عليه وسلم كيف اليمين فقال للرجل الذي حلفه: "احلف بالله الذي لا إله إلا هو" كما في حديث ابن عباس

(1)

.

وقال في حديث ابن عمر

(2)

المذكور في الباب: "ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله".

وهذا أمر منه صلى الله عليه وسلم بالرضا لمن حلف له بالله، ووعيد لمن لم يرض بأنه ليس من الله، ففيه أعظم دلالة على عدم وجوب الإجابة إلى التغليظ بما ذكر وعدم جواز طلب ذلك ممن لا يساعد عليه.

وقد كان الغالب من تحليفه صلى الله عليه وسلم لغيره وحلفه هو الاقتصار على اسم الله مجرّدًا عن الوصف كما في قوله: "والله لا أحلف على شيء فأرى غيره خيرًا منه

= قاضي صنعاء يحلف بالمصحف، ويؤثر أصحابه ذلك عن ابن عباس، ولم يصح". اهـ.

• إذا قال الحالف: أنا بريء من المصحف، اعتبره فريق من أهل العلم يمينًا موجبًا للكفارة في الحنث فيه. وروي عن الإمام أحمد أن ذلك لا يعتبر يمينًا، وحكي عنه رواية ثالثة بالتوقف [الإنصاف للمرداوي (11/ 33)].

• وفرّق بعض فقهاء الحنفية بين قول الحالف: أنا بريء من المصحف، وبين: أنا بريء مما في المصحف، فاعتبروا الثانية يمينًا دون الأولى.

[البناية في شرح الهداية (6/ 17 - 18)].

• قال القاضي عبد الوهاب في "الإشراف على مسائل الخلاف"(2/ 230): "إذا حلف بالمصحف فحنث فعليه الكفارة خلافًا لأصحاب أبي حنيفة والشافعي، أما أصحاب أبي حنيفة فبنوه على أصلهم في القول بخلق القرآن من قال ذلك منهم. وأما أصحاب الشافعي فقالوا: إن المصحف هو الورق والحبر والجلد وكل ذلك مخلوق، فدليلنا أن المفهوم من إطلاق ذلك الحلف بالقرآن المكتوب في المصحف، والقرآن غير مخلوق فوجب أن يكون يمينًا". اهـ.

وانظر: "البيان والتحصيل" لابن رشد (3/ 175).

(1)

تقدم برقم (3939) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3938) من كتابنا هذا.

ص: 546

إلا أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني"

(1)

.

وكما في تحليفه صلى الله عليه وسلم لركانة، فإنه اقتصر على اسم الله.

وتارة كان يحلف صلى الله عليه وسلم فيقول: "لا، والذي نفسي بيده، لا، ومقلب القلوب"

(2)

، وقال تعالى:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ}

(3)

.

ومن جملة ما استدلّ به البخاري على عدم وجوب التغليظ حديث: "شاهداك أو يمينه"

(4)

، ووجه ذلك أن الذي أوجبه النبيّ صلى الله عليه وسلم هو مطلق اليمين.

وهي تصدق على من حلف في أيّ زمان وأيّ مكان، فمن بذل لخصمه أن يحلف له حيثُ هو ولم يجبه إلى مكان مخصوص ولا إلى زمان مخصوص، فقد بذل ما أوجبه عليه الشارع ولا يلزمه الزيادة على ذلك، لأن الذي تعبد به هو اليمين على أيّ صفة كانت ولم يتعبد بأشدّ الأيمان جرمًا وأعظمها ذنبًا على أنه قد ورد في اليمين التي يقتطع بها حقّ امرئ مسلم من الوعيد ما ليس عليه من مزيد، كما في الباب الذي قبل هذا أنها من الكبائر ومن موجبات النار.

وليس في الحلف على منبره صلى الله عليه وسلم وبعد العصر زيادة على هذا، فالحقّ عدم وجوب إجابة الحالف لمن أراد تحليفه في زمان مخصوص أو مكان مخصوص أو بألفاظ مخصوصة.

وقد روى ابن رسلان أنهم لم يختلفوا في جواز التغليظ على الذمي، فإن صحّ الإجماع فذاك عند من يقول بحجيته، وإن لم يصحّ فغاية ما يجوز التغليظ به هو ما ورد في حديث الباب وما يشابهه من التغليظ باللفظ، وأما التغليظ بزمان معين أو مكان معين على أهل الذمة مثل أن يطلب منه أن يحلف في الكنائس أو نحوها فلا دليل على ذلك.

(1)

أخرجه البخاري رقم (3133) ومسلم رقم (7/ 1649) من حديث أبي موسى الأشعري.

وأخرجه مسلم رقم (11/ 1650) من حديث أبي هريرة.

وانظر الحديث رقم (3836) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3816) من كتابنا هذا.

(3)

سورة المائدة، الآية:(106).

(4)

أخرجه البخاري رقم (2357) ومسلم رقم (221/ 138).

ص: 547

[الباب الخامس والعشرون]: بابُ ذَمِّ مَنْ حَلَفَ قَبلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ

73/ 3944 - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يا أيُّها النَّاسُ إني قُمْتُ فِيكُمْ كِقِيامِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِينا، قالَ:"أُوصِيكُمْ بِأصحَابي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حتَّى يَحْلفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشهَدُ، أَلَا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرأةٍ إلَّا كانَ ثَالِثَهُما الشَّيْطانُ، عَلَيْكُمْ بالجَماعَةِ، وَإيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فإنَّ الشَّيْطانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أبْعَدُ، منْ أرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الجَماعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ المُؤْمِنُ"، رَوَاهُ أحْمَدُ

(1)

وَالتِّرْمَذِيُّ)

(2)

. [صحيح]

قال الترمذي

(3)

بعد إخراج هذا الحديث: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. انتهى. وأخرجه أيضًا ابن حبان وصححه

(4)

.

قوله: (أوصيكم بأصحابي) قد وقع الاختلاف فيمن يستحقّ إطلاق اسم الصحابي، وهو مبسوط في مواطنه من علم الاصطلاح

(5)

.

قوله: (الجابية) بالجيم. قال في القاموس

(6)

: هو حوض ضخم، والجماعة، وقرية بدمشق. وباب الجابية من أبوابها [انتهى]

(7)

. والمراد هنا القرية.

(1)

في المسند (1/ 18، 26).

(2)

في سننه رقم (2165) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

قلت: وأخرجه ابن حبان رقم (7254) والحاكم (1/ 113) والبيهقي (7/ 91).

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.

(3)

في السنن (4/ 466).

(4)

في صحيحه رقم (7254) وقد تقدم.

(5)

"التقييد والإيضاح" ص 291 وتدريب الراوي (2/ 664) و"معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد" ص 205 للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي.

(6)

القاموس المحيط ص 1638.

(7)

ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (ب).

ص: 548

قوله: (ثم يفشو الكذب) رتب صلى الله عليه وسلم فشوّ الكذب على انقراض الثالث. فالقرن الذي بعده ثم من بعده إلى القيامة قد فشا فيهم الكذب بهذا النصّ.

فعلى المتيقظ من حاكم أو عالم أن يبالغ في تعرُّف أحوال الشهادة والمخبرين، وأن لا يجعل الأصل في ذلك الصدق، لأن كل شهادة وكل خبر قد دخله الاحتمال ومع دخول الاحتمال يمتنع القبول إلا بعد معرفة صدق المخبر والشاهد بأيّ دليل.

وأقلُّ الأحوال: أنه ليس ممن يتجارأ على الكذب، ويجازف في أقواله.

ومن هذه الحيثية لم يقبل المجهول عند علماء المنقول، لأن العدالة ملكة، والملكات مسبوقة بالعدم فمن لا تعرف عدالته لا تقبل روايته، لأن الفسق مانع فلا بد من تحقق عدمه.

وكذلك الكذب مانع فلا بد من تحقق عدمه كما تقرّر في الأصول.

وفي الحديث التوصية بخير القرون وهم الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.

وقد وعدنا أن نذكر ههنا طرفًا من الكلام على ما ورد في معارضة الأحاديث القاضية بأفضلية الصحابة فنقول: قد تقدَّمَ في باب: من أعلمَ صاحبَ الحقِّ بشهادة له عنده وذمّ من أدّى شهادة من غير مسألَة حديث عمران بن حصين

(1)

. وحديث أبي هريرة

(2)

: "أن خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم".

وفي ذلك دليل على أنهم الخيار من هذه الأمة وأنه لا أكثر خيرًا منهم.

وقد ذهب الجمهور إلى أن ذلك باعتبار كل فرد فرد.

وقال ابن عبد

(3)

البّر: إن التفضيل إنما هو بالنسبة إلى مجموع الصحابة فإنهم أفضل ممن بعدهم لا كل فرد منهم.

وقد أخرج الترمذي

(4)

بإسناد قويّ من حديث أنس مرفوعًا: "مثل أمتي مثل

(1)

تقدم برقم (3924) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (3925) من كتابنا هذا.

(3)

انظر: "التمهيد"(2/ 158 - الفاروق).

(4)

في سننه رقم (2869) وقال: هذا حديث حسن غريب.

ص: 549

المطر لا يُدرى خير أوله أم آخره"، وأخرجه أبو يعلى في مسنده

(1)

بإسناد ضعيف وصححه ابن حبان

(2)

من حديث عمار.

وأخرج ابن أبي شيبة

(3)

من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير بإسناد حسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليدركنّ المسيح أقوامًا إنهم لمثلكم أو خير ثلاثًا، ولن يخزي الله أمة أنا أوّلها والمسيح آخرها" ولكنه مرسل، لأن عبد الرحمن تابعي.

وأخرج الطيالسي

(4)

بإسناد ضعيف عن عمر رفعه: "أفضل الخلق إيمانًا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولا يروني".

وأخرج أحمد

(5)

والدارمي

(6)

والطبراني

(7)

بإسناد حسن من حديث أبي جمعة قال: قال أبو عبيدة: "يا رسول الله أحد خير منا، أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: "قوم يكونون من بعدك يؤمنون بي ولم يروني""، وقد صححه الحاكم

(8)

.

وأخرج مسلم

(9)

من حديث أبي هريرة رفعه: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء".

(1)

في المسند رقم (3717) من حديث أنس.

وهو حديث حسن بشواهده.

(2)

في صحيحه رقم (7226) من حديث عمار. هو حديث حسن بشواهده.

(3)

في المصنف (5/ 299).

(4)

لم أقف عليه في مسند الطيالسي، بل عزاه إليه الحافظ في "الفتح"(7/ 6) وضعف إسناده.

(5)

في المسند (4/ 106).

(6)

في المسند (2/ 308).

(7)

في المعجم الكبير (ج 4 رقم 3537).

قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 85) وأبو يعلى رقم (1559) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (2135) من طرق.

قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.

(8)

في المستدرك (4/ 85) وقد تقدم.

(9)

في صحيحه رقم (232/ 145) من حديث أبي هريرة.

ص: 550

وأخرج أبو داود

(1)

والترمذي

(2)

من حديث ثعلبة رفعه: "تأتي أيام للعامل فيهنّ أجر خمسين"، قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: "بل منكم".

وجمع الجمهور بأن الصحبة لها فضيلة ومزية لا يوازيها شيء من الأعمال، فلمن صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم فضيلة الصحبة وإن قصر في الأعمال، وفضيلة من بعد الصحابة باعتبار كثرة الأعمال المستلزمة لكثرة الأجور.

فحاصل هذا الجمع أن التنصيص على فضيلة الصحابة باعتبار فضيلة الصحبة.

وأما باعتبار أعمال الخير فهم كغيرهم قد يوجد فيمن بعدهم من هو أكثر أعمالًا منهم أو من بعضهم، فيكون أجره باعتبار ذلك أكثر فكان أفضل من هذه الحيثية، وقد يوجد فيمن بعدهم ممن هو أقلّ عملًا منهم أو من بعضهم، فيكون مفضولًا من هذه الحيثية، إلا أنه يشكل على هذا الجمع ما ثبت في الأحاديث الصحيحة في الصحابة بلفظ:"لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه"

(3)

، فإن هذا التفضيل باعتبار خصوص أجور الأعمال لا باعتبار فضيلة الصحبة.

ويشكل عليه أيضًا حديث ثعلبة

(4)

المذكور فإنه قال: "للعامل فيهنّ أجر خمسين رجلًا"، ثم بيّن أن الخمسين من الصحابة، وهذا صريح في أن التفضيل باعتبار الأعمال، فاقتضى الأول أفضلية الصحابة في الأعمال إلى حدّ يفضل نصف مدّهم مثل أُحد ذهبًا؛ واقتضى الثاني تفضيل من بعدهم إلى حدّ يكون أجر العامل أجر خمسين رجلًا من الصحابة.

(1)

في سننه رقم (4341).

(2)

في سننه رقم (3058) وقال: حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (4014). وهو حديث ضعيف.

(3)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 11، 54) والبخاري رقم (3673) ومسلم رقم (221/ 2540) و (222/ 2541) وأبو داود رقم (4658) والترمذي رقم (3861) من حديث أبي سعيد الخدري. وهو حديث صحيح.

(4)

تقدم آنفًا.

ص: 551

وفي بعض ألفاظ حديث ثعلبة: "فإن من ورائكم أيامًا الصبر فيهنّ كالقبض على الجمر، أجر العامل فيهنّ أجر خمسين رجلًا، فقال بعض الصحابة: منا يا رسول الله أو منهم؟ فقال: "بل منكم" فتقرّر بما ذكرناه عدم صحة ما جمع به الجمهور.

وقال النووي

(1)

في حديث: "أمتي كالمطر"

(2)

، أنَّهُ يشتبه على الذين يرون عيسى ويدركون زمانه، وما فيه من الخير، أيّ: الزمانين أفضل.

قال: وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني"

(3)

، ولا يخفى ما في هذا من التعسف الظاهر.

والذي أوقعه فيه عدم ذكر فاعل (يدري) فحمله على هذا وغفل عن التشبيه بالمطر المفيد لوقوع التردّد في الخيرية من كل أحد.

والذي يستفاد من مجموع الأحاديث: أن للصحابة مزية لا يشاركهم فيها من بعدهم وهي صحبته صلى الله عليه وسلم ومشاهدته والجهاد بين يديه وإنفاذ أوامره ونواهيه، ولمن بعدهم مزية لا يشاركهم الصحابة فيها وهي إيمانهم بالغيب في زمان لا يرون فيه الذات الشريفة التي جمعت من المحاسن ما يقود بزمام كل مشاهد إلى الإيمان إلا من حقت عليه الشقاوة.

وأما باعتبار الأعمال فأعمال الصحابة فاضلة مطلقًا من غير تقييد بحالة مخصوصة كما يدلّ عليه: "لو أنفق أحدكم مثل أُحد"

(4)

الحديث، إلا أن هذه المزية هي للسابقين منهم، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم خاطب بهذه المقالة جماعة من الصحابة الذين تأخر إسلامهم كما يشعر بذلك السبب، وفيه قصة مذكورة في كتب الحديث، فالذين قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم:"لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا" هم جماعة من الصحابة الذين تأخرت صحبتهم، فكان بين منزلة أول الصحابة وآخرهم أن إنفاق مثل أُحد ذهبًا من متأخريهم لا يبلغ مثل إنفاق نصف مدّ من متقدميهم.

(1)

في "فتاوى الإمام النووي"(ص 149 رقم المسألة 326).

(2)

تقدم آنفًا.

(3)

تقدم برقم (3925) من كتابنا هذا.

(4)

تقدم آنفًا.

ص: 552

وأما أعمال من بعد الصحابة فلم يرد ما يدلّ على كونها أفضل على الإطلاق، إنما ورد ذلك مقيدًا بأيام الفتنة وغربة الدين حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلًا من الصحابة فيكون هذا مخصصًا لعموم ما ورد في أعمال الصحابة؛ فأعمال الصحابة فاضلة وأعمال من بعدهم مفضولة إلا في مثل تلك الحالة، ومثل حالة من أدرك المسيح إن صحّ ذلك المرسل، وبانضمام أفضلية الأعمال إلى مزية الصحبة يكونون خير القرون ويكون قوله:"لا يدرى خير أوله أم آخره"

(1)

باعتبار أن في المتأخرين من يكون بتلك المثابة من كون أجر خمسين هذا باعتبار أجور الأعمال، وأما باعتبار غيرها فلكل طائفة مزية كما تقدم ذكره.

لكن مزية الصحابة فاضلة مطلقًا باعتبار مجموع القرن لحديث: "خير القرون قرني"

(2)

، فإذا اعتبرت كل قرن قرن ووازنت بين مجموع القرن الأوّل مثلًا، ثم الثاني ثم كذلك إلى انقراض العالم، فالصحابة خير القرون، ولا ينافي هذا تفضيل الواحد من أهل قرن أو الجماعة على الواحد أو الجماعة من أهل قرن آخر.

فإن قلت: ظاهر الحديث المتقدم أن أبا عبيدة قال: "يا رسول الله أحد خير منا، أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ فقال: "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني""

(3)

، يقتضي تفضيل مجموع قرن هؤلاء على مجموع قرن الصحابة.

قلت: ليس في هذا الحديث ما يفيد تفضيل المجموع على المجموع وإن سلم ذلك وجب المصير إلى الترجيح لتعذر الجمع، ولا شك أن حديث:"خير القرون قرني"

(2)

، أرجح من هذا الحديث بمسافات لو لم يكن إلا كونه في الصحيحين، وكونه ثابتًا من طرق، وكونه متلقى بالقبول، فظهر بهذا وجه الفرق بين المزيتين من غير نظر إلى الأعمال، كما ظهر وجه الجمع باعتبار الأعمال على ما تقدم تقريره فلم يبق ههنا إشكال، والله أعلم.

قوله: (لا يخلونّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)، سبب ذلك أن الرجل يرغب إلى المرأة لما جبل عليه من الميل إليها لما ركب فيه من شهوة النكاح،

(1)

تقدم آنفًا.

(2)

تقدم قريبًا.

(3)

تقدم قريبًا.

ص: 553

وكذلك المرأة ترغب إلى الرجل لذلك فمع ذلك يجد الشيطان السبيل إلى إثارة شهوة كل واحد منهما إلى الآخر فتقع المعصية.

قوله: (بحبوحة الجنة) قال في النهاية

(1)

: بحبوحة الدار وسطها، يقال: بحبح: إذا تمكن وتوسط المنزل والمقام، والبحبوحة بمهملتين وموحدتين، والمراد أن لزوم الجماعة سبب الكون في بحبوحة الجنة، لأن يد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذّ إلى النار" كما ثبت في الحديث

(2)

.

قوله: (من سرّته حسنته

إلخ) فيه دليل: على أن السرور لأجل الحسنة، والحزن لأجل السيئة، من خصال الإيمان، لأن من ليس من أهل الإيمان لا يبالي أحسن أم أساء، وأما من كان صحيح الإيمان خالص الدين فإنه لا يزال من سيئته في غمّ لعلمه بأنه مأخوذ بها محاسب عليها، ولا يزال من حسنته في سرور لأنه يعلم أنها مدخرة له في صحائفه فلا يزال حريصًا على ذلك حتى يوفقه الله عز وجل لحسن الخاتمة.

وإلى هنا انتهى الشرح الموسوم بـ "نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار"[بقلم مؤلفه]

(3)

الحقير أسير التقصير: "محمد بن علي بن محمد الشوكاني" غفر الله له ذنوبه، وستر عيوبه وتقبل أعماله، وأصلح أقواله وأفعاله، وختم له بخير ودفع عنه كل بؤس وضير.

وكان الفراغ في نهار الخميس في السابع والعشرين من أيام شهر الحجة الحرام سنة إحدى عشرة ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

(1)

في النهاية (1/ 105) وانظر: الفائق للزمخشري (1/ 81).

(2)

أخرجه الترمذي في سننه رقم (2167) وقال: وهذا حديث غريب.

قلت: فيه سليمان بن سفيان: ضعيف.

ولكن له شاهد عند الترمذي رقم (2166) والحاكم (1/ 116) بسند صحيح عن ابن عباس بلفظ: "لا يجمع الله أمتي على الضلالة أبدًا، ويد الله على الجماعة"، واللفظ للحاكم. وهو حديث صحيح.

وخلاصة القول: أن الحديث صحيح دون قوله: "ومن شذ شذ إلى النار".

(3)

في المخطوط (ب): (تأليف).

ص: 554

وكان التأليف [بمحروس مدينة]

(1)

صنعاء المحمية بالله.

[بحمد الله كان الفراغ من إملاء هذا الشرح على جماعة من الطلبة في ليلة سابع وعشرين شهر العقدة سنة (1214 هـ).

كتبه مؤلفه غفر الله له.

كان تمام سماع هذا السفر عن مؤلفه يوم الخميس لعله يوم خامس عشر شهر جماد سنة (1222 هـ)]

(2)

.

تم ولله الحمد والمنة الجزء الخامس عشر

وبه يتم كتاب "نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار"

والحمد لله رب العالمين

وكان الفراغ من تحقيقه ليلة الثلاثاء

16/ شوال/ 1422 هـ الموافق 1/ 1/ 2002 م

اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة، ولوجهك خالصة

ولا تجعل فيها شركًا لأحد

محققه

أبو مصعب

محمد صبحي بن حسن حلاق

غفر الله له ولوالديه ولمن علّمه من العلماء الأماجد

آمين. آمين. آمين

(1)

في المخطوط (ب): (بمدينة).

(2)

زيادة من المخطوط (أ).

ص: 555

وفي الختام إني أتمثل بقول القائل:

تم الكتاب بحمد الله بارينا

ومن بلا شك بعد الموت يحيينا

يا رب اغفر لعبد كان كاتبه

يا قارئ الخط قل بالله آمينا

آمين آمين لا أقنع بواحدة

حتى أضيف إليها ألف آمينا

وقد علمت بأن اليد بالية

تحت التراب ويبقى خطها حينا

* * *

يا قارئ الخط في العينين تنظُرهُ

لا تنس كاتبه في الخير واذكرُهُ

وهب له دعوة لله خالصة

لعلها من صروف السوء تنفعُهُ

* * *

أموتُ ويبقى كل ما قد كتبته

فيا ليت من يتلو كتابي دعا ليا

لعل إلهي يعفو عني بفضله

ويغفر تقصيري وسوء فعاليا

* * *

لقد كتبت كتابي هذا محتسبًا

للأجر والفوز من ربي بحسناه

وسائلًا دعوة ممن يطالعه

بحُسنِ خاتمة يوم ألقاهُ

* * *

إني سألتك بالله الذي خضعت

له السماوات فهو الواحد الباري

مهما تصفحته استغفر لكاتبه

لعل كاتبه ينجو من النار

محمد صبحي بن حسن حلاق

ص: 556